Professional Documents
Culture Documents
باومجارتن ( )1762منفصلًة عنها ،ونشأ ما ُعرف Baumgartenوبعدما كانت مقولة الجمال مرتبطًة بالفلسفة غدت مع األلماني
العلم الذي يهتم بالطبيعة وتقدير الجمال والفن والذوق وُيعنى بـدراسة المدركات الحسية أو علم المعرفة الحسية Aestheticباالستطيقا
المرتكزة إلى منطق الخيال الفني… ،له مجاله الخاص المستقل عن المعرفة النظرية الذي يقوم به الذهن وعن السلوك األخالقي المعتمد
.على اإلرادة[]12
المدرسة اإلنجليزية التجريبية (من أبرز ممثليها هيوم ولوك وبيرك…) ربطت الجمال باإلحساس ودرست األشياء التي تحدث الّلذة في
نفوس البشر .فميزت هذه المدرسة بين الجمال والمنفعة وعّد ت الطبيعة المعيار الذي نقيس به الجمال واألصل لكل األعمال الفنية .بيرك (
)1797مثًال فّر ق بين الجمال والكمال وبين الجمال والفضائل وأراد إنشاء علم للجمال يحدد فيه معيار خاص للذوق[ .]13أّث رت هذه
.المدرسة في أفكار الفيلسوف كانط
حيث نظر كانط األلماني ( )1804إلى إدراكنا للجمال في األشياء بوصفه إدراكًا مباشرًا مستقًال عن تصورنا لما هو جميل .وأّنه ال حاجة
بنا إلى برهان للتدليل على جمال األشياء[ ،]14إنما تتبدى في الشيء سمة الجمال نقيس بمقتضاها جمال األشياء؛ فالجميُل هو ما يروق
لكل الناس أو هو حكم الذوق الذي ينطبق على الجميل .الجميل هو الذي يبعث في النفوِس السرور واالرتياح والّلذة دون تحقيق أّية غاية.
واتصف الجمال مع كانط بالكّلية والضرورة واألولية “وأصبح مجردًا عن المضمون االجتماعي والتاريخي القابل ألن يتغير ويتطور
بحسب ظروف الزمان والمكان”[ ،]15بمعنى هو حكٌم كلٌّي َي فِقد قيمَت ه ما لم يتصف بالشمولية والدوام[ ]16ألنه ال يقوم في الموضوعات
ذاتها بل في النفس؛ كاتفاق غالب األذواق على أّن تمثال َأفروِديت المصنوع من المّر مر أجمل من التمثال نفسه المصنوع من الطين ،وأّن
الجمال المحض هو جماُل الشكل ال المضمون .في كتابه “نقد الحكم” َف َص ل العمل الفني عن الواقع وفّر ق بين الشكل والمضمون .وأصبح
.الجمال ال عالقة له باألخالق
ُثّم أتى هيجل األلماني ( )1831بفلسفٍة للجمال “ليست في الواقع إال فلسفة للفنون الجميلة”[ُ ]17تعلي من اتحاد الشكل بالمضمون،
والتأثير المتبادل لكل منهما في اآلخر .الجمال من خلق خيالنا ال وجود له في عالم الواقع .الجماُل فكرٌة خالدٌة .واإلنسان أسمى المخلوقات
وأجمل ما أنتجته الطبيعة ألّنه َي مِلُك العقل .والفّن تحقيٌق لفكرة هيجل عن المطلق .فهو التجلّي المحسوس للفكرة ،فمضمون الفّن ليس إال
.األفكار ،وهو ليس تقليدًا للطبيعة أو محاكاة لها ،بل محاولة الكشف عن جوهر الحقيقة[]18
أما شوبنهاور ( )1860صاحب النظرية المثالية عن الجمال فيرى أنه تأمٌل روحي خالص ال غاية له ،وأّن الظواهر الجمالية ذات طبيعة
روحّية أولّية ،بينما َي بحُث الماديون عن األساس الموضوعي للظواهر الجمالية في الطبيعة وفي حياة اإلنسان .والفّن عنده هو “القراءُة في
الطبيعة بحثًا عن جوهٍر غير طبيعي ،وإعطاء ذلك الجوهر الشكل المرئّي المناسب له ]19[”.ولهذا السبب ُيحُّب البشر الجمال ،فهم حين
.يرون الجميل في الطبيعة البشرية يتمثلون الجوهر األصلي الماورائي المفارق بأنسنة ُأضيفت عليها المثالية بدرجة متعالية
جماليات القرن التاسع عشر[َ ]20س َع ت إلى التحرر من القيم واألخالق أكثر فأكثر .وَغَد ت الطبيعة ال قيمة جمالية لها إال من خالل فّن من
الفنون يحاكيها أو يقلدها .وتم تصوير أو تقليد الطبيعة تقليدًا مطابقًا لهاَ ،ح َك َم تها نظرة الفالسفة آنذاك في السعي للسيطرة عليها وإخضاعها
.لإلنسان ،فكانت العالقة بين الطبيعة واإلنسان (سواء أكان فنانًا أم فيلسوفًا) عالقة قوة وتحكم وإخضاع ال تسخير وتفاعل وانسجام
ونتج عن رفض الربط بين الخير والجمال وبين األخالق والجمال مذهب الطبيعيين المنادي بمذهب “الفّن من أجل الفّن ” ،ونتج عن األخير
األدب المكشوف الذي عارض قيم المجتمع والدين معًا .فالفُّن ليس شيئًا آخر إال الفّن ،وتتمثل قيمته في ممارستنا المباشرة له ال ما ُيحدثه
.من تأثير على السلوك اإلنساني
في المقابل وكرٍّد على تلك النظرة ظهر في الحداثة المتأخرة مذهبان أساسيان في عالم الجمال :المذهب الوجودي والمذهب الماركسي،
.اللذان ربطا الفن أو الجمال بالسلوك البشري ربطًا متطرفًا
ومع بروز النـّـزعة العلمية وتبني الوضعية التي َسَع ت للخالص من التأمل الفلسفي في تفسيرها للكون واإلنسان َسَع ت في الوقت نفِس ه
إلقامة علم تجريبي للجمال على َن َس ق العلوم الطبيعية[ُ ،]23يرّك ز على البحث عن القواعد والمبادئ التي ينبغي أن ينتهجها الفنان في
إنتاجه أو الناقد الفني في نقِده أو المتذوق في تذوِقه للجمال .مجال البحث هنا هو عقُل الفنان ونفسيته لمعرفة الظروف التي ُتؤّث ر في
.إبداعه واألذواق التي تمّيز عصره
ثم أصبحت حقيقة العالم كلها مّس تمدة من المادة ،واإلنسان نتاج هذه المادة ،وعقل اإلنسان وفكره نتاجان للدماغ الذي بدوره هو مادة،
.ونشاطاته عبارة عن سياالت مادية
ومع تقدم الصناعات في مجتمعات الغرب ،ومع تفّش ي النظرة التجزيئية لألشياء وانقسام العلوم إلى تخصصات صغيرة ضيقة تطال حيزًا
صغيرًا من حياة المجتمع برز المذهب االنطباعي ،وَن شأت السوريالية والتعبيرية كمدارس فنية متأثرة بفرويد الذي رّك ز على الالوعي
.اإلنساني وآثار دوافعه على السلوك اإلنساني
ومن فلسفة برجسون الفرنسي (َ )1941خ رجت علينا التيارات الحدسية في تفسير الظواهر الجمالية ومن أبرز ممثليها بندتو كروتشه
اإليطالي ( ،)1952ممثل المذهب المثالي في علم الجمال ،الذي يعيد الحقيقة إلى العقل وما فيه ،والذي عّر فه بوصفه “علم لغويات عام؛
ألنه العلم الذي تنصرف عنايته إلى وسائل التعبير”[ .]25وأّن “موهبة الخلق الفنّي ال يمكن أن تنفصل عن وسائل التعبير التي يتعامل بها
الفنان… فحدس الموسيقي ال يمكن أن يكون شيئًا آخر سوى نمط من األصوات…”[ .]26وُعرف عن كروتشه نقده لعدة من المذاهب:
التي توحد بين الفّن وبين الواقعة المادية ،أو التي تتحدث عن عالقة بين الفّن والمنفعة العملية أو اللذة ،أو تلك التي توحد بين العمل الفني
.وبين الفعل أو السلوك األخالقي ،أو التي توحد بين الفّن والمعرفة التصويرية .فلّلفن مجاله الخاص المستقل عن األخالق واللعب أو اللذة
ديوي األمريكي ( )1952عّد الفّن انعكاسًا للقيم الفكرية السائدة في مجتمع ما ،الفلسفية والدينية واالجتماعية والسياسية .والفنون السيئة
انعكاسات لشعور ووجدان سيء .وكّل مجتمع ُيهمل تهذيب الذائقة الجمالية يؤدي إلى أفراد محكومين بفوضى االنفعاالت والوجدان
المشوهة للفطرة .والخبرُة الجماليُة [ ]27هي ظاهرٌة اجتماعيٌة غير منقطعة عن خبرات الحياة المختلفة .وال ُتستمد من المتاحف
.والمعارض والمكتبات .فكّل خبرة عادية سواء كانت عملية ذهنية أو مجرد أداء عمل يدوي ناجح لها طابع جمالي[]28
مع نمّو الرأسمالية في الغرب ،نــزل الفّن التصويري إلى حياة اإلنسان العادي لتعبر عن معاناته وقلقه واغترابه وعزلته
وانتشرت أعمال التصوير االنطباعي (مونيه )1926مع ظهور النــزعة الواقعية بعد الحرب العالمية الثانية وفي الوقت نفسه ُعورضت
المثالية الجمالية التي سعت للتعبير عن مثال للجمال المطلق
،ي النصف الثاني من القرن العشرين ابتعد الفّن عن التصوير المباشر للحياة وظهرت النــزعة التجريدية والالمعقولية
انفصلت الفنون عن كل ما يمكن أن ُيسند إلى ماهية ثابتة ،وَأَخ َذ الخيال اإلنساني مكانًة له في قدرته على نفّي الواقع وتجاوزه.فلسفات ما
بعد الحداثة ومع طغيان نماذج المجتمعات االستهالكية
بدًال من السؤال األزلي هل هذا حق أو جميل؟ أصبح السؤال المشروع الوحيد ما مدى تحقيق النفع والفائدة واللذة؟
علماء الكالم مثًال عدوا الحسن بالعقل حسن بالشرع ،فما حسنه العقل حسنه الشرع ،وفي ذلك موقف جمالي عقلي يطابق بين الجمال
.والحّق
الحسن[ ]41أوسع وأشمل من مفهوم الجمال ،وهو دال على الجمال الحقيقي في حقيقة الشيء وجوهره .وهو كل ما هو ضد القبح أو ضد
.السوء من أحوال الَخ لق والُخ لق؛ أو الفعل والصفة[]42
الحسن والجمال ،صفتان مترادفتان فطريتان لألشياء كلها ،كما يقول الغزالي (505ه111/م)“ :كّل شيٍء فجماله وحسنه في أْن يحضر
كماله الالئق به الممكن له فإْن كان جميع كماالته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال ،وإْن كان الحاضر بعضها فله من الحسن والجمال
بقدر ما حضر… ولكّل شيء كما يليق له وقد يليق بغير ضده ،فُحسن كّل شيء في كماله الذي يليق به ]43[”.وكذا يقول ابن خلدون (
808ه1405/م) أّن الُحسن والجمال في كّل مدرك هو مالءمة في األشكال واألوضاع كٌل “بحسب مادته بحيث ال يخرج مما تقتضيه
[”.مادته الخاصة من كمال المناسبة والوضع