You are on page 1of 26

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني‬


‫(مقوماتها وكيفية بنائها)‬

‫د‪ .‬فرج حمد سالم الزبيدي*‬


‫تاريخ قبول البحث‪:‬‬ ‫تاريخ وصول البحث‪2/9/2014 :‬م‬
‫‪18/12/2014‬م‬
‫ملخص‬
‫المتميزة في القرآن الكريم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشخصية اإلسالمية‬
‫ّ‬ ‫تم في هذه الدراسة إلقاء الضوء على طريقة بناء‬
‫ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية في القرآن باثنين فقط‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وحددت مقومات‬
‫المقوم الفكري‪ ،‬ويتمثّل باإليمان وما يتعلّق به‪.‬‬
‫األول‪ّ :‬‬
‫المقوم السلوكي‪ ،‬ويتمثّل بالعمل الصالح‪.‬‬
‫الثاني‪ّ :‬‬
‫ر ّك زت الدراسة على توضيح اإلرشادات القرآنية في اآلتي‪:‬‬
‫الشخصية اإلسالمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إبراز دور العقيدة في بناء المقوم الفكري وضبطه في‬ ‫‪.1‬‬
‫أهمي‪::‬ة الرب ‪::‬ط بين المق ‪:ّ :‬وم الفك ‪::‬ري (اإليم ‪::‬ان) والمق ‪:ّ :‬وم الس ‪::‬لوكي (العم ‪::‬ل) إلنت ‪::‬اج شخص ‪::‬ية إس ‪::‬المية‬
‫بي ‪::‬ان ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫متميزة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إبراز أهم القواعد الضابطة للسلوك في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الشخصية اإلسالمية كونها غير معصومة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تقبل حصول ثغرات في سلوك‬ ‫‪ .4‬ضرورة ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية في القرآن‪ ،‬الفكر والسلوك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‪ ،‬مقومات‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مفتاحية‪ :‬بناء‬
‫ّ‬ ‫كلمات‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪This study sheds light on the way of building personal excellence in the Islamic Qoran.‬‬
‫‪And identified elements of personal Islamic Qoran in only two, namely:‬‬
‫‪First: Righting the intellectual, and faith.‬‬
‫‪Second: Ingredient behavioral, and good work.‬‬
‫‪The study focused on clarifying the instructions in the Qur'an as follows:‬‬
‫‪1. Highlight the role of belief in the building and adjust the rectifier intellectual in‬‬
‫‪Islamic personal.‬‬
‫‪2. The statement the importance of linking the rectifier intellectual (faith) and the‬‬
‫‪rectifier behavioral (work) to produce a distinct Islamic character.‬‬
‫‪3. To highlight the most important rules governing the behavior in the Koran.‬‬
‫‪4. The need to be accepted for gaps in the behavior of Islamicpersonal being is infallible.‬‬
‫‪Keywords: character building. Personal ingredients. Islamic character in the Koran. Thought‬‬
‫‪and behavior.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيد األنبياء والمرسلين‪ ،‬وعلى آله وصحبه الطيبين‪ :،‬ومن‬
‫الحمد هلل ّ‬
‫واستن بسنته إلى يوم الدين‪ .‬وبعد‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اهتدى بهديه‬

‫‪317‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫آي ِات ِه َوِلَيتََذ َّكَر ُأوُلو اَألْلَب ِ‬


‫اب‪[‬ص‪ .]29 :‬أشارت هذه اآلية ونظيراتُهـ ـا‬ ‫ِ‬
‫اب َأْنَزْلَناهُ ِإَلْي َك ُمَب َار ٌك لَيدَّبَُّروا َ‬
‫ِ‬
‫قال تعالـ ـى‪ :‬كتَ ٌ‬
‫في‬

‫* أستاذ مساعد‪ ،‬قسم الدراسات اإلسالمية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة الحسين بن طالل‪.‬‬

‫مهم ة المؤمنين بالدرجة األولى في التعامل مع القرآن الكريم ‪-‬خاصة ذوي األلباب والمفكرين منهم‪،-‬‬ ‫أن ّ‬‫القرآن؛ إلى ّ‬
‫التدبري‪::‬ة هي ال‪::‬تي تنتج الفهم والعم‪::‬ل‪ ،‬وتجع‪::‬ل‬
‫ّ‬ ‫أن الق‪::‬راءة‬
‫حفظي‪::‬ة فق‪::‬ط‪ ،‬ذل‪::‬ك ّ‬
‫ّ‬ ‫تدبري‪::‬ة ال‬
‫هي ق‪::‬راءة الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم ق‪::‬راءة ّ‬
‫‪:‬المية المتم ‪::‬يزة ال ‪::‬تي تق ‪::‬رأ الق ‪::‬رآن بقص ‪::‬د فهم أوام ‪::‬ره‬
‫األفع ‪::‬ال مطابق ‪::‬ة لألق ‪::‬وال‪ ،‬وبالت ‪::‬الي تس ‪::‬اعد في بن ‪::‬اء الشخص ‪::‬ية اإلس ‪ّ :‬‬
‫ونواهيه وتطبيقها والعم ‪::‬ل بموجبه ‪::‬ا‪ ،‬ق ‪::‬ال الط ‪::‬بري‪" :‬ليت ‪::‬دبَّروا ُح َجج اهلل ال ‪::‬تي في ‪::‬ه‪ ،‬وم ‪::‬ا ش ‪::‬رع في ‪::‬ه من ش ‪::‬رائعه‪ ،‬فيتعظ ‪::‬وا‬
‫(‪)1‬‬
‫حي‪::‬ة من‬
‫ويعمل‪::‬وا ب‪::‬ه" ‪ .‬فاألم‪::‬ة في ه‪::‬ذا العص‪::‬ر ال تحت‪::‬اج إلى نس‪:ٍ :‬خ مك‪::‬ررة من الق‪::‬رآن المق‪::‬روء‪ ،‬ب‪::‬ل تحت‪::‬اج إلى نم‪::‬اذج ّ‬
‫‪:‬داء بمنهج‪ :‬من ُأن‪::‬زل علي‪::‬ه الق‪::‬رآن ‪ ‬ال‪::‬ذي لخص‪::‬ته عائش‪::‬ة ‪-‬رض‪::‬ي اهلل عنه‪::‬ا– بقوله‪::‬ا عن‪::‬دما‬
‫الق‪::‬رآن العملي التط‪::‬بيقي‪ ،‬اقت‪ً :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(بالخلُق) هنا السلوك (العمل)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُسئلت عن ُخلقه ‪" :‬كان ُخلقه القرآن" ‪ .‬والمقصود‬
‫أن الصحابة الكرام ‪ ‬كانوا يتميزون بشخصيات إنسانية راقية‪ ،‬تحمل فكراً مستنيراً وسلوكاً‬
‫ولقد ثبت تاريخياً ّ‬
‫منظماً منضبطاً‪ .‬تلك الشخصيات التي علمت البشرية الفضيلة‪ ،‬وبنت حضارةً راشدة‪ .‬وما ذلك كلّه إال بعد أن طرح‪::‬وا‬
‫أفك‪::‬ار الجاهلية وقيمها‪ ،‬واس‪::‬تبدلوها بأفك‪::‬ار اإلس‪::‬الم وعقائ‪::‬ده اإليماني‪::‬ة‪ ،‬وبن‪::‬وا شخص‪::‬ياتهم بم‪::‬وجب تع‪::‬اليم الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم‬
‫وقيمه‪ ،‬وهدي خير الخلق محمد ‪.‬‬

‫سبب اختيار الموضوع‪:‬‬


‫نج‪::‬د في ه‪::‬ذه األي‪::‬ام كث‪::‬يراً من المس‪::‬لمين ال‪::‬ذين يحفظ‪::‬ون الق‪::‬رآن ويح‪::‬افظون على قراءته‪ ،‬وفي ال‪::‬وقت نفسه ال‬
‫‪:‬دل على ض‪::‬عف أث‪:ِ :‬ر المك‪:ّ :‬ون الق‪::‬رآني في بن‪::‬اء‬
‫مم‪:‬ا ي‪ّ :‬‬ ‫‪:‬تزام بتط‪::‬بيق كث‪ٍ :‬‬
‫‪:‬ير من أوام‪::‬ر الق‪::‬رآن ونواهي‪::‬ه وأحكام‪::‬ه‪:ّ ،‬‬ ‫يوج‪::‬د ل‪::‬ديهم ال‪ٌ :‬‬
‫شخصياتهم‪ ،‬فأصبحت شخصياتهم متناقضة؛ لديها انفصال بين اإليمان والعمل والفكر والسلوك‪.‬‬
‫التدبري‪:ِ :‬ة‪ :،‬وإ ّنم‪::‬ا ك‪::‬انت ترتيلي‪:‬ةً‬ ‫والتفس‪::‬ير األق‪::‬رب له‪::‬ذا الواق‪::‬ع؛ أن ق‪::‬راءتهم تل‪::‬ك لم تكتم‪::‬ل فيه‪::‬ا ش‪::‬روطُ الق‪ِ :‬‬
‫‪:‬راءة ّ‬ ‫ّ‬
‫‪:‬ي المك‪:ِّ :‬ون لشخص‪::‬ياتهم‪ .‬وفي ه‪::‬ذا المع‪::‬نى ق‪::‬ال‬ ‫العقلي والنفس‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫حفظي ‪:‬ةً‪ ،‬لم تص‪::‬ل إلى ح‪:ّ :‬د الت‪::‬أثير المباش‪::‬ر في بن‪::‬اء الم‪::‬ركب‬
‫قرأت الق‪::‬رآن كلّ‪::‬ه‬
‫ُ‬ ‫أحدهم ليقول‪:‬‬
‫إن َ‬‫الحسن البصري –رحمه اهلل‪" :-‬واهلل ما تَ َدب ُُّره بحفظ حروفه وإ ضاعة حدوده‪ ،‬حتى ّ‬
‫ق وال عمل"(‪.)3‬‬ ‫القرآن في ُخل ٍ‬
‫ُ‬ ‫ما ُيرى له‬
‫ل‪::‬ذا؛ ج‪::‬اءت ه‪::‬ذه الدراس‪::‬ة الموس‪::‬ومة بـ ( الشخص‪::‬ية اإلس‪::‬المية المتم‪::‬يزة من منظ‪::‬ور ق‪::‬رآني "مقوماته‪::‬ا وكيفي‪::‬ة‬
‫‪:‬لوكية للشخص ‪::‬ية اإلس ‪::‬المية‪ ،‬والكش ‪::‬ف عن الخط‪:::‬وط‬
‫الفكري ‪::‬ة والس ‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫بنائه ‪::‬ا")؛ لتلقي الض ‪::‬وء على كيفي ‪::‬ة بن ‪::‬اء المقوم ‪::‬ات‬
‫العريض‪::‬ة لإلرش‪::‬اد الق‪::‬رآني والمنهج النب‪::‬وي في كيفي‪::‬ة الرب‪::‬ط بين اإليم‪::‬ان والعم‪::‬ل والفك‪::‬ر والس‪::‬لوك؛ للوص‪::‬ول إلى بن‪::‬اء‬
‫متميزة‪.‬‬
‫شخصية إسالمية ّ‬
‫ّ‬

‫(?) الطبري‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.190‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أحمد بن حنبل (ت ‪241‬هـ)‪ ،‬المسند‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬القاهرة‪ .‬حديث رقم‪.24645 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن عمر (ت ‪774‬هـ)‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي سالمة‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬ط ‪1420 ،2‬هـ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.64‬‬
‫‪318‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫الفكري‪::‬ة‬
‫ّ‬ ‫‪:‬دبر اآلي‪::‬ات القرآني‪::‬ة في بن‪::‬اء المقوم‪::‬ات‬
‫تكمن أهمي‪::‬ة الدراس‪::‬ة كونه‪::‬ا تلقي الض‪::‬وء على كيفي‪::‬ة اس‪::‬تثمار ت‪ّ :‬‬
‫المتمي‪:‬زة‪ ،‬وبالت‪:‬الي تحقي‪:‬ق الرب‪:‬ط بين الفك‪:‬ر والس‪:‬لوك وبين اإليم‪:‬ان والعم‪:‬ل‪ .‬حيث غ‪:‬اب ه‪:‬ذا‬
‫ّ‬ ‫‪:‬لوكية للشخص‪:‬ية اإلس‪:‬المية‬
‫والس ّ‬
‫الجانب عن كثير من مسلمي هذا العصر‪.‬‬

‫أهداف الدراسة‪ :‬تتمثّل باآلتي‪:‬‬


‫‪.1‬التأصيل القرآني لطريقة بناء الشخصية اإلسالمية المتميزة‪.‬‬
‫‪.2‬بيان مفهوم‪ :‬الفكر‪ ،‬والسلوك‪ ،‬والشخصية‪ ،‬في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪.3‬بيان أثر الفكر على إنتاج السلوك وتوجيهه وضبطه‪.‬‬
‫‪ .4‬تحديد‪ :‬غايات السلوك ومعززاته من منظور قرآني‪.‬‬

‫إشكاليّة الدراسة‪:‬‬
‫يمكن صياغة إشكالية الدراسة باألسئلة التالية‪:‬‬
‫(الشخصية)؟‪ .‬وما هي مقومات الشخصية بشكل عام؟‬
‫ّ‬ ‫‪.1‬ما مفهوم‬
‫الشخصية اإلسالمية؟‬
‫ّ‬ ‫تدبر القرآن الكريم في تحديد مقومات‬
‫‪.2‬ما أثر ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة؟‬
‫ّ‬ ‫المقوم الفكري في‬
‫اإلسالمية في بناء ّ‬
‫ّ‬ ‫‪.3‬ما دور العقيدة‬
‫‪ .4‬ما هي دوافع السلوك؟ وما أبرز القواعد الضابطة للسلوك في القرآن الكريم؟‬
‫‪ .5‬ما المنهج األمثل الذي أرشد إليه القرآن لبناء الشخصية اإلسالمية المتميزة من خالل الربط بين مقوماتها؟‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫‪:‬ق مقوماته‪::‬ا الفكري‪::‬ة‬ ‫لم يج‪::‬د الب‪::‬احث دراس‪::‬ة مس‪::‬تقلة تُع‪::‬نى بمفه‪::‬وم الشخص‪::‬ية اإلس‪::‬المية المتم‪::‬يزة وبنائه‪::‬ا َوف‪َ :‬‬
‫والس ‪::‬لوكية تأص ‪::‬يالً من الق ‪::‬رآن الك ‪::‬ريم مباش ‪::‬رةً‪ .‬لكن المكتب ‪::‬ة اإلس ‪::‬المية ال تخل ‪::‬و من بعض الدراس ‪::‬ات المتعلق ‪::‬ة ببن ‪::‬اء‬
‫ًّ‬
‫بشكل عام‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬ ‫الشخصية اإلسالمية‬
‫أوالً‪" :‬شخصية المسلم كما يصوغها اإلسالم في الكتاب والسنة" لل‪:‬دكتور محم‪:‬د علي الهاش‪:‬مي‪ .‬وه‪::‬و كت‪:‬اب جي‪:‬د ومفيـ ـــد‬
‫أم‪:‬ا الج‪:‬انب‬
‫في موضوعه‪ ،‬جرى فيه التركيز على كيفية التعامل المثلى للشخصية المس‪:‬لمة م‪:‬ع (اهلل وال‪:‬ذات واآلخ‪:‬ر)‪ّ ،‬‬
‫التأصيلي لبناء الشخصية المسلمة فلم يكن هو المقصود في الكتاب‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬بحث "مقومات الشخصية المسلمة" للدكتور عبدهلل بن محسن الحضرمي (‪1400‬هـ)‪ .‬تح ّ‪:‬دث فيه‪:‬ا المؤل‪:‬ف عن أم‪:‬ور‬
‫مهمة تتعلق بالشخصية اإلسالمية‪ ،‬وهي أقرب للدراسة الوصفية التاريخية أكثر من كونها تأصيلية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثالثا‪" :‬بن‪:‬اء الشخص‪:‬ية في القص‪:‬ة القرآني‪:‬ة" لل‪:‬دكتور مص‪:‬طفى علي‪:‬ان‪ .‬وهي أق‪:‬رب الدراس‪:‬ات إلى موض‪:‬وع دراس‪:‬تي‪ ،‬إال‬
‫ّأنها محددة في آيات القص‪:‬ص‪ ،‬فر ّك‪:‬زت على بي‪:‬ان مقوم‪:‬ات الشخص‪:‬ية اإلس‪:‬المية من خالل نم‪:‬اذج ش‪:‬خوص القص‪:‬ة‬
‫القرآنية من‪ :‬أنبياء ومؤمنين وكافرين‪.‬‬

‫‪319‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد تم‪:‬يزت دراس‪:‬تي عن الدراس‪:‬ات الم‪:‬ذكورة في الج‪:‬انبين المنهجي والتأص‪:‬يلي‪ ،‬فمن حيث المنهج‪ ،‬فق‪:‬د قمت ببن‪:‬اء‬
‫الشخصية على مقومين فقط هم‪:‬ا (المق‪:‬وم الفك‪:‬ري العقلي = اإليم‪:‬ان‪ ،‬والمق‪:‬وم النفس‪:‬ي = الرغب‪:‬ات والس‪:‬لوك)‪ ،‬وانف‪:‬ردت ك‪:‬ذلك‬
‫ببيان ضوابط السلوك في القرآن ومعززاته‪ ،‬أما من حيث التأصيل فقد قامت دراستي على منهج التأصيل المباش‪:‬ر لمقوم‪:‬ات‬
‫الشخص ‪::‬ية اإلس ‪::‬المية المتم ‪::‬يزة من الق ‪::‬رآن الك ‪::‬ريم مباش ‪::‬رة‪ ،‬وه ‪::‬و الج ‪::‬انب ال ‪::‬ذي افتق ‪::‬رت إلي ‪::‬ه الدراس ‪::‬ات الس ‪::‬ابقة على وج ‪::‬ه‬
‫االستقالل‪.‬‬

‫خطّة الدراسة‪:‬‬
‫مقدمة وتمهيد‪ :‬وثالثة مباحث وخاتمة‪:‬‬
‫طة الدراسة على ّ‬
‫ُبنيت خ ّ‬
‫طتها‪.‬‬
‫شكالية الدراسة‪ ،‬وخ ّ‬
‫ّ‬ ‫تضمنت أسباب اختيار الموضوع‪ ،‬وأهميته وأهدافه‪ ،‬وإ‬
‫ّ‬ ‫المقدمة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫الشخصية اإلسالمية في القرآن الكريم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تحدث حول‪ :‬مفهوم الشخصية‪ .‬وتحديد‪ :‬مقومات‬ ‫التمهيد‪ّ :‬‬ ‫‪‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تح‪:ّ :‬دث ح‪::‬ول إرش‪::‬اد الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم لبن‪::‬اء المق‪::‬وم الفك‪::‬ري في الشخص‪:ّ :‬ية اإلس‪::‬المية‪ .‬وتوض‪::‬يح مفه‪::‬وم‬ ‫‪‬‬
‫التف ّكـ ـر‬
‫‪:‬المية في بن‪::‬اء المق‪:ّ :‬وم‬
‫والتع ّق‪::‬ل والعالق‪::‬ة بينهم‪::‬ا‪ ،‬وبي‪::‬ان مج‪::‬ال التفك‪::‬ير وح‪::‬دوده في الق‪::‬رآن‪ ،‬وإ ب‪::‬راز دور العقي‪::‬دة اإلس‪ّ :‬‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفكري في‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تن‪::‬اول كش‪::‬ف عن توجي‪::‬ه الق‪::‬رآن في كيفي‪::‬ة بن‪::‬اء المق‪::‬وم الس‪::‬لوكي في الشخص‪:ّ :‬ية اإلس‪::‬المية‪ .‬فتح‪:ّ :‬دث‬ ‫‪‬‬
‫عن تفسير السلوك من حيث المفهوم والدوافع‪ ،‬وبيان أهم القواعد الضابطة للسلوك في القرآن‪.‬‬
‫‪:‬لوكية‪.‬‬
‫الفكري‪:‬ة والس ّ‬ ‫ّ‬ ‫كيفي‪::‬ة بن‪::‬اء الشخص ّ‪:‬ية اإلس‪::‬المية من خالل الرب‪:‬ط بين مقوماته‪:‬ا‬ ‫ق لبي‪::‬ان ّ‬ ‫ط‪:ّ :‬ر َ‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تَ َ‬ ‫‪‬‬
‫أهمي‪:: :‬ة العقي‪:: :‬دة في ض‪:: :‬بط المق‪:ّ : :‬وم الس‪:: :‬لوكي وض‪:: :‬بطه‪ .‬وتض‪:ّ : :‬من مخطط ‪ً : :‬ا بياني ‪ً : :‬ا توض‪:: :‬يحيًا‬
‫فتن‪:: :‬اول في المطلب األول ّ‬
‫المتميزة باقتران مقوماتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلسالمية‬
‫ّ‬ ‫لخطوات بناء الشخصية‬
‫تضمنت أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫تمهيــد‪:‬‬
‫الشخصية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أوالً‪ :‬مفهوم‬
‫الشخصية لغةً‪ :‬مشتقة من الشخوص‪ ،‬بمعنى الظه‪:‬ور والتب ّ‪:‬دي أم‪:‬ام اآلخ‪:‬ر‪ .‬والش‪:‬خص‪ :‬ه‪:‬و س‪:‬واد العين‪ ،‬وك ُّ‪:‬ل جس ٍ‪:‬م ل‪:‬ه‬ ‫ّ‬
‫‪:‬دل على ارتف‪:‬اع في ش‪:‬يء‪ .‬من ذل‪:‬ك ال ّش‪:‬خص‪،‬‬ ‫ارتفاع فه‪:‬و ش‪:‬خص‪ .‬ق‪:‬ال ابن ف‪:‬ارس‪" :‬الش‪:‬ين والخ‪:‬اء والص‪:‬اد أص ٌ‪:‬ل واح ٌ‪:‬د ي ُّ‬
‫صر"(‪.)4‬‬ ‫سواد اإلنسان إذا سما ل َ ِ‬
‫الب َ‬
‫ك من ُبعد‪ .‬ومنه أيضاً ُش ُخوص َ‬ ‫ُ‬ ‫وهو‬
‫فعرفه‪:‬ا ص‪:‬الح أب‪:‬و ج‪:‬ادو بقول‪:‬ه‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫الشخصية بتعريفات عدي‪:‬دة زادت عن الخمس‪:‬ين‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫عرف علماء النفس‬ ‫أما في االصطالح‪ :‬فقد ّ‬
‫ّ‬
‫"هي تل‪:: :‬ك األنم‪:: :‬اط المس‪:: :‬تمرة المتس‪:: :‬قة نس‪:: :‬بيًا من اإلدراك والتفك‪:: :‬ير واإلحس‪:: :‬اس والس‪:: :‬لوك ال‪:: :‬تي تب‪:: :‬دو وتعطي للن‪:: :‬اس ذاتيتهم‬
‫(‪) 5‬‬
‫وعرفه‪::‬ا (ب‪::‬يرت) بقول‪::‬ه‪" :‬الشخص‪:ّ:‬ية ذل‪::‬ك‬
‫المتم‪::‬يزة‪ ،‬فهي تك‪::‬وين اخ‪::‬تزالي يتض‪::‬من األفك‪::‬ار وال‪::‬دوافع واالنفع‪::‬االت والمي‪::‬ول" ‪ّ .‬‬
‫النظ‪::‬ام الكام‪::‬ل من المي‪::‬ول واالس‪::‬تعدادات الجس‪::‬مية والعقلي‪::‬ة الثابت‪::‬ة نس‪::‬بيًا‪ ،‬وال‪::‬تي تعت‪::‬بر مم‪::‬يزًا خاص‪ً:‬ا للف‪::‬رد" (‪:ّ .)6‬‬
‫أم‪:‬ا مص‪::‬طفى‬

‫(?) اب ـ ــن فارس‪ ،‬أحمد ابن فارس (ت ‪395‬هـ)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬دار الفك ـ ــر‪ ،‬ط‪1979 ،1‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص‪.‬‬
‫م‪ ،‬مادة‪َ :‬ش َخ َ‬
‫‪320‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫ال‬ ‫عليان فعرفها بقوله‪" :‬الشخصية صفة داّل‪:‬ة على توح ٍ‪:‬د في اتج‪:‬اه اإلنس‪:‬ان‪ ،‬واس ٍ‬
‫‪:‬تواء في أس‪:‬اس عقل‪:‬ه األش‪:‬ياء وميل‪:‬ه إليه‪:‬ا قب‪:‬و ً‬ ‫ّ‬
‫ورفضًا"(‪.)7‬‬
‫الشخصية‪ ،‬وتلك‬
‫ّ‬ ‫والناظر في التعريفات السابقة؛ يلحظ ّأنها اشتركت في ذكر بعض األلفاظ للداللة على مقومات‬
‫أن ألف ‪::‬اظ‪:‬‬ ‫األلف ‪::‬اظ هي‪( :‬إدراك‪ ،‬تفك ‪::‬ير‪ ،‬اس ‪::‬تعدادات عقلي ‪::‬ة‪ ،‬عق ‪::‬ل‪ ،‬دواف ‪::‬ع‪ ،‬انفع ‪::‬االت‪ ،‬مي ‪::‬ول)‪ .‬وبنظ ‪::‬ر ٍة فاحص ‪::‬ة يت ‪ّ :‬‬
‫‪:‬بين‪ّ :‬‬
‫(إدراك‪ ،‬تفك‪::‬ير‪ ،‬إحس‪::‬اس‪ ،‬اس‪::‬تعدادات عقلي‪::‬ة‪ ،‬عق‪::‬ل) تتض‪::‬من الدالل‪::‬ة على المق‪:ّ :‬وم الفك‪::‬ري في الشخص‪:ّ :‬ية‪ ،‬وال‪::‬ذي ه‪::‬و ق‪::‬وام‬
‫وأن ألف‪::‬اظ‪( :‬س‪::‬لوك‪ ،‬دواف‪::‬ع‪ ،‬انفع‪::‬االت‪ ،‬مي‪::‬ول) تتض‪:ّ :‬من الدالل‪::‬ة على المق‪:ِّ :‬وم الس‪::‬لوكي في الشخص‪:ّ :‬ية‪ ،‬وال‪::‬ذي ه‪::‬و‬
‫(العقلي‪::‬ة)‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫(النفسية)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قوام‬
‫"الشخصية في ك ّل إنسان نتاج متآلف لبعدين اثنين‪ ::‬عقليته ونفسيته‪ .‬فبهما يتوجه س‪:‬لوكه المرتب‪:‬ط‬ ‫ّ‬ ‫فإن‬
‫وعليه؛ ّ‬
‫(‪) 8‬‬
‫إن‬
‫ارتباط ‪ً:‬ا تالزمي ‪ً:‬ا م‪::‬ع المف‪::‬اهيم والمي‪::‬ول‪ ،‬فتك‪::‬ون ب‪::‬ذلك مف‪::‬اهيم اإلنس‪::‬ان وميول‪::‬ه هي ق‪::‬وام شخص‪::‬يته" ‪ .‬ل‪::‬ذا؛ نس‪::‬تطيع الق‪::‬ول‪ّ :‬‬
‫اإلنسانية اثنان فقط‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مقومات الشخصية‬
‫النفسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(المقوم السلوكي) =‬
‫ِّ‬ ‫العقلية‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫(المقوم الفكري) =‬
‫ِّ‬ ‫األول‪:‬‬
‫فشخص ‪:ّ :‬ية اإلنس ‪::‬ان إذن؛ تس ‪::‬اوي مجم ‪::‬وع الم ‪::‬ركب العقلي والنفس ‪::‬ي لدي ‪::‬ه‪ .‬وبه ‪::‬ذا التحدي ‪:‬د‪ :‬المنض ‪::‬بط لمفه ‪::‬وم‬
‫الشخص ‪::‬ية؛ ال يك‪::‬ون لش‪::‬كل اإلنس‪::‬ان‪ ،‬أو هندام‪::‬ه‪ ،‬أو مرك‪::‬زه االجتم‪::‬اعي أو ال‪::‬وظيفي أو االقتص‪::‬ادي‪ ،‬أو انتمائ‪::‬ه الق‪::‬ومي أو‬
‫شخصيته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الوطني؛ أي عالقة في تكوين مقومات‬
‫المقوم الفكري‬ ‫الشخصية على وجه التحقيق؛ ينحصر فقط في كيفية بناء‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن البحث في بناء‬
‫وبناء على ذلك؛ ّ‬
‫والمقوم السلوكي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اس وب ِّي َناتٍ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫أن الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم ال‪::‬ذي ُأن‪::‬زل ‪ُ ‬ه ًدى للن َ َ‬
‫الشخصية اإلسالمية في القرآن الكريم‪ :‬من المؤكد ّ‬
‫ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬مقومات‬
‫وبينه‪:‬ا‬
‫‪:‬لوكية)‪ّ ،‬‬ ‫(الفكري‪:‬ة والس ّ‬
‫ّ‬ ‫ِم َن ا ْل ُه َدى َوا ْلفُْرقَ ِ‬
‫ان‪[‬البقرة‪]185 :‬؛ قد اعتنى بتعيين‪ :‬وض‪:‬بط مقوم‪:‬ات الشخص ّ‪:‬ية اإلس‪:‬المية‬
‫وألنه‪:‬ا بمثاب‪:‬ة األس‪:‬س والض‪:‬وابط‬
‫أتم بيان‪ ،‬وذلك لما لها من أهمي‪:‬ة في بن‪:‬اء شخص‪:‬ية المس‪:‬لم وتوازنه‪:‬ا وتحدي‪:‬د ميزاته‪:‬ا‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫التي ينطلق منها المسلم في تعامله مع الواقع المعاش‪ ،‬وتنظيم عالقاته مع خالقه ونفسه وغيره‪.‬‬
‫القرآني‪::‬ة ال‪::‬تي ّتم فيه‪::‬ا ُذك‪::‬ر اإليم‪::‬ان (الج‪::‬انب الفك‪::‬ري والعق‪::‬دي)‪ .‬والعم‪::‬ل (الج‪::‬انب‬
‫ّ‬ ‫ومن خالل النظ‪::‬ر في اآلي‪::‬ات‬
‫ونتبين منهج القرآن الك‪:‬ريم في بن‪:‬اء تل‪:‬ك المقوم‪:‬ات وتنميته‪:‬ا‬
‫ّ‬ ‫الشخصية اإلسالمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نحدد مقومات‬
‫السلوكي)‪ .‬نستطيع أن ّ‬
‫والتدبر لآليات التي ُذكر فيها اإليمان والعمل معاً‪ ،‬نستنتج ما يلي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وضبطها والربط فيما بينها‪ .‬وبعد االستقراء‬
‫تكرر في القرآن ورود اإليمان مقترناً بالعمل الصالح‪ ،‬فيما يزيد على سبعين موضعاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪)1‬‬
‫ان‬
‫س‪َ M‬‬ ‫ِإل‬ ‫ِإ‬
‫صر* َّن ا ْن َ‬ ‫ِ‬ ‫للشخصية اإلسالمية‪ ،‬قوله تع‪::‬الى‪َ  :‬وا ْل َع ْ‬
‫ّ‬ ‫إن أوضح مثال وأكمله داللةً على المقومات الرئيسية‬ ‫ّ‬ ‫‪)2‬‬
‫ات‪[‬العصر‪ .]3-1 :‬فق‪::‬د ك‪::‬ان اإلم‪::‬ام الش‪::‬افعي –رحم‪::‬ه اهلل‪ -‬دقيق ‪:‬اً في‬ ‫الص‪ِ M‬الح ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‪ٍ M‬ر* ِإال الَّ ِذ َ‬ ‫ِ‬
‫آم ُن‪M‬وا َو َعملُ‪M‬وا َّ َ‬
‫ين َ‬ ‫لَفي ُخ ْ‬
‫‪:‬ق ُيفض‪:‬ي لبن‪::‬اء شخص‪:ّ :‬ية المس‪::‬لم َوف‪::‬ق منهج اهلل تع‪:‬الى فق‪:‬ال‪:‬‬‫وأن ت‪:ّ :‬دبرها بح ّ‬
‫فهم‪::‬ه لمقاص‪::‬د ه‪::‬ذه الس‪::‬ورة العظيم‪::‬ة‪ّ ،‬‬
‫الناس هذه السورة لوسعتهم"(‪.)9‬‬
‫تدبر ُ‬‫"لو ّ‬

‫الشخصية‬
‫ّ‬ ‫(?) محمد محمد إسماعيل‪ ،‬الفكر اإلسالمي‪ ،‬دار الوراقة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪ .102‬وينظر‪ :‬النبهاني‪ ،‬تقي الدين‪،‬‬ ‫‪8‬‬

‫اإلسالمية‪ ،‬ط‪1991 ،3‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 5‬وما بعدها‪.‬‬


‫ّ‬
‫(?) ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.479‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪321‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫جمي‪::‬ع المواض‪::‬ع ال‪::‬تي ورد فيه‪::‬ا اإليم‪::‬ان مقترن ‪:‬اً بالعم‪::‬ل الص‪::‬الح؛ ك‪::‬ان العم‪::‬ل الص‪::‬الح فيه‪::‬ا معطوف ‪:‬اً على اإليم‪::‬ان‬ ‫‪)3‬‬
‫(‪)10‬‬
‫وأن منهج الق ‪::‬رآن الك ‪::‬ريم في بن ‪::‬اء‬
‫‪:‬ابق علي ‪::‬ه‪ّ .‬‬
‫أن اإليم ‪::‬ان أص ‪::‬ل للعم ‪::‬ل الص ‪::‬الح وس ‪ٌ :‬‬
‫ومرتب ‪:‬اً عليه ‪ .‬مم ‪::‬ا يع ‪::‬ني ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية؛ يقتضي البدء ببناء الجانب اإليماني الفكري أوالً‪.‬‬ ‫ّ‬
‫المتميزة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المقوم السلوكي للشخصية اإلسالمية‬
‫أي عمل غير صالح ال يدخل في نطاق ّ‬
‫أن ّ‬
‫ّ‬ ‫‪)4‬‬

‫اإلسالمية بعنصرين رئيسين‪:‬‬


‫ّ‬ ‫حدد مقومات الشخصية‬ ‫أن القرآن الكريم ّ‬ ‫يتبين ّ‬
‫وبهذا ّ‬
‫ويتم بموجب‪:‬ه تك‪:‬وين المف‪:‬اهيم عن الوج‪:‬ود (الك‪:‬ون والحي‪:‬اة‬
‫األول‪ :‬اإليمان‪ :‬ويتعلق ببن‪:‬اء الج‪:‬انب العق‪:‬دي والفك‪:‬ري وتنميته‪ّ ،‬‬
‫العقلي‪:: :‬ة في الشخص‪:ّ : :‬ية اإلس‪:: :‬المية وتنميته‪:: :‬ا‬
‫ّ‬ ‫ِ‪:‬‬
‫بالموج‪::‬د‪ .‬وبه‪:: :‬ذا الج‪:: :‬انب يتم بن‪:: :‬اء‬ ‫ِ‪:‬‬
‫والموج‪::‬د ‪ ،‬وعالق‪:: :‬ة الوج‪:: :‬ود‬ ‫واإلنس‪:: :‬ان)‬
‫وضبطها‪.‬‬
‫يتم بن‪:‬اء النفس‪:ّ :‬ية‬
‫الثاني‪ :‬العمل الصالح‪ :‬ويتعلّ‪::‬ق ببن‪::‬اء الج‪:‬انب الس‪::‬لوكي وتنميته‪( ::‬دواف‪::‬ع‪ ،‬مي‪::‬ول‪ ،‬أفع‪::‬ال)‪ .‬وبه‪:‬ذا الج‪:‬انب ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية وتنميتها وضبطها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في‬
‫‪:‬ير من أه‪::‬ل العلم إلى مع‪::‬اني (اإليم‪::‬ان والعم‪::‬ل الص‪::‬الح) بم‪::‬ا يؤي‪::‬د م‪::‬ا ذهبن‪::‬ا إلي‪::‬ه‪ :‬ق‪::‬ال الحس‪::‬ن‬
‫ولق‪::‬د أش‪::‬ار كث‪ٌ :‬‬
‫‪:‬ري‪" :‬ليس اإليم‪::‬ان ب‪::‬التمني وال ب‪:‬التحلي‪ ،‬ولكن م‪:‬ا وق َ‪:‬ر في القلب وص‪:ّ :‬دقه العم‪::‬ل"(‪ .)11‬و(م‪:‬ا وق َ‪:‬ر في القلب)‪ :‬كناي‪::‬ة عن‬
‫البص‪ّ :‬‬
‫الج‪::‬انب العق‪::‬دي والفك‪::‬ري‪ .‬و(ص‪:ّ :‬دقه العم‪::‬ل)‪ :‬كناي‪::‬ة عن الج‪::‬انب الس‪::‬لوكي التط‪::‬بيقي‪ .‬ق‪::‬ال الش‪::‬ربيني‪{ :‬إال ال‪::‬ذين آمن‪::‬وا} أي‪:‬‬
‫‪:‬بي ‪ ‬ب‪::‬ه‪ ،‬من توحي‪::‬ده س‪::‬بحانه والتص‪::‬ديق بمالئكت‪::‬ه وكتب‪::‬ه‬ ‫أوج‪:‬دوا اإليم‪::‬ان‪ ،‬وه‪::‬و التص‪::‬ديق بم‪::‬ا ُعلم بالض‪::‬رورة مجيء الن‪ّ :‬‬
‫(‪)12‬‬
‫أقروا به من اإليمان" ‪.‬‬ ‫ورسله واليوم اآلخر‪{ .‬وعملوا} أي‪ :‬تصديقاً لما ّ‬
‫سوالً ِم ْن ُه ْم‬
‫وابعث في ِهم َر ُ‬
‫القرآني‪::‬ة الدالّ‪::‬ة على مقوم‪:‬ات الشخص‪:ّ :‬ية اإلس‪::‬المية‪ ،‬قول‪::‬ه تع‪::‬الى‪َ :‬ر َّب َنا َ‬ ‫ّ‬ ‫ومن اآلي‪:‬ات‬
‫‪:‬دبر ه‪::‬ذه اآلي‪::‬ة ونظائره‪::‬ا في الق‪::‬رآن؛ نلح‪::‬ظ‬ ‫اب َوا ْل ِح ْك َم َة َو ُي َ‪M‬ز ِّكي ِه ْم‪[‬البق‪::‬رة‪ .]129 :‬فعن‪::‬د ت‪ّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ي ْتلُو علَ ْي ِهم ِ‬
‫آيات َك َو ُي َعلِّ ُم ُه ُم ا ْلكتَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تتضمن جانبي العقل والنقل‪ ،‬أو جانب الغيب ال‪:‬ذي ال ُين‪:‬اقش وإ ّنم‪:‬ا‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية اإلسالمية‪ ،‬فـ"نجد ّأنها‬ ‫ّ‬ ‫مقومي‬
‫ّ‬ ‫ّأنها تشير إلى‬
‫المتعلم أو ُمتلقي التربي‪:‬ة‪ ،‬وه‪:‬ذا‬ ‫قاصر عن فهم‪:‬ه؛ وهن‪:‬ا ُيكتفى بتالوة اآلي‪:‬ات من ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ألن العقل البشري‬ ‫المطلق‪ّ ،‬‬ ‫هو محل اإليمان ُ‬
‫ه‪::‬و الج‪::‬انب األول‪ .‬أم‪::‬ا الج‪::‬انب الث‪::‬اني‪ :‬فه‪::‬و ال‪::‬ذي يتمث‪::‬ل في تعب‪::‬ير "يعلمهم" و"ي‪::‬زكيهم "‪ ،‬فكالهم‪::‬ا يش‪::‬ير إلى عملي‪:ٍ :‬ة بش‪ٍ :‬‬
‫‪:‬رية‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِئ‬
‫ق؛ َدال َل‬ ‫يم‪:‬ا َس ‪َ:‬ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك) الم‪:َ :‬ر ُاد باآلي‪::‬ات ف َ‪:‬‬ ‫"(يتل‪::‬و عليهم آيات ‪َ :‬‬
‫(‪)13‬‬
‫تتعلق ببن‪::‬اء الس‪::‬لوك وتش‪::‬كيله وتغي‪::‬يره" ‪ .‬ق‪::‬ال ص‪::‬احب المن‪::‬ار‪َ :‬‬
‫(وُي َ‪:‬ز ِّكيهم) َأي ُي َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِئ‬ ‫الدينِي ِ‪:‬‬ ‫اَألح َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ائد وبر ِ‬
‫ِ‬
‫طهِّ ُر ُنفُو َس‪:‬هُم‬ ‫َّة َوالش‪َ :‬را عُ َو َمقَاص‪ُ :‬د َها‪َ ،‬‬ ‫‪:‬ام ِّ‬ ‫َأس َر ُار ْ‬ ‫َأما (اْلح ْك َمةُ) اْل ُم َر ُاد بِهَا ْ‬
‫اه َينهَا‪َ ،‬و َّ‬ ‫العقَ َ َ َ‬
‫‪:‬ال اْل َح َس‪َ:‬نةَ"(‪ .)14‬وق‪:‬ال الخ‪:‬ازن‪(" :‬ويعلمهم الحكم‪:‬ة)‬ ‫الرِديَئةَ‪َ ،‬وُي َعِّو ُد َه‪:‬ا ْ‬
‫اَألع َم َ‬ ‫ات َّ‬‫‪:‬اد ِ‬ ‫نه‪:‬ا تِْل َ‬
‫‪:‬ك اْل َع َ‬ ‫نـز ُ ِ‬ ‫وي ِ‬ ‫الذ ِم ِ‬
‫ق َّ‬ ‫ِم َن اَألخال ِ‬
‫عم َ‬ ‫يم‪:‬ة‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫وهي‪ :‬اإلص ‪::‬ابة في الق ‪::‬ول والعم ‪::‬ل"(‪ .)15‬ه ‪::‬ذا وق ‪::‬د ورد في الس ‪:ّ :‬نة المطه ‪::‬رة م ‪::‬ا يؤي ‪::‬د قي ‪::‬ام الشخص ‪::‬ية اإلس ‪::‬المية على ج‪::‬انبين‬
‫عتد بأحدهما دون اآلخر‪ .‬وللمثال ال للحصر‪ ،‬قول النبي ‪" :‬ال‬ ‫وأنه ال ُي ُّ‬
‫متكاملين متالزمين‪ ،‬هما‪( :‬اإليمان والعمل الصالح)‪ّ .‬‬
‫ِ‬ ‫‪:‬ون ه‪::‬واهُ تََب ًع‪::‬ا ِل َ‪:‬م‪:‬ا ِج ُ‬
‫ئت بِ‪::‬ه" ‪" .‬أي ال يكم‪::‬ل إيم‪ُ :‬‬ ‫ُي‪::‬ؤ ِم ُن َأح‪:ُ :‬د ُكم حتَّى ي ُك‪َ :‬‬
‫(‪)16‬‬
‫‪:‬ون في متابع‪::‬ة الش‪::‬رع وموافقت‪::‬ه‬
‫‪:‬ان أح‪::‬دكم ح‪::‬تى يك‪َ :‬‬
‫له"(‪.)17‬‬
‫عب‪:‬ر عن ه‪:‬ذين المق ِّ‪:‬و َمين في الفك‪:‬ر اإلس‪:‬المي‪ ،‬ب‪:‬أكثر من مص‪:‬طلح‪ ،‬مث‪:‬ل‪ :‬اإليم‪:‬ان والعم‪:‬ل‪ ،‬العقي‪:‬دة والش‪:‬ريعة‪،‬‬
‫وق‪:‬د ُي ّ‬
‫والنفسية‪ .‬وال ُمشاحة في االصطالح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العقلية‬
‫ّ‬ ‫الفكر والسلوك‪،‬‬

‫(?) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوامة‪ ،‬د(ط‪ ،‬ت)‪ ،‬كتاب اإليمان والرؤيا‪ ،‬حديث رقم‪.30988 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.428‬‬


‫ّ‬ ‫(?) الشربيني‪ ،‬محمد بن أحمد‪ ،‬السراج المنير‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪12‬‬

‫‪322‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫القرآنية‬
‫ّ‬ ‫تدبر اآليات‬
‫الشخصية اإلسالمية في ضوء ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأن البحث في بناء‬
‫وفي ختام هذا المبحث نخلص إلى القول‪ّ :‬‬
‫العقلي‪:‬ة‪ .‬والمق ّ‪:‬وم الس‪:‬لوكي = النفس ّ‪:‬ية‪ ،‬وكيفي‪:‬ة تنمي‪:‬ة ه‪:‬ذين‬
‫ّ‬ ‫المتعلقة في ذلك؛ ينحصر فقط في كيفية بناء‪ :‬المق ّ‪:‬وم الفك‪:‬ري =‬
‫المقومين وضبطهما‪ .‬وهو ما سيكون موضوع حديثنا في مباحث هذه الدراسة ‪ -‬بإذن اهلل تعالى ‪.-‬‬
‫ّ‬

‫المبحث األول‬
‫اإلرشاد القرآني لبناء المقوّم الفكري في الشخصية اإلسالمية‬
‫مدخل‪:‬‬
‫الب‪:‬دء ببن‪:‬اء الج‪:‬انب اإليم‪:‬اني‬
‫أن منهج القرآن الكريم في بن‪:‬اء الشخص ّ‪:‬ية اإلس‪:‬المية؛ يقتض‪:‬ي َ‬
‫تبين لنا – فيما سبق ‪ّ -‬‬
‫ّ‬
‫‪:‬المية‪ ،‬ال‪::‬تي تُع‪:ّ :‬د بمثاب‪::‬ة القاع‪::‬دة الفكري‪::‬ة ال‪::‬تي يقيس عليه‪::‬ا المس‪::‬لم‬
‫العقلي‪::‬ة اإلس‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫أهمي‪::‬ة في تك‪::‬وين‬
‫الفك‪::‬ري أوالً‪ .‬لم‪::‬ا ل‪::‬ه من ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المقوم السلوكي وضبطه في‬ ‫صوابية وخطأ أي فكر ُيعرض عليه‪ ،‬وكذلك يتوقف عليه بناء ّ‬ ‫ّ‬
‫إن الطريق‪::‬ة ال‪::‬تي أرش‪::‬د إليه‪::‬ا الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم في بن‪::‬اء العقي‪::‬دة اإليماني‪::‬ة؛ تعتم‪::‬د على إطالق التفك‪::‬ير في اآلي‪::‬ات‬ ‫ّ‬
‫ون‪[‬ال ‪::‬ذاريات‪ .]21-19 :‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين* َوفي َأ ْنفُس ‪ُ M‬ك ْم َأفَال تُْبص ‪ُ M‬ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪M‬ات ل ْل ُم‪MM‬وقن َ‬
‫آي‪ٌ M‬‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َ‬ ‫الكوني ‪::‬ة واألنفس ‪:ّ :‬ية‪ ،‬ق ‪::‬ال تع ‪::‬الى‪َ  :‬وفي ْ‬ ‫ّ‬
‫ين َفلَ ْن تَ ِج َد ِلس َّن ِت اللَّهِ‬ ‫ِ‬
‫اَألول َ‬ ‫َّ‬
‫سن َت َّ‬ ‫ِإ‬
‫ُ‬ ‫ون ال ُ‬ ‫اإللهية الثابتة في معاملة األمم والمجتمعات السابقة‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬ه ْل َي ْنظُُر َ‬ ‫ّ‬ ‫السنن‬
‫ج َ‪M‬د ِلس ‪َّ M‬ن ِت اللَّ ِه تَ ْح‪ِ M‬ويال‪[‬ف ‪::‬اطر‪َّ .]43 :‬‬ ‫ِ‬
‫والتأم‪::‬ل والتف ّك‪::‬ر في ه ‪::‬ذه اآلي ‪::‬ات العظيم ‪::‬ة‬ ‫ّ‬ ‫فحث ‪ ‬اإلنس ‪::‬ان على النظ ‪::‬ر‬ ‫تَْب‪MM‬ديال َولَ ْن تَ ِ‪ُ M‬‬
‫تنـزيلية تتعلّ‪:‬ق به‪:‬ا في كتاب‪:‬ه المس‪:‬طور‬ ‫ّ‬ ‫الباهرة المبثوثة في كتابه المنظور‪ ،‬والربط والمقارنة بينه‪:‬ا وبين م‪:‬ا ورد من آي‪:‬ات‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫(الق‪::‬رآن)؛ ليص‪::‬ل أص‪::‬حاب األلب‪::‬اب والنُهى واألبص ‪::‬ار إلى عقله‪::‬ا‪ ،‬أي‪ :‬حص‪::‬ول االعتب‪::‬ار به ‪::‬ذه اآلي‪::‬ات وإ دراك حقيق‪::‬ة ّ‬
‫ون‪[‬العنكبوت‪.]43 ::‬‬ ‫مخلوق لخالق يتصف بصفات الكمال المطلق‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و َما َي ْع ِقلُ َها ِإال ا ْل َع ِال ُم َ‬ ‫ٌ‬ ‫الوجود‬
‫ولذا؛ فق‪:‬د جع‪:‬ل اهلل تع‪:‬الى النظ‪:‬ر والتف ّك‪:‬ر في ه‪:‬ذه اآلي‪:‬ات؛ فرض‪:‬اً واجب‪:‬اً‪ ،‬وطريق‪:‬اً موص‪:‬الً إلى اإليم‪:‬ان بحقيق‪:‬ة‬
‫ض‪[‬ي‪::‬ونس‪:‬‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ظروا م‪M‬ا َذا ِفي ال َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫س‪َ M‬م َاوات َو ْ‬ ‫اإليمانية األخرى‪ .‬قال تعالى‪ُ  :‬قل اْن ُُ َ‬ ‫ّ‬ ‫وجود اهلل تعالى وما ينبني عليها من الحقائق‬
‫‪ .]101‬ق ‪::‬ال القرط ‪::‬بي في تفس ‪::‬يرها‪" :‬أم ‪:ٌ :‬ر للكف ‪::‬ار باالعتب ‪::‬ار والنظ ‪::‬ر في المص ‪::‬نوعات الدال ‪::‬ة على الص ‪::‬انع والق ‪::‬ادر على‬
‫فكر والتَّدب ُِّر َوالتَّ َذ ُّك ِر‪ ،‬فَال‬‫العقلي‪ ،‬والتَّ ُّ‬ ‫اح بِ‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫الكم‪::‬ال" ‪ .‬وق‪::‬ال ص‪::‬احب المن‪::‬ار‪" :‬ول ‪َ :‬ذِل َ‬
‫‪:‬رآن ُيل ُّح َأ َش ‪َّ :‬د اِإل َ‬
‫(‪)18‬‬
‫ِّ‬ ‫ظ ِر‬
‫‪:‬الن َ‬ ‫لح‪ِ :‬‬ ‫‪:‬اء القُ‪ُ :‬‬
‫ك ج‪َ :‬‬
‫كم ِ‬ ‫ِ‬
‫‪:‬تجالء ُح ِ‬ ‫‪:‬الن َ ِ‬
‫اتفاقهَ ‪::‬ا‬ ‫اج َأس ‪::‬رارها‪ ،‬واس ‪:‬‬‫‪:‬تخر ِ‬
‫ظر فيهَ ‪::‬ا واس ‪َ :‬‬ ‫‪:‬أم ُرك ب ‪َّ :‬‬ ‫‪:‬وان‪ ،‬وي ‪ُ :‬‬
‫ك اَألك ‪َ :‬‬ ‫‪:‬رض علي ‪َ :‬‬ ‫تق ‪:َ :‬رُأ من ‪::‬هُ قليالً ِإال وت ‪::‬راهُ َيع ‪ُ :‬‬
‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫اَألرض‪[‬يونس‪.)19("]101 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ات َو‬ ‫واختالفهَا ‪ُ ‬ق ِل ا ْنظُ ُروا َما َذا في َّ َ َ‬
‫وع ّ‪:‬د بعض العلم‪:‬اء النظ‪::‬ر في آي‪:‬ات اهلل المبثوث‪:‬ة في األك‪::‬وان واألنفس الم‪::‬ؤدي لمعرف‪:‬ة اهلل؛ أول الواجب‪:‬ات على‬
‫إيمان‪::‬ه مبني‪ً: :‬ا على نظ ‪:ٍ :‬ر وتف ّك‪:ٍ :‬ر ٍ‬
‫ذاتي مباش ‪::‬ر‪ ،‬غ ‪::‬ير خاض ‪:ٍ :‬ع لتبع ‪::‬ة التقلي ‪::‬د الم ‪::‬انع للعق ‪::‬ل من‬ ‫ال‪ ،‬ليك ‪::‬ون ُ‬
‫العب ‪::‬د عن ‪::‬د بلوغ ‪::‬ه ع ‪::‬اق ً‬
‫"إن أول ما فرض اهلل على جميع العب‪::‬اد‪ ،‬النظ‪::‬ر في آيات‪::‬ه‪ ،‬واالعتب‪::‬ار بمقدورات‪::‬ه‪ ،‬واالس‪::‬تدالل‬‫االنطالق‪ .‬يقول الباقالني‪ّ :‬‬
‫عليه بآثار قدرته‪ ،‬وشواهد ربوبيته"(‪.)20‬‬
‫وبهذه الطريقة فقط من التفكير المستنير(‪)21‬؛ يستطيع اإلنسان الحصول على تفسير شامل وصحيح ومطابق لحقيق‪:‬ة‬
‫اق َوِفي َأْن ُف ِس ِهْم‬
‫آي ِاتَنا ِفي اآل َف ِ‬
‫سُنِري ِهْم َ‬ ‫ِ‪:‬‬
‫والموج‪:‬د ‪ ،‬والعالق‪::‬ة بينهم‪::‬ا‪ .‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪َ  :‬‬ ‫األمر‪ ،‬عن الوجود (الك‪::‬ون والحي‪:‬اة واإلنس‪::‬ان)‬

‫(?) القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد البردوني وزميله‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1964 ،2‬م‪ ،‬ج‪،8‬‬ ‫‪18‬‬

‫ص ‪.386‬‬
‫(?) محمد رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.208‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪323‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أهمي‪:‬ة عملي‪:‬تي‬
‫تدبر اآليات السابقة ونظائرها في القرآن الك‪:‬ريم‪ ،‬تظه‪:‬ر ّ‬ ‫ق‪[‬فصلت‪ .]53 :‬ومن خالل ّ‬ ‫َّن َل ُه ْم ََّأن ُه ا ْل َح ُّ‬
‫َحتَّى َيتََبي َ‬
‫ُّ‬
‫والتعقل؟ وما العالقة بينهما؟‬ ‫للشخصية اإلسالمية‪ .‬فما المقصود بالتف ّكر‬ ‫المقوم الفكري‬ ‫ُّ‬
‫ّ‬ ‫التف ّكر والتعقل في بناء ّ‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم (التف ّكر‪ ،‬والتعقّل) والعالقة بينهما‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬مفهوم العقل لغة واصطالحاً‪( :‬العقل) في اللغة من األلفاظ المشتركة التي تطلق على أكثر من معنى‪ ،‬فـ "العقل‪ :‬نقيض‬
‫ال‪ ،‬شددت يده بالعقال أي الرباط‪ .‬اعتقل اللس‪::‬ان‪ :‬انحبس عن الكالم‪.‬‬
‫الجهل‪ ،‬والمعقول ما تعقله في فؤادك‪ .‬وعقلت البعير عق ً‬
‫وعَق‪::‬ل الش‪::‬يء‪ :‬فهم‪::‬ه‪ .‬والعق‪::‬ل‪ :‬الحص‪::‬ن وجمع‪::‬ه‬
‫وعَق‪:َ :‬ل‪ :‬تثبت في األم‪::‬ر‪َ .‬‬
‫وعاقل‪::‬ة الرج‪::‬ل‪ :‬أقارب‪::‬ه ال‪::‬ذين يمنعون‪::‬ه من الغ‪::‬ير‪َ .‬‬
‫والنهى ض‪:‬د الحم‪:‬ق‪ .‬والعق‪:‬ال‪ :‬داء في س‪:‬اق الداب‪:‬ة يمنعه‪:‬ا‬
‫العق‪:‬ول‪ .‬والعق‪:‬ل‪ :‬الح‪:‬ابس عن ذميم الق‪:‬ول والفع‪:‬ل‪ .‬والعق‪:‬ل‪ :‬الحج‪:‬ر ُ‬
‫(‪)22‬‬
‫أن لف ‪::‬ظ العق ‪::‬ل في اللغ ‪::‬ة ي ‪::‬دور ح ‪::‬ول مع ‪::‬اني‪ :‬الش ‪:ّ :‬د‪،‬‬
‫من المس ‪::‬ير‪ .‬والعق‪::‬ال‪ :‬الحب ‪::‬ل ال ‪::‬ذي ُيرب ‪::‬ط ب ‪::‬ه الش‪::‬يء" ‪ .‬وبه ‪::‬ذا يت ‪::‬بين ّ‬
‫والتحصن‪ ،‬والمنع‪ ،‬والحبس‪ ،‬والفهم‪ ،‬والتثبت‪ .‬فالق‪::‬درة على العق‪:‬ل‪ :‬هي الق‪::‬درة على التوثي‪::‬ق والرب‪::‬ط‬
‫ُّ‬ ‫والربط‪ ،‬والحجر‪،‬‬
‫والتوثيق يشتمل على نفي وإ ثبات‪ .‬فبعملية العقل ٍ‬
‫ألمر ما يقوم اإلنسان بـ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫والتثبت‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪-1‬تثبيت المعلومات الصحيحة عن ذلك األمر في الذهن ومنعها من الذهاب‪.‬‬
‫‪-2‬نفي المعلومات غير الصحيحة عن ذلك الشيء واستبعادها عنه‪.‬‬
‫‪-3‬الحكم على ذلك األمر حكماً صائباً بدرجة القطع والجزم‪.‬‬
‫عملي‪::‬ة التع ّق‪::‬ل ق‪:‬ول ابن‬
‫‪M‬طالحا‪ :‬فق‪:‬د تع‪:‬ددت وتف‪:‬اوتت تعريف‪:‬ات العلم‪:‬اء ل‪:‬ه‪ ،‬ومن أخص‪::‬رها وأقربه‪:‬ا لواق‪:‬ع ّ‬
‫وأم‪M‬ا العق‪M‬ل اص ً‬
‫ّ‬
‫(‪)23‬‬
‫بأن العقل هو‪" :‬ما يقع به التمييز‪ ،‬ويمكن االستدالل به على ما وراء المحسوس" ‪" .‬فهذا التعري‪:‬ف روعي في‪:‬ه ال‪:‬دور‬ ‫تيمية‪ّ :‬‬
‫الوظيفي للعقل في االستفادة من معطيات الحواس والبناء عليها؛ لتحصيل العلم بالمجهول"(‪.)24‬‬

‫دال على ذات‪ ،‬وإ ّنم‪::‬ا ورد بص‪::‬يغة الفع ـــل‪:‬‬ ‫‪:‬در ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬العق‪M‬ل في الق‪M‬رآن الك‪M‬ريم‪ :‬لم ي‪::‬رد لف‪::‬ظ (العق‪::‬ل) في الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم كمص‪ٍ :‬‬
‫أن العق ‪::‬ل ليس‬ ‫(يعقل‪ ،‬نعق ‪::‬ل‪ ،‬يعقل ‪::‬ون‪ ،‬تعقل ‪::‬ون‪ ،‬يعقله ‪::‬ا‪ ،‬عقل ‪::‬وه)؛ وذل ‪::‬ك في ( ‪ )49‬موض ‪::‬عًا من الق ‪::‬رآن‪ ،‬وه ‪::‬و م ‪::‬ا ي ‪ُّ :‬‬
‫‪:‬دل على َّ‬
‫تعقل يق ‪::‬وم به ‪::‬ا اإلنس ‪::‬ان‪ ،‬قوامه ‪::‬ا الرب ‪::‬ط بين ال ‪:َّ :‬د ّ‬
‫ال والم ‪::‬دلول‪ ،‬واألس ‪::‬باب والمس ‪::‬ببات‪،‬‬ ‫مص ‪::‬درا قائم‪::‬ا ِ‬
‫بذات‪::‬ه‪ ،‬وإ َّنم ‪::‬ا ه ‪::‬و عمليَّة ُّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والمقدمات والنتائج‪ ،‬للوصول إلى ٍ‬
‫فكر صحيح عن الواقع المراد عقله‪ ،‬أي فهمه وإ دراكه‪.‬‬
‫وإ ذا نظرن‪:‬ا إلى ص َ‪:‬يغ التعّق‪:‬ل الم‪:‬ذكورة في الق‪:‬رآن من خالل س‪:‬ياقاتها؛ نج‪:‬د ّأنه‪:‬ا تحم‪:‬ل مع‪:‬اني مش‪:‬تركة ت‪:‬دور ح‪:‬ول‬
‫ص‪:‬ر الق‪:‬ائم على الرب‪:‬ط بين آي‪:‬ات كت‪:‬اب اهلل المنظ‪:‬ور (الك‪:‬ون واألنفس) وآي‪:‬ات كتاب‪:‬ه‬ ‫النظر العقلي المفض‪:‬ي إلى االعتب‪:‬ار والتب ّ‬
‫الس‪MM‬ماو ِ‬
‫ات‬ ‫بالموج‪::‬د ‪ .‬ق‪:: :‬ال تع‪:: :‬الى‪ِ :‬إ َّن ِفي َخْل‪ِ MM‬‬
‫ِ‪:‬‬
‫ق َّ َ َ‬ ‫المس‪:: :‬طور (ال‪:: :‬وحي)‪ ،‬للوص‪:: :‬ول إلى اكتش ‪::‬اف حق ‪::‬ائق الوج‪:: :‬ود وعالقته‪:: :‬ا‬
‫اء ِم ْن م‪ٍ M‬‬
‫الس‪M‬م ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ح ِر ِبم‪MM‬ا َي ْنفَ‪MM‬عُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪M‬ار َوا ْل ُف ْل‪Mِ M‬ك الَِّتي تَ ْ‪M‬‬ ‫اخ ِت ِ‬
‫الف اللَّ ْي‪Mِ M‬ل َو َّ‬ ‫اَألر ِ‬
‫‪M‬اء‬ ‫َ‬ ‫اس َو َم‪MM‬ا َأ ْن‪Mَ M‬ز َل الل ُه م َن َّ َ‬
‫الن َ‬ ‫ج ِري في ا ْل َب ْ‪َ M‬‬ ‫الن َه‪ِ M‬‬ ‫ض َو ْ‬ ‫َو ْ‬
‫ض آلي‪ٍ M‬‬ ‫اب ا ْلمس‪َّ M‬خ ِر ب ْي َن َّ ِ‬ ‫َّة وتَص‪ِ M‬ر ِ‬
‫ٍ‬ ‫ث ِف ِ‬ ‫فَ ْ ِ‬
‫‪M‬ات‬ ‫اَألر ِ َ‬‫الس‪َ M‬ماء َو ْ‬ ‫الس‪َ M‬ح ِ ُ َ َ‬ ‫‪M‬اح َو َّ‬ ‫الر َي‪ِ M‬‬
‫يف ِّ‬ ‫يها م ْن ُك ِّل َداب َ ْ‬ ‫ض َب ْع َد َم ْو ِت َها َو َب َّ َ‬ ‫َأح َيا ِبه ْ‬
‫اَألر َ‬

‫(?) ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم (ت ‪728‬هـ)‪ ،‬بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪23‬‬

‫موسى سليمان الدويش‪ ،‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬ط‪14058 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪.265‬‬


‫(?) مصطفى حسين عبدالهادي‪ ،‬منهج التفكير العقلي في القرآن‪ ،‬مقال على النت‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪324‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫ِلقَ ْوٍم َي ْع ِقلُ َ‬


‫ون‪[‬البقرة‪.]64 :‬‬

‫"الف ْكر ِ‬
‫والف ْك ُ‪:‬ر‪ِ :‬إعم‪:‬ال الخ‪:‬اطر في‬ ‫يفكر تفكيرًا‪ ،‬قال ابن منظور‪ُ َ :‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مفهوم الفكر لغ ًة واصطالحاً‪ :‬الفكر في اللغة من َف ّكَر ُ‬
‫ردَد قلبه معتِبرًا"(‪ .)26‬ونقل الراغب‬ ‫القْلب في َّ‬
‫الشيء‪ .‬يقال تف ّكَر إذا َّ‬ ‫الشيء"(‪ .)25‬وقال ابن فارس‪" :‬الفاء والكاف والراء؛ ُّ‬
‫تردُد َ‬
‫أن "الفك ‪::‬ر مقل ‪::‬وب عن الف ‪::‬رك‪ ،‬لكن يس ‪::‬تعمل الفك ‪::‬ر في المع ‪::‬اني‪ ،‬وه ‪::‬و ف ‪::‬رك األم ‪::‬ور وبحثه ‪::‬ا طلب‪::‬اً‬
‫عن بعـــض األدب ‪::‬اء ّ‬
‫للوصـ ـول إلى حقيقتها"(‪.)27‬‬
‫أن مع‪:‬نى الفك‪:‬ر‪ :‬ه‪:‬و‬
‫وح‪:‬ول ه‪:‬ذا المع‪:‬نى اللغ‪:‬وي ت‪:‬دور غ‪:‬الب التعريف‪:‬ات االص‪:‬طالحية للفك‪:‬ر‪ .‬يق‪:‬ول الغ‪:‬زالي‪" :‬اعلم ّ‬
‫إحض ‪::‬ار معرف ‪::‬تين في القلب ليس ‪::‬تثمر منهم ‪::‬ا معرف ‪::‬ة ثالث ‪::‬ة"(‪ .)28‬وعن ‪::‬د ال ‪:َّ :‬راغب األص ‪::‬فهاني ه ‪::‬و‪" :‬ق ‪:َّ :‬وة مطرق ‪::‬ة للعلم إلى‬
‫معل ‪::‬وم‪ ،‬وج ‪:َ :‬والن تل ‪::‬ك الق ‪:َّ :‬وة بحس ‪::‬ب نظ ‪::‬ر العق ‪::‬ل‪ ،‬وذل ‪::‬ك لإلنس ‪::‬ان دون الحي ‪::‬وان‪ ،‬وال يمكن أن ُيق ‪::‬ال إالَّ فيم ‪::‬ا يمكن أن‬
‫يحص ‪:: :‬ل ل ‪:: :‬ه ص ‪:: :‬ورة في القْلب"(‪ .)29‬وق ‪:: :‬ال الجرج ‪:: :‬اني‪" :‬الفك ‪:: :‬ر‪ :‬ت ‪:: :‬رتيب أم ‪:: :‬ور معلوم ‪:: :‬ة للت ‪:: :‬أدي إلى مجه ‪:: :‬ول"(‪ .)30‬ومن‬
‫عرف‪:‬ه فتحي ج‪:‬روان بقول‪:‬ه‪" :‬التفك‪:‬ير في أبسط تعريف له عب‪:‬ارة عن سلس‪:‬لة من النش‪:‬اطات العقلية ال‪:‬تي يق‪:‬وم‬
‫المعاص‪:‬رين ّ‬
‫(‪)31‬‬
‫أن التفك‪::‬ير‪:‬‬
‫بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس" ‪ .‬وبهذا يت‪::‬بين ّ‬
‫"نش‪:‬اط عقلي أو ذه‪:‬ني‪ ،‬يب‪:‬دأ عند وج‪:‬ود مث‪::‬ير م‪::‬ا‪ ،‬كح‪::‬دث‪ ،‬أو ظ‪::‬اهرة‪ ،‬أو موقف معين‪ ،‬خطواته متسلس‪:‬لة ومنظم‪::‬ة‪ ،‬تب‪::‬دأ‬
‫بالمالحظة‪ ،‬يهدف للتوصل إلى نتيجة ما أو حل لمشكلة"(‪.)32‬‬

‫رابع ‪M‬اً‪ :‬التفك‪MM‬ير في الق‪MM‬رآن‪ :‬وردت م‪::‬ادة (فك‪::‬ر) في الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم في ثماني‪::‬ة عش‪::‬ر موض‪:ً :‬عا‪ ،‬ولم ت‪::‬رد بص‪::‬يغة االس‪::‬م أو‬
‫غالبي‪:‬ة آي‪:‬ات التف ّك‪:‬ر وردت‬
‫أن ّ‬ ‫"فكر"‪" ،‬يتفك‪:‬رون"‪" ،‬تتفك‪:‬رون"‪ .‬ومن المالح‪:‬ظ ّ‬ ‫فعلي‪:‬ة‪ ،‬مث‪:‬ل‪َّ :‬‬
‫صيغ ّ‬
‫المصدر‪ .‬وإ ّنما جاءت في َ‬
‫المكي ة‪ ،‬وهذه الكثرة تتوافق مع طبيعة وأهداف القرآن المكي في التركيز على تقرير مسائل التوحيد والنبوة‬ ‫ّ‬ ‫في اآليات‬
‫والبعث وحقائق الوجود األخرى‪ ،‬وبالمقابل ضرب األفكار الس‪:‬ائدة في المجتم‪::‬ع الج‪:‬اهلي آن‪::‬ذاك‪ ،‬وبالت‪:‬الي تأس‪::‬يس منهج‬
‫فكري منضبط صالح لبناء مقومات الشخصية اإلنسانية وفق إرادة الخالق ‪.‬‬
‫والتأم‪::‬ل‪ ،‬واالنتق‪::‬ال من المق‪::‬دمات العلمي‪::‬ة أو الظني‪::‬ة إلى م‪::‬ا‬ ‫ّ‬ ‫وق‪::‬د ي‪::‬أتي التفك‪::‬ير في الق‪::‬رآن بمع‪::‬نى النظ‪::‬ر العقلي‬
‫‪:‬ير َي‪:ُ :‬د ُّل َعلَى ََّأنهُ َم‪::‬ا ِفي‬
‫آن ِللتَّفَ ُّك ِر َوالتَّ ْف ِك‪ِ :‬‬
‫ي‪::‬ترتب عليه‪::‬ا من نتيج‪::‬ة علمي‪::‬ة أو ظني‪::‬ة‪ .‬ق‪::‬ال ص‪::‬احب المن‪::‬ار‪"َ :‬وا ْس ‪:‬تِ ْع َما ُل القُ‪:ْ :‬ر ِ‬
‫‪:‬ود ِه‬
‫ج‪ِ :‬‬ ‫‪:‬ات ِ‬
‫اهلل َو َدالِئل َو ُ‪:‬‬ ‫َّات‪ ...‬وَأ ْكثَ‪:: :‬ر م‪:: :‬ا اس ‪: :‬تَعملَه التَّْن ِزي ‪ُ : :‬ل ِفي آي‪ِ : :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫َّات المح ِ ِ‬ ‫الع ِقلي ِ‬
‫َ‬ ‫ض ‪: :‬ة َأو في اْل َع ْقليَّات التي َمَبادُئهَ‪:: :‬ا ح ِّس ‪: :‬ي ٌ َ ُ َ ْ ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ (‪)33‬‬ ‫ِ ِِ ِ ِِ‬
‫‪:‬إن الفك‪::‬ر والنظ‪::‬ر مس‪::‬ميان لمس‪:ّ :‬مى واح‪::‬د‪ ،‬فـ"النظ‪::‬ر والفك‪::‬ر عب‪::‬ارة عن‬ ‫َو َو ْح َدانيَّت‪::‬ه َوح ْك َمت‪::‬ه َوَر ْح َمت‪::‬ه" ‪ .‬وعن‪::‬د ال‪::‬رازي ف‪ّ :‬‬
‫ص‪ِ :‬ر والبص‪:‬يرِة‬ ‫ِ‬ ‫ترتيب مق‪:‬دمات علمي‪:‬ة أو ظني‪:‬ة‪ ،‬ليتوص‪:‬ل به‪:‬ا إلى تحص‪:‬يل علم أو ظن"(‪ .)34‬وق‪:‬ال ال‪:‬راغب‪َّ :‬‬
‫الب َ‬
‫يب َ‬ ‫ظ ُ‪:‬ر‪ :‬تَْقل ُ‬ ‫"الن َ‬
‫الر ِوَّيةُ‪ .‬يق‪:‬ال‪:‬‬‫ص‪ ،‬وه‪:‬و َّ‬ ‫ص‪ ،‬وق‪:‬د ي‪:‬راد ب‪:‬ه المعرف‪:‬ةُ الحاص‪:‬لةُ بع‪:‬د الفَ ْح ِ‬ ‫َأم ُل والفَ ْح ُ‬ ‫ورؤيِت ِه‪ ،‬وق ـ ـد ُي ُ‬
‫راد به التَّ ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الشيء‬ ‫إلدر ِ‬
‫اك‬ ‫َ‬
‫(‪)35‬‬
‫َأم ْل ولم تَتََر َّو" ‪.‬‬‫ت فلم تَْنظُ ْر‪ .‬أي‪ :‬لـ ـم تَتَ َّ‬
‫ظ ْر َ‬ ‫َن َ‬
‫"والق‪:‬رآن الك‪::‬ريم ي‪:‬ذكر التفك‪:‬ير ويع‪:‬بر عنه بكلم‪:‬ات متع‪::‬ددة‪ :،‬تش‪:‬ترك في المع‪:‬نى أحيان‪:‬اً‪ ،‬وينف‪:‬رد بعض‪:‬ها بمعن‪::‬اه‬
‫على حسب السياق أحيانًا أخرى‪ ،‬فهو الفكر والنظر والبصر والتدبر واالعتبار وال‪:‬ذكر والعلم‪ ،‬وس‪:‬ائر ه‪:‬ذه الملك‪:‬ات الذهنية‬
‫ال‪::‬تي تتفق أحيان‪ً:‬ا في الم‪::‬دلول‪ ،‬ولكنها ال تس‪::‬تفاد من كلمة واح‪::‬دة تغ‪::‬ني عن س‪::‬ائر الكلم‪::‬ات األخ‪::‬رى"(‪ .)36‬فمن خالل إحص‪::‬اء‬
‫التبصر‪ ،‬التعّقل‪ ،‬النظ‪:‬ر‪ ،‬الت‪:‬ذ ّكر‪ ،‬التف ّق‪:‬ه ‪ -‬على‬
‫ّ‬ ‫التدبر‪،‬‬
‫اآليات التي تدعو إلى التفكير بلفظه الصريح أو بواسطة نظائره مثل‪ّ :‬‬

‫(?) محمد رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.385‬‬ ‫‪33‬‬

‫(?) الرازي‪ ،‬محمد بن عمر ت ‪606‬هـ‪ ،‬معالم أصول الدين‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1992 ،1‬م‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪34‬‬

‫(?) الراغب األصفهاني‪ ،‬مفردات غريب القرآن‪ ،‬ص ‪.499‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪325‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن مجموعه‪::‬ا يس‪::‬اوي تقريب ‪:‬اً (‪ )624‬آي‪::‬ة‪ ،‬أي م‪::‬ا نس‪::‬بته ح‪::‬والي ‪ %10‬من الع‪::‬دد‬
‫مس‪::‬توى الج‪::‬ذور والمش‪::‬تقات ‪ -‬يت‪::‬بين‪ّ :‬‬
‫الكلّي آليـ ـ ـ ـات القرآن(‪ .)37‬وفي هذا داللة على أهمية التفكير بالنسبة لإلنس‪:‬ان‪ ،‬وخط‪:‬ورة دوره في تحدي‪:‬د مع‪:‬الم شخص‪:‬يته في‬
‫الدنيا‪ ،‬وتحديد مصيره في اآلخرة‪.‬‬

‫القرآني‪::‬ة ال‪::‬تي‬
‫ّ‬ ‫‪:‬دبر اآلي‪::‬ات‬
‫خامساً‪ :‬العالقة بين التع ّقل والتف ّكر في القرآن‪ :‬وبن‪::‬اء على م‪::‬ا س‪::‬بق‪ ،‬وفي ض‪::‬وء اس‪::‬تقراء وت‪ّ :‬‬
‫وردت فيه‪:‬ا مش‪:‬تقات (التع ّق‪:‬ل‪ ،‬والتف ّك‪:‬ر)‪ ،‬نس‪:‬تطيع أن نس‪:‬تنتج بعض المالحظ‪:‬ات ال‪:‬تي تس‪:‬اعدنا على فهم العالق‪:‬ة بين التع ّق‪:‬ل‬
‫والتف ّكر في استعمال القرآن‪ ،‬ونجمل هذه المالحظات باآلتي‪:‬‬
‫أن التع ّق‪:‬ل‪ :‬رب‪:‬ط ومن‪:‬ع‪ .‬والتف ّك‪:‬ر‪ :‬تقليب وتردي‪:‬د‪.‬‬
‫أو ًال‪ :‬الفرق الجوهري من حيث المعنى اللغوي بين التف ّكر والتع ّق‪:‬ل‪ :‬ه‪:‬و ّ‬
‫فالقدرة التفكيرية تختلف عن القدرة العقلية‪.‬‬
‫ص‪:‬ة‪ ،‬يتّص‪:‬ف به‪:‬ا أه‪:‬ل العلم المنتج لإليم‪::‬ان ال‪::‬ذين يتفك‪:‬رون في العالق‪:‬ة الخالقي‪::‬ة وي‪:‬دركونها فق‪:‬ط‪،‬‬ ‫التعقل خا ّ‬ ‫عملي‪:‬ة ُّ‬ ‫ثانياً‪ّ :‬‬
‫منفي‪:‬ةٌ عنهم‬
‫الخالقي‪:‬ة؛ فص‪:‬فة التع ّق‪::‬ل ّ‬ ‫ّ‬ ‫أما الكفّار الذين ال ُي‪:‬دركون العالق‪:‬ة‬ ‫ون‪[‬العنكبوت‪ّ .]43 :‬‬ ‫‪َ ‬و َما َي ْع ِقلُ َها ِإال ا ْل َع ِال ُم َ‬
‫ص‪ٌّ M‬م ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي فَ ُه ْم ال َي ْع ِقلُ‪َ M‬‬
‫‪M‬ون ‪[‬البق‪::‬رة‪.]171:‬‬ ‫اء ُ‬ ‫‪M‬اء َو ِن َ‪M‬د ً‬
‫س‪َ M‬معُ ِإال ُد َع ً‬ ‫ين َكفَ ُروا َك َمثَ ِل الَّ ِذي َي ْن ِع‪ُ M‬‬
‫‪M‬ق ِب َم‪M‬ا ال َي ْ‬ ‫‪َ ‬و َمثَ ُل الَّ ِذ َ‬
‫فعامة يشترك بها جميع الناس الذين يملكون عوامل التفكير‪.‬‬ ‫عملية التف ّكر ّ‬ ‫أما ّ‬ ‫ّ‬
‫َّر‪[‬الم‪::‬دثر‪:‬‬ ‫عملية التف ّكر قد تنتج حكماً عقلياً صائباً‪ ،‬وقد تنتج فكراً منحرفاً خاطئ ‪:‬اً‪ِ .‬إ َّن ُه فَ َّك َر َوقَد ََّر* فَقُِت َل َك ْي َ‬
‫‪M‬ف قَ‪M‬د َ‬ ‫ثالثاً‪ّ :‬‬
‫أما التع ّقل فال ينتج إال صواباً وحكمة‪.‬‬ ‫‪ّ .]20-18‬‬
‫تعقل ب‪:: :‬دون تفك‪:: :‬ير‪.‬‬‫تعقل‪ ،‬وال ُّ‬ ‫التعقل ليس ه‪:: :‬و التف ّ‪:‬ك ‪::‬ر وإ ّنم‪:: :‬ا نتيجت‪:: :‬ه‪ .‬فق‪:: :‬د يحص‪:: :‬ل تف ّ‪:‬ك ‪::‬ر وال يحص‪:: :‬ل من‪:: :‬ه ُّ‬ ‫إن ُّ‬ ‫رابع‪MM‬اً‪ّ :‬‬
‫التعقل ال ُي‪:‬ذكر إال بع‪::‬د‬‫أن ُّ‬ ‫ق واح‪::‬د؛ يالح‪::‬ظ ّ‬ ‫والتعقل في س‪:‬يا ٍ‬‫ُّ‬ ‫فباستقراء اآليات القرآنية ال‪::‬تي ورد فيه‪::‬ا ذك‪:‬ر التف ّك‪::‬ر‬
‫‪M‬ل الثَّم‪MM‬ر ِ‬ ‫الن ِخي‪َ M‬ل َو ْ‬ ‫ت لَ ُك ْم ِب ِه َّ‬
‫‪M‬اب َو ِم ْن ُك‪َ َ ِّ M‬‬
‫ات‬ ‫اَألع َن‪َ M‬‬ ‫ون َو َّ‬ ‫ع َو َّ‬
‫الز ْيتُ َ‬ ‫الز ْر َ‬ ‫التف ّكر‪ .‬ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى‪ُ  :‬ي ْن ِب ُ‬
‫‪َM‬أم ِر ِه ِإ َّن ِفي‬ ‫س‪َّ M‬خ َر ٌ‬
‫ات ِب ْ‬ ‫‪M‬وم ُم َ‬ ‫ُّ‬
‫س َوا ْلقَ َم َ‪M‬ر َوالن ُج ُ‬ ‫‪M‬ار َو َّ‬
‫الش‪ْ M‬م َ‬ ‫س‪َّ M‬خ َر لَ ُكم اللَّ ْي‪َ M‬ل َو َّ‬
‫الن َه َ‬ ‫ُ‬ ‫ِإ َّن ِفي َذِل َك آَل َي ًة ِلقَ ْ‪M‬وٍم َيتَفَ َّك ُر َ‬
‫ون* َو َ‬
‫ون‪[‬النحل‪.]12 -11 :‬‬ ‫ات ِلقَ ْوٍم َي ْع ِقلُ َ‬‫َذِل َك آلي ٍ‬
‫َ‬
‫تفكير دقي ٍق وشامل لذلك الشيء وما يتعلّق به‪.‬‬ ‫عملية عقل الشيء ال تتأتى إال بعد ٍ‬ ‫أن ّ‬ ‫دليل واضح على ّ‬ ‫وفي هذا ٌ‬
‫العملية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عد نتيجة لتلك‬
‫ضرورية والزمة للوصول إلى الحكم العقلي الذي ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫مقدمة‬
‫أن التفكير في الشيء ّ‬
‫وهذا يعني ّ‬
‫أن‬
‫‪:‬بين ّ‬‫لغوي‪::‬ة واص‪::‬طالحية واس‪::‬تعماالت قرآني‪::‬ة لم‪::‬ادتي التع ّق‪::‬ل والتف ّك‪::‬ر يت‪ّ :‬‬
‫وبن‪::‬اء على م‪::‬ا س‪::‬بق من تعريف‪::‬ات ّ‬
‫"لمنظوم‪::‬ة العق‪::‬ل آلي‪::‬ات معين‪::‬ة تعم‪::‬ل مع ‪:‬اً لتحق‪::‬ق المفه‪::‬وم ال‪::‬ذي أراده الق‪::‬رآن‪ ،‬ف‪::‬التفكير والتقليب والتأم‪::‬ل وإ مع‪::‬ان النظ‪::‬ر‬
‫واإلنض‪::‬اج وتوف‪::‬ير المعرف‪::‬ة والبحث عنه‪::‬ا‪ ،‬جميعه‪::‬ا آلي‪::‬ات للعق‪::‬ل تعم‪::‬ل مع‪:‬اً في ت‪::‬وازن دقي‪::‬ق وحرك‪::‬ة دائم‪::‬ة‪ ،‬موض‪::‬وعها‬
‫ه‪::‬و الواق‪::‬ع‪ ،‬يش‪::‬ارك في إدارك‪::‬ه الح‪::‬واس وق‪::‬وة ال‪::‬دماغ والمع‪::‬ارف المكتس‪::‬بة وق‪::‬وى النفس المختلف‪::‬ة‪ ،‬جميعه‪::‬ا تعم‪::‬ل مع ‪:‬اً‬
‫فليس هناك جهة واحدة مسؤولة عن العقل دون أخرى‪ ،‬بل جميع قوى اإلنسان الداخلية بما فيها بناءه المع‪::‬رفي‪ ،‬وبيئت‪::‬ه‬
‫الخارجي‪::‬ة وقن‪::‬وات اتص‪::‬اله م‪::‬ع البيئ‪::‬ة الخارجي‪::‬ة‪ ،‬تش‪::‬ارك جنب‪:‬اً إلى جنب في عملي‪::‬ة العق‪::‬ل‪ ،‬ف‪::‬إن وص‪::‬لت إلى غايته‪::‬ا فق‪::‬د‬
‫حصل العقل‪ ،‬وإ ال فال يخرج عن كون‪:‬ه كاألنع‪:‬ام ب‪:‬ل أض ُّ‪:‬ل س‪:‬بيالً‪ ،‬فالك‪:‬افرون والعاص‪:‬ون مثالً‪ ،‬ال يتحق‪:‬ق عن‪:‬دهم مفه‪:‬وم‬
‫فوصفَهم الق‪::‬رآن‬
‫َ‬ ‫العقل‪ ،‬بالرغم من ّأنهم يمارسون كثيراً من فعاليات التفكير‪ ،‬إال ّأنهم ال تكتمل عندهم منظمومة العقل‪،‬‬
‫بأنهم ال يعقلون‪ .‬فالعقل بهذا المعنى وازعٌ يعقل صاحبه عما يأباه له التكليف"(‪.)38‬‬
‫ّ‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مجال التفكير وحدوده في ضوء القرآن الكريم‪:‬‬


‫‪326‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫حث على التفك‪::‬ير‪ ،‬ولفت االنتب‪::‬اه إلى أهميت‪::‬ه كوس‪::‬يلة لحص‪::‬ول اإلنس‪::‬ان على المعرف‪::‬ة‬
‫أن الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم ّ‬
‫فكم‪::‬ا ّ‬
‫الصادقة عن الوجود والمو ِجد والعالقة بينهما‪ :،‬فقد ضبطه وح ّ‪:‬دد المج‪:‬ال ال‪:‬ذي ينبغي أن يعم‪:‬ل في‪:‬ه وال يتع‪:‬داه‪ .‬وق‪:‬د ّبين‬
‫أن مجال التفكير ينحصر في الواقع المحسوس واآلثار الدالة على وجود واقع‪.‬‬ ‫القرآن الكريم ّ‬
‫بالحد الفاصل بين ع‪:‬الم الغيب وع‪:‬الم الش‪:‬هادة‪ ،‬فجع‪:‬ل معطي‪:‬ات ع‪:‬الم الش‪:‬هادة‬
‫ّ‬ ‫حد مجال التفكير‬
‫فالقرآن الكريم ّ‬
‫والتبصر لوقوعها في نطاق الح‪:‬واس‪ .‬ف‪:‬الحواس هي أدوات نق‪:‬ل ص‪:‬ورة الواق‪:‬ع إلى‬ ‫ّ‬ ‫هي ميدان التفكير الصالح للنظر والتأمل‬
‫‪M‬ك ِب ِ‪M‬ه‬
‫س َل َ‬
‫ف َما َلْي َ‬
‫عملية التفكير خارج نطاق الحواس‪ .‬قال تع‪::‬الى‪َ :‬وال تَ ْق ُ‬‫الدماغ‪ .‬وهذا يعلل نهي القرآن عن محاولة إقحام ّ‬
‫سُئوال‪[‬اإلسراء‪.]36 :‬‬
‫ان َع ْن ُه َم ْ‬‫اد ُك ُّل ُأولَِئ َك َك َ‬
‫ص َر َوا ْلفَُؤ َ‬ ‫ِعْلٌم ِإ َّن َّ‬
‫الس ْم َع َوا ْل َب َ‬
‫ألنه‪::‬ا خارج‪::‬ة عن مجال‪::‬ه‬
‫أم‪::‬ا األم‪::‬ور الغيبي‪::‬ة ال‪::‬تي وراء الواق‪::‬ع المحس‪::‬وس‪ ،‬فال س‪::‬بيل لعقله‪::‬ا بواس‪::‬طة التفك‪::‬ير؛ ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)39‬‬
‫أن للبص‪::‬ر ح‪::‬داً ينتهي إلي‪::‬ه" ‪ .‬فـ "عقولن‪::‬ا مفتق‪::‬رة في إدراك ع‪:‬الم‬
‫"إن للعق‪::‬ل ح‪::‬داً ينتهي إلي‪::‬ه‪ ،‬كم‪::‬ا ّ‬
‫وح‪::‬دوده‪ .‬ق‪:‬ال الش‪::‬افعي‪ّ :‬‬
‫(‪)40‬‬
‫ذم اهلل تع‪::‬الى من يبحث‬ ‫الغيب إلى ال‪::‬وحي‪ ،‬وإ ّن‪::‬ه يجب علين‪::‬ا الوق‪::‬وف في المغيب‪::‬ات عن‪::‬د النص الم‪::‬وحى ب‪::‬ه" ‪ .‬له‪::‬ذا‪ ،‬فق‪::‬د ّ‬
‫‪M‬ه ِم َن‬
‫ب َم‪MM‬ا َيقُ‪MM‬و ُل َو َن ُم‪Mُّ M‬د َل‪ُ M‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪M‬ع ا ْل َغ ْي َب َأم اتَّ َخ‪َ M‬ذ ع ْن‪Mَ M‬د ال‪Mَّ M‬ر ْح َم ِن َع ْه‪Mً M‬دا* َكال َ‬
‫س‪َ M‬ن ْكتُ ُ‬ ‫في الغيب أو ي‪::‬دعى معرفت‪::‬ه‪ ،‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪َّ  :‬‬
‫َأطَل‪َ M‬‬
‫ال للبحث والنظ‪:‬ر العقلي‪ .‬ومن‬ ‫اب َمدًّا‪[‬م‪:‬ريم‪ .]79 :،78 :‬ولهذا؛ أخط‪:‬أ بعض الفالس‪:‬فة وت‪:‬اهوا؛ عن‪:‬دما جعل‪:‬وا الغيب مج‪:‬ا ً‬ ‫ا ْل َع َذ ِ‬
‫شيء لم تقبل له صالة أربعين ليلة"(‪.)41‬‬ ‫ٍ‬ ‫عرافاً فسأله عن‬ ‫هنا تُفهم الحكمة من قول النبي ‪" :‬من أتى ّ‬
‫أما بالنسبة لمجاالت التفكير المندرجة في نطاق الواقع المدرك بالحس‪ ،‬وال‪:‬تي لفت الق‪:‬رآن الك‪:‬ريم انتب‪:‬اه اإلنس‪:‬ان‬ ‫ّ‬
‫إليه‪::‬ا‪ ،‬وحثّ‪::‬ه على النظ‪::‬ر والتف ّك‪::‬ر فيه‪::‬ا فمتع‪::‬ددة‪ ،‬وق‪::‬د أش‪::‬ار ابن القيم إلى أص‪::‬ول مج‪::‬االت التف ّك‪::‬ر في آي‪::‬ات اهلل المنظ‪::‬ورة‬
‫ٍ‬
‫بإيجاز بليغ بقوله‪" :‬التفكر في القرآن نوعان‪ :‬تف ّكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه‪ .‬وتف ّك‪:‬ر في مع‪:‬اني م‪:‬ا‬ ‫والمسطورة‬
‫دع ‪::‬ا عب ‪::‬اده إلى التفك ‪::‬ر في ‪::‬ه‪ .‬ف ‪::‬األول تفك ‪::‬ر في ال ‪::‬دليل الق ‪::‬رآني‪ ،‬والث ‪::‬اني تفك ‪::‬ر في ال ‪::‬دليل العي ‪::‬اني‪ .‬ف ‪::‬األول تفك ‪::‬ر في آيات ‪::‬ه‬
‫ويعم‪:‬ل ب‪:‬ه‪ ،‬ال لمج‪:‬رد التالوة م‪:‬ع‬
‫ويتف ّك‪:‬ر في‪:‬ه ُ‬
‫‪:‬دبر ُ‬
‫المس‪:‬موعة‪ ،‬والث‪:‬اني تفك‪:‬ر في آيات‪:‬ه المش‪:‬هودة‪ ،‬وله‪:‬ذا أن‪:‬زل اهلل الق‪:‬رآن ُليتَ ّ‬
‫اإلعراض عنه"(‪.)42‬‬
‫ص‪:‬ر ويعق‪::‬ل من‬
‫إن آي‪::‬ات التنزي‪::‬ل الحكيم؛ هي أول األم‪::‬ور وأهمها ال‪::‬تي وج‪::‬ه اهلل ‪ ‬اإلنس‪::‬ان إلى التف ّك‪::‬ر فيه‪::‬ا؛ ليتب ّ‬
‫ّ‬
‫الداعي‪::‬ة إلى التف ّك‪::‬ر في آي‪::‬ات‬
‫ّ‬ ‫خاللها حقائق اإليمان المدعو إلى التصديق بها تصديقاً جازماً مطابقاً للواق‪::‬ع‪ .‬ومن اآلي‪::‬ات‬
‫اخِتالفًا َكِث ًيرا‪[‬النس ‪::‬اء‪ .]82 :‬ق‪::‬ال الس‪::‬عدي‬ ‫ان ِم ْن ِع ْنِد َغ ْي ِر اللَّ ِه لَوج ُدوا ِف ِ‬
‫يه ْ‬ ‫َ َ‬ ‫آن َولَ ْو َك َ‬
‫ون ا ْلقُْر َ‬
‫القرآن قوله تعالى‪َ :‬أفَال َيتَ َدبَُّر َ‬
‫في تفسيرها‪" :‬يأمر تعالى بتدبر كتابه‪ ،‬وهو التأمل في معانيه‪ ،‬وتحديق الفكر فيه‪ ،‬وفي مبادئه وعواقبه‪ ،‬ولوازم‪ ،‬ذلك فإن‬
‫ت‪::‬دبر كت‪::‬اب اهلل مفت‪::‬اح للعل‪::‬وم والمع‪::‬ارف‪ ،‬وب‪::‬ه يس‪::‬تنتج ك‪::‬ل خ‪::‬ير وتس‪::‬تخرج من‪::‬ه جمي‪::‬ع العل‪::‬وم‪ ،‬وب‪::‬ه ي‪::‬زداد اإليم‪::‬ان في القلب‬
‫ويع ِّ‪:‬رف الطري‪:‬ق‬
‫بالرب المعبود‪ ،‬وما ل‪:‬ه من ص‪:‬فات الكم‪:‬ال؛ وم‪:‬ا ي‪:‬نزه عن‪:‬ه من س‪:‬مات النقص‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫عرف‬‫فإنه ُي ِّ‬
‫وترسخ شجرته‪ّ .‬‬
‫الموص ‪::‬لة إلي ‪::‬ه‪ ...‬وكلم ‪::‬ا ازداد العب ‪::‬د ت ‪::‬أمال في ‪::‬ه ازداد علم ‪::‬ا وعمال وبص ‪::‬يرة"(‪ .)43‬وفي ه ‪::‬ذا المع ‪::‬نى يق ‪::‬ول م ‪::‬وريس بوك ‪::‬اي‪:‬‬
‫النص‬
‫الوصف الذي يعطيه عن ح ْشد كبير من الظواهر الطبيعية الواض‪::‬حة في ِّ‬ ‫منتهيا بشكل خاص إلى‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫"وتناولت القرآن كله ً‬ ‫ُ‬
‫المترجم للمفاهيم العلمي‪:‬ة ال‪:‬تي نملكه‪:‬ا الي‪:‬وم عن نفس الظ‪:‬واهر الكوني‪:‬ة ال‪:‬تي‬
‫َ‬ ‫النص غير‬
‫العربي األصيل للقرآن‪ ،‬ومطابقة هذا ِّ‬
‫الدهش‪:‬ة في ُروح من يواج‪:‬ه‬ ‫ألي ْإنس‪:‬ان في عص‪:‬ر محم‪:‬د ‪ ‬أن يعرفه‪:‬ا أو يمتل‪:‬ك منه‪:‬ا ْأدَنى فك‪:‬رة‪َّ ،‬أول م‪:‬ا يث‪:‬ير َّ‬ ‫لم يكن ِ‬
‫ممكًنا ِّ‬
‫ثراء الموضوعات العلمية"(‪.)44‬‬ ‫القرآن أول مرة هو ُ‬
‫فـ"المحور ال‪:‬رئيس في المنهج الالزم لتنمي‪:‬ة الق‪:‬درات العقلي‪:‬ة‪ ،‬والتفك‪:‬ير الس‪:‬ليم‪ ،‬ه‪:‬و التفاع‪:‬ل م‪:‬ع عناص‪:‬ر الك‪:‬ون‬
‫الق‪::‬ائم‪ ،‬واألح‪::‬داث الجاري‪::‬ة في‪::‬ه‪ .‬فالق‪::‬درات العقلية تنم‪::‬و وتنض‪::‬ج من خالل دراس‪::‬ة ه‪::‬ذا الك‪::‬ون‪ ،‬وعناص‪::‬ره المتن‪::‬اثرة في‬
‫الك ‪:: :‬رة األرض ‪:: :‬ية‪ ،‬وغيرها من الك ‪:: :‬واكب‪ .‬ول ‪:: :‬ذلك ك ‪:: :‬انت التوجيه ‪:: :‬ات اإلس ‪:: :‬المية للس ‪:: :‬ير في األرض‪ ،‬والبحث في نش‪:: :‬أة‬

‫‪327‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عناصر الوج ‪::‬ود‪ ،‬وتط ‪::‬ور ه‪::‬ذه العناص‪::‬ر وتركيبها ‪ ...‬وكلم‪::‬ا اتس‪::‬عت رحل‪::‬ة الق‪::‬درات العقلي‪::‬ة‪ ،‬وعملية التفك‪::‬ير خالل بع‪::‬دي‬
‫الوجود الزماني‪ ،‬كلما نمت هذه القدرات وُأحكمت عملية التفكير"(‪.)45‬‬
‫و"في الق‪:‬رآن الك‪:‬ريم م‪:‬ا يزي‪:‬د على أْل‪:‬ف آي‪:‬ة تتح َّ‪:‬دث عن مع‪:‬الم ه‪:‬ذا الك‪:‬ون‪ ،‬وتَ‪ْ :‬ذكر مفردات‪:‬ه من‪ :‬الس‪:‬ماوات واألرض‪،‬‬
‫والشمس والقمر‪ ،‬والكواكب والنجوم‪ ،‬والجبال والبحار واألنهار‪ ،‬والمطر والرعد والبرق‪ ...‬إلى آخره‪ ،‬وإ ذا كانت هذه‬
‫ق ل ْف ِت األنظ‪::‬ار إلى مظ‪::‬اهر ق‪::‬درة اهلل تع‪::‬الى في الخل‪::‬ق‪ ،‬دالل ‪:‬ةً على ْ‬
‫وحداني‪::‬ة‬ ‫اآلي‪::‬ات ق‪::‬د َذ َك‪::‬رت تل‪::‬ك المف‪::‬ردات في س‪::‬يا ِ‬
‫فإنه‪::‬ا م‪::‬ع ذل‪::‬ك ق‪::‬د ج‪::‬اءت في أس‪ٍ :‬‬
‫‪:‬لوب وعب‪::‬ار ٍة تفتح أم‪::‬ام العق‪::‬ل‬ ‫الخ‪::‬الق س‪::‬بحانه‪ ،‬وتُثْبِت قض‪::‬ية البعث ال‪::‬ذي أنك‪::‬ره الكفَّار‪َّ ،‬‬
‫المتعاقَبة من َبعد نزول القرآن‪ ،‬فيقوم َلديه من هذه ال‪::‬دالالت في‬ ‫ِ‬ ‫عب َر عصوره‬ ‫البشري آفاقًا واسعة للتفكير في دالالتها ْ‬
‫(‪)46‬‬
‫بالحق الذي جاءت به" ‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫كل عصر ما يشهد‬ ‫ِّ‬
‫ق‪‬‬ ‫ق َو ِفي َأْنفُ ِس ِه ْم َحتَّى َيتََبي َ‬
‫َّن لَ ُه ْم ََّأن ُه ا ْل َح ُّ‬ ‫آي ِات َنا ِفي اآلفَا ِ‬ ‫سُن ِري ِه ْم َ‬
‫ق‪::‬ال الس‪::‬عدي عن‪::‬د حديث‪::‬ه ح‪::‬ول قول‪::‬ه تع‪::‬الى‪َ  :‬‬
‫‪:‬ق‪،‬‬ ‫[فص‪::‬لت‪" :]53 :‬كاآلي‪::‬ات ال‪::‬تي في الس‪::‬ماء واألرض وم‪::‬ا يحدث‪::‬ه تع‪::‬الى من الح‪::‬وادث العظيم‪::‬ة الدال‪::‬ة للمستبص‪::‬ر على الح‪ّ :‬‬
‫(وِفي َْأنفُ ِس ‪ِ :‬ه ْم)‪ :‬مم ‪::‬ا اش ‪::‬تملت علي ‪::‬ه أب ‪::‬دانهم من ب ‪::‬ديع ص ‪::‬نع اهلل‪ ،‬وعج ‪::‬ائب ص ‪::‬نعته‪ ،‬وب ‪::‬اهر قدرت ‪::‬ه‪ ،‬وفي حل ‪::‬ول العقوب ‪::‬ات‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫بيانا ال يقبل الشك (َأنهُ اْل َحق) وم‪:‬ا اش‪::‬تمل علي‪::‬ه‬‫َّ‬ ‫َّن لَهُ ْم) من تلك اآليات‪ً ،‬‬ ‫(حتى َيتََبي َ‬ ‫َّ‬ ‫والمثالت في المكذبين ونصر المؤمنين‪َ .‬‬
‫حق"(‪.)47‬‬
‫ّ‬
‫‪:‬دبرها واإلف‪:‬ادة منه‪:‬ا‬ ‫أهمية التع‪:‬رف على الس‪:‬نن اإللهي‪:‬ة في الت‪:‬اريخ واالجتم‪:‬اع‪ ،‬وت ّ‬ ‫كما ّنبه القرآن الكريم‪ ،‬إلى ّ‬
‫آم ُن‪M‬وا ِم ْن ُك ْم‬‫ين َ‬ ‫في معرف‪::‬ة أس‪::‬باب النه‪::‬وض الحض‪::‬اري والنص‪::‬ر والتمكين‪ ،‬ألج‪::‬ل تحص‪::‬يلها‪ .‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪َ  :‬و َع َ‪M‬د اللَّ ُه الَّ ِذ َ‬
‫ه ْم‪[‬الن‪:‬ور‪:‬‬ ‫ضى لَ ُ‬ ‫ين ِم ْن قَ ْبِل ِه ْم َولَ ُي َم ِّك َن َّن لَ ُه ْم ِدي َن ُه ُم الَّ ِذي ْارتَ َ‬
‫ف الَّ ِذ َ‬ ‫استَ ْخلَ َ‬
‫ض َك َما ْ‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات لَي ِ‬
‫ستَ ْخلفَ َّن ُه ْم في ْ‬
‫وع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫الصال َح َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫س ‪َ M‬ن ٌن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ .]55‬ومعرف ‪::‬ة أس ‪::‬باب االنحط ‪::‬اط والتخل ‪::‬ف واالنه ‪::‬زام واإلهالك‪ .‬ألج ‪::‬ل تجنبه ‪::‬ا‪ ،‬ق ‪::‬ال تع ‪::‬الى‪ :‬قَ‪Mْ M‬د َخلَ ْت م ْن قَ ْبل ُك ْم ُ‬
‫ين‪[‬آل عمران‪.]137 :‬‬ ‫ان ع ِ‬
‫اق َب ُة ا ْل ُم َك ِّذ ِب َ‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َك َ َ‬
‫ض فَا ْنظُُروا َك ْي َ‬ ‫يروا في ْ‬ ‫فَس ُ‬
‫وتدبرها والتف ّكر فيها‪ ،‬لتوظيفها لبناء المجتمع وتربيته وتزكيته‪ ،‬فمن خالل‬ ‫"لهذا ينبغي معرفة السنن اإللهية‪ّ ،‬‬
‫أن هذه السنن مرتبطة ب‪:‬األمر والنهي والطاعة والمعص‪:‬ية‬ ‫السنن نعي عوامل البقاء التي تحفظ المجتمع من االنحالل‪ .‬على ّ‬
‫واإليمان والكفر‪ ،‬فاإلنسان إذا أتى األمر واجتنب النهي ووقف عند حدود اهلل؛ أصاب خير السنة الربانية‪ ،‬وإ ذا أهمل األمر‬
‫وارتكب النهي وقع في حدود اهلل"(‪.)48‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬دور العقيدة اإلسالمية في بناء المقوم الفكري في الشخصيّة اإلسالمية‪:‬‬
‫بيني‪::‬ة قائم‪::‬ة على التالزم والت‪::‬أثّر والت‪::‬أثير‪.‬‬
‫إن العالق‪::‬ة بين العقي‪::‬دة والتفك‪::‬ير‪ ،‬عالق‪::‬ة ّ‬
‫أو ًال‪ :‬طبيعة العالقة بين العقيدة والتفكير‪ّ :‬‬
‫عقدية في اآليات التنـزيلية ومقارنته‪::‬ا‬ ‫فالتفكير الزم لبناء العقيدة وتقريرها‪ ،‬وذلك بواسطة النظر في ما ورد من حقائق ّ‬
‫أن اهلل وح‪:‬ده ه‪:‬و‬‫بث اهلل –تعالى‪ -‬في اآلي‪:‬ات الكوني‪:‬ة واألنفس‪:‬ية من عج‪:‬ائب قدرت‪:‬ه وف‪:‬ائق دقّ‪:‬ة ص‪:‬نعته؛ الدالّ‪:‬ة على ّ‬ ‫في ما ّ‬
‫العقدي‪::‬ة‬
‫ّ‬ ‫منـزل الق‪::‬رآن وخ‪::‬الق األنفس واألك‪::‬وان‪ .‬مم‪::‬ا ي‪::‬دفع المتف ّك‪::‬ر؛ لالقتن‪::‬اع العقلي واالطمئن‪::‬ان القل‪::‬بي بجمي‪::‬ع األم‪::‬ور‬
‫ّ‬
‫المنـزل‪ ،‬والتص‪::‬ديق به‪::‬ا تص‪::‬ديقاً جازم ‪:‬اً مطابق ‪:‬اً لواقعه‪::‬ا‪ .‬ه‪::‬ذا ه‪::‬و الطري‪::‬ق الس‪::‬ليم ال‪::‬ذي أرش‪:َ :‬د إلي‪::‬ه‬ ‫ّ‬ ‫ال‪::‬واردة في ال‪::‬وحي‬
‫ق َن َز َل‪[‬اإلسراء‪.]105 :‬‬‫ق َأ ْن َز ْل َناهُ َو ِبا ْل َح ِّ‬
‫اإلسالمية‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و ِبا ْل َح ِّ‬
‫ّ‬ ‫القرآن الكريم لتقرير مسائل العقيدة‬
‫بالتأمل في الواق‪::‬ع المحس‪:‬وس‬
‫ُّ‬ ‫‪:‬ق ‪-‬في مج‪::‬ال العقي‪::‬دة‪َّ -‬إنم‪::‬ا يب‪::‬دأ حس‪:‬ب التوجي‪::‬ه الق‪::‬رآني‬ ‫فـ"الطري‪::‬ق إلى س‪::‬يادة الح‪ّ :‬‬
‫أكدت علي‪:‬ه جمل‪:‬ة كث‪:‬يرة من اآلي‪:‬ات‪ ،‬مث‪:‬ل‬ ‫ص‪:‬انع الحكيم العليم‪ ،‬وه‪:‬و م‪:‬ا َّ‬ ‫ضمن المخلوق‪:‬ات اإللهيَّة ال‪:‬تي تتجلَّى فيه‪:‬ا ح ْكم‪:‬ة ال َّ‬

‫(?) السلمي‪ ،‬محمد بن صامل‪ ،‬كيف نفسر التاريخ‪ ،‬مجلة البيان‪ ،‬عدد ‪ ،50‬شوال ‪1412‬هـ‪ ،‬إبريل ‪1992‬م‪ ،‬ص‪.45‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪328‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫ير ‪‬‬ ‫اَآلخ رةَ ِإ َّن اهلل عَلى ُك ِّ‪M‬ل َ ٍ ِ‬


‫ِ‬ ‫اهلل ُين ِش‪ُM‬ئ َّ‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‪ْ M‬يء َق‪M‬د ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ش‪َM‬أةَ ‪َ M‬‬
‫الن ْ‬ ‫‪M‬ق ثَُّم ُ‬
‫‪M‬ف َب َ‪M‬دَأ ا ْل َخْل َ‬
‫ظُروا َك ْي َ‬
‫ض َف‪M‬ا ْن ُ‬ ‫يروا في ْ‬ ‫قول‪::‬ه تع‪::‬الى‪ُ  :‬ق ْل س ُ‬
‫بالتأم ِل في الواقع المحسوس من آثار األمم السابقة ورس‪:‬ومها‪ ،‬تل‪:‬ك ال‪:‬تي ت ُّ‬
‫‪:‬دل على س‪:‬وء العاقب‪:‬ة بالنس‪:‬بة‬ ‫ُّ‬ ‫[العنكبوت‪ .]20 :‬أو‬
‫‪:‬ق في عقي‪:‬دتهم وأقاموه‪:‬ا على باط‪:‬ل ال ِّش‪:‬رك‪ ،‬وه‪:‬و م‪:‬ا أك‪:‬دت علي‪:‬ه جمل‪:‬ة أخ‪:‬رى من اآلي‪:‬ات‪ ،‬مث‪:‬ل‬ ‫ألولئك الذين رفض‪:‬وا الح َّ‬
‫ين‪[‬آل عمران‪.)49("]137 :‬‬ ‫ان َع ِاق َب ُة ا ْل ُم ْج ِر ِم َ‬
‫ف َك َ‬ ‫اَألر ِ‬
‫ض فَا ْنظُُروا َك ْي َ‬ ‫ِ‬
‫يروا في ْ‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى‪ُ  :‬ق ْل س ُ‬
‫فإن العقيدة تضبط عملية التفكير‪ ،‬وتحميها من االنزالق في متاهات الظنون والهوى واألوهام‬ ‫جانب آخر‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومن‬
‫الظ َّن وِإ َّن َّ‬
‫الظ َّن‬ ‫ون ِإال َّ‬
‫الظن والهوى في مسائل االعتق‪::‬اد‪ ،‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪ِ :‬إ ْن َيتَِّب ُع َ‬ ‫واألساطير‪ .‬فنهى القرآن الكريم عن اتباع ّ‬
‫َ‬
‫لعملي‪:‬ة التفك‪:‬ير المج‪:‬االت الص‪:‬الحة لعمله‪:‬ا‪ ،‬والح‪:‬دود‬ ‫‪:‬بين ّ‬ ‫‪:‬إن العقي‪:‬دة هي ال‪:‬تي ت ّ‬ ‫ش ْيًئا‪[‬النجم‪ .]28 :‬وكذلك ف ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ال ُي ْغِني ِم َن ا ْل َح ِّ‬
‫التي ال ينبغي لها أن تخرج عنها‪.‬‬
‫إن منهج الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم في بن‪::‬اء‬
‫‪M‬المية في بن‪MM‬اء المق‪Mّ M‬وم الفك‪MM‬ري في الشخص‪MM‬ية اإلس‪MM‬المية‪ّ :‬‬
‫أهمي‪MM‬ة العقي‪MM‬دة اإلس‪ّ M‬‬
‫ثاني ‪M‬اً‪ّ :‬‬
‫كلي‪:‬ة ش‪:‬املة وص‪:‬حيحة‬ ‫(العقلية) وتنميته في الشخص ّ‪:‬ية اإلس‪:‬المية‪ ،‬يعتم‪:‬د بالدرج‪:‬ة األولى على إعط‪:‬اء فك‪:‬رة ّ‬
‫ّ‬ ‫المقوم الفكري‬
‫عن الوجود (الكون والحياة واإلنسان)‪ ،‬والمو ِجد ‪ ،‬والعالقة بينهما‪.‬‬
‫أن العقي‪::‬دة اإلس‪::‬المية أعطت إجاب‪::‬ات ص‪::‬حيحة ومقنع‪::‬ة عن ك ‪ّ :‬ل م‪::‬ا يتعلّ‪::‬ق ب‪::‬الوجود والموج‪::‬د‬
‫المس ‪:‬لّم ب‪::‬ه‪ّ ،‬‬
‫ومن ُ‬
‫والعالقة بينهما‪ ،‬يتمثل ذلك بالحقائق الرئيسية ألرك‪:‬ان اإليم‪:‬ان في اإلس‪:‬الم وهي‪ :‬اإليم‪:‬ان باهلل‪ ،‬ومالئكت‪:‬ه‪ ،‬وكتب‪:‬ه‪ ،‬ورس‪:‬له‪،‬‬
‫تضمنت األجوبة الص‪::‬ادقة‬ ‫تفرع عن هذه األركان من حقائق إيمانية ّ‬ ‫واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خيره وشره من اهلل تعالى‪ .‬وما ّ‬
‫الفكري‪:‬ة الك‪:‬برى ل‪:‬دى‬‫ّ‬ ‫دعمة بالحجج والبراهين‪ -‬عن جميع األسئلة ال‪:‬تي تُش‪ّ :‬كل العق‪:‬دة‬ ‫والم ّ‬
‫‪-‬المقنعة للعقل والموافقة للفطرة ُ‬
‫شيء ُخلقت‪ ،‬وكيف؟ ولماذا ُخلقت‪ ،‬وإ لى أين المصير؟ ومن خل‪:‬ق الك‪::‬ون ولم‪::‬اذا؟ إلى‬ ‫اإلنسان‪ ،‬نحو‪ :‬من خلقني‪ ،‬ومن أي ٍ‬
‫ّ‬
‫أن يتبيَّن َّأنه ق‪::‬د تض‪:َّ :‬من‬
‫آي القرآن الكريم؛ يستطيع ْ‬ ‫الفكرية التي تجول في ذهن اإلنسان‪" .‬فمن يتدبَّر َ‬
‫ّ‬ ‫غير ذلك من األسئلة‬
‫(‪)50‬‬
‫يؤكدها جمهور علماء المسلمين" ‪.‬‬ ‫أمهات مسائل العقيدة‪ ،‬وتلك حقيقة ِّ‬ ‫للبرهنة العقلية على َّ‬
‫واضحا ْ‬
‫ً‬ ‫منهجا‬
‫ً‬
‫الفكرية التي يبني‬ ‫شخصية المسلم‪ ،‬ألنها تُش ّكل القاعدة ّ‬ ‫ّ‬ ‫عد الركن األساس في بناء‬
‫اإلسالمية؛ تُ ّ‬
‫ّ‬ ‫فإن العقيدة‬
‫وعليه؛ ّ‬
‫عليه‪::‬ا تص‪::‬وراته وأفك‪::‬اره وتص‪::‬ديقاته عن الوج‪::‬ود والمو ِ‪:‬ج‪:‬د وطبيع‪::‬ة العالق‪::‬ة بينهم‪::‬ا‪ :،‬وبالعقي‪::‬دة اإلس‪ّ :‬‬
‫‪:‬المية ك‪::‬ذلك؛ ُيك‪:ِّ :‬ون‬
‫مفاهيمه عن األشياء‪ ،‬تلك المفاهيم التي تتحكم بمشاعره وتنظم سلوكه‪.‬‬

‫اإليماني‪::‬ة‬
‫ّ‬ ‫‪:‬دبر اآلي‪::‬ات القرآني‪::‬ة ال‪::‬واردة في تقري‪::‬ر العقائ‪::‬د‬
‫‪M‬دبر الق‪MM‬رآن في بن‪MM‬اء أرك‪MM‬ان اإليم‪MM‬ان‪ :‬من خالل ت‪ّ :‬‬ ‫ثالث ‪M‬اً‪ :‬أث‪MM‬ر ت‪ّ M‬‬
‫أن منهج الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم في ه‪::‬ذا الج‪::‬انب؛ ق‪::‬ائم على توجي‪::‬ه اإلنس‪::‬ان إلى التف ّك‪::‬ر بعج‪::‬ائب مخلوقات‪::‬ه ‪ ‬الواقع‪::‬ة‬
‫‪:‬بين ّ‬
‫وإ ثباته‪::‬ا؛ يت‪ّ :‬‬
‫ال‪ ،‬أول م‪:‬ا يوج‪:‬ه س‪:‬اكن الص‪:‬حراء ال‪:‬تي‬
‫الحس‪ ،‬بادئ‪ً:‬ا بأبس‪:‬طها وأقربه‪:‬ا بالنس‪:‬بة لبيئ‪:‬ة اإلنس‪:‬ان ومحيط‪:‬ه‪ .‬فتج‪:‬ده مث ً‬
‫تحت إدراك ّ‬
‫تحيطها الجبال وتكثر فيها اإلبل‪ ،‬إلى النظر والتف ّكر في عظمة هذه األمور وإ تق‪:‬ان خلقه‪:‬ا‪ ،‬بادئ‪:‬اً ب‪:‬أقرب األش‪:‬ياء إلنس‪:‬ان‬
‫‪M‬ف ر ِف َع ْت * َوِإلَى ا ْل ِج َب‪ِ M‬‬
‫‪M‬ال‬ ‫‪M‬ف ُخِلقَ ْت* وِإلَى َّ ِ‬‫ون ِإلَى اِإل ِب‪Mِ M‬ل َك ْي‪َ M‬‬
‫الس ‪َ M‬ماء َك ْي‪ُ َ M‬‬ ‫َ‬ ‫تل‪::‬ك البيئ‪::‬ة وهي اإلب‪::‬ل‪ ،‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪َ :‬أفَال َي ْنظُ‪Mُ M‬ر َ‬
‫س ِط َح ْت* فَ َذ ِّك ْر ِإ َّن َما َأ ْن َت ُم َذ ِّكٌر‪[‬الغاشية‪.]21-17 :‬‬
‫ف ُ‬ ‫اَألر ِ‬
‫ض َك ْي َ‬ ‫َك ْي َ ِ‬
‫ف ُنص َب ْت* َوِإلَى ْ‬
‫واإلنس‪:‬ان الع‪:‬ربي بذكائ‪:‬ه وص‪:‬فاء قريحت‪:‬ه؛ أدرك ه‪:‬ذه الخاص ّ‪:‬ية في س‪:‬هولة تلقي حق‪:‬ائق العقي‪:‬دة اإلس‪:‬المية‪ ،‬فك‪:‬ان‬
‫أن الكون مخل‪::‬وق هلل‬
‫حقيتها‪ُ .‬يفهم هذا من قول ذلك العربي في معرض حديثه حول إثبات ّ‬ ‫يسارع في اإليمان بها والتدليل على ّ‬
‫تعالى‪" :‬البعرة تدل على البعير‪ ،‬وأث‪:‬ر األق‪:‬دام على المس‪:‬ير‪ ،‬أفس‪:‬ماء ذات أب‪:‬راج وأرض ذات فج‪:‬اج وبح‪:‬ر ذات أم‪:‬واج‪ ،‬أال‬
‫تدل على اللطيف الخبير؟!"(‪.)51‬‬

‫‪329‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تدبر القرآن الكريم في بعض المسائل المتعلقة باإليمان‬ ‫ولطلب االختصار‪ ،‬سنكتفي بذكر مثال تطبيقي واحد‪ ،‬لبيان أثر ّ‬
‫‪:‬ان أو س‪::‬مع ق‪::‬ول اهلل تع‪::‬الى‪َْ  :‬أم ُخِلقُوا‬ ‫خاصةً ما يتعلّق بإثبات صفة (الخ‪::‬الق) هلل تع‪::‬الى‪ .‬فمثالً إذا تال اإلنس‪ُ :‬‬ ‫ّ‬ ‫باهلل تعالى‪،‬‬
‫وردد‬
‫أمعن النظ‪::‬ر‪ّ ،‬‬ ‫ض َبل اَّل ُيو ِق ُن َ‬ ‫ِ‬ ‫ش ْي ٍء َْأم ُه ُم ا ْل َخ ِالقُ َ‬
‫ِم ْن َغ ْي ِر َ‬
‫ثم َ‬ ‫ون‪[‬الط ‪::‬ور‪ّ .]36-34 :‬‬ ‫اَأْلر َ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫ون * َْأم َخلَقُوا َّ‬
‫نظري‪:‬ة أو عقي‪:‬دة أو فك ٍ‪:‬ر‬ ‫وأن ك‪ّ :‬ل‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫‪:‬الق ك‪ّ :‬ل ش‪:‬ىء‪ّ ،‬‬ ‫أن اهلل تع‪:‬الى ه‪:‬و خ ُ‬ ‫الفكر‪ ،‬في معاني هذه اآليات ودالالته‪:‬ا القاطع‪:‬ة على ّ‬ ‫ّ‬
‫ِِ‬ ‫ُّ‬
‫النبِ َّي ‪َ ‬ي ْق َ‪:‬رُأ ِفي اْل َم ْغ ِ‪:‬ر ِب بِ‪:‬الط ِ‬
‫اآلي‪:‬ةَ‬
‫ور َفَل َّما َبَل َ‪:‬غ َه‪:‬ذه َ‬ ‫ت َّ‬‫ط ِعٍم‪َ :‬س‪ِ :‬م ْع ُ‬
‫‪:‬ال ُجَبْي ُ‪:‬ر ْب ُن ُم ْ‬
‫ال يق ُّ‪:‬ر به‪:‬ذه الحقيق‪:‬ة الدامغ‪:‬ة فه‪:‬و باط‪:‬ل‪ .‬ق َ‬
‫ون‬‫ص‪ْM‬ي ِطُر َ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ض َب ْل ال ُيوِقُن َ‬
‫ون* َْأم عْنَد ُهْم َخَزا ُن َرِّب َك َْأم ُهُم اْل ُم َ‬ ‫اَألر َ‬ ‫ون* َأم َخَل ُقوا َّ ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬
‫ِ‬ ‫‪َ‬أم ُخِل ُقوا ِم ْن َغْيِر َ ٍ‬
‫ش ْيء َْأم ُهُم اْل َخال ُق َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫اد َقْلبِي ْ‬
‫(‪)52‬‬
‫َأن َيط َير" ‪.‬‬ ‫‪[ ‬الطور‪]37 - 35 :‬؛ َك َ‬
‫أخلقوا من غير خالق خلقهم؟ فهذا ممتنع في بدائه العقول‪ ،‬أم هم َخلقوا‬ ‫تيمية‪" :‬هذا تقسيم حاصر‪ ،‬يقول‪ُ :‬‬ ‫قال ابن ّ‬
‫أن‬
‫أن لهم خالقاً خلقهم‪ ،‬وهو اهلل سبحانه‪ ،‬وإ ّنما ذك‪:‬ر ال‪:‬دليل بص‪:‬يغة اس‪:‬تفهام اإلنك‪:‬ار ليت‪::‬بين ّ‬
‫فعلم ّ‬
‫أشد امتناعاً‪ُ ،‬‬
‫أنفسهم؟ فهذا ّ‬
‫ه‪::‬ذه القض‪::‬ية ال‪::‬تي اس‪::‬تدل به‪::‬ا فطرية بديهي‪::‬ة مس‪::‬تقرة في النف‪::‬وس‪ ،‬ال يمكن إنكاره‪::‬ا‪ ،‬فال يمكن لص‪::‬حيح الفط‪::‬رة أن ي‪:ّ :‬دعي‬
‫وجود حادث بدون محدث أحدثه‪ ،‬وال يمكنه أن يقول‪ :‬هو أحدث نفسه"(‪.)53‬‬
‫وهك‪::‬ذا في جمي‪::‬ع أرك‪::‬ان اإليم‪::‬ان‪ ،‬وك‪::‬ذلك م‪::‬ا يتعلّ‪::‬ق بمنهج‪ :‬التعام‪::‬ل م‪::‬ع الغيب وحقيق‪::‬ة البعث‪ ،‬وغ‪::‬ير ذل‪::‬ك من‬
‫ص‪ْ :‬دقها وبره‪:‬ان يقينه‪:‬ا القَطعي في داللت‪::‬ه‪،‬‬ ‫األمور العقدية‪ .‬فـ "ما من قضيَّة عقَديَّة ساقها الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم إالَّ قرَنه‪:‬ا ب‪::‬دليل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫النص الق ‪::‬رآني من بره ‪::‬ان ع ْقلي يتَّص ‪::‬ل بالموض ‪::‬وع ال ‪::‬ذي‬
‫ُّ‬ ‫فيجب على ك ‪:ِّ :‬ل ب ‪::‬احث أالَّ يغف ‪::‬ل عن التَّنبي ‪::‬ه إلى م ‪::‬ا يحتوي ‪::‬ه‬
‫يتحدث عنه"(‪.)54‬‬‫َّ‬
‫منهجي‪:‬ةً فري‪::‬دة في م‪::‬ا يتعلّ‪::‬ق ببن‪::‬اء الج‪::‬انب‬
‫ّ‬ ‫‪:‬أن الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم تض‪:ّ :‬من‬
‫وفي خت‪::‬ام ه‪::‬ذا المبحث نس‪::‬تطيع الق‪::‬ول؛ ب‪ّ :‬‬
‫العقلي‪::‬ة بحق‪::‬ائق اإليم‪::‬ان‪،‬‬
‫ال للقناع‪::‬ة ّ‬ ‫‪:‬المية‪ ،‬ب‪::‬دءًا بجع‪::‬ل التفك‪::‬ير المس‪::‬تنير؛ طريق ‪ً:‬ا موص ‪ً :‬‬
‫الفك ‪::‬ري والعق‪::‬دي في الشخص‪::‬ية اإلس‪ّ :‬‬
‫وانتهاء بضبط مجاالته وحدوده‪.‬‬
‫ً‬ ‫مرورَا باالرتقاء بطرق التفكير وأنماطه‪،‬‬
‫‪:‬أمس الحاج‪:‬ة إلى النظ‪:‬ر‬
‫الفكري‪:‬ة الخارجي‪:‬ة المنحرف‪:‬ة‪ ،‬هم ب ِّ‬
‫ّ‬ ‫وفي هذه األيام التي يواجه فيها المسلمون أش ّ‪:‬د الهجم‪:‬ات‬
‫‪:‬دبرها والتف ّك‪::‬ر في م ‪::‬دلوالتها ومقاص ‪::‬دها‪ ،‬لتحص ‪::‬ين‬
‫في آي ‪::‬ات الق ‪::‬رآن الك ‪::‬ريم المتعلق ‪::‬ة بش ‪::‬تى مج ‪::‬االت النظ ‪::‬ر والتفك ‪::‬ير؛ وت ‪ّ :‬‬
‫الفكري‪::‬ة من الجم ‪::‬ود واالنغالق والتقلي‪::‬د‪ ،‬واالرتق‪::‬اء بط‪::‬رق تفك ‪::‬يرهم إلى المس‪::‬توى ال‪::‬ذي ي ‪::‬ؤهلهم لبن‪::‬اء الشخص ‪:ّ :‬ية‬ ‫ّ‬ ‫منظ ‪::‬ومتهم‬
‫اإلس‪::‬المية الفاعل‪::‬ة في جمي‪::‬ع مي‪::‬ادين الحض‪::‬ارة والتم‪:ّ :‬دن‪ ،‬ليس‪::‬تحقوا تب‪::‬وء المكان‪::‬ة ال‪::‬تي أراد اهلل لهم في قي‪::‬ادة البش‪::‬رية وداللته‪::‬ا‬
‫اس‪[‬آل عم‪::‬ران‪:‬‬ ‫ُأخِر َج ْت ِل َّلن ِ‬
‫ُأم ٍة ْ‬
‫على الخير‪ ،‬سواء على المس‪:‬توى الف‪:‬ردي أو الجم‪::‬اعي‪ ،‬وذل‪:‬ك تحقيق‪ً:‬ا لقول‪:‬ه تع‪::‬الى‪ُ  :‬كْنتُْم َخْيَر َّ‬
‫اء َعَلى‬ ‫س ًطا ِلتَ ُكوُنوا ُ‬
‫ش‪َ M‬ه َد َ‬ ‫‪ .]110‬وليتح ّقق بهم ولهم‪ ،‬الش‪::‬هود الحض‪::‬اري ال‪::‬ذي أراد اهلل لهم أن يبلغ‪::‬وه‪َ :‬و َك َذِل َك َج َعْلَنا ُك ْم َّ‬
‫ُأم ًة َو َ‬
‫َّ‬
‫الن ِ‬
‫اس‪[‬البقرة‪.]143 :‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫توجيه القرآن الكريم في بناء المقوّم السلوكي في الشخصية اإلسالمية‬

‫تطرقن‪::‬ا في المبحث الس‪::‬ابق؛ إلرش‪::‬اد الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم في بن‪::‬اء المق‪:ّ :‬وم الفك‪::‬ري في الشخص‪:ّ :‬ية اإلس‪::‬المية؛‬
‫بع‪::‬د أن ّ‬
‫سنتناول في هذا المبحث – بإذن اهلل تعالى– كيفية بناء المق ّ‪:‬وم الس‪:‬لوكي في الشخص ّ‪:‬ية اإلس‪:‬المية من خالل المنظ‪:‬ور الق‪:‬رآني‬
‫لـ‪ :‬مفهوم السلوك وتفسيره‪ ،‬ودوافعه وغاياته‪ ،‬وتنظيمه وضوابطه‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫مدخل‪:‬‬
‫أن القرآن الكريم بنى المق ّ‪:‬وم الس‪:‬لوكي (العم‪:‬ل) وض‪:‬بطه‬
‫قبل الولوج في تفصيالت هذا المبحث‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫لدى المسلم؛ بمجموعة األحكام الشرعية الناظمة لعالقات اإلنسان الرئيسية الثالث (م‪:‬ع رب‪:‬ه‪ ،‬وم‪:‬ع نفس‪:‬ه‪ ،‬وم‪:‬ع غ‪:‬يره)‪ ،‬حيث‬
‫‪:‬لوكية كث‪::‬يرة‪ ،‬نح‪::‬و قاع‪::‬دة‪( :‬ال‬ ‫كلي‪::‬ة‪ ،‬تن‪::‬درج تحته‪::‬ا أحك‪::‬ام لجزئي‪ٍ :‬‬
‫‪:‬ات س‪ّ :‬‬ ‫إم‪:‬ا على ش‪::‬كل قواع‪::‬د وض‪::‬وابط ّ‬ ‫ج‪::‬اءت تل‪::‬ك األحك‪::‬ام‪:ّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫‪:‬يلية‪ ،‬نح‪::‬و‪ :‬قول‪::‬ه‬
‫جزئي‪::‬ة تفص‪ّ :‬‬
‫ض‪::‬رر وال ض‪::‬رار)‪ ،‬وقاع‪::‬دة (درء المفاس‪::‬د أولى من جلب المص‪::‬الح)‪ .‬وإ ّ‪:‬م‪:‬ا على ش‪::‬كل أحك‪::‬ام ّ‬
‫س ِط‪[‬األنع‪::‬ام‪ .]152 :‬وال‪::‬تي ّقنن الفقه‪::‬اء بموجبه‪::‬ا مجموع‪::‬ة ُ‬
‫النظُم اإلس‪::‬المية‪ ،‬ال‪::‬تي تع‪::‬الج‬ ‫تع‪::‬الى‪ :‬وَأوفُوا ا ْل َكْي َل وا ْل ِم َيز َ ِ‬
‫ان ِبا ْلق ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِّ‬
‫كاف‪::‬ة ش‪::‬ؤون اإلنس‪::‬ان وتنظم عالقات‪::‬ه‪ ،‬وهي‪( :‬نظ‪::‬ام العب‪::‬ادات‪ ،‬ونظ‪::‬ام الحكم‪ ،‬والنظ‪::‬ام االجتم‪::‬اعي‪ ،‬والنظ‪::‬ام االقتص‪::‬ادي‪،‬‬
‫ونظام اإلعالم والتعلي ـ ـم‪ ،‬ونظام العقوبات)‪.‬‬
‫حقيته‪:‬ا‬
‫القرآني‪:‬ة المتعلق‪:‬ة بالتأص‪:‬يل والتقعي‪:‬د له‪:‬ذه القواع‪:‬د واألحك‪:‬ام الناظم‪:‬ة للس‪:‬لوك؛ س‪:‬يرى م‪:‬دى ّ‬
‫ّ‬ ‫‪:‬دبر لآلي‪:‬ات‬
‫والمت ّ‬
‫مم‪:‬ا يد َفع‪:‬ه‬
‫ونجاعتها وكمالها في تنظيم عالقات اإلنسان وتدبير ش‪:‬ؤونه‪ ،‬وتفوقه‪:‬ا على األنظم‪:‬ة الوض‪:‬عية في ه‪:‬ذا الج‪:‬انب‪ّ ،‬‬
‫–وعن رغبة ورضا‪ -‬لتطبيق تلك األحكام‪ ،‬وضبط سلوكه بموجبها‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تفسير السلوك من حيث (المفهوم والدوافع)‪:‬‬

‫ك‪ ،‬وه‪::‬و يتض‪:ّ :‬من مع‪::‬نى‪ :‬ال‪::‬دخول‪ ،‬والنف‪::‬وذ في الش‪::‬يء‪،‬‬ ‫أوالً‪ :‬مفهوم السلوك لغ ًة واصطالحاً‪ :‬الس‪M‬لوك لغ‪ً M‬ة‪ :‬مص‪::‬در َس ‪:‬لَ َ‬
‫لكت الش‪:‬يء‬ ‫كت الطَّري َ‬
‫‪:‬ق َأس‪:‬لُ ُكه‪ .‬و َس‪ُ :‬‬ ‫شيء في ش‪:‬يء‪ُ .‬يق‪:‬ال س‪:‬لَ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫واالستقامة‪ .‬فـ"السين والالم والكاف‪ :‬أص ٌل ُّ‬
‫يدل على نفوذ‬
‫ط في المخي‪::‬ط‪ ،‬أي أدخلت‪::‬ه في‪::‬ه"(‪" .)55‬ويطل‪::‬ق الس‪::‬لوك على س‪::‬يرة‬ ‫‪:‬لكت الخي‪َ :‬‬
‫الم ْس‪:‬تَقيم‪ .‬وس‪ُ :‬‬
‫اَألم‪:‬ر ُ‬
‫في الش‪::‬يء‪ :‬أنف ْذت‪::‬ه‪ .‬وال ُّس‪ْ:‬ل َكى‪:ْ :‬‬
‫اإلنسان ومذهبه واتجاهه"(‪.)56‬‬
‫السلوك في االصطالح‪ :‬الس‪::‬لوك اإلنس‪::‬اني من وجه‪::‬ة نظ‪::‬ر علم النفس الح‪::‬ديث‪ :‬يش‪::‬مل ك‪:ّ :‬ل م‪::‬ا يص‪::‬در عن اإلنس‪::‬ان من نش‪::‬اط‬
‫‪:‬إني أخت‪:‬ار م‪:‬ا أراهُ أقربه‪:‬ا انطباق‪ً:‬ا على واق‪:‬ع‬
‫عرف العلماء السلوك بأكثر من تعريف‪ ،‬وطلب‪ً:‬ا لالختص‪:‬ار ف ّ‬
‫قولي أو فعلي‪ .‬وقد ّ‬
‫بأن السلوك هو‪" :‬أعمال اإلنسان التي يقوم بها إلشباع جوعات غرائزه أو حاجاته العضوية"(‪.)57‬‬
‫السلوك‪ ،‬والقاضي ّ‬

‫أن المق‪:: :‬وم الس‪:: :‬لوكي في الشخص‪:ّ : :‬ية‬


‫ثاني‪M M‬اً‪ :‬الس ‪MM‬لوك في الق ‪MM‬رآن الك ‪MM‬ريم‪ :‬ذكرن‪:: :‬ا في المبحث األول من ه‪:: :‬ذه الدراس‪:: :‬ة‪ّ ،‬‬
‫‪:‬ير اص‪::‬طالحي عن (العم‪::‬ل)‪ ،‬أي الج‪::‬وانب ال‪::‬تي تش ‪ّ :‬كل النفس ‪:ّ :‬ية ابت‪::‬داء من (جوع‪::‬ات الحاج‪::‬ات والغرائ‪::‬ز‪،‬‬ ‫المس ‪::‬لمة؛ ه‪::‬و تعب ‪ٌ :‬‬
‫بأن مصطلح (العمل) بشكل مطلق في القرآن الكريم؛ يقاب‪::‬ل (الس‪:‬لوك)‬ ‫فالميول‪ ،‬فالسلوك لإلشباع)‪ .‬ولهذا نستطيع القول ّ‬
‫في علم النفس الح‪::‬ديث‪ .‬وق‪::‬د جع‪::‬ل اهلل تع‪::‬الى الس‪::‬لوك من‪::‬اط العق‪::‬اب والث‪::‬واب‪ ،‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪ :‬فَ َم ْن َي ْع َم ْل ِمثْقَ َ‬
‫ال َذ َّر ٍة َخ ْي ًرا‬
‫َي َرهُ * َو َم ْن َي ْع َم ْل ِمثْقَا َل َذ َّر ٍة َ‬
‫ش ًّرا َي َرهُ‪[‬الزلزلة‪.]8-7 :‬‬
‫أن النفس مس‪:‬تودع الكث‪:‬ير من‬ ‫فالسلوك إذن؛ هو الج‪:‬انب األهم في تك‪:‬وين النفس ّ‪:‬ية‪ ،‬و"الق‪:‬رآن الك‪:‬ريم يش‪:‬ير إلى ّ‬
‫س تُ َج ِاد ُل َع ْن َن ْف ِس َها َوتُ‪MَM‬وفَّى‬
‫وأن اإلنس‪::‬ان مس‪::‬ؤو ٌل عن جمي‪::‬ع س‪::‬لوكه‪ ،‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪َ  :‬ي ْو َم تَ ِْأتي ُك ُّل َن ْف ٍ‬ ‫الدوافع السلوكية‪ّ ،‬‬
‫ون‪[‬النح‪:‬ل‪ .]111 :‬أي بما كس‪:‬بت من أعم‪:‬ال إذ هي المس‪:‬ؤولة‪ ،‬فهي ال غيره‪:‬ا ال‪:‬تي تج‪:‬ادل‬ ‫س َما َع ِملَ ْت َو ُه ْم ال ُي ْظلَ ُم َ‬
‫ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س ‪َ M‬ب ْت َر ِهي َن‪ٌ M‬ة‪[‬الم ‪::‬دثر‪ .]38 :‬ف‪::‬النفس تكس‪::‬ب عمله ‪::‬ا بمحض حريته ‪::‬ا واختياره‪::‬ا‬
‫س ِب َم‪MM‬ا َك َ‬ ‫عم ‪::‬ا عملت‪ ،‬وق‪::‬ال تع‪::‬الى‪ُ  :‬ك‪ُّ M‬‬
‫‪M‬ل َن ْف ٍ‬
‫وإ رادتها‪ ،‬فهي رهينةُ عملها الذي سيحاسبها به اهلل ‪.)58("‬‬

‫(?) النبهاني‪ ،‬تقي الدين‪ ،‬الشخصية اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.5‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪331‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فإن "ال‪::‬دوافع (‬
‫أن اإلنسان ال يقوم بنشاط ما إال إذا كان هناك شيء يدفعه لذلك‪ .‬لذا؛ ّ‬
‫ثالثاً‪ :‬دوافع السلوك‪ :‬من المعلوم بداه ًة ّ‬
‫‪ ،)Motives‬كم ‪::‬ا يس ‪::‬ميها علم النفس الح ‪::‬ديث؛ تع ‪:ّ :‬د من مح ‪::‬ددات الشخص ‪:ّ :‬ية اإلنس ‪::‬انية في الغ ‪::‬الب‪ ،‬وهي عب ‪::‬ارة عن طاق ‪::‬ات‬
‫عين‪ ،‬سواء مع نفسه أو في حياته اليومية ومع عالمه الخارجي"(‪.)59‬‬
‫نفسية كامنة في الكائن الحي‪ ،‬تدفعه لسلوك قصدي ُم ّ‬
‫أن ال‪:‬دافع عب‪:‬ارة عن "طاق‪:‬ة داخ‪:‬ل الك‪:‬ائن الحي إنس‪:‬اناً أم حيوان‪:‬اً‪ ،‬تدفع‪:‬ه إلى القي‪:‬ام بس‪:‬لوك‬ ‫وي‪:‬رى بعض الب‪:‬احثين ّ‬
‫معين أو نش ‪::‬اط معين تحقيق‪ً: :‬ا له ‪::‬دف معين‪ ،‬ه ‪::‬و إش ‪::‬باع ه ‪::‬ذا ال ‪::‬دافع‪ ،‬ك ‪::‬دافع الج ‪::‬وع ال ‪::‬ذي ي ‪::‬دفع الك ‪::‬ائن الحي إلى البحث عن‬
‫(‪)60‬‬
‫إم‪:‬ا بم‪:‬ؤثرات داخلي‪:‬ة‬ ‫الحي ّ‬
‫حي– لدي‪:‬ه طاق‪:‬ة حيوي‪:‬ة‪ ،‬وه‪:‬ذه الطاق‪:‬ة تظه‪:‬ر في الك‪:‬ائن ّ‬ ‫‪:‬ائن ّ‬‫الطع‪:‬ام" ‪ .‬واإلنس‪:‬ان –باعتب‪:‬اره ك ٌ‬
‫وهي الحاج‪::‬ات العض‪::‬وية‪ ،‬مث‪::‬ل الحاج‪::‬ة إلى األك‪::‬ل والش‪::‬رب‪ ،‬والن‪::‬وم‪ ،‬واألمن‪ ،‬والتط‪::‬بيب‪ ،‬وغيره‪::‬ا‪ .‬وإ ّ‪:‬م‪:‬ا أن تظه‪::‬ر ه‪::‬ذه‬
‫وتسمى الغرائز‪ .‬وينتج عن هذه الحاجات والغرائز جوعات ت‪:‬دفع اإلنس‪::‬ان ألن يس‪:‬لك س‪:‬لوكاً م‪::‬ا‬
‫ّ‬ ‫الطاقة بمؤثرات خارجية‪،‬‬
‫إلشباعها‪.‬‬
‫‪:‬وية ل ‪::‬دى‬
‫الغرائز والحاج‪MM‬ات ك‪MM‬دوافع للس‪MM‬لوك من منظ‪MM‬ور ق‪MM‬رآني‪ :‬أق ‪:ّ :‬ر الق ‪::‬رآن الك ‪::‬ريم بوج ‪::‬ود الغرائ ‪::‬ز والحاج ‪::‬ات العض ‪ّ :‬‬
‫‪:‬وية ال‪::‬تي يتوق‪::‬ف بق‪::‬اء الحي‪::‬اة عليه‪::‬ا؛ فق‪::‬د‬
‫أم‪:‬ا بالنس‪::‬بة للحاج‪::‬ات العض‪ّ :‬‬ ‫اإلنس‪::‬ان‪ ،‬ووجه‪::‬ه إلى إش‪::‬باعها ب‪::‬الطرق المش‪::‬روعة‪:ّ .‬‬
‫‪:‬رورية والحق‪::‬وق الواجب‪::‬ة لإلنس‪::‬ان‪ ،‬ف‪::‬إن لم يس‪::‬تطع س‪:ّ :‬دها من كس‪::‬به ه‪::‬و؛ أوجب ل‪::‬ه النفق‪::‬ة‬ ‫جعله‪::‬ا الق‪::‬رآن من المقاص‪::‬د الض‪ّ :‬‬
‫وألهمي‪:: :‬ة ه‪:: :‬ذا الج ‪::‬انب؛ فق‪:: :‬د تك ّف ‪::‬ل الم‪:: :‬ولى ‪ ‬آلدم وزوج‪:: :‬ه بم‪:: :‬ا يس‪:ّ : :‬د الحاج‪:: :‬ة إلى الطع ‪::‬ام والش‪:: :‬راب والملبس‬
‫ّ‬ ‫ولي‪:: :‬ه‪.‬‬
‫على ّ‬
‫ِ‬ ‫والمس‪::‬كن‪ ،‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪ِ :‬إ َّن َل َك َأال تَج َ ِ‬
‫فبنص ه‪::‬ذه‬
‫ّ‬ ‫ض‪َ M‬حى ‪[‬ط‪::‬ه‪.]119 : ،118 :‬‬ ‫يه‪M‬ا َوال تَ ْع َ‪M‬رى* َو ََّأن َك ال تَ ْظ َم‪ُM‬أ ف َ‬
‫يه‪M‬ا َوال تَ ْ‬ ‫‪M‬وع ف َ‬ ‫ُ‬
‫(‪)61‬‬
‫‪:‬دبرنا قول‪:‬ه تع‪:‬الى‪ :‬‬‫اآلية "ضمن له استمرار الطعام والشراب‪ ،‬والكسوة‪ ،‬والماء‪ ،‬وعدم التعب والنص‪:‬ب" ‪ .‬وك‪:‬ذلك إذا ت ّ‬
‫ف‪[‬قريش‪ .]4 :،3 :‬نجد ّأنها أشارت إلى ح‪:‬اجتين رئيس‪:‬تين‬ ‫وع وآم َنهم ِم ْن َخو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِّ‬
‫ْ‬ ‫َفْل َي ْعُب ُدوا َر َّب َه َذا ا ْل َب ْيت* الذي َأ ْط َع َم ُه ْم م ْن ُج ٍ َ َ ُ ْ‬
‫(أطعم‪،‬‬
‫َ‬ ‫من حاج‪::‬ات اإلنس‪::‬ان العض‪::‬وية‪ ،‬وهم‪::‬ا‪ :‬حاجت‪::‬ه إلى الطع‪::‬ام‪ ،‬وحاجت‪::‬ه إلى األمن‪ ،‬وأف‪::‬اد مجيئهم‪::‬ا بص‪::‬يغة الماض‪::‬ي‬
‫‪:‬إن الن‪::‬بي ‪ ‬أ ّك‪::‬د ه‪::‬اتين الح‪::‬اجتين وزاد عليهم‪::‬ا‬
‫وكأن‪::‬ه تحص‪::‬يل حاص‪::‬ل‪ .‬وك‪::‬ذلك ف‪ّ :‬‬
‫وحتميت ‪:‬ه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وآمن) إلى ض‪::‬رورة إش‪::‬باعهما‬
‫َ‬
‫فكأنم‪:‬ا ح‪:‬يزت‬
‫‪:‬افى في جس‪:‬ده‪ ،‬عن‪:‬ده ق‪:‬وت يوم‪:‬ه‪ّ ،‬‬ ‫الحاجة إلى الصحة والتطبيب‪ ،‬فقال‪" :‬من أص‪:‬بح منكم آمن‪:‬اً في س‪:‬ربه‪ ،‬مع ً‬
‫له الدنيا"(‪.)62‬‬
‫النس ِ‬ ‫ب َّ ِ ِ‬ ‫آيات عدي‪::‬دة‪ :،‬منه‪::‬ا قول‪::‬ه تع‪::‬الى‪ُ  :‬ز ِّي َن ِل َّلن ِ‬
‫اء‬ ‫الش َه َوات م َن ِّ َ‬ ‫اس ُح ُّ‬ ‫أما بالنسبة للغرائز‪ ،‬فقد أشارت إليها ٌ‬ ‫ّ‬
‫‪M‬ام َوا ْل َح‪ْ M‬ر ِث‪[‬آل عم‪::‬ران‪ .]14 :‬ومن خالل ت‪ّ :‬‬
‫‪:‬دبر‬ ‫َّة وا ْل َخ ْي ِل ا ْلمس َّوم ِة واَأل ْنع‪ِ M‬‬
‫ُ َ َ َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ير ا ْلمقَ ْن َ ِ َّ‬
‫ط َر ِة م َن الذ َه ِب َوا ْلفض َ‬
‫ِ‬ ‫َوا ْل َب ِن َ‬
‫ين َوا ْلقَ َناط ِ ُ‬
‫وحب‬
‫ّ‬ ‫جب‪::‬ل علي‪::‬ه اإلنس‪::‬ان من المي‪::‬ل إلى إش‪::‬باع جوع‪::‬ات الغرائ‪::‬ز‪ ،‬فالمي‪::‬ل إلى النس‪::‬اء‬ ‫ه‪::‬ذه اآلي‪::‬ة؛ نج‪::‬د ّأنه‪::‬ا تش‪::‬ير إلى م‪::‬ا ُ‬
‫ض‪:‬ة واألنع‪:‬ام والح‪:‬رث؛ من مظ‪:‬اهر غري‪:‬زة‬ ‫البنين؛ من مظاهر غريزة الحفاظ على النوع‪ .‬والميل إلى تملك الذهب والف ّ‬
‫س ِم ْن ُد ِ‬
‫ون‬ ‫ون ِل َّ‬
‫لش‪ْ M‬م ِ‬ ‫س‪ُ M‬ج ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫حب البقاء‪ .‬أما قوله تعالى‪ :‬وم ْن يعظِّم َ ِئ‬
‫ش َعا َر اللَّه‪[‬الحج‪ ،]32 :‬وقول‪::‬ه‪َ  :‬و َج ْدتُ َها َوقَ ْو َم َه‪M‬ا َي ْ‬ ‫َ َ َُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التدين‪ ،‬كالعبادة والتعظيم والتقديس‪.‬‬ ‫اللَّ ِه‪[‬النمل‪ .]24 :‬فقد أشارتا إلى الميل إلشباع مظاهر غريزة ّ‬
‫أن جوع‪::‬ات الغرائ‪::‬ز والحاج‪::‬ات؛ معت‪::‬برة قرآني‪:‬اً ك‪::‬دوافع للس‪::‬لوك اإلنس‪::‬اني‪ .‬والواق‪::‬ع يش‪::‬هد‬
‫ومم‪::‬ا س‪::‬بق نس‪::‬تنتج؛ ّ‬
‫ال؛ تدفعه إلى الطهي‪ ،‬وتناول الطع‪:‬ام‪... ،‬الخ‪ .‬وحاجت‪:‬ه للتط‪:‬بيب عن‪:‬د الم‪:‬رض؛ تدفع‪:‬ه إلى‬ ‫بذلك‪ ،‬فحاجة اإلنسان للطعام مث ً‬
‫البحث عن الطبيب والعالج‪ .‬وجوعة غريزة التدين تدفعه‪ :‬إلى البحث عن معبود ليعظّمه ويعبده‪ :،‬وهكذا‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القواعد الضابطة للسلوك في القرآن الكريم‪:‬‬

‫‪332‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫فإن القرآن الكريم جعل النفس ّ‪:‬ية معي‪:‬اراً‬ ‫النفسية المسلمة‪ ،‬لذا؛ ّ‬ ‫ّ‬ ‫يعد الركن األهم في تكوين‬ ‫إن الجانب السلوكي ّ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫َأن اللَّ َه لَ ْم َي ُك ُم َغ ِّي ًرا ِن ْع َم ًة َأ ْن َع َم َه‪MM‬ا َعلَى قَ‪Mْ M‬وٍم‬
‫الشخصية ومقدرتها على التغيير‪ :،‬قال تعالى‪َ  :‬ذِل َك ِب َّ‬‫ّ‬ ‫لقياس درجة انضباط‬
‫‪:‬إن الق ‪::‬رآن الك ‪::‬ريم وض ‪::‬ع‬ ‫األهمي ‪::‬ة العظيم ‪::‬ة للس ‪::‬لوك في حي ‪::‬اة اإلنس ‪::‬ان؛ ف ‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫َحتَّى ُي َغ ِّي ُروا َم‪MM‬ا ِبَأ ْنفُ ِس ‪ِ M‬ه ْم‪[‬األنف ‪::‬ال‪ .]53:‬وله ‪::‬ذه‬
‫مجموعة من الضوابط والمحددات‪ ،‬التي تجعل سلوك المسلم – في حال مراعاتها والتقيد بأحكامه‪:‬ا– س‪:‬لوكًا راقي‪ً:‬ا منظم‪ً:‬ا‪ ،‬بعي‪:‬دًا‬
‫‪:‬دبر لبعض اآلي ‪::‬ات القرآني ‪::‬ة؛ نس ‪::‬تطيع أن نس ‪::‬تنبط أهم القواع ‪::‬د‬
‫عن االنح ‪::‬راف والتط ‪:ّ :‬رف‪ُ ،‬مرض ‪::‬ياً هلل ‪ .‬ومن خالل الت ‪ّ :‬‬
‫الضابطة للسلوك في القرآن‪ ،‬والتي نجملها باآلتي‪:‬‬

‫القاعدة األولى‪ :‬تحديد الغاية الحقيقية للسلوك‪ :‬إذا أردن‪::‬ا أن نف ّس‪:‬ر الغاي‪::‬ة من الس‪::‬لوك بحس‪::‬ب الفهم البش‪::‬ري ل‪::‬دوافع الس‪::‬لوك‬
‫في نظري‪::‬ات علم النفس الغ‪::‬ربي الح‪::‬ديث‪ ،‬سنض‪::‬طر لوض‪::‬ع ح‪:ٍّ :‬د لغاي‪::‬ات الس‪::‬لوك اإلنس‪::‬اني‪ ،‬ينتهي س‪::‬قف ه‪::‬ذا الح‪:ّ :‬د عن‪::‬د‬
‫فهم قاصر‪.‬‬
‫العضوية فقط‪ ،‬ويقف عند حدود الحياة الدنيا‪ .‬وهذا ٌ‬ ‫ّ‬ ‫تحصيل إشباع جوعات الغرائز والحاجات‬
‫‪:‬إن غاي‪::‬ات الس‪::‬لوك ال تق‪::‬ف عن‪::‬د ح‪:ّ :‬د إش‪::‬باع جوع‪::‬ات الغرائ‪::‬ز والحاج‪:‬ات فق‪:‬ط‪ ،‬وإ ّنم‪::‬ا‬ ‫أم‪::‬ا من منظ‪::‬ور ق‪::‬رآني؛ ف ّ‬
‫الحقيقي‪:‬ة بالم‪:‬آل الم‪:‬ترتب علي‪:‬ه‬ ‫ّ‬ ‫تتعدى إلى تحقيق مرضاة اهلل ‪ .‬وذل‪:‬ك بتج‪:‬اوز ح‪:‬دود الحي‪:‬اة ال‪:‬دنيا‪ ،‬ورب‪:‬ط غاي‪:‬ة الس‪:‬لوك‬ ‫ّ‬
‫ص ِر غايات الس‪:‬لوك على‬ ‫في اآلخرة‪ ،‬وِإ َّنما تُوفَّو َن ُأجور ُكم يوم ا ْل ِقي ِ‬
‫أن قَ ْ‬
‫امة‪[‬آل عمران‪ .]185 :‬وقد ّبين القرآن الكريم ّ‬ ‫ُ َ ْ َْ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫‪M‬ات ُك ْم ِفي‬
‫طِّيب‪ِ M‬‬
‫ْه ْبتُ ْم َ َ‬ ‫الن ِ‬
‫ار َأذ َ‬ ‫ض الَِّذ َ‬
‫ين َك َف‪Mُ M‬روا َعَلى َّ‬ ‫ح ‪::‬دود الحي ‪::‬اة ال ‪::‬دنيا فق ‪::‬ط؛ ُيع ‪:ّ :‬د س ‪::‬ببًا للخس ‪::‬ران ودخ ‪::‬ول الن ‪::‬ار‪َ  ،‬و َي‪Mْ M‬و َم ُي ْع‪Mَ M‬ر ُ‬
‫استَ ْمتَ ْعتُ ْم ِب َها‪[‬األحقاف‪.]20 :‬‬ ‫َح َي ِات ُك ُم ُّ‬
‫الد ْن َيا َو ْ‬
‫‪:‬وية‬
‫أن جوع‪::‬ات الغرائ‪::‬ز والحاج‪::‬ات العض‪ّ :‬‬ ‫‪:‬بين معن‪::‬ا فيم‪::‬ا س‪::‬بق ّ‬ ‫القاعدة الثانية‪ :‬تقييد السلوك بمفهوم الحالل والحرام‪ :‬ت‪ّ :‬‬
‫إن الشارع الحكيم أوجب إشباع دوافع السلوك الناتجة عن جوع‪::‬ات‬ ‫تعد دوافع معتبرة للسلوك من منظور قرآني‪ ،‬لذا؛ ف ّ‬ ‫ّ‬
‫ُّه‪MM‬ا الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫الحاج‪::‬ات العض‪::‬وية‪ ،‬وجعله‪::‬ا من درج‪::‬ة المقاص‪::‬د الض‪::‬رورية لتعلقه‪::‬ا بالحف‪::‬اظ على الحي‪::‬اة‪ ،‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪َ  :‬ي‪MM‬ا َأي َ‬
‫لسد تلك الحاج‪::‬ة بق‪::‬در الض‪::‬رورة‪،‬‬ ‫ط ِّيب ِ‬
‫ات َما َر َز ْق َنا ُك ْم‪[‬البقرة‪ .]172 :‬بل ّإنه سبحانه أباح تناول المحظور ّ‬ ‫ِ‬
‫آم ُنوا ُكلُوا م ْن َ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اغ َوال َعاد فَال ِإثْ َم َعلَ ْي‪MM‬ه‪[‬البق ‪::‬رة‪ّ .]173 :‬‬
‫أم‪::‬ا‬ ‫وذلك َدرءاً للوقوع في مفسدة هالك النفس؛ قال تعالى‪ :‬فَ َم ِن ْ‬
‫اضطَُّر َغ ْي َر َب ٍ‬
‫بالنس‪::‬بة إلش‪::‬باع دواف‪::‬ع الس‪::‬لوك الناتج‪::‬ة عن جوع‪::‬ات الغرائ‪::‬ز؛ فق‪::‬د جعل‪::‬ه اهلل مباح‪:‬اً‪ ،‬لنزول‪::‬ه عن مرتب‪::‬ة الض‪::‬روري إلى‬
‫الحاجي‪.‬‬
‫أن اهلل تعالى لم يترك طريقة إشباع دوافع السلوك بدون ضبط وتنظيم‪ ،‬وكذلك لم ُيسند طريقة‬
‫والجدير بالذكر هنا‪ ،‬هو ّ‬
‫ض‪:‬بطها وتنظيمه‪:‬ا إلى اإلنس‪:‬ان نفس‪:‬ه‪ ،‬ب‪:‬ل أس‪:‬ندها إلى ال‪:‬وحي المعص‪:‬وم‪ ،‬فجع‪:‬ل االل‪:‬تزام بطاع‪:‬ة ال‪:‬وحي ه‪:‬و م‪:‬يزان اعتب‪:‬ار‬
‫ول َوال تُْب ِطلُ‪M‬وا ْ‬
‫َأع َم‪M‬الَ ُك ْم‪[‬محم‪::‬د‪.]33 :‬‬ ‫س‪َ M‬‬
‫الر ُ‬
‫يعوا َّ‬ ‫ِ‬
‫يعوا اللَّ َه َوَأط ُ‬
‫ِ‬
‫آمُنوا َأط ُ‬ ‫ُّها الَِّذ َ‬
‫ين َ‬ ‫رده‪::‬ا‪ ،‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪َ  :‬يا َأي َ‬ ‫األعمال شرعاً أو ّ‬
‫ظم‪:‬اً يلي‪:‬ق بإنس‪:‬انيته‬ ‫فاهلل سبحانه؛ أراد من اإلنسان –بخالف الحيوان‪ -‬أن يسلك في إشباعه لهذه الجوعات؛ سلوكاً راقياً ُمن ّ‬
‫آد َم‪[‬اإلس ‪::‬راء‪ .]70 :‬ف ‪::‬أوجب اهلل على اإلنس ‪::‬ان أن يجع ‪::‬ل أوام ‪::‬ر الش ‪::‬رع في‬ ‫وموافق ‪:‬اً لتك ‪::‬ريم الخ ‪::‬الق ل ‪::‬ه‪َ  ،‬ولَقَ‪Mْ M‬د َكَّر ْم َن‪MM‬ا َبِني َ‬
‫الحالل والحرام؛ مقياسًا معياريًا لتصرفاته عند إشباع جوعات الغرائز والحاجات‪.‬‬
‫ثم ض‪::‬بطه ونظّم‪::‬ه‬ ‫فمثالً أب‪::‬اح ال‪::‬زواج كطريق‪::‬ة إلش‪::‬باع داف‪::‬ع المي‪::‬ل الجنس‪::‬ي الن‪::‬اتج عن غري‪::‬زة حف‪::‬ظ الن‪::‬وع‪ّ ،‬‬
‫النس‪ِ M‬‬ ‫ِ‬ ‫‪:‬رعية‪ ،‬ف‪::‬أوجب االل‪::‬تزام ب‪::‬الحالل ‪‬فَ‪MM‬ا ْن ِك ُحوا َم‪MM‬ا َ‬
‫اء‪[‬النس ‪::‬اء‪ .]3 :‬ونهى عن اإلش‪::‬باع غ‪::‬ير‬ ‫‪M‬اب لَ ُك ْم م َن ِّ َ‬
‫ط‪َ M‬‬ ‫باألحك‪::‬ام الش‪ّ :‬‬
‫س‪ِ M M‬بيال‪[‬اإلس‪:: : :‬راء‪ .]32 :‬ووج ‪:: :‬ه إلى الص ‪:: :‬بر والتعفّ ‪:: :‬ف إلى حين‬ ‫‪M‬ان فَ ِ‬
‫الز َن ‪MM‬ا ِإ َّن ُه َك ‪َ M‬‬
‫المش ‪:: :‬روع ‪َ ‬وال تَ ْق َر ُب ‪MM‬وا ِّ‬
‫اء َ‬
‫س‪َ M M‬‬
‫ش‪ً M M‬ة َو َ‬ ‫اح َ‬
‫فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يس‪::‬تطع فعلي‪::‬ه‬ ‫االستطاعة‪ ،‬لقول النبي ‪" :‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ّ ،‬‬

‫‪333‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪)63‬‬
‫أن الق‪:‬رآن الك‪:‬ريم جع‪:‬ل مفه‪:‬وم الحالل والح‪:‬رام؛ معي‪:‬اراً لقي‪:‬اس النش‪:‬اط‬
‫‪:‬بين ّ‬
‫فإنه له وج‪:‬اء" ‪ .‬وبه‪:‬ذه الطريق‪:‬ة يت ّ‬
‫بالصوم ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السلوكي وضبطه لدى‬
‫أما إذا ترك اإلنسان لنفسه الحبل على الغارب‪ ،‬ولم يلتزم بمفهوم الحالل والحرام كمقي‪:‬اس لس‪:‬لوكه‪ ،‬فعندئ ٍ‪:‬ذ ال ف‪:‬رق‬ ‫ّ‬
‫ام‬‫ع‬ ‫ن‬‫اَأل‬ ‫ل‬‫ك‬‫ْأ‬‫ت‬ ‫ا‬‫م‬‫ك‬ ‫ون‬‫ل‬‫ك‬‫ْأ‬‫ي‬‫و‬ ‫ون‬‫ع‬‫َّ‬
‫ت‬ ‫م‬‫ت‬‫ي‬ ‫وا‬‫ر‬‫ف‬‫ك‬ ‫ين‬‫ذ‬‫ِ‬‫َّ‬
‫ال‬ ‫و‬‫‪‬‬ ‫فقط‪،‬‬ ‫والحاجات‬ ‫الغرائز‬ ‫دوافع‬ ‫إشباع‬ ‫سوى‬ ‫لها‬ ‫هم‬ ‫ال‬ ‫التي‬ ‫البهائم‬ ‫بينه وبين‬
‫َ َ َ َُ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ ُ‬ ‫ّ‬
‫‪:‬إن الم‪::‬تردد في س‪::‬لوكه بين االل‪::‬تزام وعدم‪::‬ه‪ ،‬ينطب‪::‬ق علي‪::‬ه الوص‪::‬ف النب‪::‬وي لموق‪::‬ف‬ ‫َو َّ‬
‫الن ُار َمثْ‪MًM‬وى َل ُه ْم‪[‬محم ‪::‬د‪ .]12 :‬وك‪::‬ذلك ف‪ّ :‬‬
‫ثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين‪ ،‬تعير إلى هذه مرة وإ لى هذه مرة"(‪.)64‬‬
‫"م ُ‬
‫المنافقين الوارد في قوله ‪َ :‬‬

‫الشخصية اإلسالمية مالئكية في ديمومة‬


‫ّ‬ ‫القاعدة الثالثة‪ :‬عالج ثغرات السلوك بالتوبة والتعزيز‪" :‬ال ينبغي أن نتصور‬
‫الشخصية‬
‫ّ‬ ‫يمس االتصاف بهذه‬ ‫الطاعة وبال أخطاء‪ ،‬فقد تقع ثغرات في سلوكها بتقصير أو غفلة أو خطأ‪ ،‬وك ّل ذلك ال ّ‬
‫ألن ارتب‪::‬اط مف‪::‬اهيم اإلنس‪::‬ان بالعقي‪::‬دة ليس ارتباط ‪:‬اً آلي ‪:‬اً‪،‬‬
‫‪:‬المية أساس ‪ً :‬ا لتفك‪::‬يره وميل‪::‬ه‪ّ ،‬‬
‫أن ص‪::‬احبها يتخ ‪ُ :‬ذ العقي‪::‬دة اإلس‪ّ :‬‬
‫طالم‪::‬ا ّ‬
‫بحيث ال يتح‪:ّ :‬رك المفه‪::‬وم إال بحس‪::‬ب العقي‪::‬دة‪ ،‬ب‪::‬ل ه‪::‬و ارتب‪::‬اط اجتم‪::‬اعي في‪::‬ه قابلي‪::‬ة االنفص‪::‬ال وقابلي‪::‬ة الرج‪::‬وع بمع‪::‬ززات‬
‫اإليمان من التوبة والندم وإ دراك الخطأ والرجوع عن المخالفة"(‪.)65‬‬
‫ض ِعيفًا‪[‬النس‪::‬اء‪:‬‬
‫َ‬ ‫ان‬ ‫ق اِإل ْن َ‬
‫س ُ‬ ‫المتص‪::‬فة بالض‪::‬عف خلق‪:‬ةً‪َ  ،‬و ُخِل َ‬ ‫العام‪::‬ة ُ‬
‫‪:‬انية ّ‬ ‫‪:‬إن اإلس‪::‬الم مراع‪::‬اةً للطبيع‪::‬ة اإلنس‪ّ :‬‬
‫ل‪::‬ذا؛ ف‪ّ :‬‬
‫وء ِإال َما َر ِح َم‬
‫الس ِ‬
‫َألم َارةٌ ِب ُّ‬
‫س َّ‬ ‫‪:‬انية المجبول‪::‬ة على المي‪::‬ل إلى الش‪::‬هوات والمغري‪::‬ات‪ِ ،‬إ َّن َّ‬
‫الن ْف َ‬ ‫ومراعاة لطبيعة النفس اإلنس‪ّ :‬‬
‫ً‬ ‫‪،]28‬‬
‫َر ِّبي‪[‬يوسف‪ .]53 :‬قد عالج مسألة ثغرات السلوك في الشخصية المسلمة بأمرين‪:‬‬
‫ذهبي‪::‬ة لتع‪::‬ديل الس‪::‬لوك‪ ،‬ق‪::‬ال‬
‫‪:‬اب واس‪::‬ع تظه‪::‬ر في‪::‬ه رحم‪::‬ة اهلل ورأفت‪::‬ه بالعب‪::‬اد‪ ،‬ويش‪ّ :‬كل فرص‪ً :‬ة ّ‬ ‫فتح ب‪M‬اب التوب‪M‬ة‪ :‬وه‪::‬ذا ب‪ٌ :‬‬ ‫‪.1‬‬
‫س ِّيَئ ِات ُك ْم‪[‬التحريم‪ .]8 :‬فالتوبة‬
‫َأن ُي َكفَِّر َع ْن ُك ْم َ‬
‫سى َر ُّب ُك ْم ْ‬
‫وحا َع َ‬
‫ص ً‬
‫ِ‬
‫وبوا ِإلَى اللَّه تَْو َب ًة َن ُ‬
‫آم ُنوا تُ ُ‬ ‫ُّها الَّ ِذ َ‬
‫ين َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬يا َأي َ‬
‫ب ِم ْن‬ ‫ِئ‬ ‫َّ ِ‬
‫تجب م‪::‬ا قبله‪::‬ا‪ ،‬وتنهي مطالب‪::‬ة الم‪::‬ذنب بتبع‪::‬ات ذنب‪::‬ه أم‪::‬ام اهلل تع‪::‬الى‪ ،‬قَ‪::‬ا َل َر ُس ‪:‬و ُل الله ‪( :‬التَّا ُ‬ ‫في اإلس‪::‬الم ّ‬
‫َّ‬
‫ال‪:: :‬ذ ْن ِب َك َم ْن ال َذ ْن َ‬
‫(‪)66‬‬
‫ب لَ‪:: :‬هُ) ‪ .‬وبه‪:: :‬ذا يع‪::ّ : :‬د ب‪:: :‬اب التوب‪:: :‬ة من أهم المع‪:: :‬ززات اإليجابي‪:: :‬ة لإلقالع عن الس‪:: :‬لوك الس‪:: :‬يئ‬
‫وتعديله إلى الحسن‪ .‬وعليه؛ ال يعتبر العاصي أو الفاس‪:‬ق مرت‪::‬داً أو خارج‪:‬اً من دائ‪:‬رة اإليم‪:‬ان‪ .‬ق‪:‬ال تع‪:‬الى‪َ  :‬و َم ْن‬
‫ِ‬ ‫س ُه ثُ َّم َي ْ ِ َّ ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫يما‪[‬النساء‪.]110 :‬‬
‫ورا َرح ً‬‫ستَ ْغف ِر الل َه َيجد الل َه َغفُ ً‬ ‫وءا َْأو َي ْظل ْم َن ْف َ‬
‫س ً‬‫َي ْع َم ْل ُ‬
‫التعزيز السلوكي عن طريق نظري‪M‬ة العق‪M‬اب والث‪M‬واب‪ُ :‬يع‪:ّ :‬رف التعزي‪::‬ز ( ‪ )Reinforcement‬على ّأن‪::‬ه "اإلج‪::‬راء ال‪::‬ذي‬ ‫‪.2‬‬
‫يؤدي فيه حدوث السلوك إلى توابع إيجابية أو إلى إزالة توابع سلبية‪ ،‬الش‪:‬يء ال‪:‬ذي ي‪:‬ترتب علي‪:‬ه زي‪:‬ادة احتم‪:‬ال ح‪:‬دوث‬
‫ذلك السلوك في المستقبل في المواقف المماثلة"(‪.)67‬‬
‫نظري‪::‬ة العق‪::‬اب والث‪::‬واب كمع‪:ّ :‬زز للس‪::‬لوك وتعديل‪::‬ه‬
‫ّ‬ ‫بأهمي‪::‬ة ونجاع‪::‬ة تط‪::‬بيق‬
‫ّ‬ ‫‪:‬ير من ال‪::‬تربويين‬
‫ولق‪::‬د اع‪::‬ترف كث‪ٌ :‬‬
‫‪:‬إن اهلل تع ‪::‬الى في كتاب ‪::‬ه الحكيم؛ رتّب الم ‪::‬دح والث ‪::‬واب على الس ‪::‬لوك الص ‪::‬الح‬
‫وض ‪::‬بطه‪ .‬وقب ‪::‬ل ه ‪::‬ذا االع ‪::‬تراف بعق ‪::‬ود؛ ف ‪ّ :‬‬
‫الذم والعقاب على السلوك المنحرف المخالف للشريعة‪ .‬فهناك الكثير من اآليات القرآنية التي‬ ‫ورتب ّ‬ ‫ّ‬ ‫الموافق للشريعة‪،‬‬
‫أشارت إلى نظرية العقاب والثواب ودورها في ضبط السلوك وتوجيهه نحو خدمة الهدف الحقيقي من وج‪::‬ود اإلنس‪::‬ان‪،‬‬
‫ص ِال ًحا ِم ْن َذ َك ٍ‪M‬ر َْأو ُأْنثَى َو ُه‪Mَ M‬و ُم‪ْ M‬ؤ ِم ٌن َفلَ ُن ْح ِي َي َّن ُه َح َي‪MM‬اةً‬ ‫ِ‬
‫أال وه‪::‬و عب‪::‬ادة اهلل تع‪::‬الى والف‪::‬وز برض‪::‬اه‪ .‬ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪َ  :‬م ْن َعم َل َ‬
‫‪M‬ون‪[‬النح ‪::‬ل‪ .]97 :‬وه ‪::‬ذا من ب ‪::‬اب التعزي ‪::‬ز اإليج ‪::‬ابي للس ‪::‬لوك المواف ‪::‬ق‬ ‫س ‪ِ M‬ن َم‪MM‬ا َك‪MM‬ا ُنوا َي ْع َملُ‪َ M‬‬
‫َأح َ‬ ‫ط ِّي َب ‪ً M‬ة َولَ َن ْج‪ِ M‬ز َي َّن ُه ْم ْ‬
‫َأج‪َ M‬ر ُه ْم ِب ْ‬ ‫َ‬
‫للشريعة والتشجيع على استدامته‪ .‬وبالمقابل هن‪:‬اك تعزي‪:‬ز س‪:‬لبي ي‪:‬دفع إلى ت‪:‬رك الس‪:‬لوك المخ‪:‬الف للش‪:‬ريعة‪ ،‬ق‪:‬ال تع‪:‬الى‪ :‬‬

‫(?) ابن ماجه‪ ،‬محمد بن يزيد القزوين ـي (ت ‪273‬هـ)‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪66‬‬

‫بيروت‪ ،‬كت ـ ـ ـاب الزهد‪ ،‬باب ذكر التوبة‪ ،‬حديث رقم ‪.4250‬‬
‫(?) جمال الخطيب‪ ،‬تعديل السلوك‪ ،‬جمعية عمال المطابع التعاونية‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪ ،‬ص‪.82‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪334‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫‪M‬ون‬
‫ين اَل َيْر ُج َ‬ ‫ين‪[‬النس‪::‬اء‪ .]14 :‬وق‪::‬ال‪ِ :‬إ َّن الَِّذ َ‬ ‫اب ُم ِه ٌ‬
‫‪M‬ه َع‪َ M‬ذ ٌ‬‫يه‪M‬ا َولَ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ص اللَّ َه ورسولَ ُه ويتَع َّد ح ُد َ ِ‬
‫ودهُ ُي ْدخْل ُه َن ًارا َخال ًدا ف َ‬ ‫ََ ُ ََ َ ُ‬ ‫َو َم ْن َي ْع ِ‬
‫الن ُار ِب َم‪MM‬ا َك‪MM‬ا ُنوا َي ْك ِس ‪ُ M‬ب َ‬
‫ون‬ ‫اهم َّ‬
‫‪ْM‬أو ُ ُ‬
‫ِئ‬
‫ون* ُأولَ َك َم‪َ M‬‬
‫ين ُهم ع ْن آي ِات َن‪MM‬ا َغ‪ِ M‬‬
‫‪M‬افلُ َ‬ ‫ِ‬
‫‪َM‬أنوا ِب َه‪MM‬ا َوالَّذ َ ْ َ َ‬
‫ض ‪M‬وا ِبا ْلحي‪ِ M‬‬
‫‪M‬اة ال‪Mُّ M‬د ْن َيا َوا ْطم‪ُّ M‬‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫اء َن‪MM‬ا َوَر ُ‬ ‫ِ‬
‫ل َق َ‬
‫‪[‬يونس‪.]8 ،7 :‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫كيفية بناء الشخصية اإلسالمية المتميزة من خالل الربط بين مقوماتها الفكريّة والسلوكيّة‬
‫ال – بنسبة كبيرة – بين اإليم‪:‬ان والعم‪:‬ل‪ ،‬أي‬
‫نجد انفصا ً‬
‫بالنظر إلى واقع حياة أغلب المسلمين في الوقت الحاضر؛ ُ‬
‫‪:‬إني‬
‫للعقلي‪:‬ة‪ ،‬ومعطي‪:‬ات المق ّ‪:‬وم الس‪:‬لوكي المش‪ّ :‬كل للنفس ّ‪:‬ية في الشخص ّ‪:‬ية اإلس‪:‬المية‪ .‬ل‪:‬ذا؛ ف ّ‬
‫المقوم الفك‪:‬ري المش‪ّ :‬كل ّ‬
‫بين معطيات ّ‬
‫‪:‬لوكية (اإليم ‪::‬ان‬
‫الفكري‪::‬ة والس ‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫مقوم ‪::‬ات الشخص ‪::‬ية اإلس ‪::‬المية‬
‫س ‪::‬أتحدث في ه ‪::‬ذا المبحث الخت ‪::‬امي؛ ح ‪::‬ول طبيع ‪::‬ة العالق ‪::‬ة بين ّ‬
‫متمي‪::‬زة‬
‫‪:‬المية ّ‬
‫عملي‪::‬ة الرب‪::‬ط بين ه‪::‬ذين المق‪::‬ومين لبن‪::‬اء شخص‪::‬ية إس‪ّ :‬‬
‫والعم‪::‬ل)‪ ،‬وبي‪::‬ان المنهج الق‪::‬رآني ال‪::‬ذي يجب أن ُيتب‪::‬ع في ّ‬
‫ينض‪::‬بط فيه‪::‬ا الس‪::‬لوك َوف‪::‬ق معطي‪::‬ات اإليم‪::‬ان‪ .‬وقب‪::‬ل اإلجاب‪::‬ة عن ه‪::‬ذه األس‪::‬ئلة‪ ،‬ال ب‪:ّ :‬د من معرف‪::‬ة دور العقي‪::‬دة في بن‪::‬اء الس‪::‬لوك‬
‫وتوجيهه‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أهميّة العقيدة في بناء المقوّم السلوكي وضبطه‪:‬‬


‫عام‪:‬ة‪ ،‬فالس‪::‬لوك الظ‪::‬اهر عن‪::‬د جمي‪::‬ع البش‪::‬ر – بخالف البه‪::‬ائم–‬
‫إن التالزم بين الس‪::‬لوك واالعتق‪::‬اد موج‪::‬ود عن‪::‬د البش‪::‬ر ّ‪:‬‬
‫ّ‬
‫مرتبط بما لديهم من إيمان باطن‪ ،‬بغض النظر عن ص‪:‬حة ذل‪:‬ك اإليم‪:‬ان أو بطالن‪:‬ه‪ .‬وبم‪:‬وجب العقي‪:‬دة اإليماني‪:‬ة ك‪:‬ذلك؛ يج‪:‬ري‬
‫تحدي‪:‬د غاي‪:‬ات وأه‪:‬داف الس‪:‬لوك اإلنس‪:‬اني‪ .‬يق‪:‬ول ابن تيمي‪:‬ة موض‪:‬حًا ه‪:‬ذا التالزم‪" :‬إذا نقص‪:‬ت األعم‪:‬ال الظ‪:‬اهرة الواجب‪:‬ة‪ ،‬ك‪:‬ان‬
‫ذل ‪::‬ك لنقص م ‪::‬ا في القلب من اإليم ‪::‬ان‪ ،‬فال يتص ‪::‬ور م ‪::‬ع كم ‪::‬ال اإليم ‪::‬ان ال ‪::‬واجب ال ‪::‬ذي في القلب أن تع ‪::‬دم األعم ‪::‬ال الظ ‪::‬اهرة‬
‫ال‪ ،‬كما يل‪:‬زم من نقص ه‪:‬ذا نقص ه‪:‬ذا‪ ،‬إذ تق‪:‬دير إيم ٍ‬
‫‪:‬ان ت‪:‬ام في القلب بال‬ ‫ال وجود هذا كام ً‬
‫الواجبة‪ ،‬بل يلزم من وجود هذا كام ً‬
‫تام بال موجبه‪ ،‬وعل‪:‬ة تام‪:‬ة بال معلوله‪:‬ا‪ ،‬وه‪:‬ذا ممتن‪:‬ع"(‪ .)68‬فالعم‪:‬ل واإليم‪:‬ان قرين‪:‬ان‪ ،‬ال‬ ‫ظاهر من قول وعمل‪ ،‬كتقدير موجب ّ‬
‫نفع ُكم اللَّهُ ‪ ‬حتَّى تَ ْع َملُ‪:: :‬وا بم‪:: :‬ا‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫يص ‪::‬لح ك ‪:ّ :‬ل واح ‪::‬د منهم ‪::‬ا إال م ‪::‬ع ص ‪::‬احبه‪ ،‬ق ‪::‬ال الن ‪::‬بي ‪" :‬تَ َعل ُم‪::‬وا م ‪::‬ا ش ‪::‬ئتُم َْأن تَ َعل ُم‪::‬وا‪ ،‬فلن َي َ‬
‫تَ ْعلمون"(‪.)69‬‬
‫أهمي‪::‬ة الرب‪::‬ط التك‪::‬املي بين اإليم‪::‬ان والعم‪::‬ل في الشخص‪:ّ:‬ية اإلس‪::‬المية‪" :‬الت‪::‬دين‬ ‫يق‪::‬ول عبد المجي‪::‬د النج‪::‬ار في بي‪::‬ان ّ‬
‫باإلس‪::‬الم يك‪::‬ون بكيفي‪::‬تين متالزم‪::‬تين‪ :‬أوالهم‪::‬ا‪ :‬اإليم‪::‬ان بح ّقاني‪::‬ة المنظوم‪::‬ة النظري‪::‬ة ال‪::‬تي ج‪::‬اء به‪::‬ا البي‪::‬ان ال‪::‬ديني في ش‪::‬رحه‬
‫يتم فيه‪::‬ا حس‪::‬اب‬
‫للوج‪::‬ود الق‪::‬ائم على إق‪::‬رار توحي‪::‬د األلوهي‪::‬ة‪ ،‬وفي إخب‪::‬اره بالرس‪::‬ل اله‪::‬داة‪ ،‬وإ خب‪::‬اره بالحي‪::‬اة األخ‪::‬رى‪ ،‬ال‪::‬تي ّ‬
‫اإلنسان وجزاؤه‪ .‬واإليمان كذلك بحقانية جملة التعاليم‪ ،‬التي ب ّشر بها الوحي المحمدي‪ ،‬كما جاءت في القرآن الكريم وفي‬
‫هدي الدين من األوامر والن‪:‬واهي‪ ،‬المتعلق‪:‬ة بالس‪:‬لوك في معن‪:‬اه الش‪:‬امل‪.‬‬
‫السنة الثابتة‪ .‬والثانية‪ :‬التطبيق العملي لما جاء في ّ‬
‫‪:‬دين في ج‪:::‬انب‬
‫ال بالت‪ّ : :‬‬
‫وأيم‪::‬ا قص ‪::‬ور في ه ‪::‬ذين ال ‪::‬وجهين‪ ،‬يعت‪:: :‬بر إخال ً‬
‫وإ ّن العالق ‪::‬ة بين ه ‪::‬اتين الكيفي‪:: :‬تين عالق ‪::‬ة تالزم ‪ّ ...‬‬
‫العقيدة"(‪.)70‬‬
‫نظرية‬
‫ّ‬ ‫فإن اإليمان بفكرة ما‪ ،‬يعنى وجوب التصديق بها تصديقاً جازماً مطابقاً لواقعها‪ ،‬وبهذا تتحول من‬
‫لذا؛ ّ‬
‫فيص‪:‬بح اإليم‪:‬ان‬
‫ذهني‪:‬ة؛ إلى مفه‪:‬وم إيم‪:‬اني م‪:‬ؤثر في العم‪:‬ل‪ُ .‬‬
‫إلى حقيقة تؤثر في السلوك‪ .‬أي تتحول من مج‪:‬رد معلوم‪:‬ة ّ‬

‫التدين فهماً وتنزيالً‪ ،‬قطر‪ ،‬د (ط‪ ،‬ت)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .13-12‬بتصرف قليل‪.‬‬
‫(?) النجار‪ ،‬عبدالمجيد‪ ،‬في فقه ّ‬
‫‪70‬‬

‫‪335‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يم‪MM‬ا ُن ُك ْم ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُم‪ْ M‬ؤ ِم ِن َ‬


‫ين‪[‬البق ‪::‬رة‪.]93 :‬‬ ‫ِ ِإ‬
‫‪ْM‬أم ُر ُك ْم ِب‪MM‬ه َ‬ ‫بمثاب ‪::‬ة اآلم ‪::‬ر الن ‪::‬اهي على س ‪::‬لوك اإلنس ‪::‬ان ق ‪::‬ال تع ‪::‬الى‪ُ  :‬ق‪Mْ M‬ل ِبْئ َ‬
‫س ‪َ M‬ما َي‪ُ M‬‬
‫أم‪::‬ا إذا انتقلت إلى‬‫فاألفك‪::‬ار إذا بقيت كمعرف‪::‬ة في ذهن اإلنس‪::‬ان دون أن ت‪::‬ؤثر في س‪::‬لوكه؛ فهي مج‪::‬رد معلوم‪::‬ات فق‪::‬ط‪ّ .‬‬
‫يتم الرب‪::‬ط المباش‪::‬ر والتفاع‪::‬ل الم‪::‬ؤثّر بينه‪::‬ا وبين الس‪::‬لوك‪ ،‬فتص‪::‬بح موجه ‪:‬اً ومنظم ‪:‬اً ل‪::‬ه‪،‬‬
‫حي‪::‬ز الت‪::‬أثير في الس‪::‬لوك‪ ،‬بحيث ّ‬
‫ّ‬
‫بحيث ال يخ‪::‬الف اإلنس‪::‬ان بس‪::‬لوكه أفك‪::‬اره؛ عن‪::‬دها تتح‪::‬ول األفك‪::‬ار إلى مف‪::‬اهيم ض‪::‬ابطة وموجه‪::‬ة للس‪::‬لوك‪ .‬ف ‪ :‬المفهوم‪ :‬ل‪::‬ه‬
‫اموا‪[‬فص‪::‬لت‪( .]30 :‬قَ‪::‬الُوا َربَُّن‪::‬ا‬
‫س‪M‬تَقَ ُ‬ ‫‪:‬ان ض‪::‬ابطٌ للس‪::‬لوك‪ .‬ي‪::‬د ّل علي‪::‬ه قول‪::‬ه تع‪::‬الى‪ِ :‬إ َّن الَِّذ َ‬
‫ين قَالُوا َر ُّبَنا اللَّ ُه ثَُّم ا ْ‬ ‫ش‪::‬رطان‪ :‬إيم‪ٌ :‬‬
‫ص َّدقَهُ اْل َع َمل"(‪.)71‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫"ما َوقَ َر في اْل َقْلب‪َ ،‬و َ‬ ‫عبر عنه بـ‪َ :‬‬ ‫اموا)= سلوك‪ .‬وهو ما ُي ّ‬ ‫استََق ُ‬
‫اللهُ)= إيمان‪( ،‬ثَُّم ْ‬
‫الفكري‪::‬ة ال‪::‬تي تم‪:ّ :‬د المس‪::‬لم بتص‪::‬ديقات جازم‪::‬ة عن الحق‪::‬ائق المتعلق‪::‬ة‬
‫ّ‬ ‫‪:‬إن العقي‪::‬دة اإلس‪::‬المية تش‪ّ :‬كل القاع‪::‬دة‬
‫وعلي‪::‬ه‪ ،‬ف‪ّ :‬‬
‫والموجد ‪ ‬والعالقة بينهما‪ .‬وبهذه القاعدة الفكرية اليقينية‪ ،‬يستطيع المس‪:‬لم تك‪:‬وين مف‪:‬اهيم ص‪:‬حيحة يحكم به‪:‬ا على‬ ‫ِ‬ ‫بالوجود‬
‫فإن‪::‬ه يجب علي‪::‬ه أن‬
‫عقليت‪::‬ه‪ .‬ومن جه‪::‬ة ثاني‪::‬ة ّ‬
‫جمي‪::‬ع األش‪::‬ياء واألفع‪::‬ال ال‪::‬تي يتعام‪::‬ل معه‪::‬ا‪ ،‬وبمجم‪::‬وع تل‪::‬ك المف‪::‬اهيم تتك‪:ّ :‬ون ّ‬
‫‪:‬تمدة من العقي ‪::‬دة‪ .‬وه ‪::‬ذا يع ‪::‬ني؛ وج ‪::‬وب استحض ‪::‬ار المف ‪::‬اهيم‬
‫يض ‪::‬بط وينظم نفس ‪::‬يته (المي ‪::‬ول والس ‪::‬لوك) بتل ‪::‬ك المف ‪::‬اهيم المس ‪ّ :‬‬
‫اإلسالمية لديه قبل قيامه بأي عمل من األعمال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المنبثقة عن العقيدة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مثال توضيحي يبيّن كيفية بناء الشخصية اإلسالمية باقتران مقوماتها‪:‬‬
‫منهجية منظّم‪:‬ة ومتس‪:‬قة‪ ،‬تس‪:‬ير تل‪:‬ك الخط‪:‬وات‬
‫ّ‬ ‫فق ُخطوات‬
‫تتم َو َ‬
‫المتميزة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الشخصية اإلسالمية‬
‫ّ‬ ‫عملية بناء‬
‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫في مسارين متوازيين ال يتخلّف أحدهما عن اآلخر‪.‬‬
‫للعقلية)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المكونة‬
‫ّ‬ ‫المقوم الفكري‪ ،‬ويشمل‪( :‬مصدر التفكير "الوحي"‪ ،‬الحكم على الواقع "فكر"‪ ،‬وينتهي بالمفاهيم‬ ‫ّ‬ ‫مسار‬
‫الحيوي‪::‬ة‪ ،‬دواف ‪::‬ع الس ‪::‬لوك‪ ،‬المي ‪::‬ول‪ ،‬وينتهي باألعم ‪::‬ال)‪ .‬ف ‪::‬إذا تك ‪::‬املت خط ‪::‬وات‬
‫ّ‬ ‫ومس‪MM‬ار المق‪Mّ M‬وم الس‪MM‬لوكي‪ ،‬ويش ‪::‬مل‪( :‬الطاق ‪::‬ة‬
‫المتمي‪::‬زة‪ .‬ينظ‪::‬ر‬
‫ّ‬ ‫المس‪::‬ارين الم‪::‬ذكورين؛ نتج بالض‪::‬رورة عن اقترانهم‪::‬ا في رأس اله‪::‬رم‪ :‬البن‪::‬اء المتكام‪::‬ل للشخص‪:ّ :‬ية اإلس‪::‬المية‬
‫شكل رقم (‪.)1‬‬
‫أن ذل‪:‬ك الواق‪:‬ع ه‪:‬و (المي‪:‬ل إلش‪:‬باع جوع‪:‬ة أح‪:‬د مظ‪:‬اهر غري‪:‬زة‬
‫واقع ما‪ ،‬ولنفترض ّ‬
‫ال إذا أراد المسلم التعامل مع ٍ‬
‫فمث ً‬
‫حفظ الن‪::‬وع وهي المي‪::‬ل إلى الجنس اآلخ‪::‬ر)‪ .‬فكي‪::‬ف يتعام‪::‬ل م‪::‬ع ه‪::‬ذا الواق‪::‬ع وف‪::‬ق س‪::‬لوك مط‪::‬اب ٍ‬
‫ق للحال‪::‬ة المعياري‪::‬ة ال‪::‬تي‬ ‫َ‬
‫المتميزة؟‬
‫ّ‬ ‫اإلسالمية‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‬
‫ّ‬ ‫تقاس عليها‬
‫إن أول الخط‪::‬وات ال‪::‬تي يجب علي‪::‬ه القي‪::‬ام به‪::‬ا هي النظ‪::‬ر إلى مص‪::‬در التفك‪::‬ير (ال‪::‬وحي)‪ ،‬فيج‪::‬د إلش‪::‬باع ه‪::‬ذه الجوع‪::‬ة‬
‫الج‪MM‬واب‪ّ :‬‬
‫النس ‪ِ M‬‬ ‫ِ‬ ‫ط‪::‬ريقين‪ :‬طري ‪::‬ق النك‪::‬اح الش‪::‬رعي‪ ،‬وه ‪::‬و حالل‪ ،‬لقول ‪::‬ه تع‪::‬الى‪ :‬فَ‪MM‬ا ْن ِك ُحوا َم‪MM‬ا َ‬
‫اء‪[‬النس ‪::‬اء‪ .]3 :‬وطري‪::‬ق‬ ‫‪M‬اب لَ ُك ْم م َن ِّ َ‬
‫ط‪َ M‬‬
‫أن (الفك‪:‬ر) الحكم على الواق‪:‬ع الم‪:‬ذكور‪ ،‬المس‪:‬تمد من‬ ‫الزَنا‪[‬اإلسراء‪ .]32 :‬فيتضح له ّ‬ ‫الزنا‪ ،‬وهو حرام‪ .‬لقوله تعالى‪َ :‬وال َت ْقَرُبوا ِّ‬
‫مص‪:‬درية الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم؛ يقض‪::‬ي ِ‪:‬‬
‫بح ّل إش‪::‬باع تل‪::‬ك الجوع‪::‬ة بالنك‪::‬اح الش‪::‬رعي فق‪::‬ط‪ ،‬ويقض‪::‬ي بحرم‪::‬ة إش‪::‬باعها عن طري‪::‬ق‬
‫الزنا‪.‬‬
‫وه‪::‬ذا الكش‪::‬ف عن حكم ح‪ّ :‬ل النك‪::‬اح وحرم‪::‬ة الزن‪::‬ا‪ ،‬ال يتع‪:ّ :‬دى أك‪::‬ثر من كون‪::‬ه (فك‪::‬رة)‪ ،‬أي معلوم‪::‬ة يتس‪::‬اوى في‬
‫‪:‬ع ِ‪:‬ح ّل النك‪:‬اح وحرم‪:‬ة الزن‪:‬ا‪ ،‬وص ّ‪:‬دق ب‪:‬ه تص‪:‬ديقاً جازم‪:‬اً‬
‫أدرك ذل‪:‬ك الش‪:‬خص واق َ‬
‫َ‬ ‫الن‪:‬اس‪ .‬ف‪:‬إذا‬
‫الوص‪:‬ول إلى معرفته‪:‬ا جمي‪:‬ع ّ‬
‫‪:‬درك واقع‪:‬ه‪ .‬وبم‪:‬وجب ه‪:‬ذا المفه‪:‬وم يض‪:‬بط‬‫مؤثرًا في سلوكه عن‪:‬د اإلش‪:‬باع‪ ،‬عن‪:‬دها تتح‪:‬ول تل‪:‬ك الفك‪:‬رة إلى مفه‪:‬وم إيم‪:‬اني ُم ٌ‬
‫س‪::‬لو َكه وينظم‪::‬ه تج‪::‬اه ذل‪::‬ك الواق‪::‬ع‪ .‬ويص‪::‬بح لدي‪::‬ه بواس‪::‬طة مفه‪::‬وم الحالل والح‪::‬رام معي‪::‬ار ض‪::‬ابط للس‪::‬لوك من حيث اإلق‪::‬دام‬
‫‪336‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫واإلحج ‪::‬ام على الفع ‪::‬ل‪ .‬ف ‪::‬إذا تي ّس‪: :‬ر ل ‪::‬ه إش ‪::‬باع ذل ‪::‬ك المي ‪::‬ل بطري ‪::‬ق الحالل أق ‪::‬دم‪ ،‬وإ ذا تع ‪::‬ذر الحالل أحجم وتعفّ ‪::‬ف‪ .‬وبه ‪::‬ذه‬
‫المكون ‪::‬ة للنفس ‪:ّ :‬ية؛ تتح ّكم مف‪:::‬اهيم الحالل‬
‫ّ‬ ‫للعقلي ‪::‬ة المس ‪::‬لمة وبين المي ‪::‬ول والس ‪::‬لوك‬
‫ّ‬ ‫المكون ‪::‬ة‬
‫ّ‬ ‫الطريق ‪::‬ة الرابط ‪::‬ة بين المف ‪::‬اهيم‬
‫والحرام بطريقة إشباع جوعات الغرائز والحاجات‪ ،‬وتُضبط الميول واألهواء النفس ّ‪:‬ية َوف‪:‬ق إرادة اهلل ‪ .‬ينظ‪:‬ر الش‪:‬كل رقم‬
‫(‪:)1‬‬
‫تلمس خطواتها‬‫المتميزة‪ ،‬تلك الطريقة التي توصلنا إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫الشخصية اإلسالمية وبنائها‬
‫ّ‬ ‫هذه هي طريقة تكوين‬
‫تدبر اآليات القرآنية الكريمة‪ .‬وهي الطريقة نفسها التي كان يسير عليها النبي ‪ ‬في بنائه‬
‫ورسمها من خالل ّ‬
‫يقيس عليها المسلم مدى قربه‬
‫لشخصيات كبار الصحابة ‪ ‬من السابقين في اإلسالم‪ .‬وهي تصلح ألن تُتخذ معياراً ُ‬
‫ّ‬
‫خاصةً في هذا العصر الذي‬
‫ّ‬ ‫الشخصية اإلسالمية المتميزة التي أراد اهلل له أن يكون عليها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وبعده من تحقيق صفات‬
‫فتميعت شخصياتهم‬ ‫والسلوكية لدى ٍ‬
‫كثير من المسلمين عن المنهج اإلسالمي القويم؛ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية‬
‫ّ‬ ‫انحرفت فيه البوصلة‬
‫واضطربت‪ ،‬حتى غدا الفكر لديهم منفصالً عن السلوك‪ ،‬وأصبح اإليمان ال أثر له في العمل‪.‬‬

‫‪337‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مخرجات مقوّمات الشخصيّة اإلسالميّة المتميّزة‬

‫متميزة‬
‫إسالمية ّ‬
‫ّ‬ ‫شخصية‬
‫ّ‬
‫المقوم الس‪:: :‬لوكي‪ .‬بحي‪:: :‬ث يت‪:: :‬م ضب‪:: :‬ط‬
‫المقوم الفكري م‪:: :‬ع مخرجات ّ‬
‫نتاج اقتران مخرجات ّ‬
‫اإليمانية‬
‫ّ‬ ‫السلوك وتنظيمه بحسب المفاهيم‬

‫إسالمية (العمل الصالح)‬


‫ّ‬ ‫نفسية‬
‫ّ‬ ‫إسالمية‬
‫ّ‬ ‫عقلية‬
‫ّ‬
‫تتشك‪:: : : : : :‬ل م‪:: : : : : :‬ن مجموع الميول (الهوى)‪ ،‬والس‪:: : : : : :‬لوك‬ ‫تتكون م‪:: : : : : :‬ن مجموع‪:: : : : : :‬ة المفاهي‪:: : : : : :‬م‬
‫ّ‬
‫النفسية‬
‫ّ‬ ‫ضوابط وموجهات‬
‫المكون‪:: :‬ة للعقلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المنضب‪:: :‬ط بمفاهي‪:: :‬م الحالل والحرام‬ ‫‪:‬تمدة م ‪::‬ن الوح ‪::‬ي ع ‪::‬ن‬
‫اإليماني‪::‬ة المس ‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫فتطمئن لفعل الحالل فقط‪ ،‬وتنفر من الحرام‪.‬‬ ‫واقع وحكم النكاح والزنا‬

‫سلوك‬ ‫مفهوم إيماني‬


‫منضب‪:: :‬ط بمفاهي‪:: :‬م الحالل والحرام عن‪:: :‬د إرادة إشباع‬ ‫اإلدراك التام والتصديق الجازم بواقع ِح ّل‬
‫الدواف‪::‬ع والميول النفس‪::‬ية‪ ،‬فيقدم عل‪::‬ى اإلشباع إذا توّف‪::‬ر‬ ‫النكاح وحرمة الزنا‪ ،‬بحيث يؤثر في‬
‫النكاح الشرع‪:‬ي‪ ،‬ويحج‪:‬م ع‪:‬ن الحرام ويتعفّف‪ .‬وبالنظ‪:‬ر‬ ‫الميول والسلوك‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى السلوك يتم الحكم على‬

‫ضواب‪:‬ط وموجهات الميول (هوى‬


‫النفس) والسلوك‬
‫(ميول) هوى النفس‬
‫الميل والرغبة إلشباع جوعة غريزة‬ ‫معلومة نظرية‬
‫حفظ النوع‬ ‫بح ّل ‪ :‬النكاح وحرم ‪::‬ة الزن ‪::‬ا‪ ،‬ل‪::‬م يت‪::‬م‬
‫إدراك واقعه ‪:: :‬ا وال التص ‪:: :‬ديق به ‪:: :‬ا‪،‬‬
‫ولم تؤثر على السلوك‪.‬‬

‫دافع سلوكي‬
‫فكرة (حكم على واقع)‬
‫ناتج عن جوعة مظهر الميل للجنس‬
‫ِ‬
‫(ح ّل النكاح‪ ،‬وحرمة الزنا)‬
‫اآلخر التابع لغريزة حفظ النوع‬

‫مصدر الفكر (الوحي) (وانكحوا ما طاب لكم من‬


‫طاقة حيوية‬ ‫النساء)‪( .‬وال تقربوا الزنا)‬
‫بحاجة إلى تفريغ وتغذية‬ ‫و‬

‫المقوم السلوكي)‬
‫ّ‬ ‫المسار الثاني (مدخالت‬ ‫المقوم الفكري)‬
‫ّ‬ ‫المسار األول (مدخالت‬

‫المتميزة ومخرجاتها‬
‫ّ‬ ‫اإلسالمية‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‬
‫ّ‬ ‫مخطط مدخالت بناء‬
‫الشكل رقم (‪)1‬‬

‫‪338‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫الحمد هلل وكفى‪ ،‬والصالة والسالم على عباده الذين اصطفى وبعد‪:‬‬
‫يسر الباحث في ختام هذه الدراسة؛ أن يجمل أهم النتائج والتوصيات باآلتي‪:‬‬
‫ّ‬
‫حدد القرآن الكريم مقومات الشخصية اإلسالمية بعنصرين رئيسين‪:‬‬‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ِ‪:‬‬
‫والموج‪:‬د ‪ ،‬والعالق‪::‬ة‬ ‫يتم بموجبه تكوين المفاهيم عن الوج‪::‬ود‬
‫‪ )1‬اإليمان‪ .‬ويتعلق بالجانب العقدي والفكري الذي ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية وتنميتها وضبطها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العقلية في‬
‫ّ‬ ‫بينهما‪ :.‬وبهذا الجانب يتم بناء‬

‫االجتماعية‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬ص‪.313‬‬


‫ّ‬ ‫(?) أبو جادو‪ ،‬صالح محمد علي‪ ،‬سيكولوجية التنشئة‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نقالً عن‪ :‬محمد خليفة بركات‪ ،‬تحليل الشخصية‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬ط‪ ،3‬ص‪.8‬‬ ‫‪6‬‬

‫عمان‪ ،‬ط‪1992 ،1‬م‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫الشخصية في القصة القرآنية‪ ،‬دار البشير‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫(?) مصطفى عليان‪ ،‬بناء‬ ‫‪7‬‬

‫(?) جميع هذه المواضع ورد فيها اإليمان متقدمًا على العمل الصالح‪ ،‬ما عدا خمس مواضع تقريبًا ورد فيها العمل الصالح‬ ‫‪10‬‬

‫متقدماً على اإليمان‪ ،‬مع جعل اإليمان شرطاً العتبار العمل وقبوله‪.‬‬
‫ّ‬
‫جدة‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ‪ ،‬ص‪ .198‬بتصرف قليل‪.‬‬
‫(?) السمالوطي‪ ،‬نبيل‪ ،‬التنظيم المدرسي والتحدي التربوي‪ ،‬دار الشروق‪ّ ،‬‬
‫‪13‬‬

‫(?) محمــد رشيد رضا (ت ‪1354‬هـ)‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتب‪1990 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .389-388‬بتص ّ‪:‬رف‬ ‫‪14‬‬

‫قليل‪.‬‬
‫(?) الخازن‪ ،‬علي بن محمد‪ ،‬لباب التأويل في معاني التنـزيل‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد علي شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪1415‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.82‬‬


‫‪16‬‬
‫(?) أخرجه ابن أبي عاصم‪ ،‬عمرو بن أبي عاصم الضحاك (ت ‪ 287‬هـ)‪ ،‬الس ّنة‪ ،‬تحقيق‪ :‬األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1400 ،1‬هـ‪ ،‬باب ما يجب أن يكون هوى المرء تبعاً لما جاء به النبي ‪ ،‬حديث رقم‪.15‬‬
‫(?) المباركفوري عبيد اهلل بن محمد (ت ‪1414‬هـ)‪ ،‬مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬الجامعة السلفية‪ ،‬نارس (الهند)‪ ،‬ط‬ ‫‪17‬‬

‫‪1404 ،3‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.266‬‬


‫(?) الباقالني‪ ،‬أبي بكر بن الطيب (ت ‪ 403‬هـ)‪ ،‬اإلنصاف فيما يجب اعتقاده وال يجوز الجهل به‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زاهد‬ ‫‪20‬‬

‫الكوث ـ ـري‪،‬‬
‫المكتبة األزهرية للتراث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1421 ،2‬هـ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪21‬‬
‫(?) التفكير المستنير أو المنظومي‪ ،‬هو أرقى درجات التفكير‪ ،‬ويكون من خالل النظر إلى الشيء وفهمه وفهم ما يتعلق به‬
‫البينية‪ .‬أي فهم األشياء والحكم عليها مربوطة بما يتعلّق بها‪.‬‬
‫وير ّكز فيه على العالقات ّ‬
‫ثم الحكم عليه‪ُ .‬‬‫ّ‬
‫(?) ُينظر‪ :‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬تحقيق‪ :‬مهدي المخزومي وزميله‪ ،‬مكتبة الهالل باب‪ :‬العين والقاف‬ ‫‪22‬‬

‫والالم‪ .‬وأحمد بن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬عقل‪ .‬والرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫خاطر‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪ ،‬مادة‪ :‬عقل‪ .‬واألزهري‪ ،‬محمد بن أحمد‪ ،‬تهذيب اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوض‬
‫مرعب‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪2001 ،1‬م‪ ،‬باب العين والقاف والالم‪ .‬الراغب األصفهاني‪ ،‬الحسين بن محمد ت‬
‫التوفيقية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.345‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 502‬هـ‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬المكتبة‬
‫(?) ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1‬مادة‪ :‬فكر‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫(?) ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬فكر‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫(?) الراغب األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.386‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪339‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يتم بن‪:: :‬اء النفس‪:ّ : :‬ية في‬


‫‪ )2‬العم ‪MM‬ل الص ‪MM‬الح‪ .‬ويتعلّ‪:: :‬ق بالج‪:: :‬انب الس‪:: :‬لوكي‪( :‬دواف‪:: :‬ع‪ ،‬مي‪:: :‬ول‪ ،‬أفع‪:: :‬ال)‪ .‬وبه‪:: :‬ذا الج‪:: :‬انب ّ‬
‫الشخصية اإلسالمية‪ ،‬وكيفية ضبطها بمقتضى اإليمان‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بيني ‪: :‬ة‪ :‬قائم‪:: :‬ة على التالزم والت‪:: :‬أثّر والت‪:: :‬أثير‪ .‬ف‪:: :‬التفكير الزم لبن‪:: :‬اء العقي‪:: :‬دة‬
‫ثاني‪M M‬اً‪ :‬العالق‪:: :‬ة بين العقي‪:: :‬دة والتفك‪:: :‬ير‪ ،‬عالق‪:: :‬ة ّ‬
‫بث اهلل تع‪:‬الى في‬ ‫عقدي‪::‬ة في اآلي‪::‬ات التنـزيلية ومقارنته‪:‬ا في م‪:‬ا ّ‬ ‫وتقريرها‪ ،‬وذلك بواس‪:‬طة النظ‪:‬ر في م‪:‬ا ورد من حق‪:‬ائق ّ‬
‫‪:‬إن العقي ‪::‬دة تض ‪::‬بط عملي ‪::‬ة التفك ‪::‬ير‪،‬‬ ‫اآلي ‪::‬ات الكوني ‪::‬ة واألنفس ‪::‬ية من عج ‪::‬ائب قدرت ‪::‬ه وف ‪::‬ائق ص ‪::‬نعته‪ .‬ومن ج ‪ٍ :‬‬
‫‪:‬انب آخ ‪::‬ر‪ ،‬ف ‪ّ :‬‬
‫وتحميها من االنزالق في متاهات التقليد والظنون والهوى واألوهام واألساطير‪.‬‬

‫تتلخص باآلتي‪:‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وضع القرآن الكريم مجموعة قواعد ضابطة ومنظمة للسلوك‪ّ ،‬‬

‫(?) الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد (ت ‪505‬هـ)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.425‬‬ ‫‪28‬‬

‫(?) الراغب األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.386‬‬ ‫‪29‬‬

‫(?) الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد مرعشلي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1428 ،2‬هـ‪ ،‬ص‪.247‬‬ ‫‪30‬‬

‫(?) جروان‪ ،‬فتحي عبدالرحمن‪ ،‬تعليم التفكير‪ ،‬دار الكتاب الجامعي‪ ،‬اإلمارات‪1999 ،‬م‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪32‬‬
‫(?) حنايشة‪ ،‬عبدالوهاب محمد إبراهيم‪ ،‬التفكير وتنميته في ضوء القرآن الكريم‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪2009 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.14‬‬
‫‪36‬‬
‫(?) العقاد‪ ،‬عباس محمود‪ ،‬التفكير فريضة إسالمية‪ ،‬نهضة مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د (ط‪ ،‬ت)‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(?) ينظر تفاصيل اإلحصائية المذكورة‪ :‬صالح صالح معمار‪ ،‬علم التفكير‪ ،‬دار ديبونو للطباعة والنشر‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪2006‬م‪ .‬ص‪.27-18‬‬
‫‪38‬‬
‫(?) حوامدة‪ ،‬مصطفى محمود‪ ،‬دور القرآن الكريم في تنمية التفكير المنظومي لدى اإلنسان‪ ،‬من أوراق المؤتمر العربي‬
‫الثالث حول االتجاه المنظومي في التدريس والتعليم‪ ،‬جامعة‪ :‬عين شمس‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫(?) الرازي‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت‪327‬هـ)‪ ،‬آداب الشافعي ومناقبه‪ ،‬تحقيق د‪ .‬عبد الغني عبد الخالق‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪39‬‬

‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪.207‬‬‫ّ‬


‫(?) الميداني‪ ،‬عبدالرحمن حسن حبنكة‪ ،‬العقيدة اإلسالمية وأسسها‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1418 ،8‬هـ‪ ،‬ص‪.26‬‬ ‫‪40‬‬

‫(?) النيسابوري‪ ،‬مسلم بن الحجاج (ت ‪241‬هـ)‪ ،‬الصحيح ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪41‬‬

‫كتاب السالم‪ ،‬باب‪ :‬تحريم الكهانة وإ تيان الكهان‪ ،‬حديث رقم‪.2230 :‬‬
‫قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن أبي بكر (ت ‪751‬هـ)‪ ،‬مفتاح دار السعادة ‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.187‬‬ ‫(?) ابن ّ‬
‫‪42‬‬

‫(?) السعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر (ت ‪1376‬هـ)‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن‬ ‫‪43‬‬

‫بن معال اللويحق‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪.189‬‬


‫(?) موريس بوكاي‪ ،‬التوراة واإلنجيل والقرآن بمقاييس العلم الحديث ‪ ،‬ترجمة علي الجوهري‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪1976‬م‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫المكرمة‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م‪ ،‬ص‪.46-42‬‬ ‫ّ‬ ‫(?) ماجد عرسان الكيالني‪ ،‬مقومات الشخصية المسلمة‪ ،‬مكتبة االستقامة‪ ،‬مكة‬ ‫‪45‬‬

‫(?) محمد السيد راضي جبريل‪ ،‬عناية المسلمين بإبراز وجوه اإلعجاز في القرآن الكريم‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة‬ ‫‪46‬‬

‫المصحف الشريف‪ ،‬المدينة‪ ،‬المنورة‪1421 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.66‬‬


‫(?) السعدي‪ ،‬تفسير السعدي‪ ،‬ص‪.752‬‬ ‫‪47‬‬

‫(?) النجار‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬دور الفكر الواقعي في النهضة اإلسالمية‪ ،‬بحوث اللقاء الخامس َّ‬
‫لمنظمة الندوة العالمية للشباب‬ ‫‪49‬‬

‫اإلسالمي‪ ،‬نيروبي‪1402 ،‬هـ‪1982 ،‬م‪.‬‬


‫‪340‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي‬

‫‪ )1‬تحديد‪ :‬غاية السلوك‪.‬‬


‫‪ )2‬تقييد السلوك بمقياس الحالل والحرام‪.‬‬
‫‪ )3‬عالج ثغرات السلوك بالتوبة والتعزيز‪.‬‬

‫حد إشباع جوعات الغرائز والحاجات فقط‪ ،‬وإ ّنما تتع‪:ّ :‬دى إلى‬ ‫إن غايات السلوك من منظور قرآني؛ ال تقف عند ّ‬ ‫رابعاً‪ّ :‬‬
‫تحقيق مرضاة اهلل ‪ .‬وذلك بتجاوز حدود الحياة الدنيا وربط السلوك بمآله المترتب عليه في اآلخرة‪.‬‬

‫منهجية منظّمة ومتسقة‪ ،‬تسير في مسارين متوازيين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فق ُخطوات‬ ‫تتم َو َ‬
‫الشخصية اإلسالمية؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫عملية بناء‬
‫إن ّ‬ ‫خامساً‪ّ :‬‬
‫المكون ‪::‬ة‬
‫‪ )1‬مس‪MM‬ار المق‪Mّ M‬وم الفك‪MM‬ري‪ ،‬ويش ‪::‬مل‪( :‬مص ‪::‬در التفك ‪::‬ير "ال ‪::‬وحي"‪ ،‬والحكم على الواق ‪::‬ع "فك ‪::‬ر"‪ ،‬وينتهي بالمف ‪::‬اهيم ّ‬
‫للعقلية)‪.‬‬
‫ّ‬

‫(?) السيد رزق الحجر‪ ،‬مسائل العقيدة وداللتها بين البرهنة القرآنيَّة واالستدالل الكالمي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪1410‬هـ‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫(?) اإليجي‪ ،‬عضد الدين عبدالرحمن بن أحمد‪ ،‬المواقف‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن عميرة‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪1997‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.151‬‬


‫(?) البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل (ت ‪256‬هـ)‪ ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ‪ ‬وسننه وأيامه‪،‬‬ ‫‪52‬‬

‫مؤسسة المختار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬سورة الطور‪ .‬حديث رقم‪.4854 :‬‬
‫(?) ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم (ت ‪728‬هـ)‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬تحقيق‪ :‬أنور الباز وزميله‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪،3‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪1426‬هـ‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.212‬‬


‫(?) الجليند‪ ،‬محمد السيد‪ ،‬تأمالت حول منهج القرآن في تأسيس اليقين‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫(?) ُينظر‪ :‬الفراهيدي‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬مادة‪ :‬سلك‪ .‬وابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬سلك‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان‬ ‫‪55‬‬

‫العرب‪ ،‬مادة‪ :‬سلك‪.‬‬


‫(?) مجمع اللغة العربية‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬دار عمران‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1985 ،3‬م‪ ،‬مادة‪ :‬سلك‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫المقدس‪ ،‬دار التضامن‪ ،‬بيروت‪،‬‬


‫ّ‬ ‫(?) عابد توفيق زين العابدين‪ ،‬النفس اإلنسانية في ميزان القرآن الكريم والكتاب‬ ‫‪58‬‬

‫‪1996‬م‪ ،‬ص‪.95-94‬‬
‫عمان‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫(?) العاني‪ ،‬محمد يوسف‪ ،‬الشخصية اإلنسانية في التراث اإلسالمي‪ ،‬دار الفرقان‪ّ ،‬‬
‫‪59‬‬

‫(?) فرج عبدالقادر طه‪ ،‬أصول علم النفس الحديث‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.325‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪61‬‬
‫(?) السعدي‪ ،‬تفسير السعدي‪ ،‬ص‪.514‬‬
‫(?) أخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب‪ :‬الزهد‪ ،‬باب‪ :‬الكفاف والصبر‪ ،‬حديث رقم ‪.2346‬‬ ‫‪62‬‬

‫(?) أخرجه البخاري في الصحيح ‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة‪ ،‬حديث رقم ‪.1905‬‬ ‫‪63‬‬

‫(?) أخرجه مسلم في الصحيح‪ ،‬كتاب المنافقين‪ ،‬حديث رقم ‪.2784‬‬ ‫‪64‬‬

‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ص‪.18-16‬‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‬
‫ّ‬ ‫(?) ينظر‪ :‬تقي الدين النبهاني‪،‬‬ ‫‪65‬‬

‫(?) ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.582‬‬ ‫‪68‬‬

‫(?) الخطيب البغدادي‪ ،‬أحمد بن علي (ت ‪463‬هـ)‪ ،‬اقتضاء العلم العمل‪ ،‬تحقيق‪ :‬ناصر الدين األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬ ‫‪69‬‬

‫بيروت‪ ،‬ط‪1397 ،4‬هـ‪ ،‬ص‪ ،20‬حديث رقم ‪.7‬‬


‫‪71‬‬
‫(?) السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر (ت ‪911‬هـ)‪ ،‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز هجر للبحوث‪،‬‬
‫دار هجر‪ ،‬مصر‪1424 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.36‬‬
‫‪341‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪1437 ،)1‬ه‍‪2016/‬م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الحيوي‪::‬ة‪ ،‬ودواف‪::‬ع الس‪::‬لوك‪ ،‬والمي ‪::‬ول‪ ،‬وينتهي باألعم ‪::‬ال)‪ .‬ف‪::‬إذا تك ‪::‬املت‬
‫ّ‬ ‫‪ )2‬ومس‪MM‬ار المق‪Mّ M‬وم الس‪MM‬لوكي‪ ،‬ويش ‪::‬مل‪( :‬الطاق ‪::‬ة‬
‫خط‪::‬وات المس‪::‬ارين الم‪::‬ذكورين؛ نتج بالض‪::‬رورة عن اقترانهم‪::‬ا في رأس اله‪::‬رم‪ :‬البن‪::‬اء المتكام‪::‬ل للشخص‪:ّ:‬ية اإلس‪::‬المية‬
‫المتميزة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن الشخص ّ‪:‬ية اإلس‪:‬المية من منظ‪:‬ور ق‪:‬رآني‪ ،‬ليس‪:‬ت مالئكي‪:‬ة‪ :‬معص‪:‬ومة عن األخط‪:‬اء‪ ،‬فق‪:‬د تق‪:‬ع بتقص‪:‬ير أو غفل‪:‬ة‬
‫سادساً‪ّ :‬‬
‫أو خطأ ينتج عنه ثغرات في السلوك‪ .‬لهذا؛ فقد عالج اإلسالم مسألة ثغرات السلوك في الشخصية اإلسالمية بأمرين‪:‬‬
‫‪ )1‬فتح باب التوبة‪.‬‬
‫‪ )2‬التعزيز السلوكي عن طريق نظرية العقاب والثواب‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬
‫التعليمي‪::‬ة والتربوي‪::‬ة والثقافي‪::‬ة في البالد اإلس‪::‬المية‪ ،‬لالس‪::‬تفادة من‬
‫ّ‬ ‫يتوج‪::‬ه الب‪::‬احث إلى الق‪::‬ائمين على المؤسس‪::‬ات‬
‫المتمي‪::‬زة ومخرجاتها (ال‪::‬ذي ُيع‪:ّ :‬د ُملخص ‪:‬اً لمحت‪::‬وى ه‪::‬ذه الدراس‪::‬ة)‪ ،‬وذل‪::‬ك من‬
‫ّ‬ ‫‪:‬المية‬
‫مخط‪::‬ط م‪::‬دخالت بن‪::‬اء الشخص‪:ّ :‬ية اإلس‪ّ :‬‬
‫ثم القيام‬
‫عرض وتَشرح للناشئة والشباب خطوات ذلك المخطط‪ّ ،‬‬ ‫تربوية (نظرية وتطبيقية)‪ ،‬تَ ِ‬
‫ّ‬ ‫خالل تصميم مناهج وبرامج‬
‫‪:‬لوكية)؛ َوف‪::‬ق منهج الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم‬
‫(الفكري‪::‬ة والس‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫بت‪::‬دريبهم عملي ‪:‬اً على كيفي‪::‬ة بن‪::‬اء مقوم‪::‬ات الشخص‪:ّ :‬ية اإلس‪::‬المية المتم‪::‬يزة‬
‫اإلسالمية والفكر اإلسالمي الصحيح‪ .‬مم‪::‬ا‬ ‫ّ‬ ‫والسنة النبوية‪ ،‬وبالتالي تعويدهم على ضبط سلوكهم وتوجيهه بمقتضى العقيدة‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫يس ‪::‬اعد بش ‪::‬كل كب ‪::‬ير على ح‪ّ : :‬ل اإلش ‪::‬كالية المتفش ‪:ّ :‬ية بين المس ‪::‬لمين في ه ‪::‬ذه األي ‪::‬ام‪ ،‬والمتمثل ‪::‬ة باالنفص ‪::‬ال م‪:::‬ا بين الفك‪:::‬ر‬
‫والسلوك‪ ،‬وبالتالي االنفصال بين اإليمان والعمل‪.‬‬
‫وفي الختام؛ هذا ما وفقني اهلل إليه‪ ،‬فما كان صواباً فبتوفيقه تعالى‪ ،‬وما جانب الصواب فمن نفسي وأستغفر اهلل‪.‬‬
‫ال الم ‪::‬ولى ‪ ‬أن يجعل ‪::‬ه خالص‪: :‬اً لوجه ‪::‬ه الك ‪::‬ريم‪ ،‬وأن ينف ‪::‬ع ب ‪::‬ه اإلس ‪::‬الم والمس ‪::‬لمين‪ ،‬وآخ ‪::‬ر دعوان ‪::‬ا أن الحم ‪::‬د هلل رب‬
‫س ‪::‬ائ ً‬
‫العالمين‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪342‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)12‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2016/‬م‬

You might also like