You are on page 1of 87

‫عجبا)‬

‫برنامج( قرآنا ً‬
‫لتدبر وحفظ القرآن الكريم‬

‫سورة املائدة‬
‫ور ْح َم ِة ال َخالئ ِ‬
‫ِق؛ ُش ْك ًرا‬ ‫يد الخال ِِق؛ َ‬
‫الع ْق ِل مِن تَ ْو ِح ِ‬ ‫ِتاب؛ و َد َّل َعلَ ْي ِه م ُ‬
‫ِيثاق َ‬ ‫فاء ِبما َهدى إلَ ْي ِه الك ُ‬
‫الو ُ‬
‫صو ُدها َ‬
‫َم ْق ُ‬

‫أن َمن زاغَ َع ِن الطُّ َمأْنِيَن ِة‬


‫ض ُموَنها َّ‬
‫إن َم ْ‬ ‫ِد ِة أ َد ُّل ما فِيها َعلى َذل َ‬
‫ِك؛ َف َّ‬ ‫ِصةُ املائ َ‬
‫ِدفا ًعا لِِن َق ِمهِ؛ وق َّ‬
‫واست ْ‬
‫ِع ِمهِ؛ ْ‬
‫لِن َ‬

‫ذاب –البقاعي‪-‬‬ ‫ِساب؛ فَأ َخ َذ ُه َ‬


‫الع ُ‬ ‫ِش الح َ‬
‫الواِف؛ ُنوق َ‬
‫عام ِ‬ ‫اِف؛ واإل ْن ِ‬
‫الش ِ‬
‫َب ْع َد ال َك ْش ِف ّ‬

‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل‪ِ -‬ف تقرير شفاء القرآن‪:‬‬


‫«فالقرآن هو الشفاء التام من جميع األدواء القلبية والبدنية‪ ،‬وأدواء الدنيا واآلخرة‪ ،‬وما كل أحد يؤهل وال يوفق لالستشفاء‬
‫به‪ ،‬وإذا أحسن العليل التداوي به بصدق وإيمان وقبول تام‪ ،‬واعتقاد جازم واستيفاء شروطه‪ ،‬لم يقاومه الداء أبدا‪.‬‬
‫وكيف تقاوم األدواء كالم رب األرض والسماء؟ الذي لو نزل على الجبال لصدعها وعلى األرض لقطعها‪ ،‬فما من مرض من‬
‫أمراض القلوب واألبدان إال وِف القرآن سبيل الداللة على دوائه‪ ،‬وسببه‪ ،‬والحمية منه‪ ،‬ملن رزقه اهلل فهما ِف كتابه»‬

‫‪1‬‬
‫سورة الفاتحة‬

‫التدرج ِف الحديث مع أهل الكتاب‬ ‫"املقدمة "‬

‫البقرة‬
‫سورة البقرة‬
‫بيان ألخطاء أهل الكتاب مع الدعوة إىل التميز ‪.‬‬
‫"املنهج"‬

‫آل عمران‬ ‫سورة آل عمران‬

‫مناقشة هادئة وإيجاد نقاط مشرتكة‪.‬‬ ‫(الثبات على املنهج)‬

‫النساء‬ ‫سورة النساء‬


‫انتقاد غلو أهل الكتاب واختالفهم ِف عيسى عليه السالم‪.‬‬ ‫أول أسس الشريعة (العدل )‬

‫سورة املائدة‬
‫املائدة‬
‫األمر الثاني ِف الشريعة‬
‫مواجهة شديدة ألهل الكتاب‪.‬‬
‫(الوفاء بعقد الشريعة)‬
‫‪2‬‬
‫مقاصد الشريعة ِف السورة‬

‫‪ .5‬حفظ املال‪:‬‬ ‫‪ .4‬حفظ العرض‪:‬‬ ‫‪ .2‬حفظ النفس‪:‬‬ ‫‪ .1‬حفظ الدين‪:‬‬


‫‪ .3‬حفظ العقل‪:‬‬
‫ِني‬
‫ِني َغ ْ َْي ُم َسا ِفح َ‬
‫( ُم ْح ِصن َ‬ ‫ِك َك َتْبَنا َعلَى َبنِى‬ ‫ِن أَ ْج ِل ذل َ‬ ‫(م ْ‬ ‫(يأَيُّ َها ٱلَّذ َ‬
‫ار ُق َوٱ َّ‬ ‫( َوٱ َّ‬
‫ءامُنواْ َمن يَ ْرتَ َّد مِن ُك ْم‬
‫ِين َ‬
‫ار َقةُ‬
‫لس ِ‬ ‫لس ِ‬ ‫َوالَ ُم َّت ِخذِى أَ ْخ َد ٍان) (‪)5‬‬ ‫اب‪)ْ...‬‬ ‫َم ُر َوٱملَْْي ِس ُر َوٱال َ‬
‫ْنص ُ‬ ‫(إِنَّ َما ٱ ْلخ ْ‬ ‫َ‬
‫راءيل أنَّ ُه َمن َق َت َل نَفْساً ِب َغ ْْيِ‬
‫إِ ْس َ‬ ‫َعن دِيِن ِه) (‪)54‬‬
‫َعواْ أَ ْي ِد َي ُه َماْ)‬
‫َفٱ ْقط ُ‬ ‫(‪ )90‬والغاية من تحريم الخمرة‬ ‫َسا ٍد فِى ٱال ْْر ِض َف َكأََّن َما‬ ‫ْس أَ ْو َ‬
‫ف‬ ‫َنف ٍ‬
‫تهتم به الشريعة هو‬
‫فأول ما ّ‬
‫(ِف تحريم العالقة بني‬ ‫هي حفظ العقل‪.‬‬ ‫اس َجمِيعاً)(‪ )32‬وفيها‬ ‫َق َت َل ٱلَّن َ‬
‫(‪.)38‬‬ ‫الجنسني قبل الزواج)‪.‬‬ ‫تحريم قتل النفس‪.‬‬
‫حفظ الدين وترك الكفر‪.‬‬

‫ون)‬ ‫ون َو َم ْن أَ ْح َس ُن م َ‬
‫ِن ٱهلل ُ‬
‫ح ْكماً لّ َق ْو ٍم ُيوقُِن َ‬ ‫(أَفَ ُح ْك َم ٱ ْل َجـا ِهل َِّي ِة َيْب ُغ َ‬
‫فشرع اهلل تعاىل هو أحسن شرع لضمان مصلحة البشرية ِف الدنيا واآلخرة‪،‬‬

‫األوامر والنواهي املطلوب إيفاؤها إنما هي لضمان مصلحة الناس‬

‫‪3‬‬
‫موضوعات السورة‪:‬‬

‫املوضوعات التي تناولَ ْتها سور ُة املائد ِة‪:‬‬


‫ِ‬ ‫مِن أَبرزِ‬

‫رعية‬
‫الش َّ‬ ‫األحكام َّ‬
‫ِ‬ ‫بيان كثْيٍ من‬ ‫‪ُ -5‬‬
‫أهل‬
‫أحوال ِ‬‫ِ‬ ‫بيان‬
‫‪ُ -7‬‬
‫األحكام‬
‫ُ‬ ‫وتوضيحها؛ ف ِمن ذلك‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ونقضهم للعهو ِد‬ ‫الكتابِ‪ِ ،‬‬ ‫التأكيد على عقيد ِة‬ ‫ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫بالعبادات‬
‫ِ‬ ‫رعية املتعلِّقة‬ ‫الش َّ‬ ‫َّ‬ ‫هلل‬
‫كم ِ‬ ‫الح َ‬‫أن ُ‬ ‫تقرير َّ‬
‫ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫املنزلةِ‪،‬‬
‫ب َّ‬ ‫وتحريفِهم للكت ِ‬ ‫اشتملت سور ُة‬
‫ْ‬ ‫‪-6‬‬ ‫والتشديد‬
‫ُ‬ ‫الوال ِء والرباء‪،‬‬ ‫العقيد ِة‬
‫تقرير َ‬
‫ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫العقود‪،‬‬‫كأحكام ُ‬
‫ِ‬ ‫واملعامالت؛‬
‫ِ‬ ‫وأنه ال‬
‫وحده‪َّ ،‬‬
‫تعاىل َ‬
‫ومناقشةُ بعض‬ ‫املائد ِة على ِ‬
‫بعض‬ ‫على تولِّي املؤمنني‪ ،‬مع‬ ‫واالهتمام‬
‫ُ‬ ‫الصحيحةِ‪،‬‬
‫َّ‬
‫والصيد‪ ،‬واإلِحرام‪ ،‬ونِكاح‬ ‫والذبائح‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫عالقات‬
‫ِ‬ ‫تنظيم‬
‫ُ‬ ‫‪-4‬‬ ‫كم‬
‫أحسن مِن ُح ِ‬‫ُ‬ ‫كم‬
‫ُح َ‬
‫الزائفةِ؛ من‬‫عقائدِهم َّ‬ ‫ِصةُ‬‫ِصص‪ ،‬ومِن ذلك ق َّ‬ ‫الق ِ‬ ‫التحذير‬
‫ِ‬ ‫التحذير غايةَ‬
‫ِ‬ ‫صحيح‬
‫ُ‬ ‫التوحيدِ‪ ،‬وتَ‬
‫بأمور َّ‬
‫ِ‬
‫وأحكام الطَّهارة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والر َّدة‪،‬‬
‫الكتابيات‪ِّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫سلمني مع غْيِهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫املُ‬ ‫بيان‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬مع ِ‬
‫نسب ِة الول ِد إىل اهلل‪،‬‬ ‫سرائيل مع موسى‬ ‫َ‬ ‫بني إِ‬ ‫أهل ال ُكفر‪،‬‬
‫من تولِّي ِ‬ ‫دات‬
‫الكثْيِ مِن املعت َق ِ‬
‫البغي واإلفسا ِد‬ ‫وحد َ‬
‫الس ِرقة‪ِّ ،‬‬ ‫وح ِّد َّ‬
‫َ‬ ‫والنصارى‪.‬‬
‫خاصةً اليهو َد َّ‬
‫َّ‬ ‫كم بما أَ َ‬
‫نزل‬ ‫الح ِ‬
‫وجوبِ ُ‬
‫محم ٍد‬
‫وإنكار ِرسالةَ َّ‬ ‫ِصة ابَن ْي‬‫السالم‪ ،‬وق َّ‬
‫ُ‬ ‫عليه‬ ‫أن الذين ِف‬ ‫وبيان َّ‬
‫ِ‬ ‫بيوم‬
‫والتذكْي ِ‬
‫ُ‬ ‫الباطلةِ‪،‬‬
‫وتحريم ال َخ ْمر‬
‫ِ‬ ‫األرض (الحِرابة)‪،‬‬ ‫ِف ِ‬ ‫اهلل تعاىل‪ ،‬وإلغا ِء ُح ْكم‬
‫صلَّى اهلل عليه وسلَّ َم‪،‬‬ ‫آ َدم‪ ،‬وقِصة املائدة‪.‬‬ ‫مرض هم‬ ‫قلوِبهم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫القيام ِة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والنهي عن‬ ‫اليمني‪َّ ،‬‬ ‫وامليسر‪ ،‬و َك َّفارة َ‬‫ِ‬ ‫الجاهلية وتقبيحِه‪.‬‬
‫َّ‬
‫إىل غْي ذلِك من‬ ‫عون ِف تَ َولِّيهم‪.‬‬‫املسار َ‬
‫ِ‬
‫صي ِة‬
‫والو َّ‬
‫الصي ِد ِف اإلِحرام‪َ ،‬‬ ‫َق ْت ِل َّ‬
‫عقائدِهم الباطِلة‪.‬‬
‫املوت؛ إىل غْيِ ذلك‪.‬‬ ‫عند ِ‬ ‫َ‬

‫‪4‬‬
‫وقفات مع سورة املائدة ‪ -‬أقسام السورة‬

‫• القسم األول‬
‫• نداءات للمؤمنني فيها أحكام شرعية والحث على الوفاء بالعقود‬
‫وذكر أربعة أمثلة ملن خالفوا العقود‬

‫• القسم الثاني‬
‫• تثبيت للنبي صلى اهلل عليه وسلم وبيان لحال قوم نقضوا العهود‬
‫مع أمور أخرى‬

‫• القسم الثالث‬
‫• أمر للنبي صلى اهلل عليه وسلم بإكمال التبليغ ألهل الكتاب‬
‫وللمسلمني‬

‫• خاتمة‬
‫• ذكر قصة عيسى عليه السالم‬
‫ختام ملسألة الوفاء بالعقود وهو تذكْي للمؤمنني بعاقبة من يصدق‬
‫ويوِف وتحذير لغْيهم‬
‫إسالميات‬ ‫‪5‬‬
‫السورة‬
‫أول ُّ‬
‫مرة ومنه هذه اآلية ال ّتي ِف ّ‬
‫مرة‪ ،‬ورد ِف سورة املائدة فقط ستةَ َع َش َر ّ‬
‫النداء ِف القرآن الكريم كامالً لوجدنا أنّه ورد الّنداء بوصف اإليمان ثمانية وثمانني ّ‬
‫لو ت ّتَبعنا ِّ‬

‫(يا ُّأيها ِّ‬


‫الذين آمنوا شهاد ُة بيِن ُكم إذا‬
‫تتخِذوا ِّ‬
‫الذين‬ ‫الذين آمنوا ال َّ‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا من َيرتَّد منكم عن‬
‫أح َد ُكم املوت حني‬
‫حض َر َ‬
‫َ‬ ‫آمُنوا أَ ْوفُوا ِبا ْل ُع ُقو ِد "(‪)1‬‬ ‫" َيا أَ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ِين َ‬
‫ات َخ ُذوا دين ُكم ُه ُزواً و َلعِباً (‪. )57‬‬
‫َّ‬ ‫دينه فسوف يأتي اهلل بقوم (‪.)54‬‬
‫الوصية(‪.)106‬‬

‫(يا ُّأيها ِّ‬


‫الذين آمنوا علي ُكم أن ُف َس ُكم ال‬ ‫يات ما‬
‫طي ِ‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا ال تُ َح ِّر ُموا ِّ‬ ‫اليهو َد‬
‫ِذوا ُ‬‫تتخ ُ‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا ال َّ‬ ‫( يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا ال تُ ِحلُّوا َش َعائ َِر‬
‫ض َّل إذا اهتديتم (‪.)105‬‬ ‫ض ُر ُكم من َ‬
‫َي ُّ‬ ‫أح َّل اهلل لَ ُكم (‪.)87‬‬ ‫َ‬ ‫والنصارى أولياء (‪)51‬‬
‫َّ‬ ‫اهلل(‪. )2‬‬

‫وامليسر‬
‫ُ‬ ‫مر‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا َّإنما ال َخ ُ‬
‫أشياء‬
‫َ‬ ‫الذين آمنوا ال تَسألوا عن‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬ ‫رجس من عمل‬ ‫واألزالم ٌ‬
‫ُ‬ ‫واألنصاب‬
‫ُ‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا اتّ ُقوا اهلل وابت ُغوا‬ ‫الصالة‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا إذا ُقم ُتم إىل َّ‬
‫بد ل ُكم تَ ُسؤ ُكم (‪.)101‬‬
‫إن تُ َ‬ ‫فاجتنبوه لعلكم تُفلحون‬‫ُ‬ ‫الشيطان‬
‫َّ‬ ‫إليه الوسيلة (‪.)35‬‬ ‫وجوهكم(‪.)6‬‬ ‫فاغسلوا ُ‬
‫(‪.)90‬‬

‫ليبلوّنكم اهلل بشي ٍء‬


‫الذين آمنوا َّ‬‫(يا ُّأيها ِّ‬
‫يد‬
‫الص َ‬
‫الذين آمنوا ال تقتلُوا َّ‬‫(يا ُّأيها ِّ‬ ‫(يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا اُذ ُكروا نعمةَ اهلل‬ ‫قوامني‬ ‫( يا ُّأيها ِّ‬
‫الذين آمنوا ُكوُنوا َّ‬
‫ورماحكم (‪)94‬‬ ‫الصيد تنالُ ُه أيدي ُكم ِ‬
‫من َّ‬
‫وأن ُتم ُح ُرم (‪.)95‬‬ ‫عليكم (‪.)11‬‬ ‫هلل(‪.)8‬‬
‫‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫✅تتحدث السورة عن صفة أساسية هلل و هي (امللك)‪👈.‬أنت تعيش ِف مملكة امللك و بينك و بينه عقود ‪..‬‬
‫يد ﴿‪﴾١‬‬
‫إن اللَّـ َه َي ْح ُك ُم َما ُي ِر ُ‬
‫امللك هو من يحكم ِف مملكته‪َّ .‬‬ ‫ضمَن ْتها سور ُة املائد ِة‪:‬‬ ‫مِن أَ ِّ‬
‫هم املقاص ِد التي تَ َّ‬
‫َّ َ‬ ‫َّ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ‬
‫َ َ َ ْ َ ُ ُ َ َّ َ َ‬ ‫ين قالوا ِإ َّن اللـه ُه َو‬ ‫لقد كفرال ِذ‬
‫ص َارى ن ْح ُن‬ ‫وقال ِت اليهود والن‬ ‫يح ْاب ُن َم ْرَي َم ُق ْل َف َمن َي ْملكُ‬ ‫ْاْلَس ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ْبن ُاء الل ِـه َوأ ِح َّباؤ ُه ق ْل ف ِل َم‬ ‫اللـه َش ْي ًئا إ ْن َأ َ َاد َأن ُي ْهلكَ‬ ‫َ َّ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ ُ ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ر‬
‫ِ ْ َ َ ِ ْ َ َ ْ َ َ َ َُّ‬
‫من‬
‫وبكم َب ْل أنتم َبشر‬ ‫ِ‬ ‫يع ِذبكم ِبذن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫واملواثيق والوفا ِء بها‬
‫ِ‬ ‫العهو ِد‬ ‫أكيد على ح ِ‬
‫ِفظ ُ‬ ‫الت ُ‬‫‪َّ -1‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫اْل ِسيح ابن مريم وأمه ومن ِفي‬
‫ِِّم َّم ْن خل َق َيغ ِف ُر ِْلن َيش ُاء َو ُي َع ِذ ُب‬ ‫َ ً َّ ْ‬ ‫َْ‬
‫َمن َي َ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ‬ ‫يعا َو ِلل ِـه ُمل ُك‬ ‫ض ج ِم‬ ‫ر‬ ‫اْل ْ‬
‫ات‬‫ش ُاء و ِلل ِـه ملك الس َماو ِ‬ ‫َ َْ‬ ‫اْل ْرض َو َما َب ْي َن ُهماَ‬ ‫َّ َ َ ِ َ ْ َ‬
‫َ‬
‫ض َو َما َب ْي َن ُه َما َو ِإل ْي ِه‬ ‫اْل ْ‬ ‫ات و َّ ُ ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫و ِ‬‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َيخل ُق َما َيش ُاء واللـه على ك ِ ِّل ش ْي ٍء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬
‫﴿‪ْ ﴾١٨‬اْلَصيرُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫﴿‪ ﴾١٧‬ق ِدير‬
‫رعي ِة ‪.‬‬
‫الش َّ‬
‫األحكام َّ‬
‫ِ‬ ‫بيان ال َكثْيِ من‬
‫‪ُ -2‬‬

‫َ َ َ َ َ َّ َ َ ْ‬
‫َّ ُ ْ ُ َّ َ َ َ ْ َ‬ ‫أل ْم ت ْعل ْم أ َّن اللـه ل ُه ُمل ُك‬
‫ض َو َما‬ ‫اْل ْ‬
‫اتُ و َ ِ‬
‫ر‬ ‫ِلل ِـه ملك السماو ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َْ‬
‫َ‬ ‫ض ُي َع ِذ ُب َمن‬ ‫ات َواْل ْر‬ ‫َّ َ‬
‫الس َماو ِ‬
‫ِف ِيه َّن َو ُه َو َعلى ك ِل ش ْي ٍء‬
‫ِّ‬ ‫َّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َيش ُاء َو َيغ ِف ُر ِْلن َيش ُاء َوالل ُـه َعلى‬ ‫ني و َغْيِهم‬
‫ني املسلم َ‬
‫القات ب َ‬
‫الع ِ‬ ‫نظيم َ‬
‫‪ -3‬تَ ُ‬
‫﴿‪ ﴾١٢٠‬ق ِدير‬ ‫ُ َ َ‬
‫﴿‪ ﴾٤٠‬ك ِ ِّل ش ْي ٍء ق ِدير‬

‫✅اسم السورة (املائدة )‬


‫من قصة املائدة و موقف الحواريني مع سيدنا عيسى عليه السالم‪.‬‬
‫جمعت القصة بني شعورين ‪ ،‬شعور النعمة ‪،‬و شعور الخوف ‪.‬‬
‫و الشعورين مطلوبني ِف التعامل مع امللك ‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫حول السورة‬
‫التورا ِة‪:‬‬
‫مكان َّ‬
‫النبي صلَّى اهلل عليه وسلَّ َم َ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّوال التي أُوت َِيها‬ ‫ُسور ُة املَائد ِة مِن َّ‬
‫السبعِ الط ِ‬
‫الشرائعِ‪ ،‬و ُذكِر فيها مِن‬ ‫أجمع ُسور ٍة ِف ال ُق ِ‬
‫رآن ل ُفروعِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِصها‪َّ :‬أنها‬
‫مِن َخصائ ِ‬ ‫ُ‬
‫هلل صلَّى اهلل عليه‬ ‫رسول ا ِ‬
‫ُ‬ ‫رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال‬ ‫بن األَس َقعِ ِ‬
‫فعن واثلةَ ِ‬ ‫َ‬
‫والتحريم واإليجابِ ما لم ُيذ َك ْر ِف غْيِها‬
‫ِ‬ ‫حليل‬
‫الت ِ‬‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كان‬
‫عطيت َم َ‬‫ُ‬ ‫ني‪ ،‬وأُ‬
‫بور امل ِئ َ‬
‫الز ِ‬
‫كان َّ‬
‫عطيت َم َ‬
‫ُ‬ ‫ِّوال‪ ،‬وأُ‬
‫بع الط َ‬ ‫التورا ِة َّ‬
‫الس َ‬ ‫كان َّ‬
‫يت َم َ‬ ‫وسلَّ َم‪(( :‬أُ ِ‬
‫عط ُ‬
‫ثماني َع ْشر َة فريضةً لم ُيَب ِّي ْنها ِف‬
‫َ‬ ‫حيان‪( :‬قد تَ َّ‬
‫ضمنت هذه السور ُة‬ ‫قال أبو َّ‬
‫ص ِل )) رواه أحمد‪.‬‬
‫لت بامل َف َّ‬
‫وفض ُ‬
‫املثاني‪ِّ ،‬‬
‫َ‬ ‫اإلنجيل‬
‫ِ‬
‫غْيِها) ((تفسْي أبي حيان)‬

‫رآن ‪:‬‬
‫ِن ال ُق ِ‬ ‫السور ِة‪َّ :‬أنها مِن آخ ِ‬
‫ِر ما ن َز َل م َ‬ ‫صائص هذِه ُّ‬
‫مِن َخ ِ‬ ‫•‬
‫بأنها أُنزلت‬
‫ئ َّ‬‫تشريعات كثْي ٍة تُ ْنب ُ‬
‫ٍ‬ ‫احتوت هذه السور ُة على‬
‫ْ‬ ‫ابن عاشور‪( :‬‬
‫وقال ُ‬ ‫عباس‬ ‫•‬
‫ابن َّ‬
‫إن سورة املائدة ُمح َكمةٌ ليس فيها منسو ٌخ‪ ،‬وقد ور َد هذا عن ِ‬
‫وقيل‪َّ :‬‬
‫الستكمال شرائعِ اإلسالم)‬
‫ِ‬ ‫ابن‬
‫صح عن ِ‬
‫حتى َّ‬
‫ابن حجر‪َّ ( :‬‬
‫لف‪ .‬قال ُ‬ ‫وعمرو ِ‬
‫ابن ُش َر َ‬
‫حبيل وجمعٍ من َّ‬
‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعائشةَ‬
‫أن سور َة املائدة ُمح َكمةٌ) ‪.‬‬
‫السلف‪َّ :‬‬
‫وجمعٍ مِن َّ‬
‫حبيل ْ‬
‫بن ُش َر َ‬
‫وعمرو ِ‬
‫ِ‬ ‫اس وعائشةَ‬
‫عب ٍ‬
‫َّ‬
‫سور ُة املائد ِة) ‪.‬‬ ‫ِر ُسور ٍة أُ ِ‬
‫نزلَت َ‬ ‫قال‪( :‬آخ ُ‬
‫رضي اهلل عنهما‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫مرو ِ‬
‫بن َع ٍ‬
‫اهلل ِ‬
‫فعن عب ِد َِّ‬
‫َ‬ ‫•‬

‫قرأُ املائدةَ؟ فقال‪:‬‬


‫رضي اهللُ عنها‪ ،‬قالت له‪( :‬يا ُجَب ُْي‪ ،‬تَ َ‬
‫بن ُن َفْيٍ‪ ،‬أن عائشةَ ِ‬ ‫وعن ُجَبْيِ ِ‬ ‫•‬
‫ور ٍة َن َز َلت) ‪.‬‬
‫ِر ُس َ‬
‫أما َّإنها آخ ُ‬
‫قالت‪َ :‬‬
‫َن َعم‪ْ ،‬‬

‫‪8‬‬
‫مناسبة سورة املائدة ملا قبلها (سورة النساء)‬
‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫افتتحت سورة النساء بقوله‪« :‬يأيها الناس اتقوا‬ ‫ملا كانت سـورة النساء تشتمل على عدة عقـود؛ كعقد‬
‫ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة» وهو دليل‬ ‫النكاح‪ ،‬وعقد األيمان واملواثيق والوصية والوديعة‬
‫القدرة‪ ،‬وختمت سـورة املائدة بقوله‪« :‬هلل ملك‬ ‫لـمـا خـتـم سـورة النساء أمر بالتوحيـد‬ ‫والوكاالت واإليجارات وغْيهـا‪ ،‬بـدأت سـورة املائـدة‬
‫السموات واألرض وما فيهن وهو على كل شئ‬ ‫والعدل بني العباد‪ ،‬أكد ذلك بقوله‪« :‬يأيها‬ ‫بـاألمر بالوفـاء بـالعقود ِف قولـه تعـاىل‪« :‬يأيها الذين‬
‫قديرا ﴾ [املائدة‪ ،]١٢٠ :‬وهو صفة القدرة‪.‬‬ ‫الذين ءامنوا أوفوا بالعقود )‬ ‫ءامنوا أوفوا بالعقود ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬
‫مهدت سورة النساء لتحريم الخمر ِف قوله‪ ( :‬يأيها‬
‫الذين ءامنوا ال تقربوا الصلوة وأنتم سكارى حتى‬ ‫خاتمة سورة النساء ِف تقسيم اإلرث‬
‫تعلموا ما تقولون ﴾ [النساء‪ ،]43 :‬وحرمتهـا سـورة‬ ‫افتتحت سورة املائدة بذكر األطعمة عقب‬
‫املائدة بنحـو قـاطع ِف قوله‪« :‬يأيها الذين ءامنوا‬ ‫بني اإلخوة والعالقة املالية بني‬ ‫اتحدت سورة النساء واملائدة‬ ‫سورة النساء التي من أعظم مقاصدها النكاح‬
‫إنما الخمر وامليسر واألنصاب واألزلم رجس من عمل‬ ‫األقرباء‪ ،‬وأول سورة املائدة ِف‬ ‫ِف تقرير الفروع الحكمية‬ ‫املشروع فيه الوالئم املشتملة ألصناف‬
‫الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ﴾ [املائدة‪]90 :‬‬ ‫األطعمة‬
‫فكانت متممة لشيء مما قبلها ‪.‬‬ ‫العالقة مع اآلخرين"‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪9‬‬
‫قـال ِف أواخـر سـورة النساء‪ :‬إن اهلل حرم على اليهود‬
‫ختمـت سـورة النساء بآيـة الكـاللـة‪ ،‬وورث اهلل تعاىل إخوانـه‬ ‫لـمـا قـال ِف سورة النساء‪ « :‬إنا أنزلنا إليك‬
‫طيبات أحلـت لهـم‪ ،‬وذلك بظلمهـم‪ ،‬فقال تعاىل‪« :‬‬ ‫فـخـتـم ســورة الــنـساء‬
‫وأخواتـه األشقاء‪ ،‬وقال ِف ختامها‪« :‬يبني اهلل لكم أن تضلوا‬
‫فيظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم‬ ‫بالتشريع‪ ،‬وافتتح سورة املائدة‬ ‫الكتب بالحق لتحكم بني الناس ﴾ [النساء‪:‬‬
‫قسم به‬‫﴾ [النساء‪ ،]١٧٦ :‬فكـان البيان بهذا التشريع الذي ّ‬ ‫وبصدهم عن سبيل اهلل كثْيا» ‪ ،‬وذكر ِف أول سورة‬ ‫بالتشريع؛ تتميما ملا بدأه ِف‬ ‫‪ ،]105‬ذكر ِف سورة املائدة آيات ِف الحكم‬
‫هذا املْياث‪ ،‬وافتتحت سـورة املائدة بقوله تعاىل‪ :‬يأيها الذين‬
‫املائدة أنه ‪-‬سبحانه أحل لنا الطيبات‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬ ‫تلك‪ ،‬فناسب ختام تلـك‬ ‫بما أنزل اهلل حتى بني الكفار "‬
‫ءامنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة األنعي »‪ ،‬فـخـتـم‬
‫«يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبث ﴾ فقابل‬
‫ســورة الـــساء بالتشريع‪ ،‬وافتتح سورة املائدة بالتشريع؛‬
‫بني ما أحل لنا وحرم عليهم‬ ‫كتاب البينات ِف علم املناسبات للشيخ فايز السريح‬
‫من ‪9‬‬
‫تتميما ملا بدأه ِف تلك‪ ،‬فناسب ختام تلـك‬
‫سورة املائدة‬
‫سورة دعوة املؤمنون إىل الوفاء بالعقود التي بينهم وبني اهلل تعاىل‬

‫املقدمة التي تأمر املؤمنني بالوفاء بعقودهم مع اهلل تعاىل ‪:‬‬ ‫املوضوع األول ‪:‬‬
‫(اآليات‪)۱۱-۱ :‬‬

‫وأمرتهم بحفظ شعائر اهلل وحرمت القتال‬


‫ِف األشهر الحرم‪ ،‬وفصلت ِف أحكام الوضوء‬
‫وبـيـنـت بـعـض أنـواع الحالل والـحـرام‬
‫والتيمم‪ ،‬وأمرت بحفظ الشهادات‪ ،‬وهذه كلها‬ ‫افتتحت السورة بنداء للمؤمنني بأمرهم‬
‫مـن األطعمة (أحلت لكم بهيمة األنعام إال‬
‫بمثابة عقود بينهم وبني خالقهم سبحانه‬ ‫بالوفاء بالعقود التي ألزمهم اهلل بها‪( :‬يأيها‬
‫ما يتلى عليكم غْي محلى الصيد وأنتم حرم)‬
‫وتعاىل‪ ،‬يجب أن يـوفـوا بها‪( :‬واذكروا نعمة‬ ‫الذين ءامنوا أوفوا بالعقود) ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫اهلل عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم‬
‫سمعنا وأطعنا واتقوا اهلل إن اهلل» ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫بيان وجوب املفاصلة العقدية بني املؤمنني امللتزمني بعقودهم مع اهلل‪ ،‬وبني أهل الكتاب وأهل الجاهلية الناقضني لهذه العقود ‪:‬‬
‫وبني السياق نقض النصارى •‬ ‫بني السياق نقض الـيـهـود لعقودهم مع •‬
‫لعقودهم مع اهلل تعاىل‪ ،‬فهم‬ ‫املوضوع الثاني ‪:‬‬
‫اهلل تعاىل‪،‬فبعدما أخذ اهلل ميثاقهم وبعث‬
‫عرض السياق قصة موسى عليه‬ ‫أيضاً نسوا حظاً مما ذكروا به‬ ‫منهم اثني عشر نقيباً‪ ،‬وأمرهم بالصالة‬
‫(اآليات‪)۱۲-۱۰۸ :‬‬
‫وبني السياق كـفـر الـذيـن •‬
‫السالم مع قومه حينما أمرهم‬ ‫‪،‬حتى أغرى اهلل بينهم العداوة‬ ‫وإيتاء الزكاة واإليمان بالرسل‪ ،‬إذا بهم‬
‫قـالـوا إن اهلل هواملسيح بن مريم‪،‬‬
‫بقتال أهل القرية‪ ،‬لكنهم نقضوا‬ ‫والبغضاء إىل يوم القيامة ‪ .‬وقد‬ ‫ينقضون ميثاقهم إىل أن استحقوا لعنة‬
‫وبني جهل األمتني حينما زعموا‬
‫العهد وأحجموا ِف موقع اإلقدام‬ ‫أمر السياق األمتني املذكورتني‬ ‫اهلل‪ ،‬وجعل قلوبهم قاسية‪ ،‬وبني أنهم‬
‫أنهم أبناء اهلل وأحباؤه ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫باتباع الرسول ﷺ الذي يبني‬ ‫يحرفون الكلم مواضعه ونسوا حظاً مما‬
‫لهم كثْياً مما كانوا يخفون من‬ ‫ذكروا به ‪.‬‬
‫الكتاب ‪.‬‬

‫ثم أمر السياق املؤمنني بالوفاء‬


‫عقب السياق على القصتني‬
‫وِف املقابل عرض السياق قصة‬ ‫حذر السياق من املنافقني‬ ‫بعقودهم مع اهلل التي أمرهم بها‬
‫بتحريم القتل بال سبب على بني‬
‫بني آدم وهي تعرض إقدام القاتل‬ ‫املسارعني إىل الكفر ونقض عقد‬ ‫ِف القرآن ‪( :‬وأنزلنا إليك الكتب‬
‫إسرائيل الذين كانوا هم أكثر‬
‫على القتل ِف موضع اإلحجام ‪.‬‬ ‫اإليمان ‪.‬‬ ‫بالحق مصدقا ملا بني يديه من‬
‫األمم إقداماً على قتل األنبياء ‪.‬‬
‫الكتب ومهيمنا عليه )‪.‬‬

‫ذكـر الـسـيـاق عـدداً من األوامـر والـنـواهـي‬


‫كل هذه األوامر والنواهي تعترب‬ ‫وحذر السياق أكثر من مرة من مواالة‬
‫والتوجيهات لألمة اإلسالمية آمراً إياهـم بحفظها والوفاء‬ ‫أعاد السياق بيان كفر الذين قالوا‬
‫عقوداً بني أمة اإلسالم وبني خالقهم‬ ‫اليهود والنصارى بعدما تبني نقضهم‬
‫بها‪ ،‬فأمر بأكل الحالل من الطيبات وحفظ األيمان وبني‬ ‫‪ :‬إن اهلل هو املسيح ابن مريم‪،‬‬
‫سبحانه‪ ،‬ينبغي عليهم االلتزام بها‬ ‫لعقودهم مع اهلل‪ ،‬وأمرهم باملواالة‬
‫كفارتها‪ ،‬واجتناب عادات الجاهلني؛ فحرم الخمر وامليسر‬ ‫وبني براءة عيسى من هذه‬
‫حتى ال يصْي حالهم كحال أهل‬ ‫الحقيقية ‪« :‬إنّما وليكم اهلل ورسوله‬
‫واألنصاب واألزالم‪ ،‬وحرم صيد الرب على املحرم‪ ،‬وعظم‬ ‫وبني أنه كان يدعو إىل‬
‫الفرية‪ّ ،‬‬
‫الكتاب أو الجاهليني الذين نقضوا‬ ‫والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة‬
‫من شأن الكعبة وشعائر اهلل‪ ،‬وأمر بحفظ شهادة الوصية‬ ‫التوحيد ‪.‬‬
‫عقودهم مع اهلل تعاىل ‪.‬‬ ‫ويؤتون الزكاة وهم راكعون »‬
‫وغلظ على من كتمها أو حرفها ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫الخاتمة املؤكدة ملا سبق ‪:‬‬ ‫املوضوع الثالث ‪:‬‬
‫(اآليات ‪)120-109‬‬

‫‪ .‬وكما افتتحت السورة بأمر‬


‫املؤمنني بالتزام عقودهم مع اهلل‪،‬‬ ‫‪ -‬عرضت إجابة اهلل لدعاء‬
‫ختمت ببشارة املؤمنني الصادقني‬ ‫عيسى عليه السالم أن ينزل‬ ‫عرضت مشهداً أخروياً يبني براءة‬
‫امللتزمني بهذه العقود‪ ،‬وأهمها‬ ‫مائدة من السماء كما طلب‬ ‫عيسى وأمه من فرية إشراكهما‬
‫‪ .‬وقد بني التعقيب على القصة‬
‫عـقـد الـتـوحـيـد‪« :‬قال اهلل‬ ‫الحواريون وكان نزولها بمثابة‬ ‫مع اهلل بالعبادة‪ ،‬وذلك حني‬
‫أن النصارى نقضوا هذا العقد‬
‫هذا يوم ينفع الصادقني صدقهم‬ ‫عقد بينهم وبينه تعاىل على أن ال‬ ‫نقض النصارى أهم عقد بينهم‬
‫وأشركوا عيسى وأمه مع اهلل‬
‫لهم جنت تجرى من تحتها األنهار‬ ‫يعودوا إىل الكفر والشرك‪« :‬قال‬ ‫وبني اهلل‪ ،‬وهو عقد التوحيد‪،‬‬
‫تعاىل بالعبادة ‪.‬‬
‫خالدين فيها أبدأ رضي اهلل عنهم‬ ‫اهلل إني منزلها عليكم فمن يكفر‬ ‫فاتخذوا عيسى وأمه إلهني من‬
‫ورضوا عنه ذالك الفوز العظيم‬ ‫بعد منكم فإني أعذبه عذابا ال‬ ‫دون اهلل‬
‫هلل ملك السموات واألرض وما‬ ‫أعذبه أحدا من العلمني »‬
‫فيهن وهو على كل قدير »‪.‬‬

‫من كتاب داللة أسماء السور القرآنية‬


‫على محاورها وموضوعاتها للدكتور عمر عرفات‬

‫‪12‬‬
‫من مواضيع سورة املائده ‪:‬‬
‫العبادات مثل‪)6،58،94،95( :‬‬
‫َّ َ َ ْ ُ ُ ُ َ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ ُ ُ َ‬
‫وهك ْم‬ ‫ين آ َمنوا ِإذا ق ْمت ْم ِإلى الصَل ِة فاغ ِسلوا وج‬ ‫يا أيها ال ِذ‬
‫َ ْ َ ُ ُ ُ ُ ْ ََْ َُ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ ُ ْ َ َْ‬
‫و أي ِديكم إلى اْلر ا ِفق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َ ِ ْ ُ ْ ُ ْ ِ ُ ُ ً َ َّ َّ ُ ِ َ ْ ِ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ِْ َ َ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ ُ َّ ُ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫الص ََلة َّات َخ ُذ َ‬
‫وها ُه ُز ًوا َول ِع ًبا ذ ِل َك‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َُْ ْ َ‬ ‫الكعبي ِن و ِإن كنتم جنبا فاطهروا و ِإن كنتم مرض ى أو على‬
‫والنداء ب ـ ( يا ُّأيها الناس)‬ ‫بالنداء (يا أيها الناس اتقوا ربكم) ِ‬ ‫النساء ابتدأت ِ‬ ‫سورة ِ‬ ‫وَ ِإذا ن َاديت َم ِإلى ُ ِ‬
‫َ‬
‫ََ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ُ ُ ِّ‬
‫الن َس َاء فل ْم‬ ‫ط أو المستم ِ‬
‫َ َ َْ َ َ َ َ ُْ ْ َ ْ َ‬
‫سف ٍرأو جاءَ أحد ِمنكم ِمن الغا ِئ َِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الذين آمنوا)‪ْ ،‬لن ُسورة ال ِنساء َوردت فيها‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِبأ َّن ُه ْم ق ْوم ال َي ْع ِقلون (‪)58‬‬ ‫َ ُ َ ً َ َ َّ ُ َ ً َ ِّ ً ْ َ ُ ُ ُ ُ‬
‫وهك ْم‬
‫النداء ب ـ ـ (يا أيها ِ‬ ‫أعم وأشمل من ِ‬ ‫ت ِ َجدوا ماء فتيمموا ص ِعيدا ط ِيبا فامسحوا بوج ِ‬
‫ُ‬ ‫ُح ُقوق إن َ‬ ‫َّللا ل َي ْ َ َ َ َ ْ ُك ْم م ْن ِ َح َرج َو َلك ْن ُيريدُ‬
‫َ ْ ُ ْ ْ ُ َ ُ ُ َّ ُ‬
‫ص َّح أن ن َّس ِميها " حقوق اإلنسان‬ ‫يكم ِمنه ما ي ِر َيد ُ َ ِ ُ ج َعل َّ ُعلي َ ْ ُ ِ َ ٍ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫و أي ِد‬
‫ُ َ ِّ َ ُ‬
‫ُ‬
‫ِليط ِهركم و ِلي ِتم ِنعمته عليكم لعلكم تشكرون (‪)6‬‬
‫ِّ‬
‫والحرام والعقود التي ال َيستجيب لها‬ ‫الل َ‬
‫الح ِ‬
‫أحكام َ‬
‫ُ‬
‫ِّأما سورة اْلائدة َ‬
‫ورد فيها‬
‫الوصف وهو وصف اإليمان ‪- .‬دورة اْلترجة‪-‬‬ ‫َويأتمر بها إال من َّاتصف بهذا َ‬
‫َّ َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ‬
‫الص ْيد َو أنت ْم ُح ُرم َو َم ْن‬ ‫ين آ َمنوا ال تقتلوا‬ ‫يا أيها ال ِذ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ ُ ْ ُ َ َ ِّ ً َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َّ‬
‫قتله ِمنكم متع ِمدا فجزاء ِمثل ما قتل ِمن النع ِم‬ ‫َّللا ب َش ْي ٍء م َن َّ‬
‫الص ْي ِد‬ ‫َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َآ َم ُنوا َل َي ْب ُل َو َّن ُك ُم َّ ُ‬
‫َي ْح ُك ُم ب ِه َذ َوا َع ْدل م ْن ُك ْم َه ْد ًيا َب ِال َغ ْال َك ْع َب ِة َأ ْو َك َّفارةَ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ِ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ َِ َ َ َ ْ ٍ َ ِ ْ ُ َ َ َ ً َ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫تناله أي ِديكم و ِرماحكم ِليعلم َّللا من يخافه ِبالغي ِب‬
‫طعام مس ِاكين أو عدل ذ ِلك ِصياما ِليذوق وبال أم ِر ِه‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫ََ َْ‬
‫َ َ َّ ُ َ َّ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َّ ُ‬
‫َّللا م ْن ُه َو َّ ُ‬ ‫اعت َدى َب ْع َد ذ ِل َك فل ُه َعذاب أ ِليم (‪)94‬‬ ‫فم ِن‬
‫َّللا‬ ‫عفا َّللا عما سلف ومن عاد فينت ِقم ِ‬
‫ُ ْ َ‬
‫َع ِزيزذو ان ِتق ٍام (‪)95‬‬

‫‪13‬‬
‫أنت تعيش ِف مملكة امللك وبينك وبنه عقود عليك الوفاء بها‬
‫ً‬
‫فكان واجبا على كل من آمن برسول هللا صلى هللا عليه وسلم طاعة هللا ورسوله وتطبيق اْلنهج الذي نهجه القرءان الكريم وكان ِلز ًاما لهم أن يوفوا بكل العقود التي عقدها اْلؤمنين مع رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم في كل اْلزمان وْلهمية هذه العقود ووجوب اإليفاء بها فكانت هذه السورة ‪ ,‬ومن حق هللا علينا أن نوفي بالعقود حيث أن هللا قد قدم الكون كله لإلنسان بكل أجناسه لخدمة البشرية فوجب‬
‫ً‬
‫علينا بعد قبولنا بكل هذه النعم أن نوفي العقود التي قعدناها إيمانا بخالق النعم ومسخرها لنا فكانت أول اآليات ربط بين الوفاء بالعهود ‪..‬وأحل لكم بهيمة اْلنعام‪...‬‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫هيا بنا نبدأ سويا مع سورة اْلائد‬

‫سورة اْلائدة (سورة مدنية)‪ ،‬ومنها ما نزل في مكة (بعد حجة الوداع)‪.‬‬
‫الوفاء بالعهود وخمسة عشر نداء من هللا‬

‫الفتح‪ ،‬وهي في ترتيب اْلصحف بعد سورة النساء‪ ،‬وعدد آياتها ‪ 120‬آية‪.‬‬ ‫نزلت بعد سورة‬
‫وا !! )‪...‬ففي القرءان كله تكرر‪ 88‬مرة‪ ،‬منها ‪ 16‬مرة في سورة اْلائدة لوحدها‪ .‬فضَل عن أنها ابتدأت أيضا بـ( َي َـأ ُّيهاَ‬‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ‬ ‫َّ‬
‫إن سورة اْلائدة هي السورة الوحيدة في القرءان التي ِّ‬
‫تكرر فيها كثيرا نداء( يـأيها ٱل ِذين ءامن‬
‫َّ َ َ ُ ْ‬
‫ءامنوا‪...).‬‬ ‫ٱل ِذين‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ‬
‫ءامنوا )أي يا من آمنتم باهلل حقا‪ ،‬يا من رضيتم باهلل ربا‪ ،‬يا من أقررتم‬ ‫ءامنوا )فارعها سمعك فإنه أمرخير تؤمر به أو شر تنهى عنه"‪ .‬ومعنى( يـأيها ٱل ِذين‬ ‫يقول عبد هللا بن مسعود‪" :‬إذا سمعت( يـأيها ٱل ِذين‬
‫ً‬
‫باهلل معبودا‪ ،‬اسمعوا وأطيعوا‪.‬‬
‫هدفــها " نــداؤها"‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ْ ُ ُ‬
‫ود )أي أوفوا بعهودكم‪ ،‬ال تنقضوا اْليثاق‪ ،‬والعقود تشمل ما عقده اإلنسان‪ ،‬من اْلسؤولية عن اْلرض واستخَلف‬ ‫أما هدف السورة فهو واضح من أول نداء جاء في السورة( يـأيها ٱل ِذين ءامنوا أوفوا ِبٱلعق ِ‬
‫هللا لإلنسان‪ ،‬إلى أمورالطاعات كالصَلة والحجاب‪ ،‬إلى ترك املحرمات كشرب الخمروأكل الحرام‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫وا )في أي سورة كما ِّ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ‬
‫تكرر في سورة اْلائدة (‪ 16‬نداء) فسورة البقرة مثَل فيها عشرة نداءات مع أن عدد آياتها أطول‪ .‬هذه النداءات تشكل محاورالسورة‪ ،‬فكلما‬ ‫وكما ذكرنا فلم يتكرر نداء( يـأيها ٱل ِذين ءامن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يأتي نداء منها ترى بعده محورا جديدا للسورة فيه تفاصيل اْلوامرأو النواهي‪ 16 .‬أمرا والسورة تنقلنا من أمرإلى آخر‪ ،‬لتأمرنا باإليفاء بالعقود‪.‬‬
‫فأحلوه وما وجدتم فيها من حرام ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫قالت السيدة عائشة ض ي هللا عنها‪َّ " :‬‬
‫فحرموه"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اْلائدة كانت آخر ما أنزل َ من القرءان فما وجدتم فيها من حَلل‬ ‫سورة‬ ‫إن‬ ‫ر‬
‫َْ ْ َ َْ َْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ََْ ُ ْ ْ َ ََ ُ َ ُ ُ ْ ََ ً‬
‫ففي السورة نرى آخرآية أحكام في القرءان( ‪:‬ٱليوم أكملت لكم ِدينكم و أتممت عليكم ِنعم ِتى ور ِضيت لكم ٱْلسَلم ِدينا )‪) (3‬من التي أنزلت في حجة الوداع‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫فأحلوا حَلله ِّ‬‫ِّ‬
‫وحرموا حرامه‪ .‬إنها سورة الحَلل والحرام في اإلسَلم‪ .‬لذلك جاء في الحديث "علموا رجالكم‬ ‫أظن أن هدف السورة بدأ يظهر‪ .‬اآلن وقد تم الدين‪ ،‬فالتزموا بالعهد مع هللا وحافظوا عليه‪،‬‬
‫ِّ‬
‫سورة اْلائدة‪ ،‬وعلموا نساءكم سورة النور‪".‬‬
‫‪14‬‬
15
16
‫املقطع األول‬
‫عقد الحالل والحرم(‪)40-1‬‬

‫تفتتح السورة بنداء للذين آمنوا إلى أن يوفوا بالعقود ـ أي كل ضوابط الحياة التي قررها هللا تعالى – ثم يأخذ‬ ‫هذه السورة لها اسم آخر هو سورة العقود ‪ .‬واْلقصود بالعقود هو كل ضو ابط‬

‫سياق السورة في تفصيل بعض هذه العقود أو الضوابط أو األحكام ‪ .‬وأولها هنا ـ بعد عقد اإليمان الذي‬ ‫الحياة التي قررها هللا تعالى ‪.‬‬

‫نادى هللا تعالى به اْلؤمنين ‪ ،‬والذي تقوم عليه سائرالعقود اْلخرى – هو ما يختص بالتحليل والتحريم في‬ ‫وِف أولها عقد اإليمان باهلل ‪ ،‬ومعرفة حقيقة الوهيته سبحانه ‪ ،‬ومقتض ى‬

‫الذبائح ‪ ،‬وفي اْلنواع ‪ ،‬وفي اْلماكن ‪ ،‬وفي اْلوقات‬ ‫العبودية ْللوهيته ‪ .‬هذا العقد الذي تنبثق منه ‪ ،‬وتقوم عليه سائر العقود‬

‫ثم يستأنف نداء الذين آمنوا لينهاهم عن استحَلل حرمات هللا وشعائره ‪ ،‬ويحذرهم من التأثر باْلشاعر‬ ‫‪ ،‬وسائرالضوابط في الحياة ‪ ،‬ومن ثم فهي تفتتح بنداء للذين آمنوا ‪ ،‬تأمرهم‬

‫الشخصية واْلودة والشنآن في استباحتها ‪ ،‬ويحثهم على التعاون على البروالتقوى ‪ ،‬ال على اإلثم والعدوان ‪.‬‬ ‫بالوفاء بالعقود ‪ .‬ثم تمض ي بعد هذا االفتتاح في بيان الحَلل والحرام من‬

‫ويأمرهم بتقوى هللا ‪ ،‬ويحذرهم من عقوبته‬ ‫الذبائح واْلطاعم واْلشارب واْلناكح ‪ ،‬وفي بيان الكثير من اْلحكام الشرعية‬
‫والتعبدية ‪ ،‬وفي بيان حقيقة العقيدة الصحيحة ‪ ،‬وفي بيان حقيقة العبودية‬
‫وحقيقة اْللوهية‪ ،‬وفي بيان عَلقات اْلمة اْلؤمنة بشتى اْلمم واْللل والنحل ‪،‬‬
‫وفي بيان تكاليف اْلمة اْلؤمنة في القيام هللا والشهادة بالقسط ‪ ،‬والحكم فيها‬
‫بما أنزل هللا ‪ ،‬والحذرمن الفتنة عن بعض ما أنزل هللا ‪ ،‬والحذرمن عدم‬
‫ً‬
‫العدل تأثرا باْلشاعرالشخصية واْلودة والشنان ‪ .‬وغير ذلك ‪. .‬‬

‫‪17‬‬
‫العهود واملواثيق مع أمة محمد ﷺ‪) 8 - 1 ( :‬‬

‫‪-1‬نداء وتنبيه‪ ،‬أمر ونهي‪ ،‬تحليل وتحريم‪ ،‬إطالق وتقييد‪ ،‬تعميم واستثناء‪ ،‬ثناء وخرب‬
‫ً‬ ‫ُُ‬ ‫‪* 1‬وكلما زاد إيمان اْلؤمن َ‬
‫بالعقود‪ ،‬وزاد إيمانه واستجابته ْلا في هذه اآلية ‪ ،‬ولذلك إذا رأيت أحدا ُي ِخ ُّل بالعقد‬ ‫زاد وفائه‬
‫أحدا َيفي بعقده ويحرص عليه َّ‬ ‫ً‬ ‫فاعلم َّ‬
‫فإن هذا من كمال إيمانه‪.‬‬ ‫أن ِصفة اإليمان فيه ناقصة‪،‬وإذا رأيت‬
‫ُ ُُ َ َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫وع َ‬ ‫حال َمن َغض َب ََّّللا َع َل ْيه؛ َول َع َن ُه؛ َّ‬
‫وأن َذل َك ب َب ْغيه ْم؛ َ‬ ‫خال ِف َين ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ود؛ ﴿ف ِبما نق ِض ِه ْم‬ ‫داو ِت ِه ْم؛ ونق ِض ِهم العه‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حال امل ِ‬ ‫*أسوأ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ َّ َ ُ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َّ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َّ ْ ُ ُ‬ ‫َ َ ِّ‬
‫ين َآمنوا ْأوفوا‬ ‫باد ِه اْلؤ ِم ِنين ‪﴿ :-‬يا أيها ال ِذ‬ ‫قال َّللا (تعالى) ‪ِ -‬ل ِع ِ‬ ‫ض ك َّل ُمخالف ٍة؛‬ ‫ِميثاقهم ل َعن ُاه ْم﴾ [اْلائدة‪]١٣ :‬؛ وكان النق‬
‫ُُ‬
‫ِني‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫َح َّذ َر املُْؤ ِمن َ‬
‫الع ُهودِ؛ ف َ‬
‫الوفاءِ؛ وَن ْق ِض ُ‬ ‫والنصارى َّإنما أتى َعلَ ْي ِه ْم مِن َع َد ِم َ‬ ‫الي ُهو َد َّ‬‫ود﴾؛ ِأل َّن َ‬ ‫ِبالعق ِ‬
‫ْ ُ‬
‫اْلص ِل ك ُّل َح ِّ ٍي ال‬ ‫يم ِة؛ وهي في‬ ‫البه َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ ْ َْ ً‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ ُ ُ َّ َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫يتات ونح ِوها؛ قال ‪ -‬مستث ِنيا ِمن نف ِ‬ ‫َلل ما ِألفوا ِمن ا ِْل ِ‬ ‫*وْلا كانوا ربما ف ِهموا ِمن هذا اإلح ِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ َ ُُ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ ْ‬
‫البق َر ِة“ ‪﴿ :-‬إال ما ُيتلى َعل ْيك ْم﴾ ‪-‬البقاعي‪-‬‬ ‫ود ما ق ِِّد َم ت ْح ِر ُيم ُه ِمن ذ ِل َك في ”‬ ‫َّ‬
‫يم ِيز؛ مخ ِب ًرا أن ِمن أعظ ِم العق ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َّ‬
‫تكاليف اهلل‬‫ِ‬ ‫أك َد ذلك بالنهيِ ِف هذه اآلي ِة عن مخال َف ِة‬ ‫حرم ِف اآلي ِة األوىل‪َّ ،‬‬ ‫الصيد على املُ ِ‬‫َ‬ ‫حرم‬‫‪ 2‬أن هللا تعالى ْلا َّ‬
‫تعاىل‪ -.‬الرازي‪-‬‬
‫ُ‬
‫أما اآلية الثانية فقد تضمنت أحكاما بعضها نسخ العمل به وبعضها محكم يعمل به إلى يوم الدين املحكم والواجب العمل به‬
‫مصحف الحفظ امليسر‬ ‫تحريم شعائرهللا وهي أعَلم دينه من سائرما فرض وأوجب‪ ،‬ونهى وحرم‪ .‬فَل تستحل بترك واجب‪ ،‬وال بفعل محرم‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ً‬
‫مناسك الحج والعمرة‪ .‬ومن اْلنسوخ الشهرالحرام فإن القتال كان محرما في اْلشهر الحرم ثم نسخ بقول هللا تعالى فاقتلوا‬
‫ً‬
‫افتتح هللا تعالى هذه السورة بجملة عهود‪ ،‬أخذها على أمة محمد ﷺ وألزمهم العمل بها‪ ،‬وتشمل‪:‬‬ ‫اْلشركين حيث وجدتموهم اآلية‪ ،‬ومن اْلنسوخ أيضا هدي اْلشركين وقَلئدهم واْلشركون أنفسهم فَل يسمح لهم بدخول‬
‫تحليل اْلنعام كلها‪ ،‬وتحريم التعدي على شعائرهللا ومحارمه‪ ،‬وحرم من اْلنعام اْليتة وغيرهـا‪ ،‬وأحـل‬ ‫الحرم وال يقبل منهم هدى‪ ،‬وال يجيرهم من القتل تقليد أنفسهم بلحاء شجرالحرم ولو تقلدوا شجرالحرم كله‪ .‬هذا معنى قوله‬
‫ً‬ ‫ْ َ ۤ َ ۤ ِّ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ َن َ ْ ً‬ ‫ْ‬ ‫ٱلش ْه َر ْٱل َح َ‬
‫َّ‬ ‫ُّ َّ َ َ ُ ْ ُ ُّ ْ َ َ‬
‫ً‬
‫الطيبـات عموما‪ ،‬وما أمسكت الجوارح بعد التسمية عند إرسالها‪ ،‬وأحل الطعـام تـبـادال بين اْللل‬ ‫ضَل ِِّمن‬ ‫رام وال ٱل َه ْد َي وال ٱلقَل ِئد وال ِآمين ٱلبيت ٱلحرام يبتغو ف‬ ‫َّ‬
‫تعالى ﴿يا أيها ً ٱل ِذين آمنوا ال ت ِحلوا شعآ ِئ َر ِ‬
‫ٱَّلل وال‬
‫ضوانا﴾ واْلراد بالفضل الرزق بالتجارة في الحج‪ ،‬واْلراد بالرضوان ما كان اْلشركون يطلبونه بحجهم من رض ى هللا‬ ‫َّ ِّبه ْم ور ْ‬
‫الثَلث‪ ،‬وأحل للمسـلـم الـزواج بالعفيفة‪ ،‬اْلسلمة والكتابية‪ ،‬شرط اإلحصان‪ ،‬ودوام العشرة‪ ،‬وبين‬ ‫رِ ِ ِ‬
‫اكتمال الدين‪ ،‬ويأس الكفارمن هزيمة اْلسلمين‪ ،‬وبين الطهارة بأنواعها‪،‬وأمربالعدل‪ .‬بعـد أن أحـل لنا‬ ‫ليبارك لهم في أرزاقهم ويحفظهم في حياتهم‪– .‬الجزائري‪-‬‬
‫بهيمة اْلنعام في أول السـورة‪ ،‬واستثنى ( إال ما يتلى عليكم ) جاء اآلن بما استثنى محرماً مفصالً‬
‫فقال‪{ :‬حرمت عليكم اْليتة والدم ‪}...‬‬ ‫‪18‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الختام ُّأيها اْلخوة فيه تقرير‬ ‫يد" هذا ِ‬ ‫إِ َّن اللَّـ َه َي ْح ُك ُم َما ُي ِر ُ‬
‫ام "؟‬‫يمةُ ْاألَْن َع ِ‬‫آمُنوا أَ ْوفُوا ِبا ْل ُع ُقو ِد "وبني قوله "أُ ِحلَّ ْت لَ ُكم َب ِه َ‬ ‫العالقة بني األمر بالوفاء بالعقود ِف قوله " َيا أَ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ِين َ‬ ‫ما َ‬
‫َّ‬ ‫ُ َ ُ َّ‬ ‫ْلسألة وهى َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫والسورة تكاد تدورعليه وهو َّ‬ ‫قليل من ُيشيرإلى هذا اْلعنى وهو دقيق‪ُّ ،‬‬
‫أن هللا سبحانه وتعالى هو اْلت ِفرد بالتحليل والتحريم‬
‫ُ ِّ‬ ‫أن هللا سبحانه وتعالى َج َع َل توسيع دائرة التحليل لهذه اْل َّمة َم ُربوطا َو َمرهونا بوفائها‬
‫حلل أو ُي ِّ‬ ‫والي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫بالعقود فكلما كانت أوفى بالعقد‪َ ،‬وأحرص على الوفاء به‪ ،‬بقدر ُ‬
‫حرم إال هللا سبحانه وتعالى‪،‬وهذه‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫أحد‬ ‫ملك‬ ‫وسع هللا سبحانه وتعالى دائرة الحَلل ودائرة اْلباح لها‪ ،‬وبنو إسرائيل ْل ِّنهم كانوا أهل‬ ‫ماي ِّ‬
‫ِ‬
‫السورة ُسورة اْلائدة هي في الحَلل والحرام ولذلك بدأها بهذه‬ ‫ُّ‬ ‫ْ ُ َّ َ ُ َ َ ً َ‬
‫اع ٍم َيط َع ُمه ِإال أن َيكون َم ْيتة أ ْو َد ًما‬
‫َ َ ً ََ َ‬
‫وح َي ِإل َّي ُمح َّرما عل ٰى ط ِ‬
‫ُ َّ َ ُ َ ُ‬
‫‪،‬ضيق هللا عليهم في دائرة الحَلل‪ ،‬لذلك قال هللا ‪":‬قل ال أ ِجد ِفي ما أ ِ‬ ‫وللعقد َّ‬ ‫نقض للميثاق َ‬
‫ٍ ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫ِّ‬
‫الذي ُيك ِثرمن اْلسئلة يقول‬ ‫اآلية (إن هللا يحكم ما يريد َّ) ِولذلك ِ‬ ‫وحا ﴿‪ ﴾١٤٥‬سورة اْلنعام‪.‬‬ ‫َّم ْس ُف ً‬
‫ضعف عنده‬ ‫ْلاذا َح َّرم هللا كذا؟ وْلاذا َحلل هللا كذا؟حتى َت ُ‬
‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ َ ْ ْ ُ ُ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّأما أهل الكتاب فقد َح َّر َم هللا عليهم في قوله " َو َع َلى َّالذ َ‬
‫أح َّل‬ ‫ماح َّرم هللا‪ ،‬و ُنح ِّل ما َ‬ ‫حرم َ‬ ‫واعي االستجابة‪،‬نقول له نحن ُن ِّ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫ور ُه َما أ ِو‬ ‫ين َه ُادوا َح َّر ْمنا ك َّل ِذي ظف ٍر ۖ و ِمن البق ِروالغن ِم حرمنا علي ِهم شحومهما ِإال ما حملت ظه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َٰ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ ْ َ َّ َ َ ُ َ‬ ‫ْ ََ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫هللا‪ ،‬ولذلك ذكرهللا سبحانه وتعالى في سورة البقرة (ذ ِٰل َك ِبأ َّن ُه ْم‬ ‫ال َح َو َايا أ ْو َما اختلط ِب َعظ ٍم ۖ ذ ِلك جزيناهم ِببغ ِي ِهم ۖ و ِإنا لص ِادقون ﴿‪ ﴾١٤٦‬سورة اْلنعام‪.‬‬
‫الفرق؟ فلم َي ُر َّد عليهم ببيان‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫)‬ ‫ا‬ ‫الرَ‬
‫ب‬ ‫َق ُالوا إ َّن َما ْال َب ْي ُع م ْث ُل ِّ‬ ‫وجوب االلتزام َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ووسع هللا على هذه ِّ‬ ‫فضيق هللا على بني إسرائيل بنقضهم للميثاق‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫َ َ َ َّ َّ ُ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ ِّ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالعقد‬ ‫اْلمة دائرة اْلباح لوفائها بالعقد‪،‬وفي هذا إشارة ُّأيها اْلخوة إلى‬ ‫ِ‬
‫الربا )ْلنه‬ ‫الفرق بينهما‪ ،‬بل قال‬ ‫ً‬ ‫َْ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َْ َ ْ ُ ََْ ُ ْ ْ َ َ َ ُ َ ُ ُ ْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُ ِّ‬
‫سبحانه (وأحل َّللا البيع وحرم ِ‬ ‫الحق‪ِّ.‬‬ ‫الذي َيمل ُك هذا َ‬ ‫ِّ‬ ‫اإل ْسَل َم ِدينا ﴿‪ ، ﴾٣‬بكمال االستجابة‬ ‫التى ذكرها هللا في قوله (اليوم أكملت لكم ِدينكم و أتممت عليكم ِنعم ِتي ور ِضيت لكم ِ‬ ‫النعمة ِ‬ ‫والعهد حتى تكمل ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫هو ِ‬ ‫واالنقياد هلل سبحانه تعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫النبى صلى هللا عليه وسلم عندما َج َاء في ُ‬ ‫َّ‬
‫الحديبية‪،‬أراد هو وأصحابه‬ ‫ِ‬ ‫*‬ ‫الحظوا سورة البقرة وهى أطول من سورة اْلائدة‪ ،‬سورة اْلائدة عدد آياتها عشرين ومائة (‪ )120‬آية‪ ،‬بينما عدد آيات سورة البقرة ٌّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ست وثمانون‬ ‫ِ‬ ‫ولذلك‬
‫رض ي هللا عنهم أن يعتمروا فمنعهم اْلشركون‪ ،‬فلما نزلت سورة اْلائدة‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫السورة (سورة‬ ‫ْلن هذه ُّ‬ ‫للح ِّج ‪َّ -‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم َ‬ ‫ِّ‬
‫بعد ذلك وجاء‬ ‫الذين آمنوا) عشر(‪ )10‬مرات‪ ،‬بينما في ُسورة اْلائدة ستة عشر(‪)16‬مرة‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫النداء (يا أيها ِ‬ ‫ومائتين (‪ )286‬آية ورد في سورة البقرة ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫والسَلم بذبح البقرة قالوا" ما ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫اْلائدة )نزلت قبل حجة الوداع أو قبل الحج‪ ،‬وبعد صلح الحديبية ربما فى‬ ‫لونها‪"...‬الى‬ ‫الصَلة َّ‬ ‫وتلكأهم فى االستجابة ْلوامر هللا حين أمرهم ُموس ى عليه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحظوا سورة البقرة كيف ت ُدورعلى بني اسرائيل‪،‬‬
‫السنة التاسعة إلى َّأول العاشرة –فاهلل يقول وينهى اْلؤمنين‬ ‫َّ‬
‫الصادقين كيف استجابوا ْلمرهللا سبحانه وتعالى فى قوله ‪:‬‬ ‫آخره لكن الحظوا فى أواخرسورة البقرة عندما ذكرهللا ص َف َة اْلؤمنين َّ‬
‫ِ‬
‫ص ُّدوكم عن اْلسجد الحرام فَل‬ ‫ْلنهم َ‬‫غض اْلشركين ِّ‬ ‫واليجر َم َّنكم ) ُب ُ‬
‫( َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َُ ُ َ َ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ‬ ‫ُْْ ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يحملكم ذلك على أن تعتدوا في ِفعل أو في قول‪.‬‬ ‫الر ُسو ُل ِب َما أ ِنز َل ِإل ْي ِه ِمن َّرِِّب ِه َواْلؤ ِمنون ۖ ك ٌّل َآم َن ِبالل ِـه َو َمَل ِئك ِت ِه َوكت ِب ِه َو ُر ُس ِل ِه ال نف ِِّرق َب ْين أ َح ٍد ِِّمن ُّر ُس ِل ِه ۖ َوقالوا َس ِم ْعنا َوأط ْعنا ۖ غف َر ان َك َرَّبنا‬ ‫" َآم َن َّ‬
‫َّ‬ ‫َ َ ِّ ُ َّ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ُ َ ُ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َو ِإل ْي َك اْل ِص ُير﴿‪ ﴾٢٨٥‬ثم جاء التخفيف فقال هللا ‪ :‬ال ُيك ِلف الل ُـه نف ًسا ِإال ُو ْس َع َها‬
‫ره أ َحد‪ ،‬أو‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫واليحملك ك‬
‫ِ‬ ‫دل‪،‬‬ ‫*ينبغي علينا أن نكون أهل قسط‪ ،‬وأهل ع ٍ‬ ‫التوسيع على هذه اْلمة وذلك لكمال االنقياد و لكمال االستجابة هلل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُبغضه أو ِّ‬ ‫عزوجل‪.‬‬ ‫فَلحظوا دائرة‬ ‫ِ‬
‫ظل َمه‪.‬‬ ‫أي ش يء حصل بينك وبينه ْل ِّي سبب ِمن اْلسباب‪ ،‬أن ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ َ ُّ‬ ‫ُّ َ‬
‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫يسرة رض ي هللا عنه ُ‬ ‫مرهللا سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ولذلك حتى الرخص التى ير ِخصها هللا سبحانه وتعالى لهذه اْلمة‪ ،‬رخصها لنا فى السفر‪ ،‬وفي اْلرض‪ ،‬لكمال االنقياد‪َ ،‬واالستجابة ْل ِ‬
‫وه َو من التابعين الفق َهاء" اشتملت‬ ‫*يقول أبو َم َ‬
‫حر َمات بقوله ( َّ‬ ‫ُ‬ ‫فلشدة َت ُلكإهم‪ ،‬وتكذيبهم‪ ،‬وعصيانهم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫حرمنا‬ ‫امل َّ‬ ‫ضيق هللا عليهم دائرة الحَلل‪ ،‬وأكث َرعليهم من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فوسع هللا على هذه اْلمة‪،‬وأما بنو إسرائيل ِ‬
‫سورة اْلائدة على ثمانية عشر )‪( 18‬فريضة ليست فى غيرها " ُسورة‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ َ ُ ً‬ ‫فإنها محرمة عليهم"فعاقبهم بتحريم ما أحله هللا سبحانه وتعالى ِلغيرهم من‬ ‫تلكأوا فقال " َّ‬ ‫السورة عندما أمرهم هللا ِب ُدخول بيت اْلقدس‬ ‫حتى في هذه ُّ‬ ‫عليهم) َّ‬
‫اْلائدة فيها ثمانية َعشر ُحكما‪ ،‬والقرطبي أضاف الحكم التاسع عشر‬ ‫اْلمم َ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬عبد الرحمن الشهري‪-‬‬ ‫جزاء تكذيبهم وعصيانهم‪.‬‬
‫)‪(19‬ليست إال فى سورة اْلائدة ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫يحرم ما ي ِّ‬
‫حرم إال‬ ‫*هذا الذي حولنا اهلل عليه ِف قوله‪﴿ :‬إَّال ما ي ْتلَى علَي ُكم ْ﴾ واعلم أن هللا تبارك وتعالى ال ِّ‬ ‫‪3‬‬
‫َ ْ ْ‬ ‫ِ َ ُ‬
‫صيانة لعباده‪ ،‬وحماية لهم من الضرراْلوجود في املحرمات‪ ،‬وقد يبين للعباد ذلك وقد ال يبين‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أشياء تُتلَى عليهم في ق ْو ِله‪ِ :‬إال َما‬
‫َ‬ ‫استثناء‬
‫َ‬ ‫يمةُ ْاألَْن َع ِ‬
‫ام ثم ذ َكر فيه‬ ‫ورة‪ :‬أُ ِحلَّ ْت َل ُك ْم َب ِه َ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫*ْلا قال تعالى في أول الس ِ‬
‫العموم ‪-‬الرازي‪-‬‬ ‫ور املستثنا َة من ذلك‬ ‫الص‬ ‫تلك‬ ‫هنا‬ ‫ر‬‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫‪-‬‬ ‫ُي ْت َلى َع َل ْي ُك ْ‬
‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫َّ‬ ‫ْلن استخراج كل َّ‬ ‫فإن هللا تعالى أباحه َّ‬ ‫الدم‪َّ ،‬‬ ‫الع ُروق من ِّ‬
‫الذي َبقي فى ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ َ‬ ‫* َ‬
‫الدم من الذبيحة فيه َمشقة‪.‬ولكن‬ ‫ِ‬ ‫الدم اْلسفوح‪،‬‬ ‫وعكس‬
‫ُُّ‬ ‫ِّ َ‬ ‫الدم‪،‬فاْلقصود بقوله ( َّ‬ ‫الذبيحة فيزول ِّ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫الدم اْلسفوح وليس كل دم ‪.‬‬ ‫والدم )هذا‬ ‫عندما تطبخ‬
‫َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫ْ ُ َ ْ َ َْ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ف ِ ِإلث ٍم ۖ ف ِإ َّن الل َـه غفور َّر ِحيم ﴿‪﴾٣‬‬
‫*ف َم ِن اضط َّر ِفي مخ َمص ٍة غي َرمتجا ِن ٍ‬
‫حرمات َّ‬ ‫ُ‬
‫امل َّ‬ ‫أي ُ‬ ‫اُنظروا إىل توسيع اهلل سبحانه وتعاىل على املسلمني؛ ِّ‬
‫وبينا لكم الحَلل والحرام‪،‬ولكن إذا‬ ‫نحن قررنا عليكم‬
‫حاجة‪ ،‬أو مرض أو نحو ذلك ‪ ،‬فَل إثم عليه‪.‬‬ ‫لشدة‪ ،‬أو‬ ‫يأكل من هذه ِّ‬
‫املحرمات‬
‫ُ‬
‫أحدكم إلى أن‬ ‫ُاضطر ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫والحاجة( ‪َ ,‬غ ْي َر ُم َت َجانف ِّإل ْثم) أي ال ُيريد بذلك اْلَيل إلى َ‬
‫الح َرام‪ ،‬والحرص‬ ‫دة َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫اض ُط َّرفي َم ْخ َم َ‬
‫ص ٍة )واملخمصة هي الش‬ ‫قال هللا ( َف َمن ْ‬
‫ِ ٍ ِِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ َ ُ‬ ‫َ‬
‫عليه (ف ِإ َّن الل َـه غفور َّر ِحيم )انظروا إلى ك َمال سعة رحمة هللا بهذه اْلمة‪.‬‬
‫َْ ْ َ َ ْ َْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َْ َ ْ ُ ََْ ُ ْ ْ َ َ َ ُ‬
‫يت َل ُك ُم ْاإل ْس ََل َم د ًينا ) وهذه اآلية آية عظيمة َفط َن ُ‬
‫أحد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫*اليوم أكملت لكم ِدينكم و أتممت عليكم ِنعم ِتي ور ِض‬
‫اليهود‬
‫فقال ‪:‬لعمر بن الخطاب رض ي هللا عنه ‪:‬يا أميراْلؤمنين آية في كتابكم ‪-‬وهذا َي ُد ُّل على َّأنهم يقرؤون ‪-‬لو َعلينا معشر‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫يهود نزلت التخذنا ذلك اليوم عيدا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫حمه‪،‬‬
‫أن املحرم ُك ُّل الخنزير ل ُ‬
‫حر ٌم عليكم لحم الخنزير مع َّ‬‫أي ُم َّ‬
‫ير) ّ‬
‫ِنز ِ‬
‫( َولَ ْح ُم ا ْلخ ِ‬
‫ألنه أبرز ما ُيؤكل‬ ‫وكل شى ٍء فيه‪َّ ،‬‬
‫لكن اهلل ذكر لحم الخنزير َّ‬ ‫ودمه ُّ‬ ‫وشحمه‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫قال ‪:‬وما هي؟‬ ‫حرم كذلك ‪.‬‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫فشحم‬ ‫وإال‬ ‫منه‪،‬‬
‫ُ ُ َّ‬
‫ً‬ ‫َْ ْ َ َ ْ َْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َْ َ ْ ُ ََْ ُ ْ ْ َ َ َ ُ َ ُ ُ ْ َ‬
‫اإل ْسَل َم ِدينا )‬
‫قال( ‪:‬اليوم أكملت لكم ِدينكم و أتممت عليكم ِنعم ِتي ور ِضيت لكم ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ‬
‫يوم نزلت‪ ،‬قال لقد نزلت على النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫وفي‬ ‫‪،‬‬ ‫زلت‬ ‫ن‬ ‫ومتى‬ ‫‪،‬‬ ‫زلت‬ ‫ن‬ ‫أين‬ ‫علم‬‫ْل‬ ‫فقال عمر ‪:‬وهللا إنني‬
‫الج ُمعة فى َع َرفة ونحن في حجة الوداع‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يوم ُ‬
‫ولكل أتباعه َّ‬
‫الدين‪ِّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫اْل َّمة وفيها تشريف لهذا ِّ‬ ‫َ‬ ‫فهذه اآلية َ‬
‫بأن هللا سبحانه وتعالى قد أكمل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العظيمة فيها شرف لهذه‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫علينا هذا ِّ‬
‫النعمة بأن وفقنا التباعه َووفقنا سبحانه وتعالى ِل َبيان هذا الحق ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الدين‪،‬و أتم علينا هذه ِ‬‫ِ‬ ‫‪20‬‬
‫َّ ُ‬ ‫َ َّ َ‬
‫تناو ِلها‪َّ -‬إما في َبد ِنه‪ ،‬أو في‬
‫الخبائث الضارة ْل ِ‬‫ِ‬ ‫مة من‬ ‫ِّ‬
‫اْلتقد ِ‬
‫ِ‬ ‫اآلية‬
‫حرمه في ِ‬ ‫ْلا ذكرتعالى ما َّ‬ ‫‪4‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫بيان ما أحلَّه لهم ‪-‬الشوكاني‪-‬‬ ‫الضرورة ‪ -‬شرع في ِ‬‫ِ‬ ‫حالة‬
‫ِدينه‪ ،‬أو فيهما‪ -‬واستثنى ما استثناه في ِ‬
‫*بعـد أن ذكـر لهم ما حـرم عليهم من املطعومات في اآليات السابقة‪ :‬امليتة والدم ولحم الخنزير‪.‬‬
‫سألوا النبي ﷺ ماذا أحل لهم فجاء الجواب من هللا تعالى‪ ( :‬قل أحل لكم الطيبات )‪.‬‬
‫ثـم يذكرهـم بتقوى اهلل ويذكرهم بالدقة ِف تصرفاتهم حتى ال يأكلوا مما أمسك الجارح‬
‫لنفسه وأكل‪ ،‬مستحلين ملا أكل الجارح وان كان فيها أكل وترك بقية من حياة فال يحل‪.‬‬
‫ويذكرهم بأن عقاب هللا سريع ْلن يعص ى‪ .‬اليـوم مكررة مرة بعد مرة ْلا لها من وقع طيب‪،‬‬
‫وتعظيم لهذا اليوم الذي يكتمل فيه الدين يكتمـل فـيـه التبيين‪.‬‬
‫كل هذا الذي قـال هللا تعالى في تحريم اْلأكوالت وتحليلها‪ ،‬وما أباح من صيد وما حرم وما أباح‬
‫من طعام وزواج من أهل الكتاب قبول هذا كله من اإليمان‪ ،‬فمن أحل ما أحل هللا وحرم ما‬
‫حرم هللا وقبـل به فهو اإليمان الكامل املحض‪ ،‬ومـن لم يقبله وكفربه فقد فارق اإليمان فَل‬
‫إيمان‪ .‬وقد حبط عمله‪ ...‬والجزاء في اآلخرة هو الخسران اْلبين‪ ...‬الذي يقود صاحبه إلى‬
‫النار‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ َّ َ‬
‫والخطاب هنا للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفي هذا إشارة إلى عناية‬ ‫يسألونك ماذا أ ِحل لهم ) ِ‬
‫َ‬
‫بالحَلل والحرام‪،‬‬ ‫الصحابة رض ي هللا عنهم َ‬ ‫َّ‬
‫ً‬ ‫ُ ُّ‬
‫أسئلة محدودة‪ ،‬وكلها أسئلة عملية يترتب عليها عمل‪،‬وهناك سؤال مثَل في القرآن الكريم ال‬
‫وجه إلى َ‬
‫العمل‬ ‫الجواب َج َاء بما ُي َّ‬ ‫ولكن َ‬
‫يترتب عليه عمل َّ‬ ‫*كرر تعاىل إحالل الطيبات لبيان االمتنان‪ ،‬ودعوة للعباد إىل شكره واإلكثار من ذكره‪ ،‬حيث أباح لهم ما تدعوهم‬ ‫‪5‬‬
‫للذهن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫الحاجة إليه‪ ،‬ويحصل لهم االنتفاع به من الطيبات‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫أن الجواب ‪:‬قل هي‬ ‫فقال هللا سبحانه وتعالى هنا (يسألونك عن اْلهلة )فاْلتبادر ِ‬
‫جاء بخَلف ذلك فقال‬ ‫نجوم تظهرفي السماء وتختفي أو نحو ذلك‪،‬ولكن الجواب َ‬ ‫اإلخبارعن هذا ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فوجه الجواب إلى ما ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫للناس َ‬ ‫الحكم‪ ،‬ثم أعاد ذِك َره‬ ‫اْلقصود من ِذكره‬ ‫بات‪ ،‬وكان‬ ‫الطي ِ‬ ‫املتقدم ِة َّأنه َّ‬
‫أحل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اآلي ِة‬
‫أخرب اهلل تعاىل ِف َ‬ ‫*ملَّا َ َ‬
‫ينفع ُهم‪ِّ ،‬‬
‫أي‬ ‫والح ِّج ) َّ‬ ‫هللا(يسألونك عن اْلهلة قل هي مو اقيت‬ ‫َ‬ ‫أكمل ِّ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫اْلهلة هي أجرام‪ ،‬أو كواكب‪ ،‬أو أنها تعكس الضوء أو ال تعكس‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أنت ماذا ينفعك إذا عرفت أن ِ‬ ‫الدين و أت َّم‬
‫َ ِ‬ ‫فب َّين أنه كما‬ ‫رض من ِذكره أنه قال‪ :‬اليوم أكملت لكم ِدينكم و أتممت عليكم ِنعم ِتي‬ ‫والغ ُ‬ ‫ِف هذه اآلية ِۖ‪،‬‬
‫ينفع َك أن تعلم َّ‬ ‫ِّ‬
‫لكن الذي ُ‬ ‫ينفعك في دينك‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫الضوء‪ ،‬فهذا ال ُ‬ ‫َّ‬
‫يتعلق ُّ‬ ‫َّ ِّ َ‬
‫عمة في ِّ‬ ‫تعلق ِّ‬ ‫ِّ َ َّ‬ ‫ِّ َ‬
‫أن هذه اْلهلة هي مو اقيت‬ ‫ُِ‬ ‫بالدنيا ‪-.‬الرازي‪-‬‬ ‫كل ما‬‫ِ‬ ‫الن‬
‫بالدين‪ ،‬فكذلك أتم ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل ما ي‬
‫النعمة في ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تستدل بها على أوقات العبادات‪َّ ،‬أما بقية اْلسئلة فهي أسئلة َيترت ُب عليها عمل‪ ،‬بخَلف‬ ‫ً‬
‫فإنهم كانوا ُيكثرون من اْلسئلة التي ال يترتب عليها عمل‪.‬‬ ‫أسئلة بني إسرائيل َّ‬ ‫ممن د َخل ِف دِينهم من املشركني‪،‬‬ ‫رك َّ‬ ‫ات ِّ‬
‫الش ِ‬ ‫أهل توحيدٍ‪ ،‬ثم َس َر ْت إليهم ن َز َغ ُ‬ ‫أهل الكتابِ ِف األصل َ‬ ‫*و أيضا ملََّا كان ُ‬
‫سماها هللا سبحانه وتعالى جوارح ْلنها َتكسب لصاحبها قال (ويعلم ما َجرحتم َّ‬
‫بالنهار )أي ما‬ ‫َّ‬ ‫شدد‬ ‫ومنا َك َحتِهم‪ ،‬كما َّ‬
‫أهل الكتابِ ُ‬ ‫الفصل بينهم وبني ماضيهم‪ ،‬وكان هذا َم ِظَّنةَ التشدي ِد ِف ُمؤاكل ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫شددوا ِف‬‫ولم ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫‪-‬عبد الرحمن الشهري‪-‬‬ ‫الكاسب ‪.‬‬ ‫َ‬
‫كسبتم فالجارح هو ِ‬ ‫املشركني ِف‬
‫َ‬ ‫أهل الكتابِ معاملةَ‬
‫ِل َ‬ ‫ِف أ ْك ِل ذَبائحِ مشركي العربِ ونِكاح نسائِهم‪َّ -‬بني اهلل ِف هذه اآلي ِة َّأال ُنعام َ‬
‫ْ َ ْ َُ ُ َّ َ ُ ُ َّ ِّ َ ُ‬ ‫‪21‬‬
‫ِكاح نسائِهم ‪ ،‬فقال‪ :‬اليوم أ ِحل لكم الط ِيبات ‪-‬اْلنار‪-‬‬
‫فأحل لنا مؤاكل َتهم‪ ،‬ون َ‬
‫َّ‬ ‫ذلك‪،‬‬
‫الروح ‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫*بعد أن ذكر اهلل تعاىل حاجات الجسد‪ ،‬انتقل اآلن إىل حاجات ُّ‬
‫هذه آية عظيمة قد اشتملت على أحكام كثيرة‪...‬منها ‪......‬أن هذه اْلذكورات فيها امتثالها والعمل بها من لوازم اإليمان الذي ال يتم إال‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ ُ‬
‫ين َآمنوا ْ﴾ إلى آخرها‪ .‬أي‪ :‬يا أيها الذين آمنوا‪ ،‬اعملوا بمقتض ى إيمانكم بما شرعناه لكم‪– .‬‬ ‫به‪ْ ،‬لنه صدرها بقوله ﴿يأيها ال ِذ‬
‫السعدي‪-‬‬
‫*اآلن بعـد اْلطعومات واْلنكوحـات يأتي دورالعبادات وأولها الصـَلة ْلنها دليل اإليمان الـذي وقـرفي القلب وصدقه‬
‫العمل وهو الصَلة‪ .‬والتي قال رسول هللا ﷺ‪( :‬إذا رأيتم الرجل يعتاد اْلساجد فاشهدوا له باإليمان)‪-‬التفسير‬
‫اْلوضوعي‪-‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫النوعان‬
‫ِ‬ ‫املطعِم واملن َكحِ‪ ،‬واستقص ى ذلك‪ ،‬وكان‬ ‫باألم ِر بإيفا ِء العهو ِد‪ ،‬وذكرتحليَل وتحريما في َ‬ ‫السور َة ْ‬ ‫*ملَّا افت َتح اهللُ تعاىل ُّ‬
‫املعامالت األُخروية التي هي بين العبد ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وربه سبحانه وتعالى‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫استطرد منها إلى‬ ‫بعض‪،‬‬‫بعضهم من ٍ‬ ‫نيويةً بين الناس ِ‬ ‫معامالت ُد َّ‬ ‫ٍ‬
‫الصالةَ‪ ،‬والصال ُة ال تُمكن َّإال بالطَّهارةِ‪ ،‬بدأَ بالطَّهار ِة ‪.‬‬ ‫اإليمان َّ‬
‫ِ‬ ‫الطاعات بعد‬ ‫ِ‬ ‫أفضل‬
‫ُ‬ ‫وملََّا كان‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ ْ ُ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ً‬
‫الربوبي ِة من اهلل‪ ،‬وعهد‬ ‫َّ‬ ‫ود؛ والعهد نوعان‪ُ :‬‬
‫عهد‬ ‫*و أيضا قد افتتح هللا سبحانه السورة بقوله‪ :‬يا أيها ال ِذين آمنوا أوفوا ِبالعق ِ‬
‫لذات املطعم‪ ،‬ولذات املن َكح‪،‬‬ ‫نوعين‪َّ :‬‬
‫ً‬
‫الدنيا محصورة في‬ ‫والك َرم‪ ،‬و َْلَّا كانت مناف ُع ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الربوبية‬ ‫الوفاء بعهد‬‫َ‬ ‫العبودية من العباد‪َّ ،‬‬
‫فقدم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫فاستقص ى سبحانه في بيان ما َي ِح ُّل َوي ُ‬ ‫َ‬
‫الحاج ِة إىل املنكوحِ‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫املطعوم فو َق‬
‫ِ‬ ‫واْلناك ِح‪ ،‬وملََّا كانت الحاجةُ إىل‬ ‫ِ‬ ‫اْلطاعم‬ ‫ِ‬ ‫حرم من‬
‫الربوبية فيما ُيط َلب في ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الدنيا من اْلنا ِف ِع‬ ‫تمام البيان كأنه يقول‪ :‬قد وفيت ِ‬
‫بعهد‬ ‫بيان املطعوم على املنكوح‪ ،‬وعند ِ‬ ‫قد َم َ‬ ‫جرم َّ‬ ‫َ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ينتقـل القرآن الكريم إىل عهود الطهارة بأنواعها الثالثة‪ :‬الوضوء والجنابة والتيمم‪.‬‬ ‫اعات بعد اإليمان الصَلة‪ ،‬وال يمكن إقامتها إال‬ ‫بعهد العبودية‪ ،‬فلما كان أعظم الط ِ‬ ‫بالوفاء ِ‬
‫ِ‬ ‫واللذات‪ ،‬فاشت ِغل أنت في الدنيا‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫بعد عهود الحَلل والحرام في اْلطعومات و أنواعها ووسائل صيدها واْلنكوحات‪.‬‬ ‫جرم بدأ هللا تعالى ِبذكرشرا ِئ ِط الوضوء ‪.‬‬ ‫هارة ال‬‫بالط ِ‬
‫هذه هي الطهارة – مـا فرضها هللا تعالى على عباده ليشـق عليهم ويضيـق‪ ،‬ولكنها رحمة‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫أيضا َْلَّا َذ َك َ‬ ‫* ً‬
‫ونظافة وطهارة تحمي اإلنسان من القذرووساوس الشيطان وتبيح التعبـد ومس اْلصحف‬ ‫كاح‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والن‬ ‫ِ‬ ‫عام‬
‫ِ‬ ‫الط‬ ‫ر‬‫أث‬ ‫هما‬ ‫هارتين‬ ‫الط‬ ‫سبب‬ ‫هما‬ ‫ذان‬ ‫الل‬ ‫)‬ ‫واألكرب‬ ‫األصغر‬ ‫(‬ ‫ثان‬ ‫د‬‫َ‬ ‫الح‬
‫َ‬ ‫وكان‬ ‫‪،‬‬‫ِ‬‫ح‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫واملن‬ ‫م‬ ‫باملطع‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫يتعل‬ ‫ما‬ ‫ر‬ ‫و‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ‬
‫ودخـول اْلساجد والصَلة على اْلموات والنفل وغيرها‪ ،‬تماما للنعمة وهي نعمة اإلسَلم‬ ‫اْلوجبة للغسل ؛ لذا قال سبحانه ‪َ :‬يا أ ُّي َها‬ ‫ساء ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫اْلوجب للوضوء‪ ،‬ولوال النكاح ْلا كانت مَلمسة ِ‬
‫ُ‬
‫فلوال الطعام ْلا كان الغائط ِ‬
‫اْلذكورة وفضل هللا الـذي (يحب اْلتطهرين )‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َ ُ َ ُ ُ َ‬
‫ثم لعلكم تشكرون هللا تعالى هذا االهتمام نظافة وقربي ورفعة بهذا الدين وهذا التشريع ‪.‬‬ ‫الصَل ِة‪- .‬املحررفي التفسير‪-‬‬ ‫ين َآمنوا ِإذا ق ْمت ْم ِإلى‬ ‫ال ِذ‬

‫‪22‬‬
‫‪* 7‬يأمر تعاىل عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية‪ ،‬بقلوبهم وألسنتهم‪ .‬فإن في استدامة ذكرها داعيا لشكرهللا تعالى‬
‫ومحبته‪ ،‬وامتَلء القلب من إحسانه‪ .‬وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية‪ ،‬وزيادة لفضل هللا وإحسانه‪ .‬و‬
‫ََ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اقه ْ﴾ أي‪ :‬واذكروا ميثاقه ﴿ال ِذي َو اثقك ْم ِب ِه ْ﴾ أي‪ :‬عهده الذي أخذه عليكم‪ .‬وليس اْلراد بذلك أنهم لفظوا‬
‫﴿ميث ِ‬
‫ِ‬
‫ْ ُُْ‬
‫﴿إذ قلت ْم‬
‫ونطقوا بالعهد واْليثاق‪ ،‬و إنما اْلراد بذلك أنهم بإيمانهم باهلل ورسوله قد التزموا طاعتهما‪ ،‬ولهذا قال‪ِ :‬‬
‫َ َ َ َ‬
‫َس ِم ْعنا َوأط ْعنا ْ﴾ أي‪ :‬سمعنا ما دعوتنا به من آياتك القرآنية والكونية‪ ،‬سمع فهم وإذعان و انقياد‪ .‬وأطعنا ما أمرتنا‬
‫به باالمتثال‪ ،‬وما نهيتنا عنه باالجتناب‪ .‬وهذا شامل لجميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة‪ .‬وأن اْلؤمنين يذكرون في‬
‫ُ‬
‫ذلك عهد هللا وميثاقه عليهم‪ ،‬وتكون منهم على بال‪ ،‬ويحرصون على أداء ما أ ِم ُروا به كامَل غيرناقص‪- .‬السعدي‪-‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َ‬
‫بول واالنقيا َد‪ ،‬وذلك من‬ ‫ورة‪ْ ،‬أر َدفَه بما ُيو ِج ُب عليهم ال َق َ‬ ‫بداية الس ِ‬
‫قة من ِ‬ ‫اآليات الس ِاب ِ‬ ‫كاليف في‬
‫الت َ‬ ‫*ْلا ذ َكر َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الن َعم ُتوج َب على اْلُ َ‬ ‫َّ َ ِّ‬ ‫َّ َ ُ َ‬
‫ْلوام ِره‬
‫بخدمة اْلن ِعم‪ ،‬واالنقياد ِ‬‫ِ‬ ‫االشتغال‬ ‫نع ِم عليه‬ ‫وجهين‪ :‬اْلول‪ :‬كثرة ِنع ِم هللا عليهم؛ ْلن كثرة ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫كاليف‪ ،‬وهو اْليثاق الذي و اثقكم به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لَلنقياد للت‬
‫ِ‬ ‫اْلوج ِب‬
‫ونواهيه‪ .‬والوجه الثاني‪ :‬في السبب ِ‬
‫ََ‬ ‫َْ‬
‫‪ 8‬أن هللا تعالى ملََّا َح َّث على االنقيا ِد َّ‬
‫ألم ِر اهلل‪ ،‬وهذا ذك َره في‬ ‫كاليف‪ ،‬وهي مع كث َرِتها محصورة في‬ ‫َّ َ‬
‫التعظيم ْ‬ ‫نوعين‪َّ :‬‬
‫ِ‬ ‫للت ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ‬
‫الشف َقةُ على َخ ْل ِق اهلل‪– .‬املحرر‪-‬‬‫النوعِ الثَّاني وهو َّ‬ ‫قوله‪ِ :‬إذ قلتم س ِمعنا وأطعنا و اتقوا هللا‪ ،‬ثم أ ْع َقَبه بذ ْك ِر َّ‬

‫‪23‬‬
‫املواثيق والجزاء‪)10-9( :‬‬
‫ً‬
‫هذه هي العهود بدءا من فاتحة السورة و انتهاء بالقوامة بالشهادة‬
‫واآلن جاء الحديث عمن أوفى بهذه العهود فيها جزاؤه؟ ومن خالف فها جزاؤه‪ .‬ويذكر هللا تعالى‬
‫اْلؤمنين بنعمة من نعمه ذات وقع خاص و أثر‪ ،‬قريب الحدوث عند نزول سورة اْلائدة‪ ،‬حدث له داللة‪،‬‬
‫واطَلع هللا تعالى عليه وهو صرف البَلء عنهم‪.‬‬

‫نواهيه ‪.‬‬ ‫أوامره واج َتَن َب‬ ‫‪9‬‬


‫َ‬ ‫ونواهي‪ ،‬ذ َكر و ْع َده َمن اتََّب َع َ‬‫َ‬ ‫أن اهلل تعاىل ملََّا ذ َك َر أوام َِر‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫عقاب هللا في ُّ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ‬
‫أقرب ما ُيتقى به‬ ‫أن العدل هو ُ‬ ‫بعد بيان َّ‬ ‫مما ُحت َم على اإلطَلق‪َ ،‬‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ‬
‫الدنيا‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالت ْقوى َّ ِ‬ ‫و أيضا ْلا كان اْلم ُر َّ‬
‫َ َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َّ‬
‫ِق‬‫خبْي بدقائ ِ‬
‫ٌ‬ ‫اهلل‬ ‫بأن‬
‫َّ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫املط‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫هذا‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ِّ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫اْلقوام‪ ،‬وْل‬
‫ِ‬ ‫واإلصَلح في‬
‫ِ‬ ‫لألفراد‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َلح‬
‫واآلخرة؛ ْلنه ِقوام الص ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َّ‬ ‫ُ َّ َ َ ْ َّ َ‬
‫العاملني اْلتقين وغي ِراْلتقين‪ -‬قال عزوجل في ِ‬
‫بيان الجزا ِء‬ ‫َ‬ ‫شْي إىل جزا ِء‬
‫التعليل ُي ُ‬
‫ُ‬ ‫األعمال و َخفاياها‪ ،‬وكان هذا‬ ‫ِ‬
‫العام‪– .‬املحرر‪-‬‬
‫ِّ‬

‫العقاب ‪-‬املحرر‪-‬‬ ‫الحات‪َّ ،‬ثنى بذِكر َمن ُيقاِبلُهم وما لهم من‬
‫َ‬
‫العاملين َّ‬
‫للص‬ ‫َ َّ َ َ ُ‬ ‫‪10‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املؤمنني‬
‫َ‬ ‫*ْلا ذكرهللا تعالى َ‬
‫ثواب‬

‫‪24‬‬
‫* بعـد الحديث عن نعمة اإلسالم وإكمالها‪ ،‬وغْيها من النعم‪ ،‬كالصيـد الذي أباحه للناس‪ ،‬ونعمة‬ ‫‪11‬‬
‫الطهارة يمضي القرآن ليبني نعمة أخرى وهي نجاة النبي ﷺ من محاولة اغتياله‪ ،‬فحياته * نعمة‬
‫من نعم هللا حفظها بفضله‪ ،‬وهو القائل‪ ( :‬لقد من هللا على اْلؤمنين إذ بعث فيهم رسوال من أنفسهم يتلوا‬
‫عليهم ءايته‪ ،‬ويزكيهم ويعلمهم الكتب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضَلل مبين " ) [آل عمران‪– .]١٦٤ :‬‬
‫اْلوضوعي‪-‬‬
‫حورهم‪ -‬أَ َم َرهم بما‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫في‬ ‫هم‬‫د‬ ‫ورد َك ْ‬
‫ي‬ ‫هللا تعالى إنعامه عليهم بكف أَيدِي أعدائِهم عنهم‪ِّ ،‬‬ ‫* َْلَّا َذ َك َر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ َ‬
‫َ ْ َ َ َ َّ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫َ ََ‬
‫هللا فليتوك ِل اْلؤ ِمنون‪.‬‬
‫ورهم ‪ ،‬فقال‪ :‬وعلى ِ‬ ‫ِصار على َع ُد ِّوهم‪ ،‬وعلى جميعِ أُ ُم ِ‬
‫ستعينون به على اال ْنت ِ‬
‫َ‬ ‫َي‬
‫–املحرر‪-‬‬
‫َ ِّ‬
‫* ُيذ ِكرتعالى عباده اْلؤمنين بنعمه العظيمة‪ ،‬ويحثهم على تذكرها بالقلب واللسان‪ ،‬وأنهم ‪-‬كما أنهم يعدون‬ ‫وصرفهعنعناملسلمني ‪:‬‬
‫املسلمني ‪:‬‬ ‫البالءوصرفه‬
‫البالء‬
‫ً‬
‫قتلهم ْلعدائهم‪ ،‬وأخذ أموالهم وبَلدهم وسبيهم نعمة ‪ -‬فليعدوا أيضا إنعامه عليهم بكف أيديهم عنهم‪ ،‬ورد‬ ‫هذه هي عهود هللا ومواثيقه مع أمة محمد ﷺ والقرآن ينقلنا إلى اْلمم السابقة ويرينا‬
‫كيدهم في نحورهم نعمة‪ .‬فإنهم اْلعداء‪ ،‬قد هموا بأمر‪ ،‬وظنوا أنهم قادرون عليه‪ .‬فإذا لم يدركوا باْلؤمنين‬ ‫مواثيقه معها وموقفها من اْلواثيق والجزاء الذي نالته على ذلك‪ .‬بعد الحديث عن العهود‬
‫مقصودهم‪ ،‬فهو نصرمن هللا لعباده اْلؤمنين ينبغي لهم أن يشكروا هللا على ذلك‪ ،‬ويعبدوه ويذكروه‪،‬‬
‫مع أمة محمد ﷺ وجزاء من التزم ومن خالف يمض ي القرآن ليرينا مواثيق هللا مع أمتي‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬وجزاء نقضهم اْلواثيق‪.‬‬
‫وهذا يشمل كل من َه َّم باْلؤمنين بشر‪ ،‬من كافرومنافق وباغ‪ ،‬كف هللا شره عن اْلسلمين‪ ،‬فإنه داخل في‬
‫َ َ َ َّ‬
‫هذه اآلية‪ .‬ثم أمرهم بما يستعينون به على االنتصارعلى عدوهم‪ ،‬وعلى جميع أمورهم‪ ،‬فقال‪﴿ :‬وعلى ِ‬
‫َّللا‬
‫َ ْ َ َّ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫فل َيت َوك ِل اْلؤ ِمنون ْ﴾‪-‬السعدي‪-‬‬

‫‪25‬‬
‫ميثاقه مع اليهود والنصاري‪) 16 – 12( :‬‬
‫جـاء هـذا الـقـول مـن اهلل تتميـا ملـا ذكـره تـعـاىل ِف سورة آخـر سـورة النسـاء و أنـزل‬
‫عقوبات على بني إسرائيل بسبب جرائم ارتكبوها عددها الحق عزوجل فبلغت إحدى عشرة‬
‫جريمـة‪ ،‬قال‪ ( :‬فيما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات هللا وقتلهم اْلنبياء بغيرحق وقولهم قلوبنا‬
‫غلف بل طبع هللا عليها بكفرهم فَل يؤمنون إال قليَل ‪ ,‬وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ‪,‬‬
‫وقولهم إنا قتلنا اْلسيح عيس ى ابن مريم رسول هللا وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين‬
‫اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إال اتباع الظن وما قتلوه يقينا)‬
‫بنود امليثاق كما يلي‪:‬‬
‫إقامة الصَلة‪ ،‬و إيتاء الزكاة‪ ،‬واإليمان بالرسل‪ ،‬وتعزيرهم وهو تقويتهم بالتأييد والنصرة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫و إقراضهم هللا قرضا حسنا كناية عن البذل في سبيل هللا واإلنفاق على اْلساكين كل ذلك إقراض‬
‫هلل فمن التزم هذه البنود الخمسة فالجزاء؛ الكفارة لكل ذنوبهم ومحوها لهم‪ ،‬وأن يدخلهم الجنة‬
‫اْلوصوفة أنهـا تجري من تحتهـا اْلنهار‪ .‬أمـا من كفرولم يؤمـن فقد ضل عن الصراط السـوي‬
‫اْلستقيم فما اهتدى‪ ،‬والعاقبة هي النار‪ .‬وهللا تعالى يخبرنا أن بني إسرائيل لم يؤمنوا ولم يلتزموا‬
‫بتلك اْلواثيق بعد إبرامها وعرضها عليهم ومو افقتهم عليها وقبولها‪ .‬فكان العقاب ‪.‬‬
‫( فيما نقضهم ميثاقهم ) (لعنهم ) و ( وجعلنا قلوبهـم قـاسـية ) ( يحرفون الكلم عن مواضعه‪ ،‬ونسوا‬
‫حظا مما ذكروا به‪ ،‬وال تزال تطلع على خائنة منهم إال قليَل منهم فاعف عنهم وأصفح إن هللا يحب‬
‫املحسنين ) [اْلائدة‪ :‬اآلية ‪.]13‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وال يزال بنـو إسرائيل تظهـرمنهم الخيانة بين الحين والحين نقضـا للمواثيـق وتحريفا للكـلـم عـن‬
‫مواضعـه وتحيتهـم للنبي ﷺ بغيـرمـا حيـاه هللا بهـا يقولون (السـام عـليـك) يعنون اْلوت (وراعنا) ليا‬
‫*يخبرتعالى أنه أخذ على بني إسرائيل اْليثاق الثقيل اْلؤكد‪ ،‬وذكرصفة اْليثاق وأجرهم إن قاموا به‪ ،‬و إثمهم إن لم‬ ‫‪12‬‬
‫بألسنتهم حتى تأتي الكلمة (راعنا) اْلعنى بها انظرنا إلى (راعن) التي أحمق‪ ...‬في إساءة للنبي ﷺ‪.‬‬
‫فالتوجيـه للنبي ﷺ إزاء هـذا ( فاعف عنهم وأصفح إن هللا يحب املحسنين )‪.‬‬ ‫يقوموا به‪ ،‬ثم ذكرأنهم ما قاموا به‪ ،‬وذكرما عاقبهم به‪– .‬السعدي‪-‬‬
‫َّ‬ ‫رسوله َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ‬
‫محم ٍد صلى هللا‬ ‫سان عب ِده و ِ‬ ‫بع ْهدِه ومِيثاقِه‪ ،‬الذي أخذه عليهم على ِل ِ‬ ‫بالوفا ِء َ‬
‫املؤمنني َ‬
‫َ‬ ‫أم َر اهلل تعاىل عِبا َده‬ ‫*ملَا َ‬
‫ُ‬
‫َّ َ‬
‫ِع َمه عليهم الظَّاهِر َة والبا ِطَنةَ‪ ،‬فيما هداهم له من‬ ‫َْ‬ ‫ِّ َّ َ‬ ‫عليه وسل َم‪ ،‬وأ َم َرهم‬
‫وذك َرهم ن َ‬ ‫بالحق والشهاد ِة بالعد ِل‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫بالقيام‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ِّ ُ‬
‫اليهود والنصارى ‪.‬‬‫ِ‬ ‫واملواثيق على َمن كان َقْبلَهم مِن أَ ْه ِل الك ِ‬
‫ِتابني‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ني لهم كيف أ َخ َذ ُ‬
‫العهو َد‬ ‫ع ُيَبِّ ُ‬ ‫الحق والهدى؛ َ‬
‫شر َ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ْ َ َ ُ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلمني ِم ْن‬
‫َ‬ ‫ميثاق املُ‬
‫ِ‬ ‫ِب ِذ ْك ِر‬
‫ائيل َعق َ‬
‫ميثاق بني إسر َ‬
‫ِ‬ ‫*في هذه اآلي ِة (ولقد أخذ هللا ِميثاق ب ِني ِإسر ا ِئيل) َ‬
‫ناس َب ِذ ْك ُر‬
‫ََ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫املسلمون مِن جان ِبهم‬
‫َ‬ ‫يؤد َي‬
‫املسلمني ك ِميثاقِهم‪ ،‬ولكي ِّ‬
‫َ‬ ‫ميثاق‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫أن َ‬ ‫تحذيرا من ْ‬
‫ً‬ ‫ق ْو ِله‪َ :‬و ِميثاق ُه ال ِذي و اثقك ْم ِب ِه؛‬
‫ضوا ميثا َقهم معه‪-.‬املحرر‪-‬‬
‫ويت ُقوا أن َين ُق ُ‬
‫‪ 26‬اس ُت ْح ِفظُوا عليه‪َّ ،‬‬
‫ما‬
‫‪* 13‬ملا ذكر امليثاق ذكر موقفهم منه‪.‬‬
‫ً َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫حان ُ‬
‫ضوا َم َّرة َب ْعد َم َّر ٍة‪-.‬‬
‫يد ِه لهم إن كف ُروا بعد ذ ِلك؛ ذك َرأنهم َن َق ُ‬
‫َ‬
‫يثاق؛ وو ِع ِ‬
‫ِن املِ ِ‬
‫الي ُهو ِد م َ‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِذ‬‫خ‬‫ُ‬‫أ‬ ‫ما‬ ‫‪-‬‬ ‫ه‬ ‫وْلا ذكر ‪ -‬سب‬
‫البقاعي‪-‬‬
‫وح َّق َن ِب ِّي ِه ﷺ َعلى‬
‫ح َّق ُه َ‬‫ح ِّق ِه ِف َكال ِمهِ؛ َّالذِي هو ِص َف ُت ُه؛ أ ْتَب َع ُه ما َي ُع ُّم َ‬ ‫• وملَّا َذ َك َر ‪ُ -‬سْبحاَن ُه ‪ -‬ما َي ْف َعلُوَن ُه ِف َ‬
‫ال﴾‪- .‬البقاعي‪-‬‬ ‫قال‪﴿ :‬وال َتز ُ‬ ‫يان َة َد ْي َد ُن ُه ْم؛ َت ْس ِل َي ًة َل ُه ﷺ َف َ‬
‫َ‬
‫الخ‬ ‫ْ ُ ْ َّ‬
‫وج ٍه مع ِل ٍم أن ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ َ ْ َ َ ًْ‬ ‫َْ‬ ‫عات َب َة َ‬ ‫َ ِّ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ ُ َ‬
‫أصَل؛ َورأ ًسا؛ فَل تعا ِت ْبهم َعل ْي ِه؛ كما ل ْم‬ ‫﴿واصف ْح﴾؛ أي‪ :‬وأع ِرض عن ذ ِلك‬ ‫قال‪:‬‬ ‫• *وْلا كان العفو ال يمنع اْل‬
‫الكمال؛ ُ‬
‫﴿ي ِح ُّب‬
‫َ‬
‫فات‬ ‫َّللا﴾؛ ْ َّ َ ُ َ ُ‬ ‫َّ َّ َ‬ ‫أح َس ْن َت َ‬
‫أح َّب َك َّ ُ‬ ‫نك؛ وإذا ْ‬ ‫إحسان م َ‬ ‫إن َذل َك ْ‬ ‫ُ ْ ُ ْ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫أي‪ :‬ال ِذي له ج ِميع ِص ِ‬ ‫َّللا؛ ﴿إن‬ ‫ِ‬ ‫تعا ِقبهم؛ ف ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫امل ْح ِس ِنين﴾‪– .‬البقاعي‪-‬‬
‫َ‬
‫﴿ل َع َّن ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ‬
‫اه ْم ْ﴾ أي‪ :‬طردناهم و أبعدناهم من‬ ‫*﴿ف ِب َما نق ِض ِهم ِِّميثاق ُه ْم ْ﴾ أي‪ :‬بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات‪ :‬اْلولى‪ :‬أنا‬
‫رحمتنا‪ ،‬حيث أغلقوا على أنفسهم أبواب الرحمة‪ ،‬ولم يقوموا بالعهد الذي أخذ عليهم‪ ،‬الذي هو سببها اْلعظم‪ .‬الثانية‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ َ ََْ ُُ َُ ْ َ‬
‫اس َية ْ﴾ أي‪ :‬غليظة ال تجدي فيها اْلواعظ‪ ،‬وال تنفعها اآليات والنذر‪ ،‬فَل يرغبهم تشويق‪ ،‬وال‬
‫قوله‪﴿ :‬وجعلنا قلوبهم ق ِ‬
‫يزعجهم تخويف‪ ،‬وهذا من أعظم العقوبات على العبد‪ ،‬أن يكون قلبه بهذه الصفة التي ال يفيده الهدى‪ ،‬والخيرإال شرا‪.‬‬
‫اض ِع ِه ْ﴾ أي‪ :‬ابتلوا بالتغيير والتبديل‪ ،‬فيجعلون للكلم الذي أراد هللا معنى غيرما‬ ‫ُ َ ِّ ُ َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫الثالثة‪ :‬أنهم ﴿يح ِرفون الك ِلم عن مو ِ‬
‫ُ ِّ‬ ‫ًّ‬
‫أراده هللا وال رسوله‪ .‬الرابعة‪ :‬أنهم ﴿نسوا َحظا ِِّم َّما ذ ِك ُروا ِب ِه ْ﴾ فإنهم ذكروا بالتوراة‪ ،‬وبما أنزل هللا على موس ى‪ ،‬فنسوا‬
‫حظا منه‪ ،‬وهذا شامل لنسيان علمه‪ ،‬وأنهم نسوه وضاع عنهم‪ ،‬ولم يوجد كثير مما أنساهم هللا إياه عقوبة منه لهم‪.‬‬
‫وشامل لنسيان العمل الذي هو الترك‪ ،‬فلم يوفقوا للقيام بما أمروا به‪ ،‬ويستدل بهذا على أهل الكتاب بإنكارهم بعض‬
‫الذي قد ذكرفي كتابهم‪ ،‬أو وقع في زمانهم‪ ،‬أنه مما نسوه‪ .‬الخامسة‪ :‬الخيانة اْلستمرة‬
‫‪27‬‬
‫ارى ْ﴾‪– .‬السعدي‪-‬‬ ‫ص ََ‬
‫ِين َق َّالُ ُوا ْ إَِّنا َن َ‬
‫﴿الذ َ‬‫*أي‪ :‬وكما أخذنا على اليهود العهد وامليثاق‪ ،‬فكذلك أخذنا على َّ‬ ‫‪14‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫الذ ْك ِر؛ ِْلن كفرهم أشد وأسمج‪– .‬‬ ‫ِيل؛ َخ َّصهم ِب ِّ‬ ‫إسرائ َ‬ ‫النصارى فِيما َمضى؛ ِألَّنهم مِن َبنِي ْ‬ ‫*وملَّا َد َخ َل َّ‬
‫البقاعي‪-‬‬
‫أغ َرْينا﴾؛ أي‪ْ:‬‬ ‫َ ِّ ِّ َ َ َ َ ُّ ْ َ ً َ ْ َ َ َ ُ َ ُ ْ َ ُ َ ُ ْ َ ُ َ ُ ْ َ َّ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ ْ‬
‫*وْلا أدى ذ ِلك إلى تشع ِب ِهم ِفرقا؛ فأنتج تشاحنهم؛ وتقاطعهم؛ وتدابرهم؛ سبب عنه قوله‪﴿ :‬ف‬
‫ْ َّ ى َ ْ َ ْ‬ ‫َ ْ َ ُّ َ ْ َ ُ َ ُ ْ َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬
‫﴿ب ْي َن ُه ُم﴾؛ أي‪ :‬النصار ؛ بعد أن‬ ‫الش ْيء؛ َ‬
‫ٍ‬ ‫راء؛ ال ينفك؛ بل ي ِصيركجز ِء‬ ‫ِ‬ ‫صقنا ِب َعظ َم ِتنا؛ إلصاق ما هو ِبال ِغ‬ ‫أل‬
‫داو ُة َق ْد َت ُكو ُن َعنْ‬
‫الع َ‬ ‫كانت َ‬ ‫َ َ َ َ ِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََْ َْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َْ‬ ‫ًَ َُ‬ ‫َ َْ‬
‫ود؛ ﴿العداوة﴾؛ وْلا‬ ‫الد ِين؛ وكذا بينهم وبين اليه‬ ‫ين؛ ِبتف ِر ِيق ِ‬ ‫جعلناهم ِفرقا متباين‬
‫ِّ‬ ‫َُْ ُ ْ َ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِِّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َِ ِ َ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫ثابت غيرمنف ٍك؛‬ ‫باط ِن ٍي؛ نشأ ِمن تزِي ِين الهوى؛ فهو ِ‬ ‫بغ ٍي؛ ْونح ِو ِه؛ إذا زال زالت؛ أو خفت؛ قال مع ِلما أنها ِْلم ٍر ِ‬
‫ُ‬
‫يام ِة﴾ ‪-‬البقاعي‪-‬‬ ‫امل ْخ َتل َفة؛ ﴿إلى َي ْوم الق َ‬ ‫واء‬ ‫ْ‬ ‫﴿والبغ َ‬‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضاء﴾؛ ِباْله ِ‬
‫*ملا ذكر تعاىل ما أخذه اهلل على أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ،‬وأنهم نقضوا ذلك إال قليال منهم‪،‬‬ ‫‪15‬‬
‫أمرهم جميعا أن يؤمنوا بمحمد ﷺ‪ ،‬واحتج عليهم بآية قاطعة دالة على صحة نبوته‪ ،‬وهي‪ :‬أنه بين لهم كثيرا‬
‫ْ ُ‬
‫مما ُيخفون عن الناس‪ ،‬حتى عن العوام من أهل ملتهم‪ ،‬فإذا كانوا هم اْلشارإليهم في العلم وال علم عند أحد في‬
‫ذلك الوقت إال ما عندهم‪ ،‬فالحريص على العلم ال سبيل ُله إلى إدراكه إال منهم‪ ،‬فإتيان الرسول ﷺ بهذا‬
‫القرآن العظيم الذي َّبين به ما كانوا يتكاتمونه بينهم‪ ،‬وهو أ ِِّم ِّي ال يقرأ وال يكتب ‪ -‬من أدل الدالئل على القطع‬
‫والعهـود مـع النصارى أخذت في عهد عيس ى عليه السَلم‪ ،‬فقد أخبرهم بمجيء نبي من بعده اسمه أحمد حتى يكونوا‬ ‫برسالته‪ ،‬وذلك مثل صفة محمد في كتبهم‪ ،‬ووجود البشائربه في كتبهم‪ ،‬وبيان آية الرجم ونحو ذلك‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫على علم فإن جاء عليهم أن يؤمنوا به ويتبعوه‪:‬‬ ‫بمحم ٍد صلَّى اهلل‬ ‫َّ‬ ‫اإليمان‬
‫ِ‬ ‫الع ْه ِد َدعاهم بعد ذلك إىل‬ ‫ض َ‬ ‫والنصارى ن ْق َ‬ ‫الي ُهو ِد َّ‬ ‫*ملَّا َذ َكر اهللُ تعاىل عن َ‬
‫فنسـوا مـا جـاء هـم بـه رسـولهـم وأهملوه‪ ،‬وجـاء الجـزاء على ذلك التمزيق لهـم‪ ...‬فهم مختلفـون ِف أمر‬ ‫عليه وسلَّم‪–.‬ابن عادل‪-‬‬
‫قال‪﴿ :‬يا ْأهلَ‬ ‫ناد ًيا؛ ُم َت َل ِ ِّط ًفا؛ ُم َر ِِّغ ًبا؛ ُم َر ِّه ًبا؛ َف َ‬ ‫الفر َيق ْين؛ ْأق َب َل َع َل ْيه ْم واع ًظا؛ مُ‬ ‫َ ِّ ُ َ َ َ َ ُ ِّ ْ ُ َ‬
‫عيسى اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وْلا ع ِلم ِبذ ِلك ك ِل ِه أحوال ِ ِ‬
‫وبعضهم يقـول‪ :‬هو ابن هللا جل وعَل‪،‬‬ ‫فبعضهم يقول‪ :‬هو هللا‪،‬‬ ‫تاب﴾‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫الك ِ‬ ‫ِ‬
‫وبعضهـم يقـول‪ :‬ثالـث ثَلثة‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬أنه عبد هللا ورسوله‪ .‬وتبعاً لهذا االختالف عقيـدة اختلفـوا فيـه‬ ‫*ثم ذكر من الذي يهتدي بهذا القرآن ‪ ،‬وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك ‪-.‬السعدي‪-‬‬ ‫‪16‬‬
‫ً‬
‫عبادة‪ ...‬وأصبح كل فريق يبغض اآلخـرويخالفه‪ ،‬تماما كـا قـال‪ :‬تعالى‪ :‬فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم‬ ‫*(يهدى به هللا) راجع إلى الكتاب أو إليه وإلى النورلكونهما كالش يء الواحد (من اتبع رضوانه) أي ما رضيه وهو‬
‫القيامة وسوف ينبثهم هللا بما كانوا يصنعون )‬ ‫دين اإلسَلم (سبل السَلم) طرق السَلمة من العذاب اْلوصلة إلى دارالسَلم اْلنزهة عن كل آفة‪ ،‬وقيل اْلراد‬
‫فمزقهـم وأشـاع بينهم العـداوة والبغضاء ولـن تنفك ولـن تنتهي هذه العـداوة إلى يوم القيامة‪ ،‬جزاء نقضهم امليثاق‪.‬‬ ‫بالسَلم اإلسَلم‪- .‬القنوجي‪-‬‬
‫ً‬
‫‪-15‬واآلن بعـد التفصيل في أمربني إسرائيل يهودا ونصاری‪ ،‬خاطبهم مجتمعني وشملهم بقوله‪ ( :‬ياأهل الكتب )‪.‬‬
‫نـداء ْلهـل الكتاب من يهود ونصـارى وإعَلن‪ ،‬أن هللا تعالى بعث هذا الرسول الكريم وزوده هللا بعلم ما أخفى اليهود‬ ‫ً‬
‫(قد جاءكم من اهلل نور و كتاب مبني )سماه هللا نورا‪ْ ،‬لنه يكشـف ظلمة ما أشركتم وظلمة كذبكم‪ ،‬وظلمة ما أخفيتم‬
‫والنصارى من علوم ومعارف بينها هللا تعالى وأخفوهما هم‪ ...‬فهو يعلمها وسيكشفها لهم‪ ،‬فمما أخفوه‪:‬‬ ‫وظلمة مـا ادعيتـم أنكم أبناء هللا ومعـه كتاب واضح العبارة والداللة واْلحكام‪ ،‬هـذا الكتاب اْلبين ان اتبعتموه يهديكم به‬
‫‪ - ۱‬حكم رجم الزاني املحصن‪.‬‬ ‫هللا إلى صراطه اْلستقيم‪ ،‬السبيل اآلمن من العذاب‪ ،‬ومن غضب هللا‪ ،‬اْلفض ي إلى جنته ورضوانه‪ ،‬ويخرجكم هـذا‬
‫‪ – ۲‬وصف هذا النبي الكريم في كتبهم‪ ،‬حتى ال يتبعه عامة بني إسرائيل‪.‬‬ ‫الكتاب مع هذا النبي مـن الظلمات‪ ،‬ظلمة الشرك وظلمة الكفراْلتمثلة في عبادتكم لعيس ى عليه السَلم وعزيروالعجل‪،‬‬
‫‪ – 3‬نفى أن يكونوا هم أبناء هللا وأحباؤه‪.‬‬ ‫وإهمالكم لكتب هللا وتحريفها‪ ،‬يخرجكم إلى ساحة اإلسَلم وهدى هللا‬
‫‪ – 4‬ما قالوه في عيس ى عليه السَلم وأمه وما تآمروا به لقتله‪.‬‬ ‫‪28‬‬
‫فساد عقيدة أهل الكتاب‪)19 - 17 ( :‬‬
‫وْلن هذه السورة نزلت کما ورد آخر أيام النبي ﷺ‪ ،‬وهو في طريقه إلى حجة الوداع في العام العـاشـر مـن الهجرة وهو عام الوفود والذي قدم فيه وفـد نصارى نجران ال ليؤمن ولكن‬
‫ليقول للنبي ﷺ‪ :‬إن عيس ى إله‪ ،‬أو ثالث ثَلثة‪ .‬أو هو ابن هللا ‪ ...‬وهللا جل وعَل أنزل على نبيه ﷺ آيات تبين حقيقة عيس ى منذ بدء الخليقة إلى أن رفعه هللا‪.‬‬

‫قـال تـعـاىل هـنـا ‪ -‬لتلك املناسبة ولذلـك الوفد‪ ( :‬لقد كفر الذين قالوا إن اهلل هو املسيح ابن مريم ‪،‬‬
‫والحديث عن عيسى عليه السالم ِف هذه السورة يبدأ ِف ثالث حلقات‪ ،‬هذه هي‪:‬‬

‫الحلقة الثانية‪ِ :‬ف هذه السورة هي اآلية (‪)٧٢‬‬


‫الحلقة الثالثة ‪ِ:‬ف آخر السورة‪ .‬مقرراً عيسى‬ ‫التي يقول اهلل فيها‪ ( :‬لقد كفر الذين قالوا إن اهلل‬
‫بنعمه عليه وعلى والدته أمام الخلق أجمعني ثم‬ ‫هو املسيح ابن مريم ) ويقول عيسى نفسه عليه‬ ‫الحلقة األوىل‪ :‬والتي يكفر اهلل تعاىل من قال أن‬
‫يسأله أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهني من‬ ‫السالم داعياً بني إسرائيل إىل عبادة اهلل ربه‬ ‫عيسي هو ا اهلل ‪.‬‬
‫دون اهلل؟‬ ‫وربكم ويبني أن من أشرك باهلل غْيه فقد حرم اهلل‬
‫عليه الجنة ومأواه النار‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪* 17‬ملا ذكر تعاىل أخذ امليثاق على أهل الكتابني‪ ،‬وأنهم لم يقوموا به بل نقضوه‪،‬‬
‫ذكر أقوالهم الشنيعة‪ .‬فذكرقول النصارى‪ ،‬القول الذي ما قاله أحد غيرهم‪ ،‬بأن‬
‫هللا هو اْلسيح ابن مريم‪ ،‬ووجه شبهتهم أنه ولد من غيرأب‪ ،‬فاعتقدوا فيه هذا‬
‫ُ َ‬
‫االعتقاد الباطل مع أن حواء نظيره‪ ،‬خ ِلقت بَل أم‪ ،‬وآدم أولى منه‪ ،‬خلق بَل أب وال أم‪،‬‬
‫فهَل ادعوا فيهما اإللهية كما ادعوها في اْلسيح؟ فدل على أن قولهم اتباع هوى من‬
‫غير برهان وال شبهة‪ .‬فرد هللا عليهم بأدلة عقلية واضحة –السعدي‪-‬‬

‫وهللا تعالى بقول لنبيـه ليسألهم ( قل فمن يملك من هللا شيئا إن أراد أن يهلك املسيح ابن مريم وأمه‪،‬‬
‫ومن في األرض جميعا )إنهم خلقه وأنه قادر على إهالكهم ومن في األرض‪ ،‬فإن أراد ذلك فمن يمنعه؟‬
‫(وهلل ملك السموات واألرض وما بينهما يخلق ما يشاء واهلل على كل شيء قدير ) ‪-‬‬
‫السموات بما فيها ملك هلل واألرض بما فيها ملك هلل وعيس ى وأمه في هذا امللك‪ ،‬وهللا تعالى في ملكه‬
‫يتصرف كيف يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ويحيي من يشاء ويميت من يشاء فهو على فعل‬
‫كل ش يء قدير‪ .‬ولهذه القدرة خلق هللا عيس ى من غير أب‪ ،‬وآدم من غير أب وال أم‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫*ومن مقاالت اليهود والنصارى أن كَل منهما ادعى دعوى باطلة‪ ،‬يزكون بها أنفسهم ‪-‬السعدي‪-‬‬ ‫‪18‬‬
‫*بعـد دعـوى املسـيـح هـو اهلل ‪ -‬تعاىل عن ذلك علـواً كبْياً ‪ -‬جـاءت مقالة أهـل الكتاب أشنع وأفظع‪ ( ،‬نحن‬
‫ً‬
‫أبناؤا هللا وأحبؤه ‪ ،‬وهو يقول جل وعال‪ ( :‬أنى يكون له ولد ولم تكن له صحبة ) [األنعام‪ ،]١٠١ :‬وقال تعالى دحضـا لهذه‬
‫املقالة‪ ،‬وإن كنتم ‪ -‬کا تزعمون أبناءه‪ ( :‬فلم يعذبكم بذنوبكم ) [املائدة‪]١٨ :‬‬
‫َ ََ ََْ ُ ْ ُ َ َ‬
‫والبط ُر ِبما‬ ‫َوام ِه ْم؛ حملهم عليها العجب‬ ‫طام ٍة مِن ط ِّ‬ ‫تار ًة؛ و َخ َّص أُ ْخرى؛ َع َّم ِب ِذ ْك ِر َّ‬
‫ِيل َ‬‫إسرائ َ‬ ‫*وملَّا َع َّم ‪ُ -‬سْبحاَن ُه ‪ِ -‬ف ِذ ْك ِر فَضائِحِ َبنِي ْ‬
‫ُ َن َ ْ ْ َ َ‬
‫أج َم ِعين؛ ﴿ن ْح ُن‬ ‫خاصة ِلنف ِسها؛ دو الخل ِق‬
‫َّ ً َ ْ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫أي‪ :‬ك ُّل طا ِئف ٍة قالت ذ ِل َك َعلى ِح َد ِتها؛‬ ‫ود والنصارى﴾؛‬
‫َ ُ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫قال‪﴿ :‬وقال ِت اليه‬ ‫َّللا ب ِه َع َل ْيه ْم؛ َف َ‬
‫ْ َ َ َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫أنعم ِ‬
‫ْ َ ُ َ ُ ِّ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْأب ُ َّ‬
‫العطف‬ ‫﴿وأح ِّباؤ ُه﴾؛ أي‪ :‬غ ِريقون في ك ٍل ِمن الوصفي ِن ‪ -‬كما يدل علي ِه‬ ‫مال؛ ِ‬ ‫فات الك ِ‬
‫َ‬
‫ناظرإل ْينا ِب ِه ِمن ج ِم ِيع ِص ِ‬ ‫أي‪ِ :‬بما هو ِ‬ ‫َّللا﴾؛ ْ‬ ‫ناء ِ‬
‫َّ ْ َ ْ ً َ ْ َ َ ْ‬ ‫ُ َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ‬
‫ض‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫الواو ‪-‬؛ ثم شرع ينقض ه ِذ ِه الدعوى نقضا بعد نق ٍ‬ ‫ِب ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ َ َ َّ َ‬ ‫ُ ْ ْ َُ ُ َ‬ ‫َُ َ َ َ ْ‬
‫قاالت ِه ُم اْلخرى‪.‬‬‫َّللا تعالى‪ ،‬ث َّم هو منا ِقض ِْل ِ‬ ‫الي ُهو ِد يد ُّل على غباو ِت ِهم في الكف ِرإذ يقولون ما ال ي ِليق ِبعظم ِة ِ‬ ‫ني َ‬ ‫وبْ َ‬‫قال آ َخ ُر ُم ْش َرتَ ٌك َب ْيَنهم َ‬ ‫* َم ٌ‬
‫َ‬ ‫إن َّ َ‬ ‫ُ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ َّ َ ُ‬
‫قالوا َّ‬ ‫ُ ْ َ ِّ َّ‬ ‫ُ َ َ َ‬
‫َّللا هو اْل ِسي ُح﴾ [اْلائدة‪-. ]١٧ :‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫ص ِبالنصارى‪ ،‬وهو جملة ﴿لقد كفرال ِذين‬ ‫قال املخت ِ‬ ‫ع ِطف على اْل ِ‬
‫ُ ُّ َ‬ ‫الر ُس ِل‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِن‬ ‫َرتَ ٍة م َ‬ ‫ني لَ ُك ْم َعلَى ف ْ‬ ‫ُيَبِّ ُ‬
‫طال ما َعساهم َيظنون ُه‬ ‫ْ‬
‫ِنان َعلَ ْي ِه ْم؛ و إب ِ‬‫وج ِه ِاال ْمت ِ‬
‫ِفات إىل و ْع ِظ ِه ْم َعلى ْ‬ ‫ِك ِااللت َ‬ ‫ض َح ْت أُ ْك ُذ َ‬
‫وب ُت ُه ُم؛ ا ْق َتضى َذل َ‬ ‫وو َ‬
‫ض ْت ُح َّج ُت ُه ْم؛ َ‬ ‫*وملَّا ُد ِح َ‬ ‫‪19‬‬ ‫واْلحكام‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ن‬
‫وضح لكم الحق‪ ،‬وي ِبين كل ما تحتاجو إليه من اْلط ِال ِب اإللهي ِة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أي َّ‪ :‬جاء ي ِ‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الش َّ‬
‫ُح َّجة‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫إرسال عيس ى عليه السَلم‬ ‫ِ‬ ‫طويل بين‬ ‫زمن ٍ‬ ‫حاجة إليه‪ ،‬وم ِض ِي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رعية‪ ،‬وذلك بعد ِشد ِة‬
‫َ‬
‫‪.‬‬ ‫اْلنام‬ ‫خير‬ ‫د‬ ‫ٍ‬ ‫عثة َّ‬
‫محم‬ ‫ِ‬ ‫وب‬
‫َ َ َ ْ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫*يدعو تبارك وتعالى أهل الكتاب ‪-‬بسبب ما من عليهم من كتابه‪ -‬أن يؤمنوا برسوله محمد ﷺ‪ ،‬ويشكروا هللا تعالى الذي أرسله إليهم على‬ ‫بابن‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َّ َّ َّ‬ ‫ُ َ َ‬
‫اس ِ‬ ‫عن أبي هريرة رض ُي َ َّهللا عنه‪ ،‬أن النبي صل َى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬أنا أولى الن ِ‬
‫َ‬
‫﴿ف ْت َر ٍة ِِّم َن ُّ‬ ‫اْلنبياء أوالد عَل ٍت ‪ ،‬وليس َبيني وبينه ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الر ُس ِل﴾ وشدة حاجة إليه‪ .‬وهذا مما يدعو إلى اإليمان به‪ ،‬و أنه يبين لهم جميع اْلطالب اإللهية واْلحكام الشرعية‪ .‬وقد‬ ‫حين‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫نبي )) ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫جاشعي‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫مريم؛‬
‫يوم في‬ ‫أن رسو َل هللا صلى هللا عليه وسل َم قال ذات‬ ‫ِّ‬ ‫ياض ِبن ِحمارامل‬ ‫وعن ع‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫﴿ما َج َاءنا ِمن َب ِش ٍير َوال ن ِذ ٍيرفق ْد َج َاءكم َب ِشير َون ِذير﴾ ‪-‬السعدي‪-‬‬
‫قطع هللا بذلك حجتهم‪ ،‬لئَل يقولوا‪َ :‬‬ ‫ٍ‬
‫َ َُْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ ِ ِ َ َّ ِّ َ َ ْ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫مال نحلته‬ ‫هذا‪ :‬كل َ ٍ‬ ‫ومي‬
‫علمكم ما َّج ِهلتم مما َعلمني ي ِ‬ ‫إن ِربي أمرني أن أ ِ‬ ‫خطب ِته‪(( :‬أال‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫يانا ال َي َد ُع ل ْل ُم ْنص َ ً ْ َ َّ‬‫ْ ُُ َ ُْ ْ َ ً‬ ‫أن َب َّي َن َلهم َف َ‬
‫َ َّ َر َّ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َ ْ ُ‬ ‫عبدا َ‬ ‫ً‬
‫وعظهم‬ ‫ف ُمت َم َّسكا ِب ِتلك الض ِ‬
‫َلالت‪ ،‬كما‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ساد َعقا ِئ ِد ِهم وغرورأنف ِس ِهم ب‬ ‫*كر َّللا مو ِعظتهم ودعوتهم بعد‬ ‫الشياطين فاجتالتهم عن‬
‫ُ َ ِّ ْل ُ ْ ً‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫تت‬ ‫أ‬ ‫هم‬ ‫وإن‬ ‫هم‪،‬‬ ‫كل‬ ‫نفاء‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫بادي‬
‫َ ْ ُ‬
‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫لق‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫إن‬‫ِ‬ ‫و‬
‫َ ْ‬
‫‪،‬‬ ‫َلل‬ ‫ح‬
‫طانا‪َّ ،‬‬
‫وإن‬ ‫شركوا بي ما لم أن ِز به سل‬ ‫وح َّر َمت عليهم ما أحللت لهم‪ ،‬وأ َم َرْتهم أن ُي‬ ‫دينهم‪،‬‬
‫يق‪– .‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫ودعاهم آن ًفا بم ْثل َهذا َعق َب َبيان َن ْقضه ُم اْلَواث َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ِ َِ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫الكتاب‪ ،‬وقال‪ :‬إنما‬ ‫اْلرض‪ ،‬فمقتهم عربهم وعجمهم‪ ،‬إال بقايا من أهل‬ ‫أهل‬
‫هللا ُنظر َإلى َ ِ‬
‫ظان‪ ،‬وإنَّ‬ ‫قرؤ ً ِ َ ْ َ‬ ‫ُ َ ِ ُ‬ ‫َ ً َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫*ها هو البشيروالنذير قد جاء‪ ،‬فَل حجة أن الرسول لم يأت فقد جاء‪ ،‬وهي فرصة ينبغي أن ينتهزهـا بنـو إسرائيل فيؤمنوا لينجوا من‬ ‫غسله اْلاء‪ ،‬ت ه نائما ويق‬ ‫ِ‬ ‫أبتلي بك‪ ،‬و أنزلت عليك كتابا ال ْي‬ ‫بتل َيك و َ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َبعثتك ْل‬
‫ْ َ ْ‬ ‫ُ ًَ‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ ِّ ً ْ َ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ ِّ َق ُ َ ْ ً‬
‫استخ ِر ْجهم‬ ‫فيد ُعوه خ ْبزة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ب إذا َيثلغوا َرأ َس ي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬ ‫فقلت‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ش‬ ‫هللا أمرني أن أحر قري‬
‫عذاب هللا‪ .‬فقد جاءكم الرسـول‪ .‬و انقطعت الحجة فإن آمنتم فقد نجوتم وإال‪ ( ،‬وهللا على كل ش يء قدير) ‪ ،‬قادرعلى تعذيبكم بكل وسيلة‬ ‫ْ َ ً َ ْ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َِ ْ ُ ُ ْ‬
‫نفق عليك‪ ،‬و ابعث جيشا نبعث خمسة‬ ‫كما استخرجوك‪ ،‬واغزهم نغ ِزك ‪ ،‬و أ ِنفق فسن ِ‬
‫صاك‪ )) ...‬الحديث‬ ‫أطاع َك َمن َع َ‬ ‫م َثله‪ ،‬وقات ْل َبمن َ‬
‫وطريقة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق‪ ،‬وتعرفونه فلماذا تُ ِّ‬
‫كذبون به وتُنكرونه‬ ‫ألن معناها أنتم أهل الكتاب‪ ،‬و َقرأتم فيه ّ‬
‫(يا أهل الكتاب) فيه توبي ٌخ لهم لعدم االستجابة‪َّ ،‬‬ ‫‪31‬‬
‫‪ْ* 20‬لا امتن هللا على موس ى وقومه بنجاتهم من فرعون وقومه وأسرهم واستبعادهم‪ ،‬ذهبوا قاصدين ْلوطانهم ومساكنهم‪ ،‬وهي بيت اْلقدس وما‬
‫حواليه‪ ،‬وقاربوا وصول بيت اْلقدس‪ ،‬وكان هللا قد فرض عليهم جهاد عدوهم ليخرجوه من ديارهم‪ .‬فوعظهم موس ى عليه السَلم؛ وذكرهم‬
‫ْ ُ ُ ْ َ َ َّ َ ُ‬ ‫سوء أدب اليهود‪)26 – 20( :‬‬
‫َّللا َعل ْيك ْم﴾ بقلوبكم وألسنتكم‪ .‬فإن ذكرها داع إىل محبته تعاىل ومنشط على العبادة‪– .‬‬ ‫ليقدموا على الجهاد فقال لهم‪﴿ :‬اذكروا ِنعمة ِ‬
‫السعدي‪-‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ودي ِة؛‬ ‫قاذ ِهم ِمن أس ِرالعب ِ‬ ‫ِيل ُ؛ في ْاس ِتن ِ‬ ‫إسرائ َ‬ ‫ِي ْ ُ ْ‬ ‫ول ُق ْد َر ِتهِ؛ أ ْتبع َذلِك الداللَةَ علَي ِه بقِص ِة بن‬ ‫وش ُم َ‬ ‫مام ِع ْل ِمهِ؛ ُ‬ ‫*وملَّا ِّ َذ َك َر ْ َس َعةََ َْم ْملَ َك ِتهِ؛ وتَ َ‬
‫ص َر َّالتي بادَ‬ ‫هارا ‪ -‬ب َع َدم َر ِّده ْم إلى م ْ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ َ ُْ َن َُ ُ َّ َ ْ َ َ ْ َ ِ ِّ َّ َ ََ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫القصة؛ إظ‬ ‫ود ِه؛ وغي ِرذ ِلك ِمما َتضمنته ِ‬ ‫َلك ِفرعو َّ وجن ِ‬ ‫َ‬ ‫إيراث ِهم ْ أرض الجب ِارين بعد إه ِ‬ ‫َلء شأ ِن ِهم؛ و ِ‬ ‫والر ِق؛ وإع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وم َح َّب ِت ِه ْم؛ وذ ِل َك‬ ‫ساوته ْم؛ َون ْقض ما َّاد َع ْو ُه من ُب ُن َّوته ْم؛ َ‬ ‫ثاق؛ وق َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫اْلم ِر؛ وهي َم َع ذ ِل َك دالة َعلى نق ِض ِه ُم ا ِْلي‬ ‫وس َعة اْلُلك؛ ُون ُفوذ ْ‬ ‫الق ْد َرة؛ َ‬ ‫ُ‬
‫مام‬
‫َ‬
‫ْأهلها ‪ِ -‬لت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ َّ‬ ‫ُْ‬
‫عاطفا على ” ِنع َمة َّ“؛ ِفي‪” :‬واذك ُروا ِنعمة َِ‬
‫َّللا‬
‫َْ َ‬ ‫ً َ‬
‫قال ‪ِ -‬‬ ‫َّللا؛ وال َش ْي َء من َذ ِل َك ِف ْع ُل َحبيب وال َول ٍد؛ َف َ‬ ‫ِ‬
‫َّأنها ناط َقة ب َت ْعذيبه ْم؛ َوت ْفسيقه ْم؛ َوت َب ُّرئه ْم م َن َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ُ ِ ِ‬ ‫َ َ ُ ِ َ ِْ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ِّ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ َ َّ‬
‫ْ‬
‫اآليات؛ ِوبما كف عنهم على ضع ِف ِهم؛ وشجع ِب ِه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يق ِللسم ِع والطاع ِة؛ ال ِتي أباها بنو إسرا ِئيل بعدما رأوا ِمن‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫عل ْيك ْم“؛ تذ ِك ًيرا ِل َه ِذ ِه اْلم ِة ِب ِنعم ِة التو ِث‬
‫َّ‬
‫إسرا ِئ َ‬ ‫اع َة؛ َوك َّر َه َإل ْيه ُم اْل ْعص َية بضد ما ف َع َل ب َبني ْ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الط َ‬ ‫ُ ُ َ ُ ْ ْ َ َ ُ ُ ِّ‬
‫يل‪-.‬البقاعي‪-‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلوبهم؛ وألزمهم‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ِن الطّا َع ِة‬ ‫اهلل َعلَ ْي ِه م َ‬‫الوفا ِء ِبما عا َق ُدوا ََّ‬ ‫وح ٍّث َعلى َ‬ ‫اهلل تَعاىل َعلَ ْي ِه ْم َ‬ ‫ِعِم َِّ‬ ‫ِصةَ ُم ْش َت ِملَةٌ َعلى تَ ْذ ِكْيٍ ِبن َ‬ ‫اآليات هنا أن الق َّ‬ ‫ِ‬ ‫ناس َبة َم ْو ِق ِع ه ِذ ِه‬ ‫*وم‬
‫امتِثالِ ِه ْم‪.‬‬ ‫بَ ْ‬ ‫يدا لِطَلَ ِ‬ ‫تَ َْم ِه ً‬
‫العظيم َع َل ْيهمْ‬ ‫ْلمر َ‬ ‫وسهم إلى َق ُبول َهذا ا ْ‬ ‫الك ْنعان ِّي َين ب َت ْذكيره ْم بن ْع َمة ََّّللا َع َل ْيه ْم ل ُي َ ِّه َئ ُن ُف َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وق َّد َم موس ى علي ِه الس‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َ َ ْ ِ ِ َ ِ َّ َ ِ ِ َ ِ َ ِ ِ َ ِ َ ِ َ ِ ِ ِ‬ ‫َلم أمره ِلب ِني إس َ َرا َِئيل ِبح َر َِّ‬
‫قات ُلوا ْ‬ ‫َّ ْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫َّللا عل ْي ِهم‪ ،‬وعد لهم ثَلث ِنع ٍم ع ِظيم ٍة‪– .‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫داءهم‪ ،‬فذك َر ِن ْع َمة‬ ‫أع َ‬ ‫ِول ُيو ِثقهم ِبالنص ِرإن‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫رسالة ِّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫الح َ‬ ‫هللا تعالى ُ‬ ‫*ْلَّا أقام ُ‬
‫هاتهم‪ ،‬و أبط َل دعاويهم‪َّ ،‬ثم ْلا لم‬ ‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ودحض ش ُب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫نبيه‬ ‫ِ‬ ‫إسرائيل‪ ،‬و أثبت لهم‬ ‫َ‬ ‫جج على بني‬
‫َ‬
‫وعصيانهم‬ ‫السالم‪ ،‬وتم ُّردهم عليه‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫موسى عليه‬ ‫اآليات واقعةً مِن وقائعِ أسالفِهم مع‬ ‫ِ‬ ‫وعنادا‪َّ -‬بني اهلل تعاىل ِف هذه‬ ‫ً‬ ‫فرا‬ ‫زدهم ذلك ُّكله إال ُك ً‬ ‫َي ْ‬
‫ُ‬
‫الرسل ُخلق من أخَلقهم اْلوروثة عن سلفهم‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أن مكابرة ِّ‬ ‫َ‬ ‫الرسو ُل بهذا َّ‬ ‫عم هللا عليهم؛ ُ َ‬ ‫له‪ ،‬مع تذكيره َّإياهم ن َ‬
‫هؤالء الذين‬ ‫ِ‬ ‫وأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومعاندة ُّ ِ ً ِ َّ ِ‬ ‫َ‬
‫الحق‬
‫ِ‬
‫ليعلم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضرة الرسو ِل هم جارون مجرى أسَل ِفهم مع موس ى عليه السَلم؛ فيكون ذلك تسلية له صلى هللا عليه وسلم‪- .‬املحرر‪-‬‬ ‫هم بح ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ص ِر؛ ُم ْع ِل ٍم ِبأن ُه ِن ْع َمة أخرى َي ِج ُب شك ُرها؛‬ ‫الن ْ‬ ‫ياق ُمؤ ِذ ٍن ِب‬ ‫األم ِر ِف ِجها ِد األ ْعداءِ؛ في ِس ٍ‬ ‫ِثال ْ‬ ‫امت ِ‬ ‫الش ْك ِر؛ ِب ْ‬ ‫ِن ُّ‬ ‫الن َع َم م َ‬ ‫‪*َ 21‬ث ََُّم أ ْتَب َع ُه َما ُي َق ِّي َُد َِب ِه َه ِذ ِه ِّ‬
‫وصل ُه ِبما ق ْبل ُه‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫فلذل َك َ‬
‫ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الوفاء بما عاقدوا هللا عليه من الطاعة‪ -‬كان‬ ‫ِ‬ ‫ات ذلك الحث على‬ ‫ِ‬ ‫هلل تعاىل عليهم‪ ،‬وكان في ِطي‬ ‫ِعم ا ِ‬ ‫َ‬ ‫إسرائيل بن‬ ‫َ‬ ‫الم بني‬ ‫ُ‬ ‫الس‬
‫َّ‬ ‫َكر موسى عليه‬ ‫َّ‬ ‫*ْلا ذ‬ ‫والقرآن ينقلنا إىل اليهود مرة أخرى ليبني بعض‬
‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب امتثالِهم لألمر الذي تَضمنته هذه اآليةُ‪ ،‬بقِتال الجبارين؛ ِّ َ ُ َ‬
‫وليوثقهم‬ ‫ظيم عليهم‪ِ ،‬‬ ‫اْلمرالع ِ‬ ‫ليهئ نفوسهم إلى قبو ِل هذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ِْ‬ ‫كالتمهي ِد لطل ِ‬
‫ْ‬
‫هذا َّ‬
‫َّ‬ ‫فسادهم وسـوء أدبهم مع اهلل والرسـل الخْي‬
‫صر َإن قاتلوا أعداءهم‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫َ‬ ‫بالن‬
‫﴿ع َلى أ ْد َبار ُك ْم َف َت ْن َقل ُبوا َخاسر َ‬ ‫ِ‬ ‫* َ‬ ‫وأهل الخْي ‪.‬‬
‫ين﴾ قد خسرتم دنياكم بما فاتكم من النصرعلى اْلعداء وفتح بَلدكم‪ .‬وآخرتكم بما فاتكم من الثواب‪ ،‬وما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استحققتم ‪-‬بمعصيتكم‪ -‬من العقاب‪– .‬السعدي‪-‬‬

‫‪32‬‬
‫‪* 22‬فقالوا قوال يدل على ضعف قلوبهم‪ ،‬وخور نفوسهم‪ ،‬وعدم اهتمامهم بأمر اهلل ورسوله‪-.‬‬
‫السعدي‪-‬‬
‫َ َ َ َّ َ َ َّ ُ ْ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫َّللا فت َوكلوا ِإن كنت ْم ُمؤ ِم ِنين‪.‬‬
‫‪ 23‬وعلى ِ‬
‫شدا ُهم إىل َّأال َيعت ِمدوا على أن ُف ِسهم‬ ‫ومهما باألَ ْخ ِذ بـاألسبابِ َّ‬
‫النافعةِ‪ْ ،‬أر َ‬ ‫الرجالن َق َ‬
‫ِ‬ ‫هذان‬
‫أم َر ِ‬ ‫ملََّا َ‬

‫‪33‬‬
‫إن‬
‫قال‪َّ :‬‬‫ؤال ََمن َك ُ َِّّأن ُه َ‬‫ِير ُ َس ِ‬‫ِلن ْف ِس إىل َم ْع ِرفَ ِة َجواِب ِه ْم َع َْن ُه؛ ْأو َر َد ُه ُ َعلى تَ ْق ْد ِ‬ ‫ياق ُم َح ِّر ًكا ل َّ‬
‫الس ُ‬ ‫كان َهذا ِّ‬ ‫*وملَّا َ‬ ‫‪24‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِق؛ فَما قالُوا ِف َجواِبهِ؟ فقال‪﴿ :‬قالوا﴾؛ مع ِر ِضين عن ذ ِلك ك ِل ِه ِب ِهم ٍم‬ ‫ِيب ُم َ ْقل ٌ‬ ‫هذا لَ َرتغِيب م َشو ٌق؛ وتَره‬
‫َ‬ ‫َ ً َ َ ً َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ ٌْ ُ ِّ َ ُ ْ ٌ َ‬
‫خاط ِبين له ِباس ِم ِه؛ جفاء؛ وجَلفة؛ و ِقلة أد ٍب‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫نازل ٍة؛ م َ ِ‬
‫والْ َ ِ‬
‫سا َ ِف َّل ٍة؛ وأح َ َ ٍ‬
‫يل‪َ :‬لمْ‬‫قالوا؟ َف ِق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ َ َ‬
‫الد ِين والدنيا؛ فما خدعا؛ وال غرا؛ فما‬ ‫ِّ‬
‫َلح ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يل‪ :‬لقد نصحا لهم؛ وبرا؛ واجتهدا في إص‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫* َفكأن ُه ِق َ‬
‫ْ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ ً ُْ ْ ْ‬ ‫َيز ْدهم َذ ِل َك ِّإال َن ً‬
‫َّللا‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫راض ِهم ع ِن ِ‬ ‫فارا؛ واس ِتضعافا ِْلنف ِس ِهم؛ ِإلع ِ‬ ‫ِ‬
‫*فما أشنع هذا الكَلم منهم‪ ،‬ومواجهتهم لنبيهم في هذا اْلقام الحرج الضيق‪ ،‬الذي قد دعت الحاجة‬
‫والضرورة إلى نصرة نبيهم‪ ،‬وإعزازأنفسهم‪ .‬وبهذا وأمثاله يظهرالتفاوت بين سائراْلمم‪ ،‬وأمة محمد ﷺ حيث‬
‫قال الصحابة لرسول هللا ﷺ ‪-‬حين شاورهم في القتال يوم "بدر" مع أنه لم يحتم عليهم‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬لو‬
‫خضت بنا هذا البحر َلخضناه معك‪ ،‬ولو بلغت بنا برك الغماد ما تخلف عنك أحد‪ .‬وال نقول كما قال قوم‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ ُّ َ َ َ َ َّ َ ُ َ َ‬
‫اع ُدون﴾ ولكن اذهب أنت وربك فقاتَل إنا معكما مقاتلون‪،‬‬ ‫موس ى ْلوس ى‪﴿ :‬اذهب أنت وربك فقا ِتَل ِإنا هاهنا ق ِ‬
‫من بين يديك ومن خلفك‪ ،‬وعن يمينك وعن يسارك‪- .‬السعدي‪-‬‬
‫َ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫ِّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال َر ِ ِّب ِإ ِني ال أ ْم ِل ُك ِإال نف ِس ي َوأ ِخي﴾ أي‪ :‬فَل يدان لنا بقتالهم‪،‬‬
‫﴿ق َ‬ ‫*فلما رأى موس ى عليه السَلم عتوهم عليه‬ ‫‪25‬‬
‫ولست بجبارعلى هؤالء‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫َّ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َْ ُ‬
‫حمة على الخل ِق‪ -‬خصوصا قومه‪ -‬و أنه يحزن عليهم؛ قال‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ‬
‫غاية الر ِ‬ ‫َ*ْلا ع ِلم َ َهللا ْ تعالى َأن ْموس ى ْعليه السَلم في ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫تعالى (فَل َتأ َ َ‬
‫اس ِقين ‪- ).‬املحرر‪-‬‬‫س على القو ِم الف ِ‬

‫َ َ‬
‫قال َة؛ ْأو َرض َيها َ‬ ‫عاله ْم؛ ال َي ْد ُخ ُلها م َّم ْن َ‬ ‫ْ‬ ‫﴿م َح َّر َمة َع َل ْيه ْم﴾؛ ْ‬
‫أي‪ :‬ب َس َبب ْأق ْ َ‬
‫أحد‬ ‫ِ‬ ‫قال َه ِذ ِه اْل‬ ‫ِ‬ ‫وال ِهم ه ِذ ِه؛ و أف ِِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫‪26‬‬

‫‪34‬‬
‫جرائم وعقوبات (‪)32 – 27‬‬

‫في اآليات السابقة قال هللا تعالى لرسـوله‪ ( :‬يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمت هللا عليكم إذ هم قوم أن‬
‫يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ) [اْلائدة‪ ]11 :‬فاهلل تعالى يقص عليه ما هو أشد و أنكى‪.‬‬
‫َ ْ ُ َ َّ َ ُّ ُ ِّ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رابة َّ َ ُ ْ َ ُ َ ْ‬ ‫الن ْفس والح َ‬ ‫َ ْ َّ‬ ‫َ ً َّ‬
‫استط ِر َد ِم َن‬ ‫الو ِص َّي ِة وغ ْي ِرها‪ِ ،‬وليحسن التخلص ِمما‬ ‫وأحكام َ‬
‫ِ‬
‫لخ ْمر ْ‬
‫والس ِرق ِة‪َ ،‬ويتبع ِبت ُح ِر ِيم ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُمق ِِّد َمة ِللت ْح ِذ ِير ِمن قت ِل‬ ‫‪27‬‬
‫ُ ْ َ ُ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ور‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ص ال ِتي هي َمو ا ِق ُع ِع ْب َر ٍة وتنظ ُم كلها في جرا ِئ ِرالغ ُر‬ ‫ِ‬
‫والق َ‬
‫ص‬ ‫باء‬
‫ِ‬ ‫اْلن‬
‫َ َ َ َّ ُ َ‬
‫َّللا تعالى‪:‬‬ ‫الرضا ِبما حكم‬ ‫إن في ِك ْل َت ْيهما َع َد َم ِّ‬ ‫ماث ُل َف َّ‬ ‫َ ِّ َّ ُ‬
‫ضاد‪ .‬فأما الت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناسبةُ تَ ٍّ‬
‫ض َاْلُ َق َّد َسة‪َ ،‬‬ ‫وم َ‬ ‫ُل ُ‬ ‫ناسَبةُ ُ تَماث ٍ‬ ‫ِص ِة َّالتِي َقْبلَ ِّها ُم َ‬ ‫ني َالق َّ‬ ‫وبْ َ‬ ‫ناسَبةُ َب ْيَنها َ‬ ‫َوامل َُّ َ َ‬
‫وأح ُد ْاب َن ْي َآد َم َعص ى ُح ْك َم ََّّللا َتعالى ب َع َدم َق ُبول ُق ْربانه ْل َّن ُه َلمْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫فإن ب ِني إسرا ِئيل عصوا أمررس ِولهم إياهم بالدخو ِل إلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال ِ‪َْ :‬ل ْق ِ ُت َل َّن َّالذي َت َق َّب َل ََّّللاُ‬
‫ِ‬ ‫َِ ُ‬ ‫اْلر ِ‬
‫ْ َ ْ ُ ْ ِ َ َّ َ ِْ َ َ ْ َ َ َ ُ‬
‫َ‬ ‫قالوا‪ْ :‬اذ َه ْب ْأن َت َورُّب َك‪ ،‬و ْاب ُن َآدمَ‬ ‫ْ‬
‫َّللا بعد اْلع ِصي ِة؛ فبنو إسر ا ِئيل‬ ‫َيك ْن ِم َن اْلت ِقين‪ .‬وفي ِكلتي ِهما جرأة على‬
‫ُ َّ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ ِّ َ َ‬
‫داهما ِاتفاق أخ َو ْي ِن ُهما‬ ‫وإن في إح‬ ‫يل‪َّ ،‬‬
‫إسرا ِئ َ‬ ‫وما من َبني ْ‬ ‫وما م ْ َ َ ْ ً َ ْ ُ ً‬ ‫داه ْ ً َ ْ ُ ً‬ ‫إح ُ‬ ‫إن في ْ‬ ‫ضاد َف َّ‬ ‫الت ُّ‬ ‫ُ ِّ َّ‬
‫ن اب ِن ُآدم َ‪ ،‬وإحجاما مذم َ ِ ِ‬ ‫ما إقداما مذ ُم ْ ِ ِْ‬ ‫ْ َّ َ‬ ‫ُ‬
‫ِمنه‪ .‬وأما‬
‫ساد‪-.‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫َلح والف‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّللا تعالى‪ ،‬وفي اْلخرى اخ ِت ََلف أخوي ِن ِبالص‬ ‫ثال أم ِر‬ ‫ُموس ى وأخوه على ام ِت‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ ُ َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُُْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫اآليات‪ِ :‬إذ ه َّم ق ْوم أن َي ْب ُسطوا ِإل ْيك ْم أ ْي ِد َي ُه ْم‪َ ،‬وبعده قد َج َاءك ْم َر ُسولنا ُي َب ِِّين لك ْم ك ِث ًيرا ِم َّما كنت ْم‬ ‫َ‬ ‫ائل‬ ‫قوله أو َ‬
‫َ‬ ‫فتقدم‬ ‫حيان‪َّ ( :‬‬ ‫* قال أبو َّ‬
‫محم ًدا صلى هللا عليه‬
‫َّ‬ ‫عدم ِِّاتباع بني إسرائيل َّ‬ ‫أن َ‬ ‫تبين َّ‬ ‫الجبارين‪ ،‬و َّ‬ ‫صة محاربة َّ‬ ‫ُت ْخ ُفو َن م َن ْالك َتاب وقوله‪َ :‬ن ْح ُن أ ْب َن ُاء هللا َوأح َّب ُاؤ ُه ثم ق َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ َّ ِ َّ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫بارباْلغيب‪،‬‬ ‫ومن اإلخ ِ‬ ‫مجموع هذه اآليات ِمن بسط الي ِد‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫بصدقه‪ ،‬و ِقصة ابني آدم انطوت على‬ ‫لمهم ِ‬ ‫الحسد‪ ،‬هذا مع ِع ِ‬ ‫وسلم إنما سببه‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ومن القتل‪ ،‬ومن الحسد‬ ‫االنتفاع بالقرب‪ ،‬ودعواه مع اْلعصية‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫عدم‬
‫ومن ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ ِّ ً َ ْ‬ ‫ْ ُ َُ َ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫َّللا َمن َع ُه ِمن أن يما ِنعه عن نف ِس ِه؛ مل ِينا ِلقل ِب ِه‬ ‫ِ‬
‫أن الخ ْوف م َن َّ‬
‫ِ‬
‫أعل َم ُه ثان ًيا َّ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫وعظ ُه بما َي ْمن ُع ُه من قتله؛ ُويقب ُل به َعلى خَلص نفسه؛ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫*وْلا َ‬ ‫‪28‬‬
‫ْ ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ُ َّ ُ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عاص ًيا؛ ال ُمش ِركا‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫ِبما هو ج ِديرأن يرده عنه؛ خشية أن تج َّره اْلمانعة إلى تع ِدي الح ِد اْلأذو ِن ِف ِيه؛ ِْلن أخاه كان ِ‬
‫ِّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ءة َأخي َف َأ ْ‬
‫ص َب َح ِم َن الن ِاد ِمين) وفي هذه اآلية إشارة إلى أن الظلم َمانع من‬
‫َ َ َََْ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ ََُ َ َ ْ َ‬
‫اب فأو ِاري سو ِ‬‫* َقال يا َّويلتَا أعجز َت َ أن أكون ِمثل هـذا الغر ِ‬
‫ْ‬
‫الفهم ْلنه قد ظلم أخاه واعتدى عليه فلم َي ِهده هللا تعالى إلى كيفية دفن أخيه‬
‫ْ‬ ‫اْلرض ما لم يطرأ له على بال؛ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َّللا غ َر ًابا َّ‬
‫ستفاد من قوله‪ :‬ف َب َعث َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫اْلرض؛‬ ‫الر ُج َل ضاقت عليه‬ ‫فإن هذا َّ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫لإلنسان إذا ضاقت به‬‫ِ‬
‫أن هللا ُسبحانه تعالى ُي ِّ‬
‫يس ُر‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫* ُي‬
‫الحاسد معرتض على تقسيم امللك للرزق ِف مملكته‬ ‫َ‬
‫الغراب‬ ‫بعث ُ‬
‫هللا هذا‬ ‫قت َله؟ إلى أن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماذا َيصن ُع بأخيه الذي‬
‫(معرتض على أحكام اهلل)‬ ‫لبث اْلوعظة الحسنة بين الناس من وسائل الدعوة إلى ا ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫لحق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫القرآنية مورد ث ٌّرمملوء بال ِعظات وال ِعبر‪ ،‬فاالستقاء من معينها ِ‬ ‫القصص‬ ‫‪ِ •-27‬‬
‫ليهل َكه‪.‬‬
‫املحسود ُ‬ ‫يعدو على‬
‫َ‬ ‫ناره‪ ،‬حتى‬
‫استعرت به ُ‬ ‫فلربما ُ َ‬
‫نار حسده بخوف اهلل ُوالرضا ب َقسمه‪َّ ،‬‬ ‫الحاسد إذا َ لم ُيطفئ َ‬ ‫ُ‬ ‫•‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫•ليس معيارقبول اْلعمال القيام بها‪ ،‬و إنما إتقانها وخلوص النية فيها‪ ،‬ورجاء هللا عليها‪ ،‬فقد تتفق اْلعمال فيقبل بعض ويرد آخر‪.‬‬
‫ُ َّ‬ ‫قوله‪( :‬كونوا َلقبول العمل َّ‬ ‫ُ‬
‫يتقب ُل ََّّللا من اْلت ِقين}؟)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وجل يقول‪{ :‬إنما َّ‬ ‫عز َّ‬‫اهتماما منكم بالعمل‪ ،‬ألم تسمعوا هللا َّ‬ ‫ً‬ ‫أشد‬ ‫علي رض ي هللا عنه‬‫ٍ‬
‫• ُروي عن ِّ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫درهم‪ ،‬لم يكن غائب أحب إلي من اْلوت‪{ :‬إنما يتقبل هللا من اْلت ِقين})‬ ‫‪35‬عمررض ي هللا عنهما‪( :‬لو علمت أن هللا تقبل ِمني سجدة واحدة‪ ،‬أو صدقة ٍ‬ ‫•قال ابن‬
‫ني (تَعاىل) َّأن ُه َقسا َق ْلب ُه؛‬ ‫ون َ َسَبًبا ل ِْطا َع ِتهِ؛ وزا َ ِْج ًرا َل ُه َع ْن َم ْع َِص َي ِتهِ؛ َبَّ َ‬
‫أن َي ُك َ‬ ‫ظ جدِيرا ب ْ‬ ‫الو ْع ُ‬‫كان َهذا َ‬‫*وملَّا َ‬ ‫‪30‬‬
‫اله ْي َبُة ال ُي ْقدمُ‬
‫َ‬ ‫الح ْر َمة؛ َوك ُ‬
‫ساه منَ‬ ‫َّللا ل ُه م َن ُ‬ ‫التفعيل؛ إذ القت ُل ْلا َج َع َل َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ً َ ِ ُ َ ِّ ً‬
‫ِ َ َِ ْ ِ‬ ‫َِْ‬ ‫فَجعلَه سببا ِإل ْقدا ِمهِ؛ فقال ‪ -‬مبينا بصيغة‬
‫أي‪ :‬فعال َجتهُ‬ ‫أخ ِيه﴾؛ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ ْ َ ُِّ َ َُ ً َ َ َ َ َ َّ ْ ِ ِ ِ َ َ َّ ِ َ ْ َ ُ ِ ِ ْ ِ َّ َ ِ ْ ُ َ َ َّ ْ ُ ِ َ ْ‬
‫﴿نفسه قتل ِ‬ ‫س ‪﴿ :-‬فطوعت له﴾؛ أي‪ :‬ال ِذي لم يتقبل ِمنه؛‬ ‫عليه إال بمعالجة كبيرة من النف‬
‫ُ َ ِ َ ً ِ َ َ ً ٍ َ َّ ِ َ ٍْ ُ ِ َ َّ َ ْ ِ َ‬
‫طاع َلها؛ ْانقاد؛َ‬ ‫فان َ‬‫ْ‬ ‫َ ِّ َ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫معالجة ك ِبيرة؛ وشجعته؛ وسهلت له ِبما ِعندها ِمن النفاس ِة؛ على زع ِمها؛ حتى غلبت على عق ِل ِه؛‬ ‫ُ‬
‫و‬
‫َ َْ َ‬
‫فأقد َم َعل ْي ِه‪– .‬البقاعي‪-‬‬
‫*فلم يرتدع ذلك الجاني ولم ينزجر‪ ،‬ولم يزل يعزم نفسه ويجزمها‪ ،‬حتى طوعت له قتل أخيه الذي يقتض ي الشرع‬
‫والطبع احترامه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ََ ُ ََ ْ َ َ َ ْ َ‬
‫اس ِرين﴾ دنياهم وآخرتهم‪ ،‬وأصبح قد سن هذه السنة لكل قاتل‪" .‬ومن سن سنة سيئة‪ ،‬فعليه‬ ‫﴿فقتله فأصبح ِمن الخ ِ‬
‫وزرها ووزرمن عمل بها إلى يوم القيامة"‪ .‬ولهذا ورد في الحديث الصحيح أنه "ما من نفس تقتل إال كان على ابن آدم‬
‫اْلول شطرمن دمها‪ْ ،‬لنه أول من سن القتل"‪ .‬فلما قتل أخاه لم يدركيف يصنع به؛ ْلنه أول ميت مات من بني آدم‪– .‬‬
‫السعدي‪-‬‬

‫ْن َم ْع ُرو ًفا“؛ َسَّب َب َع ْن ُه َق ْولَ ُه‪:‬‬


‫الدف ُ‬
‫أو َل َم ْي ٍت؛ فَلَ ْم َي ُك ِن َّ‬‫كان ْ َّ‬ ‫ِير‪َّ ” :‬ث َُّم َّإن َ ُه لَ َْم َي ْد ِر ما َي ْصَن ُع ِبهَِ؛ إ ْذ َ‬
‫الت ْقد ُ‬
‫كان َّ‬‫*وملَّا َ‬ ‫‪31‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫والحكم ِة‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫اهلل﴾؛ أي‪ :‬ال ِذي له كمال القدرة؛ والعظمة؛‬ ‫﴿فَبع َث‬
‫الد ْف َن ِح َيلة في ال ِغ ْربان من َق ْبل‪ُ،‬‬ ‫الع َمل ِّإما ْل َّن َّ‬
‫الغراب ل َهذا َ‬ ‫ِ ُ َ َّ ْ ِ َ ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ََ ْ َ َ ََُّّ ُ ُ ً َ ْ ُ َ ْ ُ‬
‫قابيل‪ .‬وكأن اخ ِتيار َ ِ ِ‬ ‫*أي فألهم َّللا غرابا ين ِزل ِبحيث يراه‬
‫ِْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ِ ي ِّ‬ ‫اخ َ ُ َ َ ُ َ َ‬ ‫ِّ َّ َّ َ ْ‬
‫باض‬‫الخاس ِر ِم ِن ان ِق ِ‬
‫ِ‬ ‫يف‬ ‫باض ِبما ِلأل ِس ِ‬ ‫واد لو ِن ِه ِمن ِاالن ِق ِ‬ ‫اظرإلى س ِ‬ ‫تاره ِلذ ِلك ِْلناسب ِة ما يعت ِر الن ِ‬ ‫وإما ِْلن َّللا‬
‫َّ ْ‬
‫س‪-.‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫النف ِ‬
‫ْلن هللا ِّ‬
‫تقبل‬ ‫تقت ُلني ْلاذا؟ َّ‬‫ُ‬ ‫َّ َ َّ ُ ُ ُ َّ‬
‫هللا اْلت ِقين )أنت اآلن‬ ‫قال إنما يتقبل‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫ِم ِني؟ هل هذا ذنب بالنسبة لي؟ بل هذا ليس ذنبا ‪.‬‬
‫َُ‬
‫وبي فق ْل لي‬ ‫ن‬
‫ُُ‬
‫ذ‬ ‫انت‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫‪..‬‬ ‫بها‬ ‫الَلئي ُأ ِد ُّ‬
‫ل‬
‫َّ‬
‫ي‬ ‫حاسن‬
‫ِ‬
‫الشاعر ‪:‬إذا َ‬
‫م‬
‫ِّ‬
‫كما قال‬
‫ِ‬
‫أعتذ ُر‬
‫كيف ِ‬
‫عيبه عند أخيه َّ‬
‫أن هللا تق ِّبل‬ ‫عيبني ب َمحاسني ‪.‬فكان ُ‬ ‫أي أنت اآلن َت ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منه‬
‫‪36‬‬
‫أح َو َج َش ْي ٍء إىل َن ْص ِ‬
‫ب‬ ‫َكان ْ‬
‫أم ٍل؛ ف َ‬
‫قات؛ مِن َغ ْْيِ تَ ُّ‬ ‫الع َجلَ ِة واإل ْق ِ‬
‫دام َعلى املُوِب ِ‬ ‫سان َم ْو ِض ُع َ‬
‫أن اإل ْن َ‬
‫وملَّا ُعل َِم ِب َهذا َّ‬ ‫‪32‬‬
‫ْ َ‬
‫أج ِل ذ ِل َك﴾‪- .‬البقاعي‪-‬‬ ‫﴿من‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َْ َُ َ‬
‫الزوا ِج ِر؛ أتبعه (تعالى) قوله‪ِ :‬‬ ‫َّ‬
‫ملا َذكر اهلل ِف اآلي ِة األُوىل تغليظ اإلثم ِف قتل النفس بغْي حق‪ ،،‬أتبعه ببيان الفسا ِد الذي يوجب القتل؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫‪33‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍّ ْ َ‬ ‫َ ْ ِ َّ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ََّ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫القتل‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫وج ُب‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫بعض ما يكون‬
‫اْلرض ال ي ِ‬
‫ِ‬ ‫فسادا في‬

‫وبةَ‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫ني َه ِذ ِه ُ‬


‫الع ُق َ‬ ‫ِن املُعا َق ِب َ‬
‫اس َتثْنى م َ‬ ‫الجزا ِء َعلى َهذا َ‬
‫الو ْجهِ؛ ْ‬ ‫الت ْع ِب ُْي ِبـ ” َّإنما“؛ َي ُد ُّل ِب َخ ْتِم َ‬
‫كان َّ‬
‫وملَّا َ‬ ‫‪34‬‬

‫‪ -33‬عقوبة الحرابة‪:‬‬
‫واآليـة سـميت آيـة الحرابة‪ ،‬وهي تعني الحديث عن قطاع الطرق‪ ،‬وقطاع الطرق إنما يتصيدون ضحاياهـم في‬
‫اْلماكن البعيدة اْلعزولة عن الناس‪ ،‬وعن الغوث ْلن استغاث‪ .‬فلذا روى ابـن عبـاس‪ :‬أن قطاع الطرق‪ ،‬إذا‬
‫قتلوا وأخذوا اْلال قتلوا وصلبوا‪ ،‬وإن قتلوا ولم يأخذوا اْلـال قتلوا ولم يصلبوا‪ .‬وإن أخذوا اْلال ولم يقتلوا‬
‫قطعت أيديهم وأرجلهم من خَلف‪ ،‬وإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا اْلال نفوا من اْلرض ‪.‬‬
‫فكان هذا حكم الحرابة ‪ ...‬وهو ما عليه جمهور اْلسلمين اآلن وهو جزاء مو افق يناسـب الجرم اْلرتكب‪ ،‬وهذه‬
‫واحدة من الحدود التي أوجب هللا العمل بها‪ .‬وهي آية محكمة واجبة اْلداء‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫فاس ِد‪– .‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫أن َح َّذ َرهم م َ‬
‫ِن املَ ِ‬ ‫ب َب ْع َد ْ‬
‫الرتغِي ِ‬ ‫*خاط َ‬
‫َب املُْؤ ِمن َ‬
‫ِني ِب َّ ْ‬ ‫‪35‬‬
‫*هذا أمرمن هللا لعباده اْلؤمنين‪ ،‬بما يقتضيه اإليمان من تقوى هللا والحذرمن سخطه وغضبه‪ ،‬وذلك بأن يجتهد‬
‫العبد‪ ،‬ويبذل غاية ما يمكنه من اْلقدورفي اجتناب ما َيسخطه هللا‪ ،‬من معاص ي القلب واللسان والجوارح‪ ،‬الظاهرة‬
‫والباطنة‪ .‬ويستعين باهلل على تركها‪ ،‬لينجو بذلك من سخط هللا وعذابه‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫األربعِ‪ ،‬والعذابِ‬
‫العقوبات َ‬
‫ِ‬ ‫األرض فسا ًدا من‬
‫وسعى ِف ِ‬ ‫حار َب اهللَ ورسولَه‪َ ،‬‬ ‫*ملََّا َذ َكر اهللُ تعاىل َ‬
‫جزاء َمن َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫املحاربة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫نجي من‬ ‫ابتغاء الق ِ‬
‫ربات إليه؛ فإن ذلك هو اْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫هلل‪ ،‬و‬
‫أم َر املؤمنني بتقوى ا ِ‬ ‫العظيم املَُع ِّد لهم ِف اآلخ ِ‬
‫ِرة‪َ -‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫للمحاربين ‪– .‬املحرر‪-‬‬
‫ِ‬ ‫اْلع ِِّد‬
‫والعقاب َ‬
‫ِ ِ‬

‫وبَّني‬
‫ويجاهدوا ِف َسبيلِه‪َ ،‬‬
‫ويْبتغوا إليه الوسيلةَ‪ُ ،‬‬
‫أن َي َّتقوا اهللَ‪َ ،‬‬
‫عاىل عِبا َده املؤمنني ْ‬
‫تبارك وتَ َ‬
‫أم َر اهللُ َ‬
‫*ملََّا َ‬ ‫‪36‬‬
‫الكفار‪– .‬املحرر‪-‬‬
‫الفالح‪َ -‬بَّني عاقبةَ َمن لم َي ُق ْم بذلك من َّ‬
‫ُ‬ ‫بأنه‬
‫عاقبةَ هذا َّ‬
‫ان؛‬
‫األو ِل؛ وهو اإليم ُ‬ ‫الو ِسيلَةِ؛ وال ِجهادِ؛ ُم ِز ًيال لِْل َو ْص ِف َّ‬
‫ب َ‬‫طلَ ِ‬ ‫صاف الثَّالثَ ِة‪َّ :‬‬
‫الت ْقوى؛ و َ‬ ‫كان تَ ْر ُك َه ِذ ِه ْ‬
‫األو ِ‬ ‫*وملَّا َ‬
‫ِّ ً‬ ‫الدار؛ َف َ‬
‫قال ‪ُ -‬م َع ِلَل ِْلا‬ ‫ناسب كل املناسب ِة ‪ -‬تحذِيرا مِن تركِها ‪ِ -‬ذكر حال الكفار؛ َّأن ُه ال َت ْن َف ُعهم وس َيلة في ت ْل َك ِّ‬
‫ُْ ِ ُ ّ ِ و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ َّ ُ َ َ َ ْ ً‬
‫َّ‬ ‫ًَ‬ ‫َ ِّ َ َ َّ َ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫يادة في الت ْح ِذ ِير‪-.‬البقاعي‪-‬‬ ‫أي‪ِ :‬بت ْر ِك ما في اآلي ِة الس ِابق ِة؛ ورتب الجزاء على ِ‬
‫اْلاض ي؛ ِز‬ ‫ين كف ُروا﴾؛‬ ‫ق ْبل ُه ‪﴿ :-‬إن ال ِذ‬
‫يخبرتعالى عن شناعة حال الكافرين باهلل يوم القيامة ومآلهم الفظيع‪ ،‬وأنهم لو افتدوا من عذاب هللا بملء اْلرض‬ ‫‪36‬‬ ‫ِف التقوى نجاة من النار‪35-37 :‬‬
‫ذهبا ومثله معه ما تقبل منهم‪ ،‬وال أفاد‪ْ ،‬لن محل االفتداء قد فات‪ ،‬ولم يبق إال العذاب اْلليم‪ ،‬اْلوجع الدائم الذي‬ ‫‪37,‬‬
‫ال يخرجون منه أبدا‪ ،‬بل هم ماكثون فيه سرمدا‪-.‬السعدي‪-‬‬ ‫بعد الحديث عن الحرابة جاءت اآلية تأمربتقوى هللا‪ ،‬وترك ما نهى عنه وحرم‪ ،‬وفي‬
‫*ث َُّم َعلَّ َل ِش َّد َة إيال ِم ِه ِب َدوا ِم ِه‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫التقوى الفَلح ويرزق هللا العبد التقي من حيث ال يحتسب ويجعل لـه من كل ضيق‬
‫مخرجا‪ ،‬ويجعل له مـن أمره يسرا وهو معه بالتأييد والنصرة واْلؤازرة‪ ،‬ويأمرنا أن‬
‫نتخذ الوسيلة ْلرضاته فالدعاء وسيلة‪ ،‬والسؤال بأسمائه الحسنى وسيلة‪ ،‬والتقرب‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫شرع َق َ‬
‫طع وسيلة السرقة التي تساوي نصف دية صاحبها؛ حفظا ْلموال الناس‪ ،‬فإذا علم‬ ‫َ‬
‫تشريع اإلسَلم! َ‬ ‫َ‬
‫أعظم‬ ‫‪•37‬ما‬ ‫إليه بأحب اْلعمال الصالحة الخالصة إليه وسيلة‪ ،‬والتقوى وسيلة‪ ،‬فابتغوا إليه‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الوسيلة لتصلوا إلى غاياتكم‪ ،‬وجاهدوا في سبيله باْلال والنفس والكلمة الصالحة‬
‫باغي الحرام بهذا اْلصيركف يده عن العدوان‪.‬‬
‫وتبيين‪38‬الحق والوقوف في وجه الباطل‪.‬‬
‫حد السرقة‬
‫بعد حد الحرابة اآلن يأخذ ِف حد السرقة‪.‬‬
‫مناسَبةُ اآلي ِة ِملَا َقْبلَها وجهان‪:‬‬ ‫ِف ََّ‬ ‫‪38‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ْ ُ َ َّ َ َ ْ ْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫واآلية ترد على اْلعارضين لحكم هللا‪ ،‬والذين يثيرون الشبهات حول أحكام هللا‪ ،‬والذين يرون‬
‫اْلال‬‫واْلرج ِل عند أخ ِذ ِ‬ ‫اْلول‪ :‬أنه تعالى ْلا أوجب في قوله‪ :‬أو تقطع أي ِد ِيهم وأرجلهم ِمن ِخَل ٍف قطع اْليدي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُ ُ َ َ َ‬ ‫أخ َذ اْلال على سبيل َّ‬ ‫َّ ْ‬ ‫في قطع السارق والسارقة عمَل ال إنسانيا كما كتبت بعض الصحف واْلقَلم‬
‫وجاءت‬
‫ِ‬ ‫طع اْليدي فقط‪،‬‬ ‫وجب ق‬ ‫ِ‬ ‫قة ي‬‫ِ‬ ‫الس ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآلية أن‬ ‫ِ‬ ‫املحار ِبة؛ َب َّين في هذه‬ ‫َ‬ ‫بيل‬
‫ِ‬ ‫على َس‬
‫َّ‬ ‫ً َ‬ ‫حيث اْلعنى؛ َّ‬ ‫ُ‬ ‫رقة ً‬ ‫َّ ُ‬ ‫رجل ً‬ ‫اْل ُ‬ ‫ُّ َّ ُ َ ْ َ‬
‫سعيا بالف َس ِاد إال‬ ‫ْلن فيها‬ ‫أيضا ِحرابة من‬ ‫قة ؛ ِإذ الس‬ ‫ِ‬ ‫الس ِر‬ ‫أيضا في َّ‬
‫ِ‬ ‫السنة بقط ِع‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪.‬‬ ‫هور‬
‫ِ‬ ‫والظ‬ ‫كة‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫الش‬ ‫سبيل‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫أن ِتلك تكون‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ض فكأن َما قت َل‬ ‫ِ‬ ‫س أ ْو ف َس ٍاد ِفي اْل ْر‬ ‫ٍ‬ ‫قوله‪َ :‬م ْن قت َل نف ًسا ِبغ ْي ِرنف‬ ‫ِ‬ ‫تعظيم ْأم ِ َرالقت ِل في‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫الثاني‪ :‬أنه تعالى ْلا َذكر‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َْ‬ ‫ذكرب َ‬ ‫َّ َ َ ً َ َ ْ ْ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َّ َ َ ً َ‬
‫بيح القت َل واإليَل َم‪ ،‬فذكر‬ ‫الجنايات التي ت‬
‫ِ‬ ‫عد هذا‬ ‫الناس ج ِميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس ج ِميعا؛‬
‫وثانيا‪ْ :‬أم َر َّ‬ ‫الطريق‪ً ،‬‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫ً‬
‫قة‪- .‬املحرر‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫الس ِر‬ ‫أوال‪ :‬قطع‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫فاعلها غ ْي َر ُمت ٍق؛ وال ُمت َو ِ ِّس ٍل؛ َعق َب ِبها‪– .‬‬ ‫ساد؛ وكان ِ‬ ‫حارب ِة؛ والسع ِي ِبالف ِ‬
‫امل َ َ‬ ‫الس ِرقة ِمن جمل ِة‬ ‫*وْلا كان ِت‬
‫البقاعي‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أي‪َ :‬ند َم ْأق َل َع؛ َ‬ ‫ْ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ ِّ َ َ َ َ ْ َ‬
‫ود َّل َعلى ك َر ِم ِه ِبالق ُبو ِل في‬ ‫تاب﴾؛ ْ ِ و‬ ‫﴿ف َمن َ‬ ‫والحكم ِة؛ سبب عنهما قوله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫صف ِي ال ِع َّز ِة‬ ‫وْلا ختم ِبو‬ ‫‪39‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ ََ ُ َ‬ ‫َّ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ َ‬
‫أي وق ٍت وقع ِت التوبة ِف ِيه؛ ولو طال زمن اْلع ِصي ِة –البقاعي‪-‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫إن‬‫قب ُل توب َته ْ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫أن‬
‫َّ‬ ‫ر‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ثم‬ ‫ِ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫التوب‬ ‫قبل‬
‫َ‬ ‫ارق‬
‫ِ‬ ‫الس‬ ‫على‬ ‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ِر‬ ‫خ‬ ‫اآل‬ ‫ِقاب‬
‫ْ َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫الي‬ ‫ْع‬
‫َ‬ ‫ط‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫تعاىل‬ ‫اهلل‬ ‫جب‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ْل‬ ‫‪40‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ َْ َ َ ُُ َ‬
‫عذب من يشاء‪ ،‬ويغفر ِْلن يشاء‪- .‬‬ ‫ريد؛ في ِ‬ ‫ويح ُك َم ما ُي ُ‬ ‫يشاء‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫فعل ما‬ ‫ببيان أن له أن َي َ‬ ‫تاب‪ -‬أردفه سبحانه ِ‬ ‫َ‬
‫املحرر‪-‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫أل َعن ْانقَلب حال ِّ‬ ‫اس ِت ْئناف َبيا ِن ٌّي‪َ ،‬جواب ْلَن َي ْس ُ‬
‫قاب إلى اْلغ ِف َر ِة َب ْع َد الت ْو َب ِة َم َع ِعظ ِم‬ ‫ِ‬ ‫الس ِار ِق ِم َن ال ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َُ ِ‬
‫* ْ‬
‫تطبيق مصحف التدبر‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ِّرف في َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫واض ِع العف ِو‪- .‬‬ ‫قاب وم ِ‬ ‫واض ِع ال ِع ِ‬ ‫ض وما ِف ِيهما‪ ،‬فهو الع ِليم ِبم ِ‬ ‫ماوات واْلر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس‬ ‫جر ِم ِه ِبأن َّللا هو اْلت ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪•38‬العقوبة على قدرالذنب عدل‪ ،‬ورحمة اْلعتدي بإسقاط عقوبته َجور‪ ،‬وال تصلح حياة الناس إال بالعدل‬
‫ابن عاشور‪-‬‬
‫واإلنصاف‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪•-39‬باب التوبة مفتوح‪ ،‬فمن أصلح بعد الفساد‪ ،‬وكف يده عن حقوق العباد‪ ،‬ومدها إلى هللا مستغفرا منيبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فقد َ‬
‫اْللك الكريم‪.‬‬
‫بشرهناك بعطاء ِ‬ ‫رحمة هللا وغفرانه‪ ،‬ولي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولج روضة‬
‫ويقبل توبة َمن ر َجع إليه وتاب‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ويذيق َمن يشاء َ‬
‫أليم العذاب‪،‬‬ ‫يشر َع ما يشاء من العقاب‪،‬‬ ‫‪•-40‬هلل تعالى أن َ‬
‫لك السماوات واْلرض‪.‬‬ ‫عجب في ذلك؛ فإن هلل ُم َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قدرته‪ ،‬ففرض الفرائض َّ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫كم َل ُ‬
‫واالنقياد‬ ‫وحد الحدود‪ ،‬وليس للعباد إال االستجابة لحكمه‪،‬‬ ‫وكملت‬ ‫ملك ِِّربنا‬ ‫• َ‬
‫شرع‪.‬‬ ‫َ‬
‫لشرعه؛ ْلنهم ملك من ملكه‪ ،‬وهو قادرعلى مؤاخذة من حاد عن نهجه الذي َ‬

‫‪39‬‬
‫تالعب أهل الكتاب بأحكام اهلل ‪) 45 - 41( :‬‬
‫واآليـة تبـدأ الحديث باْلنافقين الذين قال هللا لرسـوله عنهم ال يحزنك الذين يسارعون في‬ ‫(‪)47-46‬‬
‫ً‬
‫الكفـرمـن الذين قالوا آمنا بأفواهم ولم تؤمن قلوبهم‪ ،‬فهؤالء آمنوا باللسان قوال ولم‬ ‫رسالة عيسى و إنجيله‬
‫يؤمنوا بقلوبهـم فـعـَل‪ ،‬فاختلفت الجوارح واختلفت النتائج‪ ،‬واْلشركون مـن العرب هم‬
‫الذين يعنيهم القـرآن بهذا القول‪ ،‬ثم يضيف إليهم الصنف الثاني في النفاق والكفر‪ ،‬من‬
‫الذين هادوا‪,‬فهؤالء أراد هللا فتنتهـم بوقوعهم في هذا النفاق والتحريف ْلحكام الشرع فلن‬
‫ً‬
‫يملك لهم أحد من هللا شيئا‪ ،‬ولن يرد ما قد أراده هللا بهم‪ ،‬لم يرد هللا لهم طهارة القلب وال‬
‫صفاء النفوس وال الرغبة في هذا الخير‪ .‬فلهم في الحياة هذه الخزي والذل واْلهانة‪ ،‬ومن‬
‫اْلخرى العذاب العظيم‪.‬‬
‫*من أخالقهم أنهم سماعون للكذب اْلنقول إليهم‪ ،‬أكالون للحرام بكل أنواعه رشاوى وربا‬
‫وغيرهما من املحرمات‪ .‬فاهلل يقول لرسـوله ﷺ‪ .‬إن جاءك هـؤالء يطلبون الحكم فيها‬
‫ارتكبوا من حرام‪ ،‬فأنت بالخيارأن شئت فاحكم بينهم وإن شئت فاعرض عنهم وفي كَل‬
‫الحالين لن يضروك‬

‫ُْْ َ‬ ‫ُ َٰ‬ ‫َٰ‬ ‫ْ َّ ُ َ َّ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ ِّ ُ َ‬


‫ند ُه ُم الت ْو َراة ِف َيها ُحك ُم الل ِـه ث َّم َيت َول ْون ِمن َب ْع ِد ذ ِل َك َو َما أولـ ِئ َك ِباْلؤ ِم ِنين ﴿‪﴾٤٣‬‬
‫ون َك َوع َ‬
‫ِ‬ ‫وكيف يح ِكم‬
‫ُ ً َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ِّ ً ِّ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ َ َّ ْ َ َ َ َ‬
‫نجيل ِف ِيه هدى ونور(‪)46‬‬ ‫وقفينا عل ٰى آث ِار ِهم ِب ِعيس ى اب ِن مريم مص ِدقا ِْلا بين يدي ِه ِمن التور ِاة و آتيناه ِ‬
‫اإل ِ‬

‫أرسل هللا التوراة على اليهود فلم يتحاكموا إليها ‪،‬و أرسل اإلنجيل على النصارى فلم يتحاكموا إليها ‪،‬‬
‫و أرسل هللا القرآن فهل ستتحاكمون إليه و ال هتكونوا مثلهم ؟‬
‫ُ َ‬ ‫َّ ْ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ ْ ْ‬
‫أف ُحك َم ال َج ِاه ِل َّي ِة َي ْبغون َو َم ْن أ ْح َس ُن ِم َن الل ِـه ُحك ًما ِلق ْو ٍم ُيو ِقنون ﴿‪﴾٥٠‬‬

‫‪40‬‬
‫السرقة‪،‬‬ ‫أحكام الحِراب ِة و َّ‬ ‫ُ‬ ‫والشرائعِ‪ ،‬ومنها‬ ‫التكاليف َّ‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫‪* -41‬ملَّا َّبني اهلل ُسبحاَنه وتعاىل َ‬
‫َ‬
‫األرض فسا ًدا‪ ،‬وكان هللا قد ع ِلم‬ ‫سعون ِف ِ‬ ‫وي‬ ‫بون اهلل ورسولَه‪،‬‬ ‫حار‬ ‫بني َّأنهم ُي‬ ‫وكان في ذكر ُ‬
‫املحار‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫الكفر‪ -‬لذا صبررسوله على تحمل ذلك‪ ،‬وأمره تعالى أال‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫متسارعين إلى‬ ‫الناس كونهم‬ ‫بعض‬
‫َّ َ َ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َ ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫صبهم له‬ ‫اليهود؛ ِمن تعنتهم وتربصهم به وبمن معه الدو ائر‪ ،‬ون ِ‬ ‫يحزن وال يهتم بأم ِراْلنافقين وأم ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ولرسوله‪ ،‬وغيرذلك ِمن‬ ‫ِ‬ ‫هلل‬
‫املحاربة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ساد في اْلرض‪ ،‬ونصب‬ ‫اْلكروه‪ ،‬وما يحدث منهم من الف ِ‬ ‫ِ‬ ‫حبائل‬
‫الصادرة عنهم ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الرذا ِئ ِل‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫أيضا ْلَّا َت َّ َ‬ ‫َ‬ ‫* ً‬
‫شك عِلةً لعدم‬ ‫دير‪ ،‬كان من غْيِ ٍّ‬ ‫اهللَ َعلى ُك ِّل َش ْي ٍء َق ٌ‬ ‫أن َّ‬ ‫ابقة َّ‬ ‫اآلية الس ِ‬ ‫قرر في ِ‬ ‫و‬
‫عصى اهلل ِف شي ٍء من هذه‬ ‫ممن َ‬ ‫أم ِر غْيِهم َّ‬ ‫أم ِرهم‪ ،‬وال مِن ْ‬ ‫الحزن على شي ٍء من ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫األحكام ‪.‬‬
‫َ ُ ِ ُّ‬
‫زول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫سبب‬
‫وسل َم بيهوديِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫النبي صلى هللا عليه‬ ‫رض ي هللا عنه قال‪(( :‬مرعلى‬ ‫عازب ِ‬ ‫عن البر ِاء بن ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫تابكم؟ قالوا‪:‬‬ ‫عليه ُوسلم‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا ت ِجدو َ حد الزاني في ِك ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مجلودا‪ ،‬فد ُعاهم صلى هللا َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫محمما‬
‫َ‬
‫باهلل الذي أنزل التوراة على موس ى‪ ،‬أهكذا ت ِجدون‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫نش‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫هم‪،‬‬ ‫لمائ‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫من‬ ‫رجَل‬ ‫عا‬ ‫فد‬ ‫م‪،‬‬ ‫نع‬
‫َّ ُ‬
‫جم‪ ،‬ولكن ُه كث َرفي‬ ‫الر َ‬‫نجده َّ‬ ‫شد َتني بهذا لم ُأ ْخب ْر َك؛ ُ‬ ‫الز اني في كتاب ُكم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولوال َّأنك َن ْ‬ ‫حد َّ‬ ‫َّ‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحد! قلنا‪ :‬تعال ْوا‬ ‫الضعيف َأق ْمنا عليه َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ناه‪ ،‬وإذا أخذنا‬ ‫ريف َتر ْك ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ْ‬
‫أشر ا ِفنا‪ ،‬فكنا إذا أخذنا الش‬
‫َّ‬
‫ْ ِ‬ ‫قال السعدي رحمه اهلل‪:‬كان الرسول ﷺ من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه ْلن يظهراإليمان‪ ،‬ثم يرجع إلى الكفر‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ َّ‬ ‫َّ‬ ‫فلنجتمع على ش يء ُن ُ‬
‫جم‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬
‫مكان َّ‬
‫الر‬ ‫فجعلنا التحمي َم والجل َد‬ ‫ضيع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشريف َ‬
‫والو‬ ‫ِ‬ ‫قيمه على‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬
‫حضروا لم ينفعوا‪ ،‬وإن‬ ‫فأرشده هللا تعالى‪ ،‬إلى أنه ال يأس ى وال يحزن على أمثال هؤالء‪ .‬فإن هؤالء ال في العيروال في النفير‪ .‬إن‬
‫فرج َم‪ ،‬فأنزل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬
‫هللا‬ ‫ُ‬
‫فأمر ُ ُِبه ِ‬
‫أماتوه‪َ ،‬‬ ‫رك إذ‬ ‫اللهم ِإني أو ُل َمن أحيا أم‬ ‫هللا عليه وسل َم‪:‬‬ ‫هللا‬
‫ِ‬ ‫رسو ُل‬ ‫َ َّ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُْْ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ َّ َ ُ‬ ‫وجل‪َ :‬يا َأ ُّي َها َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُغابوا لم يفقدوا‪ ،‬ولهذا قال مبينا للسبب اْلوجب لعدم الحزن عليهم ‪ -‬فقال‪ِ :‬‬
‫﴿من ال ِذين قالوا آمنا ِبأفو ِاه ِهم ولم تؤ ِمن‬
‫قوله‪ِ :‬إ ْن أ ِوت ُيت ْم َ َهذا فخذ ُوه‪ ،‬يقول‪ :‬ائتوا‬ ‫الر ُسو ُل ال َي َّحزنك ال ِذين ي َس ِارعون ِفي الكف ِر إلى ْ ِ‬ ‫عز َّ‬
‫قل ُوب ُه ْم﴾ فإن الذين يؤس ى ويحزن عليهم‪ ،‬من كان معدودا من اْلؤمنين‪ ،‬وهم اْلؤمنون ظاهرا وباطنا‪ ،‬وحاشا هلل أن يرجع هؤالء‬
‫بالرجم ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫بالتحميم َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ ً َّ‬
‫فاحذروا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فتاكم َ ُ َِ‬ ‫والجل ِد فخذوه‪ ،‬وإن أ‬ ‫ِ‬ ‫هللا عليه وسل َم‪ ،‬فإن َأم َركم‬ ‫محمدا‬ ‫صاحبه غيره‪ ،‬ولم يبغ به بدال‪.‬‬
‫هللا فأولئ َك ُهمُ‬ ‫ون‪َ ،‬و َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ب َما َأ ْن َز َل ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َل ُ َ ُ َ َ ُ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يعدل َبه َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫عن دينهم ويرتدوا‪ ،‬فإن اإليمان ‪-‬إذا خالطت بشاشته القلوب‪ -‬لم‬
‫َ َّ ُ َ َ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ َ‬ ‫﴿وم َن َّالذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فأنزل هللا تعالى‪ :‬ومن لم يحكم بما أنز هللا فأولئك هم الكافر‬
‫َّ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ ِ ُ َ ُ َ َ ُ ُ ْ ِ َ ُ َ ِ ُ َّ ُّ‬ ‫اعون ِلق ْو ٍم آخ ِرينْ لم يأتوك﴾ أي‪ :‬مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم‪،‬‬ ‫اعون ِللك ِذ ِب سم‬ ‫ين َه ُادوا﴾ أي‪ :‬اليهود ﴿سم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫الظ ِاْلون‪ ،‬ومن لم يحكم ِبما أنزل هللا فأول ِئك هم الف ِاسقون في الكف ِاركلها )) ‪.‬‬ ‫َ‬
‫﴿ل ْم َيأ ُت َ‬
‫وك﴾ بل أعرضوا عنك‪ ،‬وفرحوا بما عندهم من‬ ‫اْلبني أمرهم على الكذب والضَلل والغي‪ .‬وهؤالء الرؤساء اْلتبعون‬
‫َ ُْ ْ‬
‫ين ُي َس ِار ُعون ِفي الكف ِر‪.‬‬ ‫الر ُسو ُل َال َي ْح ُزْن َك َّالذ َ‬
‫ِ‬ ‫َيا َأ ُّي َها َّ‬
‫الباطل وهو تحريف الكلم عن مواضعه‪ ،‬أي‪ :‬جلب معان لأللفاظ ما أرادها هللا وال قصدها‪ ،‬إلضَلل الخلق ولدفع الحق‪،‬‬
‫الحزن على‬ ‫َ‬ ‫فر‪ُ ،‬ي ْد ِخلُون‬ ‫محم ُد‪ -‬هؤال ِء املنافقني‪ ،‬الذين َيتسابقون إىل ال ُك ِ‬ ‫جعل‪ -‬يا َّ‬ ‫أي‪ :‬ال تَ ْ‬ ‫فهؤالء اْلنقادون للدعاة إلى الضَلل‪ ،‬اْلتبعين للمحال‪ ،‬الذين يأتون بكل كذب‪ ،‬ال عقول لهم وال همم‪ .‬فَل تبال أيضا إذا لم‬
‫نفس َك بما َيفعلوَنه‬ ‫ِ‬ ‫ْلنهم في غاية النقص‪ ،‬والناقص ال يؤبه له وال يبالى به‪.‬‬ ‫يتبعوك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ُ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ُ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ْ َ‬
‫﴿يقولون ِإن أو ِتيتم هذا فخذوه و ِإن لم تؤتوه فاحذروا﴾ أي‪ :‬هذا قولهم عند محاكمتهم إليك‪ ،‬ال قصد لهم إال اتباع الهوى‪.‬‬
‫يقول بعضهم لبعض‪ :‬إن حكم لكم محمد بهذا الحكم الذي يو افق أهواءكم‪ ،‬فاقبلوا حكمه‪ ،‬وإن لم يحكم لكم به‪ ،‬فاحذروا‬
‫‪ 41‬على ذلك‪ ،‬وهذا فتنة و اتباع ما تهوى اْلنفس‪.‬‬ ‫أن تتابعوه‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ُ َ ْ ُ َّ‬
‫دم الن ِب َّي صلى هللا عليه وسلم ِإذا‬ ‫روى البخاري في صحيحه من حديث أنس رض ي هللا عنه قال‪ :‬كنت أخ‬
‫َّ‬ ‫َ ُ َ ِّ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ِّ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َُْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن َز َل‪ ،‬فكنت أ ْس َم ُع ُه ك ِث ًيرا َيقو ُل‪« :‬الل ُه َّم ِإ ِني أ ُعوذ ِب َك ِم َن ال َه ِ ِّم َوال َح َز ِن‪َ ،‬وال َع ْج ِز َوالك َس ِل‪َ ،‬وال ُبخ ِل َوال ُج ْب ِن‪،‬‬ ‫الذين َيكفرون) و إنما‬ ‫ِ‬ ‫والحظوا َقوله تعالى في وصف هؤالء اْلنافقين‪ :‬لم يقل (وال يحزنك‬
‫َ‬ ‫ين ُي َسار ُعو َن في ْال ُك ْفر) ِّ‬
‫نك َّالذ َ‬ ‫الر ُسو ُل َال َي ْح ُز َ‬
‫مما ُيد ُّل على َّأنهم أصحاب قصد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪َ ( :‬يا أ ُّي َها َّ‬
‫الر َج ِال» قال ابن بطال رحمه هللا‪« :‬وينبغي للمرء أن يرغب إلى ربه في رفع ما نزل ودفع‬ ‫َ َ َ َّ ْ َ َ َ َ ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وج ُهود حثيثة في التكذيب‪ ،‬والكفرواإلعراض‪ ،‬ويبت ِك ُرون الطرق‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وأصحاب ن َّية فاسدة‪ُ ،‬‬
‫وضل ِع الدي ِن‪ ،‬وغلب ِة ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فهؤالء هم اْلنافقون‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ما لم ينزل‪ ،‬ويستشعر االفتقار إلى ربه في جميع ذلك‪ ،‬وكان صلى هللا عليه وسلم يتعوذ من جميع ما ذكر‬ ‫ِ‬ ‫ويحثون غيرهم ويج ِندون غيرهم على الكفر‬
‫َ ُ ْ ُُ‬ ‫َ َّ َ َ ُ ْ َّ َ ْ‬
‫وتشريعا لهم‪ ،‬ليبين لهم صفة اْلهم من اْلدعية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دفعا عن أمته‪،‬‬ ‫ين قالوا َآمنا ِبأف َو ِاه ِه ْم َول ْم تؤ ِمن قل ُوب ُه ْم) فهذا أفضل تعريف للمنافقين ‪,‬‬ ‫قال هللا ( ِمن ال ِذ‬
‫ُ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫سميه علماء التجويد‬ ‫الذين هادوا) هذا ما ي ِ‬ ‫اْلنافق هو الذي آمن بلسانه وكفربقلبه (ومن ِ‬
‫وقوله في الحديث‪ :‬الهم والحزن‪ :‬الهم ْلا يتصوره العقل من اْلكروه في الحال‪ ،‬والحزن ْلا وقع في اْلاض ي‪،‬‬ ‫(تعانق الوقف) فممكن أن تحتمل اآلية عدة معاني ‪.‬‬
‫َّ ل َ َ ُّ َ َّ ُ ُل َ َ ْ ُ َ َّ َ ُ َ ُ َن ْ ُ ْ َ َّ َ َ ُ ْ َّ‬ ‫َ‬
‫والعجزضد االقتدار‪ ،‬والكسل ضد النشاط‪ ،‬والبخل ضد الكرم‪ ،‬والجبن ضد الشجاعة‪.‬‬ ‫ين قالوا َآمنا‬ ‫َاْلعنى اْلو ‪( :‬يا أيها الرسو ال يحزنك ال ِذين يس ِارعو ِفي الكف ِر ِمن ال ِذ‬ ‫*‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ َّ َ ُ ْ‬
‫منفيا‪ ،‬فاْلنهي عنه كقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وال‬ ‫منهيا عنه‪ ،‬أو ًّ‬ ‫قال ابن القيم رحمه هللا‪« :‬ولم يأت الحزن في القرآن إال ًّ‬ ‫ِبأفو ِاه ِهم ولم تؤ ِمن قلوبهم و ِمن ال ِذين ِهادوا) فاْلقصود بهم اليهود واْلنافقين‬
‫َته ُنوا َوَال َت ْح َزُنوا ﴾ [آل عمران‪ ،]139 :‬وقوله‪َ ﴿ :‬وَال َت ْح َز ْن َع َل ْيه ْم ﴾ [النحل‪ ،]127 :‬وقوله‪َ ﴿ :‬ال َت ْح َز ْن إ َّن َّ َ‬
‫َّللا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ َ ْ َ َْ ْ ََ ُ ْ َ ْ َُ َ‬
‫َ ُ ْ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُْ ْ‬
‫ين ُي َس ِار ُعون ِفي الكف ِر ِم َن ال ِذي َن قالوا َآمنا‬ ‫نك َّالذ َ‬
‫ِ‬
‫الر ُسو ُل َال َي ْح ُز َ‬ ‫الثاني‪َ ( :‬يا َأ ُّي َها َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َاْلعنى‬ ‫*‬
‫َ‬
‫َم َعنا ﴾ [التوبة‪ ،]40 :‬واْلنفي كقوله‪ ﴿ :‬فَل خوف علي ِهم وال هم يحزنون ﴾ [البقرة‪.]38 :‬‬ ‫ِبأفو ِاه ِهم ولم تؤ ِمن قلوبهم) ثم تتوقف‪ ,‬فيكون اْلقصود بها اْلنافقون‪ ,‬ثم تشرع في‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ ََ ْ ُ ْ ُُ‬
‫َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ ْ َ َّ ُ َ ْ َ‬
‫وسر ذلك‪ :‬أن الحزن يقطع العبد عن السير إلى هللا‪ ،‬وال مصلحة فيه للقلب‪ ،‬وأحب ش يء إلى الشيطان أن‬ ‫ين ل ْم‬ ‫اعون ِللك ِذ ِب سماعون ِلقو ٍم آخ ِر‬ ‫ْالقراءة من قوله ‪( :‬و ِمن ال ِذين ِهادوا سم‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َيأ ُت َ‬
‫َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪.‬‬ ‫جديد‬ ‫لكَلم‬
‫ٍ‬ ‫ابتداء‬ ‫وك) فيكون‬
‫ُيحزن العبد ليقطعه عن سيره‪ ،‬ويوقفه عن سلوكه‪ ،‬قال هللا تعالى‪ِ ﴿ :‬إن َما الن ْج َوى ِم َن الش ْيط ِان ﴾‬ ‫َ ُ ْ ُُ‬ ‫َ َّ َ َ ُ ْ َّ َ ْ‬
‫ين قالوا َآمن ْا ِبأف َو ِاه ِه ْم َول ْم تؤ ِمن قل ُوب ُه ْم‬ ‫جمعها جميعا فتقول‪ِ ( :‬من ال ِذ‬
‫ً‬ ‫الثالث أن َت َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اْلعنى‬
‫الصفات‬ ‫وك) فتكون هذه ِّ‬ ‫ين َل ْم َيأ ُت َ‬
‫آخر َ‬ ‫َ َّ ُ َن َ ْ َ‬
‫اعون ِللك ِذ ِب سماعو ِلقو ٍم‬
‫َ َ َّ َ َ ُ ْ َ َّ ُ َ ْ َ‬
‫و ِمن ال ِذين هادوا سم‬
‫[ املجادلة‪ ،]10 :‬ونهى النبي صلى هللا عليه وسلم الثَلثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث؛ ْلن ذلك يحزنه‪.‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُ ُ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سارعون في الكفروهم‬ ‫فيكونون كله ُم ي ِ‬ ‫كلها موجودة في اْلنافقين واليهود على ح ٍد سواء ‪,‬‬
‫فالحزن ليس بمطلوب‪ ،‬وال مقصود‪ ،‬وال فيه فائدة‪ ،‬وقد استعاذ منه النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كذلك‪ ،‬فاليهود ُي ُ‬
‫سار ُعون في الكفروهو صحيح ‪ ,‬فقال هللا‬ ‫سارعون َفي الكفر‪ ،‬واْلنافقونً ي َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ُ َّ ِّ َ ُ ُ‬
‫وذ ب َك م َن َ‬ ‫َّ‬ ‫اعو َن للكذب َ‬ ‫سم ُ‬
‫( َّ‬
‫الح َز ِن»‪ ،‬فهو قرين الهم‪ ،‬والفرق بينهما‪ :‬أن اْلكروه الذي يرد على القلب‪ ،‬إن‬
‫اله ِّم َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«اللهم ِإ ِني أع ِ‬ ‫قوم آخرين) أيضا ف ُهم كذلك‪- .‬الشيخ عبد الرحمن الشهري‪-‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫اعو‬ ‫م‬ ‫س‬
‫كان ْلا ُيستقبل أورثه الهم‪ ،‬وإن كان ْلا مض ى أورثه الحزن‪ ،‬وكَلهما مضعف للقلب عن السير‪ُ ،‬مفترللعزم‪.‬‬
‫َّ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ َّ َّ َ ْ‬
‫َّلل ال ِذي أذ َه َب َعنا ال َح َزن ﴾ [فاطر‪ ،]34 :‬فهذا يدل على‬
‫قال تعالى عن أهل الجنة إذا دخلوها‪ ﴿ :‬الحمد ِ ِ‬
‫أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن‪ ،‬كما تصيبهم سائر اْلصائب التي تجري عليهم بغيراختيارهم‪.‬‬
‫ين إ َذا َما َأ َت ْو َك ل َت ْحم َل ُه ْم ُق ْل َت َال َأج ُد َما َأ ْحم ُل ُك ْم َع َل ْيه َت َو َّل ْوا َو َأ ْع ُي ُن ُه ْم َتف ُ‬
‫يض‬ ‫َ َ َ َ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وأما قوله تعالى‪ ﴿ :‬وال على ال ِذ ِ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ً َ َّ‬
‫الد ْم ِع َح َزنا أال َي ِج ُدوا َما ُين ِفقون ﴾ [التوبة‪،]92 :‬‬
‫م َن َّ‬
‫ِ‬ ‫‪42‬‬
‫فلم يمدحوا على نفس الحزن‪ ،‬و إنما ُمدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم‪ ،‬حيث تخلفوا عن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم لعجزهم عن النفقة‪ ،‬ففيه تعريض باْلنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم‪ ،‬بل غبطوا نفوسهم به‬
‫ومما يخفف من الحزن ً‬ ‫َ‬
‫أيضا ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة رض ي هللا عنها‪ :‬أنها‬ ‫قال شيخ اإلسَلم ابن تيمية رحمه هللا‪« :‬وأما الحزن فلم يأمرهللا به وال رسوله‪ ،‬بل قد ن َهى عنه في مواضع‪ ،‬وإن تعلق أمر الدين‬
‫َ َ ُ َ َ ُ َُْ ْ َ َ َ ْ ُ ُْ ْ َ‬
‫كانت تأمربالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك‪ ،‬وكانت تقول‪ :‬إني سمعت رسول هللا صلى‬ ‫به‪ ،‬كقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وال ت ِهنوا َوال ت ْح َزنوا َو أنت ُم اْل ْعل ْون ِإن كنت ْم ُمؤ ِم ِنين ﴾ [ آل عمران‪]139 :‬‬
‫ْ‬ ‫ََ ْ َ ُ َ ْ‬ ‫َّ َّ ْ َ َ ُ ُّ ُ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ ْن َّ َّ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ض ال ُح ْز ِن»‪.‬‬ ‫يض‪ ،‬وتذهب ِببع ِ‬ ‫هللا عليه وسلم يقول‪ِ « :‬إن التل ِبينة ت ِجم فؤاد اْل ِر ِ‬ ‫َّللا َم َعنا ﴾ [التوبة‪:‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وال ت ْح َزن َعل ْي ِه ْم َوال ت ُك ِفي ض ْي ٍق ِم َّما َي ْمك ُرون ﴾ [النحل‪ ،]127 :‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ال تحز ِإن‬
‫َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫قال الشيخ ابن عثيمين رحمه هللا في تعليقه على قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬إن َما الن ْج َوى ِم َن الش ْيط ِان‬ ‫‪ ،]40‬وذلك ْلنه ال يجلب منفعة‪ ،‬وال يدفع مضرة‪ ،‬وال فائدة فيه‪ ،‬وما ال فائدة فيه ال يأمر هللا به‪ ،‬نعم ال يأثم صاحبه إذا لم‬
‫َ ْ ُ َن َّ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َّ َ َ ِّ‬
‫ين آ َمنوا‪ ﴾ ...‬اآلية [املجادلة‪« :]10 :‬وهللا تعالى إنما أخبرنا بذلك من أجل أن نتجنب‬ ‫ِليحز ال ِذ‬ ‫َّللا ال ُي َع ِذ ُب ِب َد ْم ِع ال َع ْي ِن‪َ ،‬وال ِب ُح ْز ِن‬ ‫يقترن بحزنه محرم‪ ،‬كما يحزن على اْلصائب‪ ،‬كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ِ « :‬إن‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َْْ‬
‫هذا الش يء‪ ،‬ليس مجرد إخبارأن الشيطان يريد إحزاننا‪ ،‬اْلراد أن نبتعد عن كل ما يحزن؛‬ ‫القل ِب‪َ ،‬ول ِك ْن ُي َع ِذ ُب ِب َهذا ‪َ -‬وأش َار ِإلى ِل َسا ِن ِه ‪ -‬أ ْو َي ْر َح ُم‪.‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ َََ َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َّ ْ َ‬
‫اجى اثن ِان ُدون الثا ِل ِث»‪ ،‬من أجل أن ذلك يحزنه‪،‬‬‫ولهذا قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪« :‬ال يتن‬ ‫ضت َع ْين ُاه ِم َن ال ُح ْز ِن ف ُه َو ك ِظيم ﴾ [يوسف‪.]84 :‬‬ ‫ومنه قوله تعالى‪ ﴿ :‬وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف و ابي‬
‫فكل ما يجلب الحزن لإلنسان فهو منهي عنه؛ لذلك اجعل هذه نصب عينيك ً‬
‫دائما أن هللا يريد‬ ‫محمودا من تلك الجهة‪ ،‬ال من جهة الحزن‪ ،‬كالحزين على‬ ‫ً‬ ‫وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه‪ُ ،‬ويحمد عليه‪ ،‬ويكون‬
‫دائما مسرو ً ا ً‬
‫بعيدا عن الحزن»‬ ‫منك أن تكون ً‬ ‫ً‬
‫عموما‪ ،‬فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير‪ ،‬وبغض الشر وتو ابع ذلك‪ ،‬ولكن‬ ‫مصيبة في دينه‪ ،‬وعلى مصائب اْلسلمين‬
‫ر‬
‫الحزن على ذلك إذا أفض ى إلى ترك مأمورمن الصبروالجهاد‪ ،‬وجلب منفعة‪ ،‬ودفع مضرة منهي عنه»‪.‬‬
‫وأرشد النبي صلى هللا عليه وسلم من أصابه حزن إلى هذا الدعاء‪ ،‬فروى اإلمام أحمد في مسنده من حديث عبد هللا قال‪ :‬قال‬
‫َ َ َ َ َ َ ً َ ُّ َ ٌّ َ َ َ َ َ َ َ َّ َّ ِّ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ‬
‫اص َي ِتي‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬ما أصاب أحدا قط هم وال حزن فقال‪ :‬الل ُهم ِإ ِني عبدك‪ ،‬و ابن عب ِدك‪ ،‬ابن أم ِتك‪ ،‬ن ِ‬
‫َ َْ َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ض ُاؤ َك‪َ ،‬أ ْس َأ ُل َك ب ُك ِّل ْ‬
‫َّ ُ ْ ُ َ َ ْ َّ َ َ‬
‫اس ٍم ُه َو ل َك‪َ ،‬س َّم ْيت ِب ِه نف َس َك‪ ،‬أ ْو َعل ْمت ُه أ َح ًدا ِم ْن خل ِق َك‪ ،‬أ ْو أن َزلت ُه ِفي‬ ‫ِ ِ‬ ‫اض ِفي حكمك‪ ،‬عدل ِفي ق‬ ‫َ َ َ‬
‫ِبي ِدك‪ ،‬م ٍ‬
‫اب َه ِّمي‪ ،‬إ َّال َأ ْذ َه َب َّ ُ‬
‫ص ْدري‪َ ،‬وج ََل َء ُح ْزني‪َ ،‬و َذ َه َ‬‫ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُْ ْ َ َ َ َْ َُ َ َ‬ ‫ْ ْ َْ‬ ‫َ َ َ ْ ََْ ْ َ‬
‫َّللا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِكت ِابك‪ ،‬أ ِو استأثرت ِب ِه ِفي ِعل ِم الغي ِب ِعندك‪ ،‬أن تجعل القرآن رِبيع قل ِبي‪ ،‬ونور ِ‬
‫َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ ُ َ َ َ ْ ْ‬
‫ال‪َ « :‬بل َى‪َ ،‬ين َب ِغي ِْل ْن َس ِم َع َها أن َيت َعل َم َها»[ «وهنا‬ ‫هللا‪ ،‬أال نتعلمها؟ ق‬ ‫َ ُ َ‬
‫ال‪ :‬فقيل‪ :‬يا َرسول ِ‬ ‫َه َّم ُه َو ُح ْزَن ُه‪َ ،‬و َأ ْب َد َل ُه َم َك َان ُه َف َر ًحا»‪َ ،‬ق َ‬

‫يسأل اْلؤمن ربه أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان‪ ،‬وكذلك القرآن ربيع القلوب‪ ،‬وأن يجعله شفاء همه‬
‫وغمه‪ ،‬فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء‪ ،‬ويعيد البدن إلى صحته واعتداله‪ ،‬وأن يجعله لحزنه كالجَلء الذي يجلو‬
‫شفاء ًّ‬
‫تاما‪ ،‬وصحة‬ ‫ً‬ ‫الطبوع واْلصدية وغيرها‪ ،‬فأحرى بهذا العَلج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه‪ ،‬ويعقبه‬
‫‪43‬وهللا اْلوفق»‬
‫وعافية‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫ًَ َْ‬ ‫َ َ ُ َ ً َ ْ ْ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫َ ِّ‬
‫يخ ِه ْم؛ وتق ِب ِيح شأ ِن ِه ْم‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫يف؛ َذ َك َر أث ََر ُه؛ وهو الحكم ِب ِه؛ فقال مك ِِّررا ِلوص ِف ِهم؛ ِزيادة في تو ِب ِ‬ ‫*وْل َّا َُذ َك ََر َّ‬
‫الت ْح ِر َ‬ ‫‪42‬‬
‫لس ْح ِت)‬
‫*(أكالون ل ُّ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ ُ َ‬
‫غذاءان‬
‫ِ‬ ‫عام‪ ،‬وهما‬ ‫وبطُونِهم من الط ِ‬ ‫كرما يدخل في أفواهِهم ُ‬ ‫الكالم؛ أتبع ذلك ِبذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫*َْلا ذكرسبحانه ما َيد ُخ ُل ِف آذانِهم وقلوِبهم م َ‬
‫ِن‬
‫بيثان‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫خ ِ‬
‫هام ل َّلت ْعجيب‪َ ،‬‬ ‫ض َع ْن ُه ْم﴾ [اْلائدة‪ . ]٤٢ :‬واال ْست ْف ُ‬ ‫فاحكم َب ْي َنهم ْأو ْ‬ ‫جاء َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ ْ‬
‫الع َج ِب‬
‫وم َح ُّل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعر ْ‬
‫ِ‬
‫وك ْ‬ ‫إن ُ‬ ‫الج ْملة َعطف َعلى ُج ْمل ِة ﴿ف‬ ‫* َه ِذ ِه‬ ‫‪43‬‬
‫ْ‬ ‫ُ َ َّ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫العجيب َّأنهم َي ْت ُر ُكو َن ك َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ُ َّ َ َ َ َّ ْ َ‬ ‫َ ُْ ُ َْ‬
‫تابهم ُوي َح ِك ُمون َك وهم غ ْي ُر ُمؤ ِم ِنين ِب َك ث َّم َيت َول ْون َب ْع َد ُحك ِم َك‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ‬
‫مضَمون قو ِل ِه‪﴿ :‬ثم يتولون ِمن بع ِد ذ ِلك﴾‪ ،‬أي ِمن ِ ِ‬
‫إذا ل ْم ُي ْر ِض ِه ْم‪-.‬ابن عاشور‬
‫الت ْو َ ُاة ف َيه ُ ْ ُ َّ ُ َّ َ َت َو َّل ْو َن من َب ْعد َذ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ف ُي َح ِّك ُم َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫ََْ َ‬
‫*ثم قال متعجبا لهم ﴿وكي‬
‫ِ ِلك وما أول ِئك ِباْلؤ ِم ِنين﴾ فإنهم ‪-‬لو كانوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ونك و ِعندهم ر ِ ا حكم ِ‬
‫َّللا ثم ي‬
‫مؤمنين عاملين بما يقتضيه اإليمان ويوجبه‪ -‬لم يصدفوا عن حكم هللا الذي في التوراة التي بين أيديهم‪ ،‬لعلهم أن يجدوا عندك ما يو افق‬
‫أهواءهم‪ .‬وحين حكمت بينهم بحكم هللا اْلو افق ْلا عندهم أيضا‪ ،‬لم يرضوا بذلك بل أعرضوا عنه‪ ،‬فلم يرتضوه أيضا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َ ََ‬ ‫ناء َع َل ْيها َ‬‫ف َث ً‬ ‫ُ ْ َ َّ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ ِّ َ َ َّ ْ َ‬
‫َّللا‪– .‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫ِ‬
‫وحي م َن َّ‬
‫ِ‬
‫الن ُزول ل َي ُد َّل َعلى َّأنها ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صفها ِب‬ ‫الحاك ِم َين ِبها‪ .‬وو‬ ‫ِ‬ ‫وعلى‬ ‫َّللا استأن‬ ‫ِ‬ ‫أن ِفيها حكم‬ ‫راة ب َّ‬ ‫ْلا وصف التو‬ ‫‪44‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َّ ِ َ َ ْ َ ْ ن َ َّ‬
‫مباالة؛ خاطب‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫وراة من ِ‬ ‫أحكام الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫بإمضاء‬
‫ِ‬ ‫انيين واْلحبار كانوا قائمين‬ ‫*فَل تخشوا الناس واخشو ِ ‪ْ .‬لا قررفيما سبق أن النبيين والرب‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َّ َ ِ َ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫غيير‪ .‬املحرر‪-‬‬ ‫حريف والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫النبي صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪ ،‬ومنعهم ِمن الت‬ ‫اليهود الذين كانوا في عصر ِ‬

‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ ُ َ‬
‫َّللا فأول ِئ َك ُه ُم الكا ِف ُرون‪.‬‬ ‫ومن لم يحكم ِبما أنزل‬
‫ديد ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً ً ْ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫بالوعيد الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫شية الناس‪ ،‬وأن يشتروا بآيا ِته ثمنا قليَل؛ أتبعه‬ ‫ْلا منعهم ِمن خ ِ‬
‫زول‪:‬‬
‫الن ِ‬ ‫سب ُب ُّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عن َ‬
‫بيهودي محمما مجلودا‪ ،‬فدعاهم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫وسل‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫ى‬ ‫صل‬ ‫النبي‬ ‫على‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫عنه‪،‬‬ ‫هللا‬ ‫ي‬ ‫رض‬ ‫ٍ ِ‬ ‫عازب‬ ‫بن‬ ‫راء‬
‫ِ‬ ‫الب‬
‫الز اني في‬ ‫حد َّ‬ ‫التوراة على موس ى‪ ،‬أهكذا َتجدون َّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫نش ُدك باهلل الذي أنز َ‬ ‫َ ُ‬
‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫هم‪،‬‬ ‫لمائ‬ ‫رجَل ِمن ُ‬
‫ع‬
‫ً‬
‫عا‬ ‫نعم‪َ ،‬‬
‫فد‬ ‫حد الزاني في كتابكم؟ قالوا‪َ :‬‬ ‫َتجدون َّ‬
‫ِ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َّ ِ َ ْ َ‬
‫كتابكم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولوال أنك نشدت ِني بهذا لم أخ ِبرك؛ نجده الرجم‪ ،‬ولكنه كثرفي أشر ا ِفنا‪ ،‬فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه‪ ،‬وإذا أخذنا الضعيف أقمنا‬ ‫ِ‬
‫صلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫والجل َ‬ ‫َ ْ َّ‬ ‫الشريف َ‬ ‫َّ‬ ‫فلنجتمع على ش ٍيء ُن ُ‬ ‫َ َ‬ ‫عليه َّ‬
‫هللا عليه‬ ‫هللا‬
‫ِ‬ ‫الرجم‪ ،‬فقال رسو ُل‬ ‫ِ‬ ‫مكان‬ ‫د‬ ‫الت َ‬
‫حميم‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫فجع‬ ‫‪،‬‬ ‫ضيع‬ ‫والو‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫ه‬ ‫قيم‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫عال ْ‬ ‫ت‬ ‫‪:‬‬ ‫قلنا‬ ‫!‬ ‫الحد‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ ُ َ‬
‫قوله‪ِ :‬إن أ ِوتيت ْم َهذا‬ ‫إلى‬ ‫ر‬
‫َّ َ َ ُّ َ َّ ُ ُل َ َ ْ ُ ْ َ َّ َ ُ َ ُ َن ْ ُ ْ‬
‫ف‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ين‬‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫الر‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫هللا ِ َّ‬ ‫فرج َم‪ ،‬فأنزل ُ‬ ‫أماتوه‪َ ،‬‬
‫فأمر ِبه ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫إذ‬ ‫رك‬ ‫أم‬ ‫أحيا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫اللهم ِّإني أو ُل َ‬
‫وسل َم‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فاحذروا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى‪َ :‬و َم ْن ل ْم َي ْحك ْم ِب َما‬ ‫بالرجم ْ‬ ‫وإن َأفتاكم َّ‬ ‫ْ‬
‫والج ِلد فخذوه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بالتحميم َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫هللا عليه وسل َم‪ ،‬فإن َأم َركم‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ ً َّ‬
‫ف ُخذ ُوه‪ ،‬يقول‪ :‬ائتوا محمدا‬
‫َ ُ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ ُ َّ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ ُ ْ َ ُ َ‬
‫فاركلها )) ‪.‬‬ ‫ون ُ‪َ ،‬و ُم َن ل َم ي ُحكم ِْب َما أنزل َهللا فأول ِئك هم الظ ِاْلون‪ ،‬ومن لم يحكم ِبما أنزل هللا فأول ِئك هم الف ِاسقون في الك ِ‬ ‫افر‬ ‫أنزل هللا فأول ِئك هم َالك ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َو َم ْن ل ْم َي ْحك ْم ِب َما أن َزل َّللا فأ َول ِئك هم الكا ِفرون‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫هؤالء ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫وكتموا َّ‬ ‫َ‬ ‫فبدلوا ُح َ‬ ‫هللا تعالى في كتابه من اليهود وغيرهم‪َّ ،‬‬ ‫حكموا بما أنز َل ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫أي‪َّ :‬‬
‫هم‬ ‫ِ‬ ‫وحكموا بالباطل؛‬ ‫الحق الذي أنزله في كت ِابه‪،‬‬ ‫كمه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫إن الذين لم ي‬
‫َ‬
‫الكافرون ‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫*هذه األحكام من جملة األحكام التي ِف التوراة‪ ،‬يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا‬ ‫‪45‬‬
‫والربانيون واألحبار‪ .‬إن هللا أوجب عليهم فيها أن النفس ‪-‬إذا قتلت‪ -‬تقتل بالنفس بشرط العمد واْلكافأة‪،‬‬
‫والعين تقلع بالعين‪ ،‬واْلذن تؤخذ باْلذن‪ ،‬والسن ينزع بالسن‪ .‬ومثل هذه ما أشبهها من اْلطراف التي يمكن‬
‫االقتصاص منها بدون حيف‪– .‬السعدي‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ِّ َ‬
‫كمه ُسبحاَنه في قوله‪َ :‬وك ْيف ُي َح ِك ُمون َك َو ِعن َد ُه ُم الت ْوراة ِفيها ُحك ُم‬ ‫عز َّ‬ ‫هللا َّ‬ ‫وصف ُ‬ ‫* َْلَّا َ‬
‫بأن فيها ُح َ‬ ‫وجل التورا َة َّ‬
‫تأكيدا ِّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫اليهود في‬
‫ِ‬ ‫لذم‬
‫ِ‬ ‫صرح بذلك هنا‪ ،‬فأثنى عليها وعلى الحاكمين بها‪،‬‬ ‫التورا ِة؛ َّ‬ ‫ح َّ‬ ‫مد َ‬‫وتضمن ذلك ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َّ َ ْ‬
‫حالهم‪- .‬املحرر‪-‬‬ ‫وتحذيرا من ِمثل ِ‬ ‫وفرع‪،‬‬
‫أصل ٍ‬ ‫اإلعراض عما دعت إليه ِمن ٍ‬ ‫ِ‬
‫أح َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الحكم َعلى ما تق َّد َم أنهم غ َّي ُروا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ناس َبة َعطف َهذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫وم َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫* ُعط َف ْت ُج ْملة ”كتبنا“ َعلى ُج ْملة ”أن َزلنا الت ْوراة“ ‪ُ .‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الق ْتلى َ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ ْ َ َ ِّ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والج ْرحى‪.‬‬ ‫الزنى‪ ،‬ففاضلوا بين‬ ‫صاص كما غيروا أحكام ح ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّللا ُمطاب ًقا ِل َق ْو ِل ِه في َّأول ِسياق ا ُمل َ‬ ‫الح ْكم بما ْأن َز َل َّ ُ‬‫تام َهذه اآليات في َت ْرهيب اْلُ ْعرض َعن ُ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َّ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ِّ ُ َ ُ َ‬
‫حارَب ِة‪﴿ :‬ث َّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫كان خ ُ‬
‫ِ‬ ‫*وْلا‬ ‫َّللا ف َأ ْولـ ِئ َك ُه ُم ُالكا ِف ُرون)‬ ‫* (ومن لم يحكم بما أنزل‬
‫َ َ ِ َّ ْ َ ْ ُ َ َ َ ِّ ُ َ ْ َ َ ُ ُ ْ ِّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َْ‬
‫ض ْل ْس ِرفون﴾ [اْلائدة‪]٣٢ :‬؛ َر َج َع إلى القت ِل؛ ُم َب ِِّينا َّأنهم َب َّدلوا في القت ِل؛ كما َب َّدلوا‬
‫ْ َُ ُ َ‬ ‫َ َْ َ َ‬
‫إن ك ِثيرا ِمنهم بعد ذ ِلك في اْلر ِ‬
‫َّ َ ً‬ ‫* ث ـ ِّـم يقول‪( :‬ومن لم يحكم ِبما َأنزل َّللا ف ُأولـ ِئك هم الظاْلون)‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ ْ َ ْ ُ َ َ َ ِّ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ُ ََ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ َ َ َّ ُ‬ ‫َّللا فأ ْولـ ِئ َك ُه ُم الفاسقون)‬ ‫* ث ـ َّـم يقول‪( :‬ومن لم يحكم ِبما أنزل‬
‫ضلوا َب ِني الن ِض ِير َعلى َب ِني ق َرْيظة‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫الزنا؛ فف‬ ‫في ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َف َوصف هللا ِّ َ‬
‫الذين يحكمون ِّبغيرما أنزل بثَلث ُصفات (الكفر والظلم ِ‬
‫والفسق)‬ ‫ِ‬ ‫َ ََ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫أقلها‪ .‬فاآلية اْلولى يذكر هللا فيها (العلماء‪ ،‬واْلحبار‪،‬‬ ‫َّ‬
‫بأعظمهاِّ ثم تدرج إلى ِ‬
‫ِ‬ ‫ف َبدأ‬
‫َّ‬
‫الذين ُهم أولى الناس بأن َيستمسكوا بهذا الكتاب‪ ,‬فإذا وقع َّأنهم‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫والربانيين)‬
‫َّ ً‬ ‫َ‬ ‫تركوه وحكموا بغيره فهم أولى بوصف الكفر ِّ‬
‫هريا‬ ‫ْلنهم قد نبذوه وراءهم ِظ‬

‫‪45‬‬
‫ويها باس ِمه‪،‬‬ ‫نبيها على َّأنه من ُجمل ِة األنبياء‪ ،‬وتن ً‬ ‫قفاهم بعِيسى؛ تَ ً‬ ‫بيون‪ ،‬ذ َكر َّأنه َّ‬ ‫الن ُّ‬ ‫أن التورا َة َيح ُكم بها َّ‬ ‫‪* 46‬ملََّا ذ َكر تعاىل َّ‬
‫مصدقي التورا ِة –املحرر‪-‬‬ ‫وأنه من جملة ِّ‬ ‫يدعيهُّ اليهو ُد فيه‪َّ ،‬‬ ‫وتنزيها له عما‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ ُ َ ُّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ ً َ ْ َ َّ َّ ُ ُ‬
‫َّللا؛‬
‫َلم ِ‬ ‫يف ك ِ‬ ‫وب ِمن تح ِر ِ‬ ‫البُنَّ َّو ِة؛ ِبما ارتكبوه ِمن الذن ِ‬ ‫ِن ُ‬ ‫رار‪ -‬ناقِضةً أيضا ملِا ادعوا م‬
‫ََّ ْ ْ ً ُ ْ َّ َ َْ ْ ُ َ ْ‬ ‫اْلس ِ‬ ‫*وْلا كانت ه ِذ ِه اآليات كلها ‪ -‬مع ما ِفيها ِمن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الم ‪....‬‬ ‫َّللا؛ أ ْتَب َعها ما أتى ِب ِه عِيسى ‪َ -‬علَ ْي ِه‬ ‫راة؛ والحك ِم ِبغي ِرحك ِم‬ ‫كام التو‬ ‫ْ‬
‫راض عن أح‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الس ْحت؛ ْ‬
‫واإلع‬ ‫وأكل ُّ‬ ‫ماع الك ِذ ِب؛‬ ‫وس‬ ‫َ‬
‫الس ُ ُُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وب ٍة‬ ‫الت َع ُّرض إلى َن ْقض َد ْعواهم لها بذ ْكرذ ْنب؛ ْأو ذ ْكرعق َ‬ ‫َ َّ‬
‫ور ِة؛ ال تخلو َآية ِمنها ِمن‬
‫َ ْ‬ ‫الس َ‬ ‫﴿وق َّف ْينا﴾؛‪ُ ....‬ك ُّل ما َب ْع َدها من آياته ْم؛ إلى آخر ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ََْ ْ ْ َ ْ‬
‫تاب ِهم؛ أو ن ِب ِي ِهم‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يب لهم ِمن ِك ِ‬ ‫علي ِه؛ أو ِذك ِرتك ِذ ٍ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ً ُ‬ ‫َ ِّ ْ َ ْ َّ َ‬ ‫ْ‬
‫يل ِبما‬ ‫النصارى ِلقو ِل ِه‪﴿ :‬وليحكم أهل اإلن ِج ِ‬ ‫وال َّ‬ ‫أح ِ‬ ‫ِقاال إىل ْ‬ ‫‪َ * 47‬عطف َعلى ُج ْمل ِة ﴿إنا أنزلنا الت ْوراة ِفيها ُ ُهدى ونور﴾ [اْلائدة‪ ]٤٤ :‬ا ْنت ً‬
‫ُ َ‬ ‫ْ َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْأن َز َل َّ ُ‬
‫كام َّالتِي‬ ‫األح ُِ‬ ‫الي ُهو ِد َع ِن َ ْْ‬ ‫َ‬ ‫راض‬ ‫يان َن ْوعٍ آ َخ َر مِن أ ْنواعِ إ ْع ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفاسقون﴾ ولَِب‬ ‫ِ‬ ‫َّللا فأول ِئ َك ُه ُم‬ ‫ومن ل ْم َي ْحكم ِبما أنزل‬ ‫َّللا ِف ِيه‬
‫وه و َت َر َّد ُدوا فيه َب ْعد أن َح َّرف ُ‬ ‫أح ُد ُهما ما َح َّر ُف ُ‬ ‫أن َذ َك َرنوعني راجعني إىل تحري ِفهم أحكام التورا ِة‪َ :‬‬ ‫ََ َْ ْ‬
‫وه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اهلل َعلَ ْي ِه ْم‪ ،‬فبعد‬ ‫ََك َتََب ُّها َّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫َ َّ ُ ُ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫آخ ِراْلم ِروالتجئوا إلى تح ِك ِيم الرسو ِل؛ وثانِي ِهما ما حرفوه وأعرضوا عن حك ِم ِه ولم يتحرجوا ِمنه وهو إبطال أحك ِام‬ ‫فشكوا في ِ‬
‫صاص‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الق‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِّ َّ َ َ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ُ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َّللا ِبالك ِلي ِة‪ ،‬وذ ِلك ِبتك ِذ ِيب ِهم ِْلا جاء ِب ِه ِعيس ى علي ِه السَلم‪-.‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫ِث وهو إعراضهم عن حك ِم ِ‬ ‫ع ثال ٌ‬ ‫وهذا َن ْو ٌ‬
‫َ ِّ َ َ َ ُ ْ َ ُ‬
‫الشا ِه ِد‬ ‫قان؛ ّ‬ ‫ِن ال ُف ْر ِ‬ ‫الن ِب ِّي األُ ِّم ِّي م َ‬ ‫مام ُهما؛ وهو ما أُْن ِز َل إىل َهذا َّ‬ ‫ِتام ُهما؛ وتَ َ‬ ‫ني؛ َذ َك َر خ َ‬ ‫ِتابْ ِ‬ ‫‪* 48‬القرآن مهيمن‪:‬وْلا ذكر‪ -‬سبحانه ‪ -‬الك َ‬
‫ب َّالتِي َقْبلَ ُه‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫َ َعلى َ َج ِميعِ ال ُك ُت ِ‬
‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫*ْلَّا ذ َكر ُ‬
‫باع‪ ،‬وذكر‬ ‫ِ‬ ‫االت‬
‫ِ‬ ‫سائغة‬ ‫كانت‬ ‫حيث‬ ‫ها؛‬ ‫باع‬
‫ِ‬ ‫بات‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫وأم‬ ‫عليها‪،‬‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫أث‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ح‬ ‫ومد‬ ‫‪،‬‬ ‫َلم‬ ‫الس‬ ‫عليه‬ ‫ى‬ ‫موس‬ ‫على‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫أنز‬ ‫التي‬ ‫التوراة‬ ‫تعالى‬ ‫هللا‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫وأمر ْأه َله َ‬ ‫ومد َحه‪َ ،‬‬ ‫اإلنجيل َ‬
‫القرآن العظيم‪ ،‬ومكا ِنه من الكتب التي قبله‪ ،‬وهو الذي أنزله‬ ‫ِ‬ ‫كر‬ ‫ِ‬ ‫بإقام ِته و ِاتباع ما فيه؛ ش َرع تعالى في ِذ‬ ‫َ‬
‫َّ ْ َ‬ ‫بو َته َ‬ ‫رون ُن َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫قر ًرا َّ‬ ‫وسل َم‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫ورسوله الكريم َّ‬
‫وأن ِحكمته‬ ‫وكتابه‪،‬‬ ‫نك‬ ‫وكتابه؛ ْلن اليهود والنصارى ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫لنبوته‬ ‫ِ‬ ‫هللا عليه‬ ‫محمد‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عبده‬ ‫على ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اْلقصد والنتيجة‪ .‬املحرر‪-‬‬ ‫قدمات ووسيلة‪ ،‬وهذا هو‬ ‫ومناهج الهداية؛ فتلك م ِ‬ ‫رائع‬
‫تعالى اقتضت تعدد الش َّ ِ‬
‫َ َ ْ َ ُ ْ ََْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ْ َُْ َ ُ ْ َ َ ُِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ات ِإلى‬ ‫تهديد في قوله‪ :‬ول ِكن ِليبلوكم ِفي ما آتاكم سبب عنه قوله‪ :‬فاست ِبقوا الخير ِ‬ ‫ٍ‬ ‫االختبارأعظم‬ ‫ِ‬ ‫ات‪ْ : .‬لا كان في‬ ‫َاس َت ِب ُقوا ا ْل َخ ْ َْي ِ‬ ‫*ف‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ ُ َّ‬
‫بق للخ ِير‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫َّللا؛ ليحث على الس ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ِِّر ًحا‬ ‫ُ‬
‫اْلم َربه ‪ُ -‬س ْبحانه ‪-‬؛ ُم َ‬ ‫َ‬ ‫أعاد ْ‬ ‫ورة؛ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الحكم فيما َمض ى لك ْونه ُم َس َّب ًبا َع ِّما ق ْبله من إنزال الكت َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اْلم ُرب ُ‬ ‫‪* 49‬و َْلا كان ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِِ‬ ‫وال اْلذك ِ‬ ‫اب على اْلح ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫أم َر ْ ِبهِ؛ وأُ ْخرى ِألَّن ُه َعلى وف ِ‬
‫ْق‬ ‫َ‬ ‫اهلل‬
‫َّ‬ ‫ني؛ َم َّر ًة ِأل َّن‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬‫األم ِر ِب ِه َم َّرتَ‬ ‫ْ‬ ‫التأْكِي ِد ِب‬ ‫َّ‬ ‫غايةَ‬ ‫َ‬ ‫األم ُر ِب ِه ُم ْ َؤ َّك ًدا‬ ‫ْ‬ ‫ون‬
‫َ‬ ‫ِبذ ِل َك ِلذا ِت ِه؛ ال ِلش ْ ْي ٍء آخ َر؛ ل َِي ُك‬
‫ُ ْ ُ َ ُ َ ُّ‬ ‫يدا َل ُه؛ َوت ْنو ًيها ب َعظيم َشأنه؛ ُ َ ِّ َ ْ‬ ‫قال َتأك ً‬ ‫َ‬
‫لصَ ِِّد َعن ُه‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫الش َبه ل َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫داء ِفيما يلقونه ِمن‬ ‫ومح ِذ ًرا ِمن اْلع ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ال ِح ْك َمة ِۖ؛ ف َ ِ‬
‫الهوى؛ َّالذي هو د ُ‬ ‫الشيطان؛ َّال ِذي هو َع ْي ُن َ‬ ‫كان م َن اْلَ ْع ُلوم َّ‬ ‫‪َ ِّ َ 50‬‬
‫ين ْأه ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫لى‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫؛‬ ‫د‬
‫َّ‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫وال‬ ‫؛‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫َّ َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫اهلل‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ح‬ ‫َ َُ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ََ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وْلا‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َّ‬
‫الجاه ِلي ِة﴾‬‫ِ‬ ‫كار َعلَ ْي ِه ْم؛ ِبقو ِل ِه‪﴿ :‬أفحكم‬ ‫راض ِه ُم اإل ْن َ‬ ‫ضابط؛ َسَّب َب َع ْن إ ْع ِ‬ ‫هاد؛ وال شرع ِ‬ ‫الجه ِل؛ ال ِذين ال ِكتاب لهم ٍ‬
‫«ينكر‪ -‬تعالى‪ -‬على من خرج عن حكم هللا‪ -‬اْلشتمل على كل خيرالناهي عن كل شر‪ -‬وعدل عنه إلى ما سواه من اآلراء واْلهواء واإلصَلحات التي وضعها الرجال بَل مستند من شريعة هللا‪ ،‬كما كان أهل‬
‫الجاهلية يحكمون به من الضَلالت والجهاالت‪.‬‬
‫مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم‪ ،‬وكما يحكم به التتار من السياسات اْللكية اْلأخوذة عن ملكهم «جنكزخان» الذي وضع لهم «الباسق» وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى‪.‬‬
‫فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم هللا ورسوله‪ ،‬فَل يحكم سواه في قليل وال كثير‪.‬‬ ‫‪46‬‬
‫الوالء والرباء بعد الحاكمية الرتباطهما‬
‫فالوالء هلل يستوجب تحكيم شرعه والوالء لليهود والنصارى فيه‬
‫رضى بتحكيمهم وشرعهم بسبب الخوف على املصالح العاجلة‬

‫‪47‬‬
‫صلى ُ‬
‫هللا‬
‫َّ‬
‫اْلمورللرسو ِل‬ ‫اْلسلمين‪ ،‬وتقل َ‬
‫يب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تضليل‬ ‫ومحاولتهم‬
‫ِ‬ ‫هللا عن اضطرابِ اليهود ِف دِينهم‪،‬‬ ‫أخبر ُ‬‫َْلَّا َ‬ ‫‪51‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وعداوتهم ْلهل هذا ِّ‬ ‫َّ‬ ‫املقطع الثالث (عقد الوالء و الرباء )‬
‫بول‬ ‫السابقة‪ -‬ت‬ ‫اآليات‬ ‫الدين في‬ ‫وسل َم‪َ ،‬وب َّين ع َ‬
‫نادهم‬ ‫عليه‬
‫ني ل َق ِ‬ ‫فوس املؤمن َ‬
‫هيأت ُن ُ‬‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫املفاصلة بني املؤمنني وأهل الكتاب (‪) 56- 51‬‬
‫َ‬
‫بأهل لوالية‬ ‫ِّ‬
‫والص ِلة‪ ،‬وليس أولئك ٍ‬ ‫والوئام َ ِ‬
‫فاق ِ‬ ‫الو َ ِ‬
‫أهل الكتابِ؛ ِّْلن الوالية تنبني على ِ‬
‫النهي عن مواال ِة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫طاب‪ ،‬فنهى َمن‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫بالخ ِ‬‫الدينية‪ ،‬وإلضما ِرهم الكيد للمسلمين‪ ،‬فأقبل عليهم ِ‬ ‫اْلخَلق ِ‬
‫ِ‬ ‫عد ما بين‬
‫اْلسلمين؛ لب ِ‬
‫باإليمان عن مواالتِهم‪– .‬املحرر‪-‬‬
‫ِ‬ ‫اتَّسم‬
‫*وقد نادى‪ -‬سبحانه‪ -‬اْلؤمنين بصفة اإليمان‪ ،‬لحملهم من أول اْلمرعلى االنزجارعما نهوا عنه‪ ،‬إذ أن وصفهم بما هو‬
‫الفريقين‪ -‬اليهود والنصارى‪ -‬من أقوى الزواجرعن مواالتهما‪– .‬الوسيط‪-‬‬ ‫صفات ُ ْ َ‬ ‫ضد‬
‫ض جملة مستأنفة بمثابة التعليل للنهى‪ ،‬والتأكيد لوجوب اجتناب اْلنهي عنه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقوله‪ :‬بعضهم أو ِلياء بع ٍ‬
‫أى ال تتخذوا أيها اْلؤمنون اليهود والنصارى أولياء‪ْ ،‬لن بعض اليهود أولياء لبعض منهم‪ ،‬وبعض النصارى أولياء لبعض‬
‫منهم‪ ،‬والكل يضمرون لكم البغضاء والشر‪ ،‬وهم وإن اختلفوا فيما بينهم‪ ،‬لكنهم متفقون على كراهية اإلسَلم واْلسلمين‪.‬‬
‫ْ ُ َ َّ‬ ‫َ َّ‬
‫وقوله َو َم ْن َيت َول ُه ْم ِمنك ْم ف ِإن ُه ِم ْن ُه ْم تنفيرمن مواالة اليهود والنصارى بعد النهى عن ذلك‪.‬‬
‫والوالية لليهود والنصارى إن كانت على سبيل الرضا بدينهم‪ ،‬والطعن في دين اإلسَلم‪ ،‬كانت كفرا وخروجا عن دين‬
‫اإلسَلم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ ُ ْ ْ ُ ْ َ‬
‫وإلى هذا اْلعنى أشارابن جريربقوله‪ :‬قوله‪ :‬ومن يتولهم ِمنكم ف ِإنه ِمنهم أى‪ :‬ومن يتول اليهود والنصارى دون اْلؤمنين‬
‫فإنه منهم‪ ،‬فإنه ال يتولى متول أحدا إال وهو به وبدينه راض‪ .‬وإذا رض ى دينه‪ ،‬فقد عادى من خالفه وسخطه‪ .‬وصار حكمه‬ ‫عالقة املقطع بالسابق‬ ‫‪50-41‬‬
‫حكمه» ‪.‬‬ ‫نرى اآليات الكريمة قد كشفت «باستفاضة» عن اْلسالك الخبيثة التي سلكها اليهود وأشباههم لكيد‬
‫وإذا كانت الوالية لهم ليست على سبيل الرضا بدينهم و إنما هي على سبيل اْلصافاة واْلصادقة كانت معصية تختلف‬ ‫اإلسَلم واْلسلمين‪.‬‬
‫درجتها بحسب قوة اْلواالة وبحسب اختَلف أحوال اْلسلمين وتأثرهم بهذه اْلواالة‪– .‬الوسيط‪-‬‬ ‫فأنت تراها في مطلعها قد نادت الرسول صلى هللا عليه وسلم بهذا النداء وأمرته بعدم اْلباالة بما يصدر‬
‫عن أولئك الذين يسارعون في الكفرمن مكروخداع ووصفهم بجملة من الصفات القبيحة التي تجعل‬
‫ذكر املفسرون ِف سبب نزول هذه اآليات الكريمة روايات منها‪:‬‬ ‫كل عاقل ينفرمن االقتراب منهم‪ ،‬وخيرت الرسول صلى هللا عليه وسلم بين الحكم بينهم أو اإلعراض عنهم‬
‫ما رواه السدى من أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد و اقعة أحد‪ :‬أما أنا فإنى ذاهب إلى ذلك اليهودي فأواليه وأتهود‬ ‫إذا ما تحاكموا إليه‪.‬‬
‫معه لعله ينفعني إذا وقع أمرأو حدث حادث‪ .‬وقال اآلخر‪ :‬وأما أنا فإنى ذاهب إلى فَلن النصراني بالشام فأواليه و أتنصرمعه‪.‬‬ ‫ووبخت اليهود على إعراضهم عن اْلحكام العادلة التي أنزلها هللا‪ -‬تعالى‪ -‬ووصفت اْلعرضين عن حكمه‬
‫فأنزل هللا تعالى اآليات‪.‬‬ ‫سبحانه بالكفرتارة وبالظلم تارة وبالفسق تارة أخرى‪.‬‬
‫وقال عكرمة‪ :‬نزلت في أبى لبابة بن عبد اْلنذر‪ ،‬حين بعثه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إلى بنى قريظة فسألوه‪ :‬ماذا هو صانع‬ ‫وبعد أن مدحت التوراة واإلنجيل‪ ،‬وبينت بعض ما اشتمَل عليه من هدايات ‪ ...‬عقبت ذلك ببيان منزلة‬
‫بنا؟ فأشاربيده إلى حلقه‪ ،‬أى‪ :‬إنه الذبح‪.‬‬ ‫القرآن الكريم و أنه الكتاب الجامع في هدايته وفضله وتشريعاته لكل ما جاء في الكتب السابقة‪.‬‬
‫وقيل نزلت في عبد هللا بن أبى بن سلول فقد أخرج ابن جريرعن عطية بن سعد قال‪ :‬جاء عبادة بن الصامت من بنى الحارث بن‬ ‫ثم ختمت بتكرير اْلمرللنبي صلى هللا عليه وسلم بأن يلتزم في أحكامه بما أنزله هللا‪ ،‬وبتحذيره وتحذير‬
‫الخزرج إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال يا رسول هللا إن لي موالي من يهود كثيرعددهم‪ .‬و إنى أبرأ إلى هللا ورسوله من والية‬ ‫أتباعه من خداع أعدائهم ومكرهم‪ ،‬وتتوعد كل من يرغب عن حكم هللا إلى حكم غيره‪ ،‬بسوء العاقبة‪،‬‬
‫يهود و أتولى هللا ورسوله‪ .‬فقال عبد هللا بن أبى‪ :‬إنى رجل أخاف الدو ائر‪ ،‬ال أبرأ من والية موالي‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وشديد العذاب‪ .‬وبعد هذا الحديث اْلستفيض عن الكتب السماوية‪ :‬وعن وجوب الحكم بما أنزل هللا‪،‬‬
‫على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه قال‪ :‬قد قبلت‪ .‬فأنزل هللا‬ ‫يهود ُ ْ َ‬ ‫من والية‬
‫بخلت به َ‬ ‫لعبد هللا بن أبى‪ :‬يا أبا الحباب‪ ،‬ما‬ ‫وسلم‬ ‫وعن اْلسالك الخبيثة التي استعملها اليهود ومن على شاكلتهم لكيد الدعوة اإلسَلمية بعد كل ذلك وجه‪-‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ َ َّ‬
‫تعالى‪ :‬يا أيها ال ِذين آمنوا ال تت ِخذوا اليهود والنصارى أو ِلياء بعضهم أو ِلياء ‪ ...‬إلى قوله‪ِ :‬‬
‫ناد ِمين «‪»١‬‬ ‫نداء إلى اْلؤمنين حذرهم فيه من مواالة أعدائهم ‪- .‬التفسيرالوسيط‪-‬‬ ‫سبحانه‪48 -‬‬
‫‪52‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫املتعددة‪َ .‬‬
‫َّ‬
‫أصحاب النفوس ُالضعيفة والوجوه‬
‫َّ‬ ‫ْ َ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫* َ‬
‫واالت ِهم أ ِريد وصفها ِللن ِب ِيء ﷺ ِْلنها وقعت في حضرِت ِه‪-.‬ابن عاشور‪-‬‬
‫*حال ٍة ِمن م ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫حاول تبريرهذه العَلقة مع الكفارمع اليهود والنصارى بأنها مسألة‬ ‫*ثم ذكرهللا سبحانه وتعالى فئة من اْلسلمين تنتسب إلى اإلسَلم‪ ،‬ولكنها ت‬
‫َ ِّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ِى َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اليهود والنصار ‪ْ ،‬لنه ربما تميل الكفة لصالحهم فإذ بنا لدينا خط رجعة‪ -‬كما‬ ‫أننا نحن نفعل ذلك مع َ‬ ‫ِسياسية‪ ،‬وأنها مسألة ُدبلوماسية‪ ،‬و‬
‫ُُ‬ ‫َ َ َ ِّ‬
‫الذين في قل ِوبهم َم َرض) ‪– .‬عبد الرحمن الشهري‪-‬‬ ‫يقولون‪ -‬فيقول هللا سبحانه وتعالى هنا (فترى ِ‬
‫*وبعد هذا النهى الشديد عن مواالة أعداء اهلل‪ ،‬صور القرآن حالة من حاالت املنافقني بني فيها كيفية توليهم ألعداء اهلل‪ ،‬وأشعر‬
‫بسببه‪– .‬الوسيط‪-‬‬
‫املنافقني الخبيثة وتوبيخهم على ضعف إيمانهم‪ ،‬وهوان‬ ‫الصادقون على َ سبيل اإلنكار ملسالك‬ ‫*ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬ما قاله املؤمنون‬ ‫‪53‬‬
‫اَّلل َج ْه َد َأ ْيمانه ْم إ َّن ُه ْم َْلَ َع ُكم‪ْ.‬‬
‫ين أ ْق َس ُموا ب َّ‬ ‫َ َ ُ ُل َّ َ َ ُ َ ُ‬
‫هؤالء َّالذ َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫نفوسهم فقال‪ -‬تعالى‪ ُ :-‬ويقو َّ ال ِذين ُ آمنوا أ ِ ِ‬
‫ين َآمنوا كَلم مستأنف لبيان كمال سوء حال الطائفة اْلذكورة‪ - :‬وهي قراءة عاصم وحمزه والكسائي بإثبات‬ ‫قال اآللوس ى‪ :‬قوله‪َ :‬و َيقو ُل الذ َ‬
‫ِ‬
‫الواو مع الرفع‪.‬‬
‫وقرأ ابن كثيرونافع و ابن عامربغيرواو على أنه استئناف بيانى‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬فماذا يقول اْلؤمنون حينئذ؟‪.‬‬

‫‪-51‬أى‪ :‬إن هللا ال يهدى القوم الظاْلين ْلنفسهم إلى الطريق اْلستقيم‪ ،‬و إنما يخليهم وشأنهم فيقعون في الكفروالضَلل‪ ،‬والفسوق والعصيان‪ ،‬بسبب وضعهم الوالية في غيرموضعها الحق‪ ،‬وسيرهم في طريق أعداء هللا‪.‬‬
‫‪*-52‬والتعبْي بقوله‪ -‬سبحانه‪ -‬ترى‪ ..‬تصويرللحال الو اقعة منهم بأنها كاْلرئية اْلكشوفة التي ال تخفى على العقَلء البصراء‪.‬‬
‫وفي ذلك تسلية للرسول صلى هللا عليه وسلم وتحذيرله وْلصحابه من مكرأولئك الذين في قلوبهم مرض‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سار ُعون ِف ِيه ْم يشيرإلى أنهم ال يدخلون ابتداء في صفوف اْلعداء «و إنما هم منغمرون فيهم دائما» وال يخرجون عن دائرتهم بل ينتقلون في صفوفهم بسرعة ونشاط من دركة إلى دركة‪ ،‬ومن إثم إلى آثام‪.‬‬ ‫والتعبير بقوله‪ :‬ي ِ‬
‫*والتعبْي بقوله‪ِِ :‬ف ُقلُوِب ِه ْم َم َر ٌض تعبيرقوى رائع‪ ،‬وصف القرآن به اْلنافقين وأشباههم في الكفروالضَلل في مواطن كثيرة‪ْ ،‬لنه ْلا كانت قوة القلب تضرب مثَل للثبات والتماسك‪.‬كان ضعف القلب الذي عبرعنه باْلرض يضرب مثَل‬
‫للخور‪ ،‬والتردد والتزلزل‪ ،‬وانهيار النفس‪– .‬الوسيط‪-‬‬
‫ون فِي ِه ْم يشيرإلى َأنهم ال يدخلون ابتداء في صفوف اْلعداء «و إنما هم منغمرون فيهم دائما» وال يخرجون عن دائرتهم بل ينتقلون في صفوفهم بسرعة ونشاط من دركة إلى دركة‪ ،‬ومن إثم إلى آثام‪.‬‬ ‫والتعبْي بقوله‪ :‬يسارع َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ ِ ُ َ ُ ُ َن َ ْ‬
‫املؤمنني من حسن العاقبة‪.‬‬ ‫همتهم‪ ،‬وقلة ثقتهم بما وعد َاهلل به‬ ‫*وقوله‪ -‬تعالى‪ -‬حكاية عنهم‪ :‬يقولو نخش ى أن ت ِصيبنا دا ِئرة بيان ملا اعتذروا به من معاذير كاذبة تدل على سقوط‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ْ ْ َ‬
‫ناد ِمين‪.‬‬
‫ولذا فقد رد اهلل عليهم بما يكبتهم‪ ،‬وبما يزيد املؤمنني إيمانا على إيمانهم فقال تعالى‪ :‬فعس ى َّللا أن يأ ِتي ِبالفت ِح أو أم ٍر ِمن ِعن ِد ِه فيص ِبحوا على ما أسروا ِفي أنف ِس ِهم ِ‬
‫اْلأمول َ‪ ،‬وإذا صدر من هللا‪ -‬تعالى‪ -‬كان متحقق الوقوع ْلنه صادرمن أكرم اْلكرمين الذي ال يخلف وعده‪ ،‬وال يخيب من رجاه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وعس ى‪ :‬لفظ يدل على الرجاء والطمع في الحصول على‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماء‪ .‬ويطلق بمعنى الفصل بين الحق والباطل‪ .‬ومن ذلك قوله‪ -‬تعالى‪ :-‬ربنا افتح بيننا وبين قو ِمنا ِبالح ِق ويطلق بمعنى الظفر‬ ‫كات ِمن الس ِ‬ ‫الضيق َ كما في قوله‪ :‬ولو أن أه َل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا علي ِهم ب َر ٍ‬ ‫والفتح يطلق بمعنى التوسعة بعد‬
‫َّ َ َ ْ َ َ ْ ً ُ ً‬
‫والنصركما في قوله‪ -‬تعالى‪ِ -‬إنا فتحنا لك فتحا م ِبينا‪.‬‬
‫ولفظ الفتح هنا يشمل هذه األمور الثالثة فهو سعة بعد ضيق‪ ،‬وفصل بني حق وباطل‪ ،‬ونصر بعد جهاد طويل‪.‬‬
‫واْلعنى‪ :‬ال تهتموا أيها اْلؤمنون بمسارعة هؤالء الذين في قلوبهم مرض إلى صفوف أعدائكم وارتمائهم في أحضانهم خشية أن تصيبهم دائرة‪ ،‬فلعل هللا‪ -‬عزوجل‪ -‬بفضله وصدق وعده أن يأتى بالخيرالعميم والنصر اْلؤزرالذي يظهردينه‪.‬‬
‫ويجعل كلمته هي العليا‪ ..‬أو يأتى بأمرمن عنده ال أثرلكم فيه فيزلزل قلوب أعدائكم‪ ،‬وينصركم عليهم‪ ،‬ويجعل الهزيمة والندم للموالين ْلعدائكم‪ ،‬وبسبب شكهم في أن تكون العاقبة لإلسَلم واْلسلمين‪.‬‬
‫ولقد صدق اهلل وعده‪ ،‬ففضح املنافقني وأذلهم‪ ،‬وأنزل الهزيمة باليهود‪ ،‬وأورث املؤمنني أرضهم وديارهم وأموالهم‪.‬‬
‫ِي ِبا ْل َف ْتحِ بصيغة الرجاء‪ ،‬لتعليم اْلؤمنين عدم اليأس من رحمة هللا‪ ،‬ومن مجيء نصره‪ ،‬ولتعويدهم على أن يتوجهوا إليه‪ -‬سبحانه‪ -‬في مطالبهم بالرجاء الصادق‪ ،‬واْلمل الخالص‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫‪ 49‬التعبْي ِف قوله‪ -‬تعاىل‪ :-‬ف َ‬
‫َع َسى اهللَُّ أ ْن َيأت َ‬ ‫*وقد جاء‬
‫وقد اشتملت هذه اآليات الكريمة على ضروب من توكيد النهى عن مواالة أعداء اهلل‪ -‬تعاىل‪ -‬بأساليب متعددة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬قطع أطماع‬ ‫ومنها‪ :‬اإلخبار بأن‬


‫ومنها‪ :‬اإلخبار عن‬ ‫ومنها‪ :‬التصريح بأن‬
‫املوالني لهم وتبشْي‬ ‫مواالتهم من طبيعة‬ ‫ومنها‪ :‬تسجيل الظلم‬ ‫منها‪ :‬النهى الصريح‬
‫حال املوالني لهم‬ ‫من يواليهم فهو منهم‬ ‫ومنها‪ :‬بيان علة النهى‬
‫املؤمنني بالفوز قال‪-‬‬ ‫الذين ِف قلوبهم‬ ‫على من يواليهم كما‬ ‫كما ِف قوله‪ -‬تعاىل‪-‬‬
‫َت‬‫ح ِبط ْ‬‫بقوله‪َ :‬‬ ‫وذلك ِف قوله‪َ :‬و َم ْن‬ ‫ض ُه ْم‬
‫كما ِف قوله‪َ :‬ب ْع ُ‬
‫َع َسى اهللَُّ‬ ‫تعاىل‪ :-‬ف َ‬ ‫مرض قال‪ -‬تعاىل‪:-‬‬ ‫اهللَ ال‬
‫ِف قوله‪ :‬إِ َّن َّ‬ ‫‪ :‬ال تَ َّتخ ُ‬
‫ِذوا ا ْل َي ُهو َد‬
‫أَ ْعمالُ ُه ْم فَأَ ْصَب ُحوا‬ ‫َي َت َولَّ ُه ْم ِم ْن ُك ْم فَإَِّن ُه‬ ‫أَ ْول ُ‬
‫ِياء َب ْع ٍض‪.‬‬
‫ِي ِبا ْل َف ْتحِ أَ ْو أَ ْم ٍر‬ ‫َ ْ‬ ‫ني‪.‬‬
‫ظّاملِِ َ‬
‫َي ْهدِي ا ْل َق ْو َم ال َ‬ ‫َوالَّنصارى أَ ْول َ‬
‫ِياء‪.‬‬
‫ين‬
‫خاس ِر َ‬
‫ِ‬ ‫أ ْن َيأت َ‬ ‫ِين ِِف ُقلُوِب ِه ْم‬
‫َرتَى ا َلّذ َ‬
‫فَ‬
‫ِم ْن ُه ْم‪.‬‬
‫ِن ِع ْن ِد ِه‪.‬‬‫مْ‬ ‫ون فِي ِه ْم‪.‬‬ ‫سار ُع َ‬
‫َم َر ٌض ُي ِ‬

‫‪50‬‬
‫*وبعد أن حذر‪ -‬سبحانه‪ -‬املؤمنني من والية اليهود والنصارى‪ ،‬عقب ذلك بنداء آخروجهه إليهم‪ ،‬وبني لهم فيه أن مواالة أعداء‬ ‫‪54‬‬
‫اهلل قد تجر إىل االرتداد عن الدين‪ ،‬وأنهم إن ارتدوا فسوف يأتى هللا بقوم آخرين لن يكونوا مثلهم‪ ،‬وأن من الواجب عليهم أن‬
‫يجعلوا وال يتهم هلل ولرسوله وللمؤمنين ‪– .‬الوسيط‪-‬‬
‫َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫بقوله‪ :‬ف ِإنه ِمنهم‪ ،‬وقوله‪ :‬ح ِبطت‬ ‫الدين ِ‬ ‫والنصارى‪ ،‬وبين أن مواالتَهم مستدعيةٌ لالرتدا ِد عن ِ‬ ‫نهى تعاىل عن مواال ِة اليهو ِد َّ‬ ‫َ* ْملََّا ُ َ‬
‫اإلطالق ‪-.‬القاسمي‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫املرتدين على‬
‫ِّ‬ ‫حال‬
‫ِ‬ ‫بيان‬
‫ِ‬ ‫شرع ِف‬‫َ‬ ‫أع َمالهم ‪-‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫وأخبر َّ‬
‫أيضا لـما نهى اهلل تعاىل عن مواال ِة اليهو ِد والنصارى‪َ ،‬‬ ‫* ً‬
‫باإلشارة إلى ُأن اتخا َذ اليهو ِد َّ‬
‫والنصارى‬ ‫ِ‬ ‫أن فاعلها منهم‪ -‬عقب ذلك‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫االرتداد إلى الكفر‪– .‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫اإليمان بأن اإلسَلم غني عنهم‪ ،‬إن عزموا على‬ ‫ِ‬ ‫اْلترددين ضعفاء‬ ‫أولياء ذريعةٌ لالرتدادِ‪ ،‬و أنبأ ِ‬ ‫َ‬
‫*فإن هللا إذا أحبب عبدا حبب إليه اتباع أمره ونهيه‪.‬والحب هو الذي يجعلك تتولى هللا وال تتولى أعداءه‪.‬‬
‫*قال السعدي رحمه اهلل‪:‬يخبرتعالى أنه الغني عن العاْلين‪ ،‬و أنه من يرتد عن دينه فلن يضرهللا شيئا‪ ،‬و إنما يضرنفسه‪ .‬وأن هلل‬
‫عبادا مخلصين‪ ،‬ورجاال صادقين‪ ،‬قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم‪ ،‬ووعد باإلتيان بهم‪ ،‬وأنهم أكمل الخلق أوصافا‪ ،‬و أقواهم‬
‫َ‬
‫﴿ي ِح ُّب ُه ْم َو ُي ِح ُّبون ُه ْ﴾ فإن محبة هللا للعبد هي أجل نعمة أنعم بها عليه‪ ،‬و أفضل‬ ‫أجل صفاتهم أن هللا ُ‬ ‫نفوسا‪ ،‬وأحسنهم أخَلقا‪ُّ ،‬‬
‫فضيلة‪ ،‬تفضل هللا بها عليه‪ ،‬وإذا أحب هللا عبدا يسرله اْلسباب‪ ،‬وهون عليه كل عسير‪ ،‬ووفقه لفعل الخيرات وترك اْلنكرات‪،‬‬
‫و أقبل بقلوب عباده إليه باملحبة والوداد‪ .‬ومن لوازم محبة العبد لربه‪ ،‬أنه البد أن يتصف بمتابعة الرسول ﷺ ظاهرا وباطنا‪ ،‬في‬
‫َّللا ْ﴾ كما أن من الزم محبة هللا للعبد‪ ،‬أن‬ ‫َّللا َف َّاتب ُعوني ُي ْحب ْب ُك ُم َّ ُ‬
‫أقواله وأعماله وجميع أحواله‪ ،‬كما قال تعالى‪ ُّ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ُ :‬و َن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫﴿قل ِإن كنتم ت ِحب‬
‫َّ‬
‫النبي ﷺ في الحديث الصحيح عن هللا‪" :‬وما تقرب إلي عبدي بش يء أحب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫افل‪ ،‬كما قال ُ‬ ‫َّ‬
‫يكثرالعبد من التقرب إلى هللا بالفرائض والنو‬
‫َّ‬
‫إلي مما افترضت عليه‪ ،‬وال يزال [عبدي] يتقرب إلي بالنو افل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر‬
‫به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمش ي بها‪ ،‬ولئن سألني ْلعطينه‪ ،‬ولئن استعاذني ْلعيذنه"‪ .‬ومن لوازم محبة هللا معرفته تعالى‪،‬‬
‫أحب هللا أكثرمن ذكره‪ ،‬وإذا‬ ‫واإلكثار من ذكره‪ ،‬فإن املحبة بدون معرفة باهلل ناقصة جدا‪ ،‬بل غيرموجودة وإن وجدت دعواها‪ ،‬ومن‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ‬ ‫ِيم ‪.‬‬ ‫ع َعل ٌ‬ ‫اس ٌ‬
‫اهلل َو ِ‬ ‫اهلل ُيَ ْؤ َّتِي ِه َم ْن َي َش َُ‬
‫اء َو ِّ َّ‬ ‫َض ُل َِّ‬
‫ِك ف ْ‬‫َذل َ‬
‫أحب هللا عبدا قبل منه اليسيرمن العمل‪ ،‬وغفرله الكثيرمن الزلل‪ .‬ومن صفاتهم أنهم ﴿أ ِذل ٍة على اْلؤ ِم ِنين أ ِعز ٍة على الكا ِف ِرين ْ﴾ فهم‬
‫الجليلة‪ ،‬واْلنا ِق ِب‬ ‫فات‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْلَّا َ‬
‫مد َحهم هللا‬
‫ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫تعالى بما م َن به عليهم ِمن ِ‬
‫للمؤمنين أذلة من محبتهم لهم‪ ،‬ونصحهم لهم‪ ،‬ولينهم ورفقهم ور أفتهم‪ ،‬ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم‪ ،‬وقرب الش يء الذي يطلب منهم‬
‫فضله‬ ‫العال َية‪ ،‬اْلستلزمة ْلَا لم ُيذك ْرمن أفعال الخير‪َّ َ -‬‬
‫أخبرأن هذا ِمن ِ‬ ‫ِ َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫وعلى الكافرين باهلل‪ ،‬اْلعاندين آلياته‪ ،‬اْلكذبين َلرسله ‪ -‬أعزة‪ ،‬قد اجتمعت هممهم وعزائمهم على معاداتهم‪ ،‬وبذلوا جهدهم في كل‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫اس َت َط ْع ُت ْم من ُق َّوة َومن َب ْ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َّ َّ‬ ‫﴿وأع ُّدوا َل ُهم َما ْ‬ ‫بأنفسهم‪ِ ،‬وليشكروا الذي من عليهم‬ ‫ِ‬ ‫عليهم وإحسا ِنه؛ لئَل يعجبوا‬
‫َّللا َو َع ُد َّوك ْم ْ﴾ وقال‬
‫اط الخي ِل ت ْر ِهبون ِب ِه عدو ِ‬ ‫ٍ ِ ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫االنتصارعليهم‪ ،‬قال تعالى‪ِ :‬‬ ‫سبب يحصل به‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ ُ َ َ ْ ُ َّ‬ ‫فضله‪ ،‬وليعلم غيرهم أن فضل هللا تعالى ليس عليه‬ ‫بذلك؛ ليزيدهم من ِ‬
‫تعالى‪﴿ :‬أ ِشداء على الكف ِاررحماء بينهم ْ﴾ فالغلظة والشدة على أعداء هللا مما يقرب العبد إلى هللا‪ ،‬ويو افق العبد ربه في سخطه‬
‫حجاب‪– .‬السعدي‪-‬‬
‫عليهم‪ ،‬وال تمنع الغلظة عليهم والشدة دعوتهم إلى الدين اإلسَلمي بالتي هي أحسن‪ .‬فتجتمع الغلظة عليهم‪ ،‬واللين في دعوتهم‪ ،‬وكَل‬
‫*وقدم‪ -‬سبحانه‪ -‬محبته لهم على محبتهم له‪ ،‬لشرفها وسبقها‪ ،‬إذ‬
‫اْلمرين من مصلحتهم ونفعه عائد إليهم‪.‬‬
‫لوال محبته لهم ملا وصلوا إىل طاعته‪-.‬الوسيط‪-‬‬

‫‪51‬‬
‫الخسران املُبني‪ -‬أخرب‬‫ُ‬ ‫مآل تولِّيهم َّأنه‬
‫والنصارى وغْيِهم‪ ،‬وذ َكر َ‬ ‫ار من اليهو ِد َّ‬ ‫*ملََّا نهى اهلل تعاىل عن والي ِة َّ‬
‫الكف ِ‬ ‫‪55‬‬
‫ُ‬
‫ومصلح َته‪– .‬السعدي‪-‬‬‫َ‬ ‫ويتعني تولِّيه‪ ،‬و َذ َكر فائد َة ذلك‬
‫َّ‬ ‫يجب‬‫بمن ُ‬ ‫تعاىل َ‬
‫*وقدم‪ -‬سبحانه‪ -‬محبته لهم على محبتهم له‪ ،‬لشرفها وسبقها‪ ،‬إذ لوال محبته لهم ْلا وصلوا إلى طاعته‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ُ ْ ُ ِّ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُّ ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َّ‬ ‫ُ ْ َُ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫الي ِة ك ِ ِّل من‬‫بار؛ أنتج ذ ِلك حصر ِو‬
‫* َّوْلا نفى ‪َ -‬سبحانه ‪ِ -‬واليتهم؛ ِبمعنى املحب ِة؛ ِوبمعنى النصر ِة؛ ِوبمعنى القر ِب ِبك ِل اع ِت ٍ‬
‫َيد ِعي اإليمان ِف ِيه؛ وفي ْأو ِليا ِئ ِه‪– .‬البقاعي‪-‬‬
‫‪* 56‬وعد اهلل سبحانه من يتوىل اهلل ورسوله والذين آمنوا بأنهم الغالبون لعدوهم‪....‬‬
‫وقد وقع وهلل الحمد ما وعد هللا به أولياءه وأولياء رسله وأولياء عباده اْلؤمنين من الغلب لعدوهم فإنهم غلبوا اليهود‬
‫بالسبي والقتل واإلجَلء وضرب الجزية حتى صاروا لعنهم هللا أذل الطوائف الكفرية و أقلها شوكة‪ ،‬وما زالوا تحت‬
‫كلكل اْلؤمنين يطحنونهم كيف شاؤوا يمتهنونهم كما يريدون من بعد البعثة الشريفة املحمدية إلى هذه الغاية‪-.‬‬
‫القنوجي‪-‬‬

‫الدين بني املستهزئني والكارهني له‪) 63 - 57( :‬‬


‫بعد الحديث عن الردة يأتي اآلن الحديث عن االستهزاء بالدين وشعائره‪ .‬يمضي القرآن ِف الحديث عن اليهود‬
‫والنصارى فبعد أن نهي عن مواالتهم‪ ،‬واستهزاء الكفرة واملشركني بالدين وشعائره يبني ِف اآليات اآلتية أسباب‬
‫كراهيتهم للمسلمني‪ ،‬وعقاب اهلل لهم‪.‬‬

‫**قال ابن كثْي‪ :‬هذا تنفْي من مواالة أعداء اإلسالم من الكتابيني واملشركني الذين يتخذون أفضل ما يعمله‬ ‫‪57‬‬
‫العاملون وهي شرائع اإلسَلم اْلطهرة املحكمة اْلشتملة على كل خيردنيوى وأخروى‪ ،‬يتخذونها هزوا يستهزئون بها‪ ،‬ولعبا‬
‫يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد‪ ،‬وفكرهم البارد‪ ،‬كما قال القائل‪.‬‬
‫وكم من عائب قوال صحيحا ‪ ...‬و آفته من الفهم السقيم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫*هذا النهي عن مواالة اْلتخذين للدين هزوا ولعبا يعم كل من حصل منه ذلك من اْلشركين وأهل الكتاب وأهل البدع‬ ‫وبذلك ترى أن هذه اآليات الكريمة قد نهت املؤمنني نهيا شديدا عن‬
‫اْلنتمين إلى اإلسَلم‪-.‬القنوجي‪-‬‬ ‫مواالة أعداء اهلل‪ ،‬ألن مواالتهم قد تجر إىل االرتداد عن الدين الحق‪،‬‬
‫*ثم كرر‪ -‬سبحانه‪ -‬نهى اْلؤمنين عن مواالة أعدائه وأعدائهم الذين استخفوا بتعاليم اإلسَلم‪ ،‬وشعائر دينه‪-.‬الوسيط‪-‬‬ ‫ومن يرتد عن الدين الحق فلن يضر اهلل شيئا‪ ،‬ألنه سبحانه‪ -‬قادر‬
‫َ َّ ُ َّ َ ْ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫َّللا ِإن كنت ْم ُمؤ ِم ِنين‪.‬‬ ‫*و اتقوا‬ ‫على أن يأتى بقوم آخرين صادقني ِف إيمانهم بدل أولئك الذين ارتدوا‬
‫امر‪،‬‬ ‫اْلو‬ ‫امتثال‬ ‫على‬
‫ُ‬
‫الحاملة‬ ‫هي‬ ‫ها‬ ‫َّ‬
‫فإن‬ ‫بتقواه؛‬ ‫هم‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫أم‬ ‫‪،‬‬ ‫َ‬
‫أولياء‬ ‫ار‬
‫َّ‬
‫والكف‬ ‫الكتاب‬ ‫أهل‬ ‫خاذ‬
‫ِّ‬
‫ات‬ ‫عن‬ ‫اْلؤمنين‬ ‫تعالى‬ ‫هللا‬ ‫ى‬ ‫َْلَّا َ‬
‫نه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫على أعقابهم‪ .‬كما نراها قد أرشدت املؤمنني إىل من تجب مواالتهم‪،‬‬
‫ُ‬
‫الحامل على التقوى‪ ،‬وهو اإليمان‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫الوصف‬ ‫على‬ ‫ه‬ ‫الكفار‪ ،‬ثم َّ‬
‫نب‬ ‫هللا في مواالة‬ ‫واجتناب النواهي‪ ،‬أي‪َّ :‬اتقوا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبشرتهم بالفالح والنصر متى جعلوا واليتهم هلل ولرسوله وإلخوانهم‬
‫ولعبا‪ ،‬ذ َكر هاهنا‬ ‫ملََّا َح َكى اهلل تعاىل ِف اآلي ِة األُوىل عن ِ‬ ‫‪58‬‬ ‫ِف العقيدة والدين‪.‬‬
‫زوا ً‬‫ِين املسلمني ُه ً‬ ‫اتخذوا د َ‬‫ار َّأنهم َّ‬
‫والكف ِ‬
‫َّ‬ ‫أهل الكِتابِ‬
‫بعض ما ُ‬
‫ولعبا‪-.‬املحرر‪-‬‬ ‫ً‬ ‫زوا‬
‫ً‬ ‫ين ُه‬ ‫ِ‬ ‫الد‬
‫يتخِذونه مِن هذا ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫صت ُه؛ و ِس َّر ُه‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫وح ُه؛ وخال َ‬ ‫ص ُر َ‬ ‫َ‬
‫الدين؛ خ َّ‬ ‫است ْهزائه ْم َجم َيع ِّ‬ ‫*و َْلِّا َع َّم في َبيان ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫‪52‬‬
‫صفات املؤمنني الكمل‬
‫وصف اهلل‪ -‬تعاىل‪ -‬أولئك القوم الذين يأتى بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم‪ ،‬وصفهم بعدد من الصفات الحميدة‪ ،‬والسجايا الكريمة‪.‬‬

‫يل اهللَِّ َوال‬


‫ون ِِف َس ِب ِ‬
‫ِد َ‬
‫ثالثا‪ -‬بقوله‪ُ ( :‬يجاه ُ‬ ‫•‬ ‫ني أَ ِع َّز ٍة َعلَى ا ْلكا ِف ِر َ‬
‫ين)‪.‬‬ ‫• ثانيا‪ -‬بقوله‪ (:‬أَ ِذلَّ ٍة َعلَى املُْْؤ ِمِن َ‬ ‫أوال‪ -‬بقوله‪ُ ( :‬يحُِّب ُه ْم َو ُيحُِّبوَن ُه)‪:‬‬ ‫•‬
‫َ َّ‬ ‫ومحبة هللا‪ -‬تعالى‪ -‬للمؤمنين هي أسمى نعمة يتعشقونها ويتطلعون إليها‪ ،‬ويرجون‬
‫ون َل ْو َمةَ الئٍِم)‬‫َيخا ُف َ‬ ‫وقوله‪ :‬أ ِذل ٍة جمع ذليل‪ ،‬من تذلل إذا تواضع وحنا على غيره‪،‬‬
‫َ‬
‫جاه ُدون من املجاهدة وهي بذل‬ ‫ُ‬
‫وقوله‪:‬ي ِ‬ ‫•‬ ‫وليس اْلراد بكونهم أذلة أنهم مهانون‪ ،‬بل اْلراد اْلبالغة في‬ ‫حصولها ودوامها‪ .‬وهي‪ -‬كما يقول اآللوس ى‪ -‬محبة تليق بشأنه على اْلعنى الذي‬
‫الجهد ونهاية الطاقة من أجل الوصول إلى‬ ‫وصفهم بالرفق ولين الجانب للمؤمنين‪.‬‬ ‫أراده‪.‬‬
‫َ‬
‫اْلقصد الذي يسعى إليه الساعى‪.‬‬ ‫وقوله‪ :‬أ ِع َّز ٍة جمع عزيزوهو اْلتصف بالعزة بمعنى القوة‬ ‫ومن عَلماتها‪ :‬أن يوفقهم‪ -‬سبحانه‪ -‬لطاعته‪ ،‬وأن ييسر لهم الخيرفي كل شئونهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬في َسب َّ‬
‫َّللا أى في سبيل إعَلء دين هللا‪،‬‬ ‫ومحبة اْلؤمنين هلل‪ -‬تعالى‪ -‬معناها‪ :‬التوجه إليه وحده بالعبادة‪ ،‬و اتباع نبيه‬
‫يل ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫واالمتناع عن أن يغلب أو يقهر‬
‫وإعزاز كلمته وليس في سبيل الهوى أو الشيطان‪.‬‬ ‫محمد صلى هللا عليه وسلم في كل ما جاء به‪ ،‬واالستجابة لتعاليمه برغبة وشوق‪.‬‬
‫وقدم‪ -‬سبحانه‪ -‬محبته لهم على محبتهم له‪ ،‬لشرفها وسبقها‪ ،‬إذ لوال محبته لهم‬
‫أن من صفات هؤالء القوم‪ -‬أيضا‪ -‬أنهم يبذلون أقص ى جهدهم في سبيل إعَلء كلمة هللا والعمل على مرضاته‪ ،‬وأنهم في جهادهم وجهرهم‬
‫بكلمة الحق‪ ،‬وحرصهم على ما يرضيه‪ -‬سبحانه‪ -‬ال يخافون لوما قط من أى الئم كائنا من كان‪ْ .‬لن خشيتهم ليست إال من هللا وحده‪.‬‬
‫ْلا وصلوا إلى طاعته‪.‬‬
‫وعبر‪ -‬سبحانه‪ -‬بلومة‪ -‬بصيغة اإلفراد والتنكير‪ ،‬للمبالغة في نفى الخوف عنهم سواء أصدراللوم لهم من كبير أم من صغير‪ .‬وسواء أكانت‬
‫اللومة شديدة أم رفيقة‪..‬‬ ‫‪53‬‬
‫*وبعد أن حذر‪ -‬سبحانه‪ -‬املؤمنني تحذيرا شديدا من مواالة أعدائه‪ .‬عقب ذلك بتوبيخ أهل الكتاب على‬ ‫‪59‬‬
‫عنادهم وحسدهم‪ ،‬ووصفهم بجملة من الصفات القبيحة التي ينأى عنها العقَلء وأصحاب اْلروءة ‪-.‬‬
‫الوسيط‪-‬‬
‫* َواْلعنى‪ :‬قل يا محمد على سبيل التوبيخ ْلهل الكتاب‪ ،‬والتعجيب من أحوالهم قل لهم‪:‬‬
‫َّ َ ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫تاب‪ .‬يا من كتابكم عرفكم مواطن الذم َه ْل تن ِق ُمون ِمنا أى‪ :‬ما تعيبون وتنكرون وتكرهون منا ِإال أن‬ ‫يا َّأهل َّال ِك ِ‬
‫اَّلل الذي يجب اإليمان به‪ ،‬والخضوع له‪ْ ،‬لنه الخالق لكل ش يء‪ ،‬وآمنا بما أنزل إلينا من القرآن الكريم‬ ‫َ‬
‫آمنا ِب ِ‬
‫وآمنا بما أنزل من قبل من كتب سماوية كالتوراة واإلنجيل والزبوروغيرذلك من الكتب التي أنزلها هللا على‬
‫أنبيائه قبل إنزال القرآن الكريم‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫نقمون من‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ ً َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ابقة َّأنهم اتخذوا ِدين‬ ‫* َْلَّا َح َكى تعالى عنهم في اآلية َّ‬
‫اإلسَلم هزوا ول ِعبا‪ ،‬أمربسؤالهم‪ :‬ما الذي ت ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬
‫ولعبا ؟! ‪-‬املحرر‪-‬‬ ‫اتخاذه ُه ً‬
‫زوا ً‬ ‫يوج ُب‬ ‫ا‬ ‫الدين‪ ،‬وما الذي َتجدون فيه َّ‬
‫مم‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذا ِ ِ‬
‫وجل إىل ما هو‬ ‫عز َّ‬ ‫تقدم‪ ،‬انت َقل َّ‬ ‫الح َّجة على ُه ْزئهم و َل ِع ِبهم بما َّ‬ ‫وأقام ُ‬
‫َ‬ ‫والنصارى‪،‬‬
‫َ‬ ‫بك َت اهلل اليهو َد‬ ‫*ملَّا َّ‬ ‫‪60‬‬
‫جزائهم على‬ ‫ُ‬
‫من ِ‬ ‫وتشنيعا عليهم‪ ،‬بما فيه مِن التذكْيِ بسو ِء حالهم مع أنبيائهم‪ ،‬وما كان‬ ‫ً‬ ‫أشد تبكي ًتا‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫ْلنفسهم‪ ،‬وهو اللعن والغضب‪ ،‬واْلسخ‬ ‫بأشد ما جازى هللا تعالى به الفاسقين الظ ِاْلين‬ ‫سقهم‪ ،‬وتمردهم‬ ‫ِف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ُّ ِ ُ‬ ‫ُّ‬
‫الطاغوت ‪-.‬ابن جزي‪-‬‬
‫ِ‬ ‫الصوري أو اْلعنوي‪ ،‬وعبادة‬
‫ب ِف مقابل ِة‬ ‫أهل الكتا ِ‬ ‫عيوب ِ‬ ‫َ‬ ‫ور ُسلِه‪ -‬ذ َكر‬
‫هلل ُ‬ ‫باإليمان با ِ‬
‫ِ‬ ‫املسلمني‬
‫َ‬ ‫يعيبون‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫أهل الكتا ِ‬ ‫أن َ‬ ‫وأيضا ملََّا ذ َكر َّ‬ ‫ً‬
‫ذلك ر ًّدا عليهم‪– .‬اْلنار‪-‬‬
‫َ َ‬ ‫الك ْفر وهم َق ْد َخ َر ُجوا به﴾ َّ‬ ‫َْ َ َُ‬ ‫وم ْعنى َق ْ‬ ‫َّ َ َ ُ‬ ‫ُُ ُ‬
‫أن اإليمان ل ْم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫د‬ ‫د‬ ‫﴿وق‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫**ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬بعد ذلك بعض مظاهر نفاقهم وخداعهم فقال‪َ :‬و ِإذا جاؤك ْم قالوا َآمنا َوق ْد َدخلوا‬ ‫‪61‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ ْ‬
‫ِبالكف ِر َو ُه ْم ق ْد خ َر ُجوا ِب ِه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ين وخ َر ُجوا كذ ِل َك‪ِ ،‬ل ِش َّد ِة‬
‫َُ‬
‫أي هم َدخلوا كا ِف ِر‬ ‫وبهم َط ْر َف َة َع ْين‪ْ ،‬‬‫ط ُق ُل َ‬ ‫ْ‬
‫خال‬
‫ِ‬ ‫ُي‬ ‫َ ْ َ ُ ًّ‬ ‫َ ِّ َ َّ َ َ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫َ ْ ُ ُ ْ ْ ُ َّ َ‬‫ٍ‬ ‫َ ْ َ ُُ‬ ‫اس ِت ْحقا ِق ِه ْم‬‫داال َعلى ْ‬ ‫َلة﴾ [اْلائدة‪]٥٨ :‬؛ قوله ‪-‬‬ ‫ناد ْي ُت ْم إلى َّ‬
‫الص‬ ‫حان ُه ‪َ -‬على ﴿وإذا َ‬ ‫*وْلا تم ذ ِلك عطف ‪ -‬سب‬
‫الز َمن ْي ِن وما َب ْي َن ُهما‪– .‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫وب ِه ْم‪ ،‬فاْلقصود اس ِتغراق‬ ‫قسو ِة قل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ًَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬
‫َلم؛‬‫مال ِهم؛ داللة على ِصح ِة ِدي ِن اإلس ِ‬ ‫وء أع ِ‬
‫َلل ِهم؛ ِبما فضحهم ِب ِه ِمن س ِ‬ ‫ِللع ْ ِن؛ وعلى ما أخ َب َر ِب ِه ْ ِمن ش ِر ِهم؛ وض ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫رار‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫َلة والسَلم ‪ -‬على خفايا اْلس ِ‬ ‫شار ِع ِه ‪ -‬علي ِه أفض ُل الص ِ‬ ‫َلع ِ‬ ‫ِبإط ُ ِ‬
‫هللا بما يكتم أعداؤه فيه تطمين ْلوليائه الذين سيحفظهم من كيد الكائدين ومكراْلاكرين‪.‬‬ ‫*‪ِ -‬علم ِ‬
‫*قال اآللوس ى‪ :‬نزلت كما قال قتادة والسدى‪ -‬في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم فيظهرون له اإليمان والرضا بما جاء به نفاقا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُُ‬
‫والخطاب للنبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه‪ .‬والضميرفي جاؤكم يعود على اليهود اْلعاصرين للنبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪– .‬الوسيط‪-‬‬
‫‪54‬‬
‫ِيل َعلى ُك ْف ِره ِْم‪-.‬البقاعي‪-‬‬
‫الدل َ‬
‫أقام ‪ُ -‬سْبحاَن ُه ‪َّ -‬‬
‫اإليمان؛ َ‬
‫ِ‬ ‫وملَّا َك َّذَبهم ِف َد ْعوى‬ ‫‪62‬‬
‫*ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬لونا آخرمن رذائلهم‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫س ما كانوا َي ْع َملون) تذييل قصد به تقبيح أعمالهم التي يأباها الدين والخلق الكريم‪.‬‬ ‫* *( َلب ْئ َ‬
‫ِ‬
‫وهذه الجملة هي حكم من هللا‪ -‬تعالى‪ -‬عليهم بذم أعمالهم‪ .‬وقد جمع‪ -‬سبحانه‪ -‬في حكمه بين‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫صيغة اْلاض ي كانوا وصيغة اْلضارع َي ْع َملون لإلشارة إلى أن هذا العمل القبيح كان منهم في‬
‫اْلاض ي‪ ،‬وأنهم قد استمروا عليه في حاضرهم ومستقبلهم بدون توبة أو ندم‪- .‬الوسيط‪-‬‬

‫*ثم وبخ‪ -‬سبحانه‪ -‬رؤساء هؤالء اليهود على سكوتهم على املنكر ‪-‬الوسيط‪-‬‬ ‫‪63‬‬
‫*توبيخ منافقي اليهود ثم علماءهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ ُ َ ًْ‬ ‫َ ِّ َ ُ ُ َ َ ُ‬
‫اْل ِّم ِّي َين ْ‬
‫صار ِحين ِمن‬ ‫اْل‬ ‫إلى‬ ‫ياز‬ ‫ح‬‫ِ‬
‫ْ َ ُ َ ْ ُ َ ِّ َ ِ َّ َ ْ ْ ُ ِ‬‫ن‬ ‫اال‬‫ِ‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫واح‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ئ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫وا‬‫صار‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫تاب‬
‫ِ‬ ‫الك‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫*وْلا كان اْلنا ِف َق ْون ِمن ِ َ ُ ِ‬
‫وأه‬ ‫ِ‬
‫وال ُهم؛ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اآليات؛ على وج ٍه يعم غيرهم؛ حتى تبينت أح‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫تاب؛ فأن َز َل ِف ِيه ْم ‪ُ -‬س ْبحانه ‪ -‬ه ِذ ِه‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫الك‬
‫ِ‬ ‫ْأه ِل‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫حالهم ‪ْ -‬أن َك َر‪َ -‬على َمن ُيود ُع َونهم ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َ ُ‬
‫بار ُه ْم؛‬
‫وأخ َ‬ ‫رار ُه ْم؛ َوي ْمن ُحونهم َم َو َّدتهم‬ ‫أس َ‬ ‫ِ‬ ‫وم‬
‫ِ‬ ‫و انكشف َزْيغ ُه ْم؛‬
‫َ َ‬
‫ين ِبذ ِل َك؛ ِْلا‬
‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬
‫وف؛ ون ْه ِي ِه ْم َع ِن اْلنك ِر؛ ِلك ْو ِن ِه ْم َج ِد ِير‬ ‫من ُع َل ْ ُ ِّ ْ َ َ َ ْ ْ َ ْ‬
‫مائ ِهم؛ وزه ِاد ِهم ‪ -‬عدم أم ِر ِهم ِباْلع ُر ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ِ ْ ُ ُ َ ُ َ ِّ‬
‫تاب ِهم‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫يزعمونه ِمن ِات ِ‬
‫باع ِك ِ‬
‫*واْلعنى‪ :‬إن هؤالء اليهود دأبهم اْلسارعة إلى اقتراف اآلثام وإلى أكل اْلال الحرام‪ ،‬فهَل ينهاهم‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫فإنه ْلَّا ذكرقوله‪َ :‬وت َرى‬ ‫؛‬ ‫سنة‬ ‫ناسبة َ‬
‫ح‬ ‫قوله‪ :‬لَبئس ما كانوا يعملون وقوله‪ :‬لَبئس ما كانوا يصنعون‪ :‬فيه ُم َ‬ ‫علماؤهم عن هذه اْلقوال الكاذبة الباطلة‪ ،‬وعن تلك اْلآكل الخبيثة التي أكلوها عن طريق‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ ََ َ َ ُ َ ْ ََ ُ ْ ََ ُ ََ َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً ْ ُ ِ ْْ َُ َ َ ُ َ َ ُ َْ ْ ْ َ ُ َ َ ْ‬ ‫السحت‪.‬‬
‫بقوله‪ :‬يعملون‪ ،‬وْلا ذكرقوله‪ :‬لوال ينهاهم الربا ِنيون واْلحبار‪...‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ان‪ ...‬ختم ِ‬ ‫ُِ‬
‫اإلث ِم والعدو‬
‫َّ‬ ‫ك ِث َيرا ِمنهم يس ِار َعون َ ِفي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫والسحت‪ -‬كما سبق أن بينا‪ -‬هو اْلال الحرام كالربا والرشوة‪ .‬سمى سحتا من سحته إذا استأصله‬
‫قبيل ما يحصل بالط ِبع؛ ْلنه اندفاع مع‬
‫َ‬ ‫العوام‪َّ ،‬وهي ِمن َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بقوله‪ :‬يصنعون؛ وذلك ُ ْلن في اْلولى ُم ِ‬
‫عاص ي‬ ‫ختم ِ‬
‫َّ‬
‫بيل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْلنه مسحوت البركة أى مقطوعها‪ .‬أو ْلنه يذهب فضيلة اإلنسان ويستأصلها‪.‬‬
‫وهذا ِمن ق ِ‬ ‫َ‬
‫اْلعروف‪،‬‬
‫ِ‬ ‫واْلمرب‬ ‫ِ‬ ‫هي عن اْلنك ِر‬ ‫ِ‬ ‫العلماء بترك الن‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫صيرة‪ ،‬أما الثانية فهي معصية‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫هوة بَل ب‬ ‫ِ‬ ‫الش‬
‫النهي عن اْلنك ِروهم يعلمون ما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫العلماء‬ ‫ممن َيصن ُع له؛ فما َتر َك‬ ‫لفائدة للصانع فيها‪ ،‬يلتمسها َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َالصناعة اْلتكلفة‬ ‫واليهود أرغب الناس في اْلال الحرام وأحرصهم عليه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ً َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُّ ً‬ ‫أ َخذ ُ‬ ‫وقد وبخ اهلل‪ -‬تعاىل‪ -‬علماء اليهود وفقهاءهم على عدم نهيهم لهم عن قولهم اإلثم‬
‫ضوان‬
‫اس على ِر ِ‬ ‫ضا الن ِ‬ ‫لر‬‫ِ‬ ‫نفيرهم منهم؛ فهو إيثار‬ ‫ِ‬ ‫وتحاميا لت‬ ‫إلرضاء الناس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اْليثاق‪ ،‬إال تكلفا‬ ‫ِ‬ ‫هللا عليهم من‬
‫ُ ِّ‬ ‫الصناعة‪ ،‬وهو َ‬ ‫الصنع‪ ،‬ال من ِّ‬ ‫ص َن ُعو َن من ُّ‬ ‫واْلقرب أن يكو َن َي ْ‬ ‫َ‬
‫لغيره ُيرضيه‬ ‫ُ‬
‫الذي يق ِدمه اْلرء ِ‬ ‫مل‬‫الع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وابه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هللا وث‬ ‫ِ‬ ‫وأكلهم السحت‪ْ ،‬لن هاتين الرذيلتين هما جماع الرذائل‪ ،‬إذ القول الباطل الكاذب إذا ما تعود‬
‫انيون‬ ‫الرب ُّ‬‫واصهم ( َّ‬ ‫وتحري إجادة؛ ولذلك ُذ َّم به َخ ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫رو‬ ‫تدرب فيه‪َ ،‬وت ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫مل اإلنسان َ‬
‫بعد‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫أيضا َ‬ ‫والصنع ً‬ ‫ُّ‬ ‫‪،‬‬ ‫به‬ ‫عليه اإلنسان هانت عليه الفضائل‪ ،‬وقال في الناس ما ليس فيهم بدون تحرج أو حياء‪ .‬وأكل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ َ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫السحت يقتل في نفسه اْلروءة والشرف‪ ،‬ويجعله يستهين بحقوق الناس وأموالهم‪.‬‬
‫اإلنكار‬
‫ِ‬ ‫اقعة اْلعصية؛ ْلن النفس تلتذ بها وتميل إليها‪ ،‬وال كذلك ترك‬ ‫الحس ِبة أقبح من مو ِ‬ ‫واْلحبار)‪ ،‬وْلن ترك ِ‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫سيغفره اهلل لهم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫َ َْ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫الذم ‪.‬‬
‫ِ ِ َ‬
‫جديرا بأبلغ‬ ‫عليها‪ ،‬فكان‬ ‫ْ‬ ‫األكل َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولقد ألف علماء اليهود أكل أموال الناس بالباطل بدعوى أن هذا‬
‫َ ََ َ ْ َ ْ ْ َْ َ ُ ْ َ َْ ُ ُ َ‬
‫ْ‬ ‫أال ترى قول هللا‪ -‬تعالى‪ :-‬فخلف ِمن بع ِد ِهم خلف و ِرثوا ال ِكتاب يأخذون عرض هذا اْلدنى‬
‫االستمرار–املحرر‪.-‬‬ ‫ِ‬ ‫اللة على‬
‫للد ِ‬ ‫‪ -‬والجمع بين ِصيغتي اْلاض ي كانوا واْلستقبل يصنعون؛ ِ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬كان العلماء يقولون‪ :‬ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه اآلية‪ ،‬وال أخوف عليهم منها ‪.‬‬ ‫َو َيقولون َس ُيغف ُرلنا‬
‫وقال ابن كثير‪ :‬روى اإلمام أحمد عن جريرقال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ما من قوم يكون بين‬
‫أظهرهم من يعمل باْلعاص ي‪ ،‬هم أعزمنه وأمنع‪ ،‬ولم يغيروا‪ ،‬إال أصابهم هللا منه بعذاب‪.‬‬ ‫‪55‬‬
‫(‪)64‬‬
‫سب اليهود للموىل عز وجل‬

‫يتواصل الحديث عن أهل الكتاب وفسادهم‪ .‬وكراهيتهم للمسلمني‪ ،‬واآلن يأتي تطاولهم على الحق بالشتم‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس‪ :‬يا محمد إن ربك بخيل ال ينفق‪ .‬فأنزل‬
‫هللا هذه اآلية ‪.‬‬
‫وقد أضاف‪ -‬سبحانه‪ -‬اْلقالة إلى اليهود جميعا‪ْ ،‬لنهم لم ينكروا على القائل ما قاله ورضوا به‪.‬‬
‫وقال عكرمة‪ :‬إنما قال هذا فنحاص بن عازوراء وأصحابه‪ .‬فقد كانت لهم أموال فلما كفروا بالنبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قل ما لهم‪ ،‬فقالوا ما قالوا‪.‬‬
‫َ ْ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ َ ْ ً‬
‫وقيل‪ :‬إنهم ْلا رأوا النبي صلى هللا عليه وسلم في فقروقلة مال وسمعوا من ذا ال ِذي يق ِرض َّللا قرضا‬
‫ً‬
‫َح َسنا قالوا‪ :‬إن إله محمد بخيل‪- .‬الوسيط‪-‬‬

‫*وبذلك نرى هذه اآليات الكريمة قد وبخت اليهود على حسدهم للمؤمنين على ما آتاهم هللا من فضله‪،‬‬ ‫‪64‬‬
‫ووصفتهم بجملة من الصفات الذميمة حتى يحذرهم اْلؤمنون‪ ،‬ويجعلوا والءهم هلل ولرسوله وإلخوانهم في‬
‫العقيدة والدين‪.‬‬
‫ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬بعد ذلك لونا آخر من سوء معتقد اليهود‪ ،‬وخبث طويتهم‪ ،‬وسوء أدبهم مع اهلل‪.‬بعد‬
‫سوء األدب مع الناس‬
‫ُ ْ ُ َ ِّ‬
‫راه ِين تن ِجد؛ حتى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ َ ُ‬
‫تاب في البنو ِة واملحب ِة تقوم؛ وجيوش الب‬ ‫َّ‬ ‫ُُ‬
‫الك‬ ‫ْ‬
‫طال دعوى أه ِل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫*و َْلِّا َل ْم َت َزل َّ‬
‫الدال ِئ ُل َعلى إب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خاصته ْم؛ ُم ْعل ًما ب َّأنهم َلمْ‬ ‫عامته ْم؛ َب ْع َد َت ْعيين َّ‬ ‫قال ( َتعالى) ‪ُ -‬م َع ِّج ًبا من َّ‬ ‫َ‬ ‫شاب؛‬
‫َّ ْ‬
‫َلم أي ان ِت‬
‫ُ َ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫انتش َبت ِف ِيهم ِسهام الك‬
‫ْ‬
‫َّ ْ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ ْ َ َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫الس ُك ِ َ ُ ْ َ َ ِّ َ َ َّ ُ ْ َ ُ‬ ‫َي ْق َن ُعوا ب ُّ‬
‫يث ‪:-‬‬ ‫وت ع ِن اْلنك ِرحتى تكلموا ِبأنك ِر ِه؛ م ِش ًيرا إلى سفو ِل ُرتب ِت ِهم؛ ودناء ِة م ِنزل ِت ِهم؛ ِب ِ‬
‫أداة التأ ِن ِ‬ ‫َ ِ‬
‫ود﴾‪-.‬البقاعي‪-‬‬ ‫الي ُه ُ‬
‫﴿وقال ِت َ‬
‫ِني ا ْن َت َق َل‬ ‫الي ُهو ِد واملُنا ِفق‬ ‫ِن‬‫ِك م‬‫َ‬ ‫كان أُولَئ‬
‫َ‬ ‫َإن ُه ملَّا‬
‫َّ‬ ‫جاءوكم قالوا َآمنا﴾ [اْلائدة‪ ]٦١ :‬ف‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫* َع ْطف َعلى ُج ْم َل ِة ﴿وإذا ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وهذا ق ْو ُل‬ ‫الم‪،‬‬
‫اإلس ِ‬
‫وم ْع َت َق ِد أ ْه ِل ْ‬ ‫ني ُم ْع َت َق ِده ِْم ُ‬ ‫ناِف َبْ َ‬ ‫الت ِ‬
‫ط َّ‬ ‫ظ ِه َر ف َْر َ‬ ‫ط ِو َّي ِت ِه ْم ُل ُِي ْ‬ ‫إىل سو ِء معت َق ِدهِم و ُخب ِث َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ُُّ َْ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ‬
‫حاء غي ِراْلنا ِف ِقين ف ِلذ ِلك أس ِند إلى اس ِم (اليهو ِد) ‪-.‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫ود الصر ِ‬ ‫اليه ِ‬

‫‪56‬‬
‫(‪)66-65‬‬
‫لو أنهم آمنوا‬

‫عادات‬
‫لوجدوا س ِ‬ ‫آمنوا واتَّ َق ْوا َ‬
‫هجني طريقتِهم؛ َبَّني َّأنهم لو َ‬‫أهل الكتابِ‪ ،‬وِف تَ ِ‬ ‫ذم ِ‬ ‫غ اهلل تعاىل ِف ِّ‬ ‫ملََّا بالَ َ‬ ‫‪65‬‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫والدنيا ‪-.‬الراز ‪-‬‬‫اآلخر ِة َ ُّ‬
‫ً‬ ‫َ َ َ َ َّ َ ً ْ ُ ْ َ ُ ْ َل َ ْ َ ْ َ ِّ َ ُ ْ َ ً َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً َّ‬
‫تيان هذا‬
‫قبل إ ِ‬‫بقوله‪ :‬ولي ِزيدن ك ِثيرا ِمنهم ما أن ِز ِإليك ِمن رِبك طغيانا وكفرا َّأنهم كانوا َكفر ًة َ‬ ‫*و أيضا ْلا أثبت ِ‬
‫كتابهم؛ و َعظَهم‬
‫أخربهم به ُ‬ ‫الدائم على نح ِو ما َ َ‬ ‫ِ‬ ‫وكرر ما أ َع َّده لهم من ال ِخ ْزي‬
‫الم‪َّ ،‬‬ ‫الس ُ‬ ‫الرسول عليه َّ‬‫ِ‬
‫لعباده‪ ،‬ور أف ِته بهم ‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫رحم‬ ‫في‬ ‫منه‬ ‫عادة‬
‫ٍ‬ ‫على‬ ‫هلل‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫وح‬ ‫ر‬ ‫من‬ ‫ئسوا‬ ‫ي‬‫ي‬ ‫لئال‬
‫َّ‬ ‫سبحانه؛‬ ‫اهم‬ ‫ورج‬
‫َ ُ َ ْ َ َّ َ ْ َ ِ‬ ‫َ ََ ْ َّ َ َّ َ ْ َ ْ َ‬
‫اب آمنوا و اتقوا‪-.‬البقاعي‪-‬‬ ‫ولو أن أهل ال ِكت ِ‬
‫*لها عَلقة ب‪64‬‬ ‫‪66‬‬
‫َ‬ ‫ْ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ َ َ ْ‬ ‫َ ِّ َ َ‬
‫حالتهمُ‬
‫إجماال ِل َّ ِ ِ‬
‫َ‬
‫اآلخر ِة؛ وكان هذا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الخزي في الدنيا؛ والعذاب الدا ِئم في‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وْلا كان اْل ْعنى‪ :‬ما فعلوا ذ ِلك؛ فألزمناهم‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َ ُْ‬ ‫الد ْن َيو َّي؛ َر َج َع ‪َ -‬ب ْع َد ْإرشاده ْم إلى ْ‬ ‫اْلم َر ُّ‬‫ط َن َظره ُم ْ‬ ‫َ َ َ ُّ‬ ‫ُ‬
‫واْل ْخ َرو َّ‬ ‫ُّ ْ‬
‫َلح الحال ِة اْلخ َر ِو َّي ِة؛ ِْلنها‬
‫ِ‬ ‫إص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫وكان‬ ‫؛‬‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫الدن َي ِو َّي ِة؛‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ ِّ ْ َ‬ ‫ِّ َ َ َ َ َ َّ ْ َ‬ ‫َأه ُّم في َن ْفسها ‪ -‬إلى َس َب َ ْ ْ ْ َ َ َ َ َّ ْ َ‬
‫الرز ِق َعل ْي ِه ْم؛ و َب َّين‬‫ب ُقو ِل ِهم ِتلك الك ِلمة الشنعاء؛ والد ِاهية الق ِبيحة الصلعاء؛ وهو تق ِتير ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ِْ‬ ‫َّ َّ َ َ َّ‬
‫أن السبب إنما هو ِمن أنف ِس ِهم‪– .‬البقاعي‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫هللا تعالى في اآلية َّ‬ ‫رغبهم ُ‬ ‫َ َّ َّ‬
‫وإدخالهم الجنة‪ -‬رغبهم عقب ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫السيئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كفير‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ؛‬ ‫ة‬‫ِر‬ ‫خ‬ ‫اآل‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫وعو‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ابقة‬‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫*ْلا‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واآلخر ِة‪-.‬املحرر‪-‬‬ ‫الد َنيا؛ ليجمع لهم بين خير ِي الدنيا ِ‬ ‫موعو ِد ُّْ‬ ‫في ْ ُ ْ ُ‬ ‫فالتوراة واإلنجيـل العمـل بها معطـل‪ ،‬فلـم ينتفعوا بها‪ ،‬مع هـذا‬
‫َ‬
‫* ِمنهم أمة مقت ِصدة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َّ َ ْ َ َّ ُ ِّ‬ ‫(ِف أهل الكتـاب أمة مقتصدة ) معتدلة وسطية ِف دينها ال تفريط‬
‫ُ‬ ‫ً َ‬ ‫ً‬
‫الكتاب ربما أفهم أنه ِلك ِلهم‪ ،‬قال‪ -‬مستأنفا جوابا ِْلن يسأل عن ذلك‪.‬‬ ‫أهل‬ ‫ِّ‬ ‫َْلَّا كان ما مض ى َ‬
‫ِ‬ ‫ذم ِ‬ ‫اآلية ِمن ِ‬ ‫قبل هذه ِ‬ ‫وال إفراط بني بني ولكن األكثر منهم فاسقون‪.‬‬
‫–املحرر‪-‬‬

‫‪57‬‬
‫عصمة الرسول ﷺ ‪) 69 - 67( :‬‬

‫بعد الحديث عن االستهزاء بالدين وشتم هللا عزوجل يأتي الحديث لرسـول هللا ﷺ أن يبلغ الرسالة مها وجد في طريقه من إساءات وتجريح‪.‬‬
‫ً‬
‫هذا الدين الذي جاء الكتاب منزال به‪ ،‬كل أوامرهللا ونواهيه طلب من رسـوله أن يبلغها للناس‪ ،‬كل الناس‪ ،‬فإن لم يفعل النبي ﷺ ما أمربه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من بـَلغ خوفا من أحد‪ ،‬أو جماعة أو تهاونا ‪ -‬وحاشاه – فما بلغ الرسالة وال أدى ما أمربه‪ ،‬وهللا يضمن لرسوله ﷺ (العصمة) فَل تمتد إليه‬
‫يد بقتل وال تمتد إليه يد بضرفهو آمن بحراسـة هللا له‪ ،‬سالم برعاية هللا له‪ ،‬فليمض وقد تحققت العصمة له ‪.‬‬
‫( إن هللا ال يهدي القوم الكفرين ) فعلى الرسول البَلغ‪ ،‬أما الهداية فمن هللا‪ ،‬وهللا ال يهدي بعـد أن أمـرالـرسـول ﷺ بتبليغ الرسالة‪ ،‬وبلغ‬
‫الرسـول ﷺ يأمـره ربه أن يقـول ْلهل القوم الذين اختاروا طريق الكفر‪.‬‬
‫ؤم ُن وال‬ ‫َّللا ف ْت َن َت ُه َف َل ْن َت ْمل َك َل ُه م َن َّ َ ْ ً َ َّ َ ُ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ َّ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ َ َّ َ ُ َ ُ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ َّ‬
‫َّللا شيئا وع ِلم أن من أري َّدت سعادته ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ارعون ِفي الكفر‪ ...‬ومن ي ِر ِد ِ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫‪ْ* 67‬لا قال ُتعالى‪ :‬ال يحزنك ال ِذين يس‬
‫الفتورعن اإلبَلغ؛ لذا َأم َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬
‫نبيه باإلبَل ِغ وحثه عليه ‪-.‬البقاعي‪-‬‬ ‫هللا تعالى َّ‬
‫ِ‬ ‫ؤم ُن أصَل‪ ،‬وكان ذلك َّربما َّأدى إلى‬ ‫بد‪ ،‬ومن أريدت شقاوته ال ي ِ‬
‫َّ‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬أو ِمن‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم‪ -‬سواء ِمن أهل الكتاب من‬ ‫ِ‬ ‫أعداء‬
‫ُ‬ ‫السابق ِة ما كان عليه‬ ‫اآليات َّ‬ ‫ِ‬ ‫وأيضا ملََّا َح َكى اهلل تعاىل ِف‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أدب مع هللا‪ ،‬وكان الفريقان متظاهرين على‬ ‫سوء‬
‫ومن ِ‬ ‫ومن ِحق ٍد على اْلؤمنين‪ِ ،‬‬ ‫اإلسَلم‪ِ ،‬‬ ‫بتعاليم‬
‫ِ‬ ‫استهزاء‬
‫ٍ‬ ‫ومن‬ ‫اْلنافقين‪ِ -‬من دسائس‪ِ ،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫مضي ِف‬ ‫داء إلى الرسو ِل صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأمره فيه بأن َي ِ‬ ‫بتوجيه ِن ٍ‬
‫ِ‬ ‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ :‬فريق مجاهر‪ ،‬وفريق متستر‪ -‬أتبعه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫مكر املاكرين‪ ،‬أو ِحقد الحا ِقدين؛ فإنه سبحانه قد حماه وعصمه منهم‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫ِت إىل ِ‬ ‫اس‪ ،‬دون أن َيلتف َ‬ ‫الن ِ‬‫تبليغِ ِرسالتِه إىل َّ‬
‫ألهل الكِتابِ هذا‬ ‫أن َيقو َل ِ‬ ‫أم َره ْ‬ ‫للسامعِ أو ثَ ُقل عليه‪َ ،‬‬ ‫طاب َّ‬ ‫سواء َ‬ ‫محمدا صلَّى اهللُ عليه وسلَّ َم بالتبليغِ‪ٌ ،‬‬ ‫ً‬ ‫نبيه‬ ‫أمر اهللُ تعاىل َّ‬ ‫‪* 68‬ملََّا َ‬
‫جدا‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫شق عليهم‬ ‫مما َي ُّ‬ ‫وإن كان‬ ‫الكالم‪ْ ،‬‬
‫داية ْلَن َح َّت َم ب ُك ْفره؛ ُوي ْبط ُل ‪َ -‬معَ‬ ‫الت ْبليغ من َع َدم اله َ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫ْ ُ َ ِّ ُ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ َ ًَّ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ َ َ َ ُ ْ َ ُ َّ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫العام؛ أمره ِبن َّو ٍع ِمنه ُعلى َوج ٍه يؤ ِكد ما َخ ِتمت ِب ِ َه آية َ َ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫حانه ‪ِ -‬بالت َب ِل َ ِيغ َ ِ‬ ‫* ْوْلا أمر‪ -‬سب‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫تاب﴾‪– .‬‬ ‫الك ِ‬ ‫يب في إقام ِت ِه ‪﴿ :-‬ق ْل يا أه َل ِ‬ ‫وأحباؤه؛ فقال ‪ -‬مر ِهبا لهم؛ بعد ما تقدم ِمن التر ِغ ِ‬ ‫يد ِه ‪ -‬ه ِذ ِه الدعوى؛ قولهم‪ :‬نحن أبناء ِ‬
‫َّللا ِ‬ ‫تأ ِك ِ‬
‫البقاعي‪-‬‬
‫َّ َ ُ‬ ‫‪ -‬األمر بالتبليغ والوعد بالعصمة‪ ،‬ال نجاة إال‬
‫ْلحد فضيلة وال‬ ‫الكل‪ ،‬و أنه ال يحص ُل ٍ‬ ‫عام ِف ِّ‬ ‫كم ٌّ‬ ‫الح َ‬ ‫أن هذا ُ‬ ‫ليسوا على شي ٍء ما لم ُيؤمِنوا؛ َبَّني َّ‬ ‫أهل الكِتابِ َُ‬ ‫أن َ‬ ‫بني َّ اهلل تعاىل َّ‬ ‫*ملَ َا َّ َ‬ ‫‪69‬‬
‫ً‬
‫اآلخ ِر‪ ،‬وع ِمل صالحا ‪-.‬الرازي‪-‬‬ ‫َ‬ ‫واليوم‬ ‫باهلل‬ ‫َمنق َبة إال إذا آمن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫باإليمان بالقرآن الكريم ‪. )69 -67( :‬‬
‫وم َر ُدوا َعلى َ‬ ‫الك ْفر؛ َ‬ ‫ُ‬ ‫ضوا َ‬‫ود؛ َوبيان َّأنهم َع ُّ‬ ‫الي ُه َ‬
‫ورة غال ًبا؛ في فضائح ْأهل الكتاب؛ ال س َّيما َ‬ ‫َ‬ ‫كان ما َمض ى في َهذه ُّ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫الج ْح ِد؛‬ ‫لى‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫*وْلا‬ ‫عن جابر بن عبد هللا ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬قال‪ ( :‬غزونا مع رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫ولوا ُه ْم‪َ :‬ل ْيسَ‬ ‫ُ ِْ َ ُ ْ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ ْ‬ ‫َ َ َ ِ ُ ً َّ ُ ُ َّ ُ ِّ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ُ‬
‫الخاط ِرأنه إن آمن ِمنهم أحد ما يقبل؛ أو ْلن يق‬ ‫وجبا ِْلنه ربما ح ِدث في‬ ‫وتمرنوا على البه ِت؛ وعتوا عن أوامرَّللا؛ كان ذلك م‬ ‫غزوة ِق َبل نجد‪ ،‬فأدركنا رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في واد كثير العضاه (شجر فيه‬
‫ْ‬ ‫َِ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َّ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ِ ِ ْ َ ِ َ َّ ِ َ َ ْ ُ ِ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫سان وبين أن يكون ِمن أه ِل ِه‬ ‫ِ‬ ‫في ُدعا ِئنا ِحين ِئ ٍذ فا ِئدة؛ فَل تدع ُنا؛ أخبرأن الباب مفتوح لهم؛ ِولغي ِر ِهم ِمن ج ِم ِيع أه ِل ا ِْلل ِل؛ و أنه ليس بين اإلن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫شوك)‪ ،‬فنزل رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من‬
‫َّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫أخ َب َر َع ْن َكثيرمنهم ب ِّ‬ ‫ْ َ ُ َ ِّ ْ‬ ‫ود َي ب َق ُب ِول ِه؛ ْأو ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫ياد ِة في الكف ِر؛ َرغ َب‬ ‫الز َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍَِ ِ‬ ‫قال ‪ -‬وهو أحسن ‪ْ :-‬لا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص أ ِذن في ُدخ ِول ِه؛ ون‬ ‫َلص؛ فإذا أخل‬ ‫ِ‬ ‫إال َع َد ُم اإلخ‬ ‫أغصانها‪ ،‬قال‪ :‬وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر‪ ،‬قال‪ :‬فقال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫اْلم َر‪َ -‬ت ْرغ ًيبا؛ وت ْره ًيبا؛ ْ‬
‫وأم ًرا؛ َون ْه ًيا ‪ -‬خا ٌّ‬ ‫كان ُ َّبما ُظ َّن َّ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ُ ُّ َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ُ َّ ُ َ ِّ َ َ‬ ‫َ‬
‫َلم َم َعهم ر‬ ‫الق ْس َم اآلخ َر َعلى وج ٍه يعم غيرهم؛ أو يقال‪ :‬إنه ْلا طال‬
‫أن ْ‬ ‫الك ُ‬ ‫عليه وسلم ‪ :-‬إن رجَل أتاني وأنا نائم‪ ،‬فأخذ السيف‪ ،‬فاستيقظت وهو قائم على رأس ي‪ ،‬فلم‬
‫ص ِب ِه ْم؛‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ َِ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ ِّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ً ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أشعر إال والسيف صلتا في يده‪ ،‬فقال لي‪ :‬من يمنعك مني؟‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬هللا‪ ،‬ثم قال في الثانية‪:‬‬
‫الرسال ِة؛ فقال ‪-‬‬ ‫وم الدعو ِة؛ وإحاط ِة ِ‬ ‫دارهذا الن ِب ِي الك ِر ِيم؛ ِبعم ِ‬ ‫الفر ِ في ذ ِلك سواء؛ تش ِريفا ِ ِْلق ِ‬ ‫ق‬ ‫فوقع اإلعَلم ِبأن َّهم وغيرهم ِمن ج ِم ِيع ِ‬ ‫من يمنعك مني؟‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬هللا‪ ،‬فشام السيف (رده في غمده) فها هو ذا جالس‪ ،‬ثم لم‬
‫َ ُ‬ ‫حان ُه ‪َّ :-‬‬ ‫ُ ْ َ‬
‫ين َآمنوا﴾‪-‬البقاعي‪-‬‬ ‫﴿إن ال ِذ‬ ‫سب‬ ‫رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ولم يعاقبه وجلس ) رواه البخاري ‪.‬‬‫يعرض له ‪58‬‬‫ِ‬
‫(‪)77-70‬‬
‫طبيعة بني إسرائيل‬

‫حدثنـا هللا تعالى عن طبيعة بني إسرائيل التي ال تلتزم اْلواثيق وال العهـود اْلبرمة معهم والتي أخذها هللا تعالى على االثني‬
‫ً‬
‫عشرنقيبا منهم وغيرهم من الرسل‪ ،‬لم يلتزموا بها ولم يوفوا وحسب بنو إسرائيل أن إمهال هللا لهم أن ليس وراءه عقاب‬
‫فزادوا التمادي في التعامي والتصامم‪،‬‬
‫ولكن هللا يمهل وال يهمل وهم تحت رقابة هللا تعالى‪ ،‬ورصده – وهو بصيربا يعملون‪.‬‬

‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫ممن لم ُي ْ‬ ‫والتعجب َّ‬‫ُّ‬ ‫‪70‬‬


‫وكان أكثر ِ‬ ‫َ‬
‫سارع إليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫اإليمان‪،‬‬
‫َِ‬ ‫خول ِف‬ ‫كانت ال ِبشار ُة ِف اآلي ِة السابق ِة موجبةً للد‬
‫ُ ِ ُ ُّ ً ِ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫*ملََّا ِ‬
‫َ‬
‫يادة العج ِب منهم مع‬ ‫وز ِ‬ ‫يثاق عليهم‪ِ ،‬‬ ‫مقتضيا لتذك ِرما مض ى ِمن أخ ِذ اْل ِ‬ ‫ً‬
‫فر‪ ،‬كان الحال‬ ‫سارعون في الك ِ‬ ‫الكتاب إنما ي ِ‬‫ِ‬
‫صصهم‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫بأو‬ ‫ْي‬ ‫التذك‬ ‫مع‬ ‫ا‬‫ت‬ ‫ف‬ ‫لت‬ ‫م‬ ‫لشأنه‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫وتفخيم‬ ‫ره‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ْلم‬ ‫ا‬‫ِّ ً ؛ تحقيق‬ ‫له‬ ‫ا‬‫د‬ ‫مؤك‬ ‫به‬ ‫اإلخبار‬ ‫سبحانه‬ ‫د‬ ‫فأعا‬ ‫ِذلك‪،‬‬
‫ِ َّ ِ َ ِ‬ ‫ُ ًِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الع ُقو ِد [املائدة‪ ،]1 :‬فقال‪:‬‬ ‫ِف هذه السور ِة إىل أول السور ِة أَوفُوا ب‬
‫َ َ ْ َ َ ْ َ ُّ َ َ َ َّ ْ ِ َ ُّ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ َِ ْ ُْ ُ ُ ً‬
‫لقد أخذنا ِميثاق ب ِني ِإسر ا ِئيل وأرسلنا ِإلي ِهم رسَل‪.‬‬
‫َ َْ‬ ‫ً َ ً َّ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫والقيام بماَ أوجبه عليهم‪ ،‬وأرسلنا‬ ‫َ‬ ‫وتوحيده‪،‬‬
‫ِ‬ ‫باهلل تعالى‬
‫ِ‬ ‫باإليمان‬ ‫عهدا ثقيَل مؤك ًدا‪،‬‬ ‫اليهود‬
‫ِ‬ ‫لقد أخذنا على‬ ‫أي‪ :‬وهللا‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ ُ ً ََ َ‬
‫بالتوجيه‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬ولقد أخذ َّللا ِميثاق ب ِني‬ ‫ِ‬ ‫إليهم بذلك رسَل‪ ،‬يتوالون عليهم بالدعوة‪ ،‬ويتعاهدونهم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ ً َ َ َ َّ ُ ِّ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َّ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫ِإسر ا ِئيل وبعث َنا ِمنهم اثني عشرن ِقيبا وقال َّللا ِإ ِني معكم ل ِئن أقمتم الصَلة و آتيتم الزكاة وآمنتم ِبرس ِلي‬
‫ْ َ ْ َ َْ‬
‫اْل ْن َه ُار َف َم ْن َك َفرَ‬ ‫َ َ َّ ْ ُ ُ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ َّ َ َ ْ ً َ َ ً َ ُ َ ِّ َ َّ َ ْ ُ ْ َ ِّ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ َّ َ‬
‫ات ت ْج ِري ِمن تح ِتها‬ ‫وعزرَتموهم و أق َرضتم َّللا قرضا حسنا ْلك ِفرن عنكم س ِيئا ِتكم وْلد ِخلنكم جن ٍ‬
‫َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ َّ‬
‫يل [اْلائدة‪-.]12 :‬املحرر‪-‬‬ ‫بعد ذ ِلك ِمنكم فقد ضل سواء الس ِب ِ‬

‫‪ -‬األمر بالتبليغ والوعد بالعصمة‪ ،‬ال نجاة إال‬

‫باإليمان بالقرآن الكريم ‪. )69 -67( :‬‬

‫‪59‬‬
‫َو َح ِسُبوا أََّال تَ ُك َ‬
‫ون ِف ْتَنةٌ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َّ َ َّ َ‬ ‫َّ‬
‫سل هللا تعالى‬ ‫وتكذيب ر ِ‬
‫ِ‬ ‫يق‪،‬‬‫قض اْلواث ِ‬ ‫أي‪ :‬وظن بنو إسرائيل أال يترتب‪ -‬جراء ما كانوا يفعلون ِمن ن ِ‬
‫حيق بهم ‪.‬‬ ‫وعقوبات َت ُ‬ ‫شر ُ‬ ‫وقتلهم‪ٌّ -‬‬ ‫ْ‬

‫أي‪:‬‬ ‫العظا ِئم َّالتي َل ْي َ‬


‫س َب ْع َدها َش ْيء؛ ﴿أال َت ُكو َن﴾؛ ْ‬ ‫باش َرته ْم ل َهذه َ‬‫ْ َّ ُ ُ ْ َ َ ُ َ‬
‫﴿وح ِس ُبوا﴾؛ أي‪ِ :‬ل ِقل ِة عق ِول ِهم؛ مع م‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ي ُ ْ ى َ ْ َ ُّ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َْ‬ ‫ُت َ‬
‫است َحقوا ِب ْأم ِرها؛ فَل ت ْع َج ْب‬ ‫الدنيا؛ وال ِخز في اْلخر ؛ ب ِل‬ ‫أي أن ُه ال ُي ِص ُيبهم ِبها َعذاب في‬ ‫وج َد ﴿ ِفتنة﴾؛‬
‫ُ‬
‫وأح ِّباؤ ُه‬ ‫ْأن َت من ُج ْرأته ْم في ِّادعائه ْم َّأنهم ْأب ُ َّ‬
‫َّللا ِ‬
‫ناء ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُُ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فاس ُد أعمالِهم‪ْ ،‬‬
‫أي‬ ‫اش ْ ِئ َع ْن ُهِّ ِ ْ ُ ِ ْ‬ ‫يان فَسا ِد ا ْعتِقا ِده ُِم الّن ِ‬‫ِ‬ ‫ُع ِطف َعلى ق ْو ِل ِه (كذ ُبوا) و( َيقتلون) لَِب‬ ‫‪71‬‬
‫َع ُموا َو َص ُّموا‪.‬‬ ‫وبوا‪-‬ابن‬‫الفظائع َع ْن َت َع ُّمد ب ُغ ُرور‪ ،‬ال َع ْن َف ْل َتة ْأو ثائ َرة َنفس َحتى ُين ُيبوا َويت ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ف َعلوا ما ف َعلوا ِمن‬
‫فَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫استمروا على ُطغيانهم‪َ ،‬ف َع ُموا عن ُرؤية ِّ َ َ‬ ‫فترت َب على ِّ‬ ‫َّ‬ ‫عاشور‪-‬‬
‫الحق‪ ،‬وص ُّموا عن س ِ‬
‫ماعه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫الفاسد هذا‪ِ :‬أن‬
‫ِ‬ ‫ظنهم‬ ‫ِ‬ ‫أي‪:‬‬
‫حقا‪ ،‬وال َي ُ‬ ‫َن ًّ‬
‫هتدون إليه ‪.‬‬ ‫فَل َيسمعو‬
‫اهلل َعلَ ْي ِه ْم‪.‬‬
‫اب َّ‬ ‫ثم تَ َ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وبة‪ ،‬وقبلها منهم‪ ،‬ورفع عنهم الفتنة التي عاق َبهم بها‪ ،‬فأنابوا َورجعوا َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫عما كانوا‬ ‫أي‪ :‬ثم وفقهم هللا تعالى للت ِ ِ‬
‫اله َدى ‪.‬‬
‫الهوى إلى ُ‬ ‫عليه من َ‬

‫ِْي ِم ْن ُه ْم‪.‬‬
‫ثم َع ُموا َو َص ُّموا َكث ٌ‬‫َّ‬
‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫وبة‪ ،‬فانقلبوا إلى‬ ‫َّ‬
‫ستمركثيرمنهم على الت ِ‬ ‫كة لم َي‬
‫الهل ِ‬ ‫واستنقاذهم من‬
‫ِ‬ ‫هللا تعالى عليهم‪،‬‬ ‫أي‪َّ :‬ثم بعد ِ‬
‫توبة ِ‬
‫سماعه ‪.‬‬ ‫الحق‪ُّ ،‬‬
‫وصموا عن‬ ‫فع ُموا َّ‬
‫مجد ًدا عن رؤية ِّ‬ ‫حالهم القبيحة اْلولى‪ ،‬وعادوا إلى ضَللهم القديم‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪.‬‬
‫واهللَّ َب ِص ٌْي ِب َما َي ْع َملُ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬
‫القيامة ‪.‬‬ ‫َ‬
‫جازيهم عليها يوم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫عمالهم ال يخفى عليه ش يء منها‪ ،‬وي ِ‬
‫جميع أ ِ‬
‫ِ‬ ‫أي‪ :‬إن هللا تعالى مطلع على‬

‫‪60‬‬
‫َ َّ َ َّ‬
‫النصارى ‪-‬املحرر‪-‬‬ ‫َّ‬ ‫الكَلم هاهنا عن‬
‫ِ‬ ‫شر َع في‬
‫ابقة‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫اآليات َّ‬
‫الس‬ ‫ِ‬ ‫هللا عن اليهو ِد في‬‫كلم ُ‬ ‫*ْلا ت‬ ‫‪72‬‬
‫وم َؤ ِّكداً‬ ‫الي ُهود؛ ُ‬ ‫النصارى ما َب َّي َن من حال َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ْ َ ْ ً ُ َ ِّ ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َّ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ ْ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حال‬‫مال ِهم؛ دل على ُذ ِلك ِبق َو ِل ِه ‪ -‬مستف ِتحا؛ مب ِينا ِمن ِ‬ ‫ساد أع ِ‬ ‫َ*وْلا أخبر(تعالى) ِبف ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬
‫لخت ِم َآي ِة الت ْب ِل ِيغ ِبما َينقض دعواهم في البنو ِة؛ واملحب ِة‪– .‬البقاعي‪-‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ارتباطها باآلية ‪18‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َّ َ ُ َ ْ َ‬
‫﴿إن َّللا هو اْل ِسيح ابن مريم ْ﴾ بشبهة أنه خرج من أم بَل أب‪ ،‬وخالف اْلعهود من‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫*يخبرتعالى عن كفرالنصارى بقولهم‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الخلقة اإللهية‪ ،‬والحال أنه عليه الصَلة والسَلم قد كذبهم في هذه الدعوى‪ ،‬وقال لهم‪﴿ :‬يا ب ِني ِإسر ا ِئيل اعبدوا َّللا رِبي‬
‫ُ‬
‫َو َرَّبك ْم ْ﴾ فأثبت لنفسه العبودية التامة‪ ،‬ولربه الربوبية الشاملة لكل مخلوق‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫ُ‬ ‫َ ْ ُ َّ َ‬
‫اع ُبدوا َّللا َرِِّبي َو َرَّبك ْم‪– .‬‬ ‫يح يا َب ِني ِإ ْسرا ِئيل‬ ‫قال ْاْلَس ُ‬ ‫َ‬
‫*ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬ما قاله عيس ى في الرد على من جعلوه إلها فقال‪ :‬و َ ِ‬
‫الوسيط‪-‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ َ ْ ُ ْ‬
‫اَّلل‪- .‬الوسيط‪-‬‬ ‫*ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬ما قاله عيسى محذرا من اإلشراك فقال‪ِ :‬إنه من يش ِرك ِب ِ‬

‫*وهذا من أقوال النصارى املنصورة عندهم‪ ،‬زعموا أن هللا ثالث ثَلثة‪ :‬هللا‪ ،‬وعيس ى‪ ،‬ومريم‪ ،‬تعالى هللا عن قولهم علوا‬ ‫‪73‬‬
‫كبيرا‪ .‬وهذا أكبردليل على قلة عقول النصارى‪ ،‬كيف قبلوا هذه اْلقالة الشنعاء‪ ،‬والعقيدة القبيحة؟! كيف اشتبه عليهم‬
‫احد ْ﴾‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ َ‬
‫الخالق باملخلوقين ؟! كيف خفي عليهم رب العاْلين؟! قال تعالى ‪-‬رادا عليهم وعلى أشباههم ‪﴿ :-‬وما ِمن ِإل ٍه ِإال ِإله و ِ‬
‫متصف بكل صفة كمال‪ ،‬منزه عن كل نقص‪ ،‬منفرد بالخلق والتدبير‪ ،‬ما بالخلق من نعمة إال منه‪ .‬فكيف يجعل معه إله‬
‫ين َك َف ُروا م ْن ُهمْ‬ ‫ولو َن َل َي َم َّس َّن َّالذ َ‬
‫َ َّ ْ َ َ ُ َ َّ َ ُ ُ‬
‫غيره؟" َتعالى هللا عما يقول الظاْلون علوا كبيرا‪ .‬ثم توعدهم بقوله‪﴿ :‬و ِإن لم ينتهوا عما يق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َعذاب أ ِليم ْ﴾‪– .‬السعدي‪-‬‬
‫ِيث‪......‬‬
‫أشد؛ أ ْتبعه إبطال دعوى الت ْثل ِ‬ ‫ض؛ و َق َّد َم ُه ِألَّن ُه ‪َ -‬كما َمضى ‪َ -‬‬‫الن ْق ُ‬
‫*وملَّا ا ْن َقضى َهذا َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َُّّ ََ َ ُ َ َْ َ َ َ ْ َ ْ َّ َ َ َ ْ ً َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طال اْلو ِل؛ كما سلف؛ ِبما ال يخفى على أح ٍد؛ تح ِقيقا ِلتلب ِس ِهم ِبمعنى‬ ‫أشار إىل ْإبطالِ ِه؛ كما أشارإلى إب ِ‬ ‫وملَ ُّا ْأ ْعلَ َم َّ ِب ُك ْف ِره ِْم َ؛ ْ َ‬
‫ظاهر‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫ُ‬
‫الكف ِر؛ ال ِذي هو ست َّرما هو ِ‬
‫واحد بيان لَلعتقاد الحق بعد ذكراالعتقاد الباطل‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫*وقوله‪ :‬وما ِمن ِإ ٍله ِإال ِإله ِ‬
‫وقد جاءت هذه الجملة بأقوى أساليب القصروهو اشتمالها على «ما» و «إال» ‪ .‬مع تأكيد النفي بمن اْلفيدة الستغراق‬
‫النفي‪.‬‬
‫وأكد‪ -‬سبحانه‪ -‬وعيدهم بالم القسم ِف قوله لَ َي َم َّس َّن ردا على اعتقادهم أنهم ال تمسهم النار‪ْ ،‬لن صلب عيس ى‪ -‬في‬
‫زعمهم‪ -‬كان كفارة عن خطايا البشر‪.‬‬

‫وعرب باملس لإلشارة إىل شدة ما يصيبهم من آالم‪ْ :‬لن اْلراد أن هذا العذاب اْلليم يصيب جلدهم وهو موضع اإلحساس‬
‫وقوا ْال َع َ‬
‫ذاب‬
‫ُ َّ َ َ ْ ُ ُ ُ ُ ْ َ َّ ْ ُ ْ ُ ُ ً َ ْ َ َ ُ ُ‬
‫فيهم إصابة مستمرة‪ ،‬كما قال‪ -‬تعالى‪ -‬في آية أخرى‪ :‬كلما ن ِضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ِليذ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ َْ‬
‫*ثم بين‪ -‬سبحانه‪ -‬سوء عاقبة هؤالء الضالين الذين قالوا ما قالوا من ضَلل وكذب فقال‪ -‬تعالى‪( :-‬و ِإن لم ينتهوا عما) ‪-‬‬
‫‪61‬الوسيط‪-‬‬
‫ب ِف الهداي ِة‪– .‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫بالرتغي‬ ‫الوعيد‬ ‫قب‬ ‫وع َدهم ُ‬
‫هللا تعالى‪ ،‬أ ْع‬ ‫* َْلَّا َت َّ‬ ‫‪74‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ََ َ َ ُ َ َُ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫َلع َعن ُه؛ ت َس َّب َب‬ ‫اإلق ِ‬
‫ض َرر َيأتي ب َس َببه؛ َ‬
‫باد َرإلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫باط ٍل؛ فإن وقع ذ ِلك ِمنه؛ وشعر ِبنو ِع‬ ‫ِ‬ ‫*وْلا كان ِمن شأ ِن العا ِق ِل أن ُه ال ُيق ِد ُم َعلى‬
‫َ‬ ‫إيضاحا ْل َّن َم ْعنى َك َف ُروا‪ُ :‬‬ ‫َّ‬ ‫كار َع َل ْيه ْم في َع َدم اْلُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫داموا َعل ْي ِه‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫باد َر ِة إلى الت ْو َب ِة؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلن ُ‬ ‫وار ‪-‬‬ ‫َ‬
‫يان الع ِ‬ ‫ذار‪ -‬بعد ب ِ‬ ‫عن هذا اإلن ِ‬
‫ِّ ْ َ‬ ‫ْ َ َ َّ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ ْ َ ُ ْ ُ َّ ُ ْ‬
‫عام؛ أت َب َع ذ ِل َك‬ ‫ْ‬
‫مال ِه؛ و أثبت التو ِحيد على وج ٍه ٍ‬ ‫زال ً ِه؛ وغي ِرذ ِلك ِمن ك ِ‬ ‫عال ِه؛ ِمن َْإر ِ‬
‫سال ِه َ؛ و إن ِ‬ ‫بات َأف ِ‬ ‫*وْلا أبط َل الكف َركله؛ ِبإث َ ِ‬ ‫‪75‬‬
‫خاصا َب ْع َد َدليل ِّ‬ ‫كان ذل َك َدليَل ًّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫عام‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫ِ ٍ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫تخ ِصيص ما ك ْ ُفر ِب ِه امل َّخاطبون ِباإلب ِ‬
‫طال؛ ف‬
‫عام ) بيان خواصهما اآلدمية بعد بيان منزلتهما السامية عند هللا‪ -‬تعالى‪ -‬وقد اختيرت هذه الصفة‬ ‫*وقوله ( كانا َيأكَلن الط َ‬
‫ِ‬
‫لهما من بين صفات كثيرة كاْلشرب واْللبس‪ْ .‬لنها صفة واضحة‪.‬‬
‫ظاهرة للناس‪ ،‬ودالة على احتياجهما لغيرهما في مطلب حياتهما‪ ،‬ومن يحتاج إلى غيره ال يكون إلها‪– .‬الوسيط‪-‬‬
‫تعالى‪ -‬رسوله وكل‬ ‫*ففي هذه الجمل الكريمة رد على ما زعمه النصارى في شأن عيس ى وأمه بأبلغ وجه وأحكمه‪ ،‬ولذا عجب هللا‪-‬‬
‫ُ َّ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ ُ َ ْ َ ُ َ ِّ ُ َ ْ‬
‫يات ثم انظرأنى يؤفكون‬ ‫من يصلح للخطاب من جهلهم وبعدهم عن الحق مع وضوحه وظهوره فقال‪ :‬انظ ْركيف نب ِين ل ُه ُم اآل ِ‬
‫أى‪ :‬يصرفون يقال أفكه يأفكه إذا صرفه عن الش يء‪.‬‬
‫أى‪ :‬انظر‪ -‬يا محمد‪ -‬كيف تبين لهم اْلدلة اْلنوعة على حقيقة عيس ى وأمه بيانا واضحا ظاهرا‪ .‬ثم انظربعد ذلك كيف‬
‫ينصرفون عن اإلصاخة إليها والتأمل فيها لسوء تفكيرهم‪ ،‬واستيَلء الجهل والوهم والعناد على عقولهم‪.‬‬
‫فالجملتان الكريمتان تعجيب لكل عاقل من أحوال النصارى الذين زعموا أن هللا هو اْلسيح ابن مريم‪ ،‬أو أن هللا ثالث ثَلثة‪.‬‬
‫مع أنه‪ -‬سبحانه‪ -‬أقام لهم اْلدلة اْلتعددة على بطَلن ذلك‪– .‬الوسيط‪-‬‬
‫*ثم ذكر حقيقة املسيح وأُ ِّمه‪ ،‬الذي هو الحق‪– .‬السعدي‪-‬‬ ‫‪76‬‬
‫*ثم تابع‪ -‬سبحانه‪ -‬حديثه عن ضَلل أهل الكتاب وجهالتهم فأمررسوله‪ -‬صلى هللا عليه وسلم أن يوبخهم على عنادهم وغفلتهم‬
‫وأن يواصل دعوتهم إلى الدين الحق‪– .‬الوسيط‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫السالم‪ ،‬وكان قد توعد من زعم ذلك‪ ،‬ثم استدعاهم‬ ‫اإللهي ِة عن عِيسى عليه َّ‬
‫َّ‬ ‫انتفاء‬
‫َ‬ ‫والعقل‬
‫ِ‬ ‫قل‬
‫الن ِ‬
‫ليل َّ‬ ‫*ْلا بين تعالى َ‬
‫بد ُ ِ‬
‫‪-74‬وقال ابن كثير‪ :‬هذا من كرمه‪ -‬تعالى‪ -‬وجوده ولطفه ورحمته‬ ‫َ‬
‫أي‬
‫اقتداره على دفْعِ ِّ‬‫ِ‬ ‫وعد ُم‬
‫آخر‪ ،‬وهو عج ُز عِيسى عليه السالم‪َ ،‬‬ ‫ووبخهم مِن وج ٍه َ‬ ‫فران‪ -‬أنكرعليهم‪َّ ،‬‬ ‫وطلب الغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫للتوبة‪،‬‬
‫ِ‬
‫دفع عن ُكم‪-‬أبو حيان‪-‬‬ ‫ي‬ ‫أال‬
‫َّ‬ ‫حري‬ ‫ه‬‫س‬‫ِ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫عن‬ ‫َع‬‫ف‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫كان‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ضر ٍر َ‪َْ َّ َ ٍ ْ ِّ ِ ْ َْ َ ،‬‬
‫وأن‬ ‫‪،‬‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫أي‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫وج‬
‫بخلقه‪ .‬مع هذا الذنب العظيم‪ ،‬وهذا االفتراء والكذب واإلفك‪،‬‬ ‫اإلعراض َع ْن ُهم؛ْ‬ ‫قال ‪ُ -‬م ْنك ًرا؛ ُم َ‬
‫ص ِّر ًحا ب ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ َّ َ ِّ ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ٌّ َ َ َ ْ َُ ِّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫الص َ‬ ‫*و َْلِّا نفى عن ُهما َّ‬
‫يدعوهم إلى التوبة واْلغفرة‪ .‬فكل من تاب إليه تاب عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصفات؛ ف‬‫ات؛ أتبعها نفي ذ ِلك ِمن حيث ِ‬‫َلحيًة ِل ْ ُرت ْب ِة اإلل ِ َهي ِة ِللذ ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ًَ‬
‫بال َعل ْي ِه ْم‪– .‬البقاعي‪-‬‬
‫ِ‬ ‫إشارة إلى َّأنهم ل ْي ُسوا ْأهَل ِلإلق‬
‫َْ ً‬ ‫َُ َ‬
‫*وقدم‪ -‬سبحانه‪ -‬الضر على النفع فقال‪ :‬ما ال َي ْم ِل ُك لك ْم ض ًّرا َوال نفعا ْلن النفوس أشد تطلعا إلى دفعه من تطلعها إلى‬
‫جلب الخير‪ ،‬وْلنهم كانوا يعبدون غيرهللا‪ -‬تعالى‪ -‬وهمهم اْلكبرأن هذا اْلعبود يستطيع أن يقربهم إلى هللا زلفى‪ ،‬وأن يمنع عنهم‬
‫اْلصائب واالضرار‪- .‬الوسيط‪-‬‬
‫‪62‬‬
‫أن‬
‫أم َر ُه ﷺ ْ‬ ‫النصارى؛ و َل ْم َيْب َق ِأل َح ٍد ِعلَّةٌ؛ َ‬ ‫ْالن ُم َّدعى َّ‬
‫الي ُهودِ؛ ث َُّم َعلى ُبط ِ‬
‫ْالن َق ْو ِل َ‬
‫قام ِت األدَِّلةُ َعلى ُبط ِ‬ ‫*وملَّا َ‬ ‫‪77‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫زال ِه َع ْن ُرت َب ِت ِه؛ والنصارى؛ ِب َرف ِع ِه‬
‫الم ‪-‬؛ الي ُهود؛ ِبإن ِ‬
‫الس ُ‬‫أم ِر عِيسى ‪َ -‬علَ ْي ِه َّ‬
‫ِل ِف ْ‬ ‫ني َع ِن ال ُغلُ ِّو ِبالباط ِ‬
‫َي ْنهى ال َف ِري َقْ ِ‬
‫َع ْنها‪-.‬البقاعي‪-‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُ ْ َْ َ ْ‬
‫تاب ال تغلوا ِفي ِدي ِنك ْم‬‫*ثم أرشدهم‪ -‬سبحانه‪ -‬إىل طريق الحق‪ ،‬ونهاهم عن الغلو الباطل فقال‪ :‬قل يا أهل ال ِك ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ ِّ َ َ َّ ُ َ ْ َ َ‬
‫واء ق ْو ٍم والغلو مصدرغَل في اْلمر‪ :‬إذا تجاوزالحد‪ .‬وهو نقيض التقصير‪.‬‬ ‫غيرالح ِق‪ ،‬وال تت ِبعوا أه‬
‫وقد نهى النبي‪ -‬صلى هللا عليه وسلم عن الغلو حتى في الدين‪ ،‬فقد روى اإلمام أحمد والنسائي و ابن ماجة والحاكم‬
‫عن ابن عباس أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قلبكم بالغلو في‬
‫الدين» ‪.‬‬
‫واْلعنى‪ :‬قل يا محمد ْلهل الكتاب الذين تجاوزوا الحدود التي تقرها الشرائع والعقول‬
‫وروى البخاري عن عمربن الخطاب أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬ال تطرونى كما أطرت النصارى ابن‬
‫ُ َ ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫مريم إنما أنا عبد فقولوا‪ :‬عبد هللا ورسوله» ‪.‬‬ ‫السليمة‪ ،‬قل لهم يا أهل الكتاب‪ :‬ال تغلوا ِفي ِدي ِنك ْم غ ْي َرال َح ِ ِّق أى‪ :‬ال تتجاوزوا حدود هللا‬

‫وروى مسلم عن ابن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬هلك اْلتنطعون‪ .‬قالها‬ ‫تجاوزا باطَل‪ ،‬كأن تعبدوا سواه مع أنه هو الذي خلقكم ورزقكم‪ ،‬وكأن تصفوا عيس ى‬

‫ثَلثة» «‪ »٣‬واْلتنطعون هم اْلتشددون اْلتجاوزون للحدود التي جاءت بها تعاليم اإلسَلم‪-.‬الوسيط‪-‬‬ ‫بأوصاف هو برىء منها‪.‬‬
‫َ َ َّ ُ َ ْ َ َ‬
‫واء ق ْو ٍم أى‪ :‬وال تتبعوا شهوات و أقوال قوم من أسَلفكم‬ ‫وقل لهم أيضا‪ :‬وال تت ِبعوا أه‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫وعلمائكم ورؤسائكم ق ْد ضلوا ِم ْن ق ْب ُل أى‪ :‬قد ضلوا من قبل بعثة النبي صلى هللا عليه‬
‫يل أى‪ :‬عن الطريق الواضح‬ ‫أى أنهم قد ضلوا من قبل البعثة النبوية الشريفة‪ ،‬وضلوا من بعدها عن َسوا ِء َّ‬
‫الس ِب ِ‬
‫الذي أتى به النبي صلى اهلل عليه وسلم وهو طريق اإلسالم وذلك ألنهم لم يتبعوه صلى اهلل عليه وسلم مع‬ ‫وسلم بتحريفهم للكتب السماوية وتركهم لتعاليمها جريا وراء شهواتهم وأهوائهم‬
‫معرفتهم بصدقة بل كفروا به حسدا له على ما آتاه اهلل من فضله‪.‬‬ ‫َ َ ُّ َ ً‬
‫فأنت ترى أنه‪ -‬تعاىل‪ -‬قد وصفهم‪ -‬كما يقول اإلمام الرازي‪ -‬بثالث درجات ِف الضالل‪ :‬فبني أنهم كانوا ضالني‬ ‫َوأضلوا ك ِثيرا أى أنهم لم يكتفوا بضَلل أنفسهم بل أضلوا أناسا كثيرين سواهم ممن‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ ْ َ‬
‫من قبل‪ ،‬ثم ذكر أنهم كانوا مضلني لغْيهم‪ ،‬ثم ذكر أنهم استمروا على تلك الحالة حتى اآلن ضالون كما كانوا‬ ‫الس ِبي ِل معطوف على قوله ق ْد‬
‫واء َّ‬
‫قلدهم وو افقهم على أكاذيبهم وقوله‪ :‬وضلوا عن س ِ‬
‫وال نجد حالة أقرب إىل البعد من اهلل والقرب من عقابه من هذه الحالة ويحتمل أنهم ضلوا وأضلوا ثم ضلوا‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬
‫بسبب اعتقادهم ِف ذلك اإلضالل أنه إرشاد إىل الحق‬ ‫ضلوا ِم ْن ق ْب ُل‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫لعنة األنبياء على الكفرة من بني إسرائيل‪)81 - 78( :‬‬ ‫(‪)86-82‬‬
‫من يواد و يعادي أهل‬
‫اإليمان‬

‫لم تجد اْلقوال لتمنع بني إسرائيل عـن التعدي على حدود هللا والشرك‪ ،‬فجاء الجزاء‬
‫لعنةاألنبياء عليهم‬

‫وبنو إسرائيل يرون من يستحل محارم هللا‪ ،‬وينتهك الحرمات‪ ،‬ويعيث في اْلرض الفساد فَل‬
‫ينهون عن ذلك‪ ،‬بل يجالسون من يفعل ذلك وال يستحيون‪ ،‬فلهذا لعنهم هللا‪ .‬وعندهم مع‬
‫أهل الكفروالفسق‪ ،‬التقاء في التفلت واالنحَلل والعصيان‪ ،‬ولهذا يتولى بنو إسرائيل كل‬
‫فاسق وكافر ومجرم‪ ،‬يعينونه ويناصرونه‪ .‬بهذا الفعل سخط هللا عليهم وغضب‪ ،‬فعاشوا في‬
‫عذاب النفس في الدنيا وأعد لهم في اآلخرة العذاب اْلليم السرمدي‪ .‬فلذلك أمرنا رسول‬
‫هللا ﷺ أال نكون كبني إسرائيل فقال‪( :‬والذي نفس ي بيده لتأمرن باْلعروف ولتنهون عن‬
‫ً‬
‫اْلنكرأو ليوشكن هللا أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فَل يستجيب لكم)(‪.)۲‬‬

‫‪64‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫* َْلَّا َ ُ‬
‫دلل على ذلِك بلَ ْعنِهم مِن أنبيائِهم ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ِن َقْب ُل‪َّ ،‬‬‫ضلُّوا م ْ‬ ‫اآلية السابق ِة َ أنهم َق ْد َ‬ ‫ذك َرهللا َ َسبحانه في ِ‬ ‫‪78‬‬
‫يس ى ْاب ِن َم ْرَي َم‪.‬‬ ‫يل َعلى ل َسان َد ُاو َد َوع َ‬ ‫ين كف ُروا م ْن َبني إ ْس َر ا ِئ َ‬ ‫ُلع َن َّالذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫بذلك ‪.‬‬‫وعيس ى عليهم ِ‬ ‫عوة نبيي ِه داود ِ‬ ‫قد طرد َكف َاربني إسرائيل‪ ،‬و أبعدهم عن رحم ِته بد ِ‬ ‫أي‪ :‬إن هللا تعالى‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ َْ ََ‬
‫ذ ِلك ِبما عصوا وكانوا يعتدون‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫أي‪َّ :‬‬
‫لعباده‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫لمهم ِ‬ ‫هلل تعالى‪ ،‬وظ ِ‬ ‫بسبب ِعصيانهم ِ‬ ‫ِ‬ ‫قد وقع عليهم‬ ‫إن ِذلك اللعن‬
‫ْ‬ ‫َُْ‬ ‫َ َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫َلت‪ ،‬وأوقعت بهم‬‫ومعاص أحلت بهم اْلث ِ‬ ‫ٍ‬ ‫دوان‬
‫مانهم‪ِ ،‬من ع ٍ‬ ‫عتمدونه في ز ِ‬ ‫ثم بين هللا تعالى حالهم فيما كانوا ي ِ‬ ‫‪79‬‬
‫قوبات‪-.‬املحرر‪-‬‬ ‫ُ‬
‫الع‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ ْ َُ َ‬ ‫ْ‬
‫وه‪ ،‬لبئ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ناه ْون َع ْن ُمنكرف َعل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كانوا ال َيت َ‬ ‫ُ‬
‫س ما كانوا يفعلون‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ثم فسر‪ -‬سبحانه‪ -‬عصيانهم وعدوانهم بقوله‬
‫ََ َ َ‬
‫ناه ْون من التناهى‪.‬‬ ‫وقوله يت‬
‫قال الفخرالرازي‪ :‬وللتناهى هاهنا معنيان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬وهو الذي عليه الجمهور‪ -‬أنه تفاعل من النهى‪ .‬أى‪ :‬كانوا ال ينهى بعضهم بعضا‪.‬‬
‫روى ابن مسعود عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪« :‬من رض ى عمل قوم فهو منهم‪ .‬ومن كثرسواد قوم فهو‬
‫منهم» واْلعنى الثاني‪ :‬في التناهى أنه بمعنى االنتهاء عن اْلمر‪ ،‬تناهى عنه إذا كف عنه»‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ َ ََ َ‬
‫أج َد ُرمن َغ ْيرهمْ‬ ‫يادة َت ْهديد؛ ْل َّن ُه ْم؛ َم َع َك ْونه ْم َعلى اْلُ ْن َكر؛ ال َي ْن َه ْو َن َغ ْي َرهم َع ْن ُه؛ َم َع َّأنهم ْ‬ ‫* َخص ال ُع َلماء منهم بز َ‬ ‫ومن معاصيهم التي أحلت بهم املثالت‪ ،‬وأوقعت بهم العقوبات أنهم‪﴿ :‬كانوا ال َيتن َاه ْون َع ْن ُمنك ٍر‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ْ َ ُ ِ َ ِ ُ ِ ْ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه﴾ أي‪ :‬كانوا يفعلون اْلنكر‪ ،‬وال ينهى بعضهم بعضا‪ ،‬فيشترك بذلك اْلباشر‪ ،‬وغيره الذي سكت عن‬ ‫َف َع ُل ُ‬
‫ِبالنه ِي؛ فصاروا على منكري ِن ش ِديد ِي الشناع ِة‪-.‬البقاعي‪-‬‬
‫النهي عن اْلنكرمع قدرته على ذلك‪ .‬وذلك يدل على تهاونهم بأمرهللا‪ ،‬وأن معصيته خفيفة عليهم‪ ،‬فلو كان‬
‫َ َّ َ َّ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َن َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ َ ْ َ َ ُ ْ ُ َ ْ‬ ‫َ َّ‬
‫س َما كانوا َيف َعلون وأخ َب َرأنهم‬ ‫ف اهلل تعاىل أسالفَهم بما تقدم بأنهم كانوا ال يتناهو عن منك ٍرفعلوه ل ِبئ‬ ‫َ‬ ‫وص‬
‫َ‬ ‫*ْلا‬ ‫‪80‬‬ ‫لديهم تعظيم لربهم لغاروا ملحارمه‪ ،‬ولغضبوا لغضبه‪ ،‬و إنما كان السكوت عن اْلنكر‪-‬مع القدرة‪ -‬موجبا‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ودلل على ذلك بأمرظاهرمنهم‪ ،‬فوصف الحاضرين منهم َّ‬ ‫َّ‬ ‫قرون ُ‬
‫بأنهم َيتول ْون الكف َاروعبدة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اْلنكرات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫كانوا ُي ُّ‬ ‫للعقوبة‪ْ ،‬لا فيه من اْلفاسد العظيمة‪ :‬منها‪ :‬أن مجرد السكوت‪ ،‬فعل معصية‪ ،‬وإن لم يباشرها الساكت‪.‬‬
‫اْلوثان‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫فإنه ‪-‬كما يجب اجتناب اْلعصية‪ -‬فإنه يجب اإلنكارعلى من فعل اْلعصية‪ .‬ومنها‪ :‬ما تقدم أنه يدل على‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ِّ ِ ْ َ َ ْ‬
‫ثاب ٍت؛ دا ِئ ٍم‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫ٍِ ِ‬‫؛‬‫م‬‫الز‬ ‫؛‬ ‫م‬ ‫نه‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ظاه‬ ‫ر‬‫أم‬
‫ِ ِ ٍ ِ ٍ ِ‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫لى‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫؛‬‫ر‬ ‫ِ ِ‬‫ناك‬ ‫اْل‬ ‫لى‬ ‫ع‬ ‫م‬‫ه‬‫*وْلا أخبر ِب ِ ِ‬
‫رار‬ ‫إق‬ ‫التهاون باْلعاص ي‪ ،‬وقلة االكتراث بها‪ .‬ومنها‪ :‬أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على اإلكثار من اْلعاص ي إذا‬
‫فر‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ذلك‬ ‫د‬ ‫أك‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫دليال على كفرهم؛ لقوله‪َ :‬ت َرى َكث ًيرا م ْن ُه ْم َي َت َو َّل ْو َن َّالذ َ‬
‫ين َك َف ُ‬ ‫قد يكون ً‬ ‫‪81‬‬ ‫لم يردعوا عنها‪ ،‬فيزداد الشر‪ ،‬وتعظم اْلصيبة الدينية والدنيوية‪ ،‬ويكون لهم الشوكة والظهور‪ ،‬ثم بعد‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫الكفار ْ‬ ‫توليهم َّ‬ ‫كان ِّ‬ ‫*ملَا َ‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ َو َل ْو َك ُانوا ُي ْ ُ ََن َّ َ َّ‬ ‫ذلك يضعف أهل الخيرعن مقاومة أهل الشر‪ ،‬حتى ال يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه َّأوال‪ .‬ومنها‪ :‬أن ‪-‬‬
‫البقاعي‪َ ْ ُ ُ َ َّ -‬‬ ‫ؤمنو باَّلل والنبي‪- ....‬‬ ‫بقوله‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ُ ْ ُ َ ِ َّ ِ َ ِ َّ ِّ َ َِ ِ ُ ْ َ َ‬ ‫في ترك اإلنكارللمنكر‪ -‬يندرس العلم‪ ،‬ويكثر الجهل‪ ،‬فإن اْلعصية‪ -‬مع تكررها وصدورها من كثيرمن‬
‫اَّلل والن ِب ِي وما أن ِزل ِإلي ِه ما اتخذوهم أو ِلياء﴾ فإن اإليمان باهلل وبالنبي وما أنزل إليه‪ ،‬يوجب‬ ‫*﴿ولو كانوا يؤ ِمنون ِب ِ‬
‫واإليمان‬ ‫والية هللا‬ ‫اْلشخاص‪ ،‬وعدم إنكارأهل الدين والعلم لها ‪ -‬يظن أنها ليست بمعصية‪ ،‬وربما ظن الجاهل أنها عبادة‬
‫ِ‬ ‫على العبد مواالة ربه‪ ،‬ومواالة أوليائه‪ ،‬ومعاداة من كفربه وعاداه‪ ،‬وأوضع في معاصيه‪ ،‬فشرط ِ‬ ‫مستحسنة‪ ،‬وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما َّ‬
‫به‪ ،‬أن ال يتخذ أعداء هللا أولياء‪ ،‬وهؤالء لم يوجد منهم الشرط‪ ،‬فدل على انتفاء اْلشروط‪.‬‬ ‫حرم هللا حَلال؟ و انقَلب الحقائق على النفوس ورؤية‬
‫ُ‬ ‫َ َ َّ َ ً ْ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫الباطل حقا؟" ومنها‪ :‬أن السكوت على معصية العاصين‪ ،‬ربما تزينت اْلعصية في صدور الناس‪ ،‬و اقتدى‬
‫اسقون﴾ أي‪ :‬خارجون عن طاعة هللا واإليمان به وبالنبي‪ .‬ومن فسقهم مواالة أعداء هللا‪-.‬‬ ‫﴿ول ِكن ك ِثيرا ِمنهم ف ِ‬
‫السعدي‪-‬‬ ‫بعضهم ببعض‪ ،‬فاإلنسان مولع باالقتداء بأضرابه وبني جنسه‪ ،‬ومنها ومنها‪ .‬فلما كان السكوت عن اإلنكار‬
‫بهذه اْلثابة‪ ،‬نص هللا تعالى أن بني إسرائيل الكفارمنهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم‪ ،‬وخص من ذلك هذا‬
‫العظيم‪.‬‬
‫اْلنكر ‪65‬‬
‫من يواد ويعادي أهل اإليمان‪)86 -82( :‬‬

‫بعـد أن بني اهلل تعاىل من لعـن اليهود من األنبياء يبني اهلل تعاىل ِف اآليات اآلتية من يواد‬
‫ويعادي املؤمنني‪.‬‬
‫يكشـف اهلل تعاىل لهذه األمة حقيقة ما ِف قلوب اليهود واملشركني من عـداوة وبغضاء ألهـل‬
‫اإليمان من هذه األمة‪ ،‬اليهود يبغضون هـذا الدين وهذا النبي الكريم وهذه األمة بغضاً شديداً‪.‬‬
‫( ولتجـدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى ) واآلية تبين أن في النصارى أتباع عيس ي‬
‫والذين هم على منهجه بأنه عبد هللا ورسوله رقة ومودة ْلهل اإلسَلم‪ ،‬ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا‬
‫ِ َّ‬ ‫َ‬
‫ابقة؛ ذ َك َر ِف هذه اآلي ِة‬
‫اآليات الس ِ‬ ‫والنصارى ما ذك َره في‬ ‫أهل الكِتاب من اليهو ِد َّ‬ ‫أحوال ِ‬ ‫ِ‬ ‫*ملََّا ذ َك َر اهلل تعاىل مِن‬ ‫‪82‬‬ ‫وأنهم ال يستكبرون ‪ .‬يشهد هللا لهـم بأن القسيسين ال يتكبرون‪ ،‬وإنها من شيمتهم التواضع وكذلك‬
‫ُ‬ ‫رهبانهم وهم العباد‪. .‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫للمشركني ِف ِش َّدة العداو ِة‪ ،‬بل نبه على أنهم‬ ‫ناء‬ ‫أن اليهو َد ِف غاي ِة العداو ِة مع‬
‫َ‬ ‫جعلَهم ُق َر َ‬‫املسلمني؛ ولذلك َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫اْلشركين‪– .‬املحرر‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫العداوة من اْلشركين ِمن ِجهة أنه قدم ِذكرهم على ِذكر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أشد في‬
‫تعاىل ِف بيان أقرب الطائفتني إىل املسلمني‪َ ،‬وإىل واليتهم ومحبتهم‪ ،‬وأبعدهم من ذلك‪:‬‬ ‫يقول‬
‫َْ َ‬ ‫ً َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ ْ ُ ْ ِّ‬ ‫َ َ َ ً َّ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ َّ َ ْ َ ُ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َّ َّ‬
‫يسين َو ُر ْه َبانا َوأ َّن ُه ْم ال َي ْستك ِب ُرون‪.‬‬‫*ذ ِلك ِبأن ِمنهم ِق ِس ِ‬ ‫اس عداوة ِلل ِذين آمنوا اليهود وال ِذين أشركوا﴾ فهؤالء الطائفتان على اإلطَلق‬ ‫﴿لت ِجدن أشد الن ِ‬
‫أعظم الناس معاداة لإلسَلم واْلسلمين‪ ،‬وأكثرهم سعيا في إيصال الضررإليهم‪ ،‬وذلك لشدة‬
‫او ًة‪ ،‬وقال ِف‬
‫اس َع َد َ‬ ‫حق اليهو ِد‪ :‬أَ َش َّد َّ‬
‫الن ِ‬ ‫والنصارى‪ ،‬فقال ِف ِّ‬ ‫الحاص َل بني اليهو ِد َّ‬ ‫ِ‬ ‫التفاوت‬
‫َ‬ ‫ملََّا ذ َكر اهلل تعاىل‬
‫بغضهم لهم‪ ،‬بغيا وحسدا وعنادا وكفرا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َّ ً َّ َ َ ُ َّ َ َ ُ َّ َ‬
‫فاوت‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫الت ِ‬
‫قب ذلك ب ِعلَّة هذا َّ‬ ‫النصارى‪ :‬أَ ْق َرَب ُه ْم َم َو َّد ًة أ ْع َ‬
‫حق َّ‬ ‫ِّ‬ ‫﴿ولت ِجدن أقربهم مودة ِلل ِذين آمنوا ال ِذين قالوا ِإنا نصارى﴾ وذكرتعالى لذلك عدة أسباب‪ :‬منها‪ :‬أن‬
‫﴿م ْن ُه ْم ق ِّسيس َين َو ُر ْه َب ًانا﴾ أي‪ :‬علماء متزهدين‪ُ ،‬‬
‫وع َّب ًادا في الصوامع متعبدين‪ .‬والعلم مع الزهد‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ح (تَعاىل)‬ ‫داو ِة لَ ُه ْم؛ َص َّر َ‬ ‫غاي ِة َ‬
‫الع َ‬ ‫ِني؛ َعلى َّأنهم ِف َ‬ ‫ون املُْؤ ِمن َ‬
‫ِني ُد َ‬
‫كالش ْم ِس ‪َ -‬م ْيلُهم إىل املُ ْش ِرك َ‬ ‫*وملَّا َد َّل ‪َّ -‬‬
‫وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه‪ ،‬ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة‪ ،‬فلذلك ال يوجد‬
‫ْ ُ ِّ‬ ‫َ َ َ َّ َ َّ ِّ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫أي‪ :‬ك ِل ِه ْم؛‬ ‫اس﴾؛‬ ‫ِس ِق ‪﴿ :-‬لت ِجدن أشد الن ِ‬ ‫داال َعلى ُر ُسو ِخ ِه ْم ِف الف ْ‬ ‫َقال ‪ًّ -‬‬ ‫يق ِاال ْس ِت ْنتاجِ؛ ف َ‬‫َر ِ‬
‫ِك؛ َعلى ط ِ‬ ‫ِب َذل َ‬ ‫فيهم غلظة اليهود‪ ،‬وشدة اْلشركين‪ .‬ومنها‪﴿ :‬أنهم ال َي ْستك ِب ُرون﴾ أي‪ :‬ليس فيهم تكبروال عتو عن‬
‫َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ ً َّ َ ُ‬
‫ود﴾؛ ق َّد َمهم ِْل َّنهم أش ُّد‬ ‫اس ِخين ِف ِيه؟! ﴿اليه‬ ‫ف ب ِّ‬
‫الر ِ‬ ‫اإليمان؛ فكي ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلق َ‬
‫رار ِب‬ ‫أي‪ :‬أظ َه ُروا‬ ‫ين َآمنوا﴾؛‬ ‫﴿عداوة ِلل ِذ‬ ‫االنقياد للحق‪ ،‬وذلك موجب لقربهم من اْلسلمين ومن محبتهم‪ ،‬فإن اْلتواضع أقرب إلى الخيرمن‬
‫ً‬ ‫ِّ َ ْ‬ ‫اْلستكبر‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫الء َج ْهَل؛‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ ْ ُ‬ ‫َّ ُ ْ َ َ‬ ‫َ َْ‬
‫ياء؛ هؤ ِ‬ ‫ضال على ِعل ٍم؛ ﴿وال ِذين أش َركوا﴾؛ ِْلا ج َمعهم ِمن ِاالس ِتهان ِة ِباْلن ِب ِ‬ ‫الف ِريقي ِن؛ ِْلنه ال أقبح ِمن ٍ‬
‫ِّ‬
‫واالة إال‬
‫ََْ ُ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ً َ ْ ً َ ُ َ َّ َ َ َ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫وال ِيهم ِبقل ِب ِه؛ وال ِب ِلسا ِن ِه؛ وأنهم ما اجتمعوا على اْل ِ‬ ‫وأول ِئك ِعنادا؛ وبغيا؛ فع ِرف أن من صدق في إيما ِن ِه ال ي ِ‬
‫َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ َّ َ َ َ‬
‫اآلية ت ْع ِليل ِْلا ق ْبلها‪- .‬البقاعي‪-‬‬ ‫داو ِة ِْلن َآم َن؛ ف َه ِذ ِه‬ ‫ماع ِه ْم في أش ِدي ِة الع‬ ‫ْ‬
‫ِالج ِت ِ‬ ‫‪66‬‬
‫الر ُسو ِل﴾ محمد ﷺ‪ ،‬أثر ذلك ِف قلوبهم وخشعوا له‪ ،‬وفاضت‬ ‫*إذا َس ِم ُعوا َما ُأ ْنز َل إ َلى َّ‬ ‫‪83‬‬
‫َ‬ ‫ِ ِ‬
‫أعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه‪ ،‬فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا‪َ ﴿ :‬رَّبنا‬
‫الشاهد َ‬ ‫َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ َّ‬
‫ين﴾ وهم أمة محمد ﷺ‪ ،‬يشهدون هلل بالتوحيد‪ ،‬ولرسله بالرسالة‬ ‫ِ ِ‬ ‫آمنا فاكتبنا مع‬
‫وصحة ما جاءوا به‪ ،‬ويشهدون على اْلمم السابقة بالتصديق والتكذيب‪ .‬وهم عدول‪،‬‬
‫َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ ً َ َ ً َ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ َّ‬
‫اس‬
‫كما َقال ًتعالى‪﴿ :‬وكذ ِلك جعلناكم أمة وسطا ِلتكونوا شهداء على الن ِ‬ ‫شهادتهم مقبولة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ْ ُ‬
‫ويكون الرسول عليكم ش ِهيدا﴾‪-‬السعدي‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َّ‬
‫اَّلل َو َما َج َاءنا‬ ‫‪84‬‬
‫ومسارعتهم فيه‪ ،‬فقالوا‪﴿ :‬وما لنا ال نؤ ِمن ِب ِ‬ ‫*فكأنهم ليموا على إيمانهم‬
‫َ ْ َ ِّ َ َ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُّ َ َ َ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ِمن الح ِق ونطمع أن يد ِخلنا ربنا مع القو ِم الص ِال ِحين﴾ أي‪ :‬وما الذي يمنعنا من اإليمان‬
‫باهلل‪ ،‬والحال أنه قد جاءنا الحق من ربنا‪ ،‬الذي ال يقبل الشك والريب‪ ،‬ونحن إذا آمنا‬
‫و اتبعنا الحق طمعنا أن يدخلنا هللا الجنة مع القوم الصالحين‪ ،‬فأي مانع يمنعنا؟ أليس‬
‫ذلك موجبا للمسارعة واالنقياد لإليمان وعدم التخلف عنه‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫الر ُسول َت َرى َأ ْع ُي َن ُه ْم َتف ُ‬
‫يض م َن َّ‬
‫الد ْم ِع﴾ [ اْلائدة‪]83:‬‬ ‫َ َ َ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫اس ِت ْعدا ِده ْم؛ َذ َك َ‬ ‫*و َْلِّا َذ َك َرقولهم ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿و ِإذا س ِمعوا ما أ ِنزل إلى َّ ِ‬ ‫زاءهم َعل ْي ِه‪-.‬‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫وجميل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َعلى ُح ْسن اعتِقا ِدهِم؛ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الد َّ‬
‫َ َْ ُُ‬ ‫‪85‬‬
‫أي شخص يقرأ اآلية السابقة يعلم أن هذا الذي فاض في عيونهم من الدموع حين سمعوا القرآن أنه ش يء فاق قدرتهم على‬ ‫البقاعي‪-‬‬
‫االحتمال ‪..‬‬
‫هذا السر الذي في القرآن هو الذي استثارتلك الدمعات التي أر اقوها من عيونهم حين سمعوا كَلم هللا ‪..‬‬ ‫*وْلا ذكرثواب املحسنين‪ ،‬ذكرعقاب اْلسيئين‪-.‬السعدي‪-‬‬ ‫‪86‬‬
‫ْلاذا تساقطت دمعاتهم؟ إنها أسرار القرآن‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أثاب به أولئك النصارى‪ ،‬الذين آمنوا بالرسو ِل‬ ‫أن ما َ‬ ‫السابقة َّ‬‫هللا تعالى في آخراآلية َّ‬ ‫* َْلَّا َّبين ُ‬
‫ِ ِ َّ ِ‬
‫صلى ُ‬ ‫َّ‬
‫ن‬
‫هذه الظاهرة البشرية التي تعتري بني اإلنسان حين يسمعو القرآن ليست مجرد استنتاج علمي أومَلحظات نفسانية‪..‬‬ ‫كإيمانهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫عنده‪ ،‬الذين آمنوا‬
‫املحسنني َ‬
‫جزاء جميعِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫هللا عليه وسل َم‪ ،‬هو‬ ‫اْلعظم‬
‫َ ِ‬
‫بل هي ش يء أخبرنا هللا أنه أودعه في هذا القرآن ‪ ..‬ليس تأثير القرآن في النفوس والقلوب فقط ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫بل ‪ -‬أيضا ‪ -‬تأثيره الخارجي على الجوارح ‪ ..‬الجوارح ذاتها تهتز وتضطرب حين سماع القرآن‪..‬‬
‫ً‬ ‫سيئني إىل أَن ُفسهم بال ُك ْفر‬
‫َ‬ ‫الـم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ء‬ ‫جزا‬ ‫ر‬‫ك‬ ‫بذ‬
‫ِ‬ ‫عليه‬ ‫ب‬ ‫عق‬ ‫‪-‬‬ ‫وعهم‬ ‫ش‬ ‫كخ‬ ‫للحق‬‫ِ‬ ‫عوا‬ ‫وخش‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫تسري في أوصال اإلنسان حين يسمع القرآن ‪..‬‬ ‫قشعريرة عجيبة‬ ‫والوعيد‪– .‬املحرر‪-‬‬
‫ِ‬ ‫الوعد‬
‫ِ‬ ‫ب؛ على سن ِة القرآن في الجمع بين‬ ‫والتكذي ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً ُ َ َ ً َ َ َ َ ْ َ ُّ ْ ُ ُ ُ ُ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ ُ ُ ُ ُ ُ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫يث ِكتابا متش ِابها مثا ِني تقش ِعر ِمنه جلود ال ِذين يخشون ربهم ثم ت ِلين جلودهم وقلوبهم إلى ِذك ِر‬ ‫يقول تعالى‪َّ﴿:‬للا نزل أحسن الح ِد ِ‬
‫َّللا﴾ [الزمر‪]23 :‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الحظ كيف يرسم القرآن مراحل التأثر‪ ،‬تقشعر الجلود‪ ،‬ثم تلين‪ ،‬إنها لحظة الصدمة باآليات التي يعقبها االستسَلم اإليماني‪ ،‬بل‬
‫َُ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ ْ َُ َ َْ ُ َ ََ ُ ْ ُ َ‬
‫ص َعقون‪َ ،‬و َي ْسأ َلون َوال‬
‫املحسنات الخطابية) في أساليب مخاطبة الناس‬ ‫واالستعداد اْلفتوح لَلنقياد ْلضامين اآليات‪ ..‬ولذلك مهما استعملت من ( ِّ‬
‫قال القرطبي‪-‬وه ِذ ِه أحوال العلم ِاء يبكون وال ي‬
‫و إقناعهم فَل يمكن أن تصل ْلستوى أن يقشعر الجلد في رهبة اْلواجهة اْلولى باآليات‪ ،‬ثم يلين الجلد والقلب لربه ومواله‪ ،‬فيستسلم‬ ‫َ ُ َن َ َ َ َ َ ُ و َن َوَال َي َت َم َّو ُتو َن‪ ،‬كما قال تعالى‪ُ َّ " :‬‬
‫َّللا َن َّز َل أ ْح َسنَ‬
‫وينقاد بخضوع غير مشروط‪..‬‬ ‫ي ِصيحو ‪ ،‬ويتحازن‬
‫ً َ َ َ ْ َ ُّ ْ ُ ُ ُ ُ َّ َ َ ْ َ ْ َن َ َّ ُ ْ ُ َّ َ ُ‬ ‫ً َ‬ ‫ْ َ‬
‫وفي مقابل ذلك كله ‪ ..‬حين بعض أهل اْلهواء يسمع آيات القرآن وال يتأثر بها‪ ،‬وال يخضع ْلضامينها‪ ،‬وال ينفعل وجدانه بها‪ ،‬بل‬ ‫ترى‬ ‫شابها مثا ِني تقش ِعر ِمنه جلود ال ِذين يخشو ربهم ثم ت ِلين‬ ‫ِ‬ ‫يث ِكتابا ُمت‬
‫الح ِد ِ‬
‫ربما استمتع بالكتب الفكرية والحوارات الفكرية وتلذذ بها وقض ى فيها غالب عمره‪ ،‬وهو هاجر لكتاب هللا يمر به الشهر والشهران‬ ‫َّللا(‪ ]" )٢‬الزمر‪.]٢٣ :‬‬ ‫ْ َّ‬ ‫ُُ ُ ُ ْ َ ُُ ُُ ْ‬
‫والثَلثة وهو لم يجلس مع كتاب ربه يتأمله ويتدبره ويبحث عن مراد هللا من عباده‪ ،‬إذا رأيت ذلك كله؛ فاحمد هللا يا أخي الكريم على‬
‫جلودهم وقلوبهم ِإلى ِذك ِر ِ‬
‫﴿ف َو ْيل ل ْل َق َ ُ ُ ُ ْ ْ ْ َّ‬ ‫َ‬
‫اسي ِة قلوب ُهم ِمن ِذك ِر ِ‬
‫َّللا﴾ [الزمر‪]22 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫العافية‪ ،‬وتذكر قول هللا سبحانه‬
‫إبراهيم السكران‬ ‫‪67‬‬
‫بدأ اهلل‪ -‬هذه السورة بآيات من أحكام الحالل والحرام والنسك‪.‬‬
‫ثم جاء بهذا السياق الطويل في بيان أحوال أهل الكتاب ومحاجتهم‪ ،‬فكان أوفى و أتم ما ورد في القرآن من ذلك‪ ،‬ولم يتخلله إال قليل من اْلحكام‪ .‬وهاتان اآليتان وما بعدهما عود إىل أحكام الحالل والحرام والنسك التي بدئت بها السورة‪.‬‬
‫*أنه‪ -‬تعالى‪ -‬ذكرأن النصارى أقرب الناس مودة للذين آمنوا وذكرمن سبب ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا فكان من مقتضى هذا أن يرغب املؤمنون ِف الرهبانية ويظن امليالون للتقشف والزهد أنها مرتبة كمال تقربهم إىل اهلل‪-‬‬
‫َ َ َّ َّ ُ َ ُ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َّ َ َ ُ‬
‫َّللا لك ْم‬ ‫تعالى‪ -‬وهي إنما تتحقق بتحريم التمتع بالطيبات‪ .‬وقد أزال اهلل‪ -‬تعاىل‪ -‬هذا الظن وقطع طريق تلك الرغبة بقوله‪ :‬يا أ ُّي َها ال ِذين آمنوا ال تح ِِّر ُموا ط ِي ِ‬
‫بات ما أحل‬

‫‪68‬‬
‫*ثم وجه‪ -‬سبحانه‪ -‬نداء إىل املؤمنني نهاهم عن تحريم الطيبات التي أحلها اهلل لهم‪،‬‬ ‫‪87‬‬
‫وأمرهم أن يتمتعوا بما رزقهم من رزق طيب حالل‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫َّ ً‬
‫هد‪ ،‬وقد أحدثوا رهبانية‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫الق ِ ِّسيسين ُّ‬ ‫ُ‬ ‫* َْلَّا َت َّ‬
‫والر ُّهبان‪ ،‬وكان ِمن سن ِتهم اْلبالغة في الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫الثناء على‬ ‫قدم‬
‫َ‬
‫هللا تعالى اْلؤمنين‬ ‫الطيبات وغيرذلك‪َّ -‬نبه ُ‬ ‫الت ُّزوج‪ ،‬وعن ْأكل اللحوم‪ ،‬وكثيرمن ِّ‬ ‫َّ‬
‫االنقطاع عن‬ ‫من‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫جميع‬ ‫الثناء على‬ ‫َ‬
‫اطراد‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والق ِسيسين بما لهم ِمن الفضا ِئ ِل ال يقتض ي ِ‬ ‫على أن الثناء على الرهبان ِ‬
‫الرهبانية‪-.‬ابن عاشور‪-‬‬ ‫َّ‬ ‫أحوالهم‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ ُ َ ِّ ُ َ ِّ َ َ َ َ َّ َّ ُ َ ُْ‬ ‫ِ‬
‫ات ما أحل َّللا لكم﴾ من اْلطاعم واْلشارب‪ ،‬فإنها‬ ‫ِ ِ‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫وا‬ ‫م‬‫ر‬‫ِ‬ ‫ح‬‫ت‬ ‫ال‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫آم‬ ‫ين‬‫ذ‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ي‬‫أ‬ ‫ا‬‫﴿ي‬ ‫تعالى‬ ‫ل‬ ‫*يقو‬
‫نعم أنعم هللا بها عليكم‪ ،‬فاحمدوه إذ أحلها لكم‪ ،‬واشكروه وال تردوا نعمته بكفرها أو عدم قبولها‪،‬‬
‫أو اعتقاد تحريمها‪ ،‬فتجمعون بذلك بين القول على هللا الكذب‪ ،‬وكفرالنعمة‪ ،‬واعتقاد الحَلل‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َّ َّ َ َ‬
‫الطيب حراما خبيثا‪ ،‬فإن هذا من االعتداء‪ .‬وهللا قد نهى عن االعتداء فقال‪﴿ :‬وال تعتدوا ِإن َّللا ال‬
‫ين﴾ بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك‪-.‬السعدي‪-‬‬ ‫ُيح ُّب ْاْلُ ْع َتد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿و ُك ُلوا م َّما َر َز َق ُك ُم َّ ُ‬
‫َّللا‬ ‫*ثم أمر بضد ما عليه املشركون‪ ،‬الذين يحرمون ما أحل اهلل فقال‪َ :‬‬ ‫‪88‬‬
‫َ ً‬ ‫ِ‬ ‫َ ً َ‬
‫َحَلال ط ِِّي ًبا﴾ أي‪ :‬كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم‪ ،‬بما يسره من اْلسباب‪ ،‬إذا كان حَلال ال سرقة‬
‫وال غصبا وال غيرذلك من أنواع اْلموال التي تؤخذ بغيرحق‪ ،‬وكان أيضا طيبا‪ ،‬وهو الذي ال خبث‬
‫فيه‪ ،‬فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫وبعد أن نهى‪ -‬سبحانه‪ -‬عن تحريم الطيبات أمربتناولها والتمتع بها فقال‪َ :‬و ُك ُلوا م َّما َر َز َق ُك ُم ََّّللاُ‬
‫ِ‬ ‫ً َ ً‬
‫َحَلال ط ِِّيبا‪،‬‬

‫صلى هللا عليه وسلم هموا بالخصاء وترك اللحم‬ ‫وأخرج ابن جريرعن عكرمة َقال‪ ،‬كان‪ :‬أناس من أصحاب النبي‬
‫َ َ َّ َّ ُ َ ُ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ َ َ ُ‬
‫ْ‬
‫بات ما أحل َّللا لكم وعن أبى قَلبة قال‪ :‬أراد أناس من‬‫والنساء‪ ،‬فنزلت هذه اآلية يا أ ُّي َها ال ِذين آمنوا ال تح ِِّر ُموا ط ِي ِ‬
‫أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا‪ ،‬ويتركوا النساء ويترهبوا فقام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫َ ُ َ ِّ ُ َ ِّ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫فغلظ فيهم اْلقالة‪ .‬ثم قال‪« :‬إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد هللا عليهم‪ ،‬فأولئك‬
‫بقاياهم في الدياروالصوامع‪ ،‬واعبدوا هللا وال تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا واستقيموا» ‪ .‬قال‪ :‬ونزلت فيهم‪ :‬يا َأ ُّيهاَ‬ ‫يقع ِف‬ ‫التحريم ُ‬
‫ُ‬ ‫هللا لك ْم‪...‬؛ وكان‬ ‫ات ما أحل‬ ‫ِ‬ ‫*اليمني وكفارتها‪ْ* .‬لا قال تعالى‪ :‬ال تح ِرموا ط ِيب‬ ‫‪89‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫تأكيد الكَل ِم‪ ،‬أو تجري‬
‫ِ‬ ‫لقصد‬
‫ِ‬ ‫اللسان‬ ‫بأيمان تجري على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بأيمان معزوم ٍة‪ ،‬أو‬ ‫األحوال َّ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫غالِ ِ‬
‫ين َآمنوا ال ت َح ِِّر ُموا اآلية وعن أبى طلحة عن ابن عباس قال‪ :‬نزلت هذه اآلية في رهط من أصحاب النبي صلى هللا‬ ‫ال ِذ‬ ‫غضب‪ ،‬عقب هللا َتعالى ذلك بقوله ‪:‬‬ ‫بسبب‬
‫عليه وسلم قالوا‪ :‬نقطع مذاكيرنا‪ ،‬ونترك شهوات الدنيا‪ ،‬ونسيح في اْلرض كما تفعل الرهبان‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى‬ ‫َ ُ َ ُ ُ ُ ٍ َّ ُ َّ‬
‫الل ْغو في أ ْي َمان ُكم‪ْ.‬‬
‫ِ‬ ‫اخذكم َّللا ب‬ ‫ال يؤ ِ‬
‫هللا عليه وسلم فأرسل إليهم‪ ،‬فذكرلهم ذلك فقالوا‪ :‬نعم‪ .‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪« :‬لكني أصوم و أفطر‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ِ ُ ِ ِ َّ َ‬
‫مان التي‬
‫رة‪ ،‬على اْلي َ ِ‬ ‫قوبة تحل ِبكم في اآلخ‬ ‫ارة تلزمكم في الدنيا‪َ ،‬وال بع ٍ‬ ‫بكف ٍ‬ ‫أي‪ :‬ال يعا ِقبكم هللا تعالى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫وأصلى و أنام‪ ،‬و أنكح النساء‪ ،‬فمن أخذ بسنتي فهو منى‪ ،‬ومن لم يأخذ بسنتي فليس منى» ‪.‬‬ ‫قسم ِمن غيرني ٍة وال قص ٍد‪ ،‬أو عقدها‬ ‫وجه اللغو‪ ،‬وهي اْليمان التي حلف بها اْل ِ‬ ‫صد َرت منكم على ِ‬
‫وقد وجه سبحانه النداء للمؤمنني بوصف اإليمان لتحريك حرارة العقيدة ِف قلوبهم حتى يمتثلوا أوامر اهلل‬ ‫َّ‬
‫َلف ما ظنه‪- .‬املحرر‪-‬‬ ‫بخ ِ‬ ‫يظن ص ْد َق ْنف ِسه‪ ،‬فبان ُ‬
‫اْلمر ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ونواهيه‪.‬‬ ‫‪69‬‬
‫*قال الرازي‪ :‬اعلم أن هذا النوع الثالث من اْلحكام اْلذكورة في هذا اْلوضع‪ -‬فقد أمرهللا اْلؤمنين بعدم تحريم الطيبات ثم بين حكم‬ ‫‪90‬‬
‫اْليمان اْلنعقدة‪.‬‬
‫ووجه اتصال هذه اآليات بما قبلها أنه‪ -‬تعالى‪ -‬قال فيما تقدم‪ :‬ال ُت َح ِّر ُموا َط ِّيبات ما َأ َح َّل َّ ُ‬
‫َّللا َل ُك ْم إلى قوله‪َ :‬و ُك ُلوا م َّما َر َز َق ُك ُم ََّّللاُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً َ ً‬
‫َحَلال ط ِِّيبا‪ .‬ثم ملا كان من جملة األمور املستطابة الخمر وامليسر‪ ،‬ال جرم أنه‪ -‬تعاىل‪ -‬بني أنهما غْي داخلني ِف املحالت بل ِف‬
‫املحرمات‬
‫*بعد أن بينت اآلية الكريمة للمؤمنين ما يجب عليهم إذا ما حنثوا في أيمانهم‪ ،‬وحضتهم على حفظ أيمانهم‪ ،‬لكي ينالوا من هللا‪ -‬تعالى‪-‬‬
‫الرضا والفَلح‪.‬‬
‫*وبعد أن نهى هللا اْلؤمنين عن تحريم ما أحله لهم‪ ،‬وأمرهم بأن يتمتعوا بما رزقهم من خيربدون إسراف أو تقتير‪ ،‬وبين لهم حكم ما‬
‫عقدوه من أيمان بعد كل ذلك وجه‪ -‬سبحانه‪ -‬نداء ثانيا إليهم بين لهم فيه مضارالخمروأشباهها من الرذائل‪ ،‬وأمرهم باجتنابها‪– .‬‬
‫الوسيط ‪-‬‬

‫ذم تعاىل هذه األشياء القبيحة‪ ،‬ويخرب أنها من عمل الشيطان‪ ،‬وأنها رجس‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫اج َتن ُب ُ‬
‫وه﴾ أي‪ :‬اتركوه ﴿ل َعلك ْم تف ِل ُحون﴾ فإن الفَلح ال يتم إال بترك ما حرم هللا‪ ،‬خصوصا هذه الفواحش اْلذكورة‪،‬‬ ‫﴿ف ِ‬
‫وهي الخمروهي‪ :‬كل ما خامرالعقل أي‪ :‬غطاه بسكره‪،‬‬
‫واْليسر‪ ،‬وهو‪ :‬جميع اْلغالبات التي فيها عوض من الجانبين‪ ،‬كاْلراهنة ونحوها‪،‬‬
‫واْلنصاب التي هي‪ :‬اْلصنام واْلنداد ونحوها‪ ،‬مما ُينصب ُويعبد من دون هللا‪ ،‬واْلزالم التي يستقسمون بها‪ ،‬فهذه األربعة نهى اهلل عنها‬
‫وزجر‪ ،‬وأخبرعن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها‪.‬‬ ‫وقد ذكر املفسرون ِف سبب نزول هذه اآليات روايات منها‪ :‬ما جاء في صحيح مسلم عن‬
‫فمنها‪ :‬أنها رجس‪ ،‬أي‪ :‬خبث‪ ،‬نجس معنى‪ ،‬وإن لم تكن نجسة حسا‪ .‬واْلمورالخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها‪.‬‬ ‫سعد بن أبى وقاص أنه قال‪ :‬نزلت ِّفى آيات من القرآن‪ ،‬وفيه قال‪ .‬و أتيت على نفرمن‬
‫ومنها‪ :‬أنها من عمل الشيطان‪ ،‬الذي هو أعدى اْلعداء لإلنسان‪ .‬ومن اْلعلوم أن العدو يحذرمنه‪ ،‬وتحذرمصايده وأعماله‪ ،‬خصوصا‬ ‫اْلنصارفقالوا‪ :‬تعال نطعمك ونسقيك خمرا وذلك قبل أن تحرم الخمر‪ -‬قال فأتيتهم في‬
‫اْلعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه‪ ،‬فإنها فيها هَلكه‪ ،‬فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو اْلبين‪ ،‬والحذرمنهـا‪ ،‬والخوف من الوقوع‬ ‫حش‪ -‬أى بستان‪ -‬فإذا رأس جزورمشوى عندهم وزق من خمرقال‪ :‬فأكلت وشربت‬
‫فيها‪ .‬ومنها‪ :‬أنه ال يمكن الفَلح للعبد إال باجتنابها‪ ،‬فإن الفَلح هو‪ :‬الفوزباْلطلوب املحبوب‪ ،‬والنجاة من اْلرهوب‪ ،‬وهذه اْلمورمانعة من‬ ‫معهم‪ .‬قال‪:‬‬
‫الفَلح ومعوقة له‪ .‬ومنها‪ :‬أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس‪ ،‬والشيطان حريص على بثها‪ ،‬خصوصا الخمرواْليسر‪ ،‬ليوقع بين‬ ‫فذكرت اْلنصارواْلهاجرين عندهم فقلت‪ :‬اْلهاجرون خيرمن اْلنصار‪ .‬قال‪ .‬فأخذ رجل‪-‬‬
‫اْلؤمنين العداوة والبغضاء‪ .‬فإن في الخمرمن انغَلب العقل وذهاب حجاه‪ ،‬ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه اْلؤمنين‪ ،‬خصوصا إذا‬ ‫فضربني به فجرح أنفى‪ ،‬فأتيت رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬ ‫من اْلنصار‪ -‬لحى جمل‬
‫اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر‪ ،‬فإنه ربما أوصل إلى القتل‪ .‬وما في اْليسرمن غلبة أحدهما لآلخر‪ ،‬وأخذ ماله الكثيرفي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ‬
‫فأخبرته فأنزل هللا‪ -‬تعالى‪ -‬يا أيها ال ِذين آمنوا ِإنما الخمرواْلي ِسرواْلنصاب واْلزالم ِرجس‬
‫غيرمقابلة‪ ،‬ما هو من أكبراْلسباب للعداوة والبغضاء‪ .‬ومنها‪ :‬أن هذه اْلشياء تصد القلب‪ ،‬ويتبعه البدن عن ذكرهللا وعن الصَلة‪ ،‬اللذين‬ ‫وه‪ ..‬اآليات ‪.‬‬ ‫َ ْ‬
‫اج َتن ُب ُ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ْ ََ‬
‫طان ف ِ‬ ‫ِمن عم ِل الشي ِ‬
‫خلق لهما العبد‪ ،‬وبهما سعادته‪ ،‬فالخمرواْليسر‪ ،‬يصدانه عن ذلك أعظم صد‪ ،‬ويشتغل قلبه‪ ،‬ويذهل لبه في االشتغال بهما‪ ،‬حتى يمض ي‬ ‫ومنها ما أخرجه ابن جريرعن ابن عباس قال‪ :‬نزل تحريم الخمرفي قبيلتين من قبائل‬
‫عليه مدة طويلة وهو ال يدري أين هو‪ .‬فأي معصية أعظم و أقبح من معصية تدنس صاحبها‪ ،‬وتجعله من أهل الخبث‪ ،‬وتوقعه في أعمال‬ ‫اْلنصار‪ .‬شربوا حتى ثملوا‪ ،‬فعبث بعضهم ببعض‪ ،‬فلما أن صحوا‪ ،‬جعل الرجل منهم يرى‬
‫الشيطان وشباكه‪ ،‬فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها‪ ،‬وتحول بين العبد وبين فَلحه‪ ،‬وتوقع العداوة والبغضاء بين اْلؤمنين‪ ،‬وتصد‬ ‫اْلثربوجهه ولحيته فيقول‪ :‬فعل هذا بي أخى فَلن‪ -‬وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن‪-‬‬
‫َ‬
‫َعن ذكرهللا وعن الصَلة؟" فهل فوق هذه اْلفاسد ش يء أكبرمنها؟" ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها‪ ،‬عرضا بقوله‪﴿ :‬ف َه ْل‬ ‫َوهللا لو كان بي رءوفا رحيما ما فعل بي هذا‪ َ ،‬حتى وقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل هللا‪ :‬يا‬
‫ُْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫أنت ْم ُمن َت ُهون﴾ ْلن العاقل ‪-‬إذا نظرإلى بعض تلك اْلفاسد‪ -‬انزجرعنها وكفت نفسه‪ ،‬ولم يحتج إلى وعظ كثيروال زجربليغ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أ ُّي َها َّالذ َ‬
‫‪َ 70‬آم ُنوا ِإ َّن َما ال َخ ْم ُر‪ .‬إلى قوله‪ :‬ف َه ْل أ ْن ُت ْم ُم ْن َت ُهون‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫*ثم أكد سبحانه تحريم الخمر وامليسر ببيان مفاسدهما الدنيوية والدينية‪– .‬الوسيط‪-‬‬ ‫‪91‬‬
‫بالدنيا‪ ،‬وهو‬ ‫اْلفسدة التي تترت ُب على تعاطيها وارتكابها‪ :‬األول‪ :‬ما يتعلَّق‬
‫َّ‬
‫نوعين من‬
‫َّ‬
‫واْليسر‪ ،‬عقب ِبذكر‬ ‫الخمر‬ ‫باجتناب‬ ‫تعالى‬ ‫*ْلَّا َأم َر ُ‬
‫هللا‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ ُ َّ ُ ْ َ ْ ْ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ ُ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫لصَل ِة ‪.‬‬ ‫َّللا َو َع ِن ا‬
‫الدين وهو قوله تعالى‪ :‬ويصدكم عن ِذك ِر ِ‬ ‫قوله‪ِ :‬إن َما ي ِريد الشيطان أن يو ِقع بينك ُم العداوة والبغض َاء‪ ،‬والثاني ما َيتعلَّق ب ِّ‬
‫زول‪:‬‬
‫الن ِ‬ ‫بب ُّ‬ ‫َس ُ‬
‫أن ُتحرمَّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اْلنصارواْلهاجرين‪ ،‬فقالوا‪ :‬تعال نط ِعمك‪ ،‬ونس ِقك خمرا‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫ِ‬ ‫نفر ِمن‬
‫أتيت على ٍ‬ ‫عد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أنه قال‪:‬‬ ‫عن مصع ِب ِبن س ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫الخمر‪ ،‬قال‪ُ :‬‬ ‫ُ‬
‫وزق ِمن خم ْر‪ ،‬قال‪ :‬فأكلت وش ِربت معهم‪ ،‬قال‪ :‬فذكرت‬ ‫ِ‬ ‫زورمشوي عندهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ش‪ -‬والحش البستان ‪ -‬فإذا رأس ج‬ ‫ٍ‬ ‫فأتيتهم في ح‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرأس فضرَبني به‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واْلهاجرين عندهم‪ ،‬فقلت‪ :‬اْلهاجرون خيرمن اْلنصار‪ ،‬قال فأخذ رجل أحد ل ْح َيي َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فجرح بأنفي‪ ،‬فأتيت رسو َل هللا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫اْلنصار‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َُْ ْ َُ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فأخبرته‪ ،‬فأنز َل ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬
‫اب َواْلزال ُم ِر ْجس ِم ْن َع َم ِل‬ ‫الخمر‪ِ :‬إن َما الخمرواْلي ِسرواْلنص‬ ‫ِ‬ ‫وجل َّفي‪ -‬يعني‪ :‬نف َسه ‪ -‬شأن‬ ‫عز َّ‬ ‫هللا َّ‬ ‫هللا عليه وسل َم‪،‬‬
‫َّ َ‬
‫الش ْيط ِان‬
‫أكد دعوتَهم إىل اجتناِبه‪ُ ،‬م ِّ‬
‫حذ ًرا من‬ ‫السيوف؛ َّ‬
‫ض ْربِ ُّ‬
‫أم َّر مِن َ‬
‫املألوف َ‬
‫ِ‬ ‫ترك‬
‫عندهم‪ ،‬وكان ُ‬ ‫وامليسر مألو ًفا َلهم‪ ،‬محبوبا‬
‫*ملََّا كان ال َخ ْم ُر َ َ ُُ‬ ‫‪92‬‬
‫ُ‬ ‫َّ ًُ َ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫بقوله (وأ ِطيعوا َّللا وأ ِطيعوا الرسول واحذروا‪- .‬املحرر‪-‬‬
‫املخالف ِة ِ‬
‫‪* 93‬ملا نزل تحريم الخمر والنهي األكيد والتشديد فيه‪ ،‬تمنى أناس من املؤمنني أن يعلموا حال إخوانهم الذين ماتوا على اإلسالم قبل‬
‫ات ُج َناح﴾ أي‪ :‬حرج و إثم ﴿ف َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫يما‬ ‫ُ ِ‬ ‫س على ال ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِالح َِ‬‫تحريم الخمر وهم يشربونها‪ .‬فأنزل هللا هذه اآلية‪ ،‬وأخبرتعالى أنه ﴿لي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫﴿إذا ما اتقوا وآمنوا وع ِملوا‬
‫وا﴾ من الخمرواْليسرقبل تحريمهما‪ .‬وْلا كان نفي الجناح يشمل اْلذكورات وغيرها‪ ،‬قيد ذلك بقوله‪ِ :‬‬ ‫ط ِع ُم‬
‫َّ َ‬ ‫النزول‪:‬‬ ‫بب ُّ‬
‫ات﴾ أي‪ :‬بشرط أنهم تاركون للمعاص ي‪ ،‬مؤمنون باهلل إيمانا صحيحا‪ ،‬موجبا لهم عمل الصالحات‪ ،‬ثم استمروا على ذلك‪ .‬وإال فقد‬ ‫الص ِالح ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َس ُ‬
‫القوم في منز ِل أبي طلحة‪ ،‬وكان‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يتصف العبد بذلك في وقت دون آخر‪ .‬فَل يكفي حتى يكون كذلك حتى يأتيه أجله‪ ،‬ويدوم على إحسانه‪ ،‬فإن هللا يحب املحسنين في عبادة‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ساقي َّ ِ‬ ‫عنه‪ ،‬قال‪(( :‬كنت ِ‬ ‫َ‬
‫رض ي هللا‬
‫َ‬ ‫أنس ِ‬ ‫عن ٍ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫يومئذ الفضيخ فأمررسول هللا صلى هللا عليه وسلم مناديا ينادي‪ :‬أال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خمرهم‬
‫الخالق‪ ،‬املحسنين في نفع العبيد‪ ،‬ويدخل في هذه اآلية الكريمة‪ ،‬من طعم املحرم‪ ،‬أو فعل غيره بعد التحريم‪ ،‬ثم اعترف بذنبه وتاب إلى هللا‪،‬‬ ‫َ ْ ُ َ َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫فأهرقها‪ .‬فخرجت فهرقتها‬ ‫الخمرقد ُح ِّرمت‪ ،‬قال‪ :‬فقال لي أبو طلحة‪ُ :‬‬
‫اخر ْج‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫و اتقى وآمن وعمل صالحا‪ ،‬فإن هللا يغفرله‪ ،‬ويرتفع عنه اإلثم في ذلك‪- .‬السعدي‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫الق ْوم‪ :‬قد قتل قوم وهي في ُبطونهم؛ َ‬
‫فأنز َل‬ ‫اْلدينة‪ ،‬فقال بعض‬ ‫فجرت في ِسك ِك‬
‫‪-93‬فتكريرالتقوى واإليمان هنا لبيان أنه يجب استمرارهم ومواظبتهم على ذلك‪ ،‬مع تمسكهم بما يقتضيه اإليمان والتقوى من فعل الخيرو ابتعاد عن‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية) –رواه‬ ‫يما طع ُموا َ‬ ‫ات ُج َناح ف َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫هللا‪َ :‬ل ْي َ َ َّ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س على ال ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِالح ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الشر‪َ َ ْ َ َّ َّ ُ .‬‬ ‫البخاري ومسلم‪-‬‬
‫وقوله‪ :‬ثم اتقوا وأحسنوا معطوف على ما قبله‪ -‬أيضا‪ -‬لتأكيد معنى االستمرارعلى هذه التقوى طول مدة حياتهم مع إحسانهم إلى أنفسهم باإلكثار من‬ ‫وروى اإلمام أحمد من حديث أبى هريرة أنه بعد أن نزل قوله‪ -‬تعالى‪ -‬يا َأ ُّيهاَ‬
‫العمل الصالح‪ ،‬وإلى غيرهم بما يستطيعونه من إسداء الخيرإليه‪.‬‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ ُ َّ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫وقوله‪َ :‬و َّ ُ‬ ‫ين َآمنوا ِإن َما الخ ْم ُر َواْل ْي ِس ُراآليات‪ ،‬قال الناس‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ناس قتلوا في‬ ‫ال ِذ‬
‫َّللا ُي ِح ُّب امل ْح ِس ِنين تذييل قصد به تأكيد ما قبله من الحض على اإليمان والتقوى واإلحسان‪ ،‬ومدح اْلتمسكين بتلك الصفات الحميدة‪.‬‬
‫سبيل هللا أو ماتوا على فرشهم‪ ،‬كانوا يشربون الخمرويأكلون مال اْليسروقد‬
‫أى‪ :‬وهللا‪ -‬تعالى‪ -‬يحب املحسنين إلى أنفسهم بإلزامها بالوقوف عند حدود هللا‪ ،‬واالستجابة له فيما أمرأو نهى أو أحل أو حرم برغبة ومسارعة‪ ،‬وإلى‬
‫جعله هللا رجسا ومن عمل الشيطان؟‬
‫غيرهم بمديد العون إليهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫فاآلية الكريمة من مقاصدها بيان جانب من مظاهر رحمة اهلل بعباده‪ ،‬ورأفته بهم حيث بين لهم‪ :‬أن من شرب الخمرأو لعب اْليسرأو فعل ما‬
‫حات جناح ِفيما ط ِعموا‬ ‫فأنزل هللا‪ -‬تعالى‪ :-‬ليس على ال ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِال ِ‬
‫اآلية ‪.‬‬
‫يشبههما من محرمات‪ ،‬ثم مات قبل أن ينزل اْلمربتحريم هذه اْلشياء فإن هللا‪ -‬تعالى‪ -‬ال يؤاخذه على ذلك‪ْ .‬لن اْلؤاخذة على الفعل تبدأ من وقت‬
‫تحريمه ال من قبل تحريمه‪.‬‬ ‫قال القرطبي‪ :‬وهذه اآلية وتلك األحاديث نظْي سؤالهم عمن مات إىل‬
‫وكذلك الحال بالنسبة ْلن وقع في هذه اْلشياء قبل أن تحرم فإن هللا ال يؤاخذه عليها‪ ،‬و إنما يؤاخذه عليها بعد نزول تحريمها وهذا من فضل هللا على‬ ‫يع إِيماَن ُك ْم‪.‬‬ ‫اهللُ ل ُِي ِض َ‬ ‫كان َّ‬
‫القبلة األوىل فنزلت َوما َ‬
‫‪71‬‬
‫عباده‪ ،‬ورحمته بهم‪.‬‬
‫**وبذلك نرى اآلية الكريمة قد طمأنت اْلؤمنين إلى أن هللا‪ -‬تعالى‪ -‬لن يؤاخذهم بما تعاطوه من محرمات قبل تحريمها‪ .‬وأن‬ ‫‪94‬‬
‫الواجب عليهم أن يستمروا على مر اقبتهم له‪ ،‬وخشيتهم منه حتى يلقوه‪ -‬عزوجل‪.-‬‬
‫وبعد أن حذرهللا‪ -‬تعالى‪ -‬اْلؤمنين من تعاطى اْلنكرات كالخمرواْليسروبين لهم حكم من مات قبل تحريم هذه اْلشياء بعد كل‬
‫ذلك بني‪ -‬سبحانه‪ -‬بشيء من التفصيل بعض األحكام التي تتعلق بالصيد‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫حال دون حال‪ ،‬وهو حال الصيد ‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫َّ َ‬ ‫حرموا ِّ‬ ‫َّ ُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫بات‪ ،‬أخرج منها ما حرمه في ٍ‬ ‫الطي ِ‬
‫ِ‬ ‫*ْلا أمرهم هللا تعالى أال ي ِ‬
‫*هذا من منن اهلل على عباده‪ ،‬أن أخربهم بما َ سيفعل قضاء وقدرا‪ ،‬ليطيعوه ويقدموا على بصْية‪ ،‬ويهلك من هلك عن‬
‫َ ُّ َ َّ َ ُ‬
‫ين َآمنوا﴾ البد أن يختبرهللا إيمانكم‪.‬‬ ‫بينة‪ ،‬ويحيا من حي عن بينة‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬يا أيها ال ِذ‬
‫َ‬
‫﴿ل َي ْب ُل َو َّن ُك ُم َّ ُ‬
‫َّللا ب َش ْي ٍء م َن َّ‬
‫الص ْي ِد﴾ أي‪ :‬بش يء غيركثير‪ ،‬فتكون محنة يسيرة‪ ،‬تخفيفا منه تعالى ولطفا‪ ،‬وذلك الصيد الذي يبتليكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ُ ُ َْ ُ ْ َ َ ُ ُ‬
‫احك ْم﴾ أي‪ :‬تتمكنون من صيده‪ ،‬ليتم بذلك االبتَلء‪ ،‬ال غيرمقدورعليه بيد وال رمح‪ ،‬فَل يبقى لَلبتَلء‬ ‫هللا به ﴿تناله أي ِديكم و ِرم‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ ُُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫﴿ليعلم َّللا﴾ علما ظاهرا للخلق يترتب عليه الثواب والعقاب ﴿من يخافه ِبالغي ِب﴾‬ ‫فائدة‪ .‬ثم ذكرالحكمة في ذلك االبتَلء‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫فيكف عما نهى هللا عنه مع قدرته عليه وتمكنه‪ ،‬فيثيبه الثواب الجزيل‪ ،‬ممن ال يخافه بالغيب‪ ،‬فَل يرتدع عن معصية تعرض له‬
‫َ َ‬ ‫ََ َْ‬
‫﴿ب ْع ِد ذ ِل َك﴾ البيان‪ ،‬الذي قطع الحجج‪ ،‬وأوضح السبيل‪-.‬السعدي‪-‬‬ ‫اعت َدى﴾ منكم‬ ‫فيصطاد ما تمكن منه ﴿فم ِن‬
‫َ‬
‫*والتنوين في قوله ِبش ْي ٍء للتقليل والتحقير‪ .‬و إنما امتحنوا بهذا الش يء الصغير‪ ،‬تنبيها إلى أن من لم يثبت ويعصم نفسه عن‬
‫ارتكاب هذه اْلشياء الصغيرة فإنه لن يثبت أمام التكاليف الكبيرة‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال‪ ،‬إن التنوين هنا للتعظيم باعتبارالجزاء اْلليم اْلترتب على االعتداء على الصيد في حال اإلحرام‪.‬‬

‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ ُ ُ َ َ ْ ْ ُ ْ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َّ‬
‫ساكين أ ْو َع ْد ُل ِذل َك ِصياما‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫بالغ الكعب ِة‪ ،‬أو كف َارة طعام م ِ‬
‫تعالى‪ -‬ي ُحكم ِب ِه ذوا َعد ٍل ِمنكم هديا ِ‬ ‫وأنواعه‪ ،‬فقال‪-‬‬ ‫َ‬ ‫‪** 95‬ثم بني‪ -‬سبحانه‪ -‬بعد ذلك طريق معرفة الجزاء‪ ،‬ومآله‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫*ثم صرح بالنهي عن قتل الصيد ِف حال اإلحرام‪ ،‬فقال‪﴿ :‬يا أيها ال ِذين آمنوا ال تقتلوا الصيد و أنتم ح ُرم﴾ أي‪ :‬محرمون في الحج والعمرة‪ ،‬والنهي عن قتله يشمل النهي عن مقدمات القتل‪ ،‬وعن اْلشاركة في القتل‪،‬‬
‫﴿و َم ْن َق َت َلهُ‬
‫والداللة عليه‪ ،‬واإلعانة على قتله‪ ،‬حتى إن من تمام ذلك أنه ينهى املحرم عن أكل ما ُقتل أو صيد ْلجله‪ ،‬وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم‪ ،‬أنه يحرم على املحرم قتل وصيد ما كان حَلال له قبل اإلحرام‪ .‬وقوله‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ َ‬
‫﴿ي ْحك ُم ِب ِه ذ َوا َع ْد ٍل‬ ‫ِمنك ْم ُمت َع ِِّم ًدا﴾ أي‪ :‬قتل صيدا عمدا ﴿فـ﴾ عليه ﴿جزاء ِمث ُل َما قت َل ِم َن الن َع ِم﴾ أي‪ :‬اإلبل‪ ،‬أو البقر‪ ،‬أو الغنم‪ ،‬فينظرما يشبه شيئا من ذلك‪ ،‬فيجب عليه مثله‪ ،‬يذبحه ويتصدق به‪ .‬واالعتبارباْلماثلة أن‬
‫ُْ‬
‫ِمنك ْم﴾ أي‪ :‬عدالن يعرفان الحكم‪ ،‬ووجه الشبه‪ ،‬كما فعل الصحابة رض ي هللا عنهم‪ ،‬حيث قضوا بالحمامة شاة‪ ،‬وفي النعامة بدنة‪ ،‬وفي بقرالوحش ‪-‬على اختَلف أنواعه‪ -‬بقرة‪ ،‬وهكذا كل ما يشبه شيئا من النعم‪ ،‬ففيه مثله‪،‬‬
‫َ َْ‬
‫﴿ه ْد ًيا َب ِالغ الك ْع َب ِة﴾ أي‪ :‬يذبح في الحرم‪.‬‬
‫فإن لم يشبه شيئا ففيه قيمته‪ ،‬كما هو القاعدة في اْلتلفات‪ ،‬وذلك الهدي ال بد أن يكون َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ام َم َس ِاكين﴾ أي‪ :‬كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين‪ ،‬أي‪ :‬يجعل مقابلة اْلثل من النعم‪ ،‬طعام يطعم اْلساكين‪ .‬قال كثيرمن العلماء‪ :‬يقوم الجزاء‪ ،‬فيشترى بقيمته طعام‪ ،‬فيطعم كل مسكين ُم َّد ُب ٍِّرأو نصف صاع من‬
‫َ‬ ‫﴿أ ْو َك َّف َارة َط َع ُ‬
‫غيره‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ْ ُ َ‬
‫﴿صياما﴾ أي‪ :‬يصوم َعن إطعام كل مسكين يوما‪.‬‬ ‫﴿أو ُعد َل ذ ِلك﴾ الطعام ِ‬
‫َ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ ُ َ َّ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿ل َيذوق﴾ بإيجاب الجزاء اْلذكورعليه ﴿وبال أم ِر ِه﴾ ﴿ومن عاد﴾ بعد ذلك ﴿فينت ِقم َّللا ِمنه وَّللا ع ِزيزذو ان ِتق ٍام﴾ و إنما نص هللا على اْلتعمد لقتل الصيد‪ ،‬مع أن الجزاء يلزم اْلتعمد واملخطيء‪ ،‬كما هو القاعدة الشرعية ‪-‬أن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اْلتلف للنفوس واْلموال املحترمة‪ ،‬فإنه يضمنها على أي حال كان‪ ،‬إذا كان إتَلفه بغيرحق‪ْ ،‬لن هللا رتب عليه الجزاء والعقوبة واالنتقام‪ ،‬وهذا للمتعمد‪ .‬وأما املخطئ فليس عليه عقوبة‪ ،‬إنما عليه الجزاء‪[ ،‬هذا جواب الجمهور‬
‫‪72‬من هذا القيد الذي ذكره هللا‪ .‬وطائفة من أهل العلم يرون تخصيص الجزاء باْلتعمد وهو ظاهراآلية‪ .‬والفرق بين هذا وبين التضمين في الخطأ في النفوس واْلموال في هذا اْلوضع الحق فيه هلل‪ ،‬فكما ال إثم ال جزاء إلتَلفه نفوس‬
‫اآلدميين وأموالهم]‬
‫يات اْلاضية ُح َ‬ ‫ََ‬
‫كم‬ ‫ِ‬ ‫البحري‪ ،‬فذكرفي اآل ِ‬
‫َّ‬ ‫الصيد‬
‫َ‬ ‫حري‪ ،‬اس َتثْنى تعاىل‬
‫والب َّ‬
‫الرب َّي َ‬
‫الصيد َ َ ِّ‬
‫َ‬ ‫يشمل‬
‫ُ‬ ‫الصيد‬
‫ُ‬ ‫*ملََّا َ‬
‫كان‬ ‫‪96‬‬
‫حر‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫صيد الب ِ‬
‫صيد الب ِرللمح ِرم‪ ،‬وذكرهنا حكم ِ‬ ‫ِ‬
‫*وبعد هذا النهى الشديد للمحرمين عن صيد البروهم على هذه الحالة بين‪ -‬سبحانه‪ -‬اْلنزلة السامية للكعبة‬ ‫‪97‬‬
‫التي هي أشرف مكان‪ ،‬وأصلحه ْلمان الناس واطمئنانهم كما بين‪ -‬سبحانه‪ -‬مكانة اْلشهرالحرم وما يقدم فيها‬
‫من خيرات لسكان الحرم‪– .‬الوسيط‪-‬‬
‫َ َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ َ‬
‫*قال الرازي‪« :‬اعلم أن اتصال هذه اآلية‪ -‬جعل َّللا الكعبة بما قبلها هو ان هللا‪ -‬تعالى‪ -‬حرم في اآلية اْلتقدمة‬
‫االصطياد على املحرم‪ .‬فبين أن الحرم كما أنه سبب ألمن الوحش والطْي‪ .‬فكذلك هو سبب ألمن الناس‬
‫عن اآلفات واملخافات‪ ،‬وسبب لحصول الخيرات والسعادات في الدنيا واآلخرة»‬
‫الش ْه َر ْال َح َر َ‬
‫ام‪).‬‬
‫َ َّ‬
‫**(و‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫الزمان‪- .‬املحرر‪-‬‬
‫ِ‬ ‫ْلا ذكرهللا تعالى ما به القوام من املكان‪ ،‬أتبعه ِذلك ِمن‬
‫يتم إ َّال َّ‬
‫بالرجاء‬
‫َ‬
‫اإليمان ال ُّ‬ ‫*ملا َذكر اهلل تعاىل أنواع رحمتِه بعِبادِه‪ ،‬ذكر بعده أنه شديد العِقاب؛ َّ‬
‫ْلن‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ََّ َ‬ ‫‪98‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ َ ََ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الرحمة‪ ،‬وهو كونه غفورا رحيما‪ ،‬وذلك يدل على أن جانب الرحمة أغلب؛‬ ‫ُّ‬
‫والخوف‪ ،‬ثم ذكرعقيبه ما يدل على‬
‫ِ‬
‫أوصاف‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫العقاب‪ ،‬ثم ذكرعقيبه وصف ِين من‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ‬
‫وكرمه‪ ،‬ثم ذكرأنه شديد‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْلنه تعالى ذكرفيما قبل أنواع رحم ِته ِ‬
‫غفورا ً‬
‫رحيما‪-.‬الرازي‪-‬‬ ‫ً‬ ‫حمة‪ ،‬وهو كونه‬ ‫الر ِ‬‫َّ‬

‫ُ‬
‫اْلحكام إلى أ َّمته‪ ،‬وهذا فيه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫توصيل‬ ‫أخرب تعاىل َّأنه كلَّف رسولَه بالتبليغِ‪ ،‬وهو‬ ‫والرتهيب َ َ‬
‫ُ‬ ‫الرتغيب‬
‫ُ‬ ‫تقدم‬‫*ملَّا َّ‬ ‫‪99‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫التبليغ‪ ،‬وقامت عليه‬ ‫ِ‬ ‫القيام بما أمربه تعالى‪ ،‬وأن الرسول قد فرغ مما وجب عليه ِمن‬ ‫ُِ‬ ‫إيجاب‬
‫تشديد على ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫التفريط‪– .‬أبوحيان‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ولزمتكم الطاعة‪ ،‬فَل عذرلكم في‬ ‫الحجة‪ِ ،‬‬
‫بعه‬ ‫َّللا َشد ُيد ْالع َقاب َو َأ َّن َّ َ‬
‫َّللا َغ ُفور َرحيم‪ ،‬ثم ْأت َ‬ ‫اع َل ُموا َأ َّن َّ َ‬ ‫الطاعة بقوله‪ْ :‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اْلعصية ورغب في‬ ‫زجرعن‬ ‫*ْلَّا َ‬ ‫‪100‬‬
‫َ َّ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ْ َ َ ُ َّ ْ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َي ْعل ُم‬‫اْلعصية بقوله‪ :‬و‬‫ِ‬ ‫والتنفير عن‬ ‫الطاعة‬
‫ِ‬ ‫رغيب في‬ ‫بعه بالت‬ ‫الر ُسو ِل ِإال البَلغ‪ ،‬ثم أت‬ ‫بقوله‪َ :‬ما َع َلى َّ‬ ‫بالتكليف ِ‬
‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ ُ َن َ َ َ ْ ُ ُ َن ْ‬
‫اْلعصية ‪ ،‬فقال ق ْل ال َي ْس َت ِوي‬
‫ِ‬ ‫الطاعة والتنفي ِر عن‬ ‫ِ‬ ‫الترغيب في‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫بنوع آخرمن‬ ‫َ‬
‫ْما َتبد ُو َ وماَّ ِّت ُكتمو ‪ ،‬أتبعه ٍ‬
‫الخ ِبيث والط ِيب‪-....‬الرازي‪-‬‬
‫املطيع‬
‫ُ‬ ‫رحيم ِملَن أطاع؛ َّبني أَّنه ال يستوي‬ ‫غفور ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأنه‬‫عصى‪َّ ،‬‬ ‫شديد ِملَن َ َ‬ ‫عقابه َّ ٌ‬ ‫أن َ‬ ‫وأيضا ملََّا َّبني اهلل تعاىل َّ‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كان من ُ‬ ‫وإن ُ‬ ‫ْ‬
‫عقابهم ‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫هم‬ ‫كثرت‬ ‫ه‬ ‫منع‬ ‫ت‬ ‫فَل‬ ‫؛‬‫كثرة‬ ‫ار‬ ‫والكف‬ ‫صاة‬
‫َّ ِ‬ ‫الع‬ ‫‪،‬‬ ‫والعاصي‬
‫ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ق ْل ال َي ْست ِوي الخ ِبيث َوالط ِِّي ُب‪-.‬أبو حيان‪-‬‬
‫‪73‬‬
‫**ملا ذكر أن الخبيث والطيب ال يستويان ‪ ,‬ذكر أن هناك من الكالم أيضاً ممدوح ومذموم‬ ‫‪101‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫املذموم َّ‪ُ َ َ ْ .‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الكالم‬
‫‪َّ َ ،‬فيجب تجنب َ َ َ‬
‫*ْلا قال تعالى‪ :‬ما على الرسو ِل ِإال البَلغ صار التقديركأنه قال‪ :‬ما بلغه الرسول إليكم فخذوه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ‬
‫نقادين له‪ ،‬وما لم ُي ِبلغه الرسو ُل إليكم فَل ت ْسألوا عنه‪ ،‬وال تخوضوا فيه؛ فإنكم إن‬ ‫ُ‬
‫وكونوا م ِ‬
‫فربما َ‬ ‫َ‬
‫ض ُتم فيما ال تكليف فيه عليكم َّ‬ ‫َ‬ ‫ُخ ْ‬
‫التكاليف ما‬
‫ِ‬ ‫لفاسد من‬
‫ِ‬ ‫الخوض ا‬
‫ِ‬ ‫بسبب ذلك‬ ‫ِ‬ ‫جاءكم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َيثقل عليكم ويش ُّق عليكم ‪.‬‬
‫وإ ْن تَسأَلُوا عنها ِحني ينزل ا ْل ُقرآن تُبد لَكم‪.‬‬
‫َ ِ َّ َ ْ ُ َ ْ َ َ َُُّ َّ ُ ْ ُ ْ ََ َ ُّ َُ ْ َّ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُْ‬
‫*ْلا منع هللا تعالى من السؤال في قوله‪ :‬يا أيها ال ِذين آمنوا ال تسألوا عن أشياء ِإن تبد لكم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اللفظ َّ‬ ‫َت ُس ْؤ ُك ْم‪ْ ،‬أو َ‬
‫داخال ِف النهي ‪،‬‬ ‫بعه بما ليس ً‬ ‫السؤال ممنوع منه‪ ،‬فأ ْت َ‬ ‫ِ‬ ‫أنواع‬
‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫أن‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫فقال تعالى‪:‬‬
‫َ ُ َ َّ ُ ْ ُ ْ ُ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫َ َُ‬
‫َو ِإ ْن ت ْسألوا عنها ِحين ينزل القرآن تبد لكم‪-.‬املحرر‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫أن‬
‫طلَ َب ْ‬ ‫ياء؛ و َ‬
‫أش َ‬‫أن َغ ْ َْيهم َع َر َف ْ‬ ‫ِك ِب َّ‬ ‫ؤال َع ْنها ل ُِي َت َع َّر َف حالُها؛ َعلَّ َل َذل َ‬ ‫الس ِ‬ ‫*وملَّا َنهى َع ِن ُّ‬ ‫‪102‬‬
‫أن ُيوا ِف َق ُه َعلَ ْيها؛ وهو‬
‫أل َغ ْ َْي ُه ْ‬
‫وس َ‬ ‫أن َش َر َعها؛ َ‬ ‫وإما ِب ْ‬
‫ِك؛ ّ‬ ‫أل َغ ْ َْي ُه َذل َ‬ ‫أن َس َ‬ ‫إما ِب ْ‬ ‫ُي ْعطاها؛ ّ‬
‫الح ْس ِن؛ فَكاَن ْت َسَب َب َشقا ِئ ِه‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫غايةٌ ِف ُ‬ ‫ِع ِب َّأنها َ‬ ‫قاط ٌ‬
‫زول‪:‬‬ ‫الن ِ‬ ‫بب ُّ‬ ‫َس ُ‬
‫ض ْت عليَّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫منع ُ‬‫َّ َ‬
‫أصحابه ش يء‪ ،‬فخطب فقال‪ :‬ع ِر‬ ‫وسلم ًعن َ ُ ِ‬ ‫هللا صلى هللا عليه‬ ‫رض ي هللا عنه‪ ،‬قال‪(( :‬بلغ رسول‬ ‫مالك ِ‬ ‫أنس ِبن ٍ‬ ‫عن َّ ُ ِ‬ ‫بالبح ِث عنها‪َ ،‬كذلك مَن َعهم من ْ ِ‬
‫التزام‬ ‫عن أمو ٍر لم َُيكلَّفوا ْ‬ ‫حث‬
‫الناس ِمن َالب ِ‬ ‫هللا تعالى‬ ‫*ْلا‬ ‫‪103‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أصحاب‬
‫ِ‬ ‫والشر‪ ،‬ولو تعلمون ما أعلم لض ِحكتم قليَل ولبكيتم كثيرا! قال‪ :‬فما أتى على‬ ‫ِ‬ ‫الخير‬
‫ِ‬ ‫كاليوم في‬ ‫ِ‬ ‫الجنة والنار‪ ،‬فلم أر‬ ‫حرمون على أنفسهم االنتفاع بهذه الحيوانات‪ ،‬وإن‬ ‫الكفاري ِ‬ ‫أُمو ٍر لم ُيكلَّفوا بالتزامِها‪ ،‬وْلا كان‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وسل َم يوم ُّ‬ ‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ًّ‬
‫فقال‪َ َّ :‬ر ِضينا ِ‬
‫باهلل َرب َا‪َُ ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ؤوسهم ولهم خنين ‪ ،‬قال‪ :‬فقام ُع َم ُر‬ ‫غط ْوا ُر َ‬ ‫أشد منه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫هللا عليه‬ ‫رسو ِل هللا‬ ‫َّ‬
‫االنتفاع بها؛ بين هللا تعالى أن ذلك باطل ‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫الحاجة إلى‬
‫ِ‬ ‫غاية‬
‫كانوا في ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫وباإلسَلم دينا‪ ،‬وبمحم ٍد نبيا‪ .‬قال‪ :‬فقام ذاك الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬من أبي؟ قال‪ :‬أبوك فَلن‪ .‬فنزلت ‪ :‬يا أيها ال ِذين آمنوا ال تسألوا‬ ‫ِ‬ ‫ام ‪.‬‬‫ِْي ٍة َو ًَال َس ْائَِب ٍة َوَال َو ِصيلَ ٍة َوَال َح ٍ‬ ‫ِن َبح َ‬‫اهلل م ْ‬
‫َما َج َع َل َّ‬
‫اْلائدة‪. ))]101 :‬‬ ‫[‬ ‫م‬ ‫َع ْن َأ ْش َي َاء إ ْن ُت ْب َد َل ُك ْم َت ُس ْؤ ُك ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫باْلنعام ش يء مما ابتدعه الكفار‪ ،‬فلم يشرع لهم البحيرة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تعالى مطلقا بأن يفعل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أي‪ :‬لم يأذن هللا‬
‫ْ ُ َُ َ ُْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ ِ َ ُ َ َ َ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ََ ً‬ ‫ُ ِّ ن ُ َ َ َ ِ َ‬ ‫ِ ُّ ُ ُ‬
‫ين َآمنوا ال ت ْسألوا َع ْن أش َي َاء ِإن ت ْب َد لك ْم ت ُسؤك ْم‪.‬‬ ‫يا أيها ال ِذ‬ ‫حرمو ركوبها ويرونها محترمة‪ .‬وال السائبة‪ :‬وهي ناقة‪ ،‬أو بقرة‪ ،‬أو‬ ‫وهي ُناقة َّيشق ُو َّن أذنها‪ُ ،‬ثم َ ي ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫أي‪ :‬ال تسألوا‪ -‬أيها اْلؤمنون‪ -‬عن أشياء لو أظ ِهرجوابها لكم لساءكم وشق عليكم ‪.‬‬ ‫شاة‪ ،‬تسيب وتخلى؛ فَل ترك ُب وال يحمل عليها‪ ،‬وال تؤكل وال ينتفع منها بش ٍيء‪ .‬وال الوصيلة‪ :‬وهي‬
‫َ‬
‫فح ُّجوا‪ ،‬فقال‬ ‫الحج ُ‬‫هللا عليكم َّ‬ ‫اس‪ ،‬قد َف َرض ُ‬ ‫الن ُ‬‫ُّ َّ‬
‫هللا عليه وسل َم قال‪(( :‬أيها‬
‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬
‫أن رسو َل‬ ‫عن أبي ُه َر َيرة رض ي هللا عنه‪َّ ،‬‬ ‫ظهره عن الركوب َ‬ ‫الحامي‪ :‬وهو جمل ُي َ‬ ‫ُ َّ ُ‬
‫هللا‬‫ِ‬ ‫والح ْمل‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫حمى ُ‬ ‫َ‬ ‫حرم أو تجعل آللهتهم‪ .‬وال‬ ‫التي ت‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫لوجبت‪ ،‬وْلا‬ ‫نعم‪َ ،‬‬ ‫قلت‪ْ :‬‬ ‫عليه وسل َم‪ :‬لو‬ ‫ِ‬ ‫هللا‬ ‫هللا‬
‫ِ‬ ‫هللا؟ فسكت‪ ،‬حتى قالها ثَلثا‪ ،‬فقال رسو ُل‬ ‫ِ‬ ‫عام يا رسو َل‬ ‫ٍ‬ ‫رجل‪ :‬أك َّل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أنبيائهم‪ ،‬فإذا أمرتكم ِبش ٍيء‬ ‫سؤال ِهم واختَل ِف ِهم على‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫بكثرة ِ‬ ‫استطعتم‪ ،‬ثم قال‪ :‬ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم ِ‬
‫عوه )) ‪.‬‬ ‫فد ُ‬ ‫نهيتكم عن ش يء َ‬ ‫ُ‬
‫منه ما استطعتم‪ ،‬وإذا‬
‫ُ‬ ‫َف ْأ ُتوا ُ‬
‫وسل َم قال‪َّ (( :‬‬ ‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وقاص رض ي هللا عنه‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫رما‪َ :‬من َ‬
‫سأل‬ ‫إن أعظ َم اْلسلمين في اْلسلمين ُج ً‬ ‫هللا عليه‬ ‫أن النبي‬ ‫عد بن أبي‬ ‫وعن َس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أج ِل مسأل ِته )) ‪.‬‬ ‫فح ِّرم عليهم من ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫ِ‬ ‫عن ش ٍيء لم يحرم على اْلسلمين‪ِ ،‬‬ ‫‪74‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫*ملا حرموا هذه األشياء م ْن َق ْوله‪َ :‬ما َج َع َل َّ ُ‬
‫تحليل املَيتةِ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َّللا ِم ْن َب ِح َير ٍة َوال َسا ِئ َب ٍة َوال َو ِصيل ٍة َوال َح ٍام اضط ُُّروا إىل‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ََّ َّ‬ ‫‪104‬‬
‫ُ ََ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ً‬ ‫َ َّ َّ‬
‫الخبيث! وْلا اتخذوه ِدينا‪ ،‬واعتقدوه شرعا‪ ،‬ومض ى عليه أسَلفهم‪ ،‬دعتهم الحظوظ واْلنفة‬ ‫َ‬ ‫الطي َب‪ ،‬وأحلُّوا‬ ‫فحرموا ِّ‬ ‫َّ‬
‫وبيان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫قبحه‪ِ ،‬‬ ‫انكشاف ِ‬
‫ِ‬ ‫الرجوع عنه بعد‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫وع‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫اإلصرار‬
‫ِ‬ ‫ََ َْ‬
‫إلى‬ ‫فه‬‫ِ‬ ‫بالس‬
‫َ‬
‫عليهم‬ ‫والشهادة‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫َلل‬ ‫ِ‬ ‫الض‬
‫ًّ‬
‫إلى‬ ‫آبائهم‬ ‫سبة‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ْ‬
‫شناع ِته‪ ،‬فقال تعالى داال على ِختام اآلية التي قبلها ِمن عد ِم عق ِلهم ‪– .‬املحرر‪-‬‬
‫َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫لآليات التي قبلهما‪( :‬وجه ِاتصال هاتين اآليتين بما قبلهما‬
‫ُ ً‬
‫هذه اآلية والتي قبلها َّ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫بيان مناسبة‬ ‫*َّوقال محمد رشيد رضا في ِ‬
‫ْلباح‬ ‫أنه سبحانه وتعالى َنهى في ِّ‬
‫التحريم َ تركا َّ ٍ‬ ‫ُ‬
‫االعتداء فيه‪ ،‬وإن كان‬ ‫ِ‬ ‫تحريم ما أحله هللا‪ ،‬وعن‬ ‫ِ‬ ‫السياق الذي قبلهما عن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ َّ‬
‫ويعتقد وجوبه‪ ،‬وبين فيه‬ ‫نفسه‪ ،‬ال شر ًعا يدعى إليه‬ ‫ُِ‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫إباح‬ ‫اعتقاد‬
‫ِ‬ ‫مع‬ ‫ا‪،‬‬ ‫وتعبد‬ ‫ا‬ ‫تنسك‬ ‫هللا‬ ‫باسم‬
‫ِ‬ ‫بالحلف‬
‫ِ‬ ‫لتزم بالنذرأو‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫تحريم ما‬ ‫ِ‬ ‫عمرة‪ ،‬وبعد أن نهى عن‬ ‫بحج أو ٍ‬ ‫البرعلى املحرم ٍ‬ ‫الخمرواْليسرواْلنصاب واْلزالم ً‪ ،‬وصيد ْ ِ‬ ‫اْليمان‪ ،‬وحرم‬ ‫ِ‬ ‫كفارة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حرمه‪ ،‬أو شرع حكم لم يكن شرعه‪ ،‬بأن يسأل َّ‬ ‫أحله‪ ،‬نهى أن يكون اْلؤمن سببا لتحريم هللا تعالى شيئا لم يكن َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الرسول‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫سكت هللا عنه ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫فناسب‬ ‫جديدا‪،‬‬ ‫الجواب عنه أن أورد تكليفا‬ ‫عفوا وفضَل‪ ،‬فيكون‬ ‫صلى هللا عليه وسلم عن ش ٍيء مما‬
‫بعضهم‬ ‫حرموه على أنفسهم وما شرعوه لها بغيرإذن من ِّربهم‪ ،‬وما َّقلد به ُ‬ ‫الجاهلية فيما َّ‬ ‫َّ‬ ‫أهل‬ ‫َ‬
‫ضَلل‬ ‫بعد هذا أن ِّ‬
‫يبين‬ ‫َ‬
‫ِ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والد َ‬ ‫العلم ِّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ين) ((تفسيراْلنار))‬ ‫ِ‬ ‫التقليد وكو ِنه ينافي‬ ‫ِ‬ ‫بطَلن‬
‫ِ‬ ‫بيان‬ ‫جهلهم‪ ،‬مع ِ‬ ‫بعضا على ِ‬
‫لم ُ‬
‫هللا‬ ‫أع َ‬ ‫سبون به على َز ْعمهم‪ْ ،‬‬ ‫ضررا عليهم ُي ُّ‬ ‫كون ذلك تسفيها آلبائهم؛ فيعود ً‬ ‫* َّأنه ملََّا‬ ‫‪105‬‬
‫ً ً ْ َّ َ َ‬ ‫الهدى َ‬ ‫بول ُ‬ ‫ِع َلهم من ََق ِ‬ ‫كان املان ُ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ْلتابعتهم لهم في‬ ‫ِ‬ ‫اإلنكارعليهم في التقيد بآبائهم‬ ‫ِ‬ ‫الغيرفي قبول الهدى ال تضرهم أصَل‪ ،‬بأن عقب آية‬ ‫اْلؤمنين أن مخالفة ِ‬ ‫ُ‬
‫اآلية ‪.‬‬‫ِ‬ ‫فربهذه‬ ‫ِ‬ ‫الك‬
‫َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َّللا َو ِإلى‬ ‫وإعراضهم عن دعو ِة الخْي بقوله‪َ :‬و ِإذا ِقيل لهم تعالوا ِإلى ما أنزل‬ ‫َ‬ ‫*أيضا ملَا َذ َكر اهلل تعاىل مكابر َة املشركني‬
‫ُ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ ً َّ َ ُ َ ْ ُُ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ‬
‫ظهرت اْلكابرة‪ ،‬وعذ ِر‬ ‫ِ‬ ‫واملجادلة إذا‬ ‫ْ ِ‬ ‫انتهاء اْلناظر ِة‬ ‫بتعليم اْلسلمين حدود َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرسو ِل قالوا حسبنا ما وجدنا علي ِه آباءنا أعقبه‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫افترض ُ‬ ‫فاية ِقيامهم بما َ‬
‫هده‪ ،‬و أنه ليس‬ ‫أن على الداعي بذل ج َ ِ‬ ‫فأعلمهم‬ ‫َ‬ ‫الخير‪،‬‬
‫ِ‬ ‫هللا عليهم من الدعوة إلى‬ ‫اْلسلمين ِبك ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صغ اْلدعو إلى الدعوة‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ :‬إنك ال ته ِدي من أحببت ول ِكن َّللا يه ِدي من يشاء [القصص‪.]56 :‬‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫مسؤوال إذا لم ُي‬
‫ُ َ‬ ‫َّ ْ َ َ ُ َ َّ ُ َ‬
‫َّللا َي ْعل ُم َما ت ْب ُدون َو َما‬ ‫الر ُسو ِل ِإال البَلغ و‬ ‫كاليف والشرائع واْلحكام‪ ،‬ثم قال‪َ :‬ما َع َلى َّ‬ ‫َ َّ‬
‫الت‬ ‫أنواع‬ ‫تعالى‬ ‫هللا‬‫أيضا َْلَّا َّبين ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫الر ُسول َق ُالوا َح ْس ُب َنا َما َو َج ْد َنا َع َل ْيه َآب َاء َنا‪ ،‬فك َّأنه تعالى قال‪ :‬إنَّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُُْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪ :‬و ِإذا ِقيل لهم تعالوا ِإلى ما أنزل َّللا و ِإلى‬ ‫تكتمون‪ ،‬إلى ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫هؤالء ُ‬
‫الج َّه َ‬
‫صرين‬ ‫والترهيب لم ينتفعوا بش ٍيء منه‪ ،‬بل َبقوا م ِ‬ ‫ِ‬ ‫والترغيب‬
‫ِ‬ ‫واإلنذار‬
‫ِ‬ ‫اإلعذار‬
‫اْلبالغة في ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال مع ما تقدم ِمن أنواع‬
‫لتكاليف‬ ‫نقادين‬ ‫ُ‬ ‫وضَللتهم؛ فَل تبالوا‪ُّ -‬أيها اْلؤمنون‪-‬‬ ‫َ‬ ‫على َجهلهم‪ُ ،‬م ِّ‬
‫ِ‬ ‫بجهالتهم وضَل ِلتهم‪ ،‬بل كونوا م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هاالتهم‬ ‫جدين على ج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ونواهيه‪ ،‬فَل يضركم ضَللتهم وجهالتهم؛ فلهذا قال ‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫هللا‪ُ ،‬مطيعين ْلوامره‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ِ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُّ ُ ْ َ ْ َ َّ َ ْ َ َ ْ ُْ‬
‫يا أيها ال ِذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل ِإذا اهتديتم‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫أي‪ :‬يا ُّأيها اْلؤمنون ْألزموا َ‬
‫الحق‪ ،‬إذا‬ ‫سبيل ِ‬ ‫تعالى‪ ،‬وترك معصي ِته؛ فإنه ال يضركم من سلك غير ِ‬ ‫بطاعة هللا‬
‫ِ‬ ‫العمل‬ ‫أنفسكم‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ونهيهم عن‬ ‫باْلعروف‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الناس‬
‫ِ‬ ‫بواجب أم ِر‬ ‫يامكم َّ ِ‬ ‫ومن ذلك‪ِ :‬ق‬ ‫بربكم وأطعتموه‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫صراط هللا تعالى فآمنتم‬ ‫ِ‬ ‫أنتم استقمتم على‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫إن َ‬ ‫ْ‬ ‫ضيرعليكم َ‬
‫وضَللهم‪ ،‬ما ُدمتم قد َّأد ْيتم حق هللا تعالى فيهم‪– .‬املحرر‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫غيهم‬ ‫تماد ْوا في ِّ‬
‫ِ‬ ‫بعد ذلك‬ ‫اْلنكر‪ ،‬وال َ‬
‫ِ‬ ‫‪75‬‬
‫‪* 106‬استئناف مسوق لبيان األحكام املتعلقة بأمور دنياهم‪ ،‬إثربيان األحوال املتعلقة بأمور دينهم وفيه من إظهارالعناية بمضمونه ما ال‬
‫يخفى‪-.‬اآللوس ى‪-‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ َ ْ ُ ُ ْ َ ً َ ُ َ ِّ ُ ُ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫حاسبنا‬ ‫املوت‪ ،‬و أنه ي ِ‬ ‫بعد ِ‬ ‫أن مر ِج َعنا إليه َ‬ ‫َّللا مر ِجعكم ج ِميعا فين ِبئكم ِبما كنتم تعملون فذ َكر َّ‬ ‫ِ‬ ‫السابقة‪ِ :‬إلى‬
‫ِ‬ ‫آخراآلية‬ ‫ِ‬ ‫*ْلا قال هللا تعالى في‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫تضيع ‪-.‬اْلنار‪-‬‬ ‫باإلشهاد عليها؛ لئَل‬ ‫ِ‬ ‫العناية‬
‫ِ‬ ‫قبل املوت‪ ،‬وإلى‬ ‫َ‬ ‫الوصي ِة‬
‫َّ‬ ‫رش َدنا ِف أَث َِر ذلك إىل‬ ‫أن ُي ِ‬ ‫ْ‬ ‫ناسب‬ ‫َ‬ ‫ُويجازينا‪،‬‬
‫البح َيرة؛ وما َب ْع َدها؛ إلى َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫والش ْهر َ‬ ‫َّ‬ ‫كالب ْيت َ‬ ‫العام َة؛ َ‬ ‫صال َح َّ‬ ‫َّ ُ َ َ َ َ‬ ‫حان ُه ‪ْ -‬أه َل َذل َك َّ‬ ‫َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫أن‬ ‫رام؛ وأشار ِبآي ِة ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الح‬ ‫ِ‬ ‫الحر ِام؛‬ ‫ِْ‬ ‫ِ‬ ‫مان ِبأنه نصب اْل‬ ‫ِ‬ ‫الز‬ ‫ِ‬ ‫*وْلا خاطب ‪ -‬سب‬
‫َّ‬ ‫وخ َت َم َذل َك ب َق ْهره للعباد باْلَ ْوت؛ َوك ْشف ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫مال ُه ْم؛ وال َن َ‬ ‫َّ ُ َ َ ْ ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ساب َعلى الن ِق ِير؛‬ ‫ِ‬ ‫الح‬
‫ض ْ؛ ِب ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلسرار َي ْو َم َ‬
‫الع ْر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ص ُحوا لهم في ِد ِين ِهم؛‬ ‫أسَلفهم ال وفروا علي ِهم‬
‫الو َ‬
‫فاء‬ ‫أن َ‬ ‫ً ُ ُ ْ َ‬
‫حان ُه َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نه ‪ُ -‬س ْبحان ُه ‪ -‬إلى ما َيك ِشف َس ِر َيرة َمن خان ِفيها؛ ِعلما ِمنه سب‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫شادا م ُ‬ ‫الوص َّية؛ ْإر ً‬ ‫والحقير؛ َع َّق َب َذل َك ب َآية َ‬ ‫والجليل؛ َ‬ ‫والق ْطمير؛ َ‬
‫ََ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ِ َ ِ َ َ ُّ َ ًّ َ َ ْ َ ْ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ْ‬
‫اآلية ِم َن التقوى؛‬
‫ََ‬
‫اْلال؛ َويقت ِد َي ِب ِه ْم؛ ِفيما خت َم ِب ِه‬
‫َْ‬
‫ير‬ ‫ف‬ ‫و‬‫وه ب َت ْ‬ ‫ص ُحوا ْلَن َخ َّل ُف ُ‬ ‫حان ُه ‪ -‬به؛ ل َي ْن َ‬ ‫ََ ُ ْ َ‬
‫ب‬ ‫س‬ ‫‪-‬‬ ‫ر‬ ‫أم‬ ‫ما‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫في ِمث ِل ذ ِلك ي ِقل؛ وحثا لهم على أن يفع‬
‫َ ْ َ َِ ْ َ ِ ِ َ ْ َ ُِ َ ْ‬ ‫َ ُ ِ‬
‫َ‬
‫َِ ِ ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫والب ْعد م َن ْ‬ ‫والسماع؛ ُ‬ ‫َّ‬
‫اإليمان‪-.‬البقاعي‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫رار ِب‬ ‫ناديا لهم ِبما عقدوا ِب ِه العهد بينهم وبينه؛ ِمن اإلق ِ‬ ‫زاع؛ فقال (تعالى) ‪ -‬م ِ‬ ‫والن ِ‬ ‫الفس ِق؛ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ً ِ‬
‫الضَّال ِل‪ ،‬واستبعا ٌد عن‬ ‫تنفْي عن ُّ‬ ‫ض َّل إِذَا ا ْه َت َد ْي ُت ْم كان ِف ذلك ٌ‬ ‫ض ُّر ُك ْم َم ْن َ‬ ‫آمُنوا َعلَ ْي ُك ْم أَْن ُف َس ُك ْم َال َي ُ‬ ‫ِين َ‬ ‫*و أيضا ملََّا قال تعاىل‪َ :‬يا أَ ُّي َها َّالذ َ‬
‫الس َفر‬ ‫بمشروعية شهادتِهم أو اإليصا ِء إليهم ِف َّ‬ ‫َّ‬ ‫فأخرب تعاىل‬ ‫املؤمنني من شهاد ٍة أو غْيِها‪َ َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫نتفع بهم ِف شي ٍء من أمور‬ ‫أن ُي َ‬ ‫ْ‬
‫‪-.‬أبو حيان‪-‬‬
‫ُ َْ‬ ‫ََ َْ ُ‬
‫صابتك ْم ُم ِص َيبة اْل ْو ِت أى‪ :‬فقاربتم نهاية أجلكم بأن أحسستم بدنو اْلوت منكم‪ .‬فليس اْلراد اْلوت بالفعل و إنما اْلراد مشارفته ومقاربته‪.‬‬ ‫*فأ‬
‫وسمى‪ -‬سبحانه‪ -‬اْلوت مصيبة‪ْ ،‬لنه بطبيعته يؤلم‪ ،‬أو يصحبه أو يقاربه أو يسبقه آالم نفسية‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫َّ ْ َ‬
‫أسَلفهم‬ ‫الب ِح َير ِة؛ وما َب ْع َدها؛ إلى أن‬ ‫وأشارب َآية َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫رام؛‬ ‫الح ِ‬ ‫والش ْه ِر َ‬ ‫رام؛ َّ‬ ‫الح ِ‬ ‫كالب ْي ِت َ ْ َ‬ ‫العامةَ؛ َ ْ َ‬ ‫ِح ْ َّ‬ ‫صال َ‬ ‫وملَا خاطَب ‪ -‬سبحاَنه ‪ -‬أهل َذلِك الزمان ب َّأنه َنصب امل‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ َّ ُ ََ َ ْ ْ ُ َْ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ُ ََ َّ ِ ِ ْ ُ َ ََ َ َ َ َ َ َ‬
‫يل؛‬‫والقط ِم ِير؛ والج ِل ِ‬ ‫ساب على الن ِق ِير؛ ِ‬ ‫الح ِ‬ ‫ض؛ ِب ِ‬ ‫ف اْلسر ِاريوم العر ِ‬ ‫باد ِباْلو ِت؛ وكش ِ‬ ‫ال وفروا علي ِهم مالهم؛ وال نصحوا لهم في ِد ِين ِهم؛ وختم ذ ِلك ِبقه ِر ِه ِلل ِع ِ‬
‫ِل؛‬ ‫َ‬
‫ِك َيق ُّ‬ ‫ْل َذل َ‬ ‫فاء ِف ِمث ِ‬ ‫َ‬ ‫الو‬
‫َ‬ ‫خان فِيها؛ ِعلْ ًما مِن َُه ُسْبحاَن ُه َّ‬
‫أن‬ ‫ير َة َمن َ‬ ‫َ‬ ‫ف َس ِر‬ ‫شا ًدا مِن ُه ْ‪ُ -‬سْبحاَن َ ُه ‪ُ َّ َ -‬إىل ما َ َي ْك ِش ُ‬ ‫الو ِص َّيةِ؛ ْإر‬ ‫َ‬ ‫آي ِة‬ ‫َ‬ ‫ِك ِب‬
‫ُ‬ ‫والح ِ َق ِير؛ َع َّق َب َذل ْ َ‬
‫والب ْع ِد ِم َن‬
‫والسماع؛ ُ‬ ‫اآلية م َن التقوى؛ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وه بت ْوفيراْلال؛ و َيقتد َي به ْم؛ فيما خت َم به َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ُحوا ْلن خلف ُ‬ ‫وح ًّثا لهم َعلى أن َيف َعلوا ما َأم َر‪ُ -‬س ْبحان ُه ‪ -‬به؛ ل َين َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ين َآمنوا﴾‪– .‬البقاعي‪-‬‬
‫َ ُ‬
‫اإليمان ‪﴿ :-‬يا ُّأيها ال ِذ‬ ‫رار ِب‬ ‫َْ َ ََْ ََْ ُ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫قال (تعالى) ‪ُ -‬م ً‬ ‫والنزاع؛ ف َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ناديا لهم ِبما عقدوا ِب ِه العهد بينهم وبينه؛ ِمن اإلق ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفس ِق؛ ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫وع ِد ِّي ِبن َب َّد ٍاءيختلفان إلى مكة فخرج معهما فتى من بنى سهم فتوفى‬ ‫الدار ِّي َ‬ ‫ارقطني وغيرهما عن ابن عباس قال‪ :‬كان َتميم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫قال القرطبي‪ :‬وال أعلم خالفا أن هذه اآليات نزلت بسبب تميم الداري وعدى بن بداء‪ ،‬روى البخاري ِّ‬
‫والد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأرض ليس بها مسلم‪ ،‬فأوص ى إليهما فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصا بالذهب‪ -‬أى عليه صفائح الذهب مثل خوص النخل‪ -‬فاستحلفهما رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «ما كتمتما وال اطلعتما» ثم وجد الجام بمكة‬
‫فقالوا‪:‬‬
‫اشتريناه من عدى وتميم‪ ،‬فجاء رجَلن من ورثة السهمي فحلفا أن الجام للسهمى‪ ،‬ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا‪ ،‬قال‪ :‬فأخذوا الجام وفيهم نزلت هذه اآليات «‪. »1‬‬
‫هذا‪ ،‬واْلعنى اإلجمالى لهذه اآليات‪ :‬أن هللا‪ -‬تعالى‪ -‬شرع لكم‪ -‬أيها اْلؤمنون‪ -‬الوصية في السفرفعلى من يحس منكم بدنو أجله وهو في السفرأن يحضررجَل مسلما يوصيه بإيصال ماله لورثته فإذا لم يجد رجَل مسلما فليحضركافرا‪،‬‬
‫واالثنان أحوط‪ ،‬فإذا أوصَل ما عندهما إلى ورثة اْليت‪ .‬وارتاب الورثة في أمانة هذين الرجلين‪ ،‬فعليهم في هذه الحالة أن يرفعوا اْلمرللحاكم‪ ،‬وعلى الحاكم أن يستحلف الرجلين باهلل بعد الصَلة بأنهما ما كتما شيئا من وصية وما خانا‪.‬‬
‫فإذا ظهربعد ذلك للحاكم أو لورثة اْليت أن هذين الرجلين لم يكونا أمينين في أداء ما كلفهما اْليت بأدائه‪ ،‬فعندئذ يقوم رجَلن من أقرب ورثة اْليت‪ ،‬ليحلفا باهلل أن شهادتهما أحق وأولى من شهادة الرجلين اْلولين‪ ،‬وأن هذين الرجلين‬
‫لم يؤديا الوصية على وجهها‪.‬‬
‫سبحانه‪ -‬في اآلية الثالثة أن ما شرعه هللا لهم هو أضمن طريق ْلداء الشهادة على وجهها الصحيح وعليهم أن ير اقبوه ويتقوه لكي يكونوا من اْلؤمنين الصادقين‬ ‫ثم بين‪76-‬‬
‫َ ْ‬
‫ثم بني‪ -‬سبحانه‪ -‬الحكم فيما إذا تبني أن الرجلني اللذين دفع إليهما املوصى ما له لم يكونا أمينني فقال‪ :‬ف ِإن ُع ِث َر‬ ‫**‬ ‫‪107‬‬
‫َ َ َّ ُ َ ْ َ َ َّ ْ ً‬
‫على أنهما استحقا ِإثما‬
‫‪-‬الوسيط‪-‬‬

‫*فأنت ترى أن هللا‪ -‬تعالى‪ -‬قد أكد هذا القسم بجملة من اْلؤكدات منها‪ :‬أن الحالفين يحلفان بأنهما ال يحصَلن بيمين هللا‬
‫ثمنا مهما كانت قيمته‪ ،‬وبأنهما لن يحابيا إنسانا مهما بلغت درجة قرابته وبأنهما لن يكتما الشهادة التي أمرهما هللا بأدائها‬
‫على وجهها الصحيح‪ ،‬وبأنهما يقران على أنفسهما باستحقاق عقوبة اآلثم اْلذنب إن كتما أو خانا أو حادا عن الحق‪ ،‬وهذا‬
‫كله ْلجل أن تصل وصية اْليت إلى أهله كاملة غيرمنقوصة‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫مان ِه ْم بيان‬ ‫َ ْ َ َْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ْ ُ َّ َ ْ‬
‫*والجملة الكريمة بيان لحكمة مشروعية التحليف بالتغليظ املتقدم‪ ،‬وقوله‪ :‬أو يخافوا أن ت َرد أيمان بعد أي ِ‬ ‫‪108‬‬
‫لحكمة رد اليمني على الورثة‪ .‬وهو معطوف على مقدرينبئ عنه اْلقام فكأنه قيل‪ :‬ذلك الذي شرعناه لكم أقرب إلى أن‬
‫يأتى اْلوصياء بالشهادة على وجهها الصحيح ويخافوا عذاب اآلخرة بسبب اليمين الكاذبة‪ ،‬أو يخافوا أن ترد أيمان على‬
‫الورثة بعد أيمانهم فيظهر كذبهم على رؤوس اْلشهاد‪ ،‬فيكون ذلك الخوف داعيا لهم إلى النطق بالحق وترك الكذب‬
‫والخيانة‪-.‬الوسيط‪-‬‬
‫َ‬ ‫َْ ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫فاس ِقين‪.‬‬
‫*ثم ختم‪ -‬سبحانه‪ -‬اآلية الكريمة بقوله‪ :‬و اتقوا َّللا واسمعوا وَّللا ال يه ِدي القوم ال ِ‬
‫أى‪ :‬و اتقوا هللا في كل ما تأتون وتذرون من أموركم واسمعوا ما تؤمرون به سماع إذعان وقبول وطاعة واعلموا أن هللا‪-‬‬
‫تعالى‪ -‬ال يوفق القوم الخارجين عن طاعته إلى طريق الخيروالفَلح‪ْ ،‬لنهم آثروا الغي على الرشد واستحبوا العمى على‬
‫الهدى‪.‬‬
‫فهذا الختام لآلية الكريمة اشتمل على أبلغ ألوان التحذير من معصية هللا ومن مخالفة أمره‪.‬‬

‫‪77‬‬
78
‫خاتمة السورة‬
‫(‪)120-109‬‬

‫مراجعة العقود يوم القيامة‬


‫متى تراجع العقود؟ يوم القيامة‪ .‬ولذلك كان الختام الرائع للسورة‪.‬‬
‫ُّ ُ َ َ َ ُ ُل َ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫نت َع َّلٰـ ُم ْٱل ُغ ُ‬
‫وب) (‪.)109‬‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫( َي ْو َم َي ْج َم ُع ٱهلل ٱلرسل فيقو ماذا أ ِجبتم قالوا ال ِعلم لنا ِإنك أ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫الحظ ترابط آيات السورة‪ ،‬ففي البداية (أوفوا بالعقود) وفي وسط السورة ( َيٰـ َأ ُّي َها َّ‬
‫ٱلر ُسو ُل َب ِّل ْغ َما ُأنز َل إ َل ْي َك ِمن َّرِّب َك)(من أحكام الحَلل والحرام) لتختم السورة بـ ( َي ْو َم َي ْج َم ُع ٱهلل ُّ‬
‫ٱلر ُس َل ف َيقو ُل َماذا أ ِج ْبت ْم)‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫وفي ختام السورة تأتي قصة سيدنا عيس ى عليه السَلم وتبرؤه من الذين ضلوا عن سبيله من النصارى‪ .‬وهذا يفيد في التبرؤ من التقليد اْلعمى لآلخرين‪ ،‬فكيف ستتبعوهم يا مسلمين وسيدنا عيس ى عليه‬
‫السَلم نفسه سيتبرأ منهم يوم القيامة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ ٰ َ َ ْ ُ َ َ ُ َّ ٰ َ‬ ‫وْلهمية ذكريوم القيامة في حث الناس على اإليفاء بعهودهم تأتي هنا آية رائعة‪َ ( :‬ق َ‬
‫ٱلصـ ِد ِقين ِص ْدق ُه ْم‪ .)119( )...‬والصادقون هم الذين يوفون بعقودهم مع هللا ومع الناس‬ ‫ال ٱهلل هـذا يوم ينفع‬

‫ِيسى ْاب َن َم ْر َي َم شروع ِف بيان ما جرى بينه‪ -‬تعاىل‪ -‬وبني واحد من الرسل املجموعني‪ ،‬من‬
‫اهللُ يا ع َ‬ ‫قال أبو السعود‪ :‬قوله‪ -‬تعاىل‪ :‬إِ ْذ َ‬
‫قال َّ‬

‫املفاوضة على التفصيل‪ ،‬إثر بيان ما جرى بينه‪ -‬تعاىل‪ -‬وبني الكل على وجه اإلجمال ليكون ذلك كاألنموذج لتفاصيل أحوال الباقني‪،‬‬

‫وتخصيص شأن عيسى بالبيان‪ ،‬ملا أن شأنه‪ -‬عليه السالم‪ -‬متعلق بكال الفريقني من أهل الكتاب الذين نعت عليهم هذه السورة جناياتهم‪.‬‬

‫فتفصيل شأنه يكون أعظم عليهم‪ ،‬وأجلب لحسراتهم‪ ،‬وأدخل ِف صرفهم عن غيهم وعنادهم»‬
‫‪79‬‬
‫َ َّ ْ َ‬ ‫عيسى بني يدي اهلل ِف القيامة ‪)111 - 109( :‬‬
‫وم املَُه ِ‬
‫ول‬ ‫ذكر بهذا الي ِ‬ ‫والسمعِ والطَّاعة‪َّ ،‬‬ ‫الوصية‪َ ،‬‬
‫وأمر ب َت ْقوى اهللِ‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِديِ‬‫بالحكم ِف شاه َ‬ ‫*ْلا أخبرتعالى ُ‬ ‫‪109‬‬

‫يت ِق‬
‫حرف الشهادةَ‪ ،‬و ِملَن لم َّ‬ ‫الدنيا‪ ،‬وعقوب ِة اآلخِرة ِملَن َّ‬ ‫فج َمع بذلك بني فَضيح ِة ُّ‬ ‫يوم القيام ِة َ‬ ‫املخوف‪ ،‬وهو ُ‬
‫ِ‬
‫سمع ‪.‬‬
‫ولم َّ َي ْ‬
‫اهللَ ً َ‬
‫والتكاليف واْلحكام‪ْ ،‬أت َب َعها إماَّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫الكريم أنه إذا ذكرأنواعا كثيرة من الشرائع‬ ‫ِ‬ ‫رآن‬
‫عادة الق ِ‬
‫و أيضا ْلا كان من ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ‬
‫ِكره من التكاليف‬ ‫ُ‬ ‫قدم ذ‬
‫َّ‬ ‫أحوال اْلنبياء‪ ،‬أو بشر ِح أحوال القيامة؛ ليصْي ذلك ِّ‬
‫مؤك ًدا ِملَا تَ‬ ‫ِ‬ ‫وإما بش ْر ِح‬ ‫باإللهيات‪،‬‬
‫ً َّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫والشرائع‪ ،‬فَل َ‬
‫أحوال‬
‫ِ‬ ‫القيامة أوال‪ ،‬ثم ِذك ِر‬‫ِ‬ ‫أحوال‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫رائع أتبعها بوص ِ‬
‫جرم ْلا ذكرفيما تقدم أنواعا كثيرة من الش ِ‬ ‫َّ‬
‫السَلم ‪ُ.‬‬
‫عيس ى عليه َّ‬
‫*وبعد أن ساقت السورة الكريمة قبل ذلك ما ساقت من تشريعات حكيمة ومن تفصيل ْلحوال أهل الكتاب‬
‫وعقائدهم الزائفة‪ .‬بعد كل ذلك اتجهت السورة في أواخرها إلى الكَلم عن أحوال الناس يوم القيامة وعن‬
‫معجزات عيس ى‪ -‬عليه السَلم‪ -‬وعن موقف الحواريين منه‪.‬‬
‫*اعلم أن عادة هللا تعالى‪ -‬جارية في هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكرأنواعا كثيرة من الشرائع والتكاليف واْلحكام‪،‬‬
‫أتبعها إما باإللهيات وإما بشرح أحوال اْلنبياء أو بشرح أحوال القيامة‪ ،‬ليصيرذلك مؤكدا ْلا تقدم ذكره من‬
‫التكاليف والشرائع فَل جرم ْلا ذكر‪ -‬فيما تقدم أنواعا كثيرة من الشرائع‪ ،‬أتبعها بوصف أحوال القيامة‪.‬‬
‫ِف هذه اآلية قوالن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنها متصلة بما قبلها والتقدير‪ :‬و اتقوا هللا يوم يجمع هللا الرسل‪ -‬فيكون قوله‪:‬‬
‫َ َّ ُقوا َّ َ‬
‫َّللا والقول الثاني‪ :‬أنها منقطعة عما قبلها والتقدير‪:‬‬ ‫َي ْو َم َي ْج َم ُع بدل اشتمال من قوله في اآلية السابقة و ات‬
‫الر ُس َل‪.‬‬ ‫اذكروا َي ْو َم َي ْج َم ُع َّ ُ‬
‫َّللا ُّ‬
‫واْلعنى‪ :‬لقد سقنا لكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬ما سقنا من الترغيب والترهيب وبينا لكم ما بينا من اْلحكام واآلداب‪ ،‬فمن‬
‫الواجب عليكم أن تتقوا هللا وأن تحذروا عقابه‪ ،‬وأن تذكروا ذلك اليوم الهائل الشديد يوم يجمع هللا الرسل الذين‬ ‫ثم ذكر‪ -‬سبحانه‪ -‬بعض النعم التي أنعم بها على عيسى وأمه‬
‫أرسلهم إلى مختلف اْلقوام‪ .‬في شتى اْلمكنة واْلزمان فيقول لهم‪ :‬ماذا أجبتم من أقوامكم؟‬ ‫للرسل‪َ :‬م َاذا ُأج ْب ُت ْ‬ ‫قوله تعالى ُّ‬ ‫َ‬
‫الغ َر ُ‬ ‫َ َّ‬
‫أى‪ :‬ما اإلجابة التي أجابكم بها أقوامكم؟‬ ‫األمم‬
‫أشد ِ‬ ‫مر َد مِن أُ َم ِمهم‪ ،‬وكان َّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫َّ ْ ُ َّ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫توبي‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫ض‬ ‫كان‬ ‫ا‬ ‫ْل‬ ‫‪110‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وخص‪ -‬سبحانه‪ -‬الرسل بالذكر‪ -‬مع أن الرسل وغيرهم سيجمعون للحساب يوم القيامة‪ -‬إلظهارشرفهم ولإليذان‬ ‫َع َن‬
‫ألن ط ْ‬ ‫النصارى الذين يزعمون أنهم أتباع عيس ى عليه السَلم؛ َّ‬ ‫افتقارا إىل التوبيخِ واملالم ِة َّ‬ ‫ً‬
‫جالل اهلل‬ ‫إىل‬ ‫ى‬ ‫تعد‬ ‫ِني‬‫ع‬ ‫ال‬ ‫امل‬ ‫هؤالء‬ ‫ن‬ ‫َع‬ ‫ط‬‫و‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ء‬ ‫األنبيا‬ ‫على‬ ‫ا‬‫مقصور‬ ‫كان‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫سائر َ‬
‫أل‬ ‫ا‬
‫بعدم الحاجة إلى التصريح بجمع غيرهم من اْلقوام ْلن هؤالء اْلقوام إنما هم تبع لهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َِّّ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ ً‬ ‫ِ‬
‫فإن قلت‪ :‬ما معنى سؤالهم؟ قلت‪ :‬توبيخ قومهم‪ .‬كما كان سؤال اْلوءودة توبيخا للوائد‪.‬‬ ‫والولد؛ فَل‬
‫ِ‬ ‫الزوجة‬
‫ِ‬ ‫خاذ‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫وهو‬ ‫به‪،‬‬ ‫اإلله‬ ‫يصف‬ ‫أن‬ ‫بعاقل‬
‫ٍ‬ ‫ليق‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫بما‬ ‫وه‬ ‫ف‬ ‫وص‬ ‫حيث‬ ‫؛‬ ‫ِه‬‫ئ‬ ‫ِربيا‬ ‫وك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فإن قلت‪ :‬كيف يقولون‪« :‬ال علم لنا وقد علموا بما أجيبوا؟» ‪.‬‬ ‫ِعمه على عيسى بحضر ِة ُّ‬
‫الر ُس ِل واحد ًة فواحد ًة‪،‬‬ ‫عنَ‬ ‫عدد أنوا َ‬ ‫جرم َذ َكر اهلل تعاىل َّأنه ُي ِّ‬
‫ُ‬
‫قلت‪ :‬يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم فيكلون اْلمرإلى علمه وإحاطته بما منوا به منهم‪ -‬أى‪ :‬بما ابتلوا‬ ‫كل واحد ٍة مِن تلك ِّ‬
‫الن َعم‬ ‫فإن َّ‬ ‫وتقريعهم على سو ِء َمقالتِهم؛ َّ‬ ‫ُ‬ ‫واملقصو ُد منه توبي ُخ النصارى‬
‫به منهم‪ ،-‬وكابدوا من سوء إجابتهم‪ ،‬إظهارا للتشكى واللجأ إلى ربهم في االنتقام منهم‪ ،‬وذلك أعظم على الكفرة‪ ،‬و أنت‬ ‫عبد وليس بإل ٍه‪– .‬الرازي‪-‬‬ ‫تدل على َّأنه ٌ‬ ‫املعدودة على عيسى ُّ‬
‫في أعضادهم‪ ،‬وأجلب لحسرتهم‬
‫ْ َ َّ ْ ُ َ َ ْ َ َّ ْ ُ َ َ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َّ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫العلم بالغيب من دون اهلل‪ ،‬وال يحكمون على ما ِف ضمائر‬
‫الرسل وأخال ُقهم! فهم ينفون عن أنفسهم َ‬ ‫أدب ُ‬‫هلل ُ‬
‫•‪ِ 109‬‬
‫*وقد عدد عليه من النعم سبعا‪ِ :‬إذ أيدتك و ِإذ علمتك و ِإذ تخلق ِوإذ تبرأ‪ .‬و ِإذ تخ ِرج اْلوتى و ِإذ كففت و ِإذ أوحيت‬
‫َ‬
‫وارُّيون‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫ِّ‬
‫الناس‪ ،‬ويرتفَّعون عن تصفي ِة الحسابات مع األتباع املكذبني‪.‬‬
‫ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬بعض ما داربين عيس ى وبين الحواريين فقال‪ِ :‬إذ قال الح ِ‬ ‫الرب العظيم؟!‬
‫َ ِّ‬ ‫أمام‬ ‫األكرب‪،‬‬ ‫العرض‬ ‫بموقف‬
‫ِ‬ ‫فكيف‬ ‫فة‪،‬‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ببنت‬
‫ِ‬ ‫تخر ُس األلسنة‪ ،‬وال تَن ِب ُس األفواه‬ ‫‪80‬‬
‫الهيبة قد َ‬
‫•ِف مواقف َ‬
‫*ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬بعد ذلك ما قاله الحواريون لعيس ى‪ ،‬وما طلبوه منه‪ ،‬مما يدل على إكرام هللا‪ -‬تعالى‪ -‬لنبيه عيس ى‪.‬‬ ‫‪111‬‬
‫–الوسيط‪-‬‬
‫*واذكرنعمتي عليك إذ يسرت لك أتباعا وأعوانا‪ .‬فأوحيت إلى الحواريين أي‪ :‬ألهمتهم‪ ،‬وأوزعت قلوبهم اإليمان بي‬
‫وبرسولي‪ ،‬أو أوحيت إليهم على لسانك‪ ،‬أي‪ :‬أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند هللا‪ ،‬فأجابوا لذلك و انقادوا‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫آمنا باهلل‪ ،‬واشهد بأننا مسلمون‪ ،‬فجمعوا بين اإلسَلم الظاهر‪ ،‬واالنقياد باْلعمال الصالحة‪ ،‬واإليمان الباطن‬
‫املخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف اإليمان‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫*اْلائدة ‪:‬‬ ‫‪112‬‬
‫هـذه تذكـرة تبني طلب الحواريني من معجزة مادية هـي أن ينزل اهلل عليهـم مائدة من السـاء بـرروا‬
‫أسبابها‪.‬‬
‫*وقد ذكروه باسمه ونسبوه إلى أمه‪ -‬كما حكى القرآن عنهم‪ -‬لئَل يتوهم أنهم اعتقدوا ألوهيته أو ولديته‬
‫الجواب َأت َّم َز ْجر َل ُه ْم؛ َت َش َّو َف ِّ‬
‫الس ِام ُع إلى‬
‫َ‬
‫وكان في َهذا َ‬ ‫َ ُ‬
‫يمان َمن ل ْم َيك ْن َآم َن؛‬ ‫ُ َّ ُ ْ َ ُ‬ ‫َ ِّ َ ُ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫*وْلا كان ِت اْلع ِجزات إنما تطلب ِإل ِ‬ ‫‪113‬‬
‫واب ِه ْم‪-.‬البقاعي‪-‬‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬

‫الحق تَراها عِياًنا ِف عالَم الشهادة؛ حتى يقوى إيماُنها‬


‫بعض القلوبِ إىل شيء من براهني ِّ‬ ‫•‪113‬قد تحتاج ُ‬
‫بعا َلم الغيب‪ ،‬فتأتي املعجز ُة على يد األنبياء واملرسلني‪ ،‬والكرامةُ على يد األولياء والصالحني‬

‫وقدموا ذكر اإليمان ألنه صفة القلب‪ ،‬وأخروا ذكر اإلسالم ألنه عبارة عن االنقياد الظاهر فكأنهم قالوا‪ :‬لقد استقر اإليمان ِف قلوبنا استقرارا مكينا‪ ،‬كان من ثماره أن انقادت ظواهرنا لكل‬
‫ما يأمرنا اهلل به على لسانك يا عيسى‪.‬‬
‫والد ِت َك ثم إن جميع ما ذكره‪ -‬تعاىل‪ -‬من النعم مختص بعيسى‪ ،‬وليس ألمه تعلق بشيء منها‪ .‬قلنا‪ :‬كل ما حصل للولد من النعم‬
‫َ‬ ‫ْ ُ ْ َ ََْ َ َ َ‬
‫*فإن قيل‪ :‬إنه‪ -‬تعالى‪ -‬قال في أول اآلية اذك ْر ِنعم ِتي عليك وعلى ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫الجليلة والدرجات العالية فهو حاصل على سبيل التضمن والتبع لألم ولذلك قال‪ -‬تعالى‪َ -‬و َج َعلنا ْاب َن َم ْرَي َم َوأ َّم ُه َآية فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما باآلخر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫*و إنما ذكر‪ -‬سبحانه قوله( َو ِإذ أ ْو َح ْيت )في معرض تعديد النعم ْلن صْيورة اإلنسان مقبول القول عند الناس محبوبا ِف قلوبهم‪ ،‬من أعظم نعم اهلل على اإلنسان‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫ُ ُ ُ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َّ ُ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َن َ َ ْ َ َّ‬
‫الشاهدين‪َ.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ثم حكى القرآن ما رد به الحواريون على عيسى فقال‪ :‬قالوا ن ِريد أن نأكل ِمنها وتطم ِئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكو عليها ِمن‬
‫أى‪ :‬قال الحواريون لعيس ى إننا نريد نزول هذه اْلائدة علينا من السماء ْلسباب‪:‬‬
‫‪ .1‬أولها‪ :‬أننا نرغب في اْلكل منها لننال البركة‪ ،‬وْلننا في حاجة إلى الطعام بعد أن ضيق علينا أعداؤك وأعداؤنا الذين لم يؤمنوا برسالتك‪.‬‬
‫‪ .2‬وثانيها‪ :‬أننا نرغب في نزولها لكي تزداد قلوبنا اطمئنانا إلى أنك صادق فيما تبلغه عن ربك‪ ،‬فإن انضمام علم اْلشاهدة إلى العلم االستداللي‪ ،‬مما يؤدى إلى رسوخ‬
‫اإليمان‪ ،‬وقوة اليقين‪.‬‬
‫‪ .3‬وثالثها‪ :‬أننا نرغب في نزولها لكي نعلم أن قد صدقتنا في دعوى النبوة‪ ،‬وفي جميع ما تخبرنا به من مأمورات ومنهيات‪ْ ،‬لن نزولها من السماء يجعلها تخالف ما جئتنا به‬
‫من معجزات أرضية‪ ،‬وفي ذلك ما فيه من الداللة على صدقك في نبوتك‪.‬‬
‫‪ .4‬ورابع هذه اْلسباب‪ :‬أننا نرغب في نزولها لكي نكون من الشاهدين على هذه اْلعجزة عند الذين لم يحضروها من بنى إسرائيل‪ ،‬ليزداد الذين آمنوا منهم إيمانا‪ ،‬ويؤمن‬
‫الذي عنده استعداد لإليمان‪.‬‬
‫وبذلك نرى ان الحواريين قد بينوا لعيس ى‪ -‬كما حكى القرآن عنهم‪ -‬أنهم ال يريدون نزول اْلائدة من السماء ْلنهم يشكون في قدرة هللا‪ ،‬أو في نبوة عيس ى أو أن مقصدهم من‬
‫هذا الطلب التعنت‪ .‬و إنما هم يريدون نزولها لتلك اْلسباب السابقة التي يبغون من ورائها اْلكل وزيادة اإليمان واليقين والشهادة أمام الذين لم يحضروا نزولها بكمال‬
‫قدرة هللا وصدق عيس ى في نبوته‪.‬‬

‫آراء العلماء ِف نزول املائدة‪ :‬الجمهور على أنها نزلت‪.‬‬


‫وقد رجح ذلك ابن جرير فقال ما ملخصه‪ :‬والصواب من القول عندنا ِف ذلك أن يقال‪:‬‬
‫إن اهلل أنزل املائدة‪ ..‬ألن اهلل ال يخلف وعده‪ ،‬وال يقع ِف خربه الخلف وقد قال‪-‬‬
‫تعاىل‪ -‬مخربا ِف كتابه عن إجابة نبيه عيسى حني سأله ما سأله من ذلك إِِّني ُمَن ِّز ُلها‬
‫َعلَ ْي ُك ْم وغْي جائز أن يقول اهلل إنى منزلها عليكم ثم ال ينزلها‪ ،‬ألن ذلك منه‪ -‬تعاىل‪-‬‬
‫خرب‪ ،‬وال يكون منه خالف ما يخرب ‪.‬‬
‫وقد علق ابن كثْي على ما رجحه ابن جرير فقال‪ :‬وهذا القول هو‪ -‬واهلل أعلم‪-‬‬
‫الصواب‪ ،‬كما دلت عليه األخبار واآلثار عن السلف وغْيهم‬
‫‪82‬‬
‫الحواريني ما قالوه ِف سبب طلبهم‬ ‫َ‬ ‫‪* 114‬ثم حكى‪ -‬سبحانه‪ -‬ما تضرع به عيسى بعد أن سمع من‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫يس ى ْاب ُن َم ْرَي َم الل ُه َّم َرَّبنا أنز ْل عل ْينا مائدة من َّ‬
‫َ‬ ‫قال ع َ‬
‫لنزول املائدة من السماء فقال‪ -‬تعالى‪َ -‬‬
‫ماء‬
‫الس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ً ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ‬ ‫ً َ َّ َ‬ ‫َُ ُ َ‬
‫الرا ِز ِقين‪.‬‬ ‫آخ ِرنا و آية ِمنك وارزقنا و أنت خير‬ ‫تكون لنا ِعيدا ِْلو ِلنا و ِ‬
‫الترتيب‪ ،‬فإن الحواريين ْلا سألوا اْلائدة ذكروا في طلبها أغراضا‪،‬‬ ‫قال الفخرالرازي‪ :‬تأمل في هذا‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ َ ْ َ ْ َُ‬
‫فقدموا ذكراْلكل فقالوا ن ِريد أن نأكل ِمنها وأخروا اْلغراض الدينية الروحانية‪.‬‬
‫فأما عيس ى فإنه ْلا ذكراْلائدة وذكرأغراضه فيها قدم اْلغراض الدينية وأخر غرض اْلكل حيث‬
‫ُْ‬
‫قال‪َ :‬و ْارزقنا وعند هذا يلوح لك مراتب درجات اْلرواح في كون بعضها روحية‪ ،‬وبعضها جسمانية‪.‬‬
‫ُْ‬
‫ثم إن عيس ى لشدة صفاء دينه ْلا ذكرالرزق انتقل إلى الرازق بقوله َو ْارزقنا لم يقف عليه‪ :‬بل انتقل‬
‫من الرزق إلى الرازق‬
‫مقصودهم‪ ،‬أجابهم إىل طلبهم ِف ذلك‪،‬‬ ‫*فلما سمع عيسى عليه الصالة والسالم ذلك‪ ،‬وعلم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ َّ َ َّ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ َ ً َ َّ َ َ ُ ُ َ َ ً َ َّ َ َ َ َ َ ً‬
‫آخ ِرنا و آية ِمنك﴾ أي‪ :‬يكون‬ ‫فقال‪﴿ :‬اللهم ربنا أن ِزل علينا ما ِئدة ِمن السم ِاء تكون لنا ِعيدا ِْلو ِلنا و ِ‬
‫وقت نزولها عيدا وموسما‪ ،‬يتذكر به هذه اآلية العظيمة‪ ،‬فتحفظ وال تنس ى على مروراْلوقات وتكرر‬ ‫ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ َّ ْ ُ َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫َلل اْل ِآك ِل؛ واخت ِت َمت‬ ‫وفي ِذك ِر ِقص ِة اْلا ِئد ِة في ه ِذ ِه السور ِة ال ِتي افت ِتحت ِبإح ِ‬
‫السنين‪ .‬كما جعل هللا تعالى أعياد اْلسلمين ومناسكهم مذكرا آلياته‪ ،‬ومنبها على سنن اْلرسلين‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ ِّ‬ ‫أع َظ ُم َت ُ‬
‫القويمة‪ ،‬وفضله وإحسانه عليهم‪.‬‬ ‫وطرقهم َ َ‬ ‫ناس ٍب؛ وفي ذ ِل َك ك ِل ِه إشا َرة إلى تذ ِك ِير َه ِذ ِه اْل َّم ِة ِبما أن َع َم َعل ْيها‬ ‫بها؛ ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َُْ‬
‫﴿و ْارزقنا و أنت خيرالرا ِز ِقين﴾ أي‪ :‬اجعلها لنا رزقا‪ ،‬فسأل عيس ى عليه السَلم نزولها وأن تكون لهاتين‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫وم َّن َع َل ْيها به من ُح ْ‬
‫أعطى َنب َّيها م َن اْلُ ْعجزات؛ َ‬
‫باع؛ وت ْح ِذير ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫اال‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بما ْ‬
‫ِ‬
‫اْلصلحتين‪ ،‬مصلحة الدين بأن تكون آية باقية‪ ،‬ومصلحة الدنيا‪ ،‬وهي أن تكون رزقا‪-.‬السعدي‪-‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُْ‬
‫‪ْ* 115‬لنه شاهد اآلية الباهرة وكفر عنادا وظلما‪ ،‬فاستحق العذاب اْلليم والعقاب الشديد‪ .‬واعلم أن هللا‬ ‫الن َع ِم اْل َع َّد َد ِة َعل ْي ِه ْم‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫َ‬
‫كفر ِان ه ِذ ِه ِ‬
‫تعالى وعد أنه سينزلها‪ ،‬وتوعدهم ‪-‬إن كفروا‪ -‬بهذا الوعيد‪ ،‬ولم يذكر أنه أنزلها‪ ،‬فيحتمل أنه لم ينزلها‬
‫بسبب أنهم لم يختاروا ذلك‪ ،‬ويدل على ذلك‪ ،‬أنه لم يذكرفي اإلنجيل الذي بأيدي النصارى‪ ،‬وال له‬
‫وجود‪ .‬ويحتمل أنها نزلت كما وعد هللا‪ ،‬وهللا ال يخلف اْليعاد‪ ،‬ويكون عدم ذكرها في اْلناجيل التي‬
‫بأيديهم من الحظ الذي ذكروا به فنسوه‪ .‬أو أنه لم يذكرفي اإلنجيل أصَل‪ ،‬و إنما ذلك كان متوارثا‬
‫بينهم‪ ،‬ينقله الخلف عن السلف‪ ،‬فاكتفى هللا بذلك عن ذكره في اإلنجيل‪ ،‬ويدل على هذا اْلعنى قوله‪:‬‬
‫َ َ ُ َن َ َ ْ َ َ َّ‬
‫الشاهد َ‬
‫ين﴾ وهللا أعلم بحقيقة الحال‪-.‬السعدي‪-‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫﴿ونكو عليها ِمن‬
‫‪83‬‬
‫ابن َم َ‬ ‫ً‬
‫توبيخا لهم‪ :‬يا عيس ى َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫السَلم َ‬‫هللا تعالى لعيس ى عليه َّ‬ ‫محم ُد ح َين يقو ُل ُ‬ ‫ُ‬
‫واذك ْريا َّ‬
‫ريم‪،‬‬ ‫النصارى‬ ‫ضرة‬
‫القيامة بح ِ‬
‫ِ‬ ‫يوم‬ ‫ِ‬ ‫*أي‪:‬‬ ‫‪116‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫بنفسك للناس‪ :‬اجعلوني أنا وأ ِمي معبود ِين ِمن دو ِن ِ‬
‫هللا سبحانه وتعالى ؟‪-‬املحرر‪-‬‬ ‫هل قلت ِ‬
‫الن ْف َي؛ و َد َّل َعلَ ْيهِ؛ أثَْب َت ما قالَ ُه لَ ُه ْم‪– .‬البقاعي‪-‬‬ ‫ِق َّ‬‫*وملَّا َنفى َع ْن َن ْف ِس ِه ما َي ْس َتح ُّ‬ ‫‪117‬‬
‫َّ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً َ‬ ‫ْ ً َ ْ َ َّ َ‬ ‫َ َ َ ُ ُّ ُ ُ ً‬ ‫َّ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫راف‬
‫ِ‬ ‫ناء َعل ْي ِه ِبما هو ْأهل ُه؛ ِبالتن ِز ِيه ل ُه؛ و ِاال ْع ِت‬ ‫َّللا (تعالى) وث‬ ‫ِ‬ ‫وابا؛ وإخبارا؛ حمد‬ ‫وج ً‬ ‫ؤاال؛ َ‬ ‫*وْلا كان َهذا ال ِذي سلف كله؛ س‬ ‫‪118‬‬
‫َ‬ ‫ُّ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫وغ ْير َذل َك من صفات َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ‬ ‫ِّ‬
‫ؤال ُيف ِه ُم إرا َدة‬ ‫مال؛ وكان َهذا الس‬ ‫ِ‬
‫الجَلل؛ َ‬
‫والج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والحك َم ِة؛‬ ‫ِ‬ ‫هاد ِة ل ُه ِب ِعل ِم الخفايا؛ والق ْد َر ِة؛‬ ‫ِب َح ِق ِه؛ والش‬
‫الع َ‬
‫ذاب ‪-‬‬ ‫الجميل َع َل ْيه؛ ْل َّن َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َّ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫فاعة فيه ْم َعلى ْ‬ ‫الش َ‬ ‫َّ‬
‫ول َع ْن ُه ْم؛ ُم ِش ًيرا إلى‬
‫ْ ُ‬
‫يب ِلل َم ْسؤ‬
‫َّ‬
‫الت ْع ِذ‬
‫ِ ِ‬ ‫ناء ِ ِ‬ ‫َّلل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬والث ِ‬ ‫وج ِه الحم ْ ِ َد ِ ِ‬
‫ً‬ ‫كان ‪َ -‬ف ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ضل ُمطلقا‪-.‬البقاعي‪-‬‬ ‫أي ذن ٍب‬ ‫العاص ي ‪ِ -‬ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫والعف َو َع ِن‬ ‫ول ْو ِلل ُم ِط ِيع ‪َ -‬ع ْدل؛‬

‫ْ ُ ِّ َ‬
‫هلل في قوله‪ِ :‬إن ت َع ِذ ْب ُه ْم ف ِإ َّن ُه ْم‬‫األمر ِ‬ ‫تفويض ْ‬
‫ِ‬ ‫الجليل من‬ ‫والسالم على هذا الوج ِه‬ ‫الة َ َّ‬ ‫*ملا ان َقضى جواب عيسى عليه الص‬ ‫‪119‬‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ََّ ُ َ ََ ْ َ ْ ْ ُ َ ُ ْ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َّ ُ ْ‬
‫هلل له‪ ،‬فقال تعالى مشيرا إلى كو ِن جوابه حقا‬ ‫السامع إىل جوابِ ا ِ‬ ‫تشوف‬ ‫ِعبادك و ِإن تغ ِفًرلهم ف ِإنك أن ْت الع ِزيز ًّالح ِكيم‪َّ َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ ُ ُ‬
‫الوفاء بالعقود ‪-.‬املحرر‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫منب ًها على َمدحه‪ ،‬حاثا على ما ُب ِنيت عليه السورة ِمن‬ ‫ومضمونه صدقا‪ِّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِيها أََب ًدا‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ِين‬ ‫د‬‫ِ‬‫ل‬‫ا‬‫خ‬ ‫ار‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬
‫ات َ َ َْ ِ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ َ‬
‫األ‬
‫ْ‬ ‫ا‬‫ِه‬
‫ت‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫* َل ُه ْم َجَّن ٌ‬
‫َ‬
‫ناس َب ُتها ِْلا قبلها‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُم َ‬
‫الثواب‪- .‬املحرر‪-‬‬ ‫النفعِ وهو‬
‫كيفي َّةَ ذلك َّ‬
‫شرح َّ َ َّ‬ ‫القيامة‪َ ،‬‬ ‫الدنيا َين َف ُعهم ِف‬ ‫الصادقني ِف‬ ‫أن ِص ْد َق َّ‬ ‫ملََّا أخرب اهلل تعاىل َّ‬
‫ُُ َ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ َّ‬ ‫َّ‬
‫هللا صلى هللا َعليه وسلم‪ ،‬قال‪(( :‬ثم ي ُتجلى لهم ربهم تعالى‪ ،‬ثم يقول‪ :‬سلوني‬ ‫مالك رض ي هللا عنه‪ ،‬أن رسو َل َّ ِ‬ ‫أنس ِبن ٍ‬ ‫ُ*عن ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫الرضا‪ ،‬فيش ِهدهم أنه‬ ‫عطكم‪ ،‬فيسألونه ِ‬ ‫داري‪ ،‬و أنالكم كرامتي‪ ،‬فسلوني أ ِ‬ ‫الرضا‪ ،‬فيقول‪ِ :‬رضائي أحلكم ِ‬ ‫عطكم‪ ،‬فيسألونه ِ‬ ‫أ ِ‬
‫ْ‬
‫قد ر ِض ي عنهم))‪-‬حسن لغيره‪-‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ني‬
‫النصارى فيه؛ َبَّ َ‬ ‫وأن عيسى تربأ مما يدعِي‬ ‫والسالم‪َّ ،‬‬ ‫وبني عيسى عليه الصال ُة‬
‫جرى َبيَنه َ‬
‫وجل ما َ‬
‫عز َّ‬ ‫*ملََّا َذ َكر اهلل َّ‬ ‫‪120‬‬
‫َّ‬ ‫َ ُ َّ َّ َّ َ َّ ن ً‬ ‫ً‬ ‫ن‬
‫َ ُ َّ ْ َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫عز وجل َّ ُ‬
‫ملكو شيئا مما في‬ ‫موات واألرض‪ ،‬وأن عيس ى ال يصلح أن يكو إلها ال هو وال غيره؛ ْلنهم ال ي ِ‬
‫الس ِ‬‫لك َّ‬
‫أن له ُم َ‬ ‫َّ َّ‬
‫موات واْلرض‪-.‬ابن عثيمين‪-‬‬
‫الس ِ‬ ‫َّ‬
‫مي‬
‫فهون عليك‪ ،‬فقد ُر َ‬
‫ميت بأوابد الزور والبهتان‪ِّ ،‬‬‫علي املقام‪ ،‬إذا ُر َ‬‫طاهر العِرض ويا َّ‬ ‫َ‬ ‫•‪116‬يا‬
‫*وإن هذه اآلية الكريمة‪ْ ،‬لتسقة كل االتساق مع اآلية التي قبلها‪ْ ،‬لنه‪ -‬سبحانه‪ -‬بعد أن بني جزاء الصادقني ِف دنياهم‬ ‫مقاما من مقامك‪.‬‬
‫ً‬ ‫أعلى‬ ‫هو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ت‬
‫ُّ ِ َ َ‬ ‫وا‬ ‫منك‪،‬‬ ‫خْي‬
‫ٌ‬ ‫هو‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫بالبهت َ‬
‫َ‬
‫عقبه ببيان سعة ملكه‪ ،‬وشمول قدرته الدالني على أن هذا الجزاء ال يقدر عليه أحد سواه‪ -‬سبحانه‪.-‬‬ ‫يقدمه‬‫عما ال يليق به‪ ،‬ف ِّ‬
‫َّ‬ ‫اهلل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫تنزي‬ ‫صاحبه‬ ‫هم‬
‫ُّ‬ ‫صبح‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ليا‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫غاي‬ ‫القلب‬ ‫ِف‬ ‫التوحيد‬
‫ُ‬ ‫يبلغ‬ ‫حني‬ ‫•‬
‫وإن هذه اآلية الكريمة‪ -‬أيضا‪ْ -‬لتسقة كل االتساق ْلن تكون خاتمة لهذه السورة التي ساقت ما ساقت من تشريعات وأحكام‬ ‫على تنزيه نفسه وتربئ ِة ساحتها‪.‬‬
‫وآداب وهدايات ومن حجج حكيمة‪ ،‬وأدلة ساطعة دحضت بها اْلقوال الباطلة التي افتراها أهل الكتاب‪ .-‬خصوصا النصارى‪-‬‬ ‫يكون إل ًها‬
‫يستحق أن َ‬
‫ُّ‬ ‫أحد‬
‫لوهية فإن َمن دونَهم من باب أوىل؛ فال َ‬ ‫حق ِف األُ َّ‬ ‫للرسل ٌّ‬ ‫•إن لم يكن ُ‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز َّ‬ ‫ُيعبد من دون اهلل َّ‬
‫على عيس ى وأمه مريم‪ ،‬وبرهنت على أن عيس ى وأمه ما هما إال عبدان من عباد هللا‪ ،‬يدينان له بالعبادة والطاعة والخضوع‪،‬‬ ‫تفويض األمور‬
‫ِ‬ ‫وحسن‬ ‫والتواضع‪،‬‬ ‫الخضوع‬ ‫ة‬ ‫وغاي‬ ‫الجليل‪،‬‬ ‫الرب‬ ‫حضرة‬ ‫ِف‬ ‫األدب الجميل‬ ‫•إنه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ويأمران غيرهما بأن ينهج نهجهما في ذلك‬ ‫جل جالله‪.‬‬ ‫الحق َّ‬‫بالكلية إىل ِّ‬
‫َّ‬
‫‪84‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫سي ُده‪.‬‬
‫يتعطف على عبيده‪ ،‬وما كان ل َيشقى عبد أنت ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وشأن ِّ‬
‫السيد الكريم أن‬
‫ِ‬ ‫سي ُدنا الكريم‪،‬‬
‫الخطاؤون‪ ،‬و أنت ِّ‬
‫ُّ ِ‬
‫•‪118‬اللهم إنا ُ‬
‫عبيدك‬
‫كمال علم و اقتدار‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫•ال َيعجز ُ‬
‫االنتقام ممن يستحقه‪ ،‬فإن غفر فإنما ذلك عن ِ‬ ‫َّ‬
‫هللا تعالى عن‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫له‪ ،‬فاللهم اجعلنا من أهل مغفرتك‪ ،‬وال تمسنا بعذابك؛ فما لنا بعذابك طاقة‪.‬‬ ‫ومغفور‬ ‫قسمان‪ :‬معذب‪،‬‬ ‫ُ‬
‫•ما الناس إال‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أحوج ما تكون إليه في اآلخرة‪.‬‬ ‫بعض منافع الدنيا بسبب صدقك فَل تحزن؛ فستجني ثماره و أنت‬ ‫•‪119‬إذا ضاع منك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫َّ‬
‫•ال ُيزهدنك في اْلبادئ واْلثل العليا كثرة تكاليفها‪ ،‬ولكن انظر إلى إشراق نهاياتها‪ ،‬فمرارات اْلو ائل‪ ،‬حَلوات اْلواخر‪.‬‬
‫ملك اْللوك سبحانه‪ ،‬وأدخلك َ‬
‫نعيم ِجنانه؟!‬ ‫شعورك لو ض ي عنك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ملوك الدنيا؟ فكيف سيكون‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شعورك لو رض َي عنك‬ ‫•كيف تجد‬
‫ر‬
‫َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫لعبد من عبيده؟‬
‫يعقل هذا من يدعي اْللوهية ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫السماوات واْلرض‪ ،‬ويتصرف فيهما كيف يشاء إال الحي القيوم؟ فهل ِ‬ ‫ِ‬ ‫•‪َ 120‬من ذا الذي يملك‬

‫‪85‬‬
‫مناسبة أول السورة آلخرها‪ ،‬وفيها سبعة أوجه‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬بدأت‬


‫الوجه الرابع‪ :‬ذكر ِف أوائل‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬ذكر الوفاء‬
‫السورة باألمر بالوفاء‬
‫السورة ما نزل ِف عرفـة مـن‬ ‫بالعقود ِف بداية السورة‪،‬‬
‫بالعقود‪ ،‬وأن اهلل يـحـكـم‬
‫القـرآن‪ ،‬وذلك ِف قوله‪:‬‬ ‫وذلك قوله‪« :‬يتأيها الذين‬
‫الوجه السادس‪ :‬بدأت‬ ‫مـا يـريـد ِف قوله‪:‬‬
‫الوجه السابع ‪ :‬ذكر ِف‬ ‫«اليوم أكملت لكم دينكم‬ ‫ءامنوا أوفوا بالعقود »‪،‬‬
‫السورة بالحديث عن‬ ‫الوجه الخامس‪ :‬افتتحت‬ ‫«يأيها الذين ءامنوا أوفوا‬
‫مطلع السورة بيان بعض‬ ‫وأتممت عليكم نعمتي‬ ‫وذكر ِف خاتمة السورة ما‬
‫الشهر الحرام والهدي‬ ‫السورة بتحريم الصيد‬ ‫الوجه الثالث ‪ :‬ذكر ِف‬ ‫بالعقود أحلت لكم بهيمة‬
‫أحكام األطعمة‪ ،‬وِف‬ ‫ورضيت لكم اإلسالم دينا ﴾‬ ‫أخذه عيسى * على بني‬
‫والقالئد‪ ،‬وختمـت بـه ِف‬ ‫للمحرم‪ ،‬وبه ختمت ِف‬ ‫خاتمة السورة بعض‬ ‫األنعلم إال مايتلى عليكم‬
‫خاتمتها‬ ‫[املائدة‪ ،]3 :‬ويـوم عـرفـة‬ ‫إسرائيل؛ أن يعبدوا اهلل‪،‬‬
‫قوله‪« :‬جعل اهلل الكعبة‬ ‫قوله‪ :‬وحرم عليكم صيد‬ ‫العقود التي أمر بالوفاء‬ ‫غْي محلي الصيد وأنتم‬
‫ومـا بعده هو عيد للمسلمني‬ ‫فرتكـوا الـوفـاء بالعهـد‪،‬‬
‫ذكر قصة املائدة‪ ،‬وهي‬ ‫البيت الحرام قيما للناس‬ ‫الرب ما دمتم خرما واتقوا‬ ‫بها ِف أولهـا؛ كعقد‬ ‫حرم إن اهلل يحكم ما‬
‫ألولهم وآخرهم‪ ،‬وذكر ِف‬ ‫وذلك ِف قوله‪ « :‬ماقلت‬
‫إنزال الطعام من السماء‬ ‫والشهر الحرام والهدى‬ ‫اهلل الذى إليه تحشرون‬ ‫الوصية‪ ،‬واأليمان‪.‬‬ ‫يريد ‪ ،‬وختمـت بقوله‪:‬‬
‫أن املائدة تكـون‬
‫أواخر الشورة ّ‬ ‫لهم إال ما أمرتني به أن‬
‫والقالئد ﴾ [املائدة‪:‬‬ ‫﴾ [املائدة‪.)]96 :‬‬ ‫«هلل ملك السموات‬
‫لـهـم عـيـدا ألولهم وآخرهم‪،‬‬ ‫اعبدوا اهلل ربي وربكم‬
‫‪.)]97‬‬ ‫واألرض وما فيهن وهو‬
‫وذلك ِف قوله‪« :‬تكون لنا‬ ‫وكنت عليهم شهيدا ما‬
‫على كل شئ قدير ) ‪،‬‬
‫عيدا ألولنا وءاخرنا ﴾‬ ‫دمت فيهم ﴾ [املائدة‪:‬‬
‫فالكون كله هلل‪ ،‬يفعل ما‬
‫[املائدة‪"]114 :‬‬ ‫‪.)]117‬‬
‫يشاء ويحكم ما يريد)‪.‬‬

‫فايز السريح‬ ‫‪86‬‬


‫ِّ‬
‫‪ ( -1‬إنا أنزلنا ‪) .....‬‬ ‫أسئلة مراجعة حفظ سورة املائدة ‪:‬‬ ‫‪ -1‬اليوم أحل لكم‬
‫‪ ( -2‬فترى ‪) .........‬‬ ‫‪ -2‬واذكروا نعمة هللا عليكم‬
‫ِّ‬
‫‪ ( -3‬ليس على الذين ‪) .....‬‬ ‫‪-3‬فبما نقضهم ميثاقهم‬
‫‪ ( -4‬يسئلونك ‪) .....‬‬ ‫‪ -4‬يا أهل الكتاب(اْلوضع الثاني)‬
‫‪ ( -5‬ترى ‪) .....‬‬ ‫‪ -5‬لقد كفر(اْلوضع اْلول)‬
‫‪ ( -6‬لقد أخذنا ‪) .....‬‬ ‫‪ -6‬فبعث هللا غرابا‬
‫‪ ( -7‬قل ال ‪) ......‬‬ ‫‪ -7‬إال الذين تابوا‬
‫‪ ( -8‬يريدون أن يخرجوا ‪) .....‬‬ ‫‪ -8‬ألم تعلم أن هللا‬
‫ََْ ْ ُ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫‪ ( -9‬و لو ِّأنهم أقاموا ‪) .....‬‬ ‫‪ -9‬وليحكم أهل اإلنجيل‬
‫َّ َ َ ُّ ُ ُ َّ ُ َ َِ ُ ِ ُُ‬
‫‪ ( -10‬فمن تاب ‪) .....‬‬ ‫‪ِ -10‬إنما و ِليكم َّللا ورسوله‬
‫َّ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ ( -11‬و لقد أخذ ‪) .....‬‬ ‫‪َ -11‬و ِإذا َج ُاءوك ْم قالوا َآمنا‬
‫‪ ( -12‬و أن احكم ‪) .....‬‬ ‫‪-12‬إن الذين آمنوا‬
‫‪ ( -13‬ما قلت ‪) .....‬‬ ‫‪ُ -13‬ق ْل َأ َت ْع ُب ُدو َن من ُدون ٱَّللَّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ( -14‬ترى ‪) .....‬‬ ‫‪-14‬والذين كفروا (اْلوضع الثاني)‬
‫‪ ( -15‬و أطيعوا ‪) .....‬‬ ‫كفروا‬‫َ‬ ‫‪َ -15‬إن الذين‬
‫ٱلر ُسولَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وا ٱَّلل وأ ِطيعوا َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫‪ ( -16‬يهدي به ‪) .....‬‬ ‫‪-16‬وأ ِطيع‬
‫ِّ‬
‫‪ ( -17‬إنما يريد ‪) .....‬‬ ‫‪ -17‬اعلموا أن هللا‬
‫‪ ( -18‬و إذا سمعوا ‪) .....‬‬ ‫‪ -18‬ما جعل هللا‬
‫‪ ( -19‬و ترى ‪) .....‬‬ ‫‪ (-19‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم )‬
‫‪ ( -20‬قل هل ‪) .....‬‬ ‫اللهم ارحمنا بالقرآن واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة‬ ‫يس ى‬‫َّللا َيا ع َ‬
‫ِ‬ ‫‪َ -20‬وإ ْذ َق َ‬
‫ال َّ ُ‬
‫ِ‬
‫اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وشفاء همومنا وأحزاننا‬
‫اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تالوته آناء الليل وأطراف‬
‫النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا يا رب العاملني‬ ‫‪87‬‬

You might also like