You are on page 1of 13

‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬

‫الفرقة الثالثة‬

‫اإلجمال و البيان‬
‫الباب األول‬
‫في المجمل واألحكام المتعلقة به‬
‫الفصل األول‪ :‬قي تعريف اجململ‬
‫لغة‪ :‬هو املبهم‪ ,‬من أمجل األمر إذا أهبم‪ .‬أما يف اإلصطالح جبدها بنقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫قسم سلم من اإلعرتتضات‬ ‫قسم وردت عليه اعرتاضات‬
‫مامل تتضح داللته‪ ,‬أي ما له داللة غري واضحة‪( .‬ابن احلاجب‪ ,‬واتج الدين السبكي)‬ ‫‪.1‬‬ ‫اللفظ الذي ال يفهم منه عند اإلطالق شيئ‬ ‫‪.1‬‬
‫قول أو فعل له داللة غري واضحة‪( .‬أليب بكر بن عبد الرمحن بن شهاب الدين)‬ ‫اللفظ الصاحل ألحد معنيني‪ ,‬الذي ال يتعيمن معناه ال بوضع اللغة وال بعرف االستعمال‪.2 .‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ما ال ينبين عن املراد بنفسه‪ ,‬وحيتاج إىل قرينة تفسره‪( .‬أبو يعلى احلنبلي)‬ ‫‪.3‬‬ ‫ما ال يعقل معناه من لفظه ويفتقر يف معرقة املراد إىل غريه‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ما اذدمحت فيه املعاين‪ ,‬فاستبه املراد استباها ال يدرك إال ببيان من جهة اجململ‪( .‬جلالل‬ ‫‪.4‬‬ ‫ما ال يفهم املراد به من لفظه‪ ,‬ويفتقر يف البيان إيل غريه‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الدين اخلبازي)‬ ‫الذي ال بعرف معناه من لفظه‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ما تردد بني حمتملني فأكثر على السواء‪( .‬ابن النجار احلنبلي)‬ ‫‪.5‬‬ ‫ماال يفهم منه عند اإلطالق معىن‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬يف أقسام اجململ‬
‫جممل بني جمازاته‪ ,‬وذالك إذا انتفت احلقيقة‪ ,‬أي‪ :‬ثبتت عدم‬ ‫جممل بني أفراد حقيقة واحدة معلومة‪ ,‬واملراد فرد معني من‬ ‫جممل بني معانيه احلقيقة اليت وضع اللفظ لكل منها‪.‬‬
‫إرادهتا‪ ,‬وتكافأت اجملازات‪ ,‬أي‪ :‬مل يرتجه بعضها على يعض‪.‬‬ ‫أفرادها‪ ,‬مع عدم وجود قرينة على تعيني هذا الفرد املعني‪.‬‬
‫ِ‬
‫َْبُ ْوا بَ َق َرةً)‪ .‬لفظ "َبر" يف قولنا‪ :‬رأيت َبرا يف الفصل‪.‬‬ ‫ص َن ِبَنْ ُف ِس ِه َّن ثَ ٰلثَةَ لفظ "بقرة" يف قوله تعاىل‪( :‬ا َّن ٰٰ‬
‫اّللَ ََي ُْم ُرُك ْم اَ ْن تَذ َ‬ ‫رتبَّ ْ‬ ‫لفظ "قرء" يف قوله تعاىل‪َ ( :‬وال ُْمطَلَّ ٰق ُ‬
‫ت يَ ََ‬
‫ْۤ‬
‫أن لفظ "حبر" له جمزات منها‪ :‬العامل والكرمي‪ .‬ألن اجملزات‬ ‫البقرة‪67 :‬‬ ‫قُ ُرْو ٍۗء)‪ .‬البقرة‪228 :‬‬
‫فإن لفظ "قرء" مرتدد بني الطهر و احليض‪ ,‬ومل تكن قرينة على فإن لفظ "بقرة" موضوع حلقيقة واحدة‪ ,‬وهلا أفراد‪ ,‬واملراد واحد متساوية ليس هناك ما يرجح أحدمها على اآلخر‪ ,‬فحكنا على‬
‫اللفظ ابإلمجال بينهما‪ ,‬وال حيمل على واحد منها‪.‬‬ ‫منها معني‪.‬‬ ‫املراد‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬يف أسباب اإلمجال‬
‫تردد اللفظ بني جمازاته املتعددة املتساوية‬ ‫الرتدد يف مرجع الصفة‬ ‫الرتدد يف مرجع الضمي‬ ‫اإلسرتاك اللفظ‬
‫عند تعذر محله على حقيقته‬
‫ِ‬ ‫لفظ "قرء" يف قوله تعاىل‪َ ( :‬وال ُْمطَلَّ ٰق ُ‬
‫ْن َعلَيْ ُك ْم قولنا‪" :‬خالد طبيب ماهر" فيحتمل عود – قولنا‪" :‬رأيت َبرا يف الفصل"‬ ‫ت قال تعاىل‪( :‬فَ ُكل ُْوا ِمَّآ اَ ْم َ‬
‫سك َ‬
‫ماهر – إىل ذات خالد‪ ,‬وحيتمل أن يعود إىل أن لفظ "حبر" له جمزات منها‪ :‬العامل والكرمي‪.‬‬ ‫ي َرتبَّصن ِبَنْ ُف ِس ِه َّن ثَ ٰلثَةَ قُر ْۤو ٍۗء)‪ .‬البقرة‪ 228 :‬واذْ ُكروا اسم ِٰٰ‬
‫اّلل َعلَيْ ِه)‪ .‬املائدة‪4 :‬‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫ُْ‬ ‫ََ َْ‬
‫فإن لفظ "قرء" مرتدد بني الطهر و احليض‪ ,‬فالضمري يف قوله "واذكروا" حيتمل عوده إىل وصفه املذكور وهو طبيب‪.‬‬
‫اإلمساك‪ ,‬يعين مسوا إذا أدركتم ذكاته‪ ,‬وحيتمل‬ ‫ومل تكن قرينة على املراد‪.‬‬
‫عوده إىل اإلرسال واألكل‪.‬‬
‫تردد الواو بني العطف واحلال‬ ‫إرادة فرد معني من أفراد احلقيقة‪ ,‬مع عدم‬ ‫الوقف واإلبتداء‬ ‫العام إذا خص مبجهول‬
‫القرينة على التعيني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف هٰ‬
‫اّللُ َعْن ُك ْم َو َعل َم اَ ان‬ ‫َْبُ ْوا بَ َق َرًة)‪ .‬قوله تعاىل‪( :‬اَلْه َن َخف َ‬ ‫كما يف قوله تعاىل‪َ (:‬وَما يَ ْعلَ ُم ََتْ ِويْلَهِ اال قوله تعاىل‪( :‬ا َّن ٰٰ‬
‫اّللَ ََي ُْم ُرُك ْم اَ ْن تَذ َ‬ ‫حنو‪" :‬اقتلوا املشركني إال بعضهم"‬
‫ۗ‬ ‫ِ‬
‫ض ْع ًفا)‪ .‬األنفال‪66 :‬‬‫فْي ُك ْم َ‬ ‫البقرة‪67 :‬‬ ‫خ ْو َن ِِف الْعِْل ِم)‪ .‬آل عمران‪7 :‬‬ ‫ِ‬
‫العام إذا خص مبجهول صار الباقي حمتمال هٰ‬
‫اّللُ َۘوالاراس ُ‬
‫خ ْو َن) مرتددة بني العطف فإن لفظ "بقرة" موضوع حلقيقة واحدة‪ ,‬وهلا ألهنا لو كانت عاطفة أوهم أن علم هللا‬ ‫ِ‬
‫(والاراس ُ‬
‫فا "الواو" يف َ‬ ‫فكان جممال‪.‬‬
‫بضعفهم حدث اآلن‪.‬‬ ‫أفراد‪ ,‬واملراد واحد منها معني‪.‬‬ ‫واإلبتداء‪ ,‬وال شك أن املعىن خيتلف‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬ورود اجململ يف القرآن والسنة‬
‫ذهب مجهور العلماء إىل القول أبن إلمجال واقع يف الكتاب والسنة‪ ,‬قال أبو بكر الصريايف رمحه هللا‪ :‬النيب ﷺ عريب خباطب كما خياطب العرب‪ ,‬والعرب جتمل كالمها‪ ,‬مثا تفسره‪ ,‬فيكون كالكلمة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫فوائد ومصاجل اخلطاب بجململ‬
‫إن يف اإلمجال توطئة للنفس على قبول ما يتعقبه من البيان‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫إذا ورد اجململ وورد بعده البيان‪ ,‬اذداد شرف العبد بكثرة خماطبة سيده له‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫امتحان العبد حىت يظهر تثبته وفحصه عن البيان فيعظم أجره‪ ,‬أو اعراضه فيظهر ختلفه وعصيانه‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫إن هللا تعاىل جعل من األحكام حليا‪ ,‬وجعل منها خفيا‪ ,‬ليتفاضل الناس يف العمل هبا‪ ,‬وبثابوا على االستنباط هلا‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ابلتساعه قابال جملاراة املصاحل الزمنية‪ ,‬وتنزيل حكمه على مقتضياهتا مبا ال خيرج عن أسس الشريعة ومقاصدها‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫الفصل اخلامس‪:‬موقيف العلماء إزاء بقاء اجململ جممال بعد وفاته ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫اتفق العلماء على أن اجململ يتوقف يف فهم املراد منه‪ ,‬إىل أن أييت البيان من الشارع؛ ألنه هو الذي أمجله وأهبمه‪ ,‬لكن هل جيوز أن يبقى اجململ على حاله بدون بيان بعد وفاته سيدان حممد ﷺ‪:‬‬
‫يفارق بني اجململ املتعلق َبكم التكليفي أم ال‪.‬‬ ‫جيوز بقاء اجململ بدون بيانه بعد وفاته ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬ ‫ال جيوز بقاء اجململ بعد وفاته ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫إن كان اجململ يتعلق به حكم تكليفي‪ ,‬استحال استمرار اإلمجال فيه؛ ألن‬ ‫أنه ال ميتنع اشتمال القرآن على جممالت اليعالم‬ ‫ْت لَ ُك ْم ِديْ نَ ُك ْم‬
‫وقد استدل بقوله تعاىل‪( :‬اَلْيَ ْوَم اَ ْك َمل ُ‬
‫ذلك جير إىل تكليف احملال‪ ,‬ملا فيه من َتخري للبيان عن وقت احلاجة وهو‬ ‫معناها إال هللا؛ ألنه ال يرتتب على جواز ذلك حمال‬ ‫ِ‬
‫يت)‪ .‬املائدة‪ .5 :‬فاآلية بدل على‬ ‫ت َعل َْي ُك ْم ن ْع َم ِ ْ‬
‫َواَ ْْتَ ْم ُ‬
‫املمتنع‪.‬‬
‫عقال‪ .‬فأصحاب هذا القول يقولون‪ :‬أبه جائز عقال‬ ‫اكمال الشرائع واألحكام‪ ,‬وهذا إشارة إىل أن كل شيء قد‬
‫وإن مل يتعلق به حكم تكليفي فال يبعد استمرار اإلمجال فيه‪ ,‬واستئثار هللا بسر‬
‫وإن كان مل يقع ألن كل شيء قد بني قبل وفاته ‪-‬‬ ‫بني للناس وفصل‪ ,‬ولو جاز اشتمال القرآن على ألفاظ‬
‫فيه‪ ,‬وليس يف العقل ما حيال ذلك‪ ,‬ومل يرد الشرع مبا يناقضه‪( .‬قول املختار)‬ ‫ﷺ‪-‬‬ ‫جمملة بعج وفاته ‪ -‬ﷺ ‪ -‬لتطرق إليه وجوه من املطاعن‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬يف مسائل اختلف يف كوهنا جمملة‪ ,‬أو ليست مبجملة‬
‫املسألة الثانية‪ :‬الكالم الذي يتوقف صدقه على اإلضمار‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬إضافة األحكام الشرعية إىل األعيان‪ ,‬هل يوجب إمجاال أم ال؟‬
‫مثال ذلك ‪ :‬قوله تعاىل‪ُ ( :‬ح ِٰرَم ْ‬
‫ت َعل َْي ُك ْم اَُّم ٰهتُ ُك ْم) أن حقيقة التحرمي يف هذه اآلية ‪ ،‬وهو حترمي مثاله ‪ :‬قوله ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬رفع عن أميت اخلطأ والنسيان "‪ ،‬فالناظر يف هذا احلديث ‪ ،‬جيد أن‬
‫ذات األم ‪ ،‬غري مرادة هنا ‪ ،‬ألن التحرمي نوع من أنواع احلكم الشرعي التكليفي ‪ ،‬وهو ال يتعلق ظاهره يفيد رفع ذات اخلطأ والنسيان ‪ ،‬وهذا الظاهر غري مراد مطلقا؛ ألن نفس اخلطأ ‪ ،‬ونفس‬
‫إال ابألفعال ‪ .‬فالفعل الذي حيكم عليه ابحلل أو احلرمة ‪ -‬مثال ‪ -‬خبالف الذات ‪ ،‬فال حيكم النسيان واقعان يف األمة‪ ،‬ومعلوم أن ما وقع ال ميكن أن يرتفع‪ ،‬وعليه فال يصح محل اللفظ على‬
‫حقيقته‪ ،‬وإال لزم الكذب يف اخلرب وهو مستحيل ؛ ألنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬صادق مصدوق ‪ .‬وقد اختلف‬ ‫عليها حبل أو حبرمة ‪ .‬وقد اختلف العلماء يف مثل هذا هل هو جممل أم ال ؟ على مذهبني‪:‬‬
‫العلماء يف هذا القول الكرمي ‪ ،‬هل هو جممل أم ال ؟ على مذهبني أيضا ‪:‬‬
‫املذهب الثاين‪ :‬أنه جممل‬ ‫املذهب األول ‪ :‬أنه ال إمجال فيه‬ ‫املذهب الثاين‪ :‬يقتضي اإلمجال‬ ‫املذهب األول ‪ :‬ال إمجال فيه‬
‫إن رفع نفس اخلطأ ونفس النسيان ال يصح؛‬ ‫إن حقيقة اللفظ ملا كانت غري مرادة‪ ،‬تعني‬ ‫ملا استحال تعلق التحرمي ابألعيان ‪ ،‬وجب أن‬ ‫إن الذي يسبق إىل الفهم من قول القائل" هذه‬
‫ألنه واقع والواقع اليرتفع‪ ،‬وعليه فال بد من‬ ‫احلمل على اجملاز ابإلضمار ووجدان للفظ‬ ‫يضمر يف الكالم مايصح أن يتعلق به التحرمي‬ ‫املرأة حرام " هو حترمي وطئها‪ :‬وتبادر الفهم‬
‫تقدير شيء‪ ،‬وهو مرتدد بني أمور ال حاجة‬ ‫جمازين ‪ :‬أحدمها‪ :‬إمث اخلطأ ‪ .‬والثاين‪ :‬حكم‬ ‫‪ ،‬وإذا تعني اإلضمار ‪ :‬فإما أن يضمر اجلميع‬ ‫دليل احلقيقة ‪ ،‬وعليه فاملفهوم من قوله تعاىل‬
‫إىل مجيعها؛ ألن اإلضمار على خالف‬ ‫اخلطأ‪ .‬وملا كان إمث اخلطأ أظهر عرفا لتبادره إىل‬
‫‪ ،‬وهو ابطل ؛ ألن اإلضمار على خالف‬ ‫( ُح ِٰرَم ْ‬
‫ت َعلَيْ ُك ْم اَُّم ٰهتُ ُك ْم)‪ ،‬هو حترمي الوطء؛‬
‫األصل‪ ،‬فال يضمر إال بقدر ما تدعو احلاجة‪،‬‬ ‫الذهن‪ ،‬ترجح على اجملاز اآلخر‪.‬‬
‫األصل ‪ ،‬فال يضمر إال بقدر ما تدعو إليه‬ ‫ألنه أعظم ما يقصد من النساء‪.‬‬
‫أو الضرورة إليه‪ ،‬والضرورة ال تدعو إال إىل ما‬ ‫الضرورة ‪ ،‬والضرورة ال تدعو إال إىل ما ال يتم وما ذهب إليه اجلمهور هو الراجح ملا قالوه‪.‬‬ ‫وواضح أن مذهب اجلمهور هنا هو الراجح؛‬
‫ال يتم الكالم إال به‪ ،‬وال تدعو إىل اجلميع‪،‬‬ ‫الكالم إال به ‪ ،‬وال تدعو إىل اجلميع وعليه فال‬ ‫ألن اجملازات الكثرية يرجح منها ما يكون أعظم‬
‫فال يضمر اجلميع وإمنا يضمر البعض‪ .‬وهذا‬ ‫يضمر اجلميع ‪ ،‬وإمنا يضمر البعض ‪ .‬وهذا‬ ‫مقصودا ‪ ،‬وكالم املانعني يكون صوااب لو كانت‬
‫البعض املضمر‪ ،‬إما معني أو غري معني‪ .‬واألول‬ ‫البعض املضمر ‪ :‬إما معني ‪ ،‬أو غري معني ‪.‬‬ ‫اجملازات كلها متساوية ‪ ،‬مل يرتجح واحد منها‬
‫ابطل؛ ألنه ترجيح بال مرجح‪ .‬وإذا بطل أن‬ ‫وإذا بطل أن يكون الفعل املضمر معينا ‪،‬‬ ‫على األخر ‪ ،‬وال شك أن األعظم مقصودا يف‬
‫يكون الفعل املضمر معيا ‪ ،‬وجب أن يكون‬ ‫وجب أن يكون غري معني ‪ ،‬وحينئذ يكون‬ ‫هذه اآلية هو حترمي الوطء واالستمتاع‪.‬‬
‫غري معني ‪ ،‬وحينئذ يكون اللفظ جممال‪.‬‬ ‫اللفظ جممال وهو املطلوب‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬اللفظ إذا كان حيتمل معنيني‬ ‫املسألة الثاثة‪ :‬دخول النفي على احلقائق الشرعية‬
‫مثال ذلك ‪ :‬قوله ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬ال صالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب " وقد اختلف العلماء فيه قوله ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬ال ينكح احملرم وال ينكح " وذلك بناء على أن النكاح مشرتك بني العقد‬
‫والوطء‪ .‬فإنه إن محل على الوطء استفيد منه معىن واحد‪ ،‬وهو أن احملرم ال يطأ وال يوطأ‪ ،‬ويوطأ‬ ‫على مذهبني‪:‬‬
‫أي‪ :‬ال ميكن غريه من وطئه‪ .‬وإن محل على العقد استفيد منه معنيان‪ ،‬بينهما قدر مشرتك وهو‬
‫أن احملرم ال يعقد لنفسه وال لغريه‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬بلتفصيل‬ ‫القول الثاين‪ :‬أنه جممل‬ ‫القول األول‪ :‬ليس مبجمل‬ ‫املذهب الثاين‪ :‬أنه من قبيل اجململ‬ ‫املذهب األول‪ :‬أنه ال إمجال فيه‬
‫إن كان املعىن الواحد أحد‬ ‫وال يصح جعل تكثري الفائدة‬ ‫أن الكالم إمنا وضع لإلفادة‪،‬‬ ‫نفي الذات هنا غري مراد؛ وملا كان للفظ أنه من قبيل اجململ فال حيمل على شيء إال‬
‫املعنيني عمل به جزما؛‬ ‫مرجحا وال رافعا لإلمجال فإن‬ ‫والسيما كالم الشارع‪ ،‬وال‬ ‫الداخل على احلقيقة الشرعية جمازان مها‪ :‬نفي بدليل‪ .‬وقد اختلف هؤالء يف تقرير اإلمجال‬
‫لوجوده يف االستعمالني‪،‬‬ ‫أكثر األلفاظ ليس هلا ال معىن‬ ‫خيفي أن ما يفيد معنيني أكثر‬ ‫الصحة‪ ,‬ونفي الكمال‪ .‬وكان نفي الصحة على ثالثة وجوه ‪ :‬األول‪ :‬أنه ظاهر يف نفي‬
‫ويوقف األخر للرتدد فيه ‪ ،‬أما‬
‫واحد‪ ،‬فليس احلمل على كثرة‬ ‫يف الفائدة‪ ،‬فيجب اعتقاد‬ ‫أقرب إىل نفي احلقيقة‪ ،‬على أساس أن نفي الوجود وهو ال ميكن؛ ألنه واقع قطعا فاقتضى‬
‫إذا مل يكن أحد املعنيني كان‬‫الفائدة أبوىل من احلمل على‬ ‫كون اللفظ ظاهرا فيه‪.‬‬ ‫احلقيقة يقتضي نفي مجيع يقتضي كذلك نفي ذلك اإلمجال‪ .‬الثاين‪ :‬أنه ظاهر يف نفي الوجود‬
‫املعىن الواحد‪ ،‬هلذه الكثرة اليت اللفظ جممال‪( .‬الراجح)‬ ‫ابقي الصفات‪ ،‬فيصبح وجود الفعل مثل عدم ‪ ،‬ونفي احلكم ‪ ،‬فصار جممال‪ .‬الثالث‪ :‬أنه‬
‫ال خالف فيها‪.‬‬ ‫وجوده‪ ،‬كان هو اجملاز الصفات‪ ،‬ونفي الصحة مرتدد بني نفي اجلواز ‪ ،‬ونفي الوجوب ‪ ،‬فصار‬
‫جممال‪.‬‬ ‫الراجح‪( .‬الراجح)‬

‫‪2‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫املسألة السادسة‪ :‬فيما إذا ورد لفظ الشارع وله مسمى لغوي‪ ,‬ومسمى شرعي‪ ,‬وأمكن محله‬ ‫املسألة اخلامسة‪ :‬اللفظ الدائر بني إفادة حكم شرعي‪ ,‬وإفادة وضع لغوي‬
‫على كل منهما وال قرينة تعني املراد‪.‬‬
‫قال رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬الطواف بلبيت صالة إال أن هللا أحل فيه املنطق‪ ،‬فمن نطق فيه قوله ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬توضئوا ِما مست النار "‪ .‬فإته حيتمل أن يكون ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أراد ابلوصوء هنا‬
‫الوضوء الشرعي‪ ,‬وحيتمل أيضا الوضوء اللغوي الذي هو غسل الكفني فقط‪.‬‬ ‫فال ينطق إال خبي "‪ .‬فهذا احلديث الشريف ‪ ،‬حيتمل أن يكون إخبارا أبن الطواف ابلبيت يف‬
‫اللغة يسمى صالة ؛ ألن الصالة يف اللغة هي الدعاء‪ ،‬ومن مث مسي الطواف صالة ملا فيه من‬
‫الدعاء‪ ،‬وحيتمل أن يكون إخبارا منه أبنه كالصالة يف األحكام‪ ،‬مبعىن أن حكمه حكم الصالة‬
‫يف الطهارة‪ ،‬والنية وسرت العورة ‪ ...‬إخل‬
‫التفصيل‬ ‫التفصيل‬ ‫أنه جممل‬ ‫ليس فيها إمجال‬ ‫القول الثاين‪ :‬أنه ليس مبجمل‬ ‫القول األول‪ :‬أنه جممل‬
‫إن وقع اللفظ يف‬ ‫إن وقع اللفظ يف‬ ‫تردد اللفظ بني‬ ‫حممولة على املعاين‬ ‫أنه جممل لرتدده بني االحتمالني من غري مزية أن النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بعث لتعريف األحكام‬
‫اإلثبات محل على‬ ‫اإلثبات محل على‬ ‫اإلحتملني‪ :‬الشرعي‬ ‫الشرعية هلا‪ ,‬ألن ‪-‬‬ ‫الشرعية اليت ال تعرف إال من جهته ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬ ‫‪ ،‬وهذا القول للغزايل رمحه هللا‪.‬‬
‫املعاين الشرعي‪ ,‬أما‬ ‫املعاين الشرعي‪ ,‬أما‬ ‫واللغوي‪ ,‬وال مرجح‬ ‫ﷺ ‪ -‬مبعوث لبيان‬ ‫‪ ,‬ومل يبعث لتعريف ما هو معروف ألهل اللغة‪,‬‬
‫إن وقع يف جانب‬ ‫إن وقع يف النهي أو‬ ‫على‬ ‫ألحدمها‬ ‫الشرعيات‪ ,‬ال لبيان‬ ‫وعليه فيجب محل اللفظ على احلكم الشرعي‪,‬‬
‫النهي محل على‬ ‫النفي فيحكم عليه‬ ‫اآلخر‪.‬‬ ‫املعاين اللعوي‪.‬‬ ‫ملا فيه من موافقة مقصود البعثة‪.‬‬
‫املعىن اللغي‪.‬‬ ‫ابإلمجال‪.‬‬
‫املسألة الثامنة‪ :‬اختلف العماء يف قوله تعاىل‪( :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) هل هو‬ ‫املسألة السابعة‪ :‬اختلف العماء يف قوله تعاىل‪( :‬وامسحوا برؤوسكم) هل هو جممل أم مبني؟‬
‫جممل أم مبني؟‬
‫ال إمجال يف اآلية‬ ‫إنه جممل يف القطع واليد‬ ‫ليس يف اآلية إمجاال‬ ‫أنه جممل‬
‫إن القطع موضوع حقيقة يف اإلابنة فقط‪,‬‬ ‫أن لفظ الرأس يف األية حمتمل للكل‪ ,‬وحمتمل فريق يرى أنه مبني يف الكل يقول‪ :‬إن اللفظ إن لفظ "القطع" يطلق على اإلابنة واالنفصال‬
‫وهذه اإلابنة تطلق على‪ -1 :‬إابنة بعض‬ ‫للبعض‪ ,‬واإلحتماالن متساواين‪ ,‬وليس بوضع حكم اللغة ظاهر يف مسح مجيع ويطلق أيضا على اجلرح والشق‪ .‬و لفظ "اليد"‬
‫األجزاء اللحم عن بعض‪ ,‬وهو اجلرح والشق‪.‬‬ ‫تطلق على اليد كلها من رؤوس األصابع إىل‬ ‫أحدمها أوىل من اآلخر‪ ,‬فكان جممال‪ ,‬ومن مث الرأسح؛ ألن الباء حقيقة يف اإللصاق‪.‬‬
‫‪ -2‬إابنة بعض األجزاء اجلسم عن بعض‪.‬‬ ‫فريق يرى أنه مبني يف البعض يقول‪ :‬أن الباء املنكب أو بعضها من رؤوس األصابع إىل‬ ‫وجب التوقف حىت أييت البيان‪.‬‬
‫فاجلرح والشق نوع من اإلابنة‪ ,‬وبذلك يتضح‬ ‫املرفق أو الكوع‪.‬‬ ‫ليس لإللصاق‪ ,‬بل للتبعيض‪.‬‬
‫أن القطع غري جممل‪.‬‬ ‫واألصل يف االستعمال احلقيقة‪ ,‬وال توجد قرينة‬
‫تبني املراد‪ ,‬كان اللفظ جممال‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫الباب الثاني‬
‫في تعريف البيان‪ ,‬وما يقع به‪ ,‬ومن يكون له البيان‬
‫الفصل األول‪ :‬يف تعريف البيان‬
‫البيان يف اللغة‪ :‬اإلظهار‪ .‬وأما يف االصطالح‪ :‬فلم تتفق كلمة األصوليني على تعريف واحد له‪ ,‬ألنه يطلق على كل واحد من أمور الثالثة التالية‪ -1 :‬فعل املبني‪ ,‬وهو اإلعالم والتبيني‪ -2 .‬ما‬
‫حيصل به اإلعالم‪ ,‬وهو الدليل‪ -3 .‬متعلق اإلعالم وحمله‪ ,‬وهو العلم احلاصل عن الدليل‪.‬‬
‫قال الصييف‪ :‬البيان هو إخراج الشيء من حيز اإلشكال قال القاضي أبو بكر الباقيالين‪ ,‬وإمام احلرمني‪ ,‬والغزايل‪ ,‬قال أبو بكر الدقاق‪ ,‬و أبو عبد هللا البصري‪ :‬البيان هو‬
‫والرازي‪ ,‬واآلمدي‪ :‬البيان هو الدليل الذي حصل به اإليضاح العلم احلاصل من الدليل‪.‬‬ ‫إىل حيز الوضوح والتجلي‪.‬‬
‫و يتضح لنا أن تعريف القاضي أيب بكر الباقالين هو أحسن‪ ,‬مث تعريف الصيايف‪ ,‬فيصح إطالق البيان على الدليل الذي زال به اإلمجال‪ ,‬كما يصح إطالقه على فعل املبني‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬مايقع به البيان‬
‫ابإلمجاع والقياس‬ ‫البيان ابلرتك‬ ‫البيان ابلتقرير‬ ‫البيان ابملفهوم‬ ‫البيان ابلتنبيه‬ ‫البيان ابإلشارة‬ ‫البيان ابلكتابة‬ ‫البيان ابلفعل‬ ‫البيان ابلقول‬
‫املبحث األول‪ :‬البيان بلقول‬
‫املراد بلبيان بلقول‪ :‬أن يقول املتكلم‪ ,‬أو من علم مراد املتكلم‪ ,‬ألن القول ملا كان بينا يف نفسه جاز أن يبني غريه‪ .‬والبيان ابلقول اترة يكون من هللا و من الرسول ‪ -‬ﷺ ‪:-‬‬
‫اثنيا‪ :‬بيان النيب ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬ ‫أوال‪ :‬البيان من هللا تعاىل‬
‫س ُّر ال ٰنٰ ِظ ِريْ َن) البقرة‪ ,69 :‬عن ابن عمر رضي هللا عنهما عن النيب ‪ -‬ﷺ ‪ :-‬سئل عن السبيل إىل احلج؟ فقال‪ " :‬الزاد والراحلة " فهذا القول الكرمي‬ ‫قال هللا تعاىل‪َّ ِ ْۤ َ ( :‬‬
‫ص ْف َراءُ فَاق ٌع ل ْو ُهنَا تَ ُ‬
‫َاع اِلَيْ ِه َسبِيْ ًل ) آل عمران‪ .97 :‬وهو بيان بلفطني مفردين‪.‬‬ ‫َّاس ِح ُّج الْب يْ ِ‬
‫ت َم ِن ْ‬
‫استَط َ‬ ‫َ‬
‫َْبوا ب َقرةً) البقرة‪ .67 :‬بيان لقوله تعاىل‪ ( :‬وِِٰٰ‬
‫ّلل َعلَى الن ِ‬ ‫َ‬ ‫فإنه بيان لقوله‪( :‬اِ َّن ٰٰ‬
‫اّللَ ََي ُْم ُرُك ْم اَ ْن تَذ َُ ْ َ َ‬
‫أنواع البيان يف القرآن الكرمي‬
‫بيان مفهوم مبفهوم‬ ‫بيان منطوق مبفهوم‬ ‫بيان مفهوم مبنطوق‬ ‫بيان منطوق مبنطوق‬
‫ِ ِ ن‬ ‫ِ‬
‫ٰت ِم َن الَّ ِذيْ َن اُْوتُوا‬
‫صن ُ‬
‫كقوله تعاىل‪َ ( :‬وال ُْم ْح َ‬ ‫َّم )‬ ‫قوله تعاىل‪ُ ( :‬ح ِٰرَم ْ‬
‫ت َعل َْي ُك ُم ال َْميْ تَةُ َوالد ُ‬ ‫ني )‬ ‫قوله تعاىل‪ ( :‬ا َّال َما يُتْ ٰلى َعل َْي ُك ْم ) املائدة‪ :‬كبيان مفهوم قوله تعاىل‪ُ ( :‬ه ًدى لٰل ُ‬
‫ْمتَّق َْ‬
‫ٰب ِم ْن قَ بْ ِل ُك ْم ) املائدة‪ .5 :‬على القول‬ ‫ِ‬
‫الْكت َ‬ ‫املائدة‪ ,3 :‬مبفهوم قوله تعاىل‪ ( :‬اَ ْو َد ًما‬ ‫ت َعل َْي ُك ُم ال َْميْ تَةُ ) البقرة‪ ,2 :‬مبنطوق قوله سبحانه‪َ ( :‬والَّ ِذيْ َن َال‬
‫‪ ,1‬بقوله سبحانه‪ُ ( :‬ح ِٰرَم ْ‬
‫أبن املراد ابحملصنات احلرائر كما روي عن‬ ‫َّم ْس ُف ْو ًحا ) األنعام‪ .145 :‬حيث يدل‬ ‫يف ٰاذَاهنِِ ْم َوق ٌْر َّو ُه َو َعل َْي ِه ْم َع ًم ٍۗى )‬
‫يُ ْؤِمنُ ْو َن ِ ْٓ‬ ‫املائدة‪.3 :‬‬
‫ِ‬
‫ني ا َّال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫جماهد‪ ,‬فإنه يدل مبفهومه على أن األمة‬ ‫مبفهومه املخالف على أن غري مسفوح ليس‬ ‫فصلت‪ ,44 :‬وقوله‪َ ( :‬وَال يَ ِزيْ ُد الظٰلم َْ‬
‫الكتابية ال جيوز نكاحها‪.‬‬ ‫كذلك‪ ,‬فبني هذا املفهوم أن املراد ابلدم يف‬ ‫ارا ) اآلسراء‪82 :‬‬ ‫سً‬ ‫َخ َ‬
‫اآلية األوىل غري املسفوح‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬البيان بلفعل‬
‫املطلب األول‪ :‬املراد بلبيان بلفعل‪ ,‬وأقوال العلماء فيه‬
‫املراد بلبيان بلفعل‪ :‬أن يكون فعل الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬مبينا اجململ ورد يف القرآن الكرمي‪ ،‬أو السنة املطهرة‪.‬‬
‫أقوال العلماء يف البيان بلفعل‪ :‬اتفق العلماء على أنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬إذا علق البيان بفعله ‪ ،‬أبن قال‪ :‬القصد مبا كلفتم به من هذه اآلية ما أفعله‪ ،‬مث فعله‪ ،‬فال خالف يف أن هذا الفعل يكون بياان‪.‬‬
‫وإمنا اخلالف بينهم فيما إذا مل يعلق البيان بفعله‪ .‬وقد اختلف العلماء يف ذلك على قولني ‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال جيوز البيان ابلفعل‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬جيوز البيان ابلفعل‪ ،‬فالبيان يقع به كما يقع ابلقول‪.‬‬
‫َّاس َما نُ ِٰز َل اِل َْي ِه ْم ) النحل‪ .44 :‬والتبيني يف اآلية عام يشمل القول أن الفعل وإن كان مشاهدا‪ ،‬إال أن البيان به أطول من البيان ابلقول‪ ،‬فلو‬
‫ني لِلن ِ‬ ‫قال هللا تعاىل‪ ( :‬واَنْزلْنَآ اِلَي َ ِ ِ‬
‫ك ال ٰذ ْك َر لتُ بَِٰ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫والفعل‪ .‬و أن النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بني الصالة بفعله‪ ،‬وقال ‪ " :‬صلوا كما رأيتموين أصلي "‪ ،‬فتكون صالته ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بني اجململ به للزم من ذلك َتخري البيان مع إمكان تعجيله ابلقول‪ ،‬ومن‬
‫مث فال جيوز البيان به‪.‬‬ ‫بياان لقوله تعاىل ‪ ( :‬وأقيموا الصالة ) البقرة ‪( .43 :‬الراجح)‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املعرف لبيان الفعل أبحد طريقني‬
‫الثاين‪ :‬قرائن األحوال‬ ‫األول‪ :‬أن يفعل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فعال‪ ,‬فيقول إنه بياان لكذا‪.‬‬
‫كقوله ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بعد إحدى صلواته‪ " :‬صلوا كما رأيتموين أصلي "‪ ,‬وقوله يف حجه الوداع‪ " :‬إذا ورد خطاب جممل‪ ,‬مل يبينه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بقوله إىل وقت احلاجة‪ ,‬مث فعل عند احلاجة فعال صاحلا‬
‫للبيان‪ ,‬فإن فعله هذا يكون بياان لذلك اجململ؛ ألنه إذا مل يكن بياان يلزم عليه َتخري البيان عن‬ ‫لتأخذوا عين مناسككم "‪.‬‬
‫الصلوةَ )‪ ,‬كما أن وقت احلاجة‪ ,‬وذلك حمال عقال عند بعض العلماء‪,‬‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫فاحلديث األول يفيد أن صالته ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بياان لقوله تعاىل‪َ ( :‬واَق ْي ُموا َّ‬
‫َّاس ح ُّج ومن أمثلة ذلك‪ :‬قطعه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يد السارق من الكوع‪ ,‬فإنه بياان حململ القطع يف قو له تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫احلديث الثاين يدل على أن أفعاله يف حجته بيان و شرح لقوله تعاىل‪ ( :‬وِِٰٰ‬
‫ّلل َعلَى الن ِ‬ ‫َ‬
‫السا ِرقَةُ فَاقْطَعُ ْوٓا اَيْ ِديَ ُه َما ) املائدة‪.38 :‬‬
‫السا ِر ُق َو َّ‬
‫( َو َّ‬ ‫َاع اِل َْي ِه َسبِْي ًل )‪.‬‬ ‫الْب ْي ِ‬
‫ت َم ِن ْ‬
‫استَط َ‬ ‫َ‬
‫املطلب الثالث‪ :‬إجتماع البيان القويل والفعلي يف حمل واحد‬
‫اتفق العلماء مجيعا على أن القول عند انفراده يكون بياائ للمجمل ‪ ،‬وكذلك الفعل عند مجهور العلماء خالفا أليب إسحاق اإلسفراييين ‪ ،‬وأيب احلسن الكرخي ‪ ،‬كما تقدم ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫أما إذا ورد القول والفعل بعد جممل ‪ ،‬وكان كل منهما صاحلا للبيان ففي هذه احلالة ننظر‪ :‬فإما أن يتفقا يف احلكم ‪ ،‬أو خيتلفا فيه‪.‬‬
‫القول والفعل مل يتفقا يف احلكم‪ ،‬أبن كان ما يفيده القول خيالف ما يفيده الفعل‬ ‫فإن اتفقا يف احلكم ننظر‪:‬‬
‫َّاس ِح ُّج الْب ْي ِ‬
‫ت َم ِن‬ ‫مثل أن يقول رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بعد نزول قوله تعاىل ‪ ( :‬وِِٰٰ‬
‫ّلل َعلَى الن ِ‬ ‫‪ .1‬فإن علم أن أحدمها بعينه متقدم ‪ ،‬واآلخر بعينه متأخر ‪ ،‬كان املتقدم املعني هو املبني‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َاع اِل َْي ِه َسبِْي ًل ) آل عمران‪ .97 :‬من قرن احلج إىل العمرة فليطف هلما طوافا واحدا ‪،‬‬
‫استَط َ‬
‫ْ‬ ‫للمجمل ‪ ،‬سواء أكان املتقدم قوة أم فعال ‪ ،‬ويكون املتأخر مؤكدا له‪.‬‬
‫وليسع هلما سعيا واحدا ‪ ،‬مث يقرن احلج إىل العمرة ‪ ،‬ويطوف طوافني ويسعى سعيني ‪.‬‬ ‫‪ .2‬إن علم أن أحدمها ال بعينه متقدم ‪ ،‬واآلخر ال بعينه متأخر ‪ ،‬يكون املتقدم هو املبني ‪،‬‬
‫فالقول يدل على أن املشروع للقارن طواف واحد ‪ ،‬وسعي واحد ‪ ،‬والفعل يدل على أن‬ ‫‪1‬‬
‫ويكون املتأخر مؤكدا له‪.‬‬
‫املشروع يف حقه طوافان وسعيان ‪ ،‬فكاان خمتلفني يف احلكم‪ .‬وقد اختلف العلماء يف املبني‬ ‫‪ .3‬أما إذا مل يعلم تقدم أحدمها وَتخر األخر ‪ ،‬فإن القول حينئذ يكون هو املبني دون الفعل‪،‬‬
‫منهما على ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫ألن القول يستقل يف إفادته البيان ‪ ،‬خبالف الفعل ‪ ،‬فإنه ال يعرف كونه مبينا إال بواحد‬
‫القول األول‪ :‬املبني هو القول‪ ،‬سواء علم تقدمه‪ ،‬وَتخر الفعل‪ ،‬أو العكس‪ ،‬أو مل يعلم‬ ‫من ثالثة أمور هي‪:‬‬
‫شيء من ذلك‪.‬‬ ‫األول‪ :‬قصده ‪ -‬ﷺ ‪ -‬البيان ابلفعل‪ .‬ويعلم ذلك القصد ابلضرورة‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬أن القول أظهر وأدل يف تعيني املراد؛ ألن الفعل قد يشتمل على الزوائد من‬ ‫الثاين‪ :‬أن يقول بعد الفعل هذا الفعل مبني للمجمل‪.‬‬
‫املندوابت‪ ،‬والفعل الزائد حيتمل أن يكون مما اختص به الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬على وجه الندب‬ ‫الثالث‪ :‬ابلدليل العقلي ‪ :‬وذلك أبن يذكر رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬اجململ يف وقت احلاجة‬
‫أو الوجوب ‪ ،‬وكذا حال نقصان الفعل عن القول حيتمل أن يكون من ابب التخفيف يف‬ ‫إىل العمل‪ ،‬مث يفعل فعال يصلح أن يكون مبينا لذلك اجململ‪ ،‬وال يفعل شيئا بعد ذلك‪،‬‬
‫حقه ‪ -‬ﷺ ‪( -‬القول الراجح)‬ ‫فإن هذا الفعل يكون هو املبني لذلك اجململ؛ إذ لو مل جيعل مبينا له لتأخر البيان عن وقت‬
‫القول الثاين‪ :‬املبني هو املتقدم إن علم‪ ،‬سواء أكان قوال أم فعال‪.‬‬ ‫احلاجة‪ ،‬وَتخر البيان عن وقت احلاجة ال جيوز‪.‬‬

‫وعند عدم العلم جيعل القول هو املبني لرجحانه ؛ حيث إنه ال يفتقر يف إفادته البيان إىل‬
‫غريه ‪ ،‬خبالف الفعل فإنه يفتقر إىل واحد من األمور الثالثة السابقة‬
‫القول الثالث‪ :‬إن علم تقدم القول على الفعل‪ ،‬كان القول مبينا‪ .‬وإن علم تقدم الفعل‪،‬‬
‫كان الفعل مبينا للمجمل يف حقه حقه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬دون األمة‪.‬‬
‫إن علم تقدم القول على الفعل ‪ ،‬كان القول مبيئا ‪ ،‬وكان الفعل داال على استحباب‬
‫الطواف الثاين ‪ -‬يف املثال السابق ‪ .‬وإن علم تقدم الفعل ‪ ،‬كان الفعل مبينا للمجمل يف‬
‫حقه حقه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬دون األمة ‪ ،‬وكان القول مبيئا يف حق األمة ‪ ،‬وبذلك جيب على‬
‫القارن األمة طواف واحد ‪ ،‬وسعي واحد ‪ ،‬وجيب طوافان وسعيان يف حقه‪.‬‬
‫ويف ذلك عمل ابلدليلني ‪ -‬القول والفعل ‪ -‬واجلمع بني الدليلني أرجح من العمل أبحدمها‬
‫وترك اآلخر ؛ ألن األصل يف األدلة هو اإلعمال ال اإلمهال ‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬البيان بلكتابة‬
‫اتفق العلماء على أن الكتابة يقع هبا البيان ‪ .‬واخلالف بينهم إمنا هو يف كوهنا من قبيل البيان ابلقول ‪ ،‬أو الفعل ‪ ،‬أو هي قسيم هلما ؟ فذهب بعضهم إىل أهنا من قبيل القول ابعتبارها أمارة على‬
‫الكالم ‪ .‬وذهب بعضهم إىل أهنا من قبيل الفعل ‪ ،‬ابعتبار فعل الكتابة نفسه وجعلها بعض العلماء قسيما لكل منهما‪ .‬والكتابة يقع هبا البيان من هللا تعاىل ‪ ،‬فقد بني ملالئكته مبا كتبه يف اللوح‬
‫احملفوظ ‪ ،‬كما بني ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بكتابته الكثري من األحكام الشرعية ‪ ،‬ومن ذلك مايلي‪:‬‬
‫كتابه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬الذي كتبه أليب بكر الصديق يف الصدقات ‪ ،‬وقد كتبه أبو بكر بعد رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ألنس بن مالك حني وجهه إىل البحرين‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬البيان بإلشارة‬
‫اإلشارة‪ :‬هي التلويح بشيء يفهم منه النطق‪ .‬فهي ترادف النطق يف فهم املعىن ‪ ،‬وعند إطالقها تكون حقيقة احلسية ‪ ،‬وتقوم مقام العبارة إذا كانت معهودة ‪ ،‬وذلك كما يف األخرس‪ .‬وقد وقع‬
‫البيان ابإلشارة من الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يف مواطن كثرية ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يقول ‪ " :‬الشهر هكذا وهكذا وهكذا " وقبض إهبامه يف الثالثة‪ .‬ويف رواية عنه أيضا‪ " :‬الشهر هكذا وهكذا وهكذا " يعين متام‬
‫ثالثني‪ .‬فالرواية األوىل أفادت أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما ‪ ،‬كما أفادت الرواية الثانية أن الشهر قد يكون ثالثني يوما ‪ .‬وهذه اإلفادة حصلت إبشارته ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬البيان بلتنبيه على احلكم من غي نص‬
‫املراد به‪ :‬املعاين والعلل اليت نبه هبا على بيان األحكام‪.‬‬
‫قال عمر بن اخلطاب ‪ :‬هششت‪ ،‬فقبلت وأان صائم‪ ،‬فقلت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬صنعت اليوم أمرا عظيما‪ ،‬قبلت وأان صائم‪ ،‬قال‪ " :‬أرأيت لو مضمضت من املاء وأنت صائم ؟ " قلت‪ :‬ال أبس‪،‬‬
‫قال‪ " :‬فمه"‬
‫ويف هذا احلديث الشريف فقه بديع‪ ،‬وهو أن املضمضة ال تفسد الصوم‪ ،‬وهي أول الشرب ومفتاحه‪ ،‬فكذلك القبلة ال تفسده‪ ،‬وهي من دواعي اجلماع‪ ،‬وأوائله اليت تكون مفتاحا له‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Belum diketahui secara pasti mana di antara al-qoul atau al-fi’il yang mutaqodim, namun diantara keduanya sudah bisa dipastikan bahwa ada yang mutaqodim. Dalam kasus ini jumhur ulama‬‬
‫‪memilih tawaquf dengan tidak menentukan mana yang Mubayan li al-Mujmal dan mana yang Mu’akidan li al-Mujmal. Pendapat ini berbeda dengan pendapat imam Amidi yang memakai kaidah‬‬
‫‪tarjih; dimana menjadikan Marjuh sebagai Mubayan dan Rojih sebagai Muakidnya.‬‬

‫‪5‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫املبحث السادس‪ :‬البيان بملفهوم‬


‫مفهوم خمالفة‪ :‬وهو الزم انشئ عن معىن لفظ مركب حكمه خيالف حکم ملزومه ‪.‬‬ ‫مفهوم موافقة‪ :‬وهو الزم انشئ عن معىن لفظ مركب حكمه يوافق حکم ملزومه‪.‬‬
‫ف َّوَال تَ نْ َه ْر ُُهَا َوقُ ْل ََّّلَُما قَ ْوًال َك ِرْْيًا )‪ .‬اإلسراء ‪ ، 23 :‬فإنه بني قوله ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬يف سائمة الغنم زكاة " ‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪ ( :‬فَ َال تَ ُق ْل ََّّلَُمآ اُ ٰ‬
‫هبذا حكم الضرب وغريه من أنواع اإليذاء‪ ،‬وحكم املفهوم هنا هو التحرمي کاملنطوق حيث إن فاحلديث يدل مبنطوقه على وجوب الزكاة يف الغنم السائمة‪ ،‬ويدل مبفهومه املخالف على عدم‬
‫‪2‬‬
‫وجوب الزكاة يف املعلوفة؛ النتفاء الصفة اليت علق احلكم هبا وهي السوم‪.‬‬ ‫علة التحرمي يف املنطوق اإليذاء‪ ،‬وهو موجود يف الضرب وغريه‪.‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬البيان بلتقرير‬
‫املراد به‪ :‬سكوت النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬عند مشاهدة أمر عاينه‪ ،‬من قول أو فعل عن اإلنكار‪ ،‬وكذا سكوته إذا علم بفعل أو قول صدر من مكلف يف غيبته‪ .‬فهذا السكوت منه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يدل على‬
‫جواز القول أو الفعل؛ ألنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ال يسكت عن ابطل‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬عن عمرو بن العاص قال‪ :‬احتلمت يف ليلة ابردة يف غزوة ذات السالسل‪ ،‬فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ‪ ،‬فتيممت ‪ ،‬مث صليت أبصحايب الصبح ‪ ،‬فذكروا ذلك للنيب ‪ -‬ﷺ ‪ ،-‬فقال‬
‫‪ " :‬اي عمرو ‪ ،‬صليت أبصحابك وأنت جنب ؟ " فأخربته ابلذي منعين من االغتسال‪ ،‬وقلت‪ :‬إين مسعت هللا يقول‪( :‬وال تقتلوا أنفسكم إن هللا كان بكم رحيما) ‪ ،‬فضحك رسول هللا ‪ -‬ﷺ‬
‫‪ ، -‬ومل يقل شيئا‪ .‬ففي هذا احلديث الشريف دليل على جواز التيمم عند شدة الربد من وجهني ‪ :‬األول‪ :‬ضحكه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬واستبشاره ‪.‬الثاين‪ :‬عدم اإلنكار؛ ألنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ال يقر على ابطل‪.‬‬
‫والتبسم والستبشار أقوى داللة من السكوت على اجلواز‪.‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬البيان بلرتك‬
‫املراد به‪ :‬أن يرتك رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فعال قد أمر به‪ ،‬أو قد سبق منه فعله‪ .‬وعليه فيكون هذا الرتك له مبينا لعدم وجوبه‪ .‬والرتك نوعان‪:‬‬
‫ترك غي مقصود‬ ‫ترك مقصود‬
‫وهو الذي يعرب عنه أهل األصول ابلرتك الوجودي‪ .‬ويقصد به‪ :‬ما ترك النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فعله وهو الذي يعرب عنه ابلرتك العدمي‪ .‬ويقصد به‪ :‬ما أغفل النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فعله ‪ ،‬أو القول فيه‪،‬‬
‫ومل يتعرض حلكمه لعدم وجود املقتضي لذلك‪ ،‬كالنوازل احلادثة بعد وفاته‪ .‬وهذا النوع هو‬ ‫بعد إقباله عليه‪ ،‬أو كف عنه‪ ،‬وأمسك بعد وقوعه وحصوله منه‪.‬‬
‫الذي جيري فيه اخلالف بني العلماء‪ ،‬ويتمسك به من يقف عند الظواهر وحيكم على كل‬
‫شيء ابلبدعة الضاللية‪.‬‬
‫داللة الرتك ‪:‬‬
‫خ ُذ ْوهُ َوَما َهنٰى ُك ْم َعنْهُ فَانْ تَ ُه ْوا ) احلشر‪:‬‬ ‫الرتك غري املقصود لو وزن مبيزان الشرع التضح لنا أنه اليصلح أن يكون دليال حيث إن النص احلاكم يف هذا الباب هو قوله تعاىل‪َ ( :‬وَمآ ٰا ٰتى ُك ُم َّ‬
‫الر ُس ْو ُل فَ ُ‬
‫‪ 7‬وقوله ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬دعوين ما تركتكم ‪ ،‬إمنا هلك من كان قبلكم بسؤاَّلم واختالفهم على أنبيائهم ‪ ،‬فإذا هنيتكم عن شيء فاجتنبوه ‪ ،‬وإذا أمرتكم أبمر فأتوا منه ما استطعتم"‬
‫فهذه النصوص تدل صراحة على أنه إذا مل يرد يف الباب أمر ابلفعل‪ ،‬أو هني عن الفعل ‪ ،‬فال يصح احلكم عليه ابحلظر ‪ ،‬بل يبقى دائرا بني كونه مباحا‪ ،‬أو مسكوات عنه ‪.‬‬
‫ترك النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬الفعل يقع لوجوه‪:‬‬
‫الثالث‪ :‬الرتك خوف أن يفرض على األمة‬ ‫الثاين‪ :‬الرتك حلق الغري‬ ‫األول‪ :‬الكراهية ابلطبع‬
‫‪ ،‬وذلك كمسألة الضب املشهورة ‪ ،‬فقد قدم إليه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬كما يف تركه ‪ --‬أكل الثوم والبصل ‪ ،‬حلق املالئكة ‪ ،‬وهو ألنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬کان يرتك العمل وهو حيب أن يعمل به خمافة‬
‫أن يعمل به الناس فيفرض عليهم‪ ،‬كرتكه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬الرتاويح‬ ‫ضب مشوي‪ ،‬فمد يده الشريفة ليأكل منه‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنه ترك مباح حلق الغري‪.‬‬
‫حني اجتمع الصحابة ليصلوها معه‪ ،‬وقال‪ " :‬خشيت أن‬ ‫ضب‪ ،‬فأمسك عنه‪ ،‬فسئل أحرام هو؟ فقال‪ " :‬ال ولكن مل‬
‫تفرتض عليكم فتعجزوا عنها " ‪.‬‬ ‫يكن أبرض قومي فأجدين أعافه "‪.‬‬
‫السادس‪ :‬الرتك للمطلوب خوفا من وقوع مفسدة أعظم‬ ‫اخلامس‪ :‬ترك املباح الصرف إىل ما هو األفضل‬ ‫الرابع‪ :‬الرتك ملا ال حرج يف فعله‬
‫مثاله ‪ :‬قوله ‪ -‬ﷺ ‪ -‬لعائشة رضي هللا عنها ‪ " :‬أمل تري أن‬ ‫كإعراضه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬عن مساع غناء اجلاريتني يف بيته يوم الفطر كالقسم بني الزوجات‪ ،‬فإنه مل يكن الزما عليه ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫ْۤ‬
‫شاءُ ِم ْن ُه َّن قومك حني بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم "‪،‬‬ ‫بيوم بعاث‪ ،‬وحني دخل أبو بكر وقال لعائشة رضي هللا عنها‪ :‬ألزواجه‪ .‬وهو معىن قوله تعاىل‪ ( :‬تُ ْرِج ْي َم ْن تَ َ‬
‫ْۤ ٍۗ‬ ‫أمزامري الشيطان يف بيت رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪-‬؟‪ ،‬قال له ‪ -‬ﷺ وتُْ ِو ٓ ِ‬
‫شاءُ )‪ .‬األحزاب‪ 51 :‬عند بعد املفسرين‪ .‬قالت‪ :‬فقلت اي رسول هللا ‪ :‬أفال تردها على قواعد إبراهيم ؟‪،‬‬ ‫ك َم ْن تَ َ‬
‫ي الَيْ َ‬
‫َ ْ‬
‫فقال ‪ -‬ﷺ ‪ ": -‬لوال حداثن قومك بلكفر لفعلت "‪.‬‬ ‫‪ " :-‬اي أب بكر ‪ :‬إن لكل قوم عيدا وهذا عيدان "‪.‬‬
‫املبحث التاسع‪ :‬البيان بإلمجاع والقياس‬
‫ِ‬ ‫ٓ‬ ‫ِ‬
‫سلَّ َمةٌ ا ٰىل اَ ْهله )‪ .‬النساء ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ذكر القاضي أبو يعلى احلنبلي البيان ابإلمجاع فقال‪ :‬قد يقع بيان اجململ ابإلمجاع ‪ ،‬حنو إمجاعهم على أن دية اخلطأ على العاقلة‪ ،‬والذي يف كتاب هللا تعاىل‪َّ ( :‬وديَةٌ ُّم َ‬
‫‪ ،92‬ومل يذكر وجوهبا على العاقلة ‪.‬‬
‫وأما البيان ابلقياس‪ ،‬ف مثل قياس األرز على الرب‪ ،‬والنبيذ على اخلمر‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬فإن النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬نص على شيء‪ ،‬ودلت القياس على أن غريه يف معناه‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬من يكون له البيان من املكلفني‬
‫اخلطاب املتضمن للعمل احملتاج إىل البيان ابلنسبة إىل من يعترب وجوب البيان وعدمه يف حقه أربعة أقسام ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Saimah: adalah binatang ternak yang digembalakan pada sebagian besar hari dalam setahun. Maksudnya, sepanjang tahun binatang ternak tersebut diberi makan dengan cara digembalakan‬‬
‫‪dilahan umum atau lahan sendiri, tidak dengan dicarikan rumput. Ma’lufah: adalah binatang ternak yang tidak digembalakan, akan tetapi diberi makan sendiri.‬‬

‫‪6‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫األول‪ :‬أن يراد منه فهم اخلطاب والعمل مبقتضاه‪ ،‬كآية الصالة الثاين‪ :‬أن يراد الفهم دون عمل الفاهم‪ ،‬بل عمل الثالث‪ :‬أال يراد منه الفهم ‪ ،‬وال الرابع‪ :‬أن يراد منه العمل مبقتضاه‬
‫ابلنسبة إىل العلماء‪ ،‬فإهنم يكلفون بفهم املراد هبا‪ ،‬وهو غري غريه بتعليمه إايه‪ ،‬كآية احليض ابلنسبة للعلماء‪ ،‬العمل به ككتب األنبياء السابقني دون فهمه‪ ،‬كآية احليض ابلنسبة‬
‫للنساء‪.‬‬ ‫ابلنسبة إلينا‪.‬‬ ‫فهم خماطبون بفهم اخلطاب فقط‪.‬‬ ‫مدلوهلا اللغوي والعمل مبقتضاه‪.‬‬
‫تنبيهان‪:‬‬
‫‪ .1‬ال يشرتط يف البيان أن يعلمه مجيع املكلفني املوجودين يف وقته‪ ،‬بل جيوز أن يكون بعضهم جاهال به‪ .‬ودليل ذلك الوقوع ‪ :‬فقد جاءت السيدة فاطمة الزهراء‪ ،‬رضي هللا عنها أاب بكر تطلب‬
‫مرياثها من النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬متمسكة بعموم قوله تعاىل ‪ :‬يوصيكم هللا يف أوالدكمه ( النساء ‪ ، ) 11 :‬ومل تعلم أنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بني أن هذا العموم ال يتناول األنبياء صلوات هللا وسالمه عليهم‬
‫حيث خص بقوله ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬إان ال نورث ما تركناه صدقة "‪.‬‬
‫‪ .2‬جيوز أن يتقدم املبني على اجململ ‪ ،‬وجيوز أن يرد مقرتان ومرتبا‪.‬‬

‫الباب الثالث‬
‫في أنواع البيان‬
‫بيان التبديل‬ ‫بيان الضرورة‬ ‫بيان التغيري‬ ‫بيان التفسري‬ ‫بيان التقرير‬
‫ْتهيد‪ :‬يف موقف األصوليني من أنواع البيان‬
‫مل تتفق كلمة األصوليني على أنواع البيان‪ ،‬بل وجدانهم يتفقون على بعضها وخيتلفون يف البعض اآلخر‪.‬‬
‫فأكثر احلنفية على أن أنواع البيان مخسة‪ :‬بيان التقرير‪ ،‬وبيان وذهب أبو زيد الدبوسي إىل أهنا أربعة فقط‪ ،‬حيث مل يذكر ويرى ابن حزم الظاهري أن البيان ثالثة أنواع‪ :‬بيان التوكيد‪،‬‬
‫وبيان التخصيص‪ ،‬وبيان االستثناء‬ ‫التفسري‪ ،‬وبيان التغيري‪ ،‬وبيان الضرورة وبيان التبديل (الراجح) بيان الضرورة ومل يعدها من البيان‬
‫الفصل األول‪ :‬بيان التقرير‬
‫بيان التقرير‪ :‬هو توكيد الكالم املعلوم املعىن مبا يقطع احتمال اجملاز إن كان املؤكد حقيقة‪ ،‬أو احتمال اخلصوص إن كان املؤكد عاما‪ .‬وبعبارة أخرى‪ :‬أن يكون معىن اللفظ ظاهرا‪ ،‬لكنه حيتمل غريه‪:‬‬
‫أبن يكون اللفظ حقيقة حيتمل اجملاز‪ ،‬أو عاما حيتمل التخصيص‪.‬‬
‫الذي هو توكيد الكالم مبا يقطع احتمال اخلصوص‬ ‫الذي هو توكيد الكالم مبا يقطع احتمال اجملاز‬
‫قال تعاىل‪ :‬وما من دابة يف األرض وال طائر يطي جبناحيه إال أمم أمثالكم (األنعام‪ .)38 :‬فلفظ (طائر) يف اآلية حيتمل قوله تعاىل‪ :‬فسجد املالئة َّلم أمجعون‪ .‬فلفظ املالئكة مجع عام‬
‫أن يكون مستعمال يف غري حقيقته استعماال جمازا‪ ،‬ذلك أن العرب قد استعملت الطريان لغري الطائر‪ .‬وحيتمل أن يكون شامل جلميع املالئكة‪ ،‬وحيتمل اخلصوص أبن يراد به بعضهم‬
‫املراد ابلطري حقيقته‪ ،‬فإن الطريان يكون ابجلناح حقيقة‪ ،‬لكن قوله تعاىل‪ ( :‬يطي جبناحيها ) قطع االحتمال األول‪ ،‬وهو فقطع هذا االحتمال بقوله كلهم أمجعون فالتأكيد مانع من‬
‫التخصيص مقرر معىن العموم‪.‬‬ ‫احتمال اجملاز‪ ،‬وأكد االحتمال الثاين وهو احلقيقة‪ ،‬فكان بيان تقرير املوجب احلقيقة‪ ،‬وقطعا الحتمال اجملاز‪.‬‬
‫ومن نظائر بيان التقرير من الفروع الفقهية‪ :‬إذا قال الرجل لزوجه‪ :‬أنت طالق‪ ،‬مث قال‪ :‬قصدت املعنی الشرعي الذي هو حلت قيد النكاح فهو بيان تقرير للحكم الثابت بظاهر الكالم‪ ،‬حيث‬
‫إن الطالق يف األصل غري خمتص برفع قيد النكاح‪ ،‬بل هو رفع القيد مطلقا‪ ،‬مث صار خمتصا برفع قيد النكاح شرعا وعرفا فصار حقيقة شرعية‪ ،‬واحتمل رفع كل قيد ابعتبار الوضع‪.‬‬
‫فائداتن‪:‬‬
‫‪ .1‬وهو النص اجللي الذي ال يتطرق إليه َتويل‪ ،‬كقوله تعاىل‪ :‬فصيام ثالثة أايم يف احلج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة (البقرة‪ .)196 :‬قال الزجاج‪ :‬ملا جاز أن يتوهم متوهم التخيري بني‬
‫ثالثة أايم‪ ،‬أو سبعة إذا رجع بدال منها‪ -‬ألنه مل يقل‪ :‬وسبعة أخري ‪ -‬أذيل ذلك ابجلملة من قوله‪( :‬تلك عشر)‪ ،‬مث قال‪( :‬كامله)‬
‫‪ .2‬هذا النوع من البيان جييء موصوط ومفصوال؛ ألنه مقرر للحكم الثابت بظاهر الكالم‪ ،‬فال يضيف له معىن جديدا‪ ،‬فيتغري به مفهوم الكالم يف حال الوصل أو الرتاخي‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬بيان التفسي‬
‫بيان التفسري‪ :‬هو توضيح الكالم مبا يرفع اخلفاء‪ .‬أو هو‪ :‬بيان ما فيه خفاء من اجململ واملشرتك واملشكل واخلفي‪.‬‬
‫اخلفي‬ ‫ملشكل‬ ‫املشرتك‬ ‫اجململ‬
‫هو اللفظ الذي خفي املراد منه َبيث ال ْيكن إدراكه هو‪ :‬اللفظ الذي يدل على معناه داللة ظاهرة‪ ،‬ولكن يف‬ ‫لفظ‪" :‬الصالة" يف قوله تعاىل‪ :‬هو اللفظ الذي وضع‬
‫وأقيموا الصالة (البقرة‪ )43 :‬ملعنيني خمتلفني أو معان إال بالجتهاد والبحث فيما حييط به من القرائن انطباق معناه على بعض األفراد نوع غموض وخفاء حتتاج إزالته‬
‫إىل نظر وأتمل‪ ،‬فيعترب اللفظ خفيا بلنسبة إىل هذا البعض‪.‬‬ ‫واألدلة‪.‬‬ ‫يف اللغة‪ :‬الدعاء‪ ،‬ومل يعلم أي خمتلفة أبوضاع متعددة‪.‬‬
‫كقوله تعاىل‪ :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا خزئة أي مث لفظ‪" :‬السارق" يف قوله تعاىل‪ :‬والسارق والسارقة فاقطعوا‬ ‫دعاء يراد؟ فاستفسران‪ ،‬فبينها كلفظ‪" :‬الصوم" يف قوله ‪-‬‬
‫(البقرة‪ )۲۲۳ :‬فأشكل املراد هبا هنا‪ :‬أهي مبعىن أيديهما (املائدة‪)38 :‬؛ فهذا النص الكرمي معناه واضح‪ .‬ومن‬ ‫‪ -‬ﷺ ‪ -‬بياان شافيا من أوهلا ﷺ ‪" :-‬من نسي وهو‬
‫(كيف)؟ فتكون اآلية دالة على إابحة املخالطة أبي أفراد السارق‪ :‬النباش؛ من يسرق األكفان من القبور‪ .‬الطرار؛‬ ‫إىل آخره أبقواله وأفعاله‪ .‬مث صائم فأكل أو شرب فليتم‬
‫كيفية‪ .‬أم هي مبعىن (من أين) فتكون اآلية دالة على من يسرق الناس يف يقظتهم بقطع احلوافظ واجليوب‪ .‬وقد عرض‬ ‫طلبنا معرفة ما تشتمل عليه صومه فإمنا أطعمه هللا‬
‫إابحة خمالطة الزوجة يف أي موضع يشاؤه الزوج‪ .‬أم هي هلذين الفردين عارض جعل اللفظ خفيا ابلنسبة إليهما وحيتاج‬ ‫الصالة‪ ،‬فوجدانها مشتملة وسقاه " فإنه مشرتك بني‬

‫‪7‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫إدراك أهنما من أفراد السارق إىل شيء من النظر والتأمل‪ .‬فقد‬ ‫مبعىن (متی) أي‪ :‬يف أي وقت يريده الزوج حىت ولو‬ ‫املعىن اللغوي وهو مطلق‬ ‫على‪ :‬القيام والركوع والسجود‬
‫اتفقوا العلماء على أن الطرار يطلق عليه اسم السارق لكن اختلفوا‬ ‫كانت حمرمة أو صائمة‪ ،‬أو حائضا‪ .‬فلما َتملنا يف اآلية‬ ‫اإلمساك‪ ،‬واملعىن الشرعي‬ ‫والقعود وغريها‪ ،‬ووجدان أن‬
‫يف النباش‪ .‬منهم من ال يطلق عليه اسم السارق وال أيخذ حكم‬ ‫ونظران إىل كلمة (حرثكم) علمنا أهنا مبعنی كيف؟ ألن‬ ‫وهو اإلمساك ومن عن مجيع‬ ‫بعض ما تشتمل عليه الصالة‬
‫القطع بل يعزره احلاكم‪ .‬واآلخر ذهب إىل اعترب النباس سارقا‪,‬‬ ‫احلرث هو موضع طلب الولد‪ ،‬والسبيل اآلخر ليس حمال‬ ‫املفطرات من طلوع الفجر‬ ‫فرض‪ ،‬والبعض اآلخر سنة‪،‬‬
‫ألن أخذ أكفان املوتی نوع من السرقة‪ ،‬والقرب يعترب حرا ابلنسبة‬ ‫لذلك‪ .‬ويؤيد كوهنا مبعىن (كيف)‪ :‬سبب النزول؛ حيث‬ ‫إىل غروب الشمس‪ ،‬فيتعني‬ ‫وبذا اتضح لنا لفظ‪" :‬الصالة"‬
‫للكفن‪ ,‬فالكفن مال على حكم ملك امليت‪ ،‬وله مطالب من‬ ‫إن اليهود كانوا يقولون من أيت املرأة من دبرها يف قبلها‬ ‫املعىن الثاين ‪-‬الشرعي‪-‬‬ ‫وصار مفسرا بعد أن كان‬
‫جهة العباد وهم أولياء امليت‪.‬‬ ‫جاء الولد أحول‪ ،‬فأنزل هللا تعاىل اآلية لتكذيب قوهلم‪.‬‬ ‫لورود اللفظ يف نص شرعي‪.‬‬ ‫جممال"‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬يف بيان التغيي‬
‫بيان التغيي‪ :‬هو ما يغري الكالم عن املعىن احلقيقي الظاهر‪ ,‬وهذا النوع من البيان يكون ابملستقل وبغري املستقل‪.‬‬
‫املستقل‪ :‬واملراد به‪ :‬الكالم املبتدأ املفيد بنفسه الذي ال تتوقف إفادته على تعلقه بصدر الكالم غي املستقل‪ :‬وهو الذي ال يكون مفيدا بنفسه وإمنا تتوقف إفادته على تعلقه بصدر الكالم‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪ :‬قال هللا تعاىل‪ :‬وأحل هللا البيع وحرم الرب (البقرة‪ ،)275 :‬فإن لفظ‪ :‬البيع عام وهو مخسة أشياء ‪ :‬االستثناء‪ ،‬والشرط‪ ،‬والصفة‪ ،‬والغاية‪ ،‬وبدل البعض من الكل‪.‬‬
‫يشمل مجيع املبادالت املالية‪ ،‬سواء أكانت ربوية أم غري ربوية‪ ،‬وقد خص منه الراب بكالم‬
‫مستقل وهو قوله تعاىل‪ :‬وحرم الرب‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬يف بيان الضرورة‬
‫بيان الضرورة‪ :‬هو نوع من التوضيح يقع بسبب الضرورة؛ أو هو إظهار املراد مبا مل يوضع للبيان‪ .‬وهو أربعة أنواع‪:‬‬
‫ما ثبت ضرورة اختصار الكالم‬ ‫البيان لضرورة دفع الغرر‪ ،‬والضرر‬ ‫البيان بداللة حال املتكلم‬ ‫البيان بداللة املنطوق‬
‫مثاله قول القائل ‪ :‬لفالن علي مائة‬ ‫هو السكوت الذي يعترب كالداللة منعا للغرر‬ ‫وهو أن يسكت من عليه البيان على أمر لو‬ ‫ويتحقق فيما إذا دل اللفظ املنطوق به على حكم‬
‫ودرهم‪ .‬فاحلنفية يقولون‪ :‬إن العطف هنا‬ ‫والضرر‪.‬‬ ‫كان يريد خالفه البينه‪.‬‬ ‫املسكوت عنه‪ ،‬لكون املسكوت الزما للمنطوق‪.‬‬
‫بيان للمائة أبهنا من جنس املعطوف وهو‬ ‫ومثاله‪ :‬سكوت الويل حني يرى حمجوره يبيع‬ ‫وذلك كسكوته ‪ -‬ﷺ ‪ -‬على عدم األذان‬ ‫ومن أمثلته‪ :‬قال تعاىل‪ :‬فإن مل يكن له ولد وورثة‬
‫الدرهم‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬لفالن علي مائة‬ ‫ويشرتي فإن سكوته حينئذ حيمل على أنه أذن‬ ‫واإلقامة الصالة العيد‪ ،‬وعلى عدم إخراج‬ ‫أبواه فألمه الثلث (النساء‪ ،)11 :‬فإن صدر‬
‫درهم ودرهم وإمنا حذف لفظ‪ -‬درهم ‪-‬‬ ‫له يف التصرف والتجارة؛ ألن الظاهر من حاله‬ ‫الزكاة من اخلضروات‪ ،‬وعلى من أكل‬ ‫الكالم وهو قوله‪ ( :‬وورثه أبواه ) أوجب الشركة‬
‫يف األول حىت ال يطول الكالم‪ ،‬أو لكثرة‬ ‫هنيه إذا مل يرض بتصرفه دفعا للضرر عمن‬ ‫الضب على مائدته‪ .‬فهذا السكوت منه ‪-‬‬ ‫يف املرياث‪ ،‬من غري بيان نصيب كل منهما‪ ،‬وعليه‬
‫استعماله‪ ،‬فإهنم كثريا ما يقولون‪ :‬مائة‬ ‫يتعامل احملجور عليه معهم؛ إذ لو مل جيعل إذن‬ ‫ﷺ ‪ -‬وعدم إنكاره دليل على مشروعية‬ ‫فتخصيص األم ابلثلث صار بياان لكون األب‬
‫وعشرة دراهم‪ ،‬ويريدون به أن الكل‬ ‫الكان تغريرا ابلناس وإضرارا هبم؛ ألهنم‬ ‫ما شاهده ورآه‪ .‬ويف حكمه سكوت‬ ‫يستحق الباقي وهو الثلثان؛ ألن نصيب أحد‬
‫دراهم‪ .‬أما إذا مل يكن من املقدرات‪,‬‬ ‫يستدلون بسكوته وعدم إنكاره على إذنه له‬ ‫الصحابة رضي هللا عنه بشرط القدرة على‬ ‫الشريكني بيان نصيب األخر ابلضرورة‪.‬‬
‫كالثياب فليس كذلك‪.‬‬ ‫يف التصرف والتجارة‬ ‫اإلنكار‪ ,‬وكون الفاعل مسلما‪.‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬بيان التبديل وهو النسخ‬
‫عرف النسخ بتعريفات كثرية أشهرها تعريفان‪:‬‬
‫قال ابن احلاجب‪ ،‬والشاطيب وغيُها‪ :‬النسخ هو رفع حكم شرعي بدليل شرعي مرتاخ عنه‪.‬‬ ‫قال البيضاوي وغيه‪ :‬النسخ هو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي مرتاخ عنه‪.‬‬
‫ومل يتفق العلماء على رأي واحد ابلنسبة للنسخ‪ :‬هل هو نوع من أنواع البيان أو ال‪:‬‬
‫أن النسخ بيان‬ ‫أن النسخ ليس بيان‬
‫وذلك ابعتبار أنه وإن كان بيان انتهاء مدة احلكم‪ ،‬إن النسخ له جهتان‪ :‬جهة ابلنسبة حلق هللا تعاىل‪ ،‬وجهة ابلنسبة للبشر‪ .‬فهو يف حق هللا تعالی بيان حمض النتهاء مدة احلكم األول‪،‬‬
‫لكنه يف حق صاحب الشرع‪ ،‬فأما يف حق العباد فهو فليس فيه معىن التبديل والرفع من هذه اجلهة؛ ألنه كان معلوما عنده سبحانه أن ينتهي إىل وقت كذا ابلناسخ‪ .‬أما النسخ يف حق‬
‫رفع احلكم الثابت‪ .‬كما أن البيان يقع يف األخبار البشر فبيان تبديل؛ ألن هللا ‪ - -‬ملا مل يبني توقيت احلكم املنسوخ حني شرعه‪ ،‬كان ظاهره البقاء يف حق البشر؛ ألن إطالق األمر‬
‫بشيء يوهم بقاء هذا األمر على وجه التأبيد من غري أن نقطع بذلك مدة نزول الوحي‪.‬‬ ‫احملضة‪ ،‬ويقع موصوال‪ ،‬خبالف النسخ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫النسخ‬
‫الفصل األول‪ :‬وموقيف العلماء منه‬
‫املبحث األول‪ :‬يف مدلول النسخ‬
‫يطلق لفظ النسخ يف لغة العرب على معنيني اثنني مها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خ ٰٰ‬
‫اّللُ‬ ‫سُ‬ ‫الش ْيطٰن ِ ٓ ِ ِ‬
‫ّن اَلْ َقى َّ ُ ْ‬
‫يف اُْمنيَّته فَ يَ ْن َ‬ ‫يب ا َّالٓ ا َذا ْتََ ٰٰٓ‬ ‫‪ .1‬إبطال الشيء وإعدامه وإزالته‪ ،‬يقال ‪ :‬نسخت الريح أثر القدم أي أزالته‪ ،‬ومنه قوله تعاىل ‪َ :‬وَمآ اَ ْر َسلْنَا م ْن قَ ْب ِل َ‬
‫ك م ْن َّر ُس ْول َّوَال نَِ ٰ‬
‫اّللُ َع ِل ْي ٌم َح ِك ْي ٌم ۙ(احلج‪.)52 :‬‬ ‫الش ْيطٰ ُن ُمثَّ ُْحي ِك ُم ٰٰ‬
‫اّللُ ٰايٰتِه َو ٰٰ‬ ‫َما يُل ِْقى َّ‬
‫ِ‬
‫‪ .2‬نقل الشيء وحتويله مع بقائه يف نفسه ‪ ،‬ومنه تناسخ املواريث ابنتقاهلا من قوم إىل قوم‪ ،‬ومنه نسخ الكتاب ملا فيه من مشاهبة النقل‪ ،‬وإليه اإلشارة بقوله تعاىل‪ :‬ا َّان ُكنَّا نَ ْستَ نْ ِس ُ‬
‫خ َما ُكنْ تُ ْم‬
‫تَ ْع َمل ُْو َن (اجلاثية‪ .)29 :‬واملراد به نقل األعمال إىل الصحف ومن الصحف إىل غري‪.‬‬
‫النسخ يف االصطالح‪ :‬هو رفع احلكم الشرعي بدليل شرعي متأخر‪.‬‬
‫أُهية معرفة الناسخ واملنسوخ‬ ‫على العموم يؤخذ من التعريف‬
‫موضوع النسخ موضوع تشعبت مسالكه وكثرت تفاريعه وقد تناول الكثري من املسائل‬ ‫‪.1‬‬ ‫أوال‪ :‬التعبري برفع احلكم يفيد أن النسخ ال ميكن أن يتحقق إال أبمرين مها‪ -1 :‬أن يكون‬
‫الدقيقة اليت كانت مثارا خلالف الباحثني من علماء األصول‪.‬‬ ‫هذا الدليل الشرعي مرتاخيا عن دليل ذلك احلكم الشرعي املرفوع‪ -2 .‬أن يكون بني هذين‬
‫أن معرفة الناسخ واملنسوخ ركن عظيم يف فهم اإلسالم ويف االهتداء إىل صحيح األحكام‪.‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫الدليلني تعارض حقيقي حبيث ال ميكن اجلمع بينهما وإعماهلما معا‪.‬‬
‫أن اإلملام مبعرفة الناسخ واملنسوخ يكشف النقاب عن سري التشريع اإلسالمي ويطلع‬ ‫‪.3‬‬ ‫اثنيا‪ :‬أن هذا التعريف يشمل النسخ الواقع يف القرآن ويف السنة مجيعا‪.‬‬
‫اإلنسان على حكمة هللا يف تربيته للخلق وسياسته للبشر وابتالئه للناس‪.‬‬ ‫اثلثا‪ :‬أن اإلضافة يف كلمة "رفع احلكم الشرعي" الواردة يف تعريف النسخ من قبيل إضافة‬
‫أن أعداء اإلسالم اختذوا من النسخ يف الشريعة اإلسالمية أسلحة مسمومة طعنوا هبا يف‬ ‫‪.4‬‬ ‫املصدر إىل مفعوله‪ ،‬والفاعل مضمر‪ ،‬هو هللا تعاىل‪ ،‬وذلك يرشد إىل أن الناسخ يف احلقيقة‬
‫صدر الدين احلنيف‪.‬‬ ‫هو هللا تعاىل‪ ,‬ويرشد أيضا إىل أن املنسوخ يف احلقيقة هو احلكم املرتفع‪.‬‬
‫حكمة هللا تعاىل يف النسخ‪:‬‬
‫‪ .1‬وقد اتفق العلماء مجيعا على أن الشريعة اإلسالمية نسخت كل شريعة قبلها‪ ،‬ويف هذا بيان شرف نبينا حممد ‪ -‬ﷺ ‪ ، -‬فإن هللا نسخ بشريعته شريعتهم‪ ،‬وشريعته ال انسخ هلا‪.‬‬
‫‪ .2‬كما اتفق العلماء على نسخ بعض أحكام هذا الدين ببعض‪ ،‬ولعل احلكمة من وراء هذا النسخ ترجع إىل سياسة األمة وتعهدها مبا يرقيها ويطهرها‪.‬‬
‫‪ .3‬وأما احلكمة يف نسخ احلكم مبا يساويه فهي االبتالء واالختبار اليميز هللا اخلبيث من الطيب‪.‬‬
‫‪ .4‬أما احلكمة من بقاء التالوة مع نسخ احلكم هو ظاهرة سياسة اإلسالم للناس حىت يشهدوا أنه الدين احلق‪ ،‬وأن نبيه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬نيب الصدق‪ .‬يضاف إىل ذلك ما يكتسبونه من الثواب على‬
‫هذه التالوة‪ ،‬ومن االستمتاع مبا حوته تلك اآلايت املنسوخة من بالغة‪ ،‬ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية هبا‪.‬‬
‫‪ .5‬وأما نسخ التالوة مع بقاء احلكم فحكمته تظهر يف كل آية مبا يناسبها‪ .‬كآية " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارمجها البته " نسخ هللا تالواته حلكمة أخرى وهي اإلشارة إىل شتاعة هذه‬
‫الفاحشة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬يف شروط النسخ‬
‫ذكر العلماء للنسخ شروطا البد منها أُهها ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون املنسوخ حكما شرعا ممكنا ال واجبا لذاته (كاإلميان) وال ممتنعا لذاته ( كالكفر) فإن وجوب اإلميان وحرمة الكفر ال ينسخ يف دين من األداين‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون النسخ بشرع فال يكون ارتفاع احلكم ابملوت نسا ألنه حاصل ابلعقل‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون الناسخ منفصال عن املنسوخ متأخرا عنه‪ ،‬فإن املقرتن كالشرط والصفة واالستثناء ال يسمى نسخا بل ختصيصا‪.‬‬
‫‪ .4‬أال يكون املنسوخ مقيدا بوقت معلوم‪ .‬كقوله تعاىل‪ :‬وكلوا واشربوا حىت يتبني لكم اخليط األبيض من اخليط األسود من الفجر (البقرة‪)۱۸۷ :‬‬
‫أهم الفروق بني النسخ والتخصيص‬
‫التخصيص‬ ‫النسخ‬
‫هو قصر العام على بعض أفراده‬ ‫هو رفع احلكم الشرعي بدليل شرعي متأخر‬
‫يكون هبما وبغريمها كدليل احلس والعقل‬ ‫ال يكون إال ابلكتاب والسنة‬
‫التخصيص فال يرد على األمر ملأمور واحد وال على النهي ملنهي واحد‪.‬‬ ‫النسخ جيوز وروده على األمر ملأمور واحد کنسخ بعض األحكام اخلاصة به ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬
‫التخصيص فإنه يدل على أن املخرج غري مراد ابحلكم ابتداء ‪ ،‬وإن دل عليه اللفظ وضعا‪.‬‬ ‫النسخ يدل على أن املنسوخ كان مرادا ابحلكم ابتداء‪.‬‬
‫العام بعد ختصيصه جماز‪.‬‬ ‫النص املنسوخ ما زال كما كان مستعمال فيما وضع له‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬يف أنواع النسخ‬
‫نسخ السنة ابلسنة‬ ‫نسخ السنة ابلقرآن‬ ‫نسخ القرآن ابلسنة‬ ‫نسخ القرآن ابلقرآن‬
‫املبحث األول‪ :‬يف نسخ القرآن بلقرآن‬

‫‪9‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫نسخ القرآن ابلقرآن‪ :‬أي نسخ بعض القرآن ببعضه؛ ألن القرآن مجيعه ال جيوز نسخه‪ ،‬ألنه من حيث لفظه معجزة مستمرة على التأبيد‪ ،‬ومن حيث اشتماله على أحكام الشريعة ذاات أو استدالال‬
‫كحجية السنة واإلمجاع‪ ،‬والقياس يكون رفعه رفعا لتلك الشريعة ورفع الشريعة كلها يتناِف مع كوهنا أخر الشرائع والناس ال يرتكون بغري شريعة‪ .‬وهذا القسم يتنوع إىل ما يلي‪:‬‬
‫نسخ احلكم فقط دون التالوة‬ ‫نسخ التالوة فقط دون احلكم‬ ‫نسخ التالوة واحلكم معا‬
‫ب َعلَيْ ُك ْم إِذَا َح َ‬ ‫ِ‬
‫ت (الْبَ َقَرة‪:‬‬
‫َح َد ُك ُم ال َْم ْو ُ‬
‫ض َر أ َ‬ ‫روي عن أيب بن كعب عنه ‪ -‬أنه قال‪ :‬كانت سورة األحزاب قَ ْولُهُ تَ َع َاىل‪ُ :‬كت َ‬ ‫كتحرمي الرضاع کان بعشر رضعات وكان مما يتلي فنسخ‬
‫اّللُ ِيف‬ ‫يث ( ي ِ‬
‫وصي ُك ُم َّ‬ ‫توازي سورة النور فكان فيها "الشيخ والشيخة إذا زنيا ‪ )180‬مْنسوخةٌ‪ ،‬قِيل‪ِِ :‬بي ِة الْموا ِر ِ‬ ‫الرسم واحلكم معا‪ .‬ما روت هللا عنها أهنا قالت‪ " :‬كان فيما‬
‫ُ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ ُ َ‬
‫يل‪ِ :‬حبَ ِديث‪ ( :‬أََال‬ ‫ظ ْاألُنْ ثَ ي ْنيِ )‪ ،‬وقِ‬ ‫ٰ‬‫لذَك ِر ِمثْل ح ِ‬
‫أ َْوَال ِد ُك ْم ۖ لِ َّ‬ ‫فارمجومها"‬ ‫أنزل عشر رضعات حمرمات فنسخت خبمس وليس يف‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫يل‪ِ :‬اب ِْإل ْمجَ ِاع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫املصحف عشر رضعات حمرمات وال حكمها فهما‬
‫َال َوصياةَ ل َوارث )‪َ ،‬وق َ‬
‫منسوخان"‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف نسخ احلكم دون التالوة بني جميز له ومانع‪:‬‬
‫أما املانعون َّلذا الضرب فيقولون‪ :‬ال ميكن أن توجد يف القرآن‬ ‫رأى اجمليزون َّلذا الضرب‪ :‬أن هناك حكما وراء هذا النوع منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن القرآن الكرمي كما يتلى ليعرف احلكم منه والعمل به‪ ،‬يتلى لكونه كالم هللا تعاىل فيثاب عليه فرتكت التالوة الكرمي آايت معطلة األحكام بقيت يف املصحف للذكرى والتاريخ‪،‬‬
‫تقرأ التماسا ألجر التالوة فحسب وينظر إليها كما ينظر إىل التحف‬ ‫هلذه احلكمة‪.‬‬
‫الثمينة يف دور اآلاثر‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن النسخ غالبا يكون للتخفيف فأبقيت التالوة تذكريا ابلنعمة ورفع املشقة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬يف نسخ القرآن بلسنة‬
‫نسخ القرآن ابلسنة اختلف فيه العلماء بني جموز ومانع‪ ،‬مث اختلف اجملوزون بني قائل ابلوقوع الشرعي وقائل بعدمه وإليك البيان بشيء من التفصيل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مقام اجلواز‪:‬‬
‫أن نسخ القرآن بلسنة ِمتنع عقال‬ ‫جائز عقال‪ ،‬وليس مستحيال لذاته وال لغيه‪.‬‬
‫ك ال ِٰذ ْك َر‬ ‫ِ‬
‫قال هللا تعاىل خماطبا حبيبه ‪ -‬ﷺ ‪َ :-‬واَنْ َزلْنَآ ال َْي َ‬ ‫وحجة هؤالء اجمليزين أن نسخ القرآن ابلسنة ليس مستحيال الذاته وال لغريه‪ ،‬أما األول فألنه ال يرتتب على فرض وقوعه‬
‫َّاس َما نُ ِٰز َل اِل َْي ِه ْم (النحل‪ )44 :‬وجه الداللة‪ :‬أن‬ ‫ني لِلن ِ‬ ‫ِ‬
‫لتُ بَِٰ َ‬ ‫حمال‪ .‬وأما الثاين‪ :‬فألن السنة وحي من هللا تعاىل كالقرآن‪ .‬قال تعاىل منزها نطق حبيبه عن اهلوى ‪َ :‬وَما يَ ْن ِط ُق َع ِن ا َّْلَٰوى‬
‫هذه اآلية الكرمية تدل على أن وظيفة الرسول ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬ ‫اِ ْن ُه َو اَِّال َو ْح ٌي يُّ ْو ٰح نى (النجم‪( )3,4 :‬النجم‪ .) 4 ،3 :‬والفارق بينهما أن ألفاظ القرآن من ترتيب هللا تعاىل وإنشائه‪،‬‬
‫منحصرة يف بيان القرآن‪ .‬فلو نسخت السنة القرآن ملا كانت‬ ‫وألفاظ السنة من ترتيب الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬وإنشائه‪ ،‬والقرآن له خصائصه وللسنة خصائصها وهذه الفوارق ال أثر هلا فيما‬
‫بياان له‪ .‬بل كانت رافعة له‪.‬‬ ‫حنن بسبيله ما دام أن هللا هو الذي ينسخ وحيه بوحيه‪ .‬وحيث ال أثر هلا فنسخ أحد هذين الوحيني ابآلخر ال مانع مينعه‬
‫عقال وال شرعا فتعني القول جبوازه‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬مقام الوقوع‪:‬‬
‫القائلون جبواز نسخ القرآن ابلسنة عقال اختلفوا يف الوقوع الشرعي بني مثبت له وانف‪ .‬وبعد ذكر املذاهب يف نسخ القرآن ابلسنة‪ ،‬يتضح لنا جليا أن نسخ القرآن ابلسنة ليس هناك مانع مينعه‬
‫عقال غاية األمر أنه مل يقع شرعا وما استدل به على الوقوع رد وهللا أعلم‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬يف نسخ السنة بلقرآن‬
‫يف نسخ السنة ابلقرآن مذهبان مها‪:‬‬
‫أن النسخ السنة بلقرآن الجيوز‬ ‫جائز عقال و واقع شرعا‬
‫َّاس َما نُ ِٰز َل اِلَيْ ِه ْم (النحل‪:‬‬
‫ني لِلن ِ‬ ‫وقد استدل أصحاب هذا املذهب على اجلواز العقلي مبا يلي‪ :‬أن الكتاب والسنة وحي من هللا تعاىل‪ ،‬كما قال جل قال تعاىل‪ :‬واَنْزلْنَآ اِلَي َ ِ ِ‬
‫ك ال ٰذ ْك َر لتُ بَِٰ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫‪ .)44‬وهذا يدل على أن كالمه بيان للقرآن والناسخ بيان للمنسوخ‪،‬‬ ‫شأنه‪َ :‬وَما يَنْ ِط ُق َع ِن ا َّْلَٰوى اِ ْن ُه َو اَِّال َو ْح ٌي يُّ ْو ٰح نى (النجم‪ )3,4 :‬ووجه الداللة كما تقدم ذكره‪.‬‬
‫واستدلوا على الوقوع الشرعي أبدلة منها‪ :‬أن التوجه إىل بيت املقدس مل يعرف إال من السنة‪ ،‬وقد نسخ بقوله تعاىل‪ :‬فلو كان القرآن انسا للسنة لكان القرآن بياان للسنة‪ ،‬فيلزم كون كل‬
‫واحد منهما بياان لآلخر‪.‬‬ ‫ك َشط َْر ال َْم ْس ِج ِد ا ْحلََر ِام (البقرة‪)144 :‬‬ ‫فَ َو ِٰل َو ْج َه َ‬
‫املبحث الرابع‪ :‬يف نسخ السنة بلسنة‬
‫واحلق أن نسخ السنة ابلسنة يتنوع إىل أربعة أنواع هي‪ -1 :‬نسخ سنة متواترة بسنة متواترة‪ -2 .‬نسخ سنة أحادية بسنة أحادية‪ -3 .‬نسخ سنة أحادية بسنة متواترة‪ -4 .‬نسخ سنة متواترة بسنة‬
‫أحادية‪ .‬ويالحظ أن الثالثة األول حمل اتفاق فهي جائزة عقال وشرعا‪ ,‬وأما الرابع وهو نسخ السنة املتواترة ابلسنة األحادية فاتفق العلماء على جوازه عقال واختلفوا يف وقوعه شرعا‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬يف طرق معرفة النسخ‬
‫فإن علم َتخري أحدمها عن اآلخر فهو انسخ‪ ،‬واملتقدم منسوخ‪ ،‬وذلك قد يعرف بواحد مما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون يف أحد النصني ما يدل على تعيني املتأخر منهما‪ ،‬وذلك كحديث جابر‪" :‬كان آخر األمرين من رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ترك الوضوء ِما مست النار"‬
‫‪ .2‬أن ينعقد إمجاع األمة يف أي عصر من العصور على تعيني املتقدم من النصني واملتأخر منهما‪.‬‬
‫‪ .3‬معرفة أن أحد األمرين املتعارضني بعينه متأخر عن األمر اآلخر وعليه فيكون املتأخر هو الناسخ للمتقدم‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يكون أحد النصني موافقا للرباءة األصلية دون اآلخر‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫السنة‬
‫الباب األول‬
‫السنة وموقيف العلماء من االحتجاج بها‬
‫الفصل األول‪ :‬تعريف السنة‬
‫السنة يف اللغة‪ :‬هي الطريقة املسلوكة‪ .‬السنة يف االصطالح‪ :‬تطلق السنة اترة على ما يقابل القرآن الكرمي‪ ,‬وتطلق السنة اترة على ما يقابل الفرض وغريه من األحكام اخلمسة وهي هبذا اإلطالق‬
‫ترادف املندوب‪ ،‬وتقابل الواجب‪ ،‬واحملرم‪ ،‬واملكروه‪ ،‬واملباح‪ ,‬كما تطلق السنة أيضا على ما يقابل البدعة‪.‬‬
‫واملشهور يف تعريفها عند األصوليني‪ :‬ما صدر عن النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬من غري القرآن من قول أو فعل أو تقرير‪.‬‬
‫وهذا التعريف األصويل للسنة يستفاد منه ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن السنة دليل من أدلة األحكام‪ ،‬ألهنا عبارة عن قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو تقرير من ال ينطق عن اهلوى ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬
‫اثنيا‪ :‬تنقسم السنة من حيث ماهيتها وذاهتا إىل ثالثة أقسام هي‪:‬‬
‫السنة القولية‪ :‬وهي أقواله اليت نطق السنة الفعلية‪ :‬وهي ما صدر عن النيب السنة التقريرية‪ :‬وهي عبارة عن سكوته ‪ -‬ﷺ ‪ -‬عن إنكار قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬صدر من أحد أصحابه يف‬
‫حضرته‪ ،‬أو غيبته‪ ،‬وعلم به ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬ ‫هبا‪ :‬وقاهلا تبعا ملقتضيات األحوال‪ - .‬ﷺ ‪ -‬من أفعال ليست جبلية‪.‬‬
‫قال رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪" :-‬من حسن كأداء الصالة هبيئاهتا املعروفة‪ ،‬وكيفية عن عمرو بن العاص أنه ملا بعث يف غزوة ذات السالسل قال‪ :‬احتلمت يف ليلة ابردة‪ ،‬شديدة الربد‪،‬‬
‫الوضوء‪ ،‬وقطع يد السارق من الرسغ‪ ،‬فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك‪ ،‬فتيممت‪ ،‬مث صليت أبصحايب صالة الصبح‪ ،‬فلما قدمنا على رسول‬ ‫إسالم املرء تركه ما ال يعنيه"‬
‫وقضائه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بشاهده وميني إىل هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ذكروا ذلك له‪ ،‬فقال‪ :‬اي عمرو‪ ،‬صليت أبصحابك وأنت جنب؟" فقلت‪ :‬ذكرت قول‬
‫يما (النساء‪ ،)29 :‬فتيممت‪ ،‬مث صليت‪ ،‬فضحك‬ ‫ِ ِ‬ ‫س ُك ْم إِ َّن َّ‬ ‫غري ذلك‪.‬‬
‫اّللَ َكا َن ب ُك ْم َرح ً‬ ‫هللا تعاىل‪َ :‬وَال تَ ْقتُ لُوا أَنْ ُف َ‬
‫رسول هللا ‪ ،-‬ومل يقل شيئا‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬االحتجاج بلسنة النبوية‬
‫مذهب القائلني بعدم االحتجاج بلسنة‪ ,‬أصحاب هذا املذهب هم الزاندقة ‪ ،‬وطائفة من غالة‬ ‫ذهب اجلمهور إىل القول بالحتجاج بلسنة ‪ ،‬وأهنا املصدر الثاين للتشريع بعد القرآن الكرمي‪،‬‬
‫الرافضة‪.‬‬ ‫وأنه ال يستغين عنها مطلقا‪ ،‬ألهنا املفصحة عن معاين القرآن الكرمي‪ ،‬الكاشفة عن أسراره‪.‬‬
‫اب تِبْ يَ ًاان لِ ُك ِٰل َش ْيء (النحل ‪ .)89 :‬وقال‬ ‫الشبهة األوىل‪ :‬قال هللا تعالی ‪ :‬ونَ َّزلْنَا َعلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اّللُ َويَغْ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم ٍۗ‬ ‫أوال‪ :‬الكتاب‪ :‬قال هللا تعاىل‪ :‬قُ ْل إِ ْن ُكنْ تُ ْم ُِحتبُّو َن َّ‬
‫اّللَ فَاتَّبِعُ ِوين ُْحيبِبْ ُك ُم َّ‬
‫اب ِم ْن َش ْيء (األنعام‪. )38 :‬‬ ‫سبحانه‪ :‬ما فَ َّرطْنَا ِيف ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫َ‬ ‫يم (آل عمران‪)31 :‬‬ ‫اّلل غَ ُف ِ‬
‫َو َُّ ٌ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫فقد فهموا من هاتني اآليتني أن القرآن الكرمي اشتمل على كل شيء‪ ،‬وعليه فال يرجع إال إليه‪،‬‬ ‫اثنيا‪ :‬السنة‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬تركت فيكم اثنتني لن تضلوا ما ْتسكتم هبما‪:‬‬
‫إذ لو جاز الرجوع إىل السنة‪ ،‬لكان معىن ذلك أننا نشك يف اشتمال القرآن على كل شيء ‪،‬‬ ‫كتاب هللا وسنيت "‬
‫وهو خالف ما أخربت به اآليتان‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬اإلمجاع‪ :‬أمجع صحابة سيدان رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬على وجوب التمسك بسنته ‪ -‬ﷺ‬
‫‪ -‬يف حال حياته وبعد مماته‪ ،‬ومل يفرقوا أبدا بني االحتجاج ابلقرآن واالحتجاج ابلسنة‪ ،‬فكالمها اجلواب عن هذه الشبهة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ما يتعلق ابآلية األوىل‪ :‬إن املراد هو أن القرآن الكرمي بيان ألمور الدين‪ ،‬إما بطريق النص‪،‬‬ ‫حجة ملزمة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬املعقول‪ :‬إن الدليل القطعي دلت على أن سيدان حممدا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬رسول هللا إىل خلقه‪ ،‬وإما بطريق اإلحالة على السنة‪ .‬فهو إما أن ينص على حكم الشيء صراحة‪ ،‬وإما أن حييل إىل‬
‫وأنه خامت النبيني‪ ،‬وما دام ‪ -‬ﷺ ‪ -‬رسوال من قبل هللا إىل خلقه فبدهي أنه على اجلميع أن السنة املطهرة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ما يتعلق ابآلية الثانية‪ : :‬ال نسلم لكم أبن املراد ابلكتاب يف اآلية هو القرآن‪ ،‬وإمنا املراد‬ ‫يتبعوه‪ ،‬وينقادوا له‪ ،‬ويتمسكوا مبا جاء به‬
‫به عند أكثر العلماء هو اللوح احملفوظ‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الصلة بني القرآن الكرمي والسنة‬
‫املبحث األول‪ :‬املقدار الذي بينه الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬من القرآن‬
‫وقد اختلف العلماء يف املقدار الذي بينه الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬من القرآن ألصحابه على مذهبني اثنني‪:‬‬
‫املذهب الثاين‪ :‬أن أن رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬مل يبني‬ ‫املذهب األول‪ :‬أن رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بني ألصحابه كل معاين القرآن الكرمي‪ ،‬كما بني هلم ألفاظه‪.‬‬
‫ألصحابه كل معاين القرآن‪ ,‬وإمنا بني قليل فقط‪.‬‬
‫أن رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬دعا البن عمه عبد عباس رضي‬ ‫ني لِلن ِ‬
‫َّاس َما نُ ِٰز َل إِل َْي ِه ْم َول ََعلَّ ُه ْم يَتَ َف َّك ُرو َن (النحل‪.)44 :‬‬ ‫واستدلوا على هذا بقوله تعاىل‪ :‬وأَنْزلْنَا إِلَي َ ِ ِ‬
‫ك ال ٰذ ْك َر لتُ بَِٰ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫وجه الداللة‪ :‬إن البيان املذكور يف اآلية يتناول بيان معاين القرآن‪ ،‬كما يتناول بيان ألفاظه‪ ،‬ومما ال شك فيه أن الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬هللا عنهما فقال‪" :‬اللهم فقهه يف الدين‪ ،‬وعلمه التأويل "‪،‬‬
‫بني األصحابه ألفاظه كلها‪ ،‬والبد وأن يكون قد بني هلم أيضا كل معانيه‪ ،‬وإال كان مقصرا يف البيان الذي كلف به من هللا تعاىل‪ ،‬فلو كان التأويل مسموعا كالتنزيل فما فائدة ختصيصه هللا‬
‫بن بذلك ؟‬ ‫وحاشاه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أن يقصر يف شيء‪.‬‬
‫واحلق أن املتأمل والناظر بعني اإلنصاف جيد أن النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬مل يفسر كل معاين القرآن ألصحابه‪ ،‬وإال ملا اختلفوا يف معىن بعض اآلايت‪ ،‬ولو كان عندهم من الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فيه نص‬
‫ما وقع هذا االختالف‪ ،‬أو ألرتفع بعد الوقوف على النص‪ ،‬وجيد أيضا أنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬مل يفسر هلم ما يرجع فهمه إىل معرفة كالم العرب ألن القرآن نزل بلغتهم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫املبحث الثاين‪ :‬أنواع بيان القرآن بلسنة‬


‫أوجه بيان السنة للقرآن‪ :‬ترد السنة املطهرة مع القرآن الكرمي على ثالثة أوجه هي‪:‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن تكون مبينة ألحكام القرآن من ختصيص الوجه الثالث‪ :‬أن تكون السنة مثبتة حلكم سكت القرآن عن إثباته‪،‬‬ ‫الوجه األول‪ :‬أن تكون مؤيدة ألحكام القرآن موافقة له‪،‬‬
‫أو حمرمة ملا سكت عن حترميه أو حنومها مما مل يذكر يف القرآن‪.‬‬ ‫عام‪ ،‬أو تقييد مطلق‪ ،‬أو تفصيل جممل‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬ ‫من حيث‪ :‬اإلمجال والتفصيل‪.‬‬
‫ظ فمن األول‪ :‬تغريب الزاين البكر‪ ،‬وإرث اجلدة‪ ،‬وجواز الرهن يف‬ ‫لذَك ِر ِمثْ ُل َح ِٰ‬
‫اّللُ ِيف أ َْوَال ِد ُك ْم ۖ لِ َّ‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬ي ِ‬
‫وصي ُك ُم َّ‬ ‫ُ‬ ‫مثل قوله ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬ال حيل مال امرئ مسلم إال بطيب‬
‫ْاألُنْ ثَ يَ ْني (النساء‪ )11 :‬اآلية‪ ،‬وقال رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬احلضر‪ .‬ومن الثاين‪ :‬حترمي اجلمع بني املرأة وعمتها وخالتها‪ ،‬ومنع‬ ‫من نفسه " فهذا القول الكرمي موافق لقوله تعاىل‪َ :‬اي أَيُّ َها‬
‫‪ " :‬إان معاشر األنبياء النورث‪ ،‬ما تركناه صدقة " احلائض من الصوم والصالة‪ ،‬وكاألحاديث الواردة يف حترمي سباع‬ ‫الَّ ِذين آمنُوا َال َأتْ ُكلُوا أَموالَ ُكم ب ي نَ ُكم ِبلْب ِ‬
‫اط ِل إَِّال أَ ْن‬‫ْ َ ْ َْ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫البهائم‪ ،‬وسباع الطري‪ ،‬ويف حترمي اخلمر‪.‬‬ ‫(ختصيص العام)‬ ‫ارةً َع ْن تَ َراض ِم ْن ُك ْم (النساء ‪.)29 :‬‬ ‫ِ‬
‫تَ ُكو َن ِتَ َ‬
‫الباب الثاني‬
‫المتوتر واآلحد‬
‫الفصل األول‪ :‬تعريف املتواتر وأنواعه‬
‫املبحث األول‪:‬تعريف املتواتر‬
‫التواتر يف اللغة‪ :‬عبارة عن جميء الواحد بعد الواحد بفرتة بينهما‪ .‬وأما يف االصطالح‪ :‬هو الذي يروى من طريق حتيل العادة اتفاق رواته على الكذب على رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أنواع املتواتر‬
‫املتواتر املعنوي‪ :‬وهو الذي ختتلف فيه ألفاظ الرواة‪ ،‬وهلم جرا غري أن هذه الوقائع تكون مشتملة‬ ‫املتواتر اللفظي‪ :‬وهو الذي تتفق ألفاظ الرواة فيه‬
‫على قدر مشرتك‪.‬‬
‫قال رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ " :-‬من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "‪ .‬أن هذا احلديث ومثال املتواتر املعنوي يف السنة‪ :‬أحاديث رفع اليدين يف الدعاء ‪ ،‬فقد ورد عنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬حنو‬
‫روي عن أكثر من ستني صحابيا مرفوعا‪ ،‬وذكر أبو القاسم عبد الرمحن بن منده عدد من رواه مائة حديث يف رفع يديه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬عند الدعاء ‪ ،‬غري أهنا يف قضااي خمتلفة‪ ،‬فكل قضية منها مل‬
‫تتواتر‪ ،‬والقدر املشرتك بينها وهو الرفع عند الدعاء تواتر ابعتبار اجملموع‪.‬‬ ‫فبلغ هبم سبعة ومثانني‪ ...‬وقال بعضهم‪ :‬رواه مائتان من الصحابة‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬شروط التواتر‬
‫ذكر بعض األصوليني إلفادة التواتر العلم شروطا ترجع إىل السامعني هي‪:‬‬ ‫اتفق العلماء مجيعا على أن املتواتر البد وأن تتوافر فيه الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكونوا عقالء‪ ،‬إذ يستحيل حصول العلم ملن ال عقل له‪.‬‬ ‫‪ .1‬أن خيرب الرواة عن علم ضروري انتج عن مشاهدة‪ ،‬أو مساع‪ ،‬أبن يقولوا‪ :‬رأينا مكة‪،‬‬
‫‪ .2‬أال يكون معتقدا خلالف مدلوله‪ ،‬إما لشبهة دليل إن كان من العلماء‪ ،‬أو لتقليد إن كان‬ ‫واملدينة‪ ،‬ورأينا حممدا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬وقد انشق له القمر‪.‬‬
‫من العوام‪ ،‬فإن وجود ذلك يف ذهنه واعتقاده له مانع من قبول غريه‪ ،‬واإلصغاء إليه‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن يكون عدد املخربين ابخلرب بلغ يف الكثرة مبلغا حتيل العادة تواطؤهم على الكذب‬
‫‪ .3‬أال يكون السامع اخلرب املتواتر عاملا مبدلوله ابلضرورة‪ ،‬فإنه إن كان كذلك مل يفده املتواتر‬ ‫فيه‪.‬‬
‫علما‪ ،‬االمتناع حتصيل احلاصل‪.‬‬ ‫‪ .3‬أن يوجد العدد املعترب املخرب عن علم ضروري يف كل الطبقات‪.‬‬
‫الفصل اليالث‪ :‬تعريف اخلرب الواحد وأقسامه‬
‫خرب واحد‪ :‬هو الذي مل جيمع شروط التواطر؛ وينقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫املشهور‪ :‬هو الذي يروي عن النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بطريق األحاد‪ ،‬واشتهر الغريب‪ :‬احلديث الذي تفرد راويه بروايته عمن جيمع حديثه لضبطه‪ ،‬العزيز‪ :‬هو الذي ال يرويه أقل من اثنني‬
‫عن اثنني‪.‬‬ ‫وعدالته‪ .‬وهو نوعان‪ :‬غريب منت وإسناد‪ ,‬وغريب إسناد فقط‪.‬‬ ‫يف عصر التابعني أو اتبعي التابعني وقيل‪ :‬هو الذي رواه ثالثة‪.‬‬
‫ما يفيده خرب اآلحاد‬
‫القول األول‪ :‬يفيد خرب الواحد الظن مطلقا سواء اقرتنت به القول الثاين‪ :‬يفيد خرب الواحد العلم بنفسه؛ وهذا القول لبعض القول الثالث‪ :‬يفيد خرب الواحد العلم إذا انضمت إليه قرينة‪:‬‬
‫وهذا قول النظام‪ ،‬واختاره الرازي‪ ،‬واآلمدي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫احملدثني‪.‬‬ ‫قرينة أو ال؛ وهذا قول أكثر العلماء‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬لو كان خرب الواحد يوجب العلم ألوجب خرب كل أن املسلمني ملا أخربهم الواحد وهم بقباء يف صالة الصبح أن إن هناك قرائن انضمت إىل األخبار اليت استدل هبا أصحاب‬
‫واحد‪ ،‬ولو كان كذلك لوجب أن يقع العلم خبرب من يدعي القبلة قد حولت إىل الكعبة قبلوا خربه‪ ،‬واستداروا إىل الكعبة‪ ،‬القول الثاين جعلتها مفيدة للعلم كاخلرب بتحويل القبلة والذي‬
‫النبوة‪ ،‬ومن يدعي ماال على غريه‪ ،‬وملا مل يقل أحد هذا دل ومل ينكر عليهم رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ذلك فلوال حصول العلم كان ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يقلب وجهه يف السماء مبعىن حيول‪ ،‬ألنه ‪-‬‬
‫هلم خبرب الواحد مل يرتكوا املقطوع به املعلوم خبرب ال يفيد العلم‪ .‬ﷺ ‪ -‬كان حيب أن يصلي إىل الكعبة‪.‬‬ ‫على أنه ليس فيه مايوجب العلم‪.‬‬
‫طرق الصحابة ‪ -  -‬يف العمل خبرب الواحد‬
‫طريقة أيب بكر وعمر ‪ :-  -‬كاان ال طريقة علي كرمه هللا وجهه‪ :‬ال يطمئن إىل األخذ طريقة ابن عباس وعائشة ‪  -‬طريقة سعد بن أيب وقاص وغيه من الصحابة ‪-‬‬
‫يقبالن احلديث من الراوي إال بعد أن حبديث الراوي إال إذا استحلفه‪ ,‬وأحياان يرفض ‪ :-‬ال يقبل احلديث إذا عارض ‪ :- ‬اليقبلون احلديث واليستنبطون منه احلكم‬
‫إال إذا َتكدوا بعد البحث والتحري َتنه غري منسوخ‪.‬‬ ‫ماهو أقوى منه يف نظره‪.‬‬ ‫األخذ ابحلديث لضعف ثقته يف الراوي‪.‬‬ ‫يشهد معه غريه‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫دراسات أصولية في اإلجمال والبيان ‪ ,‬والنسخ‪ ,‬والسنة‬
‫الفرقة الثالثة‬

‫طرق أئمة املذاهب الفقهية يف العمل أبخبار األحاد‬


‫اثنيا‪ :‬طريقة املالكية‪ :‬مل يشرتط املالكية للعمل خبرب الواحد الذي صح سنده إال شرطا واحدا‬ ‫أوال‪ :‬طريقة احلنفية يشرتط فقهاء احلنفية للعمل خبرب الواحد عدة شروط هي‪:‬‬
‫‪ .1‬أال يكون احلديث واردا يف أمر من األمور اليت تعم هبا البلوى؛ كمس الذكر ورفع هو‪ :‬أال خيالف عمل أهل املدينة‪ .‬فإن خالف عمل أهل املدينة ال يعمل به‪.‬‬
‫اليدين عند الركوع وبعد الرفع عنه‪ .‬فخرب الواحد يف األمور اليت تعم هبا البلوى ال يقبل‪ .‬اثلثا‪ :‬طريقة الشافعية مل يشرتط الشافعية للعمل خبرب الواحد إال صحة السند واالتصال‪ ،‬ومن‬
‫‪ .2‬أال يعمل الراوي خبالف ما رواه‪ ،‬فإن عمل خبالف ما رواه فالعربة حينئذ مبا فعله ال هنا مل يعملوا ابحلديث املرسل إال إذا توافرت فيه عدة شروط‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬طريقة احلنابلة‪ :‬يالحظ أن ما اشرتطه الشافعية يف العمل خبرب الواحد هو نفسه الذي‬ ‫مبا رواه‪.‬‬
‫اشرتطه احلنابلة‪ ،‬ولكن الفرق بني املذهبني أن احلنابلة يقبلون املرسل ويعملون به كاحلنفية‬ ‫‪ .3‬أال يكون احلديث خمالفا للقياس والقواعد الشرعية‪ ،‬إذا كان الراوي غري فقيه‪.‬‬
‫واملالكية‪ ،‬ويقدمونه على القياس‪.‬‬ ‫‪ .4‬أال يكون احلديث خمالفا لنص الكتاب أو لسنة املتوترة أو لإلمجاع‪.‬‬
‫العمل خبرب الواحد فيما تعم به البلوي‬
‫إذا ورد خرب الواحد موجبا للعمل يف أمر تعم به البلوى ‪ -‬يعين يكثر وقوعه بني الناس ‪ -‬كرفع اليدين يف الصالة‪ ،‬ونقض الوضوء مبس الذكر‪ ،‬فقد اختلف العلماء يف العمل به حينئذ على‬
‫مذهبني‪:‬‬
‫املذهب الثاين‪ :‬ال يقبل خرب الواحد فيما تعم به البلوی‪ :‬وهذا مذهب أكثر احلنفية‪.‬‬ ‫املذهب األول‪ :‬أن خرب الواحد فيما تعم به البلوي مقبول‪ :‬مذهب اجلمهور‪.‬‬
‫اه ْوا ِِف ال ِٰديْ ِن َولِيُ ْن ِذ ُرْوا قَ ْوَم ُه ْم اِ َذا وقد استدلوا على ذلك‪ :‬أبن ما تعم به البلوى يكثر وقوعه ويكثر السؤال عنه‪ ،‬وال حيل‬ ‫ۤ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الدليل‪ :‬قال اللع تعاىل‪ :‬فَلَ ْوَال نَ َفَر م ْن ُك ِٰل ف ْرقَة ٰمْن ُه ْم طَا ِٕى َفةٌ لٰيَ تَ َفق ُ‬
‫للنيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أال يشيع حكمه؛ ألنه يؤدي إىل إخفاء الشريعة‪ ،‬فتجب اإلشاعة فيه‪،‬‬ ‫َر َجعُْْٓوا اِلَيْ ِه ْم لَ َعلا ُه ْم َْحي َذ ُرْو َن (التوبة‪)122 :‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن هللا أوجب اإلنذار على كل طائفة خرجت للتفقه يف الدين‪ ،‬وإن كانت أحادا‪ ،‬مث تتوفر الدواعي على نقله فكيف خيفي حكمه وتقف روايته على الواحد؟‬
‫وهو مطلق فيما تعم به البلوى وما التعم‪ ،‬ولوال أنه واجب القبول ملا كان لوجوبه فائدة‪.‬‬
‫واحلق أن ما ذهب إليه اجلمهور هو الراجح‪ ،‬وما استند إليه أصحاب املذهب الثاين مردود؛ ألنه جيوز أن يكثر السؤال واجلواب واليكثر النقل‪ .‬أال ترى أن األذان اختلف الناس يف كلماته‬
‫وذلك مما يسمع يف اليوم مخس مرات ومل ينقل نقال عاما‪ ،‬وكذلك حج النيب ‪ ،- -‬وتعليم املناسك نقل إلينا أحادا‪ ،‬وشروط األنكحة ثبتت خبرب الواحد‪ ،‬وغري ذلك كثري‪.‬‬
‫العمل خبرب الواحد يف احلدود‬
‫اختلف العلماء يف العمل خبرب الواحد يف احلدود على مذهبني‪:‬‬
‫املذهب الثاين‪ :‬ال يقبل خرب الواحد يف احلدود وال فيما يسقط ابلشبهة‬ ‫املذهب األول‪ :‬يقبل خرب الواحد يف احلدود‪ :‬وهذا هو مذهب اجلمهور‪.‬‬
‫واستدل ابألدلة الدالة على كون خرب الواحد حجة‪ ,‬و إن احلدود حكم شرعي يثبت ابلشهادة‪ ،‬وعليه فيقبل وقد استدل أصحاب هذا املذهب مبا يلي‪ :‬إن الشارع احلكيم هو الذي أقام‬
‫احلدود وجعلها موضوعة يف األصل على أن الشبهة تسقطها‪ ،‬وخرب الواحد ال‬ ‫فيه خرب الواحد كسائر األحكام‪.‬‬
‫جيد الفقهاء قد أثبتوا أحكاما خبرب الواحد يف احلدود منها‪ :‬أثبت الكثري من الفقهاء التغريب سنة مع اجللد يوجب العلم وإمنا يوجب غلبة الظن‪ ،‬فيصري ذلك مبنزلة حصول شبهة‪،‬‬
‫ابلنسبة للزاين غري احملصن‪ ،‬ودليلهم على ذلك خرب آحاد فقد روی أبو هريرة ‪-‬به‪ -‬عن أن النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬والرسول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يقول‪" :‬ادرأوا احلدود ابلشبهات"‪ ،‬وعليه فال تثبت أبخبار‬
‫اآلحاد أحكام يف احلدود‪.‬‬ ‫قضى فيمن زنی ومل حيصن بنفي عام وإقامة احلد عليه‪.‬‬
‫واحلق أن مذهب اجلمهور هو الراجح‪ ،‬وما ذهب إليه الكرخي والبصري غري صحيح‪ ،‬وما استندا إليه ال يصلح دليال هلما؛ ألنه يبطل ابلشهادة والقياس ومها مظنوانن ويقبالن يف احلدود‪.‬‬

‫تمنياتي لكم جميعا باليوفيق والنجاح‬

‫‪13‬‬

You might also like