You are on page 1of 41

‫‪ISSN : 2716-7984‬‬

‫اجمللة اجلزائرية للدراسات اإلنسانية‬


‫اجمللد ‪ /02‬الع ــدد‪( 02 :‬ديسمرب‪ ،) 2020‬ص ص‪172 -132:‬‬

‫البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬


‫”‪The narrative structure in the novel “Doaa Al-Karawan‬‬
‫‪by Taha Hussein‬‬
‫‪1‬‬
‫أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫اجلامعة األهلية‪ -‬مملكة البحرين‬
‫تاريخ االتستما‪ ،2020/11/28 :‬تاريخ القبول ‪ ،2020/12/20‬تاريخ النشر ‪2020/12/31‬‬

‫ملخص‪ :‬حياول هذا البحث احلفر يف البنية ّ‬


‫السرديّة يف رواية" دعاء الكروان"‬
‫لعميد األدب العريب طه حسني بغية الكشف عن عناصر البناء القصصي‪ ،‬وأبرز مكوانته‪،‬‬
‫فطه حسني يع ّد من أوائل من كتب الرواية يف الوطن العريب‪ ،‬وحلقةً من حلقات اترخيها‪،‬‬
‫أداب واقعيًّا‪ ،‬ومألت كتاابته الدنيا‪ ،‬وشغلت النّاس‪ ،‬وأاثرت أرآؤه اليت ُتيزت‬ ‫وع ّد أدبه ً‬
‫ابجلرأة الشديدة الكثريين‪ ،‬ووجهت له الكثري من االهتامات من املفكرين وغريهم‪ ،‬حّت‬
‫مفطور على املناجزة"‪ ،‬ورواية" دعاء الكروان"‬
‫ٌ‬ ‫رجل جرئ العقل‬ ‫قال العقاد عنه ‪ ":‬إنّه ٌ‬
‫تطرح جبرأة شديدة قضية ظلم املرأة العربية الريفية املصرية‪.‬‬
‫وقد تبوأت هذه الروايته مكانةً عاليةً يف عامل السرد القصصي‪ ،‬وعامل السينما‪ ،‬فلقد‬
‫توفرت هذه الرواية على بنية سردية فنية متينة مهمة ضمنت هلا هذه املكانة الرفيعة‪:،‬‬
‫ولقد عاجل البحث البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" على النحو ايآيت‪ :‬بنية‬
‫الشخصية‪ ،‬بنية املكان‪ ،‬بنية الزمن‪ .‬وختمت البحث هذا بنتائج توصلت إليها‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬البنية‪ ،‬السرد‪ ،‬الشخصية‪ : ،‬املكان‪ ،‬الزمن‪ ،‬اللّغة‪ ،‬األسلوب‪.‬‬
‫‪Abstract: This research attempts to carry out in-depth‬‬
‫‪research into the narrative structure in the novel “Doaa Al-‬‬
‫‪Karawan” by the Dean of Arabic Literature Taha Hussein in‬‬
‫‪order to reveal the elements of the narrative structure، and its‬‬
‫‪most prominent components. Taha Hussein was a genius Arab‬‬
‫‪writer who occupied a prominent place in literature and thought.‬‬

‫‪ -1‬اسم املرسل‬

‫‪139‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪His literature was considered to be realistic، and his writings‬‬


‫‪were so wide they engaged people. His opinions that were‬‬
‫‪characterized by extreme boldness provoking many، and many‬‬
‫‪accusations were leveled against him by intellectuals and others.‬‬
‫‪Even Abbas Mahmoud al-Aqqad referred to him saying: “He is‬‬
‫‪a bold-minded man strongly accustomed to contestation،” and‬‬
‫‪“Doaa Al-Karawan” very boldly raises the issue of the‬‬
‫‪oppression of rural Arab women in Egypt.‬‬
‫‪and many accusations were leveled against him by intellectuals‬‬
‫‪and others. Even Abbas Mahmoud al-Aqqad referred to him‬‬
‫‪saying: “He is a bold-minded man strongly accustomed to‬‬
‫‪contestation،” and “Doaa Al-Karawan” very boldly raises the‬‬
‫‪issue of the oppression of rural Arab women in Egypt.‬‬
‫‪Keywords: structure; narration , character , location time‬‬
‫‪language, style.‬‬

‫متهيد‬
‫شغل عميد األدب العريب طه حسني(‪ )1973-1889‬الدنيا بفكرهِ‪،‬‬
‫لفاته‪ ،‬فقد كان وما يزال العالمة املضيئة يف اتريخ األدب العريب احلديث‪،‬‬‫أدبه‪ ،‬ومؤ ِ‬
‫و ِ‬
‫وقد حظي أدبه بدراسات كثرية‪ ،‬و ٍ‬
‫اهتمام كب ٍري من قبل املختصني يف اللّغة والفكر‪،‬‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫ومبدعا يف اجملال القصصي‪ .‬وشغلت‬‫ً‬ ‫ائدا لإلستنارة العربية‪،‬‬
‫فقد كان طه حسني ر ً‬
‫السرد‪ ،‬والسينما‪ ،‬لكوهنا تناقش قضية‬‫رواية" دعاء الكروان" مكانةً مرموقةً يف عاملي‪ّ :‬‬
‫جمتمعية غاية يف األمهية‪ ،‬وهي تعليم املرأة‪ ،‬وإعطاؤها كامل حقوقها‪ ،‬ورفع الظلم‬
‫سردية ٍ‬
‫متينة‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫الذي حلقها‪ ،‬وتوافرت فيها عناصر القص الفنية‪ ،‬وُكتبت ٍ‬
‫بلغة‬ ‫ّ‬
‫وأبسلوب أنيق شائق‪ ،‬مزج الفخامة ابلوضوح‪ ،‬كما أ ّن‬‫ٍ‬ ‫غموض فيها‪ ،‬وال إعوجاج‪،‬‬
‫فيها من ِّ‬
‫الشعر روحه‪ ،‬واسرتساالته الغنائية‪ ،‬ونربته الذاتية اليت ضمنت هلا هذه املنزلة‬
‫العالية‪ .‬ووقع االختيار على رواية" دعاء الكروان" من بني مجيع قصصه وروايته‬
‫أحدا من‬‫لرصد البنية السردية فيها؛ ألننا مل جند بعد البحث والتدقيق والفحص أ ّن ً‬
‫الباحثني قد تناوهلا ببحث ق ّدم فيه البنية السردية‪ ،‬وعناصرها الفنية‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫غىن ابلبىن‪،‬‬
‫أرضا خصبةً للتحليل والتأويل‪ ،‬وفيها ً‬ ‫ولقد وجدان " دعاء الكروان" ً‬
‫والعناصر القصصية السردية‪ ،‬فموضوع الرواية هو" اخلطيئة‪ ،‬والثأر‪ ،‬والتعليم‪،‬‬
‫تصور كفاح الطبقة الفقرية الكادحة يف حماولة‬‫احلب"‪ ،‬فهي روايةٌ عاطفيةٌ إبمتياز ّ‬
‫و ّ‬
‫للتغلب على تعاستها من أجل حياة كرمية‪.‬‬
‫يسند إليها فعل‬
‫الرواية على تبين طه حسني شخصية رئيسة هي" آمنة" ُ‬ ‫تقوم هذه ّ‬
‫القص‪ ،‬وسرد الرواية بكاملها من أوهلا إىل أخرها‪ ،‬وتستحوذ على اهتمام الكاتب‬ ‫ّ‬
‫فيوظف بقية الشخوص الثانوية الظهارها‪.‬‬
‫اعتمدت عليها هي طبعة دار املعارف الثامنة والعشرون‪ ،‬صدرت‬ ‫ُ‬ ‫والطبعة اليت‬
‫عام ‪2008‬م‪ ،‬وتقع الرواية يف ‪160‬صفحة من القطع املتوسط‪ ،‬وظهرت رواية"‬
‫اعتمدت يف هذا البحث على املنهج‬‫ُ‬ ‫دعاء الكرون" هذه عام‪1941‬م‪ ،‬وقد‬
‫التطبيقي البنيوي التحليلي يف كشف البنية السردية‪ ،‬وإبراز العناصر القصصية اليت‬
‫تبني حقيقة العمل‪ ،‬وتربز مجالياته وعناصره الفنيته‪.‬‬
‫ّ‬
‫مفهوما البنية‪ ،‬والسرد‪:‬‬
‫ملا كان هذا البحث يتناول البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان"‪ ،‬فإنّه صار‬
‫ّ‬
‫لز ًاما علينا أ ّن حندد املقصود مبصطلحي العنوان‪ ،‬ومها‪ :‬البنية‪ ،‬والسرد‪.‬‬
‫أوال‪ -‬البنية‪(structure (:‬‬
‫ً‬
‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬
‫ورد يف لسان العرب البن منظور‪ " :‬يقال بِْنـيَةٌ‪ ،‬وهي مثل ِر ْش َوةٍ وِر ًشا كأ َّ‬
‫َن البِْنيةَ‬
‫مقصورا‪ ،‬ش ّدد‬
‫ً‬ ‫اهليئة اليت بُِين عليها مثل املِ ْشيَة و ِّ‬
‫الرْك ِبة‪ .‬وبَىن فال ٌن بيتًا بناءً وبََّىن‪،‬‬ ‫َ‬
‫ط‪ .‬اجلوهري‪ :‬والبُىن‪ ،‬ابلضم مقصور‪،‬‬ ‫مبعىن‪ :‬والبُـْنيا ُن‪ :‬احلائ ُ‬‫دارا وبَىن ً‬
‫للكثرة‪ .‬وابْـتَىن ً‬
‫وجًزى‪ ،‬وفالن‬ ‫مثل البِىن‪ .‬يقال بـْنـيةٌ وبىن وبِْنـيةٌ وبِىن‪ ،‬بكسر الباء مقصور‪ ،‬مثل ِجز ٍية ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ ًُ َ ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحيح البِْنية أَي الفطْرة‪ .‬وأَبنَـْي ُ‬
‫‪1‬‬
‫الرجل‪ :‬أَعطيتُه بناءً أَو ما يـَْبـتَين به داره" ‪ .‬و"‬ ‫َ‬ ‫ت‬

‫‪1 -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،3‬اجمللد الرابع‬
‫مادة (ب ن ي)‪.‬‬ ‫عشر‪،‬ص ‪،94‬‬
‫‪141‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫موضعا ال يزول من مكان إىل غريه"‪.1‬‬


‫ً‬ ‫الزما‬
‫مسي البناء بناءً من حيث كان البناء ً‬
‫والبناء يعين إقامة شيء ما حبيث يتميز ابلثبات وال يتحول إىل غريه‪ .‬والبناء يعين‬
‫كذلك املكوانت اليت يقوم عليها البيت‪ ،‬ومنه انتقلت إىل األشكال السردية‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ب‪-‬‬
‫الختالفات نوع‬
‫الناجتة‬ ‫تطبيقها يف أي‬ ‫منهج ميكن‬
‫جملموعة من ا‬ ‫نظرا‬ ‫البنية؛يقة أو‬
‫وذلك ً‬ ‫جمرد طر‬ ‫ُتديدالبنية‬
‫مصطلح‬ ‫اوس‪":‬‬‫النقادرتيف‬
‫ليفي ش‬ ‫يقول‬
‫اختلف‬
‫للتحليل البنيوي املستخدم يف الدراسات‪،‬‬ ‫ابلنسبة‬
‫متنوعة‪:‬‬ ‫هيشكال‬
‫كمايف أ‬ ‫اسات ًما‬
‫وجتلياته‬ ‫مننالدر‬
‫متظهراته‪،‬‬ ‫ع‬
‫‪2‬‬
‫كل شيء طابع النّسق أو النظام‪،‬‬ ‫والعلوم األخرى" ‪ ،.‬ويضيف " حتمل أوالً قبل ّ‬
‫حتوال يف ابقي‬
‫يعرض للواحد منها أن حيدث ً‬ ‫حتول ّ‬‫وتتألف من عناصر من شأن ّ‬
‫العناصر األخرى "‪. 3‬‬
‫وترى ميىن العيد أ ّن" كلمة بنية حتيل يف ح ّد ذاهتا إىل املنهج البنيوي‪ ،‬الذي ميثل‬
‫أي كموضوع مستقل"‪.4‬‬ ‫ّأول خطوة يف حتديد البنية أو النظر ملوضوع البحث كبنية ّ‬
‫إذن البنية عند البنيويني" يقع تصورها خارج العمل األديب‪ ،‬وهي ال تتحقق يف‬
‫‪5‬‬
‫النّص على حنو غري مكشوف حبيث تتطلب من احمللل البنيوي استكشافها"‬
‫فمن خالل ما تق ّدم نالحظ مدى ارتباط الرواية ابلبناء فالرواية تشبه بناء البيت‬
‫لكوهنا تنهض على جمموعة من البواين‪ ،‬واملكوانت اليت ترتابط لتشكل بنيأهنا‬
‫املكتمل‪ .‬وأ ّن هذه البنية تكون مضمرة خمفية غري مكشوفة‪ ،‬األمر الذي يتطلب من‬
‫احمللل البنيوي أن يكتشفها ويربز دالالهتا‪.‬‬

‫‪1 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪2 -‬عز الدين املناصرة‪ ،‬علم الشعرايت‪ ،‬دار جمدالوي‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،2006 ،1‬ص‪.540‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Charles Earl Rickart ، Structuralism and structures : A‬‬
‫‪Mathematical Perspective ، World Scientific ، London، England‬‬
‫‪، 1995 ، p12 .‬‬
‫ميىن العيد‪ ،‬يف معرفة النص‪ ،‬منشورات دار األفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1983 ،1‬ص‪-4.35‬‬
‫‪ -5‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬فن القص بني النظرية والتطبيق‪ ،‬مكتبة غريب الفجالة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.14‬‬
‫‪142‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫اثنيا‪ -‬مفهوم السرد)‪(Narration‬‬


‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬
‫السرد يف اللّغة‪ ":‬التتابع"‪ ، 1‬وهو يدل "على توايل أشياء كثرية يتصل بعضها‬
‫ببعض"‪ ،2‬فالسرد" اسم جامع للدروع‪ ،‬و ما أشبهها من احلَلَق "‪.3‬‬
‫السرِد واعملُوا ِ‬
‫صاحلًا إِِّين ِمبا تَـ ْع َملُو َن‬ ‫ِ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل‪":‬أَن ْاع َم ْل سابغات َوقَ ّد ْر يف َّ ْ َ ْ َ‬
‫بِ‬
‫ص ٌري"‪.4‬‬‫َ‬
‫ع‪ :‬نسجها‪ ،‬احلديث‪ :‬أجاد‬ ‫ِ‬
‫يسرد‪َ ،‬سْرَد الشيء‪ :‬ثقبه‪ .‬واجللد‪ :‬خرزه‪ ،‬والدر ُ‬‫سرد‪ُ :‬‬
‫احمل َك َم ِة ) "‪ .5‬سرد‪ :‬السرد‪ ،‬هو‬ ‫أيضا‪ :‬على نسيج الدروع ْ‬ ‫السْرُد ً‬ ‫سياقه‪ .‬ويطلق َ‬
‫التتابع‪ ،‬إ ًذا فاملعىن اللغوي للسرد هو التوايل و التتابع‪.‬‬
‫ب‪ -‬اصطالحا‪:‬‬
‫يعد السرد جزءًا من علم السرد )‪ (Nar ratolagie‬الذي يعرف على " أنّه‬
‫الدراسة املنهجية للحكي )‪ (Narrative‬ولقد "ارتبط املفهوم عند نشأته‬
‫ابلتحليل البنيوي للسرد الذي كان يهدف إىل الكشف عن األنساق الكامنة يف‬
‫‪6‬‬
‫كل أنواع احلكي"‬
‫احلكي‪ّ ،‬‬

‫‪ -1‬املنجد يف اللغة واألعالم‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2008 43‬م‪ ،‬حرف( السني)‪ ،‬مادة(س‬
‫ر د)‪،‬ص‪.330‬‬
‫‪ 2 -‬صالح فضل‪ ،‬نظرية البنائية يف النقد األديب‪ ،‬مؤسسة خمتار للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫ص‪.175‬‬
‫‪ 3 -‬أبو احلسن أمحد بن زكراي‪ :‬معجم املقاييس يف اللّغة‪ ،‬تح شهاب الدين‪ ،‬أبو عمروا‪ .‬بريوت‪،‬‬
‫دار الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.515‬‬
‫‪4 -‬سورة سبأ‪/‬ايآية‪.10‬‬
‫‪5 -‬القاموس اجلديد للطالب‪ :‬معجم عريب مدرسي ألفائي‪ ،‬أتليف علي بن هادية وآخرون‪،‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ط‪1991، 7.‬م‪،‬ص‪.1411‬‬ ‫ّ‬ ‫تقدمي حممود املسعدي‪،‬‬
‫‪ 6 -‬السيد إمام‪ :‬السرد اجلديد وإشكالية املفهوم‪ ،‬مدخل إىل نظرية احلكي ابلسر‪ ،‬مؤُتر أدابء‬
‫مصر‪ ،‬الدورة الثالثة والعشرون‪ ،‬مصر‪ ،‬حمافظة مطروح‪ ،2008 ،‬ص‪.35‬‬
‫‪143‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫فالسرد هو‪ ":‬نقل احلادثة من صورهتا الواقعية إىل صورة لغوية"‪ ،1‬أو هو‪ ":‬الفعل‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫عرف "جريار‬ ‫السردي املنتج" ‪ ،‬وهو‪ ":‬الطريقة اليت حتكى هبا القصة" ‪ ،‬وقد ّ‬
‫جنيت" السرد أبنّه‪ ":‬العملية اليت يقوم السارد أو احلاكي(أو الراوي)‪ ،‬وينتج عنها‬
‫النّص القصصي املشتمل على اللفظ( أي اخلطاب) القصصي واحلكاية( أي‬
‫‪4‬‬
‫حممد القاضي السرد أبنّه‪ ":‬النشاط الذي يضطلع‬ ‫وعرف ّ‬‫امللفوظ) القصصي" ‪ّ ،‬‬
‫به الراوي وهو يروي حكاية ويصوغ اخلطاب الناقل هلا‪ ،‬وهو مساه "جوانت" نفس‬
‫‪5‬‬
‫معتربا يف ذاته"‬
‫فعل السرد ً‬
‫تعىن‪ ":‬ابستنباط القواعد الداخلية لألجناس األدبية‪ ،‬واستخراج النظم اليت حتكمها‬
‫‪6‬‬
‫وتوجه أبنيتها‪ ،‬وحتدد خصائصها ومساهتا"‬
‫ّ‬
‫فغرضنا يف هذا البحث تبيان البىن السردية‪ ،‬ومعرفة ماهيتها‪ ،‬وذلك أل ّن حتليل‬
‫أي عنصر ال ميكن أن يتم مبعزل عن بقية العناصر ايآخرى‪ ،‬وأ ّن حتليل النّص‬ ‫ّ‬
‫القصصي ذاته ال ميكن أن يتبلور دون نظرة مشولية لنص "دعاء الكروان " برمته‪،‬‬
‫وتضافر أبنية السرد هو الذي يشكل فنية القصة‪ .‬وميكن الكشف عن البنية‬
‫السردية عند طه حسني يف " دعاء الكروان" من خالل تناول األبنية السردية ايآتية‪:‬‬
‫بنية الشخصية‪ ،‬بنية الزمن ‪ ،‬وبنية املكان‪.‬‬
‫أوال‪ :‬بنية الشخصية‪:‬‬
‫ً‬

‫‪ -1‬عز الدين إمساعيل‪ ،‬األدب وفنونه‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1976 ،6‬ص‪.187‬‬
‫‪2 -‬سعيد يقطني‪ ،‬حتليل اخلطاب الروائي‪ ":‬الزمن‪ ،‬السرد‪ ،‬التبئري" املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‬
‫ط‪ ،1،،1989‬ص‪.41‬‬
‫‪3 -‬محيد حلمداين‪ ،‬بنية النص السردي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1991 ،1‬ص‪.45‬‬
‫‪4 -‬مسري املرزوق وآخرون‪ ،‬مدخل إىل نظرية القصة‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪،1986 ،‬‬
‫ص‪.74-73‬‬
‫‪5‬‬
‫حممد القاضي وآخرون‪ :‬معجم السردايت‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.243‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪6‬‬
‫العريب ‪ ،‬املؤسسة العربيّة للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ -‬عبدهللا إبراهيم ‪ ،‬موسوعة السرد ّ‬
‫‪ ،2008‬ص‪.8‬‬
‫‪144‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫كل مشارك يف أحداث احلكاية‬ ‫الشخصية عند النقاد تعرف ب" أهنا ّ‬
‫سلبًّا أو اجيابيًا‪ّ ،‬أما من يشارك يف احلديث فال ينتمي إىل الشخصيات بل يكون‬
‫ككل عناصر احلكاية‪ ،‬فهي تتكون من‬ ‫جزءًا من الوصف‪ ،‬وهي عنصر مصنوع ّ‬
‫ويصور أفعاهلا‪ ،‬وينقل أفكارها وأقواهلا"‪ .1‬وهناك من‬
‫جمموع الكالم الذي يصفها ّ‬
‫يعرفها أبهنا" القناة اليت ِّ‬
‫يعرب من خالهلا الروائي إىل الواقع املعيش"‪ .2‬وملا هلا من"‬
‫أمهية كربى يف عامل القصة‪ ،‬وغالبًا ما تع ّد من عناصر القصة املهمة"‪.3‬‬
‫فالشخصية يف الرواية ّإما أن تكون شخصية رئيسة أو اثنوية‪ .‬وتنقسم الشخصية‬
‫يف "دعاء الكروان" وف ًقا لطريقة عرضها إىل ثالثة أقسام ختتلف حسب دورها‪ ،‬وهي‬
‫ّإما شخصية رئيسة أو فرعية‪.‬‬
‫أوال‪ -‬الشخصيات الرئيسة‪:‬‬
‫ً‬
‫تع ّد الشخصية الرئيسة إحدى" األدوات األساسية يف عملية القص"‪4‬؛‬
‫وذلك ملا هلا من عظيم األثر يف بناء النّص الروائي‪ ،‬وأمهية جوهرية يف عامله‪ ،‬فهو‬
‫أحد العناصر البالغة األمهية يف بلورة التجربة السردية‪ ،‬وتشكيل بنائها‪.‬‬
‫‪-1‬شخصية آمنة ‪:‬‬
‫الرواية فتاةٌ ريفيةٌ تنتمي ألحد القبائل البدوية يف قرية" بين وركان"‬
‫هي بطلة هذه ّ‬
‫املصرية‪ ،‬وهي البنت الصغرى لزهرة‪ ،‬وأخت هنادي ضحية هذه القصة‪ ،‬وتعمل‬
‫خادمة يف منزل مهندس الري يف إحدى مدن األقاليم الصغرية الواقعة على أطراف‬

‫‪ 1 -‬حسن حبراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1990‬م‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪ 2 -‬أسيا جريوي‪ ،‬سيميائية الشخصية احلكائية يف رواية الذئب األسود‪ ،‬حنا مينا‪ ،‬جملة اخلرب‪،‬‬
‫حممد خيضر‪ ،2010 ،‬ص‪.248‬‬ ‫العدد‪ ،6‬بسكرة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬منشورات جامعة ّ‬
‫‪3‬‬
‫‪- Lynn Altenbernd and Leslie L.Lewis. A Hand Book for the‬‬
‫‪study of Fiction، the Macmillan Company، New York، Collier-‬‬
‫‪Macmillan Limited، London، 1966، P.56.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Scholes Robert and Kellogg Robert . The Nature of‬‬
‫‪Narrative ، Oxford University Press. 1968،p.104.‬‬
‫‪145‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫مدينة القاهرة‪ .‬ولئن كانت "آمنة" تنتمي ظاهرًّاي لتلك الفئة العاملة البسيطة‪ ،‬فإ ّن‬
‫طه حسني أراد هلا أن ُتتلك شخصيةً قويةً أهلتها للتكفل مبهمة الراوي الواعي‬
‫ممتعا مشوقًا وحمكم البناء‪ ،‬وقد روت املأساة‪ ،‬وحتدثت‬ ‫سردا ً‬
‫الذي سرد الرواية ً‬
‫بلسأهنا‪ ،‬فكانت الصوت السارد ألحداث الرواية‪ ،‬صوت العقل الذي وقف أمام‬
‫بروح قوية‪ .‬فهي" الشخصية اليت تقوم بدور الراوي للمواقف واألحداث اليت‬ ‫الظلم ٍ‬
‫‪1‬‬
‫األم "زهرة"‪،‬‬
‫أبين أان ّ‬
‫دورا" " هنالك أحسست من نفسي قوة‪ ،‬وشعرت ّ‬ ‫تلعب فيها ً‬
‫وكأهنا هي الفتاة "آمنة"‪ ،‬فاختذت صوهتا وهلجتها‪ ،‬وألقيت عليها من غري تكلف‬
‫هذه األسئلة‪ :‬ماذا تريدين؟ ماذا تصنعني‪ ،‬وأين تذهبني بنا؟"‪.2‬‬
‫آمنة" تلك املثقفة الواعية اليت تعلمت كيف تكون املرأة احلصون اليت‬
‫تعرف كيف حتافظ على نفسها وعلى من حوهلا‪ ،‬إ ّن الصوت الطاغي على الرواية‬
‫هو صوت" أمنة"‪ " ،‬آمنة" بني احلب والثأر سوف تنتقم ألختها الكربى" هنادي"‬
‫غرر هبا‪ ،‬ولعب بعقلها؛ ولكن ليس ابلسم القتّال وال‬ ‫من ذلك املهندس الذي ّ‬
‫ابملوت‪ -‬كما هو معروف يف عامل الثأر‪ ،‬وإّّنا بشيء أكثر فت ًكا من املوت‪ ،‬أهنا‬
‫ابحلب‪ ،‬هذه املشاعر‬
‫ّ‬ ‫ستنتقم ابلكأس الذي سقاه املهندس ألختها بنفس الكأس‪،‬‬
‫اليت قتلت "هنادي" سوف تكون هي القاتل هلذا املهندس املعتدي على شرف‬
‫احلب مع‬
‫شراك ّ‬ ‫أختها" هنادي"‪ ،‬بيد أ ّن "آمنة" يف هناية املطاف وقعت يف ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬ويرضى أبقل شيء‪ ،‬بل هو‬ ‫احلب الذي يطمع يف ّ‬ ‫املهندس‪ " .‬وإّّنا هو ّ‬
‫احلب ما‬
‫احدا حيويه مع من حيب ويهوى‪ .‬هو ّ‬ ‫كل السعادة ما وثق أب ّن بيتًا و ً‬
‫سعيد ّ‬
‫يف ذلك شك‪ ،‬لكن الشك املؤمل املضين إّّنا يتصل هبذا القلب الذي يضطرب بني‬
‫مبغضا من قبل؟ أراغب هو يف االنتقام‬
‫حنيب أان‪ ،‬فما خطبه؟ أمبغض هو كما كان ً‬

‫‪ 1 -‬جريالد برنس‪ ،‬قاموس السردايت‪ ،‬ترمجة السيد إمام‪ ،‬مرييت للنشر واملعلومات‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪ ،2003 ،1‬ص‪.31‬‬
‫‪ 2 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2008 ،28‬م‪،‬ص‪.32‬‬
‫‪146‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫كما كان راغبًا من قبل؟ أحافظ هو لعهد هذه األخت اليت صرعت يف ذلك‬
‫الفضاء"‪.1‬‬
‫إذن فشخصية "آمنة" بطلة هذه الرواية كانت هي احملور الرئيس لألحداث‪،‬‬
‫وهي الراوي العليم‪ ،‬والسارد احلصيف ملظلومية املرأة‪ .‬ومن الشخصيات الرئيسة يف‬
‫هذه الرواية شخصية طائر الكروان‪.‬‬
‫‪ -2‬شخصية طائر الكروان‪:‬‬
‫إ ّن صوت طائر "الكروان"‪ -‬الشخصية املصاحبة للبطلة "آمنة" من بداية‬
‫مهما يف حتريك أحداث الرواية‪ ،‬وإ ّن "طائر‬ ‫دورا ً‬‫القصة إىل هنايتها‪ -‬قد لعب ً‬
‫الكروان" ما هو إال صوت روح أختها" هنادي" املصروعة الذي يستفزها ألخذ‬
‫الثأر‪ ،‬وهو مبثابة املعادل املوضوعي لشخصية شقيقتها‪ ،‬فقد كانت البطلة "آمنة"‬
‫جن عليها الليل ‪ -‬بعد مصرع أختها على يد خاهلا"انصر"‪ -‬أيتيها نداء هذا‬ ‫كلما َّ‬
‫أحب‬
‫الطائر ليذكرها ابملأساة وأخذ الثأر " لبيك لبيك أيّها الطائر العزيز! ما ّ‬
‫صوتك إىل نفسي إذا جثم الليل‪ ،‬وهدأ الكون‪ ،‬وانمت احلياة‪ ،‬وانطلقت األرواح يف‬
‫هذا السكون املظلم‪ ،‬آمنة ال ختاف‪ ،‬صامتة ال تسمع! إ ّن صوتك إذن ألشبه‬
‫لروح من هذه األرواح ليذ ّكِرين روح هذه األخت اليت‬ ‫صوات ٍ‬
‫األشياء أبن يكون ً‬
‫شهدت مصرعها معي يف تلك الليلة املهيبة الرهيبة "‪ ،2‬ومتّ عقد العهد بني البطلة‬
‫"أمنة" و طائر "الكروان" لتذكر هذه املأساة كلما انتصف الليل‪ " ،‬منذ ذلك الوقت‬
‫متّ العهد بينك‪ ،‬وبيين أيّها الطائر العزيز على أن نذكر هذه املأساة كلما انتصف‬
‫الليل حّت نثأر هلذه الفتاة اليت غودرت يف هذا الفضاء‪ ،‬مث نذكر هذه املأساة كلما‬
‫انتصف الليل بعد أن نظفر ابلثأر‪ ،‬ليكون يف ذكران إايها وفاءٌ هلذه النفس اليت‬
‫ورد األمر‬
‫ورضا عن االنتقام‪ ،‬وقد أمل ابيآمث اجملرم ّ‬
‫أزهقت‪ ،‬وهلذا الدم الذي سفك‪ً ،‬‬

‫‪ 1 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.150‬‬


‫‪ 2 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪147‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫إىل نصابه‪ ،‬وأراح هذه النفس اليت مازالت تطلب الري حّت تظفر ابلثأر من الذين‬
‫اعتدوا عليها‪.1".‬‬
‫تقص مأساة أختها" هنادي" على‬ ‫مث استأذنت "آمنة" من "الكروان" أن ّ‬
‫النّاس لعلهم جيدوا فيها عظة تعصم النفوس الزكية من القتل " لبيك لبيك أيّها‬
‫الطائر العزيز! إان لنلتقي كلما انتصف الليل منذ أعوام وأعوام فندير بينا هذا‬
‫أقص أطرافًا منه على النّاس لعلهم أن جيدوا فيه عظة تعصم‬ ‫احلديث‪ ،‬أفتدعين ّ‬
‫النفوس الزكية من أن تزهق‪ ،‬والدماء الربيئة من أن تراق؟!‪.2‬‬
‫وقد استطاع"طائر الكروان" أن يرد البطلة"آمنة" إىل اليقظة اخلالصة اليت‬
‫تشعر بنفسها‪ ،‬وتفكر يف نفسها‪ ،‬وتذكر ما مضى على علم به‪ ،‬وتستقبل ما سيأيت‬
‫جيدا‪ ،‬وتعرف من‬‫يف روية وبصرية واستعداد‪ ،‬وأهنا لتذكر مصرع أختها" هنادي" ً‬
‫أبدا "‬
‫دفعها للموت‪ ،‬ومن أذاقها املوت‪ ،‬وإ ّن مصريها لن يكون مثل مصري أختها ً‬
‫وهذا صوتك أيها الطائر العزيز يدنو مين شيئًا فشيئًا فيملؤين أمنًا ودعةً وهدوءًا‪،‬‬
‫معا‪ .‬إنّه يردين إىل اليقظة اخلالصة اليت تشعر بنفسها وتفكر يف نفسها وتذكر‬ ‫وحزًان ً‬
‫ما مضى على علم به وتقدير له‪ ،‬وتستقبل ما سيأيت يف روية وبصرية واستعداد‬
‫وإين‬
‫لالحتمال‪...‬نعم! إ ّن صوتك ليمأل أذين‪ ،‬وإنّه ليمأل قليب‪ ،‬وإنّه ليغمر نفسي‪ّ ،‬‬
‫وإين ألذكر أخيت ومصرعها‪ ،‬وإين ألعرف من دفعها إىل املوت‪،‬‬ ‫أفهم عنه ما يريد‪ّ ،‬‬
‫كما أعرف من أذاقها املوت‪ .‬وإىن ألعلم حق العلم أين ساعية إذا كان الغد إىل‬
‫بيت هذا املهندس فمقيمة فيه حيث كانت أخيت‪ ،‬فناهضة مبا كانت تنهض به‬
‫أخيت من العمل‪ ،‬فمنتهية بعد إىل شيء آخر غري الذي انتهت إليه أخيت يف ذلك‬
‫‪3‬‬
‫الفضاء العريض‪."..‬‬

‫‪ 1 -‬املصدر نفسة‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫‪ 2 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪-3‬ا طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان ‪.138 ،‬‬
‫‪148‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫وإ ّن صوت هذا الطائر "الكروان" مل يفارق البطلة "آمنة" طوال مأساهتا‪،‬‬
‫وبناءً عليه مسيت هذه الرواية ب" دعاءالكروان"‪" :‬ولكن صوتك أيّها الطائر العزيز‬
‫اعا من هذا الصمت العميق‪ ،‬فأثب وجلة مذعورة‪ ،‬ويثب هو‬ ‫يبلغين فينتزعين انتز ً‬
‫وجال مذعورا‪ ،‬مث ال نلبث أن يثوب إلينا األمن ويرد إلينا اهلدوء‪ ،‬فأما أان فتنحذر‬
‫عل خدي دمعتان حاراتن ‪ .‬و ّأما هو فيقول وقد اعتمد بيديه على املائدة‪ ،‬دعاء‬
‫صرعت هنادي يف ذلك الفضاء‬ ‫ِ‬
‫يرجع صوته هذا الرتجيع حني ُ‬ ‫الكروان! أترينه كان ّ‬
‫‪1‬‬
‫شاهدا على أحداث القصة‪،‬‬ ‫العريض!!" ‪ ..‬وكما يقول عمر قتيبة" ليبقى الكروان ً‬
‫ولقد لعب الكروان دورا يف حتريك األحداث وتنويعها‪ ،‬وابلتايل يبقى يف ذلك صوت‬
‫‪2‬‬
‫نغما شجيا ينذر ويفزع كما حييي اجلراح "‬‫الكروان ً‬
‫‪-3‬شخصية هنادي‪:‬‬
‫هنادي هي تلك الفتاة اجلميلة اليت قتلتها سذاجتها وجهلها بعد أن أغواها‬
‫شاب مدينٌّ متعلم‪ ،‬وقد أومهها‬
‫مهندس الري اليت كانت تعمل يف بيته خادمةً‪ ،‬وهو ٌ‬
‫بصدق مشاعره‪ ،‬وأوقعها يف اخلطيئة‪ ،‬وقد شكلت شخصيتها املنعطف األكرب املهم‬
‫يف جمرى الرواية ويف مظلومية املرأة ‪ ،‬هنادي هي األخت الكربى يآمنة‪ ،‬فقد دفع‬
‫مجاهلا وجهلها ابملهندس إىل اإلغواء هبا ‪ ،‬وتقول‪ :‬آمنة عن أختها هنادي كنت أرى‬
‫تشب مسرعةً‪ ،‬ويستدير‬ ‫أخيت تشب بسرعة ويستدير جسمها " وكنت أرى أخيت ّ‬
‫جسمها إستدارة حسنةً‪ ،‬وتظهر عليها آاثر النعمة‪ ،‬وآايت من مجال‪ ،‬ولكنها ظلت‬
‫كما أقبلت من ريفها املبتدى‪ ،‬ريفية بدوية‪ ،‬ال تقرأ وال تكتب كما كنت أقرأ‬
‫وأكتب‪ ،‬وال حتسن من أمور الرتف شيئًا كما كنت أحسن منها أشياء"‪.3‬‬
‫فقد عاشت "هنادي " مع مهندس الري يف بيته طوال سنة كاملة إىل أن أوقعها‬
‫الكتاب‬
‫ُ‬ ‫يف اخلطيئة مث تلقى حدفها على يد خاهلا" انصر" " لقد ُتت اجلرمية وبلغ‬

‫‪ 1 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.160‬‬


‫‪2 -‬عمر قتيبة‪ ،‬األدب العريب احلديث‪ ،‬خوارزم العلمية‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪،1،2004‬ص‪.107‬‬
‫‪3 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.20-19،‬‬
‫‪149‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫شااب آُثا أغواها؛ وألهنا مل‬


‫أجله‪ ،‬واستنفذت هنادي حظها من احلياة‪ ،‬وماتت ألن ً‬
‫حتسن أن تدفع عن نفسها غوايته"‪ .1‬وإ ّن هذين احلدثني مها اللذين غريا مسار‬
‫الرواية‪ ،‬وصارت هنادي الضحية اليت تسعى "آمنة" البطلة لألخذ بثأرها‪.‬‬
‫‪-4‬شخصية املهندس ‪:‬‬
‫تع ّد شخصية مهندس الري واحدة من أكثر الشخصيات الرئيسة فعاليةً‬
‫يف هذه القصة‪ ،‬ومل يذكر طه حسني امسه صراحة‪ ،‬وإّّنا ذكر وظيفته‪ ،‬كما مهش‬
‫أمساء كالعمدة‪ ،‬واملأمور‪ ،‬وشيخ البلد‪..‬وحّت اسم املدينة مل يذكره‪ ،‬فلعل هذه الرواية‬
‫خصوصا أ ّن املوضوع فيه‬
‫ً‬ ‫حيب طه حسني ذكر األمساء صراحة‬ ‫هلا أصل واقعي ال ّ‬
‫أحب أن تكون قصته هذه" دعاء الكروان" شاهد صدق‬ ‫قضية شرف‪ ،‬أو لعله َّ‬
‫على ظالمة املرأة يف كل زمان ومكان‪ ،‬وهذا موضوع يطول ليس هذا حمله‪.‬‬
‫اسعة حتيط هبا حديقة‬‫فاملهندس هذا شاب أعزب متعلم متمدن يسكن يف دا ٍر و ٍ‬
‫مجيلة نضرة لوحده مع خادمة‪ ،‬وخادم ريفي حيرس الدار ويعىن ابحلديقة‪.. ".‬‬
‫مهندس الري‪ ،‬ذلك الشاب الرشيق األنيق ذو الوجه الوسيم‪ ،‬ذلك الشاب الذي‬
‫وحيدا يف دار واسعة‪ ،‬حتيط هبا حديقة مجيلة نضرة‪ ،‬وال يعيش معه فيها‬ ‫كان يعيش ً‬
‫إال خادم ريفي‪ ،‬حيرس الدار‪ ،‬ويعىن ابحلديقة" ‪. 2‬‬
‫وكان هذا الشاب املهندس ابرع اجلمال حّت أصبح فتنة للفتيات‪ ،‬وقد‬
‫كل مرة يغري اخلادمة اليت‬
‫رق حديثه حّت أصبح شري ًكا يصيد به قلوب النساء‪ ،‬ويف ّ‬ ‫َّ‬
‫ختدمه‪ .. ".‬هذا املهندس الشاب قد برع مجاله حّت أصبح فتنة للفتيات‪ ،‬وقد َّ‬
‫رق‬
‫حديثه حّت أصبح شري ًكا يصيد به قلوب النساء‪ ،‬وحبالةً ختتلس النفوس‪ ،‬وقد‬
‫لطفت حركاته حّت مل يبق لالمتناع عليها سبيل"‪ .3‬ولقد أغوى الشاب املهندس "‬
‫هنادي" أخت البطلة" آمنة"‪ ،‬ودفعها إىل ارتكاب اخلطيئة‪ ،‬وقضى عليها ابملوت"‬

‫‪1 -‬املصدرنفسه‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫‪ 2 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ 3 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.95-94‬‬
‫‪150‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫ذلك املهندس الشاب الذي صرعت فيه‪ .‬لقد منحها احلياة‪ ،‬ولقد قضى عليها‬
‫‪1‬‬
‫ابملوت"‪.‬‬
‫ولقد دار هدف االنتقام واألخذ ابلثأر حول هذه الشخصية اليت تسببت يف‬
‫قتل " هنادي"‪ ،‬ومسمت "خدجية" بنت املأمور‪ ،‬صديقة " آمنة"‪ ،‬مث أوقعت" آمنة"‬
‫يف حبّه‪ ،‬وهي حتاول االنتقام ألختها" هنادي"‪ ،‬فلقد انتقمت منه أبشد أنواع‬
‫االنتقام‪ ،‬أماتته مواتت" ‪ ..‬اي للهول!‪ -‬ماذا أرى؟ وماذا أمسع؟ وماذا أجد؟ هذا‬
‫ماثال بني يدي يتلطف‪ ،‬ويرتفق مث يستعطف‪ ،‬ويستجدي مث هذا هو جاثيًا‬ ‫سيدي ً‬
‫جمهشا‬
‫إيل ابلصالة‪ ،‬مث هذا هو ابكيًا يف صمت‪ ،‬مث هذا هو ً‬ ‫بني يدي كأنّه يتق ّدم ّ‬
‫ابلبكاء‪ ،2"..‬وعلّمته اإلخالص " وإذا أان قد أخلصت له لنفسي‪ ،‬وإذا هو قد‬
‫عليهن يف حياته‬
‫ّ‬ ‫أخلص يل ولنفسه"‪ ،3‬فقد علّمته ما مل تستطع الفتيات اليت تعرف‬
‫احلب كيف يكون " َأولست أخرج من هذه الدار وقد‬ ‫أمجعني تعليمه‪ ،‬لقد علّمته ّ‬
‫جرعته مرارة اهلزمية‪ ،‬وعلمته أ ّن من فتيات الريف الساذجات الغافالت من يستطعن‬
‫الثبات ألمثاله واالمتناع على أصحاب الذكاء واجلمال والرتف واجلاه والثراء؟!"‪. 4‬‬
‫احلب‪ ".‬وقد‬‫ولقد تغريت سرية هذا املهندس يف هناية املطاف‪ ،‬فقد أصيب بدأ ّ‬
‫احلب عناء وبالء وجيد من آالمه‬ ‫حمب يلقى من ّ‬ ‫أيضا؛ فهو ٌّ‬‫تغريت سرية سيدي ً‬
‫أيضا فأصبح يتمىن يف غري إحلاح‪،‬‬ ‫مثل ما أجد‪ .‬ولكن كربايءه قد ُردت إليه هو ً‬
‫أحس يف حبّه شيئًا من حياء فآثر القصد واالعتدال‪،‬‬ ‫وأيمل يف غري إحلاف‪ ،‬كأّّنا ّ‬
‫أحس اإلخفاق املتصل فآثر احلرمان يف شيء من العزة على ذلك االحلاح‬ ‫وكأّّنا ّ‬
‫الذي مل يكن يعقبه إال هزمية وخذالن"‪. 5‬‬

‫‪ -1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪89‬‬


‫‪ 2-‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪ - 3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪ 4 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪ 5 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪151‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪-5‬األم زهرة‪:‬‬
‫شخصية األم "زهرة" اليت تعرضت للظلم والقهر االجتماعي‪ ،‬فقد كانت‬
‫الضحية املذنبة ألخطاء زوجها املاجن الذي مل يكن صاحب حشمة ووقار وسرية‬
‫حسنة‪ ،‬فقد كان زير نساء‪ ،‬وكانت له يف القرية والقرى اجملاورة خطوب ختيف‪ .‬وكان‬
‫زوجها يغيب عنها اليوم الكامل والليلة الكاملة‪ " .‬وكانت ُّأمنا أشقى النّاس هبذه‬
‫حرقتها الغرية حني كان زوجها يغيب‬ ‫اخلطوب‪ ،‬تتأذى هبا يف ذات نفسها‪ -‬فكم ّ‬
‫عنها اليوم الكامل أو الليلة الكاملة‪ ،‬وتشفق منها على زوجها املاجن"‪.1‬‬
‫حتب زوجها على ما كان منه من جمون‪ ،‬وفجور" فقد كانت‬ ‫فقد كانت "زهرة" ّ‬
‫كل مكان‬ ‫حتبّه على جمونه وفجوره‪ ،‬وكانت تعلم أنّه يهيئ لنفسه عدوات خطرة يف ّ‬
‫إبحلاحه يف اجملون والفجور‪ ،‬وختاف منها على حياة ابنتيها‪ ،‬ومستقبلهما‪ ،‬وآماهلما‬
‫يف العيش اهلنئ"‪.2‬‬
‫وهذه األم زهرة مذنبة؛ ألهنا استكانت هلذا الظلم بل واستسلمة له "إ ّن‬
‫صوتك مل يوقظين وحدي؛ إّّنا أيقظ أمنا فها هي هذه تفيق‪ ،‬وها هي هذه تسأل‬
‫أخاها‪ :‬أوفعلتها اي انصر؟! وهاهي هذه تغرق يف بكائها السخيف بكاء األنثى‬
‫املستسلمة ال ُتلك حوال وال طوال إال سفح الدموع‪ .‬ويلك أيتها البائسة! إنّك‬
‫لتستطيعني أن تسفحي دمعك إىل آخر الدهر فلن تغسلي قطرة من هذا الدم‬
‫األم ايآُثة! إنّك لن تستطيعي أن تردي نفسك إىل الرباءة‬ ‫الزكي‪ .‬ويلك أيتها ّ‬
‫واألمن"‪.3‬‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫األم زهرة أن ال خترب أخاها"انصر" مبوضوع " هنادي"‬
‫فقد كان إبمكان ّ‬
‫بعيدا عنها‪ ،‬وحتفظ ابنتها من‬
‫أهنا وابنتيها قد طردوا من القرية‪ ،‬ومها ايآن يف املدينة ً‬
‫هذه اجلرمية البشعة‪ ،‬وبسبب تصرفها هذا تغري جمرى األحداث إىل األسوء‪ " .‬نعم!‬

‫‪ 1 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬


‫‪ 2 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.66-65‬‬
‫‪152‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫دم‬
‫إ ّن صوتك أيها الطائر العزيز قد أيقظين وأيقظ هذه األم اجملرمة اليت سفكت ّ‬
‫ابنتها بيد أخيها‪ ،‬وأيقظ هذا اجملرم فنبهه إىل أ ّن جرمية جيب أن ختفى‪ ،‬وإىل أ ّن آاثر‬
‫إُثه جيب أن تزول‪ .‬ولكنه مل يوقظ هنادي وما كان ينبغي له أن يوقظها أل ّن صوتك‬
‫يقو ومهما يلح فلن يستطيع أن ينفذ من أستار املوت"‪.1‬‬ ‫مهما َ‬
‫‪-6‬شخصية األب ‪:‬‬
‫إ ّن بداية املأساة اليت وقعت على" هنادي"‪ ،‬وأمها‪ ،‬وأختها كانت بفعل‬
‫هذه الشخصية املاجنة شخصية األب الذي مل يكتف ابلتخلي عن مسئولياته ُتاه‬
‫عائلته بل وأحلق العار هبم؛ ألنّه مل يكن صاحب سرية حسنة‪" .‬ولكن أابان مل يكن‬
‫حيب الدعابة واجملون‪،‬‬
‫صاحب حشمة‪ ،‬ووقار‪ ،‬وسرية حسنة‪ ،‬وإّّنا كان زير نساء ّ‬
‫فال يتحرج ممّا يتحرج منه الرجل املستقيم‪ ،‬وكانت له يف القرية‪ ،‬ويف القرى اجملاورة‬
‫خطوب كانت ختيف منه وختيف عليه"‪.2‬‬
‫ورمبا تعايشت العائلة مع هذا األب الفاجر املاجن ومع هذا الوضع‪ ،‬بيد‬
‫قبحا وأعظم فضاعة وهو مصرع هذا األب‪،‬‬ ‫أ ّن هذه العائلة قد آصاهبا ما هو أشد ً‬
‫وتركه لثالث نساء للعار وسط جمتمع ظامل ال يعرف للمرأة حرمة‪ ،‬وتطرد العائلة‬
‫بعيد من األرض ليس معلوم‪ " .‬وأهنا لفي ما هي فيه من‬ ‫مكان ٍ‬‫بكاملها‪ ،‬وتنفى إىل ٍ‬
‫صرع‪ ،‬مث يستبني األمر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غرية و إشفاق وفزع ذات ليلة‪ ،‬إذ جاءها النبأ أب ّن زوجها قد ُ‬
‫قليال فإذا الرجل قد ذهب ضحية لشهوة من شهواته ايآُثة‪ ،‬فليس له أثر‬ ‫قليال ً‬
‫ً‬
‫يطالب به‪ ،‬وليس من سبيل إىل استعداء السلطان على قاتليه‪ ،‬وإّّنا هو العار قد أمل‬
‫هبذه املرأة وابنتيها التعيستني‪ ،‬وإذا األسرة كلها تضيق هبؤالء النّساء‪ ،‬تكره مكاهنن‬
‫منها‪ ،‬وتنفينهن عن األرض"‪.3‬‬

‫‪ 1-‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.66‬‬


‫‪ 2-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ 3-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪153‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪-7‬شخصية اخلال ‪:‬‬


‫امسه "انصر" هو أخو األم"زهرة"‪ ،‬وخال ابنتيها( هنادي‪ ،‬وآمنة)‪،‬‬
‫شخصية فاعلة يف أحداث الرواية وبسبب أفعاله القاسية اليت أوصلت األمور يف‬
‫حولت أفعاله الشريرة مسارات القصة إىل األسوء‪ ،‬فقد‬ ‫القصة إىل ما آلت إليه‪ ،‬وقد ّ‬
‫صرع زوجها‪ ،‬ومل يبق‬‫قام ّأول األمر بنفي أخته "زهرة" وابنتيها من بيتهم حني ُ‬
‫رجال إال هذا اخلال لتلقى العائلة ما لقيت يف هذا السبيل‪ ،‬مث يقوم‬ ‫هلؤالء النسوة ً‬
‫بعد ذلك بقتل "هنادي" ٍ‬
‫بدم ابرد‪ ،‬مث يقول ألخته وابنتها " هنادي" أن قوال للناس‬
‫أهنا مات من الوابء‪ ،‬وتصوره البطلة" آمنة" ابلشيطان‪ ..." .‬وهذا خالنا قد قام‬
‫عندمها كأنّه الشيطان"‪ ".1‬لقد ُتت اجلرمية‪ ،‬وبلغ الكتاب أجله‪ ،‬واستنفدت هنادي‬
‫حظها من احلياة‪ ،‬وماتت"‪ .2‬فالبطلة "آمنة" تصف لنا اخلال "انصر"‪ ،‬شخصية‬
‫ليس فيه ذرة من الرمحة البتة ال يف املاضي حيث كانت صبية وال يف احلاضر حني‬
‫سكنت املدينة‪ ،‬فكانت ختافه حني تلقاه وتكره فيه هذا العنف الشديد الذي هو‬
‫عليه‪ ،‬وهذه اللهجة القاسية اليت ميتاز هبا حديثه‪.‬‬
‫كل من‬
‫" ما أكثر ما كنت أخافه حني ألقاه وأكره منه هذا العنف الذي يبتدر به ّ‬
‫إتصل به‪ ،‬وهذه اللهجة القاسية اليت ميتاز هبا حديثه‪ ،‬وهذا الصوت القاطع الذي‬
‫يلقى إليك الكلمات يف حزم وعزم وشدة ال تقبل مراجعة وال تسمح جبدال "‪.3‬‬
‫اثنيًا‪-‬الشخصيات الفرعية املباشرة‪:‬‬
‫‪ -1‬شيخ البلدة أو شيخ العزبة ‪:‬‬
‫هو أحد الشخصيات الفرعية املباشرة اليت ساعدت على بروز األحداث‬
‫األم "زهرة" وابنتيها بعد أن نفني من‬
‫داخل القصة‪ ،‬وهو ّأول شخصية تلتقي هبا ّ‬
‫وفر هلن حجرة ضيقة حقرية قد أقيمت من الطني فأسكنهم‬
‫قرية " بين وركان"‪ ،‬وقد ّ‬

‫‪ 1-‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.59‬‬


‫‪ 2-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪. 66‬‬
‫‪-3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪154‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫فيها‪ ،‬وكان أجارها عشرة قروش تدفع كلما بدا اهلالل‪ " .‬جلأت إىل شيخ البلدة أو‬
‫يوما‪ ،‬مث ابتغى هلا والبنتيها حجرة ضيقة حقرية قذرة قد‬ ‫إىل شيخ العزبة فأواها ً‬
‫أقيمت من الطني‪ ،‬فأسكنها فيها على أن تدفع أجرها عشرة قروش كلما بدا‬
‫‪1‬‬
‫وفر لألم "زهرة" وابنتيها العمل يف املدينة ‪ " .‬قال‬
‫اهلالل" ‪ .‬وشيخ العزبة هو الذي ّ‬
‫هلا شيخ العزبة ما أكثر العمل هنا! فألتمسي حياتك‪ ،‬وحياة ابنتيك يف بيوت‬
‫املرتفني الذين ال يعملون يف الزرع واحلرث‪ ،‬وإّّنا يعملون يف خدمة احلكومة‪ ،‬منهم‬
‫من خيدم يف معامل السكر‪ ،‬ومنهم من خيدم يف املراكز‪ ،‬ومنهم من خيدم يف احملكمة‬
‫األهلية أو الشرعية‪ ،‬ومنهم مهندس الري‪.2" ..‬‬
‫‪-2‬شخصية خدجية‪:‬‬
‫هي إحدى أهم الشخصيات الفرعية املباشرة الفاعلة يف هذه الرواية‪ ،‬وقد كان‬
‫كبريا جدًّا إ ْذ أهنا صارت صديقتها‪ ،‬وختلفت "آمنة" مع‬‫أتثريها على البطلة آمنة" ً‬
‫" خدجية" إىل الكتّاب فتعلمت كما تتعلم خدجية‪ ،‬وتتلقى درس املعلم فتستفيد كما‬
‫تستفيد خدجية‪ ،‬وحتاول أن تقلد خدجية يف لغتها احللوة الرقيقة واليت تسميها "آمنة"‬
‫لغة مصر‪.‬‬
‫" وما هي إال أن تزول بيننا الكلفة ونصبح رفيقتني صديقتني‪ .‬وسيدة البيت تنكر‬
‫ذلك ّأول األمر‪ ،‬ولكنها تذعن له بعد حني؛ وإذا أان أختلف مع الصبية إىل‬
‫الكتّاب فأتعلم كما تتعلم‪ ،‬وأتلقى مع الصبية درس املعلم فأستفيد كما تستفيد‪...،‬‬
‫لوال أهنا كانت تتكلم لغة حلوة عذبة رقيقة هي لغة مصر‪ ،‬وكنت أتكلم لغة فجة‬
‫خشنة غليظة هي لغة الريف من " بين وركان"‪ ،‬وكنت أقلّد يف نفسي لغة خدجية‬
‫فأحسنها وأجيدها"‪.3‬‬

‫طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪-1.16‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪3-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪155‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫وقد كانت خدجية ذات شخصية مرحة‪ ،‬حلوة النفس‪ ،‬مشرقة الوجه‪،‬‬
‫مبتسمة الثغر‪ ،‬وديعة النفس‪ ،‬وقد اشركت بطلة الرواية" آمنة" يف لعبها‪ ،‬واختصتها‬
‫أبحاديثها‪ ،‬وأسرارها‪.‬‬
‫دائما‬
‫"ولكن خدجية كانت حلوة النفس راضية اخللق مشرقة الوجه ً‬
‫دائما‪ ،‬وديعة النفس‪ ،‬رقيقة احلاشية‪ ،‬فلم يطل ما كان بينها وبيين‬ ‫مبتسمة الثغر ً‬
‫من البعد‪ ،‬وإّّنا أشركتين يف لعبها‪ ،‬واختصتين أبحاديثها‪ ،‬وآثرتين أبسرارها‪ ،‬ومل تبخل‬
‫علي حّت ببعض ما كانت ُتنحها أمها من احللوى‪ ،‬أو من النقد لتشرتي به‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫احللوى" ‪.‬‬
‫‪-3‬شخصية زنوبة ‪:‬‬
‫هي واحدة من الشخصيات الفرعية املباشرة يف الرواية‪ ،‬وهي إمرأة عظيمة‬
‫اخلطر‪ ،‬وامسها شائع ذائع على مجيع األلسنة‪ ،‬أهنا زنوبة الراقصة التاجرة‪ " .‬فكانت‬
‫عرفت من أمرها فيما ما كنت أجهل‪ ،‬وتبينت أن امسها كان‬ ‫ُ‬ ‫إمرأة عظيمة اخلطر‬
‫ذائعا على مجيع األلسنة‪ ،‬ويف مجيع األحناء ال يف املدينة وحدها بل يف كثري مما‬
‫شائعا ً‬
‫ً‬
‫حييط هبا من القرى والعزب والضياع ‪ .‬كان أمسها "زنوبة" وكان هلا اتريخ حافل‬
‫ابخلطوب واألحداث كان شباهبا مغامرة كلّه فتنة لنفسها ولكثري من النّاس‪ .‬كانت‬
‫ُتيد الرقص وتفنت به شباب املدينة‪ ،‬وتفنت هؤالء الشباب الذين كانوا يفدون على‬
‫املدينة يف فصل الشتاء ليشتغلوا يف معمل السكر"‪.2‬‬
‫وقد كانت زنوبة عينًا من عيون الشرطة‪ .. ".‬فكانت عينًا من عيون الشرطة‬
‫ماال‪،‬‬
‫تنفذ إىل كثري جدًّا ممّا ال تنفذ إليه عيون الرجال‪ ،‬وكانت تفيد من ذلك ً‬
‫وتكسب من ذلك هيبة‪ ،‬فكان النّاس خيافوهنا‪ ،‬ويتلطفون هلا‪ ،‬وكانت الشرطة‬
‫تستعني هبا استعانة خاصة خصبة حني يصرع صريع ابلليل‪ ،‬ويبحث املأمور وأعوانه‬

‫‪1-‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫‪ 2 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪156‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫عن القاتل فال يظفرون به‪ ،‬هنالك كانت تنقل إليهم ما تسمع من األحاديث يف‬
‫بعض أندية الشباب ويف داخل كثري من البيوت‪.1"..‬‬
‫ولقد كان أعظم نفع" زنوبة" للشرطة حني هتاجم األوبئة املدينة وما حوهلا من‬
‫القرى" وكانت أنفع ما تكون للشرطة‪ ،‬وأقدر ما تكون على إعانتها حني يهاجم‬
‫الطاعون أو الكولريا أو أي وابء من هذه األوبئة أهل املدينة وما حوهلا من القرى‪،‬‬
‫وحني تريد احلكومة أن تكتشف املرضى‪ ،‬وتعزهلم يف تلك اخليام اليت كان يكرهها‬
‫النّا أشد الكره ويفرون منها أكثر ممّا يفرون من املوت"‪ .2‬و"زنوبة" هذه الشخصية‬
‫هي اليت أوصلت البطلة"آمنة" إىل هدفها‪ ،‬وهو العمل يف بيت املهندس‪ ،‬مث أ ّن‬
‫مبتسما راضيًا حيدق‬
‫ً‬ ‫علي‬
‫مبتسما راضيًا‪ ".‬وأقبل سيدي اجلديد ّ‬
‫ً‬ ‫املهندس أقبل عليها‬
‫النظر يف وجهي حتدي ًقا طويال‪ ،‬مث يفصل النظر إىل جسمي كله تفصيال‪ ،‬كأنّه‬
‫متاعا يريد أ ّن يشرتيه‪. 3"...‬‬
‫ميتحن ً‬
‫الشخصيات الفرعية غري املباشرة‪:‬‬
‫‪-1‬زوجة املأمور " أم خدجية"‬
‫تع ّد هذه الشخصية من إحدى الشخصيات اليت ساعدة البطلة"آمنة" يف‬
‫خلق عظيم‪ ،‬وتتمتع‬‫كث ٍري من األمور‪ ،‬وهي زوجة املأمور‪ ،‬و ّأم "خدجية" امرأة ذات ٍ‬
‫ُتاما‪ ،‬وعاشت يف نعي ٍم مل تبخل‬
‫حبنان كبري حّت أهنا احتضنت "آمنة" كأهنا إبنتها ً‬
‫به حّت على خدمها‪.‬وملا عادت "آمنة" إىل بيت املأمور بعد إن كانت هربت منه‬
‫علي فتتلطف يل وترفق يب‬‫استقبلتها خري استقبال" وسيديت وصديقيت قد أقبلت ّ‬
‫علي بعض ما أجد‪ ،‬وإن كانت ال تعرف شيئًا ممّا أجد"‪.4‬‬
‫وهتون ّ‬ ‫ّ‬

‫‪1-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫‪ -2‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪3-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫‪ 4 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪157‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪-2‬نفيسة العرافة ‪:‬‬


‫األم وابنتيها‪ ،‬وإ ّن عملها عرافة‬
‫هذه إحدى الشخصيات اليت صادفتها ّ‬
‫كل بيت صديقة ِّ‬
‫لكل‬ ‫تتقصى األخبار من اجلن‪ ،‬والشياطني‪ ،‬فكانت دخيلة يف ّ‬
‫تقص ما كان‪ ،‬وتصف ما هو كائن‪ ،‬وتنىبء مبا سيكون‪ ،‬ومل تكن" نفيسة"‬ ‫إمرأة‪ّ ،‬‬
‫مقتصرة على النساء بل أتثريها كان أكرب على نفوس الرجال والشبان‪ ،‬وكانت‬
‫حتسن استشارة الودع‪ ،‬وسؤاله عن الغيب‪.‬‬
‫تقص‬
‫لكل امرأة‪ .‬كانت عرافة ّ‬ ‫كل بيت‪ ،‬صديقة ّ‬ ‫" ‪ ..‬كانت دخيلة يف ّ‬
‫ماكان وتصف ماهو كائن‪ ،‬وتنىبء مبا سيكون‪ .‬وكانت هلا صلة قوية ابجلن‬
‫والشياطني‪ ،‬تسعى ابلرسائل بينهم وبني النساء وتستخدمهم يف كثري ممّا يشغل حياة‬
‫املرأة اجلاهلة الساذجة اليت ال تزال تؤمن أب ّن سلطان اجلن على النّاس ال ح ّد له‪.‬‬
‫هذه ضيقة بزوجها ألنّه خيوهنا أو يؤثر عليها ضرهتا فهي تستعني بنفيسة لتسلط‬
‫عليه عفريتًا من اجلن يصده عن خليلته أو عن زوجته(‪ ،)....‬و مل تكن نفيسة أقل‬
‫أتثريا يف نفوس الرجال والشبان منها يف نفوس النّساء والفتيات؛ فقد كانت حتسن‬ ‫ً‬
‫استشارة الودع وسؤاله عن الغيب‪ ،‬وقد كانت حتسن استعطاف النّساء إذا نفرن أو‬
‫أعرضن‪ ،‬وقد كانت حتسن تسخري اجلن يف قضاء ما يلتوي من احلاجات‪ .‬وكانت‬
‫دائما‪ ،‬ال تكاد تسرتيح من السعي ابلرسائل واحلاجات بني رجال‬ ‫"نفيسة" مشغولة ً‬
‫مجيعا وبني اجلن والشياطني"‪.1‬‬
‫املدينة‪ ،‬ونسائها‪ ،‬وبينهم ً‬
‫ولقد إلتقت هذه العرافة " نفيسة" بزهرة األم وابنتيها‪ ،‬وكان ذهول "‬
‫هنادي" لفت نظر العجوز الساحرة العرافة إليها‪ ،‬فسألتها لتعرف ما هبا‪ ،‬ولكن "‬
‫هنادي" ال ُتيب‪ ،‬أجابتها"آمنة" زاعمة أن أبختها علة‪ ،‬فضربت هلا الودع قائلة‪":‬‬
‫إين أراك بني اثنني‪ :‬أحدمها حيبّك وسيؤذيك‪ ،‬وايآخر‬ ‫إ ّن أمرك اي ابنّيت لعجيب‪ّ ،‬‬

‫‪1-‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.43‬‬


‫‪158‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫وإين ألحاول أن أفهم فال استطيع‪ .‬والري لك اي ابنيت أن‬ ‫آذاك وسيحبّك‪ّ ،‬‬
‫تستشريي سادتنا من اجلن أو سادتنا من األولياء‪.1"..‬‬
‫فاألول‪:‬‬
‫كامال‪ّ ،‬‬‫فهما ً‬
‫ولقد فهمت " هنادي" و"آمنة" كالم العرافة "نفيسة" ً‬
‫اخلال" انصر"‪ ،‬والثاين‪" :‬املهندس"‪.‬‬
‫‪ -3‬شخصية البستاين‪:‬‬
‫تعرفت بطلة‬‫هو الشخص املوّكل ابالعتناء ابحلديقة‪ ،‬وحراسة املنزل‪ ،‬وقد ّ‬
‫الرواية" آمنة" عليه بغية التعرف على املهندس املتسبب يف قتل أختها" هنادي"‬
‫لإلنتقام منه‪ ،‬فتقوم ابالتصال ابلبستاين ملعرفة أحوال املهندس الشاب‪ ،‬وتتمكن‬
‫"آمنة" من التعرف على البستاين وعرفت منه ما عرفت على املهندس‪ ،‬وعرفت أن‬
‫خادمته اليت خلفت أختها"هنادي" امسها" سكينة"‪.‬‬
‫" مث مل تتصل األايم بيين‪ ،‬وبني هذا البستاين حّت كان الظاهر من أمر‬
‫اضحا معروفًا‪ :‬أعرف من عاداته وأطواره ومن ذهابه‬ ‫هذا املهندس الشاب عندي و ً‬
‫‪2‬‬
‫وإايبه ومن جده وهزله ما ميكن ملثلي أن يعرفه حني يتصل خبدمه واملقربني إليه‪".‬‬
‫‪ -4‬شخصية سكينة‪:‬‬
‫هذه الشخصية امسها "سكينة" ؛ كانت خليفة الضحية" هنادي" فقد‬
‫كانت ختدم يف بيت" املهندس"‪ ،‬وهي بنت مجيلة؛ ولكنها قلية العقل‪ " ..‬واهتدى‬
‫قليل من الوقت إىل هذه الفتاة اجلميلة الوادعة ذات الوجه املشرق‪ ،‬واجلسم‬‫بعد ٍ‬
‫البض‪ ،‬والعقل الضيق القصري‪ ،‬اهتدى إىل "سكينة" هذه اليت أقامت عنده خليفةً‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫ألخيت" ‪.‬‬
‫وتقوم بطلة الرواية "آمنة" ابلتعرف على" سكينة"‪ ،‬وتصبح صديقتها‪،‬‬
‫وبغضا‬
‫علما" أكثر‪ً ،‬‬‫بكل ما يدور ابلدار بينها وبني املهندس‪ ،‬فتزداد "آمنة" ً‬
‫فتخربها ّ‬

‫‪1-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.45-44‬‬


‫‪ -2‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫‪159‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫أكثر هلذا املهندس‪ ،‬فلقد ساعدت هذا الشخصية الفرعية غري املباشرة"آمنة" يف‬
‫تفعيل األحداث أكثر فأكثر‪ ..‬وسرعان ما اتصل احلديث بينها وانتهى إىل الدخائل‬
‫واألسرار‪.‬‬
‫" فما أسرع ما اتصل احلديث! وما أسرع ما انتهينا به إىل الدخائل واألسرار! وما‬
‫أسرع ما أحسست يف نفسي عداوًة آُثة تشتد كل ٍ‬
‫يوم وتنمو حّت ُتأل قليب‪ ،‬وُتلك‬ ‫ّ ّ‬
‫كل أمري وتكاد خترجين عن طوري وتدفعين إىل ما ال خري فيه‪.1".‬‬
‫علي ّ‬
‫ّ‬
‫اثنيا‪ :‬بنية الزمن‪:‬‬
‫والزما له لكي ينجز‪ ،‬ففي ضوئه‬ ‫كل حكي‪ً ،‬‬ ‫عنصرا أساسيًّا يف ّ‬
‫ميثل الزمن ً‬
‫القص سواء اختذت شكل التعاقب أو التداخل‪ ،‬حبكم أنّه يشكل بنية‬ ‫تنتظم مادة ّ‬
‫حتول عن موضوع للرواية‪،‬‬ ‫فضال عن كونه قد ّ‬
‫قائمة الذات ضمن العمل الروائي‪ً ،‬‬
‫الزمن‬
‫وحّت إىل شخصية رئيسة فيها‪ .‬ويؤكد أحد النقاد هذا املعىن بقوله أ ّن‪ّ ":‬‬
‫أصبح منذ أعمال بروست وكافكا هو الشخصية الرئيسة يف الرواية املعاصرة بفضل‬
‫استعمال العودة إىل املاضي‪ ،‬وقطع التسلسل الزمين ‪ ،‬وابقي التقنيات الزمنية اليت‬
‫كانت هلا مكانة مرموقة يف تكوين السرد وبناء معماره"‪ .2‬وإ ّن العالقة بني بنية‬
‫الزمن‪ ،‬وبنية الشخصية قوية ومرتاصة إ ْذ " يقيم فعل السرد عالقات مرتاصة مع‬
‫القصة من انحية الزمن والشخص‪ .‬من الناحية الزمنية‪ ،‬نتساءل حول الرابط‬
‫التسلسلي الذي يُقام بني فعل السرد واألحداث املنقولة"‪ .3‬كما "أ ّن البنيويّني‬
‫جمرد جي َّسد يف الرواية بواسطة سرد األحداث‪ ،‬وتراههم‬ ‫مؤمنون أب ّن الزمن شيء َّ‬

‫‪ -1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.98‬‬


‫‪ -2‬هانز مريهوف‪ ،‬الزمن يف األدب‪ ،‬ترمجة‪ :‬سعد رزوق‪ ،‬مؤسسة سجل العرب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،1972،‬ص‪.1‬‬
‫‪ -3‬رافائيل ميشلي وآخرون‪ ،‬السرد مدخل إىل مناهج األدب الفرنسي احلديث‪ ،‬ترمجة بشار‬
‫سامي يشوع‪ ،‬الرافدين‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،2020،1‬ص‪.27‬‬
‫‪160‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫يعاجلون الزمن الروائي يف أثناء حديثهم عن السرد"‪ 1‬وقد ع ّد أحد النقاد الزمن‬
‫شخصية رئيسة يف الرواية فقال إنّه‪ ":‬الشخصية الرئيسية يف الرواية املعاصرة"‪.2‬‬
‫السردي يف هذه الرواية يف نقطتني‪ :‬األوىل‪ :‬اإليقاع‬ ‫وسوف أتناول بنية الزمن ّ‬
‫الزمين ودالالته‪ ،‬والثانية‪ :‬املفارقة الزمنية ودالالهتا‪.‬‬
‫أوال‪ -‬اإليقاع الزمين ودالالته‪:‬‬
‫ً‬
‫اإليقاع الزمين مرتبط ابلتقنيات األربع اليت حددها " جريار جينيت"‪ ،‬وسوف‬
‫‪3‬‬
‫تباعا على النحو ايآيت‪ ":‬اخلالصة واإلسرتا حة والقطع أو احلذف واملشهد"‬
‫نتناوهلا ً‬
‫وهذه التقنيات األربع حتقق الزمن احلكائي و السردي يف القصة واحلكاية‪.‬‬
‫‪ -1‬تقنية اخلالصة‪:‬‬
‫هي تقنية تساعد على تسريع السرد‪ ،‬واختصاره يف بضع سطور أو‬
‫كلمات أو فقرات أو بضع صفات دون تفاصيل أعمال أو أقوال‪ ،‬فاخلالصة تعتمد‬
‫يف احلكي " على سرد أحداث ووقائع يفرتض أهنا جرت يف سنوات أو أشهر أو‬
‫ساعات و اختزهلا يف صفحات أو أسطر أو كلمات للتفاصيل"‪.4‬‬
‫وتقنية اخلالصة يف رواية "دعاء الكروان" موجودة بكثرة‪ ،‬وهي تركز يف كثري‬
‫منها على مشهد أو حلظات من حياة البطلة "آمنة" وأمها "زهرة" و وأختها‬
‫"هنادي" ومن مشاهد اخلالصة يف بداية الرواية هذا املشهد " واخلطوب تنتقل هبن‬
‫من قرية إىل قرية ومن ضيعة إىل ضيعة يلقني بعض اللني هنا ويلقني بعض الش ّدة‬

‫‪-1‬مسري روحي الفيصل‪ ،‬بناء الرواية‪ :‬دراسة بنيوية شكلية‪ ،‬دائرة الثقافة واإلعالم‪ ،‬الشارقة‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2012‬ص‪.155‬‬
‫‪ -2‬مها حسن القصراوي‪ ،‬الزمن يف الرواية العربية‪ ،‬دار فارس للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫ط‪ ،2004،1‬ص‪.36‬‬
‫‪ -3‬محيد حلميداين‪ ،‬بنية النص السردي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪ ،1991،1‬ص‪.76‬‬
‫‪ -4‬ا طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪161‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫هناك‪ ،‬و التستقر هبن األرض يف أي حال حّت ينتهني إىل هذه املدينة الواسعة‬
‫ذات األطراف البعيدة‪ ،‬والسكان الكثريين" ‪.1‬‬
‫شهرا‬
‫هذا املشهد يصور لنا رحلة األم "زهرة" وابنتيها تلك الرحلة الطويلة اليت دامت ً‬
‫أايما يف بضعة أسطر‪.‬‬
‫أو ً‬
‫‪ -2‬تقنية اإلسرتا حة ‪:‬‬
‫"أما االسرتا حة فتكون يف مسار السرد الروائي توقفات معينة حيدثها الراوي‬ ‫ّ‬
‫بسبب جلوئه إىل الوصف‪ ،‬فالوصف يقتضي عادة إنقطاع السريورة الزمنية ويعطل‬
‫حركتها"‪ .2‬وجند هذه االسرتا حة يف عدة أماكن يف الرواية فهذه "آمنة" تصف‬
‫الشاب مهندس الري" ذلك الشاب الرشيق األنيق ذو الوجه الوسيم‪ ،‬ذلك الشاب‬
‫وحيدا يف دار واسعة‪ ،‬حتيط هبا حديقة مجيلة نضرة‪ ،‬وال يعيش معه‬
‫الذي كان يعيش ً‬
‫فيها إال خادم ريفي‪ ،‬حيرس الدار‪ ،‬ويعىن ابحلديقة"‪ ، 3‬فهنا جند أن السرد توقف‬
‫ليستأنف الوصف بطريقة مجيلة‪ ،‬و هو غري مرتبط ابلزمن‪ ،‬فهذه االسرتاحة اليت ال‬
‫عمل روائي أن خيلو منها؛ وذلك ألهنا تزيد السرد هبجة من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫ألي ٍ‬‫ميكن ّ‬
‫جهة أخرى تعطيه أف ًقا أوسع للولوج إىل ذهن املتلقي‪.‬‬
‫‪ -3‬تقنية القطع أو احلذف‪:‬‬
‫مهما يف اقتصاد السرد‪ ،‬وتسريع وتريته‪،‬‬
‫دورا ً‬
‫يلعب القطع أو احلذف ً‬
‫وهي تقنية تقوم بنفس وظيفة تقنية "اخلالصة" اليت تقتضي اسقاط مدة زمنية طويلة‬
‫أو قصرية من زمن الرواية "فهي تقنية زمنية تقضي ابسقاط فرتة طويلة أو قصرية من‬
‫زمن القصة‪ ،‬وعدم التطرق ملا جرى فيها من وقائع وأحداث" ‪ ،4‬فالقطع أو‬

‫‪ -1‬ملصدر نفسه‪ ،‬ص‪.16‬‬


‫‪ -2‬محيد حلميداين‪ ،‬بنية النص السردي‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪ -3‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ -4‬حسن البحراوي ‪ ،‬بنية الكل الروائي الفضاء ‪،‬الزمن‪،‬الشخصية ‪،‬املركز الثقايف العريب‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬ط‪، 1‬ص‪.59‬‬
‫‪162‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫احلذف يستلزم التخلي على زمن داخل الرواية سنة أو أشهر أو حّت أايم دون‬
‫التطرق هلا أو إىل ذكرها فتقنية القطع أو احلذف" هي إغفال مرحلة زمنية وعدم‬
‫ذكرها (‪ )...‬فهو تكييف زمين مهمته إمتصاص فرتة زمنية ليست على قدر من‬
‫األمهية"‪ ،1‬وجند القطع أو احلدف يف الرواية يف عدة أماكن‪ ،‬وهذا احلدف داخل‬
‫السرد يف بداايت الرواية‪ ،‬وتسبب يف التسريع ابلسرد " واخلطوب تنتقل هبن من قرية‬
‫إىل قرية من ضيعة إىل ضيعة‪ ،‬يلقني بعض اللني هنا ويلقني بعض الشدة هناك‬
‫(‪ )....‬وهناك يف طرف من أطراف هذه املدينة إستقرت هذه املرأة مع الصبيتني‬
‫يوما(‪)....‬قال ذلك شيخ القرية‬ ‫وجلأت إىل شيخ البلدة أو إىل شيخ القرية فآواها ً‬
‫بيوات ووعدها ابملعونة وأنقضت أايم قليلة (‪)...‬‬
‫أشخاصا ووصف هلا ً‬ ‫ً‬ ‫مث مسى هلا‬
‫كل واحدة يف بيت تعمل فيه‬ ‫ولكن هذه األايم مل تتصل وما أسرع ما أستقرت ّ‬
‫ابلنهار وتنام فيه ابلليل مث يلتقني أخر األسبوع فيقضني ليلة سعيدة راضية يف‬
‫حجرهتن تلك القذرة احلقرية"‪.2‬‬
‫لقد إستطاع طه حسني أن يلخص لنا تلك املعاانة اليت تكبدهتا أألم‬
‫أايما يف البحث عن العمل واإلستقرار يف بضع سطور‪،‬‬ ‫"زهرة" وابنتاها‪ ،‬واليت دامت ً‬
‫ولنا أ ّن نستنتج أ ّن أحداث الرواية ما هي إال ملخصات وإال فكيف ميكن حصر‬
‫قصة أو حكاية دامت سنني يف جمموعة من األوارق‪.‬‬
‫‪ -4‬تقنية املشهد‪:‬‬
‫يقصد به املقطع احلواري الذي أييت يف تضاعيف السرد فاملشهد هو‪:‬‬
‫"املقطع احلواري الذي أييت يف كثري من الرواايت يف تضاعيف السرد‪ ،‬إن املشاهد‬
‫ُتثل بشكل عام اللحظة اليت يكاد يتطابق فيها زمن السرد وزمن القصة من حيث‬

‫‪ .-1‬ميساء سليمان اإلبراهيم‪ :‬البنية السردية يف كتاب االمتاع واملِؤانسة‪ ،‬منشورا ت اهليئة العامة‬
‫السورية للكتاب‪ ،‬دمشق سورية‪ ،‬دط‪،2011 ،‬ص‪.223‬‬
‫‪ 2 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪163‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫مدة اإلستغراق"‪ ، 1‬وميكن مالحظة هذا املشهد يف بداية الرواية بني "أمنة"‬
‫أين سألقاه قائمة ابمسة حني أقبل إيل يف ظلمة الليل‬
‫و"املهندس" " مل يكن يق ّدر ّ‬
‫يسعى كأنّه احليةأو كأنّه اللص‪ .‬ولكنه مل يكاد يبلغ ابب الغرفة‪ ،‬ويتنب شخصي‬
‫ماثال يف وسطها وعلى وجهه إبتسامة شاحبة كأهنا ابتسامة األشباح‪ ،‬حّت أخذه‬
‫شيء من الذعر‪ ،‬فرتاجع خطوات مث قال يف صوت أبيض جعل أيخذ لونه‬
‫قليال‪ :‬ماذا؟ أال تزالني ساهرة إىل ايآن؟ أتعلمني أين أنت من الليل ؟‬
‫قليال ً‬
‫الطبيعي ً‬
‫قلت‪ :‬لقد جاوزت ثلثيه ما كان ينبغي يل أن أانم قبل أن ينام سيدي‪ ،‬فما يدريين !‬
‫لعله حيتاج إىل شيء‪ )... (.‬فإن سيدك أيمرك أبن تتبعيه"‪.2‬‬
‫فتقنية املشهد هنا ُتثلت يف املقطع احلواري داخل الرواية الذي انعدم السرد فيه‪،‬‬
‫وحتول احلكي إىل حوار بني البطلة"آمنة" و" املهندس"‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬املفارقة الزمنية ودالالهتا الفنية‪:‬‬
‫اسرتجاعا ألحداث ماضية أو تكون‬
‫ً‬ ‫تعرف املفارقة أبهنا" إما أن تكون‬
‫استباقًا ألحداث الحقة"‪ ،3‬إذن أساس املفارقة الزمنية هو اإلسرتجاع ألحداث‬
‫ماضية واإلستباق ألحداث الحقة‪" .‬فاالسرتجاع يربط احلاضر ابملاضي من خالل‬
‫االستدراك واإلحلاق"‪ 4‬وسنقف على تقنية االسرتجاع ً‬
‫أوال مث نعرج على تقنية‬
‫االستباق اثنيًّا‪.‬‬

‫‪1-‬محيد حلميداين‪ ،‬بنية النص السردي‪ ،‬ص‪.78‬‬


‫‪ 2 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪،‬ص ‪.140‬‬
‫‪3‬‬
‫حممد بو غرة‪ ،‬حتليل النص السري‪ :‬تقنيات ومفاهيم‪ ،‬دار العربية للعلوم‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪،2006‬ص‪.88‬‬
‫‪4‬‬
‫عواد عبدهللا‪ ،‬بالغة الزمن السردي‪ :‬مقاربة يف رابعيات اخلسوف إلبراهيم الكوين‪،‬‬
‫‪ -‬علي ّ‬
‫دار ُتوز‪ ،‬دمشق‪2018 ،‬م‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪164‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪ -1‬تقنية اإلسرتجاع‪:‬‬
‫إ ّن تقنية االسرتجاع واحدةٌ من أهم تقنيات املفارقة السردية‪ ،‬فهي تقوم‬
‫على اإلتيان مبشهد من املاضي وسرده يف احلاضر داخل الرواية أو هو‪ ":‬سرد‬
‫حدث ما يف نقطة ما يف الرواية بعد أن يتم سرد األحداث الالحقة على ذلك‬
‫احلدث"‪.1‬‬
‫جسد الكاتب هذه التقنية يف روايته أفضل ُتسيد فقد بدأ بسرد‬ ‫لقد َّ‬
‫قصته‪ ،‬وذكر مأساة البطلة" آمنة" بعدما ذكر اللحظة اليت انتهى إليها مصريها يف‬
‫أواخر الرواية‪ ،‬حيث إننا جند أ ّن أحداث الرواية كلّها إسرتجاع من الصفحة األوىل‬
‫إىل غاية الصفحة مئة وستون فيبدأ االسرتجاع من عبارة" فإذا اجتمعت يف نفسي‬
‫صور هذا النعيم كله أحسست راحة وأمنًا وثقة(‪ )....‬ال ألبث أن أجد هذا احلزن‬
‫الالذع العميق حني أذكر هذه املأساة اليت كنت أحتدث هبا منذ حني إىل هذا الطائر‬
‫إيل هذا الطائر العزيز‪ .‬إ ّن يف أحداث‬ ‫العزيز‪ ،‬واليت كان يتحدث هبا منذ حني ّ‬
‫وعربا وإين ألحتدث ايآن إىل نفسي حديثًا ماكان ميكن وال‬
‫احلياة وخطوهبا لعظات ً‬
‫ينتظر أن تتحدث به إىل نفسها تلك الفتاة اليت كان النّاس يسموهنا آمنة‪ ،‬واليت‬
‫تسمى ايآن سعاد ألنّه اسم مجيل يالئم املؤلوف من حسن االختيار و التظرف يف‬
‫األمساء "‪.2‬‬
‫األول لبداية االسرتجاع لقصة " آمنة" ومأساهتا‪،‬‬ ‫هذه العبارات هي املفتتح ّ‬
‫ويستمر احلكي إىل غاية الصفحة مئة وستون إذ جند أ ّن بداية الرواية موجود فيها"‬
‫مل يكن يق ّدر أين سألقاه قائمة ابمسة حني أقبل إيل يف ظلمة الليل يسعى كأنّه حية‬
‫أو كأنّه اللص "‪.3‬‬

‫‪ -1‬أمحد محد النعيمي‪ ،‬إيقاع الزمن يف الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات‬
‫والنشر‪ ،‬عمان‪،‬ط‪،2004 ،1‬ص‪.33‬‬
‫‪ 2 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ 3 -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪165‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫هكذا وظف الكاتب تقنية اإلسرتجاع اليت هي أهم تقنيات املفارقة السردية‬
‫عمال حمكم‪.‬‬
‫بطريقة جعلت الرواية ً‬
‫‪-2‬تقنية االستباق‪:‬‬
‫االستباق هو واح ٌد من تقنيات املفارقة السردية املهمة يف الرواية إذ يقوم‬
‫‪1‬‬
‫كل‬
‫االستباق على ذكر املشهد ايآيت " هو االنتقال إىل الزمن املستقبل" ‪" ،‬ويعين ّ‬
‫حركة سردية تقوم على رواية حدث الحق أو ذكره مق ّد ًما "‪ .2‬ظهرت تقنية‬
‫االستباق يف رواية "دعاء الكروان" مرات عدة‪ ،‬كون القصة حتكي معاانة وتتنبأ‬
‫أكثر‪ ،‬فنجد ذلك عندما تنبأت العرافة "نفيسة" للبنتني "هنادي "و"آمنة"‬
‫ابملستقبل‪ ،‬وأن يف حياة "هنادي" شخصني أحد أحبّها وسيأذيها‪ ،‬واألخر أذاها‬
‫وسيحبّها‪ ،‬مث إ ّن "هنادي" تعرف هذين الرجلني فتتكلم هبما يآمنة قالت‪ ":‬إ ّن‬
‫إين أراك بني اثنني‪ :‬أحدمها حيبك وسيؤذيك‪ ،‬وايآخر آذاك‬ ‫أمرك اي ابنيت لعجيب‪ّ ،‬‬
‫وسيحبك"‪. 3‬‬
‫تظهر تقنية اإلستباق يف مقاطع أخرى من الرواية فهاهي البطلة"آمنة" تتحدث‬
‫عن بقائها يف بيت املأمور مؤقتًا‪ ،‬وإن حياهتا موصولة حبياة هذا الشباب املهندس"‬
‫ومنذ ذلك الوقت أخذت أستيقن أبن حيايت موصولة حبياة هذا الشباب‪ ،‬وأب ّن‬
‫مقامي يف بيت املامور موقوت‪ ،‬وأبن إنتقايل منه إىل بيت هذا الشاب حمتوم إن مل‬
‫غدا"‪ ،4‬هنا جند استباقًا يف احلوار الذي دار بني البطلة "آمنة"‪،‬‬ ‫يتم اليوم فسيتم ً‬
‫ّ‬

‫‪ -1‬أمحد محد النعيمي‪ ،‬إيقاع الزمن يف الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات‬
‫والنشر‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪،2004‬ص‪.33‬‬
‫‪ 2 -‬نضال صاحل‪ ،‬النزوع األسطوري يف الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬احتاد الكتاب العرب‪،‬‬
‫سوراي‪،‬ال‪.‬ط‪ ،2001 ،‬ص‪.196‬‬
‫‪ 3 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.45-44‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫‪166‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫ونفسها( املنلوج الداخلي)‪ ،‬وهي تتحدث عن بقائها املؤقت يف بيت املأمور‪ ،‬وأ ّن‬
‫حياهتا ارتبطت حبياة هذا الشاب املهندس‪.‬‬
‫هكذا وظف طه حسني يف بنائه السرد لرواية" دعاء الكروان" خمتلف التقنيات‬
‫عمال حمكم‬‫السردية من إيقاعات زمنية‪ ،‬ومفارقات سردية بطريقة جعلت الرواية ً‬
‫البناء‪.‬‬
‫اثلثًا‪ :‬بنية املكان ‪:‬‬
‫عنصرا حكائيًا‬
‫مكوان حمورًاي بل ً‬
‫للمكان أمهية كبرية يف بنية السرد‪ ،‬فهو يشكل ً‬
‫قائما بذاته " إ ّن املكان الروائي يع ّد مبثابة اخللفية الضرورية اليت يصعب ختيل وقوع‬
‫ً‬
‫األحداث بدونه‪ ،‬ويرتبط إدراك املكان ابجلانب احلسي‪ ،‬وقد يسقط األديب اإلدراك‬
‫النفسي على األشياء احملسوسة لتوضيحها والتعبري عنها"‪.1‬‬
‫فاملكان يعد العنصر األساس يف تشكيل بنية الشخصيات؛ والكشف عنها من خالل عالقيت‬
‫الزمانفإنهإطاره‬
‫ولذلك‬‫فيه‪،‬ا أل ّن‬
‫ينجز ً‬
‫شديد‬ ‫الذيرتباطًا‬ ‫املكان‬
‫ابملكان ا‬ ‫إطارهتبطهوالزمان‬ ‫املختلفة‬
‫كذلك ير‬ ‫ِبنواعه‬
‫املكان‪ .‬و‬ ‫الزمانوبني‬
‫إن بينهما‬
‫فيه"التأثر‬
‫التأثري و‬
‫ينجزعنه"‪.2‬‬
‫المناص‬
‫الذي‬
‫إذن املكان هو العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية من أوهلا إىل أخرها‪ ،‬فهو‬
‫دورا أساسيًا يف بناء اخلطاب‬‫جدا‪ ،‬ويلعب ً‬ ‫ينهض مبقومات وخصائص مهمة ًّ‬
‫الروائي‪ .‬ولدراسة بنية املكان السردي يف رواية" دعاء الكروان" البد من الوقوف‬
‫على أنواع األمكنة فيها‪.‬‬
‫أنواع املكان‪:‬‬
‫املكان هو اجملال اليت تنطلق منه األحداث‪ ،‬وتتحرك فيه الشخصيات‪،‬‬
‫وترتبط ارتياطًا وثي ًقا بعنصر املكان؛ ولكن بدرجات متفاوته " إ ّن سطوة املكان‬

‫‪ 1 -‬محيد احلميداين‪ ،‬بنية النص السردي‪ ،‬ص ‪.78‬‬


‫‪2-‬الشريف جبيلة‪ ،‬مكوانت اخلطاب السردي‪ ،‬مفاهيم نظرية‪ ،‬عامل الكتب احلديث أربد‪،‬‬
‫ط‪ ،20141،‬ص‪.37‬‬

‫‪167‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫تتع ّدى يف الواقع ما يبدو على السطح من أتثرياهتا وفعاليّاهتا املباشرة إىل أعماق‬
‫التكوين النفسي للشخصيات"‪ ،1‬إذ يصبح هلذه األمكنة قيمة شعورية تعكس وجهة‬
‫نظر الشخصيات‪ ،‬وحتدد سلوكها وأبعادها الداخلية واخلارجية‪ .‬فيكون للمكان‬
‫وظيفة رمزية ‪.‬‬
‫ولقد وجدان الغالب يف هذه الرواية " دعاء الكروان" أمكنة املدينة‪ ،‬ولعل‬
‫طه حسني أراد هلذه األمكنة أن حتقق هدف الرواية الكبري‪ :‬وهو تعليم املرأة الريفية‬
‫القادمة من القرية وتثقيفها‪ ،‬ورفع الظلم عنها‪ ،‬واالبتعاد عن الثأر الذي توارثته‬
‫األجيال‪ ،‬وإ ّن طبيعة أمكنة ااملدينة تتيح حتقيق مثل هذا اهلدف الكبري؛ لذلك‬
‫سوف نقسم األمكنة يف رواية "دعاء الكروان"إىل قسمني‪ :‬أمكنة املدينة‪ ،‬وأمكنة‬
‫االقرية‪.‬‬
‫‪-1‬أمكنة املدينة يف الرواية‪:‬‬
‫إ ّن املدينة ذلك احليز املكاين الذي ال حتده احلدود األربعة الضيقة‪ ،‬فهو‬
‫ميتاز أبفقه الرحب غالبًا‪ ،‬ويقرتن مبعاين احلرية والسعادة إذ يرمي إىل جمموعة من‬
‫االنفتاحات الفكرية والنفسية واالجتماعية ‪ .‬وجند يف رواية" دعاء الكروان" ذلك‬
‫الفضاء الواسع الذي انتهت إليه " زهرة" وبنتاها بعد خروجهما من قرية " بين‬
‫وركان"‪ ،‬ومرورهم بطريق من الشرق إىل الغرب‪ ،‬هذه املدينة الواسعة اليت استقبلت‬
‫زهرة وابنتيها‪ ،‬فقد كانت البداية مع القطار الذي أفزعهم " حّت ينتهني إىل هذه‬
‫املدينة الواسعة ذات األطراف البعيدة‪ ،‬والسكان الكثريين‪ ،‬واليت تشقها الطرق‬
‫احلديدية نصفني‪ ،‬وميضي فيها هذا الشيء املروع املخيف الغريب الذي يبعث يف‬
‫وصفريا عاليًا حني ًفا‪ ،‬والذي يسمونه القطار"‪.2‬‬
‫ً‬ ‫ضخما‪،‬‬
‫وصوات ً‬
‫وانرا‪ً ،‬‬
‫شررا ً‬ ‫اجلو ً‬

‫‪ -1‬صربي حافظ‪ ،‬مالك احلزين‪ :‬احلداثة والتجسيد املكاين للرؤية الروائية‪ ،‬فصول‪،‬‬
‫مج‪،4‬عدد‪، 1984،4،‬ص‪.174‬‬
‫‪ 2 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪168‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫مث تستقر العائلة يف هذه املدينة‪ ،‬وتبدأ البطلة"آمنة" بسرد قصة " دعاء‬
‫كز ا ألحداث كثرية‪ ،‬وفيها بيت "خدجية" صديقة‬ ‫الكروان "‪ ،‬فاملدينة كانت مر ً‬
‫"آمنة"‪ ،‬وقد علّمت "آمنة" أال تكون فتاة جاهلة كما هو احلال مع أختها "‬
‫هنادي" اليت "ضلت كما أقبلت من ريفها املتب ِّدي‪ ،‬ريفية بدوية‪ ،‬ال تقرأ وال تكتب‬
‫كما كنت أقرأ وأكتب‪ ،‬وال حتسن من أمور الرتف شيئًا كما كنت أحسن منها‬
‫‪1‬‬
‫أشياء"‬
‫ويف هذه املدينة بيت املأمور الذي وجدت "آمنة" فيه األمن‪ ،‬والتعليم‪،‬‬
‫كل هذا السعي‪ ،‬فيها ألتمس األمن‪ ،‬وبني‬ ‫واحلياة الوادعة" فاملدينة إذن غاييت من ّ‬
‫أهلها ألتمس احلياة الوادعة! وبيت املأمور هو غاييت من املدينة إليه أجلأ‪ ،‬وإىل من‬
‫فيه أفزع‪ ،‬ومبن فيه أستعني‪ ،‬يف ظله أريد أن أعيش‪ ،‬وعند أهله أريد أن أودع قليب‪،‬‬
‫وعند خدجية من أهله خاصة أريد أن ألتمس الراحة هلذه النفس املعذبة‪ ،‬والشفاء‬
‫هلذا القلب املريض"‪ .2‬ويف املدينة بيت املهندس الذي أرادت "آمنة" أن تثأر‬
‫ألختها" هنادي" منه فجرعته مرارة اهلزمية‪ ،‬وتوجد يف املدينة "زنوبة" صاحبة التاريخ‬
‫شائعا‬
‫احلافل ابخلطوب واألحداث تلك التاجرة املرابية اللعوب اليت كان امسها " ً‬
‫ذائعا على مجيع األلسنة‪ ،‬ويف مجيع األحناء ال يف املدينة وحدها بل يف كثري مما حييط‬‫ً‬
‫‪3‬‬
‫هبا من القرى والعزب والضياع" ‪ ،‬فاملدينة أبماكنها الكثرية كانت األرض اليت‬
‫جلأت إليها البطلة "آمنة" بعدما خرجت من هذا الريف املصري املتب ِّدي من " بين‬
‫وركان" الذي مل تعرف فيه شيئًا سوى القسوة‪ ،‬واخلشونة‪ ،‬والبدائية‪.‬‬
‫نظرا أل ّهنما يعطيان‬
‫وقد إرأتينا أن حنصر أمكنة املدينة يف مكاننني اثنني؛ ً‬
‫صورة واضحة لرمزية املكان‪ ،‬وكيفية توظيف طه حسني له يف الرواية‪ ،‬ومها‪ :‬بيت‬
‫املهندس‪ ،‬وبيت املأمور‪.‬‬

‫‪ 1 -‬املصد ر نفسه‪ ،‬ص‪.20-19‬‬


‫‪ 2-‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪169‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪ -‬بيت املهندس‪:‬‬
‫هو بداية األحداث حبيث حيضر بقوة يف بداية الرواية وهنايتها‪ ،‬فقد كانت‬
‫آمنة ختطط للولوج يف هذا املكان الذي ستمارس فيه انتقامها مث تنتقل منه إىل غري‬
‫ابحلب‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫رجعة؛ لكن األمر تغري يف هناية املطاف فقد انتصرت على املهندس‬
‫وقعت هي فيه فال تستطيع أن تفارقه‪ ،‬وال أن خترج من بيته " ال يستطيع أن خيرجين‬
‫من داره‪ ،‬ولو قد أراد ذلك لكرهت أن أخرج من هذا الدار‪ ،‬وال أستطيع أن أفارقه‬
‫جهرة ال خفية‪ ،‬ولو قد فعلت لطلبين حيث أكون من األرض"‪. 1‬‬
‫إن هذا البيت كان هدف "آمنة" منذ البداية‪ ،‬ومنذ رجوعها و إستقرارها يف بيت‬‫َّ‬
‫املأمور حيث أهنا وبعدما خرجت من دار املأمور بعد احلديث الذي تلقته أم خدجية‬
‫بشأن املهندس وما ميتأل به من مكر وخديعة ونفاق‪ ،‬فآمنة كانت تطمح إىل أن‬
‫حتل حمل سكينة وأبي ُثن فتقول يف ذلك‪ ":‬ال ب ّد إذن من بعض الشر‪ ،‬وال ب ّد من‬
‫أن أمكر حّت أقضي عن هذه الدار‪ ،‬ومن أن أكيد حّت تقصى سكينة من بيت‬
‫املهندس الشاب"‪ .2‬إذن فبيت املهندس الشاب هو املكان الذي كان هدفًا يآمنة‪،‬‬
‫احلب فتغرية سريته"‬
‫فقد جرعت "آمنة" البطلة "املهندس" مرارة اهلزمية‪ ،‬وعلمته معىن ّ‬
‫احلب عناء وبالء‪ ،‬وجيد من‬
‫حمب يلقى من ّ‬ ‫أيضا؛ فهو ّ‬
‫وقد تغريت سرية سيدي ً‬
‫‪3‬‬
‫آالمه مثل ما أجد"‪.‬‬
‫‪ -‬بيت املأمور‪:‬‬
‫وصديقتها‬
‫ابلنشاط‬ ‫اجلميلبهاملمتلئ‬
‫كانتاملنزلغرفتها‬
‫كيفذلك‬ ‫آمنة و‬
‫"‪ ،‬هو‬ ‫دائما‪،‬‬
‫ووصفتهالبطلة"ً‬
‫"آمنة"إىل قلب‬
‫عرفته وأحبّها‬
‫كما األمكنة‬
‫واحلبأمجل‬
‫من‬
‫الوحيدة بداخله "خدجية" فلها غرفةٌ به‪ ،‬تلك الغرفة اليت مل تعط خلادم بعدها‪ ،‬فقد‬
‫واحلنان‬
‫تركتها شهور فلما عادت إليها وجدهتا كما هي‪ ،‬وهلا صديقة وحيدة بداخله هي"‬
‫طالعا‪ ،‬فقد قدر يل أن أخدم يف بيت‬
‫خدجية" " كنت أحسن الثالثة حظًا وأمينهن ً‬

‫‪ -1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.149‬‬


‫‪2-‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪170‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫مأمور املركز‪ ،‬وكانت خدميت غريبة ّأول األمر ثقيلة على نفسي‪ ،‬ولكين مل ألبث أن‬
‫ومتاعا‪ ،‬كلفت أن أصحب صبية من بنات املأمور كانت‬ ‫أحببتها ووجدت فيها لذة ً‬
‫تقاربين يف السن ولعلها كانت أكرب مين قليال"‪.1‬‬
‫أحب شيء للبطلة "آمنة"؛ ولكنها رأت أ ّن مقامها به مؤقت‪،‬‬ ‫كان بيت املأمور ّ‬
‫أمر حمتوم " ومنذ ذلك الوقت أخذت أستيقن أب ّن‬ ‫أ ّن االنتقال إىل بيت املهندس ٌ‬
‫حيايت موصولة حبياة هذا الشاب‪ ،‬وأبن مقامي يف بيت املأمور موقوت‪ ،‬وأب ّن‬
‫غدا"‪.2‬‬‫انتقايل منه إىل بيت الشاب حمتوم إن مل يتم اليوم فسيتم ً‬
‫هذان املكاانن أهم أمكنة املدينة اليت حوهتا رواية" دعاء الكروان" مع‬
‫وجود بعض األمكنة األخرى؛ ولكنها ليست ابألمهية البالغة‪ ،‬ومن أمهها بيت‬
‫التاجر‪ ،‬و منزل زنوبة‪ ،‬ومنزل العائلة ابملدينة" احلجرة الضيفة احلقرية "‪ ،‬و يف أمكنة‬
‫املدينة وجدت "آمنة" البطلة حريتها‪ ،‬من ذلك الضيق واجلهل الذي كانت تعيشه‬
‫يف تلك القرية املسمات" بين وركان" ملا حصلت عليه يف املدينة من عل ٍم وثقافة‪،‬‬
‫حر ال حتكمه حدود ضيقة‪.‬‬ ‫وحب‪ ،‬ومن اتساع‪ ،‬و انشراح‪ ،‬ومتنفس ّ‬ ‫وأمن‪ّ ،‬‬
‫‪-2‬أمكنة القرية يف الرواية‪:‬‬
‫نظرا أل ّهنما يعطيان‬
‫لقد إرأتينا أن حنصر أمكنة القرية يف مكانني اثنني؛ ً‬
‫صورة واضحة لرمزية املكان‪ ،‬وكيفية توظيف الكاتب له يف الرواية‪ ،‬ومها‪ :‬بين‬
‫وركان‪ ،‬بيت العمدة‪.‬‬
‫_ بين وركان‪:‬‬
‫أوىل أماكنة القرية اليت عرفتها الرواية تسمى "بين وركان "‪ ،‬وهي منطقة‬
‫ريفية تصفها آمنة بقوهلا" كانت زهرة أم هاتني الفتاتني تعيش مع زوجها األعرايب‬
‫وابنتيها يف قرية من هذه القرى‪ ،‬قد إختذت امسها يف أكرب الظن من بطن من بطون‬
‫األعرا ب أو قبيلة من قبائلهم‪ ،‬فقد كانت تسمى " بين وركان " وكان أهل القرية‬

‫‪ 1-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫‪ 2 -‬املصدر نفسه‪،‬ص‪.95‬‬
‫‪171‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫ومن حوهلا ُمييلون األلف قليال (‪ ) ...‬وال يذكر إال أضحك النّاس وأجرى على‬
‫ثقيال‪ ،‬حمفظًا لنفس البدوي الذي مل يتعود دعابة القرويني‪،‬‬ ‫كثريا ً‬
‫احا ً‬
‫ألسنتهم مز ً‬
‫وأهل احلضر"‪.1‬‬
‫فقد نشأت البطلة"آمنة" يف هذه القرية‪ ،‬وعرفت أابها عدمي املسئولية‬
‫الذي ذهب ضحية لشهوة من شهواته األُثة‪ ،‬فقد صورت "آمنة" أمها ساعة صرع‬
‫أبيها" وأهنا لفي ما هي فيه من غرية وإشفاق وفزع ذات ليلة‪ ،‬إذا جاءها النبأ أب ّن‬
‫زوجها قد صرع‪ .‬مث يستبني األمر قليال قليال‪ ،‬فإذا الرجل قد ذهب ضحية لشهوة‬
‫من شهواته ايآُثة(‪ ،)...‬وإذا األسرة كلها تضيق هبؤالء النساء‪ ،‬تكره مكاهنن منها‪،‬‬
‫وتنفيهن عن األرض‪ ،‬وتزودهن بقليل من املال وكثري من الرمحة"‪.2‬‬
‫ويف هذه القرية عرفت "آمنة" خاهلا "انصر" عدمي الرمحة‪ ،‬الرجل الغليظ‬
‫كثريا ما‬
‫انصرا‪ ،‬وذكرت أين ً‬ ‫الذي أذهب حبياة أختها" هنادي" " نعم عرفت خايل ً‬
‫كنت أتقيه إذا لقيته‪ ،‬وال أستجيب لدعائه إذا دعاين إال كارهة‪ ،‬وال أطمئن إىل ما‬
‫كان يظهر يل من مودة وعطف وحنان‪ ،‬وال أقبل إال راغمة"‪ ،3‬فقرية " بين وركان"‬
‫تلك القرية املطمئنة اليت كانت ُتمع العائلة قبل أن تتفرق" وإّّنا كنت أحاول أن‬
‫تنفذ عيين من هذه املسافة البعيدة واألمد املنفسح إىل هذه القرية املطمئنة اليت‬
‫أخرجت منها إخرا ًجا‪ ،‬لعلي أرى داران‪ ،‬ولعلي أرى هذا الفناء املنبسط أمامها‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫والذي كنت ألعب فيه مع أترايب من الغلمان والصبيان"‬
‫‪ -‬بيت عمدة القرية ‪:‬‬
‫واح ٌد من األمكنة املهمة اليت مرت هبا األم زهرة وبنتيها" مل أكن أحس‬
‫خبشونة هذا الوطاء‪ ،‬وغلظ هذه األرض‪ ،‬حّت ذكرت أننا ننام عند مضيفنا العمدة‬

‫‪ 1 -‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص ‪.15-14‬‬


‫‪2-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪ -3‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.50-49‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪172‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫على سطح من سطوح الدار‪ ،‬ال يسرتان سقف وإّّنا تظللنا السماء‪ ،‬وتكاد تغمران‬
‫ظلمة الليل‪.1"..‬‬
‫وقد حدث يف هذا املكان الكثري من األمور‪ :‬أوهلا هو معرفة "آمنة"‬
‫سبب هروب أمهما هبما من املدينة‪ ،‬ووقوع أختها "هنادي" يف اخلطأ مع املهندس "‬
‫لست أدري أأحدثك بذلك أم أكتمك إايه‪ ،‬إين ألعتدي على سنك إذا حتدثت‬
‫إليك‪ ،‬وإين ألعرضك مبثل ما أان فيه إن كتمتك احلديث"‪.2‬‬
‫واثين تلك األمور اليت حصلت يف بيت العمدة هو لقاء النسوة "نفيسة"‬
‫و"زنوبة ّأما األوىل فالعرافة اليت أدلت لبنتني حبديث الغيب‪ ،‬أما الثانية فزنوبة‬
‫أوال يف بيت التاجر‪،‬‬ ‫التاجرة املرابية اليت أعانت آمنة فيما بعد على إجياد عمل ً‬
‫والثاين واألهم بيت املهندس الذي كانت آمنة تطالبه مث إ ّن بيت العمدة مل خيلو من‬
‫األحداث‪ ،‬فقد كان لقاء العائلة ابخلال "انصر" الشيطان كما شبهته "آمنة" الذي‬
‫قدم من القرية إلصطحاب "زهرة" وبنتيها إىل "بين وركان" " تقول يل‪ :‬أُنظري‬
‫أُنظري هذه وهللا‪ ،‬إبل "بين وركان" فأنظر فأرى أعرابيًّا كأنّه شيطان‪ ،‬وقد أانخ قريبًا‬
‫من الدار مجلني عظيمني‪ ،‬وأخذ حيط عن أحدمها بعض األثقال"‪ .3‬فمنزل العمدة‬
‫كان من أهم احملطات اليت مرت هبا آمنة برفقة أمها"زهرة" وأختها" هنادي" فلقد‬
‫حافال ابألحداث‪.‬‬‫كان ً‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫هذا البحث حماولة للكشف عن البنية السردية لرواية" دعاء الكروان"‪،‬‬
‫توصلت إىل نتائج مهمة فيها‪ ،‬وهي على النحو‬
‫ُ‬ ‫ومعرفة اخلصائص الفنية هلا‪ ،‬وقد‬
‫ايآيت‪:‬‬

‫‪-1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪22‬‬


‫‪2-‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪3-‬طه حسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪173‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫يبني‬
‫‪ -1‬استطاع الكاتب من خالل البنية السردية يف رواية " دعاء الكروان‪ ،‬أن ّ‬
‫األول ضعيفةً مقهورةً مسلوبة اإلرادة واحلقوق‪ ،‬واتضح ذلك‬ ‫صورة املرأة يف احلالني‪ّ :‬‬
‫ابحلب منتصرة به على الثأر والدم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مع " زهرة" و"هنادي"‪ ،‬والثاين‪ :‬قويةً‪ ،‬سامية‬
‫مذلة الرجل فهو يعاين الضعف أمامها‪ ،‬وظهر ذلك جليًا مع البطلة" آمنة"‪.‬‬
‫واستطاع عن طريق ذلك أن يوصل رؤيته حول ما تتعرض له املرأة من اضطهاد‪،‬‬
‫وظلم‪ ،‬والطريق إىل خالصها من ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬اهتم طه حسني أبمساء شخصياته‪ ،‬وأوصافها‪ ،‬ومل يقف عند حدود الوصف‬
‫اخلارجي للشخصية‪ ،‬وإّّنا تو ّغل يف أعماق النفس البشرية‪ ،‬واستطاع الغور فيها إىل‬
‫أن كشف تفاعلها مع الواقع الذي تعيشه‪.‬‬
‫كبريا يف حتريك األحداث‪ ،‬وتنويعها‬ ‫دورا ً‬‫‪ -3‬لقد لعبت شخصية "طائر الكروان" ً‬
‫يف طول الرواية وعرضها فلم يفارق البطلة " آمنة" طوال مأساهتا‪ ،‬فكان الرمز املؤثر‬
‫احلب)‪ ،‬وهو‬
‫الذي تدور حوله جممل قضااي الرواية ( اخلطيئة‪ ،‬والثأر‪ ،‬والتعليم‪ ،‬و ّ‬
‫كل حدث‪ ،‬ويف خاُتته ‪ ،‬وما "‬ ‫الالزمة اللحنية اليت ترتدد مناجاة "آمنة" له يف صدر ّ‬
‫رمز لروح "هنادي" اليت حتوم حول أختها‪ ،‬وتطالب ابألخذ‬ ‫دعاء الكروان" إال ٌ‬
‫وقت من خالل دعاء الكروان ‪.‬‬‫لثأرها‪ ،‬وتعلن عن حضورها يف كل ٍ‬
‫ّ‬
‫السردي انظالقًا من الرؤية من اخللف؛ إذا جند الراوي‬ ‫أسس الكاتب منظوره ّ‬‫‪ّ -4‬‬
‫ٍ‬
‫الروائي ما كان منها‪ ،‬وما سيكون‪ ،‬فهو عاملٌ‬ ‫بكل شيء عن شخصيات عامله ّ‬ ‫عليما ّ‬ ‫ً‬
‫ابألحداث‪ ،‬ويتعايش معها‪ ،‬ويعلم ماذا جيري عليها‪.‬‬
‫نص" دعاء الكروان" يتمثل يف تقدميه‪ ،‬وعرضه البنية الزمنية‪،‬‬ ‫‪ -5‬إ ّن مجاليات ّ‬
‫حافل ابألحداث‪ ،‬والزمن‬ ‫ٌ‬ ‫واليت جندها بنية معقدة ومتداخلة؛ أل ّن زمن القصة‬
‫الزمن‬
‫اخلارجي املليء ابملتناقضات والقسوة اليت تصل للقتل العمد ينعكس على ّ‬
‫يفسر اإلرتدادات املتعددة‪ ،‬واالسرتجاعات الكثرية‬ ‫الداخلي للرواية‪ ،‬ولعل هذا ما ّ‬
‫مع توظيف زمنية خمتلفة تضفي على الرواية مجالية خاصة‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪ -6‬إ ّن انتهاك خطية الزمن‪ ،‬وتكسري املعىن الكرونولوجي له هو ما نلمسه يف‬


‫الزمنني‬
‫رواية" دعاء الكروان" إذ تَـ ْع َم ُد الساردة" أمنة" إىل إحداث تداخل كبري بني ّ‬
‫احلاضر‪ ،‬واملاضي‪ ،‬واإلكثار من االرتدادات‪ ،‬واالسرتجاعات من حني ألخر‪.‬‬
‫هما يف هذه الرواية إذ جند االستباقات‬ ‫دورا م ً‬
‫‪ -7‬تؤدي اإلستباقات‪ ،‬واالستشرافات ً‬
‫كل ما هو حمتمل احلدوث يف العامل احملكي كما جند وظيفة‬ ‫الزمنية اليت تتطلع إىل ّ‬
‫تصرح البطلة" آمنة" عن‬ ‫اثنية هلذه االستشرافات‪ ،‬وهي وظيفة إعالنية حينما ّ‬
‫ب‪ ،‬ويدفعه إىل‬ ‫أحداث سيشهدها السرد الح ًقا‪ ،‬وهذا ما جيعل القارئ يف حالة ترقّ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫تقليب صفحات الرواية ليكشف مصائر شخصياهتا‪.‬‬
‫السردية عرب تقنية الفالش ابك‪ ،‬واالسرتجاع‬ ‫‪ -8‬استخدم الكاتب االنتقاالت ّ‬
‫احلب يف الرواية‪.‬‬
‫معتمدا على إبراز قضية املرأة املظلومة‪ ،‬واملتأرجحة بني الثار‪ ،‬و ّ‬
‫ً‬
‫‪ -9‬لقد وظف طه ُحسني خمتلف التقنيات السردية من إيقاعات زمنية‪ ،‬ومفارقات‬
‫عمال حمكم البناء ‪.‬‬
‫سردية بطريقة جعلت الرواية ً‬
‫‪ -10‬تتحول األمكنة بشقيها القروي‪ ،‬واملدين يف هذه الرواية يف حلظة معينة من‬
‫جمرد حدود جغرافية إىل رسم حالة نفسية ُتعل الساردة بطلة الرواية" آمنة" تبدع لغةً‬
‫شعريّةً ِّ‬
‫مشوقة فيها من اإلنزايحية‪ ،‬والبالغة‪ ،‬واجملاز الشيء الكثري‪.‬‬
‫مهرب كانت تلجأ إليه آمنة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -11‬كشفت أمكنة املدينة يف الرواية عن وجود‬
‫وخصوصا البطلة" آمنة" فقد كانت هترب‬ ‫ً‬ ‫وعائلتها من جراء الضيق الذي كانوا فيه‪،‬‬
‫من فضاء مكاين يآخر من القرية للمدينة؛ وذلك ملا فيها من اتساع‪ ،‬وانشراح‪،‬‬
‫حر ال حتكمه حدود ضيقة‪.‬‬‫ومتنفس ّ‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫‪ -12‬عمد طه ُحسني يف أمكنة املدينة يف الرواية إىل جعلها أكثر آمنًا‪،‬‬
‫منزل املأمور الذي حتقق فيه للبطلة"آمنة" التعليم‪ ،‬واالستقرار‪ ،‬واحلماية‪ ،‬واألمن‪،‬‬
‫وحتقيق األهداف‪ ،‬ولعل الكاتب كان يرمز به للدولة املدنية بعتبار أ ّن املأمور منفذ‬
‫القانون‪ ،‬ويرمز للسلطة اليت ميكن أن تساعد املرأة على التغلب على العادات‬
‫والتقاليد‪ ،‬واألخذ ابلثأر‪ ،‬وتعيد هلا كرامتها‪ ،‬وحتظى حبياة كرمي‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪ -13‬كشفت البنية السردية يف هذه الرواية عن معظلة ظالمة املرأة املصرية‬


‫حال أدبيًّا هلذه املعظلة‪ ،‬وكشفت أبنية السرد‬
‫السرد ً‬
‫عموما‪ ،‬فق ّدم ّ‬
‫خصوصا‪ ،‬والعربية ً‬
‫ً‬
‫رؤية الكاتب للعامل‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬واملرأة‪.‬‬
‫ويف هناية البحث نقول أ ّن هذه العناصر الثالثة( الشخصيات‪ ،‬والزمن‪،‬‬
‫واملكان) عناصر متداخلة فال ميكن تناوهلا منفصلة‪ ،‬فهي حتقق متضامنة هدفًا‬
‫حدا هو ُتاسك الرواية‪ ،‬وإحكام البنية السردية فيها‪.‬‬ ‫وا ً‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫العرب‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪،3‬‬ ‫‪ .1‬ابن منظور‪ ،‬لِسا ُن ِ‬
‫اجمللد الرابع عشر‪1994،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أبو احلسن أمحد بن زكراي‪ ،‬معجم املقاييس يف اللّغة‪ ،‬حتقيق شهاب الدين أبو‬
‫عمروا‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .3‬أمحد محد النعيمي‪ ،‬إيقاع الزمن يف الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬املؤسسة العربية للدرا‬
‫رسات والنشر‪ ،‬عمان‪،‬األردن‪ ،‬ط‪2004 ،1‬م‪.‬‬
‫الشخصية احلكائية يف رواية الذئب األسود حلنا مينا‪،‬‬ ‫‪ .4‬أسيا جريوي‪ ،‬سيميائية ّ‬
‫حممد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬جملة اخلرب‪ ،‬العدد‪2010 ،6‬م ‪.‬‬ ‫منشورات جامعة ّ‬
‫‪.5‬حسن حبراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬محيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1991‬م‪.‬‬
‫‪. 8‬طه ُحسني‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2008 ،28‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬سعيد يقطني‪ ،‬حتليل اخلطاب الروائي‪ ":‬الزمن‪ ،‬السرد‪ ،‬التبئري"‪ ،‬املركز الثقايف‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1989.، 1‬‬
‫‪ .8‬مسري روحي الفيصل‪ ،‬بناء الرواية‪ :‬دراسة بنيوية شكلية‪ ،‬دائرة الثقافة واإلعالم‪،‬‬
‫الشارقة‪،‬ط‪2012 ،1‬م‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫‪.9‬مسري املرزوق وآخرون‪ ،‬مدخل إىل نظرية القصة‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬السيد إمام‪ ،‬السرد اجلديد وإشكالية املفهوم‪ :‬مدخل إىل نظرية احلكي ابلسر‪،‬‬
‫مؤُتر أدابء مصر‪ ،‬الدورة الثالثة والعشرون‪ ،‬مصر‪ ،‬حمافظة مطروح‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬الشريف جبيلة‪ ،‬مكوانت اخلطاب السردي‪ ،‬مفاهيم نظرية‪ ،‬عامل الكتب‬
‫احلديث‪ ،‬أربد‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.12‬صربي حافظ‪ ،‬مالك احلزين‪ :‬احلداثة والتجسيد املكاين للرؤية الروائية‪ ،‬فصول‪،‬‬
‫مج‪،4‬عدد‪1984،4‬م‪.‬‬
‫‪.13‬صالح فضل‪ ،‬نظرية البنائية يف النقد األديب‪ ،‬مؤسسة خمتار للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪.‬‬
‫‪ .14‬عبد العزيز محودة‪ ،‬املرااي احملدبة من البنيوية إىل التّفكيكية‪ ،‬اجمللس الوطين‬
‫للثقافة والفنون وايآداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬د ط‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫العريب ‪ ،‬ط‪ ،1‬املؤسسة العربيّة للدراسات‬
‫ّ‬ ‫‪ .15‬عبدهللا إبراهيم ‪ ،‬موسوعة السرد‬
‫والنشر‪ ،‬بريوت‪.2008 ،‬‬
‫‪.16‬عبد املالك مراتض‪ ،‬يف نظرية الروائية ‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬ط‪ 1998 ،8‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬عز الدين املناصرة‪ ،‬علم الشعرايت‪ ،‬دار جمدالوي‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.18‬علي بن هادية وآخرون‪ ،‬القاموس اجلديد للطالب‪ :‬معجم عريب مدرسي‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬ط‪1991، 7‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ألفائي‪،‬‬
‫عواد عبدهللا‪ ،‬بالغة الزمن السردي‪ :‬مقاربة يف رابعيات اخلسوف‬ ‫‪ .19‬علي ّ‬
‫إلبراهيم الكوين‪ ،‬دار ُتوز‪ ،‬دمشق‪2018 ،‬م‬
‫‪.20‬عمر قتيبة‪ ،‬األدب العريب احلديث‪ ،‬خوارزم العلمية‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪2004،1‬م‪.‬‬
‫حممد بو غرة‪ ،‬حتليل النص السري‪ :‬تقنيات ومفاهيم‪ ،‬دار العربية للعلوم‪،‬ط‪،1‬‬ ‫‪ّ . 21‬‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫اسم املؤلف‪ :‬أد‪.‬علي أمحد عمران‬
‫عنوان املقال‪ :‬البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬

‫السردايت‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫حممد القاضي وآخرون‪ :‬معجم ّ‬ ‫‪ّ .22‬‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬املنجد يف اللّغة واألعالم‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2008 ،43‬م‪.‬‬
‫‪.24‬مها حسن القصراوي‪ ،‬الزمن يف الرواية العربية‪ ،‬دار فارس للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬ط‪2004 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.25‬ميساء سليمان اإلبراهيم‪ ،‬البنية السردية يف كتاب االمتاع واملِؤانسة‪ ،‬منشورا ت‬
‫اهليئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق‪ ،‬د‪.‬ط‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫القص بني النظرية والتطبيق‪ ،‬مكتبة غريب الفجالة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.26‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬فن ّ‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪.27‬نضال صاحل‪ ،‬النزوع األسطوري يف الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬إحتاد الكتاب‬
‫العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫‪.28‬ميىن العيد‪ ،‬يف معرفة النص‪ ،‬منشورات دار األفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪:،1‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫املراجع املرتَجة‪:‬‬
‫‪ -29‬جريالد برنس‪ ،‬قاموس السردايت‪ ،‬ترمجة السيد إمام‪ ،‬مرييت للنشر‬
‫واملعلومات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2003 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬رافائيل ميشلي وآخرون‪ ،‬السرد مدخل إىل مناهج األدب الفرنسي احلديث‪،‬‬
‫ترمجة بشار سامي يشوع ‪ ،‬الرافدين‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2020، 1‬م‪.‬‬
‫‪ -31‬هانز مريهوف‪ ،‬الزمن يف األدب‪ ،‬ترمجة‪ :‬سعد رزوق‪ ،‬مؤسسة سجل العرب‪،‬‬
‫القاهرة‪1972،‬م‪.‬‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪32-Charles Earl Rickart ، Structuralism and structures :‬‬
‫‪A Mathematical Perspective ، World Scientific،‬‬
‫‪London، England ، 1995 ، p12 .‬‬

‫‪178‬‬
‫علي أمحد عمران‬.‫ أد‬:‫اسم املؤلف‬
‫ البنية السردية يف رواية" دعاء الكروان" لطه حسني‬:‫عنوان املقال‬

33- Lynn Altenbernd and Leslie L.Lewis. A Hand


Book for the study of Fiction، the Macmillan
Company، New York، Collier-Macmillan Limited،
London، 1966، P.56.
34- Scholer Robert and Kellogg Robert . The nature of
narrative، oxford university press. 1968، p.104.

179

You might also like