You are on page 1of 10

‫الهوية والثقافة‬

‫إعداد‬
‫ناصر بن سعيد بن سيف السيف‬
‫غفر اهلل له ولوالديه ومجيع املسلمني‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫إن احلمد هلل حنمده ‪ ،‬ونس تعينه ‪ ،‬ونس تهديه ‪ ،‬ونعوذ به من ش رور أنفس نا ‪ ،‬ومن س يئات‬
‫أعمالنا ‪ ،‬من يه ده اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يض لل فال ه ادي له ‪ ،‬وأش هد أن ال إله اهلل وح ده‬
‫الشريك له ‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله ‪ ،‬أما بعد‬
‫ف إن الثقافة تش كل ض من النسق االجتم اعي الع ام نس قاً فرعي اً متم يزاً ومس تقالً‪ ،‬لكنه‬
‫يتفاعل مع بقية األنس اق الفرعية األخ رى ويتط ور معها وهبا‪ ،‬وتق وم الثقافة بتك وين مجلة‬
‫الطرائق واملعايري اليت حتكم رؤية اإلنسان للواقع‪ ،‬لذلك فإن الثقافة هي جمموع القيم والقواعد‬
‫واألع راف والتقاليد واخلطط اليت تب دع وتنظم ال دالالت العقلية والروحية واحلس ية‪ ،‬وتعمل‬
‫على احلفاظ على توازن النسق االجتماعي واستقراره ووحدته وتوحيد األنساق الفرعية للنسق‬
‫االجتم اعي عن طريق توحيد األمناط العقلية اليت حتكمه ا‪ ،‬فالثقافة تغ ذي األنس اق الفرعية‬
‫للنسق االجتم اعي بقيم مماثلة فتخلق نس يجاً اجتماعي اً واح داً ق ادراً على إع ادة إنت اج نفس ه‪.‬‬
‫لذلك فإن الثقافة يف احلقيقة ليست إال اجملتمع نفسه وقد أصبح مظهراً للوعي أو وعي اً‪ ،‬وهذا‬
‫ال وعي هو يف ذات ال وقت وعي لل ذات‪ ,‬ومس ألة اهلُوية ت وحي وللوهلة األوىل‪ ،‬إىل املس ألة‬
‫األوسع وهي مسألة اهلُوية االجتماعية اليت تعد اهلُوية إحدى مكوناهتا‪ ،‬إذا ال ميكننا التطرق إىل‬
‫مفه وم اهلُوية إال إذا ح ددنا بع دها االجتم اعي وعليه تعرب اهلُوية االجتماعية حمص لة خمتلف‬
‫التف اعالت املتبادلة بني الف رد مع حميطه االجتم اعي الق ريب والبعي د‪ ،‬واهلُوية االجتماعية للف رد‬
‫تتم يز مبجم وع انتماءاته يف املنظومة االجتماعي ة؛ كاالنتم اء إىل طبقة جنس ية أو عمرية‬
‫أواجتماعية أو مفاهيمية ‪ ،‬وهي ت تيح للف رد التع رف على نفسه يف املنظومة االجتماعية ومتكن‬
‫اجملتمع من التع رف عليه ‪ ,‬ولكن اهلُوية االجتماعية ال ترتبط ب األفراد فحس ب‪ ،‬فكل مجاعة‬
‫تتمتع هبوية تتعلق بتعريفها االجتم اعي وهو تعريف يس مح بتحديد موقعها يف اجملم وع‬
‫االجتماعي‪)1( .‬‬

‫ومن خالل ه ذه املقدمة اجلامعة ملوض وع ه ذا البحث املختصر حتت عن وان ‪( :‬الهوية‬
‫والثقافة) جعلت البحث على ثالثة مباحث رئيسة ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬مفهوم اهلوية والثقافة‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬العالقة بني اهلوية والثقافة‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬حدود اهلوية‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الثقافة واهلوية (إشكالية املفاهيم والعالقة) ‪ ,‬شهيب عادل ‪ ,‬ص ‪.2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫نسأل اهلل العلي القدير التوفيق والسداد ‪ ,‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممد وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫مفهوم الهوية والثقافة‬
‫مفهوم الهوية ‪:‬‬
‫عرف املعجم الوسيط الصادر عن جممع اللغة العربية "اهلوية" فلسفياً بأهنا ‪( :‬حقيقة الشئ‬
‫يُ ِّ‬
‫أو الش خص اليت متيزه عن غ ريه ‪ ،‬أو هي بطاقة يثبت فيها اسم الش خص وجنس يته ومول ده‬
‫وعمله ‪ ،‬وتسمي البطاقة الشخصية أيضا)‪)1( .‬‬

‫وأما يف اللغة اإلجنليزية فتعني "اهلوية" ‪( :‬متاثل املقومات أو الصفات األساسية يف حاالت‬

‫(?) انظر‪ :‬املعجم الوسيط الصادر عن جممع اللغة العربية بالقاهرة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪3‬‬
‫خمتلفة وظ روف متباينة ‪ ،‬وب ذلك تشري إيل الش كل التجميعي أو الكل املركب جملموعة من‬
‫الص فات اليت تك ون احلقيقة املوض وعية لشيء ما ‪ ،‬واليت بواس طتها ميكن معرفة ه ذا الشئ‬
‫وغريه على وجه التحديد)‪)1( .‬‬

‫وأما آراء املفك رين حول مفهوم اهلوية فيالحظ أن األمر ال خيتلف كثرياً ‪ ،‬وإن ك ان‬
‫عرفها‬
‫يتصف بأنه أك ثر حتدي داً ؛ ألنه يرتبط بالبُعد الثق ايف أو االجتم اعي للمص طلح ‪ ,‬فقد َّ‬
‫س عيد إمساعيل علي بأهنا ‪( :‬مجلة املع امل املم يزة للشئ اليت جتعله هو هو ‪ ،‬حبيث ال ختطئ يف‬
‫متي يزه عن غريه من األش ياء ‪ ،‬ولكل إنس ان شخص يته املم يزة له ‪ ،‬فله نس قه القيمي ومعتقداته‬
‫وعاداته السلوكية و ميوله واجتاهاته وثقافته ‪ ،‬وهكذا الشأن بالنسبة لألمم والشعوب)‪)2( .‬‬

‫وأشار حممد عمارة ‪( :‬أن هوية الشئ ثوابته اليت ال تتجدد وال تتغري ‪ ،‬وتتجلي وتفصح‬
‫عن ذاهتا دون أن ختلي مكانتها لنقيض ها طاملا بقيت ال ذات علي قيد احلي اة ‪ ،‬فهي كالبص مة‬
‫بالنسبة لإلنسان يتميز هبا عن غريه وتتجدد فاعليتها‪ ،‬ويتجلى وجهها كلما أزيلت من فوقها‬
‫طوارئ الطمس ‪ ،‬إهنا الشفرة اليت ميكن للفرد عن طريقها أن يعرف نفسه يف عالقته باجلماعة‬
‫االجتماعية اليت ينتمي إليها ‪ ،‬واليت عن طريقها يتع رف عليه اآلخ رون باعتب اره منتمي اً لتلك‬
‫اجلماعة)‪)3( .‬‬

‫ويرى حممود أمني ‪( :‬أن اهلوية ليست أحادية البنية ‪ ،‬أي ال تتشكل من عنصر واحد ‪،‬‬
‫س واء ك ان ال دين أو اللغة أو الع رق أو الثقافة أو الوج دان أو األخالق ‪ ،‬أو اخلربة الذاتية أو‬
‫العلمية وحدها ‪ ،‬وإمنـا هي حمصلة تفاعل هذه العناصر كلها)‪)4( .‬‬

‫وأشار حممد إبراهيم عيد ‪( :‬اهلوية‪ :‬مفهوم اجتماعي نفسي يشري إيل كيفية إدراك شعب‬

‫(?) انظر‪ :‬الثقافة العربية اإلسالمية بني التأليف والتدريس ‪ ،‬رشدي أمحد طعيمة ‪ ،‬ص ‪.35‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الرتبية اإلسالمية وحتديات القرن احلادي والعشرين ‪ ,‬سعيد إمساعيل ‪ ،‬ص ‪.95‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬خماطر العوملة علي اهلوية الثقافية ‪ ،‬حممد عمارة ‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر‪ :‬اهلوية مفهوم يف طور التشكيل ‪ ،‬حممود أمني ‪ ،‬ص ‪.376‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪4‬‬
‫ما لذاته ‪ ،‬وكيفية متايزه عن اآلخرين ‪ ،‬وهي تستند إيل مسلمات ثقافية عامة ‪ ،‬مرتبطة تارخييً ا‬
‫بقيمة اجتماعية وسياسية واقتصادية للمجتمع)‪)1( .‬‬

‫وعرفها إمساعيل الفقي ‪( :‬أهنا جمموعة من الس مات الثقافية اليت تتصف هبا مجاعة من‬
‫ًّ‬
‫الن اس يف ف رتة زمنية معينة ‪ ،‬واليت تولد اإلحس اس ل دي األف راد باالنتم اء لش عب معني ‪،‬‬
‫واالرتب اط ب وطن معني ‪ ،‬والتعبري عن مش اعر االع تزاز ‪ ،‬والفخر بالش عب ال ذي ينتمي إليه‬
‫هؤالء األفراد)‪)2(.‬‬

‫وأوضح ش هيب ع ادل أن اهلُوية االجتماعية ‪( :‬حتدد هوية اجملموعة ‪ -‬اجملموعة تضم‬
‫أعضاء متشاهبني فيما بينهم بشكل من األشكال‪ ،-‬يف هذا املنظور تربز اهلُوية الثقافية باعتبارها‬
‫صيغة حتديد فئوي للتمييز بني حنن وهم‪ ،‬وهو متييز قائم على االختالف الثقافي ‪)3( .‬‬

‫ومن املف اهيم اليت ق دمت للهوية الثقافية ما تبنته منظمة اليونس كو بق وهلم ‪( :‬أن اهلوية‬
‫أوال وقبل كل شيء أننا أف راد ننتمي إيل مجاعة لغوية حملية أو إقليمية أو وطنية ‪،‬‬‫الثقافية تعين ً‬
‫مبا هلا من قيم أخالقية ومجالية متيزها ‪ ،‬ويتضمن ذلك أيضًا األسلوب الذي نستوعب به تاريخ‬
‫اجلماعة وتقالي دها وعاداهتا وأس لوب حياهتا ‪ ،‬وإحساس نا باخلض وع له واملش اركة فيه ‪ ،‬أو‬
‫تش كيل ق در مش رتك منه ‪ ،‬وتعين الطريقة اليت تظهر فيها أنفس نا يف ذات كلية ‪ ،‬وتعد بالنس بة‬
‫نوع ا من املعادلة األساس ية اليت تق رر‪ -‬بطريقة إجيابية أو س لبية – الطريقة اليت‬
‫لكل ف رد منا ً‬
‫ننتسب هبا إيل مجاعتنا والعامل بصفة عامة)‪)4( .‬‬
‫مفهوم الثقافة ‪:‬‬
‫مفهوم (الثقافة) هو من املفاهيم امللتبسة يف كل اللغات ألنه يراد التعبري بكلمة واحدة‬

‫(?) انظر‪ :‬اهلوية الثقافية العربية يف عامل متغري ‪ ,‬حممد إبراهيم عيد ‪ ،‬ص ‪.110‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬مفهوم العوملة وعالقته باهلوية ‪ ,‬إمساعيل الفقي ‪ ،‬ص ‪.205‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الثقافة واهلوية (إشكالية املفاهيم والعالقة) ‪ ,‬شهيب عادل ‪ ,‬ص ‪.2‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر‪ :‬دور الرتبية يف مواجهة تداعيات العوملة على اهلوية الثقافية ‪ ،‬محدي حسن احملروقي ‪ ,‬ص ‪.164‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫عن مض مون ش ديد ال رتكيب والتعقيد والتن وع والعمق واالتس اع ويض اعف االلتب اس أن علم‬
‫الثقافة واالنثروبولوجيا الثقافية وعلم اجتم اع املعرفة وعلم الربجمة العص بية اللغوي ة‪ ،‬ما زالت‬
‫تُ درس على نط اق ض يق كتخصص ات فردية ومل تص بح من العل وم اليت يقرأها كل الدارسني‬
‫كالفيزي اء واجلغرافيا والكيمي اء والت اريخ ل ذلك ظل معظم الن اس ال يعرف ون احلق ائق اهلامة اليت‬
‫توصلت إليها العلوم اإلنسانية‪)1(.‬‬
‫ان ع دة ‪ ,‬من أبرزها ق ول ابن منظ ور ‪( :‬احلذق‬ ‫والثقافة يف اللغة العربية تطلق على مع ٍ‬
‫والفهم وسرعة التعلم)‪)2( .‬‬
‫ويقول فريد وجدي ‪( :‬ثقف يثقف ثقافة ‪ :‬فطن وحذق ‪ ,‬وثقف العلم يف أسرع مدة‬
‫أي ‪ :‬أس رع أخ ذه ‪ ,‬وثقفه يثقفه ثقف اً ‪ :‬غلبه يف احلذق ‪ ,‬والثقيف ‪ :‬احلاذق الفطن) ‪,‬‬
‫والقواميس احلديثة تقول ‪( :‬ثقف ثقافة ‪ :‬صار حاذق اً خفيف اً ‪ ,‬وثقف الكالم فهمه بسرعة) ‪,‬‬
‫ويف ه ذه النص وص من التش ابه ماي دعونا إىل أن نع دها نس خاً مك ررة نقل بعض ها من بعض‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وأبرز التعريفات الغربية للثقافة الذي تردد صداه لدى الغربيني مث لدى العرب كثرياً هو‬
‫تعريف (ادوارد تايلر) عام ‪1871‬م يف كتابه (الثقافة البدائية) الذي يقول فيه ‪( :‬ذلك الكل‬
‫املركب – بعض الرتمجات تق ول املعقد – ال ذي يضم املعرفة ‪ ,‬واملعتق دات ‪ ,‬والفن ‪,‬‬
‫واألخالق ‪ ,‬والقانون ‪ ,‬والتقاليد ‪ ,‬وكل العادات والقدرات اليت يكتسبها اإلنسان من حيث‬
‫هو عضو يف جمتمع)‪ ,‬ويف هذا التعريف عناصر مهمة ‪ ,‬هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن قض ايا الثقافة هي القض ايا ذات البُعد اإلنس اين – ال املادي – عقائديًا ‪ ,‬وقيم اً ‪,‬‬
‫وفنوناً ‪ ,‬ونظماً ‪ ,‬وأعرافاً‪.‬‬
‫‪ .2‬أن هذه القضايا تتمثل يف صورة بناء متكامل وليست جزئيات منفصلة عن بعضها‪.‬‬
‫‪ .3‬أهنا ليست متيزاً فردي اً لشخص ؛ وإمنا هي اجتماعية ‪ ,‬فالشخص يعيشها يف ظل جمتمع‬
‫(?) انظر‪ :‬الثقافة واهلوية (إشكالية املفاهيم والعالقة) ‪ ,‬شهيب عادل ‪ ,‬ص ‪.4‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬مادة (علم) يف لسان العرب ‪ ,‬ابن منظور‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬مشكلة الثقافة ‪ ,‬مالك بن نيب ‪ ,‬ص ‪.19‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪6‬‬
‫أو أمة تعيشها كذلك‪.‬‬
‫‪ .4‬أهنا ليست مع ارف نظرية ؛ فلس فة ‪ ,‬أو فك راً جمرداً ‪ ,‬ولكنها حي اة اجتماعية ‪ ,‬وواقع‬
‫فكري وسلوكي يتحرك به الناس‪.‬‬
‫‪ .5‬أهنا مبجموعها مميزة ألهل ذلك اجملتمع ‪ ,‬أو لتلك األمة عن جمتمع ات وأمم أخ رى ‪,‬‬
‫وهذا هو الواقع فإن التمايز بني األمم إمنا هو هبذه القضايا ‪ :‬العقائد ‪ ,‬والقيم ‪ ,‬والنظم‪,‬‬
‫واألعراف ‪ ,‬أي ‪ :‬الثقافة‪.‬‬
‫وهن اك تعريف ات كث رية للثقافة لكن ه ذا أش هرها ‪ ,‬مث إهنا تك اد تتفق على مض مون‬
‫ماذكر يف التعريفات السابقة‪)1( .‬‬

‫ومن اخلصائص الرئيسية لمفهوم الثقافة ‪ ,‬هي ‪:‬‬

‫‪ .1‬إهنا من اكتشاف اإلنسان باعتبارها مكتسبة وليست وراثية أو غريزية ‪ ،‬وباالستناد إىل‬
‫ذلك ال ميكن أن جند أية ثقافة لدى احليوان العتم اده على الغري زة‪ ،‬إذن الثقافة إنس انية‬
‫املالمح‪ ،‬وال جمال لقي ام أي ِة ثقاف ٍة دون الوج ود اإلنس اين ال ذي ينمي ه ذه الثقافة‬
‫ويكتسبها عن الغري من خالل تطور حياته االجتماعية فناً وفكراً وسلوكاً ‪.‬‬
‫‪ .2‬الثقافة تنتقل من جيل آلخ ر‪ ،‬ومن جمتمع آلخ ر‪ ،‬من خالل الع ادات والتقاليد والق وانني‬
‫واألعراف‪ ،‬وعملية النقل هذه تتم من خالل التعلم‪ ،‬مع إضافة كل جيل ملا يكتسبه مما‬
‫يطرأ على حياته من قيم ومبادئ وأفكار وسلوكيات جديدة نتيجة لتغري الظروف‪.‬‬

‫‪ .3‬الثقافة قابلة للتع ديل والتغري من جيل آلخ ر‪ ،‬حسب الظ روف اخلاصة بكل مرحل ة‪،‬‬
‫وميكن لألجيال اجلديدة أن تضيف قيماً ومفاهيم جديدة مل تكن موجودة لدى األجيال‬
‫السابقة‪)2( .‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫(?) انظر‪ :‬املثقف العريب بني العصرانية واإلسالمية ومقومات الفاعلية الثقافية للمثقف املسلم‪ ,‬عبدالرمحن الزنيدي ‪ ,‬ص ‪.14‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الثقافة واهلوية (إشكالية املفاهيم والعالقة) ‪ ,‬شهيب عادل ‪ ,‬ص ‪.8‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪7‬‬
‫العالقة بين الهوية والثقافة‬
‫مثة عالقة وثيقة بني اهلوية والثقافة ‪ ,‬حبيث يتع ذر الفصل بينهما ‪ ,‬وإذ أن ما من هوية‬
‫إال وختتزل ثقافة ‪ ,‬وقد تتع دد الثقاف ات يف اهلوية الواح دة ‪ ,‬كما أنه قد تتن وع اهلوي ات يف‬
‫الثقافة الواح دة ‪ ,‬وذلك م ايعرَّب عنه ب التنوع يف إط ار الوح دة ‪ ,‬فقد تنتمي هوية ش عب من‬
‫الشعوب إىل ثقافات متعددة ‪ ,‬متتزج عناصرها ‪ ,‬وتتالقح مكوناهتا ‪ ,‬فتتبلور يف هوية واحدة‪,‬‬
‫وعلى س بيل املث ال ‪ ,‬ف إن اهلوية اإلس المية تتش كل من ثقاف ات الش عوب واألمم اليت دخلها‬
‫اإلس الم س واء اعتنقته أو بقيت على عقائ دها اليت ك انت ت ؤمن هبا ‪ ,‬فه ذه الثقاف ات اليت‬
‫ام تزجت بالثقافة العربية اإلس المية وتالحقت معها ‪ ,‬العربية اإلس المية ‪ ,‬فهي مجاع هوي ات‬
‫األمم والشعوب اليت انضوت حتت لواء احلضارة العربية اإلسالمية ‪ ,‬وهي بذلك هوية إنسانية‬
‫‪ ,‬متفتحة ‪ ,‬وغري منغلقة‪)1( .‬‬
‫والعالقة بني اهلُوية والثقاف ة‪ ،‬فإهنا تعين عالقة ال ذات باإلنت اج الثق ايف‪ ،‬وال شك أن أي‬
‫إنت اج ثق ايف ال يتم يف غي اب ذات مفك رة‪ ،‬دون اخلوض يف اجلدال ال ذي ي ذهب إىل أس بقية‬
‫ال ذات على موض وع االجتاه العقالين املث ايل‪ ،‬أو ال ذي جيعل املوض وع أس بق من ال ذات‪ ،‬وإن‬
‫كل ما يف ال ذهن هو نتيجة ما حتمله احلواس وختطه على تلك الص فحة (ذهن اإلنس ان) كما‬
‫يذهب لوك‪ ،‬واالجتاه التجرييب بشكل عام‪)2( .‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫حدود الهوية‬
‫ي رى ب ارث أن األهم في عملي ة اكتس اب الهوي ة ه و إرادة وض ع ح د بين‬
‫"هم"و"نحن" وبالتالي إقامة ما يسميه بـ "الحد" والحف اظ عليه ‪ ,‬وبش كل أدق ‪،‬‬
‫فإن الحد في الموضوع ينجم عن اتفاق بين ذلك الحد الذي تزعم الجماعة بأنه ا‬
‫وضعته لنفسها وبين الحد الذي يريد اآلخرون وضعه لها‪ ,‬طبعا ً الح د المقص ود‬
‫هنا هو الح د االجتم اعي الرم زي ‪ ,‬وإن م ا يفص ل بين مجموع تين عرقي تين‪-‬‬
‫ثقافيتين ليس االختالف الثقافي كما يتصور الثقافيون خطأ؛ إذ يمكن للجماعة أن‬
‫(?) انظر‪ :‬احلفاظ على اهلوية والثقافة اإلسالمية ‪ ,‬عبدالعزيز التوجيري ‪ ,‬ص‪.9‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الثقافة واهلوية (إشكالية املفاهيم والعالقة) ‪ ,‬شهيب عادل ‪ ,‬ص ‪.6‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪8‬‬
‫تعم ل تمام ا ً وفي كنفه ا ش يء من التعددي ة الثقافية‪ ,‬ويع ود الس بب في ه ذا‬
‫الفصل ‪ ،‬أي وضع " الحد"‪ ،‬إلى إرادة الجماعة في التم يز واس تخدامها لبعض‬
‫السمات الثقافي ة كمح ددات لهويته ا النوعية‪ ,‬ومن ش أن الجماع ات القريب ة من‬
‫بعضها ثقافيا ً أن تع َّد نفسها غريبة تماما ً عن بعض ها بعض ب ل ومتعادي ة حينم ا‬
‫تختلف حول عنصر منعزل في المجموعة الثقافية‪)1( .‬‬
‫إن تحليل بارث يتيح التخلص من الخل ط الش ائع بين "الثقاف ة" و"الهوي ة"‬
‫والتطبع بطابع ثقافة معينة ال يقتضي امتالك هوية خاص ة بش كل آلي‪ ,‬والهوي ة‬
‫العرقية‪-‬الثقافية تستخدم الثقافة لكنها نادراَ ما تستخدم الثقافة كلها‪ ,‬ويمكن للثقافة‬
‫نفس ها أن تجيَّر بش كل مختل ف ‪ ،‬أي متع ارض في االس تراتيجيات المختلف ة‬
‫الكتساب الهوية على عكس قناعة واسعة االنتش ار‪ ،‬ف إن العالق ات ال تي ت دوم‬
‫فترة طويلة بين المجموعات العرقية ال تؤدي بالض رورة إلى اإللغ اء المت درج‬
‫لالختالفات الثقافية‪ ,‬بل غالبا ً م ا تنتظم ه ذه العالق ات بش كل تحاف ظ مع ه على‬
‫االختالف الثق افي ب ل أحيان ا ً تزي د ه ذا االختالف عن طري ق لعب ة ال دفاع‬
‫(الرمزي) عن حدود الهوية ‪ ,‬ولكن هذا ال يعني أن "الحدود" ال تتبدل‪)2( .‬‬
‫ويعتبر بارث أن الحد يشكل ف رزاً اجتماعي ا ً يمكن تجدي ده باس تمرار من‬
‫خالل التب ادالت‪ ,‬وك ل تغ ير يص يب الحال ة االقتص ادية أو السياس ية من ش أنه‬
‫التس بب في انزياح ات الح دود‪ ,‬ودراس ة ه ذه االنزياح ات ض رورية إذا رمن ا‬
‫تفسير تنوعات الهوية ‪ ,‬وبالت الي ف إن تحلي ل الهوي ة ال يمكن أن يكتفي بمقارب ة‬
‫تزامنية ‪ ،‬بل عليه أيضا ً أن يخضع لمقاربة تطورية‪ ,‬وبالتالي ليس هناك هوية‬
‫ثقافية بذاتها لها تعريف ثابت ‪ ,‬وينبغي على التحليل العلمي أن يكف عن زعم ه‬
‫في إيجاد تعريف صحيح للهويات الخاصة التي يقوم بدراستها‪ ,‬والمسألة ليس ت‬
‫معرفة من هم "الكورسيكيون "بالفعل على سبيل المثال ‪ ،‬بل هي معرف ة دالل ة‬
‫اللجوء إلى اكتساب الهوية "الكورس يكية"‪ ,‬وإذا اتفقن ا على أن الهوي ة هي بن اء‬
‫اجتم اعي ف إن الس ؤال المالئم الوحي د ال ذي يجب طرح ه ه و ‪":‬كي ف ولم اذا‬
‫وبواس طة من ‪ ،‬وفي وقت م ا وفي س ياق معين حص لت‪ ،‬واحتف ظ به ا ‪ ،‬أو‬
‫أصبحت عرضة للنقاش والجدل ‪ ،‬إحدى الهويات الخاصة"‪)3( .‬‬

‫(?) انظر‪ :‬مفهوم الثقافة يف العلوم االجتماعية‪ ,‬دوين كوش ‪ ,‬ترمجة قاسم املقداد ‪ ,‬ص‪.110‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬مفهوم الثقافة يف العلوم االجتماعية‪ ,‬دوين كوش ‪ ,‬ترمجة قاسم املقداد ‪ ,,‬ص‪.111‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) املرجع السابق ‪ ,‬ص‪.112‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪9‬‬
‫‪  ‬‬

‫انتهى البحث‬
‫وآخر دعوانا الحمد هلل رب العالمين‬
‫وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد‪ 5‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫‪ 1435 / 6 / 5‬ه ـ‬

‫‪10‬‬

You might also like