You are on page 1of 20

‫يسر شبكة بينونة للعلوم الشرعية أن تقدم لكم سلسلة بعنوان‬

‫السحر والوقاية منه‬


‫‪ -1‬حقيقة السحر وأنواعه وحكمه‬

‫للشيخ‬

‫د‪.‬محمد بن غالب العمري‬


‫حفظه هللا تعالى‬

‫نسأل هللا سبحانه وتعالى أن ينفع به الجميع‬


‫حقوق الطبع حمفوظة لشبكة بينونة للعلوم الشرعية‬
‫‪2‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫ات َأ ْعمالِنَا‪ ،‬من يه ِدهِ‬


‫َ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫ور َأ ْن ُف ِسنَا ومِن سيئَ ِ‬
‫َ ْ َ ِّ‬ ‫إِ َّن ا ْل َح ْمد هللِ‪ ،‬ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعينُ ُه َون َْس َت ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬و َن ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا‬ ‫اهلل َفال ُمض َّل َل ُه‪َ ،‬و ْم ْن َي ْض ُل ُل َف َال َهاد َي َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ ْن ال إِ َل َه إِ َّال ُ‬
‫اهلل َو ْحدُ ُه ال َش ِر َ‬ ‫ُ‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه‪ ،‬ص َّلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وس َّلم‬
‫أما بعد‪...‬‬
‫فإن مما يستغل فيه المؤمن وقته وتمضي عليه فيه ساعاته هو‪" :‬مدارسة العلم النافع" مما ُيعين على‬
‫العمل الصالح‪ ،‬وإن من المسائل المهمة والتي ُض ِّمنت يف كتب االعتقاد ويف غيرها مسألة السحر‪ ،‬هذه‬
‫وتعليما لألسف الشديد؛‬
‫ً‬ ‫المسألة التي ابتُلي هبا بعض المسلمين تع ُّل ًما‬
‫جهال بحقيقتها‪.‬‬
‫‪ -‬إما ً‬
‫ٍ‬
‫معرفة وبصيرة بخطرها وأثرها وضررها‪.‬‬ ‫‪ -‬وإما عن‬

‫وهذه الدورة المختصرة المع َلن عنها بإذن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬سنأيت فيها على أصول المسائل المتعلقة‬
‫يسع المقام المحدد ألهم المسائل‪ ،‬نقف فيها جمي ًعا‬ ‫ٍ‬
‫بأمر السحر دون استطراد كثير يف التفصيالت حتى ُ‬
‫ِ‬
‫بإذن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬على نصوص الوحيين‪ ،‬ونق ِل ما تيسر من كالم أهل العلم ‪َ -‬رح َم ُه ْم ُ‬
‫اهلل‪ -‬يف هذه‬
‫المسائل‪.‬‬
‫‪ ‬وقد جعلتها على أربع محاور يف هذه الدورة‪:‬‬
‫أول هذه المحاور‪ :‬هو الكالم عن حقيقة السحر‪ ،‬وعن حكمه‪ ،‬وعن أنواعه‪.‬‬
‫وثاين المحاور‪ :‬سيكون عن أسباب السحر وطرق العالج‪ ،‬وكذلك طرق الوقاية‪.‬‬
‫حقيقة السحر وأنواعه وحكمه (‪)1‬‬ ‫‪3‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬يتعلق بواجب المسلمين تجاه السحر والسحرة‪ ،‬وكذلك وقفات يسيرة مع أمر الرقية‬
‫والر َقاة‪.‬‬
‫الشرعية ُ‬
‫ٍ‬
‫محذورات يف العالج‪،‬‬ ‫المحور الرابع ‪-‬واألخير‪ :-‬سيكون بإذن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف الكالم عن‬
‫وكذلك مسائل متفرقة ُيحتاج إليها‪.‬‬
‫ولست أنسى يف مقدمة هذه‬
‫ُ‬ ‫فأسأل اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬لنا جمي ًعا يف ذلك التوفيق والسداد واإلعانة‪،‬‬
‫الدورة أن‪:‬‬
‫‪ -‬أشكر بعد شكر اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬هذه الدولة المعطاءة‪ ،‬أشكر قيادهتا على اإلذن هبذه المجالس‬
‫وبغيرها مما فيها بإذن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬النفع لألفراد والمجتمعات‪ ،‬فأسأل اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬أن ُيبارك يف‬
‫قائدها الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة‪ ،‬وأن ُيلبسه لباس الصحة والعافية‪.‬‬
‫‪ -‬أشكر كذلك نائبه الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة‪ ،‬رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ‪-‬‬
‫بارك اهلل له يف عمره وعافيته‪.-‬‬
‫‪ -‬والشكر كذلك للشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ‪-‬وفقه اهلل وسدَّ ده يف األقوال واألعمال‪.-‬‬
‫‪ -‬وال أنسى يف مقدمة هذه الدورة كذلك أن أشكر دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل الخيري بدبي على‬
‫الموافقة على قيام األنشطة الدينية والمجالس العلمية وما يبذلونه من ٍ‬
‫جهد يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬والشكر موصو ٌل لمركز رياض الصالحين اإلسالمي على جهوده المبذولة المشكورة يف استضافة‬
‫هذه المجالس‪ ،‬فبارك اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف القائمين على هذا المركز‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك الشكر لمن حرص على الحضور واالستماع لهذه الدورة ونحن يف هذه األزمة "أزمة‬
‫كورونا"‪.‬‬
‫أسأل اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬للجميع التوفيق والسداد‪ ،‬والهدى والرشاد‪ ،‬وأن يكتب األجر لمن ألقى ومن‬
‫نسق ومن نقل‪ ،‬أسأل اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬أن يجعل هذه المجالس يف موازين الحسنات‪.‬‬
‫استمع ومن َّ‬
‫‪4‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫‪ ‬لقاءنا اليوم حول [تعريف السحر وحقيقته‪ ،‬وأنواعه‪ ،‬وحكمه‪ ،‬وحكم تع ُّلم السحر كذلك]‪:‬‬
‫دق ول ُطف وخفي سببه‪ ،‬وقال بعض أهل العلم‪:‬‬ ‫عرفه أهل العلم بأنه كل ما َّ‬ ‫‪ ‬أما تعريف السحر‪ :‬فقد َّ‬
‫ٍ‬
‫مباشرة‬ ‫عمل شي ًئا يؤثر يف بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير‬
‫هو عقدٌ ورقي وكال ٌم يتكلم به أو يكتبه أو ُي َ‬
‫اهلل رحم ًة واسعة‪ ،-‬فيتضح من كالمه أن السحر يكون‪:‬‬ ‫ِ‬
‫عرفه به ابن قدامة ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫له‪ ،‬وهذا ما َّ‬
‫‪ -‬إما بال ُع َقد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بتمتمات‪.‬‬ ‫‪ -‬أو يكون‬

‫ٍ‬
‫مكتوب‪.‬‬ ‫‪ -‬أو بكال ٍم‬

‫ٍ‬
‫معين يؤثر يف بدن المسحور‪ ،‬أو يؤثر يف قلبه‪ ،‬أو يؤثر يف عقله‪.‬‬ ‫‪ -‬أو بعم ٍل‬

‫وهذا كله مما يدل عليه واقع من ُأصيب هبذا األمر‪.‬‬


‫‪ ‬ومما يدل على تأثير هذا السحر‪ :‬قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف ذِكر هاروت وماروت‪:‬‬
‫‪ -‬قال‪َ ﴿ :‬ف َي َت َع َّل ُمو َن مِنْ ُه َما َما ُي َف ِّر ُقو َن ب ِ ِه بَ ْي َن ا ْل َم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه﴾ [البقرة‪ ]102:‬فاآلية صريحة بأن من‬
‫أثر هذا السحر هو التفريق بين المرء وزوجه مع ما يكون بينهما من المحبة واألُلفة ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬

‫﴿و َما ُه ْم ب ِ َض ِّاري َن ب ِ ِه م ِ ْن أَ َح ٍد إ ِ َّال بِإ ِ ْذ ِن اهللِ﴾‬


‫‪ -‬كذلك قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف اآلية‪َ :‬‬
‫أثر يف اإلضرار بالمسحور‪.‬‬
‫أيضا تبين هنا أن للسحر ٌ‬
‫[البقرة‪ً ]102:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َسيُبْط ُل ُه إ ِ َّن َ‬
‫اهلل‬ ‫الس ْح ُر إ ِ َّن َ‬ ‫وسى َما ج ْئت ُْم بِه ِّ‬‫‪ -‬كذلك قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪َ ﴿ :-‬ف َل َّما أَ ْل َق ْوا َق َال ُم َ‬
‫َال ُي ْصلِ ُح َع َم َل ا ْل ُم ْف ِس ِدي َن﴾ [يونس‪ ،]81:‬وقال ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪َ ﴿ :-‬ف َو َق َع ا ْل َح ُّق َو َبطَ َل َما كَانُوا‬
‫َي ْع َم ُلو َن﴾ [األعراف‪ ]118:‬هذا يدل على أن للسحر أثر وأن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬أبطله ‪ُ -‬س ْب َحا َن ُه‬
‫َو َت َعا َلى‪.-‬‬
‫حقيقة السحر وأنواعه وحكمه (‪)1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬كذلك يف قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف سورة الفلق‪ُ ﴿ :‬ق ْل أَ ُعو ُذ ب ِ َر ِّب ا ْل َف َل ِق (‪ )1‬م ِ ْن َش ِّر َما َخ َل َق (‪)2‬‬
‫ات فِي‬ ‫ات فِي ا ْلع َق ِد (‪[ ﴾)4‬الفلق‪﴿ ،]4-1 :‬النَّ َّفا َث ِ‬
‫ُ‬
‫اس ٍق إ ِ َذا و َقب (‪ )3‬ومِن َشر النَّ َّفا َث ِ‬
‫َ ْ ِّ‬ ‫َ َ‬
‫ومِن َشر َغ ِ‬
‫َ ْ ِّ‬
‫ا ْل ُع َق ِد﴾ هنا السو احر كما جاء يف التفسير اللوايت يعقدن وينفثن يف عقدهن‪ ،‬فأمرنا اهلل ‪َ -‬ج َّل‬
‫َو َع َال‪ -‬يف هذه السورة أن نستعيذ به ‪ُ -‬س ْب َحا َن ُه َو َت َعا َلى‪ -‬من شر ما خلق ومن شر السواحر‪.‬‬
‫إذن هذه األمور لها تأثير‪.‬‬

‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬كما جاء يف [الصحيح] من‬ ‫أيضا‪ :‬ما حصل للنبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬ ‫‪ ‬ومما يدل على ذلك ً‬
‫ِ‬ ‫اهلل َعنْ َها و َأ ْر َض َ‬ ‫ِ‬
‫ب حتى إنه ل ُيخ َّيل إليه أنه‬ ‫اهلل َع َل ْيه َو َس َّلم‪ُ -‬ط َّ‬‫اها‪ -‬أن النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬ ‫حديث عائشة ‪َ -‬رض َي ُ‬
‫يه ؟» قالت عائشة‪ :‬وما‬ ‫ت أَ ّن ال ّله أَ ْفتَانِي فِيما استَ ْفتَيتُه ف ِ ِ‬ ‫صنع شي ًئا وما صنعه‪ ،‬وأنه دعا ربه ثم قال‪« :‬أَ َشعر ِ‬
‫َ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ذاك يا رسول اهلل؟ قال‪َ « :‬جا َءنِي َر ُجال َِن َف َجلَ َس أَ َحدُ ُه َما ِعنْدَ َرأْ ِسي َواآلَ َخ ُر ِعنْدَ ِر ْجلَ ّي‪َ .‬ف َق َال أَ َحد ُُه َما‬
‫وب‪َ .‬ق َال‪َ :‬م ْن َط ّب ُه؟ َق َال‪َ :‬لبِيدُ ْب ُن األ َ ْع َص ِم‪َ .‬ق َال َل ُه‪َ :‬فب ِ َما َذا؟ َق َال‪:‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الر ُجلِ؟ َق َال اآلَ َخ ُر‪َ :‬م ْط ُب ٌ‬ ‫ل َصاحبِه‪َ :‬ما َو َج ُع َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َعنْ َها‪:-‬‬ ‫في ُم ْشط َو ُم َشا َطة‪َ .‬ق َال‪َ :‬فأَ ْي َن ُه َو؟ َق َال‪ :‬في ذي أَ ْر َوا َن ‪-‬بِئْ ٌر يف بني زرير‪ »-‬قالت عائشة ‪َ -‬رض َي ُ‬
‫اهلل َعن َْها‪ -‬فقال‪َ « :‬وال ّل ِه َل َكأَ ّن َما َء َها‬ ‫ِ‬
‫اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم‪ -‬ثم رجع إلى عائشة ‪َ -‬رض َي ُ‬
‫ِ‬
‫ول ال ّله ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫اها رس ُ ِ‬
‫َف َأ َت َ َ ُ‬
‫ول ال ّل ِه؛ َه َّال َأ ْخ َر ْج َت ُه؟ َق َال‪« :‬أَ َّما أَنَا َف َقدْ‬
‫الشيَاطِي ِن»‪َ .‬قا َل ْت‪َ :‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ِ ِ‬
‫وس ّ‬ ‫نُ َقا َع ُة ا ْلحنّاء‪َ .‬و َل َكأَ ّن ن َْخ َل َها ُر ُؤ ُ‬
‫ت ب ِ َها َفدُفِن َْت»( )‪.‬‬‫س َش ًّرا‪َ ،‬فأَ َم ْر ُ‬‫ت أَ ْن أُث ِ َير َعلَ َى النّا ِ‬‫شاَ َفانِي ال ّل ُه‪َ .‬وك َِر ْه ُ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬حصل له من السحر‪ ،‬ولكن هذا السحر لم‬ ‫هذا الحديث يدل على أن النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫يؤثر يف أمر الوحي‪ ،‬وال يف أمر تبليغ الناس أمر الشريعة‪ ،‬وإنما كان يرى أنه يأيت النساء وال يأتيهن كما جاء‬
‫ِ‬
‫اهلل َعن َْها وأرضاها‪ ،-‬وهذا هو الذي عليه أهل السنة يف هذه المسألة‪ :‬أن النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫اهلل‬ ‫عن عائشة ‪َ -‬رض َي ُ‬
‫حر‪ ،‬وال ُيعارض هذا ما عارض به البعض من اآليات الواردة يف مثل‪:‬‬ ‫َع َلي ِه وس َّلم‪ -‬س ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬
‫‪ -‬قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪﴿ :-‬إ ِ ْن َتتَّب ِ ُعو َن إ ِ َّال َر ُج ًال َم ْس ُح ً‬
‫ورا﴾ [اإلسراء‪.]47:‬‬

‫ورا﴾ [اإلسراء‪.]101:‬‬ ‫‪ -‬وقول فرعون لموسى‪﴿ :‬إِنِّي َأل َ ُظن َُّك َيا ُم َ‬
‫وسى َم ْس ُح ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)6391‬‬


‫‪6‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫‪ -‬وقول قوم صالح له‪﴿ :‬إِن ََّما أَن َْت م ِ َن ا ْل ُم َس َّح ِري َن﴾ [الشعراء‪.]153:‬‬

‫سحروا فإن ذلك ُينايف حماية اهلل لهم وعصمتهم‬‫ونحو ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن األنبياء ال يجوز عليهم أن ُي َ‬
‫اهلل‪" :-‬وهذا الذي قاله هؤالء مردود‪ ،‬قال‪ :‬فهذا من البالء الذي يزيده‬ ‫ِ‬
‫من الشياطين‪ ،‬قال ابن القيم ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫اهلل به رفع ًة يف درجاته لنيل كرامته"‪ ،‬وأشد الناس بال ًء األنبياء‪ ،‬فابتلوا من أممهم ما ابتلوا به من القتل‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬من بعض أعدائه بنو ٍع من‬
‫والضرب والشتم والحبس‪ ،‬فليس ببد ٍع أن ُيبت َلى النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫فشجه‪ ،‬وابتُلي بالذي ألقى على ظهره السلى ‪-‬يعني سل الجزور‪ -‬قال‪ :‬وهو‬
‫السحر كما ابتُلي بالذي رماه َّ‬
‫ساجد‪ ،‬وغير ذلك فال نقص عليهم وال عار يف ذلك‪ ،‬بل هذا من كمالهم وعلو درجاهتم عند اهلل تعالى‪.‬‬
‫اهلل َع َل ْي ِه‬
‫اهلل َعنْ ُه‪ -‬أن جربيل أتى النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫ِ‬
‫وقد ثبت يف [الصحيح] عن أبي سعيد الخدري ‪َ -‬رض َي ُ‬
‫يك‪ ،‬مِن َش ِّر ك ُِّل‬ ‫ٍ‬
‫شيء ُي ْؤذِ َ‬ ‫باس ِم اهللِ َأ ْرقِ َ‬
‫يك‪ ،‬مِن ك ُِّل‬ ‫قال‪« :‬نَ َع ْم» َ‬ ‫َو َس َّلم‪ -‬فقال‪ :‬يا ُم َح َّمدُ ْاش َت َك ْي َت؟ َف َ‬
‫قال‪ْ " :‬‬
‫نفس وعين حاسد لما‬ ‫ٍ‬ ‫فعوذه جربيل من شر كل‬ ‫باس ِم اهللِ َأ ْرقِ َ‬
‫يك"(‪َّ )1‬‬ ‫يك‪ْ ،‬‬ ‫اهلل َي ْش ِف َ‬ ‫ِ ٍ‬
‫س‪َ ،‬أ ْو َع ْي ِن َحاسد‪ُ ،‬‬ ‫َن ْف ٍ‬
‫ِ‬
‫عوذه من شيء شكايته‬ ‫اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم‪ -‬وإال فال ُي ِّ‬
‫مزيل لشكايته ‪َ -‬ص َّلى ُ‬ ‫اشتكى‪ ،‬فدل على أن هذا التعويذ ٌ‬
‫من غيره‪.‬‬
‫‪ ‬وما اآليات التي استدلوا هبا‪ :‬كقول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬عن الكفار أهنم قالوا‪﴿ :‬إ ِ ْن َتتَّب ِ ُعو َن إ ِ َّال ال َّظ َّن‬
‫ِ‬ ‫َوإ ِ ْن أَنْت ُْم إ ِ َّال َت ْ‬
‫اهلل‪" :-‬أما قولهم‪ :‬إن سحر األنبياء ُينايف‬ ‫خ ُر ُصو َن﴾ [األنعام‪ ]148:‬قال ابن القيم ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫حماية اهلل تعالى لهم فإنه سبحانه كما يحميهم ويصوهنم‪ ،‬ويحفظهم ويتوالهم‪ ،‬فيبتليهم بما شاء من أذى‬
‫الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته‪ ،‬وليتس َّلى هبم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس‬
‫وتأسوا به‪ ،‬ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما ُأعدَّ‬
‫فرأوا ما جرى على الرسل واألنبياء صربوا ورضوا ُّ‬
‫عجل تطهير األرض منهم‪،‬‬
‫لهم من النكال العاجل والعقوبة اآلجلة‪ ،‬فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوهتم‪ ،‬ف ُي ِّ‬
‫فهذا من بعض حكمته تعالى يف ابتالء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم‪ ،‬وله الحكمة البالغة‪ ،‬والنعمة السابغة‪،‬‬
‫اهلل‪.-‬‬ ‫ِ‬
‫رب سواه" انتهى كالمه ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫ال إله غيره‪ ،‬وال َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2186‬‬


‫حقيقة السحر وأنواعه وحكمه (‪)1‬‬ ‫‪7‬‬

‫ِ‬
‫اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم‪ -‬وإن لم يكن هذا ً‬
‫مؤثرا عليه‬ ‫إذن مما يدل على تأثير السحر‪ :‬ما حصل للنبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫يف أمر الوحي أو يف أمر العبادة‪ .‬إذن السحر له حقيق ٌة وتأثير؛‬
‫اهلل‪" :-‬والصحيح أن له حقيقة‪ ،‬وبه قطع الجمهور‪ ،‬وعليه عامة‬ ‫ِ‬
‫ولذلك قال العالمة النووي ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫العلماء‪ ،‬ويدل عليه الكتاب والسنَّة الصحيحة المشهورة"‪.‬‬
‫اهلل‪" :-‬جمهور العلماء على إثبات السحر وأن له حقيقة‪ ،‬ونفى‬ ‫ِ‬
‫ويقول العالمة المازين ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫ٍ‬
‫خياالت باطلة وهو مردود لورود النقل بإثبات السحر‪ ،‬وألن العقل‬ ‫بعضهم حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى‬
‫ال ُينكر أن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬قد يخلق العادة عند نطق الساحر بكال ٍم ملفق‪ ،‬أو تركيب أجسامٍ‪ ،‬أو مزجٍ بين‬
‫ٍ‬
‫ترتيب مخصوص‪ ،‬ونظير ذلك"‪.‬‬ ‫قوى على‬
‫أيضا‪" :‬مذهب أهل السنة وجمهور العلماء على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من‬ ‫وقال ً‬
‫ٍ‬
‫خياالت باطلة"‪ ،‬ثم قال بعد‬ ‫األشياء الثابتة‪ ،‬خال ًفا لمن أنكر ذلك ونفى حقيقته‪ ،‬وأضاف ما يقع منه إلى‬
‫اهلل َع َل ْي ِه‬
‫ذلك‪" :‬وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث ‪-‬يعني حديث السحر الذي وقع للنبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫النبوة و ُيش ِّكك فيها قد تقدَّ م الكالم عن هذا األمر"‪.‬‬ ‫يحط منصب َّ‬ ‫َو َس َّل َم‪ -‬فزعم أنه ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم‪ -‬ما قاله القاضي عياض ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫اهلل‪ ،-‬قال‪:‬‬ ‫ومن أجمع الكالم فيما وقع للنبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪ -‬كأنواع األمراض‬
‫وعارض من العلل يجوز عليه ‪َ -‬ص َّلى ُ‬‫ٌ‬ ‫مرض من األمراض‪،‬‬ ‫"والسحر ٌ‬
‫مما ال ُينكر وال يقدح يف نبوته‪ ،‬وأما كونه ُيخ َّيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله فليس يف هذا ما يدخل عليه‬
‫ٍ‬
‫داخل ًة يف شيء من صدقه؛ لقيام الدليل واإلجماع على عصمته من هذا‪ ،‬وإنما هذا فيما يجوز ُ‬
‫طرؤه عليه يف‬
‫أمر دنياه التي لم ُيب َعث لسببها وال ُف ِّضل من أجلها‪ ،‬وهو فيها عرض ٌة لآلفات كسائر البشر"‪.‬‬
‫‪ ‬أما الكالم عن أنواع السحر‪ :‬فهذا كال ٌم يطول‪ ،‬وقد ذكر بعض المفسرين وغيرهم أنوا ًعا مختلف ًة‬
‫وفيها استطراد‪ ،‬وقد يكون بعض األنواع تدخل يف بعض‪ ،‬و ُيمكن أن نختصر هذا المقام بأن نذكر‪:‬‬
‫‪ً ‬‬
‫أوال‪ :‬أنواع السحر من حيث الحكم فإنه على نوعين‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بفالن من‬ ‫النوع األول‪ :‬ما يكون فيه استعان ٌة بالشياطين ُّ‬
‫وتقر ٌب إليهم‪ ،‬وسوا ٌء كان المقصود اإلضرار‬
‫يتقربون إلى الشياطين بأنوا ٍع من‬
‫التقرب إلى الشياطين‪ ،‬فإن هذا كفر أهنم َّ‬
‫الناس‪ ،‬أو كان المقصود ُّ‬
‫‪8‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫الكفريات سوا ًء بالسجود لهم‪ ،‬أو بإهانة القرآن والمصاحف‪ ،‬أو بغير ذلك من األعمال التي يطلبها منهم‬
‫كفر ِ‬
‫مخر ٌج من الم َّلة‪.‬‬ ‫الشياطين‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫النوع الثاين‪ :‬هو السحر باألدوية التي َت ْف َع ُل يف جسد اإلنسان ما َي ْف َع ُله السحر من اإلخالل بالعقل‪ ،‬ومن‬
‫محرم‪،‬‬
‫كفرا فهو من الظلم وهو َّ‬
‫التصورات الفاسدة‪ ،‬ومن نحو ذلك‪ ،‬فهذا ال شك يف حرمته وإن لم يكن ً‬
‫وال شك أن لهذا أثر كأثر األدوية المنومة ونحو ذلك‪ ،‬ولكن أثره أنه ربما يفسد العقل ويصير اإلنسان به‬
‫إلى الجنون‪.‬‬
‫فهذا التقسيم من ناحية الحكم‪.‬‬
‫‪ ‬أما من ناحية التأثير‪ :‬فأنواعه عدَّ ة‪ ،‬يذكر بعضهم‪:‬‬
‫‪ -‬سحر التفريق‪.‬‬

‫‪ -‬وسحر المحبة الذي هو الصرف والعطف‪.‬‬

‫‪ -‬وسحر التخييل‪.‬‬

‫‪ -‬وسحر الجنون‪.‬‬

‫‪ -‬وسحر المرض‪.‬‬

‫‪ -‬وسحر النزيف‪.‬‬

‫وغير ذلك من األنواع‪ ،‬وعلى بعض هذه األنواع جاءت األدلة من كتاب اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف مثل‪:‬‬
‫‪ -‬سحر التفريق‪ :‬يف قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪َ ﴿ :-‬ف َيتَ َعلَّ ُمو َن مِنْ ُه َما َما ُي َف ِّر ُقو َن ب ِ ِه َب ْي َن ا ْل َم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه﴾‬
‫اهلل َع َل ْي ِه‬
‫[البقرة‪ ،]102:‬وربما ُيستدل له كذلك بما جاء عند مسلم من حديث جابر أن النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫جي ُء‬ ‫َاهم مِنْه من ِْز َل ًة أَ ْع َظم ُهم فِتْنَ ًة‪ ،‬ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ث َس َرا َيا ُه َف َأ ْدن ُ ْ ُ َ‬ ‫يس َي َض ُع َع ْر َش ُه َع َلى ا ْل َماءِ ُث َّم َي ْب َع ُ‬
‫َو َس َّل َم‪ -‬قال‪« :‬إ ِ َّن إ ِ ْبل ِ َ‬
‫ول‪َ :‬ما تَ َر ْكتُ ُه َحتَّى َف َّر ْق ُ‬
‫ت‬ ‫ت َشيْئًا‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ثم ي ِ‬
‫جي ُء أَ َحدُ ُه ْم َفيَ ُق ُ‬ ‫ت ك ََذا َو َك َذا‪َ ،‬فيَ ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ما َصنَ ْع َ‬ ‫أَ َحدُ ُه ْم َف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ف َع ْل ُ‬
‫َّ َ‬
‫حقيقة السحر وأنواعه وحكمه (‪)1‬‬ ‫‪9‬‬

‫تفريق بين الزوجين‬


‫ٌ‬ ‫ول‪ :‬ن ِ ْع َم أَن َْت»(‪ ،)1‬هذا التفريق أو هذا السحر هو‬
‫يه مِنْ ُه َو َي ُق ُ‬
‫بينَه وبين امرأَت ِ ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فيدْن ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ ُ َ َْ َ َْ‬
‫ببث البغض والكراهية‪ ،‬أو بين الصديقين‪ ،‬أو بين شريكين‪ ،‬أو بين قريبين‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وقد ُيخ َّيل للرجل‬
‫اهلل‪ ،-‬ويظهر هذا األمر يف انقالب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منظر اآلخر أو نحو ذلك كما ذكر ابن كثير ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬ ‫أو للمرأة ُسو ُء‬
‫األحوال فجأة بين الزوجين‪ ،‬أو يف رؤية أحدهما لآلخر بصورةٍ بشعة‪ ،‬أو نحو ذلك من األمور‪.‬‬
‫اهلل َع َل ْي ِه‬
‫‪ -‬وسحر المحبة‪ :‬وهو خالف السحر األول هذا ما جاء يف السنَّة أنه التولة‪ ،‬قال ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫الر َقى‪َ ،‬والتَّ َمائِ َم‪َ ،‬والت َِّو َل َة ِش ْر ٌك»(‪ ،)2‬قال أهل العلم‪ :‬التو َلة ما ُيح ِّبب المرأة إلى زوجها من‬
‫َو َس َّل َم‪« :-‬إ ِ َّن ُّ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪ -‬من الشرك العتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خالف ما‬
‫السحر وغيره‪ ،‬وجعله النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫المحرم‪ ،‬فتضطر المرأة إلى فعل هذا السحر الستجالب‬
‫َّ‬ ‫قدَّ ره اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ ،-‬وهذا قد يكون سببه العشق‬
‫قلب الرجل أو العكس من ذلك‪ ،‬وربما تفعله بعض النساء فتُض ِّيع أمر دينها كي تحافظ على زوجها خو ًفا‬
‫من أن يتزوج عليها فتذهب إلى السحرة وإلى المشعوذين لفعل هذا السحر‪ ،‬وهذا سببه ال شك ضعف‬
‫اإليمان‪ ،‬وضعف التوكل على اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪.-‬‬
‫‪ -‬وسحر التخييل‪ :‬ما ذكره اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف سورة األعراف يف قصة موسى يف قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪-‬‬
‫س‬ ‫وسى إ ِ َّما أَ ْن ُت ْل ِقي َوإ ِ َّما أَ ْن نَ ُكو َن ن َْح ُن ا ْل ُملْ ِقي َن (‪َ )115‬ق َال أَ ْل ُقوا َف َل َّما أَ ْل َق ْوا َس َح ُروا أَ ْعيُ َن النَّا ِ‬ ‫‪َ ﴿ :‬قا ُلوا َيا ُم َ‬
‫َ‬
‫ف َما َيأْف ِ ُكو َن‬ ‫اك َفإ ِ َذا ِه َي َت ْل َق ُ‬
‫وسى أَ ْن أَ ْل ِق َع َص َ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم َو َجا ُءوا بِس ْح ٍر َعظي ٍم (‪َ )116‬وأَ ْو َح ْينَا إ ِ َلى ُم َ‬
‫ِ‬ ‫است َْر َه ُب ُ‬
‫َو ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪َ )117‬ف َو َق َع ا ْل َح ُّق َوبَطَ َل َما كَانُوا َي ْع َم ُلو َن (‪َ )118‬ف ُغلبُوا ُهنَال َك َوانْ َقلَبُوا َصاغ ِري َن (‪َ )119‬وأُ ْلق َي َّ‬
‫الس َح َر ُة‬
‫ِ‬ ‫س ِ ِ‬
‫وسى َو َه ُارو َن (‪[ ﴾)122‬األعراف‪.]122-115 :‬‬ ‫ب ا ْل َعا َلمي َن (‪َ )121‬ر ِّب ُم َ‬ ‫اجدي َن (‪َ )120‬قا ُلوا آَ َمنَّا ب ِ َر ِّ‬ ‫َ‬
‫وسى إ ِ َّما أَ ْن‬
‫هذا ُيسمى سحر التخييل‪ ،‬وهو مأخو ٌذ من قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف سورة طه‪َ ﴿ :‬قا ُلوا َيا ُم َ‬
‫خ َّي ُل إ ِ َل ْي ِه م ِ ْن ِس ْح ِر ِه ْم أَ َّن َها َت ْس َعى‬
‫ُت ْل ِقي َوإ ِ َّما أَ ْن نَ ُكو َن أَ َّو َل َم ْن أَ ْل َقى (‪َ )65‬ق َال بَ ْل أَ ْل ُقوا َفإ ِ َذا ِح َبا ُل ُه ْم َو ِع ِص ُّي ُه ْم ُي َ‬
‫َ‬
‫(‪[ ﴾)66‬طه‪ ]66-65 :‬هذا ُيخ َّيل إلى اإلنسان األمر‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2813‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)3885‬‬
‫‪10‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫ٍ‬
‫لتغيير حصل يف‬ ‫اهلل‪" :-‬فب َّين سبحانه أن أعينهم ُسحرت وذلك؛ إما أن يكون‬ ‫ِ‬
‫قال ابن القيم ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫المرء ‪-‬وهي الحبال والعصي‪ -‬مثل‪ :‬أن يكون السحرة استعانت بأرواحٍ َّ‬
‫حركتها وهي الشياطين فظنوا أهنا‬
‫تحركت بأنفسها وهذا كما إذا جر من ال يراه حصيرا أو بساطا؛ فرتى الحصير والبساط ينجر؛ وال ترى‬
‫الجار له؛ مع أنه هو الذي يجره‪ ،‬فهكذا حال الحبال والعصي التبستها الشياطين فق َّلبتها كتقلب الحية فظن‬
‫الرائي أهنا تق َّلبت بأنفسها‪ ،‬والشياطين هم الذين يقلبوهنا"‪.‬‬
‫قال‪" :‬وإ َّما أن يكون التغيير حدث يف الرائي حتى رأى الحبال والعصي تتحرك وهي ساكنة يف أنفسها‪،‬‬
‫أن الساحر يفعل هذا وهذا؛ فتار ًة يتصرف يف نفس الرأي وإحساسه حتى يرى الشيء بخالف ما‬ ‫وال ريب َّ‬
‫اهلل‪-‬‬ ‫ِ‬
‫هو به‪ ،‬وتار ًة يتصرف يف المرئي باستعانته باألرواح الشيطانية حتى يتصرف فيها" انتهى كالمه ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫‪ -‬وسحر الجنون‪ :‬قد جاء الدليل عليه فيما رواه أبو داود وصححه األلباين من حديث َخ ِ‬
‫ار َج َة ْب ِن‬
‫ول اهللِ ‪َ -‬ص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َوس َّلم‪َ -‬ف َأس َلم ُثم َأ ْق َب َل ر ِ‬
‫اج ًعا مِ ْن ِعن ِْد ِه َف َم َّر َع َلى َق ْو ٍم‬ ‫ت‪َ ،‬ع ْن َع ِّم ِه‪َ ،‬أ َّن ُه َأ َتى َر ُس َ‬
‫الص ْل ِ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اح َب ُك ْم َه َذا َقدْ َجا َء ب ِ َخ ْي ٍر َف َه ْل ِعنْدَ َك َش ْي ٌء‬
‫يد‪َ ،‬ف َق َال َأ ْه ُله‪ :‬إِنَّا حدِّ ْثنَا َأ َّن ص ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِعنْدَ ُهم رج ٌل مجنُو ٌن مو َث ٌق بِا ْلح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُ َ ْ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪-‬‬ ‫َاب َفبر َأ َف َأع ُطونِي مِا َئ َة َشاةٍ‪َ ،‬ف َأ َتي ُت رس َ ِ‬
‫ول اهلل ‪َ -‬ص َّلى ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫يه؟ َق َال‪َ :‬ف َر َق ْي ُت ُه بِ َفاتِ َح ِة ا ْلكِت ِ َ َ ْ‬ ‫او ِ‬‫ُتدَ ِ‬

‫ال‪َ .‬ق َال‪ُ « :‬خ ْذ َها َف َل َع ْم ِري َل َم ْن أَك ََل ب ِ ُر ْقيَ ِة بَاطِ ٍ‬
‫ل َل َق ْد أَ َك ْل َ‬
‫ت‬ ‫َف َأ ْخ َب ْر ُت ُه َف َق َال‪َ « :‬ه ْل ُق ْل َ‬
‫ت َغيْ َر َه َذا؟»‪َ .‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت َ‬
‫ب ِ ُر ْق َي ِة َحق»( ‪ ،)1‬ويف رواية‪ :‬أنه رقاه بفاتحة الكتاب ثالثة أيام غدو ًة وعشية‪.‬‬
‫ومظهر هذا السحر‪ :‬هو ما يظهر به اإلنسان وكأنه فاقد العقل‪ ،‬فال يتزن يف كالمه‪ ،‬وال يعتني بنفسه‪،‬‬
‫مستقرا يف أمره‪ ،‬وال ُيخاطب مخاطبة العقالء‪ ،‬ونحو ذلك من اآلثار‪ .‬فهذه بعض األنواع التي‬
‫ً‬ ‫وال يكون‬
‫أنواع كثيرة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ذكرها أهل العلم بنا ًء على النصوص الشرعية‪ ،‬وهناك‬
‫ٍ‬
‫أعراض معينة حكم على‬ ‫أحس بنو ٍع من‬ ‫لكن مما أُلفت النظر فيه هنا ‪-‬وهو أ ٌ‬
‫مر مهم‪ :-‬ليس كل من َّ‬
‫العرض الذي ُيصيبه أنه سحر‪ ،‬اإلنسان إذا أصابه سهر ولم يستطع على النوم قال‪:‬‬
‫هذا األثر أو على هذا َ‬
‫هذا سحر‪ ،‬أو إذا لم يوفق يف ٍ‬
‫عمل قال‪ :‬هذا سحر‪ ،‬أو إذا حصل له أمر معين يف بيته أو ضرر يف بدنه أو نحو‬ ‫ُ‬

‫(‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪.)3896‬‬


‫حقيقة السحر وأنواعه وحكمه (‪)1‬‬ ‫‪11‬‬

‫وأنت قد عافاك اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪-‬‬ ‫ٍ‬


‫بحكم جائر َ‬ ‫ذلك قال‪ :‬هذا سحر‪ ،‬هذا ال يستقيم‪ ،‬فال تحكم على نفسك‬
‫شخصون األمراض‬ ‫ٍ‬
‫تشخيص صحيح كتشخيص األطباء حينما ُي ِّ‬ ‫من هذه األمور‪ ،‬فال بد يف هذا األمر من‬
‫ٍ‬
‫تشخيص صحيح لهذه المسائل حتى ال يدخل اإلنسان يف باب الوسوسة‬ ‫العضوية‪ ،‬وكذلك ال بد من‬
‫والوهم بما ُيكدِّ ر عليه حياته‪ ،‬و ُين ِّغص عليه معيشته‪.‬‬
‫تقدَّ م معنا الكالم يف نوعي السحر من حيث الحكم أن‪:‬‬
‫كفر‪.‬‬
‫‪ -‬منه ما هو ٌ‬

‫‪ -‬ومنه ما هو محر ٌم وهو من الظلم الذي يحصل من بعض الناس‪.‬‬

‫فصل يف أمره؛ قال النووي ‪َ -‬ر ِح َم ُه‬ ‫‪ ‬أما حكم الساحر‪ :‬فمن أهل العلم من أطلق كفره‪ ،‬ومنهم من َّ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬من السبع‬
‫اهلل‪" :-‬عمل السحر حرام وهو من الكبائر باإلجماع‪ ،‬وقد عدَّ ه النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫ُ‬
‫فصلنا قبل ذلك يف نوعي‬
‫كفرا بل معصية كبيرة" كما َّ‬
‫كفرا‪ ،‬ومنه ما ال يكون ً‬
‫الموبقات؛ ومنها ما يكون ً‬
‫السحر‪.‬‬
‫ونص‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪" :-‬اتفق السلف على وجوب قتل الساحر‪َّ ،‬‬
‫الجصاص ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫َّ‬ ‫أما يف الساحر فيقول أبو بكر‬
‫بعضهم على كفره‪ ،‬حتى من لم يقل بكفر الساحر قال بقتله"‪ ،‬ما الدليل على ذلك؟ الدليل على ذلك‪ :‬هو‬
‫ول َف َقدْ َك َف َر ب ِ َما أُن ِْز َل َع َلى ُم َح َّم ٍد»( )‪.‬‬ ‫َاهنًا أَو س ِ‬
‫اح ًرا َف َصدَّ َق ُه ب ِ َما َي ُق ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ما جاء يف الحديث‪« :‬من أَ َتى ك ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل‪ -‬يف قول اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ُ ﴿ :-‬ت ِض ُّل ب ِ َها َم ْن َتشَ ا ُء َو َت ْه ِدي َم ْن َت َشا ُء﴾‬ ‫ِ‬ ‫قال ابن ٍ‬
‫كثير ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫[األعراف‪ ،]155:‬قال‪" :‬وقد استدل بعضهم هبذه اآلية على تكفير من تع َّلم السحر‪ ،‬ويشهد له بالحديث‬
‫ول َف َقدْ َك َف َر ب ِ َما أُن ِْز َل َع َلى ُم َح َّم ٍد»‪،‬‬ ‫َاهنًا أَو س ِ‬
‫اح ًرا َف َصدَّ َق ُه ب ِ َما َي ُق ُ‬ ‫ْ َ‬
‫البزار وهو ما ذكرناه‪« :‬من أَ َتى ك ِ‬
‫َ ْ‬ ‫الذي رواه َّ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬يف قتل الساحر كما قال اإلمام أحمد ‪َ -‬ر ِح َم ُه‬ ‫ٍ‬
‫صح عن ثالثة من أصحاب النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬ ‫وقد َّ‬
‫اهلل‪.-‬‬
‫ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البزار يف مسنده (‪.)1873‬‬


‫‪12‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫اهلل‪" :-‬إجماع األمة بل أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب‬ ‫ِ‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫اهلل َعنْ ُه‪ ،-‬وعثمان‪ ،‬وحفصة بنت عمر‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قتله‪ ،‬وقد ثبت قتل الساحر عن عمر ‪َ -‬رض َي ُ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬وعن غيرهم من الصحابة‬
‫وروي ذلك مرفو ًعا عن النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬ ‫وجندب بن عبد اهلل‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫اهلل َعن ُْه ْم‪ -‬قتله"‪ ،‬وقال بعض العلماء‪ :‬ألجل الكفر‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ألجل الفساد يف األرض‪ ،‬لكن‬ ‫ِ‬
‫‪َ -‬رض َي ُ‬
‫عزر بالقتل‪.‬‬
‫الجمهور من هؤالء يرون قتله حدًّ ا‪ ،‬كذلك أبو حنيفة ُي ِّ‬
‫‪ ‬وهنا مسألة وهي‪ :‬هل ُتقبَل توبة الساحر؟‬
‫خالف بين أهل العلم‪ :‬فاإلمام مالك وأبو حنيفة وأحمد أن توبة الساحر ال ُتق َبل‪ ،‬ويف‬
‫ٌ‬ ‫يف هذه المسألة‬
‫ٍ‬
‫رواية عن أحمد وعن الشافعي أهنا ُتق َبل‪ ،‬وهذا يدل على خطورة هذا األمر العظيم الذي عدَّ ه اهلل ‪َ -‬ج َّل‬
‫كفرا لما فيه من اإلفساد‪ ،‬ولما فيه من الضرر‪ ،‬ولما فيه من الوقوع يف الشرك‪ ،‬وغير ذلك من المفاسد‬
‫َو َع َال‪ً -‬‬
‫العظيمة التي يفعلها الساحر حتى يتع َّلمه‪.‬‬
‫اهلل‪" :-‬وأما تع ُّلمه ‪-‬يعني بذلك السحر‪ -‬وتعليمه فحرام؛ فإن تضمن ما يقتضي‬ ‫ِ‬
‫قال النووي ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫الكفر ُك ِّفر‪ ،‬وإال فال‪ ،‬وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر ُع ِّزر واستُتيب منه وال ُيقتَل عندنا‪ ،‬فإن تاب ُقبِلت‬
‫توبته"؛ أي إن تاب ُقبِلت توبته كما ذكرنا هذا عن مذهب الشافعي ‪-‬رحم اهلل الجميع‪.-‬‬
‫حقيقة السحر وأنواعه وحكمه (‪)1‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪ ‬من المسائل المهمة‪ :‬أن هناك فر ًقا بين السحر وبين العين؛‬
‫أمر ال ُينكره عاقل‪،‬‬ ‫فالسحر‪ :‬يكون من جهة إعانة الشيطان للساحر والتل ُّبس ببدن المسحور‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫الربَا َال َي ُقو ُمو َن إ ِ َّال ك ََما‬ ‫ِ‬
‫فإن األدلة د َّلت على حصول هذا األمر كما قال اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪﴿ :-‬ا َّلذي َن َيأْ ُك ُلو َن ِّ‬
‫الشيْ َطا ُن م ِ َن ا ْل َم ِّس﴾ [البقرة‪.]275:‬‬
‫َي ُقو ُم ا َّل ِذي يَت ََخبَّ ُط ُه َّ‬
‫﴿ال َي ُقو ُمو َن إ ِ َّال ك ََما َي ُقو ُم ا َّل ِذي َيت ََخبَّ ُط ُه الشَّ ْيطَا ُن م ِ َن ا ْل َم ِّس﴾ أي‬
‫اهلل‪َ :-‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬يقول البغوي ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫ممسوس إذا كان مجنونًا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الجنون‪ُ ،‬يقال‪ُ :‬م َّس الرجل فهو‬

‫منكرا؛‬
‫‪ -‬وقال ابن كثير‪ :‬كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبُّط الشيطان له‪ ،‬وذلك أنه يقوم قيا ًما ً‬
‫فهذا األمر موجود وعليه تقريرات أهل العلم‪.‬‬

‫اهلل‪" :-‬يف هذه اآلية ٌ‬


‫دليل على فساد إنكار من أنكر صر ًعا من جهة الجن‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬يقول القرطبي ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫وزعم أنه من فعل الطبائع‪ ،‬وأن الشيطان ال يسلك باإلنسان وال يكون منه مس"‪.‬‬

‫اهلل‪ -‬أن ابنه عبد اهلل سأله قال‪ :‬قلت ألبي‪" :‬إن قو ًما يزعمون أن‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬وجاء عن اإلمام أحمد ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫الجني ال يدخل يف بدن اإلنسي‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني يكذبون" هو ذا يتكلم على لسانه‪.‬‬

‫اهلل‪" :-‬ولهذا أنكرت طائف ٌة من المعتزلة؛ كالجبائي وأبو ٍ‬


‫بكر الرازي‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬يقول شيخ اإلسالم ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫وغيرها دخول الجني يف بدن المصروع ولم ُينكروا وجود الجن‪ ،‬إذ لم يكن ظهور هذا يف المنقول‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬كظهوري هذا وإن كانوا مخطئين يف ذلك"‪.‬‬
‫عن الرسول ‪َ -‬ص َّلى ُ‬

‫ولهذا ذكر األشعري يف مقاالت أهل السنة والجماعة أهنم يقولون‪" :‬إن الجني يدخل يف بدن‬
‫الشيْطَا ُن م ِ َن ا ْل َم ِّس﴾‬ ‫الر َبا َال َي ُقو ُمو َن إ ِ َّال ك ََما َي ُقو ُم ا َّل ِذي َي َت َ‬
‫خ َّب ُط ُه َّ‬ ‫ِ‬
‫المصروع كما قال تعالى‪﴿ :‬ا َّلذي َن َيأْ ُك ُلو َن ِّ‬
‫[البقرة‪.]275:‬‬
‫اهلل‪ُ -‬يرسل إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪" :-‬شاهدت شيخنا ‪-‬يعني شيخ اإلسالم ابن تيمة ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫قال ابن القيم ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫يحل ِ‬
‫لك ف ُيفيق‬ ‫لك الشيخ‪ :‬اخرجي فإن هذا ال ُّ‬ ‫المصروع من يخاطب الروح التي فيه ويقول‪ :‬قال ِ‬
‫ُ‬
‫المصروع"‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫ِ‬
‫أمر معلو ٌم وواقع‪ ،‬وأدلته كثيرة‬ ‫اهلل رحم ًة واسعة‪" :-‬تلبُّس الجني باإلنسي ٌ‬ ‫يقول الشيخ ابن باز ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬يف هذا‬
‫من الكتاب والسنَّة ثم ذكر اآلية السابقة‪ ،‬قال‪ :‬وهكذا األحاديث عن النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫ِ‬
‫صرع‪ ،‬وطلبت من‬ ‫اهلل َع َل ْيه َو َس َّلم‪ -‬أهنا ُت َ‬
‫المعنى كثيرة‪ ،‬ومنها حديث المرأة التي شكت إلى النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫ك الجنَّةُ‪ ،‬وإ ِ ْن ِشئْ ِ‬‫ت و َل ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت اهللَ‬
‫ت َد َع ْو ُ‬ ‫َ َ‬ ‫اهلل َع َل ْيه َو َس َّلم‪ -‬أن يدعو لها‪ ،‬فقال لها‪« :‬إ ِ ْن شئْت َصبَ ْر َ‬
‫النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫الس َالم‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ال َأ َت َك َّش َ‬
‫ف‪َ ،‬فدَ َعا َل َها ‪َ -‬ع َل ْيه َّ‬
‫الص َال ُة َو َّ‬ ‫اهلل َأ ْن َ‬ ‫ك»(‪َ .)1‬ف َقا َل ْت‪َ :‬يا رسول اهللِ؛ إِنِّي َأ َت َك َّش ُ‬
‫ف َفا ْد ُع َ‬
‫أَ ْن يعافِي ِ‬
‫َُ َ‬
‫إذن هذا ما يتعلق بالسحر أو يتعلق بالمس وهو غير أمر العين‪ ،‬فالعين إنما تأثيرها كما قال العلماء‪:‬‬
‫عضت واحتدت فإهنا تتكيف‬‫بواسطة النفس الخبيثة‪ ،‬وهي يف ذلك بمنزلة الح َّية التي إنما يؤثر ُس ُّمها إذا َّ‬
‫ُحدث فيها تلك الكيفية السم فتؤثر يف الملسوع‪.‬‬ ‫بكيفية الغضب والخبث‪ ،‬قال‪ :‬فت ِ‬

‫اهلل‪" :-‬فإذا كان هذا يف الح َّيات فما الظن يف النفوس الشريرة الغضبية‬ ‫ِ‬
‫ويقول ابن القيم ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫الحاسدة إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية‪ ،‬واتسمت وتوجهت إلى المحسود بكيفيتها؟ فلله كم من قتيل‪ ،‬وكم‬
‫من سليب؟ وكم من معاىف عاد مضني على فراشه‪ ،‬يقول طبيبه‪ :‬ال أعلم داءه ما هو؟ قال‪ :‬فصدق‪ ،‬ليس‬
‫هذا الداء من علم الطبائع‪ ،‬هذا من علم األرواح وصفاهتا وكيفيتها ومعرفة تأثيراهتا يف األجسام والطبائع‬
‫علم ال يعرفه إال خواص الناس‪ ،‬والمحجوبون‬
‫وانفعال األجسام عنها‪ ،‬فعجائب األرواح وتأثيراهتا وهذا ٌ‬
‫نصيب من ذوقه" انتهى كالمه ‪-‬‬
‫ٌ‬ ‫منكرون له‪ ،‬وال يعلم تأثير ذلك وارتباطه بالطبيعة وانفعالها عنه إال من له‬
‫اهلل‪.-‬‬ ‫ِ‬
‫َرح َم ُه ُ‬
‫ال شك أن عالج السحر أو عالج العين هو يف األصل بالرقية الشرعية وبالقرآن ونحو ذلك‪ ،‬وهذا مما‬
‫سيأيت تفصيله إن شاء اهلل ‪َ -‬ت َب َار َك َو َت َعا َلى‪ -‬يف اللقاء الرابع‪ ،‬لكن ال بأس هنا من اإلشارة إلى أن من أهم ما‬
‫يعتني به من ُأصيب بالعين ما قد جاء يف السنة من أن يأخذ من العائن‪ ،‬يغسل أطراف يديه ورجليه‬
‫ويتمضمض كذلك‪ ،‬ويف داخلة اإلزار الذي حول السرة ويشرب منه‪ ،‬ويصب على رأسه ‪-‬يعني الذي‬
‫ُأصيب بالعين‪ -‬وعلى بدنه من قفاه ويربأ بإذن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪.-‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5652‬‬


‫حقيقة السحر وأنواعه وحكمه (‪)1‬‬ ‫‪15‬‬

‫جربنا مجرد غسل اليدين أو وجهه بإذن اهلل ينفع" إذا غسل‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪" :-‬حتى َّ‬
‫يقول الشيخ ابن باز ‪َ -‬رح َم ُه ُ‬
‫ويكب على المرء يربأ بإذن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪.-‬‬
‫ُّ‬ ‫يديه ووجهه وتمضمض‬
‫يعرف من هو العائن‪ :‬ف ُيعالج نفسه بالقراءة‪ ،‬بالرقية الشرعية‪ ،‬بتالوة القرآن‪ ،‬فهذا بإذن اهلل ‪-‬‬ ‫أما إن لم ِ‬

‫َج َّل َو َع َال‪ -‬من أسباب الشفاء‪ ،‬واهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يقول‪﴿ :‬نُن َِّز ُل م ِ َن ا ْل ُق ْرآَ ِن َما ُه َو ِش َفا ٌء َو َر ْح َم ٌة ل ِ ْل ُم ْؤمِنِي َن﴾‬
‫[اإلسراء‪﴿ ،]82:‬نُن َِّز ُل م ِ َن ا ْل ُق ْرآَ ِن﴾ هذه (مِ ْن) هنا بيانية؛ يعني يقرأ من آيات القرآن كلها وإن كانت هناك‬
‫ٍ‬
‫عظيم للمعوذتين‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬وآية الكرسي‪ ،‬ونحو ذلك من اآليات‪.‬‬ ‫ال شك ما ورد يف السنَّة من ٍ‬
‫تأثير‬
‫التوسع يف مسألة العين وال سيما يف ٍ‬
‫كثير من النساء‪ ،‬إذا ُأصيبت‬ ‫ُّ‬ ‫ولكن ُألفت النظر هنا ً‬
‫أيضا إلى عدم‬
‫ٍ‬
‫بشيء يف جلدها‪ ،‬أو يف شعرها‪ ،‬أو يف نحو ذلك أحالت األمر إلى أن هذا بسبب العين‪ ،‬وربما نسبت ذلك‬
‫ٍ‬
‫صديقة لها‪ ،‬أو إلى إحدى الجيران‪ ،‬أو نحو ذلك مما ُيثير العداوة والبغضاء‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬
‫قريبة لها‪ ،‬أو إلى‬ ‫إلى‬
‫يكون هذا من وساوس الشيطان‪.‬‬
‫فالكثير من األمور هي اعتيادية‪ ،‬اإلنسان ُيصاب يف جلده‪ ،‬و ُيصاب يف شعره‪ ،‬و ُيصاب يف وجهه‪ ،‬وغير‬
‫ذلك‪ ،‬و ُيصاب يف بدنه‪ ،‬وقد يتأثر بيته بشيء‪ ،‬وقد تتأثر سيارته‪ ،‬وقد يحصل يف ولده من المرض ونحو‬
‫ذلك‪ .‬إذن ال ينبغي لإلنسان أن يوسوس على كل ٍ‬
‫أمر ف ُيحيل هذا إلى أمر العين‪.‬‬
‫وليس كل ٍ‬
‫أمر يحصل فيه تغيير فيكون السبب يف ذلك العين‪ ،‬أو يكون السبب يف ذلك المس‪ ،‬أو نحو‬
‫معرض‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن هذه األمور ليس الحكم عليها بما يحصل غال ًبا يف حياة الناس من تغيير‪ ،‬فإن اإلنسان‬
‫والحزن‪ ،‬وللصحة والمرض‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذه التقلبات التي تحصل يف اإلنسان ال ينبغي أن يربطها‬
‫للفرح ُ‬
‫مباشرة بمسألة الجن‪ ،‬أو بمسألة العين‪ ،‬أو بأمور الحسد‪ ،‬أو بنحو ذلك‪ ،‬بل يحرص اإلنسان يف عادته‪ ،‬ويف‬
‫التحصن باألذكار الشرعية‪ ،‬هذا الذي يجب على اإلنسان‪ ،‬وهذا الذي ينبغي أن‬
‫ُّ‬ ‫يومه‪ ،‬ويف ليلته على‬
‫ٍ‬
‫شاطئ يطمئن إليه‪.‬‬ ‫يحرص عليه‪ ،‬ال أن يب ِ‬
‫حر يف وساوس ال ساحل لها‪ ،‬وال يرسى فيها على‬ ‫ُْ‬
‫وإنما الذي ينبغي على اإلنسان أن يحرص على ما يعرفه‪ ،‬وعلى ما يستطيع عليه من االجتهاد يف أذكار‬
‫تحصينات شرعي ٌة مؤثر ٌة ونافع ٌة بإذن اهلل‬
‫ٌ‬ ‫الصباح والمساء‪ ،‬والخروج والنوم واليقظة‪ ،‬وغير ذلك مما هي‬
‫‪16‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ ،-‬ومن التجأ إلى اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬ألجأه اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬إليه وكفاه ‪ُ -‬س ْب َحا َن ُه َو َت َعا َلى‪-‬‬
‫وحفظه‪ ،‬هذه وعود من اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪.-‬‬
‫مثال يف أمر المعوذتين‪َ « :‬ما َت َع َّو َذ ُمتَ َع ِّو ٌذ ب ِ ِمثْلِ ِه َما»(‪)1‬وسيأيت تفصيل‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ -‬يقول ً‬
‫النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫هذا بإذن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يف مسألة العالج والوقاية‪ ،‬مع حرص اإلنسان على أمر الطاعات‪ ،‬وأمر‬
‫المحرمات‪ ،‬فإن هذه هي سوق الشيطان وهي بضاعته‪ ،‬فيحرص‬
‫َّ‬ ‫العبادات‪ ،‬وال ُبعد عن المعاصي وعن‬

‫العبد على أن يكون قري ًبا من طاعة ربه ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ ،-‬وأن يكون قري ًبا ُّ‬
‫تقربه لخالقه يف أمر الصالة‪ ،‬ويف أمر‬
‫األذكار‪ ،‬ويف أمر الدعاء‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وكذلك أن يحفظ أبناءه بأمر الرقية‪ ،‬فاهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬يحفظهم بذلك‪ ،‬يرقيهم يف الصباح ويف المساء‪،‬‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ ،-‬وال شك أن الذهاب إلى األطباء إذا‬
‫عوذهم بالتعويذات الواردة يف سنَّة النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫و ُي ِّ‬
‫أمر مشروع‪ ،‬ولكن ال ينبغي لإلنسان أن يغفل عن اللجوء‬ ‫ٍ‬
‫بمرض أو بنحو ذلك أن هذا ٌ‬ ‫ما ُأصيب اإلنسان‬
‫التقرب إليه‪ ،‬والحرص على أن يلوذ بخالقه ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪.-‬‬ ‫إلى اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ ،-‬وعن دعائه‪ ،‬وعن ُّ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّلم‪ ،-‬فإن‬
‫كذلك الحرص على التحصينات الواردة يف السنَّة النبوية الصحيحة عنه ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫يف هذا األمر من النفع والكفاية بإذن اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬ما ينفع اإلنسان ويكون وقاي ًة له من األمراض‪ ،‬بل‬
‫وراف ًعا له مما َّ‬
‫حل به من األمراض‪.‬‬
‫هذه هي المسائل يف هذا اللقاء‪ ،‬ونُكمل إن شاء اهلل ‪َ -‬ت َبا َر َك َو َت َعا َلى‪ -‬بقية المسائل يف اللقاءات القادمة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آله‬ ‫أسأل اهلل ‪َ -‬ج َّل َو َع َال‪ -‬للجميع التوفيق والسداد‪ ،‬والهدى والرشاد‪ ،‬وص َّلى اهلل على نبينا‬
‫كثيرا‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫وصحبه وس َّلم‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)1465‬‬


)1( ‫حقيقة السحر وأنواعه وحكمه‬ 17

‫حسابات شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬


:‫ يسعدنا أن نتواصل على المواقع التالية‬,‫ليصلكم جديد شبكة بينونة‬
⓵ 【 ‫ تويتر‬Twitter 】
https://twitter.com/BaynoonaNet
⓶ 【 ‫ تيليجرام‬Telegram 】
https://telegram.me/baynoonanet
⓷ 【 ‫ فيسبوك‬Facebook 】
https://m.facebook.com/baynoonanetuae/
⓸ 【 ‫ انستقرام‬Instagram 】
https://instagram.com/baynoonanet
⓹ 【 ‫ واتساب‬WhatsApp 】
‫احفظ الرقم التالي في هاتفك‬
https://api.whatsapp.com/send?phone=971555409191 ☏
"‫أرسل كلمة "اشتراك‬
‫تنبيه في حال عدم حفظ الرقم لديك‬
(( ‫)) لن تتمكن من استقبال الرسائل‬
⓺【 ‫】 تطبيق اإلذاعة‬
‫ألجهزة األيفون‬
https://appsto.re/sa/gpi5eb.i
‫ألجهزة األندرويد‬
https://goo.gl/nJrA9j
⓻ 【 ‫ يوتيوب‬Youtube 】
https://www.youtube.com/c/BaynoonanetUAE
⓼ 【 ‫ تمبلر‬Tumblr 】
https://baynoonanet.tumblr.com/
⓽ 【 ‫ بلوجر‬Blogger 】
https://baynoonanet.blogspot.com/
⓾ 【 ‫ فليكر‬Flickr 】
https://www.flickr.com/photos/baynoonanet/
⑪ 【 ‫】 لعبة كنوز العلم‬
‫ألجهزة األيفون‬
https://goo.gl/Q8M7A8
18 ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫ألجهزة األندرويد‬
https://goo.gl/vHJbem
【 ‫ تيك توك‬TikTok 】
https://tiktok.com/@baynoonanet
【 ‫ في كي‬Vk 】
https://vk.com/baynoonanet
【 ‫ لينكدان‬Linkedin 】
https://www.linkedin.com/in/669392171-‫الشرعية‬-‫للعلوم‬-‫بينونة‬-‫شبكة‬
【 ‫ ريديت‬Reddit 】
https://www.reddit.com/user/Baynoonanet
【 ‫ تشينو‬chaino 】
https://www.chaino.com/profile?id=5ba33e0c772b23d5bb7daf0a
【 ‫ بنترست‬Pinterest 】
https://www.pinterest.com/baynoonanet/
【 ‫ سناب شات‬Snapcha 】
https://www.snapchat.com/add/baynoonanet
【 ‫】 تطبيق المكتبة‬
‫ألجهزة األيفون‬
https://apple.co/33uUnQr
‫ألجهزة األندرويد‬
https://goo.gl/WNbvqL
【 ‫】 تطبيق الموقع‬
‫ألجهزة األيفون‬
https://apple.co/2Zvk8OS
‫ألجهزة األندرويد‬
https://bit.ly/3fFoxWe
【 ‫】 البريد اإللكتروني‬
info@baynoona.net
【 ‫】 الموقع الرسمي‬
http://www.baynoona.net/ar/

You might also like