Professional Documents
Culture Documents
تقديم:
تعد مسألة حماية البيئة من أعقد قضايا العصر التي تستحوذ على اهتمام
املتخصصين في شتى املجاالت ومختلف املجتمعات اإلنسانية مهما تباينت نظمها القانونية
واالجتماعية ،فبعدما كان االهتمام بقضايا البيئة بمثابة نوع من الرفاهية التي ال قبل لدول العالم
الثالث به؛ أضحى وسيلة يلهث الجميع ورائها في محاولة إلنقاذ كوكب األرض الذي نعيش عليه من
الدمار والخراب الذي أصبح في تزايد مستمر بفعل الطفرة النوعية التي حدثت في استغالل املوارد
الطبيعية وإنتاج الطاقة ،كما انعكس التقدم الصناعي الهائل الذي شهده العالم على البيئة
وعناصرها ،إذ زادت نسبة التلوث والتدهور البيئي وأصبحت البيئة غير قادرة على تجديد
عناصرها الطبيعية واختالل توازن عناصرها ،وبات مستقبل الحياة على األرض مهددا بأخطار
جسيمة نتيجة لتصرفات اإلنسان واعتداءاته املتزايدة على البيئة.341
ومن هنا وجد اإلنسان نفسه أمام واقعا مؤملا ،فقد فسدت التربة باملبيدات ،وتلوث
الهواء بالدخان واإلشعاعات ،وتعكرت البحار ببقع الزيوت النفطية ،وتسممت األنهار بفعل
النفايات وبدأت الغابات تحتضر ،والسالالت تنقرض والطقس يضطرب واملوازين الطبيعية
تختل ،وظهرت أمراض جديدة ال براء منها ،وفيروسات فتاكة ال ترى بالعين املجردة وال يجدي معها
341أعطــى املش ــرع املغربــي "للبيئ ــة" تعريفــا واس ــعا ،قــائال ف ــي املــادة 3م ــن القــانون املتعل ــق بحمايــة واستص ــالح البيئــة " 11.03ه ــي مجموع ــة
العناصر الطبيعية والثقافية التي تمكن من تواجد الكائنات الحية واألنشطة اإلنسانية وتساعد على تطورها...إلخ".
170
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لذا أصبح هذا املوضوع يفرض نفسه على الساحة الوطنية والدولية مع بروز اإلحساس
بخطورة ظاهرة التلوث البيئي وفداحة اآلثار املترتبة عليها ،حيث لفتت انتباه املفكرين والعلماء
وحتى عامة الناس على املستوى املحلي ،ومن ثم أصبحت الدول تسعى جاهدة للمحافظة على
البيئة كقيمة اجتماعية تستحق الحماية نظرا ألهميتها على الفرد واملجتمع.
كما شهد النصف الثاني من القرن العشرين اهتماما متزايدا بحماية ورفع الوعي البيئي
لدى األفراد للحفاظ على البيئة ،وذلك بانعقاد املؤتمرات واالتفاقيات الدولية واإلقليمية الداعية
للحفاظ على بيئة نقية صالحة لالستعمال البشري ،على أسس علمية ومنهجية صحيحة؛ حيث
زاد االهتمام العالمي بالبيئة بعد وقوع عدد من الكوارث البيئية الناجمة عن تعدي اإلنسان على
البيئة والوسط الطبيعي الذي يعيش فيه مع غيره من الكائنات الحية األخرى ،وبصفة خاصة بعد
غرق ناقلة البترول الليبيرية " توري كانيون " Torry-Canyonأمام شواطئ اململكة املتحدة في ماي
.،3431967ومن ثم تنبهت األمم املتحدة للخطر البيئي املهدد للبشرية ،فوجهت الجمعية العامة
الدعوة إلى عقد مؤتمر عالمي حول البيئة ،وذلك للبحث عن حلول ناجعة ملشاكل التلوث العديدة
وغيرها من األضرار التي تهدد املجاالت البيئية ،وبعد اجتماعات تمهيدية مكثفة تم عقد مؤتمر
البيئة اإلنسانية بستوكهولم بالسويد سنة ،1972وتبنى هذا املؤتمر شعار "أرض واحدة
342دقت منظمة الصحة العاملية ناقوس الخطر ،في تقريرها الصادر 6مارس 2018ملا تشهده البيئة العاملية مـن ملوثـات خطيـرة تتسـبب
ســنويا فــي وفــاة 1.7مليــون طفــل نتيجــة النفايــات اإللكترونيــة الناشــئة عــن إعــادة تــدويرها – تنــاول املــواد الكيميائيــة الضــارة عــن طريــق
الغذاء واملاء والهواء واملنتجات املحيطة بهم -وتردي الخدمات الصحية وارتفاع اإلصابة باملواد الكيميائية كالزئبق والرصاص والفلورايد
الناتجـة عـن بقايـا الحـروب التـي يشـهدها العـالم ،...كمـا دعـت منظمــة الصـحة العامليـة حكومـات الـدول إلـى تحسـين جـودة امليـاه الصــالحة
للشــرب والصــرف الصــحي والخــدامات الصــحية والحــد مــن تلــوث الهــواء ودحــر تــأثير تغيــر املنــاخ والتــي تــؤثر جميعهــا علــى صــحة األطفــال
للوقايـة مــن املخــاطر البيئيـة ،قصــد بلــوغ أهـداف التنمي ـة املســتدامة التـي ســطرتها املنظمــة وأهمهـا وضــع نهايــة لوفيـات املواليــد واألطفــال
حــدي ي الــوالدة واألطف ــال دون ســن الخامس ــة بحلــول عــام .2030أنظ ــر تقريــر منظم ــة الصــحة العامليــة 6م ــارس 2017بموقــع www. :
.Who.int.ig/تاريخ االطالع .2019 /09/12 :التاسعة صباحا.
343
من أضخم ناقالت البترول في العالم ،حيث كانت الليبيري تعد ناقلة البترول "توري كانيون "Torry- Canyonالتي كانت تحمل العلم
تحمل 880ألف برميل من البترول الخام الكويتي ،وقد تحطمت فـي 17مـارس 1967فـي بحـر الشـمال أمـام الشـواطئ اإلنجليزيـة ،وتسـرب
منهــا 60أل ــف طــن م ــن البتــرول ،حي ــث نــتج عن ــه هــالك اآلالف م ــن الطيــور البحري ــة ،ومــوت كمي ــات هائلــة م ــن األســماك ،وق ــدرت آن ــذاك
تكــاليف نظاف ــة الش ــواطئ بح ــوالي 8ماليــين دوالر .أنظ ــر .www.eufje.org/uploads.com 36474htm :ت ــاريخ اإلط ــالع 6 :ش ــتنبر .2019
التاسعة صباحا.
171
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
فقط" ،344الذي تمخض عنه إقرار مجموعة من املبادئ والتوصيات ،345التي تعد وبال جدال
بمثابة الركيزة األساسية لكافة البحوث العلمية والقانونية في املجال البيئي.
كما شكل مؤتمر األمم املتحدة للبيئة والتنمية املعروف باسم " قمة األرض" املنعقد في
ريو دي جانيرو بالبرازيل خالل شهر يونيو ،1992محطة هامة إلقرار حق الدول في استثمار
مواردها الطبيعية شريطة أال تسبب ضررا للبيئة؛ كما تناول مؤتمر األمم املتحدة التاسع ملنع
الجريمة ومعاملة املجرمين ،1995حماية البيئة وبحث إمكانيات وصعوبات إعمال العدالة
الجنائية لتكثيف التعاون الدولي ملكافحة اآلثار الضارة الناجمة عن الجرائم التي ترتكب ضد
البيئة ،وقد دعا املؤتمر إلى ضرورة التنسيق على كافة األصعدة الوطنية والدولية ،في إتباع أساليب
مبتكرة ملعالجة ما يتطلبه القانون الجنائي من شروط بشأن إدخال الجريمة البيئية لنطاق
التجريم وأدلة إثباتها ،خصوصا عندما تكون آثار الجريمة البيئة واسعة االنتشار.346
وغيرها من املؤتمرات التي حظيت فيها البيئة وقضايا الجرائم البيئية باالهتمام
والعناية ،خصوصا قمة املناخ أواخر سنة 2015بباريس ،347ومؤتمر األطراف حول التغيرات
املناخية الذي عقد أيام 7إلى 18نونبر 2016بمراكش 348قصد توقيع اتفاق ملزم بين الدول
344
Voir : Eric Naim-Gesbert, « Pour une théorie générale du droit de l’environnement » R.J.E, vol 39, 2014, p 5 et 6.
345
تمخض عن مؤتمر ستوكهولم بالسويد 109 ،توصية و 26مبدأ لدعم حماية البيئة ،ومن بين أبرز هـذه املبـادئ نـذكر املبـدأ 24الـذي
جاء فيه:
Le principe 24 du déclaration de la conférence des Nation Unies sur l’environnement proclame que : « les questions
internationales se rapportant à la protection et à l’amélioration de l’environnement devraient être abordées dans un
esprit de coopération par tous les pays, grands ou petits sur un pied d’égalité, une coopération par voie d’accords
multilatéraux ou bilatéraux ou par d’autres moyens appropriés et indispensable pour limiter efficacement prévenir
réduire et éliminer les atteintes à l’environnement résultant d’activités exercées dans tous les domaines, et ce dans les
respect de la souveraineté et des intérêts de tous les Etats ».
346أنظر :الفصل السادس من املؤتمر التاسع ملنع الجريمة ومعاملة املجرمين ،املنعقد مـا بـين 29أبريـل و 8مـاي ،القـاهرة ،مصـر سـنة
.1995
347
أول
مــؤتمر بــاريس بش ــأن تغيــر املنــاخ أو اتف ــاق بــاريس ( " )Accord de Parisكــوب "21ه ــو اتفــاق عــالمي بش ــأن املنــاخ ،جــاء عق ــب
املفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر األمم املتحدة 21للتغير املنا ي في باريس مابين 30نونبر 12دجنبر 2015من أجل الوصول إلى اتفاق
دائم ومتوازن وملزم قانونيا .صادقت عليه 195دولة.
348مؤتمر مراكش بشأن االحتباس الحراري أو كوب 22هو مؤتمر واجتماع قمة جرى عقده في مـراكش خـالل الفتـرة مـا بـين 7و 18نـونبر
،2016ويعد هذا املؤتمر النسخة 22من مؤتمر األطراف ) (cop22حسب اتفاقية األمم املتحدة املبدئية بشـأن التغيـر املنـا ي ،وشـاركت
172
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ملواجهة التهديدات الخطيرة التي أصبحت تشهدها دول املعمور ،والوصول إلى الحلول الناجعة
ملعالجة هذا النوع من الجرائم املستحدثة.
كل هذه املؤتمرات حتمت على الدول ومن بينها املغرب ،إصدار تشريعات بيئية
ومالءمتها مع املرجعية الدولية ،من أجل تأمين املجال البيئي ضد األضرار واألفعال غير املشروعة،
الناتجة عن سوء استعمال املوارد الطبيعية.349
وترتب عن هذا التطور الهائل في مجال االهتمام بقضايا البيئة ومشاكلها املختلفة ظهور
بوادر الحماية انعكست على جميع الدول ،حيث بدأت كل الدول بما فيها املغرب؛ تصدر تشريعات
خاصة بمكافحة التلوث وحماية البيئة وعناصرها املختلفة من كافة أفعال املساس بها ،لذلك
شهدت السنوات األخيرة اهتماما بالغا بموضوع األضرار البيئية كواحدة من أبرز الجرائم التي
تقترف في حق املجتمع ،األمر الذي دعا معظم الدول إلى إعطاء األولوية ملوضوع حماية البيئة
وادارجه ضمن أجندتها الوطنية ،وسعت الدول إلى تكريس هذه الحماية من خالل سن عدة
تشريعات وقوانين تعنى بالبيئة وعناصرها املختلفة.
بيد أن الحماية الجنائية للبيئة لم تأتي إال في مرحلة متأخرة بعدما عجزت القواعد
القانونية املدنية واإلدارية على توفير الحماية الالزمة للبيئة من أفعال التلوث وكافة أشكال
االعتداء األخرى ،إذ لوحظ غياب فعالية النصوص القانونية املدنية واإلدارية والدولية في ردع
مرتكبي أفعال التلويث البيئي .350حيث تتنوع األفعال التي تشكل اعتداءا على البيئة بقدر تنوع
وتعدد العناصر البيئية املختلفة (ماء،هواء ،نبات ،حيوان ،تربة ،)...،والتي تصلح كقيم اجتماعية
محل التجريم؛ فكل عنصر من هذه العناصر يتعرض العتداء بصورة مختلفة عن غيره من
العناصر ،سواء كان هذا االعتداء في شكل نشاط إيجابي أو سلبي ،عمدي أو غير عمدي ،سلوك
فيه 196دولة ،ويأتي "كوب "22كتكملة "كوب "21التي أحرزت تقدما مهما ،وتندرج هذه الدورة في إطار الجهود املبذولـة لبلـورة مختلـف
املحاور املنصوص عليها في اتفاق باريس ،والتي وقعت عليه كل الوفود البالغ عددهم 195واملتعلق بخفض احتواء االحترار العـالمي ألقـل
من درجتين.
349
إن تطــور الترســانة القانونيــة البيئيــة ببالدنــا تــأثرت باألحــداث والتطــورات التاريخيــة التــي شــهدها املغــرب ،فبعــد أن كانــت البيئــة وبــاقي
املجــاالت األخــرى ينحصــر تنظيمهــا وتأطيرهــا مــن طــرف الشــريعة اإلســالمية املتمثلــة فــي الق ـران الك ـريم والســنة النبويــة واإلجمــاع ،أضــحى
مصدرها الرسمي السيما بعد 1965يتمثل أوال في التشريع ثم العرف والقواعد الدينية واالجتهاد القضائي والفقه.
350
Dominique Guihal, droit répressif de L’environnement, 3eme Edition, économica,Paris France, 2008, p 203.
173
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مجرم في حد ذاته أم ال بد من تحقق نتيجة مادية ،وبالتالي تحدد كل جريمة من الجرائم املنصوص
عليها صورة النشاط املادي املتطلب حتى يقع تحت طائلة التجريم والعقاب ،351ونتيجة لتعدد
صور االعتداء على البيئة فقد أصدر املشرعاملغربي العديد من القوانين سعيا منه لحماية البيئة
بمختلف عناصرها ،إذ صدرت عدة قوانين لحماية البيئة األرضية واملائية والهوائية وحماية التنوع
البيولوجي وغيرها من العناصر األخرى.352
مما الشك فيه أن حق الفرد في الحرية أساس مشروع شريطة أن ال يمس حقه هذا
حرية وحقوق اآلخرين ،وهكذا فحق اإلنسان في العيش ضمن بيئة سليمة حق مكفول
دستوريا ،353فإن هذا الحق مقيد بضرورة مراعاة حقوق اآلخرين ،وكذا مراعاة البيئة كقيمة
اجتماعية وإنسانية وأخالقية ،وكل تصرف مشين تجاه عناصرها يجب أن يشكل مصدرا
للمسؤولية بصورة عامة ،يؤاخذ فيها الشخص على تصرفاته ،وترتدي هذه املؤاخذة طابعا عقابيا
قد يكون جنائيا وقد يكون مدنيا.
وباعتبار القانون الجنائي البيئي يشكل جزءا ال يتجزأ من القانون الجنائي العام
بعناصره الثالثية ،الجريمة -العقوبة – املسؤولية ،-تبقى هذه األخيرة من أهم اإلشكاالت التي تطرح
بحدة في مجال البيئة ،حيث إن القاض ي الجنائي في املادة البيئية يجد صعوبة أحيانا في تحديد
351الجريمة البيئية باعتبارها سلوك ايجابي أو سلبي سواء كان عمدي أو غير عمدي ،يصدر عـن شـخص طبيعـي أو معنـوي يضـر أو يحـاول
اإلضرار بأحد عناصر البيئة ،بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .أنظر:
Jacques-Henri Robert et Martine Rémond-Gouilloud, « Droit Pénal de l’environnement », Masson, Paris, 1983 p 30.
( )352يتــوفر املغــرب علــى ترســانة قانونيــة بيئيــة ضــخمة تشــمل مختلــف عناصــر البيئــة ،وتغطــي مجموعــة مــن املجــاالت( ،ميــاه وغابــات
ونباتـات وتطهيــر ومكافحــة التلــوث وحمايــة الثــروة الحيوانيــة...إلخ ) ،منهــا مـا صــدر قــديما وحــديثا ،وأهــم هــذه النصــوص القانونيــة علــى
سبيل املثال وليس الحصر :ظهير 1914املتعلق باملؤسسات املزعجة واملضرة بالصحة -ظهير 10أكتوبر 1917املتعلق بحفظ الغابات
واستغاللها -ظهير 28نونبر 1973املتعلق بالصيد البحري ...إلخ ،كما تم تدعيم الترسانة البيئية بصدور قوانين حديثـة لحمايـة البيئـة
مــن قبيــل قــانون 36.15املتعلــق باملــاء ،قــانون 11.03املتعلــق بحمايــة واستصــالح البيئــة -وقــانون 12.03بدراســة التــأثير علــى البيئــة-
وقانون 13.03املتعلق بمحاربة تلوث الهواء وقانون 28.00املتعلـق بتـدبير النفايـات والـتخلص منهـا -قـانون 99.12بمثابـة ميثـاق البيئـة
والتنميـة املسـتدامة -قـانون رقـم 81.12املتعلـق بالسـاحل ،قـانون 09.13املتعلـق بالطاقـات املتجـددة ق ــانون رقــم 77.15يقضـ ي بمنـع
صنع األكياس من مادة البالستيك واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها ...إلخ.
353
مــا يحس ــب للدس ــتور املغربــي لس ــنة 2011أن ــه اعتبــر الحص ــول عل ــى املــاء والع ــيش ف ــي بيئــة س ــليمة حق ــا مــن الحق ــوق األساس ــية لجمي ــع
املواطنين على قدم املساواة ،وذلك في الفصل 31من الدستور الباب املتعلق بالحريات والحقوق األساسية ،كما عمل املشـرع علـى إحـداث
املجلـس االقتصــادي واالج تمــاعي والبيئــي ،يــدلي برأيــه فــي التوجهــات العامـة لالقتصــاد الــوطني والتنميــة املســتدامة ،فــي البــاب الحــادي عشــر
(الفصول .)153-152-151
174
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخص املسؤول املباشر عن ارتكاب الفعل اإلجرامي ،لكون األشخاص املعنوية قد طغت بشكل
واضح على الساحة التنموية ،مما جعل كذلك مهمة البحث عن الشخص الطبيعي املسؤول في
ظلها تزيد من حدة هذه الصعوبة.
وإذا كان املقصود باملسؤولية عن الجرائم البيئية تحمل الجزاءات املقررة قانونا لكل من
يمس بسالمة عناصر البيئة ،فإن كل شخص طبيعي أو معنوي ساهم في اإلضرار بهذه العناصر
يعد مرتكبا لجرم املساس البيئي .354ولذلك تقوم املسؤولية الجنائية في القانون على االلتزام
بتحمل الفاعل للجزاءات التي تفرضها القواعد القانونية بسبب مخالفة أحكامها ،وهذه الجزاءات
ال تطال كمبدأ عام إال اإلنسان املرتكب للفعل ،تكريسا ألحد املبادئ املؤطرة للقانون الجنائي
الكالسيكي ،أال وهو "مبدأ شخصية العقوبة الجنائية" ،لكن وأمام التطورات والتغيرات التي عرفتها
املجتمعات الحديثة ،واستيعابها ملعظم األنشطة في املجتمع ،وزيادة مساحة الخطر الذي يهدد
األفراد جراء هذا النشاط ،األمر الذي أدى في النهاية إلى حماية املتضررين ،من خالل إقرار
مسؤولية الشخص املعنوي دون خطأ ينسب إليه تفاديا إلعسار ممثله القانوني وعدم قدرته على
تعويض املتضررين ،تماشيا مع الخصوصية التي تطبع الجرائم البيئية ،وإن كان شمول األشخاص
املعنوية للعقوبة طرح نقاشا فقهيا وإشكاالت عملية ،تضاف للمسؤولية الجنائية للشخص
الطبيعي عن الجرائم البيئية.
انطالقا من هذه التوطئة ،يمكن التساؤل حول مدى تطابق أسس املسؤولية الجنائية
البيئية مع القواعد العامة املنظمة للمسؤولية الجنائية ؟
وتبعا لذلك سنقوم بتسليط الضوء على تنوع املسؤولية الجنائية البيئية ،من خالل
التطرق للمسؤولية الجنائية البيئية للشخص الطبيعي (املبحث األول) ،قبل الحديث عن مساءلة
الشخص املعنوي عن الجريمة البيئية (املبحث الثاني).
354بخ ــدة مه ــدي ،املس ــؤولية الجنائي ــة البيئي ــة ،مجل ــة البح ــوث العلمي ــة ف ــي التش ـريعات البيئي ــة ،ع التجريب ــي ،كلي ــة الحق ــوق ،جامع ــة اب ــن
خلدون ،تيارت 2011،ص .34
175
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
355
David Deharbe,« le droit de l’environnement industriel 10 ans de jurisprudence »Ed, Litec 2002 p 291.
176
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الجميع مسؤولين عنها؛ وعلى هذا األساس جرم القضاء الفرنس ي ،فعل أربعة مصانع قامت بإلقاء
مواد ضارة في مجرى أحد األنهار وذلك بصرف النظر عما إذا كان التلوث قد تم بفعل أحد هذه
املصانع من عدمه.356
لهذا يالحظ على املشرع الجنائي البيئي ،نادرا ما يقرر في النصوص الخاصة بجرائم البيئة
شخصية الفاعل 357فمعظم النصوص تجرم بألفاظ عامة بالقول " كل من "...أو " من تسبب
في ،"...وبذلك يترك للقاض ي مسؤولية تحديد من هو فاعل الجريمة الذي يقصده القانون .358إال
أن هذا ال يمنع من القول إن هناك بعض النصوص التي تجرم األفعال الضارة بالبيئة ،والتي يحدد
فيها صفة الفاعل ،ولكن هذه املقتضيات محدودة والغرض منها تحديد مسؤولية كل من يرتكب
الفعل أو يساهم فيه وذلك بتجريم نشاطه.
ومن هنا نهج املشرع البيئي مساءلة الشخص الطبيعي عن جريمة البيئة معتمدا في ذلك
على ثالثة وسائل وهي اإلسناد القانوني(الفقرة األولى) ،واإلسناد املادي (الفقرة الثانية) ثم اإلسناد
االتفاقي (الفقرة الثالثة).
الفقرة األولى :اإلسناد القانوني
يقص د باإلسناد القانوني تلك الطريقة التي يتولى فيها املشرع البيئي تحديد بشكل دقيق
ومباشر صفة الفاعل أو تعيين شخص أو عدة أشخاص كفاعلين للجريمة؛ وذلك بغض النظر عن
الصلة املادية بين شخصية الفاعل وبين الفعل الضار بالبيئة ،أي بصرف النظر عن كون هذا
الشخص هو مرتكب األفعال املادية املكونة للجريمة أم ال .كما هو الحال مثال في املادة 61من
قانون رقم 27.13املتعلق باملقالع 359والتي تنص على"" يعاقب بغرامة من خمسة آالف درهم
356
Jean Lamarque,« Droit de la protection de la nature et de l’environnement »L.G.D.J, Paris,1973, p 479.
357باسـتثناء ظهيــر 10أكتــوبر 1917املتعلـق بحفــظ الغابــات واسـتغاللها ،الــذي يعــد أهـم القــوانين تعبي ـرا عـن إســناد املســؤولية الجنائيــة
لألفراد الذاتيين ،كمـا هـو منصـوص عليـه مـثال ضـمن الفصـل 34والـدي جـاء فيـه " كـل مـن حـرث أو زرع أو غـرس أرضـا مـن أراضـ ي الغابـة
يحكم عليه بذعيرة تتراوح من 2000إلى 12000فرانك عن كل هكتار محروث أو مزروع أو مغروس ."....
358فرقان معمر ،املسـؤولية الجزائيـة عـن الجريمـة البيئيـة ،مجلـة الدراسـات القانونيـة املقارنـة ،ع ،1كليـة الحقـوق ،جامعـة حسـيبة بـن
بوعلي ،الشلف 2015 ،ص . 165
359ظ ش رق ــم 1.15.66ص ــادر ف ــي 21م ــن ش ــعبان 9( 1436يوني ــو )2015الص ــادر بتنفي ــذ الق ـ رق ــم 27.13املتعل ــق باملق ــالع ،ج ر ع
ـانون
6374بتاريخ 15رمضان 2 ( 1436يوليو ،)2015ص .6082
177
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( )5.000إلى عشرين ألف ( )20.000درهم :كل مفوت ومفوت له الستغالل مقلع ال يصرحان إلى
اإلدارة بتفويت هذا االستغالل وفقا ملقتضيات املادة 33أعاله؛ ""...كما نجد أيضا املادة 11من
القانون رقم 11.03املتعلق بحماية واستصالح البيئة 360تحمل مسؤولية " كل شخص يملك أو
يشغل منشأة مصنفة أن يتخذ كل التدابير الالزمة للوقاية وملحاربة تلوث البيئة وتدهور الوسط
الطبيعي ،وذلك طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية"...
نفس التوجه نجده في التشريعات املقارنة كالقانون الفرنس ي رقم 599الصادر في 7
يونيو 1976بشأن التلوث الناتج عن عمليات الدفن واإلغراق تنفيذا التفاقية أوسلو لعام 1972
الخاصة بمنع التلوث البحري الناجم عن إلقاء النفايات من السفن والطائرات ،إذ يعاقب مالك
السفينة أو املشغل لها باعتباره شريكا في جريمة اإلغراق التي ترتكب بدون أمر منه.
لذلك تقوم مسؤولية الشخص في ظل اإلسناد القانوني ،حسب الصفة التي حددها
املشرع ولو لم يكن هذا املسؤول قد ارتكب بنفسه الفعل الضار بالبيئة.
الفقرة الثانية :اإلسناد املادي
تتحقق املسؤولية الجنائية وفق اإلسناد املادي ،عندما ينسب لشخص ما الفعل املادي
سواء كان إيجابيا أو سلبيا املكون للجريمة البيئية ،إذ يعتبر مسؤوال عن الجريمة البيئية كل
شخص طبيعي يرتكب النشاط املادي املكون للجريمة بنفسه أ و مع غيره ،أو الشخص الذي يمتنع
عن اتخاذ التدابير واإلجراءات التي تقض ي بها القوانين البيئية ،حيث تستعمل نصوص التجريم في
هذا اإلطار عبارات فضفاضة وعامة من قبيل "كل شخص"" ،من تسبب" أي الفاعل املادي
للجريمة البيئية.361
عالوة على ذلك ،يقوم اإلسناد املادي على إدراك الرابطة املادية بين السلوك املجرم
ومرتكبه ،وعليه فالشخص يعد مرتكبا للجريمة البيئية إذا كان هو املنفذ األساس ي للعناصر املادية
360
ظ ش رق ــم 1.03.59ص ــادر ف ــي 10ربي ــع األول 1424املواف ــق 12م ــاي ،2003الص ــادر بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم 11.03املتعل ــق بحماي ــة
واستصالح البيئية ،ج رع 5118بتاريخ 18ربيع األخر 1424املوافق 19يونيو ،2003ص .1900
361
Roselyne Nèrac Croisier, « Sauvegarde de l’environnement et droit Pénal »Coll: Sc.Crim, Ed L’harmattan, 2007, p -86
85.
178
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
كما حددها القانون أما جريمة االمتناع فيعتبر فاعال للجريمة كل من يقع على عاتقه االلتزام
بالعمل ،وإن كان املشرع البيئي يميل دا ئما إلى توسيع مفهوم النشاط املادي ليشمل عدد
املسؤولين حتى يضمن حماية أكبر للبيئة كما هو الحال في املادة 41من القانون رقم 13-09
املتعلق بالطاقات املتجددة " 362يعاقب بالحبس من 3أشهر إلى سنة وبغرامة من 100.000إلى
مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص يقوم بإنجاز منشأة إلنتاج الطاقة
الكهربائية انطالقا من مصادر الطاقات املتجددة أو يستغلها أو يقوم بتوسيع قدرتها دون
الحصول على الترخيص املنصوص عليه في املادة ."3
ومن هنا نستنتج أن املشرع ال يحدد الشخص املسؤول بصفته ،وإنما يضع عبارات عامة
تستوعب كل األشخاص املمكن مساءلتهم عن الضرر البيئي.
الفقرة الثالثة :اإلسناد االتفاقي
يقوم اإلسناد االتفاقي على أساس اختيار صاحب العمل أو املؤسسة للشخص املسؤول -
من بين العاملين لديه – عن كل املخالفات التي ترتكب في حق البيئة ،ومن ثم إضفاء املسؤولية
الجنائية عليه ،لكونه صاحب القرار املفوض له املهام الذي ألحق ضرر بالبيئة .363فهذا األسلوب
يزيل الغموض عن االختصاصات لكل شخص طبيعي يمثل الشخص املعنوي بسبب صعوبة
تحديد الشخص املسؤول جنائيا عن الجريمة البيئية التي ترتكب في إطار الشخص املعنوي ،وهذا
املعيار من شأنه تحقيق ردعا فعاال للجرائم التي تمس البيئة ،كما جاء في املادة 35من قانون رقم
30.05املتعلق بنقل البضائع الخطرة عبر الطرق "" 364يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة
من 2.000إلى 8.000درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط:
مرسل البضائع الخطرة الذي ال يسلم الناقل التصريح باإلرسال املنصوص عليه في املادة
20من هذا القانون؛
362
ظ ش رقــم 1.10.16صــادر ف ــي 26مــن صــقر 1431املواف ــق 11فبرايــر ،2010الص ــادر بتنفيــذ ،القــانون رق ــم 13.09املتعلــق بالطاق ــات
املتجددة .ج ر ع 5822بتاريخ 18مارس 2010ص .1118
363
Jean Marie Prinet et Hublot, « Les crimes contre l’environnement, » Rev.Dr.Pén.Crim, Avril-Juin 1993, p 268.
364ظ ش رق ــم 1.11.37ص ــادر ف ــي 29م ــن جم ــادى الثاني ــة 2( 1432يوني ــو )2011بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم 30.05املتعل ــق بنق ــل البض ــائع
الخطرة عبر الطرق ،ج ر ع 5956الصادرة في 27رجب 30( 1432يونيو ،)2011ص .3072
179
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ناقل البضائع الخطرة الذي ال يسلم سائق املركبة املخصصة لنقل هذه البضائع نسخة
من بطاقة السالمة أو التصريح باإلرسال أوهما معا كما هو منصوص عليهما على التوالي في املادتين
19و 20من هذا القانون؛
املرسل إليه الذي يؤجل دون سبب قبول البضاعة الخطرة أو يرفض توقيع إشهاد بتسلمها
خالفا ألحكام املادة 32أعاله؛ .""...
كما حرص التشريع البلجيكي على اعتماد هذا األسلوب بإلزام صاحب العمل بتعيين أحد
العاملين لديه ليتولى تنفيذ االلتزامات والتدابير املنصوص عليها في القوانين واللوائح ومن تم يضحى
مسؤوال جنائيا عن مخالفة هذه النصوص ،حيث تنص املادة 20من القانون البلجيكي الصادر في
22يوليوز 1974بشأن النفايات السامة على أن أعمال التخلص من النفايات السامة تكون تحت
سلطة شخص مسؤول يعينه صاحب العمل.365
إن هذا األسلوب في تحديد املسؤولية يتو ى منه املشرع الحد من الصعوبات التي تعتري
القضاء في تحديد الشخص املسؤول عن بعض الجرائم التي يتدخل فيها مجموعة من األشخاص،
خصوصا تحديد الشخص الطبيعي املسؤول داخل الشركة امللوثة الذي يعد من األمور التي تثير
إشكاال ،إما على مستوى الفقه أو على مستوى القضاء ،ومرد هذا اإلشكال وجود اختالف في مركز
اتخاذ القرار داخل املنشأة من جهة ،وتعدد املسؤولين من جهة أخرى ،خاصة إذا تعلق األمر
بمنشأة ضخمة تقوم املسؤولية في إطارها ،على التضامن بين املسؤولين أو الفاعلين سواء األصليين
أو املشاركين.366
هذا ما جعل توجهات السياسة الجنائية املعاصرة تميل إلى إقرار املسؤولية الجنائية
للشخص املعنوي تطبيقا ملبدأ عدم اإلفالت من العقاب ،لكن جانبا من الفقه 367يتحفظ على
365كريم بنموس ى ،أحكام املسؤولية في الجرائم البيئية ،األمن البيئـي مـن خـالل اجتهـادات محكمـة الـنقض ،دفـاتر محكمـة الـنقض ع 28
سنة ،2017ص .251
366
إلهام العلمي ،الحماية الجنائية للبيئة من خالل قانون املنشآت املصنفة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية عين الشق ،جامعة الحسن الثاني ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية ، 2003/2002ص .168
367
– Bouloc Bernard, « la responsabilité pénale des entreprises en droit français », Rev, int, dr, comp, V 46, N° 2, Avril
Juin 1994 ; p 671.
180
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أسلوب اإلسناد االتفاقي كوسيلة لتعيين الشخص الطبيعي املسؤول عن الجريمة البيئية ،استنادا
إلى الحجج اآلتية:
ال يمكن تعميم هذه املقولة على جميع األشخاص املعنوية ،ذلك أن تعيين األشخاص
املسؤولين قد يؤدي إلى إدانة هؤالء على جرائم معينة ،مقابل إفالت املسؤولين الحقيقيين عن تلك
الجرائم.
إن الفائدة العملية لهذا األسلوب ليست بالقدر الكافي ،حيث أن تعيين الشخص املسؤول
مسبقا ال يقيد القاض ي عند بحثه عن املسؤول الحقيقي عن الجريمة ،كما أنه يحول دون أن يكون
عقبة أمام إدانة الجاني.
املطلب الثاني :شروط املسؤولية الجنائية عن فعل الغير
إذا كان املبدأ الثابت في القوانين الجنائية عامة تقض ي بشخصية العقوبة ،ومن ثمة
شخصية املسؤولية ،إذ ال يسأل الشخص إال عن فعله الشخص ي ،فإنه واستثناء من ذلك ،توجد
بعض الحاالت التي يرتب فيها القانون على شخص مسؤولية عمل قام به غيره؛ وهو ما يسمى
باملسؤولية الجنائية عن فعل الغير ،لذلك تنازع الفقه الجنائي في تأصيل هذه املسؤولة ،فرأي أول
أقامها على أساس نظرية املشاركة في الجريمة ،368فيما أسسها رأي ثاني على نظرية الفاعل
املعنوي ،369بينما ذهب رأي ثالث إلى نظرية افتراض الخطأ370؛ وعلة إقرار هذه املسؤولية في
368جعل هذا الرأي املسؤول عن فعل الغير بمثابة شريك في الجريمة التي يرتكبها غيره سواء بالتحريض أو االتفاق أو املساعدة السلبية،
وســند دلــك أن القاســم املشــترط بــين املســؤولية الجنائيــة عــن فعــل الغيــر واإلش ـراك يكمــن فــي الطــابع املعنــوي ،فاملســؤول عــن فعــل الغيــر
يتصف سلوكه بالصبغة املعنوية ،ألنه ال يأتي الفعل اإلجرامي بنفسه وال يتدخل فـي ارتكابـه إذا كـان يتكـون مـن جملـة أفعـال وإنمـا يحجـم
عن الوفاء بالتزامه القانوني فيقع األمر املنهي عنـه فـي العـالم الخـارجي...إلخ .راجـع فـي ذلـك :محمـود عثمـان الهشـري ،املسـؤولية الجنائيـة
عن فعل الغير ،رسالة دكتوراه في الحقوق ،جامعة القاهرة ،سنة 1969ص .19
369يرى هذا الرأي أن فاعـل الجريمـة ال يقتصـر علـى مرتكـب الفعـل املـادي وإنمـا يشـمل حتـى مـن يـدفع غيـره إلـى ارتكابـه جريمـة مسـتغال فـي
فيه عدم أهليته الجنائية أو حسن نيتـه تحقيقـا ملصـلحته أو مـن يرتكـب الفعـل اإلجرامـي بنـاء علـى أوامـره ،ويطلـق عليـه الفاعـل املعنـوي،
ومـن ثــم فــإن صـاحب املعمــل أو املنشــأة الـذي يــأمر أحــد تابعيـه أو الخاضــعين إلش ـرافه ورقابتـه بخــرق أحكــام القـانون أو يتــركهم بإهمالــه
يقترفان جريمة من الجرائم لحسابه ،أو من أجل تحقيق مصلحة خاصة به يعد فاعلها املعنوي...إلخ .راجع في ذلك :حسام محمد سامي
جابر ،الجريمة البيئية ،مطبعة دار شتات للنشر والبرمجيات ،مصر ،سنة ،2011ص .178
370بيد أن هذا الرأي اعتناق املسؤولية الجنائية عن فعل الغير لـيس علـى أسـاس افتـراض ملسـؤولية الجنائيـة فـي الشـخص ،وإنمـا أسسـها
على افتراض الخطأ في حقه ، la faute présuméeوالذي يتمثل في اإلهمال املتبوع على واجب اإلشراف والرقابة على أفعال تابعيه ،وذلك
181
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مجال الجرائم البيئية ،هي توجه السياسة الجنائية الحديثة إلى حث صاحب املنشأة أو القائم
عليها على حسن الرقابة واإلشراف على تابعيه أثناء مباشرة كل منهم ملهام العمل املكلف به،
والعمل على متابعة تنفيذ أحك ام التشريع البيئي لحماية البيئة من التلوث واملحافظة على طبيعتها،
حيث أضحت هذه املسؤولية تمثل أكثر أنواع املسؤولية تمردا على القواعد التقليدية؛ وفي هذا
اإلطار تنص املادة 41من ظهير 23نونبر 1973املتعلق "بالصيد البحري "371يعتبر األشخاص
اآلتي ذكرهم مسؤولين عن أداء الغرامات املقررة والعقوبات املدنية املحكوم بها ،مجهز بواخر
الصيد أو مستأجروها أو املؤمنون عليها من أجل األفعال التي يرتكبها قواد هذه البواخر ورجال
طاقمها ،وكذا األشخاص الذين يشغلون مؤسسات الصيد ومستودعات الرخويات أو القنافذ أو
القشريات من أجل األفعال التي يرتكبها أعوانهم ومستخدموهم" .ومؤدى ذلك تتحقق املسؤولية
عن أعمال التابع كلما توفرت ثالثة شروط ( :أولها) وقوع جريمة من التابع( ،وثانيها) أن تكون عالقة
سببية بين هذه الجريمة ومسؤولية املتبوع( ،وثالثها) عدم وجود تفويض من رب العمل يجعل
الفعل الذي أقدم عليه تابعه خارج عن نطاق رقابته واختصاصه.
الفقرة األولى :وقوع الجريمة البيئية من التابع
لقيام املسؤولية الجنائية البيئية حيال رب العمل ،صاحب املنشأة ،يجب أن يأتي التابع
سلوك يخضع للوم القانون الجنائي ،سواء في صورته العمدية أو غير العمدية؛ ففي نطاق الجرائم
العمدية يسأل املتبوع عن جرائم تابعه متى كان القانون يتطلب لقيامها توافر القصد الجنائي لدى
مرتكبها حتى ولو انتفى املخاطب بالقاعدة القانونية ،وهي ما يطلق عليها الجرائم التنظيمية ،ومن
ثم فإذا توافر القصد الجنائي لدى الغير ال يحول دون مساءلة املتبوع جنائيا ،متى قام في حقه
اإلخالل بواجب حسن تنفيذ القانون وإعمال الرقابة واإلشراف على تابعيه ،أما إذا كان املشرع
يعد بمثابة جريمة مستقلة عن جريمة التابع ...راجع في ذلك :أحمد فتحي سرور ،الوسيط في قانون العقوبات القسم العـام ،دار النهضـة
العربية ،سنة ،1981ص .581
371الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.255بتاريخ 27شوال 23( 1393نونبر )1973املتعلق بتنظـيم الصـيد البحـري ،ج ر ع 28نـونبر
.1974ص .2789
182
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يوجب توافر القصد الجنائي لدى املخاطب بالقاعدة القانونية ،فاملتبوع في هذه الحالة ال يسأل
عن جريمة تابعه العمدية ما لم يتوافر لديه القصد الجنائي الالزم لقيام هذه الجريمة.372
فإذا ما حصلت مخالفة أو إهمال لاللتزامات البيئية امللقاة على عاتق املنشأة الصناعية
من التابع ،كتسريب بعض املواد امللوثة في إحدى املجاري املائية أو سمح بانبعاث مواد غازية سامة
في الهواء دون احترام الضوابط املحددة في هذا اإلطار ،أقيمت مسؤولية الرئيس عن املخالفة أو
اإلهمال ،وليس ضروريا أن يسأل جنائيا التابع عن هذه املخالفة ،ألن احترام هذه الضوابط يعد
من الواجبات امللقاة على عاتق رئيس املؤسسة املمثل لها ،الذي يتعين عليه السهر على تأمين قيام
التابع بعمله تحت رقابته وإدارته ،وبالتالي تحت مسؤوليته الشخصية.373
هذا هو التوجه الذي سارت عليه محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها374
املؤسسة ملسؤولية رب العمل عن أعمال التابع حيث جاء فيه "" ...إذا كان مبدئيا أن ال أحد
يعاقب إال بناء على فعله الشخص ي ،فإن مع ذلك يمكن للمسؤولية الجنائية أن تنشأ عن فعل
الغير في حاالت استثنائية التي تفرض فيها بعض النصوص القانونية على رئيس املقاولة واجب
ممارسة إشراف مباشر على أفعال املساعدين أو التابعين له خصوصا في الصناعات التي تخضع
ألنظمة تملي مراعاة مصلحة أو متطلبات الصحة أو األمن العام ،فاملسؤولية الجنائية تقع أساسا
على عاتق رؤساء املقاوالت الذين يفرض عليهم شخصيا شروط وطرق استغالل صناعاتهم ".375
376
حسام محمد سامي جابر ،مرجع سابق ،ص .168
377هنـد والــي علمــي ،الحمايــة القانونيــة للبيئــة بــاملغرب وعالقتهــا بالتنميـة املســتدامة ،أطروحــة لنيــل الــدكتوراه فــي القــانون الخــاص ،كليــة
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس ،جامعة موالي إسماعيل ،السنة الجامعية ،2016/2015ص .292
184
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مثل هذه األحول عن أفعال هؤالء املخالفين للقوانين378؛ بيد أن التمسك باملبادئ التقليدية
للقانون الجنائي قد ال يسعف في زجر مرتكبي الجرائم البيئية ،إذا علمنا أن هذه األخيرة أصبحت
تتخذ أبعادا خطيرة وطنيا ودوليا.379
الفقرة الثالثة :عدم وجود تفويض من رب العمل
يجب لقيام املسؤولية حيال رب العمل أو صاحب املنشأة على الجريمة التي يرتكبها
تابعه أال يكون قد فوض غيره للقيام بواجب الرقابة واإلشراف على تابعيه نيابة عنه ،ألن مسؤولية
رب العمل أو صاحب املنشأة ترجع إلى خطئه الشخص ي الناتج عن امتناعه عن أداء واجب
اإلشراف والرقابة املفروضة عليه قبل تابعه ،طبقا ألحكام القانون الجاري به العمل.380
لذلك فإن األخذ بنظام املسؤولية الجنائية عن فعل الغير يدفع أصحاب املنشآت
االقتصادية والتجارية وغيرها إلى حسن الرقابة واإلشراف على تابعيهم ،ومحاولة توجههم لاللتزام
بأحكام القانون ومتابعتهم بصفة دائمة ومستمرة؛ ومن ناحية أخرى صعوبة إقامة املسؤولية
الجنائية بشكل واضح ومحدد تجاه الجريمة البيئية التي وقعت من املنشأة حيال شخص بعينه،
وذلك لتشابك االختصاصات املسندة إلى العاملين بها وتعددها ،األمر الذي يؤدي إلى شيوع االتهام
وتعثر الوصول إلى الجاني الحقيقي ،مما يتعارض واعتبارات العدالة.
ولعل توجه القضاء الفرنس ي الذي أحدث تحوال كبيرا في قواعد املسؤولية الجنائية
الشخصية ،فإنه عالوة على ذلك ساهم في تكريس قاعدتين أساسيتين:
القاعدة األولى تؤكد أن رئيس املقاولة هو الذي يتولى بشكل شخص ي ومباشر فرض
شروط العمل داخل املقاولة ،كما يتولى رسم وتحديد خطة العمل املراد إنجازها ،وتبعا لذلك فإنه
يتحمل املسؤولية الجنائية في حالة ارتكاب جريمة ضد البيئة من طرف أحد تابعيه بسبب اإلخالل
بشروط العمل داخل هذه املقاولة؛ أما القاعدة الثانية فمؤداها ما يتمتع به رئيس املقاولة من
378
إلهام العلمي ،مرجع سابق ،ص .170
379
David Deharbe, « le droit de l’environnement industriel 10 ans de jurisprudence », Edition, litec, 2002. p293.
380حسام محمد سامي جابر ،مرجع سابق ،ص .168
185
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
سلطة تنظيمية ،تفرض عليه القيام باإلشراف الدقيق واملباشر على كافة تابعيه من أجل تجنب
جل الجرائم التي يمكن أن ترتكب داخل املقاولة تحت طائلة متابعته جنائيا.381
وخالصة القول ،ال يمكن إنكار أن اإلسناد االتفاقي أو ما يعرف ب ـ "اإلنابة في االختصاص"
قد أوجد تناسقا في توزيع األعمال واملسؤوليات داخل املنشأة ،فاملبدأ املسلم به اليوم أن رئيس
املنشأة ال يعتبر املسؤول الوحيد عن فعل غيره بخصوص الجرائم املرتكبة داخل منشأته ،إذ
يستطيع إنابة بعض تابعيه املؤهلين في القيام بمهام اإلشراف على مراعاة تطبيق القوانين واللوائح،
بحيث يترتب على هذه اإلنابة أثر معف من العقاب.
املبحث الثاني :مساءلة الشخص املعنوي عن الجريمة البيئية
إن ظهور أنواع جديدة من الجرائم دفعت املشرع إلى نهج سياسة جنائية جديدة ،تتالءم
مع طبيعة هذه الجرائم ،ولعل الجديد في هذه السياسة الجنائية البيئية هو االعتراف للمؤسسة
(مصنع – سفينة -معمل )...بالشخصية املعنوية ،382وبالتالي تحميلها نتائج تصرفاتها الخارجة
عن القانون الجنائي البيئي الذي وسع من مفهوم املسؤولية الجنائية ،لتطال بشكل أكبر الشخص
املعنوي الذي أصبح أكثر من أي وقت مض ى املسؤول األول على ارتكاب الجرائم البيئية ،383األمر
الذي أسال مداد في األوساط الفقهية والقضائية بين معارض ومؤيد (املطلب األول) ،إلى أن أدى
381
Patrick Mistretta, « la responsabilité pénale du délinquant écologique », Thèse pour obtenir le doctorat en droit,
Université Jean Moulin, Lyon, France, 1997-1998 p13.
382يقص ــد بالش ــخص املعن ــوي مجموع ــة م ــن األش ــخاص أو األم ــوال يعت ــرف له ــا الق ــانون بالشخص ــية القانوني ــة املس ــتقلة ،فتك ــون قابل ــة
الكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات القانونية الناتجة عن تصرفاته .أنظر :شريف سـيد كامـل ،املسـؤولية الجنائيـة لألشـخاص املعنويـة
"دراسة مقارنة" ،ط األولى ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة ،1997ص .3
383
طرحت فكرة املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي ضمن املؤتمر الدولي الثاني لقـانون العقوبـات فـي بوخاريسـت ،ألول مـرة فـي أكتـوبر
سنة 1929حيث أشار هذا املؤتمر إلى التزايد املستمر في عدد وأهمية األشخاص املعنوية وما تمثله من قوة اجتماعية ضخمة في العصر
الحــديث ،وأن أنش ــطتها الت ــي أصــبحت تخ ــالف أحك ــام قــانون العقوب ــات يمك ــن أن تحــدث ب ــاملجتمع أض ـرارا بالغــة الخط ــورة ،وخل ــص إل ــى
توصية بأن يتضمن قانون العقوبـات الـداخلي التـدابير الفعالـة للـدفاع االجتمـاعي ضـد األشـخاص املعنويـة بالنسـبة للجـرائم التـي ترتكـب
ملصـلحتها أو بوســائلها وبالتــالي تتحمــل مســؤوليتها ،وأن تطبيــق هــذه التـدابير يجــب أن ال يحــول دون معاقبــة األشــخاص الطبيعيــين الــذين
يتولون إدارة الشخص املعنوي ،كمـا ناقشـه أيضـا املـؤتمر الـدولي السـابع لقـانون العقوبـات الـذي عقـد فـي أثينـا سـنة 1957بصـدد بحثـه"
االتجاهـات الحديثــة فـي تعريــف الفاعـل والش ـريك فـي الجريمــة" وأو"ـ ى بأنــه" ال يسـأل الشــخص املعنـوي عــن الجريمـة إال فــي األحـوال التــي
يحددها القانون ،وعندئذ يكون الجزاء الطبيعي هو الغرامة ،وهو جزاء مستقل عن التدابير األخرى كالحل والوقف وتعيين حارس ،على
أن يظـل ممثــل الشــخص املعنــوي مســؤوال شخصــيا عــن الجريمــة التـي ارتكبهــا .أنظــر :ش ـريف ســيد كامــل ،املســؤولية الجنائيــة لألشــخاص
املعنوية "دراسة مقارنة" ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة ،1997ص .9-8
186
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا النقاش إلى تحديد شروطا ملساءلة الشخص املعنوي جنائيا (املطلب الثاني) ،مع إمكانية نفيها
عنه (املطلب الثالث).
املطلب األول :إمكانية مساءلة الشخص املعنوي عن الجريمة البيئية
تعتبر املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي من املواضيع التي أثارت نقاشا فقهيا ملدة
طويلة بعدما أصبح االعتراف بوجود الشخص املعنوي أمرا واقعا ومسلما به في مختلف القوانين
الوضعية ،لكن الفقه الجنائي التقليدي كان يعارض فكرة تحمل الشخص املعنوي املسؤولية
الجنائية ،حيث يرى أنه ليس آهال لتحملها ،ويبني موقفه هذا على مجموعة من االعتبارات (الفقرة
األولى) ،وفي املقابل ظهر اتجاه حديث ينادي بضرورة تقرير مسؤولية الشخص املعنوي الجنائية
ألنه يتمتع بشخصية قانونية تجعله آهال لتحمل االلتزامات وأداء الواجبات واكتساب الحقوق،
ويستند بدوره على مجموعة من الحجج (الفقرة الثانية) ،وإن كان األمر قد حسم على مستوى
التشريع والقضاء (الفقرة الثالثة).
الفقرة األولى :االتجاه الرافض ملساءلة الشخص املعنوي جنائيا
يعارض هذا االتجاه فكرة تحمل الشخص املعنوي املسؤولية الجنائية بشكل قطعي،
ألنه في الواقع ال يملك اإلرادة التي تمنح له األهلية الالزمة الكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات
القانونية ،384حيث يؤكد أن الشخص املعنوي أو االعتباري افتراض قانوني ومجازي ،اقتضته
الضرورة لتحقيق مصالحه ،وال وجود له في الواقع ،وليس له إرادة حقيقية يمكن مساءلته عنها،
وإنما يستمد إرادته من الشخص الطبيعي الذي يمثله ،فهو شخص غير مادي وصوري من صنع
القانون ،ومن ثم ال يسأل جنائيا لعدم قدرته على ارتكاب الجريمة بركنيها ،385أي أن املشرع
الجنائي ال يوجه خطابه إال للشخص الطبيعي الذي يعد وحده صاحب إرادة قادرة على التمييز
واإلدراك ،أما الشخص املعنوي فهو يفتقر لإلرادة بمعناها الذي يقصده القانون الجنائي في مجال
384
محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات" ،القسم العام" ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة ،1989ص .514
385عادل ماهر سيد أحمد األلفي ،الحماية الجنائيـة للبيئـة " ،دراسـة مقارنـة" ،رسـالة للحصـول علـى درجـة الـدكتوراه فـي الحقـوق ،قسـم
القانون الجنائي ،كلية الحقوق ،جامعة املنصورة ،مصر ،السنة الجامعية ،2009/2008ص .325
187
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
املسؤولية ،386وما دام األمر كذلك فإنه ال يتوفر على اإلرادة الشخصية التي يتوفر عليها
األشخاص الذاتيين وحدهم ،والتي بدونها ال يمكن تصور املسؤولية الجنائية.
فضال عن ذلك فال يمكن مساءلة إال الشخص الطبيعي جنائيا ،على اعتبار أن الشخص
املعنوي ما وجد إال لتحقيق غرض مشروع ،وحتى وإن خالف القانون فإن املسؤول هو ممثلوه -
الشخص الطبيعي -خصوصا وأن أهم العقوبات الجنائية السالبة للحرية يستحيل تطبيقها أبدا في
حق الشخص االعتباري.387
غير أن هذه االنتقادات ملبدأ مسؤولية الشخص املعنوي جنائيا لم تصمد أما اتساع
نشاطات األشخاص املعنوية وتزايد أعدادها في العصر الحديث تحت شعار التنمية في شتى
املجاالت ،والتي اقتضت ضرورة التفكير في إمكانية مساءلتها جنائيا عن الجرائم التي يرتكبها
ممثلوها أو مديروها أو وكالؤها لحسابها أو باسمها ،كما سنرى مع االتجاه املؤيد.
الفقرة الثانية :االتجاه القائل بمساءلة الشخص املعنوي جنائيا
فرض التطور الحاصل في النشاط االقتصادي الذي يقوم به الشخص املعنوي ضرورة
إعادة النظر في موقف االتجاه املعارض ملسؤولية الشخص املعنوي الجنائية ،واالعتبارات التي
يستند إليها؛ ونتيجة لذلك ظهر اتجاه حديث يدعو إلى مساءلة هذا األخير جنائيا عن األفعال
اإلجرامي ة التي يقوم بها ،كما أوصت املؤتمرات الدولية الخاصة بالبيئة 388بضرورة األخذ
باملسؤولية الجنائية للشخص املعنوي ،إذ أن جرائم تلويث البيئة ترتكب عادة بواسطة الشخص
املعنوي أكثر من األفراد.
386إبراهيم علي صالح ،املسؤولية الجنائية لألشخاص املعنوية ،دار املعارف ،القاهرة ،سنة ،1980ص .105
387شريف سيد كامل ،مرجع سابق ،ص .15
388كمـؤتمر هـامبورج الــذي انعقـد فـي شــتنبر 1979بشـأن " الحمايــة الجنائيـة للوسـط الطبيعــي" ،والـذي خـرج بمجموعــة مـن التوصــيات،
حيث تضـمنت التوصـية السادسـة مـا يلـي " ...وحيـث أن االعتـداءات الخطيـرة علـى الوسـط الطبيعـي غاليـا مـا تكـون صـادرة عـن الشـخص
املعنوي واملشروعات الخاصة أو العامة أو الدولة يصير من الضروري تقبل املسـؤولية الجنائيـة لهـؤالء وأن يفـرض علـيهم احتـرام الوسـط
الطبيعي تحت تهديد الجزاءات املدنية أو اإلدارية"...
-مؤتمر الجمعية الدولية للقانون الجنائي املنعقد فـي مدينـة ريـو دي جـانيرو بالبرازيـل فـي شـتنبر 1994بشـأن موضـوع " الجـرائم ضـد
البيئـة" ،حيـث أكــدت التوصـية الثالثـة علــى ضـرورة املسـاءلة الجنائيــة لألشـخاص املعنويـة وتوقيــع العقوبـات املناسـبة لهــا ،شـأنها ش ـأن
األشخاص الطبيعية ،بل وضرورة مالحقة األشخاص املعنوية جنائيا.
188
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد استند الفقه املؤيد إلقرار مسؤولية الشخص املعنوي جنائيا إلى مبررات كثيرة ،ففي
الرد على السند املتعلق بافتقاد الشخص املعنوي لإلرادة ،يذهب أنصار هذا املوقف إلى التسليم
بتمتع الشخص املعنوي بإرادة مستقلة ،وهي ترجمة إلرادات األعضاء املكونين له ،فهذه اإلرادة
الجماعية ليست بإرادة خيالية ومجازية بل حقيقة مجسدة في كل مرحلة من مراحل حياة
الشخص املعنوي ،بحيث يعبر عنها باالجتماعات واملداوالت التي تتم بين األعضاء املكونين له.389
أما بخصوص حجة اإلخالل بمبدأ شخصية العقوبة ،فهي حجة تنبني على الخلط بين
العقوبة والنتيجة غير املباشرة لها ،فتوقع العقوبة على الشخص املعنوي ،إنما يرد به تحقيق غاية
هي حماية املجتمع ،فامتداد آثارها إلى األشخاص املكونين له ال يعني معاقبتهم على الجريمة التي لم
يأتونها ،وإنما هذا االمتداد بمثابة حافز لهؤالء من أجل الزيادة في املراقبة واتخاذ كافة الوسائل
للحيلولة دون ارتكاب الشخص املعنوي لألفعال اإلجرامية ،390وامتداد آثار العقوبة لألشخاص
الذاتيين ،يصدق أيضا على امتداد آثار العقوبة على الشخص الطبيعي بصلة غير مباشرة على
أسرته بحيث يحرمون من مورد رزقهم في حالة ما إذا كان هو املنفق عليهم.391
وتأسيسا على الرأي السالف الذكر ،فإن إقرار املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي في
مجال االعتداء على البيئة ضرورة ملحة فرضتها ظروف اقتصادية واقعية يعيشها العالم ،تشكل
خطورة بالغة على وجود الكائنات الحية باملقارنة مع الجرائم البيئية املرتكبة بواسطة األشخاص
الطبيعية.
الفقرة الثالثة :موقف املشرع من املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي
تكتس ي املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي في املجال البيئي أهمية خاصة ،نظرا لكون
العديد من جرائم تلويث البيئة تتم عن طريق هؤالء األشخاص حين ممارسة أنشطتها
االقتصادية ،مما يطرح تعقيدا وتشابكا على نحو يصعب معه تحديد مرتكبي النشاط اإلجرامي
389
محمود مصطفى ،الجرائم االقتصادية في القانون املقارن ،ج األول( ،بدون دار النشر) ،ط ،1963ص .119
390محمد ملياني ،القانون الجنائي العام ،مطبعة الجسور ،وجدة ،سنة ،2008ص .205
391يوسف وهابي ،املسؤولية الجنائية لألشخاص املعنوية والحاجة إلى التقنين" ،مجلة القضاء والقانون ،ع ،150سنة 2013ص .109
189
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ولقد أقرت أغلب التشريعات الجنائية الحديثة بمبدأ املسؤولية الجنائية للشخص
املعنوي 393نتيجة ما يمثله هذا األخير من عدوان على عناصر البيئة ،لهذا أخذ املشرع األمريكي
باملسؤولية الصارمة للشخص املعنوي ضمن القوانين الخاصة بحماية الهواء واملياه وتداول املواد
الخطيرة على صحة اإلنسان ،وذلك بعد ""قضية فورد"" التي قض ى فيها القضاء األمريكي بمسؤولية
الشركة عن جريمة قتل الخطأ بعدما ثبت تقصيرها في تحذير املستهلكين بنتائج التجارب األولية
التي أدت إلى تسرب الوقود ووفاة ثالثة أشخاص.394
بيد أن املشرع اإلماراتي كان أكثر تشددا ووضوحا في تحميل مسؤولية املنشآت
الصناعية ،حيث وضع القيود والضوابط على كافة املنشآت بعدم ارتكاب أي فعل من شأنه
إحداث ضرر بالبيئة املائية سواء كان الفعل تصريفا أو إلقاء ،إذ نصت املادة 35من قانون 1999
املتعلق بحماية البيئة وتنميتها " يحظر على جميع املنشآت بما في ذلك املجال العام أو التجارية أو
الصناعية تصريف أو إلقاء أي مواد نفايات أو سوائل غير معالجة من شأنها إحداث تلوث في
البيئة املائية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".395
كما أخذ املشرع الفرنس ي بمبدأ املسؤولية الجنائية حيال األشخاص املعنويين ،ضمن
القانون الجنائي لسنة 1994الذي نصت مادته 121.2على أن " األشخاص املعنوية باستثناء
الدولة ،تسأل جنائيا وفقا للقواعد املنصوص عليه في املواد 121.4إلى 121.7وفي الحاالت
392رضــا عبــد الحلــيم عبــد املجيــد ،املســؤولية القانونيــة عــن النفايــات الطبيــة " دراســة مقارنــة بالقــانون الفرنس ـ ي" دار النهضــة العربيــة،
القاهرة ،سنة ،1999ص .211
393ممـا الشـك أن تحديـد املسـؤولية الجنائيــة للشـخص الطبيعـي فـي املشــروعات الكبيـرة كمـا هـو الشــأن بالنسـبة لشـركات املسـاهمة ،التــي
تعد مصدر تلوث حقيقي للبيئة أمر صعب للغاية ،خصوصا في ظل وجود عدة متداخلين في تسيير الشركة ،إذن فمن يتحمل املسـؤولية
هل العامل أم أعضاء مجلـس اإلدارة أم الـرئيس ؟ هـذه اإلشـكاالت هـي التـي دفعـت إلـى إقـرار بمسـؤولية الشـخص املعنـوي وإن كـان مجـرد
افتراض وال يتوفر على إرادة حقيقية.
394
حسام محمد سامي جابر ،مرجع سابق ،ص .176
395املشــرع الهولن ــدي ب ــدوره أق ــر ه ــذه املس ــؤولية ض ــمن ق ــانون الج ـرائم االقتص ــادية الص ــادر س ـنة 1951إذ ج ــاء ف ــي مادت ــه 15عل ــى أن "
الجرائم يمكن أن ترتكب سواء من األشخاص الطبيعيين أو األشخاص املعنوية".
190
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
املنصوص عليها في القانون أو النظام عن الجرائم املرتكبة لحسابها ،وعن طريق أعضائها أو
ممثلها".396
وعلى هذا النهج سار املشرع املغربي بموجب الفصل 127منه ،397وإن كان هذا
الفصل جاء على إطالقه وحصر فقط العقوبات التي يمكن الحكم بها ،لم يحدد أو يحصر الحاالت
املوجبة للمساءلة الجنائية بالنسبة للشخص املعنوي ،وهو ما انعكس على مسألة تطبيق القضاء
لهذا الفصل ،حيث نجد القضاء املغربي تعامل مع إحدى القضايا البيئية -قضية معمل الفلين
بسال - 398بنوع من املرونة ،علما بأن هذه الشركة خلفت أضرارا صحية جسيمة وأمراضا في
شريحة واسعة من السكان املجاورين للمنشأة.399
واملالحظ من حيثيات القرار ،أن األفعال الواردة فيه هي أفعال جنائية ،إذ كان على
النيابة العامة تحريك متابعة جنائية في حق الشركة مع تنصيب األطراف املتضررة كمطالبين
بالحق املدني ،بدل االقتصار على معالجة القضية في إطار قواعد املسؤولية املدنية 400دون
مساءلة جنائية ،مما يوضح ضعف تشبع القضاة بثقافة حماية البيئة ضمن هذا الحكم.
عالوة على ذلك ،تناول املشرع الجنائي املغربي املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي بنوع
من الغموض ،ضمن الفصل 127من ق ج ،وإن كان بعض الفقه 401يؤكد أن املشرع قد وضع
396
Article 121-2 du code pénal Français énonce que : « les Personnes morales à l’exclusion de l’état sont responsables
pénalement, selon les distinctions des articles 121-4 à 121-7 et dans les cas prévus par la loi où le règlement des
infractions commises pour leur compte, par leur organes on représentants ».
397يـنص الفصـل 127مـن ق ج م أنـه " ال يحكـم علـى األشـخاص املعنويــة إال بالعقوبـات املاليـة والعقوبـات اإلضـافية الـواردة فـي األرقــام 5
و 6و 7من الفصل 36ويجوز أيضا أن يحكم عليها بالتدابير الوقاية العينية الواردة في الفصل ."62
398حكم رقم 27صادر عن املحكمة االبتدائية بسال ،ملف جنحي ع 16/2001/96الصادر بتاريخ ( 2002/01/21حكم غير منشور).
399حيث جاء في حيثيات هذا الحكم ما يلي..." :وحيث إنه ال ضرر وال ضرار ،وأن الضرر يزال ،وانطالقا من الحالة التي وصلت إليها صحة
املدعين الثابتة بمقتض ى الشواهد الطبية املستدل بها وفق املقال ،ونفس الش يء يقال بالنسبة للبيئة املحيطة بهم والتي حالها كمـا أشـير
إليهــا بــالخبرة املرفقــة بهــا يتعــين القــول بوجــود الضــرر املشــار إليــه بالحيثيــات أعــاله ،وعالقــة الســببية بينــه وبــين األم ـراض األنفــة الــذكر،
الش يء الذي يستدعي االستجابة لطلب املدعين وفق املسطرة املنطوقة ."...
400
يـنص الفصـل 91مــن ق ل ع علـى أنـه " للجي ـران الحـق فـي إقامــة دعـوى علـى أصــحاب املحـالت املضـرة بالصــحة أو املقلقـة للراحـة ،إمــا
إزالــة هــذه املحــالت وإمــا إج ـراء مــا يلــزم فيهــا مــن التغييــر لرفــع األض ـرار التــي يتظلمــون منهــا ،وال يحــول التــرخيص الصــادرة عــن الســلطات
املختصة دون مباشرة الدعوى".
401أحمد الخمليش ي ،شرح القانون الجنائي " القسم العام" ،الطبعة الثالثة ،دار املعرفة للنشر والتوزيع ،الرباط ،سنة ،1989ص .252
191
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
قاعدة عامة ملساءلة الشخص املعنوي جنائيا بنص صريح ال مجال للمناقشة فيه ،ذلك أن
الفصل 127ق ج ،ومن خالل وروده في الكتاب الثاني الخاص باملجرم قد نظر صراحة إلى هذه
األشخاص على مساواة واحدة مع األشخاص الذاتيين في موضوع الجرائم املرتكبة .في حين كان على
املشرع أن يكون أكثر حزما مع املؤسسات امللوثة للبيئة ،ما دامت هذه األخيرة دائما لها رغبة
جامحة في تحقيق املزيد من الربح واإلنتاج ولو على حساب املجال البيئي ،في ظل وعيها التام
بصعوبة إثبات أفعالها وتأخر ظهور النتائج الضارة منها.
وبالرجوع إلى القانون الجنائي البيئي ،نالحظ أن املشرع يوظف في كثير من نصوصه
عبارات " كل من "...أو" كل شخص ،"...يمكن اعتبارها من ناحية الصياغة القانونية أنها ال تقص ي
األشخاص املعنوية من املساءلة الجنائية غير أن ما يعاب عليها أنها جاءت خالية من الحصر
والتحديد ،وكمثال على ذلك ما نجده في قانون رقم 13.03املتعلق بمكافحة تلوث الهواء 402ينص
في املادة 40316منه على مسؤولية كل شخص عن حدوث تلوث ،أي أنه لم يحدد بدقة الشخص
املسؤول جنائيا ،مما يفهم أن املشرع الجنائي البيئي يقر باملسؤولية الجنائية لألشخاص املعنوية،
ولكن بطريقة غير دقيقة ،وإن كانت املادة 2من نفس القانون تنص " يهدف هذا القانون إلى
الوقاية والحد من انبعاثات امللوثات الجوية التي يمكن أن تلحق أضرارا بصحة اإلنسان والحيوان
والتربة والثروات الثقافية والبيئية بشكل عام ويطبق على كل شخص طبيعي أو معنوي خاضع
للقانون العام أو الخاص ،يمكن أن يحوز أو يستعمل أو يشغل عقارات أو منشآت منجمية أو
صناعية أو تجارية أو فالحية أو منشآت متعلقة بالصناعة التقليدية أو عربات أو أجهزة ذات
محرك أو آليات الحتراق الوقود أو إلحراق النفايات أو للتسخين أو للتبريد."...
كما نجد أيضا ميزة أخرى نفهم منها على أن املشرع الجنائي البيئي يقر باملسؤولية
الجنائية لألشخاص املعنوية ،بحيث يعتمد في كثير من نصوصه بالنص على عقوبة الغرامة -التي
402
ظ ش رق ــم 1.03.61ص ــادر ف ــي 10ربي ــع األول 12( 1424م ــاي ،)2003الص ــادر بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم 13.03املتعل ــق بمكافح ــة تل ــوث
الهواء ،ج رع 5118بتاريخ 18ربيع اآلخر 19( 1424يونيو ،)2003ص .1912
403تـنص املــادة 16علــى" يعاقـب بغرامــة مــن ألــف 1000إلـى عش ـرين ألــف 20.000درهـم كــل شــخص مســؤول عـن حــدوث تلــوث وأهمــل
متعمدا إبالغ السلطات املعنية بانبعاث طارئ وخطير ملواد ملوثة".
192
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تتناسب والشخص املعنوي -إلى جانب العقوبات السالبة للحرية مع ترك املجال للحكم بإحدى
هاتين العقوبتين ،404باإلضافة إلى قانون م ج الذي ينص في مادته الثالثة على أن" تمارس الدعوى
العمومية ضد الفاعل األصلي للجريمة واملساهمين واملشاركين في ارتكابها سواء كانوا أشخاصا
ذاتيين أم معنويين".
كل هذا يجعلنا نقول بأن املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي عن الجرائم البيئية واردة
ضمن القانون الجنائي البيئي ،وتزكيها القرارات القضائية الصادرة في هذا الشأن ،لكن يجب أن
يعدل املشرع من صيغه الفضفاضة التي ال تخدم مصلحة حماية البيئة بقدر ما تضرها ،خصوصا
بعد تبنيه ملختلف االتفاقيات الدولية الرامية إلى تحقيق األمن البيئي.
املطلب الثاني :شروط مساءلة الشخص املعنوي عن الجريمة البيئية
إن املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي في الجرائم البيئية ليست مطلقة ،وإنما هناك
شروط حددتها معظم التشريعات ،أولهما أن تكون هذه الجريمة قد ارتكبت من طرف شخص
طبيعي يعبر عن إرادة الشخص املعنوي (الفقرة األولى) ،وثانيهما ارتكاب الجريمة لفائدة أو لصالح
الشخص املعنوي (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :ارتكاب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص املعنوي
ال يكفي أن يكون التصرف املكون للجريمة صادرا ممن يمثل الشخص املعنوي قانونيا
بل يلزم فضال عن ذلك ،أن يكون التصرف الصادر عن هذا املمثل في حدود السلطة املمنوحة له
طبقا للنظام األساس ي ،405ومفاد ذلك أن الشخص املعنوي بحكم طبيعته ال يمكن أن يرتكب
الجريمة بنفسه ،وإنما يتصرف عن طريق شخص طبيعي يعبر عن إرادته ،وإسناد الفعل الجرمي
للشخص املعنوي وفق هذا املبدأ يقتض ي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة ،ما إذا
كان يملك التصرف باسم الشخص املعنوي ،وبالتالي تعتبر األفعال الصادرة عنه بمثابة أفعال
الشخص املعنوي ذاته أم ال؟.
404كما هو الحال بالنسبة للمادة 76 ،74 ،73 ،72 ،71 ،70من قانون 28.00املتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.
405محمد حسن الكندري ،املسؤولية الجنائية عن التلوث البيئي ،ط األولى ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة 2006ص .129
193
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بالرجوع إلى القانون 13.03املتعلق بمكافحة تلوث الهواء نجد املادة 16منه ،تعاقب كل
شخص مسؤول عن حدوث تلوث وأهمل متعمدا إبالغ السلطات املعنية بانبعاث طارئ وخطير
ملواد ملوثة "...فإذا افترضنا أن الشخص املسؤول عن حدوث التلوث وفقا لهذه املادة ،شخص
معنوي فإن منطق األمور يقول بأن مهمة إبالغ السلطات املعنية تكون على الشخص الطبيعي الذي
يعبر عن إرادة الشخص املعنوي ،فاملسؤولية هنا تقع على الشخص املعنوي.
وقد اختلفت التشريعات املقارنة في تحديد األشخاص الطبيعيين الذين يسأل الشخص
املعنوي عن سلوكهم اإلجرامي ،حيث نص القانون الجنائي الفرنس ي في املادة 121فقرة ،2على أنه
يكون الشخص املعنوي مسؤوال جنائيا عندما ينص القانون أو التنظيم على ذلك ،عند ارتكاب
جرائم لحسابه من طرف أجهزته وممثليه ،406مما يعني أن القانون الفرنس ي حصر األشخاص
الطبيعيين الذين يسأل عن أعمالهم الشخص املعنوي ،في أعضاء الشخص املعنوي وممثليه .في
حين ذهبت بعض التشريعات األخرى ومنها القانون اللبناني والهولندي إلى توسيع نطاق األشخاص
الطبيعيين ،الذين يسأل الشخص املعنوي جنائيا عن أنشطتهم ،بحيث ال تقتصر على األعضاء
واملمثلين ،بل تمتد لتشمل املوظفين والعمال التابعين له407؛ وهذا من شأنه أن يوفر حماية
جنائية أكبر للمجال البيئي من األخطار التي يتعرض لها من الشخص املعنوي باألساس كمصدر
أول لإلضرار بالبيئة.
تجدر اإلشارة في األخير ،أن قيام املسؤولية الجنائية لألشخاص املعنوية ال تخلو من
صعوبات ،تتمثل في صعوبة مطاردة األشخاص املعنوية بسبب حجم الشركات وتعقيد التنظيمات
الخاصة بهذه الشركات .غير أننا نرى والحالة هذه أن إقرار مسؤولية الشخص الطبيعي إلى جانب
الشخص املعنوي ،أي الجمع بين املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي واملسؤولية الجنائية
للشخص الطبيعي ،فيه فعالية أكثر وتجسيدا كبيرا لروح القانون الجنائي البيئي الذي يرمي إلى
إضفاء الحماية الجنائية على املجال البيئي.
الفقرة الثانية :ارتكاب الجريمة البيئية لحساب الشخص املعنوي
406
Bouloc Bernard, « la responsabilité pénale des entreprises en droit français », op, cit, p 672.
407
Philippe Malingrey, introduction au droit de l’environnement, 4eme éditions, TEC -DOC,France,2008, p148
194
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
من املعلوم أن الشخص املعنوي ال يسأل عن الجريمة البيئية ،إال إذا ارتكبت باسمه
ولحسابه ،ألن اشتراط ارتكاب الجريمة لحساب الشخص املعنوي يحمل بين طياته أن يكون ذلك
لفائدة هذا األخير وملصلحته ،وتستوي هذه الفائدة سواء كانت مادية أو معنوية ،لذلك ال تثار
املسؤولية إذا ارتكب الشخص الطبيعي الجريمة لحسابه.408
معنى ذلك ،يشترط أن يكون الفاعل الذي ارتكب الجريمة ،قد انصرفت نيته إلى
التصرف باسم الشخص املعنوي ،ال بصفته الشخصية ،واملقصود أن الجريمة ارتكبت بهدف
تحقيق مصلحة له ،كتحقيق ربح ،أو تجنب إلحاق ضرر به ،سواء أكانت هذه املصلحة مادية أو
معنوية ،مباشرة أو غير مباشرة ،وهناك من يضيف أن الجريمة ترتكب لحساب الشخص
املعنوي ،عندما تنفذ من طرف شخص طبيعي لضمان سير أعمال الشخص املعنوي وتحقيق
أغراضه.409
فالسلوك املادي الذي يقوم به الشخص الطبيعي ،كعضو أو ممثل للشخص املعنوي،
يعد عنصرا من عناصر الجريمة البيئية املسندة للشخص املعنوي ،وفي حالة قيام الشخص
املعنوي (مجلس اإلدارة) بتوكيل شخص طبيعي للقيام بعمل ما وارتكب الوكيل جريمة تلويث
البيئة لحساب الشخص املعنوي ،فإن هذا األخير يسأل عن هذه الجريمة ،ألن الوكيل يعد بمثابة
املمثل القانوني للشخص املعنوي.410
وبالرجوع إلى القانون الجنائي البيئي ،يتبين أن املشرع املغربي غير واضح في كثير من
نصوصه ،411بشأن قيام املسؤولية الجنائية للشخص املعنوي في حالة ارتكاب الجريمة من طرف
شخص طبيعي تابع لهذا الشخص االعتباري ولحسابه؛ حيث تنص املادة 17من القانون املتعلق
بمكافحة تلوث الهواء " يعاقب بغرامة من مائة 100إلى عشرة االف 10.000درهم كل من عرقل
القيام باملراقبة أو ممارسة مهام األشخاص املشار إليهم في املادة التاسعة من هذا القانون".
408نادية املشيش ي ،املسؤولية الجنائية عن الجرائم البيئية في القانون املغربي ،م م إ م ت ،عدد ،119نونبر – دجنبر ،2014ص .203
409
شريف سيد كامل ،مرجع سابق ،ص .130
410محمد حسن الكندري ،مرجع سابق ،ص .174
411كما هو الحال ضمن املادة 79من قانون رقم 28.00املتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.
195
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
فبديهي أن عرقلة مهام األشخاص املشار إليه وفق املادة التاسعة 412تكون من طرف شخص
طبيعي ،فهل يسأل هو بصفته الشخصية عن هذا الفعل حتى وإن كان فعله هذا لحساب
وملصلحة الشخص املعنوي ؟ أم أن األمر في هذه الحالة يقتض ي مساءلة الشخص املعنوي ؟.
إن املشرع وفقا املادة 17السالفة الذكر ،لم يحدد من املسؤول جنائيا في هذه الحالة،
حيث يمكن القول إنه سوى بين الشخص الطبيعي مرتكب الفعل اإلجرامي لحساب الشخص
املعنوي وبين هذا األخير في إقرار املسؤولية الجنائية ،بيد أن الفقرة الثانية من هذه املادة تنص في
حالة العود على إمكانية الحكم بعقوبة حبسية من يوم إلى شهر ،وهذا املقتض ى ال يمكن تطبيقه
على الشخص املعنوي ،ما يفهم على أنه يخص الشخص الطبيعي املرتكب للفعل املخالف
ملقتضيات هذه املادة.
املطلب الثالث :مدى إمكانية نفي املسؤولية الجنائية البيئية
إذا كان املشرع قد تو ى من وراء تجريم بعض األفعال في القانون الجنائي بصورة عامة،
حماية مصالح محل اعتبار بنظر املجتمع ،فإن التسليم بهذا املبدأ على إطالقه قد ال يحقق الغاية
املرجوة منه ،إما ألن الفعل لم يعد ينطوي على عدوان يصيب املصلحة املحمية قانونا ،أو أن
العقاب عليه يهدر مصالح أولى بالرعاية واالعتبار ،ومن هنا برزت أهمية أسباب اإلباحة413
وموانع املسؤولية كحاالت مفضية إلى سقوط املسؤولية واآلثار املترتبة عليها والتي أصبحت فيما
بعد محل اعتراف التشريعات العقابية عموما.
وألجل اإلحاطة بأهم الحاالت التي يمكن أن يستند إليها املتهم لنفي املسؤولية الجنائية
البيئية ،فيتعين البحث عن خصوصيتها ضمن القواعد العامة ،من خالل الدفع بالترخيص البيئي
(الفقرة األولى) ،ثم الركون إلى حالة الضرورة (الفقرة الثانية) ،كأهم األسباب التي يمكن للمتهم
412وه ــم حس ــب امل ــادة 9م ــن ق ــانون 13.03املتعل ــق بمكافح ــة تل ــوث اله ــواء " يكل ــف بمعاين ــة مخالف ــات أحك ــام ه ــذا الق ــانون والنص ــوص
الصادرة بتطبيقه ،عالوة على ضباط الشرطة القضائية ،املوظفون واألعوان املأمورون املنتدبون لهذا الغرض من لـدن اإلدارة املختصـة
وكذا املحلفون وفقا للتشريع الخاص باليمين املفروض أداؤها على املأمورين محرري املحاضر".
413
تقوم أسباب اإلباحـة أساسـا علـى إزالـة الصـفة غيـر املشـروعة عـن الفعـل املرتكـب ،بمـا يـؤدي إلـى عـدم تحقـق مسـؤولية الفاعـل أو مـن
يشــاركه فــي ارتكاب ــه مــن الناحي ــة الجنائيــة واملدنيــة ،بمعن ــى أخــر أن أس ــباب اإلباحــة ذات طبيعــة موض ــوعية ينصــرف أثره ــا إلــى الفع ــل أو
االمتن ــاع ،فتن ــزع عن ــه الوص ــف الجرم ــي وتعط ــل ب ــذلك نص ــوص التج ـريم .أنظ ــر :محم ــود نجي ــب حس ــني ،أس ــباب اإلباح ــة ف ــي التش ـريعات
العربية ،معهد الدراسات العربية ،جامعة الدول العربية 1962 ،ص .5
196
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الدفع بها غالبا لنفي املسؤولية عنه أو التخفيف منها باإلضافة إلى أمر السلطة والقوة القاهرة
كمبادئ عامة.
الفقرة األولى :الترخيص البيئي وأثره على املسؤولية
قد ال يكتفي املشرع لتقرير املسؤولية الجنائية عن الجرائم البيئية بمجرد توافر ركنيها،
وإنما اشتراط فوق ذلك انتفاء اإلذن أو الترخيص الذي يسمح بممارسة النشاط الضار ،بمعنى
أخر إذا تم الفعل استنادا إلذن أو ترخيص صادر من جهة مختصة تسمح به ،أصبح عندئذ
مشروعا ويخرج بالتالي من دائرة األفعال املحظورة.414
وهذا يعني بأن الترخيص ما هو إال وسيلة من وسائل تدخل الدولة في تقييد النشاط
الفردي من أجل الوقاية مما قد ينجم عنه من أضرار محققة أو أخطار محتملة تصيب املجتمع،
على الرغم من املزايا التي ترافق اشتراط الحصول على التراخيص البيئية من حيث إمكانية الجهة
املانحة لها من مباشرة نوع من الرقابة األولية على جدوى املشاريع املضرة أو املقلقة أو املزعجة أو
امللوثة للبيئة ،فتمتنع من إعطاء الترخيص متى كانت اآلثار التي تلحق بالبيئة تزيد عما هو مسموح
به بموجب املعايير واملحددات النوعية املنصوص عليها قانونا ،إال أنه مع ذلك لم يسلم من
االنتقادات لكونه يغل يد السلطات من متابعة املتهم.415
والواقع أنه بصرف النظر عن الغاية التي أرادها املشرع من توقف التجريم واملسؤولية
على انتفاء اإلذن أو الترخيص ،فإن مشكلة التكييف القانوني له ال تزال محل خالف ،فمن يعتبر
الترخيص سببا لإلباحة ينطلق من كون أسباب التبرير هي ظروف أو حاالت مادية أو واقعية
تكتنف إتيان السلوك املشتمل على عناصر الجريمة فتجعله في وصف الفعل املباح ،ومن ثم فإن
414نوار دهام مطر الزبيدي ،الحماية الجنائية للبيئة ،الطبعة األولى ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت لبنان ،سنة ،2014ص .471
415لإلشارة فان موضوع التراخيص البيئية طرح نقاشا حادا بين أعضاء الكونغرس األمريكي وفقهاء القانون ،فمنهم من رأى أن الترخيص
يعد تنـازال مـن الحكومـة عـن مسـؤوليتها فـي التطبيـق الحـازم لنصـوص قـانون البيئـة ضـد املخـالف ،فإصـدار التـراخيص بتصـريف أو إلقـاء
النفايات في املياه سوف تمنح امللوث حصانة ضد املالحقة الجزائية ،وستكون هذه التـراخيص بمثابـة إجـازات للتلـوث .ويشـير البروفسـور
"وليام روجرز" أستاذ قانون البيئة بجامعة واشنطن ،إلى أن نظام التراخيص يقيد سلطة الحكومة من اللجوء إلـى القضـاء ويعيـق توجيـه
االتهام ويؤدي إلى إلغاء املحتوى الجنائي لقانون البيئة .أنظر .
ad
William Rodgers, “Handbook on Environmental law”, 2 Edition, Published by West Publishing Company, USA 1994 p
689.
197
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لزوم انتفاء الترخيص يعني قيام الركن الشرعي للجريمة بكونه بمثابة ركن خاص في الجريمة
البيئية ،جرى تحديده بواسطة النموذج التجريمي الذي يصفه النص القانوني416؛ في املقابل
هناك من اعتبر الترخيص بمثابة مانع للمسؤولية الجنائية ،لكون وجود اإلذن شرط الزم لعدم
تحقق العقاب على الرغم من اعتبار الجريمة قائمة بمجرد توفر عناصرها األساسية.417
بالرجوع إلى القانون الجنائي البيئي نالحظ أن املشرع أوجب الحصول على التراخيص
كسبب لنفي املسؤولية الجنائية ،حيث نصت املادة 57من قانون املقالع " يعاقب بغرامة من
ثالثمائة ألف ( )300.000درهم إلى خمسمائة ألف ( )500.000درهم كل من يستغل مقلعا عند
انتهاء مدة صالحية وصل التصريح باالستغالل ألي سبب من األسباب دون الحصول على وصل
جديد للتصريح باالستغالل ،تكون هذه العقوبة مقرونة باإلغالق الفوري للمقلع .كما أكدت أيضا
املادة 11من القانون رقم 11.03املتعلق بحماية واستصالح البيئة على أنه " يخضع تخصيص أو
تهيئة األراض ي ألغراض فالحية أو صناعية أو منجمية أو سياحية أو تجارية أو تعميرية ،وكذا
أشغال التنقيب عن اآلثار أو استغالل مواد جوف األرض والتي من شأنها أن تهدد البيئة إلى رخصة
مسبقة حسب الحاالت ووفق تحددها النصوص التشريعية والتنظيمية.418"...
هذا ما يؤكده التوجه القضائي ملحكمة النقض إذ جاء في أحد قراراتها " 419وحيث إن
املحكمة ملا ناقشت مضمون املحضر املؤسسة عليه املتابعة وما أدلى به املتهم من ترخيص قانوني
بمنحه بقعة أرضية مستخرجة من امللك الغابوي وتصميم البناء املرخص به فخلصت إلى كون
املتهم بالقطعة األرضية املتنازع بشأنها مبررا ،وأن جنحة البناء داخل امللك الغابوي غير متوفرة
نظرا المتالكه ترخيص تكون املحكمة قد طبقت القانون تطبيقا سليما".
416نوار دهام مطر الزبيدي ،مرجع سابق ،ص .474أنظر أيضا :رؤوف عبيد ،مبادئ القسـم العـام فـي التشـريع العقـابي ،ط الرابعـة ،دار
الفكر العربي للطباعة ،سنة 1989ص .332
417
رمسيس بهنام ،النظرية العامة للقانون الجنائي ،مرجع سابق ،ص .451
418
تــنص املــادة 29مــن القــانون البيئــي املصــري رقــم 4لســنة 1994علــى أنــه " يحظــر تــداول املــواد والنفايــات الخطــرة بغيــر تــرخيص مــن
الجهة اإلدارية املختصة."...
419ق ـرار محكمــة الــنقض ع 850الصــادر بتــاريخ 20يونيــو 2013فــي امللــف الجنحــي ع 2013 /8 /6 -04املنشــور بمجلــة محكمــة الــنقض
ملفات عقارية ع 4سنة 2014ص .296
198
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
واضح من هذا ،أن املشرع يعلق قيام الجريمة البيئية على انتفاء الحصول على ترخيص
كقطع أشجار أو التسبب باإلزعاج أو حفر أو استغالل املقالع أو دفن الفضالت أو تصريف املياه
امللوثة أو ممارسة الصيد ،420ولذلك فإن الطبيعة القانونية لإلذن أو الترخيص باعتقادي
تتأسس على فكرة م فادها أن التصرف في حدود الترخيص املسموح به يؤثر على إمكانية مساءلة
الفاعل عما قام به من نشاط ،والواقع أن الحصول على الترخيص أو اإلذن من الجهات املختصة
ال يمنع من تحقق املسؤولية املدنية للفاعل والتزامه بالتعويض عما يحدث من أضرار لآلخرين،
على أنه يتعين لكي ينتج مثل هذا الترخيص أثره باعتباره سببا خاصا المتناع املسؤولية الجنائية،
أن يكون قد صدر عن جهة مختصة بإصداره وفق الشكل الذي تطلبه القانون ،والقول بخالف
ذلك يعني تحقق املسؤولية ومعاقبة الفاعل.
لكن يجب أن ال يعتد بالترخيص اإلداري بشكل مطلق كسبب لتبرير السلوك الذي يعتبر
جريمة بيئية في األحوال العادية ،ألن طريقة الحصول على الترخيص قد تكون غير مشروعة،
وبالتالي يبقى الشخص دون مسؤولية.
الفقرة الثانية :حالة الضرورة وآثراها على املسؤولية
بالرجوع إلى الفصل 124ق ج م ،نجد أن حالة الضرورة تضمنتها الفقرة الثانية حينما
قضت بأنه " ال جناية وال جنحة وال مخالفة ...إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة أو كان
في حالة استحال عليه معها استحالة مادية اجتنابها وذلك بسبب خارجي لم يستطيع
مقاومته ،421"...فحالة الضرورة التي تهمنا هنا هي الحالة التي يجد اإلنسان نفسه أو غيره مهددا
420
جاء في قرار ملحكمة النقض" ...إن املحكمة مصدرة القرار املطعون فه ملا قضت ببراءة املطلوبين في النقض من جنحة سرقة الكثبان
الرمليـة مـن أماكنهـا الطبيعيــة واملشـاركة فـي ذلــك ،اعتمـدت فـي ذلـك علــى كـون مـا أخــذه السـائق يعتبـر مجـرد أتربــة ال يشـملها نـص الفصــل
517ق ج م ،والحال أن املادة املضبوطة على متن الشاحنة تعتبر من األتربة الصفراء من نوع توفنة املسـتخرجة مـن مقلـع غيـر مـرخص،
وطامل ـ ا أن اس ــتغاللها يخض ــع لتــرخيص خ ــاص كم ــا ه ــو واضــح م ــن املحض ــر املنجــز م ــن ط ــرف الفرق ــة اإلقليميــة للمق ــالع إال ويعتب ــر ذل ــك
مخالفة لنص الفصل 517ق ج م ،األمر الذي يجعل القرار املطعون فيه ملا قض ى ببراءة املطلـوبين فـي الـنقض للعلـة املـذكورة بـه ،مشـوبا
بعيب نقصان التعليل املوازي النعدامه وهو ما يعرضه للنقض واإلبطال ".قرار محكمة النقض ع 9.937املؤرخ في ،09/10/2014 :ملف
جنائي ع ( .18262/6/9/2013غير منشور).
421
نظمــت املــادة 25مــن القــانون الجنــائي الكــويتي شــروط حالــة الضــرورة تنظيمــا محكمــا حيــث نصــت " ال يســأل جنائيــا مــن ارتكــب فعــال
دفعتـه إلـى ارتكابـه ضـرورة وقايـة نفسـه أو غيــره ،مـن خطـر جسـيم حـال يصـيب الـنفس أو املــال ،إذا لـم يكـن إلرادتـه دخـل فـي حلولـه وال فــي
استطاعته دفعه بطريقة أخرى ،بشرط أن يكون الفعل الذي ارتكبه متناسبا مع جسامة الخطر الذي توقاه".
199
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بخطر جسيم وحال يضيق عليه نطاق اختياره فال يستطيع تالفيه وال تجنبه إال بارتكاب جريمة في
حق البيئة وهي ما يمكن تسميتها بالجريمة البيئية الضرورية التي قد تمس حقوق الدولة
ومؤسساتها وحتى الغير.422
إن خير مثال على الجريمة البيئية الضرورية اشتعال نار بقنينة غاز داخل منزل فيضطر
الشخص إلى التخلص منها لحماية أفراد أسرته وإنقاذ متاعه ،وذلك برميها خارج املنزل فتشتعل
النار في الغابة املجاورة كملك خاص للدولة ،في هذه الحالة وهي كثير ما تقع ،يكون الشخص
مضطرا الرتكاب جريمة البيئية الضرورية 423مما يمكن القول معه أن إرادته وقعت تحت تأثير
قوة من شأنها أن تعدمها أو تقيدها لدرجة كبيرة بسبب إكراه مادي أو معنوي أو بسبب ضرورة
دفعته إلى ارتكابها.
لذا يمكن القول إن أسباب منع املسؤولية الجنائية ذات طبيعة شخصية يقتصر أثرها
على من توفر لديه هذا املانع وال يمتد إلى سواه ممن ساهم معه في ارتكاب الجريمة ،ويعني توافر
أي منهما منع املسؤولية الجنائية وسقوط العقوبة املقررة قانونا ،من غير أن يؤثر ذلك على
املسؤولية املدنية ،حيث تبقى قائمة على الرغم من عدم قيام املسؤولية الجنائية.424
مما يترتب على ذلك أن كافة أسباب امتناع املسؤولية تسري أيضا على الجرائم املرتكبة
ضد سالمة عناصر البيئة ،فعلى الرغم من أن القانون الجنائي البيئي تضمن عقوبات األنشطة
امللوثة بالنسبة للبيئة إال أنه لم يتضمن إضافة أي سبب خاص من أسباب امتناع املسؤولية
الجنائية عنها؛ ومن ثم فال مناص من الرجوع إلى القواعد العامة املقررة بمقتض ى القانون الجنائي
السالفة الذكر.
وعليه ،تمنع مسؤولية املتهم عن إكراه مادي أو كان مرتكبها فاقدا لإلدراك أو اإلرادة أو
كان في حالة ضرورة أو قوة قاهرة استحال معه أن يتفادى الضرر البيئي ،وهذا ما عبرت عنه بعض
422
نادية املشيش ي ،مرجع سابق ،ص .208
423
يشترط لقيام حالة الضرورة توافر عدة شروط نجملها باختصار استنادا ملا يفهم من الفصل 124ق ج م – توافر خطر جسيم يهدد
النفس أول املال – أن يكون الخطر حقيقيا وليس وهميا أو محتمال – أال يكون إلرادة الفاعل دخل في حدوث الخطر – يجب أال يكون ما
وقع التضحية به أكثر مما وقع االحتفاظ به.
424نوار دهام مطر الزبيدي ،مرجع سابق ،ص .468
200
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
التشريعات املقارنة التي تضمنت قوانينها البيئية نصوصا مانعة من تحقق املسؤولية الجنائية،
ومنها على سبيل املثال ،القانون الفرنس ي رقم 1181-28الصادر 30شتنبر 1968بشأن منع تلويث
مياه البحر والجرف القاري بالهيدروكربون ،ضمن املادة .42528كما تنص املادة 5من قانون
البيئة الفرنس ي لسنة 1977بشأن التلويث البحري "بأن الجريمة ال تعتبر قائمة إذا كان التصريف
ناش ئ عن عطب أو تسريب غير متوقع ومن املستحيل دفعه".426
كما سار املشرع الصيني على نفس املنوال ،حيث قررت املادة 43من قانون البيئة
الصيني على أنه "يحق ألي شخص أن يرتكب تحت ظروف قاهرة أو رغبة ملحة في حماية نفسه
واآلخرين من خطر وشيك أو يتخذ إجراءات ضرورية ربما تسبب أضرار بالبيئة ،يمكن أن يتمتع
بإعفاء من العقوبة".427
ويبدو أن االعتراف بحالة الضرورة وتنظيم أحكامها وشروطها على الرغم مما تثيره من
اختالفات بشأن طبيعتها القانونية ،قصد به عدم إثقال كاهل الشخص بتحمل تبعة أمور ال دخل
إلرادته فيها ولم تقع بخطأ من جانبه.428
يالحظ أن أغلب التشريعات تميل إلى التنصيص على حالة الضرورة بخصوص
االنتهاكات البيئة البحرية بدل من عناصر البيئة األخرى ،وذلك راجع إلى وعي املشرع بخطورة
التلوث املياه البحرية من جهة ،ومن جهة أخرى فالبيئة البحرية تكون فيها السفن وناقالت املواد
425تـنص الفقــرة الثانيـة مــن هـذه املــادة علـى ":إن جنحــة التلـوث لــن تـتم - :إدا كـ ـان االنسـكاب قــد تـم ألجــل الضـمان األمنــي للمؤسســة أو
ألجل تفادي أضرار جسيمة أو ألجل حماية وإنقاذ الحياة البشرية في البحر -إذا كان االنسكاب قد تم بعد أخد كافة االحتياطات ملنعه أو
وقفه أو تعطيله ولم يكن باألمان استحالة تجنبه".
426
Mireille Delmas Marty, « La protection pénal de l’environnement en France », rev.int.dr. pén. N° 4. 1978 p 4.
427كما نص املشرع اليمني صراحة على حالة الضرورة كسبب ملنع املسؤولية الجنائية ضد مقترفي جرائم تلويث البيئية البحرية بالقول"
تنتفـي املســؤولية الجنائيـة عــن الشــخص أو املرفـق أو الســفينة أو الطـائرة عــن تص ـريف أيـة مــادة ملوثـة إدا ثبــت أن تص ـريفها قـد نــتج مــن
أجـل إنقـاذ األرواح أو ضـمان سـالمة أيـة سـفينة أو طـائرة أو الحيلولـة دون وقــوع ضـرر خطيـر ألي موقـع بـري وتظـل مسـؤوليته قائمـة فيمــا
يتعلــق بــالتعويض عــن التكــاليف واألض ـرار املتخلفــة مــن ج ـراء هــدا التصــرف" املــادة 33مــن القــانون اليمنــي رقــم 11لســنة 1993بشــأن
حماية البيئية البحرية من التلوث.
428املشـرع املغربـي لــم يـدرج الغلـط فــي القـانون أو الواقــع ضـمن حـاالت اإلعفــاء مـن املســؤولية الجنائيـة .وإن كـان افت ـراض العلـم بالقــانون
البيئــي فــي ظــل تضــخم الترســانة البيئيــة علــى نحــو جعــل مــن الصــعب علــى املــواطن واألجنبــي أن يلــم بأحكامهــا املتعــددة ،بــل حتــى القضــاة
أنفسهم أصبحوا في حاجة دائمة للعلم بالنصوص الجنائية الجديدة.
201
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
التجارية عرضة لقوة قا هرة في أي وقت وبالتالي حاول املشرع التلطيف من املسؤولية في هذه
إحاالت بشكل خاص وترك حاالت أخرى للقواعد العامة للقانون الجنائي .إذ جاء مشروع مدونة
الصيد البحري املغربي بصور عديدة لحاالت الضرورة التي تعفي من املسؤولية حينما ال يكون
التلوث قد حدث بمعرفة الربان أو املسؤول عن السفينة بهدف تعطيلها (املادة .429)288
إن عبء إثبات حالة الضرورة تقع على عاتق املتابع الذي يدعي أنه ارتكب الجريمة تحت
تأثيرها ومحكمة املوضوع هي التي يرجع إليها أمر التثبت من مدى قيامها بشروطها كاملة أو انتفائها
تبعا ،لكن ملزمة مع ذلك بإبراز الوقائع التي استخلصت على أساسها وجود "حالة الضرورة" لكي
يتسنى ملحكمة النقض مراقبة مدى كفايتها.430
وإذا كان قيام حالة الضرورة بجميع شروطها تنفي املسؤولية الجنائية في حق الفاعل،
يبقى السؤال مطروحا ،حول مدى تحمله للمسؤولية التقصيرية أم أنها بدورها تنتفي كما هو الحال
في الدفاع الشرعي؟.
لم يتطرق املشرع املغربي لهذه املسألة ،ولكن كما هو معروف ضمن قواعد املسؤولية
املدنية فإن املسؤولية عن العمل الشخص ي هو إتيان الشخص للفعل عن حرية واختيار ومن غير
أن يسمح به القانون كما ينص الفصل 77ق ل ع م ،وفي حالة الضرورة فإن الشخص ال تكون له
حرية االختيار وبالتالي ينتفي الخطأ الشخص ي مما يعني معه انتفاء املسؤولية التقصيرية.
خاتمة:
من املسلم به أن املسؤولية املترتبة على األضرار البيئية تعد أكثر أنواع املسؤولية تمردا
على الخضوع للقواعد التقليدية ،بعدما أصبحت أسس هذه األخيرة غير مالئمة بالنظر إلى
خصوصية املسؤولية عن األضرار البيئية ،التي تتسم أحكامها بالدقة والتعقيد وأحيانا الغموض،
مما دعا إلى املناداة بضرورة تطوير قواعد املسؤولية الجنائية ،نظرا لعدم استقرار الفقه الجنائي
429
نفس املنحى يأخذ به املشرع املصري ضمن املادة 54مـن القـانون رقـم 4لسـنة 1994التـي تـنص " ال تسـري العقوبـات املنصـوص عليهـا
فـي هــذا القــانون علــى حــاالت التلويــث الناجمــة عــن :التفريــغ النــاتج عــن عطــب فــي الســفينة وأحــد أجهزتهــا ،ويشــترط فــي جميــع األحــوال أن
يكون ربان السفينة أو املسؤول عنها قد اتخذ قبل وقوع العطب جميع االحتياطات الكافية ملنع أو تقليل آثار التلوث."...
430عبد الواحد العلمي ،شرح القانون الجنائي املغربي" ،القسم العام" ،الطبعة السادسة ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،سنة
،2015ص .137
202
مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة /ابريل 2020ـــــــــــــــــــــــــــــــ
على تعريف محدد للتلوث البيئي إذ يكتفي بما يستمده من تعريفات في مجال العلوم الطبيعية،
كما قد يترتب على ارتكاب جريمة تلويث البيئة كم ضخم من األضرار واألخطار التي قد يتعذر
تقديرها وتحديدها ،وقد تكون ناجمة عن سلسلة من األفعال يمكن أن تنسب للعديد من
األشخاص ،بل قد تكون ناتجة عن مزاولة أنشطة عابرة للحدود الدولية ،األمر الذي يزيد من
صعوبة البحث عن املتسبب الذي يتحمل املسؤولية عن ارتكاب الجريمة البيئية.
والشك أن القاعدة التي تقوم عليها التشريعات الجنائية الحديثة مفادها ال يسأل جنائيا
غير اإلنسان ،لكن إسباغ نوع من املساءلة لألشخاص املعنوية جنائيا مسألة ضرورية في مجال
التلوث البيئي ،حيث يتم ارتكاب الكثير من جرائم تلويث البيئة في إطار األنشطة التي تمارسها،
ومن ثم يتحتم تقرير مسؤوليتها إلى جانب مسؤولية من يمثلها وذلك من منطلق معاملة قانونية
خاصة.
لكن وبالرغم من الكم التشريعي الهائل الخاص بحماية البيئة ،فإن األهداف املسطرة
من طرف املشرع املغربي تجاه عناصر البيئة يشوبها نقص من حيث اآلليات املعتمدة لتحقيق هذه
الغاية ،في ظل حماية جنائية تتسم بالضعف بسبب عدم التطبيق السليم والصارم لهذه
النصوص وعدم توافر اإلمكانيات الالزمة ،وبالدرجة الثانية إلى غياب الوعي البيئي لألفراد في حد
ذاتهم ،وعدم الحرص على تطبيق القوانين الرامية لحماية البيئة الذي يؤدي ال محالة لتشجيع على
االعتداء على البيئة ،وخير مثال على ذلك آفة التدخين في األماكن العمومية ورمي النفايات بشتى
أنواعها بشكل عشوائي ،هي أفعال ال تلقى أي استهجان اجتماعي بل أضحىت سلوكات مألوفة لدى
املواطن وهذا أمر يضعف من فعالية تطبيق القوانين الرامية لحماية البيئة.
203