المسؤولية الجنائية في إطار عالقات العمل الفردية على ضوء
القانون الجزائري.
الدكتورة :مجدوب نوال .
تخصص :القانون الجنائي لألعمال . الوظيفة :أستاذة بكلية الحقوق و العلوم السياسية . جامعة أبوبكر بلقايد – تلمسان . doctrmedjdoub@gmail.comالبريد االلكتروني :
مقدم ـ ـ ــة :
يقصــد باملســؤولية الجزائيــة ملرتكب الجريمــة اإلجتماعيــة صــالحيةـ الشــخص الجــاني لتلقي العقوبــة الــتي يقرهــا القــانون ،أو هي صــالحية و قابليــة الشــخص ألن يكــون محــل مســائلة جنائية . و نظ ــرا لوج ــود إنتهاك ــات في إط ــار عالق ــات العم ــل س ــواء الفردي ــة منه ــا أو الجماعي ــة ،ك ــان لزامــا أن يكــون هنــاك تــدخل جنــائي في محيــط العمــل ،لبســط معــالم الحمايــة الجنائيــة من أجل كبح جماح كل معتد على تشريع العمل . و ق ــد ك ــانت املس ــؤولية الجنائي ــة مبني ــة على أس ــاس الخط ــأ الشخص ي ثم ــرة تط ــور املف ــاهيم الجزائي ـ ــة إس ـ ــتغرق حقب ـ ــة من ال ـ ــزمن إنتهت في أواخ ـ ــر الق ـ ــرن التاس ـ ــع عش ـ ــر إلى اإلق ـ ــرار باملسؤولية الشخصية و فردية العقوبة . و على هذا األساس يمكننا طرح اإلشكال الذي يثيره املوضوع كالتالي : هل يعد الخطأ الشخصي املرتكب في إطار عالقة العمل أساسا للمسؤولية الجنائيةـ ؟ ، و إلى أي مدى يصل نطاق املسؤولية الجنائيةـ في إطار عالقات العمل ؟. و ستتم اإلجابة عن اإلشكال السابق من خالل املحورين التالين : املبحث األول :املسؤولية الجزائية عن الخطأ الشخصي . .املبحث الثاني :املسؤولية الجزائية عن فعل الغير
املبحث األول :املسؤولية الجزائية عن الخطأ الشخصي
بعـ ــد أن كـ ــانت املسـ ــؤولية الجزائيـ ــة قائمـ ــة على أسـ ــاس الخطـ ــأ الشخص ي ،جـ ــاءت الثـ ــورة الصـناعيةـ بخطـوات لم تكن في حسـبان املشـرعين ،السـيما املشـرع الفرنسي حيث أحـدثت تغييرات جدرية في وسائل اإلنتاج ،و في تسيير اآللة بما فيه عالقة صاحب العمـل بالعمـال . و ك ـ ــل ذل ـ ــك أدى إلنتق ـ ــال املس ـ ــؤولية الجنائي ـ ــة من مفهومه ـ ــا الض ـ ــيق الق ـ ــائم على أس ـ ــاس الشخصية و الفردية و القائمة على أساس الخطأ الشخصي إلى مفهـوم وضــعي جديـد مبـني على أساس ضمان املخاطر دون الحاجة إلثبات الخطأ لدى مسبب الضرر. و إذا كان من بين أهم املبادئ التي يقوم عليها التشريع العقابي مبدأ شخصيةـ العقوبــة ممــا يتطلب معــه تحديــد املقصــود باملبــدأ و مــدى عالقتــه باملســائلة الجنائي ـةـ ،و هــو مــا ســيكون محل تحليلـ من خالل النقاط التالية . الفرع األول :مفهوم املسؤولية عن الخطأ الشخصي في عالقات العمل. و يقص ـ ــد باملس ـ ــؤولية الجنائي ـ ــة عن الفع ـ ــل الشخص ي في الجريم ـ ــة اإلجتماعي ـ ــة ص ـ ــالحية الجــاني بغض النظــر عن صــفته عامــل أو صــاحب عمــل لتلقي الجــزاء الــذي يرتبــه القــانون ، أو هي إلتزام أحد أطراف عالقة العمل بالخضوع لألثر الذي يقــره التشــريع الجنــائي للعمــل كعقوبة إلرتكابه جريمة إجتماعية بخطئه الشخصي. تتجلىـ صور اإلجرام اإلجتماعي املرتكب في حق العامل في مايلي -1مخالفة األحكام املرتبطة باألجور : و يكــون ذلــك من خالل لجــوء رب العمــل إلى رســم نـوع من التمـايز بين الجنسـين في إسـتحقاق األجـور ،أو من خالل دفـع أجـر أدنى من األجـر الوط ــني املض ــمون ،أو من خالل اإلحج ــام عن مس ــك دف ــاتر األج ــور املنص ــوص عليه ــا من خالل نص املادة 154من املرسوم التنفيذي رقم .96/98 و من أج ــل ض ــمان مراع ــاة املس ــتخدم لتش ــريع العم ــل املتعل ــق ب ــاألجور تم إس ــتحداث جه ــاز يختص بمراقب ـ ــة تط ـ ــبيق األحك ـ ــام التش ـ ــريعية و التنظيمي ـ ــة املتعلق ـ ــة بعالق ـ ــات العم ـ ــل و املتجســد أساســا في مفتشــية العمــل ،هــذا الجهــاز الــذي يســهر بمــوجب الصــالحيات املخولــة ل ــه على التحقــق من إحــترام املس ــتخدم لجميــع حقــوق العم ــال و حمايته ــا و ع ــدم اإلنتقــاص منها. -2جريمة تشغيل األطفال دون السن القانوني للتشغيل إذ تعــد هــذه الجريمــة من أخطــر الجــرائم الــتي تمس بكيــان الطفولــة و تــؤثر على النظــام القــانوني للتشــغيل بإقحــام القصــر دون السن القانونية في ميدان الشغل رغم نقص تجربتهم و عدم الدراية الكافية بمخــاطر التشغيل و تتجلى العناصر أو األركان املقومة للجريمة في مايلي : -الـ ــركن املفـ ــترض أين يشـ ــترط أن تـ ــرتكب الجريمـ ــة في حـ ــق األطفـ ــال بإعتبـ ــار أن الطفـ ــل بطبيعتهـ التكوينيـة عنصـر ضـعيف في املجتمـع من الناحيـة البدنيـةـ و العقليـة ،الشـيئ الـذي يجعل ــه عرض ــة لإلس ــتغالل من ط ــرف أص ــحاب العم ــل ال ــذين يرتكب ــون ج ــريمتهم بس ــهولة إدراكا منهم بإستطاعتهم خـداع املجـني عليــه أين تســلب طفولتــه و براءتـه في ســن مبكـرة هـو أحوج فيها إلى الراحة و التعلم و كل ما يناسب عمره . و يش ــترط أيض ــا أن تك ــون للج ــاني ص ــفة املس ــتخدم ،و يقص ــد ب ــه ك ــل ش ــخص ط ــبيعي أو معنوي يبرم عقد عمل مع العامل. الـ ـ ــركن املادي : و يجلى السـ ـ ــلوك املادي في جريمـ ـ ــة اإلسـ ـ ــتخدام قبـ ـ ـلـ الحـ ـ ــد األدنى لسـ ـ ــن التشـ ــغيل في قيـ ــام املسـ ــتخدم بتشـ ــغيل الحـ ــدث الـ ــذي لم يتجـ ــاوز سـ ــنه الحـ ــد األدنى لسـ ــن التشــغيل لديــه و تحت إشــرافه بعــوض ،و من ذلــك أيضــا تــدريب الحــدث الــذي لم يتجــاوزـ سنه سن التدريب املحدد . -3جريمة عدم إجراء الفحص الطبي إذ تقوم هذه الجريمة بمجـرد إحجــام املســتخدم عن توقيــع الكشــف الصــحي اإلبتــدائي و الــدوري على نفقتــه و إثباتــه بالبطاقــة الصــحية ،و كــل نشـ ــاط يتعلـ ــق بحف ــظ صـ ــحة و سـ ــالمة و نظافـ ــة و أمن العامـ ــل من توفـ ــير العالج و توفـ ــير اإلسعافات األولية و أدوات الوقاية الشخصية و التدريب عليها و توفير التهوية و اإلضــاءة و املياه النقية و دورات املياه ،باإلضافة إلى تقديم وجبة صحيةـ متوازنة . -4جريم ة ع دم إح ترام س اعات العم ل القانونية تقـ ــوم هـ ــذه الجريمـ ــة من خالل قيـ ــام املســتخدم أو صــاحب العمــل بخــرق األحكــام القانونيــة املتعلقــة بســاعات العمــل ،من خالل تش ــغيل العم ــال خالل ف ــترة اللي ــل ،و هي الف ــترة بين غ ــروب الش ــمس إلى غاي ــة ش ــروقها في اليوم التالي . و قد حدد املشرع الجزائري العمل الليلي أنـه تلـك الفـترة املمتـدة بين السـاعة التاسـعة ليال و السـاعة الخامســة صــباحا طبقــا لنص املادة 32من القــانون رقم 90/11املتعلــق بعالقــات العمل الجزائري.ـ و يـ ــدخل ضـ ــمن الجـ ــرائم اإلجتماعيـ ــة الجـ ــرائم املرتكبـ ــة في حـ ــق املراة العاملـ ــة و من ذلـ ــك تشــغيل النســاء في أشــغال غــير صــحية أو خطــرة مــع تعنيفهــا أو حرمانهــا من حقهــا في إجــازة الحمل أو الوضع . كــان هــذا عن مفهــوم املســؤولية الجزائيــة عن الفعــل الشخصي و الــذي كــان يحكم جــرائم العمل تقديسا ملبدأ الشخصية ،و تبقى اإلشارة إلى املبدأ . الفرع الثاني :أساس املسؤولية الجنائيةـ عن الفعل الشخصي لم يحدد املشرع الجزائري األساس الذي تقوم عليه هذه املسؤولية ،مما فتحـ الباب أمــام اإلجتهادات القضائية للبحث عن األساس الذي تقوم عليه هذه املسؤولية . أوال :األساس الفقهي ال تقــوم املســؤولية الجنائيــة عن الفعــل أو الخطــأ الشخصي إال بتــوافر ثالثــة عناصــر يمكن إجمالها فيمايلي : -إتيان سلوك مادي من طرف الجاني أي أحد أطراف عالقة العمل . -الرغبة في إتيان السلوك أي وجود قصد جنائي لدى أحد أطراف العالقة أي الجاني -العلم بعدم مشروعية السلوك أي علم الجاني بمخالفة القانون . وبالتالي بتوافر هذه الشروط يكون الشخص مسائل جنائيا على أساس الخطأ الشخصي. ثانيا :األساس القانوني تبنى املشرع املسؤولية مبدأ املسؤولية على أساس الخطأ الشخصي و يتضح ذلك جليا من خالل النصوص القانونية التالية : -املادة 57من الق ـ ـ ــانون رقم 90/02املؤرخ في 06ف ـ ـ ــبراير 1990و املتعل ـ ـ ــق بالوقاي ـ ـ ــة من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها و مممارسة حق اإلضراب ،و التي تعاقب بــالحبس من ثماني ــة أي ــام إلى ش ــهرين و بغرام ــة من 50دج – 2000دج أو بإح ــدى ه ــاتين العقوب ــتين كل من يمس بحق اإلضراب . -املادة 24من الق ــانون رقم 90/03و ال ــتي تع ــاقب ك ــل من يعرق ــل مفتش العم ــل في إط ــار أداء مهامه . و يأخذ على العقوبة املوقعة على الجاني أنها غـير رادعـة ،إذ ال يمكن تصـور تحقيـق الـردع الكافي مادام أن الجزاء ال يترك أثره لدى املخالف . و إذا كــان األصــل أن املســؤولية تقــوم على أســاس الخطــأ الشخصي إال أن الضــرورة دفعت للخروجـ عن هذا األصل ،و هو ما ستتم دراسته في مايلي . املبحث الثاني :املسؤولية الجنائيةـ عن فعل الغير ظهــرت املســؤولية املدنيــة عن فعــل الغــير في القــانون املدني أي مســؤولية الشــخص عن كــل ما يوجد تحت حراسـته على أسـاس أن الخطـأ الشخصي مفـترض فيـه ،مؤسسـة على مبـدأ مفاده وجوب التعويض عن الضـرر الـذي يحدثـه من هم تحت رقابـة ،من منطلـق أنهم إمـا قص ــروا في الرقاب ــة أو أخط ــؤوا في اإلدارة ،م ــع إمكاني ــة املكل ــف بالرقاب ــة من التخلص م ــتى أثبت أنه قام بواجب الرقابة . و قــد تــأثر املشــرع العقــابي بتلــك التطــورات الطارئــة على املســؤولية املدنيــة ،ممــا دفعــه إلى تبني نوعا جديدا من املسؤولية الجنائية عن فعل الغير بعد أن جردها من الطـابع الجـزائي مؤسسا لها على خطأ املستخدم أو املشرف . و بالت ــالي ظه ــرت مس ــؤولية رب العم ــل عن الج ــرائم ال ــتي يرتكبه ــا العم ــال أو الت ــابعون ،و يرج ــع مه ــد التط ــورات ال ــتي عرفته ــا املس ــؤولية الجزائي ــة إلى القض ــاء الفرنس ي من ــذ الق ــرن التاسـ ـ ــع عشـ ـ ــر ،مؤكـ ـ ــدا على طابعهـ ـ ــا الخصوص ي كونهـ ـ ــا تشـ ـ ــكل خروجـ ـ ــا على شخصـ ـ ــيةـ املسؤولية ،ثم أخذ بها التشريع الفرنسي و شيئا فشيئا بدأ يتوسع فيها . و على ه ــذا األس ــاس س ــيتم تحدي ــد الح ــاالت ال ــتي يك ــون فيه ــا الش ــخص مس ــؤوال جنائي ــا عن فعـ ــل غـ ــيره من خالل تحديـ ــد أسـ ــاس املسـ ــؤولية الجنائي ـ ـةـ عن فعـ ــل الغـ ــير (أوال) و أنـ ــواع املسؤولية الجنائية عن فعل الغير(ـ ثانيا) . أوال :أساس املسؤولية الجنائية عن فعل الغير لم يح ــدد املش ــرع ش ــروط مس ــائلة الش ــخص جنائي ــا عن فع ــل غ ــيره ،مم ــا يحتم الع ــودة إلى اإلجتهادات الفقهية ،مع تبيان تطبيقات القضاء و موقف املشرع الجزائري.ـ أ -األساس الفقهي من خالل النص ــوص القانوني ــة و األحك ــام القض ــائية و بالخص ــوص الفرنس ــية و ال ــتي توق ــع على عـاتق رب العمـل أو املتبـوع النتـائجـ الجزائيـة املترتبـةـ عن األفعـال الجرميـة الـتي يرتكبهـا العام ــل أو األج ــير يمكنن ــا تبي ــان األفع ــال الجرمي ــة ال ــتي يرتكبه ــا العام ــل أو األج ــير و من ثم تبيان أهم الشروط املقومة للمسؤولية كالتالي: -إرتكــاب جريمــة من التــابع أي العامــل أو األجــير ،و يعــد هــذا الشــرط األســاس املوضــوعي لقي ــام ه ــذه املس ــؤولية ،و باإلس ــتناد إلى األحك ــام القض ــائية الفرنس ــية ف ــإن املس ــؤولية عن فع ـ ــل الغ ـ ــير ال تق ـ ــوم إال في إط ـ ــار املهن املنظم ـ ــة أين يق ـ ــع على ص ـ ــاحب املؤسس ـ ــة اإلل ـ ــتزام بضمان إحترام األنظمة ،و يستوي في ذلك أن تكون الجريمة عمدية أو غير عمدية . مع اإلشـارة أن مسـائلة رئيس املؤسسـة جنائيـا ال تمنـع من إقامـة املسـؤولية الجنائيـة للتـابع أو العامل لكونه فاعل مادي ،السيما في حالة إرتكابهما أخطاء مختلفة . كمــا أنــه يمكن مســائلة رب العمــل لوحــده مــتى كــان العامــل أو األجــير مجــرد أداة بين يديــه ، و من ذلك تعرضه لإلكراه .....ـ و من ذلك إهمال أحد العاملين في شركة Sidco للحفريات إلى وقوع آلة حادة على زميله الحف ــار ووفات ــه ،فق ــد قض ــت محكم ــة الش ــارقة بح ــق ورث ــة املت ــوفي في الرج ــوع على العام ــل املتس ــبب في القت ــل الخط ــأ و على رب العم ــل عمال بمب ــدأ مس ــؤولية الت ــابع جنائي ــا عن فع ــل الغير. كم ــا توب ــع في فرنس ــا ص ــيدلي و أدين بس ــبب مخالف ــة التش ــريع الص ــيدالني من ط ــرف الق ــائم بتحضير الدواء . -إرتك ــاب الت ــابع خط ــأ يض ــر ب ــالغير :فق ــد قض ي في فرنس ــا بمس ــائلة رب العم ــل في مواجه ــة الغير عن تصرفات العامل طاملا أن تصرفه كان في نطاق العمــل ،حـتى و لـو تجــاوز ســلطته شريطة أن يكون ذلك في إطار أداء مهامه . و على ه ـ ــذا األس ـ ــاس فالخطـ ــأ األجن ـ ــبي عن عالق ـ ــة العم ـ ــل ال يمكن أن يك ـ ــون س ـ ــببا لقي ـ ــام املسؤولية الجنائيةـ لرب العمل . -إرتكـ ـ ــاب الخطـ ـ ــأ من طـ ـ ــرف املتبـ ـ ــوع أو من طـ ـ ــرف صـ ـ ــاحب العمـ ـ ــل إذ يشـ ـ ــترط إلسـ ـ ــناد املس ـ ــؤولية الجنائي ـ ـةـ عن فع ـ ــل الغ ـ ــير إلى ص ـ ــاحب العم ـ ــل إرتكاب ـ ــه لخط ـ ــأ جن ـ ــائي يتجلىـ في اإلهمــال أو الرعونــة أو عــدم اإلحتيــاط أو عــدم مراعــاة األنظمــة ،و من ذلــك عــدم مراعــاة صاحب العمل لشروط الصحة و سالمة العمال . مع اإلشارة أنه متى ثبت مخالفة رب العمـل لشـروط األنظمـة فـإن القصـد الجنـائي مفـترض فيه ،مما يترتب عنه إعفاء النيابة العامة من إثباته . -عــدم إنابــة صــاحب العمــل ســلطاته لشــخص آخــر ،أي عــدم تفــويض صــاحب العمــل مهــام الرقابــة و اإلشــراف على العمــل لشــخص آخــر ،و لــو أن القضــاء الفرنسي إعتــبره مســؤوال جنائيــا رغم وجــود التفــويض ،كونــه مالــك املؤسســة ،مــع اإلشــارة أنــه ال يجــوز التفــويض في املهام التي يجعلها صاحب العمل حكرا عليه دون سواه . و لــو أنــه يمكن لــرب العمــل التنص ـلـ من املســؤولية الجنائيــة مــتى أثبت أنــه وضــع على رأس املصــلحة محــل إرتكــاب املخالفــة شــخص ذو كفــاءة عاليــة ،مــع توفــيره لكــل وســائل الرقابــة، شريطة أن يكون التفويض سابقا على إرتكاب املخالفة . و من أجــل تفــادي الوقــوع في لبس حــول التفــويض و نطاقــه و حــدوده باإلضــافة إلى صــحته و بعده الزمني يستحسن أن يكون مكتوبا مع العلم أن اإلشـارة ملنصـب العمــل في اإلتفاقيـة الجماعية للعمل ال يشكل دليال على قيام التفويض . و بالتــالي فإنــه في حالــة وجــود تفــويض فــإن املفــوض يســأل دون صــاحب العمــل ،إال أنــه في حال ــة قي ــام ص ــاحب العم ــل بتفويض ــين لنفس العم ــل فإن ــه يس ــأل وح ــده جنائي ــا ألن وج ــود مفوضين من شأنه عرقلة كل منهما. ب -األساس القانوني يتجلىـ األس ـ ــاس الق ـ ــانوني للمس ـ ــؤولية الجنائي ـ ــة عن فع ـ ــل الغ ـ ــير من خالل نص املادة 144 مكـ ـ ــرر 01من قـ ـ ــانون العقوبـ ـ ــات الجزائـ ـ ــري و املتعلقـ ـ ــة باملسـ ـ ــؤولية الجنائيـ ـ ــة ملسـ ـ ــؤولي النشـ ـ ــرية ،و مسـ ـ ــؤولي تحريرهـ ـ ــا عن جنحـ ـ ــة اإلسـ ـ ــاءة إلى رئيس الجمهوريـ ـ ــة عن طريـ ـ ــق النش ــريات ،إذ يش ــكل نص املادة األس ــاس الق ــانوني للمس ــؤولية الجنائي ــة عن فع ــل الغ ــير في قانون العقوبات و التي تبناها املشرع الجزائري من املشرع الفرنسي . و من ثم يتجلى األســاس القــانوني للمســؤولية الجنائيــة عن فعــل الغــير في التشــريع الجنــائي للعمـل من خالل نص املادة 36/02من القـانون رقم ، 88/07و الـتي تنص على أنـه " عنـدما تنسب املخالفات إلى العمال فإنهــا تعتـبر من فعــل املســير إذا لم يتخــذ اإلجـراءات الضـروريةـ بغ ــرض إح ــترام التعليم ــات القانوني ــة في مج ــال الوقاي ــة الص ــحية و األمن و طب العم ــل ،و لم يتخــذ العقوبــات التأديبيــة على مرتكــبي هــذه املخالفــات "،و أضــافت ذات املادة في فقرتهــا الثالثة أنه ال يسأل املسير متى إرتكبت هذه املخالفات عمدا من طرف العمال . باإلضــافة إلى نص املادة 30من القــانون رقم 05/08املتعلــق بالصــحة و أمن العمــل و الــتي إعتـ ــبرت املسـ ــير مسـ ــؤول جنائيـ ــا عن كـ ــل املصـ ــالح الـ ــتي تـ ــدخل في إطـ ــار إختصاصـ ــه في كـ ــل املســائل املتعلقــة بمخالفــة أحكــام الصــحة و أمن العمــل ،ممــا يتضــح معــه أنــواع املســؤولية الجنائية عن فعل الغير و التي سيتم توضيحها من خالل ما يلي . ثانيا :أنواع املسؤولية الجنائية عن فعل الغير إن دراسة أنـواع املسـؤولية الجنائيـة عن فعـل الغـير تقودنـا للتميـيز بين املسـؤولية الجنائيـة املباشــرة عن فعــل الغــير ( أ) باإلضــافة إلى حالــة املســؤولية الجنائيــة غــير املباشــرة عن فعــل الغير ( ب). أ -املس ــؤولية الجنائي ــة غ ــير املباش ــرة عن فع ــل الغ ــير و يتعل ــق األم ــر بحال ــة إل ــزام املش ــرع املتبــوع ألداء الغرامــة الجزائيــة الــتي حكم بهــا على التــابع دون أن يقاســمه نفس املســؤولية الجنائي ـ ـةـ ،فهي بمثابـ ــة مسـ ــؤولية مدنيـ ــة تصـ ــبوا إلى حمـ ــل املتبـ ــوع لـ ــدفع غرامـ ــة لفائـ ــدة الخزينة العامة و ال تعد تفويضا لصالح املجني عليه . و يجــد هــذا النــوع من املســؤولية تطبيقــا لــه بالخصــوص في مجــال املرور و من أمثلتهــا نجــد نص املادة 96من الق ــانون رقم ،01/14و ال ــتي نص ــت ص ــراحة على تحمي ــل ص ــاحب بطاق ــة تسـجيل السـيارة املسـؤولية املدنيـة عن مخالفـة التنظيمـ الخـاص بوقـوف املركبـات ،و الـتي يترتب عنها دفع الغرامة فقط إال متى أثبت صاحب البطاقة وجود قوة قاهرة أو قــد تمكن من إكتشاف املرتكب الحقيقي للمخالفة . ب-املسؤولية الجنائيةـ املباشرة عن فعل الغير : بــرزت عــدة نظريــات من أجــل تبيــان التكــييف القــانوني للمســؤولية الجنائيــة عن فعــل الغــير يمكن تلخيصها في مايلي : -1نظري ــة النياب ــة القانوني ــة و مف ــاد ه ــذه النظري ــة أن الجريم ــة املرتكب ــة من ط ــرف العام ــل كفاعل مباشر تنسب لـرب العمـل كفاعـل غـير مباشـر كونـه مسـؤوال إفتراضـيا عنـه ،و كـون العامل ممثال قانونيا لرب العمل . و هــو التكــييفـ الــذي أخــذت بــه محكمــة النقض املصــرية حيث أقــرت في أحــد أحكامهــا أن املسؤولية مفترضة لصاحب العمل و تجد أساسها القانوني في فكرة النيابة في املسؤولية. و لــو أن هــذه النظريــة قــد إنتقــدت كونهــا منافيــة للمنطــق القــانوني الــذي ال يقبــل أن يمثــل أطراف عالقة العمل بعضهم البعض في مجال إرتكاب الجرائم و املسائلة الجنائيةـ . -2نظرية الخضوع اإلرادي تبـ ــنى هـ ــذه النظريـ ــة على مـ ــدير املشـ ــروع أو مباشـ ــر املهن الـ ــذي يقبـ ــل الخضـ ــوع ملا يفـ ــرض القــانون عليــه من إلتزامــات متعلقــة بنشــاطه ،كمــا يتحمــل نتــائج اإلخالل بهــذه االلتزامــات ، و من ضمن هذه النتائج قيام املسؤولية الجنائية . و قد إنتقدت هذه النظرية بإعتبار أنه من غير السائغ الخلط بين إتجاه اإلرادة إلى إرتكــاب الجريمـ ــة و اإلتجـ ــاه إلى تحمـ ــل مسـ ــؤوليتها ،فـ ــاألول يعـ ــترف بـ ــه القـ ــانون و الثـ ــاني ال قيمـ ــة قانونية له -3نظرية اإلشتراك يعت ــبر أنص ــار ه ــذه النظري ــة أن رب العم ــل مس ــؤوال جنائي ــا عن فع ــل الغ ــير ،و باعتب ــارـ أن ــه املســتفيد من ارتكــاب الجريمــة فهــو شــريك إمــا بــالتحريض أو االتفــاق أو املســاعدة للفاعــل املادي ،و مـا يعـاب على هـذه النظريـة أن االشـتراك في القواعـد العامـة يتطلب تـوافر قصـد االشتراك في ارتكاب الجريمة ،و هو ما ال يتوافر في املسؤولية عن فعل الغير . -4نظرية الفاعل املعنوي يـرى أنصـار هـذه النظريـة أن الشـخص الـذي لم يسـاهم في ارتكـاب الجريمـة بصـفة مباشـرة يعــد مرتكبــا معنويــا للجريمــة مــتى وقعت بســبب عــدم تنفيــذه لاللــتزام القــانوني الواقــع على عاتقـ ــه ،و املتضـ ــمن ي اإلشـ ــراف على التـ ــابعين لديـ ــه خالل تنفيـ ــذهم اللـ ــوائح الـ ــتي يسـ ــأل شخصياـ عن عدم مراعاتها . غــير أن مــا يعــاب على هــذه النظريــة هــو أن الفاعــل هــو ذلــك الشــخص الــذي يســخر شخصــا غير مسؤول من أجل جعله أداة الرتكاب الفعل املكون للجريمـة ،و لـو أنـه يأخــذ على هـذه النظري ــة أن رب العم ــل يبقى مس ــؤوال عن إهمال ــه في اإلش ــراف ،و ه ــو م ــا ال يتط ــابق م ــع نظرية الفاعل املعنوي . الخاتمـ ـ ـ ــة : لقــد تزايــد اإلجــرام االجتمــاعي في ســوق العمــل الجزائــري ،الســيما مــع أزمــة البطالــة الــتي شـاعت مـؤخرا و الـتي رافقت األزمـة االقتصـادية الـتي هـزت باالقتصـاد الوطـني الجزائـري ، و ال يمكن تناسي املزايــا الــتي جــاء بهــا وكــاالت التشــغيل للتقليـلـ من حــدة البطالــة إال أنــه ال يمكن إنكار حقيقية تزعزع مكانة العامل رغم وجود هـذه الوكـاالت ،أين أصـبح العامـل ال يعدو كونها آلة تسير من لدن رب العمـل ،باإلضـافة إلى تعـرض العامـل لشـتى صـور العنـف و التحرش بصورتيه املادية و املعنوية . فكم من عاملة على املستوى الدولي تحولت إلى ضحيةـ االتجار بالبشر فقـد ألنـه تم إغوائهـا و اس ــتدراجها تحت غط ــاء وع ــود التوظي ــف ،أو منص ــب عم ــل ؟ ،و كم من ولي أم ــر س ــخر ابن ــه القاص ــر كآل ــة يس ــتغلها رب العم ــل أو س ــاهم في ذل ــك من خالل إخالل ــه ب ــواجب رعاي ــة ابن ــه؟ ،و كم من عام ــل قب ــل العم ــل في س ــاعات مت ــأخرة و في أش ــغال خط ــيرة فق ــد لكون ــه مسؤوال عن رعية؟ . فـ ــإذن كـ ــان اإلجـ ــرام االجتمـ ــاعي املرتكب في إطـ ــار عالقـ ــات العمـ ــل و مـ ــازال متواصـ ــال رغم وج ــود ترس ــانة قانوني ــة و منظوم ــة تش ــريعية ق ــد يعتبره ــا رج ــل الق ــانون فعال ــة ،و ه ــو م ــا ي ــدفعنا لط ــرح جمل ــة من االقتراح ــات ،للمس ــاهمة في إرس ــاء عدال ــة جنائي ــة فعال ــة في املادة االجتماعية ،و ذلك على النحو التالي : -يتــوجب أن تكــون املنظومــة الجنائيــة املنــاط بهــا حمايــة الحقــوق العماليــة ذات فعاليــة ألنــه رغم وجــود ترســانة قانونيــة إال أنهــا مشــوبة بالقصــور ،كمــا يتــوجب أن تــواكب التطــورات الراهنة التي عرفها سوق العمل . -يت ــوجب أن تطب ــق النص ــوص العقابي ــة في املادة االجتماعي ــة تطبيق ــا فعلي ــا ،م ــع ردع ك ــل مستخدم ضرب عرض الحائط حقوق العامــل ،مـع القضــاء على تقنيــة الوســاطة الـتي يلجـأ إليها رب العمل من أجل التنصلـ من املسؤولية الجنائية . -يتوجب أن تلعب مفتشية العمل دورها اإليجابي . -يتــوجب على أربـاب العمــل التطبــع بأخالقيــات العمــل و عــدم جعــل عالقــات العمــل و حاجــة الغير للعمل وسيلة إلشباع رغباتهم غير املشروعة. و في الخت ــام يمكن الق ــول أن نج ــاح عالق ــات العم ــل مره ــون على إملام رب العم ــل بواجبات ــه تج ــاه العام ــل ،و حقوق ــه على العام ــل ،و في ذات ال ــوقت إملام العام ــل بحقوق ــه لكن دون تناس ي إملام ــه بواجبات ــه تج ــاه رب العم ــل و مك ــان العم ــل كك ــل ،و ك ــل ه ــذا ح ــتى تتحس ــن عالق ــات العم ــل ،و ب ــذلك يوض ــع ح ــدا لإلج ــرام االجتم ــاعي املق ــوم للمس ــؤولية الجنائي ــة في إطار عالقات العمل . املراجع املعتمدة : أوال :املؤلفات -أحسن بوسقيعة ،الوجيز في القانون الجزائي العام ،دار هومة ،الجزائر . 2006 ، -أحم ــد محم ــود خل ــف ،الحماي ــة الجنائي ــة للمس ــتهلك ،دار الجامع ــة الجدي ــدة ،الق ــاهرة ، . 2005 -آمـ ــال بطـ ــاهر ،النظـ ــام القـ ــانوني لحمايـ ــة األجـ ــور في القـ ــانون الجزائـ ــري ،دار الجامعـ ــة الجديدة ،اإلسكندرية .2013 ، -أحم ــد علي ي ــونس ،املس ــؤولية الجنائي ــة ،مق ــال منش ــور بمجل ــة الفتح القانوني ــة ،الع ــدد ،07الصادر في ديسمبر .1996 -بن عـ ــزوز بن صـ ــابر ،نشـ ــأة عالقـ ــة العمـ ــل الفرديـ ــة في التشـ ــريع الجزائـ ــري و املقـ ــارن ، الطبعة ،01.دار الحامد للنشر و التوزيع . 2011، - صــالح علي علي حســن ،حمايــة الحقــوق العماليــة ،دار الجامعــة الجديــدة ،اإلســكندرية ، .2013 -فاطمة بحري ،الحماية الجنائية املوضوعية لألطفال املستخدمين ،دار الفكر الجــامعي ، اإلسكندرية .2007 ، -محم ــد ري ــاض دغم ــان ،النظ ــام الع ــام في عالق ــات العم ــل –دراس ــة مقارن ــة ،-الطبع ــة 01. ،املؤسسة الحديثة للكتاب ،لبنان .2015، ثاتيا :املصادر القانونية -األمر ،66/156املؤرخ في 18جوان ،1966و املتضمن قانون العقوبات املعدل و املتمم . -القـ ــانون ، 78/07املؤرخ في 20ينـ ــاير ، 1998املتعلـ ــق بالوقايـ ــة الصـ ــحية و األمن و طب العمل . - الق ــانون رقم ، 90/03املؤرخ في 06ف ــبراير ،1990املتض ــمن مفتش ــية العم ــل ،الص ــادر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائري ،العدد . 06. - الق ــانون ، 90/11املتعل ــق بعالق ــات العم ــل الجزائ ــري ، الجري ــدة الرس ــمية للجمهوري ــة الجزائرية ،العدد 12.لسنة .1990 -القـ ــانون ،01/14املؤرخ في 19أوت ،2001املتعلـ ــق بتنظيم حركـ ــة املرور عـ ــبر الطـ ــرق و سالمتها و أمنها . - املرسوم التنفيذي رقم ، 96/98املؤرخ في 06مارس ، 1996املتضمن قائمة الــدفاتر و الســجالت الخاصــة الــتي يلــتزم بهــا املســتخدمون و محتواهــا ،الجريــدة الرســمية للجمهوريــة الجزائرية ،العدد .17.