You are on page 1of 9

‫المحاضرة رقم ‪50‬‬

‫المدرسة الطبيعية (الفيزيوقراطية)‬


‫تمهيد‪:‬‬
‫تميز القرن الثامن عشر بانتشار الفكر و النزعة العلمية في أوساط الباحثين و العديد‬
‫من الحقول المعرفية‪ ،‬فقد تقدمت في هذا القرن علوم الطبيعة و الكيمياء و الفلك و غيرها‬
‫من العلوم الطبيعية األخرى‪ ،‬و قد أثر هذا التطور على طريقة و منهج البحث لدى المفكرين‬
‫في العلوم اإلنسانية و االجتماعية‪ ،‬فشرعوا في دراسة مختلف سلوكات اإلنسان و عالقاته‬
‫باعتبارها خاضعة لقوانين تشبه القوانين التي تحكم مختلف الظواهر الطبيعية‪ ،‬و بذلك‬
‫اتجهت جهود المفكرين إلى تخليص العلوم اإلنسانية من كل أبعاد أخالقية أو معيارية‬
‫لتصبح تعبير عن عالقات وضعية و تفسيرية ظهرت الفيزيوقراطية في ظل هذه التحوالت‬
‫الفكرية الواسعة التي عرفها العالم األوربي‪ ،‬فهي تعتبر جزء من تيار ساد فرنسا و أسس‬
‫لعصر األنوار في القرن الثامن عشر الذي لمع في وسطه فولتير‪ ،‬مونيسكيو‪ ،‬روسو‪ ،‬ديدور‬
‫و غيرهم من فالسفة هذا العصر الذهبي من تاريخ أوربا الحديث‪ ،‬و قد تأثر الفيزيوقراطيون‬
‫بشكل كبير و مباشر بهذه النزعة العلمية والتجريبية التي اتضحت في أعمال رائد هذه‬
‫المدرسة الطبيب الفرنسي فرانسوا كيناي الذي قدم نظريته االقتصادية بناءا على تشبيه‬
‫العالقات االقتصادية لألفراد داخل الدولة بالعالقات التي تحصل بين األعضاء المكونة‬
‫للجسم اإلنساني‪ .‬هذه المحاوالت لفرانسوا كيناي و غيره من الباحثيين االقتصاديين مثل "وليام‬
‫بيتي"‪ ،‬تعكس رغبة كبيرة في إخضاع الظواهر اإلنسانية االقتصادية للدراسة العلمية الدقيقة‬
‫والموضوعية‪ .‬لتنبأ أعمال هؤالء بإحداث نقلة نوعية في دراسة االقتصاد و تحديد معالم‬
‫البحث في مختلف قضاياه‪ ،‬ما جعل البعض يعتقد بأن الفضل في ظهور علم االقتصاد‬
‫الحديث يرجع ألعمال الفيزيوقراطيين الذين حددوا نطاق البحث االقتصادي و مناهجه‬
‫وأهدافه‪ ،‬من خالل إدخال فكرة القوانين االقتصادية‪.‬‬
‫تعريف المدرسة الفيزيوقراطية‪:‬‬
‫تشير تسمية الفيزيوقراطية إلى مجموعة األفكار االقتصادية التي نشأت و سادت فرنسا‬
‫في نهاية حكم لويس ‪ ،15‬بحيث قام مجموعة من الفالسفة االقتصاديين (الطبيعيين) بتقديم‬

‫‪1‬‬
‫نظرية متكاملة عن النشاط االقتصادي‪ ،‬مبنية على دراسة اإلنسان وعالقته بالعالم الطبيعي‬
‫والفيزيوقراطيون أو الطبيعيون هم جماعة من النبالء و المالك الزراعيين‪ ،‬و العلماء و الذين‬
‫انضموا تحت راية االقتصادي الطبيب فرانسوا كيناي‪ ،‬الذي يعود له الفضل في وضع أسس‬
‫المدرسة الفيزيوقراطية و علم االقتصاد السياسي الحديث‪ ،‬بعد إصداره كتابه الشهير الذي‬
‫عنونه ب"الجداول االقتصادية" سنة ‪ ، 1551‬و هيمن على األفكار االقتصادية في فرنسا‬
‫إلى غاية قيام الثورة الفرنسية ‪.1571‬‬
‫لقد ولدت الفيزيوقراطية في عهد اتسم باالضمحالل االقتصادي‪ ،‬وبأزمة طويلة كونت‬
‫الواقع الموضوعي الذي هيأ الثورة الفرنسية‪ ،‬فجاءت بأفكار اقتصادية ذات طابع ثوري تمردي‬
‫واضح‪ ،‬نادت من خاللها إلى ضرورة الرجوع إلى األرض و الطبيعة باعتبارها مصدر كل‬
‫الخيرات و التخلي في المقابل على سياسات التجاريين التصنيعية التي دعا إلى تطبيقها‬
‫كولبير الذي اتهمته بتفقير البالد‪ ،‬و نادت باإلصالح و تغيير األوضاع و الرجوع إلى القيم‬
‫الطبيعية و األصيلة لإلنسان‪ .‬و يعتبر كيناي ‪ (.‬أشهر الفيزيوقراطيون الذين دعوا للرجوع إلى‬
‫الطبيعة و اعتبر أن األرض هي مصدر ) وتميز بـ ـ ـ‪:‬‬
‫‪ -1‬إنه آخر المفكرين االقتصاديين الذي تعرض لمشكلة التفضيل بين أنواع النشاط‬
‫االقتصادي و البحث عن أفضل المهن‪.‬‬
‫‪ -2‬إنه أول المفكرين االقتصاديين الذي بحث بطريقة منظمة عن أفضل النظم االقتصادية‪.‬‬
‫(التي تحقق الرفاهية‪ ،‬و طالب باألخذ بنظام الملكية الخاصة و ضرورة الحرية الفردية)‬
‫‪ -3‬أول من اعتقد بوجود قوانين موضوعية تحكم العالقات االقتصادية‪ ،‬و تبقى وظيفة‬
‫الباحث هي كشف هذه القوانين‪.‬‬
‫مبادئ و مرتكزات المدرسة الفيزيوقراطية‪:‬‬
‫يمكن تلخيص أهم مبادئ و نظريات المدرسة الفيزيوقراطية في النقاط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬النظام الطبيعي أساس الحرية االقتصادية‪ :‬يقول " دي نيمور"‪ " :‬إن الفيزيوقراطية هي‬
‫علم القانون الطبيعي"‪ ،‬لكم ما المقصود بالنظام الطبيعي؟ و ما هو تعريفه؟ كيف العمل‬
‫للوصول إلى معرفته؟ ما هي الطرق الواجب اتباعها لتطبيقه؟‬
‫تعريف النظام الطبيعي‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫اعتقد الطبيعيون في ضرورة وجود نظام طبيعي باعتباره‪" :‬نظاما مثاليا يحقق التوافق بين‬
‫المصالح المتعددة في المجتمع"‪ ،‬أو بأنه ‪":‬النظام الذي يؤمن الملكية و األمن والحرية"‪ ،‬أو‬
‫بصورة أدق و أعمق "هو النظام الذي أراده اهلل لسعادة البشر‪ ...‬هو النظام اإللهي"‪ ،‬و أن‬
‫القوانين التي ترعى هذا النظام هي "قوانين ال مرد لحكمها ألنها من طبيعة البشر و‬
‫األشياء و هي التعبير الحي عن إرادة اهلل"‪ .‬و إذا ابتعد الناس عن تطبيق هذه القوانين‬
‫التي تحكم هذا النظام اإللهي فإنه بالضرورة سيعرفون ‪ (.‬التعاسة و الحرمانو يتكون‬
‫النظام الطبيعي من مجموعة أنظمة التي تحقق الرخاء للجماعة و بما يساعد على ازدهار‬
‫الزراعة‪ ،‬و يستند هذا النظام الطبيعي إلى فكرة الملكية في صورها المتعددة‪ ،‬و يترتب‬
‫على ذلك ضرورة احترام هذه الملكية باعتبارها جزء من النظام الطبيعي‪ ،‬و هي تشمل‪:‬‬
‫‪ -1‬الملكية الشخصية‪ :‬و هي حق الشخص في استغالل ملكاته الذهنية و العضلية‬
‫والحصول على مقابل إنتاجه‪ ،‬أي الحق في الحرية‪.‬‬
‫‪ -2‬الملكية المنقولة‪ :‬و هي حق الشخص في ملكية ثمرة عمله‪.‬‬
‫‪ -3‬الملكية العقارية‪ :‬و هي تتعلق بصفة خاصة بملكية األراضي الزراعية‬
‫بناءا على مفهوم الحرية التي يكفلها النظام الطبيعي لألفراد‪ ،‬فمن حق اإلنسان حسب‬
‫الطبيعيين أن يملك ما يشاء و يختار المهنة التي يشاء‪ ،‬باعتبار أن المصلحة الذاتية ال‬
‫تتعارض مع المصلحة العامة‪ ،‬و يعود أصل العبارة المشهورة " دعه يعمل دعه يمر إلى‬
‫االقتصادي الفيزيوقراطي " إلى "فانسون كورني"‪ ،‬و التي تبناها الحقا "آدم سميث" كأساس‬
‫لفكره االقتصادي‪ .‬أما الدولة أو الملك فليس له أي دور اقتصادي أو حق في التدخل في‬
‫سير التفاعالت االقتصادية‪ ،‬ألن القوانين التي تضعها اإلدارة تغير توازن العالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬لذلك يرون أن دور الملك هو تأمين و حماية النظام الطبيعي من خالل‬
‫الدفاع عن الحرية‪ .‬كما نجدهم يصرون على ضرورة تحرير التجارة الخارجية و الداخلية‪،‬‬
‫و تفسير ذلك أن حرية التجارة تكفل للزارع زيادة دخله‪ ،‬ألن فرنسا كانت قادرة على‬
‫تصدير المنتجات الزراعية‪ ،‬و بالتالي زيادة دخول العمال ‪ (.‬الزراعيين مع اتساع األسواق‬
‫أمامهم‬
‫كيف يتم التعرف قوانين النظام الطبيعي؟‬

‫‪3‬‬
‫يعتقد الطبيعيون أن هذا النظام و قوانينه يكتشفان ب"البداهة"‪ ،‬فبالعقل نصل إلى هذه‬
‫الحقيقة‪ ،‬يقول "ليرسييه" ‪":‬بأن البداهة هي التي توفق بين المنفعة الشخصية و النفع العام‬
‫من جهة و بين العدالة من جهة أخرى‪ ،‬بأنها هي التي تضمن اتفاق المصالح بين السلطة‬
‫واألمة‪ ،‬و هي التي تسمح و تفرض على اإلنسان االنصياع ألوامر هذا النظام الطبيعي‪.‬‬
‫فكرة القانون؟‬
‫كانت المدرسة الفيزيوقراطية أول من قال بفكرة وجود قوانين ترعى الشؤون االقتصادية‪،‬‬
‫فبالرغم من إرجاعها هذه القوانين إلى القدرة اإللهية‪ .‬و لهذه النقطة أهمية كبيرة تجعل من‬
‫الطبيعيين أول من أعطى لالقتصاد صفة العلم الباحث عن القوانين التي تنظم شؤونه‪.‬‬
‫وحددت بذلك منهج و حدود البحث لدى المدارس التي تلتها‪ ،‬الكالسيكية و الماركسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬مبدأ الريع الصافي ( الناتج الصافي) ( األرض هي مصدر الثروة)‪ :‬بدأ الطبيعيون‬
‫تعريفهم للثروة باستبعاد المعدن النفيس كمصدر لها اعتقد الماركانتيليون بأن مصدر الثروة‬
‫هو الذهب و الفضة‪ ،‬و أن الفرد أو الدولة التي تملك أكبر كمية من هاته المعادن هو‬
‫الثري و الغني‪ ،‬لكن األمر مختلف بالنسبة للفيزيوقراط‪ ،‬فهم يعتقدون بأن النقود المعدنية‬
‫ليست إال ثروة عقيمة‪ ،‬و يعرفون الثروة بأنها ‪ :‬كمية من المنتجات التي بإمكاننا أن‬
‫نستهلك منها ما يطيب لنا و بدون حساب‪ ،‬دون أن يؤدي هذا االستهالك إلى شح المنبع‬
‫الرئيسي لهذه المنتجات"‪ ،‬فالثروة إذا كما يعرفها "دي الرفيير" هي‪":‬مجموعة القيم التي‬
‫يمكن استهالكها عند الرغبة دون إفقار لمصدرها"‪ ،‬و لذلك نجد بأن النشاط المنتج الوحيد‬
‫هو الزراعة‪ ،‬و أن غير ذلك هو مجرد تحويل عقيم لصورة المادة‪ .‬فأنواع النشاط األخرى‬
‫غير قادرة على الخلق و إعطاء قيمة جديدة أو ريع صافيا ألنها من قبيل الحرف العقيمة‪،‬‬
‫يقول كيناي في هذا الصدد‪":‬إن الزراعة هي النشاط الوحيد الذي يمنح اإلنسان أكثر ‪(.‬‬
‫مما يحصل عليه"‪ ،‬فالزراعة تضاعف‪ ،‬بينما الصناعة تحول و التجارة تنقل‬
‫‪ -‬ما هو الريع الصافي الذي تمنحه لنا الزراعة؟‬
‫في كل عملية إنتاجية يقوم اإلنسان للحصول على سلعة أو رزق ال بد له من إنفاق بعض‬
‫المصاريف الضرورية إلنتاج تلك السلعة ( شراء مواد أولية‪ ،‬صرف الوقت الالزم‪ ،‬تسديد‬
‫أجر العمال‪ ،)...‬و هذه التكاليف البد له من أن يقتطعها من السلعة المنتجة والمنجزة‬
‫حتى يحصل على ما يسمى "ريعا صافيا" لعمليته اإلنتاجية‪ ،‬أو بصورة أبسط فالريع‬

‫‪4‬‬
‫الصافي هو الفرق بين ما ينفق للحصول على سلعة ما‪ ،‬و بين نتيجة العملية اإلنتاجية‬
‫التي هي السلعة نفسه‪.‬‬
‫و إن هذا الريع الصافي بهذه الصورة ال تمنحه سوى الزراعة دون غيرها من الفعاليات‬
‫االقتصادية األخرى‪ ،‬و سبب ذلك بنظر الفيزيوقراط بسيط‪ :‬فحبة القمح مثال التي تبذر في‬
‫األرض تعطي أضعافا لها‪ ،‬أي األرض وحدها هي المنتجة للريع الصافي و أن ذلك يعود‬
‫إلى عمل الخالق اإلله‪ ،‬فالزراعة هبة من الطبيعة‪ ،‬و يؤدي تضافر جهد اإلنسان مع عمل‬
‫الطبيعة إلى نشوء قيمة ‪ (.‬جديدة لم تكن موجودة و هي الناتج الصافي‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مبدأ دوران الثروة و توزيع الدخل ( الجدول االقتصادي)‪:‬‬
‫بعد أن بين الطبيعيون كيف أن الزراعة هي النشاط المنتج الوحيد من خالل فكرة الريع‬
‫الصافي‪ ،‬يتطرقون في مستوى آخر إلى تحليل الكيفية التي يتم من خاللها توزيع الدخل‬
‫العام الناجم عن الريع الصافي على األفراد داخل المجتمع‪ ،‬و ذلك من خالل استخدام‬
‫الجدول االقتصادي الذي وضعه فرانسوا كيناي مستعينا في ذلك بخبرته في ميدان الطب‪،‬‬
‫بحيث لجأ إلى تشبيه العملية التي يتم من خاللها توزيع الدخل و دوران الثروة على‬
‫طبقات المجتمع بعملية دوران الدم داخل جسم اإلنسان الدورة الدموية)‪ ،‬و تعتبر نظرية‬
‫توزيع الدخل من أشهر النظريات التي قدمها الطبيعيون في دراساتهم االقتصادية ‪.‬و رك از‬
‫من خاللها على دراسة االقتصاد وفق نظرة كالنية تدرس الدخل على المستوى الوطني و‬
‫ليس وفق نظرة جزئية تركز على دخل الفرد كوحدة للتحليل‪.‬‬
‫فمن خالل الجدول االقتصادي حاول كيناي أن يبين كيفية توزيع الناتج الصافي ودورانه‬
‫بين الطبقات في المجتمع‪ ،‬ليقدم لنا بذلك عرض لدورة الناتج الصافي بانتقال الدخول من‬
‫طبقة إلى أخرى‪ ،‬أكثر من كون قدم لنا نظرية للتوزيع بالمعنى الحديث فانطالقا من مبدأ‬
‫الريع الصافي‪ ،‬و تقسيم المجتمع إلى طبقة عقيمة و أخرى منتجة‪ ،‬استطاع كيناي أن‬
‫يخطط جدوال اقتصاديا يبين فيه كيفية انتقال الثروة من الطبقة المنتجة الزراعية إلى غيرها‬
‫من الطبقات العقيمة‪ ،‬ثم كيف تعود هذه الثروة إلى نفس الطبقة التي انطلقت منها أي‬
‫الزراعية‪ ،‬و هكذا في كل عام من اإلنتاج و قد قسم كيناي المجتمع إلى ثالثة طبقات‪:‬‬
‫‪-1‬الطبقة المنتجة ‪:‬و تشمل العمال الزراعيين الذين يقومون على خلق الناتج الصافي‪،‬‬
‫و هو الزراعة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪-2‬طبقة المالك العقاريين ‪:‬و هؤالء و إن لم يكونوا منتجين بالمعنى المتقدم‪ ،‬إال أن‬
‫الطبيعيين رتبوا على دورهم أهمية خاصة‪ ،‬و بذلك احتلوا مكانا وسطا بين طبقة المنجين‬
‫والطبقة العقيمة‪.‬‬
‫‪-3‬الطبقة العقيمة ‪:‬تشمل ذوي الحرف األخرى غير الزراعة‪ ،‬و يدخل فيها العاملون في‬
‫الصناعة و التجارة‪ ،‬و اعتبرت هذه الطبقة عقيمة طبقا لنظرية الريع الصافي‪ ،‬حيث أنها‬
‫ال تضيف إلى اإلنتاج الصافي كما هو الحال في الزراعة‬
‫و لبيان كيفية تداول الناتج الصافي بين طبقات المجتمع استخدم كيناي أمثلة حسابية‬
‫لتبسيط هذه العملية‪:‬‬
‫‪-‬افترض أن الزراعة تنتج ما قيمته ‪ 5‬مليار فرنك‪ ،‬كيف تدور هذه القيمة؟‬
‫‪-‬الطبقة الزراعية تحتفظ ب ‪ 02‬مليار لمواجهة نفقاتهم الخاصة على المنتجات الزراعية‬
‫يحتفظون بجزء من منتوجهم الزراعي لالستهالك الذاتي )و سداد تكلفة اإلنتاج الزراعي (‪.‬‬

‫النتاج الزراعي االجمالي – مصاريف االنتاج واالستهالك = الريع الصافي‬


‫‪ 50‬مليار فرنك‬ ‫‪ 50‬مليار فرنك‬ ‫‪ 50‬مليار فرنك‬

‫‪ 03‬مليار فرنك ( الريع الصافي) يتم توزيعه و دورانه بالشكل التالي‪:‬‬


‫‪ 11 -‬مليار فرنك تنفقه الطبقة الزراعية لشراء سلع صناعية و خدمات تجارية من الطبقة‬
‫العقيمة‪.‬‬
‫‪ 12 -‬مليار )فرنك تدفع كأجر للمالك العقاريين مقابل االستفادة– كراء ‪ -‬من أرضهم‬
‫)ضريبة األرض)‪.‬‬
‫‪ -‬طبقة المالك العقاريين تقوم بتوزيع دخلها ‪ 02‬مليار الذي حصلته من الطبقة الزراعية‬
‫بالكيفية التالية‪ 01 :‬مليار تنفقه على شراء منتجات زراعية من الزراعيين‪ ،‬و ‪ 01‬مليار‬
‫تنفقه على شراء سلع صناعية و خدمات تجارية من الطبقة العقيمة‪.‬‬
‫‪ -‬و بهذه الطريقة تكون الطبقة العقيمة قد تتحصلت على ‪ 02‬مليار‪ 01،‬مليار من‬
‫الطبقة الزراعية و ‪ 01‬مليار اآلخر من طبقة المالك العقاريين‪.‬‬
‫‪ -‬الطبقة العقيمة تقوم بدورها بتوزيع ما تحصلت عليه من مداخيل ‪ 02‬مليار‪ ،‬على شراء‬
‫ما تحتاج إليه من منتجات زراعية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬و بذلك يعود من جديد كل قيمة اإلنتاج الزراعي إلى طبقة المنتجين الزراعيين ‪11‬‬
‫مليار من طبقة المالك العقاريين‪ ،‬و ‪ 02‬مليار من الطبقة العقيمة= ‪ 03‬مليارات فرنك‬
‫ناقص الناتج الصافي‪ ،‬و هكذا تتم دورة الناتج الصافي بأن تعود إلى النقطة التي بدأت‬
‫منها‪.‬‬
‫و الرسم التالي(الجدول االقتصادي) يبين هذه الطريقة في توزيع الناتج الصافي‪ ،‬وفق‬
‫المعطيات السابقة‪:‬‬
‫الطبقة المنتجة الزراعية‪:‬‬
‫‪ 15‬مليار فرنك= قيمة االنتاج الزراعي‬
‫‪ 12‬مليار فرنك= مصاريف االنتاج واالستهالك‬
‫‪ 13‬مليار فرنك= الريع الصافي للتوزيع‬

‫‪ 12‬مليار‬ ‫‪ 11‬مليار‬ ‫‪ 12‬مليار‬ ‫‪ 11‬مليار‬


‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬
‫قيمة البضائع‬ ‫قيمة السلع‬ ‫ضريبة‬ ‫قيمة البضائع‬
‫وسلع زراعية‬ ‫الصناعية و‬ ‫االرض‬ ‫وسلع الزراعية‬
‫وخدمات تجارية‬

‫الطبقة العقيمة ( التجار و الصناعيين)‬ ‫‪ 11‬مليار فرنك= قيمة سلع‬ ‫طبقة المالكين العقاريين‬
‫صناعية وخدمات تجارية‬

‫الجدول االقتصادي‪( :‬دوران الثروة بين مختلف طبقات المجتمع)‬

‫تقييم الفكر االقتصادي للطبيعيين‪:‬‬


‫أ ‪-‬اإلسهامات‪:‬‬
‫‪ -‬أثبت الطبيعيون من خالل طريقتهم في التحليل االقتصادي تفوقا و تمي از عن باقي‬
‫المدارس و االتجاهات التي سبقتهم‪ ،‬فمن خالل اعتمادهم على المنهج التجريبي‪ ،‬و تحديد‬
‫مهمة الباحث في اكتشاف القوانين الموضوعية التي تحكم التفاعالت االقتصادية‪ ،‬ساهموا‬
‫‪7‬‬
‫في بلورة مالمح علم القتصاد السياسي‪ ،‬بل يذهب البعض– كما سلف الذكر‪ ،‬إلى اعتبار‬
‫فرانسوا كيناي مؤسس علم االقتصاد السياسي الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬و تبقى فكرة القوانين أهم ما جاء به الطبيعيون‪ ،‬ألنهم حرروا بذلك البحث االقتصادي من‬
‫أحضان الفلسفة و األخالق و الفكر الديني الكنسي‪.‬و بينوا كيف أن الظواهر االقتصادية‬
‫كغيرها من الظواهر الطبيعية األخرى تحكمها قوانين موضوعية ينبغي على الباحث العمل‬
‫على اكتشافها‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن نظرية كيناي حول دوران الناتج الصافي اعتبرت من أهم األعمال التنظيرية‬
‫للطبيعيين‪ ،‬نظ ار إلى ما قدمته هذه النظرية من إضافة في أدوات التحليل‪ ،‬بحيث اعتبرت‬
‫أول بداية تحليلية لوضع نماذج للتوازن العام لالقتصاد الوطني‪ ،‬و قد أدت هذه النماذج‬
‫فيما بعد إلى وضع نماذج فالراس "و نماذج المنتج – المستخدم للتوازن ل"يونتييف"‬
‫‪ -‬كما أن الطبيعيين كانوا السباقين إلى وضع أسس االقتصاد الليبرالي الحر‪ ،‬من حرية‬
‫واقرار مبدأ الملكية الخاصة‪ ،‬و التي تعتبر من أهم المبادئ التي قام على أساسها‬
‫االقتصاد و الفكر الكالسيكي ل"آدم سميث‪".‬‬
‫ب ‪ -‬ا النتقادات‪:‬‬
‫بالرغم من إسهامات الطبيعيين في جعل االقتصاد كعلم و معرفة منظمة يخطوا‬
‫خطوات هامة و حاسمة نحو األمام‪ ،‬غير أن أعمالهم شابتها بعض النقائص‪ ،‬التي فتحت‬
‫بابا واسعا لالنتقادات‪ ،‬و أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬بالرغم من ادعاء الطبيعيين الموضوعية في أبحاثهم غير أنهم لم يخفوا بعدا اجتماعيا‬
‫وذاتيا في نظرياتهم االقتصادية‪ ،‬فمنتقديهم يعتقدون أن الطبيعيين عكفوا على إعطاء‬
‫الزراعة أهمية كبيرة مقارنة بباقي األنشطة األخرى ليس ألنها النشاط االقتصادي المنتج‬
‫الوحيد فقط بل أسس السبب في ذلك هو رغبتهم في تبرير دخل للمالك العقاريين الذي‬
‫يحصلون عليه دون عمل من جانبهم‪.‬‬
‫‪ -‬كما ان نظريتهم حول القيمة يشوبها الغموض و الخطأ‪ ،‬فنظ ار لكون الطبيعيين فشلوا في‬
‫الوصول إلى فكرة أو معيار " المنفعة "في تعريف الثروة‪ ،‬فقد عجزوا عن تصور أن‬
‫الصناعة أو التجارة ( نشاط الطبقة العقيمة) يمكن أن يكونا منتجين كذلك‪ ،‬ألنهما و إن‬
‫اقتص ار على تحويل المواد إال أنهما يضيفان منفعة جديدة تبرر اعتبارهما منتجين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬و فيما يتعلق بدور الطبيعة في النشاط االقتصادي‪ ،‬فقد كان القياس يقتضي منهم معاملة‬
‫الصناعات االستخراجية معاملة الزراعة‪ ،‬حيث أن المناجم و المحاجر تعطي أيضا أكثر‬
‫مما تأخذ‪ ،‬و لكنهم عجزوا أيضا عن إدراك هذه الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن التطورات التي عرفتها أوربا مع ظهور الثورة الصناعية مع نهاية القرن الثامن‬
‫عشر فندت الكثير من فرضيات الفيزيوقراطيين حول اعتبار الزراعة النشاط المنتج الوحيد‬
‫القادر على تحقيق الرفاهية و التقدم للمجتمعات‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like