You are on page 1of 3

‫أخالق اإلدارة وإدارة األخالق‬

‫‪ am‬في الثالثاء مايو ‪  Admin 9:32 2013 ,07‬‬

‫إن األخالق تُعتبر من أهم القيم المعنوية في الحياة‪ ،‬ومن أهم المقومات الحضارية‪ ،‬بل ومن أهم‬
‫األسس اإلنسانية للنجاح اإلجتماعي ألن النفوس ُجبلت على حب من أحسن إليها وبُغض من‬
‫أساء إليها‪ ،‬وأوضحت جميع الديانات السماوية أن هللا سبحانه وتعالى أمر كل الناس باإلمتثال‬
‫ألوامر أنبيائهم‪ ،‬فقال هللا تعالى‪( :‬وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بإذن هللا)‪ ،‬فخطاب هللا‬
‫سبحانه وتعالى لعباده من خالل أنبيائه هو الفيصل في الحكم‪ V‬على الجيد والسيئ‪ ،‬الحسن‬
‫‪.‬والقبيح‪ ،‬المباح والمحرم‬

‫لقد جاء كل دين من عند هللا ليكون نظام حياة نافذ في الواقع‪ ،‬وليتبعه الناس في نشاطهم‬
‫الحيوي‪ ،‬ال ليبقى مجرد شعور عاطفي متمركز في الضمير‪ ،‬وال حتى مجرد شعائر تعبدية أسيرة‬
‫لدور العبادة‪ ،‬هكذا هي التوراة‪ ،‬يقول هللا تعالى‪( :‬إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها‬
‫النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون واألحبار بما استُحفظوا‪ V‬من كتاب هللا وكانوا عليه‬
‫شهداء)‪ ،‬وهكذا هو اإلنجيل‪ ،‬يقول هللا تعالى‪( :‬وقفّينا على ءاثارهم بعيسى ابن مريم مصدّقا لما‬
‫بين يديه من التوراة وءاتيناه اإلنجيل فيه هدى ونور ومصدّقا لما بين يديه من التوراة وهدى‬
‫وموعظة للمتقين‪ ،‬وقد إعتبر القرآن الكريم أخالق الرسول صلى هللا عليه وسلم من أهم عوامل‬
‫نجاحه‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬فبما رحمة من هللا لنت لهم ولو كنت فظا ً غليظ القلب النفضوا من حولك‬
‫فاعف عنهم واستغفر‪ V‬لهم وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل على هللا إن هللا يُحب‬
‫المتوكلين) فاألخالق من أهم عوامل النجاح اإلجتماعي فما من مصلح أو قائد أو زعيم أو عظيم‬
‫أو أي إنسان إال كانت األخالق من صفاته الرئيسية‪ ،‬فال يستطيع أحد أن يؤثر على اآلخرين إال‬
‫‪.‬إذا كان ذا أخالق رفيعة‬

‫فاألخالق هي شكل من أشكال الوعي اإلنساني كما تُعتبر مجموعة من القيم والمبادئ تحرك‬
‫األشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية‬
‫ثقافية لتلك الشعوب لتكون سنداً قانونيا ً تستقي منه الدول األنظمة والقوانين‪ ،‬وهي السجايا‬
‫الخلق الحسن‬ ‫والطباع واألحوال الباطنة التي تُدرك بالبصيرة والغريزة‪ ،‬وبالعكس يمكن اعتبار ُ‬
‫من أعمال القلوب وصفاتها وأعمال القلوب تختص بعمل القلب بينما ُ‬
‫الخلق يكون قلبيا ً ويكون‬
‫‪.‬في الظاهر‬

‫أما أخالقيات اإلدارة فهي مجموعة من القواعد واألسس التي يجب على المهني التمسك بها‬
‫والعمل بمقتضاها‪ ،‬ليكون ناجحا ً في تعامله مع الناس‪ ،‬ناجحا ً في مهنته ما دام قادراً على‬
‫‪.‬إكتساب ثقة عمالئه والمتعاملين معه من رؤساء ومرؤوسين‬

‫ولكن لألسف يَظن الكثير منا أن العمل واإلدارة ال عالقة لها باألخالق‪ ،‬إذن فأين تكون األخالق؟‬
‫إن لم يكن العمل مرتبط باألخالق فأين نلتزم باألخالق؟ هل األخالق هي شيء نَلتزم به في‬
‫المساجد ودور العباده فقط؟ كيف تكون أمينا ً إن لم تكن أمينا في عملك؟ هل يقال عنك أنك‬
‫صادق إن كنت صادقا ً مع أهلك وأصدقائك وكذابا ً في عملك؟ أال يقال لمن يغش في البيع أنه‬
‫غشَّاش؟ أال يقال لمن يُطفف في الكيل والميزان بأنه من ال ُمطففين؟ وهناك من يعتقد أنه من‬
‫س َذ اجة أن نتحدث عن األخالقيات في مجال العمل والتجارة ويستشهد على ذلك بمقولة‪ :‬هذا‬ ‫ال َ‬
‫‪.‬عمل وتجاره وكل شئ مباح فيها أهذا منطق للتفكير‬

‫وكأنه يريد أن يقول أن التجارة والعمل هما في مفهوم األجانب ال عالقة لهما باألخالق‬
‫وبالعواطف كذلك‪ ،‬وفي الحقيقة‪ V‬فإن هذا خالف الواقع ففي الجامعات األجنبية تهتم بتدريس‬
‫مادة تتعلق بأخالقيات العمل واإلدارة لدارسي اإلدارة بل وفي التخصصات األخرى مثل الهندسة‬
‫والطب‪ ،‬فاألخالق في اإلدارة هي أمر مطلوب في العالم المتقدم بل وأي مخالفة لذلك تقابل‬
‫‪ Good‬بإستهجان كبير من الشخص العادي‪ ..‬ويوجد في اللغة اإلنجليزية مصطلح يسمى بـ‬
‫والذي يعني التصرف الصحيح بالسلوك الصحيح‪ ،‬أي ال يكفي ‪Manners Right Conduct‬‬
‫‪.‬أن تقوم بالعمل بالطريقة الصحيحة‪ ،‬بل يجب أن يكون سلوكك في تأدية هذا العمل صحيح أيضا ً‬

‫أحيانا ننظر إلى األمور في إطار ضيِّق فنقول‪ :‬يا أخي هذا أمر بسيط وال توجد مشكلة من‬
‫التالعب فيه‪ ،‬في الواقع فإن أي مخالفة أخالقية صغيرة تؤدي إلى مشاكل كبيرة‪ ،‬على سبيل‬
‫رقم واحد في تقرير يومي يؤدي إلى تغير متوسط هذا الرقم على مستوى‬ ‫المثال إن التالعب في ٍ‬
‫اليوم وعلى مستوى الشهر ويؤدي إلى أن تكون التقارير الشهرية والسنوية غير معبرة عن‬
‫‪.‬الحقيقة بل وتؤدي إلى فشل عمليات التحليل والتطوير ألن األرقام ال عالقة لها بالواقع‬

‫ويجب أن نعلم جميعا ً بأن اإلدارة ال تفترض أن الموظفين ليس لديهم أي مشاعر أو أنهم ليسوا‬
‫بشراً‪ ،‬بل اإلدارة تتعامل مع طبائع البشر وإحتياجاتهم‪ ،‬فكيف تستطيع تحفيز العاملين إن لم‬
‫تتعامل معهم كبشر لهم إحتياجات ومشاعر؟ هل تتصور أن عدم إحترام العاملين هو شيء‬
‫مقبول ألنه يأتي في إطار العمل؟ هل تتصور أنه من الصواب أن تطلب من أحد العاملين أال‬
‫يذهب لحضور جنازة أقرب أقاربه أو أن تمنعه من أن يأخذ أجازة ليعتني بابنه أو زوجته‬
‫المريضة؟ إن كنت تستشهد باألجانب فهم ال يفعلون ذلك‪ ،‬ألم تسمع أن رئيس وزراء بريطانيا‬
‫السابق توني بلير قام بأجازة طويلة عندما ُرزق بمولود؟‬

‫إن العم ٌل عمل‪ ..‬نعم‪ ،‬ولكن ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن تعطي كل ذي حق حقه فال تجعل‬
‫مشاعرك تجاه شخص ما تتحكم في قراراتك في العمل‪ ،‬ال تتحامل على شخص ما ألنه ال يخالف‬
‫لوائح عمله لكي يُرضيك‪ ،‬ال تتنازل عن حقوق شركتك لكي تُجامل اآلخرين‪ ،‬العمل يهدف للربح‬
‫وإلكتساب المال ولكن من خالل إطار أخالقي‪ ،‬فليس معنى العمل أن تخدع أو تخون األمانة أو‬
‫‪.‬ترتشي أو تسرق أو تكذب أو تظلم أو تتلفظ بالبذيء من األقوال أو ترتكب الشنيع من األفعال‬

‫إن أخالقيات العمل أصبحت حاجة ملحة في مواجهة الفساد اإلداري‪ ،‬تعبر عن المسئولية‬
‫متعددة المستويات بدءاً من المسئولية الذاتية علي مستوي الفرد والمسئولية األخالقية في‬
‫الوالء لل ُمثل العليا والمسئولية المهنية والمسئولية العامة ووصوال إلي المسئولية الوطنية‬
‫‪.‬والقومية والمسئولية الدولية‬

‫إن اإلدارة باألخالق فلسفة إدارية يتفق عليها ومعها الجميع ألنها تمثل أهم الركائز ومتطلبات‬
‫العمل والتعامل اإلنساني كاإلستقامة والتسامح والوفاء والصدق واإلخالص واإلنتماء والنجاح‬
‫والعدالة والرضى وغيرها من األخالق والقيم النبيلة والسامية التي قامت عليها األخالق‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وإن اإلحتكام‪ V‬إلى هذه القيم يؤدي إلى األداء واإلنجاز والتميز‪ ..‬وعليه يجب على‬
‫الجميع العمل بروح الفريق الواحد والبحث عن هذه القيم وهي موجودة في داخلنا وما علينا إال‬
‫إيقاظها وتفجيرها والعمل بها ألن الفرد اإلجتماعي والثقافي واألخالقي القيمي يستطيع أن‬
‫يساهم في حل مشكالته ومشكالت مجتمعه وأن يساهم في حركة اإلصالح اإلداري وإعداد‬
‫وتهيئة أسس سلوكية ترصد أفعال الناس في حياتهم الخاصة وفي أماكن العمل بهدف الوصول‬
‫والنجاح واإلتصال واإلرتباط والمشاركة واإلندماج وإعطاء الحياة قيمة وأهمية‪ ،‬لذلك فإن‬
‫اإلدارة باألخالق والمثل مرساة للنجاح ونحن اليوم في أمس الحاجة لها أكثر من أي وقت‬
‫مضى‪ ،‬ألننا نعيش مرحلة تحديثية وتطويرية جديدة ونحن بأمس الحاجة إلى القيم وإلى الرؤية‬
‫التطويرية وأن من يستلمون المواقع األمامية في المجتمع يجب عليهم أن يشكلوا عامل القدوة‬
‫في ممارستهم اإلدارية‪ ،‬فالقيم موضع إحترام من قبل الجميع وهي التي يلتقي حولها الناس‬
‫كجماعات وهي تدفعهم للعمل معا ً بغية الوصول إلى أهداف مشتركة‪ ،‬والقيم بمثابة القوة‬
‫‪.‬الجاذبة‪ ،‬وهي المنظومة التي تملك تأثيراً على الجماعات‬

‫نحن أمة ال تنقصنا وهلل الحمد قيم وال مبادئ أخالق‪ ..‬نحن نفاخر بما لدينا من قيم وأخالق رائعة‬
‫وعريقة واألروع كونها محل إتفاق وإجماع وأن هذه األخالق والقيم هي مضمون مشروعنا‬
‫التحديثي والتطويري الذي يجب أن يكون بالمستقبل القريب‪ ..‬وما علينا إال تحويلها إلى سلوك‬
‫يومي في حياتنا الخاصة والعامة وفي مؤسساتنا وبيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا‪ ،‬وتقوية وعي كل‬
‫الناس بأهميتها‪ ،‬وكذلك تعليمها لألجيال بالقدوة حتى تسود وتصبح هي السمة الغالبة على‬
‫طبائعنا وهي إن إحتاجت فهي تحتاج إلى مزيد من اإلقتداء والعمل المنظم وإلى القليل من‬
‫‪.‬البيروقراطية والمحسوبية والفساد والتسويف والمماطلة‬

‫إعداد ‪:‬الدكتور ‪ /‬رمضان حسين الشيخ‬


‫خبير التطوير التنظيمي والموارد البشرية‬

You might also like