You are on page 1of 356

‫جامعة وهران ‪-2-‬حممد بن أمحد‬

‫كلية العلوم االجتماعية‬

‫قسم علم االجتماع‬

‫رسالة لنيل شهادة الدكتوراه علوم يف علم االجتماع‬

‫طبيعة الرابطة االجتماعية في‬


‫المجتمع الحضري‬
‫دراسة سوسيوأنثروبولوجية لرابطة‬
‫تحت إشراف‪:‬أ‪.‬د محمد حمداوي‬ ‫من إعداد الطالبة‪ :‬أمينة كرابية‬
‫والية وهران‬ ‫القرابة بالسانية‬
‫لجنة المناقشة‬

‫جامعة وهران‬ ‫رئيسا‬ ‫أستاذ تعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪.‬حمزة زاوي‬


‫جامعة مستغانم‬ ‫مقررا‬ ‫أستاذ تعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪.‬محمد حمداوي‬
‫جامعة وهران‬ ‫مناقشا‬ ‫أستاذ محاضر قسم( أ)‬ ‫أ‪.‬د‪.‬مصطفى مرضي‬
‫جامعة وهران‬ ‫مناقشا‬ ‫أستاذ تعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪.‬مراد موالي الحاج‬
‫جامعة تلمسان‬ ‫مناقشا‬ ‫أستاذ تعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪.‬بلخضر مزوار‬
‫جامعة مستغانم‬ ‫مناقشا‬ ‫أستاذ محاضر قسم( أ)‬ ‫د‪.‬بن حليمة صحراوي‬

‫السنة اجلامعية ‪2016/2017‬‬

‫‪1‬‬
‫الف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهرس‪A‬‬
‫‪02‬‬ ‫‪ -‬مقدمة‪ A‬عامة‬

‫‪15‬‬ ‫‪ -‬منهجية البحث‬

‫الفصل األول‪ :‬الرابطة‪ A‬االجتماعية والمجتمع الحضري أهم المفاهيم‬

‫‪29‬‬ ‫‪ -‬تمهيد‬

‫‪31‬‬ ‫‪. I‬مفهوم‪ A‬الرابطة االجتماعية وعالقتها بالمفاهيم المشابهة لها‬

‫‪40‬‬ ‫‪.1‬الرابطة االجتماعية والتفاعل االجتماعي‬

‫‪44‬‬ ‫‪.2‬الرابطة االجتماعية والتضامن االجتماعي‬

‫‪47‬‬ ‫‪ .3‬الرابطة االجتماعية والتماسك االجتماعي‬

‫‪50‬‬ ‫‪ .4‬الرابطة االجتماعية والعالقات االجتماعية‬

‫‪56‬‬ ‫‪.II‬مفهوم المجتمع الحضري‬

‫‪56‬‬ ‫‪.1‬مفهوم اجملتمع‬

‫‪57‬‬ ‫‪.2‬مفهوم التحضر‬

‫‪60‬‬ ‫‪.3‬مفهوم احلضرية‬

‫‪66‬‬ ‫‪ -‬خالصة الفصل األول‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الرابطة‪ A‬االجتماعية والمجتمع الحضري مقاربة‪ A‬نظرية‬

‫‪67‬‬ ‫‪-‬تمهيد‬

‫‪68‬‬ ‫‪ - I‬نظريات الرابطة االجتماعية‬

‫‪2‬‬
‫‪68‬‬ ‫‪.1.1‬الرابطة االجتماعية يف الفكر اخللدوين (العصبية كرابطة اجتماعية قرابية)‬

‫‪74‬‬ ‫‪.2.1‬الرابطة االجتماعية عند مالك بن نيب (من خالل شبكة العالقات االجتماعية)‬

‫‪78‬‬ ‫‪.3.1‬الرابطة االجتماعية عند املدرسة الفرنسية‪ :‬أوغست كومت‪ ،‬إميل دوركايم‬

‫‪84‬‬ ‫‪.4.1‬الرابطة االجتماعية عند املدرسة األملانية‪ :‬تونيز فرديناند‪ ،‬ماكس فيبر‬

‫‪90‬‬ ‫‪.5.1‬الرابطة االجتماعية عند املدرسة األمريكية‪ :‬تشارلز هولترن كولي‬

‫‪92‬‬ ‫‪.6.1‬الرابطة االجتماعية من خالل مفكري نظرية العقد االجتماعي‬

‫‪96‬‬ ‫‪ .II‬نظريات المجتمع الحضري‬

‫‪96‬‬ ‫‪.1.2‬النظرية النفسية االجتماعية‪ :‬ابن خلدون‪ ،‬ماكس فيبر‪ ،‬جورج زيمل‪ ،‬تونيز‪،‬‬
‫شنلجر‬

‫‪100‬‬ ‫‪.2.2‬النظرية األيكيولوجية‪:‬بارك‪ ،‬رودريك ماكنزي‬

‫‪104‬‬ ‫‪ .3.2‬نظرية الثقافة احلضرية‪:‬لويس ويرث‪ ،‬فرديريك‬

‫‪110‬‬ ‫‪.4.2‬النظرية القيمية‪ :‬فون جرونبوم‬

‫‪111‬‬ ‫‪.5.2‬النظرية التكنولوجية‪ :‬وليم أوجبرن‪ ،‬أموس هاولي‬

‫‪114‬‬ ‫‪.III‬الرابطة االجتماعية في المجتمع الجزائري ‪:‬أهم الدراسات السابقة الجزائرية‬

‫‪114‬‬ ‫‪.1‬خصائص المجتمع واألسرة والقرابة في المجتمع الجزائري‬

‫‪120‬‬ ‫‪.2‬أهم الدراسات السابقة الجزائرية حول الرابطة االجتماعية‬

‫‪120‬‬ ‫‪.1.2‬اهلواري عدي‪ :‬التحوالت االجتماعية يف اجملتمع اجلزائري األسرة والرابطة‬


‫االجتماعية‬

‫‪121‬‬ ‫‪.2.2‬مصطفى بوتفنوشنت العائلة والروابط االجتماعية اجلزائرية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪.3.2‬رشيد محادوش‪:‬االسرتاتيجية العالئقية‪،‬الرباط االجتماعي‪ ،‬وإشكالية التقاليد‬
‫‪123‬‬
‫من خالل التصورات الشبانية يف اجلزائر‬ ‫واحلداثة‬

‫‪126‬‬ ‫‪.4.2‬بلخضر مزوار‪:‬الدين والرباط االجتماعي يف اجلزائر‬

‫‪127‬‬ ‫‪.5.2‬نورية سواملية‪:‬الرباط االجتماعي احلضري (اجلرية كرابطة اجتماعية)‬

‫‪130‬‬ ‫‪ -‬خالصة الفصل الثاين‬

‫الفصل الثالث‪ :‬المدينة مقاربة نظرية ووصفية‬

‫‪133‬‬ ‫‪-‬متهيد‬

‫‪134‬‬ ‫‪.I‬المدينة‪ A:‬المفهوم والنظريات‬

‫‪134‬‬ ‫‪.1‬مفهوم املدينة‬

‫‪135‬‬ ‫‪.2‬أمناط املدينة‬

‫‪138‬‬ ‫‪.3‬نظريات ختطيط املدن وأهم مفكريها‬

‫‪138‬‬ ‫‪.1.3‬نظرية النموذج الدائري املرتاكز‬

‫‪140‬‬ ‫‪2.3‬نظرية القطاع‬

‫‪141‬‬ ‫‪.3.3‬نظرية النوى املتعددة‬

‫‪143‬‬ ‫‪ .II‬مدينة السانيا ‪:‬دراسة وصفية‬

‫‪144‬‬ ‫‪.1‬تاريخ المدينة‬

‫‪144‬‬ ‫‪.1.1‬حملة تارخيية (عرب خمتلف األحقاب) والتسمية‬

‫‪145‬‬ ‫‪.2‬املوقع واملناخ‬

‫‪146‬‬ ‫‪.3‬التعريف باملدينة إداريا‬

‫‪4‬‬
‫‪146‬‬ ‫‪.4‬الكثافة السكانية والعمران‬

‫‪147‬‬ ‫‪.5‬النمو الدميغرايف للمدينة‬

‫‪149‬‬ ‫‪.6‬التجهيزات مبدينة السانية‬

‫‪149‬‬ ‫‪.1.6‬التجهيزات التجارية‬

‫‪150‬‬ ‫‪.2.6‬جتهيزات غري جتارية‬

‫‪151‬‬ ‫‪.III‬حي الرائد الشريف يحي مجتمع الدراسة‬

‫‪151‬‬ ‫‪ .1‬تعريف اجملتمع احمللي للدراسة‬

‫‪153‬‬ ‫‪ .2‬خصائص احلي‬

‫‪154‬‬ ‫‪ -‬خالصة الفصل الثالث‬

‫الفصل الرابع‪ A:‬رابطة القرابة بالسانيا حي الرائد شريف يحي ‪-‬مقاربة نظرية ميدانية‪A-‬‬

‫‪155‬‬ ‫‪ -‬تمهيد‬

‫‪157‬‬ ‫‪ .I‬مفهوم‪ A‬رابطة القرابة وتصنيف مصطلحاتها‬

‫‪157‬‬ ‫‪ .1‬مفهوم رابطة القرابة‬

‫‪163‬‬ ‫‪.2‬تصنيف مصطلحات القرابة‬

‫‪166‬‬ ‫‪.3‬النظريات السوسيو أنثروبولوجية للقرابة‬

‫‪166‬‬ ‫‪.1.3‬النظرية التطورية‬

‫‪172‬‬ ‫‪.2.3‬النظرية البنائية والوظيفية‬

‫‪183‬‬ ‫‪.4‬بنية وأنواع الروابط القرابية‬

‫‪5‬‬
‫‪183‬‬ ‫‪.1.4‬األسرة‬

‫‪191‬‬ ‫‪.2.4‬البدنة‬

‫‪191‬‬ ‫‪.3.4‬العشرية‬

‫‪192‬‬ ‫‪.4.4‬البطن و الفخذ‬

‫‪193‬‬ ‫‪.5.4‬القبيلة‬

‫‪195‬‬ ‫‪.5‬األنظمة القرابية‬

‫‪195‬‬ ‫‪.1.5‬النظام األبوي‬

‫‪195‬‬ ‫‪.2.5‬النظام األموي‬

‫‪196‬‬ ‫‪.3.5‬النظام الثنائي االختياري‬

‫‪196‬‬ ‫‪.4.5‬النظام الطوطمي‬

‫‪197‬‬ ‫‪.6‬أنواع الروابط القرابية ودرجات القرابة‬

‫‪197‬‬ ‫‪.1.6‬أنواع الروابط القرابية‬

‫‪197‬‬ ‫‪.1‬القرابة الدموية‬

‫‪198‬‬ ‫‪.2‬قرابة املصاهرة‬

‫‪199‬‬ ‫‪.3‬القرابة االجتماعية‬

‫‪199‬‬ ‫‪.4‬القرابة املصطنعة‬

‫‪200‬‬ ‫‪.5‬القرابة الطقوسية أو الدينية‬

‫‪202‬‬ ‫‪.2.6‬درجات القرابة‬

‫‪202‬‬ ‫‪.1‬الدرجة األوىل القرابة األولية‬

‫‪6‬‬
‫‪203‬‬ ‫‪.2‬الدرجة الثانية القرابة الثانوية‬

‫‪203‬‬ ‫‪.3‬الدرجة الثالثة القرابة األمومية‬

‫‪203‬‬ ‫‪.4‬الدرجة الرابعة القرابة االنتسابية‬

‫‪203‬‬ ‫‪.5‬الدرجة اخلامسة قرابة بين األعمام‬

‫‪203‬‬ ‫‪.6‬الدرجة السادسة قرابة نسب األب‬

‫‪206‬‬ ‫‪ .II‬الحضرية ورباط القرابة بالسانيا وحي الرائد الشريف يحي‬

‫‪206‬‬ ‫‪.1‬احلياة احلضرية حبي الرائد شريف حيي‬

‫‪207‬‬ ‫‪.2‬االصل اجلغرايف للسكان‬

‫‪208‬‬ ‫‪.3‬املستوى التعليمي‬

‫‪209‬‬ ‫‪.4‬الرتكيبة األسرية‬

‫‪209‬‬ ‫‪.5‬التمثالت االجتماعية لرابطة القرابة بالسانيا حي الرائد شريف حيي‬

‫‪214‬‬ ‫‪ -‬خالصة الفصل الرابع‬

‫الفصل الخامس‪ :‬مظاهر الروابط االجتماعية القرابية بحي الرائد‪ A‬شريف يحي‬

‫‪216‬‬ ‫‪ -‬متهيد‬

‫‪218‬‬ ‫‪.I‬مظاهر التواصل واالتصال القرابي‬

‫‪220‬‬ ‫‪.1‬تبادل الزيارات وطرق استقبال األقارب‬

‫‪223‬‬ ‫‪.2‬تبادل اهلدايا واملساعدات‬

‫‪230‬‬ ‫‪.3‬التضامن والتكافل بني األقارب‬

‫‪7‬‬
‫‪233‬‬ ‫‪.II‬صلة الرحم المصطلح الديني للتواصل القرابي‬

‫‪234‬‬ ‫‪.1‬مفهوم صلة الرحم‬

‫‪238‬‬ ‫‪ .2‬الدرجة القرابية األوىل الوالدان األقارب األكثر زيارة‬

‫‪242‬‬ ‫‪.III‬أسباب ضعف الرابطة القرابية‬

‫‪243‬‬ ‫‪.1‬النزاعات والصراع بني االخوة واألهل داخل العائلة‬

‫‪245‬‬ ‫‪.2‬اهلجرة والبعد اجلغرايف لألسرة النووية عن العائلة‪.‬‬

‫‪250‬‬ ‫‪.3‬انتشار ظاهرة السحر والشعودة يف اجملتمع احلضري‬

‫‪253‬‬ ‫‪.4‬الفضاء االجتماعي وعالقته بضعف الرابطة القرابية‬

‫‪259‬‬ ‫‪-‬خالصة الفصل اخلامس‬

‫الفصل السادس‪ A:‬التغيّر اإلجتماعي وانعكاسه‪ A‬على الروابط القرابية‪A‬‬

‫‪261‬‬ ‫‪ -‬متهيد‬

‫‪262‬‬ ‫‪.I‬مفهوم التغير االجتماعي‬

‫‪265‬‬ ‫‪.II‬تغير نمط األسرة‬

‫‪270‬‬ ‫‪.1‬األسرة النووية وضعف الروابط القرابية‬

‫‪276‬‬ ‫‪.2‬تغري شكل الزواج من داخلي (قرايب) إىل خارجي‬

‫‪281‬‬ ‫‪III .‬الثقافة‪ A‬الحضرية وانعكاسها على الروابط القرابية‬

‫‪282‬‬ ‫‪.1‬مفهوم الثقافة احلضرية وأثرها على الروابط القرابية‬

‫‪287‬‬ ‫‪.2‬خروج املرأة للعمل وتأثريه الروابط القرابية‬

‫‪8‬‬
‫‪292‬‬ ‫‪ -‬خالصة الفصل السادس‬

‫‪294‬‬ ‫‪ -‬خاتمة‬

‫‪302‬‬ ‫‪ -‬قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪321‬‬ ‫‪ -‬المالحق‬

‫فهرس الجداول واألشكال‬

‫الرقم‬ ‫العنـ ـ ـ ـ ـ ــوان‬ ‫الصفحة‬

‫‪9‬‬
‫‪1‬‬ ‫أنواع املدن حسب قانوين ‪ 2001 -20‬و‪2006-06‬‬ ‫‪137‬‬

‫‪2‬‬ ‫تطور عدد السكان ملدينة السانية‬ ‫‪147‬‬

‫‪3‬‬ ‫الرتكيب النوعي والعمري البنية الدميغرافية‬ ‫‪147‬‬

‫‪4‬‬ ‫توزيع عدد السكان حسب التجمعات السكنية‬ ‫‪148‬‬

‫‪5‬‬ ‫شبكة الطرقات مبدينة السانية‬ ‫‪149‬‬

‫‪6‬‬ ‫شكل يوضح درجات القرابة عند العيد دبزي‬ ‫‪204‬‬

‫‪7‬‬ ‫جدول رقم ‪ 06‬يوضح الرتكيبة األسرية أو نوعها‬ ‫‪209‬‬

‫‪8‬‬ ‫توزي ع ال زواج حس ب ص لة القراب ة بني ال زوجني يف اجلزائ ر حس ب‬ ‫‪280‬‬


‫االحصائيات‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫جدول يتظمن املنشاءات القاعدية ملدينة السانية حسب احصائيات ‪2008‬‬ ‫‪330‬‬

‫‪10‬‬ ‫تبويب املعطيات امليدانية من خالل املقابالت مع األسر‬ ‫‪324‬‬

‫‪10‬‬ ‫جدول يوضح الرتكيب النوعي والعمري (البنية الدميغرافية)‬ ‫‪331‬‬

‫‪11‬‬ ‫جدول توزيع عدد السكان حسب التجمعات السكنية‬ ‫‪331‬‬

‫‪12‬‬ ‫توزيع السكان حسب احصائيات ‪.2008‬ملدينة السانيا‬ ‫‪332‬‬

‫شكر وتقــدير‬
‫‪10‬‬
‫أشكر اهلل عز وجل وأمحده محدا كثريا‪ ،‬كما ينبغي جلالل وجهه العظيم وسلطانه القدمي‪ ،‬على كل‬
‫نعمه اليت ال تُعد وال حتصى‪ ،‬ومنها نعمة إمتام هذه األطروحة‪ ،‬وُأصلي وأسلم على احلبيب املصطفى‬
‫عليه أفضل الصالة وأزكى التسليم وبعد‪.‬‬

‫اليسعين يف هذا املقام إال أن أتقدم مباشرة شكري اخلالص إىل أس تاذي الكرمي محم‪AA‬د حم‪AA‬داوي‬
‫الذي أمدين بالعلم واملعرفة وساعدين يف فهم أن البحث العلمي ال بد له من الصرب واجلهد وسعت‬
‫البال‪.‬‬

‫كما أتقدم جبزيل الشكر والعرفان والتقدير ألعضاء اللجنة املناقشة الذين حتملوا عناء قراءة املذكرة‬
‫فجزاهم اهلل كل خري‪.‬‬

‫وأتق دم بب الغ اإلمتن ان وجزي ل العرف ان إىل ك ل من س اعدين على إمتام ه ذا العم ل وأخص بال ذكر‬
‫الوالدان الفاضالن اللذان كانا يل سندا طيلة مشواري الدراسي كما أشكر جزيل الشكر زوجي على‬
‫تفهمه وعونه يل املستمر حفظهم اهلل مجيعا من كل سوء‪.‬‬

‫كم ا أتق دم بش كري إىل مجي ع من س اهم يف م د ي د الع ون يل أثن اء خمتل ف مراح ل البحث وش كري‬
‫اجلزيل إىل مجيع أستاذة قسم علم االجتماع جبامعة عبد احلميد ابن باديس مبستغامن وجامعة وهران‪.‬‬

‫أمينة كرابية‬

‫‪11‬‬
‫مقدمة عامة‬

‫مقدمة‪ A‬عامة‬

‫يهتم علم االجتم اع بدراس ة اجملتم ع‪ ،‬وم ا يس ود في ه من ظ واهر اجتماعي ة خمتلف ة‪ ،‬دراس ة‬
‫تعتمد على أسس البحث العلمي‪ ،‬بُغية التوصل إىل قواعد وقوانني عامة‪ ،‬والتايل فموضوع هذا‬
‫العلم‪ ،‬ه و اجملتم ع اإلنس اين‪ ،‬وم ا تطرح ه اجلماع ات اإلنس انية‪ ،‬من ظ واهر ومس ائل اجتماعية‪،‬‬
‫هي جمال الدراسات االجتماعية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫كما يقوم علم االجتماع‪ ،‬بدراسة تلك اجلماعات‪ ،‬من حيث هي جمموعة‪ ،‬من األفراد إنظم‬
‫بعضهم إىل بعض بعالقات اجتماعية أو روابط اجتماعية‪ ،‬ختتلف عن الفئات اإلحصائية‪ ،‬اليت‬
‫تش ري إىل أف راد ال رب اط بينهم‪ ،‬فال ميكن لألف راد أن يش كلوا عالق ات اجتماعي ة‪ ،‬إال إذا وج د‬
‫بينهم رب اط اجتم اعي ي ربطهم‪ ،‬فه و مث ل اخلي ط ال ذي يش د العالق ة االجتماعي ة‪ ،‬أو الرابط ة‬
‫االجتماعي ة كالقراب ة مثال‪ ،‬هي رب اط اجتم اعي بني أف راد النس ب الواح د‪ ،‬ب التعبري اخلل دوين‪،‬‬
‫والس اللة الواح دة ب التعبري االن ثروبولوجي‪ ،‬جيعلهم يعيش ون يف عالق ات اجتماعي ة دائم ة‪،‬‬
‫مشكلني رابطة اجتماعية قرابية‪.‬‬

‫وهبذا يعيش األف راد يف عالق ات اجتماعي ة متش ابكة‪ ،‬وخمتلف ة يف م ا بينه ا‪ ،‬حيث ت ؤدي ه ذه‬
‫العالق ات إىل ت رابطهم واجتم اعهم‪ ،‬دون أن يش عروا يف مجاع ات معين ة‪ ،‬ه ذا م ا يُع رف‬
‫باالجتماع البشري‪ ،‬ألن الفرد ال ميكنه أن يعيش منفردا‪ ،‬بعيدا عن بين جنسه‪ ،‬العتباره قاصرا‬
‫حيت اج للتع اون والتض امن‪ ،‬م ع غ ريه من األف راد‪ ،‬حسب م ا يؤك ده ك ل علم اء االجتم اع‬
‫واألنرتوبولوجي ا وعلم اء النفس وغ ريهم‪ ،‬وم ا تع رض ل ه ك ذلك فالس فة اإلغري ق‪ ،‬والروم ان‬
‫والعرب‪ ،‬على أن اإلنسان حيوان اجتماعي‪ ،‬وعلى أنه مدين بطبعه‪ ،‬هذا دليل على أن الفرد‪،‬‬
‫ال ميكنه العيش إال يف اجملتمع وذلك لغريزة فطرية طبيعية‪ ،‬تدفعه للتجمع ضمانا بقائه‪ ،‬ولتلبية‬
‫حاجاته الضرورية‪.‬‬

‫ويرى ابن خل‪AA‬دون َّ‬


‫أن حاج ة اإلنس ان‪ ،‬للغ ذاء والكس اء واملأوى‪ ،‬وال دفاع عن النفس‪ ،‬هي‬
‫اليت تدفعه إىل االنتظام‪ ،‬يف جمتمع إنساين‪ ،‬فالفرد ال يستطيع أن يسد حاجته للغذاء مبفرده‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫ذلك يتطلب أعماالً كثرية‪ ،‬ال ميكنه أن يقوم هبا مبفرده‪ ،‬فالبد من تعاونه مع غريه‪ ،‬يعين هذا‬
‫أن الفرد يعيش يف مجاعات منذ والدته‪ ،‬منها اجلماعات القرابية‪ ،‬واملتمثلة يف األسرة ‪-‬كنواة‬
‫أولي ة قرابي ة‪ -‬جيد نفس ه ينتمي إليه ا‪ ،‬ومنه ا اجلماع ات األخ رى ال يت يلتح ق هبا ك اجلرية‬
‫واألصدقاء وغريها من الروابط االجتماعية‪ ،‬هلذا ترتبط ظاهرة القرابة كمادة أنثروبولوجية‪ ،‬مع‬
‫عوامل التوالد البيولوجي بعالقة معقدة‪ ،‬قوامها االستمرارية واالنقطاع‪ ،‬فهي ليست فقط عبارة‬
‫عن جمرد روابط طبيعية‪ ،‬بل ميكن أن تطرح من عدة زوايا ‪:‬عاطفية‪ ،‬معيارية‪ ،‬رمزية‪.....‬اخل‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وكل اجملتمعات تقر بقرابة العصب والنسب حيث تسمى هذه اجلماعة القرابية‪ ،‬لغة بالعُصبة‬
‫أو العص بية‪ ،‬وال تك ون ك ذلك‪ ،‬إال إذا ك ان أفراده ا ش ديدي التض امن‪ ،‬واالحتاد والرتاب ط‪،‬‬
‫حسب فكر ابن خل‪A‬دون‪ ،‬هذا ما وجهين كطالبة يف إطار البحث يف علم االجتماع‪ ،‬لدراسة‬
‫العالقات والروابط االجتماعية‪ ،‬بني األفراد داخل اجلماعات‪ ،‬حتديدا يف جمال‪ ،‬طبيع‪AA‬ة الرابط‪AA‬ة‬
‫االجتماعية في المجتم‪AA‬ع الحض‪AA‬ري الجزائ‪AA‬ري‪ ،‬وب‪AA‬األخص ظ‪AA‬اهرة القراب‪A‬ة‪ A‬كرابط‪AA‬ة اجتماعي‪AA‬ة‬
‫‪ -‬بدائرة‪ A‬السانية‪ A‬حي الرائد شريف يحي– والية وهران‪.‬‬

‫فبع د أن درس ت "الرابط ‪AA‬ة االجتماعي ‪AA‬ة‪ ،‬في الفك ‪AA‬ر الخل ‪AA‬دوني"‪ ،A‬يف م ذكريت لني ل ش هادة‬
‫املاجستري سنة ‪ ،2009‬حتت إشراف األستاذ حممد محداوي‪ ،‬وجدت أن الروابط االجتماعية‬
‫تتش كل يف اجملتم ع عن طري ق رواب ط وعالق ات خمتلف ة‪،‬كرواب ط القراب ة‪ ،‬اجلوار‪ ،‬املواطن ة‬
‫الص داقة‪....‬وعلى أن ه ذه الرواب ط‪ ،‬وخاص ة منه ا القرابي ة‪ ،‬ق د تك ون قوي ة‪ ،‬كم ا بإمكاهنا أن‬
‫تض عف وق د تق وى‪ ،‬وتظه ر يف حال ة اخلط ر‪ ،‬ال ذي يواج ه أف راد الرابط ة القرابي ة الواح دة‪،‬‬
‫في دافعون عن بعض هم البعض‪ ،‬بسبب رباط القرابة املشرتك بينهم‪ ،‬لكن هذه الرابطة القرابية‪،‬‬
‫تص ل إىل مرحل ة فتتغ ر‪ ،‬حس ب م ا رآه ابن خل‪AA‬دون‪ ،‬والكث ري من علم اء اإلجتم اع احلض ري‪،‬‬
‫أمث ال ل‪AA A‬ويس وي‪AA A‬رث ي رون أهنا تض عف وتتالش ا‪ ،‬كم ا ي رى األخص ائيون يف علم النفس‬
‫االجتم اعي‪ ،‬يف الرواب ط والعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬أن الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬تتجس د يف ثالث‬
‫أشكال‪ ،‬وهي رباط اجتماعي رباط جتاري أو اقتصادي‪ ،‬ورباط سياسي‪ .‬وأقصد بذلك‪:‬أنين‬
‫أشكل عالقة اجتماعية‪ ،‬مع أسريت والرباط هنا‪ ،‬هو رباط قرايب‪ ،‬والعالقة مع اجلريان سببها‬
‫رب اط اجلوار ‪...‬اخل‪ .‬فهذه الروابط كلها ما هي طبيعته ا‪ ،‬يف اجملتمع احلضري اجلزائري؟ هل‬
‫األفراد يعيشون داخل عالقات‪ ،‬يتصلون بروابط اجتماعية‪ ،‬تفرضها عليهم احلياة االجتماعية أو‬
‫الضرورة االجتماعية‪ ،‬أم أهنا روابط تنشأ بإرادة األفراد‪ ،‬وهل الروابط االجتماعية ديناميكية‪،‬‬
‫تتغري إىل عالقات من نوع آخر‪ ،‬طبيعتها املصاحل الشخصية‪ ،‬أم أهنا تبقى ثابة يف جمتمعنا العريب‪،‬‬
‫نظرا ملا حيتويه هذا اجملتمع‪ ،‬من تقاليد وثقافة العرش والقبيلة‪ ،‬والتمسك بالقرابة‪.‬دون أن ننسى‪،‬‬
‫أن الب احثني‪ ،‬ي رون يف أن ه ذه الرواب ط‪ ،‬بطبيعته ا قائم ة على مقوم ات‪ ،‬واس تعددات رمزي ة‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫جتع ل االف راد يش عرون باالنتم اء‪ ،‬إىل مجاع ة معين ة‪ ،‬حس ب درج ة اش رتاكهم‪ ،‬يف قيم ورم وز‬
‫ومشاعر تلك اجلماعة‪.‬‬

‫فالرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬ليس ت عالق ة ثابت ة حس ب علم اء االجتم اع‪ ،‬ب ل تتط ور باس تمرار‪،‬‬
‫وختض ع لل ديناميكا االجتماعي ة‪ ،‬فبق در م ا هي قابل ة للنم و واالس تقرار‪ ،‬بق در م ا هي عرض ة‬
‫كذلك‪ ،‬لكل أنواع التوتر واالضطراب والتفكك‪ ،‬يعين أن هذه الروابط االجتماعية‪ ،‬ظاهرة‬
‫ديناميكية تتأثر مبا حييط هبا‪.‬‬

‫إذن قد تتغري الروابط االجتماعية‪ ،‬من جمتمع آلخر‪ ،‬من ريف مثال‪ ،‬إىل مدينة‪ ،‬كما ميكن أن‬
‫تُأثر فيها التكنلوجيا احلديثة‪ ،‬كوسائل االتصال‪ ،‬حسب ما يراه العديد من الباحثني‪ ،‬يف جمال‬
‫علم االجتم اع االتص ال‪ ،‬على أن "وس ائل االتص ال احلديث ة‪ ،‬أفي ون الش عوب الض عيفة تقني ا‬
‫فبتفك ك الغط اء ال واقي‪ ،‬ويف تس رب متواص ل‪ ،‬لش ىت الرم وز الدخيل ة والغريب ة‪ ،‬ال يت تفرزه ا‬
‫وتسوقها وسائل االتصال احلديثة‪ ،‬اليت تعترب بريئة يف تصور الكثري‪ ،‬تبدأ عملية انفصام الروابط‬
‫االجتماعي ة املرجعي ة‪ ،‬لتس تبدل بقيم ورم وز أخ رى هش ة وزائل ة‪ ،‬جاعل ة الف رد يعيش بني‬
‫عاملني‪:‬عامل ومهي وعامل آخر‪ ،‬من الشعور احملبط‪ ،‬ويف كال احلالتني يتجه اجملتمع حنو حالة خمتلة‬
‫‪1‬‬
‫نفسيا واجتماعا‪".‬‬

‫يدل هذا على وجود تغيري يف طبيعة الروابط االجتماعية‪ ،‬بكل أنواعها‪ ،‬عندما حيتك اجملتمع‬
‫بتغ ري يف وس ائل االتص ال وذل ك إلدخ ال ه ذه األخ رية‪ ،‬تفك ري وأس لوب جدي د يف العالق ات‬
‫يعترب دخيال عن اجملتمع‪ ،‬فيؤثر على درجة القوة والضعف يف الرابطة االجتماعية‪ ،‬داخل اجملتمع‬
‫احلضري الذي يتغري بسرعة‪.‬‬

‫وهلذا تع د الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬من املواض يع اهلام ة واألساس ية يف علم االجتم اع‪،‬‬
‫واألنثروبولوجي ا احلض رية‪ ،‬إال أن اس تعمال ه ذا املص طلح ‪ le lien social‬ق د تراج ع‬
‫خاصة بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬إىل غاية الثمانينات‪ ،‬وهذا ما أكده فرانسيس فاروجيا‪،‬كما‬
‫‪.1‬انظ ر‪:‬عب د الك رمي بوحيي اوي‪ ،‬تفك ك الرابط ة االجتماعي ة ع رب وس ائل االتص ال من األنومي ا إىل ظ اهرة اخلواء االجتم اعي‪ ،‬فعالي‪AA‬ات‬
‫الملتقى الوطني الرابع لقسم علم االجتماع يوم ‪6‬و ‪7‬نوفمبر ‪ ،2006‬منشورات كلية العلوم االنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة اجلزائر‬
‫‪ ،‬ص‪.304‬‬

‫‪15‬‬
‫يكاد يكون هذا املفهوم قد غاب استعماله‪ ،‬يف الدراسات االجتماعية العربية احلديثة‪ ،‬خاصة‬
‫منه ا اجلزائري ة‪ ،‬م ا ع دى بعض الدراس ات املنف ردة‪ ،‬ال يت ق ام هبا اله‪AA‬واري ع‪AA‬دي ‪L.Addi‬‬
‫وهو باحث اجتماعي تطرق للتحوالت اليت عرفها اجملتمع اجلزائري‪ ،‬يف دراسة له حول األسرة‬
‫والرباط االجتماعي‪ ،‬يف اجلزائر سنة ‪ .1999‬وكذلك بعض املقاالت اهلامة‪ ،‬نذكر منها مقال‬
‫لحميد آيت عمارة الصادر سنة ‪ ،2002‬الذي تطرق إىل بناء الرباط االجتماعي‪ ،‬يف اجملتمع‬
‫اجلزائري املعاصر وتوصل إىل أن البناء االجتماعي‪ ،‬ليس بالسهل وذلك لألبعاد الكبرية‪ ،‬اليت‬
‫أخذهتا الفردانية‪ ،‬يف اجملتمع اجلزائري ودراسة بلخضر مزوار حول الدين والرباط االجتماعية يف‬
‫اجلزائر سنة ‪ 2002‬وكذلك دكتوراه رشيد حامدوش‪ A،‬حول االسرتاتيجية العالئقية‪ ،‬الرباط‬
‫االجتماعي‪ ،‬وإشكالية التقاليد واحلداثة‪ ،‬من خالل التصورات الشبانية سنة ‪ .12009‬وكل من‬
‫درس الروابط االجتماعية‪ ،‬إال ويربطها باجملتمع احلضري‪ ،‬نظرا للتغري االجتماعي الكبري‪ ،‬الذي‬
‫تعرفه املدينة بسبب وسائل التكنلوجيا واالتصال احلديثة‪ ،‬وهذا ما يؤثر على األفراد من خالل‬
‫الثقاف ة احلض ريةاليت يكتس بوهنا من املدين ة‪ ،‬جتعلهم يتماش ون م ع التغي ري ال ذي حيدث يف اجملتم ع‬
‫احلضري والذي اعتادوا العيش فيه‪.‬‬

‫وه ذا حس ب م ا فس ره الب احث اجلزائ ري عب‪AA‬د الك‪AA‬ريم بويحي‪AA‬اوي‪ A‬يف رس الته لل دكتوراه‪،‬‬
‫ح ول ض عف وتغ ري الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬مس تندا يف تفس ريه‪ ،‬مبا مساه "بنظري ‪AA A‬ة الخ ‪AA A‬واء‬
‫‪ La théorie du chaos‬وهي يف األص ل نظري ة فيزيائي ة‪ ،‬ويف اجملال‬ ‫االجتم ‪AA‬اعي"‬
‫االجتماعي‪ ،‬تركز على أن مصدر النظام واالنتظام‪ ،‬هو "الفوض‪AA‬ى"‪ ،‬حيث ال تقاس الفوضى‬
‫هنا باملعىن الشائع غالبا يف حالة الذعر والتدهور واالهنيار‪ ،‬وإمنا مبعناها املقصود‪ ،‬يف نشاط غري‬
‫مرتقب وغري متوقع يفوق إرادة وقدرة األشخاص‪ ،‬واألنظمة‪ .‬مبعىن أن هذا النشاط يسري نظام‬
‫باالنظام ‪. gestion de l’ordre par le désordre La‬ويشري اخلواء ‪chaos‬‬
‫هنا إىل أن الظواهر البارزة ليست صادرة حتميا‪ ،‬عن أسباب سابقة هلا وإمنا ناجتة عن شروط‬
‫بدئي ة‪ ،‬ص غرية احلجم وض عيفة الت أثري ال تُق در يف البداي ة وال ميكن التنب ؤ بارت داداهتا املس تقبلية‪،‬‬

‫‪.1‬رشيد محادوش‪ ،‬مس‪AA‬ألة الرب‪AA‬اط االجتم‪AA‬اعي في الجزائ‪AA‬ر المعاص‪AA‬رة امتدادي‪AA‬ة أم قطيع‪A‬ة؟ دراس‪AA‬ة ميداني‪AA‬ة لمدين‪AA‬ة الجزائر‪ ،A‬دار هومة‬
‫للطباع والنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2009،‬ص‪35‬‬

‫‪16‬‬
‫لكنها قادرة على إحداث أكرب الكوارث وأخطرها‪ ،‬وهذا ما ينطبق على أن الرابطة االجتماعية‬
‫بنية دينامية حية‪ ،‬تنشط وتتوتر مبقتضى االهتزازات اخلوائية‪ ،‬والتحول احلايل وما يرتتب عنه من‬
‫انعكاسات‪ ،‬ونتائج شديدة املفعول‪ ،‬ال يدرك االنسان احلايل إىل أي مستقر يتجه‪.‬إذن هو تغري‬
‫‪1‬‬
‫غري مرتقب يف العالقات االجتماعية‪.‬‬

‫نالحظ من خالل هذا التفسري أن اجملتمع يعرف ظواهر بارزة فيه‪ ،‬مل حتدث بالصدفة وإمنا‬
‫ك انت هن اك أس باب‪ ،‬رغم أهنا ص غرية وق د تب دو غ ري مهم ة‪ ،‬إال أن هلا ت أثري كب ري يف ظه ور‬
‫ظواهر اجتماعية عديدة‪ ،‬حيث تتأثر هذه األخري مبا مساه باالهتزازات اخلوائية‪ ،‬قاصدا هبا التغري‬
‫ال ذي يعرف ة اجملتم ع واملقص ود هبا‪ ،‬س ببه عوام ل ق د تك ون ص غرية احلجم ولكن هلا ت أثري يف‬
‫حدوث التغري االجتماعي‪.‬‬

‫كم ا ي دور احلديث دائم ا‪ ،‬عن د علم اء االجتم اع ح ول حمور الرب اط االجتم اعي‪ ،‬ح ىت وإن‬
‫ك ان بطريق ة غ ري مباش رة‪ ،‬كاس تعماهلم ملص طلح العالق ات االجتماعي ة ب دال من ذل ك‪ ،‬فجُل‬
‫علم اء االجتم اع ح اولوا حتلي ل العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬من حيث طبيعته ا وأس باب نش وئها‬
‫ونوعه ا واجتاهه ا ودرج ة ش دهتا وتكراره ا ‪...‬اخل‪ ،‬حيث ظه رت حماوالت لتحلي ل العالق ات‪،‬‬
‫والرواب ط االجتماعي ة إىل أبس ط وح داهتا‪ ،‬من ط رف أنص ار مدرس ة الفع ل االجتم اعي‪ ،‬أمث ال‬
‫ماكس في‪A‬بر ت‪A‬الكوت بارس‪A‬ونز وغريهم‪ ،‬فهم يرون أن أبسط وحدة اجتماعية‪ ،‬هو الفعل ذو‬
‫املعىن‪ ،‬واملقصود به‪ ،‬ذلك الفعل الذي حيمل معىن مشرتكا‪ ،‬بني عدة أشخاص‪ ،‬داخل اجملتمع‬
‫أو بني الفاعلني واآلخرين‪ ،‬الذين يتفاعل معهم‪ ،‬حيث يضرب انجلز مثاال‪ ،‬عن "غمزة العني"‪،‬‬
‫فإذا كانت "غمزة العني" تصدر كفع ل منعكس‪ ،‬فإهنا تعد فعال فيزيقي ا أو بيولوجيا‪ ،‬وال تُعد‬
‫فعال اجتماعيا‪ ،‬أما إذا كانت هذه الغمزة فعال مقصودا‪ ،‬من شخص يستهدف به توصيل معىن‬
‫معني‪ ،‬إىل شخص آخر متفق عليه بينهما‪،‬كاملوافقة على أمرمها‪ ،‬أو عدم املوافقة‪ ،‬فإنه يف هذه‬
‫احلال ة يُع د فعال اجتماعي ا هن ا ننظ ر إىل الفع ل‪ ،‬ورد الفع ل على أهنم ا‪ ،‬ميثالن أبس ط أش كال‬
‫التفاع ل االجتم اعي‪ ،‬وبع د ه ذا التفاع ل حتدث العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬من خالل اس تمرار‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد الكرمي بوحيياوي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.306-309-308‬‬

‫‪17‬‬
‫التفاعل بني شخصني‪ ،‬أو أكثر لفرتة زمنية معينة‪1.‬وتتولد عن هذه العالقات روابط اجتماعية‬
‫أساس ها رب اط مش رتك‪ ،‬بني متف اعلني اجتم اعيني‪ ،‬فك انت نظري ة الفع ل االجتم اعي والتفاعلي ة‬
‫الرمزي ة‪ ،‬من بني النظري ات األساس ية يف تفس ري عملي ة التفاع ل االجتم اعي‪ ،‬وتش كل العالق ات‬
‫والروابط االجتماعية بني األفراد‪.‬‬

‫وهلذا يعت رب علم اء االجتم اع‪ ،‬من خالل مق ارنتهم للمف اهيم السوس يولوجية‪ ،‬كالفع ل‪،‬‬
‫والعالقة باملفاهيم الطبيعية‪ ،‬عن الذرة واجلزيئ‪ ،‬وباملفاهيم البيولوجية عن اخللية والنسيج‪ ،‬فإذا‬
‫ك انت ال ذرة هي أبس ط وح دة يف التحلي ل الط بيعي‪ ،‬واخللي ة أبس ط وح دة يف التحلي ل‬
‫البيولوجي‪ ،‬فإن الفعل االجتماعي هو أبسط وحدة‪ ،‬يف التحليل السوسيولوجي‪2.‬ليبقى مصطلح‬
‫الرب اط االجتم اعي من أهم املص طلحات أو املف اهيم السوس يولوجية احلديث ة‪ ،‬ال يت تب دأ بفع ل‬
‫اجتماعي وهو ظاهرة الزواج كرباط اجتماعي مقدس‪ ،‬لتظهر األسرة كبنية اجتماعية أولية‪،‬‬
‫فتنتج عنه ا الرواب ط االجتماعي ة القرابي ة‪ ،‬ال يت تعت رب من أق وى الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬بني أف راد‬
‫النسب الواحد وتسمى لغة‪ ،‬بالعصبية هذا املصطلح اخللدوين‪ ،‬الذي أطلقه ابن خلدون عندما‬
‫يصل رباط القرابة‪ ،‬إىل درجة عالية من التالحم االجتماعي‪ ،‬وتصل صلة الرحم أقوى درجات‬
‫االحتاد‪ ،‬وذلك عند مواجهة أفراد األسرة أو القبيلة الواحدة‪ ،‬مايسمى بالخطر اخلارجي‪ ،‬الذي‬
‫يقرتب من اجلماعة القرابية‪ ،‬هذا يدل على أن الرابطة االجتماعية‪ ،‬تبدأ طبيعية مبقتضى الطبيعة‬
‫البش رية وه و االلتح ام ال دموي‪ ،‬ال ذي يُع رف بالعص بية وينتهي اص طناعيا‪ ،‬ب دخول أف راد ال‬
‫ينتم ون لتل ك اجلماع ة القرابي ة‪ .‬يع ين ه ذا أهنا تتط ور م ع تط ور اجملتم ع وتعقُده‪ ،‬حيث تظه ر‬
‫روابط تغلب عليها املنفعة اخلاصة‪ ،‬متليها طبيعة احلياة املشرتكة يف سبيل حتقيق أهداف مجاعية‪،‬‬
‫تتعدى حدود القري ة واملدينة‪ ،‬مث تبدأ هذه الروابط يف فقد حمركها األول‪ ،‬مع بلوغ الرفاهية‬
‫والفردية‪ ،‬اليت توفرها املؤسسات احلديثة لنفسها ‪.‬‬

‫‪.1‬نبي ل حمم د توفي ق الس مالوطي‪ ،‬البن ‪AA A‬اء النظ ‪AA A‬ري لعلم االجتم ‪AA A‬اع‪ ،‬دار الكتب اجلامعي ة‪ ،‬ج‪،1‬مص ر‪ ،‬االس كندرية‪ ،1974،‬ص‬
‫‪.132،133‬‬
‫‪.2‬انظر‪:‬نبيل حممد توفيق السمالوطي‪ ،‬نفس املرجع السابق‪ .‬ص‪.133‬‬

‫‪18‬‬
‫ض عفها بصحيح العبارة‪ ،‬مبعىن أنه كلما‬
‫وهكذا "حتمل الروابط يف أحشائها جنني فنائها أو ُ‬
‫منى الش عور ل دى الف رد ب األمن‪ ،‬وع دم احلاج ة إىل اآلخ رين‪ ،‬كلم ا منى لدي ه املي ل إىل ع دم‬
‫االرتباط هبم و االستقالل واالبتعاد عنهم‪ ،‬فالرواب ط إذن هي وليدة احلاجة اإلنس انية"‪1.‬ويعين‬
‫ه ذا أن ه يف خض م التح ول احلض ري‪ ،‬وحس ب علم اء االجتم اع احلض ري‪ ،‬تض عف الرواب ط‬
‫القرابية التقليدية فيُصبح على الفرد احلضري‪ ،‬أن يعتمد على نفسه ملواجهة احلياة ومشاكلها‪،‬‬
‫بطريق ة فردي ة مما جيعل ة ال يتوق ع الع ون من مجاعت ه القرابي ة‪،‬كم ا ال ي رغب بت دخلهم يف‬
‫حياته‪،‬كالزواج واختيار الشريك وغريها من القرارات‪.‬‬

‫ولكن ما يشغلنا كباحثني‪ ،‬يف اجملال االجتماعي هو أن الروابط االجتماعية‪ ،‬قد تتعرض للتغري‬
‫بس بب التط ور املذهل‪ ،‬لوس ائل االتص ال واالعالم‪ ،‬غ ري املتحكم فيه ا‪ ،‬هلذا أص بحت ه ذه‬
‫الروابط ب اختالف أنواعها‪ ،‬تعرف حتوال عميقا يف قواعدها وشروطها األصلية من جراء هذا‬
‫التطور‪.‬‬

‫يق ول دورك ‪AA‬ايم أن الفوض ى احلقيقي ة للعل وم االجتماعي ة‪ ،‬ال ت أيت من فق داهنم للش عور غ ري‬
‫الك ايف ح ول تش اهباهتم‪ ،‬وإمنا من انع دام تنظيم اهتم وحنن ن رى أن املس ألة غ ري ذل ك‪ ،‬حبيث أن‬
‫حقيقة التوتر يف العالقات االجتماعية‪ ،‬كامنة يف الشعور املتزايد حول خاصية التشابه‪ ،‬الذي‬
‫خيلف وميأل الفراغ ال وظيفي‪ ،‬املرتب ط بتنظيم جدي د وليس يف الشعور غ ري الكايف‪ ،‬يف استعاب‬
‫‪2‬‬
‫النظم املعيارية‪.‬‬

‫والرابط ة االجتماعي ة املراد دراس تها هن ا‪ ،‬هي رابط ‪AA A‬ة القرابة‪ ،‬حيث ي رى بعض العلم اء‬
‫والب احثني املعاص رين على أن ه ذه الرابط ة القرابي ة‪ ،‬هي ظ اهرة بنائي ة‪ ،‬ارتبطت مبج ال‬
‫االنثروبولوجيا ومنهم الدكتور معن خليل العمر‪ ،‬حني قال‪":‬لقد ُأشبع موضوع القرابة‪ ،‬دراسة‬
‫ض عف دوره‬
‫وحبثا‪ ،‬من قبل علماء االنسان‪ ،‬أكثر بكثري من علماء االجتماع‪ ،‬وذلك راجع إىل ُ‬
‫يف اجملتمع ات الص ناعية واحلض رية‪ ،‬خاص ة الغربي ة منه ا‪ ،‬ح ىت وإن ك انت معظم األدبي ات‬

‫‪.1‬انظ ر‪:‬حمم د بوخل وف‪ ،‬الرواب ط االجتماعي ة ومش كلة الثق ة ‪ ،‬في فع‪AA‬اليت الملتقى الوط‪AA‬ني الراب‪AA‬ع لقس ‪AA‬م علم االجتم‪AA‬اع ي‪AA‬وم ‪6‬و‬
‫‪7‬نوفمبر ‪ ،2006‬منشورات كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة اجلزائر‪، 2008-2007،‬ص‪.21‬‬
‫‪.2‬معن خليل العمر‪ ،‬علم اجتماع األسرة‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪،‬األردن‪،‬عمان‪،‬ط‪،1،2000‬ص‪148‬‬

‫‪19‬‬
‫ونظري ات علم االجتم اع‪ ،‬ق د كتبت ونش رت يف الع امل الع ريب‪ ،‬فإهنا مل تش بعه أو تنظ ره كم ا‬
‫فعل علماء األنثروبولوجيا‪ ،‬إمنا أشاروا إليه فقط أو حىت عند إشارهتم إليه‪ ،‬استندوا على حبوث‬
‫‪1‬‬
‫علماء االنسان‪".‬‬

‫كم ا أك د روبن ف‪AA A‬وكس ‪ Robin fox‬على أمهي ة الرابط ة القرابي ة كظ اهرة يف جمال‬
‫االنثروبولوجيا قائال "إن القرابة بالنسبة لألنثروبولوجيا‪ ،‬كاملنطق بالنسبة للفلسفة"‪.2‬‬

‫ولقد اهتم علماء االجتماع يف الغرب بدراسة أثر التحضر والتصنيع على بنية العائلة وعالقة‬
‫العائلة النواة بشبكة األقارب‪ ،‬لكن من املالحظ أن تلك الدراسات يف جمتمعات العامل الثالث‬
‫حمدودة للغاية‪ .‬واملعروف أن أغلب الفرضيات‪ ،‬اليت يُقدما الباحثون املهتمون بالعائلة العربية‪،‬‬
‫يفيد بأن عالقة العائلة النواة‪ ،‬بشبكة األقارب‪ ،‬عالقة قوية جدا‪ ،‬ومل تتأثر نتيجة للتحضر أو‬
‫التغ ريب يف ه ذا البحث‪ ،‬حناول اختب ار ذل ك االف رتاض‪ ،‬والكش ف عن م دى ق وة الرواب ط‬
‫القرابية‪.‬‬

‫وهلذا ي رى الكث ري من العلم اء أن أحس ن وس يلة للتحلي ل‪ ،‬ودراس ة البن اء االجتم اعي‬
‫للمجتم ع الب دائي‪ ،‬هي االنطالق بتحلي ل ظ اهرة نظ ام القراب ة‪ ،‬مبع ىن أن ه ذا النظ ام عب ارة عن‬
‫نقط ة انطالق للفهم وحتلي ل البن اء االجتم اعي‪ ،‬بالنس بة للمجتمع ات التقليدي ة ومن املؤك د‬
‫واملتع ارف علي ه أن علم اء االنثروبولوجي ا‪ ،‬يف الق رن التاس ع عش ر ق د اجته وا يف دراس تهم‪،‬‬
‫لألنساق القرابية‪ ،‬اجتاها تطوريا يف البداية‪ ،‬وذلك متاشيا مع التيار الفكري‪ ،‬الذي ساد يف ذلك‬
‫العص ر‪ ،‬ومن أمث ال علم اء االنثروبولوجي ا املش هورين‪ ،‬ل ‪AA‬ويس مورج ‪AA‬ان‪ ،‬وس ‪AA‬ير ه ‪AA‬نري مين‪،‬‬
‫وباخوفن وغريهم‪ ،‬مث بعد ذلك تغريت تلك الدراسات القرابية‪ ،‬تغريا جذريا متثلت يف علماء‬
‫االنثروبولوجيا احملدثني‪ ،‬الذين حاولوا تطبيق املنهج الوظيفي البنائي‪ ،‬ومن أبرزهم راد كليف‬
‫براون‪ ،A‬الذي يُعترب من أهم العلماء الذين حاولوا تطبيق هذا املنهج‪ ،‬كما يُعترب صاحب الفضل‬
‫يف توجيه الدراسات القرابية‪ ،‬وجهة منهجية حتليلية منظمة‪ ،‬ترتكز على التحليل واملقارنة‪ ،‬مث‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪،‬علم اجتماع األسرة‪،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.148‬‬
‫‪.2‬فاتن شريف‪ ،‬األسرة والقرابة دراسة أنثروبولوجية اجتماعية‪،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ط‪ ،1‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬
‫‪،2006‬ص‪.25‬‬

‫‪20‬‬
‫بع د ذل ك انتق ل االجتاه البن ائي ال وظيفي إىل علم اء االنثروبولوجي ا يف فرنس ا م ع كل‪AA‬ود‪  ‬ليفي‪ ‬‬
‫‪1‬‬
‫ستروس‪.‬‬

‫زيادة على هذا فإن دراسة األسرة والقرابة منذ القدمي‪ ،‬تُعترب من أهم فروع األنثريولوجيا‬
‫االجتماعي ة والثقافي ة‪ ،‬بينم ا دراس ة األس رة والقراب ة يف اجملتم ع احلض ري تن درج ض من ف رع‬
‫األنثروبولوجيا احلضرية‪ ،‬وهذا الفرع من األنثروبولوجيا االجتماعية‪ ،‬الذي ال يزال جماال خصبا‬
‫وفرعا حديثا يف اجلزائر‪ ،‬مما أدى إىل عدم توفر األساس النظري‪ ،‬الذي يوجه الدراسات احلقلية‬
‫ح ول مدينة اجلزائ ر عام ة ووه ران خاص ة‪ ،‬باعتباره ا أك رب املدن احلض رية‪ ،‬ي رى ولي‪AA‬ام‪ A‬س‪AA‬تيف‬
‫‪ william stephens‬أن الب احث األن ثروبولوجي‪ ،‬ال ذي يع ين بدراس ة النس ق الق رايب‪،‬‬
‫ومنطية العالقات والروابط القرابية ميكنه تفسري جوانب مهمة من تطورات احلياة االجتماعية‪،‬‬
‫من خالل دراس ة الس لوك الق رايب النمطي‪ ،‬داخ ل الرواب ط القرابي ة املختلف ة‪ ،‬حيث تعطي‬
‫العالق ات القرابي ة‪ ،‬النمطي ة نوع ا من االنتظ ام والق درة على التنب ؤ‪ ،‬باإلض افة إىل أن اجلماع ات‬
‫القرابي ة ختلق روابط اجتماعية م ع ن وع من التكامل يف اجملتمع‪ ،‬وخاص ة يف اجملتم ع التقلي دي‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫نظرا للدور الذي تقوم به روابط القرابة مبعناها الواسع يف حياة األفراد واجملتمع ككل‪.‬‬
‫ربطت يف هذه الدراسة‪ ،‬بني القرابة واألسرة كجماعة أولية‪ ،‬تعين بظاهرة رباط القرابة‬
‫ُ‬ ‫هلذا‬
‫ُمعت ربة إياه ا املك ان الرئيس ي‪ ،‬أو بني ة نش أة الرواب ط القرابي ة‪ ،‬إض افة إىل ذل ك تُعت رب العالق ات‬
‫املتبادلة بني بناء األسرة‪ ،‬واحلضرية واحلداثة‪ ،‬من أكثر العالقات اليت أثارت اهتمامات علماء‬
‫االنثروبولوجي ا‪ ،‬واالجتم اع احلض ري‪ ،‬وح ىت علم اء االجتم اع األس ري‪ ،‬ه ذا م ا أك ده ولي‪AA‬ام‪A‬‬
‫ج ود‪( W.Good‬ب احث اجتم اع أم ريكي يف جمال األس رة ‪ )2003-1917‬يف كتاب ه‬
‫"الث ‪AA‬ورة العالمي ‪A‬ة‪ A‬وأنم ‪AA‬اط األس‪AA‬رة " أن دول الع امل ال يت أص بحت ص ناعية ومتحض رة تتح ول‬
‫أنساقها األسرية يف اجتاه نسق األسرة الزوجية‪ ،‬وهو يرى أن السبب يف ذلك هو مالئمة شكل‬
‫األسرة الزوجية للمجتمعات الصناعية احلديثة‪ ،‬قائال‪":‬بينما يتغلغل النسق االقتصادي وميتد من‬
‫خالل التصنيع تتغري أمناط األسرة وتضعُف روابط القرابة املمتدة‪ ،‬وتتحلل أمناط البيئة‪ ،‬لتتجه‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬د‪.‬فاتن شريف‪،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 25‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد عبده حمجوب‪ ،‬انثروبولوجيا الزواج واألسرة والقرابة‪،‬دار املعرفة اجلامعبة‪،‬مصر‪،‬االسكتدرية‪،1985،‬ص‪.39‬‬

‫‪21‬‬
‫حنو بعض أشكال النسق الزوجي الذي يبدأ يف الظهور‪ ،‬وهذه هي األسرة النواة‪ ،‬اليت تُصبح‬
‫وح دة قرابي ة مس تقلة‪ 1".‬قاص دا ب ذلك أن اجملتم ع الص ناعي ه و ال ذي ف رض ظه ور األس رة‬
‫النووية‪،‬كما أن احلياة احلضرية كثقافة‪ ،‬هي اليت أوجدت هذا النوع من األسرة مما يرتتب عن‬
‫ضعف يف الروابط القرابية بزوال األسرة املمتدة‪ ،‬اليت كانت موجودة عندما كان النسق‬
‫ذلك‪ُ ،‬‬
‫االقتصادي فالحي‪ ،‬كان يفرض هذا النوع من األسرة‪ ،‬خلدمة األرض اليت تتطلب اجلماعة‪ ،‬مما‬
‫أدى إىل ابتعاد األسرة النووية عن األسرة املمتدة املوجودة يف الريف‪.‬‬
‫ف اختالف مكان ة القراب ة من اجملتم ع ال ريفي إىل اجملتم ع احلض ري‪ ،‬جعله ا تع د من أهم‬
‫املواض يع ال يت هلا أمهي ة كب رية‪ ،‬يف العدي د من الدراس ات السوس يولوجية القدمية واملعاص رة‪ ،‬مما‬
‫جعلها أيضا مصب اهتمامنا‪ ،‬كون رابطة القرابة يف هذا البحث‪ ،‬هي انشغال سوسيولوجي‪،‬‬
‫يتعل ق بوض عية وواق ع القراب ة‪ ،‬كظ اهرة يف اجملتم ع احلض ري وم ا جنم عليه ا من تغ ريات خمتلف ة‬
‫وهذا ما جعلنا نسلط الضوء على خمتلف الطروحات واألفكار‪ ،‬حول ماهية القرابة ونُظمها‪،‬‬
‫وأهم العوام ل املس امهة على بقائه ا ورس وخها‪ ،‬رغم ك ل التح والت واالض طرابات‪ ،‬ال يت‬
‫يش هدها اجملتمع احلض ري مما دفع ين يف التوغ ل والرتك يز على ه ذه الظ اهرة‪ ،‬ه و طبيع ة الرابط ة‬
‫االجتماعية القرابية‪ ،‬بني األفراد واجلماعات يف األوساط احلضرية‪.‬‬
‫وكأمهي ة للموض وع ف إن دراس يت ه ذه هتتم ب البحث يف طبيع ة الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬يف‬
‫اجملتمع احلضري والكيفية اليت تتحول هبا الرابطة االجتماعية من حالتها األولية‪ ،‬أي صورهتا يف‬
‫احلي اة م ا قب ل احلض رية‪ ،‬وهي تُنتج وجوده ا بش كل رتيب‪ ،‬حيث يلعب التض امن والتكاف ل‬
‫االجتماعي دورا أساسيا يف تشكلها‪ ،‬إىل صلة جديدة تكون فيها الرابطة االجتماعية متغرية‪،‬‬
‫وذل ك ل ديناميكيتها الطبيعي ة‪ ،‬املوج ودة فيه ا‪،‬كطب ع يف البش ر‪ ،‬كم ا ي رى علم اء االجتم اع‪،‬‬
‫وبالتحدي د ظ اهرة القراب ة ال يت ن ود ملس ها‪ ،‬مبالحظاتن ا واس تطالعاتنا ومقابالتن ا امليداني ة‪ ،‬م ع‬
‫األسرة اجلزائرية‪ ،‬بالس‪A‬انيا‪ A‬وحي الرائد ش‪A‬ريف يحي‪ ،‬مكان الدراسة الكتشاف رابطة القرابة‬
‫يف اجملتم ع احلض ري ال وهراين‪ ،‬وإب راز م ا طبيع ة عالق ات ه ذه اجلماع ة القرابية‪ ،‬حماول ة االجابة‬
‫على تسؤالتنا حول املوضوع‪ ،‬هل الرابطة القرابية قوية أم ضعيفة‪ ،‬وملاذا االفراد يهتمون ببعض‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬سناء اخلويل‪،‬األسرة و الحياة العائلية‪،‬دار النهضة العربية‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،2009،‬ص‪.66‬‬

‫‪22‬‬
‫األق ارب رغم أهنم ليس وا من األق ارب املق ربني‪ ،‬مبع ىن أهنم أق ارب بعي دين‪ ،‬ولكن الص لة قوي ة‬
‫بينهم‪ ،‬ما طبيعة هذه الرابطة؟ كما نريد توضيح الصريورة التطورية والبنائية‪ ،‬لرابطة القرابة‪،‬‬
‫مربزين كيف تتحول وتتطور عرب الزمان‪.‬‬

‫فهذه الدراسة تعطي قسطا للعالقات القرابية‪ ،‬كصلة الرحم والنسب واألسرة والزواج‪ ،‬نظرا‬
‫لل دور ال ذي تلعب ه يف ظه ور الرابط ة االجتماعي ة القرابي ة‪ ،‬فقمن ا بدراس تها وحتليله ا كظ اهرة‬
‫اجتماعية يف جمال األنثروبولوجية احلضرية‪ ،‬حىت نفهم واقعها‪،‬كظاهرة تتعرض للنمو والتطور‬
‫ف التغري االجتم اعي ال ذي تعرف ه اجملتمع ات املعاص رة احلض رية‪ ،‬يف املدين ة من جه ة‪ ،‬واجملتم ع‬
‫اجلزائري من جهة أخرى‪ .‬مع دخول وسائل اإلتصال احلديثة‪ ،‬اليت يرى فيها االخصائيون‪ ،‬أهنا‬
‫قللت من رابط ة القراب ة إن ص ح التعب ري‪.‬كم ا تعمقن ا يف الظ اهرة للبحث عن ص ور التض امن‪،‬‬
‫والصراع بني األسر من خالل رابطة القرابة وأنواعها اليت تنشأ يف اجملتمع االنساين‪.‬‬

‫كم ا ج اءت الفرض‪AA A‬يات‪،‬كجس ر يرب ط بني اجلانب النظ ري واملي داين‪ ،‬مبع ىن أهنا حص يلة‬
‫للق راءات النظري ة األولي ة‪ ،‬والتحليالت امليداني ة‪ ،‬الناجتة عن املق ابالت‪ ،‬م ع املبح وثني املعن يني‬
‫بالدراسة فكانت كالتايل‪:‬‬

‫‪ -‬يعت رب الوس ط احلض ري العام ل الرئيس ي‪ ،‬يف تغرّي طبيع ة الرواب ط القرابي ة مما ي ؤدي إىل زي ادة‬
‫الفردانية والنفعية‪.‬‬

‫‪ -‬إن تغرّي منط األسرة‪ ،‬من عائلة أو أسرة ممتدة‪ ،‬إىل انتشار األسر النووية‪ ،‬يف املدينة يؤدي إىل‬
‫ضعف الروابط القرابية داخل اجملتمع احلضري‪.‬‬

‫‪ -‬تُكس ب املدين ة الف رد احلض ري‪ ،‬ثقاف ة حض رية خاص ة هبا‪ ،‬تلعب دورا هام ا يف تغ ري عقلي ة‬
‫وعالقات األفراد فيما بينهم وحىت سلوكاهتم‪ ،‬مما يؤدي إىل تغرّي الروابط القرابية‪.‬‬

‫ومبا أن لك ل حبث‪ ،‬دواف‪AA‬ع وأه‪AA‬داف وأس باب أيض ا‪ ،‬جتع ل الب احث يق وم بدراس ة أو حبث م ا‬
‫فكانت هذه دوافعنا الذاتية واملوضوعية ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪.1‬إن الس ‪AA‬بب ال ‪AA‬ذاتي ال ذي دفع ين إلج راء ه ذا املوض وع ه و أوال ختصص ي كباحث ة يف علم‬
‫االجتم اع‪ ،‬وثاني ا ألج ل البحث والتعم ق يف العالق ات والرواب ط االجتماعي ة بني االف راد‪،‬‬
‫العتباره ا أس اس ظه ور اجملتم ع‪ ،‬ألن ه ذا األخ ري ظه ر بظه ور العالق ات القرابي ة الناجتة عن‬
‫ظاهرة الزواج بني اجلنسني الذكر و األنثى‪.‬‬

‫‪.2‬أم ا الس‪AA‬بب الموض‪AA‬وعي فيع ود اختيارن ا ملوض وع الرابط ة االجتماعي ة يف اجملتم ع احلض ري‪،‬‬
‫القراب ة كرب اط اجتم اعي وذل ك العتباره ا عنص را أساس يا‪ ،‬يف علم االجتم اع واالنثربولوجي ا‬
‫االجتماعي ة واحلض ري‪ ،‬وك ذلك العتب ار الرواب ط االجتماعي ة تلعب دورا كب ريا يف تش كل‬
‫العالق ات والتواص ل االجتم اعي‪ ،‬وملا هلذه الرواب ط القرابي ة واالجتماعي ة من دور يف التض امن‬
‫والتكافل االجتماعي‪.‬‬

‫كم ا أن ين الحظت تغ ريا يف ش كل الرواب ط القرابي ة وطبيعته ا يف جمتمعن ا‪ ،‬من خالل املق ابالت‬
‫االستطالعية‪ ،‬خاصة يف مدينة وهران بعدما قارنت مالحظايت مع بعض املدن األخرى الصغرى‬
‫اليت عشت فيها ولو ملدة قصرية كسنة أو سنتان‪.‬‬

‫كم ا أن ين درس ت الرواب ط االجتماعي ة يف م ذكرة املاجس تري‪ ،‬بعن وان العص بية كرابط ة‬
‫سوسيوسياسية‪ ،‬وركزت من خالهلا على الرابطة االجتماعية القرابية‪ ،‬يف اجملتمع البدوي عندما‬
‫يك ون هلا دور يف تش كل الس لطة السياس ية‪ ،‬مث تأس يس الدول ة‪ ،‬وذل ك بتحلي ل للنص وص‬
‫الخلدونية يف املقدمة‪.‬‬

‫إذن ك ان ه ديف األويل لدراس يت ه ذه ه و الكش ف عن حق ائق يف الواق ع‪ ،‬وثاني ا االجاب ة عن‬
‫التس اؤالت أو الغم وض ال ذي ك ان ل دي ح ول املوض وع‪ ،‬وذل ك العتب ار أن وظيف ة البحث‪،‬‬
‫عملي ة دقيق ة ومنظم ة‪ ،‬للكش ف عن احلق ائق املتعلق ة ب الظواهر االجتماعي ة‪ ،‬أو مبش كلة من‬
‫مشاكل اجملتمع‪ ،‬حيث يرى كلير سيلتر ‪ Claire selltir‬أن الغرض من البحث‪ ،‬أو اهلدف‬
‫منه أوال‪:‬هو احلصول على إجابات ملا يُثار من أسئلة عن طريق استخدام األساليب العلمية‪ ،‬اليت‬
‫‪1‬‬
‫تزيد من ثقة الباحث فيما يصل إليه من معلومات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬مجال زكي‪،‬السيد يسني‪،‬أسس البحث االجتماعي‪،‬دار الفكر العريب‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪.1962،‬ص‪.24‬‬

‫‪24‬‬
‫إن دراسيت هذه عبارة عن دراسة سوسيوأنثروبولوجية‪ ،‬حنتاج من أجل إجنازها إىل االتصال‬
‫املباشر بالواقع وذلك لطبيعة الدراسة‪ ،‬فإن حقل البحث كان ميدانيا يتم فيه مجع املعطيات من‬
‫الواق ع احلي‪ ،‬عن طري ق الوس ائل‪ ،‬والتقني ات السوس يولوجية املعروف ة‪ ،‬إال أن حق ل دراس يت‬
‫املك اين متمث ل يف جمالني ببلدي ة الس انية‪ ،‬األول بوس ط مدين ة الس انية م ع جمموع ة من األس ر‬
‫بالسكنات الفردية‪ ،‬والثاين حبي الرائد شريف حيي‪ ،‬اخلاص بالسكنات العمودية‪ ،‬وذلك حماولة‬
‫التنويع بني أسر نووية وأسر كبرية‪ ،‬علما أن األسر الكبرية تسكن بسكنات فردية‪ ،‬بينما األسر‬
‫النووية تسكن بسكنات عمودية‪.‬‬

‫وك ان اهتم امي بدراس ة الرابط ة االجتماعي ة يف املدين ة‪ ،‬لقل ة ه ذه الدراس ات أو انع دامها‪،‬‬
‫خاصة يف اجملتمعات احلضرية والصناعية يف اجلزائر‪ ،‬مثل دائرة السانية اليت تعترب وسط حضري‬
‫صناعي نظرا الحتوائها على منطقة صناعية كبرية‪ ،‬مما جعل الظروف مالئمة للدراسة والبحث‬
‫يف العالقات والروابط القرابية هبا‪ ،‬إضافة إىل أنين أسكن باملنطقة ولدي عالقات واتصاالت مع‬
‫األسر باحلي الذي أجريت فيه الدراسة‪ ،‬وهذا ما سهل علي املالحظات واملقابالت‪ ،‬كما كنت‬
‫أحضر يف الكثري من املناسبات واجللسات القرابية‪.‬‬

‫كما كنت أطلع على احلياة اليومية لسكان احلي وعلى حقيقة وواقع القرابة‪ ،‬يف هذا اجملتمع‬
‫احمللي‪ ،‬مما جعل ين أيض ا أس تكمل فهمي العلمي حلقيق ة التفاع ل االجتم اعي‪ ،‬املك ون للعالق ات‬
‫والروابط االجتماعية بني األفراد داخل اجملتمع‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬منهجيـة البحـث‬

‫تُعترب طبيعة املوضوع‪ ،‬السبب الرئيسي يف اختيار املنهج الصحيح واتباعه‪ ،‬مث تأيت األهداف‬
‫وه ذا م ا يعت رب عمال ج د مهم ا‪ ،‬هلذا يُع رف املنهج على أن ه فن التنظيم الص حيح‪ ،‬لسلس لة من‬
‫األفكار العديدة‪ ،‬ألجل الكشف عن حقيقة جمهولة‪ ،‬وهو الطريقة اليت يعتمدها الباحث يف مجع‬
‫املعلومات والبيانات وحتليلها مع تنظريها‪ ،‬كما أنه خيدم املعرفة‪ ،‬فال معرفة علمية بدون منهج‬
‫ألنه هو الذي جيمعها وحيللها ويصبها يف إطارها النظري‪ ،‬أما املعرفة العلمية فهي شكل من‬
‫أشكال النتاجات الفكرية لإلنسان‪.‬‬

‫كما يؤكد رايت ميلز يف كتابه الخيال السوسيولوجي‪ ،‬حني أشار إىل التفاعل اجلديل‪ ،‬بني‬
‫خطوتني أمر ضروري والزم‪ ،‬فمن يفكرون وينظرون بال مالحظة ومنهج‪ ،‬ومن يالحظون بال‬
‫فك ر ك ل منهم ا ال يص ل إىل حق ائق دقيق ة‪ ،‬ذات مع ىن‪ ،‬وإن وص ل‪ ،‬فإم ا إىل جتري دات‪ ،‬غ ري‬
‫مربهنة أو إىل أكوام من البيانات‪ ،‬فاقدة للروح واملعىن‪ 1.‬هذا يعين أنه جيب املزج بني التفكري‬
‫واملالحظة وبني ما هو نظري وميداين‪ ،‬مع االعتماد على املنهج الصحيح لنجاح الدراسة‪.‬‬

‫فمنهج البحث ه و الطري ق املؤدي للكش ف عن احلقيق ة يف العل وم بواس طة‪ ،‬طائف ة من‬
‫القواعد العلمية‪ ،‬اليت هتيمن على سري العقل وحتديد عملياته‪ ،‬حىت يصل إىل نتيجة علمية‪ ،‬أما‬
‫آداة البحث فهي تشري إىل الوسيلة اليت تستخدم يف البحث‪ ،‬سواء كانت تلك الوسائل‪ ،‬متعلقة‬
‫جبمع البيانات‪ ،‬أو بعمليات التصنيف واجلدولة‪ .‬فاملنهج املعمول به‪ ،‬يف إعداد أي حبث علمي‪،‬‬
‫ميثل جمموعة من القواعد‪ ،‬اليت يتم وضعها ألجل الوصول إىل احلقيقة‪ ،‬يف العلم كما قلنا‪ ،‬وهذا‬
‫م ا يس توجب من الب احث وج ود وعي كب ري‪ ،‬بأمهي ة اجلوانب املنهجي ة‪ ،‬وه و بص دد مباش رة‬
‫البحث والدراسة‪ ،‬حيث ال يغيب على ذهنه أن طبيعة البحث والدراسة وخصوصية املوضوع‪،‬‬
‫هي اليت تستدعي وتفرض يف العديد من املرات‪ ،‬اختيار املنهج أو الطريق‪ ،‬الذي يتبعه الباحث‬
‫والدارس أثناء فرتة الدراسة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد الباسط عبد املعطي‪،‬اتجاهات‪ A‬نظرية في علم االجتماع‪،‬عامل املعرفة‪ ،‬مصر‪،‬القاهرة‪،1981،‬ص‪.20‬‬

‫‪26‬‬
‫فبص فة عام ة‪ ،‬تقس م من اهج البحث االجتم اعي إىل أربع ة من اهج رئيس ية‪:‬املنهج الوص في‬
‫والتارخيي‪ ،‬املنهج التجرييب واملقارن‪ ،‬والظاهرة اليت قمت بدراستها‪ ،‬تتطلب الوصف كما هي‬
‫عليه يف احلاضر‪ ،‬مما جعلين أستخدم املنهج الكيفي‪ ،‬الذي يعتمد على وصف وحتليل الظواهر‬
‫االجتماعية لتناسبه مع دراسيت السوسيوانثروبولوجية‪ ،‬وهذا حسب ما وضحه الباحثني يف علم‬
‫االجتم اع واالنثروبولوجي ا‪ ،‬على أن دراس ة العالق ات االجتماعي ة والقراب ة‪ ،‬تتطلب البحث يف‬
‫االجتاه السوس يوأنثروبولوجي‪ ،‬حس ب م ا وض حه ال ‪AA‬دكتور محم ‪AA‬د عب ‪AA‬ده محج ‪AA‬وب‪A-‬ب ‪AA‬احث‬
‫اجتم ‪AA‬اعي ان ‪AA‬ثروبولوجي بجامع‪A A‬ة‪ A‬الك ‪AA‬ويت‪ -‬يف كتاب ه "االتج ‪AA‬اه‪ A‬السوس ‪AA‬يوانثروبولوجي في‬
‫دراس ‪AA‬ة المجتم ‪AA‬ع" يف قول ه‪":‬إنن ا ن رى من املناس ب‪ ،‬أن يطل ق على ذل ك العلم‪ ،‬ال ذي يع ين‬
‫بدراس ة اجملتم ع والعالق ات االجتماعي ة و(الرواب ط االجتماعي ة)‪ ،‬ال يت ترب ط بني األش خاص‬
‫كأعض اء يف اجملتم ع‪ ،‬أو ال يت ترب ط بني اجلماع ات املنظم ة املتم ايزة‪ ،‬يف ه ذا اجملتم ع‪ ،‬مص طلح‬
‫الدراسة السوسيوأنثروبولوجية ‪ Socio-Antropologie‬أو علم دراسة اجملتمع‪1".‬وذلك‬
‫لوجود تقارب كبري بني العلمني واملناهج املستعملة يف الدراسة‪.‬‬

‫كما تتطلب الدراسات السوسيوأنثروبولوجية‪ ،‬وصف الظاهرة أو الواقع كما هو مما يتطلب‬
‫الرتدد على مكان الدراسة أو العيش داخل اجملتمع احمللي املدروس‪ ،‬ملالحظة التفاعالت واحلياة‬
‫االجتماعي ة لألف راد‪ ،‬فك ان األم ر أن عايش ت جمتم ع البحث‪ ،‬من خالل س كين يف احلي ال ذي‬
‫قمت بدراسته‪ ،‬وترددي املستمر على األسر املبحوثة‪ ،‬الذي استمر إىل غاية هناية البحث‪.‬‬

‫ويعتمد هذا املنهج‪ ،‬على تقنية المالحظة المباشرة والمقابلة النص‪A‬ف موجه‪A‬ة‪ .‬حيث تقوم‬
‫تقنية املالحظة‪ ،‬على مدى خربة الباحث‪ ،‬واس تعداده للبحث بدرجة كبرية‪،‬كما أنه ال ميكن‬
‫االستغناء عنها‪ ،‬ألهنا أول خطوة ميدانية‪ ،‬فمن خالهلا نتعرف على امليدان‪ ،‬جبمع املعطيات كما‬
‫هي‪ ،‬ويعرفها ريمون كيفين و لوك ف‪AA‬ان ‪ Raymond quivy‬و‪ Luc van‬على أهنا‬
‫عب ارة عن مرحل ة وس يطة‪ ،‬بني املف اهيم والفرض يات من جه ة‪ ،‬وهي ال يت تعطين ا املعلوم ات‬
‫واملعطي ات الختب ار ه ذه الفرض يات‪ ،‬من جه ة أخ رى ‪...‬ولكي تك ون املالحظ ة‪ ،‬جي دة علين ا‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬د‪.‬حممد عبده حمجوب‪،‬االتجاه السوسيوأنثروبولوجي في دراسة المجتمع‪،A‬الناشر وكالة املطبوعات‪،‬الكويت‪،‬ب‪،‬س‪،‬ص‪.136‬‬

‫‪27‬‬
‫االجابة على ثاللث أسئلة وهي‪:‬أالحظ ماذا؟ على ماذا تكون املالحظة؟ وكيف تكون؟‪ 1‬هذا‬
‫ما وجهين التباع نفس هته اخلطوات‪ ،‬حماولة اإلجابة على األسئلة الثالثة‪ ،‬أثناء مالحظايت‪ ،‬أوال‬
‫أالحظ األسر املبحوثة‪ ،‬ثانيا تكون مالحظايت مركزة حول العالقات والروابط القرابية‪ ،‬ثالثا‬
‫جيب أن تكون مالحظيت علمية وليست عادية تستويف الشروط املنهجية بالتدقيق‪ ،‬يف املشاهدة‬
‫واالستماع كشرطان رئيسيان‪ ،‬فهي تتطلب عمل تسجيلي بالعني واألذن‪ ،‬حماولة الكشف عن‬
‫العناصر اخلفية للظاهرة‪ ،‬اليت أنا بصدد دراستها للوصول إىل بعض املمارسات االجتماعية‪.‬كما‬
‫كنت أالحظ األسر‪ ،‬دون إزعاج املبحوثني أو إثارة اهتمامهم‪ ،‬فكنت أتصل مباشرة باألفراد‬
‫حبكم قريب منهم مع حضوري الكثري يف املناسبات واجللسات العائلية القرابية‪.‬‬

‫فكنت أتعرف على املبحوثني‪ ،‬من خالل سلوكاهتم الفعلية التلقائية وبالتايل أحتك بامليدان‬
‫كما هو‪ ،‬كما كنت طرفا يف التواصل مبشاركة املبحوثني حياهتم اليومية‪ ،‬مع حرصي الدائم‬
‫باملوضوعية اجتاه املبحوثني والبحث ككل‪.‬‬

‫أم ا تقني ة المقابلة‪ A‬فك انت يف البداي ة‪ ،‬أي يف املرحل ة االس تطالعية ‪La phase 2‬‬
‫‪ exploratoire‬عب ارة عن مقابل ة اس تطالعية‪ Entretien exploratoire‬وهي مقابل ة‬
‫بدون دليل لالحتكاك بامليدان وكسب ثقة املبحوثني واألسر‪.‬كما كان هلا الدور الرئيسي يف‬
‫ص ياغة االش كالية وبنائه ا كم ا ق ال ‪ Raymond quivy Luc van et‬الق راءات‬
‫واملق ابالت االس تطالعية‪ ،‬هلا دور كب ري يف مس اعدة الب احث على ص ياغة‪ ،‬وبن اء اش كالية‬
‫البحث‪.‬كما تعرفها ‪" Madeline Grawitz‬أهنا عملية تنقيب تعتمد على سريورة إتصالية‬
‫‪3‬‬
‫من أجل مجع املعلومات هلا عالقة مع هدف حمدد‪".‬‬

‫فكان النزول األويل للميدان بعد القراءات‪ ،‬حيث كانت هذه املقابالت حرة‪ ،‬ويعين هذا أهنا‬
‫مق ابالت ب دون دلي ل ‪ ، le guide d’entretien‬وهن ا ط رحت س ؤاال ح ول املوض وع‬

‫‪1‬‬
‫‪.Quivy, RAYMOND et Luc van CAMPENHOUDT, Manuel de recherche en‬‬
‫‪sciences sociales,2emedition, Dunod,Paris,1995,P155.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪. Ibid, P63.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.Madeline, GRAWITZ, Méthodes des sciences sociales, 8èmeéd, DALLOZ, Paris,‬‬
‫‪1990,P742.‬‬
‫‪28‬‬
‫وت ركت املبح وث يتكلم بك ل حري ة‪ ،‬ه ذا م ا س اعدين يف إع داد دلي ل املقابل ة‪ .‬ألن املقابل ة‬
‫االس تطالعية تفي د الب احث يف أم ور ق د يك ون غ افال عليه ا‪ ،‬بإمكاهنا أن تس اعده يف ص ياغة‬
‫األسئلة‪ ،‬وكذلك حتويل السؤال األويل إىل سؤال رئيسي‪.‬‬

‫أما المقابلة النصف موجهة ‪ ،L’entretien semi-directif‬اليت اعتمدت عليها فيما‬


‫بعد فكانت عبارة عن تفاعل‪ ،‬بيين وبني املبحوثني‪ ،‬يف شكل خطاب لفظي حر‪ ،‬وتتكون من‬
‫جمموع ة أس ئلة بس يطة وجهته ا لألس ر‪ ،‬والغ رض منه ا الوص ول لبعض املعلوم ات اهلام ة‪ ،‬يف‬
‫الدراسة ويف بعض األحيان كان يتطلب األمر مقابلة مفتوحة‪ ،‬دون االعتماد على أسئلة حمددة‬
‫حىت يكون املبحوث مرتاحا يف حديثه‪ ،‬وكثريا ما أجريت املقابالت يف منازل األسر املبحوثة‪،‬‬
‫ويف بعض األحي ان حبض ور مجي ع أفراده ا‪ ،‬دون أن أغف ل عن مالحظ يت للس لوكات‪ ،‬وطريق ة‬
‫الكالم‪ ،‬واأللف اظ املس تعملة‪ ،‬كم ا كنت أت رك ال وقت ال ذي يناس ب املبح وث ح ىت يتف رغ‬
‫للمقابلة‪.‬‬

‫حيث ك انت احملادث ة ت دوم إىل س اعات‪ ،‬أي أك ثر من س اعة‪ ،‬ويف بعض األحي ان أغتنم‬
‫الفرص ة يف املناس بات ك األفراح واحلفالت‪ ،‬واملناس بات الديني ة واألعي اد‪...‬فكنت أس تفرغ م ا‬
‫لدي من معطيات‪ ،‬بعد االنتهاء من املقابلة بتنظيم املعطيات وحتليلها حتليال أوليا إىل غاية هناية‬
‫البحث‪.‬‬

‫أم ا عين‪AA A‬ة البحث‪ ،‬فك انت متنوعة ‪ l’échantillon Diversifié‬جملتم ع الدراس ة‬
‫حسب طبيعة املوضوع‪ ،‬وفيها نأخذ السن‪ ،‬احلالة املدنية‪ ،‬اجلنس‪ ،‬الفئة االجتماعية‪ ،‬املستوى‬
‫التعليمي‪ .‬وتس مى ه ذه باخلص ائص االجتماعي ة ‪ Les composantes social‬والغ رض‬
‫من التن وع‪ ،‬ه و تن وع اآلراء عن د األش خاص‪ ،‬والش يء ال ذي مييز املقابل ة ه و القي ام مبح اورة‬
‫األشخاص‪ ،‬الذين فيهم اخلصائص املطلوبة يف االقرتاب الكيفي‪ ،‬وهنا ميكننا أخذ ‪ 20‬إىل ‪30‬‬
‫شخص‪1.‬هذا ما جعلين أختار عينة متنوعة تتكون من‪ 35‬أسرة ‪ 09‬أسر كبرية والباقي نووية‪،‬‬

‫‪.1‬د‪.‬حجيج جنيد‪ ،‬دروس في منهجية البحث االجتماعي‪،‬لدفعة ماجستار اخللدونية و علم االجتماع السياسي‪،2008،2009 ،‬‬
‫جامعة مستغامن‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ولفهم الظ اهرة‪ ،‬إعتم دت على خاص ية الوص ف‪ ،‬للتع رف على مع امل الظ اهرة حمل الدراس ة‪،‬‬
‫وحتديد أسباب وجودها‪ ،‬على صورهتا القائمة بالفعل‪ ،‬بوصف املكان والزمان‪ ،‬الذي توجد‬
‫في ه‪ ،‬وطبيع ة التفاعل اإلجتم اعي الق رايب‪ ،‬م ع وص ف ممارس اهتا‪ ،‬ب ل التع دي عن الوص ف إىل‬
‫التش خيص والكش ف عم ا يكتن ف الظ واهر‪ ،‬من ترابط ات وعالق ات متداخل ة يف ض وء القيم‬
‫واملعايري احلضرية‪ ،‬وبذلك ميكن إظهار العوامل الىت تأثر يف الرابطة القرابية‪ ،‬ىف الوسط احلضرى‬
‫واختبار فرضيات الدراسة‪.‬‬

‫كم ا تطلب األم ر اس تخدامنا للمنهج الت‪AA‬اريخي‪ ،‬ألن ه ذه الدراس ة‪ ،‬تن درج ض من حبوث‬
‫علم االجتماع عامة واألنثروبولوجيا احلضرية خاصة‪ ،‬فإن اخلطوة املنهجية األوىل كانت على‬
‫القراءة العلمية لكل ما يتعلق مبوضوع الدراسة‪ ،‬حول الرابطة االجتماعية عامة‪ ،‬ورابطة القرابة‬
‫خاص ة‪ .‬ف احتجت إىل املقارب ة التارخيي ة‪ ،‬وهي مقارب ة تفي دنا يف وض ع موض وع دراس تنا‪ ،‬يف‬
‫إطاره التارخيي ومتابعة تطوره‪ ،‬خالل الفرتة الزمنية النظرية‪ ،‬وذلك باستخدامنا لبعض احلقائق‬
‫التارخيية اليت تعلقت باألمناط القرابية‪ ،‬يف اجملتمعات التقليدية إذ مت الرجوع إىل بعض الدراسات‬
‫ح ول نظ ام القراب ة‪ ،‬ذل ك بواس طة املنهج الت ارخيي‪ ،‬من خالل احلديث عن تط ور نُظم القراب ة‪،‬‬
‫وممارساهتا األنثروبولوجية وأنواعها‪ ،‬مع عرض خمتلف التغريات املتتابعة اليت مر هبا هذا النظام‪،‬‬
‫بص فة خاص ة واألس رة بص فة عام ة‪ ،‬يف اجلزائ ر واجملتم ع عام ة‪ .‬وب ذلك نك ون ق د اتبعن ا عم‪AA‬ار‬
‫بوح ‪AA‬وش يف ش رحه للمنهج الت ارخيي بقول ه "املنهج الت ارخيي‪ ،‬ي درس الظ اهرة‪ ،‬ب الرجوع إىل‬
‫أص لها‪ ،‬فيض عها ويس جل تطوراهتا ويفس رها استنادا إىل املنهج العلمي‪ ،‬يف البحث ال ذي يربط‬
‫النتائج بأسباهبا‪.1".‬‬
‫إض افة إىل ه ذا اس تندت ب‪AA‬المنهج المق‪AA‬ارن‪ ،‬وذل ك من خالل مق ارنيت للظ اهرة‪ ،‬بني اجملتم ع‬
‫ال ريفي‪ ،‬واجملتم ع احلض ري يف بعض احلاالت‪ ،‬دون أن أذك ر ك ل أوج ه التش ابه واالختالف‪.‬‬

‫‪ . 1‬عمار بوحوش‪،‬دليل الباحث في المنهجية وكتابة الرسائل الجامعية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪،1985،‬ص ‪24‬‬

‫‪30‬‬
‫وك ذلك من خالل ح ديثي على التغ ري‪ ،‬ال ذي ط رأ على األس رة اجلزائري ة ع رب مراح ل وف رتات‬
‫مرت هبا‪ ،‬ألننا كلما نتحدث على التغري‪ ،‬فنحن بصدد املقارنة‪.‬‬

‫كما اعتمدت على المنهج التحليلي التفسيري للنتائج‪ ،‬وهو الذي يعترب منهجا أو مرحلة‬
‫منهجي ة تالزم ك ل املقارب ات السوس يولوجية‪ ،‬س واء منه ا البنيوي ة أو الوظيفي ة‪ ،‬أو النس قية أو‬
‫املؤسساتية‪ ،‬ذل ك من منطل ق أن النظري ة السوسيولوجية حتليلية‪ .‬ف احتجت إىل املقارب ة النظرية‬
‫البنائي ة والتفاعلي ة الرمزي ة‪ ،‬وملا ك انت دراس يت ت دور ح ول اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬باعتب اره جمتمع ا‬
‫عرف حتوال كبريا ومتغريا‪ ،‬فاعتمدت على بعض الطرق األنثروبولوجية‪ ،‬اليت أفادتين يف رؤية‬
‫اجملتمع يف إطار شبكة من العالقات والروابط االجتماعية والنُظم املتداخلة‪ ،‬فحاولت قراءة كل‬
‫ما ُكتب عن اجملتمع اجلزائري خاصة الدراسات االجتماعية السابقة‪ ،‬باإلطالع على البحوث‬
‫النظرية وامليدانية عن اجلزائر‪.‬‬

‫كم ا اطلعت على م ا يتعل ق باحلض رية كأس لوب حي اة‪ ،‬خاص ة م ا كتب ه السوس يولوجني‬
‫واألن ثروبولوجون‪ ،‬فامت د البحث النظ ري‪ ،‬إىل ق راءة م ا كتب ه األخص ائيون يف علم النفس‬
‫االجتم اعي ح ول ش روط ظه ور الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬والتفاع ل والعالق ات االجتماعي ة عام ة‪،‬‬
‫وك ل ه ذا مه د يل البحث املي داين‪ ،‬ال ذي أعت ربه أس اس البحث األن ثروبولوجي‪ ،‬فعن طريق ه‬
‫اتصلت اتصاال مباشرا ووثيقا باجملتمع‪ ،‬وإن صح التعبري مشاركة يف الكثري من األحيان جملتمع‬
‫البحث‪ ،‬فبم ا أن ين أس كن يف مدين ة الس انية‪ ،‬ال يت هي اإلط ار املك اين للدراس ة‪ ،‬وبال ذات حي‬
‫الرائ د ش ريف حيي فكنت أعيش م ع املبح وثني املراد دراس تهم بنفس احلي‪،‬كم ا أن ين الحظت‬
‫طريق ة عيش هم واتص االهتم اجلواري ة والقرابي ة‪ ،‬زي ادة على ذل ك احلي ه و حي حض ري مبدين ة‬
‫م ا يس مى باملالحظ ة املباش رة‪ ،‬ال يت ترج ع أمهيته ا يف‬ ‫الس انية‪ ،‬هلذا وج دت نفس ي أس تعمل‬
‫كوهنا‪ ،‬متكن الب احث من تس جيل وق ائع الس لوك فور وقوع ه‪ ،‬وأثن اء حدوث ه يف اجلماع ة‪،‬كم ا‬
‫أهنا تُعت رب طريق ة مباش رة‪ ،‬يف فهم احلي اة االجتماعي ة لس كان اجملتم ع عن قُرب‪ ،‬ه ذا يع ين أن‬
‫الب احث حباج ة لإلقام ة الدائم ة يف اجملتم ع أو ال رتدد علي ه إىل غاي ة هناي ة البحث‪ ،‬املراد دراس ته‬
‫واملشاركة يف احلياة اليومية‪،‬كمالحظتهم أثناء الذهاب عند األقارب أو عدمه‪ ،‬ومىت يكون هذا‬

‫‪31‬‬
‫ال ذهاب‪ ،‬يف عط ل االس بوعية‪ ،‬أو يف املناس بات فق ط ومالحظ ة من هم األق ارب األك ثر زي ارة‬
‫وك ذلك مالحظ ة جميئ األق ارب‪ ،‬عن د املبح وثني وم ىت يك ون‪ ،‬وكث ريا م ا كنت أحض ر بعض‬
‫الزيارات القرابية عند جرياين خاصة يف املناسبات‪.‬‬

‫كما قمت بكسب ثقة املبحوثني حىت يسري البحث بشكل جيد‪ ،‬ووضحت جلرياين وعينة‬
‫حبثي‪ ،‬أنين أريد أن أحيا حياهتم عن قُرب‪ ،‬بكل ما فيها وخاصة من جانب موضوع دراسيت‪،‬‬
‫كما أنين استعنت ببعض االخباريين ‪ les informateur‬الذين كانوا يدعمونين بالكثري من‬
‫املعلومات عن بعض املبحوثني الذين كانت هلم عالقة جيدة معهم‪.‬‬

‫و بصفة جمملة مر هذا البحث باملراحل املنهجية التالية‪:‬‬

‫أوال‪:‬المرحلة التحضيرية‪ :‬ويف هذه املرحلة قمت بصياغة السؤال األولي أو سؤال االنطالق‬

‫‪ la question de départ‬الذي متثل يف ماهي طبيعة الروابط القرابية‪ ،‬يف اجملتمع احمللي‬
‫الذي قُمت بدراسته‪ ،‬هذا السؤال مهم جدا يعترب القاع‪AA‬دة األساس‪AA‬ية للبحث‪ ،‬ألن كل حبث‬
‫الغرض منه اإلجابة عن سؤال مطروح‪.‬كما أنه يتحول إىل سؤال رئيسي وساعدين يف صياغة‬
‫اإلشكالية‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬المرحلة االستطالعية‪:‬ففي هذه املرحلة قمت بتشخيص الظاهرة‪ ،‬وصياغتها بدق ة مما مسح‬
‫يل بالتعود وزيادة ُألفيت بالظاهرة‪ ،‬املُراد دراستها‪ ،‬ونقصد بتشخيص الظاهرة هنا هو التعرف‬
‫على الظاهرة بشكل جيد‪ ،‬مثلما يرى العضويون والوظيفيون‪ ،‬أن الظاهرة مثل األشخاص جيب‬
‫التع رف عليه ا والتفاع ل معه ا‪ ،‬ويتم ذل ك التع رف على الظ اهرة من خالل اجلانب النظ ري‬
‫واإلطالع على ك ل م ا ُكتب ح ول املوض وع‪ ،‬وك ذا اإلطالع على ك ل الدراس ات الس ابقة‬
‫والنتائج الىت توصل إليها الباحثون حول املوضوع املراد دراسته‪ ،‬هذا من الناحية النظرية‪ ،‬إال‬
‫أنه يبقى غري كايف حسب علماء االجتماع األمربيقي‪ ،‬وهلذا ظهرت الدراسات احلقلية امليدانية‬
‫مع مدرسة شيكاغو يف أمريكا وأصبح تشخيص الظاهرة‪ ،‬يتطلب النزول امليداين‪ ،‬حيث نلمس‬
‫الظاهرة من خالل األفراد أو الفاعلني‪ ،‬كما ترى نظرية الفعل االجتماعي‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وهلذا احت وت ه ذه املرحل ة على ش طرين أساس يني‪ ،‬مها النظ ري واالس تطالعي‪ ،‬ونقص د‬
‫بذلك القراءات‪ Les lecturesA‬اليت قمت هبا حول املوضوع قبل النزول إىل امليدان‪ ،‬حىت‬
‫ال أن زل فارغ ة ب دون معلوم ات وال يت متثلت يف ق راءة ك ل م ا ل ه عالق ة باملوض وع‪ ،‬من كتب‬
‫وجمالت وأطروحات ودراسات سابقة‪.‬‬

‫مث المقابالت االستطالعية بالنزول األويل للميدان بعد القراءات بدون دليل وهنا طرحت‬
‫سؤاال حول املوضوع وتركت املبحوثني يتكلمون بكل حرية‪ ،‬هذا ما ساعدين يف إعداد دليل‬
‫املقابلة ألن املقابلة االستطالعية أفادتين‪ ،‬يف أمور كنت غافلة عنها‪ .‬وكذلك بصياغة الفرضيات‬
‫واإلشكاليــة‪ ،‬ليتوضح تصوري السوسيولوجي للموضوع أو الظاهرة‪ .‬وكذلك يف صياغة دليل‬
‫املقابل ة والقي ام باملقابل ة النص ف موجه ة ويف الكث ري من األحي ان احلرة‪.‬كم ا كنت أت ردد إىل‬
‫امليدان كلما استدعت الضرورة‪ ،‬مع مجع املعطيات امليدانية حول جمتمع البحث والظاهرة أيضا‬
‫من خالل مقابلة العديد من املسؤولني‪ ،‬يف بلدية السانية والديوان الوطين لالحصائيات بوالية‬
‫وهران‪.‬‬

‫ثالث‪AA‬ا‪:‬المرحل‪AA‬ة التحليلي‪AA‬ة‪:‬ويف ه ذه املرحلة ب دأت بتحلي ل مقابل ة تل وى األخ رى ‪l’analyse‬‬


‫‪ ،par entretien‬مث التحلي ل باملوض وع ‪ ،l’analyse thématique‬فموض وع القراب ة‬
‫حنلل كل مقابلة وماذا تقول عن هذا املوضوع‪....‬اخل‪،‬كما استعملت جدوال فيه املعلومات اليت‬
‫هتم مبوض وعنا‪.‬مث خ رجت مبجموع ة من االس تنتاجات‪ ،‬ودخلت من خالهلا إىل المرحل ‪AA A A‬ة‬
‫االس‪AA‬تنتاجية ال يت وض حت فيه ا ك ل م ا توص لت إلي ه من نت ائج وخالص ات ح ول الدراس ة‪.‬‬
‫فكانت آخر مرحلة منهجية‪.‬‬

‫كما أفادين الرتبص قصري املدى بجامعة‪ A‬القاض‪A‬ي عي‪A‬اض بم‪A‬راكش المملك‪A‬ة المغربية‪ ،‬سنة‬
‫‪ 2014‬حتت إش راف ال ‪AA‬دكتور حس ‪AA‬ن مجاهيد أس تاذ األنثروبولوجي ا احلض رية‪ ،‬ال ذي أفادن ا‬
‫مبعطيات مفيدة ومراجع استعنت هبا يف حبثي هذا‪ ،‬كما كانت زياريت ملكتبة آل سعود بالدار‬
‫البيضاء باململكة املغربية‪ ،‬جد مفيدة الحتوائها على مراجع قيمة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ومتاش يا م ع أه داف البحث والق راءات النظري ة والتحقي ق املي داين‪ ،‬وض عنا اخلط ة التالي ة‪ :‬حيث‬
‫إحتوت هذه الدراسة على ستة فصول‪:‬‬

‫‪-‬الفصل األول قمنا فيه بتحديد املفاهيم املتعلقة باملوضوع‪ ،‬مع حماولة ازالة اخللط بني بعض‬
‫املفاهيم املتشاهبة‪.‬حول الرابطة االجتماعية واجملتمع احلضري‪ .‬وهذا نظرا لوجود جمموعة من‬
‫املص طلحات هلا نفس املع ىن‪ ،‬أو املض مون للرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬التفاع ل االجتم اعي والتض امن‬
‫االجتم اعي‪ ،‬التماس ك االجتم اعي اخل‪ ...‬وإلزالة اخلل ط والغم وض كما قلن ا‪ ،‬تعمقنا أكثر يف‬
‫الرابطة االجتماعية‪ ،‬بتناولنا لكل املفاهيم‪ ،‬اليت ترتبط أو تشكل الرباط االجتماعي من قريب أو‬
‫بعيد‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني‪ A‬فكان حول النظريات‪ ،‬املتعلقة بالرابطة االجتماعية‪ ،‬واجملتمع احلضري‪ ،‬مع‬
‫االشارة ملعظم الدراسات السابقة حول الظاهرة يف اجملتمع اجلزائري‪.‬‬

‫‪-‬الفصل الثالث‪ :‬خصصناه للحديث عن املدينة عامة‪ ،‬مفهوما ونظريا‪ ،‬مع الرتكيز على مدينة‬
‫السانية وحي الرائد شريف حيي جمال الدراسة‪ ،‬حيث ذكرنا فيه‪،‬كل اخلصائص احلضرية هلذه‬
‫املدينة‪ ،‬مث الرتكيز على جمتمع البحث‪ ،‬الذي يعترب جمتمعا حمليا بالنسبة للمدينة‪.‬‬

‫‪-‬الفص ‪AA‬ل الراب ‪AA‬ع‪A:‬وفي ه حتدثنا‪ ،‬عن رابط ة من الرواب ط االجتماعي ة ال يت قمن ا بدراس تها‪ ،‬وهي‬
‫رابط ة القراب ة‪ ،‬ألنن ا يف الفص ول الس ابقة حتدثنا عن الرابط ة االجتماعي ة عام ة ويف ه ذا الفص ل‬
‫خصص ناه لظ اهرة القراب ة كرابط ة اجتماعي ة أنثروبولوجي ة‪ ،‬بحي الرائ د ش ريف حيي بالس انية‬
‫بوهران‪.‬‬

‫حيث تطرقنا لكل ما له عالقة بالظاهرة من ناحية النظريات األنثروبولوجية‪ ،‬البنائية والوظيفية‬
‫والتطورية‪ ،‬وكذلك بنية وأنواع الروابط القرابية يف اجملتمع‪ ،‬مث ركزنا على دراسة القرابة عند‬
‫األسر باحلي من خالل الرتكيبة االسرية‪ ،‬واألصل اجلغرايف وفهم تصورات األسر للقرابة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪-‬الفص‪AA‬ل الخ‪AA‬امس‪:A‬ويف هذا الفصل حتدثنا عن الروابط االجتماعية القرابية‪ ،‬من خالل مظاهر‬
‫التواص ل الق رايب وأس باب التن افر الق رايب من جه ة أخ رى يف حي الرائ د ش ريف حيي‪ ،‬مركزين‬
‫على عدة عوامل وأسباب وممارسات اجتماعية‪.‬‬

‫‪-‬الفص‪AA‬ل الس‪AA‬ادس‪:‬وفيه عنصر التغري االجتماعي الذي فرض نفسه من خالل النتائج امليدانية‬
‫األولية‪ ،‬على أن رابطة القرابة عرفت نوع من التغري مقارنة باملاضي‪ ،‬فتحدثنا فيه عن تغري منط‬
‫األسرة وأسباب تغري الروابط القرابية يف اجملتمع احمللي املدروس‪.‬‬

‫مث أدرجنا الثقافة احلضرية وانعكاساهتا على الروابط القرابية‪ ،‬حسب الفرضيات اليت طرحناها‪.‬‬
‫فكان للثقافة احلضرية دور كبري يف سلوكات األفراد‪ ،‬وتفكريهم لذلك حاولنا يف هذا الفصل‬
‫احلديث عن الثقافة احلضرية وما مدى تأثريها على رابطة القرابة‪ ،‬ألن األفراد الذين ينتقلون من‬
‫الريف إىل املدينة يكتسبون ثقافة املدينة‪ ،‬فتتغري سلوكاهتم وأفكارهم السابقة اليت اعتادوا عليها‬
‫ليكتسبوا ثقافة حضرية جديدة دون أن يشعروا بذلك‪.‬‬

‫‪ -‬اإلقتراب النظري‪ A‬للموضوع‬

‫تعد النظرية قالبا فكريا منظما‪ ،‬يبدأ مبجموعة من التخيالت العقلية واليت تسمى بالفروض‬
‫العلمية‪ ،‬حيث حتتوي على جمموعة من املتغريات‪ ،‬هذا ما جيعلها تساعد الباحث على تفسري‬
‫العالقة بني هذه املتغريات‪ ،‬تفسريا منهجيا‪ .‬يعين هذا "أن النظرية هي مرحلة ضرورية ال ميكن‬
‫االستغناء عنها‪ ،‬حيث تساعد الباحث على تنظيم الوقائع وبناء الفرضيات والوصول إىل نتائج‬
‫حىت وإن كانت هذه النظرية حمدودة أو غري دقيقة" ‪1‬وهلذا حاولت يف دراسيت هذه االعتماد‬
‫على النظري ات األك ثر عالق ة مبوض وع حبثي‪ ،‬واليت ختدم ه بش كل أفض ل‪،‬كالبنائي ة والوظيفي ة‬
‫وكذلك التفاعلية الرمزية ‪.‬‬

‫‪.1‬البنائية‪ A‬و الوظيفية‪A‬‬

‫‪1‬‬
‫‪. M, GRAWITZ, Méthodes des sciences sociales, Dalloz, éd 11, Paris, 2001, p 476.‬‬

‫‪35‬‬
‫تع د البنائي ة والوظيفي ة من النظري ات السوس يولوجي األك ثر رواج ا واس تعماال‪ ،‬خاص ة يف‬
‫اجملتمعات الغربية‪ ،‬ففي اإلطار التصوري هلا‪ ،‬حتمل جمموعة من املفاهيم‪ ،‬أمهها البناء والوظيفة‬
‫باعتبارمها مفهومني رئيسني يف هذا اإلطار وقد دخال على يد كومت وسبنسر‪ ،‬إال أن البنائية‬
‫الوظيفية شهدت منو إطارا تصوريا‪ ،‬يضم مفاهيم مثل النسق والنظام والدور والقيم واملعايري‬
‫وغريها ترتبط مبفهوم البناء‪ ،‬هذا من ناحية ومن ناحية أخرى‪ ،‬كما شهدت ظهور مفاهيم مثل‬
‫الوظيف ة الظ اهرة والوظيف ة الكامن ة‪ ،‬والب دائل الوظيفي ة‪ ،‬واملعوق ات الوظيفي ة‪ ،‬وغريه ا ترتب ط‬
‫مبفهوم الوظيفة وقد أضيفت هذه املفهومات‪ ،‬على يد جمموعة من العلماء أمثال ما لينوفسكي‬
‫وراد كليف براون و بارسونز و ميرتون و ماريون ليفي وغريهم‪.‬‬

‫فلهذا ُعرفت على أهنا جمموعة من التصورات اليت ترى أن البناء االجتماعي‪ ،‬هو جمموع ة‬
‫من الوح دات‪ ،‬أو األنس اق ذات الوظ ائف املختلف ة‪ ،‬إال أن ه رغم ه ذا االختالف تعمل ك ل‬
‫وح دة أو نس ق ض من الك ل من أج ل ض مان الت وازن واالس تقرار هلذا البن اء‪ ،‬و"لكي منيز بني‬
‫النش اطات ال يت تس اعد على بق اء النظ ام االجتم اعي واحملافظ ة علي ه‪ ،‬والنش اطات اليت تس بب‬
‫اختالله واضطرابه جيب علينا النظر إىل وظائف البناء‪ ،‬اليت تتماشى مع النظام وحتقق أهدافه‬
‫وطموحاته والوظائف اهلدامة اليت تتناقض معه وحتول دون حتقيق أهدافه‪ ،‬إال أن هناك وظائف‬
‫بناءة ظاهرة وكامنة وهناك وظائف هدامة ظاهرة وكامنة‪."1‬‬

‫حيث تفسر هذه النظرية تفسريا واضحا للنسق القرايب املتواجد‪ ،‬ابتداء من األسرة كبنية‬
‫كوهنا هي اليت صنعت النسق القرايب‪ ،‬فهذا التفسري يرجع إىل العوامل البنيوية والوظيفية‪ ،‬احمليطة‬
‫باألس رة ال يت تتع رض جلمل ة من التغ ريات والتح والت السوس يولوجية‪ ،‬وب األخص األس رة‬
‫احلض رية املتواج دة يف اجملتم ع احلض ري‪ ،‬علم ا ب أن العوام ل البنيوي ة احمليط ة باألس رة احلض رية‪،‬‬
‫تنقسم إىل عوامل بنيوية داخلية‪،‬كالظروف واملعطيات االقتصادية والصناعية احمليطة هبا‪ ،‬زيادة‬
‫عن ذل ك حال ة الص راع االجتم اعي وعوام ل بنيوي ة خارجي ة‪،‬ك التطور التكنل وجي يف وس ائل‬
‫اإلعالم واالتصال‪...‬اخل‪.‬‬

‫‪.1‬دينكن ميشيل‪ ،‬معجم علم االجتماع‪،‬تر‪:‬إحسان حممد احلسن‪،‬ط ‪،2‬دار الطباعة والنشر‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،1986،‬ص ‪.102‬‬

‫‪36‬‬
‫ومن الناحي ة الوظيفي ة‪ ،‬ف إن االق رتاب ال وظيفي ال حياول ش رح كي ف ت رعى أس رة معين ة‬
‫أطفاهلا ولكنه يهتم بكيفي ة حتقي ق األس رة‪،‬كنظ ام هلذا اهلدف وه و الرعاي ة مثال‪ ،‬وهلذا ك ان‬
‫االقرتاب ال وظيفي‪ ،‬خيدم املوضوع باتباع فكرته يف فهم وظيفة األسرة يف احلفاظ على النظام‬
‫القرايب‪ ،‬الذي خلقته‪ ،‬وبالتايل له عالقة بأي تغيري يطرأ عليها‪ .‬وهلذا ميكننا القول بصفة عامة‪،‬‬
‫أن االجتاه الوظيفي‪ ،‬يعتمد على النظر إىل أي شيء سواء كان كائنا فردا‪ ،‬أو جمموعة صغرية‬
‫أو تنظيما رمسيا أو جمتمعا أو حىت العامل بأسره على انه نسق أو نظام‪.1‬‬

‫والنس ق يت ألف من ع دد من األج زاء املرتابط ة‪ ،‬فجس م اإلنس ان نس ق‪ ،‬يتك ون من خمتل ف‬


‫األعضاء واألجهزة‪ ،‬واجلهاز الدوري فيه‪ ،‬مثال عبارة عن نسق يتكون من جمموعة من األجزاء‬
‫وشخص ية الفرد نس ق‪ ،‬يتك ون من أج زاء خمتلف ة‪ ،‬مث ل الس لوك واحلال ة االنفعالي ة والعقلي ة‪ ،‬اخل‬
‫وكذلك اجملتمع والعامل‪.‬‬

‫لكل نسق احتياجات أساسية البد من الوفاء هبا‪ ،‬وإال فإن النسق سوف يقف أو يتغري تغريا‬
‫جوهريا‪ ،‬فاجلسم اإلنساين مثال حيتاج لألكسجني‪ ،‬والنرتوجني و كل جمتمع حيتاج ألساليب‬
‫لتنظيم الس لوك‪ ،‬كالق انون وجمموع ة لرعاي ة األطف ال واألس رة وهك ذا‪.‬فالش يء الض روري ه و‬
‫البد أن يكون النسق دائما يف حالة توازن ولكي يتحقق ذلك‪ ،‬فالبد أن تليب أجزاءه املختلفة‬
‫احتياجاته فإذا اختلت وظيفة اجلهاز الدوري‪ ،‬فإن اجلسم سوف يعتل ويصبح يف حالة من الال‬
‫‪2‬‬
‫إتزان ‪.‬‬

‫كل جزء من أجزاء النسق قد يكون وظيفيا‪ ،‬أي يسهم يف حتقيق توازن النسق وقد يكون‬
‫ض ارا وظيفي ا أي يقل ل من ت وازن النس ق وق د يك ون غ ري وظيفي‪ ،‬أي ع دمي القيم ة بالنس بة‬
‫للنس ق‪ .‬فحاج ة اجملموع ة إىل التماس ك ق د تتحق ق عن طري ق التمس ك بالتقالي د والرواب ط‬
‫والعالقات االجتماعية‪ ،‬أو عن طريق الشعور بالتهديد من عدو خارجي‪.‬‬

‫‪.2‬التفاعلية الرمزية‪:‬‬

‫‪.1‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.104‬‬


‫‪2‬‬
‫‪. http://www.ejtemay.com‬‬
‫‪37‬‬
‫تق وم ه ذه النظري ة على فك رة أساس ية هي أن الف رد يعيش يف ع امل من الرم وز واملع ارف‬
‫احمليطة به يف كل موقف أو تفاعل اجتماعي يتأثر هبا‪ ،‬ويستخدمها يوميا وباستمرار من خالل‬
‫معانيها للتعبري عن حاجاته االجتماعي ورغباته الفردية مثل اللغة‪،‬كما ترتكز هذه النظرية على‬
‫فهم وتفس ري الس لوك البش ري املم ارس من قب ل الف رد يف إط ار حميط ه االجتم اعي‪ ،‬منطلق ة من‬
‫افرتاض مؤداه أن اإلنسان يتحول إىل كائن اجتماعي نتيجة إلخضاعه ملؤثرات عملية التفاعل‬
‫االجتماعي يف حميطه االجتماعي وعلى هذا ترى هذه النظرية‪ ،‬أن األسرة مثال هي وحدة من‬
‫الشخصيات املتفاعلة ‪.1‬فالسلوك البشري يتحدد من خالل عاملهم الرمزي‪ ،‬أي من خالل ما‬
‫تعلم وه من رم وز وم ا حيي ط هبذه الرم وز من معتق دات وقيم وإذا ك انت الرم وز واملعتق دات‬
‫والقيم‪ ،‬هي يف أساس ها أبني ة عقلي ة ف إن س لوك البش ر يُفهم يف ض وء متغ ريات عقلي ة وليس يف‬
‫ضوء متغريات بيولوجية ودافعية على ما تذهب إليه اإلجتاهات السلوكية‪.‬‬
‫كم ا حيت ل مفه وم ال ذات مكان ا جوهري ا يف التفاع ل‪ ،‬فالبش ر مييل ون يف س لوكهم إىل أن‬
‫يط وروا تص ورات عن ذواهتم‪ ،‬فالع امل الرم زي يس اعد األف راد على التمي يز بني م ا خيص هم وم ا‬
‫خيص اآلخرين وللذات البشرية مستويات‪ ،‬يبدأ أوهلا باملستوى الفيزيقي‪ ،‬أي اجلسم البشري‪،‬‬
‫مث املس توى النفس ي مث املس توى اإلجتم اعي ال ذي يتمح ور ح ول ال دور ال ذي يلعب ه الف رد يف‬
‫جمتمع ه أو ح ول جمموع ة األدوار ال يت يلعبه ا‪ ،‬وتعم ل ال ذات هبذه الطريق ة كحلق ة وص ل بني‬
‫‪2‬‬
‫اإلنسان وعامله‪.‬فالتفاعل إذن هو حمور العالقات االجتماعية‪.‬‬
‫ويبقى املنهج التف اعلي الرم زي ق د ن ال اهتم ام الكث ري من الب احثني‪ ،‬ال ذين يتخذون ه‬
‫وعا هلم يف عالق ات األف راد داخ ل احملي ط األس ري‪ ،‬مث ل العالق ات الزوجي ة والقرابي ة‬
‫موض ً‬
‫ومكان ات األف راد وأدوارهم والتنش ئة االجتماعي ة وأمناط الس لطة داخ ل األس رة‪ ،‬وعملي ات‬
‫االتصال والصراع وكيفيات حل املشاكل وغريها‪3.‬و مبا أننا ندرس القرابة واألسرة كوحدة‬

‫‪. 1‬هباء الدين خليل تركية ‪ ،‬علم االجتماع العائلي ‪ ،‬األهايل للنشر ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬سوريا ‪ ،‬ط ‪ ، 12004‬ص ‪.57‬‬
‫‪.‬جمموعة من الباحثني‪ ،‬ألسرة والطفولة‪،‬دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ط‪ ،1‬ب‪،‬س‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.31‬‬
‫‪.3‬سناء اخلوىل‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪157 ،156‬‬

‫‪38‬‬
‫أساس ية‪ ،‬حيث ك انت ك ل مقابالتن ا م ع جمموع ة من األس ر احلض رية‪ ،‬فك ان تب ين للنظري ة‬
‫التفاعلية الرمزية يساعدين يف فهم العالقات القرابية من خالل دراسة التفاعالت داخل الرابطة‬
‫القرابية‪ ،‬وحتديد الدور والوظيفة اليت يقوم هبا كل من األفراد املتفاعلون داخل التكوين األسري‬
‫والقرايب‪.‬‬
‫فلك ل ف رد دور خ اص ووظيف ة خاص ة يق وم هبا ق د تس اعد على متاس ك األس ر‪ ،‬عن طري ق‬
‫الروابط االجتماعية واملتمثلة يف حبثي هذا حول الرابطة القرابية‪.‬‬
‫فالب احث االجتم اعي املهتم بالرواب ط والعالق ات القرابي ة‪ ،‬يس عى إىل فهم أمناط التفاع ل‬
‫الواقع بني خمتلف الشخصيات املكونة هلا‪ ،‬ويسعى أيضا إىل إبراز أثر التغري الثقايف واالجتماعي‬
‫على صيغ التواصل واالتصال‪ ،‬والتأثري والتأثر بني األفراد املتفاعلني‪ ،‬ألن العالقات القرابية هي‬
‫عالقات اجتماعية دينامكية‪ ،‬يطرأ عليها التغري وال حتدث عالقة أو رابطة إجتماعية‪ ،‬إال بتفاعل‬
‫أفرادها فالرابطة القرابية تضعف عندما ينقص التفاعل والتواصل بني أفراد هذه الرابطة والعكس‬
‫صحيح كلما كان هناك تفاعل واتصال تقوى هذه الرابطة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل األول‬

‫الرابطة‪ A‬االجتماعية‪ A‬والمجتمع الحضري أهم المفاهيم‪A‬‬

‫‪ -‬تمهيد‬

‫‪. I‬مفهوم‪ A‬الرابطة االجتماعية و عالقتها بالمفاهيم المشابهة لها‬

‫‪.1‬الرابطة االجتماعية والتفاعل االجتماعي‬

‫‪.2‬الرابطة االجتماعية والتضامن االجتماعي‬

‫‪ .3‬الرابطة االجتماعية والتماسك االجتماعي‬

‫‪ .4‬الرابطة االجتماعية والعالقات االجتماعية‬

‫‪ .II‬مفهوم المجتمع الحضري‬

‫‪.1‬مفهوم اجملتمع‬

‫‪.2‬مفهوم احلضرية‬

‫‪.3‬مفهوم التحضر‬

‫‪40‬‬
‫‪ -‬خالصة الفصل األول‬

‫الفصل األول‬

‫تمهيــد‬

‫لق د خصص نا فص ال ك امال لتحدي ‪A A‬د‪ A‬المف ‪AA A‬اهيم‪  ‬والنظري ‪AA A‬ات السوس‪AA A‬يولوجية لبحثنا‬
‫وذل ك لتوض يح أك ثر موض وع دراس تنا‪ ،‬ألنن ا من خالل املف اهيم نتمكن من حتدي د منهج‬
‫الدراس ة أيض ا‪ ،‬كم ا يتس ىن للق ارئ فهم الظ اهرة املراد دراس تها وطبيعته ا‪ ،‬وبالت ايل حيدث‬
‫توضيح وعدم خلط بني املفاهيم‪ .‬كما أن مرحلة حتديد املفاهيم تعترب خطوة منهجية هامة يف‬
‫البحث‪ ،‬ألهنا تزيل كل األفكار املسبقة والغري صحيحة حول املوضوع‪ ،‬وبالتايل توجهنا حنو‬
‫النظ رة احلقيقي ة للبحث‪ ،‬أي أهنا تس اعد الب احث يف حتدي د خط ة دراس ته ومنهج ه‬
‫السوس يولوجي‪،‬كم ا أهنا متحي االلتب اس واخلل ط بني الظ واهر املش اهبة للظ اهرة املراد دراس تها‪،‬‬
‫فالباحث الذي يتطرق إىل دراسة الروابط االجتماعية‪ ،‬جيد نفسه أمام مشكل عويص‪ ،‬يتمثل‬
‫يف أن هذا املصطلح ذاته هو من املصطلحات ذات التشعب الواسع‪.‬‬
‫فق د ت دخل ض من ه ذا املفه وم العدي د من املف اهيم املش اهبة وال يت ت ؤدي املع ىن ذات ه‪ ،‬كم ا‬
‫ت دخل ض منه العدي د من املف اهيم اجلزئي ة‪ ،‬ال يت باجتماعه ا يتحق ق ه ذا املع ىن ل ذلك ك ان هلذا‬
‫املفهوم العديد من التعريفات اليت ختتلف حبسب جمال الدراس ي‪ ،‬ولكنها يف األخري تصب كلها‬
‫يف معىن واحد‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫س وف نتط رق يف ه ذا الفص ل ‪:‬أوالً إىل رص د ه ذه التع اريف ال يت ت بني مفه وم الرابط ة‬
‫االجتماعي ة واملص طلحات املش اهبة أو املكون ة هلا‪ ،‬ألن هن اك العدي د من املف اهيم املش اهبة‬
‫ملوض وعنا‪ ،‬كالعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬التماس ك االجتم اعي‪ ،‬التض امن االجتم اعي‪ ،‬التفاع ل‬
‫االجتم اعي‪ ،‬العق د االجتم اعي‪ ....‬ف وجب علين ا حتدي د ه ذه املف اهيم حتدي دا علمي ا من‬
‫املوس وعات واملع اجم‪ ،‬مث ربطه ا م ع من اس تعملها من علم اء اجتم اع‪ ،‬ح ىت نوض ح مكانته ا‬
‫ض من موض وعنا‪ ،‬وه و الرابط ة االجتماعي ة أو كم ا يلفظ ه البعض بالرب اط االجتم اعي‪ ،‬ترمجة‬
‫للمصطلح الفرنسي ‪.le lien social‬‬
‫فهن اك مقول ة مش هورة لف‪AA‬وليش‪":‬قب ل أن تتح دث معي ح دد مص طلحاتك‪"1 .‬استحض ارنا‬
‫هذه املقولة‪ ،‬نظرا لتعدد املفاهيم وتداخلها وتناقضها مع بعضها البعض‪ ،‬حول القضية الواحدة‬
‫فاملص طلح واملفه وم يف علم االجتم اع‪ ،‬حيم ل ع دة دالئ ل وتفس ريات‪،‬كم ا أن عملي ة اهلب وط‬
‫باملفهوم ملستوى اإلجرائية‪ ،‬والصعود به من اإلجرائية ملستوى التجريد‪ ،‬من أهم املشكالت اليت‬
‫يواجهه ا الب احث‪ ،‬وذل ك ألنه ُمط الب يف حال ة االرتق اء ب املفهوم‪ ،‬من مس توى التجري د إىل‬
‫مستوى اإلجرائية يقتضي عليه أيضا إعطاء الداللة اخلاصة بثقافة معينة‪ ،‬حسب طبيعة اجملتمع‬
‫الذي يدرسه‪.‬‬
‫فالمفهوم عامة يعين يف قاموس وبسرت؛ "لفظ عام يعرب عن جمموعة متجانسة من األشياء‪،‬‬
‫وهو عبارة عن جتريد للواقع‪ ،‬يسمح لنا بأن نعرب عن هذا الواقع من خالله"‪ .2‬بناءا على هذا‬
‫فإن املفاهيم تنظم لنا عاملنا احمليط بنا يف شكل مقوالت حمددة‪ ،‬ومتكننا من أن نرى هذا العامل‬
‫ونفهم ما جيري به‪ ،‬هلذا يستخدم الباحث االجتماعي املفاهيم ليشري هبا إىل جوانب خمتلفة‪ ،‬من‬
‫حي اة اجلماع ة البش رية واملف اهيم ال يت يس تخدمها‪ ،‬هي مف اهيم أكثر ختصص ا من املف اهيم‪ ،‬اليت‬
‫يس تخدمها الن اس الع اديون‪.‬كم ا تس اعد على إقام ة عالق ات متبادل ة‪ ،‬بني جمموع ة كب ري من‬
‫الظواهر االجتماعية‪.‬‬

‫‪.1‬إبراهيم أبراش‪،‬علم االجتماع السياسي‪،‬األردن‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع ‪، 1998،‬ص ‪272‬‬
‫‪.2‬حممد اجلوهري وعبد اهلل اخلرجيي ‪،‬مناهج البحث في علم االجتماع‪،‬ج‪،2‬السعودية‪،‬جدة‪،‬ط‪،2‬دار الشروق جدة‪،1980،‬ص‪.92‬‬

‫‪42‬‬
‫ويف دراستنا تقابلنا بعض املفاهيم السوسيولوجية‪ ،‬مثل الرابطة االجتماعية والرابطة العصبية‬
‫والعالقات االجتماعية‪ ،‬اجملتمع احلضري‪ ،‬القرابة وغريها من املفاهيم‪ ،...‬حيث كل مفهوم من‬
‫هذه املفاهيم يرتب ط مبجموعة أخ رى من املصطلحات اليت جندها مفي دة يف دراس تنا‪ ،‬فمفه‪AA‬وم‬
‫الرابطة‪ A‬االجتماعية يرتبط على سبيل املثال‪ ،‬مبفهوم التضامن االجتماعي والتماسك االجتماعي‬
‫ومبفه وم العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬هلذا قمن ا بتحدي د ه ذه املص طلحات ح ىت نوض ح موض وع‬
‫دراستنا أكثر‪.‬‬

‫‪ .I‬مفهوم الرابطة االجتماعية وعالقتها بالمفاهيم المشابهة لها‬

‫تعت رب إش كالية الرابط ة االجتماعي ة ُمعق دة وخاص ة الي وم‪ ،‬حيث نش عر بوج ود نقص أو‬
‫غياب هلذا املصطلح يف السوسيولوجيا العربية‪ ،‬لذلك جنده يرتبط مبصطلحات نستعملها داخل‬
‫النظام االجتماعي‪ ،‬مثل العقد االجتماعي‪ ،‬األمن االجتماعي‪ ،‬التنظيمات االجتماعية‪ ،‬التضامن‬
‫االجتم اعي‪ ،‬ه ذه املص طلحات ترم ز ع ادة ل ردود الواق ع املع اش االجتم اعي‪ ،‬أو بعب ارة أخ رى‬
‫ُ‬
‫حتدد الرواب ط االجتماعي ة‪1.‬ف أغلب علم اء االجتم اعي‪ ،‬أدجموا مص طلح الرابط ة االجتماعي ة‪،‬‬
‫مبفه وم التض امن االجتم اعي وغ ريه من املف اهيم املش اهبة‪ ،‬إال أن ه بع د الق راءات التحليلي ة هلذا‬
‫املصطلح جند أنه يأخذ معنا منفردا به‪ .‬إذ يعترب موضوع الرابطة االجتماعية من أهم املواضيع‪،‬‬
‫اليت يهتم هبا علم االجتماع احلديث رغم أهنا قدمية النشأة‪.‬‬

‫حيث ظه ر ه ذا املص طلح يف الق رن ‪ 19‬على ي د جمموع ة من علم اء االجتم اع‪ ،‬ورمبا كل‬
‫علماء االجتماع تطرقوا هلذا املفهوم وقد متتد جدوره إىل ما قبل القرن التاسع عشر‪ ،‬ولكن‬
‫ليس بنفس اإلسم‪ ،‬إال أن املضمون واحد‪ ،‬فهناك من تطرق إليه من خالل العصبية‪ ،‬والروابط‬
‫القبلية‪ ،‬كابن خلدون والعالقات االجتماعية أو التفاعل االجتماعي‪ ،‬مثل ماكس فيبر‪ ،‬ومنهم‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي‪ ،‬علم االجتماع ‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،1977،‬ص‪.47‬‬

‫‪43‬‬
‫من حتدث عن ه من خالل تقس يم العم ل والتض امن االجتم اعي‪ ،‬مث ل دورك‪AA A‬ايم‪ A،‬واإلرادة‬
‫االجتماعي ة واجملتم ع احمللي والع ام ل دى تون ‪AA‬يز‪ ،‬وك ذلك من خالل الطبق ات االجتماعي ة عن د‬
‫م‪AA‬اركس‪ ،‬والعقد االجتماعي عن د ه‪AA‬وبز ول‪AA‬وك‪ ،‬وكذا علم اء األنرتوبولوجي ا اإلجتماعي ة مثل‬
‫ميرودوك وغريهم‪ ،‬عندما درسوا اجملتمعات البدائية والعالقات القرابية واألسرة‪ ،‬تعرضوا كلهم‬
‫ملفهوم الرابطة االجتماعية‪.‬‬

‫وي رى معظم الب احثني الفرنس يني يف اجملال االجتم اعي وعلى رأس هم ‪ P.BOUVIER‬بي‪AA‬ار‬
‫بوفي يرى يف كتابه "الرباط االجتماعي" أن الروابط االجتماعية مل تعرف وجودها واستعماهلا‬
‫كمص طلح‪ ،‬إال يف أواخ ر الق رن العش رين‪ ،‬أص بحت كص بغة للعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬والنظ ام‬
‫االجتماعي‪ ، Ordre social‬أو السالم االجتماعي ‪ ،Pais social‬أي ال يؤذي شخص غريه‬
‫داخل النظام االجتماعي‪ .1‬وإمنا يعيشون ضمن عالقات وروابط اجتماعية‪ ،‬تعتمد على التبادل‬
‫والتع اون‪ ،‬كاالحتادات بني ال دول واجملتماع ات‪ ،‬نظ را لوج ود رواب ط مش اهبة ومش رتكة بينهم‬
‫وكذلك الضمان االجتماعي‪ ،‬فالرباط االجتماعي اليوم حيمل معان خمتلفة‪ ،‬إذ يساهم يف خلق‬
‫‪2‬‬
‫احلماية لألفراد واإلقرار الضروري لوجودهم االجتماعي‪.‬‬

‫كم ا وجب علين ا أن نوض ح مص طلح الرابط‪A A‬ة‪ A‬االجتماعية لغ ة‪ ،‬ألنن ا كث ريا م ا جند ه ذا‬
‫املصطلح يُرتجم من اللغة الفرنسة ‪ le lien social‬إىل اللغة العربية الرابط االجتماعي‪ ،‬هذا ما‬
‫يعتربه علماء اللغة العربية خطأ لغويا‪ ،‬فال نقول رابط وإمنا ِرباط‪ ،‬حسب ما جاء يف معاجم‬
‫ط‪ ،‬يُش تق من ه ِربَ اط بكس ر ال راء‪ ،‬ومعن اه الش د‪،‬‬
‫اللغ ة ومنه ا املعجم الوس يط للغ ة‪ ،‬فالفع ل َربَ َ‬
‫الوص لة بني الش يئني‪ ،‬من ال دواب وحنوه ا واجلماع ة جيمعهم أم ر‬
‫والرابط ة تع ين العالق ة أو ُ‬
‫يش رتكون في ه‪ ،‬وال ِرب اط الش ئ ال ذي يُرب ط ب ه (كاخلي ط مثال أو احلب ل)‪ ،‬والرب ط‪ :‬يف علم‬
‫الفلسفة‪ ،‬إحداث عالقة بني مدركني‪ ،‬القرتاهنما يف الذهن بسبب ما‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪. Pierre BOUVIER, Le lien social, édition Gallimard,2005,p17.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.S, PAUGMAN, le lien social, puf, Paris,2008,P4.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬جممع اللغة العربية‪،‬المعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬مصر‪،‬ط‪4،2004‬ص‪.323‬‬

‫‪44‬‬
‫وهن ا يب دوا واض حا أن املص طلح الص حيح لغ ة‪ ،‬ه و رابط ة اجتماعي ة أو ِرب اط اجتم اعي‪،‬‬
‫بكس ر ال راء وليس الراب ط االجتم اعي‪ ،‬والراب ط مص طلح تكنل وجي‪ ،‬يس تعمل يف االن رتنت‪،‬‬
‫فنقول رابط االتصال اخل‪....‬مبعىن يكون بني األشياء وليس األشخاص‪.‬‬

‫وإذا ذهبن ا إىل علم االجتم اع‪ ،‬فالرابطة تُع رف على أهنا جمموع ة من العالق ات بني األف راد‬
‫املنتمني إىل فئ ة اجتماعي ة أو أهنا جمموع ة من القواع د االجتماعي ة بني األف راد أو اجلماع ات‬
‫‪le lien‬‬ ‫االجتماعية‪ ،‬أما يف علم النفس االجتماعي‪ ،‬فإنه يفضل استخدام مصطلح أو مفهوم‬
‫االتص ال بني األف راد ويقص د ب ه االتص ال ال ذي يب ين العالق ة بني‬ ‫‪interpersonnel‬‬
‫‪1‬‬
‫االشخاص‪.‬‬

‫ويُعترب جون جاك روسو أول من تطرق للرباط االجتماعي‪ ،‬يف كتابه العقد‪ A‬االجتم‪AA‬اعي يف‬
‫الفلس فة السياس ية الكالس يكية‪ ،‬كم ا نص ادف مفه وم الرب اط االجتم اعي عن د دوركه ‪AA‬ايم‪A،‬‬
‫‪2‬‬
‫مبصطلح "التضامن االجتماع" وعند تونيز وفيبر وغريهم ‪....‬‬

‫أما إذا جلأنا ملعجم علم االجتماع‪ ،‬جند أن الرابطة االجتماعية هي العالقة اليت تربط أفراد‬
‫اجملتمع وتُشكل منطقه وفلسفته‪،‬كما ختتلف طبيعتها من جمتمع آلخر وقد كانت هذه العالقة‬
‫حمل اختالف الفالسفة واملدارس الفكرية واألنساق األيديولوجية‪ ،‬من حيث تكييفها يف الواقع‬
‫وتصورها كما ختتلف من جمتمع آلخر‪ ،‬حسب رسالة كل أمة ومنهج كل كتاب وطبيعة القوم‬
‫وحميطهم احلضاري‪.3‬‬

‫كم ا تع ين أيض ا يف املعجم الالتي ين الش يء ال ذي يبحث على الرب ط؛ أي يرب ط وجيمع‪،‬‬
‫والرواب ط االجتماعي ة هي تل ك االش كال للعالق ات ال يت ترب ط الف رد باجلماع ات االجتماعي ة‬

‫‪1‬‬
‫‪.Philippe, CORCUFF, «De la thématique du lien social » à l'expérience de la‬‬
‫‪compassion. Variété des liaisons et des déliaisons sociales, Pensée plurielle, 2005,‬‬
‫‪n°9,p13.‬‬
‫‪FARRUGIA, Francis, La crise du lien social, Essai de sociologie critique, .2‬‬
‫‪.L'Harmattan, paris, 1993,P22‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬عدنان أبو مصلح‪،‬معجم علم االجتماع‪،‬دار أسامة املشرق الثقايف‪،‬عمان األردن‪،2006،‬ط‪،1‬ص‪.261‬‬

‫‪45‬‬
‫واجملتم ع‪ ،‬وال يت تس مح ل ه بالتنش ئة واالن دماج داخ ل اجملتم ع؛ وأخ ذ من ه عناص ر –مقوم ات‪-‬‬
‫هويته‪.1‬‬

‫كم ا ظه ر أبس ط مفه وم للرواب‪AA‬ط االجتماعية على ي د ج‪AA‬ورج بون‪AA‬اك على أن ش كل الرابط ة‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬ه و عب ارة عن جتم ع أويل لعناص ر خمتلف ة ولعالق ة فردي ة‪2.‬ف األفراد مييل ون من ذ أن‬
‫ظهروا على وجه األرض إىل التجمع بأفراد نوعهم‪ ،‬وقد عرب أرس‪AA‬طو عن هذا بقوله اإلنسان‬
‫ك ائن اجتم اعي‪ ،‬وابن خل‪AA‬دون اإلنس ان م دين بطبع ه‪ ،‬وحبكم ه ذا املي ل عن د اإلنس ان جنده ال‬
‫يعيش يف العادة مبفرده وإمنا مع غريه من بين جنسه‪ ،‬وقد كان حيدث هذا يف أول األمر بطريقة‬
‫تلقائية وبدون أي وعي أو قصد‪ ،‬فظهرت بذلك أبسط أشكال التجمع والروابط االجتماعية‪.‬‬
‫وهي تلك اليت تتميز مبجرد وجود الناس قريبني من بعضهم يف مساحة معينة‪ ،‬دون أن مُي يّزهم‬
‫أي شيء سوى هذا القرب من بعضهم‪ ،‬حيث مل يكن هذا األخري يرتبط بأي نوع من التنظيم‬
‫أو التأثري املتبادل أو أية عالقة من نوع آخر‪ .‬بدأت تظهر التجمعات واحلشود وأوىل الروابط‬
‫االجتماعي ة يف األس رة ف ُس ميت بالرواب ط الطبيعي ة‪ ،‬مث ظه رت عالق ات بني األس ر فيم ا بينهم‬
‫ومُس يت بالروابط األسرية أو الرتابط األسري حبُكم عامل القرابة واملصاهرة‪ ،‬فبدأ التفاعل بني‬
‫األفراد يف اجملتمع والشعور بوحدة الرتكيبة ووحدة املصاحل والنشاط‪ ،‬هذا ما يُسمي بالروابط‬
‫‪3‬‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫كما جند من علماء االجتماع من ال يُعرف الرابط‪AA‬ة االجتماعية‪ ،‬حىت يُدمج مفهوم اجملتمع‬
‫إىل مصطلح الرباط االجتماعي‪ ،‬ومنهم جنزبرج الذي يرى أن اجملتمع هو؛"تعبري عن كل صلة‬
‫اإلنسان باإلنسان‪ ،‬سواء كانت هذه الصلة مباشرة أم غري مباشرة‪ ،‬منظمة أو غري منظمة‪ ،‬عن‬
‫وعي أو ب دون وعي‪ ،‬تتم يز بالتع اون أم متيز بالع داء‪4".‬ويُع رف اجلماع ة على أهنا "جمموع ة من‬

‫‪Le robert, Dictionnaire de sociologie, ed du seuil PARIS,p307et p30.1‬‬


‫و انظر أيضا‪:‬د‪.‬مجال معتوق‪،‬قراءة نقدية يف الروابط االجتماعية حالة اجملتمع اجلزائري‪ ،‬فعالي‪AA‬ات الملتقى الوط‪A‬ني الراب‪A‬ع لقس‪A‬م علم‬
‫االجتماع‪،‬يومي ‪6‬و ‪ 7‬نوفمبر ‪،2006‬منشورات كلية العلوم االنسانية و االجتماعية‪،‬اجلزائر ‪.2008-2007‬ص‪.255‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي‪،‬نفس املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 39‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 40‬‬

‫‪46‬‬
‫الن اس بينهم اتص ال وارتب‪AA‬اط اجتم‪AA‬اعي منظم وهلم ت ركيب معل وم‪ 1".‬قاص دا ب ذلك أن الرب اط‬
‫االجتماعي يتشكل تلقائيا بني األفراد‪ ،‬نظرا للحاجة االجتماعية اليت يفرضها اجملتمع‪.‬‬

‫كما يعرف جورج بوناك أيضا اجملتمع‪ ،‬على"أنه عبارة عن جمموعة من الناس عاشوا وعملوا‬
‫مع ا ف رتة من ال زمن‪ ،‬بلغت من الط ول م ا مكنهم من تنظيم أنفس هم‪ ،‬واعتب ار أنفس هم وح دة‬
‫اجتماعية هلا حدودها املعروفة"‪ 2.‬من خالل هذه التعاريف‪ ،‬يتضح لنا أن األفراد ميتازون داخل‬
‫اجملتمع باالتصال والتفاعل والرتابط فيما بينهم‪.‬‬

‫فبعد تعريف ج‪AA‬نزبرج للمجتمع‪ ،‬يستنتج تعريفا للرابطة االجتماعية على أهنا"جمموعة من‬
‫الناس حيتلون بقعة ُمعينة من األرض ويربطهم معا نظام من القواعد‪ ،‬اليت تُنظم حياهتم وحُت دد‬
‫صالهتم والرابطة االجتماعية‪ ،‬قد توجد داخل اجملتمع الكلي أو اجملتمع احمللي وقد تكون هي‬
‫اجملتمع نفسه يف بعض األحيان‪ ،‬إذا شعر فيه أفراده بالرتابط والتماسك‪ ،‬ألن الرابطة االجتماعية‬
‫يتحد فيها الناس ألداء وظيفة ما أو عدة وظائف"‪.3‬‬

‫ويف معجم اإلثنولوجي‪AA A‬ا واألنتروبولوجيا‪ ،4‬جند أن كلم ة الرابط ة مت اش تقاقها يف الق رن‬
‫التاسع عشر من الكلمة االجنليزية ‪ ،Band‬اليت تعين الرباط أو الشريط‪ ،‬أي الشيء الذي يربط‬
‫األش ياء يبعض ها‪ ،5‬ف أوىل الرواب ط البش رية تب دأ بعالق ة األم وأبناءه ا وتس مى برابط ة األموم ة‪،‬‬
‫وهي أقوى الروابط البشرية والطبيعية‪ ،‬ألهنا فطرية يف اإلنسان‪ ،‬مث خيرج الفرد إىل اجملتمع بعد‬
‫األسرة وتظهر الروابط االجتماعية‪ ،‬وهي اليت تشري إىل العناصر اهليكلية املتواجدة يف اجملتمع‪،‬‬
‫كالنش اط االقتص ادي واالحتادات والنقاب ات‪ ،‬وال يت من وظيفته ا الرب ط بني وح دات اجملتم ع‪،‬‬
‫كالزواج الذي ميثل أصل الروابط االجتماعية‪ ،‬مبختلف أشكاهلا‪ ،‬ألنه جيمع بني أفراد اجملتمع‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي‪ ،‬نفس املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪3‬‬
‫أنظر عبد احلميد لُطفي‪،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 42‬‬
‫‪ .4‬بيار بونت ‪ ،‬معجم االثنولوجيا واالنتروبولوجيا‪ ،‬تر‪ :‬مصباح الصمد‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسة والنشر والتوزيع‬
‫‪،2006‬ص‪.492‬‬
‫‪.5‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.492‬‬

‫‪47‬‬
‫من أجل تكوين األسرة اليت تعد الن واة األساسية يف اجملتمع‪ ،‬واليت تظهر فيها روابط األخوة‬
‫واألمومة وروابط القرابة وكلها تسمى روابط اجتماعية‪.‬‬

‫كم ا جند يف تعريف ل‪AA‬ووي الع امل األن ثروبولوجي في كتاب‪AA‬ه المجتم‪A‬ع‪ A‬الب‪AA‬دائي ‪ 1920‬أن‬
‫"الرابطة االجتماعية‪ ،‬هي مجاعة داخل اجملتمع الكلي‪ ،‬فهي التقوم على القرابة فقط وال ختضع‬
‫للرقاب ة االجتماعي ة‪ ،‬ألهنا حتدث تلقائي ا بني أف راد اجلماع ة‪ ،‬كرواب ط الص داقة‪ ،‬فهم ليس وا‬
‫بالضرورة أقارب ولكن ميكن أن نعترب أن أساس الروابط االجتماعية‪ ،‬هي القرابة‪ A‬وبعدها تأيت‬
‫الروابط بني األفراد الغري أقارب"‪ ،1‬وهذا ما ذكره ج بيلو ‪ 1907‬يف كتابه حياة الجماع‪AA‬ة "أن‬
‫الص داقة ميكن أن نعتربه ا أس اس ل نزوع البش ر حنو الرتاب ط‪ ،‬ولكن القراب ة هي أص ل الرتاب ط‬
‫االجتم اعي‪ ،‬فأش كال الرتاب ط منتمي ة إىل أش كال ال نزوع إىل العيش االجتم اعي‪ ،‬فهي جُت يّش‬
‫‪2‬‬
‫العالقات االجتماعية باجتاه نشاط اجتماعي حمدد اهلدف بصورة أو بأخرى"‬

‫كم ا تؤك د بعض املدارس السوس يولوجية املعاص رة كمدرس ة مورينو‪- J.L.Moreno‬‬
‫المدرس ‪AA A‬ة السوس ‪AA A‬يومترية‪ -‬يف احلديث عن الفئ ات االجتماعي ة‪ ،‬داخ ل ش بكة العالق ات‬
‫االجتماعية‪ ،‬على مبدأ الذرات‪ A‬االجتماعية ويف علم االجتماع الذرة االجتماعية‪ ،‬هي الفرد يف‬
‫عالقته مع اآلخرين أي أن األفراد ليسوا هم عناصر التحليل الذي يعتمده علم االجتماع‪ ،‬لكن‬
‫هذه العناصر تشكل عالقات إجتماعية بني األفراد أو بني اجلماعات‪ ،‬ألن وجود جمموعة من‬
‫األفراد ال يكفي ألن يُكون مجاعة‪ ،‬كما أن كومة من احلجارة ال تشكل بيتا‪ ،‬فاجلماعة كواقعة‬
‫اجتماعية ال تظهر إال حيث يرتبط الناس بعالقات متبادلة‪.3‬‬

‫مبعىن أن األف راد يف ت رابطهم وعالق اهتم خيتلف ون من حيث ق وة اإلرتب اط والعالق ة‪ ،‬وم داها‬
‫وع ددها ونوعه ا‪ ،‬وق د تك ون اجيابي ة أو س لبية‪ ،‬وهن ا تتش كل ال ذرة االجتماعي ة ال يت يعتربه ا‬
‫مورينو ن واة تتش كل من كل األفراد املرتبطني‪ ،‬بشخص معني‪ ،‬بعالقات قوية‪ ،‬س واءا كانت‬

‫‪.1‬بيار بونت‪ ،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.493‬‬


‫‪2‬‬
‫بيار بونت‪ ،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.494‬‬
‫‪.3‬جان وليام لبيار‪،‬السلطة السياسية‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،‬منشورات عويدات‪،1974،‬ص‪.73،74‬‬

‫‪48‬‬
‫عالق ة انفعالي ة أو اجتماعي ة أو ثقافي ة‪ ،‬فمجم ل العالق ات االجتماعي ة الناجتة عن عملي ات‬
‫االختي ار أو النب ذ املتجه ة من أو إىل ف رد معني‪ ،‬تُ َك ِون ذرت ه االجتماعي ة‪ ،‬وي زداد حجم ه ذه‬
‫الذرة بنموه‪ ،‬قصد ضمان متاسكه الداخلي واخلارجي‪ ،‬ألن الذرة االجتماعية تتطور يف العامل‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعي ضمن النسيج االنفعايل‪.‬‬

‫إض افة إىل ه ذا يقص د مورين ‪AA‬و‪ ،‬ب ذلك ه و أن مجاع ة األف راد ال تش كل جمتمع ا‪ ،‬ب املعىن‬
‫السوس يولوجي وليس اللغ وي‪ ،‬إال إذا ك انت هن اك عالق ة بني األف راد‪ ،‬ليتش كل النس يج‬
‫االجتم اعي مثله ا مث ل كوم ة احلج ارة ال يت ال تش كل لن ا ج دارا‪ ،‬إال إذا ك انت بني احلج رة‬
‫واألخ رى إمسنت يش دها واإلمسنت هن ا‪ ،‬ه و العالق ة االجتماعي ة بني األف راد أو الرب اط‬
‫االجتماعي‪ ،‬الذي يربطهم قد يكون ِرباط قرابة‪ ،‬صداقة‪ ،‬جوار‪ ،‬مواطنة‪ ،‬أو الدين‪...‬وغريها‬
‫من الروابط االجتماعية األخرى‪.‬‬

‫وح ديثا يُع رف بي‪AA A‬ار بوردي‪AA A‬و ‪ P Bourdieu‬الرواب ط االجتماعي ة من خالل إدماجه ا‬
‫مبفه وم رأس الم‪AA‬ال االجتم‪AA‬اعي وال ذي يُعرف ه بأن ه جمم وع املوارد احلالي ة أو الكامن ة‪ ،‬املتعلق ة‬
‫حبي ازة ش بكة مس تدمية من العالق ات‪ ،‬مؤسس ة إىل ح د م ا وبعب ارة أخ رى‪ ،‬ه و االنتم اء إىل‬
‫جمموعة من الفاعلني املتحدين بروابط مستمرة‪ ،‬ومفيدة قائمة على تبادالت مادية ورمزية‪ ،‬وأن‬
‫الفائدة املنشودة من االنتماء إىل مجاعة هي أساس التضامن‪ ،‬وتعد األسرة هي الشكل البدائي‬
‫‪2‬‬
‫لرأس املال االجتماعي‪.‬‬
‫ويقصد من هذا التعريف هو أن الغاية من الروابط االجتماعية‪ ،‬حتقيق التضامن االجتماعي‬
‫ألن رأس املال االجتم اعي ه و تل ك الش بكة من العالق ات االجتماعي ة بني األف راد‪ ،‬زي ادة على‬
‫ذلك فإنه كلما تتشكل عالقات وروابط اجتماعية بني األفراد‪ ،‬فإن ذلك يُعترب تشكيل لرأس‬
‫مال اجتماعي‪ ،‬مع أن هذه العالقات أو الروابط‪ ،‬قابلة للحراك والتغري االجتماعي‪ ،‬وكل فاعل‬
‫‪.1‬عبد العزيز خواجة‪،‬العالقات االجتماعية في النص القرآني‪،‬دراسة سوسيولوجية‪،‬دار صفحات للدراسة والنشر‪،‬سورية‪،‬دمشق ‪،‬ط‬
‫‪، 2007 1‬ص‪.51‬‬
‫‪ .2‬حممد بوخملوف‪ ،‬الروابط االجتماعية و مشكلة الثقة ‪،‬يف فعاليت الملتقى الوطني الرابع لقسم علم االجتماع كلية العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪،‬جامعة الجزائر‪ A‬يوم ‪6‬و ‪7‬نوفمبر ‪،2006‬منشورات كلية العلوم االنسانية و االجتماعية‪،‬اجلزائر‪-2007 ،‬‬
‫‪،2008‬ص‪. 21‬‬

‫‪49‬‬
‫يساهم يف شبكة رأس املال االجتماعي‪ ،‬الذي يعتمد على عالقات الثقة بني األفراد‪ ،‬يعين هذا‬
‫أن كل فرد يف عالقته مع اآلخر يعرف واجباته جيدا‪ ،‬ويقوم هبا حىت حيافض على راس املال‬
‫االجتم اعي‪ ،‬يع ين ه ذا أن رأس املال االجتم اعي يق وم على ع املني أساس يني ومها الثق ة‬
‫‪1‬‬
‫والواجب‪.‬‬
‫كما ترمز الرابطة االجتماعية أيضا جملموع العالقات اليت تربط األفراد‪ ،‬لتشكل أحزاب من‬
‫نفس اجلماعة واليت تنشأ قواعد اجتماعية بني األفراد أو اجلماعات االجتماعية املختلفة‪ ،‬إضافة‬
‫إىل ه ذا ولنفهم الرواب ط االجتماعي ة أك ثر‪ ،‬جيب أن نكش ف عن طبيع ة العناص ر املكون ة هلذه‬
‫الرواب ط وعلى أي ش يء يتوق ف تطوره ا أو ختلفه ا يف التجم ع البش ري كك ل‪ ،‬وتتمث ل ه ذه‬
‫العناصر املكونة للروابط االجتماعية‪ ،‬يف االتصال املكاين‪ ،‬أوال ألنه يساعد على الرتابط‪ ،‬فمن‬
‫ُ‬
‫خالل عالقة اجلوار وما يستتبعها من رؤية متبادلة بني األفراد يتعاونون عند احلاجة‪ ،‬مث االتصال‬
‫النفسي‪ ،‬ويساعد على إنشاء عالقات وطيدة بني الناس‪ ،‬خاصة وأن بعض العالقات ال ميكن‬
‫أن تستمر بدون هذا االتصال‪ ،‬كعالقات الصداقة مثال ‪.‬وبعد هذان االتصاالن اللذان ميهدان‬
‫لنشوء االتصال االجتماعي‪ ،‬يتحول االتصال النفسي إىل اتصال اجتماعي‪ ،‬ألنه إذا التقيا (أ)‬
‫و(ب) وب دآ ي ؤثران يف بعض هما البعض ويتف اعالن إجتماعي ا‪ ،‬يتوص ال إىل تب ادل‪ ،‬فاالتص ال‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬هو تفاعل بني هؤالء األفراد‪.‬‬
‫وهلذا جند للتفاعل االجتماعي دور كبري يف تشكل الروابط االجتماعية‪ ،‬فبدونه ال حيدث‬
‫أي تراب ط وأي عالق ة اجتماعي ة‪ ،‬فه و إذن ش رط أساس ي لوج ود الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬بك ل‬
‫أنواعها هلذا يعترب مصطلح التفاعل من املفاهيم اهلامة يف موضوعنا‪.‬‬
‫نستنتج إذن أن الرابطة االجتماعية تنشأ بني األفراد داخل اجملتمع‪ ،‬من خالل عناصر مكونة‬
‫هلا واملتمثلة يف اتصال مكاين واتصال نفسي‪ ،‬أي جتاوب األفراد مع بعضهم البعض مما يؤدي‬
‫أو يساعد على تفاعل واتصال إجتماعي‪ ،‬يُكون رابطة اجتماعية تنشأ أوال بني األقارب‪ ،‬أي‬

‫‪.Henri, MENDRAS, le sociologue et son terrain, trente recherches exemplaires,‬‬


‫‪1‬‬

‫‪Armande colin Paris, 2000,p187.‬‬


‫‪.2‬مجال جمدي حسنني ‪ ،‬سوسيولوجيا المجتمع ‪،‬مصر‪،‬القاهرة ‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪،2005‬ص‪.87‬‬

‫‪50‬‬
‫تتولد من األسرة لتتوسع حنو األقارب البعيدين‪ ،‬إىل األصدقاء واجلريان‪ ،‬الغري أقارب‪ ،‬وكل هذا‬
‫حيدث داخل ما يسمى باجملتمع‪.‬‬

‫كما ميكن تصوير ثالث جمموعات من الروابط االجتماعية‪ ،‬حسب جان فرانس‪AA‬وا دورتيه‪ 1‬يف‬
‫معجمه‪ُ ،‬معتربا أن الرباط االجتماعي هذا املصطلح السوسيولوجي‪ ،‬الغامض عامة‪ ،‬وبإمكانه‬
‫أن يتخ ذ ع دة مع اين‪ ،‬وهي الرب ‪AA‬اط‪ A‬الم ‪AA‬دني‪ :‬وه و جمم ل الرواب ط ال يت توح د الف رد باحلي اة‬
‫االجتماعية‪،‬كاملشاركة االنتخابية‪ ،‬اإلخنراط يف اجلمعيات والنقابات واألحزاب السياسية عامة‪.‬‬

‫ومستخدمني‬
‫الرباط االقتصادي والتجاري‪ :‬وهو الذي يُربط بواسطة عقد عمل بني مأجورين ُ‬
‫حيث يس تند ه ذا الرب اط إىل املص لحة املتبادل ة وعالق ات الثق ة‪ .‬كم ا توج د رواب ط تنش أ يف‬
‫اجملتمع من خالل التأمينات والضمان االجتماعي‪ ،‬اخلدمات االجتماعية‪ ،‬ألن التأمني عبارة عن‬
‫رباط تكافلي اجتماعي‪.‬‬

‫وحس ب تقس يم أرس ‪AA‬طو للص داقة قس م الرواب ط إىل ع دة أقس ام‪ ،‬هلذا ميكن ظه ور ثالث‬
‫جمموعات من الروابط‪.‬‬

‫‪.1‬الرابطة االجتماعية ‪:Le lien communautaire‬تقوم يف األصل على املعتقدات غالبا‬


‫ما تكون غري اختيارية وغري طوعية‪ ،‬يتقبلها الفرد وخيضع هلا بصورة تلقائية‪.‬‬

‫‪.2‬الرابطة السياسية‪ : Le lien politique‬هي اليت تقوم على امليول‪ ،‬وهي ذات مبادئ‬
‫سياسية ثابتة‪ ،‬وتعتمد على االرتباطات االختيارية وتكون هذه الرابطة يف األصل طوعية غري‬
‫قهرية‪.‬‬

‫‪le lien economique et le lien marchant‬‬ ‫‪.3‬الرابطة االقتصادية والرابطة التجارية‬


‫وال يت هي ض رورية وقهري ة متليه ا ش روط الس وق والتب ادالت التجاري ة‪.‬إهنا رواب ط اجتماعي ة‬

‫‪.1‬دورتيه جان فرانسوا‪ ،‬معجم العلوم االنسانية‪ ،‬تر‪:‬جورج كتورة‪،‬ط‪ ،1‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬االمارات‬
‫العربية املتحدة‪ ،2009 ،‬ص‪.436‬‬

‫‪51‬‬
‫حتفزها وتديرها بالدرجة األوىل املنفعة املادية واملالية‪2.‬تعترب هذه األنواع تقسيم أرسطو للرابطة‬
‫بصفة جمملة ثالث أنواع هامة تنشأ بني األفراد حسب الدور واملنفعة‪.‬‬

‫ويف األخ ري ميكنن ا تعريف الرابط‪AA‬ة االجتماعية تعريف‪AA‬ا إجرائيا على أهنا‪ :‬هي ذل ك اخلي ط أو‬
‫الرب اط‪ ،‬ال ذي يش د أف راد اجلماع ة‪ ،‬وينش أ من خالل جمموع ة من العوام ل‪ ،‬تب دأ بالتفاع ل بني‬
‫األف راد واالتص ال االجتم اعي‪ ،‬ليش كلوا عالق ات اجتماعي ة بع د ذل ك‪ ،‬حيث أن ك ل عالق ة‪،‬‬
‫يربطها رباط اجتماعي كرباط القرابة‪ ،‬الصداقة‪ ،‬اجلرية‪ ،‬الدين‪ ،‬املواطنة‪...‬جيعلها تشكل رابطة‬
‫اجتماعية معينة كما ال ميكن للفرد أن يُكون عالقة اجتماعية‪ ،‬إال بوجود رابط يربطه بطرف‬
‫العالقة‪ ،‬والرباط هنا هو اخليط االجتماعي‪ ،‬الذي يشد الرابطة االجتماعية‪ ،‬وبالتحديد سنقوم‬
‫بدراسة رباط القرابة الذي يعترب رباط من الروابط االجتماعية األولية يف علم االجتماع‪.‬‬

‫حيث يعرف معن خليل العمر الروابط القرابية‪":‬وهي عالقات تقوم على التفاعالت املباشرة‪،‬‬
‫أي أن األف راد‪ ،‬حيتك ون ببعض هم وجه ا لوج ه‪ ،‬دون احلاج ة إىل وس طاء‪1".‬واملقص ود ب ذلك‬
‫اجرائيا هو أن الرابطة القرابية‪ ،‬وهي كل صلة مباشرة‪ ،‬بني شخصني أو جمموعتني ينحدرون‬
‫من نسب واحد حيث تكون هذه الصلة مستمرة ودائمة‪ ،‬حىت هناية حياة الفرد أو اجلماعة‪،‬‬
‫ألن الصلة تتطلب التواصل املستمر‪ ،‬وبانقطاع هذا األخري‪ ،‬تنقطع الصلة الرمحية أو تضعف مع‬
‫الزمن‪.‬‬

‫‪L’interaction social‬‬ ‫‪ .1‬الرابطة‪ A‬االجتماعية والتفاعل االجتماعي‬

‫يعت رب التفاع ل االجتم اعي من املف اهيم األساس ية يف علم النفس اإلجتم اعي‪ ،‬خاص ة وعلم‬
‫االجتم اع عام ة‪ ،‬ألن ه يش مل الت أثري املتب ادل لس لوك األف راد واجلماع ات‪ ،‬حيث يتم ذل ك عن‬
‫طريق االتص ال بني األف راد‪ ،‬س واء املباش ر أو الغ ري مباش ر‪ ،‬فاملباش ر مث ل األم وأبنائه ا‪ ،‬األستاذ‬
‫الطلب ة‪...‬أم ا الغ ري مباش ر مث ل اهلاتف‪ ،‬الرس ائل‪ ،‬مساع األغ اين‪..‬اخل‪،‬كم ا يش ري مفه وم التفاعل‬
‫االجتماعي إىل تلك العمليات املتبادلة‪ ،‬بني طرفني اجتماعيني‪ ،‬يف موقف أو وسط معني‪ ،‬حبيث‬

‫‪2‬‬
‫‪..‬عبد الكرمي بوحيياوي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪21‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪،‬علم اجتماع األسرة‪،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.148‬‬

‫‪52‬‬
‫يكون سلوك أي منهما منبها أو مثريا لسلوك الطرف اآلخر‪ ،‬وينتج عن هذا التفاعل أشكال‬
‫ومظاهر خمتلفة‪ ،‬تؤدي إىل عالقات اجتماعية معينة‪1.‬يعين هذا أن التفاعل االجتماعي‪ ،‬حيدث‬
‫عن طريق اإلتصال االجتماعي بني األفراد‪ ،‬فينتج عنه عالقات إجتماعية‪.‬‬

‫وي رى األخص ائيون يف علم النفس االجتم اعي وعلى رأس هم بيل ‪AA A‬ز ‪ Beles‬أن التفاع ل‬
‫االجتماعي هو كل فعل يؤدي إىل استجابة يف اطار عملية تبادل لألفعال واالستجابات حىت لو‬
‫كان بني الفرد ونفسه‪ .‬فهم يرون أن الفرد يتفاعل منذ حلظة ميالده وحىت موته‪ ،‬ويف أوقات‬
‫اليقظة وحىت أثناء النوم على شكل أحالم‪،‬كما يتفاعل الفرد مع غريه وهو جالس وحده عن دما‬
‫يت ذكر شخص ا م ا وه ذا م ا يس مونه بالتفاع‪AA‬ل الرم‪AA‬زي‪.‬كم ا ي رون ت وفر جمموع ة من الشروط‬
‫حلدوث التفاعل االجتماعي بني أفراد اجملتمع‪،‬كالتب‪AA‬ادل‪:‬الذي يعترب شرط أساسي‪ ،‬ومن غريه‬
‫يكون السلوك إما مؤثرا أو متأثرا من طرف واحد فحسب‪.‬وكذلك التوافق‪:‬وهي أن تتكامل‬
‫استجابات األشخاص يف املوقف االجتماعي بطريقة سهلة‪.2‬‬

‫زي ادة على ذل ك يؤك د ك‪AA A A‬وبر وورتشر ‪3 Worcher ,Cooper‬على أن التفاع ل‬


‫االجتم اعي مير ع رب مراح ل أساس ية وهي‪:‬أوال‪:‬مرحل ‪AA‬ة التع ‪AA‬ارف‪،‬ثاني ‪AA‬ا‪:‬التف ‪AA‬اوض‪ A‬والمس ‪AA‬اومة‪A‬‬
‫وتعين حتديد كل طرف نوع العالقة اليت يفكر التوصل إليها أو إقامتها‪.‬ثالث‪AA‬ا‪:‬مرحل‪AA‬ة الت‪AA‬واق‪A‬‬
‫واإلل ‪AA‬تزام وهي أن يقتن ع ك ل ط رف ب الطرف اآلخ ر من حيث املزاي ا والقيم ة‪ ،‬رابع ‪AA‬ا‪:‬مرحل ‪AA‬ة‬
‫اإلعالن عن العالق ‪A‬ة‪ A‬وتعزيزه ‪AA‬ا وتثبيتها‪.‬مث يس تنتج جمم وع من األه داف للتفاع ل االجتم اعي‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪.1‬أن التفاعل ييسر حتقيق أهداف اجلماعة وبالتايل حيدد طرق إشباع هذه احلاجات‪.‬‬

‫‪.2‬يتعلم الف رد واجلماع ة ب ه أمناط الس لوك املتنوع ة واالجتاه ات ال يت تنظم العالق ات بني أف راد‬
‫اجملتمع ومجاعته‪ ،‬يف اطار القيم السائدة والثقافة والتقاليد االجتماعية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬د‪.‬نادر طالب شوامرة‪ ،‬علم النفس االجتماعي‪،‬دار الشروق للنشر و التوزيع‪،‬األردن‪،‬عمان‪،‬ط‪،1،2014‬ص‪.216‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 217،218،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 255،‬‬

‫‪53‬‬
‫‪.3‬يساعد التفاعل على حتقيق الذات وخيفف وطأة الشعور بالضيق‪ ،‬ألن العزلة كثريا ما تؤدي‬
‫إىل اإلصابة باألمراض النفسية‪.‬‬

‫‪.4‬للتفاعل دور يف التنشئة االجتماعية لألفراد‪.‬‬

‫وهن ا يب دو واض حا أن بع د التفاع ل‪ ،‬تتش كل العالق ة االجتماعي ة‪ .‬إذن ه و مرحل ة أساس ية‬
‫لظه ور العالق ات والرواب ط االجتماعي ة بني األف راد‪ .‬وحس ب م ا يؤك ده األخص ائيون‬
‫االجتم اعيون على أن التفاعل حيدث مبجموعة من الطرق أو الشروط‪ ،‬مثلما وضحنا وتتمثل‬
‫يف االتصال‪ :‬ويتم عن طريق اللغة‪ ،‬وهي من أهم وسائل االتصال‪ ،‬حيث يساعد هذا األخري من‬
‫خالهلا على وحدة الفكر والتوصل إىل سلوك تعاوين‪.‬مث التوقع‪ :‬ويعرف على أنه االجتاه العقلي‬
‫واالستعداد لالستجابة ملنبه ما‪ ،‬نسلكه اجتاه اآلخرين‪ ،‬طبقا ملا نتوقعه منهم وطبقا ملا يتوقعوه‬
‫منا وللتوقع أثر كبري يف عملية التفاعل االجتماعي‪ ،‬ألن الفرد عندما يقوم بفعل معني يضع يف‬
‫اعتباره توقعات عدة لالستجابات اآلخرين‪ ،‬كالرفض أو القبول‪ ،‬وعل ضوء التوقعات يكيف‬
‫سلوكه‪ ،‬إذن التوقع مبين على اخلربات السابقة‪ .‬وبعد التوقع يأيت الدور االجتماعي‪:‬ويقصد به‬
‫الس لوك ال ذي ينتظ ر من الفرد القي ام ب ه يف موقف م ا‪ ،‬م ع العلم أن األدوار ال يت يؤديه ا الف رد‬
‫تتع دد بتع دد املواق ف ال يت يتعرض هلا‪ ،‬وت زداد إجتاه الف رد ألدواره كلم ا تك ررت املواقف ال يت‬
‫تس تدعي دورا بعين ه‪ 1.‬زي ادة على ذل ك مير التفاع ل مبجموع ة من العملي ات االجتماعي ة‬
‫‪2‬‬
‫وهي‪:‬التعاون‪،‬التنافس‪،‬الصراع‪A‬‬

‫‪.1‬التعاون‪ :‬عبارة عن تكامل بني األدوار‪ ،‬حيث يرى املتعاون يف اآلخرين أناسا خيتلفون عنه يف‬
‫املقومات والقدرات‪ ،‬فيسعى لتوظيف مقوماهتم وقدراهتم‪ ،‬لتحقيق أهداف مشرتكة بالتكامل‬
‫فيم ا بني قدرات ه وق دراهتم‪ .‬فأص بح ميث ل التع اون ظ اهرة اجتماعي ة‪ ،‬تعكس الت أثري املتب ادل بني‬
‫األفراد يف أداء عمل معني ويف التعاون حماولة للتكيف مع اآلخرين من أجل هدف مشرتك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪..‬نادر طالب شوامرة‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪220‬‬
‫‪2‬‬
‫‪..‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪224-223‬‬

‫‪54‬‬
‫‪.2‬التنافس‪:‬يعرفه شابلن ‪ Chaplin‬أنه عملية تنازع بني طرفني‪ ،‬حول بلوغ نفس اهلدف أو‬
‫الغاي ة‪ .‬والتن افس ه و أك ثر العملي ات االجتماعي ة متثيال للتن ازع والتع ارض االجتم اعيني‪ .‬فه و‬
‫يرتب ط باحلاج ة املش رتكة‪ ،‬ل ذلك ي ربز عن دما تك ون حاج ة مش رتكة بني ف ردين أو مجاعتني‪،‬‬
‫يرغب كل منهما احلصول عليها واملنافسة هي حماولة كل فرد أو مجاعة احلصول على نصيب‬
‫أكرب من األشياء احملدودة‪.‬‬

‫‪.3‬الصراع‪ :‬حيدث الصراع عندما جيد املرء نفسه يف موقفني متناقضني‪ ،‬يتطلب أحدمها سلوكا‬
‫معينا ويتطلب اآلخر سلوكا خمتلفا غري منسجم مع السلوك األول‪ ،‬حبيث يؤدي وجود منطني‬
‫من ال دوافع املتناقض ة املتعارض ة إىل إعاق ة الف رد عن التواف ق‪ .‬مثال الزوج ة ال يت تعيش مش اكل‬
‫زوجي ة م ع زوجه ا هي يف ص راع‪ ،‬ه ل تبقي على ه ذه احلي اة الزوجي ة من أج ل أطفاهلا رغم‬
‫املشاكل الزوجية اليت تعانيها أم تتخلى عنهم لتتخلص من مشاكلها‪.‬‬

‫هذا كله عبارة عن أسلوب من أساليب التفاعل االجتماعي‪ ،‬لذلك يشبه علماء اإلجتماع‬
‫العض ويني تفاع ل األف راد يف اجملتم ع واتص اهلم ببعض هم البعض‪ ،‬كالتفاع ل بني املواد الكيميائي ة‬
‫املختلف ة إذا اتص لت فيم ا بينه ا‪ ،‬وم ا ينتج عن ه ذا التفاع ل واالتص ال من جتاذب أو تن افر وم ا‬
‫يصاحب ذلك من مواد جديدة‪.‬‬

‫ومن األخصائيني يف علم النفس االجتماعي الذين يفسرون نظرية األنظمة االجتماعية للتفاعل‬
‫جند جون ثيبو ‪ John Thiebu‬و هارول‪A‬د كيلي ‪ Harold Kelly‬وفيري‪A‬ان يؤكدون على‬
‫أن التفاع ل يش تمل شخص ني وعن ه ينجم إم ا ربح للط رفني أو ألح دمها‪ ،‬وخس ارة لآلخ ر أو‬
‫خس ارة للط رفني‪ ،‬حبيث ينتج عن التفاع ل‪ ،‬عالق ة اجتماعي ة ق د ت ؤدي إىل التش ابه بني األف راد‬
‫وس لوكاهتم بع د م دة من االس تمرار‪1.‬حيث يتس م التفاع ل االجتم اعي مبجموع ة من الس مات‬
‫ال يت متيزه عن كاف ة األن واع األخ رى من التف اعالت الغ ري اجتماعي ة أو قب ل اجتماعي ة‪ ،‬ألن‬
‫التفاعالت داخل التجمعات غري البشرية مثل النحل أو النمل‪ ،‬تقوم على أسس فطرية غريزية‪،‬‬
‫ألن كل عضو داخل خلية النحل مؤهل فطريا وغريزيا ليقوم بدوره اخلاص به‪ ،‬هذا ما جعله‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬المربت‪،‬وليم‪ ،‬والمربت‪ ،‬ووالس‪ ،‬علم النفس االجتماعي‪،‬تر‪:‬سلوى املال‪،‬ط‪2‬دار الشروق‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪،1993،‬ص‪.120‬‬

‫‪55‬‬
‫منظم ا‪ ،‬وال يس تطيع أي عض و االحنراف حبكم الفط رة‪ ،‬أم ا احلي اة االجتماعي ة ال تق وم على‬
‫الغريزة بل تقوم على أساس جمموعة من املعايري‪ ،‬اليت حتكم هذا التفاعل‪ ،‬من خالل وجود نظ ام‬
‫معني من التوقعات احملددة واألدوار واملراكز املقررة داخل اجملتمع‪،‬كما أن التفاعل خيضع لثقافة‬
‫وخ ربة الف رد‪ ،‬فالط ابع الثق ايف يعتم د على ق درة االنس ان الفري دة على نق ل خربت ه وأفك اره‬
‫وجتارب ه بطريق ة رمزي ة إىل االجي ال الالحق ة‪ 1.‬فاللغ ة مثال تعت رب من الرم وز ال يت انتقلت ع رب‬
‫االجيال وهي من بني العوامل املساعدة على التفاعل االجتماعي‪،‬كما أن هذا االخري هو العامل‬
‫األول ال ذي ي ؤدي إىل تك وين عالق ات والقيم واملع ايري االجتماعي ة وه و أيض ا عام ل يف التغ ري‬
‫االجتماعي والثقايف داخل اجلماعة واجملتمع يعين هذا أن التفاعل االجتماعي هو الذي يؤدي‬
‫إىل تش كيل اجلماع ات و الرواب ط االجتماعي ة وإىل ظه ور اجملتمع ات االنس انية‪ ،‬مبا حتتوي ه من‬
‫أبنية ثقافية‪.‬مبعىن أن احلياة االجتماعية عبارة عن تفاعل بني األفراد‪.‬‬

‫وه ذا م ا أك ده إرفنج قوفم‪AA A‬ان‪ E.Goffmane 2‬ال ذي ي رى أن األف راد يعيش ون يف‬
‫عالقات متبادلة‪ ،‬حيث يستعملون مناذج تتناسب وتتكيف مع القواعد اجلارية أي املعروفة اليت‬
‫حتمل يف طياهتا بعض االحنرافات اخلفية‪ ،‬وحىت التجاوزات العلنية والواضحة‪.‬قاصدا بذلك أنه‬
‫يوجد نوعان من االتصال مباشر وغري مباشر‪ ،‬ميثل الفرد من خالله نفسه لغريه من الناس على‬
‫الصورة اليت يريد هؤالء األفراد رأيته هبا‪.‬فنالحظ أن قوفم‪AA‬ان يقسم الروابط االجتماعية بني‬
‫األفراد إىل روابط ظاهرية أمامية‪ ،‬وهي الواجهة ميثلها خبشبة املسرح‪ ،‬أين يتفاعل األفراد مع‬
‫املشاهدين أو اجلمهور‪ ،‬والروابط الثانية هي روابط خفية مثل الكواليس‪ ،‬ال يراها اجلمهور وال‬
‫ميكنه الدخول إليها‪ ،‬وهبذه الصورة التشبيهية يرى قوفم‪AA‬ان حياة األفراد يف اجملتمع من خالل‬
‫تفاعلهم وعالقاهتم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬نبيل حممد توفيق السمالوطي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.123‬‬
‫‪. E, GOFFMANE, La mise en scène de la vie quotidienne, les éditions de minuit,‬‬
‫‪2‬‬

‫‪Paris, 1973 page11.‬‬


‫‪56‬‬
‫وهنا التفاعل من العوامل الرئيسية للرتابط بني األفراد‪ ،‬وحسب قوفمان لو استطاع الفاعل‬
‫التوقف عن الكالم‪ ،‬فإنه ال يستطيع أبدا التوقف عن التواصل عرب اجلسد‪ ،‬فاألفراد عنده يلعبون‬
‫أدوار إجتماعية على خشبة املسرح الذي هو اجملتمع‪.‬‬

‫إذن التعريف االجرائي للتفاعل االجتماعي‪:‬هو عبارة عن ظاهرة اجتماعية نفسية‪ ،‬حتدث‬
‫للف رد يف حال ة مواجهت ه لف رد آخ ر أو مجاع ة‪ ،‬لي دخل يف عالق ة أو رابط ة اجتماعي ة‪ ،‬فب دون‬
‫التفاع ل االجتم اعي ال تنتج العالق ات والرواب ط االجتم اعي‪ ،‬فه و أص ل ك ل العالق ات‬
‫االنسانية‪.‬فمثال عندما تتفاعل مادتان طبيعيتان يف الكيمياء‪ ،‬ينتج عنهما مادة جديدة ظهرت‬
‫نتيج ة ظ اهرة التفاع ل‪ ،‬ويف العل وم االجتماعي ة املادة الناجتة عن تفاع ل ف ردان‪ ،‬هي العالق ة ال يت‬
‫تؤدي فيما بعد إىل تشكل الرابطة االجتماعية بني األفراد‪.‬‬

‫االجتماعية والتضامن االجتماعي‪La solidarité sociale‬‬ ‫‪.2‬الرابطة‬

‫يشري مصطلح التضامن إىل االشرتاك يف االهداف واملصاحل‪ ،‬ويعد أمرا عظيم الشأن بوصفه‬
‫مصدرا للقوة واملقاومة‪ ،‬وألنه يعد ضمنا تعبريا عن وحدة اهلدف‪ ،‬ويعتقد أن االميان بالتضامن‬
‫كغاي ة يف ذات ه وليس ت كوس يلة لبل وغ غاي ة معين ة‪1....‬وللتض امن االجتم اعي عالق ة كب رية‬
‫بالرابطة االجتماعية‪ ،‬حيث أنه ال تتشكل الروابط االجتماعية إال بتضامن أفرادها‪.‬‬

‫يُع رف التض امن يف معجم علم االجتم اع‪ ،‬بأن ه التماس ك ال ذايت للجماع ة‪ ،‬وه و مص طلح‬
‫ش ائع اس تخدامه من ذ أن اس تعمله أوغس‪AA A‬ت ك‪AA A‬ومت للدالل ة على عملي ة الت آزر يف احلي اة‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫كم ا يُعرف ه محم‪AA‬د ع‪AA‬اطف غيث يف ق اموس علم االجتم اع على أن ه حال ة أو ظ رف تتم يز ب ه‬
‫اجلماع ة‪ ،‬يس ود في ه اإللتح ام االجتم اعي والتع اون والعم ل اجلم اعي املوج ه حنو إجناز أه دافها‬
‫‪3‬‬
‫وقد يشري أكثر لإللتحام اإلجتماعي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬جوردون ماشال‪،‬موسوعة علم االجتماع‪،‬أوكسفورد‪ ،‬نيويورك‪،1994،‬ص‪.14‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عدنان أبو مصلح‪ ،‬معجم علم االجتماع‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪،‬دار املشرق الثقايف‪،‬األردن‪،‬عمان‪،‬ط‪،1،2006‬ص‪.132‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬حممد عاطف غيث‪ ،‬قاموس علم اإلجتماع‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬األردن‪،‬عمان‪،2006،‬ص‪.340‬‬

‫‪57‬‬
‫ويع د دورك‪AA A‬ايم‪ A‬من أب رز العلم اء ال ذين اهتم وا مبفه وم التض‪AA A‬امن‪ ،‬حيث اس تعمل ه ذا‬
‫املصطلح يف أطروحته تقس‪AA‬يم العم‪AA‬ل االجتم‪AA‬اعي ‪ 1893‬ويف هذا الكتاب ذكر مصطلحني‬
‫للتضامن اآليل والعضوي ‪ solidarité mécanique et solidarité organique‬وهنا يشرح‬
‫دورك ‪AA‬ايم‪ A‬حرك ة اجملتمع ات اإلنس انية‪ ،‬تقس يمه للتض امن االجتم اعي بتقس يم اجملتمع ات إىل‬
‫قسمني جمتمعات تقليدية وجمتمعات صناعية‪ .‬فهو يرى أن التضامن امليكانيكي يسود اجملتمعات‬
‫التقليدية أما العضوي تعرفه اجملتمعات الصناعية‪ ،‬ففي اجملتمع البدائي جند تقسيم العمل ضئيال‪،‬‬
‫إال أن األف راد متض امنون آلي ا ميارس ون نفس املهن ة ونفس الوظ ائف ال رعي‪ ،‬ال زرع ‪ ...‬أم ا يف‬
‫اجملتمعات احلضرية أو الصناعية احلديثة‪ ،‬جند تقسيم العمل كبريا وواضحا‪ ،‬حيث يكون تضامن‬
‫األفراد عضويا‪ ،‬كل فرد لديه وظيفة يقوم هبا و يفيد هبا غريه‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬فاألفراد مثل‬
‫‪1‬‬
‫األعضاء يف اجلسم كل عضو له مهمته‪.‬‬

‫إذن هن ا يرب ط دورك‪AA‬ايم‪ A‬التض امن االجتم اعي‪ ،‬بظ اهرة تقس يم العم ل االجتم اعي‪ ،‬وحيدد‬
‫مس توى التض امن من خال درج ة تقس يم العم ل‪ ،‬فهن ا يك ون التض امن واض حا ج دا‪ ،‬بس بب‬
‫احلاجة واملصاحل املشرتكة بني الناس‪ ،‬واليت ال ميكن أن تتحقق إال به‪ .‬يعين هذا أن اجملتمع عند‬
‫دورك‪AA‬ايم‪ A‬يتضامن من خالل النشاطات أو االعمال اليت يقوم هبا أفراد اجملتمع‪ ،‬سواء بطريقة‬
‫آلية أم عضوية‪ ،‬وهذا يعترب تضامنا فعليا وليس معنويا‪،‬كالتضامن يف حاالت احلزن أو الفرح‬
‫بني أفراد اجلماعة وبالتايل فالتضامن الذي يتحدث عنه دورك‪AA‬ايم تضامنا ضروري الستمرار‬
‫الرابطة االجتماعية‪ ،‬من خالل العمل االجتماعي‪.‬‬

‫وهلذا جند من عوامل التضامن االجتماعي‪ ،‬أوال التضامن ألجل احلاجة أو املصلحة‪ ،‬ألنه ال‬
‫يتم حتقيق احلاجة‪ ،‬إال عن طريق تبادل اخلدمات‪ ،‬حيث أنه لكل فرد قدراته اخلاصة يف إفادة‬
‫غريه كما يرى ذلك ابن خلدون‪ ،‬أن الفرد الواحد ال ميكنه حتصيل قوته اليومي‪ ،‬إال مبساعدة‬
‫بين جنسه‪ ،‬هذا ما يسمى بالتضامن عن طريق تقسيم العمل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.Raymond, BOUDAN, Dictionnaire de la sociologie, paris, France, la rousse, page‬‬
‫‪222.‬‬

‫‪58‬‬
‫فالتض امن ه و ال ذي يرب ط أف راد اجملتم ع بعض هم البعض وأن أس اس الرابط ة االجتماعي ة هم‬
‫األف راد ت ربطهم‪ ،‬رابط ة تعاض د وتض امن‪ ،‬إذ أن هلم حاج ات مش رتكة‪ ،‬ال ميكن حتقيقه ا إال‬
‫باحلي اة املش رتكة ف األفراد إذن مرتبط ون بن وع من التض امن‪ ،‬باالش رتاك أو التش ابه يف نفس‬
‫احلاج ات‪ ،‬أو بن وع من تض امن تقس يم العم ل ولتحقي ق ه ذا التض امن الب د من تنظيم س لوك‬
‫األفراد‪.‬‬

‫كم ا جند يف حتليل م‪AA‬اركس للطبقة االجتماعي ة‪ ،‬أن التضامن متج ذر من خالل وعي األفراد‬
‫مبصلحتهم املشرتكة يف مواجهة خصومهم من الطبقة الرأمسالية‪.‬‬

‫وانطالق ا من وجه ة النظ ر ه ذه يص بح التض امن ظ اهرة عقالني ة‪ ،‬ألن اس ترب ط بينهم املص لحة‬
‫املشرتكة وهلذا يعرب تضامن الطبقة العاملة عن نفسه من خالل منظمات‪ ،‬مثل النقابات العمالية‬
‫اليت يتضامن أعضاؤها لتأسيس االهداف العامة هلم‪ ،‬زيادة على هذا‪ ،‬فإن التضامن يف الغالب‬
‫ي ؤدي إىل التن ازل عن املص احل الفردي ة على املدى الق ريب ألج ل املص لحة العام ة على املدى‬
‫البعيد‪.‬‬

‫و اعترب فيبر أن دعوة ماركس لعمال العامل‪،‬كي يتحدوا دعوة مثالية بالنظر إىل تعدد الفوارق‬
‫بني العم ال وهم اجلماع ة املتض امنة‪ ،‬بس بب املص لحة املش رتكة‪ ،‬وش كلت رابط ة عمالي ة عاملي ة‬
‫رغم اختالف املكان والصناعة واجلنس والعمر والعرق‪ ،‬وحىت الدين والقومية‪ ،‬فرأى في‪A‬بر أن‬
‫الش يء االجيايب والفع ال‪ ،‬من ه ذه ال دعوة ه و التق ارب االجتم اعي وحتقي ق التض امن والرتاب ط‬
‫االجتماعيني‪1.‬هذا يدل على أن أفراد اجلماعة املتضامنة‪ ،‬تربطهم مصلحة مشرتكة وهذا الرباط‬
‫املوجود‪ ،‬هو الذي يؤدي إىل تشكل الروابط االجتماعية‪ ،‬بعد تضامنها وذلك العتبار فيبر ه ذا‬
‫مثاال حيا الحظه يف احتاد الطبقة العمالية‪.‬‬

‫فالتضامن االجتماعي إجرائيا‪ ،‬يعترب ظاهرة إجتماعية ضرورية لضمان البقاء واالستمرار‪ ،‬يف‬
‫احلياة االجتماعية‪ ،‬سواءا كان تضامنا فعليا من خالل تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬كما شرحه‬

‫‪.1‬جون سكوت‪ ،‬علم االجتماع المفاهيم االساسية‪،‬تر‪:‬حممد عثمان ‪،‬بريوت‪،‬لبنان‪،‬الشبكة العربية لألحباث و النشر‪ ،‬ط‪،2009 ،1‬‬
‫ص‪103‬‬

‫‪59‬‬
‫دورك امي أو معن وي يف املناس بات واملآمت و غريه ا‪ ،‬بني األف راد ال ذين ت ربطهم رواب ط اجتماعية‬
‫كالقرابة واجلرية والصداقة والدين وغريها من الروابط االجتماعية األخرى‪.‬‬

‫‪Cohésion sociale‬‬ ‫‪.3‬الرابطة االجتماعية والتماسك االجتماعي‬

‫يعت رب التماس‪AA‬ك االجتم‪AA‬اعي مص طلح ليس ل ه مع ىن متف ق علي ه بوج ه ع ام ويس تخدم يف‬
‫أغلب احلاالت بطريق ة غ ري رمسية‪ ،‬ليش ري إىل املواق ف ال يت يرتب ط األف راد ببعض هم البعض‪،‬‬
‫بروابط اجتماعية وثقافية‪ .‬والتماسك عامة‪ ،‬صفة تطلق على اجلماعات الصغرية‪ ،‬حني تعمل‬
‫على اجت ذاب أعض ائها وت دفعهم إىل االحتف اظ بعض ويتهم فيه ا‪ .‬إال أن محم‪AA‬د ع‪AA‬اطف غيث‬
‫يرى أن هذا املصطلح ميكن شرحه على أنه تكامل س لوك اجلماعة‪ ،‬باعتباره نتيج ة للروابط‬
‫االجتماعية أو هو أقصى درجات الرتابط االجتماعي‪ ،‬أو القوى اليت جتعل أعضاء اجلماعة يف‬
‫حالة تفاعل لفرتة معينة من الزمن‪ ،‬وحينما حُي قق مستوى عال للتماسك االجتماعي يف مجاعة‬
‫م ا‪ ،‬ف إن أعض ائها يش عرون مبش اعر إجيابية قوي ة حنو مجاعتهم وتكون ل ديهم رغب ة يف استمرار‬
‫‪1‬‬
‫عضويتهم فيها‪ ،‬فتتوافر الروح اجلماعية العالية‪.‬‬

‫كم ا يُس تعمل التماس ك االجتم اعي يف وص ف احلاالت ال يت يرتب ط فيه ا األف راد‪ ،‬واح دهم‬
‫ب اآلخر برواب ط اجتماعي ة وحض ارية ُمش رتكة ويُس تعمل أيض ا هذا االصطالح ع ادة يف تفس ري‬
‫أسلوب متاسك أفراد اجلماعات الصغرية‪ ،‬الذي يكون بدافع املصاحل واألهداف‪ ،‬خالل انتساب‬
‫األفراد جلماعة واحدة‪ .‬وقد عرفه ‪ Amitai Etzioni‬أميتاي إتزيوني‪A:‬التماسك عالقة اجيابية‬
‫مع ربة بني ف اعلني أو أك ثر‪ 2.‬ويقص د بعالق ة اجيابي ة‪ ،‬ه و م ا ينتج عن العالق ة االجتماعي ة بني‬
‫ف ردين أو أك ثر ح دث بينهم ا فع ل أو تفاع ل‪ ،‬فحكم على أن التماس ك ظ اهرة اجيابي ة دائم ا‬
‫داخل الرابطة االجتماعية‪.‬‬

‫‪ .1‬حممد عاطف غيث ‪ ،‬قاموس علم االجتماع ‪،‬تر‪:‬ابراهيم جابر‪ ،‬دار املعرفة اجلماعية‪ ،‬مصر‪ ،‬اإلسكندرية‪،2012 ،‬ص‪175‬وانظر‬
‫أيضا نفس القاموس ط ‪ 2006‬ص ‪. 62‬‬
‫‪2‬‬
‫نفس املرجع السابق‪،‬ط‪،2012‬ص‪.175‬‬
‫‪60‬‬
‫ولق د اس تعمل ك ل من كارتري‪AA A‬ات وزان‪AA A‬در اص طالح التماس ك االجتم اعي‪ ،‬يف كت اهبم‬
‫ديناميكية الجماعة‪ ،A‬عندما حاوال حتليل متاسك اجلماعات الصغرية‪ ،‬رآى أن التماسك" هو ما‬
‫ينتج من التفاعل بني كل العوامل اليت تدفع االفراد للبقاء يف اجلماعة‪".‬و حيدداها يف جمموعتني‬
‫من العوامل‪.1:‬عوامل تؤدي إىل زيادة جاذبية اجلماعة ألفرادها‪.‬‬

‫‪.2‬عوامل مرتبطة بدرجة جذب العضوية يف مجاعات األخرى‪.‬‬

‫كما استعمل العامل إمي‪AA‬ل دورك‪AA‬ايم هذا املصطلح استعماال علميا يف كتابه تقس‪AA‬يم العمل‬
‫ويف كتابه االنتحار‪ ،‬حيث يقول دوركايم «أن درجة التماسك االجتماعي‪ ،‬تعتمد على طبيعة‬
‫اجلماعات واملنظمات واجملتمعات اليت تؤثر تأثريا كبريا ومباشرا على أمناط سلوك األفراد‪،‬كما‬
‫يظه ر جلي ا يف حال ة الس لوك االنتح اري ال ذي يعتم ده الف رد وقت تعرض ه لظ روف وعوام ل‬
‫اجتماعية معينة»‪1.‬وهنا يرجع دوركايم التماسك االجتماعي إىل طبيعة اجلماعة أو املنظمة أو‬
‫اجملتم ع كك ل‪ ،‬فدرجت ه وقوت ه ق د تزي د كم ا أهنا ق د تنقص‪ ،‬فمثال درج ة التماس ك داخ ل‬
‫اجلماعات القرابية تكون حتما قوية‪ ،‬نظرا للشعور القوي باالنتماء ألصل واحد أو جد واحد‬
‫بينم ا تك ون درج ة التماس ك ناقص ة أو متوس طة يف منظم ة اقتص ادية مثال‪ ،‬كم ا أن درج ة‬
‫التماسك ختتلف من اجملتمع الريفي إىل احلضري أيضا‪.‬‬

‫كما جاء يف معجم‪ A‬العلوم االجتماعي‪AA‬ة أن« التماسك يف علم االجتماع يدل على الرابطة‬
‫القوية اليت بني األفراد الذين يتكون منهم اجملتمع »‪.2‬ويعترب أول من استعمل هذا املصطلح يف‬
‫علم االجتماع هو أغست كونت للداللة على التآزر واالعتماد املتبادل‪ ،‬كما يظهر يف احلياة‬
‫االجتماعية ويرجع معناه األصلي إىل التشريع الروماين‪ ،‬حيث كانت تشري إىل تضامن الفرد مع‬
‫مجاعته يف املسؤولية‪ ،‬ومييز كونت بني التضامن االجتماعي وبني أفراد اجليل الواحد والتضامن‬
‫‪3‬‬
‫االستمراري بني األجيال املتتابعة‪.‬‬

‫‪ .1‬مصطفى عويف‪ ،‬خروج املرأة إىل ميدان العمل وأثره على التماسك األسري‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،19‬جوان ‪،2003‬‬
‫ص‪203‬‬
‫‪2‬‬
‫حممد عاطف غيث‪ ،‬قاموس علم االجتماع ‪،‬دار املعرفة اجلماعية‪،‬مصر ‪،‬اإلسكندرية ‪ ،2006 ،‬ص ‪. 63‬‬
‫‪.3‬فاروق مداس‪ ،‬قاموس مصطلحات علم االجتماع‪،‬دار مدين للطباعة والنشر والتوزيع ‪،‬بدون سنة‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪61‬‬
‫كما وجد فرانش –عامل نفس‪ -‬يف حبث جترييب قام به أن اجلماعات املنظمة مثل فرقة كرة‬
‫السلة‪،‬كرة القدم‪ ،‬مجاعات األندية‪ ،‬تكون أقل عرضة للتفكك من اجلماعات غري املنظمة مثل‬
‫مجاعات طلبة‪ ،‬مل يسبق هلم التعارف يف حاالت إحباط أو حل مشكالت معقدة أو مشكالت‬
‫غ ري قابل ة للح ل‪ ،‬وك ذلك يف حال ة خ روج أح د أف راد اجلماع ة‪ ،‬كم ا أن ه يع رف التماس ك‬
‫االجتم اعي على أن ه "الرب اط ال ذي يرب ط أعض اء اجلماع ة‪ ،‬ويُبقي على العالق ات بينهم وبني‬
‫البعض اآلخر وقد تعددت معاين التماسك‪ ،‬فتضمنت ما يقرب من إحدى املعاين اآلتية‪ ،‬الروح‬
‫املعنوية‪ ،‬االحتاد القوة الشعور باالنتماء للجماعة‪1".‬واملقصود هنا هو أن التماسك االجتماعي‪،‬‬
‫يتمثل يف قوة الرباط االجتماعي‪ ،‬مبعىن أن الرباط عندما يكون قويا فهناك متاسك اجتماعي‬
‫والعكس صحيح‪.‬وهذا ما يؤكده الباحثون النفسانيون‪ A،‬أن درجة التماسك تزداد كلما زادت‬
‫كفاءة القائد يف توجيه إدراكات األعضاء حنو هدف مشرتك‪.‬‬

‫ل ذلك ميكنن ا أن نس تنتج من ه ذه التع اريف تعريف ا إجرائي ا‪ ،‬أن التماس ك االجتم اعي‪ ،‬ه و‬
‫تعب ري عن ق وة الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬ألنن ا نس تطيع أن نق ول عن مجاع ة أهنا متماس كة‪ ،‬عن دما‬
‫تق وى روابطه ا االجتماعي ة املختلف ة من راب ط القراب ة‪ ،‬ال دين والص داقة وح ىت اجلوار والثق ة‬
‫النفس ية‪ ،‬ال يت تظه ر على اجلماع ة أو بتوض يح أك ثر‪ ،‬عن دما تش تد ه ذه الرواب ط األساس ية يف‬
‫اجملتم ع وال تتالش ى أو تض عف‪ ،‬هن ا يظه ر التماس ك‪ ،‬جلي ا يف اجملتمع ات الص غرية مث الكب رية‪،‬‬
‫كما يبدو واضحا أن التماسك هو صفة تدل على شدة الرتابط بني أفراد اجلماعة‪.‬‬

‫كما أنه يوجد عوامل تساعد على زيادة درجة التماسك االجتماعي يف اجلماعة و هي ‪:‬‬

‫‪ - 1‬وجود التهديد أو اخلطر اخلارجي يزيد من متاسك اجلماعة والصف الداخلي هلا‪.‬‬

‫‪ - 2‬قبول أعضاء اجلماعة ملعايري وقوانني اجلماعة وأفكارها يؤدي إىل زياد التماسك‪.‬‬

‫‪.1‬حي الدين خمتار‪ ،‬محاضرات في علم النفس االجتماعي‪،‬ديوان املطبوعات اجلامعية اجلزائرية‪ ،1986 ،‬ص‪.112‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ -3‬تع اون األعض اء وتف اعلهم بش كل مباش ر‪ ،‬فاجلماع ة املتماس كة تتم يز بالتض امن واالنتم اء‬
‫والتع اون خلدم ة اجلماع ة‪ ،‬حيث يس تخدمون لف ظ حنن‪ ،‬يف مقاب ل قيم ة أن ا‪ .‬تأكي دا على قيم ة‬
‫‪2‬‬
‫األهداف املشرتكة للجماعة يف مقابل األهداف الفردية لكل عضو من أعضاء اجلماعة‪.‬‬

‫‪Les relations sociales‬‬ ‫‪.4‬الرابطة االجتماعية والعالقات‪ A‬االجتماعية‬

‫نعلم أن األفراد يدخلون يف عالقات اجتماعيه‪ ،‬حىت يشكلون مجاعة‪ ،‬ليستطيعوا االستمرار‬
‫وتسري حياهتم‪ ،‬ألن هذه العالقات تنشأ بتفاعلهم‪،‬كما أن العالقات االجتماعية هي عملية تنشأ‬
‫نتيجة التفاعل‪ .‬هذا ما يسميه علماء االجتماع بالعمليات االجتماعية وهلذا أول ما يدرس علم‬
‫االجتماع هو العالقات االجتماعية‪ ،‬اليت تنشأ بني األفراد‪ ،‬جراء اجتماعهم يف مكان معني‪.‬‬

‫ويع رف معجم علم االجتم اع‪ ،‬العالق‪AA A‬ات االجتماعي‪AA A‬ة على أهنا «العملي ات والتف اعالت‬
‫النامجة عن تفاعل‪ ،‬واعرتاك األفراد يف البيئتني الطبيعية أو االجتماعية‪ ،‬وهي اإلطار الذي حيدد‬
‫تصرفات األفراد‪ ،‬واختالف مظاهر س لوكاهتم و أنشطتهم‪ ،‬و تُعرف أيضا أهنا العالقات اليت‬
‫تنش أ بني ك ائنني إنس انيني أو أك ثر‪ ،‬عن دما يوج د ن وع من االتف اق بني مص احل ك ل منهم ا أو‬
‫نتيج ة لتق ارب ه ذه املص احل أو للح د من الص راعات‪ ،‬ال يت ق د تنش أ نتيج ة لالختالف‬
‫‪2‬‬
‫مصاحلهم‪».‬‬

‫كما يعرفها الدكتور عبد العزيز‪ A‬الخزاعلة –باحث اجتماع أردني‪« -‬بأهنا الروابط واآلثار‬
‫املتبادلة بني األفراد يف اجملتمع وهي تنشأ من طبيعة اجتماعهم‪ ،‬وتبادل مشاعرهم وأحاسيسهم‬
‫واحتكاك بعضهم مع البعض‪3».‬هذا يعين أن العالقة االجتماعية تصبح رابطة اجتماعية‪ ،‬عندما‬
‫تصل إىل درجة معينة من القوة‪ ،‬ويف بعض األحيان يكون العكس الرابطة االجتماعية تؤدي إىل‬
‫عالقة اجتماعية‪ .‬مثال الزواج عبارة عن رابطة اجتماعية بني جنسني يؤدي إىل عالقة زوجية‪.‬‬

‫‪.2‬عدنان يوسف العتوم‪ ،‬علم النفس الجماعة ‪ ،‬إثراء علم النفس للتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬األردن‪،‬ط‪ ، 2008 ،1‬ص‪.207-206‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عدنان أبو مصلح‪ ،‬معجم علم االجتماع ‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪،‬األردن‪،‬عمان‪،2002،‬ص‪.346‬‬
‫‪3‬‬
‫عماد عادل أبو مغلي‪ ،‬العالقات االجتماعية‪ ،‬دار الكندي‪،‬األردن‪،‬أريد‪،‬ط‪،2009 ،1‬ص‪.31‬‬

‫‪63‬‬
‫كما يعرف أحمد زكي بدوي العالقات االجتماعية بأهنا"أية صلة بني فردين أو مجاعتني أو‬
‫أك ثر أو بني ف رد ومجاع ة‪ ،‬وق د تق وم ه ذه الص لة على التع اون أو ع دم التع اون‪ ،‬وق د تك ون‬
‫مباشرة أو غري مباشرة‪ ،‬وقد تكون فورية أو آجلة‪1" .‬ويعرفها مص‪A‬طفى الخش‪AA‬اب "العالقات‬
‫هي الرواب ط واآلث ار املتبادل ة ال يت تنشـأ استجابـة لنشـاط أو س لوك مقاب ل لالس تجابة‪ ،‬كش رط‬
‫أساس ي لتك وين تل ك العالق ة" ‪.‬أم ا االجتماع‪ :‬لغت ا مصـدره اجتمـع وهو االجتم اع البشري‪،‬‬
‫وكذلك علم االجتماع الذي يعت رب علم لدراسة العالقات القائمة بني البشر‪ 2".‬يعين هذا أن‬
‫العالق ة االجتماعي ة تنش أ نتيج ة تفاع ل بني األف راد فهي تعت رب ك رد فع ل‪ ،‬لفع ل معني لتنش أ‬
‫استجابة وبالتايل عالقة اجتماعية قد تدوم أو ال تدوم‪.‬‬

‫ويعرف م‪A‬اكس في‪A‬بر ‪ Weber. M‬العالقة االجتماعية بأهنا مصطلح اجتماعي‪ ،‬يُستخدم‬
‫غالبا لكي يشري إىل املوقف الذي من خالله‪ ،‬يدخل شخصان أو أكثر يف سلوك معني‪ ،‬وأيضا‬
‫ك ل منهم ا يف اعتب اره س لوك األخ ر‪ ،‬حبيث يتوج ه س لوكه على ه ذا األس اس‪ ".‬فالعالق ة‬
‫االجتماعي ة هي أي اتص ال أو تفاع ل يق ع بني شخص ني أو أك ثر من اج ل إش باع حاج ات‬
‫األف راد‪ ،‬ال ذين يكون ون مث ل ه ذا االتص ال أو التفاع ل‪ ،‬كاتص ال الب ائع باملش رتي‪ ،‬واتص ال‬
‫الط الب باألس تاذ واتص ال القاض ي ب املتهم‪ 3".‬وه ذا م ا ش رحه م ‪AA‬اكس في ‪AA‬بر‪4‬عن العالق ات‬
‫االجتماعية الناجتة عن الفعل والتفاعالت االجتماعية‪ ،‬فهو يرى أن مفهوم العالقات االجتماعية‬
‫يشري إىل الرتتيب أو تنظيم ثابت للعناصر اليت تظهر يف الفعل االجتماعي‪ ،‬فهي‪-‬أي العالقات‪-‬‬
‫ال توج د مبع زل أو خ ارج األفع ال االجتماعي ة‪ ،‬ب ل هي ترتيب ات متخيل ة للفع ل ميكن تص ورها‬
‫على حنو جمرد كأمناط للفعل االجتماعي الظاهر‪.‬‬

‫كما تستلزم العالقة االجتماعية توفر ثالثة شروط أساسية هي‪.1 :‬وجود األدوار االجتماعية‬
‫اليت يشتغلها األفراد الذين يكونون العالقة االجتماعية‪.‬‬

‫‪.1‬أمحد زكي بدوي‪ ،‬معجم مصطلحات العلوم الجتماعية‪ ،‬دط‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ، 1993 ،‬ص ‪262‬‬
‫‪. 2‬امحد زكي بدوي‪ ،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.352،403‬‬
‫‪3‬‬
‫جابر عوض سید‪ ،‬التكنولوجیا والعالقات االجتماعیة ‪،‬دار املعرفة اجلامعیة‪، 1996 ،‬ص ‪. 1‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪،‬مدخل نظري‪،‬ج‪،1‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬مصر‪،‬االسكندرية‪،1990،‬ص‪.420‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ .2‬وجود جمموعة رموز سلوكية وكالمية ولغوية يستعملها أطراف العالقة االجتماعية‪.‬‬

‫‪.3‬وج ود ه دف أو غاي ة يت وخى العالق ة االجتماعي ة إش باعها واإليف اء بالتزامه ا والعالق ة‬


‫االجتماعية بذلك هي عبارة عن روابط متبادلة بني أفراد ومجاعات اجملتمع‪ ،‬تنشأ عن اتصال‬
‫بعض هم ببعض وتفاع ل بعض هم م ع بعض مث ل رواب ط القراب ة واجلرية والرواب ط ال يت تنش أ بني‬
‫‪1‬‬
‫أعضاء اجلمعيات التعاونية‪.‬‬

‫وعموما يبدو واضحا أن العالقات االجتماعية تُنشأ الرابطة االجتماعية أو باألحرى نتيجة‬
‫لروابط اجتماعية‪ ،‬سواءا أولية كما هو موجود يف مجاعة األسرة والقرابة واألصدقاء‪ ،‬مجاعة‬
‫اللعب واجلريان وق د تك ون ثانوي ة‪ ،‬وهي االتص ال والتفاع ل م ع ع دد كب ري من الن اس‪ ،‬ال ذين‬
‫ينتمون إىل اجملتمع الكبري‪ ،‬وقد تكون عمودية‪ ،‬وهي عالقة شخصني خمتلفني يف الوظيفة‪ ،‬وقد‬
‫تكون أفقية وهي عالقة بني شخصني أو أكثر هلم نفس الوظيفة‪.‬‬

‫والعالق ة االجتماعي ة ق د تك ون رمسية وغ ري رمسية‪ ،‬ومنه ا م ا ي ؤدي إىل التجم ع والت آلف‬
‫وتس مى بالعالق ات اجملمع ة‪ ،‬ومنه ا م ا ي ؤدي بالتفرق ة‪ ،‬وه و م ا يطل ق عليه ا باس م العالق ات‬
‫املفرق ة‪ .‬وك ذلك من العالق ات م ا ه و مباش ر وغ ري مباش ر‪ ،‬ذل ك العتب ار الرابط ة االجتماعي ة‬
‫ش رط أساس ي لظه ور العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬بني األف راد يف اجملتم ع ويع ين ه ذا أن العالق ات‬
‫االجتماعية‪ ،‬تؤدي فيما بعد إىل تشكل روابط اجتماعية‪ ،‬و ذلك ألننا عندما نرتبط بغرينا من‬
‫األف راد داخ ل اجملتم ع‪ ،‬حتم ا نش كل معهم عالق ة اجتماعي ة‪ ،‬وهلذا يتض ح لن ا أن الرابط ة‬
‫االجتماعي ة والعالق ات االجتماعي ة ع امالن أساس يان يف متاس ك اجلماع ة‪.‬مبع ىن أن اجلماع ة ال‬
‫تتماسك إال إذا كانت روابطها وعالقاهتا الداخلية قوية‪ ،‬ألن التماسك يعتمد على قوة العالقة‬
‫وق وة الرب اط‪ .‬فالعالق ة االجتماعي ة ال حتدث إال بع د التفاع ل بني شخص ني حيث ي ؤثر ك ل‬
‫شخص يف اآلخر ويتأثر به يف الوقت نفسه‪.‬‬

‫‪ . 1‬جابر عوض سید‪،‬نفس املرجع السابق ‪،‬ص ‪.1‬‬

‫‪65‬‬
‫قسم علماء النفس االجتماعي وحىت علماء االجتماع‪ ،‬العالقات إىل عدة أنواع‪ ،‬عالقات‬
‫على حسب املدة أو الزمن‪ ،‬وعالقات حسب التبادل ‪:‬‬

‫‪.1‬عالقات اجتماعية طويلة األجل‪ :‬وهي منوذج التفاعل املتبادل الذي يستمر فرتة معينة من‬
‫الزمن‪ ،‬تؤدي إىل ظهور جمموعة توقعات اجتماعية ثابتة وتعترب عالقة الدور املتبادل بني الزوج‬
‫والزوج ة مث اال على ذل ك ‪1.‬كم ا جندها يف معجم‪ A‬علم االجتم‪AA‬اع لع‪AA‬دنان‪ A‬أب‪AA‬و مص‪AA‬لح تس مى‬
‫بالعالقات الدموية‪ A‬وهي تلك العالقات اليت تتميز برابط القرابة الدموية‪ ،‬كالعالقة بني األبناء‬
‫واآلباء والزوج والزوجة واإلخوة واألخوات‪ 2‬فهذه العالقات جندها يف العالقات األسرية اليت‬
‫تق وم على القراب ة‪،‬كم ا ميكن للعالق ات اجلواري ة أن تك ون طويل ة املدى إذا اس تمر وج ود‬
‫األسرتان يف مكان واحد‪ ،‬وختتفي أو تزول يف حالة رحيل إحدى األسرتان‪ ،‬وهناك من يكون‬
‫رباط اجلوار قوي بينها‪ ،‬حيث ال يصبح عامل املكان ضروري وتبق العالقة رغم بعد املكان ‪.‬‬

‫كم ا ميكن أن ت دخل ض من العالق ات االجتماعي ة طويل ة األج ل العالق ‪AA‬ات الروحية وال يت‬
‫تتمث ل يف عالق ات الص داقة املتك ون نتيج ة لتب ادل العالق ة العاطفي ة وال يت تتك ون حبتمي ة تش ابه‬
‫ُ‬
‫وجتانس أمناط التفكري وظروف العمل‪ .‬ويسمي راد فيلد‪-‬عامل أنثروبولوجي‪-‬هذا النوع من‬
‫‪3‬‬

‫العالق ات الطويل ة األج ل بالعالق‪AA A‬ات العميق‪AA A‬ة‪ ،‬وهي ال يت تتمت ع بدرج ة عالي ة من الثب ات‬
‫واالس تقرار يف اجملتم ع وال ميكنه ا أن ت زول‪ ،‬ألن ه ذا إذا افرتض نا حدوث ه‪ ،‬س يؤدي إىل تغي ري‬
‫‪4‬‬
‫جوهري يف اجملتمع مثال عن الزواج أو العالقات األسرية‪.‬‬

‫‪.2‬عالقة اجتماعية مح‪A‬دودة‪ :‬وهي منوذج للتفاعل االجتماعي بني شخصني أو أكثر وميثل‬
‫ه ذا النم وذج‪ ،‬أبس ط وح دة من وح دات التحلي ل السوس يولوجي‪ ،‬كم ا أن ه ينط وي على‬
‫االتصال اهلادف واملعرفة املسبقة بسلوك الشخص اآلخر‪ ،‬وقد تكون العالقة االجتماعية ذات‬
‫‪5‬‬
‫أمد قصري‪،‬كما هو احلال يف قائد السيارة الذي يريد إقناع رجل الشرطة بأنه ليس خمطأ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫حممد عاطف غيث‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪481.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عدنان أبو مصلح‪ ،‬معجم علم االجتماع‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪347‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬عدنان أبو مصلح‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪. 347‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬حممد عباس إبراهيم‪ ،‬علم اإلنسان‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪،2006،‬ص‪.139‬‬
‫‪5‬‬
‫‪.‬حممد عاطف غيث‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪.481‬‬

‫‪66‬‬
‫أما العالقات التبادلية فيمكن حصرها كالتايل ‪:‬‬
‫أ‪.‬العالقات‪ A‬المتبادلة‪ A‬بين فردين‪ :‬وفيها بتقابل فرد مع آخر فيؤثر كل منهما يف اآلخر‪.‬‬
‫ب‪.‬العالق‪AA‬ات‪ A‬المتبادل‪AA‬ة بين ف‪AA‬رد وجماع‪AA‬ة‪ :‬خيتل ف ت أثري الف رد واجلماع ة وت أثره هبا ب اختالف‬
‫دوره فيها‪ ،‬فقد يكون تأثريا سطحيا مثال‪ :‬عالقة أب بأصدقاء إبنه‪ ،‬ونظرته إليهم ‪،‬كجماعة‬
‫ثنائية وحواره معهما‪ ،‬ليبتعدا عن ابنه‪ ،‬حيث ال يرضى عن صحبتهما له وكذلك موقف االبن‬
‫من أمه وأبيه‪ ،‬عندما يتخذان منه موقفا موحدا‪ ،‬فيحاول أن يؤثر يف وجهة نظرمها‪ ،‬وحياوالن‬
‫مها معا أن يؤثران يف وجهة نظره وهكذا تتطور العالقة إىل التأثري والتأثر‪.‬‬
‫ج‪.‬العالق‪AA‬ات المتبادل‪AA‬ة بين جم‪AA‬اعتين‪ :‬ت ؤثر اجلماع ة يف مجاع ة أخ رى وتتأثر هبا بط رق خمتلفة‬
‫فق د يك ون تب ادل الت أثري والت أثر عن طري ق احلوار‪ ،‬ويك ون ه دف احلوار اختاذ ق رار بالنس بة‬
‫ملوضوع معني وحتاول مجاعة أن تقنع مجاعة أخرى‪ ،‬بوجهة نظرها‪ .‬مث‪AA‬ال‪ :‬يظهر التفاعل بني‬
‫مجاعتني يف ص ورة متنافس ة‪ ،‬كأن ت رى مجاع ة‪ ،‬م ا أنتجت ه مجاع ة أخ رى‪ ،‬فتتأثر هبا‪ 1...‬ويع ود‬
‫بن اء العالق ات االجتماعي ة للجماع ة‪ ،‬إىل خص ائص شخص يات األف راد‪ .2‬وذل ك لإلختالف يف‬
‫جمال النش اط االجتم اعي عن جمال القي ادة‪ ،‬ه ذا م ا جع ل بعض العلم اء يفرق ون بني الش عبية‬
‫االجتماعي ة والقي ادة االجتماعي ة‪.‬وبالت ايل التفرق ة بني اجلماع ة االجتماعي ة واجلماع ة النفس ية‪.‬‬
‫فاختي ار األش خاص حبس ب الش عبية ل ه مواص فاته االجتماعي ة‪ ،‬بينم ا اختي ارهم للقي ادة‪ ،‬ل ه‬
‫مواصفاته النفسية‪.‬‬
‫واملقص ود هن ا ببن اء العالق ات االجتماعي ة أو كم ا يس مى بالبن‪AA A‬اء السوس‪AA A‬يومتري‪ :‬وهي‬
‫العالقات املبني ة على االختيار والتجاذب أو الرفض والتنافر‪ ،‬حيث تعود هذه االختالفات يف‬
‫منط العالق ات بني األف راد‪ ،‬فمثال داخ ل اجلماع ة توج د مجاع ة أخ رى ص غرية‪ ،‬يرتب ط أفراده ا‬
‫بعضهم البعض‪ ،‬دون أن ترتبط كل مجاعة صغرية بغريها‪،‬كما أننا ميكن أن جند أيضا كل عضو‬

‫‪.1‬عبد العزيز السيد الشخصي ‪ ،‬علم النفس االجتماعي‪،‬مكتب القاهرة للكتاب‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪،‬ط‪،2001 ،1‬ص‪.109‬‬
‫‪.2‬احلنفين‪،‬عبد املنعم‪ ،‬الموسوعة النفسية‪ ،‬علم النفس و الطب النفسي يف حياتنا اليومية‪،‬ط‪،2‬مكتبة مدبويل‪،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪، 2003،‬‬
‫ص‪.200‬‬

‫‪67‬‬
‫يف اجلماعة‪ ،‬له موضع ومكانة يف بناء العالقات االجتماعية‪ ،‬وقد يكون هناك مواقع مركزية أو‬
‫طرفية منعزلة‪.‬‬

‫وي درس بن اء العالق ات االجتماعي ة أو البن اء السوس يومرتي‪،‬باس تخدام مقي اس العالق ات‬
‫االجتماعي ة عن طري ق االختب ‪AA‬ار السوس ‪AA‬يومتري‪ ،‬ال ذي أدخل ه مورين‪AA A‬و ‪ 1Moreno‬يف علم‬
‫النفس االجتماع لقياس العالقات االجتماعية‪،‬كأداة لتقدير االختيار أو الرفض داخل اجلماعة‪،‬‬
‫فيطلب من ك ل ف رد أن خيت ار على انف راد وس رية ع ددا من األف راد اآلخ رين يف اجلماع ة‪،‬‬
‫ليشاركهم يف نشاط معني‪ ،‬وعدد من األفراد الذين يرفض أن يشاركهم يف هذا النشاط‪ ،‬طالبا‬
‫من ك ل ف رد أن يكتب إمسه ورقم ه حس ب قائم ة مع دة ل ذلك‪ ،‬مث يكتب س بب االختي ار أو‬
‫ال رفض ويض ع عالم ة (‪ )+‬أم ام لالختي ار وال رفض عالم ة (‪ ،)-‬مث جيم ع ع دد االختي ارات‬
‫والرفض‪ ،‬وتفرغ فتحسب درجة الشعبية االجتماعية‪ ،‬لكل فرد بطرح االختيارات والرفض‪،‬‬
‫مث ميثل اختيار الرفض‪ ،‬ببيانات يف رسم العالقات االجتماعية أو السوسيوغرام‪.‬‬

‫ومن خالله نتعرف على األشخاص النج‪AA‬وم‪ A‬أو احملبوبني داخل اجلماعة‪ ،‬وهم من يتمتعون‬
‫بشعبية كبرية‪ ،‬الذين بإمكاهنم أن يتولو مسؤولية اجلماعة‪.‬كما نتعرف على المرفوضين وهم‬
‫الذين حيصلون على أكرب عدد من أصوات الرفض‪ ،‬وهم غري متوافقني اجتماعيا‪ ،‬جيب عالج‬
‫وضعهم يف اجلماعة وتصحيحه‪ ،‬كما يتم كذلك التعرف على املعزولني أي الذين ال حيصلون‬
‫على اختيار أو رفض والذين جيب العمل على إدماجهم يف اجلماعة‪.‬‬
‫ومن الناحي ة النفس ية يتم معرف ة االختي ار املتب ادل وال رفض املتب ادل وك ذلك معرف ة االختي ار‬
‫الغري متبادل‪ ،‬والذي يوضح أن القلوب متنافرة‪ ،‬وليس عند بعضها‪ ،‬كأن خيتار شخص شخصا‬
‫يرفض ه‪،‬كم ا نتع رف على اجلماع ات ال يت ت دل على أن أفراده ا ميكن أن يتع اونوا م ع بعض هم‬
‫البعض‪.‬‬

‫‪.II‬مفهوم المجتمع الحضري‬

‫‪.1‬مفهوم المجتمع‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد العزيز خواجة‪ ،‬العالقات االجتماعية في النص القرآني‪،‬دراسة سوسيولوجية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.51‬‬

‫‪68‬‬
‫يعترب اإلنسان منذ والدته إىل مماته عضوا يف اجملتمع‪ ،‬أي يعيش حياة اجتماعية ومعناها أن‬
‫يظ ل اإلنسان حتت ضغط وت أثري اجملتم ع‪ ،‬ال ذي يعد عب ارة عن جتم ع منظم من األف راد‪ ،‬ال ذين‬
‫يتفاعلون معا يف مجاعات خمتلفة‪ ،‬فتتوحد جهودهم من أجل حتقيق أهداف مشرتكة‪،‬كما متيل‬
‫ك ل اجلماع ات االجتماعي ة يف اجملتم ع الواح د‪ ،‬إىل اكتس اب معتق دات وأفك ار متماثل ة نس بيا‬
‫وتتخذ أمناطا سلوكية مشرتكة‪.‬‬
‫إال أن اجملتمع ات احلديث ة واحلض ارية فهي معق دة ومتش ابكة‪ ،‬مما أدى إىل ص عوبة تتب ع آثاره ا‬
‫على السلوك اإلنساين‪ ،‬ألن اجملتمع احلديث يرتكب من مجاعات خمتلفة من األفراد والتنظيمات‬
‫املتباين ة فيم ارس اجملتم ع‪ ،‬ت أثريه وحتكم ه يف س لوك اجلماع ات واألف راد و تص رفاهتم وح ىت‬
‫ت وزيعهم على مراك ز وأدوار حمددة‪ ،‬ألن ه مثلم ا حتدد أدوار األف راد ومراك زهم‪ ،‬فك ذلك حتدد‬
‫أدوار ومراك ز اجلماع ات‪ .‬ومن بني أدوار اجلماع ات هي أهنا‪ :‬تس اهم يف منو وتق دم اجملتم ع‪،‬‬
‫كم ا تض من اس تمرار احلي اة االجتماعي ة‪ ،‬حيث ال يس تطيع األف راد العيش من غ ري االش رتاك‬
‫الفعلي داخ ل اجلماع ات كم ا أن مجي ع املؤسس ات االجتماعي ة‪ ،‬وغريه ا هي نتيج ة جله ود‬
‫‪1‬‬
‫اجلماعة ومجيع أوجه النشاط االقتصادي يقوم على أساس التفاعل االجتماعي‪.‬‬
‫هلذا اهتم علماء االجتماع باجملتمع احلضري اهتماما مغايرا لنظرة العلوم االخرى له‪ ،‬كعلم‬
‫اجلغرافيا واآلثار والسياسة واالقتصاد ‪...‬وذلك لنظرهتم للمدينة على أهنا شكل مميز من أشكال‬
‫اجملتمعات احمللية‪ ،‬هلا طريقة عيش خاصة‪ ،‬وثقافة خاصة تسمى بالثقافة احلضرية‪ .‬هلذا أجريت‬
‫العدي د من الدراس ات والبح وث يف العش رينات والثالثين ات من الق رن املاض ي‪ ،‬ح ول املدين ة‬
‫واحلي اة احلض رية‪ ،‬فأنش يء ف رع جدي د من ف روع علم االجتم اع الع ام‪ ،‬ومسي بعلم االجتم اع‬
‫احلض ري ومن أهم مؤسس يه رواد مدرس ة ش يكاغو‪ ،‬على رأس ها روب‪AA A‬ار ب‪AA A‬ارك و زمالئ ه و‬
‫تالميذه كأرنيس برجس‪،‬كليفورد شو‪ ،‬ألزوريت فارس‪،‬لويس‪ A‬ويرث‪.‬‬
‫وإذا ذهبنا إىل موسوعة علم االجتماع‪ ،‬سنجدها تعرف اجملتمع احلضري "على أنه جمموعة‬
‫من االفراد تقطن يف بيئة حضرية أي املدينة وتتسم بأسلوب حياة معني‪ ،‬يتجاوب مع خصائص‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حي الدين خمتار‪ ،‬محاضرات في علم النفس االجتماعي‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬اجلزائر‪،1982،‬ص‪.92-90‬‬

‫‪69‬‬
‫احلجم والكثافة و الالجتانس"‪ 1‬واملقصود باجملتمع احلضري‪ ،‬حسب ما جاء به محم‪A‬د ع‪A‬اطف‬
‫غيث أيضا "هو املدينة مقابل الريف ‪"2‬‬
‫فه و ن وع من اجملتمع يتك اثف في ه الس كان يف موق ع معني ينظم ون حي اهتم‪ ،‬وفق ا ألس اليب‬
‫ختتل ف عن أس اليب س كان الري ف‪ ،‬وق د إنتهى بعض الب احثني‪ ،‬مثل س ‪AA‬وركين وزمرم ‪AA‬ان إىل‬
‫ض رورة تعري ف املدن ومتيزه ا عن الري ف‪ ،‬يف ض وء خص ائص متيز الع امل احلض ري عن الع امل‬
‫الريفي‪ ،‬وهي املهنة والبيئة وحجم اجملتمع احمللي وكثافة السكان‪ ،‬التجانس والالجتانس‪ ،‬التمايز‪،‬‬
‫التش ريع‪ ،‬التنق ل واحلركة اإلجتماعي ة‪ ،‬وأخ ريا نس ق التفاع ل أو ع دد منادج االتص االت ال يت‬
‫ميارسها األفراد يف حياهتم اليومية‪.‬‬
‫هذا ما يدل على أن اجملتمع احلضري‪ ،‬يتميز بعدة مسات مثل التعقيد والتباين وتقسيم العمل‬
‫وك ذلك ارتف اع مس توى التكنولوجي ا‪ ،‬وزي ادة كثاف ة الس كان وك رب احلجم‪.‬كم ا أن اجملتم ع‬
‫احلضري قد يكون جمتمع حملي كبري أو جمتمع حملي صغريا ضمن اجملتمع احمللي الكبري‪ ،‬مثلما هو‬
‫يف دراستنا‪.‬‬
‫‪Urbanisation‬‬ ‫‪2.‬مفهوم التحضر‬

‫تش تق كلم ة التحض ر من الكلم ة الالتيني ة ‪ Urbs‬وهي مص طلح ك ان الروم ان يس تخدمونه‬


‫للداللة على املدينة وخباصة مدينة روما‪ .‬لقد جاء يف لسان العرب أن مفهوم التحضر يقصد به‬
‫" التواج د واحلض ور ال دائم واإلس تقرار واإلقام ة يف املدن والق رى وه ذا خالف ة للب داوة‪ 3".‬أم ا‬
‫منج د علم االجتم اع يُع رف ه ذا املفه وم بأن ه‪" :‬اإلنتق ال من احلي اة الريفي ة إىل املدن للعيش‬
‫ويك ون ه ذا اإلنتق ال بس بب اهلج رة‪ ،‬حيث ينبغي على الش خص أو اجلماع ة أن تتكي ف م ع‬
‫النظم والقيم السائدة يف املدينة‪ ،‬وقد يرتتب على حالة انعدام هذا التكيف تدهور احلالة املادية‬
‫واملعنوية ومن هناك العودة إىل القرية‪ 4".‬وهبذا ف ا لتحض ر هو‪:‬العملية اليت ت تم هب ا‪ ،‬زيادة‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬احسان حممد احلسن‪ ،‬موسوعة علم االجتماع‪،‬الدار العربية للموسوعات‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،1999،‬ص‪.555‬‬
‫‪.2‬نبيل السمالوطي‪ ،‬علم االجتماع التنمية‪ ،‬ط ‪ ،2‬االسكندرية‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ 1978 ،‬ص‪241‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬أمحد بوذراع ‪ ،‬التطور الحضري والمناطق المختلفة في المدن ‪ ،‬منشورات طبعة باتنة‪،‬ب‪،‬س‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص ‪.134‬‬

‫‪70‬‬
‫سكان املدن عن طريق هجرة القرويني للمدن‪ ،‬املقصودة مبا يف ذلك التغريات اليت قد ح دثت‬
‫‪1‬‬
‫لطبائع وعادات وطرق معيشة سكان الريف حىت يتكيفوا للمعيشة يف املدن‪.‬‬

‫وهن اك من ي رى أن التحض ر ه و االجتاه الع ام حنو اإلقام ة يف املراك ز احلض رية والعم ل على‬
‫تعمريها وتوسيع نطاقها احلضري‪ ،‬وهو موقف جنده عامليا وغري قاصر على منطقة معينة دون‬
‫غريها‪ ،‬رغم التفاوت الواضح بني مناطقها من حيث التباين يف الدرجة أو املستوى‪2.‬ومن هذا‬
‫يتضح لنا أن التحضر يرتبط أوال باملدينة‪،‬كما أنه عملية تتم من خالهلا زيادة عدد سكان املدن‬
‫عن طري ق اهلج رة‪ ،‬زي ادة إىل أن األف راد امله اجرين‪ ،‬ح ىت يتكيف وا ويكتس بوا الط ابع احلض ري‪،‬‬
‫يتطلب ذلك وقتا طويال وال حيدث مبجرد الوصول إىل املدينة‪.‬‬

‫ي ذهب الكث ري من الب احثني إىل رب ط ظ اهرة التحض ر بعوام ل أخ رى كاجلغرافي ا وال دميغرافيا‬
‫واالجتم اع وااليكولوجي ا‪ ،‬ه ذا م ا وج دناه يف كتاب ات محم‪AA‬د بومخل‪AA‬وف ح ول التحض ر‪،‬‬
‫حيث أنه يعرفه بربطه مع هذه العوامل‪.‬‬

‫أ‪ -‬المع‪AA‬نى الجغ‪AA‬رافي‪:‬يش ري التحض ر يف معن اه اجلغ رايف إىل اتس اع الرقع ة اجلغرافي ة الوطني ة‬
‫للتجمعات السكنية احلضرية‪ ،‬كتحول القرى إىل جتمعات حضرية بسبب ما يطرأ عليها من‬
‫حتول اقتصادي وإداري‪.‬‬

‫ب‪ -‬المعنى الديمغرافي‪ :‬يشري إىل ازدياد عدد سكان التجمع السكاين احلضري‪ ،‬احصائيا‬
‫نتيجة لعمليتني دميغرافيتني أساسيتني‪ ،‬مها النمو السكاين الطبيعي للتجمع والنمو السكاين الناتج‬
‫‪Kingsly‬‬ ‫عن احلرك ة اجلغرافي ة للس كان من الري ف إىل املدين ة وهن ا يع رف ديف‪AA‬يز كنجس‪AA‬لي‬
‫‪ Davis‬أن التحض ر ه و نس بة الس كان ال ذين يس تقرون يف املس توطنات احلض رية من امجايل‬
‫السكان ويؤكد أنه من اخلطأ التفكري بعملية التحضر على أهنا منو املدن‪ ،‬وهذه النسبة ناجتة عن‬
‫الزي ادة الطبيعي ة للس كان وعن اهلج رة الس كانية‪ ،‬كم ا يع رف يف قس م الس كان يف هيئ ة األمم‬
‫املتحدة فالتحضر هو منو نسبة السكان الذين يعيشون يف املستوطنات واجملمعات احلضرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬مجتمع المدينة‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ :‬بريوت ‪ ،‬ط‪ ،1981 ،7‬ص ‪.23‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممود الكردي‪ ،‬التحضر دراسة إجتماعية‪،‬دار املعارف‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪ ،1986 ،‬ص‪. 30‬‬

‫‪71‬‬
‫ج‪ -‬المعنى األيكولوجي‪ :‬وهنا يشري معىن التحضر إىل جانب البيئة الناجتة عن عملية التحضر‬
‫من ازدياد عدد البنايات وجتاورها وتوسع حجم املدينة وارتفاع كثافتها وظهور األحياء‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إىل ظهور بيئة اجتماعية خاصة تتميز بعالقات جوار خاصة وكثافة التفاعل االجتماعي‬
‫واالتص ال املباش ر وغ ري مباش ر‪ ،‬كم ا ت ؤدي البيئ ة احلض رية إىل انتش ار األم راض واآلف ات‬
‫االجتماعية واالضطرابات االجتماعية عندما تتدهور هبا احلياة وتسودها الفوضى بسبب عدم‬
‫الق درة على التحكم يف الديناميكي ة الطبيعي ة للمجتم ع احلض ري‪ ،‬الن البيئ ة احلض رية بطبيعته ا‬
‫توفر فضاءا واسعا للحرية والتفاعل وامليل حنو الفردية والنفعية يف العالقات االجتماعية وهنا‬
‫جند أن التحضر يؤدي إىل انتاج بيئة ذات طبيعة خاصة‪.‬‬

‫د‪ -‬المع‪AA‬نى التنظيمي‪ :‬املدين ة هي تنظيم إجتم اعي كب ري ت ربز في ه س يطرة اإلنس ان على اجملال‬
‫والنش اطات والعالق ات اإلنس انية بوض وح‪ ،‬بفض ل التنظيم ات املختلف ة ال يت تس هر على ض بط‬
‫احلياة اجلماعية وعالقتها يف البيئة احلضرية بصورهتا السابقة‪ ،‬وأهم تنظيم يصاحب التحضر هو‬
‫نظام الضبط اإلجتماعي الذي يعتمد على القوانني‪.‬‬

‫ذ ‪ -‬المع ‪AA‬نى السوس ‪AA‬يولوجي‪ :‬يش ري التحض ر إىل تل ك العملي ات اإلجتماعي ة ال يت تص احب‬
‫التحوالت الدميغرافية والبيئية والتنظيمية وحىت اجلغرافية اليت تصيب التجمع السكاين احلضري‬
‫زيادة إىل كثافة اإلتصاالت والعالقات بني األفراد واجلماعات مع بعضهم البعض وزيادة درجة‬
‫التفاعل وحجم التجمع السكاين‪ ،‬كل هذا حيدث منطا جديدا متاما مع العالقات والسلوكات‬
‫وال ذهنيات‪ ،‬فينتج عن ه م ا يس مى بثقاف ة املدين ة أو الثقاف ة احلض رية ال يت هلا قيمه ا ومعايريه ا‬
‫يكتسبها بالتدرج الفرد الذي ينتقل إىل املدينة أو حىت ينشأ فيها مولودا‪ ،‬إذن التحضر يؤدي‬
‫‪1‬‬
‫إىل إنشاء حالة من الوجود اإلجتماعي يتسم بالتعقيد يفرض نفسه على األفراد واجلماعة‪.‬‬

‫وعلى هذا فالتحضر عملية من عمالت التغري االجتماعي تتم عن طريق إنتقال أهل الريف‬
‫أو البادية إىل املدينة وإقامتهم مبجتمعات‪ ،‬مبعىن هي عملية إعادة توزيع السكان من الريف إىل‬
‫املدن واملراكز احلضرية األخرى‪ .‬وتوصف عملية التحضر دائما بأهنما عملية تراكمية ويقصد‬

‫‪1‬‬
‫بوخملوف حممد ‪ ،‬التحضر‪ ،‬دار األمة للطباعة و النشر و التوزيع‪،‬اجلزائر‪،‬ط‪،1،2001‬ص ‪. 18‬‬

‫‪72‬‬
‫أن رص يد التحض ر ال يض ل ثابت ا على م ا ه و علي ه وإمنا يتع رض باس تمرار إلض افات وزي ادات‬
‫تنجم عن اإلقام ة الدائم ة واإلس تقرار بنط اق مك اين حمدد‪ ،‬م ع م ا يرتب ط ب ذلك من إجنازات‬
‫حيققها اإلنسان يوما بعد يوم ويصنها إىل الرتاث احلضاري مبجتمعه وال نعين بالرتاكم هنا زيادة‬
‫س كانية فق ط وإمنا ف وق ذل ك ه و زي ادة م وارد وخ ربة ل دى ه ؤالء الس كان على اس تغالهلا‬
‫واإلف ادة منه ا‪ .‬وهن ا نالح ظ أن التحض ر ه و ض رب التغ ري البن ائي ال ذي ال يقتص ر فق ط على‬
‫انتقال السكان من املناطق الريفية إىل املناطق احلضرية أو التحول من العمل الزراعي إىل العمل‬
‫الص ناعي ولكن ه يتض من تغ ريات أساس ية تش مل تفك ري الن اس وس لوكهم وقيمهم االجتماعي ة‬
‫‪1‬‬
‫أيضا‪.‬‬

‫‪Urbanism‬‬ ‫‪3.‬مفهوم الحضرية‬

‫مع روف ل دى علم اء اإلجتم اع واألنرتوبولوجي ا احلض رية‪ ،‬ب أن احلض رية تع ين أس لوب أو منط‬
‫حي اة يتم يز هبا س كان املدن تفرض ه الطبيع ة اإليكولوجي ة االجتماعي ة والثقافي ة للمدين ة ال يت‬
‫تكس ب املدن ثقاف ة خاص ة تس مى بالثقاف ة احلض رية‪ ،‬كم ا أص بح واض حا أن احلض رية هي‬
‫احلص يلة النهائي ة لعملي ة التحض ر أي هي تل ك التغ ريات اإلجتماعي ة املص احبة للتحض ر بس بب‬
‫إقامة األفراد يف املدن ويعرفها لويس ويرث بأهنا منط أو أسلوب حياة يف مقاله الشهري املنشور‬
‫عام ‪ 1983‬بعنوان" الحضرية‪ A‬نمط الحياة"‪ A‬وأصبح مرجعا أساسيا يف علم االجتماع احلضري‬
‫يف اخلمس ينات والس تينات من الق رن العش رين وه و أن ايكولوجي ة املدين ة مبا تفرض ه من‬
‫تف اعالت وعالق ات تنتج عنه ا س لوكات وذهني ات تطب ع حي اة الف رد احلض ري وتكس به ثقافة‬
‫خاصة تنعكس على سلوكه‪ ،‬كما ميكن أن تطلق عليها الثقافة احلضرية‪ ،‬حيث يكتسبها الفرد‬
‫‪2‬‬
‫من خالل اإلقامة يف املدينة ويتلون سلوكه بلوهنا‪.‬‬

‫ويوص ف العم ل ال ذي قدم ه وريث التحض ر بأن ه ي ؤدي إىل تغ ري أساس ي يف طبيع ة ونوعي ة‬
‫العالقات اإلنسانية‪ ،‬بسبب إزدياد حجم املدن وكثافتها وتباين اجملموعات البشرية فيها‪ ،‬كما‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم اإلجتماع الحضري‪ ،‬دار املعارف اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،1996‬ص ‪. 96‬‬
‫‪2‬‬
‫حممد بوخملوف‪ ،‬التحضر‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪20‬‬

‫‪73‬‬
‫يؤدي التحضر إىل إختفاء اجلماعات األولية تاركة مكاهنا لصاحل اجلماعات الثانوية واملتخصصة‬
‫واجلماعات األولية كالعائلة وأن التحضر الذي ينتج مجيع هذه اآلثار يتوافق مع عملية التصنيع‬
‫واالتص ال اجلم اهريي‪ ،‬إذن احلض رية هي خالص ة التحض ر أي خالص ة التف اعالت والعالق ات‬
‫اإلجتماعية احلضرية الناجتة عن اإلقامة يف املدينة‪ ،‬تؤدي إىل إنتاج ثقافة خاصة بالبيئة احلضرية‬
‫شو مبار دول‪AA‬و‬ ‫وتظهر العقالنية اليت تصبح من أهم السمات اليت متيز ساكن املدينة وهلذا يرى‬
‫‪ Paul Henry chombart de lauwe‬الذي طرح تساءالت حول العالقة بني احلضرية‬
‫والعقالنية و وج د أن احلض ريني أك ثر عقالني ة من الريف يني وهن ا يتف ق ك ل من زيم ‪AA A‬ل‬
‫وسوروكين وزيمرمان على اخلصائص التالية‪ ،‬كما يتفق معهم أيضا ويرث يف ذلك ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ تطوير نسق أكثر تعقيد لتقسيم العمل‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ إرتفاع معدالت احلراك اإلجتماعي واملكاين‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ اإلعتماد الوظيفي والتساند املتبادل بني األفراد‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ إنتشار وسيطرة نسق من العالقات اإلجتماعية يتسم بالطابع السطحي وغري شخصي على‬
‫جانب سيطرة الطابع االنقسامي على األدوار االجتماعية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ اإلعتماد على األساليبب غري املباشرة للضبط اإلجتماعي‪.‬‬

‫ه ذه اخلص ائص جتع ل العقالني ة موج ود يف احلي اة احلض رية‪ ،‬ه ذا م ا ي راه فري‪AA‬ديريك تون‪AA‬ير‬
‫الذي يؤكد على سيادة الس‪AA‬لوك النفعي بدال من الس‪AA‬لوك الع‪AA‬اطفي يف املدينة وكذلك زيم‪AA‬ل‬
‫ج ‪AA A‬ورج ال ذي يؤك د على أمهي ة التفاعل والعالق ‪AA A‬ات‪ A‬اإلجتماعية ال يت تس يطر على الف رد‬
‫احلضري‪ ،‬كما أكد ذلك فيير على أن السلوك العقالني هو الذي يطبع السلوك احلضري زد‬
‫على ذل ك دورك ‪AA‬ايم ال ذي يتح دث عن التض امن اآليل ال ذي يس ود يف اجملتمع ات املتجانس ة‬
‫والتضامن العضوي الذي يسود يف اجملتمعات املتباينة أو اجملتمعات احلضرية والصناعية يف كتابه‬
‫‪1‬‬
‫تقسيم العمل اإلجتماعية حيث يزيد تقسيم العمل بدرجة كبرية يف املدينة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حممد بوخملوف‪ ،‬التحضر‪،‬مرج سبق ذكره‪،‬ص‪.33‬‬

‫‪74‬‬
‫وهذا ما وضحه مارشال جوردن إىل أمناط احلياة اإلجتماعية اليت تربط بالسكان املقيمني يف‬
‫املناطق احلضرية واليت تتضمن تقسيم العمل والتخصص الدقيق وانتشار العالقات اإلجتماعية‬
‫الرمسية والعالقات الغربية زيادة الروابط الطوعية والعلمانية وزيادة األمهية اإلجتماعية لوسائل‬
‫اإلتص ال أي أن احلض رية هي اجتاه يتجس د يف ظ اهرة تش هدها ك ل اجملتمع ات البش رية وتع ين‬
‫إقام ة الن اس واس تقرارهم يف جتمع ات حض رية ق د تأخ ذ ش كل املدن وتتبل ور يف التغ ري الن وعي‬
‫ال ذي حيدث يف أمناط تفك ريهم وس لوكهم اجتاه األنش طة الس ائدة ومنو التنظيم ات القائم ة‬
‫‪1‬‬
‫واحلضرية‪.‬‬

‫ويبقى ل‪AA‬ويس وي‪AA‬رث من أبرز العلماء الذين ناقشوا أو فسروا مفهوم احلضرية كطريقة يف‬
‫احلياة ميكن تناوهلا ميدانيا من خالل ثالث اجتاهات متشابكة ومساندة فيما بينها هي‪:‬‬

‫* كبناء فيزيقي يتضمن أبعاد ايكولوجية وسكانية وتكنولوجية‪.‬‬

‫* كنس ق من التنظيم االجتم اعي يتض من بن اء اجتماعي ا مميزا أو جمموع ة من النظم ومنط ا حمددا‬
‫من العالقات اإلجتماعية‪.‬‬

‫* كمجموع ة من االجتاه ات واألفك ار تش رتك يف تك وين منط الس لوك اجلمعي وال ذي خيض ع‬
‫آلليات الضبط االجتماعي السائدة‪.‬‬

‫وعلى هذا فاحلضرية تشري إىل حالة أو كيفية أو طريقة يف احلياة من التصور كخاصية مميزة‬
‫للمدينة أو اجملتمع احمللي احلضري‪ ،‬وإن كانت احلضرية حتمل يف طياهتا اإلشارة إىل إنبثاقها من‬
‫املدن إال أهنا يف الواق ع هي جمرد طريق ة يف الس لوك‪ ،‬خاص ة إال أن ه ي رى بعض الب احثني‬
‫االجتم اعيني يف احلض رية أهنا ليس ت تعب ريا مقص ورا على احلي اة يف املدن فق ط‪ ،‬ألنن ا فق د جند‬
‫إنسانا متحضرا يف سلوكه ومعامالته‪ ،‬بينما حييا يف الريف وجند آخر حييا يف أكرب أحياء املدن‬
‫حتض را وه و م ع ه ذا ال ي زال قروي ا يف تفك ريه وطريق ة معيش ته‪ ،‬ب ل ويف س لوكه فاملس ألة إذن‬
‫مسألة سلوك وليست مسألة مظهر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممود الكردي‪ ،‬التحضر‪ ،‬دراسة إجتماعية‪ :‬القضايا والمناهج‪ ،‬دار قطري بن الفجاءة‪ ،‬الدوحة‪ ،1984 ،‬ص‪. 96‬‬

‫‪75‬‬
‫زي ادة على ه ذا يتف ق األيكولوجي ون على أن للحض رية خص ائص تتم يز هبا وتش مل‬
‫الالجتانس الط ابع الث انوي للعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬الفرداني ة‪ ،‬التس امح‪ ،‬الض بط الرمسي‪ ،‬الع زل‬
‫املك اين ألن احلض رية كطريق ة يف احلي اة ومنط يف التفك ري يرتب ط س ببه ب التغري الس ريع س واء من‬
‫حيث احلرك ة الس كانية أو من حيث التغ ري يف النظم اإلجتماعي ة أو االقتص ادية أو من حيث‬
‫التغري يف القيم والعادات والتقاليد والنظرة إىل احلياة وتتمثل أهم اخلصائص احلضرية فيمايلي‪:‬‬

‫‪ .1‬الالتجانس (التغاير‪ A‬اإلجتماعي)‪ :‬تتسم املدن بعدم جتانس سكاهنا وتعترب خاصية الالجتانس‬
‫املادي واملعن وي نتيج ة حتمي ة لظ اهرة التحض ر فالكثاف ة الس كانية العالي ة تزي د يف املنافس ات‬
‫ف رتتفع إىل التخص ص ال دقيق وتقس يم العم ل‪ ،‬وجلذب س كان من اطق أخ رى حض رية أو ريفي ة‬
‫متباينة فتختلط األجناس والثقافات‪ ،‬فيؤدي الالجتانس إىل سلسلة من النتائج منها تطوير نسق‬
‫معق د من الت درج الطبقي وزي ادة مع دالت احلراك اإلجتم اعي واإلجتاه املتزاي د حنو التفك ري‬
‫العقالين وزيادة أمهية النقود كأساس العالقات اإلجتماعية وقبول التغري وعدم اإلستقرار‪1.‬وعلى‬
‫ح د تعب ري ل ‪AA‬ويس وي ‪AA‬رث كلم ا إزداد ع دد األف راد ال ذين يش رتكون يف عملي ة التفاع ل كلم ا‬
‫إزدادت إمكاني ات التم ايز بينهم ول ذلك فإن ه من املتوق ع أن تن درج الس مة الشخص ية لس كان‬
‫اجملتم ع احلض ري ومهنهم وحي اهتم الثقافي ة وأفك ارهم وقيمهم على امت داد تتس ع في ه اهلوة بني‬
‫‪2‬‬
‫طرفيه أو قطبيه على حنو أكثر وضوحا عنه يف اجملتمع الريفي‪.‬‬

‫‪ .2‬الط‪AA‬ابع الث‪AA‬انوي‪ A‬للعالق‪AA‬ات اإلجتاعي‪AA‬ة‪ :‬يرى وي‪AA‬رث أنه كلما منا حجم املدينة قل احتمال‬
‫معرفة الفرد ببقية سكاهنا معرفة شخصية‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل تغري طابع احلياة االجتماعية‬
‫وألن ع دد األش خاص ال ذين يتص ل هبم الف رد أو يعتم د عليهم يف املدين ة كب ري نس بيا ف إن‬
‫العالق ات اإلجتماعي ة ال يت يكوهنا يف املدين ة تتس م بأهنا غ ري شخص ية وس طحية وهلا ط ابع‬
‫اإلنقسامي‪ 3.‬ف على امل س توى الشخصي يالحظ أن العالقاتبني األف راد يف امل ن اطق احل ض رية‬

‫‪.‬عزيزة عبد اهلل العلي النعيم ‪ ،‬التنظيم اإلجتماعي الحضري‪ ،‬املعهد العريب إلمناء املدن‪ ،‬السعودية‪ ،1991 ،‬ص‪. 48‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم اإلجتماع الحضري‪ :‬مدخل نظري‪.‬ج‪ ،1‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية ص‪. 231‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬حممد أمحدغنيم ‪ ،‬المدينة دراسة في اآلنثربولوجيا الحضرية ‪ ،‬دار املعارف اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪. 1987،‬‬

‫‪76‬‬
‫متي ل إىل أن تك ون ثانوي ة ونفعي ة أك ثر من كوهنا أولي ة وتكاملي ة وعاطفي ة‪ ،‬مثلم ا ه و يف‬
‫الريف‪.‬‬

‫‪ -3‬الفرداني ‪A A‬ة‪ A‬أو الفردي‪AA A‬ة‪ :‬ميل س كان اجملتم ع احلض ري إىل الفرداني ة واالعتم اد على النفس‬
‫وذلك لتمتعهم حبرية أكرب من تلك اليت يتمتع هبا االنسان يف الريف‪ ،‬كقلة ارتباطه مبتطلبات‬
‫أقاربه وهذا ال يعين أنه يعمل بدون واجبات اجتماعية حنو أسرته وأصدقائه وإمنا يعين أن أسرته‬
‫ال متثله فاحلضري يديل بصوته كفرد ويكون مسئوال مسؤولية فردية كاملة من أعماله فيكون‬
‫حرا يف اختيار مهنته ومكانته يف عمله بالرغم من ضغوط األسرة عليه‪ ،‬كما يتمتع حبرية يف‬
‫اختيار شريكة حياته أو احلياة منفصال عن أسرته املمتدة ويف ضوء ذلك إن االجتاه حنو الفردية‬
‫يزداد يف الوقت احلاضر يف الريف واملدينة على السواء إال أن حدة الفردية تتزايد يف اجملتمعات‬
‫‪1‬‬
‫احلضرية أكثر وهنا املسألة مسألة درجة وليس النوع‪.‬‬

‫‪ -4‬التس‪AA‬امح‪ :‬ه و الرغب ة يف التعب ري عن األفك ار املختلف ة ومعامل ة اآلخ رين وفق ا ملع ايري عام ة‬
‫مس تقلة عن االختالفات القيمي ة‪،‬كم ا يعرف التسامح بص فة عام ة على أن ه الرغبة أو السماح‬
‫ملنح احلري ات داخ ل املدين ة لألش خاص وذوي ال ديانات وال رؤى السياس ية املختلف ة‪ ،‬وأول من‬
‫أك د على ارتب اط احلض رية حبجم اجملتم ع ارتباط ا مباش را بالتس امح ه و س‪AA‬توفر هو‪ ،‬كم ا أك د‬
‫ذل ك العدي د من األحباث املعاص رة وجه ة نظ ر س ‪AA‬توفر أمث ال ويلس ‪AA‬ون وألس ‪AA‬تون وجيلين يف‬
‫حبث آخ ر ع ام ‪ 1985‬إال أن ه توج د مالحظ ات على ه ذه العالق ة مها‪.1 :‬اختالف درج ة‬
‫التسامح من مدينة إىل أخرى‬
‫‪2‬‬
‫‪.2‬السماح بعدد من الثقافات الفرعية طاملا أهنا ال تتعارض مع االطار الثقايف العام‪.‬‬

‫‪ -5‬الضبط الرمسي‪ :‬متارس اجلماعات األولية كاألسرة ومجاعات األصدقاء يف املوقع احلضري‬
‫نوعا من الضبط لسلوك األفراد بطرق غري رمسيه وليس بدرجة الضبط يف اجملتمع الريفي‪ ،‬ألن‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬شفيق وجدي‪ ،‬علم االجتماع الحضري والصناعي‪ ،‬دار مكتبة االسراء‪ ،‬أسيوط‪ ،2007،‬ص‪.36‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عزيز عبد اهلل العزيز النعيم‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.46‬‬

‫‪77‬‬
‫االنس ان احلض ري بإمكان ه اهلروب من ض بط اجلماع ات األولي ة ويطل ق على ذل ك الغفل ة أو‬
‫الالرمسية‬

‫‪ -‬أنماط اإلقامة الحضرية‪:‬‬

‫ـ ميكننا أن متيز بني صنفني من أمناط اإلقامة احلضرية‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ يعتمد هذا الصنف على املعيار املكاين وتقسم فيه املدينة إىل ‪:‬‬

‫ج ـ ـ أطراف‬ ‫ب ـ ضاحية‬ ‫أ ـ ـ مركز‬

‫‪ 2‬ـ الصنف الثاين يعتمد على املعيار اإلجتماعي اإلقتصادي وتقسم املدينة إىل أحياء‪.‬‬

‫أ ـ أحياء راقية حديثة تتمتع بتسهيالت‪.‬‬

‫ب ـ أحياء غري خمططة قدمية‪.‬‬

‫خالصة الفصل األول‬

‫يبقى حتدي د املف اهيم عملية ج د هام ة يف البح وث والدراس ات اإلجتماعية‪ ،‬لغ رض إزالة‬
‫الغم وض والتش ابه بني املص طلحات‪ ،‬وذل ك لع دم االتف اق بني املفك رين ح ول تعري ف موح د‬
‫ونادرا ما يكون هناك اتفاق واحد‪ ،‬يعود ذلك لعدم التعاريف الدقيقة والقاطعة‪ ،‬هلذا اعتمدنا‬
‫على مف اهيم خمتلف ة جملموع ة من املفك رين والب احثني مث خرجن ا بالتع اريف ال يت تتالئم وطبيع ة‬
‫موضوعنا لنستنتج أن علماء النفس واالجتماع يرون أن التفاعل االجتماعي‪ ،‬ظاهرة اجتماعية‬
‫أولي ة لتتك ون العالق ات والرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬حيث ال ميكن لألف راد أن ي دخلوا يف عالق ات‬
‫فيم ا بينهم ح ىت حيدث تفاع ل اجتم اعي‪ ،‬ألن التفاع ل ينتج عن ه نس يج أو ش بكة العالق ات‬
‫االجتماعية والروابط االجتماعية املتنوعة‪ ،‬إال أن االختالف يبقى موجود بني العالقة والرابطة‬
‫االجتماعية أيهما األول وحسب ما استنتجنا فإن العالقات االجتماعية تنتج روابط اجتماعية‪،‬‬
‫وألن األفراد يدخلون يف عالقات بسبب رباط من الروابط االجتماعية‪،‬كرباط القرابة‪ ،‬رباط‬
‫اجلرية‪ ،‬الصداقة ‪...‬فكل عالقة اجتماعية يكون يف ضمنها رباط اجتماعي الذي عرفناه على أنه‬
‫اخليط الرابط أو الواصل بني األفراد يف شبكة العالقات االجتماعية اليت ينسجوهنا بينهم‪ ،‬حيث‬
‫‪78‬‬
‫تقاس الرابطة االجتماعية حسب درجة التماسك والتضامن بني أفرادها يف احلياة االجتماعية‪،‬‬
‫فيكون التماسك قويا عندما يكون هناك تضامن قوي بني األفراد وحسب علماء االجتماع‬
‫جند ذل ك يف اجلماع ات األولي ة واجملتمع ات البدوي ة والتقليدي ة‪ .‬ل ذلك ح ددنا ك ل املف اهيم‬
‫املرتبطة بالرابطة االجتماعية للتوضيح أكثر‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫‪79‬‬
‫الرابطة االجتماعية والمجتمع الحضري مقاربة نظرية‬

‫‪ -I‬نظريات الرابطة االجتماعية‬

‫‪ -1‬الرابطة االجتماعية يف الفكر اخللدوين (العصبية كرابطة اجتماعية قرابية)‬

‫‪- 2‬الرابطة االجتماعية عند مالك بن نيب (من خالل شبكة العالقات االجتماعية)‬

‫‪ -3‬الرابطة االجتماعية عند املدرسة الفرنسية ‪ :‬أوغست كومت‪ ،‬إميل دوركايم‬

‫‪ -4‬الرابطة االجتماعية عند املدرسة األملانية‪ :‬تونيز فرديناند‪ ،‬ماكس فيبر‬

‫‪ -5‬الرابطة االجتماعية عند املدرسة األمريكية‪ :‬تشارلز هولترن كولي‬

‫‪.6‬الرابطة االجتماعية من خالل مفكري نظرية العقد االجتماعي‬

‫‪ .II‬نظريات المجتمع الحضري‬

‫‪ .1‬النظرية النفسية االجتماعية‪:‬ابن خلدون‪،‬ماكس فيبر‪،‬جورج زيمل‪،‬تونيز‪،‬شنلجر‬

‫‪ .2‬النظرية األيكيولوجية‪:‬بارك‪،‬رودريك‪ A‬ماكنزي‬

‫‪ .3‬نظرية الثقافة احلضرية‪:‬لويس ويرث‪،‬فرديريك‬

‫‪.4‬النظرية القيمية‪ :‬فون جرونبوم‬

‫‪.‬النظرية التكنولوجية‪ :‬وليم أوجبرن‪ ،‬أموس هاولي‬ ‫‪5‬‬

‫‪ .III‬الرابطة االجتماعية في المجتمع الجزائري ‪:‬أهم الدراسات السابقة الجزائرية‬

‫‪.1‬خصائص المجتمع واألسرة والقرابة في المجتمع الجزائري‬

‫‪.2‬أهم الدراسات السابقة الجزائرية حول الرابطة االجتماعية‬

‫‪.1.2‬اهلواري عدي‪:‬التحوالت االجتماعية يف اجملتمع اجلزائري األسرة والرابطة االجتماعية‬

‫‪80‬‬
‫‪.2.2‬مصطفى بوتفنوشنت العائلة والروابط االجتماعية اجلزائرية‪.‬‬

‫‪.3.2‬رشيد محادوش‪:‬االسرتاتيجية العالئقية الرباط االجتماعي وإشكالية التقاليد واحلداثة‬


‫من خالل التصورات الشبانية يف اجلزائر‬

‫‪4.2‬بلخضر مزوار‪ :‬الدين والرباط االجتماعي يف اجلزائر‬

‫‪.4.2‬نورية سواملية‪ :‬الرباط االجتماعي احلضري (اجلرية كرابطة اجتماعية)‬

‫‪ -‬خالصة الفصل الثاين‬

‫الفصل الثاني‪A‬‬

‫‪81‬‬
‫تمهيد‬

‫تس اءل علم اء االجتم اع‪ ،‬عن سـر التالحم والتع اون بني األف راد‪ ،‬يف ك ل اجملاالت‬
‫االجتماعي ة وب رزت حماوالت حتليلي ة نظري ة عامـة‪ ،‬ح ول م ا اص طلح علي ه مبفه وم الرابط ة‬
‫االجتماعي ة أو ‪ le lien social‬بالالتني ة‪ ،‬فب دؤوا بدراس ة ك ل عناص ر النظ ام االجتم اعي‪،‬‬
‫والبنية والبناء االجتماعي‪ ،‬لفهم اجملتمع وما يسود فيه من ظواهر اجتماعية‪ ،‬حماولني البحث يف‬
‫حقيقة االنسان كفرد‪ ،‬وتفاعالته مع غريه من األفراد داخل اجملتمع اإلنساين‪ ،‬فاختلفت اآلراء‬
‫والنظريات حول ذلك‪ ،‬من تطورية إىل بنائية وظيفية‪ ،‬مث رمزية تفاعلية‪.‬‬

‫مع ظه ور جمموعة من النظريات واملفكرين البارزين‪ ،‬يف فهم الفعل والس لوك االجتماعي‪،‬‬
‫ال ذي ي رون أن ه من خالل ه‪ ،‬تتش كل عالق ات ورواب ط اجتماعي ة بني األف راد‪.‬وج دوا أن ه ذه‬
‫الروابط والعالقات‪ ،‬قد تتغري حسب اجملتمع‪ ،‬من جمتمع ريفي إىل حضري‪.‬وهذا ما سنتعرض‬
‫إليه يف اجملال النظري للرابطة االجتماعية يف اجملتمع احلضري‪.‬‬

‫‪.I‬نظريات الرابطة االجتماعية‬

‫‪82‬‬
‫‪ .1.1‬الرابطة‪ A‬االجتماعية في الفكر الخلدوني‪ A:‬العصبية‪ A‬كرابطة‪ A‬اجتماعية قرابية‬

‫تتمث ل الرابط ة االجتماعي ة عن د ابن خل ‪AA‬دون يف ظ اهرة العص بية‪ ،‬ال يت تعت رب مص طلحا‬
‫سوس يولوجيا خل دونيا فعن دما نق ول كلم ة عص بية‪ ،‬ي ذهب تفكرين ا مباش رة إىل ابن خل‪AA‬دون‪،‬‬
‫ال ذي يُعت رب أول من أعطى الدالل ة السوس يولوجية‪ ،‬هلذا املفه وم ودوره السياس ي‪ ،‬يف تش كل‬
‫السلطة وقيام الدولة‪ ،‬فهو يعترب ظاهرة العصبية‪ ،‬مبثابة احملور الذي تدور حوله معظم البحوث‬
‫االجتماعي ة والسياس ية‪ .‬رغم أن ه ذا املص طلح‪ ،‬ك ان ش ائعا بني الع رب‪ ،‬قب ل جميء اإلس الم‪،‬‬
‫فك انت تع ين تب ين ش خص لقض ية ذوي ه‪ ،‬أي مس اندة الش خص العمي اء جلماعت ه‪ ،‬دون أن يأب ه‬
‫للعدالة وموقفها غري أنه مل تكن هلا قط قبل ابن خلدون قيمة تفسريية‪ ،‬و ال داللة تقنية سياسية‬
‫واجتماعية حقا‪.‬‬

‫مل تكن الذهنية البدوية لعرب اجلاهلية‪ ،‬لتتصور الكائن اإلنساين‪ ،‬إال داخل فئة مجاعية قطعية‬
‫وي ذوب الف رد يف القبيل ة‪ ،‬فال وج ود لشخص ية خاص ة متف ردة‪ ،‬إذ الوح دة القبلي ة ال تُع رف‬
‫‪1‬‬
‫بروابط التضامن‪ ،‬وال بروابط الود‪ ،‬خارج الوحدة اليت تتألف من أفراد نفس العصبية‪.‬‬

‫عرف العصبية يف لس‪AA‬ان الع‪AA‬رب "على أهنا مشتقة من لفظ عصب‪ ،‬الذي يعين حرفيا‬
‫و تُ ّ‬
‫ربط‪ ،‬جتمع‪ ،‬ش ّد أحاط‪ ،‬اجتمع‪ ،‬فعصبية الرجل‪ ،‬بنوه وقرابته وكل شيء استدار به‪.‬‬

‫عصب الرأس مبعىن ربطه‪ ،‬وهي تدل على رابطة دموية وتالحم األرحام‪ ،‬منذ القدمي أي‬
‫نقول ّ‬
‫قب ل جميء اإلس الم"‪.2‬وبع د اإلس الم ان دثرت العص بية بعن ف‪ ،‬وذهبت أثاره ا الس يئة‪ ،‬ودع ا‬
‫املسلمون ليتخلصوا من أثارها القبلية املتخلفة‪ ،‬إال أن ابن خلدون اقرتب من مفهوم العصبية‪،‬‬
‫ألج ل منط ق نظريات ه ومعقوليته ا‪ ،‬من وجه ة نظ ر أخ رى‪ .3‬لق د اس تعمل مفه وم العص بية م ع‬
‫مص طلح االلتح ام والنس ب فيق ول ‪":‬يف أن العص بية إمنا تك ون من االلتح ام بالنس ب أو م ا يف‬

‫‪.1‬حممد عزيز حلبايب‪ ،‬ابن خلدون معاصرا‪،‬تر‪:‬فاطمة جلامعي‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،‬داراحلداثةللطباعة‪،‬ص‪.13‬‬


‫‪ .2‬ساطع احلصري ‪ ،‬دراسات عن مقدمة ابن خلدون ‪ ،‬مصر ‪،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة اخلاجني ‪،1961 ،‬ص‪.333‬‬
‫‪ .3‬عبد الغين مغريب‪ ،‬الفكر االجتماعي عند ابن خلدون‪،‬تر‪:‬حممد الشريف بن دايل سني ‪ ،‬اجلزائر ديوان املطبوعات اجلامعية ‪،‬‬
‫‪،1988‬ص‪.113‬‬

‫‪83‬‬
‫معن اه"‪،1‬ويقص د مبا يف معن اه أي ك ل مص طلح ي رادف مع ىن االلتح ام‪ ،‬كالتماس ك والرتاب ط و‬
‫التعاضد وغريها‪.‬‬

‫وهلذا أعطى معظم الباحثني الذين اهتموا بالفكر اخللدوين‪ ،‬والدراسات اخللدونية للعصبية‪،‬‬
‫مفه وم التماس ك والرتاب ط‪ ،‬فهم ي رون أن ه ذه الظ اهرة‪ ،‬عب ارة عن رابط ة اجتماعي ة‪ ،‬متت از‬
‫بالتماس ك بني أف راد النس ب الواح د‪ ،‬وتظه ر يف القبيل ة( اجملتم ع الب دوي )‪ ،‬بص ورة واض حة‪،‬‬
‫وأب رز ه ؤالء الدارس ني محم ‪AA‬د عاب ‪AA‬د الج ‪AA‬ابري‪ A،‬ال ذي يُع رف العص بية يف كتاب ه "العص ‪AA‬بية و‬
‫الدول ‪AA‬ة"‪ A‬على أهنا "رابط ‪AA‬ة اجتماعية س يكولوجية‪ ،‬ش عورية وال ش عورية‪ ،‬ترب ط أف راد مجاع ة‪،‬‬
‫قائمة على القرابة‪ A‬املادية واملعنوية‪ ،‬ربطا مستمرا يربز‪ ،‬عندما يكون هناك خطر‪ ،‬يهدد أولئك‬
‫األف راد‪ ،‬ك أفراد أو كجماع ة‪ 2".‬ويعرفه ا الحص‪AA‬ري "ت دل على تفك ري ف احص وناف ذ‪ ،‬تفك ري‬
‫معمق يف درس احلوادث االجتماعية ويف حتليل الوقائعة التارخيية‪ ،‬وهي قادرة على إظهار‪ ،‬أوثق‬
‫أنواع الروابط االجتماعية وتعيني أهم أشكال الرتابط الجتماعي‪ 3".‬كما يعرفها عبد الرزاق‬
‫المكي –باحث اجتماعي مصري يف الفكر اخللدوين –"العصبية كلمة تتأسس اجتماعيا‪ ،‬بص لة‬
‫االش تقاق إىل كلم ة العص ب‪ ،‬مبع ىن الش د والرب ط واألص ل يف معناه ا أهنا الرابط ة املعنوي ة‪،‬ال يت‬
‫تربط بني ذوي القرىب والرحم‪ ،‬فالعصبية مرتبطة باجلماعة‪ ،‬إذن هي رابطة اجتماعية "‪ 4‬ويرى‬
‫الصغير بن عمار يف كتابه"الفكر العلمي عن‪AA‬د ابن خل‪A‬دون" "أن صاحب املقدمة‪ ،‬مل يستعمل‬
‫ه ذه الكلم ة‪ ،‬مبعناه ا اللغ وي الظ اهر‪ ،‬وال ب املعىن الع رقي‪ ،‬ب ل اس تعملها مبع ىن أوس ع من ذل ك‬
‫بكثري‪ ،‬إنه أدخل يف نطاق مفهوم العصبية‪ ،‬الروابط االجتماعية والظواهر التكاتفية والتناصرية‪،‬‬
‫وبذلك أصبحت العصبية مفهوما اجتماعيا ‪ Concept sociologique‬تدخل يف اجملتمعات و‬
‫‪5‬‬
‫سريها‪".‬‬
‫‪. 1‬عبد الرمحان ابن خلدون‪ ،‬المقدمة ‪ ،‬دراسة واعتناء أمحد الزعيب‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار األرقم ابن أيب األرقم للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫ص‪.157‬‬
‫‪.2‬حمم د عاب د اجلابري‪ ،‬العص ‪AA‬بية والدول ‪AA‬ة – مع ‪AA‬الم نظري ‪AA‬ة خلدوني ‪AA‬ة في الت ‪AA‬اريخ اإلس ‪AA‬المي‪ -‬لبن ان‪ ،‬ب ريوت‪ ،‬دارالطليع ة للطباع ة‬
‫والنشر‪،‬ط‪ ،1982 1‬ص‪.254‬‬
‫‪.3‬احلصري ساطع ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪154‬‬
‫‪.4‬حامد املنجي‪ ،‬توظيف مفهوم العصبية في دراسة المجتمع العربي المعاصر ‪،‬تونس‪ ،‬صفاقص‪ ،‬ط‪،1،2004‬ص‪.64‬‬
‫‪.5‬الصغري عمار‪ ،‬الفكر العلمي عند ابن خلدون‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،1984 ،‬ص‪.42‬‬

‫‪84‬‬
‫عرف العصبية"على أهنا جمموعة أو‬
‫أما إذا ذهبنا إىل معجم علم االجتماع المعاصر‪ ،‬فإنه يُ ّ‬
‫جمتم ع حملي‪ ،‬نش أ على أس اس تراب ‪AA‬ط ع ‪AA‬ائالت‪ ،‬وهي تلتقي م ع مفه وم الرابط ة االجتماعي ة‬
‫باالجنليزية‪ ،‬يف كلمة ‪" Band‬مبعىن الربط والشد"‪.1‬هذا ما يوضح لنا أن العصبية‪ ،‬هلا عالقة‬
‫كبرية بالرابطة االجتماعية أو بعبارة أدق‪ ،‬العصبية رابطة اجتماعية‪ ،‬تقوم على النسب والقرابة‪.‬‬

‫كم ا ي رى محم ‪AA‬د عزي ‪AA‬ز لحب ‪AA‬ابي‪ ،‬أن العص بية يف النس ق اخلل دوين هي‪ ":‬العالق ة ال يت ترب ط‬
‫أه دافا ومش اعر مش رتكة‪ ،‬عن د ك ل من جتمعهم حُل م ة ال دم أو ال والء‪ ،‬فهي كم ا توج د يف‬
‫البوادي توجد كذلك داخل املدن‪ ،‬ألهنا تستجيب مليل طبيعي‪ ،‬حيمل الناس على أن يلتحموا‬
‫بعض هم البعض وأن يتكتل وا يف فئ ات وإن مل ينتم وا إىل نفس األس رة‪ ،‬على أن ه ذا االلتح ام‪،‬‬
‫يظل أقل متانة من روابط الدم‪ ،‬وبالتايل فالعصبية املتولدة عن هذا امليل‪ ،‬ليست سوى جزء مما‬
‫يتول د عن القراب‪A A‬ة‪ A‬المباش ‪AA‬رة‪2".‬وي رى إي ‪AA‬ف الكوست أن العص بية عن د ابن خل ‪AA‬دون‪ ،‬ليس ت‬
‫شكال من أشكال التعاضد فحسب‪ ،‬بل هي نوع من أنواع العالقات االجتماعية‪ ،‬أو الروابط‬
‫االجتماعية‪3،‬كم ا ميكنن ا أن نضيف بعض مرادف ات العص بية‪ ،‬اليت ق دمها ُش راح ابن خل‪AA‬دون‪،‬‬
‫ومن بني هذه التفسريات يف اللغات األجنبية‪ ،‬جند البارون دوسالن‪ ،‬الذي ترجم كلمة عصبية‬
‫بتعبري ‪ ، Esprit de corps‬الذي يعين روح التضامن‪ ،‬يظهر بني األشخاص املنتسبني إىل املهنة‬
‫الواحدة‪.‬‬

‫واقرتح غوتي‪A‬ه استبدال التعبري السابق النظر لقصوره‪ ،‬عن مقابلة مقاصد ابن خل‪A‬دون‪ ،‬بتعبري‬
‫آخ ر ه و ‪ Esprit de clan‬ال ذي ي دل على روح التض امن‪ ،‬ال ذي يظه ر بني أف راد القبيل ة‬
‫‪Cohésion‬‬ ‫الواحدة أو الطائفة الواحدة‪ ،‬ومن االستعماالت األخرى ملعىن العصبية‪ ،‬التماسك‬
‫والوالء للجماعة‪ Group loyal‬والشعور اجلمعي ‪ 4.Group feeling‬وتعكس هذه املرادفات‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.127‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حلبايب ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪.38‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬ايف الكوست‪ ،‬ابن خلدون واضع علم ومقرر استقالل‪،‬طبعة بريوت‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪ ،1954،‬ص‪.38‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬بسيوين رسالن‪ ،‬السياسة واالقتصاد عند ابن خلدون‪ ،‬مصر‪،‬القاهرة‪،‬دار قباء‪،1999،‬ص‪. 48‬‬

‫‪85‬‬
‫مع ان مث ل الوف اء للجماع ة‪ ،‬التماس ك ال داخلي للجماع ة‪ ،‬فك ل املرادف ات ج اءت ت دل عن‬
‫التضامن الرتابط‪ ،‬التماسك اجلماعي‪.‬‬

‫إذن ربط ابن خلدون مصطلح العصبية بالقرابة‪ ،‬هذه الرابطة االجتماعية‪ ،‬اليت تعترب شرطا‬
‫أساسيا يف العصبية القبلية‪ ،‬وذلك من خالل شرحه‪ ،‬ملصطلح النسب وصلة الرحم‪ .‬فال ميكن‬
‫أن تعترب جمموعة ما عصبية‪ ،‬إال إذا كان أفرادها ينتمون لنفس األصل‪ ،‬وذلك حسب تعريف‬
‫علماء االجتماع واالنرتوبولوجيا ملوضوع القرابة‪ ،‬وربطه بالعصبية كما فعل ابن خلدون‪.‬‬

‫كما أن للقرابة موضوعات خمتلفة‪ ،‬تتمثل يف الزواج‪ ،‬األسرة‪ ،‬العصبية‪ ،‬هذا حسب نظر وأراء‬
‫الب احثني أمث ال ل ويس مورج ‪AA‬ان و ب ‪AA‬اخوفن وماكلين ‪AA‬ان‪ ،‬هلذا احتلت العص بية مكان ة ب ارزة يف‬
‫نظري ة ابن خل‪AA‬دون‪"1.‬حيث تظه ر ه ذه العالق ة‪ ،‬من ذ اللحظ ة ال يت يب دأ فيه ا تعص ب اجلماع ة‬
‫القبلية لدفع خطر خارجي يهددها‪ ،‬أو جللب منفعة من الغري‪ ،‬باهلجوم واملطالبة‪ ،‬ويظهر إلتحام‬
‫أف راد القبيل ة على مس توى القراب ات ال يت تكوهنا‪ ،‬ألن ص لة ال رحم‪ ،‬ط بيعي يف البش ر إال يف‬
‫‪2‬‬
‫األقل"‬

‫وال دليل على ذل ك أن األف راد املك ونني للعص بية ينح درون من نفس النس ب واملص اهرة‪،‬‬
‫وينتم ون إىل أس رة أو عائل ة واح دة‪ ،‬ه ذا م ا يس ميه علم اء االجتم اع و األنرتوبولوجي ا‪،‬‬
‫بالعالقات القرابية الدموية‪ .‬أما العالقات القرابية االجتماعية‪ ،‬وهي اليت تتكون بالنسب البعيد‬
‫واحلل ف وال والء‪ ،‬كم ا ش رح ذل ك ابن خل‪AA A‬دون يف نظريت ه‪ ،‬وتب دوا للقراب ة عالق ة كب رية‬
‫بالعص بية‪ ،‬ذل ك العتب ار ص احب املقدم ة أن العصبية‪ ،‬مص درا لتأس يس الس لطة‪ ،‬وهذا املص در‬
‫يرتكز يف تش ُكله وتكوينه بالعالقات القرابية وروابط الدم‪ ،‬أو العالقات الدينامية‪ ،‬وبالتايل فإن‬
‫هلذه العالقات دورا يف تأسيس السلطة هذا ما كان يفرضه اإلمكان الواقعي للمجتمعات‪ ،‬اليت‬
‫ُأج ريت فيه ا البح وث األنرتوبولوجي ة ح ول الس لطة والقراب ة‪ ،‬فه ذه اجملتمع ات جتع ل القراب ة‪،‬‬

‫‪.1‬صالح مصطفى الفوال‪ ،‬علم االجتماع البدوي‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص‪216‬‬
‫‪.2‬حممد محداوي‪ ،‬القرابة والسلطة عند ابن خلدون‪،‬البذور اجلنينية لألنثربولوجيا السياسية‪ ،‬وقائع الملتقى أي مستقبل لالنتربولوجي‪A‬ا‬
‫في الجزائر‪،‬تيميمون‪ ،1999 ،‬ص ‪.43‬‬

‫‪86‬‬
‫مصدرا لكل سلطة مبا فيها السلطة السياسية وترتك مفهوم الوطن‪ ،‬مكانه ملفهوم النسب‪،‬حيث‬
‫يدين الفرد لقبيلته اليت هي حصيلة النسب وحيث تعلوا العالقات القرابية فوق كل عالقة‪.1‬‬

‫إضافة إىل ذلك وحىت نفهم جيدا ظاهرة العصبية‪ ،‬املتشكلة بالرابطة االجتماعية‪ ،‬واملتمثلة يف‬
‫القرابة‪ ،‬نعرج على ظاهرة القبيلة‪ ،‬اليت تعترب ظاهرة اجتماعية ضاربة يف أعماق التاريخ العريب‪،‬‬
‫يف املغرب واملشرق على حد سواء‪ ،‬كما اعتربها ابن خل‪AA‬دون الرُت بة اخلصبة‪ ،‬اليت تنمو فيها‬
‫‪2‬‬
‫العصبية وأهنا األصل يف اجملتمع البدوي" يف أن سكىن البدو ال يكون إال للقبائل أهل العصبية"‬

‫وهنا يظهر االرتباط أو العالقة بن العصبية والقرابة والقبيلة‪ ،‬اليت كانت جتمع أفراد العائلة‬
‫الواحدة املنح درة من أب واحد‪ .‬وتُع رف القبيلة يف معجم‪ A‬علم االجتم‪AA‬اع"على أهنا عددا من‬
‫الن اس ينتم ون إىل أص ل ُمش رتك‪ ،‬كم ا يش رتكون يف ملكي ة منطق ة من األرض‪ ،‬وتق وم بينهم‬
‫ص الت القراب ة ويتكلم ون لغ ة واح دة وهلج ة واح دة‪ ،‬وتنقس م القبيل ة يف الع ادة إىل ع دد من‬
‫العشائر وتنقسم العشرية إىل عدد من اجلماعات كل مجاعة منها عبارة عن عائلة أو عائلتني أو‬
‫ثالث"‪ 3‬ويعرفها بيشلر "هي الشكل االنقسامي للتنظيم االجتماعي‪ ،‬يتكون من أقسام قاعدية‪،‬‬
‫مُي ثل كل منها أسرة ممتدة‪ ،‬يف عمق ثالثة أو أربعة أجيال‪ ،‬وكل قسم قاعدي‪ ،‬يلتحم تلقائيا مع‬
‫قس م آخ ر ‪،‬كلم ا ش عر بتهدي د أو خط ر‪ ،‬وش يئا فش يئا ‪،‬ميكن أن تتح دد القبيل ة بأس رها‪ ،‬أو‬
‫جمموع ة قبائ ل يف جمموع ة مؤقت ة‪ ،‬ملواجه ة ع دو خ ارجي‪""4‬كم ا أهنا تؤل ف وح دة اجتماعي ة‪،‬‬
‫وسياسية واقتصادية متكاملة بل إهنا تكاد تكون يف رأيهم‪ ،‬جمتمع مغلقا على نفسه‪ ،‬يتصل مع‬
‫‪5‬‬
‫القبائل اجملاورة إال يف احلاجة"‬

‫لقد أدرجنا توضيحا ولو بسيطا‪ ،‬حول املفهوم السوسيولوجي للقبيلة‪ ،‬وذلك لتوضيح مدى‬
‫وج ود عالق ة بني العص بية والقراب ة والقبيل ة‪ ،‬حيث يش رتط ك ل منهم ا وج ود الث اين‪ ،‬ف داخل‬

‫‪.1‬حممد محداوي‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.36‬‬


‫‪.2‬عبد الرمحان ابن خلدون ‪ ،‬المقدمة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪156‬‬
‫‪ُ .3‬معن خليل العمر ‪ ،‬معجم علم االجتماع المعاصر ‪ ،‬األردن ‪ ،‬عمان ‪،‬دار الشروق للنشر والتوزيع ‪ 2000‬ص ‪.130‬‬
‫‪.4‬حممد ‪ ،‬جنيب بوطالب‪ ،‬سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،‬ط‪،1‬مركز دراسات الوحدة العربية ص‪.65‬‬
‫‪ .5‬صالح مصطفى الفوال ‪ ،‬علم االجتماع البدوي ‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.210‬‬

‫‪87‬‬
‫القبيلة توجد القرابة والعصبية‪ ،‬الناجتة عن ذلك القرب الدموي‪ ،‬بني أفراد نفس العائلة‪ ،‬وهلذا‬
‫كما قلنا فالقبيلة متثل مكان نشأة العصبية‪ ،‬وهي كبنية تقليدية اجتماعية‪ ،‬شأهنا يف ذلك شأن‬
‫العصبية‪.‬‬

‫وما حيدد مفهوم القبيلة عن ابن خلدون‪ ،‬هو االجتماع على أساس العالقات الدموية‪ ،‬وهو‬
‫الشرط التأسيسي لقيام اجلماعة‪ ،‬وإذا ما توفرت القرابة بني أفراد اجلماعة‪ ،‬مل تأسس القبيلة‪،‬‬
‫ألن ه إذا وج دت مجاع ة الينتم ون إىل قراب ة‪ ،‬ال نس ميهم قبيل ة‪ ،‬لع دم ت وفر ش رط القراب ة‪ ،‬وق د‬
‫يُض اف إىل العالق ات القرابي ة‪ ،‬يف القبيل ة بعض ال والءات واملوايل‪ ،‬لكن العائل ة هي اخللي ة‬
‫األساسية فيها يتزعمها قائد طبيعي‪ ،‬وعادة ما يكون كبري السن‪ ،‬لكسب طرق وخربة سري‬
‫القبيلة ونظامها‪.‬‬

‫وتظم القبيل ة ثالث أص ناف من األف راد‪ ،‬يتق دمها ص رحاء النس ب‪ ،‬وهم أس اس أش راف‬
‫القبيل ة وارس تقراطيتها‪ ،‬يتف اوتون يف الش رف بتف اوت بي وهتم يف احلس ب‪ ،‬مث ص نف املوايل‬
‫واملص طنعون (اللُص قاء) هم ال ذين التحق وا بالقبيل ة‪ ،‬بواس طة اللج وء أو احلل ف من الع دو أو‬
‫ضده‪ ،‬أما صنف العبيد‪ ،‬وهم عادة ما يكونون أسرى احلروب‪ ،‬والغزوات اليت ترجع أيضا إىل‬
‫العالق ات االقتص ادية وأن واع الص راع ال ذي يق وم على الرغب ة يف احلص ول على مس توى عيش‬
‫أفضل‪ ،‬وقد تتخطى القبيلة روابط القرابة حىت تتوسع وتنمو‪ ،‬كما يقول اوغستين بارنار (ع امل‬
‫ان رتوبولوجي ) « أن القبيل ة ال تنم و فق ط عن طري ق االن دماج بل ك ذلك عن طريق التجمي ع‬
‫‪1‬‬
‫»‪.‬‬

‫إذن حتدث ابن خلدون عن الرابطة االجتماعية‪ ،‬من خالل شرحه ملفهوم العصبية‪ ،‬على أهنا‬
‫االلتح ام بالنس ب‪ ،‬وبالت ايل القراب ة هي رابط ة اجتماعي ة طبيعي ة عن د البش ر‪ ،‬تتم يز باالتص ال‬
‫برابطة النسب والقرابة وما إليها من الراوابط املماثلة‪ ،‬حيث يفقد الفرد يف هذا التجمع فرديته‪،‬‬
‫ويتقمص شخصية القبيلة أو األسرة‪ ،‬اليت ينتمي إليها وخاصة‪ ،‬يف حالة اخلطر اخلارجي‪ ،‬الذي‬
‫يُهدد كيان العصبية املادي أو املعنوي‪.‬وألهنا تنشأ بني أفراد النسب الواحد يف العائلة فالقبيلة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫انظر حامد املنجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.54-51‬‬

‫‪88‬‬
‫متر مبراحل تطورية‪ ،‬لتصل إىل اجملتمع احلضري‪ ،‬فتتغري شيئا فشيئا لتأثرها بالثقافة احلضرية‪ ،‬أو‬
‫كما مساها ابن خلدون حبياة الرتف احلضري‪ ،‬ألهنا تتميز بالقوة و التماسك يف البداوة خاصة‬
‫أثناء اخلطر لتضعف يف املدينة‪.‬كما أن العصبية أيضا عبارة عما تتمتع به القبيلة أو األسرة من‬
‫القوة واجلاه اللذان جيعالن من أفرادها مجعا مرتاص البنيان‪.‬‬

‫‪ -2.1‬الرابطة االجتماعية عند مالك بن نبي‪:‬من خالل شبكة العالقات‪ A‬االجتماعية‬

‫إن تص ور ش بكة العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬كتمثي ل جملموع ة معق دة من العالق ات املتبادل ة‪ ،‬يف‬
‫نظام اجتماعي‪ ،‬ما ليس جبديد و إمنا له تاريخ طويل‪ ،‬ففكرة اعتبار العالقات االجتماعية شبكة‬
‫وأن خص ائص ه ذه الش بكة‪ ،‬ميكن اس تعماهلا لتفس ري بعض ج وانب‪ ،‬س لوك األف راد املنخ رطني‬
‫فيها‪ ،‬قد انتشرت بسرعة كبرية‪ ،‬بعد أن قدم األنثروبولوجي الربيطاين ج‪AA‬ون ب‪AA‬ارنس‪ ،‬الفكرة‬
‫ألول مرة يف حبث سنة‪ ،1954‬يصف نظام العالقات االجتماعية‪ ،‬الذي شعر بأهنا مهمة لفهم‬
‫السلوك االجتماعي الفراد حبثه‪ ،‬يف جمتمع برمنس النرويجي‪ ،‬وتطورت الفكرة فيما بعد‪ ،‬حىت‬
‫أص بحت مفي دة حتليلي ا‪ .‬وب رهنت على أمهيته ا التحليلي ة‪ ،‬يف دراس ة الباحث ة يف جمال‬
‫األنثروبولوجيا االجتماعية الربيطانية إليزابات‪ A‬بوت لألدوار الزواجية يف عدد من األسر اللندنية‬
‫‪ 1955،1956،1957‬ونش رت ذل ك يف كتاهبا بعن وان األس ‪AA A A‬رة وش ‪AA A A‬بكة العالق‪AA A A A‬ات‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫ومن أبرز علماء االجتماع واألنثروبولوجيا‪ ،‬الذين أسهموا يف تطوير اجتاه شبكة العالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬هم بوت‪ ،‬جيمس كاليد‪ A‬متشل‪ ،‬برودنس ويلدون من جنوب إفريقيا‪ ،‬مث نشرت‬
‫عشرات الدراسات‪ ،‬اليت تستعمل مفهوم شبكة العالقات االجتماعية‪ ،‬واعتربت هذه الدراسات‬
‫من أهم الدراس ات السوس يولوجية واألنثروبولوجي ة‪ ،‬ال يت اس تعملت اجتاه ش بكة العالق ات‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية بدقة وتفصيل يف جمال دراسة األسرة‪.‬‬
‫‪.1‬أمحد سامل األمحر‪ ،‬علم االجتماع األسرة بين التنظير والواقع المتغير‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬ط‪، 2004، 1‬‬
‫ص‪.58‬‬
‫‪.2‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪.59‬‬

‫‪89‬‬
‫فمص طلح ش‪AA‬بكة ق د أص بح مت داول يف الكث ري من الدراس ات االجتماعي ة‪ ،‬وخاصة املختص ة‬
‫منه ا يف العالق ات والرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬حيث تق ول ب ‪AA‬وث ‪ Bott‬عن د دراس تها لألس رة‬
‫احلضرية‪":‬أن األسرة تدخل يف روابط صداقة وقرابة وجوار ‪،‬مع عدد حمدد من األسر األخرى‪،‬‬
‫وهذه الروابط تؤلف شبكة األسرة‪...‬والروابط القرابية ‪،‬اليت تشكل فيما بينها شبكة‪ ،‬تفرض‬
‫على وح داهتا التزام ات أخالقي ة‪ ،‬لكن ه ذه االلتزام ات ‪،‬تظ ل جمرد ش عارات نظري ة وال تك ون‬
‫حقيقة ‪،‬م ا مل تتح ول إىل أنشطة فعلي ة‪ ،‬ينتف ع منها األق ارب‪ 1".‬يعين هذا أن شبكة العالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬هي ذلك التشابك من الروابط‪ ،‬الذي يربط الفرد مع غريه من األفراد‪ ،‬سواء عن‬
‫طري ق القراب ة أو اجلوار أو الص داقة‪ ،‬فيش كل من خالهلا ش بكة من العالق ات والرواب ط‬
‫االجتماعية‪ ،‬اليت تعترب هامة وضرورية بالنسبة له‪.‬‬
‫وه ذا م ا وج دناه من خالل قرأتن ا لكت اب مال ‪AA‬ك بن ن ‪AA‬بي‪،‬ميالد المجتمع‪ 2‬يف ج زءه األول‬
‫شبكة العالقات‪ A‬االجتماعية‪ .‬حيث يتناول يف هذا الكتاب شبكة العالقات االجتماعية‪ ،‬واليت‬
‫يتح دث من خالهلا عن ميالد اجملتم ع‪ ،‬قاص دا ب ذلك أن الش بكة االجتماعي ة تتش كل مبيالد‬
‫العالق ات االجتماعي ة يف اجملتم ع‪ ،‬م درجا ب ذلك ت اريخ ميالد اجملتم ع االس المي‪ ،‬كم ا يش رح‬
‫مفهوم اجملتمع حني يولد وحني ينهض‪ ،‬والشروط الأولية للنهضة و الرتبية‪.‬‬

‫ك ون مال ‪A‬ك‪ A‬بن ن‪AA‬بي‪ ،‬مفك ر مس لم وع اش يف بيئ ة أثن اء نش أته‪ ،‬تكتس ي ب الروح اإلس المية‪،‬‬
‫حيث يبدو ذلك واضحا‪ ،‬من خالل بناءه لنظريته االجتماعية باملنظور اإلسالمي‪ ،‬فهو يطرح‬
‫فكرة مفادها أن اإلنسان‪ ،‬يف كل مرحلة مير هبا اجملتمع يف دورته احلضارية‪ ،‬يتصف خبصائص‬
‫نفس ية واجتماعي ة حس ب املرحل ة ال يت مير هبا‪.‬كم ا يؤك د على أن اجملتم ع‪ ،‬يول د مبيالد ش بكة‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬ويزول أو ينتهي بزواهلا‪ ،‬فإن مل تكن هناك عالقات وروابط اجتماعية‪،‬‬
‫يزول اجملتمع أو مبعىن آخر إن الروابط والعالقات االجتماعية يف مفهوم مالك بن نبي‪ ،‬هي ال يت‬
‫تشكل هذه الشبكة‪ .‬ولذلك فأفراد تلك الشبكة‪ ،‬دائم اً يفضلون اإلمجاع على معايري يتفقون‬

‫‪ .1‬قيس الن وري‪ ،‬األنثروبولوجي‪AA‬ا الحض‪AA‬رية بين التقلي‪AA‬د والعولمة‪،‬ط‪،1‬مؤسس ة محادة للدراس ات اجلامعي ة للنش ر والتوزي ع‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ ،2001‬ص‪.90،93‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬مالك بن نيب‪ ،‬ميالد المجتمع‪،‬ج ‪ 1‬شبكة العالقات االجتماعية‪،‬تر‪:‬عبد الصبور شاهني‪،‬ط‪،3‬دار الفكر‪،‬احلراش‪،‬اجلزائر‪.1986،‬‬

‫‪90‬‬
‫عليها‪ ،‬مع بعضهم البعض‪ ،‬وبالتايل ميارسون ضغطاً غري رمسي‪ ،‬على بعض هم البعض لإلمتثال‬
‫لتلك القواعد واملعايري‪ ،‬وعندما ال يتفاعل األفراد مع بعضهم البعض‪ ،‬تقل اتصاالهتم إىل احلد‬
‫األدىن‪ ،‬وبالت ايل ف إن ش بكة عالق اهتم االجتماعي ة‪ ،‬تك ون إىل ح د م ا ض عيفة‪ ،‬مما ي ؤدي إىل‬
‫اختالف املعايري االجتماعية‪ ،‬ويصبح الضبط االجتماعي‪ ،‬وتبادل املساعدة أكثر تفكك اً‪ ،‬وأقل‬
‫استمرارية‪.‬‬

‫فمن خالل التحلي ل‪ ،‬ألهم أفك ار مال‪AA A‬ك بن ن‪AA A‬بي عن اجملتم ع‪ ،‬يب دو أن تش كل الرابط ة‬
‫االجتماعي ة ه و ميالد للمجتم ع‪ ،‬و زواهلا زوال ل ه‪ ،‬حيث يس تمر ذل ك بش بكة من العالق ات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وحيدث هذا عند ميالد اجملتمع‪ ،‬فميالد اجلماعات والروابط‪ ،‬يرتكز على عالقات‬
‫ولكي تتش كل ه ذه العالق ات‪ ،‬يع ود الس بب لنتيج ة أولي ة‪ ،‬حيدثها اجملتم ع‪ ،‬ويعطي مث ال عن‬
‫اجملتمع االسالمي‪ ،‬عندما قام بإنشاء ميثاق يربط بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬معتربا أن اهلجرة هي‬
‫نقط ة البداي ة يف الت اريخ االس المي‪ ،‬وذل ك ببداي ة قي ام اجملتم ع اإلس المي‪ ،‬وتكوين ه لش بكة من‬
‫العالق ات االجتماعي ة‪،‬كم ا ي رى أن ه لقي ام ه ذه الش بكة‪ ،‬جيب ت وفر ثالث عناص ر‬
‫وهي‪:‬األشخاص‪،‬األفكار األشياء‪ .‬موضحا أن اجملتمع ساعة ميالده يكون قويا‪ ،‬بقوة العالق ات‬
‫االجتماعي ة وي زول بزواهلا ح ىت وان ك ان االف راد موج ودون‪ .‬وه ذا م ا وج دناه يف نظري ات‬
‫الرابطة االجتماعية‪ ،‬عند علماء االجتماع‪ ،‬حيث يرون أن الرابطة االجتماعية‪ ،‬تكون قوية يف‬
‫بداية تواجدها‪ ،‬وتضعف عندما تتواجد يف احلياة احلضرية‪ ،‬رغم وجود األفراد نفسهم‪.‬‬

‫يقصد مالك‪ A‬بن نبي‪ ،‬زوال العالقات االجتماعية رغم وجود األفراد‪ ،‬وذلك بعد مرور هذه‬
‫الشبكة من العالقات مبراحل زمنية‪ ،‬فاملثال الذي قدمه عن ميالد اجملتمع االسالمي‪ ،‬دليل على‬
‫أن العالقات والروابط االجتماعية‪ ،‬كانت هي األخرى يف بداية نشوءها قوية‪ ،‬وامتازت بالقوة‬
‫بداخلها ولكن بعد مدة زمنية‪ ،‬مير هبا اجملتمع االسالمي‪ ،‬سوف تضعف عالقات األفراد بداخله‬
‫ورمبا ق د ت زول مبفه وم مال ‪A‬ك‪ A‬بن ن‪AA‬بي رغم أن األف راد موج ودون‪ ،‬وهلذا ي دعم كالم ه حبديث‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم عندما قال‪":‬يوشك أن تداعي األمم عليكم‪ ،‬كما تداعي األكلة‬
‫إىل قص عتها ق الوا‪ :‬أو من قل ة حنن يومئ ذن يارس ول اهلل؟ ق ال‪:‬ال ب ل أنتم كث ري ولكنكم غث اء‬

‫‪91‬‬
‫كغثاء السيل ولينزعن اهلل من صدور أعدائكم املهانة منكم‪ ،‬وليقذفن يف قلوبكم الوهن قيل‪:‬‬
‫وم ا ال وهن يارس ول اهلل ق ال حب ال دنيا وكراهي ة املوت" و هن ا املقص ود حبب ال دنيا هي أن‬
‫األفراد تعم بينهم الفردانية ويتهافتون على الدنيا من خالل مصاحلهم اخلاصة‪ ،‬حيث يهتم كل‬
‫ف رد مبص لحته وال هتم ه مص لحة اجلماعة زي ادة على ذل ك و حس ب تفس ري مال ‪A‬ك‪ A‬بن ن‪AA‬بي ‪،‬‬
‫بس بب ذل ك يص ل اجملتم ع االس المي‪ ،‬مرحل ة زمني ة معين ة‪ ،‬تض عف في ه ش بكة عالقات ه‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬وه ذه املرحل ة عن دما ت زول روح التع اون واالحتاد بني أف راد اجملتم ع‪ ،‬ليُص بح ك ل‬
‫واحد‪ ،‬يبحث عن مصاحله الشخصية ألن معىن حب الدنيا وكراهية املوت‪ ،‬يهتم الفرد مبصاحله‬
‫الدنياوي ة أك ثر من أي ش يء آخ ر‪.‬ونفس الش يء ال ذي جنده‪ ،‬يف مص طلح الفردانية‪ A‬يف احلي اة‬
‫احلض رية‪ ،‬وهي مرحل ة تص بح فيه ا طبيع ة العالق ات االجتماعي ة والرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬بك ل‬
‫أنواعها تقوم باألخص على املصلحة الشخصية‪.‬‬

‫وهنا يرى مالك‪ A‬بن نبي على األفراد أن يتعاونوا فيما بينهم من أجل البقاء وكذلك‪ ،‬دون‬
‫االهتمام باملصاحل اخلاصة فقط‪ ،‬ألن ذلك سيؤدي إىل عالقات ممزقة‪ ،‬ال حتتوي على أي شيء‬
‫من القوة فيظهر االستعمار واالستالء‪ ،‬على األمم الضعيفة‪،‬كما يرى أن ذلك كله حيدث بعد‬
‫تغري كبري‪ ،‬يطرأ على اجملتمع‪ ،‬حيث ميس هذا التغري ثالث العناصر املذكورة سابقا األشخاص‬
‫واألفك ار مث االش ياء‪.‬فاألش خاص ويقص د ب ه الفردـ‪ ،‬ذاك الك ائن املعق د‪ ،‬ال ذي ينتج احلض ارة‪،‬‬
‫ويع ين ه ذا أن الف رد‪ ،‬يط رأ علي ه تغ ري‪ ،‬يتمث ل يف أن ه يتح ول من ف رد ‪ individu‬إىل ش خص‬
‫‪ personne‬مما ي ؤدي إىل تغ ري ص فاته البدائي ة‪ ،‬إىل نزع ات اجتماعي ة تربط ه ب اجملتمع‪ ،‬فه ذا‬
‫التحول هو الذي ينشئ الروابط الضرورية بني األفكار واألشياء داخل اجملتمع‪ ،‬كما يرى أن‬
‫تشكل العالقات االجتماعية يعود لتشابه يف الثقافة "وبذلك نستطيع أن نقرر عامة‪ ،‬أن كل ما‬
‫يك ون ص لة من أي ن وع من بطاق ة الع وامل الثالث ة‪ ،‬ع وامل األش ‪AA‬خاص واألفك‪AA‬ار واألش‪AA‬ياء أو‬
‫بينهم ا ه و يف احلقيق ة عالق ة مش روطة بوج ود ثقاف ة وبالت ايل تك ون مجي ع أش كال االتص ال‬
‫‪1‬‬
‫الفكري كالفن أو اللغة من باب أويل هي عالقة اجتماعية‪".‬‬

‫‪1‬‬
‫مالك بن نيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33‬‬

‫‪92‬‬
‫ويع ين مال‪A A‬ك‪ A‬بن ن ‪AA‬بي أن هن اك عالق ة بني االش خاص واألفك ار واألش ياء تتمث ل يف الثقاف ة‬
‫فالش خص وعالقت ه ب الفن مثال‪ ،‬ه ذا اتص ال فك ري ثق ايف مكتس ب‪ ،‬ألن الش يء ه و الفن‬
‫واالتص ال بني الش يء والش خص ه و الثقاف ة‪ ،‬ه ذا يعت رب عالق ة اجتماعي ة‪.‬وهن ا خنرج بفك رة‬
‫رئيسية وهي أن شبكة العالقات االجتماعية‪ ،‬عامل أساسي وضروري يف اجلماعة والقوة‪ ،‬كما‬
‫أهنا حقيقة التطور وبتمزقها يتمزق اجملتمع ويتأخر‪.‬‬

‫‪ .3.1‬الرابطة االجتماعية عند المدرسة الفرنسية ‪.‬‬

‫أ‪ -‬الرابطة‪ A‬االجتماعية عند أوغست كومت‬

‫كونت‪ ،‬عامل اجتماع فرنسي شهري‪ ،‬يُعترب مؤسس علم االجتماع‪ ،‬فهو الذين مهد السبيل‬
‫لنشوء هذا التخصص‪ ،‬بعد فصله عن العلوم الطبيعية والفلسفة‪ ،‬وتثبيت حدوده العلمية وإحراز‬
‫استقالليته املنهجية واملوضوعية‪ ،‬فهو مؤسس علم االجتماع ومصطلح ‪.La sociologie‬‬

‫أراد دراسة اجملتمع دراسة تطورية هتدف‪ ،‬إىل اقتفاء املراحل التارخيية احلضارية‪ ،‬اليت متر هبا‬
‫اجملتمعات‪ ،‬وتدرس صفات وخصوصيات ومشكالت كل مرحلة على إنفراد مث تشتق القوانني‬
‫الشمولية اليت تفسر مسرية اجملتمعات‪ ،‬كما أنه حتدث عن تقسيم العمل االجتماعي والتضامن‬
‫االجتماعي‪1 .‬ومن هنا شرح كومت الرابطة االجتماعية‪ ،‬من خالل حديثه عن قانون التضامن‬
‫االجتم اعي‪ ،‬حيث"انتهى من دراس ته يف علم االجتم اع‪ ،‬إىل ق انون احلاالت الثالث و ق انون‬
‫التق دم وق انون التض امن االجتم اعي‪ ،‬إذ يق ع القانون ان األوالن حتت القس م األول‪ ،‬من أقس ام‬
‫علم االجتم اع وه و ال ديناميكا االجتماعي ة‪ ،‬و يق ع الق انون األخ ري حتت قس م الس تاتيكا‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية‪".‬‬

‫وي رى نيك ‪AA A A‬والس تيم ‪AA A A‬ا ش ‪AA A A‬اف‪-‬ب احث اجتم اع أملاين ح ديث‪ -‬يف كتاب ه النظري ‪AA A A‬ة‬
‫السوس‪AA‬يولوجية ‪" 1955‬أن ك‪AA‬ونت حتدث عن الرابطة االجتماعية‪ ،‬وذلك عند تطرقه للفرد‬
‫واألس رة واالحتادات االجتماعي ة‪ ،‬فلق د ص نف اجملتم ع إىل ثالث مس تويات‪ ،‬الف رد واألس رة‬

‫‪ .1‬احسان حممد احلسن‪ ،‬المدخل إلى علم االجتماع ‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،1988 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.80‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬سيد أمحد غريب وآخرون‪ ،‬مدخل إلى علم االجتماع المعاصر‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪،2002،‬ص‪.38‬‬

‫‪93‬‬
‫والرتابطات االجتماعية جيمع بني هذه املستويات الثالثة إتحاد اإلنسانية‪ ،‬كما استعمل كونت‬
‫مصطلح مبدأ االتساق العام ‪ consensus universel‬أو اتحاد‪ A‬اإلنسانية‪ ،‬ويقصد به االرتباط‬
‫الضروري بني عناصر اجملتمع‪ ،‬حيث يرى أن هذا االتساق‪ ،‬قام يف مجيع جماالت احلياة‪ ،‬إال أنه‬
‫يبلغ أقصاه يف اجملتمع اإلنساين ‪.‬ويرى كونت‪ ،‬أن أشد الوحدات ترابطا واحتادا‪ ،‬هي األسرة‪،‬‬
‫حبكم العام ل الق رايب واألخالقي ونتيج ة للتنس يق بني املس تويات‪ ،‬تظه ر االحتادات االجتماعي ة‬
‫‪1‬‬
‫كالطبقة االجتماعية‪ ،‬واملدن‪ ،‬اليت تنبين على التعاون الشعوري‪.‬‬

‫فاألس رة هي أوىل الرواب ط االجتماعي ة عن د ك ‪AA‬ونت‪ ،‬مث تتش كل جمموع ة من األس ر‪ ،‬مث‬
‫االحتادات واهليئات االجتماعية‪ ،‬اليت تتجمع يف األمم‪ ،‬وغريها من أشكال التجمعات اإلنسانية‬
‫وتشكل بناءا اجتماعيا "فاألسرة هي النواة األوىل للمجتمع‪ ،‬كما يؤكد كونت على وجوب‬
‫دراستها‪ ،‬ألهنا أول خلية يف جسم اجملتمع‪ ،‬وألن اجملتمع اإلنساين‪ ،‬يتكون من أسر ال من أفراد‬
‫ألن الفرد فكرة جُم ّردة‪ ،‬ويقول كل قوة اجتماعية‪ ،‬تنتج عن تعاون وتضافر النشاط‪ ،‬بني عدد‬
‫كب ري أو ص غري من األف راد‪ ،‬ه ذا م ا ي ؤدي إىل تش كل الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬والعالق ات‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية‪".‬‬

‫وهن ا ينتهي ك‪AA‬ونت إىل تقري ر حقيق ة هام ة‪ ،‬أال وهي أن الف رد‪ ،‬ال يعت رب يف ذات ه عنص را‬
‫اجتماعيا فالفاعلية االجتماعية للفرد‪ ،‬مستمدة من تضامن األفراد‪ ،‬و مشاركتهم يف العمل‪ ،‬ويف‬
‫توزيع النشاطات فيما بينهم وتقامسهم يف الوظائف االجتماعية‪.‬كما أن قيمة الفرد االجتماعية‪،‬‬
‫ال تتحق ق بص ورة ص حيحة‪ ،‬إال إذا ك ان يف نط اق وح دة اجتماعي ة‪ ،‬كاألس رة‪ ،‬حيث متتزج‬
‫العق ول وتتفاع ل الوج دانات وتت وزع الواجب ات‪ ،‬كم ا أن مظ اهر النُظم الس ائدة‪ ،‬يف احلي اة‬
‫االجتماعية ترتابط بعضها مع بعض‪ ،‬وتسري وظائف كل منهما يف تناسق مع وظائف أخرى‪،‬‬
‫وتعمل كلها بصفة تلقائية لتحقيق االستمرارية يف احلياة اجلماعية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫صالح مصطفى الفوال‪ ،‬علم االجتماع البدوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد احلميد لطفي‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.264‬‬

‫‪94‬‬
‫ي رى ك‪AA‬ونت أن أس اس التماس ك االجتم اعي‪ ،‬وأس اس تقس يم العم ل االجتم اعي‪ ،‬ه و م ا‬
‫يس مى باملوافق ة العام ة أو التواف ق اجلمعي‪ ،‬أي االرتب اط الض روري بني أف راد اجملتم ع‪ ،‬وبني‬
‫عناص ر اجملتم ع وه ذا التواف ق موج ود يف ك ل جماالت احلي اة‪ ،‬ولكن ه يص ل ال ذروة يف اجملتم ع‬
‫اإلنس اين‪ ،‬كم ا ذكرن ا س ابقا وه ذا التواف ق يك ون خاص ة بني األفك ار‪ ،‬في ؤدي إىل تواف ق‬
‫اجتم اعي أو مجعي‪ ،‬وه و أس اس الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬ه ذا يع ين أن ه هن اك ت وازن أو تش ابه بني‬
‫اجملتمع‪ ،‬وبني الكائن العضوي ففي اجملتمع كما يف الكائن العضوي‪ ،‬تؤدي األعضاء املتماسكة‬
‫كل ال يتجزأ و أهنا عبارة عن جمتمع واحد‪ ،‬خيضع‬
‫وظائف معينة‪.‬ويعترب ك‪A‬ونت أن اإلنسانية ٌ‬
‫لنفس الق انون يف ال وقت ال ذي جند في ه جمتمع ات جزئي ة خمتلف ة‪ ،‬ألن اجملتم ع اإلنس اين‪ ،‬ليس‬
‫جمتمع ا يف ص يغة املف رد و إمنا ه و ع دد من اجملتمع ات‪ ،‬رغم أهنا ختتل ف فيم ا بينه ا من حيث‬
‫ُ‬
‫اس تعداداهتا طبيعته ا‪ ،‬إال أهنا كله ا تق وم بالتع اون والتض امن‪ ،‬وتش كل عالق ات وتف اعالت‬
‫‪1‬‬
‫وروابط اجتماعية‪.‬‬

‫إال أننا جند رغم هذا التشابه الذي وضعه كونت بني الكائن العضوي واجملتمع‪ ،‬هناك فرق‬
‫كب ري بني االث نني ألن وظ ائف الك ائن العض وي ال تتغ ري‪ ،‬ولكن اجملتم ع ق ادر على التب دل‬
‫والتحس ن خاص ة إذا اقتي د حنو التق دم باس تعمال املب ادئ‪ ،‬واألس س العلمي ة‪2 .‬هلذا نس تنتج أن‬
‫الرابط ة االجتماعي ة عن د ك‪AA‬ونت‪ ،‬تب دأ بتواف ق األفك ار بني األف راد‪ ،‬وه ذا م ا يس ميه باالتس اق‬
‫أوالتناسق وهو الذي يؤدي إىل ترابط األفراد‪ ،‬ألنه بدون االنسجام يف األفكار ال ميكن لألفراد‬
‫أن يتماسكوا أو يرتابطوا‪.‬‬

‫ب‪-‬الرابطة االجتماعية عند إميل دوركايم ‪1917-1858‬‬

‫يعترب إمي‪AA‬ل دورك‪AA‬ايم‪ ،‬من أهم و أش هر علم اء االجتم اع الفرنس يني‪ ،‬وذل ك ملا وهب ه من‬
‫أفك ار ونظري ات اجتماعي ة‪ ،‬وم ا نش ره من أحباث ومؤلف ات‪ ،‬ودراس ات قيّم ة يف حق ول علم‬
‫االجتماع والفلسفة والرتبية‪ ،‬استطاعت أن تؤثر فيما بعد‪ ،‬يف أفكار وأطروحات عدد كبري‪،‬‬

‫‪.1‬أمحد اخلشاب‪ ،‬التفكير االجتماعي‪،‬دراسة تكاملية للنظرية االجتماعية‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دارالنهضة العربية للنشر‪ 1981 ،‬ص‪-579‬‬
‫‪581‬‬
‫‪.2‬عبد احلميد لطفي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪268‬‬

‫‪95‬‬
‫من علم اء االجتم اع على ح د س واء‪ ،‬وميكن اعتب ار الع امل دورك‪AA A‬ايم‪ A‬من أقط اب املدرس ة‬
‫االجتماعية الفرنسية‪.‬‬

‫لقد تعرض دوركايم ملوضوع الرابطة االجتماعية‪ ،‬من خالل كتابه تقسيم العمل االجتماعي‬
‫‪Organique‬‬ ‫‪ ،1893‬عن دما حتدث عن التض امن االجتم اعي اآليل ‪Mécanique‬والعض وي‬
‫وذلك مبقارنته للمجتمعات القدمية أو البدائية واجملتمعات احلديثة أو الصناعية ألن األوىل تتميز‬
‫بالتماس ك اآليل‪ ،‬والثاني ة يس ود فيه ا التماس ك العض وي‪.‬كم ا ي رى دورك ‪AA‬ايم أن األف راد يف‬
‫اجملتمع البدائي متجانسون‪ ،‬وتقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬يأخذ شكال بسيطا ويقصد بذلك أن‬
‫الرابطة االجتماعية‪ ،‬ضئيلة من حيث العمل االجتماعي‪ ،‬فاألفراد ال يتقامسون األعمال بدرجة‬
‫كبرية‪ ،‬ألن معظمهم ميارسون نشاطا واحدا‪ ،‬يتمثل يف النشاط الفالحي والرعوي‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى الرابط ة االجتماعية قوي ة‪ ،‬بني األف راد لوج ود عام ل القراب ة والتقاليد الواحدة‪ ،‬كما أن‬
‫‪1‬‬
‫لديهم رأي عام واحد‪ ،‬وتتسم املسؤولية فيه مجاعية‪ ،‬إضافة إىل املكانة تورث وال تُكتسب‪.‬‬

‫أما يف اجملتمع احلديث أو الصناعي فالتماسك عضوي‪ ،‬أي أن هناك تضامن وترابط عضوي‬
‫بني أف راد اجملتم ع‪ ،‬حيث يب دو تقس يم العم ل االجتم اعي واض حا‪ ،‬وذل ك لتم ايز الوظ ائف‬
‫واختالف األعمال بني أفراد اجملتمع‪ ،‬فكل فرد لديه وظيفة يؤديها‪ ،‬يفيد هبا غريه ويستفيد من‬
‫غريه‪ ،‬عن طريق الوظائف االجتماعية‪ ،‬اليت يؤدوهنا من خالل تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬وهنا‬
‫األف راد يش كلون رابط ة اجتماعي ة من خالل تقس يم الوظ ائف واألعم ال‪ ،‬إال أن ه ذه الرابط ة‬
‫تكون من خالل الوظائف كما قلنا‪ ،‬أي أهنا تضعف عن الرابطة االجتماعية يف اجملتمع البدائي‪،‬‬
‫ألن األوىل متت از ب القوة‪ ،‬لتش ابه الوظ ائف وال رأي الع ام واح د‪ ،‬ويس ود فيه ا الض مري اجلمعي‬
‫السائد‪.‬‬

‫حيث يذهب دوركايم إىل القول بأن "أول شكل اجتماعي‪ ،‬ميكن تصوره أو افرتاضه‪ ،‬لنشأة‬
‫احلي اة االجتماعي ة‪ ،‬ه و الرابط ة‪ ،‬مث العش رية مث االحتاد أو األخ وة وأخ ريا القبيل ة‪ 2".‬حيث تُع د‬

‫‪ .1‬الفوال ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪32‬‬


‫‪.2‬إحسان حممد احلسن‪ ،‬النظريات االجتماعية المتقدمة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬ط‪ ،2005 1‬ص‪.115‬‬

‫‪96‬‬
‫مجيع هذه التنظيمات بدائية و بسيطة والرابطة االجتماعية فيها قوية‪ ،‬بينما اجملتمعات احلديثة‪،‬‬
‫هي جمتمعات ُمعقدة ختضع لتقسيم العمل‪ ،‬وهي اجملتمعات اليت حيدث فيها التضامن االجتماعي‬
‫يف األعم ال بك ثرة أو بق وة‪ ،‬وذل ك لتحقي ق التكام ل بني األف راد‪ ،‬فتقس يم العم ل ي ؤدي إىل‬
‫الوحدة والتضامن االجتماعيني يف األعمال من أجل البقاء‪.‬‬

‫إذن الحظ دورك‪AA‬ايم‪ A‬بأن الروابط االجتماعية‪ ،‬قد تبدلت مع التطور اإلقتصادي‪ ،‬فالتحول‬
‫من جمتمع إطاره أناس كثرية التشابه‪ ،‬إىل جمتمع خمتلف متاما‪ ،‬أي من تضامن آيل إىل عضوي‪،‬‬
‫هلذا كانت من أهم انشغاالت دوركايم اإلشارة إىل أن تقسيم العمل‪ ،‬حتت مالحمه املهنية على‬
‫األخص وتكاثر املهن املختلفة و األشغال املختلفة‪ ،‬مع إلتزامات خاصة بكل عمل و بكل مهنة‬
‫‪1‬‬
‫كلما تقرتض نظاما بينا بالرغم من نشاطاهتم هي إضافية‪.‬‬

‫كم ا يب دو أن التض امن عن د دورك ‪AA‬ايم مرتب ط بتقس يم العم ل فق ط‪ ،‬أي أن ه ال يوج د يف‬
‫اجملتمع الذي ال يعرف شكال من أشكال تقسيم العمل‪ ،‬أم أن التضامن قائم يف اجملتمع سواء‬
‫ع رف تقس يم العم ل أم مل يعرف ه‪ .‬لكن االختالف يكمن يف نوعي ة التض امن‪ ،‬ففي اجملتمع ات‬
‫البسيطة اليت ال تعرف تقسيم العمل‪ ،‬يكون التضامن آليا ‪،‬تستمد الرابطة االجتماعية قوهتا من‬
‫الضمري اجلمعي‪ ،‬والقانون القهري وعندما يزداد تعقد اجملتمع‪ ،‬ودرجة الالجتانس فيه يظهر نوع‬
‫أعلى من التض امن‪ ،‬ق ائم على تقس يم العم ل والتخص ص‪ ،‬وتس تمد الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬من‬
‫القانون التعويضي الذي حيل حمل القانون القهري‪.‬‬

‫وهن ا يع د مفه وم الض مري اجلمعي‪ ،‬مفهوم ا أساس يا يف فك ر دورك‪AA‬ايم‪ ،A‬فمن ه يس تمد اجملتم ع‬
‫عرف ه دورك ‪AA‬ايم يف كتاب ه تقس يم العم ل‪ ،‬بأن ه "اجملم وع الكلي للمعتق دات‬
‫ترابط ه وتض امنه‪ ،‬يُ ّ‬
‫والعواطف العامة بني معظم أعضاء اجملتمع‪ ،‬واليت تشكل نسقا له طابع متميز‪ ،‬ويكتسب هذا‬
‫ويدعم الروابط بني األجيال"‪ 2.‬فكل جيل‬
‫الضمري العام واقعا ملموسا‪ ،‬فهو يدوم خالل الزمن ّ‬
‫يف نظر دورك‪AA‬ايم‪ A‬يرتب ط باجلي ل ال ذي يلي ه‪ ،‬عن طري ق الض مري اجلمعي‪ ،‬فه و"رابط ة اجتماعي ة‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬هندري مندراس ‪،‬علم اجتماع‪ ، ،‬تر‪:‬ملحم حسن‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬اجلزائر‪،‬ص‪.226‬‬
‫‪2‬‬
‫صالح مصطفى الفوال ‪ ،‬الرجع السابق‪ ،‬ص‪. 33‬‬

‫‪97‬‬
‫دائمة عرب الزمن يتألف من التصورات والعواطف الشائعة بني األفراد‪ ،‬الذين يُكونون غالبية‬
‫عرف ه يف كتاب ه ‪،‬قواع د املنهج يف علم االجتم اع كالت ايل‪":‬الض مري‬
‫أعض اء اجلماع ة‪ ".‬كم ا ّ‬
‫‪1‬‬

‫اجلم اعي‪ ،‬ميارس على األف راد ض غطا حبيث خيلُق بينهم متاثال عقلي ا وعاطفي ا‪ ...‬وه ذا الض مري‬
‫‪2‬‬
‫جوهرة التصورات اجلمعية‪ ،‬اليت تنشأ من تفاعل األفراد وترابطهم‪".‬‬

‫كما يرى أن الضمري اجلمعي يكون قويا وواضحا‪ ،‬يف اجملتمعات البدائية اليت تتميز بالرتابط‬
‫اآليل‪ ،‬حيث يس يطر الض مري على األف راد وأخالقهم‪ ،‬ألن الف رد هن ا إذا خ رج عن الع ادات‬
‫والتقالي د يص بح م ذموما من ط رف مجاعت ه وكأن ه ارتكب ُجرم ا‪ ،‬ه ذا م ا يوض ح أن الض مري‬
‫اجلمعي يسيطر على األفراد‪ ،‬وجيعلهم يتماسكون جبماعتهم اليت ينتمون إليها ويعيشون فيها‪،‬‬
‫أم ا يف اجملتم ع احلديث أو احلض اري‪ ،‬يك ثر في ه تقس يم العم ل ‪،‬حيت اج كم ا قلن ا ك ل واح د‬
‫خلدمات اآلخرين‪ ،‬إال أن الفردية تكون واضحة‪ ،‬سواء عند املسؤولية أو اجلزاء‪ .‬وكلما يزيد‬
‫التضامن العضوي‪ ،‬كلما تقل أمهية الضمري اجلمعي‪ ،‬بسبب التقدم وتطور اجملتمعات‪ ،‬ألنه يف‬
‫هذه اجملتمعات تزول بعض القيم والعادات‪ ،‬اليت كانت تربط أفراد اجلماعة وتظهر يف مكاهنا‬
‫الق وانني‪ ،‬واجلزاءات املكتوب ة‪ ،‬متحي بعض األع راف ال يت ك انت س ائدة مما جيع ل الرابط ة‬
‫االجتماعية‪ ،‬تضعف عما كانت عليه يف سابقتها‪.3‬‬

‫نس تنتج من فك ر دورك ‪AA‬ايم عن الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬أهنا تك ون قوي ة وواض حة يف اجملتم ع‬
‫الب دائي لوج ود عام ل القراب ة والتقالي د واألع راف املش رتكة وتض عف الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬يف‬
‫اجملتمعات احلضارية النتشار الفردانية ‪ Individualisme‬مما ي ؤدي إىل زوال بعض القيم‬
‫والتقالي د‪ ،‬إال أن ه يف كلت ا احلالتني‪ ،‬ي رى دورك‪AA A‬ايم أن الض مري اجلم اعي‪ ،‬عب ارة عن رابط ة‬
‫اجتماعية‪ ،‬توجد يف كل اجملتمعات البدائية‪ ،‬واحلضارية‪".‬الضمري اجلماعي رابطة اجتماعية‪ ،‬تنتج‬

‫‪ .1‬أمحد زائد ‪ ،‬علماء االجتماع بين االتجاهات الكالسيكية و النقدية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر‪ ،‬دار املعارف‪ 1981 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.83‬‬
‫‪2‬‬
‫أمحد زايد نفس املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 84‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.Pierre, GILLAUME, les solidarités et le lien social dans tous ses états , maison des‬‬
‫‪sciences de l’homme d’aquitaine ,2001, page 20.  ‬‬
‫‪98‬‬
‫عن جتمع عقول األفراد والتحامها مما يؤدي إىل ظهور نوع من الوحدة السيكولوجية‪ ،‬املتميزة‬
‫‪1‬‬
‫عن األفراد ذاهتم‪".‬‬

‫يُدعم الروابط‬
‫حيث يكتسب هذا الضمري العام‪ ،‬واقعا ملموسا فهو يدوم خالل الزمن‪ ،‬و ّ‬
‫بني األجيال ألنه يعيش بني األفراد و يتخلل حياهتم‪ .‬فالرابطة االجتماعية موجودة يف كل من‬
‫اجملتم ع الب دائي واحلض ري‪ ،‬إال أن االختالف يظه ر يف نوعي ة التض امن من آيل إىل عض وي‪ ،‬و‬
‫الضمري اجلمعي السائد‪.‬‬

‫‪ .4.1‬الرابطة االجتماعية عند المدرسة األلمانية‪A.‬‬

‫أ‪ -‬الرابطة االجتماعية عند تونيز فرديناند‪A.‬‬

‫يعترب تونيز من أهم من سامهوا يف نشأة علم االجتماع‪ ،‬يف أملانيا‪ ،‬ملا تقدم به من نصيب‬
‫كب ري يف علم االجتم اع النظ ري‪ ،‬بنظريت ه اخلاص ة باجلماع ة أو اجملتم ع احمللي واجملتم ع‬
‫‪ Gemeinschaft and Gesellschaft‬وال يت نش رها ألول م رة يف كت اب‪ ،‬هبذا االس م س نة‬
‫‪ 1887‬كما يعد تونيز‪ ،‬من أقطاب االجتاه التحليلي للروابط االجتماعية‪ ،‬على أساس متيّزه بني‬
‫شكلني اجتماعيني مها اجلماعة ‪ Gemeinschaft‬و اجملتمع ‪.2Gesllechaft‬‬

‫و يقص د ب ذلك أن اجملتم ع ينتق ل من نظ ام اجملموع ة احمللي ة ‪ Gemeinscheft‬إىل اجملتم ع‬


‫التعاقدي ‪ Gesellschaft‬وهذا االنتقال يكون بعالقات قوية‪ ،‬إىل مجاعة وحياة تعتمد‪ ،‬على‬
‫عالق ات الالشخص ية ‪ impersonnel‬ح ىت وإن ك ان ه ؤالء االف راد ال جتمعهم أي‬
‫عالق ة‪3.‬اس تعمل تون‪AA‬يز مص طلح اإلرادة اإلنس‪AA‬انية‪ ،‬ال يت يعتربه ا املص در أو الرك يزة األساس ية‬

‫‪.‬صالح مصطفى الفوال ‪ ،‬الرجع السابق‪ ،‬ص‪. 34‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.Raymond boudan , Dictionnaire de la sociologie , paris, la rousse ,page 234.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪:‬رشيد حامدوش‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪. 42‬وانظر أيضا ‪.‬‬
‫‪Ferdinand.TONNIES, communoté et la société catégorie fondamentale de la‬‬
‫‪sociologie, pure, paris,1994‬‬
‫‪99‬‬
‫لك ل الرواب ط والعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬حيث مييز بني ن وعني من اإلرادة الطبيعي ة أو العض وية‪،‬‬
‫واإلرادة العقلية أو التحكمية ‪.‬فاإلرادة الطبيعية توجد يف اجملتمع احمللي‪ ،‬واإلرادة العقلية توجد‬
‫يف اجملتمع العام‪1.‬أم ا اإلرادة العضوية أو الطبيعية‪ ،‬املقصود هبا"تلك الضرورة البيولوجية‪ ،‬اليت‬
‫مبقتض اها يول د الف رد‪ ،‬فيج د نفس ه عض وا يف اجلماع ة‪ ،‬ويرتب ط بالص الت احلياتي ة القائم ة‬
‫واملتواج دة‪ ،‬بني أعض اءها ويل تزم بالرواب ط االجتماعي ة املس تقرة وال يت تتم يز حبدة تفاعالهتا‪،‬‬
‫وتض امن أفراده ا‪ ،‬كم ا تتم يز بالتع اطف‪ ،‬واملش اركة اجلماعي ة‪ ،‬واالتص االت املباش رة بني‬
‫أعضاءها "‪.2‬‬

‫اإلرادة العقلية وهي"رابطة تقوم بني األفراد على أساس العقل‪ ،‬وتشيع يف اجملتمعات احلديثة‬
‫أين توج د الفردي ة‪ ،‬واحلذر والقل ق‪ ،‬والبحث عن املص احل اخلاص ة‪ ،‬ف األفراد يرغب ون عن طري ق‬
‫اإلرادة التحكمي ة أو العقلي ة‪ ،‬الوص ول إىل ه دف معني أوغاي ة معين ة‪ ،‬أي يق وم ت رابطهم‬
‫االجتماعي بقصد حتقيق هدف معني يهمهم‪ ،‬برغم ما قد يكون بينهم من برودة‪ ،‬وكراهية ألن‬
‫روابطهم تق وم على أس اس تص نعي‪ ،‬فهم ي رتابطون ب رغم م ا ق د يك ون بينهم من عوام ل‬
‫‪3‬‬
‫االنفصال‪".‬‬

‫يف رأي تونيز األفراد يندجمون و يتفاعلون‪ ،‬طبقا لرغباهتم أو إرادهتم الشخصية الصادرة عن‬
‫العقل‪ ،‬أي الروابط عقالنية‪ ،‬ختضع إلرادة أفراد اجملتمع‪ ،‬ووحداته‪.‬ويعتقد بوجود ثالث مناذج‬
‫للعالق ات أو الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬تنش أ عن الظ روف احليوي ة‪ ،‬ومتث ل ه ذه النم اذج الرواب ط‬
‫االجتماعي ة ال يت تق وم على ‪ -1:‬رواب ط ال دم‪ -2 .‬رواب ط اجلوار‪ -3 .‬رواب ط التج اذب‬
‫الروحي‪.‬‬

‫تعتمد رابطة‪ A‬الدم‪ A‬على أربع صالت رئيسية هي‪ :‬صلة األم بطفلها و صلة الزوج بزوجته‬
‫وصلة اإلخوة ببعضهم وصلة الوالد بأوالده‪ ،‬هذه العالقات تقوم على أساس اإلرادة الطبيعية‪،‬‬
‫اليت حتدثنا عنها كما أهنا تنبثق من احلياة الفطرية‪ ،‬وهي يف نظره أساس كل مجاعة‪ ،‬ألن األسرة‬

‫‪.‬أمحد اخلشاب‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 571‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 42‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي نفس املرجع السابق ‪ ،‬ص‪.43‬‬

‫‪100‬‬
‫هي التعبري األول العام‪ ،‬عن حقيقة اجلماعة احمللية ونواهتا اجلوهرية‪ ،‬فأوىل الروابط االجتماعية‪،‬‬
‫تبدأ بني األم وإبنها فتكون عضوية‪ ،‬مث تصبح رابطة روحية‪ ،‬حني ترتفع عنه احلماية والعناية‬
‫به‪ ،‬فحني تتحول الصالت العضوية إىل صالت روحية‪ ،‬تكون عادة احلياة املشرتكة‪ ،‬وتتأكد‬
‫هذه الروابط وتقوى بطريقة العوامل النفسية‪ ،‬اليت حتمل ذكريات "السرور" الذي شاع احلياة‬
‫املشرتكة بينهما فالسرور ينبثق بعواطف األمومة والبنوة واألبوة واألخوة‪ ،‬أما عن الصلة أو‬
‫الرابطة اليت تربط الزوج بزوجته‪ ،‬أو املرأة بالرجل فليس هلا صفة االستقرار والدوام وما يثبتها‬
‫أحيانا‪ ،‬رعاية األطفال مما يتطلب تعاونا مشرتكا بينهما‪.1‬ويقصد هنا تون‪AA‬يز بالرابطة الطبيعية‬
‫وهي الرابطة القرابية بني األفراد و العائالت‪.‬فهي ثابتة و مستمرة بني األقارب‪.‬‬

‫كما تقوم صلة الجوار على أساس الضرورة احليوية أيضا‪ ،‬فالوحدات العائلية ال تستطيع أن‬
‫تعيش منعزل ة منه ا عن األخ رى‪ ،‬وإمنا الب د هلا من االتص ال واالرتب اط‪ ،‬بفئ ات عائلي ة أخ رى‬
‫تربطهم يبعضهم‪ ،‬صلة املكان واجلوار‪ ،‬وميكن أن تتكون هذه اجلماعات احمللية‪ ،‬يف أول األمر‬
‫من مجاعات تربطها صلة الدم‪ ،A‬ومن مث تنشأ احمللة أو القرية‪ ،‬فتتسع شبكة الروابط االجتماعية‬
‫وتنش أ ع ادات مجاعي ة‪ ،‬وعم ل تع اوين مش رتك‪ ،‬ومش اعر متماثل ة وجتارب اجتماعي ة موح دة‪،‬‬
‫وينتج عن تفاعل هذه الصالت‪ ،‬ما يسمى باجلمع املشرتك ‪ ،Commune‬وأخريا تأيت الصالت‬
‫اليت مصدرها التجاذب والتقارب الروحي بني األفراد‪ ،‬الذين جتمعهم صلة الدم وصلة اجلوار‪،‬‬
‫بعد أن تنصهر إرادهتم وأفكارهم وعواطفهم‪ ،‬يف التجربة االجتماعية‪ ،‬فينشأ عن متاثل ظروف‬
‫العمل وتشابه قوالب وطرق التفكري‪ ،‬هذا فيما خيص اجملتمع احمللي ‪.Gemeinschaft‬‬

‫أما عن الشكل االجتماعي الثاين‪ ،‬وهو اجملتمع الكبري أو العام‪ ، Geselleschaft‬ففي هذا‬
‫اجملتمع تسود اإلرادة العقلية التحكمية‪ ،‬يقوم على أساس التبادل النفعي ومبدأ التعقل الفكري‬
‫وفيه تصبح القيم االجتماعية احلقيقية‪ ،‬ذات صفات موضوعية‪ ،‬مما يوهن من أواصر االرتباطات‬
‫االجتماعية الشخصية‪ ،‬ويضعف من شأن املشاركات الوجدانية‪ ،‬حيث يُقيم العالقات الفردية‬
‫واملعامالت‪ ،‬على دعائم التجارة والصناعة‪ ،‬وحتقيق الصلة اخلاصة‪ ،‬يتمثل هذا اجملتمع يف املُدن‬

‫‪ .1‬أمحد اخلشاب ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 572،573‬و انظر‪ ،‬عبد احلميد لطفي مرجع سابق ص‪.271‬‬

‫‪101‬‬
‫الكربى‪ ،‬القائمة على الصناعة والتجارة والعالقات اخلارجية‪ ،‬وميكن أن نفرق بني االرتباطات‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬يف اجلماع ة أو اجملتم ع احمللي‪ ،‬واجملتم ع املدين أو اجملتم ع الع ام الكب ري‪ ،‬عن د تون‪AA‬يز‬
‫كالت ايل ‪ :‬الف رد يش عر يف مجاعت ه احمللي ة‪ ،‬برواب ط قوي ة تس يطر عليه ا العواط ف الوجداني ة‬
‫واملشاركات اجلماعية‪ ،‬ويسود فيها سلطان الدين والعادات والعرف والتقاليد‪ ،‬ويرتكز نشاطها‬
‫على اح رتام وت دعيم األس رة‪ ،‬يف حني أن الف رد‪ ،‬ي درك وه و يف جمتمع ه الع ام‪ ،‬أن ص الته‬
‫ب اآلخرين حتددها التش ريعات والق وانني‪ ،‬والرواب ط الطبقي ة والص يغ اإللزامي ة‪ ،‬واإلج راءات‬
‫التعاقدي ة‪ ،‬ف الفرد ليس ل ه وج ود اجتم اعي‪ ،‬إال إذا ك ان ُمنظم ا جلماع ة أو جمموع ة‪ ،‬وخاض عا‬
‫لنُضمها وروابطها‪ ،‬وعامال على تدعيمها وتقويتها‪ ،‬وكلما تقدم اجملتمع‪ ،‬تزايد انتظام األفراد‪،‬‬
‫يف اجملموعات اليت تتمايز يف وجوه نشاطها‪1.‬فبعد شرح اجملتمع احمللي و اجملتمع العام‪ ،‬يبدو أن‬
‫اجملتمع احمللي هي اجملتمعات الصغرية كالقرية‪ ،‬القبيلة‪،‬املدن الصغرى‪...‬بينما اجملتمع العام‪ ،‬يتمث ل‬
‫يف اجملتمعات الصناعية املعقدة واملدن الكربى‪.‬‬

‫نستنتج من هذا أن أوىل اجلماعات و أوىل الروابط االجتماعية‪ ،‬ظهرت يف اجملتمع احمللي ويف‬
‫الرواب ط األس رية البدائي ة والقبلي ة‪ ،‬مث ب دأت تتوس ع وت زداد تعقي دا بني األف راد‪ ،‬بظه ور التغي ري‬
‫والنم و الص ناعي والتج اري وظه ور الطبق ات االجتماعي ة‪.‬كم ا يؤكد تون‪AA A‬يز"أن الرواب ط‬
‫االجتماعية تكون قوية يف اجملتمع احمللي‪ ،‬ألنه تسود فيه اإلرادة الطبيعية‪ ،‬وليست اصطناعية‪ ،‬ال‬
‫يتحكم فيها الفرد‪ .‬تسود فيها الروح اجلماعية وتنعدم الفردية‪ ،‬جيد الفرد نفسه مرتبطا برابطة‬
‫الدم‪ ،‬والقرابة طبيعيا منذ والدته‪2".‬بينما الروابط االجتماعية تضعف رغم أهنا موجودة‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب اإلرادة التحكمية العقلية‪ ،‬الفرد هو الذي ينتمي إليها بإرادته‪ ،‬وعقله ألهداف وغايات‬
‫يريد الوصول إليها‪ ،‬هلذا يقول جلين أن"اجلماعة لكي تقوم يتطلب قيامها وضعا معينا‪ ،‬يسمح‬
‫بالتأثري املتبادل املقصود واالستجابة املقصودة بني األشخاص الذين تربطهم‪ ،‬وأن يكون هناك‬

‫‪1‬‬
‫أمحد اخلشاب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 574 ،573‬‬
‫‪ .2‬عبد احلميد لطفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫‪102‬‬
‫نوع مشرتك من االهتمام يرتكز حول دوافع مشرتكة أو مصاحل مشرتكة‪ ،‬مع ما يتطلبه كل‬
‫‪1‬‬
‫هذا من قيام عدد من االجتاهات والتصرفات والشعور املشرتك‪".‬‬

‫وق د عل ق ت‪AA‬الكوت بارس‪AA‬ونز على األمهي ة السوس يولوجية لتص ورات تون يز‪ ،‬يف كتاب ه "بن‪AA‬اء‬
‫الفعل االجتم‪A‬اعي" موضحا االختالفات اجلوهرية‪ ،‬بني اجملتمع احمللي واجملتمع قائال‪":‬إن املعيار‬
‫األساسي هنا هو الطريقة اليت نتحدث هبا عن األطراف املتقابلة‪ ،‬واليت يكون لكل منها غرض‬
‫معني من ال دخول يف العالق ة‪ ،‬ففي اجملتم ع جند أن هن اك غرض ا حمددا ونوعي ا‪ ،‬ومتب ادال للس لع‬
‫واخلدمات وه دفا ع اجال ي راد حتقيق ه‪ ،‬أم ا يف حال ة اجملتم ع احمللي‪ ،‬ف إن األم ر خيتل ف عن ذل ك‬
‫متاما‪...‬نالحظ أن أطراف العالقة يف اجملتمع‪ ،‬يتمسكون بالتزامات تؤكد جزاءات معينة‪ ،‬غري‬
‫‪2‬‬
‫أن االلتزامات يف هذه احلالة تكون حمدودة بالعقد‪".‬‬

‫ب‪ -‬الرابطة‪ A‬االجتماعية عند ماكس فيبر‬

‫يعت رب م ‪AA‬اكس في ‪AA‬بر من أهم علم اء االجتم اع األملان‪ ،‬وبال ذات علم اء مدرس ة العالق ات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وممن درس العالقات االجتماعية‪ ،‬دراسة حتليلية‪ ،‬كما أنه من الداعني إىل ضرورة‬
‫حبث التأثريات املتبادل ة‪ ،‬بني النظم االجتماعية‪ ،‬وخاصة الدينية واالقتصادية والسياسية ويعتقد‬
‫فيبر‪ ،‬أن موضوع علم االجتماع جيب أن يكون مقصورا على دراسة العالقات االجتماعية‪ ،‬يف‬
‫صورها اجملردة ويكون هذا إال عن طريق دراسة و فهم وتفسري السلوك االنساين‪ 3.‬فالعالقات‬
‫إمنا تنتج على تص رف األف راد بعض هم إزاء البعض األخ ر‪ ،‬ويع رف م ‪AA A‬اكس في ‪AA A‬بر العالق ة‬

‫‪1‬‬
‫‪.Pierre, GUILLAUME, Op.cit, page 26‬‬
‫‪.‬حممد عاطف غيث‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.52‬‬
‫‪2‬‬

‫‪. 3‬أمحد اخلشاب ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪554‬‬

‫‪103‬‬
‫االجتماعية على أهنا‪" :‬السلوك الذي يصدر عن جمموعة من الفاعلني‪ ،‬إىل املدى الذي يكون‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫كل فعل من األفعال آخذا يف اعتباره املعاين اليت تنطوي عليها أفعال اآلخرين‪".‬‬

‫ف األفراد بتف اعلهم من خالل األفع ال ال يت يقوم ون هبا‪ ،‬تنش أ بينهم عالق ات اجتماعي ة‪.‬ومن‬
‫خالل موض وع العالق ات االجتماعي ة جنده تع رض للرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬ال يت توج ه األف راد حنو‬
‫الس لوك التب اديل م ع بعض هم البعض‪ ،‬حيث ه ذه العالق ة تنتظم بنمطني أساس ني من العالق ات‬
‫االجتماعي ة عن ده و هي‪-12:‬التنش ئة اجلماعي ة‪-2 .‬التنش ئة االجتماعي ة‪.‬حيث ت دل التنش ‪AA‬ئة‬
‫الجماعية‪ A‬على النش اط االجتم اعي املوح د‪ ،‬ال ذي يس تند إىل ش عور املش اركني الشخص ي‬
‫باالنتماء إىل جمموعة واحدة‪ ،‬بينما يشري مفهوم التنش‪AA‬ئة االجتماعية‪ ،‬إىل ذلك النشاط الذي‬
‫يوقد الناس على أساس تسوية‪ ،‬أو تنسيق مصاحل وفقا لتصور العقلنة‪ ،‬بدافع قيمي أو غائي‪.‬‬

‫فالتنشئة الجماعية‪ ،‬ترتكز على االعتبارات التقليدية والعاطفية‪ ،‬وقد تكون ذات طابع ديين‬
‫أو أس ري أو ع رقي أو إث ين ( مجاع ات ديني ة‪ ،‬عائلي ة‪ ،‬قومي ة‪ ،)....‬يف حني ترتك ز التنش‪AA A‬ئة‬
‫االجتماعية على االلتزام املتبادل املستند إىل مبدأ العقالنية‪ ،‬فبهذا التقسيم يرى فيبر‪ ،‬أن األف راد‬
‫يعيشون يف ترابطات اجتماعية مستمرة قد يشعرون هبا أو ال يشعرون‪ ،‬كما قسم النشاطات‬
‫االجتماعية البشرية إىل أربعة أقسام وهي ‪:‬‬

‫‪ -1‬نشاط عضوية الجمعيات‪ :‬هذا النشاط يفرتض وجود أنظمة اجتماعية موضوعية‪ ،‬مبشيئة‬
‫األعضاء‪ ،‬أو أنظمة يلتزمون هبا طوعا‪ ،‬وهذا يعين وجود نظام أساسي‪ ،‬حيكم العالقات فيما‬
‫بينهم حيث أن هذا النظام حيدد غايات اجلمعيات والوسائل واخلدمات واملمتلكات‪ ،‬وتكوين‬
‫اجلهاز اإلداري والعقوبات واجلزاءات والصالحيات‪ ،‬وطريقة االنتساب إىل هذه اجلمعيات‪.‬‬

‫‪ -2‬النشاط اإلتفاقي‪ :‬ويشري إىل ذلك النوع من النشاط‪ ،‬الذي ال يستند إىل نظام أساسي وإمنا‬
‫إىل نوع من التفاهم واالتفاق والتنظيم‪ ،‬وتتميز مثل هذه األنشطة باالحرتام وااللتزام باتفاقيتها‪.‬‬

‫‪.‬نيق وال تيماش يف‪ ،‬نظري‪AA‬ة علم االجتم‪AA‬اع‪ ،‬طبيعته‪AA‬ا وتطورها‪ ،‬ترمجة حمم ود ع ودة وآخ رون‪ ،‬دار املع ارف‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬مص ر‪ ،‬ط‪،8‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪،1983‬ص ‪.269‬‬
‫‪.2‬مصباح عامر‪ ،‬علم االجتم‪AA‬اع ال‪AA‬رواد والنظري‪AA‬ات‪ ،‬دار األمة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬اجلزائر‪ ،‬برج الكيفان‪ ،‬ط‪ .2006 ،1‬ص‬
‫‪.85‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -3‬النش‪AA‬اط المؤسس‪AA‬ي‪:‬ويع ين أن ه يتض من نظ ام أساس ي‪ ،‬ومؤسس ات ال ختض ع يف وجوده ا‬
‫ملشيئة األفراد‪ .‬فريى فيبر أن الفرد ال ينتسب إىل هذه التنظيمات‪ ،‬وإمنا جيد نفسه عضوا فيها‬
‫بالوالدة أو بالثقافة‪ ،‬أو نتيجة لظروف البيئة‪ ،‬وهذا يعين أن انتسابه هلذا التنظيم ال يتطلبه إعالن‬
‫انتسابه أو طلب انتماءه‪ ،‬وإمنا هو موجود فيه بالوراثة‪.‬كاألسرة و اجلماعات القرابية‪.‬‬

‫‪ -4‬النشاط التكتلي‪ :‬يشري إىل وجود بنية‪ ،‬جيري االنتساب إليها‪ ،‬دون إلزام يف غياب أي نظام‬
‫واضح أو حمدد‪ ،‬لكن مع هذه اخلصائص‪ ،‬توجد سلطة حتدد معىن النشاط‪ ،‬الذي يهدف إىل‬
‫‪1‬‬
‫القيام به‪ ،‬ومتارس عند االقتضاء ضغطا على األعضاء‪.‬‬

‫فمن خالل هذه التقسيمات‪ ،‬جند فيبر حيلل العالقات االجتماعية‪ ،‬حيث أن هذه العالقات‬
‫تضم روابط اجتماعية‪ ،‬فالتنشئة الجماعية جتعل األفراد‪ ،‬يعيشون بشعور‪ ،‬جيعلهم حُي سون أهنم‬
‫ينتمون إىل مجاعة واحدة‪ ،‬حيث أن هذه اجلماعة‪ ،‬قد تكون مشرتكة يف عوامل كثرية‪ ،‬ومن‬
‫أمهها النشاطات االجتماعية املشرتكة‪ ،‬اليت ميارسوهنا‪ ،‬فالنشاط االجتماعي‪ ،‬عامل من عوامل‬
‫ترابط األفراد و اجتماعهم‪ ،‬والتنش‪A‬ئة االجتماعية جتعل األفراد ينتمون إىل مجاعة واحدة‪ ،‬عن‬
‫طري ق املص احل والغاي ات والقيم‪ ،‬كم ا ي رى في‪AA‬بر‪ ،‬أن أي تص رف أو س لوك يق وم ب ه األف راد‪،‬‬
‫بش كل متعم د عن وعي وتعق ل ل رد فع ل أخ ر‪ ،‬يعت رب تص رفا اجتماعي ا فمثال ‪:‬حال ة تص ادم‬
‫سيارتني‪ ،‬فاالصطدام يف ذاته مظهرا مادي طبيعي‪ ،‬اليعترب سلوكا اجتماعيا‪ ،‬وإمنا احملاوالت اليت‬
‫يبذهلا كل من السائق لتجنب وقوع التصادم واملناقشات اليت تدور بينهما‪ ،‬واإلجراءات اليت‬
‫تتب ع وق وع احلادث‪ ،‬ك ل ذل ك وم ا إلي ه يعت رب تص رفا اجتماعي ا‪ ،‬وينش ئ عالق ة أو عالق ات‬
‫اجتماعي ة‪ ،‬ال يت تنش أ اس تجابة لنش اط أو س لوك أو رد فع ل اجتم اعي‪ ،‬مقاب ل ه ذه الدعام ة‬
‫األساس ية للرواب ط االجتماعي ة‪.‬كم ا يوج ه في‪AA A‬بر مزي د عنايت ه للوص ول‪ ،‬إىل مف اهيم لتل ك‬
‫االرتباط ات‪ ،‬فق د ع ّرف الس لطة أو الس يادة بأهنا ن وع من القي ادة‪ ،‬تعم ل إلجياد طاع ة عن د‬
‫أشخاص معينني فقد تكون‪ ،‬السلطة قائمة على أساس العُرف والعادات والتقاليد السائد‪ ،‬يف‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬مصباح عامر نفس املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.86‬‬

‫‪105‬‬
‫اجملتمع أو اجلماعة‪ ،‬وقد تنبين على دعامة عاطفية جتعل اجلماهري يطيعون القائد ويتبعونه بشكل‬
‫الشعوري‪ ،‬فتؤدي إىل تشكيل عالقة اجتماعية قوية بينهم‪.1‬‬

‫نس تنتج أن في ‪AA‬بر ق رر أن ه‪ ،‬ال ينبغي أن نوس ع من نط اق ه ذا الس لوك‪ ،‬ب ل جيب أن يك ون‬
‫مقص ورا على العالق ات و الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬ال يت تنش أ اس تجابة لنش اط أو س لوك مقاب ل‬
‫ولذلك فليس كل العالقات اإلنسانية عالقات اجتماعية‪.‬‬

‫‪.5.1‬الرابطة‪ A‬االجتماعية عند المدرسة األمريكية‬

‫الرابطة االجتماعية عند تشارلز هولترن كولي‬

‫يعت رب ك ‪AA‬ولي أح د أقط اب املدرس ة األمريكي ة لعلم االجتم اع‪ ،‬ول د يف ميتش يغن بأمريك ا‪،‬‬
‫ودرس فيها ويعد من تالميذ وأتباع جبريال تارد‪ ،‬حيث تأثر بعدد كبري من علماء االجتماع‬
‫والنفس فاختذ الظواهر السيكولوجية‪ ،‬أساسا لتفسري طبيعة اجملتمع‪ ،‬وطبيعة الروابط والعالقات‬
‫االجتماعية‪ .‬فاجملتمع مركب عضوي نفسي وهو يطبع أفراده على هذه الطبيعة النفسية‪ ،‬ألن‬
‫الفرد ال يولد مزودا هبذه الطبيعة البشرية‪ ،‬بل يروض وحيصل عليها شيئا فشيئا من اجملتمع‪،‬كما‬
‫يعترب مفهوم اجلماعة األولية‪ ،‬من أهم املفاهيم اليت ارتبطت باسم تشارز كولي‪2.‬وهلذا فكلميت‬
‫اجملتم ع والف رد‪ ،‬ليس تا منفص لتني ب ل مها حقيق ة نفس ية واح دة فق د أعلن يف كتاب ه التنظيم‬
‫االجتماعي الذي نشره عام ‪ 1909‬فكرته املشهورة عن الروابط االجتماعية من خالل متييزه‬
‫‪3‬‬
‫لشكلني من العالقات االجتماعية مها‪ :‬العالقات األولية والعالقات الثانوية‬

‫وتتميز العالق‪AA‬ات‪ A‬األولية ب القوة والتماس ك والتعاون‪ ،‬وهي موجود عن د اجلماعات القرابية‬
‫كاألس رة ومجاع ة اجلوار‪ ،‬وجندها داخ ل اجلماع ات ص غرية احلجم‪ ،‬ألهنا تق وم على العالق ات‬
‫املباش رة وتس مى جبماع ات املواجه ة‪ ،‬ففي ه ذه الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬ي ذوب فيه ا الف رد داخ ل‬
‫الك ل فتظه ر عب ارة نحن وليس عب ارة أنا‪ ،A‬حيث ي دل ه ذا‪ ،‬على ق وة االنتم اء إىل اجلماع ة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫أمحد اخلشاب‪ ،‬نفس املرجع السابق ‪،‬ص‪. 555‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد علي حممد‪ ،‬تاريخ علم االجتماع ‪ ،‬الرواد واالجتاهات املعاصرة‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪ ،1986،‬ص‪.365‬‬
‫‪. 3‬غريب حممد سيد أمحد‪،‬تشارلز هورتون كولي‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪،1981،‬ص ‪7‬و‪.8‬‬

‫‪106‬‬
‫وزيادة درجة الرتابط االجتماعي والوالء للجماعة‪ .‬أما الرواب‪A‬ط الثانوية‪ A‬فهي موجودة داخل‬
‫م ا يطل ق علي ه ك‪AA A A‬ولي الجماع ‪AA A‬ات الثانوية‪ ،A‬وهي تتم يز بك رب احلجم‪ ،‬وض عف الرابط ة‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬والعالقات الشخصية املباشرة‪ ،‬وطغيان العالقات الرمسية التعاقدية‪.‬‬

‫من خالل نظرة كولى للعالقات االجتماعية‪ ،‬يبدو واضحا أن اجملتمع مقسم إىل مجاعتان‬
‫مجاعة أولية ومجاعة ثانوية‪ ،‬يرتبط الفرد هبما مش كال رواب ط اجتماعية‪ ،‬ف األوىل جندها تتميز‬
‫بالقرب املكاين وصغر حجمها‪ ،‬وطول مدة التفاعل داخلها‪ ،‬مثل رابطة األسرة والقرابة‪ ،‬رابطة‬
‫الصداقة واجلريان‪.‬أما الثانية فتتميز بالبعد املكاين‪ ،‬وكرب عدد أفرادها‪ ،‬وقصر مدة تفاعل االفراد‬
‫داخلها‪ ،‬مثل الشركات واإلدارات وكل الروابط والعالقات‪ ،‬اليت ال تتميز بطول املدة وقرب‬
‫املكان والتفاعل‪ .‬وهنا ندرك أن قوة الرابطة االجتماعية‪ ،‬عند كولي تكون قوية ومستمرة‪ ،‬إذا‬
‫كانت قريبة من الفرد إىل درجة شعوره أهنا جزء منه‪ ،‬أو هو جزء منها‪ ،‬حيث يذوب بداخلها‬
‫ويستعمل مصطلح حنن‪ ،‬بدال من أنا أو ما يسمى باألنا اجلماعي عند علماء االجتماع‪.‬‬

‫كما أعلن ك‪AA‬ولي يف كتاباته أن هدفه العام‪ ،‬هو مناقشة العالقة بني الفرد واجملتمع‪ ،‬فالفرد‬
‫عضو يف كل أو بناء اجتماعي‪ ،‬أي أن الفرد ليس منفصال‪ ،‬على الكل اإلنساين‪ ،‬وإمنا هو عضو‬
‫يعيش بداخله ويشتق حياته‪ ،‬من هذا الكل‪ ،‬ومن خالل االرسال االجتماعي والوراثي‪.‬‬

‫و كث ريا م ا جند مص طلح ال ذات وال ذات االجتماعي ة‪ ،‬يف كتاب ات ك‪AA‬ولي حيث يع ين ب ذلك‬
‫عالق ة األفك ار الشخص ية لإلنس ان ب اجملتمع‪ ،‬ألن اجملتم ع يوج د يف عق ل الف رد‪ ،‬كص لة متبادل ة‬
‫وت أثري متب ادل ألفك ار معين ة تس مى"باألن ‪AA‬ا"‪ ،‬ويقص د ب ه ض مري املتكلم‪ ،‬مؤك دا أن الش عور‬
‫بال ذات‪ ،‬يب دأ عن د الطفل يف األس ابيع األوىل‪ ،‬من حيات ه‪ ،‬ويك ون ذل ك حني ت ربز لدي ه دواف ع‬
‫االندماج االجتماعي‪ ،‬مث بالتدرج تنمو لديه دوافع التواصل مع األشخاص‪ ،‬وهذا يوضح أن‬
‫‪2‬‬
‫العقل بلغ اكتساب السمة االجتماعية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬نبيل حممد توفيق السمالوطي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.136‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد علي حممد‪،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.38‬‬

‫‪107‬‬
‫من خالل هذا التحليل يبدو واضحا أن كولي‪ ،‬يريد أن يفسر ظهور اجلانب االجتماعي‬
‫للف رد يف املراح ل األوىل للطفول ة‪ ،‬وهي عن دما يب دأ باالتص ال والكالم م ع اآلخ رين‪ ،‬مبع ىن أن‬
‫الرواب ط والعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬تب دأ يف مرحل ة مبك رة لإلنس ان وهي الش عور بال ‪AA A‬ذات‪A‬‬
‫االجتماعية ال يت أص بحت عب ارة عن أفك ار‪ ،‬تش تق وجوده ا من التواص ل االجتم اعي‪ ،‬بني‬
‫األف راد‪.‬مؤك دا على أمهي ة اجلماع ات األولي ة يف تك وين ال ذات االجتماعي ة‪ ،‬وذل ك من خالل‬
‫مالحظات ه ال يت ركزه ا على ثالث مناذج للجماع ات األولي ة وهي األس رة‪ ،‬مجاع ة اللعب‬
‫لألطف ال‪ ،‬مجاع ة اجلوار‪ ،‬معت ربا أن داخ ل س ياق ه ذه اجلماع ات الص غرية‪ ،‬تتش كل القيم‬
‫واملثاليات‪ ،‬لدى األطفال عند أول احتكاك هلم باألسرة‪.‬فهو يقول‪":‬اجملتمع جمموعة منظمات‬
‫وليس تنظيم ا فري دا‪ ،‬ف اجملتمع يع ين الرتاب ط‪ ،‬أي ال دخول يف عالق ات وتف اعالت متبادل ة‪ ،‬ألن‬
‫ذلك هو سبيل بلورة اخلربات بصورة أفضل وأكثر واقعية‪ ،‬وكلما زاد عدد املنظمات‪ ،‬كان‬
‫ذل ك حمقق ا بش كل أفض ل للحي اة االجتماعي ة‪ ،‬وال يتحق ق ذل ك إال من خالل االتص ال‬
‫‪1‬‬
‫واملشاركة‪".‬‬

‫‪Le contra social‬‬ ‫‪.6.1‬الرابطة‪ A‬االجتماعية من خالل نظرية‪ A‬العقد االجتماعي‬

‫لقد برزت نظري‪A‬ة‪ A‬العق‪A‬د‪ A‬االجتم‪AA‬اعي‪ ،‬بصورة واضحة يف الفكر السياسي واالجتماعي يف‬
‫أوروب ا خالل الق رنني الس ابع عش ر والث امن عش ر‪ ،‬على ي د ع دد من املفك رين األوروب يني‪،‬‬
‫ج‪A‬اك روسو‪Rousseau‬‬ ‫أبرزهم االجنليزي توماس هوبز‪ ،Hobbes‬جون ل‪A‬وك ‪،Locke‬ج‪A‬ان‬
‫ومنتس‪AA‬كيو‪ ، Montesquieu‬قد اتفقت النظريات اليت قال هبا هؤالء املفكرون‪ ،‬على إرجاع‬
‫نشأة اجملتمع و الدولة إىل فكرة العقد االجتماعي‪ ،‬وأن األفراد قد انتقلوا من احلياة البدائية‪ ،‬اليت‬
‫كانوا يعيشوهنا‪ ،‬إىل حياة اجلماعة التضامنية‪ A‬والسياسية‪ ،‬مبوجب العقد‪ .‬والذي هو عبارة عن‬
‫اتف اق جمموع ة من األف راد‪ ،‬فيم ا بينهم لتك وين جمتم ع على قاع دة الفائ دة املتبادل ة‪ ،‬وجتنب‬
‫‪2‬‬
‫األضرار مقابل تسليم الفرد‪ ،‬إلرادة اجلماعة ممثلة بالسلطة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.377‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد عاطف غيث‪،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪180‬‬

‫‪108‬‬
‫*ه‪A‬وبز‪ ،‬لقد قام بوضع نفسه يف مرحلة ما قبل اجملتمع االفرتاضية‪ ،‬وقارن بينها وبني احلالة‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬ليس تنتج أن األس باب ال يت دعت لنش وء اجملتم ع والتض امن االجتم اعي في ه‪ ،‬أن‬
‫اإلنسان يف مرحلة ما قبل اجملتمع‪ ،‬أي احلالة األصلية يرتكز اهتمامه على املصلحة الذاتية‪ ،‬ومع‬
‫غياب السلطة اليت جترب األفراد على التعاون‪ ،‬وجد أن احلياة يف مثل هذه البيئة‪ ،‬ستكون صعبة‬
‫التحمل وقاسية جدا‪ ،‬حيث خيشى كل فرد على حياته مع األخر‪ ،‬وال يستطيع أحدهم ضمان‬
‫تلبية حاجاته ورغباته ملدة زمنية طويلة وعليه استنتج أن املرحلة اهلمجية‪ ،‬حتوي أسوء ظروف‬
‫ميكن أن يعيش ها اإلنس ان‪.‬كم ا رأى ه ‪AA‬وبز‪ ،‬أن الطريق ة للخ روج من احلال ة الس ابقة‪ ،‬ه و عن‬
‫طري ق االتف اق على ق وانني مش رتكة وعلى إجياد س لطة حاكم ة‪ ،‬وال يت تك ون هي الس بب يف‬
‫تك ُون اجملتم ع والتض امن االجتم اعي‪ ،‬على عكس التن افر االجتم اعي‪ ،‬وتظه ر الرواب ط‬
‫االجتماعي ة بني األف راد ألن ه ال يس تطيع أي ف رد أن يُؤذي غ ريه من األف راد يف اجملتم ع‪ ،‬بس بب‬
‫‪1‬‬
‫العقد القائم بينهم والقوانني املطبقة عليهم‪.‬‬

‫ووض ح ه‪AA A‬وبز يف كتاب ه الت‪AA A‬نين‪ ،‬ال ذي يع ين ب ه يف علم االجتم اع‪ ،‬الدول ة ذات النظ ام‬
‫الدكتاتوري وأن هذه الدولة‪ ،‬هي اليت تكبح من عدوانية اإلنسان ألخيه اإلنسان‪ ،‬وجتعله يعيش‬
‫يف تضامن مع غريه‪ ،‬يف اجملتمع‪ .‬فالدولة هي اليت جتعل األفراد‪ ،‬يعيشون يف أمن وتعاون بينهم‪،‬‬
‫على عكس الع دوان ال ذي ك ان قائم ا‪ ،‬يف مرحل ة م ا قب ل اجملتم ع‪ ،‬و ذل ك مبوجب العق د‬
‫االجتم اعي‪ ،‬فالرابط ة االجتماعي ة تتمثل هن ا يف املواطن ة‪ ،‬و ال يت هي احلق وق و الواجب ات اجتاه‬
‫الدولة‪ ،‬فالفرد ليعيش بأمان ما عليه إال أن يرضخ‪ ،‬حلماية الدولة له‪ ،‬من خالل القانون و محاية‬
‫امللكية اخلاصة‪،‬كما أن األفراد لديهم أيضا واجبات اجتاه الوطن من دفاع وخدمة له من خالل‬
‫العمل و تقسيمه بينهم‪.‬‬

‫*كم ا يؤك د روس‪AA‬و أن األس رة هي أق دم اجملتمع ات‪ ،‬وهي وح دها اجملتم ع الط بيعي‪ ،‬تش كل‬
‫رابط ‪A‬ة‪ A‬طبيعية‪ ،‬إال أهنا ال ت دوم م ع ال زمن ألن األبن اء يف البداي ة (الرابط ة الطبيعي ة)‪ ،‬يعيش ون‬
‫م رتبطني بوال ديهم لض مان بق ائهم‪ ،‬وحاملا تقتض ي تل ك احلاج ة تنح ل تل ك الرابط ة الطبيعي ة‪،‬‬

‫‪.1‬قباري حممد إمساعيل‪ ،‬أسس البناء االجتماعي ‪ ،‬مصر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬منشأة اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.285‬‬

‫‪109‬‬
‫فاألوالد وقد أصبحوا ُمعفني من الطاعة‪ ،‬اليت كانت مفروضة عليهم ألبيهم‪ ،‬واألب وقد أعفى‬
‫من ضروب العناية‪ ،‬اليت كان ُملزما ببذهلا هلم‪ ،‬ينالون كلهم على السواء استقالهلم بأنفسهم‪.‬‬
‫وإذا ح دث أن ظلوا م رتابطني‪ ،‬م ؤتلفني فال يك ون هذا طبيعي ا‪ ،‬كم ا ك ان من قب ل ب ل تُصبح‬
‫‪1‬‬
‫رابطة‪ A‬اجتماعية مبحض إرادهتم‪.‬‬

‫والعقد عند روسو‪ ،‬ليس عقدا بني األفراد‪ ،‬مثلما يراه هوبز‪ ،‬وال عقدا بني األفراد واحلاكم‬
‫كما يراه ل‪AA‬وك‪ ،‬ولكنه أعطاه شكال أخر‪ ،‬فبموجب العقد االجتماعي‪ ،‬كل واحد يتحد مع‬
‫الكل والعقد معقود مع اجملوعة‪ ،‬لكل واحد منا يضع يف الشراكة شخصه‪ ،‬وكل قدرته حتت‬
‫س لطة اإلدارة العام ة‪ ،‬وحنن نلتقي كك ل‪ ،‬أي كجس م‪ ،‬ك ل عض و ال يتج زأ من الك ل‪ ،‬ك ل‬
‫شريك يتحد مع الكل وال يتحد مع أي شخص بشكل خاص‪ ،‬إنه ال خيضع هكذا إال لذاته‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ويبقى حرا كما يف السابق‪.‬‬

‫* كم ا جند منتس ‪AA‬كيو يرب ط الق انون ب اجملتمع وأص له فيق ول‪ :‬ال ميكن ين أب دا أن أحتدث عن‬
‫القانون العام‪ ،‬دون أن أبدأ يف البحث عن أصل اجملتمعات‪ ،‬والشيء الذي ال يبدوا سخيفا‪ ،‬إذا‬
‫ش كل األف راد ترابط ا‪ ،‬ألن ه ال ميكن االنفص ال بينهم‪ ،‬وذل ك ألن الق انون االجتم اعي‪ ،‬يتطلب‬
‫الرتابط بني البشر خللقهم من أب واحد‪ ،‬وهذه هي سببية االجتماع‪3.‬هذا ما توصل إليه علماء‬
‫االجتم اع إىل أن االحتاد أو الرتاب ط ي ؤدي إىل الق وة ‪ .l’union fait la force ‬وذل ك ليس‬
‫رغبة من الفرد وإمنا يأيت تلقائيا يف اجلماعة‪ .‬فالعقد االجتماعي‪ ،‬هو عبارة عن رابطة اجتماعية‪،‬‬
‫جتم ع بني أف راد اجملتم ع داخ ل ل واء الدول ة يف علم االجتم اع السياس ي‪ ،‬فتتش كل احلق وق‬
‫والواجب ات اجتاه ال وطن أو الدول ة وه ذا م ا يس مى بالمواطنة‪ ،‬كم ا اعتربه ا رواد ه ذه‬
‫النظرية‪.‬وحىت يعيش الفرد بأمان واكتفاء حيتاج للتعاون‪ ،‬مع بين جنسه ولكن شريطة وجود‬
‫احلاكم‪ ،‬الذي يكبح من عدوانية األفراد بينهم وينظم حياهتم بالقانون‪.‬‬

‫‪ .1‬جان جاك روسو‪ ،‬العقد االجتماعي ومبادئ القانون السياسي‪ ،‬تر ‪ :‬بولس غامن ‪ ،‬اللجنة اللبنانية‪ ،‬لبنان‪،1972 ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ .2‬توشار جان‪ ،‬تاريخ الفكر السياسي ‪ ،‬تر‪:‬علي مقلد ‪،‬ط‪،2‬لبنان ‪،‬بريوت‪ ،‬الدار العاملية للطباعة والنشر والتوزيع‪،1983 ،‬ص‬
‫‪.335‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.Michel, JUFFE, les fondements du lien sociale ,PVF ,paris,1995,p23.‬‬

‫‪110‬‬
‫فالعق د االجتم اعي عب ارة عن رابط ة اجتماعي ة‪ ،‬جتم ع بني األف راد فيم ا بينهم وبني األف راد‬
‫واحلاكم أو السلطة احلاكمة‪ 1.‬كما أن لوك و ج‪A‬ان ج‪A‬اك روس‪A‬و‪ ،‬استعمال نفس املنهجية اليت‬
‫استخدما هوبز‪ ،‬يف نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬رغم بعض الفارق بينهم املتمثل يف احلالة الطبيعية‬
‫لإلنسان حيث يرى روسو"أن الناس كانوا يعيشون يف احلالة الطبيعية‪ ،‬اكتفاء ذاتيا وسالم يف‬
‫ظل مبادئ أخالقية‪ ،‬إال أن التجمع أو اجملتمع جاء نتيجة لعوامل اقتصادية و ليس أمنية‪ 2".‬ألن‬
‫ظه ور الرواب ط االجتماعي ة‪،‬والتض امن االجتم اعي‪ ،‬من خالل تقس يم العم ل‪ ،‬إال أن ه ظه رت‬
‫بعض الصفات الذميمة‪ ،‬كاحلسد واجلشع بظهور امللكية اخلاصة‪ ،‬وهذا هو السبب الذي جعل‬
‫البش ر ينقس مون إىل ُمالك وإىل عُم ال ل ديهم‪ ،‬مما أوج د نظ ام الطبق ات‪ ،‬ف أدرك أص حاب‬
‫األمالك أن من مص لحتهم إنش اء حكوم ة‪ ،‬لتحمي ممتلك اهتم‪ ،‬وتتأس س ه ذه احلكوم ة على‬
‫أس اس عق د اجتم اعي ينص على توف ري ُاملس اواة واحلماي ة‪ ،‬إال أن الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬تبقى‬
‫موجودة بني األفراد رغم التنافر والتجاذب الدائم بينهم‪.‬‬

‫ورغم أن نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬تدور حول السلطة و النظام السياسي‪ ،‬إال أن هلا عالقة‬
‫فمنظري هذه النظرية يتحدثون عن‪ ،‬كيف ينشأ اجملتمع‪ ،‬وكيف‬
‫باجملتمع‪ ،‬والرابطة االجتماعية‪ُ ،‬‬
‫حيُل فيه التجمع والتضامن‪ ،‬فهم يرون أن اجملتمع ينشأ عن تعاقد الناس واتفاقهم‪ ،‬مساه روسو‬
‫بالكل فاجملتمع قبل هذا التعاقد‪ ،‬أي قبل تعيني صاحب السيادة‪ ،‬هو جمموعة من الناس بدون‬
‫نظ ام وب دون ق انون وعلى ه ذا األس اس‪ ،‬ي رى روسو أن احلال ة الطبيعي ة لألف راد‪ ،‬ك انت خ ريا‬
‫للناس حيث سادت فيه احلرية واملساواة‪ ،‬ونتيجة للتفاوت يف الثروات و التقدم املدين‪ ،‬سادت‬
‫هذه احلالة فأدى ذلك بتنازل األفراد عن حقوقهم‪ ،‬لصاحل اإلدارة العامة‪ ،‬مقابل ضمان أمنهم‬
‫وحقوقهم واستقرارهم‪.‬‬

‫‪ .II‬نظريات المجتمع الحضري‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬توشار ‪،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.335‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.286‬‬

‫‪111‬‬
‫يتف ق معظم علم اء الجتم اع احلض ري و االنثروبولوجي ا احلض رية‪ ،‬على وج ود مخس‬
‫نظريات أو اجتاهات أساسية‪ ،‬تفسر الظواهر احلضرية و هي النظرية النفسية االجتماعية‪،‬النظرية‬
‫االيكولوجية النظرية الثقافية‪،‬النظرية القيمية‪ ،‬و النظرية التكنلوجية‪.‬‬

‫‪.1.2‬النظرية‪ A‬النفسية‪ A‬االجتماعية‬

‫ميث ل االجتاه النفس ي االجتم اعي‪ ،‬ك ل من علم اء اجتم اع املدرس ة األملانية‪ ،‬كم ا عُرفت‬
‫باملدرس ة الكالس يكية‪ ،‬وك ذلك باالجتاه الس لوكي أو التنظيمي يف علم االجتم اع‪ ،‬وذل ك‬
‫إلهتمامه ا بالس لوك و الفع ل و العالق ات و التف اعالت االجتماعي ة ‪،‬كم ا اهتمت ب املظهر‬
‫التنظيمي للحي اة االجتماعي ة احلض رية‪ ،‬على اعتب ار أن الف رد يوص ف باحلض رية‪ ،‬بن اءا على منط‬
‫سلوكه و ليس بناءا على مكان اقامته‪ ،‬على اعتبار انتشار الفعل االجتماعي العقالين‪ ،‬يف املدينة‬
‫و زوال السلوك العاطفي‪.‬‬

‫حيث اتف ق يف ه ذه األفك ار ك ل من ابن خل ‪AA‬دون‪،‬فردينان ‪AA‬د تون ‪AA‬يز و م ‪AA‬اكس في ‪AA‬بر‪،‬ج ‪AA‬ورج‬
‫زيمل وشينجلر‪،‬فالسلوك الذي يرتتب عنه أفعال اجتماعية حضرية‪ ،‬هو نتاج كما قلنا للطبيعة‬
‫املعقدة حلياة املدينة‪،‬ملا تتميز به من كثافة بشرية و جتاوز للمباين‪ ،‬و تنوع للسكان‪،‬هذا ما جعل‬
‫الفرد حسب رأي هوالء املفكرين‪ ،‬أن يصبح سلوكه عقالنيا أو أكثر عقالنية يف عالقته‪ ،‬حىت‬
‫يض من لنفس ه التكي ف و االس تمرار‪ ،‬وكث ريا م ا جند ه ذه الفك رة عن د ابن خل‪AA‬دون من خالل‬
‫حديث ه عن أه ل احلض ر‪ ،‬ال ذين ميت ازون باحليل ة و ال ذكاء‪ ،‬بس بب حي اة املدين ة ال يت أكس بتهم‬
‫ذلك‪ ،‬ومع تعاقب األجيال يصبح ذلك خلقا فيهم و مزاجا هلم أو ملكة يف شخصهم‪.‬‬

‫كما جنده أيضا عند سبنسرهاربلت‪ ،‬يف حديثه عن التطور و ظهور اجملتمع الصناعي املعقد‬
‫وجورج فريدمان‪ A،‬من خالل متييزه بني الوسط الطبيعي الذي يتمثل يف الريف‪،‬و الوسط التقين‬
‫املتمثل يف الوسط احلضري‪ ،‬الذي يفرض على سكان احلضر بسلوكات و مؤهالت حضرية‬
‫من أجل االستمرار‪1.‬و هنا يبدو واضحا أن هذه النظرية النفسية االجتماعية‪ ،‬هتتم بالسلوك و‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد بوخملوف‪ ،‬التحضر‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.71‬‬

‫‪112‬‬
‫الفعل االجتماعي‪ ،‬فتحلله من خالل تأثري الوسط االجتماعي للفرد‪ .‬فاحلياة احلضرية هي بيئة‬
‫مركبة اجتماعية و جغرافية‪ ،‬أكسبت الفرد سلوكا حضريا خيتلف عن السلوك الريفي‪.‬‬

‫* ابن خل‪AA‬دون‪:‬يتحدث عن اجملتمع احلضري من خالل ثنائية البدو و احلضر‪ ،‬موضحا ذلك‬
‫يف أحوال جمتمعه حيث وجد أن هناك فئتني‪ ،‬فئة أساس فئة‪ ،‬فالبدو أساس احلضر‪ ،‬وبني هذين‬
‫الفئتني اختالف إىل حد التضاد والتصارع دائما‪ ،‬و هلذا ال ميكننا احلديث عن العمران احلضري‬
‫إال بالتعرض للعمران البدوي‪ ،‬و هذا ما يوضح لنا فهم املوضوع بضده‪".‬فالعمران من العمارة‬
‫والتعم ري وه و التس ا ُكن و التن ُازل يف ِمص ر‪ ،‬أو حل ة لُألنس بالعش ري واقتض اء احلاج ات‪ ،‬ملا يف‬
‫طباعهم (الناس) من التعاون‪ ،‬على املعاش‪ 1".‬كما أن البداوة اليت قام ابن خلدون بدراستها‪،‬‬
‫تعترب منط من أمناط احلياة اجملتمعية‪ ،‬و تعترب بداية التكيُف االجتماعي‪ ،‬لكل من الفرد و اجلماعة‬
‫واجملتمع مع الظروف البيئية الصعبة و القاهرة‪ ،‬اليت أحاطت به‪ ،‬و ارتكز هذا التكيُف‪ ،‬سواء‬
‫بالنس بة لإلنس ان أو اجلماع ة أو اجملتم ع الب دوي‪ ،‬على جمموع ة من القيم والع ادات والتقالي د‬
‫واألعراف والنُظم‪ ،‬اليت مكنته يف النهاية من أن حييا و يستمر على الرغم من العُزلة شبه التامة‬
‫‪2‬‬
‫املفروضة عليه‪.‬‬

‫هلذا أوضح ابن خلدون خصائص ظاهرة البداوة‪ ،‬دائما مقابل خصائص حضارة يف مقدمته‬
‫فإذا كان البدو ُشجعان فان احلضر ُجبناء‪ ،‬وإذا كان البدو متوحشون فإن احلضر مرتفون‪ ،‬وإذا‬
‫ك ان الب دو طيّبُوا اخلُل ق‪ ،‬فاحلض ر أفس دهتم احلض ارة‪ ،‬وجعلتهم خمادعني وك اذبني‪ ،‬والب دو‬
‫يدافعون عن أنفسهم‪ ،‬أما احلضر يفزعون لكل هزة‪ ،‬وأوكلوا أمر الدفاع للدولة أو يستأجرون‬
‫‪3‬‬
‫من يتوىل أمرهم‪ .‬وإذا كان احلضر حيرتمون حقوق غريهم‪،‬فالبدو ال يؤمنون إال بلغة السيف‪.‬‬

‫ويرى صاحب املقدمة‪ ،‬أن العمران احلضري امتداد للعمران البدوي‪ ،‬أو باألحرى ال يكون‬
‫هناك عمران حضري إال بوجود العمران البدوي‪ ،‬فالضروري و احلاجي يبدأ عند البدو وهكذا‬
‫فالعائلة والقرابة والعصبية‪ ،‬ظواهر اجتماعية‪ ،‬من طبيعة العمران البدوي‪.‬حيث يبدو واضحا‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫حممد عابد اجلابري ‪،‬نفس املرجع ‪،‬ص‪. 212‬‬
‫‪2‬‬
‫نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.73‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬أنظر مصطفى الفوال نفس املرجع السابق ‪ ،‬ص‪.74‬‬

‫‪113‬‬
‫أن أمهي ة اجملتم ع الب دوي بالنس بة البن خل ‪AA‬دون‪ ،‬تظه ر يف نقط تني أساس يتني ومها‪:‬أن اجملتم ع‬
‫البدوي يعترب نقطة التطور االجتماعي‪ ،‬الذي يبدأ من البداوة ليصل إىل احلضارة‪ ،‬مرورا مبا هو‬
‫ضروري وحاجي إىل ما هو كمايل و إضايف و"أن البدو أصل احلضر و سابق عليهما‪ ،‬فخشونة‬
‫البداوة قبل رقة احلضارة"‪1‬ف اجملتمع البدوي‪ ،‬هو التُربة اخلصبة اليت تنشأ فيها العصبية بعاملي‬
‫النسب والقرابة اليت هي موضوع دراستنا‪.‬‬

‫*م‪AA‬اكس في‪AA‬بر‪:‬يعترب كتاب م‪A‬اكس في‪A‬بر "المدين‪AA‬ة"‪ 1905 A‬أول عمل علمي‪ ،‬لدراسة احلياة‬
‫احلضرية‪ ،‬من الناحية السلوكية االجتماعية‪ ،‬كما قال ريتشارد سنت ‪ 2 R.Sennett‬فهو يعد‬
‫ممن حبث يف املدين ة‪ ،‬عن الظ روف ال يت جتع ل دور املدين ة إجيابي ا و ابتكاري ا‪ ،‬يف احلي اة العام ة‬
‫لإلنسان‪ ،‬لذلك حبث عن املدن يف املاضي بدال من احلاضر‪ ،‬حيث كان ذلك مبثابة النقد الذي‬
‫يقدم ه في ‪AA‬بر للحي اة احلض رية احلديث ة‪ ،‬وي رى أن الس لوك العقالين للف رد احلض ري‪ ،‬ه و نتيج ة‬
‫للحياة احلضرية‪ ،‬حيث ال تستقيم حياة الفرد‪ ،‬إال بذلك السلوك و إال تتعرض حياته للمعانات‪.‬‬
‫قاص دا ب ذلك أن املدين ة‪ ،‬هي ال يت س امهت يف تق ومي س لوكه‪ ،‬ومن مت تس اهم يف التغ ري‬
‫االجتماعي‪ ،‬فالبيئة املتمثلة يف املدينة‪ ،‬هي اليت أكسبت الفرد السلوك العقالين‪.‬‬

‫* يركز جورج زيمل يف حتليله للمدينة‪ ،‬على التفاعل االجتماعي‪ ،‬فيتجه إىل دراسة الصورة‬
‫النفسية للحياة االنسانية يف بيئة حضرية‪ ،‬فمصاحل األفراد و احتياج بعضهم البعض‪ ،‬هي اليت‬
‫ت دفعهم يف احلي اة االجتماعية‪ ،‬حنو االفعال املتبادلة‪ ،‬اليت تتكرس يف التفاعل و التبادل‪ ،‬اللذين‬
‫يأخ ذان أش كاال متع ددة‪ ،‬وم ع ه ذه التف اعالت‪ ،‬يس ميها زيم‪AA A A‬ل باأللف ‪A A A‬ة‪ A‬االجتماعية‬
‫‪ Lasociabilité‬حيث تتش كل ج وهر العالق ات االنس انية‪.‬إذ ي رى زيمل أن األج ر و العم ل‬
‫س بب يف اس تقالل الف رد عن مجاعت ه األوىل(العائل ة القبيل ة‪،‬القري ة)‪ ،‬مما جيعل ه يرتب ط بتجمع ات‬
‫بشرية حسب متطلباته الشخصية و مصلحته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن خلدون ‪،‬المقدمة ‪،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 157‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪،‬مدخل نظري‪،‬ج‪،1‬مرجع سابق‪،‬ص‪.417‬‬

‫‪114‬‬
‫ومن هنا حيلل عقلية الفرد احلضري و سلوكاته‪ ،‬إىل أن ساكن امليرتوبوليس‪ ،‬يواجه دائما‬
‫بالعديد من التوترات‪ ،‬هلذا ينمي يف ذاته‪ ،‬عقلية تقيه عناصر البيئة اخلارجية‪ ،‬اليت حتاول دائما‬
‫اقتالع ه و االطاح ة ب ه‪ ،‬تتمث ل ه ذه العقلي ة‪ ،‬يف ض رورة أن يس تجيب س اكن املدين ة‪ ،‬ويتفاع ل‬
‫بعقله ال بقلبه‪ ،‬ذلك ألنه إذا استس لم لعواطفه و مشاعره يف تفاعالته‪ ،‬كان الضياع قدره ال‬
‫حمالة وحسب نظريته‪ ،‬فإن الظروف اليت حتيط باحلضر‪ ،‬قد حولت حياة املدينة‪ ،‬من صراع مع‬
‫الطبيعة من أجل العيش و البقاء‪ ،‬إىل صراع ما بني البشر من أجل الربح و الكسب‪ ،‬كما أهنا‬
‫حلت وفككت الرواب ط الشخص ية‪ ،‬حمل الرواب ط الشخص ية الوثيق ة‪ ،‬ودفعت ب الفرد يف اجتاه‬
‫‪1‬‬
‫يتعني عليه فيه‪ ،‬أن يستدعي كل ما يف وسعه لتحقيق الفردية‪.‬‬

‫*أوزفالد شينلجر ‪:Oswald Spengler‬وهو من املفكرين األملان‪ ،‬الذي يعتقد أن املدينة‬


‫الكبرية يف عصره‪ ،‬تعمل على افساد نشاط و حيوية وطاقة‪ ،‬من يقيم هبا‪ ،‬حيث تتميز بالطابع‬
‫‪Le déclin de‬‬ ‫الروتي ين‪ ،‬وتص بح احلي اة فيه ا قاس ية‪ 2.‬أل ف كتاب ه املش هور ت‪AA‬دهور الغ‪AA‬رب‪A‬‬
‫‪ l’occident‬الذي يرى فيه أن ثقافة املدينة الغربية‪ ،‬قد أخذت يف التدهور و التفسخ منذ‬
‫بدايات القرن ‪ ، 20‬كما يرى أن دورة احلياة احلضرية‪ ،‬تنطبق على افساد سكاهنا‪ ،‬عن طريق‬
‫اختفاء الطابع النظامي‪ ،‬على عمليات العالقات البشرية املتبادلة‪ ،‬جيعل هذه العمليات روتنية‬
‫وغري عاطفية‪ ،‬فيقول‪":‬إننا ال نستطيع أن نفهم التارخ السياسي و االقتصادي‪ ،‬ما مل ندرك أن‬
‫املدين ة بانفص اهلا الت درجيي عن األرض‪ ،‬ق د أدت إىل افالس الري ف‪ ،‬فت اريخ البش رية‪ ،‬ليس إال‬
‫تاريخ املدينة كما أن كل ثقافة‪ ،‬هي موجهة يف األساس‪ ،‬حنو ذلك النموذج‪ ،‬الذي يتالءم و‬
‫املدين ة العاص مة يف ك ل بل دان الع امل‪3".‬فكلم ا منت املدين ة‪ ،‬و زاد توس عها‪ ،‬كلم ا تط ور س وق‬
‫املال‪ ،‬ألن هذا األخري‪ ،‬أصبح القوة املسيطرة و أصبح شكال من أشكال النشاط‪ ،‬الذي يوقظ‬
‫باستمرار شعوره بالوجود و البقاء‪ ،‬حىت أصبحت املدينة‪ ،‬متثل دكتاتورية املال غري احملدودة‪.‬‬

‫‪.1‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.73‬وانظر أيضا‪:‬حممد عاطف غيث‪ ،‬علم االجتم‪AA‬اع الحض‪AA‬ري م‪AA‬دخل نظ‪AA‬ري‪،‬دار النهضة العربية‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ب‪،‬س ص‪.32‬‬
‫‪.2‬حممد ياسر اخلواجة‪ ،‬علم االجتماع الحضري بين الرؤية النظرية و التحليل الواقعي‪،‬دار و مكتبة االسراء للطبع والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪ ،1،2008‬ص‪.58‬‬
‫‪.3‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪59.‬‬

‫‪115‬‬
‫زيادة على هذا يأكد شنجلر‪ ،‬على أن املدينة‪ ،‬تنشأ بثقافة روح شعبية ‪ ،folk spirit‬هتر‬
‫يف املراحل األوىل من تطورها‪ ،‬و هذه الروح متنح الثقافة هويتها‪ ،‬و حينما تنمو املدن تدرجييا‪،‬‬
‫فان ذلك يؤدي إىل تغيري هذا الطابع الثقايف‪ ،‬نتيجة تشجيع الفردية و االنفصالية‪ ،‬بني أعضاء‬
‫املدينة وهكذا تتشابه مجيع املدن الكربى‪ ،‬طاملا أهنا نشأت يف األصل‪ ،‬عن ثقافة واحدة‪ ،‬هذا‬
‫التشابه هو عالمة املرض والتغري واُألفول الداخلي‪ ،‬أما التوازن بني القرية و املدينة‪ ،‬فهو مفتاح‬
‫ص حة ك ل اجملتمع ات النامي ة‪ ،‬وهلذا يق ول‪":‬إنن ا ال نس تطيع أن نتفهم الت اريخ السياس ي و‬
‫االقتصادي‪ ،‬مامل ندرك أن املدينة بانفصاهلا التدرجيي عن األرض الزراعية‪ ،‬قد أدت إىل إفالس‬
‫الريف‪ ،‬فتاريخ البشرية ليس إال تاريخ املدينة‪ ،‬كما أن كل ثقافة‪ ،‬هي موجهة يف األساس‪ ،‬حنو‬
‫‪1‬‬
‫ذلك النموذج الذي يتالءم واملدينة العاصمة يف كل بلدان العامل"‪.‬‬

‫وإىل هنا يبدو االتفاق واضحا‪ ،‬بني كل من فيبر و زيمل و تون‪AA‬يز‪-‬الذي سبق و أن حتدثت‬
‫علي ه يف نظري ة الرابط ة االجتماعي ة‪ -‬و ش ‪AA‬نجلر‪ ،‬م ؤداه التأكي د على العقلي ة احلض رية‪ ،‬رغم‬
‫اختالف ك ل منهم ا يف تفس ري ه ذه العقلي ة‪ ،‬إال أن كلهم اس تعملوا تفس ريا نفس يا إجتماعي ا‪،‬‬
‫للسلوك احلضري لألفراد وحتليلهم لظروف احلياة يف املدينة احلديثة‪.‬‬

‫‪ .2.2‬النظرية االيكولوجية‬

‫يعود استخدام مفهوم االيكولوجيا إىل العامل البيولوجي األملاين هايكل ‪Ernst Haechel‬‬
‫ع ام ‪ ،1869‬حيث اس تخدم كلم ة ‪ ecologie‬ليش ري هبا إىل عالق ة الك ائن احلي‪ ،‬ببيئت ه‬
‫العض وية والغ ري العض وية‪ ،‬إال أن املص طلح يف األص ل‪ ،‬مش تق من الكلم ة اليوناني ة ‪ okios‬و‬
‫معناه ا م نزل أو مس كن و املع ىن األمشل‪ ،‬ه و من يقيم ون يف املس كن و نش اطهم الي ومي‪،‬‬
‫ووظائفهم اليت يقومون هبا للعيش‪ ،‬هلذا فمعىن مفهوم كلمة االيكولوجيا‪ ،‬هو أهنا العلم الذي‬
‫يدرس األفراد‪ ،‬الذين يعيشون يف بيئة واحدة‪ ،‬و دراسة نشاطهم و تفاعلهم‪ ،‬مع عناصر البيئة‪،‬‬
‫أما علماء االيكولوجيا االجتماعية‪ ،‬فيحددوهنا يف اطار دراسة البيئة االجتماعية و تنظيمها‪ ،‬و‬

‫‪1‬‬
‫نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 59.‬‬

‫‪116‬‬
‫العالقات املكانية والنفسية االجتماعية‪ ،‬اليت تربط اجلماعات و األفراد ببعضهم البعض‪ ،‬و اآلثار‬
‫‪1‬‬
‫املتبادلة بني األفراد و البيئة اليت يشغلوهنا‪.‬‬

‫تعرف هذه النظري ة يف علم االجتماع احلضري‪ ،‬باملدرسة األمريكية أو مدرسة شيكاغو‪،‬‬
‫حيث تشري إىل أعمال ثالثة من رواد علم االجتماع يف أمريكا‪ ،‬و هم روبرت ب‪A‬ارك‪،‬أرنس‪A‬ت‬
‫بارجس‪،‬رودريك ماكنزي فأعماهلم هي اليت أعطت االطار النظري‪ ،‬الذي انطلقت من خالله‬
‫العديد من الدراسات‪.‬‬

‫* روبرت بارك ‪ :Robert ezra parc‬حيث يعد مؤسس هذه النظرية‪ ،‬فهو يعترب املدينة‬
‫املك ان الط بيعي إلقام ة االنس ان املتحض ر‪ ،‬وي رى أن" اإلیكولوجي ا ‪،‬هتدف إىل الكش ف عن‬
‫األمناط املنتظم ة‪ ،‬يف املك ان للعالق ات اإلجتماعي ة ‪"2‬وهلذا فُنت خبص ائص احلي اة االجتماعي ة‪ ،‬يف‬
‫شيكاغو و الحظ بعض التصورات اهلامة عن املدينة و منها‪:‬‬
‫رأى املدينة احلديثة عبارة عن‪ ،‬بناء جتاري يدين يف وجوده إىل السوق‪ ،‬كما أن املدينة‬ ‫‪-1‬‬
‫تتم يز بالتقس يم املعق د للعم ل‪ ،‬زي ادة على هيمن ة الس وق‪ ،‬ال يت أدت إىل اهني ار الط رق‬
‫التقليدية يف احلياة احلضرية‪.‬‬
‫تتس م احلي اة احلض رية بالبن اءات الرمسية‪ ،‬عن طري ق وج ود م ا يس مى‪ ،‬بس يطرة‬ ‫‪-2‬‬
‫البريوقراطي ات على نط اق واس ع‪ ،‬وتلعب األجه زة البريوقراطي ة مث ل الب وليس‪ ،‬احملاكم‪،‬‬
‫املؤسس ات العمومي ة التطوعي ة اخلريي ة و مؤسس ات الرفاهي ة االجتماعي ة‪ ،‬دورا هام ا يف‬
‫احلياة احلضرية‪.‬‬
‫تأثر بارك بجورج زيمل‪ ،‬يف اعتباره احلياة املدنية‪ ،‬مكان تقل فيه العاطفة‪ ،‬و تكثر فيه‬ ‫‪-3‬‬
‫العقالنية‪ ،‬و كان يرى أنه‪ ،‬رمبا يؤدي اهنيار الروابط العاطفية‪ ،‬التقليدية يف املدينة‪ ،‬إىل‬
‫‪3‬‬
‫ظهور روابط اجتماعية جديدة معتمدة‪ ،‬على مجاعات املصلحة و العالقات الثانوية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حممد ياسر اخلواجة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪. 60‬‬
‫‪2‬إمساعيل قرية‪ ،‬علم اإلجتماع الحضري ونظریته‪ ،‬منشورات جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪،2004،‬ص‪.53‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬حممد ياسر اخلواجة‪،‬مرجع سابق ص‪. 60‬‬

‫‪117‬‬
‫كم ا رك ز ب ‪AA‬ارك‪ ،‬يف مقالت ه الرائ دة "المدين ‪AA‬ة"‪ A‬على بعض املقرتح ات‪ ،‬ح ول دراس ة‬
‫الس لوك االنس اين‪ ،‬يف البيئ ة احلض رية‪ ،‬إىل أن ه حياول فهم املدين ة‪ ،‬بوص فها مكان ا جغرافي ا‬
‫وكذلك اعتبارها نطاقا أخالقيا‪ ،‬كما أنه يعتقد وجوب وصف املدينة‪ ،‬عن طريق التحليل‬
‫ال وظيفي‪ ،‬إلظه ار امكان ات احلي اة الثقاف ة و األخالقي ة فيه ا‪،‬إال أن م ا أراده ب ارك‬
‫كايكولوجي‪ ،‬هو اكتشاف تأثري الظواهر الفيزيقية‪( ،‬أي كل ما يظهر يف املدينة)‪ ،‬يف خرية‬
‫س كان املدين ة االنس انية و العاطفي ة ودوره ا يف تش كيلها‪ ،‬و هلذا فه و ي رى‪ ،‬أن الظ روف‬
‫النفس ية و األخالقي ة للحي اة‪ ،‬يف املدين ة س وف تعكس نفس ها‪ ،‬بص ورة طبيعي ة يف كيفي ة‬
‫استغالل املكان‪ ،‬و يف أمناط احلركة االنسانية واالنتقال‪....‬اخل‪ ،‬كما يعتقد بارك أنه‪ ،‬ميكن‬
‫اس تخدام املن اهج األنثروبولوجي ة‪ ،‬يف دراس ة ج وانب احلي اة املدني ة‪ ،‬وخصوص ا الثقاف ات‬
‫اهلامشية‪ ،‬كالعصابات و املهاجرين املنعزلني‪ ،‬املقيمني يف أحياء "الجيتو"‪ A‬و الفروق بني الناس‬
‫‪1‬‬
‫وفقا جملال إقامتهم‪.‬‬

‫*أرنست بارجس ‪: E. Burgess‬تعرف نظريته بنظرية الدوائر المتمركزة أو بالتص‪A‬ور‬


‫الحلقي و معناه أن املدينة‪ ،‬تأخذ شكل مخس حلقات متحدة املركز‪ ،‬متثل احللقة األوىل منها‬
‫منطقة األعمال املركزية‪ ،‬و فيها تدور أكثر نشاطات املدينة كافة‪ ،‬و تقع على أطرافها حلقة‬
‫ثاني ة هي منطق ة التح ول و االنتق ال‪ ،‬ال يت تتع رض و باس تمرار‪ ،‬للتغ ري نتيج ة اتس اع و منو‬
‫احللقة االوىل‪ ،‬كما تتميز بكثافتها السكانية العالية‪ ،‬و ظهور التفكك االجتماعي‪ ،‬أما احللقة‬
‫الثالثة فتضم منطقة سكىن الطبقات العامة‪ ،‬و يليها منطقة الفيالت و يف النهاية‪ ،‬تقع احللقة‬
‫اخلامس ة خ ارج ح دود املدين ة‪ ،‬حيث تش كل الض واحي و األط راف‪ ،‬من اطق س كنية ل ذوي‬
‫ال دخل املرتف ع ه ذه احللق ات اخلمس ة‪ ،‬متث ل يف نظ ره من اطق متتابع ة من االمت داد احلض ري‪،‬‬
‫وهو يف تأكيده هلذا الوصف الفيزيقي‪ ،‬ذهب إىل أن ظاهرة النمو احلضري‪ ،‬هي نتيجة الزمة‬
‫لعملي ات التنظيم والتفك ك يف نفس ال وقت‪ ،‬تش به متام ا عملي ات اهلدم و البن اء يف الك ائن‬
‫‪2‬‬
‫العضوي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.61‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 66‬‬

‫‪118‬‬
‫*رودريك ماكنزي‪ :‬جاء ليوضح القوانني و العمليات‪ ،‬اليت تعمل داخل الكيان احلضري‬
‫ليفسر وجود املناطق‪ ،‬اليت حتدث عليها كل من بارك و بيرجس‪ ،‬كاملركز و الضواحي و ذلك‬
‫من خالل عملي ات املنافس ة‪ ،‬الرتكيز‪ ،‬االب ادة العزل ة الغ زو‪ ،‬التع اقب ورأى أهنا منش أ أو توحد‬
‫ه ذه املن اطق الطبيعي ة‪ ،‬ال يت تش كل البن اء الف يزيقي للمدين ة‪ .‬و املقص ود ب الغزو العم راين‬
‫‪ invasion urbaine‬ه و انتق ال اجلماع ات و األف راد‪ ،‬من منطق ة ألخ رى‪ ،‬و يس مى أحيان ا‬
‫ب اهلجرة و ق د يك ون على نط اق واس ع‪ ،‬وق د يض يق نطاق ه‪ ،‬فيقتص ر على حتري ك بعض‬
‫اجلماعات‪ ،‬بقدر حمدود‪.‬‬

‫أم ا العزل ة ‪ isolement‬فتتخ ذ مظه ران‪ ،‬ميث ل املظه ر األول العزل‪AA‬ة الفكري‪AA‬ة و المذهبي‪AA‬ة‪،‬‬
‫مبع ىن أن اجلماع ات ال يت متارس العزل ة‪ ،‬من املمكن أن تظ اهر غريه ا‪ ،‬أو ت دخل يف عالق ات‬
‫اجتماعية مباشرة مع اآلخرين‪ ،‬رغم التباعد الفكري أو املذهيب‪ ،‬أما املظهر اآلخر‪ ،‬فهو العزلة‪A‬‬
‫الكاملة‪ A،‬من الناحيتني االجتماعية واملكانية‪ ،‬فال ختتلط هذه اجلماعات بغريها‪ ،‬و ال تتعامل إال‬
‫يف أضيق احلدود‪ ،‬وحتافظ بقدر االمكان على مقوماهتا‪ ،‬وخصائصها وتراثها االجتماعي‪ ،‬ليعرب‬
‫‪1‬‬
‫عن املظهرين معا بالعزلة‪ A‬البشرية‪.‬‬

‫*كما يعد كل من دنك‪AA‬ان و ش‪AA‬نور و ه‪AA‬اولي من أهم أقطاب النظرية األيكولوجية أيضا‪،‬‬
‫حيث توص ال إىل أن درجة التحض‪AA‬ر‪ ،‬ب اجملتمع تتناسب طردي ا من طبيعة نظام تقس‪AA‬يم العم‪AA‬ل‪،‬‬
‫باجملتمع احلضري‪ ،‬مبعىن أنه كلما ازدادت درجة تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬باجملتمع احلضري‬
‫الصناعي ارتفعت درجة التحضر به كما أن التحضر يتناسب طرديا مع التطور التكنل‪A‬وجي‪،‬‬
‫ويف منتصف األربعين ات من القرن العش رين‪ ،‬ص اغ ك ل من ه‪AA‬اريس و أولم‪AA‬ان‪ A‬منوذج النواي ا‬
‫‪2‬‬
‫الذي يذهب إىل أن منو املدينة ال يعتمد على نواة واحدة‪ ،‬و إمنا على نوايات متعددة‪.‬‬

‫إذن ركزت النظرية األيكولوجية االجتماعية‪ ،‬على اجلانب االجتماعي أو البيئة االجتماعية‬
‫احلض رية‪ ،‬و ك ل م ا ل ه عالق ة باملدين ة و تقس يمها األيكول وجي‪ ،‬من مرك ز و من اطق أخ رى‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 66‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد ياسر اخلواجة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪. 70‬‬

‫‪119‬‬
‫تابعة‪.‬ألن املدينة من وجهة نظر هذه النظرية‪ ،‬هي عبارة عن نظام إيكولوجي‪ ،‬يف تغري مستمر‪،‬‬
‫فك ل م ا يتعل ق باجلانب اإلنس اين والبش ري‪ ،‬داخ ل ه ذه املدن يطل ق علي ه مص طلح‪،‬‬
‫"اإليكولوجي ‪AA‬ة البش ‪AA‬رية"‪ A‬أو "االيكيولوجي ‪AA‬ة االجتماعي ‪AA‬ة"‪ ،‬ال يت تتمح ور دراس تها ح ول القيم‬
‫واملعايري الثقافية‪ ،‬اليت حتكم سلوك األفراد يف اجملتمع احلضري‪ ،‬وهذا متييزا هلا عن اإليكولوجية‬
‫احليوية‪ ،‬اليت هتتم بالرتكيب املادي واحليوي للبيئة‪ ،‬والتوزيع املكاين ألفراد اجملتمع‪.‬‬

‫‪ .3.2‬نظرية الثقافة‪ A‬الحضرية‪A‬‬

‫تنطلق هذه النظرية من أعمال كل من ل‪AA‬ويس وي‪AA‬رث و روب‪AA‬رت ردفيل‪AA‬د‪ ،‬اللذان ينتميان‬
‫ملدرس ة ش يكاغو‪ ،‬حيث تنظ ر ه ذه النظري ة‪ ،‬إىل احلض رية باعتباره ا ثقاف ة ناجتة عن احلي اة يف‬
‫املدنية‪ ،‬و ذلك عندما صوروا احلضرية‪ ،‬بأهنا طريقة للحياة‪ ،‬تتميز هبا املدينة‪ ،‬نظرا ملا تتمتع به‬
‫من خصائص ومسات اجتماعية‪ ،‬متيزها عن احلياة االجتماعية الريفية‪.‬‬

‫و يف تشخيص هم للثقاف ة احلض رية‪ ،‬ف إن ه ذه النظري ة‪ ،‬تت داخل كث ريا م ع املدرس ة االملاني ة‬
‫وخصائص ها‪ ،‬ال يت ح ددهتا عن س كان املدين ة‪ ،‬فهم خيتلف ون فق ط يف االجتاه‪ ،‬فاملدرس ة االملاني ة‬
‫تتجه اجتاها نفسيا‪ ،‬أما نظرية الثقافة‪ ،‬تتجه اجتاها ثقافيا‪.‬‬

‫*ل ‪AA‬ويس وي ‪AA‬رث‪ :‬و تع ود ال دعائم األوىل هلذه النظري ة‪ ،‬من خالل املق ال ال ذي نش ره ل ‪AA‬ويس‬
‫وي‪AA‬رث سنة ‪ 1938‬بعنوان "احلض رية كطريقة للحياة"‪ ،‬وال ذي يعد عمال كالس يكيا‪ ،‬أرس ى‬
‫من خالل ه ال دعائم األوىل‪ ،‬هلذه النظري ة‪ ،‬وح اول الكث ري من علم اء االجتم اع‪ ،‬االجاب ة على‬
‫التساؤل املطروح حول االمناط و العمليات‪ ،‬اليت تتضمنها عملية حتول طريقة احلياة السابقة‪،‬‬
‫على التصنيع والتحضر إىل نظام صناعي حضري؟ ولإلجابة على هذا التساؤل‪ ،‬فأول ما أجاب‬
‫هو‪ ،‬تعريفه للمدينة ومؤداها أهنا" موطن دائم و كثيف وكبري نسبيا‪ ،‬ألفراد غري متجانسني من‬
‫الناحية االجتماعية وأن احلجم والكثافة والالجتانس‪ ،‬ختلق بناءا اجتماعيا‪ ،‬تستبدل فيه عالقات‬
‫اجلماع ة األولي ة باتص االت ثانویة ‪،‬ذات ط ابع غ ري شخص ي و انقس امي‪ ،‬س طحي و م ؤقت‬
‫ونفعي‪،‬لينتهي األم ر بس اكن املدین ة إىل أن یص بح شخص ا یتس م باإلنعزالي ة‪ ،‬الس طحية و‬
‫العقالنية‪ ،‬ویضطر لكي یؤدي وظيفته بنجاح إىل االرتباط مع اآلخرین‪ ،‬لينظم معهم روابط و‬
‫‪120‬‬
‫إحتادات طوعي ه‪ ،‬وأش كال رمسية‪ ،‬كض بط الس لوك ووس ائل غ ري شخص ية‪ ،‬من اإلتص ال‬
‫‪1‬‬
‫اجلموعي‪.‬‬
‫هذا السؤال كما قلنا‪ ،‬دار حول الصور واألشكال اجلديدة‪ ،‬للحياة االجتماعية والذي قد‬
‫ينجم عن اخلصائص األساسية املميزة للمجتمع احلضري ( احلجم‪،‬الكثافة‪ ،‬الالجتانس) فكانت‬
‫االجاب ة كالت ايل‪ -:‬يف رتض وي ‪AA‬رث أن الكثاف ة واحلجم الزائ د‪ ،‬والتغ اير والالجتانس‪ ،‬يعت ربان‬
‫متغريات أساسية أو مستقلة أو خصائص‪ ،‬مميزة للمجتمع احلضري‪ ،‬تسلم بدورها إىل عدد من‬
‫اخلص ائص ال يت ترتب ط بطبيع ة احلي اة احلض رية‪ ،‬وشخص ية س اكن احلض ر‪ ،‬وه و ي رى أن ه كلم ا‬
‫ك ربت املدين ة اتس ع نط اق "التن‪AA‬وع الف‪AA‬ردي"‪ A،‬مما ي ؤدي إىل انتش ار عالق ات اجتماعي ة‪ ،‬ذات‬
‫طابع انقسامي سطحي من خالهلا يتعرف احلضري‪ ،‬على عدد أقل من األفراد‪ ،‬وبدرجة أقل‬
‫من املودة‪ ،‬إىل ج انب س يطرة عالق ات املنفع ة‪ ،‬وهن ا يق ول‪":‬إن معرفتن ا ب اآلخرين متي ل إىل أن‬
‫ترتبط بعالقات املنفعة"‪.2‬‬
‫مبع ىن أن ال دور ال ذي يلعب ه اآلخ رون‪ ،‬يف حياتن ا ينظ ر إلي ه على أن ه‪ ،‬وس يلة الجناز و حتقي ق‬
‫أهدافنا ويف الوقت الذي يستطيع فيه الفرد‪ ،‬أن حيقق أعلى درجات التحرر‪ ،‬من القيود العاطفية‬
‫اليت تفرضها اجلماعات القرابية‪.‬يعين هذا أن منو املدينة وتنوعها ‪،‬يؤديان إىل إضعاف العالقات‬
‫االجتماعي ة بني س كاهنا‪ ،‬وه ذا العام ل يع د من أهم العوام ل األساس ية‪ ،‬ال يت تفس ر ض عف‬
‫العالق ات القرابي ة واألس رية‪ ،‬يف اجملتمع احلض ري‪.‬ألن م ا ش هدته ه ذه األخ رية‪ ،‬من تنظيم ات‬
‫ومؤسس ات جعلت مجاع ة األس رة‪ ،‬تتخلى بالت دريج عن وظائفه ا‪ ،‬كم ا دفعت أعض ائها إىل‬
‫االس تغناء عن العالق ات م ع ذويهم‪ ،‬من األق ارب فيم ا يتعل ق بتق دمي الع ون واملس اعدات‬
‫واخلدمات‪ ،‬يستعني باجلماعات االجتماعية األخرى باملدينة‪ ،‬كاألصدقاء ورفاق العمل وغريها‬
‫وه ذا م ا قلص س لطة العائلة عن أعض ائها حس ب ورث وم ا جع ل الرواب ط القرابي ة‪ ،‬بالوس ط‬
‫‪3‬‬
‫احلضري تتسم بالضيق والسطحية‪.‬‬

‫السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم اإلجتماع الحضري‪،‬ج‪،1‬مرجع سابق‪،‬ص‪.237‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد عاطف غيث‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪. 12‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.Yves, GRAFMEYER, Joseph, ISÂAC, L’école de Chicago,Naissance de‬‬
‫‪l’écologie urbaine, Aubier, Paris, 1998 p257, 258.‬‬
‫‪121‬‬
‫‪ -‬رأى وي ‪AA‬رث أن احلجم والكثاف ة والتب اين متغ ريات مس تقلة‪ ،‬لك ل أن واع الفع ل االجتم اعي‬
‫احلضري‪ ،‬تؤدي إىل انتشار العلمانية والعالقات الثانوية‪ ،‬والروابط الطوعية وسيطرت األدوار‬
‫االنقسامية ‪...‬اخل‬

‫‪ -‬كما يرى ويرث‪ A،‬أنه إذا ازداد السوق منوا صاحبه‪ ،‬زيادة كبرية يف تقسيم العمل‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إىل قيام املدن‪ ،‬بوظائف اقتصادية خمتلفة‪ ،‬تعتمد فيها على مواردها اخلاصة‪ ،‬وقد ميتد التخصص‬
‫إىل طابع املدينة‪ ،‬فتتخصص واحدة يف منتجات‪ ،‬وتتخصص أخرى يف منتجات خمتلفة‪ ،‬وهلذا‬
‫تتحول أسواق املدن إىل أسواق قومية ودولية‪.‬‬

‫‪ -‬ي رى وج ود اختالف واض ح بني االتص ال الفيزي ائي يف املدين ة‪ ،‬وبني االتص ال االجتم اعي‬
‫ف األول يتم يز بالش دة بينم ا الث اين يتم يز بالس طحية‪ ،‬مما جع ل الس كان يف املدين ة يُص نفون إىل‬
‫فئات لكل منها رموز‪ ،‬تدل عليها تتمثل يف أزيائهم أو ممتلكاهتم املادية‪ ،‬ويقصد وي‪AA‬رث بذلك‪،‬‬
‫أن املدين ة تنقس م إىل فئ ات أو طبق ات‪ ،‬أو رمبا إىل من اطق متم ايزة املس توى االجتم اعي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬ميكن إدراكها بسهولة‪ ،‬عن طريق بعض اخلصائص‪ ،‬اليت تتعلق بالزي أو اللهجة‬
‫‪1‬‬
‫أو العادات أو املستوى املعيشي العام‪.‬‬

‫حسب ما جاء به وي‪AA‬رث يف هذه النظرية‪ ،‬هو أن كل ما يتميز به األفراد يف املدينة‪ ،‬من‬
‫عالق ات س طحية ونفعي ة‪ ،‬وك ذا اللب اس واللهج ات‪ ،‬يع ود بالدرج ة األوىل إىل النم و الس كاين‬
‫وزيادة حجم املدينة‪ ،‬ألنه كلما كربت املدينة‪ ،‬كلما زاد فيها التغري االجتماعي‪ ،‬يعين هذا أن‬
‫احلض رية ه ذه الص فة املوج ودة يف املدين ة فق ط‪ ،‬هي ال يت جعلت األف راد ميت ازون بالص فات‬
‫احلضرية من الجتانس مع ضعف يف الروابط والعالقات االجتماعية‪.‬‬

‫وهنا يرى م‪AA‬وريس‪ 2 Morris‬أن وي‪AA‬رث‪ ،‬مل يقصد أن احلضرية‪ ،‬كطريقة يف احلياة تقتصر‬
‫على س كان املدين ة‪ ،‬ألن آث ار املدين ة‪ ،‬ميكن أن متت د إىل أبع د من ح دودها االداري ة‪ ،‬كم ا أن‬
‫س كان املدين ة‪ ،‬ليس وا مجيع ا حض ريون بالض رورة‪ ،‬ألن ج زءا منهم ص غري أم كب ري‪ ،‬ق د يك ون‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد عاطف غيث‪،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.12،13‬‬
‫‪2‬‬
‫نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.18‬‬

‫‪122‬‬
‫مهاجرا إليها ومل يتفاعل بعد‪ ،‬أو مل يكتسب مسات احلضرية‪ ،‬وهلذا مل يربط بني وجود السكان‬
‫يف املدينة و بني إتباعهم لطرق حضرية يف احلياة‪ ،‬وذلك ألن احلضرية‪ ،‬تعرب عن جمموعة النظم‬
‫االجتماعي ة واالجتاه ات‪ ،‬ال يت تظه ر عن دما يس تقر الن اس ملدة طويل ة‪،‬وت زداد وتتغ ري يف نفس‬
‫ال وقت‪ ،‬إذا ازداد حجم املدين ة أو منت إىل م ا ال هناي ة‪.‬هلذا فخص ائص احلي اة احلض رية عن د‬
‫وي‪AA‬رث‪ A،‬هي النت ائج املص احبة للبيئ ة الواس عة‪ ،‬ذات الكثاف ة الس كانية الكب رية‪ ،‬ال يت تتم يز بع دم‬
‫التجانس‪.‬‬

‫*رادفيلد روبرت‪:‬وله نفس التفكري و االجتاه لويرث‪ ،‬يرى أن اجملتمع احلضري لديه خصائص‬
‫الفولك"‪Folk‬‬ ‫وثقافة مميزة‪ ،‬تبدو واضحة‪ ،‬يف ضوء اختالفها عن خصائص و ثقافة "مجتمع‬
‫‪ . Society‬ح اول أن يوض ح‪ ،‬كي ف أن الف روق بني اجملتمع ات احلض رية و الش عبية‪ ،‬ترتب ط‬
‫بتط ور بناء املدين ة ذاهتا‪ ،‬يف"كتاب‪AA‬ه ثقاف‪AA‬ة الفول‪AA‬ك عن‪AA‬د اليوكات‪AA‬ان"‪ A‬و هي من أهم أعمال ه‪ ،‬اليت‬
‫نشر فيها نتائج دراسته امليدانية‪ ،‬عرض فيها اطاره التصوري‪ ،‬الذي حدد فكرة متصل الفولك‬
‫احلضري‪.‬‬

‫لق د ق ام رادفيلد بدراس ة أربع ة جمتمع ات حملي ة‪ ،‬يف "ش به جزي رة اليوكات ان باملكس يك"‪،‬‬
‫اف رتض أن كال منه ا‪ ،‬ميث ل نقطة متم يزة‪ ،‬على ط ول متص ل‪ ،‬مت درج يب دأ بمجتم‪AA‬ع الفولك‪ A‬و‬
‫ينتهي باجملتمع احلضري‪ .‬فكانت "مدينة املرييدا"‪ ،‬واحدة من اجملتمعات احمللية األربعة‪ ،‬اليت قام‬
‫ردفيلد بدراس تها‪،‬كم ا ك انت يف نفس ال وقت‪ ،‬أك رب م دن "ش به جزي رة اليوكات ان"‪ ،‬ومشلت‬
‫عددا من اخلصائص‪ ،‬اليت ارتبطت بالنموذج املثايل احلضري‪ ،‬كالتمايز الطبقي الواضح‪ ،‬تقسيم‬
‫العمل املعقد‪ ،‬وانتشار الصناعة والتجارة‪ ،‬والالجتانس املتعدد األبعاد بني السكان‪.‬‬

‫وك انت قري ة "توس ‪AA‬يك" اجملتم ع احمللي الث اين‪ ،‬يف دراس ته‪ ،‬فك انت جتم ع قبلي ص غري‪ ،‬يق ف‬
‫سكانه موقفا عدائيا‪ ،‬من جرياهنم املتحضرين‪ ،‬أما اجملتمعان اآلخران "شانكوم و ديت‪AA‬اس" الذي‬
‫بدأ طرفه األول مبجتمع الفولك‪ ،‬وانتهى مبجتمع أكثر حتضرا‪ ،‬أما "ديتاس" و هي اجملتمع احمللي‬
‫الراب ع يف دراس ة رادفيل‪AA‬د‪ ،‬فق د مثلت خط وة أبع د‪ ،‬يف طري ق التح ول‪ ،‬من منوذج الفول ك إىل‬

‫‪123‬‬
‫النم وذج احلض ري‪ ،‬وك انت جتم ع م ا بني اخلص ائص الريفي ة و احلض رية‪ ،‬يف منتص ف الطري ق‬
‫‪1‬‬
‫الذي مثله متصل الفولك احلضري عند رادفيلد‪.‬‬

‫واتضح أن اجملتمعات احمللية األربعة اليت درسها رادفيلد‪ ،‬ختتلف فيما بينها اختالفا واضحا‬
‫وهذا االخلتالف التدرجيي‪ ،‬بدأ مبدينة و هي "ميريدا"‪ ،‬و انتهى بقبيلة و هي "توسيك"‪ ،‬و هنا‬
‫كان أساس فكرته عن الفولك‪ ،‬يعين ذلك أن اجملتمعات األربعة‪ ،‬عرفت عملية تغيري و تطور‬
‫حضري تدرجيي‪.‬و بعد هذه الدراسة خرج بنتائج‪ ،‬وهي‪ :‬وجود عشر متغريات أساسية‪ ،‬ميكن‬
‫من خالهلا ت رتيب اجملتمع ات األربع ة‪ ،‬كم ا ل و ك انت متث ل تزاي دا أو تناقص ا ت درجييا يف ك ل‬
‫منهما‪ 2.‬فبهذه املتغريات‪ ،‬تقاس درجة حتضر جمتمع الفولك‪ ،‬حبيث يشري تناقص درجة املتغري‬
‫إىل القرب من النموذج الفولكي‪ ،‬و تشري زيادته إىل االقرتاب من النموذج احلضري‪.‬‬

‫‪.1‬إنه أقل أو أكثر ارتباطا بالعامل اخلارجي‪.‬‬

‫‪.2‬أقل أو أكثر تغايرا‪.‬‬

‫‪.3‬أقل أو أكثر تقسيما للعمل‪.‬‬

‫‪ .4‬أقل أو أكثر تطوير القتصاد السوق و املال‪.‬‬

‫‪.5‬أقل أو أكثر احتواءا على ختصصات مهنية أكثر علمانية‪.‬‬

‫‪.6‬أقل أو أكثر بعدا على الروابط القرابية‪.‬‬

‫‪.7‬أقل أو أكثر اعتمادا على مؤسسات ذات طابع غري شخصي للضبط‪.‬‬

‫‪.8‬أقل أو أكثر متسكا بالعقيدة الكاتوليكية أو األصل اهلندي‪.‬‬

‫‪.9‬أقل أو أكثر بعدا عن التمسك بالعادات و األعراف التقليدية‪.‬‬

‫‪.10‬أقل أو أكثر تساحما و تأكيدا للحرية الفردية يف الفعل أو االختيار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.88،89‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 92‬‬

‫‪124‬‬
‫عندما حلل رادفيلد هذه املتغريات‪ ،‬اليت مير هبا اجملتمع‪ ،‬حالة انتقاله من منوذج الفولك إىل‬
‫النم وذج احلض ري‪ ،‬خ رج بثالث مقوم ات أساس ية للتغ ري‪ ،‬أو التح ول احلض ري و هي‪:‬زي ادة‬
‫التفك ك الثق ايف و انتش ار الفرداني ة و العلماني ة‪ ،‬على ط رف نقيض من خص ائص فولكي ة أمهها‬
‫سيطرة التقليدية و اجلمعية و نزعة حنو املقدسات‪ ،‬أما التطور‪ ،‬فهو انتقال من اجملتمع الشعيب‬
‫إىل اجملتمع احلضري‪ .‬إال أن رادفيلد يرى أن الثقافة الشعبية‪ ،‬تعتمد على أن كل أعضاء اجملتمع‬
‫يشاركون فيها‪ ،‬وليس هناك مستوى عايل للتخصص‪ ،‬وهنا استعان مبعلومات أنثروبولوجية‪ ،‬يف‬
‫تتبع تأثري هذا اجملتمع غري االنقسامي يف الدين‪ ،‬وممارسة القوة‪ ،‬وعالقات القرابة‪ ،‬قاصدا بذلك‪،‬‬
‫وصف سلوك الناس‪ ،‬حينما يتصرفون ككائنات عاطفية‪ ،‬مبعىن عندما خيتفي تقسيم العمل و‬
‫األدوار يف حياهتم‪.‬‬

‫وهلذا اعتقد أن املدينة و اجملتمع الشعيب‪ ،‬يكتسبان وجودمها من الفوارق القائمة بينهما‪.‬أما‬
‫االنتق ال من حي اة جمتم ع الفول ك‪ ،‬إىل اجملتم ع احلض ري‪ ،‬عملي ة تتم على مرحل تني‪:‬األوىل‬
‫اإلمتصاص الذي حيدث حلياة جمتمع الفولك‪ ،‬داخل بناء املدينة‪ ،‬والثانية التغريات الداخلية‪ ،‬يف‬
‫االجتاه العقلي عن د احلض ريني‪ ،‬غ ري أن عملي ة التحض ر‪ ،‬تتس م بالغائي ة‪ ،‬ألن احلرك ة من ثقاف ة‬
‫الفول ك إىل احلض رية هلا بداي ة حمددة وغاي ة‪ ،‬حيث تنتهي ه ذه الغاي ة‪ ،‬حينم ا يتم التح ول إىل‬
‫‪1‬‬
‫احلضرية‪ ،‬وحني حتدث تطورات مستقلة يف املدينة‪ ،‬ال تتجه حنو غاية معينة‪.‬‬

‫نالحظ أن رادفيلد تصور هذه النظرية‪ ،‬كنموذج للحياة البدائية البسيطة‪ ،‬اليت جندها أساسا‬
‫يف القبائ ل والق رى الص غرية‪ ،‬فك ان النم وذج الب دائي‪ ،‬نقط ة ابت داء لعملي ة تط ور احلض ارات‬
‫واجملتمعات االنسانية‪ ،‬وتصور النظرية بوجود خط‪ ،‬ميثل مراحل التطور‪،‬اليت تبدأ عند منوذج‬
‫اجملتم ع الب دائي ال ذي أطل ق علي ه رادفيل‪AA‬د‪ ،‬اس م اجملتم ع الش عيب أو جمتم ع الفول ك‪ ،‬أم ا م ا بني‬
‫البدء و االنتماء فتشمل مراحل تطورية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد عاطف غيث‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.39،18،40‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ .4.2‬النظرية القمية‬

‫تركز هذه النظرية‪ ،‬على دور "القيم‪ A‬الثقافية"‪ ،A‬يف حتديد البناء االيكولوجي للمدينة‪ ،‬فهي‬
‫ت رى أن للقيم دور معني يف الق رارات‪ ،‬ال يت تتخ ذ بش أن ختطي ط املدن‪ ،‬عن طري ق الق وة‬
‫االجتماعي ة حيث يق دم أص حاب ه ذا االجتاه‪ ،‬أمثل ة عن املدن كمك ة املكرم ة‪ ،‬بيت املق دس‪،‬‬
‫روما و غريها اليت تؤثر بالقيم الدينية‪ ،‬يف شكلها و نشأهتا و استمرارها‪ ،‬ومن هؤالء املفكرين‬
‫كتاب ات ف ‪AA‬ون جرونب ‪AA‬وم ‪ von Grunebaum‬ع ام ‪ 1955‬يف مق اال يتح دث عن املدن‬
‫االس المية التقليدي ة ال يت هتيمن القيم الديني ة فيه ا‪ ،‬على أن واع النش اطات املختلف ة يف احلي اة‬
‫احلضرية ‪.‬‬

‫ه ذه النظري ة‪ ،‬تتط ابق م ع النظري ة النفس ية االجتماعي ة‪ ،‬و نظري ة الفع ل االجتم اعي‪ ،‬ألن‬
‫الظ واهر االجتماعي ة احلض رية‪ ،‬م اهي يف الواق ع‪ ،‬إال نت اج ملم وس لس لوكات و تص رفات‬
‫سكاهنا‪ ،‬اليت بدورها انعكاسات للقيم الثقافية‪ ،‬اليت حيملوهنا و املوجهة لسلوكاهتم و تصرفاهتم‬
‫و أفع اهلم‪ ،‬ال يت تتجس د على األرض‪ ،‬يف ش كل بن اء أيكول وجي‪ ،‬ض من اط ار معني من نس ق‬
‫‪1‬‬
‫العالقات االجتماعية‪.‬‬

‫كم ا يؤك د ه ذا االجتاه‪ ،‬أن للقيم الثقافي ة و االجتماعي ة‪ ،‬حمددات هام ة‪ ،‬لدراس ة و تفس ري‬
‫أمناط اس تخدام األرض‪ ،‬و البن اء االجتم اعي احلض ري‪ .‬ومن املمكن أن تن درج أعم ال م‪AA‬اكس‬
‫في‪AA A‬بر حتت ه ذا االجتاه‪ ،‬ألن ه اختذ من القيم املس يطرة‪ ،‬على األنس اق االجتماعي ة و الثقافي ة‪،‬‬
‫متغريات أساسية مستقلة‪ ،‬ومن البناء االجتماعي للمدينة‪ ،‬متغريا تابعا و معتمدا‪.‬‬

‫كم ا اتب ع نفس االجتاه ف ‪AA‬ايري ‪ W.Firey‬ال ذي ك ان ل ه الفض ل‪ ،‬يف الت دعيم األم ربيقي‬
‫لقض ايا ه ذا االجتاه‪ ،‬إذ اس تطاع من خالل م ا أتيح ل ه‪ ،‬من بيان ات و معلوم ات‪ ،‬عن مدين ة‬
‫بوس ‪AA‬طون‪ ،‬أن يُق ارن م ا بني العواط ف و املش اعر‪ ،‬ال يت تش ري عن ده إىل القيم‪ ،‬وبني العوام ل‬
‫االقتص ادية من حيث الت أثري على البن اء األيكول وجي و االجتم اعي للمدين ة‪2.‬إذن أك دت ه ذه‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد بوخملوف‪،‬التحضر‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.79‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪. 445‬‬

‫‪126‬‬
‫الدراسات وأخرى‪ ،‬على األثر البالغ‪ ،‬الذي متارسه القيم الدينية‪ ،‬بصفة خاصة يف حتديد مالمح‬
‫البناء األيكولوجي واالجتماعي للمدينة‪.‬‬

‫‪.5.2‬النظرية التكنولوجية‬

‫تسمى هذه النظرية‪ ،‬بنظرية العوملة أيضا‪ ،‬و هي تركز على دور "التكنولوجيا"‪ ،‬يف التأثري‬
‫على البن اء االيكول وجي واالجتم اعي للمدين ة‪ ،‬ومن مت فالعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬وه ذا بس بب‬
‫تطور وسائل االتصال واملواصالت‪ ،‬ودورها يف الزيادة من فرص التبادل والتواصل‪ ،‬والتقليل‬
‫من فرص العزلة االجتماعية‪ ،‬و الزيادة من فرص االختيار‪ ،‬يف املدينة كاختيار منط السكن‪ ،‬منط‬
‫اجلريان وه ذا بفض ل التط ور التكنول وجي‪ ،‬العم ارة والط رق‪ ،‬وس ائل النق ل‪...‬اخل‪.‬ه ذا كل ه أث ر‬
‫على احلي اة االجتماعي ة احلض رية والعالق ات الس كانية والتفاع ل االجتم اعي يف املدين ة‪ .‬و من‬
‫زعماء هذه النظرية جند كل من وليم أوجبرن و أموس هاولي‪ ،‬منويل كاستل‪.‬‬

‫*وليم أوجبرن ‪w orgbur‬وأموس هاولي ‪ 1A.hawley‬يعتربان من أبرز رواد هذه النظرية‬


‫وق د حرص ا على‪ ،‬تأكي د دور وس ائل النق ل‪ ،‬يف الت أثري على األمناط املكاني ة والزماني ة للم دن‬
‫واملراكز احلضرية‪ ،‬فطبيعة سكان املدينة‪ ،‬ومواقع إقامتهم وأعماهلم‪ ،‬تعد يف نظر أوجبرن نتاج‬
‫مباشر لوظائف النقل احمللي‪ ،‬واملدن هي من خلق وسائل النقل اخلارجية والبعيدة املدى‪.‬‬

‫كما قدم ُأوجبرن تفسريا‪ ،‬يف تناوله لقضية الفروق الريفية احلضرية‪ ،‬من خالل صياغة جديدة‬
‫ترتكز‪ ،‬على معاجلة البناء السكين للمجتمعات الريفية و احلضرية‪ ،‬عرب الزمان و املكان‪ ،‬اعتمادا‬
‫يف مناقشة األمناط الريفية و احلضرية‪ ،‬يف ثالث مناذج من اجملتمعات االنسانية‪.‬‬

‫اجملتمعات اليت متر مبرحلة ماقبل الصناعة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫اجملتمعات االنتقالية أو النامية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اجملتمعات املتقدمة صناعيا و تكنولوجيا‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫يرى أن هناك تباعدا أو بعد بني اجملتمعات هذه‪ ،‬ويعود ذلك إىل طبيعة العامل التكنولوجي‬
‫أو الشكل التكنولوجي‪ ،‬الذي يعتمده كل جمتمع‪ ،‬حيث أن طبيعة املدينة نفسها‪ ،‬مسئولة عن‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد بوخملوف‪،‬التحضر‪،A‬مرج سابق‪،‬ص ‪.81‬‬

‫‪127‬‬
‫بعض الظروف واالختالفات‪ ،‬بني الريف واملدينة‪ ،‬اليت تتأثر بشكل السلطة أو القوة أو النظام‬
‫السياس ي و االقتص ادي‪ ،‬ف اجملتمع الرأمسايل‪ ،‬خيتل ف عن اجملتم ع االش رتاكي‪ ،‬من حيث‬
‫‪1‬‬
‫التكنولوجيا إضافة إىل العامل السياسي كالعوملة‪.‬‬

‫هلذا يرى ه‪A‬اولي أيضا‪ ،‬أن تشتت سكان املراكز احلضرية و اعادة التوزيع السكاين‪ ،‬الذي‬
‫تش هده ه ذه املواق ع احلض رية‪ ،‬وغ ري ذل ك من عملي ات ايكولوجي ة‪ ،‬هي اس تجابة مباش رة‪ ،‬ملا‬
‫شهده جمال النقل الداخلي و اخلارجي‪ ،‬من اتساع ملحوظ يف احلركة و التسهيالت النقلية ‪-‬‬
‫فالتكنلوجيا تؤدي إىل انتاج منط معني من العالقات االجتماعية ‪.‬‬

‫‪ -‬وس ائل االتص ال تقل ل من ف رص االتص ال املباش ر‪ ،‬وتقل ل من العزل ة االجتماعي ة‪ ،‬وكثاف ة‬
‫االتصال تؤدي إىل التماسك االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -‬كما أن التكنلوجيا‪ ،‬تؤثر على البناء االيكولوجي للمدن‪ ،‬من حيث املركزية‪ ،‬وعدمها ومن‬
‫حيث منط البناء‪.‬‬

‫ويف هذا السياق نشر منوي‪AA‬ل كاس‪AA‬تل ‪ Manuel castells‬مقال له عام ‪ 1988‬بعنوان‬
‫"االبتكار التكنولوجي و املركزية احلضرية"‪ ،‬ووضح فيه أثر االبتكارات و التكنلوجيا احلديثة‪،‬‬
‫على البن اء األيكول وجي للمدين ة‪ ،‬يف توزي ع الس كان بس بب م ا ت وفره التكنلوجي ا‪ ،‬من وس ائل‬
‫االتصال واملواصالت‪ ،‬اليت وفرت إمكانية العمل عن بعد ويف املنزل‪ ،‬و ذلك بتجاوز املركزية‬
‫‪2‬‬
‫احلضرية‪.‬‬

‫إذن نس تنتج يف األخ ري‪ ،‬أن نظري ات املفس رة للمجتم ع احلض ري‪ ،‬توض ح تقارب ا كب ريا م ع‬
‫نظريات الرابطة االجتماعية‪ ،‬و ذلك من خالل تفسريهم لعقلية و سلوكات األفراد يف املدينة‪،‬‬
‫اليت تعتمد على العقالنية‪ ،‬والفردانية وقد تصل يف الغالب من األحيان‪ ،‬إىل عالقات وروابط‬
‫مصلحية‪ ،‬حيث تضعف الروابط القرابية‪ ،‬واجلماعات األولية بصفة عامة كما فسرها كولي‪،‬‬
‫عما كانت عليه يف اجملتمعات الريفية أو الفولك كما مساها رادفيلد‪ ،‬كل هذا يشري إىل اتفاق‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد ياسر اخلواجة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪. 97،98‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد بوخملوف‪ ،‬التحضر‪،‬مرج سابق‪،‬ص ‪. 82‬‬

‫‪128‬‬
‫كبري بني علماء االجتماع على ضعف الرابطة االجتماعية بكل أنواعها يف اجملتمع احلضري أو‬
‫جمتمع املدينة‪.‬‬

‫كما أن ما انتهت إليه أفكار ويرث ورادفيلد من نتائج أو تصورات نظرية‪ ،‬جعلت املدينة‬
‫تأخذ حمتوى ثقافيا خاصا‪ ،‬لتصبح تبعا لذلك‪ ،‬متغريا حتليليا لتفسري هذا احملتوى‪ ،‬حبيث تعرض‬
‫الثقافة احلضرية‪ ،‬باعتبارها طريقة للحياة‪ ،‬ولوال تلك املتغريات السيكولوجية‪ ،‬اليت أكدها كل‬
‫من فيبر وزيمل وشينجلر‪ ،‬ألدرجنا منظوراهتم ضمن النظرية الثقافية‪ ،‬ألهنم حاولوا هم أيضا‬
‫إبراز خصائص الثقافة احلضرية‪ ،‬وذلك باتباعهم مدخل سيكولوجي واضح‪ ،‬ومميز كما بدى‬
‫وجود صلة أيضا‪ ،‬ما بني أفكار ويرث وردفيلد‪ ،‬من ناحية و بني فيبر وزيم‪AA‬ل وش‪AA‬ينجلر من‬
‫ناحي ة أخ رى‪،‬كم ا نالح ظ ت أثرهم ب األوروبيني يف دراس ة املدين ة و احلض رية‪ .‬وعلى املس توى‬
‫األمربيقي‪،‬أوضحت الدراسات احلديثة اليت أجراها بعض الباحثني األمريكيني‪ ،‬أمثال ج‪A‬وردن‬
‫‪ W.Gordon‬وه ‪AA‬وايت ‪ W.F.Whyte‬أن رادفيل ‪AA‬د ك ان مبالغ ا إىل ح د كب ري‪ ،‬يف تق دير‬
‫العلماني ة و التفك ك كس مات مميزة للمجتم ع احلض ري‪ ،‬ح ىت يف الوالي ات املتح دة األمريكي ة‪،‬‬
‫فلقد توصل أوسكار لويس ‪ O.lewis‬إىل أن حتضر مدينة المكس‪A‬يك‪ ،‬مل يصاحب بالضرورة‬
‫‪1‬‬
‫تدهور النظام االجتماعي واألخالقي‪.‬‬

‫‪ .III‬الرابطة االجتماعية في المجتمع الجزائري‪ A‬وأهم الدراسات السابقة الجزائرية‬

‫‪ .1‬خصائص المجتمع واألسرة والقرابة في الجزائر‬

‫تعترب األسرة نسقا جزئيا‪ ،‬من أنساق اجملتمع الكلي‪ ،‬لذلك فهي تتأثر مبا حيدث يف اجملتمع‬
‫من تغريات و حتوالت‪ ،‬وبالتايل فإن احلديث عن اجملتمع اجلزائري‪ ،‬يقودنا إىل احلديث عن أبرز‬
‫التغريات‪ ،‬اليت طرأت على األسرة اجلزائرية‪ ،‬والقرابة بصفة عامة‪.‬كما أن احلديث عن الرابطة‬
‫االجتماعية القرابية يف اجلزائر‪ ،‬يقودنا أيضا‪ ،‬إىل معرفة اجملتمع اجلزائري‪ ،‬وبالذات بنيته الرئيسية‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.434‬‬

‫‪129‬‬
‫املتمثلة يف األسرة‪ ،‬اليت تتشكل فيها الروابط و العالقات األسرية و القرابية‪ ،‬ألن األفراد داخل‬
‫األسرة‪ ،‬هم أقارب تربطهم رابطة القرابة الدموية‪ ،‬فهم ميثلون مجاعة أولية‪.‬‬

‫هلذا إن أهم ما مييز اجملتمع اجلزائري‪ ،‬عرب مراحله التارخيية ‪،‬وجود حمطات‪ ،‬أثرت على بنيته‬
‫االجتماعية‪،‬كاملرحلة العثمانية و املرحلة االستعمارية‪ .‬فاجملتمع اجلزائري‪ ،‬قبل االستعمار كان‬
‫يتكون من جمموعة من القبائل و العشائر‪ ،‬على رأس كل قبيلة أو عشرية ‪،‬شيخ يوقره وحيرتمه‬
‫بقية األفراد‪ .‬حيث يقوم ال شيخ بتنظيم شؤون القبيلة‪ ،‬بالسهر على حتقيق االستقرار‪.‬‬

‫وبدخول االستعمار‪ ،‬حدثت تغريات كثرية‪ ،‬على اجملتمع اجلزائري‪ ،‬أمهها حماولة االستعمار‬
‫حمو اهلوية الوطنية‪ ،‬وتفكيك نظام القبائل‪ ،‬إلضعاف عالقات القرابة‪ ،‬وقتل الروح اجلماعية‪.‬ألن‬
‫الرواب ط القرابي ة‪ ،‬ك انت تلعب دورا كب ريا يف ق وة اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬ف أدى ذل ك إىل تالش ي‬
‫امللكية اجلماعية وانتشار امللكية الفردية‪ ،‬مما أدى إىل انتقال اجملتمع اجلزائري‪ ،‬من نظام عش ائري‬
‫إىل نظ ام ع ائلي تطغى عليه ش كل األس رة املمت دة‪ 1.‬إال أن القبيل ة قب ل االس تعمار الفرنسي‪،‬‬
‫ك انت التنظيم األك ثر ب روزا واألك ثر ق دما‪ ،‬يف جمتمع ات املغ رب الع ريب‪ ،‬مبا يف ذل ك اجملتم ع‬
‫اجلزائري‪ ،‬الذي كان حيكم فيه كل قبيلة شيخ كبري يف السن‪ ،‬فهو مبثابة الزعيم الروحي هلا‪،‬‬
‫وهو وحده يتوىل أمور تسيريها ماديا ومعنويا‪ ،‬وهو املسـؤول عـن توزيـع األدوار والوظائف‪،‬‬
‫مع فض النزاعات اليت حتدث داخل القبيلة‪.‬‬

‫وبدخول االستعمار الفرنسي إىل اجلزائر‪ ،‬إذن حدث خلل وعـدم تـوازن‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫سياس ة التفكي ك‪ ،‬ال يت ط رأت على البُىن واهلياك ل االجتماعيـة‪ ،‬يف اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬ونتيج ة‬
‫للص عوبات ال يت واجهت االحتالل الفرنس ي‪ ،‬بس بب النظ ام القبلي‪ ،‬أدى ب ه األم ر إىل القض اء‬
‫على القبيلة‪ ،‬وتعويضها بشبكة إدارية‪ ،‬ذات رقابـة صـارمة‪ ،‬فأصبحت القبيلة اجلزائرية‪ ،‬يف حالة‬
‫احتضار منذ العقود األخرية‪ ،‬من القـرن التاسع عشر‪،‬كما عمدت فرنسا‪ ،‬إىل تفكيك النسيج‬
‫االقتص ادي واس تبدال املنظومـة‪ ،‬والعالئقي ة يف الري ف اجلزائ ري‪،‬ك ل ه ذا أدى إىل تغ ريات‬

‫‪ . 1‬شرع اهلل ابراهيم‪ ،‬دور العوامل السوسيوثقافية يف تأسيس الثقافة اجملتمعية لدى الشباب‪ ،‬مجلة الشباب ومشكالت المجتمع‪،‬‬
‫العدد األول‪ ،‬جانفي ‪ ،2013‬اجلزائر‪،‬ص‪.121‬‬

‫‪130‬‬
‫سسـيوثقافية‪ ،‬مـن هتمـيش للمجتمـع احمللـي‪ ،‬واض طراب يف املف اهيم‪ ،‬فالح ة ب دون فالحني‪،‬‬
‫حضريون بدون مديـنة‪ .‬وبظهور امللكية الفرديـة حمـل امللكيـة اجلماعية‪ ،‬انتقلت السلطة من حكم‬
‫ش يخي‪ ،‬إىل نظ ام أب وي ومن هذا ظهر النظام الع ائلي‪ ،‬يف ش كله املوسع‪ ،‬والس لطة األبوية يف‬
‫‪1‬‬
‫اجملتمع اجلزائري‪.‬‬

‫أم ا التح والت الواقع ة م ا بني ‪ 1962 -1954‬يف اجلزائ ر‪ ،‬وهي س نوات ح رب التحري ر‬
‫فنتجت عنه ا أك رب التفكك ات االجتماعي ة‪ ،‬ال يت ش هدها اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬يف العهد‬
‫ا‪Le.‬‬ ‫االس تعماري‪ ،‬حس ب م ا ذك ره بي ‪AA A A‬ير بورديو و عب ‪AA A A‬د المالك‪ A‬ص ‪AA A A‬ياد يف كتاهبم‬
‫‪ 2 déracinement‬أي "اقتالع السكان الريف يني من أراضيهم "‪،‬وإجب ارهم على السكن يف‬
‫حمتش دات‪ُ ،‬خصص ت هلم قص د حتقيق إس رتاتيجييت‪ ،‬قط ع مص ادر التم وين‪ ،‬ومن ع االتص ال بني‬
‫السكان والثوار‪ ،‬من جهة وإحكام السيطرة وفرض املراقبة‪ ،‬على هؤالء السكان اجملمعني من‬
‫جه ة أخ رى‪.‬فسياس ة جتمي ع الس كان يف احملتش دات‪ ،‬ك انت هلا انعكاس اهتا اآلنية و املس تقبلية‪،‬‬
‫حيث ك انت أهم نتائجه ا‪ ،‬على املدى القص ري‪ ،‬نش ؤ أش كال جدي دة من األلف ة االجتماعي ة‪،‬‬
‫‪ Sociabilité Sociale‬النامجة عن أوضاع التشرد‪ ،‬هلذا ظهرت على إثرها‪ ،‬أعداد هائلة من‬
‫الفالحني املطرودين من أراضيهم‪ ،‬ال ميكن أن نطلق عليهم سوى إسم" الرابظين على أب‪AA‬واب‪A‬‬
‫الحض ‪AA‬ارة" أو"مجموع ‪AA‬ات م ‪AA‬ا دون الطبق ‪AA‬ة‪A"،‬ألهنم أص بحوا فالحني ب دون أرض‪ ،‬أو م دنيني‬
‫بعيدين كل البعد عن حياة املدينة‪.‬‬
‫كما شكلت هذه احملتشدات‪ ،‬بعد حصول اجلزائر على استقالهلا السياسي سنة ‪ 1962‬اخلزان‬
‫الذي طعم النزوح الريفي حنو املدن‪.‬‬
‫هلذا عموم ا ميكن الق ول أن الف رتة االس تعمارية‪ ،‬أرس ت قواع د التح ديث املادي يف اجلزائ ر‬
‫بإنش ائها بعض املدن أو الض واحي احلديث ة‪ ،‬على الط راز األورويب يف املدن القدمية‪ ،‬وبإض فاء‬
‫الط ابع الرأمسايل على االقتص اد‪ ،‬وتعميم نظ ام األج ور والتعامل النق دي‪ ،‬وفتح بعض املن اجم‬

‫‪ .1‬حممد جنيب بوطالب‪ ،‬سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.101،102‬‬
‫‪Cf.Pierre, BOURDIEU et Abdelmalek SAYAD, Le Déracinement:La Crise de‬‬
‫‪2‬‬

‫‪L'agriculture Traditionnelle en Algérie , Paris , Minuit, 1964.‬‬


‫‪131‬‬
‫وإنش اء بعض املدارس واملعاه د‪...‬اخل‪ ،‬ولكن ه ذا التح ديث‪ ،‬مل تس تفيد من ه فئ ات الش عب‬
‫اجلزائري الواسعة اليت سامهت فيه‪ ،‬وحتملت آثاره النفسية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬ألهنا ظلت‬
‫فقرية وحمرومة‪.‬‬
‫وميكن اعتبار نزوح الفالحني اجلزائريني‪ ،‬من قراهم حنو املدن‪ ،‬حبثا عن عمل‪ ،‬جراء احلملة‬
‫الواس عة ‪،‬ال يت ش نتها عليهم اإلدارة الفرنس ية‪ ،‬الغتص اب أراض يهم‪ ،‬احلملة األوىل يف ت اريخ‬
‫اهلج رة الريفي ة يف اجلزائ ر‪ ،‬وتلت ه ذه املوج ة موجت ان‪ ،‬اح‪AA A‬داهما رافقت الس نوات األوىل‬
‫لالس تقالل‪ ،‬وك ان معظم الن ازحني ريف يني والج ئني‪ ،‬يف البالد اجملاورة ت ونس واملغ ر ب‪ ،‬أم ا‬
‫الموج ‪AA‬ة الثانية‪ A‬فق د ص احبت انطالق ة التص نيع‪ .‬ه ذا م ا رآه عب ‪AA‬د الق ‪AA‬ادر جغل ‪AA‬ول‪-‬ب ‪AA‬احث‬
‫اجتماعي جزائري‪ -‬قائال لقد رافق االستقالل‪ ،‬موجة ثانية من النزوح الريفي‪ ،‬ويف هذه املرة‪،‬‬
‫ينبغي احتالل مكان املستعمر والدخول يف عامل‪ ،‬كان ممنوعا من اآلخر‪ ،‬واالستفادة أيضا‪ ،‬من‬
‫التح ديث املكتس ب‪ ،‬أم ا املوج ة الثالثة فهي مص احبة النطالق ة التص نيع‪ ،‬فال ش ك أن التوزي ع‬
‫الغري متكافئ لفرص العمل وخمتلف اخلدمات االجتماعية‪ ،‬الصحية‪ ،‬التعليمية‪ ،‬وحىت الرتفيهية‬
‫منه ا‪...‬اخل‪ ،‬س اهم يف امت داد ظ اهرة ال نزوح ال ريفي‪ ،‬إىل يومن ا ه ذا‪ ،‬مما س اهم يف تف وق نس بة‬
‫‪1‬‬
‫السكان‪ ،‬يف القطاع احلضري عنه‪ ،‬يف القطاع الريفي‪.‬‬
‫وبع د االس تقالل‪ ،‬ظه رت الكث ري من التغ ريات‪ ،‬مس ت العدي د من القطاع ات‪،‬كاجملال‬
‫االقتص ادي‪ ،‬االجتم اعي‪ ،‬وال دميغرايف‪ ،‬مما اث ر على تركيب ة األس رة اجلزائري ة‪ ،‬حيث أخ ذت‬
‫تتح ول من أس رة ممت دة إىل أس رة نووي ة‪ ،‬كم ا ظه رت حتوالت أخ رى‪ ،‬على االس رة‬
‫اجلزائري ة‪،‬كتحوهلا من منوذج اجتم اعي اس تهالكي‪ ،‬ق ائم على عالق ات القراب ة‪ ،‬يعتمد أساس ا‬
‫على الزراعة والفالح‪ ،‬إىل منوذج فردي ‪،‬قائم على االقتصاد الصناعي‪ .‬وبذلك أخذت التنشئة‬
‫االجتماعي ة أبع ادا جدي دة ‪،‬يف ظ ل األس رة احلديث ة‪ .‬حيث مل تع د تقتص ر التنش ئة‪ ،‬على أف راد‬
‫األسرة فقط‪ ،‬بل أصبحت مؤسسات عديدة تساهم يف تنشئة األفراد‪.‬‬

‫‪.1‬عبد القادرجغلول‪ ،‬تاريخ الجزائر‪ A‬الحديث‪،‬دراسة سوسيولوجية‪ ،‬تر‪:‬عباس فيصل‪،‬بريوت‪ ،‬دار احلداثة مع ديوان املطبوعات‬
‫اجلامعية‪ ،‬ط‪،1983 1‬ص‪.226-225‬‬

‫‪132‬‬
‫واستخالصا ملا ذكرنا‪ ،‬فاﻤﻟجتمع اجلزائري مثل باقي اﻤﻟجتمعات األخرى‪ ،‬عرف تغريات يف‬
‫الكثري من اجملاالت‪ ،‬و باألخص األسرة‪ ،‬وهي اليت ال ميكن فصلها عن التغريات‪ ،‬اليت حتدث يف‬
‫اﻤﻟجتم ع‪ ،‬خاص ة يف مراحل ه االنتقالي ة بني الق دمي واحلديث‪ ،‬وأي تغ ري يف اجملتم ع‪ ،‬يقتض ي تغ ري‬
‫األسرة والعكس صحيح‪ ،‬ولتحديد بنية الروابط االجتماعية القرابية اجلزائرية‪ ،‬وما طرأ عليها‬
‫من تغ ريات بنائي ة ووظيفي ة‪ ،‬الب د من البحث يف املمه دات‪ ،‬ال يت أدت إىل تط ور األس رة‬
‫اجلزائري ة‪ ،‬لتص ل إىل ش كلها احلايل‪ .‬فمن املع روف أن األس رة اجلزائري ة‪ ،‬ك انت ذات ط ابع‬
‫ريفي‪ ،‬يع ود إىل أص ل اﻟجمتم ع اجلزائري‪ ،‬حيث ك انت ه ذه األخ رية‪ ،‬تنتمي إىل الع رش‪ ،‬ال ذي‬
‫يضم جمموعة كبرية من القبائل‪ ،‬وجتمع كل قبيلة‪ ،‬جمموعة من األسر‪ ،‬تتآزر فيما بنيها حلماية‬
‫األسرة والفرد‪.‬‬
‫وه ذه الطبيع ة الريفي ة ﻟجمتمعن ا‪ ،‬جعلت ه يعتمد على األس رة املمت دة أو العائل ة‪ ،‬قب ل دخ ول‬
‫الص ناعة والتكنولوجي ا‪ ،‬وت أثري اهلج رة بش ىت أنواعه ا‪ ،‬س واء اهلج رة من الري ف إىل املدين ة‪ ،‬أو‬
‫اهلج رة إىل اخلارج خاص ة فرنس ا‪ ،‬األم ر ال ذي أدى‪ ،‬إىل ظه ور األس رة النووي ة املنتش رة‪ ،‬يف‬
‫اﻟجمتمعات الغربية وكانت السلطة واملسؤوليات اخلارجية‪ ،‬ترتكز بيد كبريها‪ ،‬وهو األب الذي‬
‫ينف ق على األس رة‪ ،‬وه و ال ذي يق وم بتنظيم الص رف‪ ،‬اإلنف اق‪ ،‬واالدخ ار‪ ،‬أم ا املرأة فتقتص ر‬
‫مسؤولياﻬﺗا‪ ،‬على تربية األطفال ورعايتهم‪ ،‬وتربز مكانتها وتصبح ذات األمهية‪ ،‬كلما كان هلا‬
‫ع دد كب ري من األوالد ال ذكور‪ ،‬فهم مرك ز االهتم ام يف األس رة اجلزائري ة‪ -‬وتس يري الش ؤون‬
‫الداخلية للبيت‪ -‬كما متيزت العالقات القائمة يف األسرة املمتدة‪ ،‬باختالفات واضحة‪ ،‬حسب‬
‫الس ن واجلنس واالجتاه الق رايب وأهم م ا مييز األس رة اجلزائري ة التقليدي ة‪ ،‬ذل ك احلاجز بني‬
‫اجلنس ني‪ ،‬وه و ح اجز مسيك‪ ،‬يرتك ز على فك رة احملافظ ة على البق اء األخالقي واجلس دي‬
‫‪1‬‬
‫للمرأة‪.‬‬
‫كما متيزت العالقة بني اآلباء واألبناء‪ ،‬بالطاعة واالحرتام التام‪ .‬وترى بعض الدراسات‪ ،‬أن‬
‫حركة النزوح من الريف إىل املدينة‪ ،‬جعلت األسرة اجلزائرية‪ ،‬تفقد شكلها األصلي‪ ،‬كأسرة‬
‫ممت دة يص ل ع دد أفراده ا‪ ،‬إىل أك ثر من أربعني ف ردا‪ ،‬وتتج ه حنو ش كل األس رة النووي ة‪ ،‬م ع‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬مصطفى بوتفنوشنت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.273‬‬

‫‪133‬‬
‫اإلش ارة إىل متيز ه ذه األخ رية بك ثرة اإلجناب‪ .‬حيث ي رتاوح متوس ط ع دد أفراده ا بني مخس ة‬
‫وسبعة أفراد‪ ،‬مع احتفاظها بوظائف األسرة املمتدة‪ ،‬وهكذا توضح لدينا بعد االستقالل‪ ،‬بداية‬
‫تبلور أسرة جزائرية جتمع بني خصائص األسرة النووية ووظائف األسرة املمتدة‪ ،‬وهو ما أطلق‬
‫مر ﻬﺑا اﻟجمتمع‬
‫عليه البعض إسم األسرة املركبة‪ ،‬وتغريت األسرة اجلزائرية ‪،‬تبعا للمراحل اليت ّ‬
‫اجلزائري من حيث البناء‪ ،‬ألن الفرد يف املدينة‪ ،‬يعمل يف املؤسسات الصناعية والتجارية‪ ،‬على‬
‫أس اس الق درة والكف اءة‪ ،‬دون اعتب ار للجنس أو القراب ة‪ ،‬كم ا ه و احلال يف الري ف‪ ،‬وذل ك م ا‬
‫يسمح لألسرة باالنتقال العمودي‪ ،‬يف السلم االجتماعي واالقتصادي ‪،‬من األسفل إىل األعلى‬
‫والعكس‪.‬‬
‫كما ميكنها من االنتقال األفقي‪ ،‬بتغيري إقامتها من منطقة جغرافية‪ ،‬إىل أخرى تبعا لفرص‬
‫العمل املتاحة‪ ،‬وذلك عوض االرتباط بقطعة أرض واحدة‪ ،‬والعمل يف جمال الزراعة‪ ،‬هذا ما‬
‫جع ل األس رة اجلزائري ة‪ ،‬تتج ه حنو الفردي ة‪ ،‬ومن مث تقلص حجمه ا‪ ،‬من أس رة ممت دة متع ددة‬
‫األجيال‪ ،‬إىل أسرة نووية حمدودة العدد‪ ،‬تضم يف األغلب الزوج والزوجة واألبناء الصغار‪ ،‬وما‬
‫ي دعم ه ذا االجتاه ظ اهرة ال زواج من خ ارج األس رة‪ ،‬ال ذي ك انت متنع ه األس رة املمت دة‪ ،‬وأث ر‬
‫على تغيري بناء األسرة اجلزائرية على بعض وظائفها‪ ،‬فأصبحت السلطة فيها‪ ،‬بعد االستقالل‪،‬‬
‫مرتبطة بالوضع االقتصادي واملركز االجتماعي والسياس ي والعلمي واإلداري‪ ،‬بعد أن كانت‬
‫مرتبطة بالقيم والعادات والتقاليد‪ .‬وغالبا ما تكون لكبار السن‪ ،‬من الذكور‪.‬كما تغرّي مركز‬
‫املرأة‪ ،‬حبيث مل تعد السلطة يف تسيري شؤون األسرة‪ ،‬مركزة يف يد الرجل‪ ،‬خاصة بعد خروج‬
‫‪1‬‬
‫املرأة إىل العمل‪ ،‬الذي أعطاها االستقاللية االقتصادية‪.‬‬
‫ويف ضوء ما تقدم خلص الباحثون‪ ،‬التغريات اليت طرأت على األسرة اجلزائرية‪ ،‬كاالنفجار‬
‫السكاين‪ ،‬ونوع املسكن‪ ،‬وظهور األسرة احلديثة أو الزواجية‪ ،‬اليت تتكون من الزوج والزوجة‬
‫واآلبناء مستقلة عن العائلة الكبرية‪ .‬وكذا التحرك االجتماعي‪ ،‬الذي متثل يف النزوح إىل املدن‬
‫هذه الوضعية كانت نتيجة سياسة اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬ثقافية‪.‬‬

‫‪. 1‬حممد السويدي‪ ،‬مقدمة يف دراسة اجملتمع اجلزائري‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬اجلزائر‪،‬ص‪91‬‬

‫‪134‬‬
‫وهن ا يش ري م‪AA‬وريس بورم‪AA‬انس إىل أن األس رة يف املغ رب الع ريب‪ ،‬ق د تعرض ت لتط ورات و‬
‫تغريات متثلت يف ثالثة أشكال ‪:‬‬
‫‪ 1-‬األسرة احملافظة‪:‬تتواجد بكثرة يف القرى ‪.‬‬
‫‪2-‬األس رة املتحول ة أو االنتقالي ة‪:‬و هي ال يت ت دعو‪،‬إىل اجلم ع بني األفك ار املعاص رة واألفك ار‬
‫احملافظة‬
‫‪-3‬األسرة املتطورة‪ :‬هذا الشكل‪ ،‬مييل إىل الثقافة الغربية من العادات والتقاليد‪1.‬كما أن هذا‬
‫النوع من األسرة‪ ،‬أصبح سائدا يف اجملتمع اجلزائري احلديث‪.‬‬
‫إذن خالص ة الق ول‪ ،‬هي أن اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬ع رف تغ ريا اجتماعي ا كب ريا‪ ،‬مل ي أيت دفع ة‬
‫واحدة وإمنا عرب مراحل معينة‪ ،‬جعلت األسرة تتغري‪ ،‬من أسرة ممتدة العائلة إىل أسرة نووية و‬
‫زواجيبة‪.‬‬
‫ه ذا م ا أث ر على الرواب ط القرابي ة‪ ،‬فتغ ريت هي األخ رى‪ ،‬ألن األس رة النووي ة‪ ،‬مل تع د تعيش‬
‫داخل العائلة‪ ،‬كما كانت ضمن روابط قرابية دائما‪ ،‬يعين هذا‪ ،‬أهنا بعُدت يف املكان و ن ُقصت‬
‫قوة الروابط إن صح التعبري‪ ،‬ولكنها مل تتفكك أو تزول‪ ،‬وإمنا تناقصت‪ ،‬مبعىن أن درجتها أو‬
‫شدهتا تراجعت عما كانت عليه‪.‬‬
‫كم ا ُأج ريت دراس ات ح ول التغ ري االجتم اعي يف اجلزائ ر‪ ،‬وملتقي ات ح ول األس رة و‬
‫الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬ال يت ع رفت حتوالت اجتماعي ة‪ ،‬يف امللتقى الوط ين الراب ع لقس م علم‬
‫االجتم اع‪ ،‬بكلي ة العل وم االنس انية و االجتماعي ة‪ ،‬جلامع ة اجلزائ ر‪.‬ح ول موض وع الرواب ط‬
‫االجتماعي ة يف اجملتم ع اجلزائ ري املنعق د ي ومي ‪7‬و‪ 8‬نوفم رب ‪.2006‬و يف ه ذا امللتقى‪ ،‬قُدمت‬
‫بعض الدراس ات اهلام ة ال يت تتعل ق بتغ ري الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬يف اجلزائ ر املرتبط ة باألس رة‪،‬‬
‫موضحني التغريات اليت شهدهتا االعالقات والتفاعالت االجتماعية يف خمتلف احلقول‪.‬‬
‫‪ .2‬أهم الدراسات‪ A‬السابقة‪ A‬الجزائرية‪A‬‬

‫‪.1‬شرع اهلل ابراهيم‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.121‬‬

‫‪135‬‬
‫‪.1.2‬اله‪AA‬واري ع‪AA‬دي‪ :‬التح‪AA‬والت االجتماعي‪AA‬ة في المجتم‪AA‬ع الجزائ‪AA‬ري األس‪AA‬رة والرابط‪AA‬ة‬
‫االجتماعية‬

‫يوض ح ع‪AA‬دي اله‪AA‬واري‪-‬أس‪AA‬تاذ و ب‪AA‬احث جزائ‪AA‬ري بجامع ‪A‬ة‪ A‬لي‪AA‬ون الفرنس‪AA‬ية‪ 1A-‬من خالل‬
‫دراسته اليت نشرها يف كتابه املوسوم‪ ،‬حتوالت اجملتمع اجلزائري‪ ،‬األسرة و الروابط اإلجتماعية‬
‫منوذجا للتحول‪ ،‬على أن اجملتمع اجلزائري‪ ،‬عرف حتوالت كبرية‪ ،‬بعد االستقالل‪ ،‬حيث ظهر‬
‫هذا التغري بوضوح على األسرة اجلزائرية‪ ،‬ومشل كل الروابط االجتماعية املختلفة‪ ،‬فبدأ بالنزوح‬
‫ال ريفي حنو املدن‪ ،‬مما أدى حس ب رأي ه‪ ،‬إىل ح دوث م ا مساه‪ ،‬بأزم ‪AA‬ة الرابط ‪AA‬ة االجتماعية يف‬
‫اجلزائر وذلك بتحول طبيعة الروابط االجتماعية‪ ،‬بعدما كانت دموية قوية‪ ،‬إىل روابط مصلحية‬
‫حديث ة‪ ،‬مما س بب يف ظه ور األس رة النووي ة‪ ،‬أو كم ا يس ميها "باألس رة الزواجي ة"يف املدين ة‪،‬‬
‫قاصدا بالزواجية أن الرباط بينهم رباط الزواج‪ ،‬وليسوا أقارب‪ ،‬كما كان الزواج بني األقارب‬
‫يف الس ابق‪ ،‬فه و ي رى أن اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬ك ان جمتمع ا يق وم على العائل ة الكب رية أو العائل ة‬
‫املمت دة‪ ،‬ال يت تس يطر فيه ا س لطة األب‪ .‬وال زواج يف الغ الب بني األق ارب‪ .‬مث بتغ ري اجملتم ع و‬
‫ظه ور أزم ات في ه‪ ،‬كأزم ة الس كن مثال و ال يت يعتربه ا من األس باب الرئيس ية‪ ،‬يف تغ ري منط‬
‫األسرة‪ ،‬اليت ترتب عنها انفصال األسرة النووية‪ ،‬عن األسرة الكبرية‪ ،‬فأدى ذلك إىل تباعد يف‬
‫الرواب ط‪ ،‬و ض عف رابط ة القراب ة‪.‬ألن ه يش ري إىل أن زواج األق ارب‪ ،‬ب دأ ي زول يف اجملتم ع‬
‫اجلزائري‪ ،‬وخلفه الزواج اخلارجي‪ ،‬مما زاد يف تغرُي رابطة القرابة‪.‬‬

‫و هن ا يأك د الب احث على أن اجملتم ع اجلزائ ري عام ة‪ ،‬مير بأزم ة الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬ال يت‬
‫تتمثل يف أزمة املرور‪ ،‬من الروابط الدموية إىل الروابط احلديثة‪ ،‬وكذلك أزمة الروابط الداخلية‪،‬‬
‫اليت تعيشها األسرة اجلزائرية‪ ،‬بسبب أزمة السكن‪ .‬ففي نظره هذه األزمات‪ ،‬سامهت بشكل‬
‫كبري يف ضعف الروابط االجتماعية يف اجلزائر‪.‬‬

‫‪. La houari, ADDI ,Les mutations de la société algérienne:famille et lien social ,‬‬
‫‪1‬‬

‫‪Paris, la Découverte, 1999.‬‬


‫‪136‬‬
‫أما ما يُقوي و يثبت الروابط االجتماعية فهي‪ :‬الثقافة‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬السياسة‪ ،‬كما أن احلداثة‬
‫يف ه ذه اجملاالت‪ ،‬تعطي االس تقاللية و التن وع‪ ،‬ويقص د هن ا باحلداث ة‪ ،‬ه و حتوي ل الرواب ط‬
‫االجتماعي ة من الدموي ة أي القرابي ة إىل املواطن ة‪ ،‬دون أن يلغي الثقاف ة ال يت يقص د هبا‪ ،‬التنش أة‬
‫االجتماعي ة األس رية و غريه ا‪ ،‬من روح الثقاف ة الوطني ة‪ ،‬كم ا أهنا ال تتش بع بثقاف ات أخ رى‬
‫دخيلة وإمنا تعطي احلرية للسياسة و االقتصاد يف التطور‪ .‬مبعىن أن الروابط االجتماعية‪ ،‬التزول‬
‫إذا متس ك األف راد بثق افتهم األولي ة‪ ،‬بينم ا يغ ريون و يط ورون السياس ة و االقتص اد‪ .‬و املش كل‬
‫املطروح هنا هو أن اجملتمع اجلزائري املعاصر‪ ،‬تبدأ أزمته يف الروابط‪ ،‬من خالل الصعوبات اليت‬
‫تواجهه ا ه ذه الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬يف اخلروج من الرواب ط الدموي ة‪ ،‬ال يت ُحبس ت يف الرواب ط‬
‫البيولوجية‪ ،‬بسبب فشل الدولة يف حل بعض األزمات كأزمة السكن‪.‬‬

‫فهو يرى أن الروابط الدموية‪ ،‬بدورها تعيش أزمة‪ ،‬ألهنا يف حالة حبث عن دعم أكثر‪ ،‬لوسع‬
‫غاياهتا الفردي ة‪ ،‬وه ذا م ا جيع ل األف راد‪ ،‬حياولون نس ج ش بكة من العالق ات‪ ،‬خ ارج رابطتهم‬
‫‪1‬‬
‫القرابية ذلك تعويضا لفشل الدولة‪ ،‬وتعبريا عن أزمة يف الروابط االجتماعية اجلزائرية‪.‬‬

‫‪.2.2‬مص‪AA‬طفى بوتفنوش‪AA‬نت‪:‬العائل‪AA‬ة والرواب‪AA‬ط االجتماعي‪AA‬ة في الجزائ ‪A‬ر‪ A‬التط‪AA‬ور والخص‪AA‬ائص‬


‫الحديثة‪A.‬‬

‫درس مص‪AA A‬طفى بوتفنوش‪AA A‬ت ‪ -M,Boutefnouchet‬أس‪AA A‬تاذ وب‪AA A‬احث جزائ‪AA A‬ري جامع‪AA A‬ة‬
‫الجزائر‪"-‬العائلة اجلزائرية‪ ،‬التطور واخلصائص احلديثة" ‪ 1984‬و هو موضوع دكتوراه درجة‬
‫ثالثة يف علم اجتماع التنمية يف جامع‪AA‬ة ب‪AA‬وردو تقدم به حتت عنوان " تطور البنيات العائلية–‬
‫اإلقتصادية من اجلزائر التقليدية إىل اجلزائر املعاصرة‪".‬فلقد اهتمت هذه الدراسة باجلانب البنائي‬
‫للعائلة اجلزائرية ‪،‬مركزا فيها على شكل العالقات العائلية يف اجلزائ ر‪ ،‬من خالل اإلجابة عن‬
‫اإلشكالية التالية‪":‬ما نوع التطور يف اجلزائر الذي خاض ثورة اشرتاكية‪ ،‬ماهي العائلة اجلزائرية‬
‫يف بلد حتدث فيه حتوالت بسرعة يف مراحل للسري حنو التقدم ؟"‬

‫‪1‬‬
‫‪.La houari, ADDI, Op.cit, P,27,30-123.‬‬
‫‪137‬‬
‫فكل أثر ديناميكي يظهر يف اجملتمع الكبري‪ ،‬على املستوى االجتماعي‪ ،‬االقتصادي‪ ،‬السياسي‬
‫الثقايف وغريه‪ ،‬يؤدي إىل رد فعل معمم تقريبا‪ ،‬يف داخل اجملتمع املصغر ‪،‬الذي هو العائلة‪ ،‬ورد‬
‫الفع ل املع اكس‪ ،‬ميكن أن يتحق ق‪ .‬فك ل حتول ه ام داخ ل العائل ة‪ ،‬ال ميكن إال أن ي ؤثر يف بني ة‬
‫جممل اجملتمع‪ .‬ألن العالقات يف اجملتمع ككل‪ ،‬أي اجلسم كله‪ ،‬وبني العائلة أي اجلسم اجلزئي‬
‫ال يت هي جمتم ع مص غر‪ ،‬ج د مرتبط ة وج د معق دة‪ ،‬ح ىت يُص بح من املس تحيل الرج وع‪ ،‬إىل‬
‫اجملتمع واحلديث عنه دون فهم العائلة‪ ،‬هلذا درس األسرة‪ ،‬من أجل حتليل نسق القرابة‪.‬‬

‫كما ركز يف هذه الدراسة‪ ،‬على أهم التطورات و اخلصائص احلديثة‪ ،‬اليت مرت هبا األسرة‬
‫اجلزائرية‪ .‬والتح والت ال يت ط رأت‪ ،‬على البن اء الع ائلي واالقتص ادي‪ ،‬من اجلزائ ر التقليدي ة إىل‬
‫اجلزائر املعاصرة‪ ،‬حيث بني أن هذه التحوالت‪ ،‬تظهر أثارها يف بنية العائلة‪ ،‬اليت تعد القاعدة‬
‫األساس ية وال يت من خالهلا يتم فهم اجملتم ع‪ .‬حيث يق ول" يُص بح من املس تحيل الرج وع ‪،‬إىل‬
‫‪1‬‬
‫اجملتمع واحلديث عنه دون فهم العائلة‪".‬‬

‫كما أعطت هذه الدراسة جزءا كبريا للعالقات والروابط القرابية‪ ،‬وحسب نتائج البحث‪،‬‬
‫يرى ظهور عالقة قرابية جديدة‪ ،‬أضيق مما كانت عليه يف البنية التقليدية‪ .‬فالعائلة أساس البناء‬
‫الق رايب يف اجملتم ع‪ ،‬أص بحت تتج ه اجتاه ا فردي ا‪ ،‬ق ائم على االختي ار احلر‪ ،‬وذل ك حس ب‬
‫اخلص ائص واملي ول الذاتي ة‪ ،‬املتعلق ة بك ل عائل ة على ح دى‪ ،‬كاجتاه ه ذه األخ رية‪ ،‬إىل إقام ة‬
‫عالق ات ذات ط ابع معني وأله داف معين ة‪ ،‬أخ ذت تك ون عالق ات تفاع ل خ ارج حميطه ا‬
‫العائلي‪.‬‬

‫وتوصل إىل أن الروابط االجتماعية اجلزائرية التقليدية‪ ،‬توجد بقوة يف املؤسسات الصناعية‬
‫واملصانع‪ ،‬واالدارات‪ ،‬فهي خترتق اجملاالت الرمسية أكثر‪ ،‬فالعشائرية مستمرة يف احلياة املعاصرة‪،‬‬
‫يف املص انع‪ ،‬لتص بح هلا ثقاف ة كب رية ج دا‪ ،‬مما زاد من ش بكة االتص ال و التض امن الغ ري رمسي‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪. Mostapha, BOUTEFNOUCHET,La société Algerienne en transition, OPU, Alger,‬‬
‫‪2004 ,p19‬‬
‫‪138‬‬
‫وهنا يرى بونفنوشت أن االطارات اجلزائرية‪ ،‬ملا تذهب للعمل يف اخلارج‪ ،‬حتقق جناحا ألهنا يف‬
‫‪1‬‬
‫حميط عقالين أما عملها هنا‪ ،‬فهي يف حميط غري عقالين‪.‬‬

‫ومن خالل حتليل‪ ،‬ما جاءت به هذه الدراسة‪ ،‬يف جانبها املتعلق بإشكالية دراستنا‪ ،‬جند أن‬
‫بوتفنوشت ‪،‬توص ل جلمل ة من النت ائج أمهه ا‪:‬ك ل عائل ة مركب ة‪ ،‬تقابله ا عائل ة بس يطة‪ ،‬وتط ور‬
‫العائل ة املركب ة حنو العائل ة البس يطة‪ ،‬يتم ببطء ش ديد‪ ،‬رغم الس رعة يف حتول بعض البني ات‬
‫االجتماعي ة اإلقتص ادية‪ ،‬الرتبوي ة‪-‬حيث يتحكم العام ل االقتص ادي‪ ،‬بش كل واس ع يف الوض عية‬
‫العائلية‪ ،‬وبنيتها ومبجرد ما يتجسد االستقالل االقتصادي‪ ،‬يف بيت جديد‪ ،‬حيدث تغري جذري‬
‫يف الوضعية العائلية‪ ،‬فيكون حتررها أكيدا‪.‬فتطور البنية االجتماعية اجلزائرية‪ ،‬هلا عالقة بنظام‬
‫القيم‪ ،‬ألن البني ة االجتماعي ة‪ ،‬ع رفت والزالت تع رف أو تكتس ب ‪،‬بعض اخلص ائص اجلدي دة‪،‬‬
‫وذل ك عن طريق االس تعمار الثق ايف‪ ،‬باالتص ال م ع الغ رب من جه ة‪ ،‬وم ع القيم والتقني ات‬
‫العاملية من جهة أخرى‪.‬‬
‫هلذا تُعت رب دراس ة بوتفنوشت من أهم الدراس ات‪ ،‬إن مل نق ل الوحي دة‪ ،‬ال يت تن اولت البني ة‬
‫األسرية للمجتمع اجلزائري‪ ،‬والتحوالت البنيوية‪ ،‬اليت عرفتها العائلة اجلزائرية‪ ،‬مركزا يف ذلك‪،‬‬
‫على أس باهبا ونتائجه ا‪ ،‬وق د يب دو للوهل ة األوىل‪ ،‬أن ه ذه الدراس ة ‪،‬ال عالق ة هلا مبوض وعنا أو‬
‫إش كالية حبثن ا ولكن األس اس يف البن اء االجتم اعي هي األس رة أو العائل ة‪ ،‬و بالت ايل فم ا حيدث‬
‫من تغيي وحتول يف البنية األساسية أو اجلزئية‪ ،‬بالضرورة سوف يؤدي إىل تغيري البنية العامة‪،‬‬
‫وهي اجملتمع ومن هذا املنظور فقد رأينا يف دراسة بوتفنوشت دراسة سابقة تتعلق حبثنا‪.‬‬

‫‪.3.2‬رش‪AA‬يد حام‪AA‬دوش‪ :‬االس‪AA‬تراتيجية العالئقي‪AA‬ة‪،‬الرب‪AA‬اط‪ A‬االجتم‪AA‬اعي‪ ،‬وإش‪AA‬كالية والتقالي‪A‬د‪A‬‬


‫الحداثة من خالل التصورات الشبانية‪ A‬في الجزائر‪A‬‬

‫‪1‬‬
‫‪. BOUTEFNOUCHET, Op.cit ,P23.‬‬
‫‪139‬‬
‫يعترب رش ‪AA‬يد حم ‪AA‬دوش‪–1‬اس ‪AA‬تاذ وب ‪AA‬احث جزائ ‪AA‬ري بجامع‪A A‬ة‪ A‬الجزائ ‪AA‬ر‪-‬أح د الب احثني يف جمال‬
‫الرب اط االجتم اعي يف اجلزائ ر‪ ،‬و ذل ك بدراس ته ال يت أجراه ا من خالل تص ورات الش باب‬
‫اجلزائري مستعمال متغري التقاليد واحلداثة‪ ،‬معتمدا على املنهج الكيفي مبقابالته‪ ،‬لفئة مهمة من‬
‫اﻟجمتمع اجلزائري املعاصر‪ ،‬كما يوضح ذلك‪ .‬معتربا هذه الفئة األكثر مالئمة لقراءة التحوالت‪،‬‬
‫ال يت يعرفها اﻟجمتم ع اجلزائ ري‪ ،‬وهي فئ ة ش باب الثمانين ات‪ ،‬أي ش باب مابع د االس تقالل‪ ،‬يف‬
‫اجملتمع احلضري‪.‬‬
‫يس تنتج من دراس ته ه ذه‪ ،‬بوج ود ثالث أمناط من العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬تقابله ا ثالث‬
‫أمناط من األس ر‪ ،‬وذل ك وفق ثالث أمناط من التفك ري‪ ،‬ال يت ق ام باستخالص ها من مقابل ة لفئ ة‬
‫الش باب ال يت مت تنميطه ا إىل‪ ،‬ثالث فئ ات‪ ،‬وذل ك حس ب االس رتاتيجيات الفردي ة‪ ،‬اليت يعم ل‬
‫على بنائها هؤالء الشباب وفقا لسلوكات وتصرفات منظمة‪.‬‬
‫‪. 1‬الرواب ط االجتماعي ة "احمللي ة أو التقليدي ة"‪ :‬جندها عن د فئ ة من الش باب يص عب عليه ا‬
‫االنفصال عن جمموعتها األصلية‪ ،‬أو جمموعة االنتماء (األسرة‪ ،‬القرية‪ ،‬احلي‪ )...‬حيث جتد هذه‬
‫الفئة استقالليتها‪ ،‬يف ما مدى تبعيتها ﺠﻤﻟموعتها ومجاعتها احمللية األوىل ‪،‬املتمثلة يف األسرة‪.‬‬
‫ه ؤالء"الش باب"املص نفون يف ه ذا النم ط من العالق ات‪ ،‬يتموق ع على امت داد م ع أوليائ ه‬
‫وم ع"التقالي د"‪ ،‬عالق ات اجتماعي ة ‪،‬ترتك ز أك ثر على التض امن‪ ،‬والتب ادل األس ري‪ ،‬وف ق‬
‫اسرتاتيجيات تضامن وتبادل‪ ،‬وهنا الرباط االجتماعي‪ ،‬موجود بشكل واضح و قوي‪.‬‬
‫كذلك هذا النمط من العالقات ومن الشباب‪ ،‬يقابله منط من األسر‪ ،‬يسميها باحثنا "بالنمط‬
‫المغلق"أو"النمط المحلي التقليدي"‪ ،‬تكون نوع السلطة فيه عمودية‪ ،‬هي أسرة حتافظ على‬
‫نظام داخلي حمدد بشكل صارم‪.‬‬
‫‪.2‬رواب ط اجتماعي ة "جمتمعي ة‪/‬تعاقدي ة أو حديث ة"‪ :‬جندها تس ود عن د فئ ة أخ رى من الش باب‬
‫(التعاقدي احلديث)‪ ،‬الذي يلح ويشدد‪ ،‬على االنفصال شبه الكلي‪ ،‬من جمموعته األوىل‪ ،‬ومن‬
‫اجملتم ع الكلي املهيمن‪ ،‬ففي مواض يع تتعل ق ب الزواج أو البن اء اهلوي ايت‪ ،‬جند ه ذا بتص وراته على‬

‫‪.1‬حامدوش رشيد‪ ،‬االس‪AA‬تراتيجيات العالئقي‪AA‬ة‪ ،‬الرب‪AA‬اط االجتم‪AA‬اعي واش‪AA‬كالية التقالي‪AA‬د والحداثة‪،‬من خالل التصورات الشبانية مبدينة‬
‫اجلزائر‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة اجلزائر‪.2007-2006،‬‬

‫‪140‬‬
‫تل ك التمثالت الس ائدة ‪،‬يف أس رته أو الش اب ينف رد جمموعت ه القريب ة‪ ،‬هن ا ك ذلك جند أن ه ذا‬
‫النم ط ‪،‬من العالق ات والش باب‪ ،‬يقابل ه منط من األس ر‪ ،‬وص فناه"بالنم ط املفت وح"‪ ،‬أو النم ط‬
‫التعاقدي احلديث منط يُشجع عن طريق ما مت استدخاله‪ ،‬أثناء العملية التنشئوية‪ ،‬على التفاعل‬
‫الكلي للش اب م ع وس طه الق ريب و اخلارجي‪ ،‬ويش جع خاص ة‪ ،‬على االنفص ال الش به الكلي‪،‬‬
‫من جمموعاته املرجعية واإلنتمائية األوىل‪.‬‬
‫‪.3‬أم ا النم ط الث الث من الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬وه و النم ط الغ الب واألك ثر انتش ارا‪ ،‬ه و‬
‫ذلك"النم‪AA‬ط البي‪AA‬ني الوس‪AA‬يط"من العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬وهي تل ك العالق ات ال يت تتم يز ب الال‬
‫استقرار‪ ،‬التغري والتنوع‪ ،‬ففي هذا النموذج‪ ،‬جند أن فئة الشباب‪ ،‬اليت مت تصنيفها ضمن هذا‬
‫النمط من العالقات حياول جاهدا‪ ،‬االنفصال عن جمموعاته األوىل‪ ،‬سواء كانت األسرة‪ ،‬احلي‬
‫القري ة‪ ،...‬وعلى العكس‪ ،‬يُش دد على االتص ال ب اجملتمع الض اغط‪ ،‬أو إع ادة وجتدي د املفاوض ة‬
‫ت ركيب وإع ادة ت ركيب لكل سلوكاﻬﺗم و تصرفاﻬﺗم‪ ،‬يف مس ائل وقضايا تع ين ال زواج مثال‪ ،‬أو‬
‫البناء اهلويايت وتصوير الذات وذلك وفق عملية ذهاب وإياب‪ ،‬بني سلوكات "حملية‪/‬تقليدية"‪،‬‬
‫وأخرى "تعاقدية‪/‬حديثة‪".‬‬

‫بعب ارات أخ رى يتم االنتق ال والتفاع ل‪ ،‬بني م ا ه و حملي وم ا هو تعاق دي يف اجملتم ع‬


‫احلضري‪1.‬ويف هذا االطار جند‪ ،‬بأن الشاب وفق هذا النمط‪ ،‬جيد نفسه جمربا عل ختطي الفضاء‬
‫احمللي التقليدي ﺠﻤﻟموعته‪ ،‬لكي يبلغ الفضاء الفردي‪".‬الشيء الذي يوحي بأن كل عملية اتصال‬
‫أو إقام ة عالق ات اجتماعي ة م ع الغ ري أو الع امل اخلارجي‪ ،‬مير حتم ا ع رب اﺠﻤﻟال والفض اء احمللي‪،‬‬
‫وتص بح عملي ة التواص ل والرب اط االجتم اعي‪ ،‬حبيس ة عملي ة ت وازن بني الفض ائني‬
‫‪2‬‬
‫والكونني‪:‬الفردي واجلماعي‪ ،‬احمللي والتعاقدي"‬

‫و يقص د رش ‪AA‬يد حام ‪AA‬دوش أن الف رد يعيش يف تغ ري اجتم اعي‪ ،‬مير من احمللي إىل الع ام من‬
‫خالل التنش أة االجتماعي ة أوال‪ ،‬مث الت أثر ب اجملتمع و حلي اة احلض رية ثاني ا‪.‬كم ا يس ميها‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حامدوش‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.379-378‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.379‬‬

‫‪141‬‬
‫باالس‪AA A‬تعدادات والع‪AA A‬ادات المكتس‪AA A‬بة المشوشة أو م ا يطل ق علي ه بورديو باالس‪AA A‬تعدادات‪A‬‬
‫المش‪AA‬تتة‪ ،‬ال يت يكتس بها الف رد‪ ،‬وذل ك نس بة إىل ال دور ال ذي تلعب ه عملي ة التث اقف‪ ،‬يف تنش ئة‬
‫األفراد االجتماعية‪ 1.‬اليت تغلب وتطغى على الفرد‪.‬‬

‫‪.3.4‬بلخضر مزوار‪:‬الدين والرابطة‪ A‬االجتماعية في الجزائر‪A‬‬

‫لق د ق ام بلخض ‪AA‬ر م ‪AA‬زوار‪–2‬أس ‪AA‬تاذ وب ‪AA‬احث اجتم ‪AA‬اعي جزائ ‪AA‬ري جامع ‪A‬ة‪ A‬تلمس ‪AA‬ان‪-‬بدراس ة‬
‫ميدانية سوسيوأنثروبولوجية كيفية‪ ،‬حول الدين والرباط االجتماعي يف اجلزائر‪ ،‬حيث وضح يف‬
‫هذه الدراسة‪ ،‬أن الدين عبارة عن رباط اجتماعي‪ ،‬قد يساهم يف تقوية الروابط االجتماعية‪،‬‬
‫كما أنه قد يكون سبب يف تقسيم هذه الروابط وضعفها‪ ،‬إذا مل ميارس بشكل صحيح‪ ،‬وذلك‬
‫م ا توص ل إلي ه الب احث‪ ،‬على أن اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬م ر مبراح ل وحتوالت اجتماعي ة‪ ،‬أدت إىل‬
‫انقس ام الرواب ط االجتماعي ة في ه‪ ،‬والس بب الرئيس ي يف ذل ك‪ ،‬ه و ظه ور مجاع ة اإلس الميني يف‬
‫اجلزائر‪.‬‬

‫فبعد االستقالل وبالضبط خالل السبعينات‪ ،‬بدأت الدولة باعادة الرتميم والبناء السياسي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬وبسبب الروح الوطنية والقومية‪ ،‬اليت كانت بني أفراد اجملتمع اجلزائري‪،‬‬
‫استطاعت الدولة بناء نفسها‪ ،‬حيث كانت الروابط االجتماعية متينة وقوية‪ ،‬لكن يف أواخر‬
‫الثمانينات ظهر االسالماويون‪ ،‬يف الساحة السياسية اجلزائرية‪ ،‬حتت لواء الدين االسالمي‪،‬‬
‫حبكم الكتاب والسنة إال أن هذه اجلمات االسالمية‪ ،‬أرادت تغيري اجملتمع اجلزائري‪ ،‬باستعمال‬
‫العنف‪ ،‬مما أدى إىل دخول اجملتمع يف مرحلة عنف وإرهاب وانقسام اجتماعي‪ ،‬أدى إىل‬
‫وتفككها‪à la fin des années 1980 l’islamisme … «.‬‬ ‫انقسام يف الروابط االجتماعية‬
‫‪fait son apparition sur la scène politique Algerienne islamisme qui‬‬
‫‪manifeste jusqua par la violence sa volonté de retour aux sources c’est-à-‬‬
‫‪3‬‬
‫‪» …dire au coran et à la sunna‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.379‬‬
‫‪.‬بلخضر مزوار‪ ،‬الدين و الرباط االجتماعي‪ ،‬رسالة دكتورا‪ ،‬جامعة وهران‪.2002،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪.Belakhdar , MEZOUAR, « le lien social en Algérie », Etre projet nationliste et‬‬
‫‪stratégie identitaire islamiste, Actes de 4ème colloque national de sociologie le lien‬‬
‫‪social en question qu’en savons-nous en Algérie?,Université d’Alger, 2006,‬‬
‫‪142‬‬
‫ويرى بلخض‪AA‬ر م‪AA‬زوار أن اجملتمع اجلزائري‪ ،‬انقس م إىل طوائ ف ومجاع ات‪ ،‬بعدما كان جمتمع‬
‫واحد يتقاسم نفس الدين والعادات والثقافة والتقاليد‪ ،‬كما ظهر جيش إسالمي مضاد للسلطة‪،‬‬
‫هذا ما قسم اجملتمع‪ ،‬إىل فرق كل وطائفته‪ ،‬وبالتايل ضعفت الروابط االجتماعية‪ ،‬بسبب العنف‬
‫ال ديين ال ذي ظه ر‪ ،‬وجع ل األف راد يعيش ون يف رعب وخ وف وتباع د‪ ،‬أص بح األخ خياف من‬
‫أخيه‪ ،‬درجة كبرية من االنقس ام يف اجملتمع اجلزائري‪ ،‬كما ظهر ن وع من االنقسام الثقايف يف‬
‫اجملتم ع‪ ،‬فئ ة االنقس ام الثق ايف ال ديين وفئ ة االنقس ام الثق ايف الع ادي‪ ،‬أص حاب االنقس ام الثق ايف‬
‫ال ديين هم أش خاص هلم مظه ر خ اص ‪( look islamique‬القميص اللحي ة احلج اب)‪ ،‬يف‬
‫ص راع م ع من ليس ل ديهم ه ذا املظه ر‪ ،‬فه ذا االنقس ام الثق ايف الفك ري يف اجملتم ع‪ ،‬أدى إىل‬
‫ضعف يف الرباط االجتماعي‪.‬‬

‫كما عرف اجملتمع اجلزائري أيضا‪ ،‬نزوح كبري من الريف إىل املدينة‪ ،‬بسبب العنف الذي‬
‫تعرض ت ل ه الق رى واملداش ر‪ ،‬فتف رق األف راد وابتع دوا عن أهلهم وج رياهنم وأص دقائهم‪ ،‬ك ل‬
‫ه ذه الرواب ط ت أثرت‪ ،‬بس بب ه ذا ال نزوح والتح ول السوس يولوجي يف اجلزائ ر‪ .‬وعام ة يؤك د‬
‫الباحث على أن االسالماويون كانوا سببا يف تقسيم اجملتمع اجلزائري‪ ،‬وحتويله إىل جمتمع تطغى‬
‫علي ه الفرداني ة ‪ ،Individualisme‬رغم أن ه جمتم ع مس لم‪ ،‬إال أن ه أص بح حيت وي على رواب ط‬
‫اجتماعية ضعيفة ومنقسمة سياسيا وثقافيا‪ ،‬وعقائديا‪ ،‬وعسكريا‪ ،‬هلذا الفردانية تزيد يوما بعد‬
‫يوم‪ ،‬ألن املشروع االسالمي‪ ،‬إذا مل ميارس بشكله الصحيح‪ ،‬ودون تزييف وترهيب‪ ،‬سيؤدي‬
‫فعال إىل تقسيم وتفكك اجتماعي‪ ،‬خاصة يف العالقات والروابط االجتماعية‪.‬‬

‫‪.3.5‬نورية سوالمية‪ :‬الرباط االجتماعي الحضري (الجيرة‪ A‬كرابطة اجتماعية)‬

‫ق امت س‪AA A A‬والمية نورية‪-1‬أس‪AA A A‬تاذة وباحث‪AA A A‬ة جزائري‪AA A A‬ة جامع‪AA A A‬ة معس‪AA A A‬كر‪ -‬بدراس ة سوس يو‬
‫انثروبولوجي ة للج رية كرب اط اجتم اعي‪ ،‬يف اجملتم ع احلض ري ببلدي ة أرزي و بوالي ة وه ران‪،‬‬

‫‪page18.‬‬

‫‪.1‬نورية سواملية‪ ،‬الراب‪AA‬ط االجتم‪AA‬اعي الحض‪AA‬ري‪،‬دراسة سوسيوأنثروبولوجية للعالقات االجتماعية بني اجلريان يف حي اهلضاب بأرزيو‬
‫والية وهران‪ ،‬رسالة لنيل شهادة دكتوراه علوم يف األنثروبولوجيا‪ ،‬جامعة وهران‪. 2015-2014 ،‬‬

‫‪143‬‬
‫مس تعملة املقابل ة كتقني ة منهجي ة‪ ،‬ل‪32‬عائل ة يف حي اهلض اب مي دان الدراس ة‪ ،‬ووج دت أن‬
‫الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬تغ ريت عم ا ك انت علي ه‪ ،‬وذل ك لع دة أس باب منه ا‪ :‬التغ ري االجتم اعي‬
‫للمجتمع احلضري اجلزائري بشكل عام‪.‬‬

‫كم ا أن ط ول املدة الس كنية بني اجلريان‪ ،‬ل ه أث ر كب ري يف تك وين عالق ات ج رية‪ ،‬إض افة إىل‬
‫عامل الثقة النفسية يف تكوين هذه العالقات‪ .‬وتزيد الروابط بني اجلريان‪ ،‬بسبب صلة القرابة يف‬
‫بعض األحي ان أو األص ل اجلغ رايف املش رتك‪ .‬إال أن رابط ة اجلرية تزي د أو تق ل حس ب املس توى‬
‫االقتص ادي والثق ايف لألس رة‪" ،‬فهي تض عف قليال ل دى األس ر امليس ورة مادي ا‪ ،‬وذات مس توى‬
‫ثقايف عايل وتقوى عند الفئات العمالية البسيطة‪ ،‬ذات الدخل املادي احملدود‪ ،‬بسبب االعتماد‬
‫‪1‬‬
‫املادي املتبادل‪،‬كما أهنا تقوى لدى األسر املمتدة أكثر من األسر النووية‪".‬‬

‫ومما أنقص رب اط اجلرية أيض ا‪ ،‬حس ب نوري ة س واملية‪ ،‬ه و خ روج املرأة إىل العم ل‪ ،‬ال ذي‬
‫أض عف الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬نظ را لنقص ال وقت وزي ادة املس ؤليات‪ ،‬على املرأة العامل ة‪ .‬ومن‬
‫خالل ه ذا يب دو واض حا‪ ،‬أن رب اط اجلرية تزي د ش دته وتض عف‪ ،‬حس ب املك ان أي اجملتم ع‬
‫احلض ري والغ ري حض ري‪ ،‬الس كن الف ردي والعم ودي‪ ،‬وك ذلك املس توى الثق ايف واالقتص ادي‬
‫لألسر‪ .‬زيادة على ذلك ترى الباحثة أن رباط اجلرية يف اجملتمع احلضري‪ ،‬طبيعته احلقيقية هي‬
‫املصلحة يف غالب األحيان‪ ،‬ألن الروابط اليت يشكلها األفراد‪ ،‬ليست متماسكة بدرجة متاسك‬
‫الرواب ط الدموي ة أو القرابي ة‪...".‬مما ال ش ك في ه تق وم التجمع ات املص غرة‪ ،‬داخ ل احلي على‬
‫أساس التجاور املكاين هذا األخري يلعب دورا يف انشاء تفاعالت بني األسر‪ ،‬لكن ال جيعل من‬
‫عالق اهتم أولي ة متماس كة‪ ،‬يف أغلب األحي ان‪....‬ورغم ذل ك فهم يتض امنون‪ ،‬إذا م ا دعت‬
‫‪2‬‬
‫الضرورة لذلك‪ ،‬واحتاجوا لبعضهم البعض‪".‬‬

‫كما تأك د الباحث ة‪ ،‬على أن رابطة اجلرية مازالت قائمة يف جمتمعنا‪ ،‬حس ب دراستها ويعود‬
‫ذل ك لوج ود العام ل ال ديين والتنش ئة االجتماعي ة‪ ،‬ال يت تلعب دورا هام ا‪ ،‬يف تك وين شخص ية‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬نورية سواملية‪ ،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪.258‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬نورية سواملية‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 259-258‬‬

‫‪144‬‬
‫الف رد‪ ،‬إض افة إىل ذل ك دور التقالي د‪ .‬وهن ا يتف ق معظم الب احثني‪ ،‬على أن التغ ري والتح ول‬
‫االجتم اعي‪ ،‬هلم ا دور كب ري يف حتول الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬بك ل أنواعه ا يف اجملتم ع اجلزائ ري‪،‬‬
‫كم ا أهنم يؤك دون على ظه ور ش كل جدي د من الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬يف املدين ة تغلب عليه ا‬
‫املصلحة اخلاصة لألفراد‪.‬‬

‫كم ا أج ريت بعض الدراس ات األخ رى يف والي ة وه ران ح ول الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬منه ا‬
‫دراسة جمموعة من الباحثني االجتماعيني جبامعة وهران‪ ،‬على رأسهم حجيج الجنيد ومص‪AA‬طفى‬
‫‪1‬‬
‫‪CNEPRU‬‬ ‫عمشاني ومصطفى غماري‪ ،‬يف اطار مشروع‬

‫حيث توصل هؤالء الباحثني إىل أن العالقات االجتماعية‪ ،‬أصبحت ضعيفة أو غائبة يف مدينة‬
‫وه ران‪ ،‬فهي تعيش أزم ة هوي ة عميق ة‪ ،‬ألن الس كان يعيش ون حال ة من الفردانية‪ ،‬فأصبح يقل‬
‫التواصل بني األسر‪ ،‬يف األحياء اليت درسوها و هي حي الصباح وحي اليامسني‪ ،‬نظرا لضعف‬
‫رب اط اجلرية أو انعدام ه‪ ،‬يف بعض األحي ان إال عن د الض رورة‪،‬كم ا رأى ال دكتور حجيج‪ ،‬من‬
‫خالل حبثه "بحي خميستي واس‪AA‬طو ب‪AA‬وهران"‪ A،‬على أن رغب القرب اجملايل بني األسر‪ ،‬إال أنه‬
‫يفتق ر للق رب االجتم اعي بينهم‪ ،‬قاص دا ب ذلك أن التباع د االجتم اعي‪ ،‬ه و العام ل الط اغي يف‬
‫احلياة اليومية لألفراد‪ ،‬وذلك لغياب العالقات االجتماعية فاألفراد يسكنون بالقرب من بعضم‬
‫البعض إال أهنم ال يتعايشون إال للضرورة‪.‬‬

‫‪: .‬نورية سواملية‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص ‪ 12‬و انظر أيضا‬


‫‪1‬‬

‫‪Projet de recherche CNEPRU N°01820080049,Djounid HADJIDJ,Ville et liens‬‬


‫‪cociaux-Les grands ensembles à Oran entre adaptabilité et sociabilité, Univercité‬‬
‫‪d’Oran, Faculté des scionces social, Département de sociologie, 2011.‬‬

‫‪145‬‬
‫خالصة الفصل الثاني‬

‫نستنتج من هذا الفصل أن أصحاب نظرية الرباط االجتماعي‪ ،‬يقسمون الروابط حسب‬
‫املراحل االجتماعية‪ ،‬أو بصورة أوضح يتحدثون على الروابط االجتماعية‪ ،‬ضمن ثنائية اجملتمع‬
‫التقليدي‪ ،‬واجملتمع احلديث أو اجملتمع الريفي واحلضري‪ .‬كما أهنم يرون أن الروابط تكون قوية‬
‫يف اجملتمع ات الريفي ة والتقليدي ة‪ ،‬بينم ا تض عف يف اجملتمع ات احلض رية الص ناعية‪ ،‬مع ىن ه ذا أن‬
‫طبيعة الرابطة االجتماعية‪ ،‬تتغري لتتحول طبيعتها من روابك دموية طبيعية أساسية‪ ،‬بني األفراد‬
‫لتص بح طبيعته ا مص لحية نفعي ة‪ ،‬تتأس س على الفرداني ة‪ ،‬خاص ة منه ا يف اجملتمع ات الص ناعية‬
‫الكبرية‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫فمثال موق ف إمي ‪AA‬ل دورك ‪AA‬ايم‪ A،‬يؤك د على أن الرواب ط االجتماعي ة اجيابي ة‪ ،‬داخ ل اجلتم ع‬
‫والوعي اجلماعي‪ ،‬وهو يفسرها من خالل تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬فنوعية التضامن من آيل‬
‫إىل عضوي هي اليت تأثر يف الرابطة االجتماعية‪ ،‬وما يزيدها قوة أو ضعفا هو الضمري اجلمعي‬
‫السائد يف اجملتمعات‪ ،‬ألن الروابط االجتماعية تستمد قوهتا من الضمري اجلماعي‪.‬‬

‫أما بالنسبة لتوماس ه‪A‬وبز‪ ،‬فقد اعترب أن اإلنسان ذئب ألخيه اإلنسان‪ ،‬تسيطر عليه غريزة‬
‫البق اء لألق وى‪ .‬وعلى ه ذا االس اس‪ ،‬نق ول ان مقارب ة دورك‪AA A‬ايم ه و ال دفاع عن الرب اط‬
‫االجتم اعي من خالل مفه وم التب ادل والتض امن‪ ،‬ال ذي ينش أ بني األف راد‪ ،‬من خالل تقس يم‬
‫العمل االجتماعي‪ .‬أما مقاربة توماس هوبس‪ ،‬فهو يتحدث عن الرابطة االجتماعية‪ ،‬من خالل‬
‫مفه وم األذي ة بني البشر‪ ،‬إذ جيب دائم ا احلذر‪ ،‬رغم الرتابط بني األف راد يف اجملتم ع‪ ،‬ألن األذية‬
‫غريزة يف البشر كما قلنا‪.‬والرابطة االجتماعية عند كونت‪ ،‬تقوى باالتساق االجتماعي‪ ،‬املتمثل‬
‫يف االنسجام بني األفراد من خالل التفاهم يف األفكار‪ ،‬و هو شرط أساسي للتماسك و الرتابط‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫أما يف اجملتمعات اإلسالمية‪ ،‬يفسرها مالك‪ A‬بن نبي على أهنا تكون يف نشأهتا قوية‪ ،‬وتضعف‬
‫وتتفكك‪ ،‬رغم وجود األفراد وكثرهتم‪ ،‬ألهنا تصبح خالية أو فارغة العتمادها على املصلحة‬
‫اخلاص ة و الفرداني ة احلض رية‪.‬وهلذا يب دو أن ك ل علم اء االجتم اع‪ ،‬ال ذين ذكرن اهم من خالل‬
‫نظريات الرابطة االجتماعية‪ ،‬واجملتمع احلضري‪ ،‬حتدثوا عن احلياة احلضرية و السلوك احلضري‬
‫للفرد‪ ،‬ووجدوا أن الروابط االجتماعية احلضرية ضعيفة‪ ،‬مصلحية‪.‬‬

‫فم‪AA‬اكس في‪AA‬بر مثال ي رى أن األف راد حس به‪ ،‬ليس وا مس ريين من ط رف اجملتم ع فق ط‪ ،‬وإمنا‬
‫يقومون بروابط وعالقات عقالنية‪ ،‬تقوم ألجل بلوغ األهداف‪ ،‬اليت يريدون الوصول اليها‪.‬‬
‫وك ذلك تون ‪AA‬يز ال ذي ي رى أن اإلنس ان ينس ج رواب ط عقلي ة مص لحية‪ ،‬مما ي ؤدي إىل تالش ي‬
‫الرابط ة االجتماعي ة يف اجلتم ع احلض ري‪ ،‬رغم اش رتاك أفراده ا يف جمموع ة من العوام ل‬
‫واملقومات‪ ،‬فتغلب الفردانية واألنانية‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫مبع ىن أن الرب اط االجتم اعي ل ديهم‪ ،‬يتغ ري ويتح ول من مرحل ة إىل أخ رى‪ ،‬حس ب الف رد‬
‫واجملتمع الذي يعيش فيه‪ .‬ألن الفرد يف اجملتمع الريفي‪ ،‬خيتلف عن الفرد يف اجملتمع احلضري‪،‬‬
‫وهو نفس ما حتدث عنه ابن خلدون‪ ،‬على أن البدو خيتلفون عن احلضر‪ ،‬يف كل شيء وخاصة‬
‫العقلية وأسلوب احلياة‪ ،‬فالرباط الذي هو العصبية‪ ،‬يتأثر بالتغري االجتماعي‪ ،‬الذي يعيشه الفرد‪،‬‬
‫ألن العصبية يف اجملتمع البدوي تكون قوية‪ ،‬وتضعف شيئا فشيئا يف اجملتمع احلضري‪.‬‬

‫إذن هذا ما يتفق عليه كل علماء االجتماع‪ ،‬الذين تطرقنا إليهم‪.‬وحىت ما توصل إليه الكثري‬
‫أمث ال الب احث‪Putnam D‬‬ ‫من الب احثني يف جمال الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬يف أوروب ا و أمريك ا‪،‬‬
‫‪ Robert‬ال ذي حتدث عن أزم ة الرب اط االجتم اعي‪ ،‬ال ذي أص بح مييز اجملتمع ات الغربي ة‬
‫وباألخص اجملتمع األمريكي‪ ،‬فقد اعترب الوقت املسخر للقاءات االجتماعية‪ ،‬كاحلفالت املقامة‬
‫ُ‬
‫يف احلي‪ ،‬أو الوجب ات العائلي ة‪ ،‬ق د تقلص ت ح ىت ممارس ة الرياض ة‪ ،‬ال يت ك انت مُت ارس مجاعي ا‪،‬‬
‫أص بحت متارس أم ام التلف از كم ا توص ل الب احث‪ ،‬إىل أن الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬تُق اس حس ب‬
‫درج ة التع اون والتب ادل والثق ة يف اجملتم ع‪ .‬فه و ي رى أن ختلي الف رد عن تعهدات ه‪ ،‬اجتاه جمتمع ه‬
‫احمللي‪ ،‬سوف تؤدي اىل تالشي الرابطة االجتماعية‪.‬‬

‫وهناك من الباحثني أيضا‪ ،‬من أرجع أزمة الرابطة اإلجتماعية‪ ،‬اىل احلرية اليت ُأعطيت لألفراد‬
‫يف حتديد عالقاهتم االجتماعية‪ ،‬خاصة يف اجملتمعات احلديثة الصناعية‪ ،‬مع عدة أساب أخرى‬
‫‪1‬‬
‫لعبت دور يف تالشي الرباط االجتماعي‪ ،‬كزيادة الفوارق االجتماعية‪ ،‬والفردانية‪.‬‬

‫يعين هذا وحسب النظريات‪ ،‬أن طبيعة الرابطة االجتماعية يف املدينة‪ ،‬هي رابطة قائمة على‬
‫العقالنية‪ ،‬و املصلحة الشخصية و الذاتية‪.‬كما أهنا ظاهرة ديناميكية تتغري حسب طبيعة اجملتمع‬
‫من ريفي إال حضري‪.‬هذا ما ميهد لنا الدراسة امليدانية‪ ،‬مع العلم أن الرابطة االجتماعية‪ ،‬ختتلف‬
‫من جمتمع إال آخر‪ ،‬كما أهنا تتأثر بالعامل الديين والعقائدي لألفراد‪ .‬وحنن بصدد دراسة جمتمع‬
‫‪.Christophe Janssen, MARQUET, Lien social et internet dans l'espace privé,‬‬
‫‪1‬‬

‫‪Academia, 2012, p11‬‬


‫وانظر أيضا‪ :‬حممد خليفة ‪،‬إشكالية الرابط االجتماعي يف ظل استخدام وسائل االتصال احلديثة‪ ،‬مجلة الحوار الثقافي‪،‬العدد ربيع‬
‫وصيف ‪ ،2015‬جامعة مستغامن‪ ،‬ص‪.333‬‬

‫‪148‬‬
‫إس المي ي ؤمن بأمهي ة العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬بني األف راد من قراب ة وج رية وغريه ا‪ .‬ه ذا م ا‬
‫سنتحقق منه يف الدراسة امليداين للمجتمع احمللي املدروس‪.‬‬

‫كما أن الدراسات السابقة اليت ُأجريت يف اجملتمع اجلزائري‪ ،‬حول الرابطة االجتماعية بكل‬
‫أنواعه ا‪،‬تؤك د على أن ه ذه األخ رية‪ ،‬ع رفت تغ ريا كب ريا بع د الف رتة االس تعمارية‪ ،‬وبداي ة‬
‫االس تقاللنظرا لل نزوح ال ريفي الكب ري‪ ،‬ال ذي عرف ه اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬حيث ك انت اهلج رة‬
‫الداخلي ة وح ىت اخلارجي ة هلا أث ر كب ري يف تغ ري الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬بداي ة بالرواب ط القرابي ة‪،‬‬
‫لتش مل ك ل الرواب ط األولي ة‪ .‬إال أن ه ذا التغ ري‪ ،‬مشل ع دة ج وانب‪ ،‬منه ا األس رة‪ ،‬ال زواج‪،‬‬
‫التنشئة االجتماعية ‪...‬هي األخرى تغريت حيث ظهرت األسرة النووية‪ ،‬كما استنتج ذلك‬
‫عدي الهواري‪ ،‬مع تغري الزواج من داخلي قرايب إىل زواج خارجي ‪.‬‬
‫فالرابط ة االجتماعي ة متر من جمتم ع حملي إىل ع ام‪ ،‬من خالل تأثره ا بالتنش ئة االجتماعي ة‬
‫نستنتج أن التغري االجتماعي‪ ،‬مشل اجملتمع اجلزائري وكل عناصره ومكوناته‪ ،‬إال أن هذا التغري‬
‫مل يُؤثر بشكل جدري يف الروابط والعالقات االجتماعية‪ ،‬مبعىن أن الروابط تتغري ولكنها ال‬
‫ضعف كبرية‪ ،‬مثلما حيدث يف اجملتمعات الغربية‪.‬‬
‫تزول أو تصل لدرجة ُ‬

‫الفصل الثالث‬

‫المدينة‪ A‬مقاربة‪ A‬نظرية ووصفية‬

‫متهيد‬

‫‪.1‬مفهوم املدينة‬

‫‪.2‬أمناط املدينة‬

‫‪.3‬نظريات ختطيط املدن وأهم مفكريها‬

‫‪.1.3‬نظرية النموذج الدائري املرتاكز‬

‫‪.2.3‬نظرية القطاع‬
‫‪149‬‬
‫‪.3.3‬نظرية النوى املتعددة‬

‫‪ .II‬مدينة السانيا‪ :‬دراسة وصفية‬

‫تاريخ املدينة‬ ‫‪-1‬‬


‫‪ .1.1‬حملة تارخيية (عرب خمتلف األحقاب) والتسمية‬

‫‪.2‬املوقع واملناخ‬

‫‪.3‬التعريف باملدينة إداريا‬

‫‪.4‬الكثافة السكانية والعمران‬

‫‪.5‬النمو الدميغرايف للمدينة‬

‫‪.6‬التجهيزات مبدينة السانية‬

‫‪.1.6‬التجهيزات التجارية‬

‫‪.2.6‬جتهيزات غري جتارية‬

‫‪.III‬حي الرائد الشريف يحي مجتمع الدراسة‬

‫تعريف اجملتمع احمللي للدراسة‬ ‫‪-1‬‬


‫خصائص احلي‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -‬خالصة الفصل الثالث‬

‫‪150‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫تمهيد‬

‫إن أبرز ما يهتم به الباحثني يف علم االجتماع احلضري‪ ،‬هو موضوع المدينة‪ ،‬كظاهرة‬
‫حض رية خصوص ا وأن فهم ه ذه الظ اهرة‪ ،‬يُع د مطلب ا جوهري ا‪ ،‬يُعني يف تعمي ق وفهم أح د‬
‫العمليات االجتماعية األساسية يف علم االجتماع‪ ،‬واملتمثلة يف ظاهرة التغري االجتماعي وحتول‬
‫الفرد من الريف إىل املدينة باكتساب السلوكات والثقافة احلضرية املوجودة فيها‪.‬‬

‫كم ا جند بع د دراس تنا لظ اهرة املدين ة أهنا من ذ نش أهتا م رت مبراح ل تطوري ة‪ ،‬نظ را لعوام ل‬
‫ك انت س ببا يف ه ذا التط ور كالتص نيع‪ ،‬التكنلوجي ا وغريه ا من العوام ل‪ ،‬هلذا تع د املدين ة من‬
‫املصطلحات الصعبة التعريف‪ ،‬بسبب ارتباطها بالريف وعند حماولة حتديد املدينة كمفهوم‪ ،‬يقع‬
‫الب احث يف االرب اك املفه ومي‪ ،‬ه ذا م ا وق ع في ه علم اء االجتم اع احلض ري‪ ،‬ال يتفق ون على‬

‫‪151‬‬
‫تعري ف حمدد‪ ،‬فهن اك من ي رى على أن املدين ة هي جتمع ات س كانية كب رية‪ ،‬تعيش على قطع ة‬
‫أرض‪ ،‬حمدودة نسبياويُضيف البعض إىل ذلك‪ ،‬أن هذه الوحدة السكانية‪ ،‬متتاز باعتمادها على‬
‫الص ناعة والتج ارة أو عليهم ا مع ا‪ ،‬كم ا متت از بالتخص ص يف العم ل‪ 1.‬هلذا وجب علين ا قب ل‬
‫احلديث عن مدين ة الس انية واجملتم ع احمللي احلض ري املدروس هبا‪ ،‬أن نتع رف أوال على املدين ة‬
‫نظريا من الناحية السوسيوحضرية‪.‬‬

‫‪ .I‬المدينة‪ A:‬المفهوم والنظريات‬

‫‪.1‬مفهوم المدينة‪A‬‬

‫إن ما يهمنا يف تعريف املدينة هو اجلانب السوسيولوجي‪ ،‬حيث يعرفها لويس وي‪AA‬رث على‬
‫أهنا "املكان الذي حيتوي على جتمعات هائلة من السكان‪ ،‬كما تُقام فيها مراكز حمددة‪ ،‬تعمل‬
‫على اش عاع األفك ار‪ ،‬واملمارس ات ال يت تُنمي أس لوب ومنط حي اة احلض رية احلديث ة‪ ،‬داخ ل‬
‫املدين ة"‪ 2‬من خالل ه ذا التعري ف‪ ،‬يب دو أن التحض ر عملي ة تتم كأس لوب يف احلي اة من خالل‬
‫تنشئة االفراد تنشئة حضرية‪ ،‬كما جند أيضا تعريفا لروبارت بارك ‪ Robert Park‬يف مقاله‬
‫املعنون ب"مقرتحات حول دراسة السلوك االنساين يف البيئة احلضرية" يرى أن املدينة ليست‬
‫جمرد وحدة أيكيولوجية‪ ،‬بل هي يف نفس الوقت‪ ،‬وحدة اقتصادية‪ ،‬يقوم تنظيمها االقتصادي‬
‫على تقس يم العم ل‪ ،‬ويعت رب ذل ك دليال على النم و الواض ح‪ ،‬يف املهن واحلرف‪ ،‬داخ ل نط اق‬
‫‪1‬‬
‫عواطف فيصل األبياري ‪ ،‬المدينة والتحضر ‪،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪، 1986،‬ص‪.11‬‬
‫‪.2‬حمم د عب اس اب راهيم‪ ،‬التص ‪AA‬نيع والتحض ‪AA‬ر دراس ‪AA‬ة أنثروبولوجي ‪AA‬ة لمدين ‪AA‬ة كيمابأس ‪AA‬وان ‪،‬دار املعرف ة اجلامعي ة‪ ،‬مص ر‪ ،‬االس كندرية‪،‬‬
‫‪،2001‬ص‪.37‬‬

‫‪152‬‬
‫السكان احلضريني وينتهي بارك بقوله‪:‬إن املدينة‪ ،‬تعترب منطقة ثقافية‪ ،‬تتميز بنمطها الثقايف املميز‬
‫‪1‬‬
‫هلا‪.‬‬

‫فهي ليس ت جمرد جتمع ات من الن اس‪ ،‬كم ا أهنا ليس ت جمموع ة من النُظم واإلدارات‪ ،‬وإمنا‬
‫هي اجتاه عقلي وجمموعة من العادات والتقاليد‪ ،‬إىل جانب تلك االجتاهات املنظّمة والعواطف‬
‫املتأص لة‪ ،‬ألهنا مك ان إقام ة ط بيعي لإلنس ان املتم دن وهي ب ذلك منطق ة ثقافي ة‪ ،‬تتم يز بنمطه ا‬
‫الثقايف املتميز‪ 2.‬أما ماكس فيبر فيُعترب من األوائل‪ ،‬الذين حاولوا إجياد تعريف للمدينة‪ ،‬حيث‬
‫يق ول‪ :‬إن هن اك عنص راً واح داً مش رتكاً بني التعريف ات العدي دة‪ ،‬وه و أن املدين ة‪ ،‬تتك ون من‬
‫جمموعة أو أكثر من املساكن املتفرقة‪ ،‬لكنها نسبياً‪ ،‬تُعترب مكان إقامة ُمغلق‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فليس‬
‫صحيحاً دائم اً‪ ،‬أن نطلق على كل احملليات‪ ،‬مصطلح املدن‪ ،‬إن كانت احلياة فيها‪ ،‬تقوم على‬
‫‪3‬‬
‫التبادل التجاري‪.‬‬

‫ويتف ق أغلب علم اء االجتم اع على أن املدين ة عب ارة عن فك رة جمردة‪ ،‬ولكن العناص ر ال يت‬
‫تتك ون منه ا مث ل اإلقام ة‪ ،‬البن اءات الداخلي ة ووس ائل املواص الت‪ ،‬عب ارة عن موج ودات‪،‬‬
‫مشخصة هلا طبائع خمتلفة‪ ،‬ولذلك فإن ما جيعل املدينة شيئا حمددا‪ ،‬هو ذلك التكامل الوظيفي‪،‬‬
‫لعناصرها املختلفة على هيئة وحدة كلية‪ ،‬ومع ذلك ال يكون للمدينة وظيفة واحدة‪ ،‬بل أن‬
‫البحث قد أثبت أن هلا عدة وظائف‪ ،‬وليس معىن هذا‪ ،‬أن وظائف املدينة‪ ،‬توجد يف كل مدن‬
‫‪4‬‬
‫بال استثناء‪.‬‬

‫يعين هذا أن املدن‪ ،‬ختتلف من مكان إىل آخر‪.‬‬

‫فاملدين ة إذن هي ذل ك اجملتم ع‪ ،‬ال ذي يتم يز خبص ائص‪ ،‬ختتل ف عن الري ف‪ ،‬كزي ادة حجم‬
‫السكان‪ ،‬التطور التكنلوجي والصناعي وحسب احصائيات ‪5 2008‬مت حتديد مفهوم املدينة أو‬

‫‪.1‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.48‬‬


‫‪. 2‬حممد عاطف غيث‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪. 120‬‬

‫‪. 3‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.129‬‬


‫‪.‬حممد عاطف غيث‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.132‬‬
‫‪4‬‬

‫‪.Armature Urbaine Résultas issus de l’exploitation exhaustive, collection‬‬


‫‪5‬‬

‫‪Statistiques, RGPH 2008 ,N°163,O.N.S,2011,P.P.36,37. ‬‬


‫‪153‬‬
‫اجملتمع احلضري‪ ،‬حسب املعايري التالية و هي‪ -:‬يقدر احلد األدىن للسكان ب‪ 5000‬نسمة‪.‬‬

‫‪ -‬النشاط االقتصادي يكون أقل من ‪ 25‬باملئة ميارسون النشاط الفالحي‪.‬‬

‫‪ -‬وكشرط أساسي جيب توفر شبكة املياه‪ ،‬الكهرباء‪ ،‬الغاز والتطهري‪.‬‬

‫‪ -‬وكش روط مكمل ة وج ود املستش فيات أو العي ادات املتع ددة اخلدمات‪ ،‬ثانوي ة أو مؤسس ة‬
‫التعليم املتوس ط‪ ،‬وج ود هياك ل ثقافي ة اجتماعي ة‪ ،‬ك دور الش باب على س بيل املث ال‪ ،‬وهياك ل‬
‫رياضية ترفيهية وكذا إدارية كالربيد واحملاكم وغريها من املؤسسات‪.‬‬

‫‪.2‬أنماط المدينة‬

‫ترتب ط املدين ة بعالق ة قوي ة م ع حميطه ا وال ميكنه ا أن تك ون معزول ة عن بيئته ا و وجهته ا‬
‫وجمتمعه ا الش امل ال يت تش كل هي نفس ها ج زء من ه‪ ،‬و وض يفتها الداخلي ة مرتبط ة بوظيفته ا‬
‫اخلارجي ة‪ ،‬هلذا فاملدين ة مندجمة إن دماجا كلي ا‪ ،‬إقتص اديا وإجتماعي ا وثقافي ا م ع بيئته ا وحميطه ا‬
‫وجمتمعها‪.‬‬

‫أ‪.‬مفهوم‪ A‬المي‪A‬تروبوليس‪A:‬بسبب توسع املدن وتضخمها ظهرت املدن املليونية‪ ،‬وهي اليت ترتبع‬
‫على رقع ة جغرافي ة واس عة‪ ،‬تتم يز بامت دادهتا العمراني ة املتص لة حنو أطرافه ا‪ ،‬مما أدى إىل ظه ور‬
‫املدن امليرتوبوليتاني ة أو املي رتوبوليس أو اإلقليم احلض ري‪ ،‬ال ذي يض م ع دة وح دات حض رية‬
‫متجاورة‪.‬‬

‫فمص طلح لمي‪AA‬تروبوليس ‪ ،Metropolis‬مش تق من اللغ ة اليوناني ة‪ ،‬ال ذي يع ين املدين ة األم‬


‫‪ Mother city‬ويش ري إىل املدن اليوناني ة‪ ،‬ال يت ك انت هلا مس تعمرات يف بالد أجنبي ة تتبعه ا‬
‫إداري ا وثقافي ا واقتص اديا‪ ،‬ه ذا م ا جنده ح ديثا يف املدن ال يت أكتس بت أمهي ة تتخطى ح دودها‬

‫‪154‬‬
‫اإلدارية وسلطتها القومية‪ ،‬وجنده يف املدن الكبرية كالعواصم اإلدارية واإلقتصادية والصناعية‪،‬‬
‫وأول من اس تعمل مص طلح املي رتوبوليس ه و رودري‪AA‬ك م‪AA‬اكنزي ‪ R.Meckenzie‬يف كتاب ه‬
‫(اجملتم ع احمللي امليرتوبولي يت) س نة ‪ 1938‬يُعرف ه كم ا يلي‪":‬املرك ز احلض ري جمموع ة من‬
‫التجمعات احلضرية الصغرية حبيث تستوعب بداخله‪ ،‬عددا متنوعا وخمتلفا‪ ،‬من اجملتمعات احمللية‬
‫املستقلة‪ ،‬ليقوم بدور الوحدة اليت حتقق تكامل هذه اجملتمعات"‪ 1.‬وهنا جنده يرمز إىل اإلقليم‪،‬‬
‫واملدن الكثرية مبعىن هو جمموعة من املستوطنات الريفية احلضرية‪ ،‬تتحقق له درجة كبرية من‬
‫التكامل من خالل سيطرة مدينة مركزية‪ ،‬اليت حتفظ له الطابع احلضري للحياة والعيش‪.‬‬

‫ب‪.‬مفه ‪AA‬وم الض ‪AA‬احية‪:‬هي موق ع حض ري على مس افة حمدودة من مرك ز املدين ة األم‪ ،‬تُع رف‬
‫مبنطق ة االنتق ال الي ومي للعم ل من وإىل املدين ة املرك ز‪ ،‬نظ را الرتباط ه هبا‪ ،‬حيث يُقيم فيه ا‬
‫السكان مرتبطني باملركز من الناحية املهنية‪ ،‬وعادة ما تتكون من سكان خارجني عن املركز‬
‫وآخ رون ق ادمون من الري ف‪ ،‬فهي ُملتقى س كاين ريفي حض ري‪ ،‬كم ا يُعرفه ا البعض بأهنا‬
‫‪2‬‬
‫املنطقة احمليطة باملدن أو التابعة املدن امليرتوبوليس‪.‬‬

‫ج‪.‬األطراف الحض‪A‬رية‪:‬متثل األطراف احلضرية البعد املكاين‪ ،‬الذي يستوعب املد امليرتوبولييت‬
‫للمدينة وهي تقع عادة بني ضواحي املدينة والقرى الزراعية من حوهلا‪ ،‬وهي منطقة تفاعل بني‬
‫منطي احلياة الريفية واحلضرية‪ ،‬بني النازحني الريفيني اجلُدد‪ ،‬والسكان احلضريني النازحني‪ ،‬من‬
‫‪3‬‬
‫مركز املدينة‪.‬‬

‫وحس ب ق انون رقم ‪ 2001-20‬الص ادر يف ‪ 12/12/2001‬اخلاص بالتهيئ ة والتنمي ة‬


‫املس تدامة لإلقليم‪ ،‬وحس ب ق انون رقم ‪ 2006-06‬أيض ا الص ادر يف ‪20/02/2006‬‬
‫املتض من تص نيف املدن‪ ،‬من مدين ة إىل عاص مة ‪ ،Métropole‬ومدين ة كب رية ‪Grande‬‬
‫‪ ville‬ومدينة متوسطة ‪ Petite Ville‬وجتمع حضري ‪Agglomération Urbain‬‬
‫كما هو موضح يف اجلدول‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.134‬‬
‫‪2‬‬
‫نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 134‬‬
‫‪3‬‬
‫نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 135‬‬

‫‪155‬‬
‫‪1‬‬
‫جدول رقم‪ .1‬يوضح أنواع المدن حسب قانوني ‪ 2001-20‬و ‪2006-06‬‬

‫مفهومها‬ ‫الفئة‬ ‫القانون‬


‫وح دة حض رية تتك ون على األق ل من ‪ 300000‬س اكن وهلا وظ ائف‬ ‫مدينة العاصمة‬ ‫‪2001-20‬‬
‫جهوية ووطنية ودولية‪.‬‬
‫وحدة حضرية تتكون على األقل من ‪ 100000‬ساكن‪.‬‬ ‫مدينة كبرية‬ ‫‪2001-20‬‬
‫و‬ ‫وح دة حض رية ي رتاوح ع دد س كاهنا م ا بني ‪100.000‬‬ ‫مدينة متوسطة‬ ‫‪06-2006‬‬
‫‪50.000‬ساكن‬
‫و‬ ‫وح دة حض رية‪ ،‬ي رتاوح ع دد الس كان فيه ا م ا بني ‪20.000‬‬ ‫مدينة صغرية‬ ‫‪06-2006‬‬
‫‪50.000‬ساكن‬
‫جمال حضري حيوي على األقل ‪ 5000‬ساكن‬ ‫جتمع حضري‬ ‫‪06-2006‬‬

‫وحسب إحصائيات ‪ 22008‬تبدو أن مدينة السانيا مكان الدراسة‪ ،‬مدينة صغرية ذات وحدة‬
‫حض رية‪ ،‬ي رتاوح عدد س كاهنا حوايل‪ 220.000‬نس مة سنة ‪. 2008‬أم ا كثافته ا الس كانية‬
‫فقدرت ب‪ 1211 :‬نسمة‪/‬كم‪ ،²‬وقد تزايد العدد يف ‪ 2016‬طبعا‪.‬‬

‫‪.3‬نظريات تخطيط المدن وأهم مفكريها‬

‫بدأت املدن منذ أواخر القرن التاسع عشر تنمو منوا كبريا وتعرف ازدحاما‪ ،‬يعيش فيها‬
‫ماليني البشر‪ ،‬األمر الذي استدعى ظهور وتطوير نظريات ذات طبيعة ختطيطية‪ ،‬أي نظريات‬
‫وق وانني‪ ،‬ال حتاول دراسة ظاهرة التحض ر وتفس ريها فحسب بق در م ا حتاول الت دخل يف ه ذه‬
‫الظ اهرة وفهمه ا‪ ،‬ض بطها مبا خيدم رفاهي ة اإلنس ان وجيع ل معيش ته س هلة ميس رة داخ ل املدين ة‬
‫ومن أبرز هذه النظريات نذكر‪:‬‬
‫‪.1.3‬نظرية‪ A‬النموذج الدائري المتراكز‬

‫‪:‬نورية سواملية‪،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.81‬و انظر أيضا‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪.Armature Urbaine(Résultats issus de l’exploration exhaustive),op.cit,P33.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪.Recensement Général de la population et de l’habitat 2008, Données statistique,‬‬
‫‪N°527/31, O.N.S, Alger,P30‬‬
‫‪156‬‬
‫نادى هبذه النظرية أرنست برجس بعد دراسته للمدينة على أهنا تتوزع يف شكل حلقات‬
‫ح ول مرك ز أساس ي فيه ا من خالل كتابه نم ‪AA‬و المدين ‪AA‬ة‪ ،‬حيث ق دم ب ‪AA‬رجس إس هاما متم يزا‬
‫يكشف عن تأثره البالغ بااليكولوجيني األوائل وعرض إسهامه يف حبثه‪ ،‬الذي ضمته دراسته‬
‫املعروفة عن أمناط النمو وتركيبها‪ ،‬فقد كان مهتما بتطوير النظرية االيكولوجية‪.‬‬
‫ولكي يقيمه ا ح اول وض ع منوذج ووص ف بي اين للطريق ة ال يت تنم و هبا املدين ة وتنظيمه ا‬
‫املساحي مستخدما يف ذلك‪ ،‬خريطة ايكولوجية ملدينة شيكاغو‪ ،‬كأساس لبحثه‪ ،‬وحىت حيقق‬
‫‪1‬‬
‫أهدافه عاجل منو املدينة يف ضوء امتدادها الفيزيقي ومتايزها يف املكان‪.‬‬
‫وانطل ق يف ذل ك من فك رة أساس ية هي أن أس عار األراض ي وس هولة الوص ول إليه ا‪ ،‬تبل غ‬
‫أقصاها يف قلب املدينة التجاري‪ ،‬مث تنخفض تدرجييا بالبعد عن املنطقة املركزية‪ ،‬فخرج بفكرة‬
‫أساسية أخرى‪ ،‬مؤداها أن املدينة تتخذ يف منوها‪ ،‬مخس حلقات أو نطاقات متناقصة ومتحدة‬
‫املراكز هذه احللقات هي ‪:2‬‬
‫‪.1‬المنطق ‪AA‬ة التجاري‪A A‬ة‪ A‬المركزي ‪AA‬ة‪ :‬تق ع ه ذه املنطق ة يف مرك ز التوزي ع االيكول وجي للمدين ة‬
‫وتشكل النواة احليوية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬فهي ُملتقى طرق املواصالت وأكثر أجزاء‬
‫املدين ة ال يت تس هل الوص ول إليه ا‪،‬كم ا ت دور فيها أك ثر نش اطات املدين ة كثاف ة‪ ،‬وتك ثر فيه ا‬
‫املس ارح ودور الس ينما واملت اجر املتخصص ة والفن ادق الك ربى واإلدارات واملك اتب التجاري ة‬
‫والبنوك‪ ،‬وقد أدت أفضلية املوقع يف منطقة األعمال املركزية‪ ،‬سهولة الوصول إليه‪ ،‬إىل زيادة‬
‫الطلب على األرض وارتف اع أس عارها‪ ،‬ه ذا ه و الس بب ال ذي دف ع ب‪AA A‬رجس إىل الق ول أن‬
‫األعم ال ال يت حتق ق رحبا مرتفع ا نس بيا وتس تخدم األرض بكثاف ة هي ال يت متكنه ا أن توج د يف‬
‫املنطقة األوىل‪.‬‬
‫‪.2.‬المنطق‪AA‬ة اإلنتقالي‪AA‬ة أو منطق‪AA‬ة التح‪AA‬ول‪ :‬ي ؤدي التوس ع والنم و العم راين‪ ،‬ال ذي تتع رض ل ه‬
‫منطق ة األعم ال املركزي ة إىل تع رض املنطق ة االنتقالية للتغ ري املس تمر وتتم يز بالكثاف ة الس كانية‬

‫‪.1‬حممد السيد غالب وآخرون‪ ،‬جغرافيا الحضر‪،‬دراسة يف تطور احلضر و مناهج البحث فيها‪ ،‬ط‪،1‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دار الكتب‬
‫اجلامعية ‪، 1972‬ص‪ .171‬وانظر‪:‬ايضا‪،‬السيد عبد العاطي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.403،‬‬

‫‪.2‬السيد حنفي عوض‪ ،‬علم االجتماع الحضري ‪ ،‬شركة األمل للطباعة والنشر ‪ ،‬القاهرة‪، 1986‬ص‪40‬‬

‫‪157‬‬
‫واالخنف اض امللح وظ يف ال دخل الف ردي وانتش ار األم راض االجتماعي ة‪ ،‬كظه ور التفك ك‬
‫االجتماعي‪،‬كما يسودها أحوال سكنية متدهورة‪ ،‬حيث تكثر األكواخ واملنازل القدمية وتنتشر‬
‫خمازن السلع والبضائع واملصانع والغرف املفروشة لإلجيار‪....‬أما ساكين هذه املنطقة‪ ،‬فهم على‬
‫اخلص وص األقلي ات العنص رية واالثني ة‪ ،‬امله اجرون اجلدد‪ ،‬األف راد دون م أوى واهلامش يني‪،‬‬
‫والس بب أن الس كن واملهن ال يت توج د يف املنطق ة االنتقالي ة مرفوضة اجتماعي ا‪ ،‬فإهنا توص ف‬
‫ع ادة ب االحنالل والفس اد اخللقي والف يزيقي وحس ب نظري ة ب ‪AA‬رجس‪ ،‬ف إن املنطق ة األوىل متت د‬
‫فيزيقي ا‪ ،‬من خالل عملي يت الغ زو واإلحتالل‪ ،‬على حس اب املنطق ة الثاني ة‪ ،‬اليت تتوس ع وتغ زو‪،‬‬
‫هي األخرى املنطقة املوالية ‪.‬‬
‫‪.3‬منطق ‪A‬ة‪ A‬س ‪AA‬كن العم ‪AA‬ال‪ A:‬يقطن ه ذه املنطق ة العم ال ذوي الياق ات الزرق اء‪ ،‬وأص حاب املهن‬
‫الكتابي ة وأطف ال امله اجرين‪ ،‬هلم تطلع ات لتحس ني مس توى معيش ة أطف اهلم ودفعهم لص عود‬
‫السلم االجتماعي‪.‬‬
‫‪.4‬منطق ‪AA‬ة س ‪AA‬كن الطبق ‪A‬ة‪ A‬الوس ‪AA‬طى‪ :‬تتض من ه ذه املنطق ة‪ ،‬مس اكن األس رة الواح دة‪ ،‬وأحي اء‬
‫األعمال احمللية‪ ،‬والشقق اجلميلة والعمارات مع بعض فنادق اإلقامة‪ ،‬يسكن هذه املنطقة ذوي‬
‫الياقات البيضاء وأصحاب املهن وصغار املنظمني‪.‬‬
‫‪.5‬منطقة‪ A‬السفر اليومي أو الض‪AA‬واحي‪ :‬تقع منطقة السفر اليومي خارج حدود املدينة‪ ،‬ومتثل‬
‫منطق ة س كنية‪ ،‬ل ذوي ال دخل املرتف ع‪ ،‬كما ميكن أن تك ون مق را لبعض األحي اء املتخصص ة‬
‫تتكون من الطبقات العليا والوسطى‪ ،‬كما أن معظم سكاهنا من الذين يقومون برحلة العمل‬
‫اليومية‪.‬‬
‫حيث يف رتض ب‪AA‬رجس ب أن ه ذه املن اطق ي رتاوح اتس اع كال منه ا‪ ،‬من مي ل إىل ميلني وك ل‬
‫منطق ة تتم يز عن األخ رى من حيث اس تخدامات األرض‪ ،‬واحلال ة اإلجتماعي ة وغريه ا من‬
‫اخلص ائص العام ة‪ ،‬كم ا رأى أن املدين ة تنم و وتتط ور على ش كل عملي ة تب دأ من ال داخل إىل‬
‫اخلارج‪ ،‬مرجع ا الس بب يف ذل ك إىل التوس ع والض غط‪ ،‬ال ذي يُول ده منو املنطق ة التجاري ة‬

‫‪158‬‬
‫والصناعية على املنطقة السكنية‪ ،‬بإلضافة إىل منو هذه املنطقة األخرية‪ ،‬يرغب سكاهنا باالبتعاد‬
‫‪1‬‬
‫عن مركز املدينة الصاخب وخاصة بعد أن يرتفع مستوى معيشتهم‪.‬‬
‫اعت ربت ه ذه النظري ة واح دة من النظري ات ال يت تبحث عن من اطق ال رتكز‪ ،‬حيث رأى أن‬
‫البني ة الداخلي ة للمدين ة وتوس عها‪ ،‬حنو األط راف ال يت ت رتكب وظيفي ا من ‪ 5‬من اطق دائري ة‬
‫الشكل‪ ،‬حتيط الواحدة باألخرى‪ ،‬هلذا نالحظه هنا‪ ،‬ينطلق من فكرة النمو والتوسع‪ ،‬ليدرس‬
‫عملي يت الغ زو واالحتالل‪ ،‬أي أن توسع األعم ال املركزي ة ي ؤدي إىل غزوه ا للمنطق ة الثاني ة‪،‬‬
‫وتوسع هذه األخرية يؤدي إىل غزو الثالثة‪ ،‬فكلما ازدادت املسافة عن مركز املدينة‪ ،‬كان هناك‬
‫ميل حنو زيادة أحجام القطع األرضية واخنفاض يف كثافة التملك ‪.‬‬

‫‪.2.3‬نطرية‪ A‬القطاع‬

‫ظهرت هذه النظرية يف هناية الثالثينات ‪ 1939‬كرد فعل على االنتقادات اليت تعرضت هلا‬
‫نظري ة ب ‪AA‬رجس‪ ،‬حيث حتق ق ذل ك‪ ،‬حينم ا ق دم ص احب ه ذه النظري ة ه ‪AA‬ومر ه ‪AA‬ويت‪ ،‬إط ارا‬
‫تصوريا حياول فيه حتديد النمط االيكولوجي للمدينة يف ضوء فكرة القطاع ‪.‬‬
‫و ذلك بعد دراسته ل ‪ 142‬مدينة‪ ،‬من ناحية إجيارات املساكن ومميزاهتا‪ ،‬فاملدينة تنقسم إىل‬
‫قطاع ات خمتلف ة ال حلق ات وأن الس كان يتجه ون يف انتق االهتم إىل ح دود حمور حمدود‪ ،‬كلم ا‬
‫منت املدينة‪ ،‬زادت التجمعات السكنية الغنية إنتقاال خارج مركز املدينة‪ ،‬فقد أستعمل هويت‬
‫حقائق تتعلق بسعر العرض‪ ،‬وقيمة اإلجيار للمناطق السكنية‪ ،‬فتوصل من خالهلا‪ ،‬إىل تعميمات‬
‫مفيدة عن املناطق السكانية‪ ،‬يف هذه املدن‪ ،‬واختاذها أساسا لنظرية القطاعات‪.‬‬

‫‪ .1‬حممد حافظ‪ ،‬النمو الحضري في المجتمع‪ A‬المصري ‪ ،‬دراسة بنائية تارخيية‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار سعيد رأفت للطباعة والنشر‪،‬‬
‫‪،1987‬ص‪29‬‬

‫‪159‬‬
‫كما وجد هويت‪ ،‬أن سعر اإلجيار‪ ،‬يعكس مثن األرض‪ ،‬ويؤثر يف استعماالت أرض املناطق‬
‫الس كنية‪ ،‬وت رتيب ه ذه املن اطق يف قطاع ات‪ ،‬أو أذرع تتش عب من مرك ز املدين ة‪ ،‬ومتت د على‬
‫طول طرق املواصالت‪ ،‬وليست على شكل دوائر مركزية‪ ،‬كما رأى برجس‪ ،‬مالحظا أنه إذا‬
‫أبدا القطاع مبنطقة سكنية مرتفعة اإلجيار‪ ،‬فإن هذا القطاع‪ ،‬يبقى حمافظا على الدور الراقي‪ ،‬إىل‬
‫النهاي ة خالل توس ع املدين ة‪ ،‬وه ذا ص حيح أيض ا‪ ،‬إذا ب دأ القط اع من املرك ز مبنطق ة منخفض ة‬
‫‪1‬‬
‫اإلجيار‪ ،‬فهناك ختصص يف القطاعات املختلفة من حيث استعمال األرض‪.‬‬
‫يبدو واضحا أن حتديد سكىن القطاعات‪ ،‬أو سكىن الطبقات االجتماعية ‪،‬يعتمد على القيم‬
‫االجيارية‪ ،‬ولكي يتضح األمر‪ ،‬درس هوايت بصفة خاصة‪ ،‬متغري الدخل‪ ،‬واتضح له أن ما حيدد‬
‫انتشار املناطق السكنية‪ ،‬هو دخل األفراد‪ ،‬وما حيكم الرتكيب الداخلي للمدن‪ ،‬هو الطُرق اليت‬
‫خترج من قلب املدينة‪ ،‬إىل األطراف واستنادا إىل الفهم اخلاص‪ ،‬الذي قدمه هويت لنمو املدينة‬
‫أكد أن النمو احلضري ‪،‬يتحدد يف ضوء امتدادات النمط السائد ‪،‬من أمناط استخدام األرض‪.‬‬
‫يعين هذا‪ ،‬أنه نظر إىل املدينة كدائرة‪ ،‬وإىل املناطق املختلفة كقطاعات‪ ،‬كما أوضح أن النمو‬
‫احلضري‪ ،‬يتم بأقصى سرعته على خطوط‪ ،‬النقل الرئيسية وعلى طول اخلطوط األقل مقاومة ‪.‬‬
‫‪ .3.3‬نظرية النوى المتعددة‬

‫‪Haris Uhman‬‬ ‫ظهرت هذه النظرية‪ ،‬يف منتصف األربعينات من طرف هاري وألمان‬
‫مس تندة إىل فك رة أساس ية‪ ،‬تؤك د أن النم و يف املدينة‪ ،‬ال يعتم د على ن واة واح دة‪ ،‬إمنا على‬
‫نويات متعددة‪ ،‬مبعىن أن عدد املراكز يف كل مدينة‪ ،‬ال مركز واحد‪ ،‬وأن كل مدينة‪ ،‬ختتلف يف‬
‫نوع وعدد مراكزها‪ ،‬فهناك املنطقة التجارية املركزية‪ ،‬وهي النواة الرئيسية يف املنطقة احلضرية‪،‬‬
‫وعندها تلتقي يف طرق املواصالت‪ ،‬وميكن تقسيم هذه املنطقة إىل عدد املناطق‪.‬‬
‫أما املباين احلكومية والعامة‪ ،‬فإهنا غالبا ما تتجمع‪ ،‬وتقع بالقرب من منطقة خمازن بيع الفرد‬
‫التجارية‪ ،‬أما نقطة بيع باجلملة‪ ،‬فإهنا متتد عادة على طول سكك احلديد‪ ،‬بالقرب من املنطقة‬
‫التجاري ة‪ ،‬أم ا الص ناعات اخلفيف ة‪ ،‬فإهنا حتت اج إىل نفس متطالت‪ ،‬موق ع مؤسس ات اجلمل ة‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد اهلل العطوي‪ ،‬جغرافية المدن‪ ،‬ج‪،3‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪، 2003،‬ص‪. 128‬‬

‫‪160‬‬
‫كاملك ان الواس ع‪ ،‬وس هولة املواص الت ب القرب من الس وق‪ ،‬واألي ادي العامل ة يف املدين ة‪ ،‬أم ا‬
‫املنطقة السكنية فقد قسمت إىل أربع أقسام‪،‬كل قسم يقع يف سكن الطبقات املتوسطة‪:‬‬
‫‪.1‬منطقة سكن الطبقات الفقرية‪.2.‬منطقة سكن الطبقات املتوسطة‪.3.‬منطقة سكن الطبقات‬
‫‪1‬‬
‫الغنية‪.4.‬منطقة الضواحي السكنية‪.‬‬

‫ويرجع ذلك إىل مايلي‪:‬أ‪ .‬حتتاج بعض نواحي النشاط يف املدينة‪ ،‬إىل تسهيالت خاصة‪ ،‬فهي‬
‫جتارة القطاع‪ ،‬ينشأ عادة يف املراكز‪ ،‬الذي يؤمن أكرب عدد من الناس‪ ،‬وحىت امليناء ينشأ جبوار‬
‫البحر‪ ،‬وحىت الصناعات جبوار النهر أو البحر‪ ،‬وعند فقط إلتقاء الطرق أو السكك احلديدية‪.‬‬

‫ب‪.‬تستفيد بعض ضواحي‪ ،‬ن واحي النشاط يف املدينة‪ ،‬من وجودها يف مكان واحد‪ ،‬فتجتمع‬
‫جتار القطاعي مثال‪ ،‬يف مكان واحد يفيدهم مجيعا ألن هذا يسهل على العمالء عملية الشراء‪.‬‬

‫ج‪.‬تنف ر بعض ن واحي النش اط يف املدين ة‪ ،‬من بعض ها ‪ ،‬فاملنطق ة الغني ة مثال‪ ،‬تنف ر من منطق ة‬
‫الصناعة وتسكن يف أبعد مكان عنها‪.‬‬

‫د‪.‬ال تتمكن بعض ن واحي النش اط يف املدين ة‪ ،‬من حتم ل عبء األرض ذات القيم ة املرتفع ة‪ ،‬يف‬
‫وس ط املدين ة‪ ،‬فتجار اجلملة مثال‪ ،‬يبعدون عن وس ط املدين ة‪ ،‬ألهنم حيتاجون ملس احات كبرية‬
‫‪2‬‬
‫لتخزين بضائعهم‪.‬‬

‫لقد شكلت هذه النظريات‪ ،‬نسقا فكريا يعكس اجتاها متميزا ‪،‬حول االهتمام بدراسة النمط‬
‫االيكول وجي للمدين ة‪ ،‬وم ع ذل ك فهن اك ف روق بني النظري ات الثالث‪،‬ترج ع إىل املنظ ور ال ذي‬
‫تبناه كل منهما و نظر من خالله إىل هذا النمط ‪.‬‬
‫‪ .II‬مدينة‪ A‬السانيا‪: A‬دراسة وصفية‬

‫يهتم األنثروبولوجيون مبختلف اجتاهاهتم‪ ،‬بالظروف والعوامل اجلغرافية والبيئية للمجتمع‬


‫الذي يقومون بدراسته هبدف التعرف على إنسان ذلك اجملتمع‪ ،‬وعالقته بالظروف والعوامل‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد اهلل العطوي‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص‪. 139‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬مرجع سابق ص‪. 142‬‬

‫‪161‬‬
‫البيئي ة احمليطة ب ه‪ ،‬مبع ىن يقوم ون بدراس ة أيكولوجي ة للمدين ة‪ ،‬فهن اك العدي د من العلم اء ال ذين‬
‫أدخل وا املنهج األيكول وجي يف جمال العل وم االجتماعي ة واالنس انية يف أوائ ل الق رن العش رين‬
‫وخاصة يف أعمال تشارلس جالبين‪ ،‬يف كتابه عن التشريع االجتماعي‪ ،‬ألحد اجملتمعات احمللية‬
‫الزراعي ة ع ام ‪ .1915‬حني بني العالق ات املتبادل ة‪ ،‬بني الن اس والبيئ ة‪ ،‬و وض ع خريط ة عام ة‪،‬‬
‫تُبني أنواع النشاطات املختلفة‪ ،‬وتوزيعها يف خمتلف املناطق‪ ،‬وبني أن هناك مناطق طبيعية تظهر‬
‫تلقائيا نتيجة لتوافر ظروف ايكولوجية معينة‪ ،‬وأن كل منطقة من هذه املناطق‪ ،‬تتطلب نوعا‬
‫من أنواع معينة من النشاط االجتماعي‪ ،‬يتالءم مع هذه الظروف‪1.‬وكذلك ما قدمته مدرسة‬
‫ش يكاغو من وص ف أيكول وجي ملدين ة ش يكاغو‪،‬ك ان ل ه دور كب ري يف حق ل األنثرولوجي ا‬
‫احلضرية‪.‬‬

‫ولدراس ة املدين ة بش كل متكام ل ينبغي التع رف على موقعه ا اجلغ رايف‪ ،‬وح دودها املكاني ة‬
‫وظروفها‪ ،‬من حيث املناخ والطقس البيئية‪ ،‬كما أنه من الضروري أن حنصر سكاهنا ليس من‬
‫حيث احلجم فق ط وإمنا أيضا من حيث ت وزيعهم وخصائص هم واجلانب االقتص ادي والسياس ي‬
‫هلا‪.‬‬
‫كما أن للبعد التارخيي دور يؤدي اىل تفسري األوضاع احلالية اليت تعيشها املدينة‪ ،‬سواء من‬
‫حيث النشأة أو التطور أو األوضاع املستقبلية مع دراسة وصفية ملستوى التعليم ونظام السكن‬
‫أي أن ه باختص ار‪ ،‬ص ورة لنوعي ة احلي اة ال يت يعيش ها س كان احلض ر يف اجملتم ع احلض ري ال ذي‬
‫ندرس ه‪ .‬وه ذا م ا جعلن ا نق وم بوص ف ش امل للمجتم ع احلض ري واملتمث ل يف مدين ة الس انية‪،‬‬
‫جمتمع الدراسة‪.‬‬

‫تاريخ المدينة‬ ‫‪-1‬‬


‫‪ .1.1‬لمحة تاريخية (عبر مختلف األحقاب) والتسمية‬

‫تعود نشأة مدينة السانية إىل حوايل سنة ‪ ،1855‬أين وقعت عملية الفرز اليت مسحت‬
‫خبل ق حرك ة تكتالت بالس انية‪ ،‬ونظ را ملوض عها داخ ل ح وض‪ ،‬مُس يت هبذا االس م‪ ،‬أال وه و‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬أمحد أبوزيد‪ ،‬البناء االجتماعي‪،‬مدخل لدراسة المجتمع‪،‬األنساق‪،A‬ج‪،2‬اهليئة العامة للكتاب‪،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪،1979،‬ص‪.11‬‬

‫‪162‬‬
‫الص ‪AA‬حن مما يعكس حقيق ة الوض عية املورفولوجي ة واجليولوجي ة لط ابع املدين ة‪ ،‬ك ون أرض يتها‬
‫س‪A‬انِيَة‪  A‬يف أصلها كلمة‪ ‬عربية‪ ‬وهي مجع َس َو ٍان‪:‬ما يُعرف بالساقية أو‬
‫مسطحة‪ .‬وتُعترب كلمة ال َّ‬
‫الن افورة "اس تخدم ه ذا االس م من قب ل الع رب ال ذين احتل وا ش رق ه ذه املدين ة قب ل ‪،1844‬‬
‫وكان هبا املياه‪ ،‬فكل فرد يأيت للمدينة حيفر بئر عميقة (حوايل ‪ 2‬مرت)‪ ،‬مما يسمح له بالعمل يف‬
‫قطع ة أرض لتلبي ة احتياجات ه اخلاص ة‪ ،‬هلذا عُرفت"باحلديق ة النباتي ة"‪ ،‬تُرمجت إىل العربي ة‬
‫الفصحى"بالسانية" وكذا احندارها الطبيعي املقدر ب ‪.%15‬‬
‫ويف سنة ‪ 1930‬كانت مساحة مدينة السانية عبارة عن أراضي للكوروم ومزارع مستعمرة‬
‫يف اجلن وب‪ ،‬أم ا بالنس بة لتوس عها العم راين‪ ،‬فق د مترك ز على حمورين‪ ،‬مها الطري ق الوط ين‬
‫‪ RN2A‬والطري ق ال والئي ‪ ،CW83‬وهك ذا تك ونت القري ة املس تعمرة ودوار الع رب بعني‬
‫البيضاء‪.‬ويف سنة ‪ ،1970‬إختصر النسيج العمرامني يف حمورين‪:‬‬
‫‪.1‬احلي االستعماري يف الغرب‪ :‬مشل جمموع من الشاليهات وقواعد الطريان العسكري (حمطة‬
‫الراديو و حمطة ‪ Aérodrome‬يف اجلنوب‪ .‬فتنصيب هذه القواعد منح احلي وظيفة عسكرية‪.‬‬
‫‪.2‬دوار العرب‪ :‬يف الشرق احملدد بالطريق الثانوي ‪ CW33‬وهران السانيا‪ ،‬إنشغل األهايل يف‬
‫ه ذه املنطق ة بالفالح ة و املزارع‪ .‬ويف س نوات اخلمس ينات مترك ز اجليش الفرنس ي يف ال رتاب‬
‫الوطين مما مسح بإنشاء خميم آخر لضباط عسكريني سامني‪ ،‬عشرون مدينة فردية كانت مبنية‬
‫‪1‬‬
‫عند حدود الدوار‪.‬‬
‫‪.2‬الموقع‪ A‬والمناخ‪A‬‬
‫تقع‪ ‬مدين‪A A‬ة‪ A‬الس ‪AA‬انية‪ ‬يف‪ ‬والي ة وه ‪AA‬ران‪ ‬باجلمهوري ة اجلزائرية‪ ،‬وتُعت رب من أهم البل ديات يف‬
‫الوالي ة حتدها مشاال مدينة‪ ‬وه ران‪ ‬وغرب ا بلدية‪ ‬مس رغني‪ ،‬ش رقا بلدية‪ ‬س يدي الش حمي‪ ،‬بلدي ة‬
‫الكرمة‪ ‬يف اجلن وب الش رقي‪ ‬وس بخة وه ران‪ ‬يف اجلن وب‪ ،‬تبع د مدين ة الس انية عن س احل‪ ‬البح ر‬
‫األبيض املتوسط‪ ‬حبوايل ‪ 7.5‬كم جنوب ا‪ ،‬كم ا تبل غ املس افة بني مرك ز بلدي ة الس انية ومرك ز‬
‫مدينة‪ ‬وهران‪ ‬بـ ‪ 6.4‬كم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫بلدية السانية‪ ،‬الحصيلة السنوية للبلدية ‪. 2008‬‬

‫‪163‬‬
‫ومن حيث املناخ فهو خيتلف عن مدينة وهران وبالرغم من عدم ابتعادها عن الساحل كثريا‬
‫لكن مناخه ا خمتل ف قليال‪ ،‬وه ذا يع ود إىل وجوده ا بني س بختني‪:‬س بخة "البح رية الص غرية"يف‬

‫الش مال الش رقي وس بخة وه ران جنوبا‪ ،‬ه ذا م ا ي ؤثر على مناخه ا وجيعل ه أك ثر ب رودة ش تاءً‬
‫وأك ثر ح رارة ص يفاً‪ ،‬إض افة إىل ظ اهرة الض باب ال يت تعم املنطق ة‪ ،‬م رتني أو ثالث م رات يف‬
‫الشهر‪ ،‬أما فيما خيص األمطار‪ ،‬فإن منسوهبا يقدر ب‪ 400-200‬ممل سنويا ومبعدل درجة‬
‫‪°‬‬
‫حرارة تصل إىل ‪18‬‬
‫أما اجلغرافيا فرتتفع ب ‪ 91‬مرت على مستوى سطح البحر‪ ،‬و قُدرت مساحتها ب ‪48¸51‬‬
‫كلم‪، 2‬كما أن مدينة السانية عبارة عن سهل يتميز برُت بته احلمراء واألراضي الفالحية املنتشرة‬
‫ع رب البلدي ة‪ ،‬وتتك ون مدين ة الس انية من ‪ 6‬من اطق رئيس ية‪ ،‬وهي‪.1:‬منطق ة الس انية املرك ز‬
‫‪.2‬منطق ة عني البيض اء ‪.3‬منطق ة اللوف ا‪.4.‬منطق ة ش ريف حيي‪.5.‬منطق ة حمم د بوض ياف‪.‬‬
‫‪.6‬املن اطق املبع ثرة من م زارع كمزرع ة بومض ل س ليمان‪ ،‬جعي در حمم د‪...‬كم ا تنتمي إداري ا‬
‫‪1‬‬
‫لدائرة السانية كل من بلدية سيدي الشحمي وبلدية الكرمة‪.‬‬
‫‪.3‬التعريف بالمدينة إداريا‬
‫مدين ة الس انية من بني البل ديات ‪ 26‬املكون ة لوالي ة وه ران‪ ،‬وذل ك باعتباره ا أول وأهم‬
‫قطب يف جمال التعليم العايل والبحث العلمي‪ ،‬هذا الحتواءها على عدد من املعاهد املتخصصة‬
‫واجلامعات كما أهنا مصنفة‪ ،‬كأكرب ثالث قطب صناعي يف اإلقليم بعد كل من أرزيو وبطيوة‬
‫باإلض افة إىل أهنا حتت وي على مط ار دويل‪ ،‬وُأنش ئت مدين ة الس انية إداري ا باملنش أ الق انوين هلا‪:‬‬
‫الق رار احلك ومي املؤرخ يف ‪10/07/1844‬يف حني ب دأ نش اطها املن وط هبا يف‬
‫‪.26/07/1974‬‬
‫حتت وي مدين ة الس انية إداري ا على‪.1:‬مدينة‪ ‬الس انية‪ : ‬وهي مرك ز ال دائرة واملدين ة الرئيس ية‬
‫لل دائرة ميت د من جه تني بداي ة من النهج الرئيس ي ‪ RN2A‬واملس مى مبحم د مخيس يت إىل غاي ة‬
‫‪-CW83 .‬الكرمة‪: ‬تق ع جن وب مدين ة الس انية ‪.‬‬ ‫هناي ة ح دود هنج ش هداء الث ورة‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫بلدية السانية‪ ،‬الحصيلة السنوية للبلدية ‪. 2008‬‬

‫‪164‬‬
‫‪.3‬بلدية‪ ‬سيدي الشحمي‪:‬تقع شرق مدينة السانية‪،‬كما للمدينة ملحقات إدارية وهي‪:‬ملحقة‬
‫عني البيض اء ملحق‪AA A‬ة الرائ‪AA A‬د ش‪AA A‬ريف يحي‪ ،‬ملحق ة حمم د بوض ياف (ق ارة)‪ ،‬ملحق ة س ي‬
‫‪1‬‬
‫رضوان(اللوفا)‪.‬‬
‫‪.4‬الكثافة‪ A‬السكانية‪ A‬والعمران‬
‫شهدت مدينة السانية تطورا يف عدد سكاهنا والذي بلغ خالل تعداد سنة ‪ 1977‬حوايل‬
‫‪ 19969‬نسمة ويف تعداد ‪ 1987‬قٌدر ب ‪34324‬نسمة‪ ،‬مبعدل منو يقدر ب ‪ % 5¸51‬أما‬
‫يف تع داد ‪ 1998‬فق د ك ان ‪ 64797‬نس مة‪ ،‬وهن ا ق در مع دل النم و للتع دادين ‪-1987‬‬
‫‪1998‬ب ‪ %5¸79‬يف حني وص ل ع دد الس كان املدين ة‪ ،‬خالل التع داد األخ ري ‪ 2008‬إىل‬
‫‪ 92826‬نسمة مبعدل منو قدر ب ‪.%6¸00‬‬
‫أما كثافتها السكانية‪ ،‬فقُدرت ب‪ 1211 :‬نسمة‪/‬كم‪.²‬ومت إنشاء قرية السانية عام ‪1844‬‬
‫من قب ل املهندس ني العس كريني‪ ،‬فق اموا بتخطي ط املدين ة والنواف ري واآلب ار وتعبي د الطرق‪ ،‬غرس‬
‫األش جار اخل‪...‬وب دأت الس انية كبلدي ة إداري ة يف وظيف ة كامل ة مش رتكة مؤرخ ة ‪ 26‬ين اير‬
‫‪.1874‬‬
‫كما احتوت البلدية على ميدان سباق اخليل‪ ،‬أشجار التني‪ ،‬واخلصائص الريفية اجلميلة‪ ،‬والعديد‬
‫من النباتات اليت تساعد على جعل هذه القرية الساحرة تنافس اجملتمعات احلضرية الكربى‪ ،‬ومن‬
‫حيث العمران حتتوي مدينة السانية على منشآت ومؤسسات وأماكن هامة حضرية كالمنطقة‪A‬‬
‫الصناعية اليت تقع شرق البلدية‪ ،‬ممتدة من مشاهلا إىل جنوهبا هبا عدد كبري من املصانع املختصة‬
‫أساسا بالصناعات اخلفيفة‪ ،‬كاملواد الغذائية وكذلك جامعة السانيا‪:‬أمحد بن ببلة وجامعة السانية‬
‫وهران اثنان مع العديد من املعاهد التابعة للجامعة‪ ،‬أي أنه يقع عدد كبري من جممعات جامعة‬
‫وهران هبا‪ ،‬إظافة إىل ذلك مطار السانيا أمحد بن بلة وهران وهو مطار مدين دويل يقع جنوب‬
‫البلدي ة‪ ،‬يُعت رب من أهم املط ارات يف اجلزائ ر‪ ،‬هلذا تعت رب دائ‪AA A‬رة الس‪AA A‬انية‪ ‬من أهم دوائر‪ ‬والي ة‬
‫‪2‬‬
‫وهران‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪ ،‬بلدية السانية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫نفس املرجع السابق‪،‬بلدية السانية ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫‪.5‬النمو الديمغرافي‪ A‬للمدينة‬

‫جدول رقم ‪ 2‬يوضح تطور عدد السكان لمدينة السانية‬

‫‪2008‬‬ ‫‪1998‬‬ ‫‪1987‬‬ ‫‪1977‬‬ ‫سنوات تعداد‬


‫‪92826‬‬ ‫‪64797‬‬ ‫‪34324‬‬ ‫‪19969‬‬ ‫عدد السكان‬
‫‪6,00‬‬ ‫‪5,79‬‬ ‫‪5,51‬‬ ‫معدل‪ A‬النمو ‪%‬‬
‫الكثاف‪AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A‬ة‬
‫‪1931‬‬ ‫‪1335‬‬ ‫‪707‬‬ ‫‪411‬‬ ‫‪2‬‬
‫السكانية(نسمة‪/‬كم‬
‫املصدر ‪ :‬مكتب اإلحصاء‬

‫الجدول رقم ‪ 3‬يوضح التركيب النوعي والعمري‪( A‬البنية‪ A‬الديمغرافية)‬

‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫الفئات العمرية‬ ‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫اجلنس‬


‫‪31,60‬‬ ‫‪29334‬‬ ‫أقل من ‪ 15‬سنة‬ ‫‪50,43‬‬ ‫‪46816‬‬ ‫ذكور‬
‫‪62,43‬‬ ‫‪57951‬‬ ‫‪ 15-59‬سنة‬ ‫‪49,67‬‬ ‫‪46010‬‬ ‫إناث‬
‫‪97,5‬‬ ‫‪5541‬‬ ‫‪ 60‬سنة فأكثر‬ ‫‪100‬‬ ‫‪92826‬‬ ‫اجملموع‬

‫‪100‬‬ ‫‪92826‬‬ ‫اجملموع‬

‫الجدول رقم ‪ 4‬توزيع عدد السكان حسب التجمعات السكنية‬

‫تجمع ثانوي‬
‫تجمع‬
‫رائد‬ ‫التجمع‬
‫مجموع‪A‬‬ ‫رئيسي‬ ‫عين‬ ‫المنطقة‬
‫بوعمامة‬ ‫شكالوة‬ ‫شريف‬
‫السانية‬ ‫البيضاء‬ ‫المبعثرة‬
‫يحي‬ ‫الجنس‪A‬‬
‫‪46816 24712‬‬ ‫‪519‬‬ ‫‪858‬‬ ‫‪4474‬‬ ‫‪18861‬‬ ‫‪1074‬‬ ‫العدد‬ ‫ذكور‬
‫‪166‬‬
‫‪50,43‬‬ ‫‪50,67‬‬ ‫‪49,47 49,94 50,62‬‬ ‫‪50,76‬‬ ‫‪51,31‬‬ ‫‪%‬‬
‫‪46010 24049‬‬ ‫‪530‬‬ ‫‪860‬‬ ‫‪4364‬‬ ‫‪18295‬‬ ‫‪1019‬‬ ‫العدد‬
‫إيناث‬
‫‪49,56‬‬ ‫‪49,32‬‬ ‫‪50,52 50,05 49,37‬‬ ‫‪49,23‬‬ ‫‪48,68‬‬ ‫‪%‬‬
‫‪92826 48761‬‬ ‫‪1049‬‬ ‫‪1718‬‬ ‫‪8838‬‬ ‫‪37156‬‬ ‫‪2093‬‬ ‫العدد‬
‫مجموع‬
‫‪100‬‬ ‫‪52,00‬‬ ‫‪1,00‬‬ ‫‪1,00‬‬ ‫‪9,00‬‬ ‫‪40,00‬‬ ‫‪2,00‬‬ ‫‪%‬‬

‫‪000001‬‬

‫‪00001‬‬

‫‪0001‬‬ ‫ذكو‪V‬ر ال‪V‬عدد‬


‫‪%‬ذكو‪V‬ر‬
‫‪001‬‬ ‫إ‪V‬يناث ال‪V‬عدد‬
‫إ‪V%‬يناث‬
‫مجمو‪V‬ع ا‪V‬لعدد‬
‫‪01‬‬ ‫‪%‬مجمو‪V‬ع‬

‫‪1‬‬
‫ال‪V‬منط‪V‬قة‬ ‫را‪V‬ئد شريف عين ا‪V‬لبيضاء‬ ‫شكالة‪V‬‬ ‫بو‪V‬عمامة‬
‫ا‪V‬لمبعثرة‪V‬‬ ‫يحي‬
‫تجمــــــــــــع ثـــــــــا نـــــــــــــــــــــو‪V‬ي‬ ‫تجمع رئيسي‬ ‫مجمو‪V‬ع‬
‫ا‪V‬لسانية‬

‫جدول رقم ‪ 5‬يوضح شبكة الطرقات بمدينة السانية‬

‫الطول‬ ‫العدد‪A‬‬ ‫التسمية‬ ‫نوع الطريق‬


‫‪06,7‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪RN2A‬‬ ‫الطريق الوطني‬
‫‪2,400‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪CW33-CW73-CW83‬‬ ‫الطريق الوالئي‬
‫‪3,800‬‬ ‫‪03‬‬ ‫‪CVI-CV2-CV8‬‬ ‫الطريق البلدي‬

‫‪.6‬التجهيزات‪ A‬بمدينة‪ A‬السانية‪A‬‬

‫م ع النم و الس كاين املتزاي د‪ ،‬ال ذي تعرف ه مدين ة الس انية جع ل الدول ة ت وفر جته يزات‬
‫وخدمات كب رية ال يت حيتاجه ا الس كان‪ ،‬س واءا هياك ل تعليمية‪ ،‬ص حية‪ ،‬إدارية‪ ،‬أمنية‪ ،‬جتارية‬
‫وتصنفها البلدية إىل جتهيزات جتارية وأخرى غري جتارية‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫‪.1.6‬التجهيزات التجارية‪A‬‬

‫للتجهيزات التجارية أمهية كربى يف حتقيق احلاجة اإلجتماعية ومنها‪ :‬النشاط التجاري‪ ،‬حتتوي‬
‫مدينة السانية‪ ،‬على عدة أسواق مغطاة بالتجزئة‪ ،‬هبا مجيع السلع الضرورية من خضر وفواكه‬
‫وحلوم بيضاء ومحراء‪ ،‬مواد غذائية‪ ،‬األلبسة واألحذية‪ ،‬بيع قطع الغيارات للمركبات املختلفة‬
‫األنواع وسوق اجلملة للخضر والفواك ه يقام كل أي ام األس بوع وسوق أسبوعي للسيارات‬
‫املستعملة يقام يوم اجلمعة ‪.‬‬

‫مع احتواءها على فضاءات جتارية لبيع السيارات اجلديدة ملختلف األنواع‪،‬كما تتوفر مدينة‬
‫الس انية‪ ،‬على ع دد كث ري من احملالت التجاري ة يف خمتل ف الس لع ك احملالت وم ول جتاري (لي رب)‬
‫وحسب احصائيات ‪ 2008‬فإن مساحة املناطق الصناعية‪ ،‬تُقدر ب ‪22800‬م‪ ،2‬حيث بلغ‬
‫عدد املصانع باملنطقة الصناعية األوىل‪ 66 ،‬مصنع يف حني يبلغ عدد املصانع باملنطقة الصناعية‬
‫الثالث ة ‪ 29‬مص نع‪ ،‬علم ا أن ه ُأنش أت ه ذه املنطق ة الص ناعية ب القرار رقم ‪ 158‬م ؤرخ يف‬
‫‪ ،28/01/1976‬صادر عن وزارة األشغال العمومية والبناء‪ ،‬وهي ترتبع على مساحة قدرها‬
‫‪ 294‬هكت ار‪ ،‬مقس مة إىل ثالثة من اطق‪ ،‬يتواج د هبا ‪ 211‬مؤسس ة جتاري ة وإقتص ادية‪ُ ،‬مسرية‬
‫من طرف شركة التسيري للمنطقة الصناعية ‪. SGI-SPA‬‬

‫ومن حيث اخلدمات تت وفر مدين ة الس انية على حمالت جتاري ة كث رية‪ ،‬على رأس ها املخ ابز‬
‫املط اعم بأنواعه ا واملق اهي‪ ،‬وحمالت خمتل ف اخلدمات‪ ،‬كم ا توج د حمالت حرفي ة كاخلياط ة‪،‬‬
‫احلدادة النجارة احلالقة‪ ....‬إخل‪ ،‬كما توجد مخسة فنادق فخمة مصنفة وذلك لوجود املطار‬
‫الدويل هبا إضافة إىل قرهبا من وسط مدينة وهران على مسافة ‪06.5‬كلم‪.‬‬

‫‪ .2.6‬التجهيزات غير تجارية‪A‬‬

‫‪.1‬التجه‪AA‬يزات‪ A‬اإلداري‪AA‬ة‪ :‬حتت وى مدين ة الس انية على مق ر لل دائرة والبلدي ة‪ ،‬إض افة إىل‬
‫بلدية‪ ‬س يدي الش حمي‪:‬تق ع ش رق مدين ة الس انية‪ ،‬كم ا هلا ملحق ات إداري ة وهي‪:‬ملحق ة عني‬
‫البيضاء‪،‬ملحقة الرائد شريف حيي‪ ،‬ملحقة حممد بوضياف (قارة)‪ ،‬ملحقة سي رضوان(اللوفا)‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وحتت وي على ش ركة توزي ع الكهرب اء والغ از‪ ،‬مؤسس ة املي اه والتطهري ‪ ،‬وثالث مراك ز للربي د‬
‫إتص االت اجلزائ ر‪ ،‬مص لحة للض مان االجتم اعي‪ ،‬م ع جمموع ة من البن وك العمومي ة واخلاص ة‬
‫وأخ رى من اهلياك ل اإلداري ة كالوك االت العقاري ة وغريه ا‪ ،‬م ع وج ود ثالث ة مؤسس ات‬
‫إلتصاالت اهلواتف النقالة جيزي موبيليس‪ ،‬أوريدو مع خدمات األنرتنات‪.‬‬

‫‪ -2‬التجهيزات األمني‪A‬ة‪ :‬وهي جد هامة ملا توفره من أمن وراحة للمواطنني‪ ،‬حيث تتوفر‬
‫املدين ة‪ ،‬على مق ر ألمن ال دائرة بالس انية‪ ،‬وتغطي ة أمني ة‪ ،‬تتمث ل يف وح دات أمني ة أخ رى‪ ،‬من‬
‫ش رطة ودرك وط ين‪ ،‬إض افة إىل جمموع ة من الثكن ات العس كرية‪ ،‬كم ا توج د جه ة قض ائية‪،‬‬
‫متمثل ة يف حمكم ة مبرك ز املدين ة م ع وج ود جمموع ة من مك اتب احملام ات واملوثقني وك ذلك‬
‫احملضرين القضائيني إضافة إىل مقر للحماية املدنية‪ ،‬ووحدات أخرى تابعة هلا مع وجود مفتشية‬
‫للجمارك‪.‬‬

‫‪-3‬التجهيزات‪ A‬الصحية‪ A:‬تضم مدينة السانية أربع مراكز عالج‪ ،‬مع وجود عدة عيادات‬
‫طبية خاصة وخمابر لتحليل الدم‪ ،‬وحمالت صيدالنية‪.‬‬

‫‪-4‬التجهيزات‪ A‬الثقافية والرياضية‪ :‬توجد باملدينة ثالث مراكز ثقافية‪ ،‬دور للشباب‪ ،‬كما‬
‫يوجد ‪ 5‬مالعب رياضية وقاعات خاصة متارس فيها خمتلف الرياضات‪.‬‬

‫‪.III‬حي الرائد‪ A‬شريف يحي مكان الدراسة‬

‫تعريف المجتمع المحلي للدراسة‬ ‫‪-1‬‬


‫‪.1‬المجتمع‪ A‬المحلي‬
‫نظرا لألمهية الكربى‪ ،‬لتحديد املفاهيم وتعريفها بالنسبة ألي نسق علمي‪ ،‬فقد اهتم جون‬
‫أرنس ‪AA‬ت برج ‪AA‬ل ‪ Burgle June‬يف مؤلف ه علم االجتم اع احلض ري‪ ،‬بتحدي د مفه وم اجملتم ع‬
‫احمللي باعتب اره من أهم املف اهيم املتص لة بالدراس ات احلض رية‪ ،‬وترج ع أمهي ة حتدي د ه ذا املفه وم‬
‫وتعريف ه لطبيعت ه االص طالحية‪ ،‬ال يت جعلت مك‪AA‬ايفر ‪ Maciver‬يتناول ه بالتحلي ل وخيص ص ل ه‬
‫ج زءا خاص ا فيعرف ه على أن ه‪ :‬منطق ة تس ود فيه ا حي اة مش رتكة‪ ،‬قري ة أو مدين ة ص غرية‪ ،‬حبيث‬
‫‪169‬‬
‫تتحقق هلا جمموعة خصائص‪ ،‬جتعلها متميزة عن املناطق األخرى‪ ،‬ذلك أن حياة األفراد معا‪ ،‬يف‬
‫اط ار جمتم ع حملي تعم ل على تط وير خص ائص متم يزة‪ ،‬تتمث ل يف الطب اع والتقالي د‬
‫واللهجات‪...‬اخل‪.‬‬
‫لكن اجلتم ع احمللي‪ ،‬ه و دائم ا ج زء من جمتم ع حملي أوس ع‪ ،‬وهلذا ف إن اجملتم ع احمللي مس ألة‬
‫درجة الكثافة السكانية‪ ،‬أو هو يعتمد إىل حد كبري‪ ،‬على درجة وكثافة احلياة املشرتكة‪ ،‬هلذا‬
‫يش ري مص طلح اجملتم ع احمللي يف علم االجتم اع إىل مجاع ات انس انية تص نف طبق ا ملعي ار معني‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ويعد التفاعل هو األساس السوسيولوجي املميز هلذا التصنيف‪.‬‬
‫ويرج ع أص ل كلم ة جمتم ع حملي‪ ،‬إىل ال وقت ال ذي ك انت في ه املن اطق املس كونة ص غرية‬
‫وتتكون من عدد قليل جدا من األسر‪ ،‬لذلك كانت مجاعة األسر‪ ،‬اليت تعيش يف مكان معني‪،‬‬
‫هي اليت تكون اجملتمع احمللي هناك‪ ،‬حيث ظل هذا اللفظ‪ ،‬يُطبق على مثل هذه األماكن‪ ،‬عندما‬
‫ت زداد اتس اعا أو حجم ا‪ ،‬من الناحي ة الس كانية‪ ،‬كاملدن الص غرى أو الك ربى‪ ،‬ال يت حتت وي ك ل‬
‫منها على مجاعات خمتلفة قد ال تربطهما روابط القرابة أو الدم‪ ،‬ويُالحظ أن اصطالح اجملتمع‬
‫احمللي‪ ،‬قد يطبق على مناطق متسعة جدا فيُقال مثال اجملتمع الدويل أو اجملتمع العاملي‪.‬‬
‫ومن الدراس ات املبك رة عن اجملتم ع احمللي‪ ،‬تل ك الدراس ات‪ ،‬ال يت كتبه ا روب ‪AA‬رت م ‪AA‬اكيفر‬
‫‪ Robert Maciver‬عام ‪ 1917‬حبيث خلص هذه الدراسة‪ ،‬مع تعديالت متعددة يف كتابه عن‬
‫اجملتم ع ال ذي كتب ه باالش رتاك م ع تش‪AA A‬ارلز بيج ‪ Charles page‬في ه يعرف ان اجملتم ع احمللي‬
‫بقوهلم ا‪:‬إنن ا نطل ق كلم ة اجملتم ع احمللي على أعض اء أي مجاع ة ص غرية أو كب رية يعيش ون مع ا‪،‬‬
‫بطريقة يرتتب عليها أن يشاركوا يف الظروف األساسية للحياة املشرتكة‪...‬وعالمة اجملتمع احمللي‬
‫أن الفرد يستطيع أن يقضي حياته كلها داخله‪ ،‬كالقرية أو املدينة‪،‬كما يرى ماكيفر أن اجملتمع‬
‫احمللي يقوم على أساسني هامني مها‪ :‬اإلقليم الذي يشغله والشعور املشرتك‪ ،‬الذي يربط أعضاء‬

‫‪.1‬حممد عاطف غيث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50‬وانظر‪:‬أيضا سعيد أمحد هيكل‪ ،‬علم االجتم‪AA‬اع الحض‪AA‬ري‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪،1،2011‬ص‪.43‬‬

‫‪170‬‬
‫ه ذا اجملتم ع احمللي مع ا‪ ،‬وبالت ايل يعطيهم طابع ا خاص ا ي ؤدي يف نفس ال وقت إىل متاس كهما‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫ويُعرف تونيز اجملتمع احمللي يف قوله‪":‬إنين أطلق لفظ اجملتمع احمللي على كافة أنواع الروابط‪،‬‬
‫اليت تسيطر عليها اإلرادة الطبيعية‪ ،‬بينما أطلق لفظ اجملتمع‪ ،‬على تلك الروابط اليت تتشكل أو‬
‫تك ون مش روطة‪ ،‬بوج ود اإلرادة العاقل ة‪ ،‬إن أهم م ا مييز اجملتم ع احمللي‪ :‬هي احلي اة العض وية‬
‫الواقعي ة‪ ،‬بينم ا أهم خص ائص اجملتم ع‪ ،‬البن اء اآليل التخيلي وحي اة اجملتم ع احمللي ال يت تتم يز بأهنا‬
‫‪2‬‬
‫خاصة ودية وتآلفية‪ ،‬أما حياة اجملتمع فهي عامة أو هي العامل ذاته‪".‬‬
‫نعلم أن فردينان‪A‬د‪ A‬تون‪AA‬يز من مؤسس ي علم االجتم اع‪ ،‬فه و من خالل ه ذا النص‪ ،‬يوض ح أن‬
‫اجملتم ع احمللي ه و اجملتم ع ال ذي يعتم د على ص غر احلجم كالقري ة مثال‪ ،‬ويتم يز مبجموع ة من‬
‫اخلص ائص‪ ،‬من بينه ا التض امن العض وي‪،‬كم ا أن ه يق وم على م ا يُس ميه ب اإلرادة الطبيعي ة‪ ،‬بينم ا‬
‫اجملتم ع‪ ،‬ه و أوس ع من ذل ك يتم يز بك رب احلجم‪ ،‬مث ل املدن الك ربى ويرتك ز على االرادة‬
‫العقالنية‪( .‬هذا سبقنا وشرحناه يف مبحث الرابطة االجتماعية عند تونيز فرديناند‪).A‬‬
‫كما يرى كل من أج‪AA‬برن ونمك‪AA‬وف ‪ Ogburn Et Nimkoff‬أن اجملتم ع احمللي "عبارة‬
‫عن جمموع ة من الن اس يعيش ون يف إقليم معني وه ذا اإلقليم‪ ،‬جيعلهم يف رابط ة دائم ة‪،‬كم ا أن‬
‫شرط البقعة اجلغرافية من اخلصائص املميزة ملفهوم اجملتمع احمللي‪ ،‬باإلضافة إىل شرط آخر هو‬
‫وج ود التنظيم الكلي‪ ،‬للحي اة االجتماعي ة املش رتكة داخ ل ه ذا االقليم"‪ 3‬وحس ب رأيهم ا أن‬
‫اجملتمع احمللي قد يكون اجملتمعات احمللية الريفية واملدن الكبرية‪ ،‬هلذا يبقى هذا املفهوم مرن‪ ،‬إذن‬
‫اجملتمع احلضري هو جمتمع حملي الذي حنن بصدد دراسته‪.‬‬

‫‪.2‬خصائص الحي‬

‫لق د ع رف حي الرائ د ش ريف حيي‪ ،‬تزاي د يف نس بة الس كان‪ ،‬وذل ك بس بب زي ادة ع دد‬
‫كن و‪EDC ،CCCS،ENRIO‬‬ ‫الس كنات اإلجتماعي ة والتس امهية‪ ،‬كتعاوني ات ‪ 200‬مس‬
‫‪.1‬حممد عاطف غيث‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.70،71‬‬
‫‪.2‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.50‬‬
‫‪.3‬حممد عاطف غيث‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪68‬‬

‫‪171‬‬
‫وك ذلك حي جعي در‪ 1.‬وتوج د هبذا احلي ك ل م ا تتطلب ه احلي اة احلض رية‪ ،‬من ملحق ات إدارية‬
‫تابع ة لبلدي ة الس انيا‪ ،‬واحملالت التجاري ة واخلدماتي ة الض رورية‪ ،‬واملراك ز الص حية والص يدالنية‪،‬‬
‫املدارس‪ ،‬متوسطة ثانوية‪ ،‬جمموعة من روضات لألطفال‪.‬‬

‫خالصة الفصل الثالث‬

‫عموم ا ميكنن ا الق ول أن احلديث عن اجملتم ع احلض ري ه و احلـديث عـن املدينـة‪ ،‬بكـل‬
‫مكوناهتـا وخصائص ها‪ ،‬فاملدين ة هي كي ان اجتمـاعي ذو أبعـاد دميغرافيـة أيكولوجي ة‪ ،‬ثقافيـة‬
‫تكنولوجية اقتصادية صناعية‪......‬إخل‪ ،‬يف هناية األمر هي انعكاس حلاجات اجتماعية‪ ،‬تشـكل‬
‫فـي جمملهـا خمتلـف املظاهر احلضرية واخلصائص احلياتية اليت متيز األمناط املعيشية فيها‪ ،‬متاشيا مع‬
‫التحوالت والتغيـرات التـي تتعرض هلا هذه األخرية‪.‬‬

‫كذلك تعترب األسرة احلضرية أحد مكونات اجملتمع احلضري‪ ،‬والوحدة التحليلية األساسية‬
‫ال يت حتدد مكان ات األف راد وأدوارهم‪ ،‬حيث يؤك د الس ياق الت ارخيي للدراس ات احلض رية أن‬
‫األسرة احلضرية‪ ،‬طرأت عليهـا جمموعة من التغريات والتحوالت الرتكيبية والوظيفية‪ ،‬بفعل تغري‬
‫األنساق االجتماعية يف املدينة وذلك على مسـتويات متس تركيبتها البنائية والوظيفية ‪.‬‬

‫ومبا أن األسرة تتغري يف املدينة‪ ،‬فإن الروابط القرابية تتغري حسب الدارسني‪ ،‬وبذلك يرتبط‬
‫اجملتمع احلضري بطبيعة احلياة يف املدينة‪ ،‬وأشكال الوحدات االجتماعية املكونـة هلـا اليت كما‬
‫أسلفنا الذكر عرفت تغريات‪ ،‬متس كافة البناء االجتماعي احلضري‪ ،‬انطالقا من اجملتمع‪ ،‬النظم‬
‫الوحدات‪.‬‬

‫فلكل مدينة تركيبته ا االيكولوجية ومنطها العمراين‪ ،‬ونسقها الثق ايف والقيمي وطبيعة أداء‬
‫أفرادها لوظائفهم‪ ،‬وممارسـاهتم ألنشطتهم اليومية‪ ،‬كل ذلك قد جيعل لطبيعة التنظيم االجتماعي‬
‫احلض ري عالق ة مباش رة‪ ،‬بطريق ة حي اة األف راد وبالتـايل يأخ ذ طابع ا مميزا للخص ائص احلض رية‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪ ،‬بلدية السانية‪. 2008،‬‬

‫‪172‬‬
‫املكون ة ل ه وحس ب نظري ات املدين ة‪ ،‬ف إن الف وارق االجتماعي ة‪ ،‬تظه ر بش كل واض ح يف أمناط‬
‫اإلقامة ومستويات الدخل‪ ،‬األمر الذي جيعل املدينـة تنقسـم إيكولوجيا إىل أحياء راقية وأخرى‬
‫شعبية وأخرى عشوائية ولكل فئة أمناط معيشية معينة فيها‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫رابطة القرابة بالسانيا حي الرائد شريف يحي ‪-‬مقاربة نظرية ميدانية‪-‬‬


‫تمهيد‬ ‫‪-‬‬
‫‪ .I‬مفهوم‪ A‬رابطة القرابة وتصنيف مصطلحاتها‬
‫‪ .1‬مفهوم رابطة القرابة‬
‫‪.2‬تصنيف مصطلحات القرابة‬
‫‪.3‬النظريات السوسيو أنثروبولوجية للقرابة‬
‫‪.1.3‬النظرية التطورية‬
‫‪.2.3‬النظرية البنائية والوظيفية‬
‫‪ .4‬بنية الروابط القرابية‬
‫‪.1.4‬األسرة‬
‫‪.2.4‬البدنة‬
‫‪.3.4‬العشرية‬
‫‪.4.4‬البطن والفخذ‬
‫‪.5.4‬القبيلة‬
‫‪ .5‬األنظمة القرابية‬
‫‪.1.5‬النظام األبوي‬
‫‪.2.5‬النظام األموي‬
‫‪.3.5‬النظام الثنائي االختياري‬

‫‪173‬‬
‫‪.4.5‬النظام الطوطمي‬
‫‪ .6‬أنواع الروابط القرابية ودرجات القرابة‬
‫‪.1.6‬أنواع الروابط القرابية‬
‫‪.1‬القرابة الدموية‬
‫‪.2‬قرابة املصاهرة‬
‫‪.3‬القرابة االجتماعية‬
‫‪.4‬القرابة املصطنعة‬
‫‪.5‬القرابة الطقوسية أو الدينية‬
‫‪.2.6‬درجات القرابة‬
‫‪.1‬الدرجة األوىل القرابة األولية‬
‫‪.2‬الدرجة الثانية القرابة الثانوية‬
‫‪.3‬الدرجة الثالثة القرابة األمومية‬
‫‪.4‬الدرجة الرابعة القرابة االنتسابية‬
‫‪.5‬الدرجة اخلامسة قرابة بين األعمام‬
‫‪.6‬الدرجة السادسة قرابة نسب األب‬

‫‪ .II‬الحضرية ورباط القرابة بالسانيا وحي الرائد الشريف يحي‬

‫‪.1‬احلياة احلضرية حبي الرائد شريف حيي‬

‫‪.2‬االصل اجلغرايف للسكان‬

‫‪.3‬املستوى التعليمي‬

‫‪.4‬الرتكيبة األسرية‬

‫‪ -‬خالصة الفصل الرابع‬

‫‪174‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫تمهيد‬

‫خلق اهلل تعاىل اإلنسان وجعل له أناسا آخرين لتأنيسه‪ ،‬ومساعدته وأول مثال على ذلك‬
‫س يدنا آدم علي ‪AA‬ه الس ‪AA‬الم وأمن ا ح ‪AA‬واء‪ ،‬نش أت بينهم ا عالق ة وال يت اعت ربت أوىل العالق ات‬
‫االجتماعية بني البشر‪ ،‬حيث تشكلت يف رابطة االقرتان أو الزواج‪ ،‬الذي يعترب أوىل الروابط‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬ال يت تأس س األس رة النووي ة‪ ،‬العتباره ا الن واة األساس ية يف اجملتم ع‪ ،‬وفيه ا تتأس س‬
‫أوىل الروابط فالعالقات االجتماعية‪ ،‬وهبذا تزداد الروابط الثانوية والعالقات االجتماعية‪ ،‬حىت‬
‫يُنس ج م ا يس مى بالبن اء االجتم اعي‪ ،‬وف ق تفاع ل اجتم اعي‪ ،‬بني أف راد اجملتم ع الواح د‪ ،‬ه ذا‬
‫مايؤك ده ك ل علم اء االجتم اع على أن االنس ان ال ميكن ه أن يعيش منع زال ووحي دا‪ ،‬ب ل جيب‬
‫عليه التعاون مع غريه‪.‬‬

‫األس رة هي أول مجاع ة يرتب ط هبا الف رد من ذ ال والدة‪ ،‬مث خيرج ليش كل رواب ط أخ رى‬
‫خارجها أي مع اجلريان األصدقاء املدرسة ‪....‬وهي اليت تشكل ما نعرفه باجملتمع‪ ،‬الذي نواته‬
‫األسرة اليت ُولد فيها هذا الفرد‪ ،‬وهلذا ال ميكننا أن نتحدث عن الروابط االجتماعية‪ ،‬كالقرابة‬
‫وال دين والص داقة واجلوار وغريه ا من الرواب ط االجتماعي ة‪ ،‬دون أن نتح دث عن األس رة‪ ،‬اليت‬
‫تتشكل برباط الزواج الذي يعد رباط اجتماعي أساسي لتكوينها‪ ،‬مما ينتج عنه رباط القرابة‪،‬‬
‫فاملصاهرة‪ ،‬وكذلك اعتبار أن الدين رباط اجتماعي‪ ،‬يزيد من قوة اجلماعة يف حالة وجوده‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫يعين هذا أن نظام القرابة من أهم األسس اليت يرتكز عليها نظام اجلماعات التضامنية‪ ،‬مشريا‬
‫إىل جمموعة من العالقات االجتماعية املعقدة القائمة على واقعة بيولوجية‪ ،‬هي امليالد وظاهرة‬
‫اجتماعية املتمثلة يف الزواج‪ ،‬فالقرابة رابطة االجتماعية شكلها الفرد‪ ،‬ساهم يف تغيريها حسب‬
‫السوس يولوجيني ك ل من التحض ر والتص نيع‪ ،‬مما أدى إىل اض عاف الرواب ط ال يت ترب ط األس رة‬
‫بأقارهبا واختاذها شكال مغايرا‪ ،‬ملا كانت عليه يف اجملتمع التقليدي أو الريفي ومن هذه التغريات‬
‫اليت طرأت على العالقات القرابية‪ ،‬ظهور أيضا املسكن املستقل أو املنفرد‪ ،‬فصغُر بذلك حجم‬
‫العائلة من املمتدة اىل النواة اليت تضم الزوج والزوجة وأوالدهم غري املتزوجي‪.‬‬

‫هلذا يف ه ذا الفص ل تناولن ا احلديث عن األس رة وال زواج‪ ،‬كظاهرت ان أساس يتان يف ظه ور‬
‫رابطة القرابة‪،‬كما حاولنا الدخول يف احلياة اليومية‪ ،‬واملمارسات االجتماعية‪ ،‬لألسر من خالل‬
‫الروابط القرابية‪،‬كما كان من الضروري الغوص يف النظريات السوسيوأنثروبولوجية للقرابة‪،‬‬
‫حىت نفهم ونسمح ألنفسنا دراسة اجملتمع احمللي مبدينة السانيا‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫‪.I‬مفهوم رابطة القرابة وتصنيف مصطلحاتها‬
‫‪.1‬مفهوم رابطة‪ A‬القرابة‪A‬‬
‫ي رى علم اء االجتم اع واألنثروبولوجي ا أن للقرابة موض وعات خمتلف ة‪ ،‬تتمثل يف ال زواج‪،‬‬
‫األسرة والعصبية‪ ،‬أمثال لويس مورجان و باخوفن وماكلين‪A‬ان‪ ،‬زيادة على أن العصبية احتلت‬
‫مكان ة ب ارزة يف نظري ة ابن خل ‪AA‬دون‪ ،‬كنس ق ق رايب ه ام‪ ،‬حس ب م ا قمن ا بش رحه يف مبحث‬
‫الرابطة االجتماعية عند ابن خلدون من خالل مفهوم العصبية والذي يُقصد به الروابط القرابية‬
‫والفائدة منها‪.‬‬
‫إال أن مصطلح القرابة‪ ،‬يعد من بني املصطلحات‪ ،‬اليت ختتلف باختالف اجملتمعات‪ ،‬لكل منها‬
‫قواعد لتحديد هذا املفهوم‪ ،‬فمنهم من يعرفها على أهنا عالقة أو رابطة اجتماعية‪ ،‬تعتمد على‬
‫الروابط الدموية احلقيقية أو اخليالية أو املصطنعة ومنها من يعرفها على أهنا انتماء شخصني أو‬
‫أك ثر ‪ ،‬إىل ج د واح د‪ ،‬أو اعتق ادهم أن هلم جد مش رتك احندروا منه‪ ،‬وق د تك ون ه ذه القراب ة‬
‫حقيقي ة تق وم على ص الت ال دم‪ ،‬كم ا ق د تك ون متخيل ة أو قانوني ة‪ ،‬مثلم ا ه و احلال يف قراب ة‬
‫التبين‪.‬‬
‫وهلذا س وف نأخ ذ أهم التع اريف لرابط ة القراب ة‪ ،‬ابت داءا من معجم علم االجتم اع‪ ،‬ال ذي‬
‫يع رف القراب ة على أهنا عالق ة اجتماعي ة‪ ،‬تعتم د على الرواب ط الدموي ة احلقيقي ة أو اخليالي ة‬

‫‪177‬‬
‫املص طنعة‪ ،‬وال يع ين اص طالح القراب ة يف األنثروبولوجي ا‪ ،‬العالق ات العائلي ة وال زواج فق ط وإمنا‬
‫يعين أيضا املصاهرة‪.‬‬
‫فالقرابة هي عالقة دموية واملصاهرة هي عالقة زواجية‪ ،‬فعالقة األب بإبنه هي عالقة قرابية‬
‫بينما عالقة الزوج بزوجته هي عالقة مصاهرة‪1،‬كما أهنا "جمموعة صالت رحيمية وروابط‪،‬‬
‫نسبية تربط األفراد بوشائج عضوية واجتماعية متماسكة تلزمها بتنفيذ التزامات ومسؤوليات‪،‬‬
‫َ‬
‫"متسق‬
‫ُ‬ ‫أهنا‬ ‫على‬ ‫‪A‬يرودوك‬
‫‪A‬‬ ‫م‬ ‫ويعرفها‬ ‫‪2‬‬
‫وواجبات تفيد أبناء الرحم الواحد‪ ،‬أو النسب الواحد"‬
‫من العالقات يرتبط فيها األفراد بعضهم ببعض بشبكة من الروابط والصالت‪ ،‬عن طريق هذه‬
‫الص الت والرواب ط ذاهتا وليس عن طري ق النظ ام نفس ه‪ ،‬تظه ر اجلماع ات القرابي ة‪،‬كاألس رة‬
‫والعائلة الكبرية أو البدنة والبطن و القبيلة"‪ 3،‬ويعرفها كلود ليفي س‪A‬تروس‪ ،‬على "أهنا مؤسسة‬
‫اجتماعي ة تق وم على رواب ط دموي ة أو رواب ط املص اهرة‪ ،‬حيث يعت رب األب واالبن أق ارب‪،‬‬
‫جتمعهم صلة الدم ويعترب الزوج والزوجة أصهار"‪،4‬ويعرفها راد كليف براون "بأهنا العالقات‬
‫املباشرة اليت تنشأ بني شخصني نتيجة احندار أحدمها من صلب اآلخر أو نتيجة الحندارمها مها‬
‫االثنني من سلف واحد مشرتك"‪،5‬كما يطلق على اجلماعات اإلنسانية اليت تقوم على أساس‬
‫العالقات القرابية‪ ،‬اصطالح ‪ Kin groups‬أي اجلماعات القرابية‪.‬‬
‫ويصنف الباحثون القرابة على أهنا تنقسم إىل قسمني رئيسني‪ ،‬أوهلما هو األسرة الزواجية‪،‬‬
‫وثانيا اجلماعة القرابية الدموية‪ ،‬ويرون أن الفرق بني هذين القسمني راجع أساسا إىل عاملني‬
‫أساس ني يتمث ل األول منهم ا يف قاع دة الس كىن‪ ،‬حيث جند أعض اء األس رة الزواجي ة يس كنون‬
‫مع ا‪ ،‬بينم ا ال يش رتط يف اجلماع ة القرابي ة الدموي ة الس كن‪ ،‬يف مس كن واح د مش رتك‪ ،‬ويتمث ل‬
‫العامل الثاين يف أن العالقة القرابية‪ ،‬لدى األسرة الزواجية‪ ،‬ترتكز أصال على الزواج‪ ،‬بينما ال‬

‫‪.1‬دنكل ميشيل‪ ،‬معجم العلوم االجتماعية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.130‬‬


‫‪.2‬معن خليل العمر‪ ،‬علم االجتماع األسرة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.184‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬الفوال‪ ،‬نفس املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 217‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Claud, Levi- STRAUSS, Structures élémentaires de la parenté ,PUF ,Paris,1949,‬‬
‫‪p42.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪.‬الفوال نفس املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 217‬‬

‫‪178‬‬
‫يعت رب ال زواج أساس ا هلا يف اجلماع ة القرابي ة الدموي ة‪ ،‬حيث ختض ع ه ذه اجلماع ة لقواع د معين ة‬
‫‪1‬‬
‫أخرى للتسلسل القرايب‪ ،‬يتحدد من خالل نطاق اجلماعات القرابية اليت ينتمي إليها الفرد‪.‬‬
‫أما إذا دققنا يف تعريف القرابة من الناحية السوسيو أنرتوبولوجية‪ ،‬فسنذهب إىل قاموس علم‬
‫االجتم اع‪ ،‬ال ذي يعرفه ا "على أهنا جمموع ة أف راد ت ربطهم رابط ة عاطفي ة‪ ،‬املتمث ل يف البن وة‪،‬‬
‫األخوة واملصاهرة‪ ،‬فالبنوة بني اآلباء واألبناء‪ ،‬واألخوة بني االخوة واألخوات‪ ،‬أما املصاهرة‬
‫فهي بني ع ائليت ال زوج والزوج ة‪ ،‬ه ذا الرتاب ط الق رايب ي دور من خالل قواع د على حس ب‬
‫الثقاف ة االجتماعي ة لك ل جمتم ع س واء تقلي ديا أو ح ديثا"‪ 2،‬ف البنوة واالخ وة واملص اهرة هي‬
‫العناص ر املكون ة للقراب ة أو كم ا يس ميها االن ثربولوجيون بالقراب ة البيولوجي ة‪ ،‬ونقص د ب ذلك‬
‫انتماء شخصني أو أكثر إىل جد واحد كما أن الفرد يرتبط بأبيه وأمه‪ ،‬بسبب مولده وكذلك‬
‫األب واألم بسبب الزواج‪ ،‬ويف النهاية األوالد ينتمون إىل ساللة واحدة ونسب واحد وهكذا‬
‫تتكاثر األسر‪ ،‬هبذا العامل البيولوجي واملتمثل يف االجناب‪ ،‬فتتشكل الساللة‪ ،‬حىت أصبح هلذا‬
‫املصطلح اسم خاص ويعرف بالجينالوجيا ‪ ،3‬ويعرف عامل االنثروبولوجيا هوتون م‪AA‬ثر‪:‬الساللة‬
‫على أهنا قسم كبري من النوع االنساين وعلى الرغم من االختالفات‪ ،‬اليت قد تكون قائمة بني‬
‫أعض ائه‪ ،‬إال أهنم يش رتكون يف بعض الس مات املرفولوجي ة واجلس مية ال يت ترج ع إىل احندارهم‬
‫عن أصول قرابية مشرتكة‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫يع ين ه ذا أن القراب ة هي ارتب اط الف رد بأبي ه وأم ه‪ ،‬بس بب مول ده‪،‬كم ا يرتب ط األب واألم‬
‫بس بب معيش تهما املش رتكة يف اإلجناب وجتدر اإلش ارة إىل أن األطف ال هم أيض ا يرتبط ون‬
‫ببعض هم البعض النتم ائهم مجيع ا إىل س اللة من نفس ال زوجني‪،‬كم ا تع د الرابط ة القرابي ة "‬
‫جمموعة روابط اجتماعية يعرتف هبا اجملتمع‪ ،‬تربط اشخاص اً معينني وتقوم على رابطة النسب‬

‫‪.‬الفوال ‪،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 218‬‬


‫‪1‬‬

‫‪Raymond, BOUDON, Dictionnaire de sociologie, la rousse, France, Paris , 2003, .2‬‬


‫‪.p,170‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي‪،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.326‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬عاطف غيث‪ ،‬قاموس علم االجتماع‪،‬تر‪:‬إبراهيم جابر‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬مصر‪،‬االسكندرية‪،2012،‬ص‪.446‬‬

‫‪179‬‬
‫ومتثل أحد العناصر املهمة يف النسق العائلي العاملي‪ ،‬إذ تشارك فيه مجيع اجملتمعات البشرية اليت‬
‫‪1‬‬
‫عرفتها االنسانية‪".‬‬
‫يعرفه ا املعجم االن‪AA A‬ثروبولوجي واالثنولوجيكالت ايل‪":‬إن القراب ة تش كل مي دانا متم يزا من‬
‫ميادين التطور النظري لألنثروبولوجيا‪ ،‬ويف الواقع فإن فهم ظواهر قرابة العصب والنسب تبعا‬
‫لع دد من املب ادئ األساس ية‪ ،‬أي املنهج ال ذي أطلق ه مورغ‪AA‬ان ع ام ‪ ،1871‬ق د اس تتبع حرص ا‬
‫على دقة العرض‪ ،‬يعترب بالنسبة للعديدين الربهان األساسي على الفهم العلمي لألنرتوبولوجيا‪.‬‬
‫إن كل اجملتمعات باعرتافها بالقرابة الثنائية‪ ،‬القائمة على األفراد وحتقيق الرتابط الشرعي فيما‬
‫بينهم‪ ،‬تُقر بقرابة العصب والنسب‪ ،‬إال أن بعض هذه اجملتمعات فقط تدرج البنوة أو املصاهرة‬
‫أي وج ود جمموع ات أو فئ ات‪ ،‬من أقرب اء العص ب‪ ،‬املنح درين من جمموع ة أش خاص‪ ،‬هم من‬
‫ساللة جد واحد‪ ،‬من جهة ومن جهة أخرى وجود صلة قرابة تربط جمموعات أو فئات من‬
‫األهل برابط ة املصاهرة"‪.2‬يبدو من هذه التع اريف أن للقرابة عالقة بالعص بية والنسب‪"،‬حيث‬
‫تظه ر ه ذه العالق ة‪ ،‬من ذ اللحظ ة‪ ،‬ال يت يب دأ فيه ا تعص ب اجلماع ة القبلي ة ل دفع خط ر خ ارجي‬
‫يهددها‪ ،‬أو جللب منفعة من الغري‪ ،‬باهلجوم واملطالبة‪ ،‬ويظهر إلتحام أفراد القبيلة على مستوى‬
‫القرابات اليت تكوهنا‪ ،‬ألن صلة الرحم‪ ،‬طبيعي يف البشر إال يف األقل"‪. 3‬‬

‫فاألفراد املكونني للقرابة ينحدرون من نفس النسب واملصاهرة وينتمون إىل أسرة أو عائلة‬
‫واح دة‪ ،‬ه ذا م ا يس ميه علم اء االجتم اع واألنرتوبولوجي ا بالعالق ات القرابي ة الدموي ة‪ ،‬أم ا‬
‫العالق ات القرابي ة االجتماعي ة وهي ال يت تتك ون بالنس ب البعي د‪ ،‬واحلل ف وال والء‪ ،‬كم ا ش رح‬
‫ذلك ابن خل‪AA‬دون يف نظريته‪ ،‬كما أكدت الدراس ات األنثروبولوجي ة حول السلطة والقرابة‪،‬‬
‫فه ذه اجملتمع ات جتع ل القراب ة مص درا لك ل س لطة‪ ،‬مبا فيه ا الس لطة السياس ية‪ ،‬هلذا جيد الف رد‬
‫نفسه ينتمي إىل أسرتني بعد والدته وهي أسرة عن طريق األب‪ ،‬وأسرة عن طريق األم‪ ،‬فريتبط‬
‫أفراد األسرتني بطائفة كبرية من الروابط االجتماعية والقانونية وبكثري من احلقوق والواجبات‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬علياء شكري ‪ ،‬االتجاهات المعاصرة في دراسة األسرة‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،1988 ،‬ص‪.59‬‬
‫‪.2‬بيار بونت ‪ ،‬معجم االثنولوجيا و االنتروبولوجيا ‪ ،‬تر‪:‬مصباح الصمد‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.721‬‬
‫‪ .3‬حممد محداوي‪ ،‬القرابة والسلطة عند ابن خلدون‪ ،‬البذور الجنينية لألنثربولوجيا السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬

‫‪180‬‬
‫حيث ينتج عن ه ذه الرواب ط االجتماعي ة الدموي ة‪ ،‬الرابط ة القرابي ة ال يت تعت رب عالق ة اجتماعي ة‬
‫تعتمد على الروابط الدموية‪.‬‬

‫إذن ه ذه الرواب ط هي ال يت جعلت العائل ة البش رية تتم يز عن العائل ة احليواني ة‪ ،‬وعلى ه ذا‬
‫فالقرابة كنظام اجتماعي‪ ،‬يوجد يف كل اجملتمعات اإلنسانية ويبدو واضحا يف اجملتمع البدوي‪،‬‬
‫ألنه يشكل رابطة اجتماعية قوية بني أفراد النسب الواحد‪ ،‬ولإلشارة فإنه ال تكون هناك نواة‬
‫أو رابط ة قرابي ة إال بت وفر أربع ة أن واع من األش خاص وثالث ة أن واع من العالق ات والرواب ط‪،‬‬
‫سواء أكانت رابطة القرابة هذه أولية أو ثانوية‪ ،‬ففي الرابطتني األولية والثانوية‪ ،‬البد من زوج‬
‫وزوج ة وابن وخ ال (أو ص هر) والب د من عالق ة بني ال زوج والزوج ة‪ ،‬حتص ل ب الزواج بينهم ا‬
‫واملصاهرة بني أسرتيهما‪ ،‬وعالقة بني األبوين وإبنهما (عالقة أبـوة أو نسب) تنجم عن العالقة‬
‫الزوجية وعالقة بني الزوجة وأخيها الذي يعطيها للزواج (عالقة األخوة السابقة للزواج) هلذا‬
‫فإن لفظة األب‪ ،‬ال ميكن أن يدل إال على الرجل‪ ،‬الذي أجنب الفرد‪ ،‬الذي يدعوه هبذا االسم‪،‬‬
‫نتيج ة عالق ة ال زواج الش رعية ك ذلك أخ وخ ال وعم وج د ونس يب وغريه ا‪ ،‬من تس ميات‬
‫القرابة‪ ،‬و على هذا األساس فإن القرابة من الدرجة األوىل‪ ،‬تشتمل على جمموعة من العالقات‪،‬‬
‫ي دل عليه ا بس بعة أمساء (األب واألم واألخ واألخت والزوج ة واإلبن والبنت) والقراب ة من‬
‫الدرجة الثاني ـة على جمموعة أخرى من العالق ـات يـ ـدل عليها بعشرة أمسـاء‪ ،‬ثالثـــة للعصبة (اجلد‬
‫ألب‪ ،‬والعم والعم ة) وثالث ة ألق ارب األم (اجلد لألم واخلال‪ ،‬واخلال ة) وأربع ة لألحف اد(احلفي د‬
‫‪1‬‬
‫البن واحلفيدة البن واحلفيد لبنت واحلفيدة لبنت)‪.‬‬

‫هنا يصبح الفرد حيتل مواقع متباينة داخل نظام القرابة وعالقاهتا املتنوعة‪ ،‬إنه قبل كل شيء‬
‫عنص ر يف أس رتني خمتلف تني‪ ،‬ينتس ب إليهم ا بص ورة أولي ة‪ :‬األس رة األوىل‪ ،‬حيث يك ون ابن ا‬
‫وأخ ا فريتبط بعالقة‪ ،‬من جهة مع أسالفه ‪ :‬أبيه وجده ألبيه‪ ،‬وجد أبيه وجد جده‪ ،‬إىل غاية‬
‫ً‬
‫للس اللة‪ ،‬ومن جه ة أخ رى م ع أقارب ه احلواش ي‪ :‬إخوت ة وأخوات ه األش قاء‪ ،‬ال ذين‬
‫اجلد األول ّ‬
‫زوج ا وأبًا‪ ،‬هكذا فإنه يف‬
‫يشرتك معهم يف خط النسب الصاعد واألسرة الثانية‪ ،‬حيث يكون ً‬
‫‪.1‬حممد محداوي‪ ،‬البنيات االسرية ومتطلباتها الوظيفية في منطقة بني س‪A‬نوس في النص‪A‬ف األول من الق‪AA‬رن العش‪AA‬رين ق‪A‬رى العزاي‪AA‬ل‬
‫دموذجا‪ ،‬اطروحة دكتوراه دولة‪ ،‬جامعة وهران‪ ،2005 ،‬ص‪.254‬‬

‫‪181‬‬
‫ه ذين اجلم اعتني تتح دد وض عية الف رد بعالق يت النس ب واألب وة املتض منة نق ل ه ذا النس ب‬
‫‪1‬‬
‫باإلجناب‪.‬‬

‫إض افة إىل أن القراب ة رابط ة اجتماعي ة تنش أ عن طري ق ال زواج‪ ،‬فهي أيض ا أس اس العالق ات‬
‫األس رية‪ ،‬حيث إهتم هبا علم اء األنثروبولوجي ا واالجتم اع‪ ،‬نظ را ل دورها ووظيفته ا اهلام ة يف‬
‫اجملتمعات البدائية‪ ،‬وذلك العتبارها عامال من عوامل تضامن اجلماعة ومتاسكها‪ ،‬زد على ذلك‬
‫أهنا تُص بح ق وة ُمدافع ة عن اجلماع ة يف حال ة اخلط ر اخلارجي‪ ،‬كم ا وض حه ابن خل ‪AA‬دون يف‬
‫‪2‬‬
‫مقدمته عن مصطلح العصبية‪ ،‬لقوله "العصبية إمنا تكون من االلتحام بالنسب أو ما يف معناه‪".‬‬

‫ويتضح أن االلتحام بالنسب‪ ،‬هو العالقات العرقية‪ ،‬أي أن األفراد ينتمون لعرق واحد مبعىن‬
‫جد واحد‪ ،‬ويقصد مبا يف معناه كل ما له عالقة بذلك من قرابة ومصاهرة وحتالف‪.‬هنا نرى ان‬
‫ابن خل‪AA A A A A A‬دون يتح دث عن القراب ة من خالل مص طلح النس ب‪ ،‬وال ذي جنده يف‬
‫الموس وعة‪3‬بأن ه‪":‬رب اط قراب ة عن طري ق ال دم جلد مش رتك‪ ".‬ه ذا التعري ف جيع ل النس ب ممت دا‬
‫خلطوط لكن بعد التطورات اليت حدثت يف اجملتمع األوريب انتقل تعريف النسب‪ ،‬ممتد على كل‬
‫اخلطوط إىل تعريف يقتصر على قرابة العصب من األب‪ ،‬حيث تعطي لنا املوسوعة ثالثة أنواع‬
‫من النسب وهي‪:‬‬

‫أ‪.‬النسب األبوي‪:‬يهتم بوجود الذكور أكثر من اإلناث‪ ،‬ويعطي سلطة أكرب للذكر‪.‬‬

‫ب‪.‬النسب األم‪A‬ومي‪ :‬يتميز باالنتماء عن طريق النساء وانعدام سلطة الرجل على امرأته‪ ،‬مع‬
‫بقاء هذه السلطة اجتاه أخواته‪ ،‬يقتصر دور الرجل على اجملال اإلنتاجي من أمثلة هذا النسب‬
‫قبائل الطوارق‪.‬‬

‫ج‪.‬النس ‪AA‬ب غ ‪AA‬ير المتم ‪AA‬ايز‪ :‬يتك ون من أش خاص ينتم ون ص عودا للج د املش رتك وميكن أيض ا‬
‫لشخص واحد‪ ،‬أن ينتمي لعدة جمموعات‪ ،‬انتساب تلتقي مع أحد أجداده‪.‬‬

‫‪.1‬حممد محداوي‪ ،‬نفس املرحع السابق‪ ،‬ص‪.255‬‬


‫‪ 2‬عبد الرمحان ابن خلدون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪157‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.Encyclopedia, Universalis, corpus 13, France 1992, p 781.‬‬
‫‪182‬‬
‫وعن دما نتح دث عن النس ب‪ ،‬ن ذهب مباش رة لتف اخر الع رب بنس بهم‪ ،‬فق د اهتم وا كث ريا‬
‫بنسبهم وساد االعتقاد لديهم بأن دمائهم نقية‪ ،‬ونسبهم عريق‪ ،‬وليس النسب فقط عالمة متيز‬
‫األفراد وحتدد مكانتهم عن طريق املرياث والقواعد القانونية لنقل األمالك‪ ،‬بل يؤسس النسب‬
‫لتكوين هويات متميزة‪ ،‬إذ يسببه تواجد فئتان‪ :‬فئة هلا الشرف واألصالة القائمة على احلسب‬
‫والنس ب أي اس تعالء ال دم‪ ،‬وفئ ة أق ل حظ ا اجتماعي ا وه و م ا اعت ربه هش‪AA‬ام ش‪AA‬رابي‪ ،‬يؤس س‬
‫‪1‬‬
‫لسوسيولوجيا األقليات‪.‬‬

‫ميكنن ا أن نس تنتج تعريف ا إجرائي ا للقراب ة على أهنا رابط ة اجتماعي ة‪ ،‬تق وم على الرواب ط‬
‫الدموي ة بنيته ا ال زواج واألس رة مبع ىن أهنا تش مل عالق ة األب‪ ،‬األم‪ ،‬واألبن اء‪ ،‬األعم ام‬
‫واألخ وال‪ ...‬وك ذلك عالق ة األنس اب واألص هار‪ ،‬حس ب م ا يُع رف بالقراب ة احلقيقي ة وق د‬
‫تتع دى القراب ة ه ذه احلدود لتص ل أيض ا إىل العالق ات بني األف راد‪ ،‬ال ذين هم ض من م ا يع رف‬
‫بالقراب ة اخليالي ة أو االجتماعي ة‪ .‬أم ا الرابط ة القرابي ة أو رب اط القراب ة‪ ،‬فه و عالق ة تق وم على‬
‫التفاعالت املباشرة بني األقارب منذ الوالدة جيد الفرد نفسه ينتمي إليها‪.‬‬

‫‪.2‬تصنيف مصطلحات القرابة‬


‫ال ميكن دراسة الروابط القرابية دون تصنيف مصطلحاهتا‪ ،‬ذلك ألن كل جمتمع إنساين‬
‫وطريقة متيزه لألقارب‪ ،‬فيضع لكل واحد أو جمموعة منهم مركزا‪ ،‬واصطالحا أو إمسا قرابيا‪،‬‬
‫هلذا يستخدم املصطلح القرايب للداللة على قريب واحد‪.‬‬
‫حيث يالح ظ كروب‪AA‬ر" أن املص طلح الق رايب يس تخدم للدالل ة على ق ريب واح د بال ذات‪ ،‬مث ل‬
‫اصطالح "أب" أو "أم" وختتلف املصطلحات باختالف اجملتمعات والثقافات واللغات‪ ،‬حيث‬
‫‪2‬‬
‫صنف أغلب الباحثني هذه املصطلحات إىل ثالث أمناط‪.:‬‬
‫أ‪ .‬المصطلحات النوعية المحددة ‪ :‬وهي ختص الوحدات القرابية الصغرية‪ ،‬مثل أب ‪ ،‬أم‪ ،‬أخ‬
‫أخت‪ ،‬االبن‪ ،‬البنت‪ ،‬الزوج‪ ،‬الزوجة‪ ،‬حيث تشري هذه املصطلحات إىل عالقة حمددة‪.‬‬
‫‪.1‬هشام شرايب‪ ،‬البطركية‪ ،‬بحث في المجتمع العربي المعاصر‪ ،‬دار الطباعة‪ ،‬بريوت‪ .‬ب‪.‬س‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪ . 2‬عاطف وصفي‪ ،‬األنثروبولوجية الثقافية‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪1981،‬ص ‪204‬‬

‫‪183‬‬
‫ب‪.‬المصطلحات الوصفية‪ :‬وهي عبارة عن إضافات للمصطلحات احملددة مثل‪:‬ابن األخ‪ ،‬ابن‬
‫األخت‪ ،‬ابن أخت األم‪ ...‬وهي مص طلحات تص ف بدق ة درج ة القراب ة خ ارج األس رة‪ ،‬ح ىت‬
‫اجلد الرابع أو اخلامس أحيانا‪.‬‬
‫ج‪.‬مص‪AA‬طلحات‪ A‬القراب‪A‬ة‪ A‬التص‪AA‬نيفية‪ A:‬وهي مص طلح يش ري إىل فئ ة من األق ارب‪ ،‬مثل األعم ام أو‬
‫األخوال‪ ،‬وهذا النمط يسود يف اجملتمعات العربية‪ ،‬أما اجملتمعات الغربية يشري إىل عدد كبري من‬
‫األق ارب‪ ،‬مث ل‪"oncle" :‬العم واخلال وزوج العم ة‪،‬كم ا جند مص طلح "‪"tante‬يطل ق على‬
‫العمة اخلالة‪ ،‬زوجة العم‪ ،‬زوجة اخلال‪...‬ويبني مصطلح "‪ "égo‬إن أبناء العم وأبناء اخلاالت‬
‫يف جمم وع املع اين التص نيفية للقراب ة يف غ الب األحي ان‪ ،‬يس موهنم إخ وة وأخ وات‪ ،‬ليص بحوا‬
‫منظمني إىل صنف املصطلحات القرابية احملددة ويعتربون أنفسهم املقربني أكثر‪ ،‬عن أبناء اخلال‬
‫وأبناء العمات ومنه فإن العبارات واملعاين التصنيفية للقرابة‪ ،‬تُعترب كقاعدة للتصنيف والتميز بني‬
‫األق ارب ‪،‬كم ا يق ول م‪AA‬وردوك "تتب اين مص طلحات القراب ة م ع تب اين اجملتمع ات‪ ،‬فعلى س بيل‬
‫املثال مفردة "األب" و"األم" أو "البنت" ليس هلا نفس الداللة يف كل اجملتمعات‪ ،‬حيث يُصنف‬
‫‪1‬‬
‫اجملتمع األقارب إىل فئات لكل منها إمسا خاص‪".‬‬
‫كما حصر ألفرد كروبر‪ 2‬تسعة أسس للقرابة ميكن اعتبارها إطار نظري ألنواع املصطلحات‬
‫القرابية واليت تفيد املهتم مبوضوع القرابة وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬أس‪AA‬اس الجيل‪ :‬وال ذي ينط وي على التمي يز بني أق ارب ك ل جي ل مث ل‪:‬اجلد‪ ،‬األب‪ ،‬االبن‬
‫احلفيد‪.‬‬
‫‪ .2‬أساس تمي‪AA‬يز القراب‪AA‬ة الدموي‪A‬ة‪ A‬عن قراب‪A‬ة‪ A‬المص‪AA‬اهرة‪ :‬حيث تضم األوىل‪ ،‬الذين ينتمون إىل‬
‫أسرة الشخص نفسه وأسرة أجداده وأحفاده‪ ،‬أما قرابة املصاهرة‪ ،‬فتضم أولئك األقارب من‬
‫خالل رابطة الزواج‪.‬‬

‫‪.1‬حممد الدين عمر خريي‪ ،‬العائلة والقرابة في المجتمع‪ A‬العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬احتاد اجلامعة العربية‪ ،‬األردن‪،‬عمان‪ 1985،‬ص ‪.192‬‬
‫‪.2‬عاطف وصفي‪،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.206-205‬وانظر أيضا‪:‬معن خليل عمر‪ ،‬علم االجتماع األسرة‪ ،‬دار الشروق للتوزيع‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،2000 ،‬ص‪.151‬‬

‫‪184‬‬
‫‪.3‬أساس الفروق بين األقارب المباشرين والغير‪ A‬مباشرين‪ :‬فالنوع األول املباشر يضم أولئك‬
‫ال ذين يرتبط ون ببعض هم يف خ ط واح د‪ ،‬أم ا الن وع الث اين الغ ري مباش رين‪ ،‬فهو يض م ال ذين‬
‫يرتبط ون بش كل غ ري مباش ر‪ ،‬من خالل أح د األق ارب ال ذي يص ل بين ه فمثال‪ :‬العم واخلال‬
‫بالنس بة للف رد يف جمتمعن ا الع ريب يُع د ق ريب غ ري مباش ر‪ ،‬ألن األب توس ط بينه وبني العم‬
‫وتوسطت األم بينه وبني اخلال وهكذا بالنسبة ألبناء إخوة األب وأبناء إخوة األم‪.‬‬
‫‪.4‬أساس اختالف نوع األقارب ذكر أو أنثى‪ :‬ففي جمتمعنا العريب منيز بني األب‪ ،‬األم‪ ،‬العمة‬
‫والعم‪ ،‬اخلال واخلالة‪ ،‬األخ واألخت‪.‬‬
‫‪.5‬أساس نوع الشخص‪ :‬الذي عن طريقة تكونت عالقة القرابة‪ ،‬فمثال عند العرب اصطالح‬
‫خ ال‪ ،‬دال على ش قيق األم‪ ،‬والعم دال على ش قيق األب‪ ،‬أم ا اجملتمع ات الغربي ة‪ ،‬الدالل ة على‬
‫العم واخلال معا‪ ،‬يستعمل مصطلح "‪."oncle‬‬
‫‪.6‬أس ‪AA‬اس الف ‪AA‬روق حس ‪AA‬ب ن ‪AA‬وع الق ‪AA‬ريب‪ :‬وال ذي يُعت رب مهزة وص ل يف القراب ة وكم ا ذكرنا‬
‫س ابقا‪ ،‬أن األق ارب الغ ري املباش رين‪ ،‬يرتبط ون بالش خص من خالل وس يط وق ريب معني‪،‬‬
‫واملالح ظ يف اجملتمع ات الغربي ة أن ن وع الق ريب ال ذي ه و مهزة وص ل‪ ،‬ال ت رتتب علي ه تبعية‬
‫وأث ار‪ ،‬إذ أن بن ات وأبن اء العم أو اخلال جيمع ون حتت مص طلح واح د وه و "‪"Cousin‬أم ا‬
‫بالنسبة لبعض اجملتمعات يقول "‪"égo‬إذا كان القريب الوسيط من نفس نوع القريب مثل ‪:‬أخ‬
‫الوالد‪ ،‬العم وأخت األم اخلالة‪ ،‬فإن أبنائهم يعتربون أبناء عمومة وخؤولة متوازية ولكن عندما‬
‫خيتل ف ن وع الق ريب‪ ،‬أي أخت الوال د العم ة‪ ،‬وأخ األم اخلال‪ ،‬فأبن ائهم يع دون أبن اء عموم ة‪،‬‬
‫وخؤول ة متقاطع ة‪ ،‬حيث يطل ق مص طلح اإلخ وة‪ ،‬على أبن اء العمومة أو اخلؤول ة املتوازي ة‪ ،‬يف‬
‫حني تطلق على أبناء العمومة واخلؤولة املتقاطعة مصطلحات خمتلفة متام االختالف‪.‬‬
‫‪.7‬أس‪AA‬اس الف‪AA‬روق بين ن‪AA‬وع المتكلم نفسه‪:‬حيث خيتل ف اس تعمال املص طلحات‪ ،‬اجتاه ق ريب‬
‫معني عن د كل من ال ذكور واإلن اث‪ ،‬حىت إذا ك ان املتح دث إليهم ا ه و نفس الش خص‪ ،‬فإنه‬
‫ينعدم هذا األساس يف اجملتمعات العربية‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫‪.8‬أس‪AA‬اس ظ‪AA‬روف الوف‪AA‬اة‪ :‬حيث خيتل ف مص طلح القراب ة يف بعض اجملتمع ات‪،‬عن د وف اة األم‬
‫ليتغري اصطالح خال إىل مصطلح آخر‪ ،‬ففي بعض شعوب وقبائل "الشرييكاهو األباتاش" أين‬
‫يتزوج الرجل بأخت الزوجة املتوفاة ومنه يتغري مصطلح اخلالة إىل مصطلح آخر باسم معني‪.‬‬
‫‪.9‬أساس الفرق العمري‪ :‬أي تصنيف األقارب يف نفس اجليل تبعا لفروق العمر‪ ،‬يكون متييز‬
‫بني األخت الك ربى واألخت الص غرى باص طالح خ اص‪ ،‬مث ل اجملتمع املص ري ال ذي يطل ق‬
‫مص طلح "أبل ة" على األخت الك ربى و"أبي ه" على األخ األك رب وه ذه القاع دة ال تعم ك ل‬
‫اجملتمعات العربية‪.‬‬
‫وبص فة عام ة ف إن األس س الس تة األوىل هي األك ثر انتش ارا يف اجملتمع ات اإلنس انية‪ ،‬أم ا الثالث ة‬
‫التالية فهي أقل انتشارا‪.‬‬
‫‪.3‬النظريات‪ A‬السوسيو أنثروبولوجية‪ A‬للقرابة‪A‬‬
‫لدراس ة الرابط ة القرابي ة دراس ة نظري ة ميداني ة يقتض ي التع رض ألهم اجتاهني أساس يني يف‬
‫نظري ة القراب ة‪ ،‬ومها االجتاه الكالس يكي واالجتاه احلديث‪ ،‬فاالجتاه الكالس يكي لنظري ة القراب ة‪،‬‬
‫اجته في ه العلم اء اجتاه ا تطوري ا‪ ،‬واعت رب ل ‪AA A‬ويس مورج ‪AA A‬ان من أهم رواد وأعالم‪  ‬المدرس ‪AA A‬ة‬
‫التطورية‪ A‬األنثروبولوجي ‪AA‬ة‪ A،‬حيث ك انت ألفك اره ص دى وت أثري يف كث ري من العلم اء‪ ،‬ال ذين‬
‫انتسبوا لتلك املدرسة‪ ،‬أما االجتاه احلديث فتمثله النظرية البناية والوظيفية‪ ،‬يتضمن هذا االجتاه‬
‫مدرستني انسانيتني ومها املدرسة الربيطانية بزعامة راد كليف ب‪A‬راون‪ A‬واملدرسة الفرنسية بقيادة‬
‫كلود ليفي ستروس ‪.‬‬

‫فالنظرية التطورية درست القرابة بالبحث عن أصل هذه الظاهرة وكيفية تطورها من خالل‬
‫ال زواج واألس رة‪ ،‬أم ا النظري ة البنائي ة والوظيفي ة‪ ،‬أرجعت اختالف أمناط ال زواج والقراب ة إىل‬
‫الظ روف االجتماعي ة الس ائدة يف ك ل جمتم ع على ح ده وليس إىل تط وره‪ ،‬كم ا رأت النظري ة‬
‫التطورية‪ ،‬فهي تنظر للمجتمع ككائن عضوي‪ ،‬يتكون من أبنية متميزة مرتابطة‪ ،‬يف وحدة كلية‬
‫وأي تغيري يف أي جزء منها‪ ،‬يؤدي إىل تغيريات يف الكائن العضوي‪ ،‬إذن تدرس البنية والبناء‬
‫االجتم اعي‪ ،‬ل ذلك س وف نرك ز بش كل كب ري على آراء أهم التط ورين يف القراب ة‪ ،‬موض حني‬

‫‪186‬‬
‫اإلجتاهات اليت مشت عليها النظرية‪ A‬التطورية يف فهم الرابطة القرابية‪ ،‬مث أراء البنائية يف تفسري‬
‫النظام القرايب‪.‬‬

‫‪ .1.3‬النظرية التظورية‬

‫ظهرت هذه النظرية اإلجتماعية يف القرن ‪ 19‬وذلك بعد تأثر أصحاهبا بالنظرية الداروينية‬
‫نسبة إىل الطبيب داروين‪ ،‬الذي يرى أن كل أشكال احلياة مل ختلق خلقا متخصصا لكل نوع‬
‫وإمنا يرتب ط بعض ها ببعض‪ ،‬وهن ا ظه ر مص طلح التط ور وه و أح د االجتاه ات األساس ية ال يت‬
‫للص دفة أو‬
‫ظه رت يف الق رن ‪ ،19‬حيث ي رى أص حابه أن تط ور االنس انيةمل يكن خاض عا ُ‬
‫األهواء وإمنا لديه مراحل متعاقبة تسمى بتاريخ االنسانية‪.‬‬

‫وهلذا فأص حاب ه ذا االجتاه يهتم ون بدراس ة "األص ‪AA‬ول ‪ "les origines‬قاص دين ب ذلك‬
‫البحث يف البدايات األوىل للنظم االجتماعية‪ ،‬مثل‪:‬أصل الدين‪ ،‬اللغة‪ ،‬الزواج‪ ،‬القانون‪ ،‬أصل‬
‫القراب ة حيث يع ين ذل ك أن التطوري ة‪ ،‬تبحث يف األص ل وتتب ع نش أت الظ واهر االجتماعي ة‬
‫وتغريها من حالتها الساذجة البسيطة‪ ،‬إىل حالة معقدة وأكثر تركيبا‪ ،‬هذا ما مرت به ظاهرة‬
‫القراب ة ع رب ال زمن ل ذلك وض ع التطوري ون مب دأ خاص ا‪ ،‬وأساس يا لفك رهتم‪ ،‬يتمث ل يف أن ك ل‬
‫اجملتمعات البشرية تتطور يف نُظمها االجتماعية وتتغري‪ ،‬فأثناء تغريها متر مبراحل تطورية‪ ،‬كل‬
‫مرحلة فيها متثل انتقال اجملتمع من حال إىل حال‪ 1.‬فه ذا االجتاه التطوري يسعى إىل التعرف‬
‫على مراحل التطور يف بناء وظائف األسرة والقرابة‪.‬‬

‫*ل‪A‬ويس ه‪A‬نري م‪A‬ورجن‪ :‬من أبرز مؤسسي األنثروبوجليا االجتماعية‪ ،‬أمريكي ولد يف والية‬
‫نيوي ورك ع ام ‪ ،1818‬إهتم ب اكرا ج دا ب اهلنود‪ ،‬وبش كل خ اص بقبائ ل ال رياكوا‪ ،‬ع ام ‪،1851‬‬
‫ت ابع أحباث ه امليداني ة‪ ،‬ب القرب من جمموع ات هندي ة أخ رى‪ ،‬لكن ه ابت داء من هناي ة اخلمسينيات‪،‬‬
‫أص بحت القراب ة انش غاله األساس ي‪ ،‬ش رع حينئ ذ على نط اق واس ع بدراس ة مقارن ة حلاالت‬

‫‪.‬السيد حنفي عوض‪ ،‬علم االنسان‪،‬دراسات و حبوث يف ثقافة الشعوب واجملتمعات‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪، 2010،‬ص‪.25‬‬
‫‪1‬‬

‫‪187‬‬
‫القراب ة‪ ،‬ذُك رت نتيجته ا يف مؤلفي ه الض خمني‪":‬أنظم‪A A‬ة‪ A‬قراب‪A A‬ة‪ A‬العص ‪AA‬ب والنس ‪AA‬ب في العائل ‪AA‬ة‬
‫‪1‬‬
‫البشرية"‪ A‬عام ‪ 1871‬و"المجتمع القديم‪ "A‬الذي ظهر يف عام ‪.1877‬‬

‫وهنا أدخل لويس مورغان‪ ،‬مفهوم نظام القرابة يف كتابه األول‪ ،‬وابتكر فيه طريقة للتحليل‬
‫تقوم على وضع استبيان يتضمن تعابري القرابة الواردة على شكل نظام وزع منه‪139‬نسخة ومن‬
‫خالل النت ائج ال يت توص ل إليه ا وض ع ع ددا من أمناط املص طلحات‪ ،‬ال يت قس مها إىل قس مني‬
‫أساسيني‪ :‬األول وصفي قائم على دمج عدد ضئيل من املصطلحات البسيطة واآلخر تصنيفي‬
‫يقوم على توزيع ذوي قرابة العصب ضمن فئات أفراد‪ ،‬ينطبق عليهم نفس التعبري‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫املثال لدى شعب االيروكوا‪ ،‬ينادي االب وشقيقه بنفس الكلمة ومها ينتميان إىل فئة خمتلفة عن‬
‫تل ك ال يت تض م أف رادا‪ ،‬يش ار إليهم مبص طلح يس تخدم لتس مية ش قيق األم‪ ،‬هك ذا أص بح من‬
‫‪2‬‬
‫املمكن و للمرة األوىل إجراء مقارنة منهجية بني املصطلحات ذات املصادر املختلفة‪.‬‬

‫كما وج د م‪AA‬ورجن كث ريا من ج وانب التش ابه يف الثقاف ات املختلف ة‪ ،‬فه و يُفس ر نظ ام احلي اة‬
‫العائلية والزواج من البساطة إىل التعقيد‪ ،‬وذلك تبعا لفرضية ظنية‪ ،‬انطلق منها حنو تفسري تطور‬
‫مراحل االسرة وأشكال الزواج‪ ،‬يرى أن العائلة البشرية قد مرت خبمس مراحل‪ ،‬قبل أن تصل‬
‫إىل شكلها احلايل أي الزواج االحادي وهي‪:3‬‬

‫‪.1‬عائلة روابط الدم وهو منط يشيع بداخله الزواج اجلماعي‪.‬‬

‫‪.2‬العائلة البولياندرية وهو منط تطوري عند القبيلة‪.‬‬

‫‪.3‬العائلة الزوجية؛ يقوم أساسا على الزواج بني رجل واحد و امرأة واحدة‪.‬‬

‫‪.4‬منط العائلة األبوية؛ واالنتساب فيها لألب‪ ،‬هذا النمط يعين زواج رجل واحد بعدد كبري‬
‫من الزوجات‪.‬‬
‫‪ .1‬بيار بونت‪ ،‬ميشال ايزار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.887‬‬
‫‪.2‬معجم االنثروبولوجيا‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.887،888‬‬
‫‪.3‬حسن عبد احلميد أمحد رشوان‪ ،‬األنثروبولوجيا في المجالين‪ A‬النظري والتطبيقي‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ، 2003‬ص‪.137‬‬

‫‪188‬‬
‫‪.5‬العائلة األحادية؛ وفيها زواج الرجل من زوجة واحدة وكذلك املرأة من رجل واحد فقط‪.‬‬

‫ومن مث عاجل تطور العائلة البشرية يف ضوء مراحل تطور اجملتمع البشري‪ ،‬وليفسر ذلك قسم‬
‫اجملتمع اىل ثالث أقسام أو حقب تارخيية أساسيتني‪ :‬هي حقبة التوحش‪ ،‬احلقبة الرببرية وتليها‬
‫املرحل ة احلض رية أو التم دن‪ ،‬قس م م ‪AA‬ورجن مرحل ة الت وحش إىل ثالث مراح ل وهي‪ :‬مرحل ة‬
‫التوحش الدنيا‪ ،‬مرحلة التوحش الوسطى‪ ،‬مرحلة التوحش العليا‪ ،‬كما قسم احلقبة الرببرية إىل‬
‫ثالث مراحل أيضا وهي‪ :‬مرحلة الرببرية الدنيا‪ ،‬مرحلة الرببرية الوسطى‪ ،‬وأخريا مرحلة الرببرية‬
‫العليا‪ ،‬مث يقول تصل االنسانية إىل مرحلة التمدن أو احلضرية‪ ،‬وهنا يؤكد على أن شكل احلياة‬
‫العائلية والقرابة ظهر يف مرحلة التوحش الدنيا‪ ،‬حيث كان اجملتمع البشري يف البدء عبارة عن‬
‫زمرة اجتماعية بسيطة تعيش يف حالة بدائية ال حتكما ضوابط أو قوانني أو قواعد خلقية‪ ،‬فعاش‬
‫األف راد حي اة إباحي ة‪ ،‬دون أن ختض ع ألي تنظيم اجتم اعي للعالق ات اجلنس ية‪ ،‬ل ذلك أطل ق‬
‫مورجن على هذه املرحلة باإلباحية اجلنسية‪ ،‬حيث يعين ذلك أن الفرد يف هذه الفرتة بإمكانه‬
‫االتص ال جنس يا‪ ،‬ب أي ام رأة يش اء وب دون أي قي ود متنع ه‪ ،‬أم ا املرحل ة الوحش ية الوس طى‪،‬‬
‫فظهرت فيها نوع من العائلة وعالقات قرابية مساها بالعائل‪A‬ة‪ A‬الدموية‪ ،‬وهي تقوم على الزواج‬
‫‪1‬‬
‫بني اإلخوة واألخوات داخل مجاعة واحدة‪.‬‬

‫اس تمر ه ذا الن وع من العائل ة إىل غاي ة املرحل ة التوحش ية العلي ا ب دخول اجملتم ع للحقب ة‬
‫الرببرية‪ ،‬واملرحلة الرببرية الدنيا‪ ،‬فظهر شكل من العائلة‪ ،‬يقوم على الزواج اجلماعي أو زواج‬
‫اجلماعة‪ ،‬وهو زواج يتم بني مجاعة من االخوة وعدد من النساء ال يشرتط أن ي ُكن أخوات أو‬
‫على العكس‪ ،‬أن يك ون ال زواج بني مجاع ة األخ وات وع دد من الرج ال‪ ،‬حيث ال يش رتط أن‬
‫يكونوا إخوة‪ ،‬فسمى هذا النوع من العائلة بالعائلة‪ A‬البونالوية‪ ،punaluan A‬إستمر هذا النوع‬
‫من العائلة إىل غاية الرببرية الوسطى وبعد انتقال اجملتمع إىل الرببرية العليا‪ ،‬ظهر شكل الزواج‬
‫التعددي ويتفرع منه فرعان أحدمها هو شكل تعدد الزوجات‪ ،‬حيث ينتشر يف عدد كبري من‬
‫اجملتمعات‪ ،‬وجيمع الرجل بني أكثر من زوجة يف وقت واحد‪ ،‬والفرع الثاين هو تعدد األزواج‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد حسن غامري‪ ،‬مقدمة في االنثروبولوجيا العامة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬ص‪. 74‬‬

‫‪189‬‬
‫فيه جتمع املرأة أكثر من زوج واحد يف وقت واحد‪ ،‬عادة يكون هؤالء األزواج إخوة‪ ،‬وبعد‬
‫ه ذه املرحل ة‪ ،‬تنتق ل البش رية إىل مرحل ة التم دن‪ ،‬فيه ا ش كل ال زواج األح ادي‪ ،‬ال ذي يعت ربه‬
‫‪1‬‬
‫مورجن أرقى أشكال الزواج وهو ما نعرفه حاليا تزوج الرجل بامرأة واحدة‪.‬‬

‫نالح ظ أن م‪AA‬ورجن نتيجة لدراس اته ومالحظاته للمجتمع ات البدائية‪ ،‬توص ل إىل أن نظام‬
‫القراب ة وال زواج واألس رة‪ ،‬م روا بنفس املراح ل نظ را الرتباطهم ا أو ألن الواح د يول د اآلخ ر‪،‬‬
‫فالزواج يشكل أسرة‪ ،‬واألسرة تنتج روابط قرابية متعددة‪ ،‬فتكون املرحلة الالحقة اكثر تطورا‬
‫وتقدما من املرحلة السابقة‪ ،‬هلذا كان ينظر إىل النظم األوروبية يف قمة التطور والتقدم منطلقا‬
‫من فكرة أساسية‪ ،‬مفادها ان اجملتمع البشري يف بدايته هو عبارة عن مجاعة اجتماعية كبرية‪،‬‬
‫تعيش يف حالة بدائية‪ ،‬ال حتكمها قواعد خلقية‪ ،‬يعيش الناس يف حياة إباحية وفوضى جنسية‪،‬‬
‫قاصدا بذلك أن االباحية اجلنسية هي أوىل أشكال التزاوج الذي ساد منذ فجر البشرية‪.‬‬

‫*كما امتاز نظام القرابة عند جوهن ماكلين‪A‬ان ‪ 1881-1827‬بدراسة تطور نظام القرابة‪،‬‬
‫من خالل العائلة‪ ،‬عندما أجرى دراسة مقارنة عن شعائر الزواج‪ ،‬واليت نشرها يف كتابه"الزواج‬
‫البدائي" عام ‪ ،1865‬وفيه صاغ فرضية يفسر من خالهلا ظهور الزواج اخلارجي‪ ،‬الذي يقوم‬
‫على عملي ة خط ف الع روس ويع ود الس بب إىل "وأد" البن ات يف القبائ ل ال يت ك انت ت رفض‬
‫اإليناث مما أدى إىل نقص كبري يف اجلنس األنثاوي‪ ،‬فاضطرت هذه القبائل إىل خطف البنات‬
‫من قبائل أخرى‪ ،‬تغتنم الفرص خاصة يف احلروب للزواج هبن‪ ،‬وهلذا خرج ماكلينان بفك رة أن‬
‫الزواج اخلارجي هو أسبق من الزواج الداخلي‪2.‬والسبب أن القبائل مل يكن رجاهلا يتزوجون‬
‫من داخل القبيل وإمنا يتزوجون من خارجها‪.‬‬

‫يعين هذا أن القرابة كانت تتوسع إىل عالقات قرابية جوارية‪ ،‬فيصبح للمولود عائلة األب‬
‫وعائل ة األم ال يت خطفت من قبيل ة أخ رى‪ ،‬وهن ا يوض ح ماكلين‪AA A‬ان أن املرأة ال يت ُخطفت ال‬
‫تستطيع العودة لقبيلتها أو رأية أهلها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد حسن غامري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.75‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد حسن غامري‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 76‬‬

‫‪190‬‬
‫الرحل‪ ،‬الذين كانوا يتشاركون يف كل‬
‫ويُضيف أيضا إىل أن التطور العائلي يعود إىل القبائل ُ‬
‫ش يء‪ ،‬الطع ام وال دفاع وح ىت اإلباحي ة اجلنس ية بينهم‪ ،‬حيث ميارس مجي ع ال ذكور العالق ات‬
‫اجلنسية مع مجيع النساء‪،‬مل تكن هناك قواعد اجتماعية‪ ،‬متنع ذلك أو تنظم العالقات وبالتدريج‬
‫حتولت اجلماعات االنسانية إىل مجاعات أمومية‪ ،‬هذا عن طريق رابطة القرابة الدموية بني األم‬
‫والطفل هلذا تتواجد يف هذه املرحلة األبوة باملفهوم احلضاري‪ ،‬فأصبح االنتساب إىل األم‪ ،‬كما‬
‫ظهر التمييز بني اإلخوة واألخوات من خالل مجاعة أمومية قرابية‪ ،‬أصبحت كل أم تلد أوالد‬
‫ينتسبون إليها بالقرابة األمومية‪ ،‬هذا النوع من الزواج هو الزواج " البولياندري" وفيه تتزوج‬
‫‪1‬‬
‫املرأة بأكثر من رجل واحد ويف وقت واحد ليس بعد فرتات‪.‬‬

‫* باخوفن‪:‬هو باحـث سويسري‪ ،‬إشتغل بالدراسات القانونية واألساطري واللغويات‪ ،‬وأصدر‬


‫كتاب "ح‪AA‬ق األم" س نة‪،1861‬حيث وضع يف هذا الكتاب‪ ،‬تتابعا زمنيا لنُظم الزواج واألسرة‬
‫واملرياث وال رتكيب االجتم اعي‪ ،‬تتلخص آراؤه يف ع دة مراح ل‪ ،‬أق دمها مرحل ة االختالط‬
‫اجلنسي تليها مرحلـة ثـورة املرأة على األوضاع‪ ،‬وتأسيسها ملا يُسمى مبرحلة النظام األمومي‪،‬‬
‫الذي تثبت فيه صالت األمهات باألبناء ويسمي ب‪AA‬اخوفن هذه املرحلة بالمرحل‪AA‬ة األمازونية‪،‬‬
‫يربط فيها هذا النظام مبجموعة من الوظائف االجتماعية واألسرة األمومية‪ ،‬النسب األمـوي‪،‬‬
‫اإلرث األموي ونُظم دينية تسيطر عليها آهلة األرض‪ ،‬فتقوم فيها النسـاء بـدور رئيسي يف النظام‬
‫الكهنويت باإلضافة إىل شيوع عادات وطقوس اخلصوبة وأخريا يسيطر القمر على الشمس‪ ،‬مث‬
‫تأيت آخر مرحلة تسـقط فيها وظيفـة املرأة السياسية والدينية‪ ،‬وحيل حملها النظام األبوي‪ ،‬وتظهر‬
‫فـي هـذه املرحلـة‪ ،‬األسرة احلقيقية وتسيطر آهلة السماء على آهلة األرض والشمس (مؤنة) على‬
‫القمر(ذكر)‪.2‬‬

‫يبدوا واضحا أن هذه املراحل الثالث هي جمرد تصور نظري وضعه ب‪AA‬اخوفن‪ ،‬حيث اعتمد‬
‫يف كتاباته متأثرا به‪AA‬يرودوت‪ ،‬عند حديثه عن النظام األموي إال أنه أكد بالرغم من أن املرأة‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد حسن غامري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪. 77‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الرمحان أسامة نور‪ ،‬البدايات األولى للتنظير األنثروبولوجي‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،2009،‬ص‪. 3‬‬

‫‪191‬‬
‫من الناحية الفس يولوجية‪ ،‬هي أض عف من الرج ل إال أهنا ق د احتلت مكان ة اجتماعي ة عالية يف‬
‫العائل ة واجملتم ع والس لطة يف مرحل ة من املراح ل التارخيي ة القدمية‪ ،‬وب ذلك انتص رت على ق وة‬
‫الرجل الفسيولوجية‪ ،‬مما مسح لألطفال يف تلك املرحلة باالنتساب قرابيا إىل أمهاهتم وليس إىل‬
‫آبائهم ألن مل يكن من املستطاع حينذاك حتديد األب فاملرأة تعايش جمموعة من الرجال وليس‬
‫رجال واحدا‪ ،‬مبعىن أنه مل يوجد نظام قرايب حيدد العالقات اجلنسية‪ ،‬وهلذا ايضا متتعت النساء‬
‫بوص فهن الوال دات الوحي دات املعروف ات بك ل ثق ة وتأكي د لالطف ال بق در كب ري من االح رتام‬
‫واكتسبت املرأة بذلك مكانة اجتماعية ودينية عالية‪.‬‬

‫‪.2.3‬النظرية‪ A‬البنائية والوظيفية‬

‫يرى أصحاب هذا االجتاه أن بنية اجملتمع متماسكة‪ ،‬فأي نسق اجتماعي يتكون من أجزاء‬
‫مرتابطة ويعتمد بعضها على بعض‪ ،‬كل جزء يدخل ضمن عالقات اجتماعية ضرورية‪ ،‬تأخذ‬
‫صورة نظام إجتماعي‪ ،‬هلذا ال ميكن فهم أي جزء أو أي نظام اجتماعي‪ ،‬فهما صحيحا إال إذا‬
‫درسناه يف عالقته بالنظم األخرى السائدة يف اجملتمع‪ ،‬وهذا ما يشكل "بناءا اجتماعيا"‪ .‬والذي‬
‫يعرفه األنثروبولوجيون‪ :‬على أنه نسيج يتكون من العالقات اليت تربط بني أعضاء جمتمع ما‪.‬‬

‫كما هتتم هذه النظرية بدراسة أثر وظائف األسرة يف دميومة الكيان االجتماعي وهتدف إىل‬
‫توضيح الرتابط الوظيفي‪ ،‬بني النسق األسري وبقية أنساق اجملتمع األخرى‪ُ ،‬مركزة أيضا على‬
‫دراسة الرتابط املنطقي بني األدوار االجتماعية األساسية اليت تتكون منها‪ ،‬فهذا االجتاه البنائي‬
‫الوظيفي يدرس األسرة أو العائلة اليت تعد نواة لبناء القرابة‪ ،‬فإنه يركز على األجزاء اليت يتكون‬
‫منها نسق األسرة والعائلة يف ارتباط بعضها ببعض‪ ،‬عن طريق التكامل والتساند الوظيفي‪ ،‬فعند‬
‫دراسة القرابة وفقاً للمدخل البنائي الوظيفي‪ ،‬جند الرتكيز على وظائف األنساق الفرعية‪،‬‬
‫داخل األسرة بالنسبة لبعضها البعض وبالنسبة للبناء القرايب كوحدة متكاملة‪ ،‬وكذلك الرتكيز‬
‫على وظائف األسرة والعائلة بالنسبة للمجتمع من مجيع جوانبه‪ ،‬باعتبار أنه لن مُي كن فهم أي‬

‫‪192‬‬
‫نسق اجتماعي فهماً صحيحاً إال إذا درسناه يف عالقته باألنساق األخرى اليت تكون البناء‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫ومن أهم رواد ه ذه املدرس ة جند كل ‪AA A‬ود ليفيس س ‪AA A‬تروس‪ ،‬ايف ‪AA A‬انز بريتش ‪AA A‬ارد‪ ،‬كيس ‪AA A‬نج‪،‬‬
‫رادكلي‪AA‬ف ب‪AA‬راون يرى ه ؤالء‪ ،‬أن اجملتمع االنساين نسق‪ ،‬مبعىن أن احلي اة االجتماعية تسودها‬
‫درج ة معين ة من ال رتتيب والتماس ك واالس تمرار‪ ،‬حيث ال ميكن للف رد ب دون ه ذا الرتاب ط أن‬
‫يُش بع أبس ط حاجات ه األولي ة أو الثانوي ة‪ ،‬ويرج ع ه ذا ال رتتيب أو النس ق االجتم اعي إىل نظ ام‬
‫اجتماعي‪ ،‬يعين هذا أننا ال ميكن أن ندرس أو نفهم أي نظام اجتماعي فهما صحيحا‪ ،‬إال إذا‬
‫درسناه يف عالقته بالنظم األخرى السائدة يف اجملتمع احمللي‪ ،‬مث يف عالقته بالكل‪ ،‬الذي يدخل‬
‫يف تكوين ه‪،‬كالنس ق الق رايب ال ميكن فهم ه أو حتليل ه مبع زل عن دوره يف التض امن االقتص ادي‬
‫‪2‬‬
‫والتمايز الثأري القبلي‪.‬‬

‫*رادكلي‪AA A‬ف ب‪AA A‬راون‪:‬ه و ع امل أن ثروبولوجي بريط اين ‪ 1955-1881‬خترج من جامع ة‬
‫كم ربدج ت أثر ب‪AA‬دوركايم‪ A‬كث ريا‪ ،‬رب ط مفه وم البني ة االجتماعي ة‪ ،‬مبفه وم الوظيف ة‪ ،‬حيث ش به‬
‫احلياة االجتماعية باحلياة العضوية‪ ،‬فاألسرة يف نظره هي مبثابة وحدة بنيوية تستحيل رؤيتها يف‬
‫عموميتها‪ ،‬يف أي حلظة‪ ،‬لكننا نستطيع مالحظتها ألنه يرى أن اجلماعات االجتماعية املوجودة‬
‫لف رتة طويل ة‪ ،‬متث ل جتم ع األنس اق يف وح دات اجتماعي ة خمتلف ة األحج ام والتب اين الق ائم بني‬
‫األف راد‪ ،‬ومجاع ات جمتم ع من اجملتمع ات وحيدد يف اجملتم ع الواح د‪ ،‬م ع اختالف املرك ز‬
‫االجتم اعي بني الرج ال والنس اء وبني الش يوخ‪ ،‬والش باب واألطف ال‪ ،‬وبني ال رئيس واملرؤوس‪،‬‬
‫وبني صاحب العمل والعمال‪ ،‬كما أن كل العالقات االجتماعية اليت تقوم بني شخص وآخر‬
‫من البني ة ال يت تتك ون من العالق ات الثنائي ة‪ ،‬مث ل العالق ات بني األب وإبن ه وابن اخلال وإبن‬
‫أخته‪...‬اخل‪ ،‬هلذا يعد النظام القرايب يف اجملتمعات الغري معقدة أهم النُظم االجتماعية وهو الذي‬
‫حيدد شبكة العالقات االجتماعية للمجتمع‪.‬‬

‫‪.1‬سامية مصطفى اخلشاب‪ ،‬النظرية االجتماعية ودراسة األسرة ‪،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،1982،‬ص‪.39‬‬

‫‪193‬‬
‫ويعرض براون‪ 1‬نظريته يف القرابة ببداية منهجية معرفا إياها على أهنا مثة عالقات مباشرة‬
‫تقوم بني شخصني‪ ،‬نتيجة احندار أحدمها من اآلخر‪ ،‬فمثال‪:‬احندار احلفيد من اجلد أو أن كالمها‬
‫احندر من جد واحد مشرتك‪ ،‬سواء خالل خط‪  ‬الذكور أو خط اإلناث‪،‬كما أن نسق القرابة‬
‫عن ده عب ارة‪ ،‬عن ش ‪AA‬بكة من العالق ‪AA‬ات االجتماعية وهي تل ك ال يت تك ون ج زءا من الش بكة‬
‫الكلية للعالقات الثنائية اليت تقوم بني شخص‪  ‬وآخر يف اجلماعة‪.‬‬

‫كما أن الوحدة البنائية اليت تكون منها نسق القرابة هي اجلماعة اليت أطلق عليها إسم األسرة‬
‫األولي ة أو الص غرية‪ ،‬ال يت تُعت رب أبس ط ص ور القراب ة وتت ألف ه ذه األس رة من زوج وزوجت ه‬
‫وأوالدمها غ ري املتزوجني‪ ،‬يع ين ذل ك أهنا األس اس األول ال ذي تق وم علي ه اجلماع ات الزواجي ة‬
‫األكثر تعقيدا‪.‬‬

‫وهن اك ثالث درج ات لعالق ات القراب ة داخ ل األس رة األولي ة‪ ،‬منه ا عالق ات القراب ة من‬
‫الدرجة األوىل‪ ،‬وهي اليت تنشأ بني اآلباء واألبناء من جهة واليت تنشأ بني األخوة األشقاء من‬
‫جهة ثانية وأخريا اليت تنشأ بني الزوج والزوجة‪ ،‬كآباء ألوالدهم‪ ،‬يطلق عليها شبكة العالق‪AA‬ات‬
‫الجينالوجية‪ A‬أو شجرة العائلة‪.‬‬

‫أما عالقات القرابة من الدرجة الثانية فهي تلك اليت تعتمد على اتصال عائلتني أوليتني عن‬
‫طريق العضو املش رتك‪ ،‬كالعالقة بني الشخص وج ده (أب األب ) وعن الشخص وخاله (أخ‬
‫األم ) وأخريا عالقة القرابة من الدرجة الثالثة‪ ،‬وهي اليت تقوم بني الشخص وابن اخ االم ( ابن‬
‫اخلال ) او بين ه وبني زوج اخت االب ( زوج العم ة )‪ ،‬أو بين ه وبني ابن االخ االب ( ابن‬
‫العم )‪ ،‬وبينه وبني زوجة اخ االم (زوجة اخلال ) فهكذا تتدرج درجات القرابة‪ ،‬اليت يدخل‬
‫فيها الفرد مع أقاربه من الدرجة االوىل والثانية والثالثة وعلى هذا األساس حتدد درجات القرابة‬
‫اىل جانب هذه العالقات‪،‬كما حتدث راد كليف براون‪ ،A‬عن األسرة األولية‪ ،‬كوحدة أساسية‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬السيد حنفي عوض‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.30‬‬
‫‪.1‬معجم االثنولوجيا واألنثربولوجيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.788‬‬

‫‪194‬‬
‫يف نسق القرابة وهي خلية اجملتمع‪ ،‬بل هي نواة اجملتمع وكذلك هي مجاعة قرابية مرتبطة ارتباطا‬
‫‪1‬‬
‫قويا عن طريق الدم والزواج وتعيش يف منزل واحد معيشة مشرتكة‪.‬‬

‫* كل ‪AA‬ود‪  ‬ليفيس س ‪AA‬تروس‪:‬ع امل ان ثروبولوجي فرنسي ول د يف بروكس ل س نة ‪ 1908‬اهتم‬


‫بدراسة تنظيمات القرابة‪ ،‬معتمدا يف ذلك املنهج البنائي يف الفهم والتحليل من أهم إصداراته‬
‫البني ة األولي ة للقراب ة‪ ،‬ال ذي ش كل موض وع أطروحت ة ل دكتوراه س نة ‪ 1948‬واآلخ ر‬
‫"االنثربولوجي ا السياس ية جبزأي ه ع ام ‪ .2 1973 - 1958‬يعت رب أول من ارتقى بالدراس ات‬
‫البنائي ة‪ ،‬حيث ارتب ط امسه بكلم ة البنائي ة‪ ،‬وجع ل من االجتاه البن ائي منهج ا فكري ا‪ ،‬يطب ق على‬
‫دراسة اجملتمع والفن والنظم واللغة فكان جد متأثر يف ذلك بالعلماء اللغويني البنائيني‪ ،‬وعلى‬
‫ال رغم من كثرة الكتابات حول موض وع القرابة يف القرن التاس ع عشر‪ ،‬إال أن مي دان دراسة‬
‫القراب ة‪ ،‬ال ي زال يفتق ر بش كل واض ح اىل نظري ة عام ة‪ ،‬ميكن هبا حتلي ل وفهم وتفس ري‪ ،‬أنس اق‬
‫القراب ة املختلف ة‪ ،‬ألن موض وع القراب ة يُعت رب من أص عب املواض يع ال يت يق وم بدراس تها الب احث‬
‫االن ثروبولوجي على االطالق وبظه ور التحلي ل البن ائي عن د ليفي س‪AA‬تروس‪ ،‬وتطبيق ه على ك ل‬
‫فروع الدراسات االجتماعية ومنها دراسة القرابة‪ ،‬فقد استطاع أن حيدث تغريات أساسية يف‬
‫التفك ري‪ ،‬حيث مشل ذلك العامل اخلارجي‪ ،‬مما أمكنه من صياغة نظرية جدي دة يف القرابة‪ ،‬تأثر‬
‫هبا الكثري من العلماء املعاصرين‪ ،‬فخصص للنسق القرايب‪ ،‬كما قلنا كتابا من أهم كتبه وهو‬
‫"األبني‪AA‬ة األولي‪AA‬ة للقراب‪AA‬ة" ي رى في ه أن األبني ة األولي ة للقراب ة تظه ر على العم وم يف م ا يس مى‬
‫‪3‬‬
‫"بذرة القرابة"‪A‬‬

‫يقص د س ‪AA‬تراوس "ب ‪AA‬ذرة القراب ‪AA‬ة" هي أص غر وح دة للقراب ة ال يت ميكن أن نالحظه ا عن د‬


‫االنس ان تق وم على ثالث أن واع من الرواب ط أو العالق ات وهي‪ :‬العالق ة بني ال زوج والزوج ة‪،‬‬
‫بني أخ وأخت وبني والد وولد من جهة‪ ،‬فهذا هو الشكل األساسي والذري للعالقات القرابية‬

‫‪.‬السيد حنفي عوض‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪. 33‬‬


‫‪1‬‬

‫‪ . 2‬أنظر‪ :‬معجم االثنولوجيا واألنثربولوجيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.782‬‬


‫‪3‬‬
‫‪.‬فرديريك معتوق‪ ،‬معجم العلوم االجتماعية‪ ،‬أكادمييا‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،1998،‬ص‪.53-52‬‬

‫‪195‬‬
‫عن د البش ر‪ ،‬لتتف رع عن ه ذه ال ذرة القرابي ة العالق ات والرواب ط االجتماعي ة بش كلها األوس ع‪،‬‬
‫فالعائلة البيولوجية أو األسرة هي النواة األساسية واألوىل للقرابة يف النظام االجتماعي‪.‬‬

‫كم ا ع رف س‪AA‬تراوس يف كتاب ه القراب ة على أهنا عب ارة عن انتم اء شخص ية او أك ثر اىل ج د‬
‫واح د أو اعتق ادهم أن هلم ج دا واح دا‪ ‬وق د تك ون القراب ة حقيقي ة‪،‬كم ا ق د تك ون متخيل ة أو‬
‫قانوني ة فتق وم األوىل على ص الت األم يف الغ الب وهي العنص ر االساس ي يف القراب ة‪،‬كم ا أن‬
‫قواعد حتديد القرابة ختتلف من جمتمع ألخر‪ ،‬اختالفا واضحا‪ ،‬فهناك جمتمعات جتعل من القرابة‬
‫متصلة باألب وحده وتسري يف خط الذكور او ما يطلق عليها (اخلط االبوي )‪ ،‬وهنا تعترب األم‬
‫وأقارهبا أباعد عن القبيلة أو العشرية أو األسرة‪.‬‬

‫ومن اجملتمع ات من ت رى العكس متام ا‪ ،‬فالقراب ة فيه ا تس ري حنو م ا يس مى (باخلط االم وي)‬
‫وإىل جانب هذا مثة جمتمعات أخرى‪ ،‬ترى أن القرابة تسري مع اخلطني األموي واألبوي‪ ،‬أي أن‬
‫الشخص يعترب عضوا يف عشرية أبيه وعشرية أمه‪ ،‬أما أبناء الطرفني‪ ،‬فهم أقارب له‪ ،‬هذا ما‬
‫اصطلح على تسميته بقرابة اجلانبني أو إن صح التعبري (القرابة الثنائية)‪.‬‬

‫إض افة إىل ه ذا هن اك جمتمع ات تتب ع القراب ة فيه ا ع دة خط وط‪ ،‬فمثال بعض عش ائرها تس ري‬
‫وف ق خ ط االم ويف بعض ها االخ ر تس ري وف ق خ ط االب‪ ،‬ويف الن وع الث الث وف ق املنطقني مع ا‬
‫وتسمى هذه القرابة (قرابة كل اخلطوط املتعددة )‪ ،‬زيادة على ذلك فإن نسق القرابة يقوم يف‬
‫أساسه على نوعني من العالقات‪ ،‬ف النوع األول هو العالقة اليت تق وم على رابطة الدم وينشأ‬
‫عنها األقارب املقربني وهم الذين تربطهم روابط األم‪ ،‬أما النوع الثاين‪ ،‬فيمثل العالقة او القرابة‬
‫‪1‬‬
‫اليت تنشأ عن طريق املصاهرة أو الزواج‪.‬‬

‫إضافة إىل هذا فإن البن اء األويل للقرابة عند ليفيس س‪AA‬تروس‪ ،‬قائم أساسا على التب‪AA‬ادل فهو‬
‫األساس اجلوهري‪ ،‬الذي تظهر منه كل أشكال الزواج وإذا كانت وحدة القرابة‪ ،‬تأخذ هذا‬

‫‪1‬‬
‫فادية فؤاد محيدو حممد‪ ،‬البنائية عند ليفي ستروس‪ ،‬مصر‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،2006 ،‬ص‪.90‬‬

‫‪196‬‬
‫الط ابع احلتمي كنتيج ة مباش رة للوج ود الش مويل‪ ،‬لقاع دة التح رمي‪ ،‬ف ذلك ألن الرج ل يف‬
‫اجملتمعات اإلنسانية ال حيصل على املرأة‪ ،‬إال من رجل آخر يف صورة أخت أو بنت‪.‬‬

‫ويف نظ ر لفي س ‪AA A‬تروس‪ ،‬ف إن العالق ة بني اخ وة الزوج ات يف اجملتمع ات القدمية هي احملور‬
‫وجتاوزا لالثنولوجيا التقليدية اليت أخطأت‬
‫ً‬ ‫الضروري الذي تتشكل حوله البنية األولية للقرابة‪،‬‬
‫يف كوهنا أعطت أمهية ملصطلحات القرابة دون إعطاء أمهية للعالقات بينها‪ ،‬فإن ليفي ستروس‬
‫أيض ا ‪:‬نظام تسميات‪،‬‬
‫يرى أن القرابة ليست نظام تسميات فحسب‪ ،‬بل هي نظام سلوكات ً‬
‫حبيث ال يك ون ألي إس م مع ىن إال بربط ه بالنظ ام كك ل‪ ،‬كم ا أهنا نظ ام س لوكات وميكن‬
‫التمييز فيها بني نوعني‪:‬‬

‫‪.1‬نوع من السلوكات الغري املركزة والغري متبلورة أو غري منظمة وهي انعكاس على املستوى‬
‫النفسي للتسميات املرتبطة بالقرابة ‪.‬‬
‫‪.2‬نوع من السلوكات املنظمة واملرتبطة جبزاء أو طقوس أو احملاطة بامتيازات واملعرب عنها يف‬
‫ش عائر حمددة‪ :‬إهنا س لوكات ال تعكس بص ورة أوتوماتيكي ة نظ ام التس ميات‪ ،‬ب ل تظه ر‬
‫كإجنازات ثانوية تفيد يف حل التناقضات املالزمة لنظام التسميات‪ ،‬إن نظام السلوكات يف نظر‬
‫ليفيس تروس حيتوى أربع مصطلحات على األقل‪:‬سلوك عاطفي (احلنان والتلقائية املتبادلة )‪،‬‬
‫س لوك تب ادل (عط اء ورد العط اء)‪ ،‬س لوك ال دائن‪ ،‬وس لوك املدين وبعب ارة أخ رى التس اوي‬
‫‪1‬‬
‫والتبادل واحلق والواجب‪.‬‬
‫ك ذلك مييز س ‪AA‬تروس بني األق ارب على أس اس ال دم‪ ،‬حيث ك ان ه ذا ه و مض مون األبني ة‬
‫األولي ة للقراب ة عن ده وال يت ك ان يقص د هبا‪ ،‬األنس اق ال يت ميكن أن حندد عن طريقه ا حتدي دا‬
‫مباشرا‪ ،‬دائرة أو نطاق األقارب عن دائرة أو نطاق األص هار‪ ،‬تلك األنساق اليت يكون فيها‬
‫ال زواج من األق ارب مفض ال‪ ،‬وتش ري إىل ك ل أف راد اجلماع ة على أهنم أق ارب‪ ،‬مث تقس مهم إىل‬
‫فئتني‪ :‬األفراد الذين يباح الزواج بينهم‪ ،‬واألفراد الذين حيرم بينهم الزواج‪ .‬كما جيب أن نشري‬
‫إىل أن كل ‪AA‬ود ليفي س ‪AA‬تروس ي رى أن نظم القرابـة‪ ،‬إمـا أن تك ون أولي ة أو مركب ة‪ ،‬ففي ظ ل‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد محداوي‪ ،‬البنيات االسرية ومتطلباتها الوظيفية في منطقة بني سنوس‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.601‬‬

‫‪197‬‬
‫النظم‪ A‬األولية خيتار الفرد شريك العالقة الزوجية‪ ،‬وفقا لقواعد اجتماعية حمددة حمكومة بقانون‬
‫زنا احملارم‪ ،‬فمثل هذا التنظيم الذي يقال عنه أنه ثنائي‪ ،‬يؤدي باجملتمع إىل االنقسام إىل طائفتني‬
‫خمتلف تني ختض ع يف بعض األحي ان إىل قاع دة ال زواج اخلارجي‪ ،‬فهي تل زم الرج ل ال زواج من‬
‫الطائفـة املنافسة‪.‬‬

‫فاألش خاص من نفس الطائف ة هم أق ارب مت وازون‪ ،‬أم ا األف راد من طائف ة أخ رى هم أق ارب‬
‫بالتقاطع‪ ،‬وجمموع مفردات القرابة ترتتب بالدرجة األوىل من مجاعـة اإلخوة واألخوات الذين‬
‫مين ع ال زواج فيم ا بينهم‪ ،‬بينم ا األق ارب بالتقـاطع فعكـس ذل ك‪ ،‬فهم األق ارب األوائ ل ال ذين‬
‫باإلمك ان ال زواج منهم وه ذا م ا نع رب عن ه بالتب ادل الض يق‪ ،‬ف االبن علي ه أن ي تزوج من نفس‬
‫األقارب الذي تزوج منهم األب‪ ،‬ألنه هناك تبادل غري مباشر‪ ،‬حيدث من خالل التـزاوج بـني‬
‫األق ارب املتق اطعني‪ .‬والق انون حيث البنت على ال زواج من أق ارب األم‪ ،‬فالقراب ة هن ا حتم ل‬
‫خاصية االزدواجية‪ ،‬أين يلزم الفرد على أن ال يتجاوز قوانني القرابة‪ ،‬فهـو يتزوج وفق القوانني‬
‫املتاح ة ل ه وهي ق وانني يُش رتك فيه ا الق انون الفط ري الع املي اخلاص بزن ا احملارم‪ ،‬فه و ن وع من‬
‫‪1‬‬
‫النسق القرايب األساسي‪.‬‬

‫أم ا النم ط الث اين وه و النس ق املركب حيت وي على ق وانني س لبية لل زواج‪ ،‬حيث ال يق وم‬
‫بتحديد التصنيف القرايب له وهو ما نالحظه فـي جمتمعاتنـا العربية‪ ،‬ألهنا تقوم على مثل هذه‬
‫األنس اق املعق دة‪ ،‬لكن اجملتمع ات األوروبيـة واألجنبي ة‪ ،‬بص فة عام ة جندها تف رض ال زواج من‬
‫خ ارج العشـرية إال أن الفـرق يكمن يف درج ة التص نيف وليس يف طبيعته ا‪ ،‬فاألنس اق املركب ة‬
‫لل زواج‪ ،‬متيز بـني األف راد من خالل املرك ز االجتم اعي‪ ،‬س واء ك ان مبنيـا علـى تصـنيفات أو‬
‫مصاحل اجتماعية أو اقتصادية أي ميكن أن نوضح أكثر ونقول إن ستروس حياول أن مييز بني‬
‫نظ امني للقراب ة‪ ،‬األول املتمث ل يف النظم األولي ة للقراب ة مييـز اجملتمع ات البدائي ة والتقليدي ة‪ ،‬أين‬
‫خيتار الشخص شريك العالقة الزوجيـة وفقـا لقواعد اجتماعية حمددة‪ ،‬غالبا ما تكون متمثلة يف‬

‫‪1‬‬
‫‪.Claude–Levi STRAUSS, Les structures élémentaires de la parenté, PUF, Paris,‬‬
‫‪1949, P 497‬‬
‫‪198‬‬
‫قواع د القراب ة‪ ،‬بينم ا على العكس من ذل ك‪ ،‬ال خيت ار ه ذا الش ريك يف النظم املركب ة ال يت متيز‬
‫‪1‬‬
‫اجملتمعـات املتقدمـة وفقا للقواعد السابقة وإمنا وفقا هلوى االختيار الشخصي‪.‬‬

‫بينما نالحظ أن تلك التحديدات‪ ،‬إمنا هي مبادئ جتريدية أكثر منها أوصافا لواقع أمربيقي‪،‬‬
‫إذ جند يف الواق ع أن ل دى كاف ة اجملتمع ات قواع د معين ة لتح رمي الزن ا باحملارم‪ ،‬هي ال يت حتدد‬
‫ش ركاء العالق ة الزوجي ة ووفق ا لنظم أولي ة‪ ،‬كم ا أن ل ديها مجيع ا بعض اجلوانب املركب ة ال يت‬
‫تس مح للف رد من االختي ار وفق ا لظروف ه وأحواله‪2.‬يعين ه ذا أن احلديث عن وجود أبنية أولية‬
‫ي ؤدي بن ا إىل الق ول بوج ود أبني ة أخ رى معق دة ال يت ي رى أهنا تظه ر‪ ،‬حني يتم ال زواج بني‬
‫األفراد‪ ،‬ال يقوم بينهم روابط الدم‪ ،‬حيث يتم ألغراض اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية‪.‬‬

‫*ت‪AA‬الكوت بارس‪AA‬ونز‪ :‬وهو أحد علماء االجتماع الوظيفيني ال ذي اهتم بدراسة األسرة‬
‫األمريكي ة وروابطه ا القرابي ة‪ ،‬فوج د أن األس رة ال تس كن ب اجلوار من أقارهبا وال ختض ع‬
‫الراش ادات األق ارب وتوجيه اهتم‪ ،‬يع ود الس بب يف ذل ك إىل أهنا ال تنح در من نس ق ق رايب‬
‫واحد‪ ،‬بل من عدة أنساق قرابية خمتلفة ومتباينة‪ ،‬لذلك ال يشكل أن النسق القرايب يف األسرة‬
‫األمريكية حجر الزاوية يف اجملتمع كما هو موجود يف بعض اجملتمعات‪.3‬‬

‫يعين هذا أن الوحدة القرابية ليس هلا جذور يف ختديد وضبط مستلزمات العضوية األسرية‬
‫وهذا يشري إىل أن والء الفرد داخل األسرة‪ ،‬يكون لألبناء وللزوج والزوجة‪ ،‬حيث يتطلب هذا‬
‫من األس رة األمريكي ة‪ ،‬تك ييف ال زوجني بعض هم البعض‪ ،‬وإذا حص ل تق ارب أح د ال زوجني‬
‫ألحد من أقارهبما فإنه سيكون على حساب عالقتهما العاطفية والزواجية‪ ،‬وبالتايل يعمل على‬
‫إحداث أو تشكيل اعتالال وظيفيا للزواج داخل األسرة‪ ،‬هلذا يقول بارسونز‪":‬ال يقتص ر الرباط‬
‫الرومنس ي على اجلاذبي ة العاطفي ة فحس ب‪ ،‬ب ل على عام ل ال دخل واملوق ع امله ين واالعتب ار‬
‫االجتم اعي وال وظيفي ومنط العيش‪ ،‬ه ذه الوظيف ة األس رية جتع ل من ال زوج والزوج ة‪ ،‬يفص ال‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬فادية فؤاد محيدو حممد‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.92‬‬
‫‪.2‬فادية فؤاد محيدو حممد‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪. 94‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪ ،‬علم اجتماع االسرة‪،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.35‬‬

‫‪199‬‬
‫عاملهما املهين عن عاملهما األسري ألنه إذا مزجا بينهما‪ ،‬فإنه خيلق هلما متاعب ومشاكل أسرية‬
‫‪1‬‬
‫ومهنية ال حدود هلا"‬

‫يقصد بارسونز من خالل قوله هذا أن األسرة الزواجية األمريكية تنعزل جغرافيا وبنائيا عن‬
‫الرباط القرايب‪ ،‬ليحل حمله الرباط الرومنسي بني الزوج والزوجة‪ ،‬هذا ال يلتقي مع القرابة ألن‬
‫يف اجملتمع األمريكي‪ ،‬هتدد األسر الزواجية‪ ،‬وبغياب الرباط القرايب قد حيل الرباط العاطفي‪.‬‬

‫إذن ت‪AA‬الكوت بارس‪AA‬ونز رك ز على اف رتاق الرب اط الرومنس ي عن الق رايب يف األس رة األمريكي ة‬
‫النووية ألن كل رباط يهدد الثاين يف وجوده فال يلتقيان يف خلية واحدة‪ ،‬وهنا يرى الدكتور‬
‫معن خلي‪AA‬ل العم‪AA‬ر‪ A،‬أن ه يتف ق م ع بارس‪AA‬ونز يف حتليل ه بربط ه ذل ك يف األس رة العربي ة‪ ،‬حيث ال‬
‫يلتقي الرباط القرايب (زواج األقارب) يف أسرة تريد أن تنمي فيها رباط رومنسي‪ ،‬بني زوجني‬
‫أو العكس ال يس مح الرب اط الرومنس ي داخ ل األس رة العربي ة‪ ،‬بتوغ ل الرب اط الق رايب داخله ا‪،‬‬
‫لذلك تواجه األسرة العربية اليت تتأسس على الرباط الرومنسي‪ ،‬العديد من املشكالت العالئقية‬
‫بني الزوج ة وأم زوجه ا أو أهل ه‪ ،‬ألهنم يعتربوهنا س رقت إبنهم‪ ،‬وك ذلك يف حال ة ح دوث‬
‫مش كالت عالئقي ة بني ال زوج وأم الزوج ة أو أهله ا‪ ،‬إذ يعتربون ه س رق إبنتهم واحلال ة مش اهبة‬
‫عند زواج الرجل العريب من إحد قريباته فإن ذلك مينعه من بناء رباط رومنسي مع الزوجة إال‬
‫يف حاالت نادرة‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫*جيرم‪A‬ان تلي‪A‬ون‪ 3:‬باحثة اجتماعية اثنولوجية فرنسية ‪ ، 2008-1907‬انتقلت إىل منطقة‬


‫"األوراس" اجلزائري ة بني ع امي ‪ 1934‬و ‪ 1940‬للعم ل على أطروحته ا ال يت ناقش ت هلج ات‬
‫األقليات وهويتهم وامتزجت بسكان املنطقة األصليني‪ ،‬فطالبت بالكف عن تعذيب الفالحني‬
‫وهتميشهم وبعد انتهاء احلرب العاملية الثانية‪ ،‬شاركت يف عمليات التحقيق ضد جرائم النازية‬
‫وعادت إىل منطقة "األوراس" اجلزائرية ملواصلة دراستها يف علم األجناس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.36‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪ ،‬علم اجتماع األسرة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.47‬‬
‫‪3‬‬
‫الشروق اليومي‪. http://www.djazairess.com/echorouk/2867.‬‬

‫‪200‬‬
‫بع د ان دالع ح رب التحري ر اجلزائري ة اس تنكرت عملي ات تش ريد املس لمني املمنهج ة من‬
‫ط رف الس لطات الفرنس ية‪ ،‬واحنازت بع د ذل ك تيلي ‪AA‬ون علن ا للمقاوم ة اجلزائري ة بع د لقائه ا‬
‫السري مع املناضلة زهرة ظريف وياس‪A‬ف س‪AA‬عدي ويف عام ‪ ،1975‬عاشت "جيرم‪A‬ان"‪ A‬باحثة‬
‫اثنولوجية ومقاومة تدعم حقوق الشعوب املضطهدة وتدافع عن احلريات الفردية‪ ،‬وحق تقرير‬
‫املصري ووافتها املنية يف ‪ 19‬أبريل ‪ ،2008‬عن عمر املائة وواحد عام قالت يف آخر حياهتا "إن‬
‫ما ساعدين على التنور هو االثنولوجيا‪ ،‬فهذا العلم جعلين منذ البداية أحرتم ثقافة اآلخرين"‪،‬‬
‫وقد عملت يف هذا اجملال يف الثالثينيات يف اجلزائر‪ ،‬حيث حازت على جائزة "سينو دل دوكا"‬
‫‪ 1971‬لكام ل أعماهلا‪ ،‬كت ابني عن س ريهتا الذاتي ة "رحل ة الش ر"‪ 1997‬و"ك ان ذات م رة‬
‫االثنولوجيا"سنة ‪ 2000‬أما أهم كتبها فكان "احلرمي وأبناء العم" ‪ 1966‬يف حبث عن الزواج‬
‫من ذوي القرىب للنساء يف املغرب العريب‪ ،‬الذي عُ ّد رائداً يف جمال الزواج والعالقات القرابية يف‬
‫املغرب العريب‪ ،‬وهذا ما جعلنا ندرج دراستها امليدانية‪ ،‬حول الزواج والبنيات الثانوية للقرابية‪،‬‬
‫كما تسميها هي يف املغرب العريب حيث توصلت إىل أن الزواج بني أبناء العم يعترب نبالة‪ ،‬يف‬
‫قوهلا " إن النبال ة بالنس بة إىل املغ اربيني ترتب ط ب الزواج بني أبن اء العم من نس ب أب وي‪ ،‬وال تزام‬
‫الف رد س يكون أك ثر ص رامة بانتمائ ه إىل نس ب أنب ل‪ ،‬ب ل أك ثر من ذل ك إن الف رد يك ون أنب ل‬
‫بانتمائ ه إىل عائل ة أك ثر تش بثا ب الزواج ال داخلي‪1".‬وهن ا ترك ز على أن ال زواج‪ ،‬ك ان داخلي ا‬
‫والش يء النبي ل واجلي د ه و ال زواج بني أبن اء العم حيث ك انت القراب ة ج د قوي ة نظ را لل زواج‬
‫الداخلي‪ ،‬الذي مل يكن يسمح بدخول األجانب بني األقارب‪ ،‬فتقول‪":‬إن الزواج النموذجي‬
‫يف املغرب العريب كله تقريبا‪ ،‬ويف جزء كبري من املشرق مازال حيدث إال مع القريبة اليت وإن‬
‫‪2‬‬
‫مل تكن أخته فهي أشبه باألخت عمليا‪ ،‬فإن األخت املعنية هي يف احلقيقة إبنة العم اللحة‪".‬‬

‫ومن خالل ه ذا تس تعمل تيلي‪AA‬ون مص طلح "زواج المح‪AA‬ارم‪ A‬أو زواج المح‪AA‬رم" قاص دة ب ه‬
‫الزواج الداخلي‪ ،‬كما يسميه السوسيولوجيون أو زواج األقارب‪ ،‬فهي ترى أن هذا النوع من‬

‫‪.1‬ج رمني تيلي ون‪ ،‬الح‪AA‬ريم وأبن‪AA‬اء العم ت‪AA‬اريخ النس‪AA‬اء في مجتمع‪AA‬ات المتوسط‪ ،‬ت ر‪:‬ع ز ال دين اخلط ايب وإدريس الكث ري‪ ،‬دار الس اقي‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،1966 ،‬ط‪ ،2000 ،1‬ص‪.32‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.85‬‬

‫‪201‬‬
‫الزواج‪ ،‬قد ُوجد يف منطقة واحدة من العامل القدمي‪ ،‬وهي منطقة البحر األبيض املتوسط‪ ،‬حيث‬
‫قام أصحاب هذه املنطقة مبقاومة عنيفة ضد الدم األجنيب‪ ،‬داخل اجملتمع املغاريب‪ ،‬مما أدى إىل‬
‫وق وع ض حايا قاص دة هبؤالء الض حايا‪ ،‬هم األش خاص ال ذين ي ودون ال زواج بأجنبي ات م ع‬
‫قلتهم‪.‬‬

‫وبتط ور اجملتم ع ف إن اجلروح تتك اثر وتزي د‪ ،‬حبيث يص عب حتمله ا‪ ،‬فيظه ر تش دد ع ام على‬
‫مستوى األنساق‪،‬كما الحظت تيليون أن هؤالء السكان‪ ،‬كانوا يرفضون أن يسكن األجانب‬
‫بقرهبم فيدبرون كل وسائل احليلة والعنف ملنع األجانب من االستقرار عن قرب‪.‬‬

‫و هنا تقول تيلي‪AA‬ون "إن كانت فرضييت صحيحة‪ ،‬فإن جمموع سكان هذه املنطقة سيعانون‬
‫تأخرا خطريا‪1".‬قاصدة بفرضيتها هي أن الزواج الداخلي يؤدي إىل ختلف اجملتمعات والعكس‬
‫ص حيح فم ا نالحظ ه الي وم يف املدن املتط ورة واملدن الك ربى يف الع امل‪ ،‬يك ثر فيه ا ال زواج‬
‫اخلارجي وينقص أو يك اد ينع دم ال زواج ال داخلي‪ ،‬ه ذا م ا أرادت توض يحة تيلي‪AA‬ون يف كتاهبا‪،‬‬
‫ومن خالل مالحظاهتا و مقارنتها بني اجملتمعات الوحشية واملتحضرة‪.‬‬

‫مستدلة مبا قاله هلا أحد املبحوثني اجلزائريني‪".‬وغالبا ما مسعت أشخاصا يف اجلزائر القروية ملا‬
‫قبل ‪ 1940‬يعربون يل عن سعادة املرء يف إبقاء مجيع أبنائه إىل جانبه بفضل أزواج وزوجات‬
‫من ص لبه وعن ش عور الزه و ال ذي ينتاب ه‪ ،‬عن دما حيس بأن ه حممي بواس طة ع دد أف راد أس رته‬
‫وتالمحهم الق رايب"‪2 .‬إض افة إىل ذل ك حتدثت عن القراب ة أيض ا من خالل م ا الحظت ه يف والي ة‬
‫وه ران واجلزائ ر العاص مة وقس نطينة‪ ،‬وح ىت املن اطق الص حراوية‪ ،‬أن األه ايل يفض لون ال زواج‬
‫الداخلي فهم يرون فيه زواجا ناجحا‪،‬كما أنه يُقوي العالقات القرابية‪ ،‬فالزواج من األقارب‬
‫‪3‬‬
‫يستمر وينجح على عكس الزواج من األجنبيات فإنه ال يستمر وينهار‪.‬‬

‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.42،86‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬جريمان تيليون‪ ،‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.133‬‬

‫‪202‬‬
‫ومن خالل دراسة جيرم‪AA‬ان تيلي‪AA‬ون للقرابة والزواج الداخلي‪ ،‬وجدنا أهنا بالغت يف حكما‬
‫عن ال زواج ال داخلي على أن ه ختل ف أواحلرمي وأبن اء العم كم ا مسته هي‪ ،‬مبع ىن أهنا من خالل‬
‫مالحظاهتا و دراستها‪ ،‬أثبتت أن هذا النوع من الزواج جيعل اجملتمعات املغاربية تعيش نوعا من‬
‫التخلف اخلطري وال جيعلها تتتطور لعدم تفتحها على جمتمعات أخرى‪ ،‬وأن العالقات القرابية‬
‫حتت اج للتفتح والتغي ري‪ ،‬ح ىت يتط ور اجملتم ع وحيدث في ه التض امن احلقيقي‪ ،‬ال ذي حيتاج ه الف رد‬
‫حس ب رأيه ا‪ ،‬ف رغم أن ال زواج الق رايب يق وي العالق ات والرواب ط القرابي ة‪ ،‬إال أن ه جيع ل‬
‫اجملتمعات منطوية ومنعزلة وبالتايل ال يسمح هلا بالتطور‪.‬‬

‫نس تنتج أن االجتاه التط وري والبنائي ة‪ ،‬اهتم ا بالقرابة كرابط ة اجتماعية ونس ق اجتم اعي‬
‫فاملدرسة التطورية بقيادة مورجـ ــان‪ ،‬ركزت على دراسة أصل الظاهرة أو النظام‪ ،‬اعتمادا على‬
‫منهج التارخيي الظين‪ ،‬باإلضافة اىل املنهج املقارن وإن مل يُستخدم هذا األخري بالشكل األمثل‪،‬‬
‫أم ا املدرس ة البنائي ة بقي ادة راد كلــيف ب ‪AA‬راون‪ A،‬فت درس أي نظ ام من حيث عالقت ه ب النظم‬
‫األخرى وتأثري كل نظام يف اآلخر‪ ،‬وتفاعله معه والنهج املتبع فيها هو املنهج التحليلي‪ ،‬ف‪AA‬راد‬
‫كلي‪AA‬ف ب‪AA‬راون درس أش كال القراب ة ومص طلحاهتا‪ ،‬واهتم مبكان ة اخلال داخ ل األس رة‪ ،‬وكل‪AA‬ود‬
‫ليفي س‪AA‬تراوس اهتم باألبنية األوىل للقرابة‪ ،‬حيث اكتشف الزواج من أبناء العمومة واخلؤولة‬
‫املتقاطع ة‪ ،‬واعت ربه البن اء األول لتب ادل النس اء‪ ،‬وأق ام علي ه نظريت ه يف القرابة‪ ،‬كم ا حتدث عن‬
‫حترمي ال زواج من احملارم له وظيفة تتمث ل يف ضمان استمرار‪ ،‬تبادل النساء عن طريق الزواج‪،‬‬
‫واستمرار الدوائر اليت يتم فيها التبادل من أجل االستمرار اجلماعي وبقائها‪ ،‬حيث يعترب هذا‬
‫التب ادل مبحث أساس ي يف نظري ة ليفي س‪AA A‬تروس‪ ،‬معت ربا إي اه مظه را من مظ اهر التض امن‬
‫االجتم اعي من حيث أن ه يعم ل على تقوي ة العالق ات بني اجلماع ات س واء ك ان ه ذا التب ادل‬
‫حمددا أو عاما‪.‬‬
‫‪.4‬بنية وأنواع الروابط‪ A‬القرابية‬

‫تعرف مجيع اجملتمعات اإلنسانية‪ ،‬مجاعات يرتبط أعضائها بروابط القرابة‪ ،‬حيث توجد عدة‬
‫أنواع من هذه اجلماعات القرابية‪ ،‬منها األسرة‪ ،‬العشرية‪ ،‬البدنة‪ ،‬القبيلة‪ ...‬وتُعرف اجلماعة يف‬

‫‪203‬‬
‫علم االجتماع على أهنا‪":‬جمموعة من البشر يرتبطون بروابط حمددة‪ ،‬مستقرة نسبيا‪ ،‬تستند إىل‬
‫أهداف ومصاحل مشرتكة‪،‬كما يصنف علماء االجتماع العديد من اجلماعات باستناد كل منها‬
‫إىل معايري دقيقة متميزة عن األخرى"‪.1‬‬
‫وهلذا فاجلماع ات القرابي ة من أهم اجلماع ات البش رية وأق دمها‪ ،‬حيث تس تمد وجوده ا من‬
‫رابطة الدم اليت تبدأ بالزواج وإجناب األطفال داخل األسرة‪ ،‬فتتسع هذه الرابطة ومتتد لتنشأ‬
‫عنها اجلماعات القرابية األكرب‪ ،‬منها كالعائلة والفخد والبدنة والعشرية‪ ،‬مث القبيلة اليت متثل أكرب‬
‫اجلماع ات القرابي ة‪ ،‬إال أن األس رة تعت رب بني ة أولي ة‪ ،‬ومجاع ة قرابي ة يف نفس ال وقت‪ ،‬تق وم على‬
‫رابطة الزواج الذي يعد من أهم البُىن االجتماعية‪ ،‬الذي تتفرع منه خمتلف األنساق القرابية‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫حيث يقول بارسونز‪":‬الزواج هو املفتاح البنيوي األساسي للقرابة‪".‬‬
‫هلذا كان من األكيد احلديث عن الزواج بالتفصيل وتوضيح مدى دوره يف تشكل الرابطة‬
‫القرابية‪،‬كما أن هذه اجلماعات تعترب حسب علماء األنثروبولوجيا‪ ،‬مجاعات تكونت بظاهرة‬
‫القرابة ألهنا تساهم يف بناء النظام القرايب‪.‬‬

‫‪ .1.4‬األسـرة أولى الروابط القرابية‬

‫تعت رب األس رة أوىل الرواب ط االجتماعية والبني ة األساس ية هلا‪ ،‬فهي ال يت يتلقى الطف ل فيه ا‬
‫الرعاي ة واحلض انة من ذ والدت ه‪ ،‬جيد نفس ه مرتبط ا هبا طبيعي ا‪ ،‬ألن العالق ة تب دأ م ع أس رته‪ ،‬مث‬
‫تتوسع إىل أقربائه القريبني مث البعيدين‪ ،‬حيث يرى جون جاك روسو يف كتابه إميل‪ 3‬أن أوىل‬
‫الروابط االجتماعية هي رابطة األم بإبنها وتسمى برابطة األمومة‪ ،‬ويرى أن الرضاعة الطبيعية‬
‫من العوامل اليت تُقوى هذه الرابطة وبالتايل تقوى أوىل الروابط األسرية‪ ،‬مث يُفسر ضعف هذه‬
‫الرابطة عندما ال ترضع األم ابنها‪ ،‬وتقدمه لغريها من املرضعات‪ ،‬هذا ما حدث يف عصر روسو‬
‫متاما عندما كانت الكثري من االمهات ال يرضعن أبناءهن وخاصة الالئي ينتمني للطبقة الراقية‪.‬‬

‫‪.‬ابراهيم عثمان وقبس النوري‪ ،‬التغير االجتماعي ‪،‬الشركة العربية املتحدة للتسزيق و التوريدات‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪،2008،‬ص‪. 176‬‬
‫‪1‬‬

‫‪. Parsons,T, The kinship system of the contemporary united states, American‬‬
‫‪2‬‬

‫‪Anther ,1943 , P58.‬‬


‫‪3‬‬
‫‪.‬جان جاك روسو‪ ،‬إميل ‪ ،‬تر‪:‬نظمي لوقا‪ ،‬الشركة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ب س‪،‬ص‪.37‬‬

‫‪204‬‬
‫فيقول روسو أن األم تُقصر يف أداء أكرب واجب من واجباهتا الطبيعية هو من أوىل الواجبات‬
‫اجتاه أسرهتا‪ ،‬هنا حيدث ما يسميه "بالحرمان‪ A‬العاطفي" وهو أصل انبعاث مجيع الشرور‪ ،‬ويرى‬
‫أن األم عن دما تق وم بواجبه ا األس ري‪ ،‬ف إن ك ل ف رد داخ ل االس رة يتعلم واجبات ه وهلذا يق ول‬
‫‪1‬‬
‫"مىت إرتدت النساء أمهات ارتد الرجال سريعا آباء وأزواج‪".‬‬

‫ويقصد روسو هنا أن الرابطة األسرية‪ ،‬وفيها رابطة األمومة والرابطة الزوجية تقوى بقيام‬
‫األم بواجبه ا الط بيعي اجتاه أبنائه ا ومن مث أس رهتا كك ل‪-‬م ع العلم أن روسو يفس ر الكث ري من‬
‫الظواهر واألفعال االجتماعية بإرجاعها للطبيعة أي حقيقة الشيء وأصله‪-‬الذي يبدأ عنده من‬
‫الرضاعة كظاهرة طبيعية‪ ،‬مث تأيت الواجبات األخرى‪ ،‬ويؤك د على أن الرابط ة األسرية تقوى‬
‫بقوة رباط األمومة املليئ بالعواطف وعدم احلرمان منه‪ ،‬ألن احلرمان يؤدي إىل العكس‪ ،‬والذي‬
‫هو تفكك أوىل الروابط‪.‬‬

‫نالح ظ من خالل ه ذا أن األس رة البني ة األوىل وإن ص ح التعب ري ف األم هي البني ة األوىل عن د‬
‫روسو يف تقوية الرابطة األسرية وحىت القرابية‪ ،‬ألهنا هي اليت تعلم أبناءها القيام بالواجب بعد‬
‫أن تقوم به هي من أول واجب وهو الرضاعة والعطف واحلنان‪.‬‬

‫هلذا تع رف االس رة بالعائل ة األولي ة أو بني ة النس ق الق رايب وهن اك من يُع رف ه ذا الن وع من‬
‫اجلماعة القرابية بأهنا‪:‬عبارة عن مجاعة تتكون من زوجني وأبنائهما غري املتزوجني‪ ،‬حيث ينتمي‬
‫الفرد يف العادة إىل أسرتني نوويتني‪ ،‬األسرة النووية اليت ترىب فيها‪ ،‬وتُعرف باسم أسرة التوجيه‪،‬‬
‫أم ا الثانية وهي اليت يق وم فيها هذا الفرد ب دور األب وهي أسرة التك اثر‪ 2.‬ويرى كل‪AA‬ود لفي‬
‫ستراوس أن العائلة البيولوجية املكونة من األب واألم واألوالد‪ ،‬تكفي لتشكيل النواة األساسية‬
‫واألوىل لرابط ة القراب ة يف النظ ام االجتم اعي‪3.‬ف يح دثداخ لاألس رة جمموع ة منالتف اعالت‬
‫‪4‬‬
‫االجتماعية قائمة علىثالث مستوياتمنالعالقة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.38‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد اجلوهري‪ ،‬األنثروبولوجيا‪:‬أسس نظرية وتطبيقات عملية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬مصر‪،1999،‬ص‪.224‬‬
‫‪3‬‬
‫فرديريك معتوق‪ ،‬معجم العلوم االجتماعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 53،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬عامر مصباح‪ ،‬المدخل إلى األنثروبولوجيا‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،2010،‬ص‪.205‬‬

‫‪205‬‬
‫‪ -1‬العالق‪AA‬ة بين الوال‪AA‬دين‪ A‬واالبن‪AA‬اء‪ :‬وتقوم على دور الوالدين يف التنشئة االجتماعية وإشباع‬
‫احلاجات وتلقني الثقافة وخمتلف أمناط السلوك االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -2‬العالق ‪A‬ة‪ A‬بين االخ ‪AA‬وة‪ :‬قام ة ه ذه العالق ة على فك رة األن داد يف احلق وق والواجب ات ومنط‬
‫معني من التفاعل‪ ،‬كالغرية والتنافس والتناصر ضد األجنيب‪.‬‬

‫‪ -3‬العالق ‪A‬ة‪ A‬بين ال‪AA‬زوجين‪ :‬تق وم على االتص ال األس ري واجلنس ي بني ال زوجني‪ ،‬ال ذي حيق ق‬
‫وظيفة االجناب لدى األسرة اليت تُساهم بدورها يف إجياد حالة االستقرار العائلي وتطور االسرة‬
‫عرب الزمن‪ .‬كما ويرى محمد زياد حم‪A‬دان‪-‬أس‪A‬تاذ ب‪A‬احث س‪A‬وري في األس‪A‬رة و التربي‪A‬ة‪ A-‬أن‬
‫الروابط األساسية اليت جيب توفّرها لتكوين هوية األسرة يف اجملتمع‪ ،‬هي مخس روابط ُموضحة‬
‫‪1‬‬
‫كما يلي‪.‬‬ ‫بإجياز‬

‫‪ -1‬الرابطة الشرعية القانونية‪ A:‬جُت ّس د هذه الرابطة‪ ،‬القاعدة األوىل لتكوين األسرة وتتمثل يف‬
‫الزواج وبدوهنا يتحول وجود األب واألم معاً إىل عالقة غري قانونية وغري شرعية مؤقتة‪َ ،‬يْنحرم‬
‫األبناء‪ ،‬نتيجتها كثرياً من الشرعية‪ ،‬خاصة يف املؤسسات الرمسية احمللية‪.‬‬
‫‪ -2‬الرابط‪A A A‬ة‪ A‬البيولوجي ‪AA A‬ة والنفس ‪AA A‬ية‪ :‬وتع ين ص لة ال دم ووراث ة أعض اء األس رة للرتكيب ة‬
‫‪%80‬‬ ‫الفيسيولوجية حيث يأخذ األبناء من والديهم خصائصهم اجلسمية املادية بنسبة ‪ 70‬إىل‬
‫حسب تقديرات علم النفس‪ ،‬فيبدون هبذا قريبني يف شكلهم اجلسمي العام من األب واألم‪ ،‬أما‬
‫األبناء الذين يرثون عن والديهم ‪70‬ـ‪ %80‬من ت ركيبتهم البيولوجية والنفسية‪ ،‬فان ارتباطاهتم‬
‫األسرية‪ ،‬من حيث امليول والغرائز واآلمال والذكاء واملواصفات الشخصية والسلوكية العامة‪،‬‬
‫تك ون وثيق ة وواض حة‪ ،‬ح ىت الص وت واملِ ْش ية واهليئ ة الشخص ية والق درة على التص رف‪،‬‬
‫وأس اليب التعام ل م ع الن اس واملزاج الع اطفي الع ام‪ ،‬حيث تب دو كله ا عالم ات فارق ة لألبن اء‬
‫والنتمائهم إىل أسرة حمددة دون غريها‪.‬‬
‫‪ -3‬الرابط‪AA A‬ة االجتماعي‪AA A‬ة‪ :‬األس رة هي ن واة اجملتم ع وجمموع ة من األس ر‪ ،‬تش كل النس يج‬
‫االجتماعي العام للمجتمع‪ ،‬وما هذا األخري يف الواقع سوى جمموع األسر املتجانسة عموم اً‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬د‪.‬حممد زياد محدان‪ ،‬زواج سليم لبناء أسرة سليمة(بناء‪  ‬األسرة الفعالة)‪ ،‬دار الرتبية احلديثة ‪،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،2006،‬ص‪.22‬‬

‫‪206‬‬
‫بأعرافه ا وتقالي دها وس لوكياهتا اليومي ة‪ ،‬فيم ا نتع ارف علي ه بالعمومي ات الثقافي ة‪ ،‬واألس رة‬
‫بتكوينه ا البش ري اإلنس اين‪ ،‬وص الهتا النفس ية والبيولوجي ة‪ ،‬والقانوني ة الش رعية واالقتص ادية‪،‬‬
‫وتنوع مسؤوليات أفرادها والتزاماهتم العضوية‪ ،‬ما هي يف احلقيقة سوى جمتمع مصغر‪ ،‬وعينة‬
‫اجتماعية‪ ،‬ملا يدور يف اجملتمع الواسع من معارف وسلوكيات وأخالقيات‪.‬‬
‫‪ -4‬الرابطة االقتص‪A‬ادية‪ A:‬إن أبسط ما تعنيه هذه الرابطة‪ ،‬حلياة ومستقبل األسرة‪ ،‬هو تكافل‬
‫ورهم ال وظيفي‪ ،‬خالل‬
‫أعض ائها ودعمهم املايل املفت وح لبعض هم‪ ،‬خالل منوهم الشخص ي وتط ّ‬
‫نش وئهم ص غاراً وراش دين‪ ،‬مث ه رمهم كب اراً‪ ،‬ف األب واألم على س بيل املث ال‪ُ ،‬ملزم ون بتمويل‬
‫حاجات األبناء املرتبطة بنشوئهم ودراستهم‪.‬‬
‫وي رى يف ذل ك ع امل االجتم اع األم ريكي وزعيم الوظيف يني ت‪AA‬الكوت بارس‪AA‬ونز أن لألس رة‬
‫دورين أساس يني‪ ،‬ال تق وم إال هبم ا وهي أهنا تس اهم يف التنش ئة االجتماعي ة األولي ة وحتقي ق‬
‫االس تقرار يف الشخص ية‪ ،‬وذل ك ألن التنش ئة االجتماعي ة األولية‪ ،‬هي العملي ة ال يت يتعلم هبا‬
‫األطفال أوىل املعايري أو القوانني الثقافية للمجتمع‪ ،‬الذي سيخرجون إليه بعد األسرة‪ ،‬رغم أهنم‬
‫ول دوا فيه‪ ،‬وه ذه العملي ة جتري خالل الس نتني األوىل للطف ل‪1.‬نالح ظ أن بارس‪AA A‬ونز أعطى‬
‫مص طلح التنش ئة االجتماعي ة األولية‪ ،‬ك دور رئيس ي لألس رة وق ال األولي ة ومل يق ل التنش ئة‬
‫االجتماعي ة فقط‪ ،‬وذل ك لوج ود تنش ئة اجتماعي ة ثانية‪ ،‬وهي تتمث ل يف اجملتم ع واملدرس ة‬
‫واألص دقاء واملؤسس ات الديني ة غريه ا‪.....‬فه ذا ي دل على أن األس رة‪ ،‬هي أوىل الرواب ط‬
‫االجتماعي ة األولية‪ ،‬مبع ىن أن الف رد أو الطفل‪ ،‬خالل الس نيني األوىل‪ ،‬جيد نفس ه مرتبط ا ب األم‬
‫أوال‪ ،‬مث باقي أفراد العائلة‪.‬‬
‫فاألس رة إذن متده بك ل احلاجي ات األولية‪ ،‬ال يت تلزم ه من ثقاف ة ونقص د بالثقافة‪،‬ك ل م ا‬
‫يكتس به الطف ل من أس رته‪ ،‬أي يتعلمه‪ ،‬زي ادة على م ا ه و فط ري (كالبك اء‪ ،‬الض حك‪،‬‬
‫النعاس‪ ، )....‬فهي تعلمه ثقافة األكل واللباس والنظافة والكالم‪ ....‬فمن هنا يبدو واضحا‪ ،‬أن‬
‫األسرة من أكثر اجلماعات اإلنسانية قدما‪ ،‬وأكثرها شيوعا‪ ،‬يرتبط أعضاؤها بصلة قرىب‪ ،‬سواء‬

‫أنتوين غدنز‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬تر‪:‬فايز ُ‬


‫الصياغ‪،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،4،2005‬ص‪.258،259‬‬
‫‪1‬‬

‫‪207‬‬
‫أعاشوا حتت سقف واحد أم ال‪ ،‬هذه الروابط الوجدانية أو صلة الرحم‪ ،‬تنتج عن طريق الزواج‬
‫والوالدة‪ ،‬أي عالقات بني الرجال عن طريق النساء أو ما يسميه بورديو "بالرأسمال ال‪AA‬زواجي‬
‫‪1‬‬
‫والجنسي"‬
‫إذن هي رابطة اجتماعية أولية ختلق عالقة بني الفرد وأفراد عائلته‪ ،‬عن طريق رباط الزواج‬
‫التناس ل‪.‬كم ا أهنا أبس ط النُظم االجتماعي ة‪ ،‬تق وم على ال دوافع الفطرية‪ ،‬وص الت ال دم ويرى‬
‫معظم املختص ني يف علم االجتم اع‪ ،‬أن"نظ ام العائل ة يق وم على اص طالحات‪ ،‬يرتض يها العق ل‬
‫اجلمعي وقواع د ختتاره ا اجملتمع ات وختتل ف وظ ائف العائلة‪ ،‬ب اختالف اهليئ ات واجملتمع ات‬
‫والعصور‪ ،‬وقد تشتمل العائلة كل الوظائف االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية والسياسية والدينية‪ ،‬كما‬
‫‪2‬‬
‫هو حال األسرة البدوية‪".‬‬

‫زيادة على ذلك فهي مؤسسة اجتماعية‪ ،‬ألهنا تقوم بالوظائف اجلوهرية للفرد واجملتمع معا‬
‫فهي تق وم بتحوي ل الف رد من ك ائن بش ري إىل إنس ان‪ ،‬م ؤنس متطب ع بطب اع جمتمع ه بواس طة‬
‫التلقني املبين على التفاعل االجتم اعي بني األفراد‪ ،‬وبن اءا علي ه يقيم معهم ش بكة من العالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وأيضا تقوم األسرة حبفر أساس اهليكل االجتماعي يف سلوك الفرد لكي تنشأ فيه‬
‫متطلب ات‪ ،‬ذل ك من أج ل أن يُص بح أح د عناص ر جمتمع ه‪ ،‬كم ا ي رى دورك ‪AA‬ايم أن األس رة‬
‫‪3‬‬
‫مؤسسة اجتماعية قانونية وأخالقية معا‪.‬‬

‫وهلذا فإنه ملن الشائع بني مجيع شعوب العامل أن املتوقع من الزواج‪ ،‬هو تكوين أسرة وهي‬
‫تعترب بذلك النتيجة املعتادة‪ ،‬إن مل تكن الضرورية للزواج‪ ،‬بل أن البعض يرى أن الزواج الذي‬
‫ال تص احبه ذرية‪ ،‬ال يُك ِون أس رة‪ ،‬ومن القواع د العام ة س واء عن د الب دائيني أو يف اجملتمع ات‬
‫احلديثة وأن مثل هذا الزواج العقيم من السهل جدا أن يتفكك‪ ،‬هذا ما جعل كال من القانون‬

‫‪1‬‬
‫‪.Pierre, Bonte, « La tribu:nouvelles approches », revue prologue, N°32 Hiver 2005,‬‬
‫‪p 39.‬‬
‫‪2‬‬
‫السيد حنفي عوض‪،‬علم اإلنسان‪،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 119‬‬
‫‪3‬‬
‫‪. Alain, BEITONE, sciences sociales, édition DALLOZ, paris, France, 2002,‬‬
‫‪page193.‬‬
‫‪208‬‬
‫والعُرف مييز متي يزا اجتماعي ا هام ا بني ال زواج ال ذي مل ي أيت بأطف ال وبني ذل ك ال ذي أجنب‬
‫أطفاال‪.‬‬

‫أما حديثا‪ ،‬فنجد اجتاها يرى أن الزواج بال أطفال يكون هو اآلخر أسرة ومنهم "أجبرن"‬
‫الذي يعرف األسرة‪ ،‬بأهنا "رابطة اجتماعية من زوج و زوجة‪ ،‬وأطفاهلما أو بدون أطفال أو‬
‫من زوج مبفرده مع أطفاله أو زوجة مبفردها مع أطفاهلا " كما يضيف إىل أن األسرة قد متتد‬
‫إىل أكرب من ذلك‪ ،‬فتشمل أفراد آخرين‪ ،‬كاألجداد واألحفاد وبعض األقارب على أن يكونوا‬
‫‪1‬‬
‫مشرتكني يف معيشة واحدة من الزوج واألطفال‪.‬‬

‫من ه ذه التع اريف جند أن ال زواج ش رط أساس ي يف تك وين االس رة فمن خالل ه حيدث‬
‫ال تزاوج أو التناسل‪ ،‬وق د ال حيدث اجناب‪ ،‬إال أن االس رة موج ودة ولكن ب دون أوالد ‪،‬كم ا‬
‫يرى أج‪AA‬برن فالزواج يشكل رابطة اجتماعية وهي االسرة اليت ال تتكون إال برباط الزواج‪،‬‬
‫اذن أساس تكون أسرة هو راباط الزواج‪ ،A‬الذي يعترب من أرقى العالقات البشرية الطبيعية اليت‬
‫حيتاجه ا اإلنس ان لالس تمرار و"ال زواج االق رتان واالزدواج‪ ،‬وش اع اس تعماله يف اق رتان الرج ل‬
‫باملرأة على سبيل الدوام واالستمرار "‪ 2‬كما يطلق اسم الزواج على"رابطة أو عالقة‪ ،‬تقوم بني‬
‫رجل وامرأة‪ ،‬وتُنشأ هذه الرابطة عالقة أسرية‪ ،‬وهبذا ميكن االستنتاج أن الزواج بدأ باالقرتان‬
‫من أجل االستئناس‪ ،‬مث حتول مساره إىل إقامة عالقات اجتماعية‪3".‬يعين ذلك أن الزواج يقوم‬
‫من أجل ظ اهرة بيولوجية إلشباع الغريزة اجلنس ية ل دى البش ر وف ق اط ار ق انوين معني وذلك‬
‫الستمرار حياة البشر‪.‬‬

‫أما من الناحية القانونية‪ A‬فهو عقد يتم بني رجل وامرأة على الوجه الشرعي ومن أهدافه تكوين‬
‫‪4‬‬
‫أسرة أساسها املودة والرمحة والتعاون‪ ،‬واحصان الزوجني واحملافظة على االنساب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬عبد احلميد لطفي‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 117،118‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬حممد حمدة‪ ،‬الخطبة والزواج‪ A،‬اجلزائر‪ ،‬باتنة‪ ،‬مطبعة الشهاب‪،‬ط‪،2‬ج‪،1،1994‬ص‪.85‬‬
‫‪.3‬معن خليل العمر‪،‬علم اجتماع األسرة‪،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪64‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬وزارة العدل‪ ،‬قانون األسرة الجزائري‪ ،‬املادة الرابعة‪ 1984،‬معدل‪،‬ص‪.5‬‬

‫‪209‬‬
‫وي رى األن ثروبولوجيون‪ ،‬أن ال زواج عب ارة عن ارتب اط ط بيعي يق وم على قواع د القراب ة‬
‫االجتماعية وذلك حسب ثقافة كل مجاعة‪ ،‬مع اعطاء األفراد جزء من احلرية‪ ،‬ألن كل مجاعة‬
‫تضم قواعد وفقا لنظام القبيلة‪ ،‬واجملموعة ‪....‬اخل إىل جانب تبادل النساء‪ ،‬مما يضمن استمرارية‬
‫الروابط والزواج‪1.‬وهلذا جند علم اء االنثروبولوجيا‪2‬يعت ربون األسرة من أق دم النظم االجتماعية‬
‫وأمهه ا‪ ،‬فهي مبثاب ة رواب ط اجتماعية‪ ،‬قائم ة على جمموع ة من احلق وق وااللتزام ات والواجب ات‬
‫والتحرمي‪ ،‬كما أهنم مييزون جمموعة من األشكال هلا وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬األسرة الزواجية أو االقترانية ‪ :‬وتتكون من رجل واحد وامرأة واحدة وأطفاهلما‪.‬‬

‫‪ -2‬األس‪AA‬رة الممت‪AA‬دة أو العائل‪AA‬ة المركب‪AA‬ة‪ : ‬وهي تتكون من أسرتني زواجيتني أو مركبتني أو‬
‫أكثر ويشرتط توافر فيهما‪ ،‬رابطة صلة القرابة الدموية األولية بني أعضائها‪ ،‬وجتمع يف نطاقها‬
‫عددا كبريا من األجيال وقد تستمر يف الوجود إىل ما ال هناية‪ ،‬وال شك يف أن صفة االستمرار‬
‫هذه ليست مطلقة وإمنا مشروطة بعدة شروط‪ ،‬منها استمرار عملية التناسل‪ ،‬ألن عقم اآلباء‬
‫يؤدي إىل موهتا ومنها أيضا ضرورة السكن‪ ،‬يف وحدة سكنية مشرتكة‪ ،‬فإذا تفرق األبناء حبكم‬
‫العم ل والظ روف ف إن ذل ك يع ين اهني ار العائل ة وأفراده ا‪،‬كم ا جيب أن يس ود بينهم التع اون‬
‫االقتص ادي‪ ،‬ويت وىل رج ل واح د ش ئون العائل ة‪ ،‬ق د يك ون األب أو األخ أو االبن األك رب‪،‬‬
‫ويعرف مص‪AA‬طفى بوتفنوش‪AA‬نت "العائلة اجلزائرية على أهنا أسرة ممتدة‪ ،‬تعيش يف أحضاهنا عدة‬
‫أجي ال‪ ،‬أي ع دة أسر زاوجي ة‪ ،‬حتت س قف واح د‪ ،‬ه ذا م ا يس مى بال دار الك ربى‪ ،‬بالنس بة‬
‫للحضر واخليمة الكربى بالنسبة للبدو"‪.3‬‬
‫كم ا يع رف بي‪AA‬ير بوردي‪AA‬و ‪ " P.BOURDIE‬األس رة املمت دة اجلزائري ة‪ ،‬على أهنا اخللي ة‬
‫االجتماعي ة األساس ية‪ ،‬أي النم وذج ال ذي على ص ورته‪ ،‬تنتظم البني ات االجتماعي ة‪ ،‬ال تقتص ر‬

‫‪Madellene GRAWITZ, lexique des sciences sociales, France, paris, DALLOZ, 7em, .1‬‬
‫‪.2000, P266‬‬
‫‪ .2‬حسن عبد احلميد رشوان‪ ،‬األنثروبولوجيا في المجالين‪ A‬النظري والتطبيقي‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪130‬‬
‫‪3‬‬
‫‪. M, BOUTEFNOUCHET, La Famille Algérienne, évolution et caractéristiques‬‬
‫‪récentes, SNED, Alger ,1982, p40.‬‬
‫‪210‬‬
‫على مجاعة األزواج وذريتم‪ ،‬ولكنها تضم كل األقارب‪ ،‬التابعني للنسب األبوي‪ ،‬جامعة بذلك‬
‫‪1‬‬
‫حتت رئاسة قائد واحد‪ ،‬عدة أجيال يف مجعية واحتاد محيميني‪".‬‬
‫أما العي‪AA‬د دب‪AA‬زي وروب‪AA‬ير ديكلواتر‪ ،‬فيعرفان األسرة اجلزائرية التقليدية‪ ،‬بأهنا"مجاعة منزلية‬
‫تدعى"العائلة"‪ ،‬مكونة من األقارب القريبني‪ ،‬الذين يشكلون وحدة اجتماعية واقتصادية قائمة‬
‫على عالق ات االل تزام من تبعي ة وتع اون‪2".‬حيث جيع ل ه ذا التعري ف من عالق ات االل تزام‬
‫واالعتماد املتبادل‪ ،‬اليت تربط بني أفراد العائلة الواحدة احملور األساسي لتعريف العائلة‪.‬‬
‫‪-3‬األسرة متعددة األزواج والزوجات‪ A:‬قد يكون فيها للرجل أكثر من زوجة واحدة‪ ،‬وهذا‬
‫يعين تعدد الزوجات وانتساب األطفال يكون ألب واحد‪ ،‬وللعائلة وظائف كثرية قدميا منها‪:‬‬

‫‪ -1‬تقسيم العمل الذي يستند إىل التعاون بني الرجل واملرأة‪.‬‬

‫محاية وتربية وهتذيب‪ ،‬ورعاية الصغار واشباع حاجاهتم اخلاصة باملأوى والطعام وامللبس‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫بث القيم والعادات والتقاليد االجتماعية يف أبنائهم وتزويدهم بأنواع املعارف‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫كم ا ي رى مص ‪AA‬طفى بوتفنوش ‪AA‬نت أن االس رة تتط ور على حس ب التغ ريات ال يت حتدث داخ ل‬
‫اجملتمع ألن ذلك نتاج اجتماعي‪ ،‬فاألسرة تتغري على حسب التطور االجتماعي‪ ،‬لذلك االسرة‬
‫البدوية ختتلف عن االسرة احلضرية‪ ،‬فالبنية االسرية تبقى مطابقة للمجتمع‪.3‬‬

‫وهلذا أص بحت األس رة متت از خبص ائص حض رية‪ ،‬ك أن يص غر حجمه ا ب دال من العائل ة أو‬
‫األسرة املمتدة يف اجملتمعات التقليدية‪ ،‬لتصبح األسرة النووية املتكونة من األب واألم وأطفاهلما‬
‫فق ط كم ا تتميز بض عف العالق ات نوع ا م ا بني األف راد املباش رين‪ ،‬واألق ارب البعي دين‪ ،‬نتيح ة‬
‫املطالب املادية والضغوط الثقافية اليت تشغل تفكري األفراد‪ ،‬هذا ما رآه جورج بالوندي‪ A،‬عن دما‬

‫‪1‬‬
‫‪.Pièrre, BOURDIEU, Sociologie de l’Algérie, Coll, Que sais je?, n°802,Paris,‬‬
‫‪PUF,1974, p12.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.Robert, DESCLOÎTRES, Laïd, DEBZI, Système de parenté et structure familiales‬‬
‫‪en Algérie, in Annuaire de l’Afrique du nord, Paris, CNRS, 1963, p29.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.Robert, DESCLOÎTRES, Op.cit, p41.‬‬
‫‪211‬‬
‫تدخل األسرة إىل املدينة‪ ،‬تتجرد من الضغوط وتتغري العالقات القرابية‪ ،‬فتسمح املدينة ألفرادها‬
‫‪1‬‬
‫بالتخلي عن االلتزامات والضوابط التقليدية لتسمح هلا باالختيار‪.‬‬

‫‪ .2.4‬البـدنة‬

‫تعترب البدنة نوع من أنواع الروابط القرابية وتعين جتمع ألسر مرتبطة مع بعضها البعض‪،‬‬
‫عند أب أكرب مشرتك‪ ،‬حتمل إمسه‪ ،‬وتعلن انتماءها له‪ ،‬ويف بعض اجلماعات يكون االنتماء ألم‬
‫مشرتكة‪ ،‬تعلن مجيع االسر أهنا مرتبطة هبا يف العالقة النسبية‪ ،‬هذه العالقة أو الشجرة األسرية‬
‫هي حقيقية وحمفوظة‪ ،‬أب عن أب أو جيل عن جيل‪ ،‬ويسود هذا النوع من اجلماعات القرابية‬
‫يف اجملتمع ات البدائي ة التقليدي ة‪ ،‬وك ذلك يف اجملتمع ات الص ناعية املتمدن ة وخاص ة منه ا ال يت‬
‫‪2‬‬
‫مازالت تقدس التقاليد واألعراف االجتماعية القدمية‪.‬‬

‫كما يُعرف محمد الجوهري البدن‪AA‬ة‪ A:‬بأهنا عبارة عن كيانات متحدة بعضها ببعض‪ ،‬تؤدي‬
‫وظ ائف ذات أمهي ة متفاوت ة‪ ،‬ولكنه ا ق د تك ون فائق ة يف أغلب األحي ان وق د ت ؤدي من ناحي ة‬
‫بعض الوظائف اليت تؤديها األسر النووية أو املشرتكة يف أحوال أخرى‪ ،‬كما تؤدي من ناحية‬
‫أخرى نفس وظائف العشرية‪3.‬كما يكون للبدنة‪ ،‬رئيسا ميثلها وإمسا مييزها‪ ،‬حيث ينضوي‬
‫أعض اؤها يف نسق للعالق ات اجلينولوجية يتضمن األحي اء واملوتى منهم‪ ،‬ورمبا انقسمت البدنة‬
‫أيض ا إىل وح دات أو مجاع ات ص غرى متم ايزة ولكنه ا مجيع ا تك ون كك ل وح دة متض امنة‬
‫‪4‬‬
‫ومتماسكة‪.‬‬

‫‪.3.4‬العشيـرة‬

‫يعترب علماء األنثروبولوجيا العشرية‪،‬فرعا من فروع القبيلة‪ ،‬ويعرفوهنا على أهنها‪":‬جمموعة من‬
‫األفراد‪ ،‬تنحدر من نسب واحد وهلا جد مشرتك‪ ،‬واالنتماء إليها يكون إما عن طريق النسب‬
‫‪1‬‬
‫‪. Michel, ANDRÉE, la sociologie de la famille, presses université de pari, paris,‬‬
‫‪1978, p97.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عامر مصباح‪ ،‬المدخل إلى األنثروبولوجيا‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪. 208‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.229‬‬
‫‪4‬‬
‫حممد عبده حمجوب‪،‬وآخرون‪ ،‬دراسات في المجتمع‪ A‬البدوي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬األزاريطة‪، 1998 ،‬ص‪. 45‬‬

‫‪212‬‬
‫األبوي أو النسب األمي‪ ،‬وال يكون عن طريق النسبني‪1".‬كما يرتبط أفراد العشرية يف الغالب‬
‫فيما بينهم بروابط روحية أو طوطمية‪ ،‬وذلك النتمائهم إىل سلف واحد‪ ،‬حىت ولو مل يكن له‬
‫وج ود يف الواق ع‪ ،‬هلذا يع رف دورك‪AA‬ايم‪ A‬العش رية على أهنا‪":‬جمموع ة من الن اس‪ ،‬يع د ك ل منهم‬
‫نفس ه قريب ا لآلخ ر ولكنهم ال يع رتفون هبذه القراب ة‪ ،‬إال بن اءا على ه ذه العالم ة اخلاص ة ج دا‪،‬‬
‫وهي أهنم ينتمون إىل توتم واحد‪ ،‬هذا التومت نفسه‪ ،‬كائن قد يكون حي أو غري حي‪ ،‬ولكنه‬
‫يغلب أن يك ون حيوان ا‪ ،‬أونبات ا‪ ،‬يف رتض أف راد العش رية أهنم من س اللته‪ ،‬فهم يتخ ذون من ه‬
‫شعارهم وإمسهم اجلماعي فإذا كان التومت‪ ،‬مثال هو الذئب‪ ،‬فإن مجيع أفراد العشرية يعتقدون‬
‫‪2‬‬
‫بأن سلفهم األول ذئب‪ ،‬وهلذا حيتوون على شيء من صفاته‪ ،‬يسمون أنفسهم ذئابا‪".‬‬
‫وم ا مييز ه ذه اجلماع ة القرابي ة عن غريه ا من اجلماع ات األخ رى‪ ،‬ه و ال زواج اخلارجي أو‬
‫االغ رتايب حبيث ميكن للش خص يف العش رية‪ ،‬أن ي تزوج ب امرأة من عش رية أخ رى‪ ،‬والعكس‬
‫صحيح هنا ميكن للفرد أن يكون له عشريتان‪ ،‬عشرية تنسبه ألبيه وأخرى ألمه‪ ،‬حبكم الزواج‬
‫اخلارجي وهكذا تنقسم العشرية إىل نوعني‪ :‬العشيرة األبوية‪ A:‬اليت يكون فيها االنتماء إىل جهة‬
‫األب‪ ،‬تعين بين العمومة العشيرة األمومية‪ A:‬اليت يكون فيها االنتماء إىل جهة األم‪ ،‬مما يعين بين‬
‫اخلؤولة‪ ،‬ومما مييز هذا النوع من اجلماعات أيضا هو كرب حجمها‪ ،‬حيث يكون االتصال‪ ،‬بني‬
‫أفراده ا أو مجاعاهتا الفرعي ة قليال‪ 3.‬ويف اجملتم ع اجلزائ ري تق وم القراب ة التقليدي ة العش ائرية‪ ،‬من‬
‫ج انب نس ب األب هلذا النس ب يف العش رية حقيقي ا‪ ،‬على عكس القبيل ة ال يت ق د يك ون فيه ا‬
‫حقيقي ا أو خرافي ا‪ ،‬كم ا أن العش رية ل ديها أدوار كث رية حموري ة تق وم هبا يف اجملتم ع‪ ،‬ك التنظيم‬
‫السياسي‪ ،‬رعاية شؤون الزواج وغريها‪ ،‬من املهام املسندة إليها‪ .‬فهي تركيب أساسي يف القبيلة‬
‫‪4‬‬
‫تكاد ال تستغين عليها‪.‬‬

‫‪ .4.4‬البطن والفخذ‬

‫‪.1‬دينكن ميتشل‪ ،‬معجم علم االجتماع‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.81‬‬


‫‪2‬‬
‫صالح مصطفى الفوال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.200‬‬
‫‪.‬عامر مصباح‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪211‬‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪.La houari, ADDI, De L’Algérie précoloniale à L’Algérie coloniale, ENAL, Alger,‬‬
‫‪1985, p93.‬‬
‫‪213‬‬
‫يش تمل النظ ام الق رايب ك ذلك‪ ،‬على مجاع ات اجتماعي ة أك رب من العشـرية‪ ،‬وذل ك الرتب اط‬
‫عشريتان أو أكثر معا‪ ،‬لتُكون ما يعرف بالبطن؛ الذي يُعرفه األنثروبولوجيون على أنه إحدى‬
‫الوحدات اليت يتكون منها البناء االجتماعي للمجتمعات البدوية‪ ،‬حيث يشـعر أعضاء العشائر‬
‫أن بينهم روابط خفية تربط بعضهم ببعض‪ ،‬ومن مث يتبـادلون العون واملساعدات يف املناسبات‬
‫الدينية أو احلفالت‪،‬كقبائ ل اهلـويب ‪ Hopi‬فـي أريزون ا‪ ،‬يعت ربون البطن وح دة اجتماعي ة‪ ،‬تق وم‬
‫على الزواج اخلارجي‪ ،‬مبعىن أن الفرد ال يتزوج من أعضاء العشائر األخرى اليت تكون ضمن‬
‫‪1‬‬
‫البطن‪.‬‬

‫أم ا الفخد فيُعت رب أح د ف روع العش رية ال ذي يعتم د على النس ب األح ادي (أب وي أو أمي)‬
‫يس تطيع في ه أعض اؤه‪ ،‬تتب ع عالقات ه القرابي ة يف حلق ات س اللية مرتبط ة خبط النس ق الواح د‪،‬‬
‫بدرجة أدق مما يف العشرية‪ 2‬ويتكون عادة من احتاد جمموع من األسر أو الفصائل ذات املصاحل‬
‫واأله داف املش رتكة‪ ،‬ال يت تس كن يف مس اكن جماورة ويش رتط فيه ا وح دة النس ب‪ ،‬حيث ال‬
‫‪3‬‬
‫جيب أن تتجاوز يف العادة اجلد اخلامس‪.‬‬

‫‪ .5.4‬القبيـلة‬

‫تعترب القبيلة ظاهرة اجتماعية ضاربة يف أعماق التاريخ العريب‪ ،‬يف املغرب واملشرق على حد‬
‫سواء‪ ،‬كما اعتربها ابن خلدون الرُت بة اخلصبة اليت تنمو فيها العصبية‪ ،‬وأهنا األصل يف اجملتمع‬
‫البدوي" يف أن سكىن البدو ال يكون إال للقبائل أهل العصبية"‪ 4‬وهنا يظهر االرتباط أو العالقة‬
‫بن العصبية والقبيلة واجملتمع البدوي‪ ،‬أما مفهوم القبيلة يف معجم‪ A‬علم االجتماع"فإهنا ع ددا من‬
‫الن اس ينتم ون إىل أص ل ُمش رتك‪ ،‬كم ا يش رتكون يف ملكي ة منطق ة من األرض‪ ،‬تق وم بينهم‬
‫صالت القرابة‪ ،‬يتكلمون لغة واحدة‪ ،‬وهلجة واحدة‪ ،‬كما تنقسم القبيلة يف العادة إىل عدد من‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬صالح مصطفى الفوال‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪. 195‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪ ،‬علم اجتماع االسرة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.157‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬صالح مصطفى الفوال‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.194،197‬‬
‫‪.4‬عبد الرمحان ابن خلدون‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪156‬‬

‫‪214‬‬
‫العشائر وتنقسم العشرية إىل عدد من اجلماعات‪ ،‬كل مجاعة منها عبارة عن عائلة أو عائلتني أو‬
‫‪1‬‬
‫ثالث‪".‬‬

‫ويعرفها بيشلر "هي الشكل االنقسامي للتنظيم االجتماعي‪ ،‬يتكون من أقسام قاعدية‪ ،‬مُي ثل‬
‫كل منها أسرة ممتدة يف عمق ثالثة أو أربعة أجيال‪ ،‬وكل قسم قاعدي يلتحم تلقائيا مع قسم‬
‫آخ ر‪ ،‬كلم ا ش عر بتهدي د أو خط ر‪ ،‬وش يئا فش يئا ميكن أن تتح دد القبيل ة بأس رها‪ ،‬أو جمموع ة‬
‫قبائ ل يف جمموع ة مؤقت ة ملواجه ة ع دو خ ارجي‪ 2.‬إهنا تؤل ف وح دة اجتماعي ة‪ ،‬وسياس ية‬
‫واقتصادية متكاملة‪ ،‬بل إهنا تكاد تكون يف رأيهم جمتمع مغلقا على نفسه‪ ،‬يتصل مع القبائل‬
‫اجملاورة‪ ،‬إال يف احلاجة‪ ،‬كما ميكن أن نتعرف على القبيلة من خالل حتديد أهم مساهتا وهي‪-:‬‬
‫البد لقيام القبيلة من توافر ثالث مكونات رئيسية‪ ،‬وهي املكان احملدد‪ ،‬اللغة الواحدة واحلضارة‬
‫املوحدة‪ ،‬وإذا ما فقدوا واحد من هذه املكونات‪ ،‬تفقد القبيلة شرطا أساسيا لوجودها‪ ،‬كما‬
‫الب د من ظه ور التع اون وال ود والتماس ك االجتم اعي بني أف راد القبيل ة‪ ،‬فه و ال ذي يق وي‬
‫شعورهم باالنتماء إىل اجملتمع الواحد‪ ،‬ومن أبرز مسات ذلك التماسك‪ ،‬الطقوس الدينية القبلية‬
‫اليت يشرتك فيها‪ ،‬ممثلون عن خمتلف الوحدات االجتماعية الفرعية األخرى (كاألسرة‪ ،‬الفخذ‬
‫البطن‪ ،‬العش رية) ويتجلى ذل ك خالل س اعات اخلط ر والع دوان أيض ا‪ ،‬إض افة إىل ذل ك جيب‬
‫وجود رئيس يف القبيلة‪ ،‬حيض باحرتام اجلميع وإن كان يشاركه يف رعاية شؤون القبيلة جملس‬
‫‪3‬‬
‫يسمى « جملس القبيلة »‪ ،‬يتكون يف الغالب من رؤساء العشائر‪.‬‬

‫ومتثل القبيلة مكان نشأة العصبية هي كبنية تقليدية اجتماعية‪ ،‬شأهنا يف ذلك شأن العصبية‬
‫وم ا حيدد مفه وم القبيلة‪ ،‬عن ابن خل‪AA‬دون‪ ،‬ه و االجتماع على أس اس العالقات الدموي ة وهو‬
‫الشرط التأسيسي لقيام اجلماعة‪ ،‬وإذا ما توفرت القرابة بني أفراد اجلماعة‪ ،‬مل تأسس القبيلة ألنه‬
‫إذا وجدت مجاعة ال يوجد بينهم رباط القرابة ال نسميهم قبيلة‪ ،‬لعدم توفر شرط القرابة وقد‬
‫يُضاف إىل العالقات القرابية يف القبيلة بعض الوالءات واملوايل‪ ،‬لكن العائلة هي اخللية األساسية‬
‫‪ُ .1‬معن خليل العمر ‪ ،‬معجم علم االجتماع المعاصر ‪ ،‬األردن ‪ ،‬عمان ‪،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،2000 ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪.2‬حممد ‪ ،‬جنيب بوطالب‪،‬سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪ .3‬صالح مصطفى الفوال ‪ ،‬علم االجتماع البدوي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.210‬‬

‫‪215‬‬
‫فيه ا يتزعمه ا قائ د ط بيعي‪ ،‬وع ادة م ا يك ون كب ري الس ن‪ ،‬لكس ب ط رق وخ ربة س ري القبيل ة‬
‫ونظامه ا‪ ،‬وتظم القبيل ة‪ ،‬ثالث أص ناف من األف راد يتق دمها ص رحاء النس ب‪ ،‬وهم أس اس‬
‫أش راف القبيل ة وآرس تقراطيتها‪ ،‬يتف اوتون يف الش رف بتف اوت بي وهتم يف احلس ب‪ ،‬مث ص نف‬
‫املوايل واملصطنعون (اللُصقاء) هم الذين التحقوا بالقبيلة بواسطة اللجوء أو احللف من العدو أو‬
‫ضده‪ ،‬أما صنف العبيد وهم عادة ما يكونون أسرى احلروب‪ ،‬والغزوات اليت ترجع أيضا إىل‬
‫العالقات االقتصادية وأنواع الصراع‪ ،‬الذي يقوم على الرغبة يف احلصول على مستوى عيش‬
‫أفضل‪ ،‬وقد تتخطى القبيلة روابط القرابة حىت تتوسع وتنمو‪.‬‬

‫نس تنتج أن القبيل ة عب ارة عن تنظيم إجتم اعي للمجتمع ات البدوي ة وترتك ز س لطتها على‬
‫العصبية‪ ،‬أي ترأسها أسرة حاكمة‪ ،‬يرأسها شيخ القبيلة وسلطته وراثية‪ ،‬وكل فرد يف القبيلة له‬
‫دور يؤدي ه‪ ،‬تض افرا م ع األف راد اآلخرين‪ ،‬فالعصبية عب ارة عم ا تتمت ع ب ه القبيلة أو األس رة من‬
‫الق وة واجلاه الل ذان جيعالن من أفرادها مجعا م رتاص البنيان‪ ،‬قوى اجلانب خيشى بأس ه‪ ،‬وقوام‬
‫العصبية يف نظر ابن خل‪AA‬دون‪ ،‬االتص ال برابط ة النس ب والقراب ة وما إليه ا من الرابط ة املماثلة‪،‬‬
‫ويفق د الف رد يف ه ذا التجم ع فرديت ه‪ ،‬ليتقمص شخص ية القبيل ة أو األس رة‪ ،‬ال يت ينتمي إليه ا‬
‫وخاصة يف حالة اخلطر اخلارجي الذي يُهدد كيان العصبية املادي أو املعنوي ‪.‬‬

‫‪.5‬األنظمة‪ A‬القرابية‪ A‬‬

‫ختتلف النظم اليت حتدد أعضاء اجلماعة القرابية الدموية بصورة كبرية من جمتمع آلخر‪ ،‬حبيث‬
‫يص نعها اجملتم ع حس ب تقالي ده‪ ،‬ومعتقدات ه‪ ،‬ويع د النس ب الرب اط ال ذي يش د املنح درين من‬
‫سلف واحد‪ ،‬أو الرباط الذي مييز الفرد املنتمي إىل مجاعة معينة‪ ،‬عن باقي األفراد من خارج‬
‫مجاعته القرابية‪ ،‬حيث بواسطته‪ ،‬مينح له احندارا وراثيا‪ ،‬دمويا ينحدر إليه كمرجع قرايب يتلقب‬
‫به‪.1‬‬
‫‪2‬‬
‫ميكن تلخيص أهم أنظمة التسلسل القرايب اليت عرفتها اجملتمعات فيما يلي‪:‬‬

‫‪. 1‬معن خليل عمر‪ ،‬علم اجتماع األسرة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪152‬‬


‫‪.2‬عاطف وصفي‪ ،‬األنثروبولوجيا الثقافية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.203-201‬‬

‫‪216‬‬
‫‪ .1.5‬النظام األب‪A‬وي‪ A:‬ويعين انتماء الفرد إىل اجلماعة القرابية الدموية اليت ينتمي إليها والده‪،‬‬
‫وهي تضم كل الروابط اليت تربط الشخص بأسالفه‪ ،‬عن طريق أبيه‪ ،‬أي أن روابطه القرابية‬
‫يعرتف هبا عن طريق الذكور فقط‪ ،‬ويعترب أهل الوالدة غري أقارب‪ ،‬كما تُعد اجلماعة القرابية‬
‫هنا ذات أمهية كربى ألعضائها‪ ،‬فهي متثل وحدة تعاونية دفاعية‪ ،‬يرجع إليها الفرد عند احلاجة‪.‬‬
‫‪.2.5‬النظام‪ A‬األموي‪ :‬حتدد هذه القاعدة‪ ،‬أقرباء الفرد بأهنم اجلماعة القرابية الدموية اليت تنتمي‬
‫هلا أمه‪ ،‬أي أن تسلسل القرابة هو عن طريق اإلناث وليس الذكور‪ ،‬يرى راد كليف ب‪A‬راون‪A،‬‬
‫أن القرابة"هي العالقة االجتماعي ة بني الوال دين واألبن اء‪ ،‬وال يت ليس ش رطا تطابقي ا م ع األب وة‬
‫البيولوجية‪ ".‬كما أنه اهتم مبفهوم اخلؤولة يف النظام األمي‪ ،‬ويرى أن اخلؤولة تتضمن نسقني‬
‫متعارض ني من االجتاه ات‪ ،‬يف النس ق األول‪ :‬ميث ل اخلال الس لطة العائلي ة‪ ،‬وبالت ايل فه و يتمت ع‬
‫ببعض احلقوق على ابن أخته‪ ،‬الذي يظهر حنوه الطاعة‪ ،‬ويشعر بالرهبة واخلوف منه‪ ،‬بينما يف‬
‫النسق الثاين‪ :‬يتمتع ابن األخت‪ ،‬ببعض االمتيازات اليت تتمثل يف عدم الكلفة والشعور باأللفة‪،‬‬
‫حنو اخلال وذل ك يف اجملتمع ات ال يت تك ون الس لطة العائلي ة أبوي ة‪ ،‬حيث ميث ل األب الس لطة يف‬
‫اجملتمعات األمومية‪ ،‬وتكون العالقة مع األب تتسم باملودة واأللفة‪.‬‬
‫‪.3.5‬النظ‪AA‬ام‪ A‬الثن‪AA‬ائي‪ A‬االختي‪AA‬اري‪ :‬وحتدد تل ك القاع دة اجلماعي ة القرابي ة ال يت ينتمي إليها الف رد‬
‫على أهنا‪ ،‬تتك ون من بعض أه ل أبي ه‪ ،‬وليس كل ه‪ ،‬وك ذلك من بعض أه ل أم ه‪ ،‬وليس ك ل‬
‫أهلها‪ ،‬وكل اجملتمعات اليت تأخذ هبذا النظام‪ ،‬حتدد تلك اجلماعة باألقارب القربني‪ ،‬مثل العم‬
‫واخلال واجلد س واء ك انوا من ناحي ة األم‪ ،‬أو من ناحي ة األب‪ ،‬والص فة الغالب ة يف ه ذا النظ ام‪،‬‬
‫هي حرية اختيار األقرباء‪ ،‬الذين يتعاون معهم الفرد بصورة قوية سواء كانوا أهل األب أو أهل‬
‫األم‪.‬‬
‫‪.4.5‬النظ‪AA‬ام‪ A‬الثن‪AA‬ائي‪ A‬اإلجب‪AA‬اري‪ :‬حتدد ه ذه القاع دة‪ ،‬تك وين اجلماع ة القرابي ة ال يت ينتمي إليه ا‬
‫الفرد حيث جتمع اجلماعة القرابية ألبيه وأمه‪ ،‬ويف هذا النظام‪ ،‬تنعدم احلرية يف اختيار األقرباء‬
‫الذين يرتبط معهم الفرد بصورة قوية‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫‪.5.5‬النظ‪AA‬ام الط‪AA‬وطمي‪ A:‬حمور القرابة يف هذا النظام هو الطوطم‪ ،‬وهو الرباط املقدس الذي‬
‫يؤل ف بني أف راد العش رية‪ ،‬فيجعلهم وح دة روحي ة إجتماعي ة‪ ،‬ذل ك العتق ادهم أهنم ينتم ون‬
‫وينحدرون من أصالب هذا الطوطم‪ ،‬وروحه جتري يف عروقهم‪ ،‬مما جعلهم حسب اعتقادهم‬
‫أقارب‪ ،‬وال يقل منهم الواحد عن اآلخر يف درجة القرابة‪ ،‬فكانت االتصاالت اجلنسية‪ ،‬ختتلط‬
‫الدماء وتدنس املبادئ الطوطمية املقدسة‪ ،‬حرمت هذه اجملتمعات التزاوج بني رجاهلا ونسائها‬
‫ألهنم ذوي ق رىب وهلذا ك ان الرج ال والنس اء من نفس الط وطم ال ي تزوجون م ع بعض هم وإمنا‬
‫يبحثون عن عالقة زواجية مع أشخاص آخرين‪ ،‬ينتمون لطوطم آخر مغاير لطوطمهم‪ ،‬وهذا‬
‫النظام مشت عليه العديد من العشائر األسرتالية‪ ،‬من السكان األصليني كما سارت عليه‪ ،‬بعض‬
‫الش عوب ال يت ك انت تعتم د القراب ة فيه ا‪ ،‬على االدع اء منه ا‪:‬الش عوب الروماني ة‪ ،‬اليوناني ة‪،‬‬
‫والسامية القدمية‪ ،‬وهذا هو مضمون نظرية دوركايم‪ A‬يف تفسري نشأة نظام التحرمي‪ ،‬فهو يرى أن‬
‫أفراد هذا الطوطم يعتقدون أهنم منحدرون من أصل قرايب واحد‪ ،‬وأهنم مرتبطون بدرجة قرابة‬
‫واحدة‪ ،‬وأن ممارسة االتصاالت احلسية فيه مساس باملقــدس‪ ،‬الذي هو الطوطم‪ ،‬جيري يف دماء‬
‫‪1‬‬
‫عروقهم‪.‬‬

‫وبذلك نستنتج أن النظم القرابية اليت عرفتها اجملتمعات اإلنسانية‪ ،‬ال حتددها صالت الدم‬
‫وال الروابط البيولوجية‪ ،‬بل إمنا يتحكم فيها‪ ،‬ما يتواضع ويقوم عليه اجملتمع‪ ،‬من نظم ومايقره‬
‫العقل اجلمعي من قواعد ونظم خاصة به‪.‬‬
‫‪.6‬أنواع الروابط القرابية ودرجات القرابة‪A‬‬

‫‪.1.6‬أن‪AA‬واع الرواب‪AA‬ط القرابي‪AA‬ة‪ :‬أك دت الدراس ات االنثروبولوجي ة يف جمال القراب ة على أن‬
‫للقرابة أنواع ودرجات حسب ما الحظوه يف اجملتمعات البدائية‪.‬‬

‫‪.1‬القرابة‪ A‬الدموية‪A‬‬

‫تكون قرابة الدم بني االشخاص الذين ينتسبون إىل نفس السلف‪ ،‬سواءا كان اجلد ذكرا أم‬
‫أن ثى‪ ،‬حيث يوج د قي ه ذه القرابة‪ A‬نوع‪AA‬ان ‪:‬القراب ‪AA‬ة االولي‪AA‬ة والقراب ‪AA‬ة الثانوي ‪AA‬ة‪ ،‬فاألولي ة‪ :‬هي‬
‫‪ . 1‬مصطفى اخلشاب‪ ،‬علم اجتماع العائلة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪218‬‬
‫العالق ة ال يت ترب ط الوال دين باالبن اء‪ ،‬أو بني األب واألخ‪ ،‬أي بني اإلخ وة داخ ل األس رة‪ ،‬بينم ا‬
‫القراب ة الثانوي ة فهي‪ :‬الرابط ة الدموي ة ال يت ترب ط من خالل اجلد املش رتك‪ ،‬الن املنح درين من‬
‫س لف مش رتك‪ ،‬هم أعض اء ينتم ون للجماع ة الدموي ة‪ ،‬وذل ك النتم اء الف رد ألبوي ه‪ ،‬خيول ه أن‬
‫يك ون عض وا يف مجاعتني دموي تني‪ 1.‬لكن قراب ة ال دم وح دها‪ ،‬ال تكفي باعتباره ا واقع ة‬
‫بيولوجية‪ ،‬بل البد هلا من قرابة ثانية تتكئ عليها‪ ،‬وحتفظ توازهنا‪ ،‬وهي قرابة املصاهرة الناجتة‬
‫عن ظاهرة اجتماعية‪ ،‬هي الزواج سواء أكان داخليا أم خارجيا‪-2.‬سوف نشرح ذلك يف قرابة‬
‫املصاهرة‪ -‬وعن طريق هذه الصالت تظهر اجلماعات التضامنية من األسرة الصغرية إىل األسرة‬
‫الكبرية إىل القبيلة‪.‬‬

‫‪ .2‬قرابة المصاهرة‬

‫من املس لم ب ه أن اجلماع ات االجتماعي ة ترتب ط برابط ة القراب ة‪ ،‬ويف أك ثر األح وال حتدد‬
‫العض وية فيه ا بالمص‪AA‬اهرة‪ ،‬وال يت تُع رف على أهنا الص لة ال يت تنش أ نتيج ة ال زواج‪ ،‬فرتب ط أح د‬
‫ال زوجني وأق ارب ال زوج اآلخ ر‪ ،‬فتق رهبم لي ؤدي ذل ك إىل اختالط أس رهم‪ ،‬حبيث تش به ه ذه‬
‫العالقة‪ ،‬عالقة الدم اليت تربط أفراد األسرة الواحدة برابطة القرابة‪ 3.‬هذا يعين أن املصاهرة جتعل‬
‫أسرة تتعرف على أسرة أخرى عن طريق الزواج‪ ،‬وبالتايل تتشكل عالقات اجتماعية قرابية عن‬
‫طريقه ا‪ ،‬العتب ار أن املص اهرة‪ ،‬تس اهم يف تك وين القرابة‪،‬كم ا أن ه بإمكانن ا تس مية األص هار‬
‫باألق ارب‪ ،‬وذل ك النقس امهم إىل م راتب قرابي ة خمتلف ة ويع ين ه ذا أن ه ذه املراتب ختتل ف يف‬
‫درجة قرهبا من الشخص‪.‬‬

‫كم ا يراه ا ليفي س‪AA‬تراوس جمموع ات االنتس اب‪ ،‬فمن خالل االنتس اب الثن ائي‪ ،‬جتع ل قراب ة‬
‫املصاهرة‪ ،‬من األصهار أقارب مباشرين‪ ،‬ألهنا جتعل الفرد عضوا يف مجاعتني قرابيتني يف وقت‬
‫واحد‪ ،‬بشكل يؤدي إىل توسيع دائرة القرابة‪ ،‬أكثر من خط القرابة األبوي أو األمومي‪ ،‬وهذا‬
‫النظام يؤدي إىل تشعب عالقات املصاهرة بني البدنات املختلفة‪ ،‬وتكثيف روابط القرابة داخل‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد عبده حمجوب‪ ،‬طرق البحث االنثروبولوجي‪ ،‬مصر‪،‬االسكندرية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬ب‪.‬ت‪،‬ص‪.105‬‬
‫‪ .2‬جمد الدين خريي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬السيد حنفي عوض‪ ،‬علم اإلنسان‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪،‬اإلسكندرية‪،‬مصر‪،2010،‬ص‪.193‬‬

‫‪219‬‬
‫اجملتم ع‪1.‬فتط ور الدراس ات احلديث ة يف علم االجتم اع الع ائلي واالنثروبولوجي ة القرابي ة ألقى‬
‫الضوء على فئة األصهار‪ ،‬علما أن الدراسات السابقة حول القرابة مل تكن تدرس إال ما يُعرف‬
‫بالقراب ة الدموي ة فحس ب‪ ،‬ول ذلك مل يكن األص هار يُع دون أق ارب ب املعىن ال دقيق للكلم ة‪،‬‬
‫ويطلق الرجل كلمة صهري لزوج أخته‪ ،‬وكذلك شقيق زوجته‪ ،‬وهنا تنشأ عالقة اجتماعية‪،‬‬
‫على أس اس رب اط القراب ة‪ ،‬ويُس مى األول زوج العم ة‪ ،‬والث اين اخلال‪2.‬هلذا يوض ح ف‪AA A‬وكس‬
‫‪ R .fox‬على أن القرابة مل تعد تعين يف علم االنثروبولوجيا وعلم االجتماع‪ ،‬العائلة والزواج‬
‫وإمنا أدخلت عالقات املصاهرة أيضا‪ ،‬فالقرابة هي عالقة دموية واملصاهرة عالقة زواجية‪ ،‬ألن‬
‫عالقة األب بابنه‪ ،‬عالقة قرابية وعالقة الزوج بزوجته عالقة مصاهرة‪ ،‬والطفل وليد ألبويه‬
‫‪3‬‬
‫وعالقته القرابية ميكن أن تقتضي من خالهلما‪.‬‬

‫‪ .3‬القرابة‪ A‬اإلجتماعية‬

‫وهي الروابط القرابية االجتماعية‪ ،‬يُقصد هبا الروابط الغري حقيقية املتعامل هبا داخل اجملتمع‬
‫ومييزها علماء االنثروبولوجيا‪ ،‬بني العالقات النشوئية التكوينية‪ ،‬والعالقات القرابية اليت هي من‬
‫وضع اجملتمع‪ ،‬حبكم النظم الثقافية القرابية اليت تبىن عليها التزامات مماثلة‪ ،‬لتلك اليت تبىن على‬
‫روابط الدم‪ ،‬يف بعض اجملتمعات‪ ،‬وقد جند الكثري من االشخاص ينادون من يشعرون اجتاههم‬
‫باألبوة بأيب رغم أنه ليس أبا هلم‪ ،‬وإمنا مبنزلة األب احلقيقي‪ ،‬دون أن يكون له حق يف االتصال‬
‫باألم الفعلية‪ 4.‬هذا يعين أن الروابط القرابية ختضع للثقافة االجتماعية السائدة‪.‬‬

‫‪ .4‬القرابة‪ A‬المصطنعة‪A‬‬

‫وهي ذل ك الن وع من الرواب ط ال يت يتع ود عليه ا اجملتم ع‪،‬كعالق ة قرابي ة حقيقي ة وي رتتب‬
‫عليها كافة حقوقها وواجباهتا‪ ،‬يطلق عليها أيضا‪ ،‬إسم القرابة االفرتاضية أو الطقوسية‪ ،‬ومن‬
‫أب رز أن واع ه ذه القراب ة‪ ،‬ه و "التب‪AA‬ني"‪ :‬ال ذي يعت رب ق دميا من الظ واهر اهلام ة يف نظ ام األس رة‬

‫‪1‬‬
‫جمد الدين خريي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬علياء شكري‪ ،‬االتجاهات المعاصرة في دراسة األسرة‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪،1996،‬ص‪.62-60‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬احسان حممد احلسن‪ ،‬العائلة والقرابة و الزواج‪،‬دار الطليعة‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪،‬ط‪،2،1985‬ص‪.19‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬نبيل السمالوطي‪ ،‬الدين والبناء العائلي‪،‬دار الشروق‪ ،‬السعودية‪ ،‬جدة‪،1981،‬ج‪،1‬ص‪.131‬‬

‫‪220‬‬
‫االنس انية وك انت من احلق وق ال يت ميارس ها رب األس رة‪ ،‬ومبقتض اها يلح ق من يش اء بنس ب‬
‫األس رة‪ ،‬وي رتتب عليه ا درج ة قرابي ة ال تق ل عن قراب ة ال دم والعص ب‪ 1.‬ف‪AA‬التبني ال يق وم على‬
‫أس س بيولوجي ة دموي ة قرابي ة وإمنا ه ذا الن وع من القراب ة‪ ،‬جيع ل العالق ة بني املول ود ووالدي ه‬
‫اجلدد‪ ،‬عالق ة كأهنا حقيقي ة فعلي ة‪،‬كم ا أهنا تكتس ب ش رعيتها من الع رف الس ائد يف اجملتم ع‪،‬‬
‫الذي مينح الطفل املتبىن احلق الطبيعي‪ ،‬الذي يتمتع به أي فرد أخر يف الوحدة القرابية ومن هنا‬
‫جاء تعريف التبني بأنه‪" :‬ضم الزوج والزوجة بعض األفراد الذين هم غري أبنائهم إىل نسبهما‪،‬‬
‫وغالبا ما حيدث ذلك‪ ،‬إذا مل ينجبا‪ ،‬وعندما ينسب ذلك الولد إىل الرجل‪ ،‬فإن من حق االبن‬
‫أن حيصل على املرياث كأنه من النسب‪2.‬وقد حرم الدين اإلسالمي وكذلك املسيحي ظاهرة‬
‫التبين‪ ،‬ملا يقع منه من اختالط يف األنساب والعالقات القرابية‪.‬‬

‫‪ .5‬القرابة‪ A‬الطقوسية‪ A‬أو الدينية‬

‫وجد علماء االنثروبولوجيا نوع من القرابة‪ ،‬عند بعض اجملتمعات والشعوب القبلية البدائية‬
‫يف ش رق افريقي ا‪ ،‬وعن د اهلن ود احلم ر‪ ،‬وك ذلك يف بعض ج زر احملي ط اهلن دي‪ ،‬مسوه بالقراب ة‬
‫الطقوس ية أو الديني ة‪ ،‬ذل ك نظ را لبعض الطق وس املمارس ة من خالهلا‪ ،‬فهي نظ ام يق وم على‬
‫أساس طبقات العمر‪ ،‬لرتتيب أعضاء اجملتمع‪ ،‬خاصة الذكور منهم‪ ،‬حيث يرتبون على أساس‬
‫السن‪ ،‬وكل طبقة أو مجاعة‪ ،‬تضم مجيع األفراد‪ ،‬الذين ينتمون إىل فئة عمرية حمددة‪ ،‬هذا ما‬
‫حول اجملتمع‪ ،‬إىل طبقات عمرية مرتبة‪ ،‬بعضها فوق بعض‪ ،‬فهؤالء األفراد الذين ينتمون هلذه‬
‫الطبق ة يقوم ون بنفس الش عائر وينتحل ون إمسا مش رتكا‪ ،‬هلم نفس املرك ز االجتم اعي ونفس‬
‫السلوك مع بعضهم البعض ويتخذون موقفا واحدا إزاء غريهم من الناس الذين ينتمون لطبقة‬
‫أخرى عمرية‪.‬‬

‫ويعد إفانز بريتشارد من األنثروبولوجيني الذين درسوا هذا النظام القرايب‪ ،‬عند قبائل النوير‬
‫جنوب السودان‪ ،‬ووجد أن هلم نفس احلق وق والواجبات واالمتيازات والوظائف االجتماعية‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬مصطفى اخلشاب‪ ،‬دراسات في االجتماع العائلي‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،‬دار النهضة العربية‪،1985،‬ص‪.74‬‬
‫‪.2‬امحد الكندري‪ ،‬علم النف ــس األسري‪ ،‬مكتبة الفالح للنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ، 2005 ،‬ط‪ ،3‬ص‪. 190‬‬

‫‪221‬‬
‫حيث الح ظ نش وء رابط ة االخ وة بينهم‪ ،‬ورواب ط إنتم اء أخ رى مش رتكة‪ ،‬تتخطى ح دود‬
‫العشرية‪ ،‬لتصبح رابطة األخوة تفرض عليهم قيودا يف جمال الزواج‪ ،‬وممارسة اجلنس‪ ،‬متاما كاليت‬
‫تفرضها عالقة الدم‪ 3.‬فهي ال تقوم على أساس بيول وجي‪ ،‬وإمنا تقوم يف جوهرها على أساس‬
‫طقوسي إجتماعي مستمد من ثقافة اجملتمع‪ ،‬وتقاليده ونظمه‪ ،‬فكان من املمكن تسميتها القرابة‬
‫التقليدية‪ ،‬ألهنا تتكون على حسب تقاليد كل جمتمع‪ ،‬أي أن التقاليد هي اليت تتحكم فيها‪.‬‬

‫كم ا ت رى علي‪AA‬اء ش‪AA‬كري‪-‬باحث‪AA‬ة اجتماعي‪AA‬ة مص‪AA‬رية‪ A-‬أن ه ذا الن وع من القراب ة الطقوس ية‪،‬‬
‫يوج د أيض ا يف الديان ة الكاتوليكي ة مبجتمع ات غ رب أوروب ا‪ ،‬والوالي ات املتح دة األمريكي ة‪،‬‬
‫وذلك عندما يطلقون إسم العراب أو العرابة على من يريب األطفال اجلدد‪ ،‬وقد تطورت هذه‬
‫العالقات إىل حد بعيد‪ ،‬خاصة يف إيطاليا‪ ،‬ويعين العراب يف الديانة املسيحية‪ ،‬الشخص الذي‬
‫خيت اره الوال دان لإلهتم ام برتبي ة الطف ل والتنمي ة الشخص يّة‪ ،‬فيك ون الطف ل إبنً ا باملعمودي ة‪ ،‬يف‬
‫وخاص ة يف جن وب أوروب ا وأمريك ا الالتيني ة‪ ،‬تب دو‬
‫ً‬ ‫بعض البل دان الكاثوليكي ة واألرثودكس ية‬
‫العالق ة بني الوال دين والع رابني أو املع اونني‪ ،‬هلم مهم ة ذات م يزة خاص ة‪ ،‬في رتتب عن ه ذه‬
‫العالقات مسؤوليات متبادلة قد تؤدي إىل عالقات قرابية أو أكثر هذا ما يسمونه املسيحيني‬
‫بالقرابة الروحية ‪.1‬‬

‫هذا نظرا ملا حتتويه من طقوس روحانية ودينية‪ ،‬وهنا نالحظ أن العراب ليس من األقارب‬
‫الفعليني لألب أو أم املولود غالبا‪ ،‬ولكن مبجرد ما خيتار الوالدان شخصا معاونا (العراب) هلم‬
‫يف تربية إبنهم فإنه سيصبح األب الروحي للطفل‪ ،‬هذا يعين أنه من أقارب الطفل والعائلة معا‪،‬‬
‫روحيا ليس فعليا‪ ،‬أما يف الدين االسالمي فنجد ظاهرة الرضاعة اليت تعترب من الظواهر املنتشرة‬
‫بك ثرة خاص ة يف العه ود الس ابقة‪ ،‬س واء يف اجلاهلي ة أو االس الم‪ ،‬وهي اختاذ ُمرض عة للطف ل‬
‫لسبب أو آلخر‪ ،‬مثلما حدث للرسول محم‪A‬د(ص)‪ A،‬بعد وفاة أمه‪ ،‬أرضعته حليمة السعدية‪،‬‬
‫فتُص بح ه ذه املرض عة مبثاب ة األم الروحي ة للطف ل‪ ،‬كم ا أن من يرض ع مع ه من أبنائه ا‪ ،‬يف نفس‬
‫سنه‪ ،‬تُصبح شقيقته ال يسمح له بالزواج منها عند الكرب‪ ،‬وذلك ألهنا تُصبح يف منزلة اإلخوة‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬نبيل السمالوطي‪ ،‬الدين والبناء العائلي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪. 119‬‬
‫‪ .1‬علياء شكري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪83-84‬‬

‫‪222‬‬
‫احلقيقني أو الفعل يني للطف ل‪ ،‬وينتج عن ه ذه العملي ة خل ق عالق ات قرابي ة بني الرض يع وبني‬
‫األس رة املرض عة فتك ون ل ه أم ثاني ة‪ ،‬هي األم املرض عة ال يت تربط هبا عالق ات اجتماعي ة قرابي ة‪،‬‬
‫والدين االسالمي هو الذي أقر هبذه األخوة الناجتة ‪1‬ومل يسمح بزواج اإلخوة الراضعني معا‪ ،‬يف‬
‫اَألخ‬
‫ات ِ‬ ‫َأخ َواتُ ُك ْم َو َع َّماتُ ُك ْم َو َخ االتُ ُك ْم َو َبنَ ُ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم َُّأم َه اتُ ُك ْم َو َبنَ اتُ ُك ْم َو َ‬
‫ُر َم ْ‬
‫قول‪AA‬ه تع‪AA‬الى‪( :‬ح ِّ‬
‫اع ِة)‪2‬ومن مث تك ون ه ذه‬ ‫ض َ‬ ‫الر َ‬‫َأخ َواتُ ُك ْم ِم َن َّ‬‫ض ْعنَ ُك ْم َو َ‬ ‫ت َو َُّأم َه اتُ ُك ُم الاليِت َْأر َ‬ ‫وبنَ ات اُألخ ِ‬
‫ََ ُ ْ‬
‫العالق ات القرابي ة االجتماعي ة‪ ،‬خاض عة لنفس قواع د وحمددات العالق ات القرابي ة بال دم‪ ،‬وق د‬
‫كان احلديث النبوي الشريف صريح النص يف هذا‪ ،‬حيث أكد على أنه "يحرم من الرض‪AA‬اع ما‬
‫يح‪AA‬رم من النسب" فتتح دد ب ذلك دائ رة احملارم مما ينتج عن ه إض افة عنص ر جدي د إىل الوح دة‬
‫القرابية‪.‬‬

‫‪.2.6‬درجات القرابة‬

‫ي رى الفقه اء يف الق انون على أن للقراب ة درج ات‪ ،‬وذل ك قص د التمي يز بني األق ارب من‬
‫الدرج ة الثاني ة أو الثالث ة أو الرابع ة أو بني األق ارب جه ة األب أو األق ارب جه ة األم‪ ،‬حيث‬
‫ت ؤدي العالق ات القرابية إىل اهتم ام الف رد وميل ه إىل أقارب ه وب درجات متفاوتة‪ ،‬حس ب نوعية‬
‫العالق ة القرابي ة القائم ة بينهم‪ ،‬وه ذا م ا أوض حته الدراس ة ال يت ق ام هبا ك ل من العي ‪A‬د‪ A‬دب‪AA‬زي"‬
‫‪ L.Debzi‬و"‪ R.Descloitr‬ديكل‪A‬واتر حول نسق القرابة‪ ،‬والبىن العائلية يف اجلزائر على‬
‫أهنا ستة دوائر قرابية يدخل الفرد معها يف عالقة مباشرة وغري مباشرة‪ ،‬اليت ساعدت على فهم‬
‫‪3‬‬
‫موضحا كل درجة بدائرة وإمسا للجماعات القرابية املتميزة‪ ،‬بدوائر القرابة‪.‬‬
‫ً‬ ‫البنايات‬
‫‪.1‬الدرج‪AA‬ة األولى القراب‪AA‬ة األولية (ال‪AA‬دائرة‪ A‬األولى)‪ A:‬تسمى بالقرابة األولية ومتثل األقارب‬
‫من الدرجة األوىل‪ ،‬ومها األسرتان األوليتان للفرد‪ ،‬أسرة أقاربه األسالف املباشرين‪ ،‬وأقاربه‬
‫احلواشي املباشرين‪ ،‬من جهة‪ ،‬وزوجته مث خلفه املباشرون من جهة أخرى‪ ،‬وتتميز العالقات‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد عودة السلمان‪،‬الرضاع وأحكامه يف الفقه االسالمي‪،‬مجلة البحوث االسالمية‪،‬العدد‪1413 ،37‬ه‪،‬ص‪.319‬‬
‫‪.‬القرآن الكرمي‪،‬سورة املنساء‪،‬اآلية‪.23‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪.Robert, DESCLOÎTRES, Laïd, DEBZI, Système de parenté et structure familiales‬‬
‫‪en Algérie, Op.cit, P.24‬‬
‫‪223‬‬
‫القائم ة بني األق ارب‪ ،‬من الدرج ة األوىل ب االحرتام واإلجالل‪ ،‬والوق ار‪ ،‬ال ذي يقاب ل ب ه ص غار‬
‫العائلة كبارها وبالرهبة واخلوف الذي يشعرون به حنوهم‪ ،‬كما يظهر األب املمثل األول لقيم‬
‫العائل ة‪ ،‬فه و أوالً مث العم‪ ،‬مث األخ األك رب‪ ،‬ف إن أمناط الس لوك‪ ،‬ال يت ت رى اجلماع ة القروي ة‬
‫بصالحيتها‪ ،‬لوحدة العائلة ومتاسكها‪ ،‬هي الوحيدة امللتزم هبا‪ ،‬واالبن ال يُعارض أباه أو خيالفه‬
‫وال يتص رف مبا جيلب علي ه س خطه‪ ،‬وي نزع عن ه رض اه وعنايت ه فه و يق وم ب ذلك‪ ،‬امتث االً حلق‬
‫األب عليه‪ ،‬املخول له من قبل األعراف‪ ،‬املتوارثة واألحكام الدينية‪.‬‬

‫‪.2‬الدرج‪AA‬ة الثاني‪AA‬ة القراب‪AA‬ة الثانوية (ال‪AA‬دائرة‪ A‬الثاني‪AA‬ة)‪ :A‬تس مى بالقراب ة الثانوي ة ومتث ل األق ارب من‬
‫أيضا‪.‬‬
‫الدرجة الثانية‪ ،‬ويشكلها األعمام وأبناؤهم وأحفادهم‪ ،‬والعمات ً‬
‫‪.3‬الدرج‪AA‬ة الثالث‪AA‬ة القراب‪AA‬ة األمومية (ال‪AA‬دائرة الثالث‪AA‬ة)‪ :‬تسمى بالقرابة األموية ومتثل األقارب من‬
‫الدرجة الثالثة‪ ،‬ويشكلها األجداد جهة األم‪ ،‬واألخوال وأبناؤهم واخلاالت وأبنائهن‪.‬‬
‫‪.4‬الدرج‪AA‬ة الرابع‪AA‬ة القراب‪AA‬ة االنتس‪AA‬ابية (الدائرة الرابع‪AA‬ة)‪ :A‬تسمى بقرابة االنتسابية ومتثل األقارب‬
‫من الدرج ة الرابع ة‪ ،‬تتمث ل يف األج داد جه ة األب‪ ،‬ال ذين يفص لهم جيالن أو ثالث عن الف رد‬
‫أي جد األب‪ ،‬وإخوته وجد اجلد وإخوته‪.‬‬

‫‪.5‬الدرج‪AA‬ة الخامس‪AA‬ة قراب‪AA‬ة ب‪AA‬ني األعم‪AA‬ام (ال‪AA‬دائرة‪ A‬الخامس‪AA‬ة)‪ :A‬تس مى بقراب ة ب ين األعم ام ومتث ل‬
‫األقارب من الدرجة اخلامسة‪ ،‬وتشمل أبناء العمومة‪ ،‬واألسالف الذين يلتقون مع الفرد‪ ،‬يف‬
‫خط النسب‪ ،‬تفصلهم عنه أربعة أو مخسة أو حىت ستة أجيال‪.‬‬

‫‪.6‬الدرج‪AA‬ة السادس‪AA‬ة قراب‪AA‬ة نس‪AA‬ب األب (ال‪AA‬دائرة‪ A‬السادس‪AA‬ة)‪ :‬تسمى بقرابة نسب األب وتتمثل‬
‫يف األقارب من الدرجة السادسة‪ ،‬تشمل العمات وأبناءهن‪ ،‬رغم أن هذه مشمولة داخل مجاعة‬
‫األقارب األولي ة‪ ،‬إال أهنا ال تعت رب منتمي ة إليها‪ ،‬ذلك أن العم ات‪ ،‬بعد ال زواج يلتحقن جبماعة‬
‫‪1‬‬
‫قرابية أخرى مع االحتفاظ بعالقات مع األقارب املشكلني ألسرة التوجيه أو األسرة األصلية‪.‬‬

‫إن تقسيم األقارب إىل مجاعات حبسب درجة قرهبم من الفرد أو بعدهم عنه‪ ،‬هو الذي يُبني‬
‫طبيع ة العالق ات‪ ،‬ال يت يُقيمه ا الف رد م ع عناص ر ه ذه اجلماع ات أو تل ك‪ ،‬كم ا ي بني ق وة ه ذه‬
‫‪1‬‬
‫‪.Robert, DESCLOÎTRES, Op.cit, p24.‬‬
‫‪224‬‬
‫العالقات أو ضعفها‪ ،‬وضرورهتا أو االستغناء عنها‪ ،‬كل ذلك مع األخذ بعني االعتبار‪ ،‬عامل‬
‫‪1‬‬
‫السن واجلنس‪ ،‬يف كل عالقة من هذه العالقات‪.‬‬

‫زيادة على ذلك‪ ،‬يبدو واضحا أن الدوائر القرابية‪ ،‬حتتل مكانة كبرية يف اجملتمع اجلزائري‪،‬‬
‫كم ا ي رى مص ‪AA‬طفى بوتفنوشت‪ 2‬أن يف املق ام األول‪ ،‬حيس الف رد أنه من دجما يف العائل ة وه ذه‬
‫العائلة متثل له اجلماعة االبتدائية‪ ،‬اليت تكون فيها عالقات القرابة‪ ،‬متماسكة جدا‪ ،‬ومن مجيع‬
‫اجلوانب االجتماعي ة واالقتص ادية‪ ...‬اخل‪ ،‬وفيه ا جند عالق ة الف رد م ع س لفه األب‪ ،‬اجلد‪ ،‬اجلد‬
‫األول‪ ،‬لغاي ة اجلد ال ذي ميل ك فيه بعض اإلرث‪ ،‬من خالل ه ذه العالق ة ذات اجلانب ال روحي‬
‫واملادي‪،‬كما جند عالقة الفرد مع حواشيه‪ ،‬إخوة وأخوات سلف مشرتك‪ ،‬وعالقة الفرد مع‬
‫خلف ه‪ ،‬من أبن اء وبن ات وأحف اد وحفي دات‪ ،‬أم ا يف المق ‪AA‬ام‪ A‬الث ‪AA‬اني حيس الف رد أن ه منتمي إىل‬
‫وس ط اجتم اعي ع ائلي حييط عائلت ه‪ ،‬حيث أن العالق ات م ع الوس ط الع ائلي‪ ،‬تق وي ط ابع‬
‫التماس ك والتض امن‪ ،‬وتعطي الق وة للعالق ات داخ ل العائل ة‪ ،‬كم ا جند أن الوس ط الع ائلي ل ه‬
‫عالقة مشكلة عن طريق وساطة‪ ،‬كعالقة الفرد مع عائلة زوجته‪ ،‬وهي عالقة احرتام ولكنها‬
‫جافة قد تصل إىل القطيعة‪.‬‬

‫‪.‬حممد محداوي‪ ،‬البنيات األسرية ومتطلباتها الوظيفية في منطقة بني سنوس‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.101‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪. M, BOUTEFNOUCHEt, La famille Algérienne évolution et caractéristiques‬‬
‫‪récentes, Alger, Edition SEND, 1979,p54.‬‬

‫‪225‬‬
‫‪LES CERCL DE PARENTE‬‬

‫‪Par rapport à e :‬‬


‫‪1) Parentèle primaire‬‬ ‫‪4) Parentèle lignagère‬‬
‫‪2) Parentèle secondaire‬‬ ‫‪5) Beni 'Amm‬‬
‫‪3) Parentèle maternelle‬‬ ‫‪6) Parentèle par les agnates‬‬

‫أما حساب درجة القرابة يكون كاآليت‪:‬‬


‫‪.1‬تتحدد درجة القرابة املباشرة‪ ،‬باعتبار كل فرع درجة دون حساب األصل‪.‬‬
‫‪.2‬تتحدد درجة قرابة احلواشي‪ ،‬بعد الفروع‪ ،‬صعودا من الفرع إىل األصل املشرتك‪ ،‬مث نزوال‬
‫منه إىل الفرع اآلخر‪ ،‬بغري حساب ذلك األصل‪.‬‬
‫‪.3‬تتحدد درجة املصاهرة‪ ،‬بدرجة القرابة للزوج‪.‬‬
‫من ه ذا يتض ح أن ه فيم ا يتعل ق بالقراب ة املباش رة‪ ،‬وهم أص ول الش خص وفروع ه‪ ،‬فإن ه يتم‬
‫احتساب كل شخص درجة‪ ،‬مع إسقاط األصل‪ ،‬فمثالً االبن مع أبيه أو أمه قرابة‪ ،‬من الدرجة‬
‫األوىل‪ .‬فاالبن درجة‪ ،‬واألم أو األب‪ ،‬كونه األصل ال حيسب‪ ،‬أما االبن مع جده‪ ،‬فيعترب قريب اً‬
‫له من الدرجة الثانية‪ ،‬فيحسب االبن درجة واألب أو األم درجة‪ ،‬وال حيسب األصل‪ ،‬وهو هنا‬
‫اجلد‪.‬‬
‫بالنسبة للحواشي‪ ،‬فيحسب كل شخص درجة‪ ،‬وال حيسب األصل املشرتك‪ ،‬فمثالً األخ مع‬
‫أخيه قرابة‪ ،‬من الدرجة الثانية‪ ،‬على أساس احتساب األخ درجة‪ ،‬وشقيقه درجة‪ ،‬واألب كونه‬
‫األص ل املش رتك ال حيس ب‪ ،‬وإذا أردن ا حس اب درج ة ابن العم‪ ،‬جنده قريب اً من الدرج ة الرابع ة‬

‫‪226‬‬
‫فالش خص درج ة‪ ،‬وأب وه درج ة‪ ،‬واألص ل املش رتك اجلد ال حيس ب‪ ،‬مث العم درج ة‪ ،‬وابن العم‬
‫درجة إذاً تكون القرابة من الدرجة الثالثة‪.‬‬
‫وفيم ا يتعل ق حبس اب درج ة املص اهرة‪ ،‬ف إن أقرب اء الزوج ة يكون ون أق ارب لل زوج‪ ،‬حبس ب‬
‫درجتهم للزوجة‪ ،‬والعكس كذلك‪ ،‬فمثالً أبو الزوجة‪ ،‬يُعترب قريب اً للزوج من الدرجة األوىل‪،‬‬
‫بذات درجة الزوجة ألبيها‪ ،‬وأشقاء الزوجة أقرباء للزوج من الدرجة الثانية‪ ،‬أي بنفس درجة‬
‫قراب ة الزوج ة‪ ،‬م ع أش قائها‪ ،‬وقراب ة املص اهرة ال تك ون إال بني أح د ال زوجني‪ ،‬وأق ارب ال زوج‬
‫اآلخر‪ ،‬فعلى سبيل املثال أخت الزوج تعترب قريبة لزوجته‪ ،‬أما أخ الزوجة فال يعترب قريباً ألخت‬
‫الزوج‪.1‬‬
‫‪ .II‬الحضرية ورباط القرابة بالسانيا‪ A‬وحي الرائد شريف يحي‬

‫الحياة الحضرية‪ A‬بحي الرائد‪ A‬شريف يحي‬ ‫‪.1‬‬

‫يعرب احلي عن املكان الذي حييا فيه اإلنسان‪ ،‬فهو حيز جغرايف اجتماعي‪ ،‬وبه حتيا مجاعات‬
‫من األفراد‪ ،‬الذين تربطهم عالقات وطيدة طيلة حياهتم‪ 2.‬كما يشري علماء االجتماع إىل أن‬
‫احلي‪ ،‬هو ارتباط مجاعة من األسر يف حيز مكاين‪ ،‬حمدد جغرافيا‪ ،‬يشغلونه للعيش والسعي‬
‫حنو حتقي ق االس تمرارية يف احلي اة‪ ،‬جيمعهم الش عور باالنتم اء إىل مجاع ة واح دة‪ ،‬حيث‬
‫توحدهم تل ك العالق ات احلميمية‪ ،‬بينهم وال يت حتكمه ا قواعد ومب ادئ‪ ،‬تُع رب عن ط بيعتهم‬
‫اخلاصة‪ ،‬اليت ينفردون هبا‪ ،‬عن بقية األحياء‪ ،‬ووفقا ألعراقهم وأفكارهم‪.‬‬
‫وطاملا أن احلي يع رب عن وح دة عمراني ة متجانس ة‪ ،‬ك ذلك يع رب عن وح دة اجتماعي ة‬
‫متماس كة‪ ،‬خاصة عالق ات اجلرية‪ ،‬إذ يع ين احلي يف القري ة جمموع ة من األس ر ال يت غالب ا م ا‬
‫ترتبط بروابط جوار‪ ،‬وثيقة ترتتب عليها التزامات اجتماعية‪ ،‬واقتصادية وقانونية وأخالقية‬
‫متبادلة تلقى أعلى مستوى من العناية واحلرص التلقائي‪ ،‬الذي تبديه األسر املعنية‪ ،‬فروابط‬
‫اجلوار يف هذه احلالة‪ ،‬تأيت من حيث قوة ضبطها للعالقات‪ ،‬واملواقف السلوكية‪ ،‬بعد روابط‬
‫القراب ة الدموي ة‪ ،‬وق د ال تق ل عنه ا‪ ،‬يف الت أثري عن دما مير عليه ا وقت طوي ل‪ ،‬دون أن تنتق ل‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬حممد محداوي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.116‬‬
‫‪ .‬دنكن متشيل‪ ،‬معجم علم االجتماع‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪101 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪227‬‬
‫األسر إىل أحياء أخرى‪ ،‬بينما يف املدينة‪ ،‬فإن احلي احلضري خيتلف عن احلي القروي‪ ،‬من‬
‫حيث املعايري ألن يف القُرى هناك تطابق تقريبا‪ ،‬يف قرب املسافة بني بيوت األسر‪ ،‬القاطنة‬
‫يف احلي ودرج ة القراب ة ال يت تربطه ا‪ ،‬فه ذا املعي ار يُص بح غ ري مؤك د‪ ،‬ويُص عب تعميم ه‪،‬‬
‫لوجود عوامل جديدة تدخل إىل حياة املدينة‪ ،‬من شأهنا أن تغيري معىن التجاور ومربراته‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وهي يف كثري من األحيان تفرتق عن الدالالت اليت ارتبطت هبذا املفهوم يف القرى‪.‬‬
‫‪.2‬األصل الجغرافي للسكان‬

‫بلدية السانيا أو "اجملتمع السانياوي"‪ ،‬جمتمع حملي مبدينة وهران‪ ،‬حديث التشكيل جمالي اً‪ ،‬أي أن‬
‫التمركز السكاين به ال يتجاوز حقبة بداية االستعمار الفرنسي (العام ‪ 1844‬تقريبا)‪ ،‬كانت‬
‫املنطق ة عب ارة عن حق ول زراعي ة تع ود ملكيته ا للمس توطنني ال ذين جعل وا أهله ا عم االً هبا‪،‬‬
‫ليتوسع التمركز السكاين هبا بعد ذلك‪ ،‬وهكذا شهدت املنطقة وفود قبائل عديدة‪ ،‬أمهها تلك‬
‫ال يت تنقلت يف كام ل الغ رب اجلزائ ري بع د تض ررها من املرس وم ‪ 1863‬ال ذي أص دره‬
‫االستعمار الفرنسي بغية حتطيم القبيلة‪ ،‬وشل حركة املقاومة وجتديد البنية االقتصادية‪ ،‬بل توليد‬
‫أخ رى‪ ،‬على رأس الواف دين قبيل ة "الزمال ة" املعروف ة مبواالهتا للحكم العثم اين آن ذاك‪ ،‬ويعت رب‬
‫اويني" باملدى الثاين‬
‫و"س ْنيَ ْ‬
‫أعضاؤها املتواجدون حمليا حىت اآلن أنفسهم ْ"ز َمالَة" باملدى األول‪َ ،‬‬
‫ني" باملدى الثالث (نسبة للتل الوهراين)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫و"تَليِّ ْ‬
‫‪2‬‬

‫"الس ا ْنيَا ِوي"على جمموعتني‬ ‫ِ‬


‫ّأما قبيلة"احلْميَا ْن" فوجودهم حديث باجملتمع احمللي حيتوي اجملتمع َ‬
‫هامتني (أصليني ودخالء) تنقسمان بعد ذلك إىل جمموعات فرعية‪ ،‬وهذا اجملتمع مهيكل على‬
‫أس اس عالق ات اجتماعي ة مبني ة خاص ة على األس بقية يف الس يطرة على اجملال املس كون‪ ،‬وعلى‬
‫مس ار كس ب الش رعية يف األرض‪ ،‬فق د ك انت البني ة االقتص ادية للمجتم ع احمللي‪ ،‬ذات ط ابع‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬قيس النوري‪ ،‬األنثروبولوجيا الحضرية بين التقليد والعولمة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.107‬‬
‫‪.2‬خالد بن فافة‪ ،‬مقاربة سوسيولوجية حلركية السلطة السياسية احمللية يف اجلزائر بلدية السانيا منوذجا‪ ،‬مقال بجريدة السفير العربي‪،‬‬
‫فلسطني‪www.arabi.assafir.com. 2013،‬‬

‫‪228‬‬
‫فِالحي‪ ،‬وبعد االستقالل طرأ تغيري كبري يف تنظيم هذه البنية‪ ،‬خاصة مع إدخال موجة التصنيع‬
‫‪1‬‬
‫وتشكل املنطقة الصناعية على املستوى احمللي‪.‬‬

‫أما أصل سكان حي الرائد‪ A‬شريف يحي ‪ ،‬فغالبيتهم ليسوا سكانا أصليون ملدينة وهران‪ ،‬بل هم‬
‫خليط بني املهاجرين من واليات أخرى وسكان بلدية السانيا‪ ،‬ويُعترب األوائل الذين عمروا هذا‬
‫احلي يف بداي ة تأسيس ه هم عم ال اجليش الوط ين الش عيب‪ ،‬حيث ك ان حيت وي ه ذا احلي على‬
‫ثكنتان عسكريتان بُنيت جبوارمها أحياء عسكرية‪ ،‬على شكل سكنات عمودية‪ ،‬ليُقيم هبا أفراد‬
‫اجليش الوطين املتزوجني‪ ،‬مما جعلهم جيلبون عائالهتم ليسكنوا هبذه العمارات العسكرية‪ ،‬ومع‬
‫م رور ال زمن ب دأ حي الرائ د ش ريف حيي يُعم ر بالس كان املتقاع دين من اجليش‪ ،‬ال ذين تع ودوا‬
‫على املنطقة فقاموا بشراء قطع أراضي موجهة للبناء باحلي‪ ،‬إلجناز سكناهتم الفردية‪.‬‬

‫ومن ذ ذل ك احلني ب دأ التوس ع يف احلي ومت إجناز أحي اء س كنية تابع ة ل ديوان الرتقي ة والتس يري‬
‫العقاري‪ ،‬وجهت للبيع‪ ،‬وأخرى إجتماعية‪ ،‬وكذا أخرى للبيع تابعة للبنك ‪ ،cnep‬وتطور‬
‫احلي جاء نتيجة املوقع القريب من وسط مدينة السانيا‪ ،‬على بعد ‪ 02‬كلم وكذا على بعد ‪08‬‬
‫كلم من قلب عاصمة الغرب اجلزائري وهران‪ ،‬وبالضرورة أدى إىل إجناز املؤسسات واملرافق‪،‬‬
‫مع مده بالوسائل الكفيلة للحياة العامة للسكان‪ ،‬ومتطلباهتم فأصبح حضريا بامتياز‪ ،‬ومما زاده‬
‫إهتماما عمرانيا بعدما ُأجنزت به أغلب سكنات البيع باإلجيار (عدل)‪ ،‬اليت تدعمت هبا والية‬
‫‪2‬‬
‫وهران سنة ‪2013‬‬

‫‪.3‬المستوى التعليمي‬

‫يعترب املستوى التعليمي ألرباب األسر‪ ،‬سواء الزوجة أو الزوج‪ ،‬يلعب دورا كبري يف انتقاء‬
‫األس اليب احلس نة لتنش ئة األبن اء على طاع ة األج داد‪ ،‬وص لة ال رحم والتواص ل الق رايب‪ ،‬ويع ود‬
‫ذلك إىل أن الوالدان املتعلمـان لـديهم إطالع أوسع على أمهية الروابط القرابية واألسرية‪،‬كما‬
‫أثبتت بعض الدراسات أن الوالدين املتعلمان‪ ،‬مييالن إىل استخدام أسلوب احلرية واحلوار‪ ،‬مـع‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬خالد بن فافة‪ ،‬نفس املرجع السابق ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬مذكرة احلصيلة السنوية لبلدية السانية ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫أبن ائهم واالهتم ام باجلانب النفس ي هلم‪ ،‬كم ا أن هلم دور كب ري على تنش ئة أبن ائهم نش أة تع زز‬
‫الروابط االجتماعية وخاصة منها القرابية‪.‬‬

‫ومعظم مبحوثين ا ل ديهم مس توى تعليمي الب أس ب ه‪ ،‬فبالنس بة لتس ع أس ر كب رية ال يت قابلناه ا‬
‫ك انت كله ا مثقف ة‪ ،‬ومس توى التعليمي للرج ال متوس ط‪ ،‬وذل ك ألن غ البيتهم متقاع دوا من‬
‫اجليش الوط ين الش عيب‪ ،‬بينم ا النس اء ك ان هلم مس توى أمي‪ ،‬والبعض منهن درس ن بأقس ام حمو‬
‫األمية كما صرحن‪( .‬أنظر جدول تبويب املقابالت)‪.‬‬

‫أما باقي األسر النووية اليت قابلناها‪ ،‬فتفاوت املس توى التعليمي‪ ،‬بني اإلبت دائي إىل اجلامعي‪،‬‬
‫ومل يكن مستوى أمي موجود‪ ،‬والعالقة اليت ربطناها بني املسوى التعليمي والظاهرة املدروسة‬
‫هو معرفة متثالت األسر وخاصة منها الغري أمية‪ ،‬لرباط القرابة يف اجملتمع وممارساهتا اليومية‪،‬‬
‫حيث وجدنا أن كل األسر ترى أن رباط القرابة رباط أساسي يف تشكل العالقات اإلجتماعية‬
‫لألف راد وه و يتغ ذي من خالل التواص ل والزي ارات املس تمرة‪ ،‬كم ا ج اء هبا ال دين اإلس المي‬
‫وكلهم يؤكدون على أنه توجد جمموعة من الضروف واألسباب جعلته يتقلص أو يضعف‪.‬‬

‫‪.4‬التركيبة‪ A‬األسرية‬

‫تعت رب الرتكيب ة األس رية ن وع وحجم األس ر املتواج دة يف احلي املدروس‪ ،‬وذل ك حس ب ع دد‬
‫األسر احملصات يف احصاء ‪ 2008‬وكذلك نوعها من أسر نووية وأسر كبرية (أنظر اجلدول‬
‫رقم ‪ .)11‬وهذا اجلدول يوضح نوع األسر اليت قابلناها‪.‬‬

‫جدول رقم ‪ 06‬يوضح التركيبة األسرية أو نوعها‬


‫اجملموع‬ ‫أسر موسعة‬ ‫أسر نووية‬ ‫نوعية األسرة‬
‫‪16‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪16‬‬ ‫املساكن العمودية‬
‫‪19‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪10‬‬ ‫املساكن الفردية‬
‫‪35‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪26‬‬ ‫اجملموعة‬

‫‪230‬‬
‫‪.5‬التمثالت االجتماعية لرابطة‪ A‬القرابة‪ A‬بالسانيا حي الرائد شريف يحي‬

‫يس تخدم مص طلح التمثالت االجتماعي ة‪ ،‬ليش ري إىل فك رة معين ة‪ ،‬توج ه الفهم‪ ،‬وهن اك‬
‫منظ ورات خمتلف ة للتمثالت‪ ،‬يف العل وم االجتماعي ة‪ ،‬حيث تعتربه ا أدوات تس تخدم يف البحث‪،‬‬
‫يفك ر الب احث يف ض وئها يف مركبـات عقلي ة‪ ،‬تعكس وجه ة نظ ر معين ة‪ ،‬وترك ز على بعض‬
‫ج وانب الظ واهر‪ ،‬يف ال وقت ال ذي تتجاه ل في ه ظ واهر أخ رى‪ ،‬ول ذلك ف إن التمثالت ال يت‬
‫يستخدمها شخص معني‪ ،‬هلا تأثري هام يف إدراكه للواقع‪ 1.‬والتمثل هو عملية اسرتجاع ذهين‬
‫ملوق ف أو ظ اهرة م ؤثرة يف حي اة الف رد‪ ،‬بواس طة ص ورة أو رم ز أو عالم ة‪ ،‬وبالنس بة لق‪AA‬اموس‪A‬‬
‫علم االجتماع تعد التمثالت االجتماعية‪ ،‬شكال من أشكال املعرفة الفردية‪ ،‬واجلماعية املتميزة‬
‫عن املعرفـة العلمي ة ف التمثالت االجتماعي ة حس ب املنظ ور االجتم اعي‪ ،‬هي منط من التفك ري‬
‫التعميمي والـوظيفي‪ ،‬مـن طـرف مجاع ة اجتماعي ة‪ ،‬هبدف التواص ل م ع حميطه ا االجتم اعي‪،‬‬
‫وبتأثري منه‪ ،‬بغية فهم هذا احمليط وحماولة التحكم فيه‪ ،‬ويرجع الفضل يف اكتشاف عبارة التمثل‬
‫االجتم اعي‪ ،‬إىل إمي ‪AA‬ل دورك ‪AA‬ايم س نة ‪ 1898‬حينم ا ق ارن بني التمثالت الفردي ة والتمثالت‬
‫اجلماعية‪ ،‬وذلك يف مقال مشهور له نشر يف جملة "المتافيزيقيا‪ A‬واألخالق"حيث يرى دوركايم‪A‬‬
‫أن الفرد يتصرف من خالل اجلماعة‪ ،‬ويعترب التمثل أو التصور كتأثري مـن طرف مظاهر اجملتمع‬
‫على أفك ار الف رد‪ ،‬فه و معرف ة اجتماعي ة متعلق ة بالتنش ئة االجتماعي ة وناجتـة عنهـا للبنـاء‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬وما حيمله من ظواهر‪.‬‬

‫ومتثالت أفراد احلي املدروس للروابط القرابية‪ ،‬ماهي إال صورة حيملها هؤالء األفراد اجتاه‬
‫اجملتمع الذي يعيشون فيه‪ ،‬تنبين على عدة عوامل منها ماهو عاطفي‪ ،‬ومنها ما هو اجتماعي‬
‫ثقايف‪ ،‬أي كل ما يرونه يف واقعهم وما يكتسبونه‪ ،‬من معلومات حول ظاهرة الرباط القرايب‪،‬‬
‫يف اجملتمع اجلزائري‪ ،‬فهم يرون أن رابطة القرابة أو صلة الرحم‪ ،‬كما عربوا عنها‪ ،‬أهنا ظاهرة‬
‫اجتماعي ة موج ودة يف الت اريخ الع ريب‪ ،‬من ذ أن ُوج د االنس ان‪ ،‬وقب ل جميء االس الم على أهنا‬

‫‪. 1‬حممد عاطف غيث‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص ‪.89،90‬‬


‫‪2‬‬
‫‪.Ferreol, GILLES, et Jean-Pierre, NORECK, introduction à la sociologie, Armand‬‬
‫‪Colin, coll.cursus sociologie, 7em éd, Paris, 2007,pp 249-242.‬‬

‫‪231‬‬
‫رابط ة قوي ة متين ة بني الع رب‪ ،‬واإلس الم زاد من أمهيته ا وقيمته ا‪ ،‬ولكن ال دين ربطه ا بالطاع ة‬
‫اإلهلية هلل‪ ،‬حسب ماصرح به الكثريون‪ ،‬ولكنهم كلما يتحدثون عن القرابة‪ ،‬إال ويستعملون‬
‫كلمة كانت‪ ،‬أصبحت وتغريت‪ ،‬هذا يعين أن الرابطة القرابية‪ ،‬مرت مبراحل وأزمنة جعلتها‬
‫تتغري‪.‬‬

‫والواضح أن أفراد جمتمع البحث‪ ،‬يؤكدون كلهم على أن القرابة موجودة ولن تزول‪ ،‬ألهنا‬
‫روابط حتمية‪ ،‬جيد الفرد نفسه مرتبطا هبا‪ ،‬منذ الوالدة‪ ،‬ألن الفرد كما سبق وأن قلنا‪ ،‬الميكنه‬
‫أن خيتار أقاربه‪ ،‬وهلذا فالروابط لقرابية ضعفت حسب املبحوثني‪.‬‬

‫تق ول املبحوث ة رقم‪" 03‬دروك احلال ة تب دلت‪ ،‬اجملتم ع م راهش كم ا ك ان‪ surtout ،‬بني‬
‫األقارب‪ ،‬الناس مراهيش عندهم رغبة‪ ،‬باش يروحو عند لفامي‪ ،‬كيما بكري‪ ،‬نقست شوي‬
‫وتبانلي السبب هو باش مانكرتوش على بعضانا‪ ،‬منطولوش يف ال ُقعاد‪ ".‬ترجع املبحوثة سبب‬
‫تراجع الروابط القرابية‪ ،‬إىل عدم رغبة الناس‪ ،‬باملكوث وقت اً طويالً عند األقارب‪ ،‬وملا يرتتب‬
‫عليه من مشاكل عائلية وقرابية‪ ،‬فقد حتدث مشكلة نتيجة لكلمة‪ ،‬قد ال يقصد هبا الشخص‪،‬‬
‫ما قد يفهمه اآلخر‪ ،‬فنفوس البشر تغريت‪ ،‬كما أن البعض منهم‪ ،‬أصبح يبحث عن املشاكل‬
‫وال يهمه سوى ماذا قالت فالنة؟‪ ،‬فأصبحنا نبتعد عن هذه اجملتمعات لنتفادى املشاكل‪ ،‬حيث‬
‫نقوم يف الوقت احلايل‪ ،‬بزيارة أقاربنا بطريقة خفيفة وسريعة‪ ،‬أو عن طريقة اهلاتف‪ ،‬الذي لن‬
‫يتدخل شخص ثالث ويفسر ما ميكن تفسريه‪ ،‬ورمبا هذا األمر‪ ،‬ال نريده وال حنبذه لكن بعض‬
‫الضرورات حتتم علينا ذلك‪.‬‬

‫وتقول مبحوثة رقم‪" 7‬أنا نروح عند أهلي‪ malgré ،‬كاين مشاكل‪ ،‬بصح كيما يقولوا‪:‬‬
‫خ ري من زار وخف ف‪ déjà ،‬هندروا ‪ en général‬ح ىت نك ره وك ون مش ي ال واجب‪ ،‬والعال‬
‫كاش حاجة مانروحش خالص‪ ".‬فهي ترى أهنا ال تستطيع‪ ،‬أن تقطع أقارهبا‪ ،‬على الرغم من‬
‫وج ود بعض العوائ ق‪ ،‬فعليه ا القي ام ب الواجب فق ط‪ ،‬إال أن ذل ك مل مينعه ا من التواص ل معهم‪،‬‬
‫مشري ًة إىل أن الغريب يف جلساهتا مع أقارهبا‪ ،‬أن الكل يتحدث بشكل متحفظ‪ ،‬وال يُظهر لك‬
‫شيئاً صحيحاً بالرغم من أن كل املواضيع اليت تتحدث عنها "عامية" وال متس أحداً‪ ،‬مما جيعلها‬

‫‪232‬‬
‫تش عر ب أن ه ذا املك ان ليس مكاهنا‪ ،‬ب ل يُكس ب اجللس ة املل ل والض جر‪ ،‬فتتقلص الزي ارات‬
‫بالتدرج‪ ،‬إىل أن تقتصر على أوقات ومناسبات خاصة‪.‬‬

‫وأرجع املبحوث رقم ‪ 32‬تغري الروابط القرابية إىل عامل التكاليف فيقول‪":‬حب املظاهر هو‬
‫يل خال الن اس م اتروحش عن د بعض ها البعض‪ ،‬خاص ة عن د النس اء‪ ،‬وت اين املش اكل األس رية‪،‬‬
‫احلسد الغرية‪ ،‬السحر‪ ،‬كل وحدا ختاف من ماكلة األخرى‪ ،‬كره بني النساء‪ ".‬وهنا يرى بعض‬
‫املبح وثني وخاص ة منهم الرج ال‪ ،‬أن السبب الرئيس ي يف ض عف الرواب ط القرابي ة‪ ،‬ه و ارتف اع‬
‫تك اليف الزي ارة الواح دة‪ ،‬وحب املظ اهر للنس اء‪ ،‬إىل جانب ك ثرة املش اكل األس رية‪ ،‬كالغرية‬
‫واحلسد‪ ،‬والسحر كما أن ضغوط العمل‪ ،‬وبُعد املكان وقلة املواصالت‪ ،‬باإلضافة إىل انشغال‬
‫رب األسرة يف الكثري من األحيان أيضا‪.‬‬

‫كم ا ت رى الكث ري من مبحوثاتن ا أيض ا‪ ،‬أن األق ارب يرفض ون أن ت زورهم ق ريبتهم‪ ،‬ال يت‬
‫تصطحب معها أبناءها الصغار‪ ،‬وذلك خوفا من أن يزعجهم األوالد‪ ،‬فهي ترى أن اجملتمع‪ ،‬مل‬
‫يعد مثل السابق يف الزيارات‪ ،‬وأصبح لكل منهم منط معني‪ ،‬حيث يستفسر البعض عن حضور‬
‫األطفال خوف اً من إتالفهم إلكسس وارات‪ ،‬أو أث اث من ازهلم‪ ،‬فتج د ص احبة املنزل ول و كانت‬
‫ش قيقتك‪ ،‬ال تص غي إلي ك فيم ا تتح دث‪ ،‬فعيناه ا ت راقب األطف ال م اذا عمل وا؟ وأين ذهب وا؟‪،‬‬
‫فتجع ل اجللس ة كله ا ض جراً وختج ل من نفس ك‪ ،‬ك ذلك ال تلقي ل ك أي اهتم ام‪ ،‬فتض طر يف‬
‫املرات القادم ة‪ ،‬أن ال تص طحب أبن اءك‪ ،‬مما ي رتتب على ذل ك‪ ،‬قل ة مكوث ك عن دها‪ ،‬ب ل من‬
‫املمكن أن ال تفكر بالقيام بزيارهتا مرة أخرى‪.‬‬

‫ومن خالل ه ذه التص ورات والتمثالت‪ ،‬ح ول موض وع الرب اط الق رايب‪ ،‬وكي ف ينظ ر‬
‫األق ارب لبعض هم البعض‪ ،‬وج دنا أن هن اك من املبح وثني الرج ال‪ ،‬ي رون أن الرواب ط القرابي ة‪،‬‬
‫تغريت عما كانت عليه يف السنوات املاضية‪ ،‬من القرن املاضي‪ ،‬يعود حتما إىل عدة أسباب‪،‬‬
‫جعلت أفراد اجملتمع ينشغلون عن هذه الزيارات‪ ،‬منها االنشغال بأمور احلياة اليومية كالعمل‪،‬‬
‫وك ذلك الوس ائل الرتفيهي ة والعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬خ ارج العائل ة‪ ،‬كم ا أن تع دد الرغب ات يف‬
‫العائلة الواح دة‪ ،‬حنو الزيارات‪ ،‬وإعطاء آراء لألطفال ليحددوا مكان الزيارة‪ ،‬ساهم يف عدم‬
‫‪233‬‬
‫التفك ري يف زي ارة األق ارب دون أن ننس ى‪ ،‬االهتم ام الزائ د باملظ اهر واملادي ات‪ ،‬ك أن حيت اج‬
‫املستض يف أك ثر من ي وم اس تعدادا ً الس تقبال احلض ور‪ ،‬ول و ك ان شخص اً واح داً‪ ،‬مما يرهق ه‬
‫مادياً‪ ،‬كذلك تغري الثقافات االجتماعية بدءاً من "منقدرش نتالق بفالن والنشوفه" أو "نكره‬
‫دار فالن"‪ُ ،‬مش ريين إىل تفش ي "ظ اهرة القي ل والق ال وفالن ة ق الت وفالن ق ال" يف اجملتم ع‬
‫العائلي‪ ،‬نتيجة لإلصغاء ملشاكل ومناوشات األطفال فيما بينهم وتأثريها‪ ،‬ومن خالل معاشريت‬
‫جملتمع البحث‪ ،‬الحظت خفة الزيارات اليومية فيما بينهم‪ ،‬وندرهتا إال يف املناسبات واألعياد‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫‪ -‬خالصة الفصل الرابع‪A‬‬

‫نستخلص من خالل ما مت عرضه يف هذا الفصل‪ ،‬أن الزواج يُعترب حمددا أساسيا لرابطة‬
‫القراب ة يف ك ل اجملتمع ات‪ ،‬وتض رب ظ اهرة زواج األق ارب ج ذورها يف الت اريخ‪ ،‬ألن ه ي ؤدي‬
‫وظيفة مهمة يف التنظيم القرايب‪ ،‬ويعمل بطريقته اخلاصة على دعم احلياة االجتماعية‪ ،‬واحملافظة‬
‫على البن اء االجتم اعي الكلي‪ ،‬كم ا حياف ظ على متاس ك الوح دة القرابي ة عن طري ق ت دعيم‬
‫العالق ات القرابي ة القائم ة ونفس احلال بالنس بة لل زواج من أبن اء العموم ة‪ ،‬حيث يُص بح العم‬
‫ص هرا البن أخي ه مما ي ؤدي إىل احملافظ ة على بعض اخلص ائص والع ادات العائلي ة املتوارث ة عن‬
‫طريق الزواج‪.‬‬

‫زيادة على ذلك فإن األسرة هي البنية األولية للنظام القرايب‪ ،‬حبيث ال ميكن دراسة الرابطة‬
‫القرابي ة دون دراس ة األس رة‪ ،‬يع ين ه ذا أن ن واة القراب ة هي األس رة ال يت تتك ون باألس اس من‬
‫زواج رجل وإمرأة بعقد شرعي‪ ،‬وبناء عليه يؤسس الزواج‪ ،‬روابط نسبية مع أسرة الزوجة‬
‫وأقاربه‪ ،‬حىت يتبلور عن هذا التأسيس نوعني من الروابط‪ ،‬األوىل روابط قانونية اجتماعية بني‬
‫ال زوجني والثاني ة رابط ة بايولوجي ة بني األب وين وأبن ائهم‪ ،‬وهن ا نس تنتج اللبن ة األوىل للقراب ة يف‬
‫اجملتمع عامة‪.‬‬

‫ومن خالل ه ذا الفص ل‪ ،‬نس تنتج أيض ا أن القراب ة م رت مبراح ل تطوري ة‪ ،‬وذل ك حس ب‬
‫التط ور ال ذي عرفت ه األس رة وال زواج‪ ،‬من االباحي ة إىل ال زواج احلايل‪ ،‬كم ا ارتبطت الرابط ة‬
‫القرابي ة‪ ،‬ب الزواج الق رايب يف اجملتمع ات التقليدي ة‪ ،‬والعربي ة أيض ا‪ ،‬لتص ل إىل مرحل ة ال زواج‬
‫اخلارجي يف اجملتمع ات احلض رية‪ ،‬إض افة إىل ذل ك ف إن الرابط ة القرابي ة من حيث عالقاهتا‬
‫الداخلي ة‪ ،‬حتدث عنه ا علم اء االجتم اع واألنثروبولوجي ا‪ ،‬على أهنا أيض ا ع رفت تغ ريا وتط ورا‬
‫حسب التغري‪ ،‬الذي مير به اجملتمع عامة‪ ،‬ألن التغري االجتماعي يؤثر يف كل العناصر والبنيات‬
‫االجتماعية للنظام القرايب‪ ،‬مما يؤدي إىل تغري نوع األسرة من العائلة إىل أسرة نووية‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫وه ذا وض حته الكث ري من النظري ات ال يت س بق وأن أش رنا إليه ا من قب ل‪ ،‬هلذا وج دنا أن‬
‫نظريات الرابطة القرابية‪ ،‬حسب ما رآها مورج‪AA‬ان‪ ،‬بدأت باالباحية اجلنسية‪ ،‬وعند س‪AA‬تروس‬
‫بزواج أبناء العمومة‪ ،‬هذا ما يدل على أن أصحاب هذه النظريات يرون أن الزواج األحادي‬
‫هـو أرقى أنواع الزواج‪ ،‬مل يظهر إال بعد مرور البشرية‪ ،‬مبرحلـة الـزواج التعددي‪ ،‬والشيوعية‬
‫اجلنسية‪ ،‬كما يرى هنا ه‪A‬نري مين ‪ Main Henry Sir‬يف كتابـه الشهري بعنوان "الق‪A‬انون‪A‬‬
‫القديم" إىل أن نظام القرابة األبوي‪ ،‬أسبق يف الوجود مـن خمتلف النظم القرابية األخرى‪ ،‬مربرا‬
‫ذلك بأن الفطرة اإلنسانية جتعـل الرجل ال يسمح ألحد أن يشاركه يف زوجته‪ ،‬وقد سار وس‪AA‬تر‬
‫م‪AA‬ارك يف نفس ه ذا اخلط األخ ري حيث ق ال‪ :‬س بق النظ ام األح ادي يف ال زواج على غ ريه مـن‬
‫‪1‬‬
‫أشـكال الزواج‪.‬‬
‫وي رى يف ذل ك املس لمون م ا ورد يف الق ‪AA‬رآن الك ‪AA‬ريم‪ A‬مـن قصـة س يدنا آدم وأمن ا حـواء‬
‫وزواجهمـا وهبوطهم ا إىل األرض‪ ،‬يؤك د على أن األس رة كانت أحادي ة عموم ا‪ ،‬وأن النسب‬
‫كان أبويا‪ ،‬وأن ما حدث فيما بعد‪ ،‬أي مع تطور البشرية وظهـور أنـواع الـزواج التعددي‪ ،‬أو‬
‫الش يوعية اجلنس ية‪ ،‬يعت رب حال ة اس تثنائية‪ ،‬واحنراف عن الفط رة اإلنس انية ال يت فط ر ااهلل عليه ا‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫ومن كل هذا فالرابطة القرابية‪ ،‬نوع من أنواع الروابط االجتماعية األولية اليت عرفتها البشرية‬
‫عرب التاريخ‪ ،‬وال تكون هذه الرابطة إال برباط الزواج الشرعي‪ ،‬ألن النسب ال يُعرتف به يف‬
‫حالة عدم وجود زواج يف اجملتمعات وذلك حسب القوانني واألعراف االجتماعية‪ ،‬فالرابطة‬
‫القرابية مرتبطة بالزواج واألسرة اليت تعترب البنية األولية للقرابة‪.‬‬

‫‪ .1‬نبيل السمالوطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪111‬‬

‫‪236‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫مظاهر الروابط االجتماعية القرابية بحي الرائد شريف يحي‬

‫‪ -‬متهيد‬

‫‪.I‬مظاهر التواصل واالتصال القرابي‬

‫‪.1‬تبادل الزيارات وطرق استقبال األقارب‬

‫‪.2‬تبادل اهلدايا واملساعدات‬

‫‪.3‬التضامن والتكافل بني األقارب‬

‫‪.II‬صلة الرحم المصطلح الديني للتواصل القرابي‬

‫‪.1‬مفهوم صلة الرحم‬

‫‪ .2‬الدرجة القرابية األوىل الوالدان األقارب األكثر زيارة‬

‫‪.III‬أسباب ضعف الروابط القرابية‬

‫‪ .1‬النزاعات والصراع بني االخوة واألهل داخل العائلة‬

‫‪.2‬اهلجرة والبعد اجلغرايف لألسرة النووية عن العائلة‪.‬‬

‫‪.3‬انتشار ظاهرة السحر والشعودة يف اجملتمع احلضري‬

‫‪ .4‬الفضاء االجتماعي وعالقته بضعف الرابطة القرابية‬

‫‪-‬خالصة الفصل اخلامس‬

‫‪237‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫تمهيد‬

‫إن أهم م ا مييز اإلنس ان عن د اتص اله بإنس ان آخ ر‪ ،‬ه و ح دوث تفاع ل معني‪ ،‬تق وم على‬
‫أساسه عالقات خمتلفة‪ ،‬حيث يتخذ هذا التفاعل‪ ،‬عادة عددا من األشكال املختلفة‪ ،‬قد يبدو‬
‫البعض منها مرغوبا فيه‪ ،‬والبعض غري مرغوب فيه داخل اجملتمع‪ .‬وما يهمنا يف كل هذا هو أن‬
‫حدوث التفاعل صفة أولية‪ ،‬من صفات األفراد للتجمع‪ ،‬فاإلنسان مادام جيتمع بإنسان آخر‬
‫فالب د أن ننتظ ر من ه ذا االجتم اع ح دوث تفاع ل معني‪ ،‬وه و قي ام عالق ات معين ة‪ ،‬فتنش أ م ا‬
‫يسمى بالعمليات االجتماعية‪ ،‬نتيجة هذا التفاعل أيضا‪ ،‬حيث ختتلف العمليات االجتماعية اليت‬
‫تق وم بني األف راد‪ ،‬يف طبيعته ا ومظاهره ا‪ ،‬فمنه ا م ا ي ؤدي إىل التن افر والتفك ك‪ ،‬كالنزاع ات‬
‫والصراع ومنها ما يؤدي إىل التجاذب والرتابط‪ ،‬كعمليات التعاون والتوافق والتمثيل‪.‬‬
‫هلذا تعت رب رابطة القراب ة من الرواب ط االجتماعي ة ال يت تق وم على ارتب اط أس ري‪ ،‬حتدده ثقافة‬
‫اجملتم ع‪ ،‬ألهنا ختتل ف من جمتم ع إىل آخ ر‪ ،‬تبع ا الختالف الثقاف ات واللغ ات‪ ،‬فلك ل جمتمع‬
‫خصوصياته‪ ،‬والروابط القرابية موجودة يف كل اجملتمعات البشرية‪ ،‬حيث يقول عبد الرحمان‬
‫ابن خل ‪AA‬دون أن "ص لة ال رحم ط بيعي يف البش ر‪1 "..‬إال أن واق ع الرواب ط القرابي ة الي وم يتم يز‬
‫بتح والت ملموس ة على مس توى األس رة والعائل ة‪ ،‬والش بكة القرابية كك ل‪ ،‬ذل ك ألهنا عب ارة‬
‫عن نظام اجتماعي‪ ،‬يتأثر مبختلف التغريات اليت يعرفها اجملتمع احلايل وخاصة املدينة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬ابن خلدون‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪90‬‬

‫‪238‬‬
‫فللنس ق الق رايب دورا أساس يا يف دعم النظ ام األب وي‪ ،‬داخ ل األس رة اجلزائري ة‪ ،‬حيث أن‬
‫األنش طة االقتص ادية واالجتماعي ة لألس رة‪ ،‬ك انت ترتك ز على عملي ة تض امنية‪ ،‬وعلى تس اند‬
‫وظيفي غري مشروط‪ ،‬كما أهنا تقوم على روابط الدم‪ ،‬واملصاهرة والنسب‪ ،‬الذي جيمع أفراد‬
‫‪1‬‬
‫اجلماعة الواحدة‪.‬‬
‫ووجد فرانس فانون "أن اجملتمع اجلزائري‪ ،‬هو جمتمع قائم على النظام القرايب األبوي‪ ،‬إال أن‬
‫قاعدته اخلفية هي أمومية‪ 2".‬ألن املرأة أو الزوجة اجلزائرية‪ ،‬أصبحت يف الغالب تقوم بالكثري‬
‫من أعمال الرجل وال يقتصر دورها يف املنزل فقط وإمنا تغري ألكثر من ذلك‪ ،‬فالرجل اجلزائري‬
‫مجيع سلوكاته إزاء زوجته سرية‪ ،‬ويهمه رأي اجلماعة القرابية فيه‪ ،‬ألهنا هي اليت تستعمل األب‬
‫لرتسيخ الثقافة األبوية ككل‪ ،‬ومتكينه من جهة أخرى من تدعيم سلطته وتثمينها إزاء زوجته‬
‫وأبنائه‪.‬‬
‫كما تظهر الروابط القرابية من خالل االتصال والتواصل بني األفراد‪ ،‬حيث خيتلف التواصل‬
‫من منطقة إىل أخرى‪ ،‬من الريف إىل املدينة‪ ،‬وهلذا حاولنا ومن خالل املقابالت اليت أجريناها‬
‫مع األسر أن نتعرف على العمليات االجتماعية القرابية‪ ،‬من طرق ومظاهر التواصل االجتماعي‬
‫الق رايب يف احلي احمللي املدروس‪ ،‬وعملي ات اجتماعي ة أخ رى لل نزاع والص راع أو التن افر‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.la houari, ADDI, de l’Algérie précoloniale, Alger, ENAL, 1985,P93.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.Frantz, FANON, les damnés de la terre, la découvert, 1961, P,56.‬‬
‫‪239‬‬
‫‪.I‬مظاهر التواصل واالتصال القرابي‬

‫االتصال والتواصل عملية يتم مبقتضاها‪ ،‬تفاعل بني مرسل ومستقبل‪ ،‬ورسالة يف مضامني‬
‫اجتماعي ة معين ة‪ ،‬ويف ه ذا التفاع ل يتم نق ل أفك ار ومعلوم ات بني األف راد‪ ،‬ح ول مواض يع‬
‫ما‪ .‬ويُعرف "االتصال عل أنه عملية ديناميكية‪ ،‬تتميّز بالتغري املستمر‪ ،‬ويتم من خالهلا تبادل‬
‫جمموعة من الرموز‪ ،‬واملفاهيم واألدوار‪ ،‬بني أطراف عملية االتصال‪ ،‬واليت تتولد أثناء التفاعل‬
‫ويتم االتصال بشكل‬
‫حيث تبدأ هذه العملية‪ ،‬من اتصال الفرد بذاته‪ ،‬إىل االتصال اجلماهريي‪ّ ،‬‬
‫قصدي أو غري قصدي‪ ،‬بغرض تكوين أنواع من العالقات‪ ،‬ختتلف كل منها باختالف حجم‬
‫الس بل‪ ،‬والوس ائل لنق ل املعلوم ات‪،‬‬
‫وزم ان وحمت وى املوق ف االتص ايل‪ ،‬أو ه و س لوك أفض ل ُ‬
‫واملعاين واألحاسيس واآلراء‪ ،‬إىل أشخاص آخرين‪ ،‬مع التأثري يف أفكارهم وإقناعهم‪ ،‬مبا تريد‬
‫سواء كان ذلك بطريقة لغوية‪ ،‬أو غري لغوية‪ 1.‬واالتصال باملفهوم العام هو انتقال املعلومات‬
‫واحلق ائق واألفك ار واآلراء‪ ،‬فه و نش اط إنس اين حي وي‪ ،‬وأن احلاج ة إلي ه يف ازدي اد مس تمر‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وعملية االتصال قد تكون نشاطاً عفوياً‪ ،‬ال شعورياً أو عمالً خمططاً هادفا‪.‬‬
‫أم ا االتص ال بني األق ارب فه و عام ل أساس ي‪ ،‬إلعتب اره ممارس ة اجتماعي ة‪ ،‬ض رورية‪ ،‬فه و‬
‫يظه ر من خالل التواص ل بينهم‪.‬حيث يقولكل‪AA‬ود لفي س‪AA‬تروس يف ه ذا اجملال "أن التواص ل بني‬
‫األق ارب يظه ر على ثالث ة مس تويات‪ ،‬إذ يت وفر املس توى األول على تنظيم تب ادل اخلربات‬
‫واخلدمات‪ ،‬أم ا املس توى الث ‪AA‬اني‪ A‬فيتمثل يف عقلن ة تب ادل الرس ائل واملع اين‪ ،‬واملس توى الث ‪AA‬الث‬

‫‪.1‬حممد بن عبد العزيز العقيل‪ ،‬حقيبة مهارات االتصال‪ ،‬مركز التنمية األسرية باألحساء‪ 1430،‬هـ‪،‬ص ‪.10‬‬
‫‪.2‬منال طلعت حممود‪ ،‬مدخل إلى علم االتصال‪ ،‬املعهد العايل للخدمة االجتماعية‪،‬جامعة اإلسكندرية‪،‬مصر‪2002 ،‬م‪،‬ص‪. 18‬‬

‫‪240‬‬
‫يتمثل يف تبادل الزيارات بني النساء وتداوهلن‪ 1.‬ومنه فإن مظاهر التواصل بني األقارب تتجسد‬
‫يف سلسلة من املمارسات االجتماعية اليت تُعد كمؤشرات أساسية هلذا التواصل‪.‬‬

‫وبس بب التكنولوجي ا تن وعت واختلفت وس ائل اإلتص ال‪ ،‬واختص رت املس افات وال وقت‪،‬‬
‫ل ذلك وج دها اإلنس ان‪ ،‬الب ديل األس هل رغم مس اوئها العدي دة‪ ،‬وتفض يل الع وامل االفرتاض ية‪،‬‬
‫والتجول فيها حبرية‪ ،‬ألنن ا نعيش حاليا ثورة الصورة واالتصال‪ ،‬اليت اجتاحت كل اجملاالت‪،‬‬
‫حىت احلميمية منها من حياة البشر‪ ،‬فشملت الروابط االجتماعية‪ ،‬وأثرت فيها‪.‬‬

‫أصبح األفراد يتصلون بأقارهبم عرب وسائل التكنلوجيا احلديثة‪ ،‬بدال من الزيارات‪،‬كما أن‬
‫زي ارة األق ارب‪ ،‬ع ادت تقتص ر على املناس بات‪ ،‬أك ثر من دوهنا‪ ،‬وقب ل الزي ارة جيب االتص ال‪،‬‬
‫بالقريب املُراد زيارته‪ .‬هنا نالحظ أن وسائل االتصال احلديثة‪ ،‬تستخدم بني األقارب بكثرة‪،‬‬
‫نظرا للتغري التكنلوجي واالجتماعي الذي يعيشه اجملتمع‪.‬كما أن هذه الوسائل احلديثة‪ ،‬وخاصة‬
‫منها األنرتنت أصبحت فضاءا ترفيهيا أيضا‪ ،‬يُغين يف الكثري من األحيان عن زيارة األقارب‪.‬‬

‫وبالت ايل ض عُفت الرواب ط االجتماعي ة خاص ة القرابي ة منه ا‪ ،‬حس ب م ا ي راه الب احثون‬
‫االجتم اعيون وهلذا اختلف وا يف طُرق التواص ل احلديث ة‪ ،‬وأثره ا على الرواب ط االجتماعي ة‪ .‬جند‬
‫"‪Le culte de‬‬ ‫الب احث ‪ PH.BRETON‬ال ذي حتدث عن االنفص ال اجلس دي يف كتاب ه‬
‫‪2 " ?L’Internet, Une menace pour le lien social‬وهناية اللقاءات املباشرة‪ ،‬فحسبه‬
‫األنرتنت‪ ،‬متثل وسيلة اتصال تفرق ما بني االفراد جسديا‪ ،‬لتخلق أزمة اجتماعية يف جمتمعاتنا‬
‫املعاصرة من خالل عزهلا لألفراد فيما بينهم‪ .‬فالباحث يفسر التواصل املباشر بني األفراد على‬
‫أنه أستبدل بواسطة التواصل الغري مباشر‪ ،‬عن طريق األنرتنت والشبكات االجتماعية التفاعلية‬
‫فكلما استخدمنا االن رتنت‪ ،‬كلما كان هن اك شعور بالعزل ة االجتماعية‪ ،‬وأص بح من الصعب‬
‫فهم مش اعر وأحاس يس االش خاص‪ ،‬عن بُع د‪ ،‬عن طري ق وس يلة األن رتنت‪ ،‬هلذا الرواب ط‬

‫‪.1‬حممد بن أمحودة‪ ،‬األنثروبولوجيا البنيوية أو حق االختالف‪،‬ط‪،1‬دار حممد علي احلامي‪،‬تونس‪،‬صفاقس‪،1987،‬ص ‪69‬‬


‫‪2‬‬
‫‪..‬أنظر حممد خليفة‪ ،‬مرجع سابق‬

‫‪241‬‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬أصبحت ض عيفة فاالس تخدام املتزاي د لألن رتنت يزي د من عزل ة االف راد عن ع املهم‬
‫‪1‬‬
‫احلقيقي‪ ،‬االجتماعي املباشر‪.‬‬

‫يعين هذا أن األقارب ال يلتقون جسديا ومباشرة‪ ،‬وإمنا يف عامل أخر افرتاضي بدون عاطفة‬
‫فالتواصل بني األقارب‪ ،‬أصبح عن طريق األنرتنت‪،‬كما أن هذه الوسيلة االتصالية‪ ،‬أصبحت‬
‫أيض ا من بني وس ائل ض عف الرب اط االجتم اعي الق رايب‪ ،‬وذل ك ألن األف راد يلجئ ون إليه ا يف‬
‫أوق ات ف راغهم‪ ،‬ب دال من زي ارت األق ارب ال يت ك انت يف زمن مض ى‪ ،‬حيث ك ان األف راد ال‬
‫فض اء هلم للرتفي ه‪ ،‬يف أوق ات الف راغ س وى زي ارة األه ل واألق ارب‪ .‬أم ا حالي ا يف اجملتم ع‬
‫احلض ري‪ ،‬هن اك ع دة فض اءات للرتفي ه‪ ،‬ق د تش غل األف راد عن زي ارة بعض هم البعض‪ .‬ه ذا م ا‬
‫وج دناه حالي ا من خالل الدراس ات ال يت ُأج ريت ح ول ذل ك يف التواص ل الق رايب وسنوض ح‬
‫مظاهره‪ ،‬من تبادل الزيارات واهلدايا بني األفراد يف اجملتمع احمللي املدروس‪.‬‬

‫‪.1‬تبادل الزيارات‪ A‬وطرق استقبال األقارب‬

‫أثبتت البحوث والدراسات‪،‬على أن العائلة‪ ،‬باجملتمعات العربية واجلزائرية‪ ،‬منها مازالت‬


‫عالقاهتا القرابي ة متواص لة‪ ،‬وبأش كال وأس اليب خمتلف ة‪.‬فمظ اهر التواص ل بني األق ارب‪ ،‬تتمث ل‬
‫خصوص ا يف تب ادل الزي ارات‪ ،‬ال يت تُع د من أهم مؤش رات الص لة القرابي ة‪ ،‬والغ رض منه ا ه و‬
‫ضمان األمان املعنوي واملادي يف خمتلف الظروف‪ ،‬كما يُعد االجتماع أثناء املناسبات‪ ،‬الدينية‬
‫واالجتماعي ة املختلف ة‪ ،‬خ ري دلي ل على متس ك العائل ة اجلزائري ة‪ ،‬بعالقاهتا الوطي دة م ع أقارهبا‪،‬‬
‫القربني منهم أو البعدين‪ ،‬مما يولد نوعا من مشاعر احملبة واحلنان بينهم ويزيد يف تضامنهم‪ ،‬ومما‬
‫يعرب عن مدى متسك األسرة بأهلها وأقارهبا‪ ،‬رغم كل االضطرابات والتحوالت االجتماعية‪،‬‬
‫واالقتص ادية والثقافي ة املس تمرة من ج راء اهلج رة الريفي ة‪ ،‬حنو املدن والتحض ر والتص نيع ال يت‬
‫‪2‬‬
‫يشهدها اجملتمع املعاصر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬أنظر‪:‬عبد احلميد لطفي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪.2‬انظر‪:‬مجيل سعيد‪ ،‬دراسات في المجتمع العربي ‪ ،‬دار اخلليج للصحافة والطباعة والنشر‪،‬الشارقة‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪.1987،‬‬

‫‪242‬‬
‫هلذا تُعت رب الزي ارات املتبادل ة‪ ،‬بني األق ارب ممارس ة اجتماعي ة ض رورية لتحقي ق ع دة أغ راض‬
‫مادية ومعنوية‪ ،‬تؤدي إىل توطيد الروابط بينهم ودوامها‪ ،‬حيث أن عامل البُعد أو القرب‪ ،‬من‬
‫العائلة بالنسبة إلقامة األسرة‪ ،‬ال أثر له يف حالة دوام هذه الزيارات بينهم‪ ،‬وهتدف هذه األخرية‬
‫إىل اللق اء وجه ا لوج ه معهم وتب ادل أط راف احلديث‪ ،‬فيم ا بينهم ملعرف ة األخب ار اخلاص ة هبم‪،‬‬
‫واالطمئنان على أحواهلم الشخصية مع اإلطالع على املستجدات اخلاصة حبياهتم اليومية‪ ،‬وهذه‬
‫الزي ارات تك ون كلم ا مسحت الظ روف ألف راد اجلماع ات القرابية‪ ،‬وغالبه ا يكون بك ثرة بني‬
‫األبن اء واألولي اء وأش قائهم‪ ،‬مث تليها الزي ارات م ع األعم ام واألخ وال وأبن ائهم‪ ،‬وبدرج ة أق ل‬
‫الزي ارات م ع غ ريهم من األق ارب‪ ،‬زي ادة إىل املكاملات اهلاتفي ة ال يت ت دعم ه ذه الزي ارات من‬
‫خالل األخبار املتداولة بني األقارب‪.‬ويف بعض األحيان تكون ناقصة أو منعدمة‪.‬‬
‫وبالنس بة للزي ارات م ع األق ارب‪ ،‬الغ ري مباش رين كاألعم ام واألخ وال‪ ،‬وأبن ائهم يف الع ادة‪،‬‬
‫تك ون خالل املناس بات واالحتف االت االجتماعي ة‪ ،‬كاألعي اد واألع راس‪ ،‬واحلفالت ومناسبات‬
‫النجاح أو مناسبة مرض أو وفاة‪ .‬حيث أن األسرة ال تتأخر عن هتنئة أو مواساة أقارهبا‪ ،‬فهي‬
‫تق ف س ندا ألقارهبا يف الس راء والض راء‪.‬بينم ا الزي ارات املتواص لة وغالب ا م ا تك ون يف هناي ة‬
‫األسبوع‪ ،‬ويف بعض األحيان يومية تكون بني األبناء وآباءهم‪.‬‬
‫والدراسة امليدانية أثبتت لنا أن األقارب مازالوا يزورون بعضهم البعض‪ ،‬ومل تنقطع العالقة‬
‫نظ را حلث ال دين على ص لة األق ارب‪ ،‬هلذا الزي ارات موج ودة ولكنه ا بش كل جيعله ا ترتب ط‬
‫باملناسبات فقط‪ ،‬حسب ما وضحه أغلب املبحوثني‪ ،‬على أن الزيارات تكون بانتضام‪.‬تقول‬
‫المبحوثة‪ A‬رقم ‪"12‬أنا خنرج عند فاميليت بالطبع (مبعىن بانتظام) مني تكون كاش حاجة‪ ،‬فرح‬
‫و ال ق رح‪ ،‬ن دير ال واجب‪ ،‬وس ريتو يل جيوين‪ ،‬كي تك ون عن دهم ك اش حاج ة‪ ،‬خنرجلهم أن ا‬
‫ت اين" وتصرح المقابل‪A‬ة‪ A‬رقم ‪"23‬ي ا أخ يت لكان ن روح عند لف امي‪ ،‬بال مناسبة يقولوا‪ ،‬جات‬
‫تص في علين ا‪ ،‬الواح د ي روح يقل ع الديق ة‪ ،‬وهوم ا نيتهم حاج ة وح دا أخ را‪ ".‬كم ا تص رح‬
‫المبحوث ‪A‬ة‪ A‬رقم ‪"21‬يف احلق البع د جييب الس الم‪ ،‬والق رب جييب الكالم‪ ،‬أن ا خطي ين الفاميلي ا‪،‬‬
‫نروح دار بويا‪ ،‬وال دار راجلي‪ ،‬خويت وما نروحش عندهم بزاف‪ ،‬خطرات كل واحد الهي‬
‫يف روحه‪ ،‬والناس بروحا مرامهش يبغو الضياف‪".‬وتقول المقابلة‪ A‬رقم ‪".14‬أنا ما نكسر راس‬
‫‪243‬‬
‫حىت واحد من غري دار بويا يل نروح وكي ندايق خنرج ندور يف مدينة جديدة‪ ،‬وال جاردان‬
‫خيلي مانسمع قالت ما والو‪ ،‬بصح مني تكون كاش مناسبة ويعرضوين نروح ندير الواجب‪".‬‬
‫يب دو من خالل املق ابالت ال يت أجريناه ا وه ذا البعض منه ا‪ ،‬يؤك دون على أن الزي ارات ال‬
‫تكون إال يف املناسبات‪ ،‬سواءا األفراح أو املآمت‪ .‬وذلك لتفادي املشاكل القرابية واليت قد تتمثل‬
‫يف معرفة أسرار األسر‪ ،‬والتدخل يف حياهتم اليومية‪،‬كما ترى أغلب األسر‪ ،‬أن املرأة اليت تزور‬
‫األقارب بكثرة تُصبح يف وقت ما منبوذة من طرف أقارهبا‪ .‬وهناك من املبحوثني هم قليلون‪،‬‬
‫رأو أن زيارة األقارب أمر طبيعي وواجب‪ ،‬حث عليه الدين االسالمي‪ ،‬ومن املفروض أن ال‬
‫يكون يف املناسبات فقط كما هو اليوم‪ ،‬وإمنا البعد عن الدين االسالمي واملشاكل االجتماعية‪،‬‬
‫كانت سببا يف التقليل من الزيارات وجعلها يف املناسبات فقط‪.‬‬
‫أما عن طرق استقبال األقارب‪ ،‬فمن خالل مالحظايت واملناسبات اليت حضرهتا مع بعض‬
‫الع ائالت أثن اء الزي ارات‪ ،‬ك انت تتم يز بك ل ص فات الك رم والض يافة‪ ،‬ب دايتا بش كل املائ دة‬
‫املناسب وأنواع احللويات والعصائر وغريها‪ .‬فكل عائلة تريد أن تكون األفضل‪ .‬كما أن حسن‬
‫الض يافة يقابل ة حس ن ض يافة‪ ،‬والعكس ص حيح‪ .‬وذل ك حس ب م ا ص رحت ب ه المقابل ‪A‬ة‪ A‬رقم‬
‫‪".20‬ب اش تع ريف الواح د يل ي رحب بي ك حيطل ك حط ة مليح ة‪ ،‬قه وة حليب‪ ،‬لت اي‪ ،‬ق اطو‬
‫ويعرض عليك‪ ،‬هذا أنا تاين نعاملها كيما تعاملين‪ ،‬وال أكثر‪ ،‬بصح يل حيط مين العني‪ ،‬حتط‬
‫قهوة كحال‪ ،‬و غي قاطو واحد وال قاع ما حتطش ومتعرضش علي‪ ،‬كما تدين تُدان‪".‬وكذلك‬
‫ت رى المبحوث‪AA‬ة رقم ‪" 2‬كي ت روحي ض يفة تع ريف بلي الن اس يل ُرح يت عن دهم فرح انني بي ك‬
‫وباغيينك جتي عنهم كي يرحبوا بيك وحيطولك حطا مليحة‪".‬‬
‫كما توضح العائالت أن الزيارات أصبحت باملوعد‪ ،‬حيث تقوم الزائرة مبكاملة هاتفية تطلب‬
‫فيها إذن الزيارة‪ ،‬ألهنم يؤكدون على أن العائلة اليت نريد زيارهتا‪ ،‬قد ال تكون يف البيت‪ ،‬مبعىن‬
‫أهنا مشغولة بأمور خاصة‪ .‬فالزيارة تتطلب الراحة النفسية للزائر‪ ،‬والعائلة اليت نزورها حسب‬
‫رأيهم‪ .‬ويع ود ذل ك‪ ،‬لس بب التط ور التكنل وجي وخ روج املرأة للعم ل‪،‬كم ا أن الع ائالت‬
‫أص بحت هلا فض ائات أخ رى‪ ،‬تلج أ إليه ا غ ري الفض اء الق رايب‪،‬كالس وق واحلدائق والغاب ات‬
‫والبح ر وغريها من الفض اءات العمومي ة‪ .‬هلذا أص بح من ال واجب االتص ال قب ل الزي ارة‪ .‬تق ول‬
‫‪244‬‬
‫المقابلة رقم ‪"19‬أنا وحدة من الناس ما نروحش عند فاميليت البغ يف املناسبات بال ما نعيط‬
‫يف التليف ون‪ ،‬س واء بنت خ اليت وال أخ يت‪ .‬خلاطرش الن اس خترج‪ ،‬مها ب روحم تقول ك عيطيلي‬
‫كي تبغي جتي بالك ما نك ونش يف الدار‪ .‬وأنا ت اين نبغي يل يعيطلي‪ ،‬قبل ما جيي خري‪ ،‬نوجد‬
‫روحي خط رات‪ ،‬م ا يك ون عن دي وال و نش ري ق اطو‪ ،‬وال ن دير حاج ة بلخ ف‪ ".‬وك ذلك‬
‫المبحوث‪AA‬ة رقم ‪" 23‬من األفض ل الواح د يعلم خ وه‪ ،‬بلي راه ج اي عن ده‪ ،‬خلاطرش الض يف‪،‬‬
‫جيي على غفلة‪ ،‬جماياش‪ ،‬يليق لواحد يوجد روحه باش يستقبل الض يف‪ ،‬يلبس مليح ويوجد‬
‫حاج ة‪ ،‬خط رات البن ادم‪ ،‬يك ون مبه دل يف ال دار وزي د الن اس هتدر‪ ،‬كي يش وفو حاج ة‬
‫ينش روك‪ ".‬إذن األس ر ت رى أن ه من األفض ل‪ ،‬االتص ال قب ل الزي ارة لتف ادي الكث ري من األم ور‪،‬‬
‫منها الراحة النفسية للطرفان‪ ،‬وعدم اإلزعاج‪.‬‬
‫‪.2‬تبادل الهدايا والمساعدات‪A‬‬
‫تنقس م املس اعدات بني االق ارب‪ ،‬من مس اعدات معنوي ة إىل مادي ة‪ ،‬حيث تتمث ل‬
‫المس ‪AA A‬اعدات‪ A‬المعنوية‪ A‬يف اإلعانة‪ ،‬وهي األك ثر ت داوال بني األس رة‪ ،‬وأهلها وخمتل ف أقارهبا‬
‫متخذة أشكاال متعددة‪،‬كرعاية املريض وواجب العناية به‪ ،‬خاصة اجتاه األقارب املباشرين منهم‬
‫ورعاية األطفال الصغار يف حالة غياب الوالدين معا‪.‬‬
‫كم ا جند مس اعدات عن د اإلقب ال على حتض ري األع راس واألف راح‪ ،‬أو الوق وف جبانب‬
‫األق ارب عاطفي ا ومالي ا‪ ،‬أثن اء املآمت أو تق دمي اهلدايا خالل املناس بات‪ ،‬إض افة إىل تق دمي النُصح‬
‫واملشورة والتضامن بينهم عند حدوث أزمات عويصة‪.‬‬
‫أم ا فيم ا يتعل ق بالمس ‪AA‬اعدات‪ A‬المادي ‪A‬ة‪ A‬فهي ن ادرا م ا حتدث‪ ،‬إال يف حال ة م رور األق ارب‬
‫بأزمات مادية صعبة ‪ ،‬تتطلب تدخل األقارب قبل غ ريهم من الغرباء‪ ،‬وغالبا ما تكون هذه‬
‫املس اعدات بني األبن اء وأولي ائهم أو م ع أش قائهم واألق ارب اآلخ رين‪ ،‬كاألعم ام واألخ وال‪،‬‬
‫ويف بعض األحيان تُصبح مع األقارب البعدين‪ .‬فاألقارب هنا يعتمدون على بعضهم البعض يف‬
‫إط ار ه ذا اجلانب ويعتربون ه ش يئ ط بيعي‪ ،‬حبكم ض رورة احملافظ ة على احلق وق والواجب ات‬
‫وااللتزامات القائمة بينهم‪.‬هلذا يقول مصطفى بوتفنوشنت"إن أهم شئ ‪ ،‬الزال باقيا هو نظام‬

‫‪245‬‬
‫االلتزام باملس اعدة اجتاه خمتلف مستويات ال دوائر القرابية‪ ،‬ونظ ام االلتزام ه ذا‪ ،‬ال يرتكز على‬
‫مب دأ العط اء ورد العط اء‪ ،‬ب ل مب دأ ض رورة اس تمرارية الض مري الع ائلي‪ ،‬وض رورة اح رتام نظ ام‬
‫‪1‬‬
‫القيم األساسية‪ ،‬القائمة بينهم‪".‬‬
‫إض افة إىل ه ذا‪ ،‬لق د أثبتت الدراس ات االجتماعي ة‪ ،‬أن نس بة املس اعدات تزي د يف اجملتم ع‬
‫احلض ري مقارن ة ب الريف‪ ،‬ألن كمالي ات الف رد‪ ،‬يف املدين ة تزي د عنه ا يف الري ف‪ ،‬ومن خالل‬
‫حتقيق أجراه املركز الوطين‪ ،‬للدراسات والتحاليل للسكان والتنمية (‪ ،)CENEAP‬تبني أن‬
‫نس بة طلب املس اعدات ت زداد يف الوس ط احلض رى مقارن ة بالوس ط ال ريفي‪ ،‬ب‪62.51% :‬‬
‫مقابل ‪ 37.43%‬وهذا يف مجيع أصناف املساعدات (قرض‪-‬هبات‪-‬مشاركة)‪.‬كما توصلوا‬
‫إىل أن هناك تناسبا عكسيا بني مستوى الدخل وطلب املساعدة العينية‪ .‬وليس للسن أي آثار‬
‫على طلب املس اعدات فبالنسبة لآلب اء أو األبن اء‪ ،‬ي أيت الق رض على رأس املس اعدات املطلوبة‪،‬‬
‫ب ‪ ، 65.80%‬مث اهلب ات ب ‪21.58%‬وأخ ريا املش اركة ب ‪12.62%‬وبالنس بة لآلراء‬
‫حول تراجع أو عدم تراجع مستوى املساعدة املالية‪ ،‬فإن ‪ 20.45%‬من املستجوبني أكدوا أهنا‬
‫ص رحوا أهنا‬ ‫ت راجعت كث ريا‪ ،‬فيم ا ‪ 20.94%‬رأوا أهنا ت راجعت قليال وأخ ريا ‪%13.64‬‬
‫تراجعت قليال جدا‪ ،‬ويف اخلتام ‪ 11.54%‬رأوا أهنا مل ترتاجع أبدا‪.2‬‬
‫وه ذا م ا اتض ح لن ا من خالل املق ابالت ال يت أجريناه ا‪ ،‬ألن األف راد يف املدين ة يطلب ون‬
‫املس اعدات من األق ارب‪ ،‬وخاص ة منهم القري بني‪ ،‬كاآلب اء واالخ وة‪ ،‬ألن األص دقاء‪ ،‬قلم ا‬
‫يساعدون خاصة من الناحية املالية‪ ،‬نظرا حلاجتهم لألموال يف اجملتمع احلضري‪.‬فالمقابل‪AA‬ة رقم‬
‫‪ 10‬تق ول‪":‬أن ا حت اجيت دراهم‪ ،‬ب اش ن دفع يف ُس كنة‪ ،‬ومع ييت جنري ون دبر‪ ،‬ملقيت ح ىت‬
‫واح د يل يوق ف معاي ا لك ان مش ي بوي ا‪ ،‬يل ف رج علي ا‪ ،‬وس لفنا دراهم‪ ،‬ملقيت ال ص حبة وال‬
‫ج ارة‪ ،‬وح ىت ف اميليت قص دهتم ومك اش يل ع اوين‪ ،‬لك ان غي بش وي وم القيتش‪ ".‬كم ا ت رى‬
‫المقابل ‪AA‬ة رقم ‪ .12‬أيض ا فتق ول‪":‬أن ا كي حنت اج دراهم‪ ،‬أول حاج ة ن روح لوال دي‪ ،‬مها يل‬

‫‪1‬‬
‫‪.M, BOUTEFNOUCHET, Op.cit,p236‬‬
‫‪A.MOKADDEM, Les effets du programme d’ajustement structurel sur les ménages.2‬‬
‫‪.algériens" in REVUE DU CENEAP, n°15, Décembre 1999,p71‬‬

‫‪246‬‬
‫يشفقو علي‪ ،‬وحينو علي‪ ،‬وعمرهم وال يردوين داميا يعاونوين‪ ".‬يعين هذا أن أول شخص يتبادر‬
‫للذهن‪ ،‬يف حالة احلاجة املادية‪ ،‬مها الوالدان بالدرجة األوىل‪ ،‬ألن كل شخص‪ ،‬يساعده والداه‬
‫ويش فقان علي ه‪ ،‬أك ثر من أي ش خص آخ ر كم ا تق ول المقابل‪A‬ة‪ A‬رقم ‪" :20‬أن ا ك ل م ا حنت اج‬
‫دراهم‪ ،‬يرف دين وال دي مرض ت ودرت باراس يون‪ ،‬ت ع الغ دة الدرقي ة‪ ،‬طلب ويل مثن ماليني‬
‫برا‪،‬كيشافين راجلي نعاين‪ ،‬ويف احلكومة يتمرضوا عليا‪ ،‬طلب بوه وخوه يسلفوه‪ ،‬وهلل ما بغ او‪،‬‬
‫ولباس بيهم‪ ،‬لُكان مشي بوي‪ ،‬يل سلفله مخس ماليني‪ ،‬والباقي كان عندي ودرت به‪ ،‬يا أخيت‬
‫فاميليا من فاميليا‪ ،‬املرأة ُكرتيا يرفدوها والديها‪ ،‬والراجل ميحوسوش عليه تاوعه حىت ويكون‬
‫خبري عليهم‪ ،‬ك اين يل ج افيني‪ ".‬فمن خالل ه ذه املق ابالت يب دو واض حا أن يف حال ة طلب‬
‫املساعدة‪ ،‬يتم اللجوء مباشرة للوالدان‪ ،‬ألهنما الوحيدان القادران على املساعدة أكثر من أي‬
‫ش خص آخ ر‪،‬كم ا وج دنا أن الرج ل يف الكث ري من األحي ان‪ ،‬ال يتلقى املس اعدة من والدي ه‪،‬‬
‫ويكون السبب حسب املقابالت‪ ،‬هو كره والديه لزوجته‪.‬‬
‫و هذا ما أكدته المقابلة رقم ‪":23‬حنا كل ما حنتاجو دراهم‪ ،‬ومتكملناش الشهرية‪ ،‬الشهر‬
‫نتس لفو‪ ،‬على بوي ا‪ ،‬وراجلي مس تعرف بلي‪ ،‬نس ابه مها يل رافدين ه‪ ،‬وعايلت ه علب اهلم‪ ،‬بلي‬
‫منلحقوش وجامي وقفوا معانا‪ ،‬خطرات وين ترسلي عجوزي‪ ،‬شوي خضرا للصغار‪ ".‬وعندما‬
‫ط رحت هلا س ؤال ملاذا ال يس اعدونكم ق الت‪ ":‬خلاطرش يكره وين‪ ،‬وم درتلهم وال و‪ ،‬من عن د‬
‫ريب العج وز تك ره الكن ا‪ ،‬وق الت املث ل الش عيب‪ ،‬يال تف امهت العج وز والكن ة‪ ،‬بليس ي دخل‬
‫اجلن ة‪".‬إذن يعت رب تق دمي املس اعدات يف حال ة املرض‪ ،‬من أك ثر أش كال املس اعدة انتش ارا بني‬
‫األقارب‪.‬‬
‫كما تعترب العناية باألطفال‪ ،‬منطا آخر للمساعدة‪ ،‬اليت يشارك فيها األقارب‪ ،‬كلما دعت‬
‫احلاج ة إليه ا‪.‬ألنن ا وج دنا أن النس اء الع امالت يس تعن بالوال دات‪ ،‬يف العناي ة بأبن ائهن‪ ،‬ب دل‬
‫األشخاص الغرباء‪ ،‬أو دار احلضانة‪ ،‬هذا ما أكدته‪ ،‬الكثري من املبحوثات‪ .‬فتقول املبحوثة رقم‬
‫‪".29‬أمي مس اعدتين ب زاف‪ ،‬حتكملي بن يت كي ن روح خندم‪ ،‬وزي د خلص يت قليل ة‪ ،‬منق درش‬
‫حنطه ا يف احلض انة"‪.‬و تق ول المقابل ‪A A‬ة‪ A‬رقم ‪"14‬أمي مس اعدتين‪ ،‬حتكملي ول دي ملي ك ان‬

‫‪247‬‬
‫صغري‪ ،‬دروك عنده ‪ 3‬سنوات‪ ،‬وهو عنده مرض الربو‪ ،‬خناف من احلضانة‪ ،‬هي تعرفله وحتافض‬
‫عليه‪ ،‬أحسن‪ ".‬نالحظ هنا أن األمهات‪ ،‬يساعدن أبنائم من خالل العناية بأحفادهم‪ ،‬فاألمات‬
‫ال يفرضن مبالغ مالية مقابل مساعدة أبنائم‪ ،‬بل العكس يساعدون دون مقابل‪.‬‬
‫كم ا يوج د مؤش ر أخ ر يتبادل ه األق ارب وه و الهب‪AA A‬ة أو الهدية‪ .A‬ال يت جندها موج ودة يف‬
‫اجملتمع ات العربي ة القدمية إىل يومن ا ه ذا‪،‬كم ا حث الرس‪AA‬ول (ص)عليه ا‪ ،‬العتباره ا عام ل من‬
‫عوام ل‪ ،‬نش ر احملب ة والتض امن االجتم اعي‪ ،‬س واءا بني األق ارب أو اجلريان أو األص دقاء‪...‬يف‬
‫قوله‪":‬تهادوا‪ A‬تحابوا"‪ A‬فاهلدية يف االسالم‪ ،‬يُراد هبا التربع والتفضل على الغري‪ ،‬سواء أكان مبال‬
‫أم بغ ريه‪ ،‬ويوج د ف رق بني اهلدي ة واإلع ارة‪ ،‬ف إذا أعطى اإلنس ان م اال لغ ريه‪ ،‬وملك ه ه ذا املال‬
‫دون عوض‪ ،‬كان هدية وإذا مل ميلكه إياه‪ ،‬كان إعارة‪.‬كما يوجد فرق بني اهلدية والصدقة‪،‬‬
‫فاهلدية يراد هبا التودد وتآلف القلوب أما الصدقة فيبتغى هبا وجه اهلل سبحانه وتعاىل‪ .‬فعن أبى‬
‫هريرة رضى اهلل عنه قال‪ :‬قال رس‪A‬ول (ص)‪" :‬ته‪A‬ادوا تح‪A‬ابوا"‪،1A‬وكان رس‪A‬ول اهلل ص‪A‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم يقبل اهلدية ويثيب عليها ومعىن يثيب عليها‪ ،‬كان يرد مبثلها‪ ،‬حىت ال يكون ألحد‬
‫فض ل علي ه‪ ،‬وك ان أب‪AA‬و بك‪AA‬ر وعم‪AA‬ر رض‪AA‬ى اهلل عنهم ا يقبل ون اهلدي ة‪ ،‬وك ان رس ول اهلل (ص)‬
‫يدعو لقبول اهلدية‪ ،‬فقد قال رسول اهلل(ص)‪":‬من جاءه من أخيه معروف‪ ،‬من غري إشراف‪،‬‬
‫وال مسألة فليقبله‪ ،‬وال يرده‪ ،‬إمنا هو رزق ساقه اهلل إليه"‪ .‬وكان الرسول(ص) يرغب ىف قبول‬
‫اهلدية‪ ،‬ولو كانت شيئا بسيطا‪ ،‬وقد كره العلماء رد اهلدية‪.‬‬
‫وتُعرف اهلدية بثالث أنواع و هي‪ :‬أوال‪:‬الهدية اليت يتربع هبا مدى احلياة‪ ،‬غري مشروطة مبدة‬
‫معينة أي أن املال أو غريه ميلك للمهدى مدى احلياة وال ترد‪.‬‬
‫ثاني‪AA‬ا‪ A:‬وتس‪AA‬مى العم‪AA‬ري وهي ن وع من أن واع اهلدايا‪ ،‬وهي أن يه دي إنس ان آخ ر ش يئا م دى‬
‫عمره أي إذا مات املهدى له‪ ،‬عاد الشيء للواهب‪ ،‬ويسمى القائل‪ ،‬معمرا واملقول له معمرا‪،‬‬
‫وق ال رس‪AA‬ول اهلل ص‪AA‬لى اهلل علي‪AA‬ه وس‪AA‬لم‪( :‬العم ري ج ائزة) وق ال علي ه الص الة والس الم‪":‬من‬
‫أعمر عمري فهي له‪ ،‬ولعقبة يرثها من يرثه من عقبه من بعده‪ ".‬أي أن العمري جائزة شرعا‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬االمام حمي الدين أيب زكريا حيىي بن شرف النووي‪ ،‬رياض الصالحين‪ ،‬منشورات دار مكتبة احلياة‪،‬بريوت‪،‬لبنان‪،‬ص‪.600‬‬

‫‪248‬‬
‫وهي جائزة للمعمر له‪ ،‬يف حال حياته ولورثته من بع ده‪ ،‬وهي من حديث الرسول (ص) بأهنا‬
‫جائزة‪ ،‬أما شرط أن ترد للمعمر‪ ،‬بعد وفاة املعمر فهو باطل أي أن بطالن هذا الشرط‪ ،‬ال يؤثر‬
‫يف العقد كأنه قال داري لك هبة‪.‬‬
‫ثالثا‪ A:‬الرقبي وهي أن يقول أحد األشخاص لصاحبه‪ :‬أرقبتك داري‪ ،‬وجعلتها لك يف حياتك‬
‫مت قبل ك‪ ،‬فهي ل ك‪ ،‬ولعقب ك‪ ،‬فك ل واح د منه ا‪ ،‬ي رقب‬
‫إيل‪ ،‬وإن ُ‬
‫ف إن مت قبلي‪ ،‬رجعت ّ‬
‫م وت ص احبه‪ .‬والرق يب ج ائزة ش رعا ق ال رس‪AA‬ول اهلل (ص)‪":‬العم ري ج ائزة ألهله ا‪ ،‬والرق يب‬
‫ج ائزة ألهله ا‪1".‬فاإلس الم اذن دعى إىل الت آلف واحملب ة وق وة الرابط ة االجتماعي ة عن طري ق‬
‫اهلدية‪.‬‬
‫كما ُدرست اهلبة من طرف السوسيولوجيني واالنثروبولوجيني على رأسهم مارسال موس‬
‫‪ 2Maecel Mauss‬ال ذي حبث عن دور اهلب ة يف اجملتمع‪ ،‬منطلق ا من س ؤال وه و‪ :‬م اهي‬
‫القاعدة املبنية على احلق واملصلحة اليت تلزم برد اهلدية املتسلمة‪ ،‬لدى اجملتماعات‪ ،‬ذات النمط‬
‫املتخل ف أو الب دائي؟ وم ا هي الق وة الكامن ة‪ ،‬داخ ل الش يء املوه وب وال يت جتعل ه ي رده؟ ومن‬
‫خالل حبثه ودراسته يف دور اهلبة‪ ،‬وجد أهنا أمر إلزامي لتقوية الروابط االجتماعية بكل أنواعها‬
‫بني األف راد‪ .‬فيق ول‪":‬تتم التب ادالت والتعاق دات داخ ل احلض ارة االس كندنافية‪ ،‬وع دد ه ام من‬
‫احلض ارات على ش كل ه دايا‪ ،‬نظري ا بطريق ة إختياري ة‪ ،‬لكنه ا يف حقيق ة األم ر إلزامي ة‪3".‬كم ا‬
‫وج د م‪AA‬وس أن اهلب ة أو اهلدي ة تل تزم بثالث عناص ر إلزامي ة وهي العط اء‪ ،‬قب ول العط اء‪ ،‬وال رد‬
‫عليه‪.‬مما يؤدي إىل نشوء عالقة مزدوجة بني الواهب واملوهوب‪ ،‬كما تتمثل يف عالقة تكافل‬
‫‪4‬‬
‫وتضامن بني األفراد‪.‬‬

‫كما قدم دفي‪AA‬د ش‪AA‬يل ‪ David Cheal‬دراسة عن اقتصاديات اهلدايا‪ ،‬وقد استعرض فيها‬
‫خمتلف اآلراء اليت تبنت وجهة النظر االقتصادية‪ ،‬فيما يتعلق بتبادل اهلدايا‪ ،‬كما قدم آراءه اليت‬
‫تشري‪ ،‬إىل أنه على الرغم من األمهية االقتصادية الواضحة اليت ال ميكن إغفاهلا لنظام تبادل اهلدايا‬

‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.600‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.Marcel MAUSS, Essai sur le don,3‬‬ ‫‪eme‬‬
‫‪édition, PUF,quadrige,1989,P147,148.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.Ibid,P148.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.Maurice GODELIER, L’énigme du don, Pari, fayard, 1996, P20‬‬
‫‪249‬‬
‫إال أن األمهي ة احلقيقي ة‪ ،‬هلذا النظ ام تكمن يف أن ه يس تخدم كوس يلة لبن اء أمناط أو أن واع من‬
‫العالق ات االجتماعي ة‪ ،‬وأن ه ذا التب ادل ميث ل ش بكة من االتص االت ال يت ترب ط األف راد يف‬
‫اجملتمعات احلضرية احلديثة‪ ،‬مثلها مثل اجملتمعات البدائية‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن هذا التبادل‬
‫يُع د نظام ا للمس اندة االجتماعي ة‪ُ ،‬وض ع من أج ل مقابل ة احتياج ات األف راد خالل دورة‬
‫‪1‬‬
‫حياهتم‪.‬‬

‫يع ين هذا أن التض امن األس ري‪ ،‬ال ي زال حاض را بق وة يف اجملتم ع‪ ،‬ولكن ه ذا ال ينفي ‪،‬أنه‬
‫تط ور على املس توى الكمي والكيفي‪ ،‬أي أن تب ادل املس اعدات والتض امن األس ري‪ ،‬أص بحت‬
‫متيزه ظ اهرة الق رض‪ ،‬خاص ة م ا تعل ق باملال‪ ،‬فاألس رة اجلزائري ة‪ ،‬م ا ت زال متمس كة بقيم ة‬
‫اجلماعية‪ ،‬لكنها بدلت طريقة استجابتها هلا‪ ،‬حسب الظروف االجتماعية اجلديدة اليت طرأت‬
‫على اجملتمع‪.‬‬

‫فتقدمي اهلدايا يف جمتمع حبثنا امليداين‪ ،‬يرتبط حبدث أو مناسبة معينة‪ ،‬حيث ال ميكن أن يهدي‬
‫شخص هدية آلخر‪ ،‬دون مناسبة أو سبب يدفع لذلك‪ .‬ومن هذه املناسبات اليت وجدناها أثناء‬
‫الدراسة‪ ،‬مناسبات كأعياد امليالد‪ ،‬الزواج ‪ ،‬اخلتان‪ ،‬أداء مناسك احلج‪ ،‬العمرة والنجاحات يف‬
‫الدراسة كشهادة البكالوريا‪...‬‬

‫كما تعترب حادثة املوت مناسبة أيضا‪ ،‬تقدم فيها املساعدات وليست اهلدايا وذلك حلاجة أهل‬
‫الس بوع أو الفروق أو األربعينية‬
‫امليت للمساعدة‪ ،‬حيث تُقام طقوس تأبينية هلذه املناسبة‪ ،‬مثل ُ‬
‫للميت‪ ،‬مما يص احبها من تق دمي الع ون واملس اعدة‪ .‬وتب ادل اهلدايا‪ ،‬يُع رب عن ش عور االنس ان‬
‫مبش اركة غ ريه من األف راد فرحت ه أو حزن ه‪ .‬ألن ه غالب ا م ا تك ون اهلدايا يف املناس بات نقدي ة أو‬
‫عينية‪ ،‬حيث خيتلف مقدارها تبعا للطبقة االجتماعية‪ ،‬فتصبح هذه اهلدايا املقدمة عبارة عن دين‬
‫للمهدى له ترد يف مناسبات مماثلة‪ ،‬كما أنه يف الغالب تُرد اهلدية بنفس القيمة‪ ،‬اليت قُدمت هبا‪.‬‬
‫وهذا ما أكدته غالبية املبحوثات‪ .‬المقابلة رقم‪"1‬كي تكون مناسبات عند فاميليا نروح حنمد‪،‬‬

‫‪ .1‬جمموعة من الباحثني‪ ،‬األسرة والطفولة‪ ،‬دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية‪، ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ط‬
‫‪،1‬ب‪،‬س‪،‬ص ‪297‬‬

‫‪250‬‬
‫‪Doni‬‬ ‫بص ح عن د الفاميلي ا‪ ،‬يل مها ت اين م والفني جيوين‪ ،‬خط رش يل ماحتم دليش‪ ،‬منحم دهلاش‬
‫‪ "Dona‬وتق ول المقابل‪AA A‬ة رقم‪"19‬ك اين مناس بات‪ ،‬يل ت دخل فيه ا العرض ة‪ ،‬كم ا زواج و‬
‫الزيادة‪ ،‬يال عرضوين نروح وندي كادو‪ ،‬وال مند دراهم‪ ".‬أما المقابلة‪ A‬رقم ‪"26‬أنا كي نروح‬
‫حنمد‪ ،‬ندي كادو على حساب درامهي‪ ،‬املهم ديت كادو‪ ،‬وال قاطو ومانروحش خاوية كما‬
‫يقول و ‪".Le geste qui conpte‬وت رى المبحوث ‪A‬ة‪ A‬رقم‪"10‬اهلدي ة درج ات‪ ،‬على حس اب‬
‫الفاميلي ا‪ ،‬كم ا الفاميلي ا‪ ،‬يل ق راب ب زاف‪ ،‬كم ا خوي ا اخ يت‪ ،‬خ و راجلي أخت ه الواح د‪ ،‬الزم‬
‫ي ديرهلم كادوي ات غ اليني‪ ،‬ومالح خط رش‪ ،‬ق راب يل ب زاف‪".‬وهلذا وج دنا أن األق ارب‪،‬‬
‫يتبادلون اهلدايا فيما بينهم‪ ،‬خالل املناسبات االجتماعية اليومية اليت يعيشوهنا فتكون قيمة هذه‬
‫اهلديا‪ ،‬حسب الطبق ة واملسوى االجتماعي مبعىن أن الطبقة الغنية‪ ،‬تكون ه داياها يف الغالب‬
‫غالية الثمن‪ ،‬والعكس صحيح بالنسبة للطبقة املتوسطة والفقرية‪ .‬زيادة على ذلك‪ ،‬فإن زيارة‬
‫األقارب وتبادل اهلدايا يف بعض املناسبات‪ ،‬كالزواج يتماشا مع عملية الدعوة‪.‬وهذا ما أمجعت‬
‫عليه كل املبحوثات على ضرورة توجيه الدعوة من صاحب املناسبة لآلخرين حلضورها‪ ،‬حىت‬
‫ميكن تقدمي هدية أو رد هدية‪ ،‬سبق تقدميها‪ ،‬ألنه إذا مل تقدم الدعوة حلضور االحتفال‪ ،‬فهذا‬
‫يعين عدم االهتمام‪ ،‬مما يؤدي إىل قطع الص لة بني األقارب حىت وإن كان هن اك دين‪ ،‬وهدية‬
‫واجبة الرد‪ ،‬فإذا قام صاحب املناسبة‪ ،‬بدعوة أقاربه حلضور االحتفال فإهنم حيضرون‪ ،‬ويقدمون‬
‫اهلديا‪ ،‬بينم ا األق ارب الغ ري م دعويني‪ ،‬ال حيض رون وال يق دمون اهلدايا ففي حال ة ع دم حض ور‬
‫أح د املدعويني‪ ،‬لس بب من األس باب‪ ،‬فإن ه حيض ر بع د انته اء االحتف ال‪ ،‬أو املناس بة‪ ،‬ليقوم ة‬
‫بعملية التهنئة‪ ،‬ويسميها أفراد جمتمع البحث "بالتحماد" وتقدم اهلدية نقدا‪ ،‬أو عينا‪.‬‬

‫هنا تعترب الدعوة عملية مهمة جتعل املدعو ملزما باحلضور‪ ،‬حىت بعد االحتفال نظرا لقيمتها‪،‬‬
‫أما الغري مدعون‪ ،‬فال ميكن لصاحب االحتفال أن يلومه على عدم احلضور‪ ،‬وعدم تقدمي اهلدية‪.‬‬
‫فتقول إحدى املبحوثات يف المقابلة‪ A‬رقم ‪" 20‬أنا ما نروحش بال عرضة‪ ،‬حىت لوكاهنا أخيت‬
‫والبغ تسالين‪،‬كما يقولوا املثل الشعيب‪ ،‬اللي جا بال عرض‪A‬ة يقع‪AA‬د بال ف‪A‬راش"وهنا تظهر قيمة‬
‫اهلدية بني اهلادي واملهدى له على تقوية الروابط والصلة القرابية بني األقارب‪ ،‬فالشخص الذي‬

‫‪251‬‬
‫يُهدي هدية مثينة يُعرب للمهدى له‪ ،‬على مدى حبه له‪ ،‬وهذا ما أكدته كل املبحوثات‪ ،‬مثلما‬
‫ق الت الس يدة يف المقابل ‪A‬ة‪ A‬رقم ‪ " 25‬بالك ادو نفهم الن اس ليبغ وين‪ ،‬ويل يكره وين‪ ،‬خلين ا يل‬
‫معندمهش‪ ،‬اهلل غالب بصح كاين يل لباس بيهم‪ ،‬وديرلك حاجة تبهديلة‪ ".‬وهنا نرى أن اهلدية‬
‫املنتظرة من األقارب أمر ضروري‪ ،‬وإلزامي حسب ما يراه جمتمع البحث‪.‬‬

‫مما يبدو واضحا هو أن اهلدية أصبحت عبارة‪ ،‬عن رمز إجتماعي‪ ،‬يرمز للتضامن واملشاركة‬
‫يف املناس بة‪ ،‬أو مش اركة الفرح ة‪.‬كم ا أهنا توض ح م دى أمهي ة الش خص‪ ،‬ال ذي هُت دى ل ه اهلدي ة‬
‫أيضا فإذا كان هذا الشخص الذي تشاركه الفرحة حتبه‪ ،‬ستعرب عن حبك له باهلدية‪ ،‬اليت‬
‫ستقدمها هذا ما استنتجناه من خالل املقابالت‪ ،‬اليت أجريناها‪ .‬إضافة إىل اهلدية اليت يقدمها‬
‫األقارب لصاحب املناسبة‪ ،‬كالزواج أو اخلتان واإلزدياد‪...‬فهناك مناسبات أخرى‪ ،‬تتبادل فيها‬
‫اهلدايا ‪،‬كعيد الفطر مثال‪ ،‬يتبادل فيه األقارب أطباق احللوى‪ ،‬عند الزيارة‪ ،‬تأخذ الزائرة‪ ،‬طبقا‬
‫من احللوي ات‪ ،‬ليُع اد هلا ممل وءا أيض ا‪ ،‬ب احللوى ال يت هُت دى هلا‪ ،‬من ط رف أه ل ال بيت‪ ،‬ال يت‬
‫تزوره‪.‬كما تُقدم هدايا نقدية رمزية لألطفال‪ ،‬وهي تعد دينا إلزاميا‪ ،‬للرد بصورة فورية‪ ،‬يف‬
‫األعي اد‪.‬كم ا توج د مناس بة احلج والعم رة وهي مناس بة هتدى فيه ا احللوي ات‪ ،‬لألس رة احلاج‪،‬‬
‫لتقابلها هدية رمزية‪ ،‬حيضرها احلاج تقدم لكل واحد يأيت لزيارته‪.‬‬

‫ويف األخري‪ ،‬تعترب اهلدية انعكاسا للتضامن االجتماعي‪ ،‬وتقوية الرباط االجتماعي القرايب‪ ،‬يف‬
‫املناسبات‪ ،‬وذلك باملشاركة يف االحتفاالت‪.‬كما أننا استنتجنا‪ ،‬أن أولوية تبادل اهلدايا‪ ،‬تكون‬
‫بني األقارب‪ ،‬ألن القريب أوىل عن الغريب‪ ،‬يف اجملاملة‪ ،‬والرابطة القرابية تقوى بتبادل اهلدايا‬
‫والتواص ل والزي ارات‪.‬ألن ع دم حض ور الغ ريب يف املناس بات وتقدميه لله ديا‪ ،‬رغم دعوت ه ال‬
‫يُعت رب أم را إلزامي ا بينم ا عدم حض ور الق ريب يعت رب أم را ض روريا‪ ،‬س واءا ك ان مناس بة ف رح أو‬
‫حزن‪.‬‬
‫‪.3‬التضامن والتكافل بين األقارب‬

‫حيمل مصطلح التكافل االجتماعي‪ ،‬نفس معىن مصطلح التضامن االجتماعي‪ ،‬وكالمها‬
‫من مظ اهر التماس ك االجتم اعي والرعاي ة االجتماعي ة‪ ،‬م ؤداه احس اس بالواجب ات ال يت جيب‬
‫‪252‬‬
‫أداؤها لآلخرين‪ ،‬حيث يكون مصحوبا باالعتقاد‪ ،‬مبعىن أن أي تقصري‪ ،‬يف هذا األداء يُلحقق‬
‫الضرر باجلميع‪1.‬وهذا يعترب تعاونا اجتماعيا‪ ،‬بني األفراد‪ ،‬سواء كانو أصدقاء أو أقارب‪ .‬حيث‬
‫يُعترب هذا التعاون عملية إجتماعية‪ ،‬یرجع الفضل يف ترویض األفراد عليها إىل األسرة أوال‪ ،‬مث‬
‫إىل البيئة اخلارجية‪ ،‬ألن وحدة املصاحل‪ ،‬ووحدة األهداف‪ ،‬تؤدي باألفراد إىل التعاون لتحقيق‬
‫املصلحة املشرتكة‪ ،‬واخلري العام ‪.‬كما یهدف إىل غرض مشرتك یسمى ذلك تعاونا أو تضامنا‪،‬‬
‫أي أن التضامن‪ ،‬هو العمل املشرتك‪ ،‬لتحقيق غرض ذايت‪ ،‬فهو خیتلف من حيث النطاق‪ ،‬فقد‬
‫یكون مقصورا على أفراد مجاعة‪ ،‬أو مصنع أو بيئة حملية‪ ،‬وقد یتسع نطاقه ‪،‬فيشمل إقليما أو‬
‫‪2‬‬
‫عدة دول أو أقاليم‪.‬‬
‫كما يرى الباحثون أن التعاون أو التضامن يف اجملتمع بصفة عامة‪ ،‬ليس فقط للحصول على‬
‫األكل ولكنه ضروري أیضا للحصول على اإلحرتام‪ ،‬الصداقة‪ ،‬القرابة‪ ،‬الرفقة واأللفة‪ ،‬احلب‬
‫فألجل احلياة حنتاج للصداقة‪ ،‬كما حنتاج للغداء‪ 3.‬ويأكد بعض الباحثني‪ ،‬مثل جانز وأوس‪AA‬كار‬
‫لويس استمرار فعالية اجلماعات القرابية‪ ،‬يف اجملتمع احلضري‪ ،‬هذا أثناء دراسته ملدينة مكسيكو‬
‫أين توص ال إىل أن احلي اة التقليدي ة‪ ،‬ظلت على م ا هي علي ه‪ ،‬والرواب ط العائلي ة املمت دة‪ ،‬زادت‬
‫كثافته ا وقوهتا رغم ك ل الت أثريات االقتص ادية والص ناعية وك ذلك التكنولوجي ة‪ ،‬ال يت عرفته ا‬
‫‪4‬‬
‫املدينة‪.‬‬
‫بينما يف جمتمعنا احمللي املدروس‪ ،‬الحظنا مظاهر التكافل االجتماعي‪ ،‬تظهر إال يف املناسبات‬
‫احملزنة كاملوت واملرض يتعاون األفراد ملساعدة أسرة امليت يف كل األمور املتعلق بالعزاء‪ ،‬حيث‬
‫تتقدم النساء للطهي وحتضري الكسس للزوار‪،‬كما تُقدم مساعدات مادية‪ ،‬من طرف األقارب‬
‫اجلد قري بني للميت‪ ،‬ومنهم من حيضر ل وازم والئم الع زاء‪ .‬إض افة إىل البق اء م ع أه ل امليت‪ ،‬يف‬
‫البيت لعدة أيام حىت ينتهي املأمت وينقص احلضور‪.‬‬

‫‪.1‬حممد أبوزهرة‪ ،‬محاضرات في المجتمع االسالمي‪،‬معهد الدراسات االسالمية‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪،‬ب س‪،‬ص‪.6‬‬


‫‪.2‬زیدان حممود مصطفي‪ ،‬السلوك االجتماعي للفرد‪،‬دون دار للنشر‪ ،‬ودون طبعة‪ ،‬ص‪49‬‬
‫‪3‬‬
‫‪David.W.JOHNSON, les relation humaine dans le monde de travail, édition de‬‬
‫‪renouveau pédagogie, saint lorans, Québec,1988, p67.‬‬
‫‪.4‬عبد العايل السيد‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،1997 ،‬ص‪.136‬‬

‫‪253‬‬
‫فهذه املناسبات احملزنة‪ ،‬حيتاج فيها األفراد إىل املواسات والتضامن مع أقارهبم‪ ،‬لذلك يبدو‬
‫واضحا‪ ،‬أن كل املبحوثني يؤكدون على أن الوقوف مع األقارب يف املناسبات احملزنة واملؤملة‪،‬‬
‫يعترب واجبا من الواجبات االجتماعية‪ ،‬الذي يفرضه رباط القرابة والرباط اإلنساين عامة‪.‬ألن يف‬
‫املناس بات احملزن ة‪ ،‬احلض ور واجب ألهنا ليس ت كاملناس بات املفرح ة‪ ،‬ال يت ق د تتطلب ال دعوة‬
‫واالستدعاء للمشاركة يف االحتفاالت‪ .‬تقول املبحوثة رقم ‪":17‬يف احلقيقة كي تكون كاش‬
‫موت وال مرض‪ ،‬الواحد يليق يدير الواجب ويروح يزور ويعاون‪ ،‬خلاطرش الفاميليا أوىل‪ ،‬من‬
‫أي واح د كم ا ق ال ريب تع اىل‪ ".‬وت رى املبحوث ة رقم ‪" 27‬يف الغبين ة ن روح للفاميلي ا ونوق ف‬
‫مع اهم‪ ،‬كم ا ع ام يل ف ات‪ ،‬م ات راج ل أخ يت‪ ،‬مرض ت م وراه‪ ،‬وص را فيه ا العجب‪ ،‬وقفت‬
‫معاها‪ ،‬وليت نروح تقريب كل يوم‪ ،‬ونطيب لوالد أخيت‪ ،‬ونقريهم هذا واجب‪ ،‬يليق نوقف‬
‫معاها‪ ،‬مغاديش جيو براوي يعاونوها‪ ،‬هدي هي الدنيا‪ ،‬وأنا كي مات راجلي وقفت هي تاين‬
‫معيا‪ ".‬إذن األقارب يتعاونون مع بعضهم البعض‪ ،‬بكثرة يف املناسبات احملزنة أكثر من املفرحة‪،‬‬
‫وذل ك ألن املناس بات املفرح ة أص بحت تق ام يف قاع ات األع راس‪ ،‬وتق وم على املظ اهر‪ ،‬إال أن‬
‫ه ذا ال يع ين أن أف راد اجملتم ع احمللي املدروس‪ ،‬ال يتع اونون يف املناس بات‪ ،‬فهم و حس ب م ا‬
‫صرحوا به‪ ،‬يتعاونون ويتضامنون عن طريق اهلدايا‪ ،‬اليت يقدموهنا لبعضهم البعض سواءا مادية‬
‫أو عينية‪ ،‬فاهلدية هنا تعترب رمز من رموز التعاون والتضامن االجتماعي‪.‬‬
‫ص دفة وفجأة كاملرض‬
‫كما تعترب املناسبات احملزنة هي األكثر تضامنا ألهنا غري متوقعة‪ ،‬تأيت ُ‬
‫خاصة األمراض اخلط رية‪ ،‬والوفاة‪ ،‬هنا يتعاون األف راد بكثرة من مساعدات وص دقات‪ ،‬ل ذي‬
‫الق رىب‪.‬مثلم ا ج اء على لس ان املبحوث ة رقم ‪" 19‬أن ا وح دا من الن اس‪ ،‬راجلي م رض وملويل‬
‫خويت باش دار العملية‪ ،‬وحىت ولد خوه وعاونه شوي‪ ،‬خلطرش مكانش خاوتو ماتو"‪.‬‬
‫وتص رح املبحوث ة رقم ‪".42‬يف احلقيق ة‪ ،‬نقس ت املعون ا بني الفاميلي ا‪ ،‬مش ي كيم ا بك ري‪،‬‬
‫دورك يعاونوك‪ ،‬بصح نيت وزهرك‪ ،‬كل خطرا وكيفاش‪ ،‬املهم املعونة كاينة كاينة‪ ".‬يعين هذا‬
‫أن التضامن مازال موجود‪ ،‬ولكن ليس باحلجم الذي عُرف عليه‪ ،‬يف األزمنة املاضية‪ ،‬عندما‬
‫كان إذا مرض شخص من العائلة‪ ،‬يتآزر معه‪ ،‬كل األقارب‪ ،‬فحاليا كثريا ما يكتفي األقارب‪،‬‬

‫‪254‬‬
‫بزيارة مريضهم فقط ال أكثر‪ ،‬ويف حالة الوفاة‪ ،‬حيضرون اجلنازة واأليام األوىل من العزاء‪ ،‬مث‬
‫تنقطع العالقة أو الصلة‪.‬حسب ما صرحت به املبحوثة رقم ‪ " 18‬ملي مات راجلي‪ ،‬راين يف‬
‫‪ 9‬س نني م ازارونيش خ اوتو‪ ،‬وال زارو أوالد خ وهم‪ ،‬كي م ات وقف وا يف اجلن ازة وع اونوين‪،‬‬
‫ومن بع د ك ل واح د راح يف حال ه‪ ،‬نقطعت الص لة‪ ".‬وهلذا تعت رب املناس بات احملزن ة‪ ،‬مرحل ة‬
‫تض امنية يف البداي ة‪ ،‬وق د تنتهي بنهاي ة الش خص املت ويف‪ ،‬فتنقط ع الص لة من األق ارب‪ ،‬إلعتب ار‬
‫الشخص املتويف‪ ،‬هو الصلة الرابطة بني األقارب‪.‬‬
‫كما أن حادثة الوفاة‪ ،‬قد تكون سببا يف حل النزاعات والتسامح والتآزر‪ ،‬بني املتخاصمني يف‬
‫الكثري من األحيان‪.‬حسب ما تقول المبحوث‪AA‬ة رقم ‪" 03‬حنا يف املوت تع بويا‪ ،‬تصاحلنا معا‬
‫عمي مكانش جيي عندنا‪ ،‬مكاش يتفاهم مع بويا بزاف‪ ،‬بصح من بعد املوت‪ ،‬وال عمي خطرا‬
‫عال خطرا يزورنا هو ومرته‪".‬وهنا نالحظ أن العامل الديين‪ ،‬يعود ليفرض نفس ه‪ ،‬يف اجملتمع‬
‫املدروس على أن التضامن والتعاون مع األقارب‪ ،‬فرض وواجب‪ ،‬خاصة يف املناسبات احملزنة‪،‬‬
‫من الواجب املساعدة والتضامن‪ ،‬حسب ما فرضه ذلك الدين االسالمي احلنيف‪ ،‬بتقدمي ذي‬
‫الق رىب وهم األق ارب يف املرتب ة األوىل‪ ،‬يف حال ة الص دقات واالنف اق قب ل اجلريان واملس اكني‬
‫قُل َم ا َأْن َف ْقتُ ْم ِم ْن خَرْيٍ فَلِْل َوالِ َديْ ِن‬ ‫ِ‬
‫ك َم ا َذا يُْنفقُو َن ْ‬ ‫والفق راء وغ ريهم‪.‬لقول ه تع‪AA A‬الى‪﴿:A‬يَ ْس َألونَ َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ٍ ِإ‬ ‫ِِ‬
‫ني وابْ ِن َّ ِ‬
‫السب ِيل َو َما َت ْف َعلُوا م ْن خَرْي فَ َّن اللَّهَ به َعل ٌ‬
‫يم﴾‬ ‫َواَأل ْقَربِ َ‬
‫ني َوالْيَتَ َامى َوالْ َم َساك َ‬
‫‪1‬‬

‫‪ .II‬صلة الرحم المصطلح الديني للتواصل القرابي‪A‬‬

‫تعرف الرابط ة القرابي ة يف ال دين االس المي مبص طلح ص‪AA‬لة ال‪AA‬رحم‪ ،‬حيث ج اءت يف الق رآن‬
‫الك رمي هبذا املفه وم‪ ،‬أو ببمص طلح ذي الق ‪AA A‬ربى‪ ،‬واس تعملها الرس ‪AA A‬ول (ص) يف الكث ري من‬
‫األح اديث ال يت حيث هبا على التواص ل‪ ،‬بني األق ارب و زي ارهتم‪.‬مما ي دل‪ ،‬على أن ال دين‬
‫االسالمي إهتم بالروابط القرابية من حيث الزي ارة والتواصل‪ ،‬حبيث حث على ذلك بشدة يف‬
‫القرآن الكرمي وذلك ملا حتتويه الرابطة القرابية من فائدة كبرية يف التناصر والرتاحم‪ ،‬والتضامن‬
‫االجتماعي بني األفراد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬القرآن الكرمي ‪،‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.215‬‬

‫‪255‬‬
‫س َو ِاح َد ٍة َو َخلَ َق‬ ‫َّاس َّاتقُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍ‬
‫وجند ذلك يف قوله تعالى‪﴿ :‬يَا َأيُّ َه ا الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِمْنه ا زوجه ا وب َّ ِ‬
‫‪A‬ام﴾‬ ‫ث مْن ُه َم ا ِر َج االً َكث رياً َون َس اءً َواتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَ َس اءَلُو َن بِ ه َو ْ‬
‫اَأْلر َح‪َ A‬‬
‫‪1‬‬
‫َ َْ ََ ََ‬
‫ِ‬ ‫وكذلك يف قول‪AA‬ه تع‪AA‬الى‪ ﴿:‬و الَّ ِذ ِ‬
‫ين يَص‪A‬لُو َن م ا ََأم َر اللَّهُ بِ ه َأ ْن يُ َ‬
‫وص َل َوخَي ْ َش ْو َن َربَّ ُه ْم َوخَي افُو َن‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض َو ُت َقطِّعُوا َْأرح‪َ A‬‬
‫‪A‬ام ُك ْم‬ ‫ُس وءَ احْل ساب﴾ وكذلك ﴿ َف َه ْل َع َس ْيتُ ْم ِإ ْن َت َولَّْيتُ ْم َأ ْن ُت ْفس ُدوا يِف ْ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ُأولِئ َّ ِ‬
‫صار ُه ْم﴾‪2‬كل هذه اآليات توضح على عقاب قاطع‬ ‫َأعمى َأبْ َ‬ ‫ين لَ َعَن ُه ُم اللَّهُ فَ َ‬
‫َأص َّم ُه ْم َو ْ‬ ‫ك الذ َ‬‫َ‬
‫ال رحم وم دى أمهي ة القراب ة يف الش ريعة االس المية‪ ،‬إال أن األف راد يف اجملتم ع االس المي‪ ،‬ق د‬
‫يتغافلون عن هته األمهية الدينية والدنياوية‪ ،‬ذلك بسبب ضعف الوازع الديين والتقليل من أمهية‬
‫التواص ل‪ ،‬وص لة األرح ام ومس اعدة احملت اج من الق رىب‪ ،‬جع ل األف راد يقطع ون أرح امهم وال‬
‫يصلوهنم‪ ،‬إال يف املناسبات أو احلاالت االستثنائية‪.‬‬
‫ومن خالل الدراسة امليدانية اليت أجريناها بدى لنا واضحا‪ ،‬أن أفراد العينة أشخاص مثقفوم‬
‫ويدركون أمهية القرابة يف الدين االسالمي‪ ،‬إال أن الظروف حسب قوهلم جعلتهم‪ ،‬ال يصلون‬
‫أرحامهم يف الكثري من األحيان وذلك جملموعة من األسباب اليت ذكرها األفراد‪ ،‬كانت سببا‬
‫قوي ا مينعهم من ص لة ال رحم‪ ،‬مبع ىن أن ه ذه األس باب ‪-‬ال يت س نذكرها يف املبحث املوايل ح ول‬
‫أس باب ض عف الرابط ة القرابي ة‪ -‬أص بحت أق وى منهم للص لة‪ .‬وهن ا تنخفض نس بة الزي ارات‬
‫لتصل إىل االنعدام أو القطيعة‪.‬وهذا ما سنتحدث عنه يف املباحث اآلتية‪ ،‬لنوضح عوامل التزاور‬
‫بني األفراد والتناقص‪.‬‬
‫‪ .1‬مفهوم صلة الرحم‬

‫يع د مص طلح ص لة ال رحم مفهوم ا إس الميا أص يال‪ ،‬وه و األنس ب للتعب ري عن العالق ات‬
‫القرابية اليت تكتسب امسها من الرحم‪AA‬ان وهو اهلل عز وجل‪،‬ألهنا مشتق من الرحم‪ ،‬من اسم‬
‫الرمحان ملا ورد يف ح ديث الن‪AA A‬بي ص‪AA A‬لى اهلل علي‪AA A‬ه و س‪AA A‬لم عن اهلل عز و جل ‪ ":‬أن ا اهلل وأن ا‬

‫‪1‬‬
‫القرآن الكرمي ‪ ،‬سورة النساء ‪،‬اآلية‪:‬رقم ‪01‬‬
‫‪2‬‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬سورة محمد‪،‬اآلية رقم ‪. 22‬‬

‫‪256‬‬
‫الرمحان خلقت ال رحم وش ققت هلا إمسا من إمسي فمن وص لها وص لته‪ ،‬ومن قطعه ا‬
‫قطعته‪. 1".‬فهي تستمد منه هيبتها وثقلها وقيمتها ألهنا موصولة باسه‪.‬‬

‫ومعىن صلة الرحم هو العطف والرمحة‪ ،‬أما صلة اهلل تعالى ملن وصل رمحه‪ ،‬فهي عبارة لُطفه‬
‫هبم ورمحت ه إي اهم‪ ،‬وعطف ه عليهم بإحس انه ونعم ه‪ ،‬أو ص لتهم بأه ل ملكوت ه األعلى‪ ،‬وش رح‬
‫صدورهم ملعرفته وطاعته‪ ،‬أما ال‪AA‬رحم فقال االم‪AA‬ام الن‪AA‬ووي‪ :‬اختلفوا يف حد الرحم اليت جيب‬
‫وص لها فقي ل‪:‬ك ل رحم حمرم‪ ،‬وقي ل‪ :‬ه و ع ام يف ك ل رحم‪ ،‬من ذي األرح ام‪ ،‬يف املرياث‪،‬‬
‫يستوي في ه احملرم وغ ريه‪ ،‬وص لة ال رحم هي اإلحس ان إىل األق ارب على حسب ح ال الواصل‬
‫واملوصول‪ ،‬فتارة تكون باملال وتارة باخلدمة وتارة بالزيارة والسالم وغري ذلك‪ ،‬كما أن الصلة‬
‫ب ر وإحس ان ويك ون حس ن العش رة والص حبة لأله ل والول د‪ ،‬باملدارات وس عة اخلُل ق والنفس‪،‬‬
‫ومتام النفقة‪ ،‬وتعليم األدب والسنة ومحلهم على الطاعة‪ ،‬لقوله تع‪AA‬الى﴿‪A‬يا أيها الذين آمنوا قوا‬
‫أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس واحلجارة﴾‪ 2‬كما ورد يف تفسري ابن كث‪AA‬ير معىن الص‪AA‬لة‬
‫كم ا يلي‪":‬ص لة األرح ام واإلحس ان إليهم وإىل الفق راء واحملاويج‪ ،‬وب ذل املع روف‪ ...‬ويُضيف‬
‫صلة األرحام واألقارب‪ ،‬كما فسره قُتادة كقوله تعالى‪﴿ A:‬فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا‬
‫يف األرض و تقطعوا أرحامكم﴾ اآلية ‪ 22‬سورة حممد ‪.‬وقيل املراد أعم من ذالك فكل ما أمر‬
‫‪3‬‬
‫بوصله وفعله فقطعوه وتركوه‪.‬‬

‫كم ا جيب أن نش ري إىل أن اآلي ة تض ع تالزم ا أو ح ىت عالق ة س ببية‪ ،‬بني نقض الفس اد يف‬
‫األرض وقط ع م ا أم ر ااهلل ب ه أن يوص ل‪ ،‬وذل ك للدالل ة على أن قط ع الص الت‪ ،‬ي أيت كنتيج ة‬
‫حتمية لنقض امليثاق ويرتتب بالضرورة عن القطيعة‪ ،‬وانتشار رقعة الفساد يف األرض وهذا ما‬
‫الحظناه يف اجملتمع بسبب قطع الصلة بني األقارب‪.‬‬

‫‪.1‬أنظر‪:‬خمتصر صحيح مسلم‪ ،‬اجلزائر‪،‬عني مليلة‪ ،‬دار اهلدى‪.1999 ،‬‬

‫‪.2‬القرآن الكرمي‪ ،‬سورة التحريم‪ ،‬اآلية رقم ‪.6‬‬


‫‪ 3‬صابوين حممد علي‪ ،‬صفوة التفاسير‪،‬ثالث جملدات‪،،‬اجمللد الثاين‪،‬بيـروت‪:‬دار القرآن‪،‬ط‪ 7،1981‬ص‪.278‬‬

‫‪257‬‬
‫وقال القاض‪AA‬ي عي‪AA‬اض‪":‬ال خالف أن صلة الرحم‪ ،‬واجبة يف اجلملة وقطيعتها معصية كبرية‬
‫واألح اديث تش هد هلذا‪ ،‬لكن الص لة درج ات‪ ،‬بعض ها أرف ع من بعض‪ ،‬وأدناه ا ت رك امله اجرة‬
‫ب الكالم ول و بالس الم‪ ،‬وخيتل ف ذل ك ب اختالف الق درة واحلاج ة‪ ،‬فمنه ا واجب ومنها‬
‫مس تحب‪،‬ول و وص ل البعض من األق ارب ومل يص ل البعض اآلخ ر‪ .‬ف إن ه ذا ال يُس مى قاطع ا‪،‬‬
‫ول و ش خص قص ر عم ا يق در علي ه‪ ،‬م ع أقارب ه ال يس مى واص ال‪1".‬وال رب بالوال دين اإلحس ان‬
‫إليهم ا‪ ،‬والتع اطف عليهم ا والرف ق هبم ا والرعاي ة ألحواهلم ا وع دم اإلس اءة إليهم ا وإك رام‬
‫‪2‬‬
‫صديقهما من بعدمها‪ ،‬هو باب من أبواب صلة الرحم‪.‬‬

‫واملقصود أيضا بصلة الرحم هو االحسان إىل األقربني ونُصحهم ومد يد العون هلم‪ ،‬فكلما‬
‫قويت روابط القرىب‪ ،‬زاد التكافل وساد التعاون يف أمورهم‪ ،‬وتولت العالقة الرحيمية‪ 3.‬كما‬
‫يُعرفه ا معن خلي‪AA A‬ل العم‪AA A‬ر‪":‬تش ري الص لة الرمحي ة إىل إرتب اط األخ بإخوان ه وأخوات ه‪ ،‬وع دم‬
‫اس تعمال مص طلح عالق ة اجتماعي ة بني األخ وأخت ه أو أخي ه‪ ،‬ألهنا يف األس اس ال متث ل ص لة‬
‫عضوية مصريية‪ ،‬بل تفاعلية ظرفية‪4".‬وهنا نالحظ أن الباحث يعترب استخدام عالقة اجتماعية‪،‬‬
‫للتعبري عن صلة الرحم‪ ،‬خطأ متداوال‪ ،‬ألن صلة الرحم أكثر تعبريا‪ ،‬فهي أكثر من العالقة كما‬
‫يق ول‪ ،‬ويف بعض األحي ان تص ل إىل حال ة الف داء والتض حية أو التن ازل عن حق وق مادي ة‬
‫ومعنوية‪.‬‬

‫إذن إجرائي ا صلة ال رحم ه ذا املص طلح السوسيوإس المي‪ ،‬املقص ود منه التواص ل املستمر م ع‬
‫األهل واألقارب وليس يف املناسبات فقط‪ ،‬مع احلرص على اإلنتظام يف الزيارات‪ ،‬حيث تكون‬
‫ه ذه الص لة مص حوبة باإلحس ان والتض امن م ع ذوي القُرىب‪ ،‬ك الوقوف جبانبهم يف األف راح‬
‫واألحزان‪.‬‬

‫‪. 1‬صاحل بن عبد اهلل بن محيد‪ ،‬عبد الرمحان بن حممد بن عبد الرمحان بن ملوح‪ ،‬موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخالق الرسول‬
‫‪2‬الكريم‪ ،‬ط‪ 1‬السعودية‪ ،‬جدة‪ ،‬دار الوسيلة للنشر والتوزيع‪ ، 1998،‬ص ‪2614‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.727‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬مصطفى عبد الواحد‪ ،‬االسرة في االسالم‪،‬دار االعتصام‪ ،‬مصر‪،‬القاهرة‪، 1980،‬ص‪.80‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪ ،‬علم اجتماع األسرة‪،‬مرجع سبق ذكره‪.147،‬‬

‫‪258‬‬
‫هلذا حدد الدين اإلسالمي نظاما متدرجا للتضامن‪ ،‬ابتداء من املقربني وبالتدرج‪ ،‬أي حسب‬
‫درج ات القراب ة‪ ،‬هلذا جند يف قول‪AA‬ه تع‪AA‬الى الكث ري من اآلي ات القرآني ة‪ ،‬ن ذكر منه ا‪ :‬قول ه تع اىل‬

‫﴾﴿و ْاعبُ ُدوا اللَّهَ َواَل تُ ْش ِر ُكوا بِِه َش ْيئاً َوبِالْ َوالِ َديْ ِن ِإ ْح َس اناً‬
‫﴿وأولوا األرحام بعضهم أوىل ببعض َ‬
‫ب بِ اجْلَْن ِ‬ ‫اح ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ني واجْلَ ا ِر ِذي الْقُرىَب واجْلَ ا ِر اجْلُنُ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ب َوابْ ِن‬ ‫ب َو َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُرىَب َوالْيَتَ َامى َوالْ َم َس اك َ‬ ‫َوبِ ذي الْق ْ‬
‫ب َم ْن َك ا َن خُمْتَ االً فَخُوراً ﴾‪ 1‬ومن ه ذا االس تدالل‬ ‫ت َأمْيَ انُ ُك ْم ِإ َّن اللَّهَ اَل حُيِ ُّ‬
‫الس بِ ِيل َو َم ا َملَ َك ْ‬
‫َّ‬
‫القرآين نستشف أثر البعد الديين على البناء القرايب والبناء االجتماعي‪ ،‬ممايزيد من توضيح لدور‬
‫وأمهية القرابة يف اجملتمع االسالمي‪ ،‬وما تعود به من آثار على اجملتمعات األخرى‪ ،‬هذا ما يُبقي‬
‫القرابة على مدى طويل‪ ،‬ذات أمهية ودور فعال يف اجملتمع‪.‬‬
‫كم ا ي درج ض من مص طلح القراب ة من الناحي ة الديني ة‪ ،‬مص طلحات أخ رى‪،‬كالتكاف ل وال رب‬
‫واالحسان لألقارب‪ .‬فريى الدين اإلسالمي أن التكافل بني األقارب يكون مبنيا على‪:‬تقوى‬
‫اهلل والرب واإلحسان‪ ،‬اإليثار والقناعة‪ .‬حيث أن تقوى اهلل تعين االمتثال ألوامره ونواهيه‪ ،‬يف‬
‫كل سلوكيات الفرد واجلماعة‪ ،‬سواء أكان السلوك تعبديا أو من خالل املعامالت والعالقات‬
‫بني الن اس‪ .‬أما ال رب فل ه مع ان ع دة منه ا ‪ :‬الفض يلة كحس ن املعاش رة‪ ،‬وحس ن اخلل ق وص لة‬
‫الرحم‪ ...‬اإلنفاق والبذل يف سبيل اهلل‪ ،‬أي اخلري العام‪.‬وال خيتلف اإلحسان أيضا يف معانيه عن‬
‫الرب‪ ،‬فقد يأيت اإلحسان مبعىن الرب ولني اجلانب‪ ،‬وقد يعين فعل اخلريات وترك السيئات‪ ،‬طلب‬
‫احلق باملعروف‪ ،‬اإلنفاق يف سبيل اهلل‪ ،‬حسن املعاشرة‪ ،‬خاصة بني الزوجني‪ ،‬سعي دائم لطلب‬
‫اخلري يف الدنيا واآلخرة ‪.2‬‬
‫فمن خالل الدراسة امليدانية ال يت أجرينه ا‪ ،‬ب دى واض حا أن ه توج د عالقة طردي ة بني درجة‬
‫الت دين يف اجملتم ع‪ ،‬من جه ة وص لة ال رحم من جه ة أخ رى‪ .‬مبع ىن أن األف راد يف اجملتم ع احمللي‪،‬‬
‫الذين هلم وعي ديين جتدهم يصلون أرحامهم‪ ،‬خاصة القريبني منهم وهناك من يقدسون قيمة‬
‫هذه الرابطة أو الصلة القرابية‪ ،‬إال أهنم ال يستطيعون أن يصلوا أرحامهم‪ ،‬نظرا لعدة أسباب‪.‬‬

‫‪.1‬القرآن الكرمي‪ ،‬سورة األنفال‪،‬اآلية ‪.75‬وسورة النساء‪،‬األية‪.63:‬‬


‫‪ .2‬صالح مصطفى الفوال‪ ،‬التصور القرآني للمجتمع‪ A،‬األنساق والنظم االجتماعية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪593 -595،‬‬

‫‪259‬‬
‫وه ذا م ا ص رح ب ه الكث ري من مبحوثين ا ح ول الص لة وقط ع ص لة م ع األق ارب‪ .‬فتص رح‬
‫المبحوث‪AA‬ة رقم ‪".32‬ريب وصا على األقارب وأنا ن روح مشي م انروحش‪ ،‬بص ح غي املقربني‬
‫لي ا‪ ،‬مها يل ن روحلهم ب زاف‪ ،‬كم ا دارن ا دار زوجي وخ ويت وخالص‪ ،‬الب اقي غي ك اش‬
‫ض رورة‪ ".‬كم ا تص رح نفس املبحوث ة بع دما س ألتها ه ل هن اك ن زاع ح دث م ع أهل ك مثال‬
‫فقالت‪ ":‬نعم صرا مشكل بيين وبني أخيت الصغرية‪ ،‬بنتها الكبرية تقريب قد بنيت الصغرية‪ ،‬ومن‬
‫زوجت بن يت حض رت ودارت مش كل يف الع رس‪ ،‬ق التلي بنت ك مقيمتش بن ايت مبع ىن (مل هتتم‬
‫ألمرها) فحدثت القطيعة‪ ،‬بيين وبينها خلطارش بكاوين يف عرس بنيت‪ ،‬وخمالونيش نفرح‪ ،‬وحلد‬
‫اآلن ال أزوره ا وال ت زورين‪".‬يق ول ص احب المقابل ‪AA‬ة رقم ‪".23‬ص لة ال رحم‪ ،‬تق دري تق ويل‬
‫فرض يف الدين نتاعنا‪ ،‬بصح الواحد مع اخلدمة وأشغال الدنيا‪ ،‬اهلل غالب يزور غي الوالدين‬
‫بزاف‪ ،‬أنا خويت خطرات وين نروح‪ ،‬تقدري تقويل يف املناسبات برك‪ ،‬بصح الباقي كما عمي‬
‫خ ايل‪...‬واهلل م اراين ن روح‪ ،‬نتالق اهم غي ك اش مناس بة اهلل غ الب راحت حياتن ا هك ذا‪ ".‬مث‬
‫يُض يف أن الس بب يف ع دم الزي ارة‪ ،‬يع ود إىل التنش ئة يق ول‪":‬يف احلقيق ة أن ا كي حليت عي ين‪،‬‬
‫شفت عمومي وخوايل ماجيوش عندنا‪ ،‬مها يف والية سيدي بلعباس وحنا هنا يف وهران‪ ،‬مام‬
‫بويا‪ ،‬قليل وين يروح‪ ،‬تسما ما تربيناش على صلة الرحم‪ ،‬والزيارات يف غري املناسبات‪ ،‬هذا‬
‫وين رانا نسمعوا عليها يف اجلامع‪ ،‬بلي واجب تقوم بيها‪ ".‬فهذه بعض التصرحيات وهي تقريبا‬
‫متش اهبة يف اآلراء‪ ،‬فك ل مبحوثين ا‪ ،‬ي رون أن ص لة ال رحم واجب ة‪ ،‬على املس لمني‪ ،‬من وص لها‬
‫وصل اهلل ‪ ،‬ومن قطعها قطع الصلة معه‪ ،‬ورغم ذلك كما قلنا‪ ،‬تبقى هناك أسباب تقف حاجزا‬
‫أمام التواصل القرايب‪.‬‬
‫أم ا إذا رجعن ا إىل عالق ة الف رد م ع أخي ه اإلنس ان‪ ،‬واجملتم ع كك ل‪ ،‬والعالق ات الناش ئة عن‬
‫تفاعل اإلنسان مع غريه‪ ،‬جند أن اإلسالم وضع قالبا واحدا‪ ،‬لكل هذه العالقات‪ ،‬مميزا عن غريه‬
‫من الق والب واألنظمة‪ .‬فاإلنسان املسلم له صفات مميزة عن غريه‪ ،‬يتبع يف أفعاله وأقواله‪ ،‬ما‬
‫أمره اهلل به يفعله وينتهي عما هناه اهلل عنه‪ ،‬فيتجنبه ويبين كل ذلك على أساس الوازع الديين‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫كما أن اإلنسان باإلضافة إىل صلته بربه العزيز‪ ،‬صلته بأقاربه‪ ،‬فإنه ال بد عليه‪ ،‬أن ال ينسى‬
‫حظه يف الدنيا وأن يسعى لتعمري األرض‪ ،‬مع عدم نسيان أن حيسن معاملتة مع أخيه اإلنسان‬
‫وإىل غ ريه من الن اس يف جمتمع ه‪ .‬ألن ذل ك من خص ال املس لم‪ ،‬ويظه ر ذل ك يف قول‪AA A A‬ه‬
‫تع‪AA‬الى"وأحس ن كما أحسن إلي ك" فاإلنس ان املسلم ل ه ص فات مميزة عن غ ريه‪ ،‬يتب ع يف أفعاله‬
‫وأقواله‪ ،‬ما أمره اهلل به فيفعله‪ ،‬وينتهي ما هناه اهلل عنه فيتجنبه ويبتعد عنه‪.‬‬

‫إذن اإلس الم مل يُقس م ومل مييز يف الرواب ط والعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬تقس يما مادي ا مبني ا على‬
‫االقتصاد أو السياسة أو البيئة أو غري ذلك‪ ،‬ومل مييز بني العالقات يف الريف واملدينة‪ ،‬ومل حيدد‬
‫للفرد الروابط والعالقات االجتماعيـة يف أفعاله‪ ،‬خاصة بكل بيئة‪ .‬بل جعل أفعاله‪ ،‬هي نفسها‬
‫مهم ا اختلفت البيئ ة أو تب اين املك ان‪ ،‬أو تغ ري الزم ان‪ .‬إذا ك ان علم اء االجتم اع‪ ،‬يس تعملون‬
‫مصطلح العالقة للداللة على صلة اإلنسان باإلنسان ومبجتمعه‪ ،‬وأن اإلسالم يستعمل مصطلح‬
‫املعامل ة للدالل ة عن نفس الص لة‪ ،‬كم ا أن ه لتحدي ده لتل ك الص لة‪ ،‬ولكي تك ون املعامل ة حس نة‬
‫وجيدة‪ ،‬أوجب أن تكون مبنية على أخالق‪ ،‬حتدد نوع املعاملة‪ ،‬ومن أهم األخالق اليت حث‬
‫عليها اإلسالم‪ ،‬هي االستقامة‪ ،‬اإلحسان‪ ،‬التعاون‪ ،‬وصلة الرحم‪.‬‬

‫‪.2‬الدرجة القرابية األولى الوالدان‪ A‬واالخوة األقارب األكثر زيارة‬

‫تعترب الزيارات من أهم مؤشرات االتصال القرايب اليت تُعرب عن التضامن األسري‪ ،‬وقوة‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬بني أفراد الوحدات القرابية‪ ،‬هلذا يشهد هذا املؤشر‪ ،‬تطورا موازاة مع‬
‫التطور الذي عرفه اجملتمع‪ ،‬فريى مالك بن نبي" أن أي جمتمع يف طريق تغيري نفسه‪ ،‬مشروط‬
‫باكتم ال ش‪AA A‬بكة عالقاته‪ A‬القرابي‪AA A‬ة واالجتماعية بوص فها املهم ة األوىل‪ ،‬ال يت حتق ق ل ه توف ري‬
‫الصالت الضرورية بني عوامل األشخاص واألفكار واألشياء‪1 ".‬كما ظهرت بعض الدراسات‬
‫والبح وث ح ول حتلي ل العوام ل‪ ،‬ال يت تتحكم يف عملية االتص ال‪ ،‬بني األق ارب داخ ل ال دوائر‬
‫القرابية‪،‬كالبحث الذي قام به "لويس روسال "‪Louis- Roussel‬حول األسرة وهو كما‬

‫‪.1‬نورة خالد السعد‪ ،‬التغير االجتماعي في فكر مالك بن نبي‪ ،‬دراسة يف بناء النظرية االجتماعية‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار السعودية للنشر‬
‫التوزيع‪ ،‬جدة ‪ ، 1997‬ص‪.148‬‬

‫‪261‬‬
‫ذكرت مارتن سيقالن ‪ "M.Segalen‬يف دراسة لقياس التقارب‪ ،‬يف السكن وطبيعة العالقات‪،‬‬
‫وأمهي ة اخلدمات وتب ادل احلاج ات بني األبن اء وآب ائهم بع د ال زواج‪ ،‬فك انت أهم نت ائج ه ذا‬
‫البحث هو أن األبناء بعد زواجهم يفضلون اإلقامة بالقرب من إقامة آبائهم‪ .‬وهذا ما يؤكد لنا‬
‫األمهي ة القص وى للس كن املقص ود لغ رض التق ارب جبانب األه ل‪ ،‬وال ذي ي ؤدي إىل تقوي ة‬
‫االتص االت بينهم‪ .‬هلذا ف إن معظم مظ اهر االتص ال بني األق ارب تظه ر على مس توى الف رد‪،‬‬
‫بعائلته األم‪ ،‬أي الدائرة القرابية األوىل واليت تشمل كل معاين التقدير واالحرتام‪1.‬وهو نفس ما‬
‫توصل إليه أيضا الباحثان بروترو ‪ ، Prothro‬ودياب ‪ Diab‬يف دراسة هلما عن التغري الذي‬
‫طرأ على األسرة‪ ،‬يف املدن العربية مثل بريوت‪ ،‬عمان‪ ،‬دمشق‪ .‬وتوصال إىل "أن هناك عالقات‬
‫دل على ذل ك‪ ،‬الزي ارات املتك ررة ال يت‬
‫قوية بني األس ر النووي ة والوال دين بش كل خ اص‪ ،‬وق د ّ‬
‫حتدث بني األس ر النووي ة والوال دين‪ ،‬كم ا توص ال أيض ا إىل أن تك رار الّتزاور م ع األق ارب‬
‫‪2‬‬
‫اآلخرين‪ ،‬كاألعمام والعمات واخلاالت ‪...‬اخل أقل بكثري من تكرار الّتزاور مع الوالدين‪.‬‬
‫إض افة إىل ه ذا ي رى بارس‪AA‬ونز أن نس ق األس رة األمريكي ة‪ ،‬نس ق مفت وح يق وم فق ط على‬
‫العالقة الزواجي ة‪ ،‬واألس رة الن واة املنعزل ة عن اجلماع ات القرابي ة الواس عة‪ .‬غ ري أن فك رة العزلة‪A‬‬
‫اليت أكدها بارس‪AA‬ونز‪ ،‬لفتت العديد من االنتقادات من طرف الباحثني‪ ،‬حيث أجريت العديد‬
‫من البح وث ال يت أثبتت أن عالق ة األس رة باألق ارب وخاص ة املباش رين منهم‪ ،‬كالوال دين‬
‫واإلخوة‪ ،‬مازالت قائمة وبشكل متني‪ ،‬ومدعمة مبختلف االلتزامات املادية واملعنوية القائمة بني‬
‫أفرادها‪ ،‬ما يبني عدم زوال األنظمة القرابية يف خمتلف اجملتمعات احلضرية منها والتقليدية‪ ،‬وهي‬
‫مازالت تؤدي العديد من الوظائف‪ ،‬وتساهم بدور فعال يف تطوير وحتقيق حاجات وأهداف‬
‫‪3‬‬
‫وحداهتا داخل اجملتمع‪.‬‬
‫فمن أكثر الظواهر االجتماعية بروزا اليت الحظناها يف جمتمع الدراسة‪ ،‬هي ظاهرة استقالل‬
‫األسر عن العائلة الكبرية‪ ،‬ولكن هذا االنفصال السكين مل يؤدي إىل ضعف قوة الرباط الذي‬

‫‪1‬‬
‫‪. M, BOUTEFNEUCHET, Op.cit, p54‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.Prothro, EDWIN TERRY, and Lutfy Najib, DIAB, Changing Family patterns in‬‬
‫‪the Arab East, Beirut , American university of Beirut,1974.pp.70-72.‬‬
‫‪.‬سناء اخلويل‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.67،69‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪262‬‬
‫جيمع األسر بعائلتها‪ ،‬بل بالعكس زاد قوة من أجل تفادي حتسيس العائلة هبذا االنفصال اجملايل‬
‫حيث يبقى دائم ا على ص لة مباش رة بأوليائ ه‪ ،‬وإخوته املتزوجني منهم والع زاب‪ ،‬وبك ل أقارب ه‬
‫وأكرب دليل على ذلك‪ ،‬هو تفضيل األبناء والبنات اإلقامة بقرب إقامة عائلتهم‪.‬‬
‫حيث أن القرب السكين يسمح بتكرار الزيارات‪ ،‬بشرط احملافظة على استقاللية األسرة‬
‫النووي ة‪ .‬ف القرب من اآلب اء من بني املع ايري ال يت حتكم عملي ة اختي ار مك ان الس كن‪ ،‬وتق وم‬
‫بتحديد عالقات القرابة على أساس مبدأ‪ ،‬أن كل وحدة تكفي نفسها ماديا‪.‬‬
‫ت على ُس كنا‪ ،‬قريبة من‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حو ْس ْ‬
‫يت نْد ْير داري‪َ ،‬‬
‫يقول صاحب المقابلة‪ A‬رقم ‪".22‬أنا كي بْغ ْ‬
‫الش وابني‪ ،‬جيو‬
‫اطرش‪ ،‬والَ ْفت هذي البَالَصة وزيد باش نكون قريبة‪ ،‬من ْ‬
‫باش نَكْريها‪ ،‬خلَ ْ‬
‫دارنا‪ْ ،‬‬
‫عن دي و جني عن دمهم‪ ،‬بس هولة‪" .‬فاألبن اء املتزوجني ال يش كلون عبئ ا‪ ،‬على آب ائهم وك ذلك‬
‫األباء املسنون‪ ،‬ال ميثلون عبئا على أبنائهم أيضا‪ ،‬إال يف حاالت نادرة أو شاذة‪ .‬وهذا ال يعين‬
‫أن االلتزام العائلي خمتفي‪ ،‬بل مازال قائم‪ ،‬ومبختلف األشكال‪ ،‬وذلك أن األسرة‪ ،‬متنح للفرد‬
‫مس توى من األمن‪ ،‬ال يُقدم ه ل ه أي مك ان آخ ر‪ .‬كم ا حتتف ظ الص الت بني األق ارب واأله ل‪،‬‬
‫حبقوق وواجبات ال توجد يف أي مكان آخر‪ ،‬حيث يكون ذلك‪ ،‬يف إطار احلقوق والواجبات‪،‬‬
‫بني خمتلف الوحدات القرابية‪.‬‬
‫ومن خالل إج رائي للمق ابالت امليداني ة وج دنا أن طبيع ة الزي ارات املكثف ة بني األبن اء‬
‫وأولي ائهم الكب ار‪ ،‬تتمث ل يف االح رتام وال واجب اجتاههم‪ ،‬وخصوص ا عن دما يك ون األب وين يف‬
‫مرحل ة عمري ة حساس ة‪ ،‬ألهنم حباج ة إىل رعاي ة خاص ة واهتم ام متواص ل‪ ،‬كاالطمئن ان عليهم‬
‫وتن اول معهم الوجب ات الغذائي ة‪ ،‬ومش اركتهم أط راف احلديث‪ ،‬وك ذا معرف ة احتياج اهتم‬
‫اش كي‬
‫‪".‬مك ْ‬
‫وطلب اهتم‪ ،‬بغ رض توفريه ا يف كث ري من األحي ان‪ .‬وهن ا تق ول المقابل ‪A‬ة‪ A‬رقم ‪َ 26‬‬
‫الوالدين‪ ،‬أنا نْظَ ْل يف دارنا ونروح تاين عند عجوزي‪ ،‬كل سيمانة‪ ،‬خطرا دارنا خطرا دارهم"‪.‬‬
‫كما يصطحب األبناء املتزوجني‪ ،‬أبنائهم الصغار‪ ،‬خالل هذه الزيارات‪ ،‬هذا ألن األحفاد‬
‫يُعتربون عامل من عوامل‪ ،‬إسعاد األجداد‪ ،‬الذين حيرصون دائما على لقائهم‪ ،‬خاصة إذا كان‬
‫األحف اد‪ ،‬غ ري م زعجني‪ ،‬وميكن حتملهم‪ .‬أم ا إن ك ان العكس‪ ،‬ف إن الوال دين وخاص ة الكب ار‪،‬‬
‫ألهنم كث ريا م ا حيت اجون لله دوء والس كينة‪.‬كم ا أن طبيع ة زي ارة الوال دين دائم ا وخاص ة عن د‬
‫‪263‬‬
‫األسر النووية العاملة‪ ،‬تكون مرتبطة حباجة األبناء لآلباء أو العكس‪ ،‬مبعىن إذا كان الزوجان‬
‫يعمالن‪ ،‬يسكنون بال ُقرب من الوالدان‪ ،‬وذلك للمصلحة‪ ،‬فكثريا ما تُفضل هذه األسر النووية‪،‬‬
‫اإلقام ة ب القرب من العائل ة‪ ،‬ح ىت تس تطيع اجلدة حض انة األحف اد‪ ،‬خاص ة منهم الص غار‪ ،‬أي‬
‫الرضع‪ ،‬ألن األم تشعر بالراحة والطُمأنينة‪ ،‬عندما ترتك أبنائها عند أجداد الصغار‪ ،‬أي والديها‬
‫أو والدي الزوج‪.‬‬
‫تقول صاحبة المقابلة رقم ‪"15‬أنا خدامة وأوالدي صغار‪ ،‬نديهم عند عجوزيت‪ ،‬حتكمهم‬
‫خري من ‪ ،la nourrisse‬بعدا نكون مهنيا‪ ،‬وهي قاتلي‪ ،‬أنا حنكمهم صغار بزاف‪ ،‬كي يقفلوا‬
‫‪".‬س كنت قريبة‬
‫‪ 3‬أو ‪ 4‬سنوات‪ ،‬ديريهم يف احلضانة‪ " .‬كما تصرح صاحبة المقابلة‪ A‬رقم ‪ْ 29‬‬
‫من دارن ا‪ ،‬على خ اطر أوالدي‪ ،‬خنليهم عن د أمي‪ ،‬ومعن ديش الس يارة على ه ذا‪" .‬زي ادة على‬
‫ذلك‪ ،‬فإن الزيارات املتبادلة ‪،‬بني األبناء‪ ،‬جندها يف بعض األحيان‪ ،‬أكثر تواصال‪ ،‬باملقارنة مع‬
‫األبوين‪ .‬وهذا راجع للتقارب العمري بينهم‪ ،‬أو لقوة العواطف واحلنان‪ ،‬الراسخة بينهم‪ ،‬ومنه‬
‫تسمح هذه الزيارات املتبادلة بينهم‪ ،‬بتوفري اجلو العائلي املناسب‪ ،‬إلحياء التجمعات العائلية اليت‬
‫ك انت س ائدة يف الس ابق‪ ،‬قب ل اس تقالهلم عن املس كن الع ائلي‪ ،‬وهبا يتخلص ون من اإلش تياق‪،‬‬
‫واإلحساس بالعزلة خاصة باألوساط احلضرية‪ .‬وتصرح المقابلة رقم ‪"25‬والديا دميا نزورهم‪،‬‬
‫تقريب كل أسبوع‪ ،‬وموراهم نزور خويت وخوتايت داميا‪ ،‬ندي أوالدي يلعب مع أوالدهم‪".‬‬
‫إذن الزيارات بني األقارب تضمن الراحة النفسية مبشاركتهم احلديث عن املشاكل واهلموم اليت‬
‫يتعرضون هلا يوميا ويتبادلون النُصح واملشورة ‪،‬يف كل األمور‪ ،‬اليت ختصهم‪.‬هذا ما صرحت‬
‫ب ه‪ ،‬الكث ري من املبحوث ات واملبح وثني‪.‬منهم المقابل ‪A A‬ة‪ A‬رقم ‪".28‬ن روح ل دارنا‪ ،‬ودار ال زوج‬
‫ب زاف‪ ،‬الواح د يلق ا راحت ه‪ ،‬م ع أهل ه يش اورهم‪ ،‬ك اش حاج ة‪ ،‬وال أم ور تطلب النص يحة‪ ،‬مها‬
‫ميبخلونيش‪ ،‬يوقفو معايا خاصة خويا الكبري‪ ،‬عنده خربة ويعرف يقنع‪".‬‬
‫توص لنا إذن إىل أن أغلب الزي ارات املكثف ة بني األق ارب‪ ،‬تك ون بني األبن اء واألولي اء‬
‫وأشقائهم مث تليها الزيارات مع األعمام واألخوال وأبنائهم‪ ،‬وتليها بدرجة أقل‪ ،‬الزيارات مع‬
‫غريهم من األقارب‪ ،‬زيادة إىل املكاملات اهلاتفية‪ ،‬اليت تُدعم هذه الزيارات‪ ،‬من خالل األخبار‬
‫املتداولة بني األق ارب‪ .‬بينم ا الزي ارات م ع األق ارب الغ ري مباش رين‪ ،‬كاألعم ام واألخ وال‬
‫‪264‬‬
‫وأبن ائهم‪،‬يف الع ادة تك ون خالل املناس بات‪ ،‬واالحتف االت االجتماعي ة‪ ،‬كاألعي اد واألع راس‪،‬‬
‫واحلفالت ومناس بات النج اح أو املرض والوف اة‪ .‬زي ادة على ذل ك‪ ،‬ف إن األس رة ال تت أخر عن‬
‫هتنئة أو مواساة أقارهبا‪ ،‬فهي تقف سندا ‪،‬ألقارهبا يف السراء والضراء‪ ،‬يف غالب األحيان‪.‬‬
‫‪.III‬أسباب ضعف الرابطة‪ A‬القرابية‪A‬‬

‫م ع االنش غال املتزاي د س واء بالعم ل أو اإلن رتنت وتربي ة األبن اء والدراس ة وغريه ا‪ ،‬ص ار‬
‫الرتابط فعال ضعيفا‪ ،‬ويتضاعف أكثر مع مرور األيام‪ ،‬بل قد جند االفراد‪ ،‬يف البيت الواحد‪ ،‬ال‬
‫يلتقون مع بعضهم البعض‪ ،‬إال يف وقت الغذاء أو العشاء‪.‬كانشغال رب البيت بالعمل‪ ،‬واألم‬
‫العاملة كذلك وحىت األبناء باملدارس‪ .‬ومن مث النوم‪ .‬هكذا باتت احلياة يف اجملتمع احلضري أين‬
‫توج د الب دائل من فض اءات اإلن رتنت‪ ،‬والفض اءات االجتماعي ة عام ة‪ .‬حيث يك ثر ذل ك يف‬
‫العواصم واملدن عنها يف الريف‪.‬كما رأى بوتفنوشنت أن الوسط العائلي له عالقة مشكلة عن‬
‫طريق وساطة‪ ،‬كعالقة الفرد مع عائلة زوجته وهي عالقة احرتام‪ ،‬ولكنها جافة قد تصل إىل‬
‫‪1‬‬
‫القطيعة‪.‬‬

‫ويع ود س بب التن افر الق رايب لس بب رئيس ي وه و حل ول مجاع ات وفض اءات أخ رى‪ ،‬حمل‬
‫الرابط ة القرابي ة‪ ،‬حيث تتمث ل ه ذه اجلماع ات‪ ،‬يف أص دقاء العم ل‪ ،‬وزمالء الن ادي الرياض ي‪،‬‬
‫واألنرتنت‪ .‬مبعىن أن الفضاءات االجتماعية أصبحت متوفرة بكثرة‪ ،‬مما جعلها سببا جيعل الفرد‬
‫يلجأ إليها بدال من أقربائه‪ ،‬ماعدى الوالدين وما دون ذلك ال يهم‪ ،‬إال يف املناسبات‪.‬‬

‫كم ا أن األف راد تغ ريت أفك ارهم وس لوكاهتم ب التغري التكنول وجي احلديث‪ ،‬فأص بح يطغى‬
‫التواصل باألقارب واالستفسار عليهم‪ ،‬يتم عرب اإلنرتنت واهلاتف بدال من الزيارات املباشرة‪،‬‬
‫زيادة إىل ذلك ظهرت بني األقارب نوع من القطيعة اليت اختلفت أسباهبا‪ ،‬حسب أفراد جمتمع‬
‫الدراسة‪ ،‬مما أدى إىل ظهور ما يسمى بالتنافر القرايب‪ ،‬ويعين ذلك تباعد بني األقارب وزوال‬
‫التواص ل بينهم‪ .‬هلذا مجعن ا جمموع ة من األس باب ال يت اس تنتجناها من خالل إج راء مق ابالت‬

‫‪1‬‬
‫‪.M, BOUTEFNEUCHET, La famille Algérienne évolution et caractéristiques‬‬
‫‪récentes, Alger, Edition SEN D, 1979, p54.‬‬

‫‪265‬‬
‫البحث االستطالعي الذي أظهر لنا‪ ،‬أسبابا رئيسية‪ ،‬وأخرى ثانوية‪ ،‬لذلك حاولنا توضيح أهم‬
‫األسباب اليت حتدث عنها معظم مبحوثينا‪.‬‬

‫‪.1‬النزاعات والصراع بين االخوة واألهل داخل العائلة‪ A‬الممتدة‬

‫أص بحت العائل ة املمت دة الي وم تعيش ن وع من الص راع ال داخلي‪ ،‬خاص ة يف حال ة وج ود‬
‫عائالت نووية بداخلها‪ ،‬مما خيلق صراعا ونزاعا داخليا بني اإلخوة أو األهل‪ ،‬يؤدي يف غالب‬
‫األحي ان إىل انفص ال األس ر النووي ة عن العائل ة الكب رية‪ .‬حيث ختتل ف أس باب الص راعات‬
‫والنزاعات الداخلية من عائلة ألخرى‪.‬‬

‫وهلذا نعترب الصراع بني األقارب من أصعب املوضوعات املتصلة بالروابط القرابية العائلية‪ ،‬مما‬
‫جعلنا نوجه ألفراد العينة عددا من األسئلة الىت تدور حول طبيعة الصراع‪ ،‬وشدته واملدة اليت‬
‫يس تغرقها‪ .‬فمن خالل املق ابالت ال يت أجريناه ا‪ ،‬ك ل أس رة نووي ة‪ ،‬حتكي عن أس باب انفص اهلا‬
‫عن العائل ة وهي متنوع ة‪ ،‬تن درج ض من الص راعات الشخص ية بني اإلخ وة أو بني زوج اهتم‪ .‬و‬
‫هناك صراعات حول املرياث واملال‪ ،‬ومنها ما يؤدي إىل احملاكم‪ ،‬فقبل االستدالل باملقابالت‪،‬‬
‫نتعرف على الصراع والنزاعات بني األفراد‪.‬‬

‫يُع رف عب ‪AA‬د الحمي‪AA‬د لطفي‪ ،‬الص راع الشخص ي على أن ه"كراهي ة ش خص آلخ ر‪ ،‬حيث‬
‫يك ون هلذه الكراهي ة‪ ،‬س بب واض ح وق د ال يك ون هن اك س بب‪ ،‬ألن ه هن اك من يك ره شخص ا‬
‫آخ ر‪ ،‬مبج رد النظ ر إلي ه أو من النظ رة األوىل‪ ،‬ال يرت اح ل ه‪ ،‬فتنقلب ه ذه الكراهي ة إىل ص راع‬
‫يظه ر ت درجييا على ش كل إدع اءات أو تب ادل الش تائم والتهدي د‪،‬كم ا ينتهي يف الكث ري من‬
‫األحيان‪ ،‬باإلشتباك اجلسمي‪ .‬والشائع أن يكون هلذا النوع من الصراع‪ ،‬سبب واضح‪"1".‬وقد‬
‫یك ون ه ذا الص راع بص فة مباش رة‪ ،‬ووجه ا لوج ه‪ ،‬وقد ینم و يف اخلف اء ویتخ ذ مظ اهر غ ري‬
‫مشروعة‪ ،‬كالقتل وحبك الدسائس‪"2.‬كما حدث بني إخوة سيدنا يوسف عليه السالم‪A.‬‬

‫‪.‬عبد احلميد لطفي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.140‬‬


‫‪1‬‬

‫‪ . 2‬زیدان حممود مصطفي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪49‬‬

‫‪266‬‬
‫كم ا يظه ر الص راع بس بب بعض الس لوكيات‪ ،‬مث ل الغ رية‪ ،‬االهتام بالس رقة‪ ،‬اخلوف من‬
‫السحر واألعمال الشريرة‪ .‬حسب ما صرح به مبحوثونا‪ .‬عجوز يف أسرة ممتدة‪ ،‬تتحدث عن‬
‫ت ولدي‪ ،‬كي خترج‪ ،‬تقفل شومربهتا باملفتاح‪ ،‬ومتخليناش‬
‫"م ْر ْ‬
‫زوجة إبنها المقابل‪AA‬ة رقم ‪َ 02‬‬
‫ندخلوا‪ ،‬لبيتها شاكة فينا‪ ،‬خنونوهلا حواجيها‪ ،‬وال نديروهلا كاش حاجة‪ ".‬كما حيدث الصراع‬
‫بص ورة واض حة بني من هم من نفس الن وع‪ ،‬خاصة اإلن اث‪ ،‬وبني املتق اربني يف السن‪ .‬فكلم ا‬
‫زاد حجم األسرة‪،‬كلما زادت التفاعالت والتوترات بني أفرادها‪ .‬فالبنات العازبات يف العائلة‪،‬‬
‫ي دخلن يف غ الب األحي ان يف ص راع م ع زوج ات اإلخ وة‪ .‬و يع ود ذل ك غالب ا للغ رية أو ع دم‬
‫التفاهم يف أمور التنظيف والطهي وغريها من أشغال املنزل‪ .‬هذا ما يؤدي إىل ظهور صراع‪،‬‬
‫بني اإلخوة‪ ،‬ليقرروا يف الغالب االنفصال بأسرهم النووية‪ ،‬عن األسرة املمتدة‪.‬‬
‫تق ول المبحوث ‪AA‬ة رقم ‪" 17‬عج وزيت تكره ين‪ ،‬ومتخلي ين ن دير وال و‪ ،‬يف ال دار‪ ،‬وكي جيي‬
‫راجلي تقوله مرتك متبغيش تعاوين‪ ،‬حيسب بصح ويدابزين‪ ،‬حىت وحد النهار‪ ،‬قتله دير روحك‬
‫خ رجت وع اود ويل‪ ،‬ومسع ش راها تق ويل‪ ،‬دار كيم ا قُتل ه‪ ،‬ومسع بودن ه‪ ،‬على ه ذي‪ ،‬خرجن ا‬
‫وسكنا وحدنا‪ ".‬وتقول المبحوثة‪ A‬رقم ‪" 13‬عندي زوج محاتايت‪ ،‬كل يوم معاهم يف املشاكل‬
‫على ْش غُ ْل الدار يضلوا يتفرجوا‪ ،‬يف التيلي وتاكلني علي‪ ،‬وأنا بالكرش‪ ".‬كما توجد أسباب‬
‫أخ رى لل نزاع‪ ،‬بني اإلخ وة‪ ،‬بس بب األبن اء الص غار‪ ،‬عن دما يتش اجرون فيم ا بينهم‪ ،‬مما جيع ل‬
‫األمهات‪ ،‬أو اإلخوة يدخلون يف صراع‪.‬‬
‫و األكثر من ذل ك‪ ،‬الصراع من أج ل املرياث‪ ،‬الذي يُعت رب من أك رب النزاع ات بني األق ارب‪،‬‬
‫وه و الوحي د‪ ،‬ال ذي ي ؤدي إىل احملاكم‪ .‬فبع د وف ات الوال دين‪ ،‬غالب ا م ا يتن ازع اإلخ وة‪ ،‬ح ول‬
‫املرياث الذي يُعترب حقا شرعيا‪ ،‬لكل وارث شرعي‪ ،‬ويعود األمر فيه‪ ،‬إىل عدم إتفاق اإلخوة‪،‬‬
‫ح ول طريق ة تقس يم الرتك ة‪ ،‬أو رفض البعض القس مة‪ .‬ل ذلك حتدث لن ا الكث ري من املبح وثني‪،‬‬
‫حول صراع الرتكة بني اإلخوة‪ ،‬وعلى أهنا تؤدي إىل قطيعة الرحم‪.‬‬
‫تق ول المبحوث‪A A‬ة‪ A‬رقم ‪" 14‬دخلت يف مش كل م ع خ ويت‪ ،‬على خ اطر ال ورث‪ ،‬مابغ اوش‬
‫يعط وين حقي كي م ات بوي ا‪ ،‬خلاطرش أن ا أختهم من األب‪ ،‬ومها م ايبغونيش‪ ،‬ح ىت درت‬

‫‪267‬‬
‫حمامي‪ ،‬ب اش جبت حقي‪ ".‬كم ا يص رح المبح ‪AA‬وث رقم ‪" 20‬بوي ا َو َك ْل خوي ا الكب ري‪ ،‬على‬
‫وزين تاعه تع الصباط‪ ،‬وكي مات‪ ،‬قالنا بويا كتب املصنع علي‪ ،‬ومتورثوا والوا‪ ،‬أنا يل تعبت‬
‫في ه‪ ،‬وبص ح ورالن ا ش هادات‪ ،‬توض ح بلي املص نع على إمسه‪ ،‬ومعرفن اش كيف اش‪ ،‬ووينت ا ص ار‬
‫هذا‪ ،‬ومن متا‪ ،‬راهي يف ‪ 06‬سنوات‪ ،‬منعرفو خونا ما يعرفنا‪".‬‬
‫وهلذا وجدنا أن املرياث يعترب سببا يف تفكك الرابطة القرابية‪ ،‬يف حالة عدم التوافق والتفاهم‬
‫بني اإلخ وة‪،‬كم ا أن الوال دان يعت ربان س ببا قوي ا يف ثب ات اإلخ وة‪ ،‬وتواص لهم الق رايب والعكس‬
‫ص حيح‪ .‬كم ا يعت رب اخلص ام بك ل أنواع ه بني األق ارب‪ ،‬س واء القري بني أو البعي دين‪ ،‬غالب ا من‬
‫األسباب الرئيسية اليت تؤدي إىل تفكك الرابطة االجتماعية القرابية‪ .‬حيث يتوقف الكثري من‬
‫املتخاصمني عن التواصل بينهم‪ ،‬مما يؤدي إىل قطع الصلة‪.‬‬
‫‪ .2‬الهجرة والبعد الجغرافي لألسرة النووية‪ A‬عن العائلة الممتدة واألقارب‬

‫لق د أك دت العدي د من الدراس ات ال يت ُأج ريت على املدن ع رب خمتل ف أحناء الع امل‪ ،‬أن‬
‫املسافة والبعد املكاين‪ ،‬بني األقارب وأعضاء األسرة املمتدة تُعد من أهم األسباب اليت أدت إىل‬
‫الض عف من خالل مع دالت ال تزاور‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يس ه ذا ُ‬ ‫ض عف الرواب ط القرابي ة داخ ل املدن‪ .‬حيث ق َ‬
‫وتب ادل املس اعدات‪ ،‬وغريه ا من مظ اهر العالق ات القرابي ة املتين ة‪.‬وه ذا م ا أرجع ه‪ ،‬وي ‪AA‬رث و‬
‫وويلي ‪AA‬ام أج ‪AA‬برن إىل أن س كان املدين ة‪ ،‬غالب ا م ا يكون ون أق ل اعتم ادا على أق ارهبم‪ ،‬لتط وير‬
‫العالق ات الشخص ية الوثيق ة يف خمتل ف وج وه حي اهتم‪ ،‬م ا ع دا يف بعض احلاالت احلرج ة أو‬
‫‪1‬‬
‫االستثنائية‪.‬‬
‫ويعترب التصنيع والبحث عن العمل من أسباب السكن بعيدا عن العائلة املمتدة واألقارب‪.‬‬
‫ألن انتق ال الف رد من الري ف إىل املدين ة‪ ،‬للبحث عن عم ل يف املص انع أو املؤسس ات احلض رية‬
‫جيعله يبحث عن س كن لتستقر عائلت ه النووية بالقرب منه ومن عمل ه‪ .‬وه ذا فعال ما أصبحنا‬
‫نراه يف املدن الصناعية الكربى اليت انتقل إليها الكثري من العاملني يف املصانع واملؤسسات‪ ،‬من‬

‫‪.1‬عبد العايل السيد‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.316،317‬‬

‫‪268‬‬
‫الض واحي واملدن األخ رى اجملاورة والغ ري ص ناعية‪ .‬يع ين ه ذا أن التص نيع والعم ل فرض ا على‬
‫الكثري من األفراد املهاجرين االستقرار بأسرهم النووية يف املدينة‪.‬‬
‫فاألفراد أصبحوا ق ادرين على االنتقال والسعي املستمر للحصول على فرص عمل مناسبة‬
‫مقابل التخلي عن الفالحة‪ ،‬اليت كانت املصدر األول ملعيشتهم‪ ،‬وبذلك تطلَب األمر اإلقامة يف‬
‫املناطق احلضرية القريبة من أماكن العمل‪ .‬وبالتايل اإلستقرار‪ ،‬يف حياة تستند إىل أمناط خمتلفة‬
‫من الس لوكات‪ ،‬والتص رفات‪ ،‬ونوعي ة جدي دة من الرواب ط والعالق ات االجتماعية ال يت تعكس‬
‫طبيعة الثقافة احلضرية‪.‬‬
‫إال أن ه ذا ال يع ين أن التغ ريات املس تجدة ال يت عرفه ا اجملتم ع‪ ،‬وال يت أدت إىل االنفص ال‬
‫املكاين بني الوحدات القرابية‪ ،‬واجتاهها للقيام ببعض العالقات االجتماعية اليت تعكس وض عيتها‬
‫اجلديدة كعالقات الصداقة والزمالة‪ ،‬واجلري‪،‬مل متنع هذه األخري من أن تبقى على عالقة وطيدة‬
‫ب أفراد عائلته ا الكب رية‪ ،‬وخمتل ف أقارهبا‪ .‬لكن بطريق ة متوس طة‪ ،‬ألن البع د املك اين قل ل من‬
‫الزيارات على عكس القرب املكاين وهذا ما أكده املبحوثون‪.‬‬
‫ضعف الروابط‬
‫كما أن الهجرة سواء داخل الوطن أو خارجه تُعد من العوامل اليت أدت إىل ُ‬
‫القرابي ة‪ .‬على اعتباره ا تل ك التحرك ات اجلغرافي ة‪ ،‬حيث يُس تعمل لف ظ اهلج رة‪ ،‬يف العل وم‬
‫االجتماعي ة للدالل ة على حترك األف راد واجلماع ات من منطق ة إىل أخ رى‪ .‬كم ا حتدث اهلج رة‬
‫غالب ا اس تجابة ملا يتوقع ه امله اجر من حتقي ق غاي ة‪ ،‬أو الوص ول إىل أمني ة‪ .‬وميكن أن منيز بني‬
‫ن وعني من اهلج رة‪ :‬هج‪AA A‬رة داخلية‪ :‬وهي التحرك ات الس كانية ال يت حتدث داخ ل البل د أو‬
‫‪1‬‬
‫اإلقليم‪ .‬وال‪A‬هجرة الخارجية‪ A:‬وهي التحركات السكانية عرب احلدود اإلقليمية‪.‬‬
‫وتعترب اهلجرة الريفية حنو املراكز احلضرية من أبرز مظاهر اهلجرة الداخلية وأكثرها انتشارا‬
‫يف البل دان النامي ة‪ ،‬ألن ه بظه ور التص نيع‪ ،‬أص بحت املدن حمل اس تقطاب امله اجرين من خمتل ف‬
‫األرياف‪ ،‬وهذا راجع لتمركز معظم النشاطات الصناعية‪ ،‬اخلدمات اإلدارية والثقافية والصحية‬
‫الضرورية يف املدن‪ .‬األمر الذي أدى بسكان الريف لالنتقال إىل املدينة‪ ،‬فعملية اهلجرة الريفية‬
‫حنو املدن تعود إىل عدة عوامل ودوافع‪ ،‬تؤدي حتما إىل اختاذ قرار اهلجرة‪.‬‬
‫‪ .1‬رشيد فكار‪ ،‬معجم موسوعي عالمي‪ ،‬دار النشر العاملية فيشر‪ ،‬باريس ‪،1980‬ص ‪.264‬‬

‫‪269‬‬
‫كما دلت بعض أحباث علماء االجتماع على أن أكثر اجلماعات الريفية ميال إىل الهجرة‪،‬‬
‫هم سكان املناطق القريبة من احلضر‪ ،‬حيث حتتل اهلجرة الريفية احلضرية مكانة بارزة‪ .‬وهذا ملا‬
‫خُت لِف ه من أث ار‪ ،‬خاص ة م ا يتعل ق بالبع د ال دميوغرايف للم دن‪ .‬ومن مث‪ ،‬ف إن االهتم ام هبا أم ر‬
‫ض روري‪ ،‬نظ را ملا متارس ه من ت أثري على النم ط احلض ري للمدين ة‪.‬ومنهم ع امل االجتم اع‬
‫األمريكي "اليفلي" فقد استند إىل متغري الزمان واملكان‪ ،‬فهو يرى أن احلركات البشرية تُصنف‬
‫إىل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪- 1‬التحرك من حمل إقامة ثابت‪.‬‬
‫‪- 2‬االرحتال أو التنقل الدائم‪.‬‬
‫‪3-‬نقل حمل اإلقامة أو تغيريه بصفة دائمة‪ .‬واعتبارا لذلك‪ ،‬يصبح مفهوم اهلجرة مفهوما واسعا‬
‫‪1‬‬
‫ومتعلقا‪ ،‬بتغيري مكان اإلقامة وباملدة الزمنية اليت تستغرقها اهلجرة‪.‬‬
‫كم ا أوض ح دونال‪A A‬د‪ A‬بوجي ‪AA‬ه عن اهلج رة الداخلي ة بك ل أنواعه ا على أهنا‪ ،‬لتحقي ق الت وازن‬
‫الس كاين وإح داث تغ ريات اقتص ادية‪ ،‬واجتماعي ة جذري ة‪ ،‬مبثاب ة عملي ة نق ل‪ 2.‬وعرفها قب‪AA‬اري‬
‫محمد إسماعيل "تتمثل يف اخلروج القروي اليومي ولذلك فإن اهلجرة هي زيادة سكانية غري‬
‫طبيعية تسبب منوا حضريا‪ ،‬يؤدي إىل زيادة طبيعية وبشرية‪ ،‬وإقليمية وإيكولوجية‪ ،‬مما يضيف‬
‫إىل املدين ة زي ادة مس تمرة يف اخلدمات واملراف ق‪ .‬ومن أهم األمثل ة الداخلي ة هج رة س كان‬
‫‪3‬‬
‫القرى‪.‬‬
‫كم ا ي رى إحس‪AA A‬ان محم‪AA A‬د الحسن" أن اهلج رة من الري ف إىل املدن حتدث ع ادة بس بب‬
‫كوارث طبيعية أو حروب أو هتجري‪ ،‬من قوة غازية أو طلب للعمل والتمتع مبستوى معاشي‬
‫أفضل‪ ،‬كما تشكل الدراسات السوسيولوجية للهجرة جزء من الدراسات‪ ،‬وأحباث ملشكالت‬
‫حضرية متنوعة مثل‪ ،‬البحوث يف جمال القرابة‪ ،‬واجلماعات احمللية الريفية‪ ،‬وكذلك اجلماعات‬

‫‪.1‬حسني خريف‪ ،‬المدخل إلى االتصال والتكيف االجتماعي‪ ،‬خمرب علم اجتماع االتصال للبحث والرتمجة‪ ،‬جامعة قسنطينة‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪.112‬‬
‫‪.2‬حسني عبد احلميد رشوان‪ ،‬مشكالت المدينة‪ ،‬املكتب العلمي للكمبيوتر والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،1997 ،‬ص ‪65‬‬
‫‪.3‬قبادري حممد إمساعيل‪ ،‬علم االجتماع الحضري ومشكالت التهجير والتغيير والتنمية‪ ،‬منشآت املعارف للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ 1986‬ص ‪379‬‬

‫‪270‬‬
‫العرقي ة‪ ،‬حيث أك دت بعض البح وث ح ول اهلج رة الريفي ة يف البل دان النامي ة‪ ،‬أمهي ة األس رة‬
‫واألصدقاء يف منطقة املقصد كمتغري مفسر ملعدالت اهلجرة‪ ،‬من املناطق الريفية حنو املدن‪.1‬‬
‫فقد عرفت املناطق الريفية هجرة واسعة إىل املدن‪ ،‬بسبب البطالة اليت عرفها الريف اجلزائري‬
‫خاص ة‪ ،‬بع د األزم ة االقتص ادية العاملي ة لس نة ‪ ،1929‬فق د أدى تقلص األراض ي الزراعي ة‬
‫املخصص ة لزراع ة الك روم والقمح‪ ،‬وك ذا هب وط اإلنت اج ال زراعي‪ ،‬إث ر عملي ات التص دير إىل‬
‫تفش ي البطال ة يف الري ف‪ ،‬حيث بل غ ع دد البط الني أربعني أل ف عاط ل‪ ،‬فك انت املدن مبثاب ة‬
‫جدب هلؤالء األفراد الذين كانوا يودون العمل‪ ،‬هذا إىل جانب عمليات التهجري اجلماعي اليت‬
‫ق ام هبا االس تعمار الفرنسي بع د اإلس تالء على األراض ي الزراعي ة‪ ،‬وط رد الس كان اجلزائ ريني‬
‫خاصة بعد تصاعد الثورة‪.2‬‬
‫كما ساعدت اهلجرة أيضا على استقالل األفراد إقتصاديا عن األسرة املمتدة‪.‬وأصبح كل‬
‫مهاجر يعمل يف أماكن بعيدة عن عائلته الكبرية‪ ،‬مما جيعله يستقر بالقرب من عمله مع أسرته‬
‫النووية‪ .‬وبالتايل تنقص زيارته لألقارب‪ ،‬بسبب بُعد املسافة بينه وبينهم‪ .‬فكثريا ما وجدنا من‬
‫خالل دراس تنا ه ذه‪ ،‬أن هن اك أس ر ليس ت من مدين ة الس انيا‪ ،‬وإمنا دخلت املدين ة‪ ،‬ألس باب‬
‫عديدة‪ .‬منها اهلجرة‪ ،‬بسبب البحث عن فرص عمل‪ ،‬والدخول يف اجملال الصناعي‪ ،‬على اعتبار‬
‫أن مدينة السانيا مدينة صناعية‪ ،‬حتتوي على منطقة صناعية كبرية‪ ،‬بوالية وهران‪ ،‬فهاجر إليها‬
‫الكثري من العمال‪ ،‬مما جعلهم‪ ،‬يكونون أسرهم‪ ،‬بالقرب من مكان العمل‪ .‬فكان هذا ما أدى‬
‫إىل التقليل من زيارة األقارب يف املدن اجملاورة‪ .‬وأصبح يقتصر على زيارة الوالدان فقط‪ .‬هذا‬
‫م ا قال ه المبح ‪AA‬وث رقم ‪" 32‬ملي جيت ل وهران‪ ،‬ولقيت خ دما هن ا يف ل وزين‪ ،‬ت ع الس ينيا‪،‬‬
‫جاتين صعيبة باش نروح وجني لغليزان‪ ،‬كريت هنا دار وكوزينة‪ ،‬وجبت املرا‪ ،‬راين يف عشر‬
‫سنوات هنا‪ ،‬نروح نزور شوابني مني نقعد هذا ماكان‪ ".‬كما مت استقرار أسر نووية‪ ،‬هاجرت‬
‫من مدن أخرى صغرية جماورة إىل مدينة وهران‪ .‬وذلك بسبب ما عاشته اجلزائر‪ ،‬أثناء العشرية‬
‫الس وداء‪ ،‬من إرهاب‪ ،‬جعل هذه األسرة‪ ،‬تبحث عن أم اكن آمنة‪ ،‬فأدى هبا األمر‪ ،‬إىل البُعد‬

‫‪.‬إحسان حممد احلسن‪ ،‬موسوعة علم االجتماع‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬بريوت‪ ، 1999 ،‬ص ‪.654‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 2‬أجريون شارل روبريت‪ ،‬تاريخ الجزائر المعاصر ‪ ،‬تر‪:‬عيس عصفور‪ ،‬منشورات عويدات‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،1990،‬ط‪،3‬ص‪.32‬‬

‫‪271‬‬
‫عن العائلة املمتدة‪ ،‬فجعلها تنقص من التواصل القرايب‪ ،‬مع األهل‪ .‬كما وجدنا اثناء دراستنا‬
‫أيضا‪ ،‬أن األسر أصبحت نووية بعُدت عن العائلة املمتدة‪ ،‬لعدة سنوات منذ أن تويف الوالدان‪،‬‬
‫قلت الصلة لتكاد تنعدم‪.‬‬
‫كم ا وج دنا يف احلي املدروس‪ ،‬أن ه حيت وي يف أص ل تكوين ه‪ ،‬على أس ر أرباهبا‪ ،‬من اجليش‬
‫الوط ين ج اءوا من والي ات بعي دة‪ ،‬للعم ل بوالي ة وه ران‪ ،‬فاس تقروا هبا‪ ،‬م ع أس رهم‪ ،‬إىل ح د‬
‫اآلن‪ .‬وبع د إنته اء عملهم ب اجليش‪ ،‬تع ودوا على املنطق ة واملدين ة‪ ،‬ف أدى هبم األم ر إىل جعلهم‬
‫يستقرون بال ُقرب من عملهم‪ ،‬وهذا ما أدى هبم إىل البعد املكاين عن أقارهبم‪ .‬حبيث أصبحوا‬
‫يزوروهنم إال نادرا ألن هذه األسر املستقرة مبدينة السانية اليت نتحدث عليها‪ ،‬أصبحت عائالت‬
‫ممت دة‪ ،‬فاألبن اء تزوج وا وكون وا أس را‪ ،‬وأجنب وا إىل أن ت زوج أبن اءهم‪ .‬يع ين ه ذا‪ ،‬أن األبن اء‬
‫واألحف اد‪ ،‬بالنس بة هلم‪ ،‬هم أق ارهبم املوج ودون هن ا بالوالي ة‪ ،‬فال يض طرون لزي ارة أج دادهم‬
‫وأعمامهم من الدرجة الثالثة‪ .‬إال نادرا‪ .‬هلذا نالحظ هنا‪ ،‬أن التنشئة االجتماعية‪ ،‬هي األخرى‬
‫تلعب دورا كبريا يف التزوار‪ ،‬والتعود على الصلة بني األقارب‪ ،‬فاألهل إذن‪،‬مل يُ َع ِودوا أبناءهم‬
‫على زيارة األقارب وصلة الرحم يف الغالب‪ ،‬فإن ذلك جيعلهم ينشؤون بعيدين عن األقارهبم‪.‬‬
‫‪.3‬إنتشار ظاهرة السحر والشعوذة‪ A‬في المجتمع‪ A‬الحضري‬

‫من خالل البحث امليداين الذي قمنا به‪ ،‬وجدنا أن الكثري من األسر تقطع الص لة بني أقارهبا‬
‫بسبب عامل الشك‪ ،‬واملتمثل غالبا يف ظاهرة اجتماعية أنثروبولوجية قدمية‪ ،‬بقدم االنسان وهي‬
‫ظ اهرة الس حر والش عوذة‪ ،‬هلذا أدرجن ا ه ذا العنص ر‪ ،‬نظ را للح ديث عن ه بك ثرة من ط رف‬
‫مبحوثين ا‪ .‬حيث إش تكت من ه ذه الظ اهرة العدي د من املبحوث ات ك العجوزة‪ ،‬وزوج ة االبن‪،‬‬
‫وحىت بني األخت وأختها‪ ،‬بسبب عامل احلقد‪ ،‬واحلسد والكراهية اليت ُوجدت عند الكثري من‬
‫األسر املدروسة‪ .‬وهلذا وجب علينا تعريف هذه الظاهرة‪ ،‬وإدراج رأي الباحثني فيها‪.‬‬

‫يُع رف الس‪AA‬حر لغة‪ :A‬على أن ه ك ل أم ر خيفى س ببه‪ ،‬ويُتخي ل على غ ري حقيقت ه‪ ،‬وجيري جمرى‬
‫التموي ه و اخلداع‪ ،‬وك ل م ا لط ف مأخ ذه ودق‪ .‬ويُطل ق إس م الس احر‪ ،‬على ال ذي يق وم هبذه‬
‫األعم ال‪ .‬ويُقال يف اللغة‪ ،‬سحره بالشيء سحرا‪ ،‬أي خدع ه‪ ،‬وسحر الش يء عن وجهه‪ ،‬أي‬

‫‪272‬‬
‫ص رفه‪ ،‬وس حره بك ذا أي اس تماله‪ ،‬وس لب لُب ه‪ ،‬ويُق ال س حره بكالم ه‪ ،‬وس حر الش يء‪ ،‬أي‬
‫‪1‬‬
‫أفسده‪.‬‬

‫تعري ‪AA‬ف الس ‪AA‬حر في االس ‪AA‬الم‪ :‬كم ا يُع رف الس حر يف الق رآن الك رمي كث ريا‪ ،‬مبع ىن اخلداع‬
‫والتخيل ومن ذلك‪ ،‬قول اهلل تعالى‪﴿ A:‬و لو أنزلنا علي‪AA‬ك في قرط‪AA‬اس فلمس‪AA‬وه بأي‪AA‬ديهم لق‪AA‬ال‬
‫الذين كفروا إن ه‪A‬ذا إال س‪A‬حر م‪A‬بين﴾‪.2‬أي ختيُل ال حقيقة‪ ،‬وخداع للبصر واحلواس‪ .‬وأصل‬
‫السحر هو صرف الشيء عن وجهه‪ ،‬أي صرفه عن حقيقته إىل غريها‪ ،‬وكأن الساحر‪ ،‬ملا أرى‬
‫الناس الباطل يف صورة احلق‪ ،‬وخيل الشيء على غري حقيقته‪ .‬إال أن العلماء املسلمون خيتلفون‬
‫يف مع ىن الس حر فق ال بعض هم خ داع وخماريق‪ ،‬ومع ان يفعله ا الس احر‪ ،‬ح ىت خيي ل للمس حور‬
‫الش يء‪ ،‬أن ه خبالف م اهو ب ه نظ ري‪ ،‬ال ذي ي رى الس راب من بعي د‪ ،‬فيُخي ل إلي ه أن ه م اء‪ .‬ق الوا‬
‫فكذلك املسحور‪ ،‬وتلك صفته‪ ،‬حيسب بعد الذي وصل إليه‪ ،‬من سحر الساحر‪ ،‬أن الذي يراه‬
‫أو يفعله‪ ،‬خبالف الذي هو به على حقيقته‪.‬‬

‫وه ذا م ا ح دث للرس ‪AA‬ول (ص) عن دما ُس حر‪ ،‬فعن عائش ‪AA‬ة رض ‪AA‬ي اهلل عنها ق الت‪":‬س حر‬
‫رسول اهلل يهودي من يهود بين زريق‪ ،‬يُقال له لبيد بن األعصم‪ ،‬حىت كان رسول اهلل (ص)‬
‫خيي ل إلي ه أن ه يفع ل الش يء‪ ،‬وم ا يفعل ه‪.‬وكش ف اهلل تع اىل الس حر للرس‪AA‬ول (ص)‪ ،‬ودل ه على‬
‫مك ان الس حر يف بئر‪ .‬فنزلت س‪AA‬ورة الفلق‪".‬وي رى البعض اآلخ ر من العلم اء‪ ،‬على أن السحر‬
‫ت أثري خفي يف جس م بش ري‪ ،‬يوج د انفع اال على غ ري إرادة املس حور وه ذا يف الس حر الغ ري‬
‫‪3‬‬
‫منظور‪.‬‬

‫تعريف السحر في علم االجتماع واألنثروبولوجيا و السيكولوجيا‪:4‬السحر هو فن إنساين‬


‫مبعىن أنه ميارس فقط بواسطة اإلنسان‪ ،‬حيث تعود جذوره إىل تعدد األنشطة االنسانية‪ ،‬وهو‬
‫طريقة للسيطرة على قوى الطبيعة‪ ،‬ولو ِي عُ ِنقها ملصلحة اإلنسان‪ ،‬وإرادته‪.‬كما يضفي السحر‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬املعجم الوسيط لللغة العربية‪ ،‬ج‪،1‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.421‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬القرآن الكرمي‪ ،‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.116‬‬
‫‪.‬سامية حسن السعايت‪ ،‬السحر والمجتمع‪ ،‬دراسة نظرية ميدانية‪ ،‬لبنان‪،‬بريوت‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬ط‪،2،1983‬ص‪.52-51‬‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪.‬سامية حسن السعايت‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.56-55-54‬‬

‫‪273‬‬
‫على ممارسيه واملنشغلني به‪ ،‬قوة إجتماعية كبرية‪ ،‬ففي كل اجملتمعات تقريبا‪ ،‬جند أن الساحر‬
‫ه و الش خص الوحي د‪ ،‬ال ذي ميكن أن يق ارن ب الرئيس‪ ،‬من ناحي ة النف وذ‪ ،‬والتق دير‬
‫والسلطة‪.‬هكذا يلعب السحر هنا‪ ،‬دور قوة هامة‪ ،‬من قوى الضبط االجتماعي‪.‬‬

‫أما من الناحية األنثروبولوجية فيشري إىل مركب املعتقدات واألفعال اليت حياول األشخاص‬
‫واجلماعات بواسطتها السيطرة على بيئتهم‪ ،‬بطريقة حتقق أهدافهم‪ ،‬ولُب الفعل السحري‪ ،‬هو‬
‫أن ه يس تند إىل معتق د‪ ،‬مل ختت رب ص حته‪ ،‬وأن ه موج د‪ ،‬حتت الس يطرة‪ ،‬واملظه ر األول‪ ،‬مييزه عن‬
‫العلم‪ .‬أما الثاين فيميزه عن الدين‪.‬‬

‫ويطل ق فري ‪AA‬زر ‪ Frazer‬عن الس حر على أن ه علم االنس ان الب دائي‪ ،‬ألن كال من الس حر‬
‫والعلم يف رأيه نوع من التكنلوجيا‪ ،‬فالسحر لديه نوع من العلم الزائف‪ ،‬والفن الزائف‪ ،‬وهو‬
‫مبثاب ة حماوالت‪ ،‬من ج انب االنس ان الب دائي‪ ،‬للس يطرة على الطبيع ة‪ ،‬واإلف ادة منه ا‪.‬كم ا ي رى‬
‫هويت ‪ Hubert‬و موس ‪ ،Mauss‬كي يكون السحر مؤثرا‪ ،‬جيب أن مُي ارس بطريقة سرية‪،‬‬
‫خاصة وبفاعل يكون‪ ،‬يف حالة طقوسية خاصة‪ .‬وهنا يربط الباحثني األنثربولوجيني بني قوة‬
‫السحر وقوة أشخاص آخرين‪ ،‬ذوي القوة الطقوسية‪ ،‬من ال َق َسا ِوسة وامللوك‪.‬‬

‫‪S.Freud‬‬ ‫والسحر في علم النفس‪ A‬هو امتداد ملفهومه األنثروبولوجي‪ ،‬فقد استطاع فرويد‬
‫أن يطب ق اس تنتاجاته الس يكولوجية‪ ،‬ب إبراز جمال علم األنثروبولوجي ا‪ ،‬وخاص ة عن د تعرض ه‬
‫للط وطم والت ابو‪ ،‬يف كتاب ه املعن ون هبذان املفهوم ان ع ام ‪ .1912‬ففي ه ذا الكت اب م يز بني‬
‫بعض النُظم االجتماعية والقبلية‪ ،‬خاصة ما كان ُمتعلقا باحملرمات والطوطمية والسحر‪ .‬حيث‬
‫اعت رب فروي‪AA‬د الس حر م رض نفس ي‪ ،‬يص يب بعض األش خاص أو بعض اجملتمع ات‪ ،‬وه و مبثاب ة‬
‫ردة‪ ،‬إىل التفكري البدائي؛ وهو يُرجه إىل مرحلة طفولة‪ ،‬وبذلك يكون عرضا نكوصيا‪.‬‬

‫وتُعرف الشعوذة أو الش‪A‬عبذة‪ :A‬على أهنا تأثري يف القوى املتخيلة‪ ،‬يعمد صاحب هذا التأثري‬
‫إىل الق وى املتخيل ة‪ ،‬فيتص رف فيه ا بن وع من التص رف‪ ،‬ويُلقي فيه ا‪ ،‬أنواع ا من اخلي االت‬
‫واحملاك اة وص ورا مما يقص ده من ذل ك‪ ،‬مث ينزل ه إىل احلس من ال رائني‪ ،‬بق وة نفس ه املؤثرة في ه‪،‬‬
‫فينظ ر الن اظرون ‪،‬كأهنا يف اخلارج‪ ،‬وليس هن اك ش يء من ذل ك‪ .‬كم ا تب دو الش عوذة أحيان ا‪،‬‬
‫‪274‬‬
‫قريبة من السح‪ ،‬وهذا ما يظهر جليا يف تعريف الب‪AA‬اقالني‪ :‬السحر إمنا ختيل ومتويه‪ ،‬على حنو‬
‫‪1‬‬
‫سحر‪ ،‬سحرة فرعون‪ ،‬أما ما يعمله املشعوذون فهو نوع من احليلة واخلفة‪.‬‬

‫كم ا ي رى ابن خل‪AA‬دون يف الس حر ق ائال‪...:‬وذل ك أن النف وس البش رية وإن ك انت واح دة‬
‫بالنوع فهي خمتلفة باخلواص‪...‬فنفوس األنبياء عليهم السالم‪ A‬هلا خاصية تستعد هبا‪ ،‬لالنسالخ‬
‫من الروحاني ة البش رية إىل الروحاني ة امللكي ة‪....‬وه ذا ه و ال وحي‪ ،‬وهي تل ك احلال ة احملص لة‪،‬‬
‫للمعرف ة الرباني ة‪ ،‬وخماطب ة المالئك ‪AA‬ة‪ ،‬عليهم الس ‪AA‬الم‪...‬أم ا الس حر‪ ،‬ه و الت أثري يف األك وان‬
‫واستجالب روحانية الكواكب‪ ،‬للتصرف فيها‪ ،‬والتأثري بقوة نفسانية أو شيطانية‪2.‬كما يوضح‬
‫ابن خل‪AA‬دون أنه يشرتط يف السحر‪ ،‬من الوجه إىل غري اهلل‪ ،‬من كوكب أو غريه وبالتوجه إىل‬
‫األفالك والك واكب والع وامل العُلوي ة والش ياطني ب أنواع التعظيم‪ ،‬والعب ادة واخلض وع والت ذلل‪،‬‬
‫فهي لذلك وجهة لغري اهلل وسجود له والوجهة إىل غري اهلل كفر‪.‬‬

‫يب دوا من خالل التعريف ات ال يت ق دمناها ح ول ظ اهرة الس حر‪ .‬أن ه ظ اهرة‬
‫سوس يوأنثروبولوجية عرفته ا اجملتمع ات من ذ الق دم وهي عملي ة يق وم هبا اإلنس ان‪ ،‬باالس تعانة‬
‫ب أرواح أخ رى ش ريرة‪ ،‬ك اجلن والش ياطني وغريه ا‪ ،‬حس ب م ا وض ح ذل ك ابن خل ‪AA‬دون يف‬
‫الفصل الثامن والعشرون من مقدمته عل‪A‬وم الس‪A‬حر والطلس‪A‬مات‪ ،‬كما أن السحر عمل خييل‬
‫فيه عكس احلقيقة‪ ،‬وهو ضرر بشري غايته األذية والتفرقة‪.‬‬

‫وهلذا ك انت غالبي ة املق ابالت ال يت أجريناه ا ت رى أن من أس باب قط ع الص لة بينهم وبني‬
‫أقارهبم والتفرقة بني األبناء واألزواج‪ ،‬غالبيتها حقد وحسد خفي‪ ،‬تبلور بعمل السحر‪ ،‬للكثري‬
‫من األشخاص‪ ،‬حيث بدا هلم مفعوله واضحا‪ ،‬ومؤثرا يف العالقات القرابية‪ ،‬فتقول المبحوث‪A‬ة‪A‬‬
‫رقم ‪ ":3‬أن ا م انروحش عن د أخ يت‪ ،‬خلاطرش دارت الس حور لبن ايت الثالث ة‪ ،‬وعطلتهم على‬
‫الزواج وعرفت بلي هي‪ .‬كي بنيت مرضت وعواجت وولت هتدر وحدها‪ ،‬ديناها عند طبيب‪،‬‬
‫عطاه ا دواء وماداهلا وال و‪ ،‬ديناه ا عن د مُرقي‪ ،‬ق را عليه ا الق رآن‪ ،‬ب دأت هتدر الس حر‪ ،‬وين‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬سامية حسن السعايت‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.70‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬سامية حسن السعايت‪ ،‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.70‬‬

‫‪275‬‬
‫وش كون دارهلا َجْب َدت إس م خالته ا‪ ،‬وفعال لقين ا الس حور‪ ،‬يف ال دار‪ ،‬كيم ا ق الت‪".‬و تق ول‬
‫المبحوث‪AA‬ة رقم ‪"09‬مرت ولدي دارتنا سحور‪ ،‬باش ما جيوش عندنا لفامي‪ ،‬لقينا كتوبا‪ ،‬يف‬
‫ال دار‪ ،‬دين اهم عن د الط الب‪ ،‬قالن ا اس م كن يت هي ل دارتلك الس حور‪ ،‬ب اش م ا جيوش عن دكم‬
‫الضياف‪ ،‬خلاطرش قاع الفاميليا عيبو عليها‪ .‬منتما دات ولدي وراحت مرانا نشوفوه ما والو‪".‬‬

‫‪ .4‬الفضاء االجتماعي وعالقته بضعف الرابطة‪ A‬القرابية‪A‬‬

‫يعت رب الفض اء االجتم اعي احلض ري من األم اكن واجملاالت العمومي ة العام ة ال يت يقص دها‬
‫ويلجأ إليها األفراد‪ ،‬وهو خيتلف من فضاء آلخر‪.‬وحيمل هذا املصطلح معان كثرية ومرادفات‬
‫متع ددة فق د يُقص د ب ه املك ان‪ ،‬اجملال‪ ،‬واحليز‪ ،‬وغريه ا‪ .‬كم ا يع ود ظه ور مفه وم الفض اء‬
‫كمصطلح ظهر يف علم االجتماع السياسي‪ ،‬حيث تشري معظم وجهات النظر إىل‬
‫االجتماعي ُ‬
‫أن ظهور مفهوما للفضاء االجتماعي ‪ l’espace public‬أو الفضاء العام يف بداية الستينات من‬
‫الق رن املاض ي إىل ‪ Jürgen Habermas‬ي‪AA A A‬ورجن هابرم‪AA A A‬اس‪ 1‬األملاين‪ .‬وه ذا يف كتاب ه‬
‫الشهري"الفضاء العمومي أركيولوجيا الدعاية‪ ،‬باعتبارها مكون بنيوي للمجتمـع الربجوازي" قام‬
‫هابرم‪AA‬اس يف هذا الكتاب بصياغة مفهوما الفضاء العمومي أو االجتماعي‪ ،‬حيث مل يستعمل‬
‫مفهوم الفضاء العمومي‪ ،‬إال بعد تطرقه إىل ميالد الفضاء العمومي البورجوازي‪ ،‬باجنلرتا خالل‬
‫القرن‪ 18 A‬الذي شهد أيضـا مـيالد الصحافة اليت شكلت أداة للسلطة السياسية من أجل إيداع‬
‫املراس يم‪ ،‬وأخب ار األمن واحملاكم وأس عار املنتج ات‪ ،‬وظه رت أيض ا فض اءات عام ة (مق اهي‪،‬‬
‫صالونات‪ ،‬نوادي ‪.)...‬‬

‫كان البورجوازين يتبادلون فيها الرأي ويتناقشون يف قضـايا الفـن‪ ،‬واملسرح واألدب‪ .‬ويرتكز‬
‫الفض اء العم ومي‪ ،‬على النق اش‪ ،‬فالفع ل التواص لي‪ ،‬ض من م ا يص طلح علي ه هبرم‪AA‬اس‪ ،‬بالع امل‬
‫املعيش وينب ين التف اهم‪ ،‬يف النظري ة التواص لية عن ده على احلج اج العقلي‪ ،‬ال ذي ال ميكن أن‬

‫‪ . 1‬هواري محزة‪" ،‬مواقع التواصل االجتماعي وإشكالية الفضاء العمومي"‪ ،‬مجلة العلوم االنسانية واالجتماعية‪ ،‬العدد‪ 20‬سبتمرب‬
‫‪ ،2015‬اجلزائر‪ ،‬ص‪.227‬‬

‫‪276‬‬
‫يس تقيم‪ ،‬على غيـر س لطة العق ل‪ ،‬وال ذي جيب أن يك ون مبن آى عن أي ة ت أثريات أيديولوجي ة‪،‬‬
‫حيث ميكنه أن يرتكز على التـراث الكـوين حلقوق اإلنسان‪ ،‬كقاعدة نظرية مشرتكة‪.‬‬

‫فانطالقا من هذه العوامل يرى هابرم‪AA‬اس أن الفضاء العمومي هو عب ارة عن دائرة وسطية‬
‫تك ونت تارخيي ا يف عص ر األن وار بني اجملتم ع املدين والدول ة‪ ،‬وه و جمال مت اح جلمي ع املواطنني‪،‬‬
‫حيث جيتمع اجلمهور للتعبري عن رأي عام "ويشري برنار مياج أن تنظيم الفضاء العمومي‪ ،‬يتم‬
‫من خالال أربع ة مناذج للتواص ل‪ ،‬تع اقب تكوهنا ت درجييا بواس طة ص حافة ال رأي‪ ،‬وبعـدها‬
‫الص حافة التجاري ة اجلماهريي ة‪ ،‬مث االعالم الس معي البص ري اجلم اهريي وأخ ريا التلف زة‬
‫اجلماهريية‪.1‬‬
‫ويرى فولتـون أن الفضاء العمومي يرمز اىل واقع الدميقراطية يف نشاطها وممارستها‪ ،‬وأنه ال‬
‫ميكن تقرير وجوده‪ ،‬فمن خالل هذه املعطيات التارخيية‪ ،‬صاغ هابرماس تعريفه للمجال‪ ،‬وهو‬
‫أول من حتدث عنه‪.2‬فال ميكنن ا احلديث عن الفض اء العم ومي أو االجتم اعي‪ ،‬إال والتط رق‬
‫لهاربرم ‪AA‬اس نظ را العتب اره أول من إلتفت هلذا املفه وم السوس يولوجية‪ .‬حيث يُعرف ه على أن ه‬
‫جمال للممارسات الفكرية املبنية على االستعمال العام للعقل‪ ،‬واملنطق من طرف أفراد خواص‪،‬‬
‫حيث ق دراهتم النقدي ة غ ري مرتبط ة بانتمائ ه‪ ،‬إىل جه از رمسي م ا‪ ،‬أو إىل بالط املل ك‪ ،‬ولكن‬
‫‪3‬‬
‫يرتبط بنوعية قراءاهتم ومشاهديهم الذين مجعتهم‪ُ ،‬متعة احلوار التعايشي‪.‬‬
‫الوج ود لنظري ة الفض اء دون أن تك ون ه ذه األخ رية‬
‫وق د نفى كاس‪AA‬تل ‪" M.Castells‬أن ه ُ‬
‫مرتبط ة بنظري ة إجتماعي ة ش املة‪ ،‬مبع ىن ال ميكن النظ ر إىل الفض اء االجتم اعي على أن ه إنت اج‬
‫مادي مبعزل عن العناصر االجتماعية واملعنوية‪ ،‬اليت تدخل يف تكوينه‪ ،‬ألن الفضاء اليوجد إال‬

‫‪.‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.229‬‬


‫‪1‬‬

‫‪ .2‬هواري محزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.227‬‬

‫‪3‬‬
‫‪.H. JANNIÈRE, V, DEVILLARD, « Espace public, communauté et voisinage », In :‬‬
‫‪les espaces publics modernes, Collectif sous la direction de Picon Lefebvre,‬‬
‫‪Moniteur, 1997, Paris p 16‬‬
‫‪277‬‬
‫مبا حيوي ه فه و بن اء منظم ملا يتض منه من أح داث وأش خاص‪ ،‬وأفع ال‪ ،‬واتص االت‪ ،‬وتع ارف‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وأشياء‪"....‬‬
‫ويقرتح كوندوميناس‪2 Condominas A‬كتعريف للفضاء االجتمـاعي"على أنه اجملال احملدد‬
‫مبجموع ة من النظم واألنس اق‪ System ،‬من العالق ات املتناس بة‪ ،‬مـع اجملموعـة املعين ة‪".‬كم ا‬
‫يق رتح الب احث مخس ة أن واع من العالق ات وال يت من خالل تركيبته ا اخلاص ة‪ ،‬تؤل ف اجملم وع‬
‫الكلي للممارس ة االجتماعي ة‪ ،‬وهـي عالق ات اجملال وال زمن‪ ،‬البيئ ة‪ ،‬التب ادل‪ ،‬امللكي ة‪ ،‬االتص ال‬
‫والقرابة واجلوارية‪ .‬وهـذا املفهـوم للمجال االجتماعي يتطابق مع حبثنا‪ ،‬يف أنه يوفر له وبطريقة‬
‫براغماتية إطـار مناسبا للتعبري عن ظاهرة مركبة‪ ،‬تتمثل يف رباط القرابة والفضاء االجتماعي يف‬
‫املدينة‪ .‬كما يسمح له أيضا بإجراء أنواع من املقارنات بني املدن الصغرية اليت ال حتتوي على‬
‫فضاءات كثرية‪ ،‬ومدينة وهران‪ ،‬كمدينة كبرية متلك فضاءات متنوعة‪.‬‬
‫إذن م ا يهمن ا يف حبثن ا ه ذا ه و الفض اء االجتم اعي يف املدين ة‪ ،‬ال يت متت از بت وفر الكث ري من‬
‫املؤسس ات االجتماعي ة والعلمي ة والتعليمي ة‪ ،‬كاملستشـفيات واجلامعـات واملعاهـد‪ ،‬واملص ارف‬
‫التجارية‪ .‬كما تنتشر فيها‪ ،‬املرافق العامة واملسارح‪ ،‬والفنادق‪ ،‬والنوادي الرياضية والثقافية‪ .‬مما‬
‫جيعله ا فض اءا لل رتويح‪ ،‬وقضاء وقت الف راغ‪ ،‬إض افة أن الفرد احلضري‪ ،‬يتمت ع بثقاف ة واس عة‪،‬‬
‫نظ را الهتمامـه بـالتعليم‪ ،‬وكثـرة املدارس واملعاه د‪ ،‬واجلامع ات واملراك ز الثقافي ة‪ ،‬ال يت ت ويل‬
‫اهتمام ا خاص ا ب اجلوانب التعليميـة‪ ،‬والثقافيـة واالجتماعيـة‪ ،‬والرتبوي ة والرتفيهي ة‪ ،‬يف البيئ ة‬
‫املدني ة‪.‬إذن املقص ود من الفض اء االجتم اعي يف حبثن ا ه و‪ :‬احليز أو املك ان ال ذي يوج د في ه‬
‫األف راد‪ ،‬مبع ىن ه و املك ان ال ذي حتدث في ه التف اعالت االجتماعي ة بني األف راد‪.‬هلذا ه و فض اء‬
‫إجتماعي‪ ،‬نظرا ملا حيتويه من أفراد بداخله‪.‬‬
‫وهذا ما جعل األفراد يف اجملتمع احلضري‪ ،‬يرتبطون بعالقات أخرى غري العالقات القرابية‬
‫حبيث تعوضهم هذه العالقات عن ارتباطاهتم القرابية‪ .‬ويسمي علماء االجتماع‪ ،‬هذه الروابط‬
‫التعويضية بالرواب‪AA‬ط الطوعية أو جماع‪AA‬ات المص‪AA‬لحة الخاصة‪.A‬كما يعتربوهنا من أكثر أشكال‬
‫‪1‬‬
‫‪.M,CASTELLS, La question urbaine, Ed François Maspero ,Paris,1981,P.475.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.George, CONDOMNIAS, «introduction l’espace Social », in l’espace social a‬‬
‫‪propos de l’Asie du Sud-est Flammarion, Paris, 1980, pp 11-94.‬‬
‫‪278‬‬
‫املش اركة االجتماعي ة انتش ارا يف اجملتم ع احلض ري‪ ،‬واملقص ود بالرابط‪AA A‬ة الطوعية‪ :‬مجاع ة من‬
‫األف راد على درج ة عالي ة من التخص ص والتنظيم‪ ،‬يرتب ط فيه ا األعض اء‪ ،‬وبأح د املص احل أو‬
‫االهتمامات اليت ال ميكن أن تتحقق من خالل الس لوك الفردي‪ ،‬أو املش اركة االجتماعية‪ ،‬من‬
‫أش كال أخ رى للتفاع ل االجتم اعي‪ .‬مع ىن ذل ك أن الرابط ة الطوعي ة متي ل إىل أن حتدد نفس ها‪،‬‬
‫وظيفي ا يف إط ار حمدد‪ ،‬من املس ائل واملص احل‪ ،‬أو االهتمام ات‪ .‬كم ا متي ل إىل أن تُط ِور نفس ها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫بنائيا بتنظيم رمسي واضح على أساس من الدور واملكانة‪...‬اخل‬
‫ويتم يز ه ذا الش كل من اجلماع ات‪ ،‬ب أن العض وية فيه ا مس ألة إختياري ة حبت ة‪،‬كم ا أهنا ختدم‬
‫مص لحة الف رد‪ .‬وأثبتت الدراس ات األمربيقي ة‪ ،‬أن الرواب ط الطوعي ة‪ ،‬تس اهم يف ت دعيم تكام ل‬
‫اجملتمع احلضري وجتانسه‪ ،‬وأثبت ه‪AA‬وارد فريم‪AA‬ان ‪ H.Freeman‬وليوري‪AA‬در ‪ L.Reeder‬أن‬
‫األفراد الذين يندرجون حتت أوضاع طبقية دنيا‪ ،‬يكونون أقل انتماءا إىل هذه املنظمات‪ ،‬إذا‬
‫قورنوا بغريهم ممن يندرجون حتت أوضاع طبقية أعلى‪.‬كما أن السكان املهاجرين‪ ،‬من الريف‬
‫إىل املدين ة هم أك ثر ميال لتط وير الرواب ط الطوعي ة‪ ،‬حيث يس تعملوهنا كوس يلة للتخلص‪ ،‬من‬
‫‪2‬‬
‫أساليب حياهتم القدمية‪.‬‬
‫يقضي معظم أفراد العينة وقت فراغهم يف زيارة األقارب واألصدقاء‪.‬كما يُعترب البحر من‬
‫أكثر األماكن اجتذابا للسكان‪ ،‬يقصدونه للسباحة أو الصيد‪ .‬ومع التغري الذي بدأ يف مطلع‬
‫الس بعينات ب دأت وس ائل جدي دة للرتفي ه‪ ،‬يف الظه ور‪ ،‬ك التلفزيون وتع دد قنوات ه‪ ،‬والس نما‬
‫واملسرح مث األندية اإلجتماعية والسفر إىل اخلارج وغريها‪ .‬ومن خالل املقابالت اليت أجريناها‬
‫يرى أفراد العينة أن الذهاب للرتفيه‪ ،‬يف الفضاءات اإلجتماعية املختلفة‪ ،‬يكون غالبا مع العائلة‬
‫النووية‪ ،‬يف العطل األسبوعية أو السنوية‪ ،‬وهذا يُعترب سورة للتماسك القرايب‪ ،‬داخل األسرة‬
‫النووي ة الواح دة‪ .‬إال أن املالح ظ هن ا ه و أن األف راد‪ ،‬كث ريا م ا يُفض لون ال ذهاب للتس وق أو‬
‫الغابة أو البحر ‪....‬اخل بدال من زيارت األقارب‪ .‬ويرون أن الفرد ال ميكنه أن يزور أقاربه كل‬
‫أسبوع ماعدا الوالدان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.340‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬السيد عبد العاطي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪. 345-343‬‬

‫‪279‬‬
‫وذلك ألن كثرة الزيارات يف جمتمعنا جتعل أقاربه ينزعجون منه‪ ،‬ويصبح شخصا ممال ‪ ،‬كما‬
‫يقول ون يف املثل الشعيب"البع‪A‬د‪ A‬يجيب الس‪AA‬الم‪ A‬والق‪AA‬رب‪ A‬يجيب الكالم" فلقد تداول هذا املثل‬
‫الشعيب لدى غالبية مبحوثينا واملقصود به أن الشخص البعيد يبقى دائما حمبوبا ويشتاق إليه‬
‫الناس‪ ،‬بينما الشخص الذي يأيت دائما ويرونه يوميا‪ ،‬يُصبح ممال وتكثر املشاكل معه‪ .‬فهذا املثل‬
‫الشعيب جاء لتربير تفضيل خروجهم للفضاءات االجتماعية العمومية بدال من زيارة األقارب‪،‬‬
‫ألن الذهاب إىل الفضاءات العمومية‪ ،‬ليس أمرا مزعجا‪ ،‬بل العكس‪ ،‬يشم الناس هواءا نقيا‪،‬‬
‫ويرفه ون عن أنفس هم بتغي ري ج و العم ل واملنزل‪ ،‬دون إزع اج أي أح د‪ .‬ألن الزي ارات القرابي ة‬
‫أصبحت باملوعد واإلتصال قبل الزيارة‪ .‬يعين هذا أن األفراد يف اجملتمع احلضري لديهم ثقافة‬
‫اخلروج وال ذهاب إىل الفض اءات االجتماعي ة املختلف ة باملدين ة‪ ،‬أفض ل من ال تزاور‪ ،‬هك ذا دون‬
‫مناسبة معينة‪.‬‬

‫وهذا ما تقوله المقابلة رقم ‪".24‬يف رأي الزيارة للفاميليا مشي دائما‪ ،‬يليق تكون بالقدر‪،‬‬
‫يع ين يف املناس بات‪ ،‬خلاطر الن اس متبغيش يل جيي داميا‪ ،‬ه دي مساطة‪ ،‬أن ا وح دا من الن اس‪،‬‬
‫منبغيش على روحي‪ ،‬كيفاش على الناس" وتصرح المبحوثة رقم ‪" 13‬أنا نفضل نروح حنوس‬
‫لس وق‪ ،‬وال البح ر خ ري على اجلماع ة عن د لف امي‪ ،‬بال وال و‪ ،‬تك ثر غ ري القي ل والق ال‪ ،‬الواح د‬
‫يقعد غزيز‪ ،‬خري ما يديروجني الناس‪ ،‬وما يديروجني روحه‪ ".‬ويرى كذلك صاحب المقابلة‪A‬‬
‫رقم ‪"17‬الواحد مدبيه يدير الواجب‪ ،‬مع الفاميليا وخالص‪ ،‬خلاطرش كي تزيد احلاجة‪ ،‬فوق‬
‫حدها‪ ،‬تنقلب إىل ضدها يعين الزيارات دميا‪ ،‬جتيب املشاكل‪ ،‬من األحسن كي يدايق الواحد‪،‬‬
‫يدي والده‪ ،‬ويروح جيمع يف كاش غابة خري‪ ".‬والحظنا من خالل املقابالت اليت أجريناها أن‬
‫أف راد العائل ة النووي ة يفض لون ال ذهاب للفض اءات اإلجتماعي ة العمومي ة‪ ،‬كالس وق‪ ،‬املق اهي‪،‬‬
‫املطاعم وحىت البحر‪...‬اخل بدال من الزيارات املتبادلة واملستمرة‪.‬‬

‫فمك ان قض اء وقت الف راغ يرتب ط بعالق ة ذات دالل ة حبجم العائل ة‪ ،‬فكلم ا زاد ع دد أف راد‬
‫العائلة كلما زاد ميل األفراد لقضاء وقت الفراغ داخل املنزل‪ ،‬فقد تؤدي زيادة األفراد إىل أن‬
‫يص بح املنزل أك ثر حيوي ة لقض اء وقت ال رتويح في ه أو ال ذهاب عن د األق ارب‪ ،‬وق د يص بح‬

‫‪280‬‬
‫الرتويح عن النفس مكلفا خارج املنزل‪ ،‬بسبب العدد الكبري ألفراد العائلة‪.‬كما أن ارتفاع السن‬
‫جيع ل الف رد ال خيرج بك ثرة‪ .‬يع ين ه ذا أن العائل ة املمت دة تفض ل زي ارة األق ارب ب دل اخلروج‬
‫لفض اءات اجتماعي ة‪ ،‬أم ا األس ر النووي ة فهي تفض ل اخلروج واالس تمتاع ب دل الزي ارات‬
‫املستمرة‪.‬‬

‫زي ادة على ه ذا ف إن طبيع ة اجملتم ع وحب ه للتغي ري واخلروج ك ذلك من حمي ط املنزل إىل أم اكن‬
‫أخ رى جيعالن البعض "يتثاق ل" عن زي ارة األق ارب ألن االج ازة األس بوعية‪ ،‬أص بحت ألف راد‬
‫العائلة‪ ،‬فال وقت للزيارة بل االكتفاء باالتصال قد يكون وسيلة جمدية حسب املبحوثني‪.‬‬

‫خالصة الفصل الخامس‪A‬‬

‫يب دو واض حا من خالل الدراس ة امليداني ة أن احلي اة احلض رية والتط ور التكنول وجي‪ ،‬أص بح‬
‫عام ل رئيس ي يف التواص ل بني األق ارب‪ ،‬س واءا عن طري ق األن رتنت‪ ،‬أو اهلاتف‪ .‬فاألق ارب‬

‫‪281‬‬
‫يتصلون مع بعضهم البعض عن طريق هذه الوسائل‪ ،‬بدل الزيارات املباشرة‪ .‬لكن هذا ال يعين‬
‫أن هذه األخرية أي الزيارات‪ ،‬مل تعد موجودة‪ ،‬وإمنا أصبحت تقتصر على املناسبات فقط‪ ،‬أما‬
‫باقي األيام فاالتصال يكون باهلاتف أو األنرتنت‪ .‬كما أصبح استعمال هذه الوسائل أيضا‪ ،‬من‬
‫أجل أخذ موعد قبل الزيارة‪ ،‬ألن الذهاب املباشر للزيارة مل يعد موجودا‪ ،‬وإمنا اإلتصال قبل‬
‫الزيارة من أجل الراحة النفسية للزائر‪ ،‬والقريب صاحب املناسبة‪ .‬كما أن األنرتنت أصبحت‬
‫فضاء اجتماعي افرتاضي ترفيهي يُغين ويُلهي يف الكثري من األحيان عن زيارة األقارب‪.‬‬

‫زي ادة على ذلك وج دنا أن املس اعدات العائلية يف اجملتم ع احمللي‪ ،‬تقتص ر على األق ارب من‬
‫الدرج ة األوىل وخاص ة الوال دان مها الشخص ان الوحي دان الق ادران على املس اعدة‪ ،‬وإنق اض‬
‫األبناء أثناء احملن وماعداهم قليال من يساعد‪ .‬فالحظنا أن كافة أنواع املساعدات متس الوالدان‬
‫سواءا من الناحية املالية أو العناية باألطفال‪ .‬مث تأيت املساعدة من طرف أقارب آخرين‪ ،‬أصغر‬
‫سنا من الوالدان‪ ،‬ومها األشقاء والشقيقات‪ ،‬كما يبدو جليا أن األسر املدروسة‪ ،‬تؤك د على أن‬
‫عائلة الزوجة دائما تساعد البنت املتزوجة وعائلتها يف حالة حاجتها‪ ،‬وخاصة املادية‪ ،‬أكثر من‬
‫عائلة الزوج‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى تُعت رب اهلدية مؤشر من مؤش رات تقوي ة الرابط ة اإلجتماعية القرابية‪ ،‬ألن‬
‫تتبادل اهلدايا بني األفراد يؤدي إىل زرع احملبة والتآلف بينهم‪ ،‬واهلدية يف جمتمع البحث التكون‬
‫ص دفة أو بدون مناسبة‪ ،‬بل العكس صحيح‪ ،‬تكون يف املناسبات فقط‪ .‬ويعتربها األفراد مثل‬
‫ُ‬
‫الديْن‪ ،‬مبعىن أن الفرد الذي قُدمت له اهلدية يف مناسب ما‪ ،‬ما عليه إال ردها باملثل‪ ،‬أو أحسن‬
‫َ‬
‫منه ا‪ ،‬يف مناس بة أخ رى لنفس الش خص اهلادي‪ .‬كم ا أن اهلدي ة تك ون ذات قيم ة ومثن ُمرتف ع‬
‫عندما تُقدم لألقارب القريبني جدا‪ ،‬بينما ينقص مثنها حسب درجة القرابة‪.‬‬

‫أم ا من ناحي ة التض امن والتع اون بني األق ارب‪ ،‬حس ب الدراس ة امليداني ة يب دو أن ه موج ود‬
‫ولكن ب درجات متفاوت ة يف بعض األحي ان ق وي‪ ،‬ويف أحي ان أخ رى ض عيف‪ .‬ألن األف راد‬
‫يتضامنون يف كلتا املناسبات‪ ،‬سواء املفرحة أو احملزنة‪ ،‬إال أن املناسبات املفرحة تُنظَم من قبل‪،‬‬
‫ص دفة‬
‫وحسب قدرة الفرد‪ .‬كما أهنا أصبحت تقوم على املظاهر‪ ،‬بينما املناسبات احملزنة تأيت ُ‬
‫‪282‬‬
‫وغ ري متوقع ة‪ ،‬ق د يك ون فيه ا األف راد غ ري ق ادرين على القي ام ب العزاء‪ ،‬أو مقاوم ة املرض من‬
‫مصاريف عالج فيظطرون لطلب املساعدة والعون‪ .‬مما جيعل األقارب يقفون مع املعنيني بدافع‬
‫الواجب والدين‪ ،‬للتضامن املعنوي واملادي مع أقارهبم‪.‬‬

‫كما يعترب الصراع بني األقارب من العوامل املؤدية إىل ضعف الرابطة القرابية‪ ،‬حيث حيدث‬
‫هذا األخري بسبب اخلالفات بني النساء‪ ،‬وكذلك التخاصم والعنف بني األطفال‪ ،‬قد يؤدي إىل‬
‫نقل الصراع حنو الكبار يف العائالت املقيمة يف مس كن واح د أو تقطن يف مس اكن جماورة‪ ،‬مث‬
‫امللكية واملرياث ميثالن مصدر اخلالفات القرابية‪.‬‬

‫الفصل السادس‬

‫التغيّر اإلجتماعي وانعكاسه على الروابط القرابية‬

‫‪ -‬متهيد‬

‫‪283‬‬
‫‪.I‬مفهوم التغير االجتماعي‬

‫‪.II‬تغير نمط األسرة‬

‫‪.1‬األسرة النووية وضعف الروابط القرابية‬

‫‪.2‬تغري شكل الزواج من داخلي (قرايب) إىل خارجي‪.‬‬

‫‪III .‬الثقافة‪ A‬الحضرية وانعكاسها على الروابط القرابية‬

‫‪.1‬مفهوم الثقافة احلضرية وأثرها على الروابط القرابية‬

‫‪.2‬خروج املرأة للعمل وتأثريه الروابط القرابية‬

‫‪ -‬خالصة الفصل السادس‬

‫الفصل السادس‬

‫تمهيد‬

‫‪284‬‬
‫ش هد اجملتم ع اجلزائ ري وكغ ريه من اجملتمع ات ع دة تغ ريات وحتوالت‪ ،‬مما جنم عنها ع دة‬
‫ت أثريات مس ت العائل ة ووظائفه ا وح ىت طبيع ة عالقاهتا القرابي ة‪ .‬ه ذا م ا وض حه مص ‪AA‬طفى‬
‫بوتفنوشنت من خالل دراسته عن العائلة اجلزائرية‪ ،‬حيث إهتم يف هذه الدراسة بالرتكيز على‬
‫النس ق الق رايب من خالل التح والت ال يت ط رأت على البن اء الع ائلي‪ ،‬واالقتص ادي للمجتم ع‬
‫اجلزائري التقليدي إىل اجملتمع اجلزائري املعاصر‪ ،‬مبيننا أن هذه التحوالت جند أثارها يف بنية‬
‫العائل ة ال يت تُع د القاع دة األساس ية‪ ،‬وال يت من خالهلا يتم فهم اجملتم ع‪ ،‬حيث يق ول "يص بح من‬
‫املستحيل الرجوع إىل اجملتمع واحلديث عنه دون فهم العائلة‪."1‬‬
‫وحسب نتائج البحث أصبح هناك ظهور عالقة قرابية جديد أضيق مما كانت عليه يف البنية‬
‫التقليدية‪ ،‬ألن العائلة قد أصبحت تتجه اجتاها فرديا قائما على االختيار احلر‪ .‬وذلك حسب‬
‫اخلصائص وامليول الذاتية املتعلقة بكل عائلة على حدى‪ .‬كاجتاه هذه األخرية إىل إقامة عالقات‬
‫ذات طابع معني‪ ،‬وألهداف معينة‪ ،‬أخذت تنمو عالقات‪ ،‬تفاعل خارج حميطها العائلي‪.‬‬
‫وتتض ح التغ ريات على املس توى ال داخلي لألس رة من حيث العالق ات بني أفراده ا‪ ،‬واليت‬
‫أصبحت أكثر حرية ودميقراطية تقوم على التفاهم املتبادل واحلوار‪ ،‬بعدما كانت ُس لطة األب‬
‫مطلقة وكاملة وال يشاركه فيها أحد‪ .‬أصبحت األم واألبناء يشاركونه اختاذ القرارات احلامسة‬
‫املتعلق ة بالعائل ة وأص بحت العالق ات بني األبن اء‪ ،‬تق وم على الص داقة والزمال ة وال تق وم على‬
‫التمييز بني اجلنسني كما كان يف اجملتمعات التقليدية‪ .‬فكالمها هلم نفس احلقوق واالمتيازات‪،‬‬
‫كالدراسة واخلروج للعمل من أجل ضمان االستقالل االقتصادي لكليهما‪ ،‬هلذا صارت تتميز‬
‫األسرة احلديثة بن وع من الفردانية واملصلحة الذاتي ة‪ ،‬مما انعكس نوعا ما على طبيعة العالقات‬
‫األس رية القرابي ة ال يت ب دورها ت أثرت هبذه القيم اجلدي دة‪ ،‬من ج راء التحضر والتم دن‪ ،‬الل ذان‬
‫أعطى للحياة احلضرية طابعا خمالفا عن احلياة الريفية مبختلف تعامالهتا وعالقاهتا التقليدية‪.‬‬
‫ف اختالف مكان ة القراب ة من اجملتم ع ال ريفي إىل اجملتم ع احلض ري‪ ،‬جعله ا تُع د من أهم‬
‫املواض يع ال يت هلا م دى وأمهي ة كب رية‪ ،‬يف العدي د من الدراس ات السوس يولوجية‪ ،‬القدمية‬
‫واملعاصرة‪ .‬وما جعلها مصب اهتمامنا أيضا‪ ،‬كون عامل القرابة يف هذا البحث هو انشغال‬
‫‪1‬‬
‫‪.M, BOUTEFNOUCHET, Op.cit ,p19.‬‬

‫‪285‬‬
‫سوس يولوجي‪ ،‬يتعل ق بطبيع ة وواق ع الرواب ط القرابي ة يف اجملتم ع احلض ري‪ ،‬وم ا جنم عنه ا من‬
‫انعكاسات خمتلفة على بعض جوانب احلياة االجتماعية باملدينة‪،‬كتغريها أو ضعفها‪.‬‬
‫هلذا قُمنا بتسليط الضوء على خمتلف الطروحات واألفكار حول ماهية القرابة‪ ،‬ونظمها‪،‬‬
‫وأهم العوامل املسامهة على بقائها ورسوخها‪ ،‬رغم كل التحوالت واالضطرابات اليت يشهدها‬
‫اجملتمع احلضري‪ ،‬هو ما دفعنا أيضا يف التوغل والرتكيز على عامل التغري االجتماعي للقرابة‪،‬‬
‫وم ا يكتس يه ه ذا العامل من أث ار‪ ،‬وخملف ات‪ ،‬على طبيع ة العالق ات االجتماعي ة بني األف راد‬
‫واجلماعات يف األوساط احلضرية‪.‬‬
‫ورغم أن ظ اهرة التغ ري من الظ واهر الواض حة يف الواق ع االجتم اعي‪ ،‬حيث ميكن مالحظته ا‬
‫عرب مراحل زمنية معينة مير هبا اجملتمع من خالل حركته‪ ،‬ألن التغري االجتماعي عملية ديناميكية‬
‫تارخيية مستمرة‪ ،‬تشمل مجيع املستويات واجملتمعات‪ ،‬بدرجات متفاوتة‪ .‬ومنذ البدايات األوىل‬
‫يف علم االجتم اع واملفك رون حياولون فهم التح والت األساس ية ال يت أدت إىل األوض اع‬
‫احلاضرة‪.‬‬
‫إذن لنفهم طبيع ة الرواب ط القرابي ة‪ ،‬علين ا أن نتع رف على التغ ري ال ذي تعرض ت إلي ه الرابط ة‬
‫االجتماعية القرابية يف امليدان والواقع االجتماعي‪.‬‬
‫‪.I‬مفهوم التغير االجتماعي‬

‫لقد ُأستعمل اصطالح التغري االجتماعي من قبل علماء االجتماع‪ ،‬للتعبري عن ظاهرة التحول‬
‫والنمو والتكامل والتكيف‪ ،‬واملالئمة‪ ،‬مما دفعهم إىل استخدام هذا املفهوم بعيدا عن األحكام‬
‫‪1‬‬
‫القيمية‪ ،‬وليقرر الواقع اجملرد‪ ،‬كما هو فعال يف اجملتمع‪.‬‬
‫واصــطالح التغير يعنــي‪ :‬انتقــال أي شــيء أو ظــاهرة مــن حالــة إلــى حالــة أخـرى‪ ،‬أو هـو ذلـك‬
‫التعـديل الـذي يـتم فـي طبيعـة أو مضـمون‪ ،‬أو هيكـل شـيء‪ ،‬أو ظـاهرة‪ ،‬ويقص د باص طالح‬
‫اجتم‪AA A‬اعي‪ :‬الش خص وعالقات ه وتفاعلـه مـع اآلخـرين‪ .‬أمـا مصـطلح التغيـر اإلجتم‪AA A‬اعي‬
‫‪ Changement Social‬فإن ه يش ري إىل تل ك العملي ة املس تمرة والتـي متتـد علـى فتــرات زمنيــة‬
‫‪.1‬فادية عمر اجلوالين‪ ،‬التغير االجتماعي مدخل النظرية الوظيفية لتحليل التغير‪،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬االسكندرية‪،1993،‬ص‬
‫‪.13‬‬

‫‪286‬‬
‫متعاقبــة‪ ،‬يــتم خالهلــا حــدوث اختالفــات أو تعــديالت معينــة فــي العالقــات اإلنسـانية أو فـي‬
‫‪1‬‬
‫املؤسسـات أو التنظيمـات‪ ،‬أو فـي األدوار اإلجتماعيـة‪.‬‬
‫ويُعرف ه ج ‪AA‬نزبرج "يُفهـم التغ ري االجتم اعي بوص فه تغ ريا يف البن اء االجتم اعي‪ ،‬مث ل حجم‬
‫اجملتم ع وت ركيب القـوة‪ ،‬والت وازن بني األجـزاء‪ ،‬أو النم ط االجتم اعي‪ ،‬أو البيئ ة الطبيعي ة أو‬
‫االجتماعي ة‪ 2".‬ويعرف ه ف ‪AA‬ارلي‪":‬بأنه التب دل يف أمناط الس لوك‪ ،‬والعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬والنظم‬
‫‪3‬‬
‫والبناء االجتماعي‪".‬‬
‫كما يُعرف محم‪A‬د ال‪A‬دقس التغري عموما بأنه "اإلختالف مابني احلالة اجلديدة‪ ،‬واحلالة القدمية‬
‫أو إختالف الش يء‪ ،‬عم ا ك ان علي ه‪ ،‬خالل ف رتة حمددة‪ ،‬من ال زمن‪ .‬أي إس تحداث أم ر‪ ،‬مل‬
‫يالحظ من قبل‪ .‬ويضيف بأن التغري الذى يتعلق باجملتمع هو صفة أساسية مالزمة مند القدم‬
‫للمجتمعات على إختالفها‪ ،‬سواء كانت رعوية أو زراعية‪ ،‬أو رأمسالية أو إشرتاكية‪ ،‬نامية أو‬
‫متقدمة‪ ،‬واجملتمع بطبيعته متغري‪ ،‬فهو يأخذ من اجليل السابق‪ ،‬جوانب ثقافية‪ ،‬ويضيف عليها‬
‫متاشيا مع واقعه االجتماعي‪ ،‬ومتطلباته املستجدة‪ ،‬فيُصبح التغري االجتماعي‪ ،‬التغري أو التبدل‬
‫ال ذى يط رأ على البن اء االجتم اعي‪ ،‬خالل ف رتة من ال زمن‪ ،‬فيمس مي ادين عدي دة‪ ،‬من اجملتم ع‬
‫منها الثقافية واالقتصادية ‪...‬اخل"‪4‬ويرى جى روشى ‪5‬أن التغري اإلجتماعي عنده‪ ،‬هو كل حتول‬
‫ىف البناء اإلجتماعي‪ ،‬ويتمتل ىف أربع صفات مهمة هى‪:‬‬
‫‪.1‬التغ ري اإلجتم اعي ظ اهرة عام ة‪ ،‬توج د عن د أف راد اجملتم ع‪ ،‬وت ؤتر ىف أس لوب حي اهتم‬
‫وأفكارهم‪.‬‬
‫‪ .2‬يص يب التغ ري اإلجتم اعي‪ ،‬البن اء اإلجتم اعي‪ ،‬أي ي ؤثر ىف هيك ل النظ ام‪ ،‬اإلجتم اعي‪ ،‬ىف‬
‫الكل واجلزء‪ ،‬كالتغري الذي يصيب بناء األسرة‪ ،‬أو النظام اإلقتصادي‪ ،‬أو السياسي‪..‬اخل‪.‬‬

‫‪.1‬حممد عمر الطنويب‪ ،‬التغير اإلجتماعي‪ ،‬منشأة املعارف باإلسـكندرية جـالل حـزي وشـركاه‪ ،‬جامعـة اإلسـكندرية ج ‪.‬م‪.‬ع‪ ،‬جامعة‬
‫عمر املختار ليبيا‪، 1996 ،‬ص ‪52.‬‬
‫‪.2‬خنبة من أساتذة علم االجتماع‪ ،‬المرجع في مصطلحات العلوم االجتماعية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية ‪،‬ب‪.‬س‪ ،‬ص‪-415‬‬
‫‪. 416‬‬
‫‪.3‬ابراهيم عثمان وقيس النوري‪ ،‬التغير االجتماعي‪،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪. 4‬حممد الدقس‪ ،‬التغير االجتماعي بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار جمدالوي‪ ،‬عمان‪ ،‬االردن‪ ،1996،‬ص ‪15‬‬
‫‪5‬‬
‫‪.‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪287‬‬
‫‪.3‬يكون التغري حمددا بالزمن‪ ،‬أي يكون إبتداء من فرتة زمنية‪ ،‬ومنتهيا بفرتة زمنية معينة‪ ،‬ومن‬
‫أجل الوقوف على مدى التغري‪ ،‬ال يتأيت إدراك ذلك‪ ،‬إال بالوقوف عى احلالة السابقة‪ ،‬أي أن‬
‫قياس التغري‪ ،‬يكون إنطالقا من نقطة مرجعية يف املاضي‪.‬‬
‫‪.4‬يتص ف التغ ري اإلجتم اعي‪ ،‬بالدميوم ة واإلس تمرارية‪ ،‬ف التغري ال ذي ينتهى بس رعة‪ ،‬ال ميكن‬
‫فهمه ولذلك فالتغري اإلجتماعي‪ ،‬يكون واضحا من خالل دميومته‪.‬‬
‫ويفسر هرب‪AA‬رت سبنسر ‪1‬التغري تفسريا علميا‪ ،‬فيقول "أعتقد بأن اجملتمع‪ ،‬يتطور من جمتمع‬
‫بسيط برتكيبه ووظائفه إىل جمتمع معقد ومشعب‪ ".‬ويف الوقت احلاضر‪ ،‬يعترب علماء اإلجتماع‬
‫‪2‬‬
‫التغري اإلجتماعي بأنه حالة طبيعية من احلاالت اليت مير هبا اجملتمع‪ ،‬ويذكر الع امل ولبرت م‪AA‬ور‬
‫أهم الصفات التغريية اليت يشهدها اجملتمع املعاصر كااليت‪:‬‬
‫‪.1‬التغيري السريع الذي حيدث يف اجملتمع أو احلضارة‪ ،‬يكون إما مستمرا أو متقطعا‪.‬‬
‫‪.2‬تك ون التغ ريات بش كل سلس لة متتالي ة من األح داث‪ ،‬تتبعه ا ف رتات هادئ ة يعم فيه ا البن اء‬
‫والتعمري‪ ،‬ويكون لنتائجها صدى على العامل كله‪.‬‬
‫‪.3‬إن نسبة التغري يف الوقت احلاضر هي أعلى من نسبة التغري يف الزمن السابق‪.‬‬
‫‪.4‬يكون التغري سريعا يف جماالت التكنولوجيا املادية ويف السياسات االجتماعية‪.‬‬
‫‪.5‬ي ؤثر التغ ري على خ ربات األف راد وعلى الن واحي الوظيفي ة للمجتمع ات املعاص رة‪ ،‬وذل ك‬
‫لتعرض‬
‫مجيع أفراد اجملتمع لعمليات التغري‪.‬‬
‫من خالل ه ذه التع اريف يب دو واض حا أن التغ ري االجتم اعي‪ ،‬ظ اهرة إنس انية ش املة ألهنا‬
‫تش مل العدي د من اجملاالت واألنظم ة االجتماعي ة‪ ،‬ل ذلك وج دنا أن رابط ة القراب ة تعرض ت‬
‫لتح والت اجتماعي ة يف عالقاهتا‪ ،‬مبع ىن أن التغ ري ط رأ على األس رة كن واة أولي ة‪ ،‬ليش مل ك ل‬
‫بنيات القرابة وجمموعاهتا‪.‬‬

‫‪.1‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.17‬‬


‫‪.2‬دينكن ميتشل‪ ،‬معجم علم االجتماع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190،191‬‬

‫‪288‬‬
‫فلو تعمقنا يف ما قدمناه من جانب نظري حول الرابط ة االجتماعية عامة والرابط ة القرابية‬
‫خاصة لوجدنا أن كل النظريات‪ ،‬واملفكرين االجتماعيني‪ ،‬يهتمون بالعامل الديناميكي للظاهرة‬
‫ويتفقون على أن الرابطة االجتماعية متر مبراحل تطورية عرب مدة زمينية وبتعب ري أدق‪ ،‬تغريت‬
‫من النشأة إىل التحضر‪ ،‬كظاهرة مرتبطة باملدينة‪.‬‬
‫ولع ل من أهم مؤش رات ه ذا اجلانب م ا حص ل من تفك ك يف الرواب ط القبلي ة إىل العش رية‬
‫ليشمل حاليا العائلة‪ ،‬هو ظاهرة الهجرة من الريف إىل املدن‪ ،‬كما سبق وأن أشرنا لذلك ‪.‬‬
‫ف اهلجرة الداخلي ة ج اءت من أج ل العم ل وحتس ني املس توى املعيش ي‪ ،‬زي ادة على ذل ك هج رة‬
‫الشباب خاصة يف جمتمعاتنا اجلزائرية والعربية من أجل التعليم‪ ،‬ومواصلة الدراسة باملدن الكربى‬
‫ض عف‬
‫هذا االنشغال بالعمل والدراسة وحتسني املستوى اخل‪...‬من العوامل األوىل اليت أدت إىل ُ‬
‫الرواب ط القرابي ة‪ ،‬وذل ك بنقص االتص ال بعش ائرهم‪ ،‬مما أفق دهم كث ريا من نفوذه ا وتأثريه ا‬
‫االقتصادي واالجتماعي وحىت السياسي‪.‬‬
‫كما أن ه جع ل األف راد الن ازحني للمدن يتخل ون ت درجييا عن كث ري من التقالي د العش ائرية‪ ،‬مما‬
‫أدى إىل نُقص والئهم للعشرية أو القبيلة اليت تُعترب اجلماعة القرابية األوىل بعد األسرة‪ ،‬وذلك‬
‫الحتوائه ا على األق ارب القري بني والبعي دين‪ ،‬وك ل ه ذا التغ ري ال ذي ط رأ على امله اجرين أو‬
‫الن ازحني بع د اس تقرارهم يف املدين ة‪ ،‬يع ود إىل احتك اكهم ب اجملتمع احلض ري وت أثري التحض ر‬
‫عليهم فمن خالل املق ابالت ال يت أجريناه ا‪ ،‬وج دنا أن الكث ري من األس ر النووي ة وعلى رأس ها‬
‫رب األسرة‪ .‬يوضح يف المقابلة رقم ‪ 25‬على أن السبب الرئيسي‪ ،‬يف استقراره باملدينة‪ ،‬يعود‬
‫إىل عمله هبا‪ ،‬وثانيا تأقلمه الكبري‪ ،‬الذي مل يعد يسمح له بالعودة إىل الريف‪ ،‬زيادة على ذلك‬
‫أن احلياة احلضرية‪ ،‬تعجبه كثريا‪ ،‬ألنه تعود عليها‪ ،‬كما أن طبيعة عمله كعسكري‪ ،‬مل تسمح له‬
‫بالس فر‪ ،‬دائم ا لرؤي ة أقارب ه وعائلت ه‪ ،‬وذل ك كم ا قلن ا يع ود لطبيع ة العم ل‪ ،‬ال ذي ال يس مح‬
‫بالس فر‪ ،‬إال يف العطل ة الس نوية ال يت متنح هلم وبعض اإلجيازات القص رية املدة‪ ،‬ه ذا م ا جع ل‬
‫الرابطة تضعف شيئا فشيئا‪ ،‬مع اضطراره إىل تكوين أسرته النووية‪ ،‬بعيدا عن عائلته‪ .‬واألمثلة‬
‫على ذلك كثرية يف املقابالت اليت أجريناها‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫‪.II‬تغير نمط األسرة‬
‫إن العدي د من الدراس ات السوس يولوجية واألنثروبولوجي ة‪ ،‬تق وم على إف رتاض متف ق علي ه‬
‫وه و أن األس رة الن واة‪ ،‬ق د ج اءت إىل الوج ود نتيج ة الث ورة احلض رية الص ناعية‪ ،‬حيث يتواف ق‬
‫حجمها الصغري مع استجابات ومتطلبات اجملتمع الصناعي‪ ،‬لتصبح من خالهلا األسرة النواة من‬
‫خص ائص اجملتم ع الص ناعي احلض ري‪1.‬وه ذا م ا أك ده "ولي‪AA‬ام‪ A‬ج‪AA‬ود "‪ William Goode‬يف‬
‫كتابه‪ "A‬الث‪AA‬ورة العالمي‪A‬ة‪ A‬وأنم‪AA‬اط‪ A‬األسر "على أن دول العامل اليت أصبحت ص ناعية ومتحض رة‪،‬‬
‫تتحول أنساقها األسرية يف اجتاه األسرة النووية‪ .‬ويقول يف هذا‪ ،‬بينما يتغلغل النسق االقتصادي‬
‫وميت د من خالل التص نيع تتغ ري أمناط األس رة‪ ،‬وتض عف رواب ط القراب ة املمت دة‪ ،‬لتتحل ل أمناط‬
‫البيئة وتتجه حنو بعض أشكال النسق الزواجي‪ ،‬الذي يبدأ يف الظهور‪ ،‬وهذه هي األسرة النواة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫اليت تُصبح وحدة قرابية مستقلة‪.‬‬
‫يع ين ه ذا أن الأس رة مبا أهنا نس قا جزئي ا من أنس اق اجملتم ع الكلي‪ ،‬أي النس ق األك رب‪ ،‬فهي‬
‫تتأثر مبا حيدث يف اجملتمع من تغ ريات وحتوالت‪ ،‬هلذا فاحلديث عن األسرة اجلزائرية يقودنا إىل‬
‫احلديث عن أبرز التغريات اليت طرأت على اجملتمع اجلزائري‪ ،‬ومن أهم ما مييز هذا اجملتمع عرب‬
‫مراحل ه التارخيي ة وج ود حمط ات‪ ،‬أث رت على بنيت ه االجتماعي ة‪ ،‬كاملرحل ة العثماني ة واملرحل ة‬
‫االستعمارية‪.‬‬
‫فاجملتمع اجلزائري قبل االستعمار‪ ،‬كان يتكون من جمموعة من القبائل والعشائر وعلى رأس‬
‫كل قبيلة أو عشرية‪ ،‬شيخ يوقره وحيرتمه بقية األفراد‪ ،‬حيث يقوم الشيخ بتنظيم شؤون القبيلة‬
‫ويس هر على حتقي ق االس تقرار‪ ،‬وم ع دخ ول االس تعمار‪ ،‬ح دثت تغ ريات كث رية على اجملتم ع‪،‬‬
‫حيث حاول االستعمار حمو اهلوية الوطنية وتفكيك نظام القبائل‪ ،‬إلضعاف عالقات القرابة‪،‬‬
‫بقتل الروح اجلماعية‪ ،‬مما أدى ذلك إىل تالشي امللكية اجلماعية‪ ،‬وانتشار امللكية الفردية‪ ،‬فانتقل‬
‫اجملتم ع اجلزائ ري من نظ ام عش ائري إىل نظ ام ع ائلي‪ ،‬تطغى علي ه ش كل األس رة املمت دة وبع د‬

‫‪ . 1‬حممد عبده حمجوب‪ ،‬أنثروبولوجية الزواج واألسرة والقرابة‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬اإلسكندرية‪،1985،‬ص ‪266‬‬
‫‪ 2‬سناء اخلويل‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص ‪66‬‬

‫‪290‬‬
‫االستقالل ظهرت الكثري من التغريات اليت مست العديد من القطاعات‪ ،‬كاجملال االقتصادي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعي والدميغرايف‪.‬‬
‫كل هذا أثر على تركيبة األسرة اجلزائرية‪ ،‬حيث أخذت تتحول من أسرة ممتدة إىل أسرة‬
‫نووية كما شهدت األسرة اجلزائرية‪ ،‬حتوال من منوذج اجتماعي استهالكي‪ ،‬قائم على عالقات‬
‫القراب ة يعتم د أساس ا‪ ،‬على الزراع ة والفالح ة إىل منوذج ف ردي‪ ،‬ق ائم على االقتص اد الص ناعي‬
‫وبذلك أخذت الروابط القرابية اتصاالت جديدة يف ظل األسرة احلديثة‪ ،‬حيث مل تعد األسرة‬
‫النووية قريبة من األسرة املمتدة وذلك ألن األسرة النووية استقرت يف املدينة‪ ،‬واألسرة املمتدة‬
‫موجودة بالريف‪ .‬هذا ما أكده ع‪AA‬دي اله‪AA‬واري‪ ،‬على أن األسرة النووية أصبحت هي النمط‬
‫السائد يف اجملتمع اجلزائري‪ ،‬غري أن السيادة اإلحصائية هلذا النمط من األسرة‪ ،‬قد ال يعين أن‬
‫هذه األسرة املتحولة إىل النمط النووي أصبحت زواجية‪ ،‬نظرا لطبيعة الروابط اليت تقيمها مع‬
‫أسرة اإلجناب من جهة وطبيعة الروابط القرابية واألسرية اليت تسود فيها‪ ،‬بني الرجل واملرأة‪،‬‬
‫وبني اآلباء واألبناء من جهة أخرى‪ ،‬لذلك فإن دراسة الروابط االجتماعية‪ ،‬يصبح أمرا ُملحا‪،‬‬
‫للوق وف على م دى حتول األس رة اجلزائري ة‪ ،‬وانتقاهلا من النم ط املمت د األب وي‪ ،‬إىل النم ط‬
‫‪2‬‬
‫النووي الزواجي‪.‬‬
‫و هنا هو يُفرق بني مصطلح "األسرة النووية" الذي يعين أن األسرة تتكون بنائيا من األبوين‬
‫وأبنائهم ا فق ط‪ ،‬ومص طلح "األس رة الزواجي ة" ال ذي يع ين أن العالق ات يف األس رة‪ ،‬تق وم على‬
‫أساس الزواج وليس الدم أو القرابة‪ ،‬وتتميز باملساواة بني الزوج والزوجة أي األسرة احلديثة‪،‬‬
‫وهي نوع من األسرة النووية‪ ،‬وحسب دراسة حديثة ُأجريت حول "واقع األسرة اجلزائرية"‬
‫ق ام هبا جمموع ة من الب احثني االجتم اعيني اجلزائ ريني‪ ،‬ص درت يف مؤل ف س نة ‪ 2004‬وال يت‬
‫توص لت إىل حتديد بن ائي لألس رة اجلزائري ة واملؤسس ة‪ ،‬حس ب إحص ائيات ‪ 1998‬املقدم ة من‬
‫ط رف ال ديوان الوط ين اجلزائ ري لإلحص ائيات‪ ،‬حيث أثبتت ه ذه الدراس ة أن معظم األس ر‬
‫اجلزائري ة هي أس ر إما نووي ة أو ش به نووي ة‪ ،‬بن اءا بنسبة ‪ %81‬زوج‪+‬زوجة‪+‬أبن ائهم ‪ ،‬وق د‬

‫‪.1‬أنظر‪:‬شرع اهلل ابراهيم‪ ،‬دور العوامل السوسيوثقافية في تأسيس الثقافة المجتمعية لدى الشباب‪،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.121‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.La houari, ADDI, Op.cit, P49.‬‬

‫‪291‬‬
‫يضاف هلم يف بعض احلاالت القليلة أحد أقارب الزوج‪ ،‬خاصة كوالده أو والدته‪ ،‬أو أخ غري‬
‫متزوج‪ ،‬أو أخت غري متزوجة‪ ،‬إن فقد هؤالء املعيل نتيجة تأثري فلسفة النمط احليايت اجلديد‪،‬‬
‫الذي كسبه الفرد اجلزائري واليت حتولت فيها الكثري من الكماليات إىل ضروريات عند النساء‪،‬‬
‫والرج ال‪ ،‬كبيت مستقل م ريح‪ ،‬اقتن اء س يارة لكل ف رد‪ ...‬مما س اهم يف تنمي ة ال وعي الفردي‬
‫على حس اب ال وعي اجلمعي املع زز بقيم روح اجلماع ة وغالب ة املص احل اجلماعية على الفردي ة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ومما زاد من انتشار ظواهر اجتماعية يف اجملتمع اجلزائري كدور رعاية املسنني والعجزة ‪.‬‬
‫ويؤكد وليام‪ A‬جود ‪- 2W.Goodde‬أحد اكرب الباحثني املعاصرين حول األسرة‪-‬أن فقدان‬
‫األس رة الكب رية املمت دة‪ ،‬والعش ائر واجلماع ات القرابي ة لوظائفه ا‪ ،‬وفق دان ال والء ال ذي ك انت‬
‫حتض ى ب ه العائل ة من قب ل أفراده ا‪ ،‬يع ود إىل امت داد النظ ام االقتص ادي الص ناعي‪ ،‬فه و العام ل‬
‫الرئيسي يف تغري منط األسرة‪ ،‬وضعف الروابط القرابية‪ ،‬وبالتايل ظهور األسرة الزواجية‪ ،‬حيث‬
‫حيدث ه ذا التغ ري يف نظ ره‪ ،‬بس رعة متفاوت ة من مك ان إىل آخ ر‪ ،‬ومن منطلق ات خمتلف ة‪ ،‬فق د‬
‫تكون عملية التصنيع مصحوبة باخنفاض يف سن الزواج‪ ،‬يف بعض أجزاء العامل‪ ،‬كما هو احلال‬
‫يف معظم األقط ار الغربي ة وبارتفاعه ا يف أج زاء أخ رى‪ ،‬من األقط ار العربي ة‪ ،‬وم ع ذل ك فالك ل‬
‫يتحرك حنو شكل من أشكال األسرة الزواجية‪ ،‬كما يؤكد جود على أن العائالت الغنية قادرة‬
‫على الس يطرة على أبنائه ا وذل ك لتحكمه ا يف املوارد اإلقتص ادية‪ ،‬واعتم اد عض وية أبنائه ا‬
‫ومكانتهم على ما يرثونه عن آبائهم من ثروة ووظائف يف املؤسسات االقتصادية اجلديدة‪ ،‬أما‬
‫أس ر الش رحية املتوس طة والس فلى‪ ،‬ليس ل ديها إال القلي ل مما ميكنه ا تقدميه ألبنائه ا‪ ،‬وبالت ايل‬
‫تض عف س يطرهتا عليهم‪ ،‬ألن كب ار الس ن يف ه ذه الش رحية مل يع ودوا يتحكم ون يف الف رص‬
‫االقتص ادية والسياس ية اجلدي دة‪ ،‬مما ي ؤدي إىل ع دم الس يطرة والتحكم يف أبن ائهم‪ ،‬كم ا جع ل‬
‫األبناء يشكلون أسر نووية‪ ،‬تعتمد على نفسها وال عالقة هلا بروابطها القرابية‪ ،‬فأصبحت أسر‬
‫هذه الشرحية‪ ،‬أوىل األسر اليت تتحرك حنو شكل األسرة الزواجية‪.‬‬

‫‪ . 1‬مليكة عرعور‪ ،‬األدوار الزواجية في األسرة الجزائرية المعاصرة ‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة قاصدي مرباح ‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪2‬‬
‫‪. William, GOODE, J, WORLD, revolution and family patterns, New York, Free Press,‬‬
‫‪1970, page19 ,162.‬‬
‫‪292‬‬
‫وهنا جند أن وليام‪ A‬جود اختذ األيديولوجيا مصدرا هاما للتغري سواءا كانت أيديوجلية التقدم‬
‫االقتصادي‪ ،‬أو أيديولوجية األسرة الزواجية‪ ،‬وخاصة يف اجملتمعات النامية‪ ،‬ألن األسرة العربية‬
‫مثال مل تتغري كثريا‪ ،‬إال بعد اخلمسينات من القرن املاضي وما حدث فيها من تغري مل يتأثر تأثرا‬
‫كب ريا بعملي ة التص نيع‪ ،‬وإمنا ح دث كث ورة سياس ية وأيديولوجي ة‪ ،‬ه ذا حس ب رأي ج‪AA‬ود عن‬
‫األس ر النامي ة ومبا أن األس ر النووي ة‪ ،‬ظه رت من ع ائالت الطبق ة املتوس طة والفق رية بس بب‬
‫التص نيع وال ذهاب إىل املدن‪ ،‬ف إن التص نيع والتم دن من العوام ل ال يت تفق د الوح دات القرابي ة‬
‫وظائفها‪.‬‬

‫وهنا يتفق الكثري من علماء االجتماع املعاصرين مع ج‪A‬ود يف فكرة‪ ،‬كون األسرة الزواجية‬
‫تتناس ب أو تتواف ق متام ا م ع احتياج ات النظ ام الص ناعي واحلض ري احلديث‪ ،‬أمث ال رونال‪A A‬د‪A‬‬
‫فيلتشر وريم‪AA‬ون أرون‪ ،‬ففي رأي ه أن اجملتم ع الص ناعي ال يتناس ب إال م ع األس رة الزواجي ة أو‬
‫النووي ة‪ ،‬فه و ال ذي أنتجه ا ويعطي مث ال عن الياب ان‪ ،‬حيث ي رى أهنا أح رزت جناح ا يف مطل ع‬
‫القرن العشرين ويرجع ذلك إىل التوافق بني النظام األسري والنظام الصناعي احلضري يف املدن‬
‫‪1‬‬
‫اليابانية‪.‬‬

‫نس تنتج من دراس ات ج ‪AA‬ود أن تغ ري منط األس رة يع ود إىل التص نيع‪ ،‬وبالت ايل التحض ر‪ ،‬ألن‬
‫التصنيع يوجد يف املدن فقط وهو السبب الرئيسي يف ضعف الروابط القرابية‪،‬كما أن اجملتمع‬
‫الص ناعي يتطلب وج ود األس رة النووية‪ .‬وحس ب الباحث ان األمريكي ان دي ميلر وف‪AA‬ورم‪ 2‬فإن‬
‫األسرة النووية تلعب دورا هاما‪ ،‬يف هتيئة اجلو املناسب الذي يساعد الفرد على تأدية عمله على‬
‫خ ري وج ه‪ ،‬أم ا يف اجلو الع ائلي الكب ري‪ ،‬كث ريا م ا حتدث اخلالف ات والص راعات وه ذا م ا يع ود‬
‫مبردودية سيئة على نفسية الفرد‪.‬‬

‫ومن خالل الدراسة امليدانية اليت قمنا هبا‪ ،‬فإن اجملتمع احلضري‪ ،‬فعال تكثر فيه األسر النووية‬
‫وذل ك حس ب م ا الحظن اه من اجلانب العم راين للمدين ة‪ ،‬ظه ور الس كنات العمودي ة بك ثرة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.William, GOODE, Op.cit,116-114.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.Miller, D.C, and Form, W.H, industrial sociology, new York, Harper and raw,1964, P599.‬‬
‫‪293‬‬
‫وذل ك من أج ل س كنات خاص ة‪ ،‬باألس ر النووي ة ص غرية احلجم‪ ،‬فمثال يف احلي ال ذي قمن ا‬
‫بالدراسة فيه يتحدث أصحابه على أنه قُدمت هلم سكنات اجتماعية‪ ،‬لكل فرد متزوج سكنا‬
‫خاصا به‪ ،‬فإذا كانت العائلة ممت دة تعيش يف أحي اء قص ديرية أو أحي اء ش عبية قدمية‪ ،‬إال ومتنح‬
‫البلدية سكنات ألصحاهبا حسب األسر النووية املوجودة فيه‪ ،‬وهلذا بدأت األسرة ممتدة تتالشى‬
‫وتزول‪ ،‬وهبذا زاد حجم األسر النووية يف املدينة‪،‬كما أن التغري االجتماعي‪ ،‬الذي عرفه اجملتمع‬
‫يف الكث ري من اجملاالت أث ر على األس رة بص ورة كب رية‪ ،‬زي ادة إىل ذل ك تقلي دا لألس رة الغربي ة‪،‬‬
‫وش عور األف راد ب أن العيش بعي دا عن العائل ة‪ ،‬يعت رب مكس با هام ا يف حي اة ال زوجني‪ ،‬وطه رت‬
‫األسرة النووية أيضا لتفادي املشاكل العائلية وحىت الزوجية حسب املقابالت اليت أجريناها‪.‬‬

‫كم ا أن خ روج املرأة للعم ل جعله ا تُفض ل العيش مبفرده ا‪ ،‬ح ىت تعتم د على نفس ها وال‬
‫يزعجه ا غريه ا من أف راد العائل ة املمت دة يف حال ة التقص ري يف واجباهتا املنزلي ة‪ .‬يق ول ص احب‬
‫المقابل ‪A‬ة‪ A‬رقم ‪".33‬قب ل زواجي‪ ،‬فهمت العائل ة نت اعي‪ ،‬بلي نعيش وح دي خ ري‪ ،‬ب اش نتف ادى‬
‫املشاكل مع خواتايت ومع الشيبانية‪ ،‬خلطرش املشاكل تصرا بني النساء بزاف‪ ،‬هذا هو السبب‬
‫الرئيس ي‪ ،‬يل خالين نعيش وح دي‪ ".‬وتق ول ص احبة المقابل‪A‬ة‪ A‬رقم ‪" 29‬قب ل ال زواج‪ ،‬شرطت‬
‫ل زوجي‪ ،‬ب اش نعيش وا وح دنا‪ ،‬خ اطرش أن ا ام رأة خدام ة‪ ،‬ومنبغيش كي جني‪ ،‬يقول ويل راكي‬
‫تلقاي كلشي واجد‪ " .‬و تقول املبحوثة رقم ‪" 15‬أصال حن ا اخلدامات‪ ،‬مالزمش نعيشوا يف‬
‫عائل ة كب رية‪ ،‬خلاطرش يص راو مش اكل‪ ،‬حاج ة باين ة‪ ،‬س كنت م ع عج وزيت ومحات ايت عزب ات‬
‫زوج‪ ،‬كي جني ميصوا املاحل وصراويل مشاكل معاهم‪ ،‬بصح كي خرجت وحدي‪ ،‬مكاش يل‬
‫يس الين‪ ،‬نطيب تبق ايل م اكال حنميه ا‪ ،‬وران ا تعش ينا‪ ،‬نع رف كي نَظَم أم وري على حس اب‬
‫وق يت‪".‬وتق ول ص احبة مقابل‪A‬ة‪ A‬رقم ‪" 30‬س كنت وح دي‪ ،‬كي عطاون ا س كاين ت ع السوسيال‪،‬‬
‫كنت مع عجوزي‪ ،‬سجلونا وممبعد خرجتلي سكنا وحدي‪ ،‬حدا عجوزي‪ ".‬إذن هذه بعض‬
‫األمثلة‪ ،‬اليت توض ح‪ ،‬أن األسرة تغ ريت‪ ،‬نظرا ألسباب وعوامل معينة‪،‬كخ روج املرأة للعمل‪،‬‬
‫وتفادي املشاكل العائلية‪ ،‬زيادة على ذلك اهلجرة من أجل الدراسة أو العمل‪ ،‬جعلت األفراد‪،‬‬
‫يستقرون يف أماكن قريبة‪ ،‬من مكان عملهم‪ ،‬وذلك بتشكيل أسر نووية‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫‪.1‬األسرة النووية وضعف الروابط القرابية‪A‬‬

‫لعل أبرز الدراسات السوسيولوحية اليت حاولت تفسري ظهور األسرة النووية وعالقتها‬
‫بالقراب ة‪،‬ك ل من حماوليت دورك‪AA‬ايم‪ A‬و بارس‪AA‬ونز ف األول أي دورك‪AA‬ايم‪ A‬وإن رك ز على اس تقاللية‬
‫األسرة النووية‪،‬عن وحدات النسق القرايب يف اجملتمع الصناعي‪ ،‬إال أنه يشري بوضوح إىل عدم‬
‫تفك ك اجملتم ع‪ ،‬ألن ه ذا األخ ري يس تبدل باجلماع ات القرابي ة القدمية جبماع ات معين ة‪ ،‬ت ؤدي‬
‫الدور نفسه الذي تؤديه اجلماعات القرابية يف ربط الفرد بوحدات اجتماعية أكرب‪ 1.‬كاجلرية‬
‫والصداقة وغريها‪.‬‬
‫أما بارسونز فأكد كذلك على متايز األسرة النووية‪ ،‬عن مكونات النسق القرايب يف اجملتمع‬
‫الص ناعي‪ ،‬لكن ه على عكس دورك ‪AA‬ايم‪A"،‬ي رى ب أن األس رة النووية ب املعىن الص حيح‪ ،‬متت از بأهنا‬
‫منعزلة فكل من أسرة التنشئة وأسرة اإلجناب‪ ،‬تعترب أسرا نووية مستقلة‪ ،‬منفصلة ومنعزلة‪ ،‬وهو‬
‫ب ذلك يؤك د على اض محالل العالق ات االجتماعي ة ال يت ترب ط األس رة النووي ة باألق ارب‪ ،‬ب ل‬
‫وذهب إىل أبعد من ذلك يف حتليله‪ ،‬إذ أنه اعترب يف ظل العائلة احلديثة‪ ،‬تكون الوظيفة الوحيدة‬
‫املرتافق ة‪ ،‬م ع مب ادئ احلركي ة وال رتقي الش امل‪ ،‬هي التنش ئة االجتماعي ة‪ ،‬ض من القيم العام ة‬
‫األساس ية واألدوار املقرتن ة هبا ألن العائل ة مل تع د بص ورة مثالي ة‪ ،‬إال املؤسس ة البدائي ة للتنش ئة‬
‫االجتماعية فحسب وإمنا هي ُمعرضة كذلك‪ ،‬لتصفية ذاتية مبكرة‪ ،‬يصفها بارسونز أحيانا ب‬
‫"‪ "self liquidating mechanism‬فبما أن األوالد يؤسسون مع أزواجهم املختارين‪ ،‬عائلة‬
‫‪2‬‬
‫منتقاة عن العائلة األصلية اليت أجنبتهم‪.‬‬
‫وحس ب رأي الكث ري من الب احثني لق د أدت الث ورة الص ناعية إىل تقليص حجم األس رة‬
‫فأصبحت صغرية نووية‪-‬كما سبق و ذكرنا‪ -‬وأقل استقرارا من األسرة يف اجملتمع الزراعي‪،‬‬

‫‪.1‬جمد الدين عمر خريي‪ ،‬العالقات االجتماعية في بعض األسر النووية األردنية‪،‬عمان اجلامعة األردنية‪ ، 1985،‬ص ‪18‬‬
‫‪.2‬ب ودون‪ ،‬رميون وبوريك و فرانس وا‪ ،‬المعجم النق‪AA A‬دي لعلم االجتم‪AA A‬اع‪ ،‬ترمجة س ليم ح داد‪ ،‬اجلزائ ر‪ ،‬دي وان املطبوع ات اجلامعي ة‪،‬‬
‫‪،1986‬ص ‪.149‬‬

‫‪295‬‬
‫حيث أدت الص ناعة إىل ختفيض وإهناء اإلنت اج املنزيل‪ ،‬األم ر ال ذي جنم عن ه إلغ اء الوظيف ة ال يت‬
‫كانت لألب يف رئاسة العمل الزراعي واليدوي‪.‬‬
‫كم ا أن خ روج املرأة للعم ل‪ ،‬ق د منحه ا اس تقاللية اقتص اديه‪ ،‬مما ع زز فك رة املس اواة بني‬
‫الرج ل واملرأة‪ ،‬وأدى بعالق ات األس ر احلض رية‪ ،‬لتتس م بن وع من الفردي ة واحلري ة واتس اع‬
‫العالقات مع ظهور عالقات اجتماعية من خالل حميط العمل يف املؤسسات الصناعية‪ ،‬وظهور‬
‫اجلمعي ات والنقاب ات العمالي ة‪ ،‬واملهنية واألح زاب السياس ية‪ ،‬واملنظم ات اخلريي ة‪ ،‬فك ل ه ذه‬
‫املنظمات‪ ،‬أثرت على العالقات القرابية‪ ،‬وبالتايل أدت إىل ضعف الرابطة القرابية ووظائفها اليت‬
‫ك ان تق وم هبا‪ ،‬حيث عوض ت كل التنظيم ات املذكورة آنف ا‪ ،‬ومبختل ف التخصص ات املهني ة‪،‬‬
‫بتق دمي اخلدمات للن اس‪ ،‬مما جعلهم يس تغنون على العدي د من املس اعدات واخلدمات القرابي ة‪،‬‬
‫وهذا ما أثر حتما على طبيعة العالقات القرابية أيضا‪ 1.‬زيادة إىل تباين وتعدد حاجات اجملتمع‬
‫وكذلك تنوع الفئات االجتماعية‪،‬كما أن من أسباب ضعف الروابط القرابية بسبب األسرة‬
‫النووي ة‪ ،‬ه و مي ل أح د ال زوجني ألهل ه وأقارب ه‪ ،‬أك ثر من الث اين‪ ،‬مبع ىن ال يك ون التق ارب من‬
‫بعضهما بشكل متكافئ ومتوازن‪ ،‬أي إذا حصل تقارب الزوجني مع أهل الزوج‪ ،‬فإنه يكون‬
‫على حس اب تقارهبم ا من أه ل ال زوج‪ ،‬وه ذا يع ين ال توج د عالق ة متوازن ة بني القري نني‬
‫وأهلهما‪ ،‬وإذا رغب أحد القرينني‪ ،‬أن يكون أهله قريبني منه‪ ،‬يزورهم باستمرار‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يُزعج القرين اآلخر‪ ،‬وهنا حيصل عدم اجتماع نفس التفاعل‪ ،‬والتقارب مع أهل القرينني‪ ،‬مما‬
‫ي ؤدي إىل خل ل يف الرب اط الق رايب‪ ،‬وه ذا ماص رح ب ه الكث ري من مبحوثين ا‪ ،‬فيق ول ص احب‬
‫المقابلة رقم ‪ "20‬سكنت قريب من أهل الزوجة نتاعي على جال األطفال‪ ،‬كانت حتكمهم‬
‫وال دهتا‪ ،‬بص ح ع انيت مش اكل كب رية‪ ،‬املرأة ك ل ي وم يف دارهم واألوالد والف و اجلدة‪،‬‬
‫وماوالفوش والديا‪ ،‬وكي مرضت أم الزوجة‪ ،‬موالتش قادرا على األوالد قلت ملريت ندي لوالد‬
‫عن د أمي‪ ،‬ونك ري ح داها‪ ،‬رفض ت وماعجبه اش احلال وق الت منس كنش ودارت الس بب‬
‫باألوالد‪ ،‬مشي موالفني األم نتاعي‪".‬كما تقول ص‪AA‬احبة المقابل‪AA‬ة رقم‪"34‬أنا ساكنا هنا حدا‬
‫عجوزيت‪ ،‬وأوالدي دميا عند جداهتم وجدهم‪ ،‬مشي موالفني خواهلم‪ ،‬كل مانروح لدارنا‪ ،‬ما‬
‫‪. 1‬معن خليل عمر‪ ،‬البناء االجتماعي أنساقه ونظمه ‪،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪،‬األردن‪،‬ب‪.‬ت‪،‬ص ‪87‬‬

‫‪296‬‬
‫يبغوش يقعدوا ويهبلوين‪ ،‬باش يولوا لدارهم‪ ،‬وعرفت بلي السبب‪ ،‬هو سكين بالقرب من أهل‬
‫ال زوج‪ ،‬وه ذا نفس املش كل‪ ،‬يل ع انيت من ه كي كنت ص غرية‪ ،‬والفت ج دودي ت ع بوي ا‪،‬‬
‫ونبغيش ن روح عن د ج دودي ت ع أمي‪ ،‬وال عن د خ وايل‪ ،‬قع دت ه ذه الطبيع ة‪ ،‬وم رانيش باغي ا‬
‫تتعاود‪ ،‬مع أوالدي‪".‬‬
‫كم ا يؤك د كث ري من علم اء االجتم اع‪ ،‬وعلى رأس هم أوج‪AA‬يرن‪ ،‬أن األس رة النووي ة أص اهبا‬
‫التفكك نتيجة لفقدها الكثري من وظائفها التقليدية اليت انتقلت إىل أنساق أخرى يف اجملتمع‪،‬‬
‫مثل املدرسة واملصنع ودور الرتفيه‪...‬غريها‪ ،‬ألن هذا الفقدان يف واقع األمر ينطوي على تغري‬
‫يف الشكل وليس يف املضمون‪.‬‬
‫كما توصلت س‪AA‬ناء الخ‪AA‬ولي ‪-‬باحثة مصرية يف جمال األسرة‪-‬إىل أن األسرة‪ ،‬يف اجملتمعات‬
‫الصناعية املتقدمة‪ ،‬مل تعد وحدة اقتصادية ُمنتجة بالدرجة اليت كانت عليها األسرة الريفية يف‬
‫املاضي‪ ،‬ولكنها أصبحت وحدة اقتصادية مستهلكة‪ ،‬ووظيفة االستهالك‪ ،‬ال تقل بأي صورة‬
‫عن وظيفة اإلنتاج من حيث حاجة اجملتمع امللحة إىل من يستهلك البضائع‪ ،‬اليت ينتجها‪ .‬بقي‬
‫إىل أن نشري ما أكده بعض علماء االجتماع على أن كل جزء من النسق االجتماعي‪ ،‬يساهم‬
‫يف بقاء النسق وتوازنه‪ ،‬وهلذا فإن أي بناء اجتماعي ميكن حتليله من ناحية وظيفته‪ ،‬يف احملافظة‬
‫على بقاء النسق وتوازنه‪.1‬‬
‫بينم ا ي رى فليتشر‪ 2‬أن األس رة ليس ت يف حال ة ت دهور‪ ،‬ولكنه ا تتكي ف فق ط م ع مط الب‬
‫اجملتمع احلديث‪ ،‬ويؤكد على أن األسرة احلديثة‪ ،‬هي واحدة من أعظم قصص النجاح يف القرن‬
‫العشرين‪ .‬فهو يقول بأنين أؤمن بأن األسرة مل تتدهور‪ ،‬وأهنا ليست أقل ثباتا مما كانت عليه‬
‫وأن معايري األبوة ومسؤولياهتا‪ ،‬مل تتدهور أيضا‪ ،‬وال يكتفي هبذا فقط‪ ،‬بل يواصل فيقول‪ :‬ليس‬
‫هناك شك من أن الوظائف األساسية اليت كانت تقوم هبا األسرة‪ ،‬كالعالقات اجلنسية‪ ،‬األبوة‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫إقامة البيت ال تزال تؤدى‪ ،‬بطريقة أفضل عما كانت عليه يف املاضي القريب أو البعيد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬سناء اخلويل‪ ،‬األسرة والحياة العائلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،1984 ،‬ص‪.148‬‬
‫‪2‬‬
‫السيد عبد العاطي‪،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.320‬‬
‫‪.3‬حممد محداوي‪ ،‬البنيات األسرية و متطلباتها الوظيفية في منطقة بني سنوس‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪20‬‬

‫‪297‬‬
‫إال أن فليتش‪AA‬ر من جه ة أخ رى‪ ،‬ي رى أن للحض رية أث ر كب ري‪ ،‬على األس رة‪ ،‬حيث يُلخص‬
‫ذلك يف ثالث نتائج توصل إليها‪ ،‬بعد إجرائه للبحوث اليت قام هبا على عدد من املدن‪ ،‬مثل‬
‫كليفورنيا ولوس اجنولوس‪ ،‬وسان فرانسيسكو‪ ،‬مع جمموعة من الباحثني‪ ،‬فهو يرى أنه‪:‬‬
‫‪.1‬كلم ا ك رب حجم اجملتم ع احمللي إرتب ط بزي ادة مع دالت األس ر‪ ،‬الغ ري مكتمل ة‪ ،‬حيث ت زداد‬
‫نسبة غري املتزوجني‪ ،‬أو املتزوجني‪ ،‬بدون أطفال‪ ،‬واملطلقات واألرامل‪ ،‬مقارنة بسكان الريف‪.‬‬
‫‪.2‬كلما كرب حجم اجملتمع احمللي ارتبط بتشتت أعضاء العائلة املمتدة‪ ،‬من حيث املكان‪ ،‬لذلك‬
‫فإن ه بعي دا عن ت أثري عام ل البُع د أو املس افة املكاني ة‪ ،‬يك ون من اخلط أ‪ ،‬أن تتص ور أن الف ارق‬
‫األساسي بني اجملتمع الريفي احلضري‪ ،‬يتمثل يف سيطرة العائلة املمتدة‪ ،‬يف مقابل األسرة النواة‬
‫كنسق عدل وبدرجة ملحوظة‪ ،‬من أمناط املشاركة االجتماعية لسكان احلضر‪.‬‬

‫‪.3‬كلما كرب حجم اجملتمع احمللي تقلصت وظائف األسرة‪ ،‬إىل احلد الذي تُصبح فيه كجماعة‬
‫أولية‪ ،‬أي مسؤولة فقط على تربية األطفال‪ ،‬وتوفري اإلشباع العاطفي لألفراد‪ ،‬هلذا زادت قدرة‬
‫اجلماع ات والتنظيم ات الثانوي ة‪ ،‬على اش باع االحتياج ات األخ رى ألعض ائها‪،‬كم ا يض يف‬
‫فليش ‪AA‬ر إىل أن ه الح ظ أن س كان احلض ر‪ ،‬أك ثر ش بابا ومن مث‪ ،‬فهم أق ل اجناب ا لألطف ال‪ ،‬فهم‬
‫مييلون إىل اإلنفراد باألسرة‪ ،‬مبعىن أهنم يعيشون مع األسرة النووية‪ ،‬فينفصلون عن العائلة‪.‬‬

‫كما تؤكد الدكتورة سناء الخولي على أن تغري الأسرة يعود لعدة عوامل يف اجملتمع احلض ري‬
‫وتعطي على س بيل املث ال‪ ،‬دار املس نني ال يت تبنيه ا الدول ة يف املدين ة‪ ،‬توض ح أن احلي اة العص رية‬
‫تباعد بني األبناء البالغني وبني آبائهم‪ ،‬ناهيك عن املسنني الذين فقدوا عائالهتم‪ ،‬ألننا جند يف‬
‫ديار املسنني‪ ،‬آباء وضعهم أبناؤهم هناك‪1.‬وأصبح الفرد يف ظل األسرة النووية‪ ،‬هو الذي خيتار‬
‫من يزور من أقاربه‪ ،‬وكأن العالقات القرابية أصبحت تشبه عالقات الصداقة‪.‬‬

‫وهذا نفس ما أكدته الدكتورة علياء شكري على أن العالقات مع األقارب‪ ،‬ختضع لعملية‬
‫انتقاء واعية‪ ،‬من جانب األطراف الداخلني فيها‪ ،‬مبعىن آخر أن أقارب االنسان يف ظل األسرة‬
‫النووية احلديثة‪ ،‬ليسوا موجودين على هذا النحو ولكن الفرد هو الذي يقرر‪ ،‬وهو الذي خيتار‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬سناء اخلويل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.125‬‬

‫‪298‬‬
‫أقارب ه‪ ،‬أي أنن ا نس تطيع الق ول‪ ،‬بال جتاوز أن العالق ات القرابي ة احلديث ة تُش به إىل ح د كب ري‬
‫عالقات الصداقة واملودة‪ ،‬من حيث أهنا تقوم على االختيار الواعي‪ ،‬وعلى قدر من االستلطاف‬
‫وامليل وليس جمرد انعكاس‪ ،‬بديهي لعالقات دموية‪ ،‬أو عالقات مصاهرة معينة‪1 .‬يعين هذا أن‬
‫األفراد خيتارون من يزوروهنم من أقارهبم‪ ،‬مثلما خيتارون األصدقاء‪ ،‬هذا يدل على أن الروابط‬
‫القرابية واالجتماعية عامة هي إختيارية يف املدينة‪.‬‬

‫ومن خالل الدراسة امليدانية يبدوا واضحا‪ ،‬أن اجملتمع احلضري املدروس‪ ،‬حيتوي على عدد‬
‫كب ري من األس ر النووي ة ال يت فرض ت نفس ها لع دة أس باب‪ ،‬وحس ب م ا يب دو أن أف راد األس رة‬
‫النووية يف اجملتمع احلضري‪ ،‬ال يزورون األقارب بكثرة‪ ،‬معدا األقارب من الدرجة األوىل‪ ،‬نظرا‬
‫لضيق الوقت مع العمل‪،‬كما أنه توجد فضاءات اجتماعية عامة‪ ،‬تُرفه عليهم بدال من الذهاب‬
‫لألقارب‪ ،‬إال يف حالة املناسبات أو الضرورة‪ ،‬وهذا ما تؤكده الكثري من املبحوثات يف األسر‬
‫النووية‪.‬‬

‫تقول المبحوثة‪ A‬رقم ‪".23‬مرانيش نروح عد فامليا بزاف‪ ،‬ملي تزوجت بعدت على بنات‬
‫خ اليت‪ ،‬ك انوا ص حبايت ك ل م را نتالق وا‪ ،‬بص ح م ع ال وقت‪ ،‬وال زواج واألوالد‪ ،‬راح كلش ي‪،‬‬
‫نتالق وا غي ك اش مناس بة‪ ".‬ه ذا ي دل على أن املرأة‪ ،‬بع دما ت تزوج وتعيش يف أس رهتا اجلدي د‪،‬‬
‫جيعله ا تنش غل حبي اة جدي دة‪ ،‬مما ي ؤدي إىل ابتعاده ا‪ ،‬عن أقارهبا ماع دا األق ارب‪ ،‬من الدرج ة‬
‫األوىل كالوالدان واإلخوة‪ ،‬وهذا مانراه يف اجملتمع اجلزائري عامة‪ ،‬واجملتمع احلضري املدروس‬
‫خاصة‪ ،‬ألن الزوج يسمح للزوجة بزيارة أقارهبا‪ ،‬القريبني جدا‪ ،‬وليس دوهنم‪ ،‬وهذا ما قالته‬
‫المبحوثة‪ A‬رقم ‪"35‬راجلي يقويل‪ ،‬روحي عند أمك وأبوك وخوتك‪ ،‬هذا مكان‪ ،‬الباقي مكان‬
‫اله تروحي‪ ،‬ريب موصي غي على الوالدين"‪.‬‬

‫كما وجدنا أن األسرة النووية غالبا‪ ،‬أفرادها سنهم بني العشرينات إىل األربعينات‪ ،‬إذا كان‬
‫ه ؤالء األف راد ال ي زورون أق ارهبم بك ثرة‪ ،‬ف إن األبن اء س وف ينش ئون على ذل ك وي رتبون‬
‫عليه‪،‬كما أن األقارب يزورون أقارهبم‪ ،‬كبريي السن كاألجداد واألعمام اخل‪...‬بكثرة وعندما‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬علياء شكري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.169‬‬

‫‪299‬‬
‫يُتوفون تتوقف الزيارات عن أبنائهم‪ ،‬هذا ما قالته المبحوثة‪ A‬رقم ‪" 30‬حنا كنا نزورو خاليت‬
‫كبرية يف السن كل مرا نروحو نرقبوا عليها‪ ،‬بصح كي ماتت‪ ،‬حبسنا الزيارة‪ ،‬بقاو أوالدها‪،‬‬
‫حنا نزوروهم خطرات ومها والو على هذا‪ ،‬حنا تاين حبسنا الزيارات‪ ".‬إذن الشخص الكبري‬
‫يف العائل ة‪ ،‬يلعب دورا كب ريا يف اس تقطاب الزي ارات‪ ،‬نظ را للمحب ة والوق ار ال ذي حيض ى ب ه‪،‬‬
‫ولكن بعد وفاته يتوقف كل شيء‪.‬‬

‫كم ا توض ح المبحوث‪AA‬ة رقم ‪".05‬الص غار ت ع دروك‪ ،‬م ا ي زوروش ب زاف فاميلي ا‪ ،‬مش ي كي‬
‫تاع بكري‪ ،‬وزيد الزيارات تكثر يف العائلة‪ ،‬يل فيها الكبار شوابني‪ ،‬على جاهلم‪ ،‬الناس تروح‬
‫وم ا كي ميوت و ص ايي‪ ".‬فاألس رة النووي ة حالي ا‪ ،‬ال يزوره ا األق ارب بك ثرة‪ ،‬كم ا أهنا ال ت زور‬
‫أقارهبا‪ ،‬هي األخرى بكثرة‪ ،‬هلذا روابط القرابة ضعيفة‪ ،‬وهذا يعين أن الصلة ناقصة‪ ،‬فاألسرة‬
‫اليت يوجد هبا أشخاص كبريي السن‪ ،‬هي اليت يزورها األفراد بكثرة‪ ،‬و العكس صحيح‪.‬‬

‫‪.2‬تغير شكل الزواج‪ A‬من داخلي (قرابي)‪ A‬إلى خارجي‬

‫بدأ األفراد يف جمتمعاتنا خيتلطون بثقافات أخرى‪ ،‬ويأخذون منها‪ ،‬كما بدأ التخلي عن القيم‬
‫شيئا فشيئا ومن خالل املقابالت اليت أجريناها‪ ،‬وجدنا أن من بني العوامل املساعدة‪ ،‬على تغري‬
‫منط األسرة‪ ،‬وضعف الروابط القرابية‪ ،‬يعود إىل التخلي عن االلتزام بقاعدة الزواج من األقارب‬
‫خاصة زواج أبناء العم‪ ،‬وتغري ظاهرة الزواج من غري األقارب‪ ،‬هذا كجزء من عملية التحضر‪،‬‬
‫فقد جرى العُرف على أن الزواج من إبنة العم هو الزواج املفضل‪ ،‬حيث كان يُعترب حقا من‬
‫حقوق الش خص‪،‬كم ا أن ه يستطيع من ع إبنة عم ه من غ ريه‪ ،‬وتعود ظ اهرة تفضيل ال زواج من‬
‫األقارب وخاصة بإبنة العم لعدة أسباب‪ ،‬منها‪ :‬معرفة الفتاة وأخالقها‪ ،‬وأهلها وبالتايل الشعور‬
‫باالطمئنان ألهنا من حلمهم ودمهم‪ ،‬كما يقولون يف األمثال الشعبية اجلزائرية‪"،‬كالظفر ال خيرج‬
‫‪1‬‬
‫من اللحم"‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬انظر‪:‬جارمان تيليون‪ ،‬الحريم و أبناء العم‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫فلقد عُرف العرب ومنذ القدمي بزواج األقارب الذي يُسمى بزواج أبناء العمومة‪ ،‬حيث‬
‫طب ق الع رب ه ذا ال زواج‪ ،‬ب درجات متفاوت ة ويش ري احلد األقص ى إىل ض رورة زواج البنت من‬
‫ابن عمها بينما يشري احلد األدىن إىل زواج البنت داخل العشرية‪ ،‬وقدميا كان يُعترب زواج البنت‬
‫بإبن عمها واجبا يف بعض العشائر البدوية العربية‪ ،‬وميكن إلبن العم احلجز على بنت عمه‪،‬كما‬
‫حيق له‪ ،‬قتل بنت عمه‪ ،‬إذا رفضت الزواج منه‪ .‬وال يستند هذا النظام‪ ،‬يف الزواج على الشريعة‬
‫االسالمية ولكنه نظاما اجتماعيا‪ ،‬صاحب نظام األسرة العربية املمتدة‪.‬‬

‫والشريعة االسالمية ترفض أي نوع من اإلجبار يف الزواج‪ ،‬ومما ال شك فيه أن نظام زواج‬
‫أبن اء العموم ة‪ ،‬يتض من الكث ري من اإلجب ار يف ال زواج‪ ،‬ومن الث ابت ش رعا‪ ،‬أن من ح ق املرأة‬
‫املسلمة‪ ،‬أن تُستشار قبل تزوجيها‪ ،‬ألن الشريعة اإلس المية‪ ،‬منحت املرأة حرية اختيار شريك‬
‫حياهتا وجعلت إذهنا ش رطا يف صحة زواجها‪1.‬فبع د جميئ اإلس الم ومبرور ال زمن‪ ،‬تغري الزواج‬
‫من داخلي‪ ،‬بني أبناء العمومة إىل زواج خارجي من غري األقارب‪ ،‬ويرى معظم املبحوثني على‬
‫أن زواج األقارب كان أقل طالقا‪ ،‬وأكثر ضمانا‪ ،‬إال أنه حاليا‪،‬حسب رأيهم هو أيضا تغري‬
‫حسب الوقت‪ ،‬أصبح حىت األقارب فيما بينهم يُطلِقون‪.‬‬

‫تق ول المبحوث‪AA A‬ة رقم ‪"27‬زواج ت ع بك ري‪ ،‬وت ع دروك تب دل يف كلش ي‪ ،‬وعلى حس اب‬
‫م اراكي هتدري على زواج الفاميلي ا‪ ،‬بني والد العم‪ ،‬راح م ع موالي ه‪ ،‬دروك الن اس ختاف‬
‫تتخاسر‪ ،‬مع فاميلتها‪ ،‬عليها يبعدو‪".‬وتقول مبحوثة أخرى رقم ‪" 33‬الراجل كي يبغي يتزوج‪،‬‬
‫حىت واحد ما يفرض عليه‪ ،‬شكون يديها‪ ،‬دروك النسا راهم بزاف‪ ،‬برا خيري وحده مشي كيما‬
‫بكري‪ ،‬يدوله بنت عمه حمتما عليه‪ ".‬واملبحوث رقم ‪"31‬مراناش نتزوجو بلفامي كي بكري‪،‬‬
‫ب اش م ا يعرف وش الفاميلي ا أس رار العائل ة نتاع ك‪ ،‬كي ت دي وح د فميلت ك‪ ،‬تل ق روح ك ق اع‬
‫يسمعوا بيك‪ ،‬كاش حاجة ونزيدك حاجة أخيت‪ ،‬بكري املرأة‪ ،‬كانت مستورة‪ ،‬مكاش تشوفها‬
‫وال تشوفك‪ ،‬تدي مرا وخالص‪ ،‬خاصة يف الريف‪ ،‬بصح دروك‪ ،‬يف املدينة نساء راهم بزاف‬
‫مفضوحات‪ ،‬نتا تشوف وختري‪ ،‬هلذا الرجل يتزوج بلي تعجبه"‪.‬وزيادة على هذا كل عينة حبثنا‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬هباء الدين خليل تركية‪ ،‬علم االجتماع العائلي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫‪301‬‬
‫تكاد تنعدم من زواج األقارب‪ ،‬ماعدى ثالث عائالت اليت يوجد فيها زواج أقارب‪ ،‬و لكن‬
‫ليس بني أبناء العم أو اخلال أو اخلالة‪ ،‬و إمنا هو زواج بني أقارب بعيدين‪ .‬كمبحوثة رقم ‪35‬‬
‫اليت تزوجت بإبن خالة أبيها و تقول" أن الزواج كان صدفة‪ ،‬حيث تعرف عليها زوجها يف‬
‫ع رس‪ ،‬بنت خال ة أبيه ا‪ ،‬وهي موج ودة يف وس ط ق رايب كب رية ألهنا تتواص ل ك ل األق ارب من‬
‫نس ب األب" وك ذلك املقابل ة رقم ‪" 20‬أن ا متزوج ة بول د عم يت‪ ،‬وراين عايش ة مع اه يف ‪06‬‬
‫سنوات‪ ،‬نروح عند فاميليت عادي كاش مناسبة وال مرض بصح نزورهم تاين هكا خلاطرش‬
‫قاع فاميليا نروحوا لبعضانا‪.".‬هذا ما جعلين أفسر أن زواج األقارب‪ ،‬تناقص كثريا يف اجملتمع‬
‫احلضري‪ ،‬مقارنة بالريف وبالتايل هذا يوصلنا‪ ،‬إىل أن سبب نقص الزيارات بني األقارب يعود‬
‫أيض ا لظه ور ال زواج اخلارجي‪ ،‬وانتش اره بنس ب عالي ة‪ ،‬حس ب الكث ري من الدراس ات ال يت‬
‫ُأجريت يف اجلزائر والوطن العريب واليت سنذكر البعض منها‪.‬‬

‫إذن الع ائالت يف حقب ة زمني ة ك انت تعتم د على زواج أبن اء العم‪ ،‬حيث يك ون دخ ول‬
‫العروس واليت هي بنت العم‪ ،‬ال يُعد هذا تغيري كبريا‪ ،‬يدخل للعائلة ألن العروس تعيش يف بيت‬
‫عمه ا فهي متع ودة علي ه‪ ،‬من جه ة كم ا أن أه ل الع ريس متع ودون على الع روس من جه ة‬
‫أخرى‪ ،‬من املمكن أن تعيش األسرة النووية اجلديدة داخل العائلة الكبرية بشكل عادي‪ ،‬كما‬
‫أن ه يف الغ الب ال حتدث مشاكل بكثرة‪ ،‬نظ را لعام ل التعود والقرابة بينهم‪،‬كم ا يدخل عنصر‬
‫آخر ُمهم يف العائلة اجلزائرية السابقة وهو أن الزواج بني األقارب‪ ،‬يرتكز على الوقار واحلشمة‬
‫والطاعة‪ ،‬فالعروس عليها باخلضوع والطاعة للزوج وأمه وكل العائلة ألهنم أقارهبا‪ ،‬كما أهنا‬
‫تعمل املستحيل حىت ال تكون سببا يف التفرقة بني أقارهبا‪ ،‬هذا ما جعل الروابط القرابية تتميز‬
‫بالقوة واالستمرار‪ ،‬أما يف اجملتمع احلضري فنجد أن احلياة احلضرية وطبيعة العمل تفرض ظهور‬
‫األسرة النووية مع االستقاللية يف احلياة‪ ،‬بعدما كانت تعتمد على التعاون يف العمل واملسئولية‪.‬‬

‫إذن ُحب االس تقاللية ال ذي فرض ته الثقاف ة احلض رية‪ ،‬يُع د من العوام ل ال يت س اعدت على‬
‫حدوث الطالق حىت مع إبنة العم‪ ،‬مما أدى إىل ضعف الروابط القرابية‪،‬كما أن األسرة النووية‬
‫حصيلة لعملية تغري إجتماعي‪ ،‬ومن خالل املقابالت أيضا رأينا أن اختيار الزوجة خارج الدائرة‬

‫‪302‬‬
‫القرابي ة أدى يف الكث ري من األحي ان إىل العزل ة القرابي ة‪،‬كم ا أص بح األف راد يف اجملتم ع احلض ري‬
‫يفض لون ه ذا الن وع من االزواج‪ ،‬ف التغريات االجتماعي ة يف الوس ط احلض ري‪،‬لعبت دورا هام ا‬
‫لص احل الف رد من خالل إض عاف دور اجملموعة ىف مس ألة ال زواج‪ ،‬وت رك األولوي ة للف رد ب أن‬
‫ي تزوج مبن يري د ف إذا أراد أن ي تزوج من خ ارج عائلته أو عقيدت ه الديني ة أو طبقت ه االجتماعي ة‬
‫الس لطة ىف يد الفرد وحده‪ ،‬فهو املسؤول عن جناحه أوفشله‪،‬‬
‫فهذا شأنه‪ ،‬وهبذا املعىن‪ ،‬تكون ُ‬
‫دون التفك ري ط ويال ىف موق ف اجملتم ع احمللى أو ظ روف اجملتم ع ال ذي يعيش في ه‪ ،‬ألن األبن اء‬
‫أص بحوا يلوم ون أمه اهتم الآليت اخ رتن هلم الزوج ات يف حال ة فش ل العالق ة الزوجي ة‪ ،‬ه ذا م ا‬
‫أدى إىل ترك احلرية للرجل يف اختيار الزوجة حىت يتحمل مسؤوليته لوحده‪ ،‬مما أدى أيضا إىل‬
‫مي ل الزوج ة يف الكث ري من األحي ان ألهله ا ب دل أه ل ال زوج على عكس زواج األق ارب‪،‬‬
‫فتتناقص الروابط القرابية‪.‬‬

‫ه ذا م ا توص لت إلي ه أيض ا دراس ة ص ‪AA‬باح عياش ‪AA‬ي‪-‬باحث ‪AA‬ة جزائري ‪AA‬ة‪ -‬ح ول االس تقرار‬
‫األسري بني الزوجني يف ظل التغريات اليت تعرفها األسرة اجلزائرية إىل أن األغلبية من اجلنسني‬
‫‪ %78,87‬ال توافق على الزواج الداخلي‪ُ ،‬مقابل ‪ %11,55‬فقط ترحب به إىل جانب ‪8,91‬‬
‫تتجنب أخ ذ موق ف‪ ،‬وتُفض ل الص فات الشخص ية‪ ،‬ويرج ع ت ربير موق ف ال رفض‪ ،‬لتجنب‬
‫‪ّ %‬‬
‫املشاكل وبقاء الّتماسك العائلي‪ ،‬واالحرتام بني أعضائها‪ ،‬كما يعود إىل الّتغريات االجتماعية‬
‫والّثقافي ة ال يت يعج ز فيه ا ه ذا الّنم ط‪ ،‬عن أداء مهام ه‪ ،‬من تلبي ة مص احل الع ائلتني‪ ،‬وحتقي ق‬
‫االستقرار بل قد يُقيد األفراد يف طموحاهتم وحتدث مشاكل‪ ،‬كما أن بعض الّنساء‪ ،‬يردن أن‬
‫يس تقلن عن عائل ة الق رين خاص ة أم ه‪ 1.‬كم ا توص ل كم ‪AA‬ال ك ‪AA‬اتب‪-2‬ب ‪AA‬احث جزائ ‪AA‬ري‪ -‬يف‬
‫دراسته حول "هناية الزواج التقليدي يف اجلزائر"‪ ،‬إىل أن الزواج تغري بشكل كبري يف اجلزائر‪،‬‬
‫من زواج األق ارب إىل زواج خ ارجي‪ ،‬فوج د أن املي ل لل زواج م ع االق ارب‪ ،‬ينخفض كلم ا‬
‫ارتف ع املس توى التعليمي‪ ،‬خاص ة ل دى النس اء‪ ،‬فحس ب احص ائيات س نة ‪ 1970‬تق در نس بة‬

‫‪.1‬صباح عياشي‪ ،‬االستقرار األسري وعالقته بمقايس التكافؤ والتكامل بين الزوجين في ظل مختلف التغيرات التي عرفها‬
‫المجتمع‪ A‬الجزائري ‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة اجلزائر‪، 2008، 2007،‬ص‪.101‬‬
‫‪2‬‬
‫‪. K, KATEB, la fin du mariage traditionnel en Algérie1876-1998, Bouchnene, France,‬‬
‫‪2001, p65.‬‬
‫‪303‬‬
‫النساء بدون مستوى تعليمي يف الزواج الداخلي‪ ،‬حبوايل ‪ %65‬يف حني أن تصل نسبة النساء‪،‬‬
‫يف املس توى اجلامعي إىل ‪ %35‬إض افة إىل ت أثري التغ ريات االقتص ادية‪ ،‬املتمثل ة يف زوال امللكي ة‬
‫اجلماعية اليت كانت توحد الشبكة القرابية وتُساهم يف ال زواج ال داخلي للحفاظ على االرث‬
‫وامللكية‪ ،‬والتماسك العائلي‪.‬‬

‫وبظهور العمل املأجور‪ ،‬واستقاللية األفراد عن السلطة االقتصادية العائلية‪ ،‬اليت يسيطر عليها‬
‫رب العائلة‪ ،‬هنا أصبح الزواج اخلارجي هو املفضل عند االبناء‪ ،‬سواء الذكور أو االناث‪ ،‬ألنه‬
‫يعكس خياراهتم الشخصية‪ ،‬ولكن هذا ال يعين أن الزواج الداخلي‪ ،‬قد زال هنائيا‪ ،‬بل ال يزال‬
‫مس تمرا على ال رغم من تراج ع نس بته‪ ،‬ألن التغ ري أث ر علي ه‪ ،‬فتغ ريت أش كال ال زواج‪ ،‬كتقلص‬
‫ال زواج التع ددي‪ ،‬وتراج ع ال زواج ال داخلي‪ ،‬أم ام ش يوع ال زواج اخلارجي‪ ،‬ألس باب اقتص ادية‬
‫أكثر منها اجتماعية وثقافية‪.‬‬

‫ج ‪AA‬دول‪ 6‬يوض ‪AA‬ح توزي ‪AA‬ع ال ‪AA‬زواج حس ‪AA‬ب ص ‪AA‬لة القراب ‪AA‬ة بين ال ‪AA‬زوجين في الجزائ ‪AA‬ر حس ‪AA‬ب‬
‫‪1‬‬
‫االحصائيات التي أجريت‪.‬‬

‫‪2002‬‬ ‫‪1992‬‬ ‫‪1986‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫روبط القرابة‪/‬السنة‬


‫‪22‬‬ ‫‪25.60‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪23.30‬‬ ‫ابن العم‬
‫‪11.30‬‬ ‫‪08‬‬ ‫‪11.10‬‬ ‫‪08.70‬‬ ‫صالت أخرى‬
‫‪66.70‬‬ ‫‪65.3‬‬ ‫‪61.80‬‬ ‫‪68‬‬ ‫التوجد صلة‬

‫كما جند دراسة عبد الوهاب بوحديبة‪-‬باحث تونسي‪2 -‬الذى ربط زواج األقارب بالعوامل‬
‫االجتماعية والثقافية واحلضرية للمجتمع التونسي‪ ،‬الذى يشرتك مع اجملتمع اجلزائري يف عدة‬
‫خصائص حيث أجنز هذه الدراسة ىف الستينات بتونس‪ ،‬فرغم قدم هذه الدراسة‪ ،‬إال أن الذي‬
‫يهمنا فيها النتائج اليت توصل إليها الباحث‪ ،‬عن الزواج القرايب‪ ،‬حيث خلصت هذه الدراسة‬
‫إىل أن ‪ 80%‬من البدو و‪ %70‬من س كان املناطق احلضرية‪ ،‬تزوج وا من داخل نطاق العائلة‬

‫‪1‬‬
‫‪. K, KATEB, Opcit,p67.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.BOUHDIBA, Abdelwahab, « Point de vue sur la famille tunisienne actuelle », Revue‬‬
‫‪tunisienne des sciences sociales, octobre 1967, N°11, P11-20.‬‬
‫‪304‬‬
‫زواج قرايب علما أن ‪ 3230‬نسمة‪ ،‬هبا نسبة معتربة من األجانب وكان عدد السكان ىف تونس‬
‫ىف تلك احلقبة بلغ ‪ ،952‬فكان هذا النمط من الزواج داخل األسرة املمتدة أو القبيلة‪ ،‬يشكل‬
‫نسبة مرتفعة يف اجملتمع األبوي التونسي‪ ،‬فالزواج من داخل العائلة والسيما بني أبناء األعمام‬
‫من أهم مميزات العائلة القائمة على النسب األبوى‪ ،‬وهى متثل خاصية اجملتمعات الزراعية اليت‬
‫ميتزج فيها النمو الدميغرايف بالنمو االقتصادي‪.‬‬
‫ويلخص الباحت نتائج حبثه يف ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬إن نسبة الزواج بني األقارب تزداد ىف القرى بسبب التنشئة اإلجتماعي‪ ،‬النابعة من التقاليد‬
‫والع ادات املوروثة لألسر املمتدة‪ ،‬بينما تنخفض هذه النسبة ت درجييا‪ ،‬ىف املدن بسبب تفكك‬
‫وتالشى الروابط والعالقات العائلية‪ ،‬مع ضعف سلطة اآلباء وتأثر األفراد بالقيم احلضرية‪ ،‬ومنط‬
‫املعيشة املغاير للريف‪.‬‬
‫‪.2‬إن التحض ر والتص نيع وانتش ار التعليم‪ ،‬واهلج رة وحتس ني املواص الت بني الري ف واحلضر‬
‫والعمل خارج نطاق العائلة‪،‬كلها عوامل سامهت ىف إدخال قيم ومفاهيم جديدة للزواج‪.‬‬
‫‪.3‬إن اخنف اض إقب ال األف راد على ال زواج بني األق ارب ىف اجملتم ع احلض رى التونس ي‪ ،‬مرتب ط‬
‫باخنفاض أو زوال العوامل اليت كانت متنح األمهية واملكانة العالية‪ ،‬هلذا النوع من الزواج‪.‬‬
‫وبصفة عامة يفسر الباحث عبد الوهاب بوحديبة‪ ،‬اخنفاض نسبة الزواج القرايب ىف الوسط‬
‫احلضرى‪ ،‬باهتزاز العالقات التقليدية‪ ،‬ذلك أن ظاهرة التحضر سببت ارتفاع عدد النازحني‪،‬‬
‫وأدت إىل تفكيك بنية العالقات القرابية‪ ،‬اليت تراجعت عما كانت عليه‪ ،‬ىف العائلة التقليدية‬
‫وتقلص تأثريه ا‪ ،‬ىف اختي ار ال زوج‪ ،‬بفض ل انعكاس ات التعليم‪ ،‬وظه ور عالق ات اجتماعي ة‬
‫جديدة‪.‬‬
‫إذن الزواج القرايب‪ ،‬اخنفض بنسب كبرية يف املدينة‪ ،‬مما أدى إىل ضعف الروابط القرابية وكثرة‬
‫الطالق أيضا كنتيجة‪ ،‬ألن هذا النوع من الزواج‪ ،‬كان حيافض على التواصل القرابية بقوة‪.‬‬
‫‪.III‬الثقافة الحضرية وانعكاسها على الروابط القرابية‪A‬‬

‫‪305‬‬
‫قيم ا متع ددة تتش ابه أو‬
‫ترتبط الرواب ط القرابي ة يف املدين ة‪ ،‬بنس ق أخالقي ثق ايف‪ ،‬يتض من ً‬
‫طبيعتها ‪،‬حسب طبيعة الروابط االجتماعية‪ .‬فالتعاون‪ ،‬الّتضامن‪ ،‬املساواة بني اجلنسني‪،‬‬
‫ختتلف ّ‬
‫التنافس الّلباس‪ ،‬العمل‪ ...‬تُعترب ممارسات تتحكم فيها الثقافة احلضرية‪ ،‬اليت تتجسد يف السلوك‬
‫الفردي أو اجلماعي القيمي‪ ،‬حسب الّثقافة السائدة يف اجملتمع‪ ،‬فطريقة معاملتنا لآلخرين‪ ،‬يف‬
‫نظاف ة ش وارعنا واحملافظ ة على مجاهلا‪،‬بع دم رمي الس جائر على الرص يف والق اذورات‪ ،‬وح ىت‬
‫طريقة األكل خارج املنزل‪ ،‬وأساليب الرتويح والرتفيه‪ ،‬طريقة األعراس واالحتفاالت‪ ،‬ببعض‬
‫املناس بات طريق ة تعامل اجلنس ني م ع بعض هما‪ ،‬واح رتام ح دودمها‪ ،‬أش كال ألبس تنا املتناس قة‬
‫األلوان‪ ،‬يف الرائحة الطيبة‪ ،‬يف طريقة تنظيف بيوتنا‪ ،‬واستقبال ضيوفنا‪،‬كل هذا عبارة عن ثقافة‬
‫حضرية جندها يف املدينة تغري من تفكري الفرد وأسلوب حياته‪.‬‬
‫فيص بح الش خص ال ذي يعيش يف املدين ة‪ ،‬مكتس ب هلذه الثقاف ة ال يت تلهي ه يف الكث ري من‬
‫األح وال زي ارة األق ارب من الدرج ة الثاني ة والثالث ة‪ ،‬وذل ك لوج ود الكث ري من األم اكن ال يت‬
‫يذهب إليها للرتفيه والتغيري‪ ،‬ويف السياق حول غرس ثقافة املدينة يقول مالك‪ A‬بن نبي يف مدن‬
‫كثرية مثل‪ ،‬موسكو صدرت بعض األوامر‪ ،‬بأن يلتزم سكاّهنا بنظافة مدينتهم‪ ،‬ألهنم مهددون‬
‫بفرض غرامة على كل من يبصق يف الشارع أو يلقي بأعقاب السجائر على الرصيف‪ ،‬أو يُعلق‬
‫مالبسه يف الشباك املطل على الشارع‪ ،‬أو يركب السيارات العامة مبالبس العمل املتسخة‪ .‬فلو‬
‫ّ‬
‫سألنا عمدة "موسكو" مثال عن السبب الذي دعا ملثل هذه اإلجراءات‪ ،‬ألجابنا بّأنه ‪ :‬الّنظام‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وجييب الطبيب‪ ،‬من وجهة نظره بأهنا‪:‬الصحة‪ ،‬والفنان يذهب إىل أنه مجال املدينة‪...‬‬
‫إذن ه ذه هي الثقاف ة احلض رية أو كم ا يس ميه الكث ريون الس لوك احلض ري‪ ،‬ال ذي يكتس به‬
‫االنسان‪ ،‬عندما يعيش يف املدينة‪ ،‬واحلضرية قد تصل أيضا للعالقات‪ ،‬بني االفراد واالقارب أو‬
‫أكثر‪.‬‬
‫فبدخول هذه الثقافة داخـل اجملتمع‪ ،‬يربط األفراد يف اجملتمع احلضري‪ ،‬عالقات وروابط مع‬
‫األصدقاء والزمالء‪ ،‬حيث تظهـر هذه العالقات ف ـــي جمـال العمـل واملـدارس والتنظيمــات احملليــة‬

‫‪.1‬مالك بن نيب‪،‬شروط النهضة ‪ ،‬تر‪:‬عمركامل مسقاوي‪ ،‬عبد الصبور شاهني‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬دار الفكر بالتعاون مع امللكية لإلعالم‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬احلراش‪ 1987،‬ط‪،4‬ص‪.100‬‬

‫‪306‬‬
‫مما جيعل الفــرد ال يلتــزم مبعــايري اجتماعيــة‪ ،‬تنتقــل عبــر األجيـال لتنظـيم سـلوكه حتـى لـو لـم تكـن‬
‫مسـايرة مـع املتغيـرات اجلديـدة‪ ،‬بـل خيتـار مـا يتناسـب مـع مؤهالتـه‪ ،‬أو رغباتـه أو مزاجـه أو‬
‫هواياتـه أي يتح رر مـن التماثـل‪ ،‬مـع أمناط عـيش عاشـها آبـاؤه وأج داده وهـذه احلالـة مل تكن‬
‫س ائدة قب ل اجملتم ع احلضــري‪ ،‬ألن الرابط ة القرابي ة متنحـه احلنـان واملسـاعدة والـدعم املـادي‬
‫واملعنـوي يف الس راء والض راء‪ ،‬مما جيعل ه مرتاح ا نفس يا واجتماعي ا‪ ،‬فالثقاف ة احلض رية متس ك ل‬
‫جماالت احلياة يف املدينة خاصة العالقات والروابط االجتماعية‪.‬‬

‫‪.1‬مفهوم الثقافة‪ A‬الحضرية وتأثيرها على الروابط القرابية‬

‫يعترب مفهوم الثقافة من املفاهيم اليت اهتم هبا املتخصصني يف العلوم االجتماعية‪ ،‬مما أدى‬
‫إىل اختالف التصورات حول هذا املفهوم‪ ،‬الشيء الذي أدى إىل عدم االتفاق على معىن واحد‬
‫للثقاف ة‪ ،‬نظ را لتع دد أص نافها‪ ،‬بس بب الظ روف التارخيي ة والسياس ية واالقتص ادية ال يت عرفته ا‬
‫وللتعرف أكثر على مفهوم الثقافة ميكننا استعراض جمموعة من التعاريف‬
‫ُ‬ ‫اجملتمعات اإلنسانية‪،‬‬
‫العلمي ة يف احلق ل السوس يو أن ثروبولوجي‪ ،‬وهي على النح و الت ايل‪ :‬إن مفه وم الثقاف ة‬
‫يع ين‪":‬جمم وع الف روض اإليديولوجي ة‪ ،‬والس لوك املكتس ب‪ ،‬والس مات العقلي ة واالجتماعي ة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫واملادية‪ ،‬املتناقلة‪ ،‬اليت متيز مجاعة اجتماعية بشرية‪".‬‬

‫أم ا يف ق اموس علم األنثروبولوجي ا فنج د كلم ة ‪ culture‬تقابله ا حض ارة وهي‪":‬ك ل م ا‬


‫يرثه اجملتمع من أجياله السابقة‪ ،‬باستثناء الصفات احلياتية الطبيعية‪ ،‬من نُظم‪ ،‬وقيم‪ ،‬ومعتقدات‬
‫اجتماعية وفكرية ودينية‪ ،‬وأمناط سلوكية‪ ،‬ومهارات فنية‪ ،‬يسيطر هبا على بيئته‪ ،‬ويكيف نفسه‬
‫‪2‬‬
‫هلا فيستطيع بواسطتها إشباع احتياجاته احلياتية واالجتماعية وغريها من جيل إىل جيل يليه‪".‬‬

‫وأم ا يف معجم علم االجتم اع املعاص ر‪ ،‬فإنن ا جند ك ل من علم االجتم اع الربيط اين‪،‬‬
‫واألم ريكي يش ري إىل أن مفه وم الثقاف ة‪" :‬حيي ل بالدرج ة األوىل على جمموع ة من املعتق دات‬

‫‪.1‬ايكه هولتكرانس ‪ ،‬قاموس مصطلحات اإلثنولوجية والفلكلور ‪،‬تر‪:‬حممد اجلوهري وحسن الشامي‪،‬اهليئة العامة لقصور الثقافة‪،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫ب‪،‬س‪ ،‬ص ‪.320‬‬
‫‪ . 2‬شاكر مصطفى سليم‪ ،‬قاموس األنثروبولوجيا‪ :‬إنكليزي عريب‪ ،‬الطبعة األوىل‪.1981،‬ص‪ .99‬‬

‫‪307‬‬
‫واألع راف‪ ،‬أو طريق ة عيش الن اس جلماع ات معين ة‪ 3".‬كم ا يُع رف علم اء االجتم اع‪ ،‬الثقاف ة‬
‫عامة‪ ،‬على أهنا "البيئة‪ ،‬اليت خلقها اإلنسان‪ ،‬مبا فيها املنتجات املادية والغري املادية اليت تنتقل من‬
‫جي ل إىل آخ ر من عل وم ومعتق دات‪ ،‬وفن ون وقيم‪ ،‬وق وانني وع ادات‪ ،‬وغ ري ذل ك‪2".‬وعلى أهنا‬
‫نس ق يتم يز باالنس جام ال داخلي العمي ق‪ ،‬ويتمت ع باالس تقالل النس يب عن بقي ة األنس اق‪ ،‬فهي‬
‫‪3‬‬
‫إنتاج الذات املادية للمجتمع‪".‬‬

‫وبعد تعريفنا للثقافة بإمكاننا أن نشرح معىن الثقافة احلضرية‪ ،‬فيُعترب مفهوم الثقافة احلضرية‬
‫من املف اهيم األساس ية يف علم االجتم اع احلض ري‪ ،‬ويع ود أص لها لل رواد األوائ ل لمدرس‪AA A‬ة‬
‫شيكاغو وهو مفهوم حبث فيه ودرسه‪ ،‬كل من لويس ورث وبارك وردفيلد وغريهم‪ ،‬حيث‬
‫استخلصوا نتائجه من خالل دراسة حياة األفراد‪ ،‬وسلوكاته‪ ،‬وعالقاهتم‪ ،‬يف باملدن األمريكية‪،‬‬
‫فميزوا بني الثقافة احلضرية والثقافة الريفية‪ .‬إال أنه سبقهم يف ذلك‪ ،‬عامل االجتماع العريب ابن‬
‫خل ‪AA‬دون‪ ،‬عن دما م يز بني العم ران الب دوي والعم ران احلض ري أو بني خص ائص أه ل الب دو‬
‫وخصائص أهل احلضر‪ ،‬حيث استنتج جمموعة من اخلصائص اليت متيز أهل احلضر‪ ،‬اندرجت‬
‫أفكاره ضمن مفهوم الثقافة احلضرية‪،‬كما حبث فيها أيضا الكثري من العلماء ممن اهتموا بدراسة‬
‫أثر املدينة على البناء االجتماعي واإليكولوجي أو ممن اختذوا على حد تعب ري جوبرج من املدينة‬
‫أساس ا لتفس ري بعض األمناط احلض رية‪ ،‬وق د امساها فرازم ‪AA‬ان "بنظري ‪AA‬ة التع ‪AA‬ارض"‪ A‬وال يت ع نيت‬
‫بإبراز خصائص اجملتمع احلضري‪ ،‬كنمط متميز‪ ،‬مبقارنتة بنمط اجملتمع احمللي‪ ،‬فأصبحت املدينة‪،‬‬
‫متغريا حتليليا‪ ،‬لتفسري هذا احملتوى‪ ،‬حبيث تُعترب‬
‫تأخذ حمتوى ثقافي اً خاص اً وتصبح تبع اً لذلك ً‬
‫‪4‬‬
‫الثقافة احلضرية طريقة للحياة يعيشها سكان املدينة فقط‪.‬‬

‫يق ول ش ‪AA‬بانوا أن الع امل عب ارة عن تص ورات من خالل التفاع ل داخ ل املدين ة‪ ،‬مما يُنتج‬
‫تص ورات فردي ة اجتماعي ة‪ ،‬وه ذه التص ورات هي ال يت تُب ىن هبا احلي اة االجتماعي ة احلض رية‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬معن خليل العمر‪ ،‬معجم علم االجتماع المعاصر‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل ‪،2000‬ص‪. 88‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬عدنان أبو مصلح‪ ،‬معجم علم االجتماع ‪ ،‬عمان‪،‬دار أسامة للنشر والتوزيع ودار املشرق الثقايف‪،‬ط‪،1،2006‬ص ‪.158‬‬
‫‪. 3‬ناظم عبد الواحد اجلاسور‪ ،‬موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية والدولية‪ ،‬لبنان‪،‬دار النهضة العربية‪،‬ط‪،1،2008‬ص‪.224‬‬
‫‪. 4‬السيد عبد العاطي‪ ،‬علم االجتماع‪ A‬الحضري‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪191‬‬

‫‪308‬‬
‫وتك ون عن طري ق العالق ات االجتماعي ة املتين ة‪ ،‬واألفع ال والس لوكات‪ ،‬واملعام الت اليومي ة‪،‬‬
‫فط راز البن اء يف مدين ة م ا يك ون بش كل معني‪ ،‬وب ألوان معين ة‪ ،‬وهبندس ة خاص ة وحمددة‪،‬‬
‫وخصائص متيزها‪ ،‬هاته التصورات االجتماعية‪ ،‬والسياسية والثقافية والتارخيية اليت هلا انعكاس‬
‫على س لوكات وأفع ال األف راد داخ ل اجملتم ع احلض ري‪ ،‬وب ذلك تنش أ ص ورة خاص ة للمدين ة‬
‫‪1‬‬
‫احلضرية‪ ،‬وهذه هي مسة من مساهتا وبالتايل تصبح الثقافة احلضرية تطبعها‪.‬‬

‫ومن عناص ر الثقاف ة احلض رية جند‪:‬املمارس ات ااجلتماعي ة‪ ،‬اإلن دماج اإلجتم اعي‪ ،‬الرم وز‬
‫األفكار والتصورات‪ ،‬القيم‪ ،‬العادات والتقاليد والعالقات اإلجتماعية‪ ،‬تقاسم األفكار واآلراء‬
‫واألهداف والقيم‪ ،‬يف اجملال الثقايف احلضري‪2.‬إضافة إىل هذا فاحلضرية كما سبق وشرحنها يف‬
‫الفص ل األول فهي عام ة تش ري إىل طريق ة احلي اة‪ ،‬املم يزة أله ل املدن‪ ،‬من س لوكات وأس اليب‬
‫معين ة يتخ ذوهنا كنم ط معني يف حي اهتم‪ ،‬فيُص بح أم را يتعل ق بالس لوك الي ومي‪ ،‬ألن األف راد‬
‫يتكيفون نفسياً مع متطلبات املدينة‪ ،‬حبيث تتشكل هلم ثقافة خاصة‪ ،‬تسمى بالثقافة احلضرية‬
‫واليت جندها يف املدينة فقط‪ .‬فلقد غرست املدينة ثقافة جديدة أو أيديولوجية حديثة‪ ،‬ظهرت‬
‫بالت درج ت دعو إىل اعتب ار الف رد‪ ،‬وح دة التفاع ل االجتم اعي‪ ،‬فتح ولت القيم اجلماعي ة إىل قيم‬
‫فردي ة‪ ،‬مما زاد من ح دة الفرداني ة‪ ،‬هلذا أص بحت الرواب ط القراب ة‪ ،‬أض يق مما ك انت علي ه يف‬
‫اجملتمع العريب التقليدي وخاصة يف الوسط احلضري‪ .‬فالثقافة إذن مرتبطة بالفكر بينما احلضارة‪،‬‬
‫مرتبطة مبا هو عمران و مادي وكالمها يؤثران يف السلوك االجتماعي‪.‬‬

‫يعين هذا أن الثقافة احلضرية‪ ،‬دفعت بالفرد إىل السعي حنو ربط ذاته باآلخرين‪ ،‬من خالل‬
‫املصاحل املشرتكة يف مجاعات على درجة عالية من التنظيم‪ ،‬مل تكن لتتوفر يف اجلماعات األولية‬
‫مبعناه التقليدي‪ ،‬فاحلياة احلضرية تزكي روح الفردية‪ ،‬وتؤكد أمهية املصلحة بوصفها األساس يف‬
‫قي ام العالق ات االجتماعي ة بني الن اس‪ ،‬كم ا جعلت من اجملتم ع احلض ري جمرد تك دس ملس اكن‬
‫متج اورة ألف راد ق د ال يع رف الواح د اس م اآلخ ر‪3.‬وأن الثقاف ة احلض رية‪ ،‬ت ؤثر على التنظيم‬

‫‪ . 1‬محيد خروف وآخرون‪ ،‬اإلشكاالت النظرية والواقع‪،‬دار البعث‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬قسنطينة‪،2007،‬ص‪.21‬‬


‫‪ . 2‬حسني عبد احلميد أمحد رشوان‪ ،‬المدينة دراسة في علم االجتماع الحضري ‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬مصر‪،‬اإلسكندرية‪،‬ص‪.18‬‬
‫‪.3‬السيد عبد العاطي السيد‪،‬علم االجتماع الحضري مداخل نظرية‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪332‬‬

‫‪309‬‬
‫االجتماعي وعلى احلالة لسكان املدينة‪ ،‬وذلك ألن املدينة الكبرية‪ ،‬تعرف تنوعا فكريا وثقافيا‪،‬‬
‫مما يؤدي إىل تفاعالت كبرية‪ ،‬بني األفراد‪ ،‬فتتغري سلوكاهتم وطريقة احلياة اليت يكتسبوهنا من‬
‫املدينة‪.‬‬

‫هذا ما وجدناه بعد إجراء مقابالتنا امليدانية‪ ،‬أن العائالت النووية احلضرية اكتسبت ثقافة‬
‫حضرية من املدينة‪ ،‬كثقافة زيارة الوالدين باستمرار وبكثرة‪ ،‬فقد تكون أسبوعية‪ ،‬كل عطلة‬
‫أسبوع وقد تكون يومية يف حالة الزوجات عامالت‪ ،‬يذهنب يوميا لبيت الوالدين‪ ،‬من أجل‬
‫وضع األبناء يعين الضرورة جعلت طبيعة العالقة القرابية تتغري‪ ،‬تتميز األسرة يف مكان الدراسة‬
‫بتماسك قرايب قوي مع األقارب من الدرجة األوىل‪ّ ،‬ألنه يستمد نظامه من الّثقافة اإلسالمية‪،‬‬
‫عكس البلدان األخرى اليت تستمد نظامها القرايب من الثقافة العلمانية أو الالئكية مثال‪ ،‬فهذا‬
‫الرتابط القرايب القوي يكون مع األقارب القريبني جدا‪ ،‬كما قلنا كالوالدان واإلخوة‪ ،‬بينما‬
‫تضعف الرابطة القرابية‪ ،‬كلما بعدت الدرجة‪ ،‬تقول احدى املبحوثات يف المقابلة رقم ‪"15‬أن ا‬
‫سكنت يف تيارت مع عجوزيت‪ ،‬كنا حدا الفامي ونروحو خطرا على خطرا‪ ،‬بصح جيت مع‬
‫زوجي‪ ،‬خدام هنا يف وهران وكي سكنت‪ ،‬مع الوقت نقست زياراتنا لتيارت‪ ،‬منيش عارفة‬
‫عالش‪ ،‬والفن ا نفوت وا وقتن ا هن ا‪ ".‬يع ين ه ذا أن املدين ة الكب رية ك وهران‪ ،‬هي منطق ة حض رية‪،‬‬
‫تع ودت عليه ا الع ائالت امله اجرة إليه ا‪ ،‬مما جعلهم يفض لون قض اء أوق ات ف راغهم باملدين ة‪،‬‬
‫وذلك لتوفر أماكن الراحة والتسلية‪ ،‬كما قالت نفس املبحوثة‪.‬‬

‫فاحلياة احلضرية فرضت بعض السلوكات والطرق اليت تتنتشر يف اجملتمع احلضري املدروس‬
‫كأن تكون الرابطة القرابية موجودة بني األفراد‪ ،‬ولكن ليست بالقوة اليت نتخيلها‪ ،‬فهي ختتلف‬
‫من مك ان آلخ ر‪ ،‬ففي حي الدراس ة‪ ،‬ظهرت لألف راد ثقاف ة التزاور عن د الض رورة‪ ،‬واملناسبات‬
‫فقط‪ ،‬ألن األفراد مشغولون بأشياء كثرية‪ ،‬فرضتها عليهم احلياة احلضرية‪ ،‬كما توجد ثقاف‬
‫حضرية أخرى مبكان الدراسة‪ ،‬وهي ثقافة أخد موعد أو االتصال قبل الزيارة‪ ،‬فأن يأيت ضيف‬
‫أو ق ريب عن د قريب ة يُعت رب أم را ثقيال إذا مل يكن مبوع د حمدد‪ ،‬فيش عر كال الطرف ان ب اإلحراج‪،‬‬
‫وهذا ما صرحت به معظم مبحوثاتنا عن الزيارة املفاجئة‪ ،‬مما جعلين أدرك أن الزيارة باملوعد‬

‫‪310‬‬
‫ب‪،‬‬
‫يعت رب ثقاف ة حض رية‪ ،‬خيتص هبا أه ل املدين ة فق ط‪ ،‬تق ول المبحوث‪AA A‬ة رقم ‪" 12‬والت َعْي ْ‬
‫الواحد يروح يزور فاميليا‪ ،‬بال ما ْي َعيَ ْط يف التليفون‪ ،‬من قبل خلطرش الناس مشي دميا قاعدين‪،‬‬
‫كل واحد وشغاله‪ ".‬كما تصرح المقابلة‪ A‬رقم ‪" 10‬كي جيي الضيف على غفلة‪ ،‬نكره حيايت‪،‬‬
‫متحصي قاع كيفاش يلقاوين‪ ،‬من األفضل االتصال من قبل‪ ،‬ماعدى يف املناسبات توجدي‪،‬‬
‫روحك دائما‪ ،‬تعريف جيوك ضياف مشي ُم ْش ِكل‪ ،‬كما زيادة وال طهارة‪" .‬هذا يدل أيضا على‬
‫أن األف راد يف اجملتم ع احلض ري يعتم دون يف س لوكاهتم على العقالني ة‪ ،‬ألهنن حيس بون أل ف‬
‫حساب‪ ،‬قبل الزيارة أو التواصل مع أقارهبم ‪ ،‬ونقصد األقارب خارج الوالدان واإلخوة‪ .‬ألن‬
‫زيارة الوالدين واألشقاء‪ ،‬غالبا ال يتطلب موعدا قبل الزيارة نظرا للقرب الكبري والتعود على‬
‫بعضهم البعض‪،‬كما توجد أيضا ثقافة اختيار األقارب الذين نود زيارهتم‪ ،‬فهناك من له أقارب‬
‫يزورهم رغم البُعد القرايب‪ ،‬وهناك من لديه أقارب قريبني واليزورهم وملا استفسرنا حول ه ذا‬
‫املوض وع‪ ،‬أجابن ا الكث ريون على أن املص لحة والعقالني ة تلعب دورا كب ريا يف ذل ك‪.‬فيق ول‬
‫صاحب المقابلة‪ A‬رقم‪"12‬أنا عندي عمي‪ ،‬منروحش عنده خاطرش يسقسي بزاف وميعرفش‬
‫يهدر ما حيشم ما والو كان عايش يف فرانسا ودا ثقافة تع الغرب يل جا يف فمه يقوله‪ ".‬كما‬
‫تُص رح المبحوث ‪A‬ة‪ A‬رقم‪"25‬ك اين لف امي يعرف وا وين يروح و كم ا م رت خوي ا ت روح غي عن د‬
‫الن اس يل تس حقهم دي رهلم الكادوي ات غي الش ابني وان ا من داك معن دها فاي دة معي ا جتيبلي غي‬
‫ش كيل‪".‬وترى المبحوث‪AA‬ة رقم‪ "33‬باش نروح غي هاك عند الفاميليا مكاش منها‪ ،‬أنا نروح‬
‫وين يرتاح قليب‪ ،‬وتاين ويد تكون الناس يل نلقاهم ويلقوين‪" .‬‬

‫إذن الثقاف ة احلض رية هي س لوكات‪ ،‬اكتس بها أف راد العين ة من خالل احتك اكهم ببعض هم‬
‫البعض فأص بحوا يتن اقلون التص رفات احلض رية‪ ،‬وأقص د ب ذلك أن ه ذه الس لوكات تعرفه ا‬
‫جمتمع ات املدين ة فق ط‪ ،‬كزي ارة األق ارب باملوع د‪ ،‬اإلتص ال باهلاتف قب ل ال تزاور‪ ،‬تق دمي اش هى‬
‫األطب اق واألواين الراقية مع املبالغة يف ذلك‪ ،‬هذه التص رفات ال جندها يف اجملتمع الريفي‪ ،‬ألن‬
‫األف راد يف املدين ة حيب ون املظ اهر والكمالي ات‪ ،‬بينم ا س كان الري ف والبادي ة يعتم ون على‬
‫الضروري فقط‪ ،‬هلذا أثرت هذه الثقافة احلضرية على الروابط القرابية‪ ،‬حبيث تصعب يف الكثري‬

‫‪311‬‬
‫من األحي ان زي ارة األق ارب واتص اهلم ال دائم‪ ،‬فأص بح األم ر يتطلب احلذر‪ ،‬ح ىت ال ي نزعج‬
‫األقارب من بعضهم البعض‪.‬‬

‫‪.2‬خروج المرأة‪ A‬للعمل وتأثيره‪ A‬على الروابط القرابية‬

‫إن ظاهرة خروج املرأة للعمل‪ ،‬كانت خالل حقبة من الزمن‪ ،‬حمصورة يف الطبقات الدنيا‬
‫من اجملتم ع‪ ،‬ألن الفق ر دف ع برج ال ه ذه الطبق ات للس ماح لزوج اهتم وبن اهتم بالعم ل‪ ،‬حيث‬
‫دخلت املرأة األوروبي ة جمال العم ل‪ ،‬حس ب م ا وض حه املثقف ون عموم ا‪ ،‬واملؤمن ون بنظري ة‬
‫التفسري املادي للتاريخ على وجه اخلصوص‪ ،‬مع ظهور اجملتمعات الربجوازية والرأمسالية‪ ،‬واهني ار‬
‫النظام اإلقطاعي السائد آنذاك‪ ،‬وبعد ظهور االكتشافات احلديثة‪ ،‬كاآللة البخارية وقيام الثورة‬
‫الص ناعية الك ربى ه اجر آالف ب ل املاليني‪ ،‬من الق رويني والفالحني من قُراهم إىل املدن‬
‫الكربى‪ ،‬باحثني عن العمل لدى ألرأمساليني يعملون لساعات طويلة‪ ،‬مما أدى إىل وفاة الكثري‬
‫من أرباب األسر‪ ،‬وبقي األطفال والنساء ينتظرون رب األسرة الذي ذهب إىل املدينة ومل يع د‪،‬‬
‫بع دها اض طرت النس اء واألطف ال الس اكنون األري اف يف الزح ف إىل املدن‪ ،‬حبث ا عن لُقم ة‬
‫العيش‪ .1‬ه ذا وال ميكن ألح د أن ينك ر أث ر احلربني الع امليتني‪ ،‬يف زي ادة حترر املرأة من جه ة‪،‬‬
‫وانتش ار إش تغاهلا بش ىت الوظ ائف من جه ة أخ رى‪ ،‬ألن احلرب العاملي ة األوىل‪ ،‬طلبت من مجي ع‬
‫الرجال القادرين على محل السالح واإلخنراط يف اجليش‪ ،‬وهكذا خلت أعمال ووظائف كثرية‪،‬‬
‫خاصة باملصانع ومن شغلها من الذكور‪ ،‬فتحتم ملؤها باإلناث‪ ،‬بعدما وضعت احلرب أوزارها‬
‫صار من الصعب‪ ،‬على الكثريات من النساء ترك العمل والعودة لإلقامة بني جدران املنزل‪.‬‬

‫كما أن احلرب العاملية الثانية كانت أكثر تغيريا للمجتمعات التجارية‪ ،‬وتلك اليت تأثرت هبا‬
‫دون املش اركة هبا من احلرب العاملي ة األوىل‪ ،‬فق د ُجن دت النس اء خاص ة بال دول الغربي ة يف‬
‫القوات العسكرية اجلوية والربية والبحرية‪ ،‬وبعد انتهاء احلرب‪ ،‬أصبح من الصعب على النساء‬

‫‪ . 1‬عويف مصطفى‪ ،‬خروج المرأة إلى ميدان العمل وأثره‪ A‬على التماسك األسري ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪43‬‬

‫‪312‬‬
‫فق د ح ريتهن ال يت حتص لن عليه ا خالل احلرب ويُقمن يف ال بيوت خاص ة‪ ،‬وأن احلرب ق د‬
‫حص دت العدي د من أرواح الرج ال‪ ،‬وهبذا تُعت رب احلرب العاملي ة الثاني ة معلم ا تارخيي ا يف حرك ة‬
‫حترر املرأة‪ ،‬وحص وهلا على حق وق مس اوية حلق وق الرجل‪ .1‬ه ذا وي زداد خ روج املرأة للعم ل‬
‫بصورة متزايدة يوما بعد يوم وهناك اجتاه عاملي حنو إعطاء املرأة حرية أكثر‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫ثبت أن ه ليس هن اك ف رق بني الرج ال والنس اء‪ ،‬فيم ا يتعل ق بال ذكاء وامله ارات والق درات ويف‬
‫حالة وجود فروق كثرية بينهما‪ ،‬فيما يتعلق هبذه العوامل‪ ،‬فإهنا عندئذ تكون نتيجة الثقافة ال‬
‫الفطرة‪.‬‬

‫الش غل‬
‫كم ا مكن التعليم املرأة من اكتس اب امله ارات واخلربات الالزم ة‪ ،‬لول وج ع امل ُ‬
‫والتمتع بدخل وظيفي مستقل سواء جاء خروج املرأة إىل ميدان العمل‪ ،‬كنتيجة لعدم كفاية‬
‫مُرتب الزوج أو غري ذلك من األسباب‪ ،‬فإنه يسمح هلا باملشاركة يف نفقات األسرة‪ ،‬ويدعم‬
‫حظوظها يف صنع الق رار‪ ،‬فتعليم املرأة مبا يف ذلك مرحلة التعليم العايل‪ ،‬يُعترب هو الذي دفع‪،‬‬
‫عجل ة التغي ري النس وي دفع ة قوي ة‪ ،‬وذل ك ألن ه أوج د للم رأة وعي ا واض حا‪ ،‬ب ذاهتا ومركزه ا‬
‫ومكانتها ودورها‪ ،‬يف اجملتمع عامة واألسرة خاصة‪.‬‬

‫فتعلم املرأة وخروجه ا للعم ل‪ ،‬قد أصبح قضية ُمس لمة يف العصر احلاضر‪ ،‬ليعود ذلك إىل‬
‫ت أثري النم وذج األس ري الغ ريب‪ ،‬من خالل وس ائل اإلعالم والدعاي ة على تق دمي ه ذا النم وذج‪،‬‬
‫كنم وذج مث ايل خيتل ف عم ا ه و س ائد يف البل دان األخ رى العربي ة‪ ،‬فتح رص على إب راز طبيع ة‬
‫احلريات اليت تتمتع هبا املرأة‪ ،‬ويتمتع هبا األبناء‪ ،‬هذا ما جعل بعض احلركات النسائية احمللية‪،‬‬
‫تعمل على الضغط واملطالبة مبزيد من احلقوق واحلريات للمرأة‪ ،‬اقتداءً بالنمط الغريب‪ ،‬واستنادا‬
‫حلقوق اإلنسان وحقوق املرأة‪.‬‬

‫يدل هذا على أن املدن الكربى واجملتمعات الصناعية‪ ،‬يزيد فيها عدد النساء العامالت بسبب‬
‫التغري الذي حدث يف اجملتمع‪ ،‬جعل مفهوم دور املرأة يتغري‪ ،‬فالدافع املادي والذي جنده واض حا‬

‫‪ . 1‬نفس املرجع السابق‪،‬ص‪.100‬‬

‫‪313‬‬
‫يف األسر ذات الدخل املنخفض‪ ،‬وهناك دوافع شخصية‪،‬كرغبة املرأة لتُثبت كفاءهتا وقدراهتا يف‬
‫اجناز األعم ال‪ ،‬ال يت ك انت وقف ا على الرج ال فق ط‪ ،‬ويظه ر ه ذا بوض وح‪ ،‬بني الع امالت‬
‫املتعلم ات تعليم ا عالي ا‪ ،‬ألن التعليم يف ح د ذات ه‪ ،‬ال حيق ق احلص ول على العم ل فق ط‪ ،‬ب ل إن ه‬
‫وسيلة لتحقيق هدف أو طموح شخصي للمرأة‪ ،‬كما سبق وحتدثنا عن ذلك‪.‬‬

‫فبع د أن ك انت املرأة يف اجملتم ع اجلزائ ري ماكثـة بالبيــت أو تعمـل فـي الزراعــة‪ ،‬لتسـاعد‬
‫زوجهـا أو تعمــل عمـل حرفـي‪ ،‬كــالطرز واخلياطـة فـي بيتهـا‪ ،‬فكانـت القـيم السـائدة هي أن‬
‫تتفـرغ الزوجـة لرعايـة الـزوج واملنـزل واألوالد وخروج املرأة على العمل‪ ،‬كان له تـأثري علـى‬
‫احليـاة الزوجيـة والعالقـات األسـرية والقرابي ة‪ ،‬وتـأثر األبنـاء بعمـل املرأة فـي العصـر‬
‫احلـديث‪".‬كمـا أدى إلتحاق املرأة بالعمـل ليفتح أمامها جمـاالت واسعة مـ ــن النشاط اإلجتماعي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وأحدث تغييـرات هامة يف مكانتها االجتماعية‪".‬‬

‫كما أن حترر عالقات اجلماعات القرابية‪ ،‬وتعقد النظم االجتماعية واالقتصادية يف املدينة‪ ،‬جعل‬
‫للمرأة موقع ُمتميـز داخل البناء األسري احلضري‪ ،‬وهذا موازاة مع سياسات اإلمناء االجتماعي‬
‫واالقتصادي يف املدينة‪ ،‬وما تفرضه هـذه األخرية‪ ،‬من متطلبات وتعدد حاجات األسرة‪ ،‬إضافة‬
‫إىل ارتف اع مس تويات تعليم املرأة‪ ،‬ومش اركتها فـي احليـاة العمليـة والسياس ية‪ ،‬ف إن خروجه ا‬
‫للعم ل أدى إىل ح دوث تغ ريات بنائي ة ُمعت ربة‪ ،‬يف األس رة احلض رية‪ ،‬الس يما تلـك املتعلقـة‬
‫باإلجناب‪ ،‬معايري اختيار الزواج‪ ،‬اإلنفاق‪ ،‬إدارة شؤون البيت‪ ،‬مشاركة مع زوجها‪ ،‬املشاركة‬
‫يف تربية األبناء‪ ،‬فأصبح الزوج‪ ،‬مطالب بتقسيم املسؤوليات املنزلية ومساعدة املرأة‪ ،‬يف أدائها‬
‫للمهام األسرية‪ ،‬وهنا يرى الباحثون فـي جمـال الدراسات احلضرية‪ ،‬أن االستقاللية االقتصادية‬
‫للم رأة يف املدين ة‪ ،‬جعله ا ختت ار أنس ب األعم ال ال يت تق وم هبا‪ ،‬بـاحرتام رغبته ا واختياره ا‬
‫األسلوب األمثل يف تربية أبنائها‪ ،‬ورعاية شؤون منزهلا إىل جانـب إدارة وقتهـا وتنظيمـه‪ ،‬وإدارة‬
‫‪2‬‬
‫ميزانية اإلنفاق األسري‪.‬‬

‫‪.1‬عبد اجمليد سيد منصور وزكريا أمحد الشربيين‪ ،‬األسرة على مشارف القرن ‪، 21‬األدوار‪ ،‬املرض النفسي‪ ،‬املسؤوليات‪ ،‬ط‪، 1‬ملتزم الطبع‬
‫والنشر‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة ‪، 2000‬ص‪.143‬‬

‫‪314‬‬
‫إال أن هذا جعل املرأة العاملة تعيش يف أسرهتا بعض العناء والصعوبات‪ ،‬نظرا لضيق وقتها‬
‫مما جيعله ا تتف ق م ع ال زوج على تنظيم األس رة‪ ،‬وحتدي د النس ل‪ ،‬بالق در ال ذي ال يرهقه ا‪ ،‬وملا‬
‫كانت فرتة الطفولة املبكرة‪ ،‬وتربية األبناء ُمرهقة أيضا‪ ،‬أصبحت املرأة تستغل أوقات العطل‬
‫األسبوعية والفراغ يف البقاء مع األطفال‪ ،‬وإخراجهم للرتفيه يف الفضاءات العامة احلضرية‪ ،‬بدال‬
‫من الذهاب عند األقارب إال عند الضرورة‪ ،‬هذا ما قلل من التزاور مع األهل وكأن السبب‬
‫الواضح والرئيسي من خالل قيامنا باملقابالت‪ ،‬يعود لعمل املرأة وخروجها اليومي الذي جعله ا‬
‫أك ثر مس ؤلية وض غطا فكثُرت وظائفه ا‪ ،‬وأدواره ا من ال دور االجنايب‪ ،‬الرتبي ة‪ ،‬القي ام بش ؤون‬
‫املنزل‪ ،‬من تنظيف وطهي وغريها‪ ،‬وبالتايل مل يعد لديها وقت تقضيه‪ ،‬مع األسرة‪ ،‬إال يف عطلة‬
‫األسبوع‪ ،‬كما قلن ا هلذا قلت زيارة النساء الع امالت لألق ارب‪ ،‬بسبب ضيق ال وقت‪ ،‬وزيادة‬
‫أدوارهن ومسؤولياهتن وهذا ما أكدته العديد من املبحوثات العامالت‪.‬‬

‫تق ول‪.‬المقابل‪A A‬ة‪ A‬رقم ‪"15‬ان ا خدام ة ومعن ديش ال وقت ب زاف‪ ،‬ب اش ن روح عن د لف امي‪،‬‬
‫خطرات وين نروح‪ ،‬كاش مناسبة‪ ".‬المقابلة رقم ‪"14‬يف احلق املرأة اخلدامة‪ ،‬ما تتالمش على‬
‫الزيارت خلاطرت مكانش الوقت‪ ،‬ويكاند نقعد‪ ،‬شغل الدار تع السيمانة‪ ،‬نقري والدي شوي‪،‬‬
‫خنرج وهم خط رات‪ ،‬ه ذا ح دنا اهلل غ الب‪ ".‬املقابل ة رقم ‪"22‬منعي ا كي ن دير نق ول‪ ،‬ه ذا‬
‫الويكاند خنرج‪ ،‬عند فاميليا نبدل اجلو‪ ،‬وقاع هكا والو‪ ،‬نلها غي بالشقا تع الدار‪ ،‬واألوالد‬
‫ش‬
‫وهي راحيا‪ ،‬ح ىت يف وت الع ام" ‪.‬وتص رح المقابل‪AA‬ة رقم‪" 26‬ال وقت يف وت بلخ ف‪َ ،‬منَ ْك َدبْ ْ‬
‫علي ك‪ ،‬ه دي مُدة م ارحتش عن د فاميلي ا ت اعي‪ ،‬مني تك ون ك اش حاج ة ض رورية ن روح‪،‬‬
‫ومنق درش ن دي والدي يف ثالث ة‪ ،‬عن د الن اس‪ ،‬خنليهم عن د ب وهم‪ ،‬ن روح بلخ ف وجني‪ ،‬بص ح‬
‫الصراحة‪ ،‬عالقيت مع فاميليا‪ ،‬ناقسا بزاف اهلل غالب‪ ،‬علباهلم خدامة ومنقعدش‪".‬‬

‫فمن خالل تص رحيات املبحوث ات الع امالت‪ ،‬اس تنتجن ا م دى ص عوبة األم ر‪ ،‬ل دى املرأة‬
‫العامل ة يف زي ارة األق ارب‪ ،‬لس بب أو ع دة أس باب‪ ،‬كم ا ذكرن ا مقارن ة م ع املرأة املاكث ة يف‬

‫‪.2‬هاديف مسية‪ ،‬رؤية سوسيولوجية يف مفهوم اهلوية الثقافية والعوملة‪ ،‬مجلة العلوم االنسانية واالجتماعية‪،‬جامعة ‪ 20‬أوت‪، 1955‬‬
‫سكيكدة العدد ‪ 17‬ديسمرب‪.2014 ،‬ص‪.181‬‬

‫‪315‬‬
‫البيت‪ ،‬هلا حضوض أكثر يف زيارة األقارب‪ ،‬إال أن األمر اليوم مل يعد يف املرأة العاملة أو الغري‬
‫عاملة‪ ،‬وإمنا الرابطة القرابية ضعفت نوعا ما يف اجملتمع احلضري‪ ،‬حىت والنساء الغري عامالت‪،‬‬
‫أصبحن ُيزرن أقارهبن يف املناسبات فقط‪ ،‬ماعدى بعض األقارب القريبني كالوالدان واإلخوة‪،‬‬
‫تك ون الزي ارة مس تمرة وب دون مناس بات يف الغ الب‪ ،‬والنس اء العمالت يف عين ة حبثن ا جيمع ون‬
‫على أهنن أصبحن يقمن بأدوار خمتلفة يف البيت وخارجه‪ ،‬وبالتايل ليس لديهن الوقت الكايف يف‬
‫بعض األحيان حىت لالهتمام بأنفسهن‪ ،‬واخلروج للرتفيه‪ ،‬وإمنا خروجهن يف العطل األسبوعية‪،‬‬
‫مرتبط بأماكن أو فضاءات يذهبون إليها من أجل األبناء فقط‪ ،‬وهذا ما جعلنا نستنتج فعال أن‬
‫خ روج املرأة للعمل زاد من تغ ري الروابط القرابية‪ ،‬من رابطة قوية مستمرة إىل رابطة متيل إىل‬
‫الضعف والقطيعة‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫‪ -‬خالصة الفصل السادس‬

‫لق د س بق وأن رأين ا أن فليتشر‪ 1‬ال ينفي وج ود األس رة كمنظم ة طبيعي ة‪ ،‬فه و يؤك د على‬
‫وجودها وعلى اعتبارها حقيقة باقية ومستمرة‪ ،‬تستحيل أن تزول‪ ،‬رغم كل التغريات اليت تطرأ‬
‫عليه ا‪ ،‬امنا ق د تتغ ري بعض عالقاهتا‪ ،‬خاص ة العالق ات االجتماعي ة والقرابي ة منه ا‪ ،‬ألن احلض رية‬
‫كنمط حياة‪ ،‬ئؤثر على العالقات بشكل كبري‪ .‬فالتغري االجتماعي‪ ،‬حيدث نتيجة ً لتطور احلياة‬
‫االجتماعية نفسها‪ ،‬ألن اجملتمع أي األفراد‪ ،‬مير بتجارب كثرية‪ ،‬على مر السنني‪.‬‬

‫وقد حيدث التغيري نتيجة إلحتكاك األفراد باجملتمعات األخرى‪ ،‬وكلما كان اجملتمع ُمنغلق‬
‫وبدائي‪ ،‬كانت العالقات اإلجتماعية أكثر قوة‪ ،‬يعين هذا أنه توجد عالقة عكسية‪ ،‬بني التطور‬
‫وبني الرابط ة اإلجتماعي ة فكأن ه كلم ا زاد التط ور قلت الرابط ة االجتماعي ة‪ ،‬وتب دو األس باب‬
‫متمثلة يف العناصر التالية‪ :‬الفقر كان أحد أسباب إجتماع الناس ومؤازرهتم لبعضهم البعض‪،‬‬
‫ومع الغىن إنقسمت العالقات بني األقارب‪ ،‬كذلك التنوع الثقايف والفكري له دور يف ضعف‬
‫الروابط القرابية‪.‬‬

‫ومن خالل م ا تق دم ف إن الثقاف ة احلض رية متكون ة من عناص ر‪ ،‬منها م ا هي مادي ة تتمث ل يف‬
‫العُمران وطُرق البناء‪ ،‬واهلندسة والطرقات والسيارات‪ ،‬واهلياكل واملؤسسات‪ ،‬واملوقع واللباس‬
‫واألث اث ‪...‬اخل‪ .‬وما هي غ ري مادية‪ ،‬أو ما يُطل ق علي ه "القطاع االجتم اعي للثقافة"‪ ،‬كما أن‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬والتفاعالت االجتماعية‪ ،‬والتصورات املوحدة والثابتة نسبياً بني األفراد‬

‫‪1‬‬
‫السيد عبد العاطي‪ ،‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 320‬‬

‫‪317‬‬
‫داخل اجملتمع احلضري‪ ،‬واجلانب الثقايف‪ ،‬املمثل يف أسس تلك العالقات والقواعد‪ ،‬اليت تقوم‬
‫عليه ا‪ ،‬والثقاف ة متث ل حص يلة م ا تعلم ه أف راد جمتم ع معني‪ ،‬وب ذلك تتض من منط معيش تهم‬
‫وأس اليبهم الفكري ة ومعتق داهتم‪ ،‬ومش اعرهم واجتاه اهتم وقيمهم‪ ،‬واألس اليب الس لوكية ال يت‬
‫يستخدموهنا يف تفاعالهتم اليومية وكل ما يستخدمه أفراد هذا اجملتمع من اآلالت واألدوات‬
‫يف إش باع حاج اهتم وتكيفهم م ع ب يئتهم االجتماعية الطبيعي ة‪ ،‬ويش كل أف راد اجملتم ع منط‬
‫معيشتهم ويعربون عنها بأفعاهلم‪ ،‬وإنتاجهم وخرباهتم‪ ،‬ومعارفهم وفنوهنم‪ ،‬فكل هذا له أثر على‬
‫الرواب ط والعالق ات القرابي ة ألن األف راد يف املدين ة حس ب م ا درس نا‪ ،‬ميكنهم االس تغناء عن‬
‫األق ارب‪ ،‬نظ را لت وفر ك ل ش يء حيتاجون ه وه ذا م ا جيعلهم يرتبط ون برواب ط طوعي ة خيتاروهنا‬
‫بأنفسهم بدال من الروابط القرابية‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫خاتمة عامة‬
‫‪319‬‬
‫خاتمة‬

‫أثناء إجرائنا هلذه الدراسة ومن خالل ما قرأناه حول املوضوع‪ ،‬وجدنا أنه خالل العقود‬
‫الثالثة املاضية‪ ،‬ترددت نتائج الدراسات احلضرية حول تأثري التحضر والتصنيع على الروابط‬
‫القرابية والعالقات الأسرية ‪ ،‬حسب ما أشارت له الدراسات الغربية مع وجود العالقات القرابية‬
‫ولكن ليست بقوة كبرية‪ ،‬واملالحظ أن الدراسات اليت ُأجريت حول الرابطة القرابية يف عاملنا‬
‫الع ريب حمدودة ج دا‪ ،‬حيث ال تعتم د إال على قلي ل من املادة العلمي ة ومن مث ب رزت احلاج ة‬
‫إلجراء مثل هذه الدراسات يف اجملتمع احلضري اجلزائري‪.‬‬

‫فالروابط االجتماعية وخاصة منها القرابية‪ ،‬تنشأ دون تدخل األفراد يف ذلك‪ ،‬فالفرد يدخل‬
‫فيه ا دون أن يش عر ألن إرادت ه ال تلعب دورا يف ذل ك‪ ،‬فل و س ألنا شخص ا عن ه ل ك ان‬
‫ص دفة ه ذا‬
‫بإمكان ك أن ختت ار أقارب ك‪ ،‬فس يجيب أن ه ال إرادة ل ه يف ذل ك‪ ،‬ب ل ك ان األم ر ُ‬
‫التواجد‪ ،‬فهم مضطرون ألن يكونوا أقارب يف بداية األمر‪ ،‬لكن بإمكاهنم فيما بعد أن خيتاروا‬
‫من يزورونه من أقارهبم ومن اليزورونه‪ ،‬فتُصبج هنا اإلرادة عقالنية‪ ،‬ألن العقل هو الذي خيتار‬
‫ومييز يف ذلك ففي اجملتمع احمللي املدروس‪ ،‬طبيعة الرابطة االجتماعية ُمتغرية‪ ،‬قد ختضع للعاطفة‪،‬‬
‫ينس جها الفرد إلشباح مصاحله ورغبات ه اخلاص ة‪ ،‬فهن اك من‬
‫كما ق د تكون رواب ط مصلحية‪ُ ،‬‬
‫يُقوي عالقاته القرابية بالتزاور هلدف عاطفي أو ديين‪ ،‬وهناك من يكون تزاوره هذا‪ ،‬ملصلحة‬
‫شخصية أو ألن اجملتمع يفرض عليه ذلك‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫وكنتيجة عامة للدراسة ميكن القول بأن األسرة مبدينة السانيا‪ ،‬احتكت بكل ما جلبه التغري‬
‫السوسيو ثقايف‪ ،‬من تطورات وحتوالت ومل تعد مرتبطة بشكل العالقات القرابية القدمية‪ ،‬هذا‬
‫يع ين أهنا تغ ريت بعض الش يء‪ ،‬حيث كش فت النت ائج أن الرابط ة االجتماعي ة القرابي ة تغ ريت‬
‫رغم أهنا قائم ة على عالق ات النس ب والتض امن والتكاف ل‪ ،‬إال يف املناس بات وه ذا التض امن‬
‫والتكاف ل الق رايب مل يع د ب القوة ال يت ك ان يُع رف هبا يف املاض ي‪ ،‬حس ب ماش رحنا ذل ك يف‬
‫الدراس ة‪ ،‬إض افة إىل غي اب التض امن املادي بني األق ارب يف اجملتم ع املدروس‪ ،‬ماع دى بعض‬
‫األسر اليت تعرف تضامنا ماديا مع الدرجة القرابية األوىل فقط‪ ،‬كاآلباء واإلخوة مما يدل على‬
‫أن الرابطة االجتماعية يف جمتمع اليوم تتميز بعدد من اخلصائص‪ ،‬أبرزها ضعف آليات التضامن‬
‫االجتماعي القرايب أوال مع ظهور واضح للصراع بني أفراد القرابة الواحدة‪ ،‬املتواجدة يف اجملال‬
‫العمراين احلضري ولكنه ليس بالقدر الذي يؤدي إىل فك الرباط بينهم‪ ،‬ألن عوامل التصنيع‬
‫واحلداثة اليت أنتجت جماالت تفاعلية داخل اجملاالت العمرانية واليت تأثرت هبا األسرة باملدينة‪،‬‬
‫ال يكمنها أن تفكك الرابطة االجتماعية القرابية هنائيا‪ ،‬وإمنا بإمكاهنا أن تضعفها أو أن تنقص‬
‫من قوهتا ودرجته ا التقليدي ة‪ ،‬وهلذا بقيت مالمح ومؤش رات القراب ة بدرج ة اس تطاعت معه ا‬
‫األس رة احلالي ة التكي ف م ع التح والت اجلدي دة رغم م ا أص اهبا من ض عف يف الرواب ط‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫كما انعكست التغريات االجتماعية والثقافية واالقتصادية الشاملة اليت شهدها اجملتمع حديثا‬
‫نتيجة التحضر والتصنيع على األسرة عامة‪ ،‬فأحدثت فيها تغريات جذرية وأبرزها‪.‬‬

‫‪ -‬تزاي د حري ة الف رد يف اختي ار ش ريك احلي اة‪ ،‬وه ذه الظ اهرة متزاي دة ألهنا ترك ز على ال زواج‬
‫اخلارجي الذي أصبح من بني أسباب ضعف الرابطة القرابية يف اجملتمع اجلزائري واجملتمع احمللي‬
‫املدروس حيث أصبحت ثقافتهم تأكد على أن الزواج الداخلي أو القرايب جيعل الفرد غري حر‬
‫يف عالقاته األسرية‪ ،‬ألنه خيجل من املشاكل القرابية‪ ،‬هلذا يُفضل ال زواج اخلارجي وهذا ليس‬
‫سببا كافيا‪ ،‬ألن األسباب تتعدد وختتلف يف انتشار الزواج اخلارجي‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫‪ -‬انتق ال األس ر النووي ة‪ ،‬للعيش يف الس كنات العمودي ة م ع زي ادة أزم ة الس كن‪ ،‬مما أدى إىل‬
‫االنفصال عن العائلة اجتماعيا وجماليا‪.‬‬

‫‪ -‬كما أن تراجع الزيارات بني األقارب يف األسر الصغرية‪ ،‬يُعترب عامل من عوامل التغري الذي‬
‫يعرفه اجملتمع‪ ،‬وقد يكون السبب هو انشغال الزوجني خارج البيت‪ ،‬وزيادة املصاريف وإضافة‬
‫إىل ذل ك ض يق الس كن‪ ،‬مما جيع ل أف راد األس رة يتض ايقون عن د تك رار الزي ارات‪ .‬ورغم ه ذه‬
‫التغريات اليت أصبح هلا أثر كبري على األسرة اجلزائرية‪ ،‬ألهنا تغرُي ات ومشلت مجيع النواحي‪ ،‬إال‬
‫أهنا تبقى دائما تواجه مقاومة من طرف دعاة االمتدادية‪ ،‬أي املتمسكني بالنمط القدمي لألسرة‬
‫اجلزائري ة‪ ،‬حس ب تعب ري رش ‪AA‬يد حام ‪AA‬دوش‪ ،A‬وذل ك ب الرغم من ف رض احملي ط احلض ري لعوام ل‬
‫حضرية جديدة على الواقع اجلزائري‪.‬‬

‫‪ -‬وهناك أسباب نفسية استنتجناها من خالل االحتكاك مبجتمع البحث‪ ،‬متثلت يف تعكر النية‬
‫كما يقول العامة‪ ،‬والقلوب وحىت النفوس البشرية‪ ،‬تعرضت لتغيري وسيطرة األنانية‪ ،‬فرجعت‬
‫أس باب البع د الق رايب واختف اء التق ارب يف واق ع التجمع ات إىل ع دم ص فاء القل وب‪ ،‬حيث‬
‫أص بحت مش حونة بأحك ام ُمس بقة وق رارات غ ري مدروس ة‪ ،‬مؤك دة أن الزي ارات ح ىت وإن‬
‫ح دثت ف إن القل وب متباع دة‪ ،‬فه ذه حتم ل ض غينة على تل ك‪ ،‬لكوهنا مل ت دعها إىل مناس بة‪،‬‬
‫وأخ رى غ ابت عن األنظ ار ألهنا تك ره إح داهن‪ ،‬بس بب ح ديث نُق ل هلا قالت ه عنه ا‪ ،‬قريبته ا‪،‬‬
‫فالبعض أصبح يفضل عدم احلضور‪ ،‬خشية حدوث مشاكل وخالفات وأصبح أفراد األسرة‬
‫الواحدة بقلوب متباعدة‪.‬‬

‫كما أن التكلف الكبري والبهرجة والتصنع‪ ،‬شوها معىن الضيافة والزيارة‪ ،‬ودفع بعضهم إىل‬
‫رفض التجمعات القرابية‪ ،‬لكي ال يضطر إىل استقبال الضيوف يف بيته‪ ،‬فاملرأة ليس هلا خي ار يف‬
‫التكلف بضيافتها‪ ،‬فحينما ال تفعل مثل ما يتفق عليه األخريات‪ ،‬أنه من حسن الضيافة فإهنا‬
‫تتع رض للنق د من قب ل أف راد األس رة فيق ال‪ ،‬إهنا مل تُق دم ومل حتس ن الض يافة ح ىت حتولت‬
‫التجمعات بني أفراد األسرة إىل سباق تقدمي أصناف الطعام الفاخرة‪ ،‬والتباهي باألواين املنزلية‪،‬‬
‫ومتضي اجللسة يف أسئلة تافهة ال قيمة هلا مثل «من وين شرييت األواين أو األلبسة» ‪ ،‬ما يبعث‬
‫‪322‬‬
‫السأم جتاه االهتمام بالقشور أكثر من اجلوهر من دون دعم ملعىن التواصل والتقارب بني األسرة‬
‫الواحدة‪.‬‬

‫ووجدنا أنه فعال قد حيدث التغيري نتيجة الحتكاك األفراد باجملتمعات األخرى‪ ،‬ولكن يبدو‬
‫أن تغ ري الرابط ة االجتماعي ة يف اجملتم ع احلض ري‪ ،‬عم ا ك انت علي ه يف اجملتم ع التقلي دي‪ ،‬مثلم ا‬
‫تُصرح به كل نظريات الرباط االجتماعي من خالل املقارنة اليت وضحها علماء االجتماع ‪-‬‬
‫الع رب املس لمني أوالغربي ون‪ -‬بني اجملتمعني ال ريفي واحلض ري‪ ،‬نس تنتج من خالل حتليله ا أن‬
‫اجملتمعات الغربية تعرضت لتفكك يف روابطها القرابية‪ ،‬نتيجة لعدة عوامل يف اجملتمع احلضري‬
‫الغ ريب‪ ،‬بينم ا اجملتمع ات العربي ة وخاص ة منه ا االس المية‪ ،‬مل تتع رض لتفك ك يف روابطه ا‬
‫االجتماعية‪ ،‬كما سبق وأشرنا لذلك‪ ،‬وإمنا لضعف فيها وهذا ما استنتجناه من خالل دراستنا‪،‬‬
‫ويعود السبب لعامل الدين‪ ،‬الذي يُعترب مؤشر رئيسي يزع األفراد على أن يفككوا روابطهم‬
‫القرابية‪ ،‬ماعدا بعض احلاالت الشاذة‪.‬‬

‫ت األسرة هي البنية األولية لتشكل الروابط القرابية‪ ،‬لذلك قمنا بدراستها من خالل‬
‫واعتََب ْر ُ‬
‫ْ‬
‫عالقاهتا وروابطه ا القرابي ة املتنوع ة‪ ،‬دراس ة تعتم د على توض يح طبيع ة الرابط ة االجتماعي ة‪،‬‬
‫القرابية ودرجة قوهتا أو ضعفها يف اجملتمع احلضري وبعد القراءات النظرية واملقابالت امليدانية‪،‬‬
‫وحتليله ا خرجن ا مبجموع ة من النت ائج السوس يولوجية ح ول جمتم ع الدراس ة‪ ،‬س أقوم بتفص يلها‬
‫كنتيجة‪.‬‬

‫تقول م‪AA‬ارجرت مي‪AA‬د ‪ Mead‬يف كتاهبا "مس‪AA‬تقبل األس‪AA‬رة" الذي نشرته سنة ‪":1913‬إن‬
‫االسرة النواة شكل مالئم لألسرة احلضرية بغرض التغيري‪ ،‬ولكنها لن تستمر يف هذا الوضع إىل‬
‫م اال هناي ة‪ ،‬ألن أس رة الي وم ت دفع كل ف رد إىل خ ارج املنزل‪ ،‬قص د العم ل ويبقى بعض النس اء‬
‫الالئي يقمن بالتنظيف يف املنزل أو تربية األطفال‪ ،‬وهن اخلادمات يف املنازل‪ ،‬حتضرهن النساء‬
‫الع امالت ل ذلك ف إن األس رة س وف حتت اج يف املس تقبل إىل أف راد كث ريين للمس اعدة يف تربي ة‬
‫األطفال‪ ،‬وخاصة عندما ميرضون أو مترض األم‪ ،‬كما أن وجود األطفال بكثرة مفيد يف اللعب‬

‫‪323‬‬
‫املشرتك‪ ،‬ألن إرساهلم إىل احلضانة‪ ،‬سيصبح يتطلب أمواال طائلة وهذا لن حيدث بسرعة أو يف‬
‫‪1‬‬
‫احلال‪ ،‬وإمنا بالتدريج‪".‬‬

‫استش هدت هبذا التنب أ لم‪AA‬ارجرت ميد ألن ين من خالل حبثي واملق ابالت ال يت أجريناه ا م ع‬
‫األس ر ورغم أن املوض وع ح ول الرابط ة القرابي ة‪ ،‬لكن متثالت القرابي ة يف جمتم ع البحث‬
‫أوض حت أن األس رة النووي ة أص بحت يف الكث ري من األحي ان حتت اج ألش خاص كث ريين‬
‫ملس اعدهتا‪ ،‬ح ىت تس تمر وتنجح فوح دها غ ري ق ادرة على االس تمرار‪ ،‬وه ؤالء املس اعدين ق د‬
‫يكون ون أق ارب ‪،‬كم ا ق د اليكون ون‪ ،‬ويف الغ الب من األحي ان هم مس اعدون يتقاض ون راتب ا‬
‫مقابل اخلدمة‪ ،‬كاحلضانة واخلادمان يف املنزل‪....‬اخل‪ ،‬وهذا ما بدأ يصل جملتمعاتنا العربية‪ ،‬وفعال‬
‫ما الحظته خالل امليدان على أن األسرة النووية يتضاعف عددها يف اجملتمع احلضري الصناعي‪،‬‬
‫أي يف املدن الكربى‪،‬كما أن النساء العامالت تزايد عددهن نظرا للمعيشة الصعبة‪ ،‬من أجل‬
‫مس اعدة الرج ل وإثب ات الوج ود ال ذايت والنفس ي‪ ،‬فتع ودن على العم ل خ ارج املنزل وأصبحن‬
‫حباجة ماسة للمساعدة داخل البيت فاضطررن إلحضار املربيات واملساعدات واخلادمات‪.‬‬

‫هذا هو حال األسرة النووي ة العامل ة يف جمتم ع الدراس ة‪ ،‬مما أدى إىل تقلص الروابط القرابية‬
‫ونقص الزي ارات وبالت ايل زي ارة الوال دان بدرج ة كب رية‪ ،‬وم ا ع داهم ن ادرا م ا ت أيت املناس بة‬
‫للزيارة‪ ،‬كما يبدو أن اجملتمع اجلزائري وبعد دخوله إىل مرحلة صناعية حضرية متقدمة‪ ،‬ومع‬
‫مرور الزمن ضعُفت فيه الروابط القرابية‪ ،‬لكن ليس مبعناها اخلطري ألن هذا الضعف‪ ،‬قد يظهر‬
‫جليا يف املدن الكربى مثل والية وهران‪ ،‬وذلك حسب مالحظايت ودراسيت امليدانية‪.‬‬

‫إذن ميكنن ا الق ول أن األس رة يف اجملتم ع املدروس‪ ،‬ليس ت مبع زل عن التغ ريات احلاص لة على‬
‫املستوى الوطين وحىت العاملي‪ ،‬فهي يف تفاعل مستمر مع هذه التغريات‪ ،‬إال أﻬﻧا ال تزال حريصة‬
‫على الع ادات والتقالي د والقيم واألع راف‪ ،‬وال دين‪ ،‬والنظ رة اجلماعي ة للس لوك الف ردي ال ذي‬
‫يتمثل يف رقابة وضبط سلوك كل فرد من األسرة‪ ،‬مع توجيه الوجهة اليت ترفع مركز األسرة‬
‫يف اجملتمع وحتافظ على شرفها‪ ،‬حيث يرجع ذلك إىل قوة التقاليد والرتاث املشرتك من جهة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫سناء اخلويل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.34‬‬

‫‪324‬‬
‫وما تركه اإلسالم من آثار قوية يف التقاليد األسرية من جهة أخرى‪ ،‬كما أثرت احلياة يف املدينة‬
‫على األسرة اجلزائرية املمتدة من حيث البناء والسلطة‪ ،‬والزواج واإلجناب والوظائف التقليدية‬
‫هلا كالرتبية والضبط االجتماعي‪ ،‬والدفء العاطفي ألفرادها‪ ،‬وذلك بدرجات متفاوتة نتيجة‬
‫اختالف املستويات االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬ومناطق اإلقامة لكل أسرة‪.‬‬

‫زيادة على ذلك فإن ضـعف العالقـات الوديـة القرابية بني األسر أدى إلـى إضـعاف الضـبط‬
‫االجتماعي التقليـدي فـي املنطقـة احلضـرية‪ ،‬مما أدى إىل تغيـر كبيـر‪ ،‬يف القـيم لـدى األفـراد مبجـرد‬
‫انتقـاهلم مـن الريـف إىل احلض ر‪ ،‬وه ذا م ا وج دناه يف بعض األس ر ال يت ال تُنش أ أبناءه ا‪ ،‬على‬
‫الزي ارة القرابية‪ ،‬فت رتك ه ذه اهلوة بني األبناء‪ ،‬وغالبا ما يكون هؤالء األبن اء‪ ،‬ح ىت وإن حيثهم‬
‫‪Arnold Joseph Toynbee‬‬ ‫آب ائم على ذل ك‪ ،‬فال يهتم ون ل ذلك‪ ،‬حيث يـرى تـوينبي‬
‫"ب أن البل دان املص نعة والس ائرة يف طري ق التص نيع ت زداد فيه ا اهلوة بني املـراهقني والكب ار‪ ،‬ألن‬
‫التوجيهـات واإلرشـادات املوجهـة إلـى األبنـاء مـن قبـل الوالـدين واجلـدات‪ ،‬تكـون غيـر جمديـة‪،‬‬
‫وال خيضـعون هلـا هـذا كـون اجليـل اجلديـد ُمعـرض لتـأثريات جديـدة‪ ،‬تعكـس معـايري وقـيم‬
‫التحضـر والتصـنيع‪ ،‬فيُصـبح الشــاب أو املراهـق معـرض لتـأثريات األصـدقاء‪ ،‬ومجاع ة الرف اق‬
‫وتوجيه اهتم‪ ،‬مما يقل ل من االرتب اط باألس رة املمت دة أو العائل ة الكب رية‪ ،‬وتقـل مكانـة املس ن‪،‬‬
‫في ذهب األبنـاء إلـى املـدارس ويتعلمـون فيهـا املعـايري احلضـرية اجلديـدة وحيملـون خ واص‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وصفات‪ ،‬ومعرفة العامل املعاصر واحلديث"‪.‬‬

‫ومن هنا نستخلص أمهية األسرة يف اجملتمع اجلزائري كقيمة‪ ،‬دافع عليها يف السابق وحافظ‬
‫عليه ا يف احلاض ر وذل ك من خالل الق وانني ال يت تعت ين ﻬﺑا من أج ل محايته ا‪ ،‬من الت دهور‬
‫واالس تالب ال ذي تعرض ت ل ه يف الف رتة األخ رية‪ ،‬حيث نالح ظ املعان اة النفس ية‪ ،‬واألزم ة‬
‫األخالقية اليت أفرزﻬﺗا التحوالت احلضارية املعاصرة‪ ،‬واليت طبعت احلياة األسرية بكل مظاهرها‬
‫دون متحيص بني النسقني اإلسالمي" و "الغريب"‪.‬‬

‫‪. 1‬معن خليل العمر‪ ،‬التغير اإلجتماعي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪83.‬‬

‫‪325‬‬
‫كما وجدنا أن وسيلة األنرتنت أخذت مكانة كبرية يف احلياة املعاصرة‪ ،‬لدى األسر اجلزائرية‬
‫حيث أص بح الراب ط ال رقمي‪ ،‬املمث ل يف وس يلة االن رتنت عن د الش باب يش كل الب ديل للرابط ة‬
‫االجتماعية من خالل جتنب اللقاءات االجتماعية املباشرة مع أفراد األسرة املوسعة‪ ،‬وأصدقاء‬
‫الدراسة والعمل‪ ،‬واجلريان وغريها من الروابط االجتماعية اليت تنسجها وسيلة االنرتنت‪.‬‬
‫يعين هذا أن األنرتت مبا فيها من وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬أنقصت من الروابط الفعلية‬
‫االجتماعية‪ ،‬وهذا ما توصل إليه الباحث محم‪AA‬د خليفة‪– 1‬ب‪AA‬احث احتم‪AA‬اعي جزائ‪AA‬ري جامع‪AA‬ة‬
‫مستغانم‪A-‬من خالل دراسة ميدانية نشرها يف مقال له بعنوان"إشكالية الرباط‪ A‬االجتم‪A‬اعي في‬
‫ظ‪AA A‬ل اس‪AA A‬تخدام وس‪AA A‬ائل االتص‪AA A‬ال الحديث ‪AA A‬ة وس‪AA A‬يلة االن‪AA A‬ترنت نموذجا" توض ح أن الرابط ة‬
‫االجتماعي ة متر بأزم ة الض عف والتالش ي يف اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬عن د فئ ة الش باب فهي رواب ط‬
‫اصطناعية وافرتاضية مؤقتة‪ ،‬وأقل عمقا ومحيمية‪ ،‬فمن خالل الدراسة امليدانية استخلص أيضا‬
‫أن التفاعلية اليت جاءت هبا وسيلة االنرتنت أدت اىل بناء فضاء للذات عند فئة الشباب‪ ،‬مبعىن‬
‫أن كل شاب أصبح هو صاحب القرار يف كل شىء‪ ،‬كاختيار العالقات االفرتاضية‪ ،‬وهذا ما‬
‫يس ميه بعض العلم اء بالوحداني ة التفاعلي ة كأمث ال الع امل‪ Wolton.D 1997‬أو االس تقاللية‬
‫العالئقية‪ ،‬كالعامل ‪ ،Pasquier.D 2008‬فهذه التفاعلية أدت اىل زيادة الروابط االجتماعية‬
‫املختارة‪ ،‬عند فئة الشباب اجلزائري‪ ،‬كما أن ميزة الرباط االجتماعي يف ظل استخدام وسيلة‬
‫االنرتنت ميكن قطعه يف أي حلظة مبجرد الضغط على زر رفض االصدقاء‪.‬‬
‫هذا يؤكد على أن وسيلة األنرتنت زادت من حجم الروابط االجتماعية االفرتاضية‪ ،‬عند فئة‬
‫الشباب بفضل مواقعها كمواقع الدردشة‪ ،‬أو شبكاهتا االجتماعية‪ ،‬كالفايس ب وك‪ ،‬وباملقابل‬
‫قلص ت من الرواب ط االجتماعي ة احلقيقي ة كالقراب ة واألس رة‪ ،‬ويظه ر ذل ك من خالل مؤش ر‪،‬‬
‫تقلص الف رتة الزمني ة املخصص ة للعالق ات االجتماعي ة‪ ،‬س واء عالق ات أس رية قرابي ة أو‬
‫جوارية‪...‬مبعىن أن األفراد أصبحت لديهم فضاءات إجتماعية أخرى‪ ،‬منها االفرتاضية أو العامة‬
‫تُغين عن الروابط القرابية احلقيقية‪،‬كما أن الفرد يلجأ إليها يوميا وال يسأم منها‪.‬‬
‫‪.1‬انظر‪:‬حممد خليفة‪ ،‬إشكالية الرباط االجتماعي يف ظل استخدام وسائل االتصال احلديثة وسيلة االنرتنت منوذجا‪،‬مجلة الحوار‬
‫الثقافي‪ ،‬عدد‪ 7‬صيف وخريف ‪.2015‬‬

‫‪326‬‬
‫ورمبا تبقى احلل ول من أج ل إنع اش الرابط ة القرابي ة وعودهتا إىل التواص ل احلقيقي‪ ،‬يتمث ل يف‬
‫التقنني من وسائل التواصل االجتماعي واألنرتنت‪ ،‬وذلك مبسامهة من اآلباء وكبار السن‪ ،‬مثلما‬
‫شاهدناه بصورة مت تداوهلا إلكرتونيا‪ ،‬لسيدة تركية اضطرت إىل جتميع اهلواتف النقالة‪ ،‬يف كل‬
‫جتمع أسري على أن ال أحد يستلم جواله إال عندما يريد مغادرة جملس القرابة‪ ،‬ملنع االنشغال‬
‫بالفايسبوك عن التجمعات العائلية والقرابية‪.‬‬

‫إذن كانت هذه الدراسة للوقوف على طبيعة الروابط القرابية وقوهتا يف اجملتمع احلضري‪،‬‬
‫فتبني أن الروابط القرابية مل تضعف بالصورة اليت صورها البعض بالرغم من ترك مكان اإلقامة‬
‫األص لي أو اإلقام ة يف مك ان جدي د‪ ،‬بك ل متغريات ه‪ ،‬وإن ك ان ذل ك ال ينفي ح دوث تغ ري يف‬
‫الرواب ط القرابي ة ولكن ليس ت بالص ورة ال يت يتوقعه ا البعض من تفك ك كام ل لك ل مجاع ات‬
‫القرابة‪.‬‬
‫ومن هذا ميكن القول أن األسرة ميكن هلا االحتفاظ بروابطها القرابية يف ظل اجملتمع احلضري‬
‫إال أن الثقافة احلضرية قد تسيطر بشكل كبري على السلوك‪ ،‬ولكن العامل القوي الذي بإمكانه‬
‫أن جيعل اجملتمعات اإلسالمية حتافض على روابطها القرابية‪ ،‬هو عامل الدين‪ ،‬فالحظنا أن أفراد‬
‫جمتمع البحث يدركون مدى أمهية صلة الرحم يف الدين‪ ،‬واجملتمع‪ ،‬وخاصة مع العائلة الكبرية‪،‬‬
‫أي األق ارب من الدرج ة األوىل‪ ،‬فكلهم يؤك دون على أن اآلب اء واإلخ وة هم األف راد ال ذين‬
‫يستحقون الصلة بدرجة كبرية‪ ،‬وما عداهم غري ضروري يكون غالبا يف املناسبات فقط‪ ،‬حيث‬
‫يدل هذا على أن جمتمع الدراسة‪ ،‬جمتمع متماسك يف عالقاته القرابية‪ ،‬للدرجة القرابية األوىل‬
‫املتمثلة يف الوالدان والرابطة موجودة ليست ضعيفة‪ ،‬لكن اإلشكال هنا هو أن األفراد ابتعدوا‬
‫عن األقارب البعيدين كاألعمام واألخوال وأبنائهم‪ ،‬علما أهنم يعتربون صلة رحم أيضا‪.‬‬
‫فعلى رغم من التحض ر املوج ود يف اجملتم ع احمللي املدروس‪ ،‬ف إن الرواب ط والعالق ات القرابي ة‬
‫وأمناط املس اعدة بني األس ر تبقى متواص لة‪ ،‬ه ذه األمناط املتعلق ة باملس اعدة والتع اون تن درج‬
‫أساس ا يف تب ادل اخلدمات‪ ،‬واهليئ ات واملس اعدات املالي ة‪ ،‬إض افة إىل ذل ك تُعت رب األنش طة‬
‫االجتماعي ة وظ ائف رئيس ية‪ ،‬لش بكة الرواب ط القرابي ة وأش كاهلا األساس ية‪ ،‬تتمث ل يف تب ادل‬

‫‪327‬‬
‫الزيارات العائلية واالشرتاك يف أنشطة ترفيهية‪ ،‬باعتبار أن زيارة األقارب هي نشاط رئيسي يف‬
‫جل املنازل احلضرية‪ ،‬وأبرز دليل على عدم زوال الروابط القرابية هو اخلدامات واملساعدات‬
‫اليت تقدم من التسوق‪ ،‬واملرافقة والعناية باألطفال‪ ،‬تقدمي النصيحة واملشورة‪ ،‬واملساعدات اليت‬
‫تقدم خاصة يف األفراح واملناسبات وخالل األزمات اليت متر هبا األسرة‪ ،‬وكذا خالل احلوادث‬
‫واملشاكل والشجارات وغريها‪.‬‬

‫وتبقى طبيع ة الرواب ط االجتماعي ة القرابي ة تق وم على عام ل ال دين وال واجب‪ ،‬خاص ة م ع‬
‫الوالدان واإلخوة‪ ،‬ولكن طبيعتها ختتلف مع غري هؤالء األقارب ليتدخل فيها اجلانب العقالين‪،‬‬
‫وتتدخل املصلحة والفائدة كما يقول أفراد العينة على األقارب الذي يصلون أقارهبم سوف‬
‫يعاملون باملثل يف غالب األحيان‪ ،‬مبعين تصلين أصلك‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‬ ‫‪-‬‬


‫‪.I‬المصادر‬
‫‪.1‬ابن خلدون عبد الرمحان‪ ،‬المقدمة‪ ،A‬دراسة واعتناء أمحد الزعيب‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار األرقم‬
‫ابن أيب األرقم للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬ب‪،‬س‪.‬‬
‫‪.2‬النووي حمي الدين أيب زكريا حيىي بن شرف‪ ،‬رياض الصالحين‪ ،‬منشورات دار مكتبة‬
‫احلياة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ب‪،‬س‪.‬‬
‫‪.3‬صابوين حممد علي‪ ،‬صفوة التفاسير‪ ،‬ثالث جملدات‪ ،‬اجمللد الثاين‪ ،‬بيـروت‪ ،‬دار القرآن‪،‬ط‪،7‬‬
‫‪.1981‬‬

‫‪.4‬خمتصر‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬عني مليلة‪.1999 ،‬‬

‫‪329‬‬
‫‪.II‬المراجع‪ A‬باللغة‪ A‬العربية‬
‫‪.1‬الكتب‬
‫‪.1‬أبراش إبراهيم‪ ،‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬األردن‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪.1998 ،‬‬

‫‪.2‬ابراهيم عثمان وقيس النوري‪ ،‬التغير االجتماعي‪ ،‬الشركة العربية املتحدة للتنسيق‬
‫والتوريدات‪ ،‬مصر القاهرة ‪.2008 ،‬‬

‫‪.3‬إبراهيم حممد عباس‪ ،‬التصنيع والتحضر دراسة أنثروبولوجية لمدينة كيما بأسوان‪ ،‬دار‬
‫املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪.2001،‬‬

‫‪.4‬أبوزهرة حممد ‪،‬محاضرات في المجتمع االسالمي‪ ،‬معهد الدراسات االسالمية‪ ،‬مصر‪،‬‬


‫القاهرة‪ ،‬ب س‪5 .‬‬
‫‪.5‬أبوزيد أمحد‪ ،‬البناء االجتماعي‪ ،‬مدخل لدراسة اجملتمع‪ ،‬األنساق‪،‬ج‪ ،2‬اهليئة العامة للكتاب‬
‫مصر‪ ،‬االسكندرية‪.1979،‬‬
‫‪.6‬أبو مغلي عماد عادل‪ ،‬العالقات االجتماعية‪ ،‬دار الكندي‪ ،‬األردن‪ ،‬أريد‪ ،‬ط‪.2009 ،1‬‬

‫‪.7‬أجريون شارل روبريت‪ ،‬تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬تر‪:‬عيس عصفور‪ ،‬ط‪ ،3‬منشورات‬
‫عويدات لبنان‪ ،‬بريوت‪.1990 ،‬‬

‫‪.8‬أمحد غنيم حممد‪ ،‬المدينة دراسة في األنثربولوجيا الحضرية‪ ،A‬دار املعارف اجلامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية ‪.1987‬‬

‫‪.9‬األبياري عواطف فيصل‪ ،‬المدينة‪ A‬والتحضر‪ ،‬دار النهضة العربية مصر‪ ،‬القاهرة‪.1986،‬‬
‫‪.10‬األمحر أمحد سامل‪ ،‬علم االجتماع األسرة بين التنظير والواقع المتغير‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اجلديد املتحدة‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1،2004‬‬
‫‪.11‬اجلابري حممد عابد‪ ،‬العصبية و الدولة‪ A،‬معالم نظرية خلدونية في التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1982 ،1‬‬

‫‪330‬‬
‫‪.12‬اجلوهري حممد واخلرجيي عبد اهلل‪ ،‬مناهج البحث في علم االجتماع ج‪ ،2‬السعودية‪،‬‬
‫جدة ط‪ ،2‬دار الشروق جدة‪.1980،‬‬

‫‪.13‬اجلوهري حممد ‪،‬األنثروبولوجيا‪:‬أسس‪ A‬نظرية‪ A‬و تطبيقات‪ A‬عملية‪،‬دار املعرفة اجلامعية ‪،‬‬
‫مصر ‪. 1999‬‬

‫‪.14‬احلسن احسان حممد‪ ،‬المدخل إلى علم االجتماع‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫لبنان بريوت‪. 1988 ،‬‬

‫‪.15‬احلسن إحسان حممد‪ ،‬النظريات االجتماعية المتقدمة‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫ط‪2005 ،1‬‬
‫‪.16‬احلسن احسان حممد‪ ،‬العائلة‪ A‬والقرابة والزواج‪ ،A‬دار الطليعة‪ ،‬ط‪ ،2‬األردن‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪.1985‬‬
‫‪.17‬احلصري ساطع‪ ،‬دراسات عن مقدمة ابن خلدون‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪،‬‬
‫‪.1961‬‬
‫‪.18‬اخلشاب مصطفى‪ ،‬دراسات في االجتماع العائلي‪،‬لبنان‪،‬بريوت‪،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪1985‬‬

‫‪.19‬اخلشاب مصطفى سامية‪ ،‬النظرية‪ A‬االجتماعية ودراسة األسرة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر ‪1982‬‬

‫‪.20‬اخلواجة حممد ياسر‪ ،‬علم االجتماع الحضري بين الرؤية النظرية‪ A‬والتحليل الواقعي‪،‬‬
‫دار ومكتبة االسراء للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪،‬ط‪.1،2008‬‬
‫‪.21‬اخلويل سناء‪ ،‬األسرة والحياة‪ A‬العائلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪.2009،‬‬

‫‪.22‬الدقس حممد‪ ،‬التغير االجتماعي بين النظرية‪ A‬والتطبيق‪ ،‬دار جمدالوي‪ ،‬عمان ‪ ،‬االردن‪،‬‬
‫‪.1996‬‬

‫‪331‬‬
‫‪.23‬السمالوطي نبيل حممد توفيق ‪،‬البناء النظري لعلم االجتماع‪ ،‬دار الكتب اجلامعية ‪،‬ج‪،1‬‬
‫مصر‪ ،‬االسكندرية‪1974 ،‬‬

‫‪.24‬السمالوطي نبيل حممد توفيق‪،‬علم االجتماع التنمية‪ ،‬ط ‪ ،2‬االسكندرية‪ ،‬اهليئة املصرية‬
‫العامة للكتاب‪1978 ،‬‬

‫‪.25‬السمالوطي نبيل‪ ،‬الدين والبناء العائلي‪،‬ج‪ ،1‬دار الشروق‪ ،‬السعودية‪ ،‬جدة‪.1981،‬‬

‫‪.26‬السويدي حممد‪ ،‬مقدمة‪ A‬في دراسة اﻟﻤﺠتمع‪ A‬الجزائري‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫اجلزائر‪،‬ب‪،‬س‪.‬‬

‫‪.27‬السيد حنفي عوض‪ ،‬علم اإلنسان‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪2010‬‬

‫‪.28‬السيد الشخصي عبد العزيز‪ ،‬علم النفس‪ A‬االجتماعي‪ ،‬مكتب القاهرة للكتاب‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫القاهرة ‪،‬ط‪.2001 ،1‬‬
‫‪.29‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪ ،‬مدخل نظري‪ ،‬ج‪ ،1‬دار املعرفة‬
‫اجلامعية‪،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪1990 ،‬‬
‫‪.30‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم اإلجتماع الحضري‪ ،‬ج‪ 2‬دار املعارف اجلامعية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪. 1996 ،‬‬

‫‪.31‬السيد عبد العايل ‪،‬علم االجتماع الحضري‪،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬مصر‪،‬اإلسكندرية‪،‬‬


‫‪.1997‬‬

‫‪.32‬السيد يسني ‪،‬مجال زكي‪،‬أسس البحث االجتماعي‪،‬دار الفكر العريب‪،‬مصر‪،‬القاهرة‪،‬‬


‫‪.1962‬‬

‫‪.33‬الصغري عمار‪،‬الفكر العلمي عند ابن خلدون‪،‬اجلزائر‪،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪.1984 ،‬‬

‫‪332‬‬
‫‪.34‬الطنويب حممد عمر‪ ،‬التغير االجتماعي‪ ،‬منشأة املعارف باإلسـكندرية‪ ،‬جـالل حـزي‬
‫وشـركائه‪ ،‬جامعـة اإلسـكندرية‪ ،‬وجامعة عمر املختار ليبيا‪.1996 ،‬‬

‫‪.35‬العتوم عدنان يوسف‪ ،‬علم النفس‪ A‬الجماعة‪ ،A‬إثراء علم النفس للتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫ط‪. 2008 ،1‬‬

‫‪.36‬العطوي عبد اهلل‪ ،‬جغرافية المدن‪ ،‬ج‪،3‬دار النهضة العربية‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪2003،‬‬

‫‪.37‬العقيل حممد بن عبد العزيز‪ ،‬حقيبة مهارات االتصال‪ ،‬مركز التنمية األسرية باألحساء‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬ه‪1430‬‬
‫‪.38‬الفوال صالح مصطفى‪ ،‬علم االجتماع البدوي‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪.39‬الفوال صالح مصطفى‪ ،‬التصور القرآين للمجتمع‪ ،‬األنساق والنظم االجتماعية‪ ،‬دار‬
‫الفكر العريب‪ ،‬مصر‪،‬ب‪،‬س‪.‬‬
‫‪.40‬املنجي حامد ‪ ،‬توظيف مفهوم العصبية في دراسة المجتمع العربي المعاصر‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫صفاقص‪ ،‬ط‪.1،2004‬‬
‫‪.41‬الكردي حممود‪ ،‬التحضر دراسة إجتماعية‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪.1986 ،‬‬

‫‪.42‬الكردي حممود‪ ،‬التحضر دراسة إجتماعية القضايا والمناهج‪ ،‬دار قطري بن الفجاءة‪،‬‬
‫الدوحة‪.1998 ،‬‬

‫‪.43‬الكندري أمحد‪ ،‬علم النف ــس األسري‪ ،‬مكتبة الفالح للنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪2005‬‬

‫‪.44‬النعيم عزيزة عبد اهلل العلي‪ ،‬التنظيم اإلجتماعي الحضري‪ ،‬املعهد العريب إلمناء املدن‪،‬‬
‫السعودية‪.1991 ،‬‬
‫‪.45‬النوري قيس‪ ،‬األنثروبولوجيا الحضرية بين التقليد والعولمة‪ ،A‬مؤسسة محادة للدراسات‬
‫اجلامعية والنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.1،2001‬‬

‫‪333‬‬
‫‪.46‬بن أمحودة حممد‪ ،‬األنثروبولوجيا البنيوية أو حق االختالف‪ ،‬ط‪ ،1‬دار حممد علي‬
‫احلامي‪ ،‬تونس‪ ،‬صفاقس ‪.1987،‬‬
‫‪.47‬بن نيب مالك‪ ،‬ميالد المجتمع‪ ،‬شبكة العالقات‪ A‬االجتماعية‪ ،‬تر‪:‬عبد الصبور شاهني‪ ،‬ج‬
‫‪ 1‬ط‪ ،3‬دار الفكر‪ ،‬احلراش‪ ،‬اجلزائر‪.1986،‬‬

‫‪.48‬بن نيب مالك‪ ،‬شروط النهضة‪ ،‬تر‪:‬عمركامل مسقاوي‪ ،‬عبد الصبور شاهني‪ ،‬ط‪ ،4‬دمشق‬
‫‪ ،‬سوريا‪ ،‬دار الفكر بالتعاون مع امللكية لإلعالم‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬احلراش‪.1987،‬‬
‫‪.49‬بسيوين رسالن‪ ،‬السياسة واالقتصاد عند ابن خلدون‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار قباء‪1999 ،‬‬

‫‪.50‬بوحوش عمار‪ ،‬دليل الباحث في المنهجية وكتابة الرسائل الجامعية‪ ،A‬املؤسسة الوطنية‬
‫للكتاب‪1985 ،‬‬

‫‪.51‬بوذراع أمحد‪ ،‬التطور الحضري والمناطق المختلفة في المدن‪ ،‬منشورات طبعة باتنة‬
‫اجلزائر‪ ،‬ب‪،‬س‪.‬‬

‫‪.52‬بوطالب جنيب حممد‪ ،‬سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ .53‬بوخملوف حممد‪ ،‬التحضر‪ ،‬دار األمة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪.1،2001‬‬
‫‪.54‬بوخملوف حممد‪ ،‬الروابط االجتماعية ومشكلة الثقة‪ ،‬من الروابط االجتماعية في‬
‫المجتمع الجزائري‪ A،‬يف فعاليت امللتقى الوطين الرابع لقسم علم االجتماع‪ ،‬يوم‪6‬و‪7‬نوفمرب‬
‫‪ ،2006‬منشورات كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة اجلزائر‪. 2008-2007،‬‬

‫‪ .55‬بوحيياوي عبد الكرمي‪ ،‬تفكك الرابطة االجتماعية عرب وسائل االتصال من األنوميا إىل‬
‫ظاهرة اخلواء االجتماعي‪ ،‬من الروابط االجتماعية في المجتمع الجزائري‪ ،A‬فعاليات امللتقى‬
‫الوطين الرابع لقسم علم االجتماع‪ ،‬يوم‪6‬و‪7‬نوفمرب‪ ،2006‬منشورات كلية العلوم االنسانية‬
‫واالجتماعية جامعة اجلزائر ‪.2007،2008‬‬

‫‪334‬‬
‫‪.56‬تيليون جرمني‪ ،‬الحريم وأبناء العم‪ A‬تاريخ النساء في مجتمعات المتوسط‪ ،‬تر‪:‬عز الدين‬
‫اخلطايب وإدريس الكثري‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الساقي‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪.1966،2000 ،‬‬
‫‪.57‬توشار جان‪ ،‬تاريخ الفكر السياسي‪ ،‬تر ‪:‬علي مقلد‪ ،‬ط‪ ،2‬الدار العاملية للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت ‪.1983‬‬
‫‪.58‬جابر عوض سید‪،‬التكنولوجیا والعالقات‪ A‬االجتماعیة ‪،‬دار املعرفة اجلامعیة‪. 1996 ،‬‬
‫‪.59‬جغلول عبد القادر ‪،‬تاريخ الجزائر الحديث‪ ،‬دراسة سوسيولوجية‪ ،‬تر‪:‬عباس فيصل‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار احلداثة مع ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬ط‪1983‬‬
‫‪.60‬مجيل سعيد‪ ،‬دراسات في المجتمع العربي‪ ،‬دار اخلليج للصحافة والطباعة والنشر‪،‬‬
‫الشارقة‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪.1987،‬‬
‫‪.61‬محداوي حممد‪ ،‬القرابة والسلطة عند ابن خلدون‪ ،‬البذور الجنينية لألنثربولوجيا‬
‫السياسية‪ ،‬وقائع امللتقى أي مستقبل لالنثربولوجيا يف اجلزائر‪ ،‬تيميمون‪1999 ،‬‬
‫‪.62‬حسن السعايت سامية‪ ،‬السحر والمجتمع‪،‬دراسة نظرية ميدانية‪ ،A‬ط‪ ،2‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫دار النهضة العربية‪.1983 ،‬‬

‫‪.63‬حي الدين خمتار‪ ،‬محاضرات في علن النفس‪ A‬االجتماعي‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‬
‫اجلزائرية‪.1986 ،‬‬
‫‪.64‬خروف محيد وآخرون‪ ،‬اإلشكاالت النظرية‪ A‬والواقع‪ A،‬دار البعث‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬قسنطينة‪،‬‬
‫‪.2007‬‬

‫‪.65‬خريف حسني‪ ،‬المدخل إلى االتصال والتكيف االجتماعي‪ ،‬خمرب علم اجتماع االتصال‬
‫للبحث والرتمجة‪ ،‬جامعة قسنطينة‪.2005 ،‬‬
‫‪.66‬خليل تركية هباء الدين‪ ،‬علم االجتماع العائلي ‪،‬ط‪ ،1‬األهايل للنشر‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫سوريا‪.‬ب‪،‬س ‪.67‬خواجة عبد العزيز‪ ،‬العالقات االجتماعية في النص‪ A‬القرآني‪ ،‬دراسة‬
‫سوسيولوجية‪ ،‬دار صفحات للدراسة والنشر‪ ،‬سورية‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.2007 ،1‬‬

‫‪335‬‬
‫‪.68‬رشوان حسن عبد احلميد أمحد‪ ،‬األنثروبولوجيا في المجالين النظري والتطبيقي‪A،‬‬
‫املكتب اجلامعي احلديث‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪.& 2003،‬‬

‫‪.69‬رشوان حسني عبد احلميد أمحد‪ ،‬المدينة دراسة في علم االجتماع الحضري‪ ،‬مؤسسة‬
‫شباب اجلامعة‪ ،‬مصر‪،‬اإلسكندرية‪،‬ب‪،‬س‪.‬‬

‫‪.70‬رشوان حسني عبد احلميد‪ ،‬مشكالت المدينة‪ ،‬املكتب العلمي للكمبيوتر والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪1997 ،‬‬
‫‪.71‬روسو جان جاك‪ ،‬العقد االجتماعي ومبادئ القانون السياسي‪ ،‬تر ‪:‬بولس غامن‪ ،‬اللجنة‬
‫اللبنانية‪ ،‬لبنان‪.1972 ،‬‬
‫‪.72‬روسو جان جاك ‪،‬إميل‪،‬تر‪:‬نظمي لوقا‪ ،‬الشركة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬مصر‪،‬القاهرة‪،‬ب‬
‫س‪.‬‬
‫‪.73‬زائد أمحد‪ ،‬علماء االجتماع بين االتجاهات‪ A‬الكالسيكية والنقدية‪ ،A‬دار املعارف‪،‬‬
‫القاهرة مصر‪.1981 ،‬‬
‫‪.74‬زياد محدان حممد‪ ،‬زواج سليم لبناء أسرة سليمة(بناء‪  ‬األسرة الفعالة)‪ ،A‬دار الرتبية‬
‫احلديثة دمشق‪ ،‬سوريا‪.2006،‬‬

‫‪.75‬سكوت جون‪ ،‬علم االجتماع المفاهيم‪ A‬االساسية‪ ،‬تر‪:‬حممد عثمان‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الشبكة العربية لألحباث والنشر‪،‬ط‪.1،2009‬‬
‫‪.76‬شرايب هشام‪ ،‬البطركية‪ ،‬حبث يف اجملتمع العريب املعاصر‪ ،‬دار الطباعة‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫بريوت‪،‬ب‪،‬س‪.‬‬

‫‪.77‬شفيق وجدي‪ ،‬علم االجتماع الحضري والصناعي‪ ،‬دار مكتبة االسراء‪ ،‬أسيوط‪،‬‬
‫‪2007‬‬

‫‪.78‬شريف فاتن‪ ،‬األسرة والقرابة دراسة أنثروبولوجية اجتماعية‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة‬
‫والنشر ط‪ ،1‬مصر‪ ،‬االسكندرية ‪.2006 ،‬‬
‫‪336‬‬
‫‪.79‬شكري علياء‪ ،‬االتجاهات المعاصرة في دراسة األسرة‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪1996 ،‬‬
‫مصر‪ ،‬القاهرة‬
‫‪.80‬شوقي عبد املنعم‪ ،‬مجتمع المدينة‪ ،A‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1981 ،7‬‬
‫‪.81‬طلعت حممود منال‪ ،‬مدخل إلى علم االتصال‪ ،‬املعهد العايل للخدمة االجتماعية‪ ،‬جامعة‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪.2002 ،‬‬

‫‪.82‬عبد الواحد مصطفى‪ ،‬االسرة في االسالم‪ ،‬دار االعتصام‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪.1980 ،‬‬

‫‪.83‬عاطف غيث حممد‪ ،‬علم االجتماع الحضري مدخل نظري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫بريوت ‪،‬ب‪،‬س‪.‬‬

‫‪.84‬عامر مصباح‪ ،‬المدخل إلى األنثروبولوجيا‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.2010‬‬
‫‪.85‬عباس إبراهيم حممد‪ ،‬علم اإلنسان‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪.2006 ،‬‬
‫‪.86‬عمر اجلوالين فادية‪ ،‬التغير االجتماعي مدخل النظرية‪ A‬الوظيفية‪ A‬لتحليل التغير‪ ،‬مؤسسة‬
‫شباب اجلامعة‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪.1993،‬‬
‫‪.87‬عمر خريي جمد الدين‪ ،‬العائلة‪ A‬والقرابة في المجتمع العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬احتاد اجلامعة العربية‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬عمان ‪.1985‬‬
‫‪.88‬عمر خريي جمد الدين‪،‬العالقات‪ A‬االجتماعية في بعض األسر النووية‪ A‬األردنية‪ ،‬عمان‬
‫اجلامعة األردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪1985،‬‬

‫‪.89‬عبد الرمحان أسامة نور‪،‬البدايات األولى للتنظير األنثروبولوجي‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪2009،‬‬


‫‪.90‬عبد املعطي عبد الباسط‪ ،‬اتجاهات نظرية في علم االجتماع‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫القاهرة ‪. 1981‬‬

‫‪.91‬عوض السيد حنفي‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪ ،‬شركة األمل للطباعة والنشر‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫القاهرة‪.1986 ،‬‬
‫‪337‬‬
‫‪.92‬عوض السيد حنفي‪،‬علم االنسان‪ ،‬دراسات وحبوث يف ثقافة الشعوب واجملتمعات‪ ،‬مصر‬
‫االسكندرية‪.2010،‬‬
‫‪.93‬غامري حممد حسن‪ ،‬مقدمة في االنثروبولوجيا العامة‪ ،A‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬بدون سنة‪.‬‬

‫الصياغ‪ ،‬ط‪ ،4‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬لبنان‪،‬‬


‫‪.94‬غدنز أنتوين‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬تر‪:‬فايز ُ‬
‫بريوت ‪. 2005‬‬

‫‪.95‬غريب حممد سيد أمحد‪ ،‬تشارلز هورتون كولي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬
‫‪.1981‬‬

‫‪.96‬غالب حممد السيد وآخرون‪ ،‬جغرافيا الحضر‪ ،‬دراسة يف تطور احلضر ومناهج البحث‬
‫فيها ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دار الكتب اجلامعية‪.1972 ،‬‬
‫‪.97‬فؤاد محيدو حممد فادية ‪ ،‬البنائية عند ليفي ستروس‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.2006‬‬

‫‪.98‬قباري حممد إمساعيل‪ ،‬علم االجتماع الحضري ومشكالت التهجير والتغيير والتنمية‪،‬‬
‫منشآت املعارف للنشر‪ ،‬مصر‪ ،‬اإلسكندرية‪1986 ،‬‬
‫‪.99‬قباري حممد إمساعيل‪ ،‬أسس البناء االجتماعي‪ ،‬مصر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬منشأة املعارف‪،‬‬
‫‪1989‬‬
‫‪.100‬قرية إمساعيل‪ ،‬علم اإلجتماع الحضري ونظریته‪ ،A‬منشورات جامعة منتوري قسنطينة‪،‬‬
‫‪2004‬‬
‫‪.101‬الكوست ايف‪ ،‬ابن خلدون واضع علم ومقرر استقالل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1954 ،‬‬
‫‪.102‬المربت‪ ،‬وليم‪ ،‬والمربت‪،‬ووالس‪ ،‬علم النفس االجتماعي‪ ،‬تر‪:‬سلوى املال‪،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫الشروق‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة ‪.1993‬‬

‫‪.103‬لبيار جان وليام‪ ،‬السلطة السياسية‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬منشورات عويدات‪.1974،‬‬


‫‪338‬‬
‫‪.104‬حلبايب حممد عزيز‪،‬ابن خلدون معاصرا‪ ،‬تر‪:‬فاطمة جلامعي‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار احلداثة‬
‫للطباعة‪.‬‬
‫‪.105‬لطفي عبد احلميد‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‬
‫‪1977‬‬

‫‪.106‬حمجوب حممد عبده‪ ،‬انثروبولوجيا الزواج‪ A‬واألسرة والقرابة‪ ،A‬دار املعرفة اجلامعبة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬االسكندرية ‪.1985‬‬
‫‪.107‬حمجوب حممد عبده‪ ،‬االتجاه السوسيو أنثروبولوجي في دراسة المجتمع‪ ،‬الناشر‬
‫وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت ‪،‬ب‪،‬س‪.‬‬
‫‪.108‬جمموعة من الباحثني‪ ،‬األسرة والطفولة‪ ،‬دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية‪ ،‬دار‬
‫املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ط‪ ،1‬ب‪،‬س‪.‬‬
‫‪.109‬معتوق مجال‪ ،‬قراءة نقدية يف الروابط االجتماعية‪ ،‬حالة اجملتمع اجلزائري‪ ،‬من الروابط‬
‫االجتماعية في المجتمع الجزائري‪ ،A‬فعاليات امللتقى الوطين الرابع‪ ،‬لقسم علم االجتماع‪،‬‬
‫يومي ‪6‬و‪ 7‬نوفمرب ‪ ،2006‬منشورات كلية العلوم االنسانية واالجتماعية‪ ،‬اجلزائر ‪-2007‬‬
‫‪.2008‬‬
‫‪.110‬مصباح عامر‪ ،‬علم االجتماع الرواد و النظريات‪ ،‬دار األمة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫اجلزائر برج الكيفان‪ ،‬ط‪2006 ،1‬‬

‫‪.111‬معن خليل العمر‪ ،‬علم اجتماع األسرة‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫ط‪.2000 1‬‬
‫‪.112‬معن خليل عمر‪ ،‬البناء االجتماعي أنساقه ونظمه‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬ب‪.‬ت‪.‬‬

‫‪.113‬حممد علي حممد‪ ،‬تاريخ علم االجتماع‪ ،‬الرواد واالجتاهات املعاصرة‪ ،‬دار املعرفة‬
‫اجلامعية ‪ ،‬مصر‪ ،‬االسكندرية‪. 1986 ،‬‬

‫‪339‬‬
‫‪.114‬مغريب عبد الغين‪ ،‬الفكر االجتماعي عند ابن خلدون‪ ،‬تر‪:‬حممد الشريف بن دايل سني‪،‬‬
‫اجلزائر ديوان املطبوعات اجلامعية‪.1988 ،‬‬
‫‪.115‬حممد حافظ‪ ،‬النمو الحضري في المجتمع المصري‪ ،‬دراسة بنائية تارخيية‪ ،‬دار سعيد‬
‫رأفت للطباعة والنشر‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪.1987،‬‬

‫‪.116‬حمدة حممد‪ ،‬الخطبة والزواج‪ ،A‬ج‪ ،1‬اجلزائر‪ ،‬باتنة‪ ،‬مطبعة الشهاب‪ ،‬ط‪.1994 ،2‬‬

‫‪.117‬حمجوب حممد عبده‪ ،‬وآخرون‪ ،‬دراسات في المجتمع البدوي‪ ،A‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬‬
‫األزاريطة‪ ،‬مصر‪. 1998 ،‬‬

‫‪.118‬حمجوب حممد عبده‪ ،‬طرق البحث االنثروبولوجي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬ب‪.‬س‪.‬‬

‫‪.119‬حمجوب حممد عبده‪ ،‬أنثروبولوجية الزواج واألسرة والقرابة‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪1985 ،‬‬
‫‪.120‬نادر طالب شوامرة‪ ،‬علم النفس‪ A‬االجتماعي‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫عمان ط‪.1،2014‬‬

‫‪.121‬نيقوال تيماشيف‪ ،‬نظرية علم االجتماع‪ ،‬طبيعتها وتطورها‪ ،‬ترمجة حممود عودة‬
‫وآخرون‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪8،1983‬‬
‫‪.122‬هيكل سعيد أمحد‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪ ،‬ط‪ ،1‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬عمان‪.2011 ،‬‬
‫‪.123‬وصفي عاطف‪ ،‬األنثروبولوجية الثقافية‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫بريوت ‪. 1981‬‬

‫‪.2‬الموسوعات‬

‫‪340‬‬
‫‪.1‬أبو مصلح عدنان‪،‬معجم‪ A‬علم االجتماع‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع ودار املشرق الثقايف‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬عمان‪،‬ط‪.1،2006‬‬

‫‪.2‬اجلاسور ناظم عبد الواحد ‪،‬موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية‪ A‬والدولية‪ ،A‬ط‪،1‬‬
‫لبنان‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2008،‬‬

‫‪.3‬احلسن احسان حممد‪ ،‬موسوعة علم االجتماع‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‬
‫‪1999‬‬

‫‪.4‬احلنفي عبد املنعم‪ ،‬الموسوعة النفسية‪ ،‬علم النفس والطب النفسي يف حياتنا اليومية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫مكتبة مدبويل‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪2003 ،‬‬

‫‪.5‬أيكه هولتكرانس‪ ،‬قاموس مصطلحات اإلثنولوجية والفلكلور‪ ،‬تر‪:‬حممد اجلوهري وحسن‬


‫الشامي‪ ،‬اهليئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬ط‪.2‬ب‪،‬س‪.‬‬

‫‪.6‬بدوي أمحد زكي‪ ،‬معجم مصطلحات العلوم الجتماعية‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬لبنا‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.1993‬‬
‫‪.6‬بيار بونت ‪ ،‬معجم‪ A‬االثنولوجيا واالنتروبولوجيا‪ ،‬تر‪:‬مصباح الصمد‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫املؤسسة اجلامعية للدراسة والنشر والتوزيع‪2006 ،‬‬

‫‪.7‬بودون‪ ،‬رميون وبوريكو‪ ،‬فرانسوا‪ ،‬المعجم‪ A‬النقدي لعلم االجتماع‪ ،‬تر‪:‬سليم حداد‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪.1986،‬‬
‫‪.8‬دينكن ميشيل‪ ،‬معجم علم االجتماع‪ ،‬تر‪:‬إحسان حممد احلسن‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الطباعة‬
‫والنشر ‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت ‪.1986‬‬

‫‪.9‬رشيد فكار‪ ،‬معجم‪ A‬موسوعي عالمي‪ ،‬دار النشر العاملية فيشر‪ ،‬باريس‪1980 ،‬‬

‫‪341‬‬
‫‪.10‬صاحل بن عبد اهلل بن محيد‪ ،‬عبد الرمحان بن حممد بن عبد الرمحان بن ملوح‪ ،‬موسوعة‬
‫نظرة النعيم في مكارم أخالق الرسول الكريم ‪ ،‬ط‪ 1‬السعودية‪ ،‬جدة‪ ،‬دار الوسيلة للنشر‬
‫والتوزيع ‪.1998 ،‬‬
‫‪.11‬عاطف غيث حممد‪ ،‬قاموس علم االجتماع ‪ ،‬تر‪:‬ابراهيم جابر‪ ،‬دار املعرفة اجلماعية‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬اإلسكندرية‪. 2012 ،‬‬

‫‪.12‬ماشال جوردون‪ ،‬موسوعة علم االجتماع‪ ،‬أوكسفورد‪ ،‬نيويورك‪1994 ،‬‬

‫‪.13‬مداس فاروق‪ ،‬قاموس مصطلحات علم االجتماع‪ ،‬دار مدين للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بدون سنة‪.‬‬

‫‪.14‬معجم اللغة العربية‪،‬المعجم الوسيط ‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬مصر‪،‬ط‪. 4،2004‬‬

‫‪.15‬معتوق فرديريك‪ ،‬معجم‪ A‬العلوم االجتماعية‪ ،‬أكادمييا‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪1998 ،‬‬

‫‪ُ .16‬معن خليل العمر‪ ،‬معجم علم االجتماع المعاصر‪ ،‬األردن ‪،‬عمان‪ ،‬دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع‪. 2000 ،‬‬
‫‪.17‬شاكر مصطفى سليم‪ ،‬قاموس األنثروبولوجيا‪ ،‬إنكليزي عربي‪ ،‬ط‪ .1،1981‬‬

‫‪.18‬خنبة من أساتذة علم االجتماع‪ ،‬المرجع في مصطلحات العلوم االجتماعية‪ ،‬دار املعرفة‬
‫اجلامعية اإلسكندرية‪ ،‬ب‪.‬س‪.‬‬

‫‪.3‬المجالت‬

‫‪.1‬السلمان حممد عودة‪ ،‬الرضاع وأحكامه يف الفقه االسالمي‪ ،‬مجلة البحوث االسالمية‪،‬‬
‫العدد ‪37،1413‬ه‪.‬‬

‫‪.2‬خالد بن فافة‪ ،‬مقاربة سوسيولوجية حلركية السلطة السياسية احمللية يف اجلزائر بلدية السانيا‬
‫منوذجا‪ ،‬مقال جبريدة السفري العريب‪ ،‬فلسطني‪www.arabi.assafir.com. 2013،‬‬

‫‪342‬‬
‫‪. 3‬خليفة حممد ‪،‬إشكالية الرابط االجتماعي يف ظل استخدام وسائل االتصال احلديثة‪ ،‬مجلة‬
‫الحوار الثقافي‪ ،‬العدد ربيع وصيف ‪ ،2015‬جامعة مستغامن‪.‬‬
‫‪.4‬عويف مصطفى‪"،‬خروج املرأة إىل ميدان العمل وأثره على التماسك األسري "‪،‬مجلة العلوم‬
‫اإلنسانية‪ A،‬جامعة منتوري قسنطينة‪ ،‬العدد ‪ 19‬جوان‪.2003،‬‬

‫‪.5‬شرع اهلل ابراهيم‪،‬دور العوامل السوسيوثقافية يف تأسيس الثقافة اجملتمعية لدى الشباب‪،‬مجلة‬
‫الشباب ومشكالت المجتمع‪ ،‬العدد األول‪ ،‬جانفي ‪ ،2013‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪.6‬هاديف مسية‪ ،‬رؤية سوسيولوجية يف مفهوم اهلوية الثقافية والعوملة‪،‬مجلة العلوم االنسانية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬جامعة ‪ 20‬أوت‪ ،1955‬سكيكدة‪ ،‬العدد ‪ 17‬ديسمرب ‪.2014‬‬

‫‪.7‬هواري محزة‪ ،‬مواقع التواصل االجتماعي وإشكالية الفضاء العمومي‪ ،‬مجلة العلوم‬
‫االنسانية‪ A‬واالجتماعية‪ ،‬العدد‪ 20‬سبتمرب‪ ، 2015 ،‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪.4‬الرسائل الجامعية‬

‫‪.1‬بلخضر مزوار‪ ،‬الدين والرباط‪ A‬االجتماعي‪ ،‬رسالة دكتورا‪ ،‬جامعة وهران‪.2002 ،‬‬
‫‪.2‬حامدوش رشيد‪ ،‬االستراتيجيات‪ A‬العالئقية‪ ،‬الرباط‪ A‬االجتماعي وإشكالية التقاليد‪A‬‬
‫والحداثة‪ A،‬من خالل التصورات الشبانية‪ A‬بمدينة الجزائر‪ ،A‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة اجلزائر‪،‬‬
‫‪.2006،2007‬‬
‫‪.3‬سواملية نورية‪ ،‬الرابط االجتماعي الحضري‪ ،‬دراسة سوسيوأنثروبولوجية للعالقات‪A‬‬
‫االجتماعية بين الجيران‪ A‬في حي الهضاب بأرزيو والية وهران‪ ،‬رسالة لنيل شهادة دكتوراه‬
‫علوم يف األنثروبولوجيا‪ ،‬جامعة وهران‪2015، 2014،‬‬

‫‪.4‬عرعور مليكة‪ ،‬األدوار الزواجية في األسرة الجزائرية المعاصرة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة‬
‫قاصدي مرباح‪.2005 ،‬‬

‫‪343‬‬
‫‪.5‬عياشي صباح‪ ،‬االستقرار األسري وعالقته بمقايس التكافؤ والتكامل بين الزوجين في‬
‫ظل مختلف التغيرات التي عرفها المجتمع الجزائري‪ ،A‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة اجلزائر‪،‬‬
‫‪.2008، 2007‬‬
‫‪.6‬حممد محداوي‪ ،‬البنيات االسرية ومتطلباتها الوظيفية‪ A‬في منطقة بني سنوس في النصف‬
‫األول من القرن‪ A‬العشرين‪ A،‬قرى العزايل دموذجا‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة‪ ،‬جامعة وهران‪،‬‬
‫‪.2005‬‬

‫‪.5‬مصادر أخرى‬
‫‪.1‬حجيج جنيد‪ ،‬دروس في منهجية البحث االجتماعي‪ ،‬لدفعة ماجستار اخللدونية وعلم‬
‫االجتماع السياسي‪، 2009، 2008،‬جامعة مستغامن‪.‬‬

‫‪.2‬مكتب االحصائيات ببلدية السانية‬

‫‪.3‬مذكرة احلصيلة السنوية لبلدية السانية‬

‫‪344‬‬
‫المراجع باللغة الفرنسية‬.III

La bibliographie

I. Les Livres

01- ADDI ,L, De L’Algérie précoloniale à L’Algérie coloniale, ENAL,


Alger, 1985.
02-ADDI.L houari, Les mutations de la société algérienne: famille
et lien social ,Paris,la Découverte,1999.
03-ANDREE,Michel, la sociologie de la famille, presses université de
pari, 1978.
04-BEITONE,Alain, sciences sociales ,édition DALLOZ, paris,France,
2002.

05-BOUDAN,Raymond,Dictionnaire de la sociologie , paris, France, la


rousse.

06-BOURDIEU, Pierre,et SAYAD Abdelmalek, Le Déracinement :La


Crise de L'agriculture Traditionnelle en Algérie , Paris , Minuit, 1964.

07-BOURDIEU,Pièrre,Sociologie de l’Algérie,CollQue sais je?n°802,


Paris, PUF,1974.
08-BOUTEFNOUCHET ,Mustafa ,La Famille Algérienne , évolution
et caractéristiques récentes , SNED, Alger, 1982

09-BOUTEFNOUCHET ,Mustafa ,La société Algerienne en transition,


OPU, Alger, 2004

BOUVIER , Pierre, Le lien social,édition Galimard,2005-10

11-CORCUFF, Philippe, De la thématique du « lien social »


àl'expérience de la compassion. Variété des liaisons et des déliaisons
sociales", Pensée plurielle, 2005, n°9.

345
12-FANON,Frantz,les damnés de la terr,la découvert,1961.

13-FARRUGIA ,Francis, La crise du lien social Essai de sociologie


critique L'Harmattan, paris, 1993.

14-GODELIER,Maurice,L’énigme du don,Pari,fayard,1996.

15-GOFFMANE, E,La mise en scène de la vie quotidienne,les éditions de


minuit,Paris , 1973.

16-GOODE, William,J,World revolution and family patterns, New


York: Free Press,1970.
17-GRAFMEYER,Y,Isâac,J,L’école de Chicago,Naissance de l’écologie
urbaine, Aubier,Paris, 1998.

18-GRAWITZ ,Madellene,Méthodes des sciences sociales 8èmeéd,


DALLOZ ,Paris,1990.

19-GRAWITZ,Madellene:lexique des sciences sociales, France, paris,


DALLOZ, 7em,2000.

20-HUGO, G. Nutini, and E.Betty, Bell, Ritual Kinship: The St ructure


and Historical Development of the Compadrazgo System in Rural
Tlaxcala,volum, 1 Princeton University Press, 1980.

21-KATEB,K, la fin du mariage traditionnel en Algérie1876-1998,


Bouchnene ,France,2001.
22-MARQUET, Christophe Janssen, Lien social et internet dans l'espace
privé, Academia, 2012.
23-MAUSS,Marcel,Essai sur le don,3eme édition ,PUF, quadrige, 1989.
24-MENDRAS ,Henri,le sociologue et son terrain,trente recherches
exemplaires ,Armande colin Paris,2000.
25-MEZOUAR,Belakhdar,le lien social en Algérie:Etre projet nationliste
et stratégie identitaire islamiste, Actes de 4ème colloque national de

346
sociologie le lien social en question qu’en savons-nous en Algérie?,
Université d’Alger,2006

26-MIYLLER,D.C,and Form,W.H.industrial sociology,new York:


harper and raw,1964

27- PAUGMAN,S, le lien social, puf,Paris,2008,P4.

28-RAYMOND Quivy et Luc van Campenhoudt,Manuel de recherche


en sciences sociales, 2emedition ,Dunod ,Paris, 1995.

29-STRAUSS ,C,Levi, Structures élémentaires de la parenté, PUF Paris,


1949.

30-T,Parsons, The kinship system of the contemporary united states.


American Anther,1943.
31-TONNIS,F,communoté et la société catégorie fondamentale de la
sociologie pure ,paris,1994

32-JUFFE,Michel, les fondements du lien sociale ,PVF ,paris,1995.

33-W.JOHNSON,David, les relation humaine dans le monde de travail,


édition de renouveau pédagogie,saint lourans, Québec, 1988.
2.Les revues
01-BONTE,Pierre,La tribu:nouvelles approches, revue prologue, N°32
Hiver 2005.
02-BOUHDIBA,A ,Point de vue sur la famille tunisienne actuelle, Revue
tunisienne des sciences sociales ,octobre 1967, N°11.
03-DESCLOITRES ,Robert et, DEBZI Laïd,Système de parenté et
structure familiales en Algérie,in Annuaire de l’Afrique du
nord,Paris,CNRS,1963.

347
04-H. Jannière, V. Devillard "Espace public, communauté et voisinage".
In : les espaces publics modernes. Collectif sous la direction de Picon
Lefebvre. Moniteur,1997, Paris
05-MOKADDEM, A Les effets du programme d’ajustement structurel sur
les ménages algériens" in REVUE DU CENEAP, n°15, Décembre 1999.

3.Dictionnnaires

01-AKOUN A.-ANSART,P , Dictionnaire de sociologie, Le robert,ed


du seuil Paris,1999.
02-Encyclopedia,Universalis,corpus 13,France 1992.

348
‫المالحق‬

‫دليل المقابلة‬

‫المحور األول‪:‬معلومات‪ A‬خاصة باألسر المبحوثة‬

‫‪. 1‬اجلنس‪،‬السن‪،‬املستوى التعليمي‪،‬املهنة‪،‬مكان العمل‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫‪.2‬نوع األسرة (نووية أم كبرية)‪،‬مهنة أفراد األسرة‪ ،‬األصل اجلغرايف لألسرة‪ ،‬املستوى االقتصادي‬
‫لألسر‪.‬‬

‫المحور الثاني‪:‬معلومات خاصة بمسكن إقامة األسرة‬

‫‪ -3‬حتديد األقدمية يف املسكن وإذا انتقلت إليه حديثا ما سبب االنتقال إليه‬

‫‪-4‬نوع السكن‪ :‬مسكن فردي شقة‪ ،‬فيال سكن مجاعي‪ ،‬حوش‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬وسائل االتصال باألقارب‪ A‬في المدينة‬

‫‪ -5‬ه ل املدين ة غرّي ت من طباع ك وقيم ك أم بقيت كم ا هي (يف حال ة اهلج رة من الري ف إىل‬
‫املدينة)؟‬

‫‪ -6‬لديك أقارب يف املنطقة اليت تسكن فيها ؟ أم أهنم بعيدين عن مكان اقامتك؟‬

‫‪-7‬هل تتواصل مع أقاربك؟ وكيف يكون هذا التواصل؟‬

‫‪-8‬كيف تكون زيارتك ألقاربك؟ أسبوعيا‪ ،‬شهريا‪ ،‬يف األعياد واملناسبات‪ ،‬حسب الظروف‪ ،‬ال‬
‫تزورهم أبدا؟‬

‫‪ -9‬يف حالة البعد عن األقارب وعدم رؤيتهم ما هي الوسيلة اليت تتصل هبا معهم ؟‬

‫‪ -10‬يف رأيك هل تعتقد أن املدينة هلا دور يف تغرّي وسائل االتصال ؟و فيما يكمن هذا التغيري؟‬

‫المحور الرابع‪ :‬المجتمع الحضري وطبيعة الروابط القرابية‬

‫‪ -11‬هل لديك أقارب هنا يف املدينة حتتاجهم‪ ،‬وال ميكنك االستغناء عنهم ؟ يف حالة اإلجابة‬
‫بنعم أذكرهم وملاذا ال تستغين عنهم ؟‬

‫‪-12‬هل الزوج أو الزوجة من األقارب؟ يف حالة اإلجابة ب نعم‪ ،‬ما هي درجة القرابة؟‬

‫‪ -13‬م ا ح دود عالقت ك بأقربائ ك؟ ه ل هي يف ح دود‪:‬عالق ات س طحيه تش اور التنفيذ‬


‫أخرى‪....‬ملاذا؟‬

‫‪350‬‬
‫‪ -14‬هل لديك من أقاربك من تتخذه صديق مقرب؟‬

‫‪ - 15‬ه ل بُع دك عن األق ارب (البع د املك اين) جيعل ك ال ت زور أقارب ك أم العكس‪ ،‬رغم البع د‪،‬‬
‫وتكون هناك زيارات؟ كيف ذلك و مىت؟‬

‫‪-16‬ه ل تش اركون أق اربكم يف ال رتويح عن النفس‪ ،‬عن طري ق الزي ارات املتبادل ة؟ إذا ك انت‬
‫اإلجابة ب نعم حتدد أيام و أوقات الرتويح؟ وإذا كانت ب ال‪ ،‬حيدد السبب؟‬

‫‪ -17‬هل تتبادلون بعض اخلدمات مع أقاربكم؟ يف حالة اإلجابة ب نعم‪ ،‬حتدد هذه اخلدمات؟‬
‫ويف حالة ال يذكر السبب؟ مثال يف حالة احتياجك للمال‪ ،‬هل تقرتض من األقارب أم األصدقاء؟‬

‫‪- 18‬عندما حتتاج للمساعدة‪ ،‬من هو ّأول شخص تتواصل معه؟ هل من أقربائك ام أشخاص‬
‫آخرين؟ ويف كلتا اإلجابتني يذكر السبب؟‬

‫‪-19‬يف األعراس و املناسبات وحىت املآمت‪ ،‬كيف تكون هذه املمارسات؟ هل مقتنع هبا وتعجبك‬
‫أم العكس وملاذا؟‬

‫‪-‬المحور الخامس‪ :‬تغيّر نمط األسرة وضعف الروابط القرابية داخل المجتمع الحضري‬

‫‪ -20‬ما نوع األسرة اليت تعيشون فيها حاليا؟ (أسرة نووية أم كبرية)‬

‫‪ -21‬كيف هي عالقتك مع أفراد أسرتك ؟ جيّدة أم العكس؟‬

‫‪-22‬كيف ترى احلياة يف أسرة نووية ؟‬

‫‪ -23‬ه ل تش عر بالراحة يف أس رتك النووية‪ ،‬وه ل االس تقاللية عن أف راد عائلت ك‪ ،‬جتعلك بعي د عن‬
‫الصراع األسري ؟‬

‫‪ -24‬كزوج أو زوجة‪ ،‬كيف تستقبلون أقاربكم ؟ ماهي الطريقة ؟‬

‫‪ -25‬يف حال ة ح دوث ف رح أو ح زن‪ ،‬يف اح د من ازل أقارب ك‪،‬كي ف يك ون التص رف داخ ل ه ذا‬
‫املنزل؟كصاحب بيت‪ ،‬أم كضيف أو غريب عن البيت؟‬

‫‪351‬‬
‫‪-26‬يف املناسبات كاألعراس مثال‪ ،‬كيف تكون اهلدايا غالية الثمن أم متوسطة؟ أم هي حسب معزة‬
‫ودرجة القرابة يف رأيك؟‬

‫‪ -27‬مباذا تصف العالقات القرابية اليوم؟‬

‫‪-28‬يقول الدين االسالمي أن زيارة األقارب أي صلة الرحم واجبة‪ ،‬مارأيك يف ذلك؟ وهل تقوم‬
‫بالزيارات باستمرار؟‬

‫‪ -‬المحور السادس‪ :‬الثقافة‪ A‬الحضرية و دورها في تغيّر الروابط القرابية‪.‬‬

‫التغري يف نظرك؟‬
‫‪ -29‬هل وسائل التواصل احلديثة‪ ،‬هلا دور يف التواصل القرايب ؟ وفيما يكمن هذا ّ‬
‫‪-30‬هل العيش يف املدينة هو الذي فرض عليك الزواج االغرتايب‪ ،‬الذي يعين الزواج خارج دائرة‬
‫القرابة؟‬

‫‪ -31‬هل الفرد يتعامل مع غري أقاربه يف حياته‪ ،‬وحياة أسرته بدال من االعتماد على أقاربه؟ ملاذا ؟‬

‫‪ -32‬ه ل ارتف اع األج ر أوال دخل األس ري ل ه دور يف تغرّي العالق ات القرابي ة وبالت ايل التغرّي يف منط‬
‫األسرة؟‬

‫‪ -33‬كيف هي العالقات بني األقارب إذا قارناها باملاضي واحلاضر؟‬

‫‪352‬‬
‫مدينة السانيا‬

‫الخريطة رقم ‪: 1‬خريطة صماء لبلدية السانيا‬

‫الخريطة رقم ‪:2‬الموقع لحي الرائد شريف يحي‬

‫‪353‬‬
‫جدول رقم ‪ 7‬يتظمن المنشاءات القاعدية لمدينة السانية حسب احصائيات ‪2008‬‬

‫البريد‬
‫مؤسسات‪ A‬تربوية‬ ‫ثقافة ورياضة‬ ‫والمواص‬ ‫الالئحة‬ ‫القطاع‬
‫الت‬
‫مر‬ ‫قاعة‬
‫ملع مرك‬ ‫وك‬ ‫قبا‬ ‫قاع‬ ‫مر‬
‫دار‬ ‫ك‬ ‫متعد‬
‫متوس ثانوي‬ ‫مدا‬ ‫ز‬ ‫ب‬ ‫ضة الة‬ ‫ة‬ ‫كز‬ ‫مست‬
‫الشب‬ ‫ز‬ ‫دة‬ ‫سنة ‪2008‬‬
‫ات‬ ‫رس طات‬ ‫ريا‬ ‫بلد‬ ‫بري‬ ‫بري‬ ‫ص عال‬ ‫شفى‬
‫اب‬ ‫ثقا‬ ‫الخد‬
‫ي ضي‬ ‫دية دية‬ ‫حي ج‬
‫في‬ ‫مات‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫السا‬
‫‪02‬‬ ‫‪07‬‬ ‫‪27 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪00‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬ ‫نية‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫البلدي الك‬
‫‪02‬‬ ‫‪08‬‬ ‫‪08 00‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪01‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ات رمة‬
‫سيد‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ي‬
‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪32 00‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪00‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪4‬‬ ‫شح‬
‫مي‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مجموع‪A‬‬
‫‪05‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪69 01‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪04‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪03‬‬ ‫‪01‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الدائرة‬

‫الجدول رقم ‪ 8‬يوضح التركيب النوعي والعمري (البنية الديمغرافية)‬

‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫الفئات العمرية‬ ‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫اجلنس‬


‫‪31,60‬‬ ‫‪29334‬‬ ‫أقل من ‪ 15‬سنة‬ ‫‪50,43‬‬ ‫‪46816‬‬ ‫ذكور‬
‫‪62,43‬‬ ‫‪57951‬‬ ‫‪ 15-59‬سنة‬ ‫‪49,67‬‬ ‫‪46010‬‬ ‫إناث‬
‫‪97,5‬‬ ‫‪5541‬‬ ‫‪ 60‬سنة فأكثر‬ ‫‪100‬‬ ‫‪92826‬‬ ‫اجملموع‬
‫‪100‬‬ ‫‪92826‬‬ ‫اجملموع‬

‫‪354‬‬
‫الجدول رقم ‪ 9‬توزيع عدد السكان حسب التجمعات السكنية لبلدية السانيا‬

‫تجمع ثانوي‬
‫تجمع‬ ‫التجمع‬
‫رائد‬
‫مجموع‬ ‫رئيسي‬ ‫عين‬ ‫المنطقة‬
‫بوعمامة‬ ‫شكالوة‬ ‫شريف‬
‫السانية‬ ‫المبعثرة البيضاء‬ ‫الجنس‬
‫يحي‬
‫‪46816‬‬ ‫‪24712‬‬ ‫‪519‬‬ ‫‪858‬‬ ‫‪4474‬‬ ‫‪18861‬‬ ‫‪1074‬‬ ‫العدد‬ ‫ذكور‬
‫‪50,43‬‬ ‫‪50,67‬‬ ‫‪49,47‬‬ ‫‪49,94‬‬ ‫‪50,62‬‬ ‫‪50,76‬‬ ‫‪51,31‬‬ ‫‪%‬‬
‫‪46010‬‬ ‫‪24049‬‬ ‫‪530‬‬ ‫‪860‬‬ ‫‪4364‬‬ ‫‪18295‬‬ ‫‪1019‬‬ ‫العدد‬ ‫إيناث‬
‫‪49,56‬‬ ‫‪49,32‬‬ ‫‪50,52‬‬ ‫‪50,05‬‬ ‫‪49,37‬‬ ‫‪49,23‬‬ ‫‪48,68‬‬ ‫‪%‬‬
‫‪92826‬‬ ‫‪48761‬‬ ‫‪1049‬‬ ‫‪1718‬‬ ‫‪8838‬‬ ‫‪37156‬‬ ‫‪2093‬‬ ‫العدد‬ ‫مجموع‪A‬‬
‫‪100‬‬ ‫‪52,00‬‬ ‫‪1,00‬‬ ‫‪1,00‬‬ ‫‪9,00‬‬ ‫‪40,00‬‬ ‫‪2,00‬‬ ‫‪%‬‬

‫الجدول رقم ‪ 11‬توزيع السكان والعائالت حسب احصائيات ‪.2008‬‬

‫عدد السكان‬ ‫عدد المساكن‬


‫عدد العائالت‬
‫عد‬
‫إست‬ ‫عدد‬ ‫نو‬
‫المج‪A‬‬ ‫المجم‪A‬‬ ‫المجم‪A‬‬ ‫عدد‬ ‫د‬
‫عما‬ ‫المقا‬ ‫ع‬
‫مال‬ ‫إنا‬ ‫مرف موع‬ ‫غا‬ ‫حا‬ ‫وع‬ ‫مشغ‬ ‫وع‬ ‫البنا‬ ‫األ‬
‫ذكو‬ ‫ل‬ ‫شا‬ ‫طعا‬ ‫المن‬
‫حظ‬ ‫ث‬ ‫‪=1‬‬ ‫ضرة ئبة وض‬ ‫‪2=1‬‬ ‫ول‬ ‫‪=1‬‬ ‫جزا ءات‬
‫ر‪2‬‬ ‫مهن‬ ‫غر‬ ‫ت‬ ‫طقة‬
‫ة‬ ‫‪3‬‬ ‫‪+2‬‬ ‫ة‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪+3+‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2+3‬‬ ‫ء‬
‫ي‬
‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪+4‬‬
‫‪4‬‬
‫المن‬
‫طقة‬
‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪39‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪390‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪408‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪04‬‬ ‫المب‬
‫‪19‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪8‬‬
‫عثر‬
‫ة‬
‫الم‬
‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪39‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪390‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪408‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪04‬‬ ‫جم‬
‫‪19‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪8‬‬
‫وع‬
‫عين‬
‫‪2‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪701‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪719‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪51‬‬ ‫البي‬
‫‪E.‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪39‬‬
‫‪V‬‬
‫‪73‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ضا‬
‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪9‬‬
‫ء‬

‫‪355‬‬
‫شري‬
‫‪16‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪206‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪15‬‬ ‫ف‬
‫‪E.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪V‬‬
‫‪64‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪4‬‬ ‫يح‬
‫ي‬
‫مفت‬
‫‪86‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪41‬‬ ‫رق‬
‫‪/‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪408‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪422‬‬ ‫‪07‬‬ ‫‪01‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫الط‬
‫رق‬
‫بوع‬
‫‪53‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪22‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪247‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪244‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪01‬‬ ‫مام‬
‫‪0‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬
‫ة‬
‫‪24‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪3‬‬ ‫الم‬
‫‪88‬‬ ‫‪932‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪992‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪68‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪04‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪51‬‬ ‫جم‬
‫‪79‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪06‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪9‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪9‬‬ ‫وع‬
‫الت‬
‫جم‬
‫‪22‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪807‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪871‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪60‬‬ ‫ع‬
‫‪E.‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪03‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪45‬‬
‫‪V‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪08‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الرئ‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪6‬‬
‫يس‬
‫ي‬
‫الم‬
‫‪40‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫جم‬
‫‪14‬‬ ‫‪177‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪190‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪E.‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪11‬‬ ‫وع‬
‫‪V‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪0‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫العا‬
‫م‬

‫‪356‬‬

You might also like