You are on page 1of 23

‫الفصل األول‬

‫حق الدماء واألعراض بين خطب الوداع والميثاق العالمي‬


‫ويحتوي على مبحثين كما يلي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حق الدماء بين خطب الوداع والميثاق العالمي‬
‫ويشتمل على ثالثة مطالب كما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬حق الدماء في خطب الوداع‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حق الدماء في الميثاق العالمي‪.‬‬
‫المطلب الثالث مقارنة الميثاق العالمي بخطب الوداع في حق الدماء‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حق العرض بين خطبة الوداع والميثاق العالمي‪.‬‬
‫ويشتمل على ثالثة مطالب كما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬حق العرض في خطب الوداع‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حق العرض في الميثاق العالمي‪.‬‬
‫‪.‬المطلب الثالث‪ :‬مقارنة الميثاق العالمي بخطب الوداع في حق العرض‬

‫المبحث األول‪ :‬حق الدماء بين خطب الوداع والميثاق العالمي‪.‬‬


‫ويشتمل على ثالثة مطالب كما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬حق الدماء في خطب الوداع‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حق الدماء في الميثاق العالمي‪.‬‬
‫المطلب الثالث مقارنة الميثاق العالمي بخطب الوداع في حق الدماء‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حق الدماء في خطب الوداع‪.‬‬


‫الحق لغة واصطالًح ا‬
‫الحق لغة الحاء والقاف أصل واحد‪ ،‬وهو يدل على إحكام الشيء وصحته‪ ،‬ثم‬
‫يرجع كل فرع إليه بجودة االستخراج وحسن التلفيق‪ ،‬ويقال حَّق الشيء أي وجَب‬
‫(‪ ، )۱‬والَح ُّق ‪ :‬خالف الباطل‪ .‬والَح ُّق ‪ :‬واحد الحقوق (‪ ،)۲‬وهو ما يقره الشرع‬
‫والقانون لألشخاص ماال أو تكليفا‪.‬‬
‫الحق اصطالحا هو الثابت الذي ال يسوغ إنكاره ‪ ،‬وهو وقوع الشئ في موقعه الذي هو أولى به‪ ،‬وهو‬
‫الحكم المطابق للواقع‪ ،‬يطلق على االقوال والعقائد‪ ،‬واالديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك‪،‬‬
‫ويقابله‬
‫الباطل (‪.)۳‬‬

‫وجاء في نص خطب الوداع‪َ" :‬فِإَّن ِد َم اَء ُك ْم ‪َ ،‬و َأْم َو اَلُك ْم ‪َ ،‬و َأْع َر اَض ُك ْم ‪،‬‬
‫َبْيَنُك ْم َحَر اٌم ‪َ ،‬ك ُحْر َم ِة َيْو ِم ُك ْم َهَذ ا‪ِ ،‬في َش ْهِرُك ْم َهَذ ا‪ِ ،‬في َبلِد ُك ْم َهذا (‪)4‬‬
‫(‪ )1‬ينظر ‪ :‬مقاييس اللغة البن فارس(‪.)١٥ /٢‬‬
‫(‪ )۲‬ينظر‪ :‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬للفارابي(‪.)١٤٦٠/٤‬‬
‫(‪ )۳‬ينظر ‪ :‬معجم الفروق اللغوية‪ ،‬ألبي هالل العسكري(‪.)١٩۳/۱‬‬
‫(‪ )٤‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري في صحيحه (‪ ، )٦٧‬من حديث ابي بكرة رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب العلم‪،‬‬
‫باب قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬رب" مبلغ أوعى من شاهد"(‪ ،)٢٤/١‬ورواه مسلم في صحيحه‬
‫(‪ ، )١٦٧٦‬من حديث ابي بكرة رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب القسامة والمحاربين‪ ،‬باب تغليظ تحريم الدماء‬
‫واألعراض واألموال (‪.)١٣٠٦/٣‬‬
‫وسوف أتناول حق الدماء في الشريعة اإلسالمية على أربعة مسائل كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أوال حق دماء جميع البشر ‪.‬‬
‫ثانًيا حق دماء أهل الذمة‪.‬‬
‫ثالًثا حق دماء المسلمين فيما بينهم‪.‬‬
‫رابًعا حق دماء المسلم على نفسه‪.‬‬
‫وهذا إن دَّل فإنه يدل على عظيم حرمة الدماء في ديننا الحنيف‪ ،‬وأن‬
‫اإلسالم جاء ليحق الدماء ويحميها من القتل والسفك كما يلي‪:‬‬
‫أوال حق دماء جميع البشر‬
‫لقد حرم هللا تعالى سفك الدماء ظلًم ا وعدواًنا وأكد على أن المجتمع‬
‫اإلسالمي مجتمع قائم على مبدأ السلم والتراحم والتناصح‪ ،‬وال مجال فيه‬
‫للعنف والطغيان وسفك الدماء وانتهاك الحريات‪.‬‬
‫وإن هللا سبحانه ال ينظر الى اإلنسان بمنظار قومي وطائفي بل ينظر إلى االنسان‬
‫كونه سر عظمته وقدرته المستودعة فيه‪ ،‬فالذي يصنع دمية بسيطة دون أن يستطيع‬
‫أن يهب لها الروح تكون تلك الدمية عزيزة على قلبه‪ ،‬فما بالك بالذي يخلق إنساًنا‬
‫وينفخ فيه من روحه لتتجلى في ذلك الكائن عظمته سبحانه وتعالى‪ ،‬فاإلنسان أًيا كانت‬
‫قوميته ولونه ومذهبه وانتمائه هو كائن مقدر عند هللا سبحانه وتعالى ودمه مصان‬
‫وكرامته محفوظة و اإلسالم ال يقبل بنظرة التعالي على البشر واعتبار اآلخرين‬
‫أقواًم ا أقل شأنا يجب قتلهم لتستقيم الحياة ونتقرب بدمائهم الى هللا‪ ،‬نعم هناك فرق بين‬
‫الذين يعلنون حرًبا على اإلسالم فهذا حق مشروع يمنحه هللا سبحانه للبشر للدفاع عن‬
‫أنفسهم اتجاه المخاطر التي تهدد دين‬
‫هللا وتهدد اإلنسان‪ ،‬وهو حق مشروع تقره شرائع السماء وإال صارت الحياة‬
‫فوضى يزيح القوي منهم الضعيف لذلك أوجب الدفاع عن النفس ليعلم‬
‫الجميع بأن لإلنسان قدرة على ردع الظلم والوقوف بوجه الجريمة أما‬
‫القتل العبثي فهو مبدأ مرفوض من قبل جميع الشرائع السماوية ( ‪. ) ۱‬‬
‫لقد اعتبر هللا سبحانه قتل النفس جريمة كبرى؛ لذلك يقول سبحانه وتعالى"‬
‫قتل نفسا بغير نفس أْو َفَس اٍد ِفي األْر ض َفَك َأَّنَم ا َقَتَل الَّناَس َج ِم يًعا َو َم ْن َأْح َياَها‬
‫َفَك َأَّنَم ا َأْح َيا الَّناَس َج ِم يًعا ‪ )۲( ٤‬ولنتمعن في هذه اآلية جيًد ا فهي لم تتحدث‬
‫عن مذهب‪ ،‬أو دين‪ ،‬أو قومية‪ ،‬بل تتحدث عن النفس البشرية أًيا كان لونها‬
‫وانتماؤها العرقي والطائفي‪ .‬قال ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ :‬المعنى أي‬
‫من قتل نفًسا واحدة وانتهك حرمتها‪ ،‬فهو مثل من قتل الناس جميًعا‪ ،‬ومن‬
‫ترك قتل النفس الواحدة وصان حرمتها مخافة من هللا فهو كمن أحيا الناس‬
‫جميعا‪ ،‬وقال غيره فيمن أحياها أي‪ :‬العفو بعد المقدرة (‪ ، )۳‬ويدخل في اآلية‬
‫ذلك الذي يقوم بعمليات إنقاذ األرواح البريئة من الحرق والهدم والغرق في‬
‫فضيلة إحياء النفس البشرية‪.‬‬
‫والنفس التي يتحدث عنها القرآن هي النفس المحترمة وهي ليست نفسا تنتمي إلى دين‬
‫أو قومية أو مذهب معين بل هي نفس اإلنسان التي بين‬
‫(‪ )۱‬ينظر ‪ :‬حرمة الدماء في شريعة اإلسالم‪ ،‬د‪ /‬علي توفيق(‪.)٥‬‬
‫(‪ )۲‬سورة المائدة‪( :‬جزء من اآلية‪.)۳۲ :‬‬
‫(‪ )۳‬ينظر‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن‪ ،‬الطبري (‪. )۱۲۳/۲‬‬
‫جنبيه فقد جاء في الحديث الشريف‪ :‬من آمن رجًال على دمه فقتله‪ ،‬فأنا‬
‫برئ من القاتل وان كان المقتول كافًر ا (‪.")۱‬‬
‫ثانًيا حق دماء أهل الذمة‬
‫ومهما كان االنتماء الديني ألصحاب تلك الممتلكات فلم يفرق الشارع اإلسالمي‬
‫في رؤيته لإلنسان ما بين مسلم ومسيحي أو يهودي فهو لم يسمح بسرقة أموال‬
‫اليهود وال سبي نسائهم وال حتى االعتداء عليهم ما لم يبدأوا هم باالعتداء‪،‬‬
‫واألمر ينطبق على الديانات األخرى‪ ،‬وما وقع من حرمات على المسلمين يقع‬
‫أيضا على األقليات الدينية األخرى التي تحظى بحماية المجتمع اإلسالمي‪ ،‬بل‬
‫ويتوجب على المجتمع اإلسالمي ذي األغلبية أن يدافع عن حقوق األقليات‬
‫الدينية األخرى فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "أال" من قتل نفسا معاهدة‬
‫له ذمة هللا وذمة رسوله فقد أخفر بذمة هللا ‪ ،‬فال ُيَر ح رائحة الجنة‪ ،‬وإن ريحها‬
‫ليوجد على مسيرة سبعين خريفا‬
‫)‪.. (۲‬‬

‫(‪ )۱‬صحيح‪ ،‬رواه البيهقي في السنن الكبرى من حديث َع ْم ُرو ْبُن اْلَح ِم ِق الُخ َز اِع ُّي َر ِض َي‬
‫ُهللا َع ْنُه ‪ ،‬كتاب السير‪ ،‬باب األسير يؤمن فاليكون لهم أن يغتالوه (‪ ،)٢٤٠/٩‬صححه‬
‫األباني في الصحيحة (‪)٤٤٠/١‬‬
‫(‪ )۲‬صحيح رواه الترمذي في سننه (‪ ، )۱٤۰۳‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪،‬‬
‫كتاب الدياب‪ ،‬باب ما جاء فيمن قتل نفسا معاهدة (‪ ،)٣٢٤/٣٢‬وقال الترمذي‪ :‬حسن‬
‫صحيح‪ ،‬ورواه النسائي في سننه (‪ ، )٤٧٤٨‬من حديث أبي بكرة رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب‬
‫القسامة‪ ،‬باب تعظیم قتل المعاهد (‪.)٤٣٥/٦‬‬
‫بل في الصحيحين‪َ" :‬م َّر ْت " على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم جنازة‬
‫فقاَم َفِقيَل َلُه ِإَّنَها جنازة َيُهوِدُئ َفقاَل َأَلْيَس ْت نفسا (‪)۱‬؟‬
‫وإن اختلف الفقهاء في مسألة قتل المسلم بالذمي؛ فإنهم لم يختلفوا في عظم‬
‫الجناية وشناعة الفعل‪ ،‬كما لم يختلفوا في وجوب العدل مع مخالفيهم في الدين‬
‫ووجوب كف األذى والظلم عنهم‪.‬‬
‫قال رسول هللا ‪ " :‬إن هللا عز وجل لم ُيِح َّل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إال‬
‫بإذن ‪ ،‬وال ضرب نسائهم ‪ ،‬وال أكل ثمارهم ‪ ،‬إذا أعطوكم الذي عليهم (‪)۲‬‬
‫جاء في حاشية الدر المختار‪ :‬وجوب كف األذى عن الذمي‪ ،‬وتحرم غيبته كالمسلم؛‬
‫ألنه بعقد الذمة وجب له ما لنا‪ ،‬فإذا حرمت غيبة المسلم حرمت غيبته‪ ،‬بل قالوا‪ :‬إن‬
‫ظلم الذمي أشد (‪.")۳‬‬
‫وجاء في الذخيرة ‪":‬عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم‪ ،‬ألنهم في جوارنا وفي ذمة هللا‬
‫تعالى وذمة رسوله ودين اإلسالم‪ ،‬فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في‬
‫ِع رض أحدهم‪ ،‬أو نوع من أنواع األذية‪ ،‬أو‬
‫(‪ )۱‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري في صحيحه (‪ ، )۱۳۱۲‬من حديث قيس وسهل رضي هللا عنهما‪،‬‬
‫كتاب الجنائز‪ ،‬باب من قام لجنازة يهودي (‪ ،)٨٥/٢‬ورواه مسلم في صحيحه (‪ ،)٩٦١‬من‬
‫حديث قيس وسهل رضي هللا عنهما‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب القيام للجنازة (‪.)٦٦١/٢‬‬
‫(‪ )۲‬صحیح لغیره‪ ،‬رواه أبو داود في سننه (‪ ، )٣٠٥٠‬من حديث العرباض بن سارية‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب الخراج باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات(‪،)٦٥٦/٤‬‬
‫قال‬
‫شعيب األرنؤوط معلقا‪ :‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫‪.‬ينظر‪ :‬حاشية ابن عابدين (‪(۳) )۳۲۱/۸‬‬

‫‪.‬أعان على ذلك؛ فقد ضيع ذمة هللا تعالى وذمة رسوله وذمة دين اإلسالم (‪)1‬‬
‫وعليه فإن عقد الذمة يلزم على الدولة اإلسالمية أن تحفظ نفس الذمي وماله‪،‬‬
‫فضال على أن قتل نفس في اإلسالم جرم عظيم وال يحل دم مشرك باهلل إال في‬
‫حال حرب‪.‬‬
‫ثالًثا حق دماء المسلمين فيما بينهم‬
‫للمسلم حرمة عظيمة أًيا كان مذهبه فال يحل ألحٍد قتله أوسفك دمه وانتهاك‬
‫حرمته؛ لذلك قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬ال يحل دم امرئ مسلم اال‬
‫بإحدى ثالث ‪ :‬كفر بعد إسالمه ‪ ،‬أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بنفس"‪ ،‬وفي‬
‫رواية أخرى "ال َيِح ُّل َد ُم اْمِرٍئ ُم ْس ِلٍم َيْش َهُد َأْن ال ِإَلَه ِإاَّل ُهَّللا َو َأَّن ُم َح َّم ًد ا َر ُس وُل‬
‫ِهَّللا ِإاَّل ِبِإْح َد ى ثالث َرُج ٌل َز َنى َبْعَد ِإْح َص اِن َفِإَّنُه ُيْر َج ُم َو َرُج ٌل َخ َر َج ُم َح اِر ًبا ِهَّلِل‬
‫َو َر ُس وِلِه َفِإَّنُه ُيْقَتُل َأْو ُيْص َلُب َأْو ُيْنَقى ِم ْن اَأْلْر ِض َأْو َيْقُتُل نفسا فُيْقَتُل بها (‪.")٢‬‬
‫ثم اذا وقع في شئ من هذه الثالث فليس ألحٍد من أحاد الرعية أن يقتله وإنما ذلك‬
‫إلى اإلمام أو نائبه‪ ،‬وجاء عن أنس بن مالك (رض) ‪" :‬فاذا شهدوا أن ال إله إال هللا‬
‫وأن محمدًا رسول واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا‬
‫(‪ )۱‬ينظر الذخيرة‪ ،‬القرافي (‪.)٤٦٧/٢‬‬
‫(‪ )۲‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري في صحيحه (‪ ، )٦۸۷۸‬من حديث عبدهللا رض‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب‬
‫قول هللا تعالى‪ :‬إن النفس بالنفس (‪ ،)۱۷۱/۲۱‬ورواه مسلم في صحيحه (‪ ، )١٦٧٦‬من حديث عبد‬
‫هللا ‪،‬رض كتاب القسامة والمحاربين‪ ،‬باب ما يباح به دم المسلم(‪.)٣٢٤/٩‬‬
‫صالتنا حرمت علينا دمائهم وأموالهم إال بحقها ‪ ،‬لهم ما للمسلمين وعليهم ما‬
‫عليهم (‪.")1‬‬
‫وبلغ األمر أن المقداد بن األسود الكندي ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت رسول هللا ‪ :‬أرأيت‬
‫إن لقيت كافرا فقاتلته فقطع يدي ثم أهويت ألضربه‪ ،‬فالذ بشجرة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أسلمُت هلل أ أقتله ؟‪ ،‬قال ‪ " :‬ال "‪ ،‬قلُت يا رسول هللا إنه قطع يدي‪ ،‬أأقتله؟‬
‫قال ‪ " :‬ال ال "‪ " ،‬ألنك إن قتلته كان بمنزلتك قبل أن تقتله‪ ،‬وكنت بمنزلته‬
‫قبل أن يقولها (‪.")۲‬‬
‫لذلك كان المسلمون يتورعون في األمور التي فيها الحدود لئال يقع ظلم من‬
‫جراء مكيدة من أحد‪ ،‬وجعلوا دم المسلم ال يقل حرمة عن حرمة الكعبة‪ ،‬فقد‬
‫ورد عن سعيد بن ميناء قال ‪" :‬إني الطوف بالبيت مع عبد هللا بن عمرو‬
‫بعد حريق البيت ‪ ،‬إذ قال ‪ :‬أي سعيد أتدري ما أعظم من البيت ؟ قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬وما أعظم منه ؟ قال ‪ :‬دم المسلم يسفك بغير حقه (‪.")۳‬‬
‫(‪ )۱‬صحيح‪ ،‬رواه أحمد في مسنده (‪ ،)۱۳۰٥٦‬مسند أنس ابن مالك‪ ،‬والحديث‪ :‬رجاله ثقات‬
‫رجال الشيخين غير علي بن إسحاق وهو السلمي موالهم المروزي‪ -‬فمن رجال الترمذي‪ ،‬وهو‬
‫ثقة‪ ،‬ينظر‪ :‬تعليق شعيب األرناؤوط على المسند(‪ )۲( .)٦٥٤/٩‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري في‬
‫صحيحه (‪ ، )٦٨٥٦‬من حديث المقداد بن عمرو الكندي رض‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب قول هللا‬
‫تعالى‪ :‬ومن أحياها (‪ ،)۳/۹‬ورواه مسلم في صحيحه (‪ ، )٩٥‬من حديث المقداد بن عمرو‬
‫الكندي رض ‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال‪ :‬ال إله إال هللا (‪.)٩٥/١‬‬
‫(‪ )۳‬رواه عبدالرزاق في مصنفه (‪ ،)٩١٨٦‬من حديث سعيد بن ميناء رض‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب‪:‬‬
‫المؤمن أعظم حرمة من البيت (‪.)١٣٩/٥‬‬
‫وكان الرسول الكريم صلى هللا عليه وسلم حريًص ا على أرواح المسلمين‬
‫فقد نهى النبي " أن يشير المسلم إلى أخيه المسلم بالسالح ‪ ،‬فعن أبي‬
‫هريرة‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ « :‬ال يشر أحدكم إلى‬
‫أخيه بالسالح فإنـه ال يدري أحدكم لعل الشيطان أن ينزغ في يده فيقـع‬
‫فـي حـفـرة مـن النار (‪.)۱‬‬
‫وجاء في تفسير قوله‪َ( :‬و ال َتْقُتُلوا َأْنُفَس ُك ْم (‪ ،)۲‬أي ال يقتل بعضكم بعًض ا؛ ألن هللا‬
‫تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوة‪ ،‬فقاتل أخيه كقاتل نفسه‪.‬‬
‫رابًعا حق دماء المسلم على نفسه‬
‫فالمسلم ال يملك روحه التي بين جنبيه‪ ،‬فهي ملك لخالقه وهي من شأنه وحده جل في‬
‫عاله‪ ،‬فلقد حفظ اإلسالم كيان اإلنسان من عبث اآلخرين ومن عبث نفسه‪ ،‬فليس ألحد‬
‫الحق بأن يعبث بروحه كيفما شاء وأّنى شاء‪ ،‬وهذه المفخخات التي تطيح برؤوس‬
‫المسلمين في شرق األرض وغربها ال تمت بأي صلة بالعمليات الجهادية‪ ،‬لقد بين‬
‫الرسول الكريم الحالل والحرام وبين ما يجب أن يكون عليه المسلم فى الشبهات فقال‬
‫صلى هللا عليه وسلم " اْلَح الُل َبِّيٌن‬
‫(‪ )۱‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري في صحيحه (‪ ،)۷۰۷۲‬من حديث أبي هريرة رض‪ ،‬كتاب‬
‫الفتنة‪ ،‬باب قول النبي ‪ :‬من حمل علينا السالح (‪ ،)٤۹/۹‬ورواه مسلم في صحيحه (‪، )٢٦١٧‬‬
‫من حديث أبي هريرة رض ‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب النهي عن‬
‫اإلشارة بالسالح إلى مسلم (‪.)٢٠٢٠/٤‬‬
‫(‪ )۲‬سورة النساء‪( :‬جزء من اآلية‪.)۲۹( :‬‬

‫َو الَح َر اُم َبِّيٌن َو َبْيَنُهَم ا ُم َش َّبَهاٌت ال َيْع َلُم َها َك ِثيٌر ِم ْن الَّناِس ()" ‪ ،‬وقيل ِللَح َس ن بن‬
‫َع ِلٍّي ‪َ :‬م ا َح ِفَظَت ِم ْن َر ُس ول هللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل َح ِفْظُت ِم ْن َر ُس وُل ِهَّللا‬
‫َص َّلى ُهللا َع َلْيِه َو َس َّلَم ‪َ " :‬دْع َم ا َيريُبَك ِإلى َم ا ال َيريُبك (‪.")٢‬‬
‫وهذه العمليات التي تتم في عواصم الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬وفي مصرنا الحبيبة‬
‫في سيناء‪ ،‬وفي أماكن تجمع المسلمين أثناء االحتفاالت الحسينية أو الزينبية وغيرها‬
‫من احتفاالت السادة الصوفية فهي ال تدخل في باب الجهاد ؛ ألن أرواح المسلمين‬
‫اآلمنين وأرواح النفوس المعاهدة معها تذهب ضحية هذه العمليات والتي يقودها‬
‫انتحاريون وثبت في بحثنا هذا حرمة دم االنسان بصورة عامة وحرمة دم المسلم‬
‫والمؤمن بصورة خاصة‪ ،‬فاذا كان الذي تقتله لم يكن مؤمًنا فهو مسلم‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫مسلًم ا فهو إنسان‪ ،‬حفظ هللا سبحانه وتعالى دمه وكرامته مذ أن خلقه‪ ،‬وليست‬
‫التفخيخات والتفجيرات إال أعمال إرهابية ال عالقة لها باإلسالم الحنيف‪ ،‬فأي جهاد‬
‫هذا الذي يطول األسواق وأماكن العبادة؟ وأي جهاد ذلك الذي يستهدف األطفال‬
‫والشيوخ والنساء‪ ،‬وقد ثبت في كتب الصحاح نهي الرسول الكريم عن قتل النساء‬
‫(‪ )۱‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري في صحيحه (‪ ، )٢٠٥١‬من حديث النعمان بن بشير رض‪ ،‬الكتاب‬
‫البيوع‪ ،‬باب الحالل بين والحرام بين (‪ ،)٥٣/٣‬ورواه مسلم في صحيحه (‪ ،)١٥٩٩‬من حديث النعمان‬
‫بن بشير رض ‪ ،‬كتاب المساقاة‪ ،‬باب‪ :‬أخذ الحالل وترك الشبهات (‪.)۱۲۱۹/۳‬‬
‫صحيح‪ ،‬رواه الترمذي في سننه (‪ ، )٢٥١٨‬من حديث الحسن بن علي رض‪ ،‬كتاب صفة القيامة )‪(۲‬‬
‫‪.‬والرقائق والورع‪ ،‬باب ماجاء في صفة أواني الحوض‪ ،‬قال الترمذي‪ :‬حدیث حسن صحيح (‪)٦٦٨/٤‬‬

‫واألطفال والشيوخ وإذا كان لنا أن نصنف هذه العمليات فهي ال تقع إال‬
‫في باب االنتحار (‪.)۱‬‬
‫صحيح أن ( الجهاد ) هو أحد الفرائض والواجبات اإلسالمية المهمة‬
‫جًد ا ‪ ،‬ولكن ال يعني الجهاد قط إجبار اآلخرين على اعتناق اإلسالم ‪ ،‬بل‬
‫المقصود منه إزالة الموانع والعراقيل عن طريق الدعوة اإلسالمية‬
‫وإبالغ الرسالة اإللهية الى مسامع الناس حتى يتبين الرشد من الغي‪.‬‬
‫لقد كان الرسول الكريم صلى هللا عليه وسلم منتبها لما ستوؤل إليه األحداث‪،‬‬
‫فالجهاد ال يتم بأعمال فردية‪ ،‬وإنما هو قرار أمة بأكملها لذلك نهي النبي عن‬
‫قتل النفس وقتل اآلخرين وأمامنا أحاديث كثيرة تخص حرمة قتل النفس‬
‫( االنتحار) َفَعن أبي ُهَر ْيَر َة َقاَل ‪َ :‬قاَل َر ُس وُل هللا صلى هللا عليه وسلم ‪َ " :‬م ْن‬
‫َقَتَل َنْفَسُه ِبَح ِد يَد ٍة َفَح ِد يَد ْتُه ِفي َيِدِه َيَتَو ًج ا ِبَها ِفي َبْط ِنِه ِفي َناِر َج َهَّنَم َخ اِلًد ا ُم خَلًد ا‬
‫ِفيَها َأَبًد ا َو َم ْن َشرَب َس ًّما فقَتَل َنْفَسُه َفُهَو َيَتَح َّس اُه ِفي نار َج َهَّنَم َخ اِلًد ا ُم خَلًد ا ِفيَها‬
‫َأَبًد ا َو َم ْن َتَر َّدى ِم ْن َج َبٍل فقَتَل َنْفَسُه َفُهَو َيَتَر َّدى ِفي نار َج َهَّنَم َخ اِلًد ا ُم خَلًد ا ِفيَها‬
‫َأَبًد ا (‪.")٢‬‬
‫فهذه رسالة لكل الشباب الذين قد ُغ رر بهم باسم الدين‪ ،‬وباسم الجهاد في‬
‫سبيل هللا‪ ،‬فليتقوا هللا في أنفسهم‪ ،‬وفي أهلنا في بلدنا مصر‪ ،‬فالداعي‬
‫لتفجير المساجد‪ ،‬وال تدمير الكنائس‪ ...‬نسأل هللا أن يحمي لنا مصر من‬
‫كل شر وضر‪.‬‬
‫(‪ )۱‬حرمة الدماء في شريعة اإلسالم‪ ،‬د‪ /‬علي توفيق(‪ )۲( .)٦٥‬صحيح‪ ،‬رواه مسلم في‬
‫صحيحه (‪ ، )۱۰۹‬من حديث أبي هريرة رض‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب غلظ تحريم قتل اإلنسان‬
‫نفسه (‪. )۱۰۳/۱‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حق الدماء في الميثاق العالمي‪.‬‬


‫جاء في المادتين الثالثة والخامسة ما يلي‪:‬‬
‫المادة الثالثة‬
‫لكّل فرد الحق في الحياة والحرية وفي األمان على شخصه‪.‬‬
‫المادة الخامسة‬

‫ال يجوز إخضاع أحد للتعذيب وال للمعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية‬
‫أو الحاطة بالكرامة‪.‬‬

‫المطلب ‪:‬الثالث مقارنة الميثاق العالمي بخطب الوداع في حق الدماء‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حق العرض بين خطبة الوداع والميثاق العالمي‪.‬‬


‫ويشتمل على ثالثة مطالب كما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬حق العرض في خطب الوداع‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حق العرض في الميثاق العالمي‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مقارنة الميثاق العالمي بخطب الوداع في حق العرض‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حق العرض فى خطب الوداع‪.‬‬


‫الِع ْر ُض لغة واصطالًح ا‬
‫العرض لغة‪ :‬العين والراء والضاد بناء تكثر فروعه‪ ،‬وهي مع كثرتها ترجع‬
‫ألصل واحٍد ‪ ،‬وهو الَع ْر ض الذي يخالف الطول‪ ،‬وِع ْر ُض اإلنسان أي حسبه‪،‬‬
‫وقيل نفسه‪ ،‬ونقي الِع ْر ض أي بعيد عن أن يشتم أو يعاب (‪: )۱‬وقيل ما ُيمدح‬
‫به المرُء وما ُيذم ‪ ،‬والجمع أعراض (‪.)٢‬‬
‫الِع ْر ُض اصطالًحا‪ :‬هو الَج َس د َو الَّنفس وجانب الرجل الذي يصونه من‬
‫وحسبه أن ينتقص ‪َ ،‬و َس َو اء َك اَن ِفي َنفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره‪،‬‬
‫أو موضع الَم ْد ح أو الَّد م ِم ْنُه‪ ،‬أو ما يفتخر به من حسب وشرف(‪.)۳‬‬
‫إن اإلسالم حمى األعراض من االنتهاك‪ ،‬وعده كبيرة ضمن الكبائر التي نهى الشارع‬
‫عنه‪ ،‬ودعا اإلسالم الحنيف إلى حماية العرض وستر العورات‪ ،‬حماية لألنساب ومنع‬
‫اختالطها‪ ،‬فال يلحق بالناس عار وال إساءات تقدح في شرفهم؛ حتى اصبح سباب‬
‫العرض جريمة تحاسب عليها األيان السماوية واألرضية‪ ،‬فاإلسالم يمنع قذف‬
‫األعراض‪ ،‬وكذلك‬
‫جميع‬

‫القانون المنظم لسلوك األفراد في اي دولة يمنع ذلك أيًضا‪.‬‬


‫وكل شرع حكيم إذا فتح بالجلب مصلحة‪ ،‬ال بد له من أن يسد بقية األبواب التي‬
‫تعارض هذا الباب‪ ،‬ومن ثم راعت الشريعة اإلسالمية حماية‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مقاييس اللغة البن فارس (‪.)٢٧٣/٤‬‬
‫(‪ )۲‬ينظر‪ :‬المحكم والمحيط األعظم‪ ،‬البن سيده (‪ )۳( .)٣٩٦/١‬ينظر‪ :‬معجم الكليات‪ ،‬ألبي البقاء‬
‫الحنفي(‪.)٦٢٥/١‬‬
‫العرض بدرء ما يفسده وظهر هذا جليا في تحريم الخمر التي هي أم‬
‫الفواحش‪ ،‬وتحريم الزنا‪ ،‬ثم تحريم القذف كما يلي‪:‬‬
‫أوال تحريم الخمر ( أم الفواحش‬
‫للخمر أضرار عديدة كما أثبت ذلك الطب الحديث‪ ،‬فلها اضرار على أجهزة‬
‫الجسم المتنوعة من كبد‪ ،‬وقلب وكلى‪ ،‬والذي يراجع األبحاث الطبية يجد ذلك‬
‫واضًحا جلًيا‪.‬‬

‫فقد جاء بعض البحوث الطبية بأن استهالك الكحول على المدى القصير‪ ،‬يمكن‬
‫أن يؤدي إلى العديد من المشاكل‪ ،‬مثل‪ :‬الغثيان وعدم‬
‫وضوح الرؤية‪ ،‬وثقل اللسان‪ ،‬والتقيؤ‪ ،‬والصداع‪ ،‬وفقدان الوعي (‪.)۱‬‬
‫أما على المدى الطويل‪ ،‬قد يؤدي اإلفراط في استهالك الكحول الى‬
‫مشاكل صحية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اضطرابات في الجهاز الهضمي‬
‫‪ .‬زيادة خطر حدوث التهاب البنكرياس والقرحة‬
‫‪ .‬أضرارا بالغة للكبد‬
‫• ضرر للدماغ والجهاز العصبي‬
‫تفكير مشوش وفقدان الذاكرة‬
‫‪ .‬تضرر األداء الهرموني‬
‫• زيادة خطر اإلصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية‬
‫ينظر ‪ :‬كل شيء حول أضرار الكحول ‪ ،‬بحث منشور على الشبكة العنكبوتية‪ ،‬بتاريخ ‪٢٠١٩/١٢/٥‬م‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪)2‬‬

‫زيادة خطر اإلصابة بالسرطان في الجهاز الهضمي‪ ،‬البلعوم‪ ،‬المريء‪ ،‬الكبد وكذلك‬
‫سرطان الثدي لدى النساء‪.‬‬
‫وعلى المستوى الحسي‪ ،‬اإلفراط في شرب الكحول يزيد من القلق‪ ،‬الغضب‪،‬‬
‫واالكتئاب‪ ،‬وكذلك يؤثر سلبا على األداء االجتماعي في األسرة أو في العمل‬
‫(‪.)١‬‬
‫والخمر هي أم الخبائث؛ النها محرمة تحمل شاربها على الخصال الخبيثة‬
‫من سفك الدماء والزنى وغيره من المعاصي وقال تعالى (ويحل لهم الطيبات‬
‫ويحرم عليهم الخبائث (‪))۲‬‬
‫فالطیبات ما كانت العرب تستطيبه من المآكل الطيبة التي لم ينزل فيها تحريم مثل‬
‫الجراد والسمك والضباب واألرانب وسائر مـا يـصــاد مـن الوحش‪ ،‬ويؤكل من‬
‫األزواج الثمانية المنصوصة في القرآن الكريم‪ ،‬حيث قال تعالى في سورة األنعام‪:‬‬
‫(َتَم اِنَية َأْز َو اٍج ِّم َن الَّض ْأِن اْثَنْيِن َو ِم َن اْلَم ْع ِز اثَنْين (‪ ، ) )۳‬وفي اآلية التي تليها أربعة‬
‫أخرى ( َو ِم َن اِإل بَل اْثَنْيِن َو ِم َن الَبَقِر‬
‫اثَنْين (‪.))٤‬‬
‫وأما تحريم الخبائث فما كانت العرب تستقذره وال تأكله مثل األفاعي‬
‫والعقارب والحرابي والفأر ‪ ،‬فأحل النبي صلى هللا عليه وسلم بأمر هللا ما‬
‫كانوا يستطيعون أكله‪ ،‬وحرم عليهم ما كانوا يستخبثونه إال ما نص هللا عليهم‬
‫مما كانوا يستخبثونه أو ما نص هللا جل وعز على تحريمه في الكتاب من‬
‫الميتة والدم ولحم الخنزير‪ ،‬وما أهل لغير هللا به عند الذبح‪ ،‬أو‬
‫(‪ )1‬ينظر ‪ :‬كل شيء حول أضرار الكحول ‪ ،‬بحث منشور على الشبكة العنكبوتية‪ ،‬بتاريخ ‪٢٠١٩/١٢/٥‬م‪ )۲( .‬سورة‬
‫األعراف‪( :‬جزء من اآلية‪ )۳( .)١٥٧ :‬سورة األنعام‪( :‬جزء من اآلية‪ )٤( .)١٤٣ :‬سورة األعراف‪( :‬جزء من اآلية‪:‬‬
‫‪٤٤‬‬

‫بَّين تحريمه على لسان النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مثل نهيه عن لحوم‬
‫الحمر األهلية‪ ،‬وعن أكل كل ذي ناب من السباع‪ ،‬وكل ذي مخلب من‬
‫الطير‪.‬‬
‫ورسو‬

‫سوله‬
‫حيث ثبت عن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪" :‬إن هللا ينهيانكم عن لحوم‬
‫الحمر األهلية‪ ،‬فإنها رجس من عمل الشيطان (‪." )۱‬‬
‫وثبت أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع‬
‫وعن كل ذي مخلب من الطير (‪.))٢‬‬
‫ثانًيا تحريم الزنا حفاظا لألعراض‪:‬‬
‫والزنا كبيرة من الكبائر‪ ،‬وأعظمها عند هللا تعالى؛ لذلك كان حده أشد الحدود ‪ ،‬ألنه‬
‫جناية على األعراض واألنساب‪ ،‬وهو من جملة الكليات الخمس ‪ ،‬وهي حفظ النفس‬
‫والدين والنسب والعقل والمال التي حرم اإلسالم التعرض لها ‪ ،‬وجاء التحريم أيضًا‬
‫في سنة المصطفى صلى هللا عليه وسلم في خطبة الوداع عندما حرم الدماء واألموال‬
‫واألعراض بين المسلمين ‪ ،‬وأوضح عليه الصالة والسالم أنها حرام عليكم كحرمة‬
‫يومكم هذا في بلدكم هذا فى عامكم هذا (‪.)۳‬‬
‫(‪ )۱‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري في صحيحه (‪ ،)٤۱۹۹‬من حديث أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب‬
‫الجنائز‪ ،‬باب‪ :‬من انتظر حتى تدفن (‪ ، )٩٥/۷‬ورواه مسلم في صحيحه (‪ ،)۱۹۲۱‬من حديث جابر بن‬
‫عبدهللا رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب الصيد‪ ،‬باب في أكل لحوم الخيل (‪.)١٥٤١/٣‬‬
‫(‪ )۲‬رواه مسلم في صحيحه (‪ ،)۱۹۳۳‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب الصيد‪ ،‬باب‪:‬‬
‫تحريم كــــل ذي ناب من السبع (‪.)١٥٣٤/٣‬‬
‫(‪ )۳‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخارى في صحيحه (‪ ، )٤١٤١‬من حديث ابن عمر رضي هللا عنهما‪ ،‬كتاب المغازي‪،‬‬
‫باب‪ :‬حجة الوداع ) (‪ ، ۲۳۲/۷‬ورواه مسلم في صحيحه (‪ ،)۱۹۷۹‬من حديث أب بكرة رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب‬
‫القسامة والمحاربين باب تغليظ تحريم الدماء واألعراض واألموال (‪.)٣٥٨/٦‬‬
‫مفاسد الزنا للزنا مفاسد عديدة وكثيرة جدا ولعل من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫الزنا يجلب الفقر ‪ :‬فالفقر نوعان ‪ :‬فقر يد ‪ ،‬وفقر قلب ؛ فُيذهب شْو ُم الزنا بركة ماله‬
‫فيمحقه ؛ ألنه كفر النعمة واستعان بها على معصية المنعم ‪ ،‬فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه‬
‫لضعف إيمانه ‪ ،‬فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده ‪ ،‬وال يعطى الصبر عنه ‪ ،‬وهو العذاب‬
‫الدائم () ‪ ،‬والزنى يجمع خالل الشر كلها ‪ :‬من قلة الدين وذهاب الورع وفساد‬
‫المروءة وقلة الغيرة ‪ ،‬فال تجد زانيا معه ورع ‪ ،‬وال وفاء بعهد ‪ ،‬وال صدق في‬
‫حديث ‪ ،‬وال محافظة على صديق ‪ ،‬وال غيرة تامة على أهله (‪ )۲( . ) ٢‬الزنا‬
‫يوقع فيما هو أكبر منه ‪ :‬فقد يوقع صاحبه في كبائر الذنوب األخرى ‪ ،‬فقد يقع‬
‫صاحب الزنا في شرب الخمور ‪ ،‬فيؤدي به ذلك إلى ارتكاب جرائم أخرى كالقتل‬
‫‪ ،‬فيقتل من فعل بها الفاحشة ‪ ،‬فيورد نفسه المهالك ويقع في حد آخر من حدود هللا‬
‫‪ ،‬كما قد يوقع صاحبه في السرقة من أجل الحصول على المال الذي سيساعده‬
‫على ارتكاب‬
‫المحرم (‪.)۳‬‬
‫‪ )۳‬انتشار األمراض الفتاكة ‪ :‬وهذا ما يالحظ على أهل الزنا ‪ ،‬فهم في هذا الزمان‬
‫السبب الرئيسي لنقل جميع األمراض الفتاكة والخطيرة والمهلكة‪ ،‬فالزنا سبب‬
‫ألمراض كثيرة منها ‪ :‬السيالن والزهري وهما‬
‫(‪ )1‬ينظر شرح الشهاب الب بدران الحنبلي (‪.)۲۱/۱‬‬
‫(‪ )٢‬ينظر ‪ :‬روضة المحبين‪ ،‬البن القيم (ص‪.)٣٦٠‬‬
‫(‪ )۳‬ينظر‪ :‬جريمة الزنا وأحكامها في الشريعة اإلسالمية (‪.)١٢/٢‬‬

‫مرضان خطيران يفتكان بصاحبهما ‪ ،‬وهاهو مرض نقص المناعة المكتسبة‬


‫(اإليدز) مرض العصر ‪ ،‬وسببه المباشر والرئيسي هـو العالقات الجنسية‬
‫المحرمة ‪ ،‬وهذا المرض لم يجد له األطباء عالجًا حتى اآلن (‪)۱‬‬
‫(‪ ٤‬تفكك المجتمعات ‪ :‬فكم نسمع من الويالت والنكبات التي تحصل لكثير من‬
‫الدول التي استباحت هذه الفاحشة العظيمة لما في ذلك من مخالفة ألوامر هللا‬
‫تعالى ‪ ،‬وأوامر رسوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فأنت تلك‬
‫المجتمعات وعلت فيها الصيحات مما حل بها من عذاب هللا تعالى فتفككت تلك‬
‫المجتمعات ‪ ،‬وخاف بعضها بعضًا ‪ ،‬وانعدم الحياء ‪ ،‬وقتلت العفة هناك ‪ ،‬فأصبحوا‬
‫كالبهائم بل هم أضل سبيال ‪ ،‬ومع فقد البهائم للعقل والتفكير فهي وهللا ال ترضى بمــا‬
‫رضــي بـه أولئك المجرمون المنحلون من فعل الفواحش والرذائل (‪ )٥( . )۲‬الوحدة‬
‫الفردية ‪ :‬فيعيش أهل الزنا بمعزل عن الناس ‪ ،‬لمقت الناس لهم واحتقارهم إياهم ‪،‬‬
‫والخوف من أن لصق عار هذه القضية بمن يخالطهم ويجالسهم ‪ ،‬فال يرغب في‬
‫نكاحهم أحد ‪ ،‬وال يريد صداقتهم أحد ‪ ،‬فهم في عزلة عن الناس كالمرض المعدي ‪،‬‬
‫يرغب الجميع بترهم عن المجتمع إلفسادهم له(‪.)۳‬‬
‫(‪ )1‬ينظر ‪ :‬روضة المحبين‪ ،‬البن القيم(ص‪.)٣٦١‬‬
‫(‪: )۲‬ينظر ‪ :‬جريمة الزنا وأحكامها في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬لعمرو عيسى الفقي(‪.)١٣/٢‬‬
‫(‪ )۳‬ينظر ‪ :‬روضة المحبين البن القيم (ص‪.)٣٦٢‬‬

‫طرق الوقاية من الزنا ‪:‬‬


‫وهناك العديد من الوسائل والطرق التي من شأنها الحد من ارتكاب‬
‫كبيرة الزنا‪ ،‬ولعل من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫(‪ ۱‬ترك التبرج واالختالط ألن المرأة إذا ظهرت مفاتنها تعلقت بها قلوب‬
‫الرجال‪ ،‬وكان ذلك داعًيا للوقوع في تلك الكبيرة‪.‬‬
‫(‪ )۲‬ترك النظرات المحرمات للنساء األجنبيات وهذا مانوه الشرع الحنييف إليه‪ ،‬فأمر‬
‫بغض البصر سواًء من الرجال أو من النساء‪ ،‬يقول تعالى‪:‬‬
‫ج‬

‫(ُقل ِّلْلُم ْؤ ِمِنيَن َيُغ ُّض وا ِم ْن َأْبَص اِرِهْم َو َيْح َفُظوا ُفُروَج ُهْم َذ ِلَك َأْز َك ى َلُهْم‬
‫إَّن َهللا َخ ِبيٌر ِبَم ا َيْص َنُعوَن َو ُقل ِّلْلُم ْؤ ِم َناِت َيْغ ُضْض َن ِم ْن َأْبَص اِر ِهَّن‬
‫َو َيْح َفْظ َن ُفُروَج ُهَّن (‪. ))١‬‬
‫(‪ )۳‬تسهيل المهور ‪ :‬مما يزيد من فرص الزيجات الحالل‪ ،‬والزواج سكن يمنع من هذه‬
‫الفاحشة‬
‫‪ ٤‬ترك الخلوة باألجنبيات فالخلوة من األمور التي تزيد من انتشار الزنا في‬
‫المجتمعات‪ ،‬ولقد خطب النبي صلى هللا عليه وسلم ذات يوم فقال‪" :‬ال يخلون‬
‫رجل بامرأة إال ومعها ذو محرم وال تسافر المرأة إال مع ذي محرم فقام‬
‫رجل فقال يا رسول هللا إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا‬
‫وكذا قال انطلق فحج مع امرأتك (‪.")٢‬‬
‫(‪ )۱‬سورة النور ‪ :‬اآلية ‪ ، ۳۰‬وجزء من اآلية‪)۳۱( :‬‬
‫(‪ )۲‬صحيح رواه مسلم في صحيحه (‪ ،)١٣٤١‬من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب‪ :‬سفر‬
‫المرأة مع محرم(‪.)۹۷۸/۲‬‬
‫‪ )٥‬اختيار الجليس الصالح ‪ :‬فاحذر أصدقاء السوء وعليك بالنصح لهم وإرشادهم إلى‬
‫طريق الحق والصواب ‪ ،‬وعليك بمجالسة أهل الخير‬
‫والصالح فهم القوم ال يشقى بهم جليسهم (‪.)۱‬‬
‫‪ )6‬المداومة على قراءة القرآن ‪ :‬فالقرآن فيه تخويف فالقرآن فيه تخويف ووعد‬
‫ووعيد وتهديد لمن يفعل الفواحش مما قد يردع اإلنسان عن فعلها (‪.)۲‬‬

‫ثالًثا تحريم قذف المحصنات الغافالت‬


‫والقذف هو رمي المحصن بالزنا أو بنفي النسب سواًء كان القاذف محصًنا أو‬
‫غير محصن (‪.)۳‬‬
‫والقذف من الكبائر ‪ ،‬سواًء كان بقذف المحصن أو المحصنة بزئي أو لواط‪ ،‬أو السكوت‬
‫على ذلك‪ ،‬وأجمع العلماء على أن المراد من الرمي في اآلية الكريمة" َو اَّلِذ يَن َيْر ُم وَن‬
‫الُم ْح َص َناِت ُثَّم َلْم َيْأُتوا ِبَأْر َبَعِة ُش َهَد اَء َفاْج ِلُد وُهْم َثَم اِنيَن َج ْلَد ة َو ال َتْقَبُلوا َلُهْم َش َهاَد َة َأَبًدا ‪،‬‬
‫وأولِئَك ُهُم الَفاِس ُقوَن (‪ ،)٤‬هو الرمي بالزنى(‪.)٥‬‬
‫وقد دل حرمة القذف ما جاء في القرآن الكريم‪ ،‬وأَّيدته السنة المطهرة‪ ،‬واإلجماع‬
‫والمعقول كما يلي‪:‬‬
‫(‪ )۱‬ينظر‪ :‬جريمة الزنا وأحكامها في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬لعمرو عيسى الفقي(‪.)١٢/٢‬‬
‫(‪ )۲‬ينظر ‪ :‬جريمة الزنا وأحكامها في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬لعمرو عيسى الفقي(‪..)١٢/٢‬‬
‫(‪ )۳‬ينظر‪ :‬المبسوط للسرخسى (‪ ،)۱۱۹/۹‬والمدونة الكبري‪ ،‬لإلمام مالك (‪ ،) ٢٥٦/٦‬ومغني المحتاج‪،‬‬
‫للخطيب الشربيني ( ‪ ، ) ۱٥٥ / ٤‬وكشاف القناع‪ ،‬للبهوني (‪.)٨٤/٦‬‬
‫(‪ )٤‬سورة النور‪( :‬جزء من اآلية‪.)٤:‬‬
‫(‪ )٥‬ينظر‪ :‬الزواجر عن اقتراف الكبائر ‪ ،‬البن حجر الهيتمي(ص‪.)٤٣٣‬‬

‫أوال القرآن الكريم‬


‫قال تعالى " َو اَّلِذ يَن َيْر ُم وَن اْلُم ْح َص َناِت ُثَّم َلْم َيْأُتوا ِبَأْر َبَعِة ُش َهَد اَء َفاْج ِلُد وُهْم‬
‫ج‬

‫ثَم اِنيَن َج ْلَد ًة َو ال َتْقَبُلوا َلُهْم َش َهاَد ًة َأَبًد ا ‪ ،‬وأولِئَك ُهُم الَفاِس ُقوَن (‪)١‬‬
‫وجه الداللة ‪ :‬أخبر هللا تعالى في هذه اآليه الكريم أن من قذف ورمى محصًنا عفيقا‬
‫ولم يأت بشهود أربعة فعليه عقوبة الجلد ثمانين جلدة وثبت فسقه وبطلت شهادته‪،‬‬
‫واتفق الفقهاء على أن قوله والذين يرمون المحصنات قد أريد به الرمي بالزنا وإن‬
‫كان في فحوى اللفظ داللة عليه من غير نص وذلك ألنه لما ذكر المحصنات وهن‬
‫العفائف دل على أن المراد بالرمي رميها بضد العفاف وهو الزنا ووجه آخر من‬
‫داللة فحوى وهو قوله تعالى ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يعني على صحة ما رموه به‬
‫ومعلوم أن هذا العدد من الشهود إنما هو مشروط في الزنا فدل على أن قوله والذين‬
‫يرمون المحصنات معناه يرمونهن بالزنا ويدل ذلك على معنى آخر وهو أن القذف‬
‫الذي يجب به الحد إنما هو القذف بصريح الزنا وهو الذي إذا جاء بالشهود عليه حد‬
‫المشهود عليه (‪)۲‬‬
‫اللفظ‬

‫ثانًيا السنة المطهرة‬


‫حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪َ« :‬أَتْد ُروَن َم ا‬
‫الُم ْفِلس؟ قالوا‪ :‬الُم ْفِلُس ِفيَنا َم ْن ال ِد ْر َهَم َلُه َو اَل َم َتاَع ‪َ ،‬فَقاَل ‪ِ" :‬إَّن اْلُم ْفِلس ِم ْن ُأَّمِتي َيْأِتي‬
‫َيْو َم اْلِقَياَم ِة ِبَص اَل ٍة‪َ ،‬و ِص َياٍم ‪َ ،‬و َز َك اٍة‪َ ،‬و َيْأِتي َقْد َشَتَم َهَذ ا‪َ ،‬و َقْد َف َهذا ‪َ ،‬و َأَك َل َم اَل َهذا‪،‬‬
‫َو َس َفَك َد َم َهَذ ا‪َ ،‬و َض َرَب َهَذ ا‪َ ،‬فُيْع َطى َهذا‬
‫(‪ )۱‬سورة النور‪( :‬جزء من اآلية‪)٤:‬‬
‫(‪ )۲‬ينظر ‪ :‬أحكام القرآن للجصاص (‪.)١١٠/٥‬‬
‫‪6‬‬

‫ِم ْن َح َس َناِتِه‪َ ،‬و َهًدا ِم ْن َح َس َناِتِه‪َ ،‬فِإْن َفِنَيْت َح َس َناُتُه َقْبَل َأْن ُيْقَض ى َم ا َع َلْيِه‪،‬‬
‫أِخ َذ ِم ْن َخ َطاَياُهْم ‪ ،‬فطرحت َع َلْيِه‪ُ ،‬ثَّم طرح ِفي الَّنار (‪.)١‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬نص الحديث على أن القذف يأكل من حسنات المسلم مما يدل على‬
‫حرمته‪ ،‬ومنعه‪ ،‬والقذف هو أن يأتي القاذف بلفظ يدل لغة‪ ،‬أو شرًع ا‪ ،‬أو عرفا‪،‬‬
‫على الرمي بالزنا ويظهر من قرائن األحوال أن المتكلم لم يرد إال ذلك‪ ،‬ولم يأت‬
‫بتأويل مقبول يصح حمل الكالم عليه‪ ،‬فهذا يوجب حد القذف بال شك‪ ،‬أو شبهة‪،‬‬
‫وكذلك لو جاء بلفظ ال يحتمل الزنا أو يحتمله احتماال مرجوحا وأقر أنه أراد‬
‫الرمي بالزنا فإنه يجب عليه الحد‪ ،‬وأما إذا عرض بلفظ محتمل ولم تدل قرينة‬
‫حال‪ ،‬وال مقال على أنه قصد الرمي بالزنا فال شيء عليه ألن ال يسوغ إيالمه‬
‫بمجرد االحتمال (‪.)۲‬‬
‫وحديث (اجتنبوا السبع الموبقات»‪ ،‬قالوا يا رسول هللا وما هن؟ قال‪« :‬الشرك‬
‫باهلل‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم هللا إال بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪،‬‬
‫والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقذف المحصنات المؤمنات الغافالت(‪.))۳‬‬
‫وجه الداللة فعد الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬هذا القذف في عداد‬
‫الشرك والسحر والقتل‪..‬؛ وذلك ؛ ألن هذا القذف يعني هتك العرض‪،‬‬
‫وهو من أشد المحرمات في اإلسالم‪.‬‬
‫(‪ )۱‬رواه مسلم في صحيحه (‪ ،)۲۵۸۱‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب البر والصلة واآلداب‪ ،‬باب تحرم‬
‫الظلم (‪.)١٩٩٧/٤‬‬
‫(‪ )۲‬ينظر‪ :‬الروضة الندية شرح الدرر البهية‪ ،‬محمد صديق القنوجي (‪.)۲۱۳/۱‬‬
‫(‪ )۳‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري في صحيحه (‪ ،)٢٦١٥‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب‬
‫الوصـــــايا‪ ،‬باب‪ :‬قوله تعالى ‪ :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى (‪ ، )۱۰۱۷/۳‬ورواه مسلم في صحيحه‬
‫(‪ )١٤٥‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب بيان الكبائر وأكبرها (‪.)٩٣/١‬‬

‫ثالًثا اإلجماع‬
‫أجمعت األمة على أن الحر البالغ العاقل المسلم‪ ،‬المختار‪ ،‬إذا قذف حرًا عاقال‪ ،‬بالغًا‪،‬‬
‫مسلمًا‪ ،‬عفيفًا‪ ،‬لم يحمد في زنا‪ ،‬في سالف الزمان‪ ،‬أو قذف حرة بالغة عاقلة مسلمة‪،‬‬
‫عفيفة‪ ،‬غير متالعنة‪ ،‬لم تحد في زنا‪ ،‬مطيقة للوطء‪ ،‬قذفها بصريح الزنا‪ ،‬أو كنايته‬
‫في غير دار الحرب‪ ،‬وطلب المقذوف بنفسه إقامة حد القذف لزمه ثمانون جلدة‪ ،‬إذا لم‬
‫يستطع‪ ،‬إقامة البينة‪ ،‬إلثبات ما قاله بأربعة شهداء عدو (‪.)۱‬‬
‫واتفق األئمة على أن القذف الذي يجب به الحد هو أن يرمي القاذف المقذوف‬
‫بالزنا أو اللواط‪ ،‬أو ينفيه عن نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة‪ ،‬بصريح القول‬
‫دون سائر المعاصي (‪.)٢‬‬
‫ثالثا المعقول‬
‫إنن سباب المسلم ‪ -‬عموًم ا ‪ -‬من المحرمات‪ ،‬وعَّد ه البعض من الكبائر‪،‬‬
‫فوجب منعه وتحريمه‪ ،‬والفرق بين القذف والسباب في الشرع أن القذف ‪:‬‬
‫مي الشخص بالزنا أو نفي نسبه‪ ،‬وفيه الحد ثمانون جلدة ‪ ،‬أما السب ‪:‬‬
‫الشخص وشتمه بغير ذلك ‪ ،‬وليس فيه حد ‪ ،‬إنما فيه التعزير‪.‬‬
‫فهو‬
‫وعليه فقد جاءت خطب الوداع تؤكد على هذا المقصد العظيم‪ ،‬مقصد حفظ‬
‫األعراض‪ ،‬وتحريم انتهاكها‪.‬‬
‫(‪ )۱‬ينظر ‪ :‬المهذب في فقه اإلمام الشافعي‪ ،‬للشيرازي (‪ )۲( .)۲۷۷/۲‬ينظر ‪ :‬جريمة القذف في الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬د صبري فايز (ص‪.)٢٥٦‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حق العرض في الميثاق العالمي‪.‬‬


‫المطلب الثالث‪ :‬مقارنة الميثاق العالمي بخطب الوداع في حق العرض‪.‬‬

You might also like