You are on page 1of 8

‫التدبير المفوض‪ ..

‬نموذج لتدبير المرافق العمومية‬

‫المحلية على المحك‬

‫يونس السكتاوي‬

‫موقع العمق المغربي‬

‫يعتبر التدبير المفوض أحد أهم الطرق الخاصة لتسيير المرفق‬


‫العام ‪،‬نظرا لحساسية المرافق التي يحظى بتدبيرها ؛ فمع تطور‬
‫وظائف الدولة المعاصرة سيما مع تأثير النظام الليبرالي وقيمه‬
‫الإقتصادية ‪،‬أملت الظروف السياسية والاقتصادية على المغرب‬
‫تبني هذه الطريقة إضافة إلى التطور العمراني المتسارع الذي‬
‫ستزيد معه الحاجيات في مجال الخدمات والبنية التحتية‬
‫الأساسية التي يأتي في مقدمتها مرفق الماء والكهرباء وجمع‬
‫الن فايات وتطهير الماء السائل لضمان الجودة بتكلفة مناسبة‬
‫‪،‬والرغبة في تنويع تسيير المرافق العمومية لكثرتها كميا ونوعيا‪،‬‬
‫فما هو المفهوم الذي يفسر وجود التدبير المفوض “المحور‬
‫الأول”‪.‬كيف ينظم القانون العلاقة بين المفوض والمفوض إليه‬
‫أو لين المفوض إليه والمرفق في حد ذاته”المحور الثاني”‪ .‬وكيف‬
‫يمكن تقييم هذه التجربة بعد أكثر من عشرين سنة من‬
‫الممارسة” المحور الثالث”‪.‬‬

‫المحور الأول‪ :‬مفهوم التدبير المفوض‬

‫المحور الثاني‪ :‬النظام القانوني‬

‫المحور الثالث‪ :‬واقع الممارسة‬


‫المحور الأول‪ :‬مفهوم التدبير المفوض‬

‫’‘‪‘’ la gestion déléguée‬‬

‫يعتبر التدبير المفوض من الأساليب الحديثة في تدبير المرافق‬


‫العمومية المحلية‪ ،‬ونمط من أنماط الشراكة بين القطاعين‬
‫الخاص والعام‪ ،‬وقد دأب هذا النموذج يتخذ بعدا عالميا ‪.‬‬

‫وفي غياب تعريف دقيق للتدبير المفوض شأنه في ذلك شأن‬


‫أغلب المفاهيم في حقل السياسة والادارة والاقتصاد فإن هناك‬
‫بعض المحاولات لتقريب المفهوم لكشف مكنونه والمراد به‪،‬‬
‫ومن تلك الأمثلة نجد من عرفه” بعقد إداري تعهد السلطة‬
‫المفوضة للمفوض إليه داخل المجال الترابي المحدد في مدار‬
‫التفويض باستغلاله وتدبير المرفق العام والتجاري المحلي لمدة‬
‫تنتهي بانقضاء مدة العقد '' ‪ '' 1‬ويتشابه هذا العقد مع عقود‬
‫الامتياز ‪،‬إلا أنه يختلف في المدة الزمنية‪.‬‬

‫وقد عرفته المادة الثانية من القانون ‪ 54.05‬المتعلق بالتدبير‬


‫المفوض للمرافق العمومية “يعتبر التدبير المفوض عقدا يفوض‬
‫بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى “المفوض”‬
‫لمدة محددة تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص‬
‫معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى “المفوض‬
‫إليه” يخول له حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من‬
‫التدبير المذكور أو هما معا” ‪'' 2 '' .‬‬

‫كما يمكن أن يتعلق التدبير المفوض بإنجاز أو تدبير منشأة‬


‫عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العام‬
‫المفوض ‪،‬كما يتم تسليم مرفق معين من قبل الدولة في شخص‬
‫الجماعات الترابية إلى القطاع الخاص بناءا على عقد يحدد‬
‫الشروط المالية والتقنية لتحسين خدمة المرفق العمومي لفائدة‬
‫المواطنين ‪.‬وقد جاء القانون التنظيمي ‪ 54.95‬سنة ‪ 2006‬لملء‬
‫الفراغ الذي تركه المشرع بعد قرابة تسع سنوات من العمل بهذا‬
‫العقد ‪ ،‬على اعتبار أن المغرب عرف أول مرة طريقة تدبير الماء‬
‫والكهرباء والتطهير السائل والنقل الحضري وجمع النفايات سنة‬
‫‪. 1997‬‬

‫ولأن عقد التدبير المفوض يمس بشكل مباشر مجال في غاية‬


‫الحساسية لارتباطه بالمواطنين فإنه يتضمن شروطا غير مألوفة‬
‫بحيث أنه في القانون الخاص “العقد شريعة المتعاقدين” وهي‬
‫قاعدة تلزم طرفي العقد بالالتزام به دون الحق في التصرف فيه‬
‫مرة ثانية‪ ،‬في حين أن القانون الاداري يعترف للسلطة الإدارية‬
‫بحق التعديل للمقتضيات التعاقدية للمصلحة العامة ‪ ،‬وهناك‬
‫أيضا صلاحيات واسعة للإدارة تنظيميا عند الحاجة‪”.‬وقد عمل‬
‫المغرب على تطبيق هذه التقنية في التدبير العمومي مستوحيا‬
‫التجربة الأوربية وعمل على تكييفها وملائمتها مع الخصوصية‬
‫المغربية وذلك بإعطاء رؤية واضحة للمجموعات المالية الدولية‬
‫والمستثمرين حول انفتاح الإقتصاد المغربي '' ‪'' 3‬‬

‫واليوم يوجد التدبير المفوض في صلب اهتمامات المواطنين‬


‫والإنشغالات السياسية والمؤسساتية بعد أكثر من عشرين سنة‬
‫من الممارسة مما يضع سؤال النجاعة واستجابة النظام القانوني‬
‫لطموحات الدولة والمواطن‪.‬‬
‫المحور الثاني ‪ :‬النظام القانوني لعقد التدبير المفوض‬

‫يتحدد الإطار القانوني أساسا في القانون التنظيمي‪54.05‬‬


‫المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمومية ‪،‬الذي يخضع لرقابة‬
‫القضاء المالي وطنيا وجهو يا وفق المادة‪ 18‬من القانون ‪62.99‬‬
‫المتعلق بالمحاكم المالية ‪.‬‬

‫ويتميز هذا الأسلوب الخاص لعقدخاص يسمى العقد الإداري‬

‫يختلف عن العقود الأخرى ‪،‬وضمانا للمنافسة أكدت المادة ‪ 5‬من‬


‫ق‪ 54.05‬إلى الشفافية ومساطر الاشهار المسبق ‪،‬على اعتبار أنه‬
‫عقد متميز بحيث نجد أن المادة ‪ 11‬من نفس القانون نصت على‬
‫أنه “يبرم عقد التدبير المفوض على أساس المزايا الشخصية‬
‫للمفوض إليه” مما يعطي انطباع أن هناك مزايا وصفات مهمة‬
‫كالقدرة المالية والتقنية إضافة إلى التجربة في الميدان‪.‬‬

‫لعل مكونات العقد تبقى الأهم في العقد بحد ذاته‪ ،‬بحيث‬


‫يتكون حسب المادة ‪ 12‬من ق ‪ 54.05‬من”عقد التدبير المفوض‬
‫حسب الأسبقية من الإتفاقيات ودفتر التحملات والملحقات” وله‬
‫مكونات ‪،‬بحيث تحدد الإتفاقية الإلتزامات التعاقدية الأساسية لكل‬
‫من المفوض والمفوض إليه ‪،‬كما يمكن للحكومة إعداد عقد‬
‫نموذجي بشأن التدبير المفوض من قبل المبرم من قبل‬
‫الجماعات المحلية أو هيئاتها ويمكنها كذلك تحديد لائحة البنود‬
‫الإجبارية في العقد ‪،‬إضافة إلى كيفيات المصادقة والتأشير‬
‫عليه‪ ،‬وللعقد مدة زمنية محددة ‪.‬فرغم أن عقود التدبير بالمغرب‬
‫المبرمة سنة ‪1997‬لا تتجاوز مدتها ثلاثين سنة ‪،‬لم يحدد القانون‬
‫التنظيمي ‪ 54.05‬مدة تسري على جميع العقود بل أكد في‬
‫المادة ‪ 13‬على أنه “يجب أن تكون مدة كل عقد محددة” ‪.‬‬
‫“كما يجب أن تنحصر قصر مدة التمديد على الآجال الضرورية‬
‫لإعادة توفير شروط استمرارية المرفق أو التوازن المالي للعقد''‬
‫‪، '' 4‬وينتهي بنهاية مدته في الحالة العادية ‪،‬غير أنه يمكن إنهاؤه‬
‫في حالات معينة حددتها المادة ‪ 10‬من ق ‪: 54.05‬‬

‫‪ -‬فسخ العقد في حالة القوة القاهرة‪.‬‬

‫‪ -‬استرداد التدبير المفوض من قبل المفوض بعد انصرام مدة‬


‫محددة في العقد‪.‬‬

‫‪ -‬إسقاط حق المفوض إليه من قبل المفوض في حالة ارتكابه‬


‫خطأ بالغ الجسامة‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬واقع الممارسة‬

‫نبذة مختصرة عن تجربة التدبير المفوض بالمغرب‬

‫‪ 1929-1914‬الشركة المغربية لتوزيع الخطوط السككية‬

‫‪ 1950-1947‬توسيع عقود الإمتياز لتشمل عدة مدن‬

‫بداية من ‪ 1956‬شراء المقاولات المستفيدة والإنتقال إلى التدبير‬


‫العمومي‬

‫‪ 1970-1963‬إحداث المكاتب والوكالات المستقلة‬

‫‪ 1985‬عقود الإمتياز الخاصة بخطوط النقل العمومي الحضري‬


‫بالحافلات‬

‫‪ 2002-1997‬إبرام أربع عقود للتدبير المفوض على مستوى‬


‫التوزيع‬

‫‪ 2006‬صدر القانون المتعلق بالتدبير المفوض'' ‪'' 5‬‬


‫بعد إحالة رئيس مجلس النواب على المجلس الإقتصادي‬
‫والإجتماعي والبيئي بتاريخ ‪ 15‬أبريل ‪ 2015‬لإنجاز دراسة حول‬
‫التدبير المفوض للمرافق العمومية المحلية خرج المجلس بعدة‬
‫ملاحظات وتوصيات كان أهمها الدعوة إلى إعادة النظر في‬
‫نموذج التدبير المفوض على أساس تعزيز التماسك الإجتماعي ‪،‬‬
‫جاء في التقرير تملص الدولة من مسؤولياتها في تعزيز الحماية‬
‫الإجتماعية في ظل هشاشة النظام القانوني وغياب النصوص‬
‫التنظيمية للقانون ‪ 54.05‬والرقابة المالية والإدارية لهذا النوع‬
‫الخاص من المرافق الخاصة المحلية‪ ،‬وقد أشار التقرير إلى أن‬
‫لجنة التتبع لا تمارس صلاحياتها القانونية في فحص عمليات‬
‫الصفقات والمشاريع والعقود ‪ ،‬إضافة إلى وجود اختلالات في‬
‫احترام دفتر التحملات مع طغيان منطق الربح في هذا النموذج‬
‫الإقتصادي'' ‪. '' 6‬‬

‫وفي تقرير آخر مطول ورسمي اعتبر “المجلس الأعلى‬


‫للحسابات ” أن هذا النموذج ينطوي على مجموعة من السلبيات‬
‫منها‪:‬‬

‫تعدد المتدخلين‬

‫سوء التنسيق والحكامة‬

‫ارتفاع كلفة التسيير‬

‫تشتت المسؤوليات‬

‫عدم استفادة الخبرة المحلية من التقنيات‬

‫انعدام صيانة التجهيزات‬


‫كما أعاب التقرير على إغفال الإطار المؤسساتي والتعاقدي‬
‫للمقتضيات الكفيلة بضمان الإنتقال السهل والسلس للمرفق‬
‫العمومي المحلي‪.‬‬

‫هذه الإختلالات دعا المجلس الأعلى للحسابات للخروج بتوصيات‬


‫لتجاوز هذا الخلل نورد بعضها في ‪:‬‬

‫الرفع من الفعالية الإقتصادية‬

‫تقوية التنافس وتحسين الأوضاع الإجتماعية للساكنة‬

‫التقنين والضبط والحكامة والتعاقد والتتبع والمراقبة المالية‬

‫ضمان انتقال التكنولوجيا والخبرات والمهارات في العقود‬


‫النموذجية حتى يتسنى للسلطة المفوضة الحفاظ على‬
‫استمرارية الرأسمال غير المادي وتكوين منظومة تسمح لهذه‬
‫السلطة باستقلالية دائمة بعد نهاية العقد‪'' 7 '' .‬‬

‫في الختام فإن مجال صياغة نموذج التدبير المفوض رغم حداثته‬
‫بالمغرب منذ سنة‪ 1997‬ونحن في سنة ‪، 2019‬فأكثر من عشرين‬
‫سنة كافية لتقييم هذه التجربة الحمالة للإختلالات وتقييم العمل‬
‫به وطرح الأسئلة في مدى ملائمته للحاجيات الضرورية المزمع‬
‫الوصول إليها بالنظر للنموذج الإقتصادي الذي تنهل منه بلادنا ‪.‬‬

‫ثم تأتي إشكالية مراقبة السلطة المفوضة لتتبع الوثائق‬


‫المعروضة من طرف شركات التدبير المفوض خصوصا والساكنة‬
‫المحلية خرجت في أكثر من مرة للإحتجاج على ارتفاع الثمن‬
‫الصاروخي للخدمات “أمانديس بطنجة مثلا” ‪ ،‬دون إغفال‬
‫هشاشة الفاعل المحلي وضعف تكوينه بمعية ضعف البنية‬
‫القانونية المنظمة له في انتظار تعزيزه بنصوص تنظيمية‬
‫مفسرة ومكملة لمكامن النقص المطروحة ‪،‬هذا ما يطرح سؤال‬
‫مآلات و توصيات المجلس الأعلى للحسابات”القضاء المالي”‬
‫والمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي التي تبقى حبيسة‬
‫الدراسات والتوصيات فقط في ظل استعصاء التطبيق على‬
‫أرض الواقع‪.‬‬

‫‪ cf .a.bouachik : la gestion déléguée de services‬ـ ‪1‬‬


‫منقول من كتاب المغرب الاداري “ ‪locaoux au maroc “2002‬‬
‫(د‪.‬محمد يحيا)‬

‫‪ -2‬التدبير المفوض بالمغرب بين النظرية والتطبيق “مجلة‬


‫العلوم القانونية للتنمية” مجلة الكترونية‬

‫‪ -3‬النشاط الإداري ” د‪.‬حميد أبولاس” ط‪ 2016‬ص‪143‬‬

‫‪ -4‬تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي بعنوان”‬


‫التدبير المفوض للمرافق العمومية في خدمة المرتفق” ‪2015‬‬

‫‪ -5‬القانون التنظيمي ‪54.05‬‬

‫‪ -6‬نفس مرجع المحلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي‬

‫‪ -7‬تقرير المجلس الأعلى للحسابات ” التدبير المفوض للمرافق‬


‫العامة “سنة ‪.2014‬‬

You might also like