You are on page 1of 5

‫النقل الديدكتيكي‬

‫‪ -1‬تعريف‪:‬‬
‫النقل الديدكتيكي‪ :‬ھو نقل المعرفة من فضائھا العلمي الخالص إلى فضاء الممارسة التربوية‪،‬‬
‫لتناسب خصوصيات المتعلمين النفسية وتستجيب لحاجاتھم‪ ،‬عن طريق تكيفھا وفق الوضعيات‬
‫التعليمية – التعلمية‪ .‬ويتم التخطيط لعبور المعرفة من مجال التخصص إلى مجال التعليم كالتالي‪:‬‬
‫موضوع التعليم‬ ‫الموضوع الواجب تعلمه‬ ‫موضوع المعرفة‬
‫و اإلشكالية التي يطرحھا النقل الديدكتيكي تكمن في الكيفية التي تتيح إمكانية االنتقال من معرفة‬
‫عالمة إلى معرفة قابلة للتدريس و التعلم‪ .‬وبما أن التحليل أو البحث الديدكتيكي الذي يتوخى النظرة‬
‫الموضوعية والشمولية قد يضع النقل الديدكتيكي ضمن أولياته‪ ،‬فإنه اختار أن يقارب تلك اإلشكالية‬
‫في سياق مثلثه المعروف بالمثلث الديدكتيكي‪ :‬المعرفة ‪ -‬المتعلم – المدرس‪ .‬وبذلك يصبح النقل‬
‫الديدكتيكي عبارة عن تحويل فعلي للمعرفة‪ ،‬تبتعد فيھا عن حالتھا الخام‪ ،‬أي كما أنتجت في سياق‬
‫سوسيولوجي محدد‪ ،‬لتصير مادة مدرسية تخضع إلى شروط وقوانين‪ ،‬ھي في نھاية المطاف‬
‫شروط المؤسسة المدرسية كسياق سوسيولوجي مغاير‪.‬‬
‫إن النقل الديدكتيكي )منظورا إليه من ھذه الزاوية(‪ ،‬ال يمر دون أن يدخل تغيرات على المعرفة‬
‫األصلية‪ ،‬بحيث تخضع ھذه األخيرة إلى‪ " :‬إعادة ھيكلة )بنينة(قد تفضي إلى مخاطر إدخال‬
‫تعديالت على مدلولھا‪ ،‬بحيث تصير عبارة عن معرفةمغايرة و متميزة عن المعرفة المقترحة فعليا‬
‫للتدريس "‪.‬‬
‫و ي‪DD‬أتي ذل‪DD‬ك بفع‪DD‬ل إخ‪DD‬راج المف‪DD‬اھيم م‪DD‬ن س‪DD‬ياقاتھا التخصص‪DD‬ية أو النظري‪DD‬ة وإع‪DD‬ادة ربطھ‪DD‬ا بمف‪DD‬اھيم‬
‫أخ‪DD‬رى‪ ،‬قص‪DD‬د مالءمتھ‪DD‬ا للمقتض‪DD‬يات المدرس‪DD‬ية‪ ،‬وب‪DD‬ذلك تك‪DD‬ون أم‪DD‬ام مف‪DD‬اھيم مغ‪DD‬ايرة تحم‪DD‬ل م‪DD‬دلوالت‬
‫جديدة‪.‬‬
‫و إذا كان النقل الديدكتيكي من اختصاص الديدكتيكيين على مستوى المناھج والبرامج‪ ،‬فإن‬
‫المدرس مطالب بتطبيق نفس النھج لبناء دروسه بشكل علمي )أي القيام بما يصطلح عليه "بالنقل‬
‫الديدكتيكي الداخلي"‪ :‬أي تكييف مضامين الكتب المدرسية بما ينسجم مع المستوى الفعلي‬
‫للمتعلمين(‪.‬‬
‫‪ -2‬خاصيات النقل الديدكتيكي ‪:‬‬
‫إن المعرفة العلمية المقترحة للتدريس‪ ،‬ھي في الواقع‪ ،‬معرفة مجردة عن شروط‬
‫إنتاجھا المؤسسية والذاتية‪ ،‬فھي‪ ،‬في األصل‪ ،‬معرفة أنتجت في أوساط علمية متنوعة‬
‫كالمختبرات و الجامعات و المعاھد‪ ،‬كما أنھا احتاجت في إنتاجھا إلى مجھود فكري‬
‫ووجداني مبذول من لدن العالم أو مجموعة من العلماء المبدعين لھا للوھلة األولى‪ ،‬بل‬
‫مر مسار عملھم وجھدھم من فترات نجاح ولحظات إخفاق وتوقف مختلفة قبل أن‬
‫يتوصلوا إلى إخراج ما أنتجوه إلى الوجود‪.‬‬
‫وعندما ينقل ذلك المنتوج العلمي‪ ،‬إلى الحقل التعليمي فمعنى ذلك أننا نفصله عن كل‬
‫تلك المالبسات والشروط التي أحاطت بإنتاجه؛ فنحن نقدم المعرفة العلمية إلى المتعلم‬

‫‪1‬‬
‫منظمة ومرتبة على نحو آخر‪ ،‬بحيث يستبعد أو يحذف كل ما يمكن أن يحيل إلى‬
‫األخطاء أو اإلخفاقات التي رافقت بناء المعرفة العلمية‪.‬‬
‫وعلى ھذا األساس‪ ،‬تصبح عملية النقل الديدكتيكي مدعوة إلى مراعاة جملة من المعايير‬
‫و القواعد حتى ال تقع ضحية المخاطر التي أشرنا إليھا سابقا‪ ،‬ومن بين ھذه القواعد‬
‫نكتفي باإلشارة إلى ما يلي ‪:‬‬
‫ اليقظة الديدكتيكية ‪:‬‬
‫و تشير أساسا إلى ضرورة التحلي بالموضوعية التامة‪ ،‬التي تحتم إقامة فصل واضح‬
‫بين موضوع المعرفة المدرسية والقناعات أو المواقف والميول الشخصية‪ ،‬سواء تعلق‬
‫األمر بالديدكتيكي الذي يقوم بعملية النقل أو بالمدرس الذي يقود عمليات التعلم في‬
‫الفصل الدراسي‪.‬‬
‫ خاصية الصدق‪:‬‬
‫المعرفة العلمية‪ ،‬مھما خضعت للتعديالت أو التغييرات تبقى مع ذلك في السياق‬
‫المدرسي‪ ،‬بعيدة عن منطق الثقافة العامية أو الشائعة ‪Vulgaire‬؛ ومن ھنا وجب حرص‬
‫المدرس على أال يسقط في افتعال المواقف أو اصطناعھا‪ ،‬ألجل الضرورات التعلمية‪،‬‬
‫بل عليه أن يتحلى بأكبر قدر من الموضوعية‪ ،‬وأن يتمسك بالمقتضيات التي تفرضھا‬
‫عليه المعرفة العلمية‪ ،‬بعيدا عن االبتذال وعن الحس العام المشترك "‪، "sens commun‬‬
‫ألن من مھام المدرسة بالذات )كما يؤكد على ذلك كانيي ‪ ،(Gagné‬أن تحرص على‬
‫مساعدة المتعلم‪ ،‬لكي يتمكن من االنتقال من الشائع والمتداول والحسي إلى العلمي‬
‫والمجرد‪.‬‬
‫ التقيد بالبرمجة التدريجية‪:‬‬
‫تشير مستويات النقل الديدكتيكي إلى برمجة المعرفة المدرسية‪ ،‬أي أن يتم توزيع‬
‫وحداتھا على مقاطع متدرجة‪ ،‬تراعي ‪-‬في نفس الوقت‪ -‬تقطيعا زمنيا معينا وتقسيما‬
‫خاصا بالبنية الداخلية للمعرفة المدرسية‪ ،‬وھو تقسيم ‪-‬غالبا‪ -‬ما يعتمد االنطالق من‬
‫مستويات متفاوتة في الصعوبة و التعقيد‪.‬‬
‫وھناك على العموم‪ ،‬عدد من المستويات يمكن أن يتم عبرھا النقل الديدكتيكي‪ :‬فھناك‬
‫)على سبيل المثال( النقل الديدكتيكي الذي يقوم به المدرس‪ ،‬عندما ينتقل من موضوع‬
‫التعلم إلى موضوع التعليم‪ ،‬و قد يندرج ھذا المستوى من النقل‪ ،‬تحت مستوى أعم‪،‬‬
‫ويتبع فيه النقل الديدكتيكي الذي يقوم به الديدكتيكي ذاته‪.‬‬
‫و لقد حاول شوفاالر ‪ Chevallard‬أن يحدد مستويات أخرى للنقل الديدكتيكي عندما‬
‫يدخل المعايير السوسيولوجية‪ ،‬معتبرا أن ھذا النقل يحدث دائما في سياق مشروع‬
‫سوسيوتربوي ‪ ، Socio-éducatif‬وينتھي في نھاية المطاف بعملية مراقبة اجتماعية لما‬
‫يدرس‪ .‬أما ‪ develay‬فقد قدم مستويات أخرى للنقل الديدكتيكي‪ ،‬ووضعھا في سياق‬
‫ترسيمة على الصيغة التالية‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫معرفة عالمة‬ ‫ممارسات اجتماعية‬
‫مرجعية‬

‫اختيارات سوسيولوجية‬ ‫عملية التحويل الديدكتيكي‬

‫‬ ‫عمل معد البرامج‬

‫معرفة مدرسية‬
‫للتلقين‬

‫‬ ‫عمل المدرس‬

‫معرفة ملقنة‬

‫‬
‫عمل المتعلم‬

‫معرفة مستوعبة‬

‫‪3‬‬
‫‪ +‬في المستوى األول يكون المشرف على إعداد البرنامج أو المنھاج مدعوا إلى القيام‬
‫بتجديد الممارسات االجتماعية المرجعية إلى جانب المعارف المطلوبة رسميا‪ ،‬و ينطلق‬
‫في ذلك التحديد من المعرفة العالمة "‪."Savoir Savant‬‬
‫والمقصود ھنا بالممارسات االجتماعية المرجعية ھو مجموع األنشطة المرتبطة بالبحث‬
‫واإلنتاج‪ ،‬وحتى األنشطة المتصلة باألعمال التي يقوم بھا المتعلم خارج المؤسسة‬
‫السوسيوثقافية …‪ ،‬التي تصلح ألن تشكل مرجعية ألنشطة تعلم مادة من‬ ‫واألفعال‬
‫ولألدوات الديدكتيكية وللمواقف المطلوبة‪.‬‬ ‫المواد المدرسية‬
‫‪ +‬في مستوى ثان‪ ،‬يصبح اختيار المعرفة ‪-‬التي يجب تدريسھا‪ -‬مبنيا على المعرفة‬
‫العالمية من جھة وعلى القيم واألولويات االجتماعية والثقافية‪ ،‬إضافة إلى األدوار‬
‫االجتماعية المحبذة في المجتمع‪.‬‬
‫أما العمل الديدكتيكي‪ ،‬أي التحويل الديدكتيكي ‪ Didactisation‬فيكمن في إزالة الطابع‬
‫الشخصي ‪ dépersonnalisation‬عن المعرفة وفصله عن سياقات إنتاجه؛ وبعد ذلك‬
‫برمجة ھذه المعرفة وفق مقاطع تعلمية وتحديد صالحيتھا‪ ،‬حتى يضمن قدرا أعلى من‬
‫التناسق واالنسجام‪ ،‬ويجعل أمر مراقبة اكتساب ھذه المعرفة مسألة متاحة وممكنة‪.‬‬
‫أما االختيار االكسيولوجي ‪ axiologique‬فيتعلق أساسا باختبار التوجيھات والطرائق‬
‫التعليمية التي ستوظف في عمليات التدريس‪.‬‬
‫‪ +‬أما المستوى الذي يعمل المدرس في سياقه‪ ،‬فيتمثل في البحث عن تكييف المعرفة‬
‫المدرسية مع أولويات فصله الدراسي ومع مقتضيات وضرورات مجموعة المتعلمين‬
‫الواقعين تحت مسؤوليته‪.‬‬
‫‪ +‬بقي المستوى المرتبط بالـمتعلم‪ ،‬فھو يكمن في قيام ھذا األخير بدوره‪ ،‬بعملية نقل‬
‫ديدكتيكي‪ ،‬حين استيعابه وبنائه للمفاھيم المطروحة‪ ،‬اعتمادا على ما اقترح عليه من‬
‫أنشطة ومھام تعلمية‪.‬‬
‫ويتم التخطيط لعبور المعرفة من مجال التخصص إلى مجال التعليم كاألتي‪:‬‬
‫موضوع المعرفة ← الموضوع الواجب تعليمه ← موضوع التعليم‬
‫موضوع المعرفة‪ :‬يحيل على بيئتھا العلمية الخالصة حيث التجريد والتعقيد والتحول‬
‫المستمر‪ .‬إنھا معرفة مفتوحة‪.‬‬
‫الموضوع الواجب تعليمه‪ :‬موضوع يتعلق بالمعرفة المغلقة‪ ،‬ألن المنھاج الدراسي‬
‫يسيج حدوده ‪.‬‬
‫موضوع التعليم‪ :‬يتمثل في المعرفة المتداولة داخل فضاء القسم حيث مضامينھا‬
‫مستوحاة من المعرفة الواجب تعليمھا‪.‬‬
‫وتتم عملية "النقل الديدكتيكي الداخلي" عبر ثالث إجراءات أساسية‪ ،‬يلزم على المدرس‬
‫إيالءھا األھمية الالزمة عندما يواجه موضوعا دراسيا معينا‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫أ‪ -‬انتقاء المعرفة وتبسيطھا لجعلھا قابلة للتداول بين المتعلمين ومناسبة لمستواھم‬
‫اإلدراكي‪.‬‬
‫ب‪ -‬اختيار لغة واصفة مفھومة من لدن المتعلمين‪ ) :‬تقليص الكلفة الذھنية والوجدانية‬
‫لدى المتعلم (‬
‫ج‪ -‬عرض المحتوى التعلمي على المتعلمين‪ ،‬والذي ينبغي أن يراعي مبدأين اثنين‪:‬‬
‫المبدأ األول‪ :‬االنتقال بالمتعلم من المعلوم إلى المجھول‪.‬‬
‫المبدأ الثاني‪ :‬اعتماد مبدأ التدرج في الصعوبة مرورا بالمعرفة البسيطة فالمركبة ثم‬
‫المعقدة‪.‬‬
‫إن ھذه المعالجة الديدكتيكية تنبني على تدرج محكم لعملية التعلم‪ ،‬وعلى تبسيط مناسب‬
‫يوفر للمتعلم فرصة إثراء خبرته وھيكلتھا‪ ،‬مع امتالك جرأة االجتھاد واالبتكار‪ ،‬مما‬
‫يؤسس للتكوين الذاتي واالستقاللية في اكتشاف المعرفة ضمن جغرافية أحواض‬
‫التكوين الممكنة )المؤسسة التربوية المكتبات العامة‪ ،‬نوادي االنترنيت‪ ،‬اإلدارات‬
‫العمومية‪(...‬‬

‫‪5‬‬

You might also like