You are on page 1of 15

‫خطة البحث‬

‫مقدمة‬

‫المبحث األول‪ :‬بالد العرب‬

‫المطلب األول‪ :‬طبيعة بالد العرب‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دول العرب القديمة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬العرب والتجارة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحضارة العربية قبا اإلسالم‬

‫المطلب األول‪ :‬أديان العرب‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المدنية اليهودية والنصرانية في جزيرة العرب‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الزواج عند العرب وبعض عاداتهم‬

‫المطلب الرابع‪ :‬حكومات العرب في الجاهلية‬

‫خاتمة‬

‫قائمة المراجع‬
‫مقدمة‬

‫ال نحس ن تص ور حال ة الع رب في اإلس الم إب ان عه د حض ارتهم إال إذا ألقين ا نظ رة عجلى على‬
‫الث ابت من ت اريخهم في الجاهلي ة‪ ،‬وعلى آث ارهم وعلمهم وث روتهم؛ ول ذلك يتقاض انا الوص ول إلى ه ذه‬
‫النتيجة أن ندرس حالتهم في معظم مظاهرها‪ ،‬لنتدرج بهم من جزيرتهم إلى حيث درجوا من البالد التي‬
‫حلوا فيها‪ ،‬وتمثلوا حضارة القدماء‪ ،‬وانقلب في الجزيرة باإلسالم طورهم الديني واألخالقي‪ ،‬كما انقلب‬
‫في البالد المفتتحة طورهم المدني واالجتماعي‪.‬‬

‫يعتبر تاريخ العرب في العصر الجاهلي اضعف قسم كتبه المؤرخون العرب عن أحداث تلك‬
‫الحقب ة من ال زمن ‪ ،‬واغلب م ا وص لنا عن ت اريخ الع رب الجاهلي ة ال يع دو ان يك ون أس اطير ورواي ات‬
‫خرافية وقصص شعبية ‪ ،‬وأخبار اخذت عن اهل الكتاب وال سيما اليهود ‪ ،‬وأخرى وضعها االخباريون‬
‫في العص ر االس المي ‪ .‬وق د أس تمر االعتم اد على ه ذه الم وارد على أنه ا ت اريخ الجاهلي ة ح تى الق رن‬
‫التاسع عشر ‪ ،‬حيث قام المستشرقون بالبحث عن مصادر أخرى لهذا التاريخ ‪ ،‬ووجهوا اهتمامهم الى‬
‫النق وش والكتاب ات العربي ة ال تي دونه ا الع رب قب ل االس الم ‪ ،‬ف ترجموا كث يرا من ه ذه النص وص الى‬
‫لغ اتهم ‪ ،‬وعمل وا على نش رها بالمس ند وب الحروف الالتيني ة او العبراني ة او العربي ة في بعض االحي ان‬
‫وعلى استخالص ما ورد فيها من أمور متنوعة عن التاريخ العربي‬
‫المبحث األول‪ :‬بالد العرب‬

‫المطلب األول‪ :‬طبيعة بالد العرب‬

‫من الث ابت أن طبيع ة بالد الع رب تختل ف ب اختالف بع دها وقربه ا من البح ر وانخفاض ها‬
‫وارتفاعها عنه؛ فجبالها ليست كسهولها‪ ،‬وأواسطها تختلف عن أطرافها‪ ،‬فليست الجزيرة إًذ ا نس ًقا واح ًد ا‬
‫بخصبها واعتدالها‪ ،‬وفي الجزيرة واحات فيها نخيل وأعناب وبقول وحبوب‪ ،‬وفي جنوبها وهي اليمن‬
‫بالد عالي ة ومنخفض ة فيه ا الح رارة وال برودة‪ ،‬وفيه ا المي اه وإ ن ق ل الج اري منه ا‪ ،‬وتك ثر أمطاره ا‬
‫وإ مراعها‪ ،‬ويقل الخصب في الحجاز اللهم إال في بعض أنحائه كالطائف‪ .‬واليمن أعمر األقاليم العربية‬
‫ول ذلك ُد عيت بالعربي ة الس عيدة‪ ،‬وُع ه دت له ا مدني ة قديم ة‪ ،‬وق امت فيه ا دول؛ ألن س هولها وجباله ا‬
‫ممرع ة‪ ،‬وفيه ا من الحاص الت م ا ال يوج د في غيره ا ك الطيب وال ورس والُك ن در والعص ب والش ب‬
‫‪1‬‬
‫والُّلبان والعقيق وخشب الُبنك والمعرق من الجزع‪.‬‬

‫وفي جب ال بالد الع رب ال تي ال تك اد تنقط ع سلس لتها من ش مالها في أرض الش ام ح تى الط ائف‬
‫وص نعاء وم ا وراءه ا من االعتدال‪ ،‬ولط ف اله واء وطيب الم اء‪ ،‬ومثم ر الش جر‪ ،‬م ا يس تغرب وج وده؛‬
‫ألن الط ائف يعل و ‪ 1600‬م تر عن س طح البح ر‪ ،‬وأبه ا في اليمن ‪ ،2275‬وص نعاء ‪ ،2342‬وكوكب ان‬
‫‪2001‬؛ وفي اليمن والحجاز معادن كثيرة كالحديد والفضة والذهب‪ ،‬وهكذا يقال في عمان وحض رموت‬
‫وهجر «البحرين» واليمامة «نجد» والشحر واألحساء‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دول العرب القديمة‬

‫قامت في األعص ار القديمة عدة دول في هذه الجزيرة أو شبه الجزيرة ض اعت معظم أخبارها‪ ،‬فمنها‬
‫دول ة العم اليق نس بة لعملي ق بن الوذ بن س ام‪ ،‬وك انت على حال ة ب داوة في الص حراء ممت دة من الع راق‬
‫إلى العقب ة‪ ،‬ثم لم ا ق ويت عص بيتهم‪ ،‬تغلبوا على باب ل وأنش أوا دول ة قب ل المس يح بخمس ة وعش رين قرًن ا‬
‫ُد عيت دول ة الس اموآبيين‪ ،‬ومنهم ظه ر المل ك حم ورابي‪ ،‬وي رى بعض الب احثين أن ه ع ربي‪ ،‬فتغلب على‬
‫مملكة أشور‪ ،‬وكانت دولته دولة راقية بآدابها ومادياتها‪ ،‬ويدل ما اكُتشف من شريعته على أن هناك أمة‬
‫راقية ومدنية ال بأس بها‪ ،‬ولما تغلب األشوريون على تلك المملكة اضطهدوا العرب فهاجر قسم منهم‬
‫‪2‬‬
‫إلى غرب الجزيرة وجنوبها‪.‬‬

‫‪ 1‬عمر فروخ ‪، 1984،‬تاريخ الجاهلية‪.‬بيروت‪ .‬ص ‪225‬‬


‫‪ 2‬جرجي زيدان ‪ ،1957،‬العرب قبل اإلسالم ‪.‬القاهرة‪ .‬ص ‪312‬‬
‫ومن دولتهم دول ة الرع اة أو ع رب الش رق أي الهيكس وس دخل وا مص ر من أرج اء البح ر األحم ر قب ل‬
‫المسيح بثالثة وعشرين قرًن ا‪ ،‬واستولوا على الوجه البحري من بالد مصر‪ ،‬وجعلوا عاصمتهم «صان»‬
‫حتى أجالهم عنها تحوتمس ملك ثيبة في الوجه القبلي من صعيد مصر حوالي سنة ‪1700‬ق‪.‬م‪ .‬وأسس‬
‫الع رب الن ازحون من أش ور دول ة ع اد األولى في جن وب الجزي رة قب ل الميالد بعش رين قرًن ا‪ ،‬وك انت‬
‫منازلهم في األحقاف بين اليمن وعمان‪ ،‬وكان للعرب دولة في شرق بالد اليمن فوق حضرموت ُيقال‬
‫لها‪ :‬دولة المعنيين‪ ،‬قال الباحثون فيهم‪ :‬إنهم كانوا يقومون على زراعة األرض في سهول حضرموت‬
‫وسفوح جبال اليمن‪ ،‬وقد أقاموا السدود وفتحوا الخلجان‪ ،‬وهناك دولتان أو مجموعتان من القبائل يرد‬
‫ذكرهما في التواريخ العربية وهما‪ :‬طسم وجديس‪ ،‬كانتا تنزالن اليمامة شرقي بالد العرب التي ُيطلق‬
‫اليوم على أكثرها اسم نجد‪ ،‬وكانت الحجر أو القرية عاصمة طسم‪ ،‬ونجد اليمن غير نجد الحجاز‪ ،‬غير‬
‫أن جن وبي نج د الحج از يتص ل بش مالي نج د اليمن‪ ،‬وبين النج دين وعم ان بري ة ممتنع ة كم ا يس ميها ابن‬
‫حوقل‪ ،‬وهي الربع الخالي الذي اجتازه في العهد األخير أحد أرباب الرحالت ووصفه أحسن وصف‪.‬‬

‫ومن دول العرب دولة ثمود‪ ،‬وأصلها من اليمن ونزلت مدائن صالح‪ ،‬وما تركته من العاديات‬
‫والنواويس شاهد بمدنيتها‪ ،‬ومنها دولة قحطان كانت شمال جزيرة العرب وأهلها من جملة من نزح إلى‬
‫اليمن بعد اضطهادهم في بابل‪ ،‬وأنشأوا دولة في اليمن ُس ميت دولة سبأ األولى‪ ،‬ودولة سبأ الثانية هي‬
‫مملك ة حم ير‪ ،‬وه ذه ق امت على أنقاض ها وك انت مقطع ة األوص ال لم تجم ع ش مل اليم انيين كالدول ة‬
‫األولى‪ .‬وللعرب من الدول دولة كندة‪ ،‬وكندة بطن من كهالن‪ ،‬كانت نزحت من اليمامة وسكنت شمالي‬
‫حض رموت؛ فجع ل مل ك حم ير س يدهم حج ر بن عم رو ملًك ا على الع رب‪ ،‬فاتخ ذ عاص مته بطن‬
‫عاق ل‪ ،‬وأنش أت الع رب دول ة تن وخ في الع راق وخلفهم اللخمي ون‪ ،‬ولم ا تغلب الروم ان على الش ام وم ا‬
‫إليها اعتم دوا على بني غسان‪ ،‬وأص لهم يمانيون نزحوا بعد س يل الع رم‪ ،‬فجعلوهم أقي ااًل يرابطون في‬
‫سيف البادية؛ ليمنعوا عن المعمور اعتداء البوادي من الجنوب ويأمنوا غائلة ملوك الفرس من الشرق‪،‬‬
‫وك ان ه ؤالء يس تخدمون مل وك الح يرة للغ رض نفس ه‪ ،‬أي التق اء عادي ة األع راب وعادي ة الروم ان من‬
‫غرب بالدهم‪.‬‬

‫هذا ما ُع رف من نشأة الدول العربية‪ ،‬وربما تداخل بعضها في بعض‪ ،‬وقد قسم علماء التاريخ‬
‫س كان بالد الع رب إلى قحطاني ة وعدناني ة‪ ،‬والقحطاني ة س كان بالد اليمن‪ ،‬والعدناني ة س كان الحج از‪،‬‬
‫وقسموا العرب إلى ثالثة أقسام‪ :‬بائدة؛ كعاد وثمود وُج ْر هم األولى‪ ،‬وعاربة‪ :‬وهم عرب اليمن من ولد‬
‫قحطان‪ ،‬ومستعربة‪ :‬وهم أوالد إسماعيل سكان الحجاز‪ ،‬وقد سبق القحطانيون العدنانيين في الحضارة؛‬
‫لق رب بالدهم من بح رين بح ر القل زم والبح ر الهن دي‪ ،‬وألن بالدهم خص بة‪ ،‬وهم نقط ة اتص ال التج ارة‬
‫بين الشرق والغرب‪ ،‬وكان القحطانيون والعدنانيون يتكلمون قبيل اإلسالم لغة واحدة ذات فروق طفيفة‪.‬‬

‫ويق ول بعض الم ؤرخين‪ :‬إن تل ك ال دول ال تي أنش أتها الع رب خ ارج أرض ها‪ ،‬كدول ة الرع اة في‬
‫مص ر‪ ،‬ودولتهم في أش ور‪ ،‬ودول ة األنب اط في س لع هي دول عربي ة‪ ،‬ودول ة أكس يوم «اليكس وم» ال تي‬
‫أنش أها اليم انيون في الش ط المقاب ل لبالدهم هي عربي ة‪ ،‬ودول ة ت دمر وأص ل الق ائمين به ا ع رب‪ ،‬ودول ة‬
‫اإليتوريين التي استولت على اللبنانين الشرقي والغربي‪ ،‬وامتدت إلى فينيقية وجعلت عين جر (عنجر)‬
‫في البق اع عاص متها األولى‪ ،‬ثم ط رابلس عاص متها الثاني ة‪ ،‬ك ان أص ل الق ائمين به ا عرًب ا من الجي دور‬
‫وحوران؛ إن تلك الدول التي أنشأتها العرب كانت بفضل تفاهمهم بالعربية مع اليهود والحبش والكلدان‬
‫واألش وريين والفينيق يين؛ إذ ك ان عه د ه ذه اللغ ات قريًب ا بالتش عب فلم يكون وا يحت اجون إلى لغ ة أخ رى‬
‫للتف اهم م ع تل ك األمم‪ ،‬ب ل ك انت العربي ة تكفيهم في التخ اطب‪ ،‬وليس بينه ا وبين اللغ ات األخ رى كب ير‬
‫فرق‪ ،‬وإ ن كان فكالفرق بين اللغتين النروجية والسويدية‪ ،‬أو بين الصربية والبلغارية‪ ،‬أو بين البرتقالية‬
‫واإلسبانية‪ ،‬أو بين العربية الفصحى وإ حدى اللهجات المتعارفة اليوم‪.‬‬

‫وأهم ما حفظ بالد العرب من اكتساح غيرها لها من األمم في غابر الدهر‪ ،‬كون العرب أهل‬
‫شدة وبأس‪ ،‬وأباة ضيم ال ينامون على الثأر‪ ،‬ويصبرون على شظف العيش ويتبلغون بميسوره‪ ،‬وليست‬
‫الرفاهي ة من ش أن أك ثر المعم ور من أرض هم؛ ول ذلك خ اب الف رس والروم ان والفراعن ة والحبش ة ي وم‬
‫حاولوا أن يستولوا على اليمن والحجاز وما إليهما‪ ،‬مقِّد رين أن جزيرة العرب ال تساوي اكتس احها‪ ،‬وأن‬
‫من الصعب إجراء األحكام على أهلها؛ لبعد المسافات في فلوات ال أول لها وال آخر‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬العرب والتجارة‬

‫وأهم عوام ل المدني ة في جزي رة الع رب ك ون أهله ا عرف وا في ك ل العص ور معان اة التج ارة؛‬
‫ينقلون حاصالت الشرق إلى الغرب‪ ،‬وحاصالت الغرب إلى الشرق‪ ،‬وحاصالت بالدهم من مكان إلى‬
‫آخ ر‪ ،‬واش تهروا ب ذلك ح تى ق ال الجغ رافي اس ترابون وك ان بع د المس يح بقلي ل‪ :‬ك ل ع ربي سمس ار أو‬
‫تاجر‪ ،‬ومن أجل هذا كانت معرف ة العرب باألقطار المجاورة ال غبار عليها‪ ،‬وكثيًر ا ما كانوا يقتنون‬
‫األمالك والضياع وينزلون البالد المجاورة‪ ،‬يساكنون أهلها كأن تلك البالد أجزاء متممة لبالدهم‪ ،‬على‬
‫اختالف بينهم وبين س اكنيها في الطب ائع واأللس ن‪ ،‬وك انت للع رب عش رة أس واق يجتمع ون به ا في‬
‫تجاراتهم ويجتمع فيها سائر الناس‪ ،‬ويأمنون فيها على دمائهم وأموالهم؛ فمنها دومة الجندل والمشقر‬
‫وهجر وصحار وريا والشحر وعدن وصنعاء والرابية بحضرموت وعكاظ بأعلى نجد‪ ،‬ينزلها قريش‬
‫وس ائر الع رب وأك ثر أهله ا مض ر‪ ،‬وبه ا ك انت مف اخرة الع رب وحم االتهم ومهادن اتهم ثم س وق ذي‬
‫المجاز‪ ،‬وكان في العرب قوم يستحلون المظالم إذا حضروا هذه األسواق‪ ،‬فسموا المحلين‪ ،‬وكان فيهم‬
‫من ينكر ذلك وينصب نفس ه لنصرة المظلوم والمنع من سفك الدماء وارتكاب المنكر‪ ،‬فيسمون الذادة‬
‫‪1‬‬
‫المحرمين‪.‬‬

‫واستولت قريش على التجارة في الجاهلية ترحل فيها رحلتين‪ :‬رحلة الشتاء؛ نحو العباهلة من‬
‫ملوك اليمن ونحو اليكسوم من أرض الحبشة‪ ،‬وأخرى‪ :‬نحو الشام وبالد الروم في الصيف‪ ،‬وإ لى ذلك‬
‫اإلشارة في القرآن‪ِ :‬إِل ياَل ِف ُقَر ْيٍش * ِإ ياَل ِف ِه ْم ِر ْح َلَة الِّش َتاِء َو الَّص ْيِف ‪ ،‬واإليالف ش يء ك ان يحمل ه هاش م‬
‫لرؤس اء القبائ ل من ال ربح‪ ،‬ويجع ل لهم متاًع ا م ع متاع ه‪ ،‬ويس وق إليهم إباًل م ع إبل ه؛ ليكفيهم مؤن ة‬
‫األس فار‪ ،‬ويكفي قريًش ا مؤنة األعداء‪ ،‬فك ان المقيم رابًح ا‪ ،‬والمسافر محظوًظ ا‪ ،‬وهاشم هو الذي ُتنسب‬
‫إلي ه غ زة هاش م في الش ام؛ التج اره فيه ا في الجاهلي ة وفيه ا م ات‪ ،‬ثم ج اء أبن اؤه بع ده ينس جون على‬
‫منواله؛ فكان هاشم يؤلف إلى الشام‪ ،‬وعبد شمس إلى الحبشة‪ ،‬والمطلب إلى اليمن‪ ،‬ونوفل إلى فارس‪،‬‬
‫يؤلفون الجوار بعضهم بعًض ا‪ ،‬ويجيرون قريًش ا بميرهم وكانوا يسمون المجيرين‪ ،‬وكانت تجارة قريش‬
‫قبل هؤالء العظماء ال تعدو مك ة‪ ،‬إنم ا يقدم عليهم األعاجم بالس لع فيش ترون منهم ويتبايعون فيما بينهم‬
‫ويبيعون ممن حولهم من العرب‪ ،‬فجبر قريش بهؤالء النفر األربعة من بني عبد مناف‪ ،‬فنمت أموالهم‬
‫واتسعت تجارتهم‪ ،‬فكان بنو عبد مناف يسمون ألجل ذلك المجيرين‪ ،‬والعرب تسميهم أقداح النضار؛‬
‫لطيب أحس ابهم وك رم فع الهم‪ ،‬وبفض لهم أخ ذت ق ريش تض رب في البالد إلى قيص ر ب الروم والنجاش ي‬
‫بالحبشة والمقوقس بمصر وكسرى بالعراق تجعل من أرضهم متج ًر ا لها؛ ذلك ألن قريًش ا زهدت منذ‬
‫زمن بعي د في الغص وب فلم يب َق لهم مكس بة س وى التج ارة‪ ،‬وبالتج ارة عرف وا م ا ج اورهم من البالد‬
‫والشعوب وصاروا بأجمعهم تجاًر ا خلطاء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫رينيه ديسو ‪ ،1959،‬العرب في سوريا قبل اإلسالم ‪،‬ترجمة عبد الحميد الدواخلي ‪ .‬ص ‪156‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الحضارة العربية قبا اإلسالم‬

‫المطلب األول‪ :‬أديان العرب‬

‫كانت أديانهم متشعبة‪ ،‬بحسب البالد التي يجاورونها واألرض التي ينتجعونها‪ ،‬وهم في أديانهم‬
‫‪ ١١‬على ص نفين‪ :‬الحمس والحل ة‪ ،‬فأم ا الحمس‪ :‬فق ريش كله ا‪ ،‬وأم ا الحل ة‪ :‬فخزاع ة لنزوله ا مك ة‬
‫ومجاورتها قريًش ا‪ ،‬وكانوا يشددون على أنفسهم في دينهم‪ ،‬فإذا نسكوا لم يسلئوا سمًنا‪ ،‬وال يجُّز ون شعًر ا‬
‫وال ظف ًر ا‪ ،‬وال يمس ون النس اء وال الطيب‪ ،‬وال ي أكلون لحًم ا‪ ،‬أم ا الحل ة فك انوا على العكس من ذل ك‪،‬‬
‫ينعم ون بالطيب ات كله ا ال يب الون م ا ص نعوا‪ ،‬ثم دخ ل ق وم في دين اليه ود وف ارقوا ه ذا ال دين‪ ،‬ودخ ل‬
‫‪1‬‬
‫آخرون في النصرانية‪ ،‬وتزندق منهم قوم فقالوا بالثنوية‪.‬‬

‫وزعم اليعقوبي أن اليمن ته َّو دت بأسرها‪ ،‬وتهود قوم من األوس والخزرج‪ ،‬بعد خروجهم من‬
‫اليمن لمجاورتهم خيبر وقريظة والنضير‪ ،‬وته َّو د قوم من بني الحارث بن كعب وقوم من غسان وقوم‬
‫من ج ذام‪« ،‬وك ان بنج ران بقاي ا من أه ل دين عيس ى على اإلنجي ل أه ل فض ل واس تقامة‪ ».‬وك ان من‬
‫العرب من يميل إلى الصابئة ويعتقد في أنواء المنازل اعتقاد المنجمين في السيارات‪ ،‬حتى ال يتحرك‬
‫إال بن وٍء من األن واء‪ ،‬ويق ول‪ :‬مطرن ا بن وِء ك ذا‪ ،‬ومنهم من أنك ر الخ الق والبعث وق الوا‪ :‬وم ا يهلكن ا إال‬
‫ال دهر‪ ،‬وهم ال دهريون‪ ،‬وق ال بعض هم‪ :‬ك انت المجوس ية في تميم‪ ،‬والزندق ة في ق ريش‪ ،‬أخ ذوها من‬
‫الحيرة‪ ،‬ويقول ابن األثير‪ ١٣:‬إن ديار تميم كانت تجاور بالد الفرس وهم تحت أيديهم‪ ،‬والمجوسية في‬
‫الف رس‪ ،‬على أن الع رب قب ل اإلس الم ك ان كث ير منهم ق د تنص ر‪ ،‬كتغلب وبعض ش يبان وغس ان‪ ،‬وك ان‬
‫منهم من ص ار مجوس ًّيا وهم قلي ل‪ ،‬وأم ا اليهودي ة فك انت ب اليمن‪ ،‬وك ان من الع رب ص نف اع ترفوا‬
‫بالخ الق وأنك روا البعث‪ ،‬وص نف عب دوا األص نام‪ ،‬وأص نامهم مختص ة بالقبائ ل‪ ،‬ومنهم من يعب د الجن‪،‬‬
‫ومنهم من يعبد المالئكة وكانوا يحجون البيت ويعتمرون ويحرمون ويطوفون ويسعون ويقفون المواقف‬
‫كلها ويرمون الحجارة‪ .‬وللعرب أصنام؛‬

‫فكان سواع لهذيل‪ ،‬وود لكلب‪ ،‬ويغوث لمذحج وقبائل من اليمن‪ ،‬وكان ُبدومة الجندل‪ ،‬والَّنسر‬
‫لذي كاَل ع بأرض حمير‪ ،‬ويعوق لهمدان‪ ،‬والالت لثقيف بالطائف‪ ،‬والُع َّز ى لقريش وجميع بني كنانة‪،‬‬
‫ومناة لألوس والخزرج وغسان‪ ،‬وُهَب ل كان في الكعبة وكان أعظم أصنامهم‪ ،‬وإ ساف ونائلة كانا على‬

‫‪1‬‬
‫فيليب حتي ‪ ،1951-1949،‬تاريخ العرب (مطول) ‪ ( ،‬نقله إلى العربية ادوارد جرجي وجبرائيل جبور )‪ .‬ص ‪266‬‬
‫الصفا والمروة‪ ،‬وسعد لبني ِم لكان بن كنانة‪ ،‬وكان عدد األصنام في الحرم لما فتح الرسول مكة بضع‬
‫مئات كسرها وأصحابه‪.‬‬

‫قال أبو عثمان النهدي‪ :‬كنا في الجاهلية نعبد صنًم ا ُيقال له‪ :‬يغوث‪ ،‬وكان صنًم ا من رصاص‬
‫لقض اعة تمث ال ام رأة‪ ،‬وعب دت ذا الَخ َلَص ة‪ ،‬وكن ا نعب د حج ًر ا ونحمل ه معن ا ف إذا رأين ا أحس ن من ه ألقين اه‬
‫وعبدنا الثاني‪ ،‬وإ ذا سقط الحجر عن البعير قلنا‪ :‬سقط إلهكم فالتمسوا حجًر ا‪.‬‬

‫ويؤخذ من هذا أنه كان للعرب في الجاهلية المصور والمثال؛ فصوروا جدران الكعبة ومألوها‬
‫بتماثيل أربابهم‪ ،‬ومن جملة ما كان فيها صورة عيسى وأمه عليهما السالم بقيتا حتى رآهما من أسلم‬
‫من نصارى غسان‪ ،‬وكان على أحد عمد الكعبة تمثال مريم وفي حجرها ابنها مزوًقا‪،‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المدنية اليهودية والنصرانية في جزيرة العرب‬

‫أث رت المدني ة النص رانية في الجاهلي ة بعض أث ر — والجاهلي ة اس م ح دث في اإلس الم لل زمن‬
‫الذي كان قبل البعثة النبوية — وكانت مملكة الحيرة ومملكة غسان نصرانيتين‪ ،‬والنصرانية شائعة في‬
‫ربيع ة وغس ان وبعض قض اعة‪ ،‬واليهودي ة في حم ير وب ني كنان ة وب ني الح رث بن كعب بن كن دة‪ ،‬ولم‬
‫يكن لليهود الخارجين إلى خيبر ووادي القرى ويثرب من الحجاز مدنية مهمة‪ ،‬بل كانوا زَّر اًع ا حملوا‬
‫معهم — على األرجح من فلسطين بعد قتل دولة الرومان لهم — أصول زراعتهم وأنواًع ا جديدة من‬
‫األش جار وأق اموا حص وًنا وآطاًم ا؛ التق اء غ ارات البادي ة من األع راب‪ ،‬وق الوا‪ :‬إن اليه ود أدخل وا إلى‬
‫جزيرة العرب هذه اآلطام وكان عددها نحو سبعين جاء النهي عن هدمها‪ .‬ومن الحصون التي أقاموها‬
‫حصن األبلق للسموَءل وحصن القمومي لبني أبي الُح َقيق وحصون الساللم والوطيح وناعم وسعد بن‬
‫‪1‬‬
‫المعاذ‪.‬‬

‫وتع َّر ب اليه ود في الجزي رة وأخ ذوا يتكلم ون العربي ة‪ ،‬وام تزجت ع اداتهم بع ادات الع رب‪،‬‬
‫وتخلق وا ب أخالقهم‪ ،‬ونزل وا عن كث ير من مص طلحاتهم ومواض عاتهم‪ ،‬وأص بحوا يف اخرون ك العرب‬
‫بالشجاعة وعلو الهمة وإ كرام الضيف؛ يوقدون النار في الليل ليرشدوا السائرين‪ ،‬ويدعوهم إلى الض يافة‬
‫على ع ادة الع رب‪ ،‬وينظم ون الش عر في ه ذه األغ راض الكث يرة‪ ،‬ومن ش عرائهم الس موءل بن عادي اء‬

‫‪1‬‬
‫صالح أحمد العلي‪ ، 1959 ،‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ :‬الدول العربة قبل اإلسالم ‪.‬ص ‪69‬‬
‫وكعب بن األشرف والربيع بن أبي الُح َقيق وشريح بن عمران وشعبة بن غريض‪ ،‬كما كان من شعراء‬
‫النصارى أمية بن أبي الصلت وُقس بن ساعدة وعدي بن زيد‪ .‬عن مروان بن الحكم‪ ٢٢‬عن معاوية بن‬
‫أبي سفيان عن أبيه قال‪ :‬خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت الثقفي تجاًر ا إلى الشام فكلما نزلنا منزاًل أخذ‬
‫أمية سفًر ا له يقرؤه علينا‪ ،‬فكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى‪.‬‬

‫وراجت اليهودي ة في حم ير في اليمن على أث ر جالء اليه ود من فلس طين إلى الحج از‪ ،‬وك ان اليه ود في‬
‫جزي رة الع رب تج اًر ا‪ ،‬ويع انون ص نع األمتع ة والص ياغة والس يوف وال دروع وس ائر اآلالت الحديدي ة‪،‬‬
‫ويق ول ولفنس ون‪ :‬إن اليه ود ك انوا أس اتذة الع رب في تعلم الكتاب ة العربي ة والفالح ة ب اآلالت‪ ،‬وق د بلغت‬
‫عاد وثمود والعمالقة وحمير من بعدهم والتبابعة واألذواء الغاية من الحضارة‪ ،‬ورسخت فيهم الصنائع‬
‫أيم ا رس وخ‪ .‬ويق ول بعض علم اء اآلث ار‪ :‬إن اليمن س بقت بتم دنها باب ل ومص ر‪ ،‬ومنه ا ه اجر أج داد‬
‫الفراعنة‪ ،‬ومنها كان أجداد البابليين واألشوريين‪ ،‬وإ لى مصر وبابل وأشور حمل اليمانيون الصناعات‬
‫والعل وم والتج ارة‪ .‬وق ال آخ ر‪ :‬إن اليم انيين أو الحم يريين هم ال ذين م َّد نوا ش واطئ آس يا وإ فريقي ة‬
‫وأوروب ا‪ ،‬وك انوا في الق ديم أمي ل في م دنيتهم إلى التج ارة‪ ،‬ال إلى الغ زو والغ ارة؛ ول ذلك ك ان معظم‬
‫األذواء يتجرون‪ ،‬فإذا كانت لرجل منهم مطامع في السيادة تغلب على البالد‪.‬‬

‫ولق د ك انت األمي ة غالب ة على الع رب م ا خال حم ير في اليمن وس كان الح يرة في الع راق‪ ،‬وق د‬
‫تعلموا الخط من إياد‪ ،‬وأصل إياد من تهامة‪ ،‬ونزلوا العراق فكانوا يشتون فيها ويصيفون في الجزيرة‪،‬‬
‫وكان منهم لقيط بن معبد اإليادي كاتب كسرى بالعربية وترجمانه‪ ٢٣،‬وهو صاحب القصيدة المشهورة‬
‫ال تي ح َّذ ر فيه ا قوم ه من غ زوة كس رى لهم‪ ،‬ي وم ع رض رجالن من إي اد لع روس اس مها ش يرين من‬
‫أشراف العجم ومعها جواريها فعبثا بهن‪ ،‬وكان عدي بن زيد من أهل الحيرة من تراجمة أبرويز ملك‬
‫الفرس‪ ،‬وكان أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى‪ ،‬وكان أبوه شاعًر ا خطيًب ا وقارًئ ا كتاب العرب‬
‫والفرس‪ ٢٤،‬وابنه زيد بن عدي كان يلي الكتابة عند كسرى إلى ملوك العرب في خاص أمور الملك‪،‬‬
‫‪ ٢٥‬ومن إي اد نق ل أب و قيس بن عب د من اف بن زه رة وقي ل‪ :‬ح رب بن أمي ة‪ ،‬الكتاب ة إلى ق ريش بمك ة‪،‬‬
‫وتعلم بش ر بن عب د الملك الكن دي‪ ٢٦‬الخ ط العربي وهو الج زم في األنب ار من مرامر وأس لم الط ائيين‪،‬‬
‫وخرج إلى مكة فعلم الخط سفيان بن حرب وتعلمه معاوية من عمه سفيان‪ ،‬وكثر من يكتب بمكة من‬
‫قريش‪ ،‬وقيل‪ :‬إن أول من كتب في جزيرة العرب بالعربية مرارة بن مرة من أهل األنبار‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫ورقة بن نوفل كان يكتب وأجاد العربية وكتب بحروفها‪ ٢٧،‬وكان سعد بن الربيع يكتب في الجاهلية‪،‬‬
‫‪ ٢٨‬قال األصمعي‪ :‬زعموا أن قريًش ا سئلوا من أين لكم الكتابة‪ ،‬فقالوا‪ :‬من الحيرة‪ ،‬وقيل ألهل الحيرة‪:‬‬
‫من أين لكم الكتابة‪ ،‬فقالوا‪ :‬من األنبار‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الزواج عند العرب وبعض عاداتهم‬

‫ج اء اإلس الم وبعض الع رب يئ دون بن اتهم‪ ،‬أي يقبرونه ا ويهيل ون عليه ا ال تراب مخاف ة الع ار‬
‫والحاجة‪،‬‬

‫وكانوا يجمعون بين األختين ويخلف الرجل على امرأة أبيه إذا مات‪ ،‬ويطلقون النساء حتى إذا‬
‫ق رب انقض اء ع دتهن راجع وهن ال عن حاج ة وال لمحب ة‪ ،‬ولكن تط وياًل للع دة ولتوس يع م دة االنتظ ار‬
‫ضراًر ا‪ ،‬وكان الرجل يطلق امرأته أو يتزوج أو يعتق ويقول‪ :‬كنت العًبا‪ ،‬ويمنعون النساء أن يتزوجن‬
‫من أردن من األزواج بع د انقض اء ع دتهن حمي ة جاهلي ة‪ ،‬وإ ذا م ات الرج ل منهم ك ان أولي اؤه أح ق‬
‫بامرأته إن شاء أن يتزوجها بعضهم‪ ،‬وإ ن شاء زوجوها أو عضلوها فهم أحق بها من أهلها‪ ،‬وإ ذا مات‬
‫الرجل قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها‪ ،‬فإن لم يكن له فيها حاجة تزوجها بعض‬
‫إخوت ه بمه ر جدي د‪ ،‬وه ذا نك اح المقت‪ ،‬وك ان الرج ل يق ول لزوجت ه إذا طه رت من طمثه ا‪ :‬أرس لي إلى‬
‫فالن فاستبض عي من ه لتحم ل ويعتزله ا زوجه ا وال يمس ها أب ًد ا ح تى يت بين حمله ا‪ ،‬يفع ل ذل ك رغب ًة في‬
‫نجابة األوالد‪ ،‬وهذا نكاح االستبضاع‪ ،‬وكان يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم‬
‫يص يبونها عن رض ا منه ا‪ ،‬ف إذا حملت ووض عت أرس لت إليهم وخ اطبتهم فيم ا ك ان من أم رهم معه ا‪،‬‬
‫وألحقت الولد بمن أحبت ال يمتنع من قبوله‪ .‬وينصب البغايا على أبوابهن رايات لُيعرف محلهن‪ ،‬ومنه‬
‫نك اح الخ دن وه و المش ار إلي ه بقول ه تع الى‪ُ :‬م ْح َص َناٍت َغْي َر ُم َس اِفَح اٍت َو اَل ُم َّتِخ َذ اِت َأْخ َد اٍن ‪ ،‬وك انوا‬
‫يقولون‪ :‬ما استتر فال بأس به وما ظهر فهو لوم‪ .‬ومنه نكاح المتعة وهو التزوج إلى أجل‪ ،‬ومنه نكاح‬
‫الب دل وه و أن يق ول الرج ل للرج ل‪ :‬ان زل لي عن امرأت ك وأن زل ل ك عن ام رأتي‪ ،‬ومن ه نك اح الش غار‬
‫وه و أن ي زوج الرج ل ابنت ه أو أخت ه أو ابن ة أخي ه من رج ل آخ ر على أن يزوج ه ه ذا الرج ل ابنت ه أو‬
‫‪1‬‬
‫أخته ليس بينهما صداق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫العلي ‪ ،‬د‪ .‬صالح احمد ‪ ،‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ ،‬محاضرات في التاريخ االسالمي‪ .‬ص ‪201‬‬
‫«ك ان الع رب ي أكلون الخن افس والجعالن والعق ارب والحي ات‪ ،‬ويلبس ون م ا غزل وا من أوب ار اإلب ل‬
‫وأش عار الغنم»‪« ،‬وك ان الناس طع امهم بالمدين ة التمر والش عير‪ ،‬وكان الرج ل إذا ك ان له يس ار فقدمت‬
‫ضافطة‪ ٤٥‬من الشام من الدرمك ابتاع منها فخص بها نفسه‪ ،‬فأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير‪».‬‬
‫ب ل ك انوا قب ل اإلس الم ي أكلون م ا دب ودرج‪ ٤٦‬إال أم ُحَبْي ن وهي أش به بالحرب اء‪ ،‬ولم يكن إال لبعض‬
‫قبائلهم القريبة من الحيرة والشام «شيء طريف‪ ،‬ولقمة كريمة‪ ،‬ومضغة شهية»‪ ،‬وقلما يعرفون «رفاغة‬
‫العيش والناعم من الطعام»‪ ،‬واإلبل عندهم أفضل الذبائح‪ ،‬وألهل البدو اللباء والسالء والجراد والكمأة‬
‫والخبزة في الرائب والتمر بالُّز بد والخالصة والحيس والوطيئة‪.‬‬

‫والف الوزق أو الف الوذج أش رف م ا عرف وا من طع ام‪ ،‬ولم يطعم الن اَس أح ٌد منهم ذل ك الطع ام إال‬
‫عبد اهلل بن ُج دعان من أجواد قريش‪ ،‬ذهب مرة إلى كسرى فأطعمه إياه فاستطابه‪ ،‬وسأل كيف ُيصنع‬
‫فقيل له‪ :‬إنه لباب البريلبك بالعسل‪ ،‬فابتاع غالًم ا يصنعه له‪ ،‬ورجع إلى مكة وصنع الفالوذج‪ ،‬ودعا إليه‬
‫أصحابه‪ ،‬وكان له مناٍد ينادي «هلم إلى الفالوذ»‪ ،‬وكانت له جفنة يطعم فيها في الجاهلية‪ ،‬ويأكل منها‬
‫القائم والراكب لعظمها‪ ،‬وربما حضر النبي طعامه قبل النبوة‪ ،‬وكان ُيسمى بحاسي الذهب؛ ألنه كان‬
‫يش رب في إن اء من ذهب‪ ،‬وق الوا في المث ل‪« :‬أق رى من حاس ى ال ذهب‪ ».‬وزعم وا أن ابن ج دعان ه ذا‬
‫ك ان في ب دء أم ره فق يًر ا مملًق ا وك ان ش ريًر ا يك ثر من الجناي ات ح تى أبغض ه قوم ه وعش يرته وأهل ه‬
‫وقبيلت ه‪ ،‬فخ رج ذات ي وم في ش عاب مك ة ح ائًر ا ب ائًر ا ف رأى في غ ار قب ور الرج ال من مل وك ج رهم‪،‬‬
‫ووجد عند رءوسهم لوًح ا من ذهب فيه تاريخ وفاتهم وعدد واليتهم‪ ،‬وإ ذا عندهم من الجواهر والآللئ‬
‫والذهب والفضة شيء كثير‪ ،‬فأخذ منه حاجته وانصرف إلى قومه فأعطاهم وحباهم وسادهم‪ ،‬وكلما قل‬
‫ما في يده ذهب إلى ذلك الغار فأخذ حاجته‪ ،‬روى ذلك ابن كثير‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬حكومات العرب في الجاهلية‬

‫ك ان من دأب العرب «أن يقتل بعضهم بعًض ا ويغير بعض هم على بعض»‪ ،‬ويرجعون مع هذا‬
‫في حك ومتهم إلى رؤس اء قب ائلهم وعش ائرهم في كث ير من ت راتيبهم‪ ،‬وكلهم يحِّك م ون في أم ورهم‬
‫ومنافراتهم ومواشيهم ومياههم أهل الشرف والصدق واألمانة والرياسة والسن والمجد والتجربة منهم‪،‬‬
‫وكان عمرو بن لحي ذا سلطان على عرب الجاهلية وكان قوله وفعله‪ ٥٣‬فيهم كالشرع المتبع؛ لشرفه‬
‫فيهم ومحلت ه عن دهم وكرم ه عليهم‪ ،‬وإ ذ ك انت ق ريش ت رى أن من مص لحة بالده ا أن ينص فوا الن اس؛‬
‫ألنهم في حاج ة إلى جلبهم لزي ارة ال بيت وت رويج التج ارة‪ ،‬ك انوا يعن ون برف ع الظلم عن الغ ريب عنهم‬
‫و«حين كثر فيهم الزعماء وانتشرت الرياسات وشاهدوا من التغالب والتجاذب ما لم يكَّفهم عنه سلطان‬
‫ق اهر‪ ،‬عق دوا بينهم حلًف ا على رد المظ الم وإ نص اف المظل وم من الظ الم‪ ».‬واجتمعت بط ون ق ريش في‬
‫بيت عب د اهلل بن ج دعان على رد المظ الم بمك ة‪ ،‬وك ان الرس ول معهم وه و ابن خمس وعش رين س نة‬
‫فعق دوا حل ف الفض ول‪ ،‬فق ال الرس ول ذاك ًر ا للح ال‪« :‬لق د ش هدت في دار عب د اهلل بن ج دعان حل ف‬
‫الفضول‪ ،‬أما لو ُد عيت إليه في اإلسالم ألجبت‪ ،‬وما أحب أن لي به حمر النعم وأني نقضته‪ ،‬وما يزيده‬
‫‪1‬‬
‫اإلسالم إال شدة‪».‬‬

‫وكان الداعي إلى عقد حلف الفضول أن هاش ًم ا وزهرة وتيًم ا دخلوا على عبد اهلل بن جدعان فتحالفوا‬

‫بينهم على دف ع الظلم وأخ ذ الح ق من الظ الم‪ُ ،‬س مي ب ذلك؛ ألنهم تح الفوا أن ال ي تركوا عن د أح د فض اًل‬
‫يظلمه أحد إال أخذوه له منه‪ .‬وقيل‪ُ :‬س مي به تشبيًها بحلف كان قديًم ا بمكة أيام جرهم على التناصف‬
‫واألخذ للضعيف من القوي والغريب من القاطن‪ ،‬وُس مي حلف الفضول؛ ألنه قام به رجال من جرهم‬
‫كلهم ُيس مى الفض ل‪ :‬الفض ل بن الح رث والفض ل بن وداع ة والفض ل بن فض الة‪ ،‬فقي ل‪ :‬حل ف الفض ول‬
‫جمًع ا ألسماء هؤالء‪ ،‬كما يقال‪ :‬سعد وسعود‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ُس مي بذلك؛ ألنه لما تداعت له قبائل قريش‬
‫كره ذلك سائر المطيبين واألحالف بأسرهم وسموه حلف الفضول عيًبا له وقالوا‪ :‬هذا من فضول القوم‬
‫على اختالف في أص ل االس م‪ .‬وه ذا الحل ف ك ان عق ده المطيب ون وهم خمس قبائ ل‪ ،‬وقي ل س ت قبائ ل‪،‬‬
‫وهم‪ :‬عبد الدار وكعب وجمح وسهم ومخزوم وعدي س موا األحالف؛ ألنهم لما أرادت بنو عبد مناف‬
‫أخذ ما في أيدي بني عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية وأبت بنو عبد الدار‪ ،‬عقد كل قوم‬
‫على أمرهم حلًفا مؤكًد ا على أن ال يتخاذلوا فأخرجت عبد مناف جفنة مملوءة طيًب ا فوضعتها ألحالفهم‬
‫وهم‪ :‬أسد وزهرة وتيم في المسجد عند الكعب ة‪ ،‬فغمسوا أيديهم فيها وتعاقدوا ثم مسحوا الكعبة بأيديهم‬
‫توكيًد ا فسموا المطيبين‪ ،‬وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤهم حلًف ا آخر مؤك ًد ا على أن ال يتخاذلوا فسموا‬
‫األحالف‪.‬‬

‫ولم تكن العرب ُتملك عليها في الجاهلية أح ًد ا‪ ،‬فإن كان حرب اقترعوا بين أهل الرياسة‪ ،‬فمن‬
‫خ رجت علي ه القرع ة أحض روه ص غيًر ا ك ان أو كب يًر ا‪ ،‬فلم ا ك ان ي وم الِفج ار اق ترعوا بين ب ني هاش م‪،‬‬
‫فخ رج س هم العب اس وه و ص غير فأجلس وه على المجن ويس مى ذل ك حل وان النف ر‪ ،‬ولم يكون وا يس ودون‬

‫‪1‬‬
‫جواد علي ‪ ،‬المفصل في تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ ، 1‬ص‪. 123 _ 43_42‬‬
‫عليهم في الجاهلية أحًد ا لشجاعة وال سخاء‪ ،‬وإ نما يسودون من إذا ُش تم حلم‪ ،‬وإ ذا ُس ئل حاجة قضاها أو‬
‫قام معهم فيها‬

‫وانتهى الش رف في ق ريش أي ام الجاهلي ة إلى عش رة ره ط من عش رة أبطن وهم‪ :‬هاش م وأمي ة‬


‫ونوف ل وعب د ال دار وأس د وتيم ومخ زوم وع دي وجمح وس هم‪ ،‬وتسلس ل ه ذا الش رف فيهم في اإلس الم‪،‬‬
‫فكانت هاشم تسقي الحجيج‪ ،‬وبقي لها ذلك في اإلسالم‪ ،‬ومثلها أمية كانت عندها الراية واسمها العقاب‪،‬‬
‫وكانت لنوفل الرفادة وهي أن تخرج م ااًل ترفد به منقطع الحاج‪ ،‬وكان لبني عبد الدار اللواء والسدانة‬
‫والحجابة والندوة‪ ،‬وألسد المشورة‪ ،‬ولتيم األشناق وهي الديات والمغرم‪ ،‬ولبني مخزوم القبة واألعنة‪،‬‬
‫ولعدي السفارة‪ ،‬ولجمح األيسار وهي األزالم‪ ،‬ولسهم الحكومة واألموال المحجرة التي سموها آللهتهم‪.‬‬

‫وقد ُخ صت قريش من بين العرب بمزايا جليلة وصفها الجاحظ بقوله‪ :‬قد علم الناس كيف كرم‬
‫ق ريش وس خاؤها‪ ،‬وكي ف عقوله ا ودهاؤه ا‪ ،‬وكي ف رأيه ا وذكاؤه ا‪ ،‬وكي ف سياس تها وت دبيرها‪ ،‬وكي ف‬
‫إيجازها وتحبيرها‪،‬وكيف رجاحة أحالمها إذا خف الحليم‪ ،‬وحدة أذهانها إذا ك َّل الحديد‪ ،‬وكيف صبرها‬
‫عند اللقاء‪ ،‬وثباتها في الْألواء‪ ،‬وكيف وفاؤها إذا اسُتحسن الغدر‪ ،‬وكيف جودها إذا حب المال‪ ،‬وكيف‬
‫ذكره ا ألح اديث نج د‪ ،‬وقل ة ص دودها عن جه ة القص د‪ ،‬وكي ف إقراره ا ب الحق وص برها علي ه‪ ،‬وكي ف‬
‫وص فها له ودعاؤها إليه‪ ،‬وكيف سماحة أخالقها‪ ،‬وص ونها ألعراقها‪ ،‬وكيف وصلوا قديمهم بحديثهم‪،‬‬
‫وطريفهم بتليدهم‪ ،‬وكيف أشبه عالنيتهم سرهم‪ ،‬وقولهم فعلهم‪ ،‬وهل سالمة صدر أحدهم إال على قدر‬
‫‪1‬‬
‫بعد غديره‪ ،‬وهل غفلته إال في وزن صدق ظنه‪ ،‬وهل ظنه إال كيقين غيره‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي للدولة العربية ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ - 15‬سالم ؛ دراسات ص‪16-15‬‬
‫خاتمة‬

‫الحض ارة العربي ة حض ارٌة عبقري ٌة وأص يلٌة‪ ،‬وهي حض ارٌة حافل ٌة بإنج ازاٍت عظيم ٍة ق ام به ا‬
‫الع رب‪ ،‬ت روي تاريًخ ا ق ام على االبتك ار والتط وير للخ روج من الظلم ات إلى الن ور‪ ،‬فالم دن المبه رة‬
‫والمعالم األثرية ُتعّب ر عن إبداع العرب في البناء والعمارة من قديم الزمان وحتى اليوم‪ ،‬وفكرهم وأدبهم‬
‫وشعرهم ُيعبر عن ثقافتهم الواسعة‪ ،‬وتعمقهم بالعلوم للخروج بنظرياٍت جديدٍة لم يعرفها العالم من قبل‪.‬‬
‫قائمة المراجع‬
‫جرجي زيدان ‪ ،1957،‬العرب قبل اإلسالم ‪.‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫رينيه ديسو ‪ ،1959،‬العرب في سوريا قبل اإلسالم ‪،‬ترجمة عبد الحميد الدواخلي ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫صالح أحمد العلي‪ ، 1959 ،‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ :‬الدول العربة قبل اإلسالم ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫العلي ‪ ،‬د‪ .‬ص الح احم د ‪ ،‬محاض رات في ت اريخ الع رب ‪ ،‬محاض رات في الت اريخ االس المي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جواد علي ‪ ،‬المفصل في تاريخ العرب قبل االسالم ج‪، 1‬‬
‫عمر فروخ ‪، 1984،‬تاريخ الجاهلية‪.‬بيروت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫فيليب ح تي ‪ ،1951-1949،‬ت اريخ الع رب (مط ول) ‪ ( ،‬نقل ه إلى العربي ة ادوارد ج رجي‬ ‫‪‬‬
‫وجبرائيل جبور )‬
‫ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي للدولة العربية ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ - 15‬سالم ؛ دراسات‬ ‫‪‬‬

You might also like