Professional Documents
Culture Documents
طبيعة الرابطة الاجتماعية في المجتمع الحضري
طبيعة الرابطة الاجتماعية في المجتمع الحضري
1
الف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهرسA
02 -مقدمة Aعامة
29 -تمهيد
67 -تمهيد
2
68 .1.1الرابطة االجتماعية يف الفكر اخللدوين (العصبية كرابطة اجتماعية قرابية)
74 .2.1الرابطة االجتماعية عند مالك بن نيب (من خالل شبكة العالقات االجتماعية)
78 .3.1الرابطة االجتماعية عند املدرسة الفرنسية :أوغست كومت ،إميل دوركايم
84 .4.1الرابطة االجتماعية عند املدرسة األملانية :تونيز فرديناند ،ماكس فيبر
96 .1.2النظرية النفسية االجتماعية :ابن خلدون ،ماكس فيبر ،جورج زيمل ،تونيز،
شنلجر
3
.3.2رشيد محادوش:االسرتاتيجية العالئقية،الرباط االجتماعي ،وإشكالية التقاليد
123
من خالل التصورات الشبانية يف اجلزائر واحلداثة
133 -متهيد
4
146 .4الكثافة السكانية والعمران
الفصل الرابع A:رابطة القرابة بالسانيا حي الرائد شريف يحي -مقاربة نظرية ميدانيةA-
155 -تمهيد
5
183 .1.4األسرة
191 .2.4البدنة
191 .3.4العشرية
193 .5.4القبيلة
6
203 .2الدرجة الثانية القرابة الثانوية
الفصل الخامس :مظاهر الروابط االجتماعية القرابية بحي الرائد Aشريف يحي
216 -متهيد
7
233 .IIصلة الرحم المصطلح الديني للتواصل القرابي
261 -متهيد
8
292 -خالصة الفصل السادس
294 -خاتمة
321 -المالحق
9
1 أنواع املدن حسب قانوين 2001 -20و2006-06 137
9 جدول يتظمن املنشاءات القاعدية ملدينة السانية حسب احصائيات 2008 330
شكر وتقــدير
10
أشكر اهلل عز وجل وأمحده محدا كثريا ،كما ينبغي جلالل وجهه العظيم وسلطانه القدمي ،على كل
نعمه اليت ال تُعد وال حتصى ،ومنها نعمة إمتام هذه األطروحة ،وُأصلي وأسلم على احلبيب املصطفى
عليه أفضل الصالة وأزكى التسليم وبعد.
اليسعين يف هذا املقام إال أن أتقدم مباشرة شكري اخلالص إىل أس تاذي الكرمي محمAAد حمAAداوي
الذي أمدين بالعلم واملعرفة وساعدين يف فهم أن البحث العلمي ال بد له من الصرب واجلهد وسعت
البال.
كما أتقدم جبزيل الشكر والعرفان والتقدير ألعضاء اللجنة املناقشة الذين حتملوا عناء قراءة املذكرة
فجزاهم اهلل كل خري.
وأتق دم بب الغ اإلمتن ان وجزي ل العرف ان إىل ك ل من س اعدين على إمتام ه ذا العم ل وأخص بال ذكر
الوالدان الفاضالن اللذان كانا يل سندا طيلة مشواري الدراسي كما أشكر جزيل الشكر زوجي على
تفهمه وعونه يل املستمر حفظهم اهلل مجيعا من كل سوء.
كم ا أتق دم بش كري إىل مجي ع من س اهم يف م د ي د الع ون يل أثن اء خمتل ف مراح ل البحث وش كري
اجلزيل إىل مجيع أستاذة قسم علم االجتماع جبامعة عبد احلميد ابن باديس مبستغامن وجامعة وهران.
أمينة كرابية
11
مقدمة عامة
مقدمة Aعامة
يهتم علم االجتم اع بدراس ة اجملتم ع ،وم ا يس ود في ه من ظ واهر اجتماعي ة خمتلف ة ،دراس ة
تعتمد على أسس البحث العلمي ،بُغية التوصل إىل قواعد وقوانني عامة ،والتايل فموضوع هذا
العلم ،ه و اجملتم ع اإلنس اين ،وم ا تطرح ه اجلماع ات اإلنس انية ،من ظ واهر ومس ائل اجتماعية،
هي جمال الدراسات االجتماعية.
12
كما يقوم علم االجتماع ،بدراسة تلك اجلماعات ،من حيث هي جمموعة ،من األفراد إنظم
بعضهم إىل بعض بعالقات اجتماعية أو روابط اجتماعية ،ختتلف عن الفئات اإلحصائية ،اليت
تش ري إىل أف راد ال رب اط بينهم ،فال ميكن لألف راد أن يش كلوا عالق ات اجتماعي ة ،إال إذا وج د
بينهم رب اط اجتم اعي ي ربطهم ،فه و مث ل اخلي ط ال ذي يش د العالق ة االجتماعي ة ،أو الرابط ة
االجتماعي ة كالقراب ة مثال ،هي رب اط اجتم اعي بني أف راد النس ب الواح د ،ب التعبري اخلل دوين،
والس اللة الواح دة ب التعبري االن ثروبولوجي ،جيعلهم يعيش ون يف عالق ات اجتماعي ة دائم ة،
مشكلني رابطة اجتماعية قرابية.
وهبذا يعيش األف راد يف عالق ات اجتماعي ة متش ابكة ،وخمتلف ة يف م ا بينه ا ،حيث ت ؤدي ه ذه
العالق ات إىل ت رابطهم واجتم اعهم ،دون أن يش عروا يف مجاع ات معين ة ،ه ذا م ا يُع رف
باالجتماع البشري ،ألن الفرد ال ميكنه أن يعيش منفردا ،بعيدا عن بين جنسه ،العتباره قاصرا
حيت اج للتع اون والتض امن ،م ع غ ريه من األف راد ،حسب م ا يؤك ده ك ل علم اء االجتم اع
واألنرتوبولوجي ا وعلم اء النفس وغ ريهم ،وم ا تع رض ل ه ك ذلك فالس فة اإلغري ق ،والروم ان
والعرب ،على أن اإلنسان حيوان اجتماعي ،وعلى أنه مدين بطبعه ،هذا دليل على أن الفرد،
ال ميكنه العيش إال يف اجملتمع وذلك لغريزة فطرية طبيعية ،تدفعه للتجمع ضمانا بقائه ،ولتلبية
حاجاته الضرورية.
13
وكل اجملتمعات تقر بقرابة العصب والنسب حيث تسمى هذه اجلماعة القرابية ،لغة بالعُصبة
أو العص بية ،وال تك ون ك ذلك ،إال إذا ك ان أفراده ا ش ديدي التض امن ،واالحتاد والرتاب ط،
حسب فكر ابن خلAدون ،هذا ما وجهين كطالبة يف إطار البحث يف علم االجتماع ،لدراسة
العالقات والروابط االجتماعية ،بني األفراد داخل اجلماعات ،حتديدا يف جمال ،طبيعAAة الرابطAAة
االجتماعية في المجتمAAع الحضAAري الجزائAAري ،وبAAاألخص ظAAاهرة القرابAة AكرابطAAة اجتماعيAAة
-بدائرة Aالسانية Aحي الرائد شريف يحي– والية وهران.
فبع د أن درس ت "الرابط AAة االجتماعي AAة ،في الفك AAر الخل AAدوني" ،Aيف م ذكريت لني ل ش هادة
املاجستري سنة ،2009حتت إشراف األستاذ حممد محداوي ،وجدت أن الروابط االجتماعية
تتش كل يف اجملتم ع عن طري ق رواب ط وعالق ات خمتلف ة،كرواب ط القراب ة ،اجلوار ،املواطن ة
الص داقة....وعلى أن ه ذه الرواب ط ،وخاص ة منه ا القرابي ة ،ق د تك ون قوي ة ،كم ا بإمكاهنا أن
تض عف وق د تق وى ،وتظه ر يف حال ة اخلط ر ،ال ذي يواج ه أف راد الرابط ة القرابي ة الواح دة،
في دافعون عن بعض هم البعض ،بسبب رباط القرابة املشرتك بينهم ،لكن هذه الرابطة القرابية،
تص ل إىل مرحل ة فتتغ ر ،حس ب م ا رآه ابن خلAAدون ،والكث ري من علم اء اإلجتم اع احلض ري،
أمث ال لAA Aويس ويAA Aرث ي رون أهنا تض عف وتتالش ا ،كم ا ي رى األخص ائيون يف علم النفس
االجتم اعي ،يف الرواب ط والعالق ات االجتماعي ة ،أن الرابط ة االجتماعي ة ،تتجس د يف ثالث
أشكال ،وهي رباط اجتماعي رباط جتاري أو اقتصادي ،ورباط سياسي .وأقصد بذلك:أنين
أشكل عالقة اجتماعية ،مع أسريت والرباط هنا ،هو رباط قرايب ،والعالقة مع اجلريان سببها
رب اط اجلوار ...اخل .فهذه الروابط كلها ما هي طبيعته ا ،يف اجملتمع احلضري اجلزائري؟ هل
األفراد يعيشون داخل عالقات ،يتصلون بروابط اجتماعية ،تفرضها عليهم احلياة االجتماعية أو
الضرورة االجتماعية ،أم أهنا روابط تنشأ بإرادة األفراد ،وهل الروابط االجتماعية ديناميكية،
تتغري إىل عالقات من نوع آخر ،طبيعتها املصاحل الشخصية ،أم أهنا تبقى ثابة يف جمتمعنا العريب،
نظرا ملا حيتويه هذا اجملتمع ،من تقاليد وثقافة العرش والقبيلة ،والتمسك بالقرابة.دون أن ننسى،
أن الب احثني ،ي رون يف أن ه ذه الرواب ط ،بطبيعته ا قائم ة على مقوم ات ،واس تعددات رمزي ة،
14
جتع ل االف راد يش عرون باالنتم اء ،إىل مجاع ة معين ة ،حس ب درج ة اش رتاكهم ،يف قيم ورم وز
ومشاعر تلك اجلماعة.
فالرابط ة االجتماعي ة ،ليس ت عالق ة ثابت ة حس ب علم اء االجتم اع ،ب ل تتط ور باس تمرار،
وختض ع لل ديناميكا االجتماعي ة ،فبق در م ا هي قابل ة للنم و واالس تقرار ،بق در م ا هي عرض ة
كذلك ،لكل أنواع التوتر واالضطراب والتفكك ،يعين أن هذه الروابط االجتماعية ،ظاهرة
ديناميكية تتأثر مبا حييط هبا.
إذن قد تتغري الروابط االجتماعية ،من جمتمع آلخر ،من ريف مثال ،إىل مدينة ،كما ميكن أن
تُأثر فيها التكنلوجيا احلديثة ،كوسائل االتصال ،حسب ما يراه العديد من الباحثني ،يف جمال
علم االجتم اع االتص ال ،على أن "وس ائل االتص ال احلديث ة ،أفي ون الش عوب الض عيفة تقني ا
فبتفك ك الغط اء ال واقي ،ويف تس رب متواص ل ،لش ىت الرم وز الدخيل ة والغريب ة ،ال يت تفرزه ا
وتسوقها وسائل االتصال احلديثة ،اليت تعترب بريئة يف تصور الكثري ،تبدأ عملية انفصام الروابط
االجتماعي ة املرجعي ة ،لتس تبدل بقيم ورم وز أخ رى هش ة وزائل ة ،جاعل ة الف رد يعيش بني
عاملني:عامل ومهي وعامل آخر ،من الشعور احملبط ،ويف كال احلالتني يتجه اجملتمع حنو حالة خمتلة
1
نفسيا واجتماعا".
يدل هذا على وجود تغيري يف طبيعة الروابط االجتماعية ،بكل أنواعها ،عندما حيتك اجملتمع
بتغ ري يف وس ائل االتص ال وذل ك إلدخ ال ه ذه األخ رية ،تفك ري وأس لوب جدي د يف العالق ات
يعترب دخيال عن اجملتمع ،فيؤثر على درجة القوة والضعف يف الرابطة االجتماعية ،داخل اجملتمع
احلضري الذي يتغري بسرعة.
وهلذا تع د الرواب ط االجتماعي ة ،من املواض يع اهلام ة واألساس ية يف علم االجتم اع،
واألنثروبولوجي ا احلض رية ،إال أن اس تعمال ه ذا املص طلح le lien socialق د تراج ع
خاصة بعد احلرب العاملية الثانية ،إىل غاية الثمانينات ،وهذا ما أكده فرانسيس فاروجيا،كما
.1انظ ر:عب د الك رمي بوحيي اوي ،تفك ك الرابط ة االجتماعي ة ع رب وس ائل االتص ال من األنومي ا إىل ظ اهرة اخلواء االجتم اعي ،فعاليAAات
الملتقى الوطني الرابع لقسم علم االجتماع يوم 6و 7نوفمبر ،2006منشورات كلية العلوم االنسانية واالجتماعية ،جامعة اجلزائر
،ص.304
15
يكاد يكون هذا املفهوم قد غاب استعماله ،يف الدراسات االجتماعية العربية احلديثة ،خاصة
منه ا اجلزائري ة ،م ا ع دى بعض الدراس ات املنف ردة ،ال يت ق ام هبا الهAAواري عAAدي L.Addi
وهو باحث اجتماعي تطرق للتحوالت اليت عرفها اجملتمع اجلزائري ،يف دراسة له حول األسرة
والرباط االجتماعي ،يف اجلزائر سنة .1999وكذلك بعض املقاالت اهلامة ،نذكر منها مقال
لحميد آيت عمارة الصادر سنة ،2002الذي تطرق إىل بناء الرباط االجتماعي ،يف اجملتمع
اجلزائري املعاصر وتوصل إىل أن البناء االجتماعي ،ليس بالسهل وذلك لألبعاد الكبرية ،اليت
أخذهتا الفردانية ،يف اجملتمع اجلزائري ودراسة بلخضر مزوار حول الدين والرباط االجتماعية يف
اجلزائر سنة 2002وكذلك دكتوراه رشيد حامدوش A،حول االسرتاتيجية العالئقية ،الرباط
االجتماعي ،وإشكالية التقاليد واحلداثة ،من خالل التصورات الشبانية سنة .12009وكل من
درس الروابط االجتماعية ،إال ويربطها باجملتمع احلضري ،نظرا للتغري االجتماعي الكبري ،الذي
تعرفه املدينة بسبب وسائل التكنلوجيا واالتصال احلديثة ،وهذا ما يؤثر على األفراد من خالل
الثقاف ة احلض ريةاليت يكتس بوهنا من املدين ة ،جتعلهم يتماش ون م ع التغي ري ال ذي حيدث يف اجملتم ع
احلضري والذي اعتادوا العيش فيه.
وه ذا حس ب م ا فس ره الب احث اجلزائ ري عبAAد الكAAريم بويحيAAاوي Aيف رس الته لل دكتوراه،
ح ول ض عف وتغ ري الرواب ط االجتماعي ة ،مس تندا يف تفس ريه ،مبا مساه "بنظري AA Aة الخ AA Aواء
La théorie du chaosوهي يف األص ل نظري ة فيزيائي ة ،ويف اجملال االجتم AAاعي"
االجتماعي ،تركز على أن مصدر النظام واالنتظام ،هو "الفوضAAى" ،حيث ال تقاس الفوضى
هنا باملعىن الشائع غالبا يف حالة الذعر والتدهور واالهنيار ،وإمنا مبعناها املقصود ،يف نشاط غري
مرتقب وغري متوقع يفوق إرادة وقدرة األشخاص ،واألنظمة .مبعىن أن هذا النشاط يسري نظام
باالنظام . gestion de l’ordre par le désordre Laويشري اخلواء chaos
هنا إىل أن الظواهر البارزة ليست صادرة حتميا ،عن أسباب سابقة هلا وإمنا ناجتة عن شروط
بدئي ة ،ص غرية احلجم وض عيفة الت أثري ال تُق در يف البداي ة وال ميكن التنب ؤ بارت داداهتا املس تقبلية،
.1رشيد محادوش ،مسAAألة الربAAاط االجتمAAاعي في الجزائAAر المعاصAAرة امتداديAAة أم قطيعAة؟ دراسAAة ميدانيAAة لمدينAAة الجزائر ،Aدار هومة
للطباع والنشر والتوزيع ،اجلزائر ،2009،ص35
16
لكنها قادرة على إحداث أكرب الكوارث وأخطرها ،وهذا ما ينطبق على أن الرابطة االجتماعية
بنية دينامية حية ،تنشط وتتوتر مبقتضى االهتزازات اخلوائية ،والتحول احلايل وما يرتتب عنه من
انعكاسات ،ونتائج شديدة املفعول ،ال يدرك االنسان احلايل إىل أي مستقر يتجه.إذن هو تغري
1
غري مرتقب يف العالقات االجتماعية.
نالحظ من خالل هذا التفسري أن اجملتمع يعرف ظواهر بارزة فيه ،مل حتدث بالصدفة وإمنا
ك انت هن اك أس باب ،رغم أهنا ص غرية وق د تب دو غ ري مهم ة ،إال أن هلا ت أثري كب ري يف ظه ور
ظواهر اجتماعية عديدة ،حيث تتأثر هذه األخري مبا مساه باالهتزازات اخلوائية ،قاصدا هبا التغري
ال ذي يعرف ة اجملتم ع واملقص ود هبا ،س ببه عوام ل ق د تك ون ص غرية احلجم ولكن هلا ت أثري يف
حدوث التغري االجتماعي.
كم ا ي دور احلديث دائم ا ،عن د علم اء االجتم اع ح ول حمور الرب اط االجتم اعي ،ح ىت وإن
ك ان بطريق ة غ ري مباش رة ،كاس تعماهلم ملص طلح العالق ات االجتماعي ة ب دال من ذل ك ،فجُل
علم اء االجتم اع ح اولوا حتلي ل العالق ات االجتماعي ة ،من حيث طبيعته ا وأس باب نش وئها
ونوعه ا واجتاهه ا ودرج ة ش دهتا وتكراره ا ...اخل ،حيث ظه رت حماوالت لتحلي ل العالق ات،
والرواب ط االجتماعي ة إىل أبس ط وح داهتا ،من ط رف أنص ار مدرس ة الفع ل االجتم اعي ،أمث ال
ماكس فيAبر تAالكوت بارسAونز وغريهم ،فهم يرون أن أبسط وحدة اجتماعية ،هو الفعل ذو
املعىن ،واملقصود به ،ذلك الفعل الذي حيمل معىن مشرتكا ،بني عدة أشخاص ،داخل اجملتمع
أو بني الفاعلني واآلخرين ،الذين يتفاعل معهم ،حيث يضرب انجلز مثاال ،عن "غمزة العني"،
فإذا كانت "غمزة العني" تصدر كفع ل منعكس ،فإهنا تعد فعال فيزيقي ا أو بيولوجيا ،وال تُعد
فعال اجتماعيا ،أما إذا كانت هذه الغمزة فعال مقصودا ،من شخص يستهدف به توصيل معىن
معني ،إىل شخص آخر متفق عليه بينهما،كاملوافقة على أمرمها ،أو عدم املوافقة ،فإنه يف هذه
احلال ة يُع د فعال اجتماعي ا هن ا ننظ ر إىل الفع ل ،ورد الفع ل على أهنم ا ،ميثالن أبس ط أش كال
التفاع ل االجتم اعي ،وبع د ه ذا التفاع ل حتدث العالق ات االجتماعي ة ،من خالل اس تمرار
1
.عبد الكرمي بوحيياوي،مرجع سابق،ص.306-309-308
17
التفاعل بني شخصني ،أو أكثر لفرتة زمنية معينة1.وتتولد عن هذه العالقات روابط اجتماعية
أساس ها رب اط مش رتك ،بني متف اعلني اجتم اعيني ،فك انت نظري ة الفع ل االجتم اعي والتفاعلي ة
الرمزي ة ،من بني النظري ات األساس ية يف تفس ري عملي ة التفاع ل االجتم اعي ،وتش كل العالق ات
والروابط االجتماعية بني األفراد.
وهلذا يعت رب علم اء االجتم اع ،من خالل مق ارنتهم للمف اهيم السوس يولوجية ،كالفع ل،
والعالقة باملفاهيم الطبيعية ،عن الذرة واجلزيئ ،وباملفاهيم البيولوجية عن اخللية والنسيج ،فإذا
ك انت ال ذرة هي أبس ط وح دة يف التحلي ل الط بيعي ،واخللي ة أبس ط وح دة يف التحلي ل
البيولوجي ،فإن الفعل االجتماعي هو أبسط وحدة ،يف التحليل السوسيولوجي2.ليبقى مصطلح
الرب اط االجتم اعي من أهم املص طلحات أو املف اهيم السوس يولوجية احلديث ة ،ال يت تب دأ بفع ل
اجتماعي وهو ظاهرة الزواج كرباط اجتماعي مقدس ،لتظهر األسرة كبنية اجتماعية أولية،
فتنتج عنه ا الرواب ط االجتماعي ة القرابي ة ،ال يت تعت رب من أق وى الرواب ط االجتماعي ة ،بني أف راد
النسب الواحد وتسمى لغة ،بالعصبية هذا املصطلح اخللدوين ،الذي أطلقه ابن خلدون عندما
يصل رباط القرابة ،إىل درجة عالية من التالحم االجتماعي ،وتصل صلة الرحم أقوى درجات
االحتاد ،وذلك عند مواجهة أفراد األسرة أو القبيلة الواحدة ،مايسمى بالخطر اخلارجي ،الذي
يقرتب من اجلماعة القرابية ،هذا يدل على أن الرابطة االجتماعية ،تبدأ طبيعية مبقتضى الطبيعة
البش رية وه و االلتح ام ال دموي ،ال ذي يُع رف بالعص بية وينتهي اص طناعيا ،ب دخول أف راد ال
ينتم ون لتل ك اجلماع ة القرابي ة .يع ين ه ذا أهنا تتط ور م ع تط ور اجملتم ع وتعقُده ،حيث تظه ر
روابط تغلب عليها املنفعة اخلاصة ،متليها طبيعة احلياة املشرتكة يف سبيل حتقيق أهداف مجاعية،
تتعدى حدود القري ة واملدينة ،مث تبدأ هذه الروابط يف فقد حمركها األول ،مع بلوغ الرفاهية
والفردية ،اليت توفرها املؤسسات احلديثة لنفسها .
.1نبي ل حمم د توفي ق الس مالوطي ،البن AA Aاء النظ AA Aري لعلم االجتم AA Aاع ،دار الكتب اجلامعي ة ،ج،1مص ر ،االس كندرية ،1974،ص
.132،133
.2انظر:نبيل حممد توفيق السمالوطي ،نفس املرجع السابق .ص.133
18
ض عفها بصحيح العبارة ،مبعىن أنه كلما
وهكذا "حتمل الروابط يف أحشائها جنني فنائها أو ُ
منى الش عور ل دى الف رد ب األمن ،وع دم احلاج ة إىل اآلخ رين ،كلم ا منى لدي ه املي ل إىل ع دم
االرتباط هبم و االستقالل واالبتعاد عنهم ،فالرواب ط إذن هي وليدة احلاجة اإلنس انية"1.ويعين
ه ذا أن ه يف خض م التح ول احلض ري ،وحس ب علم اء االجتم اع احلض ري ،تض عف الرواب ط
القرابية التقليدية فيُصبح على الفرد احلضري ،أن يعتمد على نفسه ملواجهة احلياة ومشاكلها،
بطريق ة فردي ة مما جيعل ة ال يتوق ع الع ون من مجاعت ه القرابي ة،كم ا ال ي رغب بت دخلهم يف
حياته،كالزواج واختيار الشريك وغريها من القرارات.
ولكن ما يشغلنا كباحثني ،يف اجملال االجتماعي هو أن الروابط االجتماعية ،قد تتعرض للتغري
بس بب التط ور املذهل ،لوس ائل االتص ال واالعالم ،غ ري املتحكم فيه ا ،هلذا أص بحت ه ذه
الروابط ب اختالف أنواعها ،تعرف حتوال عميقا يف قواعدها وشروطها األصلية من جراء هذا
التطور.
يق ول دورك AAايم أن الفوض ى احلقيقي ة للعل وم االجتماعي ة ،ال ت أيت من فق داهنم للش عور غ ري
الك ايف ح ول تش اهباهتم ،وإمنا من انع دام تنظيم اهتم وحنن ن رى أن املس ألة غ ري ذل ك ،حبيث أن
حقيقة التوتر يف العالقات االجتماعية ،كامنة يف الشعور املتزايد حول خاصية التشابه ،الذي
خيلف وميأل الفراغ ال وظيفي ،املرتب ط بتنظيم جدي د وليس يف الشعور غ ري الكايف ،يف استعاب
2
النظم املعيارية.
والرابط ة االجتماعي ة املراد دراس تها هن ا ،هي رابط AA Aة القرابة ،حيث ي رى بعض العلم اء
والب احثني املعاص رين على أن ه ذه الرابط ة القرابي ة ،هي ظ اهرة بنائي ة ،ارتبطت مبج ال
االنثروبولوجيا ومنهم الدكتور معن خليل العمر ،حني قال":لقد ُأشبع موضوع القرابة ،دراسة
ض عف دوره
وحبثا ،من قبل علماء االنسان ،أكثر بكثري من علماء االجتماع ،وذلك راجع إىل ُ
يف اجملتمع ات الص ناعية واحلض رية ،خاص ة الغربي ة منه ا ،ح ىت وإن ك انت معظم األدبي ات
.1انظ ر:حمم د بوخل وف ،الرواب ط االجتماعي ة ومش كلة الثق ة ،في فعAAاليت الملتقى الوطAAني الرابAAع لقس AAم علم االجتمAAاع يAAوم 6و
7نوفمبر ،2006منشورات كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جامعة اجلزائر، 2008-2007،ص.21
.2معن خليل العمر ،علم اجتماع األسرة ،دار الشروق للنشر والتوزيع،األردن،عمان،ط،1،2000ص148
19
ونظري ات علم االجتم اع ،ق د كتبت ونش رت يف الع امل الع ريب ،فإهنا مل تش بعه أو تنظ ره كم ا
فعل علماء األنثروبولوجيا ،إمنا أشاروا إليه فقط أو حىت عند إشارهتم إليه ،استندوا على حبوث
1
علماء االنسان".
كم ا أك د روبن فAA Aوكس Robin foxعلى أمهي ة الرابط ة القرابي ة كظ اهرة يف جمال
االنثروبولوجيا قائال "إن القرابة بالنسبة لألنثروبولوجيا ،كاملنطق بالنسبة للفلسفة".2
ولقد اهتم علماء االجتماع يف الغرب بدراسة أثر التحضر والتصنيع على بنية العائلة وعالقة
العائلة النواة بشبكة األقارب ،لكن من املالحظ أن تلك الدراسات يف جمتمعات العامل الثالث
حمدودة للغاية .واملعروف أن أغلب الفرضيات ،اليت يُقدما الباحثون املهتمون بالعائلة العربية،
يفيد بأن عالقة العائلة النواة ،بشبكة األقارب ،عالقة قوية جدا ،ومل تتأثر نتيجة للتحضر أو
التغ ريب يف ه ذا البحث ،حناول اختب ار ذل ك االف رتاض ،والكش ف عن م دى ق وة الرواب ط
القرابية.
وهلذا ي رى الكث ري من العلم اء أن أحس ن وس يلة للتحلي ل ،ودراس ة البن اء االجتم اعي
للمجتم ع الب دائي ،هي االنطالق بتحلي ل ظ اهرة نظ ام القراب ة ،مبع ىن أن ه ذا النظ ام عب ارة عن
نقط ة انطالق للفهم وحتلي ل البن اء االجتم اعي ،بالنس بة للمجتمع ات التقليدي ة ومن املؤك د
واملتع ارف علي ه أن علم اء االنثروبولوجي ا ،يف الق رن التاس ع عش ر ق د اجته وا يف دراس تهم،
لألنساق القرابية ،اجتاها تطوريا يف البداية ،وذلك متاشيا مع التيار الفكري ،الذي ساد يف ذلك
العص ر ،ومن أمث ال علم اء االنثروبولوجي ا املش هورين ،ل AAويس مورج AAان ،وس AAير ه AAنري مين،
وباخوفن وغريهم ،مث بعد ذلك تغريت تلك الدراسات القرابية ،تغريا جذريا متثلت يف علماء
االنثروبولوجيا احملدثني ،الذين حاولوا تطبيق املنهج الوظيفي البنائي ،ومن أبرزهم راد كليف
براون ،Aالذي يُعترب من أهم العلماء الذين حاولوا تطبيق هذا املنهج ،كما يُعترب صاحب الفضل
يف توجيه الدراسات القرابية ،وجهة منهجية حتليلية منظمة ،ترتكز على التحليل واملقارنة ،مث
1
.معن خليل العمر،علم اجتماع األسرة،مرجع سبق ذكره،ص.148
.2فاتن شريف ،األسرة والقرابة دراسة أنثروبولوجية اجتماعية،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ط ،1مصر ،االسكندرية،
،2006ص.25
20
بع د ذل ك انتق ل االجتاه البن ائي ال وظيفي إىل علم اء االنثروبولوجي ا يف فرنس ا م ع كلAAود ليفي
1
ستروس.
زيادة على هذا فإن دراسة األسرة والقرابة منذ القدمي ،تُعترب من أهم فروع األنثريولوجيا
االجتماعي ة والثقافي ة ،بينم ا دراس ة األس رة والقراب ة يف اجملتم ع احلض ري تن درج ض من ف رع
األنثروبولوجيا احلضرية ،وهذا الفرع من األنثروبولوجيا االجتماعية ،الذي ال يزال جماال خصبا
وفرعا حديثا يف اجلزائر ،مما أدى إىل عدم توفر األساس النظري ،الذي يوجه الدراسات احلقلية
ح ول مدينة اجلزائ ر عام ة ووه ران خاص ة ،باعتباره ا أك رب املدن احلض رية ،ي رى وليAAام AسAAتيف
william stephensأن الب احث األن ثروبولوجي ،ال ذي يع ين بدراس ة النس ق الق رايب،
ومنطية العالقات والروابط القرابية ميكنه تفسري جوانب مهمة من تطورات احلياة االجتماعية،
من خالل دراس ة الس لوك الق رايب النمطي ،داخ ل الرواب ط القرابي ة املختلف ة ،حيث تعطي
العالق ات القرابي ة ،النمطي ة نوع ا من االنتظ ام والق درة على التنب ؤ ،باإلض افة إىل أن اجلماع ات
القرابي ة ختلق روابط اجتماعية م ع ن وع من التكامل يف اجملتمع ،وخاص ة يف اجملتم ع التقلي دي،
2
نظرا للدور الذي تقوم به روابط القرابة مبعناها الواسع يف حياة األفراد واجملتمع ككل.
ربطت يف هذه الدراسة ،بني القرابة واألسرة كجماعة أولية ،تعين بظاهرة رباط القرابة
ُ هلذا
ُمعت ربة إياه ا املك ان الرئيس ي ،أو بني ة نش أة الرواب ط القرابي ة ،إض افة إىل ذل ك تُعت رب العالق ات
املتبادلة بني بناء األسرة ،واحلضرية واحلداثة ،من أكثر العالقات اليت أثارت اهتمامات علماء
االنثروبولوجي ا ،واالجتم اع احلض ري ،وح ىت علم اء االجتم اع األس ري ،ه ذا م ا أك ده وليAAامA
ج ود( W.Goodب احث اجتم اع أم ريكي يف جمال األس رة )2003-1917يف كتاب ه
"الث AAورة العالمي Aة Aوأنم AAاط األسAAرة " أن دول الع امل ال يت أص بحت ص ناعية ومتحض رة تتح ول
أنساقها األسرية يف اجتاه نسق األسرة الزوجية ،وهو يرى أن السبب يف ذلك هو مالئمة شكل
األسرة الزوجية للمجتمعات الصناعية احلديثة ،قائال":بينما يتغلغل النسق االقتصادي وميتد من
خالل التصنيع تتغري أمناط األسرة وتضعُف روابط القرابة املمتدة ،وتتحلل أمناط البيئة ،لتتجه
1
.د.فاتن شريف،نفس املرجع السابق،ص. 25
2
.حممد عبده حمجوب ،انثروبولوجيا الزواج واألسرة والقرابة،دار املعرفة اجلامعبة،مصر،االسكتدرية،1985،ص.39
21
حنو بعض أشكال النسق الزوجي الذي يبدأ يف الظهور ،وهذه هي األسرة النواة ،اليت تُصبح
وح دة قرابي ة مس تقلة 1".قاص دا ب ذلك أن اجملتم ع الص ناعي ه و ال ذي ف رض ظه ور األس رة
النووية،كما أن احلياة احلضرية كثقافة ،هي اليت أوجدت هذا النوع من األسرة مما يرتتب عن
ضعف يف الروابط القرابية بزوال األسرة املمتدة ،اليت كانت موجودة عندما كان النسق
ذلكُ ،
االقتصادي فالحي ،كان يفرض هذا النوع من األسرة ،خلدمة األرض اليت تتطلب اجلماعة ،مما
أدى إىل ابتعاد األسرة النووية عن األسرة املمتدة املوجودة يف الريف.
ف اختالف مكان ة القراب ة من اجملتم ع ال ريفي إىل اجملتم ع احلض ري ،جعله ا تع د من أهم
املواض يع ال يت هلا أمهي ة كب رية ،يف العدي د من الدراس ات السوس يولوجية القدمية واملعاص رة ،مما
جعلها أيضا مصب اهتمامنا ،كون رابطة القرابة يف هذا البحث ،هي انشغال سوسيولوجي،
يتعل ق بوض عية وواق ع القراب ة ،كظ اهرة يف اجملتم ع احلض ري وم ا جنم عليه ا من تغ ريات خمتلف ة
وهذا ما جعلنا نسلط الضوء على خمتلف الطروحات واألفكار ،حول ماهية القرابة ونُظمها،
وأهم العوام ل املس امهة على بقائه ا ورس وخها ،رغم ك ل التح والت واالض طرابات ،ال يت
يش هدها اجملتمع احلض ري مما دفع ين يف التوغ ل والرتك يز على ه ذه الظ اهرة ،ه و طبيع ة الرابط ة
االجتماعية القرابية ،بني األفراد واجلماعات يف األوساط احلضرية.
وكأمهي ة للموض وع ف إن دراس يت ه ذه هتتم ب البحث يف طبيع ة الرواب ط االجتماعي ة ،يف
اجملتمع احلضري والكيفية اليت تتحول هبا الرابطة االجتماعية من حالتها األولية ،أي صورهتا يف
احلي اة م ا قب ل احلض رية ،وهي تُنتج وجوده ا بش كل رتيب ،حيث يلعب التض امن والتكاف ل
االجتماعي دورا أساسيا يف تشكلها ،إىل صلة جديدة تكون فيها الرابطة االجتماعية متغرية،
وذل ك ل ديناميكيتها الطبيعي ة ،املوج ودة فيه ا،كطب ع يف البش ر ،كم ا ي رى علم اء االجتم اع،
وبالتحدي د ظ اهرة القراب ة ال يت ن ود ملس ها ،مبالحظاتن ا واس تطالعاتنا ومقابالتن ا امليداني ة ،م ع
األسرة اجلزائرية ،بالسAانيا Aوحي الرائد شAريف يحي ،مكان الدراسة الكتشاف رابطة القرابة
يف اجملتم ع احلض ري ال وهراين ،وإب راز م ا طبيع ة عالق ات ه ذه اجلماع ة القرابية ،حماول ة االجابة
على تسؤالتنا حول املوضوع ،هل الرابطة القرابية قوية أم ضعيفة ،وملاذا االفراد يهتمون ببعض
1
.سناء اخلويل،األسرة و الحياة العائلية،دار النهضة العربية،لبنان،بريوت،2009،ص.66
22
األق ارب رغم أهنم ليس وا من األق ارب املق ربني ،مبع ىن أهنم أق ارب بعي دين ،ولكن الص لة قوي ة
بينهم ،ما طبيعة هذه الرابطة؟ كما نريد توضيح الصريورة التطورية والبنائية ،لرابطة القرابة،
مربزين كيف تتحول وتتطور عرب الزمان.
فهذه الدراسة تعطي قسطا للعالقات القرابية ،كصلة الرحم والنسب واألسرة والزواج ،نظرا
لل دور ال ذي تلعب ه يف ظه ور الرابط ة االجتماعي ة القرابي ة ،فقمن ا بدراس تها وحتليله ا كظ اهرة
اجتماعية يف جمال األنثروبولوجية احلضرية ،حىت نفهم واقعها،كظاهرة تتعرض للنمو والتطور
ف التغري االجتم اعي ال ذي تعرف ه اجملتمع ات املعاص رة احلض رية ،يف املدين ة من جه ة ،واجملتم ع
اجلزائري من جهة أخرى .مع دخول وسائل اإلتصال احلديثة ،اليت يرى فيها االخصائيون ،أهنا
قللت من رابط ة القراب ة إن ص ح التعب ري.كم ا تعمقن ا يف الظ اهرة للبحث عن ص ور التض امن،
والصراع بني األسر من خالل رابطة القرابة وأنواعها اليت تنشأ يف اجملتمع االنساين.
كم ا ج اءت الفرضAA Aيات،كجس ر يرب ط بني اجلانب النظ ري واملي داين ،مبع ىن أهنا حص يلة
للق راءات النظري ة األولي ة ،والتحليالت امليداني ة ،الناجتة عن املق ابالت ،م ع املبح وثني املعن يني
بالدراسة فكانت كالتايل:
-يعت رب الوس ط احلض ري العام ل الرئيس ي ،يف تغرّي طبيع ة الرواب ط القرابي ة مما ي ؤدي إىل زي ادة
الفردانية والنفعية.
-إن تغرّي منط األسرة ،من عائلة أو أسرة ممتدة ،إىل انتشار األسر النووية ،يف املدينة يؤدي إىل
ضعف الروابط القرابية داخل اجملتمع احلضري.
-تُكس ب املدين ة الف رد احلض ري ،ثقاف ة حض رية خاص ة هبا ،تلعب دورا هام ا يف تغ ري عقلي ة
وعالقات األفراد فيما بينهم وحىت سلوكاهتم ،مما يؤدي إىل تغرّي الروابط القرابية.
ومبا أن لك ل حبث ،دوافAAع وأهAAداف وأس باب أيض ا ،جتع ل الب احث يق وم بدراس ة أو حبث م ا
فكانت هذه دوافعنا الذاتية واملوضوعية .
23
.1إن الس AAبب ال AAذاتي ال ذي دفع ين إلج راء ه ذا املوض وع ه و أوال ختصص ي كباحث ة يف علم
االجتم اع ،وثاني ا ألج ل البحث والتعم ق يف العالق ات والرواب ط االجتماعي ة بني االف راد،
العتباره ا أس اس ظه ور اجملتم ع ،ألن ه ذا األخ ري ظه ر بظه ور العالق ات القرابي ة الناجتة عن
ظاهرة الزواج بني اجلنسني الذكر و األنثى.
.2أم ا السAAبب الموضAAوعي فيع ود اختيارن ا ملوض وع الرابط ة االجتماعي ة يف اجملتم ع احلض ري،
القراب ة كرب اط اجتم اعي وذل ك العتباره ا عنص را أساس يا ،يف علم االجتم اع واالنثربولوجي ا
االجتماعي ة واحلض ري ،وك ذلك العتب ار الرواب ط االجتماعي ة تلعب دورا كب ريا يف تش كل
العالق ات والتواص ل االجتم اعي ،وملا هلذه الرواب ط القرابي ة واالجتماعي ة من دور يف التض امن
والتكافل االجتماعي.
كم ا أن ين الحظت تغ ريا يف ش كل الرواب ط القرابي ة وطبيعته ا يف جمتمعن ا ،من خالل املق ابالت
االستطالعية ،خاصة يف مدينة وهران بعدما قارنت مالحظايت مع بعض املدن األخرى الصغرى
اليت عشت فيها ولو ملدة قصرية كسنة أو سنتان.
كم ا أن ين درس ت الرواب ط االجتماعي ة يف م ذكرة املاجس تري ،بعن وان العص بية كرابط ة
سوسيوسياسية ،وركزت من خالهلا على الرابطة االجتماعية القرابية ،يف اجملتمع البدوي عندما
يك ون هلا دور يف تش كل الس لطة السياس ية ،مث تأس يس الدول ة ،وذل ك بتحلي ل للنص وص
الخلدونية يف املقدمة.
إذن ك ان ه ديف األويل لدراس يت ه ذه ه و الكش ف عن حق ائق يف الواق ع ،وثاني ا االجاب ة عن
التس اؤالت أو الغم وض ال ذي ك ان ل دي ح ول املوض وع ،وذل ك العتب ار أن وظيف ة البحث،
عملي ة دقيق ة ومنظم ة ،للكش ف عن احلق ائق املتعلق ة ب الظواهر االجتماعي ة ،أو مبش كلة من
مشاكل اجملتمع ،حيث يرى كلير سيلتر Claire selltirأن الغرض من البحث ،أو اهلدف
منه أوال:هو احلصول على إجابات ملا يُثار من أسئلة عن طريق استخدام األساليب العلمية ،اليت
1
تزيد من ثقة الباحث فيما يصل إليه من معلومات.
1
.مجال زكي،السيد يسني،أسس البحث االجتماعي،دار الفكر العريب،مصر،القاهرة.1962،ص.24
24
إن دراسيت هذه عبارة عن دراسة سوسيوأنثروبولوجية ،حنتاج من أجل إجنازها إىل االتصال
املباشر بالواقع وذلك لطبيعة الدراسة ،فإن حقل البحث كان ميدانيا يتم فيه مجع املعطيات من
الواق ع احلي ،عن طري ق الوس ائل ،والتقني ات السوس يولوجية املعروف ة ،إال أن حق ل دراس يت
املك اين متمث ل يف جمالني ببلدي ة الس انية ،األول بوس ط مدين ة الس انية م ع جمموع ة من األس ر
بالسكنات الفردية ،والثاين حبي الرائد شريف حيي ،اخلاص بالسكنات العمودية ،وذلك حماولة
التنويع بني أسر نووية وأسر كبرية ،علما أن األسر الكبرية تسكن بسكنات فردية ،بينما األسر
النووية تسكن بسكنات عمودية.
وك ان اهتم امي بدراس ة الرابط ة االجتماعي ة يف املدين ة ،لقل ة ه ذه الدراس ات أو انع دامها،
خاصة يف اجملتمعات احلضرية والصناعية يف اجلزائر ،مثل دائرة السانية اليت تعترب وسط حضري
صناعي نظرا الحتوائها على منطقة صناعية كبرية ،مما جعل الظروف مالئمة للدراسة والبحث
يف العالقات والروابط القرابية هبا ،إضافة إىل أنين أسكن باملنطقة ولدي عالقات واتصاالت مع
األسر باحلي الذي أجريت فيه الدراسة ،وهذا ما سهل علي املالحظات واملقابالت ،كما كنت
أحضر يف الكثري من املناسبات واجللسات القرابية.
كما كنت أطلع على احلياة اليومية لسكان احلي وعلى حقيقة وواقع القرابة ،يف هذا اجملتمع
احمللي ،مما جعل ين أيض ا أس تكمل فهمي العلمي حلقيق ة التفاع ل االجتم اعي ،املك ون للعالق ات
والروابط االجتماعية بني األفراد داخل اجملتمع.
25
-منهجيـة البحـث
تُعترب طبيعة املوضوع ،السبب الرئيسي يف اختيار املنهج الصحيح واتباعه ،مث تأيت األهداف
وه ذا م ا يعت رب عمال ج د مهم ا ،هلذا يُع رف املنهج على أن ه فن التنظيم الص حيح ،لسلس لة من
األفكار العديدة ،ألجل الكشف عن حقيقة جمهولة ،وهو الطريقة اليت يعتمدها الباحث يف مجع
املعلومات والبيانات وحتليلها مع تنظريها ،كما أنه خيدم املعرفة ،فال معرفة علمية بدون منهج
ألنه هو الذي جيمعها وحيللها ويصبها يف إطارها النظري ،أما املعرفة العلمية فهي شكل من
أشكال النتاجات الفكرية لإلنسان.
كما يؤكد رايت ميلز يف كتابه الخيال السوسيولوجي ،حني أشار إىل التفاعل اجلديل ،بني
خطوتني أمر ضروري والزم ،فمن يفكرون وينظرون بال مالحظة ومنهج ،ومن يالحظون بال
فك ر ك ل منهم ا ال يص ل إىل حق ائق دقيق ة ،ذات مع ىن ،وإن وص ل ،فإم ا إىل جتري دات ،غ ري
مربهنة أو إىل أكوام من البيانات ،فاقدة للروح واملعىن 1.هذا يعين أنه جيب املزج بني التفكري
واملالحظة وبني ما هو نظري وميداين ،مع االعتماد على املنهج الصحيح لنجاح الدراسة.
فمنهج البحث ه و الطري ق املؤدي للكش ف عن احلقيق ة يف العل وم بواس طة ،طائف ة من
القواعد العلمية ،اليت هتيمن على سري العقل وحتديد عملياته ،حىت يصل إىل نتيجة علمية ،أما
آداة البحث فهي تشري إىل الوسيلة اليت تستخدم يف البحث ،سواء كانت تلك الوسائل ،متعلقة
جبمع البيانات ،أو بعمليات التصنيف واجلدولة .فاملنهج املعمول به ،يف إعداد أي حبث علمي،
ميثل جمموعة من القواعد ،اليت يتم وضعها ألجل الوصول إىل احلقيقة ،يف العلم كما قلنا ،وهذا
م ا يس توجب من الب احث وج ود وعي كب ري ،بأمهي ة اجلوانب املنهجي ة ،وه و بص دد مباش رة
البحث والدراسة ،حيث ال يغيب على ذهنه أن طبيعة البحث والدراسة وخصوصية املوضوع،
هي اليت تستدعي وتفرض يف العديد من املرات ،اختيار املنهج أو الطريق ،الذي يتبعه الباحث
والدارس أثناء فرتة الدراسة.
1
.عبد الباسط عبد املعطي،اتجاهات Aنظرية في علم االجتماع،عامل املعرفة ،مصر،القاهرة،1981،ص.20
26
فبص فة عام ة ،تقس م من اهج البحث االجتم اعي إىل أربع ة من اهج رئيس ية:املنهج الوص في
والتارخيي ،املنهج التجرييب واملقارن ،والظاهرة اليت قمت بدراستها ،تتطلب الوصف كما هي
عليه يف احلاضر ،مما جعلين أستخدم املنهج الكيفي ،الذي يعتمد على وصف وحتليل الظواهر
االجتماعية لتناسبه مع دراسيت السوسيوانثروبولوجية ،وهذا حسب ما وضحه الباحثني يف علم
االجتم اع واالنثروبولوجي ا ،على أن دراس ة العالق ات االجتماعي ة والقراب ة ،تتطلب البحث يف
االجتاه السوس يوأنثروبولوجي ،حس ب م ا وض حه ال AAدكتور محم AAد عب AAده محج AAوبA-ب AAاحث
اجتم AAاعي ان AAثروبولوجي بجامعA Aة Aالك AAويت -يف كتاب ه "االتج AAاه Aالسوس AAيوانثروبولوجي في
دراس AAة المجتم AAع" يف قول ه":إنن ا ن رى من املناس ب ،أن يطل ق على ذل ك العلم ،ال ذي يع ين
بدراس ة اجملتم ع والعالق ات االجتماعي ة و(الرواب ط االجتماعي ة) ،ال يت ترب ط بني األش خاص
كأعض اء يف اجملتم ع ،أو ال يت ترب ط بني اجلماع ات املنظم ة املتم ايزة ،يف ه ذا اجملتم ع ،مص طلح
الدراسة السوسيوأنثروبولوجية Socio-Antropologieأو علم دراسة اجملتمع1".وذلك
لوجود تقارب كبري بني العلمني واملناهج املستعملة يف الدراسة.
كما تتطلب الدراسات السوسيوأنثروبولوجية ،وصف الظاهرة أو الواقع كما هو مما يتطلب
الرتدد على مكان الدراسة أو العيش داخل اجملتمع احمللي املدروس ،ملالحظة التفاعالت واحلياة
االجتماعي ة لألف راد ،فك ان األم ر أن عايش ت جمتم ع البحث ،من خالل س كين يف احلي ال ذي
قمت بدراسته ،وترددي املستمر على األسر املبحوثة ،الذي استمر إىل غاية هناية البحث.
ويعتمد هذا املنهج ،على تقنية المالحظة المباشرة والمقابلة النصAف موجهAة .حيث تقوم
تقنية املالحظة ،على مدى خربة الباحث ،واس تعداده للبحث بدرجة كبرية،كما أنه ال ميكن
االستغناء عنها ،ألهنا أول خطوة ميدانية ،فمن خالهلا نتعرف على امليدان ،جبمع املعطيات كما
هي ،ويعرفها ريمون كيفين و لوك فAAان Raymond quivyو Luc vanعلى أهنا
عب ارة عن مرحل ة وس يطة ،بني املف اهيم والفرض يات من جه ة ،وهي ال يت تعطين ا املعلوم ات
واملعطي ات الختب ار ه ذه الفرض يات ،من جه ة أخ رى ...ولكي تك ون املالحظ ة ،جي دة علين ا
1
.د.حممد عبده حمجوب،االتجاه السوسيوأنثروبولوجي في دراسة المجتمع،Aالناشر وكالة املطبوعات،الكويت،ب،س،ص.136
27
االجابة على ثاللث أسئلة وهي:أالحظ ماذا؟ على ماذا تكون املالحظة؟ وكيف تكون؟ 1هذا
ما وجهين التباع نفس هته اخلطوات ،حماولة اإلجابة على األسئلة الثالثة ،أثناء مالحظايت ،أوال
أالحظ األسر املبحوثة ،ثانيا تكون مالحظايت مركزة حول العالقات والروابط القرابية ،ثالثا
جيب أن تكون مالحظيت علمية وليست عادية تستويف الشروط املنهجية بالتدقيق ،يف املشاهدة
واالستماع كشرطان رئيسيان ،فهي تتطلب عمل تسجيلي بالعني واألذن ،حماولة الكشف عن
العناصر اخلفية للظاهرة ،اليت أنا بصدد دراستها للوصول إىل بعض املمارسات االجتماعية.كما
كنت أالحظ األسر ،دون إزعاج املبحوثني أو إثارة اهتمامهم ،فكنت أتصل مباشرة باألفراد
حبكم قريب منهم مع حضوري الكثري يف املناسبات واجللسات العائلية القرابية.
فكنت أتعرف على املبحوثني ،من خالل سلوكاهتم الفعلية التلقائية وبالتايل أحتك بامليدان
كما هو ،كما كنت طرفا يف التواصل مبشاركة املبحوثني حياهتم اليومية ،مع حرصي الدائم
باملوضوعية اجتاه املبحوثني والبحث ككل.
أم ا تقني ة المقابلة Aفك انت يف البداي ة ،أي يف املرحل ة االس تطالعية La phase 2
exploratoireعب ارة عن مقابل ة اس تطالعية Entretien exploratoireوهي مقابل ة
بدون دليل لالحتكاك بامليدان وكسب ثقة املبحوثني واألسر.كما كان هلا الدور الرئيسي يف
ص ياغة االش كالية وبنائه ا كم ا ق ال Raymond quivy Luc van etالق راءات
واملق ابالت االس تطالعية ،هلا دور كب ري يف مس اعدة الب احث على ص ياغة ،وبن اء اش كالية
البحث.كما تعرفها " Madeline Grawitzأهنا عملية تنقيب تعتمد على سريورة إتصالية
3
من أجل مجع املعلومات هلا عالقة مع هدف حمدد".
فكان النزول األويل للميدان بعد القراءات ،حيث كانت هذه املقابالت حرة ،ويعين هذا أهنا
مق ابالت ب دون دلي ل ، le guide d’entretienوهن ا ط رحت س ؤاال ح ول املوض وع
1
.Quivy, RAYMOND et Luc van CAMPENHOUDT, Manuel de recherche en
sciences sociales,2emedition, Dunod,Paris,1995,P155.
2
. Ibid, P63.
3
.Madeline, GRAWITZ, Méthodes des sciences sociales, 8èmeéd, DALLOZ, Paris,
1990,P742.
28
وت ركت املبح وث يتكلم بك ل حري ة ،ه ذا م ا س اعدين يف إع داد دلي ل املقابل ة .ألن املقابل ة
االس تطالعية تفي د الب احث يف أم ور ق د يك ون غ افال عليه ا ،بإمكاهنا أن تس اعده يف ص ياغة
األسئلة ،وكذلك حتويل السؤال األويل إىل سؤال رئيسي.
حيث ك انت احملادث ة ت دوم إىل س اعات ،أي أك ثر من س اعة ،ويف بعض األحي ان أغتنم
الفرص ة يف املناس بات ك األفراح واحلفالت ،واملناس بات الديني ة واألعي اد...فكنت أس تفرغ م ا
لدي من معطيات ،بعد االنتهاء من املقابلة بتنظيم املعطيات وحتليلها حتليال أوليا إىل غاية هناية
البحث.
أم ا عينAA Aة البحث ،فك انت متنوعة l’échantillon Diversifiéجملتم ع الدراس ة
حسب طبيعة املوضوع ،وفيها نأخذ السن ،احلالة املدنية ،اجلنس ،الفئة االجتماعية ،املستوى
التعليمي .وتس مى ه ذه باخلص ائص االجتماعي ة Les composantes socialوالغ رض
من التن وع ،ه و تن وع اآلراء عن د األش خاص ،والش يء ال ذي مييز املقابل ة ه و القي ام مبح اورة
األشخاص ،الذين فيهم اخلصائص املطلوبة يف االقرتاب الكيفي ،وهنا ميكننا أخذ 20إىل 30
شخص1.هذا ما جعلين أختار عينة متنوعة تتكون من 35أسرة 09أسر كبرية والباقي نووية،
.1د.حجيج جنيد ،دروس في منهجية البحث االجتماعي،لدفعة ماجستار اخللدونية و علم االجتماع السياسي،2008،2009 ،
جامعة مستغامن.
29
ولفهم الظ اهرة ،إعتم دت على خاص ية الوص ف ،للتع رف على مع امل الظ اهرة حمل الدراس ة،
وحتديد أسباب وجودها ،على صورهتا القائمة بالفعل ،بوصف املكان والزمان ،الذي توجد
في ه ،وطبيع ة التفاعل اإلجتم اعي الق رايب ،م ع وص ف ممارس اهتا ،ب ل التع دي عن الوص ف إىل
التش خيص والكش ف عم ا يكتن ف الظ واهر ،من ترابط ات وعالق ات متداخل ة يف ض وء القيم
واملعايري احلضرية ،وبذلك ميكن إظهار العوامل الىت تأثر يف الرابطة القرابية ،ىف الوسط احلضرى
واختبار فرضيات الدراسة.
كم ا تطلب األم ر اس تخدامنا للمنهج التAAاريخي ،ألن ه ذه الدراس ة ،تن درج ض من حبوث
علم االجتماع عامة واألنثروبولوجيا احلضرية خاصة ،فإن اخلطوة املنهجية األوىل كانت على
القراءة العلمية لكل ما يتعلق مبوضوع الدراسة ،حول الرابطة االجتماعية عامة ،ورابطة القرابة
خاص ة .ف احتجت إىل املقارب ة التارخيي ة ،وهي مقارب ة تفي دنا يف وض ع موض وع دراس تنا ،يف
إطاره التارخيي ومتابعة تطوره ،خالل الفرتة الزمنية النظرية ،وذلك باستخدامنا لبعض احلقائق
التارخيية اليت تعلقت باألمناط القرابية ،يف اجملتمعات التقليدية إذ مت الرجوع إىل بعض الدراسات
ح ول نظ ام القراب ة ،ذل ك بواس طة املنهج الت ارخيي ،من خالل احلديث عن تط ور نُظم القراب ة،
وممارساهتا األنثروبولوجية وأنواعها ،مع عرض خمتلف التغريات املتتابعة اليت مر هبا هذا النظام،
بص فة خاص ة واألس رة بص فة عام ة ،يف اجلزائ ر واجملتم ع عام ة .وب ذلك نك ون ق د اتبعن ا عمAAار
بوح AAوش يف ش رحه للمنهج الت ارخيي بقول ه "املنهج الت ارخيي ،ي درس الظ اهرة ،ب الرجوع إىل
أص لها ،فيض عها ويس جل تطوراهتا ويفس رها استنادا إىل املنهج العلمي ،يف البحث ال ذي يربط
النتائج بأسباهبا.1".
إض افة إىل ه ذا اس تندت بAAالمنهج المقAAارن ،وذل ك من خالل مق ارنيت للظ اهرة ،بني اجملتم ع
ال ريفي ،واجملتم ع احلض ري يف بعض احلاالت ،دون أن أذك ر ك ل أوج ه التش ابه واالختالف.
. 1عمار بوحوش،دليل الباحث في المنهجية وكتابة الرسائل الجامعية ،املؤسسة الوطنية للكتاب،1985،ص 24
30
وك ذلك من خالل ح ديثي على التغ ري ،ال ذي ط رأ على األس رة اجلزائري ة ع رب مراح ل وف رتات
مرت هبا ،ألننا كلما نتحدث على التغري ،فنحن بصدد املقارنة.
كما اعتمدت على المنهج التحليلي التفسيري للنتائج ،وهو الذي يعترب منهجا أو مرحلة
منهجي ة تالزم ك ل املقارب ات السوس يولوجية ،س واء منه ا البنيوي ة أو الوظيفي ة ،أو النس قية أو
املؤسساتية ،ذل ك من منطل ق أن النظري ة السوسيولوجية حتليلية .ف احتجت إىل املقارب ة النظرية
البنائي ة والتفاعلي ة الرمزي ة ،وملا ك انت دراس يت ت دور ح ول اجملتم ع اجلزائ ري ،باعتب اره جمتمع ا
عرف حتوال كبريا ومتغريا ،فاعتمدت على بعض الطرق األنثروبولوجية ،اليت أفادتين يف رؤية
اجملتمع يف إطار شبكة من العالقات والروابط االجتماعية والنُظم املتداخلة ،فحاولت قراءة كل
ما ُكتب عن اجملتمع اجلزائري خاصة الدراسات االجتماعية السابقة ،باإلطالع على البحوث
النظرية وامليدانية عن اجلزائر.
كم ا اطلعت على م ا يتعل ق باحلض رية كأس لوب حي اة ،خاص ة م ا كتب ه السوس يولوجني
واألن ثروبولوجون ،فامت د البحث النظ ري ،إىل ق راءة م ا كتب ه األخص ائيون يف علم النفس
االجتم اعي ح ول ش روط ظه ور الرابط ة االجتماعي ة ،والتفاع ل والعالق ات االجتماعي ة عام ة،
وك ل ه ذا مه د يل البحث املي داين ،ال ذي أعت ربه أس اس البحث األن ثروبولوجي ،فعن طريق ه
اتصلت اتصاال مباشرا ووثيقا باجملتمع ،وإن صح التعبري مشاركة يف الكثري من األحيان جملتمع
البحث ،فبم ا أن ين أس كن يف مدين ة الس انية ،ال يت هي اإلط ار املك اين للدراس ة ،وبال ذات حي
الرائ د ش ريف حيي فكنت أعيش م ع املبح وثني املراد دراس تهم بنفس احلي،كم ا أن ين الحظت
طريق ة عيش هم واتص االهتم اجلواري ة والقرابي ة ،زي ادة على ذل ك احلي ه و حي حض ري مبدين ة
م ا يس مى باملالحظ ة املباش رة ،ال يت ترج ع أمهيته ا يف الس انية ،هلذا وج دت نفس ي أس تعمل
كوهنا ،متكن الب احث من تس جيل وق ائع الس لوك فور وقوع ه ،وأثن اء حدوث ه يف اجلماع ة،كم ا
أهنا تُعت رب طريق ة مباش رة ،يف فهم احلي اة االجتماعي ة لس كان اجملتم ع عن قُرب ،ه ذا يع ين أن
الب احث حباج ة لإلقام ة الدائم ة يف اجملتم ع أو ال رتدد علي ه إىل غاي ة هناي ة البحث ،املراد دراس ته
واملشاركة يف احلياة اليومية،كمالحظتهم أثناء الذهاب عند األقارب أو عدمه ،ومىت يكون هذا
31
ال ذهاب ،يف عط ل االس بوعية ،أو يف املناس بات فق ط ومالحظ ة من هم األق ارب األك ثر زي ارة
وك ذلك مالحظ ة جميئ األق ارب ،عن د املبح وثني وم ىت يك ون ،وكث ريا م ا كنت أحض ر بعض
الزيارات القرابية عند جرياين خاصة يف املناسبات.
كما قمت بكسب ثقة املبحوثني حىت يسري البحث بشكل جيد ،ووضحت جلرياين وعينة
حبثي ،أنين أريد أن أحيا حياهتم عن قُرب ،بكل ما فيها وخاصة من جانب موضوع دراسيت،
كما أنين استعنت ببعض االخباريين les informateurالذين كانوا يدعمونين بالكثري من
املعلومات عن بعض املبحوثني الذين كانت هلم عالقة جيدة معهم.
أوال:المرحلة التحضيرية :ويف هذه املرحلة قمت بصياغة السؤال األولي أو سؤال االنطالق
la question de départالذي متثل يف ماهي طبيعة الروابط القرابية ،يف اجملتمع احمللي
الذي قُمت بدراسته ،هذا السؤال مهم جدا يعترب القاعAAدة األساسAAية للبحث ،ألن كل حبث
الغرض منه اإلجابة عن سؤال مطروح.كما أنه يتحول إىل سؤال رئيسي وساعدين يف صياغة
اإلشكالية.
ثانيا:المرحلة االستطالعية:ففي هذه املرحلة قمت بتشخيص الظاهرة ،وصياغتها بدق ة مما مسح
يل بالتعود وزيادة ُألفيت بالظاهرة ،املُراد دراستها ،ونقصد بتشخيص الظاهرة هنا هو التعرف
على الظاهرة بشكل جيد ،مثلما يرى العضويون والوظيفيون ،أن الظاهرة مثل األشخاص جيب
التع رف عليه ا والتفاع ل معه ا ،ويتم ذل ك التع رف على الظ اهرة من خالل اجلانب النظ ري
واإلطالع على ك ل م ا ُكتب ح ول املوض وع ،وك ذا اإلطالع على ك ل الدراس ات الس ابقة
والنتائج الىت توصل إليها الباحثون حول املوضوع املراد دراسته ،هذا من الناحية النظرية ،إال
أنه يبقى غري كايف حسب علماء االجتماع األمربيقي ،وهلذا ظهرت الدراسات احلقلية امليدانية
مع مدرسة شيكاغو يف أمريكا وأصبح تشخيص الظاهرة ،يتطلب النزول امليداين ،حيث نلمس
الظاهرة من خالل األفراد أو الفاعلني ،كما ترى نظرية الفعل االجتماعي.
32
وهلذا احت وت ه ذه املرحل ة على ش طرين أساس يني ،مها النظ ري واالس تطالعي ،ونقص د
بذلك القراءات Les lecturesAاليت قمت هبا حول املوضوع قبل النزول إىل امليدان ،حىت
ال أن زل فارغ ة ب دون معلوم ات وال يت متثلت يف ق راءة ك ل م ا ل ه عالق ة باملوض وع ،من كتب
وجمالت وأطروحات ودراسات سابقة.
مث المقابالت االستطالعية بالنزول األويل للميدان بعد القراءات بدون دليل وهنا طرحت
سؤاال حول املوضوع وتركت املبحوثني يتكلمون بكل حرية ،هذا ما ساعدين يف إعداد دليل
املقابلة ألن املقابلة االستطالعية أفادتين ،يف أمور كنت غافلة عنها .وكذلك بصياغة الفرضيات
واإلشكاليــة ،ليتوضح تصوري السوسيولوجي للموضوع أو الظاهرة .وكذلك يف صياغة دليل
املقابل ة والقي ام باملقابل ة النص ف موجه ة ويف الكث ري من األحي ان احلرة.كم ا كنت أت ردد إىل
امليدان كلما استدعت الضرورة ،مع مجع املعطيات امليدانية حول جمتمع البحث والظاهرة أيضا
من خالل مقابلة العديد من املسؤولني ،يف بلدية السانية والديوان الوطين لالحصائيات بوالية
وهران.
كما أفادين الرتبص قصري املدى بجامعة AالقاضAي عيAاض بمAراكش المملكAة المغربية ،سنة
2014حتت إش راف ال AAدكتور حس AAن مجاهيد أس تاذ األنثروبولوجي ا احلض رية ،ال ذي أفادن ا
مبعطيات مفيدة ومراجع استعنت هبا يف حبثي هذا ،كما كانت زياريت ملكتبة آل سعود بالدار
البيضاء باململكة املغربية ،جد مفيدة الحتوائها على مراجع قيمة.
33
ومتاش يا م ع أه داف البحث والق راءات النظري ة والتحقي ق املي داين ،وض عنا اخلط ة التالي ة :حيث
إحتوت هذه الدراسة على ستة فصول:
-الفصل األول قمنا فيه بتحديد املفاهيم املتعلقة باملوضوع ،مع حماولة ازالة اخللط بني بعض
املفاهيم املتشاهبة.حول الرابطة االجتماعية واجملتمع احلضري .وهذا نظرا لوجود جمموعة من
املص طلحات هلا نفس املع ىن ،أو املض مون للرابط ة االجتماعي ة ،التفاع ل االجتم اعي والتض امن
االجتم اعي ،التماس ك االجتم اعي اخل ...وإلزالة اخلل ط والغم وض كما قلن ا ،تعمقنا أكثر يف
الرابطة االجتماعية ،بتناولنا لكل املفاهيم ،اليت ترتبط أو تشكل الرباط االجتماعي من قريب أو
بعيد.
أما الفصل الثاني Aفكان حول النظريات ،املتعلقة بالرابطة االجتماعية ،واجملتمع احلضري ،مع
االشارة ملعظم الدراسات السابقة حول الظاهرة يف اجملتمع اجلزائري.
-الفصل الثالث :خصصناه للحديث عن املدينة عامة ،مفهوما ونظريا ،مع الرتكيز على مدينة
السانية وحي الرائد شريف حيي جمال الدراسة ،حيث ذكرنا فيه،كل اخلصائص احلضرية هلذه
املدينة ،مث الرتكيز على جمتمع البحث ،الذي يعترب جمتمعا حمليا بالنسبة للمدينة.
-الفص AAل الراب AAعA:وفي ه حتدثنا ،عن رابط ة من الرواب ط االجتماعي ة ال يت قمن ا بدراس تها ،وهي
رابط ة القراب ة ،ألنن ا يف الفص ول الس ابقة حتدثنا عن الرابط ة االجتماعي ة عام ة ويف ه ذا الفص ل
خصص ناه لظ اهرة القراب ة كرابط ة اجتماعي ة أنثروبولوجي ة ،بحي الرائ د ش ريف حيي بالس انية
بوهران.
حيث تطرقنا لكل ما له عالقة بالظاهرة من ناحية النظريات األنثروبولوجية ،البنائية والوظيفية
والتطورية ،وكذلك بنية وأنواع الروابط القرابية يف اجملتمع ،مث ركزنا على دراسة القرابة عند
األسر باحلي من خالل الرتكيبة االسرية ،واألصل اجلغرايف وفهم تصورات األسر للقرابة.
34
-الفصAAل الخAAامس:Aويف هذا الفصل حتدثنا عن الروابط االجتماعية القرابية ،من خالل مظاهر
التواص ل الق رايب وأس باب التن افر الق رايب من جه ة أخ رى يف حي الرائ د ش ريف حيي ،مركزين
على عدة عوامل وأسباب وممارسات اجتماعية.
-الفصAAل السAAادس:وفيه عنصر التغري االجتماعي الذي فرض نفسه من خالل النتائج امليدانية
األولية ،على أن رابطة القرابة عرفت نوع من التغري مقارنة باملاضي ،فتحدثنا فيه عن تغري منط
األسرة وأسباب تغري الروابط القرابية يف اجملتمع احمللي املدروس.
مث أدرجنا الثقافة احلضرية وانعكاساهتا على الروابط القرابية ،حسب الفرضيات اليت طرحناها.
فكان للثقافة احلضرية دور كبري يف سلوكات األفراد ،وتفكريهم لذلك حاولنا يف هذا الفصل
احلديث عن الثقافة احلضرية وما مدى تأثريها على رابطة القرابة ،ألن األفراد الذين ينتقلون من
الريف إىل املدينة يكتسبون ثقافة املدينة ،فتتغري سلوكاهتم وأفكارهم السابقة اليت اعتادوا عليها
ليكتسبوا ثقافة حضرية جديدة دون أن يشعروا بذلك.
تعد النظرية قالبا فكريا منظما ،يبدأ مبجموعة من التخيالت العقلية واليت تسمى بالفروض
العلمية ،حيث حتتوي على جمموعة من املتغريات ،هذا ما جيعلها تساعد الباحث على تفسري
العالقة بني هذه املتغريات ،تفسريا منهجيا .يعين هذا "أن النظرية هي مرحلة ضرورية ال ميكن
االستغناء عنها ،حيث تساعد الباحث على تنظيم الوقائع وبناء الفرضيات والوصول إىل نتائج
حىت وإن كانت هذه النظرية حمدودة أو غري دقيقة" 1وهلذا حاولت يف دراسيت هذه االعتماد
على النظري ات األك ثر عالق ة مبوض وع حبثي ،واليت ختدم ه بش كل أفض ل،كالبنائي ة والوظيفي ة
وكذلك التفاعلية الرمزية .
1
. M, GRAWITZ, Méthodes des sciences sociales, Dalloz, éd 11, Paris, 2001, p 476.
35
تع د البنائي ة والوظيفي ة من النظري ات السوس يولوجي األك ثر رواج ا واس تعماال ،خاص ة يف
اجملتمعات الغربية ،ففي اإلطار التصوري هلا ،حتمل جمموعة من املفاهيم ،أمهها البناء والوظيفة
باعتبارمها مفهومني رئيسني يف هذا اإلطار وقد دخال على يد كومت وسبنسر ،إال أن البنائية
الوظيفية شهدت منو إطارا تصوريا ،يضم مفاهيم مثل النسق والنظام والدور والقيم واملعايري
وغريها ترتبط مبفهوم البناء ،هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ،كما شهدت ظهور مفاهيم مثل
الوظيف ة الظ اهرة والوظيف ة الكامن ة ،والب دائل الوظيفي ة ،واملعوق ات الوظيفي ة ،وغريه ا ترتب ط
مبفهوم الوظيفة وقد أضيفت هذه املفهومات ،على يد جمموعة من العلماء أمثال ما لينوفسكي
وراد كليف براون و بارسونز و ميرتون و ماريون ليفي وغريهم.
فلهذا ُعرفت على أهنا جمموعة من التصورات اليت ترى أن البناء االجتماعي ،هو جمموع ة
من الوح دات ،أو األنس اق ذات الوظ ائف املختلف ة ،إال أن ه رغم ه ذا االختالف تعمل ك ل
وح دة أو نس ق ض من الك ل من أج ل ض مان الت وازن واالس تقرار هلذا البن اء ،و"لكي منيز بني
النش اطات ال يت تس اعد على بق اء النظ ام االجتم اعي واحملافظ ة علي ه ،والنش اطات اليت تس بب
اختالله واضطرابه جيب علينا النظر إىل وظائف البناء ،اليت تتماشى مع النظام وحتقق أهدافه
وطموحاته والوظائف اهلدامة اليت تتناقض معه وحتول دون حتقيق أهدافه ،إال أن هناك وظائف
بناءة ظاهرة وكامنة وهناك وظائف هدامة ظاهرة وكامنة."1
حيث تفسر هذه النظرية تفسريا واضحا للنسق القرايب املتواجد ،ابتداء من األسرة كبنية
كوهنا هي اليت صنعت النسق القرايب ،فهذا التفسري يرجع إىل العوامل البنيوية والوظيفية ،احمليطة
باألس رة ال يت تتع رض جلمل ة من التغ ريات والتح والت السوس يولوجية ،وب األخص األس رة
احلض رية املتواج دة يف اجملتم ع احلض ري ،علم ا ب أن العوام ل البنيوي ة احمليط ة باألس رة احلض رية،
تنقسم إىل عوامل بنيوية داخلية،كالظروف واملعطيات االقتصادية والصناعية احمليطة هبا ،زيادة
عن ذل ك حال ة الص راع االجتم اعي وعوام ل بنيوي ة خارجي ة،ك التطور التكنل وجي يف وس ائل
اإلعالم واالتصال...اخل.
.1دينكن ميشيل ،معجم علم االجتماع،تر:إحسان حممد احلسن،ط ،2دار الطباعة والنشر،لبنان،بريوت،1986،ص .102
36
ومن الناحي ة الوظيفي ة ،ف إن االق رتاب ال وظيفي ال حياول ش رح كي ف ت رعى أس رة معين ة
أطفاهلا ولكنه يهتم بكيفي ة حتقي ق األس رة،كنظ ام هلذا اهلدف وه و الرعاي ة مثال ،وهلذا ك ان
االقرتاب ال وظيفي ،خيدم املوضوع باتباع فكرته يف فهم وظيفة األسرة يف احلفاظ على النظام
القرايب ،الذي خلقته ،وبالتايل له عالقة بأي تغيري يطرأ عليها .وهلذا ميكننا القول بصفة عامة،
أن االجتاه الوظيفي ،يعتمد على النظر إىل أي شيء سواء كان كائنا فردا ،أو جمموعة صغرية
أو تنظيما رمسيا أو جمتمعا أو حىت العامل بأسره على انه نسق أو نظام.1
لكل نسق احتياجات أساسية البد من الوفاء هبا ،وإال فإن النسق سوف يقف أو يتغري تغريا
جوهريا ،فاجلسم اإلنساين مثال حيتاج لألكسجني ،والنرتوجني و كل جمتمع حيتاج ألساليب
لتنظيم الس لوك ،كالق انون وجمموع ة لرعاي ة األطف ال واألس رة وهك ذا.فالش يء الض روري ه و
البد أن يكون النسق دائما يف حالة توازن ولكي يتحقق ذلك ،فالبد أن تليب أجزاءه املختلفة
احتياجاته فإذا اختلت وظيفة اجلهاز الدوري ،فإن اجلسم سوف يعتل ويصبح يف حالة من الال
2
إتزان .
كل جزء من أجزاء النسق قد يكون وظيفيا ،أي يسهم يف حتقيق توازن النسق وقد يكون
ض ارا وظيفي ا أي يقل ل من ت وازن النس ق وق د يك ون غ ري وظيفي ،أي ع دمي القيم ة بالنس بة
للنس ق .فحاج ة اجملموع ة إىل التماس ك ق د تتحق ق عن طري ق التمس ك بالتقالي د والرواب ط
والعالقات االجتماعية ،أو عن طريق الشعور بالتهديد من عدو خارجي.
.2التفاعلية الرمزية:
. 1هباء الدين خليل تركية ،علم االجتماع العائلي ،األهايل للنشر ،دمشق ،سوريا ،ط ، 12004ص .57
.جمموعة من الباحثني ،ألسرة والطفولة،دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية ،دار املعرفة اجلامعية ،مصر ،االسكندرية ،ط ،1ب،س، 2
ص.31
.3سناء اخلوىل،مرجع سابق،ص 157 ،156
38
أساس ية ،حيث ك انت ك ل مقابالتن ا م ع جمموع ة من األس ر احلض رية ،فك ان تب ين للنظري ة
التفاعلية الرمزية يساعدين يف فهم العالقات القرابية من خالل دراسة التفاعالت داخل الرابطة
القرابية ،وحتديد الدور والوظيفة اليت يقوم هبا كل من األفراد املتفاعلون داخل التكوين األسري
والقرايب.
فلك ل ف رد دور خ اص ووظيف ة خاص ة يق وم هبا ق د تس اعد على متاس ك األس ر ،عن طري ق
الروابط االجتماعية واملتمثلة يف حبثي هذا حول الرابطة القرابية.
فالب احث االجتم اعي املهتم بالرواب ط والعالق ات القرابي ة ،يس عى إىل فهم أمناط التفاع ل
الواقع بني خمتلف الشخصيات املكونة هلا ،ويسعى أيضا إىل إبراز أثر التغري الثقايف واالجتماعي
على صيغ التواصل واالتصال ،والتأثري والتأثر بني األفراد املتفاعلني ،ألن العالقات القرابية هي
عالقات اجتماعية دينامكية ،يطرأ عليها التغري وال حتدث عالقة أو رابطة إجتماعية ،إال بتفاعل
أفرادها فالرابطة القرابية تضعف عندما ينقص التفاعل والتواصل بني أفراد هذه الرابطة والعكس
صحيح كلما كان هناك تفاعل واتصال تقوى هذه الرابطة.
39
الفصل األول
-تمهيد
.1مفهوم اجملتمع
.2مفهوم احلضرية
.3مفهوم التحضر
40
-خالصة الفصل األول
الفصل األول
تمهيــد
لق د خصص نا فص ال ك امال لتحدي A Aد Aالمف AA Aاهيم والنظري AA Aات السوسAA Aيولوجية لبحثنا
وذل ك لتوض يح أك ثر موض وع دراس تنا ،ألنن ا من خالل املف اهيم نتمكن من حتدي د منهج
الدراس ة أيض ا ،كم ا يتس ىن للق ارئ فهم الظ اهرة املراد دراس تها وطبيعته ا ،وبالت ايل حيدث
توضيح وعدم خلط بني املفاهيم .كما أن مرحلة حتديد املفاهيم تعترب خطوة منهجية هامة يف
البحث ،ألهنا تزيل كل األفكار املسبقة والغري صحيحة حول املوضوع ،وبالتايل توجهنا حنو
النظ رة احلقيقي ة للبحث ،أي أهنا تس اعد الب احث يف حتدي د خط ة دراس ته ومنهج ه
السوس يولوجي،كم ا أهنا متحي االلتب اس واخلل ط بني الظ واهر املش اهبة للظ اهرة املراد دراس تها،
فالباحث الذي يتطرق إىل دراسة الروابط االجتماعية ،جيد نفسه أمام مشكل عويص ،يتمثل
يف أن هذا املصطلح ذاته هو من املصطلحات ذات التشعب الواسع.
فق د ت دخل ض من ه ذا املفه وم العدي د من املف اهيم املش اهبة وال يت ت ؤدي املع ىن ذات ه ،كم ا
ت دخل ض منه العدي د من املف اهيم اجلزئي ة ،ال يت باجتماعه ا يتحق ق ه ذا املع ىن ل ذلك ك ان هلذا
املفهوم العديد من التعريفات اليت ختتلف حبسب جمال الدراس ي ،ولكنها يف األخري تصب كلها
يف معىن واحد.
41
س وف نتط رق يف ه ذا الفص ل :أوالً إىل رص د ه ذه التع اريف ال يت ت بني مفه وم الرابط ة
االجتماعي ة واملص طلحات املش اهبة أو املكون ة هلا ،ألن هن اك العدي د من املف اهيم املش اهبة
ملوض وعنا ،كالعالق ات االجتماعي ة ،التماس ك االجتم اعي ،التض امن االجتم اعي ،التفاع ل
االجتم اعي ،العق د االجتم اعي ....ف وجب علين ا حتدي د ه ذه املف اهيم حتدي دا علمي ا من
املوس وعات واملع اجم ،مث ربطه ا م ع من اس تعملها من علم اء اجتم اع ،ح ىت نوض ح مكانته ا
ض من موض وعنا ،وه و الرابط ة االجتماعي ة أو كم ا يلفظ ه البعض بالرب اط االجتم اعي ،ترمجة
للمصطلح الفرنسي .le lien social
فهن اك مقول ة مش هورة لفAAوليش":قب ل أن تتح دث معي ح دد مص طلحاتك"1 .استحض ارنا
هذه املقولة ،نظرا لتعدد املفاهيم وتداخلها وتناقضها مع بعضها البعض ،حول القضية الواحدة
فاملص طلح واملفه وم يف علم االجتم اع ،حيم ل ع دة دالئ ل وتفس ريات،كم ا أن عملي ة اهلب وط
باملفهوم ملستوى اإلجرائية ،والصعود به من اإلجرائية ملستوى التجريد ،من أهم املشكالت اليت
يواجهه ا الب احث ،وذل ك ألنه ُمط الب يف حال ة االرتق اء ب املفهوم ،من مس توى التجري د إىل
مستوى اإلجرائية يقتضي عليه أيضا إعطاء الداللة اخلاصة بثقافة معينة ،حسب طبيعة اجملتمع
الذي يدرسه.
فالمفهوم عامة يعين يف قاموس وبسرت؛ "لفظ عام يعرب عن جمموعة متجانسة من األشياء،
وهو عبارة عن جتريد للواقع ،يسمح لنا بأن نعرب عن هذا الواقع من خالله" .2بناءا على هذا
فإن املفاهيم تنظم لنا عاملنا احمليط بنا يف شكل مقوالت حمددة ،ومتكننا من أن نرى هذا العامل
ونفهم ما جيري به ،هلذا يستخدم الباحث االجتماعي املفاهيم ليشري هبا إىل جوانب خمتلفة ،من
حي اة اجلماع ة البش رية واملف اهيم ال يت يس تخدمها ،هي مف اهيم أكثر ختصص ا من املف اهيم ،اليت
يس تخدمها الن اس الع اديون.كم ا تس اعد على إقام ة عالق ات متبادل ة ،بني جمموع ة كب ري من
الظواهر االجتماعية.
.1إبراهيم أبراش،علم االجتماع السياسي،األردن ،دار الشروق للنشر والتوزيع ، 1998،ص 272
.2حممد اجلوهري وعبد اهلل اخلرجيي ،مناهج البحث في علم االجتماع،ج،2السعودية،جدة،ط،2دار الشروق جدة،1980،ص.92
42
ويف دراستنا تقابلنا بعض املفاهيم السوسيولوجية ،مثل الرابطة االجتماعية والرابطة العصبية
والعالقات االجتماعية ،اجملتمع احلضري ،القرابة وغريها من املفاهيم ،...حيث كل مفهوم من
هذه املفاهيم يرتب ط مبجموعة أخ رى من املصطلحات اليت جندها مفي دة يف دراس تنا ،فمفهAAوم
الرابطة Aاالجتماعية يرتبط على سبيل املثال ،مبفهوم التضامن االجتماعي والتماسك االجتماعي
ومبفه وم العالق ات االجتماعي ة ،هلذا قمن ا بتحدي د ه ذه املص طلحات ح ىت نوض ح موض وع
دراستنا أكثر.
تعت رب إش كالية الرابط ة االجتماعي ة ُمعق دة وخاص ة الي وم ،حيث نش عر بوج ود نقص أو
غياب هلذا املصطلح يف السوسيولوجيا العربية ،لذلك جنده يرتبط مبصطلحات نستعملها داخل
النظام االجتماعي ،مثل العقد االجتماعي ،األمن االجتماعي ،التنظيمات االجتماعية ،التضامن
االجتم اعي ،ه ذه املص طلحات ترم ز ع ادة ل ردود الواق ع املع اش االجتم اعي ،أو بعب ارة أخ رى
ُ
حتدد الرواب ط االجتماعي ة1.ف أغلب علم اء االجتم اعي ،أدجموا مص طلح الرابط ة االجتماعي ة،
مبفه وم التض امن االجتم اعي وغ ريه من املف اهيم املش اهبة ،إال أن ه بع د الق راءات التحليلي ة هلذا
املصطلح جند أنه يأخذ معنا منفردا به .إذ يعترب موضوع الرابطة االجتماعية من أهم املواضيع،
اليت يهتم هبا علم االجتماع احلديث رغم أهنا قدمية النشأة.
حيث ظه ر ه ذا املص طلح يف الق رن 19على ي د جمموع ة من علم اء االجتم اع ،ورمبا كل
علماء االجتماع تطرقوا هلذا املفهوم وقد متتد جدوره إىل ما قبل القرن التاسع عشر ،ولكن
ليس بنفس اإلسم ،إال أن املضمون واحد ،فهناك من تطرق إليه من خالل العصبية ،والروابط
القبلية ،كابن خلدون والعالقات االجتماعية أو التفاعل االجتماعي ،مثل ماكس فيبر ،ومنهم
1
.عبد احلميد لطفي ،علم االجتماع ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر ،بريوت ،لبنان،1977،ص.47
43
من حتدث عن ه من خالل تقس يم العم ل والتض امن االجتم اعي ،مث ل دوركAA Aايم A،واإلرادة
االجتماعي ة واجملتم ع احمللي والع ام ل دى تون AAيز ،وك ذلك من خالل الطبق ات االجتماعي ة عن د
مAAاركس ،والعقد االجتماعي عن د هAAوبز ولAAوك ،وكذا علم اء األنرتوبولوجي ا اإلجتماعي ة مثل
ميرودوك وغريهم ،عندما درسوا اجملتمعات البدائية والعالقات القرابية واألسرة ،تعرضوا كلهم
ملفهوم الرابطة االجتماعية.
وي رى معظم الب احثني الفرنس يني يف اجملال االجتم اعي وعلى رأس هم P.BOUVIERبيAAار
بوفي يرى يف كتابه "الرباط االجتماعي" أن الروابط االجتماعية مل تعرف وجودها واستعماهلا
كمص طلح ،إال يف أواخ ر الق رن العش رين ،أص بحت كص بغة للعالق ات االجتماعي ة ،والنظ ام
االجتماعي ، Ordre socialأو السالم االجتماعي ،Pais socialأي ال يؤذي شخص غريه
داخل النظام االجتماعي .1وإمنا يعيشون ضمن عالقات وروابط اجتماعية ،تعتمد على التبادل
والتع اون ،كاالحتادات بني ال دول واجملتماع ات ،نظ را لوج ود رواب ط مش اهبة ومش رتكة بينهم
وكذلك الضمان االجتماعي ،فالرباط االجتماعي اليوم حيمل معان خمتلفة ،إذ يساهم يف خلق
2
احلماية لألفراد واإلقرار الضروري لوجودهم االجتماعي.
كم ا وجب علين ا أن نوض ح مص طلح الرابطA Aة Aاالجتماعية لغ ة ،ألنن ا كث ريا م ا جند ه ذا
املصطلح يُرتجم من اللغة الفرنسة le lien socialإىل اللغة العربية الرابط االجتماعي ،هذا ما
يعتربه علماء اللغة العربية خطأ لغويا ،فال نقول رابط وإمنا ِرباط ،حسب ما جاء يف معاجم
ط ،يُش تق من ه ِربَ اط بكس ر ال راء ،ومعن اه الش د،
اللغ ة ومنه ا املعجم الوس يط للغ ة ،فالفع ل َربَ َ
الوص لة بني الش يئني ،من ال دواب وحنوه ا واجلماع ة جيمعهم أم ر
والرابط ة تع ين العالق ة أو ُ
يش رتكون في ه ،وال ِرب اط الش ئ ال ذي يُرب ط ب ه (كاخلي ط مثال أو احلب ل) ،والرب ط :يف علم
الفلسفة ،إحداث عالقة بني مدركني ،القرتاهنما يف الذهن بسبب ما.3
1
. Pierre BOUVIER, Le lien social, édition Gallimard,2005,p17.
2
.S, PAUGMAN, le lien social, puf, Paris,2008,P4.
3
.جممع اللغة العربية،المعجم الوسيط ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر،ط4،2004ص.323
44
وهن ا يب دوا واض حا أن املص طلح الص حيح لغ ة ،ه و رابط ة اجتماعي ة أو ِرب اط اجتم اعي،
بكس ر ال راء وليس الراب ط االجتم اعي ،والراب ط مص طلح تكنل وجي ،يس تعمل يف االن رتنت،
فنقول رابط االتصال اخل....مبعىن يكون بني األشياء وليس األشخاص.
وإذا ذهبن ا إىل علم االجتم اع ،فالرابطة تُع رف على أهنا جمموع ة من العالق ات بني األف راد
املنتمني إىل فئ ة اجتماعي ة أو أهنا جمموع ة من القواع د االجتماعي ة بني األف راد أو اجلماع ات
le lien االجتماعية ،أما يف علم النفس االجتماعي ،فإنه يفضل استخدام مصطلح أو مفهوم
االتص ال بني األف راد ويقص د ب ه االتص ال ال ذي يب ين العالق ة بني interpersonnel
1
االشخاص.
ويُعترب جون جاك روسو أول من تطرق للرباط االجتماعي ،يف كتابه العقد AاالجتمAAاعي يف
الفلس فة السياس ية الكالس يكية ،كم ا نص ادف مفه وم الرب اط االجتم اعي عن د دوركه AAايمA،
2
مبصطلح "التضامن االجتماع" وعند تونيز وفيبر وغريهم ....
أما إذا جلأنا ملعجم علم االجتماع ،جند أن الرابطة االجتماعية هي العالقة اليت تربط أفراد
اجملتمع وتُشكل منطقه وفلسفته،كما ختتلف طبيعتها من جمتمع آلخر وقد كانت هذه العالقة
حمل اختالف الفالسفة واملدارس الفكرية واألنساق األيديولوجية ،من حيث تكييفها يف الواقع
وتصورها كما ختتلف من جمتمع آلخر ،حسب رسالة كل أمة ومنهج كل كتاب وطبيعة القوم
وحميطهم احلضاري.3
كم ا تع ين أيض ا يف املعجم الالتي ين الش يء ال ذي يبحث على الرب ط؛ أي يرب ط وجيمع،
والرواب ط االجتماعي ة هي تل ك االش كال للعالق ات ال يت ترب ط الف رد باجلماع ات االجتماعي ة
1
.Philippe, CORCUFF, «De la thématique du lien social » à l'expérience de la
compassion. Variété des liaisons et des déliaisons sociales, Pensée plurielle, 2005,
n°9,p13.
FARRUGIA, Francis, La crise du lien social, Essai de sociologie critique, .2
.L'Harmattan, paris, 1993,P22
3
.عدنان أبو مصلح،معجم علم االجتماع،دار أسامة املشرق الثقايف،عمان األردن،2006،ط،1ص.261
45
واجملتم ع ،وال يت تس مح ل ه بالتنش ئة واالن دماج داخ ل اجملتم ع؛ وأخ ذ من ه عناص ر –مقوم ات-
هويته.1
كم ا ظه ر أبس ط مفه وم للروابAAط االجتماعية على ي د جAAورج بونAAاك على أن ش كل الرابط ة
االجتماعي ة ،ه و عب ارة عن جتم ع أويل لعناص ر خمتلف ة ولعالق ة فردي ة2.ف األفراد مييل ون من ذ أن
ظهروا على وجه األرض إىل التجمع بأفراد نوعهم ،وقد عرب أرسAAطو عن هذا بقوله اإلنسان
ك ائن اجتم اعي ،وابن خلAAدون اإلنس ان م دين بطبع ه ،وحبكم ه ذا املي ل عن د اإلنس ان جنده ال
يعيش يف العادة مبفرده وإمنا مع غريه من بين جنسه ،وقد كان حيدث هذا يف أول األمر بطريقة
تلقائية وبدون أي وعي أو قصد ،فظهرت بذلك أبسط أشكال التجمع والروابط االجتماعية.
وهي تلك اليت تتميز مبجرد وجود الناس قريبني من بعضهم يف مساحة معينة ،دون أن مُي يّزهم
أي شيء سوى هذا القرب من بعضهم ،حيث مل يكن هذا األخري يرتبط بأي نوع من التنظيم
أو التأثري املتبادل أو أية عالقة من نوع آخر .بدأت تظهر التجمعات واحلشود وأوىل الروابط
االجتماعي ة يف األس رة ف ُس ميت بالرواب ط الطبيعي ة ،مث ظه رت عالق ات بني األس ر فيم ا بينهم
ومُس يت بالروابط األسرية أو الرتابط األسري حبُكم عامل القرابة واملصاهرة ،فبدأ التفاعل بني
األفراد يف اجملتمع والشعور بوحدة الرتكيبة ووحدة املصاحل والنشاط ،هذا ما يُسمي بالروابط
3
االجتماعية.
كما جند من علماء االجتماع من ال يُعرف الرابطAAة االجتماعية ،حىت يُدمج مفهوم اجملتمع
إىل مصطلح الرباط االجتماعي ،ومنهم جنزبرج الذي يرى أن اجملتمع هو؛"تعبري عن كل صلة
اإلنسان باإلنسان ،سواء كانت هذه الصلة مباشرة أم غري مباشرة ،منظمة أو غري منظمة ،عن
وعي أو ب دون وعي ،تتم يز بالتع اون أم متيز بالع داء4".ويُع رف اجلماع ة على أهنا "جمموع ة من
46
الن اس بينهم اتص ال وارتبAAاط اجتمAAاعي منظم وهلم ت ركيب معل وم 1".قاص دا ب ذلك أن الرب اط
االجتماعي يتشكل تلقائيا بني األفراد ،نظرا للحاجة االجتماعية اليت يفرضها اجملتمع.
كما يعرف جورج بوناك أيضا اجملتمع ،على"أنه عبارة عن جمموعة من الناس عاشوا وعملوا
مع ا ف رتة من ال زمن ،بلغت من الط ول م ا مكنهم من تنظيم أنفس هم ،واعتب ار أنفس هم وح دة
اجتماعية هلا حدودها املعروفة" 2.من خالل هذه التعاريف ،يتضح لنا أن األفراد ميتازون داخل
اجملتمع باالتصال والتفاعل والرتابط فيما بينهم.
فبعد تعريف جAAنزبرج للمجتمع ،يستنتج تعريفا للرابطة االجتماعية على أهنا"جمموعة من
الناس حيتلون بقعة ُمعينة من األرض ويربطهم معا نظام من القواعد ،اليت تُنظم حياهتم وحُت دد
صالهتم والرابطة االجتماعية ،قد توجد داخل اجملتمع الكلي أو اجملتمع احمللي وقد تكون هي
اجملتمع نفسه يف بعض األحيان ،إذا شعر فيه أفراده بالرتابط والتماسك ،ألن الرابطة االجتماعية
يتحد فيها الناس ألداء وظيفة ما أو عدة وظائف".3
ويف معجم اإلثنولوجيAA Aا واألنتروبولوجيا ،4جند أن كلم ة الرابط ة مت اش تقاقها يف الق رن
التاسع عشر من الكلمة االجنليزية ،Bandاليت تعين الرباط أو الشريط ،أي الشيء الذي يربط
األش ياء يبعض ها ،5ف أوىل الرواب ط البش رية تب دأ بعالق ة األم وأبناءه ا وتس مى برابط ة األموم ة،
وهي أقوى الروابط البشرية والطبيعية ،ألهنا فطرية يف اإلنسان ،مث خيرج الفرد إىل اجملتمع بعد
األسرة وتظهر الروابط االجتماعية ،وهي اليت تشري إىل العناصر اهليكلية املتواجدة يف اجملتمع،
كالنش اط االقتص ادي واالحتادات والنقاب ات ،وال يت من وظيفته ا الرب ط بني وح دات اجملتم ع،
كالزواج الذي ميثل أصل الروابط االجتماعية ،مبختلف أشكاهلا ،ألنه جيمع بني أفراد اجملتمع
1
.عبد احلميد لطفي ،نفس املرجع السابق ،ص .40
2
.عبد احلميد لطفي مرجع سابق ،ص .43
3
أنظر عبد احلميد لُطفي،نفس املرجع السابق ،ص . 42
.4بيار بونت ،معجم االثنولوجيا واالنتروبولوجيا ،تر :مصباح الصمد ،لبنان ،بريوت ،املؤسسة اجلامعية للدراسة والنشر والتوزيع
،2006ص.492
.5نفس املرجع السابق،ص.492
47
من أجل تكوين األسرة اليت تعد الن واة األساسية يف اجملتمع ،واليت تظهر فيها روابط األخوة
واألمومة وروابط القرابة وكلها تسمى روابط اجتماعية.
كم ا جند يف تعريف لAAووي الع امل األن ثروبولوجي في كتابAAه المجتمAع AالبAAدائي 1920أن
"الرابطة االجتماعية ،هي مجاعة داخل اجملتمع الكلي ،فهي التقوم على القرابة فقط وال ختضع
للرقاب ة االجتماعي ة ،ألهنا حتدث تلقائي ا بني أف راد اجلماع ة ،كرواب ط الص داقة ،فهم ليس وا
بالضرورة أقارب ولكن ميكن أن نعترب أن أساس الروابط االجتماعية ،هي القرابة Aوبعدها تأيت
الروابط بني األفراد الغري أقارب" ،1وهذا ما ذكره ج بيلو 1907يف كتابه حياة الجماعAAة "أن
الص داقة ميكن أن نعتربه ا أس اس ل نزوع البش ر حنو الرتاب ط ،ولكن القراب ة هي أص ل الرتاب ط
االجتم اعي ،فأش كال الرتاب ط منتمي ة إىل أش كال ال نزوع إىل العيش االجتم اعي ،فهي جُت يّش
2
العالقات االجتماعية باجتاه نشاط اجتماعي حمدد اهلدف بصورة أو بأخرى"
كم ا تؤك د بعض املدارس السوس يولوجية املعاص رة كمدرس ة مورينو- J.L.Moreno
المدرس AA Aة السوس AA Aيومترية -يف احلديث عن الفئ ات االجتماعي ة ،داخ ل ش بكة العالق ات
االجتماعية ،على مبدأ الذرات Aاالجتماعية ويف علم االجتماع الذرة االجتماعية ،هي الفرد يف
عالقته مع اآلخرين أي أن األفراد ليسوا هم عناصر التحليل الذي يعتمده علم االجتماع ،لكن
هذه العناصر تشكل عالقات إجتماعية بني األفراد أو بني اجلماعات ،ألن وجود جمموعة من
األفراد ال يكفي ألن يُكون مجاعة ،كما أن كومة من احلجارة ال تشكل بيتا ،فاجلماعة كواقعة
اجتماعية ال تظهر إال حيث يرتبط الناس بعالقات متبادلة.3
مبعىن أن األف راد يف ت رابطهم وعالق اهتم خيتلف ون من حيث ق وة اإلرتب اط والعالق ة ،وم داها
وع ددها ونوعه ا ،وق د تك ون اجيابي ة أو س لبية ،وهن ا تتش كل ال ذرة االجتماعي ة ال يت يعتربه ا
مورينو ن واة تتش كل من كل األفراد املرتبطني ،بشخص معني ،بعالقات قوية ،س واءا كانت
48
عالق ة انفعالي ة أو اجتماعي ة أو ثقافي ة ،فمجم ل العالق ات االجتماعي ة الناجتة عن عملي ات
االختي ار أو النب ذ املتجه ة من أو إىل ف رد معني ،تُ َك ِون ذرت ه االجتماعي ة ،وي زداد حجم ه ذه
الذرة بنموه ،قصد ضمان متاسكه الداخلي واخلارجي ،ألن الذرة االجتماعية تتطور يف العامل
1
االجتماعي ضمن النسيج االنفعايل.
إض افة إىل ه ذا يقص د مورين AAو ،ب ذلك ه و أن مجاع ة األف راد ال تش كل جمتمع ا ،ب املعىن
السوس يولوجي وليس اللغ وي ،إال إذا ك انت هن اك عالق ة بني األف راد ،ليتش كل النس يج
االجتم اعي مثله ا مث ل كوم ة احلج ارة ال يت ال تش كل لن ا ج دارا ،إال إذا ك انت بني احلج رة
واألخ رى إمسنت يش دها واإلمسنت هن ا ،ه و العالق ة االجتماعي ة بني األف راد أو الرب اط
االجتماعي ،الذي يربطهم قد يكون ِرباط قرابة ،صداقة ،جوار ،مواطنة ،أو الدين...وغريها
من الروابط االجتماعية األخرى.
وح ديثا يُع رف بيAA Aار بورديAA Aو P Bourdieuالرواب ط االجتماعي ة من خالل إدماجه ا
مبفه وم رأس المAAال االجتمAAاعي وال ذي يُعرف ه بأن ه جمم وع املوارد احلالي ة أو الكامن ة ،املتعلق ة
حبي ازة ش بكة مس تدمية من العالق ات ،مؤسس ة إىل ح د م ا وبعب ارة أخ رى ،ه و االنتم اء إىل
جمموعة من الفاعلني املتحدين بروابط مستمرة ،ومفيدة قائمة على تبادالت مادية ورمزية ،وأن
الفائدة املنشودة من االنتماء إىل مجاعة هي أساس التضامن ،وتعد األسرة هي الشكل البدائي
2
لرأس املال االجتماعي.
ويقصد من هذا التعريف هو أن الغاية من الروابط االجتماعية ،حتقيق التضامن االجتماعي
ألن رأس املال االجتم اعي ه و تل ك الش بكة من العالق ات االجتماعي ة بني األف راد ،زي ادة على
ذلك فإنه كلما تتشكل عالقات وروابط اجتماعية بني األفراد ،فإن ذلك يُعترب تشكيل لرأس
مال اجتماعي ،مع أن هذه العالقات أو الروابط ،قابلة للحراك والتغري االجتماعي ،وكل فاعل
.1عبد العزيز خواجة،العالقات االجتماعية في النص القرآني،دراسة سوسيولوجية،دار صفحات للدراسة والنشر،سورية،دمشق ،ط
، 2007 1ص.51
.2حممد بوخملوف ،الروابط االجتماعية و مشكلة الثقة ،يف فعاليت الملتقى الوطني الرابع لقسم علم االجتماع كلية العلوم
اإلنسانية واالجتماعية،جامعة الجزائر Aيوم 6و 7نوفمبر ،2006منشورات كلية العلوم االنسانية و االجتماعية،اجلزائر-2007 ،
،2008ص. 21
49
يساهم يف شبكة رأس املال االجتماعي ،الذي يعتمد على عالقات الثقة بني األفراد ،يعين هذا
أن كل فرد يف عالقته مع اآلخر يعرف واجباته جيدا ،ويقوم هبا حىت حيافض على راس املال
االجتم اعي ،يع ين ه ذا أن رأس املال االجتم اعي يق وم على ع املني أساس يني ومها الثق ة
1
والواجب.
كما ترمز الرابطة االجتماعية أيضا جملموع العالقات اليت تربط األفراد ،لتشكل أحزاب من
نفس اجلماعة واليت تنشأ قواعد اجتماعية بني األفراد أو اجلماعات االجتماعية املختلفة ،إضافة
إىل ه ذا ولنفهم الرواب ط االجتماعي ة أك ثر ،جيب أن نكش ف عن طبيع ة العناص ر املكون ة هلذه
الرواب ط وعلى أي ش يء يتوق ف تطوره ا أو ختلفه ا يف التجم ع البش ري كك ل ،وتتمث ل ه ذه
العناصر املكونة للروابط االجتماعية ،يف االتصال املكاين ،أوال ألنه يساعد على الرتابط ،فمن
ُ
خالل عالقة اجلوار وما يستتبعها من رؤية متبادلة بني األفراد يتعاونون عند احلاجة ،مث االتصال
النفسي ،ويساعد على إنشاء عالقات وطيدة بني الناس ،خاصة وأن بعض العالقات ال ميكن
أن تستمر بدون هذا االتصال ،كعالقات الصداقة مثال .وبعد هذان االتصاالن اللذان ميهدان
لنشوء االتصال االجتماعي ،يتحول االتصال النفسي إىل اتصال اجتماعي ،ألنه إذا التقيا (أ)
و(ب) وب دآ ي ؤثران يف بعض هما البعض ويتف اعالن إجتماعي ا ،يتوص ال إىل تب ادل ،فاالتص ال
2
االجتماعي ،هو تفاعل بني هؤالء األفراد.
وهلذا جند للتفاعل االجتماعي دور كبري يف تشكل الروابط االجتماعية ،فبدونه ال حيدث
أي تراب ط وأي عالق ة اجتماعي ة ،فه و إذن ش رط أساس ي لوج ود الرابط ة االجتماعي ة ،بك ل
أنواعها هلذا يعترب مصطلح التفاعل من املفاهيم اهلامة يف موضوعنا.
نستنتج إذن أن الرابطة االجتماعية تنشأ بني األفراد داخل اجملتمع ،من خالل عناصر مكونة
هلا واملتمثلة يف اتصال مكاين واتصال نفسي ،أي جتاوب األفراد مع بعضهم البعض مما يؤدي
أو يساعد على تفاعل واتصال إجتماعي ،يُكون رابطة اجتماعية تنشأ أوال بني األقارب ،أي
50
تتولد من األسرة لتتوسع حنو األقارب البعيدين ،إىل األصدقاء واجلريان ،الغري أقارب ،وكل هذا
حيدث داخل ما يسمى باجملتمع.
كما ميكن تصوير ثالث جمموعات من الروابط االجتماعية ،حسب جان فرانسAAوا دورتيه 1يف
معجمهُ ،معتربا أن الرباط االجتماعي هذا املصطلح السوسيولوجي ،الغامض عامة ،وبإمكانه
أن يتخ ذ ع دة مع اين ،وهي الرب AAاط Aالم AAدني :وه و جمم ل الرواب ط ال يت توح د الف رد باحلي اة
االجتماعية،كاملشاركة االنتخابية ،اإلخنراط يف اجلمعيات والنقابات واألحزاب السياسية عامة.
ومستخدمني
الرباط االقتصادي والتجاري :وهو الذي يُربط بواسطة عقد عمل بني مأجورين ُ
حيث يس تند ه ذا الرب اط إىل املص لحة املتبادل ة وعالق ات الثق ة .كم ا توج د رواب ط تنش أ يف
اجملتمع من خالل التأمينات والضمان االجتماعي ،اخلدمات االجتماعية ،ألن التأمني عبارة عن
رباط تكافلي اجتماعي.
وحس ب تقس يم أرس AAطو للص داقة قس م الرواب ط إىل ع دة أقس ام ،هلذا ميكن ظه ور ثالث
جمموعات من الروابط.
.2الرابطة السياسية : Le lien politiqueهي اليت تقوم على امليول ،وهي ذات مبادئ
سياسية ثابتة ،وتعتمد على االرتباطات االختيارية وتكون هذه الرابطة يف األصل طوعية غري
قهرية.
.1دورتيه جان فرانسوا ،معجم العلوم االنسانية ،تر:جورج كتورة،ط ،1املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،االمارات
العربية املتحدة ،2009 ،ص.436
51
حتفزها وتديرها بالدرجة األوىل املنفعة املادية واملالية2.تعترب هذه األنواع تقسيم أرسطو للرابطة
بصفة جمملة ثالث أنواع هامة تنشأ بني األفراد حسب الدور واملنفعة.
ويف األخ ري ميكنن ا تعريف الرابطAAة االجتماعية تعريفAAا إجرائيا على أهنا :هي ذل ك اخلي ط أو
الرب اط ،ال ذي يش د أف راد اجلماع ة ،وينش أ من خالل جمموع ة من العوام ل ،تب دأ بالتفاع ل بني
األف راد واالتص ال االجتم اعي ،ليش كلوا عالق ات اجتماعي ة بع د ذل ك ،حيث أن ك ل عالق ة،
يربطها رباط اجتماعي كرباط القرابة ،الصداقة ،اجلرية ،الدين ،املواطنة...جيعلها تشكل رابطة
اجتماعية معينة كما ال ميكن للفرد أن يُكون عالقة اجتماعية ،إال بوجود رابط يربطه بطرف
العالقة ،والرباط هنا هو اخليط االجتماعي ،الذي يشد الرابطة االجتماعية ،وبالتحديد سنقوم
بدراسة رباط القرابة الذي يعترب رباط من الروابط االجتماعية األولية يف علم االجتماع.
حيث يعرف معن خليل العمر الروابط القرابية":وهي عالقات تقوم على التفاعالت املباشرة،
أي أن األف راد ،حيتك ون ببعض هم وجه ا لوج ه ،دون احلاج ة إىل وس طاء1".واملقص ود ب ذلك
اجرائيا هو أن الرابطة القرابية ،وهي كل صلة مباشرة ،بني شخصني أو جمموعتني ينحدرون
من نسب واحد حيث تكون هذه الصلة مستمرة ودائمة ،حىت هناية حياة الفرد أو اجلماعة،
ألن الصلة تتطلب التواصل املستمر ،وبانقطاع هذا األخري ،تنقطع الصلة الرمحية أو تضعف مع
الزمن.
يعت رب التفاع ل االجتم اعي من املف اهيم األساس ية يف علم النفس اإلجتم اعي ،خاص ة وعلم
االجتم اع عام ة ،ألن ه يش مل الت أثري املتب ادل لس لوك األف راد واجلماع ات ،حيث يتم ذل ك عن
طريق االتص ال بني األف راد ،س واء املباش ر أو الغ ري مباش ر ،فاملباش ر مث ل األم وأبنائه ا ،األستاذ
الطلب ة...أم ا الغ ري مباش ر مث ل اهلاتف ،الرس ائل ،مساع األغ اين..اخل،كم ا يش ري مفه وم التفاعل
االجتماعي إىل تلك العمليات املتبادلة ،بني طرفني اجتماعيني ،يف موقف أو وسط معني ،حبيث
2
..عبد الكرمي بوحيياوي،مرجع سابق،ص 21
1
.معن خليل العمر،علم اجتماع األسرة،مرجع سبق ذكره،ص.148
52
يكون سلوك أي منهما منبها أو مثريا لسلوك الطرف اآلخر ،وينتج عن هذا التفاعل أشكال
ومظاهر خمتلفة ،تؤدي إىل عالقات اجتماعية معينة1.يعين هذا أن التفاعل االجتماعي ،حيدث
عن طريق اإلتصال االجتماعي بني األفراد ،فينتج عنه عالقات إجتماعية.
وي رى األخص ائيون يف علم النفس االجتم اعي وعلى رأس هم بيل AA Aز Belesأن التفاع ل
االجتماعي هو كل فعل يؤدي إىل استجابة يف اطار عملية تبادل لألفعال واالستجابات حىت لو
كان بني الفرد ونفسه .فهم يرون أن الفرد يتفاعل منذ حلظة ميالده وحىت موته ،ويف أوقات
اليقظة وحىت أثناء النوم على شكل أحالم،كما يتفاعل الفرد مع غريه وهو جالس وحده عن دما
يت ذكر شخص ا م ا وه ذا م ا يس مونه بالتفاعAAل الرمAAزي.كم ا ي رون ت وفر جمموع ة من الشروط
حلدوث التفاعل االجتماعي بني أفراد اجملتمع،كالتبAAادل:الذي يعترب شرط أساسي ،ومن غريه
يكون السلوك إما مؤثرا أو متأثرا من طرف واحد فحسب.وكذلك التوافق:وهي أن تتكامل
استجابات األشخاص يف املوقف االجتماعي بطريقة سهلة.2
.1أن التفاعل ييسر حتقيق أهداف اجلماعة وبالتايل حيدد طرق إشباع هذه احلاجات.
.2يتعلم الف رد واجلماع ة ب ه أمناط الس لوك املتنوع ة واالجتاه ات ال يت تنظم العالق ات بني أف راد
اجملتمع ومجاعته ،يف اطار القيم السائدة والثقافة والتقاليد االجتماعية.
1
.د.نادر طالب شوامرة ،علم النفس االجتماعي،دار الشروق للنشر و التوزيع،األردن،عمان،ط،1،2014ص.216
2
.نفس املرجع السابق،ص. 217،218،
3
.نفس املرجع السابق،ص. 255،
53
.3يساعد التفاعل على حتقيق الذات وخيفف وطأة الشعور بالضيق ،ألن العزلة كثريا ما تؤدي
إىل اإلصابة باألمراض النفسية.
وهن ا يب دو واض حا أن بع د التفاع ل ،تتش كل العالق ة االجتماعي ة .إذن ه و مرحل ة أساس ية
لظه ور العالق ات والرواب ط االجتماعي ة بني األف راد .وحس ب م ا يؤك ده األخص ائيون
االجتم اعيون على أن التفاعل حيدث مبجموعة من الطرق أو الشروط ،مثلما وضحنا وتتمثل
يف االتصال :ويتم عن طريق اللغة ،وهي من أهم وسائل االتصال ،حيث يساعد هذا األخري من
خالهلا على وحدة الفكر والتوصل إىل سلوك تعاوين.مث التوقع :ويعرف على أنه االجتاه العقلي
واالستعداد لالستجابة ملنبه ما ،نسلكه اجتاه اآلخرين ،طبقا ملا نتوقعه منهم وطبقا ملا يتوقعوه
منا وللتوقع أثر كبري يف عملية التفاعل االجتماعي ،ألن الفرد عندما يقوم بفعل معني يضع يف
اعتباره توقعات عدة لالستجابات اآلخرين ،كالرفض أو القبول ،وعل ضوء التوقعات يكيف
سلوكه ،إذن التوقع مبين على اخلربات السابقة .وبعد التوقع يأيت الدور االجتماعي:ويقصد به
الس لوك ال ذي ينتظ ر من الفرد القي ام ب ه يف موقف م ا ،م ع العلم أن األدوار ال يت يؤديه ا الف رد
تتع دد بتع دد املواق ف ال يت يتعرض هلا ،وت زداد إجتاه الف رد ألدواره كلم ا تك ررت املواقف ال يت
تس تدعي دورا بعين ه 1.زي ادة على ذل ك مير التفاع ل مبجموع ة من العملي ات االجتماعي ة
2
وهي:التعاون،التنافس،الصراعA
.1التعاون :عبارة عن تكامل بني األدوار ،حيث يرى املتعاون يف اآلخرين أناسا خيتلفون عنه يف
املقومات والقدرات ،فيسعى لتوظيف مقوماهتم وقدراهتم ،لتحقيق أهداف مشرتكة بالتكامل
فيم ا بني قدرات ه وق دراهتم .فأص بح ميث ل التع اون ظ اهرة اجتماعي ة ،تعكس الت أثري املتب ادل بني
األفراد يف أداء عمل معني ويف التعاون حماولة للتكيف مع اآلخرين من أجل هدف مشرتك.
1
..نادر طالب شوامرة ،نفس املرجع السابق،ص220
2
..نفس املرجع السابق،ص224-223
54
.2التنافس:يعرفه شابلن Chaplinأنه عملية تنازع بني طرفني ،حول بلوغ نفس اهلدف أو
الغاي ة .والتن افس ه و أك ثر العملي ات االجتماعي ة متثيال للتن ازع والتع ارض االجتم اعيني .فه و
يرتب ط باحلاج ة املش رتكة ،ل ذلك ي ربز عن دما تك ون حاج ة مش رتكة بني ف ردين أو مجاعتني،
يرغب كل منهما احلصول عليها واملنافسة هي حماولة كل فرد أو مجاعة احلصول على نصيب
أكرب من األشياء احملدودة.
.3الصراع :حيدث الصراع عندما جيد املرء نفسه يف موقفني متناقضني ،يتطلب أحدمها سلوكا
معينا ويتطلب اآلخر سلوكا خمتلفا غري منسجم مع السلوك األول ،حبيث يؤدي وجود منطني
من ال دوافع املتناقض ة املتعارض ة إىل إعاق ة الف رد عن التواف ق .مثال الزوج ة ال يت تعيش مش اكل
زوجي ة م ع زوجه ا هي يف ص راع ،ه ل تبقي على ه ذه احلي اة الزوجي ة من أج ل أطفاهلا رغم
املشاكل الزوجية اليت تعانيها أم تتخلى عنهم لتتخلص من مشاكلها.
هذا كله عبارة عن أسلوب من أساليب التفاعل االجتماعي ،لذلك يشبه علماء اإلجتماع
العض ويني تفاع ل األف راد يف اجملتم ع واتص اهلم ببعض هم البعض ،كالتفاع ل بني املواد الكيميائي ة
املختلف ة إذا اتص لت فيم ا بينه ا ،وم ا ينتج عن ه ذا التفاع ل واالتص ال من جتاذب أو تن افر وم ا
يصاحب ذلك من مواد جديدة.
ومن األخصائيني يف علم النفس االجتماعي الذين يفسرون نظرية األنظمة االجتماعية للتفاعل
جند جون ثيبو John Thiebuو هارولAد كيلي Harold KellyوفيريAان يؤكدون على
أن التفاع ل يش تمل شخص ني وعن ه ينجم إم ا ربح للط رفني أو ألح دمها ،وخس ارة لآلخ ر أو
خس ارة للط رفني ،حبيث ينتج عن التفاع ل ،عالق ة اجتماعي ة ق د ت ؤدي إىل التش ابه بني األف راد
وس لوكاهتم بع د م دة من االس تمرار1.حيث يتس م التفاع ل االجتم اعي مبجموع ة من الس مات
ال يت متيزه عن كاف ة األن واع األخ رى من التف اعالت الغ ري اجتماعي ة أو قب ل اجتماعي ة ،ألن
التفاعالت داخل التجمعات غري البشرية مثل النحل أو النمل ،تقوم على أسس فطرية غريزية،
ألن كل عضو داخل خلية النحل مؤهل فطريا وغريزيا ليقوم بدوره اخلاص به ،هذا ما جعله
1
.المربت،وليم ،والمربت ،ووالس ،علم النفس االجتماعي،تر:سلوى املال،ط2دار الشروق،مصر،القاهرة،1993،ص.120
55
منظم ا ،وال يس تطيع أي عض و االحنراف حبكم الفط رة ،أم ا احلي اة االجتماعي ة ال تق وم على
الغريزة بل تقوم على أساس جمموعة من املعايري ،اليت حتكم هذا التفاعل ،من خالل وجود نظ ام
معني من التوقعات احملددة واألدوار واملراكز املقررة داخل اجملتمع،كما أن التفاعل خيضع لثقافة
وخ ربة الف رد ،فالط ابع الثق ايف يعتم د على ق درة االنس ان الفري دة على نق ل خربت ه وأفك اره
وجتارب ه بطريق ة رمزي ة إىل االجي ال الالحق ة 1.فاللغ ة مثال تعت رب من الرم وز ال يت انتقلت ع رب
االجيال وهي من بني العوامل املساعدة على التفاعل االجتماعي،كما أن هذا االخري هو العامل
األول ال ذي ي ؤدي إىل تك وين عالق ات والقيم واملع ايري االجتماعي ة وه و أيض ا عام ل يف التغ ري
االجتماعي والثقايف داخل اجلماعة واجملتمع يعين هذا أن التفاعل االجتماعي هو الذي يؤدي
إىل تش كيل اجلماع ات و الرواب ط االجتماعي ة وإىل ظه ور اجملتمع ات االنس انية ،مبا حتتوي ه من
أبنية ثقافية.مبعىن أن احلياة االجتماعية عبارة عن تفاعل بني األفراد.
وه ذا م ا أك ده إرفنج قوفمAA Aان E.Goffmane 2ال ذي ي رى أن األف راد يعيش ون يف
عالقات متبادلة ،حيث يستعملون مناذج تتناسب وتتكيف مع القواعد اجلارية أي املعروفة اليت
حتمل يف طياهتا بعض االحنرافات اخلفية ،وحىت التجاوزات العلنية والواضحة.قاصدا بذلك أنه
يوجد نوعان من االتصال مباشر وغري مباشر ،ميثل الفرد من خالله نفسه لغريه من الناس على
الصورة اليت يريد هؤالء األفراد رأيته هبا.فنالحظ أن قوفمAAان يقسم الروابط االجتماعية بني
األفراد إىل روابط ظاهرية أمامية ،وهي الواجهة ميثلها خبشبة املسرح ،أين يتفاعل األفراد مع
املشاهدين أو اجلمهور ،والروابط الثانية هي روابط خفية مثل الكواليس ،ال يراها اجلمهور وال
ميكنه الدخول إليها ،وهبذه الصورة التشبيهية يرى قوفمAAان حياة األفراد يف اجملتمع من خالل
تفاعلهم وعالقاهتم.
1
.نبيل حممد توفيق السمالوطي ،مرجع سابق،ص.123
. E, GOFFMANE, La mise en scène de la vie quotidienne, les éditions de minuit,
2
إذن التعريف االجرائي للتفاعل االجتماعي:هو عبارة عن ظاهرة اجتماعية نفسية ،حتدث
للف رد يف حال ة مواجهت ه لف رد آخ ر أو مجاع ة ،لي دخل يف عالق ة أو رابط ة اجتماعي ة ،فب دون
التفاع ل االجتم اعي ال تنتج العالق ات والرواب ط االجتم اعي ،فه و أص ل ك ل العالق ات
االنسانية.فمثال عندما تتفاعل مادتان طبيعيتان يف الكيمياء ،ينتج عنهما مادة جديدة ظهرت
نتيج ة ظ اهرة التفاع ل ،ويف العل وم االجتماعي ة املادة الناجتة عن تفاع ل ف ردان ،هي العالق ة ال يت
تؤدي فيما بعد إىل تشكل الرابطة االجتماعية بني األفراد.
يشري مصطلح التضامن إىل االشرتاك يف االهداف واملصاحل ،ويعد أمرا عظيم الشأن بوصفه
مصدرا للقوة واملقاومة ،وألنه يعد ضمنا تعبريا عن وحدة اهلدف ،ويعتقد أن االميان بالتضامن
كغاي ة يف ذات ه وليس ت كوس يلة لبل وغ غاي ة معين ة1....وللتض امن االجتم اعي عالق ة كب رية
بالرابطة االجتماعية ،حيث أنه ال تتشكل الروابط االجتماعية إال بتضامن أفرادها.
يُع رف التض امن يف معجم علم االجتم اع ،بأن ه التماس ك ال ذايت للجماع ة ،وه و مص طلح
ش ائع اس تخدامه من ذ أن اس تعمله أوغسAA Aت كAA Aومت للدالل ة على عملي ة الت آزر يف احلي اة
2
االجتماعية.
كم ا يُعرف ه محمAAد عAAاطف غيث يف ق اموس علم االجتم اع على أن ه حال ة أو ظ رف تتم يز ب ه
اجلماع ة ،يس ود في ه اإللتح ام االجتم اعي والتع اون والعم ل اجلم اعي املوج ه حنو إجناز أه دافها
3
وقد يشري أكثر لإللتحام اإلجتماعي.
1
.جوردون ماشال،موسوعة علم االجتماع،أوكسفورد ،نيويورك،1994،ص.14
2
.عدنان أبو مصلح ،معجم علم االجتماع ،دار أسامة للنشر والتوزيع،دار املشرق الثقايف،األردن،عمان،ط،1،2006ص.132
3
.حممد عاطف غيث ،قاموس علم اإلجتماع،دار املعرفة اجلامعية،األردن،عمان،2006،ص.340
57
ويع د دوركAA Aايم Aمن أب رز العلم اء ال ذين اهتم وا مبفه وم التضAA Aامن ،حيث اس تعمل ه ذا
املصطلح يف أطروحته تقسAAيم العمAAل االجتمAAاعي 1893ويف هذا الكتاب ذكر مصطلحني
للتضامن اآليل والعضوي solidarité mécanique et solidarité organiqueوهنا يشرح
دورك AAايم Aحرك ة اجملتمع ات اإلنس انية ،تقس يمه للتض امن االجتم اعي بتقس يم اجملتمع ات إىل
قسمني جمتمعات تقليدية وجمتمعات صناعية .فهو يرى أن التضامن امليكانيكي يسود اجملتمعات
التقليدية أما العضوي تعرفه اجملتمعات الصناعية ،ففي اجملتمع البدائي جند تقسيم العمل ضئيال،
إال أن األف راد متض امنون آلي ا ميارس ون نفس املهن ة ونفس الوظ ائف ال رعي ،ال زرع ...أم ا يف
اجملتمعات احلضرية أو الصناعية احلديثة ،جند تقسيم العمل كبريا وواضحا ،حيث يكون تضامن
األفراد عضويا ،كل فرد لديه وظيفة يقوم هبا و يفيد هبا غريه ،والعكس صحيح ،فاألفراد مثل
1
األعضاء يف اجلسم كل عضو له مهمته.
إذن هن ا يرب ط دوركAAايم Aالتض امن االجتم اعي ،بظ اهرة تقس يم العم ل االجتم اعي ،وحيدد
مس توى التض امن من خال درج ة تقس يم العم ل ،فهن ا يك ون التض امن واض حا ج دا ،بس بب
احلاجة واملصاحل املشرتكة بني الناس ،واليت ال ميكن أن تتحقق إال به .يعين هذا أن اجملتمع عند
دوركAAايم Aيتضامن من خالل النشاطات أو االعمال اليت يقوم هبا أفراد اجملتمع ،سواء بطريقة
آلية أم عضوية ،وهذا يعترب تضامنا فعليا وليس معنويا،كالتضامن يف حاالت احلزن أو الفرح
بني أفراد اجلماعة وبالتايل فالتضامن الذي يتحدث عنه دوركAAايم تضامنا ضروري الستمرار
الرابطة االجتماعية ،من خالل العمل االجتماعي.
وهلذا جند من عوامل التضامن االجتماعي ،أوال التضامن ألجل احلاجة أو املصلحة ،ألنه ال
يتم حتقيق احلاجة ،إال عن طريق تبادل اخلدمات ،حيث أنه لكل فرد قدراته اخلاصة يف إفادة
غريه كما يرى ذلك ابن خلدون ،أن الفرد الواحد ال ميكنه حتصيل قوته اليومي ،إال مبساعدة
بين جنسه ،هذا ما يسمى بالتضامن عن طريق تقسيم العمل.
1
.Raymond, BOUDAN, Dictionnaire de la sociologie, paris, France, la rousse, page
222.
58
فالتض امن ه و ال ذي يرب ط أف راد اجملتم ع بعض هم البعض وأن أس اس الرابط ة االجتماعي ة هم
األف راد ت ربطهم ،رابط ة تعاض د وتض امن ،إذ أن هلم حاج ات مش رتكة ،ال ميكن حتقيقه ا إال
باحلي اة املش رتكة ف األفراد إذن مرتبط ون بن وع من التض امن ،باالش رتاك أو التش ابه يف نفس
احلاج ات ،أو بن وع من تض امن تقس يم العم ل ولتحقي ق ه ذا التض امن الب د من تنظيم س لوك
األفراد.
كم ا جند يف حتليل مAAاركس للطبقة االجتماعي ة ،أن التضامن متج ذر من خالل وعي األفراد
مبصلحتهم املشرتكة يف مواجهة خصومهم من الطبقة الرأمسالية.
وانطالق ا من وجه ة النظ ر ه ذه يص بح التض امن ظ اهرة عقالني ة ،ألن اس ترب ط بينهم املص لحة
املشرتكة وهلذا يعرب تضامن الطبقة العاملة عن نفسه من خالل منظمات ،مثل النقابات العمالية
اليت يتضامن أعضاؤها لتأسيس االهداف العامة هلم ،زيادة على هذا ،فإن التضامن يف الغالب
ي ؤدي إىل التن ازل عن املص احل الفردي ة على املدى الق ريب ألج ل املص لحة العام ة على املدى
البعيد.
و اعترب فيبر أن دعوة ماركس لعمال العامل،كي يتحدوا دعوة مثالية بالنظر إىل تعدد الفوارق
بني العم ال وهم اجلماع ة املتض امنة ،بس بب املص لحة املش رتكة ،وش كلت رابط ة عمالي ة عاملي ة
رغم اختالف املكان والصناعة واجلنس والعمر والعرق ،وحىت الدين والقومية ،فرأى فيAبر أن
الش يء االجيايب والفع ال ،من ه ذه ال دعوة ه و التق ارب االجتم اعي وحتقي ق التض امن والرتاب ط
االجتماعيني1.هذا يدل على أن أفراد اجلماعة املتضامنة ،تربطهم مصلحة مشرتكة وهذا الرباط
املوجود ،هو الذي يؤدي إىل تشكل الروابط االجتماعية ،بعد تضامنها وذلك العتبار فيبر ه ذا
مثاال حيا الحظه يف احتاد الطبقة العمالية.
فالتضامن االجتماعي إجرائيا ،يعترب ظاهرة إجتماعية ضرورية لضمان البقاء واالستمرار ،يف
احلياة االجتماعية ،سواءا كان تضامنا فعليا من خالل تقسيم العمل االجتماعي ،كما شرحه
.1جون سكوت ،علم االجتماع المفاهيم االساسية،تر:حممد عثمان ،بريوت،لبنان،الشبكة العربية لألحباث و النشر ،ط،2009 ،1
ص103
59
دورك امي أو معن وي يف املناس بات واملآمت و غريه ا ،بني األف راد ال ذين ت ربطهم رواب ط اجتماعية
كالقرابة واجلرية والصداقة والدين وغريها من الروابط االجتماعية األخرى.
يعت رب التماسAAك االجتمAAاعي مص طلح ليس ل ه مع ىن متف ق علي ه بوج ه ع ام ويس تخدم يف
أغلب احلاالت بطريق ة غ ري رمسية ،ليش ري إىل املواق ف ال يت يرتب ط األف راد ببعض هم البعض،
بروابط اجتماعية وثقافية .والتماسك عامة ،صفة تطلق على اجلماعات الصغرية ،حني تعمل
على اجت ذاب أعض ائها وت دفعهم إىل االحتف اظ بعض ويتهم فيه ا .إال أن محمAAد عAAاطف غيث
يرى أن هذا املصطلح ميكن شرحه على أنه تكامل س لوك اجلماعة ،باعتباره نتيج ة للروابط
االجتماعية أو هو أقصى درجات الرتابط االجتماعي ،أو القوى اليت جتعل أعضاء اجلماعة يف
حالة تفاعل لفرتة معينة من الزمن ،وحينما حُي قق مستوى عال للتماسك االجتماعي يف مجاعة
م ا ،ف إن أعض ائها يش عرون مبش اعر إجيابية قوي ة حنو مجاعتهم وتكون ل ديهم رغب ة يف استمرار
1
عضويتهم فيها ،فتتوافر الروح اجلماعية العالية.
كم ا يُس تعمل التماس ك االجتم اعي يف وص ف احلاالت ال يت يرتب ط فيه ا األف راد ،واح دهم
ب اآلخر برواب ط اجتماعي ة وحض ارية ُمش رتكة ويُس تعمل أيض ا هذا االصطالح ع ادة يف تفس ري
أسلوب متاسك أفراد اجلماعات الصغرية ،الذي يكون بدافع املصاحل واألهداف ،خالل انتساب
األفراد جلماعة واحدة .وقد عرفه Amitai Etzioniأميتاي إتزيونيA:التماسك عالقة اجيابية
مع ربة بني ف اعلني أو أك ثر 2.ويقص د بعالق ة اجيابي ة ،ه و م ا ينتج عن العالق ة االجتماعي ة بني
ف ردين أو أك ثر ح دث بينهم ا فع ل أو تفاع ل ،فحكم على أن التماس ك ظ اهرة اجيابي ة دائم ا
داخل الرابطة االجتماعية.
.1حممد عاطف غيث ،قاموس علم االجتماع ،تر:ابراهيم جابر ،دار املعرفة اجلماعية ،مصر ،اإلسكندرية،2012 ،ص175وانظر
أيضا نفس القاموس ط 2006ص . 62
2
نفس املرجع السابق،ط،2012ص.175
60
ولق د اس تعمل ك ل من كارتريAA Aات وزانAA Aدر اص طالح التماس ك االجتم اعي ،يف كت اهبم
ديناميكية الجماعة ،Aعندما حاوال حتليل متاسك اجلماعات الصغرية ،رآى أن التماسك" هو ما
ينتج من التفاعل بني كل العوامل اليت تدفع االفراد للبقاء يف اجلماعة".و حيدداها يف جمموعتني
من العوامل.1:عوامل تؤدي إىل زيادة جاذبية اجلماعة ألفرادها.
كما استعمل العامل إميAAل دوركAAايم هذا املصطلح استعماال علميا يف كتابه تقسAAيم العمل
ويف كتابه االنتحار ،حيث يقول دوركايم «أن درجة التماسك االجتماعي ،تعتمد على طبيعة
اجلماعات واملنظمات واجملتمعات اليت تؤثر تأثريا كبريا ومباشرا على أمناط سلوك األفراد،كما
يظه ر جلي ا يف حال ة الس لوك االنتح اري ال ذي يعتم ده الف رد وقت تعرض ه لظ روف وعوام ل
اجتماعية معينة»1.وهنا يرجع دوركايم التماسك االجتماعي إىل طبيعة اجلماعة أو املنظمة أو
اجملتم ع كك ل ،فدرجت ه وقوت ه ق د تزي د كم ا أهنا ق د تنقص ،فمثال درج ة التماس ك داخ ل
اجلماعات القرابية تكون حتما قوية ،نظرا للشعور القوي باالنتماء ألصل واحد أو جد واحد
بينم ا تك ون درج ة التماس ك ناقص ة أو متوس طة يف منظم ة اقتص ادية مثال ،كم ا أن درج ة
التماسك ختتلف من اجملتمع الريفي إىل احلضري أيضا.
كما جاء يف معجم Aالعلوم االجتماعيAAة أن« التماسك يف علم االجتماع يدل على الرابطة
القوية اليت بني األفراد الذين يتكون منهم اجملتمع ».2ويعترب أول من استعمل هذا املصطلح يف
علم االجتماع هو أغست كونت للداللة على التآزر واالعتماد املتبادل ،كما يظهر يف احلياة
االجتماعية ويرجع معناه األصلي إىل التشريع الروماين ،حيث كانت تشري إىل تضامن الفرد مع
مجاعته يف املسؤولية ،ومييز كونت بني التضامن االجتماعي وبني أفراد اجليل الواحد والتضامن
3
االستمراري بني األجيال املتتابعة.
.1مصطفى عويف ،خروج املرأة إىل ميدان العمل وأثره على التماسك األسري ،مجلة العلوم اإلنسانية ،العدد ،19جوان ،2003
ص203
2
حممد عاطف غيث ،قاموس علم االجتماع ،دار املعرفة اجلماعية،مصر ،اإلسكندرية ،2006 ،ص . 63
.3فاروق مداس ،قاموس مصطلحات علم االجتماع،دار مدين للطباعة والنشر والتوزيع ،بدون سنة ،ص.30
61
كما وجد فرانش –عامل نفس -يف حبث جترييب قام به أن اجلماعات املنظمة مثل فرقة كرة
السلة،كرة القدم ،مجاعات األندية ،تكون أقل عرضة للتفكك من اجلماعات غري املنظمة مثل
مجاعات طلبة ،مل يسبق هلم التعارف يف حاالت إحباط أو حل مشكالت معقدة أو مشكالت
غ ري قابل ة للح ل ،وك ذلك يف حال ة خ روج أح د أف راد اجلماع ة ،كم ا أن ه يع رف التماس ك
االجتم اعي على أن ه "الرب اط ال ذي يرب ط أعض اء اجلماع ة ،ويُبقي على العالق ات بينهم وبني
البعض اآلخر وقد تعددت معاين التماسك ،فتضمنت ما يقرب من إحدى املعاين اآلتية ،الروح
املعنوية ،االحتاد القوة الشعور باالنتماء للجماعة1".واملقصود هنا هو أن التماسك االجتماعي،
يتمثل يف قوة الرباط االجتماعي ،مبعىن أن الرباط عندما يكون قويا فهناك متاسك اجتماعي
والعكس صحيح.وهذا ما يؤكده الباحثون النفسانيون A،أن درجة التماسك تزداد كلما زادت
كفاءة القائد يف توجيه إدراكات األعضاء حنو هدف مشرتك.
ل ذلك ميكنن ا أن نس تنتج من ه ذه التع اريف تعريف ا إجرائي ا ،أن التماس ك االجتم اعي ،ه و
تعب ري عن ق وة الرواب ط االجتماعي ة ،ألنن ا نس تطيع أن نق ول عن مجاع ة أهنا متماس كة ،عن دما
تق وى روابطه ا االجتماعي ة املختلف ة من راب ط القراب ة ،ال دين والص داقة وح ىت اجلوار والثق ة
النفس ية ،ال يت تظه ر على اجلماع ة أو بتوض يح أك ثر ،عن دما تش تد ه ذه الرواب ط األساس ية يف
اجملتم ع وال تتالش ى أو تض عف ،هن ا يظه ر التماس ك ،جلي ا يف اجملتمع ات الص غرية مث الكب رية،
كما يبدو واضحا أن التماسك هو صفة تدل على شدة الرتابط بني أفراد اجلماعة.
كما أنه يوجد عوامل تساعد على زيادة درجة التماسك االجتماعي يف اجلماعة و هي :
- 1وجود التهديد أو اخلطر اخلارجي يزيد من متاسك اجلماعة والصف الداخلي هلا.
- 2قبول أعضاء اجلماعة ملعايري وقوانني اجلماعة وأفكارها يؤدي إىل زياد التماسك.
.1حي الدين خمتار ،محاضرات في علم النفس االجتماعي،ديوان املطبوعات اجلامعية اجلزائرية ،1986 ،ص.112
62
-3تع اون األعض اء وتف اعلهم بش كل مباش ر ،فاجلماع ة املتماس كة تتم يز بالتض امن واالنتم اء
والتع اون خلدم ة اجلماع ة ،حيث يس تخدمون لف ظ حنن ،يف مقاب ل قيم ة أن ا .تأكي دا على قيم ة
2
األهداف املشرتكة للجماعة يف مقابل األهداف الفردية لكل عضو من أعضاء اجلماعة.
نعلم أن األفراد يدخلون يف عالقات اجتماعيه ،حىت يشكلون مجاعة ،ليستطيعوا االستمرار
وتسري حياهتم ،ألن هذه العالقات تنشأ بتفاعلهم،كما أن العالقات االجتماعية هي عملية تنشأ
نتيجة التفاعل .هذا ما يسميه علماء االجتماع بالعمليات االجتماعية وهلذا أول ما يدرس علم
االجتماع هو العالقات االجتماعية ،اليت تنشأ بني األفراد ،جراء اجتماعهم يف مكان معني.
ويع رف معجم علم االجتم اع ،العالقAA Aات االجتماعيAA Aة على أهنا «العملي ات والتف اعالت
النامجة عن تفاعل ،واعرتاك األفراد يف البيئتني الطبيعية أو االجتماعية ،وهي اإلطار الذي حيدد
تصرفات األفراد ،واختالف مظاهر س لوكاهتم و أنشطتهم ،و تُعرف أيضا أهنا العالقات اليت
تنش أ بني ك ائنني إنس انيني أو أك ثر ،عن دما يوج د ن وع من االتف اق بني مص احل ك ل منهم ا أو
نتيج ة لتق ارب ه ذه املص احل أو للح د من الص راعات ،ال يت ق د تنش أ نتيج ة لالختالف
2
مصاحلهم».
كما يعرفها الدكتور عبد العزيز Aالخزاعلة –باحث اجتماع أردني« -بأهنا الروابط واآلثار
املتبادلة بني األفراد يف اجملتمع وهي تنشأ من طبيعة اجتماعهم ،وتبادل مشاعرهم وأحاسيسهم
واحتكاك بعضهم مع البعض3».هذا يعين أن العالقة االجتماعية تصبح رابطة اجتماعية ،عندما
تصل إىل درجة معينة من القوة ،ويف بعض األحيان يكون العكس الرابطة االجتماعية تؤدي إىل
عالقة اجتماعية .مثال الزواج عبارة عن رابطة اجتماعية بني جنسني يؤدي إىل عالقة زوجية.
.2عدنان يوسف العتوم ،علم النفس الجماعة ،إثراء علم النفس للتوزيع ،عمان،األردن،ط ، 2008 ،1ص.207-206
2
.عدنان أبو مصلح ،معجم علم االجتماع ،دار أسامة للنشر والتوزيع،األردن،عمان،2002،ص.346
3
عماد عادل أبو مغلي ،العالقات االجتماعية ،دار الكندي،األردن،أريد،ط،2009 ،1ص.31
63
كما يعرف أحمد زكي بدوي العالقات االجتماعية بأهنا"أية صلة بني فردين أو مجاعتني أو
أك ثر أو بني ف رد ومجاع ة ،وق د تق وم ه ذه الص لة على التع اون أو ع دم التع اون ،وق د تك ون
مباشرة أو غري مباشرة ،وقد تكون فورية أو آجلة1" .ويعرفها مصAطفى الخشAAاب "العالقات
هي الرواب ط واآلث ار املتبادل ة ال يت تنشـأ استجابـة لنشـاط أو س لوك مقاب ل لالس تجابة ،كش رط
أساس ي لتك وين تل ك العالق ة" .أم ا االجتماع :لغت ا مصـدره اجتمـع وهو االجتم اع البشري،
وكذلك علم االجتماع الذي يعت رب علم لدراسة العالقات القائمة بني البشر 2".يعين هذا أن
العالق ة االجتماعي ة تنش أ نتيج ة تفاع ل بني األف راد فهي تعت رب ك رد فع ل ،لفع ل معني لتنش أ
استجابة وبالتايل عالقة اجتماعية قد تدوم أو ال تدوم.
ويعرف مAاكس فيAبر Weber. Mالعالقة االجتماعية بأهنا مصطلح اجتماعي ،يُستخدم
غالبا لكي يشري إىل املوقف الذي من خالله ،يدخل شخصان أو أكثر يف سلوك معني ،وأيضا
ك ل منهم ا يف اعتب اره س لوك األخ ر ،حبيث يتوج ه س لوكه على ه ذا األس اس ".فالعالق ة
االجتماعي ة هي أي اتص ال أو تفاع ل يق ع بني شخص ني أو أك ثر من اج ل إش باع حاج ات
األف راد ،ال ذين يكون ون مث ل ه ذا االتص ال أو التفاع ل ،كاتص ال الب ائع باملش رتي ،واتص ال
الط الب باألس تاذ واتص ال القاض ي ب املتهم 3".وه ذا م ا ش رحه م AAاكس في AAبر4عن العالق ات
االجتماعية الناجتة عن الفعل والتفاعالت االجتماعية ،فهو يرى أن مفهوم العالقات االجتماعية
يشري إىل الرتتيب أو تنظيم ثابت للعناصر اليت تظهر يف الفعل االجتماعي ،فهي-أي العالقات-
ال توج د مبع زل أو خ ارج األفع ال االجتماعي ة ،ب ل هي ترتيب ات متخيل ة للفع ل ميكن تص ورها
على حنو جمرد كأمناط للفعل االجتماعي الظاهر.
كما تستلزم العالقة االجتماعية توفر ثالثة شروط أساسية هي.1 :وجود األدوار االجتماعية
اليت يشتغلها األفراد الذين يكونون العالقة االجتماعية.
.1أمحد زكي بدوي ،معجم مصطلحات العلوم الجتماعية ،دط ،مكتبة لبنان ،بريوت ،لبنان ، 1993 ،ص 262
. 2امحد زكي بدوي ،نفس املرجع السابق ،ص .352،403
3
جابر عوض سید ،التكنولوجیا والعالقات االجتماعیة ،دار املعرفة اجلامعیة، 1996 ،ص . 1
4
.السيد عبد العاطي ،علم االجتماع الحضري،مدخل نظري،ج،1دار املعرفة اجلامعية،مصر،االسكندرية،1990،ص.420
64
.2وجود جمموعة رموز سلوكية وكالمية ولغوية يستعملها أطراف العالقة االجتماعية.
وعموما يبدو واضحا أن العالقات االجتماعية تُنشأ الرابطة االجتماعية أو باألحرى نتيجة
لروابط اجتماعية ،سواءا أولية كما هو موجود يف مجاعة األسرة والقرابة واألصدقاء ،مجاعة
اللعب واجلريان وق د تك ون ثانوي ة ،وهي االتص ال والتفاع ل م ع ع دد كب ري من الن اس ،ال ذين
ينتمون إىل اجملتمع الكبري ،وقد تكون عمودية ،وهي عالقة شخصني خمتلفني يف الوظيفة ،وقد
تكون أفقية وهي عالقة بني شخصني أو أكثر هلم نفس الوظيفة.
والعالق ة االجتماعي ة ق د تك ون رمسية وغ ري رمسية ،ومنه ا م ا ي ؤدي إىل التجم ع والت آلف
وتس مى بالعالق ات اجملمع ة ،ومنه ا م ا ي ؤدي بالتفرق ة ،وه و م ا يطل ق عليه ا باس م العالق ات
املفرق ة .وك ذلك من العالق ات م ا ه و مباش ر وغ ري مباش ر ،ذل ك العتب ار الرابط ة االجتماعي ة
ش رط أساس ي لظه ور العالق ات االجتماعي ة ،بني األف راد يف اجملتم ع ويع ين ه ذا أن العالق ات
االجتماعية ،تؤدي فيما بعد إىل تشكل روابط اجتماعية ،و ذلك ألننا عندما نرتبط بغرينا من
األف راد داخ ل اجملتم ع ،حتم ا نش كل معهم عالق ة اجتماعي ة ،وهلذا يتض ح لن ا أن الرابط ة
االجتماعي ة والعالق ات االجتماعي ة ع امالن أساس يان يف متاس ك اجلماع ة.مبع ىن أن اجلماع ة ال
تتماسك إال إذا كانت روابطها وعالقاهتا الداخلية قوية ،ألن التماسك يعتمد على قوة العالقة
وق وة الرب اط .فالعالق ة االجتماعي ة ال حتدث إال بع د التفاع ل بني شخص ني حيث ي ؤثر ك ل
شخص يف اآلخر ويتأثر به يف الوقت نفسه.
65
قسم علماء النفس االجتماعي وحىت علماء االجتماع ،العالقات إىل عدة أنواع ،عالقات
على حسب املدة أو الزمن ،وعالقات حسب التبادل :
.1عالقات اجتماعية طويلة األجل :وهي منوذج التفاعل املتبادل الذي يستمر فرتة معينة من
الزمن ،تؤدي إىل ظهور جمموعة توقعات اجتماعية ثابتة وتعترب عالقة الدور املتبادل بني الزوج
والزوج ة مث اال على ذل ك 1.كم ا جندها يف معجم Aعلم االجتمAAاع لعAAدنان AأبAAو مصAAلح تس مى
بالعالقات الدموية Aوهي تلك العالقات اليت تتميز برابط القرابة الدموية ،كالعالقة بني األبناء
واآلباء والزوج والزوجة واإلخوة واألخوات 2فهذه العالقات جندها يف العالقات األسرية اليت
تق وم على القراب ة،كم ا ميكن للعالق ات اجلواري ة أن تك ون طويل ة املدى إذا اس تمر وج ود
األسرتان يف مكان واحد ،وختتفي أو تزول يف حالة رحيل إحدى األسرتان ،وهناك من يكون
رباط اجلوار قوي بينها ،حيث ال يصبح عامل املكان ضروري وتبق العالقة رغم بعد املكان .
كم ا ميكن أن ت دخل ض من العالق ات االجتماعي ة طويل ة األج ل العالق AAات الروحية وال يت
تتمث ل يف عالق ات الص داقة املتك ون نتيج ة لتب ادل العالق ة العاطفي ة وال يت تتك ون حبتمي ة تش ابه
ُ
وجتانس أمناط التفكري وظروف العمل .ويسمي راد فيلد-عامل أنثروبولوجي-هذا النوع من
3
العالق ات الطويل ة األج ل بالعالقAA Aات العميقAA Aة ،وهي ال يت تتمت ع بدرج ة عالي ة من الثب ات
واالس تقرار يف اجملتم ع وال ميكنه ا أن ت زول ،ألن ه ذا إذا افرتض نا حدوث ه ،س يؤدي إىل تغي ري
4
جوهري يف اجملتمع مثال عن الزواج أو العالقات األسرية.
.2عالقة اجتماعية محAدودة :وهي منوذج للتفاعل االجتماعي بني شخصني أو أكثر وميثل
ه ذا النم وذج ،أبس ط وح دة من وح دات التحلي ل السوس يولوجي ،كم ا أن ه ينط وي على
االتصال اهلادف واملعرفة املسبقة بسلوك الشخص اآلخر ،وقد تكون العالقة االجتماعية ذات
5
أمد قصري،كما هو احلال يف قائد السيارة الذي يريد إقناع رجل الشرطة بأنه ليس خمطأ.
1
حممد عاطف غيث ،مرجع سابق ،ص481.
2
.عدنان أبو مصلح ،معجم علم االجتماع،مرجع سابق،ص347
3
.عدنان أبو مصلح،مرجع سابق ،ص. 347
4
.حممد عباس إبراهيم ،علم اإلنسان،دار املعرفة اجلامعية،مصر،القاهرة،2006،ص.139
5
.حممد عاطف غيث ،مرجع سابق ،ص.481
66
أما العالقات التبادلية فيمكن حصرها كالتايل :
أ.العالقات Aالمتبادلة Aبين فردين :وفيها بتقابل فرد مع آخر فيؤثر كل منهما يف اآلخر.
ب.العالقAAات AالمتبادلAAة بين فAAرد وجماعAAة :خيتل ف ت أثري الف رد واجلماع ة وت أثره هبا ب اختالف
دوره فيها ،فقد يكون تأثريا سطحيا مثال :عالقة أب بأصدقاء إبنه ،ونظرته إليهم ،كجماعة
ثنائية وحواره معهما ،ليبتعدا عن ابنه ،حيث ال يرضى عن صحبتهما له وكذلك موقف االبن
من أمه وأبيه ،عندما يتخذان منه موقفا موحدا ،فيحاول أن يؤثر يف وجهة نظرمها ،وحياوالن
مها معا أن يؤثران يف وجهة نظره وهكذا تتطور العالقة إىل التأثري والتأثر.
ج.العالقAAات المتبادلAAة بين جمAAاعتين :ت ؤثر اجلماع ة يف مجاع ة أخ رى وتتأثر هبا بط رق خمتلفة
فق د يك ون تب ادل الت أثري والت أثر عن طري ق احلوار ،ويك ون ه دف احلوار اختاذ ق رار بالنس بة
ملوضوع معني وحتاول مجاعة أن تقنع مجاعة أخرى ،بوجهة نظرها .مثAAال :يظهر التفاعل بني
مجاعتني يف ص ورة متنافس ة ،كأن ت رى مجاع ة ،م ا أنتجت ه مجاع ة أخ رى ،فتتأثر هبا 1...ويع ود
بن اء العالق ات االجتماعي ة للجماع ة ،إىل خص ائص شخص يات األف راد .2وذل ك لإلختالف يف
جمال النش اط االجتم اعي عن جمال القي ادة ،ه ذا م ا جع ل بعض العلم اء يفرق ون بني الش عبية
االجتماعي ة والقي ادة االجتماعي ة.وبالت ايل التفرق ة بني اجلماع ة االجتماعي ة واجلماع ة النفس ية.
فاختي ار األش خاص حبس ب الش عبية ل ه مواص فاته االجتماعي ة ،بينم ا اختي ارهم للقي ادة ،ل ه
مواصفاته النفسية.
واملقص ود هن ا ببن اء العالق ات االجتماعي ة أو كم ا يس مى بالبنAA Aاء السوسAA Aيومتري :وهي
العالقات املبني ة على االختيار والتجاذب أو الرفض والتنافر ،حيث تعود هذه االختالفات يف
منط العالق ات بني األف راد ،فمثال داخ ل اجلماع ة توج د مجاع ة أخ رى ص غرية ،يرتب ط أفراده ا
بعضهم البعض ،دون أن ترتبط كل مجاعة صغرية بغريها،كما أننا ميكن أن جند أيضا كل عضو
.1عبد العزيز السيد الشخصي ،علم النفس االجتماعي،مكتب القاهرة للكتاب،مصر،القاهرة،ط،2001 ،1ص.109
.2احلنفين،عبد املنعم ،الموسوعة النفسية ،علم النفس و الطب النفسي يف حياتنا اليومية،ط،2مكتبة مدبويل،مصر ،القاهرة، 2003،
ص.200
67
يف اجلماعة ،له موضع ومكانة يف بناء العالقات االجتماعية ،وقد يكون هناك مواقع مركزية أو
طرفية منعزلة.
وي درس بن اء العالق ات االجتماعي ة أو البن اء السوس يومرتي،باس تخدام مقي اس العالق ات
االجتماعي ة عن طري ق االختب AAار السوس AAيومتري ،ال ذي أدخل ه مورينAA Aو 1Morenoيف علم
النفس االجتماع لقياس العالقات االجتماعية،كأداة لتقدير االختيار أو الرفض داخل اجلماعة،
فيطلب من ك ل ف رد أن خيت ار على انف راد وس رية ع ددا من األف راد اآلخ رين يف اجلماع ة،
ليشاركهم يف نشاط معني ،وعدد من األفراد الذين يرفض أن يشاركهم يف هذا النشاط ،طالبا
من ك ل ف رد أن يكتب إمسه ورقم ه حس ب قائم ة مع دة ل ذلك ،مث يكتب س بب االختي ار أو
ال رفض ويض ع عالم ة ( )+أم ام لالختي ار وال رفض عالم ة ( ،)-مث جيم ع ع دد االختي ارات
والرفض ،وتفرغ فتحسب درجة الشعبية االجتماعية ،لكل فرد بطرح االختيارات والرفض،
مث ميثل اختيار الرفض ،ببيانات يف رسم العالقات االجتماعية أو السوسيوغرام.
ومن خالله نتعرف على األشخاص النجAAوم Aأو احملبوبني داخل اجلماعة ،وهم من يتمتعون
بشعبية كبرية ،الذين بإمكاهنم أن يتولو مسؤولية اجلماعة.كما نتعرف على المرفوضين وهم
الذين حيصلون على أكرب عدد من أصوات الرفض ،وهم غري متوافقني اجتماعيا ،جيب عالج
وضعهم يف اجلماعة وتصحيحه ،كما يتم كذلك التعرف على املعزولني أي الذين ال حيصلون
على اختيار أو رفض والذين جيب العمل على إدماجهم يف اجلماعة.
ومن الناحي ة النفس ية يتم معرف ة االختي ار املتب ادل وال رفض املتب ادل وك ذلك معرف ة االختي ار
الغري متبادل ،والذي يوضح أن القلوب متنافرة ،وليس عند بعضها ،كأن خيتار شخص شخصا
يرفض ه،كم ا نتع رف على اجلماع ات ال يت ت دل على أن أفراده ا ميكن أن يتع اونوا م ع بعض هم
البعض.
.1مفهوم المجتمع
1
.عبد العزيز خواجة ،العالقات االجتماعية في النص القرآني،دراسة سوسيولوجية ،مرجع سبق ذكره،ص.51
68
يعترب اإلنسان منذ والدته إىل مماته عضوا يف اجملتمع ،أي يعيش حياة اجتماعية ومعناها أن
يظ ل اإلنسان حتت ضغط وت أثري اجملتم ع ،ال ذي يعد عب ارة عن جتم ع منظم من األف راد ،ال ذين
يتفاعلون معا يف مجاعات خمتلفة ،فتتوحد جهودهم من أجل حتقيق أهداف مشرتكة،كما متيل
ك ل اجلماع ات االجتماعي ة يف اجملتم ع الواح د ،إىل اكتس اب معتق دات وأفك ار متماثل ة نس بيا
وتتخذ أمناطا سلوكية مشرتكة.
إال أن اجملتمع ات احلديث ة واحلض ارية فهي معق دة ومتش ابكة ،مما أدى إىل ص عوبة تتب ع آثاره ا
على السلوك اإلنساين ،ألن اجملتمع احلديث يرتكب من مجاعات خمتلفة من األفراد والتنظيمات
املتباين ة فيم ارس اجملتم ع ،ت أثريه وحتكم ه يف س لوك اجلماع ات واألف راد و تص رفاهتم وح ىت
ت وزيعهم على مراك ز وأدوار حمددة ،ألن ه مثلم ا حتدد أدوار األف راد ومراك زهم ،فك ذلك حتدد
أدوار ومراك ز اجلماع ات .ومن بني أدوار اجلماع ات هي أهنا :تس اهم يف منو وتق دم اجملتم ع،
كم ا تض من اس تمرار احلي اة االجتماعي ة ،حيث ال يس تطيع األف راد العيش من غ ري االش رتاك
الفعلي داخ ل اجلماع ات كم ا أن مجي ع املؤسس ات االجتماعي ة ،وغريه ا هي نتيج ة جله ود
1
اجلماعة ومجيع أوجه النشاط االقتصادي يقوم على أساس التفاعل االجتماعي.
هلذا اهتم علماء االجتماع باجملتمع احلضري اهتماما مغايرا لنظرة العلوم االخرى له ،كعلم
اجلغرافيا واآلثار والسياسة واالقتصاد ...وذلك لنظرهتم للمدينة على أهنا شكل مميز من أشكال
اجملتمعات احمللية ،هلا طريقة عيش خاصة ،وثقافة خاصة تسمى بالثقافة احلضرية .هلذا أجريت
العدي د من الدراس ات والبح وث يف العش رينات والثالثين ات من الق رن املاض ي ،ح ول املدين ة
واحلي اة احلض رية ،فأنش يء ف رع جدي د من ف روع علم االجتم اع الع ام ،ومسي بعلم االجتم اع
احلض ري ومن أهم مؤسس يه رواد مدرس ة ش يكاغو ،على رأس ها روبAA Aار بAA Aارك و زمالئ ه و
تالميذه كأرنيس برجس،كليفورد شو ،ألزوريت فارس،لويس Aويرث.
وإذا ذهبنا إىل موسوعة علم االجتماع ،سنجدها تعرف اجملتمع احلضري "على أنه جمموعة
من االفراد تقطن يف بيئة حضرية أي املدينة وتتسم بأسلوب حياة معني ،يتجاوب مع خصائص
1
.حي الدين خمتار ،محاضرات في علم النفس االجتماعي ،ديوان املطبوعات اجلامعية،اجلزائر،1982،ص.92-90
69
احلجم والكثافة و الالجتانس" 1واملقصود باجملتمع احلضري ،حسب ما جاء به محمAد عAاطف
غيث أيضا "هو املدينة مقابل الريف "2
فه و ن وع من اجملتمع يتك اثف في ه الس كان يف موق ع معني ينظم ون حي اهتم ،وفق ا ألس اليب
ختتل ف عن أس اليب س كان الري ف ،وق د إنتهى بعض الب احثني ،مثل س AAوركين وزمرم AAان إىل
ض رورة تعري ف املدن ومتيزه ا عن الري ف ،يف ض وء خص ائص متيز الع امل احلض ري عن الع امل
الريفي ،وهي املهنة والبيئة وحجم اجملتمع احمللي وكثافة السكان ،التجانس والالجتانس ،التمايز،
التش ريع ،التنق ل واحلركة اإلجتماعي ة ،وأخ ريا نس ق التفاع ل أو ع دد منادج االتص االت ال يت
ميارسها األفراد يف حياهتم اليومية.
هذا ما يدل على أن اجملتمع احلضري ،يتميز بعدة مسات مثل التعقيد والتباين وتقسيم العمل
وك ذلك ارتف اع مس توى التكنولوجي ا ،وزي ادة كثاف ة الس كان وك رب احلجم.كم ا أن اجملتم ع
احلضري قد يكون جمتمع حملي كبري أو جمتمع حملي صغريا ضمن اجملتمع احمللي الكبري ،مثلما هو
يف دراستنا.
Urbanisation 2.مفهوم التحضر
1
.احسان حممد احلسن ،موسوعة علم االجتماع،الدار العربية للموسوعات،لبنان،بريوت،1999،ص.555
.2نبيل السمالوطي ،علم االجتماع التنمية ،ط ،2االسكندرية ،اهليئة املصرية العامة للكتاب 1978 ،ص241
3
.أمحد بوذراع ،التطور الحضري والمناطق المختلفة في المدن ،منشورات طبعة باتنة،ب،س ،ص .134
4
.نفس املرجع السابق،ص .134
70
سكان املدن عن طريق هجرة القرويني للمدن ،املقصودة مبا يف ذلك التغريات اليت قد ح دثت
1
لطبائع وعادات وطرق معيشة سكان الريف حىت يتكيفوا للمعيشة يف املدن.
وهن اك من ي رى أن التحض ر ه و االجتاه الع ام حنو اإلقام ة يف املراك ز احلض رية والعم ل على
تعمريها وتوسيع نطاقها احلضري ،وهو موقف جنده عامليا وغري قاصر على منطقة معينة دون
غريها ،رغم التفاوت الواضح بني مناطقها من حيث التباين يف الدرجة أو املستوى2.ومن هذا
يتضح لنا أن التحضر يرتبط أوال باملدينة،كما أنه عملية تتم من خالهلا زيادة عدد سكان املدن
عن طري ق اهلج رة ،زي ادة إىل أن األف راد امله اجرين ،ح ىت يتكيف وا ويكتس بوا الط ابع احلض ري،
يتطلب ذلك وقتا طويال وال حيدث مبجرد الوصول إىل املدينة.
ي ذهب الكث ري من الب احثني إىل رب ط ظ اهرة التحض ر بعوام ل أخ رى كاجلغرافي ا وال دميغرافيا
واالجتم اع وااليكولوجي ا ،ه ذا م ا وج دناه يف كتاب ات محمAAد بومخلAAوف ح ول التحض ر،
حيث أنه يعرفه بربطه مع هذه العوامل.
أ -المعAAنى الجغAAرافي:يش ري التحض ر يف معن اه اجلغ رايف إىل اتس اع الرقع ة اجلغرافي ة الوطني ة
للتجمعات السكنية احلضرية ،كتحول القرى إىل جتمعات حضرية بسبب ما يطرأ عليها من
حتول اقتصادي وإداري.
ب -المعنى الديمغرافي :يشري إىل ازدياد عدد سكان التجمع السكاين احلضري ،احصائيا
نتيجة لعمليتني دميغرافيتني أساسيتني ،مها النمو السكاين الطبيعي للتجمع والنمو السكاين الناتج
Kingsly عن احلرك ة اجلغرافي ة للس كان من الري ف إىل املدين ة وهن ا يع رف ديفAAيز كنجسAAلي
Davisأن التحض ر ه و نس بة الس كان ال ذين يس تقرون يف املس توطنات احلض رية من امجايل
السكان ويؤكد أنه من اخلطأ التفكري بعملية التحضر على أهنا منو املدن ،وهذه النسبة ناجتة عن
الزي ادة الطبيعي ة للس كان وعن اهلج رة الس كانية ،كم ا يع رف يف قس م الس كان يف هيئ ة األمم
املتحدة فالتحضر هو منو نسبة السكان الذين يعيشون يف املستوطنات واجملمعات احلضرية.
1
.عبد املنعم شوقي ،مجتمع المدينة ،دار النهضة العربية :بريوت ،ط ،1981 ،7ص .23
2
.حممود الكردي ،التحضر دراسة إجتماعية،دار املعارف،مصر،القاهرة ،1986 ،ص. 30
71
ج -المعنى األيكولوجي :وهنا يشري معىن التحضر إىل جانب البيئة الناجتة عن عملية التحضر
من ازدياد عدد البنايات وجتاورها وتوسع حجم املدينة وارتفاع كثافتها وظهور األحياء ،مما
يؤدي إىل ظهور بيئة اجتماعية خاصة تتميز بعالقات جوار خاصة وكثافة التفاعل االجتماعي
واالتص ال املباش ر وغ ري مباش ر ،كم ا ت ؤدي البيئ ة احلض رية إىل انتش ار األم راض واآلف ات
االجتماعية واالضطرابات االجتماعية عندما تتدهور هبا احلياة وتسودها الفوضى بسبب عدم
الق درة على التحكم يف الديناميكي ة الطبيعي ة للمجتم ع احلض ري ،الن البيئ ة احلض رية بطبيعته ا
توفر فضاءا واسعا للحرية والتفاعل وامليل حنو الفردية والنفعية يف العالقات االجتماعية وهنا
جند أن التحضر يؤدي إىل انتاج بيئة ذات طبيعة خاصة.
د -المعAAنى التنظيمي :املدين ة هي تنظيم إجتم اعي كب ري ت ربز في ه س يطرة اإلنس ان على اجملال
والنش اطات والعالق ات اإلنس انية بوض وح ،بفض ل التنظيم ات املختلف ة ال يت تس هر على ض بط
احلياة اجلماعية وعالقتها يف البيئة احلضرية بصورهتا السابقة ،وأهم تنظيم يصاحب التحضر هو
نظام الضبط اإلجتماعي الذي يعتمد على القوانني.
ذ -المع AAنى السوس AAيولوجي :يش ري التحض ر إىل تل ك العملي ات اإلجتماعي ة ال يت تص احب
التحوالت الدميغرافية والبيئية والتنظيمية وحىت اجلغرافية اليت تصيب التجمع السكاين احلضري
زيادة إىل كثافة اإلتصاالت والعالقات بني األفراد واجلماعات مع بعضهم البعض وزيادة درجة
التفاعل وحجم التجمع السكاين ،كل هذا حيدث منطا جديدا متاما مع العالقات والسلوكات
وال ذهنيات ،فينتج عن ه م ا يس مى بثقاف ة املدين ة أو الثقاف ة احلض رية ال يت هلا قيمه ا ومعايريه ا
يكتسبها بالتدرج الفرد الذي ينتقل إىل املدينة أو حىت ينشأ فيها مولودا ،إذن التحضر يؤدي
1
إىل إنشاء حالة من الوجود اإلجتماعي يتسم بالتعقيد يفرض نفسه على األفراد واجلماعة.
وعلى هذا فالتحضر عملية من عمالت التغري االجتماعي تتم عن طريق إنتقال أهل الريف
أو البادية إىل املدينة وإقامتهم مبجتمعات ،مبعىن هي عملية إعادة توزيع السكان من الريف إىل
املدن واملراكز احلضرية األخرى .وتوصف عملية التحضر دائما بأهنما عملية تراكمية ويقصد
1
بوخملوف حممد ،التحضر ،دار األمة للطباعة و النشر و التوزيع،اجلزائر،ط،1،2001ص . 18
72
أن رص يد التحض ر ال يض ل ثابت ا على م ا ه و علي ه وإمنا يتع رض باس تمرار إلض افات وزي ادات
تنجم عن اإلقام ة الدائم ة واإلس تقرار بنط اق مك اين حمدد ،م ع م ا يرتب ط ب ذلك من إجنازات
حيققها اإلنسان يوما بعد يوم ويصنها إىل الرتاث احلضاري مبجتمعه وال نعين بالرتاكم هنا زيادة
س كانية فق ط وإمنا ف وق ذل ك ه و زي ادة م وارد وخ ربة ل دى ه ؤالء الس كان على اس تغالهلا
واإلف ادة منه ا .وهن ا نالح ظ أن التحض ر ه و ض رب التغ ري البن ائي ال ذي ال يقتص ر فق ط على
انتقال السكان من املناطق الريفية إىل املناطق احلضرية أو التحول من العمل الزراعي إىل العمل
الص ناعي ولكن ه يتض من تغ ريات أساس ية تش مل تفك ري الن اس وس لوكهم وقيمهم االجتماعي ة
1
أيضا.
مع روف ل دى علم اء اإلجتم اع واألنرتوبولوجي ا احلض رية ،ب أن احلض رية تع ين أس لوب أو منط
حي اة يتم يز هبا س كان املدن تفرض ه الطبيع ة اإليكولوجي ة االجتماعي ة والثقافي ة للمدين ة ال يت
تكس ب املدن ثقاف ة خاص ة تس مى بالثقاف ة احلض رية ،كم ا أص بح واض حا أن احلض رية هي
احلص يلة النهائي ة لعملي ة التحض ر أي هي تل ك التغ ريات اإلجتماعي ة املص احبة للتحض ر بس بب
إقامة األفراد يف املدن ويعرفها لويس ويرث بأهنا منط أو أسلوب حياة يف مقاله الشهري املنشور
عام 1983بعنوان" الحضرية Aنمط الحياة" Aوأصبح مرجعا أساسيا يف علم االجتماع احلضري
يف اخلمس ينات والس تينات من الق رن العش رين وه و أن ايكولوجي ة املدين ة مبا تفرض ه من
تف اعالت وعالق ات تنتج عنه ا س لوكات وذهني ات تطب ع حي اة الف رد احلض ري وتكس به ثقافة
خاصة تنعكس على سلوكه ،كما ميكن أن تطلق عليها الثقافة احلضرية ،حيث يكتسبها الفرد
2
من خالل اإلقامة يف املدينة ويتلون سلوكه بلوهنا.
ويوص ف العم ل ال ذي قدم ه وريث التحض ر بأن ه ي ؤدي إىل تغ ري أساس ي يف طبيع ة ونوعي ة
العالقات اإلنسانية ،بسبب إزدياد حجم املدن وكثافتها وتباين اجملموعات البشرية فيها ،كما
1
.السيد عبد العاطي السيد ،علم اإلجتماع الحضري ،دار املعارف اجلامعية ،اإلسكندرية ،1996ص . 96
2
حممد بوخملوف ،التحضر،مرجع سابق،ص20
73
يؤدي التحضر إىل إختفاء اجلماعات األولية تاركة مكاهنا لصاحل اجلماعات الثانوية واملتخصصة
واجلماعات األولية كالعائلة وأن التحضر الذي ينتج مجيع هذه اآلثار يتوافق مع عملية التصنيع
واالتص ال اجلم اهريي ،إذن احلض رية هي خالص ة التحض ر أي خالص ة التف اعالت والعالق ات
اإلجتماعية احلضرية الناجتة عن اإلقامة يف املدينة ،تؤدي إىل إنتاج ثقافة خاصة بالبيئة احلضرية
شو مبار دولAAو وتظهر العقالنية اليت تصبح من أهم السمات اليت متيز ساكن املدينة وهلذا يرى
Paul Henry chombart de lauweالذي طرح تساءالت حول العالقة بني احلضرية
والعقالنية و وج د أن احلض ريني أك ثر عقالني ة من الريف يني وهن ا يتف ق ك ل من زيم AA Aل
وسوروكين وزيمرمان على اخلصائص التالية ،كما يتفق معهم أيضا ويرث يف ذلك .
4ـ إنتشار وسيطرة نسق من العالقات اإلجتماعية يتسم بالطابع السطحي وغري شخصي على
جانب سيطرة الطابع االنقسامي على األدوار االجتماعية.
ه ذه اخلص ائص جتع ل العقالني ة موج ود يف احلي اة احلض رية ،ه ذا م ا ي راه فريAAديريك تونAAير
الذي يؤكد على سيادة السAAلوك النفعي بدال من السAAلوك العAAاطفي يف املدينة وكذلك زيمAAل
ج AA Aورج ال ذي يؤك د على أمهي ة التفاعل والعالق AA Aات Aاإلجتماعية ال يت تس يطر على الف رد
احلضري ،كما أكد ذلك فيير على أن السلوك العقالني هو الذي يطبع السلوك احلضري زد
على ذل ك دورك AAايم ال ذي يتح دث عن التض امن اآليل ال ذي يس ود يف اجملتمع ات املتجانس ة
والتضامن العضوي الذي يسود يف اجملتمعات املتباينة أو اجملتمعات احلضرية والصناعية يف كتابه
1
تقسيم العمل اإلجتماعية حيث يزيد تقسيم العمل بدرجة كبرية يف املدينة .
1
حممد بوخملوف ،التحضر،مرج سبق ذكره،ص.33
74
وهذا ما وضحه مارشال جوردن إىل أمناط احلياة اإلجتماعية اليت تربط بالسكان املقيمني يف
املناطق احلضرية واليت تتضمن تقسيم العمل والتخصص الدقيق وانتشار العالقات اإلجتماعية
الرمسية والعالقات الغربية زيادة الروابط الطوعية والعلمانية وزيادة األمهية اإلجتماعية لوسائل
اإلتص ال أي أن احلض رية هي اجتاه يتجس د يف ظ اهرة تش هدها ك ل اجملتمع ات البش رية وتع ين
إقام ة الن اس واس تقرارهم يف جتمع ات حض رية ق د تأخ ذ ش كل املدن وتتبل ور يف التغ ري الن وعي
ال ذي حيدث يف أمناط تفك ريهم وس لوكهم اجتاه األنش طة الس ائدة ومنو التنظيم ات القائم ة
1
واحلضرية.
ويبقى لAAويس ويAAرث من أبرز العلماء الذين ناقشوا أو فسروا مفهوم احلضرية كطريقة يف
احلياة ميكن تناوهلا ميدانيا من خالل ثالث اجتاهات متشابكة ومساندة فيما بينها هي:
* كنس ق من التنظيم االجتم اعي يتض من بن اء اجتماعي ا مميزا أو جمموع ة من النظم ومنط ا حمددا
من العالقات اإلجتماعية.
* كمجموع ة من االجتاه ات واألفك ار تش رتك يف تك وين منط الس لوك اجلمعي وال ذي خيض ع
آلليات الضبط االجتماعي السائدة.
وعلى هذا فاحلضرية تشري إىل حالة أو كيفية أو طريقة يف احلياة من التصور كخاصية مميزة
للمدينة أو اجملتمع احمللي احلضري ،وإن كانت احلضرية حتمل يف طياهتا اإلشارة إىل إنبثاقها من
املدن إال أهنا يف الواق ع هي جمرد طريق ة يف الس لوك ،خاص ة إال أن ه ي رى بعض الب احثني
االجتم اعيني يف احلض رية أهنا ليس ت تعب ريا مقص ورا على احلي اة يف املدن فق ط ،ألنن ا فق د جند
إنسانا متحضرا يف سلوكه ومعامالته ،بينما حييا يف الريف وجند آخر حييا يف أكرب أحياء املدن
حتض را وه و م ع ه ذا ال ي زال قروي ا يف تفك ريه وطريق ة معيش ته ،ب ل ويف س لوكه فاملس ألة إذن
مسألة سلوك وليست مسألة مظهر.
1
.حممود الكردي ،التحضر ،دراسة إجتماعية :القضايا والمناهج ،دار قطري بن الفجاءة ،الدوحة ،1984 ،ص. 96
75
زي ادة على ه ذا يتف ق األيكولوجي ون على أن للحض رية خص ائص تتم يز هبا وتش مل
الالجتانس الط ابع الث انوي للعالق ات االجتماعي ة ،الفرداني ة ،التس امح ،الض بط الرمسي ،الع زل
املك اين ألن احلض رية كطريق ة يف احلي اة ومنط يف التفك ري يرتب ط س ببه ب التغري الس ريع س واء من
حيث احلرك ة الس كانية أو من حيث التغ ري يف النظم اإلجتماعي ة أو االقتص ادية أو من حيث
التغري يف القيم والعادات والتقاليد والنظرة إىل احلياة وتتمثل أهم اخلصائص احلضرية فيمايلي:
.1الالتجانس (التغاير Aاإلجتماعي) :تتسم املدن بعدم جتانس سكاهنا وتعترب خاصية الالجتانس
املادي واملعن وي نتيج ة حتمي ة لظ اهرة التحض ر فالكثاف ة الس كانية العالي ة تزي د يف املنافس ات
ف رتتفع إىل التخص ص ال دقيق وتقس يم العم ل ،وجلذب س كان من اطق أخ رى حض رية أو ريفي ة
متباينة فتختلط األجناس والثقافات ،فيؤدي الالجتانس إىل سلسلة من النتائج منها تطوير نسق
معق د من الت درج الطبقي وزي ادة مع دالت احلراك اإلجتم اعي واإلجتاه املتزاي د حنو التفك ري
العقالين وزيادة أمهية النقود كأساس العالقات اإلجتماعية وقبول التغري وعدم اإلستقرار1.وعلى
ح د تعب ري ل AAويس وي AAرث كلم ا إزداد ع دد األف راد ال ذين يش رتكون يف عملي ة التفاع ل كلم ا
إزدادت إمكاني ات التم ايز بينهم ول ذلك فإن ه من املتوق ع أن تن درج الس مة الشخص ية لس كان
اجملتم ع احلض ري ومهنهم وحي اهتم الثقافي ة وأفك ارهم وقيمهم على امت داد تتس ع في ه اهلوة بني
2
طرفيه أو قطبيه على حنو أكثر وضوحا عنه يف اجملتمع الريفي.
.2الطAAابع الثAAانوي AللعالقAAات اإلجتاعيAAة :يرى ويAAرث أنه كلما منا حجم املدينة قل احتمال
معرفة الفرد ببقية سكاهنا معرفة شخصية ،األمر الذي يؤدي إىل تغري طابع احلياة االجتماعية
وألن ع دد األش خاص ال ذين يتص ل هبم الف رد أو يعتم د عليهم يف املدين ة كب ري نس بيا ف إن
العالق ات اإلجتماعي ة ال يت يكوهنا يف املدين ة تتس م بأهنا غ ري شخص ية وس طحية وهلا ط ابع
اإلنقسامي 3.ف على امل س توى الشخصي يالحظ أن العالقاتبني األف راد يف امل ن اطق احل ض رية
.عزيزة عبد اهلل العلي النعيم ،التنظيم اإلجتماعي الحضري ،املعهد العريب إلمناء املدن ،السعودية ،1991 ،ص. 48
1
2
.السيد عبد العاطي السيد ،علم اإلجتماع الحضري :مدخل نظري.ج ،1دار املعرفة اجلامعية ،اإلسكندرية ص. 231
3
.حممد أمحدغنيم ،المدينة دراسة في اآلنثربولوجيا الحضرية ،دار املعارف اجلامعية ،اإلسكندرية. 1987،
76
متي ل إىل أن تك ون ثانوي ة ونفعي ة أك ثر من كوهنا أولي ة وتكاملي ة وعاطفي ة ،مثلم ا ه و يف
الريف.
-3الفرداني A Aة Aأو الفرديAA Aة :ميل س كان اجملتم ع احلض ري إىل الفرداني ة واالعتم اد على النفس
وذلك لتمتعهم حبرية أكرب من تلك اليت يتمتع هبا االنسان يف الريف ،كقلة ارتباطه مبتطلبات
أقاربه وهذا ال يعين أنه يعمل بدون واجبات اجتماعية حنو أسرته وأصدقائه وإمنا يعين أن أسرته
ال متثله فاحلضري يديل بصوته كفرد ويكون مسئوال مسؤولية فردية كاملة من أعماله فيكون
حرا يف اختيار مهنته ومكانته يف عمله بالرغم من ضغوط األسرة عليه ،كما يتمتع حبرية يف
اختيار شريكة حياته أو احلياة منفصال عن أسرته املمتدة ويف ضوء ذلك إن االجتاه حنو الفردية
يزداد يف الوقت احلاضر يف الريف واملدينة على السواء إال أن حدة الفردية تتزايد يف اجملتمعات
1
احلضرية أكثر وهنا املسألة مسألة درجة وليس النوع.
-4التسAAامح :ه و الرغب ة يف التعب ري عن األفك ار املختلف ة ومعامل ة اآلخ رين وفق ا ملع ايري عام ة
مس تقلة عن االختالفات القيمي ة،كم ا يعرف التسامح بص فة عام ة على أن ه الرغبة أو السماح
ملنح احلري ات داخ ل املدين ة لألش خاص وذوي ال ديانات وال رؤى السياس ية املختلف ة ،وأول من
أك د على ارتب اط احلض رية حبجم اجملتم ع ارتباط ا مباش را بالتس امح ه و سAAتوفر هو ،كم ا أك د
ذل ك العدي د من األحباث املعاص رة وجه ة نظ ر س AAتوفر أمث ال ويلس AAون وألس AAتون وجيلين يف
حبث آخ ر ع ام 1985إال أن ه توج د مالحظ ات على ه ذه العالق ة مها.1 :اختالف درج ة
التسامح من مدينة إىل أخرى
2
.2السماح بعدد من الثقافات الفرعية طاملا أهنا ال تتعارض مع االطار الثقايف العام.
-5الضبط الرمسي :متارس اجلماعات األولية كاألسرة ومجاعات األصدقاء يف املوقع احلضري
نوعا من الضبط لسلوك األفراد بطرق غري رمسيه وليس بدرجة الضبط يف اجملتمع الريفي ،ألن
1
.شفيق وجدي ،علم االجتماع الحضري والصناعي ،دار مكتبة االسراء ،أسيوط ،2007،ص.36
2
.عزيز عبد اهلل العزيز النعيم ،مرجع سابق،ص.46
77
االنس ان احلض ري بإمكان ه اهلروب من ض بط اجلماع ات األولي ة ويطل ق على ذل ك الغفل ة أو
الالرمسية
1ـ يعتمد هذا الصنف على املعيار املكاين وتقسم فيه املدينة إىل :
2ـ الصنف الثاين يعتمد على املعيار اإلجتماعي اإلقتصادي وتقسم املدينة إىل أحياء.
يبقى حتدي د املف اهيم عملية ج د هام ة يف البح وث والدراس ات اإلجتماعية ،لغ رض إزالة
الغم وض والتش ابه بني املص طلحات ،وذل ك لع دم االتف اق بني املفك رين ح ول تعري ف موح د
ونادرا ما يكون هناك اتفاق واحد ،يعود ذلك لعدم التعاريف الدقيقة والقاطعة ،هلذا اعتمدنا
على مف اهيم خمتلف ة جملموع ة من املفك رين والب احثني مث خرجن ا بالتع اريف ال يت تتالئم وطبيع ة
موضوعنا لنستنتج أن علماء النفس واالجتماع يرون أن التفاعل االجتماعي ،ظاهرة اجتماعية
أولي ة لتتك ون العالق ات والرواب ط االجتماعي ة ،حيث ال ميكن لألف راد أن ي دخلوا يف عالق ات
فيم ا بينهم ح ىت حيدث تفاع ل اجتم اعي ،ألن التفاع ل ينتج عن ه نس يج أو ش بكة العالق ات
االجتماعية والروابط االجتماعية املتنوعة ،إال أن االختالف يبقى موجود بني العالقة والرابطة
االجتماعية أيهما األول وحسب ما استنتجنا فإن العالقات االجتماعية تنتج روابط اجتماعية،
وألن األفراد يدخلون يف عالقات بسبب رباط من الروابط االجتماعية،كرباط القرابة ،رباط
اجلرية ،الصداقة ...فكل عالقة اجتماعية يكون يف ضمنها رباط اجتماعي الذي عرفناه على أنه
اخليط الرابط أو الواصل بني األفراد يف شبكة العالقات االجتماعية اليت ينسجوهنا بينهم ،حيث
78
تقاس الرابطة االجتماعية حسب درجة التماسك والتضامن بني أفرادها يف احلياة االجتماعية،
فيكون التماسك قويا عندما يكون هناك تضامن قوي بني األفراد وحسب علماء االجتماع
جند ذل ك يف اجلماع ات األولي ة واجملتمع ات البدوي ة والتقليدي ة .ل ذلك ح ددنا ك ل املف اهيم
املرتبطة بالرابطة االجتماعية للتوضيح أكثر.
الفصل الثاني
79
الرابطة االجتماعية والمجتمع الحضري مقاربة نظرية
- 2الرابطة االجتماعية عند مالك بن نيب (من خالل شبكة العالقات االجتماعية)
80
.2.2مصطفى بوتفنوشنت العائلة والروابط االجتماعية اجلزائرية.
الفصل الثانيA
81
تمهيد
تس اءل علم اء االجتم اع ،عن سـر التالحم والتع اون بني األف راد ،يف ك ل اجملاالت
االجتماعي ة وب رزت حماوالت حتليلي ة نظري ة عامـة ،ح ول م ا اص طلح علي ه مبفه وم الرابط ة
االجتماعي ة أو le lien socialبالالتني ة ،فب دؤوا بدراس ة ك ل عناص ر النظ ام االجتم اعي،
والبنية والبناء االجتماعي ،لفهم اجملتمع وما يسود فيه من ظواهر اجتماعية ،حماولني البحث يف
حقيقة االنسان كفرد ،وتفاعالته مع غريه من األفراد داخل اجملتمع اإلنساين ،فاختلفت اآلراء
والنظريات حول ذلك ،من تطورية إىل بنائية وظيفية ،مث رمزية تفاعلية.
مع ظه ور جمموعة من النظريات واملفكرين البارزين ،يف فهم الفعل والس لوك االجتماعي،
ال ذي ي رون أن ه من خالل ه ،تتش كل عالق ات ورواب ط اجتماعي ة بني األف راد.وج دوا أن ه ذه
الروابط والعالقات ،قد تتغري حسب اجملتمع ،من جمتمع ريفي إىل حضري.وهذا ما سنتعرض
إليه يف اجملال النظري للرابطة االجتماعية يف اجملتمع احلضري.
82
.1.1الرابطة Aاالجتماعية في الفكر الخلدوني A:العصبية Aكرابطة Aاجتماعية قرابية
تتمث ل الرابط ة االجتماعي ة عن د ابن خل AAدون يف ظ اهرة العص بية ،ال يت تعت رب مص طلحا
سوس يولوجيا خل دونيا فعن دما نق ول كلم ة عص بية ،ي ذهب تفكرين ا مباش رة إىل ابن خلAAدون،
ال ذي يُعت رب أول من أعطى الدالل ة السوس يولوجية ،هلذا املفه وم ودوره السياس ي ،يف تش كل
السلطة وقيام الدولة ،فهو يعترب ظاهرة العصبية ،مبثابة احملور الذي تدور حوله معظم البحوث
االجتماعي ة والسياس ية .رغم أن ه ذا املص طلح ،ك ان ش ائعا بني الع رب ،قب ل جميء اإلس الم،
فك انت تع ين تب ين ش خص لقض ية ذوي ه ،أي مس اندة الش خص العمي اء جلماعت ه ،دون أن يأب ه
للعدالة وموقفها غري أنه مل تكن هلا قط قبل ابن خلدون قيمة تفسريية ،و ال داللة تقنية سياسية
واجتماعية حقا.
مل تكن الذهنية البدوية لعرب اجلاهلية ،لتتصور الكائن اإلنساين ،إال داخل فئة مجاعية قطعية
وي ذوب الف رد يف القبيل ة ،فال وج ود لشخص ية خاص ة متف ردة ،إذ الوح دة القبلي ة ال تُع رف
1
بروابط التضامن ،وال بروابط الود ،خارج الوحدة اليت تتألف من أفراد نفس العصبية.
عرف العصبية يف لسAAان العAAرب "على أهنا مشتقة من لفظ عصب ،الذي يعين حرفيا
و تُ ّ
ربط ،جتمع ،ش ّد أحاط ،اجتمع ،فعصبية الرجل ،بنوه وقرابته وكل شيء استدار به.
عصب الرأس مبعىن ربطه ،وهي تدل على رابطة دموية وتالحم األرحام ،منذ القدمي أي
نقول ّ
قب ل جميء اإلس الم".2وبع د اإلس الم ان دثرت العص بية بعن ف ،وذهبت أثاره ا الس يئة ،ودع ا
املسلمون ليتخلصوا من أثارها القبلية املتخلفة ،إال أن ابن خلدون اقرتب من مفهوم العصبية،
ألج ل منط ق نظريات ه ومعقوليته ا ،من وجه ة نظ ر أخ رى .3لق د اس تعمل مفه وم العص بية م ع
مص طلح االلتح ام والنس ب فيق ول ":يف أن العص بية إمنا تك ون من االلتح ام بالنس ب أو م ا يف
83
معن اه"،1ويقص د مبا يف معن اه أي ك ل مص طلح ي رادف مع ىن االلتح ام ،كالتماس ك والرتاب ط و
التعاضد وغريها.
وهلذا أعطى معظم الباحثني الذين اهتموا بالفكر اخللدوين ،والدراسات اخللدونية للعصبية،
مفه وم التماس ك والرتاب ط ،فهم ي رون أن ه ذه الظ اهرة ،عب ارة عن رابط ة اجتماعي ة ،متت از
بالتماس ك بني أف راد النس ب الواح د ،وتظه ر يف القبيل ة( اجملتم ع الب دوي ) ،بص ورة واض حة،
وأب رز ه ؤالء الدارس ني محم AAد عاب AAد الج AAابري A،ال ذي يُع رف العص بية يف كتاب ه "العص AAبية و
الدول AAة" Aعلى أهنا "رابط AAة اجتماعية س يكولوجية ،ش عورية وال ش عورية ،ترب ط أف راد مجاع ة،
قائمة على القرابة Aاملادية واملعنوية ،ربطا مستمرا يربز ،عندما يكون هناك خطر ،يهدد أولئك
األف راد ،ك أفراد أو كجماع ة 2".ويعرفه ا الحصAAري "ت دل على تفك ري ف احص وناف ذ ،تفك ري
معمق يف درس احلوادث االجتماعية ويف حتليل الوقائعة التارخيية ،وهي قادرة على إظهار ،أوثق
أنواع الروابط االجتماعية وتعيني أهم أشكال الرتابط الجتماعي 3".كما يعرفها عبد الرزاق
المكي –باحث اجتماعي مصري يف الفكر اخللدوين –"العصبية كلمة تتأسس اجتماعيا ،بص لة
االش تقاق إىل كلم ة العص ب ،مبع ىن الش د والرب ط واألص ل يف معناه ا أهنا الرابط ة املعنوي ة،ال يت
تربط بني ذوي القرىب والرحم ،فالعصبية مرتبطة باجلماعة ،إذن هي رابطة اجتماعية " 4ويرى
الصغير بن عمار يف كتابه"الفكر العلمي عنAAد ابن خلAدون" "أن صاحب املقدمة ،مل يستعمل
ه ذه الكلم ة ،مبعناه ا اللغ وي الظ اهر ،وال ب املعىن الع رقي ،ب ل اس تعملها مبع ىن أوس ع من ذل ك
بكثري ،إنه أدخل يف نطاق مفهوم العصبية ،الروابط االجتماعية والظواهر التكاتفية والتناصرية،
وبذلك أصبحت العصبية مفهوما اجتماعيا Concept sociologiqueتدخل يف اجملتمعات و
5
سريها".
. 1عبد الرمحان ابن خلدون ،المقدمة ،دراسة واعتناء أمحد الزعيب ،لبنان ،بريوت ،دار األرقم ابن أيب األرقم للطباعة والنشر والتوزيع
ص.157
.2حمم د عاب د اجلابري ،العص AAبية والدول AAة – مع AAالم نظري AAة خلدوني AAة في الت AAاريخ اإلس AAالمي -لبن ان ،ب ريوت ،دارالطليع ة للطباع ة
والنشر،ط ،1982 1ص.254
.3احلصري ساطع ،مرجع سابق ،ص154
.4حامد املنجي ،توظيف مفهوم العصبية في دراسة المجتمع العربي المعاصر ،تونس ،صفاقص ،ط،1،2004ص.64
.5الصغري عمار ،الفكر العلمي عند ابن خلدون ،اجلزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،1984 ،ص.42
84
عرف العصبية"على أهنا جمموعة أو
أما إذا ذهبنا إىل معجم علم االجتماع المعاصر ،فإنه يُ ّ
جمتم ع حملي ،نش أ على أس اس تراب AAط ع AAائالت ،وهي تلتقي م ع مفه وم الرابط ة االجتماعي ة
باالجنليزية ،يف كلمة " Bandمبعىن الربط والشد".1هذا ما يوضح لنا أن العصبية ،هلا عالقة
كبرية بالرابطة االجتماعية أو بعبارة أدق ،العصبية رابطة اجتماعية ،تقوم على النسب والقرابة.
كم ا ي رى محم AAد عزي AAز لحب AAابي ،أن العص بية يف النس ق اخلل دوين هي ":العالق ة ال يت ترب ط
أه دافا ومش اعر مش رتكة ،عن د ك ل من جتمعهم حُل م ة ال دم أو ال والء ،فهي كم ا توج د يف
البوادي توجد كذلك داخل املدن ،ألهنا تستجيب مليل طبيعي ،حيمل الناس على أن يلتحموا
بعض هم البعض وأن يتكتل وا يف فئ ات وإن مل ينتم وا إىل نفس األس رة ،على أن ه ذا االلتح ام،
يظل أقل متانة من روابط الدم ،وبالتايل فالعصبية املتولدة عن هذا امليل ،ليست سوى جزء مما
يتول د عن القرابA Aة Aالمباش AAرة2".وي رى إي AAف الكوست أن العص بية عن د ابن خل AAدون ،ليس ت
شكال من أشكال التعاضد فحسب ،بل هي نوع من أنواع العالقات االجتماعية ،أو الروابط
االجتماعية3،كم ا ميكنن ا أن نضيف بعض مرادف ات العص بية ،اليت ق دمها ُش راح ابن خلAAدون،
ومن بني هذه التفسريات يف اللغات األجنبية ،جند البارون دوسالن ،الذي ترجم كلمة عصبية
بتعبري ، Esprit de corpsالذي يعين روح التضامن ،يظهر بني األشخاص املنتسبني إىل املهنة
الواحدة.
واقرتح غوتيAه استبدال التعبري السابق النظر لقصوره ،عن مقابلة مقاصد ابن خلAدون ،بتعبري
آخ ر ه و Esprit de clanال ذي ي دل على روح التض امن ،ال ذي يظه ر بني أف راد القبيل ة
Cohésion الواحدة أو الطائفة الواحدة ،ومن االستعماالت األخرى ملعىن العصبية ،التماسك
والوالء للجماعة Group loyalوالشعور اجلمعي 4.Group feelingوتعكس هذه املرادفات
1
.معن خليل العمر ،مرجع سابق،ص.127
2
.حلبايب ،مرجع سابق ،ص.38
3
.ايف الكوست ،ابن خلدون واضع علم ومقرر استقالل،طبعة بريوت،لبنان،بريوت ،1954،ص.38
4
.بسيوين رسالن ،السياسة واالقتصاد عند ابن خلدون ،مصر،القاهرة،دار قباء،1999،ص. 48
85
مع ان مث ل الوف اء للجماع ة ،التماس ك ال داخلي للجماع ة ،فك ل املرادف ات ج اءت ت دل عن
التضامن الرتابط ،التماسك اجلماعي.
إذن ربط ابن خلدون مصطلح العصبية بالقرابة ،هذه الرابطة االجتماعية ،اليت تعترب شرطا
أساسيا يف العصبية القبلية ،وذلك من خالل شرحه ،ملصطلح النسب وصلة الرحم .فال ميكن
أن تعترب جمموعة ما عصبية ،إال إذا كان أفرادها ينتمون لنفس األصل ،وذلك حسب تعريف
علماء االجتماع واالنرتوبولوجيا ملوضوع القرابة ،وربطه بالعصبية كما فعل ابن خلدون.
كما أن للقرابة موضوعات خمتلفة ،تتمثل يف الزواج ،األسرة ،العصبية ،هذا حسب نظر وأراء
الب احثني أمث ال ل ويس مورج AAان و ب AAاخوفن وماكلين AAان ،هلذا احتلت العص بية مكان ة ب ارزة يف
نظري ة ابن خلAAدون"1.حيث تظه ر ه ذه العالق ة ،من ذ اللحظ ة ال يت يب دأ فيه ا تعص ب اجلماع ة
القبلية لدفع خطر خارجي يهددها ،أو جللب منفعة من الغري ،باهلجوم واملطالبة ،ويظهر إلتحام
أف راد القبيل ة على مس توى القراب ات ال يت تكوهنا ،ألن ص لة ال رحم ،ط بيعي يف البش ر إال يف
2
األقل"
وال دليل على ذل ك أن األف راد املك ونني للعص بية ينح درون من نفس النس ب واملص اهرة،
وينتم ون إىل أس رة أو عائل ة واح دة ،ه ذا م ا يس ميه علم اء االجتم اع و األنرتوبولوجي ا،
بالعالقات القرابية الدموية .أما العالقات القرابية االجتماعية ،وهي اليت تتكون بالنسب البعيد
واحلل ف وال والء ،كم ا ش رح ذل ك ابن خلAA Aدون يف نظريت ه ،وتب دوا للقراب ة عالق ة كب رية
بالعص بية ،ذل ك العتب ار ص احب املقدم ة أن العصبية ،مص درا لتأس يس الس لطة ،وهذا املص در
يرتكز يف تش ُكله وتكوينه بالعالقات القرابية وروابط الدم ،أو العالقات الدينامية ،وبالتايل فإن
هلذه العالقات دورا يف تأسيس السلطة هذا ما كان يفرضه اإلمكان الواقعي للمجتمعات ،اليت
ُأج ريت فيه ا البح وث األنرتوبولوجي ة ح ول الس لطة والقراب ة ،فه ذه اجملتمع ات جتع ل القراب ة،
.1صالح مصطفى الفوال ،علم االجتماع البدوي ،مصر ،القاهرة ،دار النهضة العربية ،ص216
.2حممد محداوي ،القرابة والسلطة عند ابن خلدون،البذور اجلنينية لألنثربولوجيا السياسية ،وقائع الملتقى أي مستقبل لالنتربولوجيAا
في الجزائر،تيميمون ،1999 ،ص .43
86
مصدرا لكل سلطة مبا فيها السلطة السياسية وترتك مفهوم الوطن ،مكانه ملفهوم النسب،حيث
يدين الفرد لقبيلته اليت هي حصيلة النسب وحيث تعلوا العالقات القرابية فوق كل عالقة.1
إضافة إىل ذلك وحىت نفهم جيدا ظاهرة العصبية ،املتشكلة بالرابطة االجتماعية ،واملتمثلة يف
القرابة ،نعرج على ظاهرة القبيلة ،اليت تعترب ظاهرة اجتماعية ضاربة يف أعماق التاريخ العريب،
يف املغرب واملشرق على حد سواء ،كما اعتربها ابن خلAAدون الرُت بة اخلصبة ،اليت تنمو فيها
2
العصبية وأهنا األصل يف اجملتمع البدوي" يف أن سكىن البدو ال يكون إال للقبائل أهل العصبية"
وهنا يظهر االرتباط أو العالقة بن العصبية والقرابة والقبيلة ،اليت كانت جتمع أفراد العائلة
الواحدة املنح درة من أب واحد .وتُع رف القبيلة يف معجم Aعلم االجتمAAاع"على أهنا عددا من
الن اس ينتم ون إىل أص ل ُمش رتك ،كم ا يش رتكون يف ملكي ة منطق ة من األرض ،وتق وم بينهم
ص الت القراب ة ويتكلم ون لغ ة واح دة وهلج ة واح دة ،وتنقس م القبيل ة يف الع ادة إىل ع دد من
العشائر وتنقسم العشرية إىل عدد من اجلماعات كل مجاعة منها عبارة عن عائلة أو عائلتني أو
ثالث" 3ويعرفها بيشلر "هي الشكل االنقسامي للتنظيم االجتماعي ،يتكون من أقسام قاعدية،
مُي ثل كل منها أسرة ممتدة ،يف عمق ثالثة أو أربعة أجيال ،وكل قسم قاعدي ،يلتحم تلقائيا مع
قس م آخ ر ،كلم ا ش عر بتهدي د أو خط ر ،وش يئا فش يئا ،ميكن أن تتح دد القبيل ة بأس رها ،أو
جمموع ة قبائ ل يف جمموع ة مؤقت ة ،ملواجه ة ع دو خ ارجي""4كم ا أهنا تؤل ف وح دة اجتماعي ة،
وسياسية واقتصادية متكاملة بل إهنا تكاد تكون يف رأيهم ،جمتمع مغلقا على نفسه ،يتصل مع
5
القبائل اجملاورة إال يف احلاجة"
لقد أدرجنا توضيحا ولو بسيطا ،حول املفهوم السوسيولوجي للقبيلة ،وذلك لتوضيح مدى
وج ود عالق ة بني العص بية والقراب ة والقبيل ة ،حيث يش رتط ك ل منهم ا وج ود الث اين ،ف داخل
87
القبيلة توجد القرابة والعصبية ،الناجتة عن ذلك القرب الدموي ،بني أفراد نفس العائلة ،وهلذا
كما قلنا فالقبيلة متثل مكان نشأة العصبية ،وهي كبنية تقليدية اجتماعية ،شأهنا يف ذلك شأن
العصبية.
وما حيدد مفهوم القبيلة عن ابن خلدون ،هو االجتماع على أساس العالقات الدموية ،وهو
الشرط التأسيسي لقيام اجلماعة ،وإذا ما توفرت القرابة بني أفراد اجلماعة ،مل تأسس القبيلة،
ألن ه إذا وج دت مجاع ة الينتم ون إىل قراب ة ،ال نس ميهم قبيل ة ،لع دم ت وفر ش رط القراب ة ،وق د
يُض اف إىل العالق ات القرابي ة ،يف القبيل ة بعض ال والءات واملوايل ،لكن العائل ة هي اخللي ة
األساسية فيها يتزعمها قائد طبيعي ،وعادة ما يكون كبري السن ،لكسب طرق وخربة سري
القبيلة ونظامها.
وتظم القبيل ة ثالث أص ناف من األف راد ،يتق دمها ص رحاء النس ب ،وهم أس اس أش راف
القبيل ة وارس تقراطيتها ،يتف اوتون يف الش رف بتف اوت بي وهتم يف احلس ب ،مث ص نف املوايل
واملص طنعون (اللُص قاء) هم ال ذين التحق وا بالقبيل ة ،بواس طة اللج وء أو احلل ف من الع دو أو
ضده ،أما صنف العبيد ،وهم عادة ما يكونون أسرى احلروب ،والغزوات اليت ترجع أيضا إىل
العالق ات االقتص ادية وأن واع الص راع ال ذي يق وم على الرغب ة يف احلص ول على مس توى عيش
أفضل ،وقد تتخطى القبيلة روابط القرابة حىت تتوسع وتنمو ،كما يقول اوغستين بارنار (ع امل
ان رتوبولوجي ) « أن القبيل ة ال تنم و فق ط عن طري ق االن دماج بل ك ذلك عن طريق التجمي ع
1
».
إذن حتدث ابن خلدون عن الرابطة االجتماعية ،من خالل شرحه ملفهوم العصبية ،على أهنا
االلتح ام بالنس ب ،وبالت ايل القراب ة هي رابط ة اجتماعي ة طبيعي ة عن د البش ر ،تتم يز باالتص ال
برابطة النسب والقرابة وما إليها من الراوابط املماثلة ،حيث يفقد الفرد يف هذا التجمع فرديته،
ويتقمص شخصية القبيلة أو األسرة ،اليت ينتمي إليها وخاصة ،يف حالة اخلطر اخلارجي ،الذي
يُهدد كيان العصبية املادي أو املعنوي.وألهنا تنشأ بني أفراد النسب الواحد يف العائلة فالقبيلة،
1
انظر حامد املنجي ،مرجع سابق ،ص.54-51
88
متر مبراحل تطورية ،لتصل إىل اجملتمع احلضري ،فتتغري شيئا فشيئا لتأثرها بالثقافة احلضرية ،أو
كما مساها ابن خلدون حبياة الرتف احلضري ،ألهنا تتميز بالقوة و التماسك يف البداوة خاصة
أثناء اخلطر لتضعف يف املدينة.كما أن العصبية أيضا عبارة عما تتمتع به القبيلة أو األسرة من
القوة واجلاه اللذان جيعالن من أفرادها مجعا مرتاص البنيان.
إن تص ور ش بكة العالق ات االجتماعي ة ،كتمثي ل جملموع ة معق دة من العالق ات املتبادل ة ،يف
نظام اجتماعي ،ما ليس جبديد و إمنا له تاريخ طويل ،ففكرة اعتبار العالقات االجتماعية شبكة
وأن خص ائص ه ذه الش بكة ،ميكن اس تعماهلا لتفس ري بعض ج وانب ،س لوك األف راد املنخ رطني
فيها ،قد انتشرت بسرعة كبرية ،بعد أن قدم األنثروبولوجي الربيطاين جAAون بAAارنس ،الفكرة
ألول مرة يف حبث سنة ،1954يصف نظام العالقات االجتماعية ،الذي شعر بأهنا مهمة لفهم
السلوك االجتماعي الفراد حبثه ،يف جمتمع برمنس النرويجي ،وتطورت الفكرة فيما بعد ،حىت
أص بحت مفي دة حتليلي ا .وب رهنت على أمهيته ا التحليلي ة ،يف دراس ة الباحث ة يف جمال
األنثروبولوجيا االجتماعية الربيطانية إليزابات Aبوت لألدوار الزواجية يف عدد من األسر اللندنية
1955،1956،1957ونش رت ذل ك يف كتاهبا بعن وان األس AA A Aرة وش AA A Aبكة العالقAA A A Aات
1
االجتماعية.
ومن أبرز علماء االجتماع واألنثروبولوجيا ،الذين أسهموا يف تطوير اجتاه شبكة العالقات
االجتماعية ،هم بوت ،جيمس كاليد Aمتشل ،برودنس ويلدون من جنوب إفريقيا ،مث نشرت
عشرات الدراسات ،اليت تستعمل مفهوم شبكة العالقات االجتماعية ،واعتربت هذه الدراسات
من أهم الدراس ات السوس يولوجية واألنثروبولوجي ة ،ال يت اس تعملت اجتاه ش بكة العالق ات
2
االجتماعية بدقة وتفصيل يف جمال دراسة األسرة.
.1أمحد سامل األمحر ،علم االجتماع األسرة بين التنظير والواقع المتغير ،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،لبنان ،بريوت،ط، 2004، 1
ص.58
.2نفس املرجع السابق ،ص.59
89
فمص طلح شAAبكة ق د أص بح مت داول يف الكث ري من الدراس ات االجتماعي ة ،وخاصة املختص ة
منه ا يف العالق ات والرواب ط االجتماعي ة ،حيث تق ول ب AAوث Bottعن د دراس تها لألس رة
احلضرية":أن األسرة تدخل يف روابط صداقة وقرابة وجوار ،مع عدد حمدد من األسر األخرى،
وهذه الروابط تؤلف شبكة األسرة...والروابط القرابية ،اليت تشكل فيما بينها شبكة ،تفرض
على وح داهتا التزام ات أخالقي ة ،لكن ه ذه االلتزام ات ،تظ ل جمرد ش عارات نظري ة وال تك ون
حقيقة ،م ا مل تتح ول إىل أنشطة فعلي ة ،ينتف ع منها األق ارب 1".يعين هذا أن شبكة العالقات
االجتماعية ،هي ذلك التشابك من الروابط ،الذي يربط الفرد مع غريه من األفراد ،سواء عن
طري ق القراب ة أو اجلوار أو الص داقة ،فيش كل من خالهلا ش بكة من العالق ات والرواب ط
االجتماعية ،اليت تعترب هامة وضرورية بالنسبة له.
وه ذا م ا وج دناه من خالل قرأتن ا لكت اب مال AAك بن ن AAبي،ميالد المجتمع 2يف ج زءه األول
شبكة العالقات Aاالجتماعية .حيث يتناول يف هذا الكتاب شبكة العالقات االجتماعية ،واليت
يتح دث من خالهلا عن ميالد اجملتم ع ،قاص دا ب ذلك أن الش بكة االجتماعي ة تتش كل مبيالد
العالق ات االجتماعي ة يف اجملتم ع ،م درجا ب ذلك ت اريخ ميالد اجملتم ع االس المي ،كم ا يش رح
مفهوم اجملتمع حني يولد وحني ينهض ،والشروط الأولية للنهضة و الرتبية.
ك ون مال Aك Aبن نAAبي ،مفك ر مس لم وع اش يف بيئ ة أثن اء نش أته ،تكتس ي ب الروح اإلس المية،
حيث يبدو ذلك واضحا ،من خالل بناءه لنظريته االجتماعية باملنظور اإلسالمي ،فهو يطرح
فكرة مفادها أن اإلنسان ،يف كل مرحلة مير هبا اجملتمع يف دورته احلضارية ،يتصف خبصائص
نفس ية واجتماعي ة حس ب املرحل ة ال يت مير هبا.كم ا يؤك د على أن اجملتم ع ،يول د مبيالد ش بكة
العالقات االجتماعية ،ويزول أو ينتهي بزواهلا ،فإن مل تكن هناك عالقات وروابط اجتماعية،
يزول اجملتمع أو مبعىن آخر إن الروابط والعالقات االجتماعية يف مفهوم مالك بن نبي ،هي ال يت
تشكل هذه الشبكة .ولذلك فأفراد تلك الشبكة ،دائم اً يفضلون اإلمجاع على معايري يتفقون
.1قيس الن وري ،األنثروبولوجيAAا الحضAAرية بين التقليAAد والعولمة،ط،1مؤسس ة محادة للدراس ات اجلامعي ة للنش ر والتوزي ع ،األردن،
،2001ص.90،93
2
.مالك بن نيب ،ميالد المجتمع،ج 1شبكة العالقات االجتماعية،تر:عبد الصبور شاهني،ط،3دار الفكر،احلراش،اجلزائر.1986،
90
عليها ،مع بعضهم البعض ،وبالتايل ميارسون ضغطاً غري رمسي ،على بعض هم البعض لإلمتثال
لتلك القواعد واملعايري ،وعندما ال يتفاعل األفراد مع بعضهم البعض ،تقل اتصاالهتم إىل احلد
األدىن ،وبالت ايل ف إن ش بكة عالق اهتم االجتماعي ة ،تك ون إىل ح د م ا ض عيفة ،مما ي ؤدي إىل
اختالف املعايري االجتماعية ،ويصبح الضبط االجتماعي ،وتبادل املساعدة أكثر تفكك اً ،وأقل
استمرارية.
فمن خالل التحلي ل ،ألهم أفك ار مالAA Aك بن نAA Aبي عن اجملتم ع ،يب دو أن تش كل الرابط ة
االجتماعي ة ه و ميالد للمجتم ع ،و زواهلا زوال ل ه ،حيث يس تمر ذل ك بش بكة من العالق ات
االجتماعية ،وحيدث هذا عند ميالد اجملتمع ،فميالد اجلماعات والروابط ،يرتكز على عالقات
ولكي تتش كل ه ذه العالق ات ،يع ود الس بب لنتيج ة أولي ة ،حيدثها اجملتم ع ،ويعطي مث ال عن
اجملتمع االسالمي ،عندما قام بإنشاء ميثاق يربط بني املهاجرين واألنصار ،معتربا أن اهلجرة هي
نقط ة البداي ة يف الت اريخ االس المي ،وذل ك ببداي ة قي ام اجملتم ع اإلس المي ،وتكوين ه لش بكة من
العالق ات االجتماعي ة،كم ا ي رى أن ه لقي ام ه ذه الش بكة ،جيب ت وفر ثالث عناص ر
وهي:األشخاص،األفكار األشياء .موضحا أن اجملتمع ساعة ميالده يكون قويا ،بقوة العالق ات
االجتماعي ة وي زول بزواهلا ح ىت وان ك ان االف راد موج ودون .وه ذا م ا وج دناه يف نظري ات
الرابطة االجتماعية ،عند علماء االجتماع ،حيث يرون أن الرابطة االجتماعية ،تكون قوية يف
بداية تواجدها ،وتضعف عندما تتواجد يف احلياة احلضرية ،رغم وجود األفراد نفسهم.
يقصد مالك Aبن نبي ،زوال العالقات االجتماعية رغم وجود األفراد ،وذلك بعد مرور هذه
الشبكة من العالقات مبراحل زمنية ،فاملثال الذي قدمه عن ميالد اجملتمع االسالمي ،دليل على
أن العالقات والروابط االجتماعية ،كانت هي األخرى يف بداية نشوءها قوية ،وامتازت بالقوة
بداخلها ولكن بعد مدة زمنية ،مير هبا اجملتمع االسالمي ،سوف تضعف عالقات األفراد بداخله
ورمبا ق د ت زول مبفه وم مال Aك Aبن نAAبي رغم أن األف راد موج ودون ،وهلذا ي دعم كالم ه حبديث
الرسول صلى اهلل عليه وسلم عندما قال":يوشك أن تداعي األمم عليكم ،كما تداعي األكلة
إىل قص عتها ق الوا :أو من قل ة حنن يومئ ذن يارس ول اهلل؟ ق ال:ال ب ل أنتم كث ري ولكنكم غث اء
91
كغثاء السيل ولينزعن اهلل من صدور أعدائكم املهانة منكم ،وليقذفن يف قلوبكم الوهن قيل:
وم ا ال وهن يارس ول اهلل ق ال حب ال دنيا وكراهي ة املوت" و هن ا املقص ود حبب ال دنيا هي أن
األفراد تعم بينهم الفردانية ويتهافتون على الدنيا من خالل مصاحلهم اخلاصة ،حيث يهتم كل
ف رد مبص لحته وال هتم ه مص لحة اجلماعة زي ادة على ذل ك و حس ب تفس ري مال Aك Aبن نAAبي ،
بس بب ذل ك يص ل اجملتم ع االس المي ،مرحل ة زمني ة معين ة ،تض عف في ه ش بكة عالقات ه
االجتماعي ة ،وه ذه املرحل ة عن دما ت زول روح التع اون واالحتاد بني أف راد اجملتم ع ،ليُص بح ك ل
واحد ،يبحث عن مصاحله الشخصية ألن معىن حب الدنيا وكراهية املوت ،يهتم الفرد مبصاحله
الدنياوي ة أك ثر من أي ش يء آخ ر.ونفس الش يء ال ذي جنده ،يف مص طلح الفردانية Aيف احلي اة
احلض رية ،وهي مرحل ة تص بح فيه ا طبيع ة العالق ات االجتماعي ة والرواب ط االجتماعي ة ،بك ل
أنواعها تقوم باألخص على املصلحة الشخصية.
وهنا يرى مالك Aبن نبي على األفراد أن يتعاونوا فيما بينهم من أجل البقاء وكذلك ،دون
االهتمام باملصاحل اخلاصة فقط ،ألن ذلك سيؤدي إىل عالقات ممزقة ،ال حتتوي على أي شيء
من القوة فيظهر االستعمار واالستالء ،على األمم الضعيفة،كما يرى أن ذلك كله حيدث بعد
تغري كبري ،يطرأ على اجملتمع ،حيث ميس هذا التغري ثالث العناصر املذكورة سابقا األشخاص
واألفك ار مث االش ياء.فاألش خاص ويقص د ب ه الفردـ ،ذاك الك ائن املعق د ،ال ذي ينتج احلض ارة،
ويع ين ه ذا أن الف رد ،يط رأ علي ه تغ ري ،يتمث ل يف أن ه يتح ول من ف رد individuإىل ش خص
personneمما ي ؤدي إىل تغ ري ص فاته البدائي ة ،إىل نزع ات اجتماعي ة تربط ه ب اجملتمع ،فه ذا
التحول هو الذي ينشئ الروابط الضرورية بني األفكار واألشياء داخل اجملتمع ،كما يرى أن
تشكل العالقات االجتماعية يعود لتشابه يف الثقافة "وبذلك نستطيع أن نقرر عامة ،أن كل ما
يك ون ص لة من أي ن وع من بطاق ة الع وامل الثالث ة ،ع وامل األش AAخاص واألفكAAار واألشAAياء أو
بينهم ا ه و يف احلقيق ة عالق ة مش روطة بوج ود ثقاف ة وبالت ايل تك ون مجي ع أش كال االتص ال
1
الفكري كالفن أو اللغة من باب أويل هي عالقة اجتماعية".
1
مالك بن نيب ،مرجع سابق ،ص.33
92
ويع ين مالA Aك Aبن ن AAبي أن هن اك عالق ة بني االش خاص واألفك ار واألش ياء تتمث ل يف الثقاف ة
فالش خص وعالقت ه ب الفن مثال ،ه ذا اتص ال فك ري ثق ايف مكتس ب ،ألن الش يء ه و الفن
واالتص ال بني الش يء والش خص ه و الثقاف ة ،ه ذا يعت رب عالق ة اجتماعي ة.وهن ا خنرج بفك رة
رئيسية وهي أن شبكة العالقات االجتماعية ،عامل أساسي وضروري يف اجلماعة والقوة ،كما
أهنا حقيقة التطور وبتمزقها يتمزق اجملتمع ويتأخر.
كونت ،عامل اجتماع فرنسي شهري ،يُعترب مؤسس علم االجتماع ،فهو الذين مهد السبيل
لنشوء هذا التخصص ،بعد فصله عن العلوم الطبيعية والفلسفة ،وتثبيت حدوده العلمية وإحراز
استقالليته املنهجية واملوضوعية ،فهو مؤسس علم االجتماع ومصطلح .La sociologie
أراد دراسة اجملتمع دراسة تطورية هتدف ،إىل اقتفاء املراحل التارخيية احلضارية ،اليت متر هبا
اجملتمعات ،وتدرس صفات وخصوصيات ومشكالت كل مرحلة على إنفراد مث تشتق القوانني
الشمولية اليت تفسر مسرية اجملتمعات ،كما أنه حتدث عن تقسيم العمل االجتماعي والتضامن
االجتماعي1 .ومن هنا شرح كومت الرابطة االجتماعية ،من خالل حديثه عن قانون التضامن
االجتم اعي ،حيث"انتهى من دراس ته يف علم االجتم اع ،إىل ق انون احلاالت الثالث و ق انون
التق دم وق انون التض امن االجتم اعي ،إذ يق ع القانون ان األوالن حتت القس م األول ،من أقس ام
علم االجتم اع وه و ال ديناميكا االجتماعي ة ،و يق ع الق انون األخ ري حتت قس م الس تاتيكا
2
االجتماعية".
وي رى نيك AA A Aوالس تيم AA A Aا ش AA A Aاف-ب احث اجتم اع أملاين ح ديث -يف كتاب ه النظري AA A Aة
السوسAAيولوجية " 1955أن كAAونت حتدث عن الرابطة االجتماعية ،وذلك عند تطرقه للفرد
واألس رة واالحتادات االجتماعي ة ،فلق د ص نف اجملتم ع إىل ثالث مس تويات ،الف رد واألس رة
.1احسان حممد احلسن ،المدخل إلى علم االجتماع ،لبنان ،بريوت ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،1988 ،ط ،1ص.80
2
.سيد أمحد غريب وآخرون ،مدخل إلى علم االجتماع المعاصر ،دار املعرفة اجلامعية،2002،ص.38
93
والرتابطات االجتماعية جيمع بني هذه املستويات الثالثة إتحاد اإلنسانية ،كما استعمل كونت
مصطلح مبدأ االتساق العام consensus universelأو اتحاد Aاإلنسانية ،ويقصد به االرتباط
الضروري بني عناصر اجملتمع ،حيث يرى أن هذا االتساق ،قام يف مجيع جماالت احلياة ،إال أنه
يبلغ أقصاه يف اجملتمع اإلنساين .ويرى كونت ،أن أشد الوحدات ترابطا واحتادا ،هي األسرة،
حبكم العام ل الق رايب واألخالقي ونتيج ة للتنس يق بني املس تويات ،تظه ر االحتادات االجتماعي ة
1
كالطبقة االجتماعية ،واملدن ،اليت تنبين على التعاون الشعوري.
فاألس رة هي أوىل الرواب ط االجتماعي ة عن د ك AAونت ،مث تتش كل جمموع ة من األس ر ،مث
االحتادات واهليئات االجتماعية ،اليت تتجمع يف األمم ،وغريها من أشكال التجمعات اإلنسانية
وتشكل بناءا اجتماعيا "فاألسرة هي النواة األوىل للمجتمع ،كما يؤكد كونت على وجوب
دراستها ،ألهنا أول خلية يف جسم اجملتمع ،وألن اجملتمع اإلنساين ،يتكون من أسر ال من أفراد
ألن الفرد فكرة جُم ّردة ،ويقول كل قوة اجتماعية ،تنتج عن تعاون وتضافر النشاط ،بني عدد
كب ري أو ص غري من األف راد ،ه ذا م ا ي ؤدي إىل تش كل الرواب ط االجتماعي ة ،والعالق ات
2
االجتماعية".
وهن ا ينتهي كAAونت إىل تقري ر حقيق ة هام ة ،أال وهي أن الف رد ،ال يعت رب يف ذات ه عنص را
اجتماعيا فالفاعلية االجتماعية للفرد ،مستمدة من تضامن األفراد ،و مشاركتهم يف العمل ،ويف
توزيع النشاطات فيما بينهم وتقامسهم يف الوظائف االجتماعية.كما أن قيمة الفرد االجتماعية،
ال تتحق ق بص ورة ص حيحة ،إال إذا ك ان يف نط اق وح دة اجتماعي ة ،كاألس رة ،حيث متتزج
العق ول وتتفاع ل الوج دانات وتت وزع الواجب ات ،كم ا أن مظ اهر النُظم الس ائدة ،يف احلي اة
االجتماعية ترتابط بعضها مع بعض ،وتسري وظائف كل منهما يف تناسق مع وظائف أخرى،
وتعمل كلها بصفة تلقائية لتحقيق االستمرارية يف احلياة اجلماعية.
1
صالح مصطفى الفوال ،علم االجتماع البدوي ،مرجع سابق ،ص.37
2
عبد احلميد لطفي ،علم االجتماع ،مرجع سابق ،ص.264
94
ي رى كAAونت أن أس اس التماس ك االجتم اعي ،وأس اس تقس يم العم ل االجتم اعي ،ه و م ا
يس مى باملوافق ة العام ة أو التواف ق اجلمعي ،أي االرتب اط الض روري بني أف راد اجملتم ع ،وبني
عناص ر اجملتم ع وه ذا التواف ق موج ود يف ك ل جماالت احلي اة ،ولكن ه يص ل ال ذروة يف اجملتم ع
اإلنس اين ،كم ا ذكرن ا س ابقا وه ذا التواف ق يك ون خاص ة بني األفك ار ،في ؤدي إىل تواف ق
اجتم اعي أو مجعي ،وه و أس اس الرابط ة االجتماعي ة ،ه ذا يع ين أن ه هن اك ت وازن أو تش ابه بني
اجملتمع ،وبني الكائن العضوي ففي اجملتمع كما يف الكائن العضوي ،تؤدي األعضاء املتماسكة
كل ال يتجزأ و أهنا عبارة عن جمتمع واحد ،خيضع
وظائف معينة.ويعترب كAونت أن اإلنسانية ٌ
لنفس الق انون يف ال وقت ال ذي جند في ه جمتمع ات جزئي ة خمتلف ة ،ألن اجملتم ع اإلنس اين ،ليس
جمتمع ا يف ص يغة املف رد و إمنا ه و ع دد من اجملتمع ات ،رغم أهنا ختتل ف فيم ا بينه ا من حيث
ُ
اس تعداداهتا طبيعته ا ،إال أهنا كله ا تق وم بالتع اون والتض امن ،وتش كل عالق ات وتف اعالت
1
وروابط اجتماعية.
إال أننا جند رغم هذا التشابه الذي وضعه كونت بني الكائن العضوي واجملتمع ،هناك فرق
كب ري بني االث نني ألن وظ ائف الك ائن العض وي ال تتغ ري ،ولكن اجملتم ع ق ادر على التب دل
والتحس ن خاص ة إذا اقتي د حنو التق دم باس تعمال املب ادئ ،واألس س العلمي ة2 .هلذا نس تنتج أن
الرابط ة االجتماعي ة عن د كAAونت ،تب دأ بتواف ق األفك ار بني األف راد ،وه ذا م ا يس ميه باالتس اق
أوالتناسق وهو الذي يؤدي إىل ترابط األفراد ،ألنه بدون االنسجام يف األفكار ال ميكن لألفراد
أن يتماسكوا أو يرتابطوا.
يعترب إميAAل دوركAAايم ،من أهم و أش هر علم اء االجتم اع الفرنس يني ،وذل ك ملا وهب ه من
أفك ار ونظري ات اجتماعي ة ،وم ا نش ره من أحباث ومؤلف ات ،ودراس ات قيّم ة يف حق ول علم
االجتماع والفلسفة والرتبية ،استطاعت أن تؤثر فيما بعد ،يف أفكار وأطروحات عدد كبري،
.1أمحد اخلشاب ،التفكير االجتماعي،دراسة تكاملية للنظرية االجتماعية ،لبنان ،بريوت ،دارالنهضة العربية للنشر 1981 ،ص-579
581
.2عبد احلميد لطفي ،مرجع سابق ،ص268
95
من علم اء االجتم اع على ح د س واء ،وميكن اعتب ار الع امل دوركAA Aايم Aمن أقط اب املدرس ة
االجتماعية الفرنسية.
لقد تعرض دوركايم ملوضوع الرابطة االجتماعية ،من خالل كتابه تقسيم العمل االجتماعي
Organique ،1893عن دما حتدث عن التض امن االجتم اعي اآليل Mécaniqueوالعض وي
وذلك مبقارنته للمجتمعات القدمية أو البدائية واجملتمعات احلديثة أو الصناعية ألن األوىل تتميز
بالتماس ك اآليل ،والثاني ة يس ود فيه ا التماس ك العض وي.كم ا ي رى دورك AAايم أن األف راد يف
اجملتمع البدائي متجانسون ،وتقسيم العمل االجتماعي ،يأخذ شكال بسيطا ويقصد بذلك أن
الرابطة االجتماعية ،ضئيلة من حيث العمل االجتماعي ،فاألفراد ال يتقامسون األعمال بدرجة
كبرية ،ألن معظمهم ميارسون نشاطا واحدا ،يتمثل يف النشاط الفالحي والرعوي ،ومن جهة
أخرى الرابط ة االجتماعية قوي ة ،بني األف راد لوج ود عام ل القراب ة والتقاليد الواحدة ،كما أن
1
لديهم رأي عام واحد ،وتتسم املسؤولية فيه مجاعية ،إضافة إىل املكانة تورث وال تُكتسب.
أما يف اجملتمع احلديث أو الصناعي فالتماسك عضوي ،أي أن هناك تضامن وترابط عضوي
بني أف راد اجملتم ع ،حيث يب دو تقس يم العم ل االجتم اعي واض حا ،وذل ك لتم ايز الوظ ائف
واختالف األعمال بني أفراد اجملتمع ،فكل فرد لديه وظيفة يؤديها ،يفيد هبا غريه ويستفيد من
غريه ،عن طريق الوظائف االجتماعية ،اليت يؤدوهنا من خالل تقسيم العمل االجتماعي ،وهنا
األف راد يش كلون رابط ة اجتماعي ة من خالل تقس يم الوظ ائف واألعم ال ،إال أن ه ذه الرابط ة
تكون من خالل الوظائف كما قلنا ،أي أهنا تضعف عن الرابطة االجتماعية يف اجملتمع البدائي،
ألن األوىل متت از ب القوة ،لتش ابه الوظ ائف وال رأي الع ام واح د ،ويس ود فيه ا الض مري اجلمعي
السائد.
حيث يذهب دوركايم إىل القول بأن "أول شكل اجتماعي ،ميكن تصوره أو افرتاضه ،لنشأة
احلي اة االجتماعي ة ،ه و الرابط ة ،مث العش رية مث االحتاد أو األخ وة وأخ ريا القبيل ة 2".حيث تُع د
96
مجيع هذه التنظيمات بدائية و بسيطة والرابطة االجتماعية فيها قوية ،بينما اجملتمعات احلديثة،
هي جمتمعات ُمعقدة ختضع لتقسيم العمل ،وهي اجملتمعات اليت حيدث فيها التضامن االجتماعي
يف األعم ال بك ثرة أو بق وة ،وذل ك لتحقي ق التكام ل بني األف راد ،فتقس يم العم ل ي ؤدي إىل
الوحدة والتضامن االجتماعيني يف األعمال من أجل البقاء.
إذن الحظ دوركAAايم Aبأن الروابط االجتماعية ،قد تبدلت مع التطور اإلقتصادي ،فالتحول
من جمتمع إطاره أناس كثرية التشابه ،إىل جمتمع خمتلف متاما ،أي من تضامن آيل إىل عضوي،
هلذا كانت من أهم انشغاالت دوركايم اإلشارة إىل أن تقسيم العمل ،حتت مالحمه املهنية على
األخص وتكاثر املهن املختلفة و األشغال املختلفة ،مع إلتزامات خاصة بكل عمل و بكل مهنة
1
كلما تقرتض نظاما بينا بالرغم من نشاطاهتم هي إضافية.
كم ا يب دو أن التض امن عن د دورك AAايم مرتب ط بتقس يم العم ل فق ط ،أي أن ه ال يوج د يف
اجملتمع الذي ال يعرف شكال من أشكال تقسيم العمل ،أم أن التضامن قائم يف اجملتمع سواء
ع رف تقس يم العم ل أم مل يعرف ه .لكن االختالف يكمن يف نوعي ة التض امن ،ففي اجملتمع ات
البسيطة اليت ال تعرف تقسيم العمل ،يكون التضامن آليا ،تستمد الرابطة االجتماعية قوهتا من
الضمري اجلمعي ،والقانون القهري وعندما يزداد تعقد اجملتمع ،ودرجة الالجتانس فيه يظهر نوع
أعلى من التض امن ،ق ائم على تقس يم العم ل والتخص ص ،وتس تمد الرابط ة االجتماعي ة ،من
القانون التعويضي الذي حيل حمل القانون القهري.
وهن ا يع د مفه وم الض مري اجلمعي ،مفهوم ا أساس يا يف فك ر دوركAAايم ،Aفمن ه يس تمد اجملتم ع
عرف ه دورك AAايم يف كتاب ه تقس يم العم ل ،بأن ه "اجملم وع الكلي للمعتق دات
ترابط ه وتض امنه ،يُ ّ
والعواطف العامة بني معظم أعضاء اجملتمع ،واليت تشكل نسقا له طابع متميز ،ويكتسب هذا
ويدعم الروابط بني األجيال" 2.فكل جيل
الضمري العام واقعا ملموسا ،فهو يدوم خالل الزمن ّ
يف نظر دوركAAايم Aيرتب ط باجلي ل ال ذي يلي ه ،عن طري ق الض مري اجلمعي ،فه و"رابط ة اجتماعي ة
1
.هندري مندراس ،علم اجتماع ، ،تر:ملحم حسن ،ديوان املطبوعات اجلامعية،اجلزائر،ص.226
2
صالح مصطفى الفوال ،الرجع السابق ،ص. 33
97
دائمة عرب الزمن يتألف من التصورات والعواطف الشائعة بني األفراد ،الذين يُكونون غالبية
عرف ه يف كتاب ه ،قواع د املنهج يف علم االجتم اع كالت ايل":الض مري
أعض اء اجلماع ة ".كم ا ّ
1
اجلم اعي ،ميارس على األف راد ض غطا حبيث خيلُق بينهم متاثال عقلي ا وعاطفي ا ...وه ذا الض مري
2
جوهرة التصورات اجلمعية ،اليت تنشأ من تفاعل األفراد وترابطهم".
كما يرى أن الضمري اجلمعي يكون قويا وواضحا ،يف اجملتمعات البدائية اليت تتميز بالرتابط
اآليل ،حيث يس يطر الض مري على األف راد وأخالقهم ،ألن الف رد هن ا إذا خ رج عن الع ادات
والتقالي د يص بح م ذموما من ط رف مجاعت ه وكأن ه ارتكب ُجرم ا ،ه ذا م ا يوض ح أن الض مري
اجلمعي يسيطر على األفراد ،وجيعلهم يتماسكون جبماعتهم اليت ينتمون إليها ويعيشون فيها،
أم ا يف اجملتم ع احلديث أو احلض اري ،يك ثر في ه تقس يم العم ل ،حيت اج كم ا قلن ا ك ل واح د
خلدمات اآلخرين ،إال أن الفردية تكون واضحة ،سواء عند املسؤولية أو اجلزاء .وكلما يزيد
التضامن العضوي ،كلما تقل أمهية الضمري اجلمعي ،بسبب التقدم وتطور اجملتمعات ،ألنه يف
هذه اجملتمعات تزول بعض القيم والعادات ،اليت كانت تربط أفراد اجلماعة وتظهر يف مكاهنا
الق وانني ،واجلزاءات املكتوب ة ،متحي بعض األع راف ال يت ك انت س ائدة مما جيع ل الرابط ة
االجتماعية ،تضعف عما كانت عليه يف سابقتها.3
نس تنتج من فك ر دورك AAايم عن الرابط ة االجتماعي ة ،أهنا تك ون قوي ة وواض حة يف اجملتم ع
الب دائي لوج ود عام ل القراب ة والتقالي د واألع راف املش رتكة وتض عف الرواب ط االجتماعي ة ،يف
اجملتمعات احلضارية النتشار الفردانية Individualismeمما ي ؤدي إىل زوال بعض القيم
والتقالي د ،إال أن ه يف كلت ا احلالتني ،ي رى دوركAA Aايم أن الض مري اجلم اعي ،عب ارة عن رابط ة
اجتماعية ،توجد يف كل اجملتمعات البدائية ،واحلضارية".الضمري اجلماعي رابطة اجتماعية ،تنتج
.1أمحد زائد ،علماء االجتماع بين االتجاهات الكالسيكية و النقدية ،القاهرة ،مصر ،دار املعارف 1981 ،ط ،1ص.83
2
أمحد زايد نفس املرجع السابق ،ص . 84
3
.Pierre, GILLAUME, les solidarités et le lien social dans tous ses états , maison des
sciences de l’homme d’aquitaine ,2001, page 20.
98
عن جتمع عقول األفراد والتحامها مما يؤدي إىل ظهور نوع من الوحدة السيكولوجية ،املتميزة
1
عن األفراد ذاهتم".
يُدعم الروابط
حيث يكتسب هذا الضمري العام ،واقعا ملموسا فهو يدوم خالل الزمن ،و ّ
بني األجيال ألنه يعيش بني األفراد و يتخلل حياهتم .فالرابطة االجتماعية موجودة يف كل من
اجملتم ع الب دائي واحلض ري ،إال أن االختالف يظه ر يف نوعي ة التض امن من آيل إىل عض وي ،و
الضمري اجلمعي السائد.
يعترب تونيز من أهم من سامهوا يف نشأة علم االجتماع ،يف أملانيا ،ملا تقدم به من نصيب
كب ري يف علم االجتم اع النظ ري ،بنظريت ه اخلاص ة باجلماع ة أو اجملتم ع احمللي واجملتم ع
Gemeinschaft and Gesellschaftوال يت نش رها ألول م رة يف كت اب ،هبذا االس م س نة
1887كما يعد تونيز ،من أقطاب االجتاه التحليلي للروابط االجتماعية ،على أساس متيّزه بني
شكلني اجتماعيني مها اجلماعة Gemeinschaftو اجملتمع .2Gesllechaft
2
.Raymond boudan , Dictionnaire de la sociologie , paris, la rousse ,page 234.
3
:رشيد حامدوش ،مرجع سابق،ص. 42وانظر أيضا .
Ferdinand.TONNIES, communoté et la société catégorie fondamentale de la
sociologie, pure, paris,1994
99
لك ل الرواب ط والعالق ات االجتماعي ة ،حيث مييز بني ن وعني من اإلرادة الطبيعي ة أو العض وية،
واإلرادة العقلية أو التحكمية .فاإلرادة الطبيعية توجد يف اجملتمع احمللي ،واإلرادة العقلية توجد
يف اجملتمع العام1.أم ا اإلرادة العضوية أو الطبيعية ،املقصود هبا"تلك الضرورة البيولوجية ،اليت
مبقتض اها يول د الف رد ،فيج د نفس ه عض وا يف اجلماع ة ،ويرتب ط بالص الت احلياتي ة القائم ة
واملتواج دة ،بني أعض اءها ويل تزم بالرواب ط االجتماعي ة املس تقرة وال يت تتم يز حبدة تفاعالهتا،
وتض امن أفراده ا ،كم ا تتم يز بالتع اطف ،واملش اركة اجلماعي ة ،واالتص االت املباش رة بني
أعضاءها ".2
اإلرادة العقلية وهي"رابطة تقوم بني األفراد على أساس العقل ،وتشيع يف اجملتمعات احلديثة
أين توج د الفردي ة ،واحلذر والقل ق ،والبحث عن املص احل اخلاص ة ،ف األفراد يرغب ون عن طري ق
اإلرادة التحكمي ة أو العقلي ة ،الوص ول إىل ه دف معني أوغاي ة معين ة ،أي يق وم ت رابطهم
االجتماعي بقصد حتقيق هدف معني يهمهم ،برغم ما قد يكون بينهم من برودة ،وكراهية ألن
روابطهم تق وم على أس اس تص نعي ،فهم ي رتابطون ب رغم م ا ق د يك ون بينهم من عوام ل
3
االنفصال".
يف رأي تونيز األفراد يندجمون و يتفاعلون ،طبقا لرغباهتم أو إرادهتم الشخصية الصادرة عن
العقل ،أي الروابط عقالنية ،ختضع إلرادة أفراد اجملتمع ،ووحداته.ويعتقد بوجود ثالث مناذج
للعالق ات أو الرواب ط االجتماعي ة ،تنش أ عن الظ روف احليوي ة ،ومتث ل ه ذه النم اذج الرواب ط
االجتماعي ة ال يت تق وم على -1:رواب ط ال دم -2 .رواب ط اجلوار -3 .رواب ط التج اذب
الروحي.
تعتمد رابطة Aالدم Aعلى أربع صالت رئيسية هي :صلة األم بطفلها و صلة الزوج بزوجته
وصلة اإلخوة ببعضهم وصلة الوالد بأوالده ،هذه العالقات تقوم على أساس اإلرادة الطبيعية،
اليت حتدثنا عنها كما أهنا تنبثق من احلياة الفطرية ،وهي يف نظره أساس كل مجاعة ،ألن األسرة
2
.عبد احلميد لطفي ،مرجع سابق ،ص. 42
3
.عبد احلميد لطفي نفس املرجع السابق ،ص.43
100
هي التعبري األول العام ،عن حقيقة اجلماعة احمللية ونواهتا اجلوهرية ،فأوىل الروابط االجتماعية،
تبدأ بني األم وإبنها فتكون عضوية ،مث تصبح رابطة روحية ،حني ترتفع عنه احلماية والعناية
به ،فحني تتحول الصالت العضوية إىل صالت روحية ،تكون عادة احلياة املشرتكة ،وتتأكد
هذه الروابط وتقوى بطريقة العوامل النفسية ،اليت حتمل ذكريات "السرور" الذي شاع احلياة
املشرتكة بينهما فالسرور ينبثق بعواطف األمومة والبنوة واألبوة واألخوة ،أما عن الصلة أو
الرابطة اليت تربط الزوج بزوجته ،أو املرأة بالرجل فليس هلا صفة االستقرار والدوام وما يثبتها
أحيانا ،رعاية األطفال مما يتطلب تعاونا مشرتكا بينهما.1ويقصد هنا تونAAيز بالرابطة الطبيعية
وهي الرابطة القرابية بني األفراد و العائالت.فهي ثابتة و مستمرة بني األقارب.
كما تقوم صلة الجوار على أساس الضرورة احليوية أيضا ،فالوحدات العائلية ال تستطيع أن
تعيش منعزل ة منه ا عن األخ رى ،وإمنا الب د هلا من االتص ال واالرتب اط ،بفئ ات عائلي ة أخ رى
تربطهم يبعضهم ،صلة املكان واجلوار ،وميكن أن تتكون هذه اجلماعات احمللية ،يف أول األمر
من مجاعات تربطها صلة الدم ،Aومن مث تنشأ احمللة أو القرية ،فتتسع شبكة الروابط االجتماعية
وتنش أ ع ادات مجاعي ة ،وعم ل تع اوين مش رتك ،ومش اعر متماثل ة وجتارب اجتماعي ة موح دة،
وينتج عن تفاعل هذه الصالت ،ما يسمى باجلمع املشرتك ،Communeوأخريا تأيت الصالت
اليت مصدرها التجاذب والتقارب الروحي بني األفراد ،الذين جتمعهم صلة الدم وصلة اجلوار،
بعد أن تنصهر إرادهتم وأفكارهم وعواطفهم ،يف التجربة االجتماعية ،فينشأ عن متاثل ظروف
العمل وتشابه قوالب وطرق التفكري ،هذا فيما خيص اجملتمع احمللي .Gemeinschaft
أما عن الشكل االجتماعي الثاين ،وهو اجملتمع الكبري أو العام ، Geselleschaftففي هذا
اجملتمع تسود اإلرادة العقلية التحكمية ،يقوم على أساس التبادل النفعي ومبدأ التعقل الفكري
وفيه تصبح القيم االجتماعية احلقيقية ،ذات صفات موضوعية ،مما يوهن من أواصر االرتباطات
االجتماعية الشخصية ،ويضعف من شأن املشاركات الوجدانية ،حيث يُقيم العالقات الفردية
واملعامالت ،على دعائم التجارة والصناعة ،وحتقيق الصلة اخلاصة ،يتمثل هذا اجملتمع يف املُدن
.1أمحد اخلشاب ،مرجع سابق ،ص 572،573و انظر ،عبد احلميد لطفي مرجع سابق ص.271
101
الكربى ،القائمة على الصناعة والتجارة والعالقات اخلارجية ،وميكن أن نفرق بني االرتباطات
االجتماعي ة ،يف اجلماع ة أو اجملتم ع احمللي ،واجملتم ع املدين أو اجملتم ع الع ام الكب ري ،عن د تونAAيز
كالت ايل :الف رد يش عر يف مجاعت ه احمللي ة ،برواب ط قوي ة تس يطر عليه ا العواط ف الوجداني ة
واملشاركات اجلماعية ،ويسود فيها سلطان الدين والعادات والعرف والتقاليد ،ويرتكز نشاطها
على اح رتام وت دعيم األس رة ،يف حني أن الف رد ،ي درك وه و يف جمتمع ه الع ام ،أن ص الته
ب اآلخرين حتددها التش ريعات والق وانني ،والرواب ط الطبقي ة والص يغ اإللزامي ة ،واإلج راءات
التعاقدي ة ،ف الفرد ليس ل ه وج ود اجتم اعي ،إال إذا ك ان ُمنظم ا جلماع ة أو جمموع ة ،وخاض عا
لنُضمها وروابطها ،وعامال على تدعيمها وتقويتها ،وكلما تقدم اجملتمع ،تزايد انتظام األفراد،
يف اجملموعات اليت تتمايز يف وجوه نشاطها1.فبعد شرح اجملتمع احمللي و اجملتمع العام ،يبدو أن
اجملتمع احمللي هي اجملتمعات الصغرية كالقرية ،القبيلة،املدن الصغرى...بينما اجملتمع العام ،يتمث ل
يف اجملتمعات الصناعية املعقدة واملدن الكربى.
نستنتج من هذا أن أوىل اجلماعات و أوىل الروابط االجتماعية ،ظهرت يف اجملتمع احمللي ويف
الرواب ط األس رية البدائي ة والقبلي ة ،مث ب دأت تتوس ع وت زداد تعقي دا بني األف راد ،بظه ور التغي ري
والنم و الص ناعي والتج اري وظه ور الطبق ات االجتماعي ة.كم ا يؤكد تونAA Aيز"أن الرواب ط
االجتماعية تكون قوية يف اجملتمع احمللي ،ألنه تسود فيه اإلرادة الطبيعية ،وليست اصطناعية ،ال
يتحكم فيها الفرد .تسود فيها الروح اجلماعية وتنعدم الفردية ،جيد الفرد نفسه مرتبطا برابطة
الدم ،والقرابة طبيعيا منذ والدته2".بينما الروابط االجتماعية تضعف رغم أهنا موجودة ،وذلك
بسبب اإلرادة التحكمية العقلية ،الفرد هو الذي ينتمي إليها بإرادته ،وعقله ألهداف وغايات
يريد الوصول إليها ،هلذا يقول جلين أن"اجلماعة لكي تقوم يتطلب قيامها وضعا معينا ،يسمح
بالتأثري املتبادل املقصود واالستجابة املقصودة بني األشخاص الذين تربطهم ،وأن يكون هناك
1
أمحد اخلشاب ،مرجع سابق ،ص. 574 ،573
.2عبد احلميد لطفي ،مرجع سابق ،ص.42
102
نوع مشرتك من االهتمام يرتكز حول دوافع مشرتكة أو مصاحل مشرتكة ،مع ما يتطلبه كل
1
هذا من قيام عدد من االجتاهات والتصرفات والشعور املشرتك".
وق د عل ق تAAالكوت بارسAAونز على األمهي ة السوس يولوجية لتص ورات تون يز ،يف كتاب ه "بنAAاء
الفعل االجتمAاعي" موضحا االختالفات اجلوهرية ،بني اجملتمع احمللي واجملتمع قائال":إن املعيار
األساسي هنا هو الطريقة اليت نتحدث هبا عن األطراف املتقابلة ،واليت يكون لكل منها غرض
معني من ال دخول يف العالق ة ،ففي اجملتم ع جند أن هن اك غرض ا حمددا ونوعي ا ،ومتب ادال للس لع
واخلدمات وه دفا ع اجال ي راد حتقيق ه ،أم ا يف حال ة اجملتم ع احمللي ،ف إن األم ر خيتل ف عن ذل ك
متاما...نالحظ أن أطراف العالقة يف اجملتمع ،يتمسكون بالتزامات تؤكد جزاءات معينة ،غري
2
أن االلتزامات يف هذه احلالة تكون حمدودة بالعقد".
يعت رب م AAاكس في AAبر من أهم علم اء االجتم اع األملان ،وبال ذات علم اء مدرس ة العالق ات
االجتماعية ،وممن درس العالقات االجتماعية ،دراسة حتليلية ،كما أنه من الداعني إىل ضرورة
حبث التأثريات املتبادل ة ،بني النظم االجتماعية ،وخاصة الدينية واالقتصادية والسياسية ويعتقد
فيبر ،أن موضوع علم االجتماع جيب أن يكون مقصورا على دراسة العالقات االجتماعية ،يف
صورها اجملردة ويكون هذا إال عن طريق دراسة و فهم وتفسري السلوك االنساين 3.فالعالقات
إمنا تنتج على تص رف األف راد بعض هم إزاء البعض األخ ر ،ويع رف م AA Aاكس في AA Aبر العالق ة
1
.Pierre, GUILLAUME, Op.cit, page 26
.حممد عاطف غيث،مرجع سابق،ص.52
2
103
االجتماعية على أهنا" :السلوك الذي يصدر عن جمموعة من الفاعلني ،إىل املدى الذي يكون،
1
كل فعل من األفعال آخذا يف اعتباره املعاين اليت تنطوي عليها أفعال اآلخرين".
ف األفراد بتف اعلهم من خالل األفع ال ال يت يقوم ون هبا ،تنش أ بينهم عالق ات اجتماعي ة.ومن
خالل موض وع العالق ات االجتماعي ة جنده تع رض للرابط ة االجتماعي ة ،ال يت توج ه األف راد حنو
الس لوك التب اديل م ع بعض هم البعض ،حيث ه ذه العالق ة تنتظم بنمطني أساس ني من العالق ات
االجتماعي ة عن ده و هي-12:التنش ئة اجلماعي ة-2 .التنش ئة االجتماعي ة.حيث ت دل التنش AAئة
الجماعية Aعلى النش اط االجتم اعي املوح د ،ال ذي يس تند إىل ش عور املش اركني الشخص ي
باالنتماء إىل جمموعة واحدة ،بينما يشري مفهوم التنشAAئة االجتماعية ،إىل ذلك النشاط الذي
يوقد الناس على أساس تسوية ،أو تنسيق مصاحل وفقا لتصور العقلنة ،بدافع قيمي أو غائي.
فالتنشئة الجماعية ،ترتكز على االعتبارات التقليدية والعاطفية ،وقد تكون ذات طابع ديين
أو أس ري أو ع رقي أو إث ين ( مجاع ات ديني ة ،عائلي ة ،قومي ة ،)....يف حني ترتك ز التنشAA Aئة
االجتماعية على االلتزام املتبادل املستند إىل مبدأ العقالنية ،فبهذا التقسيم يرى فيبر ،أن األف راد
يعيشون يف ترابطات اجتماعية مستمرة قد يشعرون هبا أو ال يشعرون ،كما قسم النشاطات
االجتماعية البشرية إىل أربعة أقسام وهي :
-1نشاط عضوية الجمعيات :هذا النشاط يفرتض وجود أنظمة اجتماعية موضوعية ،مبشيئة
األعضاء ،أو أنظمة يلتزمون هبا طوعا ،وهذا يعين وجود نظام أساسي ،حيكم العالقات فيما
بينهم حيث أن هذا النظام حيدد غايات اجلمعيات والوسائل واخلدمات واملمتلكات ،وتكوين
اجلهاز اإلداري والعقوبات واجلزاءات والصالحيات ،وطريقة االنتساب إىل هذه اجلمعيات.
-2النشاط اإلتفاقي :ويشري إىل ذلك النوع من النشاط ،الذي ال يستند إىل نظام أساسي وإمنا
إىل نوع من التفاهم واالتفاق والتنظيم ،وتتميز مثل هذه األنشطة باالحرتام وااللتزام باتفاقيتها.
.نيق وال تيماش يف ،نظريAAة علم االجتمAAاع ،طبيعتهAAا وتطورها ،ترمجة حمم ود ع ودة وآخ رون ،دار املع ارف ،الق اهرة ،مص ر ،ط،8 1
،1983ص .269
.2مصباح عامر ،علم االجتمAAاع الAAرواد والنظريAAات ،دار األمة للطباعة والنشر والتوزيع،اجلزائر ،برج الكيفان ،ط .2006 ،1ص
.85
104
-3النشAAاط المؤسسAAي:ويع ين أن ه يتض من نظ ام أساس ي ،ومؤسس ات ال ختض ع يف وجوده ا
ملشيئة األفراد .فريى فيبر أن الفرد ال ينتسب إىل هذه التنظيمات ،وإمنا جيد نفسه عضوا فيها
بالوالدة أو بالثقافة ،أو نتيجة لظروف البيئة ،وهذا يعين أن انتسابه هلذا التنظيم ال يتطلبه إعالن
انتسابه أو طلب انتماءه ،وإمنا هو موجود فيه بالوراثة.كاألسرة و اجلماعات القرابية.
-4النشاط التكتلي :يشري إىل وجود بنية ،جيري االنتساب إليها ،دون إلزام يف غياب أي نظام
واضح أو حمدد ،لكن مع هذه اخلصائص ،توجد سلطة حتدد معىن النشاط ،الذي يهدف إىل
1
القيام به ،ومتارس عند االقتضاء ضغطا على األعضاء.
فمن خالل هذه التقسيمات ،جند فيبر حيلل العالقات االجتماعية ،حيث أن هذه العالقات
تضم روابط اجتماعية ،فالتنشئة الجماعية جتعل األفراد ،يعيشون بشعور ،جيعلهم حُي سون أهنم
ينتمون إىل مجاعة واحدة ،حيث أن هذه اجلماعة ،قد تكون مشرتكة يف عوامل كثرية ،ومن
أمهها النشاطات االجتماعية املشرتكة ،اليت ميارسوهنا ،فالنشاط االجتماعي ،عامل من عوامل
ترابط األفراد و اجتماعهم ،والتنشAئة االجتماعية جتعل األفراد ينتمون إىل مجاعة واحدة ،عن
طري ق املص احل والغاي ات والقيم ،كم ا ي رى فيAAبر ،أن أي تص رف أو س لوك يق وم ب ه األف راد،
بش كل متعم د عن وعي وتعق ل ل رد فع ل أخ ر ،يعت رب تص رفا اجتماعي ا فمثال :حال ة تص ادم
سيارتني ،فاالصطدام يف ذاته مظهرا مادي طبيعي ،اليعترب سلوكا اجتماعيا ،وإمنا احملاوالت اليت
يبذهلا كل من السائق لتجنب وقوع التصادم واملناقشات اليت تدور بينهما ،واإلجراءات اليت
تتب ع وق وع احلادث ،ك ل ذل ك وم ا إلي ه يعت رب تص رفا اجتماعي ا ،وينش ئ عالق ة أو عالق ات
اجتماعي ة ،ال يت تنش أ اس تجابة لنش اط أو س لوك أو رد فع ل اجتم اعي ،مقاب ل ه ذه الدعام ة
األساس ية للرواب ط االجتماعي ة.كم ا يوج ه فيAA Aبر مزي د عنايت ه للوص ول ،إىل مف اهيم لتل ك
االرتباط ات ،فق د ع ّرف الس لطة أو الس يادة بأهنا ن وع من القي ادة ،تعم ل إلجياد طاع ة عن د
أشخاص معينني فقد تكون ،السلطة قائمة على أساس العُرف والعادات والتقاليد السائد ،يف
1
.مصباح عامر نفس املرجع السابق ،ص .86
105
اجملتمع أو اجلماعة ،وقد تنبين على دعامة عاطفية جتعل اجلماهري يطيعون القائد ويتبعونه بشكل
الشعوري ،فتؤدي إىل تشكيل عالقة اجتماعية قوية بينهم.1
نس تنتج أن في AAبر ق رر أن ه ،ال ينبغي أن نوس ع من نط اق ه ذا الس لوك ،ب ل جيب أن يك ون
مقص ورا على العالق ات و الرواب ط االجتماعي ة ،ال يت تنش أ اس تجابة لنش اط أو س لوك مقاب ل
ولذلك فليس كل العالقات اإلنسانية عالقات اجتماعية.
يعت رب ك AAولي أح د أقط اب املدرس ة األمريكي ة لعلم االجتم اع ،ول د يف ميتش يغن بأمريك ا،
ودرس فيها ويعد من تالميذ وأتباع جبريال تارد ،حيث تأثر بعدد كبري من علماء االجتماع
والنفس فاختذ الظواهر السيكولوجية ،أساسا لتفسري طبيعة اجملتمع ،وطبيعة الروابط والعالقات
االجتماعية .فاجملتمع مركب عضوي نفسي وهو يطبع أفراده على هذه الطبيعة النفسية ،ألن
الفرد ال يولد مزودا هبذه الطبيعة البشرية ،بل يروض وحيصل عليها شيئا فشيئا من اجملتمع،كما
يعترب مفهوم اجلماعة األولية ،من أهم املفاهيم اليت ارتبطت باسم تشارز كولي2.وهلذا فكلميت
اجملتم ع والف رد ،ليس تا منفص لتني ب ل مها حقيق ة نفس ية واح دة فق د أعلن يف كتاب ه التنظيم
االجتماعي الذي نشره عام 1909فكرته املشهورة عن الروابط االجتماعية من خالل متييزه
3
لشكلني من العالقات االجتماعية مها :العالقات األولية والعالقات الثانوية
وتتميز العالقAAات Aاألولية ب القوة والتماس ك والتعاون ،وهي موجود عن د اجلماعات القرابية
كاألس رة ومجاع ة اجلوار ،وجندها داخ ل اجلماع ات ص غرية احلجم ،ألهنا تق وم على العالق ات
املباش رة وتس مى جبماع ات املواجه ة ،ففي ه ذه الرابط ة االجتماعي ة ،ي ذوب فيه ا الف رد داخ ل
الك ل فتظه ر عب ارة نحن وليس عب ارة أنا ،Aحيث ي دل ه ذا ،على ق وة االنتم اء إىل اجلماع ة،
1
أمحد اخلشاب ،نفس املرجع السابق ،ص. 555
2
.حممد علي حممد ،تاريخ علم االجتماع ،الرواد واالجتاهات املعاصرة ،دار املعرفة اجلامعية ،مصر ،االسكندرية ،1986،ص.365
. 3غريب حممد سيد أمحد،تشارلز هورتون كولي،دار املعرفة اجلامعية ،مصر ،االسكندرية،1981،ص 7و.8
106
وزيادة درجة الرتابط االجتماعي والوالء للجماعة .أما الروابAط الثانوية Aفهي موجودة داخل
م ا يطل ق علي ه كAA A Aولي الجماع AA Aات الثانوية ،Aوهي تتم يز بك رب احلجم ،وض عف الرابط ة
1
االجتماعية ،والعالقات الشخصية املباشرة ،وطغيان العالقات الرمسية التعاقدية.
من خالل نظرة كولى للعالقات االجتماعية ،يبدو واضحا أن اجملتمع مقسم إىل مجاعتان
مجاعة أولية ومجاعة ثانوية ،يرتبط الفرد هبما مش كال رواب ط اجتماعية ،ف األوىل جندها تتميز
بالقرب املكاين وصغر حجمها ،وطول مدة التفاعل داخلها ،مثل رابطة األسرة والقرابة ،رابطة
الصداقة واجلريان.أما الثانية فتتميز بالبعد املكاين ،وكرب عدد أفرادها ،وقصر مدة تفاعل االفراد
داخلها ،مثل الشركات واإلدارات وكل الروابط والعالقات ،اليت ال تتميز بطول املدة وقرب
املكان والتفاعل .وهنا ندرك أن قوة الرابطة االجتماعية ،عند كولي تكون قوية ومستمرة ،إذا
كانت قريبة من الفرد إىل درجة شعوره أهنا جزء منه ،أو هو جزء منها ،حيث يذوب بداخلها
ويستعمل مصطلح حنن ،بدال من أنا أو ما يسمى باألنا اجلماعي عند علماء االجتماع.
كما أعلن كAAولي يف كتاباته أن هدفه العام ،هو مناقشة العالقة بني الفرد واجملتمع ،فالفرد
عضو يف كل أو بناء اجتماعي ،أي أن الفرد ليس منفصال ،على الكل اإلنساين ،وإمنا هو عضو
يعيش بداخله ويشتق حياته ،من هذا الكل ،ومن خالل االرسال االجتماعي والوراثي.
و كث ريا م ا جند مص طلح ال ذات وال ذات االجتماعي ة ،يف كتاب ات كAAولي حيث يع ين ب ذلك
عالق ة األفك ار الشخص ية لإلنس ان ب اجملتمع ،ألن اجملتم ع يوج د يف عق ل الف رد ،كص لة متبادل ة
وت أثري متب ادل ألفك ار معين ة تس مى"باألن AAا" ،ويقص د ب ه ض مري املتكلم ،مؤك دا أن الش عور
بال ذات ،يب دأ عن د الطفل يف األس ابيع األوىل ،من حيات ه ،ويك ون ذل ك حني ت ربز لدي ه دواف ع
االندماج االجتماعي ،مث بالتدرج تنمو لديه دوافع التواصل مع األشخاص ،وهذا يوضح أن
2
العقل بلغ اكتساب السمة االجتماعية.
1
.نبيل حممد توفيق السمالوطي ،مرجع سابق،ص.136
2
.حممد علي حممد،نفس املرجع السابق،ص.38
107
من خالل هذا التحليل يبدو واضحا أن كولي ،يريد أن يفسر ظهور اجلانب االجتماعي
للف رد يف املراح ل األوىل للطفول ة ،وهي عن دما يب دأ باالتص ال والكالم م ع اآلخ رين ،مبع ىن أن
الرواب ط والعالق ات االجتماعي ة ،تب دأ يف مرحل ة مبك رة لإلنس ان وهي الش عور بال AA AذاتA
االجتماعية ال يت أص بحت عب ارة عن أفك ار ،تش تق وجوده ا من التواص ل االجتم اعي ،بني
األف راد.مؤك دا على أمهي ة اجلماع ات األولي ة يف تك وين ال ذات االجتماعي ة ،وذل ك من خالل
مالحظات ه ال يت ركزه ا على ثالث مناذج للجماع ات األولي ة وهي األس رة ،مجاع ة اللعب
لألطف ال ،مجاع ة اجلوار ،معت ربا أن داخ ل س ياق ه ذه اجلماع ات الص غرية ،تتش كل القيم
واملثاليات ،لدى األطفال عند أول احتكاك هلم باألسرة.فهو يقول":اجملتمع جمموعة منظمات
وليس تنظيم ا فري دا ،ف اجملتمع يع ين الرتاب ط ،أي ال دخول يف عالق ات وتف اعالت متبادل ة ،ألن
ذلك هو سبيل بلورة اخلربات بصورة أفضل وأكثر واقعية ،وكلما زاد عدد املنظمات ،كان
ذل ك حمقق ا بش كل أفض ل للحي اة االجتماعي ة ،وال يتحق ق ذل ك إال من خالل االتص ال
1
واملشاركة".
لقد برزت نظريAة AالعقAد AاالجتمAAاعي ،بصورة واضحة يف الفكر السياسي واالجتماعي يف
أوروب ا خالل الق رنني الس ابع عش ر والث امن عش ر ،على ي د ع دد من املفك رين األوروب يني،
جAاك روسوRousseau أبرزهم االجنليزي توماس هوبز ،Hobbesجون لAوك ،LockeجAان
ومنتسAAكيو ، Montesquieuقد اتفقت النظريات اليت قال هبا هؤالء املفكرون ،على إرجاع
نشأة اجملتمع و الدولة إىل فكرة العقد االجتماعي ،وأن األفراد قد انتقلوا من احلياة البدائية ،اليت
كانوا يعيشوهنا ،إىل حياة اجلماعة التضامنية Aوالسياسية ،مبوجب العقد .والذي هو عبارة عن
اتف اق جمموع ة من األف راد ،فيم ا بينهم لتك وين جمتم ع على قاع دة الفائ دة املتبادل ة ،وجتنب
2
األضرار مقابل تسليم الفرد ،إلرادة اجلماعة ممثلة بالسلطة.
1
.نفس املرجع السابق،ص.377
2
.حممد عاطف غيث،نفس املرجع السابق،ص180
108
*هAوبز ،لقد قام بوضع نفسه يف مرحلة ما قبل اجملتمع االفرتاضية ،وقارن بينها وبني احلالة
االجتماعي ة ،ليس تنتج أن األس باب ال يت دعت لنش وء اجملتم ع والتض امن االجتم اعي في ه ،أن
اإلنسان يف مرحلة ما قبل اجملتمع ،أي احلالة األصلية يرتكز اهتمامه على املصلحة الذاتية ،ومع
غياب السلطة اليت جترب األفراد على التعاون ،وجد أن احلياة يف مثل هذه البيئة ،ستكون صعبة
التحمل وقاسية جدا ،حيث خيشى كل فرد على حياته مع األخر ،وال يستطيع أحدهم ضمان
تلبية حاجاته ورغباته ملدة زمنية طويلة وعليه استنتج أن املرحلة اهلمجية ،حتوي أسوء ظروف
ميكن أن يعيش ها اإلنس ان.كم ا رأى ه AAوبز ،أن الطريق ة للخ روج من احلال ة الس ابقة ،ه و عن
طري ق االتف اق على ق وانني مش رتكة وعلى إجياد س لطة حاكم ة ،وال يت تك ون هي الس بب يف
تك ُون اجملتم ع والتض امن االجتم اعي ،على عكس التن افر االجتم اعي ،وتظه ر الرواب ط
االجتماعي ة بني األف راد ألن ه ال يس تطيع أي ف رد أن يُؤذي غ ريه من األف راد يف اجملتم ع ،بس بب
1
العقد القائم بينهم والقوانني املطبقة عليهم.
ووض ح هAA Aوبز يف كتاب ه التAA Aنين ،ال ذي يع ين ب ه يف علم االجتم اع ،الدول ة ذات النظ ام
الدكتاتوري وأن هذه الدولة ،هي اليت تكبح من عدوانية اإلنسان ألخيه اإلنسان ،وجتعله يعيش
يف تضامن مع غريه ،يف اجملتمع .فالدولة هي اليت جتعل األفراد ،يعيشون يف أمن وتعاون بينهم،
على عكس الع دوان ال ذي ك ان قائم ا ،يف مرحل ة م ا قب ل اجملتم ع ،و ذل ك مبوجب العق د
االجتم اعي ،فالرابط ة االجتماعي ة تتمثل هن ا يف املواطن ة ،و ال يت هي احلق وق و الواجب ات اجتاه
الدولة ،فالفرد ليعيش بأمان ما عليه إال أن يرضخ ،حلماية الدولة له ،من خالل القانون و محاية
امللكية اخلاصة،كما أن األفراد لديهم أيضا واجبات اجتاه الوطن من دفاع وخدمة له من خالل
العمل و تقسيمه بينهم.
*كم ا يؤك د روسAAو أن األس رة هي أق دم اجملتمع ات ،وهي وح دها اجملتم ع الط بيعي ،تش كل
رابط Aة Aطبيعية ،إال أهنا ال ت دوم م ع ال زمن ألن األبن اء يف البداي ة (الرابط ة الطبيعي ة) ،يعيش ون
م رتبطني بوال ديهم لض مان بق ائهم ،وحاملا تقتض ي تل ك احلاج ة تنح ل تل ك الرابط ة الطبيعي ة،
.1قباري حممد إمساعيل ،أسس البناء االجتماعي ،مصر ،اإلسكندرية ،منشأة اإلسكندرية ،ص .285
109
فاألوالد وقد أصبحوا ُمعفني من الطاعة ،اليت كانت مفروضة عليهم ألبيهم ،واألب وقد أعفى
من ضروب العناية ،اليت كان ُملزما ببذهلا هلم ،ينالون كلهم على السواء استقالهلم بأنفسهم.
وإذا ح دث أن ظلوا م رتابطني ،م ؤتلفني فال يك ون هذا طبيعي ا ،كم ا ك ان من قب ل ب ل تُصبح
1
رابطة Aاجتماعية مبحض إرادهتم.
والعقد عند روسو ،ليس عقدا بني األفراد ،مثلما يراه هوبز ،وال عقدا بني األفراد واحلاكم
كما يراه لAAوك ،ولكنه أعطاه شكال أخر ،فبموجب العقد االجتماعي ،كل واحد يتحد مع
الكل والعقد معقود مع اجملوعة ،لكل واحد منا يضع يف الشراكة شخصه ،وكل قدرته حتت
س لطة اإلدارة العام ة ،وحنن نلتقي كك ل ،أي كجس م ،ك ل عض و ال يتج زأ من الك ل ،ك ل
شريك يتحد مع الكل وال يتحد مع أي شخص بشكل خاص ،إنه ال خيضع هكذا إال لذاته،
2
ويبقى حرا كما يف السابق.
* كم ا جند منتس AAكيو يرب ط الق انون ب اجملتمع وأص له فيق ول :ال ميكن ين أب دا أن أحتدث عن
القانون العام ،دون أن أبدأ يف البحث عن أصل اجملتمعات ،والشيء الذي ال يبدوا سخيفا ،إذا
ش كل األف راد ترابط ا ،ألن ه ال ميكن االنفص ال بينهم ،وذل ك ألن الق انون االجتم اعي ،يتطلب
الرتابط بني البشر خللقهم من أب واحد ،وهذه هي سببية االجتماع3.هذا ما توصل إليه علماء
االجتم اع إىل أن االحتاد أو الرتاب ط ي ؤدي إىل الق وة .l’union fait la force وذل ك ليس
رغبة من الفرد وإمنا يأيت تلقائيا يف اجلماعة .فالعقد االجتماعي ،هو عبارة عن رابطة اجتماعية،
جتم ع بني أف راد اجملتم ع داخ ل ل واء الدول ة يف علم االجتم اع السياس ي ،فتتش كل احلق وق
والواجب ات اجتاه ال وطن أو الدول ة وه ذا م ا يس مى بالمواطنة ،كم ا اعتربه ا رواد ه ذه
النظرية.وحىت يعيش الفرد بأمان واكتفاء حيتاج للتعاون ،مع بين جنسه ولكن شريطة وجود
احلاكم ،الذي يكبح من عدوانية األفراد بينهم وينظم حياهتم بالقانون.
.1جان جاك روسو ،العقد االجتماعي ومبادئ القانون السياسي ،تر :بولس غامن ،اللجنة اللبنانية ،لبنان،1972 ،ص.12
.2توشار جان ،تاريخ الفكر السياسي ،تر:علي مقلد ،ط،2لبنان ،بريوت ،الدار العاملية للطباعة والنشر والتوزيع،1983 ،ص
.335
3
.Michel, JUFFE, les fondements du lien sociale ,PVF ,paris,1995,p23.
110
فالعق د االجتم اعي عب ارة عن رابط ة اجتماعي ة ،جتم ع بني األف راد فيم ا بينهم وبني األف راد
واحلاكم أو السلطة احلاكمة 1.كما أن لوك و جAان جAاك روسAو ،استعمال نفس املنهجية اليت
استخدما هوبز ،يف نظرية العقد االجتماعي ،رغم بعض الفارق بينهم املتمثل يف احلالة الطبيعية
لإلنسان حيث يرى روسو"أن الناس كانوا يعيشون يف احلالة الطبيعية ،اكتفاء ذاتيا وسالم يف
ظل مبادئ أخالقية ،إال أن التجمع أو اجملتمع جاء نتيجة لعوامل اقتصادية و ليس أمنية 2".ألن
ظه ور الرواب ط االجتماعي ة،والتض امن االجتم اعي ،من خالل تقس يم العم ل ،إال أن ه ظه رت
بعض الصفات الذميمة ،كاحلسد واجلشع بظهور امللكية اخلاصة ،وهذا هو السبب الذي جعل
البش ر ينقس مون إىل ُمالك وإىل عُم ال ل ديهم ،مما أوج د نظ ام الطبق ات ،ف أدرك أص حاب
األمالك أن من مص لحتهم إنش اء حكوم ة ،لتحمي ممتلك اهتم ،وتتأس س ه ذه احلكوم ة على
أس اس عق د اجتم اعي ينص على توف ري ُاملس اواة واحلماي ة ،إال أن الرواب ط االجتماعي ة ،تبقى
موجودة بني األفراد رغم التنافر والتجاذب الدائم بينهم.
ورغم أن نظرية العقد االجتماعي ،تدور حول السلطة و النظام السياسي ،إال أن هلا عالقة
فمنظري هذه النظرية يتحدثون عن ،كيف ينشأ اجملتمع ،وكيف
باجملتمع ،والرابطة االجتماعيةُ ،
حيُل فيه التجمع والتضامن ،فهم يرون أن اجملتمع ينشأ عن تعاقد الناس واتفاقهم ،مساه روسو
بالكل فاجملتمع قبل هذا التعاقد ،أي قبل تعيني صاحب السيادة ،هو جمموعة من الناس بدون
نظ ام وب دون ق انون وعلى ه ذا األس اس ،ي رى روسو أن احلال ة الطبيعي ة لألف راد ،ك انت خ ريا
للناس حيث سادت فيه احلرية واملساواة ،ونتيجة للتفاوت يف الثروات و التقدم املدين ،سادت
هذه احلالة فأدى ذلك بتنازل األفراد عن حقوقهم ،لصاحل اإلدارة العامة ،مقابل ضمان أمنهم
وحقوقهم واستقرارهم.
1
.توشار ،نفس املرجع السابق،ص.335
2
.نفس املرجع السابق،ص.286
111
يتف ق معظم علم اء الجتم اع احلض ري و االنثروبولوجي ا احلض رية ،على وج ود مخس
نظريات أو اجتاهات أساسية ،تفسر الظواهر احلضرية و هي النظرية النفسية االجتماعية،النظرية
االيكولوجية النظرية الثقافية،النظرية القيمية ،و النظرية التكنلوجية.
ميث ل االجتاه النفس ي االجتم اعي ،ك ل من علم اء اجتم اع املدرس ة األملانية ،كم ا عُرفت
باملدرس ة الكالس يكية ،وك ذلك باالجتاه الس لوكي أو التنظيمي يف علم االجتم اع ،وذل ك
إلهتمامه ا بالس لوك و الفع ل و العالق ات و التف اعالت االجتماعي ة ،كم ا اهتمت ب املظهر
التنظيمي للحي اة االجتماعي ة احلض رية ،على اعتب ار أن الف رد يوص ف باحلض رية ،بن اءا على منط
سلوكه و ليس بناءا على مكان اقامته ،على اعتبار انتشار الفعل االجتماعي العقالين ،يف املدينة
و زوال السلوك العاطفي.
حيث اتف ق يف ه ذه األفك ار ك ل من ابن خل AAدون،فردينان AAد تون AAيز و م AAاكس في AAبر،ج AAورج
زيمل وشينجلر،فالسلوك الذي يرتتب عنه أفعال اجتماعية حضرية ،هو نتاج كما قلنا للطبيعة
املعقدة حلياة املدينة،ملا تتميز به من كثافة بشرية و جتاوز للمباين ،و تنوع للسكان،هذا ما جعل
الفرد حسب رأي هوالء املفكرين ،أن يصبح سلوكه عقالنيا أو أكثر عقالنية يف عالقته ،حىت
يض من لنفس ه التكي ف و االس تمرار ،وكث ريا م ا جند ه ذه الفك رة عن د ابن خلAAدون من خالل
حديث ه عن أه ل احلض ر ،ال ذين ميت ازون باحليل ة و ال ذكاء ،بس بب حي اة املدين ة ال يت أكس بتهم
ذلك ،ومع تعاقب األجيال يصبح ذلك خلقا فيهم و مزاجا هلم أو ملكة يف شخصهم.
كما جنده أيضا عند سبنسرهاربلت ،يف حديثه عن التطور و ظهور اجملتمع الصناعي املعقد
وجورج فريدمان A،من خالل متييزه بني الوسط الطبيعي الذي يتمثل يف الريف،و الوسط التقين
املتمثل يف الوسط احلضري ،الذي يفرض على سكان احلضر بسلوكات و مؤهالت حضرية
من أجل االستمرار1.و هنا يبدو واضحا أن هذه النظرية النفسية االجتماعية ،هتتم بالسلوك و
1
.حممد بوخملوف ،التحضر،مرجع سابق،ص.71
112
الفعل االجتماعي ،فتحلله من خالل تأثري الوسط االجتماعي للفرد .فاحلياة احلضرية هي بيئة
مركبة اجتماعية و جغرافية ،أكسبت الفرد سلوكا حضريا خيتلف عن السلوك الريفي.
* ابن خلAAدون:يتحدث عن اجملتمع احلضري من خالل ثنائية البدو و احلضر ،موضحا ذلك
يف أحوال جمتمعه حيث وجد أن هناك فئتني ،فئة أساس فئة ،فالبدو أساس احلضر ،وبني هذين
الفئتني اختالف إىل حد التضاد والتصارع دائما ،و هلذا ال ميكننا احلديث عن العمران احلضري
إال بالتعرض للعمران البدوي ،و هذا ما يوضح لنا فهم املوضوع بضده".فالعمران من العمارة
والتعم ري وه و التس ا ُكن و التن ُازل يف ِمص ر ،أو حل ة لُألنس بالعش ري واقتض اء احلاج ات ،ملا يف
طباعهم (الناس) من التعاون ،على املعاش 1".كما أن البداوة اليت قام ابن خلدون بدراستها،
تعترب منط من أمناط احلياة اجملتمعية ،و تعترب بداية التكيُف االجتماعي ،لكل من الفرد و اجلماعة
واجملتمع مع الظروف البيئية الصعبة و القاهرة ،اليت أحاطت به ،و ارتكز هذا التكيُف ،سواء
بالنس بة لإلنس ان أو اجلماع ة أو اجملتم ع الب دوي ،على جمموع ة من القيم والع ادات والتقالي د
واألعراف والنُظم ،اليت مكنته يف النهاية من أن حييا و يستمر على الرغم من العُزلة شبه التامة
2
املفروضة عليه.
هلذا أوضح ابن خلدون خصائص ظاهرة البداوة ،دائما مقابل خصائص حضارة يف مقدمته
فإذا كان البدو ُشجعان فان احلضر ُجبناء ،وإذا كان البدو متوحشون فإن احلضر مرتفون ،وإذا
ك ان الب دو طيّبُوا اخلُل ق ،فاحلض ر أفس دهتم احلض ارة ،وجعلتهم خمادعني وك اذبني ،والب دو
يدافعون عن أنفسهم ،أما احلضر يفزعون لكل هزة ،وأوكلوا أمر الدفاع للدولة أو يستأجرون
3
من يتوىل أمرهم .وإذا كان احلضر حيرتمون حقوق غريهم،فالبدو ال يؤمنون إال بلغة السيف.
ويرى صاحب املقدمة ،أن العمران احلضري امتداد للعمران البدوي ،أو باألحرى ال يكون
هناك عمران حضري إال بوجود العمران البدوي ،فالضروري و احلاجي يبدأ عند البدو وهكذا
فالعائلة والقرابة والعصبية ،ظواهر اجتماعية ،من طبيعة العمران البدوي.حيث يبدو واضحا،
1
حممد عابد اجلابري ،نفس املرجع ،ص. 212
2
نفس املرجع السابق،ص.73
3
.أنظر مصطفى الفوال نفس املرجع السابق ،ص.74
113
أن أمهي ة اجملتم ع الب دوي بالنس بة البن خل AAدون ،تظه ر يف نقط تني أساس يتني ومها:أن اجملتم ع
البدوي يعترب نقطة التطور االجتماعي ،الذي يبدأ من البداوة ليصل إىل احلضارة ،مرورا مبا هو
ضروري وحاجي إىل ما هو كمايل و إضايف و"أن البدو أصل احلضر و سابق عليهما ،فخشونة
البداوة قبل رقة احلضارة"1ف اجملتمع البدوي ،هو التُربة اخلصبة اليت تنشأ فيها العصبية بعاملي
النسب والقرابة اليت هي موضوع دراستنا.
*مAAاكس فيAAبر:يعترب كتاب مAاكس فيAبر "المدينAAة" 1905 Aأول عمل علمي ،لدراسة احلياة
احلضرية ،من الناحية السلوكية االجتماعية ،كما قال ريتشارد سنت 2 R.Sennettفهو يعد
ممن حبث يف املدين ة ،عن الظ روف ال يت جتع ل دور املدين ة إجيابي ا و ابتكاري ا ،يف احلي اة العام ة
لإلنسان ،لذلك حبث عن املدن يف املاضي بدال من احلاضر ،حيث كان ذلك مبثابة النقد الذي
يقدم ه في AAبر للحي اة احلض رية احلديث ة ،وي رى أن الس لوك العقالين للف رد احلض ري ،ه و نتيج ة
للحياة احلضرية ،حيث ال تستقيم حياة الفرد ،إال بذلك السلوك و إال تتعرض حياته للمعانات.
قاص دا ب ذلك أن املدين ة ،هي ال يت س امهت يف تق ومي س لوكه ،ومن مت تس اهم يف التغ ري
االجتماعي ،فالبيئة املتمثلة يف املدينة ،هي اليت أكسبت الفرد السلوك العقالين.
* يركز جورج زيمل يف حتليله للمدينة ،على التفاعل االجتماعي ،فيتجه إىل دراسة الصورة
النفسية للحياة االنسانية يف بيئة حضرية ،فمصاحل األفراد و احتياج بعضهم البعض ،هي اليت
ت دفعهم يف احلي اة االجتماعية ،حنو االفعال املتبادلة ،اليت تتكرس يف التفاعل و التبادل ،اللذين
يأخ ذان أش كاال متع ددة ،وم ع ه ذه التف اعالت ،يس ميها زيمAA A Aل باأللف A A Aة Aاالجتماعية
Lasociabilitéحيث تتش كل ج وهر العالق ات االنس انية.إذ ي رى زيمل أن األج ر و العم ل
س بب يف اس تقالل الف رد عن مجاعت ه األوىل(العائل ة القبيل ة،القري ة) ،مما جيعل ه يرتب ط بتجمع ات
بشرية حسب متطلباته الشخصية و مصلحته.
1
ابن خلدون ،المقدمة ،مرجع سابق ،ص. 157
2
.السيد عبد العاطي ،علم االجتماع الحضري،مدخل نظري،ج،1مرجع سابق،ص.417
114
ومن هنا حيلل عقلية الفرد احلضري و سلوكاته ،إىل أن ساكن امليرتوبوليس ،يواجه دائما
بالعديد من التوترات ،هلذا ينمي يف ذاته ،عقلية تقيه عناصر البيئة اخلارجية ،اليت حتاول دائما
اقتالع ه و االطاح ة ب ه ،تتمث ل ه ذه العقلي ة ،يف ض رورة أن يس تجيب س اكن املدين ة ،ويتفاع ل
بعقله ال بقلبه ،ذلك ألنه إذا استس لم لعواطفه و مشاعره يف تفاعالته ،كان الضياع قدره ال
حمالة وحسب نظريته ،فإن الظروف اليت حتيط باحلضر ،قد حولت حياة املدينة ،من صراع مع
الطبيعة من أجل العيش و البقاء ،إىل صراع ما بني البشر من أجل الربح و الكسب ،كما أهنا
حلت وفككت الرواب ط الشخص ية ،حمل الرواب ط الشخص ية الوثيق ة ،ودفعت ب الفرد يف اجتاه
1
يتعني عليه فيه ،أن يستدعي كل ما يف وسعه لتحقيق الفردية.
.1نفس املرجع السابق،ص.73وانظر أيضا:حممد عاطف غيث ،علم االجتمAAاع الحضAAري مAAدخل نظAAري،دار النهضة العربية ،لبنان،
بريوت ،ب،س ص.32
.2حممد ياسر اخلواجة ،علم االجتماع الحضري بين الرؤية النظرية و التحليل الواقعي،دار و مكتبة االسراء للطبع والنشر والتوزيع،
مصر ،ط ،1،2008ص.58
.3نفس املرجع السابق،ص59.
115
زيادة على هذا يأكد شنجلر ،على أن املدينة ،تنشأ بثقافة روح شعبية ،folk spiritهتر
يف املراحل األوىل من تطورها ،و هذه الروح متنح الثقافة هويتها ،و حينما تنمو املدن تدرجييا،
فان ذلك يؤدي إىل تغيري هذا الطابع الثقايف ،نتيجة تشجيع الفردية و االنفصالية ،بني أعضاء
املدينة وهكذا تتشابه مجيع املدن الكربى ،طاملا أهنا نشأت يف األصل ،عن ثقافة واحدة ،هذا
التشابه هو عالمة املرض والتغري واُألفول الداخلي ،أما التوازن بني القرية و املدينة ،فهو مفتاح
ص حة ك ل اجملتمع ات النامي ة ،وهلذا يق ول":إنن ا ال نس تطيع أن نتفهم الت اريخ السياس ي و
االقتصادي ،مامل ندرك أن املدينة بانفصاهلا التدرجيي عن األرض الزراعية ،قد أدت إىل إفالس
الريف ،فتاريخ البشرية ليس إال تاريخ املدينة ،كما أن كل ثقافة ،هي موجهة يف األساس ،حنو
1
ذلك النموذج الذي يتالءم واملدينة العاصمة يف كل بلدان العامل".
وإىل هنا يبدو االتفاق واضحا ،بني كل من فيبر و زيمل و تونAAيز-الذي سبق و أن حتدثت
علي ه يف نظري ة الرابط ة االجتماعي ة -و ش AAنجلر ،م ؤداه التأكي د على العقلي ة احلض رية ،رغم
اختالف ك ل منهم ا يف تفس ري ه ذه العقلي ة ،إال أن كلهم اس تعملوا تفس ريا نفس يا إجتماعي ا،
للسلوك احلضري لألفراد وحتليلهم لظروف احلياة يف املدينة احلديثة.
.2.2النظرية االيكولوجية
يعود استخدام مفهوم االيكولوجيا إىل العامل البيولوجي األملاين هايكل Ernst Haechel
ع ام ،1869حيث اس تخدم كلم ة ecologieليش ري هبا إىل عالق ة الك ائن احلي ،ببيئت ه
العض وية والغ ري العض وية ،إال أن املص طلح يف األص ل ،مش تق من الكلم ة اليوناني ة okiosو
معناه ا م نزل أو مس كن و املع ىن األمشل ،ه و من يقيم ون يف املس كن و نش اطهم الي ومي،
ووظائفهم اليت يقومون هبا للعيش ،هلذا فمعىن مفهوم كلمة االيكولوجيا ،هو أهنا العلم الذي
يدرس األفراد ،الذين يعيشون يف بيئة واحدة ،و دراسة نشاطهم و تفاعلهم ،مع عناصر البيئة،
أما علماء االيكولوجيا االجتماعية ،فيحددوهنا يف اطار دراسة البيئة االجتماعية و تنظيمها ،و
1
نفس املرجع السابق،ص. 59.
116
العالقات املكانية والنفسية االجتماعية ،اليت تربط اجلماعات و األفراد ببعضهم البعض ،و اآلثار
1
املتبادلة بني األفراد و البيئة اليت يشغلوهنا.
تعرف هذه النظري ة يف علم االجتماع احلضري ،باملدرسة األمريكية أو مدرسة شيكاغو،
حيث تشري إىل أعمال ثالثة من رواد علم االجتماع يف أمريكا ،و هم روبرت بAارك،أرنسAت
بارجس،رودريك ماكنزي فأعماهلم هي اليت أعطت االطار النظري ،الذي انطلقت من خالله
العديد من الدراسات.
* روبرت بارك :Robert ezra parcحيث يعد مؤسس هذه النظرية ،فهو يعترب املدينة
املك ان الط بيعي إلقام ة االنس ان املتحض ر ،وي رى أن" اإلیكولوجي ا ،هتدف إىل الكش ف عن
األمناط املنتظم ة ،يف املك ان للعالق ات اإلجتماعي ة "2وهلذا فُنت خبص ائص احلي اة االجتماعي ة ،يف
شيكاغو و الحظ بعض التصورات اهلامة عن املدينة و منها:
رأى املدينة احلديثة عبارة عن ،بناء جتاري يدين يف وجوده إىل السوق ،كما أن املدينة -1
تتم يز بالتقس يم املعق د للعم ل ،زي ادة على هيمن ة الس وق ،ال يت أدت إىل اهني ار الط رق
التقليدية يف احلياة احلضرية.
تتس م احلي اة احلض رية بالبن اءات الرمسية ،عن طري ق وج ود م ا يس مى ،بس يطرة -2
البريوقراطي ات على نط اق واس ع ،وتلعب األجه زة البريوقراطي ة مث ل الب وليس ،احملاكم،
املؤسس ات العمومي ة التطوعي ة اخلريي ة و مؤسس ات الرفاهي ة االجتماعي ة ،دورا هام ا يف
احلياة احلضرية.
تأثر بارك بجورج زيمل ،يف اعتباره احلياة املدنية ،مكان تقل فيه العاطفة ،و تكثر فيه -3
العقالنية ،و كان يرى أنه ،رمبا يؤدي اهنيار الروابط العاطفية ،التقليدية يف املدينة ،إىل
3
ظهور روابط اجتماعية جديدة معتمدة ،على مجاعات املصلحة و العالقات الثانوية.
1
حممد ياسر اخلواجة ،مرجع سابق،ص. 60
2إمساعيل قرية ،علم اإلجتماع الحضري ونظریته ،منشورات جامعة منتوري ،قسنطينة،2004،ص.53
3
.حممد ياسر اخلواجة،مرجع سابق ص. 60
117
كم ا رك ز ب AAارك ،يف مقالت ه الرائ دة "المدين AAة" Aعلى بعض املقرتح ات ،ح ول دراس ة
الس لوك االنس اين ،يف البيئ ة احلض رية ،إىل أن ه حياول فهم املدين ة ،بوص فها مكان ا جغرافي ا
وكذلك اعتبارها نطاقا أخالقيا ،كما أنه يعتقد وجوب وصف املدينة ،عن طريق التحليل
ال وظيفي ،إلظه ار امكان ات احلي اة الثقاف ة و األخالقي ة فيه ا،إال أن م ا أراده ب ارك
كايكولوجي ،هو اكتشاف تأثري الظواهر الفيزيقية( ،أي كل ما يظهر يف املدينة) ،يف خرية
س كان املدين ة االنس انية و العاطفي ة ودوره ا يف تش كيلها ،و هلذا فه و ي رى ،أن الظ روف
النفس ية و األخالقي ة للحي اة ،يف املدين ة س وف تعكس نفس ها ،بص ورة طبيعي ة يف كيفي ة
استغالل املكان ،و يف أمناط احلركة االنسانية واالنتقال....اخل ،كما يعتقد بارك أنه ،ميكن
اس تخدام املن اهج األنثروبولوجي ة ،يف دراس ة ج وانب احلي اة املدني ة ،وخصوص ا الثقاف ات
اهلامشية ،كالعصابات و املهاجرين املنعزلني ،املقيمني يف أحياء "الجيتو" Aو الفروق بني الناس
1
وفقا جملال إقامتهم.
118
*رودريك ماكنزي :جاء ليوضح القوانني و العمليات ،اليت تعمل داخل الكيان احلضري
ليفسر وجود املناطق ،اليت حتدث عليها كل من بارك و بيرجس ،كاملركز و الضواحي و ذلك
من خالل عملي ات املنافس ة ،الرتكيز ،االب ادة العزل ة الغ زو ،التع اقب ورأى أهنا منش أ أو توحد
ه ذه املن اطق الطبيعي ة ،ال يت تش كل البن اء الف يزيقي للمدين ة .و املقص ود ب الغزو العم راين
invasion urbaineه و انتق ال اجلماع ات و األف راد ،من منطق ة ألخ رى ،و يس مى أحيان ا
ب اهلجرة و ق د يك ون على نط اق واس ع ،وق د يض يق نطاق ه ،فيقتص ر على حتري ك بعض
اجلماعات ،بقدر حمدود.
أم ا العزل ة isolementفتتخ ذ مظه ران ،ميث ل املظه ر األول العزلAAة الفكريAAة و المذهبيAAة،
مبع ىن أن اجلماع ات ال يت متارس العزل ة ،من املمكن أن تظ اهر غريه ا ،أو ت دخل يف عالق ات
اجتماعية مباشرة مع اآلخرين ،رغم التباعد الفكري أو املذهيب ،أما املظهر اآلخر ،فهو العزلةA
الكاملة A،من الناحيتني االجتماعية واملكانية ،فال ختتلط هذه اجلماعات بغريها ،و ال تتعامل إال
يف أضيق احلدود ،وحتافظ بقدر االمكان على مقوماهتا ،وخصائصها وتراثها االجتماعي ،ليعرب
1
عن املظهرين معا بالعزلة Aالبشرية.
*كما يعد كل من دنكAAان و شAAنور و هAAاولي من أهم أقطاب النظرية األيكولوجية أيضا،
حيث توص ال إىل أن درجة التحضAAر ،ب اجملتمع تتناسب طردي ا من طبيعة نظام تقسAAيم العمAAل،
باجملتمع احلضري ،مبعىن أنه كلما ازدادت درجة تقسيم العمل االجتماعي ،باجملتمع احلضري
الصناعي ارتفعت درجة التحضر به كما أن التحضر يتناسب طرديا مع التطور التكنلAوجي،
ويف منتصف األربعين ات من القرن العش رين ،ص اغ ك ل من هAAاريس و أولمAAان Aمنوذج النواي ا
2
الذي يذهب إىل أن منو املدينة ال يعتمد على نواة واحدة ،و إمنا على نوايات متعددة.
إذن ركزت النظرية األيكولوجية االجتماعية ،على اجلانب االجتماعي أو البيئة االجتماعية
احلض رية ،و ك ل م ا ل ه عالق ة باملدين ة و تقس يمها األيكول وجي ،من مرك ز و من اطق أخ رى
1
.نفس املرجع السابق،ص. 66
2
.حممد ياسر اخلواجة،مرجع سابق،ص. 70
119
تابعة.ألن املدينة من وجهة نظر هذه النظرية ،هي عبارة عن نظام إيكولوجي ،يف تغري مستمر،
فك ل م ا يتعل ق باجلانب اإلنس اين والبش ري ،داخ ل ه ذه املدن يطل ق علي ه مص طلح،
"اإليكولوجي AAة البش AAرية" Aأو "االيكيولوجي AAة االجتماعي AAة" ،ال يت تتمح ور دراس تها ح ول القيم
واملعايري الثقافية ،اليت حتكم سلوك األفراد يف اجملتمع احلضري ،وهذا متييزا هلا عن اإليكولوجية
احليوية ،اليت هتتم بالرتكيب املادي واحليوي للبيئة ،والتوزيع املكاين ألفراد اجملتمع.
تنطلق هذه النظرية من أعمال كل من لAAويس ويAAرث و روبAAرت ردفيلAAد ،اللذان ينتميان
ملدرس ة ش يكاغو ،حيث تنظ ر ه ذه النظري ة ،إىل احلض رية باعتباره ا ثقاف ة ناجتة عن احلي اة يف
املدنية ،و ذلك عندما صوروا احلضرية ،بأهنا طريقة للحياة ،تتميز هبا املدينة ،نظرا ملا تتمتع به
من خصائص ومسات اجتماعية ،متيزها عن احلياة االجتماعية الريفية.
و يف تشخيص هم للثقاف ة احلض رية ،ف إن ه ذه النظري ة ،تت داخل كث ريا م ع املدرس ة االملاني ة
وخصائص ها ،ال يت ح ددهتا عن س كان املدين ة ،فهم خيتلف ون فق ط يف االجتاه ،فاملدرس ة االملاني ة
تتجه اجتاها نفسيا ،أما نظرية الثقافة ،تتجه اجتاها ثقافيا.
*ل AAويس وي AAرث :و تع ود ال دعائم األوىل هلذه النظري ة ،من خالل املق ال ال ذي نش ره ل AAويس
ويAAرث سنة 1938بعنوان "احلض رية كطريقة للحياة" ،وال ذي يعد عمال كالس يكيا ،أرس ى
من خالل ه ال دعائم األوىل ،هلذه النظري ة ،وح اول الكث ري من علم اء االجتم اع ،االجاب ة على
التساؤل املطروح حول االمناط و العمليات ،اليت تتضمنها عملية حتول طريقة احلياة السابقة،
على التصنيع والتحضر إىل نظام صناعي حضري؟ ولإلجابة على هذا التساؤل ،فأول ما أجاب
هو ،تعريفه للمدينة ومؤداها أهنا" موطن دائم و كثيف وكبري نسبيا ،ألفراد غري متجانسني من
الناحية االجتماعية وأن احلجم والكثافة والالجتانس ،ختلق بناءا اجتماعيا ،تستبدل فيه عالقات
اجلماع ة األولي ة باتص االت ثانویة ،ذات ط ابع غ ري شخص ي و انقس امي ،س طحي و م ؤقت
ونفعي،لينتهي األم ر بس اكن املدین ة إىل أن یص بح شخص ا یتس م باإلنعزالي ة ،الس طحية و
العقالنية ،ویضطر لكي یؤدي وظيفته بنجاح إىل االرتباط مع اآلخرین ،لينظم معهم روابط و
120
إحتادات طوعي ه ،وأش كال رمسية ،كض بط الس لوك ووس ائل غ ري شخص ية ،من اإلتص ال
1
اجلموعي.
هذا السؤال كما قلنا ،دار حول الصور واألشكال اجلديدة ،للحياة االجتماعية والذي قد
ينجم عن اخلصائص األساسية املميزة للمجتمع احلضري ( احلجم،الكثافة ،الالجتانس) فكانت
االجاب ة كالت ايل -:يف رتض وي AAرث أن الكثاف ة واحلجم الزائ د ،والتغ اير والالجتانس ،يعت ربان
متغريات أساسية أو مستقلة أو خصائص ،مميزة للمجتمع احلضري ،تسلم بدورها إىل عدد من
اخلص ائص ال يت ترتب ط بطبيع ة احلي اة احلض رية ،وشخص ية س اكن احلض ر ،وه و ي رى أن ه كلم ا
ك ربت املدين ة اتس ع نط اق "التنAAوع الفAAردي" A،مما ي ؤدي إىل انتش ار عالق ات اجتماعي ة ،ذات
طابع انقسامي سطحي من خالهلا يتعرف احلضري ،على عدد أقل من األفراد ،وبدرجة أقل
من املودة ،إىل ج انب س يطرة عالق ات املنفع ة ،وهن ا يق ول":إن معرفتن ا ب اآلخرين متي ل إىل أن
ترتبط بعالقات املنفعة".2
مبع ىن أن ال دور ال ذي يلعب ه اآلخ رون ،يف حياتن ا ينظ ر إلي ه على أن ه ،وس يلة الجناز و حتقي ق
أهدافنا ويف الوقت الذي يستطيع فيه الفرد ،أن حيقق أعلى درجات التحرر ،من القيود العاطفية
اليت تفرضها اجلماعات القرابية.يعين هذا أن منو املدينة وتنوعها ،يؤديان إىل إضعاف العالقات
االجتماعي ة بني س كاهنا ،وه ذا العام ل يع د من أهم العوام ل األساس ية ،ال يت تفس ر ض عف
العالق ات القرابي ة واألس رية ،يف اجملتمع احلض ري.ألن م ا ش هدته ه ذه األخ رية ،من تنظيم ات
ومؤسس ات جعلت مجاع ة األس رة ،تتخلى بالت دريج عن وظائفه ا ،كم ا دفعت أعض ائها إىل
االس تغناء عن العالق ات م ع ذويهم ،من األق ارب فيم ا يتعل ق بتق دمي الع ون واملس اعدات
واخلدمات ،يستعني باجلماعات االجتماعية األخرى باملدينة ،كاألصدقاء ورفاق العمل وغريها
وه ذا م ا قلص س لطة العائلة عن أعض ائها حس ب ورث وم ا جع ل الرواب ط القرابي ة ،بالوس ط
3
احلضري تتسم بالضيق والسطحية.
2
.حممد عاطف غيث ،مرجع سبق ذكره،ص. 12
3
.Yves, GRAFMEYER, Joseph, ISÂAC, L’école de Chicago,Naissance de
l’écologie urbaine, Aubier, Paris, 1998 p257, 258.
121
-رأى وي AAرث أن احلجم والكثاف ة والتب اين متغ ريات مس تقلة ،لك ل أن واع الفع ل االجتم اعي
احلضري ،تؤدي إىل انتشار العلمانية والعالقات الثانوية ،والروابط الطوعية وسيطرت األدوار
االنقسامية ...اخل
-كما يرى ويرث A،أنه إذا ازداد السوق منوا صاحبه ،زيادة كبرية يف تقسيم العمل ،مما يؤدي
إىل قيام املدن ،بوظائف اقتصادية خمتلفة ،تعتمد فيها على مواردها اخلاصة ،وقد ميتد التخصص
إىل طابع املدينة ،فتتخصص واحدة يف منتجات ،وتتخصص أخرى يف منتجات خمتلفة ،وهلذا
تتحول أسواق املدن إىل أسواق قومية ودولية.
-ي رى وج ود اختالف واض ح بني االتص ال الفيزي ائي يف املدين ة ،وبني االتص ال االجتم اعي
ف األول يتم يز بالش دة بينم ا الث اين يتم يز بالس طحية ،مما جع ل الس كان يف املدين ة يُص نفون إىل
فئات لكل منها رموز ،تدل عليها تتمثل يف أزيائهم أو ممتلكاهتم املادية ،ويقصد ويAAرث بذلك،
أن املدين ة تنقس م إىل فئ ات أو طبق ات ،أو رمبا إىل من اطق متم ايزة املس توى االجتم اعي
واالقتصادي ،ميكن إدراكها بسهولة ،عن طريق بعض اخلصائص ،اليت تتعلق بالزي أو اللهجة
1
أو العادات أو املستوى املعيشي العام.
حسب ما جاء به ويAAرث يف هذه النظرية ،هو أن كل ما يتميز به األفراد يف املدينة ،من
عالق ات س طحية ونفعي ة ،وك ذا اللب اس واللهج ات ،يع ود بالدرج ة األوىل إىل النم و الس كاين
وزيادة حجم املدينة ،ألنه كلما كربت املدينة ،كلما زاد فيها التغري االجتماعي ،يعين هذا أن
احلض رية ه ذه الص فة املوج ودة يف املدين ة فق ط ،هي ال يت جعلت األف راد ميت ازون بالص فات
احلضرية من الجتانس مع ضعف يف الروابط والعالقات االجتماعية.
وهنا يرى مAAوريس 2 Morrisأن ويAAرث ،مل يقصد أن احلضرية ،كطريقة يف احلياة تقتصر
على س كان املدين ة ،ألن آث ار املدين ة ،ميكن أن متت د إىل أبع د من ح دودها االداري ة ،كم ا أن
س كان املدين ة ،ليس وا مجيع ا حض ريون بالض رورة ،ألن ج زءا منهم ص غري أم كب ري ،ق د يك ون
1
.حممد عاطف غيث،مرجع سبق ذكره،ص.12،13
2
نفس املرجع السابق،ص.18
122
مهاجرا إليها ومل يتفاعل بعد ،أو مل يكتسب مسات احلضرية ،وهلذا مل يربط بني وجود السكان
يف املدينة و بني إتباعهم لطرق حضرية يف احلياة ،وذلك ألن احلضرية ،تعرب عن جمموعة النظم
االجتماعي ة واالجتاه ات ،ال يت تظه ر عن دما يس تقر الن اس ملدة طويل ة،وت زداد وتتغ ري يف نفس
ال وقت ،إذا ازداد حجم املدين ة أو منت إىل م ا ال هناي ة.هلذا فخص ائص احلي اة احلض رية عن د
ويAAرث A،هي النت ائج املص احبة للبيئ ة الواس عة ،ذات الكثاف ة الس كانية الكب رية ،ال يت تتم يز بع دم
التجانس.
*رادفيلد روبرت:وله نفس التفكري و االجتاه لويرث ،يرى أن اجملتمع احلضري لديه خصائص
الفولك"Folk وثقافة مميزة ،تبدو واضحة ،يف ضوء اختالفها عن خصائص و ثقافة "مجتمع
. Societyح اول أن يوض ح ،كي ف أن الف روق بني اجملتمع ات احلض رية و الش عبية ،ترتب ط
بتط ور بناء املدين ة ذاهتا ،يف"كتابAAه ثقافAAة الفولAAك عنAAد اليوكاتAAان" Aو هي من أهم أعمال ه ،اليت
نشر فيها نتائج دراسته امليدانية ،عرض فيها اطاره التصوري ،الذي حدد فكرة متصل الفولك
احلضري.
لق د ق ام رادفيلد بدراس ة أربع ة جمتمع ات حملي ة ،يف "ش به جزي رة اليوكات ان باملكس يك"،
اف رتض أن كال منه ا ،ميث ل نقطة متم يزة ،على ط ول متص ل ،مت درج يب دأ بمجتمAAع الفولك Aو
ينتهي باجملتمع احلضري .فكانت "مدينة املرييدا" ،واحدة من اجملتمعات احمللية األربعة ،اليت قام
ردفيلد بدراس تها،كم ا ك انت يف نفس ال وقت ،أك رب م دن "ش به جزي رة اليوكات ان" ،ومشلت
عددا من اخلصائص ،اليت ارتبطت بالنموذج املثايل احلضري ،كالتمايز الطبقي الواضح ،تقسيم
العمل املعقد ،وانتشار الصناعة والتجارة ،والالجتانس املتعدد األبعاد بني السكان.
وك انت قري ة "توس AAيك" اجملتم ع احمللي الث اين ،يف دراس ته ،فك انت جتم ع قبلي ص غري ،يق ف
سكانه موقفا عدائيا ،من جرياهنم املتحضرين ،أما اجملتمعان اآلخران "شانكوم و ديتAAاس" الذي
بدأ طرفه األول مبجتمع الفولك ،وانتهى مبجتمع أكثر حتضرا ،أما "ديتاس" و هي اجملتمع احمللي
الراب ع يف دراس ة رادفيلAAد ،فق د مثلت خط وة أبع د ،يف طري ق التح ول ،من منوذج الفول ك إىل
123
النم وذج احلض ري ،وك انت جتم ع م ا بني اخلص ائص الريفي ة و احلض رية ،يف منتص ف الطري ق
1
الذي مثله متصل الفولك احلضري عند رادفيلد.
واتضح أن اجملتمعات احمللية األربعة اليت درسها رادفيلد ،ختتلف فيما بينها اختالفا واضحا
وهذا االخلتالف التدرجيي ،بدأ مبدينة و هي "ميريدا" ،و انتهى بقبيلة و هي "توسيك" ،و هنا
كان أساس فكرته عن الفولك ،يعين ذلك أن اجملتمعات األربعة ،عرفت عملية تغيري و تطور
حضري تدرجيي.و بعد هذه الدراسة خرج بنتائج ،وهي :وجود عشر متغريات أساسية ،ميكن
من خالهلا ت رتيب اجملتمع ات األربع ة ،كم ا ل و ك انت متث ل تزاي دا أو تناقص ا ت درجييا يف ك ل
منهما 2.فبهذه املتغريات ،تقاس درجة حتضر جمتمع الفولك ،حبيث يشري تناقص درجة املتغري
إىل القرب من النموذج الفولكي ،و تشري زيادته إىل االقرتاب من النموذج احلضري.
.7أقل أو أكثر اعتمادا على مؤسسات ذات طابع غري شخصي للضبط.
1
.السيد عبد العاطي،مرجع سابق،ص.88،89
2
.نفس املرجع السابق،ص. 92
124
عندما حلل رادفيلد هذه املتغريات ،اليت مير هبا اجملتمع ،حالة انتقاله من منوذج الفولك إىل
النم وذج احلض ري ،خ رج بثالث مقوم ات أساس ية للتغ ري ،أو التح ول احلض ري و هي:زي ادة
التفك ك الثق ايف و انتش ار الفرداني ة و العلماني ة ،على ط رف نقيض من خص ائص فولكي ة أمهها
سيطرة التقليدية و اجلمعية و نزعة حنو املقدسات ،أما التطور ،فهو انتقال من اجملتمع الشعيب
إىل اجملتمع احلضري .إال أن رادفيلد يرى أن الثقافة الشعبية ،تعتمد على أن كل أعضاء اجملتمع
يشاركون فيها ،وليس هناك مستوى عايل للتخصص ،وهنا استعان مبعلومات أنثروبولوجية ،يف
تتبع تأثري هذا اجملتمع غري االنقسامي يف الدين ،وممارسة القوة ،وعالقات القرابة ،قاصدا بذلك،
وصف سلوك الناس ،حينما يتصرفون ككائنات عاطفية ،مبعىن عندما خيتفي تقسيم العمل و
األدوار يف حياهتم.
وهلذا اعتقد أن املدينة و اجملتمع الشعيب ،يكتسبان وجودمها من الفوارق القائمة بينهما.أما
االنتق ال من حي اة جمتم ع الفول ك ،إىل اجملتم ع احلض ري ،عملي ة تتم على مرحل تني:األوىل
اإلمتصاص الذي حيدث حلياة جمتمع الفولك ،داخل بناء املدينة ،والثانية التغريات الداخلية ،يف
االجتاه العقلي عن د احلض ريني ،غ ري أن عملي ة التحض ر ،تتس م بالغائي ة ،ألن احلرك ة من ثقاف ة
الفول ك إىل احلض رية هلا بداي ة حمددة وغاي ة ،حيث تنتهي ه ذه الغاي ة ،حينم ا يتم التح ول إىل
1
احلضرية ،وحني حتدث تطورات مستقلة يف املدينة ،ال تتجه حنو غاية معينة.
نالحظ أن رادفيلد تصور هذه النظرية ،كنموذج للحياة البدائية البسيطة ،اليت جندها أساسا
يف القبائ ل والق رى الص غرية ،فك ان النم وذج الب دائي ،نقط ة ابت داء لعملي ة تط ور احلض ارات
واجملتمعات االنسانية ،وتصور النظرية بوجود خط ،ميثل مراحل التطور،اليت تبدأ عند منوذج
اجملتم ع الب دائي ال ذي أطل ق علي ه رادفيلAAد ،اس م اجملتم ع الش عيب أو جمتم ع الفول ك ،أم ا م ا بني
البدء و االنتماء فتشمل مراحل تطورية.
1
.حممد عاطف غيث،مرجع سابق،ص.39،18،40
125
.4.2النظرية القمية
تركز هذه النظرية ،على دور "القيم Aالثقافية" ،Aيف حتديد البناء االيكولوجي للمدينة ،فهي
ت رى أن للقيم دور معني يف الق رارات ،ال يت تتخ ذ بش أن ختطي ط املدن ،عن طري ق الق وة
االجتماعي ة حيث يق دم أص حاب ه ذا االجتاه ،أمثل ة عن املدن كمك ة املكرم ة ،بيت املق دس،
روما و غريها اليت تؤثر بالقيم الدينية ،يف شكلها و نشأهتا و استمرارها ،ومن هؤالء املفكرين
كتاب ات ف AAون جرونب AAوم von Grunebaumع ام 1955يف مق اال يتح دث عن املدن
االس المية التقليدي ة ال يت هتيمن القيم الديني ة فيه ا ،على أن واع النش اطات املختلف ة يف احلي اة
احلضرية .
ه ذه النظري ة ،تتط ابق م ع النظري ة النفس ية االجتماعي ة ،و نظري ة الفع ل االجتم اعي ،ألن
الظ واهر االجتماعي ة احلض رية ،م اهي يف الواق ع ،إال نت اج ملم وس لس لوكات و تص رفات
سكاهنا ،اليت بدورها انعكاسات للقيم الثقافية ،اليت حيملوهنا و املوجهة لسلوكاهتم و تصرفاهتم
و أفع اهلم ،ال يت تتجس د على األرض ،يف ش كل بن اء أيكول وجي ،ض من اط ار معني من نس ق
1
العالقات االجتماعية.
كم ا يؤك د ه ذا االجتاه ،أن للقيم الثقافي ة و االجتماعي ة ،حمددات هام ة ،لدراس ة و تفس ري
أمناط اس تخدام األرض ،و البن اء االجتم اعي احلض ري .ومن املمكن أن تن درج أعم ال مAAاكس
فيAA Aبر حتت ه ذا االجتاه ،ألن ه اختذ من القيم املس يطرة ،على األنس اق االجتماعي ة و الثقافي ة،
متغريات أساسية مستقلة ،ومن البناء االجتماعي للمدينة ،متغريا تابعا و معتمدا.
كم ا اتب ع نفس االجتاه ف AAايري W.Fireyال ذي ك ان ل ه الفض ل ،يف الت دعيم األم ربيقي
لقض ايا ه ذا االجتاه ،إذ اس تطاع من خالل م ا أتيح ل ه ،من بيان ات و معلوم ات ،عن مدين ة
بوس AAطون ،أن يُق ارن م ا بني العواط ف و املش اعر ،ال يت تش ري عن ده إىل القيم ،وبني العوام ل
االقتص ادية من حيث الت أثري على البن اء األيكول وجي و االجتم اعي للمدين ة2.إذن أك دت ه ذه
1
.حممد بوخملوف،التحضر،مرجع سابق،ص.79
2
.السيد عبد العاطي،مرجع سابق،ص. 445
126
الدراسات وأخرى ،على األثر البالغ ،الذي متارسه القيم الدينية ،بصفة خاصة يف حتديد مالمح
البناء األيكولوجي واالجتماعي للمدينة.
.5.2النظرية التكنولوجية
تسمى هذه النظرية ،بنظرية العوملة أيضا ،و هي تركز على دور "التكنولوجيا" ،يف التأثري
على البن اء االيكول وجي واالجتم اعي للمدين ة ،ومن مت فالعالق ات االجتماعي ة ،وه ذا بس بب
تطور وسائل االتصال واملواصالت ،ودورها يف الزيادة من فرص التبادل والتواصل ،والتقليل
من فرص العزلة االجتماعية ،و الزيادة من فرص االختيار ،يف املدينة كاختيار منط السكن ،منط
اجلريان وه ذا بفض ل التط ور التكنول وجي ،العم ارة والط رق ،وس ائل النق ل...اخل.ه ذا كل ه أث ر
على احلي اة االجتماعي ة احلض رية والعالق ات الس كانية والتفاع ل االجتم اعي يف املدين ة .و من
زعماء هذه النظرية جند كل من وليم أوجبرن و أموس هاولي ،منويل كاستل.
كما قدم ُأوجبرن تفسريا ،يف تناوله لقضية الفروق الريفية احلضرية ،من خالل صياغة جديدة
ترتكز ،على معاجلة البناء السكين للمجتمعات الريفية و احلضرية ،عرب الزمان و املكان ،اعتمادا
يف مناقشة األمناط الريفية و احلضرية ،يف ثالث مناذج من اجملتمعات االنسانية.
127
بعض الظروف واالختالفات ،بني الريف واملدينة ،اليت تتأثر بشكل السلطة أو القوة أو النظام
السياس ي و االقتص ادي ،ف اجملتمع الرأمسايل ،خيتل ف عن اجملتم ع االش رتاكي ،من حيث
1
التكنولوجيا إضافة إىل العامل السياسي كالعوملة.
هلذا يرى هAاولي أيضا ،أن تشتت سكان املراكز احلضرية و اعادة التوزيع السكاين ،الذي
تش هده ه ذه املواق ع احلض رية ،وغ ري ذل ك من عملي ات ايكولوجي ة ،هي اس تجابة مباش رة ،ملا
شهده جمال النقل الداخلي و اخلارجي ،من اتساع ملحوظ يف احلركة و التسهيالت النقلية -
فالتكنلوجيا تؤدي إىل انتاج منط معني من العالقات االجتماعية .
-وس ائل االتص ال تقل ل من ف رص االتص ال املباش ر ،وتقل ل من العزل ة االجتماعي ة ،وكثاف ة
االتصال تؤدي إىل التماسك االجتماعي.
-كما أن التكنلوجيا ،تؤثر على البناء االيكولوجي للمدن ،من حيث املركزية ،وعدمها ومن
حيث منط البناء.
ويف هذا السياق نشر منويAAل كاسAAتل Manuel castellsمقال له عام 1988بعنوان
"االبتكار التكنولوجي و املركزية احلضرية" ،ووضح فيه أثر االبتكارات و التكنلوجيا احلديثة،
على البن اء األيكول وجي للمدين ة ،يف توزي ع الس كان بس بب م ا ت وفره التكنلوجي ا ،من وس ائل
االتصال واملواصالت ،اليت وفرت إمكانية العمل عن بعد ويف املنزل ،و ذلك بتجاوز املركزية
2
احلضرية.
إذن نس تنتج يف األخ ري ،أن نظري ات املفس رة للمجتم ع احلض ري ،توض ح تقارب ا كب ريا م ع
نظريات الرابطة االجتماعية ،و ذلك من خالل تفسريهم لعقلية و سلوكات األفراد يف املدينة،
اليت تعتمد على العقالنية ،والفردانية وقد تصل يف الغالب من األحيان ،إىل عالقات وروابط
مصلحية ،حيث تضعف الروابط القرابية ،واجلماعات األولية بصفة عامة كما فسرها كولي،
عما كانت عليه يف اجملتمعات الريفية أو الفولك كما مساها رادفيلد ،كل هذا يشري إىل اتفاق
1
.حممد ياسر اخلواجة،مرجع سابق،ص. 97،98
2
.حممد بوخملوف ،التحضر،مرج سابق،ص . 82
128
كبري بني علماء االجتماع على ضعف الرابطة االجتماعية بكل أنواعها يف اجملتمع احلضري أو
جمتمع املدينة.
كما أن ما انتهت إليه أفكار ويرث ورادفيلد من نتائج أو تصورات نظرية ،جعلت املدينة
تأخذ حمتوى ثقافيا خاصا ،لتصبح تبعا لذلك ،متغريا حتليليا لتفسري هذا احملتوى ،حبيث تعرض
الثقافة احلضرية ،باعتبارها طريقة للحياة ،ولوال تلك املتغريات السيكولوجية ،اليت أكدها كل
من فيبر وزيمل وشينجلر ،ألدرجنا منظوراهتم ضمن النظرية الثقافية ،ألهنم حاولوا هم أيضا
إبراز خصائص الثقافة احلضرية ،وذلك باتباعهم مدخل سيكولوجي واضح ،ومميز كما بدى
وجود صلة أيضا ،ما بني أفكار ويرث وردفيلد ،من ناحية و بني فيبر وزيمAAل وشAAينجلر من
ناحي ة أخ رى،كم ا نالح ظ ت أثرهم ب األوروبيني يف دراس ة املدين ة و احلض رية .وعلى املس توى
األمربيقي،أوضحت الدراسات احلديثة اليت أجراها بعض الباحثني األمريكيني ،أمثال جAوردن
W.Gordonوه AAوايت W.F.Whyteأن رادفيل AAد ك ان مبالغ ا إىل ح د كب ري ،يف تق دير
العلماني ة و التفك ك كس مات مميزة للمجتم ع احلض ري ،ح ىت يف الوالي ات املتح دة األمريكي ة،
فلقد توصل أوسكار لويس O.lewisإىل أن حتضر مدينة المكسAيك ،مل يصاحب بالضرورة
1
تدهور النظام االجتماعي واألخالقي.
تعترب األسرة نسقا جزئيا ،من أنساق اجملتمع الكلي ،لذلك فهي تتأثر مبا حيدث يف اجملتمع
من تغريات و حتوالت ،وبالتايل فإن احلديث عن اجملتمع اجلزائري ،يقودنا إىل احلديث عن أبرز
التغريات ،اليت طرأت على األسرة اجلزائرية ،والقرابة بصفة عامة.كما أن احلديث عن الرابطة
االجتماعية القرابية يف اجلزائر ،يقودنا أيضا ،إىل معرفة اجملتمع اجلزائري ،وبالذات بنيته الرئيسية
1
.السيد عبد العاطي ،مرجع سابق،ص.434
129
املتمثلة يف األسرة ،اليت تتشكل فيها الروابط و العالقات األسرية و القرابية ،ألن األفراد داخل
األسرة ،هم أقارب تربطهم رابطة القرابة الدموية ،فهم ميثلون مجاعة أولية.
هلذا إن أهم ما مييز اجملتمع اجلزائري ،عرب مراحله التارخيية ،وجود حمطات ،أثرت على بنيته
االجتماعية،كاملرحلة العثمانية و املرحلة االستعمارية .فاجملتمع اجلزائري ،قبل االستعمار كان
يتكون من جمموعة من القبائل و العشائر ،على رأس كل قبيلة أو عشرية ،شيخ يوقره وحيرتمه
بقية األفراد .حيث يقوم ال شيخ بتنظيم شؤون القبيلة ،بالسهر على حتقيق االستقرار.
وبدخول االستعمار ،حدثت تغريات كثرية ،على اجملتمع اجلزائري ،أمهها حماولة االستعمار
حمو اهلوية الوطنية ،وتفكيك نظام القبائل ،إلضعاف عالقات القرابة ،وقتل الروح اجلماعية.ألن
الرواب ط القرابي ة ،ك انت تلعب دورا كب ريا يف ق وة اجملتم ع اجلزائ ري ،ف أدى ذل ك إىل تالش ي
امللكية اجلماعية وانتشار امللكية الفردية ،مما أدى إىل انتقال اجملتمع اجلزائري ،من نظام عش ائري
إىل نظ ام ع ائلي تطغى عليه ش كل األس رة املمت دة 1.إال أن القبيل ة قب ل االس تعمار الفرنسي،
ك انت التنظيم األك ثر ب روزا واألك ثر ق دما ،يف جمتمع ات املغ رب الع ريب ،مبا يف ذل ك اجملتم ع
اجلزائري ،الذي كان حيكم فيه كل قبيلة شيخ كبري يف السن ،فهو مبثابة الزعيم الروحي هلا،
وهو وحده يتوىل أمور تسيريها ماديا ومعنويا ،وهو املسـؤول عـن توزيـع األدوار والوظائف،
مع فض النزاعات اليت حتدث داخل القبيلة.
وبدخول االستعمار الفرنسي إىل اجلزائر ،إذن حدث خلل وعـدم تـوازن ،وذلك من خالل
سياس ة التفكي ك ،ال يت ط رأت على البُىن واهلياك ل االجتماعيـة ،يف اجملتم ع اجلزائ ري ،ونتيج ة
للص عوبات ال يت واجهت االحتالل الفرنس ي ،بس بب النظ ام القبلي ،أدى ب ه األم ر إىل القض اء
على القبيلة ،وتعويضها بشبكة إدارية ،ذات رقابـة صـارمة ،فأصبحت القبيلة اجلزائرية ،يف حالة
احتضار منذ العقود األخرية ،من القـرن التاسع عشر،كما عمدت فرنسا ،إىل تفكيك النسيج
االقتص ادي واس تبدال املنظومـة ،والعالئقي ة يف الري ف اجلزائ ري،ك ل ه ذا أدى إىل تغ ريات
. 1شرع اهلل ابراهيم ،دور العوامل السوسيوثقافية يف تأسيس الثقافة اجملتمعية لدى الشباب ،مجلة الشباب ومشكالت المجتمع،
العدد األول ،جانفي ،2013اجلزائر،ص.121
130
سسـيوثقافية ،مـن هتمـيش للمجتمـع احمللـي ،واض طراب يف املف اهيم ،فالح ة ب دون فالحني،
حضريون بدون مديـنة .وبظهور امللكية الفرديـة حمـل امللكيـة اجلماعية ،انتقلت السلطة من حكم
ش يخي ،إىل نظ ام أب وي ومن هذا ظهر النظام الع ائلي ،يف ش كله املوسع ،والس لطة األبوية يف
1
اجملتمع اجلزائري.
أم ا التح والت الواقع ة م ا بني 1962 -1954يف اجلزائ ر ،وهي س نوات ح رب التحري ر
فنتجت عنه ا أك رب التفكك ات االجتماعي ة ،ال يت ش هدها اجملتم ع اجلزائ ري ،يف العهد
اLe. االس تعماري ،حس ب م ا ذك ره بي AA A Aير بورديو و عب AA A Aد المالك Aص AA A Aياد يف كتاهبم
2 déracinementأي "اقتالع السكان الريف يني من أراضيهم "،وإجب ارهم على السكن يف
حمتش داتُ ،خصص ت هلم قص د حتقيق إس رتاتيجييت ،قط ع مص ادر التم وين ،ومن ع االتص ال بني
السكان والثوار ،من جهة وإحكام السيطرة وفرض املراقبة ،على هؤالء السكان اجملمعني من
جه ة أخ رى.فسياس ة جتمي ع الس كان يف احملتش دات ،ك انت هلا انعكاس اهتا اآلنية و املس تقبلية،
حيث ك انت أهم نتائجه ا ،على املدى القص ري ،نش ؤ أش كال جدي دة من األلف ة االجتماعي ة،
Sociabilité Socialeالنامجة عن أوضاع التشرد ،هلذا ظهرت على إثرها ،أعداد هائلة من
الفالحني املطرودين من أراضيهم ،ال ميكن أن نطلق عليهم سوى إسم" الرابظين على أبAAوابA
الحض AAارة" أو"مجموع AAات م AAا دون الطبق AAةA"،ألهنم أص بحوا فالحني ب دون أرض ،أو م دنيني
بعيدين كل البعد عن حياة املدينة.
كما شكلت هذه احملتشدات ،بعد حصول اجلزائر على استقالهلا السياسي سنة 1962اخلزان
الذي طعم النزوح الريفي حنو املدن.
هلذا عموم ا ميكن الق ول أن الف رتة االس تعمارية ،أرس ت قواع د التح ديث املادي يف اجلزائ ر
بإنش ائها بعض املدن أو الض واحي احلديث ة ،على الط راز األورويب يف املدن القدمية ،وبإض فاء
الط ابع الرأمسايل على االقتص اد ،وتعميم نظ ام األج ور والتعامل النق دي ،وفتح بعض املن اجم
.1حممد جنيب بوطالب ،سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي ،مرجع سابق ،ص.101،102
Cf.Pierre, BOURDIEU et Abdelmalek SAYAD, Le Déracinement:La Crise de
2
.1عبد القادرجغلول ،تاريخ الجزائر Aالحديث،دراسة سوسيولوجية ،تر:عباس فيصل،بريوت ،دار احلداثة مع ديوان املطبوعات
اجلامعية ،ط،1983 1ص.226-225
132
واستخالصا ملا ذكرنا ،فاﻤﻟجتمع اجلزائري مثل باقي اﻤﻟجتمعات األخرى ،عرف تغريات يف
الكثري من اجملاالت ،و باألخص األسرة ،وهي اليت ال ميكن فصلها عن التغريات ،اليت حتدث يف
اﻤﻟجتم ع ،خاص ة يف مراحل ه االنتقالي ة بني الق دمي واحلديث ،وأي تغ ري يف اجملتم ع ،يقتض ي تغ ري
األسرة والعكس صحيح ،ولتحديد بنية الروابط االجتماعية القرابية اجلزائرية ،وما طرأ عليها
من تغ ريات بنائي ة ووظيفي ة ،الب د من البحث يف املمه دات ،ال يت أدت إىل تط ور األس رة
اجلزائري ة ،لتص ل إىل ش كلها احلايل .فمن املع روف أن األس رة اجلزائري ة ،ك انت ذات ط ابع
ريفي ،يع ود إىل أص ل اﻟجمتم ع اجلزائري ،حيث ك انت ه ذه األخ رية ،تنتمي إىل الع رش ،ال ذي
يضم جمموعة كبرية من القبائل ،وجتمع كل قبيلة ،جمموعة من األسر ،تتآزر فيما بنيها حلماية
األسرة والفرد.
وه ذه الطبيع ة الريفي ة ﻟجمتمعن ا ،جعلت ه يعتمد على األس رة املمت دة أو العائل ة ،قب ل دخ ول
الص ناعة والتكنولوجي ا ،وت أثري اهلج رة بش ىت أنواعه ا ،س واء اهلج رة من الري ف إىل املدين ة ،أو
اهلج رة إىل اخلارج خاص ة فرنس ا ،األم ر ال ذي أدى ،إىل ظه ور األس رة النووي ة املنتش رة ،يف
اﻟجمتمعات الغربية وكانت السلطة واملسؤوليات اخلارجية ،ترتكز بيد كبريها ،وهو األب الذي
ينف ق على األس رة ،وه و ال ذي يق وم بتنظيم الص رف ،اإلنف اق ،واالدخ ار ،أم ا املرأة فتقتص ر
مسؤولياﻬﺗا ،على تربية األطفال ورعايتهم ،وتربز مكانتها وتصبح ذات األمهية ،كلما كان هلا
ع دد كب ري من األوالد ال ذكور ،فهم مرك ز االهتم ام يف األس رة اجلزائري ة -وتس يري الش ؤون
الداخلية للبيت -كما متيزت العالقات القائمة يف األسرة املمتدة ،باختالفات واضحة ،حسب
الس ن واجلنس واالجتاه الق رايب وأهم م ا مييز األس رة اجلزائري ة التقليدي ة ،ذل ك احلاجز بني
اجلنس ني ،وه و ح اجز مسيك ،يرتك ز على فك رة احملافظ ة على البق اء األخالقي واجلس دي
1
للمرأة.
كما متيزت العالقة بني اآلباء واألبناء ،بالطاعة واالحرتام التام .وترى بعض الدراسات ،أن
حركة النزوح من الريف إىل املدينة ،جعلت األسرة اجلزائرية ،تفقد شكلها األصلي ،كأسرة
ممت دة يص ل ع دد أفراده ا ،إىل أك ثر من أربعني ف ردا ،وتتج ه حنو ش كل األس رة النووي ة ،م ع
1
.مصطفى بوتفنوشنت ،مرجع سبق ذكره،ص.273
133
اإلش ارة إىل متيز ه ذه األخ رية بك ثرة اإلجناب .حيث ي رتاوح متوس ط ع دد أفراده ا بني مخس ة
وسبعة أفراد ،مع احتفاظها بوظائف األسرة املمتدة ،وهكذا توضح لدينا بعد االستقالل ،بداية
تبلور أسرة جزائرية جتمع بني خصائص األسرة النووية ووظائف األسرة املمتدة ،وهو ما أطلق
مر ﻬﺑا اﻟجمتمع
عليه البعض إسم األسرة املركبة ،وتغريت األسرة اجلزائرية ،تبعا للمراحل اليت ّ
اجلزائري من حيث البناء ،ألن الفرد يف املدينة ،يعمل يف املؤسسات الصناعية والتجارية ،على
أس اس الق درة والكف اءة ،دون اعتب ار للجنس أو القراب ة ،كم ا ه و احلال يف الري ف ،وذل ك م ا
يسمح لألسرة باالنتقال العمودي ،يف السلم االجتماعي واالقتصادي ،من األسفل إىل األعلى
والعكس.
كما ميكنها من االنتقال األفقي ،بتغيري إقامتها من منطقة جغرافية ،إىل أخرى تبعا لفرص
العمل املتاحة ،وذلك عوض االرتباط بقطعة أرض واحدة ،والعمل يف جمال الزراعة ،هذا ما
جع ل األس رة اجلزائري ة ،تتج ه حنو الفردي ة ،ومن مث تقلص حجمه ا ،من أس رة ممت دة متع ددة
األجيال ،إىل أسرة نووية حمدودة العدد ،تضم يف األغلب الزوج والزوجة واألبناء الصغار ،وما
ي دعم ه ذا االجتاه ظ اهرة ال زواج من خ ارج األس رة ،ال ذي ك انت متنع ه األس رة املمت دة ،وأث ر
على تغيري بناء األسرة اجلزائرية على بعض وظائفها ،فأصبحت السلطة فيها ،بعد االستقالل،
مرتبطة بالوضع االقتصادي واملركز االجتماعي والسياس ي والعلمي واإلداري ،بعد أن كانت
مرتبطة بالقيم والعادات والتقاليد .وغالبا ما تكون لكبار السن ،من الذكور.كما تغرّي مركز
املرأة ،حبيث مل تعد السلطة يف تسيري شؤون األسرة ،مركزة يف يد الرجل ،خاصة بعد خروج
1
املرأة إىل العمل ،الذي أعطاها االستقاللية االقتصادية.
ويف ضوء ما تقدم خلص الباحثون ،التغريات اليت طرأت على األسرة اجلزائرية ،كاالنفجار
السكاين ،ونوع املسكن ،وظهور األسرة احلديثة أو الزواجية ،اليت تتكون من الزوج والزوجة
واآلبناء مستقلة عن العائلة الكبرية .وكذا التحرك االجتماعي ،الذي متثل يف النزوح إىل املدن
هذه الوضعية كانت نتيجة سياسة اقتصادية ،اجتماعية ،ثقافية.
. 1حممد السويدي ،مقدمة يف دراسة اجملتمع اجلزائري ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،اجلزائر،ص91
134
وهن ا يش ري مAAوريس بورمAAانس إىل أن األس رة يف املغ رب الع ريب ،ق د تعرض ت لتط ورات و
تغريات متثلت يف ثالثة أشكال :
1-األسرة احملافظة:تتواجد بكثرة يف القرى .
2-األس رة املتحول ة أو االنتقالي ة:و هي ال يت ت دعو،إىل اجلم ع بني األفك ار املعاص رة واألفك ار
احملافظة
-3األسرة املتطورة :هذا الشكل ،مييل إىل الثقافة الغربية من العادات والتقاليد1.كما أن هذا
النوع من األسرة ،أصبح سائدا يف اجملتمع اجلزائري احلديث.
إذن خالص ة الق ول ،هي أن اجملتم ع اجلزائ ري ،ع رف تغ ريا اجتماعي ا كب ريا ،مل ي أيت دفع ة
واحدة وإمنا عرب مراحل معينة ،جعلت األسرة تتغري ،من أسرة ممتدة العائلة إىل أسرة نووية و
زواجيبة.
ه ذا م ا أث ر على الرواب ط القرابي ة ،فتغ ريت هي األخ رى ،ألن األس رة النووي ة ،مل تع د تعيش
داخل العائلة ،كما كانت ضمن روابط قرابية دائما ،يعين هذا ،أهنا بعُدت يف املكان و ن ُقصت
قوة الروابط إن صح التعبري ،ولكنها مل تتفكك أو تزول ،وإمنا تناقصت ،مبعىن أن درجتها أو
شدهتا تراجعت عما كانت عليه.
كم ا ُأج ريت دراس ات ح ول التغ ري االجتم اعي يف اجلزائ ر ،وملتقي ات ح ول األس رة و
الرواب ط االجتماعي ة ،ال يت ع رفت حتوالت اجتماعي ة ،يف امللتقى الوط ين الراب ع لقس م علم
االجتم اع ،بكلي ة العل وم االنس انية و االجتماعي ة ،جلامع ة اجلزائ ر.ح ول موض وع الرواب ط
االجتماعي ة يف اجملتم ع اجلزائ ري املنعق د ي ومي 7و 8نوفم رب .2006و يف ه ذا امللتقى ،قُدمت
بعض الدراس ات اهلام ة ال يت تتعل ق بتغ ري الرواب ط االجتماعي ة ،يف اجلزائ ر املرتبط ة باألس رة،
موضحني التغريات اليت شهدهتا االعالقات والتفاعالت االجتماعية يف خمتلف احلقول.
.2أهم الدراسات Aالسابقة AالجزائريةA
135
.1.2الهAAواري عAAدي :التحAAوالت االجتماعيAAة في المجتمAAع الجزائAAري األسAAرة والرابطAAة
االجتماعية
يوض ح عAAدي الهAAواري-أسAAتاذ و بAAاحث جزائAAري بجامع Aة AليAAون الفرنسAAية 1A-من خالل
دراسته اليت نشرها يف كتابه املوسوم ،حتوالت اجملتمع اجلزائري ،األسرة و الروابط اإلجتماعية
منوذجا للتحول ،على أن اجملتمع اجلزائري ،عرف حتوالت كبرية ،بعد االستقالل ،حيث ظهر
هذا التغري بوضوح على األسرة اجلزائرية ،ومشل كل الروابط االجتماعية املختلفة ،فبدأ بالنزوح
ال ريفي حنو املدن ،مما أدى حس ب رأي ه ،إىل ح دوث م ا مساه ،بأزم AAة الرابط AAة االجتماعية يف
اجلزائر وذلك بتحول طبيعة الروابط االجتماعية ،بعدما كانت دموية قوية ،إىل روابط مصلحية
حديث ة ،مما س بب يف ظه ور األس رة النووي ة ،أو كم ا يس ميها "باألس رة الزواجي ة"يف املدين ة،
قاصدا بالزواجية أن الرباط بينهم رباط الزواج ،وليسوا أقارب ،كما كان الزواج بني األقارب
يف الس ابق ،فه و ي رى أن اجملتم ع اجلزائ ري ،ك ان جمتمع ا يق وم على العائل ة الكب رية أو العائل ة
املمت دة ،ال يت تس يطر فيه ا س لطة األب .وال زواج يف الغ الب بني األق ارب .مث بتغ ري اجملتم ع و
ظه ور أزم ات في ه ،كأزم ة الس كن مثال و ال يت يعتربه ا من األس باب الرئيس ية ،يف تغ ري منط
األسرة ،اليت ترتب عنها انفصال األسرة النووية ،عن األسرة الكبرية ،فأدى ذلك إىل تباعد يف
الرواب ط ،و ض عف رابط ة القراب ة.ألن ه يش ري إىل أن زواج األق ارب ،ب دأ ي زول يف اجملتم ع
اجلزائري ،وخلفه الزواج اخلارجي ،مما زاد يف تغرُي رابطة القرابة.
و هن ا يأك د الب احث على أن اجملتم ع اجلزائ ري عام ة ،مير بأزم ة الرواب ط االجتماعي ة ،ال يت
تتمثل يف أزمة املرور ،من الروابط الدموية إىل الروابط احلديثة ،وكذلك أزمة الروابط الداخلية،
اليت تعيشها األسرة اجلزائرية ،بسبب أزمة السكن .ففي نظره هذه األزمات ،سامهت بشكل
كبري يف ضعف الروابط االجتماعية يف اجلزائر.
. La houari, ADDI ,Les mutations de la société algérienne:famille et lien social ,
1
فهو يرى أن الروابط الدموية ،بدورها تعيش أزمة ،ألهنا يف حالة حبث عن دعم أكثر ،لوسع
غاياهتا الفردي ة ،وه ذا م ا جيع ل األف راد ،حياولون نس ج ش بكة من العالق ات ،خ ارج رابطتهم
1
القرابية ذلك تعويضا لفشل الدولة ،وتعبريا عن أزمة يف الروابط االجتماعية اجلزائرية.
درس مصAA Aطفى بوتفنوشAA Aت -M,BoutefnouchetأسAA Aتاذ وبAA Aاحث جزائAA Aري جامعAA Aة
الجزائر"-العائلة اجلزائرية ،التطور واخلصائص احلديثة" 1984و هو موضوع دكتوراه درجة
ثالثة يف علم اجتماع التنمية يف جامعAAة بAAوردو تقدم به حتت عنوان " تطور البنيات العائلية–
اإلقتصادية من اجلزائر التقليدية إىل اجلزائر املعاصرة".فلقد اهتمت هذه الدراسة باجلانب البنائي
للعائلة اجلزائرية ،مركزا فيها على شكل العالقات العائلية يف اجلزائ ر ،من خالل اإلجابة عن
اإلشكالية التالية":ما نوع التطور يف اجلزائر الذي خاض ثورة اشرتاكية ،ماهي العائلة اجلزائرية
يف بلد حتدث فيه حتوالت بسرعة يف مراحل للسري حنو التقدم ؟"
1
.La houari, ADDI, Op.cit, P,27,30-123.
137
فكل أثر ديناميكي يظهر يف اجملتمع الكبري ،على املستوى االجتماعي ،االقتصادي ،السياسي
الثقايف وغريه ،يؤدي إىل رد فعل معمم تقريبا ،يف داخل اجملتمع املصغر ،الذي هو العائلة ،ورد
الفع ل املع اكس ،ميكن أن يتحق ق .فك ل حتول ه ام داخ ل العائل ة ،ال ميكن إال أن ي ؤثر يف بني ة
جممل اجملتمع .ألن العالقات يف اجملتمع ككل ،أي اجلسم كله ،وبني العائلة أي اجلسم اجلزئي
ال يت هي جمتم ع مص غر ،ج د مرتبط ة وج د معق دة ،ح ىت يُص بح من املس تحيل الرج وع ،إىل
اجملتمع واحلديث عنه دون فهم العائلة ،هلذا درس األسرة ،من أجل حتليل نسق القرابة.
كما ركز يف هذه الدراسة ،على أهم التطورات و اخلصائص احلديثة ،اليت مرت هبا األسرة
اجلزائرية .والتح والت ال يت ط رأت ،على البن اء الع ائلي واالقتص ادي ،من اجلزائ ر التقليدي ة إىل
اجلزائر املعاصرة ،حيث بني أن هذه التحوالت ،تظهر أثارها يف بنية العائلة ،اليت تعد القاعدة
األساس ية وال يت من خالهلا يتم فهم اجملتم ع .حيث يق ول" يُص بح من املس تحيل الرج وع ،إىل
1
اجملتمع واحلديث عنه دون فهم العائلة".
كما أعطت هذه الدراسة جزءا كبريا للعالقات والروابط القرابية ،وحسب نتائج البحث،
يرى ظهور عالقة قرابية جديدة ،أضيق مما كانت عليه يف البنية التقليدية .فالعائلة أساس البناء
الق رايب يف اجملتم ع ،أص بحت تتج ه اجتاه ا فردي ا ،ق ائم على االختي ار احلر ،وذل ك حس ب
اخلص ائص واملي ول الذاتي ة ،املتعلق ة بك ل عائل ة على ح دى ،كاجتاه ه ذه األخ رية ،إىل إقام ة
عالق ات ذات ط ابع معني وأله داف معين ة ،أخ ذت تك ون عالق ات تفاع ل خ ارج حميطه ا
العائلي.
وتوصل إىل أن الروابط االجتماعية اجلزائرية التقليدية ،توجد بقوة يف املؤسسات الصناعية
واملصانع ،واالدارات ،فهي خترتق اجملاالت الرمسية أكثر ،فالعشائرية مستمرة يف احلياة املعاصرة،
يف املص انع ،لتص بح هلا ثقاف ة كب رية ج دا ،مما زاد من ش بكة االتص ال و التض امن الغ ري رمسي،
1
. Mostapha, BOUTEFNOUCHET,La société Algerienne en transition, OPU, Alger,
2004 ,p19
138
وهنا يرى بونفنوشت أن االطارات اجلزائرية ،ملا تذهب للعمل يف اخلارج ،حتقق جناحا ألهنا يف
1
حميط عقالين أما عملها هنا ،فهي يف حميط غري عقالين.
ومن خالل حتليل ،ما جاءت به هذه الدراسة ،يف جانبها املتعلق بإشكالية دراستنا ،جند أن
بوتفنوشت ،توص ل جلمل ة من النت ائج أمهه ا:ك ل عائل ة مركب ة ،تقابله ا عائل ة بس يطة ،وتط ور
العائل ة املركب ة حنو العائل ة البس يطة ،يتم ببطء ش ديد ،رغم الس رعة يف حتول بعض البني ات
االجتماعي ة اإلقتص ادية ،الرتبوي ة-حيث يتحكم العام ل االقتص ادي ،بش كل واس ع يف الوض عية
العائلية ،وبنيتها ومبجرد ما يتجسد االستقالل االقتصادي ،يف بيت جديد ،حيدث تغري جذري
يف الوضعية العائلية ،فيكون حتررها أكيدا.فتطور البنية االجتماعية اجلزائرية ،هلا عالقة بنظام
القيم ،ألن البني ة االجتماعي ة ،ع رفت والزالت تع رف أو تكتس ب ،بعض اخلص ائص اجلدي دة،
وذل ك عن طريق االس تعمار الثق ايف ،باالتص ال م ع الغ رب من جه ة ،وم ع القيم والتقني ات
العاملية من جهة أخرى.
هلذا تُعت رب دراس ة بوتفنوشت من أهم الدراس ات ،إن مل نق ل الوحي دة ،ال يت تن اولت البني ة
األسرية للمجتمع اجلزائري ،والتحوالت البنيوية ،اليت عرفتها العائلة اجلزائرية ،مركزا يف ذلك،
على أس باهبا ونتائجه ا ،وق د يب دو للوهل ة األوىل ،أن ه ذه الدراس ة ،ال عالق ة هلا مبوض وعنا أو
إش كالية حبثن ا ولكن األس اس يف البن اء االجتم اعي هي األس رة أو العائل ة ،و بالت ايل فم ا حيدث
من تغيي وحتول يف البنية األساسية أو اجلزئية ،بالضرورة سوف يؤدي إىل تغيري البنية العامة،
وهي اجملتمع ومن هذا املنظور فقد رأينا يف دراسة بوتفنوشت دراسة سابقة تتعلق حبثنا.
1
. BOUTEFNOUCHET, Op.cit ,P23.
139
يعترب رش AAيد حم AAدوش–1اس AAتاذ وب AAاحث جزائ AAري بجامعA Aة Aالجزائ AAر-أح د الب احثني يف جمال
الرب اط االجتم اعي يف اجلزائ ر ،و ذل ك بدراس ته ال يت أجراه ا من خالل تص ورات الش باب
اجلزائري مستعمال متغري التقاليد واحلداثة ،معتمدا على املنهج الكيفي مبقابالته ،لفئة مهمة من
اﻟجمتمع اجلزائري املعاصر ،كما يوضح ذلك .معتربا هذه الفئة األكثر مالئمة لقراءة التحوالت،
ال يت يعرفها اﻟجمتم ع اجلزائ ري ،وهي فئ ة ش باب الثمانين ات ،أي ش باب مابع د االس تقالل ،يف
اجملتمع احلضري.
يس تنتج من دراس ته ه ذه ،بوج ود ثالث أمناط من العالق ات االجتماعي ة ،تقابله ا ثالث
أمناط من األس ر ،وذل ك وفق ثالث أمناط من التفك ري ،ال يت ق ام باستخالص ها من مقابل ة لفئ ة
الش باب ال يت مت تنميطه ا إىل ،ثالث فئ ات ،وذل ك حس ب االس رتاتيجيات الفردي ة ،اليت يعم ل
على بنائها هؤالء الشباب وفقا لسلوكات وتصرفات منظمة.
. 1الرواب ط االجتماعي ة "احمللي ة أو التقليدي ة" :جندها عن د فئ ة من الش باب يص عب عليه ا
االنفصال عن جمموعتها األصلية ،أو جمموعة االنتماء (األسرة ،القرية ،احلي )...حيث جتد هذه
الفئة استقالليتها ،يف ما مدى تبعيتها ﺠﻤﻟموعتها ومجاعتها احمللية األوىل ،املتمثلة يف األسرة.
ه ؤالء"الش باب"املص نفون يف ه ذا النم ط من العالق ات ،يتموق ع على امت داد م ع أوليائ ه
وم ع"التقالي د" ،عالق ات اجتماعي ة ،ترتك ز أك ثر على التض امن ،والتب ادل األس ري ،وف ق
اسرتاتيجيات تضامن وتبادل ،وهنا الرباط االجتماعي ،موجود بشكل واضح و قوي.
كذلك هذا النمط من العالقات ومن الشباب ،يقابله منط من األسر ،يسميها باحثنا "بالنمط
المغلق"أو"النمط المحلي التقليدي" ،تكون نوع السلطة فيه عمودية ،هي أسرة حتافظ على
نظام داخلي حمدد بشكل صارم.
.2رواب ط اجتماعي ة "جمتمعي ة/تعاقدي ة أو حديث ة" :جندها تس ود عن د فئ ة أخ رى من الش باب
(التعاقدي احلديث) ،الذي يلح ويشدد ،على االنفصال شبه الكلي ،من جمموعته األوىل ،ومن
اجملتم ع الكلي املهيمن ،ففي مواض يع تتعل ق ب الزواج أو البن اء اهلوي ايت ،جند ه ذا بتص وراته على
.1حامدوش رشيد ،االسAAتراتيجيات العالئقيAAة ،الربAAاط االجتمAAاعي واشAAكالية التقاليAAد والحداثة،من خالل التصورات الشبانية مبدينة
اجلزائر ،رسالة دكتوراه ،جامعة اجلزائر.2007-2006،
140
تل ك التمثالت الس ائدة ،يف أس رته أو الش اب ينف رد جمموعت ه القريب ة ،هن ا ك ذلك جند أن ه ذا
النم ط ،من العالق ات والش باب ،يقابل ه منط من األس ر ،وص فناه"بالنم ط املفت وح" ،أو النم ط
التعاقدي احلديث منط يُشجع عن طريق ما مت استدخاله ،أثناء العملية التنشئوية ،على التفاعل
الكلي للش اب م ع وس طه الق ريب و اخلارجي ،ويش جع خاص ة ،على االنفص ال الش به الكلي،
من جمموعاته املرجعية واإلنتمائية األوىل.
.3أم ا النم ط الث الث من الرواب ط االجتماعي ة ،وه و النم ط الغ الب واألك ثر انتش ارا ،ه و
ذلك"النمAAط البيAAني الوسAAيط"من العالق ات االجتماعي ة ،وهي تل ك العالق ات ال يت تتم يز ب الال
استقرار ،التغري والتنوع ،ففي هذا النموذج ،جند أن فئة الشباب ،اليت مت تصنيفها ضمن هذا
النمط من العالقات حياول جاهدا ،االنفصال عن جمموعاته األوىل ،سواء كانت األسرة ،احلي
القري ة ،...وعلى العكس ،يُش دد على االتص ال ب اجملتمع الض اغط ،أو إع ادة وجتدي د املفاوض ة
ت ركيب وإع ادة ت ركيب لكل سلوكاﻬﺗم و تصرفاﻬﺗم ،يف مس ائل وقضايا تع ين ال زواج مثال ،أو
البناء اهلويايت وتصوير الذات وذلك وفق عملية ذهاب وإياب ،بني سلوكات "حملية/تقليدية"،
وأخرى "تعاقدية/حديثة".
و يقص د رش AAيد حام AAدوش أن الف رد يعيش يف تغ ري اجتم اعي ،مير من احمللي إىل الع ام من
خالل التنش أة االجتماعي ة أوال ،مث الت أثر ب اجملتمع و حلي اة احلض رية ثاني ا.كم ا يس ميها
1
.حامدوش ،نفس املرجع السابق،ص.379-378
2
.نفس املرجع السابق،ص.379
141
باالسAA Aتعدادات والعAA Aادات المكتسAA Aبة المشوشة أو م ا يطل ق علي ه بورديو باالسAA AتعداداتA
المشAAتتة ،ال يت يكتس بها الف رد ،وذل ك نس بة إىل ال دور ال ذي تلعب ه عملي ة التث اقف ،يف تنش ئة
األفراد االجتماعية 1.اليت تغلب وتطغى على الفرد.
لق د ق ام بلخض AAر م AAزوار–2أس AAتاذ وب AAاحث اجتم AAاعي جزائ AAري جامع Aة Aتلمس AAان-بدراس ة
ميدانية سوسيوأنثروبولوجية كيفية ،حول الدين والرباط االجتماعي يف اجلزائر ،حيث وضح يف
هذه الدراسة ،أن الدين عبارة عن رباط اجتماعي ،قد يساهم يف تقوية الروابط االجتماعية،
كما أنه قد يكون سبب يف تقسيم هذه الروابط وضعفها ،إذا مل ميارس بشكل صحيح ،وذلك
م ا توص ل إلي ه الب احث ،على أن اجملتم ع اجلزائ ري ،م ر مبراح ل وحتوالت اجتماعي ة ،أدت إىل
انقس ام الرواب ط االجتماعي ة في ه ،والس بب الرئيس ي يف ذل ك ،ه و ظه ور مجاع ة اإلس الميني يف
اجلزائر.
فبعد االستقالل وبالضبط خالل السبعينات ،بدأت الدولة باعادة الرتميم والبناء السياسي
واالجتماعي ،وبسبب الروح الوطنية والقومية ،اليت كانت بني أفراد اجملتمع اجلزائري،
استطاعت الدولة بناء نفسها ،حيث كانت الروابط االجتماعية متينة وقوية ،لكن يف أواخر
الثمانينات ظهر االسالماويون ،يف الساحة السياسية اجلزائرية ،حتت لواء الدين االسالمي،
حبكم الكتاب والسنة إال أن هذه اجلمات االسالمية ،أرادت تغيري اجملتمع اجلزائري ،باستعمال
العنف ،مما أدى إىل دخول اجملتمع يف مرحلة عنف وإرهاب وانقسام اجتماعي ،أدى إىل
وتفككهاà la fin des années 1980 l’islamisme … «. انقسام يف الروابط االجتماعية
fait son apparition sur la scène politique Algerienne islamisme qui
manifeste jusqua par la violence sa volonté de retour aux sources c’est-à-
3
» …dire au coran et à la sunna
1
.نفس املرجع السابق،ص.379
.بلخضر مزوار ،الدين و الرباط االجتماعي ،رسالة دكتورا ،جامعة وهران.2002،
2
3
.Belakhdar , MEZOUAR, « le lien social en Algérie », Etre projet nationliste et
stratégie identitaire islamiste, Actes de 4ème colloque national de sociologie le lien
social en question qu’en savons-nous en Algérie?,Université d’Alger, 2006,
142
ويرى بلخضAAر مAAزوار أن اجملتمع اجلزائري ،انقس م إىل طوائ ف ومجاع ات ،بعدما كان جمتمع
واحد يتقاسم نفس الدين والعادات والثقافة والتقاليد ،كما ظهر جيش إسالمي مضاد للسلطة،
هذا ما قسم اجملتمع ،إىل فرق كل وطائفته ،وبالتايل ضعفت الروابط االجتماعية ،بسبب العنف
ال ديين ال ذي ظه ر ،وجع ل األف راد يعيش ون يف رعب وخ وف وتباع د ،أص بح األخ خياف من
أخيه ،درجة كبرية من االنقس ام يف اجملتمع اجلزائري ،كما ظهر ن وع من االنقسام الثقايف يف
اجملتم ع ،فئ ة االنقس ام الثق ايف ال ديين وفئ ة االنقس ام الثق ايف الع ادي ،أص حاب االنقس ام الثق ايف
ال ديين هم أش خاص هلم مظه ر خ اص ( look islamiqueالقميص اللحي ة احلج اب) ،يف
ص راع م ع من ليس ل ديهم ه ذا املظه ر ،فه ذا االنقس ام الثق ايف الفك ري يف اجملتم ع ،أدى إىل
ضعف يف الرباط االجتماعي.
كما عرف اجملتمع اجلزائري أيضا ،نزوح كبري من الريف إىل املدينة ،بسبب العنف الذي
تعرض ت ل ه الق رى واملداش ر ،فتف رق األف راد وابتع دوا عن أهلهم وج رياهنم وأص دقائهم ،ك ل
ه ذه الرواب ط ت أثرت ،بس بب ه ذا ال نزوح والتح ول السوس يولوجي يف اجلزائ ر .وعام ة يؤك د
الباحث على أن االسالماويون كانوا سببا يف تقسيم اجملتمع اجلزائري ،وحتويله إىل جمتمع تطغى
علي ه الفرداني ة ،Individualismeرغم أن ه جمتم ع مس لم ،إال أن ه أص بح حيت وي على رواب ط
اجتماعية ضعيفة ومنقسمة سياسيا وثقافيا ،وعقائديا ،وعسكريا ،هلذا الفردانية تزيد يوما بعد
يوم ،ألن املشروع االسالمي ،إذا مل ميارس بشكله الصحيح ،ودون تزييف وترهيب ،سيؤدي
فعال إىل تقسيم وتفكك اجتماعي ،خاصة يف العالقات والروابط االجتماعية.
ق امت سAA A Aوالمية نورية-1أسAA A Aتاذة وباحثAA A Aة جزائريAA A Aة جامعAA A Aة معسAA A Aكر -بدراس ة سوس يو
انثروبولوجي ة للج رية كرب اط اجتم اعي ،يف اجملتم ع احلض ري ببلدي ة أرزي و بوالي ة وه ران،
page18.
.1نورية سواملية ،الرابAAط االجتمAAاعي الحضAAري،دراسة سوسيوأنثروبولوجية للعالقات االجتماعية بني اجلريان يف حي اهلضاب بأرزيو
والية وهران ،رسالة لنيل شهادة دكتوراه علوم يف األنثروبولوجيا ،جامعة وهران. 2015-2014 ،
143
مس تعملة املقابل ة كتقني ة منهجي ة ،ل32عائل ة يف حي اهلض اب مي دان الدراس ة ،ووج دت أن
الرواب ط االجتماعي ة ،تغ ريت عم ا ك انت علي ه ،وذل ك لع دة أس باب منه ا :التغ ري االجتم اعي
للمجتمع احلضري اجلزائري بشكل عام.
كم ا أن ط ول املدة الس كنية بني اجلريان ،ل ه أث ر كب ري يف تك وين عالق ات ج رية ،إض افة إىل
عامل الثقة النفسية يف تكوين هذه العالقات .وتزيد الروابط بني اجلريان ،بسبب صلة القرابة يف
بعض األحي ان أو األص ل اجلغ رايف املش رتك .إال أن رابط ة اجلرية تزي د أو تق ل حس ب املس توى
االقتص ادي والثق ايف لألس رة" ،فهي تض عف قليال ل دى األس ر امليس ورة مادي ا ،وذات مس توى
ثقايف عايل وتقوى عند الفئات العمالية البسيطة ،ذات الدخل املادي احملدود ،بسبب االعتماد
1
املادي املتبادل،كما أهنا تقوى لدى األسر املمتدة أكثر من األسر النووية".
ومما أنقص رب اط اجلرية أيض ا ،حس ب نوري ة س واملية ،ه و خ روج املرأة إىل العم ل ،ال ذي
أض عف الرواب ط االجتماعي ة ،نظ را لنقص ال وقت وزي ادة املس ؤليات ،على املرأة العامل ة .ومن
خالل ه ذا يب دو واض حا ،أن رب اط اجلرية تزي د ش دته وتض عف ،حس ب املك ان أي اجملتم ع
احلض ري والغ ري حض ري ،الس كن الف ردي والعم ودي ،وك ذلك املس توى الثق ايف واالقتص ادي
لألسر .زيادة على ذلك ترى الباحثة أن رباط اجلرية يف اجملتمع احلضري ،طبيعته احلقيقية هي
املصلحة يف غالب األحيان ،ألن الروابط اليت يشكلها األفراد ،ليست متماسكة بدرجة متاسك
الرواب ط الدموي ة أو القرابي ة...".مما ال ش ك في ه تق وم التجمع ات املص غرة ،داخ ل احلي على
أساس التجاور املكاين هذا األخري يلعب دورا يف انشاء تفاعالت بني األسر ،لكن ال جيعل من
عالق اهتم أولي ة متماس كة ،يف أغلب األحي ان....ورغم ذل ك فهم يتض امنون ،إذا م ا دعت
2
الضرورة لذلك ،واحتاجوا لبعضهم البعض".
كما تأك د الباحث ة ،على أن رابطة اجلرية مازالت قائمة يف جمتمعنا ،حس ب دراستها ويعود
ذل ك لوج ود العام ل ال ديين والتنش ئة االجتماعي ة ،ال يت تلعب دورا هام ا ،يف تك وين شخص ية
1
.نورية سواملية ،نفس املرجع السابق ،ص.258
2
.نورية سواملية ،نفس املرجع السابق،ص. 259-258
144
الف رد ،إض افة إىل ذل ك دور التقالي د .وهن ا يتف ق معظم الب احثني ،على أن التغ ري والتح ول
االجتم اعي ،هلم ا دور كب ري يف حتول الرواب ط االجتماعي ة ،بك ل أنواعه ا يف اجملتم ع اجلزائ ري،
كم ا أهنم يؤك دون على ظه ور ش كل جدي د من الرواب ط االجتماعي ة ،يف املدين ة تغلب عليه ا
املصلحة اخلاصة لألفراد.
كم ا أج ريت بعض الدراس ات األخ رى يف والي ة وه ران ح ول الرابط ة االجتماعي ة ،منه ا
دراسة جمموعة من الباحثني االجتماعيني جبامعة وهران ،على رأسهم حجيج الجنيد ومصAAطفى
1
CNEPRU عمشاني ومصطفى غماري ،يف اطار مشروع
حيث توصل هؤالء الباحثني إىل أن العالقات االجتماعية ،أصبحت ضعيفة أو غائبة يف مدينة
وه ران ،فهي تعيش أزم ة هوي ة عميق ة ،ألن الس كان يعيش ون حال ة من الفردانية ،فأصبح يقل
التواصل بني األسر ،يف األحياء اليت درسوها و هي حي الصباح وحي اليامسني ،نظرا لضعف
رب اط اجلرية أو انعدام ه ،يف بعض األحي ان إال عن د الض رورة،كم ا رأى ال دكتور حجيج ،من
خالل حبثه "بحي خميستي واسAAطو بAAوهران" A،على أن رغب القرب اجملايل بني األسر ،إال أنه
يفتق ر للق رب االجتم اعي بينهم ،قاص دا ب ذلك أن التباع د االجتم اعي ،ه و العام ل الط اغي يف
احلياة اليومية لألفراد ،وذلك لغياب العالقات االجتماعية فاألفراد يسكنون بالقرب من بعضم
البعض إال أهنم ال يتعايشون إال للضرورة.
145
خالصة الفصل الثاني
نستنتج من هذا الفصل أن أصحاب نظرية الرباط االجتماعي ،يقسمون الروابط حسب
املراحل االجتماعية ،أو بصورة أوضح يتحدثون على الروابط االجتماعية ،ضمن ثنائية اجملتمع
التقليدي ،واجملتمع احلديث أو اجملتمع الريفي واحلضري .كما أهنم يرون أن الروابط تكون قوية
يف اجملتمع ات الريفي ة والتقليدي ة ،بينم ا تض عف يف اجملتمع ات احلض رية الص ناعية ،مع ىن ه ذا أن
طبيعة الرابطة االجتماعية ،تتغري لتتحول طبيعتها من روابك دموية طبيعية أساسية ،بني األفراد
لتص بح طبيعته ا مص لحية نفعي ة ،تتأس س على الفرداني ة ،خاص ة منه ا يف اجملتمع ات الص ناعية
الكبرية.
146
فمثال موق ف إمي AAل دورك AAايم A،يؤك د على أن الرواب ط االجتماعي ة اجيابي ة ،داخ ل اجلتم ع
والوعي اجلماعي ،وهو يفسرها من خالل تقسيم العمل االجتماعي ،فنوعية التضامن من آيل
إىل عضوي هي اليت تأثر يف الرابطة االجتماعية ،وما يزيدها قوة أو ضعفا هو الضمري اجلمعي
السائد يف اجملتمعات ،ألن الروابط االجتماعية تستمد قوهتا من الضمري اجلماعي.
أما بالنسبة لتوماس هAوبز ،فقد اعترب أن اإلنسان ذئب ألخيه اإلنسان ،تسيطر عليه غريزة
البق اء لألق وى .وعلى ه ذا االس اس ،نق ول ان مقارب ة دوركAA Aايم ه و ال دفاع عن الرب اط
االجتم اعي من خالل مفه وم التب ادل والتض امن ،ال ذي ينش أ بني األف راد ،من خالل تقس يم
العمل االجتماعي .أما مقاربة توماس هوبس ،فهو يتحدث عن الرابطة االجتماعية ،من خالل
مفه وم األذي ة بني البشر ،إذ جيب دائم ا احلذر ،رغم الرتابط بني األف راد يف اجملتم ع ،ألن األذية
غريزة يف البشر كما قلنا.والرابطة االجتماعية عند كونت ،تقوى باالتساق االجتماعي ،املتمثل
يف االنسجام بني األفراد من خالل التفاهم يف األفكار ،و هو شرط أساسي للتماسك و الرتابط
االجتماعي.
أما يف اجملتمعات اإلسالمية ،يفسرها مالك Aبن نبي على أهنا تكون يف نشأهتا قوية ،وتضعف
وتتفكك ،رغم وجود األفراد وكثرهتم ،ألهنا تصبح خالية أو فارغة العتمادها على املصلحة
اخلاص ة و الفرداني ة احلض رية.وهلذا يب دو أن ك ل علم اء االجتم اع ،ال ذين ذكرن اهم من خالل
نظريات الرابطة االجتماعية ،واجملتمع احلضري ،حتدثوا عن احلياة احلضرية و السلوك احلضري
للفرد ،ووجدوا أن الروابط االجتماعية احلضرية ضعيفة ،مصلحية.
فمAAاكس فيAAبر مثال ي رى أن األف راد حس به ،ليس وا مس ريين من ط رف اجملتم ع فق ط ،وإمنا
يقومون بروابط وعالقات عقالنية ،تقوم ألجل بلوغ األهداف ،اليت يريدون الوصول اليها.
وك ذلك تون AAيز ال ذي ي رى أن اإلنس ان ينس ج رواب ط عقلي ة مص لحية ،مما ي ؤدي إىل تالش ي
الرابط ة االجتماعي ة يف اجلتم ع احلض ري ،رغم اش رتاك أفراده ا يف جمموع ة من العوام ل
واملقومات ،فتغلب الفردانية واألنانية.
147
مبع ىن أن الرب اط االجتم اعي ل ديهم ،يتغ ري ويتح ول من مرحل ة إىل أخ رى ،حس ب الف رد
واجملتمع الذي يعيش فيه .ألن الفرد يف اجملتمع الريفي ،خيتلف عن الفرد يف اجملتمع احلضري،
وهو نفس ما حتدث عنه ابن خلدون ،على أن البدو خيتلفون عن احلضر ،يف كل شيء وخاصة
العقلية وأسلوب احلياة ،فالرباط الذي هو العصبية ،يتأثر بالتغري االجتماعي ،الذي يعيشه الفرد،
ألن العصبية يف اجملتمع البدوي تكون قوية ،وتضعف شيئا فشيئا يف اجملتمع احلضري.
إذن هذا ما يتفق عليه كل علماء االجتماع ،الذين تطرقنا إليهم.وحىت ما توصل إليه الكثري
أمث ال الب احثPutnam D من الب احثني يف جمال الرواب ط االجتماعي ة ،يف أوروب ا و أمريك ا،
Robertال ذي حتدث عن أزم ة الرب اط االجتم اعي ،ال ذي أص بح مييز اجملتمع ات الغربي ة
وباألخص اجملتمع األمريكي ،فقد اعترب الوقت املسخر للقاءات االجتماعية ،كاحلفالت املقامة
ُ
يف احلي ،أو الوجب ات العائلي ة ،ق د تقلص ت ح ىت ممارس ة الرياض ة ،ال يت ك انت مُت ارس مجاعي ا،
أص بحت متارس أم ام التلف از كم ا توص ل الب احث ،إىل أن الرابط ة االجتماعي ة ،تُق اس حس ب
درج ة التع اون والتب ادل والثق ة يف اجملتم ع .فه و ي رى أن ختلي الف رد عن تعهدات ه ،اجتاه جمتمع ه
احمللي ،سوف تؤدي اىل تالشي الرابطة االجتماعية.
وهناك من الباحثني أيضا ،من أرجع أزمة الرابطة اإلجتماعية ،اىل احلرية اليت ُأعطيت لألفراد
يف حتديد عالقاهتم االجتماعية ،خاصة يف اجملتمعات احلديثة الصناعية ،مع عدة أساب أخرى
1
لعبت دور يف تالشي الرباط االجتماعي ،كزيادة الفوارق االجتماعية ،والفردانية.
يعين هذا وحسب النظريات ،أن طبيعة الرابطة االجتماعية يف املدينة ،هي رابطة قائمة على
العقالنية ،و املصلحة الشخصية و الذاتية.كما أهنا ظاهرة ديناميكية تتغري حسب طبيعة اجملتمع
من ريفي إال حضري.هذا ما ميهد لنا الدراسة امليدانية ،مع العلم أن الرابطة االجتماعية ،ختتلف
من جمتمع إال آخر ،كما أهنا تتأثر بالعامل الديين والعقائدي لألفراد .وحنن بصدد دراسة جمتمع
.Christophe Janssen, MARQUET, Lien social et internet dans l'espace privé,
1
148
إس المي ي ؤمن بأمهي ة العالق ات االجتماعي ة ،بني األف راد من قراب ة وج رية وغريه ا .ه ذا م ا
سنتحقق منه يف الدراسة امليداين للمجتمع احمللي املدروس.
كما أن الدراسات السابقة اليت ُأجريت يف اجملتمع اجلزائري ،حول الرابطة االجتماعية بكل
أنواعه ا،تؤك د على أن ه ذه األخ رية ،ع رفت تغ ريا كب ريا بع د الف رتة االس تعمارية ،وبداي ة
االس تقاللنظرا لل نزوح ال ريفي الكب ري ،ال ذي عرف ه اجملتم ع اجلزائ ري ،حيث ك انت اهلج رة
الداخلي ة وح ىت اخلارجي ة هلا أث ر كب ري يف تغ ري الرواب ط االجتماعي ة ،بداي ة بالرواب ط القرابي ة،
لتش مل ك ل الرواب ط األولي ة .إال أن ه ذا التغ ري ،مشل ع دة ج وانب ،منه ا األس رة ،ال زواج،
التنشئة االجتماعية ...هي األخرى تغريت حيث ظهرت األسرة النووية ،كما استنتج ذلك
عدي الهواري ،مع تغري الزواج من داخلي قرايب إىل زواج خارجي .
فالرابط ة االجتماعي ة متر من جمتم ع حملي إىل ع ام ،من خالل تأثره ا بالتنش ئة االجتماعي ة
نستنتج أن التغري االجتماعي ،مشل اجملتمع اجلزائري وكل عناصره ومكوناته ،إال أن هذا التغري
مل يُؤثر بشكل جدري يف الروابط والعالقات االجتماعية ،مبعىن أن الروابط تتغري ولكنها ال
ضعف كبرية ،مثلما حيدث يف اجملتمعات الغربية.
تزول أو تصل لدرجة ُ
الفصل الثالث
متهيد
.1مفهوم املدينة
.2أمناط املدينة
.2.3نظرية القطاع
149
.3.3نظرية النوى املتعددة
.2املوقع واملناخ
.1.6التجهيزات التجارية
150
الفصل الثالث
تمهيد
إن أبرز ما يهتم به الباحثني يف علم االجتماع احلضري ،هو موضوع المدينة ،كظاهرة
حض رية خصوص ا وأن فهم ه ذه الظ اهرة ،يُع د مطلب ا جوهري ا ،يُعني يف تعمي ق وفهم أح د
العمليات االجتماعية األساسية يف علم االجتماع ،واملتمثلة يف ظاهرة التغري االجتماعي وحتول
الفرد من الريف إىل املدينة باكتساب السلوكات والثقافة احلضرية املوجودة فيها.
كم ا جند بع د دراس تنا لظ اهرة املدين ة أهنا من ذ نش أهتا م رت مبراح ل تطوري ة ،نظ را لعوام ل
ك انت س ببا يف ه ذا التط ور كالتص نيع ،التكنلوجي ا وغريه ا من العوام ل ،هلذا تع د املدين ة من
املصطلحات الصعبة التعريف ،بسبب ارتباطها بالريف وعند حماولة حتديد املدينة كمفهوم ،يقع
الب احث يف االرب اك املفه ومي ،ه ذا م ا وق ع في ه علم اء االجتم اع احلض ري ،ال يتفق ون على
151
تعري ف حمدد ،فهن اك من ي رى على أن املدين ة هي جتمع ات س كانية كب رية ،تعيش على قطع ة
أرض ،حمدودة نسبياويُضيف البعض إىل ذلك ،أن هذه الوحدة السكانية ،متتاز باعتمادها على
الص ناعة والتج ارة أو عليهم ا مع ا ،كم ا متت از بالتخص ص يف العم ل 1.هلذا وجب علين ا قب ل
احلديث عن مدين ة الس انية واجملتم ع احمللي احلض ري املدروس هبا ،أن نتع رف أوال على املدين ة
نظريا من الناحية السوسيوحضرية.
.1مفهوم المدينةA
إن ما يهمنا يف تعريف املدينة هو اجلانب السوسيولوجي ،حيث يعرفها لويس ويAAرث على
أهنا "املكان الذي حيتوي على جتمعات هائلة من السكان ،كما تُقام فيها مراكز حمددة ،تعمل
على اش عاع األفك ار ،واملمارس ات ال يت تُنمي أس لوب ومنط حي اة احلض رية احلديث ة ،داخ ل
املدين ة" 2من خالل ه ذا التعري ف ،يب دو أن التحض ر عملي ة تتم كأس لوب يف احلي اة من خالل
تنشئة االفراد تنشئة حضرية ،كما جند أيضا تعريفا لروبارت بارك Robert Parkيف مقاله
املعنون ب"مقرتحات حول دراسة السلوك االنساين يف البيئة احلضرية" يرى أن املدينة ليست
جمرد وحدة أيكيولوجية ،بل هي يف نفس الوقت ،وحدة اقتصادية ،يقوم تنظيمها االقتصادي
على تقس يم العم ل ،ويعت رب ذل ك دليال على النم و الواض ح ،يف املهن واحلرف ،داخ ل نط اق
1
عواطف فيصل األبياري ،المدينة والتحضر ،مصر ،القاهرة ،دار النهضة العربية، 1986،ص.11
.2حمم د عب اس اب راهيم ،التص AAنيع والتحض AAر دراس AAة أنثروبولوجي AAة لمدين AAة كيمابأس AAوان ،دار املعرف ة اجلامعي ة ،مص ر ،االس كندرية،
،2001ص.37
152
السكان احلضريني وينتهي بارك بقوله:إن املدينة ،تعترب منطقة ثقافية ،تتميز بنمطها الثقايف املميز
1
هلا.
فهي ليس ت جمرد جتمع ات من الن اس ،كم ا أهنا ليس ت جمموع ة من النُظم واإلدارات ،وإمنا
هي اجتاه عقلي وجمموعة من العادات والتقاليد ،إىل جانب تلك االجتاهات املنظّمة والعواطف
املتأص لة ،ألهنا مك ان إقام ة ط بيعي لإلنس ان املتم دن وهي ب ذلك منطق ة ثقافي ة ،تتم يز بنمطه ا
الثقايف املتميز 2.أما ماكس فيبر فيُعترب من األوائل ،الذين حاولوا إجياد تعريف للمدينة ،حيث
يق ول :إن هن اك عنص راً واح داً مش رتكاً بني التعريف ات العدي دة ،وه و أن املدين ة ،تتك ون من
جمموعة أو أكثر من املساكن املتفرقة ،لكنها نسبياً ،تُعترب مكان إقامة ُمغلق ،ومع ذلك ،فليس
صحيحاً دائم اً ،أن نطلق على كل احملليات ،مصطلح املدن ،إن كانت احلياة فيها ،تقوم على
3
التبادل التجاري.
ويتف ق أغلب علم اء االجتم اع على أن املدين ة عب ارة عن فك رة جمردة ،ولكن العناص ر ال يت
تتك ون منه ا مث ل اإلقام ة ،البن اءات الداخلي ة ووس ائل املواص الت ،عب ارة عن موج ودات،
مشخصة هلا طبائع خمتلفة ،ولذلك فإن ما جيعل املدينة شيئا حمددا ،هو ذلك التكامل الوظيفي،
لعناصرها املختلفة على هيئة وحدة كلية ،ومع ذلك ال يكون للمدينة وظيفة واحدة ،بل أن
البحث قد أثبت أن هلا عدة وظائف ،وليس معىن هذا ،أن وظائف املدينة ،توجد يف كل مدن
4
بال استثناء.
فاملدين ة إذن هي ذل ك اجملتم ع ،ال ذي يتم يز خبص ائص ،ختتل ف عن الري ف ،كزي ادة حجم
السكان ،التطور التكنلوجي والصناعي وحسب احصائيات 5 2008مت حتديد مفهوم املدينة أو
-وكش روط مكمل ة وج ود املستش فيات أو العي ادات املتع ددة اخلدمات ،ثانوي ة أو مؤسس ة
التعليم املتوس ط ،وج ود هياك ل ثقافي ة اجتماعي ة ،ك دور الش باب على س بيل املث ال ،وهياك ل
رياضية ترفيهية وكذا إدارية كالربيد واحملاكم وغريها من املؤسسات.
.2أنماط المدينة
ترتب ط املدين ة بعالق ة قوي ة م ع حميطه ا وال ميكنه ا أن تك ون معزول ة عن بيئته ا و وجهته ا
وجمتمعه ا الش امل ال يت تش كل هي نفس ها ج زء من ه ،و وض يفتها الداخلي ة مرتبط ة بوظيفته ا
اخلارجي ة ،هلذا فاملدين ة مندجمة إن دماجا كلي ا ،إقتص اديا وإجتماعي ا وثقافي ا م ع بيئته ا وحميطه ا
وجمتمعها.
أ.مفهوم AالميAتروبوليسA:بسبب توسع املدن وتضخمها ظهرت املدن املليونية ،وهي اليت ترتبع
على رقع ة جغرافي ة واس عة ،تتم يز بامت دادهتا العمراني ة املتص لة حنو أطرافه ا ،مما أدى إىل ظه ور
املدن امليرتوبوليتاني ة أو املي رتوبوليس أو اإلقليم احلض ري ،ال ذي يض م ع دة وح دات حض رية
متجاورة.
154
اإلدارية وسلطتها القومية ،وجنده يف املدن الكبرية كالعواصم اإلدارية واإلقتصادية والصناعية،
وأول من اس تعمل مص طلح املي رتوبوليس ه و رودريAAك مAAاكنزي R.Meckenzieيف كتاب ه
(اجملتم ع احمللي امليرتوبولي يت) س نة 1938يُعرف ه كم ا يلي":املرك ز احلض ري جمموع ة من
التجمعات احلضرية الصغرية حبيث تستوعب بداخله ،عددا متنوعا وخمتلفا ،من اجملتمعات احمللية
املستقلة ،ليقوم بدور الوحدة اليت حتقق تكامل هذه اجملتمعات" 1.وهنا جنده يرمز إىل اإلقليم،
واملدن الكثرية مبعىن هو جمموعة من املستوطنات الريفية احلضرية ،تتحقق له درجة كبرية من
التكامل من خالل سيطرة مدينة مركزية ،اليت حتفظ له الطابع احلضري للحياة والعيش.
ب.مفه AAوم الض AAاحية:هي موق ع حض ري على مس افة حمدودة من مرك ز املدين ة األم ،تُع رف
مبنطق ة االنتق ال الي ومي للعم ل من وإىل املدين ة املرك ز ،نظ را الرتباط ه هبا ،حيث يُقيم فيه ا
السكان مرتبطني باملركز من الناحية املهنية ،وعادة ما تتكون من سكان خارجني عن املركز
وآخ رون ق ادمون من الري ف ،فهي ُملتقى س كاين ريفي حض ري ،كم ا يُعرفه ا البعض بأهنا
2
املنطقة احمليطة باملدن أو التابعة املدن امليرتوبوليس.
ج.األطراف الحضAرية:متثل األطراف احلضرية البعد املكاين ،الذي يستوعب املد امليرتوبولييت
للمدينة وهي تقع عادة بني ضواحي املدينة والقرى الزراعية من حوهلا ،وهي منطقة تفاعل بني
منطي احلياة الريفية واحلضرية ،بني النازحني الريفيني اجلُدد ،والسكان احلضريني النازحني ،من
3
مركز املدينة.
155
1
جدول رقم .1يوضح أنواع المدن حسب قانوني 2001-20و 2006-06
وحسب إحصائيات 22008تبدو أن مدينة السانيا مكان الدراسة ،مدينة صغرية ذات وحدة
حض رية ،ي رتاوح عدد س كاهنا حوايل 220.000نس مة سنة . 2008أم ا كثافته ا الس كانية
فقدرت ب 1211 :نسمة/كم ،²وقد تزايد العدد يف 2016طبعا.
بدأت املدن منذ أواخر القرن التاسع عشر تنمو منوا كبريا وتعرف ازدحاما ،يعيش فيها
ماليني البشر ،األمر الذي استدعى ظهور وتطوير نظريات ذات طبيعة ختطيطية ،أي نظريات
وق وانني ،ال حتاول دراسة ظاهرة التحض ر وتفس ريها فحسب بق در م ا حتاول الت دخل يف ه ذه
الظ اهرة وفهمه ا ،ض بطها مبا خيدم رفاهي ة اإلنس ان وجيع ل معيش ته س هلة ميس رة داخ ل املدين ة
ومن أبرز هذه النظريات نذكر:
.1.3نظرية Aالنموذج الدائري المتراكز
.1حممد السيد غالب وآخرون ،جغرافيا الحضر،دراسة يف تطور احلضر و مناهج البحث فيها ،ط،1القاهرة ،مصر ،دار الكتب
اجلامعية ، 1972ص .171وانظر:ايضا،السيد عبد العاطي ،مرجع سبق ذكره.403،
.2السيد حنفي عوض ،علم االجتماع الحضري ،شركة األمل للطباعة والنشر ،القاهرة، 1986ص40
157
واالخنف اض امللح وظ يف ال دخل الف ردي وانتش ار األم راض االجتماعي ة ،كظه ور التفك ك
االجتماعي،كما يسودها أحوال سكنية متدهورة ،حيث تكثر األكواخ واملنازل القدمية وتنتشر
خمازن السلع والبضائع واملصانع والغرف املفروشة لإلجيار....أما ساكين هذه املنطقة ،فهم على
اخلص وص األقلي ات العنص رية واالثني ة ،امله اجرون اجلدد ،األف راد دون م أوى واهلامش يني،
والس بب أن الس كن واملهن ال يت توج د يف املنطق ة االنتقالي ة مرفوضة اجتماعي ا ،فإهنا توص ف
ع ادة ب االحنالل والفس اد اخللقي والف يزيقي وحس ب نظري ة ب AAرجس ،ف إن املنطق ة األوىل متت د
فيزيقي ا ،من خالل عملي يت الغ زو واإلحتالل ،على حس اب املنطق ة الثاني ة ،اليت تتوس ع وتغ زو،
هي األخرى املنطقة املوالية .
.3منطق Aة Aس AAكن العم AAال A:يقطن ه ذه املنطق ة العم ال ذوي الياق ات الزرق اء ،وأص حاب املهن
الكتابي ة وأطف ال امله اجرين ،هلم تطلع ات لتحس ني مس توى معيش ة أطف اهلم ودفعهم لص عود
السلم االجتماعي.
.4منطق AAة س AAكن الطبق Aة Aالوس AAطى :تتض من ه ذه املنطق ة ،مس اكن األس رة الواح دة ،وأحي اء
األعمال احمللية ،والشقق اجلميلة والعمارات مع بعض فنادق اإلقامة ،يسكن هذه املنطقة ذوي
الياقات البيضاء وأصحاب املهن وصغار املنظمني.
.5منطقة Aالسفر اليومي أو الضAAواحي :تقع منطقة السفر اليومي خارج حدود املدينة ،ومتثل
منطق ة س كنية ،ل ذوي ال دخل املرتف ع ،كما ميكن أن تك ون مق را لبعض األحي اء املتخصص ة
تتكون من الطبقات العليا والوسطى ،كما أن معظم سكاهنا من الذين يقومون برحلة العمل
اليومية.
حيث يف رتض بAAرجس ب أن ه ذه املن اطق ي رتاوح اتس اع كال منه ا ،من مي ل إىل ميلني وك ل
منطق ة تتم يز عن األخ رى من حيث اس تخدامات األرض ،واحلال ة اإلجتماعي ة وغريه ا من
اخلص ائص العام ة ،كم ا رأى أن املدين ة تنم و وتتط ور على ش كل عملي ة تب دأ من ال داخل إىل
اخلارج ،مرجع ا الس بب يف ذل ك إىل التوس ع والض غط ،ال ذي يُول ده منو املنطق ة التجاري ة
158
والصناعية على املنطقة السكنية ،بإلضافة إىل منو هذه املنطقة األخرية ،يرغب سكاهنا باالبتعاد
1
عن مركز املدينة الصاخب وخاصة بعد أن يرتفع مستوى معيشتهم.
اعت ربت ه ذه النظري ة واح دة من النظري ات ال يت تبحث عن من اطق ال رتكز ،حيث رأى أن
البني ة الداخلي ة للمدين ة وتوس عها ،حنو األط راف ال يت ت رتكب وظيفي ا من 5من اطق دائري ة
الشكل ،حتيط الواحدة باألخرى ،هلذا نالحظه هنا ،ينطلق من فكرة النمو والتوسع ،ليدرس
عملي يت الغ زو واالحتالل ،أي أن توسع األعم ال املركزي ة ي ؤدي إىل غزوه ا للمنطق ة الثاني ة،
وتوسع هذه األخرية يؤدي إىل غزو الثالثة ،فكلما ازدادت املسافة عن مركز املدينة ،كان هناك
ميل حنو زيادة أحجام القطع األرضية واخنفاض يف كثافة التملك .
.2.3نطرية Aالقطاع
ظهرت هذه النظرية يف هناية الثالثينات 1939كرد فعل على االنتقادات اليت تعرضت هلا
نظري ة ب AAرجس ،حيث حتق ق ذل ك ،حينم ا ق دم ص احب ه ذه النظري ة ه AAومر ه AAويت ،إط ارا
تصوريا حياول فيه حتديد النمط االيكولوجي للمدينة يف ضوء فكرة القطاع .
و ذلك بعد دراسته ل 142مدينة ،من ناحية إجيارات املساكن ومميزاهتا ،فاملدينة تنقسم إىل
قطاع ات خمتلف ة ال حلق ات وأن الس كان يتجه ون يف انتق االهتم إىل ح دود حمور حمدود ،كلم ا
منت املدينة ،زادت التجمعات السكنية الغنية إنتقاال خارج مركز املدينة ،فقد أستعمل هويت
حقائق تتعلق بسعر العرض ،وقيمة اإلجيار للمناطق السكنية ،فتوصل من خالهلا ،إىل تعميمات
مفيدة عن املناطق السكانية ،يف هذه املدن ،واختاذها أساسا لنظرية القطاعات.
.1حممد حافظ ،النمو الحضري في المجتمع Aالمصري ،دراسة بنائية تارخيية ،مصر ،القاهرة ،دار سعيد رأفت للطباعة والنشر،
،1987ص29
159
كما وجد هويت ،أن سعر اإلجيار ،يعكس مثن األرض ،ويؤثر يف استعماالت أرض املناطق
الس كنية ،وت رتيب ه ذه املن اطق يف قطاع ات ،أو أذرع تتش عب من مرك ز املدين ة ،ومتت د على
طول طرق املواصالت ،وليست على شكل دوائر مركزية ،كما رأى برجس ،مالحظا أنه إذا
أبدا القطاع مبنطقة سكنية مرتفعة اإلجيار ،فإن هذا القطاع ،يبقى حمافظا على الدور الراقي ،إىل
النهاي ة خالل توس ع املدين ة ،وه ذا ص حيح أيض ا ،إذا ب دأ القط اع من املرك ز مبنطق ة منخفض ة
1
اإلجيار ،فهناك ختصص يف القطاعات املختلفة من حيث استعمال األرض.
يبدو واضحا أن حتديد سكىن القطاعات ،أو سكىن الطبقات االجتماعية ،يعتمد على القيم
االجيارية ،ولكي يتضح األمر ،درس هوايت بصفة خاصة ،متغري الدخل ،واتضح له أن ما حيدد
انتشار املناطق السكنية ،هو دخل األفراد ،وما حيكم الرتكيب الداخلي للمدن ،هو الطُرق اليت
خترج من قلب املدينة ،إىل األطراف واستنادا إىل الفهم اخلاص ،الذي قدمه هويت لنمو املدينة
أكد أن النمو احلضري ،يتحدد يف ضوء امتدادات النمط السائد ،من أمناط استخدام األرض.
يعين هذا ،أنه نظر إىل املدينة كدائرة ،وإىل املناطق املختلفة كقطاعات ،كما أوضح أن النمو
احلضري ،يتم بأقصى سرعته على خطوط ،النقل الرئيسية وعلى طول اخلطوط األقل مقاومة .
.3.3نظرية النوى المتعددة
Haris Uhman ظهرت هذه النظرية ،يف منتصف األربعينات من طرف هاري وألمان
مس تندة إىل فك رة أساس ية ،تؤك د أن النم و يف املدينة ،ال يعتم د على ن واة واح دة ،إمنا على
نويات متعددة ،مبعىن أن عدد املراكز يف كل مدينة ،ال مركز واحد ،وأن كل مدينة ،ختتلف يف
نوع وعدد مراكزها ،فهناك املنطقة التجارية املركزية ،وهي النواة الرئيسية يف املنطقة احلضرية،
وعندها تلتقي يف طرق املواصالت ،وميكن تقسيم هذه املنطقة إىل عدد املناطق.
أما املباين احلكومية والعامة ،فإهنا غالبا ما تتجمع ،وتقع بالقرب من منطقة خمازن بيع الفرد
التجارية ،أما نقطة بيع باجلملة ،فإهنا متتد عادة على طول سكك احلديد ،بالقرب من املنطقة
التجاري ة ،أم ا الص ناعات اخلفيف ة ،فإهنا حتت اج إىل نفس متطالت ،موق ع مؤسس ات اجلمل ة
1
.عبد اهلل العطوي ،جغرافية المدن ،ج،3دار النهضة العربية ،بريوت، 2003،ص. 128
160
كاملك ان الواس ع ،وس هولة املواص الت ب القرب من الس وق ،واألي ادي العامل ة يف املدين ة ،أم ا
املنطقة السكنية فقد قسمت إىل أربع أقسام،كل قسم يقع يف سكن الطبقات املتوسطة:
.1منطقة سكن الطبقات الفقرية.2.منطقة سكن الطبقات املتوسطة.3.منطقة سكن الطبقات
1
الغنية.4.منطقة الضواحي السكنية.
ويرجع ذلك إىل مايلي:أ .حتتاج بعض نواحي النشاط يف املدينة ،إىل تسهيالت خاصة ،فهي
جتارة القطاع ،ينشأ عادة يف املراكز ،الذي يؤمن أكرب عدد من الناس ،وحىت امليناء ينشأ جبوار
البحر ،وحىت الصناعات جبوار النهر أو البحر ،وعند فقط إلتقاء الطرق أو السكك احلديدية.
ب.تستفيد بعض ضواحي ،ن واحي النشاط يف املدينة ،من وجودها يف مكان واحد ،فتجتمع
جتار القطاعي مثال ،يف مكان واحد يفيدهم مجيعا ألن هذا يسهل على العمالء عملية الشراء.
ج.تنف ر بعض ن واحي النش اط يف املدين ة ،من بعض ها ،فاملنطق ة الغني ة مثال ،تنف ر من منطق ة
الصناعة وتسكن يف أبعد مكان عنها.
د.ال تتمكن بعض ن واحي النش اط يف املدين ة ،من حتم ل عبء األرض ذات القيم ة املرتفع ة ،يف
وس ط املدين ة ،فتجار اجلملة مثال ،يبعدون عن وس ط املدين ة ،ألهنم حيتاجون ملس احات كبرية
2
لتخزين بضائعهم.
لقد شكلت هذه النظريات ،نسقا فكريا يعكس اجتاها متميزا ،حول االهتمام بدراسة النمط
االيكول وجي للمدين ة ،وم ع ذل ك فهن اك ف روق بني النظري ات الثالث،ترج ع إىل املنظ ور ال ذي
تبناه كل منهما و نظر من خالله إىل هذا النمط .
.IIمدينة Aالسانيا: Aدراسة وصفية
1
.عبد اهلل العطوي ،املرجع السابق،ص. 139
2
.عبد املنعم شوقي ،مرجع سابق ص. 142
161
البيئي ة احمليطة ب ه ،مبع ىن يقوم ون بدراس ة أيكولوجي ة للمدين ة ،فهن اك العدي د من العلم اء ال ذين
أدخل وا املنهج األيكول وجي يف جمال العل وم االجتماعي ة واالنس انية يف أوائ ل الق رن العش رين
وخاصة يف أعمال تشارلس جالبين ،يف كتابه عن التشريع االجتماعي ،ألحد اجملتمعات احمللية
الزراعي ة ع ام .1915حني بني العالق ات املتبادل ة ،بني الن اس والبيئ ة ،و وض ع خريط ة عام ة،
تُبني أنواع النشاطات املختلفة ،وتوزيعها يف خمتلف املناطق ،وبني أن هناك مناطق طبيعية تظهر
تلقائيا نتيجة لتوافر ظروف ايكولوجية معينة ،وأن كل منطقة من هذه املناطق ،تتطلب نوعا
من أنواع معينة من النشاط االجتماعي ،يتالءم مع هذه الظروف1.وكذلك ما قدمته مدرسة
ش يكاغو من وص ف أيكول وجي ملدين ة ش يكاغو،ك ان ل ه دور كب ري يف حق ل األنثرولوجي ا
احلضرية.
ولدراس ة املدين ة بش كل متكام ل ينبغي التع رف على موقعه ا اجلغ رايف ،وح دودها املكاني ة
وظروفها ،من حيث املناخ والطقس البيئية ،كما أنه من الضروري أن حنصر سكاهنا ليس من
حيث احلجم فق ط وإمنا أيضا من حيث ت وزيعهم وخصائص هم واجلانب االقتص ادي والسياس ي
هلا.
كما أن للبعد التارخيي دور يؤدي اىل تفسري األوضاع احلالية اليت تعيشها املدينة ،سواء من
حيث النشأة أو التطور أو األوضاع املستقبلية مع دراسة وصفية ملستوى التعليم ونظام السكن
أي أن ه باختص ار ،ص ورة لنوعي ة احلي اة ال يت يعيش ها س كان احلض ر يف اجملتم ع احلض ري ال ذي
ندرس ه .وه ذا م ا جعلن ا نق وم بوص ف ش امل للمجتم ع احلض ري واملتمث ل يف مدين ة الس انية،
جمتمع الدراسة.
تعود نشأة مدينة السانية إىل حوايل سنة ،1855أين وقعت عملية الفرز اليت مسحت
خبل ق حرك ة تكتالت بالس انية ،ونظ را ملوض عها داخ ل ح وض ،مُس يت هبذا االس م ،أال وه و
1
.أمحد أبوزيد ،البناء االجتماعي،مدخل لدراسة المجتمع،األنساق،Aج،2اهليئة العامة للكتاب،مصر ،االسكندرية،1979،ص.11
162
الص AAحن مما يعكس حقيق ة الوض عية املورفولوجي ة واجليولوجي ة لط ابع املدين ة ،ك ون أرض يتها
سAانِيَة Aيف أصلها كلمة عربية وهي مجع َس َو ٍان:ما يُعرف بالساقية أو
مسطحة .وتُعترب كلمة ال َّ
الن افورة "اس تخدم ه ذا االس م من قب ل الع رب ال ذين احتل وا ش رق ه ذه املدين ة قب ل ،1844
وكان هبا املياه ،فكل فرد يأيت للمدينة حيفر بئر عميقة (حوايل 2مرت) ،مما يسمح له بالعمل يف
قطع ة أرض لتلبي ة احتياجات ه اخلاص ة ،هلذا عُرفت"باحلديق ة النباتي ة" ،تُرمجت إىل العربي ة
الفصحى"بالسانية" وكذا احندارها الطبيعي املقدر ب .%15
ويف سنة 1930كانت مساحة مدينة السانية عبارة عن أراضي للكوروم ومزارع مستعمرة
يف اجلن وب ،أم ا بالنس بة لتوس عها العم راين ،فق د مترك ز على حمورين ،مها الطري ق الوط ين
RN2Aوالطري ق ال والئي ،CW83وهك ذا تك ونت القري ة املس تعمرة ودوار الع رب بعني
البيضاء.ويف سنة ،1970إختصر النسيج العمرامني يف حمورين:
.1احلي االستعماري يف الغرب :مشل جمموع من الشاليهات وقواعد الطريان العسكري (حمطة
الراديو و حمطة Aérodromeيف اجلنوب .فتنصيب هذه القواعد منح احلي وظيفة عسكرية.
.2دوار العرب :يف الشرق احملدد بالطريق الثانوي CW33وهران السانيا ،إنشغل األهايل يف
ه ذه املنطق ة بالفالح ة و املزارع .ويف س نوات اخلمس ينات مترك ز اجليش الفرنس ي يف ال رتاب
الوطين مما مسح بإنشاء خميم آخر لضباط عسكريني سامني ،عشرون مدينة فردية كانت مبنية
1
عند حدود الدوار.
.2الموقع AوالمناخA
تقع مدينA Aة Aالس AAانية يف والي ة وه AAران باجلمهوري ة اجلزائرية ،وتُعت رب من أهم البل ديات يف
الوالي ة حتدها مشاال مدينة وه ران وغرب ا بلدية مس رغني ،ش رقا بلدية س يدي الش حمي ،بلدي ة
الكرمة يف اجلن وب الش رقي وس بخة وه ران يف اجلن وب ،تبع د مدين ة الس انية عن س احل البح ر
األبيض املتوسط حبوايل 7.5كم جنوب ا ،كم ا تبل غ املس افة بني مرك ز بلدي ة الس انية ومرك ز
مدينة وهران بـ 6.4كم.
1
بلدية السانية ،الحصيلة السنوية للبلدية . 2008
163
ومن حيث املناخ فهو خيتلف عن مدينة وهران وبالرغم من عدم ابتعادها عن الساحل كثريا
لكن مناخه ا خمتل ف قليال ،وه ذا يع ود إىل وجوده ا بني س بختني:س بخة "البح رية الص غرية"يف
الش مال الش رقي وس بخة وه ران جنوبا ،ه ذا م ا ي ؤثر على مناخه ا وجيعل ه أك ثر ب رودة ش تاءً
وأك ثر ح رارة ص يفاً ،إض افة إىل ظ اهرة الض باب ال يت تعم املنطق ة ،م رتني أو ثالث م رات يف
الشهر ،أما فيما خيص األمطار ،فإن منسوهبا يقدر ب 400-200ممل سنويا ومبعدل درجة
°
حرارة تصل إىل 18
أما اجلغرافيا فرتتفع ب 91مرت على مستوى سطح البحر ،و قُدرت مساحتها ب 48¸51
كلم، 2كما أن مدينة السانية عبارة عن سهل يتميز برُت بته احلمراء واألراضي الفالحية املنتشرة
ع رب البلدي ة ،وتتك ون مدين ة الس انية من 6من اطق رئيس ية ،وهي.1:منطق ة الس انية املرك ز
.2منطق ة عني البيض اء .3منطق ة اللوف ا.4.منطق ة ش ريف حيي.5.منطق ة حمم د بوض ياف.
.6املن اطق املبع ثرة من م زارع كمزرع ة بومض ل س ليمان ،جعي در حمم د...كم ا تنتمي إداري ا
1
لدائرة السانية كل من بلدية سيدي الشحمي وبلدية الكرمة.
.3التعريف بالمدينة إداريا
مدين ة الس انية من بني البل ديات 26املكون ة لوالي ة وه ران ،وذل ك باعتباره ا أول وأهم
قطب يف جمال التعليم العايل والبحث العلمي ،هذا الحتواءها على عدد من املعاهد املتخصصة
واجلامعات كما أهنا مصنفة ،كأكرب ثالث قطب صناعي يف اإلقليم بعد كل من أرزيو وبطيوة
باإلض افة إىل أهنا حتت وي على مط ار دويل ،وُأنش ئت مدين ة الس انية إداري ا باملنش أ الق انوين هلا:
الق رار احلك ومي املؤرخ يف 10/07/1844يف حني ب دأ نش اطها املن وط هبا يف
.26/07/1974
حتت وي مدين ة الس انية إداري ا على.1:مدينة الس انية : وهي مرك ز ال دائرة واملدين ة الرئيس ية
لل دائرة ميت د من جه تني بداي ة من النهج الرئيس ي RN2Aواملس مى مبحم د مخيس يت إىل غاي ة
-CW83 .الكرمة: تق ع جن وب مدين ة الس انية . هناي ة ح دود هنج ش هداء الث ورة2
1
بلدية السانية ،الحصيلة السنوية للبلدية . 2008
164
.3بلدية سيدي الشحمي:تقع شرق مدينة السانية،كما للمدينة ملحقات إدارية وهي:ملحقة
عني البيض اء ملحقAA Aة الرائAA Aد شAA Aريف يحي ،ملحق ة حمم د بوض ياف (ق ارة) ،ملحق ة س ي
1
رضوان(اللوفا).
.4الكثافة Aالسكانية Aوالعمران
شهدت مدينة السانية تطورا يف عدد سكاهنا والذي بلغ خالل تعداد سنة 1977حوايل
19969نسمة ويف تعداد 1987قٌدر ب 34324نسمة ،مبعدل منو يقدر ب % 5¸51أما
يف تع داد 1998فق د ك ان 64797نس مة ،وهن ا ق در مع دل النم و للتع دادين -1987
1998ب %5¸79يف حني وص ل ع دد الس كان املدين ة ،خالل التع داد األخ ري 2008إىل
92826نسمة مبعدل منو قدر ب .%6¸00
أما كثافتها السكانية ،فقُدرت ب 1211 :نسمة/كم.²ومت إنشاء قرية السانية عام 1844
من قب ل املهندس ني العس كريني ،فق اموا بتخطي ط املدين ة والنواف ري واآلب ار وتعبي د الطرق ،غرس
األش جار اخل...وب دأت الس انية كبلدي ة إداري ة يف وظيف ة كامل ة مش رتكة مؤرخ ة 26ين اير
.1874
كما احتوت البلدية على ميدان سباق اخليل ،أشجار التني ،واخلصائص الريفية اجلميلة ،والعديد
من النباتات اليت تساعد على جعل هذه القرية الساحرة تنافس اجملتمعات احلضرية الكربى ،ومن
حيث العمران حتتوي مدينة السانية على منشآت ومؤسسات وأماكن هامة حضرية كالمنطقةA
الصناعية اليت تقع شرق البلدية ،ممتدة من مشاهلا إىل جنوهبا هبا عدد كبري من املصانع املختصة
أساسا بالصناعات اخلفيفة ،كاملواد الغذائية وكذلك جامعة السانيا:أمحد بن ببلة وجامعة السانية
وهران اثنان مع العديد من املعاهد التابعة للجامعة ،أي أنه يقع عدد كبري من جممعات جامعة
وهران هبا ،إظافة إىل ذلك مطار السانيا أمحد بن بلة وهران وهو مطار مدين دويل يقع جنوب
البلدي ة ،يُعت رب من أهم املط ارات يف اجلزائ ر ،هلذا تعت رب دائAA Aرة السAA Aانية من أهم دوائر والي ة
2
وهران.
1
.نفس املرجع السابق ،بلدية السانية .
2
نفس املرجع السابق،بلدية السانية .
165
.5النمو الديمغرافي Aللمدينة
تجمع ثانوي
تجمع
رائد التجمع
مجموعA رئيسي عين المنطقة
بوعمامة شكالوة شريف
السانية البيضاء المبعثرة
يحي الجنسA
46816 24712 519 858 4474 18861 1074 العدد ذكور
166
50,43 50,67 49,47 49,94 50,62 50,76 51,31 %
46010 24049 530 860 4364 18295 1019 العدد
إيناث
49,56 49,32 50,52 50,05 49,37 49,23 48,68 %
92826 48761 1049 1718 8838 37156 2093 العدد
مجموع
100 52,00 1,00 1,00 9,00 40,00 2,00 %
000001
00001
1
الVمنطVقة راVئد شريف عين اVلبيضاء شكالةV بوVعمامة
اVلمبعثرةV يحي
تجمــــــــــــع ثـــــــــا نـــــــــــــــــــــوVي تجمع رئيسي مجموVع
اVلسانية
م ع النم و الس كاين املتزاي د ،ال ذي تعرف ه مدين ة الس انية جع ل الدول ة ت وفر جته يزات
وخدمات كب رية ال يت حيتاجه ا الس كان ،س واءا هياك ل تعليمية ،ص حية ،إدارية ،أمنية ،جتارية
وتصنفها البلدية إىل جتهيزات جتارية وأخرى غري جتارية.
167
.1.6التجهيزات التجاريةA
للتجهيزات التجارية أمهية كربى يف حتقيق احلاجة اإلجتماعية ومنها :النشاط التجاري ،حتتوي
مدينة السانية ،على عدة أسواق مغطاة بالتجزئة ،هبا مجيع السلع الضرورية من خضر وفواكه
وحلوم بيضاء ومحراء ،مواد غذائية ،األلبسة واألحذية ،بيع قطع الغيارات للمركبات املختلفة
األنواع وسوق اجلملة للخضر والفواك ه يقام كل أي ام األس بوع وسوق أسبوعي للسيارات
املستعملة يقام يوم اجلمعة .
مع احتواءها على فضاءات جتارية لبيع السيارات اجلديدة ملختلف األنواع،كما تتوفر مدينة
الس انية ،على ع دد كث ري من احملالت التجاري ة يف خمتل ف الس لع ك احملالت وم ول جتاري (لي رب)
وحسب احصائيات 2008فإن مساحة املناطق الصناعية ،تُقدر ب 22800م ،2حيث بلغ
عدد املصانع باملنطقة الصناعية األوىل 66 ،مصنع يف حني يبلغ عدد املصانع باملنطقة الصناعية
الثالث ة 29مص نع ،علم ا أن ه ُأنش أت ه ذه املنطق ة الص ناعية ب القرار رقم 158م ؤرخ يف
،28/01/1976صادر عن وزارة األشغال العمومية والبناء ،وهي ترتبع على مساحة قدرها
294هكت ار ،مقس مة إىل ثالثة من اطق ،يتواج د هبا 211مؤسس ة جتاري ة وإقتص اديةُ ،مسرية
من طرف شركة التسيري للمنطقة الصناعية . SGI-SPA
ومن حيث اخلدمات تت وفر مدين ة الس انية على حمالت جتاري ة كث رية ،على رأس ها املخ ابز
املط اعم بأنواعه ا واملق اهي ،وحمالت خمتل ف اخلدمات ،كم ا توج د حمالت حرفي ة كاخلياط ة،
احلدادة النجارة احلالقة ....إخل ،كما توجد مخسة فنادق فخمة مصنفة وذلك لوجود املطار
الدويل هبا إضافة إىل قرهبا من وسط مدينة وهران على مسافة 06.5كلم.
.1التجهAAيزات AاإلداريAAة :حتت وى مدين ة الس انية على مق ر لل دائرة والبلدي ة ،إض افة إىل
بلدية س يدي الش حمي:تق ع ش رق مدين ة الس انية ،كم ا هلا ملحق ات إداري ة وهي:ملحق ة عني
البيضاء،ملحقة الرائد شريف حيي ،ملحقة حممد بوضياف (قارة) ،ملحقة سي رضوان(اللوفا).
168
وحتت وي على ش ركة توزي ع الكهرب اء والغ از ،مؤسس ة املي اه والتطهري ،وثالث مراك ز للربي د
إتص االت اجلزائ ر ،مص لحة للض مان االجتم اعي ،م ع جمموع ة من البن وك العمومي ة واخلاص ة
وأخ رى من اهلياك ل اإلداري ة كالوك االت العقاري ة وغريه ا ،م ع وج ود ثالث ة مؤسس ات
إلتصاالت اهلواتف النقالة جيزي موبيليس ،أوريدو مع خدمات األنرتنات.
-2التجهيزات األمنيAة :وهي جد هامة ملا توفره من أمن وراحة للمواطنني ،حيث تتوفر
املدين ة ،على مق ر ألمن ال دائرة بالس انية ،وتغطي ة أمني ة ،تتمث ل يف وح دات أمني ة أخ رى ،من
ش رطة ودرك وط ين ،إض افة إىل جمموع ة من الثكن ات العس كرية ،كم ا توج د جه ة قض ائية،
متمثل ة يف حمكم ة مبرك ز املدين ة م ع وج ود جمموع ة من مك اتب احملام ات واملوثقني وك ذلك
احملضرين القضائيني إضافة إىل مقر للحماية املدنية ،ووحدات أخرى تابعة هلا مع وجود مفتشية
للجمارك.
-3التجهيزات Aالصحية A:تضم مدينة السانية أربع مراكز عالج ،مع وجود عدة عيادات
طبية خاصة وخمابر لتحليل الدم ،وحمالت صيدالنية.
-4التجهيزات Aالثقافية والرياضية :توجد باملدينة ثالث مراكز ثقافية ،دور للشباب ،كما
يوجد 5مالعب رياضية وقاعات خاصة متارس فيها خمتلف الرياضات.
.1حممد عاطف غيث ،مرجع سابق ،ص.50وانظر:أيضا سعيد أمحد هيكل ،علم االجتمAAاع الحضAAري ،دار أسامة للنشر والتوزيع،
األردن ،عمان ،ط،1،2011ص.43
170
ه ذا اجملتم ع احمللي مع ا ،وبالت ايل يعطيهم طابع ا خاص ا ي ؤدي يف نفس ال وقت إىل متاس كهما
1
االجتماعي.
ويُعرف تونيز اجملتمع احمللي يف قوله":إنين أطلق لفظ اجملتمع احمللي على كافة أنواع الروابط،
اليت تسيطر عليها اإلرادة الطبيعية ،بينما أطلق لفظ اجملتمع ،على تلك الروابط اليت تتشكل أو
تك ون مش روطة ،بوج ود اإلرادة العاقل ة ،إن أهم م ا مييز اجملتم ع احمللي :هي احلي اة العض وية
الواقعي ة ،بينم ا أهم خص ائص اجملتم ع ،البن اء اآليل التخيلي وحي اة اجملتم ع احمللي ال يت تتم يز بأهنا
2
خاصة ودية وتآلفية ،أما حياة اجملتمع فهي عامة أو هي العامل ذاته".
نعلم أن فردينانAد AتونAAيز من مؤسس ي علم االجتم اع ،فه و من خالل ه ذا النص ،يوض ح أن
اجملتم ع احمللي ه و اجملتم ع ال ذي يعتم د على ص غر احلجم كالقري ة مثال ،ويتم يز مبجموع ة من
اخلص ائص ،من بينه ا التض امن العض وي،كم ا أن ه يق وم على م ا يُس ميه ب اإلرادة الطبيعي ة ،بينم ا
اجملتم ع ،ه و أوس ع من ذل ك يتم يز بك رب احلجم ،مث ل املدن الك ربى ويرتك ز على االرادة
العقالنية( .هذا سبقنا وشرحناه يف مبحث الرابطة االجتماعية عند تونيز فرديناند).A
كما يرى كل من أجAAبرن ونمكAAوف Ogburn Et Nimkoffأن اجملتم ع احمللي "عبارة
عن جمموع ة من الن اس يعيش ون يف إقليم معني وه ذا اإلقليم ،جيعلهم يف رابط ة دائم ة،كم ا أن
شرط البقعة اجلغرافية من اخلصائص املميزة ملفهوم اجملتمع احمللي ،باإلضافة إىل شرط آخر هو
وج ود التنظيم الكلي ،للحي اة االجتماعي ة املش رتكة داخ ل ه ذا االقليم" 3وحس ب رأيهم ا أن
اجملتمع احمللي قد يكون اجملتمعات احمللية الريفية واملدن الكبرية ،هلذا يبقى هذا املفهوم مرن ،إذن
اجملتمع احلضري هو جمتمع حملي الذي حنن بصدد دراسته.
.2خصائص الحي
لق د ع رف حي الرائ د ش ريف حيي ،تزاي د يف نس بة الس كان ،وذل ك بس بب زي ادة ع دد
كن وEDC ،CCCS،ENRIO الس كنات اإلجتماعي ة والتس امهية ،كتعاوني ات 200مس
.1حممد عاطف غيث ،مرجع سبق ذكره،ص.70،71
.2نفس املرجع السابق،ص.50
.3حممد عاطف غيث ،مرجع سبق ذكره ،ص 68
171
وك ذلك حي جعي در 1.وتوج د هبذا احلي ك ل م ا تتطلب ه احلي اة احلض رية ،من ملحق ات إدارية
تابع ة لبلدي ة الس انيا ،واحملالت التجاري ة واخلدماتي ة الض رورية ،واملراك ز الص حية والص يدالنية،
املدارس ،متوسطة ثانوية ،جمموعة من روضات لألطفال.
عموم ا ميكنن ا الق ول أن احلديث عن اجملتم ع احلض ري ه و احلـديث عـن املدينـة ،بكـل
مكوناهتـا وخصائص ها ،فاملدين ة هي كي ان اجتمـاعي ذو أبعـاد دميغرافيـة أيكولوجي ة ،ثقافيـة
تكنولوجية اقتصادية صناعية......إخل ،يف هناية األمر هي انعكاس حلاجات اجتماعية ،تشـكل
فـي جمملهـا خمتلـف املظاهر احلضرية واخلصائص احلياتية اليت متيز األمناط املعيشية فيها ،متاشيا مع
التحوالت والتغيـرات التـي تتعرض هلا هذه األخرية.
كذلك تعترب األسرة احلضرية أحد مكونات اجملتمع احلضري ،والوحدة التحليلية األساسية
ال يت حتدد مكان ات األف راد وأدوارهم ،حيث يؤك د الس ياق الت ارخيي للدراس ات احلض رية أن
األسرة احلضرية ،طرأت عليهـا جمموعة من التغريات والتحوالت الرتكيبية والوظيفية ،بفعل تغري
األنساق االجتماعية يف املدينة وذلك على مسـتويات متس تركيبتها البنائية والوظيفية .
ومبا أن األسرة تتغري يف املدينة ،فإن الروابط القرابية تتغري حسب الدارسني ،وبذلك يرتبط
اجملتمع احلضري بطبيعة احلياة يف املدينة ،وأشكال الوحدات االجتماعية املكونـة هلـا اليت كما
أسلفنا الذكر عرفت تغريات ،متس كافة البناء االجتماعي احلضري ،انطالقا من اجملتمع ،النظم
الوحدات.
فلكل مدينة تركيبته ا االيكولوجية ومنطها العمراين ،ونسقها الثق ايف والقيمي وطبيعة أداء
أفرادها لوظائفهم ،وممارسـاهتم ألنشطتهم اليومية ،كل ذلك قد جيعل لطبيعة التنظيم االجتماعي
احلض ري عالق ة مباش رة ،بطريق ة حي اة األف راد وبالتـايل يأخ ذ طابع ا مميزا للخص ائص احلض رية
1
.نفس املرجع السابق ،بلدية السانية. 2008،
172
املكون ة ل ه وحس ب نظري ات املدين ة ،ف إن الف وارق االجتماعي ة ،تظه ر بش كل واض ح يف أمناط
اإلقامة ومستويات الدخل ،األمر الذي جيعل املدينـة تنقسـم إيكولوجيا إىل أحياء راقية وأخرى
شعبية وأخرى عشوائية ولكل فئة أمناط معيشية معينة فيها.
الفصل الرابع
173
.4.5النظام الطوطمي
.6أنواع الروابط القرابية ودرجات القرابة
.1.6أنواع الروابط القرابية
.1القرابة الدموية
.2قرابة املصاهرة
.3القرابة االجتماعية
.4القرابة املصطنعة
.5القرابة الطقوسية أو الدينية
.2.6درجات القرابة
.1الدرجة األوىل القرابة األولية
.2الدرجة الثانية القرابة الثانوية
.3الدرجة الثالثة القرابة األمومية
.4الدرجة الرابعة القرابة االنتسابية
.5الدرجة اخلامسة قرابة بين األعمام
.6الدرجة السادسة قرابة نسب األب
.3املستوى التعليمي
.4الرتكيبة األسرية
174
الفصل الرابع
تمهيد
خلق اهلل تعاىل اإلنسان وجعل له أناسا آخرين لتأنيسه ،ومساعدته وأول مثال على ذلك
س يدنا آدم علي AAه الس AAالم وأمن ا ح AAواء ،نش أت بينهم ا عالق ة وال يت اعت ربت أوىل العالق ات
االجتماعية بني البشر ،حيث تشكلت يف رابطة االقرتان أو الزواج ،الذي يعترب أوىل الروابط
االجتماعي ة ،ال يت تأس س األس رة النووي ة ،العتباره ا الن واة األساس ية يف اجملتم ع ،وفيه ا تتأس س
أوىل الروابط فالعالقات االجتماعية ،وهبذا تزداد الروابط الثانوية والعالقات االجتماعية ،حىت
يُنس ج م ا يس مى بالبن اء االجتم اعي ،وف ق تفاع ل اجتم اعي ،بني أف راد اجملتم ع الواح د ،ه ذا
مايؤك ده ك ل علم اء االجتم اع على أن االنس ان ال ميكن ه أن يعيش منع زال ووحي دا ،ب ل جيب
عليه التعاون مع غريه.
األس رة هي أول مجاع ة يرتب ط هبا الف رد من ذ ال والدة ،مث خيرج ليش كل رواب ط أخ رى
خارجها أي مع اجلريان األصدقاء املدرسة ....وهي اليت تشكل ما نعرفه باجملتمع ،الذي نواته
األسرة اليت ُولد فيها هذا الفرد ،وهلذا ال ميكننا أن نتحدث عن الروابط االجتماعية ،كالقرابة
وال دين والص داقة واجلوار وغريه ا من الرواب ط االجتماعي ة ،دون أن نتح دث عن األس رة ،اليت
تتشكل برباط الزواج الذي يعد رباط اجتماعي أساسي لتكوينها ،مما ينتج عنه رباط القرابة،
فاملصاهرة ،وكذلك اعتبار أن الدين رباط اجتماعي ،يزيد من قوة اجلماعة يف حالة وجوده.
175
يعين هذا أن نظام القرابة من أهم األسس اليت يرتكز عليها نظام اجلماعات التضامنية ،مشريا
إىل جمموعة من العالقات االجتماعية املعقدة القائمة على واقعة بيولوجية ،هي امليالد وظاهرة
اجتماعية املتمثلة يف الزواج ،فالقرابة رابطة االجتماعية شكلها الفرد ،ساهم يف تغيريها حسب
السوس يولوجيني ك ل من التحض ر والتص نيع ،مما أدى إىل اض عاف الرواب ط ال يت ترب ط األس رة
بأقارهبا واختاذها شكال مغايرا ،ملا كانت عليه يف اجملتمع التقليدي أو الريفي ومن هذه التغريات
اليت طرأت على العالقات القرابية ،ظهور أيضا املسكن املستقل أو املنفرد ،فصغُر بذلك حجم
العائلة من املمتدة اىل النواة اليت تضم الزوج والزوجة وأوالدهم غري املتزوجي.
هلذا يف ه ذا الفص ل تناولن ا احلديث عن األس رة وال زواج ،كظاهرت ان أساس يتان يف ظه ور
رابطة القرابة،كما حاولنا الدخول يف احلياة اليومية ،واملمارسات االجتماعية ،لألسر من خالل
الروابط القرابية،كما كان من الضروري الغوص يف النظريات السوسيوأنثروبولوجية للقرابة،
حىت نفهم ونسمح ألنفسنا دراسة اجملتمع احمللي مبدينة السانيا.
176
.Iمفهوم رابطة القرابة وتصنيف مصطلحاتها
.1مفهوم رابطة AالقرابةA
ي رى علم اء االجتم اع واألنثروبولوجي ا أن للقرابة موض وعات خمتلف ة ،تتمثل يف ال زواج،
األسرة والعصبية ،أمثال لويس مورجان و باخوفن وماكلينAان ،زيادة على أن العصبية احتلت
مكان ة ب ارزة يف نظري ة ابن خل AAدون ،كنس ق ق رايب ه ام ،حس ب م ا قمن ا بش رحه يف مبحث
الرابطة االجتماعية عند ابن خلدون من خالل مفهوم العصبية والذي يُقصد به الروابط القرابية
والفائدة منها.
إال أن مصطلح القرابة ،يعد من بني املصطلحات ،اليت ختتلف باختالف اجملتمعات ،لكل منها
قواعد لتحديد هذا املفهوم ،فمنهم من يعرفها على أهنا عالقة أو رابطة اجتماعية ،تعتمد على
الروابط الدموية احلقيقية أو اخليالية أو املصطنعة ومنها من يعرفها على أهنا انتماء شخصني أو
أك ثر ،إىل ج د واح د ،أو اعتق ادهم أن هلم جد مش رتك احندروا منه ،وق د تك ون ه ذه القراب ة
حقيقي ة تق وم على ص الت ال دم ،كم ا ق د تك ون متخيل ة أو قانوني ة ،مثلم ا ه و احلال يف قراب ة
التبين.
وهلذا س وف نأخ ذ أهم التع اريف لرابط ة القراب ة ،ابت داءا من معجم علم االجتم اع ،ال ذي
يع رف القراب ة على أهنا عالق ة اجتماعي ة ،تعتم د على الرواب ط الدموي ة احلقيقي ة أو اخليالي ة
177
املص طنعة ،وال يع ين اص طالح القراب ة يف األنثروبولوجي ا ،العالق ات العائلي ة وال زواج فق ط وإمنا
يعين أيضا املصاهرة.
فالقرابة هي عالقة دموية واملصاهرة هي عالقة زواجية ،فعالقة األب بإبنه هي عالقة قرابية
بينما عالقة الزوج بزوجته هي عالقة مصاهرة1،كما أهنا "جمموعة صالت رحيمية وروابط،
نسبية تربط األفراد بوشائج عضوية واجتماعية متماسكة تلزمها بتنفيذ التزامات ومسؤوليات،
َ
"متسق
ُ أهنا على Aيرودوك
A م ويعرفها 2
وواجبات تفيد أبناء الرحم الواحد ،أو النسب الواحد"
من العالقات يرتبط فيها األفراد بعضهم ببعض بشبكة من الروابط والصالت ،عن طريق هذه
الص الت والرواب ط ذاهتا وليس عن طري ق النظ ام نفس ه ،تظه ر اجلماع ات القرابي ة،كاألس رة
والعائلة الكبرية أو البدنة والبطن و القبيلة" 3،ويعرفها كلود ليفي سAتروس ،على "أهنا مؤسسة
اجتماعي ة تق وم على رواب ط دموي ة أو رواب ط املص اهرة ،حيث يعت رب األب واالبن أق ارب،
جتمعهم صلة الدم ويعترب الزوج والزوجة أصهار"،4ويعرفها راد كليف براون "بأهنا العالقات
املباشرة اليت تنشأ بني شخصني نتيجة احندار أحدمها من صلب اآلخر أو نتيجة الحندارمها مها
االثنني من سلف واحد مشرتك"،5كما يطلق على اجلماعات اإلنسانية اليت تقوم على أساس
العالقات القرابية ،اصطالح Kin groupsأي اجلماعات القرابية.
ويصنف الباحثون القرابة على أهنا تنقسم إىل قسمني رئيسني ،أوهلما هو األسرة الزواجية،
وثانيا اجلماعة القرابية الدموية ،ويرون أن الفرق بني هذين القسمني راجع أساسا إىل عاملني
أساس ني يتمث ل األول منهم ا يف قاع دة الس كىن ،حيث جند أعض اء األس رة الزواجي ة يس كنون
مع ا ،بينم ا ال يش رتط يف اجلماع ة القرابي ة الدموي ة الس كن ،يف مس كن واح د مش رتك ،ويتمث ل
العامل الثاين يف أن العالقة القرابية ،لدى األسرة الزواجية ،ترتكز أصال على الزواج ،بينما ال
178
يعت رب ال زواج أساس ا هلا يف اجلماع ة القرابي ة الدموي ة ،حيث ختض ع ه ذه اجلماع ة لقواع د معين ة
1
أخرى للتسلسل القرايب ،يتحدد من خالل نطاق اجلماعات القرابية اليت ينتمي إليها الفرد.
أما إذا دققنا يف تعريف القرابة من الناحية السوسيو أنرتوبولوجية ،فسنذهب إىل قاموس علم
االجتم اع ،ال ذي يعرفه ا "على أهنا جمموع ة أف راد ت ربطهم رابط ة عاطفي ة ،املتمث ل يف البن وة،
األخوة واملصاهرة ،فالبنوة بني اآلباء واألبناء ،واألخوة بني االخوة واألخوات ،أما املصاهرة
فهي بني ع ائليت ال زوج والزوج ة ،ه ذا الرتاب ط الق رايب ي دور من خالل قواع د على حس ب
الثقاف ة االجتماعي ة لك ل جمتم ع س واء تقلي ديا أو ح ديثا" 2،ف البنوة واالخ وة واملص اهرة هي
العناص ر املكون ة للقراب ة أو كم ا يس ميها االن ثربولوجيون بالقراب ة البيولوجي ة ،ونقص د ب ذلك
انتماء شخصني أو أكثر إىل جد واحد كما أن الفرد يرتبط بأبيه وأمه ،بسبب مولده وكذلك
األب واألم بسبب الزواج ،ويف النهاية األوالد ينتمون إىل ساللة واحدة ونسب واحد وهكذا
تتكاثر األسر ،هبذا العامل البيولوجي واملتمثل يف االجناب ،فتتشكل الساللة ،حىت أصبح هلذا
املصطلح اسم خاص ويعرف بالجينالوجيا ،3ويعرف عامل االنثروبولوجيا هوتون مAAثر:الساللة
على أهنا قسم كبري من النوع االنساين وعلى الرغم من االختالفات ،اليت قد تكون قائمة بني
أعض ائه ،إال أهنم يش رتكون يف بعض الس مات املرفولوجي ة واجلس مية ال يت ترج ع إىل احندارهم
عن أصول قرابية مشرتكة.
4
يع ين ه ذا أن القراب ة هي ارتب اط الف رد بأبي ه وأم ه ،بس بب مول ده،كم ا يرتب ط األب واألم
بس بب معيش تهما املش رتكة يف اإلجناب وجتدر اإلش ارة إىل أن األطف ال هم أيض ا يرتبط ون
ببعض هم البعض النتم ائهم مجيع ا إىل س اللة من نفس ال زوجني،كم ا تع د الرابط ة القرابي ة "
جمموعة روابط اجتماعية يعرتف هبا اجملتمع ،تربط اشخاص اً معينني وتقوم على رابطة النسب
179
ومتثل أحد العناصر املهمة يف النسق العائلي العاملي ،إذ تشارك فيه مجيع اجملتمعات البشرية اليت
1
عرفتها االنسانية".
يعرفه ا املعجم االنAA Aثروبولوجي واالثنولوجيكالت ايل":إن القراب ة تش كل مي دانا متم يزا من
ميادين التطور النظري لألنثروبولوجيا ،ويف الواقع فإن فهم ظواهر قرابة العصب والنسب تبعا
لع دد من املب ادئ األساس ية ،أي املنهج ال ذي أطلق ه مورغAAان ع ام ،1871ق د اس تتبع حرص ا
على دقة العرض ،يعترب بالنسبة للعديدين الربهان األساسي على الفهم العلمي لألنرتوبولوجيا.
إن كل اجملتمعات باعرتافها بالقرابة الثنائية ،القائمة على األفراد وحتقيق الرتابط الشرعي فيما
بينهم ،تُقر بقرابة العصب والنسب ،إال أن بعض هذه اجملتمعات فقط تدرج البنوة أو املصاهرة
أي وج ود جمموع ات أو فئ ات ،من أقرب اء العص ب ،املنح درين من جمموع ة أش خاص ،هم من
ساللة جد واحد ،من جهة ومن جهة أخرى وجود صلة قرابة تربط جمموعات أو فئات من
األهل برابط ة املصاهرة".2يبدو من هذه التع اريف أن للقرابة عالقة بالعص بية والنسب"،حيث
تظه ر ه ذه العالق ة ،من ذ اللحظ ة ،ال يت يب دأ فيه ا تعص ب اجلماع ة القبلي ة ل دفع خط ر خ ارجي
يهددها ،أو جللب منفعة من الغري ،باهلجوم واملطالبة ،ويظهر إلتحام أفراد القبيلة على مستوى
القرابات اليت تكوهنا ،ألن صلة الرحم ،طبيعي يف البشر إال يف األقل". 3
فاألفراد املكونني للقرابة ينحدرون من نفس النسب واملصاهرة وينتمون إىل أسرة أو عائلة
واح دة ،ه ذا م ا يس ميه علم اء االجتم اع واألنرتوبولوجي ا بالعالق ات القرابي ة الدموي ة ،أم ا
العالق ات القرابي ة االجتماعي ة وهي ال يت تتك ون بالنس ب البعي د ،واحلل ف وال والء ،كم ا ش رح
ذلك ابن خلAAدون يف نظريته ،كما أكدت الدراس ات األنثروبولوجي ة حول السلطة والقرابة،
فه ذه اجملتمع ات جتع ل القراب ة مص درا لك ل س لطة ،مبا فيه ا الس لطة السياس ية ،هلذا جيد الف رد
نفسه ينتمي إىل أسرتني بعد والدته وهي أسرة عن طريق األب ،وأسرة عن طريق األم ،فريتبط
أفراد األسرتني بطائفة كبرية من الروابط االجتماعية والقانونية وبكثري من احلقوق والواجبات،
1
.علياء شكري ،االتجاهات المعاصرة في دراسة األسرة ،دار املعرفة اجلامعية ،االسكندرية ،1988 ،ص.59
.2بيار بونت ،معجم االثنولوجيا و االنتروبولوجيا ،تر:مصباح الصمد ،مرجع سابق ص .721
.3حممد محداوي ،القرابة والسلطة عند ابن خلدون ،البذور الجنينية لألنثربولوجيا السياسية ،مرجع سابق ،ص .43
180
حيث ينتج عن ه ذه الرواب ط االجتماعي ة الدموي ة ،الرابط ة القرابي ة ال يت تعت رب عالق ة اجتماعي ة
تعتمد على الروابط الدموية.
إذن ه ذه الرواب ط هي ال يت جعلت العائل ة البش رية تتم يز عن العائل ة احليواني ة ،وعلى ه ذا
فالقرابة كنظام اجتماعي ،يوجد يف كل اجملتمعات اإلنسانية ويبدو واضحا يف اجملتمع البدوي،
ألنه يشكل رابطة اجتماعية قوية بني أفراد النسب الواحد ،ولإلشارة فإنه ال تكون هناك نواة
أو رابط ة قرابي ة إال بت وفر أربع ة أن واع من األش خاص وثالث ة أن واع من العالق ات والرواب ط،
سواء أكانت رابطة القرابة هذه أولية أو ثانوية ،ففي الرابطتني األولية والثانوية ،البد من زوج
وزوج ة وابن وخ ال (أو ص هر) والب د من عالق ة بني ال زوج والزوج ة ،حتص ل ب الزواج بينهم ا
واملصاهرة بني أسرتيهما ،وعالقة بني األبوين وإبنهما (عالقة أبـوة أو نسب) تنجم عن العالقة
الزوجية وعالقة بني الزوجة وأخيها الذي يعطيها للزواج (عالقة األخوة السابقة للزواج) هلذا
فإن لفظة األب ،ال ميكن أن يدل إال على الرجل ،الذي أجنب الفرد ،الذي يدعوه هبذا االسم،
نتيج ة عالق ة ال زواج الش رعية ك ذلك أخ وخ ال وعم وج د ونس يب وغريه ا ،من تس ميات
القرابة ،و على هذا األساس فإن القرابة من الدرجة األوىل ،تشتمل على جمموعة من العالقات،
ي دل عليه ا بس بعة أمساء (األب واألم واألخ واألخت والزوج ة واإلبن والبنت) والقراب ة من
الدرجة الثاني ـة على جمموعة أخرى من العالق ـات يـ ـدل عليها بعشرة أمسـاء ،ثالثـــة للعصبة (اجلد
ألب ،والعم والعم ة) وثالث ة ألق ارب األم (اجلد لألم واخلال ،واخلال ة) وأربع ة لألحف اد(احلفي د
1
البن واحلفيدة البن واحلفيد لبنت واحلفيدة لبنت).
هنا يصبح الفرد حيتل مواقع متباينة داخل نظام القرابة وعالقاهتا املتنوعة ،إنه قبل كل شيء
عنص ر يف أس رتني خمتلف تني ،ينتس ب إليهم ا بص ورة أولي ة :األس رة األوىل ،حيث يك ون ابن ا
وأخ ا فريتبط بعالقة ،من جهة مع أسالفه :أبيه وجده ألبيه ،وجد أبيه وجد جده ،إىل غاية
ً
للس اللة ،ومن جه ة أخ رى م ع أقارب ه احلواش ي :إخوت ة وأخوات ه األش قاء ،ال ذين
اجلد األول ّ
زوج ا وأبًا ،هكذا فإنه يف
يشرتك معهم يف خط النسب الصاعد واألسرة الثانية ،حيث يكون ً
.1حممد محداوي ،البنيات االسرية ومتطلباتها الوظيفية في منطقة بني سAنوس في النصAف األول من القAAرن العشAAرين قAرى العزايAAل
دموذجا ،اطروحة دكتوراه دولة ،جامعة وهران ،2005 ،ص.254
181
ه ذين اجلم اعتني تتح دد وض عية الف رد بعالق يت النس ب واألب وة املتض منة نق ل ه ذا النس ب
1
باإلجناب.
إض افة إىل أن القراب ة رابط ة اجتماعي ة تنش أ عن طري ق ال زواج ،فهي أيض ا أس اس العالق ات
األس رية ،حيث إهتم هبا علم اء األنثروبولوجي ا واالجتم اع ،نظ را ل دورها ووظيفته ا اهلام ة يف
اجملتمعات البدائية ،وذلك العتبارها عامال من عوامل تضامن اجلماعة ومتاسكها ،زد على ذلك
أهنا تُص بح ق وة ُمدافع ة عن اجلماع ة يف حال ة اخلط ر اخلارجي ،كم ا وض حه ابن خل AAدون يف
2
مقدمته عن مصطلح العصبية ،لقوله "العصبية إمنا تكون من االلتحام بالنسب أو ما يف معناه".
ويتضح أن االلتحام بالنسب ،هو العالقات العرقية ،أي أن األفراد ينتمون لعرق واحد مبعىن
جد واحد ،ويقصد مبا يف معناه كل ما له عالقة بذلك من قرابة ومصاهرة وحتالف.هنا نرى ان
ابن خلAA A A A A Aدون يتح دث عن القراب ة من خالل مص طلح النس ب ،وال ذي جنده يف
الموس وعة3بأن ه":رب اط قراب ة عن طري ق ال دم جلد مش رتك ".ه ذا التعري ف جيع ل النس ب ممت دا
خلطوط لكن بعد التطورات اليت حدثت يف اجملتمع األوريب انتقل تعريف النسب ،ممتد على كل
اخلطوط إىل تعريف يقتصر على قرابة العصب من األب ،حيث تعطي لنا املوسوعة ثالثة أنواع
من النسب وهي:
أ.النسب األبوي:يهتم بوجود الذكور أكثر من اإلناث ،ويعطي سلطة أكرب للذكر.
ب.النسب األمAومي :يتميز باالنتماء عن طريق النساء وانعدام سلطة الرجل على امرأته ،مع
بقاء هذه السلطة اجتاه أخواته ،يقتصر دور الرجل على اجملال اإلنتاجي من أمثلة هذا النسب
قبائل الطوارق.
ج.النس AAب غ AAير المتم AAايز :يتك ون من أش خاص ينتم ون ص عودا للج د املش رتك وميكن أيض ا
لشخص واحد ،أن ينتمي لعدة جمموعات ،انتساب تلتقي مع أحد أجداده.
ميكنن ا أن نس تنتج تعريف ا إجرائي ا للقراب ة على أهنا رابط ة اجتماعي ة ،تق وم على الرواب ط
الدموي ة بنيته ا ال زواج واألس رة مبع ىن أهنا تش مل عالق ة األب ،األم ،واألبن اء ،األعم ام
واألخ وال ...وك ذلك عالق ة األنس اب واألص هار ،حس ب م ا يُع رف بالقراب ة احلقيقي ة وق د
تتع دى القراب ة ه ذه احلدود لتص ل أيض ا إىل العالق ات بني األف راد ،ال ذين هم ض من م ا يع رف
بالقراب ة اخليالي ة أو االجتماعي ة .أم ا الرابط ة القرابي ة أو رب اط القراب ة ،فه و عالق ة تق وم على
التفاعالت املباشرة بني األقارب منذ الوالدة جيد الفرد نفسه ينتمي إليها.
183
ب.المصطلحات الوصفية :وهي عبارة عن إضافات للمصطلحات احملددة مثل:ابن األخ ،ابن
األخت ،ابن أخت األم ...وهي مص طلحات تص ف بدق ة درج ة القراب ة خ ارج األس رة ،ح ىت
اجلد الرابع أو اخلامس أحيانا.
ج.مصAAطلحات AالقرابAة AالتصAAنيفية A:وهي مص طلح يش ري إىل فئ ة من األق ارب ،مثل األعم ام أو
األخوال ،وهذا النمط يسود يف اجملتمعات العربية ،أما اجملتمعات الغربية يشري إىل عدد كبري من
األق ارب ،مث ل"oncle" :العم واخلال وزوج العم ة،كم ا جند مص طلح ""tanteيطل ق على
العمة اخلالة ،زوجة العم ،زوجة اخلال...ويبني مصطلح " "égoإن أبناء العم وأبناء اخلاالت
يف جمم وع املع اين التص نيفية للقراب ة يف غ الب األحي ان ،يس موهنم إخ وة وأخ وات ،ليص بحوا
منظمني إىل صنف املصطلحات القرابية احملددة ويعتربون أنفسهم املقربني أكثر ،عن أبناء اخلال
وأبناء العمات ومنه فإن العبارات واملعاين التصنيفية للقرابة ،تُعترب كقاعدة للتصنيف والتميز بني
األق ارب ،كم ا يق ول مAAوردوك "تتب اين مص طلحات القراب ة م ع تب اين اجملتمع ات ،فعلى س بيل
املثال مفردة "األب" و"األم" أو "البنت" ليس هلا نفس الداللة يف كل اجملتمعات ،حيث يُصنف
1
اجملتمع األقارب إىل فئات لكل منها إمسا خاص".
كما حصر ألفرد كروبر 2تسعة أسس للقرابة ميكن اعتبارها إطار نظري ألنواع املصطلحات
القرابية واليت تفيد املهتم مبوضوع القرابة وهي:
.1أسAAاس الجيل :وال ذي ينط وي على التمي يز بني أق ارب ك ل جي ل مث ل:اجلد ،األب ،االبن
احلفيد.
.2أساس تميAAيز القرابAAة الدمويAة Aعن قرابAة AالمصAAاهرة :حيث تضم األوىل ،الذين ينتمون إىل
أسرة الشخص نفسه وأسرة أجداده وأحفاده ،أما قرابة املصاهرة ،فتضم أولئك األقارب من
خالل رابطة الزواج.
.1حممد الدين عمر خريي ،العائلة والقرابة في المجتمع Aالعربي ،ط ،1احتاد اجلامعة العربية ،األردن،عمان 1985،ص .192
.2عاطف وصفي،مرجع سبق ذكره،ص.206-205وانظر أيضا:معن خليل عمر ،علم االجتماع األسرة ،دار الشروق للتوزيع
والنشر ،ط ،1عمان ،األردن ،2000 ،ص.151
184
.3أساس الفروق بين األقارب المباشرين والغير Aمباشرين :فالنوع األول املباشر يضم أولئك
ال ذين يرتبط ون ببعض هم يف خ ط واح د ،أم ا الن وع الث اين الغ ري مباش رين ،فهو يض م ال ذين
يرتبط ون بش كل غ ري مباش ر ،من خالل أح د األق ارب ال ذي يص ل بين ه فمثال :العم واخلال
بالنس بة للف رد يف جمتمعن ا الع ريب يُع د ق ريب غ ري مباش ر ،ألن األب توس ط بينه وبني العم
وتوسطت األم بينه وبني اخلال وهكذا بالنسبة ألبناء إخوة األب وأبناء إخوة األم.
.4أساس اختالف نوع األقارب ذكر أو أنثى :ففي جمتمعنا العريب منيز بني األب ،األم ،العمة
والعم ،اخلال واخلالة ،األخ واألخت.
.5أساس نوع الشخص :الذي عن طريقة تكونت عالقة القرابة ،فمثال عند العرب اصطالح
خ ال ،دال على ش قيق األم ،والعم دال على ش قيق األب ،أم ا اجملتمع ات الغربي ة ،الدالل ة على
العم واخلال معا ،يستعمل مصطلح "."oncle
.6أس AAاس الف AAروق حس AAب ن AAوع الق AAريب :وال ذي يُعت رب مهزة وص ل يف القراب ة وكم ا ذكرنا
س ابقا ،أن األق ارب الغ ري املباش رين ،يرتبط ون بالش خص من خالل وس يط وق ريب معني،
واملالح ظ يف اجملتمع ات الغربي ة أن ن وع الق ريب ال ذي ه و مهزة وص ل ،ال ت رتتب علي ه تبعية
وأث ار ،إذ أن بن ات وأبن اء العم أو اخلال جيمع ون حتت مص طلح واح د وه و ""Cousinأم ا
بالنسبة لبعض اجملتمعات يقول ""égoإذا كان القريب الوسيط من نفس نوع القريب مثل :أخ
الوالد ،العم وأخت األم اخلالة ،فإن أبنائهم يعتربون أبناء عمومة وخؤولة متوازية ولكن عندما
خيتل ف ن وع الق ريب ،أي أخت الوال د العم ة ،وأخ األم اخلال ،فأبن ائهم يع دون أبن اء عموم ة،
وخؤول ة متقاطع ة ،حيث يطل ق مص طلح اإلخ وة ،على أبن اء العمومة أو اخلؤول ة املتوازي ة ،يف
حني تطلق على أبناء العمومة واخلؤولة املتقاطعة مصطلحات خمتلفة متام االختالف.
.7أسAAاس الفAAروق بين نAAوع المتكلم نفسه:حيث خيتل ف اس تعمال املص طلحات ،اجتاه ق ريب
معني عن د كل من ال ذكور واإلن اث ،حىت إذا ك ان املتح دث إليهم ا ه و نفس الش خص ،فإنه
ينعدم هذا األساس يف اجملتمعات العربية.
185
.8أسAAاس ظAAروف الوفAAاة :حيث خيتل ف مص طلح القراب ة يف بعض اجملتمع ات،عن د وف اة األم
ليتغري اصطالح خال إىل مصطلح آخر ،ففي بعض شعوب وقبائل "الشرييكاهو األباتاش" أين
يتزوج الرجل بأخت الزوجة املتوفاة ومنه يتغري مصطلح اخلالة إىل مصطلح آخر باسم معني.
.9أساس الفرق العمري :أي تصنيف األقارب يف نفس اجليل تبعا لفروق العمر ،يكون متييز
بني األخت الك ربى واألخت الص غرى باص طالح خ اص ،مث ل اجملتمع املص ري ال ذي يطل ق
مص طلح "أبل ة" على األخت الك ربى و"أبي ه" على األخ األك رب وه ذه القاع دة ال تعم ك ل
اجملتمعات العربية.
وبص فة عام ة ف إن األس س الس تة األوىل هي األك ثر انتش ارا يف اجملتمع ات اإلنس انية ،أم ا الثالث ة
التالية فهي أقل انتشارا.
.3النظريات Aالسوسيو أنثروبولوجية AللقرابةA
لدراس ة الرابط ة القرابي ة دراس ة نظري ة ميداني ة يقتض ي التع رض ألهم اجتاهني أساس يني يف
نظري ة القراب ة ،ومها االجتاه الكالس يكي واالجتاه احلديث ،فاالجتاه الكالس يكي لنظري ة القراب ة،
اجته في ه العلم اء اجتاه ا تطوري ا ،واعت رب ل AA Aويس مورج AA Aان من أهم رواد وأعالم المدرس AA Aة
التطورية Aاألنثروبولوجي AAة A،حيث ك انت ألفك اره ص دى وت أثري يف كث ري من العلم اء ،ال ذين
انتسبوا لتلك املدرسة ،أما االجتاه احلديث فتمثله النظرية البناية والوظيفية ،يتضمن هذا االجتاه
مدرستني انسانيتني ومها املدرسة الربيطانية بزعامة راد كليف بAراون Aواملدرسة الفرنسية بقيادة
كلود ليفي ستروس .
فالنظرية التطورية درست القرابة بالبحث عن أصل هذه الظاهرة وكيفية تطورها من خالل
ال زواج واألس رة ،أم ا النظري ة البنائي ة والوظيفي ة ،أرجعت اختالف أمناط ال زواج والقراب ة إىل
الظ روف االجتماعي ة الس ائدة يف ك ل جمتم ع على ح ده وليس إىل تط وره ،كم ا رأت النظري ة
التطورية ،فهي تنظر للمجتمع ككائن عضوي ،يتكون من أبنية متميزة مرتابطة ،يف وحدة كلية
وأي تغيري يف أي جزء منها ،يؤدي إىل تغيريات يف الكائن العضوي ،إذن تدرس البنية والبناء
االجتم اعي ،ل ذلك س وف نرك ز بش كل كب ري على آراء أهم التط ورين يف القراب ة ،موض حني
186
اإلجتاهات اليت مشت عليها النظرية Aالتطورية يف فهم الرابطة القرابية ،مث أراء البنائية يف تفسري
النظام القرايب.
.1.3النظرية التظورية
ظهرت هذه النظرية اإلجتماعية يف القرن 19وذلك بعد تأثر أصحاهبا بالنظرية الداروينية
نسبة إىل الطبيب داروين ،الذي يرى أن كل أشكال احلياة مل ختلق خلقا متخصصا لكل نوع
وإمنا يرتب ط بعض ها ببعض ،وهن ا ظه ر مص طلح التط ور وه و أح د االجتاه ات األساس ية ال يت
للص دفة أو
ظه رت يف الق رن ،19حيث ي رى أص حابه أن تط ور االنس انيةمل يكن خاض عا ُ
األهواء وإمنا لديه مراحل متعاقبة تسمى بتاريخ االنسانية.
وهلذا فأص حاب ه ذا االجتاه يهتم ون بدراس ة "األص AAول "les originesقاص دين ب ذلك
البحث يف البدايات األوىل للنظم االجتماعية ،مثل:أصل الدين ،اللغة ،الزواج ،القانون ،أصل
القراب ة حيث يع ين ذل ك أن التطوري ة ،تبحث يف األص ل وتتب ع نش أت الظ واهر االجتماعي ة
وتغريها من حالتها الساذجة البسيطة ،إىل حالة معقدة وأكثر تركيبا ،هذا ما مرت به ظاهرة
القراب ة ع رب ال زمن ل ذلك وض ع التطوري ون مب دأ خاص ا ،وأساس يا لفك رهتم ،يتمث ل يف أن ك ل
اجملتمعات البشرية تتطور يف نُظمها االجتماعية وتتغري ،فأثناء تغريها متر مبراحل تطورية ،كل
مرحلة فيها متثل انتقال اجملتمع من حال إىل حال 1.فه ذا االجتاه التطوري يسعى إىل التعرف
على مراحل التطور يف بناء وظائف األسرة والقرابة.
*لAويس هAنري مAورجن :من أبرز مؤسسي األنثروبوجليا االجتماعية ،أمريكي ولد يف والية
نيوي ورك ع ام ،1818إهتم ب اكرا ج دا ب اهلنود ،وبش كل خ اص بقبائ ل ال رياكوا ،ع ام ،1851
ت ابع أحباث ه امليداني ة ،ب القرب من جمموع ات هندي ة أخ رى ،لكن ه ابت داء من هناي ة اخلمسينيات،
أص بحت القراب ة انش غاله األساس ي ،ش رع حينئ ذ على نط اق واس ع بدراس ة مقارن ة حلاالت
.السيد حنفي عوض ،علم االنسان،دراسات و حبوث يف ثقافة الشعوب واجملتمعات ،مصر ،االسكندرية، 2010،ص.25
1
187
القراب ة ،ذُك رت نتيجته ا يف مؤلفي ه الض خمني":أنظمA Aة AقرابA Aة Aالعص AAب والنس AAب في العائل AAة
1
البشرية" Aعام 1871و"المجتمع القديم "Aالذي ظهر يف عام .1877
وهنا أدخل لويس مورغان ،مفهوم نظام القرابة يف كتابه األول ،وابتكر فيه طريقة للتحليل
تقوم على وضع استبيان يتضمن تعابري القرابة الواردة على شكل نظام وزع منه139نسخة ومن
خالل النت ائج ال يت توص ل إليه ا وض ع ع ددا من أمناط املص طلحات ،ال يت قس مها إىل قس مني
أساسيني :األول وصفي قائم على دمج عدد ضئيل من املصطلحات البسيطة واآلخر تصنيفي
يقوم على توزيع ذوي قرابة العصب ضمن فئات أفراد ،ينطبق عليهم نفس التعبري ،فعلى سبيل
املثال لدى شعب االيروكوا ،ينادي االب وشقيقه بنفس الكلمة ومها ينتميان إىل فئة خمتلفة عن
تل ك ال يت تض م أف رادا ،يش ار إليهم مبص طلح يس تخدم لتس مية ش قيق األم ،هك ذا أص بح من
2
املمكن و للمرة األوىل إجراء مقارنة منهجية بني املصطلحات ذات املصادر املختلفة.
كما وج د مAAورجن كث ريا من ج وانب التش ابه يف الثقاف ات املختلف ة ،فه و يُفس ر نظ ام احلي اة
العائلية والزواج من البساطة إىل التعقيد ،وذلك تبعا لفرضية ظنية ،انطلق منها حنو تفسري تطور
مراحل االسرة وأشكال الزواج ،يرى أن العائلة البشرية قد مرت خبمس مراحل ،قبل أن تصل
إىل شكلها احلايل أي الزواج االحادي وهي:3
.3العائلة الزوجية؛ يقوم أساسا على الزواج بني رجل واحد و امرأة واحدة.
.4منط العائلة األبوية؛ واالنتساب فيها لألب ،هذا النمط يعين زواج رجل واحد بعدد كبري
من الزوجات.
.1بيار بونت ،ميشال ايزار ،مرجع سابق ،ص .887
.2معجم االنثروبولوجيا ،نفس املرجع السابق،ص.887،888
.3حسن عبد احلميد أمحد رشوان ،األنثروبولوجيا في المجالين Aالنظري والتطبيقي ،املكتب اجلامعي احلديث،مصر ،القاهرة،
، 2003ص.137
188
.5العائلة األحادية؛ وفيها زواج الرجل من زوجة واحدة وكذلك املرأة من رجل واحد فقط.
ومن مث عاجل تطور العائلة البشرية يف ضوء مراحل تطور اجملتمع البشري ،وليفسر ذلك قسم
اجملتمع اىل ثالث أقسام أو حقب تارخيية أساسيتني :هي حقبة التوحش ،احلقبة الرببرية وتليها
املرحل ة احلض رية أو التم دن ،قس م م AAورجن مرحل ة الت وحش إىل ثالث مراح ل وهي :مرحل ة
التوحش الدنيا ،مرحلة التوحش الوسطى ،مرحلة التوحش العليا ،كما قسم احلقبة الرببرية إىل
ثالث مراحل أيضا وهي :مرحلة الرببرية الدنيا ،مرحلة الرببرية الوسطى ،وأخريا مرحلة الرببرية
العليا ،مث يقول تصل االنسانية إىل مرحلة التمدن أو احلضرية ،وهنا يؤكد على أن شكل احلياة
العائلية والقرابة ظهر يف مرحلة التوحش الدنيا ،حيث كان اجملتمع البشري يف البدء عبارة عن
زمرة اجتماعية بسيطة تعيش يف حالة بدائية ال حتكما ضوابط أو قوانني أو قواعد خلقية ،فعاش
األف راد حي اة إباحي ة ،دون أن ختض ع ألي تنظيم اجتم اعي للعالق ات اجلنس ية ،ل ذلك أطل ق
مورجن على هذه املرحلة باإلباحية اجلنسية ،حيث يعين ذلك أن الفرد يف هذه الفرتة بإمكانه
االتص ال جنس يا ،ب أي ام رأة يش اء وب دون أي قي ود متنع ه ،أم ا املرحل ة الوحش ية الوس طى،
فظهرت فيها نوع من العائلة وعالقات قرابية مساها بالعائلAة Aالدموية ،وهي تقوم على الزواج
1
بني اإلخوة واألخوات داخل مجاعة واحدة.
اس تمر ه ذا الن وع من العائل ة إىل غاي ة املرحل ة التوحش ية العلي ا ب دخول اجملتم ع للحقب ة
الرببرية ،واملرحلة الرببرية الدنيا ،فظهر شكل من العائلة ،يقوم على الزواج اجلماعي أو زواج
اجلماعة ،وهو زواج يتم بني مجاعة من االخوة وعدد من النساء ال يشرتط أن ي ُكن أخوات أو
على العكس ،أن يك ون ال زواج بني مجاع ة األخ وات وع دد من الرج ال ،حيث ال يش رتط أن
يكونوا إخوة ،فسمى هذا النوع من العائلة بالعائلة Aالبونالوية ،punaluan Aإستمر هذا النوع
من العائلة إىل غاية الرببرية الوسطى وبعد انتقال اجملتمع إىل الرببرية العليا ،ظهر شكل الزواج
التعددي ويتفرع منه فرعان أحدمها هو شكل تعدد الزوجات ،حيث ينتشر يف عدد كبري من
اجملتمعات ،وجيمع الرجل بني أكثر من زوجة يف وقت واحد ،والفرع الثاين هو تعدد األزواج،
1
.حممد حسن غامري ،مقدمة في االنثروبولوجيا العامة ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،بن عكنون ،بدون سنة ،ص. 74
189
فيه جتمع املرأة أكثر من زوج واحد يف وقت واحد ،عادة يكون هؤالء األزواج إخوة ،وبعد
ه ذه املرحل ة ،تنتق ل البش رية إىل مرحل ة التم دن ،فيه ا ش كل ال زواج األح ادي ،ال ذي يعت ربه
1
مورجن أرقى أشكال الزواج وهو ما نعرفه حاليا تزوج الرجل بامرأة واحدة.
نالح ظ أن مAAورجن نتيجة لدراس اته ومالحظاته للمجتمع ات البدائية ،توص ل إىل أن نظام
القراب ة وال زواج واألس رة ،م روا بنفس املراح ل نظ را الرتباطهم ا أو ألن الواح د يول د اآلخ ر،
فالزواج يشكل أسرة ،واألسرة تنتج روابط قرابية متعددة ،فتكون املرحلة الالحقة اكثر تطورا
وتقدما من املرحلة السابقة ،هلذا كان ينظر إىل النظم األوروبية يف قمة التطور والتقدم منطلقا
من فكرة أساسية ،مفادها ان اجملتمع البشري يف بدايته هو عبارة عن مجاعة اجتماعية كبرية،
تعيش يف حالة بدائية ،ال حتكمها قواعد خلقية ،يعيش الناس يف حياة إباحية وفوضى جنسية،
قاصدا بذلك أن االباحية اجلنسية هي أوىل أشكال التزاوج الذي ساد منذ فجر البشرية.
*كما امتاز نظام القرابة عند جوهن ماكلينAان 1881-1827بدراسة تطور نظام القرابة،
من خالل العائلة ،عندما أجرى دراسة مقارنة عن شعائر الزواج ،واليت نشرها يف كتابه"الزواج
البدائي" عام ،1865وفيه صاغ فرضية يفسر من خالهلا ظهور الزواج اخلارجي ،الذي يقوم
على عملي ة خط ف الع روس ويع ود الس بب إىل "وأد" البن ات يف القبائ ل ال يت ك انت ت رفض
اإليناث مما أدى إىل نقص كبري يف اجلنس األنثاوي ،فاضطرت هذه القبائل إىل خطف البنات
من قبائل أخرى ،تغتنم الفرص خاصة يف احلروب للزواج هبن ،وهلذا خرج ماكلينان بفك رة أن
الزواج اخلارجي هو أسبق من الزواج الداخلي2.والسبب أن القبائل مل يكن رجاهلا يتزوجون
من داخل القبيل وإمنا يتزوجون من خارجها.
يعين هذا أن القرابة كانت تتوسع إىل عالقات قرابية جوارية ،فيصبح للمولود عائلة األب
وعائل ة األم ال يت خطفت من قبيل ة أخ رى ،وهن ا يوض ح ماكلينAA Aان أن املرأة ال يت ُخطفت ال
تستطيع العودة لقبيلتها أو رأية أهلها.
1
.حممد حسن غامري ،مرجع سابق،ص.75
2
.حممد حسن غامري ،نفس املرجع السابق،ص. 76
190
الرحل ،الذين كانوا يتشاركون يف كل
ويُضيف أيضا إىل أن التطور العائلي يعود إىل القبائل ُ
ش يء ،الطع ام وال دفاع وح ىت اإلباحي ة اجلنس ية بينهم ،حيث ميارس مجي ع ال ذكور العالق ات
اجلنسية مع مجيع النساء،مل تكن هناك قواعد اجتماعية ،متنع ذلك أو تنظم العالقات وبالتدريج
حتولت اجلماعات االنسانية إىل مجاعات أمومية ،هذا عن طريق رابطة القرابة الدموية بني األم
والطفل هلذا تتواجد يف هذه املرحلة األبوة باملفهوم احلضاري ،فأصبح االنتساب إىل األم ،كما
ظهر التمييز بني اإلخوة واألخوات من خالل مجاعة أمومية قرابية ،أصبحت كل أم تلد أوالد
ينتسبون إليها بالقرابة األمومية ،هذا النوع من الزواج هو الزواج " البولياندري" وفيه تتزوج
1
املرأة بأكثر من رجل واحد ويف وقت واحد ليس بعد فرتات.
يبدوا واضحا أن هذه املراحل الثالث هي جمرد تصور نظري وضعه بAAاخوفن ،حيث اعتمد
يف كتاباته متأثرا بهAAيرودوت ،عند حديثه عن النظام األموي إال أنه أكد بالرغم من أن املرأة
1
.حممد حسن غامري ،مرجع سابق،ص. 77
2
عبد الرمحان أسامة نور ،البدايات األولى للتنظير األنثروبولوجي ،لبنان ،بريوت،2009،ص. 3
191
من الناحية الفس يولوجية ،هي أض عف من الرج ل إال أهنا ق د احتلت مكان ة اجتماعي ة عالية يف
العائل ة واجملتم ع والس لطة يف مرحل ة من املراح ل التارخيي ة القدمية ،وب ذلك انتص رت على ق وة
الرجل الفسيولوجية ،مما مسح لألطفال يف تلك املرحلة باالنتساب قرابيا إىل أمهاهتم وليس إىل
آبائهم ألن مل يكن من املستطاع حينذاك حتديد األب فاملرأة تعايش جمموعة من الرجال وليس
رجال واحدا ،مبعىن أنه مل يوجد نظام قرايب حيدد العالقات اجلنسية ،وهلذا ايضا متتعت النساء
بوص فهن الوال دات الوحي دات املعروف ات بك ل ثق ة وتأكي د لالطف ال بق در كب ري من االح رتام
واكتسبت املرأة بذلك مكانة اجتماعية ودينية عالية.
يرى أصحاب هذا االجتاه أن بنية اجملتمع متماسكة ،فأي نسق اجتماعي يتكون من أجزاء
مرتابطة ويعتمد بعضها على بعض ،كل جزء يدخل ضمن عالقات اجتماعية ضرورية ،تأخذ
صورة نظام إجتماعي ،هلذا ال ميكن فهم أي جزء أو أي نظام اجتماعي ،فهما صحيحا إال إذا
درسناه يف عالقته بالنظم األخرى السائدة يف اجملتمع ،وهذا ما يشكل "بناءا اجتماعيا" .والذي
يعرفه األنثروبولوجيون :على أنه نسيج يتكون من العالقات اليت تربط بني أعضاء جمتمع ما.
كما هتتم هذه النظرية بدراسة أثر وظائف األسرة يف دميومة الكيان االجتماعي وهتدف إىل
توضيح الرتابط الوظيفي ،بني النسق األسري وبقية أنساق اجملتمع األخرىُ ،مركزة أيضا على
دراسة الرتابط املنطقي بني األدوار االجتماعية األساسية اليت تتكون منها ،فهذا االجتاه البنائي
الوظيفي يدرس األسرة أو العائلة اليت تعد نواة لبناء القرابة ،فإنه يركز على األجزاء اليت يتكون
منها نسق األسرة والعائلة يف ارتباط بعضها ببعض ،عن طريق التكامل والتساند الوظيفي ،فعند
دراسة القرابة وفقاً للمدخل البنائي الوظيفي ،جند الرتكيز على وظائف األنساق الفرعية،
داخل األسرة بالنسبة لبعضها البعض وبالنسبة للبناء القرايب كوحدة متكاملة ،وكذلك الرتكيز
على وظائف األسرة والعائلة بالنسبة للمجتمع من مجيع جوانبه ،باعتبار أنه لن مُي كن فهم أي
192
نسق اجتماعي فهماً صحيحاً إال إذا درسناه يف عالقته باألنساق األخرى اليت تكون البناء
1
االجتماعي.
ومن أهم رواد ه ذه املدرس ة جند كل AA Aود ليفيس س AA Aتروس ،ايف AA Aانز بريتش AA Aارد ،كيس AA Aنج،
رادكليAAف بAAراون يرى ه ؤالء ،أن اجملتمع االنساين نسق ،مبعىن أن احلي اة االجتماعية تسودها
درج ة معين ة من ال رتتيب والتماس ك واالس تمرار ،حيث ال ميكن للف رد ب دون ه ذا الرتاب ط أن
يُش بع أبس ط حاجات ه األولي ة أو الثانوي ة ،ويرج ع ه ذا ال رتتيب أو النس ق االجتم اعي إىل نظ ام
اجتماعي ،يعين هذا أننا ال ميكن أن ندرس أو نفهم أي نظام اجتماعي فهما صحيحا ،إال إذا
درسناه يف عالقته بالنظم األخرى السائدة يف اجملتمع احمللي ،مث يف عالقته بالكل ،الذي يدخل
يف تكوين ه،كالنس ق الق رايب ال ميكن فهم ه أو حتليل ه مبع زل عن دوره يف التض امن االقتص ادي
2
والتمايز الثأري القبلي.
*رادكليAA Aف بAA Aراون:ه و ع امل أن ثروبولوجي بريط اين 1955-1881خترج من جامع ة
كم ربدج ت أثر بAAدوركايم Aكث ريا ،رب ط مفه وم البني ة االجتماعي ة ،مبفه وم الوظيف ة ،حيث ش به
احلياة االجتماعية باحلياة العضوية ،فاألسرة يف نظره هي مبثابة وحدة بنيوية تستحيل رؤيتها يف
عموميتها ،يف أي حلظة ،لكننا نستطيع مالحظتها ألنه يرى أن اجلماعات االجتماعية املوجودة
لف رتة طويل ة ،متث ل جتم ع األنس اق يف وح دات اجتماعي ة خمتلف ة األحج ام والتب اين الق ائم بني
األف راد ،ومجاع ات جمتم ع من اجملتمع ات وحيدد يف اجملتم ع الواح د ،م ع اختالف املرك ز
االجتم اعي بني الرج ال والنس اء وبني الش يوخ ،والش باب واألطف ال ،وبني ال رئيس واملرؤوس،
وبني صاحب العمل والعمال ،كما أن كل العالقات االجتماعية اليت تقوم بني شخص وآخر
من البني ة ال يت تتك ون من العالق ات الثنائي ة ،مث ل العالق ات بني األب وإبن ه وابن اخلال وإبن
أخته...اخل ،هلذا يعد النظام القرايب يف اجملتمعات الغري معقدة أهم النُظم االجتماعية وهو الذي
حيدد شبكة العالقات االجتماعية للمجتمع.
.1سامية مصطفى اخلشاب ،النظرية االجتماعية ودراسة األسرة ،دار املعارف ،القاهرة ،مصر،1982،ص.39
193
ويعرض براون 1نظريته يف القرابة ببداية منهجية معرفا إياها على أهنا مثة عالقات مباشرة
تقوم بني شخصني ،نتيجة احندار أحدمها من اآلخر ،فمثال:احندار احلفيد من اجلد أو أن كالمها
احندر من جد واحد مشرتك ،سواء خالل خط الذكور أو خط اإلناث،كما أن نسق القرابة
عن ده عب ارة ،عن ش AAبكة من العالق AAات االجتماعية وهي تل ك ال يت تك ون ج زءا من الش بكة
الكلية للعالقات الثنائية اليت تقوم بني شخص وآخر يف اجلماعة.
كما أن الوحدة البنائية اليت تكون منها نسق القرابة هي اجلماعة اليت أطلق عليها إسم األسرة
األولي ة أو الص غرية ،ال يت تُعت رب أبس ط ص ور القراب ة وتت ألف ه ذه األس رة من زوج وزوجت ه
وأوالدمها غ ري املتزوجني ،يع ين ذل ك أهنا األس اس األول ال ذي تق وم علي ه اجلماع ات الزواجي ة
األكثر تعقيدا.
وهن اك ثالث درج ات لعالق ات القراب ة داخ ل األس رة األولي ة ،منه ا عالق ات القراب ة من
الدرجة األوىل ،وهي اليت تنشأ بني اآلباء واألبناء من جهة واليت تنشأ بني األخوة األشقاء من
جهة ثانية وأخريا اليت تنشأ بني الزوج والزوجة ،كآباء ألوالدهم ،يطلق عليها شبكة العالقAAات
الجينالوجية Aأو شجرة العائلة.
أما عالقات القرابة من الدرجة الثانية فهي تلك اليت تعتمد على اتصال عائلتني أوليتني عن
طريق العضو املش رتك ،كالعالقة بني الشخص وج ده (أب األب ) وعن الشخص وخاله (أخ
األم ) وأخريا عالقة القرابة من الدرجة الثالثة ،وهي اليت تقوم بني الشخص وابن اخ االم ( ابن
اخلال ) او بين ه وبني زوج اخت االب ( زوج العم ة ) ،أو بين ه وبني ابن االخ االب ( ابن
العم ) ،وبينه وبني زوجة اخ االم (زوجة اخلال ) فهكذا تتدرج درجات القرابة ،اليت يدخل
فيها الفرد مع أقاربه من الدرجة االوىل والثانية والثالثة وعلى هذا األساس حتدد درجات القرابة
اىل جانب هذه العالقات،كما حتدث راد كليف براون ،Aعن األسرة األولية ،كوحدة أساسية
2
.السيد حنفي عوض ،مرجع سابق،ص.30
.1معجم االثنولوجيا واألنثربولوجيا ،مرجع سابق ،ص.788
194
يف نسق القرابة وهي خلية اجملتمع ،بل هي نواة اجملتمع وكذلك هي مجاعة قرابية مرتبطة ارتباطا
1
قويا عن طريق الدم والزواج وتعيش يف منزل واحد معيشة مشرتكة.
195
عن د البش ر ،لتتف رع عن ه ذه ال ذرة القرابي ة العالق ات والرواب ط االجتماعي ة بش كلها األوس ع،
فالعائلة البيولوجية أو األسرة هي النواة األساسية واألوىل للقرابة يف النظام االجتماعي.
كم ا ع رف سAAتراوس يف كتاب ه القراب ة على أهنا عب ارة عن انتم اء شخص ية او أك ثر اىل ج د
واح د أو اعتق ادهم أن هلم ج دا واح دا وق د تك ون القراب ة حقيقي ة،كم ا ق د تك ون متخيل ة أو
قانوني ة فتق وم األوىل على ص الت األم يف الغ الب وهي العنص ر االساس ي يف القراب ة،كم ا أن
قواعد حتديد القرابة ختتلف من جمتمع ألخر ،اختالفا واضحا ،فهناك جمتمعات جتعل من القرابة
متصلة باألب وحده وتسري يف خط الذكور او ما يطلق عليها (اخلط االبوي ) ،وهنا تعترب األم
وأقارهبا أباعد عن القبيلة أو العشرية أو األسرة.
ومن اجملتمع ات من ت رى العكس متام ا ،فالقراب ة فيه ا تس ري حنو م ا يس مى (باخلط االم وي)
وإىل جانب هذا مثة جمتمعات أخرى ،ترى أن القرابة تسري مع اخلطني األموي واألبوي ،أي أن
الشخص يعترب عضوا يف عشرية أبيه وعشرية أمه ،أما أبناء الطرفني ،فهم أقارب له ،هذا ما
اصطلح على تسميته بقرابة اجلانبني أو إن صح التعبري (القرابة الثنائية).
إض افة إىل ه ذا هن اك جمتمع ات تتب ع القراب ة فيه ا ع دة خط وط ،فمثال بعض عش ائرها تس ري
وف ق خ ط االم ويف بعض ها االخ ر تس ري وف ق خ ط االب ،ويف الن وع الث الث وف ق املنطقني مع ا
وتسمى هذه القرابة (قرابة كل اخلطوط املتعددة ) ،زيادة على ذلك فإن نسق القرابة يقوم يف
أساسه على نوعني من العالقات ،ف النوع األول هو العالقة اليت تق وم على رابطة الدم وينشأ
عنها األقارب املقربني وهم الذين تربطهم روابط األم ،أما النوع الثاين ،فيمثل العالقة او القرابة
1
اليت تنشأ عن طريق املصاهرة أو الزواج.
إضافة إىل هذا فإن البن اء األويل للقرابة عند ليفيس سAAتروس ،قائم أساسا على التبAAادل فهو
األساس اجلوهري ،الذي تظهر منه كل أشكال الزواج وإذا كانت وحدة القرابة ،تأخذ هذا
1
فادية فؤاد محيدو حممد ،البنائية عند ليفي ستروس ،مصر ،دار املعرفة اجلامعية ،2006 ،ص.90
196
الط ابع احلتمي كنتيج ة مباش رة للوج ود الش مويل ،لقاع دة التح رمي ،ف ذلك ألن الرج ل يف
اجملتمعات اإلنسانية ال حيصل على املرأة ،إال من رجل آخر يف صورة أخت أو بنت.
ويف نظ ر لفي س AA Aتروس ،ف إن العالق ة بني اخ وة الزوج ات يف اجملتمع ات القدمية هي احملور
وجتاوزا لالثنولوجيا التقليدية اليت أخطأت
ً الضروري الذي تتشكل حوله البنية األولية للقرابة،
يف كوهنا أعطت أمهية ملصطلحات القرابة دون إعطاء أمهية للعالقات بينها ،فإن ليفي ستروس
أيض ا :نظام تسميات،
يرى أن القرابة ليست نظام تسميات فحسب ،بل هي نظام سلوكات ً
حبيث ال يك ون ألي إس م مع ىن إال بربط ه بالنظ ام كك ل ،كم ا أهنا نظ ام س لوكات وميكن
التمييز فيها بني نوعني:
.1نوع من السلوكات الغري املركزة والغري متبلورة أو غري منظمة وهي انعكاس على املستوى
النفسي للتسميات املرتبطة بالقرابة .
.2نوع من السلوكات املنظمة واملرتبطة جبزاء أو طقوس أو احملاطة بامتيازات واملعرب عنها يف
ش عائر حمددة :إهنا س لوكات ال تعكس بص ورة أوتوماتيكي ة نظ ام التس ميات ،ب ل تظه ر
كإجنازات ثانوية تفيد يف حل التناقضات املالزمة لنظام التسميات ،إن نظام السلوكات يف نظر
ليفيس تروس حيتوى أربع مصطلحات على األقل:سلوك عاطفي (احلنان والتلقائية املتبادلة )،
س لوك تب ادل (عط اء ورد العط اء) ،س لوك ال دائن ،وس لوك املدين وبعب ارة أخ رى التس اوي
1
والتبادل واحلق والواجب.
ك ذلك مييز س AAتروس بني األق ارب على أس اس ال دم ،حيث ك ان ه ذا ه و مض مون األبني ة
األولي ة للقراب ة عن ده وال يت ك ان يقص د هبا ،األنس اق ال يت ميكن أن حندد عن طريقه ا حتدي دا
مباشرا ،دائرة أو نطاق األقارب عن دائرة أو نطاق األص هار ،تلك األنساق اليت يكون فيها
ال زواج من األق ارب مفض ال ،وتش ري إىل ك ل أف راد اجلماع ة على أهنم أق ارب ،مث تقس مهم إىل
فئتني :األفراد الذين يباح الزواج بينهم ،واألفراد الذين حيرم بينهم الزواج .كما جيب أن نشري
إىل أن كل AAود ليفي س AAتروس ي رى أن نظم القرابـة ،إمـا أن تك ون أولي ة أو مركب ة ،ففي ظ ل
1
.حممد محداوي ،البنيات االسرية ومتطلباتها الوظيفية في منطقة بني سنوس ،مرجع سابق،ص.601
197
النظم Aاألولية خيتار الفرد شريك العالقة الزوجية ،وفقا لقواعد اجتماعية حمددة حمكومة بقانون
زنا احملارم ،فمثل هذا التنظيم الذي يقال عنه أنه ثنائي ،يؤدي باجملتمع إىل االنقسام إىل طائفتني
خمتلف تني ختض ع يف بعض األحي ان إىل قاع دة ال زواج اخلارجي ،فهي تل زم الرج ل ال زواج من
الطائفـة املنافسة.
فاألش خاص من نفس الطائف ة هم أق ارب مت وازون ،أم ا األف راد من طائف ة أخ رى هم أق ارب
بالتقاطع ،وجمموع مفردات القرابة ترتتب بالدرجة األوىل من مجاعـة اإلخوة واألخوات الذين
مين ع ال زواج فيم ا بينهم ،بينم ا األق ارب بالتقـاطع فعكـس ذل ك ،فهم األق ارب األوائ ل ال ذين
باإلمك ان ال زواج منهم وه ذا م ا نع رب عن ه بالتب ادل الض يق ،ف االبن علي ه أن ي تزوج من نفس
األقارب الذي تزوج منهم األب ،ألنه هناك تبادل غري مباشر ،حيدث من خالل التـزاوج بـني
األق ارب املتق اطعني .والق انون حيث البنت على ال زواج من أق ارب األم ،فالقراب ة هن ا حتم ل
خاصية االزدواجية ،أين يلزم الفرد على أن ال يتجاوز قوانني القرابة ،فهـو يتزوج وفق القوانني
املتاح ة ل ه وهي ق وانني يُش رتك فيه ا الق انون الفط ري الع املي اخلاص بزن ا احملارم ،فه و ن وع من
1
النسق القرايب األساسي.
أم ا النم ط الث اين وه و النس ق املركب حيت وي على ق وانني س لبية لل زواج ،حيث ال يق وم
بتحديد التصنيف القرايب له وهو ما نالحظه فـي جمتمعاتنـا العربية ،ألهنا تقوم على مثل هذه
األنس اق املعق دة ،لكن اجملتمع ات األوروبيـة واألجنبي ة ،بص فة عام ة جندها تف رض ال زواج من
خ ارج العشـرية إال أن الفـرق يكمن يف درج ة التص نيف وليس يف طبيعته ا ،فاألنس اق املركب ة
لل زواج ،متيز بـني األف راد من خالل املرك ز االجتم اعي ،س واء ك ان مبنيـا علـى تصـنيفات أو
مصاحل اجتماعية أو اقتصادية أي ميكن أن نوضح أكثر ونقول إن ستروس حياول أن مييز بني
نظ امني للقراب ة ،األول املتمث ل يف النظم األولي ة للقراب ة مييـز اجملتمع ات البدائي ة والتقليدي ة ،أين
خيتار الشخص شريك العالقة الزوجيـة وفقـا لقواعد اجتماعية حمددة ،غالبا ما تكون متمثلة يف
1
.Claude–Levi STRAUSS, Les structures élémentaires de la parenté, PUF, Paris,
1949, P 497
198
قواع د القراب ة ،بينم ا على العكس من ذل ك ،ال خيت ار ه ذا الش ريك يف النظم املركب ة ال يت متيز
1
اجملتمعـات املتقدمـة وفقا للقواعد السابقة وإمنا وفقا هلوى االختيار الشخصي.
بينما نالحظ أن تلك التحديدات ،إمنا هي مبادئ جتريدية أكثر منها أوصافا لواقع أمربيقي،
إذ جند يف الواق ع أن ل دى كاف ة اجملتمع ات قواع د معين ة لتح رمي الزن ا باحملارم ،هي ال يت حتدد
ش ركاء العالق ة الزوجي ة ووفق ا لنظم أولي ة ،كم ا أن ل ديها مجيع ا بعض اجلوانب املركب ة ال يت
تس مح للف رد من االختي ار وفق ا لظروف ه وأحواله2.يعين ه ذا أن احلديث عن وجود أبنية أولية
ي ؤدي بن ا إىل الق ول بوج ود أبني ة أخ رى معق دة ال يت ي رى أهنا تظه ر ،حني يتم ال زواج بني
األفراد ،ال يقوم بينهم روابط الدم ،حيث يتم ألغراض اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.
*تAAالكوت بارسAAونز :وهو أحد علماء االجتماع الوظيفيني ال ذي اهتم بدراسة األسرة
األمريكي ة وروابطه ا القرابي ة ،فوج د أن األس رة ال تس كن ب اجلوار من أقارهبا وال ختض ع
الراش ادات األق ارب وتوجيه اهتم ،يع ود الس بب يف ذل ك إىل أهنا ال تنح در من نس ق ق رايب
واحد ،بل من عدة أنساق قرابية خمتلفة ومتباينة ،لذلك ال يشكل أن النسق القرايب يف األسرة
األمريكية حجر الزاوية يف اجملتمع كما هو موجود يف بعض اجملتمعات.3
يعين هذا أن الوحدة القرابية ليس هلا جذور يف ختديد وضبط مستلزمات العضوية األسرية
وهذا يشري إىل أن والء الفرد داخل األسرة ،يكون لألبناء وللزوج والزوجة ،حيث يتطلب هذا
من األس رة األمريكي ة ،تك ييف ال زوجني بعض هم البعض ،وإذا حص ل تق ارب أح د ال زوجني
ألحد من أقارهبما فإنه سيكون على حساب عالقتهما العاطفية والزواجية ،وبالتايل يعمل على
إحداث أو تشكيل اعتالال وظيفيا للزواج داخل األسرة ،هلذا يقول بارسونز":ال يقتص ر الرباط
الرومنس ي على اجلاذبي ة العاطفي ة فحس ب ،ب ل على عام ل ال دخل واملوق ع امله ين واالعتب ار
االجتم اعي وال وظيفي ومنط العيش ،ه ذه الوظيف ة األس رية جتع ل من ال زوج والزوج ة ،يفص ال
1
.فادية فؤاد محيدو حممد ،نفس املرجع السابق،ص.92
.2فادية فؤاد محيدو حممد ،نفس املرجع السابق،ص. 94
3
.معن خليل العمر ،علم اجتماع االسرة،مرجع سبق ذكره ،ص.35
199
عاملهما املهين عن عاملهما األسري ألنه إذا مزجا بينهما ،فإنه خيلق هلما متاعب ومشاكل أسرية
1
ومهنية ال حدود هلا"
يقصد بارسونز من خالل قوله هذا أن األسرة الزواجية األمريكية تنعزل جغرافيا وبنائيا عن
الرباط القرايب ،ليحل حمله الرباط الرومنسي بني الزوج والزوجة ،هذا ال يلتقي مع القرابة ألن
يف اجملتمع األمريكي ،هتدد األسر الزواجية ،وبغياب الرباط القرايب قد حيل الرباط العاطفي.
إذن تAAالكوت بارسAAونز رك ز على اف رتاق الرب اط الرومنس ي عن الق رايب يف األس رة األمريكي ة
النووية ألن كل رباط يهدد الثاين يف وجوده فال يلتقيان يف خلية واحدة ،وهنا يرى الدكتور
معن خليAAل العمAAر A،أن ه يتف ق م ع بارسAAونز يف حتليل ه بربط ه ذل ك يف األس رة العربي ة ،حيث ال
يلتقي الرباط القرايب (زواج األقارب) يف أسرة تريد أن تنمي فيها رباط رومنسي ،بني زوجني
أو العكس ال يس مح الرب اط الرومنس ي داخ ل األس رة العربي ة ،بتوغ ل الرب اط الق رايب داخله ا،
لذلك تواجه األسرة العربية اليت تتأسس على الرباط الرومنسي ،العديد من املشكالت العالئقية
بني الزوج ة وأم زوجه ا أو أهل ه ،ألهنم يعتربوهنا س رقت إبنهم ،وك ذلك يف حال ة ح دوث
مش كالت عالئقي ة بني ال زوج وأم الزوج ة أو أهله ا ،إذ يعتربون ه س رق إبنتهم واحلال ة مش اهبة
عند زواج الرجل العريب من إحد قريباته فإن ذلك مينعه من بناء رباط رومنسي مع الزوجة إال
يف حاالت نادرة.
2
1
.معن خليل العمر ،نفس املرجع السابق،ص.36
2
.معن خليل العمر ،علم اجتماع األسرة،مرجع سابق،ص.47
3
الشروق اليومي. http://www.djazairess.com/echorouk/2867.
200
بع د ان دالع ح رب التحري ر اجلزائري ة اس تنكرت عملي ات تش ريد املس لمني املمنهج ة من
ط رف الس لطات الفرنس ية ،واحنازت بع د ذل ك تيلي AAون علن ا للمقاوم ة اجلزائري ة بع د لقائه ا
السري مع املناضلة زهرة ظريف وياسAف سAAعدي ويف عام ،1975عاشت "جيرمAان" Aباحثة
اثنولوجية ومقاومة تدعم حقوق الشعوب املضطهدة وتدافع عن احلريات الفردية ،وحق تقرير
املصري ووافتها املنية يف 19أبريل ،2008عن عمر املائة وواحد عام قالت يف آخر حياهتا "إن
ما ساعدين على التنور هو االثنولوجيا ،فهذا العلم جعلين منذ البداية أحرتم ثقافة اآلخرين"،
وقد عملت يف هذا اجملال يف الثالثينيات يف اجلزائر ،حيث حازت على جائزة "سينو دل دوكا"
1971لكام ل أعماهلا ،كت ابني عن س ريهتا الذاتي ة "رحل ة الش ر" 1997و"ك ان ذات م رة
االثنولوجيا"سنة 2000أما أهم كتبها فكان "احلرمي وأبناء العم" 1966يف حبث عن الزواج
من ذوي القرىب للنساء يف املغرب العريب ،الذي عُ ّد رائداً يف جمال الزواج والعالقات القرابية يف
املغرب العريب ،وهذا ما جعلنا ندرج دراستها امليدانية ،حول الزواج والبنيات الثانوية للقرابية،
كما تسميها هي يف املغرب العريب حيث توصلت إىل أن الزواج بني أبناء العم يعترب نبالة ،يف
قوهلا " إن النبال ة بالنس بة إىل املغ اربيني ترتب ط ب الزواج بني أبن اء العم من نس ب أب وي ،وال تزام
الف رد س يكون أك ثر ص رامة بانتمائ ه إىل نس ب أنب ل ،ب ل أك ثر من ذل ك إن الف رد يك ون أنب ل
بانتمائ ه إىل عائل ة أك ثر تش بثا ب الزواج ال داخلي1".وهن ا ترك ز على أن ال زواج ،ك ان داخلي ا
والش يء النبي ل واجلي د ه و ال زواج بني أبن اء العم حيث ك انت القراب ة ج د قوي ة نظ را لل زواج
الداخلي ،الذي مل يكن يسمح بدخول األجانب بني األقارب ،فتقول":إن الزواج النموذجي
يف املغرب العريب كله تقريبا ،ويف جزء كبري من املشرق مازال حيدث إال مع القريبة اليت وإن
2
مل تكن أخته فهي أشبه باألخت عمليا ،فإن األخت املعنية هي يف احلقيقة إبنة العم اللحة".
ومن خالل ه ذا تس تعمل تيليAAون مص طلح "زواج المحAAارم Aأو زواج المحAAرم" قاص دة ب ه
الزواج الداخلي ،كما يسميه السوسيولوجيون أو زواج األقارب ،فهي ترى أن هذا النوع من
.1ج رمني تيلي ون ،الحAAريم وأبنAAاء العم تAAاريخ النسAAاء في مجتمعAAات المتوسط ،ت ر:ع ز ال دين اخلط ايب وإدريس الكث ري ،دار الس اقي،
لبنان ،بريوت ،1966 ،ط ،2000 ،1ص.32
2
.نفس املرجع السابق،ص.85
201
الزواج ،قد ُوجد يف منطقة واحدة من العامل القدمي ،وهي منطقة البحر األبيض املتوسط ،حيث
قام أصحاب هذه املنطقة مبقاومة عنيفة ضد الدم األجنيب ،داخل اجملتمع املغاريب ،مما أدى إىل
وق وع ض حايا قاص دة هبؤالء الض حايا ،هم األش خاص ال ذين ي ودون ال زواج بأجنبي ات م ع
قلتهم.
وبتط ور اجملتم ع ف إن اجلروح تتك اثر وتزي د ،حبيث يص عب حتمله ا ،فيظه ر تش دد ع ام على
مستوى األنساق،كما الحظت تيليون أن هؤالء السكان ،كانوا يرفضون أن يسكن األجانب
بقرهبم فيدبرون كل وسائل احليلة والعنف ملنع األجانب من االستقرار عن قرب.
و هنا تقول تيليAAون "إن كانت فرضييت صحيحة ،فإن جمموع سكان هذه املنطقة سيعانون
تأخرا خطريا1".قاصدة بفرضيتها هي أن الزواج الداخلي يؤدي إىل ختلف اجملتمعات والعكس
ص حيح فم ا نالحظ ه الي وم يف املدن املتط ورة واملدن الك ربى يف الع امل ،يك ثر فيه ا ال زواج
اخلارجي وينقص أو يك اد ينع دم ال زواج ال داخلي ،ه ذا م ا أرادت توض يحة تيليAAون يف كتاهبا،
ومن خالل مالحظاهتا و مقارنتها بني اجملتمعات الوحشية واملتحضرة.
مستدلة مبا قاله هلا أحد املبحوثني اجلزائريني".وغالبا ما مسعت أشخاصا يف اجلزائر القروية ملا
قبل 1940يعربون يل عن سعادة املرء يف إبقاء مجيع أبنائه إىل جانبه بفضل أزواج وزوجات
من ص لبه وعن ش عور الزه و ال ذي ينتاب ه ،عن دما حيس بأن ه حممي بواس طة ع دد أف راد أس رته
وتالمحهم الق رايب"2 .إض افة إىل ذل ك حتدثت عن القراب ة أيض ا من خالل م ا الحظت ه يف والي ة
وه ران واجلزائ ر العاص مة وقس نطينة ،وح ىت املن اطق الص حراوية ،أن األه ايل يفض لون ال زواج
الداخلي فهم يرون فيه زواجا ناجحا،كما أنه يُقوي العالقات القرابية ،فالزواج من األقارب
3
يستمر وينجح على عكس الزواج من األجنبيات فإنه ال يستمر وينهار.
2
.جريمان تيليون ،املرجع نفسه،ص.88
3
.نفس املرجع السابق،ص.133
202
ومن خالل دراسة جيرمAAان تيليAAون للقرابة والزواج الداخلي ،وجدنا أهنا بالغت يف حكما
عن ال زواج ال داخلي على أن ه ختل ف أواحلرمي وأبن اء العم كم ا مسته هي ،مبع ىن أهنا من خالل
مالحظاهتا و دراستها ،أثبتت أن هذا النوع من الزواج جيعل اجملتمعات املغاربية تعيش نوعا من
التخلف اخلطري وال جيعلها تتتطور لعدم تفتحها على جمتمعات أخرى ،وأن العالقات القرابية
حتت اج للتفتح والتغي ري ،ح ىت يتط ور اجملتم ع وحيدث في ه التض امن احلقيقي ،ال ذي حيتاج ه الف رد
حس ب رأيه ا ،ف رغم أن ال زواج الق رايب يق وي العالق ات والرواب ط القرابي ة ،إال أن ه جيع ل
اجملتمعات منطوية ومنعزلة وبالتايل ال يسمح هلا بالتطور.
نس تنتج أن االجتاه التط وري والبنائي ة ،اهتم ا بالقرابة كرابط ة اجتماعية ونس ق اجتم اعي
فاملدرسة التطورية بقيادة مورجـ ــان ،ركزت على دراسة أصل الظاهرة أو النظام ،اعتمادا على
منهج التارخيي الظين ،باإلضافة اىل املنهج املقارن وإن مل يُستخدم هذا األخري بالشكل األمثل،
أم ا املدرس ة البنائي ة بقي ادة راد كلــيف ب AAراون A،فت درس أي نظ ام من حيث عالقت ه ب النظم
األخرى وتأثري كل نظام يف اآلخر ،وتفاعله معه والنهج املتبع فيها هو املنهج التحليلي ،فAAراد
كليAAف بAAراون درس أش كال القراب ة ومص طلحاهتا ،واهتم مبكان ة اخلال داخ ل األس رة ،وكلAAود
ليفي سAAتراوس اهتم باألبنية األوىل للقرابة ،حيث اكتشف الزواج من أبناء العمومة واخلؤولة
املتقاطع ة ،واعت ربه البن اء األول لتب ادل النس اء ،وأق ام علي ه نظريت ه يف القرابة ،كم ا حتدث عن
حترمي ال زواج من احملارم له وظيفة تتمث ل يف ضمان استمرار ،تبادل النساء عن طريق الزواج،
واستمرار الدوائر اليت يتم فيها التبادل من أجل االستمرار اجلماعي وبقائها ،حيث يعترب هذا
التب ادل مبحث أساس ي يف نظري ة ليفي سAA Aتروس ،معت ربا إي اه مظه را من مظ اهر التض امن
االجتم اعي من حيث أن ه يعم ل على تقوي ة العالق ات بني اجلماع ات س واء ك ان ه ذا التب ادل
حمددا أو عاما.
.4بنية وأنواع الروابط Aالقرابية
تعرف مجيع اجملتمعات اإلنسانية ،مجاعات يرتبط أعضائها بروابط القرابة ،حيث توجد عدة
أنواع من هذه اجلماعات القرابية ،منها األسرة ،العشرية ،البدنة ،القبيلة ...وتُعرف اجلماعة يف
203
علم االجتماع على أهنا":جمموعة من البشر يرتبطون بروابط حمددة ،مستقرة نسبيا ،تستند إىل
أهداف ومصاحل مشرتكة،كما يصنف علماء االجتماع العديد من اجلماعات باستناد كل منها
إىل معايري دقيقة متميزة عن األخرى".1
وهلذا فاجلماع ات القرابي ة من أهم اجلماع ات البش رية وأق دمها ،حيث تس تمد وجوده ا من
رابطة الدم اليت تبدأ بالزواج وإجناب األطفال داخل األسرة ،فتتسع هذه الرابطة ومتتد لتنشأ
عنها اجلماعات القرابية األكرب ،منها كالعائلة والفخد والبدنة والعشرية ،مث القبيلة اليت متثل أكرب
اجلماع ات القرابي ة ،إال أن األس رة تعت رب بني ة أولي ة ،ومجاع ة قرابي ة يف نفس ال وقت ،تق وم على
رابطة الزواج الذي يعد من أهم البُىن االجتماعية ،الذي تتفرع منه خمتلف األنساق القرابية،
2
حيث يقول بارسونز":الزواج هو املفتاح البنيوي األساسي للقرابة".
هلذا كان من األكيد احلديث عن الزواج بالتفصيل وتوضيح مدى دوره يف تشكل الرابطة
القرابية،كما أن هذه اجلماعات تعترب حسب علماء األنثروبولوجيا ،مجاعات تكونت بظاهرة
القرابة ألهنا تساهم يف بناء النظام القرايب.
تعت رب األس رة أوىل الرواب ط االجتماعية والبني ة األساس ية هلا ،فهي ال يت يتلقى الطف ل فيه ا
الرعاي ة واحلض انة من ذ والدت ه ،جيد نفس ه مرتبط ا هبا طبيعي ا ،ألن العالق ة تب دأ م ع أس رته ،مث
تتوسع إىل أقربائه القريبني مث البعيدين ،حيث يرى جون جاك روسو يف كتابه إميل 3أن أوىل
الروابط االجتماعية هي رابطة األم بإبنها وتسمى برابطة األمومة ،ويرى أن الرضاعة الطبيعية
من العوامل اليت تُقوى هذه الرابطة وبالتايل تقوى أوىل الروابط األسرية ،مث يُفسر ضعف هذه
الرابطة عندما ال ترضع األم ابنها ،وتقدمه لغريها من املرضعات ،هذا ما حدث يف عصر روسو
متاما عندما كانت الكثري من االمهات ال يرضعن أبناءهن وخاصة الالئي ينتمني للطبقة الراقية.
.ابراهيم عثمان وقبس النوري ،التغير االجتماعي ،الشركة العربية املتحدة للتسزيق و التوريدات،مصر،القاهرة،2008،ص. 176
1
. Parsons,T, The kinship system of the contemporary united states, American
2
204
فيقول روسو أن األم تُقصر يف أداء أكرب واجب من واجباهتا الطبيعية هو من أوىل الواجبات
اجتاه أسرهتا ،هنا حيدث ما يسميه "بالحرمان Aالعاطفي" وهو أصل انبعاث مجيع الشرور ،ويرى
أن األم عن دما تق وم بواجبه ا األس ري ،ف إن ك ل ف رد داخ ل االس رة يتعلم واجبات ه وهلذا يق ول
1
"مىت إرتدت النساء أمهات ارتد الرجال سريعا آباء وأزواج".
ويقصد روسو هنا أن الرابطة األسرية ،وفيها رابطة األمومة والرابطة الزوجية تقوى بقيام
األم بواجبه ا الط بيعي اجتاه أبنائه ا ومن مث أس رهتا كك ل-م ع العلم أن روسو يفس ر الكث ري من
الظواهر واألفعال االجتماعية بإرجاعها للطبيعة أي حقيقة الشيء وأصله-الذي يبدأ عنده من
الرضاعة كظاهرة طبيعية ،مث تأيت الواجبات األخرى ،ويؤك د على أن الرابط ة األسرية تقوى
بقوة رباط األمومة املليئ بالعواطف وعدم احلرمان منه ،ألن احلرمان يؤدي إىل العكس ،والذي
هو تفكك أوىل الروابط.
نالح ظ من خالل ه ذا أن األس رة البني ة األوىل وإن ص ح التعب ري ف األم هي البني ة األوىل عن د
روسو يف تقوية الرابطة األسرية وحىت القرابية ،ألهنا هي اليت تعلم أبناءها القيام بالواجب بعد
أن تقوم به هي من أول واجب وهو الرضاعة والعطف واحلنان.
هلذا تع رف االس رة بالعائل ة األولي ة أو بني ة النس ق الق رايب وهن اك من يُع رف ه ذا الن وع من
اجلماعة القرابية بأهنا:عبارة عن مجاعة تتكون من زوجني وأبنائهما غري املتزوجني ،حيث ينتمي
الفرد يف العادة إىل أسرتني نوويتني ،األسرة النووية اليت ترىب فيها ،وتُعرف باسم أسرة التوجيه،
أم ا الثانية وهي اليت يق وم فيها هذا الفرد ب دور األب وهي أسرة التك اثر 2.ويرى كلAAود لفي
ستراوس أن العائلة البيولوجية املكونة من األب واألم واألوالد ،تكفي لتشكيل النواة األساسية
واألوىل لرابط ة القراب ة يف النظ ام االجتم اعي3.ف يح دثداخ لاألس رة جمموع ة منالتف اعالت
4
االجتماعية قائمة علىثالث مستوياتمنالعالقة:
1
.نفس املرجع السابق،ص.38
2
.حممد اجلوهري ،األنثروبولوجيا:أسس نظرية وتطبيقات عملية ،دار املعرفة اجلامعية،مصر،1999،ص.224
3
فرديريك معتوق ،معجم العلوم االجتماعية ،مرجع سابق ،ص. 53،
4
.عامر مصباح ،المدخل إلى األنثروبولوجيا ،دار الكتاب احلديث ،القاهرة ،مصر،2010،ص.205
205
-1العالقAAة بين الوالAAدين AواالبنAAاء :وتقوم على دور الوالدين يف التنشئة االجتماعية وإشباع
احلاجات وتلقني الثقافة وخمتلف أمناط السلوك االجتماعي.
-2العالق Aة Aبين االخ AAوة :قام ة ه ذه العالق ة على فك رة األن داد يف احلق وق والواجب ات ومنط
معني من التفاعل ،كالغرية والتنافس والتناصر ضد األجنيب.
-3العالق Aة Aبين الAAزوجين :تق وم على االتص ال األس ري واجلنس ي بني ال زوجني ،ال ذي حيق ق
وظيفة االجناب لدى األسرة اليت تُساهم بدورها يف إجياد حالة االستقرار العائلي وتطور االسرة
عرب الزمن .كما ويرى محمد زياد حمAدان-أسAتاذ بAاحث سAوري في األسAرة و التربيAة A-أن
الروابط األساسية اليت جيب توفّرها لتكوين هوية األسرة يف اجملتمع ،هي مخس روابط ُموضحة
1
كما يلي. بإجياز
-1الرابطة الشرعية القانونية A:جُت ّس د هذه الرابطة ،القاعدة األوىل لتكوين األسرة وتتمثل يف
الزواج وبدوهنا يتحول وجود األب واألم معاً إىل عالقة غري قانونية وغري شرعية مؤقتةَ ،يْنحرم
األبناء ،نتيجتها كثرياً من الشرعية ،خاصة يف املؤسسات الرمسية احمللية.
-2الرابطA A Aة Aالبيولوجي AA Aة والنفس AA Aية :وتع ين ص لة ال دم ووراث ة أعض اء األس رة للرتكيب ة
%80 الفيسيولوجية حيث يأخذ األبناء من والديهم خصائصهم اجلسمية املادية بنسبة 70إىل
حسب تقديرات علم النفس ،فيبدون هبذا قريبني يف شكلهم اجلسمي العام من األب واألم ،أما
األبناء الذين يرثون عن والديهم 70ـ %80من ت ركيبتهم البيولوجية والنفسية ،فان ارتباطاهتم
األسرية ،من حيث امليول والغرائز واآلمال والذكاء واملواصفات الشخصية والسلوكية العامة،
تك ون وثيق ة وواض حة ،ح ىت الص وت واملِ ْش ية واهليئ ة الشخص ية والق درة على التص رف،
وأس اليب التعام ل م ع الن اس واملزاج الع اطفي الع ام ،حيث تب دو كله ا عالم ات فارق ة لألبن اء
والنتمائهم إىل أسرة حمددة دون غريها.
-3الرابطAA Aة االجتماعيAA Aة :األس رة هي ن واة اجملتم ع وجمموع ة من األس ر ،تش كل النس يج
االجتماعي العام للمجتمع ،وما هذا األخري يف الواقع سوى جمموع األسر املتجانسة عموم اً،
1
.د.حممد زياد محدان ،زواج سليم لبناء أسرة سليمة(بناء األسرة الفعالة) ،دار الرتبية احلديثة ،دمشق ،سوريا ،2006،ص.22
206
بأعرافه ا وتقالي دها وس لوكياهتا اليومي ة ،فيم ا نتع ارف علي ه بالعمومي ات الثقافي ة ،واألس رة
بتكوينه ا البش ري اإلنس اين ،وص الهتا النفس ية والبيولوجي ة ،والقانوني ة الش رعية واالقتص ادية،
وتنوع مسؤوليات أفرادها والتزاماهتم العضوية ،ما هي يف احلقيقة سوى جمتمع مصغر ،وعينة
اجتماعية ،ملا يدور يف اجملتمع الواسع من معارف وسلوكيات وأخالقيات.
-4الرابطة االقتصAادية A:إن أبسط ما تعنيه هذه الرابطة ،حلياة ومستقبل األسرة ،هو تكافل
ورهم ال وظيفي ،خالل
أعض ائها ودعمهم املايل املفت وح لبعض هم ،خالل منوهم الشخص ي وتط ّ
نش وئهم ص غاراً وراش دين ،مث ه رمهم كب اراً ،ف األب واألم على س بيل املث الُ ،ملزم ون بتمويل
حاجات األبناء املرتبطة بنشوئهم ودراستهم.
وي رى يف ذل ك ع امل االجتم اع األم ريكي وزعيم الوظيف يني تAAالكوت بارسAAونز أن لألس رة
دورين أساس يني ،ال تق وم إال هبم ا وهي أهنا تس اهم يف التنش ئة االجتماعي ة األولي ة وحتقي ق
االس تقرار يف الشخص ية ،وذل ك ألن التنش ئة االجتماعي ة األولية ،هي العملي ة ال يت يتعلم هبا
األطفال أوىل املعايري أو القوانني الثقافية للمجتمع ،الذي سيخرجون إليه بعد األسرة ،رغم أهنم
ول دوا فيه ،وه ذه العملي ة جتري خالل الس نتني األوىل للطف ل1.نالح ظ أن بارسAA Aونز أعطى
مص طلح التنش ئة االجتماعي ة األولية ،ك دور رئيس ي لألس رة وق ال األولي ة ومل يق ل التنش ئة
االجتماعي ة فقط ،وذل ك لوج ود تنش ئة اجتماعي ة ثانية ،وهي تتمث ل يف اجملتم ع واملدرس ة
واألص دقاء واملؤسس ات الديني ة غريه ا.....فه ذا ي دل على أن األس رة ،هي أوىل الرواب ط
االجتماعي ة األولية ،مبع ىن أن الف رد أو الطفل ،خالل الس نيني األوىل ،جيد نفس ه مرتبط ا ب األم
أوال ،مث باقي أفراد العائلة.
فاألس رة إذن متده بك ل احلاجي ات األولية ،ال يت تلزم ه من ثقاف ة ونقص د بالثقافة،ك ل م ا
يكتس به الطف ل من أس رته ،أي يتعلمه ،زي ادة على م ا ه و فط ري (كالبك اء ،الض حك،
النعاس ، )....فهي تعلمه ثقافة األكل واللباس والنظافة والكالم ....فمن هنا يبدو واضحا ،أن
األسرة من أكثر اجلماعات اإلنسانية قدما ،وأكثرها شيوعا ،يرتبط أعضاؤها بصلة قرىب ،سواء
207
أعاشوا حتت سقف واحد أم ال ،هذه الروابط الوجدانية أو صلة الرحم ،تنتج عن طريق الزواج
والوالدة ،أي عالقات بني الرجال عن طريق النساء أو ما يسميه بورديو "بالرأسمال الAAزواجي
1
والجنسي"
إذن هي رابطة اجتماعية أولية ختلق عالقة بني الفرد وأفراد عائلته ،عن طريق رباط الزواج
التناس ل.كم ا أهنا أبس ط النُظم االجتماعي ة ،تق وم على ال دوافع الفطرية ،وص الت ال دم ويرى
معظم املختص ني يف علم االجتم اع ،أن"نظ ام العائل ة يق وم على اص طالحات ،يرتض يها العق ل
اجلمعي وقواع د ختتاره ا اجملتمع ات وختتل ف وظ ائف العائلة ،ب اختالف اهليئ ات واجملتمع ات
والعصور ،وقد تشتمل العائلة كل الوظائف االجتماعية ،واالقتصادية والسياسية والدينية ،كما
2
هو حال األسرة البدوية".
زيادة على ذلك فهي مؤسسة اجتماعية ،ألهنا تقوم بالوظائف اجلوهرية للفرد واجملتمع معا
فهي تق وم بتحوي ل الف رد من ك ائن بش ري إىل إنس ان ،م ؤنس متطب ع بطب اع جمتمع ه بواس طة
التلقني املبين على التفاعل االجتم اعي بني األفراد ،وبن اءا علي ه يقيم معهم ش بكة من العالقات
االجتماعية ،وأيضا تقوم األسرة حبفر أساس اهليكل االجتماعي يف سلوك الفرد لكي تنشأ فيه
متطلب ات ،ذل ك من أج ل أن يُص بح أح د عناص ر جمتمع ه ،كم ا ي رى دورك AAايم أن األس رة
3
مؤسسة اجتماعية قانونية وأخالقية معا.
وهلذا فإنه ملن الشائع بني مجيع شعوب العامل أن املتوقع من الزواج ،هو تكوين أسرة وهي
تعترب بذلك النتيجة املعتادة ،إن مل تكن الضرورية للزواج ،بل أن البعض يرى أن الزواج الذي
ال تص احبه ذرية ،ال يُك ِون أس رة ،ومن القواع د العام ة س واء عن د الب دائيني أو يف اجملتمع ات
احلديثة وأن مثل هذا الزواج العقيم من السهل جدا أن يتفكك ،هذا ما جعل كال من القانون
1
.Pierre, Bonte, « La tribu:nouvelles approches », revue prologue, N°32 Hiver 2005,
p 39.
2
السيد حنفي عوض،علم اإلنسان،نفس املرجع السابق ،ص. 119
3
. Alain, BEITONE, sciences sociales, édition DALLOZ, paris, France, 2002,
page193.
208
والعُرف مييز متي يزا اجتماعي ا هام ا بني ال زواج ال ذي مل ي أيت بأطف ال وبني ذل ك ال ذي أجنب
أطفاال.
أما حديثا ،فنجد اجتاها يرى أن الزواج بال أطفال يكون هو اآلخر أسرة ومنهم "أجبرن"
الذي يعرف األسرة ،بأهنا "رابطة اجتماعية من زوج و زوجة ،وأطفاهلما أو بدون أطفال أو
من زوج مبفرده مع أطفاله أو زوجة مبفردها مع أطفاهلا " كما يضيف إىل أن األسرة قد متتد
إىل أكرب من ذلك ،فتشمل أفراد آخرين ،كاألجداد واألحفاد وبعض األقارب على أن يكونوا
1
مشرتكني يف معيشة واحدة من الزوج واألطفال.
من ه ذه التع اريف جند أن ال زواج ش رط أساس ي يف تك وين االس رة فمن خالل ه حيدث
ال تزاوج أو التناسل ،وق د ال حيدث اجناب ،إال أن االس رة موج ودة ولكن ب دون أوالد ،كم ا
يرى أجAAبرن فالزواج يشكل رابطة اجتماعية وهي االسرة اليت ال تتكون إال برباط الزواج،
اذن أساس تكون أسرة هو راباط الزواج ،Aالذي يعترب من أرقى العالقات البشرية الطبيعية اليت
حيتاجه ا اإلنس ان لالس تمرار و"ال زواج االق رتان واالزدواج ،وش اع اس تعماله يف اق رتان الرج ل
باملرأة على سبيل الدوام واالستمرار " 2كما يطلق اسم الزواج على"رابطة أو عالقة ،تقوم بني
رجل وامرأة ،وتُنشأ هذه الرابطة عالقة أسرية ،وهبذا ميكن االستنتاج أن الزواج بدأ باالقرتان
من أجل االستئناس ،مث حتول مساره إىل إقامة عالقات اجتماعية3".يعين ذلك أن الزواج يقوم
من أجل ظ اهرة بيولوجية إلشباع الغريزة اجلنس ية ل دى البش ر وف ق اط ار ق انوين معني وذلك
الستمرار حياة البشر.
أما من الناحية القانونية Aفهو عقد يتم بني رجل وامرأة على الوجه الشرعي ومن أهدافه تكوين
4
أسرة أساسها املودة والرمحة والتعاون ،واحصان الزوجني واحملافظة على االنساب.
1
.عبد احلميد لطفي ،علم االجتماع ،نفس املرجع السابق ،ص. 117،118
2
.حممد حمدة ،الخطبة والزواج A،اجلزائر ،باتنة ،مطبعة الشهاب،ط،2ج،1،1994ص.85
.3معن خليل العمر،علم اجتماع األسرة،مرجع سبق ذكره،ص64
4
.وزارة العدل ،قانون األسرة الجزائري ،املادة الرابعة 1984،معدل،ص.5
209
وي رى األن ثروبولوجيون ،أن ال زواج عب ارة عن ارتب اط ط بيعي يق وم على قواع د القراب ة
االجتماعية وذلك حسب ثقافة كل مجاعة ،مع اعطاء األفراد جزء من احلرية ،ألن كل مجاعة
تضم قواعد وفقا لنظام القبيلة ،واجملموعة ....اخل إىل جانب تبادل النساء ،مما يضمن استمرارية
الروابط والزواج1.وهلذا جند علم اء االنثروبولوجيا2يعت ربون األسرة من أق دم النظم االجتماعية
وأمهه ا ،فهي مبثاب ة رواب ط اجتماعية ،قائم ة على جمموع ة من احلق وق وااللتزام ات والواجب ات
والتحرمي ،كما أهنم مييزون جمموعة من األشكال هلا وهي:
-2األسAAرة الممتAAدة أو العائلAAة المركبAAة : وهي تتكون من أسرتني زواجيتني أو مركبتني أو
أكثر ويشرتط توافر فيهما ،رابطة صلة القرابة الدموية األولية بني أعضائها ،وجتمع يف نطاقها
عددا كبريا من األجيال وقد تستمر يف الوجود إىل ما ال هناية ،وال شك يف أن صفة االستمرار
هذه ليست مطلقة وإمنا مشروطة بعدة شروط ،منها استمرار عملية التناسل ،ألن عقم اآلباء
يؤدي إىل موهتا ومنها أيضا ضرورة السكن ،يف وحدة سكنية مشرتكة ،فإذا تفرق األبناء حبكم
العم ل والظ روف ف إن ذل ك يع ين اهني ار العائل ة وأفراده ا،كم ا جيب أن يس ود بينهم التع اون
االقتص ادي ،ويت وىل رج ل واح د ش ئون العائل ة ،ق د يك ون األب أو األخ أو االبن األك رب،
ويعرف مصAAطفى بوتفنوشAAنت "العائلة اجلزائرية على أهنا أسرة ممتدة ،تعيش يف أحضاهنا عدة
أجي ال ،أي ع دة أسر زاوجي ة ،حتت س قف واح د ،ه ذا م ا يس مى بال دار الك ربى ،بالنس بة
للحضر واخليمة الكربى بالنسبة للبدو".3
كم ا يع رف بيAAير بورديAAو " P.BOURDIEاألس رة املمت دة اجلزائري ة ،على أهنا اخللي ة
االجتماعي ة األساس ية ،أي النم وذج ال ذي على ص ورته ،تنتظم البني ات االجتماعي ة ،ال تقتص ر
Madellene GRAWITZ, lexique des sciences sociales, France, paris, DALLOZ, 7em, .1
.2000, P266
.2حسن عبد احلميد رشوان ،األنثروبولوجيا في المجالين Aالنظري والتطبيقي،مرجع سابق ،ص130
3
. M, BOUTEFNOUCHET, La Famille Algérienne, évolution et caractéristiques
récentes, SNED, Alger ,1982, p40.
210
على مجاعة األزواج وذريتم ،ولكنها تضم كل األقارب ،التابعني للنسب األبوي ،جامعة بذلك
1
حتت رئاسة قائد واحد ،عدة أجيال يف مجعية واحتاد محيميني".
أما العيAAد دبAAزي وروبAAير ديكلواتر ،فيعرفان األسرة اجلزائرية التقليدية ،بأهنا"مجاعة منزلية
تدعى"العائلة" ،مكونة من األقارب القريبني ،الذين يشكلون وحدة اجتماعية واقتصادية قائمة
على عالق ات االل تزام من تبعي ة وتع اون2".حيث جيع ل ه ذا التعري ف من عالق ات االل تزام
واالعتماد املتبادل ،اليت تربط بني أفراد العائلة الواحدة احملور األساسي لتعريف العائلة.
-3األسرة متعددة األزواج والزوجات A:قد يكون فيها للرجل أكثر من زوجة واحدة ،وهذا
يعين تعدد الزوجات وانتساب األطفال يكون ألب واحد ،وللعائلة وظائف كثرية قدميا منها:
محاية وتربية وهتذيب ،ورعاية الصغار واشباع حاجاهتم اخلاصة باملأوى والطعام وامللبس. -1
بث القيم والعادات والتقاليد االجتماعية يف أبنائهم وتزويدهم بأنواع املعارف. -2
كم ا ي رى مص AAطفى بوتفنوش AAنت أن االس رة تتط ور على حس ب التغ ريات ال يت حتدث داخ ل
اجملتمع ألن ذلك نتاج اجتماعي ،فاألسرة تتغري على حسب التطور االجتماعي ،لذلك االسرة
البدوية ختتلف عن االسرة احلضرية ،فالبنية االسرية تبقى مطابقة للمجتمع.3
وهلذا أص بحت األس رة متت از خبص ائص حض رية ،ك أن يص غر حجمه ا ب دال من العائل ة أو
األسرة املمتدة يف اجملتمعات التقليدية ،لتصبح األسرة النووية املتكونة من األب واألم وأطفاهلما
فق ط كم ا تتميز بض عف العالق ات نوع ا م ا بني األف راد املباش رين ،واألق ارب البعي دين ،نتيح ة
املطالب املادية والضغوط الثقافية اليت تشغل تفكري األفراد ،هذا ما رآه جورج بالوندي A،عن دما
1
.Pièrre, BOURDIEU, Sociologie de l’Algérie, Coll, Que sais je?, n°802,Paris,
PUF,1974, p12.
2
.Robert, DESCLOÎTRES, Laïd, DEBZI, Système de parenté et structure familiales
en Algérie, in Annuaire de l’Afrique du nord, Paris, CNRS, 1963, p29.
3
.Robert, DESCLOÎTRES, Op.cit, p41.
211
تدخل األسرة إىل املدينة ،تتجرد من الضغوط وتتغري العالقات القرابية ،فتسمح املدينة ألفرادها
1
بالتخلي عن االلتزامات والضوابط التقليدية لتسمح هلا باالختيار.
.2.4البـدنة
تعترب البدنة نوع من أنواع الروابط القرابية وتعين جتمع ألسر مرتبطة مع بعضها البعض،
عند أب أكرب مشرتك ،حتمل إمسه ،وتعلن انتماءها له ،ويف بعض اجلماعات يكون االنتماء ألم
مشرتكة ،تعلن مجيع االسر أهنا مرتبطة هبا يف العالقة النسبية ،هذه العالقة أو الشجرة األسرية
هي حقيقية وحمفوظة ،أب عن أب أو جيل عن جيل ،ويسود هذا النوع من اجلماعات القرابية
يف اجملتمع ات البدائي ة التقليدي ة ،وك ذلك يف اجملتمع ات الص ناعية املتمدن ة وخاص ة منه ا ال يت
2
مازالت تقدس التقاليد واألعراف االجتماعية القدمية.
كما يُعرف محمد الجوهري البدنAAة A:بأهنا عبارة عن كيانات متحدة بعضها ببعض ،تؤدي
وظ ائف ذات أمهي ة متفاوت ة ،ولكنه ا ق د تك ون فائق ة يف أغلب األحي ان وق د ت ؤدي من ناحي ة
بعض الوظائف اليت تؤديها األسر النووية أو املشرتكة يف أحوال أخرى ،كما تؤدي من ناحية
أخرى نفس وظائف العشرية3.كما يكون للبدنة ،رئيسا ميثلها وإمسا مييزها ،حيث ينضوي
أعض اؤها يف نسق للعالق ات اجلينولوجية يتضمن األحي اء واملوتى منهم ،ورمبا انقسمت البدنة
أيض ا إىل وح دات أو مجاع ات ص غرى متم ايزة ولكنه ا مجيع ا تك ون كك ل وح دة متض امنة
4
ومتماسكة.
.3.4العشيـرة
يعترب علماء األنثروبولوجيا العشرية،فرعا من فروع القبيلة ،ويعرفوهنا على أهنها":جمموعة من
األفراد ،تنحدر من نسب واحد وهلا جد مشرتك ،واالنتماء إليها يكون إما عن طريق النسب
1
. Michel, ANDRÉE, la sociologie de la famille, presses université de pari, paris,
1978, p97.
2
.عامر مصباح ،المدخل إلى األنثروبولوجيا،مرجع سابق ،ص. 208
3
.حممد اجلوهري ،مرجع سابق،ص.229
4
حممد عبده حمجوب،وآخرون ،دراسات في المجتمع Aالبدوي ،دار املعرفة اجلامعية،األزاريطة، 1998 ،ص. 45
212
األبوي أو النسب األمي ،وال يكون عن طريق النسبني1".كما يرتبط أفراد العشرية يف الغالب
فيما بينهم بروابط روحية أو طوطمية ،وذلك النتمائهم إىل سلف واحد ،حىت ولو مل يكن له
وج ود يف الواق ع ،هلذا يع رف دوركAAايم Aالعش رية على أهنا":جمموع ة من الن اس ،يع د ك ل منهم
نفس ه قريب ا لآلخ ر ولكنهم ال يع رتفون هبذه القراب ة ،إال بن اءا على ه ذه العالم ة اخلاص ة ج دا،
وهي أهنم ينتمون إىل توتم واحد ،هذا التومت نفسه ،كائن قد يكون حي أو غري حي ،ولكنه
يغلب أن يك ون حيوان ا ،أونبات ا ،يف رتض أف راد العش رية أهنم من س اللته ،فهم يتخ ذون من ه
شعارهم وإمسهم اجلماعي فإذا كان التومت ،مثال هو الذئب ،فإن مجيع أفراد العشرية يعتقدون
2
بأن سلفهم األول ذئب ،وهلذا حيتوون على شيء من صفاته ،يسمون أنفسهم ذئابا".
وم ا مييز ه ذه اجلماع ة القرابي ة عن غريه ا من اجلماع ات األخ رى ،ه و ال زواج اخلارجي أو
االغ رتايب حبيث ميكن للش خص يف العش رية ،أن ي تزوج ب امرأة من عش رية أخ رى ،والعكس
صحيح هنا ميكن للفرد أن يكون له عشريتان ،عشرية تنسبه ألبيه وأخرى ألمه ،حبكم الزواج
اخلارجي وهكذا تنقسم العشرية إىل نوعني :العشيرة األبوية A:اليت يكون فيها االنتماء إىل جهة
األب ،تعين بين العمومة العشيرة األمومية A:اليت يكون فيها االنتماء إىل جهة األم ،مما يعين بين
اخلؤولة ،ومما مييز هذا النوع من اجلماعات أيضا هو كرب حجمها ،حيث يكون االتصال ،بني
أفراده ا أو مجاعاهتا الفرعي ة قليال 3.ويف اجملتم ع اجلزائ ري تق وم القراب ة التقليدي ة العش ائرية ،من
ج انب نس ب األب هلذا النس ب يف العش رية حقيقي ا ،على عكس القبيل ة ال يت ق د يك ون فيه ا
حقيقي ا أو خرافي ا ،كم ا أن العش رية ل ديها أدوار كث رية حموري ة تق وم هبا يف اجملتم ع ،ك التنظيم
السياسي ،رعاية شؤون الزواج وغريها ،من املهام املسندة إليها .فهي تركيب أساسي يف القبيلة
4
تكاد ال تستغين عليها.
.4.4البطن والفخذ
4
.La houari, ADDI, De L’Algérie précoloniale à L’Algérie coloniale, ENAL, Alger,
1985, p93.
213
يش تمل النظ ام الق رايب ك ذلك ،على مجاع ات اجتماعي ة أك رب من العشـرية ،وذل ك الرتب اط
عشريتان أو أكثر معا ،لتُكون ما يعرف بالبطن؛ الذي يُعرفه األنثروبولوجيون على أنه إحدى
الوحدات اليت يتكون منها البناء االجتماعي للمجتمعات البدوية ،حيث يشـعر أعضاء العشائر
أن بينهم روابط خفية تربط بعضهم ببعض ،ومن مث يتبـادلون العون واملساعدات يف املناسبات
الدينية أو احلفالت،كقبائ ل اهلـويب Hopiفـي أريزون ا ،يعت ربون البطن وح دة اجتماعي ة ،تق وم
على الزواج اخلارجي ،مبعىن أن الفرد ال يتزوج من أعضاء العشائر األخرى اليت تكون ضمن
1
البطن.
أم ا الفخد فيُعت رب أح د ف روع العش رية ال ذي يعتم د على النس ب األح ادي (أب وي أو أمي)
يس تطيع في ه أعض اؤه ،تتب ع عالقات ه القرابي ة يف حلق ات س اللية مرتبط ة خبط النس ق الواح د،
بدرجة أدق مما يف العشرية 2ويتكون عادة من احتاد جمموع من األسر أو الفصائل ذات املصاحل
واأله داف املش رتكة ،ال يت تس كن يف مس اكن جماورة ويش رتط فيه ا وح دة النس ب ،حيث ال
3
جيب أن تتجاوز يف العادة اجلد اخلامس.
.5.4القبيـلة
تعترب القبيلة ظاهرة اجتماعية ضاربة يف أعماق التاريخ العريب ،يف املغرب واملشرق على حد
سواء ،كما اعتربها ابن خلدون الرُت بة اخلصبة اليت تنمو فيها العصبية ،وأهنا األصل يف اجملتمع
البدوي" يف أن سكىن البدو ال يكون إال للقبائل أهل العصبية" 4وهنا يظهر االرتباط أو العالقة
بن العصبية والقبيلة واجملتمع البدوي ،أما مفهوم القبيلة يف معجم Aعلم االجتماع"فإهنا ع ددا من
الن اس ينتم ون إىل أص ل ُمش رتك ،كم ا يش رتكون يف ملكي ة منطق ة من األرض ،تق وم بينهم
صالت القرابة ،يتكلمون لغة واحدة ،وهلجة واحدة ،كما تنقسم القبيلة يف العادة إىل عدد من
1
.صالح مصطفى الفوال ،مرجع سبق ذكره،ص. 195
2
.معن خليل العمر ،علم اجتماع االسرة،مرجع سابق،ص.157
3
.صالح مصطفى الفوال ،مرجع سبق ذكره،ص.194،197
.4عبد الرمحان ابن خلدون ،مرجع سابق ،ص156
214
العشائر وتنقسم العشرية إىل عدد من اجلماعات ،كل مجاعة منها عبارة عن عائلة أو عائلتني أو
1
ثالث".
ويعرفها بيشلر "هي الشكل االنقسامي للتنظيم االجتماعي ،يتكون من أقسام قاعدية ،مُي ثل
كل منها أسرة ممتدة يف عمق ثالثة أو أربعة أجيال ،وكل قسم قاعدي يلتحم تلقائيا مع قسم
آخ ر ،كلم ا ش عر بتهدي د أو خط ر ،وش يئا فش يئا ميكن أن تتح دد القبيل ة بأس رها ،أو جمموع ة
قبائ ل يف جمموع ة مؤقت ة ملواجه ة ع دو خ ارجي 2.إهنا تؤل ف وح دة اجتماعي ة ،وسياس ية
واقتصادية متكاملة ،بل إهنا تكاد تكون يف رأيهم جمتمع مغلقا على نفسه ،يتصل مع القبائل
اجملاورة ،إال يف احلاجة ،كما ميكن أن نتعرف على القبيلة من خالل حتديد أهم مساهتا وهي-:
البد لقيام القبيلة من توافر ثالث مكونات رئيسية ،وهي املكان احملدد ،اللغة الواحدة واحلضارة
املوحدة ،وإذا ما فقدوا واحد من هذه املكونات ،تفقد القبيلة شرطا أساسيا لوجودها ،كما
الب د من ظه ور التع اون وال ود والتماس ك االجتم اعي بني أف راد القبيل ة ،فه و ال ذي يق وي
شعورهم باالنتماء إىل اجملتمع الواحد ،ومن أبرز مسات ذلك التماسك ،الطقوس الدينية القبلية
اليت يشرتك فيها ،ممثلون عن خمتلف الوحدات االجتماعية الفرعية األخرى (كاألسرة ،الفخذ
البطن ،العش رية) ويتجلى ذل ك خالل س اعات اخلط ر والع دوان أيض ا ،إض افة إىل ذل ك جيب
وجود رئيس يف القبيلة ،حيض باحرتام اجلميع وإن كان يشاركه يف رعاية شؤون القبيلة جملس
3
يسمى « جملس القبيلة » ،يتكون يف الغالب من رؤساء العشائر.
ومتثل القبيلة مكان نشأة العصبية هي كبنية تقليدية اجتماعية ،شأهنا يف ذلك شأن العصبية
وم ا حيدد مفه وم القبيلة ،عن ابن خلAAدون ،ه و االجتماع على أس اس العالقات الدموي ة وهو
الشرط التأسيسي لقيام اجلماعة ،وإذا ما توفرت القرابة بني أفراد اجلماعة ،مل تأسس القبيلة ألنه
إذا وجدت مجاعة ال يوجد بينهم رباط القرابة ال نسميهم قبيلة ،لعدم توفر شرط القرابة وقد
يُضاف إىل العالقات القرابية يف القبيلة بعض الوالءات واملوايل ،لكن العائلة هي اخللية األساسية
ُ .1معن خليل العمر ،معجم علم االجتماع المعاصر ،األردن ،عمان ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،2000 ،ص .130
.2حممد ،جنيب بوطالب،سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي ،مرجع سابق ،ص.65
.3صالح مصطفى الفوال ،علم االجتماع البدوي ،مرجع سابق ،ص.210
215
فيه ا يتزعمه ا قائ د ط بيعي ،وع ادة م ا يك ون كب ري الس ن ،لكس ب ط رق وخ ربة س ري القبيل ة
ونظامه ا ،وتظم القبيل ة ،ثالث أص ناف من األف راد يتق دمها ص رحاء النس ب ،وهم أس اس
أش راف القبيل ة وآرس تقراطيتها ،يتف اوتون يف الش رف بتف اوت بي وهتم يف احلس ب ،مث ص نف
املوايل واملصطنعون (اللُصقاء) هم الذين التحقوا بالقبيلة بواسطة اللجوء أو احللف من العدو أو
ضده ،أما صنف العبيد وهم عادة ما يكونون أسرى احلروب ،والغزوات اليت ترجع أيضا إىل
العالقات االقتصادية وأنواع الصراع ،الذي يقوم على الرغبة يف احلصول على مستوى عيش
أفضل ،وقد تتخطى القبيلة روابط القرابة حىت تتوسع وتنمو.
نس تنتج أن القبيل ة عب ارة عن تنظيم إجتم اعي للمجتمع ات البدوي ة وترتك ز س لطتها على
العصبية ،أي ترأسها أسرة حاكمة ،يرأسها شيخ القبيلة وسلطته وراثية ،وكل فرد يف القبيلة له
دور يؤدي ه ،تض افرا م ع األف راد اآلخرين ،فالعصبية عب ارة عم ا تتمت ع ب ه القبيلة أو األس رة من
الق وة واجلاه الل ذان جيعالن من أفرادها مجعا م رتاص البنيان ،قوى اجلانب خيشى بأس ه ،وقوام
العصبية يف نظر ابن خلAAدون ،االتص ال برابط ة النس ب والقراب ة وما إليه ا من الرابط ة املماثلة،
ويفق د الف رد يف ه ذا التجم ع فرديت ه ،ليتقمص شخص ية القبيل ة أو األس رة ،ال يت ينتمي إليه ا
وخاصة يف حالة اخلطر اخلارجي الذي يُهدد كيان العصبية املادي أو املعنوي .
.5األنظمة Aالقرابية A
ختتلف النظم اليت حتدد أعضاء اجلماعة القرابية الدموية بصورة كبرية من جمتمع آلخر ،حبيث
يص نعها اجملتم ع حس ب تقالي ده ،ومعتقدات ه ،ويع د النس ب الرب اط ال ذي يش د املنح درين من
سلف واحد ،أو الرباط الذي مييز الفرد املنتمي إىل مجاعة معينة ،عن باقي األفراد من خارج
مجاعته القرابية ،حيث بواسطته ،مينح له احندارا وراثيا ،دمويا ينحدر إليه كمرجع قرايب يتلقب
به.1
2
ميكن تلخيص أهم أنظمة التسلسل القرايب اليت عرفتها اجملتمعات فيما يلي:
216
.1.5النظام األبAوي A:ويعين انتماء الفرد إىل اجلماعة القرابية الدموية اليت ينتمي إليها والده،
وهي تضم كل الروابط اليت تربط الشخص بأسالفه ،عن طريق أبيه ،أي أن روابطه القرابية
يعرتف هبا عن طريق الذكور فقط ،ويعترب أهل الوالدة غري أقارب ،كما تُعد اجلماعة القرابية
هنا ذات أمهية كربى ألعضائها ،فهي متثل وحدة تعاونية دفاعية ،يرجع إليها الفرد عند احلاجة.
.2.5النظام Aاألموي :حتدد هذه القاعدة ،أقرباء الفرد بأهنم اجلماعة القرابية الدموية اليت تنتمي
هلا أمه ،أي أن تسلسل القرابة هو عن طريق اإلناث وليس الذكور ،يرى راد كليف بAراونA،
أن القرابة"هي العالقة االجتماعي ة بني الوال دين واألبن اء ،وال يت ليس ش رطا تطابقي ا م ع األب وة
البيولوجية ".كما أنه اهتم مبفهوم اخلؤولة يف النظام األمي ،ويرى أن اخلؤولة تتضمن نسقني
متعارض ني من االجتاه ات ،يف النس ق األول :ميث ل اخلال الس لطة العائلي ة ،وبالت ايل فه و يتمت ع
ببعض احلقوق على ابن أخته ،الذي يظهر حنوه الطاعة ،ويشعر بالرهبة واخلوف منه ،بينما يف
النسق الثاين :يتمتع ابن األخت ،ببعض االمتيازات اليت تتمثل يف عدم الكلفة والشعور باأللفة،
حنو اخلال وذل ك يف اجملتمع ات ال يت تك ون الس لطة العائلي ة أبوي ة ،حيث ميث ل األب الس لطة يف
اجملتمعات األمومية ،وتكون العالقة مع األب تتسم باملودة واأللفة.
.3.5النظAAام AالثنAAائي AاالختيAAاري :وحتدد تل ك القاع دة اجلماعي ة القرابي ة ال يت ينتمي إليها الف رد
على أهنا ،تتك ون من بعض أه ل أبي ه ،وليس كل ه ،وك ذلك من بعض أه ل أم ه ،وليس ك ل
أهلها ،وكل اجملتمعات اليت تأخذ هبذا النظام ،حتدد تلك اجلماعة باألقارب القربني ،مثل العم
واخلال واجلد س واء ك انوا من ناحي ة األم ،أو من ناحي ة األب ،والص فة الغالب ة يف ه ذا النظ ام،
هي حرية اختيار األقرباء ،الذين يتعاون معهم الفرد بصورة قوية سواء كانوا أهل األب أو أهل
األم.
.4.5النظAAام AالثنAAائي AاإلجبAAاري :حتدد ه ذه القاع دة ،تك وين اجلماع ة القرابي ة ال يت ينتمي إليه ا
الفرد حيث جتمع اجلماعة القرابية ألبيه وأمه ،ويف هذا النظام ،تنعدم احلرية يف اختيار األقرباء
الذين يرتبط معهم الفرد بصورة قوية.
217
.5.5النظAAام الطAAوطمي A:حمور القرابة يف هذا النظام هو الطوطم ،وهو الرباط املقدس الذي
يؤل ف بني أف راد العش رية ،فيجعلهم وح دة روحي ة إجتماعي ة ،ذل ك العتق ادهم أهنم ينتم ون
وينحدرون من أصالب هذا الطوطم ،وروحه جتري يف عروقهم ،مما جعلهم حسب اعتقادهم
أقارب ،وال يقل منهم الواحد عن اآلخر يف درجة القرابة ،فكانت االتصاالت اجلنسية ،ختتلط
الدماء وتدنس املبادئ الطوطمية املقدسة ،حرمت هذه اجملتمعات التزاوج بني رجاهلا ونسائها
ألهنم ذوي ق رىب وهلذا ك ان الرج ال والنس اء من نفس الط وطم ال ي تزوجون م ع بعض هم وإمنا
يبحثون عن عالقة زواجية مع أشخاص آخرين ،ينتمون لطوطم آخر مغاير لطوطمهم ،وهذا
النظام مشت عليه العديد من العشائر األسرتالية ،من السكان األصليني كما سارت عليه ،بعض
الش عوب ال يت ك انت تعتم د القراب ة فيه ا ،على االدع اء منه ا:الش عوب الروماني ة ،اليوناني ة،
والسامية القدمية ،وهذا هو مضمون نظرية دوركايم Aيف تفسري نشأة نظام التحرمي ،فهو يرى أن
أفراد هذا الطوطم يعتقدون أهنم منحدرون من أصل قرايب واحد ،وأهنم مرتبطون بدرجة قرابة
واحدة ،وأن ممارسة االتصاالت احلسية فيه مساس باملقــدس ،الذي هو الطوطم ،جيري يف دماء
1
عروقهم.
وبذلك نستنتج أن النظم القرابية اليت عرفتها اجملتمعات اإلنسانية ،ال حتددها صالت الدم
وال الروابط البيولوجية ،بل إمنا يتحكم فيها ،ما يتواضع ويقوم عليه اجملتمع ،من نظم ومايقره
العقل اجلمعي من قواعد ونظم خاصة به.
.6أنواع الروابط القرابية ودرجات القرابةA
.1.6أنAAواع الروابAAط القرابيAAة :أك دت الدراس ات االنثروبولوجي ة يف جمال القراب ة على أن
للقرابة أنواع ودرجات حسب ما الحظوه يف اجملتمعات البدائية.
.1القرابة AالدمويةA
تكون قرابة الدم بني االشخاص الذين ينتسبون إىل نفس السلف ،سواءا كان اجلد ذكرا أم
أن ثى ،حيث يوج د قي ه ذه القرابة AنوعAAان :القراب AAة االوليAAة والقراب AAة الثانوي AAة ،فاألولي ة :هي
. 1مصطفى اخلشاب ،علم اجتماع العائلة ،مرجع سابق ،ص.119
218
العالق ة ال يت ترب ط الوال دين باالبن اء ،أو بني األب واألخ ،أي بني اإلخ وة داخ ل األس رة ،بينم ا
القراب ة الثانوي ة فهي :الرابط ة الدموي ة ال يت ترب ط من خالل اجلد املش رتك ،الن املنح درين من
س لف مش رتك ،هم أعض اء ينتم ون للجماع ة الدموي ة ،وذل ك النتم اء الف رد ألبوي ه ،خيول ه أن
يك ون عض وا يف مجاعتني دموي تني 1.لكن قراب ة ال دم وح دها ،ال تكفي باعتباره ا واقع ة
بيولوجية ،بل البد هلا من قرابة ثانية تتكئ عليها ،وحتفظ توازهنا ،وهي قرابة املصاهرة الناجتة
عن ظاهرة اجتماعية ،هي الزواج سواء أكان داخليا أم خارجيا-2.سوف نشرح ذلك يف قرابة
املصاهرة -وعن طريق هذه الصالت تظهر اجلماعات التضامنية من األسرة الصغرية إىل األسرة
الكبرية إىل القبيلة.
.2قرابة المصاهرة
من املس لم ب ه أن اجلماع ات االجتماعي ة ترتب ط برابط ة القراب ة ،ويف أك ثر األح وال حتدد
العض وية فيه ا بالمصAAاهرة ،وال يت تُع رف على أهنا الص لة ال يت تنش أ نتيج ة ال زواج ،فرتب ط أح د
ال زوجني وأق ارب ال زوج اآلخ ر ،فتق رهبم لي ؤدي ذل ك إىل اختالط أس رهم ،حبيث تش به ه ذه
العالقة ،عالقة الدم اليت تربط أفراد األسرة الواحدة برابطة القرابة 3.هذا يعين أن املصاهرة جتعل
أسرة تتعرف على أسرة أخرى عن طريق الزواج ،وبالتايل تتشكل عالقات اجتماعية قرابية عن
طريقه ا ،العتب ار أن املص اهرة ،تس اهم يف تك وين القرابة،كم ا أن ه بإمكانن ا تس مية األص هار
باألق ارب ،وذل ك النقس امهم إىل م راتب قرابي ة خمتلف ة ويع ين ه ذا أن ه ذه املراتب ختتل ف يف
درجة قرهبا من الشخص.
كم ا يراه ا ليفي سAAتراوس جمموع ات االنتس اب ،فمن خالل االنتس اب الثن ائي ،جتع ل قراب ة
املصاهرة ،من األصهار أقارب مباشرين ،ألهنا جتعل الفرد عضوا يف مجاعتني قرابيتني يف وقت
واحد ،بشكل يؤدي إىل توسيع دائرة القرابة ،أكثر من خط القرابة األبوي أو األمومي ،وهذا
النظام يؤدي إىل تشعب عالقات املصاهرة بني البدنات املختلفة ،وتكثيف روابط القرابة داخل
1
.حممد عبده حمجوب ،طرق البحث االنثروبولوجي ،مصر،االسكندرية ،دار املعرفة اجلامعية،ب.ت،ص.105
.2جمد الدين خريي ،مصدر سابق ،ص .187
3
.السيد حنفي عوض ،علم اإلنسان ،املكتب اجلامعي احلديث،اإلسكندرية،مصر،2010،ص.193
219
اجملتم ع1.فتط ور الدراس ات احلديث ة يف علم االجتم اع الع ائلي واالنثروبولوجي ة القرابي ة ألقى
الضوء على فئة األصهار ،علما أن الدراسات السابقة حول القرابة مل تكن تدرس إال ما يُعرف
بالقراب ة الدموي ة فحس ب ،ول ذلك مل يكن األص هار يُع دون أق ارب ب املعىن ال دقيق للكلم ة،
ويطلق الرجل كلمة صهري لزوج أخته ،وكذلك شقيق زوجته ،وهنا تنشأ عالقة اجتماعية،
على أس اس رب اط القراب ة ،ويُس مى األول زوج العم ة ،والث اين اخلال2.هلذا يوض ح فAA Aوكس
R .foxعلى أن القرابة مل تعد تعين يف علم االنثروبولوجيا وعلم االجتماع ،العائلة والزواج
وإمنا أدخلت عالقات املصاهرة أيضا ،فالقرابة هي عالقة دموية واملصاهرة عالقة زواجية ،ألن
عالقة األب بابنه ،عالقة قرابية وعالقة الزوج بزوجته عالقة مصاهرة ،والطفل وليد ألبويه
3
وعالقته القرابية ميكن أن تقتضي من خالهلما.
.3القرابة Aاإلجتماعية
وهي الروابط القرابية االجتماعية ،يُقصد هبا الروابط الغري حقيقية املتعامل هبا داخل اجملتمع
ومييزها علماء االنثروبولوجيا ،بني العالقات النشوئية التكوينية ،والعالقات القرابية اليت هي من
وضع اجملتمع ،حبكم النظم الثقافية القرابية اليت تبىن عليها التزامات مماثلة ،لتلك اليت تبىن على
روابط الدم ،يف بعض اجملتمعات ،وقد جند الكثري من االشخاص ينادون من يشعرون اجتاههم
باألبوة بأيب رغم أنه ليس أبا هلم ،وإمنا مبنزلة األب احلقيقي ،دون أن يكون له حق يف االتصال
باألم الفعلية 4.هذا يعين أن الروابط القرابية ختضع للثقافة االجتماعية السائدة.
.4القرابة AالمصطنعةA
وهي ذل ك الن وع من الرواب ط ال يت يتع ود عليه ا اجملتم ع،كعالق ة قرابي ة حقيقي ة وي رتتب
عليها كافة حقوقها وواجباهتا ،يطلق عليها أيضا ،إسم القرابة االفرتاضية أو الطقوسية ،ومن
أب رز أن واع ه ذه القراب ة ،ه و "التبAAني" :ال ذي يعت رب ق دميا من الظ واهر اهلام ة يف نظ ام األس رة
1
جمد الدين خريي ،مصدر سابق ،ص .187
2
.علياء شكري ،االتجاهات المعاصرة في دراسة األسرة،مصر،القاهرة،دار املعرفة اجلامعية،1996،ص.62-60
3
.احسان حممد احلسن ،العائلة والقرابة و الزواج،دار الطليعة ،األردن ،عمان،ط،2،1985ص.19
4
.نبيل السمالوطي ،الدين والبناء العائلي،دار الشروق ،السعودية ،جدة،1981،ج،1ص.131
220
االنس انية وك انت من احلق وق ال يت ميارس ها رب األس رة ،ومبقتض اها يلح ق من يش اء بنس ب
األس رة ،وي رتتب عليه ا درج ة قرابي ة ال تق ل عن قراب ة ال دم والعص ب 1.فAAالتبني ال يق وم على
أس س بيولوجي ة دموي ة قرابي ة وإمنا ه ذا الن وع من القراب ة ،جيع ل العالق ة بني املول ود ووالدي ه
اجلدد ،عالق ة كأهنا حقيقي ة فعلي ة،كم ا أهنا تكتس ب ش رعيتها من الع رف الس ائد يف اجملتم ع،
الذي مينح الطفل املتبىن احلق الطبيعي ،الذي يتمتع به أي فرد أخر يف الوحدة القرابية ومن هنا
جاء تعريف التبني بأنه" :ضم الزوج والزوجة بعض األفراد الذين هم غري أبنائهم إىل نسبهما،
وغالبا ما حيدث ذلك ،إذا مل ينجبا ،وعندما ينسب ذلك الولد إىل الرجل ،فإن من حق االبن
أن حيصل على املرياث كأنه من النسب2.وقد حرم الدين اإلسالمي وكذلك املسيحي ظاهرة
التبين ،ملا يقع منه من اختالط يف األنساب والعالقات القرابية.
وجد علماء االنثروبولوجيا نوع من القرابة ،عند بعض اجملتمعات والشعوب القبلية البدائية
يف ش رق افريقي ا ،وعن د اهلن ود احلم ر ،وك ذلك يف بعض ج زر احملي ط اهلن دي ،مسوه بالقراب ة
الطقوس ية أو الديني ة ،ذل ك نظ را لبعض الطق وس املمارس ة من خالهلا ،فهي نظ ام يق وم على
أساس طبقات العمر ،لرتتيب أعضاء اجملتمع ،خاصة الذكور منهم ،حيث يرتبون على أساس
السن ،وكل طبقة أو مجاعة ،تضم مجيع األفراد ،الذين ينتمون إىل فئة عمرية حمددة ،هذا ما
حول اجملتمع ،إىل طبقات عمرية مرتبة ،بعضها فوق بعض ،فهؤالء األفراد الذين ينتمون هلذه
الطبق ة يقوم ون بنفس الش عائر وينتحل ون إمسا مش رتكا ،هلم نفس املرك ز االجتم اعي ونفس
السلوك مع بعضهم البعض ويتخذون موقفا واحدا إزاء غريهم من الناس الذين ينتمون لطبقة
أخرى عمرية.
ويعد إفانز بريتشارد من األنثروبولوجيني الذين درسوا هذا النظام القرايب ،عند قبائل النوير
جنوب السودان ،ووجد أن هلم نفس احلق وق والواجبات واالمتيازات والوظائف االجتماعية
1
.مصطفى اخلشاب ،دراسات في االجتماع العائلي،لبنان،بريوت،دار النهضة العربية،1985،ص.74
.2امحد الكندري ،علم النف ــس األسري ،مكتبة الفالح للنشر والتوزيع ،بريوت ، 2005 ،ط ،3ص. 190
221
حيث الح ظ نش وء رابط ة االخ وة بينهم ،ورواب ط إنتم اء أخ رى مش رتكة ،تتخطى ح دود
العشرية ،لتصبح رابطة األخوة تفرض عليهم قيودا يف جمال الزواج ،وممارسة اجلنس ،متاما كاليت
تفرضها عالقة الدم 3.فهي ال تقوم على أساس بيول وجي ،وإمنا تقوم يف جوهرها على أساس
طقوسي إجتماعي مستمد من ثقافة اجملتمع ،وتقاليده ونظمه ،فكان من املمكن تسميتها القرابة
التقليدية ،ألهنا تتكون على حسب تقاليد كل جمتمع ،أي أن التقاليد هي اليت تتحكم فيها.
كم ا ت رى عليAAاء شAAكري-باحثAAة اجتماعيAAة مصAAرية A-أن ه ذا الن وع من القراب ة الطقوس ية،
يوج د أيض ا يف الديان ة الكاتوليكي ة مبجتمع ات غ رب أوروب ا ،والوالي ات املتح دة األمريكي ة،
وذلك عندما يطلقون إسم العراب أو العرابة على من يريب األطفال اجلدد ،وقد تطورت هذه
العالقات إىل حد بعيد ،خاصة يف إيطاليا ،ويعين العراب يف الديانة املسيحية ،الشخص الذي
خيت اره الوال دان لإلهتم ام برتبي ة الطف ل والتنمي ة الشخص يّة ،فيك ون الطف ل إبنً ا باملعمودي ة ،يف
وخاص ة يف جن وب أوروب ا وأمريك ا الالتيني ة ،تب دو
ً بعض البل دان الكاثوليكي ة واألرثودكس ية
العالق ة بني الوال دين والع رابني أو املع اونني ،هلم مهم ة ذات م يزة خاص ة ،في رتتب عن ه ذه
العالقات مسؤوليات متبادلة قد تؤدي إىل عالقات قرابية أو أكثر هذا ما يسمونه املسيحيني
بالقرابة الروحية .1
هذا نظرا ملا حتتويه من طقوس روحانية ودينية ،وهنا نالحظ أن العراب ليس من األقارب
الفعليني لألب أو أم املولود غالبا ،ولكن مبجرد ما خيتار الوالدان شخصا معاونا (العراب) هلم
يف تربية إبنهم فإنه سيصبح األب الروحي للطفل ،هذا يعين أنه من أقارب الطفل والعائلة معا،
روحيا ليس فعليا ،أما يف الدين االسالمي فنجد ظاهرة الرضاعة اليت تعترب من الظواهر املنتشرة
بك ثرة خاص ة يف العه ود الس ابقة ،س واء يف اجلاهلي ة أو االس الم ،وهي اختاذ ُمرض عة للطف ل
لسبب أو آلخر ،مثلما حدث للرسول محمAد(ص) A،بعد وفاة أمه ،أرضعته حليمة السعدية،
فتُص بح ه ذه املرض عة مبثاب ة األم الروحي ة للطف ل ،كم ا أن من يرض ع مع ه من أبنائه ا ،يف نفس
سنه ،تُصبح شقيقته ال يسمح له بالزواج منها عند الكرب ،وذلك ألهنا تُصبح يف منزلة اإلخوة
3
.نبيل السمالوطي ،الدين والبناء العائلي،مرجع سابق،ص. 119
.1علياء شكري ،مرجع سابق،ص83-84
222
احلقيقني أو الفعل يني للطف ل ،وينتج عن ه ذه العملي ة خل ق عالق ات قرابي ة بني الرض يع وبني
األس رة املرض عة فتك ون ل ه أم ثاني ة ،هي األم املرض عة ال يت تربط هبا عالق ات اجتماعي ة قرابي ة،
والدين االسالمي هو الذي أقر هبذه األخوة الناجتة 1ومل يسمح بزواج اإلخوة الراضعني معا ،يف
اَألخ
ات ِ َأخ َواتُ ُك ْم َو َع َّماتُ ُك ْم َو َخ االتُ ُك ْم َو َبنَ ُ
ت َعلَْي ُك ْم َُّأم َه اتُ ُك ْم َو َبنَ اتُ ُك ْم َو َ
ُر َم ْ
قولAAه تعAAالى( :ح ِّ
اع ِة)2ومن مث تك ون ه ذه ض َ الر ََأخ َواتُ ُك ْم ِم َن َّض ْعنَ ُك ْم َو َ ت َو َُّأم َه اتُ ُك ُم الاليِت َْأر َ وبنَ ات اُألخ ِ
ََ ُ ْ
العالق ات القرابي ة االجتماعي ة ،خاض عة لنفس قواع د وحمددات العالق ات القرابي ة بال دم ،وق د
كان احلديث النبوي الشريف صريح النص يف هذا ،حيث أكد على أنه "يحرم من الرضAAاع ما
يحAAرم من النسب" فتتح دد ب ذلك دائ رة احملارم مما ينتج عن ه إض افة عنص ر جدي د إىل الوح دة
القرابية.
.2.6درجات القرابة
ي رى الفقه اء يف الق انون على أن للقراب ة درج ات ،وذل ك قص د التمي يز بني األق ارب من
الدرج ة الثاني ة أو الثالث ة أو الرابع ة أو بني األق ارب جه ة األب أو األق ارب جه ة األم ،حيث
ت ؤدي العالق ات القرابية إىل اهتم ام الف رد وميل ه إىل أقارب ه وب درجات متفاوتة ،حس ب نوعية
العالق ة القرابي ة القائم ة بينهم ،وه ذا م ا أوض حته الدراس ة ال يت ق ام هبا ك ل من العي Aد AدبAAزي"
L.Debziو" R.DescloitrديكلAواتر حول نسق القرابة ،والبىن العائلية يف اجلزائر على
أهنا ستة دوائر قرابية يدخل الفرد معها يف عالقة مباشرة وغري مباشرة ،اليت ساعدت على فهم
3
موضحا كل درجة بدائرة وإمسا للجماعات القرابية املتميزة ،بدوائر القرابة.
ً البنايات
.1الدرجAAة األولى القرابAAة األولية (الAAدائرة Aاألولى) A:تسمى بالقرابة األولية ومتثل األقارب
من الدرجة األوىل ،ومها األسرتان األوليتان للفرد ،أسرة أقاربه األسالف املباشرين ،وأقاربه
احلواشي املباشرين ،من جهة ،وزوجته مث خلفه املباشرون من جهة أخرى ،وتتميز العالقات
1
.حممد عودة السلمان،الرضاع وأحكامه يف الفقه االسالمي،مجلة البحوث االسالمية،العدد1413 ،37ه،ص.319
.القرآن الكرمي،سورة املنساء،اآلية.23 2
3
.Robert, DESCLOÎTRES, Laïd, DEBZI, Système de parenté et structure familiales
en Algérie, Op.cit, P.24
223
القائم ة بني األق ارب ،من الدرج ة األوىل ب االحرتام واإلجالل ،والوق ار ،ال ذي يقاب ل ب ه ص غار
العائلة كبارها وبالرهبة واخلوف الذي يشعرون به حنوهم ،كما يظهر األب املمثل األول لقيم
العائل ة ،فه و أوالً مث العم ،مث األخ األك رب ،ف إن أمناط الس لوك ،ال يت ت رى اجلماع ة القروي ة
بصالحيتها ،لوحدة العائلة ومتاسكها ،هي الوحيدة امللتزم هبا ،واالبن ال يُعارض أباه أو خيالفه
وال يتص رف مبا جيلب علي ه س خطه ،وي نزع عن ه رض اه وعنايت ه فه و يق وم ب ذلك ،امتث االً حلق
األب عليه ،املخول له من قبل األعراف ،املتوارثة واألحكام الدينية.
.2الدرجAAة الثانيAAة القرابAAة الثانوية (الAAدائرة AالثانيAAة) :Aتس مى بالقراب ة الثانوي ة ومتث ل األق ارب من
أيضا.
الدرجة الثانية ،ويشكلها األعمام وأبناؤهم وأحفادهم ،والعمات ً
.3الدرجAAة الثالثAAة القرابAAة األمومية (الAAدائرة الثالثAAة) :تسمى بالقرابة األموية ومتثل األقارب من
الدرجة الثالثة ،ويشكلها األجداد جهة األم ،واألخوال وأبناؤهم واخلاالت وأبنائهن.
.4الدرجAAة الرابعAAة القرابAAة االنتسAAابية (الدائرة الرابعAAة) :Aتسمى بقرابة االنتسابية ومتثل األقارب
من الدرج ة الرابع ة ،تتمث ل يف األج داد جه ة األب ،ال ذين يفص لهم جيالن أو ثالث عن الف رد
أي جد األب ،وإخوته وجد اجلد وإخوته.
.5الدرجAAة الخامسAAة قرابAAة بAAني األعمAAام (الAAدائرة AالخامسAAة) :Aتس مى بقراب ة ب ين األعم ام ومتث ل
األقارب من الدرجة اخلامسة ،وتشمل أبناء العمومة ،واألسالف الذين يلتقون مع الفرد ،يف
خط النسب ،تفصلهم عنه أربعة أو مخسة أو حىت ستة أجيال.
.6الدرجAAة السادسAAة قرابAAة نسAAب األب (الAAدائرة AالسادسAAة) :تسمى بقرابة نسب األب وتتمثل
يف األقارب من الدرجة السادسة ،تشمل العمات وأبناءهن ،رغم أن هذه مشمولة داخل مجاعة
األقارب األولي ة ،إال أهنا ال تعت رب منتمي ة إليها ،ذلك أن العم ات ،بعد ال زواج يلتحقن جبماعة
1
قرابية أخرى مع االحتفاظ بعالقات مع األقارب املشكلني ألسرة التوجيه أو األسرة األصلية.
إن تقسيم األقارب إىل مجاعات حبسب درجة قرهبم من الفرد أو بعدهم عنه ،هو الذي يُبني
طبيع ة العالق ات ،ال يت يُقيمه ا الف رد م ع عناص ر ه ذه اجلماع ات أو تل ك ،كم ا ي بني ق وة ه ذه
1
.Robert, DESCLOÎTRES, Op.cit, p24.
224
العالقات أو ضعفها ،وضرورهتا أو االستغناء عنها ،كل ذلك مع األخذ بعني االعتبار ،عامل
1
السن واجلنس ،يف كل عالقة من هذه العالقات.
زيادة على ذلك ،يبدو واضحا أن الدوائر القرابية ،حتتل مكانة كبرية يف اجملتمع اجلزائري،
كم ا ي رى مص AAطفى بوتفنوشت 2أن يف املق ام األول ،حيس الف رد أنه من دجما يف العائل ة وه ذه
العائلة متثل له اجلماعة االبتدائية ،اليت تكون فيها عالقات القرابة ،متماسكة جدا ،ومن مجيع
اجلوانب االجتماعي ة واالقتص ادية ...اخل ،وفيه ا جند عالق ة الف رد م ع س لفه األب ،اجلد ،اجلد
األول ،لغاي ة اجلد ال ذي ميل ك فيه بعض اإلرث ،من خالل ه ذه العالق ة ذات اجلانب ال روحي
واملادي،كما جند عالقة الفرد مع حواشيه ،إخوة وأخوات سلف مشرتك ،وعالقة الفرد مع
خلف ه ،من أبن اء وبن ات وأحف اد وحفي دات ،أم ا يف المق AAام Aالث AAاني حيس الف رد أن ه منتمي إىل
وس ط اجتم اعي ع ائلي حييط عائلت ه ،حيث أن العالق ات م ع الوس ط الع ائلي ،تق وي ط ابع
التماس ك والتض امن ،وتعطي الق وة للعالق ات داخ ل العائل ة ،كم ا جند أن الوس ط الع ائلي ل ه
عالقة مشكلة عن طريق وساطة ،كعالقة الفرد مع عائلة زوجته ،وهي عالقة احرتام ولكنها
جافة قد تصل إىل القطيعة.
.حممد محداوي ،البنيات األسرية ومتطلباتها الوظيفية في منطقة بني سنوس،مرجع سابق،ص.101
1
2
. M, BOUTEFNOUCHEt, La famille Algérienne évolution et caractéristiques
récentes, Alger, Edition SEND, 1979,p54.
225
LES CERCL DE PARENTE
226
فالش خص درج ة ،وأب وه درج ة ،واألص ل املش رتك اجلد ال حيس ب ،مث العم درج ة ،وابن العم
درجة إذاً تكون القرابة من الدرجة الثالثة.
وفيم ا يتعل ق حبس اب درج ة املص اهرة ،ف إن أقرب اء الزوج ة يكون ون أق ارب لل زوج ،حبس ب
درجتهم للزوجة ،والعكس كذلك ،فمثالً أبو الزوجة ،يُعترب قريب اً للزوج من الدرجة األوىل،
بذات درجة الزوجة ألبيها ،وأشقاء الزوجة أقرباء للزوج من الدرجة الثانية ،أي بنفس درجة
قراب ة الزوج ة ،م ع أش قائها ،وقراب ة املص اهرة ال تك ون إال بني أح د ال زوجني ،وأق ارب ال زوج
اآلخر ،فعلى سبيل املثال أخت الزوج تعترب قريبة لزوجته ،أما أخ الزوجة فال يعترب قريباً ألخت
الزوج.1
.IIالحضرية ورباط القرابة بالسانيا Aوحي الرائد شريف يحي
يعرب احلي عن املكان الذي حييا فيه اإلنسان ،فهو حيز جغرايف اجتماعي ،وبه حتيا مجاعات
من األفراد ،الذين تربطهم عالقات وطيدة طيلة حياهتم 2.كما يشري علماء االجتماع إىل أن
احلي ،هو ارتباط مجاعة من األسر يف حيز مكاين ،حمدد جغرافيا ،يشغلونه للعيش والسعي
حنو حتقي ق االس تمرارية يف احلي اة ،جيمعهم الش عور باالنتم اء إىل مجاع ة واح دة ،حيث
توحدهم تل ك العالق ات احلميمية ،بينهم وال يت حتكمه ا قواعد ومب ادئ ،تُع رب عن ط بيعتهم
اخلاصة ،اليت ينفردون هبا ،عن بقية األحياء ،ووفقا ألعراقهم وأفكارهم.
وطاملا أن احلي يع رب عن وح دة عمراني ة متجانس ة ،ك ذلك يع رب عن وح دة اجتماعي ة
متماس كة ،خاصة عالق ات اجلرية ،إذ يع ين احلي يف القري ة جمموع ة من األس ر ال يت غالب ا م ا
ترتبط بروابط جوار ،وثيقة ترتتب عليها التزامات اجتماعية ،واقتصادية وقانونية وأخالقية
متبادلة تلقى أعلى مستوى من العناية واحلرص التلقائي ،الذي تبديه األسر املعنية ،فروابط
اجلوار يف هذه احلالة ،تأيت من حيث قوة ضبطها للعالقات ،واملواقف السلوكية ،بعد روابط
القراب ة الدموي ة ،وق د ال تق ل عنه ا ،يف الت أثري عن دما مير عليه ا وقت طوي ل ،دون أن تنتق ل
1
.حممد محداوي ،مرجع سابق،ص.116
.دنكن متشيل ،معجم علم االجتماع ،مرجع سابق ،ص101 . 2
227
األسر إىل أحياء أخرى ،بينما يف املدينة ،فإن احلي احلضري خيتلف عن احلي القروي ،من
حيث املعايري ألن يف القُرى هناك تطابق تقريبا ،يف قرب املسافة بني بيوت األسر ،القاطنة
يف احلي ودرج ة القراب ة ال يت تربطه ا ،فه ذا املعي ار يُص بح غ ري مؤك د ،ويُص عب تعميم ه،
لوجود عوامل جديدة تدخل إىل حياة املدينة ،من شأهنا أن تغيري معىن التجاور ومربراته،
1
وهي يف كثري من األحيان تفرتق عن الدالالت اليت ارتبطت هبذا املفهوم يف القرى.
.2األصل الجغرافي للسكان
بلدية السانيا أو "اجملتمع السانياوي" ،جمتمع حملي مبدينة وهران ،حديث التشكيل جمالي اً ،أي أن
التمركز السكاين به ال يتجاوز حقبة بداية االستعمار الفرنسي (العام 1844تقريبا) ،كانت
املنطق ة عب ارة عن حق ول زراعي ة تع ود ملكيته ا للمس توطنني ال ذين جعل وا أهله ا عم االً هبا،
ليتوسع التمركز السكاين هبا بعد ذلك ،وهكذا شهدت املنطقة وفود قبائل عديدة ،أمهها تلك
ال يت تنقلت يف كام ل الغ رب اجلزائ ري بع د تض ررها من املرس وم 1863ال ذي أص دره
االستعمار الفرنسي بغية حتطيم القبيلة ،وشل حركة املقاومة وجتديد البنية االقتصادية ،بل توليد
أخ رى ،على رأس الواف دين قبيل ة "الزمال ة" املعروف ة مبواالهتا للحكم العثم اين آن ذاك ،ويعت رب
اويني" باملدى الثاين
و"س ْنيَ ْ
أعضاؤها املتواجدون حمليا حىت اآلن أنفسهم ْ"ز َمالَة" باملدى األولَ ،
ني" باملدى الثالث (نسبة للتل الوهراين). ِ
و"تَليِّ ْ
2
1
.قيس النوري ،األنثروبولوجيا الحضرية بين التقليد والعولمة،مرجع سابق،ص.107
.2خالد بن فافة ،مقاربة سوسيولوجية حلركية السلطة السياسية احمللية يف اجلزائر بلدية السانيا منوذجا ،مقال بجريدة السفير العربي،
فلسطنيwww.arabi.assafir.com. 2013،
228
فِالحي ،وبعد االستقالل طرأ تغيري كبري يف تنظيم هذه البنية ،خاصة مع إدخال موجة التصنيع
1
وتشكل املنطقة الصناعية على املستوى احمللي.
أما أصل سكان حي الرائد Aشريف يحي ،فغالبيتهم ليسوا سكانا أصليون ملدينة وهران ،بل هم
خليط بني املهاجرين من واليات أخرى وسكان بلدية السانيا ،ويُعترب األوائل الذين عمروا هذا
احلي يف بداي ة تأسيس ه هم عم ال اجليش الوط ين الش عيب ،حيث ك ان حيت وي ه ذا احلي على
ثكنتان عسكريتان بُنيت جبوارمها أحياء عسكرية ،على شكل سكنات عمودية ،ليُقيم هبا أفراد
اجليش الوطين املتزوجني ،مما جعلهم جيلبون عائالهتم ليسكنوا هبذه العمارات العسكرية ،ومع
م رور ال زمن ب دأ حي الرائ د ش ريف حيي يُعم ر بالس كان املتقاع دين من اجليش ،ال ذين تع ودوا
على املنطقة فقاموا بشراء قطع أراضي موجهة للبناء باحلي ،إلجناز سكناهتم الفردية.
ومن ذ ذل ك احلني ب دأ التوس ع يف احلي ومت إجناز أحي اء س كنية تابع ة ل ديوان الرتقي ة والتس يري
العقاري ،وجهت للبيع ،وأخرى إجتماعية ،وكذا أخرى للبيع تابعة للبنك ،cnepوتطور
احلي جاء نتيجة املوقع القريب من وسط مدينة السانيا ،على بعد 02كلم وكذا على بعد 08
كلم من قلب عاصمة الغرب اجلزائري وهران ،وبالضرورة أدى إىل إجناز املؤسسات واملرافق،
مع مده بالوسائل الكفيلة للحياة العامة للسكان ،ومتطلباهتم فأصبح حضريا بامتياز ،ومما زاده
إهتماما عمرانيا بعدما ُأجنزت به أغلب سكنات البيع باإلجيار (عدل) ،اليت تدعمت هبا والية
2
وهران سنة 2013
.3المستوى التعليمي
يعترب املستوى التعليمي ألرباب األسر ،سواء الزوجة أو الزوج ،يلعب دورا كبري يف انتقاء
األس اليب احلس نة لتنش ئة األبن اء على طاع ة األج داد ،وص لة ال رحم والتواص ل الق رايب ،ويع ود
ذلك إىل أن الوالدان املتعلمـان لـديهم إطالع أوسع على أمهية الروابط القرابية واألسرية،كما
أثبتت بعض الدراسات أن الوالدين املتعلمان ،مييالن إىل استخدام أسلوب احلرية واحلوار ،مـع
1
.خالد بن فافة ،نفس املرجع السابق .
2
.مذكرة احلصيلة السنوية لبلدية السانية .
229
أبن ائهم واالهتم ام باجلانب النفس ي هلم ،كم ا أن هلم دور كب ري على تنش ئة أبن ائهم نش أة تع زز
الروابط االجتماعية وخاصة منها القرابية.
ومعظم مبحوثين ا ل ديهم مس توى تعليمي الب أس ب ه ،فبالنس بة لتس ع أس ر كب رية ال يت قابلناه ا
ك انت كله ا مثقف ة ،ومس توى التعليمي للرج ال متوس ط ،وذل ك ألن غ البيتهم متقاع دوا من
اجليش الوط ين الش عيب ،بينم ا النس اء ك ان هلم مس توى أمي ،والبعض منهن درس ن بأقس ام حمو
األمية كما صرحن( .أنظر جدول تبويب املقابالت).
أما باقي األسر النووية اليت قابلناها ،فتفاوت املس توى التعليمي ،بني اإلبت دائي إىل اجلامعي،
ومل يكن مستوى أمي موجود ،والعالقة اليت ربطناها بني املسوى التعليمي والظاهرة املدروسة
هو معرفة متثالت األسر وخاصة منها الغري أمية ،لرباط القرابة يف اجملتمع وممارساهتا اليومية،
حيث وجدنا أن كل األسر ترى أن رباط القرابة رباط أساسي يف تشكل العالقات اإلجتماعية
لألف راد وه و يتغ ذي من خالل التواص ل والزي ارات املس تمرة ،كم ا ج اء هبا ال دين اإلس المي
وكلهم يؤكدون على أنه توجد جمموعة من الضروف واألسباب جعلته يتقلص أو يضعف.
.4التركيبة Aاألسرية
تعت رب الرتكيب ة األس رية ن وع وحجم األس ر املتواج دة يف احلي املدروس ،وذل ك حس ب ع دد
األسر احملصات يف احصاء 2008وكذلك نوعها من أسر نووية وأسر كبرية (أنظر اجلدول
رقم .)11وهذا اجلدول يوضح نوع األسر اليت قابلناها.
230
.5التمثالت االجتماعية لرابطة Aالقرابة Aبالسانيا حي الرائد شريف يحي
يس تخدم مص طلح التمثالت االجتماعي ة ،ليش ري إىل فك رة معين ة ،توج ه الفهم ،وهن اك
منظ ورات خمتلف ة للتمثالت ،يف العل وم االجتماعي ة ،حيث تعتربه ا أدوات تس تخدم يف البحث،
يفك ر الب احث يف ض وئها يف مركبـات عقلي ة ،تعكس وجه ة نظ ر معين ة ،وترك ز على بعض
ج وانب الظ واهر ،يف ال وقت ال ذي تتجاه ل في ه ظ واهر أخ رى ،ول ذلك ف إن التمثالت ال يت
يستخدمها شخص معني ،هلا تأثري هام يف إدراكه للواقع 1.والتمثل هو عملية اسرتجاع ذهين
ملوق ف أو ظ اهرة م ؤثرة يف حي اة الف رد ،بواس طة ص ورة أو رم ز أو عالم ة ،وبالنس بة لقAAاموسA
علم االجتماع تعد التمثالت االجتماعية ،شكال من أشكال املعرفة الفردية ،واجلماعية املتميزة
عن املعرفـة العلمي ة ف التمثالت االجتماعي ة حس ب املنظ ور االجتم اعي ،هي منط من التفك ري
التعميمي والـوظيفي ،مـن طـرف مجاع ة اجتماعي ة ،هبدف التواص ل م ع حميطه ا االجتم اعي،
وبتأثري منه ،بغية فهم هذا احمليط وحماولة التحكم فيه ،ويرجع الفضل يف اكتشاف عبارة التمثل
االجتم اعي ،إىل إمي AAل دورك AAايم س نة 1898حينم ا ق ارن بني التمثالت الفردي ة والتمثالت
اجلماعية ،وذلك يف مقال مشهور له نشر يف جملة "المتافيزيقيا Aواألخالق"حيث يرى دوركايمA
أن الفرد يتصرف من خالل اجلماعة ،ويعترب التمثل أو التصور كتأثري مـن طرف مظاهر اجملتمع
على أفك ار الف رد ،فه و معرف ة اجتماعي ة متعلق ة بالتنش ئة االجتماعي ة وناجتـة عنهـا للبنـاء
2
االجتماعي ،وما حيمله من ظواهر.
ومتثالت أفراد احلي املدروس للروابط القرابية ،ماهي إال صورة حيملها هؤالء األفراد اجتاه
اجملتمع الذي يعيشون فيه ،تنبين على عدة عوامل منها ماهو عاطفي ،ومنها ما هو اجتماعي
ثقايف ،أي كل ما يرونه يف واقعهم وما يكتسبونه ،من معلومات حول ظاهرة الرباط القرايب،
يف اجملتمع اجلزائري ،فهم يرون أن رابطة القرابة أو صلة الرحم ،كما عربوا عنها ،أهنا ظاهرة
اجتماعي ة موج ودة يف الت اريخ الع ريب ،من ذ أن ُوج د االنس ان ،وقب ل جميء االس الم على أهنا
231
رابط ة قوي ة متين ة بني الع رب ،واإلس الم زاد من أمهيته ا وقيمته ا ،ولكن ال دين ربطه ا بالطاع ة
اإلهلية هلل ،حسب ماصرح به الكثريون ،ولكنهم كلما يتحدثون عن القرابة ،إال ويستعملون
كلمة كانت ،أصبحت وتغريت ،هذا يعين أن الرابطة القرابية ،مرت مبراحل وأزمنة جعلتها
تتغري.
والواضح أن أفراد جمتمع البحث ،يؤكدون كلهم على أن القرابة موجودة ولن تزول ،ألهنا
روابط حتمية ،جيد الفرد نفسه مرتبطا هبا ،منذ الوالدة ،ألن الفرد كما سبق وأن قلنا ،الميكنه
أن خيتار أقاربه ،وهلذا فالروابط لقرابية ضعفت حسب املبحوثني.
تق ول املبحوث ة رقم" 03دروك احلال ة تب دلت ،اجملتم ع م راهش كم ا ك ان surtout ،بني
األقارب ،الناس مراهيش عندهم رغبة ،باش يروحو عند لفامي ،كيما بكري ،نقست شوي
وتبانلي السبب هو باش مانكرتوش على بعضانا ،منطولوش يف ال ُقعاد ".ترجع املبحوثة سبب
تراجع الروابط القرابية ،إىل عدم رغبة الناس ،باملكوث وقت اً طويالً عند األقارب ،وملا يرتتب
عليه من مشاكل عائلية وقرابية ،فقد حتدث مشكلة نتيجة لكلمة ،قد ال يقصد هبا الشخص،
ما قد يفهمه اآلخر ،فنفوس البشر تغريت ،كما أن البعض منهم ،أصبح يبحث عن املشاكل
وال يهمه سوى ماذا قالت فالنة؟ ،فأصبحنا نبتعد عن هذه اجملتمعات لنتفادى املشاكل ،حيث
نقوم يف الوقت احلايل ،بزيارة أقاربنا بطريقة خفيفة وسريعة ،أو عن طريقة اهلاتف ،الذي لن
يتدخل شخص ثالث ويفسر ما ميكن تفسريه ،ورمبا هذا األمر ،ال نريده وال حنبذه لكن بعض
الضرورات حتتم علينا ذلك.
وتقول مبحوثة رقم" 7أنا نروح عند أهلي malgré ،كاين مشاكل ،بصح كيما يقولوا:
خ ري من زار وخف ف déjà ،هندروا en généralح ىت نك ره وك ون مش ي ال واجب ،والعال
كاش حاجة مانروحش خالص ".فهي ترى أهنا ال تستطيع ،أن تقطع أقارهبا ،على الرغم من
وج ود بعض العوائ ق ،فعليه ا القي ام ب الواجب فق ط ،إال أن ذل ك مل مينعه ا من التواص ل معهم،
مشري ًة إىل أن الغريب يف جلساهتا مع أقارهبا ،أن الكل يتحدث بشكل متحفظ ،وال يُظهر لك
شيئاً صحيحاً بالرغم من أن كل املواضيع اليت تتحدث عنها "عامية" وال متس أحداً ،مما جيعلها
232
تش عر ب أن ه ذا املك ان ليس مكاهنا ،ب ل يُكس ب اجللس ة املل ل والض جر ،فتتقلص الزي ارات
بالتدرج ،إىل أن تقتصر على أوقات ومناسبات خاصة.
وأرجع املبحوث رقم 32تغري الروابط القرابية إىل عامل التكاليف فيقول":حب املظاهر هو
يل خال الن اس م اتروحش عن د بعض ها البعض ،خاص ة عن د النس اء ،وت اين املش اكل األس رية،
احلسد الغرية ،السحر ،كل وحدا ختاف من ماكلة األخرى ،كره بني النساء ".وهنا يرى بعض
املبح وثني وخاص ة منهم الرج ال ،أن السبب الرئيس ي يف ض عف الرواب ط القرابي ة ،ه و ارتف اع
تك اليف الزي ارة الواح دة ،وحب املظ اهر للنس اء ،إىل جانب ك ثرة املش اكل األس رية ،كالغرية
واحلسد ،والسحر كما أن ضغوط العمل ،وبُعد املكان وقلة املواصالت ،باإلضافة إىل انشغال
رب األسرة يف الكثري من األحيان أيضا.
كم ا ت رى الكث ري من مبحوثاتن ا أيض ا ،أن األق ارب يرفض ون أن ت زورهم ق ريبتهم ،ال يت
تصطحب معها أبناءها الصغار ،وذلك خوفا من أن يزعجهم األوالد ،فهي ترى أن اجملتمع ،مل
يعد مثل السابق يف الزيارات ،وأصبح لكل منهم منط معني ،حيث يستفسر البعض عن حضور
األطفال خوف اً من إتالفهم إلكسس وارات ،أو أث اث من ازهلم ،فتج د ص احبة املنزل ول و كانت
ش قيقتك ،ال تص غي إلي ك فيم ا تتح دث ،فعيناه ا ت راقب األطف ال م اذا عمل وا؟ وأين ذهب وا؟،
فتجع ل اجللس ة كله ا ض جراً وختج ل من نفس ك ،ك ذلك ال تلقي ل ك أي اهتم ام ،فتض طر يف
املرات القادم ة ،أن ال تص طحب أبن اءك ،مما ي رتتب على ذل ك ،قل ة مكوث ك عن دها ،ب ل من
املمكن أن ال تفكر بالقيام بزيارهتا مرة أخرى.
ومن خالل ه ذه التص ورات والتمثالت ،ح ول موض وع الرب اط الق رايب ،وكي ف ينظ ر
األق ارب لبعض هم البعض ،وج دنا أن هن اك من املبح وثني الرج ال ،ي رون أن الرواب ط القرابي ة،
تغريت عما كانت عليه يف السنوات املاضية ،من القرن املاضي ،يعود حتما إىل عدة أسباب،
جعلت أفراد اجملتمع ينشغلون عن هذه الزيارات ،منها االنشغال بأمور احلياة اليومية كالعمل،
وك ذلك الوس ائل الرتفيهي ة والعالق ات االجتماعي ة ،خ ارج العائل ة ،كم ا أن تع دد الرغب ات يف
العائلة الواح دة ،حنو الزيارات ،وإعطاء آراء لألطفال ليحددوا مكان الزيارة ،ساهم يف عدم
233
التفك ري يف زي ارة األق ارب دون أن ننس ى ،االهتم ام الزائ د باملظ اهر واملادي ات ،ك أن حيت اج
املستض يف أك ثر من ي وم اس تعدادا ً الس تقبال احلض ور ،ول و ك ان شخص اً واح داً ،مما يرهق ه
مادياً ،كذلك تغري الثقافات االجتماعية بدءاً من "منقدرش نتالق بفالن والنشوفه" أو "نكره
دار فالن"ُ ،مش ريين إىل تفش ي "ظ اهرة القي ل والق ال وفالن ة ق الت وفالن ق ال" يف اجملتم ع
العائلي ،نتيجة لإلصغاء ملشاكل ومناوشات األطفال فيما بينهم وتأثريها ،ومن خالل معاشريت
جملتمع البحث ،الحظت خفة الزيارات اليومية فيما بينهم ،وندرهتا إال يف املناسبات واألعياد.
234
-خالصة الفصل الرابعA
نستخلص من خالل ما مت عرضه يف هذا الفصل ،أن الزواج يُعترب حمددا أساسيا لرابطة
القراب ة يف ك ل اجملتمع ات ،وتض رب ظ اهرة زواج األق ارب ج ذورها يف الت اريخ ،ألن ه ي ؤدي
وظيفة مهمة يف التنظيم القرايب ،ويعمل بطريقته اخلاصة على دعم احلياة االجتماعية ،واحملافظة
على البن اء االجتم اعي الكلي ،كم ا حياف ظ على متاس ك الوح دة القرابي ة عن طري ق ت دعيم
العالق ات القرابي ة القائم ة ونفس احلال بالنس بة لل زواج من أبن اء العموم ة ،حيث يُص بح العم
ص هرا البن أخي ه مما ي ؤدي إىل احملافظ ة على بعض اخلص ائص والع ادات العائلي ة املتوارث ة عن
طريق الزواج.
زيادة على ذلك فإن األسرة هي البنية األولية للنظام القرايب ،حبيث ال ميكن دراسة الرابطة
القرابي ة دون دراس ة األس رة ،يع ين ه ذا أن ن واة القراب ة هي األس رة ال يت تتك ون باألس اس من
زواج رجل وإمرأة بعقد شرعي ،وبناء عليه يؤسس الزواج ،روابط نسبية مع أسرة الزوجة
وأقاربه ،حىت يتبلور عن هذا التأسيس نوعني من الروابط ،األوىل روابط قانونية اجتماعية بني
ال زوجني والثاني ة رابط ة بايولوجي ة بني األب وين وأبن ائهم ،وهن ا نس تنتج اللبن ة األوىل للقراب ة يف
اجملتمع عامة.
ومن خالل ه ذا الفص ل ،نس تنتج أيض ا أن القراب ة م رت مبراح ل تطوري ة ،وذل ك حس ب
التط ور ال ذي عرفت ه األس رة وال زواج ،من االباحي ة إىل ال زواج احلايل ،كم ا ارتبطت الرابط ة
القرابي ة ،ب الزواج الق رايب يف اجملتمع ات التقليدي ة ،والعربي ة أيض ا ،لتص ل إىل مرحل ة ال زواج
اخلارجي يف اجملتمع ات احلض رية ،إض افة إىل ذل ك ف إن الرابط ة القرابي ة من حيث عالقاهتا
الداخلي ة ،حتدث عنه ا علم اء االجتم اع واألنثروبولوجي ا ،على أهنا أيض ا ع رفت تغ ريا وتط ورا
حسب التغري ،الذي مير به اجملتمع عامة ،ألن التغري االجتماعي يؤثر يف كل العناصر والبنيات
االجتماعية للنظام القرايب ،مما يؤدي إىل تغري نوع األسرة من العائلة إىل أسرة نووية.
235
وه ذا وض حته الكث ري من النظري ات ال يت س بق وأن أش رنا إليه ا من قب ل ،هلذا وج دنا أن
نظريات الرابطة القرابية ،حسب ما رآها مورجAAان ،بدأت باالباحية اجلنسية ،وعند سAAتروس
بزواج أبناء العمومة ،هذا ما يدل على أن أصحاب هذه النظريات يرون أن الزواج األحادي
هـو أرقى أنواع الزواج ،مل يظهر إال بعد مرور البشرية ،مبرحلـة الـزواج التعددي ،والشيوعية
اجلنسية ،كما يرى هنا هAنري مين Main Henry Sirيف كتابـه الشهري بعنوان "القAانونA
القديم" إىل أن نظام القرابة األبوي ،أسبق يف الوجود مـن خمتلف النظم القرابية األخرى ،مربرا
ذلك بأن الفطرة اإلنسانية جتعـل الرجل ال يسمح ألحد أن يشاركه يف زوجته ،وقد سار وسAAتر
مAAارك يف نفس ه ذا اخلط األخ ري حيث ق ال :س بق النظ ام األح ادي يف ال زواج على غ ريه مـن
1
أشـكال الزواج.
وي رى يف ذل ك املس لمون م ا ورد يف الق AAرآن الك AAريم Aمـن قصـة س يدنا آدم وأمن ا حـواء
وزواجهمـا وهبوطهم ا إىل األرض ،يؤك د على أن األس رة كانت أحادي ة عموم ا ،وأن النسب
كان أبويا ،وأن ما حدث فيما بعد ،أي مع تطور البشرية وظهـور أنـواع الـزواج التعددي ،أو
الش يوعية اجلنس ية ،يعت رب حال ة اس تثنائية ،واحنراف عن الفط رة اإلنس انية ال يت فط ر ااهلل عليه ا
اإلنسان.
ومن كل هذا فالرابطة القرابية ،نوع من أنواع الروابط االجتماعية األولية اليت عرفتها البشرية
عرب التاريخ ،وال تكون هذه الرابطة إال برباط الزواج الشرعي ،ألن النسب ال يُعرتف به يف
حالة عدم وجود زواج يف اجملتمعات وذلك حسب القوانني واألعراف االجتماعية ،فالرابطة
القرابية مرتبطة بالزواج واألسرة اليت تعترب البنية األولية للقرابة.
236
الفصل الخامس
-متهيد
237
الفصل الخامس
تمهيد
إن أهم م ا مييز اإلنس ان عن د اتص اله بإنس ان آخ ر ،ه و ح دوث تفاع ل معني ،تق وم على
أساسه عالقات خمتلفة ،حيث يتخذ هذا التفاعل ،عادة عددا من األشكال املختلفة ،قد يبدو
البعض منها مرغوبا فيه ،والبعض غري مرغوب فيه داخل اجملتمع .وما يهمنا يف كل هذا هو أن
حدوث التفاعل صفة أولية ،من صفات األفراد للتجمع ،فاإلنسان مادام جيتمع بإنسان آخر
فالب د أن ننتظ ر من ه ذا االجتم اع ح دوث تفاع ل معني ،وه و قي ام عالق ات معين ة ،فتنش أ م ا
يسمى بالعمليات االجتماعية ،نتيجة هذا التفاعل أيضا ،حيث ختتلف العمليات االجتماعية اليت
تق وم بني األف راد ،يف طبيعته ا ومظاهره ا ،فمنه ا م ا ي ؤدي إىل التن افر والتفك ك ،كالنزاع ات
والصراع ومنها ما يؤدي إىل التجاذب والرتابط ،كعمليات التعاون والتوافق والتمثيل.
هلذا تعت رب رابطة القراب ة من الرواب ط االجتماعي ة ال يت تق وم على ارتب اط أس ري ،حتدده ثقافة
اجملتم ع ،ألهنا ختتل ف من جمتم ع إىل آخ ر ،تبع ا الختالف الثقاف ات واللغ ات ،فلك ل جمتمع
خصوصياته ،والروابط القرابية موجودة يف كل اجملتمعات البشرية ،حيث يقول عبد الرحمان
ابن خل AAدون أن "ص لة ال رحم ط بيعي يف البش ر1 "..إال أن واق ع الرواب ط القرابي ة الي وم يتم يز
بتح والت ملموس ة على مس توى األس رة والعائل ة ،والش بكة القرابية كك ل ،ذل ك ألهنا عب ارة
عن نظام اجتماعي ،يتأثر مبختلف التغريات اليت يعرفها اجملتمع احلايل وخاصة املدينة.
1
.ابن خلدون ،مرجع سبق ذكره ،ص90
238
فللنس ق الق رايب دورا أساس يا يف دعم النظ ام األب وي ،داخ ل األس رة اجلزائري ة ،حيث أن
األنش طة االقتص ادية واالجتماعي ة لألس رة ،ك انت ترتك ز على عملي ة تض امنية ،وعلى تس اند
وظيفي غري مشروط ،كما أهنا تقوم على روابط الدم ،واملصاهرة والنسب ،الذي جيمع أفراد
1
اجلماعة الواحدة.
ووجد فرانس فانون "أن اجملتمع اجلزائري ،هو جمتمع قائم على النظام القرايب األبوي ،إال أن
قاعدته اخلفية هي أمومية 2".ألن املرأة أو الزوجة اجلزائرية ،أصبحت يف الغالب تقوم بالكثري
من أعمال الرجل وال يقتصر دورها يف املنزل فقط وإمنا تغري ألكثر من ذلك ،فالرجل اجلزائري
مجيع سلوكاته إزاء زوجته سرية ،ويهمه رأي اجلماعة القرابية فيه ،ألهنا هي اليت تستعمل األب
لرتسيخ الثقافة األبوية ككل ،ومتكينه من جهة أخرى من تدعيم سلطته وتثمينها إزاء زوجته
وأبنائه.
كما تظهر الروابط القرابية من خالل االتصال والتواصل بني األفراد ،حيث خيتلف التواصل
من منطقة إىل أخرى ،من الريف إىل املدينة ،وهلذا حاولنا ومن خالل املقابالت اليت أجريناها
مع األسر أن نتعرف على العمليات االجتماعية القرابية ،من طرق ومظاهر التواصل االجتماعي
الق رايب يف احلي احمللي املدروس ،وعملي ات اجتماعي ة أخ رى لل نزاع والص راع أو التن افر
االجتماعي.
1
.la houari, ADDI, de l’Algérie précoloniale, Alger, ENAL, 1985,P93.
2
.Frantz, FANON, les damnés de la terre, la découvert, 1961, P,56.
239
.Iمظاهر التواصل واالتصال القرابي
االتصال والتواصل عملية يتم مبقتضاها ،تفاعل بني مرسل ومستقبل ،ورسالة يف مضامني
اجتماعي ة معين ة ،ويف ه ذا التفاع ل يتم نق ل أفك ار ومعلوم ات بني األف راد ،ح ول مواض يع
ما .ويُعرف "االتصال عل أنه عملية ديناميكية ،تتميّز بالتغري املستمر ،ويتم من خالهلا تبادل
جمموعة من الرموز ،واملفاهيم واألدوار ،بني أطراف عملية االتصال ،واليت تتولد أثناء التفاعل
ويتم االتصال بشكل
حيث تبدأ هذه العملية ،من اتصال الفرد بذاته ،إىل االتصال اجلماهرييّ ،
قصدي أو غري قصدي ،بغرض تكوين أنواع من العالقات ،ختتلف كل منها باختالف حجم
الس بل ،والوس ائل لنق ل املعلوم ات،
وزم ان وحمت وى املوق ف االتص ايل ،أو ه و س لوك أفض ل ُ
واملعاين واألحاسيس واآلراء ،إىل أشخاص آخرين ،مع التأثري يف أفكارهم وإقناعهم ،مبا تريد
سواء كان ذلك بطريقة لغوية ،أو غري لغوية 1.واالتصال باملفهوم العام هو انتقال املعلومات
واحلق ائق واألفك ار واآلراء ،فه و نش اط إنس اين حي وي ،وأن احلاج ة إلي ه يف ازدي اد مس تمر،
2
وعملية االتصال قد تكون نشاطاً عفوياً ،ال شعورياً أو عمالً خمططاً هادفا.
أم ا االتص ال بني األق ارب فه و عام ل أساس ي ،إلعتب اره ممارس ة اجتماعي ة ،ض رورية ،فه و
يظه ر من خالل التواص ل بينهم.حيث يقولكلAAود لفي سAAتروس يف ه ذا اجملال "أن التواص ل بني
األق ارب يظه ر على ثالث ة مس تويات ،إذ يت وفر املس توى األول على تنظيم تب ادل اخلربات
واخلدمات ،أم ا املس توى الث AAاني Aفيتمثل يف عقلن ة تب ادل الرس ائل واملع اين ،واملس توى الث AAالث
.1حممد بن عبد العزيز العقيل ،حقيبة مهارات االتصال ،مركز التنمية األسرية باألحساء 1430،هـ،ص .10
.2منال طلعت حممود ،مدخل إلى علم االتصال ،املعهد العايل للخدمة االجتماعية،جامعة اإلسكندرية،مصر2002 ،م،ص. 18
240
يتمثل يف تبادل الزيارات بني النساء وتداوهلن 1.ومنه فإن مظاهر التواصل بني األقارب تتجسد
يف سلسلة من املمارسات االجتماعية اليت تُعد كمؤشرات أساسية هلذا التواصل.
وبس بب التكنولوجي ا تن وعت واختلفت وس ائل اإلتص ال ،واختص رت املس افات وال وقت،
ل ذلك وج دها اإلنس ان ،الب ديل األس هل رغم مس اوئها العدي دة ،وتفض يل الع وامل االفرتاض ية،
والتجول فيها حبرية ،ألنن ا نعيش حاليا ثورة الصورة واالتصال ،اليت اجتاحت كل اجملاالت،
حىت احلميمية منها من حياة البشر ،فشملت الروابط االجتماعية ،وأثرت فيها.
أصبح األفراد يتصلون بأقارهبم عرب وسائل التكنلوجيا احلديثة ،بدال من الزيارات،كما أن
زي ارة األق ارب ،ع ادت تقتص ر على املناس بات ،أك ثر من دوهنا ،وقب ل الزي ارة جيب االتص ال،
بالقريب املُراد زيارته .هنا نالحظ أن وسائل االتصال احلديثة ،تستخدم بني األقارب بكثرة،
نظرا للتغري التكنلوجي واالجتماعي الذي يعيشه اجملتمع.كما أن هذه الوسائل احلديثة ،وخاصة
منها األنرتنت أصبحت فضاءا ترفيهيا أيضا ،يُغين يف الكثري من األحيان عن زيارة األقارب.
وبالت ايل ض عُفت الرواب ط االجتماعي ة خاص ة القرابي ة منه ا ،حس ب م ا ي راه الب احثون
االجتم اعيون وهلذا اختلف وا يف طُرق التواص ل احلديث ة ،وأثره ا على الرواب ط االجتماعي ة .جند
"Le culte de الب احث PH.BRETONال ذي حتدث عن االنفص ال اجلس دي يف كتاب ه
2 " ?L’Internet, Une menace pour le lien socialوهناية اللقاءات املباشرة ،فحسبه
األنرتنت ،متثل وسيلة اتصال تفرق ما بني االفراد جسديا ،لتخلق أزمة اجتماعية يف جمتمعاتنا
املعاصرة من خالل عزهلا لألفراد فيما بينهم .فالباحث يفسر التواصل املباشر بني األفراد على
أنه أستبدل بواسطة التواصل الغري مباشر ،عن طريق األنرتنت والشبكات االجتماعية التفاعلية
فكلما استخدمنا االن رتنت ،كلما كان هن اك شعور بالعزل ة االجتماعية ،وأص بح من الصعب
فهم مش اعر وأحاس يس االش خاص ،عن بُع د ،عن طري ق وس يلة األن رتنت ،هلذا الرواب ط
241
االجتماعي ة ،أصبحت ض عيفة فاالس تخدام املتزاي د لألن رتنت يزي د من عزل ة االف راد عن ع املهم
1
احلقيقي ،االجتماعي املباشر.
يعين هذا أن األقارب ال يلتقون جسديا ومباشرة ،وإمنا يف عامل أخر افرتاضي بدون عاطفة
فالتواصل بني األقارب ،أصبح عن طريق األنرتنت،كما أن هذه الوسيلة االتصالية ،أصبحت
أيض ا من بني وس ائل ض عف الرب اط االجتم اعي الق رايب ،وذل ك ألن األف راد يلجئ ون إليه ا يف
أوق ات ف راغهم ،ب دال من زي ارت األق ارب ال يت ك انت يف زمن مض ى ،حيث ك ان األف راد ال
فض اء هلم للرتفي ه ،يف أوق ات الف راغ س وى زي ارة األه ل واألق ارب .أم ا حالي ا يف اجملتم ع
احلض ري ،هن اك ع دة فض اءات للرتفي ه ،ق د تش غل األف راد عن زي ارة بعض هم البعض .ه ذا م ا
وج دناه حالي ا من خالل الدراس ات ال يت ُأج ريت ح ول ذل ك يف التواص ل الق رايب وسنوض ح
مظاهره ،من تبادل الزيارات واهلدايا بني األفراد يف اجملتمع احمللي املدروس.
1
.أنظر:عبد احلميد لطفي ،مرجع سبق ذكره ،ص.129
.2انظر:مجيل سعيد ،دراسات في المجتمع العربي ،دار اخلليج للصحافة والطباعة والنشر،الشارقة ،اإلمارات العربية املتحدة.1987،
242
هلذا تُعت رب الزي ارات املتبادل ة ،بني األق ارب ممارس ة اجتماعي ة ض رورية لتحقي ق ع دة أغ راض
مادية ومعنوية ،تؤدي إىل توطيد الروابط بينهم ودوامها ،حيث أن عامل البُعد أو القرب ،من
العائلة بالنسبة إلقامة األسرة ،ال أثر له يف حالة دوام هذه الزيارات بينهم ،وهتدف هذه األخرية
إىل اللق اء وجه ا لوج ه معهم وتب ادل أط راف احلديث ،فيم ا بينهم ملعرف ة األخب ار اخلاص ة هبم،
واالطمئنان على أحواهلم الشخصية مع اإلطالع على املستجدات اخلاصة حبياهتم اليومية ،وهذه
الزي ارات تك ون كلم ا مسحت الظ روف ألف راد اجلماع ات القرابية ،وغالبه ا يكون بك ثرة بني
األبن اء واألولي اء وأش قائهم ،مث تليها الزي ارات م ع األعم ام واألخ وال وأبن ائهم ،وبدرج ة أق ل
الزي ارات م ع غ ريهم من األق ارب ،زي ادة إىل املكاملات اهلاتفي ة ال يت ت دعم ه ذه الزي ارات من
خالل األخبار املتداولة بني األقارب.ويف بعض األحيان تكون ناقصة أو منعدمة.
وبالنس بة للزي ارات م ع األق ارب ،الغ ري مباش رين كاألعم ام واألخ وال ،وأبن ائهم يف الع ادة،
تك ون خالل املناس بات واالحتف االت االجتماعي ة ،كاألعي اد واألع راس ،واحلفالت ومناسبات
النجاح أو مناسبة مرض أو وفاة .حيث أن األسرة ال تتأخر عن هتنئة أو مواساة أقارهبا ،فهي
تق ف س ندا ألقارهبا يف الس راء والض راء.بينم ا الزي ارات املتواص لة وغالب ا م ا تك ون يف هناي ة
األسبوع ،ويف بعض األحيان يومية تكون بني األبناء وآباءهم.
والدراسة امليدانية أثبتت لنا أن األقارب مازالوا يزورون بعضهم البعض ،ومل تنقطع العالقة
نظ را حلث ال دين على ص لة األق ارب ،هلذا الزي ارات موج ودة ولكنه ا بش كل جيعله ا ترتب ط
باملناسبات فقط ،حسب ما وضحه أغلب املبحوثني ،على أن الزيارات تكون بانتضام.تقول
المبحوثة Aرقم "12أنا خنرج عند فاميليت بالطبع (مبعىن بانتظام) مني تكون كاش حاجة ،فرح
و ال ق رح ،ن دير ال واجب ،وس ريتو يل جيوين ،كي تك ون عن دهم ك اش حاج ة ،خنرجلهم أن ا
ت اين" وتصرح المقابلAة Aرقم "23ي ا أخ يت لكان ن روح عند لف امي ،بال مناسبة يقولوا ،جات
تص في علين ا ،الواح د ي روح يقل ع الديق ة ،وهوم ا نيتهم حاج ة وح دا أخ را ".كم ا تص رح
المبحوث Aة Aرقم "21يف احلق البع د جييب الس الم ،والق رب جييب الكالم ،أن ا خطي ين الفاميلي ا،
نروح دار بويا ،وال دار راجلي ،خويت وما نروحش عندهم بزاف ،خطرات كل واحد الهي
يف روحه ،والناس بروحا مرامهش يبغو الضياف".وتقول المقابلة Aرقم ".14أنا ما نكسر راس
243
حىت واحد من غري دار بويا يل نروح وكي ندايق خنرج ندور يف مدينة جديدة ،وال جاردان
خيلي مانسمع قالت ما والو ،بصح مني تكون كاش مناسبة ويعرضوين نروح ندير الواجب".
يب دو من خالل املق ابالت ال يت أجريناه ا وه ذا البعض منه ا ،يؤك دون على أن الزي ارات ال
تكون إال يف املناسبات ،سواءا األفراح أو املآمت .وذلك لتفادي املشاكل القرابية واليت قد تتمثل
يف معرفة أسرار األسر ،والتدخل يف حياهتم اليومية،كما ترى أغلب األسر ،أن املرأة اليت تزور
األقارب بكثرة تُصبح يف وقت ما منبوذة من طرف أقارهبا .وهناك من املبحوثني هم قليلون،
رأو أن زيارة األقارب أمر طبيعي وواجب ،حث عليه الدين االسالمي ،ومن املفروض أن ال
يكون يف املناسبات فقط كما هو اليوم ،وإمنا البعد عن الدين االسالمي واملشاكل االجتماعية،
كانت سببا يف التقليل من الزيارات وجعلها يف املناسبات فقط.
أما عن طرق استقبال األقارب ،فمن خالل مالحظايت واملناسبات اليت حضرهتا مع بعض
الع ائالت أثن اء الزي ارات ،ك انت تتم يز بك ل ص فات الك رم والض يافة ،ب دايتا بش كل املائ دة
املناسب وأنواع احللويات والعصائر وغريها .فكل عائلة تريد أن تكون األفضل .كما أن حسن
الض يافة يقابل ة حس ن ض يافة ،والعكس ص حيح .وذل ك حس ب م ا ص رحت ب ه المقابل Aة Aرقم
".20ب اش تع ريف الواح د يل ي رحب بي ك حيطل ك حط ة مليح ة ،قه وة حليب ،لت اي ،ق اطو
ويعرض عليك ،هذا أنا تاين نعاملها كيما تعاملين ،وال أكثر ،بصح يل حيط مين العني ،حتط
قهوة كحال ،و غي قاطو واحد وال قاع ما حتطش ومتعرضش علي ،كما تدين تُدان".وكذلك
ت رى المبحوثAAة رقم " 2كي ت روحي ض يفة تع ريف بلي الن اس يل ُرح يت عن دهم فرح انني بي ك
وباغيينك جتي عنهم كي يرحبوا بيك وحيطولك حطا مليحة".
كما توضح العائالت أن الزيارات أصبحت باملوعد ،حيث تقوم الزائرة مبكاملة هاتفية تطلب
فيها إذن الزيارة ،ألهنم يؤكدون على أن العائلة اليت نريد زيارهتا ،قد ال تكون يف البيت ،مبعىن
أهنا مشغولة بأمور خاصة .فالزيارة تتطلب الراحة النفسية للزائر ،والعائلة اليت نزورها حسب
رأيهم .ويع ود ذل ك ،لس بب التط ور التكنل وجي وخ روج املرأة للعم ل،كم ا أن الع ائالت
أص بحت هلا فض ائات أخ رى ،تلج أ إليه ا غ ري الفض اء الق رايب،كالس وق واحلدائق والغاب ات
والبح ر وغريها من الفض اءات العمومي ة .هلذا أص بح من ال واجب االتص ال قب ل الزي ارة .تق ول
244
المقابلة رقم "19أنا وحدة من الناس ما نروحش عند فاميليت البغ يف املناسبات بال ما نعيط
يف التليف ون ،س واء بنت خ اليت وال أخ يت .خلاطرش الن اس خترج ،مها ب روحم تقول ك عيطيلي
كي تبغي جتي بالك ما نك ونش يف الدار .وأنا ت اين نبغي يل يعيطلي ،قبل ما جيي خري ،نوجد
روحي خط رات ،م ا يك ون عن دي وال و نش ري ق اطو ،وال ن دير حاج ة بلخ ف ".وك ذلك
المبحوثAAة رقم " 23من األفض ل الواح د يعلم خ وه ،بلي راه ج اي عن ده ،خلاطرش الض يف،
جيي على غفلة ،جماياش ،يليق لواحد يوجد روحه باش يستقبل الض يف ،يلبس مليح ويوجد
حاج ة ،خط رات البن ادم ،يك ون مبه دل يف ال دار وزي د الن اس هتدر ،كي يش وفو حاج ة
ينش روك ".إذن األس ر ت رى أن ه من األفض ل ،االتص ال قب ل الزي ارة لتف ادي الكث ري من األم ور،
منها الراحة النفسية للطرفان ،وعدم اإلزعاج.
.2تبادل الهدايا والمساعداتA
تنقس م املس اعدات بني االق ارب ،من مس اعدات معنوي ة إىل مادي ة ،حيث تتمث ل
المس AA Aاعدات Aالمعنوية Aيف اإلعانة ،وهي األك ثر ت داوال بني األس رة ،وأهلها وخمتل ف أقارهبا
متخذة أشكاال متعددة،كرعاية املريض وواجب العناية به ،خاصة اجتاه األقارب املباشرين منهم
ورعاية األطفال الصغار يف حالة غياب الوالدين معا.
كم ا جند مس اعدات عن د اإلقب ال على حتض ري األع راس واألف راح ،أو الوق وف جبانب
األق ارب عاطفي ا ومالي ا ،أثن اء املآمت أو تق دمي اهلدايا خالل املناس بات ،إض افة إىل تق دمي النُصح
واملشورة والتضامن بينهم عند حدوث أزمات عويصة.
أم ا فيم ا يتعل ق بالمس AAاعدات Aالمادي Aة Aفهي ن ادرا م ا حتدث ،إال يف حال ة م رور األق ارب
بأزمات مادية صعبة ،تتطلب تدخل األقارب قبل غ ريهم من الغرباء ،وغالبا ما تكون هذه
املس اعدات بني األبن اء وأولي ائهم أو م ع أش قائهم واألق ارب اآلخ رين ،كاألعم ام واألخ وال،
ويف بعض األحيان تُصبح مع األقارب البعدين .فاألقارب هنا يعتمدون على بعضهم البعض يف
إط ار ه ذا اجلانب ويعتربون ه ش يئ ط بيعي ،حبكم ض رورة احملافظ ة على احلق وق والواجب ات
وااللتزامات القائمة بينهم.هلذا يقول مصطفى بوتفنوشنت"إن أهم شئ ،الزال باقيا هو نظام
245
االلتزام باملس اعدة اجتاه خمتلف مستويات ال دوائر القرابية ،ونظ ام االلتزام ه ذا ،ال يرتكز على
مب دأ العط اء ورد العط اء ،ب ل مب دأ ض رورة اس تمرارية الض مري الع ائلي ،وض رورة اح رتام نظ ام
1
القيم األساسية ،القائمة بينهم".
إض افة إىل ه ذا ،لق د أثبتت الدراس ات االجتماعي ة ،أن نس بة املس اعدات تزي د يف اجملتم ع
احلض ري مقارن ة ب الريف ،ألن كمالي ات الف رد ،يف املدين ة تزي د عنه ا يف الري ف ،ومن خالل
حتقيق أجراه املركز الوطين ،للدراسات والتحاليل للسكان والتنمية ( ،)CENEAPتبني أن
نس بة طلب املس اعدات ت زداد يف الوس ط احلض رى مقارن ة بالوس ط ال ريفي ،ب62.51% :
مقابل 37.43%وهذا يف مجيع أصناف املساعدات (قرض-هبات-مشاركة).كما توصلوا
إىل أن هناك تناسبا عكسيا بني مستوى الدخل وطلب املساعدة العينية .وليس للسن أي آثار
على طلب املس اعدات فبالنسبة لآلب اء أو األبن اء ،ي أيت الق رض على رأس املس اعدات املطلوبة،
ب ، 65.80%مث اهلب ات ب 21.58%وأخ ريا املش اركة ب 12.62%وبالنس بة لآلراء
حول تراجع أو عدم تراجع مستوى املساعدة املالية ،فإن 20.45%من املستجوبني أكدوا أهنا
ص رحوا أهنا ت راجعت كث ريا ،فيم ا 20.94%رأوا أهنا ت راجعت قليال وأخ ريا %13.64
تراجعت قليال جدا ،ويف اخلتام 11.54%رأوا أهنا مل ترتاجع أبدا.2
وه ذا م ا اتض ح لن ا من خالل املق ابالت ال يت أجريناه ا ،ألن األف راد يف املدين ة يطلب ون
املس اعدات من األق ارب ،وخاص ة منهم القري بني ،كاآلب اء واالخ وة ،ألن األص دقاء ،قلم ا
يساعدون خاصة من الناحية املالية ،نظرا حلاجتهم لألموال يف اجملتمع احلضري.فالمقابلAAة رقم
10تق ول":أن ا حت اجيت دراهم ،ب اش ن دفع يف ُس كنة ،ومع ييت جنري ون دبر ،ملقيت ح ىت
واح د يل يوق ف معاي ا لك ان مش ي بوي ا ،يل ف رج علي ا ،وس لفنا دراهم ،ملقيت ال ص حبة وال
ج ارة ،وح ىت ف اميليت قص دهتم ومك اش يل ع اوين ،لك ان غي بش وي وم القيتش ".كم ا ت رى
المقابل AAة رقم .12أيض ا فتق ول":أن ا كي حنت اج دراهم ،أول حاج ة ن روح لوال دي ،مها يل
1
.M, BOUTEFNOUCHET, Op.cit,p236
A.MOKADDEM, Les effets du programme d’ajustement structurel sur les ménages.2
.algériens" in REVUE DU CENEAP, n°15, Décembre 1999,p71
246
يشفقو علي ،وحينو علي ،وعمرهم وال يردوين داميا يعاونوين ".يعين هذا أن أول شخص يتبادر
للذهن ،يف حالة احلاجة املادية ،مها الوالدان بالدرجة األوىل ،ألن كل شخص ،يساعده والداه
ويش فقان علي ه ،أك ثر من أي ش خص آخ ر كم ا تق ول المقابلAة Aرقم " :20أن ا ك ل م ا حنت اج
دراهم ،يرف دين وال دي مرض ت ودرت باراس يون ،ت ع الغ دة الدرقي ة ،طلب ويل مثن ماليني
برا،كيشافين راجلي نعاين ،ويف احلكومة يتمرضوا عليا ،طلب بوه وخوه يسلفوه ،وهلل ما بغ او،
ولباس بيهم ،لُكان مشي بوي ،يل سلفله مخس ماليني ،والباقي كان عندي ودرت به ،يا أخيت
فاميليا من فاميليا ،املرأة ُكرتيا يرفدوها والديها ،والراجل ميحوسوش عليه تاوعه حىت ويكون
خبري عليهم ،ك اين يل ج افيني ".فمن خالل ه ذه املق ابالت يب دو واض حا أن يف حال ة طلب
املساعدة ،يتم اللجوء مباشرة للوالدان ،ألهنما الوحيدان القادران على املساعدة أكثر من أي
ش خص آخ ر،كم ا وج دنا أن الرج ل يف الكث ري من األحي ان ،ال يتلقى املس اعدة من والدي ه،
ويكون السبب حسب املقابالت ،هو كره والديه لزوجته.
و هذا ما أكدته المقابلة رقم ":23حنا كل ما حنتاجو دراهم ،ومتكملناش الشهرية ،الشهر
نتس لفو ،على بوي ا ،وراجلي مس تعرف بلي ،نس ابه مها يل رافدين ه ،وعايلت ه علب اهلم ،بلي
منلحقوش وجامي وقفوا معانا ،خطرات وين ترسلي عجوزي ،شوي خضرا للصغار ".وعندما
ط رحت هلا س ؤال ملاذا ال يس اعدونكم ق الت ":خلاطرش يكره وين ،وم درتلهم وال و ،من عن د
ريب العج وز تك ره الكن ا ،وق الت املث ل الش عيب ،يال تف امهت العج وز والكن ة ،بليس ي دخل
اجلن ة".إذن يعت رب تق دمي املس اعدات يف حال ة املرض ،من أك ثر أش كال املس اعدة انتش ارا بني
األقارب.
كما تعترب العناية باألطفال ،منطا آخر للمساعدة ،اليت يشارك فيها األقارب ،كلما دعت
احلاج ة إليه ا.ألنن ا وج دنا أن النس اء الع امالت يس تعن بالوال دات ،يف العناي ة بأبن ائهن ،ب دل
األشخاص الغرباء ،أو دار احلضانة ،هذا ما أكدته ،الكثري من املبحوثات .فتقول املبحوثة رقم
".29أمي مس اعدتين ب زاف ،حتكملي بن يت كي ن روح خندم ،وزي د خلص يت قليل ة ،منق درش
حنطه ا يف احلض انة".و تق ول المقابل A Aة Aرقم "14أمي مس اعدتين ،حتكملي ول دي ملي ك ان
247
صغري ،دروك عنده 3سنوات ،وهو عنده مرض الربو ،خناف من احلضانة ،هي تعرفله وحتافض
عليه ،أحسن ".نالحظ هنا أن األمهات ،يساعدن أبنائم من خالل العناية بأحفادهم ،فاألمات
ال يفرضن مبالغ مالية مقابل مساعدة أبنائم ،بل العكس يساعدون دون مقابل.
كم ا يوج د مؤش ر أخ ر يتبادل ه األق ارب وه و الهبAA Aة أو الهدية .Aال يت جندها موج ودة يف
اجملتمع ات العربي ة القدمية إىل يومن ا ه ذا،كم ا حث الرسAAول (ص)عليه ا ،العتباره ا عام ل من
عوام ل ،نش ر احملب ة والتض امن االجتم اعي ،س واءا بني األق ارب أو اجلريان أو األص دقاء...يف
قوله":تهادوا Aتحابوا" Aفاهلدية يف االسالم ،يُراد هبا التربع والتفضل على الغري ،سواء أكان مبال
أم بغ ريه ،ويوج د ف رق بني اهلدي ة واإلع ارة ،ف إذا أعطى اإلنس ان م اال لغ ريه ،وملك ه ه ذا املال
دون عوض ،كان هدية وإذا مل ميلكه إياه ،كان إعارة.كما يوجد فرق بني اهلدية والصدقة،
فاهلدية يراد هبا التودد وتآلف القلوب أما الصدقة فيبتغى هبا وجه اهلل سبحانه وتعاىل .فعن أبى
هريرة رضى اهلل عنه قال :قال رسAول (ص)" :تهAادوا تحAابوا"،1Aوكان رسAول اهلل صAلى اهلل
عليه وسلم يقبل اهلدية ويثيب عليها ومعىن يثيب عليها ،كان يرد مبثلها ،حىت ال يكون ألحد
فض ل علي ه ،وك ان أبAAو بكAAر وعمAAر رضAAى اهلل عنهم ا يقبل ون اهلدي ة ،وك ان رس ول اهلل (ص)
يدعو لقبول اهلدية ،فقد قال رسول اهلل(ص)":من جاءه من أخيه معروف ،من غري إشراف،
وال مسألة فليقبله ،وال يرده ،إمنا هو رزق ساقه اهلل إليه" .وكان الرسول(ص) يرغب ىف قبول
اهلدية ،ولو كانت شيئا بسيطا ،وقد كره العلماء رد اهلدية.
وتُعرف اهلدية بثالث أنواع و هي :أوال:الهدية اليت يتربع هبا مدى احلياة ،غري مشروطة مبدة
معينة أي أن املال أو غريه ميلك للمهدى مدى احلياة وال ترد.
ثانيAAا A:وتسAAمى العمAAري وهي ن وع من أن واع اهلدايا ،وهي أن يه دي إنس ان آخ ر ش يئا م دى
عمره أي إذا مات املهدى له ،عاد الشيء للواهب ،ويسمى القائل ،معمرا واملقول له معمرا،
وق ال رسAAول اهلل صAAلى اهلل عليAAه وسAAلم( :العم ري ج ائزة) وق ال علي ه الص الة والس الم":من
أعمر عمري فهي له ،ولعقبة يرثها من يرثه من عقبه من بعده ".أي أن العمري جائزة شرعا،
1
.االمام حمي الدين أيب زكريا حيىي بن شرف النووي ،رياض الصالحين ،منشورات دار مكتبة احلياة،بريوت،لبنان،ص.600
248
وهي جائزة للمعمر له ،يف حال حياته ولورثته من بع ده ،وهي من حديث الرسول (ص) بأهنا
جائزة ،أما شرط أن ترد للمعمر ،بعد وفاة املعمر فهو باطل أي أن بطالن هذا الشرط ،ال يؤثر
يف العقد كأنه قال داري لك هبة.
ثالثا A:الرقبي وهي أن يقول أحد األشخاص لصاحبه :أرقبتك داري ،وجعلتها لك يف حياتك
مت قبل ك ،فهي ل ك ،ولعقب ك ،فك ل واح د منه ا ،ي رقب
إيل ،وإن ُ
ف إن مت قبلي ،رجعت ّ
م وت ص احبه .والرق يب ج ائزة ش رعا ق ال رسAAول اهلل (ص)":العم ري ج ائزة ألهله ا ،والرق يب
ج ائزة ألهله ا1".فاإلس الم اذن دعى إىل الت آلف واحملب ة وق وة الرابط ة االجتماعي ة عن طري ق
اهلدية.
كما ُدرست اهلبة من طرف السوسيولوجيني واالنثروبولوجيني على رأسهم مارسال موس
2Maecel Maussال ذي حبث عن دور اهلب ة يف اجملتمع ،منطلق ا من س ؤال وه و :م اهي
القاعدة املبنية على احلق واملصلحة اليت تلزم برد اهلدية املتسلمة ،لدى اجملتماعات ،ذات النمط
املتخل ف أو الب دائي؟ وم ا هي الق وة الكامن ة ،داخ ل الش يء املوه وب وال يت جتعل ه ي رده؟ ومن
خالل حبثه ودراسته يف دور اهلبة ،وجد أهنا أمر إلزامي لتقوية الروابط االجتماعية بكل أنواعها
بني األف راد .فيق ول":تتم التب ادالت والتعاق دات داخ ل احلض ارة االس كندنافية ،وع دد ه ام من
احلض ارات على ش كل ه دايا ،نظري ا بطريق ة إختياري ة ،لكنه ا يف حقيق ة األم ر إلزامي ة3".كم ا
وج د مAAوس أن اهلب ة أو اهلدي ة تل تزم بثالث عناص ر إلزامي ة وهي العط اء ،قب ول العط اء ،وال رد
عليه.مما يؤدي إىل نشوء عالقة مزدوجة بني الواهب واملوهوب ،كما تتمثل يف عالقة تكافل
4
وتضامن بني األفراد.
كما قدم دفيAAد شAAيل David Chealدراسة عن اقتصاديات اهلدايا ،وقد استعرض فيها
خمتلف اآلراء اليت تبنت وجهة النظر االقتصادية ،فيما يتعلق بتبادل اهلدايا ،كما قدم آراءه اليت
تشري ،إىل أنه على الرغم من األمهية االقتصادية الواضحة اليت ال ميكن إغفاهلا لنظام تبادل اهلدايا
2
.Marcel MAUSS, Essai sur le don,3 eme
édition, PUF,quadrige,1989,P147,148.
3
.Ibid,P148.
4
.Maurice GODELIER, L’énigme du don, Pari, fayard, 1996, P20
249
إال أن األمهي ة احلقيقي ة ،هلذا النظ ام تكمن يف أن ه يس تخدم كوس يلة لبن اء أمناط أو أن واع من
العالق ات االجتماعي ة ،وأن ه ذا التب ادل ميث ل ش بكة من االتص االت ال يت ترب ط األف راد يف
اجملتمعات احلضرية احلديثة ،مثلها مثل اجملتمعات البدائية ،بل وأكثر من ذلك ،فإن هذا التبادل
يُع د نظام ا للمس اندة االجتماعي ةُ ،وض ع من أج ل مقابل ة احتياج ات األف راد خالل دورة
1
حياهتم.
يع ين هذا أن التض امن األس ري ،ال ي زال حاض را بق وة يف اجملتم ع ،ولكن ه ذا ال ينفي ،أنه
تط ور على املس توى الكمي والكيفي ،أي أن تب ادل املس اعدات والتض امن األس ري ،أص بحت
متيزه ظ اهرة الق رض ،خاص ة م ا تعل ق باملال ،فاألس رة اجلزائري ة ،م ا ت زال متمس كة بقيم ة
اجلماعية ،لكنها بدلت طريقة استجابتها هلا ،حسب الظروف االجتماعية اجلديدة اليت طرأت
على اجملتمع.
فتقدمي اهلدايا يف جمتمع حبثنا امليداين ،يرتبط حبدث أو مناسبة معينة ،حيث ال ميكن أن يهدي
شخص هدية آلخر ،دون مناسبة أو سبب يدفع لذلك .ومن هذه املناسبات اليت وجدناها أثناء
الدراسة ،مناسبات كأعياد امليالد ،الزواج ،اخلتان ،أداء مناسك احلج ،العمرة والنجاحات يف
الدراسة كشهادة البكالوريا...
كما تعترب حادثة املوت مناسبة أيضا ،تقدم فيها املساعدات وليست اهلدايا وذلك حلاجة أهل
الس بوع أو الفروق أو األربعينية
امليت للمساعدة ،حيث تُقام طقوس تأبينية هلذه املناسبة ،مثل ُ
للميت ،مما يص احبها من تق دمي الع ون واملس اعدة .وتب ادل اهلدايا ،يُع رب عن ش عور االنس ان
مبش اركة غ ريه من األف راد فرحت ه أو حزن ه .ألن ه غالب ا م ا تك ون اهلدايا يف املناس بات نقدي ة أو
عينية ،حيث خيتلف مقدارها تبعا للطبقة االجتماعية ،فتصبح هذه اهلدايا املقدمة عبارة عن دين
للمهدى له ترد يف مناسبات مماثلة ،كما أنه يف الغالب تُرد اهلدية بنفس القيمة ،اليت قُدمت هبا.
وهذا ما أكدته غالبية املبحوثات .المقابلة رقم"1كي تكون مناسبات عند فاميليا نروح حنمد،
.1جمموعة من الباحثني ،األسرة والطفولة ،دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية، ،دار املعرفة اجلامعية ،مصر ،االسكندرية ،ط
،1ب،س،ص 297
250
Doni بص ح عن د الفاميلي ا ،يل مها ت اين م والفني جيوين ،خط رش يل ماحتم دليش ،منحم دهلاش
"Donaوتق ول المقابلAA Aة رقم"19ك اين مناس بات ،يل ت دخل فيه ا العرض ة ،كم ا زواج و
الزيادة ،يال عرضوين نروح وندي كادو ،وال مند دراهم ".أما المقابلة Aرقم "26أنا كي نروح
حنمد ،ندي كادو على حساب درامهي ،املهم ديت كادو ،وال قاطو ومانروحش خاوية كما
يقول و ".Le geste qui conpteوت رى المبحوث Aة Aرقم"10اهلدي ة درج ات ،على حس اب
الفاميلي ا ،كم ا الفاميلي ا ،يل ق راب ب زاف ،كم ا خوي ا اخ يت ،خ و راجلي أخت ه الواح د ،الزم
ي ديرهلم كادوي ات غ اليني ،ومالح خط رش ،ق راب يل ب زاف".وهلذا وج دنا أن األق ارب،
يتبادلون اهلدايا فيما بينهم ،خالل املناسبات االجتماعية اليومية اليت يعيشوهنا فتكون قيمة هذه
اهلديا ،حسب الطبق ة واملسوى االجتماعي مبعىن أن الطبقة الغنية ،تكون ه داياها يف الغالب
غالية الثمن ،والعكس صحيح بالنسبة للطبقة املتوسطة والفقرية .زيادة على ذلك ،فإن زيارة
األقارب وتبادل اهلدايا يف بعض املناسبات ،كالزواج يتماشا مع عملية الدعوة.وهذا ما أمجعت
عليه كل املبحوثات على ضرورة توجيه الدعوة من صاحب املناسبة لآلخرين حلضورها ،حىت
ميكن تقدمي هدية أو رد هدية ،سبق تقدميها ،ألنه إذا مل تقدم الدعوة حلضور االحتفال ،فهذا
يعين عدم االهتمام ،مما يؤدي إىل قطع الص لة بني األقارب حىت وإن كان هن اك دين ،وهدية
واجبة الرد ،فإذا قام صاحب املناسبة ،بدعوة أقاربه حلضور االحتفال فإهنم حيضرون ،ويقدمون
اهلديا ،بينم ا األق ارب الغ ري م دعويني ،ال حيض رون وال يق دمون اهلدايا ففي حال ة ع دم حض ور
أح د املدعويني ،لس بب من األس باب ،فإن ه حيض ر بع د انته اء االحتف ال ،أو املناس بة ،ليقوم ة
بعملية التهنئة ،ويسميها أفراد جمتمع البحث "بالتحماد" وتقدم اهلدية نقدا ،أو عينا.
هنا تعترب الدعوة عملية مهمة جتعل املدعو ملزما باحلضور ،حىت بعد االحتفال نظرا لقيمتها،
أما الغري مدعون ،فال ميكن لصاحب االحتفال أن يلومه على عدم احلضور ،وعدم تقدمي اهلدية.
فتقول إحدى املبحوثات يف المقابلة Aرقم " 20أنا ما نروحش بال عرضة ،حىت لوكاهنا أخيت
والبغ تسالين،كما يقولوا املثل الشعيب ،اللي جا بال عرضAة يقعAAد بال فAراش"وهنا تظهر قيمة
اهلدية بني اهلادي واملهدى له على تقوية الروابط والصلة القرابية بني األقارب ،فالشخص الذي
251
يُهدي هدية مثينة يُعرب للمهدى له ،على مدى حبه له ،وهذا ما أكدته كل املبحوثات ،مثلما
ق الت الس يدة يف المقابل Aة Aرقم " 25بالك ادو نفهم الن اس ليبغ وين ،ويل يكره وين ،خلين ا يل
معندمهش ،اهلل غالب بصح كاين يل لباس بيهم ،وديرلك حاجة تبهديلة ".وهنا نرى أن اهلدية
املنتظرة من األقارب أمر ضروري ،وإلزامي حسب ما يراه جمتمع البحث.
مما يبدو واضحا هو أن اهلدية أصبحت عبارة ،عن رمز إجتماعي ،يرمز للتضامن واملشاركة
يف املناس بة ،أو مش اركة الفرح ة.كم ا أهنا توض ح م دى أمهي ة الش خص ،ال ذي هُت دى ل ه اهلدي ة
أيضا فإذا كان هذا الشخص الذي تشاركه الفرحة حتبه ،ستعرب عن حبك له باهلدية ،اليت
ستقدمها هذا ما استنتجناه من خالل املقابالت ،اليت أجريناها .إضافة إىل اهلدية اليت يقدمها
األقارب لصاحب املناسبة ،كالزواج أو اخلتان واإلزدياد...فهناك مناسبات أخرى ،تتبادل فيها
اهلدايا ،كعيد الفطر مثال ،يتبادل فيه األقارب أطباق احللوى ،عند الزيارة ،تأخذ الزائرة ،طبقا
من احللوي ات ،ليُع اد هلا ممل وءا أيض ا ،ب احللوى ال يت هُت دى هلا ،من ط رف أه ل ال بيت ،ال يت
تزوره.كما تُقدم هدايا نقدية رمزية لألطفال ،وهي تعد دينا إلزاميا ،للرد بصورة فورية ،يف
األعي اد.كم ا توج د مناس بة احلج والعم رة وهي مناس بة هتدى فيه ا احللوي ات ،لألس رة احلاج،
لتقابلها هدية رمزية ،حيضرها احلاج تقدم لكل واحد يأيت لزيارته.
ويف األخري ،تعترب اهلدية انعكاسا للتضامن االجتماعي ،وتقوية الرباط االجتماعي القرايب ،يف
املناسبات ،وذلك باملشاركة يف االحتفاالت.كما أننا استنتجنا ،أن أولوية تبادل اهلدايا ،تكون
بني األقارب ،ألن القريب أوىل عن الغريب ،يف اجملاملة ،والرابطة القرابية تقوى بتبادل اهلدايا
والتواص ل والزي ارات.ألن ع دم حض ور الغ ريب يف املناس بات وتقدميه لله ديا ،رغم دعوت ه ال
يُعت رب أم را إلزامي ا بينم ا عدم حض ور الق ريب يعت رب أم را ض روريا ،س واءا ك ان مناس بة ف رح أو
حزن.
.3التضامن والتكافل بين األقارب
حيمل مصطلح التكافل االجتماعي ،نفس معىن مصطلح التضامن االجتماعي ،وكالمها
من مظ اهر التماس ك االجتم اعي والرعاي ة االجتماعي ة ،م ؤداه احس اس بالواجب ات ال يت جيب
252
أداؤها لآلخرين ،حيث يكون مصحوبا باالعتقاد ،مبعىن أن أي تقصري ،يف هذا األداء يُلحقق
الضرر باجلميع1.وهذا يعترب تعاونا اجتماعيا ،بني األفراد ،سواء كانو أصدقاء أو أقارب .حيث
يُعترب هذا التعاون عملية إجتماعية ،یرجع الفضل يف ترویض األفراد عليها إىل األسرة أوال ،مث
إىل البيئة اخلارجية ،ألن وحدة املصاحل ،ووحدة األهداف ،تؤدي باألفراد إىل التعاون لتحقيق
املصلحة املشرتكة ،واخلري العام .كما یهدف إىل غرض مشرتك یسمى ذلك تعاونا أو تضامنا،
أي أن التضامن ،هو العمل املشرتك ،لتحقيق غرض ذايت ،فهو خیتلف من حيث النطاق ،فقد
یكون مقصورا على أفراد مجاعة ،أو مصنع أو بيئة حملية ،وقد یتسع نطاقه ،فيشمل إقليما أو
2
عدة دول أو أقاليم.
كما يرى الباحثون أن التعاون أو التضامن يف اجملتمع بصفة عامة ،ليس فقط للحصول على
األكل ولكنه ضروري أیضا للحصول على اإلحرتام ،الصداقة ،القرابة ،الرفقة واأللفة ،احلب
فألجل احلياة حنتاج للصداقة ،كما حنتاج للغداء 3.ويأكد بعض الباحثني ،مثل جانز وأوسAAكار
لويس استمرار فعالية اجلماعات القرابية ،يف اجملتمع احلضري ،هذا أثناء دراسته ملدينة مكسيكو
أين توص ال إىل أن احلي اة التقليدي ة ،ظلت على م ا هي علي ه ،والرواب ط العائلي ة املمت دة ،زادت
كثافته ا وقوهتا رغم ك ل الت أثريات االقتص ادية والص ناعية وك ذلك التكنولوجي ة ،ال يت عرفته ا
4
املدينة.
بينما يف جمتمعنا احمللي املدروس ،الحظنا مظاهر التكافل االجتماعي ،تظهر إال يف املناسبات
احملزنة كاملوت واملرض يتعاون األفراد ملساعدة أسرة امليت يف كل األمور املتعلق بالعزاء ،حيث
تتقدم النساء للطهي وحتضري الكسس للزوار،كما تُقدم مساعدات مادية ،من طرف األقارب
اجلد قري بني للميت ،ومنهم من حيضر ل وازم والئم الع زاء .إض افة إىل البق اء م ع أه ل امليت ،يف
البيت لعدة أيام حىت ينتهي املأمت وينقص احلضور.
253
فهذه املناسبات احملزنة ،حيتاج فيها األفراد إىل املواسات والتضامن مع أقارهبم ،لذلك يبدو
واضحا ،أن كل املبحوثني يؤكدون على أن الوقوف مع األقارب يف املناسبات احملزنة واملؤملة،
يعترب واجبا من الواجبات االجتماعية ،الذي يفرضه رباط القرابة والرباط اإلنساين عامة.ألن يف
املناس بات احملزن ة ،احلض ور واجب ألهنا ليس ت كاملناس بات املفرح ة ،ال يت ق د تتطلب ال دعوة
واالستدعاء للمشاركة يف االحتفاالت .تقول املبحوثة رقم ":17يف احلقيقة كي تكون كاش
موت وال مرض ،الواحد يليق يدير الواجب ويروح يزور ويعاون ،خلاطرش الفاميليا أوىل ،من
أي واح د كم ا ق ال ريب تع اىل ".وت رى املبحوث ة رقم " 27يف الغبين ة ن روح للفاميلي ا ونوق ف
مع اهم ،كم ا ع ام يل ف ات ،م ات راج ل أخ يت ،مرض ت م وراه ،وص را فيه ا العجب ،وقفت
معاها ،وليت نروح تقريب كل يوم ،ونطيب لوالد أخيت ،ونقريهم هذا واجب ،يليق نوقف
معاها ،مغاديش جيو براوي يعاونوها ،هدي هي الدنيا ،وأنا كي مات راجلي وقفت هي تاين
معيا ".إذن األقارب يتعاونون مع بعضهم البعض ،بكثرة يف املناسبات احملزنة أكثر من املفرحة،
وذل ك ألن املناس بات املفرح ة أص بحت تق ام يف قاع ات األع راس ،وتق وم على املظ اهر ،إال أن
ه ذا ال يع ين أن أف راد اجملتم ع احمللي املدروس ،ال يتع اونون يف املناس بات ،فهم و حس ب م ا
صرحوا به ،يتعاونون ويتضامنون عن طريق اهلدايا ،اليت يقدموهنا لبعضهم البعض سواءا مادية
أو عينية ،فاهلدية هنا تعترب رمز من رموز التعاون والتضامن االجتماعي.
ص دفة وفجأة كاملرض
كما تعترب املناسبات احملزنة هي األكثر تضامنا ألهنا غري متوقعة ،تأيت ُ
خاصة األمراض اخلط رية ،والوفاة ،هنا يتعاون األف راد بكثرة من مساعدات وص دقات ،ل ذي
الق رىب.مثلم ا ج اء على لس ان املبحوث ة رقم " 19أن ا وح دا من الن اس ،راجلي م رض وملويل
خويت باش دار العملية ،وحىت ولد خوه وعاونه شوي ،خلطرش مكانش خاوتو ماتو".
وتص رح املبحوث ة رقم ".42يف احلقيق ة ،نقس ت املعون ا بني الفاميلي ا ،مش ي كيم ا بك ري،
دورك يعاونوك ،بصح نيت وزهرك ،كل خطرا وكيفاش ،املهم املعونة كاينة كاينة ".يعين هذا
أن التضامن مازال موجود ،ولكن ليس باحلجم الذي عُرف عليه ،يف األزمنة املاضية ،عندما
كان إذا مرض شخص من العائلة ،يتآزر معه ،كل األقارب ،فحاليا كثريا ما يكتفي األقارب،
254
بزيارة مريضهم فقط ال أكثر ،ويف حالة الوفاة ،حيضرون اجلنازة واأليام األوىل من العزاء ،مث
تنقطع العالقة أو الصلة.حسب ما صرحت به املبحوثة رقم " 18ملي مات راجلي ،راين يف
9س نني م ازارونيش خ اوتو ،وال زارو أوالد خ وهم ،كي م ات وقف وا يف اجلن ازة وع اونوين،
ومن بع د ك ل واح د راح يف حال ه ،نقطعت الص لة ".وهلذا تعت رب املناس بات احملزن ة ،مرحل ة
تض امنية يف البداي ة ،وق د تنتهي بنهاي ة الش خص املت ويف ،فتنقط ع الص لة من األق ارب ،إلعتب ار
الشخص املتويف ،هو الصلة الرابطة بني األقارب.
كما أن حادثة الوفاة ،قد تكون سببا يف حل النزاعات والتسامح والتآزر ،بني املتخاصمني يف
الكثري من األحيان.حسب ما تقول المبحوثAAة رقم " 03حنا يف املوت تع بويا ،تصاحلنا معا
عمي مكانش جيي عندنا ،مكاش يتفاهم مع بويا بزاف ،بصح من بعد املوت ،وال عمي خطرا
عال خطرا يزورنا هو ومرته".وهنا نالحظ أن العامل الديين ،يعود ليفرض نفس ه ،يف اجملتمع
املدروس على أن التضامن والتعاون مع األقارب ،فرض وواجب ،خاصة يف املناسبات احملزنة،
من الواجب املساعدة والتضامن ،حسب ما فرضه ذلك الدين االسالمي احلنيف ،بتقدمي ذي
الق رىب وهم األق ارب يف املرتب ة األوىل ،يف حال ة الص دقات واالنف اق قب ل اجلريان واملس اكني
قُل َم ا َأْن َف ْقتُ ْم ِم ْن خَرْيٍ فَلِْل َوالِ َديْ ِن ِ
ك َم ا َذا يُْنفقُو َن ْ والفق راء وغ ريهم.لقول ه تعAA Aالى﴿:Aيَ ْس َألونَ َ
ِِ ِ ِ ٍ ِإ ِِ
ني وابْ ِن َّ ِ
السب ِيل َو َما َت ْف َعلُوا م ْن خَرْي فَ َّن اللَّهَ به َعل ٌ
يم﴾ َواَأل ْقَربِ َ
ني َوالْيَتَ َامى َوالْ َم َساك َ
1
تعرف الرابط ة القرابي ة يف ال دين االس المي مبص طلح صAAلة الAAرحم ،حيث ج اءت يف الق رآن
الك رمي هبذا املفه وم ،أو ببمص طلح ذي الق AA Aربى ،واس تعملها الرس AA Aول (ص) يف الكث ري من
األح اديث ال يت حيث هبا على التواص ل ،بني األق ارب و زي ارهتم.مما ي دل ،على أن ال دين
االسالمي إهتم بالروابط القرابية من حيث الزي ارة والتواصل ،حبيث حث على ذلك بشدة يف
القرآن الكرمي وذلك ملا حتتويه الرابطة القرابية من فائدة كبرية يف التناصر والرتاحم ،والتضامن
االجتماعي بني األفراد.
1
.القرآن الكرمي ،سورة البقرة ،اآلية .215
255
س َو ِاح َد ٍة َو َخلَ َق َّاس َّاتقُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍ
وجند ذلك يف قوله تعالى﴿ :يَا َأيُّ َه ا الن ُ
ِ ِ ِ ِ ِمْنه ا زوجه ا وب َّ ِ
Aام﴾ ث مْن ُه َم ا ِر َج االً َكث رياً َون َس اءً َواتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَ َس اءَلُو َن بِ ه َو ْ
اَأْلر َحَ A
1
َ َْ ََ ََ
ِ وكذلك يف قولAAه تعAAالى ﴿:و الَّ ِذ ِ
ين يَصAلُو َن م ا ََأم َر اللَّهُ بِ ه َأ ْن يُ َ
وص َل َوخَي ْ َش ْو َن َربَّ ُه ْم َوخَي افُو َن َ َ
ِ ِ ِ
ض َو ُت َقطِّعُوا َْأرحَ A
Aام ُك ْم ُس وءَ احْل ساب﴾ وكذلك ﴿ َف َه ْل َع َس ْيتُ ْم ِإ ْن َت َولَّْيتُ ْم َأ ْن ُت ْفس ُدوا يِف ْ
اَأْلر ِ
ُأولِئ َّ ِ
صار ُه ْم﴾2كل هذه اآليات توضح على عقاب قاطع َأعمى َأبْ َ ين لَ َعَن ُه ُم اللَّهُ فَ َ
َأص َّم ُه ْم َو ْ ك الذ ََ
ال رحم وم دى أمهي ة القراب ة يف الش ريعة االس المية ،إال أن األف راد يف اجملتم ع االس المي ،ق د
يتغافلون عن هته األمهية الدينية والدنياوية ،ذلك بسبب ضعف الوازع الديين والتقليل من أمهية
التواص ل ،وص لة األرح ام ومس اعدة احملت اج من الق رىب ،جع ل األف راد يقطع ون أرح امهم وال
يصلوهنم ،إال يف املناسبات أو احلاالت االستثنائية.
ومن خالل الدراسة امليدانية اليت أجريناها بدى لنا واضحا ،أن أفراد العينة أشخاص مثقفوم
ويدركون أمهية القرابة يف الدين االسالمي ،إال أن الظروف حسب قوهلم جعلتهم ،ال يصلون
أرحامهم يف الكثري من األحيان وذلك جملموعة من األسباب اليت ذكرها األفراد ،كانت سببا
قوي ا مينعهم من ص لة ال رحم ،مبع ىن أن ه ذه األس باب -ال يت س نذكرها يف املبحث املوايل ح ول
أس باب ض عف الرابط ة القرابي ة -أص بحت أق وى منهم للص لة .وهن ا تنخفض نس بة الزي ارات
لتصل إىل االنعدام أو القطيعة.وهذا ما سنتحدث عنه يف املباحث اآلتية ،لنوضح عوامل التزاور
بني األفراد والتناقص.
.1مفهوم صلة الرحم
يع د مص طلح ص لة ال رحم مفهوم ا إس الميا أص يال ،وه و األنس ب للتعب ري عن العالق ات
القرابية اليت تكتسب امسها من الرحمAAان وهو اهلل عز وجل،ألهنا مشتق من الرحم ،من اسم
الرمحان ملا ورد يف ح ديث النAA Aبي صAA Aلى اهلل عليAA Aه و سAA Aلم عن اهلل عز و جل ":أن ا اهلل وأن ا
1
القرآن الكرمي ،سورة النساء ،اآلية:رقم 01
2
القرآن الكرمي ،سورة محمد،اآلية رقم . 22
256
الرمحان خلقت ال رحم وش ققت هلا إمسا من إمسي فمن وص لها وص لته ،ومن قطعه ا
قطعته. 1".فهي تستمد منه هيبتها وثقلها وقيمتها ألهنا موصولة باسه.
ومعىن صلة الرحم هو العطف والرمحة ،أما صلة اهلل تعالى ملن وصل رمحه ،فهي عبارة لُطفه
هبم ورمحت ه إي اهم ،وعطف ه عليهم بإحس انه ونعم ه ،أو ص لتهم بأه ل ملكوت ه األعلى ،وش رح
صدورهم ملعرفته وطاعته ،أما الAAرحم فقال االمAAام النAAووي :اختلفوا يف حد الرحم اليت جيب
وص لها فقي ل:ك ل رحم حمرم ،وقي ل :ه و ع ام يف ك ل رحم ،من ذي األرح ام ،يف املرياث،
يستوي في ه احملرم وغ ريه ،وص لة ال رحم هي اإلحس ان إىل األق ارب على حسب ح ال الواصل
واملوصول ،فتارة تكون باملال وتارة باخلدمة وتارة بالزيارة والسالم وغري ذلك ،كما أن الصلة
ب ر وإحس ان ويك ون حس ن العش رة والص حبة لأله ل والول د ،باملدارات وس عة اخلُل ق والنفس،
ومتام النفقة ،وتعليم األدب والسنة ومحلهم على الطاعة ،لقوله تعAAالى﴿Aيا أيها الذين آمنوا قوا
أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس واحلجارة﴾ 2كما ورد يف تفسري ابن كثAAير معىن الصAAلة
كم ا يلي":ص لة األرح ام واإلحس ان إليهم وإىل الفق راء واحملاويج ،وب ذل املع روف ...ويُضيف
صلة األرحام واألقارب ،كما فسره قُتادة كقوله تعالى﴿ A:فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا
يف األرض و تقطعوا أرحامكم﴾ اآلية 22سورة حممد .وقيل املراد أعم من ذالك فكل ما أمر
3
بوصله وفعله فقطعوه وتركوه.
كم ا جيب أن نش ري إىل أن اآلي ة تض ع تالزم ا أو ح ىت عالق ة س ببية ،بني نقض الفس اد يف
األرض وقط ع م ا أم ر ااهلل ب ه أن يوص ل ،وذل ك للدالل ة على أن قط ع الص الت ،ي أيت كنتيج ة
حتمية لنقض امليثاق ويرتتب بالضرورة عن القطيعة ،وانتشار رقعة الفساد يف األرض وهذا ما
الحظناه يف اجملتمع بسبب قطع الصلة بني األقارب.
257
وقال القاضAAي عيAAاض":ال خالف أن صلة الرحم ،واجبة يف اجلملة وقطيعتها معصية كبرية
واألح اديث تش هد هلذا ،لكن الص لة درج ات ،بعض ها أرف ع من بعض ،وأدناه ا ت رك امله اجرة
ب الكالم ول و بالس الم ،وخيتل ف ذل ك ب اختالف الق درة واحلاج ة ،فمنه ا واجب ومنها
مس تحب،ول و وص ل البعض من األق ارب ومل يص ل البعض اآلخ ر .ف إن ه ذا ال يُس مى قاطع ا،
ول و ش خص قص ر عم ا يق در علي ه ،م ع أقارب ه ال يس مى واص ال1".وال رب بالوال دين اإلحس ان
إليهم ا ،والتع اطف عليهم ا والرف ق هبم ا والرعاي ة ألحواهلم ا وع دم اإلس اءة إليهم ا وإك رام
2
صديقهما من بعدمها ،هو باب من أبواب صلة الرحم.
واملقصود أيضا بصلة الرحم هو االحسان إىل األقربني ونُصحهم ومد يد العون هلم ،فكلما
قويت روابط القرىب ،زاد التكافل وساد التعاون يف أمورهم ،وتولت العالقة الرحيمية 3.كما
يُعرفه ا معن خليAA Aل العمAA Aر":تش ري الص لة الرمحي ة إىل إرتب اط األخ بإخوان ه وأخوات ه ،وع دم
اس تعمال مص طلح عالق ة اجتماعي ة بني األخ وأخت ه أو أخي ه ،ألهنا يف األس اس ال متث ل ص لة
عضوية مصريية ،بل تفاعلية ظرفية4".وهنا نالحظ أن الباحث يعترب استخدام عالقة اجتماعية،
للتعبري عن صلة الرحم ،خطأ متداوال ،ألن صلة الرحم أكثر تعبريا ،فهي أكثر من العالقة كما
يق ول ،ويف بعض األحي ان تص ل إىل حال ة الف داء والتض حية أو التن ازل عن حق وق مادي ة
ومعنوية.
إذن إجرائي ا صلة ال رحم ه ذا املص طلح السوسيوإس المي ،املقص ود منه التواص ل املستمر م ع
األهل واألقارب وليس يف املناسبات فقط ،مع احلرص على اإلنتظام يف الزيارات ،حيث تكون
ه ذه الص لة مص حوبة باإلحس ان والتض امن م ع ذوي القُرىب ،ك الوقوف جبانبهم يف األف راح
واألحزان.
. 1صاحل بن عبد اهلل بن محيد ،عبد الرمحان بن حممد بن عبد الرمحان بن ملوح ،موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخالق الرسول
2الكريم ،ط 1السعودية ،جدة ،دار الوسيلة للنشر والتوزيع ، 1998،ص 2614
.نفس املرجع السابق،ص.727
3
.مصطفى عبد الواحد ،االسرة في االسالم،دار االعتصام ،مصر،القاهرة، 1980،ص.80
4
.معن خليل العمر ،علم اجتماع األسرة،مرجع سبق ذكره.147،
258
هلذا حدد الدين اإلسالمي نظاما متدرجا للتضامن ،ابتداء من املقربني وبالتدرج ،أي حسب
درج ات القراب ة ،هلذا جند يف قولAAه تعAAالى الكث ري من اآلي ات القرآني ة ،ن ذكر منه ا :قول ه تع اىل
﴾﴿و ْاعبُ ُدوا اللَّهَ َواَل تُ ْش ِر ُكوا بِِه َش ْيئاً َوبِالْ َوالِ َديْ ِن ِإ ْح َس اناً
﴿وأولوا األرحام بعضهم أوىل ببعض َ
ب بِ اجْلَْن ِ اح ِ الص ِ ني واجْلَ ا ِر ِذي الْقُرىَب واجْلَ ا ِر اجْلُنُ ِ ِِ ِ
ب َوابْ ِن ب َو َّ ْ َ ُرىَب َوالْيَتَ َامى َوالْ َم َس اك َ َوبِ ذي الْق ْ
ب َم ْن َك ا َن خُمْتَ االً فَخُوراً ﴾ 1ومن ه ذا االس تدالل ت َأمْيَ انُ ُك ْم ِإ َّن اللَّهَ اَل حُيِ ُّ
الس بِ ِيل َو َم ا َملَ َك ْ
َّ
القرآين نستشف أثر البعد الديين على البناء القرايب والبناء االجتماعي ،ممايزيد من توضيح لدور
وأمهية القرابة يف اجملتمع االسالمي ،وما تعود به من آثار على اجملتمعات األخرى ،هذا ما يُبقي
القرابة على مدى طويل ،ذات أمهية ودور فعال يف اجملتمع.
كم ا ي درج ض من مص طلح القراب ة من الناحي ة الديني ة ،مص طلحات أخ رى،كالتكاف ل وال رب
واالحسان لألقارب .فريى الدين اإلسالمي أن التكافل بني األقارب يكون مبنيا على:تقوى
اهلل والرب واإلحسان ،اإليثار والقناعة .حيث أن تقوى اهلل تعين االمتثال ألوامره ونواهيه ،يف
كل سلوكيات الفرد واجلماعة ،سواء أكان السلوك تعبديا أو من خالل املعامالت والعالقات
بني الن اس .أما ال رب فل ه مع ان ع دة منه ا :الفض يلة كحس ن املعاش رة ،وحس ن اخلل ق وص لة
الرحم ...اإلنفاق والبذل يف سبيل اهلل ،أي اخلري العام.وال خيتلف اإلحسان أيضا يف معانيه عن
الرب ،فقد يأيت اإلحسان مبعىن الرب ولني اجلانب ،وقد يعين فعل اخلريات وترك السيئات ،طلب
احلق باملعروف ،اإلنفاق يف سبيل اهلل ،حسن املعاشرة ،خاصة بني الزوجني ،سعي دائم لطلب
اخلري يف الدنيا واآلخرة .2
فمن خالل الدراسة امليدانية ال يت أجرينه ا ،ب دى واض حا أن ه توج د عالقة طردي ة بني درجة
الت دين يف اجملتم ع ،من جه ة وص لة ال رحم من جه ة أخ رى .مبع ىن أن األف راد يف اجملتم ع احمللي،
الذين هلم وعي ديين جتدهم يصلون أرحامهم ،خاصة القريبني منهم وهناك من يقدسون قيمة
هذه الرابطة أو الصلة القرابية ،إال أهنم ال يستطيعون أن يصلوا أرحامهم ،نظرا لعدة أسباب.
259
وه ذا م ا ص رح ب ه الكث ري من مبحوثين ا ح ول الص لة وقط ع ص لة م ع األق ارب .فتص رح
المبحوثAAة رقم ".32ريب وصا على األقارب وأنا ن روح مشي م انروحش ،بص ح غي املقربني
لي ا ،مها يل ن روحلهم ب زاف ،كم ا دارن ا دار زوجي وخ ويت وخالص ،الب اقي غي ك اش
ض رورة ".كم ا تص رح نفس املبحوث ة بع دما س ألتها ه ل هن اك ن زاع ح دث م ع أهل ك مثال
فقالت ":نعم صرا مشكل بيين وبني أخيت الصغرية ،بنتها الكبرية تقريب قد بنيت الصغرية ،ومن
زوجت بن يت حض رت ودارت مش كل يف الع رس ،ق التلي بنت ك مقيمتش بن ايت مبع ىن (مل هتتم
ألمرها) فحدثت القطيعة ،بيين وبينها خلطارش بكاوين يف عرس بنيت ،وخمالونيش نفرح ،وحلد
اآلن ال أزوره ا وال ت زورين".يق ول ص احب المقابل AAة رقم ".23ص لة ال رحم ،تق دري تق ويل
فرض يف الدين نتاعنا ،بصح الواحد مع اخلدمة وأشغال الدنيا ،اهلل غالب يزور غي الوالدين
بزاف ،أنا خويت خطرات وين نروح ،تقدري تقويل يف املناسبات برك ،بصح الباقي كما عمي
خ ايل...واهلل م اراين ن روح ،نتالق اهم غي ك اش مناس بة اهلل غ الب راحت حياتن ا هك ذا ".مث
يُض يف أن الس بب يف ع دم الزي ارة ،يع ود إىل التنش ئة يق ول":يف احلقيق ة أن ا كي حليت عي ين،
شفت عمومي وخوايل ماجيوش عندنا ،مها يف والية سيدي بلعباس وحنا هنا يف وهران ،مام
بويا ،قليل وين يروح ،تسما ما تربيناش على صلة الرحم ،والزيارات يف غري املناسبات ،هذا
وين رانا نسمعوا عليها يف اجلامع ،بلي واجب تقوم بيها ".فهذه بعض التصرحيات وهي تقريبا
متش اهبة يف اآلراء ،فك ل مبحوثين ا ،ي رون أن ص لة ال رحم واجب ة ،على املس لمني ،من وص لها
وصل اهلل ،ومن قطعها قطع الصلة معه ،ورغم ذلك كما قلنا ،تبقى هناك أسباب تقف حاجزا
أمام التواصل القرايب.
أم ا إذا رجعن ا إىل عالق ة الف رد م ع أخي ه اإلنس ان ،واجملتم ع كك ل ،والعالق ات الناش ئة عن
تفاعل اإلنسان مع غريه ،جند أن اإلسالم وضع قالبا واحدا ،لكل هذه العالقات ،مميزا عن غريه
من الق والب واألنظمة .فاإلنسان املسلم له صفات مميزة عن غريه ،يتبع يف أفعاله وأقواله ،ما
أمره اهلل به يفعله وينتهي عما هناه اهلل عنه ،فيتجنبه ويبين كل ذلك على أساس الوازع الديين.
260
كما أن اإلنسان باإلضافة إىل صلته بربه العزيز ،صلته بأقاربه ،فإنه ال بد عليه ،أن ال ينسى
حظه يف الدنيا وأن يسعى لتعمري األرض ،مع عدم نسيان أن حيسن معاملتة مع أخيه اإلنسان
وإىل غ ريه من الن اس يف جمتمع ه .ألن ذل ك من خص ال املس لم ،ويظه ر ذل ك يف قولAA A Aه
تعAAالى"وأحس ن كما أحسن إلي ك" فاإلنس ان املسلم ل ه ص فات مميزة عن غ ريه ،يتب ع يف أفعاله
وأقواله ،ما أمره اهلل به فيفعله ،وينتهي ما هناه اهلل عنه فيتجنبه ويبتعد عنه.
إذن اإلس الم مل يُقس م ومل مييز يف الرواب ط والعالق ات االجتماعي ة ،تقس يما مادي ا مبني ا على
االقتصاد أو السياسة أو البيئة أو غري ذلك ،ومل مييز بني العالقات يف الريف واملدينة ،ومل حيدد
للفرد الروابط والعالقات االجتماعيـة يف أفعاله ،خاصة بكل بيئة .بل جعل أفعاله ،هي نفسها
مهم ا اختلفت البيئ ة أو تب اين املك ان ،أو تغ ري الزم ان .إذا ك ان علم اء االجتم اع ،يس تعملون
مصطلح العالقة للداللة على صلة اإلنسان باإلنسان ومبجتمعه ،وأن اإلسالم يستعمل مصطلح
املعامل ة للدالل ة عن نفس الص لة ،كم ا أن ه لتحدي ده لتل ك الص لة ،ولكي تك ون املعامل ة حس نة
وجيدة ،أوجب أن تكون مبنية على أخالق ،حتدد نوع املعاملة ،ومن أهم األخالق اليت حث
عليها اإلسالم ،هي االستقامة ،اإلحسان ،التعاون ،وصلة الرحم.
تعترب الزيارات من أهم مؤشرات االتصال القرايب اليت تُعرب عن التضامن األسري ،وقوة
العالقات االجتماعية ،بني أفراد الوحدات القرابية ،هلذا يشهد هذا املؤشر ،تطورا موازاة مع
التطور الذي عرفه اجملتمع ،فريى مالك بن نبي" أن أي جمتمع يف طريق تغيري نفسه ،مشروط
باكتم ال شAA Aبكة عالقاته AالقرابيAA Aة واالجتماعية بوص فها املهم ة األوىل ،ال يت حتق ق ل ه توف ري
الصالت الضرورية بني عوامل األشخاص واألفكار واألشياء1 ".كما ظهرت بعض الدراسات
والبح وث ح ول حتلي ل العوام ل ،ال يت تتحكم يف عملية االتص ال ،بني األق ارب داخ ل ال دوائر
القرابية،كالبحث الذي قام به "لويس روسال "Louis- Rousselحول األسرة وهو كما
.1نورة خالد السعد ،التغير االجتماعي في فكر مالك بن نبي ،دراسة يف بناء النظرية االجتماعية ،ط ،1الدار السعودية للنشر
التوزيع ،جدة ، 1997ص.148
261
ذكرت مارتن سيقالن "M.Segalenيف دراسة لقياس التقارب ،يف السكن وطبيعة العالقات،
وأمهي ة اخلدمات وتب ادل احلاج ات بني األبن اء وآب ائهم بع د ال زواج ،فك انت أهم نت ائج ه ذا
البحث هو أن األبناء بعد زواجهم يفضلون اإلقامة بالقرب من إقامة آبائهم .وهذا ما يؤكد لنا
األمهي ة القص وى للس كن املقص ود لغ رض التق ارب جبانب األه ل ،وال ذي ي ؤدي إىل تقوي ة
االتص االت بينهم .هلذا ف إن معظم مظ اهر االتص ال بني األق ارب تظه ر على مس توى الف رد،
بعائلته األم ،أي الدائرة القرابية األوىل واليت تشمل كل معاين التقدير واالحرتام1.وهو نفس ما
توصل إليه أيضا الباحثان بروترو ، Prothroودياب Diabيف دراسة هلما عن التغري الذي
طرأ على األسرة ،يف املدن العربية مثل بريوت ،عمان ،دمشق .وتوصال إىل "أن هناك عالقات
دل على ذل ك ،الزي ارات املتك ررة ال يت
قوية بني األس ر النووي ة والوال دين بش كل خ اص ،وق د ّ
حتدث بني األس ر النووي ة والوال دين ،كم ا توص ال أيض ا إىل أن تك رار الّتزاور م ع األق ارب
2
اآلخرين ،كاألعمام والعمات واخلاالت ...اخل أقل بكثري من تكرار الّتزاور مع الوالدين.
إض افة إىل ه ذا ي رى بارسAAونز أن نس ق األس رة األمريكي ة ،نس ق مفت وح يق وم فق ط على
العالقة الزواجي ة ،واألس رة الن واة املنعزل ة عن اجلماع ات القرابي ة الواس عة .غ ري أن فك رة العزلةA
اليت أكدها بارسAAونز ،لفتت العديد من االنتقادات من طرف الباحثني ،حيث أجريت العديد
من البح وث ال يت أثبتت أن عالق ة األس رة باألق ارب وخاص ة املباش رين منهم ،كالوال دين
واإلخوة ،مازالت قائمة وبشكل متني ،ومدعمة مبختلف االلتزامات املادية واملعنوية القائمة بني
أفرادها ،ما يبني عدم زوال األنظمة القرابية يف خمتلف اجملتمعات احلضرية منها والتقليدية ،وهي
مازالت تؤدي العديد من الوظائف ،وتساهم بدور فعال يف تطوير وحتقيق حاجات وأهداف
3
وحداهتا داخل اجملتمع.
فمن أكثر الظواهر االجتماعية بروزا اليت الحظناها يف جمتمع الدراسة ،هي ظاهرة استقالل
األسر عن العائلة الكبرية ،ولكن هذا االنفصال السكين مل يؤدي إىل ضعف قوة الرباط الذي
1
. M, BOUTEFNEUCHET, Op.cit, p54
2
.Prothro, EDWIN TERRY, and Lutfy Najib, DIAB, Changing Family patterns in
the Arab East, Beirut , American university of Beirut,1974.pp.70-72.
.سناء اخلويل ،مرجع سبق ذكره ،ص .67،69 3
262
جيمع األسر بعائلتها ،بل بالعكس زاد قوة من أجل تفادي حتسيس العائلة هبذا االنفصال اجملايل
حيث يبقى دائم ا على ص لة مباش رة بأوليائ ه ،وإخوته املتزوجني منهم والع زاب ،وبك ل أقارب ه
وأكرب دليل على ذلك ،هو تفضيل األبناء والبنات اإلقامة بقرب إقامة عائلتهم.
حيث أن القرب السكين يسمح بتكرار الزيارات ،بشرط احملافظة على استقاللية األسرة
النووي ة .ف القرب من اآلب اء من بني املع ايري ال يت حتكم عملي ة اختي ار مك ان الس كن ،وتق وم
بتحديد عالقات القرابة على أساس مبدأ ،أن كل وحدة تكفي نفسها ماديا.
ت على ُس كنا ،قريبة من ِ ِ ِ
حو ْس ْ
يت نْد ْير داريَ ،
يقول صاحب المقابلة Aرقم ".22أنا كي بْغ ْ
الش وابني ،جيو
اطرش ،والَ ْفت هذي البَالَصة وزيد باش نكون قريبة ،من ْ
باش نَكْريها ،خلَ ْ
دارناْ ،
عن دي و جني عن دمهم ،بس هولة" .فاألبن اء املتزوجني ال يش كلون عبئ ا ،على آب ائهم وك ذلك
األباء املسنون ،ال ميثلون عبئا على أبنائهم أيضا ،إال يف حاالت نادرة أو شاذة .وهذا ال يعين
أن االلتزام العائلي خمتفي ،بل مازال قائم ،ومبختلف األشكال ،وذلك أن األسرة ،متنح للفرد
مس توى من األمن ،ال يُقدم ه ل ه أي مك ان آخ ر .كم ا حتتف ظ الص الت بني األق ارب واأله ل،
حبقوق وواجبات ال توجد يف أي مكان آخر ،حيث يكون ذلك ،يف إطار احلقوق والواجبات،
بني خمتلف الوحدات القرابية.
ومن خالل إج رائي للمق ابالت امليداني ة وج دنا أن طبيع ة الزي ارات املكثف ة بني األبن اء
وأولي ائهم الكب ار ،تتمث ل يف االح رتام وال واجب اجتاههم ،وخصوص ا عن دما يك ون األب وين يف
مرحل ة عمري ة حساس ة ،ألهنم حباج ة إىل رعاي ة خاص ة واهتم ام متواص ل ،كاالطمئن ان عليهم
وتن اول معهم الوجب ات الغذائي ة ،ومش اركتهم أط راف احلديث ،وك ذا معرف ة احتياج اهتم
اش كي
".مك ْ
وطلب اهتم ،بغ رض توفريه ا يف كث ري من األحي ان .وهن ا تق ول المقابل Aة Aرقم َ 26
الوالدين ،أنا نْظَ ْل يف دارنا ونروح تاين عند عجوزي ،كل سيمانة ،خطرا دارنا خطرا دارهم".
كما يصطحب األبناء املتزوجني ،أبنائهم الصغار ،خالل هذه الزيارات ،هذا ألن األحفاد
يُعتربون عامل من عوامل ،إسعاد األجداد ،الذين حيرصون دائما على لقائهم ،خاصة إذا كان
األحف اد ،غ ري م زعجني ،وميكن حتملهم .أم ا إن ك ان العكس ،ف إن الوال دين وخاص ة الكب ار،
ألهنم كث ريا م ا حيت اجون لله دوء والس كينة.كم ا أن طبيع ة زي ارة الوال دين دائم ا وخاص ة عن د
263
األسر النووية العاملة ،تكون مرتبطة حباجة األبناء لآلباء أو العكس ،مبعىن إذا كان الزوجان
يعمالن ،يسكنون بال ُقرب من الوالدان ،وذلك للمصلحة ،فكثريا ما تُفضل هذه األسر النووية،
اإلقام ة ب القرب من العائل ة ،ح ىت تس تطيع اجلدة حض انة األحف اد ،خاص ة منهم الص غار ،أي
الرضع ،ألن األم تشعر بالراحة والطُمأنينة ،عندما ترتك أبنائها عند أجداد الصغار ،أي والديها
أو والدي الزوج.
تقول صاحبة المقابلة رقم "15أنا خدامة وأوالدي صغار ،نديهم عند عجوزيت ،حتكمهم
خري من ،la nourrisseبعدا نكون مهنيا ،وهي قاتلي ،أنا حنكمهم صغار بزاف ،كي يقفلوا
".س كنت قريبة
3أو 4سنوات ،ديريهم يف احلضانة " .كما تصرح صاحبة المقابلة Aرقم ْ 29
من دارن ا ،على خ اطر أوالدي ،خنليهم عن د أمي ،ومعن ديش الس يارة على ه ذا" .زي ادة على
ذلك ،فإن الزيارات املتبادلة ،بني األبناء ،جندها يف بعض األحيان ،أكثر تواصال ،باملقارنة مع
األبوين .وهذا راجع للتقارب العمري بينهم ،أو لقوة العواطف واحلنان ،الراسخة بينهم ،ومنه
تسمح هذه الزيارات املتبادلة بينهم ،بتوفري اجلو العائلي املناسب ،إلحياء التجمعات العائلية اليت
ك انت س ائدة يف الس ابق ،قب ل اس تقالهلم عن املس كن الع ائلي ،وهبا يتخلص ون من اإلش تياق،
واإلحساس بالعزلة خاصة باألوساط احلضرية .وتصرح المقابلة رقم "25والديا دميا نزورهم،
تقريب كل أسبوع ،وموراهم نزور خويت وخوتايت داميا ،ندي أوالدي يلعب مع أوالدهم".
إذن الزيارات بني األقارب تضمن الراحة النفسية مبشاركتهم احلديث عن املشاكل واهلموم اليت
يتعرضون هلا يوميا ويتبادلون النُصح واملشورة ،يف كل األمور ،اليت ختصهم.هذا ما صرحت
ب ه ،الكث ري من املبحوث ات واملبح وثني.منهم المقابل A Aة Aرقم ".28ن روح ل دارنا ،ودار ال زوج
ب زاف ،الواح د يلق ا راحت ه ،م ع أهل ه يش اورهم ،ك اش حاج ة ،وال أم ور تطلب النص يحة ،مها
ميبخلونيش ،يوقفو معايا خاصة خويا الكبري ،عنده خربة ويعرف يقنع".
توص لنا إذن إىل أن أغلب الزي ارات املكثف ة بني األق ارب ،تك ون بني األبن اء واألولي اء
وأشقائهم مث تليها الزيارات مع األعمام واألخوال وأبنائهم ،وتليها بدرجة أقل ،الزيارات مع
غريهم من األقارب ،زيادة إىل املكاملات اهلاتفية ،اليت تُدعم هذه الزيارات ،من خالل األخبار
املتداولة بني األق ارب .بينم ا الزي ارات م ع األق ارب الغ ري مباش رين ،كاألعم ام واألخ وال
264
وأبن ائهم،يف الع ادة تك ون خالل املناس بات ،واالحتف االت االجتماعي ة ،كاألعي اد واألع راس،
واحلفالت ومناس بات النج اح أو املرض والوف اة .زي ادة على ذل ك ،ف إن األس رة ال تت أخر عن
هتنئة أو مواساة أقارهبا ،فهي تقف سندا ،ألقارهبا يف السراء والضراء ،يف غالب األحيان.
.IIIأسباب ضعف الرابطة AالقرابيةA
م ع االنش غال املتزاي د س واء بالعم ل أو اإلن رتنت وتربي ة األبن اء والدراس ة وغريه ا ،ص ار
الرتابط فعال ضعيفا ،ويتضاعف أكثر مع مرور األيام ،بل قد جند االفراد ،يف البيت الواحد ،ال
يلتقون مع بعضهم البعض ،إال يف وقت الغذاء أو العشاء.كانشغال رب البيت بالعمل ،واألم
العاملة كذلك وحىت األبناء باملدارس .ومن مث النوم .هكذا باتت احلياة يف اجملتمع احلضري أين
توج د الب دائل من فض اءات اإلن رتنت ،والفض اءات االجتماعي ة عام ة .حيث يك ثر ذل ك يف
العواصم واملدن عنها يف الريف.كما رأى بوتفنوشنت أن الوسط العائلي له عالقة مشكلة عن
طريق وساطة ،كعالقة الفرد مع عائلة زوجته وهي عالقة احرتام ،ولكنها جافة قد تصل إىل
1
القطيعة.
ويع ود س بب التن افر الق رايب لس بب رئيس ي وه و حل ول مجاع ات وفض اءات أخ رى ،حمل
الرابط ة القرابي ة ،حيث تتمث ل ه ذه اجلماع ات ،يف أص دقاء العم ل ،وزمالء الن ادي الرياض ي،
واألنرتنت .مبعىن أن الفضاءات االجتماعية أصبحت متوفرة بكثرة ،مما جعلها سببا جيعل الفرد
يلجأ إليها بدال من أقربائه ،ماعدى الوالدين وما دون ذلك ال يهم ،إال يف املناسبات.
كم ا أن األف راد تغ ريت أفك ارهم وس لوكاهتم ب التغري التكنول وجي احلديث ،فأص بح يطغى
التواصل باألقارب واالستفسار عليهم ،يتم عرب اإلنرتنت واهلاتف بدال من الزيارات املباشرة،
زيادة إىل ذلك ظهرت بني األقارب نوع من القطيعة اليت اختلفت أسباهبا ،حسب أفراد جمتمع
الدراسة ،مما أدى إىل ظهور ما يسمى بالتنافر القرايب ،ويعين ذلك تباعد بني األقارب وزوال
التواص ل بينهم .هلذا مجعن ا جمموع ة من األس باب ال يت اس تنتجناها من خالل إج راء مق ابالت
1
.M, BOUTEFNEUCHET, La famille Algérienne évolution et caractéristiques
récentes, Alger, Edition SEN D, 1979, p54.
265
البحث االستطالعي الذي أظهر لنا ،أسبابا رئيسية ،وأخرى ثانوية ،لذلك حاولنا توضيح أهم
األسباب اليت حتدث عنها معظم مبحوثينا.
أص بحت العائل ة املمت دة الي وم تعيش ن وع من الص راع ال داخلي ،خاص ة يف حال ة وج ود
عائالت نووية بداخلها ،مما خيلق صراعا ونزاعا داخليا بني اإلخوة أو األهل ،يؤدي يف غالب
األحي ان إىل انفص ال األس ر النووي ة عن العائل ة الكب رية .حيث ختتل ف أس باب الص راعات
والنزاعات الداخلية من عائلة ألخرى.
وهلذا نعترب الصراع بني األقارب من أصعب املوضوعات املتصلة بالروابط القرابية العائلية ،مما
جعلنا نوجه ألفراد العينة عددا من األسئلة الىت تدور حول طبيعة الصراع ،وشدته واملدة اليت
يس تغرقها .فمن خالل املق ابالت ال يت أجريناه ا ،ك ل أس رة نووي ة ،حتكي عن أس باب انفص اهلا
عن العائل ة وهي متنوع ة ،تن درج ض من الص راعات الشخص ية بني اإلخ وة أو بني زوج اهتم .و
هناك صراعات حول املرياث واملال ،ومنها ما يؤدي إىل احملاكم ،فقبل االستدالل باملقابالت،
نتعرف على الصراع والنزاعات بني األفراد.
يُع رف عب AAد الحميAAد لطفي ،الص راع الشخص ي على أن ه"كراهي ة ش خص آلخ ر ،حيث
يك ون هلذه الكراهي ة ،س بب واض ح وق د ال يك ون هن اك س بب ،ألن ه هن اك من يك ره شخص ا
آخ ر ،مبج رد النظ ر إلي ه أو من النظ رة األوىل ،ال يرت اح ل ه ،فتنقلب ه ذه الكراهي ة إىل ص راع
يظه ر ت درجييا على ش كل إدع اءات أو تب ادل الش تائم والتهدي د،كم ا ينتهي يف الكث ري من
األحيان ،باإلشتباك اجلسمي .والشائع أن يكون هلذا النوع من الصراع ،سبب واضح"1".وقد
یك ون ه ذا الص راع بص فة مباش رة ،ووجه ا لوج ه ،وقد ینم و يف اخلف اء ویتخ ذ مظ اهر غ ري
مشروعة ،كالقتل وحبك الدسائس"2.كما حدث بني إخوة سيدنا يوسف عليه السالمA.
266
كم ا يظه ر الص راع بس بب بعض الس لوكيات ،مث ل الغ رية ،االهتام بالس رقة ،اخلوف من
السحر واألعمال الشريرة .حسب ما صرح به مبحوثونا .عجوز يف أسرة ممتدة ،تتحدث عن
ت ولدي ،كي خترج ،تقفل شومربهتا باملفتاح ،ومتخليناش
"م ْر ْ
زوجة إبنها المقابلAAة رقم َ 02
ندخلوا ،لبيتها شاكة فينا ،خنونوهلا حواجيها ،وال نديروهلا كاش حاجة ".كما حيدث الصراع
بص ورة واض حة بني من هم من نفس الن وع ،خاصة اإلن اث ،وبني املتق اربني يف السن .فكلم ا
زاد حجم األسرة،كلما زادت التفاعالت والتوترات بني أفرادها .فالبنات العازبات يف العائلة،
ي دخلن يف غ الب األحي ان يف ص راع م ع زوج ات اإلخ وة .و يع ود ذل ك غالب ا للغ رية أو ع دم
التفاهم يف أمور التنظيف والطهي وغريها من أشغال املنزل .هذا ما يؤدي إىل ظهور صراع،
بني اإلخوة ،ليقرروا يف الغالب االنفصال بأسرهم النووية ،عن األسرة املمتدة.
تق ول المبحوث AAة رقم " 17عج وزيت تكره ين ،ومتخلي ين ن دير وال و ،يف ال دار ،وكي جيي
راجلي تقوله مرتك متبغيش تعاوين ،حيسب بصح ويدابزين ،حىت وحد النهار ،قتله دير روحك
خ رجت وع اود ويل ،ومسع ش راها تق ويل ،دار كيم ا قُتل ه ،ومسع بودن ه ،على ه ذي ،خرجن ا
وسكنا وحدنا ".وتقول المبحوثة Aرقم " 13عندي زوج محاتايت ،كل يوم معاهم يف املشاكل
على ْش غُ ْل الدار يضلوا يتفرجوا ،يف التيلي وتاكلني علي ،وأنا بالكرش ".كما توجد أسباب
أخ رى لل نزاع ،بني اإلخ وة ،بس بب األبن اء الص غار ،عن دما يتش اجرون فيم ا بينهم ،مما جيع ل
األمهات ،أو اإلخوة يدخلون يف صراع.
و األكثر من ذل ك ،الصراع من أج ل املرياث ،الذي يُعت رب من أك رب النزاع ات بني األق ارب،
وه و الوحي د ،ال ذي ي ؤدي إىل احملاكم .فبع د وف ات الوال دين ،غالب ا م ا يتن ازع اإلخ وة ،ح ول
املرياث الذي يُعترب حقا شرعيا ،لكل وارث شرعي ،ويعود األمر فيه ،إىل عدم إتفاق اإلخوة،
ح ول طريق ة تقس يم الرتك ة ،أو رفض البعض القس مة .ل ذلك حتدث لن ا الكث ري من املبح وثني،
حول صراع الرتكة بني اإلخوة ،وعلى أهنا تؤدي إىل قطيعة الرحم.
تق ول المبحوثA Aة Aرقم " 14دخلت يف مش كل م ع خ ويت ،على خ اطر ال ورث ،مابغ اوش
يعط وين حقي كي م ات بوي ا ،خلاطرش أن ا أختهم من األب ،ومها م ايبغونيش ،ح ىت درت
267
حمامي ،ب اش جبت حقي ".كم ا يص رح المبح AAوث رقم " 20بوي ا َو َك ْل خوي ا الكب ري ،على
وزين تاعه تع الصباط ،وكي مات ،قالنا بويا كتب املصنع علي ،ومتورثوا والوا ،أنا يل تعبت
في ه ،وبص ح ورالن ا ش هادات ،توض ح بلي املص نع على إمسه ،ومعرفن اش كيف اش ،ووينت ا ص ار
هذا ،ومن متا ،راهي يف 06سنوات ،منعرفو خونا ما يعرفنا".
وهلذا وجدنا أن املرياث يعترب سببا يف تفكك الرابطة القرابية ،يف حالة عدم التوافق والتفاهم
بني اإلخ وة،كم ا أن الوال دان يعت ربان س ببا قوي ا يف ثب ات اإلخ وة ،وتواص لهم الق رايب والعكس
ص حيح .كم ا يعت رب اخلص ام بك ل أنواع ه بني األق ارب ،س واء القري بني أو البعي دين ،غالب ا من
األسباب الرئيسية اليت تؤدي إىل تفكك الرابطة االجتماعية القرابية .حيث يتوقف الكثري من
املتخاصمني عن التواصل بينهم ،مما يؤدي إىل قطع الصلة.
.2الهجرة والبعد الجغرافي لألسرة النووية Aعن العائلة الممتدة واألقارب
لق د أك دت العدي د من الدراس ات ال يت ُأج ريت على املدن ع رب خمتل ف أحناء الع امل ،أن
املسافة والبعد املكاين ،بني األقارب وأعضاء األسرة املمتدة تُعد من أهم األسباب اليت أدت إىل
الض عف من خالل مع دالت ال تزاور، ِ
يس ه ذا ُ ض عف الرواب ط القرابي ة داخ ل املدن .حيث ق َ
وتب ادل املس اعدات ،وغريه ا من مظ اهر العالق ات القرابي ة املتين ة.وه ذا م ا أرجع ه ،وي AAرث و
وويلي AAام أج AAبرن إىل أن س كان املدين ة ،غالب ا م ا يكون ون أق ل اعتم ادا على أق ارهبم ،لتط وير
العالق ات الشخص ية الوثيق ة يف خمتل ف وج وه حي اهتم ،م ا ع دا يف بعض احلاالت احلرج ة أو
1
االستثنائية.
ويعترب التصنيع والبحث عن العمل من أسباب السكن بعيدا عن العائلة املمتدة واألقارب.
ألن انتق ال الف رد من الري ف إىل املدين ة ،للبحث عن عم ل يف املص انع أو املؤسس ات احلض رية
جيعله يبحث عن س كن لتستقر عائلت ه النووية بالقرب منه ومن عمل ه .وه ذا فعال ما أصبحنا
نراه يف املدن الصناعية الكربى اليت انتقل إليها الكثري من العاملني يف املصانع واملؤسسات ،من
268
الض واحي واملدن األخ رى اجملاورة والغ ري ص ناعية .يع ين ه ذا أن التص نيع والعم ل فرض ا على
الكثري من األفراد املهاجرين االستقرار بأسرهم النووية يف املدينة.
فاألفراد أصبحوا ق ادرين على االنتقال والسعي املستمر للحصول على فرص عمل مناسبة
مقابل التخلي عن الفالحة ،اليت كانت املصدر األول ملعيشتهم ،وبذلك تطلَب األمر اإلقامة يف
املناطق احلضرية القريبة من أماكن العمل .وبالتايل اإلستقرار ،يف حياة تستند إىل أمناط خمتلفة
من الس لوكات ،والتص رفات ،ونوعي ة جدي دة من الرواب ط والعالق ات االجتماعية ال يت تعكس
طبيعة الثقافة احلضرية.
إال أن ه ذا ال يع ين أن التغ ريات املس تجدة ال يت عرفه ا اجملتم ع ،وال يت أدت إىل االنفص ال
املكاين بني الوحدات القرابية ،واجتاهها للقيام ببعض العالقات االجتماعية اليت تعكس وض عيتها
اجلديدة كعالقات الصداقة والزمالة ،واجلري،مل متنع هذه األخري من أن تبقى على عالقة وطيدة
ب أفراد عائلته ا الكب رية ،وخمتل ف أقارهبا .لكن بطريق ة متوس طة ،ألن البع د املك اين قل ل من
الزيارات على عكس القرب املكاين وهذا ما أكده املبحوثون.
ضعف الروابط
كما أن الهجرة سواء داخل الوطن أو خارجه تُعد من العوامل اليت أدت إىل ُ
القرابي ة .على اعتباره ا تل ك التحرك ات اجلغرافي ة ،حيث يُس تعمل لف ظ اهلج رة ،يف العل وم
االجتماعي ة للدالل ة على حترك األف راد واجلماع ات من منطق ة إىل أخ رى .كم ا حتدث اهلج رة
غالب ا اس تجابة ملا يتوقع ه امله اجر من حتقي ق غاي ة ،أو الوص ول إىل أمني ة .وميكن أن منيز بني
ن وعني من اهلج رة :هجAA Aرة داخلية :وهي التحرك ات الس كانية ال يت حتدث داخ ل البل د أو
1
اإلقليم .والAهجرة الخارجية A:وهي التحركات السكانية عرب احلدود اإلقليمية.
وتعترب اهلجرة الريفية حنو املراكز احلضرية من أبرز مظاهر اهلجرة الداخلية وأكثرها انتشارا
يف البل دان النامي ة ،ألن ه بظه ور التص نيع ،أص بحت املدن حمل اس تقطاب امله اجرين من خمتل ف
األرياف ،وهذا راجع لتمركز معظم النشاطات الصناعية ،اخلدمات اإلدارية والثقافية والصحية
الضرورية يف املدن .األمر الذي أدى بسكان الريف لالنتقال إىل املدينة ،فعملية اهلجرة الريفية
حنو املدن تعود إىل عدة عوامل ودوافع ،تؤدي حتما إىل اختاذ قرار اهلجرة.
.1رشيد فكار ،معجم موسوعي عالمي ،دار النشر العاملية فيشر ،باريس ،1980ص .264
269
كما دلت بعض أحباث علماء االجتماع على أن أكثر اجلماعات الريفية ميال إىل الهجرة،
هم سكان املناطق القريبة من احلضر ،حيث حتتل اهلجرة الريفية احلضرية مكانة بارزة .وهذا ملا
خُت لِف ه من أث ار ،خاص ة م ا يتعل ق بالبع د ال دميوغرايف للم دن .ومن مث ،ف إن االهتم ام هبا أم ر
ض روري ،نظ را ملا متارس ه من ت أثري على النم ط احلض ري للمدين ة.ومنهم ع امل االجتم اع
األمريكي "اليفلي" فقد استند إىل متغري الزمان واملكان ،فهو يرى أن احلركات البشرية تُصنف
إىل ثالثة أنواع:
- 1التحرك من حمل إقامة ثابت.
- 2االرحتال أو التنقل الدائم.
3-نقل حمل اإلقامة أو تغيريه بصفة دائمة .واعتبارا لذلك ،يصبح مفهوم اهلجرة مفهوما واسعا
1
ومتعلقا ،بتغيري مكان اإلقامة وباملدة الزمنية اليت تستغرقها اهلجرة.
كم ا أوض ح دونالA Aد Aبوجي AAه عن اهلج رة الداخلي ة بك ل أنواعه ا على أهنا ،لتحقي ق الت وازن
الس كاين وإح داث تغ ريات اقتص ادية ،واجتماعي ة جذري ة ،مبثاب ة عملي ة نق ل 2.وعرفها قبAAاري
محمد إسماعيل "تتمثل يف اخلروج القروي اليومي ولذلك فإن اهلجرة هي زيادة سكانية غري
طبيعية تسبب منوا حضريا ،يؤدي إىل زيادة طبيعية وبشرية ،وإقليمية وإيكولوجية ،مما يضيف
إىل املدين ة زي ادة مس تمرة يف اخلدمات واملراف ق .ومن أهم األمثل ة الداخلي ة هج رة س كان
3
القرى.
كم ا ي رى إحسAA Aان محمAA Aد الحسن" أن اهلج رة من الري ف إىل املدن حتدث ع ادة بس بب
كوارث طبيعية أو حروب أو هتجري ،من قوة غازية أو طلب للعمل والتمتع مبستوى معاشي
أفضل ،كما تشكل الدراسات السوسيولوجية للهجرة جزء من الدراسات ،وأحباث ملشكالت
حضرية متنوعة مثل ،البحوث يف جمال القرابة ،واجلماعات احمللية الريفية ،وكذلك اجلماعات
.1حسني خريف ،المدخل إلى االتصال والتكيف االجتماعي ،خمرب علم اجتماع االتصال للبحث والرتمجة ،جامعة قسنطينة،
،2005ص.112
.2حسني عبد احلميد رشوان ،مشكالت المدينة ،املكتب العلمي للكمبيوتر والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية ،مصر،1997 ،ص 65
.3قبادري حممد إمساعيل ،علم االجتماع الحضري ومشكالت التهجير والتغيير والتنمية ،منشآت املعارف للنشر ،اإلسكندرية،
1986ص 379
270
العرقي ة ،حيث أك دت بعض البح وث ح ول اهلج رة الريفي ة يف البل دان النامي ة ،أمهي ة األس رة
واألصدقاء يف منطقة املقصد كمتغري مفسر ملعدالت اهلجرة ،من املناطق الريفية حنو املدن.1
فقد عرفت املناطق الريفية هجرة واسعة إىل املدن ،بسبب البطالة اليت عرفها الريف اجلزائري
خاص ة ،بع د األزم ة االقتص ادية العاملي ة لس نة ،1929فق د أدى تقلص األراض ي الزراعي ة
املخصص ة لزراع ة الك روم والقمح ،وك ذا هب وط اإلنت اج ال زراعي ،إث ر عملي ات التص دير إىل
تفش ي البطال ة يف الري ف ،حيث بل غ ع دد البط الني أربعني أل ف عاط ل ،فك انت املدن مبثاب ة
جدب هلؤالء األفراد الذين كانوا يودون العمل ،هذا إىل جانب عمليات التهجري اجلماعي اليت
ق ام هبا االس تعمار الفرنسي بع د اإلس تالء على األراض ي الزراعي ة ،وط رد الس كان اجلزائ ريني
خاصة بعد تصاعد الثورة.2
كما ساعدت اهلجرة أيضا على استقالل األفراد إقتصاديا عن األسرة املمتدة.وأصبح كل
مهاجر يعمل يف أماكن بعيدة عن عائلته الكبرية ،مما جيعله يستقر بالقرب من عمله مع أسرته
النووية .وبالتايل تنقص زيارته لألقارب ،بسبب بُعد املسافة بينه وبينهم .فكثريا ما وجدنا من
خالل دراس تنا ه ذه ،أن هن اك أس ر ليس ت من مدين ة الس انيا ،وإمنا دخلت املدين ة ،ألس باب
عديدة .منها اهلجرة ،بسبب البحث عن فرص عمل ،والدخول يف اجملال الصناعي ،على اعتبار
أن مدينة السانيا مدينة صناعية ،حتتوي على منطقة صناعية كبرية ،بوالية وهران ،فهاجر إليها
الكثري من العمال ،مما جعلهم ،يكونون أسرهم ،بالقرب من مكان العمل .فكان هذا ما أدى
إىل التقليل من زيارة األقارب يف املدن اجملاورة .وأصبح يقتصر على زيارة الوالدان فقط .هذا
م ا قال ه المبح AAوث رقم " 32ملي جيت ل وهران ،ولقيت خ دما هن ا يف ل وزين ،ت ع الس ينيا،
جاتين صعيبة باش نروح وجني لغليزان ،كريت هنا دار وكوزينة ،وجبت املرا ،راين يف عشر
سنوات هنا ،نروح نزور شوابني مني نقعد هذا ماكان ".كما مت استقرار أسر نووية ،هاجرت
من مدن أخرى صغرية جماورة إىل مدينة وهران .وذلك بسبب ما عاشته اجلزائر ،أثناء العشرية
الس وداء ،من إرهاب ،جعل هذه األسرة ،تبحث عن أم اكن آمنة ،فأدى هبا األمر ،إىل البُعد
.إحسان حممد احلسن ،موسوعة علم االجتماع ،الطبعة األوىل،الدار العربية للموسوعات ،بريوت ، 1999 ،ص .654 1
. 2أجريون شارل روبريت ،تاريخ الجزائر المعاصر ،تر:عيس عصفور ،منشورات عويدات،لبنان،بريوت،1990،ط،3ص.32
271
عن العائلة املمتدة ،فجعلها تنقص من التواصل القرايب ،مع األهل .كما وجدنا اثناء دراستنا
أيضا ،أن األسر أصبحت نووية بعُدت عن العائلة املمتدة ،لعدة سنوات منذ أن تويف الوالدان،
قلت الصلة لتكاد تنعدم.
كم ا وج دنا يف احلي املدروس ،أن ه حيت وي يف أص ل تكوين ه ،على أس ر أرباهبا ،من اجليش
الوط ين ج اءوا من والي ات بعي دة ،للعم ل بوالي ة وه ران ،فاس تقروا هبا ،م ع أس رهم ،إىل ح د
اآلن .وبع د إنته اء عملهم ب اجليش ،تع ودوا على املنطق ة واملدين ة ،ف أدى هبم األم ر إىل جعلهم
يستقرون بال ُقرب من عملهم ،وهذا ما أدى هبم إىل البعد املكاين عن أقارهبم .حبيث أصبحوا
يزوروهنم إال نادرا ألن هذه األسر املستقرة مبدينة السانية اليت نتحدث عليها ،أصبحت عائالت
ممت دة ،فاألبن اء تزوج وا وكون وا أس را ،وأجنب وا إىل أن ت زوج أبن اءهم .يع ين ه ذا ،أن األبن اء
واألحف اد ،بالنس بة هلم ،هم أق ارهبم املوج ودون هن ا بالوالي ة ،فال يض طرون لزي ارة أج دادهم
وأعمامهم من الدرجة الثالثة .إال نادرا .هلذا نالحظ هنا ،أن التنشئة االجتماعية ،هي األخرى
تلعب دورا كبريا يف التزوار ،والتعود على الصلة بني األقارب ،فاألهل إذن،مل يُ َع ِودوا أبناءهم
على زيارة األقارب وصلة الرحم يف الغالب ،فإن ذلك جيعلهم ينشؤون بعيدين عن األقارهبم.
.3إنتشار ظاهرة السحر والشعوذة Aفي المجتمع Aالحضري
من خالل البحث امليداين الذي قمنا به ،وجدنا أن الكثري من األسر تقطع الص لة بني أقارهبا
بسبب عامل الشك ،واملتمثل غالبا يف ظاهرة اجتماعية أنثروبولوجية قدمية ،بقدم االنسان وهي
ظ اهرة الس حر والش عوذة ،هلذا أدرجن ا ه ذا العنص ر ،نظ را للح ديث عن ه بك ثرة من ط رف
مبحوثين ا .حيث إش تكت من ه ذه الظ اهرة العدي د من املبحوث ات ك العجوزة ،وزوج ة االبن،
وحىت بني األخت وأختها ،بسبب عامل احلقد ،واحلسد والكراهية اليت ُوجدت عند الكثري من
األسر املدروسة .وهلذا وجب علينا تعريف هذه الظاهرة ،وإدراج رأي الباحثني فيها.
يُع رف السAAحر لغة :Aعلى أن ه ك ل أم ر خيفى س ببه ،ويُتخي ل على غ ري حقيقت ه ،وجيري جمرى
التموي ه و اخلداع ،وك ل م ا لط ف مأخ ذه ودق .ويُطل ق إس م الس احر ،على ال ذي يق وم هبذه
األعم ال .ويُقال يف اللغة ،سحره بالشيء سحرا ،أي خدع ه ،وسحر الش يء عن وجهه ،أي
272
ص رفه ،وس حره بك ذا أي اس تماله ،وس لب لُب ه ،ويُق ال س حره بكالم ه ،وس حر الش يء ،أي
1
أفسده.
تعري AAف الس AAحر في االس AAالم :كم ا يُع رف الس حر يف الق رآن الك رمي كث ريا ،مبع ىن اخلداع
والتخيل ومن ذلك ،قول اهلل تعالى﴿ A:و لو أنزلنا عليAAك في قرطAAاس فلمسAAوه بأيAAديهم لقAAال
الذين كفروا إن هAذا إال سAحر مAبين﴾.2أي ختيُل ال حقيقة ،وخداع للبصر واحلواس .وأصل
السحر هو صرف الشيء عن وجهه ،أي صرفه عن حقيقته إىل غريها ،وكأن الساحر ،ملا أرى
الناس الباطل يف صورة احلق ،وخيل الشيء على غري حقيقته .إال أن العلماء املسلمون خيتلفون
يف مع ىن الس حر فق ال بعض هم خ داع وخماريق ،ومع ان يفعله ا الس احر ،ح ىت خيي ل للمس حور
الش يء ،أن ه خبالف م اهو ب ه نظ ري ،ال ذي ي رى الس راب من بعي د ،فيُخي ل إلي ه أن ه م اء .ق الوا
فكذلك املسحور ،وتلك صفته ،حيسب بعد الذي وصل إليه ،من سحر الساحر ،أن الذي يراه
أو يفعله ،خبالف الذي هو به على حقيقته.
وه ذا م ا ح دث للرس AAول (ص) عن دما ُس حر ،فعن عائش AAة رض AAي اهلل عنها ق الت":س حر
رسول اهلل يهودي من يهود بين زريق ،يُقال له لبيد بن األعصم ،حىت كان رسول اهلل (ص)
خيي ل إلي ه أن ه يفع ل الش يء ،وم ا يفعل ه.وكش ف اهلل تع اىل الس حر للرسAAول (ص) ،ودل ه على
مك ان الس حر يف بئر .فنزلت سAAورة الفلق".وي رى البعض اآلخ ر من العلم اء ،على أن السحر
ت أثري خفي يف جس م بش ري ،يوج د انفع اال على غ ري إرادة املس حور وه ذا يف الس حر الغ ري
3
منظور.
1
.املعجم الوسيط لللغة العربية ،ج،1مرجع سبق ذكره،ص.421
2
.القرآن الكرمي ،سورة األنعام ،اآلية.116
.سامية حسن السعايت ،السحر والمجتمع ،دراسة نظرية ميدانية ،لبنان،بريوت ،دار النهضة العربية،ط،2،1983ص.52-51
3
4
.سامية حسن السعايت ،نفس املرجع السابق،ص.56-55-54
273
على ممارسيه واملنشغلني به ،قوة إجتماعية كبرية ،ففي كل اجملتمعات تقريبا ،جند أن الساحر
ه و الش خص الوحي د ،ال ذي ميكن أن يق ارن ب الرئيس ،من ناحي ة النف وذ ،والتق دير
والسلطة.هكذا يلعب السحر هنا ،دور قوة هامة ،من قوى الضبط االجتماعي.
أما من الناحية األنثروبولوجية فيشري إىل مركب املعتقدات واألفعال اليت حياول األشخاص
واجلماعات بواسطتها السيطرة على بيئتهم ،بطريقة حتقق أهدافهم ،ولُب الفعل السحري ،هو
أن ه يس تند إىل معتق د ،مل ختت رب ص حته ،وأن ه موج د ،حتت الس يطرة ،واملظه ر األول ،مييزه عن
العلم .أما الثاين فيميزه عن الدين.
ويطل ق فري AAزر Frazerعن الس حر على أن ه علم االنس ان الب دائي ،ألن كال من الس حر
والعلم يف رأيه نوع من التكنلوجيا ،فالسحر لديه نوع من العلم الزائف ،والفن الزائف ،وهو
مبثاب ة حماوالت ،من ج انب االنس ان الب دائي ،للس يطرة على الطبيع ة ،واإلف ادة منه ا.كم ا ي رى
هويت Hubertو موس ،Maussكي يكون السحر مؤثرا ،جيب أن مُي ارس بطريقة سرية،
خاصة وبفاعل يكون ،يف حالة طقوسية خاصة .وهنا يربط الباحثني األنثربولوجيني بني قوة
السحر وقوة أشخاص آخرين ،ذوي القوة الطقوسية ،من ال َق َسا ِوسة وامللوك.
S.Freud والسحر في علم النفس Aهو امتداد ملفهومه األنثروبولوجي ،فقد استطاع فرويد
أن يطب ق اس تنتاجاته الس يكولوجية ،ب إبراز جمال علم األنثروبولوجي ا ،وخاص ة عن د تعرض ه
للط وطم والت ابو ،يف كتاب ه املعن ون هبذان املفهوم ان ع ام .1912ففي ه ذا الكت اب م يز بني
بعض النُظم االجتماعية والقبلية ،خاصة ما كان ُمتعلقا باحملرمات والطوطمية والسحر .حيث
اعت رب فرويAAد الس حر م رض نفس ي ،يص يب بعض األش خاص أو بعض اجملتمع ات ،وه و مبثاب ة
ردة ،إىل التفكري البدائي؛ وهو يُرجه إىل مرحلة طفولة ،وبذلك يكون عرضا نكوصيا.
وتُعرف الشعوذة أو الشAعبذة :Aعلى أهنا تأثري يف القوى املتخيلة ،يعمد صاحب هذا التأثري
إىل الق وى املتخيل ة ،فيتص رف فيه ا بن وع من التص رف ،ويُلقي فيه ا ،أنواع ا من اخلي االت
واحملاك اة وص ورا مما يقص ده من ذل ك ،مث ينزل ه إىل احلس من ال رائني ،بق وة نفس ه املؤثرة في ه،
فينظ ر الن اظرون ،كأهنا يف اخلارج ،وليس هن اك ش يء من ذل ك .كم ا تب دو الش عوذة أحيان ا،
274
قريبة من السح ،وهذا ما يظهر جليا يف تعريف البAAاقالني :السحر إمنا ختيل ومتويه ،على حنو
1
سحر ،سحرة فرعون ،أما ما يعمله املشعوذون فهو نوع من احليلة واخلفة.
كم ا ي رى ابن خلAAدون يف الس حر ق ائال...:وذل ك أن النف وس البش رية وإن ك انت واح دة
بالنوع فهي خمتلفة باخلواص...فنفوس األنبياء عليهم السالم Aهلا خاصية تستعد هبا ،لالنسالخ
من الروحاني ة البش رية إىل الروحاني ة امللكي ة....وه ذا ه و ال وحي ،وهي تل ك احلال ة احملص لة،
للمعرف ة الرباني ة ،وخماطب ة المالئك AAة ،عليهم الس AAالم...أم ا الس حر ،ه و الت أثري يف األك وان
واستجالب روحانية الكواكب ،للتصرف فيها ،والتأثري بقوة نفسانية أو شيطانية2.كما يوضح
ابن خلAAدون أنه يشرتط يف السحر ،من الوجه إىل غري اهلل ،من كوكب أو غريه وبالتوجه إىل
األفالك والك واكب والع وامل العُلوي ة والش ياطني ب أنواع التعظيم ،والعب ادة واخلض وع والت ذلل،
فهي لذلك وجهة لغري اهلل وسجود له والوجهة إىل غري اهلل كفر.
يب دوا من خالل التعريف ات ال يت ق دمناها ح ول ظ اهرة الس حر .أن ه ظ اهرة
سوس يوأنثروبولوجية عرفته ا اجملتمع ات من ذ الق دم وهي عملي ة يق وم هبا اإلنس ان ،باالس تعانة
ب أرواح أخ رى ش ريرة ،ك اجلن والش ياطني وغريه ا ،حس ب م ا وض ح ذل ك ابن خل AAدون يف
الفصل الثامن والعشرون من مقدمته علAوم السAحر والطلسAمات ،كما أن السحر عمل خييل
فيه عكس احلقيقة ،وهو ضرر بشري غايته األذية والتفرقة.
وهلذا ك انت غالبي ة املق ابالت ال يت أجريناه ا ت رى أن من أس باب قط ع الص لة بينهم وبني
أقارهبم والتفرقة بني األبناء واألزواج ،غالبيتها حقد وحسد خفي ،تبلور بعمل السحر ،للكثري
من األشخاص ،حيث بدا هلم مفعوله واضحا ،ومؤثرا يف العالقات القرابية ،فتقول المبحوثAةA
رقم ":3أن ا م انروحش عن د أخ يت ،خلاطرش دارت الس حور لبن ايت الثالث ة ،وعطلتهم على
الزواج وعرفت بلي هي .كي بنيت مرضت وعواجت وولت هتدر وحدها ،ديناها عند طبيب،
عطاه ا دواء وماداهلا وال و ،ديناه ا عن د مُرقي ،ق را عليه ا الق رآن ،ب دأت هتدر الس حر ،وين
1
.سامية حسن السعايت ،نفس املرجع السابق،ص.70
2
.سامية حسن السعايت ،نفس املرجع السابق،ص.70
275
وش كون دارهلا َجْب َدت إس م خالته ا ،وفعال لقين ا الس حور ،يف ال دار ،كيم ا ق الت".و تق ول
المبحوثAAة رقم "09مرت ولدي دارتنا سحور ،باش ما جيوش عندنا لفامي ،لقينا كتوبا ،يف
ال دار ،دين اهم عن د الط الب ،قالن ا اس م كن يت هي ل دارتلك الس حور ،ب اش م ا جيوش عن دكم
الضياف ،خلاطرش قاع الفاميليا عيبو عليها .منتما دات ولدي وراحت مرانا نشوفوه ما والو".
يعت رب الفض اء االجتم اعي احلض ري من األم اكن واجملاالت العمومي ة العام ة ال يت يقص دها
ويلجأ إليها األفراد ،وهو خيتلف من فضاء آلخر.وحيمل هذا املصطلح معان كثرية ومرادفات
متع ددة فق د يُقص د ب ه املك ان ،اجملال ،واحليز ،وغريه ا .كم ا يع ود ظه ور مفه وم الفض اء
كمصطلح ظهر يف علم االجتماع السياسي ،حيث تشري معظم وجهات النظر إىل
االجتماعي ُ
أن ظهور مفهوما للفضاء االجتماعي l’espace publicأو الفضاء العام يف بداية الستينات من
الق رن املاض ي إىل Jürgen HabermasيAA A Aورجن هابرمAA A Aاس 1األملاين .وه ذا يف كتاب ه
الشهري"الفضاء العمومي أركيولوجيا الدعاية ،باعتبارها مكون بنيوي للمجتمـع الربجوازي" قام
هابرمAAاس يف هذا الكتاب بصياغة مفهوما الفضاء العمومي أو االجتماعي ،حيث مل يستعمل
مفهوم الفضاء العمومي ،إال بعد تطرقه إىل ميالد الفضاء العمومي البورجوازي ،باجنلرتا خالل
القرن 18 Aالذي شهد أيضـا مـيالد الصحافة اليت شكلت أداة للسلطة السياسية من أجل إيداع
املراس يم ،وأخب ار األمن واحملاكم وأس عار املنتج ات ،وظه رت أيض ا فض اءات عام ة (مق اهي،
صالونات ،نوادي .)...
كان البورجوازين يتبادلون فيها الرأي ويتناقشون يف قضـايا الفـن ،واملسرح واألدب .ويرتكز
الفض اء العم ومي ،على النق اش ،فالفع ل التواص لي ،ض من م ا يص طلح علي ه هبرمAAاس ،بالع امل
املعيش وينب ين التف اهم ،يف النظري ة التواص لية عن ده على احلج اج العقلي ،ال ذي ال ميكن أن
. 1هواري محزة" ،مواقع التواصل االجتماعي وإشكالية الفضاء العمومي" ،مجلة العلوم االنسانية واالجتماعية ،العدد 20سبتمرب
،2015اجلزائر ،ص.227
276
يس تقيم ،على غيـر س لطة العق ل ،وال ذي جيب أن يك ون مبن آى عن أي ة ت أثريات أيديولوجي ة،
حيث ميكنه أن يرتكز على التـراث الكـوين حلقوق اإلنسان ،كقاعدة نظرية مشرتكة.
فانطالقا من هذه العوامل يرى هابرمAAاس أن الفضاء العمومي هو عب ارة عن دائرة وسطية
تك ونت تارخيي ا يف عص ر األن وار بني اجملتم ع املدين والدول ة ،وه و جمال مت اح جلمي ع املواطنني،
حيث جيتمع اجلمهور للتعبري عن رأي عام "ويشري برنار مياج أن تنظيم الفضاء العمومي ،يتم
من خالال أربع ة مناذج للتواص ل ،تع اقب تكوهنا ت درجييا بواس طة ص حافة ال رأي ،وبعـدها
الص حافة التجاري ة اجلماهريي ة ،مث االعالم الس معي البص ري اجلم اهريي وأخ ريا التلف زة
اجلماهريية.1
ويرى فولتـون أن الفضاء العمومي يرمز اىل واقع الدميقراطية يف نشاطها وممارستها ،وأنه ال
ميكن تقرير وجوده ،فمن خالل هذه املعطيات التارخيية ،صاغ هابرماس تعريفه للمجال ،وهو
أول من حتدث عنه.2فال ميكنن ا احلديث عن الفض اء العم ومي أو االجتم اعي ،إال والتط رق
لهاربرم AAاس نظ را العتب اره أول من إلتفت هلذا املفه وم السوس يولوجية .حيث يُعرف ه على أن ه
جمال للممارسات الفكرية املبنية على االستعمال العام للعقل ،واملنطق من طرف أفراد خواص،
حيث ق دراهتم النقدي ة غ ري مرتبط ة بانتمائ ه ،إىل جه از رمسي م ا ،أو إىل بالط املل ك ،ولكن
3
يرتبط بنوعية قراءاهتم ومشاهديهم الذين مجعتهمُ ،متعة احلوار التعايشي.
الوج ود لنظري ة الفض اء دون أن تك ون ه ذه األخ رية
وق د نفى كاسAAتل " M.Castellsأن ه ُ
مرتبط ة بنظري ة إجتماعي ة ش املة ،مبع ىن ال ميكن النظ ر إىل الفض اء االجتم اعي على أن ه إنت اج
مادي مبعزل عن العناصر االجتماعية واملعنوية ،اليت تدخل يف تكوينه ،ألن الفضاء اليوجد إال
3
.H. JANNIÈRE, V, DEVILLARD, « Espace public, communauté et voisinage », In :
les espaces publics modernes, Collectif sous la direction de Picon Lefebvre,
Moniteur, 1997, Paris p 16
277
مبا حيوي ه فه و بن اء منظم ملا يتض منه من أح داث وأش خاص ،وأفع ال ،واتص االت ،وتع ارف،
1
وأشياء"....
ويقرتح كوندوميناس2 Condominas Aكتعريف للفضاء االجتمـاعي"على أنه اجملال احملدد
مبجموع ة من النظم واألنس اق System ،من العالق ات املتناس بة ،مـع اجملموعـة املعين ة".كم ا
يق رتح الب احث مخس ة أن واع من العالق ات وال يت من خالل تركيبته ا اخلاص ة ،تؤل ف اجملم وع
الكلي للممارس ة االجتماعي ة ،وهـي عالق ات اجملال وال زمن ،البيئ ة ،التب ادل ،امللكي ة ،االتص ال
والقرابة واجلوارية .وهـذا املفهـوم للمجال االجتماعي يتطابق مع حبثنا ،يف أنه يوفر له وبطريقة
براغماتية إطـار مناسبا للتعبري عن ظاهرة مركبة ،تتمثل يف رباط القرابة والفضاء االجتماعي يف
املدينة .كما يسمح له أيضا بإجراء أنواع من املقارنات بني املدن الصغرية اليت ال حتتوي على
فضاءات كثرية ،ومدينة وهران ،كمدينة كبرية متلك فضاءات متنوعة.
إذن م ا يهمن ا يف حبثن ا ه ذا ه و الفض اء االجتم اعي يف املدين ة ،ال يت متت از بت وفر الكث ري من
املؤسس ات االجتماعي ة والعلمي ة والتعليمي ة ،كاملستشـفيات واجلامعـات واملعاهـد ،واملص ارف
التجارية .كما تنتشر فيها ،املرافق العامة واملسارح ،والفنادق ،والنوادي الرياضية والثقافية .مما
جيعله ا فض اءا لل رتويح ،وقضاء وقت الف راغ ،إض افة أن الفرد احلضري ،يتمت ع بثقاف ة واس عة،
نظ را الهتمامـه بـالتعليم ،وكثـرة املدارس واملعاه د ،واجلامع ات واملراك ز الثقافي ة ،ال يت ت ويل
اهتمام ا خاص ا ب اجلوانب التعليميـة ،والثقافيـة واالجتماعيـة ،والرتبوي ة والرتفيهي ة ،يف البيئ ة
املدني ة.إذن املقص ود من الفض اء االجتم اعي يف حبثن ا ه و :احليز أو املك ان ال ذي يوج د في ه
األف راد ،مبع ىن ه و املك ان ال ذي حتدث في ه التف اعالت االجتماعي ة بني األف راد.هلذا ه و فض اء
إجتماعي ،نظرا ملا حيتويه من أفراد بداخله.
وهذا ما جعل األفراد يف اجملتمع احلضري ،يرتبطون بعالقات أخرى غري العالقات القرابية
حبيث تعوضهم هذه العالقات عن ارتباطاهتم القرابية .ويسمي علماء االجتماع ،هذه الروابط
التعويضية بالروابAAط الطوعية أو جماعAAات المصAAلحة الخاصة.Aكما يعتربوهنا من أكثر أشكال
1
.M,CASTELLS, La question urbaine, Ed François Maspero ,Paris,1981,P.475.
2
.George, CONDOMNIAS, «introduction l’espace Social », in l’espace social a
propos de l’Asie du Sud-est Flammarion, Paris, 1980, pp 11-94.
278
املش اركة االجتماعي ة انتش ارا يف اجملتم ع احلض ري ،واملقص ود بالرابطAA Aة الطوعية :مجاع ة من
األف راد على درج ة عالي ة من التخص ص والتنظيم ،يرتب ط فيه ا األعض اء ،وبأح د املص احل أو
االهتمامات اليت ال ميكن أن تتحقق من خالل الس لوك الفردي ،أو املش اركة االجتماعية ،من
أش كال أخ رى للتفاع ل االجتم اعي .مع ىن ذل ك أن الرابط ة الطوعي ة متي ل إىل أن حتدد نفس ها،
وظيفي ا يف إط ار حمدد ،من املس ائل واملص احل ،أو االهتمام ات .كم ا متي ل إىل أن تُط ِور نفس ها،
1
بنائيا بتنظيم رمسي واضح على أساس من الدور واملكانة...اخل
ويتم يز ه ذا الش كل من اجلماع ات ،ب أن العض وية فيه ا مس ألة إختياري ة حبت ة،كم ا أهنا ختدم
مص لحة الف رد .وأثبتت الدراس ات األمربيقي ة ،أن الرواب ط الطوعي ة ،تس اهم يف ت دعيم تكام ل
اجملتمع احلضري وجتانسه ،وأثبت هAAوارد فريمAAان H.FreemanوليوريAAدر L.Reederأن
األفراد الذين يندرجون حتت أوضاع طبقية دنيا ،يكونون أقل انتماءا إىل هذه املنظمات ،إذا
قورنوا بغريهم ممن يندرجون حتت أوضاع طبقية أعلى.كما أن السكان املهاجرين ،من الريف
إىل املدين ة هم أك ثر ميال لتط وير الرواب ط الطوعي ة ،حيث يس تعملوهنا كوس يلة للتخلص ،من
2
أساليب حياهتم القدمية.
يقضي معظم أفراد العينة وقت فراغهم يف زيارة األقارب واألصدقاء.كما يُعترب البحر من
أكثر األماكن اجتذابا للسكان ،يقصدونه للسباحة أو الصيد .ومع التغري الذي بدأ يف مطلع
الس بعينات ب دأت وس ائل جدي دة للرتفي ه ،يف الظه ور ،ك التلفزيون وتع دد قنوات ه ،والس نما
واملسرح مث األندية اإلجتماعية والسفر إىل اخلارج وغريها .ومن خالل املقابالت اليت أجريناها
يرى أفراد العينة أن الذهاب للرتفيه ،يف الفضاءات اإلجتماعية املختلفة ،يكون غالبا مع العائلة
النووية ،يف العطل األسبوعية أو السنوية ،وهذا يُعترب سورة للتماسك القرايب ،داخل األسرة
النووي ة الواح دة .إال أن املالح ظ هن ا ه و أن األف راد ،كث ريا م ا يُفض لون ال ذهاب للتس وق أو
الغابة أو البحر ....اخل بدال من زيارت األقارب .ويرون أن الفرد ال ميكنه أن يزور أقاربه كل
أسبوع ماعدا الوالدان.
1
.السيد عبد العاطي ،مرجع سبق ذكره،ص.340
2
.السيد عبد العاطي ،مرجع سبق ذكره،ص. 345-343
279
وذلك ألن كثرة الزيارات يف جمتمعنا جتعل أقاربه ينزعجون منه ،ويصبح شخصا ممال ،كما
يقول ون يف املثل الشعيب"البعAد Aيجيب السAAالم AوالقAAرب Aيجيب الكالم" فلقد تداول هذا املثل
الشعيب لدى غالبية مبحوثينا واملقصود به أن الشخص البعيد يبقى دائما حمبوبا ويشتاق إليه
الناس ،بينما الشخص الذي يأيت دائما ويرونه يوميا ،يُصبح ممال وتكثر املشاكل معه .فهذا املثل
الشعيب جاء لتربير تفضيل خروجهم للفضاءات االجتماعية العمومية بدال من زيارة األقارب،
ألن الذهاب إىل الفضاءات العمومية ،ليس أمرا مزعجا ،بل العكس ،يشم الناس هواءا نقيا،
ويرفه ون عن أنفس هم بتغي ري ج و العم ل واملنزل ،دون إزع اج أي أح د .ألن الزي ارات القرابي ة
أصبحت باملوعد واإلتصال قبل الزيارة .يعين هذا أن األفراد يف اجملتمع احلضري لديهم ثقافة
اخلروج وال ذهاب إىل الفض اءات االجتماعي ة املختلف ة باملدين ة ،أفض ل من ال تزاور ،هك ذا دون
مناسبة معينة.
وهذا ما تقوله المقابلة رقم ".24يف رأي الزيارة للفاميليا مشي دائما ،يليق تكون بالقدر،
يع ين يف املناس بات ،خلاطر الن اس متبغيش يل جيي داميا ،ه دي مساطة ،أن ا وح دا من الن اس،
منبغيش على روحي ،كيفاش على الناس" وتصرح المبحوثة رقم " 13أنا نفضل نروح حنوس
لس وق ،وال البح ر خ ري على اجلماع ة عن د لف امي ،بال وال و ،تك ثر غ ري القي ل والق ال ،الواح د
يقعد غزيز ،خري ما يديروجني الناس ،وما يديروجني روحه ".ويرى كذلك صاحب المقابلةA
رقم "17الواحد مدبيه يدير الواجب ،مع الفاميليا وخالص ،خلاطرش كي تزيد احلاجة ،فوق
حدها ،تنقلب إىل ضدها يعين الزيارات دميا ،جتيب املشاكل ،من األحسن كي يدايق الواحد،
يدي والده ،ويروح جيمع يف كاش غابة خري ".والحظنا من خالل املقابالت اليت أجريناها أن
أف راد العائل ة النووي ة يفض لون ال ذهاب للفض اءات اإلجتماعي ة العمومي ة ،كالس وق ،املق اهي،
املطاعم وحىت البحر...اخل بدال من الزيارات املتبادلة واملستمرة.
فمك ان قض اء وقت الف راغ يرتب ط بعالق ة ذات دالل ة حبجم العائل ة ،فكلم ا زاد ع دد أف راد
العائلة كلما زاد ميل األفراد لقضاء وقت الفراغ داخل املنزل ،فقد تؤدي زيادة األفراد إىل أن
يص بح املنزل أك ثر حيوي ة لقض اء وقت ال رتويح في ه أو ال ذهاب عن د األق ارب ،وق د يص بح
280
الرتويح عن النفس مكلفا خارج املنزل ،بسبب العدد الكبري ألفراد العائلة.كما أن ارتفاع السن
جيع ل الف رد ال خيرج بك ثرة .يع ين ه ذا أن العائل ة املمت دة تفض ل زي ارة األق ارب ب دل اخلروج
لفض اءات اجتماعي ة ،أم ا األس ر النووي ة فهي تفض ل اخلروج واالس تمتاع ب دل الزي ارات
املستمرة.
زي ادة على ه ذا ف إن طبيع ة اجملتم ع وحب ه للتغي ري واخلروج ك ذلك من حمي ط املنزل إىل أم اكن
أخ رى جيعالن البعض "يتثاق ل" عن زي ارة األق ارب ألن االج ازة األس بوعية ،أص بحت ألف راد
العائلة ،فال وقت للزيارة بل االكتفاء باالتصال قد يكون وسيلة جمدية حسب املبحوثني.
يب دو واض حا من خالل الدراس ة امليداني ة أن احلي اة احلض رية والتط ور التكنول وجي ،أص بح
عام ل رئيس ي يف التواص ل بني األق ارب ،س واءا عن طري ق األن رتنت ،أو اهلاتف .فاألق ارب
281
يتصلون مع بعضهم البعض عن طريق هذه الوسائل ،بدل الزيارات املباشرة .لكن هذا ال يعين
أن هذه األخرية أي الزيارات ،مل تعد موجودة ،وإمنا أصبحت تقتصر على املناسبات فقط ،أما
باقي األيام فاالتصال يكون باهلاتف أو األنرتنت .كما أصبح استعمال هذه الوسائل أيضا ،من
أجل أخذ موعد قبل الزيارة ،ألن الذهاب املباشر للزيارة مل يعد موجودا ،وإمنا اإلتصال قبل
الزيارة من أجل الراحة النفسية للزائر ،والقريب صاحب املناسبة .كما أن األنرتنت أصبحت
فضاء اجتماعي افرتاضي ترفيهي يُغين ويُلهي يف الكثري من األحيان عن زيارة األقارب.
زي ادة على ذلك وج دنا أن املس اعدات العائلية يف اجملتم ع احمللي ،تقتص ر على األق ارب من
الدرج ة األوىل وخاص ة الوال دان مها الشخص ان الوحي دان الق ادران على املس اعدة ،وإنق اض
األبناء أثناء احملن وماعداهم قليال من يساعد .فالحظنا أن كافة أنواع املساعدات متس الوالدان
سواءا من الناحية املالية أو العناية باألطفال .مث تأيت املساعدة من طرف أقارب آخرين ،أصغر
سنا من الوالدان ،ومها األشقاء والشقيقات ،كما يبدو جليا أن األسر املدروسة ،تؤك د على أن
عائلة الزوجة دائما تساعد البنت املتزوجة وعائلتها يف حالة حاجتها ،وخاصة املادية ،أكثر من
عائلة الزوج.
ومن جهة أخرى تُعت رب اهلدية مؤشر من مؤش رات تقوي ة الرابط ة اإلجتماعية القرابية ،ألن
تتبادل اهلدايا بني األفراد يؤدي إىل زرع احملبة والتآلف بينهم ،واهلدية يف جمتمع البحث التكون
ص دفة أو بدون مناسبة ،بل العكس صحيح ،تكون يف املناسبات فقط .ويعتربها األفراد مثل
ُ
الديْن ،مبعىن أن الفرد الذي قُدمت له اهلدية يف مناسب ما ،ما عليه إال ردها باملثل ،أو أحسن
َ
منه ا ،يف مناس بة أخ رى لنفس الش خص اهلادي .كم ا أن اهلدي ة تك ون ذات قيم ة ومثن ُمرتف ع
عندما تُقدم لألقارب القريبني جدا ،بينما ينقص مثنها حسب درجة القرابة.
أم ا من ناحي ة التض امن والتع اون بني األق ارب ،حس ب الدراس ة امليداني ة يب دو أن ه موج ود
ولكن ب درجات متفاوت ة يف بعض األحي ان ق وي ،ويف أحي ان أخ رى ض عيف .ألن األف راد
يتضامنون يف كلتا املناسبات ،سواء املفرحة أو احملزنة ،إال أن املناسبات املفرحة تُنظَم من قبل،
ص دفة
وحسب قدرة الفرد .كما أهنا أصبحت تقوم على املظاهر ،بينما املناسبات احملزنة تأيت ُ
282
وغ ري متوقع ة ،ق د يك ون فيه ا األف راد غ ري ق ادرين على القي ام ب العزاء ،أو مقاوم ة املرض من
مصاريف عالج فيظطرون لطلب املساعدة والعون .مما جيعل األقارب يقفون مع املعنيني بدافع
الواجب والدين ،للتضامن املعنوي واملادي مع أقارهبم.
كما يعترب الصراع بني األقارب من العوامل املؤدية إىل ضعف الرابطة القرابية ،حيث حيدث
هذا األخري بسبب اخلالفات بني النساء ،وكذلك التخاصم والعنف بني األطفال ،قد يؤدي إىل
نقل الصراع حنو الكبار يف العائالت املقيمة يف مس كن واح د أو تقطن يف مس اكن جماورة ،مث
امللكية واملرياث ميثالن مصدر اخلالفات القرابية.
الفصل السادس
-متهيد
283
.Iمفهوم التغير االجتماعي
الفصل السادس
تمهيد
284
ش هد اجملتم ع اجلزائ ري وكغ ريه من اجملتمع ات ع دة تغ ريات وحتوالت ،مما جنم عنها ع دة
ت أثريات مس ت العائل ة ووظائفه ا وح ىت طبيع ة عالقاهتا القرابي ة .ه ذا م ا وض حه مص AAطفى
بوتفنوشنت من خالل دراسته عن العائلة اجلزائرية ،حيث إهتم يف هذه الدراسة بالرتكيز على
النس ق الق رايب من خالل التح والت ال يت ط رأت على البن اء الع ائلي ،واالقتص ادي للمجتم ع
اجلزائري التقليدي إىل اجملتمع اجلزائري املعاصر ،مبيننا أن هذه التحوالت جند أثارها يف بنية
العائل ة ال يت تُع د القاع دة األساس ية ،وال يت من خالهلا يتم فهم اجملتم ع ،حيث يق ول "يص بح من
املستحيل الرجوع إىل اجملتمع واحلديث عنه دون فهم العائلة."1
وحسب نتائج البحث أصبح هناك ظهور عالقة قرابية جديد أضيق مما كانت عليه يف البنية
التقليدية ،ألن العائلة قد أصبحت تتجه اجتاها فرديا قائما على االختيار احلر .وذلك حسب
اخلصائص وامليول الذاتية املتعلقة بكل عائلة على حدى .كاجتاه هذه األخرية إىل إقامة عالقات
ذات طابع معني ،وألهداف معينة ،أخذت تنمو عالقات ،تفاعل خارج حميطها العائلي.
وتتض ح التغ ريات على املس توى ال داخلي لألس رة من حيث العالق ات بني أفراده ا ،واليت
أصبحت أكثر حرية ودميقراطية تقوم على التفاهم املتبادل واحلوار ،بعدما كانت ُس لطة األب
مطلقة وكاملة وال يشاركه فيها أحد .أصبحت األم واألبناء يشاركونه اختاذ القرارات احلامسة
املتعلق ة بالعائل ة وأص بحت العالق ات بني األبن اء ،تق وم على الص داقة والزمال ة وال تق وم على
التمييز بني اجلنسني كما كان يف اجملتمعات التقليدية .فكالمها هلم نفس احلقوق واالمتيازات،
كالدراسة واخلروج للعمل من أجل ضمان االستقالل االقتصادي لكليهما ،هلذا صارت تتميز
األسرة احلديثة بن وع من الفردانية واملصلحة الذاتي ة ،مما انعكس نوعا ما على طبيعة العالقات
األس رية القرابي ة ال يت ب دورها ت أثرت هبذه القيم اجلدي دة ،من ج راء التحضر والتم دن ،الل ذان
أعطى للحياة احلضرية طابعا خمالفا عن احلياة الريفية مبختلف تعامالهتا وعالقاهتا التقليدية.
ف اختالف مكان ة القراب ة من اجملتم ع ال ريفي إىل اجملتم ع احلض ري ،جعله ا تُع د من أهم
املواض يع ال يت هلا م دى وأمهي ة كب رية ،يف العدي د من الدراس ات السوس يولوجية ،القدمية
واملعاصرة .وما جعلها مصب اهتمامنا أيضا ،كون عامل القرابة يف هذا البحث هو انشغال
1
.M, BOUTEFNOUCHET, Op.cit ,p19.
285
سوس يولوجي ،يتعل ق بطبيع ة وواق ع الرواب ط القرابي ة يف اجملتم ع احلض ري ،وم ا جنم عنه ا من
انعكاسات خمتلفة على بعض جوانب احلياة االجتماعية باملدينة،كتغريها أو ضعفها.
هلذا قُمنا بتسليط الضوء على خمتلف الطروحات واألفكار حول ماهية القرابة ،ونظمها،
وأهم العوامل املسامهة على بقائها ورسوخها ،رغم كل التحوالت واالضطرابات اليت يشهدها
اجملتمع احلضري ،هو ما دفعنا أيضا يف التوغل والرتكيز على عامل التغري االجتماعي للقرابة،
وم ا يكتس يه ه ذا العامل من أث ار ،وخملف ات ،على طبيع ة العالق ات االجتماعي ة بني األف راد
واجلماعات يف األوساط احلضرية.
ورغم أن ظ اهرة التغ ري من الظ واهر الواض حة يف الواق ع االجتم اعي ،حيث ميكن مالحظته ا
عرب مراحل زمنية معينة مير هبا اجملتمع من خالل حركته ،ألن التغري االجتماعي عملية ديناميكية
تارخيية مستمرة ،تشمل مجيع املستويات واجملتمعات ،بدرجات متفاوتة .ومنذ البدايات األوىل
يف علم االجتم اع واملفك رون حياولون فهم التح والت األساس ية ال يت أدت إىل األوض اع
احلاضرة.
إذن لنفهم طبيع ة الرواب ط القرابي ة ،علين ا أن نتع رف على التغ ري ال ذي تعرض ت إلي ه الرابط ة
االجتماعية القرابية يف امليدان والواقع االجتماعي.
.Iمفهوم التغير االجتماعي
لقد ُأستعمل اصطالح التغري االجتماعي من قبل علماء االجتماع ،للتعبري عن ظاهرة التحول
والنمو والتكامل والتكيف ،واملالئمة ،مما دفعهم إىل استخدام هذا املفهوم بعيدا عن األحكام
1
القيمية ،وليقرر الواقع اجملرد ،كما هو فعال يف اجملتمع.
واصــطالح التغير يعنــي :انتقــال أي شــيء أو ظــاهرة مــن حالــة إلــى حالــة أخـرى ،أو هـو ذلـك
التعـديل الـذي يـتم فـي طبيعـة أو مضـمون ،أو هيكـل شـيء ،أو ظـاهرة ،ويقص د باص طالح
اجتمAA Aاعي :الش خص وعالقات ه وتفاعلـه مـع اآلخـرين .أمـا مصـطلح التغيـر اإلجتمAA Aاعي
Changement Socialفإن ه يش ري إىل تل ك العملي ة املس تمرة والتـي متتـد علـى فتــرات زمنيــة
.1فادية عمر اجلوالين ،التغير االجتماعي مدخل النظرية الوظيفية لتحليل التغير،مؤسسة شباب اجلامعة ،االسكندرية،1993،ص
.13
286
متعاقبــة ،يــتم خالهلــا حــدوث اختالفــات أو تعــديالت معينــة فــي العالقــات اإلنسـانية أو فـي
1
املؤسسـات أو التنظيمـات ،أو فـي األدوار اإلجتماعيـة.
ويُعرف ه ج AAنزبرج "يُفهـم التغ ري االجتم اعي بوص فه تغ ريا يف البن اء االجتم اعي ،مث ل حجم
اجملتم ع وت ركيب القـوة ،والت وازن بني األجـزاء ،أو النم ط االجتم اعي ،أو البيئ ة الطبيعي ة أو
االجتماعي ة 2".ويعرف ه ف AAارلي":بأنه التب دل يف أمناط الس لوك ،والعالق ات االجتماعي ة ،والنظم
3
والبناء االجتماعي".
كما يُعرف محمAد الAدقس التغري عموما بأنه "اإلختالف مابني احلالة اجلديدة ،واحلالة القدمية
أو إختالف الش يء ،عم ا ك ان علي ه ،خالل ف رتة حمددة ،من ال زمن .أي إس تحداث أم ر ،مل
يالحظ من قبل .ويضيف بأن التغري الذى يتعلق باجملتمع هو صفة أساسية مالزمة مند القدم
للمجتمعات على إختالفها ،سواء كانت رعوية أو زراعية ،أو رأمسالية أو إشرتاكية ،نامية أو
متقدمة ،واجملتمع بطبيعته متغري ،فهو يأخذ من اجليل السابق ،جوانب ثقافية ،ويضيف عليها
متاشيا مع واقعه االجتماعي ،ومتطلباته املستجدة ،فيُصبح التغري االجتماعي ،التغري أو التبدل
ال ذى يط رأ على البن اء االجتم اعي ،خالل ف رتة من ال زمن ،فيمس مي ادين عدي دة ،من اجملتم ع
منها الثقافية واالقتصادية ...اخل"4ويرى جى روشى 5أن التغري اإلجتماعي عنده ،هو كل حتول
ىف البناء اإلجتماعي ،ويتمتل ىف أربع صفات مهمة هى:
.1التغ ري اإلجتم اعي ظ اهرة عام ة ،توج د عن د أف راد اجملتم ع ،وت ؤتر ىف أس لوب حي اهتم
وأفكارهم.
.2يص يب التغ ري اإلجتم اعي ،البن اء اإلجتم اعي ،أي ي ؤثر ىف هيك ل النظ ام ،اإلجتم اعي ،ىف
الكل واجلزء ،كالتغري الذي يصيب بناء األسرة ،أو النظام اإلقتصادي ،أو السياسي..اخل.
.1حممد عمر الطنويب ،التغير اإلجتماعي ،منشأة املعارف باإلسـكندرية جـالل حـزي وشـركاه ،جامعـة اإلسـكندرية ج .م.ع ،جامعة
عمر املختار ليبيا، 1996 ،ص 52.
.2خنبة من أساتذة علم االجتماع ،المرجع في مصطلحات العلوم االجتماعية ،دار املعرفة اجلامعية ،اإلسكندرية ،ب.س ،ص-415
. 416
.3ابراهيم عثمان وقيس النوري ،التغير االجتماعي،مرجع سبق ذكره ،ص.7
. 4حممد الدقس ،التغير االجتماعي بين النظرية والتطبيق ،دار جمدالوي ،عمان ،االردن ،1996،ص 15
5
.نفس املرجع السابق ،ص.16
287
.3يكون التغري حمددا بالزمن ،أي يكون إبتداء من فرتة زمنية ،ومنتهيا بفرتة زمنية معينة ،ومن
أجل الوقوف على مدى التغري ،ال يتأيت إدراك ذلك ،إال بالوقوف عى احلالة السابقة ،أي أن
قياس التغري ،يكون إنطالقا من نقطة مرجعية يف املاضي.
.4يتص ف التغ ري اإلجتم اعي ،بالدميوم ة واإلس تمرارية ،ف التغري ال ذي ينتهى بس رعة ،ال ميكن
فهمه ولذلك فالتغري اإلجتماعي ،يكون واضحا من خالل دميومته.
ويفسر هربAAرت سبنسر 1التغري تفسريا علميا ،فيقول "أعتقد بأن اجملتمع ،يتطور من جمتمع
بسيط برتكيبه ووظائفه إىل جمتمع معقد ومشعب ".ويف الوقت احلاضر ،يعترب علماء اإلجتماع
2
التغري اإلجتماعي بأنه حالة طبيعية من احلاالت اليت مير هبا اجملتمع ،ويذكر الع امل ولبرت مAAور
أهم الصفات التغريية اليت يشهدها اجملتمع املعاصر كااليت:
.1التغيري السريع الذي حيدث يف اجملتمع أو احلضارة ،يكون إما مستمرا أو متقطعا.
.2تك ون التغ ريات بش كل سلس لة متتالي ة من األح داث ،تتبعه ا ف رتات هادئ ة يعم فيه ا البن اء
والتعمري ،ويكون لنتائجها صدى على العامل كله.
.3إن نسبة التغري يف الوقت احلاضر هي أعلى من نسبة التغري يف الزمن السابق.
.4يكون التغري سريعا يف جماالت التكنولوجيا املادية ويف السياسات االجتماعية.
.5ي ؤثر التغ ري على خ ربات األف راد وعلى الن واحي الوظيفي ة للمجتمع ات املعاص رة ،وذل ك
لتعرض
مجيع أفراد اجملتمع لعمليات التغري.
من خالل ه ذه التع اريف يب دو واض حا أن التغ ري االجتم اعي ،ظ اهرة إنس انية ش املة ألهنا
تش مل العدي د من اجملاالت واألنظم ة االجتماعي ة ،ل ذلك وج دنا أن رابط ة القراب ة تعرض ت
لتح والت اجتماعي ة يف عالقاهتا ،مبع ىن أن التغ ري ط رأ على األس رة كن واة أولي ة ،ليش مل ك ل
بنيات القرابة وجمموعاهتا.
288
فلو تعمقنا يف ما قدمناه من جانب نظري حول الرابط ة االجتماعية عامة والرابط ة القرابية
خاصة لوجدنا أن كل النظريات ،واملفكرين االجتماعيني ،يهتمون بالعامل الديناميكي للظاهرة
ويتفقون على أن الرابطة االجتماعية متر مبراحل تطورية عرب مدة زمينية وبتعب ري أدق ،تغريت
من النشأة إىل التحضر ،كظاهرة مرتبطة باملدينة.
ولع ل من أهم مؤش رات ه ذا اجلانب م ا حص ل من تفك ك يف الرواب ط القبلي ة إىل العش رية
ليشمل حاليا العائلة ،هو ظاهرة الهجرة من الريف إىل املدن ،كما سبق وأن أشرنا لذلك .
ف اهلجرة الداخلي ة ج اءت من أج ل العم ل وحتس ني املس توى املعيش ي ،زي ادة على ذل ك هج رة
الشباب خاصة يف جمتمعاتنا اجلزائرية والعربية من أجل التعليم ،ومواصلة الدراسة باملدن الكربى
ض عف
هذا االنشغال بالعمل والدراسة وحتسني املستوى اخل...من العوامل األوىل اليت أدت إىل ُ
الرواب ط القرابي ة ،وذل ك بنقص االتص ال بعش ائرهم ،مما أفق دهم كث ريا من نفوذه ا وتأثريه ا
االقتصادي واالجتماعي وحىت السياسي.
كما أن ه جع ل األف راد الن ازحني للمدن يتخل ون ت درجييا عن كث ري من التقالي د العش ائرية ،مما
أدى إىل نُقص والئهم للعشرية أو القبيلة اليت تُعترب اجلماعة القرابية األوىل بعد األسرة ،وذلك
الحتوائه ا على األق ارب القري بني والبعي دين ،وك ل ه ذا التغ ري ال ذي ط رأ على امله اجرين أو
الن ازحني بع د اس تقرارهم يف املدين ة ،يع ود إىل احتك اكهم ب اجملتمع احلض ري وت أثري التحض ر
عليهم فمن خالل املق ابالت ال يت أجريناه ا ،وج دنا أن الكث ري من األس ر النووي ة وعلى رأس ها
رب األسرة .يوضح يف المقابلة رقم 25على أن السبب الرئيسي ،يف استقراره باملدينة ،يعود
إىل عمله هبا ،وثانيا تأقلمه الكبري ،الذي مل يعد يسمح له بالعودة إىل الريف ،زيادة على ذلك
أن احلياة احلضرية ،تعجبه كثريا ،ألنه تعود عليها ،كما أن طبيعة عمله كعسكري ،مل تسمح له
بالس فر ،دائم ا لرؤي ة أقارب ه وعائلت ه ،وذل ك كم ا قلن ا يع ود لطبيع ة العم ل ،ال ذي ال يس مح
بالس فر ،إال يف العطل ة الس نوية ال يت متنح هلم وبعض اإلجيازات القص رية املدة ،ه ذا م ا جع ل
الرابطة تضعف شيئا فشيئا ،مع اضطراره إىل تكوين أسرته النووية ،بعيدا عن عائلته .واألمثلة
على ذلك كثرية يف املقابالت اليت أجريناها.
289
.IIتغير نمط األسرة
إن العدي د من الدراس ات السوس يولوجية واألنثروبولوجي ة ،تق وم على إف رتاض متف ق علي ه
وه و أن األس رة الن واة ،ق د ج اءت إىل الوج ود نتيج ة الث ورة احلض رية الص ناعية ،حيث يتواف ق
حجمها الصغري مع استجابات ومتطلبات اجملتمع الصناعي ،لتصبح من خالهلا األسرة النواة من
خص ائص اجملتم ع الص ناعي احلض ري1.وه ذا م ا أك ده "وليAAام AجAAود " William Goodeيف
كتابه "AالثAAورة العالميAة AوأنمAAاط Aاألسر "على أن دول العامل اليت أصبحت ص ناعية ومتحض رة،
تتحول أنساقها األسرية يف اجتاه األسرة النووية .ويقول يف هذا ،بينما يتغلغل النسق االقتصادي
وميت د من خالل التص نيع تتغ ري أمناط األس رة ،وتض عف رواب ط القراب ة املمت دة ،لتتحل ل أمناط
البيئة وتتجه حنو بعض أشكال النسق الزواجي ،الذي يبدأ يف الظهور ،وهذه هي األسرة النواة،
2
اليت تُصبح وحدة قرابية مستقلة.
يع ين ه ذا أن الأس رة مبا أهنا نس قا جزئي ا من أنس اق اجملتم ع الكلي ،أي النس ق األك رب ،فهي
تتأثر مبا حيدث يف اجملتمع من تغ ريات وحتوالت ،هلذا فاحلديث عن األسرة اجلزائرية يقودنا إىل
احلديث عن أبرز التغريات اليت طرأت على اجملتمع اجلزائري ،ومن أهم ما مييز هذا اجملتمع عرب
مراحل ه التارخيي ة وج ود حمط ات ،أث رت على بنيت ه االجتماعي ة ،كاملرحل ة العثماني ة واملرحل ة
االستعمارية.
فاجملتمع اجلزائري قبل االستعمار ،كان يتكون من جمموعة من القبائل والعشائر وعلى رأس
كل قبيلة أو عشرية ،شيخ يوقره وحيرتمه بقية األفراد ،حيث يقوم الشيخ بتنظيم شؤون القبيلة
ويس هر على حتقي ق االس تقرار ،وم ع دخ ول االس تعمار ،ح دثت تغ ريات كث رية على اجملتم ع،
حيث حاول االستعمار حمو اهلوية الوطنية وتفكيك نظام القبائل ،إلضعاف عالقات القرابة،
بقتل الروح اجلماعية ،مما أدى ذلك إىل تالشي امللكية اجلماعية ،وانتشار امللكية الفردية ،فانتقل
اجملتم ع اجلزائ ري من نظ ام عش ائري إىل نظ ام ع ائلي ،تطغى علي ه ش كل األس رة املمت دة وبع د
. 1حممد عبده حمجوب ،أنثروبولوجية الزواج واألسرة والقرابة،دار املعرفة اجلامعية،اإلسكندرية،1985،ص 266
2سناء اخلويل ،مرجع سبق ذكره،ص 66
290
االستقالل ظهرت الكثري من التغريات اليت مست العديد من القطاعات ،كاجملال االقتصادي،
1
االجتماعي والدميغرايف.
كل هذا أثر على تركيبة األسرة اجلزائرية ،حيث أخذت تتحول من أسرة ممتدة إىل أسرة
نووية كما شهدت األسرة اجلزائرية ،حتوال من منوذج اجتماعي استهالكي ،قائم على عالقات
القراب ة يعتم د أساس ا ،على الزراع ة والفالح ة إىل منوذج ف ردي ،ق ائم على االقتص اد الص ناعي
وبذلك أخذت الروابط القرابية اتصاالت جديدة يف ظل األسرة احلديثة ،حيث مل تعد األسرة
النووية قريبة من األسرة املمتدة وذلك ألن األسرة النووية استقرت يف املدينة ،واألسرة املمتدة
موجودة بالريف .هذا ما أكده عAAدي الهAAواري ،على أن األسرة النووية أصبحت هي النمط
السائد يف اجملتمع اجلزائري ،غري أن السيادة اإلحصائية هلذا النمط من األسرة ،قد ال يعين أن
هذه األسرة املتحولة إىل النمط النووي أصبحت زواجية ،نظرا لطبيعة الروابط اليت تقيمها مع
أسرة اإلجناب من جهة وطبيعة الروابط القرابية واألسرية اليت تسود فيها ،بني الرجل واملرأة،
وبني اآلباء واألبناء من جهة أخرى ،لذلك فإن دراسة الروابط االجتماعية ،يصبح أمرا ُملحا،
للوق وف على م دى حتول األس رة اجلزائري ة ،وانتقاهلا من النم ط املمت د األب وي ،إىل النم ط
2
النووي الزواجي.
و هنا هو يُفرق بني مصطلح "األسرة النووية" الذي يعين أن األسرة تتكون بنائيا من األبوين
وأبنائهم ا فق ط ،ومص طلح "األس رة الزواجي ة" ال ذي يع ين أن العالق ات يف األس رة ،تق وم على
أساس الزواج وليس الدم أو القرابة ،وتتميز باملساواة بني الزوج والزوجة أي األسرة احلديثة،
وهي نوع من األسرة النووية ،وحسب دراسة حديثة ُأجريت حول "واقع األسرة اجلزائرية"
ق ام هبا جمموع ة من الب احثني االجتم اعيني اجلزائ ريني ،ص درت يف مؤل ف س نة 2004وال يت
توص لت إىل حتديد بن ائي لألس رة اجلزائري ة واملؤسس ة ،حس ب إحص ائيات 1998املقدم ة من
ط رف ال ديوان الوط ين اجلزائ ري لإلحص ائيات ،حيث أثبتت ه ذه الدراس ة أن معظم األس ر
اجلزائري ة هي أس ر إما نووي ة أو ش به نووي ة ،بن اءا بنسبة %81زوج+زوجة+أبن ائهم ،وق د
.1أنظر:شرع اهلل ابراهيم ،دور العوامل السوسيوثقافية في تأسيس الثقافة المجتمعية لدى الشباب،مرجع سبق ذكره،ص.121
2
.La houari, ADDI, Op.cit, P49.
291
يضاف هلم يف بعض احلاالت القليلة أحد أقارب الزوج ،خاصة كوالده أو والدته ،أو أخ غري
متزوج ،أو أخت غري متزوجة ،إن فقد هؤالء املعيل نتيجة تأثري فلسفة النمط احليايت اجلديد،
الذي كسبه الفرد اجلزائري واليت حتولت فيها الكثري من الكماليات إىل ضروريات عند النساء،
والرج ال ،كبيت مستقل م ريح ،اقتن اء س يارة لكل ف رد ...مما س اهم يف تنمي ة ال وعي الفردي
على حس اب ال وعي اجلمعي املع زز بقيم روح اجلماع ة وغالب ة املص احل اجلماعية على الفردي ة،
1
ومما زاد من انتشار ظواهر اجتماعية يف اجملتمع اجلزائري كدور رعاية املسنني والعجزة .
ويؤكد وليام Aجود - 2W.Gooddeأحد اكرب الباحثني املعاصرين حول األسرة-أن فقدان
األس رة الكب رية املمت دة ،والعش ائر واجلماع ات القرابي ة لوظائفه ا ،وفق دان ال والء ال ذي ك انت
حتض ى ب ه العائل ة من قب ل أفراده ا ،يع ود إىل امت داد النظ ام االقتص ادي الص ناعي ،فه و العام ل
الرئيسي يف تغري منط األسرة ،وضعف الروابط القرابية ،وبالتايل ظهور األسرة الزواجية ،حيث
حيدث ه ذا التغ ري يف نظ ره ،بس رعة متفاوت ة من مك ان إىل آخ ر ،ومن منطلق ات خمتلف ة ،فق د
تكون عملية التصنيع مصحوبة باخنفاض يف سن الزواج ،يف بعض أجزاء العامل ،كما هو احلال
يف معظم األقط ار الغربي ة وبارتفاعه ا يف أج زاء أخ رى ،من األقط ار العربي ة ،وم ع ذل ك فالك ل
يتحرك حنو شكل من أشكال األسرة الزواجية ،كما يؤكد جود على أن العائالت الغنية قادرة
على الس يطرة على أبنائه ا وذل ك لتحكمه ا يف املوارد اإلقتص ادية ،واعتم اد عض وية أبنائه ا
ومكانتهم على ما يرثونه عن آبائهم من ثروة ووظائف يف املؤسسات االقتصادية اجلديدة ،أما
أس ر الش رحية املتوس طة والس فلى ،ليس ل ديها إال القلي ل مما ميكنه ا تقدميه ألبنائه ا ،وبالت ايل
تض عف س يطرهتا عليهم ،ألن كب ار الس ن يف ه ذه الش رحية مل يع ودوا يتحكم ون يف الف رص
االقتص ادية والسياس ية اجلدي دة ،مما ي ؤدي إىل ع دم الس يطرة والتحكم يف أبن ائهم ،كم ا جع ل
األبناء يشكلون أسر نووية ،تعتمد على نفسها وال عالقة هلا بروابطها القرابية ،فأصبحت أسر
هذه الشرحية ،أوىل األسر اليت تتحرك حنو شكل األسرة الزواجية.
. 1مليكة عرعور ،األدوار الزواجية في األسرة الجزائرية المعاصرة ،رسالة دكتوراه ،جامعة قاصدي مرباح ،ص.144
2
. William, GOODE, J, WORLD, revolution and family patterns, New York, Free Press,
1970, page19 ,162.
292
وهنا جند أن وليام Aجود اختذ األيديولوجيا مصدرا هاما للتغري سواءا كانت أيديوجلية التقدم
االقتصادي ،أو أيديولوجية األسرة الزواجية ،وخاصة يف اجملتمعات النامية ،ألن األسرة العربية
مثال مل تتغري كثريا ،إال بعد اخلمسينات من القرن املاضي وما حدث فيها من تغري مل يتأثر تأثرا
كب ريا بعملي ة التص نيع ،وإمنا ح دث كث ورة سياس ية وأيديولوجي ة ،ه ذا حس ب رأي جAAود عن
األس ر النامي ة ومبا أن األس ر النووي ة ،ظه رت من ع ائالت الطبق ة املتوس طة والفق رية بس بب
التص نيع وال ذهاب إىل املدن ،ف إن التص نيع والتم دن من العوام ل ال يت تفق د الوح دات القرابي ة
وظائفها.
وهنا يتفق الكثري من علماء االجتماع املعاصرين مع جAود يف فكرة ،كون األسرة الزواجية
تتناس ب أو تتواف ق متام ا م ع احتياج ات النظ ام الص ناعي واحلض ري احلديث ،أمث ال رونالA AدA
فيلتشر وريمAAون أرون ،ففي رأي ه أن اجملتم ع الص ناعي ال يتناس ب إال م ع األس رة الزواجي ة أو
النووي ة ،فه و ال ذي أنتجه ا ويعطي مث ال عن الياب ان ،حيث ي رى أهنا أح رزت جناح ا يف مطل ع
القرن العشرين ويرجع ذلك إىل التوافق بني النظام األسري والنظام الصناعي احلضري يف املدن
1
اليابانية.
نس تنتج من دراس ات ج AAود أن تغ ري منط األس رة يع ود إىل التص نيع ،وبالت ايل التحض ر ،ألن
التصنيع يوجد يف املدن فقط وهو السبب الرئيسي يف ضعف الروابط القرابية،كما أن اجملتمع
الص ناعي يتطلب وج ود األس رة النووية .وحس ب الباحث ان األمريكي ان دي ميلر وفAAورم 2فإن
األسرة النووية تلعب دورا هاما ،يف هتيئة اجلو املناسب الذي يساعد الفرد على تأدية عمله على
خ ري وج ه ،أم ا يف اجلو الع ائلي الكب ري ،كث ريا م ا حتدث اخلالف ات والص راعات وه ذا م ا يع ود
مبردودية سيئة على نفسية الفرد.
ومن خالل الدراسة امليدانية اليت قمنا هبا ،فإن اجملتمع احلضري ،فعال تكثر فيه األسر النووية
وذل ك حس ب م ا الحظن اه من اجلانب العم راين للمدين ة ،ظه ور الس كنات العمودي ة بك ثرة،
1
.William, GOODE, Op.cit,116-114.
2
.Miller, D.C, and Form, W.H, industrial sociology, new York, Harper and raw,1964, P599.
293
وذل ك من أج ل س كنات خاص ة ،باألس ر النووي ة ص غرية احلجم ،فمثال يف احلي ال ذي قمن ا
بالدراسة فيه يتحدث أصحابه على أنه قُدمت هلم سكنات اجتماعية ،لكل فرد متزوج سكنا
خاصا به ،فإذا كانت العائلة ممت دة تعيش يف أحي اء قص ديرية أو أحي اء ش عبية قدمية ،إال ومتنح
البلدية سكنات ألصحاهبا حسب األسر النووية املوجودة فيه ،وهلذا بدأت األسرة ممتدة تتالشى
وتزول ،وهبذا زاد حجم األسر النووية يف املدينة،كما أن التغري االجتماعي ،الذي عرفه اجملتمع
يف الكث ري من اجملاالت أث ر على األس رة بص ورة كب رية ،زي ادة إىل ذل ك تقلي دا لألس رة الغربي ة،
وش عور األف راد ب أن العيش بعي دا عن العائل ة ،يعت رب مكس با هام ا يف حي اة ال زوجني ،وطه رت
األسرة النووية أيضا لتفادي املشاكل العائلية وحىت الزوجية حسب املقابالت اليت أجريناها.
كم ا أن خ روج املرأة للعم ل جعله ا تُفض ل العيش مبفرده ا ،ح ىت تعتم د على نفس ها وال
يزعجه ا غريه ا من أف راد العائل ة املمت دة يف حال ة التقص ري يف واجباهتا املنزلي ة .يق ول ص احب
المقابل Aة Aرقم ".33قب ل زواجي ،فهمت العائل ة نت اعي ،بلي نعيش وح دي خ ري ،ب اش نتف ادى
املشاكل مع خواتايت ومع الشيبانية ،خلطرش املشاكل تصرا بني النساء بزاف ،هذا هو السبب
الرئيس ي ،يل خالين نعيش وح دي ".وتق ول ص احبة المقابلAة Aرقم " 29قب ل ال زواج ،شرطت
ل زوجي ،ب اش نعيش وا وح دنا ،خ اطرش أن ا ام رأة خدام ة ،ومنبغيش كي جني ،يقول ويل راكي
تلقاي كلشي واجد " .و تقول املبحوثة رقم " 15أصال حن ا اخلدامات ،مالزمش نعيشوا يف
عائل ة كب رية ،خلاطرش يص راو مش اكل ،حاج ة باين ة ،س كنت م ع عج وزيت ومحات ايت عزب ات
زوج ،كي جني ميصوا املاحل وصراويل مشاكل معاهم ،بصح كي خرجت وحدي ،مكاش يل
يس الين ،نطيب تبق ايل م اكال حنميه ا ،وران ا تعش ينا ،نع رف كي نَظَم أم وري على حس اب
وق يت".وتق ول ص احبة مقابلAة Aرقم " 30س كنت وح دي ،كي عطاون ا س كاين ت ع السوسيال،
كنت مع عجوزي ،سجلونا وممبعد خرجتلي سكنا وحدي ،حدا عجوزي ".إذن هذه بعض
األمثلة ،اليت توض ح ،أن األسرة تغ ريت ،نظرا ألسباب وعوامل معينة،كخ روج املرأة للعمل،
وتفادي املشاكل العائلية ،زيادة على ذلك اهلجرة من أجل الدراسة أو العمل ،جعلت األفراد،
يستقرون يف أماكن قريبة ،من مكان عملهم ،وذلك بتشكيل أسر نووية.
294
.1األسرة النووية وضعف الروابط القرابيةA
لعل أبرز الدراسات السوسيولوحية اليت حاولت تفسري ظهور األسرة النووية وعالقتها
بالقراب ة،ك ل من حماوليت دوركAAايم Aو بارسAAونز ف األول أي دوركAAايم Aوإن رك ز على اس تقاللية
األسرة النووية،عن وحدات النسق القرايب يف اجملتمع الصناعي ،إال أنه يشري بوضوح إىل عدم
تفك ك اجملتم ع ،ألن ه ذا األخ ري يس تبدل باجلماع ات القرابي ة القدمية جبماع ات معين ة ،ت ؤدي
الدور نفسه الذي تؤديه اجلماعات القرابية يف ربط الفرد بوحدات اجتماعية أكرب 1.كاجلرية
والصداقة وغريها.
أما بارسونز فأكد كذلك على متايز األسرة النووية ،عن مكونات النسق القرايب يف اجملتمع
الص ناعي ،لكن ه على عكس دورك AAايمA"،ي رى ب أن األس رة النووية ب املعىن الص حيح ،متت از بأهنا
منعزلة فكل من أسرة التنشئة وأسرة اإلجناب ،تعترب أسرا نووية مستقلة ،منفصلة ومنعزلة ،وهو
ب ذلك يؤك د على اض محالل العالق ات االجتماعي ة ال يت ترب ط األس رة النووي ة باألق ارب ،ب ل
وذهب إىل أبعد من ذلك يف حتليله ،إذ أنه اعترب يف ظل العائلة احلديثة ،تكون الوظيفة الوحيدة
املرتافق ة ،م ع مب ادئ احلركي ة وال رتقي الش امل ،هي التنش ئة االجتماعي ة ،ض من القيم العام ة
األساس ية واألدوار املقرتن ة هبا ألن العائل ة مل تع د بص ورة مثالي ة ،إال املؤسس ة البدائي ة للتنش ئة
االجتماعية فحسب وإمنا هي ُمعرضة كذلك ،لتصفية ذاتية مبكرة ،يصفها بارسونز أحيانا ب
" "self liquidating mechanismفبما أن األوالد يؤسسون مع أزواجهم املختارين ،عائلة
2
منتقاة عن العائلة األصلية اليت أجنبتهم.
وحس ب رأي الكث ري من الب احثني لق د أدت الث ورة الص ناعية إىل تقليص حجم األس رة
فأصبحت صغرية نووية-كما سبق و ذكرنا -وأقل استقرارا من األسرة يف اجملتمع الزراعي،
.1جمد الدين عمر خريي ،العالقات االجتماعية في بعض األسر النووية األردنية،عمان اجلامعة األردنية ، 1985،ص 18
.2ب ودون ،رميون وبوريك و فرانس وا ،المعجم النقAA Aدي لعلم االجتمAA Aاع ،ترمجة س ليم ح داد ،اجلزائ ر ،دي وان املطبوع ات اجلامعي ة،
،1986ص .149
295
حيث أدت الص ناعة إىل ختفيض وإهناء اإلنت اج املنزيل ،األم ر ال ذي جنم عن ه إلغ اء الوظيف ة ال يت
كانت لألب يف رئاسة العمل الزراعي واليدوي.
كم ا أن خ روج املرأة للعم ل ،ق د منحه ا اس تقاللية اقتص اديه ،مما ع زز فك رة املس اواة بني
الرج ل واملرأة ،وأدى بعالق ات األس ر احلض رية ،لتتس م بن وع من الفردي ة واحلري ة واتس اع
العالقات مع ظهور عالقات اجتماعية من خالل حميط العمل يف املؤسسات الصناعية ،وظهور
اجلمعي ات والنقاب ات العمالي ة ،واملهنية واألح زاب السياس ية ،واملنظم ات اخلريي ة ،فك ل ه ذه
املنظمات ،أثرت على العالقات القرابية ،وبالتايل أدت إىل ضعف الرابطة القرابية ووظائفها اليت
ك ان تق وم هبا ،حيث عوض ت كل التنظيم ات املذكورة آنف ا ،ومبختل ف التخصص ات املهني ة،
بتق دمي اخلدمات للن اس ،مما جعلهم يس تغنون على العدي د من املس اعدات واخلدمات القرابي ة،
وهذا ما أثر حتما على طبيعة العالقات القرابية أيضا 1.زيادة إىل تباين وتعدد حاجات اجملتمع
وكذلك تنوع الفئات االجتماعية،كما أن من أسباب ضعف الروابط القرابية بسبب األسرة
النووي ة ،ه و مي ل أح د ال زوجني ألهل ه وأقارب ه ،أك ثر من الث اين ،مبع ىن ال يك ون التق ارب من
بعضهما بشكل متكافئ ومتوازن ،أي إذا حصل تقارب الزوجني مع أهل الزوج ،فإنه يكون
على حس اب تقارهبم ا من أه ل ال زوج ،وه ذا يع ين ال توج د عالق ة متوازن ة بني القري نني
وأهلهما ،وإذا رغب أحد القرينني ،أن يكون أهله قريبني منه ،يزورهم باستمرار ،فإن ذلك
يُزعج القرين اآلخر ،وهنا حيصل عدم اجتماع نفس التفاعل ،والتقارب مع أهل القرينني ،مما
ي ؤدي إىل خل ل يف الرب اط الق رايب ،وه ذا ماص رح ب ه الكث ري من مبحوثين ا ،فيق ول ص احب
المقابلة رقم "20سكنت قريب من أهل الزوجة نتاعي على جال األطفال ،كانت حتكمهم
وال دهتا ،بص ح ع انيت مش اكل كب رية ،املرأة ك ل ي وم يف دارهم واألوالد والف و اجلدة،
وماوالفوش والديا ،وكي مرضت أم الزوجة ،موالتش قادرا على األوالد قلت ملريت ندي لوالد
عن د أمي ،ونك ري ح داها ،رفض ت وماعجبه اش احلال وق الت منس كنش ودارت الس بب
باألوالد ،مشي موالفني األم نتاعي".كما تقول صAAاحبة المقابلAAة رقم"34أنا ساكنا هنا حدا
عجوزيت ،وأوالدي دميا عند جداهتم وجدهم ،مشي موالفني خواهلم ،كل مانروح لدارنا ،ما
. 1معن خليل عمر ،البناء االجتماعي أنساقه ونظمه ،دار الشروق للنشر والتوزيع،األردن،ب.ت،ص 87
296
يبغوش يقعدوا ويهبلوين ،باش يولوا لدارهم ،وعرفت بلي السبب ،هو سكين بالقرب من أهل
ال زوج ،وه ذا نفس املش كل ،يل ع انيت من ه كي كنت ص غرية ،والفت ج دودي ت ع بوي ا،
ونبغيش ن روح عن د ج دودي ت ع أمي ،وال عن د خ وايل ،قع دت ه ذه الطبيع ة ،وم رانيش باغي ا
تتعاود ،مع أوالدي".
كم ا يؤك د كث ري من علم اء االجتم اع ،وعلى رأس هم أوجAAيرن ،أن األس رة النووي ة أص اهبا
التفكك نتيجة لفقدها الكثري من وظائفها التقليدية اليت انتقلت إىل أنساق أخرى يف اجملتمع،
مثل املدرسة واملصنع ودور الرتفيه...غريها ،ألن هذا الفقدان يف واقع األمر ينطوي على تغري
يف الشكل وليس يف املضمون.
كما توصلت سAAناء الخAAولي -باحثة مصرية يف جمال األسرة-إىل أن األسرة ،يف اجملتمعات
الصناعية املتقدمة ،مل تعد وحدة اقتصادية ُمنتجة بالدرجة اليت كانت عليها األسرة الريفية يف
املاضي ،ولكنها أصبحت وحدة اقتصادية مستهلكة ،ووظيفة االستهالك ،ال تقل بأي صورة
عن وظيفة اإلنتاج من حيث حاجة اجملتمع امللحة إىل من يستهلك البضائع ،اليت ينتجها .بقي
إىل أن نشري ما أكده بعض علماء االجتماع على أن كل جزء من النسق االجتماعي ،يساهم
يف بقاء النسق وتوازنه ،وهلذا فإن أي بناء اجتماعي ميكن حتليله من ناحية وظيفته ،يف احملافظة
على بقاء النسق وتوازنه.1
بينم ا ي رى فليتشر 2أن األس رة ليس ت يف حال ة ت دهور ،ولكنه ا تتكي ف فق ط م ع مط الب
اجملتمع احلديث ،ويؤكد على أن األسرة احلديثة ،هي واحدة من أعظم قصص النجاح يف القرن
العشرين .فهو يقول بأنين أؤمن بأن األسرة مل تتدهور ،وأهنا ليست أقل ثباتا مما كانت عليه
وأن معايري األبوة ومسؤولياهتا ،مل تتدهور أيضا ،وال يكتفي هبذا فقط ،بل يواصل فيقول :ليس
هناك شك من أن الوظائف األساسية اليت كانت تقوم هبا األسرة ،كالعالقات اجلنسية ،األبوة،
3
إقامة البيت ال تزال تؤدى ،بطريقة أفضل عما كانت عليه يف املاضي القريب أو البعيد.
1
.سناء اخلويل ،األسرة والحياة العائلية ،دار النهضة العربية ،بريوت ،1984 ،ص.148
2
السيد عبد العاطي،مرجع سبق ذكره،ص.320
.3حممد محداوي ،البنيات األسرية و متطلباتها الوظيفية في منطقة بني سنوس،مرجع سابق ،ص20
297
إال أن فليتشAAر من جه ة أخ رى ،ي رى أن للحض رية أث ر كب ري ،على األس رة ،حيث يُلخص
ذلك يف ثالث نتائج توصل إليها ،بعد إجرائه للبحوث اليت قام هبا على عدد من املدن ،مثل
كليفورنيا ولوس اجنولوس ،وسان فرانسيسكو ،مع جمموعة من الباحثني ،فهو يرى أنه:
.1كلم ا ك رب حجم اجملتم ع احمللي إرتب ط بزي ادة مع دالت األس ر ،الغ ري مكتمل ة ،حيث ت زداد
نسبة غري املتزوجني ،أو املتزوجني ،بدون أطفال ،واملطلقات واألرامل ،مقارنة بسكان الريف.
.2كلما كرب حجم اجملتمع احمللي ارتبط بتشتت أعضاء العائلة املمتدة ،من حيث املكان ،لذلك
فإن ه بعي دا عن ت أثري عام ل البُع د أو املس افة املكاني ة ،يك ون من اخلط أ ،أن تتص ور أن الف ارق
األساسي بني اجملتمع الريفي احلضري ،يتمثل يف سيطرة العائلة املمتدة ،يف مقابل األسرة النواة
كنسق عدل وبدرجة ملحوظة ،من أمناط املشاركة االجتماعية لسكان احلضر.
.3كلما كرب حجم اجملتمع احمللي تقلصت وظائف األسرة ،إىل احلد الذي تُصبح فيه كجماعة
أولية ،أي مسؤولة فقط على تربية األطفال ،وتوفري اإلشباع العاطفي لألفراد ،هلذا زادت قدرة
اجلماع ات والتنظيم ات الثانوي ة ،على اش باع االحتياج ات األخ رى ألعض ائها،كم ا يض يف
فليش AAر إىل أن ه الح ظ أن س كان احلض ر ،أك ثر ش بابا ومن مث ،فهم أق ل اجناب ا لألطف ال ،فهم
مييلون إىل اإلنفراد باألسرة ،مبعىن أهنم يعيشون مع األسرة النووية ،فينفصلون عن العائلة.
كما تؤكد الدكتورة سناء الخولي على أن تغري الأسرة يعود لعدة عوامل يف اجملتمع احلض ري
وتعطي على س بيل املث ال ،دار املس نني ال يت تبنيه ا الدول ة يف املدين ة ،توض ح أن احلي اة العص رية
تباعد بني األبناء البالغني وبني آبائهم ،ناهيك عن املسنني الذين فقدوا عائالهتم ،ألننا جند يف
ديار املسنني ،آباء وضعهم أبناؤهم هناك1.وأصبح الفرد يف ظل األسرة النووية ،هو الذي خيتار
من يزور من أقاربه ،وكأن العالقات القرابية أصبحت تشبه عالقات الصداقة.
وهذا نفس ما أكدته الدكتورة علياء شكري على أن العالقات مع األقارب ،ختضع لعملية
انتقاء واعية ،من جانب األطراف الداخلني فيها ،مبعىن آخر أن أقارب االنسان يف ظل األسرة
النووية احلديثة ،ليسوا موجودين على هذا النحو ولكن الفرد هو الذي يقرر ،وهو الذي خيتار
1
.سناء اخلويل ،مرجع سابق،ص.125
298
أقارب ه ،أي أنن ا نس تطيع الق ول ،بال جتاوز أن العالق ات القرابي ة احلديث ة تُش به إىل ح د كب ري
عالقات الصداقة واملودة ،من حيث أهنا تقوم على االختيار الواعي ،وعلى قدر من االستلطاف
وامليل وليس جمرد انعكاس ،بديهي لعالقات دموية ،أو عالقات مصاهرة معينة1 .يعين هذا أن
األفراد خيتارون من يزوروهنم من أقارهبم ،مثلما خيتارون األصدقاء ،هذا يدل على أن الروابط
القرابية واالجتماعية عامة هي إختيارية يف املدينة.
ومن خالل الدراسة امليدانية يبدوا واضحا ،أن اجملتمع احلضري املدروس ،حيتوي على عدد
كب ري من األس ر النووي ة ال يت فرض ت نفس ها لع دة أس باب ،وحس ب م ا يب دو أن أف راد األس رة
النووية يف اجملتمع احلضري ،ال يزورون األقارب بكثرة ،معدا األقارب من الدرجة األوىل ،نظرا
لضيق الوقت مع العمل،كما أنه توجد فضاءات اجتماعية عامة ،تُرفه عليهم بدال من الذهاب
لألقارب ،إال يف حالة املناسبات أو الضرورة ،وهذا ما تؤكده الكثري من املبحوثات يف األسر
النووية.
تقول المبحوثة Aرقم ".23مرانيش نروح عد فامليا بزاف ،ملي تزوجت بعدت على بنات
خ اليت ،ك انوا ص حبايت ك ل م را نتالق وا ،بص ح م ع ال وقت ،وال زواج واألوالد ،راح كلش ي،
نتالق وا غي ك اش مناس بة ".ه ذا ي دل على أن املرأة ،بع دما ت تزوج وتعيش يف أس رهتا اجلدي د،
جيعله ا تنش غل حبي اة جدي دة ،مما ي ؤدي إىل ابتعاده ا ،عن أقارهبا ماع دا األق ارب ،من الدرج ة
األوىل كالوالدان واإلخوة ،وهذا مانراه يف اجملتمع اجلزائري عامة ،واجملتمع احلضري املدروس
خاصة ،ألن الزوج يسمح للزوجة بزيارة أقارهبا ،القريبني جدا ،وليس دوهنم ،وهذا ما قالته
المبحوثة Aرقم "35راجلي يقويل ،روحي عند أمك وأبوك وخوتك ،هذا مكان ،الباقي مكان
اله تروحي ،ريب موصي غي على الوالدين".
كما وجدنا أن األسرة النووية غالبا ،أفرادها سنهم بني العشرينات إىل األربعينات ،إذا كان
ه ؤالء األف راد ال ي زورون أق ارهبم بك ثرة ،ف إن األبن اء س وف ينش ئون على ذل ك وي رتبون
عليه،كما أن األقارب يزورون أقارهبم ،كبريي السن كاألجداد واألعمام اخل...بكثرة وعندما
1
.علياء شكري ،مرجع سابق،ص.169
299
يُتوفون تتوقف الزيارات عن أبنائهم ،هذا ما قالته المبحوثة Aرقم " 30حنا كنا نزورو خاليت
كبرية يف السن كل مرا نروحو نرقبوا عليها ،بصح كي ماتت ،حبسنا الزيارة ،بقاو أوالدها،
حنا نزوروهم خطرات ومها والو على هذا ،حنا تاين حبسنا الزيارات ".إذن الشخص الكبري
يف العائل ة ،يلعب دورا كب ريا يف اس تقطاب الزي ارات ،نظ را للمحب ة والوق ار ال ذي حيض ى ب ه،
ولكن بعد وفاته يتوقف كل شيء.
كم ا توض ح المبحوثAAة رقم ".05الص غار ت ع دروك ،م ا ي زوروش ب زاف فاميلي ا ،مش ي كي
تاع بكري ،وزيد الزيارات تكثر يف العائلة ،يل فيها الكبار شوابني ،على جاهلم ،الناس تروح
وم ا كي ميوت و ص ايي ".فاألس رة النووي ة حالي ا ،ال يزوره ا األق ارب بك ثرة ،كم ا أهنا ال ت زور
أقارهبا ،هي األخرى بكثرة ،هلذا روابط القرابة ضعيفة ،وهذا يعين أن الصلة ناقصة ،فاألسرة
اليت يوجد هبا أشخاص كبريي السن ،هي اليت يزورها األفراد بكثرة ،و العكس صحيح.
بدأ األفراد يف جمتمعاتنا خيتلطون بثقافات أخرى ،ويأخذون منها ،كما بدأ التخلي عن القيم
شيئا فشيئا ومن خالل املقابالت اليت أجريناها ،وجدنا أن من بني العوامل املساعدة ،على تغري
منط األسرة ،وضعف الروابط القرابية ،يعود إىل التخلي عن االلتزام بقاعدة الزواج من األقارب
خاصة زواج أبناء العم ،وتغري ظاهرة الزواج من غري األقارب ،هذا كجزء من عملية التحضر،
فقد جرى العُرف على أن الزواج من إبنة العم هو الزواج املفضل ،حيث كان يُعترب حقا من
حقوق الش خص،كم ا أن ه يستطيع من ع إبنة عم ه من غ ريه ،وتعود ظ اهرة تفضيل ال زواج من
األقارب وخاصة بإبنة العم لعدة أسباب ،منها :معرفة الفتاة وأخالقها ،وأهلها وبالتايل الشعور
باالطمئنان ألهنا من حلمهم ودمهم ،كما يقولون يف األمثال الشعبية اجلزائرية"،كالظفر ال خيرج
1
من اللحم"
1
.انظر:جارمان تيليون ،الحريم و أبناء العم ،مرجع سبق ذكره.
300
فلقد عُرف العرب ومنذ القدمي بزواج األقارب الذي يُسمى بزواج أبناء العمومة ،حيث
طب ق الع رب ه ذا ال زواج ،ب درجات متفاوت ة ويش ري احلد األقص ى إىل ض رورة زواج البنت من
ابن عمها بينما يشري احلد األدىن إىل زواج البنت داخل العشرية ،وقدميا كان يُعترب زواج البنت
بإبن عمها واجبا يف بعض العشائر البدوية العربية ،وميكن إلبن العم احلجز على بنت عمه،كما
حيق له ،قتل بنت عمه ،إذا رفضت الزواج منه .وال يستند هذا النظام ،يف الزواج على الشريعة
االسالمية ولكنه نظاما اجتماعيا ،صاحب نظام األسرة العربية املمتدة.
والشريعة االسالمية ترفض أي نوع من اإلجبار يف الزواج ،ومما ال شك فيه أن نظام زواج
أبن اء العموم ة ،يتض من الكث ري من اإلجب ار يف ال زواج ،ومن الث ابت ش رعا ،أن من ح ق املرأة
املسلمة ،أن تُستشار قبل تزوجيها ،ألن الشريعة اإلس المية ،منحت املرأة حرية اختيار شريك
حياهتا وجعلت إذهنا ش رطا يف صحة زواجها1.فبع د جميئ اإلس الم ومبرور ال زمن ،تغري الزواج
من داخلي ،بني أبناء العمومة إىل زواج خارجي من غري األقارب ،ويرى معظم املبحوثني على
أن زواج األقارب كان أقل طالقا ،وأكثر ضمانا ،إال أنه حاليا،حسب رأيهم هو أيضا تغري
حسب الوقت ،أصبح حىت األقارب فيما بينهم يُطلِقون.
تق ول المبحوثAA Aة رقم "27زواج ت ع بك ري ،وت ع دروك تب دل يف كلش ي ،وعلى حس اب
م اراكي هتدري على زواج الفاميلي ا ،بني والد العم ،راح م ع موالي ه ،دروك الن اس ختاف
تتخاسر ،مع فاميلتها ،عليها يبعدو".وتقول مبحوثة أخرى رقم " 33الراجل كي يبغي يتزوج،
حىت واحد ما يفرض عليه ،شكون يديها ،دروك النسا راهم بزاف ،برا خيري وحده مشي كيما
بكري ،يدوله بنت عمه حمتما عليه ".واملبحوث رقم "31مراناش نتزوجو بلفامي كي بكري،
ب اش م ا يعرف وش الفاميلي ا أس رار العائل ة نتاع ك ،كي ت دي وح د فميلت ك ،تل ق روح ك ق اع
يسمعوا بيك ،كاش حاجة ونزيدك حاجة أخيت ،بكري املرأة ،كانت مستورة ،مكاش تشوفها
وال تشوفك ،تدي مرا وخالص ،خاصة يف الريف ،بصح دروك ،يف املدينة نساء راهم بزاف
مفضوحات ،نتا تشوف وختري ،هلذا الرجل يتزوج بلي تعجبه".وزيادة على هذا كل عينة حبثنا،
1
.هباء الدين خليل تركية ،علم االجتماع العائلي ،مرجع سبق ذكره ،ص.111
301
تكاد تنعدم من زواج األقارب ،ماعدى ثالث عائالت اليت يوجد فيها زواج أقارب ،و لكن
ليس بني أبناء العم أو اخلال أو اخلالة ،و إمنا هو زواج بني أقارب بعيدين .كمبحوثة رقم 35
اليت تزوجت بإبن خالة أبيها و تقول" أن الزواج كان صدفة ،حيث تعرف عليها زوجها يف
ع رس ،بنت خال ة أبيه ا ،وهي موج ودة يف وس ط ق رايب كب رية ألهنا تتواص ل ك ل األق ارب من
نس ب األب" وك ذلك املقابل ة رقم " 20أن ا متزوج ة بول د عم يت ،وراين عايش ة مع اه يف 06
سنوات ،نروح عند فاميليت عادي كاش مناسبة وال مرض بصح نزورهم تاين هكا خلاطرش
قاع فاميليا نروحوا لبعضانا.".هذا ما جعلين أفسر أن زواج األقارب ،تناقص كثريا يف اجملتمع
احلضري ،مقارنة بالريف وبالتايل هذا يوصلنا ،إىل أن سبب نقص الزيارات بني األقارب يعود
أيض ا لظه ور ال زواج اخلارجي ،وانتش اره بنس ب عالي ة ،حس ب الكث ري من الدراس ات ال يت
ُأجريت يف اجلزائر والوطن العريب واليت سنذكر البعض منها.
إذن الع ائالت يف حقب ة زمني ة ك انت تعتم د على زواج أبن اء العم ،حيث يك ون دخ ول
العروس واليت هي بنت العم ،ال يُعد هذا تغيري كبريا ،يدخل للعائلة ألن العروس تعيش يف بيت
عمه ا فهي متع ودة علي ه ،من جه ة كم ا أن أه ل الع ريس متع ودون على الع روس من جه ة
أخرى ،من املمكن أن تعيش األسرة النووية اجلديدة داخل العائلة الكبرية بشكل عادي ،كما
أن ه يف الغ الب ال حتدث مشاكل بكثرة ،نظ را لعام ل التعود والقرابة بينهم،كم ا يدخل عنصر
آخر ُمهم يف العائلة اجلزائرية السابقة وهو أن الزواج بني األقارب ،يرتكز على الوقار واحلشمة
والطاعة ،فالعروس عليها باخلضوع والطاعة للزوج وأمه وكل العائلة ألهنم أقارهبا ،كما أهنا
تعمل املستحيل حىت ال تكون سببا يف التفرقة بني أقارهبا ،هذا ما جعل الروابط القرابية تتميز
بالقوة واالستمرار ،أما يف اجملتمع احلضري فنجد أن احلياة احلضرية وطبيعة العمل تفرض ظهور
األسرة النووية مع االستقاللية يف احلياة ،بعدما كانت تعتمد على التعاون يف العمل واملسئولية.
إذن ُحب االس تقاللية ال ذي فرض ته الثقاف ة احلض رية ،يُع د من العوام ل ال يت س اعدت على
حدوث الطالق حىت مع إبنة العم ،مما أدى إىل ضعف الروابط القرابية،كما أن األسرة النووية
حصيلة لعملية تغري إجتماعي ،ومن خالل املقابالت أيضا رأينا أن اختيار الزوجة خارج الدائرة
302
القرابي ة أدى يف الكث ري من األحي ان إىل العزل ة القرابي ة،كم ا أص بح األف راد يف اجملتم ع احلض ري
يفض لون ه ذا الن وع من االزواج ،ف التغريات االجتماعي ة يف الوس ط احلض ري،لعبت دورا هام ا
لص احل الف رد من خالل إض عاف دور اجملموعة ىف مس ألة ال زواج ،وت رك األولوي ة للف رد ب أن
ي تزوج مبن يري د ف إذا أراد أن ي تزوج من خ ارج عائلته أو عقيدت ه الديني ة أو طبقت ه االجتماعي ة
الس لطة ىف يد الفرد وحده ،فهو املسؤول عن جناحه أوفشله،
فهذا شأنه ،وهبذا املعىن ،تكون ُ
دون التفك ري ط ويال ىف موق ف اجملتم ع احمللى أو ظ روف اجملتم ع ال ذي يعيش في ه ،ألن األبن اء
أص بحوا يلوم ون أمه اهتم الآليت اخ رتن هلم الزوج ات يف حال ة فش ل العالق ة الزوجي ة ،ه ذا م ا
أدى إىل ترك احلرية للرجل يف اختيار الزوجة حىت يتحمل مسؤوليته لوحده ،مما أدى أيضا إىل
مي ل الزوج ة يف الكث ري من األحي ان ألهله ا ب دل أه ل ال زوج على عكس زواج األق ارب،
فتتناقص الروابط القرابية.
ه ذا م ا توص لت إلي ه أيض ا دراس ة ص AAباح عياش AAي-باحث AAة جزائري AAة -ح ول االس تقرار
األسري بني الزوجني يف ظل التغريات اليت تعرفها األسرة اجلزائرية إىل أن األغلبية من اجلنسني
%78,87ال توافق على الزواج الداخليُ ،مقابل %11,55فقط ترحب به إىل جانب 8,91
تتجنب أخ ذ موق ف ،وتُفض ل الص فات الشخص ية ،ويرج ع ت ربير موق ف ال رفض ،لتجنب
ّ %
املشاكل وبقاء الّتماسك العائلي ،واالحرتام بني أعضائها ،كما يعود إىل الّتغريات االجتماعية
والّثقافي ة ال يت يعج ز فيه ا ه ذا الّنم ط ،عن أداء مهام ه ،من تلبي ة مص احل الع ائلتني ،وحتقي ق
االستقرار بل قد يُقيد األفراد يف طموحاهتم وحتدث مشاكل ،كما أن بعض الّنساء ،يردن أن
يس تقلن عن عائل ة الق رين خاص ة أم ه 1.كم ا توص ل كم AAال ك AAاتب-2ب AAاحث جزائ AAري -يف
دراسته حول "هناية الزواج التقليدي يف اجلزائر" ،إىل أن الزواج تغري بشكل كبري يف اجلزائر،
من زواج األق ارب إىل زواج خ ارجي ،فوج د أن املي ل لل زواج م ع االق ارب ،ينخفض كلم ا
ارتف ع املس توى التعليمي ،خاص ة ل دى النس اء ،فحس ب احص ائيات س نة 1970تق در نس بة
.1صباح عياشي ،االستقرار األسري وعالقته بمقايس التكافؤ والتكامل بين الزوجين في ظل مختلف التغيرات التي عرفها
المجتمع Aالجزائري ،رسالة دكتوراه ،جامعة اجلزائر، 2008، 2007،ص.101
2
. K, KATEB, la fin du mariage traditionnel en Algérie1876-1998, Bouchnene, France,
2001, p65.
303
النساء بدون مستوى تعليمي يف الزواج الداخلي ،حبوايل %65يف حني أن تصل نسبة النساء،
يف املس توى اجلامعي إىل %35إض افة إىل ت أثري التغ ريات االقتص ادية ،املتمثل ة يف زوال امللكي ة
اجلماعية اليت كانت توحد الشبكة القرابية وتُساهم يف ال زواج ال داخلي للحفاظ على االرث
وامللكية ،والتماسك العائلي.
وبظهور العمل املأجور ،واستقاللية األفراد عن السلطة االقتصادية العائلية ،اليت يسيطر عليها
رب العائلة ،هنا أصبح الزواج اخلارجي هو املفضل عند االبناء ،سواء الذكور أو االناث ،ألنه
يعكس خياراهتم الشخصية ،ولكن هذا ال يعين أن الزواج الداخلي ،قد زال هنائيا ،بل ال يزال
مس تمرا على ال رغم من تراج ع نس بته ،ألن التغ ري أث ر علي ه ،فتغ ريت أش كال ال زواج ،كتقلص
ال زواج التع ددي ،وتراج ع ال زواج ال داخلي ،أم ام ش يوع ال زواج اخلارجي ،ألس باب اقتص ادية
أكثر منها اجتماعية وثقافية.
ج AAدول 6يوض AAح توزي AAع ال AAزواج حس AAب ص AAلة القراب AAة بين ال AAزوجين في الجزائ AAر حس AAب
1
االحصائيات التي أجريت.
كما جند دراسة عبد الوهاب بوحديبة-باحث تونسي2 -الذى ربط زواج األقارب بالعوامل
االجتماعية والثقافية واحلضرية للمجتمع التونسي ،الذى يشرتك مع اجملتمع اجلزائري يف عدة
خصائص حيث أجنز هذه الدراسة ىف الستينات بتونس ،فرغم قدم هذه الدراسة ،إال أن الذي
يهمنا فيها النتائج اليت توصل إليها الباحث ،عن الزواج القرايب ،حيث خلصت هذه الدراسة
إىل أن 80%من البدو و %70من س كان املناطق احلضرية ،تزوج وا من داخل نطاق العائلة
1
. K, KATEB, Opcit,p67.
2
.BOUHDIBA, Abdelwahab, « Point de vue sur la famille tunisienne actuelle », Revue
tunisienne des sciences sociales, octobre 1967, N°11, P11-20.
304
زواج قرايب علما أن 3230نسمة ،هبا نسبة معتربة من األجانب وكان عدد السكان ىف تونس
ىف تلك احلقبة بلغ ،952فكان هذا النمط من الزواج داخل األسرة املمتدة أو القبيلة ،يشكل
نسبة مرتفعة يف اجملتمع األبوي التونسي ،فالزواج من داخل العائلة والسيما بني أبناء األعمام
من أهم مميزات العائلة القائمة على النسب األبوى ،وهى متثل خاصية اجملتمعات الزراعية اليت
ميتزج فيها النمو الدميغرايف بالنمو االقتصادي.
ويلخص الباحت نتائج حبثه يف ما يلي:
.1إن نسبة الزواج بني األقارب تزداد ىف القرى بسبب التنشئة اإلجتماعي ،النابعة من التقاليد
والع ادات املوروثة لألسر املمتدة ،بينما تنخفض هذه النسبة ت درجييا ،ىف املدن بسبب تفكك
وتالشى الروابط والعالقات العائلية ،مع ضعف سلطة اآلباء وتأثر األفراد بالقيم احلضرية ،ومنط
املعيشة املغاير للريف.
.2إن التحض ر والتص نيع وانتش ار التعليم ،واهلج رة وحتس ني املواص الت بني الري ف واحلضر
والعمل خارج نطاق العائلة،كلها عوامل سامهت ىف إدخال قيم ومفاهيم جديدة للزواج.
.3إن اخنف اض إقب ال األف راد على ال زواج بني األق ارب ىف اجملتم ع احلض رى التونس ي ،مرتب ط
باخنفاض أو زوال العوامل اليت كانت متنح األمهية واملكانة العالية ،هلذا النوع من الزواج.
وبصفة عامة يفسر الباحث عبد الوهاب بوحديبة ،اخنفاض نسبة الزواج القرايب ىف الوسط
احلضرى ،باهتزاز العالقات التقليدية ،ذلك أن ظاهرة التحضر سببت ارتفاع عدد النازحني،
وأدت إىل تفكيك بنية العالقات القرابية ،اليت تراجعت عما كانت عليه ،ىف العائلة التقليدية
وتقلص تأثريه ا ،ىف اختي ار ال زوج ،بفض ل انعكاس ات التعليم ،وظه ور عالق ات اجتماعي ة
جديدة.
إذن الزواج القرايب ،اخنفض بنسب كبرية يف املدينة ،مما أدى إىل ضعف الروابط القرابية وكثرة
الطالق أيضا كنتيجة ،ألن هذا النوع من الزواج ،كان حيافض على التواصل القرابية بقوة.
.IIIالثقافة الحضرية وانعكاسها على الروابط القرابيةA
305
قيم ا متع ددة تتش ابه أو
ترتبط الرواب ط القرابي ة يف املدين ة ،بنس ق أخالقي ثق ايف ،يتض من ً
طبيعتها ،حسب طبيعة الروابط االجتماعية .فالتعاون ،الّتضامن ،املساواة بني اجلنسني،
ختتلف ّ
التنافس الّلباس ،العمل ...تُعترب ممارسات تتحكم فيها الثقافة احلضرية ،اليت تتجسد يف السلوك
الفردي أو اجلماعي القيمي ،حسب الّثقافة السائدة يف اجملتمع ،فطريقة معاملتنا لآلخرين ،يف
نظاف ة ش وارعنا واحملافظ ة على مجاهلا،بع دم رمي الس جائر على الرص يف والق اذورات ،وح ىت
طريقة األكل خارج املنزل ،وأساليب الرتويح والرتفيه ،طريقة األعراس واالحتفاالت ،ببعض
املناس بات طريق ة تعامل اجلنس ني م ع بعض هما ،واح رتام ح دودمها ،أش كال ألبس تنا املتناس قة
األلوان ،يف الرائحة الطيبة ،يف طريقة تنظيف بيوتنا ،واستقبال ضيوفنا،كل هذا عبارة عن ثقافة
حضرية جندها يف املدينة تغري من تفكري الفرد وأسلوب حياته.
فيص بح الش خص ال ذي يعيش يف املدين ة ،مكتس ب هلذه الثقاف ة ال يت تلهي ه يف الكث ري من
األح وال زي ارة األق ارب من الدرج ة الثاني ة والثالث ة ،وذل ك لوج ود الكث ري من األم اكن ال يت
يذهب إليها للرتفيه والتغيري ،ويف السياق حول غرس ثقافة املدينة يقول مالك Aبن نبي يف مدن
كثرية مثل ،موسكو صدرت بعض األوامر ،بأن يلتزم سكاّهنا بنظافة مدينتهم ،ألهنم مهددون
بفرض غرامة على كل من يبصق يف الشارع أو يلقي بأعقاب السجائر على الرصيف ،أو يُعلق
مالبسه يف الشباك املطل على الشارع ،أو يركب السيارات العامة مبالبس العمل املتسخة .فلو
ّ
سألنا عمدة "موسكو" مثال عن السبب الذي دعا ملثل هذه اإلجراءات ،ألجابنا بّأنه :الّنظام،
1
وجييب الطبيب ،من وجهة نظره بأهنا:الصحة ،والفنان يذهب إىل أنه مجال املدينة...
إذن ه ذه هي الثقاف ة احلض رية أو كم ا يس ميه الكث ريون الس لوك احلض ري ،ال ذي يكتس به
االنسان ،عندما يعيش يف املدينة ،واحلضرية قد تصل أيضا للعالقات ،بني االفراد واالقارب أو
أكثر.
فبدخول هذه الثقافة داخـل اجملتمع ،يربط األفراد يف اجملتمع احلضري ،عالقات وروابط مع
األصدقاء والزمالء ،حيث تظهـر هذه العالقات ف ـــي جمـال العمـل واملـدارس والتنظيمــات احملليــة
.1مالك بن نيب،شروط النهضة ،تر:عمركامل مسقاوي ،عبد الصبور شاهني ،دمشق ،سوريا ،دار الفكر بالتعاون مع امللكية لإلعالم،
اجلزائر ،احلراش 1987،ط،4ص.100
306
مما جيعل الفــرد ال يلتــزم مبعــايري اجتماعيــة ،تنتقــل عبــر األجيـال لتنظـيم سـلوكه حتـى لـو لـم تكـن
مسـايرة مـع املتغيـرات اجلديـدة ،بـل خيتـار مـا يتناسـب مـع مؤهالتـه ،أو رغباتـه أو مزاجـه أو
هواياتـه أي يتح رر مـن التماثـل ،مـع أمناط عـيش عاشـها آبـاؤه وأج داده وهـذه احلالـة مل تكن
س ائدة قب ل اجملتم ع احلضــري ،ألن الرابط ة القرابي ة متنحـه احلنـان واملسـاعدة والـدعم املـادي
واملعنـوي يف الس راء والض راء ،مما جيعل ه مرتاح ا نفس يا واجتماعي ا ،فالثقاف ة احلض رية متس ك ل
جماالت احلياة يف املدينة خاصة العالقات والروابط االجتماعية.
يعترب مفهوم الثقافة من املفاهيم اليت اهتم هبا املتخصصني يف العلوم االجتماعية ،مما أدى
إىل اختالف التصورات حول هذا املفهوم ،الشيء الذي أدى إىل عدم االتفاق على معىن واحد
للثقاف ة ،نظ را لتع دد أص نافها ،بس بب الظ روف التارخيي ة والسياس ية واالقتص ادية ال يت عرفته ا
وللتعرف أكثر على مفهوم الثقافة ميكننا استعراض جمموعة من التعاريف
ُ اجملتمعات اإلنسانية،
العلمي ة يف احلق ل السوس يو أن ثروبولوجي ،وهي على النح و الت ايل :إن مفه وم الثقاف ة
يع ين":جمم وع الف روض اإليديولوجي ة ،والس لوك املكتس ب ،والس مات العقلي ة واالجتماعي ة،
1
واملادية ،املتناقلة ،اليت متيز مجاعة اجتماعية بشرية".
وأم ا يف معجم علم االجتم اع املعاص ر ،فإنن ا جند ك ل من علم االجتم اع الربيط اين،
واألم ريكي يش ري إىل أن مفه وم الثقاف ة" :حيي ل بالدرج ة األوىل على جمموع ة من املعتق دات
.1ايكه هولتكرانس ،قاموس مصطلحات اإلثنولوجية والفلكلور ،تر:حممد اجلوهري وحسن الشامي،اهليئة العامة لقصور الثقافة،الطبعة الثانية.
ب،س ،ص .320
. 2شاكر مصطفى سليم ،قاموس األنثروبولوجيا :إنكليزي عريب ،الطبعة األوىل.1981،ص .99
307
واألع راف ،أو طريق ة عيش الن اس جلماع ات معين ة 3".كم ا يُع رف علم اء االجتم اع ،الثقاف ة
عامة ،على أهنا "البيئة ،اليت خلقها اإلنسان ،مبا فيها املنتجات املادية والغري املادية اليت تنتقل من
جي ل إىل آخ ر من عل وم ومعتق دات ،وفن ون وقيم ،وق وانني وع ادات ،وغ ري ذل ك2".وعلى أهنا
نس ق يتم يز باالنس جام ال داخلي العمي ق ،ويتمت ع باالس تقالل النس يب عن بقي ة األنس اق ،فهي
3
إنتاج الذات املادية للمجتمع".
وبعد تعريفنا للثقافة بإمكاننا أن نشرح معىن الثقافة احلضرية ،فيُعترب مفهوم الثقافة احلضرية
من املف اهيم األساس ية يف علم االجتم اع احلض ري ،ويع ود أص لها لل رواد األوائ ل لمدرسAA Aة
شيكاغو وهو مفهوم حبث فيه ودرسه ،كل من لويس ورث وبارك وردفيلد وغريهم ،حيث
استخلصوا نتائجه من خالل دراسة حياة األفراد ،وسلوكاته ،وعالقاهتم ،يف باملدن األمريكية،
فميزوا بني الثقافة احلضرية والثقافة الريفية .إال أنه سبقهم يف ذلك ،عامل االجتماع العريب ابن
خل AAدون ،عن دما م يز بني العم ران الب دوي والعم ران احلض ري أو بني خص ائص أه ل الب دو
وخصائص أهل احلضر ،حيث استنتج جمموعة من اخلصائص اليت متيز أهل احلضر ،اندرجت
أفكاره ضمن مفهوم الثقافة احلضرية،كما حبث فيها أيضا الكثري من العلماء ممن اهتموا بدراسة
أثر املدينة على البناء االجتماعي واإليكولوجي أو ممن اختذوا على حد تعب ري جوبرج من املدينة
أساس ا لتفس ري بعض األمناط احلض رية ،وق د امساها فرازم AAان "بنظري AAة التع AAارض" Aوال يت ع نيت
بإبراز خصائص اجملتمع احلضري ،كنمط متميز ،مبقارنتة بنمط اجملتمع احمللي ،فأصبحت املدينة،
متغريا حتليليا ،لتفسري هذا احملتوى ،حبيث تُعترب
تأخذ حمتوى ثقافي اً خاص اً وتصبح تبع اً لذلك ً
4
الثقافة احلضرية طريقة للحياة يعيشها سكان املدينة فقط.
يق ول ش AAبانوا أن الع امل عب ارة عن تص ورات من خالل التفاع ل داخ ل املدين ة ،مما يُنتج
تص ورات فردي ة اجتماعي ة ،وه ذه التص ورات هي ال يت تُب ىن هبا احلي اة االجتماعي ة احلض رية،
1
.معن خليل العمر ،معجم علم االجتماع المعاصر ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل ،2000ص. 88
2
.عدنان أبو مصلح ،معجم علم االجتماع ،عمان،دار أسامة للنشر والتوزيع ودار املشرق الثقايف،ط،1،2006ص .158
. 3ناظم عبد الواحد اجلاسور ،موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية والدولية ،لبنان،دار النهضة العربية،ط،1،2008ص.224
. 4السيد عبد العاطي ،علم االجتماع Aالحضري،مرجع سابق ،ص191
308
وتك ون عن طري ق العالق ات االجتماعي ة املتين ة ،واألفع ال والس لوكات ،واملعام الت اليومي ة،
فط راز البن اء يف مدين ة م ا يك ون بش كل معني ،وب ألوان معين ة ،وهبندس ة خاص ة وحمددة،
وخصائص متيزها ،هاته التصورات االجتماعية ،والسياسية والثقافية والتارخيية اليت هلا انعكاس
على س لوكات وأفع ال األف راد داخ ل اجملتم ع احلض ري ،وب ذلك تنش أ ص ورة خاص ة للمدين ة
1
احلضرية ،وهذه هي مسة من مساهتا وبالتايل تصبح الثقافة احلضرية تطبعها.
ومن عناص ر الثقاف ة احلض رية جند:املمارس ات ااجلتماعي ة ،اإلن دماج اإلجتم اعي ،الرم وز
األفكار والتصورات ،القيم ،العادات والتقاليد والعالقات اإلجتماعية ،تقاسم األفكار واآلراء
واألهداف والقيم ،يف اجملال الثقايف احلضري2.إضافة إىل هذا فاحلضرية كما سبق وشرحنها يف
الفص ل األول فهي عام ة تش ري إىل طريق ة احلي اة ،املم يزة أله ل املدن ،من س لوكات وأس اليب
معين ة يتخ ذوهنا كنم ط معني يف حي اهتم ،فيُص بح أم را يتعل ق بالس لوك الي ومي ،ألن األف راد
يتكيفون نفسياً مع متطلبات املدينة ،حبيث تتشكل هلم ثقافة خاصة ،تسمى بالثقافة احلضرية
واليت جندها يف املدينة فقط .فلقد غرست املدينة ثقافة جديدة أو أيديولوجية حديثة ،ظهرت
بالت درج ت دعو إىل اعتب ار الف رد ،وح دة التفاع ل االجتم اعي ،فتح ولت القيم اجلماعي ة إىل قيم
فردي ة ،مما زاد من ح دة الفرداني ة ،هلذا أص بحت الرواب ط القراب ة ،أض يق مما ك انت علي ه يف
اجملتمع العريب التقليدي وخاصة يف الوسط احلضري .فالثقافة إذن مرتبطة بالفكر بينما احلضارة،
مرتبطة مبا هو عمران و مادي وكالمها يؤثران يف السلوك االجتماعي.
يعين هذا أن الثقافة احلضرية ،دفعت بالفرد إىل السعي حنو ربط ذاته باآلخرين ،من خالل
املصاحل املشرتكة يف مجاعات على درجة عالية من التنظيم ،مل تكن لتتوفر يف اجلماعات األولية
مبعناه التقليدي ،فاحلياة احلضرية تزكي روح الفردية ،وتؤكد أمهية املصلحة بوصفها األساس يف
قي ام العالق ات االجتماعي ة بني الن اس ،كم ا جعلت من اجملتم ع احلض ري جمرد تك دس ملس اكن
متج اورة ألف راد ق د ال يع رف الواح د اس م اآلخ ر3.وأن الثقاف ة احلض رية ،ت ؤثر على التنظيم
309
االجتماعي وعلى احلالة لسكان املدينة ،وذلك ألن املدينة الكبرية ،تعرف تنوعا فكريا وثقافيا،
مما يؤدي إىل تفاعالت كبرية ،بني األفراد ،فتتغري سلوكاهتم وطريقة احلياة اليت يكتسبوهنا من
املدينة.
هذا ما وجدناه بعد إجراء مقابالتنا امليدانية ،أن العائالت النووية احلضرية اكتسبت ثقافة
حضرية من املدينة ،كثقافة زيارة الوالدين باستمرار وبكثرة ،فقد تكون أسبوعية ،كل عطلة
أسبوع وقد تكون يومية يف حالة الزوجات عامالت ،يذهنب يوميا لبيت الوالدين ،من أجل
وضع األبناء يعين الضرورة جعلت طبيعة العالقة القرابية تتغري ،تتميز األسرة يف مكان الدراسة
بتماسك قرايب قوي مع األقارب من الدرجة األوىلّ ،ألنه يستمد نظامه من الّثقافة اإلسالمية،
عكس البلدان األخرى اليت تستمد نظامها القرايب من الثقافة العلمانية أو الالئكية مثال ،فهذا
الرتابط القرايب القوي يكون مع األقارب القريبني جدا ،كما قلنا كالوالدان واإلخوة ،بينما
تضعف الرابطة القرابية ،كلما بعدت الدرجة ،تقول احدى املبحوثات يف المقابلة رقم "15أن ا
سكنت يف تيارت مع عجوزيت ،كنا حدا الفامي ونروحو خطرا على خطرا ،بصح جيت مع
زوجي ،خدام هنا يف وهران وكي سكنت ،مع الوقت نقست زياراتنا لتيارت ،منيش عارفة
عالش ،والفن ا نفوت وا وقتن ا هن ا ".يع ين ه ذا أن املدين ة الكب رية ك وهران ،هي منطق ة حض رية،
تع ودت عليه ا الع ائالت امله اجرة إليه ا ،مما جعلهم يفض لون قض اء أوق ات ف راغهم باملدين ة،
وذلك لتوفر أماكن الراحة والتسلية ،كما قالت نفس املبحوثة.
فاحلياة احلضرية فرضت بعض السلوكات والطرق اليت تتنتشر يف اجملتمع احلضري املدروس
كأن تكون الرابطة القرابية موجودة بني األفراد ،ولكن ليست بالقوة اليت نتخيلها ،فهي ختتلف
من مك ان آلخ ر ،ففي حي الدراس ة ،ظهرت لألف راد ثقاف ة التزاور عن د الض رورة ،واملناسبات
فقط ،ألن األفراد مشغولون بأشياء كثرية ،فرضتها عليهم احلياة احلضرية ،كما توجد ثقاف
حضرية أخرى مبكان الدراسة ،وهي ثقافة أخد موعد أو االتصال قبل الزيارة ،فأن يأيت ضيف
أو ق ريب عن د قريب ة يُعت رب أم را ثقيال إذا مل يكن مبوع د حمدد ،فيش عر كال الطرف ان ب اإلحراج،
وهذا ما صرحت به معظم مبحوثاتنا عن الزيارة املفاجئة ،مما جعلين أدرك أن الزيارة باملوعد
310
ب،
يعت رب ثقاف ة حض رية ،خيتص هبا أه ل املدين ة فق ط ،تق ول المبحوثAA Aة رقم " 12والت َعْي ْ
الواحد يروح يزور فاميليا ،بال ما ْي َعيَ ْط يف التليفون ،من قبل خلطرش الناس مشي دميا قاعدين،
كل واحد وشغاله ".كما تصرح المقابلة Aرقم " 10كي جيي الضيف على غفلة ،نكره حيايت،
متحصي قاع كيفاش يلقاوين ،من األفضل االتصال من قبل ،ماعدى يف املناسبات توجدي،
روحك دائما ،تعريف جيوك ضياف مشي ُم ْش ِكل ،كما زيادة وال طهارة" .هذا يدل أيضا على
أن األف راد يف اجملتم ع احلض ري يعتم دون يف س لوكاهتم على العقالني ة ،ألهنن حيس بون أل ف
حساب ،قبل الزيارة أو التواصل مع أقارهبم ،ونقصد األقارب خارج الوالدان واإلخوة .ألن
زيارة الوالدين واألشقاء ،غالبا ال يتطلب موعدا قبل الزيارة نظرا للقرب الكبري والتعود على
بعضهم البعض،كما توجد أيضا ثقافة اختيار األقارب الذين نود زيارهتم ،فهناك من له أقارب
يزورهم رغم البُعد القرايب ،وهناك من لديه أقارب قريبني واليزورهم وملا استفسرنا حول ه ذا
املوض وع ،أجابن ا الكث ريون على أن املص لحة والعقالني ة تلعب دورا كب ريا يف ذل ك.فيق ول
صاحب المقابلة Aرقم"12أنا عندي عمي ،منروحش عنده خاطرش يسقسي بزاف وميعرفش
يهدر ما حيشم ما والو كان عايش يف فرانسا ودا ثقافة تع الغرب يل جا يف فمه يقوله ".كما
تُص رح المبحوث Aة Aرقم"25ك اين لف امي يعرف وا وين يروح و كم ا م رت خوي ا ت روح غي عن د
الن اس يل تس حقهم دي رهلم الكادوي ات غي الش ابني وان ا من داك معن دها فاي دة معي ا جتيبلي غي
ش كيل".وترى المبحوثAAة رقم "33باش نروح غي هاك عند الفاميليا مكاش منها ،أنا نروح
وين يرتاح قليب ،وتاين ويد تكون الناس يل نلقاهم ويلقوين" .
إذن الثقاف ة احلض رية هي س لوكات ،اكتس بها أف راد العين ة من خالل احتك اكهم ببعض هم
البعض فأص بحوا يتن اقلون التص رفات احلض رية ،وأقص د ب ذلك أن ه ذه الس لوكات تعرفه ا
جمتمع ات املدين ة فق ط ،كزي ارة األق ارب باملوع د ،اإلتص ال باهلاتف قب ل ال تزاور ،تق دمي اش هى
األطب اق واألواين الراقية مع املبالغة يف ذلك ،هذه التص رفات ال جندها يف اجملتمع الريفي ،ألن
األف راد يف املدين ة حيب ون املظ اهر والكمالي ات ،بينم ا س كان الري ف والبادي ة يعتم ون على
الضروري فقط ،هلذا أثرت هذه الثقافة احلضرية على الروابط القرابية ،حبيث تصعب يف الكثري
311
من األحي ان زي ارة األق ارب واتص اهلم ال دائم ،فأص بح األم ر يتطلب احلذر ،ح ىت ال ي نزعج
األقارب من بعضهم البعض.
إن ظاهرة خروج املرأة للعمل ،كانت خالل حقبة من الزمن ،حمصورة يف الطبقات الدنيا
من اجملتم ع ،ألن الفق ر دف ع برج ال ه ذه الطبق ات للس ماح لزوج اهتم وبن اهتم بالعم ل ،حيث
دخلت املرأة األوروبي ة جمال العم ل ،حس ب م ا وض حه املثقف ون عموم ا ،واملؤمن ون بنظري ة
التفسري املادي للتاريخ على وجه اخلصوص ،مع ظهور اجملتمعات الربجوازية والرأمسالية ،واهني ار
النظام اإلقطاعي السائد آنذاك ،وبعد ظهور االكتشافات احلديثة ،كاآللة البخارية وقيام الثورة
الص ناعية الك ربى ه اجر آالف ب ل املاليني ،من الق رويني والفالحني من قُراهم إىل املدن
الكربى ،باحثني عن العمل لدى ألرأمساليني يعملون لساعات طويلة ،مما أدى إىل وفاة الكثري
من أرباب األسر ،وبقي األطفال والنساء ينتظرون رب األسرة الذي ذهب إىل املدينة ومل يع د،
بع دها اض طرت النس اء واألطف ال الس اكنون األري اف يف الزح ف إىل املدن ،حبث ا عن لُقم ة
العيش .1ه ذا وال ميكن ألح د أن ينك ر أث ر احلربني الع امليتني ،يف زي ادة حترر املرأة من جه ة،
وانتش ار إش تغاهلا بش ىت الوظ ائف من جه ة أخ رى ،ألن احلرب العاملي ة األوىل ،طلبت من مجي ع
الرجال القادرين على محل السالح واإلخنراط يف اجليش ،وهكذا خلت أعمال ووظائف كثرية،
خاصة باملصانع ومن شغلها من الذكور ،فتحتم ملؤها باإلناث ،بعدما وضعت احلرب أوزارها
صار من الصعب ،على الكثريات من النساء ترك العمل والعودة لإلقامة بني جدران املنزل.
كما أن احلرب العاملية الثانية كانت أكثر تغيريا للمجتمعات التجارية ،وتلك اليت تأثرت هبا
دون املش اركة هبا من احلرب العاملي ة األوىل ،فق د ُجن دت النس اء خاص ة بال دول الغربي ة يف
القوات العسكرية اجلوية والربية والبحرية ،وبعد انتهاء احلرب ،أصبح من الصعب على النساء
. 1عويف مصطفى ،خروج المرأة إلى ميدان العمل وأثره Aعلى التماسك األسري ،مرجع سابق،ص43
312
فق د ح ريتهن ال يت حتص لن عليه ا خالل احلرب ويُقمن يف ال بيوت خاص ة ،وأن احلرب ق د
حص دت العدي د من أرواح الرج ال ،وهبذا تُعت رب احلرب العاملي ة الثاني ة معلم ا تارخيي ا يف حرك ة
حترر املرأة ،وحص وهلا على حق وق مس اوية حلق وق الرجل .1ه ذا وي زداد خ روج املرأة للعم ل
بصورة متزايدة يوما بعد يوم وهناك اجتاه عاملي حنو إعطاء املرأة حرية أكثر ،وذلك بعد أن
ثبت أن ه ليس هن اك ف رق بني الرج ال والنس اء ،فيم ا يتعل ق بال ذكاء وامله ارات والق درات ويف
حالة وجود فروق كثرية بينهما ،فيما يتعلق هبذه العوامل ،فإهنا عندئذ تكون نتيجة الثقافة ال
الفطرة.
الش غل
كم ا مكن التعليم املرأة من اكتس اب امله ارات واخلربات الالزم ة ،لول وج ع امل ُ
والتمتع بدخل وظيفي مستقل سواء جاء خروج املرأة إىل ميدان العمل ،كنتيجة لعدم كفاية
مُرتب الزوج أو غري ذلك من األسباب ،فإنه يسمح هلا باملشاركة يف نفقات األسرة ،ويدعم
حظوظها يف صنع الق رار ،فتعليم املرأة مبا يف ذلك مرحلة التعليم العايل ،يُعترب هو الذي دفع،
عجل ة التغي ري النس وي دفع ة قوي ة ،وذل ك ألن ه أوج د للم رأة وعي ا واض حا ،ب ذاهتا ومركزه ا
ومكانتها ودورها ،يف اجملتمع عامة واألسرة خاصة.
فتعلم املرأة وخروجه ا للعم ل ،قد أصبح قضية ُمس لمة يف العصر احلاضر ،ليعود ذلك إىل
ت أثري النم وذج األس ري الغ ريب ،من خالل وس ائل اإلعالم والدعاي ة على تق دمي ه ذا النم وذج،
كنم وذج مث ايل خيتل ف عم ا ه و س ائد يف البل دان األخ رى العربي ة ،فتح رص على إب راز طبيع ة
احلريات اليت تتمتع هبا املرأة ،ويتمتع هبا األبناء ،هذا ما جعل بعض احلركات النسائية احمللية،
تعمل على الضغط واملطالبة مبزيد من احلقوق واحلريات للمرأة ،اقتداءً بالنمط الغريب ،واستنادا
حلقوق اإلنسان وحقوق املرأة.
يدل هذا على أن املدن الكربى واجملتمعات الصناعية ،يزيد فيها عدد النساء العامالت بسبب
التغري الذي حدث يف اجملتمع ،جعل مفهوم دور املرأة يتغري ،فالدافع املادي والذي جنده واض حا
313
يف األسر ذات الدخل املنخفض ،وهناك دوافع شخصية،كرغبة املرأة لتُثبت كفاءهتا وقدراهتا يف
اجناز األعم ال ،ال يت ك انت وقف ا على الرج ال فق ط ،ويظه ر ه ذا بوض وح ،بني الع امالت
املتعلم ات تعليم ا عالي ا ،ألن التعليم يف ح د ذات ه ،ال حيق ق احلص ول على العم ل فق ط ،ب ل إن ه
وسيلة لتحقيق هدف أو طموح شخصي للمرأة ،كما سبق وحتدثنا عن ذلك.
فبع د أن ك انت املرأة يف اجملتم ع اجلزائ ري ماكثـة بالبيــت أو تعمـل فـي الزراعــة ،لتسـاعد
زوجهـا أو تعمــل عمـل حرفـي ،كــالطرز واخلياطـة فـي بيتهـا ،فكانـت القـيم السـائدة هي أن
تتفـرغ الزوجـة لرعايـة الـزوج واملنـزل واألوالد وخروج املرأة على العمل ،كان له تـأثري علـى
احليـاة الزوجيـة والعالقـات األسـرية والقرابي ة ،وتـأثر األبنـاء بعمـل املرأة فـي العصـر
احلـديث".كمـا أدى إلتحاق املرأة بالعمـل ليفتح أمامها جمـاالت واسعة مـ ــن النشاط اإلجتماعي،
1
وأحدث تغييـرات هامة يف مكانتها االجتماعية".
كما أن حترر عالقات اجلماعات القرابية ،وتعقد النظم االجتماعية واالقتصادية يف املدينة ،جعل
للمرأة موقع ُمتميـز داخل البناء األسري احلضري ،وهذا موازاة مع سياسات اإلمناء االجتماعي
واالقتصادي يف املدينة ،وما تفرضه هـذه األخرية ،من متطلبات وتعدد حاجات األسرة ،إضافة
إىل ارتف اع مس تويات تعليم املرأة ،ومش اركتها فـي احليـاة العمليـة والسياس ية ،ف إن خروجه ا
للعم ل أدى إىل ح دوث تغ ريات بنائي ة ُمعت ربة ،يف األس رة احلض رية ،الس يما تلـك املتعلقـة
باإلجناب ،معايري اختيار الزواج ،اإلنفاق ،إدارة شؤون البيت ،مشاركة مع زوجها ،املشاركة
يف تربية األبناء ،فأصبح الزوج ،مطالب بتقسيم املسؤوليات املنزلية ومساعدة املرأة ،يف أدائها
للمهام األسرية ،وهنا يرى الباحثون فـي جمـال الدراسات احلضرية ،أن االستقاللية االقتصادية
للم رأة يف املدين ة ،جعله ا ختت ار أنس ب األعم ال ال يت تق وم هبا ،بـاحرتام رغبته ا واختياره ا
األسلوب األمثل يف تربية أبنائها ،ورعاية شؤون منزهلا إىل جانـب إدارة وقتهـا وتنظيمـه ،وإدارة
2
ميزانية اإلنفاق األسري.
.1عبد اجمليد سيد منصور وزكريا أمحد الشربيين ،األسرة على مشارف القرن ، 21األدوار ،املرض النفسي ،املسؤوليات ،ط، 1ملتزم الطبع
والنشر ،دار الفكر العريب ،القاهرة ، 2000ص.143
314
إال أن هذا جعل املرأة العاملة تعيش يف أسرهتا بعض العناء والصعوبات ،نظرا لضيق وقتها
مما جيعله ا تتف ق م ع ال زوج على تنظيم األس رة ،وحتدي د النس ل ،بالق در ال ذي ال يرهقه ا ،وملا
كانت فرتة الطفولة املبكرة ،وتربية األبناء ُمرهقة أيضا ،أصبحت املرأة تستغل أوقات العطل
األسبوعية والفراغ يف البقاء مع األطفال ،وإخراجهم للرتفيه يف الفضاءات العامة احلضرية ،بدال
من الذهاب عند األقارب إال عند الضرورة ،هذا ما قلل من التزاور مع األهل وكأن السبب
الواضح والرئيسي من خالل قيامنا باملقابالت ،يعود لعمل املرأة وخروجها اليومي الذي جعله ا
أك ثر مس ؤلية وض غطا فكثُرت وظائفه ا ،وأدواره ا من ال دور االجنايب ،الرتبي ة ،القي ام بش ؤون
املنزل ،من تنظيف وطهي وغريها ،وبالتايل مل يعد لديها وقت تقضيه ،مع األسرة ،إال يف عطلة
األسبوع ،كما قلن ا هلذا قلت زيارة النساء الع امالت لألق ارب ،بسبب ضيق ال وقت ،وزيادة
أدوارهن ومسؤولياهتن وهذا ما أكدته العديد من املبحوثات العامالت.
تق ول.المقابلA Aة Aرقم "15ان ا خدام ة ومعن ديش ال وقت ب زاف ،ب اش ن روح عن د لف امي،
خطرات وين نروح ،كاش مناسبة ".المقابلة رقم "14يف احلق املرأة اخلدامة ،ما تتالمش على
الزيارت خلاطرت مكانش الوقت ،ويكاند نقعد ،شغل الدار تع السيمانة ،نقري والدي شوي،
خنرج وهم خط رات ،ه ذا ح دنا اهلل غ الب ".املقابل ة رقم "22منعي ا كي ن دير نق ول ،ه ذا
الويكاند خنرج ،عند فاميليا نبدل اجلو ،وقاع هكا والو ،نلها غي بالشقا تع الدار ،واألوالد
ش
وهي راحيا ،ح ىت يف وت الع ام" .وتص رح المقابلAAة رقم" 26ال وقت يف وت بلخ فَ ،منَ ْك َدبْ ْ
علي ك ،ه دي مُدة م ارحتش عن د فاميلي ا ت اعي ،مني تك ون ك اش حاج ة ض رورية ن روح،
ومنق درش ن دي والدي يف ثالث ة ،عن د الن اس ،خنليهم عن د ب وهم ،ن روح بلخ ف وجني ،بص ح
الصراحة ،عالقيت مع فاميليا ،ناقسا بزاف اهلل غالب ،علباهلم خدامة ومنقعدش".
فمن خالل تص رحيات املبحوث ات الع امالت ،اس تنتجن ا م دى ص عوبة األم ر ،ل دى املرأة
العامل ة يف زي ارة األق ارب ،لس بب أو ع دة أس باب ،كم ا ذكرن ا مقارن ة م ع املرأة املاكث ة يف
.2هاديف مسية ،رؤية سوسيولوجية يف مفهوم اهلوية الثقافية والعوملة ،مجلة العلوم االنسانية واالجتماعية،جامعة 20أوت، 1955
سكيكدة العدد 17ديسمرب.2014 ،ص.181
315
البيت ،هلا حضوض أكثر يف زيارة األقارب ،إال أن األمر اليوم مل يعد يف املرأة العاملة أو الغري
عاملة ،وإمنا الرابطة القرابية ضعفت نوعا ما يف اجملتمع احلضري ،حىت والنساء الغري عامالت،
أصبحن ُيزرن أقارهبن يف املناسبات فقط ،ماعدى بعض األقارب القريبني كالوالدان واإلخوة،
تك ون الزي ارة مس تمرة وب دون مناس بات يف الغ الب ،والنس اء العمالت يف عين ة حبثن ا جيمع ون
على أهنن أصبحن يقمن بأدوار خمتلفة يف البيت وخارجه ،وبالتايل ليس لديهن الوقت الكايف يف
بعض األحيان حىت لالهتمام بأنفسهن ،واخلروج للرتفيه ،وإمنا خروجهن يف العطل األسبوعية،
مرتبط بأماكن أو فضاءات يذهبون إليها من أجل األبناء فقط ،وهذا ما جعلنا نستنتج فعال أن
خ روج املرأة للعمل زاد من تغ ري الروابط القرابية ،من رابطة قوية مستمرة إىل رابطة متيل إىل
الضعف والقطيعة.
316
-خالصة الفصل السادس
لق د س بق وأن رأين ا أن فليتشر 1ال ينفي وج ود األس رة كمنظم ة طبيعي ة ،فه و يؤك د على
وجودها وعلى اعتبارها حقيقة باقية ومستمرة ،تستحيل أن تزول ،رغم كل التغريات اليت تطرأ
عليه ا ،امنا ق د تتغ ري بعض عالقاهتا ،خاص ة العالق ات االجتماعي ة والقرابي ة منه ا ،ألن احلض رية
كنمط حياة ،ئؤثر على العالقات بشكل كبري .فالتغري االجتماعي ،حيدث نتيجة ً لتطور احلياة
االجتماعية نفسها ،ألن اجملتمع أي األفراد ،مير بتجارب كثرية ،على مر السنني.
وقد حيدث التغيري نتيجة إلحتكاك األفراد باجملتمعات األخرى ،وكلما كان اجملتمع ُمنغلق
وبدائي ،كانت العالقات اإلجتماعية أكثر قوة ،يعين هذا أنه توجد عالقة عكسية ،بني التطور
وبني الرابط ة اإلجتماعي ة فكأن ه كلم ا زاد التط ور قلت الرابط ة االجتماعي ة ،وتب دو األس باب
متمثلة يف العناصر التالية :الفقر كان أحد أسباب إجتماع الناس ومؤازرهتم لبعضهم البعض،
ومع الغىن إنقسمت العالقات بني األقارب ،كذلك التنوع الثقايف والفكري له دور يف ضعف
الروابط القرابية.
ومن خالل م ا تق دم ف إن الثقاف ة احلض رية متكون ة من عناص ر ،منها م ا هي مادي ة تتمث ل يف
العُمران وطُرق البناء ،واهلندسة والطرقات والسيارات ،واهلياكل واملؤسسات ،واملوقع واللباس
واألث اث ...اخل .وما هي غ ري مادية ،أو ما يُطل ق علي ه "القطاع االجتم اعي للثقافة" ،كما أن
العالقات االجتماعية ،والتفاعالت االجتماعية ،والتصورات املوحدة والثابتة نسبياً بني األفراد
1
السيد عبد العاطي ،نفس املرجع السابق ،ص. 320
317
داخل اجملتمع احلضري ،واجلانب الثقايف ،املمثل يف أسس تلك العالقات والقواعد ،اليت تقوم
عليه ا ،والثقاف ة متث ل حص يلة م ا تعلم ه أف راد جمتم ع معني ،وب ذلك تتض من منط معيش تهم
وأس اليبهم الفكري ة ومعتق داهتم ،ومش اعرهم واجتاه اهتم وقيمهم ،واألس اليب الس لوكية ال يت
يستخدموهنا يف تفاعالهتم اليومية وكل ما يستخدمه أفراد هذا اجملتمع من اآلالت واألدوات
يف إش باع حاج اهتم وتكيفهم م ع ب يئتهم االجتماعية الطبيعي ة ،ويش كل أف راد اجملتم ع منط
معيشتهم ويعربون عنها بأفعاهلم ،وإنتاجهم وخرباهتم ،ومعارفهم وفنوهنم ،فكل هذا له أثر على
الرواب ط والعالق ات القرابي ة ألن األف راد يف املدين ة حس ب م ا درس نا ،ميكنهم االس تغناء عن
األق ارب ،نظ را لت وفر ك ل ش يء حيتاجون ه وه ذا م ا جيعلهم يرتبط ون برواب ط طوعي ة خيتاروهنا
بأنفسهم بدال من الروابط القرابية.
318
خاتمة عامة
319
خاتمة
أثناء إجرائنا هلذه الدراسة ومن خالل ما قرأناه حول املوضوع ،وجدنا أنه خالل العقود
الثالثة املاضية ،ترددت نتائج الدراسات احلضرية حول تأثري التحضر والتصنيع على الروابط
القرابية والعالقات الأسرية ،حسب ما أشارت له الدراسات الغربية مع وجود العالقات القرابية
ولكن ليست بقوة كبرية ،واملالحظ أن الدراسات اليت ُأجريت حول الرابطة القرابية يف عاملنا
الع ريب حمدودة ج دا ،حيث ال تعتم د إال على قلي ل من املادة العلمي ة ومن مث ب رزت احلاج ة
إلجراء مثل هذه الدراسات يف اجملتمع احلضري اجلزائري.
فالروابط االجتماعية وخاصة منها القرابية ،تنشأ دون تدخل األفراد يف ذلك ،فالفرد يدخل
فيه ا دون أن يش عر ألن إرادت ه ال تلعب دورا يف ذل ك ،فل و س ألنا شخص ا عن ه ل ك ان
ص دفة ه ذا
بإمكان ك أن ختت ار أقارب ك ،فس يجيب أن ه ال إرادة ل ه يف ذل ك ،ب ل ك ان األم ر ُ
التواجد ،فهم مضطرون ألن يكونوا أقارب يف بداية األمر ،لكن بإمكاهنم فيما بعد أن خيتاروا
من يزورونه من أقارهبم ومن اليزورونه ،فتُصبج هنا اإلرادة عقالنية ،ألن العقل هو الذي خيتار
ومييز يف ذلك ففي اجملتمع احمللي املدروس ،طبيعة الرابطة االجتماعية ُمتغرية ،قد ختضع للعاطفة،
ينس جها الفرد إلشباح مصاحله ورغبات ه اخلاص ة ،فهن اك من
كما ق د تكون رواب ط مصلحيةُ ،
يُقوي عالقاته القرابية بالتزاور هلدف عاطفي أو ديين ،وهناك من يكون تزاوره هذا ،ملصلحة
شخصية أو ألن اجملتمع يفرض عليه ذلك.
320
وكنتيجة عامة للدراسة ميكن القول بأن األسرة مبدينة السانيا ،احتكت بكل ما جلبه التغري
السوسيو ثقايف ،من تطورات وحتوالت ومل تعد مرتبطة بشكل العالقات القرابية القدمية ،هذا
يع ين أهنا تغ ريت بعض الش يء ،حيث كش فت النت ائج أن الرابط ة االجتماعي ة القرابي ة تغ ريت
رغم أهنا قائم ة على عالق ات النس ب والتض امن والتكاف ل ،إال يف املناس بات وه ذا التض امن
والتكاف ل الق رايب مل يع د ب القوة ال يت ك ان يُع رف هبا يف املاض ي ،حس ب ماش رحنا ذل ك يف
الدراس ة ،إض افة إىل غي اب التض امن املادي بني األق ارب يف اجملتم ع املدروس ،ماع دى بعض
األسر اليت تعرف تضامنا ماديا مع الدرجة القرابية األوىل فقط ،كاآلباء واإلخوة مما يدل على
أن الرابطة االجتماعية يف جمتمع اليوم تتميز بعدد من اخلصائص ،أبرزها ضعف آليات التضامن
االجتماعي القرايب أوال مع ظهور واضح للصراع بني أفراد القرابة الواحدة ،املتواجدة يف اجملال
العمراين احلضري ولكنه ليس بالقدر الذي يؤدي إىل فك الرباط بينهم ،ألن عوامل التصنيع
واحلداثة اليت أنتجت جماالت تفاعلية داخل اجملاالت العمرانية واليت تأثرت هبا األسرة باملدينة،
ال يكمنها أن تفكك الرابطة االجتماعية القرابية هنائيا ،وإمنا بإمكاهنا أن تضعفها أو أن تنقص
من قوهتا ودرجته ا التقليدي ة ،وهلذا بقيت مالمح ومؤش رات القراب ة بدرج ة اس تطاعت معه ا
األس رة احلالي ة التكي ف م ع التح والت اجلدي دة رغم م ا أص اهبا من ض عف يف الرواب ط
االجتماعية.
كما انعكست التغريات االجتماعية والثقافية واالقتصادية الشاملة اليت شهدها اجملتمع حديثا
نتيجة التحضر والتصنيع على األسرة عامة ،فأحدثت فيها تغريات جذرية وأبرزها.
-تزاي د حري ة الف رد يف اختي ار ش ريك احلي اة ،وه ذه الظ اهرة متزاي دة ألهنا ترك ز على ال زواج
اخلارجي الذي أصبح من بني أسباب ضعف الرابطة القرابية يف اجملتمع اجلزائري واجملتمع احمللي
املدروس حيث أصبحت ثقافتهم تأكد على أن الزواج الداخلي أو القرايب جيعل الفرد غري حر
يف عالقاته األسرية ،ألنه خيجل من املشاكل القرابية ،هلذا يُفضل ال زواج اخلارجي وهذا ليس
سببا كافيا ،ألن األسباب تتعدد وختتلف يف انتشار الزواج اخلارجي.
321
-انتق ال األس ر النووي ة ،للعيش يف الس كنات العمودي ة م ع زي ادة أزم ة الس كن ،مما أدى إىل
االنفصال عن العائلة اجتماعيا وجماليا.
-كما أن تراجع الزيارات بني األقارب يف األسر الصغرية ،يُعترب عامل من عوامل التغري الذي
يعرفه اجملتمع ،وقد يكون السبب هو انشغال الزوجني خارج البيت ،وزيادة املصاريف وإضافة
إىل ذل ك ض يق الس كن ،مما جيع ل أف راد األس رة يتض ايقون عن د تك رار الزي ارات .ورغم ه ذه
التغريات اليت أصبح هلا أثر كبري على األسرة اجلزائرية ،ألهنا تغرُي ات ومشلت مجيع النواحي ،إال
أهنا تبقى دائما تواجه مقاومة من طرف دعاة االمتدادية ،أي املتمسكني بالنمط القدمي لألسرة
اجلزائري ة ،حس ب تعب ري رش AAيد حام AAدوش ،Aوذل ك ب الرغم من ف رض احملي ط احلض ري لعوام ل
حضرية جديدة على الواقع اجلزائري.
-وهناك أسباب نفسية استنتجناها من خالل االحتكاك مبجتمع البحث ،متثلت يف تعكر النية
كما يقول العامة ،والقلوب وحىت النفوس البشرية ،تعرضت لتغيري وسيطرة األنانية ،فرجعت
أس باب البع د الق رايب واختف اء التق ارب يف واق ع التجمع ات إىل ع دم ص فاء القل وب ،حيث
أص بحت مش حونة بأحك ام ُمس بقة وق رارات غ ري مدروس ة ،مؤك دة أن الزي ارات ح ىت وإن
ح دثت ف إن القل وب متباع دة ،فه ذه حتم ل ض غينة على تل ك ،لكوهنا مل ت دعها إىل مناس بة،
وأخ رى غ ابت عن األنظ ار ألهنا تك ره إح داهن ،بس بب ح ديث نُق ل هلا قالت ه عنه ا ،قريبته ا،
فالبعض أصبح يفضل عدم احلضور ،خشية حدوث مشاكل وخالفات وأصبح أفراد األسرة
الواحدة بقلوب متباعدة.
كما أن التكلف الكبري والبهرجة والتصنع ،شوها معىن الضيافة والزيارة ،ودفع بعضهم إىل
رفض التجمعات القرابية ،لكي ال يضطر إىل استقبال الضيوف يف بيته ،فاملرأة ليس هلا خي ار يف
التكلف بضيافتها ،فحينما ال تفعل مثل ما يتفق عليه األخريات ،أنه من حسن الضيافة فإهنا
تتع رض للنق د من قب ل أف راد األس رة فيق ال ،إهنا مل تُق دم ومل حتس ن الض يافة ح ىت حتولت
التجمعات بني أفراد األسرة إىل سباق تقدمي أصناف الطعام الفاخرة ،والتباهي باألواين املنزلية،
ومتضي اجللسة يف أسئلة تافهة ال قيمة هلا مثل «من وين شرييت األواين أو األلبسة» ،ما يبعث
322
السأم جتاه االهتمام بالقشور أكثر من اجلوهر من دون دعم ملعىن التواصل والتقارب بني األسرة
الواحدة.
ووجدنا أنه فعال قد حيدث التغيري نتيجة الحتكاك األفراد باجملتمعات األخرى ،ولكن يبدو
أن تغ ري الرابط ة االجتماعي ة يف اجملتم ع احلض ري ،عم ا ك انت علي ه يف اجملتم ع التقلي دي ،مثلم ا
تُصرح به كل نظريات الرباط االجتماعي من خالل املقارنة اليت وضحها علماء االجتماع -
الع رب املس لمني أوالغربي ون -بني اجملتمعني ال ريفي واحلض ري ،نس تنتج من خالل حتليله ا أن
اجملتمعات الغربية تعرضت لتفكك يف روابطها القرابية ،نتيجة لعدة عوامل يف اجملتمع احلضري
الغ ريب ،بينم ا اجملتمع ات العربي ة وخاص ة منه ا االس المية ،مل تتع رض لتفك ك يف روابطه ا
االجتماعية ،كما سبق وأشرنا لذلك ،وإمنا لضعف فيها وهذا ما استنتجناه من خالل دراستنا،
ويعود السبب لعامل الدين ،الذي يُعترب مؤشر رئيسي يزع األفراد على أن يفككوا روابطهم
القرابية ،ماعدا بعض احلاالت الشاذة.
ت األسرة هي البنية األولية لتشكل الروابط القرابية ،لذلك قمنا بدراستها من خالل
واعتََب ْر ُ
ْ
عالقاهتا وروابطه ا القرابي ة املتنوع ة ،دراس ة تعتم د على توض يح طبيع ة الرابط ة االجتماعي ة،
القرابية ودرجة قوهتا أو ضعفها يف اجملتمع احلضري وبعد القراءات النظرية واملقابالت امليدانية،
وحتليله ا خرجن ا مبجموع ة من النت ائج السوس يولوجية ح ول جمتم ع الدراس ة ،س أقوم بتفص يلها
كنتيجة.
تقول مAAارجرت ميAAد Meadيف كتاهبا "مسAAتقبل األسAAرة" الذي نشرته سنة ":1913إن
االسرة النواة شكل مالئم لألسرة احلضرية بغرض التغيري ،ولكنها لن تستمر يف هذا الوضع إىل
م اال هناي ة ،ألن أس رة الي وم ت دفع كل ف رد إىل خ ارج املنزل ،قص د العم ل ويبقى بعض النس اء
الالئي يقمن بالتنظيف يف املنزل أو تربية األطفال ،وهن اخلادمات يف املنازل ،حتضرهن النساء
الع امالت ل ذلك ف إن األس رة س وف حتت اج يف املس تقبل إىل أف راد كث ريين للمس اعدة يف تربي ة
األطفال ،وخاصة عندما ميرضون أو مترض األم ،كما أن وجود األطفال بكثرة مفيد يف اللعب
323
املشرتك ،ألن إرساهلم إىل احلضانة ،سيصبح يتطلب أمواال طائلة وهذا لن حيدث بسرعة أو يف
1
احلال ،وإمنا بالتدريج".
استش هدت هبذا التنب أ لمAAارجرت ميد ألن ين من خالل حبثي واملق ابالت ال يت أجريناه ا م ع
األس ر ورغم أن املوض وع ح ول الرابط ة القرابي ة ،لكن متثالت القرابي ة يف جمتم ع البحث
أوض حت أن األس رة النووي ة أص بحت يف الكث ري من األحي ان حتت اج ألش خاص كث ريين
ملس اعدهتا ،ح ىت تس تمر وتنجح فوح دها غ ري ق ادرة على االس تمرار ،وه ؤالء املس اعدين ق د
يكون ون أق ارب ،كم ا ق د اليكون ون ،ويف الغ الب من األحي ان هم مس اعدون يتقاض ون راتب ا
مقابل اخلدمة ،كاحلضانة واخلادمان يف املنزل....اخل ،وهذا ما بدأ يصل جملتمعاتنا العربية ،وفعال
ما الحظته خالل امليدان على أن األسرة النووية يتضاعف عددها يف اجملتمع احلضري الصناعي،
أي يف املدن الكربى،كما أن النساء العامالت تزايد عددهن نظرا للمعيشة الصعبة ،من أجل
مس اعدة الرج ل وإثب ات الوج ود ال ذايت والنفس ي ،فتع ودن على العم ل خ ارج املنزل وأصبحن
حباجة ماسة للمساعدة داخل البيت فاضطررن إلحضار املربيات واملساعدات واخلادمات.
هذا هو حال األسرة النووي ة العامل ة يف جمتم ع الدراس ة ،مما أدى إىل تقلص الروابط القرابية
ونقص الزي ارات وبالت ايل زي ارة الوال دان بدرج ة كب رية ،وم ا ع داهم ن ادرا م ا ت أيت املناس بة
للزيارة ،كما يبدو أن اجملتمع اجلزائري وبعد دخوله إىل مرحلة صناعية حضرية متقدمة ،ومع
مرور الزمن ضعُفت فيه الروابط القرابية ،لكن ليس مبعناها اخلطري ألن هذا الضعف ،قد يظهر
جليا يف املدن الكربى مثل والية وهران ،وذلك حسب مالحظايت ودراسيت امليدانية.
إذن ميكنن ا الق ول أن األس رة يف اجملتم ع املدروس ،ليس ت مبع زل عن التغ ريات احلاص لة على
املستوى الوطين وحىت العاملي ،فهي يف تفاعل مستمر مع هذه التغريات ،إال أﻬﻧا ال تزال حريصة
على الع ادات والتقالي د والقيم واألع راف ،وال دين ،والنظ رة اجلماعي ة للس لوك الف ردي ال ذي
يتمثل يف رقابة وضبط سلوك كل فرد من األسرة ،مع توجيه الوجهة اليت ترفع مركز األسرة
يف اجملتمع وحتافظ على شرفها ،حيث يرجع ذلك إىل قوة التقاليد والرتاث املشرتك من جهة،
1
سناء اخلويل ،مرجع سابق،ص.34
324
وما تركه اإلسالم من آثار قوية يف التقاليد األسرية من جهة أخرى ،كما أثرت احلياة يف املدينة
على األسرة اجلزائرية املمتدة من حيث البناء والسلطة ،والزواج واإلجناب والوظائف التقليدية
هلا كالرتبية والضبط االجتماعي ،والدفء العاطفي ألفرادها ،وذلك بدرجات متفاوتة نتيجة
اختالف املستويات االقتصادية ،واالجتماعية ،والثقافية ،ومناطق اإلقامة لكل أسرة.
زيادة على ذلك فإن ضـعف العالقـات الوديـة القرابية بني األسر أدى إلـى إضـعاف الضـبط
االجتماعي التقليـدي فـي املنطقـة احلضـرية ،مما أدى إىل تغيـر كبيـر ،يف القـيم لـدى األفـراد مبجـرد
انتقـاهلم مـن الريـف إىل احلض ر ،وه ذا م ا وج دناه يف بعض األس ر ال يت ال تُنش أ أبناءه ا ،على
الزي ارة القرابية ،فت رتك ه ذه اهلوة بني األبناء ،وغالبا ما يكون هؤالء األبن اء ،ح ىت وإن حيثهم
Arnold Joseph Toynbee آب ائم على ذل ك ،فال يهتم ون ل ذلك ،حيث يـرى تـوينبي
"ب أن البل دان املص نعة والس ائرة يف طري ق التص نيع ت زداد فيه ا اهلوة بني املـراهقني والكب ار ،ألن
التوجيهـات واإلرشـادات املوجهـة إلـى األبنـاء مـن قبـل الوالـدين واجلـدات ،تكـون غيـر جمديـة،
وال خيضـعون هلـا هـذا كـون اجليـل اجلديـد ُمعـرض لتـأثريات جديـدة ،تعكـس معـايري وقـيم
التحضـر والتصـنيع ،فيُصـبح الشــاب أو املراهـق معـرض لتـأثريات األصـدقاء ،ومجاع ة الرف اق
وتوجيه اهتم ،مما يقل ل من االرتب اط باألس رة املمت دة أو العائل ة الكب رية ،وتقـل مكانـة املس ن،
في ذهب األبنـاء إلـى املـدارس ويتعلمـون فيهـا املعـايري احلضـرية اجلديـدة وحيملـون خ واص،
1
وصفات ،ومعرفة العامل املعاصر واحلديث".
ومن هنا نستخلص أمهية األسرة يف اجملتمع اجلزائري كقيمة ،دافع عليها يف السابق وحافظ
عليه ا يف احلاض ر وذل ك من خالل الق وانني ال يت تعت ين ﻬﺑا من أج ل محايته ا ،من الت دهور
واالس تالب ال ذي تعرض ت ل ه يف الف رتة األخ رية ،حيث نالح ظ املعان اة النفس ية ،واألزم ة
األخالقية اليت أفرزﻬﺗا التحوالت احلضارية املعاصرة ،واليت طبعت احلياة األسرية بكل مظاهرها
دون متحيص بني النسقني اإلسالمي" و "الغريب".
. 1معن خليل العمر ،التغير اإلجتماعي ،مرجع سبق ذكره ،ص 83.
325
كما وجدنا أن وسيلة األنرتنت أخذت مكانة كبرية يف احلياة املعاصرة ،لدى األسر اجلزائرية
حيث أص بح الراب ط ال رقمي ،املمث ل يف وس يلة االن رتنت عن د الش باب يش كل الب ديل للرابط ة
االجتماعية من خالل جتنب اللقاءات االجتماعية املباشرة مع أفراد األسرة املوسعة ،وأصدقاء
الدراسة والعمل ،واجلريان وغريها من الروابط االجتماعية اليت تنسجها وسيلة االنرتنت.
يعين هذا أن األنرتت مبا فيها من وسائل التواصل االجتماعي ،أنقصت من الروابط الفعلية
االجتماعية ،وهذا ما توصل إليه الباحث محمAAد خليفة– 1بAAاحث احتمAAاعي جزائAAري جامعAAة
مستغانمA-من خالل دراسة ميدانية نشرها يف مقال له بعنوان"إشكالية الرباط AاالجتمAاعي في
ظAA Aل اسAA Aتخدام وسAA Aائل االتصAA Aال الحديث AA Aة وسAA Aيلة االنAA Aترنت نموذجا" توض ح أن الرابط ة
االجتماعي ة متر بأزم ة الض عف والتالش ي يف اجملتم ع اجلزائ ري ،عن د فئ ة الش باب فهي رواب ط
اصطناعية وافرتاضية مؤقتة ،وأقل عمقا ومحيمية ،فمن خالل الدراسة امليدانية استخلص أيضا
أن التفاعلية اليت جاءت هبا وسيلة االنرتنت أدت اىل بناء فضاء للذات عند فئة الشباب ،مبعىن
أن كل شاب أصبح هو صاحب القرار يف كل شىء ،كاختيار العالقات االفرتاضية ،وهذا ما
يس ميه بعض العلم اء بالوحداني ة التفاعلي ة كأمث ال الع امل Wolton.D 1997أو االس تقاللية
العالئقية ،كالعامل ،Pasquier.D 2008فهذه التفاعلية أدت اىل زيادة الروابط االجتماعية
املختارة ،عند فئة الشباب اجلزائري ،كما أن ميزة الرباط االجتماعي يف ظل استخدام وسيلة
االنرتنت ميكن قطعه يف أي حلظة مبجرد الضغط على زر رفض االصدقاء.
هذا يؤكد على أن وسيلة األنرتنت زادت من حجم الروابط االجتماعية االفرتاضية ،عند فئة
الشباب بفضل مواقعها كمواقع الدردشة ،أو شبكاهتا االجتماعية ،كالفايس ب وك ،وباملقابل
قلص ت من الرواب ط االجتماعي ة احلقيقي ة كالقراب ة واألس رة ،ويظه ر ذل ك من خالل مؤش ر،
تقلص الف رتة الزمني ة املخصص ة للعالق ات االجتماعي ة ،س واء عالق ات أس رية قرابي ة أو
جوارية...مبعىن أن األفراد أصبحت لديهم فضاءات إجتماعية أخرى ،منها االفرتاضية أو العامة
تُغين عن الروابط القرابية احلقيقية،كما أن الفرد يلجأ إليها يوميا وال يسأم منها.
.1انظر:حممد خليفة ،إشكالية الرباط االجتماعي يف ظل استخدام وسائل االتصال احلديثة وسيلة االنرتنت منوذجا،مجلة الحوار
الثقافي ،عدد 7صيف وخريف .2015
326
ورمبا تبقى احلل ول من أج ل إنع اش الرابط ة القرابي ة وعودهتا إىل التواص ل احلقيقي ،يتمث ل يف
التقنني من وسائل التواصل االجتماعي واألنرتنت ،وذلك مبسامهة من اآلباء وكبار السن ،مثلما
شاهدناه بصورة مت تداوهلا إلكرتونيا ،لسيدة تركية اضطرت إىل جتميع اهلواتف النقالة ،يف كل
جتمع أسري على أن ال أحد يستلم جواله إال عندما يريد مغادرة جملس القرابة ،ملنع االنشغال
بالفايسبوك عن التجمعات العائلية والقرابية.
إذن كانت هذه الدراسة للوقوف على طبيعة الروابط القرابية وقوهتا يف اجملتمع احلضري،
فتبني أن الروابط القرابية مل تضعف بالصورة اليت صورها البعض بالرغم من ترك مكان اإلقامة
األص لي أو اإلقام ة يف مك ان جدي د ،بك ل متغريات ه ،وإن ك ان ذل ك ال ينفي ح دوث تغ ري يف
الرواب ط القرابي ة ولكن ليس ت بالص ورة ال يت يتوقعه ا البعض من تفك ك كام ل لك ل مجاع ات
القرابة.
ومن هذا ميكن القول أن األسرة ميكن هلا االحتفاظ بروابطها القرابية يف ظل اجملتمع احلضري
إال أن الثقافة احلضرية قد تسيطر بشكل كبري على السلوك ،ولكن العامل القوي الذي بإمكانه
أن جيعل اجملتمعات اإلسالمية حتافض على روابطها القرابية ،هو عامل الدين ،فالحظنا أن أفراد
جمتمع البحث يدركون مدى أمهية صلة الرحم يف الدين ،واجملتمع ،وخاصة مع العائلة الكبرية،
أي األق ارب من الدرج ة األوىل ،فكلهم يؤك دون على أن اآلب اء واإلخ وة هم األف راد ال ذين
يستحقون الصلة بدرجة كبرية ،وما عداهم غري ضروري يكون غالبا يف املناسبات فقط ،حيث
يدل هذا على أن جمتمع الدراسة ،جمتمع متماسك يف عالقاته القرابية ،للدرجة القرابية األوىل
املتمثلة يف الوالدان والرابطة موجودة ليست ضعيفة ،لكن اإلشكال هنا هو أن األفراد ابتعدوا
عن األقارب البعيدين كاألعمام واألخوال وأبنائهم ،علما أهنم يعتربون صلة رحم أيضا.
فعلى رغم من التحض ر املوج ود يف اجملتم ع احمللي املدروس ،ف إن الرواب ط والعالق ات القرابي ة
وأمناط املس اعدة بني األس ر تبقى متواص لة ،ه ذه األمناط املتعلق ة باملس اعدة والتع اون تن درج
أساس ا يف تب ادل اخلدمات ،واهليئ ات واملس اعدات املالي ة ،إض افة إىل ذل ك تُعت رب األنش طة
االجتماعي ة وظ ائف رئيس ية ،لش بكة الرواب ط القرابي ة وأش كاهلا األساس ية ،تتمث ل يف تب ادل
327
الزيارات العائلية واالشرتاك يف أنشطة ترفيهية ،باعتبار أن زيارة األقارب هي نشاط رئيسي يف
جل املنازل احلضرية ،وأبرز دليل على عدم زوال الروابط القرابية هو اخلدامات واملساعدات
اليت تقدم من التسوق ،واملرافقة والعناية باألطفال ،تقدمي النصيحة واملشورة ،واملساعدات اليت
تقدم خاصة يف األفراح واملناسبات وخالل األزمات اليت متر هبا األسرة ،وكذا خالل احلوادث
واملشاكل والشجارات وغريها.
وتبقى طبيع ة الرواب ط االجتماعي ة القرابي ة تق وم على عام ل ال دين وال واجب ،خاص ة م ع
الوالدان واإلخوة ،ولكن طبيعتها ختتلف مع غري هؤالء األقارب ليتدخل فيها اجلانب العقالين،
وتتدخل املصلحة والفائدة كما يقول أفراد العينة على األقارب الذي يصلون أقارهبم سوف
يعاملون باملثل يف غالب األحيان ،مبعين تصلين أصلك.
328
المصادر والمراجع
329
.IIالمراجع Aباللغة Aالعربية
.1الكتب
.1أبراش إبراهيم ،علم االجتماع السياسي ،األردن ،دار الشروق للنشر والتوزيع.1998 ،
.2ابراهيم عثمان وقيس النوري ،التغير االجتماعي ،الشركة العربية املتحدة للتنسيق
والتوريدات ،مصر القاهرة .2008 ،
.3إبراهيم حممد عباس ،التصنيع والتحضر دراسة أنثروبولوجية لمدينة كيما بأسوان ،دار
املعرفة اجلامعية ،مصر ،االسكندرية.2001،
.7أجريون شارل روبريت ،تاريخ الجزائر المعاصر ،تر:عيس عصفور ،ط ،3منشورات
عويدات لبنان ،بريوت.1990 ،
.8أمحد غنيم حممد ،المدينة دراسة في األنثربولوجيا الحضرية ،Aدار املعارف اجلامعية،
اإلسكندرية .1987
.9األبياري عواطف فيصل ،المدينة Aوالتحضر ،دار النهضة العربية مصر ،القاهرة.1986،
.10األمحر أمحد سامل ،علم االجتماع األسرة بين التنظير والواقع المتغير ،دار الكتاب
اجلديد املتحدة ،لبنان ،بريوت ،ط.1،2004
.11اجلابري حممد عابد ،العصبية و الدولة A،معالم نظرية خلدونية في التاريخ اإلسالمي،
دار الطليعة للطباعة والنشر ،لبنان ،بريوت ،ط.1982 ،1
330
.12اجلوهري حممد واخلرجيي عبد اهلل ،مناهج البحث في علم االجتماع ج ،2السعودية،
جدة ط ،2دار الشروق جدة.1980،
.13اجلوهري حممد ،األنثروبولوجيا:أسس Aنظرية Aو تطبيقات Aعملية،دار املعرفة اجلامعية ،
مصر . 1999
.14احلسن احسان حممد ،المدخل إلى علم االجتماع ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،ط،1
لبنان بريوت. 1988 ،
.15احلسن إحسان حممد ،النظريات االجتماعية المتقدمة ،دار وائل للنشر ،األردن ،عمان،
ط2005 ،1
.16احلسن احسان حممد ،العائلة Aوالقرابة والزواج ،Aدار الطليعة ،ط ،2األردن ،عمان،
.1985
.17احلصري ساطع ،دراسات عن مقدمة ابن خلدون ،مصر ،القاهرة ،مكتبة اخلاجني،
.1961
.18اخلشاب مصطفى ،دراسات في االجتماع العائلي،لبنان،بريوت،دار النهضة العربية،
1985
.19اخلشاب مصطفى سامية ،النظرية Aاالجتماعية ودراسة األسرة ،دار املعارف ،القاهرة،
مصر 1982
.20اخلواجة حممد ياسر ،علم االجتماع الحضري بين الرؤية النظرية Aوالتحليل الواقعي،
دار ومكتبة االسراء للطبع والنشر والتوزيع ،مصر،ط.1،2008
.21اخلويل سناء ،األسرة والحياة Aالعائلية ،دار النهضة العربية ،لبنان ،بريوت.2009،
.22الدقس حممد ،التغير االجتماعي بين النظرية Aوالتطبيق ،دار جمدالوي ،عمان ،االردن،
.1996
331
.23السمالوطي نبيل حممد توفيق ،البناء النظري لعلم االجتماع ،دار الكتب اجلامعية ،ج،1
مصر ،االسكندرية1974 ،
.24السمالوطي نبيل حممد توفيق،علم االجتماع التنمية ،ط ،2االسكندرية ،اهليئة املصرية
العامة للكتاب1978 ،
.26السويدي حممد ،مقدمة Aفي دراسة اﻟﻤﺠتمع Aالجزائري ،ديوان املطبوعات اجلامعية،
اجلزائر،ب،س.
.27السيد حنفي عوض ،علم اإلنسان ،املكتب اجلامعي احلديث ،اإلسكندرية ،مصر،
2010
.28السيد الشخصي عبد العزيز ،علم النفس Aاالجتماعي ،مكتب القاهرة للكتاب ،مصر،
القاهرة ،ط.2001 ،1
.29السيد عبد العاطي السيد ،علم االجتماع الحضري ،مدخل نظري ،ج ،1دار املعرفة
اجلامعية،مصر ،االسكندرية1990 ،
.30السيد عبد العاطي السيد ،علم اإلجتماع الحضري ،ج 2دار املعارف اجلامعية ،مصر،
اإلسكندرية. 1996 ،
332
.34الطنويب حممد عمر ،التغير االجتماعي ،منشأة املعارف باإلسـكندرية ،جـالل حـزي
وشـركائه ،جامعـة اإلسـكندرية ،وجامعة عمر املختار ليبيا.1996 ،
.35العتوم عدنان يوسف ،علم النفس Aالجماعة ،Aإثراء علم النفس للتوزيع ،عمان ،األردن،
ط. 2008 ،1
.36العطوي عبد اهلل ،جغرافية المدن ،ج،3دار النهضة العربية ،لبنان ،بريوت2003،
.37العقيل حممد بن عبد العزيز ،حقيبة مهارات االتصال ،مركز التنمية األسرية باألحساء،
السعودية ،ه1430
.38الفوال صالح مصطفى ،علم االجتماع البدوي ،مصر ،القاهرة ،دار النهضة العربية.
.39الفوال صالح مصطفى ،التصور القرآين للمجتمع ،األنساق والنظم االجتماعية ،دار
الفكر العريب ،مصر،ب،س.
.40املنجي حامد ،توظيف مفهوم العصبية في دراسة المجتمع العربي المعاصر ،تونس،
صفاقص ،ط.1،2004
.41الكردي حممود ،التحضر دراسة إجتماعية ،دار املعارف ،مصر ،القاهرة.1986 ،
.42الكردي حممود ،التحضر دراسة إجتماعية القضايا والمناهج ،دار قطري بن الفجاءة،
الدوحة.1998 ،
.43الكندري أمحد ،علم النف ــس األسري ،مكتبة الفالح للنشر والتوزيع ،لبنان ،بريوت،
2005
.44النعيم عزيزة عبد اهلل العلي ،التنظيم اإلجتماعي الحضري ،املعهد العريب إلمناء املدن،
السعودية.1991 ،
.45النوري قيس ،األنثروبولوجيا الحضرية بين التقليد والعولمة ،Aمؤسسة محادة للدراسات
اجلامعية والنشر والتوزيع ،األردن ،ط.1،2001
333
.46بن أمحودة حممد ،األنثروبولوجيا البنيوية أو حق االختالف ،ط ،1دار حممد علي
احلامي ،تونس ،صفاقس .1987،
.47بن نيب مالك ،ميالد المجتمع ،شبكة العالقات Aاالجتماعية ،تر:عبد الصبور شاهني ،ج
1ط ،3دار الفكر ،احلراش ،اجلزائر.1986،
.48بن نيب مالك ،شروط النهضة ،تر:عمركامل مسقاوي ،عبد الصبور شاهني ،ط ،4دمشق
،سوريا ،دار الفكر بالتعاون مع امللكية لإلعالم ،اجلزائر ،احلراش.1987،
.49بسيوين رسالن ،السياسة واالقتصاد عند ابن خلدون ،مصر ،القاهرة ،دار قباء1999 ،
.50بوحوش عمار ،دليل الباحث في المنهجية وكتابة الرسائل الجامعية ،Aاملؤسسة الوطنية
للكتاب1985 ،
.51بوذراع أمحد ،التطور الحضري والمناطق المختلفة في المدن ،منشورات طبعة باتنة
اجلزائر ،ب،س.
.52بوطالب جنيب حممد ،سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي ،لبنان ،بريوت ،ط،1
مركز دراسات الوحدة العربية.
.53بوخملوف حممد ،التحضر ،دار األمة للطباعة والنشر والتوزيع ،اجلزائر ،ط.1،2001
.54بوخملوف حممد ،الروابط االجتماعية ومشكلة الثقة ،من الروابط االجتماعية في
المجتمع الجزائري A،يف فعاليت امللتقى الوطين الرابع لقسم علم االجتماع ،يوم6و7نوفمرب
،2006منشورات كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جامعة اجلزائر. 2008-2007،
.55بوحيياوي عبد الكرمي ،تفكك الرابطة االجتماعية عرب وسائل االتصال من األنوميا إىل
ظاهرة اخلواء االجتماعي ،من الروابط االجتماعية في المجتمع الجزائري ،Aفعاليات امللتقى
الوطين الرابع لقسم علم االجتماع ،يوم6و7نوفمرب ،2006منشورات كلية العلوم االنسانية
واالجتماعية جامعة اجلزائر .2007،2008
334
.56تيليون جرمني ،الحريم وأبناء العم Aتاريخ النساء في مجتمعات المتوسط ،تر:عز الدين
اخلطايب وإدريس الكثري ،ط ،1دار الساقي ،لبنان ،بريوت.1966،2000 ،
.57توشار جان ،تاريخ الفكر السياسي ،تر :علي مقلد ،ط ،2الدار العاملية للطباعة والنشر
والتوزيع ،لبنان ،بريوت .1983
.58جابر عوض سید،التكنولوجیا والعالقات Aاالجتماعیة ،دار املعرفة اجلامعیة. 1996 ،
.59جغلول عبد القادر ،تاريخ الجزائر الحديث ،دراسة سوسيولوجية ،تر:عباس فيصل،
بريوت ،دار احلداثة مع ديوان املطبوعات اجلامعية ،ط1983
.60مجيل سعيد ،دراسات في المجتمع العربي ،دار اخلليج للصحافة والطباعة والنشر،
الشارقة ،اإلمارات العربية املتحدة.1987،
.61محداوي حممد ،القرابة والسلطة عند ابن خلدون ،البذور الجنينية لألنثربولوجيا
السياسية ،وقائع امللتقى أي مستقبل لالنثربولوجيا يف اجلزائر ،تيميمون1999 ،
.62حسن السعايت سامية ،السحر والمجتمع،دراسة نظرية ميدانية ،Aط ،2لبنان ،بريوت،
دار النهضة العربية.1983 ،
.63حي الدين خمتار ،محاضرات في علن النفس Aاالجتماعي ،ديوان املطبوعات اجلامعية
اجلزائرية.1986 ،
.64خروف محيد وآخرون ،اإلشكاالت النظرية Aوالواقع A،دار البعث ،اجلزائر ،قسنطينة،
.2007
.65خريف حسني ،المدخل إلى االتصال والتكيف االجتماعي ،خمرب علم اجتماع االتصال
للبحث والرتمجة ،جامعة قسنطينة.2005 ،
.66خليل تركية هباء الدين ،علم االجتماع العائلي ،ط ،1األهايل للنشر ،دمشق،
سوريا.ب،س .67خواجة عبد العزيز ،العالقات االجتماعية في النص Aالقرآني ،دراسة
سوسيولوجية ،دار صفحات للدراسة والنشر ،سورية ،دمشق ،ط.2007 ،1
335
.68رشوان حسن عبد احلميد أمحد ،األنثروبولوجيا في المجالين النظري والتطبيقيA،
املكتب اجلامعي احلديث ،مصر ،القاهرة.& 2003،
.69رشوان حسني عبد احلميد أمحد ،المدينة دراسة في علم االجتماع الحضري ،مؤسسة
شباب اجلامعة ،مصر،اإلسكندرية،ب،س.
.70رشوان حسني عبد احلميد ،مشكالت المدينة ،املكتب العلمي للكمبيوتر والنشر
والتوزيع ،اإلسكندرية ،مصر1997 ،
.71روسو جان جاك ،العقد االجتماعي ومبادئ القانون السياسي ،تر :بولس غامن ،اللجنة
اللبنانية ،لبنان.1972 ،
.72روسو جان جاك ،إميل،تر:نظمي لوقا ،الشركة العربية للطباعة والنشر ،مصر،القاهرة،ب
س.
.73زائد أمحد ،علماء االجتماع بين االتجاهات Aالكالسيكية والنقدية ،Aدار املعارف،
القاهرة مصر.1981 ،
.74زياد محدان حممد ،زواج سليم لبناء أسرة سليمة(بناء األسرة الفعالة) ،Aدار الرتبية
احلديثة دمشق ،سوريا.2006،
.75سكوت جون ،علم االجتماع المفاهيم Aاالساسية ،تر:حممد عثمان ،بريوت ،لبنان،
الشبكة العربية لألحباث والنشر،ط.1،2009
.76شرايب هشام ،البطركية ،حبث يف اجملتمع العريب املعاصر ،دار الطباعة ،لبنان،
بريوت،ب،س.
.77شفيق وجدي ،علم االجتماع الحضري والصناعي ،دار مكتبة االسراء ،أسيوط،
2007
.78شريف فاتن ،األسرة والقرابة دراسة أنثروبولوجية اجتماعية ،دار الوفاء لدنيا الطباعة
والنشر ط ،1مصر ،االسكندرية .2006 ،
336
.79شكري علياء ،االتجاهات المعاصرة في دراسة األسرة ،دار املعرفة اجلامعية1996 ،
مصر ،القاهرة
.80شوقي عبد املنعم ،مجتمع المدينة ،Aدار النهضة العربية ،بريوت ،ط.1981 ،7
.81طلعت حممود منال ،مدخل إلى علم االتصال ،املعهد العايل للخدمة االجتماعية ،جامعة
اإلسكندرية ،مصر ،االسكندرية.2002 ،
.82عبد الواحد مصطفى ،االسرة في االسالم ،دار االعتصام ،مصر ،القاهرة.1980 ،
.83عاطف غيث حممد ،علم االجتماع الحضري مدخل نظري ،دار النهضة العربية ،لبنان،
بريوت ،ب،س.
.84عامر مصباح ،المدخل إلى األنثروبولوجيا ،دار الكتاب احلديث ،القاهرة ،مصر،
.2010
.85عباس إبراهيم حممد ،علم اإلنسان ،دار املعرفة اجلامعية ،مصر ،القاهرة.2006 ،
.86عمر اجلوالين فادية ،التغير االجتماعي مدخل النظرية Aالوظيفية Aلتحليل التغير ،مؤسسة
شباب اجلامعة ،مصر ،االسكندرية.1993،
.87عمر خريي جمد الدين ،العائلة Aوالقرابة في المجتمع العربي ،ط ،1احتاد اجلامعة العربية،
األردن ،عمان .1985
.88عمر خريي جمد الدين،العالقات Aاالجتماعية في بعض األسر النووية Aاألردنية ،عمان
اجلامعة األردنية ،األردن ،عمان1985،
.91عوض السيد حنفي ،علم االجتماع الحضري ،شركة األمل للطباعة والنشر ،مصر،
القاهرة.1986 ،
337
.92عوض السيد حنفي،علم االنسان ،دراسات وحبوث يف ثقافة الشعوب واجملتمعات ،مصر
االسكندرية.2010،
.93غامري حممد حسن ،مقدمة في االنثروبولوجيا العامة ،Aديوان املطبوعات اجلامعية،
اجلزائر ،بن عكنون ،بدون سنة.
.95غريب حممد سيد أمحد ،تشارلز هورتون كولي ،دار املعرفة اجلامعية ،مصر ،االسكندرية،
.1981
.96غالب حممد السيد وآخرون ،جغرافيا الحضر ،دراسة يف تطور احلضر ومناهج البحث
فيها ط ،1القاهرة ،مصر ،دار الكتب اجلامعية.1972 ،
.97فؤاد محيدو حممد فادية ،البنائية عند ليفي ستروس ،دار املعرفة اجلامعية ،مصر،القاهرة،
.2006
.98قباري حممد إمساعيل ،علم االجتماع الحضري ومشكالت التهجير والتغيير والتنمية،
منشآت املعارف للنشر ،مصر ،اإلسكندرية1986 ،
.99قباري حممد إمساعيل ،أسس البناء االجتماعي ،مصر ،اإلسكندرية ،منشأة املعارف،
1989
.100قرية إمساعيل ،علم اإلجتماع الحضري ونظریته ،Aمنشورات جامعة منتوري قسنطينة،
2004
.101الكوست ايف ،ابن خلدون واضع علم ومقرر استقالل ،بريوت ،لبنان1954 ،
.102المربت ،وليم ،والمربت،ووالس ،علم النفس االجتماعي ،تر:سلوى املال،ط ،2دار
الشروق ،مصر ،القاهرة .1993
.106حمجوب حممد عبده ،انثروبولوجيا الزواج Aواألسرة والقرابة ،Aدار املعرفة اجلامعبة،
مصر ،االسكندرية .1985
.107حمجوب حممد عبده ،االتجاه السوسيو أنثروبولوجي في دراسة المجتمع ،الناشر
وكالة املطبوعات ،الكويت ،ب،س.
.108جمموعة من الباحثني ،األسرة والطفولة ،دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية ،دار
املعرفة اجلامعية ،مصر ،االسكندرية ،ط ،1ب،س.
.109معتوق مجال ،قراءة نقدية يف الروابط االجتماعية ،حالة اجملتمع اجلزائري ،من الروابط
االجتماعية في المجتمع الجزائري ،Aفعاليات امللتقى الوطين الرابع ،لقسم علم االجتماع،
يومي 6و 7نوفمرب ،2006منشورات كلية العلوم االنسانية واالجتماعية ،اجلزائر -2007
.2008
.110مصباح عامر ،علم االجتماع الرواد و النظريات ،دار األمة للطباعة والنشر والتوزيع،
اجلزائر برج الكيفان ،ط2006 ،1
.111معن خليل العمر ،علم اجتماع األسرة ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،األردن ،عمان،
ط.2000 1
.112معن خليل عمر ،البناء االجتماعي أنساقه ونظمه ،دار الشروق للنشر والتوزيع،
األردن ،ب.ت.
.113حممد علي حممد ،تاريخ علم االجتماع ،الرواد واالجتاهات املعاصرة ،دار املعرفة
اجلامعية ،مصر ،االسكندرية. 1986 ،
339
.114مغريب عبد الغين ،الفكر االجتماعي عند ابن خلدون ،تر:حممد الشريف بن دايل سني،
اجلزائر ديوان املطبوعات اجلامعية.1988 ،
.115حممد حافظ ،النمو الحضري في المجتمع المصري ،دراسة بنائية تارخيية ،دار سعيد
رأفت للطباعة والنشر ،مصر ،القاهرة.1987،
.116حمدة حممد ،الخطبة والزواج ،Aج ،1اجلزائر ،باتنة ،مطبعة الشهاب ،ط.1994 ،2
.117حمجوب حممد عبده ،وآخرون ،دراسات في المجتمع البدوي ،Aدار املعرفة اجلامعية،
األزاريطة ،مصر. 1998 ،
.118حمجوب حممد عبده ،طرق البحث االنثروبولوجي ،دار املعرفة اجلامعية ،مصر،
االسكندرية ،ب.س.
.119حمجوب حممد عبده ،أنثروبولوجية الزواج واألسرة والقرابة ،دار املعرفة اجلامعية،
اإلسكندرية1985 ،
.120نادر طالب شوامرة ،علم النفس Aاالجتماعي ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،األردن،
عمان ط.1،2014
.121نيقوال تيماشيف ،نظرية علم االجتماع ،طبيعتها وتطورها ،ترمجة حممود عودة
وآخرون ،دار املعارف ،القاهرة ،مصر ،ط8،1983
.122هيكل سعيد أمحد ،علم االجتماع الحضري ،ط ،1دار أسامة للنشر والتوزيع،
األردن ،عمان.2011 ،
.123وصفي عاطف ،األنثروبولوجية الثقافية ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر ،لبنان،
بريوت . 1981
.2الموسوعات
340
.1أبو مصلح عدنان،معجم Aعلم االجتماع ،دار أسامة للنشر والتوزيع ودار املشرق الثقايف،
األردن ،عمان،ط.1،2006
.2اجلاسور ناظم عبد الواحد ،موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية Aوالدولية ،Aط،1
لبنان ،دار النهضة العربية.2008،
.3احلسن احسان حممد ،موسوعة علم االجتماع ،الدار العربية للموسوعات ،لبنان ،بريوت
1999
.4احلنفي عبد املنعم ،الموسوعة النفسية ،علم النفس والطب النفسي يف حياتنا اليومية ،ط،2
مكتبة مدبويل ،مصر ،القاهرة2003 ،
.6بدوي أمحد زكي ،معجم مصطلحات العلوم الجتماعية ،مكتبة لبنان ،لبنا ،بريوت،
.1993
.6بيار بونت ،معجم Aاالثنولوجيا واالنتروبولوجيا ،تر:مصباح الصمد ،لبنان ،بريوت،
املؤسسة اجلامعية للدراسة والنشر والتوزيع2006 ،
.7بودون ،رميون وبوريكو ،فرانسوا ،المعجم Aالنقدي لعلم االجتماع ،تر:سليم حداد،
اجلزائر ،ديوان املطبوعات اجلامعية .1986،
.8دينكن ميشيل ،معجم علم االجتماع ،تر:إحسان حممد احلسن ،ط ،2دار الطباعة
والنشر ،لبنان ،بريوت .1986
.9رشيد فكار ،معجم Aموسوعي عالمي ،دار النشر العاملية فيشر ،باريس1980 ،
341
.10صاحل بن عبد اهلل بن محيد ،عبد الرمحان بن حممد بن عبد الرمحان بن ملوح ،موسوعة
نظرة النعيم في مكارم أخالق الرسول الكريم ،ط 1السعودية ،جدة ،دار الوسيلة للنشر
والتوزيع .1998 ،
.11عاطف غيث حممد ،قاموس علم االجتماع ،تر:ابراهيم جابر ،دار املعرفة اجلماعية،
مصر ،اإلسكندرية. 2012 ،
.13مداس فاروق ،قاموس مصطلحات علم االجتماع ،دار مدين للطباعة والنشر والتوزيع،
بدون سنة.
ُ .16معن خليل العمر ،معجم علم االجتماع المعاصر ،األردن ،عمان ،دار الشروق للنشر
والتوزيع. 2000 ،
.17شاكر مصطفى سليم ،قاموس األنثروبولوجيا ،إنكليزي عربي ،ط .1،1981
.18خنبة من أساتذة علم االجتماع ،المرجع في مصطلحات العلوم االجتماعية ،دار املعرفة
اجلامعية اإلسكندرية ،ب.س.
.3المجالت
.1السلمان حممد عودة ،الرضاع وأحكامه يف الفقه االسالمي ،مجلة البحوث االسالمية،
العدد 37،1413ه.
.2خالد بن فافة ،مقاربة سوسيولوجية حلركية السلطة السياسية احمللية يف اجلزائر بلدية السانيا
منوذجا ،مقال جبريدة السفري العريب ،فلسطنيwww.arabi.assafir.com. 2013،
342
. 3خليفة حممد ،إشكالية الرابط االجتماعي يف ظل استخدام وسائل االتصال احلديثة ،مجلة
الحوار الثقافي ،العدد ربيع وصيف ،2015جامعة مستغامن.
.4عويف مصطفى"،خروج املرأة إىل ميدان العمل وأثره على التماسك األسري "،مجلة العلوم
اإلنسانية A،جامعة منتوري قسنطينة ،العدد 19جوان.2003،
.5شرع اهلل ابراهيم،دور العوامل السوسيوثقافية يف تأسيس الثقافة اجملتمعية لدى الشباب،مجلة
الشباب ومشكالت المجتمع ،العدد األول ،جانفي ،2013اجلزائر.
.6هاديف مسية ،رؤية سوسيولوجية يف مفهوم اهلوية الثقافية والعوملة،مجلة العلوم االنسانية
واالجتماعية ،جامعة 20أوت ،1955سكيكدة ،العدد 17ديسمرب .2014
.7هواري محزة ،مواقع التواصل االجتماعي وإشكالية الفضاء العمومي ،مجلة العلوم
االنسانية Aواالجتماعية ،العدد 20سبتمرب ، 2015 ،اجلزائر.
.4الرسائل الجامعية
.1بلخضر مزوار ،الدين والرباط Aاالجتماعي ،رسالة دكتورا ،جامعة وهران.2002 ،
.2حامدوش رشيد ،االستراتيجيات Aالعالئقية ،الرباط Aاالجتماعي وإشكالية التقاليدA
والحداثة A،من خالل التصورات الشبانية Aبمدينة الجزائر ،Aرسالة دكتوراه ،جامعة اجلزائر،
.2006،2007
.3سواملية نورية ،الرابط االجتماعي الحضري ،دراسة سوسيوأنثروبولوجية للعالقاتA
االجتماعية بين الجيران Aفي حي الهضاب بأرزيو والية وهران ،رسالة لنيل شهادة دكتوراه
علوم يف األنثروبولوجيا ،جامعة وهران2015، 2014،
.4عرعور مليكة ،األدوار الزواجية في األسرة الجزائرية المعاصرة ،رسالة دكتوراه ،جامعة
قاصدي مرباح.2005 ،
343
.5عياشي صباح ،االستقرار األسري وعالقته بمقايس التكافؤ والتكامل بين الزوجين في
ظل مختلف التغيرات التي عرفها المجتمع الجزائري ،Aرسالة دكتوراه ،جامعة اجلزائر،
.2008، 2007
.6حممد محداوي ،البنيات االسرية ومتطلباتها الوظيفية Aفي منطقة بني سنوس في النصف
األول من القرن Aالعشرين A،قرى العزايل دموذجا ،أطروحة دكتوراه دولة ،جامعة وهران،
.2005
.5مصادر أخرى
.1حجيج جنيد ،دروس في منهجية البحث االجتماعي ،لدفعة ماجستار اخللدونية وعلم
االجتماع السياسي، 2009، 2008،جامعة مستغامن.
344
المراجع باللغة الفرنسية.III
La bibliographie
I. Les Livres
345
12-FANON,Frantz,les damnés de la terr,la découvert,1961.
14-GODELIER,Maurice,L’énigme du don,Pari,fayard,1996.
346
sociologie le lien social en question qu’en savons-nous en Algérie?,
Université d’Alger,2006
347
04-H. Jannière, V. Devillard "Espace public, communauté et voisinage".
In : les espaces publics modernes. Collectif sous la direction de Picon
Lefebvre. Moniteur,1997, Paris
05-MOKADDEM, A Les effets du programme d’ajustement structurel sur
les ménages algériens" in REVUE DU CENEAP, n°15, Décembre 1999.
3.Dictionnnaires
348
المالحق
دليل المقابلة
349
.2نوع األسرة (نووية أم كبرية)،مهنة أفراد األسرة ،األصل اجلغرايف لألسرة ،املستوى االقتصادي
لألسر.
-3حتديد األقدمية يف املسكن وإذا انتقلت إليه حديثا ما سبب االنتقال إليه
-5ه ل املدين ة غرّي ت من طباع ك وقيم ك أم بقيت كم ا هي (يف حال ة اهلج رة من الري ف إىل
املدينة)؟
-6لديك أقارب يف املنطقة اليت تسكن فيها ؟ أم أهنم بعيدين عن مكان اقامتك؟
-8كيف تكون زيارتك ألقاربك؟ أسبوعيا ،شهريا ،يف األعياد واملناسبات ،حسب الظروف ،ال
تزورهم أبدا؟
-9يف حالة البعد عن األقارب وعدم رؤيتهم ما هي الوسيلة اليت تتصل هبا معهم ؟
-10يف رأيك هل تعتقد أن املدينة هلا دور يف تغرّي وسائل االتصال ؟و فيما يكمن هذا التغيري؟
-11هل لديك أقارب هنا يف املدينة حتتاجهم ،وال ميكنك االستغناء عنهم ؟ يف حالة اإلجابة
بنعم أذكرهم وملاذا ال تستغين عنهم ؟
-12هل الزوج أو الزوجة من األقارب؟ يف حالة اإلجابة ب نعم ،ما هي درجة القرابة؟
350
-14هل لديك من أقاربك من تتخذه صديق مقرب؟
- 15ه ل بُع دك عن األق ارب (البع د املك اين) جيعل ك ال ت زور أقارب ك أم العكس ،رغم البع د،
وتكون هناك زيارات؟ كيف ذلك و مىت؟
-16ه ل تش اركون أق اربكم يف ال رتويح عن النفس ،عن طري ق الزي ارات املتبادل ة؟ إذا ك انت
اإلجابة ب نعم حتدد أيام و أوقات الرتويح؟ وإذا كانت ب ال ،حيدد السبب؟
-17هل تتبادلون بعض اخلدمات مع أقاربكم؟ يف حالة اإلجابة ب نعم ،حتدد هذه اخلدمات؟
ويف حالة ال يذكر السبب؟ مثال يف حالة احتياجك للمال ،هل تقرتض من األقارب أم األصدقاء؟
- 18عندما حتتاج للمساعدة ،من هو ّأول شخص تتواصل معه؟ هل من أقربائك ام أشخاص
آخرين؟ ويف كلتا اإلجابتني يذكر السبب؟
-19يف األعراس و املناسبات وحىت املآمت ،كيف تكون هذه املمارسات؟ هل مقتنع هبا وتعجبك
أم العكس وملاذا؟
-المحور الخامس :تغيّر نمط األسرة وضعف الروابط القرابية داخل المجتمع الحضري
-20ما نوع األسرة اليت تعيشون فيها حاليا؟ (أسرة نووية أم كبرية)
-23ه ل تش عر بالراحة يف أس رتك النووية ،وه ل االس تقاللية عن أف راد عائلت ك ،جتعلك بعي د عن
الصراع األسري ؟
-25يف حال ة ح دوث ف رح أو ح زن ،يف اح د من ازل أقارب ك،كي ف يك ون التص رف داخ ل ه ذا
املنزل؟كصاحب بيت ،أم كضيف أو غريب عن البيت؟
351
-26يف املناسبات كاألعراس مثال ،كيف تكون اهلدايا غالية الثمن أم متوسطة؟ أم هي حسب معزة
ودرجة القرابة يف رأيك؟
-28يقول الدين االسالمي أن زيارة األقارب أي صلة الرحم واجبة ،مارأيك يف ذلك؟ وهل تقوم
بالزيارات باستمرار؟
التغري يف نظرك؟
-29هل وسائل التواصل احلديثة ،هلا دور يف التواصل القرايب ؟ وفيما يكمن هذا ّ
-30هل العيش يف املدينة هو الذي فرض عليك الزواج االغرتايب ،الذي يعين الزواج خارج دائرة
القرابة؟
-31هل الفرد يتعامل مع غري أقاربه يف حياته ،وحياة أسرته بدال من االعتماد على أقاربه؟ ملاذا ؟
-32ه ل ارتف اع األج ر أوال دخل األس ري ل ه دور يف تغرّي العالق ات القرابي ة وبالت ايل التغرّي يف منط
األسرة؟
352
مدينة السانيا
353
جدول رقم 7يتظمن المنشاءات القاعدية لمدينة السانية حسب احصائيات 2008
البريد
مؤسسات Aتربوية ثقافة ورياضة والمواص الالئحة القطاع
الت
مر قاعة
ملع مرك وك قبا قاع مر
دار ك متعد
متوس ثانوي مدا ز ب ضة الة ة كز مست
الشب ز دة سنة 2008
ات رس طات ريا بلد بري بري ص عال شفى
اب ثقا الخد
ي ضي دية دية حي ج
في مات
0 0 0 0 السا
02 07 27 01 01 02 01 02 00
1 1 2 4 نية
0 0 0 0 البلدي الك
02 08 08 00 00 01 00 01 01
3 2 4 6 ات رمة
سيد
0 0 0 0 ي
01 02 32 00 01 01 01 00 00
1 0 0 4 شح
مي
0 0 0 1 مجموعA
05 17 69 01 02 04 02 03 01
5 3 6 4 الدائرة
354
الجدول رقم 9توزيع عدد السكان حسب التجمعات السكنية لبلدية السانيا
تجمع ثانوي
تجمع التجمع
رائد
مجموع رئيسي عين المنطقة
بوعمامة شكالوة شريف
السانية المبعثرة البيضاء الجنس
يحي
46816 24712 519 858 4474 18861 1074 العدد ذكور
50,43 50,67 49,47 49,94 50,62 50,76 51,31 %
46010 24049 530 860 4364 18295 1019 العدد إيناث
49,56 49,32 50,52 50,05 49,37 49,23 48,68 %
92826 48761 1049 1718 8838 37156 2093 العدد مجموعA
100 52,00 1,00 1,00 9,00 40,00 2,00 %
355
شري
16
43 44 88 6 15 165 49 15 206 15 15 ف
E. 18 22 10
V
64 74 38 5 76 9 6 44 2 87 4 يح
ي
مفت
86 85 17 0 40 39 41 رق
/ 00 408 00 26 422 07 01
0 8 18 0 8 6 5 الط
رق
بوع
53 51 10 2 22 24 22
/ 00 247 00 01 244 11 01 مام
0 9 49 5 2 3 5
ة
24 24 48 3 الم
88 932 13 85 992 91 68
/ 04 71 76 50 9 44 51 جم
79 8 71 06 1 81 2
9 2 1 9 وع
الت
جم
22 20 21 41 2
77 807 11 75 871 75 60 ع
E. 94 03 97 39 1 84 45
V
63 2 08 24 6 33 6 الرئ
2 0 2 6
يس
ي
الم
40 46 46 92 6 17 16 17 جم
14 177 12 24 190 12 10
E. 01 81 82 1 02 42 11 وع
V
3 90 8 97 45 88 0
0 6 6 8 9 0 2 العا
م
356