Professional Documents
Culture Documents
بنك العبارات
بنك العبارات
ـ الغضب:
الغضب انفعال يمكن أن يكون داخل ّيا وخارج ّي ا في نفس الوقت ،وهو انفعال يدفع للحركة والهجوم والعدوان ّية إالّ إذا
استطاع صاحبه ال ّتح ّكم فيه .ومن العبارات المب ّينة للغضب نجد:
ـ أحسست بالدّ م يتد ّفق في عروقي ساخنا هائجا مجنونا مسحوقا….
الخفي في نفسي وتصاعد لهيبه ح ّتى شعرت وكأ ّنه يحرق روحي.
ّ ـ انفجر المستودع
ـ شعرت باليأس المميت ،والغضب القاتل ،وبغيظ حانق يطحن نفسي.
ـ تسارع نسق تنفسي وتدفق الدّ م في عروقي وأصبحت كال ّثور الأرى إالّ اللّون األحمر
إلي بقساوة.
ـ ينظر ّ
1
ـ صرخ في وجهي ،وهو يضرب ك ّفا ّ
بكف
ـ طفح الكيل فتو ّترت أعصابي ،وفار دمي ،وانفجرت كالقنبلة أصرخ ،وأصيح…
ـ كدت أنفجر أل ّنفس عن صدري الكظيم ولك ّني ملكت أعصابي
شفتي
ّ ّ
وتقطعت الكلمات بين ـ صرت أتنفس بصعوبة
ـ ول ّما سمعت ما قاله صديقي بشأني غضبت غضبا شديدا ،وتألّمت ألما شديدا
2
ـ صرخ صديقي المسكين مجهشا وهو يكاد يختنق
ـ أصبحت معزوال عن ال ّناس وعن الحياة لقد أحسست أنّ كل ّ شيء قد أفلت من زمام يدي ،وفي غمرة حزني
ف ّكرت في …
الساعات
ـ بدت لي الغرفة ض ّيقة ،موحشة ،وانكمشت بصورة مضحكة داخل فراشي ،بين أربعة جدران ،وأظل ّ ّ
أستقر على حال
ّ الطويلة شارد ّ
الذهن ،ال أكاد ّ
السالمة فأعتذرت
ـ اعتراني أسف شديد ،وآثرت ّ
3
ـ وجدت نفسي وجه لوجه أمام أبي….
علي الخوف بوضوح وفجأة ودون شعور غرقت أجفاني في الدّ موع
ـ وقفت أمامها شديد االضطراب وقد بدا ّ
ـ وقفت أمام أ ّمي وعلى وجهي كل ّ عالمات الخيبة لعدم نجاحي في مه ّمتي
اقشعر جسمي عندما ف ّكرت أ ّني أنا الّذي كنت سأقوم بهذا العمل .حمدت هّللا الّذي ّ
نجاني وأوقع هؤالء ال ّتالميذ في ّ ـ
مغ ّبة أعمالهم
ـ شعرت بقلبي يدقّ بشدّ ة ،ولك ّني اقتربت من الباب برفق وطرقته… ث ّم دخلت بهدوء وطلبت من أ ّمي العفو .قالت
الرحيم… إنّ هّللا يغفر ّ
الذنوب أ ّمي”:إنّ هّللا يعفو عن ال ّناس… وما دمت قد ندمت على ما فعلته فإنّ هّللا هو الغ ّفور ّ
جميعا يا ولدي”
ـ سكتت أ ّمي ،وكفّت عن إيذائي بالكالم الجارح ،فأحترمت سكوتها ،ولم أنبس بحرف ،وبقيت من ّكس ال ّرأس ،أقرع سنّ
النّدم ،وكالمها ال يبارح فكري
صدمة:
ـ الشعور بال ّ
قدمي رعدة كانت أعنف ما يمكن ألوصالي
ّ ـ سرت في جسمي من ق ّمة رأسي إلى أخمص
إلي أ ّنني وقعت في بئر ال يسبر له غور ،وشعرت بقلبي يدقّ بعنف ،وأحسست بمغص في بطني، ـ عندئذ خ ّيل ّ
وبرجلي قد انفصلتا ع ّني كما لو أنّ قنبلة ّ
مزقتني إلى أجزاء صغيرة متناثرة والحظت أ ّمي ما آلت إليه حالي فصفعتني ّ
صفعتين قو ّيتين
4
ـ الشعور بالخوف:
ـ خفق قلبي وتسارعت د ّقاته
ـ شعرت بالغثيان
ـ أحسست بدوار واختل ّ توازني وثقل رأسي ح ّتى أصبحت ال أستطيع حمله
ـ صرت أخاف األماكن الخال ّية وأتج ّنب نظرات ال ّناس
ـ احتبس تن ّفسي ،وتناقصت د ّقات قلبي ،فشعرت بوجهي يشحب ،وعضالتي تتقلّص ،وببوادر دواريصيبني
الضروري
ّ بجانبي ،وجعلني أحتل ّ أقل ّ ح ّيز ممكن ،وحملني على أن ال أتن ّفس إالّ لتاقدر
ّ مرفقي
ّ ـ لقد ألصق الخوف
ـ خافت البنت خوفا شديدا ،ح ّتى أ ّنها لم تستطع أن تصرخ وتستغيث ،ول ّما أفاق تمن ذهولها …
ـ الحزن:
ـ انتابني صمت عميق ،وشرود وذهول غريبين
5
تحجرت دموعي في مقلتي وانكفأت إلى الدّاخل
ـ ّ
ـ كانت عيناها مطفأتين من أثر البكاء الموصول ،وكانت لزوايا فمها التواءة األلم المألوف تلك الّتي ترى عند المحكوم
عليهم والمرضى بداء ال برء منه
ـ كانت مشية الولد ،وهيئته ،وجرس صوته ،والفترات بين ك ّل كلمة من كلماته وبين األخرى ،ونظراته ،وصمته،
واقتصاده في الحركة .كان ك ّل ذلك يفصح عن فكرة واحدة :الحزن
ـ وما زادني حزنا على حزن غضب أ ّمي منّي ،فأنشأت أقرع سنّ النّدم ،وأقسمت أن ال أقدم على فعل شيء يغضبها
الفرح
ـ خرجت من الباب ولش ّد ما فرحت فرحا ال يوصف عندما رأيت ال ّد ّراجة قد نسيها أبي مركونة في الحديقة،
فأسرعت إليها ،وأمسكت بها ،وحينما نويت أخذها تذ ّكرت كلمات أبيحين قال لي“ :حذر اللّعب بال ّد ّراجة” ،فتردّ دت
قليال ،وكدت أعيدها إلى مكانها
ـ كاد الولد أن يجنّ من ّ
شذة فرحه
عيني … ث ّم فتحتها على اآلخر ح ّتى أتأ ّكد من أ ّني صاح ،ولست في
ّ أذني ،وفركت
ّ ـ سمعت كالم أ ّمي وأنا ال أصدّ ق
حلم
ـ إنّ عالمات الحزن واأللم الّتي كانت على وجهه قد تغ ّيرت … وحلّت محلّها مالمح ّ
السعادة واألمل
العزم
6
صورة الّتي كلّفنا بها المعلّم بلمسات سحر ّية من ريشتي ،
ألون ال ّ
ـ بقيت إلى وقت متأخر أجلس إلى منضدتي ّ
ولكن جفناي أصبحا يغمضان من ش ّدة ال ّنعاس فال ألبث أن أنهض وأستوي معتدال ،وأت ّم تلوين ّ
الصورة
ـ االضطراب:
ّ
متقطعة ـ أريد أن أصرخ ولك ّني أسمع صوتي يرتجف رغما ع ّني فتخرج الكلمات
مضى يذرع الطوار ألنه لم يكن يحتمل الجمود طويال .وكأنما سويت أعصابه من قلق ،وكان يذرعه بعجلة دلت على
انشغاله واضطرابه وقلقه ،كان ضيق الصدر تلوح في عينيه نظرة شاردة تغيب بصاحبها عما حوله.
… وكان صوت ابنها مضطربا حين لفظ هذه الكلمات ،فأطالت األ ّم ال ّنظر إليه ،واستغربت أن تراه أصفر الوجه،
يتص ّبب العرق من جبينه
ّ
تتفطن أ ّمي لما فعلت وأتم ّكن من األفالت من العقاب والسرور وعدم المباالة ح ّتى ال
ّ ـ عزمت أن أتظاهر بالبهجة
ـ لقد اقتحمت مشاعر الحيرة قلبي ،وجعلتني أعيش في عذاب وألم
ـ تشابكت األفكار في رأسي فق ّيدتني وك ّبلتني وشلّت حركتي وجعلتني سجين حيرة أخذت تنهش عقلي .صمدت
وتحاملت على نفسي وفككت قيودي وهدّ أت من روعي ول ّما أحسست باالستقرارـ ف ّكرت في هدوء ولم أجد أحسن من
أن …
أحس بالحيرة تخنقني ،تحاصرني من كل ّ الجهات ،وفي كل ّ مكان لم يعد بإمكاني ال ّثبات على أدنى شيء
ّ ـ إ ّني
ّ
وأكز على أسناني… قبضتي،
ّ الساعة ،أجلس ،ث ّم أقف ،أضغط على ـ كنت أتر ّقب أ ّمي أنظر من ال ّنافذة ،ث ّم ّ
أتفحص ّ
متى ستصل؟
ـ أستيقظ من غفوتي ،يضيق صدري ،أتن ّهد ،ث ّم أردّ د في صمت …
7
ـ ما بك هل أصابك مكروه ،قل لي،أال تنطق؟
أحس به
ّ الساعة تجري بسرعة ،والوقت يمضي دون أن
ـ ّ
شفتي
ّ ـ أخذت الحيرة تنخر عظامي ،فشل ّ تفكيري ،وهرب الكالم من بين
علي الوقت طويال ،طويال كأ ّنه سنة ،ولك ّني صبرت ،وتح ّملت بإرادتي القو ّية… وقلت لنفسي“ :كل ّ شيء له
ومر ّ
ـ ّ
تعسرت المشكلة … فال بدّ لها من حلّ” آخر… ومهما ّ
ـ انتابت ّ
الطفل دهشة بالغة لهذا لهذا الّذي رآه ح ّتى أ ّنه لم يستطع أن ينطق بحرف
ـ ظل ّ الولد في مكانه ينظر في دهشة دون أن يتكلّم وكأ ّن ه في حلم ،وعيناه الواسعتان تتساءالن في استفهام على ما
يحدث
ـ استولت عليه ،وعجز عن تفسير ما تسائله به نفسه ،وأطرق قليال وهو يف ّكر ،ث ّم رفع رأسه ،وقال…..
ـ ذهبت إلى فراشي ألنام ،ولكن ال ّنوم فارق جفوني ،فقدكنت مشغول البال ،أف ّكر في حيلة تم ّكنني من اإلفالت من
العقاب
الصباح مش ّتت ّ
الذهن ،شارد الفكر ـ استيقظت في ّ
ـ دخلت غرفتي ،وجلست ،ولكنّ كالم أ ّمي كان مستوليا عل ّي … فأنشغل فكري ،وتشتّت ذهني
الكره:
8
صرت أكره مشيته ،وصوته ،وجميع حركاته
الحلم:
حاولت أن أتنفّس ،اختنقت ،وقمت فزعا مرعوبا من نومي ،ألعن الكابوس
لضياع:
لم أعرف موقع هذا المكان المسخوط ،ولكنّي سأستحضر فراستي ،وأنطلق ،نظرت إلى ك ّل الواجهات كانت المباني
لية تضرب سورا منيعا أمامي ،وأمام معرفتي باألماكن
الطقس:
كانت اللّيلة باردة ،والمطر يهذي ،وريح الشتاء تتالعب في الخارج
النّهار خريف كلّه … الشّمس الخجلى وراء الغيم ،والعصافير واألشجار نائمة تسرد أحالم أيّام ال ّ
صيف
ّبت ريح عاصفة مألت المنزل ح ّتى ارتجف الولد من البرد الّذي نفذ إلى عظامه .فأسرع يغلق ال ّنافذة الّتي تركها
شذة ،والمطر ينهمر بغير الريح تعصف في ّمروعة ،مخيفة فقد أخذت ّ وحة يتر ّقب عودة أبويه .وكانت تلك اللّيلة ّ
ف
التذ ّكر:
ال أدري كيف أفلت من ذاكرتي المتعبة صوت خافت يذ ّكرني…
حث
ظرت إل ّي أ ّمي ،وقالت» :على مهلك … سأشفي غليلك ،وأجيبك عن جميع أسئلتك ،وستعرف الكثير ع ّما تبحث»
عجاب
أكف عن ال ّنظر إلى ذلك الفستان فقد تعلّقت به أ ّيما تعلّق ،وخلت نفسي أرفل فيه ،فتتعلّق أنظار
ت ال أستطيع أن ّ
ّ
دقائي بي وتبقى محبوسة مع أفواه فاغرة ،وعيون المعة كلها دهشة وإعجاب
9
ت الكسوة ممتازة ،إنّها من الجاكيتات القصيرة البنيّة اللّون ذات األزرارـ المصنوعة من البرونز فهي تناسبني تماما
قني منظر الطّبيعة ،فتوقّفت … وبقيت مسحورا مبهورا … أنظر ،وال أتح ّرك … يا لل ّروعة !! ويا للبهاء !! ماذا أرى؟
ل في يقظة أم في منام أنا؟ إنّه منظر لم تر عيني مثله قطّ … ولن أنساه ما دمت حيّا … وهل ينسى الجمال ال ّرائع،
منظر الخالّب
قني منظر الطّبيعة ،فتوقّفت … وبقيت مسحورا مبهورا … أنظر ،وال أتح ّرك … فال جمال على األرض مثل هذا …
ا وقعت عيناي على أروع منه ،وال أجمل أبدا … كان منظرا ساحرا … انجذب له ناظري … فأذهل عقلي ،وسبى
ي ،وألهاني عن نفسي ،وغفلت عن ال ّزمن ،ولم أتفطّن لمرور الوقت
قني منظر الكسوة ،فتوقّفت … وبقيت مسحورا مبهورا … أنظر ،وال أتح ّرك …
ح ّر
رت بالح ّر ،فرحت أستجدي النّسمات مح ّركا ورقة أمام وجهي
نبهار
يت المعلّم يفتح عينيه ،وينظر إلى عملي مبهورا ،ث ّم شكرني ،وأثنى ّ
علي
أى الولد شيئا عجيبا ،لم يكن ليخطر له على بال ،رأى كسوة …
قف ّ
الطفل برهة أمام الكسوة حائرا مدهوشا ث ّم طلب من أ ّمه أن تشاريها له .إنّ جمالها باهر ساحر ! إ ّنها أجمل م ّما
يتصور
ّ ن
سهرة ،في تلك اللّيلة ،عرضت أمر مشاركتي في ال ّرحلة على والدتي ،واستأذنتها في المشاركة فيها .فأبت.
ناء ال ّ
ححت .فازدادت إباء .فلم أيأس ،ومازلت بها ،أطمئنها حتّى النت … وأخيرا وافقت
يت شيخا وقورا يه ّم بعبور الطريق الواسع ولكنّه متردّد ،فهرعت إليه وأمسكته من يده وعبرت الطّريق بصعوبة ،ولكنّ
سامته المشرقة ،الّتي ال تفارق وجهه ،كانت خير مس ّل لي ،وأحسن داع إلى ال ّ
صبر
وصف األشخاص
10
المناسبة للمطلوب ،والمتماش ّية مع مسار األحداث إ ّما في ّ
تأزمها ،أو انفراجها
ـ الجسم:
ـ كان وسيم الوجه ،طويل القامة ،مفتول العضالت ،متثاقل المشية
ـ بنت شقراء ،ممشوقة القامة ،ناصعة البياض ،رقيقة القدّ ،وسيمة الوجه ،في حوالي الثانية عشر من عمرها
ـ كان يدنو من ختام األربعين يسترعي االنتباه بنحافة قامته وطولها ،وفيما عدا ذلك فوجهه نحيل مستطيل ،شاحب
اللون ،ذو رأس صغير مستطيل ينحدر خفيفا إلى جبهة تميل إلى الضيق ،يحدها حاجبان مستقيمان خفيفان متباعدان،
يظلالن عينين بالغتين في امتدادهما وضيقهما ،فهما تكادان أن تمآل صفحة الوجه الضيقة فإذا ضيقهما ليتقي شعاع
الشمس بدتا مغمضتين واختفى لونهما العسلي العميق ،وقد تساقطت أهدابهما واحمرت أشفارهما احمرارا خفيفا،
يتوسطهما أنف دقيق وفم رقيق الشفتين وذقن صغير مدبب .
ـ كان يدنو من ختام األربعين يسترعي االنتباه بنحافة قامته وطولها ،وفيما عدا ذلك فوجهه نحيل مستطيل ،شاحب
اللون ،ذو رأس صغير مستطيل ينحدر خفيفا إلى جبهة تميل إلى الضيق ،يحدها حاجبان مستقيمان خفيفان متباعدان،
يظلالن عينين بالغتين في امتدادهما وضيقهما ،فهما تكادان أن تمآل صفحة الوجه الضيقة فإذا ضيقهما ليتقي شعاع
الشمس بدتا مغمضتين واختفى لونهما العسلي العميق ،وقد تساقطت أهدابهما واحمرت أشفارهما احمرارا خفيفا،
يتوسطهما أنف دقيق وفم رقيق الشفتين وذقن صغير مدبب .
ـ الوجه:
ـ ما أن تمعن ال ّنظر إلى وجهها ح ّتى ترى أ ّنه مشرق ينطق باللّطف ،والر ّقة
11
ـ كان وجهها يع ّبر عن ّ
الطيبة ،والبساطة
ـ كان وجهه شاحبا ج ّدا ،وكانت عيناه غائرتين في محجريهما بسبب األرق
ـ العينان:
ّ
والطيبة بالصفا،
ّ ـ تنطق عيناه
تتضرعان …
ّ ـ كانت عيناه
ـ كانت عيناها المعتين ،وفي الوقت نفسه عامرتين بالرقة والخير .وكانت شاحبة الوجه ،وكان وجهها يعكس اإلشراق
والعافية
ـ االبتسامة:
ـ اليدين
12
كانت يداه قويتين ،وعروقهما نافرة
أقبل الطفل يرتدي سرواال يصل إلى ركبتيه مهترئ األكمام ،واألطراف ،رجاله حافيتان ال بختلف لونهما عن لون
ال ّتراب ،أ ّما قميصه فقد تناثرت رقعه ح ّتى خ ّيل لي أ ّنه يعدّ بها سنوات عذابه ،وبؤسه
نظر النّاس إلى هذا ال ّرجل في ضرب من القلق .فقد كان من العسير أن تقع العين على إنسان بمظهر أشد بؤسا ،كان
س ط الطول ،بدينا ،في عنفوان العمر ،ولعله أن يكون قد بلغ السادسة واألربعين أو السابعة واألربعين .كانت
متو ّ
قلنسوة جلدية ممالة إلى جانب تخفي نصف وجهه الذي لفحته الشمس والريح ،وسال منه العرق .كان صدره باديا من
خالل القميص البالي األصفر الخشن الّذي فقد أغلب أزراره .وكان يرتدي بنطلونا كتانيا أزرق خشنا ،مهترئا باليا،
ابيضت إحدى ركبتيه ،وتناثرت الثقوب في ركبته األخرى ،وصدرة رمادية عتيقة رثة رقعت عند أحد جوانبها بقطعةـ
من القماش ،وفي يده كان يحمل عصا هائلة ذات عقد .كانت قدماه غير المجوربتين تنتعالن حذاء ظهرت أصابعه من
خالله ،وكان شعره أشعث وكانت لحيته طويلة .وأضاف العرق ،والحرارة ،والسير الطويل والغبار ،قذارة على قذارته
ـ وصف معلّم
ـ معلّمنا رجل أمين .يق ّدره الكبار ،ويحترمه الصّغار ،وكنت أنا أيضا أحترمه وأخشاه
يحب االنزواء ،واجتناب النّاس ،فهو يبتعد عن محادثتهم ،واالختالط بهم ،وكان أه ّم شيء فيه يدعو
ّ ـ سامي تلميذ
ّ
للدّهشة ،ويثير االهتمام واالستغراب نظرته الحزينة ،فكنت كثيرا ما أسترق النظر إليه فأعجب ألمره ،وأسأل
نفسي» :ما هو س ّر هذه النّظرة الحزينة يا ترى؟ ،» وكنت أسأل أصدقائي ،فكانوا أجهل منّيـ
ولم يكن هذا وحده مما يستلفت االنتباه ولكن خطواته لم تكن متزنة ـ يتعثر في طريقه ،ويميل ذات اليمين وذات
اليسار ،مما أثار فضولي ،فلحقت به حتى أدركته عند سور المدرسة حيث ارتمى ،واتكأ عليه ،مغمضا عينيه
المنهوكتين من شدة التعب ..فقد كان محموما
أحس بألم ال يطاق في رأسي وكتفي وظهري ،وبفشل في أعضائي ،ث ّم أخذت أسعل،
ّ ـ أفقت م ّرة من نومي وأنا
وأعطس ،وشعرت بحرارة تغمر وجهي ،وبدأت عيناي تدمعان
سعال حتّى خلت صدري ينخلع ،وارتعدت أوصالي ارتعادا منكرا ،وتقبّض وجهي ،وتصبّب عرقا، ـ اشتدّت بي نوبة ال ّ
وأصبحت ألتقط أنفاسي بصعوبة ،أظلمت الدّنيا في عين ّي ،وحسبتها النّهاية ،واستلقيت في شيء من الفتور والهمود
على فراشي
سعال
صحته تتدهور ،وحالته تسوء يوما بعد يوم ،فضال عن ال ّ
ـ أصيب أخي بالح ّمى ،فلزم الفراش مكرها ،وأخذت ّ
ّ
الّذي الزمه ،فانقطعت أ ّمي للعناية به ،وبقيت بجانبه ،لتمريضه وقضاء شؤونه ،فكانت تسهر اللّيالي الطوال ترعاه
وتلبّي طلباته حتّى تد ّرج نحو الشّفاء ،وسرت في وجهه دماء العافيّة ،وأصبح أحسن منه قبل ذلك
13
ـ وصف عامل
صانع قد عشق مهنته ،وشغف ـ رأيته يشتغل وهو منصرف إلى عمله انصرافا تاما ،منقطع النّظير .فعلمت أنّ هذا ال ّ
بها ،فنجح في الحياة .ولم يدر في عقلي قطّ أن أنظر إلى المهنة من حيث هي ،ألنّي ألعتقد أنّ ك ّل حركة فيها بركة ،وأنّ
ك ّل عمل شريف ،وأنّ ك ّل من يقوم يشغل ،ويتقنه فنّان ،ولو كان هذا الشّغل بسيطا
انكب العامل على عمله ينجزه بك ّل جوارحه ،فال شيء يشغله ،وإنّما ه ّمه كلّه أن يتقنه
ّ ـ
ـ بقيت أتنقّل من مكان إلى مكان ،أحادث هذا ،وأعين ذاك ،وأساعد اآلخر ،ولم أشعر بانقضاء الوقت ،ولكنّ المعلّم نبّهنا
إلى قرب العودة إلى منازلنا
ـ البؤس
ـ إنّ رجال يؤمن باهّلل ورسله ،وآياته ،وكتبه ،ويحمل بين جنبيه قلبا يخفق بال ّرحمة والحنان ،ال يستطيع أن يملك عينيه
من البكاء ،وال قلبه من الخفقان عندما يرى طفلة مسكينة باليةالثوب ،كاسفة البال ،دامعة العين ،تم ّد يدها وتستجدي
ال ّمارة
الصداقة
ّ
سماء … وكأ ّنه يعاتب نفسه على شيء فعله … فاقتربت منه
ـ وجدت صديقي حزينا … ينظر إلى ال ّ
ـ صادقت ولدا اكتشفت فيما بعد أ ّنه يقضي وقته كلّه في اللّعب مع األوالد َطوال ال ّنهار
ـ سمعت هذه اإلشاعات الّتي بدأت تنتشر بين أصدقائي وبق ّية ال ّتالميذ حول كالم قيل أ ّنه بدر من صديقي في ح ّقي،
ش ّك والعداء بيني وبين صديقي ،ولك ّني لمفقلت في ّأول األمر ر ّبما كانت إشاعات وأقاويل مغرضة هدفها بذر ال ّ
وقررت أن أذهب بنفسي إلى صديقي وأحصل منه على الخبر اليقين .ا ّتخذت طريقي مسرعا أستسلم لحيرتي كثيرا… ّ
أللتقي بصديقي فهو وحده سيخبرني بحقيقة ما يحدث .وصلت إلى صديقي فقد وجدته واقفا تحت إحدى شجرات
ساحة .حزنت لهذا ووجه عينيه إلى أرض ّية ال ّ
ّ ساحة ساهما شاردا .نظرت إليه ولك ّنه لم يستطع مواجهة نظراتي، ال ّ
الذهن ،أف ّكر وقد سرحت خواطري ولم األمر … وغادرته بدون أن أنبس ببنت شفة ،فقد فهمت كل ّ شيء ،كنت شارد ّ
أشعر إالّ
ـ أ ّثر كالم صديقي في نفسي ولك ّني كتمت شعوري وغادرته مغلوبا على أمري ،والغيظ يقطع قلبي
ساحة ،وتج ّمع األصدقاء يناقشون بعض المسائل ،وكنت أستمعصة ،فخرجنا إلى ال ّ
ق الجرس معلنا عن انتهاء الح ّ
ـد ّ
إليهم ،غير أنّي لم أستطع أن أحبس لساني ،وأخبرتهم ببعض الكالم في شأن أحد األصدقاء ،فأختلفوا بين مصدّق،
ّ
ومكذب ،ومستغرب ،ومتش ّكك
ساحة ،وتج ّمع األصدقاء يناقشون بعض المسائل ،وكنت أستمع صة ،فخرجنا إلى ال ّ
ق الجرس معلنا عن انتهاء الح ّ د ّ
إليهم ،غير أنّي لم أستطع أن أتح ّكمـ في لساني ،وحدّثتهم ببعض الكالم في شأن أحد األصدقاء ،فأختلفوا بين مصدّق،
ّ
ومكذب ،ومستغرب ،ومتش ّكك
ـ قال لنا المعلّم ”:األمر خطير ج ّدا ،ولكن ح ّتى ال ن ّتخذ قرارنا في لحظة غضب علينا أن نهدأ” فهو يحاول أن ّ
يدربنا
صائب .صحيح أنّ صديقنا تربطنابه صداقة حميمة قو ّية ،ولكن هذه مصلحة شخص ّية على ال ّتفكير ،وا ّتخاذ القرار ال ّ
الصداقة الّتي تربط كل ّ تال ميذ القسم ببعضهم البعض ،لذلك وجب علينا
صة ج ّدا ،وصغيرة ج ّدا إذا ما قيست بعالقة ّ خا ّ
14
ال ّت فكير بعيدا عن العاطفة .ولكن صديقنا تمادى في غروره وإصراره ،ورفض أن ّ
يقر بالحقيقةـ الب ّينة عليه .غضب
قرر أن يسلك كل ّ ّ
الطرق الّتي توصله المعلّم ولك ّنه تح ّكم في غضبه ،فهو يريد أن يجعل صديقنا يعترف بخطئه ،لذلك ّ
وقرر أن يستدعي أباه
إلى هذا الهدف ّ
ـ سامي … أحببته كثيرا ،وتصادقنا طويال ،ولعبنا ،ولكن نهاية أمري معه كانت قاسية .فقد تدنّت نتائجي ،ووبّخني
والدايا
كان في ذلك الطّ فل شيء غريب يثير االهتمام ألول وهلة … شيء راح يستأثر باهتمامي شيئا فشيئا ،حتى أني نسيت
كل شيء ماعدا النظر إليه والتحديق فيه … فقد أحببت أن أكتشف هذا السر
ـ اتّخذت فادي صديقا لي ،وتمتّنت العالقة بيننا ،وأصبح ال يف ّرق بيننا إالّ اللّيل ،فأعينه ويعينني ،وأساعده ويساعدني،
وأمدّه بما يحتاج إليه وهو كذلك حتّى صرت أترقّب قدومه ،وأعاتبه على غيابه ،أو ّ
تأخره …ـ
ـ لقد كان التّلميذ الجديد واسمه عالء كريم األخالق ،فبشاشته ،وسماحة نفسه تأسرك .ولطف حديثه معك ،يجعلك تحبّه،
وتسايره ،وتنفّذ ما يطلبه منك عن طيب خاطر
ـ اللّباس
وتسر الفؤاد ،لم أر أجمل منها ،وال أروع ،أعجبني لونها الدّ اكن ،فرحت أتأ ّملها
ّ ـ أراني البائع كسوة ،تبهج ال ّنظر،
أتحسسها،
ّ أتفحصه ،فإذا هو ناعم ،وقد شعرت بنشوة وغبطة ،وأنا بدهشة ال حدود لها ،فلمست قِماشها ،ورحت ّ
ّ
وتم ّنيت أن أرتديها ،ولك ّني كبحت جماح نفسي،وأعدتها للبائع وأنا أتن ّهد ،بدون أن أشعر إذ أنها لم تعجب أ ّمي
ـ كنت أم ّر بين المغازات ،وأتطلّع على المالبس في الواجهات ،فجأة شاهدت كسوة… يا هّللا … ما أجملها ،وما أبدع
ألوانها ،وما أروع شكلها وأبهاه!ـ
ـ التّرقّب
ـ كنت أضجر من التّرقّب ،فأخذت أحادث هذا ،وأستمع إلى ذلك حتّى م ّر وقت خلته دهرا ،ولكنّه لم يتجاوز خمس عشرة
دقيقة .وأخيرا ح ّل الوقت الموعود ،ورغم شدّة تل ّهفي لالطالع على النّتيجة إالّ أنّني أحسست باالضطراب … وخفق
قلبي خفقانا شديدا ،وغمرني عرق غزير
15
الجبال
ـ جبال شاهقة تخترق قممها قلب السحاب يكسوها الصنوبر والفلين فال ترى العين سوى الغصون واألفنان واألوراق
ـ جبال عمالقة شامخة شاهقة في الفضاء الواسع تبدو للناظر كأنها تالمس السماء
الظن أبدا ،تجود بمائها الثّمين باستمرارـ على أرض معطاء ،فتكتسي
ّ ـ جبال ش ّماء ،تع ّمم هاماتها سحب دهماء ،ال تخلف
خضرة دائمة ،وتتزيّن بنبت وأزهار ،فيتلطّفـ الجوّ ،وتنتعش النفوس ،وتسبىـ القلوب
ّ
السهول
ـ سهول ممتدة تكسوها الخضرة حيثما التفت وتعلوه أزهار مزدانة بمختلف األلــوان الزاهيــة حــتى وكأنهــا زربيــة من
حرير
ـ سهل يكسو أديمه بساط أخضر جميل خصب ونضير يثير في النفس البهجة
ـ الريف عظيم بشمسه الوهاجة وظالله الوارفة وبهوائه الالفح ونسيمه الوديع وبغدرانه وسواقيه الجارية
ـ أعشاب خضراء تغطي األرض كأنها بساط أخضر بـديع والمـاء يجـري خاللهـا يلمـع مثـل الفضـة وزهـور البنفسـج
سحر والفراشات الجميلة تتنقّل فوقها تلثم ال ّرحيق في
والقرنفل والياسمين تزيّنها وتضفي عليها مسحة من البهاء وال ّ
نهم كبير والنّسيم العليل يح ّركها في رفق متّبعا ألحان تغريد الطيور وتسبيحها.
وكان مرأى تلك السهول الخضراء يثــير في الصـدر انشـراحا وفي النّفس ســكينة وفي العقـلـ انبهـارا:أشـجار صـنوبر
الذهبيّة وترمي بشباكها على ك ّل من حولها.وأزهار بنفسج وأطيار بالبل وشمس تحبك خيوطها ّ
الغابات
ـ ما أجمل غابات ال ّزيتون الّتي تمت ّد على مدى البصر حسب نظام هندس ّي وترتيب بديع يأخــذ بمجـامع القلــوب ويبعث
سرورمرآه على ال ّ
ـ كان المكان رائعا وديعا يأخذ األلباب إنه غابة بل جنّة متراميّة األطراف تعانقت أغصان أشــجارها الباســقة ببعضــها
البعض وامتد اخضرارها على مدى البصر وقد سحرت النفوس بجمالهــا األخــاذ وظاللهــا الوارفــة وطيورهــا المغــردة
وهوائها النقي.
ـ وصلنا إلى مكان من الغابة موحش أشجاره كثيفــة تحجب أشــعة الشــمس وســكونه مــريب يــرعب القلب وخشخشـةـ
أوراقه اليابسة تحت األقدام تقشعر األبدان
ـ هذه جنّة من جنان الفردوس أشجارها وارفة الظالل خضراء متعانقة األغصان وعصافيرها تمرح في بهجــة العبــة
هانئة غير عابئة بما حولها وغزالنها وسناجبها وأرانبها ترتع وتمرح وتــرعى العشــب األحضــر النّضــر في اطمئنــان
وراحة.
16
ـ كانت الغابة أشد سحرا عند الغروب فالشّمس تبذر تبرها المحم ّر اللّ ّماع على الخضرة فتزيدها رونقا وبهاء وتختبئ
في خجل مودّعة الطّ بيعة جاعلة من األشجار حجابا أو وشاحا مزركشا يضفي على جمالها جماال وعلى بهائها بهاء
ـ زرت مدينة ،سباني جمال طبيعتها :رمـال عســجديّة صــفراء في شــاطئها ،وأشـجار زبرجديّـة خضـراء في غاباتهـا،
ومياه الزورديّة زرقاء في بحرها ،فإذا وقفت في ُربوة من رباها ،متّعت بصرك بجمال ال ّربى ،وروعــة المــاء ،وبهــاء
الغاب
المنحدرات
ـ واد نضير خصيب تحيط به جبال صخرية يتدفق منها ماء غزيــر عــذب صــاف يتلـ ّوى في ســواقي متع ّرجــة متف ّرقــة
تارة ،ومتّحدة أخرى تلتقي في قعر الوادي
ـ جبال شاهقة توجد فيها عين ماء فوارة يتدفق منها ماء غزير فإذا هي شالالت تنهمر على المنحدرات
ـ منحدرات بها ينابيع رقراقة كثيرة تتفرع منها مئات الجداول فتحدث خريرا دائما يستهوي القلوب ويشنّف األسماع
البحر
سماء
ـ شاطئ البحر ضفافه فضية بلون الفجر ورماله ذهبية بلون الشمس ومياهه زرقاء بلون ال ّ
ـ كان الماء في البحر أزرق صافيا يحاكي زرقة السماء وصــفاء البلـور وكـان بعض النّـاس قـد اســتلقوا على الرمـال
الذهبية الاّل معة معرضين بشرتهم إلى أشعة الشمس الحارقة والبعض اآلخر فضل الجلوس في ظــل الشّمســيات بينمــا
أخذت مجموعة من الشبان يلعبون بالكرة يقفزون ويتصـايحون وعلى سـطح المـاء زوارق صـغيرة ناشـرة أشـرعتها
كأنها حمائم بيضاء
ـ كانت أمواج البحر تتألأل تحت أشعة الشمس الحارقة ورمال شاطئه تلمع كأنها التبر
ـ كانت السفينة تمخر عباب البحر بينما بــدأ البحــر يثـور كالجمـال الهائجـة وأخـذت األمــواج تتجمــع مزمجـرة مزبـدة
وجعلت الرياح العاتية تتالعب وترمي بها في كل االتجاهات
ـ البحر … جبّار عنيد ،إن غضب ،وثـار .ولطيـف ،كـريم إن سـكن والن !! البحـر مغـرّ ،
جـذاب ولكنّـه غـرور ،فتّـاك،
قاتل !
الصحراء
ـ توغلنا في الصحراء القاحلة فامتدت أمامنا الرمال رداء يلــف الــدنيا من حولنــا بصــفرة فيهــا بريــق الــذهب ولمعــان
التبر وبدت تجاعيد رمالها متالحقة في انسياب والتواء وكثبانهــا أكــثر تباعــدا وأشــد روعــة وجمــاال حتّى بلغنــا قلبهــا
فوجدنا أنفسنا داخل واحة يتوجهــا النخيــل وتخترقهــا المســارب والجــداول يــترقرق فيهــا المــاء على مهــل يتألأل تحت
17
أشعة شمس كأنها ال تغيب أبدا
ـ هبت عاصفة رملية فامتألت األرض والسماء بالرياح الشديدة المحملة بالرمل
امتدت أمامنا الرمال رداء يلف الدنيا بصفرة فيها بريق الذهب ولمعان التبر
صحراء إلى
ـ جزر خضراء … في رمال صفراء … فيها ظالل وارفة ،ومياه جارية ،وأشجار يانعة ،تحيل قسوة ال ّ
لين وشقاءها إلى نعيم … تلك هي الواحات ،في الجنوب
ـ في الواحات … ترى عمالقة النّخيل ،تحيط بالبساتين ،أو تحت ّل وسطها ،صفوفا مستقيمة ،متناسقة ،وقد تح ّزمت
بالدّوالي ،والكروم … في أوساطها … وتراصفت أشجار ال ّر ّمان ،حول جذوعها … فتختلط الثّمار ،مثلما اشتبكت
األشجار … فترى أبدع منظر ،وأروع جمال … عراجين التّمر ،تحنو على عناقيد العنب … المتدليّة فوق ال ّر ّمان،
سفرجل والتّفّاح … وما شئت من ثمار ،أروتها المياه ،وأنضجتها حرارة الشّمس .يمت ّد تحت الجميع ،بساط من وال ّ
الحشائش ،وأصناف البقول .يغريك بالجلوس ويدعوك للمكوث … فإذا استجبت لإلغراء شنّف سمعك خرير الماء،
س واقي .وأطربتك زقزقة العصافير ،المتواثبة بين األغصان ،الباحثة عن رزقها بين الثّمار النّاضجةالمنساب في ال ّ
والحشرات الطائرة .هكذا هي البساتين … في الواحات … إنّها بهجة لألعين ،ومطمح لألنفس ،وعرضة لأليدي …
صغار ،وفضول الكبار لذلك تحرس البساتين باستمرار ،خوفا من عبث ال ّ
المدينة
ـ وقفت في أ ّول الشّارع وأرسلت نظري فرأيت على الجانبين مغازات عصرية وبعض أكشاك وصفوف من السيارات
مركونة
ـ مدينة عجيبة غريبة متسعة األرجاء مترامية األطراف طرقاتها زرعت على جانبها أشجار الورد والفل وفي
شرفات منازلها أصص القرنفل
ق شوارع واسعة ،وألج ساحات تحيط بها مقاه وفنادق ومغازات ،وأقف أمام حدائق ـ سرت في المدينة فإذا بي أش ّ
عموميّة زيّنتها أشجار باسقة خضراء وع ّمتها الخالئق من النّاس ،هؤالء النّاس الّذين احتشدواـ في ك ّل األمكنة
يترقّبون الحافالت ،أو يجتازون الشّوارع بحذر متّبعين المم ّرات المس ّمرة ،أو يسيرون بتأنّ عند ملتقى الطّرق حيث
سير ويسهرون على راحة المواطن نجد رجال الشّرطة ،ينظّمون حركة ال ّ
سماء إالّ عند المطر ،وال بجمال الشّمس أو جمال القمر ،فك ّل ما حوله من جمال ـ في ج ّو المدن ال يشعر اإلنسان بال ّ
جمال صناع ّي .فهو قد استغنى بجمال باقات ال ّزهور عن ال ّزهور في منابتها ،وبثريّا الكهرباء عن ثريّا ال ّ
سماء،
وبالحسن المصنوع عن الحسن الطّبيع ّي
ـ بهرتني المساجد ذات المنارات الرفيعة والمدارس العديدة والمستشفيات بنظامها والبنايات بتناسقها
18
القرية
ـ ما أروع مشهد القرية بصومعتها الشامخة وحقولها المترامية وشمسها الوهاجة ورقرقة مياه سواقيها وزقزقة
عصافيرها وأغاني فالحيها
ـ خرجت ُمبَ َّك ًرا أمشي بين الحقول ،وأرقب الشّمس في طلوعها ،والشّمس في ال ّريف أجمل منها في غيره ،فال
بنايات شاهقة تحجبها ،وال جدران تمنع حرارتها ،بل هي تصافح النّاس مباشرة في وداعة ولطف وحنان
ـ في القرية الحياة ح ّرة طليقة ،والج ّو مفتوح ،والهواء جديد لم تفسده الحضارة بدخانها وغازاتها وسمومها ،ولم
تحبسه األبنية الشّامخة ،ولم تحجزه الحيطان األربعة ،تتجدّد النّفس بتجدّده ،وتمتلئ نشاطا من نشاطه
ـ إنّما يشعر اإلنسان حقيقة بجمال الكون ،يوم يخرج إلى ال ّريف ،ويف ّر إلى القرى والباديّة حيث أحضان الطّبيعة
سماء في النهايتها ،والبحار في أبديّتها فيكشف له الخالق عن جمال مخلوقاته ،وتأخذ بلبّه ال ّ
ـ دخلت منزال تحيط به حديقة فسيحة غرست أشجارا ظليلة وأزهارا عطرة وإذا األشجار تتراقص أغصانها على
السور تكسوه خضرة وتزيده بهاء وفي وسط المنزل فناء فسيح زاده رونقا وبهاء
ـ تلبدت السماء بالغيوم ونزلت األمطار كأفواه القرب ظنناها سحابة عابرة لكنها لم تنقشع ولم تزدد األمطار إال شدة ولم
يزدد الرعد إال قعقعة وقصفا حتى لكأن الدنيا مجنونة عاودتها نوبتها فهي تصرخ وتقفز وتمزق ثوبها بيدها وتشق
حنجرتها بصراخها وازداد الرعد قرقعة وألهب البرق واستشرى وأغدقت السماء وجادت وعصفت الريح وثارت وتدفق
السيل يطيح باألخضر واليابس.
ـ ثار جنون العاصفة مولولة ثائرة غاضبة ترمي بما يعترضها هنا وهناك دون شفقة وال رحمة فخفت وعرفت يومها
خوفا ما عرفت له مثيال في حياتي ،وال أعتقد أنّني سأرى مجدّدا الطّبيعة على هذا الوجه
ساحة بركةـ ألقيت نظرة من خالل نافذة الفصل فإذا األشجار تهتز اهتزازاـ عنيفا وإذا األمطار كأفواه القرب وإذا ال ّ
متماوجة فانقبضت نفسي وتراجعت إلى الوراء متسائال في حيرة :كيف سأغادر هذا الفصل الدافئ ألواجه ذاك الزمهرير
الهائج.
سماء فاهت ّزت األرض لها ،أسرعت إلى النّافذة فرأيت منظرا هائال ،انقلب ك ّل
ـ سمعنا قعقعة عظمى فد انبعثت من ال ّ
شيء ،وارتفع في الفضاء ،تدبر به ال ّرياح وتقبل ،تعلو به وتنزل مولولة غاضبة .وخيّل إل ّي أنّ العاصفة لن تهدأ قبل أن
ي… تقضي على ك ّل شيء وكنت وحيدا أترقّب عودة والد ّ
سماء ،وانقلب عالي ك ّل شيء أسفله، ـ سمعنا قعقعة عظمى فد انبعثت من جميع أرجاء البحر في آن واحد ،فاهت ّزت ال ّ
سفينة ذ ّرة هائمة في ذلك الفضاء الفسيح ،تقبل بها ال ّرياح
وصاح الجميع « العاصفة .» هنا رأيت منظرا هائال ،رأيت ال ّ
سماء ،وهي ترغي وتزبد ،وأصبحت مقدّمة وتدبر ،وتعلو بها األمواج وتنزل ،ترتفع ارتفاع الجبال حتّى تكاد تالمس ال ّ
19
ّ
ومؤخرتها تهبط .علم ر ّكابها أنّ الهالك أصبح على قاب قوسين منهم أو أدنى فذعروا وتهافتوا على سفينة ترتفع،
ال ّ
ّ
سطحها يصيحون ويطلبون النجدة
ـ سرت في الشارع المقفر مواجها ريحا عاتية تصفع وجهي وتلسع ساقي وتتسرب تحت معطفي فيقشعر جلدي
ويرتعش جسمي وتصطك أسناني فأنطلق مهروال حانيا ظهري دافنا رأسي بين كتفي ومن حين آلخر أخرج منديال أمسح
به أنفي وقد استحال نبعا ال ينضب ماؤه.
سحب ،فازدادت دكنة وانحطاطا شيئا فشيئا حتّى تدلّت نحو األرض وهي تد ّوي وتئنّ ،ولمع البرق، ـ حشدت ال ّريح ال ّ
وطنّ ال ّرعد طنينا ،وأ ّز أزيزا ،وعوت ال ّرياح مختصمة فيما بينها ،فقذفت بك ّل ما اعترضها ،حينها اعتصرت ال ّ
سحب
وألقت بما فيها على المنازل وك ّل من حولها أمطارا كأفواه القرب
سيول الجارفة
سابحة في مياه ال ّ
ـ انتابني الذعر لمنظر األشجار الساقطة والجذوع المتهاوية واألغصان المتناثرة ال ّ
الملتفّة بالمنازل كأنّها حيّة قد أحكمت قبضتها بفريستها وهيّأت نفسها البتالعها
ـ ازدادت العاصفة قساوة عندما هطل المطر وتساقط البرد يرجم األشجار واألرض وأمل الفالحين وشقت األرض في
صلب األرض جداول تتدفق ملتوية تجرف التربة فتجرف معها الحياة استمرت هذه العاصفة ساعة من الزمن كانت أطول
من الدهر وأقسى من ضربات الفأس والمعول
ـ خرجت من المدرسة في يوم من أيّام الشّتاء ،وأخذت أمشي بخطى سريعة ،غير مبال بال ّزمهرير ،ألنّي كنت أريد
الوصول بسرعة إلى المنزل ،ول ّما كنت في منتصف الطّريق ،هبّت ريح عاصفة شديدة د ّوت بها جوانب األفق ،وقعقعت
تنقض ،وأخذت تجاذبني معطفي مجاذبة شديدة ،كأنّها تأبى إالّ أن تنزعه
ّ سماء ،حتّى حسبتها توشك أنلها قبّة ال ّ
منّي،استمررت أدراجي،أتيامن معها تارة ،وأتياسر أخرى ،وأندفع متقدّما ،وأك ّر راجعا ،هدأت العاصفة قليال ،ولكنّها ما
هدأت إالّ لتفتح الطّريق إلى الغيث الهاطل ،فلم تهدأ ثورتها حتّى ثار ثائره ،وأخذ يتساقط سقوطا شديدا ،فابت ّل معطفي،
ومشت ال ّرعدة في جميع أعضائي .ولكنّي تجلّدت ،وقاومت ،وغالبت الطّبيعة ،حتّى وصلت ،ولكنّي لم أصل إالّ بعد وقت
طويل
ـ غمرت الظّلمة الكون ،وبدأت األمطار تنهمر بغزارة،ـ والعواصف تصفّر ،وتتسارع ،فترتعش لهولها األشجار ،وتتململ
أمامها األرض ،اختبأ النّاس والحيوانات ،ولم يبق سواها تخطب على مسامع العمارات ،والمنازل
السحب كثيرا ما تتكاثف فوق الجبال ،ث ّم تسقط أمطار تم ّد الوادي بالحياة ،وتسيل فيه بقوة .وكثيرا ما حدث
ـ كانت ّ
أن فاض الوادي وأصاب القرية المجاورة الموجودة في مكان منخفض بفيضاناته
جر الماء ألمتعة ال ّناس ،وسارت األمور على أحسن وجه ،وأخيرا بدأ الفيضان
ـ رمينا إلى بعضنا بحبال تعيق ّ
ينحبس
20
ضياء تتدفّق بعد ذلك الظالم الطّويل .الطّبيعة تفتح رئتيها للهواء النّق ّي
ـ ولد ال ّربيع من جديد ،وانبثقت معه سيول من ال ّ
وقد تخلّصت من ثقل الشّتاء الّذي كان جاثما على صدرها
ـ ذهبت إلى الحديقة رغبة في النزهة ،فوجدت كل شيء فيها يضحك ،األزهار مفتحة تمأل الجو عبيرا ،والفراشات
صخور في
راقصة فرحا بالربيع ،والعصافير منشغلة ببناء أعشاشها تغ ّرد وتنشد أعذب األلحان ،المياه تترقرق من بين ال ّ
بطء وانسجام
ـ استيقظ الطّفل وقد أفعم صدره أمال وحبورا ،لم يعرف لهما مثيال منذ أيّام عديدة .فتح النّافذة فإذا الشّمس الفتّانة تدعوه
الجذابة ،وبريق النّدى على أوراقها توقظ في نفسه ّ في رقّة ودالل للخروج ،وإذا باألشجار بقامتها الممشوقة ،وخضرتها
حب التّجوال ،والتن ّزه
ّ
ـ توقّفنا ونزلنا وإذا بنا وسط واحة من أشجار النّخيل ،وكم كان ابتهاجي كبيرا وأنا أتملّى ذلك المنظر الجميل ،فهو يبدو
كلوحة فنيّة رائعة
ـ كان الربيع قد انتشر في كل مكان وكسا األرض رداؤه المرقش فالحقول قد هاجت باألزهار على اختالف أنواعها
وألوانها واألشجار ارتدت حلة من األوراق الفتية والطيور خرجت ترنم أناشيد الفرح بقدوم فصل الجمال والطبيعة كلها
بهجة ومرح.
سهول المنبسطة انبساطا يبعث ـ وقفت أنظر إلى المروج الخضراء الممتدّة بأعشابها الناضرة ،وورودها اليانعة ،وإلى ال ّ
سرور ،ويجعلها تهفو إلى أن أكرافها الواسعة الّتي تبهج العين بآيات فنّها ،وتر ّوح ال ّ
صدر بهوائها العليل، في النّفس ال ّ
وتبهج ال ّروح بنفحاتها الشذيّة .ظللت أتنقّل من مكان إلى مكان حتّى إذا نال منّي التّعب أويت إلى سنديانة ظليلة ألرتاح.
ـ وصلنا إلى المكان فإذا هو حديقة غناء يكسو أرضها بساط من األعشاب الخضراء وانتشرت األزهار الفواحة من
خاللها تدغدغ األنوف وتهز النفوس وتنشيها ،وبدت السماء كعين الطفل صفاء تغطيها العصافير المغردة تخالها في
عرس أو مهرجان من األلحان وما ألحانها إال فيضان ما في قلبها من الغبطة بالوجود…
ـ جلست تحت سنديانة ظليلة ،أغصانها متشابكة ،يم ّر بها النّسيم فتطرب ،ويداعبها بأصابعه الخفيّة فتسمعني من حفيف
أوراقها ،وتغريد بالبلها أعذب معزوفة غنّتها أوتار الحياة
ـ فتنني هذا المنظر البديع ،واطمأنّت نفسي لسحره ،وموسيقاه المنبعثة من حفيف األوراق ،وخرير المياه المنسابة في
هدوء ،وتغاريد العصافير المبتهجة المتنقلّة من غصن إلى غصن ،واستأنست لك ّل ما حولي أنسا عظيما
ـ فصل ال ّربيع ،فصل األحالم ،الك ّل منتش غارق في األحالم ،فالعصافير منشغلة ببناء أعشاشها تحلم بفراخها واألشجار
ض ة تحلم بالثمار ،والحيوانات ترعى العشب في طمأنينة تحلم بصغارها تدب حواليها
الخضراء بأغصانها وأوراقها الغ ّ
والفالح يتأ ّم ل حقله يحلم بالسنبلة التي دفن أمها في األرض تلك هي يقظة الحياة بعد هجوعها .
ـ بدأ الظالم يمتدّ ،وينبسط على المكان ،فأخذت طريق العودة وفي نفسي سرور عظيم وارتياح ونشوة ال توصف .إنّ
الطّبيعة لهي الفضاء ال ّرحب الّذي يتأ ّمل فيه اإلنسان آيات الفنّ وشواهد الجمال ،وفيه يطمئنّ ،قلبه ويشعر بال ّ
سكينة،
وتفعم نفسه ابتهاجا وأمال.
ق طريقه بين فجوج األشجار النّاعسة يدغدغها ،ويرقص أغصانها وأوراقها الغ ّ
ضة، ـ انبثق الفجر وتهادى النّور يش ّ
فتتمطّى وتفتح عينيها في هدوء ودالل ،وتهت ّز لتوقظ العصافير النّائمة ،وتعلمها بحلول يوم جديد
سماء ،وزها الكون بعد فترة سبات ،فخرجت ألنعم بما حبانا به هّللا من جمال بديع،
ـ كان اليوم ربيعيّا صاحيّا صفت فيه ال ّ
21
سماء حامدة شاكرة ،وعلى لم أبتعد كثيرا ،كانت الطّبيعة تحتويني ،أشجار خضراء باسقة تتطاول رافعة أعناقها إلى ال ّ
أغصانها حطّت طيور مغ ّردة بمعزوفة هي أشبه بابتهاالت ّ
تمجد قدرة الخالق على الخلق ،وتحت قدم ّي امت ّد بساط أخضر
زركش بضروب من ال ّزهر وشقاشق النّعمان
ـ سرت بين نفحات الرياحين وأهازيج الطيور وخرير السواقي وخوار البقر وصهيل الخيل وصياح الديكة وثغاء األغنام
ثم تخليت عنها ألمتع نظري بهذا الوشاح البديع الذي يغشي األرض وألستمع إلى أصوات تلك المخلوقات التي تسبح
بلغاتها العديدة وظللت أمأل رئتي من هذا النسيم العطر الذي يتنازعه قر الشتاء وحر الصيف فلله ما أجمل الربيع
سحر ،ونثرت
ـ كانت الشّمس تستع ّد لتأوي إلى مرقدها ،كانت تقاوم ال ّرغبة في البقاء ،فأضفت على الكون هالة من ال ّ
على الطّبيعة غبار التّبر فتألأل في ك ّل مكان
ـ تراقصت حولي فراشات مزه ّوة بألوانها الفاتنة تغازل ال ّزهور تارة وتلثمها أخرى ممعنة في امتصاص لذيذ رحيقها
ـ كان الفصل ربيعيا فالسماء زرقاء صافية وشمسها مشرقة وروائح األزهار الذكية تمتزج بالهواء وتمأل الصدر
انشراحا وتداعب األلوان الزاهية األبصار فتريحها
ـ كان النّسيم عليال بليال يعبق بشذى الطّبيعة العذب يداعب وجنت ّي ،ويهدّئ نفسي ،ويخدّرها ،فأنعم بلذيذ األحالم ،وأسبح
في عالم من الخيال ،عالم كلّه سعادة وحبور يخفق له قلبي ويحلّق فيه فؤادي نشوة عارمة
ـ عدت إلى المنزل أسبح مع النّسائم وأبتهل مع الطّيور العائدة إلى مراقدها ،الحامدة الشاكرة ّ
لرب قدير رحيم جعل
الجمال في متناول ك ّل كائن لينعم به ،ويتأ ّمل فيه
ـ أحسست بيد سحريّة دافئة توقظني برقّة ولطف ،تململت قليال ،وفتحت عين ّي ،وإذا بأش ّعة الشّمس تتسلّل من النّافذة،
فتغمر الغرفة بموجة من الدّفء والنّور ،وتبعث في النّفس نشوة ورغبة في الخروج .نظرت من النّافذة فإذا الطّبيعة ملء
العيون بما أبدع هّللا فيها من ألوان زاهرة،ـ وأبرزهـ من أغصان ناضرة ،وخلقه من جمال رائع ،متناسق ،منسجم يحيّر
ب ،ويعلّم الفنّانين فنّهم ،ويرقّي ذوقهم ،ويلهمهم اإلبداع في التّنميق ،واإلجادة في التّزويق…
العقول ،ويأخذ اللّ ّ
ـ ح ّل الربيع وتجلّت الطّبيعة في أحلى حللها ،فمألت الج ّو عطرا بأزهارها العبقة ،وثمارها الفائحة ،وريّاحينها الطّيّبة،
فأنعشت النّفوس ،وبعثت األمل ،وح ّركت أشجان الطّيور ،وأطلقت لسانها .كانت عجماء فأفصحت ،وكانت خرساء
فنطقت ،وكانت بكماء فص ّوتت وغ ّردت .ول ّما غنّت ،ح ّر كت أشجان اإلنسان ،وأوحت إليه بالمعاني الحسان ،فخرج النّاس
إلى الحدائق ،والغابات ،يتمتّعون بسحر ال ّربيع
ال ّرحالت
أشعتها ّ
الذهب ّية الهادئة على قررت أن أزور مع أصدقائي الغابة المجاورة للمدينة .وصلنا فكانت ال ّ
شمس ترسل ّ ـ ّ
األشجارفتزيدها جماال وفتنة
22
ـ وكاد الوقت ينقضي ،ونحن في لعب مرح ،وأحاديث حلوة شائقة ،فن ّبهنا المعلّم إلى أن نستعدّ ّ
للرجوع ،فاستعددنا
متراخين كأ ّننا استيقظنا من حلم جميل
متعرجة
ّ ـ وصلنا إلى مدينة عظيمة بيوتها بيضاء ،ونوافذها كبيرة ،وطرقاتها
التّعب
ضيعة ،وشاركتهم جني ال ّزيتون ،وفرحهم ،وزغاريدهم .وفي آخر النّهار عدت إلى ـ ذهبت مع أفراد عائلتي إلى ال ّ
المنزل منهوك القوى .ولكن رغم التّعب الّذي شعرت به … فإنّي كنت سعيدا جدّا ،ولن يدرك س ّر سعادتي إالّ من
ضى اليوم كلّه في ال ّ
ضيعة ق ّ
الفشل
ـ أخذت أ ّمي توبّخني … وأنا واقف أمامها مطأطئ ال ّرأس ،ولم أشعر بعبراتي إالّ وهي تنحدر فوق جبهتي …
دخلت غرفتي وحزني على ما فعلت عظيم ،ولوعتي أش ّد وأعظم ،أسفت لما سببته لها من ألم وحزن ،وندمت على
كذبي ،وعسى هّللا أن يغفر لي
ـ أخذت أ ّمي توبّخني … فرفعت رأسي ،وقلت لها بلهجة كلّها صدق » :ما أظنّني فعلت سوءا ،وما اعتديت على
أحد … وأنت تعرف ذلك منّي جيّدا … فما ألجأك إلى ك ّل هذا الغضب؟
العمل
ضيت ساعات أبحث ـ جلست إلى المنضدة ،وانكببت على عملي به ّمة ونشاط ،وانصرفت إليه انصرافا كامال ،وق ّ
بج ّد وال ه ّم لي غير ما كلّفني به المعلّم ،وبعد عناء طويل وجدت ضالّتي ،وكانت فرحتي خير عزاء لي على تعبي،
وأحسن جزاء أجازى به على صبري .قدّمت بحثي ،وشكرني المعلّم ،وأشاد بي أمام أصدقائي .خرجت إلى
ساحة ،وكلّي فخر واعتزاز ،يعود الفضل فيه إلى جدّي ،واجتهادي في عملي ،وإلى استقامتي ال ّ
الفرح
ـ سمعت نتيجة نجاحي ،فكدت أطير لفرحي ،والدّنيا ال تسعني لفرط ابتهاجي وغبطتي
23
الفزع
ـ غفوت … ولكننّي لم أهنأ بنومي طويال … فقد رأيت أبي في منامي وهو يرعد ويبرق … كان غاضبا أش ّد
الغضب
المرض
ـ رجعت إلى المنزل ،وأنا في حالة يرثى لها ،إعياء وتعبا ،وأوجاعا … الزمت الفراش أسبوعا كامال
الحيرة
24