Professional Documents
Culture Documents
النوري مزٌد
أستاذ بكلٌة الحقوق بصفاقس
مقدمة
ال شن أن العدٌد من المؤسسات فً بالدنا صارت تعٌش الٌوم ضغوطات حادة من حٌث
لدرتها على التصرف فً الموارد البشرٌة بصفة ناجعة ،وهً ضغوطات الترنت عموما
بحالة من تأزم الوضع االجتماعً خاصة بعد الثورة .لكن ذلن ال ٌنفً أن اإلطار المانونً
ٌمر لفائدة المؤجر بصالحٌات واسعة فً تسٌٌر المؤسسة ومرالبة أداء العمال وسلوكهم أثناء
العمل أو بمناسبته.
وإذا كان اإللرار بتلن الصالحٌات ٌجد تفسٌره فً ضرورة توفٌر النجاعة الالزمة فً
تسٌٌر المؤسسة واحترام لواعد السلون المهنً داخلها ،فإنه ٌبمى من الضروري أٌضا أن
ٌتمٌد المؤجر فً ممارسة نفوذه داخل المؤسسة بضوابط لانونٌة واضحة لصد تجنب التعسف
فً استعمال صالحٌاته بما ٌؤدي غالبا إلى وجود عاللات مهنٌة متوترة ٌغٌب فٌها عنصر
الثمة المتبادلة بٌن الطرفٌن.
لكن مجلة الشغل لم تنظم بصفة دلٌمة نفوذ المؤجر تجاه العمال .فهً من ناحٌة أولى ،ما
زالت تفتمر إلى إطار لانونً خاص بما ٌسمى بالنظام الداخلً للمؤسسة ،فلم تحدد شروط
وإجراءات صٌاغته ،مثلما لم تحدد نوعٌة األحكام التً ٌمكن أن ٌتضمنها .ومن ناحٌة أخرى،
لم تنظم مجلة الشغل أٌضا ممارسة السلطة التأدٌبٌة داخل المؤسسة ،فلم تحدد بدلة نوعٌة
األخطاء التً من شأنها أن تبرر ممارسة هذه السلطة ولم تضبط أنواع الجزاء التأدٌبً ومدى
تناسبه مع الخطأ ،مثلما لم تحدد اإلجراءات التً ٌتعٌن على المؤجر إتباعها فً هذا الشأن
والضمانات التً ٌجب توفٌرها لألجٌر فً طور المساءلة التأدٌبٌة وخاصة على مستوى
حموق الدفاع .فكل هذه المسائل بمٌت غائبة تماما عن أحكام مجلة الشغل .ورغم أن
االتفالٌات المشتركة لد ساهمت نسبٌا فً سد هذا الفراغ المانونً ،فإن ذلن ال ٌنفً ضرورة
وضع إطار تشرٌعً عصري ،صلب أحكام مجلة الشغل ،من أجل تنظٌم نفوذ المؤجر تجاه
1
العمال فً مجال المساءلة التأدٌبٌة بما ٌسمح بإلامة توازن بٌن ممتضٌات النجاعة فً تسٌٌر
المؤسسة ومتطلبات حماٌة األجٌر إزاء االستعمال المفرط لذلن النفوذ.
2
أما الخطأ الجزائً ،فهو كل فعل ٌرتكبه األجٌر وٌشكل جرٌمة على معنى المانون
الجزائً ،مثل سرلة أشٌاء تابعة للمؤسسة أو إفشاء أسرارها المهنٌة فً غٌر الحاالت
المسموح بها لانونٌا أو خٌانة المؤتمن .وفً جل هذه الحاالت ٌكتسً الخطأ صبغة
مزدوجة ،فهو فً نفس الولت خطأ تأدٌبً ،خاضع للمساءلة التأدٌبٌة داخل المؤسسة ،وخطأ
جزائً تترتب عنه مسؤولٌة جزائٌة لألجٌر .ولد أكد فمه المضاء عموما على استماللٌة
الخطأ التأدٌبً عن الخطأ الجزائً فً المادة الشغلٌة .وعلى هذا األساس ،فإن انتفاء
المسؤولٌة الجزائٌة ال ٌترتب عنه بالضرورة انتفاء مؤاخذة األجٌر على المستوى الـتأدٌبً،
كما أن المساءلة التأدٌبٌة لألجٌر اثر ارتكابه لهفوة تشكل فً نفس الولت جرٌمة ال تستوجب
بالضرورة أن تمع إحالته على المضاء وإدانته جزائٌا.
ب -تصٌف الخطأ حسب درجة خطورته
ٌمع التمٌٌز عموما بٌن صنفٌن من األخطاء التً لد ٌرتكبها األجٌر وذلن حسب درجة
خطورتها ،وهما الخطأ البسٌط والخطأ الفادح .وإذا كان النفوذ التأدٌبً للمؤجر ٌشمل هذٌن
الصنفٌن من األخطاء ،فإن النتائج المترتبة عنهما لٌست واحدة .فالخطأ البسٌط ٌمكن أن
ٌترتب عنه تسلٌط إحدى عموبات الدرجة األولى ضد األجٌر ،وهً حسبما حددها الفصل
17من االتفالٌة المشتركة اإلطارٌة :اإلنذار الشفاهً ،واإلنذار الكتابً مع إدراجه بالملف،
والتوبٌخ مع ترسٌمه بالملف ،والتولٌف عن العمل لمدة ال تتجاوز ثالثة أٌام مع الحرمان من
األجر .وفً كل الحاالت ال ٌمكن أن ٌؤدي الخطأ البسٌط إلى تسلٌط عموبة من الدرجة
الثانٌة ضد األجٌر.
وعلى العكس من ذلن ،فإن ارتكاب األجٌر لخطأ فادح ٌبرر أن تسلط ضده إحدى
عموبات الدرجة الثانٌة ،والتً تتمثل حسب الفصل 17من االتفالٌة المشتركة اإلطارٌة فً
العموبات التالٌة :التولٌف غن العمل لمدة ال تتجاوز 7أٌام مع الحرمان األجر ،والتولٌف
عن العمل لمدة تتراوح بٌن 1أٌام وثالثٌن ٌوما مع الحرمان من األجر ،وإسماط درجة،
وإسماط سلم ،والعزل أي الفصل من العمل نهائٌا.
وبالرجوع إلى فمه المضاءٌ ،مكن أن نستنتج ما ٌلً :
ٌ -عرف فمه المضاء الخطأ الفادح الذي ٌبرر الطرد بأنه الخطأ الذي ٌتصف بمدر من
الجسامة بما ٌهدد سٌر المؤسسة بصفة ٌستحٌل معها مواصلة العاللة الشغلٌة بٌن الطرفٌن
دون إلحاق ضرر بتلن المؤسسة.
ٌ -مع تمدٌر درجة الخطأ حسب جملة من المماٌٌس تتمثل فً عموما فً طبٌعة الخطة
التً ٌشغلها األجٌر داخل المؤسسة ،ومدى خطورة الضرر المترتب عن ذلن الخطأ ،و
3
كذلن المالبسات أو الظروف التً ولع فٌها ارتكاب الخطأ ،بما فً ذلن الظروف التً تسمح
بتشدٌد العموبة أو التخفٌف منها.
ٌ -تمتع المؤجر بنفوذ نسبً فً اختٌار العموبة المناسبة بناء على تمدٌره لدرجة خطورة
الخطأ ،لكنه ٌبمى فً ذلن خاضعا لرلابة الماضً ،كما ٌبمى ممٌدا بمبدأ شرعٌة العموبة،
وهو ما ٌعنً أنه ال عموبة بدون نص لانونً صرٌح ،وبالتالً ال ٌجوز للمؤجر أن ٌستنبط
عموبة تأدٌبٌة ال تجد أساسا لها فً المانون.
ٌ -كرس فمه المضاء مبدأ تناسب العموبة مع الخطأ ،فال ٌجب أن ٌعالب األجٌر بألصى
العموبات التأدٌبٌة الرتكابه خطأ بسٌطا
ٌ -أخذ ف مه المضاء أٌضا بالمبدأ المتمثل فً تسلٌط عموبة واحدة للخطأ الواحد ،أي عدم
الجمع بٌن عموبتٌن أو أكثر لنفس الخطأ.
الفقرة الثانٌة :ضمانات المساءلة التأدٌبٌة
لكً ال ٌكتسً نفوذ المؤجر فً المجال التأدٌبً صبغة مطلمة ،ألرت لانون الشغل جملة
من الضمانات لفائدة األجٌر الذي ٌخضع للمساءلة التأدٌبٌة .وتتعلك هذه الضمانات
بإجراءات المساءلة التأدٌبٌة ،من ناحٌة ،وخضوع نفوذ المؤجر فً هذا المجال للرلابة
المضائٌة ،من ناحٌة ثانٌة.
أ -إجراءات المساءلة التأدٌبٌة
أمام سكوت المشرع عن اإلجراءات التً ٌتعٌن إتباعها فً المساءلة التأدٌبٌة ،ألرت
االتفالٌات المشتركة جملة من اإلجراءات التً تهدف إلى توفٌر ضمانات لفائدة العامل
والتً تتعلك أساسا بحموق الدفاع.
وتختلف هذه اإلجراءات حسب نوعٌة الخطأ والعموبة التً ٌمكن اتخاذها إزاء األجٌر.
فبالنسبة لألخطاء البسٌطة التً تؤدي فمط إلى عموبة من الدرجة األولىٌ ،جوز للمؤجر أن
ٌمارس نفوذه التأدٌبً مباشرة دون المرور بمجلس التأدٌب.لكن ٌتعٌن علٌه ،لبل اتخاذ
العموبة ،أن "ٌمكن العامل من إعطاء ما لدٌه من جواب ودفاع" ،حسب ما نص علٌه الفصل
17من االتفالٌة المشتركة اإلطارٌة .وغالبا ما ٌكون ذلن فً شكل استجواب ٌمدم لألجٌر
وٌتضمن تحدٌد األخطاء المنسوبة له ومطالبته بتمدٌم إجابته فً الغرض.علما أن رفض
األجٌر تسلم االستجواب أو رفض اإلجابة عنه ٌشكل فً حد ذاته خطأ مستوجبا للمساءلة
التأدٌبٌة.
4
أما بالنسبة لألخطاء الفادحة التً ٌمكن أن تبرر اتخاذ عموبة من الدرجة الثانٌة ضد
األجٌر ،وخاصة الطرد ،فإن المساءلة التأدٌبٌة تخضع إلجراءات أكثر تعمٌدا طبما ألحكام
الفصل 17من االتفالٌة المشتركة اإلطارٌة .وٌتعٌن فً هذا الصدد التأكٌد بالخصوص على
العناصر التالٌة :
-وجوبٌة إحالة األجٌر على مجلس التأدٌب كلما أراد المؤجر اتخاذ عموبة الطرد فً
شأنه ،أو عموبة أخرى من الدرجة الثانٌة ،باستثناء بعض الحاالت المنصوص علٌها
صراحة بالفصل المذكور .1لكن تجدر اإلشارة إلى أن إحداث مجلس التأدٌب ال ٌهم إال
المؤسسات التً تخضع لألحكام الخاصة بتمثٌل العملة .2وهو ما ٌعنً أن جل المؤسسات
وتحدٌدا تلن التً تشغل ألل من 21عامال لارا 3لٌست معنٌة لانونٌا بوجوبٌة إحالة األجٌر
على مجلس التأدٌب ،بحٌث تمتصر اإلجراءات فً هذه الحالة على استجواب العامل لتمكٌنه
من تمدٌم عناصر دفاعه وعلى ضوء ذلن ٌصدر رئٌس المؤسسة لراره بنفسه مباشرة.
-وجوبٌة إعالم األجٌر ،الذي ٌدعى للمثول أمام مجلس التأدٌب ،لبل مدة ال تمل عن
ثالثة أٌام وتمكٌنه من اإلطالع على ملفه وعلى التمرٌر الممدم ضده حتى ٌستعد للدفاع عن
مولفه أمام المجلس .وٌتعٌن أن ٌتم هذا اإلعالم برسالة مضمونة الوصول مع اإلخطار
بالبلوغ.
-إذا ولع إٌماف األجٌر عن العمل بسبب ارتكابه لهفوة فادحة وتمررت إحالته على
مجلس التأدٌب ،فإنه ٌتعٌن خالل مدة ألصاها ثالثة أٌام دعوة هذا المجلس لالنعماد وأن ٌدلً
برأٌه فً أجل ال ٌتجاوز شهرا من ٌوم إٌماف األجٌر عن العمل.
-تمكٌن األجٌر الذي تمع إحالته على مجلس التأدٌب من تمدٌم عناصر الدفاع عن نفسه
أمام هذا المجلس ،مع اإللرار بحمه فً االستعانة فً ذلن بأجٌر آخر أو بمحام أو أكثر.
وفً كل الحا الت ٌتخذ المؤجر المرار النهائً ،لكن هذا المرار ٌبمى خاضعا للرلابة
المضائٌة.
1
ٌتعلك هذا االستثناء بحالة صدور حكم نهائً ضد األجٌر بعماب بالسجن من أجل ارتكابه لجرٌمة سواء بمناسبة العمل أو خارجه وكذلن حالة
العثور علٌه متلبسا بجرٌمة السرلة أو التحٌل أو خٌانة المؤتمن عند أداء عمله أو بمناسبة المٌام به.
2
الفصل 057وما ٌلٌه من مجلة الشغل.
3
تنص مجلة الشغل أن اللجنة االستشارٌة للمؤسسة التً ٌتعٌن إحداثها فً كل مؤسسة تشغل 11عامال لارا على األلل هً التً تلتئم كمجلس
تأدٌب .لكن إذا كان عدد ال عمال المارٌن ٌساوي أو ٌفوق العشرٌن وألل من األربعٌنٌ ،مع انتخاب نائب رسمً عن العملة وآخر مناوب له،
علما أن نائب العملة ٌمارس نفس المهام المناطة بعهدة ممثلً العملة باللجنة االستشارٌة للمؤسسة (أنظر الفصل 057و ما ٌلٌه من مجلة
الشغل).
5
ب -خضوع السلطة التأدٌبٌة للمراقبة القضائٌة
ٌمارس الجهاز المضائً رلابة شاملة على السلطة التأدٌبٌة للمؤجر .فمن ناحٌة أولى،
تشمل هذه الرلابة التحمك من وجود الخطأ الذي ٌنسب لألجٌر .وهو ما ٌستوجب التكٌٌف
المانونً لسلون هذا األخٌر أو األفعال التً لام بها للتأكد من أنها تشكل خطأ ٌستوجب
تسلٌط عموبة تأدٌبٌة ضده .وال ٌتمٌد الماضً فً هذا الشأن بالتكٌٌف المانونً الذي أعطاه
المؤجر أو مجلس التأدٌب لتلن األفعال .كما أن لضاة األصل لهم سلطة مطلمة فً تكٌٌفهم
للولائع دون الخضوع فً ذلن لرلابة محكمة التعمٌب.
ومن ناحٌة ثانٌة ،تشمل الرلابة المضائٌة تمدٌر فداحة الخطأ الذي ٌنسب لألجٌر ،حٌث
ٌمارس الماضً نفوذا كامال فً هذا المجال أٌضا ،دون التمٌد بتمدٌر المؤجر أو مجلس
التأدٌب لخطورة ذلن الخطأ.
ومن ناحٌة ثالثةٌ ،مارس الماضً رلابة واسعة فً ما ٌتعلك بمدى احترام إجراءات
المساءلة التأدٌبٌة .وٌولً فمه المضاء أهمٌة كبٌرة للمواعد اإلجرائٌة المذكورة بكافة
عناصرها ،بحٌث ٌمارس رلابة دلٌمة للتأكد من مدى احترامها باعتبارها تشكل عناصر
متكاملة لحموق الدفاع ،لهذا ال ٌتردد فً اإللرار بالصبغة التعسفٌة لمرار المؤجر كلما ثبت
اإلخالل بأحد هذه العناصر.
ورغم أن رأي مجلس التأدٌب ٌبمى فً األصل استشارٌا بالنسبة للمؤجر الذي ٌعود إلٌه
اتخاذ المرار النهائً ،فإن فمه المضاء لم ٌتردد فً اعتبار أن هذا الرأي ٌمٌد المؤجر وذلن
بالتأكٌد على أنه ال ٌجوز له إصدار لرار بطرد األجٌر طالما أن هذا المرار ال ٌستند إلى
مولف تؤٌده أغلبٌة أعضاء المجلس.
لكن رغم اتساع الرلابة المضائٌة على ممارسة السلطة التأدٌبٌة للمؤجر ،فإنها تبمى
محدودة من حٌث أنه ال ٌجوز له استبدال العموبة التً ولع اتخاذها ضد األجٌر بعموبة
أخرى .كما ال ٌجوز له اعتبار العموبة المسلطة على األجٌر باطلة باعتبار عدم وجود نص
لانونً ٌكرس جزاء البطالن فً هذا المجال .فلٌس للماضً ،إذا تبٌن له عدم وجود خطأ
ٌبرر مساءلة األجٌر تأدٌبٌا أو عدم تناسب العموبة مع الخطأ أو عدم احترام المؤجر
لإلجراءات التأدٌبٌة ،سوى إلرار الصبغة التعسفٌة لمرار المؤجر وتحدٌد التعوٌضات
المستحمة لصالح األجٌر.
6
7