You are on page 1of 24

‫اإلشكاليــات اإلجرائية التي‬

‫تثيرها الجريمة المعلوماتية‬


‫عبر الوطنية‬

‫َّ‬
‫مقدم إلى ‪:‬‬
‫المؤتمر المغاربي األول حول ‪:‬‬

‫المعلوماتية والقانون‬
‫الذي تنظمه أكاديمية الدراسات العليا ـ طرابلس‬
‫خالل الفترة ‪ 28‬ـ ‪2009 / 10 / 29‬‬

‫إعداد ‪:‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬موسى مسعود ارحومة‬
‫أستاذ القانون الجنائي بكلية القانون ‪ /‬جامعة قاريونس‬
‫وأكاديمية الدراسات العليا ‪ /‬فرع بنغازي‬

‫اإلشكاليات اإلجرائية التي تثيرها‬


‫الجريمـة المعلوماتيـةـ عبـر الوطنية‬
‫‪‬أ‪.‬د‪ .‬موسى مسعود ارحومة‬
‫كلية القانون ـ جامعة قاريونس‬
‫‪2‬‬

‫توطئة ‪:‬‬
‫الصعد‬
‫بالرغم من املزايا اهلائلة اليت حتققت وتتحقق كل يوم بفضل تقنية املعلومات على مجيع ّ‬
‫ويف ش‪-‬ىّت مي‪--‬ادين احلي‪--‬اة املعاص‪--‬رة(‪ ،)1‬ف‪--‬إن ه‪--‬ذه الث‪--‬ورة التكنولوجية املتنامية ص‪--‬احبتها يف املقابل مجلة من‬
‫االنعكاس‪-- -‬ات الس‪-- -‬لبية اخلط‪-- -‬رية ج‪-- -‬راء س‪-- -‬وء اس‪-- -‬تخدام ه‪-- -‬ذه التقنية املتط‪-- -‬ورة واالحنراف عن األغ‪-- -‬راض‬
‫املتوخ ‪-- -‬اة منها ‪ ،‬تب ‪ّ - -‬دت يف تفشي طائفة من الظ ‪-- -‬واهر اإلجرامية املس‪-- -‬تحدثة ‪ ،‬أال وهي ظ ‪-- -‬اهرة اجلرائم‬
‫املعلوماتية(‪ .)2‬ليس ه‪-- - - - -‬ذا فحسب ‪ ،‬بل س‪-ّ - - - - -‬هلت ه‪-- - - - -‬ذه التقنية ارتك‪-- - - - -‬اب بعض اجلرائم التقليدية ‪ .‬وقد‬
‫ازدادت ه ‪--‬ذه املخ ‪--‬اطر تفاقم ‪-‬اً يف ظل البيئة االفرتاض ‪--‬ية اليت متثلها ش ‪--‬بكة املعلوم ‪--‬ات الدولية (اإلن ‪--‬رتنت)‬
‫واسعة االنتشار ‪ ،‬ما أفرز نوعاً جديداً من اجلرائم مل يكن معهوداً من قبل ممثالً يف اجلرائم عرب الوطنية‬
‫‪ ، Transnational Crimes‬اليت يتخطى م‪-- -‬داها ح‪-- -‬دود ال‪-- -‬دول بل والق‪-- -‬ارات ‪ ،‬ومل يعد خطرها أو‬
‫آثارها حمص‪-- - -‬ورة يف النط‪-- - -‬اق اإلقليمي لدولة بعينها ‪ ،‬األمر ال‪-- - -‬ذي ب‪-- - -‬ات يثري بعض التح‪-- - -‬ديات القانونية‬
‫والعملية أم ‪--‬ام األجه ‪--‬زة املعنية مبكافحة اجلرمية (أجه ‪--‬زة العدالة اجلنائية جبميع مس ‪--‬توياهتا وعلى اختالف‬
‫أدوارها)(‪ ،)3‬وبالذات فيما خيص إثبات هذه اجلرائم ‪ ،‬وآلية مباشرة إجراءات االستدالل والتحقيق عرب‬
‫البيئة االفرتاض‪-- - -‬ية لتع ّقب اجملرمني وتق‪-- - -‬دميهم للعدالة ؛ ذلك أن مالحقة اجلن‪-- - -‬اة وكشف ج‪-- - -‬رائمهم عرب‬
‫احلدود يقتضي من الناحية العملية أن يتم يف نط‪--‬اق إقليم دولة أخ‪--‬رى ‪ ،‬وهو ما يص‪--‬طدم مبب‪--‬دأ الس‪--‬يادة‬
‫اإلقليمية لل ‪--‬دول عمالً مبب ‪--‬دأ إقليمية الق ‪--‬انون اجلن ‪--‬ائي ‪ ،‬ال ‪--‬ذي يفضي إىل تن ‪--‬ازع االختص ‪--‬اص القض ‪--‬ائي‬
‫بسبب صعوبة حتديد مكان وقوع اجلرمية املعلوماتية عرب الوطنية ‪.‬‬
‫ومن مَث كان الب ّد ـ واألمر كذلك ـ من البحث عن حلول مناسبة هلذه اإلش‪--‬كاليات تتوافق مع‬
‫طبيعة ه ‪--‬ذه اجلرائم املس ‪--‬تحدثة فيما خيص قب ‪--‬ول ال ‪--‬دليل ال ‪--‬رقمي ومباش ‪--‬رة بعض إج ‪--‬راءات التحقيق عرب‬
‫الفضاء املعلومايت وكذلك حتديد معايري االختصاص(‪.)4‬‬
‫ص ‪- - -‬ص األول لبحث خص ‪-- -‬ائص‬ ‫وعلى ض‪-- - -‬وء ما تق‪-- - -‬دم ‪ ،‬ستضم ه‪-- - -‬ذه الورقة ثالثة حماور ‪ ،‬خي َّ‬
‫ص‪- - -‬ص احملور الث ‪-- -‬اين لبحث‬‫اجلرمية املعلوماتية عرب الوطنية ومش ‪-- -‬كلة قب ‪-- -‬ول ال ‪-- -‬دليل ال ‪-- -‬رقمي ‪ ،‬يف حني خي َّ‬
‫اإلش ‪--‬كاليات النامجة عن مباش ‪--‬رة التف ‪--‬تيش وما يف حكمه يف البيئة االفرتاض ‪--‬ية ‪ ،‬أما احملور الث ‪--‬الث فيُف ‪--‬رد‬
‫ملسألة االختصاص والقانون الواجب التطبيق حيال اجلرائم املعلوماتية عرب الوطنية ‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫الجريمة المعلوماتيةـ عبر الوطنية‬
‫الرقمي‬
‫ومشكلة قبول الدليلـ ّ‬
‫لقد ت‪-- - -‬ركت ث‪-- - -‬ورة تقنية املعلوم‪-- - -‬ات انعكاس‪-- - -‬ات واض‪-- - -‬حة على إثب‪-- - -‬ات اجلرمية املعلوماتية عرب‬
‫الوطنية خبالف اجلرائم التقليدية ‪ ،‬ب ‪--‬النظر إىل طبيعة ه ‪--‬ذا الن ‪--‬وع من اجلرائم وما تتسم به من خص ‪--‬ائص‬
‫‪3‬‬

‫ومسات‪ ،‬األمر ال ‪--‬ذي ب ‪--‬ات يثري كث ‪--‬رياً من التح ‪--‬ديات أم ‪--‬ام الق ‪--‬ائمني مبكافحتها والتص ‪--‬دي هلا ‪ ،‬وتكمن‬
‫املشكالت املتعلقة باإلثبات يف أن هذه اجلرائم باعتبارها تقع يف البيئة االفرتاضية ال ترتك أية آث‪--‬ار مادية‬
‫حمسوسة خالف‪- - - - -‬اً للج ‪-- - - -‬رائم التقليدية(‪ .)5‬فه ‪-- - - -‬ذه األخ ‪-- - - -‬رية ميكن إدراكها ب‪-- - - -‬احلواس ‪ ،‬كما هو احلال يف‬
‫احملررات املزورة ‪ ،‬والنق ‪-- -‬ود والطوابع املزيفة ‪ ،‬واألس‪-- -‬لحة النارية ‪ ،‬وما ميكن أن خيلّفه اجلن‪-- -‬اة من آث ‪-- -‬ار‬
‫مادية أخرى يف مسرح اجلرمية كالشعر والدماء وبصمات األصابع وآثار األقدام وما إىل ذلك ‪.‬‬
‫يف حني أن ج‪-- - -‬رائم املعلوماتية ‪ ،‬وبال‪-- - -‬ذات عرب الوطنية ‪ ،‬يغلب عليها أهنا مس‪-- - -‬ترتة ألن اجلن ‪-- -‬اة‬
‫يعم‪--‬دون يف كثري من األحي‪--‬ان إىل إخف‪--‬اء س‪--‬لوكهم اإلج‪--‬رامي عن طريق تالعبهم بالبيان‪--‬ات ‪ ،‬ال‪--‬ذي يتم‬
‫يف الغالب يف غفلة من اجملين عليه ‪.‬‬
‫ـ ع‪--‬اد ًة ـ‬ ‫ك‪--‬ذلك من الس‪--‬هل التخلص من ه‪--‬ذه األدلة (الرقمي‪--‬ة) وحموها ؛ إذ يتم ذلك‬
‫يف ملح البصر ومبجرد ملسة خاطفة على لوحة املفاتيح جبهاز احلاس‪--‬وب(‪ ،)6‬على اعتب‪--‬ار أ ّن اجلرمية تتم يف‬
‫ص‪-- -‬ورة أوامر تص‪-- -‬در إىل اجله‪-- -‬از ‪ ،‬وما إن حيس اجلاين ب‪-- -‬أن أم‪-- -‬ره سينكشف ‪ ،‬حىت يب‪-- -‬ادر بإلغ ‪--‬اء ه ‪--‬ذه‬
‫األوامر ‪ ،‬األمر ال‪--‬ذي جيعل كشف اجلرمية وحتديد مرتكبها أم‪--‬راً يف غاية الص‪--‬عوبة ‪ .‬ومع م‪--‬رور ال‪--‬وقت‬
‫‪-‬وان مع ‪--‬دودة‪ -‬قبل أن تتمكن‬ ‫اكتسب اجلن ‪--‬اة خ ‪--‬ربة واس ‪--‬عة يف التالعب بالبيان ‪--‬ات وإتالفها يف غض ‪--‬ون ث ‪ٍ -‬‬
‫األجه‪--‬زة املختصة من كش‪--‬فهم أو التع‪--‬رف عليهم ‪ .‬ويت‪--‬أتّى ه‪--‬ذا ع‪--‬اد ًة بالتو ّس‪-‬ل ب‪--‬ربامج معينة هلا خاص‪--‬ية‬
‫إتالف أو ت ‪--‬دمري البيان ‪--‬ات بص ‪--‬ورة تلقائية بعد مضي ف ‪--‬رتة من ال ‪--‬زمن حبسب رغبة مص ‪--‬مم الربن ‪--‬امج ويف‬
‫الوقت الذي يشاء ‪.‬‬
‫وجيتهد املهندس ‪--‬ون يف جمال تقنية املعلوم ‪--‬ات البتك ‪--‬ار ب ‪--‬رامج معينة هلذا الغ ‪--‬رض ‪ ،‬وتكمن آلية‬
‫عملها يف أنه مبج ‪--‬رد حماولة ش ‪--‬خص غري مص ‪--‬رح له ول ‪--‬وج النظ ‪--‬ام أو اس ‪--‬تخدام جه ‪--‬از احلاس ‪--‬وب املزود‬
‫هبذا الربن ‪-- -‬امج ‪ ،‬ف ‪-- -‬إن ه ‪-- -‬ذا األخري يص ‪-- -‬در أم ‪-- -‬راً للجه ‪-- -‬از حبيث يتم إتالف البيان‪-- -‬ات املخزنة به وحموها‬
‫بصورة تلقائية ‪.‬‬
‫ولعل صعوبة كشف الدليل تزداد بص‪--‬ورة خاصة مىت ارتكبت ه‪--‬ذه اجلرائم يف جمال العمل من‬ ‫ّ‬
‫قِبل العاملني ضد املؤسسات الت‪-‬ابعني هلا ‪ .‬فبحكم الثقة يف ه‪-‬ؤالء يس‪-‬هل عليهم اق‪-‬رتاف ج‪-‬رائمهم دون‬
‫أن يرتكوا أية آثار تدل عليهم ‪.‬‬
‫ومثة وس‪--‬يلة أخ‪--‬رى يلجأ إليها اجلن‪--‬اة لت‪--‬دمري وإتالف البيان‪--‬ات املخزنة جبه‪--‬از احلاس‪--‬وب‪ ،‬متمثلة‬
‫يف إغالق اجله ‪--‬از بص ‪--‬ورة فجائية ودون التقيد بالطريقة اآلمنة ؛ ذلك أن اإلغالق الفج ‪--‬ائي وغري اآلمن‬
‫كثرياً ما يتسبب يف تدمري بعض الربامج أو إحداث عطب أو ختريب مللحقات احلاس‪--‬وب ‪ ،‬ورمبا يت‪--‬أتى‬
‫ذلك من خالل تزويد اجله‪-- - - - - -‬از ببعض الفريوس‪-- - - - - -‬ات املتمثلة يف القنابل املنطقية ‪ .‬بعب‪-- - - - - -‬ارة أخ ‪-- - - -‬رى أن‬
‫مس ‪--‬تخدمي احلاس ‪--‬وب واإلن ‪--‬رتنت جلّهم من ذوي اخلربة يف ه ‪--‬ذا املي ‪--‬دان ‪ ،‬ما من ش ‪--‬أنه أن مي ّكنهم من‬
‫إدخ ‪--‬ال تع ‪--‬ديالت على أوامر التش ‪--‬غيل ‪ ،‬حبيث لو جترأ أي ش ‪--‬خص إلدخ ‪--‬ال أمر ما أو ح ‪--‬اول نسخ أو‬
‫‪4‬‬

‫طبع أية بيان‪-- - -‬ات ‪ ،‬ف‪-- - -‬إن ه‪-- - -‬ذه البيان‪-- - -‬ات تك‪-- - -‬ون عرضة للت‪-- - -‬دمري واإلتالف بغية عرقلة أجه‪-- - -‬زة الض ‪-- -‬بط‬
‫والتحقيق وعدم متكينها من الوصول إىل األدلة وضبطها‪.‬‬
‫ف ‪--‬اجملرم املعلوم ‪--‬ايت يتصف يف الغ ‪--‬الب بال ‪--‬ذكاء واخلربة الواس ‪--‬عة مقارنة بنظ ‪--‬ريه اجملرم الع ‪--‬ادي ‪،‬‬
‫وه ‪-- -‬ذا مي ّكنه من التخطيط جلرميته قبل أن يق ‪-- -‬دم على ارتكاهبا حماوالً ب‪-- -‬ذل اجلهد يف أالّ يُكتشف أم‪-- -‬ره‬
‫متو ّس ‪- -‬الً بأس ‪-- -‬اليب وت ‪-- -‬دابري احلماية الفنية اليت من ش ‪-- -‬أهنا إعاقة مهمة أجه ‪-- -‬زة االس ‪-- -‬تدالل والتحقيق يف‬
‫الوص‪-- - -‬ول إىل ال‪-- - -‬دليل ‪ ،‬كما يف اس ‪-- -‬تخدام كلم‪-- - -‬ات املرور ‪ ،Password‬وترم‪-- - -‬يز البيان‪-- - -‬ات وتش‪-- -‬فريها‬
‫للحيلولة دون االطالع على حمتواها أو ضبطها(‪.)7‬‬
‫وب‪--‬النظر إىل ازدي‪--‬اد انتش‪--‬ار ه‪--‬ذه الربجمي‪--‬ات يف ال‪--‬دول املتقدمة وما ينجم عنها من خماطر ‪ ،‬ف‪--‬إن‬
‫بعض ‪--‬ها اس ‪--‬تحدث تش ‪--‬ريعات متّ مبوجبها جترمي اللج ‪--‬وء إىل ه ‪--‬ذه التقني‪--‬ات ب‪--‬دون ت ‪--‬رخيص من األجه ‪--‬زة‬
‫املختصة ‪ ،‬ومن ه‪--‬ذه ال‪--‬دول هولن‪--‬دا ‪ ،‬حيث س‪--‬نّت تش‪--‬ريعاً يقضي بوضع ض‪--‬وابط لعملي‪--‬ات التش‪--‬فري ‪،‬‬
‫ومنها ضرورة احلصول على ترخيص من اجله‪--‬ات املعنية ‪ ،‬إىل ج‪--‬انب إي‪--‬داع مف‪--‬اتيح التش‪--‬فري ل‪--‬دى ه‪--‬ذه‬
‫اجلهات ‪.‬‬
‫وك‪--‬ذلك فعلت فرنسا الش‪--‬يء ذاته ‪ ،‬ومن ش‪--‬أن اإلق‪--‬دام على ه‪--‬ذا التش‪--‬فري ب‪--‬دون ت‪--‬رخيص أن‬
‫يص‪--‬بح الفعل جرمية يع‪--‬اقب عليها الق‪--‬انون ‪ ،‬وأيض ‪-‬اً معاقبة الش‪--‬خص ال‪--‬ذي أعد برن‪--‬امج التش‪--‬فري ب‪--‬دون‬
‫ترخيص(‪.)8‬‬
‫فض ‪-‬الً عما تق ‪--‬دم ‪ ،‬ف ‪--‬إن الوص ‪--‬ول إىل ال‪--‬دليل ال ‪--‬رقمي تعرتضه عقبة أخ ‪--‬رى تكمن يف أن اجلن‪--‬اة‬
‫املتمرسني جيته‪--‬دون يف إخف‪--‬اء هويّ‪--‬اهتم للحيلولة دون تعقبهم أو كشف أم‪--‬رهم ‪ ،‬حبيث تظل أنش‪--‬طتهم‬
‫جمهولة ومبن‪--‬أى عن علم الس‪--‬لطات املعنية مبكافحة اجلرمية ‪ .‬ومن األمثلة اليت تُس‪--‬اق على ذلك اس‪--‬تخدام‬
‫اجلاين حاس‪-- - -‬باً آخر غري حاس‪-- - -‬به الشخصي ‪ ،‬كاس‪-- - -‬تخدام احلواس‪-- - -‬يب املوج‪-- - -‬ودة باألم‪-- - -‬اكن العامة ‪ ،‬أو‬
‫اللج ‪--‬وء إىل مق ‪--‬اهي اإلن ‪--‬رتنت ‪ ،‬على اعتب ‪--‬ار أن جل ه ‪--‬ذه املق ‪--‬اهي ال تق ‪--‬وم بتس ‪--‬جيل أمساء مرتاديها أو‬
‫التحقق من هوي ‪--‬اهتم ‪ ،‬الس ‪--‬يما إذا علمنا أن ش ‪--‬بكة اإلن ‪--‬رتنت ت ‪--‬تيح ملس ‪--‬تخدميها اس ‪--‬تعمال اخلط الواحد‬
‫من أكثر من شخص يف آن معاً ‪ ،‬ما جيعل املراقبة والتعقب للمشتبه فيه أمراً ينطوي على ص‪--‬عوبة وغري‬
‫ميسور يف كثري من األحيان ‪ .‬ورمّب ا تتعقد املسألة أكثر عند استخدام اإلن‪-‬رتنت الالس‪-‬لكي(‪ ،)9‬ال‪-‬ذي هو‬
‫آخذ يف االنتشار يف أيامنا هذه على حساب اإلنرتنت السلكي ‪.‬‬
‫يض‪--‬اف إىل ذلك كله تض‪--‬اؤل خ‪--‬ربة أجه‪--‬زة العدالة اجلنائية من م‪--‬أموري ض‪--‬بط وس‪--‬لطة حتقيق‬
‫وحماكمة ؛ إذ يفتقر ه‪--‬ؤالء إىل التأهيل الك‪--‬ايف يف ه‪--‬ذا املي‪--‬دان التقين ‪ .‬وه‪--‬ذا يزيد من ص‪--‬عوبة وص‪--‬وهلم‬
‫إىل الدليل الرقمي وكيفية ضبطه واحملافظة عليه ‪ .‬فنقص اخلربة لدى ه‪--‬ؤالء قد يفضي إىل ت‪--‬دمري ال‪--‬دليل‬
‫‪5‬‬

‫وإتالفه ؛ على اعتب‪-- - -‬ار أن جهلهم بأس‪-- - -‬اليب ارتك ‪-- - -‬اب اجلرائم املعلوماتية جيعلهم يف كثري من األحي ‪-- -‬ان‬
‫يقع‪-- - - -‬ون يف أخط‪-- - - -‬اء من ش‪-- - - -‬أهنا أن ت‪-- - - -‬ؤدي إىل حمو األدلة الرقمية أو ت‪-- - - -‬دمريها ؛ مثل إتالف حمتوي‪-- - -‬ات‬
‫األقراص املمغنطة وأوعية املعلومات اليت خُت َّزن هبا البيان‪-‬ات(‪ .)10‬ذلك أن كشف ه‪-‬ذه اجلرائم يقتضي أن‬
‫ص ‪-‬يها وض ‪--‬بطها‬ ‫تك ‪--‬ون األجه ‪--‬زة املعنية على دراية كافية بأساس ‪--‬يات التعامل مع ه ‪--‬ذه اجلرائم وكيفية تق ّ‬
‫وص‪-- - - - -‬والً إىل مرتكبيها ‪ ،‬ما يعين ض‪-- - - - -‬رورة تل ّقي ه‪-- - - - -‬ؤالء دورات تدريبية بش‪-- - - - -‬أن اس‪-- - - - -‬رتاتيجية التحقيق‬
‫واالس‪--‬تدالل عن ه‪--‬ذه اجلرائم ؛ إذ ب‪--‬دون ذلك ال ميكنهم مواجهة أس‪--‬اليب اجلن‪--‬اة املعق‪--‬دة اليت يتو ّس‪-‬لون‬
‫هبا ع‪-- -‬ادة الرتك‪-- -‬اب ج‪-- -‬رائمهم ‪ .‬فه‪-- -‬ذه املتطلب‪-- -‬ات تفتقر إليها األجه‪-- -‬زة املذكورة ‪ ،‬الس‪-- -‬يما يف ال‪-- -‬دول‬
‫النامية ‪ ،‬ما جيعل دورها يف كشف ه‪--‬ذه اجلرائم ومكافحتها حمدوداً للغاي‪--‬ة‪ ،‬وغالب‪-‬اً يك‪--‬ون م‪--‬آل اجله‪--‬ود‬
‫اليت تبذهلا يف هذا اجملال الفشل واإلخفاق ‪.‬‬
‫ك‪-- - -‬ذلك من العقب‪-- - -‬ات اليت تعيق عمل األجه‪-- - -‬زة املذكورة ـ حىت على ف‪-- - -‬رض أنه مت إع ‪-- -‬دادها‬
‫اإلعداد املناسب هلذه املهمة ـ ض‪--‬خامة حجم البيان‪--‬ات حمل الفحص ما يتع‪ّ -‬ذر معه على احملققني األكف‪--‬اء‬
‫الوصول إىل الدليل(‪.)11‬‬
‫فمن الناحية العملية يواجه احملقق‪-- - - -‬ون حتديات كب‪-- - - -‬رية يف فحص مجيع البيان‪-- - - -‬ات ؛ ف‪-- - - -‬ذلك أمر‬
‫مكلف ويس ‪--‬تغرق يف الع ‪--‬ادة وقت‪- -‬اً ط ‪--‬ويالً ‪ ،‬وكث ‪--‬رياً ما ي ‪--‬ؤدي بالنهاية إىل جعل احملققني ورج ‪--‬ال األمن‬
‫يض‪--‬جرون وقد يص‪--‬رفون النظر عن مواص‪--‬لة البحث القتن‪--‬اعهم بأنه ال ج‪--‬دوى من ذلك ‪ ،‬وينظ‪--‬رون إليه‬
‫على أنه جهد ضائع وغري مثمر‪.‬‬
‫فكما هو معل ‪-- -‬وم ‪ ،‬تتم ‪-- -‬يز احلواس ‪-- -‬يب ـ على اختالف فيما بينها ـ بق ‪-- -‬درهتا اهلائلة على ختزين‬
‫عن لألجه ‪--‬زة‬ ‫البيان ‪--‬ات مبا ي ‪--‬وازي مئ ‪--‬ات األل ‪--‬وف من الص ‪--‬فحات الورقية ‪ ،‬وه ‪--‬ذا يعين ببس ‪--‬اطة أنه لو ّ‬
‫الضبطية مثالً طباعة حمتويات أحد األقراص الصلبة ‪ ،‬فإن ذلك يتطلب كميات هائلة من الورق ‪ ،‬وقد‬
‫تك‪--‬ون النتيجة ـ رغم ه‪--‬ذا اجلهد ـ س‪--‬لبية حبيث ال ميكنها كشف ال‪--‬دليل املراد ض‪--‬بطه أو حتص‪--‬يله ‪ ،‬وه‪--‬ذا‬
‫مرده يف املقام األول عدم وجود آلية للف‪--‬رز ال‪--‬ذايت للملف‪--‬ات املخزنة ‪ ،‬حىت ميكن الوق‪--‬وف على امللف‪--‬ات‬ ‫ّ‬
‫جمد يف كثري من األحي‪--‬ان ؛ ملا يس‪--‬تغرقه‬ ‫غري املشروعة وضبطها ‪ ،‬ومن هنا فاألمر ج ّد مرهق ‪ ،‬بل وغري ٍ‬
‫من وقت ال طائل منه ‪ ،‬ما جيعل القض ‪--‬اء ال يك ‪--‬رتث بال ‪--‬دليل ال ‪--‬رقمي ‪ ،‬وال يع ‪-ّ -‬ول عليه كث ‪--‬رياً الفتق ‪--‬اره‬
‫إىل الص‪--‬دقية اليت جتعله ج‪--‬ديراً بالثقة ‪ ،‬وإذا ك‪--‬ان ه‪--‬ذا ح‪--‬ال ال‪--‬دول املتقدمة ‪ ،‬فما بالك بال‪--‬دول النامية‬
‫اليت التزال تفتقر إىل الكفاءات الالزمة يف هذا احلقل التقين ؟‬
‫ويف واقع األمر أن املس‪-- -‬ألة ت‪-- -‬زداد تعقي‪-- -‬داً ‪ ،‬حينما يك‪-- -‬ون حمل البحث هو الش‪-- -‬بكة املعلوماتية‬
‫(اإلن‪--‬رتنت) خبص‪--‬وص اجلرائم عرب الوطنية موض‪--‬وع ه‪--‬ذه الورقة ؛ إذ يص‪--‬بح ض‪--‬بط ال‪--‬دليل والبحث عنه‬
‫أم‪--‬راً يف غاية الص‪--‬عوبة ‪ ،‬إن مل يكن مس‪--‬تحيالً أحيان ‪-‬اً ‪ ،‬على اعتب‪--‬ار أن التف‪--‬تيش والض‪--‬بط يف ه‪--‬ذه البيئة‬
‫االفرتاض ‪--‬ية يتطلب أن يتم خ ‪--‬ارج ح ‪--‬دود ال ‪--‬دول ويف نط ‪--‬اق دولة أخ ‪--‬رى(‪ ،)12‬ما يتطلب احلص ‪--‬ول على‬
‫‪6‬‬

‫إذن مسبق بذلك من سلطاهتا؛ ملا ينطوي عليه من مس‪-‬اس بس‪-‬يادة ه‪-‬ذه الدولة ‪ ،‬ناهيك عما يس‪-‬فر عنه‬
‫البحث من انته‪-- - -‬اك خلصوص‪-- - -‬ية اآلخ‪-- - -‬رين ممن تتعلق هبم البيان‪-- - -‬ات أو املعلوم‪-- - -‬ات موض‪-- - -‬وع الض ‪-- -‬بط أو‬
‫التفتيش ‪.‬‬
‫وأخ‪--‬رياً ‪ ،‬فثمة اعتب‪-‬ار آخر ـ وإن ك‪--‬ان أقل أمهية ـ من ش‪--‬أنه أن يزيد من الص‪--‬عوبات اليت تواجه‬
‫األجه‪-- - - -‬زة املعنية ب‪-- - - -‬البحث والتح‪-- - - -‬ري يف البيئة املعلوماتية ‪ ،‬يتجلى يف إحج‪-- - - -‬ام اجملين عليهم ع‪-- - -‬اد ًة عن‬
‫اإلبالغ عن اجلرائم اليت يكون‪-- -‬ون ض‪-- -‬حيتها إىل الس ‪-- -‬لطات املختصة(‪ .)13‬فقد س‪-- -‬جلت اإلحص‪-- -‬اءات يف‬
‫بعض ال‪--‬دول الغربية ‪ ،‬ومنها فرنسا ‪ ،‬اخنفاض‪-‬اً ملحوظ‪-‬اً يف نس‪--‬بة اإلبالغ عن ه‪--‬ذه اجلرائم حرص‪-‬اً على‬
‫إخفاء أساليب ارتكاهبا للحيلولة دون تقليد اآلخرين للجناة وحماكاهتم يف جرائمهم ‪.‬‬
‫يتوخى بعض اجملين عليهم من وراء العزوف عن اإلبالغ عدم إتاحة الفرصة لألجه‪--‬زة‬ ‫كما قد ّ‬
‫األمنية من االطالع على معلوم‪-- - - -‬ات مل جي ِر اإلبالغ عنها ‪ .‬ورمبا يتجلّى ذلك بص‪-- - - -‬ورة أكرب يف نط‪-- - -‬اق‬
‫ج ‪-- -‬رائم احلاسب اليت تقع على ش ‪-- -‬ركات الت ‪-- -‬أمني أو البن ‪-- -‬وك رغبة يف ت ‪-- -‬وقّي اخلس ‪-- -‬ائر اليت يتوقع حتققها‬
‫نتيجة هذا اإلبالغ بسبب اهتزاز ثقة املتعاملني معها ‪.‬‬

‫المطلب الثانيـ‬
‫إشكاليات التفتيش وما في حكمه‬
‫في البيئة المعلوماتية‬
‫قد يتطلب األمر يف كثري من األحيان ولوج البيئة املعلوماتية حبث‪-‬اً عن ال‪--‬دليل وكشف مرتكبـي‬
‫ه‪--‬ذه الطائفة من اجلرائم وتعقبهم ‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬ف‪--‬إن التف‪--‬تيش وما يف حكمه يف نط‪--‬اق ه‪--‬ذه البيئة يُنظر‬
‫جمد ملا يكتنفه من ص ‪--‬عوبات أثن ‪--‬اء تنفي ‪--‬ذه ‪ ،‬وبال ‪--‬ذات ما يتم يف‬ ‫إليه يف كثري من األحي ‪--‬ان على أنه غري ٍ‬
‫الفضاء االفرتاضي (يف بيئة اإلنرتنت) مقارنة باجلرائم التقليدية‪.‬‬
‫وفيما خيص حمل التف‪-- - - - -‬تيش وما يف حكمه يف البيئة املعلوماتية ‪ ،‬فهو قد ي‪-- - - - -‬رد على املكون ‪-- - -‬ات‬
‫املادية للحاسب اآليل وملحقاته ‪ ،‬وه‪-- -‬ذه ال خالف يُ‪-- -‬ذكر ح‪-- -‬ول خض‪-- -‬وعها للتف‪-- -‬تيش والض‪-- -‬بط طبق ‪- -‬اً‬
‫لقواعد ق‪--‬انون اإلج‪--‬راءات اجلنائية ‪ ،‬مبا يف ذلك البيان‪--‬ات املخزنة يف أوعية أو وس‪--‬ائل مادية كاألش‪--‬رطة‬
‫املمغنطة واألق ‪--‬راص الص ‪--‬لبة والض ‪--‬وئية ‪ ،‬وذلك تبع‪- -‬اً للمك ‪--‬ان أو احليز املوج ‪--‬ودة فيه(‪ .)14‬ومن َثـم ‪ ،‬إذا‬
‫كانت موجودة مبسكن املتهم أو أحد ملحقاته فتحكمها القواعد ذاهتا اليت خيضع هلا تف‪-‬تيش املس‪--‬كن ؛‬
‫إذ جيوز تفتيشها وض‪-‬بطها مىت ك‪--‬ان تف‪-‬تيش املس‪--‬كن ج‪-‬ائزاً ‪ ،‬والعكس ص‪--‬حيح ‪ .‬ويف ح‪-‬ال وجودها يف‬
‫مكان عام فيحكمها ما حيكم هذا املكان من أحكام ‪ ،‬وهلم جرا ‪.‬‬
‫يف حني أنه إذا ك ‪--‬ان احلاسب يف ح ‪--‬وزة ش ‪--‬خص خ ‪--‬ارج مس ‪--‬كنه ‪ ،‬ف ‪--‬إن تفتيشه عندئ ‪-ٍ -‬ذ خيضع‬
‫‪7‬‬

‫للقواعد ذاهتا اليت خيضع هلا تفتيش الشخص بوصفه أحد متعلقاته ‪ ،‬يس‪--‬توي أن يك‪--‬ون احلائز هو مالك‬
‫اجلهاز أم سواه ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى ‪ ،‬وهو األهم ال‪-‬ذي يعنينا بال‪-‬ذات ‪ ،‬أن التف‪-‬تيش وما يف حكمه قد ي‪-‬رد على‬
‫اجلانب املنطقي للحاس‪--‬وب ‪ ،‬املتمثل يف املعلوم‪--‬ات والبيان‪--‬ات املعاجلة إلكرتوني‪-‬اً ‪ ،‬وهي حمل ج‪--‬دل كبري‬
‫ح ‪-- -‬ول ص ‪-- -‬الحيتها ألن تك ‪-- -‬ون موض ‪-- -‬وعاً للتف ‪-- -‬تيش والض ‪-- -‬بط من ع ‪-- -‬دمها(‪ .)15‬فثمة اجتاه ي ‪-- -‬رى أن ه‪-- -‬ذه‬
‫املكونات املنطقية ال تصلح بطبيعتها ألن تكون كذلك‪ ،‬على اعتبار أن التفتيش يهدف يف املق‪--‬ام األول‬ ‫ّ‬
‫إىل ض‪-- - - -‬بط أدلة مادية ‪ ،‬وه‪-- - - -‬ذا يس‪-- - - -‬تلزم وج‪-- - - -‬ود أحك‪-- - - -‬ام خاصة تك‪-- - - -‬ون أك‪-- - - -‬ثر مالءمة هلذه البيان‪-- - -‬ات‬
‫الالحمسوسة‪.‬‬
‫‪-‬ؤداه أن املكون‪-- - - - -‬ات املعنوية ال ختتلف عن الكي‪-- - - - -‬ان املادي‬ ‫ويف املقابل ‪ ،‬ان‪-- - - - -‬ربى اجتاه آخر م‪ّ - - - - -‬‬
‫للحاسب اآليل من حيث خض‪--‬وعها ألحك‪--‬ام التف‪--‬تيش وما يف حكمه ‪ ،‬ب‪--‬دعوى أن البيان‪--‬ات ‪ ،‬اليت هي‬
‫عب‪-- - - - -‬ارة عن نبض‪-- - - - -‬ات إلكرتونية ‪ ،‬قابلة للتخ‪-- - - - -‬زين على أوعية أو وس‪-- - - - -‬ائط مادية كاألش‪-- - - - -‬رطة املمغنطة‬
‫واألقراص واألسطوانات ‪ ،‬كذلك ميكن تق‪-‬ديرها وقياس‪-‬ها بوح‪-‬دات قي‪-‬اس خاصة معروفة ‪ ،‬وعلى ه‪-‬ذا‬
‫األساس تكون صاحلة كموضوع للضبط والتفتيش شأهنا شأن الوسائط املادية ذاهتا ‪.‬‬
‫وبتقديرنا ‪ ،‬فإن االجتاه األول أكثر منطقية ؛ ذلك أن القواعد اليت حتكم التف‪--‬تيش والض‪--‬بط إمنا‬
‫ُو ِض ‪- -‬عت يف زمن مبكر وقبل ظه ‪-- -‬ور احلاس ‪-- -‬وب وتطبيقاته ‪ ،‬وأي ‪- -‬اً ك ‪-- -‬انت املربرات اليت س ‪-- -‬اقها معتنقو‬
‫املس ‪--‬اواة بني الكي ‪--‬ان املادي واملنطقي ‪ ،‬ف ‪--‬إن طبيعة البيان ‪--‬ات املعاجلة تتطلب قواعد خاصة حتكمها ب ‪--‬دالً‬
‫من حماولة تطويع القواعد التقليدية وتوس‪-- -‬يع نطاقها ‪ ،‬وه‪-- -‬ذا يت‪-- -‬أتّى من خالل إج‪-- -‬راء تع‪-- -‬ديل عليها من‬
‫ش‪--‬أنه توس‪--‬يع نط‪--‬اق األش‪--‬ياء اليت تك‪--‬ون مش‪--‬مولة ب‪--‬التفتيش والض‪--‬بط وتض‪--‬مينها من األحك‪--‬ام مبا يتالءم‬
‫ومتطلب‪--‬ات ه‪--‬ذه التقنية اجلدي‪--‬دة ‪ .‬فالنص‪--‬وص اخلاصة ب‪--‬التفتيش مبعن‪--‬اه التقلي‪--‬دي ال ينبغي إعماهلا بش‪--‬أهنا‬
‫مباشرة ‪ ،‬باعتب‪-‬ار أن ه‪-‬ذه النص‪-‬وص متثل قي‪-‬داً على احلرية الفردية ‪ ،‬ومن مَث يص‪-‬بح القي‪-‬اس على األش‪-‬ياء‬
‫املادية حمظوراً ملنافاته الشرعية اإلجرائية ‪.‬‬
‫وباس‪--‬تقراء موقف التش‪--‬ريعات احلديثة جندها قد ذهبت إىل تأكيد ه‪--‬ذا االجتاه ‪ ،‬حبيث أض‪--‬حت‬
‫املكون ‪--‬ات املعنوية للحاسب اآليل ض ‪--‬من األش ‪--‬ياء اليت تص ‪--‬لح أن تك ‪--‬ون حمالً للتف ‪--‬تيش والض ‪--‬بط ‪ .‬ففي‬
‫التش ‪-- -‬ريع األم ‪-- -‬ريكي على س ‪-- -‬بيل املث ‪-- -‬ال تقضي املادة (‪ )34‬من القواعد الفيدرالية اخلاصة ب ‪-- -‬اإلجراءات‬
‫اجلنائية الص‪--‬ادرة س‪--‬نة ‪ 1970‬بعد تع‪--‬ديلها مبد نط‪--‬اق التف‪--‬تيش ليش‪--‬مل ض‪--‬من ما يش‪--‬مل أجه‪--‬زة احلاسب‬
‫اآليل وأوعية التخ‪-- - - -‬زين والربيد اإللك‪-- - - -‬رتوين والص‪-- - - -‬ويت واملنق‪-- - - -‬ول عن طريق الف‪-- - - -‬اكس ‪ .‬فض‪- - - -‬الً عن أن‬
‫االتفاقية األوروبية للجرمية االفرتاض‪-- - - -‬ية (اتفاقية بودابس‪-- - - -‬ت) تقضي يف املادة (‪ )19‬منها ب‪-- - - -‬إلزام ال‪-- - -‬دول‬
‫األط‪--‬راف يف ه‪--‬ذه االتفاقية بض‪--‬رورة تبنـي الت‪--‬دابري واإلج‪--‬راءات التش‪--‬ريعية اليت ختول الس‪--‬لطات املختصة‬
‫ولوج البيئة املعلوماتية ‪ ،‬وذلك من أجل تيسري إثبات هذه اجلرائم ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ومع ه ‪--‬ذا ‪ ،‬نالحظ أن بعض أحك ‪--‬ام القض ‪--‬اء املق ‪--‬ارن قد تبنت التفسري املوسع ملدلول األش ‪--‬ياء‬
‫حمل الض ‪-- -‬بط والتف ‪-- -‬تيش ‪ ،‬حبيث ينس ‪-- -‬حب على بيان‪-- -‬ات احلاسب اآليل حىت يف غي ‪-- -‬اب نص ‪-- -‬وص خاصة‬
‫حتكم ه ‪--‬ذه املس ‪--‬ألة ‪ .‬وهو اجتاه ن ‪--‬رى أنه حمل نظر ‪ ،‬وال ميكن التس ‪--‬ليم به يف ض ‪--‬وء االعتب ‪--‬ارات س ‪--‬الفة‬
‫الذكر ‪.‬‬
‫ولكن ‪ ،‬م‪--‬اذا لو ك‪--‬ان النظ‪--‬ام املعلوم‪--‬ايت م‪--‬زوداً بنظ‪--‬ام محاية مينع من ولوجه دون ت‪--‬دخل الق‪--‬ائم‬
‫على ه‪-- -‬ذه املنظومة ومس‪-- -‬اعدته ؟ فهل يا ت‪-- -‬رى جيوز إجب‪-- -‬ار املتهم مثالً على تزويد الس‪-- -‬لطات املختصة‬
‫بالتحقيق مبف‪-‬اتيح املرور إىل النظ‪--‬ام املعلوم‪-‬ايت ؟ أو ب‪-‬األحرى هل ميكن إكراهه على اإلفص‪-‬اح عن كلمة‬
‫السر وما يف حكمها من أجل تسهيل الولوج إىل البيئة املعلوماتية ؟‬
‫هنا تب‪--‬اينت اآلراء بص‪--‬دد ه‪--‬ذه املس‪--‬ألة ‪ ،‬فثمة رأي ي‪--‬رفض إجب‪--‬ار املتهم على تق‪--‬دمي املعلوم‪--‬ات‬
‫الالزمة لتسهيل ولوج النظام املعلومايت ‪ .‬واحلجة اليت يس‪--‬تند إليها ه‪--‬ذا ال‪--‬رأي تتجسد يف قاع‪--‬دة معروفة‬
‫ومس‪-- -‬تقرة أن املتهم ال جيوز إجب‪-- -‬اره على اإلجابة عن األس‪-- -‬ئلة اليت من ش‪-- -‬أهنا أن تفضي إىل إدانته ؛ إذ‬
‫فسر ذلك الصمت ضد مصلحته ‪.‬‬ ‫من حقه االعتصام بالصمت دون أن يُ َّ‬
‫وه‪-- - - -‬ذا االجتاه اعتنقته بعض التش‪-- - - -‬ريعات احلديثة ‪ ،‬ومنها الق‪-- - - -‬انون الياب‪-- - - -‬اين ال‪-- - - -‬ذي حيظر على‬
‫األجه ‪-- -‬زة املختصة إك ‪-- -‬راه مالك احلاسب اآليل على اإلفص ‪-- -‬اح عن كلمة املرور أو السر ‪، Password‬‬
‫والنهج ذاته كان قد تبناه مشروع قانون اإلجراءات اجلنائية البولندي ‪.‬‬
‫ويف املقابل ‪ ،‬ذهب رأي آخر إىل القول بأنه ‪ ،‬وإن كان ال جيوز إجبار الش‪-‬خص على اإلدالء‬
‫بأقواله ضد نفسه ‪ ،‬بيد أن ذلك ال ينبغي أن يك‪--‬ون ح‪--‬ائالً دون إجب‪--‬اره على تق‪--‬دمي معلوم‪--‬ات يقتض‪--‬يها‬
‫ول ‪--‬وج النظ ‪--‬ام املعلوم‪--‬ايت للس‪--‬لطات املختصة ‪ ،‬مىت ك‪--‬انت ه‪--‬ذه املعلوم ‪--‬ات حبوزته ‪ ،‬قياس ‪-‬اً على إجب‪--‬ار‬
‫الشخص على تسليم مفتاح اخلزنة الذي حبوزته(‪.)16‬‬
‫ولكن ه ‪--‬ذا ال ‪--‬رأي األخري أي‪- -‬اً ك ‪--‬انت املربرات اليت يق ‪--‬وم عليها ‪ ،‬ال ميكن القب ‪--‬ول به ‪ ،‬فقي ‪--‬اس‬
‫املعلومة اليت حبوزة املتهم على مفت‪-- - - - - - -‬اح اخلزنة وما يف حكمه قي‪-- - - - - - -‬اس مع الف‪-- - - - - - -‬ارق ‪ .‬ذلك أن املعلومة‬
‫السّر وما يف حكمها) هي أمر معنوي خبالف املفتاح الذي هو ش‪--‬يء م‪--‬ادي حمس‪--‬وس‬ ‫(املتمثلة يف كلمة ّ‬
‫قابل للتسليم ‪ .‬هذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن هذا الرأي األخري ال يتفق مع األص‪--‬ول املس‪--‬تقرة‬
‫يف اإلثبات اجلنائي ‪ ،‬ويتناىف مع مقتضيات حق ال‪-‬دفاع أم‪--‬ام القض‪-‬اء اجلن‪-‬ائي ‪ .‬ومن ناحية ثالثة ‪ ،‬وحىت‬
‫على ف ‪--‬رض التس ‪--‬ليم جبواز إك ‪--‬راه املتهم أو املش ‪--‬تبه به على تق ‪--‬دمي مف ‪--‬اتيح الش ‪--‬فرة اليت مت ّكن من ول ‪--‬وج‬
‫النظ‪-- - -‬ام املعلوم‪-- - -‬ايت ‪ ،‬ف‪-- - -‬إن األمر تكتنفه ص‪-- - -‬عوبات عملية ال ميكن التغلب عليها ‪ ،‬لعل أبرزها أن املتهم‬
‫يستطيع التذرع بنسيان املعلومة أو عدم إمكان تذكرها أو ما شابه ذلك ‪.‬‬
‫وه‪-- - -‬ذا يعين ببس‪-- - -‬اطة أن ال‪-- - -‬رأي األول أدعى إىل القب‪-- - -‬ول ‪ ،‬ولكن ليس على إطالقه ؛ إذ جيوز‬
‫إجب ‪--‬ار غري املتهم على تق ‪--‬دمي املعلومة اليت من ش‪--‬أهنا تيسري ال ‪--‬دخول إىل املنظومة كمق ‪--‬دم اخلدمة مثالً ‪،‬‬
‫‪9‬‬

‫وذلك حبمله على اإلفص‪-- -‬اح عن كلمة السر اليت حبوزته للوص ‪--‬ول إىل املص‪-- -‬در أو ش ‪--‬بكة االتص ‪--‬االت ؛‬
‫ألن اإلكراه الواقع على غري املتهم ال ميس حقوق الدفاع خالفاً للوضع بالنسبة للمتهم ‪.‬‬

‫التفتيش وما في حكمه في شبكةـ الحاسب اآللي( )‪:‬‬


‫‪17‬‬

‫قد يك ‪--‬ون حاسب املتهم متص ‪-‬الً بغ ‪--‬ريه من احلواس ‪--‬يب عرب ش ‪--‬بكة ‪ ،‬وهنا ينبغي التمي ‪--‬يز بني ما‬
‫إذا ك‪-‬ان حاس‪-‬وب املتهم متص‪-‬الً ب‪-‬آخر داخل إقليم الدولة أو ك‪-‬ان متص‪-‬الً حباس‪-‬وب يقع يف نط‪-‬اق إقليم‬
‫دولة أخرى ‪.‬‬

‫أ ـ في حالةـ ما يكون حاسوب المتهم متصالً بجهاز آخر داخلـ إقليم الدولةـ ‪:‬‬
‫فهل ميتد التف‪-- -‬تيش إىل األجه‪-- -‬زة األخ‪-- -‬رى املتص‪-- -‬لة جبه‪-- -‬از املتهم أو املش‪-- -‬تبه فيه ‪ ،‬أم يقصر على‬
‫جهازه فقط ؟‬
‫ب‪--‬الرجوع إىل القواعد العامة للتف‪--‬تيش يف ق‪--‬انون اإلج‪--‬راءات اجلنائية الليبـي ‪ ،‬جندها تقضي ب‪--‬أن‬
‫تف‪--‬تيش غري املتهمني أو تف‪--‬تيش من ‪--‬ازل غري املتهمني طبق ‪-‬اً للم‪--‬ادة (‪ )180‬إج‪--‬راءات ال جيوز إج‪--‬راؤه من‬
‫النيابة العامة إالّ بعد احلص‪-- - -‬ول على إذن من القاضي اجلزئي‪ .‬ه‪-- - -‬ذا إذا ك‪-- - -‬ان التحقيق يباشر من قِبلها ‪،‬‬
‫أما إذا ك‪--‬ان ال‪--‬ذي يباش‪--‬ره قاضي التحقيق نفس‪--‬ه‪ ،‬فال يس‪--‬تلزم حص‪--‬ول ه‪--‬ذا اإلذن ‪ .‬وبن‪--‬اءً على ذلك ‪،‬‬
‫ف‪--‬إذا ك‪--‬ان احلاس‪--‬وب موج‪--‬وداً مبنزل غري املتهم فال جيوز تفتيشه من قِبل النيابة العامة إالّ بعد استص‪--‬دار‬
‫إذن من القاضي اجلزئي قبل ولوجه ‪ ،‬وإالّ كان اإلجراء باطالً وغري مثمر ‪.‬‬
‫غري أن ص‪-- -‬دور اإلذن قد يس‪-- -‬تغرق بعض ال‪-- -‬وقت ‪ ،‬ما قد ي‪-- -‬ؤدي إىل تالشي ال‪-- -‬دليل وان‪-- -‬دثاره‬
‫باحملو واإلتالف ‪ ،‬وهذا رمبا يعيق الوصول إىل الدليل وحتصيله ‪.‬‬
‫فاجلاين ـ كما تق‪-- - -‬دم ـ قد حياول العبث بال‪-- - -‬دليل كي ال ينكشف أم‪-- - -‬ره قبل ص‪-- - -‬دور اإلذن ‪،‬‬
‫السيما وأنه يستلزم حتديد حمل اإلذن بدقة حىت يتسىن تنفيذه ‪ ،‬وهذا دون شك ينطوي على ش‪--‬يء من‬
‫العنت والص ‪--‬عوبة س ‪--‬واء بالنس ‪--‬بة للن ‪--‬ادب (مص ‪--‬در اإلذن) أو اجلهة املنف ‪--‬ذة لإلذن ‪ ،‬س ‪--‬يما إذا أخ ‪--‬ذنا يف‬
‫االعتبار أن هذه األجهزة تفتقر إىل اخلربة الالزمة يف هذا اجملال الفين ‪.‬‬
‫وهلذا ُرئي ـ حبق ـ ض ‪--‬رورة معاجلة ه ‪--‬ذه املش ‪--‬كلة بنص خ ‪--‬اص يقضي بتوس ‪--‬يع س ‪--‬لطات اجلهة‬
‫املعنية بإجراء التفتيش ‪ ،‬ولو استلزم األمر ولوج النظام املعلومايت دون احلصول على إذن عند الضرورة‬
‫‪ ،‬إذا كان من شأن انتظار صدور اإلذن أن يفوت فرصة احلصول على الدليل ‪.‬‬
‫وقد تبنت بعض التش‪-- - -‬ريعات املقارنة ه‪-- - -‬ذا االجتاه ‪ ،‬ومنها ق‪-- - -‬انون حتقيق اجلناي‪-- - - -‬ات البلجيكي‬
‫الص‪--‬ادر يف ‪ 23‬نوفمرب ‪ ، 2000‬ال‪--‬ذي جييز امت‪--‬داد التف‪--‬تيش إىل نظ‪--‬ام معلوم‪--‬ايت آخر غري مك‪--‬ان البحث‬
‫األص‪--‬لي ‪ ،‬ولكن ليس بص‪--‬ورة مطلقة وإمنا بقي‪--‬ود معينة ‪ ،‬ميكن إمجاهلا يف أن تك‪--‬ون مثة ض‪--‬رورة لكشف‬
‫‪10‬‬

‫احلقيقة فيما خيص اجلرمية موض ‪-- - -‬وع البحث أو أن تك ‪-- - -‬ون األدلة معرضة ملخ ‪-- - -‬اطر معينة ك ‪-- - -‬اإلتالف أو‬
‫التدمري وما شابه ‪.‬‬
‫ك‪-- - - - -‬ذلك ‪ ،‬تقر االتفاقية األوروبية للج‪-- - - - -‬رائم املعلوماتية ذلك مىت ك‪-- - - - -‬انت املعلوم‪-- - - - -‬ات املخزنة‬
‫حباسوب غري املتهم يتم الدخول إليها من خالل احلاسب األصلي حمل التفتيش(‪.)18‬‬
‫ويف الوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة األمريكية جتيز املادة (‪ 41 - -)a‬من ق ‪--‬انون اإلج ‪--‬راءات اجلنائية الفي ‪--‬درايل‬
‫األم‪-- - -‬ريكي لقاضي التحقيق إص‪-- - -‬دار إذن تف‪-- - -‬تيش ملكية داخل منطقة أو خارجها ‪ ،‬مىت ك‪-- - -‬انت امللكية‬

‫(?) ـ انظر حبثنا ح ‪-- -‬ول ‪ :‬السياسة اجلنائية يف مواجهة ج‪-- -‬رائم اإلن‪-- -‬رتنت ‪ ،‬جملة دراس‪-- -‬ات قانونية (منش ‪-- -‬ورات‬ ‫‪1‬‬

‫جامعة قاريونس) ‪ ،‬العدد (‪ ، )17‬ص‪ 80‬؛‬


‫‪V. dr. Mohammed Buzubar : “la Criminalite informatique sur L’internet”, Journal‬‬
‫‪of law, (Kwait University), No.1, Vol.26, March 2002, P. 21 et‬‬
‫‪.s‬‬
‫د‪ .‬مجيل عب ‪-- -‬دالباقي الص ‪-- -‬غري ‪ ،‬الق ‪-- -‬انون اجلن ‪-- -‬ائي والتكنولوجيا احلديثة ‪ ،‬الكت‪-- -‬اب األول ‪ :‬اجلرائم الناش ‪-- -‬ئة عن‬
‫اس ‪--‬تخدام احلاسب اآليل ‪ ،‬دار النهضة العربية ـ الق ‪--‬اهرة ‪ ، 1992 ،‬ص‪ 4‬ـ ‪ 5‬؛ د‪.‬حممد س ‪--‬امي الش ‪--‬وا ‪ ،‬ث ‪--‬ورة‬
‫املعلوم‪--‬ات وانعكاس‪--‬اهتا على ق‪--‬انون العقوب‪--‬ات ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬دار النهضة العربية ـ الق‪--‬اهرة ‪ ، 1998 ،‬ص‪3‬؛‬
‫عبداهلل العلوي البلغي‪--‬ثي ‪" :‬اإلج‪-‬رام املعاصر ـ أس‪--‬بابه وأس‪-‬اليب مواجهت‪-‬ه" ‪ ،‬ورقة مقدمة‪ -‬ض‪-‬من أش‪-‬غال املن‪--‬اظرة‬
‫الوطنية ح‪--‬ول (السياسة اجلنائية ب‪--‬املغرب ‪ :‬واقع وآف‪--‬اق) ‪ ،‬اليت نظمتها وزارة الع‪--‬دل مبكن‪--‬اس خالل الف‪--‬رتة من‬
‫‪ 9‬ـ ‪ 11‬دجنرب (ديس‪--‬مرب) ‪ ، 2004‬اجمللد األول ‪( ،‬األعم‪--‬ال التحض‪--‬ريية) ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬منش‪--‬ورات مجعية نشر‬
‫املعلومة‪ -‬القانونية والقضائية ‪ ،‬سلسلة‪ -‬الندوات واأليام الدراسية ‪ ،‬العدد (‪ ، 2004 ، )3‬ص‪.222‬‬
‫(?) ـ انظر ‪ :‬د‪ .‬ذياب البداينة ‪ ،‬املنظور االقتصادي والتقين واجلرمية املنظمة ‪ ،‬ضمن أحباث حلقة علمية حول‬ ‫‪2‬‬

‫اجلرمية املنظمة وأس‪--‬اليب مكافحتها ‪ ،‬اليت نظمتها أكادميية ن‪-‬ايف العربية للعل‪--‬وم‪ -‬األمنية ‪ 14 ،‬ـ ‪ 18‬نوفمرب ‪1998‬‬

‫‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث ـ الرياض ‪ ، 1999 ،‬ص‪ 209‬وما بعدها ؛ كذلك انظر باخلصوص حبثنا السابق ‪،‬‬
‫ص‪ 81‬؛ حبثنا املوس ‪--‬وم بـ(اإلره ‪--‬اب واإلن ‪--‬رتنت) ‪ ،‬مق ‪--‬دم‪ -‬إىل املؤمتر ال ‪--‬دويل جلامعة احلسني بن طالل بعن ‪--‬وان ‪:‬‬
‫اإلره‪-‬اب يف العصر ال‪-‬رقمي ‪ ،‬املنعقد مبدينة مع‪-‬ان ـ األردن ‪ ،‬خالل الف‪-‬رتة ‪ 10‬ـ ‪ ، 13/7/2008‬ص‪ 1‬وما يليها ؛‬
‫د‪ .‬مجيل الص ‪-- -‬غري ‪ ،‬املرجع الس ‪-- -‬ابق ‪ ،‬ص‪ 5‬وما بع ‪-- -‬دها ؛ ل ‪-- -‬واء دكت‪-- -‬ور‪/‬حس‪-- -‬نني احملم‪-- -‬ودي ب‪-- -‬وادي ‪ ،‬إره ‪-- -‬اب‬
‫اإلنرتنت ـ اخلطر الق‪--‬ادم ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬دار الفكر الع‪-‬ريب ـ اإلس‪--‬كندرية ‪ ، 2006 ،‬ص‪ 49‬وما بع‪-‬دها ؛ حممد‬
‫أمني الرومي ‪ ،‬جرائم الكمبيوتر واإلنرتنت ‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية ـ اإلسكندرية ‪ ، 2004 ،‬ص‪. 7‬‬
‫(?) ـ انظر ‪ :‬حبثنا الس ‪--‬ابق بعن ‪--‬وان ‪ :‬السياسة اجلنائية يف مواجهة ج ‪--‬رائم اإلن ‪--‬رتنت ‪ ،‬ص‪ 91 ، 90‬؛ د‪.‬حممد‬ ‫‪3‬‬

‫سامي الشوا‪ ،‬ص‪ 87‬؛ د‪ .‬حسني بن سعيد بن سيف الغافري ‪ ،‬اجلهود الدولية يف مواجهة ج‪-‬رائم اإلن‪--‬رتنت ‪،‬‬
‫على الرابط ‪:‬‬
‫‪?www.minshawi.com/vb/attachment.php‬‬
‫‪,V. Martine Briat, La Fraude informatiquel-une approche de droit comparé‬‬
‫‪Rev.. dr. Pén. Crim.. 1985; Françoise Chamoux, La loi sur la fraude‬‬
‫‪.informatique, de nous elles incriminations, J.C.P. 1988 – 1 – 13321‬‬
‫‪11‬‬

‫عند طلب اإلذن موج‪-- - - - - - -‬ودة داخل املنطقة ‪ ،‬ولكن خيشى أو يتوقع حتركها خ‪-- - - - - - -‬ارج املنطقة قبل تنفيذ‬
‫اإلذن ‪ ،‬ورمبا املش‪-- - -‬كلة اليت تواجه رج‪-- - -‬ال الض‪-- - -‬بط عند تنفي‪-- - -‬ذهم التف‪-- - -‬تيش أنه ال يك‪-- - -‬ون باس‪-- -‬تطاعتهم‬
‫التحقق من أن البيانات املضبوطة جرى ختزينها داخل املنطقة أم خارجها ‪.‬‬

‫ب ـ في حالةـ اتصال حاسوبـ المتهم بآخر موجود بإقليم دولة أخرى ‪:‬‬
‫قد تك‪--‬ون البيان‪--‬ات غري املش‪--‬روعة ج‪--‬رى ختزينها يف حاس‪--‬وب خ‪--‬ارج إقليم الدولة ‪ .‬وكث‪--‬رياً ما‬
‫يتم اللجوء إىل هذا األسلوب من قِبل اجلناة احملرتفني بغية إعاقة الوصول إىل الدليل ‪.‬‬
‫وقد تب ‪--‬اينت االجتاه ‪--‬ات ح ‪--‬ول م ‪--‬دى امت ‪--‬داد التف ‪--‬تيش للحواس ‪--‬يب األخ ‪--‬رى خ ‪--‬ارج الدولة(‪.)19‬‬
‫ف‪--‬ذهب رأي إىل رفض امت‪--‬داد التف‪--‬تيش للحواس‪--‬يب املتص‪--‬لة حباس‪--‬وب املتهم خ‪--‬ارج الدولة ‪ ،‬ب‪--‬دعوى أن‬

‫د‪.‬عمر حممد بن ي‪-- - - - - -‬ونس ‪ ،‬اجلرائم الناش‪-- - - - - -‬ئة عن اس‪-- - - - - -‬تخدام اإلن‪-- - - -‬رتنت ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫ـ الق‪--‬اهرة ‪ ، 2004 ،‬ص‪ 785‬وما بع‪--‬دها ؛ د‪.‬هش‪--‬ام حممد فريد رس‪--‬تم ‪ ،‬اجلوانب اإلجرائية للج‪--‬رائم املعلوماتية‬
‫ـ دراسة مقارنة ‪ ،‬مكتبة اآلالت احلديثة ـ أس ‪-- -‬يوط ‪ ، 1994 ،‬ص‪ 5‬وما يليه ‪-- -‬ا؛ نبيلة هبة ه ‪-- -‬روال ‪ ،‬اجلوانب‬
‫اإلجرائية جلرائم اإلن ‪-- -‬رتنت يف مرحلة مجع االس ‪-- -‬تدالالت ـ دراسة مقارنة ‪( ،‬رس ‪-- -‬الة ماجس ‪-- -‬تري) ‪ ،‬دار الفكر‬
‫اجلامعي ـ اإلسكندرية ‪ ،‬ص‪ 35‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(?) ـ انظر ‪ :‬أس‪--‬امة أمحد املناعسة وآخ‪--‬رون ‪ ،‬ج‪--‬رائم احلاسب اآليل واإلن‪-‬رتنت ـ دراسة حتليلية مقارن‪--‬ة‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪4‬‬

‫األوىل‪ ،‬دار وائل للنشر ـ عمان ـ األردن ‪ ، 2000 ،‬ص‪ 105‬؛ حبثنا السابق "السياسة اجلنائية يف مواجهة جرائم‬
‫اإلنرتنت ‪ ، "Cyber Crimes‬ص‪. 90‬‬
‫(?) ـ د‪ .‬مجيل الصغري ‪ ،‬أدلة اإلثبات والتكنولوجيا احلديثة ‪ ،‬ص‪ 113‬ـ ‪. 116‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 115‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) ـ أ‪ .‬عطية عثم‪--‬ان حممد بوح‪--‬ويش ‪ ،‬حجية ال‪--‬دليل ال‪--‬رقمي يف إثب‪--‬ات ج‪--‬رائم املعلوماتية ‪ ،‬رس‪--‬الة التخصص‬ ‫‪8‬‬

‫العايل (املاجستري) ‪ ،‬مقدمة‪ -‬إىل أكادميية الدراسات العليا‪/‬فرع بنغازي ‪ ،‬للعام‪ -‬اجلامعي ‪ ، 2009‬ص‪. 70‬‬
‫(?) ـ د‪.‬هاليل عب‪--‬دالاله أمحد ‪ ،‬اجلوانب املوض‪--‬وعية واإلجرائية جلرائم املعلوماتية (على ض‪--‬وء اتفاقية بودابست‬ ‫‪9‬‬

‫املوقعة يف ‪ 23‬نوفمرب ‪ ، -)2001‬الطبعة األوىل ‪ ،‬دار النهضة العربية ـ الق‪-‬اهرة ‪ ، 2006 ،‬ص‪ 160‬؛ د‪ .‬عب‪-‬دالفتاح‬
‫بيومي حجازي ‪ ،‬الدليل اجلنائي والتزوير يف جرائم الكمبيوتر واإلنرتنت ‪ ،‬دار الكتب القانونية ‪. 2002 ،‬‬
‫(?) ـ أس‪-‬امة املناعسة وآخ‪-‬رون ‪ ،‬ص‪ 291‬؛ د‪ .‬هش‪--‬ام رس‪-‬تم ‪ ،‬ص‪ 24‬؛ عطية بوح‪--‬ويش ‪ ،‬ص‪ 71‬ـ ‪72‬؛ د‪.‬عمر‬ ‫‪11‬‬

‫حممد بن ي‪--‬ونس ‪ ،‬اإلج‪--‬راءات اجلنائية عرب اإلن‪--‬رتنت يف الق‪--‬انون األم‪--‬ريكي ‪ ،‬ص‪ 26‬؛ رس‪--‬الته ح‪--‬ول ‪ :‬اجلرائم‬
‫الناشئة عن استخدام اإلنرتنت ‪ ،‬ص‪. 985‬‬
‫؛ عطية بوح‪--‬ويش ‪ ،‬ص‪ 73‬وما‬ ‫ص‪115‬‬ ‫(?) ـ د‪ .‬مجيل الص‪--‬غري ‪ ،‬أدلة اإلثب‪--‬ات اجلن‪--‬ائي والتكنولوجيا احلديثة ‪،‬‬ ‫‪12‬‬

‫بعدها‪.‬‬
‫(?) ـ مجيل الصغري ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 116‬؛ عطية بوحويش ‪ ،‬ص‪. 81‬‬ ‫‪13‬‬

‫(?) ـ انظر ‪ :‬د‪ .‬هشام رستم ‪ ،‬ص‪ 64‬وما بعدها ؛ أسامة املناعسة وآخرون ‪ ،‬ص‪ 276‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪14‬‬
‫‪12‬‬

‫ذلك ينط‪-- -‬وي على انته‪-- -‬اك لس‪-- -‬يادة دولة أخ‪-- -‬رى ‪ ،‬أو ب‪-- -‬األحرى يش‪ّ - -‬كل اعت‪-- -‬داءً على والية الدولة اليت‬
‫جيري التف‪--‬تيش يف نط‪--‬اق إقليمها ‪ ،‬ومن مَث ف‪--‬األمر يتطلب جلوء س‪-‬لطات التحقيق إىل س‪-‬لوك اإلج‪--‬راءات‬
‫املعتادة بطلب املساعدة القضائية أو اإلنابة القضائية من السلطات املوازية يف الدولة األخرى ‪.‬‬
‫بعب‪--‬ارة أخ‪--‬رى ‪ ،‬إن مباش‪--‬رة ه‪--‬ذا اإلج‪--‬راء تس‪--‬تلزم وج‪--‬ود اتفاقية (ثنائية أو متع‪--‬ددة األط‪--‬راف)‬
‫وإالّ يفقد مشروعيته ‪ .‬وألجل مواجهة هذه املشكلة يف نظر الفقه املقارن (اهلولندي على سبيل املث‪--‬ال)‬
‫ينبغي التم ‪--‬اس طلب من س ‪--‬لطات الدولة األخ ‪--‬رى بنسخ البيان ‪--‬ات املخزنة يف احلواس ‪--‬يب املوج ‪--‬ودة على‬
‫أراضيها وإرساهلا إىل الدولة الطالبة ‪ .‬غري أن ه‪-‬ذا األس‪-‬لوب ـ املع‪-‬روف بأس‪-‬لوب التف‪-‬ويض وااللتم‪-‬اس ـ‬
‫يُع ‪--‬اب عليه أنه يفتقر إىل الفعالية نتيجة اإلج ‪--‬راءات الروتينية اليت تفضي إىل ت ‪--‬أخري الوص ‪--‬ول إىل ال ‪--‬دليل‬
‫ورمبا ضياعه أو إتالفه‪.‬‬
‫واالجتاه ال‪-- -‬رافض المت‪-- -‬داد التف‪-- -‬تيش إىل احلواس‪-- -‬يب األخ‪-- -‬رى ال يقر ه‪-- -‬ذا اإلج‪-- -‬راء إالّ مبوجب‬
‫اتفاقية دولية ‪ ،‬وهو يعرب عن الرأي السائد يف الفقه األملاين ‪.‬‬
‫وس‪-- -‬رياً يف ه‪-- -‬ذا االجتاه ‪ ،‬عرضت على القض‪-- -‬اء األملاين واقعة تتعلق ب‪-- -‬الغش املعلوم‪-- -‬ايت ‪ ،‬حيث‬
‫ك ‪--‬انت طرفية احلاسب املوج ‪--‬ودة بأملانيا متص ‪--‬لة ب‪--‬أخرى بسويس ‪--‬را ‪ .‬وب‪--‬الرغم من أن الس ‪--‬لطات األملانية‬
‫(س ‪--‬لطات التحقي ‪--‬ق) قد ح ‪--‬اولت اس ‪--‬رتجاع البيان ‪--‬ات املخزنة باخلارج ‪ ،‬إالّ أهنا مل تتمكن من ذلك إالّ‬
‫من خالل التماس املساعدة املتبادلة ‪.‬‬
‫ويف املقابل ‪ ،‬يؤيد ج‪--‬انب آخر من الفقه أمر امت ‪--‬داد التف ‪--‬تيش إىل احلواس ‪--‬يب املوج ‪--‬ودة خ‪--‬ارج‬
‫إقليم الدولة ‪ ،‬وه ‪-- -‬ذا ال ‪-- -‬رأي يق ‪-- -‬وم على أس ‪-- -‬اس واقعي ؛ إذ إن معتنقيه واملدافعني عنه حياولون التعامل‬
‫بواقعية مع ما يع ‪-- -‬رتض س ‪-- -‬لطات التحقيق من مش ‪-- -‬كالت ‪ .‬وه ‪-- -‬ذا االجتاه أخذ به الق ‪-- -‬انون الفرنسي من‬
‫خالل املادة (‪ )17‬من ق‪-- -‬انون األمن ال‪-- -‬داخلي الفرنسي ‪ .‬كما يس‪-- -‬مح ق‪-- -‬انون التحقيق البلجيكي (م ‪--‬ادة‬
‫‪ )88‬لقاضي التحقيق احلص ‪-- -‬ول على نس ‪-- -‬خة من البيان ‪-- -‬ات اليت هو يف حاجة إليها دومنا انتظ ‪-- -‬ار إذن من‬
‫س‪-- -‬لطات الدولة األخ‪-- -‬رى ‪ ،‬وحياول الفقه الفرنسي ت‪-- -‬ربير ه‪-- -‬ذا االجتاه ب‪-- -‬أن الع‪-- -‬امل االفرتاضي ال يع ‪--‬رف‬
‫احلدود ‪ ،‬ومع هذا فالفقه هناك يسلّم بأن النص املذكور ميثل انتهاكاً لسيادة الدول األخرى ‪.‬‬

‫(?) ـ أسامة املناعسة وآخرون ‪ ،‬ص‪ 278‬وما بعدها ؛ د‪ .‬هشام رستم ‪ ،‬ص‪ 64‬وما بعدها ؛ عطية بوح‪--‬ويش ‪،‬‬ ‫‪15‬‬

‫ص‪ 96‬وما يليها ‪.‬‬


‫(?) ـ عطية بوحويش ‪ ،‬ص‪ 100‬ـ ‪ 101‬؛ د‪ .‬هشام رستم ‪ ،‬ص‪ 80‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫(?) ـ أس ‪--‬امة املناعسة وآخ ‪--‬رون ‪ ،‬ص‪ 280‬وما بع ‪--‬دها ؛ د‪ .‬هاليل عب ‪--‬دالاله أمحد ‪ ،‬تف ‪--‬تيش نظم احلاسب اآليل‬ ‫‪17‬‬

‫وض ‪--‬مانات املتهم املعلوم ‪--‬ايت ـ دراسة مقارنة ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬دار النهضة العربية ـ الق ‪--‬اهرة ‪ ، 1997 ،‬ص‪77‬‬

‫ومبا بعدها ‪.‬‬


‫(?) ـ عطية بوحويش ‪ ،‬ص‪ 102‬وما يليها ‪.‬‬ ‫‪18‬‬
‫‪13‬‬

‫ك‪-- -‬ذلك جتيز املادة (‪ )32‬من االتفاقية األوروبية للج‪-- -‬رائم االفرتاض‪-- -‬ية ول‪-- -‬وج ش‪-- -‬بكة املعلوم ‪--‬ات‬
‫التابعة لدولة أخ‪--‬رى ألجل التف‪--‬تيش والض‪--‬بط مىت ك‪--‬ان ه‪--‬ذا اإلج‪--‬راء يتعلق مبعلوم‪--‬ات أو بيان‪--‬ات مباحة‬
‫للجمهور ‪ ،‬وأيضاً يف حالة احلصول على رضا صاحب أو حائز هذه البيانات بالتفتيش(‪.)20‬‬
‫يف حني يتوقّف األمر يف الواليات املتحدة األمريكية على وضع الشخص الذي ينفذ التفتيش‪،‬‬
‫ف‪--‬إذا ك‪--‬ان قبل مباش‪--‬رته يعلم ب‪--‬أن البيان‪--‬ات واملعلوم‪--‬ات املراد حبثها خمزنة بعي‪--‬داً يف نط‪--‬اق دولة أخ‪--‬رى ‪،‬‬
‫فعندئ‪-ٍ -‬ذ يس‪--‬تلزم التم‪--‬اس طلب مس‪--‬اعدة يتم توجيهه إىل س‪--‬لطات الدولة األخ‪--‬رى ‪ ،‬أما إذا ك‪--‬ان الق‪--‬ائم‬
‫ب‪--‬التفتيش جيهل أو ليس يف وس‪--‬عه معرفة أن البيان‪--‬ات املراد تفتيش‪--‬ها خ‪--‬ارج املنطقة ‪ ،‬ف‪--‬إن ما يس‪--‬فر عنه‬
‫التف‪-- -‬تيش من ض‪-- -‬بط ال يه‪-- -‬در ‪ ،‬وميكن قبوله والرك‪-- -‬ون إليه يف اإلثب‪-- -‬ات بوص‪-- -‬فه دليالً مش‪-- -‬روعاً مىت ما‬
‫اطمأنّت إليه احملكمة ‪.‬‬
‫واجلدير بال‪--‬ذكر يف ه‪--‬ذا املق‪--‬ام أن احملاكم األمريكية درجت على رفض دع‪--‬اوى بطالن ال‪--‬دليل‬
‫يف حالة ع ‪--‬دم اس ‪--‬تطاعة رج ‪--‬ال الض ‪--‬بط معرفة ما إذا ك ‪--‬ان تنفيذ التف ‪--‬تيش يش ‪--‬كل انتهاك ‪-‬اً للم ‪--‬ادة (‪)41‬‬
‫قانون‪- - -‬اً أو فعلي‪- - -‬اً ما مل يتعمد ه‪-- - -‬ؤالء ع‪-- - -‬دم إعم‪-- - -‬ال القاع‪-- - -‬دة املذكورة ‪ ،‬أو أن يك‪-- - -‬ون ل‪-- - -‬ديهم ح‪-- -‬دس‬
‫مسبق(‪.)21‬‬
‫ه‪-- - - -‬ذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخ‪-- - - -‬رى أن تنفيذ إذن التف‪-- - - -‬تيش يثري بعض املش‪-- - - -‬كالت يف جمال‬
‫اجلرائم املعلوماتية يف الق‪-- -‬انون املذكور ‪ ،‬ففي ه‪-- -‬ذا الق‪-- -‬انون مثة مب‪-- -‬دأ جيب أن يل‪-- -‬تزم به رج‪-- -‬ال الض‪-- -‬بط‬
‫القض‪-‬ائي ‪ ،‬أال وهو ض‪--‬رورة اإلعالن عن وج‪--‬ودهم واإلفص‪--‬اح عن الس‪-‬لطات املخولة هلم (أو ما يُع‪-‬رف‬
‫بقاع ‪--‬دة االس ‪--‬تئذان واإلعالن) ‪ .‬بيد أن ه ‪--‬ذه القاع ‪--‬دة العامة ميكن التحلل منها وع ‪--‬دم االل ‪--‬تزام هبا على‬
‫حد تعبري احملكمة الفيدرالية األمريكية العليا مىت ك‪--‬ان م‪--‬أمور الض‪--‬بط القض‪--‬ائي قد ت‪--‬وافر لديه شك م‪--‬ربر‬
‫جمد أو من ش‪-- -‬أنه إعاقة فعالية التحقيق ‪ ،‬أو من‬ ‫يف أن إعم‪-- -‬ال ه‪-- -‬ذه القاع‪-- -‬دة أو التقيد هبا س‪-- -‬يكون غري ٍ‬
‫املتوقع أن تنجم عنه خطورة ما(‪.)22‬‬
‫وهذا االستثناء على قاع‪--‬دة االس‪--‬تئذان ينس‪-‬حب بوجه خ‪-‬اص ويف كثري من األحي‪--‬ان على تنفيذ‬
‫إذن التف‪-‬تيش يف اجلرائم املعلوماتية ما يس‪-‬مح لرج‪-‬ال الض‪-‬بط مباش‪-‬رة ذلك دون اس‪-‬تئذان حتس‪-‬باً ملا ميكن‬
‫أن يق‪--‬وم به اجلن‪--‬اة (اهلك‪--‬رز) من تالعب بال‪--‬دليل وحماولة العبث به مىت تولد ل‪--‬ديهم الش‪--‬عور ب‪--‬أن أم‪--‬رهم‬
‫(?) ـ عطية بوحويش ‪ ،‬ص‪. 109 ، 108‬‬ ‫‪20‬‬

‫(?) ـ د‪ .‬عمر بن يونس ‪ ،‬اإلجراءات اجلنائية عرب اإلنرتنت يف الق‪--‬انون األم‪--‬ريكي "املرشد الفي‪--‬درايل األم‪--‬ريكي‬ ‫‪21‬‬

‫لتف ‪--‬تيش وض ‪--‬بط احلواس ‪--‬يب وص ‪--‬والً إىل ال ‪--‬دليل اإللك ‪--‬رتوين يف التحقيق ‪--‬ات اجلنائي ‪--‬ة" ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 2004 ،‬ـ‬
‫‪ ، 2005‬ص‪ 201‬ـ ‪. 204‬‬

‫(?) ـ عمر بن يونس ‪ ،‬ص‪. 205‬‬ ‫‪22‬‬

‫)‪.Richards V. Wisconsin, 520 U.S. 385 (1997‬‬


‫‪14‬‬

‫سينكشف ‪.‬‬
‫ذلك أن املتهمني واملش‪-- -‬تبه فيهم يلج‪-- -‬أون يف الغ‪-- -‬الب إىل تقنية املف ‪-- -‬اتيح الس‪-- -‬اخنة أو أس‪-- -‬لوب‬
‫تس ‪--‬خني األس ‪--‬الك ‪ Hot Wire‬من أجل إتالف ال ‪--‬دليل وت ‪--‬دمريه قبل متكن رج ‪--‬ال الض ‪--‬بط من الوص ‪--‬ول‬
‫إليه‪ .‬وهلذا ‪ ،‬فإن التمسك بالقاعدة سالفة الذكر رمبا حيرم رجال الضبط من فرصة كشف الدليل ‪.‬‬
‫وبن‪--‬اءً عليه ‪ ،‬ف‪--‬إن أمر تق‪--‬دير املخ‪--‬اطر النامجة عن التمسك هبذه القاع‪--‬دة يف الق‪--‬انون األم‪--‬ريكي‬
‫م‪-- -‬رتوك لرج‪-- -‬ال الض‪-- -‬بط الق‪-- -‬ائمني بتنفيذ إذن التف‪-- -‬تيش ‪ .‬ف ‪--‬إذا ت‪-- -‬وافر ل ‪--‬ديهم ما ي‪-- -‬ربر اخلروج على ه ‪--‬ذه‬
‫القاع‪--‬دة ميكنهم عندئ‪-ٍ -‬ذ التم‪--‬اس اإلذن من قاضي التحقيق بالس‪--‬ماح هلم بتنفيذ التف‪--‬تيش أو الض‪--‬بط دون‬
‫حاجة لالستئذان أو اإلعالن املسبق(‪.)23‬‬
‫ولالعتب‪-- - -‬ارات ذاهتا جيوز ختويل دخ‪-- - -‬ول املك‪-- - -‬ان خلسة دون إبالغ الش‪-- - -‬خص ال‪-- - -‬ذي س‪-- -‬تكون‬
‫ممتلكاته حمالً للتف‪--‬تيش املزمع مباش ‪--‬رته من قِبل احملكمة ذاهتا ‪ .‬كما خيوهلا الق‪--‬انون منح اإلذن بت‪--‬أخري أو‬
‫تأجيل اإلعالم ب‪--‬التفتيش كلما ت‪--‬وافر س‪--‬بب ي‪--‬ربر أن إخط‪--‬ار املالك حيتمل أن يك‪--‬ون له أثر سلبـي ‪ ،‬مثل‬
‫العبث بال ‪-- - -‬دليل أو تع ‪-- - -‬ريض حي ‪-- - -‬اة األف ‪-- - -‬راد أو س ‪-- - -‬المتهم للخطر أو لإلفالت من االهتام أو هتديد أحد‬
‫الشهود أو اإلضرار بسري التحقيق أو تأخري احملاكمة(‪.)24‬‬
‫وه‪--‬ذا االس‪--‬تثناء ت‪--‬ربره الض‪--‬رورة اإلجرائية ‪ ،‬ومض‪--‬مونه تغليب مص‪--‬لحة التحقيق والوص‪--‬ول إىل‬
‫ال ‪--‬دليل على مص‪-- -‬لحة األف‪-- -‬راد ال‪-- -‬ذين يتق‪-- -‬رر تف‪-- -‬تيش ممتلك‪-- -‬اهتم ‪ ،‬وه‪-- -‬ذه التض‪-- -‬حية قد تك‪-- -‬ون مستس ‪--‬اغة‬
‫ومقبولة بش‪--‬رط ع‪--‬دم التوسع يف ه‪--‬ذا االس‪--‬تثناء من أجل االفتي‪--‬ات على احلرية الفردية وأن يك‪--‬ون تفسري‬
‫الضرورات اليت أجلأت مأمور الضبط إىل ذلك خاضعاً ملراقبة القضاء تفادي‪-‬اً ألي ش‪--‬طط أو تعسف من‬
‫جانب رجال الضبط القضائي(‪.)25‬‬
‫ضبط االتصاالتـ والمراسالت عبر شبكةـ الحاسب اآللي ‪:‬‬
‫طبقاً للمادة (‪ )180‬من قانون اإلجراءات اجلنائية الليبـي ‪ ،‬جيوز للنيابة مراقبة املكاملات اهلاتفية‬
‫والرس‪-- - -‬ائل الربيدية والربقي‪-- - -‬ات وما يف حكمها بعد احلص‪-- - -‬ول على إذن من القاضي اجلزئي ‪ .‬وال جيوز‬
‫مباش‪--‬رته ب‪--‬دون إذن نظ‪--‬راً خلط‪--‬ورة اإلج‪--‬راء املذكور باعتب‪--‬اره ميس حرمة احلي‪--‬اة اخلاصة ‪ .‬وه‪--‬ذا النص مل‬
‫يش‪-- -‬مل ص‪-- -‬راحةً مراقبة وض‪-- -‬بط االتص‪-- -‬االت اإللكرتونية جبميع ص‪-- -‬ورها وأش‪-- -‬كاهلا مبا يف ذلك الرس ‪--‬ائل‬
‫اإللكرتونية ‪ ،‬ومع ذلك ميكن اعتب‪--‬ار ه ‪--‬ذا األمر ج‪--‬ائزاً ومش‪--‬موالً ب‪--‬النص املش ‪--‬ار إليه بص ‪--‬ورة ض ‪--‬منية ‪،‬‬
‫حيث يتسع مفهوم الرسائل إىل أبعد من املفهوم التقليدي هلا ‪.‬‬
‫واإلج‪-- -‬راء ذاته مس‪-- -‬موح به يف ال‪-- -‬دول األخ‪-- -‬رى مبا فيها الوالي ‪-- -‬ات املتح‪-- -‬دة األمريكية وفرنسا‬
‫(?) ـ عمر بن يونس ‪ ،‬ص‪. 206‬‬ ‫‪23‬‬

‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 208‬‬ ‫‪24‬‬

‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 210‬ـ ‪. 215‬‬ ‫‪25‬‬


‫‪15‬‬

‫وكندا واليابان وهولندا ‪.‬‬


‫ففي الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة األمريكية ـ مثالً ـ جييز الق‪--‬انون اع‪--‬رتاض االتص‪--‬االت اإللكرتونية بص‪--‬فة‬
‫عامة مبا يف ذلك شبكات احلاسب اآليل ‪ ،‬وذلك مىت مت بإذن من احملكمة ‪.‬‬
‫كما أن الق‪-- - - - -‬انون الفرنسي الص‪-- - - - -‬ادر يف ‪ 10‬يوليو س‪-- - - - -‬نة ‪ 1991‬يس‪-- - - - -‬مح هو اآلخر ب‪-- - - -‬اعرتاض‬
‫االتص‪--‬االت البعدية ومنها ش‪--‬بكة املعلوم‪--‬ات ‪ ،‬فض‪-‬الً عن أن الق‪--‬انون اهلولن‪--‬دي جييز إج‪--‬راء التنصت على‬
‫ش ‪-- - - - -‬بكة احلاسب اآليل مبوجب أمر أو إذن من قاضي التحقيق ‪ ،‬مىت ثبت أن املتهم ك ‪-- - - - -‬ان ض‪-- - - -‬العاً يف‬
‫جرائم خط‪-‬رية ‪ ،‬ويش‪-‬مل ذلك كل وس‪-‬ائل االتص‪-‬ال مبا يف ذلك التلكس ‪ ، Telex‬والف‪-‬اكس ‪Telefax‬‬
‫ونقل البيانات ‪.‬‬
‫وك ‪-- -‬ان القض ‪-- -‬اء الياب ‪-- -‬اين قد أج ‪-- -‬از ه ‪-- -‬ذا اإلج ‪-- -‬راء ب ‪-- -‬الرغم من أن الق ‪-- -‬انون هن ‪-- -‬اك مل ينص على‬
‫الس‪--‬ماح به بش‪--‬كل ص‪--‬ريح ‪ ،‬جتلى ذلك فيما انتهت إىل حمكمة مقاطعة ‪ Kofu‬س‪--‬نة ‪ 1991‬؛ إذ أق‪--‬رت‬
‫مشروعية التنصت على شبكات احلاسب اآليل يف سبيل البحث عن الدليل(‪.)26‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫جرائمـ المعلوماتية عبر الوطنية ومشكلةـ االختصاصـ‬
‫إن قواعد الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي (بش ‪ّ -‬قيه املوض‪--‬وعي واإلج‪--‬رائي) ختضع يف تطبيقها من حيث املك‪--‬ان‬
‫ملب ‪--‬دأ مس ‪--‬تقر ومع ‪--‬روف‪ ، -‬أال وهو مب ‪--‬دأ اإلقليمية ‪ ،‬ال ‪--‬ذي يعين خض ‪--‬وع اجلرائم اليت تقع يف إقليم دولة‬
‫معينة لقانوهنا اجلن ‪--‬ائي النافذ ‪ ،‬حبيث تص ‪--‬بح حماكمها هي ص ‪--‬احبة الوالية بنظر ال ‪--‬دعوى الناش ‪--‬ئة عنها ‪،‬‬
‫وال ختضع من حيث األصل لسلطان أي قانون أجنبـي‪ ،‬ويف املقابل ال ميتد سريان قانون الدولة اجلن‪--‬ائي‬
‫خ‪--‬ارج نطاقها اإلقليمي وفق ‪-‬اً حلدودها املع‪--‬رتف هبا يف الق‪--‬انون ال‪--‬دويل إالّ يف أح‪--‬وال اس‪--‬تثنائية اقتض‪--‬تها‬
‫محاية املصاحل اجلوهرية للدولة أو متطلبات التعاون الدويل يف مكافحة اإلجرام(‪.)27‬‬
‫واألصل أن عناصر ال ‪-- -‬ركن املادي للجرمية تكتمل يف مك ‪-- -‬ان واحد ‪ ،‬أو ب ‪-- -‬األحرى يف نط ‪-- -‬اق‬
‫إقليم دولة واحدة ‪ ،‬حيث يقع السلوك اإلجرامي (النشاط) ‪ ،‬وترتتب عليه آثاره الض‪--‬ارة يف إقليم دولة‬
‫واح ‪--‬دة ‪ ،‬ك ‪--‬أن يق ‪--‬دم أح ‪--‬دهم على طعن اجملين عليه أو إطالق الرص ‪--‬اص عليه ‪ ،‬ما يفضي إىل وفاته يف‬
‫احلال أو بعد حلظة وج‪-- -‬يزة ‪ ،‬ومن مث تعترب اجلرمية مرتكبة يف ه‪-- -‬ذا املك‪-- -‬ان ‪ .‬وعلى ض‪-- -‬وء ذلك يتح‪-- -‬دد‬
‫القانون الواجب التطبيق ‪ ،‬وبالتبعية احملكمة املختصة بنظر الدعوى ‪.‬‬
‫بيد أن بعض اجلرائم يتج‪--‬اوز م ‪--‬داها ـ أحيان ‪-‬اً ـ ح‪--‬دود الدولة ‪ ،‬حينما يتج‪--‬زأ ركنها املادي أو‬
‫(?) ـ د‪ .‬هاليل عب‪--‬دالاله أمحد ‪ ،‬تف‪--‬تيش نظم احلاسب اآليل وض‪--‬مانات املتهم املعلوم‪--‬ايت ـ دراسة مقارنة ‪ ،‬ص‬ ‫‪26‬‬

‫‪ 79‬ـ ‪ 80‬؛ أسامة املناعسة وآخرون ‪ ،‬ص‪ 283‬ـ ‪. 285‬‬


‫‪Yamaguchi (Atsushi): “Computer crimes and others crimes against information‬‬
‫‪Technology in Japan, Rev. int. de dr. pén. 1993. P. 448.‬‬
‫‪16‬‬

‫يت‪--‬وزع على أك‪--‬ثر من مك‪--‬ان حبيث ميكن وق‪--‬وع الس‪--‬لوك يف مك‪--‬ان ‪ ،‬وليكن إقليم دولة (س) ‪ ،‬يف حني‬
‫تتحقق النتيجة اجلرميّة الض‪--‬ارة يف نط‪--‬اق إقليم دولة (ص) ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك أن يطلق ش‪--‬خص الن‪--‬ار من‬
‫داخل األراضي الليبية جتاه آخر موجود على األراضي املصرية ‪ ،‬فريديه قتيالً أو العكس ‪.‬‬
‫ويتجلى ذلك يف ع‪-- -‬دد من اجلرائم الع‪-- -‬ابرة للح‪-- -‬دود اإلقليمية لل‪-- -‬دول والق‪-- -‬ارات ‪ ،‬مثل ج ‪--‬رائم‬
‫تلويث البيئة البحرية واهلوائية واالجتار باملخدرات وغسل األموال والقرصنة املعلوماتية وما إليها ‪.‬‬
‫وه‪-- -‬ذا يقودنا إىل التس‪-- -‬اؤل عن مك‪-- -‬ان وق‪-- -‬وع اجلرمية يف ه‪-- -‬ذه احلالة ‪ ،‬فهل هو مك‪-- -‬ان وق‪-- -‬وع‬
‫السلوك اإلجرامي أم املكان الذي حتققت فيه النتيجة ؟‬
‫لقد حاول الفقه اإلجابة عن ذلك منذ وقت مبكر ‪ ،‬من أجل حل مشكلة تن‪--‬ازع الق‪--‬وانني من‬
‫حيث املكان (تنازع االختصاص) بصدد هذه الفروض املثارة ‪.‬‬
‫وانقسم ال‪-- - -‬رأي إىل ثالثة اجتاه‪-- - -‬ات(‪ ،)28‬ف‪-- - -‬ذهب االجتاه األول إىل أن الع‪-- - -‬ربة يف حتديد مك ‪-- -‬ان‬
‫وق‪--‬وع اجلرمية باملك‪--‬ان ال‪--‬ذي وقع فيه الس‪--‬لوك بقطع النظر عن املك‪--‬ان ال‪--‬ذي حتققت فيه النتيجة ‪ ،‬أو من‬
‫املف‪-- -‬رتض حتققها فيه ‪ ،‬ويف املقابل ذهب اجتاه آخر إىل أن مك‪-- -‬ان وق‪-- -‬وع اجلرمية يتح‪-- -‬دد باملك‪-- -‬ان ال ‪--‬ذي‬
‫حتققت فيه النتيجة أو كان من املفرتض حتققها فيه ‪ ،‬وبني هذا وذاك انربى اجتاه ثالث إىل أن العربة يف‬
‫ذلك تك‪--‬ون مبك‪--‬ان حص‪--‬ول أي منهما (الس‪--‬لوك أو النتيج‪--‬ة) ‪ ،‬ولكل م‪--‬ذهب من ه‪--‬ذه املذاهب مربراته‬
‫وأسانيده اليت تعززه وتدعمه(‪.)29‬‬
‫وقبل اخلوض يف مس‪--‬ألة االختص‪--‬اص يف ج‪--‬رائم املعلوماتية عرب الوطنية ‪ ،‬وما ميكن أن يث‪--‬ريه من‬
‫إش ‪--‬كاليات ‪ ،‬ينبغي اس ‪--‬تعراض ه ‪--‬ذه االجتاه ‪--‬ات وحماولة تقييمها وص ‪--‬والً إىل االجتاه ال ‪--‬راجح منها ال ‪--‬ذي‬
‫تخذ كأس‪-- - -‬اس لتحديد مك‪-- - -‬ان وق‪-- - -‬وع ه‪-- - -‬ذه الطائفة من اجلرائم موض‪-- - -‬وع ه‪-- - -‬ذه الورقة بغية‬
‫ميكن أن يُ َ‬
‫الوقوف على القانون الواجب التطبيق بشأهنا ‪.‬‬

‫أوالً ـ مذهب السلوك أو النشاط اإلجرامي بوصفه معياراً لتحديد مكان وقوع الجريمةـ ‪:‬‬
‫وفقاً هلذا املعيار ‪ ،‬ينعقد االختصاص للمحكمة اليت يقع يف نطاقها النش‪--‬اط اإلج‪--‬رامي ‪ ،‬وليس‬
‫مك‪-- -‬ان حص‪-- -‬ول النتيجة أو اآلث‪-- -‬ار املرتتبة عليه ؛ ب‪-- -‬دعوى أن اختاذ آث‪-- -‬ار الفعل كمن‪-- -‬اط لتحديد مك‪-- -‬ان‬
‫وق‪-- -‬وع اجلرمية تكتنفه بعض الص‪-- -‬عوبات ؛ ميكن إمجاهلا يف أنه معي‪-- -‬ار م‪-- -‬رن وفض‪-- -‬فاض ‪ ،‬فض ‪- -‬الً عن أن‬
‫معي‪-- -‬ار حص‪-- -‬ول النش‪-- -‬اط أدعى إىل تيسري عملية اإلثب‪-- -‬ات ومجع أدلة اجلرمية ‪ ،‬وأن احملكمة اليت هلا والية‬
‫نظر ال ‪--‬دعوى تك ‪--‬ون قريبة من مس ‪--‬رح اجلرمية‪ .‬ناهيك أن احلكم ال ‪--‬ذي يص ‪--‬در يف الواقعة يك ‪--‬ون أك ‪--‬ثر‬
‫فعالية ويسهل معه مالحقة اجلناة(‪.)30‬‬
‫‪-‬رده‬
‫ويض‪--‬يف املؤي‪--‬دون هلذا االجتاه حجج‪-‬اً أخ‪--‬رى ‪ ،‬منها أن ح‪--‬دوث الض‪--‬رر يف مك‪--‬ان معني م‪ّ -‬‬
‫يف الغ‪-- -‬الب أس‪-- -‬باب ال إرادة ملق‪-- -‬رتف الس‪-- -‬لوك فيها ‪ ،‬وأن من ش‪-- -‬أن تط‪-- -‬بيق ق‪-- -‬انون الدولة اليت حتقق يف‬
‫‪17‬‬

‫نطاقها الض ‪--‬رر ال يتفق واعتب ‪--‬ارات العدالة نظ ‪--‬راً جلهل اجلاين هبذا الق ‪--‬انون ال ‪--‬ذي يتم إعماله حبقه ‪ ،‬ويف‬
‫الغ ‪--‬الب ليس ممكن‪- -‬اً العلم به ؛ إذ حينما أق‪-- -‬دم على ارتك ‪--‬اب الفعل ال ‪--‬ذي أت‪-- -‬اه يعتقد مش ‪--‬روعيته وفق‪- -‬اً‬
‫لقانون البلد الذي وقع فيه السلوك ‪ ،‬وإذا به غري ذلك من منظور قانون البلد الذي حتقق فيه الضرر ‪.‬‬
‫وقد حظي ه‪-- - - -‬ذا االجتاه بتأييد ج‪-- - - -‬انب كبري من الفقه س‪-- - - -‬واء يف فرنسا أو مصر ‪ ،‬ليس ه‪-- - -‬ذا‬
‫فحسب ‪ ،‬بل اجتهت بعض التش‪-- - - -‬ريعات املقارنة إىل تبنيه ‪ ،‬ومن ه‪-- - - -‬ذا القبيل الق‪-- - - -‬انون ال‪-- - - -‬دويل اخلاص‬
‫النمساوي الصادر سنة ‪ 1979‬واجملري الصادر يف السنة ذاهتا(‪.)31‬‬

‫ثانياًـ ـ مذهب مكان تحقق النتيجة كمناط لتحديد االختصاص ‪:‬‬


‫على ال‪--‬رغم من احلجج اليت س‪--‬اقها مؤي‪--‬دو املذهب األول ‪ ،‬ف‪--‬إن ه‪--‬ذا االجتاه تع‪--‬رض جلملة من‬
‫االنتق‪-- -‬ادات من ج‪-- -‬انب آخر من الفقه ‪ ،‬وقد انص‪-- -‬بّت ه‪-- -‬ذه االنتق‪-- -‬ادات على أن ه‪-- -‬ذا املذهب ال يعري‬
‫اهتمام ‪-‬اً للمك‪--‬ان ال‪--‬ذي حتقق فيه الض‪--‬رر أو أثر النش‪--‬اط اإلج‪--‬رامي ال‪--‬ذي ك‪--‬ان اجلاين يس‪--‬عى إىل حتقيقه‬
‫فيه‪ .‬فاآلثار الض‪-‬ارة هي اليت تبعث الف‪--‬زع يف نف‪--‬وس الن‪-‬اس ‪ ،‬يف حني أن مك‪--‬ان وق‪-‬وع الس‪-‬لوك ال يع‪--‬دو‬
‫أن يكون مصدر الضرر ليس إالّ ‪ ،‬كما أن متام اجلرمية ال يكون إالّ يف املكان ال‪-‬ذي ظه‪-‬رت فيه آثارها‬
‫الضارة اليت كان اجلاين يقصدها أو يرغب يف حتقيقها ‪.‬‬
‫يضاف إىل ذلك أن تقادم اجلرمية يتم احتسابه من الوقت الذي حتققت فيه النتيجة (الض‪--‬رر) ‪،‬‬
‫كما يؤخذ يف احلس ‪--‬بان جس ‪--‬امة الض ‪--‬رر كأس ‪--‬اس لتق ‪--‬دير التع ‪--‬ويض وال ع ‪--‬ربة خبط ‪--‬ورة الفعل أو درجة‬
‫اخلطأ ‪ .‬كذلك يعد حصول الضرر شرطاً أساسياً لقيام املسؤولية املدنية ‪ ،‬فتنفى هذه املس‪--‬ؤولية مىت ما‬
‫انتفى الضرر ‪ ،‬ومن مَث ال مصلحة للمدعي يف الدعوى ‪ ،‬ما جيعلها بالتايل غري مقبولة ‪.‬‬
‫ومن املربرات اليت س‪-- -‬يقت لتعزيز ه‪-- -‬ذا االجتاه أن األخذ به حيقق وح‪-- -‬دة اجلرمية وع‪-- -‬دم الفصل‬
‫بني عناصرها ‪ ،‬كذلك ميتاز هذا االجتاه يف نظر املدافعني عنه بأنه أكثر واقعية على اعتبار أن الض‪--‬رر له‬
‫مظهر خ‪-- -‬ارجي ملم‪-- -‬وس خالف ‪- -‬اً للنش‪-- -‬اط ال‪-- -‬ذي قد ال يك‪-- -‬ون ك‪-- -‬ذلك مىت ما اختذ ص‪-- -‬ورة االمتن ‪--‬اع أو‬
‫السلوك السلبـي ‪.‬‬
‫ومن هنا ‪ ،‬فقد لقي ه‪-- - - -‬ذا االجتاه ترحيب‪- - - - -‬اً من بعض الفقه إىل ج‪-- - - -‬انب ذلك مت تبنيه من بعض‬
‫التش ‪--‬ريعات املقارنة ‪ ،‬ومنها الق ‪--‬انون األملاين الص ‪--‬ادر يف ‪ 5‬ديس ‪--‬مرب ‪ ، 1975‬والق ‪--‬انون ال ‪--‬دويل اخلاص‬
‫أقرته اتفاقية بروكسل لس ‪-- -‬نة ‪ 1969‬بش ‪-- -‬أن املس ‪-- -‬ؤولية عن أض‪-- -‬رار‬
‫ال ‪-- -‬رتكي الص ‪-- -‬ادر س ‪-- -‬نة ‪ . 1982‬كما ّ‬
‫التلوث بالبرتول ‪.‬‬
‫باإلض‪--‬افة إىل ذلك دأب القض‪--‬اء على تطبيقه يف بعض املناس‪--‬بات ‪ ،‬من ذلك يف واقعة عرضت‬
‫على القض‪-- - - -‬اء األم‪-- - - -‬ريكي مؤداها أن ق‪-- - - -‬ام رئيس فرقة باليه وهو على منت م‪-- - - -‬ركب أم‪-- - - -‬ريكي على قتل‬

‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 588‬‬ ‫‪31‬‬


‫‪18‬‬

‫ش ‪--‬خص موج ‪--‬ود مبركب أجنبـي ب ‪--‬إطالق الن ‪--‬ار عليه ‪ ،‬وعند تقدميه للقض ‪--‬اء قضى بع ‪--‬دم اختصاصه هبذا‬
‫الفعل مؤسساً ذلك على أن الوفاة (النتيجة) قد حتققت على منت مركب أجنبـي ‪.‬‬
‫كما تك‪--‬رر ذلك يف واقعة أخ‪--‬رى مفادها أن شخص‪-‬اً حيمل اجلنس‪-‬ية اإلجنليزية قُ‪-‬دِّم إىل احملاكمة‬
‫أم‪-‬ام إح‪-‬دى حماكم والية ماسوشيست األمريكية عن هتمة القتل العم‪-‬دي اليت قضت باختصاص‪-‬ها بنظر‬
‫ال‪-‬دعوى عن الواقعة املذكورة ‪ ،‬على ال‪--‬رغم من أن النش‪--‬اط حصل على منت م‪--‬ركب إجنل‪--‬يزي يف ع‪--‬رض‬
‫البحر ‪ ،‬يف حني أن وفاة اجملين عليه جراء هذا الفعل متت إثر وصوله إىل الوالية املذكورة(‪.)32‬‬
‫ومع ذلك ‪ ،‬فإن هذا االجتاه مل يكن مبن‪--‬أى هو اآلخر عن النقد ‪ ،‬ال‪--‬ذي ي‪--‬رتكز يف أن األخذ به‬
‫يفضي يف هناية املط‪--‬اف إىل ع‪--‬دم جترمي الش‪--‬روع إذا مل تتحقق النتيجة ‪ ،‬وك‪--‬ذلك ع‪--‬دم العق‪--‬اب على ما‬

‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬املوضع ذاته ‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫؛ د‪ .‬مجيل عب ‪--‬دالباقي الص ‪--‬غري ‪ ،‬أدلة‬ ‫ص‪289‬‬ ‫؛ أس ‪--‬امة املناعسة وآخ ‪--‬رون ‪،‬‬ ‫ص‪18‬‬ ‫(?) ـ د‪ .‬هش ‪--‬ام رس ‪--‬تم ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫اإلثبات اجلنائي والتكنولوجيا احلديثة ‪ ،‬دار النهضة العربية ـ القاهرة ‪ ، 2002 ،‬ص‪ 113‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(?) ـ انظر ‪ :‬د‪ .‬مجيل عبدالباقي الصغري ‪ ،‬أدلة اإلثبات اجلنائي والتكنولوجيا احلديثة ‪ ،‬ص‪. 115‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) ـ د‪ .‬هاليل عبدالاله أمحد ‪ ،‬تفتيش نظم احلاسب اآليل ‪ ،‬ص‪ 77‬وما يليها ‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫(?) ـ انظر ‪ :‬د‪ .‬علي أمحد راشد ‪ ،‬املدخل وأص ‪--‬ول النظرية العامة ‪ ، 1974‬ص‪ 185‬؛ د‪ .‬ع ‪--‬دنان اخلطيب ‪،‬‬ ‫‪27‬‬

‫م‪--‬وجز الق‪--‬انون اجلزائي ‪ ،‬الكت‪--‬اب األول ‪ ،‬املب‪--‬ادئ العامة يف ق‪--‬انون العقوب‪--‬ات ‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق ‪،1963 ،‬‬
‫ص‪ 79‬؛ د‪ .‬موسى مس‪--‬عود‪ -‬ارحومة ‪ ،‬األحك‪--‬ام العامة لق‪--‬انون العقوب‪--‬ات الليبـي ‪ ،‬اجلزء األول ‪ ،‬النظرية العامة‬
‫للجرمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس (بنغازي) ‪ ، 2009 ،‬ص‪ 110‬وما يليها ‪.‬‬
‫‪,R. Vouin et J. Léauté, droit pénal et procédure pénale, 2 me éd., Paris‬‬
‫‪P. 19 ; Mohieddine Amzazi, Présis de droit Criminel, 1 ère éd.,1994 ,65‬‬

‫‪Dar Nachr Al Maarifa, Rabat, P. ,4‬‬

‫‪.62‬‬
‫(?) ـ د‪ .‬موسى مس ‪-- -‬عود‪ -‬ارحومة ‪ ،‬حتديد النط ‪-- -‬اق املك ‪-- -‬اين جلرائم تل ‪-- -‬ويث البيئة البحرية والق ‪-- -‬انون ال ‪-- -‬واجب‬ ‫‪28‬‬

‫التط‪--‬بيق ‪ ،‬ورقة مقدمة‪ -‬إىل املؤمتر العلمي اخلامس لكلية الش‪--‬ريعة والق‪--‬انون‪/‬جامعة إربد األهلية بعن‪--‬وان ‪" :‬البيئة‬
‫يف ض‪--‬وء الش‪--‬ريعة والق‪--‬انون ـ واقع وتطلع‪--‬ات" ـ األردن ‪ ،‬خالل الف‪--‬رتة ‪ 12‬ـ ‪/13‬متوز (يولي‪--‬و) ‪ ، 2006‬ص‪ 5‬وما‬
‫بعدها ‪.‬‬
‫(?) ـ انظر ‪ :‬حبثنا الس‪--‬ابق ‪ ،‬املوضع ذاته ؛ د‪ .‬كم‪--‬ال أن‪--‬ور حممد القاضي ‪ ،‬تط‪--‬بيق ق‪--‬انون العقوب‪--‬ات من حيث‬ ‫‪29‬‬

‫املك‪--‬ان‪ ،‬رس‪--‬الة دكت‪--‬وراه ‪ ،‬مقدمة إىل كلية احلق‪--‬وق ـ جامعة الق‪--‬اهرة‪ 22 ،‬إبريل ‪ ، 1965‬دار مط‪--‬ابع الش‪--‬عب ‪،‬‬
‫ص‪ 90‬وما يليها ‪.‬‬
‫(?) ـ انظر بش‪-- -‬أن ع‪-- -‬رض ه‪-- -‬ذا املب‪-- -‬دأ ‪ :‬د‪ .‬أمحد عب‪-- -‬دالكرمي س‪-- -‬المة ‪ ،‬ق ‪--‬انون محاية البيئة ـ دراسة تأص‪-- -‬يلية يف‬ ‫‪30‬‬

‫األنظمة الوطنية واالتفاقية ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬منش ‪--‬ورات جامعة امللك س ‪--‬عود ـ الس ‪--‬عودية ‪1418 ،‬هـ (‪، -)1997‬‬
‫ص‪. 535‬‬
‫‪19‬‬

‫يُعرف بالسلوك اجملرد (جرائم السلوك اجملرد) ‪.‬‬

‫ثالثاًـ ـ المذهب المختلط ‪:‬‬


‫أمام االنتقادات اليت تعرض هلا كال االجتاهني الس‪-‬ابقني ‪ ،‬ب‪-‬رز اجتاه ث‪-‬الث مف‪-‬اده أن اجلرمية تعد‬
‫واقعة يف مكان حصول النشاط (العمل التنفيذي) ‪ ،‬وكذلك املك‪--‬ان ال‪--‬ذي حتققت فيه النتيجة أو ال‪--‬ذي‬
‫من املتوقع أو من املنتظر حتققها فيه ‪ .‬وه‪-- - - - - -‬ذا االجتاه حظي مبباركة أغلب الفقه ‪ ،‬وجيد م‪-- - - - - -‬ربره يف أن‬
‫ال ‪--‬ركن املادي للجرمية يق ‪--‬وم على ثالثة عناصر ‪ ،‬وهي الفعل (النش ‪--‬اط) ‪ ،‬والنتيجة ‪ ،‬وعالقة الس ‪--‬ببية ‪،‬‬
‫ما يعين أن اجلرمية تعد واقعة يف كل مك‪-- - -‬ان حتقق فيه عنصر من عناصر ال‪-- - -‬ركن املادي ‪ ،‬أي يف مك‪-- -‬ان‬
‫النشاط ومكان النتيجة على حد سواء ‪.‬‬
‫وه‪--‬ذا االجتاه أخ‪--‬ذت به بعض التش‪--‬ريعات املقارنة ‪ ،‬ومنها ق‪--‬انون العقوب‪--‬ات ال‪--‬نروجيي وك‪--‬ذلك‬
‫ال‪--‬دمنركي ‪ ،‬والص‪--‬يين واألملاين واإليط‪--‬ايل لس‪--‬نة ‪ . 1930‬كما تبنته احملاكم يف بعض ال‪--‬دول ومنها فرنسا‬
‫يف ع‪-- -‬دد من األحك‪-- -‬ام ؛ إذ ذهبت إىل أن اختصاص‪-- -‬ها يتسع ليش‪-- -‬مل كل األمكنة اليت ك‪-- -‬انت مس ‪--‬رحاً‬
‫للجرمية عند وقوعها ‪.‬‬
‫فقد قضي ب‪-- - - -‬أن احملكمة تعترب خمتصة بال‪-- - - -‬دعوى الناش‪-- - - -‬ئة عن جرمية إص‪-- - - -‬دار صك دون مقابل‬
‫الوفاء فيما خيص صكاً كان حمرراً خارج فرنسا ومسحوباً على أحد البنوك فيها(‪.)33‬‬
‫وتك‪--‬رر ذلك يف واقعة أخ‪--‬رى عرضت على القض‪--‬اء املذكور يقر فيها باختصاصه بص‪--‬دد جرمية‬
‫نصب مىت ارتُ ِكبت أفعال النصب (الطرق االحتيالية) أو تسليم النقود على اإلقليم الفرنسي ‪.‬‬
‫وتأسيس‪-‬اً على ه‪--‬ذا املذهب ‪ ،‬لو عمد أح‪--‬دهم إىل قتل آخر ف‪--‬أطلق الن‪--‬ار من األراضي املص‪--‬رية‬
‫جتاه اجملين عليه املوج‪-- - -‬ود على األراضي الليبية مث ُأس ‪-- - -‬عِف املص ‪-- - -‬اب إىل دولة ثالثة (ولتكن إيطاليا مثالً)‬
‫لتل ّقي العالج ‪ ،‬وت ‪--‬ويف هن ‪--‬اك ‪ ،‬ف ‪--‬إن االختص ‪--‬اص ينعقد وفق ‪-‬اً لالجتاه الس ‪--‬ابق لكل من الق ‪--‬انون املص ‪--‬ري‬
‫والليبـي على حد سواء ‪ ،‬على اعتبار أن اجملين عليه ك‪--‬ان موج‪--‬وداً على إقليمها وقت مباش‪--‬رة النش‪--‬اط ‪،‬‬
‫ومن مَث فه‪--‬ذا املك‪--‬ان ال‪--‬ذي اخت‪--‬اره لتنفيذ جرميته هو ال‪--‬ذي ينبغي االعت‪--‬داد به ‪ ،‬وبالت‪--‬ايل يتح‪--‬دد الق‪--‬انون‬
‫الواجب التطبيق على أساسه‪.‬‬
‫وهنا ‪ ،‬يتم تغليب ق ‪-- - -‬انون حمل حتقق النتيجة إذا ك ‪-- - -‬انت اجلرمية تامة ‪ ،‬ومن قبيل ذلك ج ‪-- -‬رائم‬
‫الس‪-- -‬لوك والنتيجة (اجلرائم املادي‪-- -‬ة) ‪ ،‬يف حني يفضل مك‪-- -‬ان النش‪-- -‬اط أو الس‪-- -‬لوك إذا ك‪-- -‬انت اجلرمية قد‬
‫وقفت عند حد الشروع أو كانت من قبيل جرائم السلوك اجملرد ‪.‬‬

‫رأينا في الموضوع‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ب ‪--‬الوقوف على املربرات اليت اس ‪--‬تند إليها كل اجتاه مما تقدم وما يكتنف‪- -‬ه من قص ‪--‬ور‪ ،‬ن ‪--‬رى أن‬
‫‪20‬‬

‫فضل ما ع‪--‬داه ‪ ،‬لكونه جتاوز املآخذ اليت اع‪-‬رتت املذهبني اآلخ‪-‬رين ‪ ،‬ويف ال‪--‬وقت ذاته اس‪-‬تجمع‬ ‫األخري يَ ُ‬
‫م‪--‬يزات كل منهما ‪ .‬فهو يوسع من نط‪--‬اق احلماية اجلنائية وي‪--‬تيح مرونة أك‪--‬ثر يف مد نط‪--‬اق االختص‪--‬اص‬
‫جمرمة يف ذاهتا ‪ ،‬وال ينجم عنها أي ض‪-- - -‬رر م‪-- - -‬ادي ‪ ،‬ومنها ما متتد آث ‪-- -‬اره‬
‫الس‪-- - -‬يما وأن بعض األفع‪-- - -‬ال َّ‬
‫الض ‪--‬ارة لدولة أو دول أخ ‪--‬رى غري اليت وقع فيها النش ‪--‬اط ‪ ،‬األمر ال ‪--‬ذي يه ‪--‬دد مص ‪--‬احلها احليوية ‪ .‬ورمبا‬
‫يك‪--‬ون أك‪--‬ثر انس‪--‬جاما مع الطبيعة املم‪--‬يزة جلرائم اإلن‪--‬رتنت عرب الوطنية موض‪--‬وع ه‪--‬ذه الورقة ومبا يكفل‬
‫حل مشكلة تنازع االختصاص النامجة عنها كما سيتضح الحقاً ‪.‬‬

‫خصوصية جرائم اإلنترنت عبر الوطنية والحلول المقترحة بشأن تنازع االختصاص ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫كما هو معل‪-- - -‬وم ‪ ،‬ف‪-- - -‬إن الش‪-- - -‬بكة العنكبوتية ال تس‪-- - -‬تأثر هبا دولة بعينها ‪ ،‬ويتسىن ملس ‪-- -‬تخدميها‬
‫ولوجها من أية بقعة يف الع‪-- -‬امل تقريب ‪- -‬اً من خالل جه‪-- -‬از حاس‪-- -‬وب يك ‪-- -‬ون متص ‪- -‬الً هبا ‪ .‬فهي بطبيعتها‬
‫ـ باعتبارها موزعة على أرج‪--‬اء الك‪--‬رة األرض‪--‬ية ـ ال حت ّدها ح‪-‬دود ‪ ،‬ومن مَث ـ واألمر ك‪--‬ذلك ـ تك‪--‬ون من‬
‫حيث املبدأ خارج أية رقابة أو سيطرة من أية جهة ‪ ،‬وهذا يستتبع ـ ولو نظرياً ـ عدم إمكان خضوعها‬
‫لسلطان قانون جنائي معني ‪.‬‬
‫وعمالً مبب‪-- - - -‬دأ اإلقليمية ‪ ،‬ف‪-- - - -‬إن كل دولة متارس س‪-- - - -‬يادهتا على إقليمها بتط‪-- - - -‬بيق قوانينها داخل‬
‫ح‪--‬دودها ‪ ،‬بص‪--‬رف النظر عن جنس‪--‬ية م‪--‬رتكب اجلرمية ‪ ،‬ال‪--‬ذي حيتمل معه تن‪--‬ازع الق‪--‬وانني حي‪--‬ال الواقعة‬
‫الواحدة ‪ ،‬والذي يستتبع بالضرورة تنازع االختصاص ‪ ،‬وبال‪-‬ذات فيما يتصل ب‪-‬اجلرائم عرب الوطنية اليت‬
‫‪-‬ب مثالً عرب الرس ‪--‬ائل اإللكرتونية ‪ E. mails‬تقع أحيان ‪-‬اً يف‬ ‫ت ‪--‬رتكب عرب ش‪--‬بكة اإلن ‪--‬رتنت ‪ .‬فجرمية الس‪ّ -‬‬
‫بلد ويتل ّقاها الض‪-- - - - - -‬حية يف بلد آخر ‪ .‬وهنا ينبغي أن نشري إىل أن ه‪-- - - - - -‬ذه الرس‪-- - - - - -‬ائل وغريها من أدوات‬
‫االتص ‪--‬ال عن بعد بواس ‪--‬طة ه ‪--‬ذه الش ‪--‬بكة متر يف كثري من األحي ‪--‬ان ب ‪--‬أكثر من دولة قبل وص ‪--‬وهلا إىل بلد‬
‫االس‪--‬تقبال ‪ .‬ناهيك أن بعض األفع‪--‬ال اليت تُبث من خالل اإلن‪--‬رتنت ‪ ،‬تعد أحيان‪-‬اً جرمية يف بلد ومباحة‬
‫يف غريه من البلدان املرتبطة هبذه الشبكة ‪.‬‬
‫ومن األمثلة اليت يس‪-- - - - -‬وقها الفقه على ذلك أن الدعاية للقنّب اهلن‪-- - - - -‬دي (اخلش‪-- - - - -‬خاش) أمر غري‬
‫جيرمه الق‪--‬انون‬
‫حمظور يف بعض البلدان كما هو احلال يف هولن‪--‬دا ‪ ،‬ويف املقابل يعد مثل ه‪--‬ذا الس‪-‬لوك مما ّ‬
‫وغري مسموح به يف بلدان أخرى مبا فيها ليبيا وفرنسا مثالً ‪ .‬واألمر ذاته ينسحب على املراهنات على‬
‫كرة القدم ‪ ،‬فهي غري مشروعة يف بلد كفرنسا ‪ ،‬وجائزة يف بل‪--‬دان أخ‪--‬رى كما هو احلال يف إجنل‪--‬رتا ‪..‬‬
‫وهلم جرا(‪.)34‬‬
‫ومما يزيد من حدة املشكلة انعدام أو ض‪-‬عف الرقابة على الرس‪-‬ائل اإللكرتونية ‪ ،‬وغي‪-‬اب ق‪-‬انون‬
‫حمدد جيري إعماله على مثل ه‪--‬ذه األفع‪--‬ال ‪ ،‬ما من ش‪--‬أنه أن يبعث على التس‪--‬اؤل عن الق‪--‬انون ال‪--‬واجب‬

‫(?) ـ د‪ .‬مجيل عبدالباقي الصغري ‪ ،‬اجلوانب اإلجرائية للجرائم املتعلقة‪ -‬باإلنرتنت ‪ ،‬ص‪ 43‬ـ ‪. 44‬‬ ‫‪34‬‬
‫‪21‬‬

‫التطبيق على املواقع اإللكرتونية على شبكة اإلنرتنت ‪.‬‬


‫وتطبيق ‪- -‬اً للقواعد اليت حتكم االختص ‪-- -‬اص املك ‪-- -‬اين ‪ ،‬ف‪-- -‬إن ج ‪-- -‬رائم اإلن ‪-- -‬رتنت الع ‪-- -‬ابرة للح ‪-- -‬دود‬
‫‪ Transnational Crimes‬ختضع يف كثري من األحي‪--‬ان ألك‪--‬ثر من ق‪--‬انون ‪ ،‬ف‪--‬إذا وقع الس‪--‬لوك يف نط‪--‬اق‬
‫بلد معني واآلث ‪--‬ار الض ‪--‬ارة حتققت يف نط ‪--‬اق بلد آخر ‪ ،‬ف ‪--‬إن كال البل ‪--‬دين يك ‪--‬ون قانونه واجب التط ‪--‬بيق‬
‫على الواقعة ‪ ،‬مبعىن أنه يتم تط ‪--‬بيق ق ‪--‬انون كل دولة حتقق يف نطاقها أحد عناصر ال ‪--‬ركن املادي للجرمية‬
‫(الس ‪--‬لوك أو النتيج ‪--‬ة) ‪ ،‬فيكفي ليك ‪--‬ون ق ‪--‬انون البلد واجب التط ‪--‬بيق تلقي الض ‪--‬حية الرس ‪--‬الة اإللكرتونية‬
‫السب أو التهديد مثالً يف نطاقه ولو كان الفعل ذاته غري معاقب عليه يف بلد املنشأ ‪.‬‬ ‫اجملسدة جلرمية ّ‬
‫وبتط ‪-- -‬بيق ذلك على جرمية نسخ املص ‪-- -‬نفات ينعقد االختص ‪-- -‬اص للدولة اليت مت فعل النسخ على‬
‫إقليمها ‪ ،‬باعتبار أن النسخ عن بعد يعد أحد العناصر املكونة جلرمية التقليد(‪.)35‬‬
‫ومثة أمر آخر يزيد األمر تعقي‪-- - - -‬داً وص‪-- - - -‬عوبة يف حتديد االختص‪-- - - -‬اص يف ج‪-- - - -‬رائم اإلن‪-- - - -‬رتنت عرب‬
‫الوطنية بال‪-- - -‬ذات أال وهو تب‪-- - -‬اين املع‪-- - -‬ايري الوطنية فيما يتعلق بتحديد االختص‪-- - -‬اص ‪ ،‬األمر ال ‪-- -‬ذي يفضي‬
‫عادة إىل حدوث تنازع يف االختصاص بشأن هذه الطائفة من اجلرائم ‪.‬‬
‫فعلى س ‪-- - -‬بيل املث ‪-- - -‬ال ‪ ،‬لو أن شخص ‪- - -‬اً ارتكب أي‪- - - -‬اً من ه ‪-- - -‬ذه اجلرائم على إقليم دولة ال حيمل‬
‫جنس ‪--‬يتها ‪ ،‬فقد حيدث التن ‪--‬ازع بني ق ‪--‬انون الدولة اليت ارتُ ِكبت اجلرمية على إقليمها وق ‪--‬انون الدولة اليت‬
‫ينتمي إليها ‪.‬‬
‫أي أن الفعل يتنازعه قانون‪-- -‬ان ‪ ،‬ق‪-- -‬انون دولة اإلقليم على أس‪-- -‬اس مب‪-- -‬دأ اإلقليمية ‪ ،‬ويف ال ‪--‬وقت‬
‫ذاته قد خيضع لق‪-- -‬انون دولة اجلاين عمالً مبب‪-- -‬دأ الشخص‪-- -‬ية اإلجيابية ‪ .‬ليس ه‪-- -‬ذا فحسب ‪ ،‬بل قد ينعقد‬
‫ماسة مبصاحلها احليوية وفقاً ملبدأ العينية(‪.)36‬‬
‫االختصاص لدولة ثالثة مىت كانت اجلرمية ّ‬
‫وحىت على ف‪-- - -‬رض إمكانية إجياد حل هلذه املش ‪-- - -‬كلة من الزاوية القانونية ‪ ،‬فإهنا تظل تص ‪-- -‬طدم‬
‫بعقبات عملية بالنظر إىل اإلجراءات املعقدة والطويلة اليت يلزم اتباعها حملاكمة اجلاين ال‪--‬ذي ارتكب أي‪-‬اً‬
‫من ه‪-- -‬ذه اجلرائم ‪ ،‬وك‪-- -‬انت إقامته خ‪-- -‬ارج البلد ال‪-- -‬ذي تتم فيها حماكمته ‪ ،‬واألمر ينس‪-- -‬حب أيض‪- -‬اً على‬
‫تنفيذ األحك‪--‬ام الص‪--‬ادرة باخلارج ‪ .‬ومن العوائق يف ذلك مب‪--‬دأ ع‪--‬دم ج‪--‬واز حماكمة الش‪--‬خص عن الفعل‬
‫الواحد مرتني ‪ ،‬وكذلك عدم جواز تسليم الوطنيني ‪.‬‬
‫وقد طُرحت مثل هذه املشاكل على القضاء املق‪-‬ارن ‪ ،‬وتص‪ّ -‬دى هلا يف أك‪-‬ثر من مناس‪-‬بة ‪ .‬ففي‬
‫القض ‪--‬اء األم ‪--‬ريكي ‪ ،‬تشري التطبيق ‪--‬ات القض ‪--‬ائية إىل أنه يكفي المت ‪--‬داد والية القض ‪--‬اء املذكور إىل جرمية‬
‫وقعت يف اخلارج أن تك‪--‬ون آثارها قد مست مص‪--‬احل أمريكية أو عرض‪--‬تها للخطر ‪ ،‬تأسيس ‪-‬اً على مب‪--‬دأ‬
‫االختص‪-- - - -‬اص الشخصي ‪ .‬من ذلك ما قضت به احملكمة العليا لوالية نيوي‪-- - - -‬ورك بص‪-- - - -‬دد جرمية انته‪-- - -‬اك‬
‫ق‪-- -‬انون املس‪-- -‬تهلك والدعاية اخلادعة ‪ .‬واملب‪-- -‬دأ ذاته ك‪-- -‬ان قد طُبِّق يف واقعة أخ‪-- -‬رى مؤداها قي‪-- -‬ام إح‪-- -‬دى‬
‫‪-‬زودي اإلن‪--‬رتنت يف والية كاليفورنيا ب‪--‬دعوى االعت‪--‬داء‬ ‫الش‪--‬ركات بوالية بنس‪--‬لفانيا باالدع‪--‬اء على أحد م‪ّ -‬‬
‫‪22‬‬

‫على عالمة مس‪--‬جلة يف الوالية األوىل ‪ ،‬وقد أسست احملكمة حكمها على أن قض‪--‬اء بنس‪--‬لفانيا ينعقد له‬
‫االختصاص الشخصي على اعتبار أن مزود خدمة اإلنرتنت له مشرتكون يف الوالية ‪.‬‬
‫بعب‪--‬ارة أخ‪--‬رى ‪ ،‬ف‪--‬إن الق‪--‬انون األم‪--‬ريكي يتسع نط‪--‬اق تطبيقه حبيث ميتد إىل األفع‪--‬ال املرتكبة يف‬
‫اخلارج طاملا أن آثارها حتققت يف الواليات املتحدة األمريكية(‪.)37‬‬
‫ومثة قض‪--‬ية مماثلة ج‪--‬رى فيها إعم‪--‬ال املب‪--‬دأ ذاته (مب‪--‬دأ النتيج‪--‬ة) ‪ ،‬أال وهي قض‪--‬ية (مينيس‪--‬وتا ضد‬
‫جرانيت جات ريسورت) بشأن بث موقع أللعاب القم‪-‬ار عرب اإلن‪--‬رتنت من الس فيغ‪--‬اس بوالية نيف‪--‬ادا ‪،‬‬
‫الذي وصل إىل والية (مينيسوتا) اليت حيظر قانوهنا مثل هذه األلعاب ‪.‬‬
‫وتك ‪-- -‬رس ه ‪-- -‬ذا االجتاه القض ‪-- -‬ائي فيما انتهت إليه ال‪-- -‬دائرة اخلامسة االس ‪-- -‬تئنافية يف قض‪-- -‬ية قم ‪-- -‬ار‬
‫ومراهن‪-- -‬ات عرب اإلن‪-- -‬رتنت(‪ .)38‬وقد اعترب القض‪-- -‬اء املذكور جمرد وضع برجمية فك التش‪-- -‬فري (‪ )PGP‬على‬
‫اإلنرتنت مبثابة تصدير هلا ‪ ،‬وهو ما خيول احملاكم األمريكية التصدي هلا باعتبارها صاحبة االختصاص‪،‬‬
‫بصرف النظر عن مكان وضع الربجمية(‪.)39‬‬
‫كما تبىن القض‪-- -‬اء اإلجنل‪-- -‬يزي حل‪-- -‬والً مش‪-- -‬اهبة ‪ ،‬فهو خيتص بنظر ال‪-- -‬دعاوى الناش‪-- -‬ئة عن إس ‪--‬اءة‬
‫اس‪--‬تخدام اإلن‪--‬رتنت ‪ ،‬مىت ك‪--‬ان مثة ارتب‪--‬اط بني الواقعة املرتكبة وبريطانيا عمالً بق‪--‬انون إس‪--‬اءة اس‪--‬تخدام‬
‫احلاس‪-‬وب الص‪-‬ادر س‪-‬نة ‪ . )The Computer Misuse Act of 1990( 1990‬فلكي ينعقد االختص‪-‬اص‬
‫للمح ‪--‬اكم اإلجنليزية ‪ ،‬يكفي امت ‪--‬داد آث ‪--‬ار الواقعة إىل بريطانيا ‪ ،‬ولو ك ‪--‬انت ه ‪--‬ذه الواقعة قد ح ‪--‬دثت يف‬
‫اخلارج ‪ ،‬وبصرف النظر عن حمل إقامة اجلاين ‪ .‬بعب‪--‬ارة أخ‪--‬رى ‪ ،‬يكفي أن يك‪--‬ون ن‪--‬اتج عمله أو أن نيته‬
‫منص ‪--‬رفة إىل أن يك ‪--‬ون ن ‪--‬اتج عمله تع ‪--‬ديالً حمظ ‪--‬وراً يف حاس ‪--‬وب موج ‪--‬ود يف بريطانيا(‪ .)40‬أما يف فرنسا‬
‫فيمتد اختص‪-- -‬اص القض ‪-- -‬اء هن‪-- -‬اك إىل ج‪-- -‬رائم اإلن ‪-- -‬رتنت اليت وقعت يف اخلارج عمالً بق ‪-- -‬انون العقوب‪-- -‬ات‬
‫اجلديد مىت كانت الظروف الواقعة تربر مصلحة فرنسا يف إعمال قانوهنا عليها(‪.)41‬‬
‫وص‪--‬فوة الق‪--‬ول ‪ ،‬إن ج‪--‬رائم اإلن‪--‬رتنت عرب الوطنية ‪ ،‬ال حت ّدها ح‪--‬دود خالف ‪-‬اً للج‪--‬رائم التقليدية‬
‫املعروفة ‪ ،‬األمر الذي جيعلها يف كثري من األحيان تستعصي على اخلض‪--‬وع للق‪--‬والب القانونية اليت حتكم‬
‫مس‪--‬ألة االختص‪--‬اص املك‪--‬اين ‪ .‬ومن مَث ‪ ،‬ف‪--‬إن الطبيعة اخلاصة هلذا الص‪--‬نف من اجلرائم املس‪--‬تحدثة تتطلب‬
‫جتاوز الق‪--‬والب واملع‪--‬ايري اليت طرحها الفقه للتغلب على مش‪--‬كلة تن‪--‬ازع االختص‪--‬اص ‪ ،‬والعمل على تبين‬
‫حل‪-- - -‬ول أك‪-- - -‬ثر مرونة تأخذ يف احلس‪-- - -‬بان النط‪-- - -‬اق اجلغ‪-- - -‬رايف هلذه اجلرائم وس‪-- - -‬هولة ارتكاهبا وآلية اقرتافها‬
‫والتخلص من آثارها وما إىل ذلك من اعتبارات يفرضها الطابع التقين املتطور هلا ‪.‬‬
‫وه‪-- - -‬ذا بطبيعة احلال ‪ ،‬ينبغي أالّ يُ‪-- - -‬رتك حملض اجته‪-- - -‬ادات الفقه والقض‪-- - -‬اء ‪ ،‬وإمنا يل‪-- - -‬زم ت ‪-- -‬دخل‬
‫املشرع لتحديد معايري االختصاص اليت يفرتض ع‪--‬دم تض‪--‬ييق نطاقها ‪ ،‬حبيث يك‪--‬ون من املالئم أن ينعقد‬
‫االختص‪--‬اص لق‪--‬انون أي بلد أض‪--‬رت به اجلرمية أو من املتوقع أن تش‪--‬كل خط‪--‬ورة على مص‪--‬احله احليوية ‪،‬‬
‫ولو كان مكان وقوعها خارج نطاق إقليمها ‪ .‬ومن املناسب بتقديرنا تبين مب‪--‬دأ االختص‪--‬اص الع‪--‬املي أو‬
‫‪23‬‬

‫الش‪-- -‬امل هبذا اخلص‪-- -‬وص من أجل جتنب الكثري من املش‪-- -‬اكل النامجة عن حتديد مك‪-- -‬ان وق‪-- -‬وع اجلرمية أو‬
‫ترتب آثارها الضارة ‪.‬‬

‫الخاتمــة‬
‫إن تنامي ظاهرة اجلرائم املعلوماتية عرب الوطنية ‪ ،‬وختطي آثارها حدود ال‪--‬دول ‪ ،‬أف‪--‬رز مجلة من‬
‫التح ‪--‬ديات القانونية على الص ‪--‬عيد اإلج ‪--‬رائي جتس ‪--‬دت يف املق ‪--‬ام األول يف بعض الص ‪--‬عوبات اليت تكتنف‬
‫إثب ‪--‬ات ه ‪--‬ذه اجلرائم وقب ‪--‬ول ال ‪--‬دليل بش ‪--‬أهنا باعتبارها ال ت ‪--‬رتك أث ‪--‬راً مادي‪- -‬اً ملموس‪- -‬اً ‪ ،‬كما هو احلال يف‬
‫اجلرائم التقليدية ‪.‬‬
‫فض‪- -‬الً عما يث ‪--‬ريه ذلك من عقب ‪--‬ات تواجه األجه ‪--‬زة القض ‪--‬ائية واألمنية يف س ‪--‬بيل مباش ‪--‬رة بعض‬

‫(?) ـ يف حني أن حمكمة النقض املص‪-- -‬رية قضت يف واقعة مماثلة بع‪-- -‬دم اختصاص‪-- -‬ها يف قض‪-- -‬ية إعط‪-- -‬اء صك يف‬ ‫‪33‬‬

‫مدينة ج‪-- -‬دة (الس‪-- -‬عودية) وك ‪--‬ان مس‪-- -‬حوباً على بنك مصر ‪،‬وثبت أنه ال يقابله رص ‪--‬يد ‪ .‬وقد ج ‪--‬اء يف تربيرها‬
‫حلكمها هذا بأن جرمية إصدار صك بدون رصيد قد ت‪-‬وافرت أركاهنا يف مك‪-‬ان حص‪-‬ول اإلعط‪-‬اء للمس‪-‬تفيد‪، -‬‬
‫ولو ك‪--‬ان البنك املس‪--‬حوب عليه يف مصر [ نقض ‪ 17‬ـ ‪ 12‬ـ ‪ ،1962‬مج أحك‪--‬ام النقض ‪ ،‬س‪ ، 13‬الع‪--‬دد (‪،)3‬‬
‫رقم ‪ ، 204‬طعن رقم ‪/2011‬س‪32‬ق ‪ ،‬ص‪. ] 846‬‬
‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 49‬‬ ‫‪35‬‬

‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬ص ص‪ 72‬ـ ‪. 73‬‬ ‫‪36‬‬

‫(?) ـ راجع ‪:‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪USA V. Thomas, no. cr – 94 – 20019 – 9 (w. d. tenn.‬‬


‫)‪.1994‬‬
‫مشار إليها عند ‪ :‬د‪ .‬عمر حممد بن يونس ‪ ،‬اجلرائم الناشئة عن استخدام اإلنرتنت ‪ ،‬ص‪. 908‬‬
‫‪U. S. V. Truesdale 152 F. 3d‬‬ ‫(?) ـ‬ ‫‪38‬‬

‫)‪.443 (5th Cir. 1998‬‬


‫مشار إليه عند ‪ :‬د‪ .‬عمر بن يونس ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 910‬‬
‫(?) ـ انظر ‪ :‬د‪ .‬عمر بن يونس ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 910‬‬ ‫‪39‬‬

‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 911‬‬ ‫‪40‬‬

‫(?) ـ املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 912‬‬ ‫‪41‬‬


‫‪24‬‬

‫اإلج‪--‬راءات عرب احلدود كاملعاينة والتف‪--‬تيش والض‪--‬بط يف نط‪--‬اق البيئة االفرتاض‪--‬ية ‪ .‬يض‪--‬اف إىل ه‪--‬ذا وذاك‬
‫مش‪--‬كلة تن‪--‬ازع االختص‪--‬اص بص‪--‬دد ه‪--‬ذه اجلرائم باعتب‪--‬ار أن آثارها تتج‪--‬اوز ح‪--‬دود ال‪--‬دول ‪ ،‬األمر ال‪--‬ذي‬
‫جيعل احللول الوطنية غري جمدية ‪ ،‬وتظل مشوبة بالقصور وعدم النجاعة‪.‬‬
‫ورغم اجلهود اليت بُ ِذلت وال تزال تُبذل ‪ ،‬فإن هذه التحديات تبقىعصيّة على احلل يف كثري من‬
‫األحيان يف غياب اسرتاتيجية واضحة للتعامل مع ه‪-‬ذه الطائفة من اجلرائم ومرتكبيها الس‪-‬يما يف ال‪-‬دول‬
‫اليت مل تب‪-- -‬ادر بعد إىل تع‪-- -‬ديل تش‪-- -‬ريعاهتا مبا يكفل جتاوز الق‪-- -‬والب القانونية التقليدية اليت مل تعد تناسب‬
‫هذا العصر ‪.‬‬
‫وبن‪-- - - -‬اءً على ما تق‪-- - - -‬دم ‪ ،‬فإننا نأمل أن يتبىن ه‪-- - - -‬ذا املؤمتر املوقر بعض التوص‪-- - - -‬يات اليت نراها قد‬
‫تسهم يف حل بعض اإلشكاليات اليت أحملنا إليها يف ثنايا هذه الورقة‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫جيرم إس ‪--‬اءة اس ‪--‬تخدام اإلن ‪--‬رتنت أس ‪--‬وة بال ‪--‬دول اليت‬ ‫‪ 1‬ـ دع ‪--‬وة املش ‪--‬رع الليبـي إىل املب ‪--‬ادرة بسن تش ‪--‬ريع ّ‬
‫سبقتنا يف هذا اجملال ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إعادة النظر يف القوالب اإلجرائية احلالية مبا يتمشى مع طبيعة اجلرائم املعلوماتية عرب الوطنية ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ حث ال‪-- -‬دول العربية على إب‪-- -‬رام اتفاقية فيما بينها على غ‪-- -‬رار االتفاقية األوروبية بغية تعزيز التع ‪--‬اون‬
‫القض‪--‬ائي والش‪--‬رطي جبميع ص‪--‬وره ملواجه ‪-‬ة التح‪--‬ديات اإلجرائية النامجة عن اجلرائم املعلوماتية عرب‬
‫الوطنية ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ االهتمام بالتأهيل املناسب لكوادر األجهزة القضائية مبا جيعلها قادرة على التعامل مع ه‪--‬ذه اجلرائم‬
‫بكفاءة واقتدار ‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل على استحداث ضبطية قضائية وكذلك نيابة متخصصة يف جمال اجلرائم املعلوماتية أس‪--‬وة‬
‫بالدول املتقدمة ‪.‬‬
‫ـ إعادة النظر يف مقررات كلي‪-‬ات الش‪--‬رطة ومعاهد القض‪--‬اء وكلي‪--‬ات الق‪-‬انون حبيث يف‪-‬رد مق‪-‬رر مس‪-‬تقل‬
‫للجرائم املعلوماتية ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ دع ‪-- -‬وة املؤسس ‪-- -‬ات التعليمية املعنية بتأهيل األطر القانونية إىل تض‪-- - -‬مني م‪-- - -‬ادة مب‪-- - -‬ادئ احلاس ‪-- -‬وب‬
‫وتطبيقاته ضمن خططها الدراسية‪.‬‬

‫الهـوامـشـ والمصادر‬

You might also like