Professional Documents
Culture Documents
كتاب المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء الاصطناعي
كتاب المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء الاصطناعي
املسؤولية اجلنائية
عن أضرار الذكاء االصطناعي
CRIMINAL LIABILITY
FOR DAMAGES
FROM ARTIFICIAL INTELLIGENCE
الناشر
دار النهضة العربية للنشر والتوزيع
32شارع عبد الخالق ثروت – القاهرة
1
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
وال يجوزنشرأي جزء من هذا الكتاب أو اختزان مادته بطريقة االسترجاع أو
نقله على أي نحو أو بأية طريقة سواء كانت إلكترونية أو ميكانيكية أو خالف ذلك
ً
ومقدما. إال بمو افقة املؤلف على هذا كتابة
2
المقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
3
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
4
المقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
االهداء و الشكر
5
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
6
المقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
F
يعتبر الذكاء االصطناعي موضوع العصر الحالي بناء على ما وصل إليه العلم من
الثورة الصناعية الرابعة التي نقلت العالم من عصر الصناعة إلى عصر املعلومات
ً
الحديث ،وتعتبر تقنياته من أهم ضروريات املجتمع ،كما أنها التكنولوجيا األكثر تطورا
في السوق اآلن.
يساور العالم القلق ازاء الذكاء االصطناعي ،حتى وإن كان يحمل في طياته بعض
النعم والثروات التقنية إال أنه قد يكون نقمة واداة تشكل ضررا وتهديدا على جميع
الكائنات الحية على هذه الحياة ،واكثرها تهديدا على حياة البشر من األشخاص،
واالفراد واملجتمعات على غرار الغريزة والفطرة التي أوجد هللا وخلق هذا االنسان ألجلها
في أن يجعله خليفة في هذه األرض قائما على إعمارها وبنائها ال إفسادها وهدمها.
ويشهد العالم هذه السنوات تطورات متتالية في عالم التكنولوجيا الغير مسبوق،
وما يصاحبه من انتاج ،وايجاد تقنيات تكنولوجية متنوعة ،وأصبح الحديث ما إذا كان
استخدام هذه التقنيات التكنولوجية يشكل ضررا وتهديدا خاصة على األمن االلكتروني،
وفي الحقيقة مع وجود التطور التكنولوجي في مجال الذكاء االصطناعي ظهرت العديد من
املشاكل فنحن نتحدث اليوم عن قدرات غير مسبوقة في اختراق البيانات والوصول الى
مراكز املعلومات واستخدام خوارزميات الذكاء االصطناعي في انتاج محتويات كاذبة أو
مضللة بعدة اشكال سواء كانت على شكل صور ،نصوص ،فيديو وغيرها وقدرة الذكاء
االصطناعي في تشتيت الرأي العام العالمي كل هذه االمور تشكل خطورة في امننا
االلكتروني مما دفع االمين العام لألمم املتحدة في أكثر من تصريح أن يتحدث عن أضرار
وخطورة الذكاء االصطناعي وأنه سوف يسبب مشاكل باملستقبل سواء في تضليل الرأي
العام العالمي ،ووصول الخوارزميات إلى مراكز معلومات حساسة ولربما ادعت بعض
دول العالم الكبرى برغبتها عن االنفصال عن شبكة العالم اإلنترنت؛ ملا تعرضت من
7
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
التجسس عليها وعلى مراكز معلومات حساسة فيها وكل ما سبق لربما بشكل أو بآخر
يشكل تهديدا ألمننا االلكتروني .فعلى الصعيد الشخص ي على مستوى بياناتنا الشخصية
التي نستخدمها بشكل يومي فقد أصبحت مهددة باالختراق وبالوصول إلى حواسيبنا
الشخصية ،تضليل الحقيقة بالرغم من قول مصنعو الذكاء االصطناعي على انهم
يقدمون خدمات جديدة للبشرية على سبيل املثال Google :أضافت إلى خدمات
Google Meetمساعد الذكاء االصطناعي( )AIالذي يمثل ويحضر عن املستخدمين أي
اجتماعات ويقدم له الخالصة واملختصر وكل ما جاء في تلك االجتماعات وما إلى ذلك
بالتفصيل .بحيث يتساءل املرء إلى أي مدى ممكن أن تساعد أو إلى أي مدى ممكن ان
تكون لصالح البشرية مستقبال؟
يقسم هذا البحث إلى ثالثة مباحث ،أولها يتناول الذكاء االصطناعي من ناحية
ماهية الذكاء االصطناعي ،ومفهومه ،وتعريفه ،ونموذجه وخصائصه ،وأهميته وكل ذلك
في مبحث مستقل .ويشكل املبحث الثاني جوهر البحث وإجابة عن قواعد املسؤولية
الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي ،واالساس القانوني للمسؤولية الجنائية عن
أضرار الذكاء االصطناعي ،والطبيعة القانونية للذكاء االصطناعي ،والشخصية القانونية
للذكاء االصطناعي ،واملسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي من ناحية
مسؤولية الغير عن أضرار الذكاء االصطناعي ،ومسؤولية الذكاء االصطناعي عن اضراره.
واملبحث الثالث يتناول نموذج جرائم الذكاء االصطناعي وجرائم الذكاء االصطناعي
الذاتية ،والجريمة العمدية الناتجة عن الذكاء االصطناعي والجريمة الغير عمدية
الناتجة عن الذكاء االصطناعي واستخدام الذكاء االصطناعي في ارتكاب الجريمة،
والجريمة العمدية في استخدام الذكاء االصطناعي والجريمة الغير عمدية في استخدام
الذكاء االصطناعي وأخيرا الخاتمة.
8
المقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
مشكلة الدراسة-:
تثور إشكالية الدراسة حول قيام أركان املسؤولية الجنائية على األضرار و األفعال
الجرمية التي تتم بواسطة الذكاء االصطناعي ،و كيف يتم تحقق أركان و قواعد
املسؤولية الجنائية على كيانات الذكاء االصطناعي ،بالتالي تحمله نتيجة عقاب أفعاله
التي يرتكبها سيما أن هذا الكيان هو نتاج بشري ال يمكنه تحمل العقاب كالحبس و
الحجز وال يملك استقالال ذمة مالية من أجل مواجهته بواسطة دعوى حقوقية أو
تنفيذيا أو غيره من أشكال املطالبات القانونية من أجل التعويض املادي أو املعنوي عن
الضرر الناش ئ عن أفعال كيانات الذكاء االصطناعي الضارة املجرمة قانونا.
أهمية الدراسة
األهمية من الناحية النظرية
لقد جاءت أهمية الدراس من الناحية النظرية من أجل تحليل القواعد النظرية
املتعلقة باملسؤولية الجنائية عن األضرار التي يرتكبها الذكاء االصطناعي و تحليل
النصوص املتعلقة بها و اسقاطها على األفعال التي يرتكبها الذكاء االصطناعي.
األهمية العلمية:
أما من الناحية العلمية فهي من أجل وضع قواعد فقهية في موضوع املسؤولية
الجنائية ألضرار الذكاء االصطناعي و تحليل أركان املسؤولية الجنائية على أفعال كيانات
الذكاء االصطناعي الضارة و تحليل مدى تحمل الذكاء االصطناعي نتيجة فعله و
التعويض الناش ئ عن أفعاله من الناحية الجزائية.
أهداف الدارسة:
تهدف هذه الدراسة إلى:
)1الظهور بتعريف للذكاء االصطناعي و ماهيته و مفهومه بصورة عامة
9
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
10
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
املبحث األول
الذكاء االصطناعي ()AI
11
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
12
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
املبحث األول
الذكاء االصطناعي ()AI
بات الذكاء االصطناعي يشكل أهم املواضيع واألمور التي تخص علوم الحاسب اآللي
في القرن الواحد والعشرين الحالي ،ويشكل أداة فاعلة ووسيلة قوية والتي اصبحت
حاضرة ،وال يقتصر على جهاز الحاسوب بل هو موجود في العديد من املجاالت
ً
والقطاعات املختلفة بدءا من الصحة إلى الصناعة والتجارة وليس انتهاء بالتعليم
والتعلم واإلدارة .وتتمثل تكنولوجيا الذكاء االصطناعي في محاكاة الذكاء اإلنساني من
خالل برمجة الحاسوب واآللة بحيث تصبح مشابهة ومقاربة لبعض خصائص وجوانب
الذكاء اإلنساني ،فتتم برمجة الحاسوب من خالل تزويده باملدخالت ليقوم بمعالجتها
ً
على نحو معين وفق ما تمت برمجته عليه ويخرج حلوال للمشكالت على نمط معين
ً
معروف لدى املبرمج غالبا(.)1
إن أول دولة عربية اهتمت بالذكاء االصطناعي هي دولة اإلمارات العربية املتحدة،
بل تعتبر األولى في العالم التي استثمرت الذكاء االصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية،
ً ً
واعطته اهتماما خاصا ،حيث عملت على :استحداث وزارة جديدة باسم استراتيجية
االمارات للذكاء االصطناعي والتي تهدف إلى تحقيق أهداف مئوية اإلمارات ،2071
وتعجيل تنفيذ البرامج واملشروعات التنموية لبلوغ املستقبل ،االعتماد على الذكاء
االصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل %100بحلول عام ،2031االرتقاء
باألداء الحكومي وتسريع اإلنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة ،وسوق جديدة واعدة في
املنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية(.)2
( )1عمار البابلي ،توظيف تقنيات الذكاء االصطناعي في العمل األمني ،مجلة األمن والقانون ،أكاديمية
شرطة دبي ،املجلد ،28عدد 2020 ،1م ،ص .16
( )2انظر إلى املوقع االلكتروني استراتيجية االمارات للذكاء االصطناعي ،2023 ،تاريخ الزيارة 12-10-2023
https://u.ae/ar-AE/about-the-uae/strategies-initiatives-and-
13
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املطلب األول
ماهية الذكاء االصطناعي
للتعرف على ماهية الذكاء االصطناعي ،البد أوال ً من التعرف على مفهوم الذكاء
البشري ،حيث يعرف الذكاء البشري « »Human Intelligenceبأنه« :املقدرة واملهارة على
وضع وإيجاد الحلول للمشكالت باستخدام الرموز ،وطرق البحث املختلفة للمشكالت،
والقدرة على استخدام الخبرة املكتسبة في اشتقاق معلومات ومعارف جديدة ،تؤدي إلى
وضع الحلول ملشاكل ما في مجال ٍ معين» ،ويتفاوت مستوى الذكاء من شخص إلى آخر،
ً
ويعتبر الذكاء البشري املسؤول عن التطور واإلبداع في نمو الحضارات املختلفة .ونظرا
ألهميته فإن اإلنسان كان وال يزال دائم البحث عن طبيعة هذا الذكاء وكيف يمكن
قياسه ووضع الخطوات ملحاكاة أساليبه في شكل برامج باستخدام الحاسبات(.)1
ولقد اقتصرت دراسة الذكاء البشري لفترة طويلة على علماء النفس ،إال أن التقدم
السريع في جميع فروع العلوم في النصف األخير من القرن املنصرم أدى إلى مساهمة وتالحم
علوم كثيرة في دراسة ومحاكاة نظم الذكاء اإلنساني وتطويرها ،وراود الباحثين األمل في انتقال
أساليب الذكاء الفطري والخبرة املكتسبة لإلنسان إلى نظم البرمجة للحاسبات حتى يتمكن
ً
االستفادة منها في مجاالت الحياة املختلفة ،والتي تتطلب قدرا من الذكاء والخبرة الالزمة
ملسايرة التطور لدى التطبيقات الزراعية ،والصناعية والتجارية(.)2
awards/strategies-plans-and-visions/government-services-and-digital-
transformation/uae-strategy-for-artificial-intelligence
( )1فايز النجار ،نظم املعلومات اإلدارية :منظور إداري ،دار الحامد للنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة الرابعة،
2010م ،ص .169
( )2محمد الخطيب ،املسئولية املدنية والذكاء االصطناعي وإمكانية املساءلة ،دراسة تحليلية معمقة
لقواعد املسؤولية املدنية في القانون املدني الفرنس ي ،مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ،السنة
الثامنة ،العدد األول ،الدوحة ،قطر2020،م ،ص .120
14
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
يقصد بماهية الذكاء االصطناعي :أي من ناحية حقيقته ،وطبيعته ،وما به من صور
وصفات جوهرية إذ يعتبر الذكاء االصطناعي كيان واكتشاف بشري وتقنية تكنولوجية
جديدة تتمثل في قدرة اآللة على تقليد السلوك البشري والتعلم من البيئة التي حولها
وتعويض اليد العاملة كالقيام ببعض املهام واألعمال التي يقوم بها البشر بنفس املستوى
وأحيانا تكون بشكل أفضل منهم سواء كانت مهام ذهنية كالتفكير ،واملنطق ،وايجاد
حلول للعديد من املشاكل ،بل واألهم من ذلك كله قد تصل لدرجة اتخاذ القرارات
بشكل ذاتي.
يعتبر البعض أن الحديث عن الذكاء االصطناعي يعني أن الحديث عن أجهزة
ُ
الكمبيوتر ،إال أن أجهزة الكمبيوتر ليست محور املوضوع ،بل تعتبر أدوات تستخدم في
هذا الشأن ،وعلى الرغم من حاجة الذكاء االصطناعي إلى أجهزة مادية مثل أجهزة
الكمبيوتر ،لذلك فاألحرى أن تنصرف األذهان إلى ما يسميه علماء الكمبيوتر باألجهزة
اإلفتراضية(.)1
«إن الذكاء االصطناعي نتاج 2000سنة من تقاليد الفلسفة ،واإلدراك والتعلم،
و 400سنة من الرياضيات التي قادت إلى امتالك نظريات في النطق ،واالحتمال
والحوسبة ،وهو تاريخ عريق في تطور علم النفس وما كشفت عن قدرات وطريقة عمل
الدماغ اإلنساني»(.)2
ويعتبر جون ماكارتي John McCarthyأول من أسهم في وضع مصطلح الذكاء
االصطناعي ألول مرة في عام 1956م ،في جامعة دارتموث Dartmouthفي الواليات
( )1مارجريت بودين ،الذكاء االصطناعي مقدمة قصيرة جدا،اململكة املتحدة ،جامعة إكسفورد2018 ،م ،ص
.12
( )2أمينة عثامنية ،املفاهيم األساسية للذكاء االصطناعي ،كتاب جماعي ،اشراف وتنسيق أبو بكر خوالد،
تطبيقات الذكاء االصطناعي كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات األعمال ،املركز الديمقراطي
العربي للدراسات اإلستراتيجية والسياسية واالقتصادية ،برلين-أملانيا ،الطبعة األولى بدون عدد،2019 ،
ص.11
15
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
املتحدة األمريكية ،وبعجد ذلك قام ماكارتي وزميله ميرفن منسكي بتأسيس مخبرا للذكاء
االصطناعي باملعهد التكنولوجي بماساشوستس ( ،)MITوبعد ذلك انتشر علم الذكاء
االصطناعي في بقية جامعات العالم(.)1
أما من ناحية أساس الذكاء االصطناعي فهو موجود بفعل الذكاء البشري الذي
تسبب في وجوده عن طريق العقل البشري والذكاء الذي وهبه هللا لإلنسان وبالبحث
والقراءة والتفكير استطاع برمجة تقنيات الذكاء االصطناعي ووضع أوامر برمجية
محدودة مع عدم اتاحة كافة الخيارات أمامه.
يتمثل جوهر الذكاء االصطناعي في القدرة على تحليل البيانات وأداء وظائف معينة،
فو فئة من برامج الكمبيوتر املصممة لحل العديد من املشكالت التي تتطلب التفكير
االستداللي ،وصنع القرارات بناء على تحليل البيانات ،والتصنيف والتحسين(.)2
وللذكاء االصطناعي صور عديدة ولعل أهمها ما يعرف بالروبوتات الصناعية ،وهذه
الروبوتات تمثل في عالم الصناعة ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة« ،وقد جسدت
الروبوت صوفيا الواقع الفعلي الذي وصل إليه الذكاء االصطناعي وتطبيقاته ،فقد كانت
ً ً
اول روبوت صنعته مؤسسة هانسون روبوتيكس حيث أظهرت صوفيا ذكائا اصطناعيا
أبهر الجميع من خالل تعرفها على الوجوه ،والتحاور مع الناس خالل جلسات مؤتمر
مبادرة مستقبل االستثمار في الرياض 2017م ،حيث تعتبر أول روبوت حصلت على
جنسية(السعودية) في التاريخ(.)3
( )1خليفة امليساوي ،الذكاء االصطناعي وحوسبة اللغة العربية :الو اقع واآلفاق ،مجلة مدارات في اللغة
واألدب الصادرة عن مركز مدارات للدراسات واألبحاث تبسة -الجزائر ،مجلد ،1عدد 2021 ،5م،
ص.14
(2) Yavar Bathae- Harvard- THE ARTIFICAL INTELLIGENCE BLACK BOX AND THE FAILUR OF
INTENT AND CAUSATION – Journal of Law & Technology Volume 31, 2018, p901.
( )3بن عثمان فريدة ،الذكاء االصطناعي مقاربة قانونية ،مجلة دفاتر السياسة والقانون ،جامعة لونيس ي
علي ،الجزائر ،املجلد ،12العدد 2020 ،2م ،ص .159
16
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
في الحقيقة «أدى التطور الهائل في التكنولوجيا من جهة وبرامج الذكاء االصطناعي
من جهة أخرى إلى إحداث كائن كائن جديد وهو اإلنسآلة أو الروبوت»(.)1
ينبغي اإلشارة إلى أن الذكاء االصطناعي هو نظام من نظم البرمجيات ،أما الروبوت
ً
فهو جهاز قد يكون الذكاء االصطناعي عنصرا فيه ،وحينئذ يطلق عليه الروبوت الذكي،
ً
أي يتجسد الذكاء االصطناعي ماديا في هيئة الروبوت الذكي ،وعلى ضوء ذلك فالذكاء
االصطناعي نوعان :نوع يتجسد بهيئة الروبوت ،ونوع آخر ال يتجسد في هيئة مادية ،إنما
يكون على شكل خدمة تستخدم الذكاء االصطناعي ،مثل :برامج محاكاة املحادثة
الطبيعية املستخدمة من قبل الشركات لتقيم خدماتها املختلفة(.)2
( )1أعراب كميلة ،مسؤولية الروبوت في ضل الذكاء االصطناعي ،مقال منشور في كتاب أعمال ملتقى
االستثمار املالي والصناعي في الذكاء االصطناعي ،جامعة مولود معمري ،الجزائر ،2022ص .115
( )2محمد عبد اللطيف ،املسؤولية عن الذكاء االصطناعي بين القانون الخاص والقانون العام ،بحث
مقدم إلى مؤتمر الجوانب القانونية واالقتصادية للذكاء االصطناعي وتكنولوجيا املعلومات ،كلية
الحقوق ،جامعة املنصورة2021 ،م ،ص.4
17
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الفرع األول
مفهوم الذكاء االصطناعي
18
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
أما التعريف االصطالحي فيعرف بأنه« :يتكون الذكاء االصطناعي من كلمتين األولى
ذكاء والثانية اصطناعي ،حيث أن الذكاء وحسب قاموس Websteويعني القدرة على
فهم الظروف والتطورات الجديدة وإدراكها مع تعلمها ،وبالتالي مفاتيح الذكاء متمثلة في
اإلدراك ،الفهم والتعليم ،أما بالنسبة لكلمة اصطناعي فهي ناتج األشياء التي تنشأ من
خالل النشاط أو الفعل الذي يتم من خالل اصطناع وتشكيل األشياء»(.)1
أيضا يقصد بمفهوم الذكاء االصطناعي :أي عموم املصطلح ويعرف بأنه «املقدرة
على اكتساب وتطبيق املعرفة على ما اصطنع اإلنسان .لذلك فإن الذكاء االصطناعي هو
الذكاء الذي يصنعه اإلنسان في االلة أو الحاسوب»(.)2
أي أنه القيام ببرمجة اآللة ملضاهاة العقل البشري أي جعلها تقوم بنفس األعمال
التي يقوم بها اإلنسان.
بصفة عامة الذكاء االصطناعي :هو الذكاء الذي يصنعه أو يصطنعه اإلنسان بيده
في اآللة أو الحاسوب ،بمعنى أنه علم يعرف على أساس هدفه وهو جعل اآلالت
(منظومات حاسوب) تعمل أشياء تحتاج ذكاء(.)3
«ويتكون الذكاء االصطناعي من مفهومين يتم دمجهما ولكنهما مفصوالن من
الناحية النظرية ويتطوران في بيئة لتكييف السلوك أال وهما ،الذاكرة :يمثلها التخزين
وهو شكل من أشكال الذكاء تسمى أيضا الذكاء السلبي .واالستدالل :وهي القدرة على
التحليل مع إدراك العالقات بين األشياء واملفاهيم من أجل فهم الحقائق وذلك يكون عن
طريق استعمال الذاكرة ،واملنطق ووسائل أخرى مستسقاة من العلوم الرياضية»(.)4
19
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
يرى بعض املختصون أن كلمة أن كلمة ذكاء في عبارة الذكاء االصطناعي هي مجرد
تعبير مجازي ،وذلك أن الذكاء االصطناعي رغم أن لديه القدرة على الحساب بما يتجاوز
قدرة اإلنسان ،إال أن ليس باستطاعته إعطاء مدلول للحسابات التي ينتجها ،وبالتالي ال
تزال وتبقى فكرة أن تحل اآللة محل اإلنسان والتعويض عنه من باب الالمعقول(.)1
والبعض يراه ويعتبر الذكاء املوجود في الذكاء االصطناعي ذكاء كمي تراكمي هائل
يتجاوز إلى حد كبير الذكاء املعرفي لدى عقل البشر اإلنساني في حياته بمتوسط عمر
ً ً
بشري ال يتجاوز التسعون عاما بأبسط األحوال ،إال أنه ال يزال الذكاء االصطناعي عاجزا
عن امتالك مقومات التحليل البشري للمفاهيم الفلسفية واالجتماعية التي تتضارب،
ُ
كالتي تتعلق باملماحكة الفلسفية واملحاججة القانونية ،وبالتالي يعتبر ذكاء قائم ذكاء
قائم يتصف بالوجود واالستقالل ،ولكنه يعتبر ذكاء غير عاقل أي غير مدرك وغير
مكتمل ،وقد أثار ذلك الكثير من التحفظات القانونية في إطار حماية ذلك الذكاء(الذكاء
االصطناعي) (.)2
= الدولي حول الذكاء االصطناعي :تحد جديد للقانون ،جامعة الجزائر ،الجزائر ،ص.6
( )1محمد مشعل ،الذكاء االصطناعي وآثاره على حرية التعبير في مواقع التواص االجتماعي ،مجلة البحوث
القانونية واإلقتصادية ،عدد ،77كلية الحقوق جامعة الزقاقيق2021 ،م ،ص.499
( )2محمد الخطيب ،الذكاء االصطناعي والقانون-دراسة نقدية مقارنة في التشريعين املدني الفرنس ي
والقطري-في ضوء القواعد األوروبية في القانون املدني لإلنسآلة لعام 2017والسياسة الصناعية
األوروبية للذكاء االصطناعي واإلنسآالت لعام ،2019مجلة جامعة بيروت العربية ،مجلة الدراسات
القانونية ،املادة 2020 ،4م ،بدون رقم صفحة.
20
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
الفرع الثاني
تعريف الذكاء االصطناعي
إن مصطلح الذكاء االصطناعي ليس بحديث العهد« ،فقد تنبأ له الفيلسوف
الفرنس ي «بول فاليري »poul Valeryدفاتره الشهيرة في بداية القرن التاسع عشر بقوله:
«كل إنسان هو في الحقيقة طور التحول ليصبح آلة ،ال بل األصح هو أن اآللة هي التي
بصدد تطورها لتتحول إلى إنسان» ،فكانت هذه املقولة أول طرح فعلي إلشكالية
مستقبل اآللة في تعايشها مع اإلنسان ،وسجل هذا التساؤل أول طرح في مجال الذكاء
االصطناعي»(.)1
أما بخصوص تناول مصطلح الذكاء االصطناعي في األبحاث فقد ظهر مصطلح
الذكاء االصطناعي أول مرة في بحث لعالم الحاسوب جون مكارثي ،وقد اقترح فيه أنه
يمكن تحقيق تقدم كبير إذا أمكن لآلالت أن تحل املسائل التي ال يحلها سوى البشر،
وقد عرف الذكاء االصطناعي بأنه« :علم وهندسة صنع اآلالت الذكية»(.)2
ويمكن تعريفه كتقنية بأنه عبارة عن استحداث آلة حتى تتمكن من ميكنة
النشاطات يتطلب الذكاء اإلنساني لتنفيذها ،مثل :اتخاذ القرارات والقدرة على حل
املشكالت(.)3
ثم سرعان ما زاد استخدام املصطلح بعد ذلك في ظل النهضة التقنية التي شهدها
( )1صابر الهدام ،رسالة دبلوم ماستر تحت عنوان القانون في مواجهة الذكاء االصطناعي (دراسة
مقارنة) ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفأس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
،2021ص.6
( )2إيناس الخالدي ،حوكمة استخدام الذكاء االصطناعي في العمل القضائي ،مجلة البحوث والدراسات
الشرعية ،مجلد ،10عدد 2021 ،116م ،ص .160
(3) Gabrile Hallevy-Liability for Crimes Involving Artificial Intelligence Systems-Springer
International publishing Switzerland,2015 -2014,p7.
21
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
العالم في مجال تطوير اآلالت ،وأصبحت أبحاث الذكاء االصطناعي في القرن الواحد
والعشرين على درجة عالية من التخصص بحيث يخدم في العديد من املجاالت(.)1
يعرف الذكاء االصطناعي بأنه «علم يهتم بصناعة آالت تقوم بتصرفات يعتبرها
االنسان تصرفات ذكية أو ببساطة أكثر يعرفه رسل بيل-أحد العاملين في مجال الذكاء
االصطناعي على انه محاولة جعل اآلالت العادية تتصرف كاآلالت التي نراها في الخيال
العلمي»(.)2
وأيضا يعرف الذكاء االصطناعي بأنه «هو محاولة جعل الكمبيوتر أو اآللة التي
تعمل بالبرمجة مثل :اإلنسان سواء في تفكيره ،أو تصرفاته ،أو حل ملشكالته ،وممارسته
لكافة حياته اليومية ،وذلك عن طريق دراسات تجرى على اإلنسان وتستخلص منها نتائج
تساعد في تفسير سلوك اإلنسان وبرمجة ذلك لتطبيقه على اآللة»(.)3
ويمكن تلخيص التعريفات السابقة للذكاء االصطناعي بأنه« :فرع من علوم
الحاسوب يمكن بواسطته خلق وتصميم برامج الحاسبات التي تحاكي أسلوب الذكاء
ً
اإلنساني ،لكي يتمكن الحاسوب من أداء بعض املهام بدال من اإلنسان ،والتي تتطلب
التفكير والتفهم والسمع والتكلم والحركة بأسلوب منطقي ومنظم»(.)4
وبحسب أبسط العبارات يشير مصطلح الذكاء االصطناعي إلى األجهزة أو األنظمة
التي تحاكي الذكاء البشري للقيام بأداء املهام والتي تتمكن من اصالح والتحسين من
عائشة عبد الحميد ،اإلطار القانوني والتشريعي للرقمنة والذكاء االصطناعي ،جمعية التنمية ()1
التكنولوجية والبشرية ،الجزائر2020 ،م ،ص .93
عادل عبد النور ،مدخل إلى عالم الذكاء االصطناعي ،اململكة العربية السعودية ،مدينة امللك عبد ()2
العزيز للعلوم والتقنية ،2005 ،صفحة .7
يحيى دهشان ،املسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي ،مجلة الشريعة والقانون كلية ()3
القانون جامعة اإلمارات ،اإلمارات العربية املتحدة ،2019 ،ص.14
محمود مختار ،تطبيقات الذكاء االصطناعي ،املجلة الدولية للبحوث في العلوم التربوية ،املؤسسة ()4
الدولية آلفاق املستقبل ،مجلد ،3عدد 2020 ،4م ،ص .183
22
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
ً
نفسها استنادا إلى املعلومات التي تقوم بجمعها(.)1
لم يتعرض الفقهاء في كتاباتهم عن الذكاء االصطناعي أو تقنياته أو كياناته ،فقد
ُعرف عصر الفقه اإلسالمي بأنه ليس عصر التصنيع واآلالت والتطور الذي يشهده
عصرنا الحالي ولم يتعرضوا حتى عن املسؤولية الناتجة عن أفعال اآلالت(.)2
ويتبين من التعريفات السابقة أن الذكاء االصطناعي :علم اآللة الحديثة ،وفرع من
فروع علم الحاسوب وهو عبارة عن قيام االنسان بمحاولة برمجة ،وتطوير اآللة ،أو
الحاسوب أو األنظمة ،وإيجاد وصنع تقنيات حديثة ،بحيث تصبح قادرة ولديها إمكانية
على أداء بعض املهام التي يقوم بها البشر كالتعلم ،والتفكير ،واالستنباط ،والتنفيذ على
أرض الواقع وحل املشكالت ،والتفهم ،والسمع ،والتكلم ،والحركة بأسلوب منطقي
ومنظم ،والقدرة على محاكاة السلوك البشري املتسم بالذكاء والتكيف مع مرور الوقت
ً
وهو موجود في كل مكان حولنا بداية من السيارات ذاتية القيادة ،والطيارات املسيرة
بدون طيار ،وبرمجيات الترجمة واالستثمار وغيرها من التطبيقات الكثيرة املنشرة.
وال مجال للشك والحديث أنه ومهما حاول اإلنسان إال أنه لن يستطيع إيجاد
قدرات وخصائص في هذه التقنيات واآلالت إلى درجة اإلتقان الكامل في أن يجعلها
مطابقة لقدرات اإلنسان؛ فصنع يد البشر يتصف بالنقص ،وتبقى مجرد جمادات بال
ً
روح أو إحساس أو مشاعر ،ودائما وأبدا الكمال لصنع هللا عز وجل الذي أتقن كل ش يء
أوجده وخلقه ثم هدى.
( )1طاهر أبو العيد ،مقال قانوني حول الذكاء االصطناعي والقانون ،مصر2023 ،م ،بدون رقم صفحة.
( )2إبراهيم ،ريهان السيد ،مارك ،موقع إلكتروني املنظومة « ،ALMANDUMAHأساس املسئولية عن فعل
األشياء غير الحية في الفقه اإلسالمي» ،مجلة الدراسات القانونية ،جامعة مدينة السادات ،مصر،
،2022 ،https://search.mandumah.comبدون رقم صفحة ،تاريخ الزيارة .12-10-2023
23
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املطلب الثاني
منوذج الذكاء االصطناعي
( )1سارة إطميزي ،الذكاء االصطناعي في ظل القانون الجزائي ،رسالة ماجستير ،قدمت استكماال
ملتطلبات درجة املاجستير في القانون العام من كلية الدراسات العليا ،جامعة القدس ،فلسطين،
2022م ،ص.21
24
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
وتقديم التوصيات(.)1
ً
-نموذج ذكاء اصطناعي متقدم (القوي) :ويعرف أيضا باسم الذكاء االصطناعي
العام« ،وهو نوع من الذكاء االصطناعي يعمل باستقالل إلى حد ما ،وله القدرة على جمع
املعلومات وتحليلها ومن ثم اتخاذ قرارات بشكل مستقل وذاتي ،لكن هذا االستقالل
ً
ليس تاما ،فهذه األنظمة التي تخوله العمل باستقالل من صنع اإلنسان ،الذي صنع
ً ً
الذكاء االصطناعي وبرمجه وفقا لنظام خاص يعمل به ووفقا له ،حتى فيما يزعمه
البعض من أنها تعمل فيه باستقالل؛ فهي ال تعمل إال وفق النظام الذي تم برمجتها
عليه»(.)2
يعتبر النموذج املتقدم أكثر شمولية من الذكاء االصطناعي البسيط وال يقتصر
فقط على تكليف االلة بالقيام بأوامر معينة ومعطاة لها بل ويتم تمكينها وبرمجتها على
إمكانية االلة من التفكير ذاتيا وتطوير ذلك بناء على خوارزميات برمجية وقواعد بيانات
ضخمة مما يمكنها من تطوير نفسها واتخاذ قرارات ذاتية وتنفيذ هذه القرارات فبالتالي
أصبحت شبيهة بالبشر .ومن االمثلة على هذا النوع :الحواسيب ،ماكينات الصرف لدى
البنوك ،الطيارات بدون طيار ،والسيارات ذاتية القيادة وغيرها.
-الذكاء االصطناعي الفائق الخارق :وهو نموذج يسعى ملحاكاة االنسان تحتوي
على نمطين األول :يفهم األفكار البشرية وتأثيرها على سلوك البشر ولديه القدرة على
التفاعل االجتماعي .وأما النمط الثاني :نموذج لنظرية العقل ،للتعبير والتبؤ بمشاعر
االخرين وهذا النموذج ال زال تحت التجربة ،ومن املتوقع عند التوصل لصناعتها على
أرض الواقع أن تكون هي الجيل القادم من اآلالت الفائقة الذكاء(.)3
يعتبر نموذج الذكاء االصطناعي الخارق مشروع افتراض ي ،غير موجود حتى اآلن،
( )1عمر إدلبي ،املسؤولية الجنائية الناتجة من أعمال الذكاء االصطناعي ،رسالة ماجستير في القانون
العام ،كلية القانون ،جامعة قطر ،2023 ،ص .24
( )2إطميزي ،املرجع السابق ،هامش ،31ص.21
( )3أدلبي ،املرجع السابق ،هامش ،32ص.25-24
25
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ويتوقع العلماء أن يكون موجود على أرض الواقع بحلول عام ،2060إال أنه ثار جدل
ً
حاد حوله بين مؤيد ومعارض وانتقادات العتباره خطرا على حيات األفراد واملجتمعات
ً
وستكون اآللة تعوض اإلنسان وتحل محله في كل ش يء تقريبا(.)1
يتسلل الخوف من املجهول إلينا عندما يصبح الذكاء االصطناعي خارج نطاق
السيطرة ،بمعنى أننا ال نستطيع فهم العمليات التي تحرك نظام أو كيان الذكاء
االصطناعي ألن عنصر التعلم الذاتي والتدريس يتجاوز فهمنا البشري وهذا ما يسمى
أيضا في تطوير الذكاء بالوسائل االصطناعية،بـالذكاء الفائق ،وقد تظهر هذه الزيادة ً
مما أدى إلى ظهور كيانات فائقة الذكاء ذات طابع رقمي حيوي أو ،بالطبع ،مظهر لم
تعرفه البشرية بعد ،وقد عرف نيك بوستروم أنظمة الذكاء الفائق بأنها« :أي عقل يتفوق
بشكل جذري على أفضل العقول البشرية في كل مجال ،بما في ذلك اإلبداع العلمي
والحكمة العامة واملهارات االجتماعية»(.)2
ً
ديناميكيا بدأ ً
متطورا ً
مفهوما الروبوت ليس فائق الذكاء بعد ،ولكن يمكن اعتباره
كآلة ،مدعومة بالذكاء االصطناعي ويتطور باستمرار إلى روبوت معقد يعمل بشكل
مستقل ،وربما في مرحلة الحقة ،فائق الذكاء أو نظام شبه بشري ،وإن طبيعة هذا
ً ً ً
عضويا كيميائيا أقل صلة بتوصيفه القانوني وستكون حالة إلكترونيا أو الكيان
االستقاللية الذكية ووظيفتها في املجتمع أكثر أهمية في تحديد وضعها القانوني.
26
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
الفرع األول
خصائص الذكاء االصطناعي
27
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الصحيح(.)1
)6البيانات الغير كاملة :للذكاء االصطناعي القدرة على التوصل لحل املسائل في حال
عدم توافر جميع بياناتها الالزمة وقت الحاجة(.)2
)7البيانات املتضاربة :للذكاء االصطناعي القدرة على التعامل مع البيانات املتضاربة
والتي يشوبها الخطأ والتناقض مع بعضها البعض(.)3
)8القابلية على التعلم :باستطاعة الذكاء االصطناعي التعلم من الخبرات السابقة
والقدرة والقابلية لها نحو تحسين اآلداء( ،)4وتوظيفها في مواقف جديدة .القدرة
على االستنتاج واالستدالل التعلم واملعرفة الخارجية ،القدرة على التعلم واملعرفة
الداخلية كأن يكون لكيانه معرفة عن نفسه ،والتعليم واملعرفة الخارجية كأن
يعرف العالم الخارجي أو يتعلم عنه ويعمل على استخدام تلك املعلومات.
)9االستدالل :عن طريق امتالك القدرة على اكتشاف ش يء ما أو فكرة من خالل
مستندات ومعطيات إرشادية(.)5
)10الغموض :وذلك عن طريق استخدام تقنيات الذكاء في حل املشكالت املعروضة،
والتعامل مع الحاالت الصعبة واملعقدة ،املواقف الغامضة في ظل غياب املعلومة
الكاملة عنها( .)6وتعتبر هذه الخاصية ما تميز الذكاء االصطناعي عن اآللة التقليدية
28
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
أو البرنامج العادي ،وعبر بعض املعلقين عن هذه الخاصية بخاصية الصندوق
األسود BlackBoxوتتسم بعدم الشفافية في عملية صنع القرارات وعدم القدرة
على التنبؤ بقرارات ومخرجات الذكاء االصطناعي حتى من قبل املصمم أو املبرمج
لهذه األنظمة ألن خوارزمياتها لديها القدرة على التعلم من ممارساتها(.)1
)11جعل العالم قرية صغيرة :وذلك عن طريق تقنية االنترنت التي دمجت العالم بأسره
مع البعض ،وحررتهم من قيود املكان ونشرت املعلومات في كافة أنحاء العالم.
)12ثمرة من ثمار العقود الزمنية التي بذل فيها اإلنسان كل ما يمكن من معرفة وأموال
حتى تمكن من الوصول إلى خلق عقل اصطناعي يفكر مع االنسان ،يساعده وينوب
عنه في بعض املهام(.)2
وللذكاء االصطناعي العديد من الخصائص واملميزات في املجال الجنائي( ،)3ومنها:
ً
)1تصنيف املجرمين والقبض عليهم بعيدا عن األهواء الشخصية مثل البشر
(الشرطة الرقمية).
ً
)2والتنبؤ بالجرائم ووقوعها ونسب اإلجرام واألماكن والبؤر اإلجرامية مستقبال
(الشرطة االستباقية).
)3واملساعدة في إجراءات التفتيش في سبيل الحصول على األدلة الجنائية ،مثل :رادار
قياس األرض املستخدم للكشف عن املوجود تحت األرض للبحث عن األسلحة،
املخدرات وجثث القتلى دون الحاجة للحفر والتنقيب ،الرادار املحمول عبر موجات
الراديو للكشف عن الحركة والتنفس ملسافة أكثر من 50قدم.
)4وكذلك جهاز نقار الخشب في املراقبة السمعية والتنصت عن بعد وغيرها.
29
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
( )1عماد الدحيات ،نحو تنظيم قانوني للذكاء االصطناعي في حياتنا :إشكالية العالقة بين البشر واآللة،
مجلة االجتهاد للدراسات القانونية واالقتصادية ،مجلد ،8عدد ،2009 ،5ص .16
( )2الدحيات ،املرجع سابق ،هامش ،48ص .16
30
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
البشرية التقليدية بتقنيات الذكاء االصطناعي .على سبيل املثال ،تستخدم حكومة كوريا
الجنوبية اآلن روبوتات الذكاء االصطناعي كجنود لحراسة الحدود مع كوريا الشمالية،
وكمعلمين في املدارس؛ ومنذ عام ،2012كحراس سجن(.)1
والثاني :زيادة انتهاك الذكاء االصطناعي وتقنياته للحياة الشخصية لآلخرين والحق
في الخصوصية بأشكال مختلفة سواء عن طريق االختراق ،والتجسس على بيانات
األشخاص اآلخرين ،من ِقبل أشخاص متخصصين في علوم الحاسوب والبرمجة ومن
يسمون بالقراصنة اإللكترونيين ،أو قد يتم تهديد وابتزاز صاحب البيانات املسروقة
سواء صور أو مقاطع فيديو خاصة ،أو اإلضرار به من خالل إتالف وحذف ،أو تعطيل
البيانات املوجودة على أجهزة حاسوبه أو هاتفه الشخص ي.
وعلى الرغم مما سبق تبقى هناك عدة عواقب سلبية إلدخال الذكاء االصطناعي
والروبوتات في جميع أنحاء املجتمع ،والخوف من فقدان الوظائف وفقدان السيطرة
والخوف في نهاية املطاف على مستقبل البشرية ،لدينا ً
أيضا ميل إلى إبراز الجوانب
السلبية ألي تقنية جديدة ،وبالتأكيد عندما ال نفهم التكنولوجيا وعواقبها بشكل كامل،
وكما ذكر أحد املفكرين الغربيين آرثر كالرك في روايته «ملحات عن املستقبل :تحقيق في
حدود املمكن» ما يسمى بقانونه الثالث :أي تكنولوجيا متقدمة بما فيه الكفاية ال يمكن
تمييزها عن السحر .والسحر غير مفهوم ،وبالتالي فهو خطير ،كما حذرنا ستيفن هوكينج
وإيلون ماسك وآخرون أن الذكاء االصطناعي هو «أكبر خطر نواجهه كحضارة» و«الذكاء
ً
االصطناعي هو حالة نادرة حيث نحتاج إلى أن نكون استباقيين في التنظيم بدال من
ذلك»(.)2
رد الفعل ألنه إذا كنا نريد رد الفعل في تنظيم الذكاء االصطناعي فقد فات األوان،
ً ً
وبالتالي فإن الذكاء االصطناعي يشكل خطرا أساسيا على وجود الحضارة ككل ،كما أكد
(1) GabRiel hallevy, WHEN ROBOTS KILL ARTIFICAL INTELLIGENCE UNDER CRIMINAL
LAW, Northastern University Press, Boston,2013 ,p4.
(2) Marcelo Corrales, Mark Fenwick, previous reference, footnote 36, p 16.
31
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
فالديمير بوتين على كيف يمكن أن يكون الذكاء االصطناعي موضوعا لـسباق تسلح
جديد في خطاب ألقاه بمناسبة افتتاح العام الدراس ي في روسيا أن« :الذكاء االصطناعي
هو املستقبل ،ليس فقط بالنسبة لروسيا ،بل للبشرية جمعاء ألنه يأتي مع فرص هائلة،
ولكن أيضا تهديدات يصعب التنبؤ بها ومن يصبح القائد في هذا املجال سيصبح حاكم
ً
العالم ».رغم ذلك ،وفقا لبوتين ،ال داعي للقلق« :إذا أصبحنا قادة في هذا املجال،
فسوف نشارك هذه املعرفة مع العالم أجمع ،بنفس الطريقة التي نشارك بها تقنياتنا
ً
النووية اليوم» .إن كالم بوتين لم يرض ي إيلون ماسك الذي غرد بما يلي ردا عليه« :مثل
الصين وروسيا ً
وقريبا جميع الدول التي تتمتع بعلوم كمبيوتر قوية ،ومن املرجح أن تكون
املنافسة على تفوق الذكاء االصطناعي على املستوى الوطني هي السبب وراء الحرب
العاملية الثالثة»(.)1
(1) Marcelo Corrales, Mark Fenwick ,previous reference, footnote 36, p 16-17.
32
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
الفرع الثاني
أهمية الذكاء االصطناعي
تعتمد تقنيات الذكاء االصطناعي على عدة تخصصات مثل :علم الكمبيوتر،
والبيولوجيا ،وعلم النفس ،والرياضيات ،واللغويات ،والهندسة حيث يتمثل الهدف
الرئيس ي للذكاء االصطناعي في تطوير وظائف الكمبيوتر املرتبطة بالذكاء البشري
كالتعليم ،والتفكير ،وحل املشكالت(.)1
ولحصر تلك الجوانب ،وعلينا االعتراف بأن الذكاء االصطناعي قد يكون أكثر قدرة
حتى على البحوث العلمية فقد يتسلم القيادة حتى يتم التوصل للعديد من االكتشافات
املفيدة في حياتنا وبالتالي املساهمة في التطور والنمو في شتى ميادين الحياة العلمية
والعملية.
في الحقيقة ال يكاد يخلو أي مجال من مجاالت حياتنا اليومية من الذكاء
االصطناعي كونه يعتبر احدى ضروريات العصر مما يحقق العديد من الفوائد التي
تسهل وتبسط الحياة اليومية للناس وتحقق الكفاءة العالية في انجاز معظم املهام
واألعمال التي يصعب على االنسان القيام بها ،فيمكن االستفادة من الذكاء االصطناعي
في مجاالت أساسية:
في املجال الصحي وذلك بتشخيص األمراض ووصف األدوية بتقليل نسبة األمراض -
املزمنة والخطيرة واجراء العمليات الجراحية.
في املجال الطبي الجيني وذلك باملساعدة في الرفع من كفاءة التشخيص والعالج -
للمرض ى ،والتعامل مع مجموعة كبيرة من البيانات الصحية ،والقدرة الكبيرة على
تتبع السريع للجينوم بأكمله في الجينات وجمع أكبر قدر من املعلومات عنها ،ومن
ثم تطوير العالجات وتحديد أهداف جديدة لألدوية بما يمتلك مقدار أكبر من
33
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
( )1زهرة الجابري ،إسماعيل العيساوي ،الذكاء االصطناعي ودوره في مشروع الجينوم البشري اإلماراتي
(دراسة في ضوء الفقه األسالمي) ،الصراط ،املجلد ،22العدد ،1جامعة الشارقة ،كلية الشريعة
والدراسات اإلسالمية ،اإلمارات2020 ،م ،ص .212
34
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
االصطناعي بدور كبير وما يعرف اليوم بالعدالة التنبئية ووضع مؤشرات تحليلية
تبين مدى النسب املتوقعة لكسب الدعوى أو خسارتها(.)1
وأيضا تحقيق فائدة عظيمة في مجال الدعوة الى الدين االسالمي فال بد للدعاة -
واملؤسسات الدعوية من املسارعة إلى فهم واستيعاب الذكاء االصطناعي وأدواته
ومعرفة مجاالته وتوظيفها لصالح الدعوة إلى هللا وإيصال دين هللا تعالى إلى كافة
الناس إن إتقان استخدام تقنيات الذكاء االصطناعي سيوفر على االنسان الكثير
من الوقت والجهد واملال وسيوصل الرسالة بطرق مبتكرة وفعالة.
أيضا للذكاء االصطناعي دور مهم جدا في مساهمته في «تصنيف املجرمين بسهولة -
بعيدا عن االهواء الشخصية ،وإنجاز املهام القضائية ومساعدة العدالة في طرق
االثبات الجنائي وفحصها وتحديد الحقيقي منها واملزور بسهولة ويسر ،مما يكون له
عظيم األثر في سرعة تحقيق العدالة»(.)2
في النظام القضائي عبر انشاء السجالت ،واألنظمة االلكترونية ومثال ذلك :نظام -
إدارة سير الدعوى االلكتروني(امليزان) بما يرتب تحقيق العدالة واملساواة .في بعض
الدول تساعد تقنيات الذكاء االصطناعي في النظام القضائي الجنائي وكشف
الغموض في أي جريمة أو واقعة معينة ،تصوير موقع الجريمة ،دراسة وفحص
الحالة الصحية والعقلية للمتهم ،تطوير تقنيات التعرف على الوجه والبصمات
ووضع قواعد كاميرات مراقبة متنوعة والكثير من الفوائد.
في علم الذكاء االصطناعي هناك العديد من التطبيقات املهمة واألكثر شيوعا به -
ومنها« :تطبيقات األلعاب ،وتطبيقات مكينة التعليل ،واثبات النظريات ،تطبيقات
35
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
36
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
37
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
مزودة بتقنات عديدة منها :تقنية القراءة والكتابة اآللية بدون حاجة للمذيعين مما
أتاح القدرة على التفاعل مع الجمهور ،وجمع البيانات الالزمة منهم التي تخص إبداء
الرأي مما يحدد االتجاهات لألفراد ،وامليول املختلفة واستخدام هذه البيانات في
األغراض الدعائية(.)1
للذكاء االصطناعي أهمية كبيرة في فهم اللغات الطبيعية والتحدث إلى الحاسب اآللي -
مشافهة مما يسهل التواصل مع اآللة والحاسب ال سيما من ال يستطيع التعامل
معه ،باإلضافة للسرعة الفائقة في كتابة مئات الكلمات في الدقيقة الواحدة(.)2
األهمية الكبيرة في التخفيف على اإلنسان للعديد من املخاطر والضغوطات -
النفسية الكثيرة ،وخاصة في امليادين التي توصف بالتعقيد ،وتحتاج لتركيز وجهد
عقلي متعب ،وحضور ذهني دائم ومتواصل ،والتوجيه لإلنسان وتركيزه إلى ما هو
أكثر أهمية وإنسانية(.)3
قام عدد من الباحثين في عام 2018م بنشر دراسة ًاستشرافية عن تأثير الذكاء
ً
االصطناعي على وظائف املستقبل ،حيث تضمنت تحليال ً آلراء ١٦٣٤خبيرا ،اتفق ٣٥٢
ً ً
شخصا منهم على أن الذكاء االصطناعي سيغير شكل الحياة مستقبال ،وتوقعوا أن شكل
وظائف النقل والصحة والعلوم والقوات املسلحة سيتغير بنسب مختلفة على مدد زمنية
ً
مختلفة ،ولكنها جميعا ليست بالبعيدة ،فالسمة الغالبة على هذا التغير هي السرعة
الفائقة بسبب التطور السريع للذكاء االصطناعي ،وتوقعوا أن يفوق الذكاء االصطناعي
ذكاء البشر خالل السنوات العشر القادمة ،فعلى سبيل املثال :بحلول عام ٢٠٢٤
ستكون الروبوتات املترجمة أكثر دقة وسرعة من األشخاص العاملين في مجال الترجمة،
38
المبحث األول -الذكاء االصطناعي ()AI
ومع حلول عام 2026ستستطيع الروبوتات كتابة املقاالت ،ومع حلول عام 2027
ستقتحم الروبوتات مجال السيارات ،وبحلول عام 2031ستدخل الروبوتات مجال البيع
ً
بالتجزئة ،ومع قدوم عام 2049سيكون الكتاب األكثر مبيعا في العالم من تأليف
روبوت ،وفي عام 2053سوف يستطيع الروبوت إجراء العمليات الجراحية .وهناك
ً
اعتقادا أن هناك فرصة بنسبة %50لتفوق الذكاء االصطناعي على البشر في جميع
ً ً
املهام خالل 45عاما ،والقدرة على أتمته جميع الوظائف البشرية خالل 120عاما ،حيث
يتوقع املشاركون اآلسيويون هذه التواريخ في وقت أقرب بكثير من األمريكيين
الشماليين(.)1
تبدو الحاجة املاسة اآلن في الدول العربية إلى إجراء تدخالت تشريعية تنظم
الروبوتات أكثر من أي وقت مض ى ،حيث غدت العديد من الدول العربية منفتحة بشكل
الفت على االستخدام املدني للروبوتات في العديد من القطاعات الخدمية واملجتمعية
كما في املشافي ،والطرقات ،واملطارات وغيرها ،وتعتبر دولة اإلمارات العربية املتحدة من
أوائل الدول العربية التي استخدمت الروبوتات في العديد من املجاالت ،مثل :مترو دبي
ً
اآللي ،والذي ُيصنف كأطول شبكة مترو مؤتمنه بالكامل حول العالم ،وتسعى أيضا
للوصول بنسبة رجال الشرطة اآلليين إلى %25من قوى الشرطة بحلول 2030م(.)2
ً
ولربما يوجد حاليا بعض الجهود املتنامية في العالم العربي نحو االهتمام بالذكاء
االصطناعي وتقنياته وخاصة علم الروبوتات وصناعته ،حيث قامت دولة اإلمارات
ً
العربية املتحدة باالنضمام إلى املجلس االستشاري العالمي للروبوت كعضو دائما فيه،
كما أعلنت مطلع عام 2019عن أول مختبر عالمي من نوعه لصناعة تشريعات ضابطة
( )1أحمد فولى ،مواجهة القانون الدولي للروبوتات املقاتلة وضبط استخدام الذكاء االصطناعي في
صناعة األسلحة ،أكاديمية شرطة دبي ،مجلد ،29عدد2021 ،1م ،ص .10
( )2أيوب البلغيتي ،املسؤولية القانونية لروبوتات الذكاء االصطناعي ،رسالة لنيل شهادة املاستر في
القانون الخاص ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفاس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية2022-2021 ،م ص .34
39
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
لتقنيات الذكاء االصطناعي ،وفي اململكة العربية السعودية تم إنشاء املركز الوطني
ً
للروبوت واألنظمة الذكية ،أيضا في مصر تم انشاء أول كلية للذكاء االصطناعي في الشرق
األوسط بجامعة كفر الشيخ.)1( .
وعلى الرغم من الفوائد وامليزات التي تحققت وتتحقق كل يوم بفضل الذكاء
اإلصطناعي وتقنياته في مختلف مجاالت وميادين الحياة املعاصرة ،إال أن ظهور الثورة
التكنولوجية املتنامية صاحبها عدة سلبيات وانعكاسات خطيرة بسبب سوء استخدام
الذكاء االصطناعي وتقنياته ،واالنحراف عن األغراض املتواخاة منه مما أدى إلى تفش ي
طائفة من الظواهر اإلجرامية املستحدثة مثل الجرائم املعلوماتية واالعتداء على أمن
املعلومات الحكومية رغم انها تكون محمية بشيفرة بالرغم من ذلك يدخل املجرم الى
أنظمة الكمبيوتر دون الحصول على تصريح مسبق من الجهات املختصة وذلك
بالقرصنة(.)2
وباإلضافة ملا سبق ،إن التطور والتقدم لتقنيات الذكاء االصطناعي لم يأت على
البشرية بالخير فقط ،بل يحمل في طياته العديد من املخاطر ،أي أنه حتى لو كان يعمل على
مواز يعرقل هذه الحياة
تيسير حياة البشر ،وتسهيلها وتنمية املجتمعات ،إال أنه في نطاق ٍ
واملجتمع ،ويزيد من مصاعبها ويدمرها ،فعندما قام الفرد نوبل باختراع الديناميت كان بهدف
مساعدة عمال املناجم ،والتخفيف عنهم وتقليل مشقة عملهم ،إال أنه سرعان ما أصبح
ً ً
ذلك الديناميت أخطر أسلحة الحروب وأشدها ضررا وتدميرا لها(.)3
وفي نهاية املطاف وبالرغم من كل املزايا واألهمية الكبيرة للذكاء االصطناعي ،إال أنه
هناك شخص ما مسؤول عن إيجاد ،وتصنيع وتشغيل هذه التقنيات التكنولوجية
وبالتالي قد ينتج عن خطئه في تشغيلها جرائم تحتم املسؤولية الجنائية.
40
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املبحث الثاني
قواعد املسؤولية اجلنائية
عن أضرار الذكاء االصطناعي
41
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
42
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املبحث الثاني
قواعد املسؤولية اجلنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
يعتبر ما حدث في منتصف القرن املاض ي وما شهد من ثورة معلوماتية في ظهور
مجال افتراض ي للمعامالت ومسرح الكتروني للجرائم بما يتجاوز مادية السلوك وعبر
حدود الزمان واملكان ،وعلى الرغم من ذلك ظل اإلنسان هو الالعب الرئيس ي للسلوك،
وظلت ارادته هي أساس املسؤولية الجنائية(.)1
حيث يثور الجدل حول القواعد التقليدية للمسؤولية الجنائية والتي تعتمد على
اإلرادة املوجودة لدي األنسان وقصده الجنائي(.)2
تبرز أهمية البحث عن املسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي الناتجة
عن استخدام تقنياته واآلتة ،فمن الضروري بحث املسؤول عنها فيما إذا كان املصنع
واملبرمج أو املستخدم أو تقنية الذكاء االصطناعي ذاتها أو الغير.
ُيقصد باملسؤولية الجنائية أنها« :تلك الرابطة التي تقوم بين الواقعة اإلجرامية التي
تعد جريمة في نظر القانون من جهة ،واملتهم بتلك الواقعة من جهة أخرى»(.)3
وحتى تقوم املسؤولية الجنائية ويتم إسنادها يجب أن يكون هناك مجرم وجريمة
تقوم بينهما روابط وهي الرابطة السببية تجعل املتهم يتحمل تبعية الفعل املنسوب له
ً ً
وتبين أن املتهم نفسه هو الذي تسبب سلبا أو إيجابا بالواقعة ،وكذلك الروابط املعنوية
التي تكون الصورة التي تسند الواقعة اإلجرامية إلى عقالنية املتهم ،بل وأكثر من ذلك وقد
( )1رحاب عميش ،املسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي ،أكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا
القرية الذكية ،كلية الحقوق لغة انجليزية ،املنصورة2021 ،م ،ص.1
( )2عميش ،مرجع سابق ،ص.1
( )3الفالس ي ،املرجع السابق ،ص .2839
43
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ال يمكن إسناد املسؤولية رغم قيامها ،إال إذا توافرت في املتهم شروط تتكون منهت ما
يسمى بأهلية التكليف باملسؤولية الجنائية(.)1
ً
ويمكن تعريف املسؤولية الجنائية أيضا على أنها «ذاك األثر القانوني املترتب عن
الجريمة ،كواقعة قانونية أي يعتد بها القانون وتقوم على أساس تحمل الفاعل للجزاء
الذي تفرضه القواعد القانونية الجنائية بسبب خرقه لألحكام التي تقررها هذه
القواعد(.)2
واملسؤولية فكرة فلسفية اقبل على دراستها كافة أقطاب العلم الجنائي في القرنين
األخيرين من دون أن يعرفوا غوامضها بصورة نهائية ،وال يزالون حتى هذا اليوم
يتناقشون دون الوصول إلى مفهوم واحد يتفقون عليه.
يقول الكثير من العاملين في مجال الذكاء االصطناعي أنه وحسب اتجاههم وتيارهم
الفكري أن الروبوت اآللة يجب أن يتحلى بالعديد من الصفات والقوانين حتى ال تنقلب
عليهم التقنية بعواقب وخيمة ويجب القيام ببرمجة وصناعة الروبوتات وفقها ،ومن هذه
القوانين :القانون األول أنه ال يجوز للروبوت إيذاء البشر أو حتى أن يسمح بذلك،
وبالنسبة للقانون الثاني فإنه يتوجب على الروبوت طاعة أوامر البشر باستثناء ما
يتعارض مع ما ذكر في القانون األول ،أما القانون الثالث فإنه على الروبوت أن يحافظ
على استمراريته في العمل وسالمته من العطل إال إذا تعارض هذا مع القانون األول
والثاني(.)3
علينا التسليم بحقيقة التحول الكبير الذي أحدثه الذكاء االصطناعي في مجال
ُ
املسؤولية ،ومثال على ذلك برامج املساعدة في التشخيصات الطبية والتي تظهر املدى
الكبير الذي يمكن ألجهزة الحاسب اآللي تنفيذ أعباء مركبة ،مثل :التحليل ،املساعدة في
44
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
القرار ،ومن ثم يتحول املستخدم إلى مجرد مالحظ ،ولم يعد األمر ينحصر في جزئية
مساندة النشاط البشري ،بل ربما تعديله والحلول محله ،وثم تأخذ املسؤولية الناتجة
ً ً
عن تدخل الذكاء االصطناعي بعدا جديدا(.)1
إن الجرائم الجنائية أو أي سلوكيات إنسانية األساس فيها أنها مباحة لجميع البشر
لكن من أجل انتظام الحياة واملجتمعات ومن أجل حدوث استقرار في االوضاع
االجتماعية نجد أن بعض هذه السلوكيات التي تضر باملجتمع يجب القيام بتجريمها
وبالتالي فإن الحكم بأن األساس اإلباحة واالستثناء التجريم فال نستطيع القول عن أي
سلوك أنه مجرم إال إذا نص القانون على ذلك والجرائم باملجمل تخضع ملبدأ الشرعية
الجنائية بأنه ال جريمة وال عقوبة إال بنص فبالتالي فإننا ال نستطيع القول عن جرائم
الذكاء االصطناعي مجرم ونعاقب عليه إال إذا نص القانون على ذلك واملشرع ينص على
ذلك من خالل الدراسات البحثية التي يتم تقديمها وبعد البيان للمشرع السلوكيات التي
تشكل جرائم وتمس باملجتمع يتم الطلب من املشرع بوضع هذه السلوكيات في تشريع
معين بحيث يمكن من معاقبة أي من يرتكب هذه السلوكيات مستقبال.
وحسب توقعات أنصار الذكاء االصطناعي في الدول الغربية أنه يجب علينا كمجتمع
أن نقاوم االستسالم للحتمية التكنولوجية (وهي نظرية تقول باختصار أن التكنولوجيا
ال رجعة فيها ،وال مفر منها) وانهم حتى لو آمنو بهذه النظرية فإنه كلما كان فهمنا لتأثيرات
تلك التكنولوجيا على املجتمع وحقوقهم بشكل أفضل كلما تمكنا بشكل أكثر فعالية من
محاولة كيفية انشاء هذه التكنولوجيا وتنفيذها(.)2
للمسؤولية الجنائية متطلبات محددة ،ال أكثر وال أقل ،بحيث أنه إذا استوفى كيان
ما جميع هذه املتطلبات ،فال يوجد سبب يمنع فرض املسؤولية الجنائية عليه ،بالرغم
من قدرة الذكاء االصطناعي على تلبية املتطلبات بنفس الطريقة التي يفعلها املخالفون
45
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
من البشر ،والشركات لكن ليس الحيوانات ،بحيث يمكن فرض املسؤولية الجنائية على
كيانات الذكاء االصطناعي ،فإما أن نفرض املسؤولية الجنائية على كيانات الذكاء
االصطناعي ،أو يتعين علينا أن نغير التعريف األساس ي للمسؤولية الجنائية كما تطور
على آالف السنين ،ونتخلى عن الفهم التقليدي للمسؤولية الجنائية(.)1
46
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املطلب األول
األساس القانوني للمسؤولية اجلنائية
عن أضرار الذكاء االصطناعي
ُ
«تعتبر املسؤولية هي األساس القانوني التي ُيبنى عليها توجيه أصابع االتهام بالجريمة
إلى شخص معين ،لذلك ال بد أن يكون هناك عناصر معينة تقوم عليها ،كوجود نص
قانوني (يصور الجريمة) ،أو ارتكاب فعل أو عدة أفعال مادية ،والحالة العقلية بأن تقع
من شخص ُمكلف ،وقيام الركن املعنوي الالزم الرتكاب جريمة والعقاب عليها في أغلب
األنظمة اإلجرامية ،كذلك العنصر الذهني الذي يدفع الرتكاب الجريمة»(.)1
ومن املعلوم أن املسؤولية الجنائية ال تقوم على فكرة الضرر بخالف املسؤولية
املدنية التي تقوم عليها ،كون املسؤولية الجنائية ال تحدد العقوبة على أساس أهمية
الضرر وجسامته ،إنما على أساس جسامة الفعل املؤثم من الناحية األدبية ،وال تتدخل
فكرة الضرر عند وقوعه إال بصفة تبعية في هذه املؤاخذة ،فاملسؤولية الجنائية تبقى
مستقلة عن الضرر الذي نشأ عن الفعل ،واملتهم في أغلب األحيان يحاسب عن خطئه
فحسب مجرد عن الضرر ،وبالرغم من ذلك ال يعني أن املشرع الجنائي ال يأخذ بنظر
االعتبار الضرر عندما يعاقب على التصرفات اإلجرامية ،إال أنه ينظر إلى الضرر نظرة
ُ
متميزة أطلق عليها فقهاء القانون اسم الجسامة املادية للخطأ الجنائي(.)2
وقد عرفت محكمة النقض الفلسطينية في الدعوى الحقوقية رقم ()2014/1076
الضرر على أنه...« :الضرر وفق أحكام الفقه واملجلة هو ذلك األذى الذي يلحق الشخص
( )1هبة الزهراني ،املوقع االلكتروني املسؤولية الجنائية للذكاء االصطناعي ،شركة مال اإلعالمية الدولية،
صحيفة مال ،2020 ،/ https://maaal.com/2020/12/167055-2،بدون رقم صفحة ،تاريخ الزيارة
.2023/10/20
( )2الفالس ي ،مرجع سابق ،ص .2891
47
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
( )1محكمة النقض الفلسطينية ،الدعوى الحقوقية ،القضية رقم ( ،)2014/1076تاريخ الفصل:
2017/12/12م ،قسطاس.
( )2حسكر ،مرجع سابق ،ص.197
(3) GABRIEL HALLEVY ,previous reference, footnote 50, p 44.
(4) GABRIEL HALLEVY ,previous reference, footnote 50, p 44.
48
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
وعلى سبيل املثال ،عندما يقوم الروبوت بتشغيل سالح ناري ويجعله يطلق رصاصة
باتجاه فرد بشري ،فإن هذا يفي بمتطلبات عنصر السلوك في جرائم القتل عند هذه
النقطة ،يتم استخدام اختبار العالقة السببية لفحص السلوك وتحديد ما إذا كان قد
تسبب في وفاة ذلك الفرد .فإذا حدث ذلك ،فسيتم استيفاء متطلبات مكون النتيجة
ً ً
جسديا سوى ارتكاب السلوك ونظرا والسلوك ،على الرغم من أن الروبوت «لم يفعل»
ألن تلبية متطلبات مكون السلوك تقع ضمن قدرات األجهزة كما تمت مناقشتها بالفعل،
أيضا ضمن قدراتها(.)1أيضا هي ًفإن تلبية متطلبات مكون النتائج ً
ً
يتم التعبير عن أعلى مستوى عن طريق املعرفة ،ويكون أحيانا مصاحب بمتطلب
نية أو نية محددة ،وال يلزم لفرض املسؤولية الجنائية معايير أو قدرات أخرى ،وليس من
البشر ،وال أي نوع آخر من الكيانات ،بما في ذلك الشركات والكيانات املسئولة ،ال يكفي
أن يكون الشخص قادر على العمل حتى تقوم املسؤولية الجنائية ،فالعنكبوت قادر على
العمل إال أنه غير قادر على صياغة متطلبات تفاعلية لهذا الفعل لذلك ال تحمل لدغة
العنكبوت أي مسؤولية جنائية ،وكذلك الببغاء فهو يقدر على تكرار الكلمات التي
يسمعها ،لكنه غير قادر على صياغة متطلبات جديدة من تلقاء نفسه .ولكي يتم فرض
املسؤولية الجنائية على أي نوع من كيانات الذكاء االصطناعي يجب إثبات وجود
العنصرين القدرة على العمل واإلرادة الفعلية فيها(.)2
ومع ذلك ،فمن الواضح أن هيكل املسؤولية الجنائية مصمم للبشر ،مع وضع
قدرات البشر ،وليس املخلوقات األخرى في االعتبار .ويعتمد متطلب العنصر العقلي على
روح اإلنسان ونفسه وعقله .فهل يمكن بالتالي فحص اآلالت على أساس املعايير البشرية
للروح والنفس والعقل؟ في ضوء هذه الرؤى ،كيف يمكن فرض املسؤولية الجنائية على
كيانات فاقدة للروح والروح؟ ومع ذلك ،من املهم أن نتذكر أنه على الرغم من أن الرؤى
املتعلقة باملسؤولية الجنائية تعتمد على الروح اإلنسانية والروح ،فإن فرض املسؤولية
49
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الجنائية في حد ذاته ال يعتمد على هذه املصطلحات التي تحمل معنى نفسيا عميقا(.)1
فإذا استوفى كيان ما ،أي كيان ،متطلبات الركن الفعلي والعقلي للجريمة ،فيمكن
ً
فرض املسؤولية الجنائية بالروح أو بدونها ،في الحقيقة إن هذا الفهم ليس جديدا ،وربما
ً
ال يكون جديدا إلى حد كبير في القرن الحادي والعشرين ،فقد وتم التوصل إلى فهم
مماثل في القرن السابع عشر ،قبل وقت طويل من ظهور تكنولوجيا الذكاء االصطناعي
الحديثة ،ولكن في وقت ارتكبت فيه كائنات أخرى غير بشرية جرائم وكان من الضروري
إخضاعها للقانون الجنائي .هذه املخلوقات ليس لها روح وال روح ،لكن لديها القدرة على
موضوعا للمسؤولية الجنائية التي تفرض عليها حتى يومنا هذا ،وإن هذه ً أن تكون
املخلوقات هي الشركات(.)2
يتطلب فرض املسؤولية الجنائية عن الجرائم املتعمدة استيفاء متطلبات العناصر
الوقائعية والعقلية .الشرط العقلي للجرائم املتعمدة هو القصد العام ،املعروف بشكل
ً
أكثر دقة باسم القصد الجنائي ،ويعني «العقل الشرير» في الالتينية ،ونظرا ألنه يمكن في
بعض األحيان الخلط بين مصطلح العمدية العامة والقصد أو القصد املحدد ،فإننا
نفضل استخدام املصطلح األكثر دقة ،وهو القصد الجنائي ،فإذا كانت تكنولوجيا
الذكاء االصطناعي قادرة على تلبية متطلبات القصد الجنائي ،فمن املمكن فرض
املسؤولية الجنائية على كيانات الذكاء االصطناعي عن الجرائم املتعمدة(.)3
يتسارع الذكاء االصطناعي املتقدم في االنتشار في هذه اآلونة كالسيارات ذاتية
القيادة والطائرات بدون طيار وغيرها فأصبحت هناك إشكاليات عديدة في تحديد
املسؤولية الجنائية عن األضرار الناتجة من خاللها ألن الذكاء االصطناعي تطور وأصبح
قادرا على اتخاذ قرارات ذاتية وتنفيذها مما يسمح بافتراض حصول مسؤولية جنائية
ذاتية لها.
50
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
إن اعتماد الذكاء االصطناعي وتقنياته في معظم مجاالت الحياة املتعددة يؤثر على
النظام القانوني ،فالقانون هو مجموعة من القواعد التي تنظم للعالقات اإلنسانية في
املجتمع ،وتشمل هذه العالقات كافة مجاالت الحياة ،وكلما ظهرت تقنيات واختراعات
جديدة ثار النقاش حول مدى التنظيم القانوني لها ،ومدى شمول النصوص القانونية
ً
لها ،ونظرا ألن تكنولوجيا الذكاء االصطناعي لها تأثير على أغلب مجاالت الحياة التي
دخلتها ،كاملجاالت الطبية ،والتعليمية ،واالقتصادية والصناعية والعسكرية وغيرها؛
فقد استدعى هذا األمر ضرورة السؤال عن التنظيم القانوني للذكاء االصطناعي ،وعن
اإلشكاليات القانونية الناتجة عن إدخال تكنولوجيا الذكاء االصطناعي لهذه املجاالت،
والتحديات القانونية التي تترتب عليه(.)1
ولعل أبرز وأهم املوضوعات املطروحة للنقاش فيما يخص التنظيم القانوني للذكاء
االصطناعي وطبيعته القانونية واإلشكاليات الناتجة عنه؛ مسألة الشخصية القانونية
للذكاء االصطناعي ،وكذلك املسؤولية الجنائية حين تشكل األفعال التي يقوم بها هذا
الذكاء االصطناعي جرائم ُيعاقب عليها في القانون ،وال سيما وأن مجاالت الذكاء
االصطناعي قد تعددت وشملت العديد من املجاالت ،وخاصة الطبية والعسكرية التي
ً
تؤثر سلبا على حيات اإلنسان وسالمة صحته((.)2
وحيث أنه أصبح من الضروري بيان التكييف القانوني الذي تقوم عليه املسؤولية
الجنائية في حالة خطأ الذكاء االصطناعي ال بل أصبح أمر ضروري تحتمه متطلبات
التقدم التكنولوجي ،باعتبار املسؤولية الجنائية أثر قانوني مترتب عن الجريمة كواقعة
يعتد بها القانون ،وبالتالي تحميل الجزاء للفاعل الذي تفرضه هذه القواعد القانونية
ً
الجزائية ،إال أنه مع وجود تقنيات الذكاء االصطناعي ُيفترض أحيانا وجود أشخاص
يتدخلون به وبداية من الشركة املنتجة ،ومن ثم املالك املستخدم واملستفيد من هذه
التقنيات مما يؤدي ذلك للتأثير على املسؤولية القانونية لكيانات الذكاء االصطناعي،
51
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً ً
والطبيعة الخاصة للذكاء االصطناعي ،والذي نجده أحيانا فاعال للجريمة أو أداة لها في
أحيان أخرى(.)1
إن فرض املسؤولية يعتمد على استيفاء متطلباتها .بحيث تنشأ مسألة العقاب فقط
في حالة استيفاء هذه املتطلبات ،إال أن املسؤولية الجنائية ال تتطلب بالضرورة توافر
ً
مجرما ،ال يحتاج إلى استخدام جميع املهارات كافة املهارات اإلنسانية .لكي يصبح املرء
البشرية ،بغض النظر عما إذا كان يمتلك هذه املهارات أم ال(.)2
يجب استيفاء نوعين تراكميين من املتطلبات لفرض املسؤولية الجنائية :األول
يتعلق بالقانون ،والثاني يتعلق بالجاني .ويجب استيفاء كال النوعين من املتطلبات من
أجل فرض املسؤولية الجنائية ،وإذا تم استيفاءهما ،فال توجد شروط إضافية مطلوبة .
املتطلبات األساسية ألي جريمة يتضمن أربعة متطلبات منفصلة يجب أن تستوفيها كل
جريمة ،على النحو املحدد في القانون .إذا فشلت الجريمة في تلبية حتى واحد من هذه
املتطلبات ،فال يمكن ألي محكمة أن تفرض مسؤولية جنائية على األفراد عن تلك
الجريمة .املتطلبات األربعة هي :الشرعية ،السلوك ،الذنب واملسؤولية الشخصية(.)3
ويمثل كل من هذه املتطلبات األربعة مبدأ أساسيا في القانون الجنائي ،وهو مبدأ
الشرعية ،ومبدأ السلوك ،ومبدأ الذنب ،ومبدأ املسؤولية الشخصية .الشرعية هي
شرط العتبار الجريمة قانونية (ال جريمة بقانون) .إن الشرعية هي التي تشكل القواعد
ً
جنائيا .لكي تعتبر الجريمة قانونية ،يجب املستخدمة لتحديد ما هو «صحيح» و«خطأ»
ً ً
أن تستوفي الشروط األربعة التراكمية التالية :أوال مصدر قانوني مشروع ،ثانيا قابلية
ً ً
التطبيق في الوقت املناسب ،ثالثا قابلية التطبيق في مكان واخيرا تفسير مشروع ،فقط
عندما استيفاء جميع الشروط األربعة تعتبر الجريمة قانونية(.)4
52
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
أن القانون الجنائي الحالي كاف للتعامل مع تكنولوجيا الذكاء االصطناعي .عالوة
على ذلك ،إذا تقدمت التكنولوجيا بشكل كبير ،وبشكل كبير نحو إنشاء اآلالت العاقلة،
فإن هذا من شأنه أن يجعل القانون الجنائي الحالي أكثر صلة بمعالجة تكنولوجيا الذكاء
االصطناعي ألن هذه التكنولوجيا تحاكي العقل البشري ،والعقل البشري يخضع بالفعل
للقانون الجنائي الحالي .وبالتالي ،كلما اقتربت تكنولوجيا الذكاء االصطناعي من التقليد
الكامل للعقل البشري ،كلما أصبح القانون الجنائي الحالي أكثر أهمية(.)1
وبناء على ما سبق نالحظ أنه ال يكفي لقيام املسؤولية الجزائية أن يرتكب الجاني أي
فعل مادي يترتب عليه نتيجة ضارة ،بل ال بد أن تتحقق الجريمة بالشروط التي يفرضها
الفقه الجنائي املعاصر على اعتبار أنها نشاط مادي ونشاط نفس ي مخالفان ألهداف
الجماعة ،وتكسب صفتها الغير مشروعة من تناقضها مع قاعدة قانونية مجرمة تجرم
ً ً
هذا النشاط ،وبالتالي يلزم لقيام هذه الجريمة دائما توافر الركن املادي واملعنوي معا.
تنص املادة ( )67فقرة 1من قانون التجارة املصري رقم ( )17لسنة 1999م على أنه:
«يسأل منتج السلع أو موزعها قبل كل من يلحقه ضرر بدني أو مادي يحدثه املنتج إذا
أثبت هذا الشخص أن الضرر نشأ بسبب عيب في املنتج»(.)2
ويتبين من نص املادة أعاله أنه إذا تعذر تحديد الشخص املسؤول عن العيب في
املنتج فأن بائع املنتج أو املزود أو املورد وفي جميع األحوال يكونوا مسؤولين عن هذا
العيب مسؤولية تضامنية ،إال أنه عندما يتم تطبيق هذه القاعدة على أنظمة الذكاء
االصطناعي سيترتب على ذلك إشكالية تتعلق في صعوبة تحديد منتج أنظمة الذكاء
االصطناعي ،إذ أن عملية إنتاج تلك األنظمة تتوزع ما بين املصمم واملبرمج واملصنع،
لذلك يصعب تحديد املنتج النهائي ألنظمة الذكاء االصطناعي األمر الذي يؤدي إلى تحديد
53
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
محمد ،فتح الباب ،الطبيعة القانونية للمسؤولية املدنية عن أضرار الروبوتات :دراسة تحليلية ()1
مقارنة ،مجلة البحوث القانونية واالقتصادية ،عدد خاص باملؤتمر الدولي السنوي العشرون ،جامعة
املنصورة ،مصر2021 ،م ،ص.88
مجلة األحكام العدلية لسنة 1876م. ()2
قانون حماية املستهلك الفلسطيني ،رقم ( ،)21لسنة ،2005منشور في مجلة الوقائع الفلسطينية ،عدد ()3
املجلة ،21تاريخ صدور املجلة2005/11/1( :م) ،ص ،30قرار بقانون رقم ( ،)13لسنة ،2009بالالئحة
التنفيذية لقانون حماية املستهلك ،منشور في مجلة الوقائع الفلسطينية ،عدد املجلة ،86تاريخ صدور
املجلة2009/11/23( :م) ،ص.88
القانون املدني املصري رقم ( )131لسنة 1948م. ()4
54
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
( )1محكمة النقض الفلسطينية ،الدعوى الحقوقية ،رقم ( ،)2019/1472تاريخ الفصل (2022/5/9م)،
قسطاس.
( )2محكمة النقض الفلسطينية ،الدعوى الحقوقية ،رقم ( ،)2019/402تاريخ الفصل (،)2021/6/13
قسطاس.
( )3وضاح ،عبد القادر ،نظرة حديثة إلى التزام البائع بضمان العيوب الخفية ،املركز العربي للنشر ،ط،1
املركز العربي للنشر ،مصر2019 ،م ،ص.30
55
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
( )1فارس ،الجبوري ،العيب الخفي في ضوء قوانين حماية املستهلك ،دروب املعرفة للنشر ،ط ،1مصر2022 ،م،
ص.19
( )2فتح الباب ،مرجع سابق ،هامش ،100ص.87
( )3قانون حماية املستهلك الفلسطيني ،رقم ( ،)21لسنة ،2005منشور في مجلة الوقائع الفلسطينية ،عدد
املجلة ،21بتاريخ 2005/11/1م ،ص.37
56
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
التصنيع أو اإلنتاج ،ويشمل ذلك املنتجات العادية الغير خطرة أو املنتجات الضارة
بطبيعتها فتصبح منتجات ضارة أو خطرة بسبب النقص أو الخلل الذي وقع عليها مثل:
أنظمة الذكاء االصطناعي ،و املنتجات الخطرة بطبيعتها فتصبح منتجات معيبة بسبب
النقص أو الخلل الذي قد أصابها مما يؤدي إلى عدم أداء املهام التي صنعت من أجلها(.)1
وبالرجوع إلى املادة ( )73فقرة 2من مشروع قانون التجارة الفلسطيني نجد بأنها
تحدثت عن الحاالت التي تتعلق باملنتج املعيب ومن ضمن هذه الحاالت« :أذا كان املنتج
عند صناعته أو تصميمه أو تركيبه لم يتم أتخاذ كافة اجراءات الحيطة والحذر التي
من شأنها أن تمنع وقوع الضرر ،تناول النص سابق عدة مصطلحات من شأنها أن
تشمل الذكاء االصطناعي «تصميمه أو صنعه أو تركيبه أو إعداده ،»..فالصناعة
والتركيب واإلعداد كلها قد تتضمن املنتجات الصناعية وعلى رأسها الذكاء االصطناعي
باعتباره أحد املنتجات الذكية الذي صمم ألداء املهام على أعلى مستوى من األبداع(،)2
نرى من خالل ذلك أن ما ذهبت إليه املادة ( )73من مشروع قانون التجارة الفلسطيني
تختص باملنتجات الخطرة ،مما يؤدي إلى أمكانية تطبيق مفهوم العيب على أنظمة الذكاء
االصطناعي(.)3
عرفت املادة األولى من قانون حماية املستهلك املصري رقم ( )181لسنة 2018
العيب على أنه« :كل نقص في قيمة أو منفعة أي من املنتجات بحسب الغاية املقصودة
ً ً
منها ،ويؤدي بالضرورة إلى حرمان املستهلك كليا أو جزئيا من االستفادة بها فيما أعدت
من أجله ،بما في ذلك النقص الذي ينتج من خطأ في مناولة السلعة أو تخزينها ،وذلك كله
( )1سالم ،العزاوي ،مسؤولية املنتج في القوانين املدنية واالتفاقيات الدولية ،دار الثقافة ،عمان،
2008م ،ص.219
( )2املذكرة اإليضاحية ملشروع قانون التجارة الفلسطيني ،لسنة ،2004ديوان الفتوى والتشريع
ً
الفلسطيني ،ص ،47نصت املادة( )73فقرة 2على أنه« :يكون املنتج معيبا على وجه الخصوص إذا لم
تراع في تصميمه أو صنعه أو تركيبه أو إعداده لالستهالك أو حفظه أو تعبئته أو طريقة عرضه أو طريقة
استعماله الحيطة الكافية ملنع وقوع الضرر أو للتنبيه إلى احتمال وقوعه».
( )3العزاوي ،مرجع سابق ،هامش ،110ص.116
57
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
( )1قانون حماية املستهلك املصري ،رقم ( )181لسنة 2018م ،عدد ،37تاريخ اإلصدار2018/9/13( :م)،
ص.4
( )2معمر بن طرية ،قادة شهيدة ،أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء االصطناعي :تحد جديد لقانون
املسؤولية املدنية الحالي ملحات في بعض مستجدات القانون املقارن دراسة مقارنة ،مجلة كلية
القانون الكويتية العاملية ،العدد 2018 ،22م ،ص.130
58
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
هوانغ إلى تعويضهم بناء على قواعد املسؤولية عن املنتجات املعيبة باعتبار أن الضرر
الحاصل من قبل األنظمة املساعدة اآللية ناتج عن خطأ في تصنيعها واألمر الذي يؤدي
إلى إلقاء عبئ التعويض على عاتق مصنعها(.)1
كذلك الحال في الدعوى الحاصلة ما بين شركة ( )VANTAGE POINTبصفتها
مدعى عليها و ( )WEISTER JASONبصفته املدعي في الواليات املتحدة األمريكية لسنة
،2022قامت الشركة بالترويج ملؤتمر يتعلق بالذكاء االصطناعي من خالل أرسال أعالن
إذاعي ،أرسل املدعي رسالة نصية إلى املدعى عليها لتجربة اإلعالن األذاعي ملرة واحدة،
وبعد ذلك قرر ويستر عدم املشاركة في حضور املؤتمر الخاص بالذكاء االصطناعي ،ولم
يقم في إدخال أية معلومات شخصية له على الصفحة األلكترونية لحضور ذلك املؤتمر،
ً ً
إال أنه حدث ما لم يكن متوقع بالنسبة إلى ويستر بحيث أنه تلقى 15بريدا صوتيا بال
رنين وبدون أذنه األمر الذي يؤدي إلى وقوع مسؤولية الشركة بموجب قانون حماية
املستهلك اإللكتروني ،كما أنه «يحظر قانون االتصاالت الهاتفية لسنة 1999من اجراء
أية مكاملة باستخدام أي نظام اتصال هاتفي أو بالذكاء االصطناعي إلى أي رقم هاتف
باستثناء املكاملات التي خصصت لحاالت الطوارئ أو التي أجريت بمو افقة صريحة
مسبقة من الشخص املتصل» وقد أقام املدعي دعوى ضد الشركة بسبب أضرار
الذكاء االصطناعي على أساس املنتجات املعيبة(.)2
ومما سبق نجد انه يمكن تطبيق قواعد املسؤولية التقصيرية على أضرار الذكاء
االصطناعي بفعل املنتجات املعيبة حتى يحين إيجاد قواعد تستوعب تنظم تلك
التقنيات الذكية ،ملا في ذلك من التخفيف على املضرور والتي تسهل عليه مقاضاة
)(1 Jimin Shaw, Tesla's Autopilot System Responsibility Under The California Injury Act,
Boston College of Intellectual Property And Technology Forum, 2017, P.17
(2) WEISTER v. VANTAGE POINT AI, LLC, Case No. 8:21-cv-1250-SDM-AEP, United States District
Court, M.D. Florida, Tampa Division, August 3, 2022
https://www.leagle.com/decision/infdco20220808910
59
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املصمم أو املصنع على األضرار التي لحقت به بسبب تلك األنظمة الذكية ،فاملنتج ومن
ثم املصمم.
يرى الباحث ،أن كل ما نص عليه املشرع الفلسطيني واملشرع املصري من شأنه أن
يعمل على حماية املضرور من املنتجات املعيبة ،والتي قد تتسبب في إلحاق الضرر
باملستهلك ،وكذلك األمر ينطبق ذلك على أنظمة الذكاء االصطناعي باعتبارها من ضمن
املنتجات والتي قد يكون بها عيب خفي من شأنها أن تعمل على الحاق الضرر باملستهلك
مما يسمح للمضرور مطالبة املنتج بالتعويضات التي تعرض لها بسبب الذكاء
االصطناعي على أساس قواعد املسؤولية التقصيرية بفعل املنتجات املعيبة.
60
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الفرع األول
الطبيعة القانونية للذكاء االصطناعي
يعتبر موضوع الطبيعة القانونية للذكاء االصطناعي موضوعا مهما يحتاج ملعرفة
على وجه كبير من الدقة ،حيث أن التشريعات التي تتناول الذكاء االصطناعي وتقنياته
وآالته قليلة بشكل عام.
يمثل الذكاء االصطناعي تحد جديد في العديد من املستويات في القانون ،خصوصا
من ناحية مدى إمكانية تطبيق القواعد القانونية املوجودة بجميع املسائل القانونية
املثارة عبر الذكاء االصطناعي ،مثل :امللكية الفكرية ،ونظام املسؤولية العقدية أو
التقصيرية إلى جانب املسؤولية الجزائية ،واملنافسة وحماية املعطيات الشخصية وغيرها
من املسائل التي عالجها القانون بكون اإلنسان وبحكمه فاعال فيها ،فكيف سيكون األمر
لو كان محركها األساس ي هو الذكاء االصطناعي(.)1
دعا العديد من األشخاص الفاعلين في ميدان الذكاء االصطناعين ،وحاولوا لفت
انتباه القانونيين إلى ضرورة استبعاد تطبيق القواعد التقليدية ،والعمل على خلق قواعد
قانونية جديدة خاصة بالذكاء االصطناعي وذلك بحجة الطبيعة الخاصة التي تتميز بها
تكنولوجيا الذكاء االصطناعي ،وقد بدأت بعض االستجابات والبوادر بالسير فعال ولكن
على خطى بطيئة متخوفة ،ومثال علد ذلك :قيام السعودية بمنح الجنسية السعودية،
للروبوت صوفيا سنة 2017م ،وقيام البرملان األوروبي بإقرار قواعد مدنية خاصة
بالروبوتات في مجال املسؤولية ،وأوص ى بضرورة منح شخصية قانونية خاصة بها وذلك
ً
بين مؤيد ومعارض ،وأيضا طالبت مجموعة من مصممي الذكاء االصطناعي باالعتراف
بحقوق امللكية الفكرية للذكاء االصطناعي ،باعتباره قد وصل لحد االبتكار واإلبداع(.)2
61
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
ونظرا لحداثة ظهور الذكاء االصطناعي في حياة البشر ،فلم تتطرق التشريعات التي
تناولت الذكاء االصطناعي إلى تحديد طبيعته ،فأصبحت هذه املهمة للفقه القانوني
ً ً
الذي أثار نقاشا كبيرا حولها(.)1
فذهب رأي إلى أنه يتم تحديد الطبيعة القانونية للذكاء االصطناعي بناء على
الطبيعة القانونية لألموال ،وذلك من حيث تقسيمها إلى :عقارات ومنقوالت ،فاستقر
رأيهم على اعتبارها من طبيعة خاصة(.)2
ً
وذهب رأي آخر إلى تحديد الطبيعة القانونية للذكاء االصطناعي استنادا إلى أحد
مجاالتها ،وهو املجال العسكري الذي بدأ استخدام الذكاء االصطناعي منه ،حيث أوجد
وصنعوا له الروبوت اآللة املقاتل ،والطائرات املقاتلة دون طيار ،وغيرها من تطبيقات
الذكاء االصطناعي في املجال العسكري(.)3
أيضا لقد ذهب اتجاه فقهي إلى قياس الطبيعة القانونية للذكاء االصطناعي على
ً
الطبيعة القانونية للسفن مع الفارق ،فالفقه يعتبر السفينة منقوال لكنها تتمتع ببعض
ً
خصائص العقار ،أي أنه مال من طبيعة خاصة ،فالسفينة وفقا لهذا االتجاه ذات
طبيعة منقولة وعقارية في آن واحد ،ومن ثم تتمتع ببعض خصائص األموال املنقولة
وبعض خصائص األموال العقارية(.)4
تخرج السفينة عن القواعد املقررة للمنقول وتقترب من أحكام العقار في مسائل
ً
معينة ،ويجوز القيام برهنها رسميا مثل العقار ،إال أن نقل ملكيتها ال يتم إال بمحرر
رسمي ،وتتشابه إجراءات حجز السفينة مع إجراءات الحجز العقاري ،وللدائن العادي
62
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
حق تتبع على السفينة ،على الرغم من أن هذا الحق غير مقرر سوى للدائنين املمتازين
أو املترهنين دون الدائنين العاديين ،وقد أدى هذا التشابه بين السفينة والعقار إلى
اقتراح بعض الفقهاء تسمية السفينة بعقارات البحر(.)1
ً
وبناء على ما سبق فإن تكنولوجيا وتقنيات الذكاء االصطناعي تعد منقوال في أصلها
ألنها معدة لالنتقال من مكان آلخر بطبيعتها ،مثل :الروبوت أو الحاسوب أو اآلالت.إلخ،
فتلك التقنيات يستطيع اإلنسان نقلها من مكانها بسهولة حتى لو لم تكن وظيفتها قائمة
ً
على االنتقال أصال.
ورأي آخر قد تأخذ تكنولوجيا وتقنيات الذكاء االصطناعي صفة العقار إذا تم
ً
رصدها لخدمة عقار ،فتصبح عقارا بالتخصيص ،فتتمتع بصفات العقارات واملنقوالت
على حد سواء ،أو تتمتع ببعض صفات العقار بنص القانون ،ومن األمثلة على ذلك:
جواز الرهن الرسمي بحقها ،أو اشتراط التسجيل لنقل ملكيتها ،وهذا الرأي يتفق مع
ً ً
الرأي الفقهي الذي اعتبرها ماال ذو طبيعة خاصة قياسا على الطبيعة القانونية
للسفن(.)2
ً
أما بالنسبة ملن حدد الطبيعة القانونية للذكاء االصطناعي استنادا إلى أحد
مجاالتها ،وهو املجال العسكري فقد اعتبر هذا االتجاه بالذكاء االصطناعي باعتباره
ً ً
سالحا أي استخدامه بديال عن اإلنسان في املجال العسكري ،فتطبيقات الذكاء
االصطناعي متعددة ومنها املجال العسكري واألمني ،فقد بدأت بعض الدول املتقدمة
بتسخير تقنيات الذكاء االصطناعي وإدخالها في املجال العسكري وفي الحروب ،وذلك من
خالل الروبوت العسكري القاتل والطائرات املقاتلة بدون طيار أو ما تسمى بالدرونز(.)3
والسالح الفتاك كالسالح النووي وأسلحة الدمار الشامل فكل هذه التقنيات املذكورة
تجعله بطبيعته أنه سالح.
( )1محمود الشرقاوي ،القانون البحري ،القاهرة ،دار النهضة العربية1978 ،م ،ص .51
( )2إطميزي ،مرجع سابق ،هامش ،31ص.14
( )3إبراهيم ،مرجع سابق ،هامش ،121ص .69
63
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
بشكل عام إن الذكاء االصطناعي بكافة مسمياته سواء كان كيان ،تقنية ،نظام أو
أنظمة ،الروبوت اآللة ،اإلنسان اآللي( .)1أو أي مسمى له إذا اعتبرنا هذا التطبيق (الذكاء
االصطناعي) أنه عبارة عن ش يء بالتالي معناه أنه سوف ينطبق عليه الطبيعة القانونية
لألشياء سواء كان ماديا أو معنويا.
ّ
ويثير االستقالل الذاتي للروبوت الذي يمكنه من اتخاذ قرارات بشكل مستقل
ً
مسألة الشخصية القانونية لهذا الروبوت ،بحيث يثار تساؤال حول ماهية هذه
الشخصية ،أهي شخصية طبيعية أم هو من قبيل األشياء ،أم هي شخصية من نوع
خاص ،وهل يمكنها أن تتحمل الحقوق وتؤدي االلتزامات؟(.)2
الروبوت بشكل عام لو أخذناه كنموذج هو ال يعتبر بأي حال من األحوال أنه عبارة
عن انسان وهو ليس بشخص إطالقا وال تحتاج األمور ألي توضيح في ذلك فهل يعتبر
بش يء؟! هل يفكر؟ هل يستنبط؟ هل يتعلم من تجاربه السابقة؟ هل يتخذ قرارات
بنفسه وبذاته بمنأى عمن قام ببرمجته أو صنعه أو إنشائه أو استخدامه؟ الجواب:
ً
نعم .اذا هذا ليس عبارة عن ش يء!!ولو قلنا انه عبارة عن ش ٍيء لكنا طبقنا عليه نظرية
الحراسة بمعنى مسؤولية التابع عن أعمال تابعه ومسؤولية الغير مثال .لكن في الحقيقة
ً
هو ليس بش يء اذا فهو عبارة عن شخصية فريدة يترتب عليها انشاء شخصية جديدة
وهي الشخص االلكترونية.
( )1اإلنسان اآللي أو الروبوت :هو كل عامل اصطناعي نشيط يكون محيطه العالم الطبيعي ،جهاز ميكانيكي
مبرمج للعمل مستقال عن السيطرة البشرية ،ومصمم ألداء األعمال وإنجاز املهارات الحركية واللفظية
التي يقوم بها اإلنسان ،فضال عن استخداماته األخرى املتعددة باملفاعالت النووية ،وتمديد السالح،
وإصالح التمديدات السلكية التحت أرضية ،واكتشاف األلغام ،وصناعة السيارات وغيرها من املجاالت
الدقيقة ،وللروبوتات عدة أنواع ،منها :الروبوتات التشغيلية ،والروبوتات الصناعية ،والروبوتات
التعليمية ،والروبوتات الطبية ،والروبوتات املنزلية ،والروبوتات املستخدمة في ميدان العدالة والشرطة،
والروبوتات العسكرية وغيرها.
إبراهيم ،مرجع سابق ،هامش ،121ص .74 ()2
64
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً ً
«لقد فرق القانون بين األشخاص واالشياء ،فالش يء أكثر التصاقا وأشد ارتباطا
بالحق العيني منه بالحق الشخص ي ،فالحق العيني سلطة قانونية مباشرة على الش يء
ً ً
محل الحق ومن ثم يتصل صاحب الحق بالش يء اتصاال مباشرا دون وسيط ،فالش يء هو
ً
كل ما يصلح أن يكون محال للحقوق املالية(.)1
عرفت املادة ( )81فقرة 1من القانون املدني املصري( .)2الش يء على أنه« :كل ش يء
يمكن غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محال للحقوق
.
املالية»
ُويعرف الش يء على أنه« :كل ش يء مادي غير حي وليس معنوي بحاجة إلى حراسة
خاصة ،ويستثنى من ذلك األشياء املعنوية ،والحيوان ،والبناء ،ملا أفرده املشرع من
قواعد خاصة للحيوان والبناء»( ،)3فاألشياء تنقسم إلى عدة أقسام أهمها الثبات
واالستقرار ،وتنقسم إلى :عقارات ،ومنقوالت ،وعقارات بالتخصيص ،ومنقوالت بحسب
ً
سواء كانت املآل ،ويشترط للتعامل في هذه األشياء أن تكون صالحة للتعامل فيها
بطبيعتها أو بحكم القانون كما وضحت ذلك املادة ( )81فقرة 2من القانون املدني
املصري ،أما «األشياء الخارجة عن التعامل بطبيعتها فال يستطيع أحد أن يتملكها،
ن ً
محال للحقوق كذلك األشياء الخارجة عن التعامل معها بنص القانون فال تصح أن تكو
املالية»( ،)4فقد ذهب مشروع القانون املدني الفلسطيني إلى األخذ بما ذهب إليه املشرع
عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون املدني-حق امللكية ،-الجزء ،8دار احياء التراث ()1
العربي ،لبنان1952 ،م ،ص.6
القانون املدني املصري ،رقم ،131سنة1948م. ()2
قرار محكمة التمييز األردنية ،الدعوى الحقوقية ،هيئة خماسية ،رقم ،2477لسنة ،2002تاريخ ()3
الفصل2007/4/12:م ،أشار إليه دواس ،أمين ،في كتاب مجلة األحكام العدلية وقانون املخالفات
املدنية « ،»2املعهد القضائي الفلسطيني ،لسنة ،2012ص.281
القانون املدني املصري ،رقم ( ،)131لسنة 1948م ،نصت املادة ( )81فقرة « :2واألشياء التي تخرج عن ()4
التعامل بطبيعتها هي التي ال يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها ،وأما الخارجة بحكم القانون فهي التي ال
يجيز القانون أن تكون محال للحقوق املالية».
65
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
( )1عبد القادر الفار ،املدخل لدراسة العلوم القانونية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،ط ،1عمان/األردن،
2008م ،ص.196
( )2القانون املدني األردني ،رقم ( ،)43لسنة ،1976نص املادة ( ،)55تاريخ النفاذ (1977/1/1م)
( )3القانون املدني األردني ،رقم ( ،)43لسنة ،1976تاريخ النفاذ (1977/1/1م)
( )4أحمد عثمان ،انعكاسات الذكاء االصطناعي على القانون املدني دراسة مقارنة ،مجلة البحوث
القانونية واالقتصادية ،العدد ،76جامعة املنصورة ،كلية الحقوق2021 ،م ،ص.1585
( )5طرية ،شهيدة ،مرجع سابق ،هامش ،114ص.129
( )6طرية ،شهيدة ،مرجع سابق ،هامش ،114ص.129
66
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
67
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الفرع الثاني
الشخصية القانونية للذكاء االصطناعي
تتضمن فكرة الشخصية القانونية وضع الكيان كشخص أمام القانون ،مما يؤدي
إلى االعتراف ببعض الحقوق وااللتزامات بموجب القانون.
ً
تقليديا ،أشخاص القانون نوعان هما الشخص الطبيعي ،والشخص االعتباري
حيث ال يعترف القانون إال بوجود هذان النوعين من األشخاص القانونيين ،وقد منح
كال من النوعين مركز قانوني يتماش ى مع خصوصيته وطبيعته ،فالنوع األول ن ً
القانو
يكون مادي ملموس املتمثل باإلنسان بوجوده املادي الحقيقي املفترض ،والثاني
الشخص املعنوي غير املحسوس الذي يفترض القانون وجوده ألغراض معينة مثل
الكيانات القانونية كالهيئات العامة ،الوزارات ،شركات ،جمعيات ،مؤسسات ،وغيرها(.)1
ولربما بعض تقنيات الذكاء االصطناعي لها وجود مادي محسوس ،إال أنه مختلف
ً
بفارق كبير جدا مع الوجود املادي الحس ي لإلنسان ،ولو أردنا وصف شخصيته أو منحه
أي مركز قانوني فإن ذلك من املستحيالت حتى لو كان مادي ملموس إال أنه بال روح أو
لحم أو دم حتى ،وال حتى يمكننا اعتباره بكائن اعتباري أو افتراض ي حتى لو نراه أو نشعر
به كمن حولنا.
إن الشخص الطبيعي هو اإلنسان ،وهذا هو األصل في الشخصية القانونية،
ً
وهناك أيضا شخص معنوي وهو عبارة عن طائفة مجتمعة من الناس أو مجموعة من
األموال ،ويترتب على وجود الشخصية القانونية العديد من اآلثار ،مثل :الحق في االسم،
والحق في امللكية ،والحق في النسب ،والحق في املوطن والجنسية(.)2
ويمكن تعريف الشخص في املفهوم القانوني هو كل كائن تثبت له صالحية اكتساب
68
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الحقوق وتحمل الواجبات ،وينصرف مدلول مصطلح الشخص ابتداء إلى اإلنسان وهو
الشخص الطبيعي ،وقد ينصرف إلى مجموعة من األشخاص أو األموال التي تتوافر لها
الشخصية القانونية ،وهو ما يسمى بالشخص االعتباري ،مثل :الدولة ،والشركة
والجمعية(.)1
وبالتالي نالحظ أنه وال يمكن إضفاء الشخصية القانونية على الذكاء االصطناعي
وتقنياته ،ألنها مع قدرتها الكبيرة واملتطورة لم تصل بعد إلى درجة من التطور الذي يجعل
ً
تحديد أعمالها على وجه الدقة ممكنا ،حتى يتم أو يمكن أن نحملها املسؤولية القانونية
عن أفعالها بمعزل عن مصنعها ،ومبرمجها ومستخدمها ،إضافة إلى أن هذه التكنولوجيا
ً
تفتقد إلى اإلدراك الذي يتمتع به اإلنسان املسؤول قانونيا ،وتفتقد كذلك إلى اإلرادة
الحرة التي هي مناط املسؤولية الجنائية(.)2
ً
تقوم فلسفة القانون على ارتباط فكرة استحقاق الحق ونسبته أوال ،وحماية الحق
ً ً
ثانيا ،واملسؤولية عنه ثالثا ،بفكرة الشخصية القانونية التي ال تزال والتي ال تزال بالنسبة
ً
للبعض حكرا على اإلنسان دون سواه ،باعتباره الكائن الوحيد الذي يمتلك الوعي ملا
يقوم به من أعمال ومهام(.)3
ً
إن منح الشخصية القانونية للذكاء االصطناعي يتأثر أيضا باالقتناع البشري بأن
هذا من شأنه أن يزيد من خطر فقدان السيطرة و انتفاضة الروبوتات ،بحيث يخاف
ً
اإلنسان كما هو الحال دائما من خروج التكنولوجيا عن السيطرة وهو مقتنع بتفوقه
ً ً
وبالتالي يريد دائما أن يظل مسيطرا ،وفي هذا السياق ،تتم مناقشة الحاجة إلى شخصية
اعتبارية معينة في إطار قانوني مستقبلي ،مع األخذ في االعتبار املسؤولية املدنية وحتى
املسؤولية الجنائية ألنها تخضع ً
أيضا العتبارات البرملان األوروبي ،مما يؤدي في النهاية إلى
( )1أنور سلطان ،املبادئ القانونية العامة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية2005 ،م ،ص .209
( )2الدحيات ،مرجع سابق ،هامش ،48ص .20
( )3الخطيب ،مرجع سابق ،هامش ،21بدون رقم صفحة.
69
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
(1) Marcelo Corrales, Mark Fenwick ,previous reference, footnote 36, p 15.
( )2البلغيتي ،مرجع سابق ،هامش ،68ص .34
( )3البلغيتي ،املرجع السابق ،هامش ،68ص .35-34
70
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
التعامل معه أكثر صعوبة ،وفي عام 2020م نشر البرملان األوربي تقريرا تضمن أن كل
ش يء يتعلق بالذكاء االصطناعي محمي بموجب حقوق النشر ،وبالتالي ال يمكن اعتبار
الذكاء االصطناعي ذات اعتبار شخص ي والقانوني(.)1
ً
وإن كان منح الروبوت الشخصية القانونية في الوقت الراهن يراها البعض شكال
ً
من أشكال الترف القانوني غير املبرر معتبرا أن القواعد القانونية املنظمة لألشياء كفيلة
بالتعامل القانوني الصحيح معها ،فإن الجدل القانوني القائم اآلن في األوساط القانونية
الغربية قد أثير في وقت سابق حول منح الشخصية القانونية للشخص االعتباري ،ليجد
املشرع نفسه بعد حين أمام واقع ال مفر منه تمثل في نقص قانوني و فراغ تشريعي في
مسائل القانونية عديدة دفعت به إلى تبني هذه الشخصية القانونية ،والتأكيد بأن
ً ً
الشخصية القانونية هي إقرار قانوني وليس ابتكارا قانونيا ،وهو ما حدث بالنسبة ملنح
ً
بعض من الصفات الشخصية القانونية للحيوان في التشريعات الغربية في وقت الحقا.
وبناء على ما سبق نرى أنه ال يمكننا االعتراف بالشخصية القانونية للذكاء
االصطناعي وذلك ،لعدم وجود وتوافر أي عنصر من عناصر الشخصية القانونية فيه
سواء اإلدراك أو التمييز ،فهو على كل األحوال تقنية أو آلة مصطنعة أو جهاز مبتكر،أو
نماذج وعلى فرض احتمال انتاج تقنيات تعمل بشكل مستقل مستقبال فإن هذا اإلنتاج
مصنع ومبرمج يقوم بصناعته وبرمجته كي يعمل ّ واالستقاللية تعتمد بداية على
ً
باستقالل ،وهو ما يجعل إمكانية االعتراف له بالشخصية القانونية مستحيال.
واستثناء على ما تم ذكره يمكن منح الذكاء االصطناعي شخصية قانونية استثنائية
ً
كتلك التي تمنح لألشخاص االعتبارية ،وذلك تماشيا مع ضبط الحالة القانونية الناتجة
عن أفعاله وتصرفاته.
( )1عائشة ،شقفة ،الحماية القانونية للمصنفات الناشئة عن برامج الذكاء االصطناعي ،رسالة مقدمة
لنيل درجة املاجستير ،كلية القانون ،قسم القانون الخاص ،جامعة اإلمارات العربية املتحدة2021 ،م،
ص.76
71
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
هناك بعض اآلراء التي تعتبر الشخصية القانونية للذكاء االصطناعي قائمة ال يمكن
نفيها عنه مطلقا ،وسيأتي في املستقبل القريب البحث عن إقرارها ،وما هي إال رؤية
استشرافية وبالرغم من عدم وجود إطار قانوني ينص على إمكانية منح الشخصية
القانونية للكائن الذكي من عدمه ،فإن التوجه األوروبي الحالي هو الوحيد الذي نص على
منح الشخصية للكائن الذكي ولم يكن عندهم أي مانع في ذلك(.)1
ً
وقد أشار القانون املدني األوروبي للروبوتات بإمكانية االعتراف مستقبال للروبوت
بشخصية مستقلة ،وذلك في الحاالت التي يصل فيها إلى القدرة على اتخاذ قرارات بشكل
مستقل عن مستخدمه ،وهذا يعني أن الروبوت يمكنه أن يتمتع بالشخصية القانونية
ً
املستقلة مستقبال ،وذلك إذا ظهرت أجيال جديدة منه قادرة على التفكير والتعلم
واتخاذ قرار بشكل مستقل عن اإلنسان ودون تدخل منه(.)2
وعلى سبيل املثال فيما يخص الكائن الجديد (الروبوت) لم تتحدد أطره القانونية
بعد ،حيث أنه جمع بين ذكاء اإلنسان وقدرة اآللة« ،فاملنظومة القانونية لم تنظم هذه
الحاالت ،ومازال القانون في معظم البلدان لم يحدد نظامها في املنظومة القانونية خاصة
ً
إذا كانت مصدرا للضرر ،وذلك باقتراح إيجاد لها شخصية قانونية وميكانيزم للمسؤولية
التضامنية بدون خطأ وغيرها من االقتراحات»(.)3
ً
يوص ي املشرع األوروبي أيضا بمجموعة من الضوابط القانونية املحددة ملنح
الروبوت الشخصية القانونية في املستقبل ،وهناك تأكيد على أن يكون لكل آلة شخصية
ً ً
إلكترونية تحمل تسلسال رقميا يتضمن االسم ،واللقب ،والرقم التعريفي وباإلضافة إلى
وجود علبة سرية تسمى العلبة السوداء ،حيث تتضمن هذه العلبة كامل املعلومات
72
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املتعلقة باإلنسان اآللي ،وشهادة التأمين التي تغطي أي ضرر يلحقه ،وخالصة وصفوة
القول إن أنصار هذا االتجاه يرون ضرورة اعتماد شخصية قانونية للروبوت ،وأنه
أصبح أمر حتمي بسبب حرية صنع القرار في الروبوتات املزودة بأنظمة الذكاء
االصطناعي(.)1
وفي الحقيقة تزداد املطالبات اليوم باالعتراف بالشخصية القانونية للذكاء
االصطناعي ويتم اسناد هذه املطالبات إلى حجة أن الذكاء االصطناعي بات يتسم
بالتحكم الذاتي واالستقاللية في املخرجات بدون أي تدخل بشري ،وهناك حجة ثانية أنه
ومع التطور السريع والواسع لتقنيات الذكاء االصطناعي اقتض ى أن يحدد وضعه
ً
القانوني وإن كان على املدى الطويل ،وأيضا قد أكد البرملان األوروبي ضرورة منح
الروبوتات املستقلة مركز األشخاص اإللكترونيين املسؤولين عن إحداث أي ضرر قد
يتسببون به ،وربما تطبيق هذه الشخصية االلكترونية على الروبوتات التي تتخذ قرارات
مستقلة أو التي تتفاعل مع أطراف ثالثة بشكل مستقل(.)2
ومن التوصيات األخرى التي اصدرها البرملان األوروبي في عام 2017م ،والتي تتعلق
بقواعد القانون املدني بشأن الروبوتات ،والتي قد جاء من بينها :التوصية بمنح الروبوت
الشخصية اإللكترونية ،وذلك على اعتباره أحد تطبيقات أنظمة الذكاء االصطناعي،
وإنشاء وضع قانوني محدد له على املدى الطويل حتى يمكن اثبات أن الروبوتات املستقلة
ً
األكثر تعقيدا على األقل لها وضع األشخاص اإللكترونية واملسؤولين عن إحداث أي
ضرر قد يتسببون فيه ،كما أن التوجه القانوني للدول األوروبية عامة يدرك أن هناك
اتجاه عام إلعادة النظر في القواعد القانونية لآلالت التي تعتمد على الذكاء االصطناعي
بتمييزها عن مفهوم الش يء امللتصق بها منذ عقد طويل من الزمن ،من خالل منحها
73
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
74
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
يرى جانب من بعض الفقهاء أن الروبوت ال يوجد لديه إرادة حرة يمكن من خاللها
أن تؤدي إلى ارتكاب أفعال محظورة ،وبالتالي ال يمكن أن يتم تحمله باملسؤولية عن
األضرار الناشئة عن تلك األفعال ،وقد دعم هذا الفريق رأيه بأمثلة :في حالة وقوع حادث
بسبب سيارة مستقلة ،أو األضرار الناشئة عن سوء تصرف من الروبوتات الجراحية،
وفي نفس الوقت ذكرت اللجنة العاملية لألخالقيات املعرفة العلمية والتكنولوجية في
تقاريرها لعام 2017والصادر عن الروبوتات أنه سيكون من العبث وصفها كاألشخاص
ً
كون الروبوتات تفتقر إلى بعض الصفات األخرى املرتبطة عموما بالبشر مثل ،اإلرادة
الحرة ،والقصد ،والوعي الذاتي ،واإلحساس األخالقي والشعور بالهوية الشخصية(.)1
ً
ودعما ملا سبق فيرى جانب آخر من الفقه بأن الروبوتات ال تملك إرادة حرة مماثلة
إلرادة اإلنسان حتى ولو كانت قادرة على التفكير فإنها ستظل مشروطة بالخوارزميات
التي تمت برمجتها بها ،كما أن هناك بعض املعايير املطبقة على البشر ال يمكن تطبيقها
على الروبوت مثل :املشاعر واألحاسيس التي ال يمكن برمجتها عليها واألهم من دلك أن
الروبوتات هي في األساس خوارزميات تم وضع معايير لها ال تستطيع الهروب منها ،وبتالي
فإن غياب اإلرادة الحرة لها يعيق تأهيلها ملنحها الشخصية القانونية ،لذلك يجب البحث
عن بديل آخر كأساس للمسؤولية التقصيرية للروبوتات الذكية للغاية(.)2
كذلك ويرى جانب من الفقه املعارض لفكرة منح الشخصية القانونية لتقنيات
الذكاء االصطناعي أن االعتراف بالشخصية القانونية االعتبارية للروبوت يفتح الباب
بمصراعيه أمام املصنعين حتى يتخلصون من املسؤولية عن أفعال أجهزتهم ،وعن
العيوب التي تتعلق ببيانات البرامج والتدريب ،وعن الضرر الذي يمكن أن تسببه
للغير(.)3
75
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً ً
خالصة القول؛ إن منح الشخصية القانونية للروبوتات الذكية يعتبر أمرا مهما ألنه
يحد من مسؤولية املالك ،إال ان هذا الخيال القانوني ال يفي باملعايير التقليدية
للشخصية القانونية ،وذلك للمبالغة في تقدير القدرات الفعلية للروبوتات .فضال على
ً ً ً
أن منح الشخصية القانونية للروبوتات مثل الشخص الطبيعي أمرا صعبا جدا ألن
الروبوت سيتمتع بحقوق اإلنسان مثل الحق في الكرامة واملواطنة .وهذا األمر يتعارض
مع ميثاق الحقوق األساسية لالتحاد األوروبي واتفاقية حماية حقوق اإلنسان والحريات
األساسية .كما أنه ال يمكن منحه الشخصية القانونية على غرار الشخص املعنوي،
وذلك ألن الشخص املعنوي يخضع لتوجيه األشخاص الذين يمثلونه ،وهذا ال ينطبق
على الروبوتات الذكية ،وبالتالي فإن االعتراف بالشخصية القانونية للذكاء االصطناعي
ككيان قانوني ،سيؤدي إلى تخلص املنتجين والجهات املسؤولية األخرى من مسؤوليته(.)1
حينما نتحدث عن روبوت الذي يفكر ،يستنبط ،يتخذ القرارات بنفسه فيجب
عمل شخصية له (الشخص الذكي) وهي غير الشخصية الطبيعية (االنسان) ،وغير
الشخصية االعتبارية (املعنوية) فمن الضروري انشاء شخصية جديدة لتطبيقات
وكيانات الذكاء االصطناعي وهي الشخصية االلكترونية لتطبيقات الذكاء االصطناعي
حتى تتحمل بعض الحقوق وااللتزامات كون هذه االلة أصبحت تتخذ قرارات ذاتيه
بنفسها فيجب أن يتم إعطائها ،الجنسية ،اسم ،بعض الحقوق املالية ،وفرض عليها
بعض االلتزامات ومن هنا نستطيع ترتيب وفرض عليها قواعد املسؤولية ومن هنا يتوجب
االعتراف بالشخصية االلكترونية للذكاء االصطناعي.
إال أن التوجه ملنح شخصية قانونية للذكاء االصطناعي حتى يتحمل بنفسه هو
ً
املسؤولية ،فإن األمر يستوجب ذمة مالية خاصة به ،فالبعض يقترح أن يكون تأمينا
ً
كاف باعتبار التأمين ذو قيمة محددة ،ويكون بذات الوقت خدعة قانونية
عينيا فهو غير ٍ
ً ً
للبشر تسمح لهم بالتنصل من املسؤولية إذا كان الذكاء االصطناعي قادرا فعال على
76
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
االختراع ،واالبداع وبالتالي التفكير في منحه حق امللكية ،وإن ما توصل إليه في حقيقة
ً
األمر هو مجموعة جهود بشرية منحته القدرة ،وعليه فإن األمر يبقى مبهما ملن له الحق
ً
فعال في حقوق امللكية(.)1
ومن األمثلة على بعض الدول التي منحت الشخصية االلكترونية للذكاء االصطناعي
اململكة العربية السعودية ،ففي عام 2017م تم منح (الروبوت صوفيا) الجنسية
السعودية ،إال أنه تم انتقاده على نطاق واسع والسبب في ذلك هو أن معظم األكاديميين
متشككون و يتفقون على أن صوفيا ليس لديها معايير كافية ألي أخالقي أو قانوني ،على
ً
الرغم من االنتقادات ،وبالتالي فإن اململكة العربية السعودية هي أول دولة تمنح روبوتا
ً
يقوم على الذكاء االصطناعي شكال من أشكال الشخصية القانونية ،كما قامت منطقة
شوبويا في طوكيو بتخصيص محل إقامة للذكاء االصطناعي ،ومنحه الحقوق الكاملة
التي يتمتع بها الشخص الطبيعي(.)2
وكما ورد فيما سبق عند تناول تعريف الذكاء االصطناعي ّ
ومكوناته أنه عبارة عن
محاولة ملحاكاة الذكاء اإلنساني إلى درجة مقاربة ،عن طريق برمجة اآللة أو الحاسوب
على نمط معين يجعلها قادرة على التعلم والبحث وتحليل البيانات وفق اآللية التي
يصنعها املصنع لهذه التقنيةّ ،
وتبين من لفظ اصطناعي أن هذا النوع من الذكاء ال يوجد
وحده وإنما هناك من يقوم بتصنيعه وبرمجته على نحو معين ليتمكن من تأدية
ً ّ ً
مبرمجا،
الوظائف التي هو معد لها ،وهذا الشخص هو اإلنسان سواء أكان مصنعا أم ِ
ً
كما وأن تطبيقات الذكاء االصطناعي ال تعمل باستقالل ذاتي غالبا ،فهناك من يتحكم
( )1حمادي العطرة ،نون الزاهر ،تحديات الذكاء االصطناعي للقانون ،مذكرة مقدمة الستكمال شهادة
املاستر أكاديمي حقوق ،تخصص قانون أعمال ،جامعة قاصدي مرباح ورقلة ،كلية العلوم الحقوق
والعلوم السياسية2021-2020 ،م ،ص .67
( )2محمد خزيمية ،املسؤولية املدنية عن أضرار الذكاء االصطناعي دراسة مقارنة ،رسالة قدمت
ً
استكماال ملتطلبات درجة املاجستير في القانون املدني ،الجامعة العربية األمريكية ،كلية الدراسات
العليا ،جنين2023 ،م ،ص .39
77
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً ً
مستخدما فقط ،وقد أثارت هذه النقاط فكرة النائب
ِ بها سواء أكان مالكا لها أم
اإلنساني املسؤول عن أفعال الذكاء االصطناعي(.)1
في املسؤولية املدنية نظرية النائب اإلنساني :وهي عبارة عن نظرية انشأها
األوروبيون سنة 2017م وتجعل املبرمج ،املستخدم ،املصنع ،نائب عن التطبيق أو
الكيان أو النظام وضمنيا االعتراف بشخصية جديدة وتمهيد الطريق لالعتراف بوجود
شخصية ثالثة في القانون اال وهي الشخصية االلكترونية للذكاء االصطناعي أوروبا عن
طريق هذه النظرية حملت املسؤولية للنائب اإلنساني بقوة القانون عن روبوته النائب
اإللكتروني.
ففي عام 2016م ذهب القضاء األمريكي إلى العثور على مصطلح النائب االلكتروني
والذي يدل على برامج الحاسوب املستقلة( .)2وفي عام ( )2018ذهبت محكمة النقض
ً
الفرنسية أيضا للعثور على روبوت يطلق عليه (روبوت الرد على رسائل البريد اإللكتروني)
عرف على أنه« :برنامج حاسوبي معلوماتي ،دون منحه أي صفة نيابية عن مشغله؛ أي ُوي َّ
مجرد وسيلة تسهم في تدفق البيانات في الفضاء الرقمي خدمة للحاجات العامة من جهة
أخرى»(.)3
ً
وفي الحقيقة يذهب اتجاه نظرية النائب اإلنساني «للقول بأن الروبوت ليس شيئا أو
ً
جمادا ،بل إنه كائن آلي بمنطق بشري مبتدئ قابل للتطور والتعقل ،وعلى هذا األساس
برزت فكرة النائب اإلنساني املسؤول عن الروبوت والتي تختلف عن فكرة حارس األشياء
78
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
( )1همام القوص ي ،االفتراضية للروبوت وفق املنهج اإلنساني-دراسة تأصيلية تحليلية استشرافية في
القانون املدني الكويتي واألوروبي ،مجلة جيل األبحاث القانونية املعمقة ،عدد ،2019 ،35ص.11
( )2البلغيتي ،مرجع سابق ،هامش ،68ص .31-30
( )3البلغيتي ،مرجع سابق ،هامش ،68ص .31
79
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
لخدمه عمالئه ،كالطبيب مالك املستشفى الذي يملك ويشغل روبوت طبي للقيام
بعمليات جراحية ُفيسأل املالك إذا وقع خطأ من الروبوت على سالمة أي شخص أو
أحد من األشخاص املرض ى(.)1
لم يقم قانون الروبوت األوروبي بوضع املالك في بداية الوكالء اإلنسانين بل وضعه
بعد الصانع واملشغل ،وعلى عكس نظرية حارس األشياء التي تفرض املسؤولية على
املالك حيث تقوم عليه قرينة لحراسة الش يء حتى وإن حصل الحادث مع املشغل وقد
ذهب جانب من الفقه إلى فرض املسؤولية املحدودة على مالك الروبوت صاحب القرار
املستقل ،فيتم مساءلة املالك في حدود قيمه الروبوت دون أن يتم الرجوع على كامل
ذمته املالية ،وذلك بغرض ان يتم حصر مخاطر تشغيل الروبوت(.)2
-املستعمل : User-Utilisateurوهو الشخص التابع الذي يقوم على استعمال
ً
الروبوت شخص غير املالك أو املشغل ،ويكون املستعمل مسؤوال عن سلوك الروبوت
ً
الذي قد سبب ضررا للناس ،في حين اتجاه القانون املدني للروبوتات إلى غير اتجاه نظرية
حارس األشياء التي كانت تفرض املسؤولية على املالك وحتى إن تسبب التابع بالحادث إثر
ً
استعماله للش يء ،وذلك خالفا لنظرية مسؤولية املتبوع(املالك) عن أعمال التابع
ً ً ً ً ً
(املستعمل) ،وخالفا أيضا لالعتبار املالك حارسا مفترضا في جانبه الخطأ وفقا للقواعد
العامة(.)3
ً ً
وعلى كل حال يجب التنبيه إلى إمكانية أن يكون املستعمل شخصا منتفعا
بالروبوت ،ومثاله :كأن يحدث أن يستعمل الحافلة الروبوت ذاتية القيادة مجموعة من
األشخاص املسافرين عبر لوحة إلكترونية ،فيقوم أحد األشخاص بإرسال أمر خاطئ
ً ً
للحافلة ما يتسبب بوقوع حادث مروري ،أو قد يتخذ املشغل املحترف مستخدما بشريا
( )1همام القوص ي ،إشكالية الشخص املسؤول عن تشغيل الروبوت ،مجلة جيل األبحاث القانونية
املعمقة ،العدد 2018 ،25م ،ص .7
( )2القوص ي ،املرجع سابق ،هامش ،169ص.7
( )3البلغيتي ،مرجع سابق ،هامش ،68ص .32
80
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
الستعمال الروبوت بحيث يكون مساعدا له ،فقد يقاض ي املستعمل وهو مستخدم تابع
لدى الشركة املشغلة للروبوت بسبب إهمالها في صيانته ،وحيث أنه قد اقترح القانون
األوروبي فرض التأمين اإللزامي على املالك أو الصانع في سبيل نقل املسؤولية املدنية عن
كاهلهم مهما كانت طبيعتها ،لنقل عبء املسؤولية عنهم وحل تلك املشكلة(.)1
انتشر في أحد املجالت األجنبية بأن قد وقعت حادثة في شهر فبراير من عام ،2016
حيث قامت سيدة من كوريا الجنوبية بشراء مكنسة آلية قد تم برمجة هذه املكنسة على
ً
أن تتحرك فورا وتنظف املكان بشكل تلقائي بمجرد سقوط أي ش يء على األرض ،وفي
أحد األيام صادف أن قامت السيدة الكورية بالنوم على األرض فتحركت املكنسة اآللية
بشكل تلقائي بعد استشعارها بوجود ش يء على األرض وشفطت املكنسة اآللية شعر تلك
السيدة الكورية مما اضطر األمر االتصال بخدمة الطوارئ لكي يتم إنقاذها(.)2
بالتالي فإن فكرة جلب أجهزة آلية للمنزل تبعث لنا رسالة مفادها :أنه في الوقت
الذي تصبح فيه أجهزة الروبوت متصلة باإلنترنت بشكل متزايد ،وقادرة على االستجابة
ً
للغة البشر الطبيعية ،فإن الشخص سيكون في حاجة إلى أن يصبح أكثر حذرا بشأن
تخمين ماهية ذلك الشخص أو الش يء الذي يتحدث إليه(.)3
ً ً
تبنى قانون العقوبات املغربي اتجاها مغايرا ملوقف القانون املدني االوروبي
للروبوتات ،فقد طبق نظرية حارس األشياء التي تفرض املسؤولية على املالك ،إلعتبار أن
ً ً
املالك حارسا مفترضا في جانبه الخطأ وفقا للقواعد العامة ،أما القانون املدني األوروبي
فقد استند على فكرة الخطأ الواجب اإلثبات ،واعتبر فيه أن النائب هو املسؤول عن
81
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
التعويض بسبب تشغيل الروبوت على أساس الخطأ الواجب اإلثبات على النائب الذي
ً ً ً
قد يكون صانعا أو مشغال أو مالك أو مستعمال للروبوت(.)1
يرى بعض القانونيين أن الحديث عن منح الشخصية القانونية آلالت الذكاء
ً
االصطناعي وتقنياته يعتبر شكال من أشكال الترف القانوني الغير مبرر واملثير للجدل
بشكل كبير ،مؤكدين على أنه ال حاجة ملنح هذه الشخصية للذكاء االصطناعي ،مع
االكتفاء بتوصيفه واعتباره القائم أنه بحكم األشياء ،مع األخذ باالعتبار أن القواعد
القانونية الناظمة لهذه األشياء تكفل التعامل القانوني الصحيح معها(.)2
«إن فكرة التشخيص القانوني للروبوت كما تقول محكمة استئناف باريس ال تفعل
سوى نقل املشكلة ،بمعنى أن األشخاص الذين يقع عليهم املساهمة في تغذية الذمة
املالية للروبوت بهدف التمكين من تعويض الضحايا سيكونوا على األرجح نفس
األشخاص الذين ستنعقد مسؤوليتهم في حال تطبيق القواعد العامة في املسؤولية»(.)3
أي أن نقل املسؤولية للروبوت سيؤدي لظهور مشكلة أخرى تتعلق بإعاقة وظيفة
املسؤولية املدنية في تحقيق الردع والوقاية ،كون أن الفاعلين أو األطراف التقليدية لن
يتحملوا على األرجح عبئ دعاوى املسؤولية التي ستوجه إليهم.
كما أن محكمة باريس تذهب بالقول الراجح ّأن فكرة التشخيص القانوني للذكاء
ألن مسؤولية التعويض ستنسب إلى االصطناعي تسبب مشكلة من حيث التعويضّ ،
األشخاص الطبيعيين وليس على الذكاء االصطناعي ،لذلك يرفض هذا االتجاه بشكل
مطلق منح الشخصية القانونية للذكاء االصطناعي( ،)4كما أنه يذهب (املشرع الفرنس ي)
ُ ً
إلى اعتبار الذكاء االصطناعي والحيوان واحد بحيث ّأن كال من الحيوان والذكاء
االصطناعي ال يمكن منحهما الشخصية القانونية ،فالحيوان ال يمكن أن يكون قائم على
82
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
االعتبار الشخص ي كذلك الحال فيما يتعلق بالذكاء االصطناعي ،فاملشرع الفرنس ي يرى
ّأن ما ينطبق على الحيوان ينطبق على الذكاء االصطناعي(.)1
ومع ذلك فإنه قد يقوم الذكاء االصطناعي بالتسبب بحدوث بعض األخطاء التي قد
تلحق الضرر باآلخرين ،والتي يصعب التعامل معها وحسب القوانين الحالية ،وأن هذا
الخطأ من املمكن أن يكون بسبب حقيقة اتخاذ الذكاء االصطناعي لقراراته بنفسه دون
أن يتلقاها من قبل صاحبه ،أو حدوث خلل ما في برمجته ،وهذه األسباب التي تجعله
مصدر خطر على املجتمع ،وبالتالي ال يمكن تحديد السبب الذي أدى إلى ظهور هذا
الخطأ ،مما يدفعنا إلى التفكير في شخصية الذكاء االصطناعي ،حتى يمكن تحديد
الشخص املسؤول عن حدوث هذا الضرر والتعويض عنه(.)2
وبناء على ما سبق نالحظ أنه ال يتمتع الذكاء االصطناعي وتقنياته بالشخصية
القانونية ،ألنها أنظمة مستقلة ،والضرر الذي تحدثه هذه األنظمة يمكن بل ويجب أن
ينسب إلى أشخاص أو منظمات قائمة ،وهناك مخاطر معنوية وغير مقبولة من هذا
األمر ،إال أنه توجد عدة دعوات ووجهات نظر تدعو وترنو إلى املستقبل مضمونها
االعتراف بالشخصية القانونية لها ،وذلك من أجل أن يتم إلقاء املسؤولية عليها ،حتى
يتم التمكن من تعويض الضحايا نتيجة األضرار الناتجة بشكل فعال وسريع ،بحيث ال
يكون هناك أي أعباء إلثبات االضرار بتكلفة كبيرة أو لفترة طويلة حتى إال أنها كانت
ً
وجهة محال للنقد وغير مفيدة.
( )1محمد ،مجاهد ،املسؤولية املدنية عن الروبوتات ذات الذكاء االصطناعي «دراسة مقارنة» ،املجلة القانونية،
عدد 2021 ،2من ص.309
( )2خزيمية ،مرجع سابق ،هامش ،162ص.2
83
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املطلب الثاني
املسؤولية اجلنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
إن املسؤولية القانونية هي األساس القانوني الذي يتم بناء عليه توجيه االتهام
بارتكاب الجريمة لشخص معين ،وال بد أن تكون هناك عناصر معينة تقوم عليها ،ففي
الركن املادي يكون بارتكاب فعل أو عدة أفعال مادية تمثل الفعل الغير مشروع ويعاقب
القانون على ارتكابه ،والركن املعنوي الالزم الرتكاب الجريمة(.)1
تقوم املسؤولية الجنائية على تحمل الشخص لتبعات أفعاله التي تعد جرائم،
ً
وتعتبر هذه املسؤولية ال تطال كمبدأ عام إال اإلنسان املرتكب للفعل الجرمي تكريسا
ألحد املبادئ املؤطرة للقانون الجنائي الكالسيكي أال وهو مبدأ شخصية العقوبة
الجنائية ،إال أنه وأمام التطورات والتحوالت التي عرفها األفراد واملجتمعات ،واستيعابها
ألنشطة صناعية جديدة ،وزيادة مساحة الخطر الذي يهدد األفراد بسبب هذه
ً
األنشطة ،وتبعا لذلك طرح تساؤل قانوني عن إمكانية مسائلة الروبوت كأحد الفاعلين
لهذه األنشطة(.)2
وال مجال للشك في أنه ال تقتصر املسؤولية الجنائية على الفعل اإليجابي ،بل تنتج
ً
وتنجم أيضا عن الفعل السلبي كما اإليجابي على حد سواء ،ما دام القانون يقوم بتجريم
ُ
ذلك الفعل أو تركه ،وحتى تفرض املسؤولية الجنائية على شخص ما ،فإنه ينبغي توافر
عنصران رئيسيان ،أولهما العنصر الواقعي أو الخارجي أي السلوك اإلجرامي أو الفعل
االجرامي ،ويتمثل العنصر الثاني في العنصر الداخلي أو العقلي أي النية اإلجرامية ،وإذا
تخلف أي عنصر من هذه العناصر فإنه يؤدي النتفاء املسؤولية الجنائية(.)3
84
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
فعلى سبيل املثال عندما يفي الروبوت الذكي بجميع عناصر الجريمة على
الصعيدين الخارجي والداخلي ،فال يوجد أي سبب يمنع فرض املسؤولية الجنائية على
الروبوتات الذكية عن تلك الجريمة املرتكبة ،وعندما يعمل الروبوت الذكي من خالل
البرمجيات والخوارزميات بشكل صحيح ،فال يوجد يمنعه من استخدام جميع ملفات
القدرة على تحليل البيانات الواقعية الواردة من خالل مستقبالته ،ومن ثم ُيسأل جنائيا .
وبالنسبة لبعض الدفوع فيجب تعديل النصوص املنظمة لها على نحو يتماش ى مع
ً
طبيعة الروبوتات ،فمثال يتم تطبيق الدفع بانعدام املسؤولية حال ارتكاب الجريمة تحت
تأثير مادة مسكرة مثل الكحول واملخدرات أو بسبب الجنون ،فمثل هدا التأثير يتشابه
مع تأثير فيروس إلكتروني على عمل ما لتلك الروبوتات(.)1
ً ً
وانطالقا ملا سبق فإنه ترتبط املسؤولية الجنائية ارتباطا وثيقا بالعقاب وال تنفصل
ً
عنه ،ونظرا لخطورة األفعال الجنائية ومساسها بالنظام العام فإن العقوبات التي
حددها املشرع لذلك غالبا ما تكون صارمة تتراوح بين الغرامات الزجرية والعقوبات
السالبة للحرية قد تصل إلى حد اإلعدام في بعض الحاالت الخاصة(.)2
ومن األمثلة على ذلك في مجال الذكاء االصطناعي وجود روبوت يقوم بعمل معين،
وحدث عطب أو خطأ ما مما أدى لتعرض شخص إلصابة وتوفي على الفور ،ففي هذه
ً ً
جدال حول الحالة من الصعب تحديد من هو املسؤول جنائيا ،كونه ما زال هناك
الطبيعة القانونية للذكاء االصطناعي ،إال أننا يمكننا تبسيط االمر واعتبار عمل
الروبوتات وما في حكمها دخل نطاق املسؤولية الجنائية.
إن إتاحة فرض املسؤولية الجنائية على الكيانات باعتبارها مرتكبي الجرائم املباشرة
ً
يقر أيضا بإمكانية كون الكيانات املستقلة متواطئة ،أو مرتكبة مشتركة ،أو محرضة ،أو
85
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
شريكة ،وما إلى ذلك ،طاملا تم استيفاء متطلبات العناصر الفعلية والعقلية بالكامل(.)1
إال انه وألهمية التكليف يمكن أن تنعدم أو تصير في حكم العدم فيتعذر إسناد
املسؤولية الجنائية للروبوتات ،هناك حاالت تبطل فيها املسؤولية الجنائية بحكم
القانون ورغم توفير الشروط املوضوعية لقيامها ،وتعرف هذه الحاالت بحاالت اإلباحة
في التشريع الجنائي(.)2
بشكل عام ،وعلى املستوى األوروبي فإنه تغطي القواعد الحالية للمسؤولية
الحاالت التي يمكن فيها إرجاع أفعال الروبوتات أو إغفالها إلى وكيل بشري معين كالشركة
املصنعة ،أو املالك أو املستخدم ،بحيث يمكن أن يكون إمكانية لتنبؤ الوكيل بذلك،
وقد تم وضع بعض التصورات للمسؤولية الجنائية فيما يخص كيانات وبرامج الذكاء
االصطناعي ،أولها أن تكون املسؤولية الرتكاب الجريمة بواسطة شخص آخر ،وستكون
التهمة حينها موجهة للمنتج ،أو املبرمج أو املستخدم النهائي ،والتصور اآلخر في حالة
املسؤولية املحتملة والعواقب غير املتوقعة وهنا يتم استبعاد املبرمج أو العنصر البشري
من تحمل املسؤولية وذلك لعدم تورطه ،ويتم ارجاع السبب إلى وجود خلل بالطريقة التي
كان يجب أن يفكر بها الكيان(.)3
يعتبر القانون الجنائي الفعل أنه أي أداء مادي له مظهر خارجي واقعي ،سواء كان
ذلك بإرادة أو بغير قصد .وعلى هذا األساس ،فإن تكنولوجيا الذكاء االصطناعي قادرة
على القيام بأفعال تلبي متطلبات السلوك .وهذا ال ينطبق فقط على تكنولوجيا الذكاء
االصطناعي القوية ،ولكن ً
أيضا على التقنيات األقل بكثير ،فعندما يقوم الروبوت
بتحريك ذراعيه أو أي من أجهزته األخرى ،فإنه يعتبر أنه يتصرف .وهذا صحيح عندما
تكون الحركة نتيجة لحسابات داخلية يقوم بها الروبوت ،ولكن ليس عندها فقط ،وحتى
86
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
لو تم تشغيل الروبوت بالكامل بواسطة مشغل بشري من خالل جهاز التحكم عن بعد،
ً
فإن أي حركة للروبوت تعتبر عمال .ولذلك ،فحتى الروبوتات غير املتخصصة في
تكنولوجيا الذكاء االصطناعي لديها القدرة الفعلية على أداء األفعال ،بغض النظر عن
ً
دوافع الفعل أو أسبابه .وهذا ال يعني بالضرورة أن هذه الروبوتات مسؤولة جنائيا عن
ً
أفعالها ،ألن فرض املسؤولية الجنائية يجب أن يستوفي أيضا شرط الركن العقلي ،ولكن
فيما يتعلق بأداء فعل من أجل استيفاء شرط عنصر السلوك ،فإن أي أداء مادي ذو
ً ً
تمثيل خارجي واقعي يعتبر فعال ،سواء كان املؤدي الجسدي كيانا قويا أم ال(.)1
عرف التقصير على أنه تقاعس عن العمل يتعارض مع الواجب في القانون الجنائيُ ،ي ّ
املشروع للتصرف .ووفقا لهذا التعريف فإن مصطلح الواجب الشرعي له أهمية كبيرة.
وعكس العمل ليس اإلغفال ،بل التقاعس عن العمل ،وملا كان القيام بش يء ما هو عمل،
فإن عدم القيام بأي ش يء هو تقاعس عن العمل ،والتقصير هو درجة متوسطة من
السلوك بين الفعل والتقاعس ،ويعتبر اإلغفال ليس مجرد تقاعس عن الفعل ،بل هو
تقاعس يتناقض مع واجب الفعل املشروع :فاملذنب الذي يتجاهل مطلوب منه أن
يتصرف ،لكنه يفشل في القيام بذلك ،إذا لم يرتكب أي فعل ،ولكن لم يتم فرض واجب
التصرف ،فال وقد ارتكبت اإلغفال(.)2
ال يعترف املفهوم الحديث للسلوك في القانون الجنائي بأي اختالفات جوهرية أو
وظيفية بين األفعال واإلغفاالت لفرض املسؤولية الجنائية ،لذلك يمكن ارتكاب أي
جريمة عن طريق الفعل أو االمتناع .ومن الناحية االجتماعية والقانونية ،فإن ارتكاب
الجرائم عن طريق االمتناع ال يقل خطورة عن ارتكابها عن طريق الفعل ،إن معظم
النظم القانونية تقبل هذا النهج الحديث ،وليست هناك حاجة صراحة إلى اشتراط أن
جزءا من الركن الفعلي للجريمة ،فقد تحدد الجريمة السلوك املحظور، يكون اإلغفال ً
الذي يمكن ارتكابه من خالل األفعال أو من خالل اإلغفال وعلى هذا األساس ،يمكن
87
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
لتقنية الذكاء االصطناعي إجراء عمليات إهمال تلبي متطلبات السلوك .وهذا ال ينطبق
فقط على تكنولوجيا الذكاء االصطناعي القوية ،ولكن ً
أيضا التقنيات األقل بكثير.)1( .
جسديا ،التكليف باإلغفال يتطلب عدم القيام بأي ش يء ،وليس هناك شك في أن ً
ً
جسديا على ارتكاب أي أي آلة غير قادرة على فعل أي ش يء؛ ولذلك ،فإن أي آلة قادرة
ً
إغفال .وبطبيعة الحال ،لكي يعتبر التقاعس تقصيرا ،ال بد من وجود واجب قانوني
وناشئا عن قانون أو عقد ،وكان ً يناقض التقاعس ،فإذا كان هذا الواجب مو ً
جودا،
ً
موجها إلى اآللة ،فال شك أن اآللة قادرة على ارتكاب تقصير فيما يتعلق بذلك الواجب
الواجب(.)2
أيضا فيما يتعلق بالتقاعس عن العمل .التقاعس عن العمل هووهذا هو الوضع ً
العكس الواقعي الكامل للفعل ،إذا كان الفعل هو فعل ش يء ،فإن التقاعس عن الفعل
ال يعني القيام به ،أو عدم القيام بأي ش يء .وفي حين أن اإلغفال هو تقاعس عن العمل
يتناقض مع واجب مشروع في التصرف ،فإن التقاعس عن العمل ال يتطلب مثل هذا
ً
التناقض .فالترك ليس فعال عندما يكون هناك التزام بفعل ما ،في حين أن التراخي ليس
ً
فعال عندما ال يكون هناك التزام بفعل أي ش يء .يتم قبول التقاعس عن العمل كشكل
مشروع من أشكال السلوك فقط في املسؤولية الجنائية املشتقة (على سبيل املثال،
الشروع ،أو ارتكاب الفعل املشترك ،أو ارتكاب الفعل من خالل شخص آخر ،أو
التحريض ،أو التواطؤ) ،وليس في الجرائم الكاملة واملستقلة .في هذه الحاالت ،عندما
ً
جسديا بنفس يتم قبول التقاعس كشكل مشروع من أشكال السلوك ،فإنه يتم ارتكابه
طريقة التقصير(.)3
وبالتالي ،إذا كانت تكنولوجيا الذكاء االصطناعي قادرة على ارتكاب الفعل من خالل
أيضا على ارتكاب الفعل من خالل التقاعس عن اإلغفال عن السلوك ،فهي قادرة ً
88
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
تلقائيا عن هذا ً
جنائيا الفعل ،وهذا ال يعني بالضرورة أن اآلالت أو الروبوتات مسؤولة
اإلغفال أو التقاعس عن العمل ،ألنه لفرض املسؤولية الجنائية ،من الضروري أيضاً
تلبية متطلبات الركن العقلي ،وال يكفي لتلبية متطلبات الركن الفعلي .وبالتالي ،يمكن
لآلالت تلبية العنصر اإللزامي لشرط العنصر الفعلي أي السلوك(.)1
وال يلزم أن تكون هذه اآلالت متطورة للغاية أو حتى تعتمد على تقنية الذكاء
االصطناعي ،فاآلالت البسيطة قادرة على التصرف بموجب تعريفات ومتطلبات القانون
الجنائي ،ولفرض املسؤولية الجنائية على أي كيان ،فهذه خطوة أساسية ،حتى لو لم
تكن كافية ،وال يمكن فرض أي مسؤولية جنائية إذا لم يتم استيفاء شرط السلوك،
ولكن السلوك وحده ال يكفي لفرض املسؤولية الجنائية(.)2
تنشأ مسألة املسؤولية الجنائية للذكاء االصطناعي عادة عندما تكون السيارات
ذاتية القيادة متورطة في القتل نتيجة حوادث السيارات ،والروبوتات الجراحية عندما
ترتكب أخطاء جراحية ،أو عندما تشارك خوارزمية التداول في عمليات االحتيال ،وكل ما
ً
سبق يترتب عليه سؤال قانوني مهم جدا ،وهو من الذي سوف يتحمل املسؤولية
الجنائية عن جرائم هذه التقنيات وأضرارها ،هل ستترتب املسؤولية الجنائية على
الشركة املصنعة أم املبرمج أم املستخدم أم الذكاء االصطناعي نفسه أم سيتحمل الغير
ذلك ،كل ذلك سوف يتم الحديث واإلجابة عنه.
إن القانون الجنائي يقوم على مبدأ الجريمة الفردية ،ومن ناحية أخرى ال تمتلك
آالت الذكاء االصطناعي أي وعي أو أية ضمير ،وال تزال املسائل العملية املتعلقة بالقانون
املدني سائدة خاصة التي تتعلق بالسيارات ذاتية القيادة بالكامل ،أو في بعض عملياتها
يقول نيكوالس وولتمان ،وهو املساعد في مركز أبحاث قانون الروبوت في جامعة أملانية،
إن «قائد السيارة يكون في الوقت الحالي مسؤوال أيضا عن الحوادث املتعلقة بسيارته
89
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
حتى ولو لم يكن متورطا فيها ،ولكن هل من الصائب توجيه اتهام جنائي لشخص عندما
ً
يكون الذكاء االصطناعي هو املسؤول عن قيادة السيارة ومتحكما فيها»؟ .وأضاف قائال
إن «الشركة يمكن أن تكون أيضا مسؤولة عن الحوادث في القانون املدني» بعكس
القانون الجنائي ،ووضح أن «األفراد فقط يمكنهم ارتكاب جرائم وليس الشركات أو
اآلالت(.)1
وملواجهة تلك املشكلة طرح خبراء املسائل األخالقية والقانونية مفهوم «السيطرة
البشرية ذات املغزى» حيث تقول سوزان بيك ،أحد أستاذة القانون الجنائي وفلسفة
القانون بجامعة هانوفر األملانية« :قبل إلقاء املسؤولية الجنائية على شخص ما يجب
إلقاء نظرة متفحصة على ما إذا كان قد مارس أية سيطرة على اآللة» (.)2
ُيرجح أنصار املذهب التقليدي في الفقه القانوني الجنائي املسؤولية الجنائية إلى
ّ ً ً
مجرما يكون لدى هذا االنسان حرية االختيار ،فاإلنسان عندما يرتكب سلوكا يعتبر
خيار بين ارتكاب الجريمة وبين االمتناع عن ارتكابها ،وعلى الرغم من ذلك فهو يقدم على
ً
ارتكاب الجريمة مختارا ،وهذا األمر هو أساس املسؤولية الجنائية ،فإذا ثبت أن هذا
االنسان قد ارتكب تلك الجريمة نتيجة لعوامل أفضت إلى فقدانه حرية االختيار فعندها
ال يكون هناك مجال للمساءلة الجنائية(.)3
تتفق التعريفات الفقهية للمسؤولية الجنائية على ،أنه :ال تنشأ املسؤولية الجنائية
ً
إال إذا توافرت جميع أركان الجريمة ،فهي أثر الجتماعهما وليست ركنا من أركانها ،وعلى
ً
هذا يعد ارتكاب الجريمة ركنا مقدمة ال بد منها لتحمل املسؤولية الجنائية وقيامها في
حق الفاعل ،وبمفهوم املخالفة فإنه في حال عدم وجود جريمة ال يمكن القول بوجود
( )1انظر إلى املوقع اإللكتروني ،إذا كان خصمك إنسان آلي «روبوت» فمن تقاض ي؟،Deutsche Welle ،
،2019،https://p.dw.com/p/3LJ8Oتاريخ الزيارة ،2023 /10 /26بدون رقم صفحة.2023 ،
( )2موقع الكتروني ،مرجع سابق ،إذا كان خصمك إنسان آلي «روبوت» فمن تقاض ي ،املرجع السابق ،هامش
،196بدون رقم صفحة.
( )3هشام فريد ،الدعائم الفلسفية للمسؤولية الجنائية ،القاهرة ،دار النهضة العربية1981 ،م ،ص .237
90
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املسؤولية الجنائية ،وتعني املسؤولية مساءلة وسؤال مرتكب الجريمة عم فعله وتقرير
عقوبة له(.)1
ويرى جانب من فقهاء القانون الجنائي أن الجريمة تتكون من ثالثة أركان ،األول:
ركن القانوني املتمثل في النص القانوني الذي يجرم الفعل ويقرر له عقوبة ،والثاني :ركن
مادي يتمثل في السلوك اإلجرامي الذي يرتكبه الجاني وتتحقق به النتيجة الجرمية،
والثالث :ركن معنوي يتمثل في القصد الجنائي أو الخطأ .وهناك جانب آخر من الفقه
الجنائي يرى أن للجريمة ركنان اثنان فقط ،وهما :الركن املادي والركن املعنوي ،فال
يمكن بحال أن يعد نص التجريم الذي هو األساس العتبار الفعل جريمة أو غير جريمة
ً
ركنا من أركانها(.)2
ّ
ومجرم ويتم وتتمثل جرائم الذكاء االصطناعي في كل سلوك يكون غير قانوني
بواسطة استخدام أجهزة الذكاء االصطناعي ،ويترتب عليه حصول الجاني على فوائد
مادية أو معنوية ووقوع أضرار كبيرة على املجني عليه ،وفي الغالب والشائع يكون هدف
هذه الجرائم القرصنة من أجل القيام بسرقة أو إتالف املعلومات املوجودة على هذه
األجهزة(.)3
وملا كان الذكاء االصطناعي وتقنياته يتميز بالغموض ،ويتخذ قراراته بناء على ما
تعلمه مما ال يمكن معه التنبؤ بتصرفاته ،بالتالي فقد يخترع استراتيجيات أو يتخذ
ً
قرارات غير متوقعة ويتعلم أن يحدث خطئا فيقوم بإصدار قرارات خاطئة يترتب عنها
( )1محمود حسني ،شرح قانون العقوبات اللبناني ،القسم العام ،بيروت ،دار النهضة العربية1984 ،م،
ص .469
( )2واثبة السعدي ،الوجيز في شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،النظرية العامة للجريمة والعقاب،
عمان ،دار اليازوري2012 ،م .ص .71
( )3خضر دولي ،ناصري نفيسة ،دور الذكاء االصطناعي في مواجهة الجرائم اإللكترونية ،مجلة املؤشر
للدراسات االقتصادية ،جامعة ظاهري محمد بشار ،الجزائر ،2018-2017 ،ص .35
91
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
(1) Matilda— Artificial Intelligence and the External Element of the Crime An Analysis
of the Liability Problem- Spring 2017- JURIDICUM – JU101A, Final Thesis for the Law
Program, Second Cycl.-26.
( )2إطميزي ،مرجع سابق ،هامش ،31ص.35-34
( )3مشاعل القايدي ،املسؤولية الجنائية للذكاء االصطناعي ،بحث مقدم ضمن متطلبات مقرر مشروع
التخرج (حقوق )498في برنامج بكالوريوس الحقوق ،جامعة طيبة ،اململكة العربية السعودية1442 ،ه،
ص.4
92
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
تحديد املسؤول جنائيا عن هذه األفعال ،وكذلك تأثير الذكاء االصطناعي على النظام
القانوني(.)1
لقد تحدثنا في املبحث األول املطلب الثاني عن عدة أنماط من نماذج الذكاء
االصطناعي وتمت التفريق بينهما ،ففي النموذج البسيط الغالب على تطبيقات الذكاء
االصطناعي فيها أنها ال تعمل باستقالل وإنما تعمل بتحكم اإلنسان فيها ،غالبا املسؤولية
الجنائية واالضرار في هذه النوع تقع على عاتق مستخدم هذه اآلالت لحظة حدوث
الضرر أثناء استخدامها مثل مستخدم الهاتف املحمول بشرط أن يكون املبرمج قد عمل
على تعيين وبرمجة املهام التي يقوم بها هذه االلة من غير وجود أي إهمال منه أو أي
تالعب بحيث ال تخرج هذه التقنيات عن املهام املكلفة بها وإال أصبحت هناك مسؤولية
جنائية أخرى قد تقع على املصنع أو املبرمج أو الذكاء االصطناعي نفسه بل وحتى طرف
خارجي غيرهم وسوف أوضح ذلك الحقا.
أما بالنسبة لنموذج الذكاء االصطناعي املتقدم قد يعمل باستقالل إلى حد ما لكنه
بشكل غير تام ،قام املصنع بصنع الذكاء االصطناعي في هذا النوع وعمل على برمجته
ً ً ً
وفقا لنظام خاص يعمل به ووفقا له ،وقد تحدثنا سابقا أن هذا النموذج املتقدم يعتبر
أكثر شمولية من النموذج البسيط وال يقتصر فقط على تكليف االلة بالقيام بأوامر
معينة ومعطاة لها بل و يتم تمكينها وبرمجتها على إمكانية االلة من التفكير ذاتيا وتطوير
ذلك بناء على خوارزميات برمجية وقواعد بيانات ضخمة مما يمكنها من تطوير نفسها
واتخاذ قرارات ذاتية وتنفيذ هذه القرارات فبالتالي أصبحت شبيهة بالبشر .في هذه
الحالة في جميع السلوكيات تقريبا فذلك ادى إلى القول بأنه بمقدار الجزء املتيقن من
السلوك تكون املسؤولية الجنائية وبالتالي في هذه االوضاع أصبح الجزء املتيقن من
السلوك يقع على عاتق هذا الذكاء االصطناعي ومن االمثلة على هذا النوع :الحواسيب،
والسيارات ذاتية القيادة وغيرها فبالتالي هنا يجب خلق مسؤولية جنائية للذكاء
93
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
االصطناعي نفسه وهذا غير موجود في القانون وال جريمة وال عقوبة اال بنص فبالتالي
يجب تنبيه املشرع في أن يبدأ باستحداث مسؤولية الذكاء االصطناعي نفسه حتى
يستطاع ان يتم معاقبة تقنيات الذكاء االصطناعي على الجرائم املرتكبة منها وكل هذه
األمور سوف يتم توضيحها بشكل مفصل الحقا.
وبناء على ما سبق نالحظ أنه مهما كان االختالف في أنماط ونماذج عمل الذكاء
االصطناعي فإن هذا ال يعفيه من املسؤولية القانونية ،ألن أفعال الذكاء االصطناعي قد
ً
تشكل ضررا بالغير أو جريمة ،وهي بطبيعتها ال تنفك عن اإلنسان الذي قام بصنعها
وبرمجها أو الذي يملكها ويستخدمها ،والذي يفترض فيه العلم بنتائج هذه األفعال
تحمل هو مسؤوليتها بنسبةوبالتالي عليه أن يسعى ويبذل الجهد لتجنبها ،وإذا وقعت ّ
ً ً ّ ً
مصنعا أم مبرمجا أم مالكا أم مساهمته فيها ،وكل شخص حسب موقعه سواء أكان
ً
مستخدما وهكذا.
توصف املسؤولية الجنائية بالنسبة ألضرار الذكاء االصطناعي بأنها كثيرة التعقيد
فهناك أربعة أطراف ترتبط بهم املسؤولية الجنائية وهم :املصنع أو املبرمج لتقنيات
الذكاء االصطناعي ،واملالك لتقنية الذكاء االصطناعي ،وتقنية الذكاء االصطناعي نفسها،
وطرف خارجي غير هؤالء األطراف الثالثة.
تعتبر املسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي موضوعا مهما« .هل تقع
على الشركة املنتجة أم على املالك ،أم حرية اإلرادة واتخاذ القرار املتوفر للذكاء
االصطناعي تجعله مسؤوال بصورة منفردة عن أفعاله ،وإذا توافرت هذه الحالة األخيرة،
فهل يمكن واقعيا مسائلته جنائيا؟»(.)1
إن الخطورة األكبر تكمن في انترنت األشياء .فعندما يتم إعطاء لتطبيق معين أو
كيان ما املسؤولية والشخصية التي تترتب عليها املسؤولية بمعنى ذلك هل يستطيع
الروبوت أن يتقاض ى؟ أو يكون مجني عليه؟ أو أن يدعي بالحق املدني؟ هل يمكن القيام
94
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
باستجوابه من قبل النيابة العامة؟ هل يمكن لهذا الروبوت (املحامي الروبوت االلة) أن
يقوم بعمله كمحامي وأن يتلقى توكيال من الخصوم؟ وأن يمثل أمام املحاكم...الخ؟ هل
نستطيع فرض عقوبة عليه؟
تتمثل أغراض العقوبة في نظريات العقوبة مثل :الردع العام ،والردع الخاص،
وتحقيق العدالة.
فعليا وحتى تاريخ هذا اليوم لم توضع قواعد في املسؤولية الجنائية على عكس
املدنية والدولية ففي املسؤولية الدولية على سبيل املثال اعتبروا االلة التي تقوم بقتل
الناس أفضل من اإلنسان نفسه :ألنها تستطيع التفرقة بين املدني والعسكري لذلك
القواعد الدولية تذهب إلى مسؤولية القائد العام وإلى مسؤولية املوجود في املعركة
والحروب .بالرغم من محاولة بعض الدول في اميركا وأوروبا في تطبيق السيارات ذاتية
القيادة بوضع قواعد املسؤولية الجنائية لها من دون باقي تطبيقات الذكاء االصطناعي لم
تضع لها.
إذا تم االعتراف بوجود شخص الكتروني فإن الركن املادي الرتكاب الجريمة وبداية
يتوجب معرفة عدة أمور أوال تطبيق القواعد العامة سوف يتم القيام بإنزال القواعد
العامة على جرائم تقنيات الذكاء االصطناعي واألمر االخر يجب أن يكون معلوما أن هذا
أيضا به مساسا بقاعدة الشرعية أنه ال جريمة وال عقوبة إال بنص .وأيضا أنه يجب أال
يجوز التوسع في قواعد التجريم.
فكرة املسؤولية الجنائية أنه يجب أن يكون هناك نص عقابي (الركن الشرعي)
والذي هو التجريم والعقاب مبدأ الشرعية وأيضا هناك ركن مادي وركن معنوي ففي
الركن املادي ليس هناك أي إشكالية كونه تعتد بالسلوك أكثر من الركن املعنوي
والرابطة النفسية واإلرادة وهذه األمور ال تطبق على تقنيات الذكاء االصطناعي ألنه مهما
تطور البشر ووصل إلى أي علم لن يعطوا لهذا الكيان اإلدراك (األهلية) ،واإلرادة بين
الخير والشر ،والوعي عدم الجنون.
95
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
يجب علينا فحص كيفية تلبية تكنولوجيا الذكاء االصطناعي للجانب املعرفي
ملتطلبات القصد الجنائي وهل الروبوت االصطناعي قادر على إدراك السلوك أو الظروف
أو إمكانية حدوث النتائج في سياق القانون الجنائي ،يمكن تقسيم عملية الوعي إلى
مرحلتين ،األولى من استيعاب البيانات الواقعية عن طريق الحواس .وفي هذه املرحلة،
تلعب األجهزة املستخدمة الستيعاب البيانات الواقعية الدور األساس ي ،وأجهزة اإلنسان
عبارة عن أعضاء ،كالعينين (لتحسس الضوء) ،واألذنين (لتحسس الصوت) ،ونحو
ذلك .تمتص هذه األعضاء البيانات الواقعية (مثل املشاهد والضوء واألصوات والضغط
وامللمس) وتنقلها إلى الدماغ ملعالجتها(.)1
تتمتع تقنية الذكاء االصطناعي بالقدرة واألجهزة ذات الصلة الستيعاب أي بيانات
واقعية يمكن جمعها بواسطة الحواس البشرية الخمس ،حيث أنه تمتص الكاميرات
ً
ميكروفونا األصوات ،ويستشعر 41 الضوء وتنقل البيانات إلى املعالجات ،ويلتقط 40
ً
محوال الضغط ،وتستشعر موازين الحرارة درجة الحرارة ،وتستشعر أجهزة قياس
الرطوبة ،وفي الواقع ،فإن التقنيات املتقدمة قادرة على استشعار أكثر دقة من األعضاء
البشرية املقابلة لها على سبيل املثال قد تمتص الكاميرات موجات الضوء بترددات ال
تستطيع العين البشرية اكتشافها ،ويمكن للميكروفونات استشعار موجات صوتية غير
مسموعة لألذن البشرية(.)2
تكمن العديد من االضرار في تقنيات الذكاء االصطناعي (االلة الذكية) وعلى سبيل
املثال قضية حصلت في بريطانيا تمت محاكمة العديد من األشخاص على احدى
تطبيقات الذكاء االصطناعي التي أدت إلى الوفاة قام محاميهم للدفاع عن املتهمين قائال:
أن التطبيق االلة الذكية قد أصيب بفايروس وأن هذا الفايروس أدى إلى إخالل بطريقة
عمل تطبيق الذكاء االصطناعي مما أدى الرتكاب الجريمة وذلك يعتبر عذر قهري وعذر
مفاجئ مثل الجنون وال يتم االعتداد بفعله وبالتالي هم غير مسؤولين جنائيا وبالفعل تم
96
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الحكم لصالحهم بالبراءة وهنا األمر قد تعلق بالركن املعنوي بالرغم من كونها الة ذكية
بالرغم من أن الركن املعنوي يجب أن يكون معلوما وفي الذكاء االصطناعي لديه إدراك
ولكن ليس إدراكا طبيعيا إنما إدراكا اصطناعيا فهو يستنبط ،وهو يحلل ،ويفكر ،ويتعلم
من تجاربه السابقة ،ويتخذ القرارات بمفرده.
وتتطور االشكالية والتساؤالت أنه في حال ارتكب الذكاء االصطناعي أي جريمة ترتب
عنها أي ضرر فمن سيكون املسؤول جنائيا عن تلك األضرار؟ حتى يمكن إيجاد حل
وجواب لذلك التساؤل يمكن السير في عدة فرضيات.
إن املسؤولية الجنائية لجرائم الذكاء االصطناعي تتسم بالتعقيد ،فاألطراف الذين
ّ
املصنعة واملبرمجة للذكاء االصطناعي، تقوم املسؤولية بحقهم متعددون ،كالشركة
واملالك أو املستخدم لهذه التقنيات ،وكيان الذكاء االصطناعي نفسه ،والطرف الخارجي
ً
الذي يقوم باختراق منظومة الذكاء االصطناعي ،نظرا لطبيعة هذه التقنيات التي تجعلها
عرضة لالختراق من ِقبل الغير(.)1
مسؤولية املصنع أو املنتج للذكاء االصطناعي:
سواء أكانت الشركة أو املبرمج الذي برمج هذا الذكاء االصطناعي فممكن اسناد لهم
املسؤولية الجنائية عن الجريمة التي ارتكبها الذكاء االصطناعي وذلك عن طريق أنه قصر
في الجهد البرمجي ولم يعطي أوامر كافية أو وضع وبرمجة محظورات في الكود البرمجي
للذكاء االصطناعي املتقدم في أنه مثال أن يبرمج فيه انه ال يجوز االعتداء على حياة أي
انسان إذا كان هناك أي تفضيل بين حياة وبين تدمير نفس والعديد من األولويات طبقا
للمعايير البرمجية فيجب أن يكون الكود البرمجي أو املبرمج أن يضع هذه املحظورات
ويبرمجها في كود البرمجة وبالتالي فإن املبرمج إذا لم يضع ويبرمج كافة املحظورات أو أثر
أو لم يتبع القواعد القانونية التي تنظم إنتاج وتصنيع االت الذكاء االصطناعي فإنه
سيكون مسؤول عنها وعن كافة أضرارها املرتكبة والناتجة عنها جنائيا.
97
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
تعتبر املسؤولية الجنائية ملصنع الذكاء االصطناعي من األمور املهمة والتي غالبا ما
تثار عند ارتكاب ذلك املصنع ألي سلوك يشكل جريمة طبقا للقانون ،و بالتالي إن البحث
ً ً
في املسؤولية الجنائية للمصنع موضوعا ضروريا لتوضيح مدى دوره في املسؤولية
الجنائية حيث أنه قد يقوم املصنع بحماية نفسه من خالل وضع بنود يذكرها في اتفاقية
االستخدام ،والتي بدوره يوقع عليها املالك ،وبعد توقيع املالك واستخدامه لتلك التقنية
يتحمل املالك وحده املسؤولية الجنائية عن الجرائم املرتكبة من خالل هدا الكيان،
الذي يعمل بالذكاء االصطناعي و تخلى مسؤولية املصنع عن أي جريمة ترتكب من قبل
املالك .غير أنه قد تحدث جريمة نتيجة خطأ برمجي من مبرمج برنامج الذكاء االصطناعي،
كأن يحدث أن يصدر املبرمج تقنية الذكاء االصطناعي بأخطاء تتسبب في جرائم وبالتالي
يكون املبرمج هو املسؤول عنها جنائيا ،ويجب التفرقة بين تعمد سلوكه هذا أم ال حتى
يتبين معرفة وقوع الجريمة عن طريق العمد أم الخطأ ألنه تختلف العقوبة املقررة في كل
منها(.)1
قد يقوم املبرمج بتصميم كيان الذكاء االصطناعي الرتكاب جرائم من خالله .على
سبيل املثال ،يقوم أحد املبرمجين بتصميم برنامج للروبوت الستخدامه في املصنع ،ويتم
ً
برمجة برنامجه إلشعال املصنع ليال عندما ال يكون هناك أحد .لقد قام الروبوت بإحراق
الحريق ،لكن املبرمج يعتبر هو مرتكب الجريمة ولم يقم املستخدم النهائي ببرمجة
البرنامج ،بل استخدم كيان الذكاء االصطناعي ،بما في ذلك برمجياته ،ملصلحته
ً
الخاصة ،وهو ما يعبر عنه بارتكاب الجريمة ،وعلى سبيل املثال ،يشتري املستخدم روبوتا
يعرف الروبوت املستخدم على أنه السيد،منزلي ًا مصمم ًا لتنفيذ أي أمر يصدره سيدهّ ،
ويأمر السيد الروبوت بمهاجمة أي متسلل إلى املنزل ،يقوم الروبوت بتنفيذ األمر ً
وفقا
متعد،
تماما .وال يختلف هذا الوضع عن موقف من تأمر كلبها بمهاجمة أي ٍ للتعليمات ً
يرتكب الروبوت االعتداء ،لكن املستخدم يعتبر مرتكب الجريمة(.)2
98
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ففي املثال السابق عندما يستخدم املبرمجون أو املشغلون أحد كيانات الذكاء
االصطناعي كوسيلة ،فإن ارتكاب جريمة من قبل كيان الذكاء االصطناعي ُينسب إليهم،
إن الركن العقلي املطلوب للجريمة موجود بالفعل في أذهانهم ،فقد كان لدى املبرمج نية
إجرامية عندما أمر بارتكاب عملية الحرق ،وكان لدى املستخدم نية إجرامية عندما
ً
جسديا بواسطة الروبوت ،وهو أمرت بارتكاب االعتداء ،حتى لو تم ارتكاب هذه الجرائم
ً ً
كيان ذكاء اصطناعي ،وعندما يستخدم املستخدم النهائي عميال بريئا الرتكاب جريمة،
يعتبر املستخدم النهائي هو مرتكب الجريمة الفعلي وال يوجد فرق قانوني بين كيان
ً
الذكاء االصطناعي ومفك البراغي والحيوان الذي يستخدمه الجاني ذريعة ،فمثال عندما
يستخدم اللص مفك البراغي لفتح النافذة ،فإنه يفعل ذلك بطريقة مفيدة ،وال يكون
ً ً
مفك البراغي مسؤوال جنائيا« .فعل» مفك البراغي هو عمليا عمل اللص .وهذا هو نفس
الوضع القانوني عند استخدام الحيوان كوسيلة .يعتبر االعتداء الذي يرتكبه الكلب بأمر
سيده بمثابة اعتداء من سيده.)1( .
وبناء على املثال السابق فإنه يتم استخدام كيان الذكاء االصطناعي بسبب قدرته
على تنفيذ أمر بارتكاب الجريمة ،ففي املثال ال يستطيع مفك البراغي تنفيذ مثل هذا
األمر ،لكن الكلب يستطيع ذلك ،وال يستطيع الكلب تنفيذ أمر معقد ،لكن كيان الذكاء
االصطناعي يستطيع ذلك(.)2
ً ً
إذا كان نظام الذكاء االصطناعي قويا ،وقادرا على حساب ارتكاب جريمة إضافية،
ً ً
يعتبر نظام الذكاء االصطناعي مسؤوال جنائيا عن تلك الجريمة وفقا للقواعد القياسية
للمسؤولية الجنائية ،وهذا يكمل املسؤولية الجنائية للمسؤول نظام الذكاء االصطناعي،
ً
ويتم تحديد املسؤولية الجنائية للمبرمج وفقا للمسؤولية املترتبة على العواقب املحتملة
التي سبق وصفها ،وبالتالي إذا كانت الجريمة اإلضافية ،من وجهة نظر املبرمج ،نتيجة
محتملة للجريمة املخطط لها ،فسيتم فرض املسؤولية الجنائية على املبرمج عن الجريمة
99
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
غير املخطط لها باإلضافة إلى املسؤولية الجنائية عن الجريمة املخطط لها(.)1
إذا لم يعتبر نظام الذكاء االصطناعي قويا ،وغير قادر على حساب ارتكاب الجريمة
اإلضافية ،فال يمكن اعتبار نظام الذكاء االصطناعي مسؤوال جنائيا عن الجريمة
ً ً
اإلضافية .وفي ظل هذه الظروف ،يعتبر نظام الذكاء االصطناعي عامال بريئا تبقى
املسؤولية الجنائية عن الجريمة اإلضافية تقع على عاتق املبرمج وحده ،على نفس أساس
املسؤولية عن العواقب املحتملة التي سبق وصفها ،وبالتالي إذا كانت الجريمة اإلضافية
ً ً
نتيجة محتملة للجريمة املخطط لها من وجهة نظر املبرمج ،يكون املبرمج مسؤوال جنائيا
عن الجريمة غير املخطط لها باإلضافة إلى مسؤوليته الجنائية عن الجريمة املخطط
لها(.)2
وإذا كان ليس لدى املبرمج أي نية الرتكاب أي جريمة ،ومن وجهة نظر املبرمج ،فإن
ً
حدوث الجريمة ليس أكثر من مجرد حادث غير مقصود ونظرا ألن مبادرة املبرمج لم تكن
إجرامية فإن املسؤولية عن العواقب املحتملة غير مناسبة ،إن وجود جريمة مخطط لها
أمر بالغ األهمية لفرض املسؤولية عن العواقب املحتملة ،كما تمت مناقشته ألن
املسؤولية عن العواقب املحتملة تهدف إلى معالجة التطورات غير املخطط لها لحدث
جانح مخطط له وتكون بمثابة رادع ضد املشاركة في األنشطة املنحرفة(.)3
عندما ال تكون نقطة بداية املبرمج جانحة ومن وجهة نظره أن حدوث املخالفة
يكون عرضيا ،فإن الردع غير مناسب وغير ذي صلة ،إن تطبيق مثل هذه اآللية للتعامل
ً
مع األخطاء والحوادث التي ال يوجد وراءها نية إجرامية سيكون أمرا غير متناسب،
ً ً
وبالتالي إذا كان نظام الذكاء االصطناعي الذي ارتكب الجريمة بالفعل ،يعتبر قويا وقادرا
ً ً
على تعزيز متطلبات الجريمة ،فقد يكون مسؤوال جنائيا عن تلك الجريمة باعتباره
ً ً ً ً
مرتكبا مباشرا وإذا لم يكن األمر كذلك فإن نظام الذكاء االصطناعي ليس مسؤوال جنائيا
100
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
عن الجريمة(.)1
في هذا النوع من الحاالت املبرمج في أقص ى حاالت اإلهمال ،ال تعتمد املسؤولية
الجنائية للمبرمج على املسؤولية الجنائية لنظام الذكاء االصطناعي ،بغض النظر عما إذا
ً ً
كان نظام الذكاء االصطناعي مسؤوال جنائيا ،يتم فحص املسؤولية الجنائية للمبرمج عن
الجريمة غير املخطط لها بشكل منفصل ،وألن املبرمج لم يقصد وقوع أي جريمة فإن
الركن العقلي للقصد الجنائي ال ينطبق عليه ،ويجب فحص مسؤوليته الجنائية بمعايير
ً ً
اإلهمال ،حتى يكون مسؤوال جنائيا عن جرائم اإلهمال على األكثر(.)2
أكد بعض الفقهاء على وجوب البحث في اآلثار الجانبية للبرمجيات على عملية
الذكاء االصطناعي لإلنسآلة ،بمعنى أنه عندما يتم وضع برنامج معين في إطار الذكاء
ً ً
االصطناعي املعتمد على التعليم بالتتابع مثال ،يجب أوال أن يتم وضع هذه البرامج تحت
التجربة ولفترة زمنية معقولة ،والبحث في آثاره الجانبية في هذا املجال ،لتحديد مدى
كفائته وصحته وبعد ذلك يتم اعتماده مثل مراحل االختبارات السريرية لألدوية ملعرفة
مدى نجاعتها واآلثار الجانبية املترتبة عنها(.)3
تداخل الذكاء االصطناعي مع العمل البشري له دور كبير في النتائج التي قد تترتب
ً
على عمله ،وفي نفس الوقت نظرا لفقدان الذكاء االصطناعي لعنصر اإلدراك ،فال يكون
ً
مسؤوال عن اعماله ،لكن هذه األعمال ُيسأل عنها العنصر البشري الذي ساهم في
تكوينه ،وكل ذلك سيقودنا إلى مجموعة من العناصر البشرية املساهمة في تكوينه
ً ً
وبلورته ،بدئا من الصانع ،إلى املروج ،إلى املبرمج ،إلى املطور ،وصوال إلى املالك ومن ثم
املستخدم ،مثل حال وإطار الحوادث التي يمكن أن تقع من قبل السيارات الذكية تجاه
الغير ،أو املنصات الرقمية التي يكون لديها قدرة املحاكاة ،وإعطاء االرشادات والنصائح،
بل وحتى تقديم التقييمات ،والتي يمكن فيها االعتداء على الحياة الخاصة لألفراد أو
101
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
102
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ملشتري هذه التقنيات عن إمكانية قيامها بمهاجمة أهداف خاطئة ،وبذلك يمكنهم
التخلص من املسؤولية املترتبة عن هذه األفعال ،ومن ثم إلقاء مسؤوليتها وتبعتها
على املشتري لها أو من يقوم بإرسالها إلى ميدان املعركة.
أن تدعي تلك الشركات املصنعة واملبرمجة لتلك التقنيات بأن هذه التقنيات
واألسلحة تتمتع باستقالل ذاتي ،وبالتالي فهي من تتحمل املسؤولية الجنائية عن
أفعالها ،ال النائب أو الوكيل عنها ألنها تعمل باستقالل ذاتي ،وال يمكن مساءلة
ً
الغير عنها ،وإنما تتحمل تلك الكيانات املسؤولية عن أفعالها نظرا لهذا
االستقالل(.)1
وفي بعض األحيان ليس من العدل أن يتم تحميل املسؤولية عن أخطاء الذكاء
ً
االصطناعي للمصنع واملبرمج دائما ،فبعض من الحاالت ال يكون الخطأ الصادر عن
ً
الذكاء االصطناعي راجعا إلى املصنع أو املبرمج ،وإنما يرجع ألسباب أخرى.
ً
وبناء على ما سبق تتعدد املسؤولية الجنائية وفقا لظروف كل حالة ،وحيث يتحمل
ّ ّ
املصنع واملبرمج املسؤولية الجنائية في حال كان الفعل الذي شكل جريمة نتيجة كل من
ً
إلى ما قاموا به من تصنيع وبرمجة ،بحيث تكون تلك األفعال املجرمة جزءا من اآللية أو
التقنية التي تمت صناعة الذكاء االصطناعي وبرمجته عليها ،كما هو في حال الروبوت
صنع لوظيفة محددة وهي القتال(.)2 املقاتل ،الذي ُ
103
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الصورة األوىل:
أن تحدث الجريمة نتيجة لسلوك املالك أو املستخدم وحده ،بحيث يتوقف وجود
الفعل املشكل للجريمة على هذا السلوك ،فيتحمل املالك أو املستخدم املسؤولية
الجنائية بشكل تام.
ُ
أي وهي أن تقوم الجريمة نتيجة املالك أو املستخدم لوحده فلوال سلوكه املرتكب
من قبله ملا وقعت الجريمة وهنا تقع املسؤولية الجنائية كاملة عليه ،ومثال على ذلك كأن
يقوم املستخدم او املالك بتعطيل التحكم اآللي في السيارة ذاتية القيادة واإلبقاء فقط
على التوجيهات الصوتية التي تصدر من برنامج الذكاء االصطناعي وبالتالي يكون هنا هو
وحده املتحكم في السيارة فأثناء القيادة صدر له تنبيه من البرنامج بأمر معين لتجنب
حادثة إال أنه لم ينفد هذا األمر فتقع املسؤولية الجنائية عليه لوحده(.)1
ومثال آخر قضية V.U.S IN Kleinالتي تتلخص وقائعها في قيام طيار بوضع الطائرة
على الطيار اآللي أثناء الهبوط على الرغم من تحذير اللوائح من أن يقوم باستخدامه في
ذلك مما أدى إللحاق ضرر جسيم بالطائرة بسبب ذلك الهبوط الس يء من قبل الطيار
اآللي ،وعلى الرغم من وجود خطأ من جانب الطيار اآللي إال أن الطيار كان وراء هذا
ً
الخطأ وبالتالي يكون مسؤوال عن األضرار التي أصابت الطائرة(.)2
الصورة الثانية:
أن تحدث الجريمة نتيجة لسلوك املالك أو املستخدم باالشتراك مع طرف آخر
ّ
كاملصنع أو كيان الذكاء االصطناعي نفسه ،أو طرف خارجي ،فتكون املسؤولية الجنائية
في هذه الصورة مشتركة .)3( .ومن األمثلة على ذلك كأن يقوم مالك سيارة بتغيير أوامر
التشغيل املوجودة في السيارة ذاتية القيادة بمساعدة متخصص في هذا املجال من أجل أن
104
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
يقوم باستغاللها في ارتكاب جريمة ونفي املسؤولية الجنائية عنه وإلصاق تلك املسؤولية
بالسيارة ومصنعها ففي هذه الحالة تكون املسؤولية الجنائية مشتركة(.)1
وقد ذهب جانب من الفقه القانوني إلى أن املالك واملستخدم هو من يتحمل
املسؤولية الجنائية عن أفعال الذكاء االصطناعي التي تشكل جرائم ،ألنه هو من يس يء
استخدام هذه التقنيات ،وعليه فاملستخدم للتقنية هو من يتحمل املسؤولية الجنائية
عن تلك األفعال الناتجة عن استخدامه ،وفي املجال العسكري للذكاء االصطناعي فإن
املسؤولية الجنائية يتحملها القائد العسكري الذي أعطى األوامر باستخدام السالح
الذي يعتمد على الذكاء االصطناعي ،في حال نتج عن أفعاله جريمة جنائية(.)2
وبناء على تقييم الدول للمادة 36من البروتوكول اإلضافي األول لعام ،1977امللحق
باتفاقيات جنيف لعام ،1949فإن الدول التي تنشر روبوتات في ميدان القتال عليها
اصدار تعليمات واضحة لقادتها العسكريين بشأن توقيت استخدام الروبوتات
والظروف التي يمكن استخدامها فيها إذ ال يتطلب منهم فهم البرمجة املعقدة للروبوت
وإنما فهم النتيجة وهي ما يجب على الروبوت فعله من عدمه(.)3
ويرى جانب آخر من الفقه القانوني بأنه :ال يمكن القول بمسؤولية مالك كيانات
ً
الذكاء االصطناعي استنادا إلى نظريات تنتمي إلى عصر اآلالت التقليدية ما قبل ظهور
الذكاء االصطناعي ،وذلك الختالف طبيعتها وآلية عملها ،فاملالك لكيانات الذكاء
االصطناعي ال يسيطر حقيقة سيطرة الحارس للش يء ،وليس له حق التوجيه والرقابة
ً
بشكل مطلق على الذكاء االصطناعي ،كما هو معروف في اآلالت التقليدية وفقا لنظرية
حارس األشياء ،لذلك ال بد من تطوير القواعد العامة للمسؤولية عن أفعال الذكاء
105
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
106
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املعنوي يقوم باستغالل حسن النية لدى منفذ الفعل املادي للجريمة أو يستغل عدم
إدراكه لألمور ،كأن يكون عديم األهلية لصغر سنه أو لعلة في عقله ،فليس من املتصور
تحريض مثل هؤالء األشخاص على ارتكاب الجريمة لذا فإن من يدفع أحدهم على تنفيذ
الركن املادي للجريمة يكون فاعال معنويا لها ،وكذلك يمكن تطبيق هذه االحكام على
املالك و املستخدم للذكاء االصطناعي و الذي يستعمله في ارتكاب جريمة ما أو يبرمجه
لهدا الغرض .وفي هذا اإلطار أيضا يطرح تساؤل هام حول طبيعة مسؤولية املالك او
املستخدم للذكاء االصطناعي الذي يحوزه إذا ما كانت مسؤولية مفترضة أم انه يجب
اثباتها(.)1
وحسب الرأي الراجع هو أنه البد من اعتبار تلك املسؤولية مفترضة في الجرائم التي
يقوم بارتكابها املالك او املستخدم عن طريق الذكاء االصطناعي و عليه هو أن يثبت
العكس و هدا يعني التوجه من نظام املسؤولية املبنية على نظام الخطأ إلى املسؤولية
املبنية على نظام املخاطر(.)2
نص التشريع الفلسطيني في القرار بقانون رقم ( )10لسنة 2018م وتعديالته بشأن
الجرائم اإللكترونية على عدد من الجرائم اإللكترونية وقرر لها عقوبات مختلفة على
ً
مستخدمي األجهزة اإللكترونية تنفيذا لفعل إجرامي يعاقب القانون عليه ،وهذه الجرائم
ً
تدخل ضمن جرائم الذكاء االصطناعي ،وفقا للتعريف السابق ذكره للذكاء االصطناعي
ً
من أنها تلك الجرائم التي يكون الحاسوب وسيطا فيها أو أداة لها.
عرف قانون الجرائم اإللكترونية تكنولوجيا املعلومات بأنها« :أي وسيلة فقد ّ
إلكترونية مغناطيسية بصرية كهرو كيميائية ،أو أي وسيلة أخرى سواء أكانت مادية أم
غير مادية ،أو مجموعة ،أو مجموعة وسائل مترابطة أو غير مترابطة تستخدم ملعالجة
البيانات وأداء املنطق والحساب أو الوظائف التخزينية ،وتشمل قدرة تخزين بيانات أو
107
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املادة ( )1من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()1
املادة ( )1من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()2
املادة ( )1من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()3
املادة ( )1من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()4
املادة ( )1من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()5
املادة ( )4من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()6
108
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
بغرامة ال تقل عن مائتي دينار أردني وال تزيد على ألف دينار أردني ،أو ما يعادلها بالعملة
ً
املتداولة قانونا أو بكلتا العقوبتين ،كل من يعيق أو يعطل الوصول إلى الخدمة أو
الدخول إلى األجهزة أو البرامج أو مصادر البيانات أو املعلومات بأي وسيلة كانت عن
طريق الشبكة اإللكترونية أو إحدى وسائل تكنولوجيا املعلومات(.)1
ً
ويعاقب قانون الجرائم اإللكترونية من يقوم عمدا بفك بيانات مشفرة في غير
ً
األحوال املصرح بها قانونا بالحبس أو بغرامة ال تقل عن مائتي دينار أردني ،وال تزيد على
ً
ألف دينار أردني ،أو ما يعادلها بالعملة املتداولة قانونا ،أو بكلتا العقوبتين(.)2
كما ويعاقب القانون ذاته بالحبس وبغرامة ال تقل عن مائتي دينار أردني ،وال تزيد
ً ً
على ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة املتداولة قانونا ،كل من يقوم عمدا عبر
استخدام الشبكة العنكبوتية أو إحدى وسائل تكنولوجيا املعلومات بإنشاء أو نشر
شهادة صحيحة أو قدم بيانات غير صحيحة عن هويته إلى الجهات املختصة بموجب
القوانين الخاصة بإصدار الشهادات بغرض طلب استصدار شهادة أو إلغائها أو
إيقافها(.)3
ويعاقب القانون ذاته على جريمة تزوير مستند إلكتروني رسمي من مستندات
الدولة أو الهيئات أو املؤسسات العامة بالسجن مدة ال تقل عن خمس سنوات ،وبغرامة
ال تقل عن ثالثة آالف دينار أردني ،وال تزيد عن خمسة آالف دينار أردني ،أو ما يعادلها
ً
بالعملة املتداولة قانونا(.)4
ويعاقب قانون الجرائم اإللكترونية بعقوبة بالحبس مدة ال تقل عن ستة أشهر ،أو
بغرامة ال تقل عن خمسمائة دينار أردني ،وال تزيد على ألف دينار أردني ،أو ما يعادلها
املادة ( )5من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()1
املادة ( )1/8من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()2
املادة ( )10من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()3
املادة ( )11من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()4
109
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
بالعملة املتداولة قانونا ،أو بكلتا العقوبتين(.)1
ويعاقب بالعقوبة السابقة كل من زور وسيلة تعامل إلكترونية بأي وسيلة إلكترونية
كانت ،أو صنع أو حاز بدون ترخيص أجهزة أو مواد تستخدم في إصدار أو تزوير بطاقة
التعامل اإللكتروني(.)2
ويعاقب قانون الجرائم اإللكترونية كل من يستعمل الشبكة اإللكترونية أو إحدى
وسائل تكنولوجيا املعلومات في سرقة أموال أو اختالسها؛ بالسجن أو بغرامة ال تقل عن
ثالثة آالف دينار أردني ،وال تزيد على خمسمائة آالف دينار أردني ،أو ما يعادلها بالعملة
ً
املتداولة قانونا ،أو بكلتا العقوبتين(.)3
ويعاقب القانون بالحبس أو بغرامة ال تقل عن مائتي دينار وال تزيد على ألف دينار
أردني ،كل من استعمل الشبكة اإللكترونية أو إحدى وسائل تكنولوجيا املعلومات في
تهديد شخص آخر ،أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو االمتناع عنه ،ولو كان هذا
ً
الفعل أو االمتناع مشروعا(.)4
وبناء على ما سبق من نصوص قانونية فإنه يتبين أن العقوبات التي توقع على
ً
مستخدمي الذكاء االصطناعي وفقا لنصوص التشريع الفلسطيني من خالل قانون
الجرائم اإللكترونية تنحصر في عقوبة الحبس الذي يقل عن ثالث سنوات ،وعقوبة
السجن الذي يزيد على ثالث سنوات وال يزيد عن خمسة عشر سنة ،وعقوبة الغرامة
املالية التي ال تزيد عن خمسة آالف دينار.
وفيما يخص الجزاء الواقع على كيانات الذكاء االصطناعي ،بداية فقد نص قانون
العقوبات الفلسطيني رقم ( )16لعام 1960م( .)5على العقوبات ،وقسمها إلى عقوبات
املادة ( )1/12من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()1
املادة ( )2/12من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()2
املادة ( )13من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()3
املادة ( )15من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()4
قانون العقوبات الفلسطيني رقم ( )16لعام 1960م. ()5
110
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
جنائية وهي :اإلعدام ،واألشغال الشاقة املؤبدة ،واالعتقال املؤبد ،واألشغال الشاقة
املؤقتة ،واالعتقال املؤقت( ،)1وعقوبات جنحية وهي :الحبس ،والغرامة ،والربط
بكفالة( ،)2ثم العقوبات التكديرية وهي :الحبس التكديري ،والغرامة(.)3
تطبق هذه العقوبات املذكورة على اإلنسان الطبيعي ،وال يمكن تصور تطبيقها على
كيانات الذكاء االصطناعي ،لتعذر تطبيقها من حيث اختالف طبيعة كيانات الذكاء
االصطناعي ،ومن حيث استحالة تحقيق الغاية من تطبيق العقوبة الجنائية التي ألجلها
قررت.
ونص قانون العقوبات على عقوبات أخرى في الفصل الثاني منه بعنوان التدابير
االحترازية ،منها عقوبة املصادرة العينية( ،)4فجاء في املادة ( )30من القانون ذاته« :مع
مراعاة حقوق الغير ذي النية الحسنة ،يجوز مصادرة جميع األشياء التي حصلت نتيجة
لجنائية أو جنحة مقصودة ،أو التي استعملت في ارتكابها أو كانت معدة القترافها ،أما في
الجنحة غير املقصودة أو في املخالفة فال يجوز مصادرة هذه األشياء إال إذا ورد في
القانون نص على ذلك».
وقد حصر قانون العقوبات التي توقع على الشخصية االعتبارية ،أي على ما دون
الشخصية الطبيعية املتمثلة في اإلنسان بعقوبتي املصادرة والغرامة ،حيث جاء في املادة
( .3« :)74ال يحكم على األشخاص املعنويين إال بالغرامة أو املصادرة».
ُ
«إن اإلشكاالت الناجمة عن تعويض األضرار التي تسببها الروبوتات تحل من خالل
إقرار نظام تأمين إلزامي عن حوادث الروبوت ،إضافة إلى إلزامية إنشاء صناديق خاصة
لتغطية أضرارها كنظام مكمل للتأمين في حال عدم وجود غطاء تأميني»(.)5
111
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
أما بالنسبة للعقوبات املفروضة على تطبيقات الذكاء االصطناعي وحسب ما ذهب
اغلب الفقهاء إلى أنه يجب أن تطبق عقوبات خاصة ومن األمثلة عليها :منع املزاولة لذلك
البرنامج ملدة محددة أو الحل أو اإليقاف إذا كان يمثل خطرا أو مصادرته وإذا تمت
الترتيب عليه الشخصية االلكترونية.
ومن املمكن فرض عليه بعض االلتزامات املادية والجزاءات املالية ،مثل :دفع غرامة
مالية لصالح خزينة الدولة ،بحيث يتم دفعها من الذمة املالية املستقلة املفترضة لكيان
الذكاء االصطناعي ،وقد أقرت التشريعات األوروبية ذلك(.)1
ومن املتوقع استحداث عقوبات جديدة تتناسب مع أنواع الجرائم العصرية
لكيانات الذكاء االصطناعي ،مثل :إنهاء الخدمة ،أو تعطيل جزء ،أو إعادة هيكتلة
وبرمجته ،فمثال الروبوت وتقنيات الذكاء االصطناعي األخرى جمادات ال يمكن معاقبتها
بالسجن أو الغرامة أو اللوم أو اإلنذار وغيرها من العقوبات التي تعتمد على أسلوب
الردع والكف القائم على املشاعر اإلنسانية ،والخوف ،والشعور بالذنب أو تقييد
الحريات ،فجميعها غير مجدية وال تؤثر نهائيا في كيانات الذكاء االصطناعي(.)2
زعم بعض الفقهاء األوروبيين التقليديين عدم جواز إيقاع العقوبات على االنسآلة
(الروبوت) فهذه العقوبات بطبيعتها ليست جامدة بل مطردة ومتغيرة بتغير الواقع
والحال ،األمر الذي أوجب إنشاء ووجود الترخيص ووقف النشاط على سبيل املثال،
وهذا يعني أنه ال مراد في جواز إنشاء عقوبات تتناسب مع الطبيعة القانونية الخاصة
لالنسآلة (الروبوت) (.)3
= مداخلة قدمت في امللتقى الوطني عبئ إثبات الخطأ الطبي املرفقي في املؤسسات العمومية للصحة
وتطبيقاته القضائية في الجزائر ،2021 ،ص.4
( )1إدلبي ،مرجع سابق ،هامش ،32ص.109
( )2الزهراني ،مرجع سابق ،هامش ،81بدون رقم صفحة.
( )3محمود الشريف ،املسؤولية الجنائية لألنسآلة :دراسة تأصيلية مقارنةArab Journal of Fornsic and ،
،2001 ،issu 1 ،Medcineص.11
112
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
أيضا اختلف الفقه القانوني حول مسألة استقالل الروبوت بعمله من حيث
التفكير واتخاذ القرارات على اعتبار أنها آلة تحاكي الذكاء البشري ،وهذه الفرضية
ّ
كاملصنع، تستدعي القول بعدم إمكانية مساءلة األشخاص القائمين على إيجاد الروبوت،
واملبرمج ،واملالك واملستخدم؛ ألن هذه الروبوتات مستقلة بذاتها ،وتعمل بمعزل عن
هؤالء األشخاص في هذه الحاالت(.)1
ً
ويرى االتجاه القانوني الذي يضع فرضية استقالل الروبوت بعمله يثير تحديا
ً
قانونيا يتعلق باملسؤولية القانونية بوجه عام ،كاملسؤولية املدنية التي تقوم نتيجة
ً
إحداث الروبوت ضررا بالغير ،واملسؤولية الجنائية التي تثور عند ارتكاب هذه
التكنولوجيا ألفعال تشكل جرائم جنائية يعاقب عليها قانون العقوبات(.)2
وعلى الرغم من أن تعريف الذكاء االصطناعي في حقيقته عبارة عن سلوك يسعى
ملحاكاة الذكاء البشري إلحداث آثار محددة عبر اتخاذ قرارات مستقلة وبحرية؛ إال أن
ً
هذا الذكاء االصطناعي يعتمد أساسا في برمجته على الخوارزميات التي تتكون من
مدخالت ومخرجات ال تتم إال بمجموعة من الوسائل املادية.)3( .
ً ً
وال يمكن وصف الذكاء االصطناعي وصفا دقيقا ،فهو ظاهرة ال يمكن مالحظتها
بشكل مباشر ،إال من خالل نتائجه ،فال يزال الذكاء االصطناعي حتى يومنا هذا يعتمد
على اإلنسان ليزوده بالخوارزميات الالزمة لعمله ولتشغيله ،مما يعني عدم استقالل
كيانات الذكاء االصطناعي بذاتها ،وأنها تعمل بناء على تحكم اإلنسان فيها(.)4
ً
إن مصطلح الذكاء االصطناعي نفسه يشير إلى أن هذا النوع من الذكاء ليس عاديا،
وأنه مصنوع من ومخترع من ِقبل جهة ما ،فكلمة «اصطناعي» و«مصطنعة» تعني أن هذا
النوع من الذكاء هو من صنع اإلنسان ،ويقوم هذا الذكاء على استخدام العقل ،ولديه
113
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
القدرة على تطبيق التعلم واملعرفة في التعامل والتفكير والفهم والتعامل مع املواقف،
وبإمكانه اتخاذ قراراته بشكل مستقل في بعض األحيان ،وهذا يستلزم القول بوجود
ً ّ ً
املسؤولية القانونية عن أفعال الذكاء االصطناعي ،تحديدا الروبوت الذي يشكل نموذجا
يحاكي الذكاء البشري إلى حد ما(.)1
فعلى صعيد املستوى األوروبي هناك اتفاق على قواعد املسؤولية عن فعل
الروبوت ،والتي تقوم على أساس أن أفعال الروبوت ترجع إلى وكيل أو نائب بشري،
كالشركة املص ّنعة أو املبرمج ،أو املالك واملستخدم له ،وأن هذا الوكيل يفترض فيه أن
ّ
املجرم الناتج عن فعل الروبوت ،ويجب عليه أن يبتعد عنه يتوقع السلوك الضار أو
و ّ
يتجنبه(.)2
وفي إحدى النقاشات داخل لجنة الشؤون القانونية في االتحاد األوروبي قامت هذه
اللجنة بإثارة وطرح بعض املسائل املتعلقة باملسؤولية عن أفعال الروبوت ،إلى أن انتهت
اللجنة وعمدت إلى إصدار مجموعة من التوصيات وقدمتها إلى اللجنة املختصة بإصدار
القوانين ،وقد أصدرت قواعد القانون املدني للروبوتات في فبراير عام 2017م ،واتجه
االتحاد األوروبي حينها إلى تبني فكرة أن الذكاء االصطناعي تكنولوجيا مسخرة لخدمة
ً
اإلنسان وأنه خادم مطيع لإلنسان ،وأنه ليس جمادا ال يعقل ،بل هو عبارة عن كائن آلي
يعمل بمنطق بشري مبتدئ قابل للتطوير ،فابتكر االتحاد األوروبي في هذا القانون فكرة
ً
النائب اإلنساني ليكون مسؤوال عن أفعال الذكاء االصطناعي ،وبموجبه تقوم املسؤولية
ً
القانونية عن أفعال الروبوت على نائب إنساني ،نظرا لعدم إمكانية مساءلة الروبوت ألنه
ال يتمتع بالشخصية القانونية ،وال يتمتع باإلدراك واألهلية(.)3
أما بالنسبة لنظرة الفقه اإلسالمي فلم يتحدثوا عن املسؤولية الجنائية عن أضرار
114
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الذكاء االصطناعي ألنه لم يشهد عصرهم الذكاء االصطناعي الذي في عصرنا إال أنهم قد
تحدثوا بشكل عام عن «أساس املسؤولية الشيئية من منظور الفقهاء املسلمين (في حالة
اصطدام السفن ،وفي حالة الجمادات الخطرة) يتمثل في الضرر سواء كان هذا التعدي
ً ً ً ً
عمدا أو غير عمدا وهو مفترض فرضا قابال إلثبات العكس ويجب على املعتدي ضمان
هذا الضرر وتعويض املضرور عنه) (.)1
بات الوضع التشريعي الحالي ال يواكب التطور التكنولوجي املتالحق في نظم الذكاء
االصطناعي ويتضح ذلك من خالل الفرضية اآلتية :قيام روبوت بارتكاب أحدى الجرائم
ً
املعاقب عليها عقوبة سالبة للحرية وهذا فرض ال محالة له كجريمة القتل مثال ،وبالتالي
تظهر هناك عدة تساؤالت أهمها كيفية التحقيق مع الروبوت ،بما في ذلك سؤاله،
واستجوابه ،والقيام بتفتيشه ،ومعاينة مسرح الجريمة ،ورفع بصمات الروبوت،
وتحليلها ،والحصول على الدليل الجنائي الذي هو محور اهتمام العدالة الجنائية،
وكذلك حضور الجلسات والحبس املؤقت والكفالة ،وعناصر الركن املادي املتمثلة في
السلوك اإلجرامي للروبوت والنتيجة االجرامية وكذلك التساؤل عن الركن املعنوي لتلك
الجريمة بما في ذلك إرادة ارتكاب الجريمة ،والعلم بعناصرها،..إلخ.)2( .
ويترتب على قيام املسؤولية عن أضرار الذكاء تحقق التعويض سواء كان تعويض
ً ً
ماديا أو أدبيا ،بحيث يحصل املضرور على التعويض من خالل القضاء ،ويقوم القاض ي
بتقدير التعويض على أساس الضرر وليس ال أساس الفعل الضار ،مع مراعاة الحالة
املالية واالجتماعية للمضرور ،ويتم تعويض الضحية املتعرضة للضرر من خالل التأمين
اإلجباري في مجال الذكاء االصطناعي وعن طريق صناديق التعويض ،وهو ما أطلق عليه
الفقهاء بالتعويض التلقائي(.)3
( )1إبراهيم ،السيد ،مارك ،موقع إلكتروني املنظومة ،ALMANDUMAHمرجع سابق ،هامش ،بدون رقم
صفحة.
( )2حسكر ،مرجع سابق ،هامش ،63ص.195
( )3أبو العيد ،مرجع سابق ،هامش ،29بدون رقم صفحة.
115
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
وأيا ما كان االختالف في عمل الذكاء االصطناعي فإن هذا ال يعفيه من املسؤولية
ً
القانونية ،فأفعال الذكاء االصطناعي قد تشكل ضررا بالغير أو جريمة ،وهي بطبيعتها ال
تنفك عن اإلنسان الذي صنعها وبرمجها أو الذي يملكها ويستخدمها ،والذي يفترض
تحمل هوفيه العلم بنتائج هذه األفعال وبالتالي عليه أن يسعى لتجنبها ،وإذا وقعت ّ
ً ً ّ ً
مصنعا أم مبرمجا أم مالكا مسؤوليتها بنسبة مساهمته فيها ،وبحسب موقعه سواء أكان
ً
ومستخدما.
ومما ال شك فيه أن فرض املسؤولية الجنائية على كيانات الذكاء االصطناعي وعلى
روبوتات الذكاء االصطناعي من شأنه أن يحقق العديد من املزايا والتي تتجلى أهمها في(:.)1
-إلزام مصنعي ومستخدمي الروبوتات الذكية باملشاركة الفعالة والعمل على التعاون
بشكل كامل مع سلطات التحقيق للوقوف على األسباب الحقيقية وراء ارتكاب
الروبوت الذكي لهذه األفعال املجرمة ،كما أنه يعتبر بمثابة أداة لضبط النفس من
قبل مصنعي ومستخدمي هذه الروبوتات لتوخي الحذر اليقظة أثناء التعامل مع
هذه الكيانات في مرحلة التصنيع ،والصيانة واالستخدام ،وكذلك إتخاذ أكتر
فعالية وأمانا الكتشاف ومنع أو التخفيف من األضرار املحتملة لهذه الروبوتات على
األقل.
العمل على تحديد املعايير التي يتم في ضوئها القيام بتقييم سلوكيات هذه -
الروبوتات وتحديد األفعال املسموح بها واملحظورة.
كما يوفر إطار قانوني خاص بهذه الروبوتات مزايا للشركة املصنعة لها والتي تتولى -
القيام بإنشاء الخوارزميات والبرمجيات التي تعمل هذه الروبوتات عن طريقها وفي
اإللتزام باملعايير القانونية التي يتطلبها املشرع للسماح لهذه الروبوتات بالعمل،
وذلك لتجنيبهم املسؤولية الجنائية عن الجرائم الواقعة بسبب هذه الروبوتات.
-وجود قانون جنائي خاص بالروبوتات من شأنه أن يقوم باملساعدة على توفير الحد
116
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
األدنى من املعايير الحاكمة لهذه الروبوتات ،والتي يعتبر من الواجب اإللتزام بها في
عملية التصنيع األساسية بحيث ال ينبغي ترك هذه املعايير لصانع الروبوت أو
مدربه ،كونه مما قد يجعل هناك اختالف في هذه املعايير على نحو يصعب تحديد
كيفية التعامل مع هذه الروبوتات.
117
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الفرع األول
مسؤولية الغري عن أضرار الذكاء االصطناعي
أي وهي مسؤولية الطرف الخارجي ،بحيث يكون «التطور املطروح في هذه الحالة هو
قيام طرف خارجي بالدخول إلى نظام الذكاء االصطناعي عن طريق اختراقه بأي طريقة
والسيطرة عليه واستغالله في ارتكاب الجريمة»(.)1
ويعود سبب هذه اإلشكالية أنه لم تصل تكنولوجيا الذكاء االصطناعي من الناحية
التقنية إلى درجة الكمال القصوى ،فال تزال برامجها عرضة لإلصابة بالفيروسات
واألعطال الفنية واالختراقات من جهات خارجية ،وهو ما يجعلها تعمل بطريقة غير
متوقعة وغير مخولة ،فيلحق الضرر بجميع مستخدميها(.)2
فإن السؤال الذي يطرح نفسه ،إذا تم استخدام كيان الذكاء االصطناعي من قبل
شخص آخر (إنسان أو شركة أو كيان آخر من الذكاء االصطناعي) كأداة الرتكاب جريمة،
فكيف سيتم تقسيم املسؤولية الجنائية بينهما؟ أما ارتكاب الجريمة عن طريق الغير فال
ً
يعتبر الشخص الذي ارتكب الجريمة جسديا متحليا بأية صفات إنسانية ،ويعتبر كيان
ً
عميال ً
بريئا ،لكن ال يمكننا تجاهل قدرات كيان الذكاء االصطناعي الذكاء االصطناعي
ً
جسديا .وال تكفي هذه اإلمكانيات العتبار الجهة املستقلة مرتكبة على ارتكاب الجريمة
للجريمة ،ألن الجهة تفتقد الوعي أو اإلرادة املطلوبة(.)3
تعتبر تصرفات الغير أحدى صور السبب األجنبي والتي تؤدي إلى قطع العالقة
السببية ما بين الخطأ ،والضرر ،فقد قضت محكمة استئناف القدس الفلسطينية في
القضية رقم ( )2016/653على أنه ...« :فيما يتعلق بعبء اإلثبات ،يقع على عاتق
( )1وفاء صقر ،املسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي -دراسة تحليلية استشرافية ،-مجلة روح
القوانين ،2021 ،صفحة .145
( )2الدحيات ،مرجع سابق ،هامش ،48ص .16
(3) GABRIEL HALLEVY ,previous reference, footnote 50, p 72.
118
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املضرور عبء إثبات أن الضرر قد حدث نتيجة لسلوك أو انتهاك املسؤول/املدعى عليه،
ً ً
وفقا ملبدأ أن املدعي يجب أن يثبت دعواه ومتى كان الضرر الذي أصاب املضرور متصال
بفعل شخص آخر افترضت العالقة السببية بينما إال أذا قام هذا األخير الدليل على
عكس ذلك باثبات وجود أسباب خارجية مثل القوة القاهرة أو أفعال املضرور أو أفعال
اآلخرين.)1( »...
فالخطأ الذي وقع من قبل حارس الذكاء االصطناعي لم يكن هو السبب الوحيد في
وقوع الضرر ،وإنما تداخل معه فعل شخص ثالث ليس من أطراف التعاقد ويطلق عليه
الغير ،أي أنه ليس املضرور واملتسبب بالضرر ،وحتى تنقطع العالقة السببية وتنتفي
ً
املسؤولية عن الحارس يجب أن يكون الغير هو الذي يعتد بخطئه ويكون مسؤوال عن
هذا الخطأ(.)2
نصت املادة ( )165من القانون املدني املصري على أنه« :إذا أثبت الشخص أن
الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي ال يد له فيه كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من
املضرور أو خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق
على غير ذلك»(.)3
فإذا تمكن الحارس من إثبات أن الضرر الحاصل نشأ بواسطة شخص من الغير
يعفى بهذه الحالة من املسؤولية وتنقطع العالقة السببية ما بين الخطأ والضرر(.)4
محكمة استئناف القدس الفلسطينية ،استئناف حقوق ،القضية رقم ( ،)2016/653تاريخ الفصل: ()1
2017/3/27م ،قسطاس.
أمين ،دواس ،مجلة األحكام العدلية وقانون املخالفات املدنية « ،»2املعهد القضائي الفلسطيني، ()2
لسنة 2012م ،ص.117
القانون املدني املصري ،مرجع سابق ،هامش ،129بدون رقم صفحة. ()3
رائد ،النمر ،الحراسة في نطاق املسؤولية عن فعل األشياء دراسة مقارنة ،ط ،1دار وائل للنشر، ()4
األردن2015 ،م ،ص.89
119
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
اختلف الفقه حول طبيعة األثر الذي يرتبه فعل الغير من التعويض ،فالبعض
يذهب إلى إعفاء حارس الذكاء االصطناعي بشكل كلي ،والبعض اآلخر يذهب إلى إعفاء
الحارس بشكل جزئي ،فيما يتعلق باإلعفاء الكلي :أذا كان فعل الغير هو الفعل الوحيد
الذي تسبب في وقوع الضرر ولم يتداخل معه فعل الحارس ،ففي تلك الحالة يعفى
الحارس بشكل كلي من التعويض( ،)1أما اإلعفاء الجزئي :أذا تداخل خطأ الحارس مع
ً
فعل الغير وتسبب كالهما في إلحاق الضرر باملضرور ،فتقع املسؤولية على كال منهما
ويحق للمضرور مطالبة الحارس بالتعويض ،كما يتشارك الغير مع الحارس بالتعويض،
ً
ويقع على املحكمة املختصة تقدير قيمة التعويض على كال منهما(.)2
وخالصة القول ،أن الحارس يستطيع أن يدفع املسؤولية عن أضرار الذكاء
ً
االصطناعي أذا تمكن من إثبات وجود السبب األجنبي ،واإلعفاء أما أن يكون كليا أو
ً
جزئيا وذلك مرتبط بتدخل فعل الحارس مع فعل الغير ،أو فعل املضرور ،وباملحصلة
أذا لم يرتكب الحارس أي خطأ يعفى من املسؤولية بشكل كلي ،أما أذا أرتكب خطأ
وتداخل معه سبب أجنبي فيعفى من املسؤولية بشكل جزئي(.)3
ً
إن قدرات كيان الذكاء االصطناعي على ارتكاب الجريمة جسديا تشبه القدرات
ً
عقليا ،أو عقليا ،مثل الرضيع ،أو الشخص غير الكفء ً املقابلة لشخص محدود
الشخص الذي يفتقر للحالة الذهنية إجرامية ،ومن الناحية القانونية عندما يرتكب
جريمة من قبل عميل بريء رضيع ،أو شخص غير مؤهل عقليا ،أو شخص يفتقر إلى
الحالة العقلية الجنائية الرتكاب جريمة فإنه ال يتم فرض أي مسؤولية جنائية على
مرتكب الجريمة الجسدي ،وفي مثل هذه الحاالت يعتبر ذلك الشخص بمثابة أداة وإن
كانت متطورة ،في حين أن الطرف الذي يقوم بالجريمة (الفاعل عن طريق آخر) هو
( )1عبد هللا ،الوالي ،املسؤولية املدنية عن أضرار تطبيقات الذكاء االصطناعي في القانون اإلماراتي ،ط،1
دار النهضة العلمية للنشر والتوزيع ،اإلمارات ،دبي2021 ،م ،ص.240
( )2مجاهد ،مرجع سابق ،هامش ،179ص.367-366
( )3الوالي ،مرجع سابق ،هامش ،276ص.245
120
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الفاعل الفعلي باعتباره فاعال أصليا من الدرجة األولى ،ويحاسب على السلوك من
العميل البريء(.)1
فمن املمكن أن يكون هناك طرف خارجي شخص يرغب في ارتكاب جريمة جنائية
فيتوجه لسيارة ذاتية القيادة فيدخل إلى برمجتها ويقوم بتهكيرها والتالعب وباإلعدادات
املوجودة ويعطيها ويدخل فيها بيانات وأوامر مغايرة لترتكب الجريمة التي يريدها ففي
هذه الحالة أصبح هذا الطرف الخارجي (الغير) الذي ليس له عالقة فال هو املالك وال هو
املصنع وال الذكاء االصطناعي نفسه .وبالتالي فإنه يمكن في هذه الحالة وضع فرضيتين:
أوال :في حالة أن يقوم هذا الطرف الخارجي باستغالل أي ثغرة ما في الذكاء
االصطناعيُ ،وجدت بإهمال من املنتج أو املبرمج ،أيضا لدى قيام املالك بإعطاء شفرات
الدخول على نظام التحكم في تقنية الذكاء االصطناعي لهذا الطرف الخارجي مما يسهل
عليه إصدار أوامر الذكاء االصطناعي وارتكاب الجريمة ،فتكون هنا املسؤولية الجنائية
قائمة بصورة مشتركة بين كافة األطراف(.)2
ثانيا :في حالة قيام هذا الطرف الخارجي بتخصيص في استغالل ثغرة في الذكاء
االصطناعي وجدت من غير أن يكون هناك إهمال من املالك أو املصنع فهنا املسؤولية
الجنائية تقع على الطرف الخارجي وحده ،مثال :كأن يقوم الطرف الخارجي بإعطاء أمر
برمجي للذكاء االصطناعي باالعتداء على أشخاص يحملون صفات معينة مثل لون
ً
البشرة وغيرها( ،)3أيضا مثاله اختراق الطرف الخارجي للسحابة االلكترونية( ،)4والتي يتم
121
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
تخزين و إرسال األمور من خاللها لتقنية الذكاء االصطناعي و قيامه بإصدار أوامر للذكاء
االصطناعي لحمله على ارتكاب جريمة معينة كإعطاء أمر برمجي باالعتداء على أشخاص
يحملون صفاة معينة يحملون لون بشرة معين مثال أو ذوي زي معين(.)1
ووفق الحالتان السابقة إذا تم التثبت أن الجريمة وقعت بسبب الطرف الخارجي
(الغير) فإن هذا الطرف هو الذي يكون مسؤوال جزائيا ويتم اعفاء نظام الذكاء
االصطناعي من هذه املسؤولية.
يعد الذكاء االصطناعي مسؤوال عن جميع الجرائم التي يرتكبها بنفسه باستقاللية
وبقدرته على التعلم العميق بناء على عنصر اإلدراك االصطناعي الذي سيتم برمجته
فيه ،ويستثنى من ذلك إذا لم يكن لإلنسان يد فيها(.)2
122
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الفرع الثاني
مسؤولية الذكاء االصطناعي عن اضراره
ومع استبعاد فرضية مالمسة النظام الذكي مباشرة مع الكيان أو الش يء املتضرر،
وهي في الحالة التي يقوم فيها النظام الذكي بالتسبب بضرر مباشر وواضح ،فإنه يصعب
إثبات املسؤولية في الحاالت األخرى ،ويقع على املضرور إثبات في أنه إما أن الش يء قد
تخلله عيب ،أو أن يقوم بإثبات الوضع غير املألوف للش يء الذكي أو أن يثبت إنحراف
سلوكه ،مع العلم واألخذ بعين االعتبار أن إثبات هذه الفرضيات من النادر من أن يكون
ممكن القيام به وإثباته وذلك يعود لعدم دراية املضرور بخبايا هذه األنظمة(.).)1
يمكن بطبيعة األحوال في مجال الذي يحدد فيه نوع املسؤولية عن األضرار الناجمة
عن استخدام الذكاء االصطناعي أن يتم بحث املسؤولية في ضوء قواعد املسؤولية عن
ً
األعمال الشخصية ملستخدم الذكاء االصطناعي أو املنتج ،وذلك وفقا للقاعدة التي
ً
أكدتها املادة 1382من التقنين املدني الفرنس ي والتي تنص على أنه :أي فعل لإلنسان أيا
ً
كان ،ويسبب للغير أضرارا يلزم من تسبب فيه بالتعويض .وهذا النص يتوافق مع املادة
ً
163من التقنين املدني املصري والتي تنص على :أن كل خطأ سبب ضررا للغير ُيلزم من
ارتكبه بالتعويض(.)2
ً
يعتبر كل خطأ نتج عنه ضررا للغير يجوز فيه للغير أن يطالب بالتعويض الذي
ً ً ً ً
لحقه سواء كان ضررا ماديا أو ضررا معنويا ،فالضرر املادي الناجم عن أفعال الروبوت
ً
مثال قد يتمثل بضرر قد يصيب اإلنسان في ماله ،أي الذي يلحق به خسارة مالية تؤدي
ً ً
إلى نقص في ذمته املالية ،إن مساس بالحق املالي للمضرور يكون ضررا ماديا إذا نجم عن
هذا املساس انتقاص للمزايا املالية التي يخولها هذا الحق ،إما إذا لم يترتب عليه مثل
123
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
124
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
125
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
خطأ أو مشكلة فيها ،ألنه يجب عليه أن يعرف طريقة عمل هذه الروبوتات ،إضافة إلى أن
ً
التحكم في هذه الروبوتات ليس مباشرا ،فهي مبرمجة على إصابة أشخاص معينين ،وقد
ً ً
تتعرض لخلل في نظامها يجعلها تصيب شخصا لم يكن مقصودا إصابته ،وترتبط
املسؤولية عن إطالق النار من ِقبل هذه الروبوتات بالقائد العسكري(.)1
إن مسألة الحديث عن ارتكاب الذكاء االصطناعي لجريمة من تلقاء نفسه بدون
خطا برمجي و نتيجة لحذوت تطور ذاتي في نظام الذكاء االصطناعي الذي يعمل به أصبح
ً
من األمور املمكنة حاليا وأكبر مثال على ذلك ما حدث في عام 1981م تم قتل موظف
ً
ياباني في مصنع للدراجات النارية يبلغ من العمر 37عاما على يد روبوت ذكاء اصطناعي
كان يعمل بالقرب منه ،حيث قد حدد الروبوت بشكل خاطئ املوظف على انه يشكل
ً
تهديدا ملهمته ،وبحسب أن الطريقة األكثر فعالية للقضاء على هذا التهديد هو من دفعه
إلى آلة تشغيل مجاورة باستخدام ذراعه الهيدروليكي القوي للغاية ،وقد هاجم وحطم
ً
الروبوت العامل املفاجئ في آلة التشغيل ،وقتله فورا ،ثم استأنف الروبوت مهامه من
دون أن يتدخل أحد(.)2
إن ارتكاب الجريمة من قبل الذكاء االصطناعي بنفسه بدون خطأ برمجي من املصنع
أو تدخل أي طرف ،وذلك بواسطة تقنيات حديثة تمكن الذكاء االصطناعي من التفكير
وإصدار قرارات ذاتية ،يكون هو وحده املسؤول عن إصدارها ففي هده الحالة من
املفترض أن تكون املسؤولية الجنائية واقعة على الذكاء االصطناعي وحده .وبالتالي نجد
أنفسنا أمام إشكال هام يتمحور حول إمكانية توقيع عقوبة ذات طابع جزائي على
كيانات الذكاء االصطناعي من عدمه(.(3
ولإلجابة عن هذا اإلشكال يتطلب منا املعرفة والتأكد من توافر عناصر املسؤولية
الجنائية التي يتم تطبيقها على البشر ما إذا كان يوجد هناك إمكانية لتطبيقها على
126
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
127
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
أساسية لقيام املسؤولية الجنائية ،فال يسأل الشخص جنائيا إال إذا كان أهال للمساءلة
الجنائية وذلك بتوفر عنصري اإلرادة أو االختيار واإلدراك لديه(.)1
وبالتالي يبقى هناك تساءل حول إن كان يمكن تطبيق عنصر العلم واإلرادة على
الجرائم التي يرتكبها الذكاء االصطناعي كما هو مذكور سابقا؟
إن اإلجابة على هذا السؤال تختزل في أن القانون الجنائي ال يتصور تطبيقه إال على
البشر وبالتالي ال نستطيع طبقا للقوانين الحالية القيام بإيقاع الجزاء جنائي على كيانات
الذكاء االصطناعي وحيث أنه إن ما قد يحدث عمليا انه يمكن للقاض ي أن يأمر بمصادرة
هده اآللة التي تعمل بالذكاء االصطناعي والتي حدثت الجريمة عن طريقها .ولكن هناك
نموذج من املسؤولية ،وهو مسؤولية االحتمال الطبيعي للنتائج ،الذي يفترض التورط
العميق للمبرمجين أو املستخدمين في األنشطة اليومية لكيان الذكاء االصطناعي ،ولكن
دون أي نية ارتكاب أي مخالفة عبر كيان الذكاء االصطناعي .)2(.
لقد حصر قانون العقوبات التي توقع على الشخصية االعتبارية ،أي على ما دون
الشخصية الطبيعية املتمثلة في اإلنسان بعقوبتي املصادرة والغرامة ،حيث جاء في املادة
(« :)74ال يحكم على األشخاص املعنويين إال بالغرامة أو املصادرة»(.)3
واملصادرة هي نقل ملكية مال أو أكثر من املحكوم عليه إلى الدولة ،وهي بذلك عقوبة
ناقلة للملكية تحل الدولة فيها محل املحكوم عليه أو غيره في ملكية املال ،وقد تكون
ً ً
عقوبة مالية أو عينية ،وقد تكون املصادرة عقوبة كما قد تكون تدبيرا احترازيا ،فحين
ترد املصادرة على أشياء مشروعة الحيازة بحسب األصل لكن قامت بينها وبين الجريمة
ً ً
صلة فتكون عقوبة ،وحين ترد على أشياء حيازتها غير مشروعة تكون تدبيرا احترازيا.)4( .
128
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
وقد قرر قانون الجرائم اإللكترونية الفلسطيني عقوبة املصادرة لألجهزة اإللكترونية
والبرامج والوسائل املستخدمة في ارتكاب جريمة من تلك الجرائم املنصوص عليها في
القانون ذاته ،حيث جاء في املادة ( )2/50منه« :دون اإلخالل بالعقوبات املنصوص عليها
ً
في هذا القرار بقانون ،وحقوق الغير حسن النية ،على املحكمة أن تصدر قرارا يتضمن
اآلتي :مصادرة األجهزة أو البرامج أو الوسائل املستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم
املنصوص عليها في هذا القرار بقانون أو األموال املتحصلة منها ،على أن تكون إزالة
املخالفة على نفقة الفاعل(.)1
وتشمل املصادرة األشياء التي يعد استعمالها وتداولها غير مشروع ،وإن كانت ال
تعود ملكيتها للمتهم( ،)2وهذا ما أكدته املادة ( )31من قانون العقوبات الفلسطيني،
حيث جاء فيها« :يصادر من األشياء ما كان صنعة أو اقتناؤه أو بيعه أو استعماله غير
ً
مشروع وإن لم يكن ملكا للمتهم أو لم تفض املالحقة إلى حكم».
ً
واملصادرة نوعان ،مصادرة عامة مجلها جميع ثروة املحكوم عليه ،وقد طبقت قديما
وتحظرها التشريعات اليوم ،ومصادرة خاصة وهي عقوبة تكميلية يكون الحكم بها
ً ً ً
وجوبيا أحيانا فتكون لها خصائص التدابير االحترازية ،وقد يكون الحكم بها جوازيا
أحيان أخرى فيكون لها خصائص العقوبة(.)3
وال تتم املصادرة في التشريع الفلسطيني إال بحكم قضائي يقض ي بها ،فقد جاء في
نص املادة ( )4/21من القانون األساس ي الفلسطيني« :ال مصادرة إال بحكم قضائي»(.)4
ومما سبق بيانه من نصوص قانونية فإن عقوبة املصادرة تشمل األجهزة
اإللكترونية والبرامج والوسائل املستخدمة في ارتكاب جريمة من الجرائم املنصوص عليها
املادة ( )52فقرة 2من من قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن الجرائم االلكترونية و تعديالته. ()1
السعدي ،مرجع سابق ،هامش ،200ص .163 ()2
عبد القادر جرادة ،مبادئ قانون العقوبات الفلسطيني ،فلسطين ،مكتبة آفاق2013 ،م ،ص .810 ()3
القانون األساس ي الفلسطيني لعام 2005م. ()4
129
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
في قانون الجرائم اإللكترونية ،مثل جريمة اختراق موقع أو نظام إلكتروني ،أو جريمة
إتالف موقع أو بيانات أو ملفات ،أو كجريمة التهديد عبر وسيلة أو جهاز إلكتروني وغيرها
من الجرائم األخرى في هذا القانون ،وهذه الجرائم بطبيعتها تتم بواسطة الذكاء
االصطناعي سواء كان جهاز حاسوب ،أو هاتف ،محمول ذكي أو غيره من أجهزة الذكاء
االصطناعي املعروفة ،فتقع عليها عقوبة املصادرة وحتى إن كانت حيازتها مشروعة ،وال
تشكل جريمة في ذاتها ،ألنها وسيلة وأداة الرتكاب جريمة من جرائم الذكاء االصطناعي،
وهذه العقوبة تكون تكميلية إلى جانب العقوبة التي توقع على مستخدم أجهزة الذكاء
ً
االصطناعي الذي ارتكب الفعل اإلجرامي ،وهي عقوبة تشكل ردعا ملن يفكر في اقتراف
ً
مثل هذه الجرائم ،خصوصا ما تمثله من اعتداء على خصوصية اإلنسان ،كجرائم
االختراق ،وإتالف البيانات ،أو التالعب بها وتزويرها ،ويندرج هذا ضمن السياسية
الجنائية الحديثة ملواجهة هذا النوع من الجرائم.
عندما يقوم الذكاء االصطناعي بتنفيذ مهامه اليومية ،قد مسؤولية يرتكب جريمة
لم يكن املبرمجون أو املستخدمون على علم بالجريمة إال بعد ارتكاب الفعل؛ فهم لم
يخططوا الرتكاب أي جريمة ،ولم يشاركوا في أي جزء من ارتكاب تلك الجريمة املحددة .
في مثل هذه الحاالت ،قد يخلق النموذج الثاني استجابة قانونية مناسبة ،ويعتمد هذا
النموذج على قدرة املبرمجين أو املستخدمين على توقع ارتكاب الجرائم املحتملةً .
ووفقا
لهذا النموذج ،يكون هناك إمكانية ملحاسبة الشخص عن جريمة ،إذا كانت تلك الجريمة
نتيجة طبيعية ومن املحتمل أن تكون نتيجة لسلوك هذا الشخص .وقد تم استخدام
نموذج مسؤولية االحتمال الطبيعي للنتائج لفرض املسؤولية الجنائية على املتواطئين،
عندما يرتكب الشخص جريمة لم يخطط لها جميعهم ولم تكن ً
جزءا من مؤامرة .ويبقى
ً
هناك تساؤال حول ما هي املسؤولية الجنائية للكيان نفسه عند تطبيق نموذج االحتمالية
الطبيعية؟
في الحقيقة ،توجد نتيجتان محتملتان لإلجابة على هذا السؤال :في حالة ما إذا
تصرف الذكاء االصطناعي باعتباره عامل مسالم وبرئ من غير معرفة أي ش يء عن ما
130
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
يتعلق بالحظر اإلجرامي ،فهو في هذه الحالة ال يحاسب جنائيا على الجريمة التي ارتكبها
في ظل هذه الظروف وهو ما يعرف في هذه الحالة بــ( :نموذج املسؤولية عبر الجرم عن
طريق آخرز ولكن إذا لم يكن كيان الذكاء االصطناعي يتصرف باعتباره عامل مسالم
وفقا للطبيعةوبريء ،فعندئذ باإلضافة إلى املسؤولية الجنائية للمبرمج أو املستخدم ً
ً ً
املحتملة للنتائج ،فإن الكيان أيضا يكون مسؤوال ويمكن أن توقع عليه عقوبات .وال
يفترض في هذه الحالة أي اعتماد من كيان الذكاء الصناعي على مبرمج أو على مستخدم
معين ،كما يركز هذا النموذج الثالث على كيان الذكاء االصطناعي نفسه ،كما تتكون
املسؤولية الجنائية عن جريمة معينة بشكل رئيس ي من خالل العنصر الخارجي وهو
(الفعل الجرمي) وكذلك من خالل العنصر الداخلي (الجرم الرجعي) لتلك الجريمة،
وينسب لكليهما عناصر الجريمة املحددة الخاضعة للمساءلة الجنائية .ولكي يتم فرض
املسؤولية الجنائية على أي نوع من الكيانات ،ال بد من إثبات وجود هذه العناصر في
الكيان املحدد ،وبيان األسئلة ذات الصلة التي تتعلق باملسؤولية الجنائية الخاصة
بكيانات الذكاء .والتي تتمحور حول كيف يمكن لهذه الكيانات أن تتوفر فيها متطلبات
املسؤولية الجنائية؟ وهل تختلف كيانات الذكاء االصطناعي عن البشر في هذا السياق؟
وبال شك أنه يقدر كل كيان الذكاء االصطناعي على تلبية متطلبات كل من العنصر
الخارجي والعنصر الداخلي ،والواقع أنه يفي بهما بالفعل ،فال يوجد ما يمنع من فرض
ً
املسؤولية الجنائية على كيان الذكاء االصطناعي هذا حتى تكون مسئولة جنائيا ،ال بد
ً
من معاملة كيانات الذكاء االصطناعي هذه باعتبارها أشخاص اعتباريين تماما مثل
ً
الشركات كأشخاص اعتبارية قانونا ،حيث أن املنطق األولي وراء منح الشخصية
االعتبارية للشركات الترويج للنشاط التجاري وإزالة مسؤولية الشركات من األكتاف
الفردية(.)1
من نفس املنطلق ،ال بد أن يتم منح الذكاء االصطناعي الحريات الدستورية
131
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
األساسية بما يتماش ى مع تلك املمنوحة للشركات .وبما يهدف بشكل أساس ي من وراء
ذلك ،هو أنه مع التطور الخاص بالذكاء االصطناعي وبدء التفكير ،فإن املسؤولية املدنية
ً
والجنائية الناشئة عن أفعالهم لن تعود فقط إلى املبرمج أو املالك .فمثال في مسؤولية
الطيار اآللي على أساس تقنية الذكاء االصطناعي ،فماذا لو قام مطور طائرة حربية بعمل
برنامج طيار آلي يقوم بنفسه بإزالة أي عقبات في مهمته وفي إحدى املهام يقوم طيار
الطائرة بإبطال املهمة بسبب سوء األحوال الجوية لكن الطيار اآللي يعترف بالطيار
االصطناعي باعتباره عقبة ويخرج الطيار خارج املقصورة التي تقتل الطيار ،ففي هده
الحالة لم يكن لدى املطور أي نية لقتل الطيار والقوانين الحالية تعتبرهم مسؤولون،
وسيكون الخيار الصحيح هو فرض املسؤولية الجنائية على الطيار اآللي وتصحيح
خوارزميات لبرامجه ،وهذا ال ينقذ مطوري الذكاء االصطناعي واملالكي من املسؤولية
ً
الجنائية عن األفعال التي لم يقصدوها أبدا ،بل يدفع املطورين لجلب املزيد من
االبتكارات(.)1
إن املسؤولية اجلنائية للذكاء االصطناعي عن أضراره يكون يف عدة حاالت:
األولى :تكون املسؤولية الرتكاب الجريمة عن طريق شخص آخر ،وقد تتوجه التهمة
للمنتج أو املبرمج أو املستخدم النهائي(.)2
بمعنى آخر أن يكون هناك طرف آخر يشارك الذكاء االصطناعي في ارتكاب الجريمة
فمن املفترض أن يتحمل الطرف االخر كامل املسؤولية لكن مستقبال سوف تكون
املسؤولية مشتركة-ومثال ذلك في الهواتف الذكية يقوم املصنع على برمجة هذه الهواتف
بحيث ال يعطيها صالحيات مطلقة في تصرفاتها بحيث يضع فيها قيود تمنعه من ارتكاب
الجرائم فيأتي املستخدم للهواتف الذكية ويعمل على التالعب في كود برمجة وبأجراء
عملية برمجية تسمى بالروبوت ( )Rootللهاتف وخاصة في أنظمة األندرويد مما يفتح
132
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
133
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
األعطال ،إضافة إلى ضرورة وجود قواعد استخدام محددة يتم من خاللها تفادي وقوع
أخطاء تشكل جريمة في حال حدوث خلل فني ،كنشر الروبوتات القاتلة في أوقات
محددة ،بحيث تضبط حركتها(.)1
ولكن مع عدم القدرة على عقاب اآلالت في حالة تسببت في حوادث أن يهدد ذلك
استقرار املجتمع ،وفي هذا الصدد يقول نيكوالس وولتمان ،املساعد في مركز أبحاث
قانون الروبوت بجامعة فيرزبورغ بأملانيا« :على املستوى الفردي فمن املؤكد أن عدم
القدرة على توجيه اتهام جنائي بعد وقوع حادث خطير سيكون أمرا غير مقبوال ،وهذا
يمثل مأزقا»(.)2
سوزان بيك أستاذ القانون الجنائي وفلسفة القانون بجامعة هانوفر األملانية :ترى،
«أنه قد يتعين علينا إلى حد كبير أن نتخلى مستقبال عن إصدار أحكام قضائية حول
الحوادث التي تتسبب فيها اآلالت» ،وتقر بأنه «من املؤكد أن عدم إمكانية العثور على
عقوبة سيكون أمرا مزعزعا الستقرار املجتمعات» .وتقترح «التفكير في حلول أخرى ،مثل
التوسط بين الضحية ومرتكب الجريمة أو حلول تتضمنها أنظمة قانونية أخرى مثل
القانون املدني»(.)3
«وحسب وولتمان فقد بدأ الباحثون في مجال القانون على سبيل التجربة في
مناقشة ما إذا كان نبغي علينا ،أن نتخلى عن املبدأ الذي يقول إن األفراد وحدهم هم
الذين يمكنهم التصرف بشكل يمثل جريمة» .ويتابع الرأي السائد هو أنه في املرحلة
الحالية من التطور التكنولوجي ليست هناك ضرورة للتخلي عن القاعدة القانونية
134
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الراسخة»(.)1
ويتحدث وولتمان عن وجود «منطقة رمادية يمكننا من خاللها أن نتكهن بكيفية
تطور االجتهاد التشريعي في املستقبل ،وقد تكون هذه املنطقة الرمادية مقبولة من
املجتمع بشكل عام في حالة تراجع عدد الحوادث املرورية ،عندما تصبح السيارات ذاتية
القيادة أكثر انتشارا نتيجة فوائدها الكلية للمجتمع» ،ويتابع بالقول «أنه ـمن املؤكد أن
عدم القدرة على توجيه اتهام جنائي بعد وقوع حادث خطير سيكون أمرا غير مقبوال،
ً
وهذا يمثل مأزقا.)2( .
االساس في القانون الجنائي أن تكون العقوبات رادعة حتى تؤتي ثمارها وتردع
االشخاص االخرين عن ارتكاب أي سلوك جرمي ،فعلى سبيل املثال في قانون العقوبات
هناك عقوبات سالبة للحرية وعقوبات تصل لإلعدام فال يعقل تطبيق هذه العقوبات
على آالت الذكاء االصطناعي أو أن تكون رادعة آلالت الذكاء االصطناعي األخرى أو تمنعها
من ارتكاب هذه الجريمة أو تنشر االستقرار في املجتمع وتقليل الجرائم فنجد أن هذا
األمر أو الصورة ليست واضحة وكاملة في حالة الذكاء االصطناعي.
لكن يمكننا في هذه الحالة الدمج بين مسؤولية املالك املصنع مع مسؤولية الذكاء
االصطناعي نفسه فالذكاء االصطناعي املصنع ينتجه وبعدها يمكن عمل له ذمة مالية
مستقلة بحيث أن جزء من ثمن الذكاء االصطناعي هذا أن يبقى في ذمة مالية مستقلة
للذكاء االصطناعي يمكن عمل صندوق تأمين أو تضامن في الدولة ككل ،بحيث أن أي
ذكاء اصطناعي يرتكب جريمة ويسبب ضرر للغير يتم اخذ تعويض مالي من هذا
الصندوق واعطائه للمضرور وهذا جزء من انواع العقوبات للذكاء االصطناعي.
وهناك نوع اخر على سبيل املثال يمكن ايقاف الذكاء االصطناعي عن الخدمة ،مثال:
( )1موقع الكتروني ،مرجع سابق ،إذا كان خصمك إنسان آلي «روبوت» فمن تقاض ي ،هامش ،196بدون رقم
صفحة.
( )2موقع الكتروني ،مرجع سابق ،إذا كان خصمك إنسان آلي «روبوت» فمن تقاض ي ،هامش ،196بدون رقم
صفحة.
135
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
توقيف خط االنتاج له او كان هناك تكرار للسلوكيات املرتكبة للذكاء االصطناعي املنتج
من هذه الشركة ومما سبق يتبين ان هناك حلول لكنها تحتاج للعديد من الدراسات
املعينة ،ووضع ضوابط معينة ،وأن تقوم الدولة بتبني هذه الجزئيات بحيث أنه يكون
عندها تشريعات استباقية تستبق املستقبل في املوضوع.
تتيح تكنولوجيا الذكاء االصطناعي مجموعة من االستخدامات الصناعية والخاصة
للروبوتات .من املؤكد أن التكنولوجيا ستصبح أكثر ً
تقدما في املستقبل مع تطور أبحاث
الذكاء االصطناعي بمرور الوقت ،وسيؤدي االستخدام الصناعي والخاص لهذه
التكنولوجيا إلى توسيع نطاق املهام التي ستتوالها روبوتات الذكاء االصطناعي ،يث انه
كلما كانت املهام متقدمة ومعقدة ،كلما زادت فرص الفشل في إنجازها ،إن الفشل
ً
مصطلح واسع يشمل مواقف مختلفة في هذا السياق ،وأكثرها شيوعا املوقف هو أن
املهمة التي قام بها الروبوت لم يتم إنجازها بنجاح .لكن بعض حاالت الفشل يمكن أن
تنطوي على ضرر وخطر على األفراد واملجتمع .على سبيل املثال ،تم تعريف مهمة
الروبوتات لحراسة السجن على أنها منع الهروب باستخدام الحد األدنى من القوة ضد
السجناء .قد يتم تقييد السجين الذي يحاول الهروب من قبل حارس الروبوت ،الذي
يمسك السجين بقوة ولكنه يسبب اإلصابة؛ قد يجادل السجين بعد ذلك بأن الروبوت
قد استخدم قوته بشكل مفرط .قد يكشف تحليل تصرفات الروبوت أنه كان بإمكانه
اختيار إجراء أكثر اعتداال ،ولكن الروبوت قام بتقييم الخطر على أنه أكبر مما كان عليه
في الواقع .وفي هذه الحالة من املسؤول عن الضرر(.)1
يثير هذا النوع من األمثلة أسئلة مهمة والعديد من الحجج حول مسؤولية كيان
الذكاء االصطناعي .إذا تم تحليله من خالل عدسة األخالق ،فإن الفشل في هذه الحالة
هو فشل املبرمج أو املصمم ،كما يقول معظم العلماء ،وليس فشل الروبوت نفسه .ألنه
ً
ال يستطيع الروبوت ترسيخ املسؤولية األخالقية الالزمة ليكون مسؤوال عن أي ضرر ناتج
136
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
عن أفعاله .ووفقا لوجهة النظر هذه ،فإن البشر وحدهم هم القادرون على ترسيخ مثل
هذه املسؤولية األخالقية .فالروبوت ليس إال أداة في يد مبرمجه ،بغض النظر عن جودة
برمجياته أو قدراته املعرفية .ترتبط هذه الحجة بالنقاش حول اآللة العاقلة(.)1
دائما مسألة مسؤولية كيانات الذكاء االصطناعي إلى وفي هذا السياق ،ستعود ً
الجدل الدائر حول القدرة املفاهيمية لآلالت على أن تصبح شبيهة باإلنسان ،بحيث
يصبح البحث الذي ال نهاية له عن اآلالت العاقلة ً
سعيا ال نهاية له ملساءلة الذكاء
االصطناعي .والسؤال ذو الصلة هنا يتجاوز السؤال التكنولوجي ،وهو في الغالب سؤال
اجتماعي .كيف نختار كمجتمع إنساني تقييم املسؤولية في حاالت األذى والخطر على
الفرد واملجتمع؟ األداة االجتماعية الرئيسية املتاحة للتعامل مع مثل هذه املواقف في
الحياة اليومية هي القانون الجنائي ،الذي يحدد املسؤولية الجنائية لألفراد ظهور الذين
يضرون املجتمع أو يعرضونه للخطر(.)2
أيضا قيمة اجتماعية تعليمية ألنه يعلم األفراد كيفية التصرفوللقانون الجنائي ً
داخل مجتمعهم .على سبيل املثال ،يحظر القانون الجنائي القتل؛ بمعنى آخر ،يحدد
ً ً
مسبقا، القانون ما يعتبر قتال ،ويحرمه .وهذا له قيمة معاقبة األفراد على جرائم القتل
مسبقا ،كجزء من قواعد العيش ً
معا في ً ً
مستقبليا على عدم القتل وتثقيف األفراد
ً
مهيمنا في السيطرة االجتماعية(.)3 املجتمع .وهكذا ،إذ يلعب القانون الجنائي ً
دورا
ً
وعلى الرغم مما سبق إال انه هناك انتقادا لفكرة املسؤولية الجنائية لكيانات الذكاء
ً
االصطناعي ،إن املسؤولية الجنائية لكيانات الذكاء االصطناعي ترتبط عموما بعنصرين
النقاط أولها غياب الصفات غير املطلوبة لفرض املسؤولية الجنائية على سبيل املثال،
الروح ،والشر ،والخير ،والثاني هو ضحالة تعريفات القانون الجنائي من منظور علوم
أخرى غير القانون الجنائي ،على سبيل املثال ،علم النفس ،والفلسفة ،والالهوت
137
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
والعلوم املعرفية(.)1
يمكن الرد على نقطتي النقد بشكل منهجي يمكن دحض النقد األول من خالل
ً
اإلشارة إلى الجانب البنيوي ملصفوفة القانون الجنائي ،ومالحظة أن أيا من السمات
الغائبة ليست مطلوبة لفرض املسؤولية الجنائية على البشر والشركات والكيانات
املستقلة على حد سواء ،ويمكن الرد على النقد الثاني من خالل الجانب املوضوعي
ملصفوفة القانون الجنائي ،حيث تكون تعريفات املصطلحات القانونية من خارج مجال
القانون الجنائي غير ذات صلة على اإلطالق بتسوية مسألة املسؤولية الجنائية ،وهذا
يفتح الباب أمام فرض املسؤولية الجنائية على كيانات الذكاء االصطناعي باعتبارها من
مرتكبي الجرائم املباشرة(.)2
ً
وهناك أيضا اتجاه معارض لتقرير املسؤولية الجنائية للذكاء االصطناعي وتقنياته
ً
وتحديدا للروبوتات حيث انطلق االتجاه املعارض للمسؤولية الجنائية للروبوتات من
قاعدة مفادها أنه ال يمكن اسناد املسؤولية الجنائية إال لإلنسان الذي يتمتع باإلرادة
املطلوبة لخلق السلوك املكون للركن املادي للجريمة ،وأيضا اإلرادة وهي قوام الركن
املعنوي ،ومن ثم ال مؤاخذة من ارتكب الجريمة دون إرادته ،وعليه فقد استند هذا
االتجاه املعارض على مجموعة من الحجج تتمثل بعضها في عدم قدرة الروبوتات على
ارتكاب أفعال غير مشروعة من الناحية القانونية ،فهي ال تمتلك امللكات العقلية لديها
كما هو الحال بالنسبة ألشخاص الطبيعيين ،ناهيك عن عدم القدرة والقابلية على
تطبيق العقوبات الجنائية على الروبوت وتعارضها مع فلسفة الجزاء الجنائي ،إضافة إلى
االعتراف بالشخصية القانونية للروبوتات يتعارض مع الحق في الخصوصية(.)3
في حين أنه يرى أنصار االتجاه املؤيد لتقرير املسؤولية الجنائية للروبوتات أن
الروبوتات التي تعمل بتقنيات الذكاء االصطناعي متى صدر عنها سلوكيات مجرمة فإنها
138
المبحث الثاني -قواعد المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
تكون مسؤولة من الناحية الجنائية وفق حكم القانون الجنائي ،شريطة أن تكون هذه
الروبوتات قادرة على اتخاد القرار والتصرف واالتصال مع قراراتها من الناحية املعنوية،
أما إذا لم يتوافر لدى هذه الكيانات الذكية الحد األدنى من األسس املتطلبة لذلك فال
مسؤولية جنائية عليها(.)1
باإلضافة إلى أنهم يرون أن تقرير املسؤولية لهذه الكيانات يساعد ويحقق لوظيفة
القانون الجنائي في الرقابة على السلوك املجرم ،وتخفيف األضرار الواقعة على املجني
عليه ،مع العلم بأن اقرار املسؤولية الجنائية للروبوتات ال يعفي مصنعيها ،أو مالكيها أو
مدربيها من مسؤوليتهم الجنائية الفردية ،وال يشترط وجود هذا االرتباط ألنه قد يوجد
ثمة خطأ من جانب املصنع ،أو املدرب أو املالك يتسبب في ارتكاب هذه الكيانات
ً
للجرائم ،باإلضافة إلى أن اقرار املسؤولية الجنائية لهذه الروبوتات يساعد كثيرا في
تحديد األشخاص املذنبين ،ويمثل رقابة ذاتية لحماية األفراد الذين يتعاملون مع هذه
الروبوتات(.)2
139
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
140
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
املبحث الثالث
منوذج جرائم الذكاء االصطناعي
141
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
142
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
املبحث الثالث
منوذج جرائم الذكاء االصطناعي
143
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الجريمة الجنائية التي ارتكبت عن طريق الذكاء االصطناعي في والية ايروزونا عام -
صدمت سيارة ذاتية القيادة تابعة لشركة أوبر UBERبسيدة في ،2018حيث َ
الطريق تقود دراجتها مما أدى إلى وفاتها متأثرة بجراحها ،بالرغم من أن السيارة
كانت في وض القيادة الذاتية تحت إشراف سائق بشري إال أنها لم تستطي التعرف
على حركة جسد السيدة أثناء قيادتها للدراجة فقتلتها(.)1
قضية املوظف الياباني :في سنة 1981قتل موظف ياباني في مصن للدراجات -
النارية يبلغ من العمر 37سنة على يد أحد الروبوتات التي تعمل بالقرب منه ،فقد
تم تحديد الروبوت على نحو خاطئ فاملوظف شعر بتهديد ملهمته ،واحتسب أن
الطريقة األكثر فعالية للقضاء على هذا التهديد ودفعه إلى آلة تشغيل مجاورة
باستخدام ذراعه الهيدروليكي القوي للغاية ،وقد حطم الروبوت العامل املفاجئ في
تشغيل الجهاز وهو ما أسفر عن مقتله على الفور ،ثم استئناف مهامه دون أن
يتدخل أحد في مهمته .وعليه ،نجد العديد من الجرائم التي ال يمكن حصرها ومن
املتوق أن ترتكبها كيانات الذكاء االصطناعي(.)2
قضية روبوت ويليامز :وهو أول شصص ُيقتل بواسطة روبوت ،وق الحادث في -
ُ
مصن فورد في فالت روك بوالية ميشيغان في 25يناير ،1979وقد قتل شصص
ً
ُيدعى ويليامز بعد أن اصطدم بذراع الروبوت عندما تسلق رفا السترداد أحد
القوالب التي من املفرض أن يكون الروبوت هو من استردها ولكنه استمر في تقديم
معلومات خاطئة بشأن عدد القوالب املتبقية على الرف مما اضطر ويليامز
للتسلق(.)3
( )1عبد الوهاب مريم ،املسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي ،جامعة املدية ،مجلة القانون
والعلوم البيئية ،عدد ،2الجزائر ،2023 ،ص .688
( )2عدوان ،مرج سابق ،هامش ،17صفحة .154-153
( )3أنظر إلى املوق اإللكتروني مصطفى السداوي ،أشخاص قتلتهم الروبوتات الذكية ،مجلة سيدتي2018 ،
،https://www.sayidaty.netبدون رقم صفحة ،تاريخ الزيارة .2023/10/20
144
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
قضية وشوا براون :وهو أول شصص ُيقتل في حادث سيارة ذاتية القيادة تيسال -
موديل ، Sتوفي عام 2016عندما كان يقود سيارته في والية فلوريد بسبب عدم
تمكن سيارته من التفريق بين عربة مقطورة ذات 18عجلة والسماء الساطعة،
حيث مرت تحت جانب واحد من مقطورة جرار وظهرت من الجانب اآلخر
وتحطمت ،وقد تسبب الحادث في ضجة حول مدى السالمة التي توفرها السيارات
ذاتية القيادة(.)1
نجد العديد من الدول التي تستخدم نماذج وتقنيات وآالت الذكاء االصطناعي في
مجتم عها ،ففي أمريكا نجد هناك املحامي اإللكتروني الذي يتم الدفاع بتفويض من قبل
األشصاص ،وفي اإلمارات نجد املأذون اآللة الذكية حيث يتم إدخال البيانات الخصصية
للطرفين ومن ثم يتم الزواج بينهما ،وفي مصر يوجد املحاكمات عن بعد كأن يكون
القاض ي في مكان ،وأن يكون باقي األطراف في مكان آخر وقد سبقت مصر كافة الدول في
هذا األمر.
أما في الصين فتمتلك أكثر من مئة روبوت موزعة في املحاكم في كافة أنحاء البالد
الصينية ،ومنها الروبوت (زياوفا) والتي تقدم املشورة القانونية وتعرف اإلجابات عن أكثر
من أربعين ألف سؤال في مجال النزاعات القضائية ،ويمكنها أن تتعامل م ثالثين ألف
مشكلة قانونية(.)2
ً
كذلك دولة أستونيا فقد صممت قاضيا على شكل روبوت يمكنه النظر في النزاعات
املالية الصغيرة والتي تقل قيمتها عن 7000يورو ،والتركيز على نزاعات العقود ،عن
طريق تحميل األطراف املتنازعة كافة الوثائق الالزمة ،حتى تقرر الصوارزميات في األمر،
قاض بشري ،وكان مقرر أن يتم تجربتهومن ثم يصدر الحكم الذي يمكن استئنافه أمام ٍ
م نهاية عام 2019م ،وفي الواليات املتحدة األمريكية الفدرالية تم تصميم برنامج ذكاء
145
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
اصطناعي يتنبأ بقرارات القضاة في املحاكم األمريكية ،وتم تقدير بما نسبته من -20
%30من القضايا يمكن استبدالها بالذكاء االصطناعي ،إال أنه كان هناك تحيز عنصري
كبير ،وإساءة تقدير للمخاطر ومعاودة االجرام لدى مختلف املدانين بالقضايا ،فقد كان
يجري تصنيف املدانين السود أعلى من غير السود ،حتى عندما يرتكب املدانون البيض
غير السود جرائم أشد خطورة(.)1
وفي سنغافورة يطبق فيها القاض ي الذكي بمعنى أن يتوجه األشصاص للقاض ي اآللة
حتى يمدونه باملعلومات ويحكم بين املتقاضين ،وحتى اجراءات التحكيم ،وفي السعودية
روبوت انسان آلة (صوفيا) فقد أطلقوا عليه هذا االسم ،واعطوه الجنسية السعودية،
واعطوه حق التصرف وامللكية في بعض األمور.
ترتبط االشكاليات القانونية بالعادة في نموذج الذكاء االصطناعي املتقدم أكثر من
النموذج البسيط ،فعلى سبيل املثال :السيارات ذاتية القيادة واملنتشرة حاليا بكثرة في
الدول األوروبية واإلمارات ،بحيث تقوم فكرة هذه السيارات القائمة على نموذج الذكاء
االصطناعي املتقدم أنها تقوم بالقيادة بنفسها بدون أي تدخل بشري ،سواء كان
الخصص يجلس فيها فإنه ليس له أي تحكم في هذه السيارة فهي تمش ي بشكل ذاتي
بنفسها عبر األكواد البرمجية التي تتحكم في حركتها.
في حين أنه في الوض الطبيعي السيارات غير ذاتية القيادة ،عندما يكون الخصص
يقودها ويتحكم في قيادتها ،فإنه يكون مسؤول عن أي حوادث تحدثها هذه السيارة لكن
وعلى العكس ،أو كان الذكاء االصطناعي يقود هذه املركبة و أحدث أي حادث أو إصابة
دهس لخصص ما فمن يكون املسؤول جنائيا في هذه الحالة ،في حين أنه ال يمكننا إسناد
أي مسؤولية جنائية للذكاء االصطناعي نفسه ،ألنه ال يوجد لدينا اي نص على ذلك
وطبقا ملبدأ الشرعية الجنائية بأنه ال جريمة وال عقوبة إال بنص قانوني فقانون
العقوبات لم ينص على مسؤولية اآللة إنما نص على مسؤولية األشصاص.
146
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
يجب التفكير في هذه الحالة في فرضيات موجودة وواقعية حتى يتم اسناد السلوك
أو الضرر املرتكب طبقا للتشريعات املوجودة وهذا دور الباحثين في أن يخلق حل يسند
هذا السلوك ملرتكب معين حتى لو كان بصورة غير مباشرة إلى جانب تنبيه املشرع إلى
فرضيات مستقبلية بالبحث وعقد مؤتمرات وورشات عمل مبحث فيها املسؤولية
الجنائية لهذه اآللة نفسها وننبه املشرع في أن يض تشريعات ونصوص قانونية في
مسؤولية اآللة.
147
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املطلب األول
جرائم الذكاء االصطناعي الذاتية
تعتبر جرائم الذكاء االصطناعي من إحدى جرائم املستقبل القريب وم تسارع وتيرة
التطور التكنولوجي وخاصة في الوقت الحالي وما تبعه من ظهور العديد من الجرائم
األخرى.
ومثال على جرائم الذكاء االصطناعي الذاتية ،جرائم اآلالت :ومثال على ذلك
السيارات ذاتية القيادة التي تقود ذاتيا فهذه السيارة يكون فيها الخصص جالس بكل
اريحية وهي تسير بنفسها باألجهزة االستشعارية التي لديها وبالصوارزميات التي عندها
وبتطبيقات الذكاء االصطناعي وحتى الطرق والشوارع تكون ممهدة لها فمن الضروري
جدا ان يتم تحديد اذا ارتكبت هذه السيارة اي جريمة جنائية كان تصطدم بخصص
مثال نتيجة انها تلقت اشارات خاطئة نتيجة عاصفة جوية أو رملية وتطبيقها لم يعمل
بشكل جيد فصدمت ذلك الخصص وقتلته فمن سيكون املسؤول حينئذ وبعد قيام
النيابة العامة بتوجيه اتهام للسائق بالتسبب بالوفاة عن غير قصد لكن في الحقيقة
السائق لم يكن صاحب السيطرة على السيارة انما كانت تلك االلة الذكية السيارة ذاتية
القيادة فسيحكم القاض ي حينئذ بالبراءة على السائق .وعلى ضوء ذلك فيما يخص
موضوع السيارات الذاتية القيادة التقنية هذا يستتب في القريب العاجل وفقا لقانون
املرور أو السير أن تقوم الدول بإدخال وتعديل حالة ووض السيارة ذاتية القيادة
واملسؤولية الجنائية واملدنية والتأمين والتعويضات عن ذلك وهذا يستتب أن يتم وض
وتعديل قوانين السير في ذلك األمر مثل ما قامت به بعض الدول مثل فرنسا والعديد من
الواليات في اميركا قامت بوض قواعد للسيارات ذاتية القيادة ; ألنها أصبحت جزء من
الحياة وليس طرفا فكريا.
148
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
الفرع األول
اجلرمية العمدية الناجتة عن الذكاء االصطناعي
بشكل عام ،يتطلب فرض املسؤولية الجنائية عن الجرائم ذات النية الجرمية
(الجرائم املتعمدة) استيفاء العناصر الفعلية والعقلية لهذه الجرائم ،حيث يشارك
البشر في إنشاء تكنولوجيا وكيانات الذكاء االصطناعي ،في تصميمها وبرمجتها وتشغيلها،
وبناء على ذلك ،عندما يستوفي كيان ما العناصر الفعلية والعقلية للجريمة ،فمن الذي
يجب أن يتحمل املسؤولية الجنائية؟ اإلجابات املحتملة هي كيان الذكاء االصطناعي ،أو
البشر املتورطون في كيان الذكاء االصطناعي ،أو كليهما(.)1
ُ
تفرض املسؤولية الجنائية عن تلك الجريمة إذا استوفى مرتكب الجريمة من البشر
املتطلبات الفعلية والعقلية للجريمة ،ومن خالل القيام بذلك ،ال تحتاج املحكمة إلى
شريرا» ،أو ما إذا كانت هناك سمة أخرى تميز ارتكاب التحقيق فيما إذا كان الجاني « ً
الجريمة ،حيث أن استيفاء هذه املتطلبات هو الشرط الوحيد لفرض املسؤولية
الجنائية ،ومعلومات أخرى قد تؤثر على العقوبة ،ولكن ليس على املسؤولية الجنائية(.)2
قد تتوجه إرادة الجاني إلى السلوك اإلجرامي الذي باشره ،وكذلك تتجه إلى النتيجة
املترتبة عليه م علمه بها وبكافة العناصر التي يشترطها القانون لقيام الجريمة أي أن
الجاني قد تعمد إحداث النتيجة املعاقب عليها ،أي أنه قد اتخذ الركن املعنوي صورة
القصد الجنائي بالتالي تكون الجريمة عمدية(.)3
إن أغلب جرائم الذكاء االصطناعي أو الجرائم التي تستخدم بوسائل الكترونية
تكون نتيجتها معروفة فيها وتكون ظاهرة في العالم املادي الذي نعيش فيه .وفي مثال
السيارة ذاتية القيادة وعند التفريق بين أطراف الدعوى :منتج السيارة ،مبرمج السيارة،
149
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
مستخدم أو مستعمل أو مالك السيارة ،وتطبيق الذكاء االصطناعي .تقسم الجرائم إلى
نوعان إما أن تكون جريمة عمدية أو جريمة غير العمدية (جرائم الصطأ).
تقوم املسؤولية الجنائية في القانون الجنائي بتحقق الجريمة بركنيها املادي
ً ً
واملعنوي ،وفي جرائم الذكاء االصطناعي ال يثير الركن املادي جدال قانونيا نظرا لتحقق
الفعل الجرمي املتمثل في ارتكاب الجريمة نتيجة الستخدام الذكاء االصطناعي ،إال ان
الركن املعنوي هو الذي يثير الجدل كأساس لقيام املسؤولية الجنائية ،والذي يجب أن
يتحقق الركن املعنوي في احدى صورتيه العمد أو الصطأ ،فإن القصد الجنائي بعنصريه
العلم واإلرادة هو الذي يمثل الركن املعنوي للجرائم العمدية ،وذلك أي أن يعلم الجاني
ماهية الفعل و أن يريد تحقق النتيجة االجرامية(.)1
في الجريمة املادية لو قام املبرمج ببرمجة جهازا للتجسس على االخرين أن يبرمجه في
وقت محدد لينتهك خصوصية االخرين بحرق املكان املوجود فيه ففي هذه الحالة هذه
جريمة عمدية ناتجة عن الذكاء االصطناعي من احدى اطراف الدعوى سواء كان املبرمج
سواء كان املستخدم فممكن له أن يدخل للبرمجة واستخدمه ألغراض إجرامية ففي
تلك الحالة هذه جريمة عمدية وااللة الذكية في تلك الحالة هي عبارة عن أداة مثل
تطبيق الفاعل املعنوي كأن يقوم شصص طبيعي باستخدام شصص اخر وهذا الخصص
إما أن يكون حسن النية واستخدم في ارتكاب الجريمة أو يكون غير مميز مثل الطفل
ليس لديه ادراك وهو الذي ارتكب الجريمة ولكن الذي يرتكب الجريمة فعليا هو من قام
باستخدام تلك الوسيلة وكذلك تطبيق تقنيات الذكاء االصطناعي في تلك الحالة هي
عبارة عن وسيلة وال غبار في انزال القواعد العامة في تلك الحالة على حسب من قام
بالفعل كجريمة عمدية .لكن حينما يقوم تطبيق الذكاء االصطناعي باتخاذ قراره تلقائيا
بمعزل عن اطرافه الثالثة املبرمج واملصن واملستخدم وتكمن هنا اإلشكالية.
ومن األمثلة األخرى هناك صورة للتعدي على الحياة الصاصة بواسطة الذكاء
( )1احمد بالل ،مبادئ قانون العقوبات املصري-القسم العام ،-دار النهضة العربية للطب والنشر
والتوزي 2006 ،م ،ص .692
150
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
( )1سوزان األستاذ ،انتهاك حرمة الحياة الخاصة عبر اإلنترنت ،مجلة جامعة دمشق للعلوم القانونية
واالقتصادية ،املجلد ،29العدد الثالث2013 ،م ،ص.436
151
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الفرع الثاني
اجلرمية الغري عمدية الناجتة عن الذكاء االصطناعي
يمثل الصطأ الركن املعنوي في الجرائم الغير عمدية ،وذلك يعكس العالقة النفسية
ً
بين الجاني والركن املادي على نحو يجعل إرادته محل لوم املشرع ،كونه يعد خروجا عن
واجبات الحذر والحيطة التي أدت وأفضت إلى وقوع النتيجة اإلجرامية(.)1
بشكل عام الجرائم الغير عمدية (الجرائم الصطأ) والتي تتمثل في السلوك وتتمثل في
احدى صور الصطأ مثل :الرعونة ،وعدم االنتباه ،ومخالفة القوانين واألنظمة وهكذا،..
فلو افترضنا تطبيق هذا الحديث على أطراف الدعوى في تطبيق الذكاء االصطناعي الذي
تمت صناعته كمنتج يجب أن يكون املنتج صحيحا ،وال يسبب ضرر وفقا لقانون حماية
املستهلك ،ووفقا للقواعد العامة في كافة الدول .عند القيام بتصني الذكاء االصطناعي
وكان به خطأ فإن املبرمج يتحمل مسؤوليته كخطأ غير عمدي .في السيارة ذاتية القيادة
فلو قام املستخدم بالتالعب في البرمجة مما دف السيارة لعمل حادث فتتم حينها
مسائلة املستخدم بخطأ غير عمدي نتيجة ارتكابه لذلك الفعل .وأيضا عند قيام تطبيق
الذكاء االصطناعي نفسه بارتكاب فعال وذلك الفعل نتيجة الصطأ فهنا أيضا تثار
إشكالية.
حاول فقهاء القانون ان يضعوا عدة نظريات لتحديد مسؤوليات الذكاء
االصطناعي ،فبالنسبة لنظرية الفاعل املعنوي ويمكن تطبيقها على أطراف الدعوى
ولكن ال يمكن تطبيقها على تطبيقات الذكاء االصطناعي ألنها عبارة عن الة وليس
شصصا .وأيضا فشلت نظرية مسؤولية أفعال الغير في تطبيقها :ألنه وحتى يسأل شصص
عن مسؤولية الغير كخصص عنده حيوان وهذا الحيوان قام بعض شصص اخر نتيجة
عدم حراسته فيسأل صاحب الكلب جنائيا ففي بعض الدول استخدمت هذا األمر
152
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
بشكل مفرط مما أدى للمساس بمبدأ الخصصية اعتبرتها بعض الدول نصوصا غير
دستورية .مثال اخر هناك جريدة قام فيها صحفي بالطعن في شصص ما ُفيسأل حينئذ
صاحب الصحيفة وذلك األمر غير جيد وبالتالي ذهبت بعض الدول إلى أن التعويض
املدني أفضل ودعت لالبتعاد عن موضوع املسؤولية الجنائية.
وبخصوص تطبيق فكرة القصد االحتمالي كأن يريد شصص فعل ما ويتوقعه وال
توجد فيه أي مشكلة فيه .ولكن حينما ال يرغب الخصص بالنتيجة ويكون متوق الفعل
ويعتمد الخصص على مهاراته ويقوم بعمل شرط أساس ي باملن من وقوعها فهذا اسمه
خطأ واعي مدرك يكون قريبا من الصطأ االحتمالي وتشدد الدول العقوبة فيه بالرغم من
أنه احدى صور الصطأ لذلك حين تطبيق ذلك على أطراف تقنيات الذكاء االصطناعي
نجد أنه من الجائز أن يتم تطبيق الصطأ الواعي حينما قام الخصص بصناعة تلك االلة
وكان يعلم أنه من الجائز أنها ترتكب جريمة فيتحمل املسؤولية حينها املصن ،ويتحمل
املبرمج ،ويتحمل املستخدم الصطأ الواعي وليس القصد االحتمالي.
153
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
املطلب الثاني
استخدام الذكاء االصطناعي يف ارتكاب اجلرمية
يوصف اإلجرام اإللكتروني بالذكاء الصارق على العكس ومقارنة باإلجرام التقليدي
الذي يتسم بالعنف ،لهذا يطلق عليه بإجرام األذكياء ،كونه يعتمد على وسائل
تكنولوجية متطورة في القيام بالتدمير ،أو اختراق املواق الحكومية ،أو قرصنة
املعلومات الصاصة باألفراد ويقوم باالعتداء على خصوصيات األشصاص ،وبالتالي فإن
نجاح أمن املعلومات يعتمد على نجاح أنظمة الحماية املعتمد لدى الشركات واملنشات
االقتصادية ،والذي يجب أن يكون حماية مدنية ،ومعلوماتية وجنائية على نحو ذا
فعالية ،ويمكن تحقيق الحماية املعلوماتية بتطوير األبحاث العلمية للنظم األمنية لكي
يتم تأمين بياناتها ومعلوماتها من القرصنة وإساءة االستعمال واكتشاف ذلك.)1( .
تعمل البرمجة املتطورة للذكاء االصطناعي على إعطاء االته وتقنياته قدرات هائلة
لالستخدام البشري وقد تشكل بعضها خطرا وما يصاحبها من ارتكاب للجريمة.
لم يعد األمر مجرد خيال ،بل اصبح اقرب للحقيقة على أرض الواق حيث نجد
االستغالل الكبير للعصابات للذكاء االصطناعي كالروبوتات و أجهزة االتصال اإللكتروني
في ارتكاب الجرائم ،مثل :القتل ،الدهس ،اإلضرار باآلخرين ،انتحال صور وأصوات
أشصاص ،بهدف ارتكاب تلك الجرائم من غير أن تطالهم العقوبة ،ألن القانون ال يعاقب
إال الخصص الطبيعي ،أما اآللي واالفتراض ي مثل الروبوتات فال يقوم القانون بمعاقبتها،
وبعض عرض هذا املوضوع على العديد من القانونيين ،أكدوا وجود فراغ تشريعي
ً
بخصوص هذا االمر ويتطلب العمل على إغالقه ،حتى ال يكون الذكاء االصطناعي ممرا
ً
ومنفذا للعصابات واملافيات الرتكاب الجرائم املصتلفة(.)2
154
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
ومثال على أحد األشصاص الذين تم سؤالهم عن املوضوع هو عميد كلية القانون
ً
الكويتية العاملية د .فيصل الكندري تحدث قائال« :أنه ملواجهة األخطاء التي ترتكب
بواسطة كيان الذكاء االصطناعي ،والتي قد تشكل جرائم عمدية أو غير عمدية علينا أن
نحدد ثالثة احتماالت بكيفية ارتكاب الجريمة ،لنحدد بعدها الخصص الذي ستسند
إليه املسؤولية الجزائية ،وباملثالين التاليين نستطي أن نفهم االحتماالت الثالثة :سيارة
بقيادة ذاتية صدمت شصصا فأصابته ،وروبوت يجري عملية جراحية فيحدث خطأ نتج
عنه إصابة أو وفاة»(.)1
ً
وأضاف الكندري قائل« :إذن لنا أن نحدد اآلتي:
االحتمال األول :املسؤولية الجزائية الرتكاب الجريمة بواسطة شصص آخر، -
وستكون التهمة موجهة للمنتج واملصن أو املبرمج ،والروبوت أو السيارة ذاتية
القيادة وسيلة في ارتكاب جريمة.
االحتمال الثاني :املسؤولية الجزائية على من يس يء استخدام كيان الذكاء -
االصطناعي الرتكاب جريمة ،وهنا يستبعد املبرمج واملنتج واملصن من تحمل
املسؤولية الجزائية ،لعدم نسبة أي خطأ من جانبه ،ويتم إرجاع السبب ملن
يستخدم اإلجراءات العادية لنظام الذكاء االصطناعي بشكل غير مناسب ألداء عمل
إجرامي.
االحتمال الثالث :املسؤولية املباشرة ،ويتم إلحاق املسؤولية مباشرة بكيان الذكاء -
االصطناعي ،كما يتم تحميلها لألفراد عادة ،ومعلوم أن كيانات الذكاء االصطناعي
تعتبر غير قادرة على تحمل املسؤولية الجزائية ،بسبب عجزها كاألطفال واملجانين
ومن في حكمهم ،فيلزم عندها إثبات ما إذا كان نظام الذكاء االصطناعي يتخذ إجراء
يؤدي إلى عمل إجرامي أو يخفق في اتخاذ اإلجراء ،ويعتبر تحديد القصد الجنائي
155
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
إلثبات ما إذا كان البرنامج يعمل بشكل خاطئ فيدف عن نفسه باملسؤولية كدفاع
الخصص الطبيعي بحجة الجنون ،وهل يمكن للذكاء االصطناعي املتأثر بفيروس
إلكتروني أن يدف عن نفسه باملسؤولية بسبب اإلكراه»(.)1
وقد أشار الكندري إلى أن هذه هي االحتماالت الثالثة من إسناد املسؤولية الجزائية
عندما يرتكب كيان الذكاء الصناعي أي فعل يعد جريمة ،وحيث أن التشريعات الحالية
تستوعب بعض االحتماالت ،لكن من املمكن إجراء دراسات أعمق لبحث احتماالت
أخرى قد تحتاج الى تدخل تشريعي(.)2
من جانبه ،أكد رئيس قسم القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د.
ً
حسين بوعركي قائال« :أن استخدام تقنيات الذكاء االصطناعي وما تشهده الثورة
الصناعية والتقدم التكنولوجي من أهم ما يواجه املشرع الجنائي ،في كل التشريعات،
ً
ليس فقط ملا يتيحه هذا التطور من وسائل جديدة في ارتكاب الجرائم ،بل أيضا ملا
يفرضه من ضرورة إضفاء الحماية الجنائية على املصلحة الجديدة التي قد تتولد عن
هذا التطور ،أو في عبارة أدق ،قيامه بتجريم األفعال التي من شأنها اإلضرار بهذه
املصالح ،وأنه إذا كانت هذه الحقيقة تنطبق ،بداهة ،على كل أنواع القوانين ،إال أن آثار
هذا التطور تنعكس ،بصورة خاصة ،على القانون الجنائي الذي يقوم بحماية النظام
العام والحقوق األساسية للمجتم واألفراد ،على النحو الذي يؤدي الى اإلضرار الجسيم
بهذا النظام ،وتلك الحقوق ،حال غياب التنظيم القانوني ،لظاهرة إجرامية جديدة(.)3
156
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
الفرع األول
اجلرمية العمدية يف استخدام الذكاء االصطناعي
157
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
للتحقق من الصحة الذاتية ،أيضا تطوير نظام ذكي يصنف الحاالت املؤكدة التي كانت
مصابة بفيروس COVID-19الكورونا ،واستخدمت وقتها الروبوت أو اإلنساني في ذلك
الوقت للقيام بالعديد من املهام املساعدة مثال توزي املعقمات وقياس درجة الحرارة
للمصابين بالكورونا في تلك الفترة(.)1
وعلى الرغم من أن استخدام آليات الذكاء االصطناعي في مواجهة فيروس كورونا له
إيجابيات عديدة وخاصة في توفير الوقت ،والجهد وتقلص عدد الضحايا ،إال أن
املدافعون عن حقوق اإلنسان يرون أن االستعانة بمجموعة من البيانات ذات الطاب
الخصص ي عن الحاالت املصابة واملصالطين تعتبر فكرة مهددة لحريات اإلنسان
األساسية ،وخاصة فيما يتعلق بالحق في الصصوصية الذي أصبح على املحك بفعل هذه
التقنية ،حيث أصبحنا نتحدث اليوم عن نهاية الصصوصية ،في ثنائية جدلية تحاول
التوفيق بين مطلب الحرية كحق من حقوق اإلنسان األصيلة والدواعي األمنية للدول
ألجل صون استقرارها وحفظ سالمتها(.)2
ً
وأيضا ال ننفي هنا وجود بعض البرمجيات التي راعت في تصميمها واشتغالها مسألة
األمن الخصص ي وحماية املعطيات الخصصية ،كالبرنامج التي وضعته غوغل بالتعاون م
برنامج آبل لهذا الغرض ،بحيث يقوم التطبيق بتخزين املعلومات حول األجهزة املتصلة
فيما بينها دون تحويل هذه املعلومات إلى خادم ) (Serverمركزي كما هو الحال في
التطبيقات األخرى ،لكن حتى هذه الفكرة ال تخلو من تهديدات لصصوصية األشصاص
ً
وأمنهم ،كون أن تشغيل هذه التطبيقات انطالقا من واجهة برمجة التطبيقات )(API
سيقوم بتهديد و فتح الباب للعديد من الثغرات األمنية الجديدة املستهدفة للصصوصية
( )1أبو بكر خوالد ،خيرالدين بو زرب ،فعالية استخدام تطبيقات الذكاء االصطناعي الحديثة في مواجهة
فيروس كورونا ) :)COVID-19تجربة كوريا الجنوبية نموذجا ،مجلة بحوث اإلدارة واالقتصاد،
مجلد ،2عدد ،2الجزائر 2020م ،ص .44
( )2محمد السهيلي ،تطورات الذكاء االصطناعي ومقتضيات حماية الحقوقق والحريات األساسية ،إدارة
الشؤون القانونية بمنظمة االيسيسكو ،اململكة املغربية ،الرباط2019 ،م ،ص .14
158
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
الخصصية ،مثال ذلك :إظهار تطبيقات تتب املتصلين للحالة الصحية ملستخدم ما عبر
إمكانية ربط األشصاص املصابين بصورهم عبر كاميرا ثابتة متصلة بجهاز Bluetoothفي
األماكن العامة(.)1
وبناء على ما سبق قد يترتب على نظام املعلومات الذكي ،والفحوصات االلكترونية
وملئ االستبيانات وااللزام بتحميل تطبيقات على الهواتف جرائم عمدية في استخدام
الذكاء االصطناعي انتهاك خصوصية االنسان وبياناتهم الخصصية في ذلك.
ويفترض أن تكون الحاجة إلى املراقبة والتتب تقتصر على بيانات األفراد الخصصية
وحياتهم الخصصية بما يخدم حاجة الحفاظ على الصحة العامة فقط دون أن يتجاوزها
إلى أكثر من ذلك ،وذلك من أجل صد أي تسريب لهذه البيانات الخصصية أو توظيفها
دون إذن رسمي أو مسوغ معقول وسليم.
فلو حدث في دولة معينة أن انتشر وباء معين وتمت االستعانة بتقنيات الذكاء
االصطناعي للتتب والرصد فيفترض أن يتم تحديد الفترة الزمنية الالزمة التي سيتم فيها
توظيف تلك التقنيات ومواعيد االستغناء عنها ،وأن تقدم الدولة ضمانات عادلة
ومقنعة لدف أي سوء توظيف لهذه املعطيات الخصصية بحيث يقتصر مقدار التدخل
في معطيات األفراد الخصصية على ما يحقق غاية صد الوباء فقط وحصريا دون سواه،
وفي جمي األحوال ينبغي الحرص على حسن توظيف هذه البيانات الخصصية لألفراد
صد الوباء والسهر على حماية املعطيات من أي استغالل أو إيذاء أو بما يخدم غاية ّ
انتهاك لحرمة الحياة الخصصية لألفراد ،بحيث إن توظيف هده البيانات من قبل أجهزة
وأشصاص آخرين بغض النظر عن فائدتها ،من شأنه أن يهدم الثقة العامة الضرورية
ملواجهة مثل هذه الظروف(.)2
يشكل االستعمال الكبير للتقنيات الذكية للتتب واملراقبة خالل فترة الوباء
159
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
والصالحيات التي يتم منحها للحكومات في السماح لها باستعمال كل الوسائل املتاحة
ً
للحد من انتشاره تهديدا لحقوق اإلنسان وحرياته ،مما دف بعض الصبراء للقول بأننا
أمام أكبر موجة تعقب اجتماعي ومالحقة للمرض ى في العالم ،عبر نشر كل الوسائل
التكنولوجية الكفيلة بتحقيق هذا الغرض ،والتخوف الكبير بشأن انتهاكات حقوق
االنسان كالتشهير ،والتمييز ،والعنف والعنصرية ...وبالتالي فإن التساهل في الحفاظ
على البيانات الخصصية لألفراد ونشر املعلومات والهويات يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة
سواء على املدى املتوسط أو البعيد ،وقد اعتبر تقرير للهيئة الهولندية لحماية البيانات
أن استعمال تطبيقات تتب االتصال يشكل انتهاكا طويل األمد للحق األساس ي في الحياة
ً
الصاصة للمواطنين ،خصوصا أنه يعالج معطيات لها عالقة بصحة املريض وهي تدخل
في خانة البيانات الحساسة(.)1
160
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
الفرع الثاني
اجلرمية الغري عمدية يف استخدام الذكاء االصطناعي
ً
يعتبر إقامة املسؤولية على أساس الصطأ الغير عمدي أوس نطاقا من الصطأ
العمدي ،ألنه يكفي فيه اإلهمال أو عدم التبصر ،ويتمثل هذا الصطأ في عدم توق
ً
الضرر أو تحمل مخاطره إذا كان متوقعا ضرره .وبناء على ذلك يكون إهمال املستخدم أو
ً
املالك للذكاء االصطناعي أساسا لتحمل املسؤولية ،وبالرغم من ذلك يضل إثبات
ً
اإلهمال أو عدم التبصر صعبا ،كون أن استعمال الذكاء االصطناعي أو إتاحته حتى لو
ً ً
كان ناقصا من النادر أن يشكل بذاته إهماال ،حيث أن كل برمجة الكترونية تحتوي على
ً ً ً
عيوب وهذا أمرا بات مفروغا منه ،وبالتالي ممكن أن تحدث أضرارا في مواجهة أي موقف
غير مسبوق ،ويعبر من الصعب افتراض الرقابة أو اإلهمال في البرمجة ملجرد وقوع
الضرر(.)1
من املمكن أن يأخذ الركن املعنوي للجريمة صورة الصطأ غير العمدي ،فتتجه إرادة
الجاني إلى السلوك الجراميز دون تحقق النتيجة سواء لم يتوق حدوثها ،أو توق إمكانية
حدوث ذلك إال أنه لم يتخذ االحتياط الكافي لتالفي حدوث ذلك(.)2
يترتب على استخدام تقنيات الذكاء االصطناعي دون ضوابط انتهاك الحياة الصاصة
ً
والتعدي على الصصوصية ،وهذا األمر يعتبر آفة األجهزة والتقنيات اإللكترونية عموما،
فهي تفرض على مستخدميها املوافقة على السماح بسحب بيانات معينة من الهاتف
املستخدم أو من الوسيلة أو البرنامج الذي يستخدمه عبر الهاتف ،وتقوم هذه التقنيات
بتحليل تلك املعلومات والحصول على اهتمامات املستخدم الستغاللها ألهداف تجارية
ودعائية واستخبارية(.)3
161
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
نحن في العادة عندما نسجل دخول على أي موق من مواق التواصل االجتماعي
مثل الفيسبوك أو التويتر أو أي موق الكتروني خصوصا التي تكون مجانية ونقوم
بإنشاء حساب نوق فيه على اتفاقية استخدام هذه املواق التي تكون افتراضية و تعطي
املوق صالحيات أن يستخدم املعلومات الخصصية للمستخدم كاالسم ،العنوان ،رقم
الهاتف ،ويتتب البحث الخصص ي عند استخدامها بحيث يتمكن من معرفة اهتمامات
هذا الخصص املستخدم فيصبح عنده بيانات كبيرة متعلقة بالخصص املستخدم وذلك
عن طريق خوارزميات معينة يعمل على فلترة كافة البيانات فيها فيعرف كافة االهتمامات
ويستغلها في ابسط موضوع في النشاط واالستخدام التجاري للمعلومات وفي االعالنات
ويجعل االعالنات على هذه املواق تتوافق م االهتمامات للخصص فمثال شصص وجد
إعالن سيارات على الفيس بوك ودخل على هذا االعالن فسيجد أن كل االعالنات التي
تأتي أمامه تكون سيارات أو إعالن مالبس أو إعالن شوكوالتة معينة سيجد أيضا أن كل
االعالنات تخص نفس املوضوع الذي دخل كتب أو بحث عنه.
وفي الحقيقة ان التطور الذي وصل الصوارزميات ال يشترط أن يقوم الخصص
بالبحث أو الكتابة بل وحتى لو فان شصص باالتصال م شصص معين عبر الهاتف أنهم
يقررون لقضاء رحلة على جبل أو الساحل أو في دولة معينة سيجد أن الهاتف قد قام
بفلترة كالمهما واملحادثة الصوتية بينهما وأصب يعرض إعالنات لشركات أو شقق
بالقرب من الساحل أو الدولة التي تكلموا عنها ففي هذه الحالة اصبح هناك حالة ضرر
وانتهاك للبيانات الخصصية والتي باألصل يحميها الدستور و القانون وهذا االنتهاك
يشكل جريمة جنائية مرتكبة فمن سيكون املسؤول عن هذه الجريمة افتراضيا بحكم
قيام الخصص باملوافقة على اتفاقية االستخدام للفيس بوك مثال من غير التيقن عن
هذه االتفاقية في انه سيقوم باستخدام للمعلومات والبيانات الخصصية للمستخدم
فيصبح الفيس بوك في منأى عن أي مسؤولية جنائية ففي هذه الحالة يشبه فيها كأن
الخصص قام بإمضاء عقد بينه وبين الفيس بوك أن يقوم باستغالل البيانات
الخصصية للخصص املستخدم له فال يعقل اسناد مسؤولية جنائية للفيس بوك في هذه
162
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
163
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
164
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
ً
ومقيدا، أنظمة الذكاء االصطناعي .عندما يكون نظام الذكاء االصطناعي رهن االحتجاز،
ً
وخاضعا لإلشراف ،تصبح قدرته على اإلساءة عاجزة.
إن إصالح نظام الذكاء االصطناعي من خالل التغييرات الداخلية ،التي تبدأ بعوامل
خارجية (على سبيل املثال ،املبرمجون الذين يعملون بموجب أمر من املحكمة) ويختبرها
النظام كتقييد ،هو إعادة تأهيل جوهرية ألن فرص تورط النظام في مزيد من االنحراف
تتزايد .وإن القيمة االجتماعية لفرض السجن على نظام الذكاء االصطناعي حقيقية.
فتتم إزالة النظام الصطير من املجتم إلصالحه ،وخالل هذه الفترة ال يكون ً
قادرا على
التسبب في املزيد من الضرر للمجتم .وعند اكتمال العملية ،في نهاية املدة التي تحددها
املحكمة ،يمكن إعادة النظام إلى النشاط الكامل ،بنفس الطريقة التي يتم بها إعادة
السجين الذي انتهى من تنفيذ العقوبة إلى املجتم (.)1
تأخذ بعض الدول بطريقة الصدمة العامة أو املجتمعية بدأل عن السجون ،بحيث
تم تطوير هذه الطريقة لتخفيف من اكتظاظ السجون ،بحيث يجوز للمحكمة في
ً
الجرائم غير الجسيمة أن تقوم بفرض خدمة عامة على الجاني بدال من العقوبات
األخرى بحيث يدل على أنه جزء من املجتم وأن التسبب في الضرر باملجتم يرتد على
الجاني ،ففي كثير من الحاالت تضاف الصدمة العامة إلى فترة املراقبة من أجل فرض
تحسين إعادة تأهيل الجاني بشكل كامل داخل املجتم ،فهي أكثر من مجرد قيمة
تعويضية ،بل تهدف لجعل الجاني يفهم احتياجات املجتم وإعادة اإلدماج له(.)2
تتمت كل من الشركات وأنظمة الذكاء االصطناعي بتفاعالت قوية م املجتم ،
بحيث تعمل الصدمة العامة على تمكين هذه التفاعالت وتعزيزها ،وجعلها األساس
ً
للتغيير الداخلي املطلوب ،فعلى سبيل املثال طبيا يتم استخدام نظام خبير طبي ،مجهز
بقدرات التعلم اآللي في عيادة خاصة لتخصيص املرض ى ،ففي حال تم اعتبار أن هذا
165
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ً
النظام مهمال ،تفرض املحكمة عليه وحتى يتم تنفيذ هذه العقوبة ،يجوز استخدام ذلك
النظام من قبل الصدمات الطبية أو املستشفيات العامة ،وهذا األمر يمكن أن يخدم
هدفين رئيسين ،أولها يتعرض النظام ملزيد من الحاالت ومن خالل التعليم اآللي يمكنه
ً
تحسين أدائه ،وثانيها أنه يمكن اعتبار عملها تعويضا للمجتم عن الضرر الذي سببته
الجريمة ،وفي نهاية مدة الصدمة العامة يكون نظام الذكاء االصطناعي أكثر خبرة إذا كانت
عملية التعليم اآللي فعالة ويتم تحسين النظام ،وألن الصدمة العامة تخض لإلشراف،
بغض النظر عما إذا كانت مصحوبة باملراقبة فإن عملية التعلم اآللي وغيرها من
العمليات الداخلية يتم توجيهها نحو من ارتكاب املزيد من الجرائم أثناء الصدمة العامة،
وبحلول نهاية فترة الصدمة العامة سيكون نظام الذكاء االصطناعي قد ساهم بالوقت
ً
واملوارد لصالح املجتم ،ويمكن اعتبار ذلك تعويضا عن الضرر االجتماعي الناجم عن
ارتكاب الجريمة ،وهكذا ،فإن الصدمة العامة ألنظمة الذكاء االصطناعي تشبه الصدمة
ً
العامة لإلنسان في جوهرها ،بحيث يكون تعويض مساهما في املمارسة العملية لها(.)1
وكذلك تعتبر املراقبة أحد البدائل الشائعة للسجون التي اعتمدتها بعض املنظمات
الصيرية والدينية الصاصة لرعاية املجرمين املدانين من خالل منحهم األدوات االجتماعية
التي يحتاجونها للتخلي عن االنحراف وإعادة االندماج في املجتم ،بحيث كانت والية
ماساتشوستس أول والية أمريكية تفعل ذلك في عام 1878م ،وتختلف األدوات
ً ً
االجتماعية املقدمة من حالة ألخرى ،فمثال عندما يكون الجاني مدمنا للمخدرات فإن
ً ً
األدوات االجتماعية تشمل إعادة تأهيله من املصدرات ،وأيضا عندما يكون الجاني عاطال
عن العمل فإن األدوات االجتماعية تشمل التدريب املنهي وخالل تلك الفترة التي يكون
فيها الجاني تحت املراقبة من السلطات لضمان باإلشراف عليه ومراقبته لضمان عدم
ارتكاب أي جرائم أخرى .املراقبة هي في الغالب إعادة تأهيل ،وهي مناسبة للمجرمين
الذين لديهم إمكانية عالية إلعادة التأهيل .وبالتالي ،تحتاج املحكمة إلى تقييم دقيق
166
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
لتلك اإلمكانية ،أعدته خدمة املراقبة ،قبل الحكم على الجاني باملراقبة(.)1
عندما يرتكب نظام الذكاء االصطناعي جريمة ما ،يجب تخصيص النظام لتحديد ما
إذا كان من املمكن تصحيحها .في هذه املرحلة ،يتم تخصيص املجرمين من البشر
لتحديد إمكانية إعادة تأهيلهم .يتم إجراء كال النوعين من التخصيص من قبل
املتخصصين ،ف تخصيص املجرمين من البشر يتم من قبل موظفي خدمة املراقبة،
واألخصائيين االجتماعيين ،وعلماء النفس ،واألطباء النفسيين ،واألطباء ،وما إلى ذلك.
يمكن تخصيص مرتكبي جرائم نظام الذكاء االصطناعي من قبل خبراء التكنولوجيا .وإذا
أظهر التخصيص عدم وجود إمكانية إلعادة التأهيل ،فإن الغرض النهائي من إصدار
الحكم يصبح العجز ،ألن املجتم يرغب في من املزيد من الضرر ،ولكن إذا كان لدى
الجاني إمكانية كبيرة إلعادة التأهيل ،عندها يتم أخذ املراقبة وإعادة التأهيل كهدف
للحكم في االعتبار(.)2
وينطبق هذا بنفس القدر على املجرمين من البشر ،والشركات ،وأنظمة الذكاء
االصطناعي .السؤال األساس ي لتخصيص نظام الذكاء االصطناعي هو ما إذا كان من
املمكن إصالح النظام بتكوينه الحالي ،على سبيل املثال ،من خالل التعلم اآللي إذا كان
االستنتاج هو أن العقوبة املناسبة هي االختبار ،فيجب تطبيقها م اإلشارة إلى املشاكل
التي أثارها الجنوح .وهذا ينطبق على جمي أنواع املجرمين ،إن الهدف من العالج هو
عالج مشكلة معينة ،لذلك يجب أن يتناسب العالج م املشكلة .والفرق بين املراقبة
أيضا ،هو عجز الجاني عن قدراته املنحرفة خالل مدة والسجن ،والذي يشمل العالج ً
ً
مناسبا ،ولكن ً
خطيرا أثناء فترة العالج ،فقد يكون املراقبة العقوبة .إذا لم يكن الجاني
ً
عاجزا أثناء العالج ،فقد يكون السجن أكثر مالءمة(.)3 إذا كان الجاني
167
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
ذلك ،إذا وجد املجتم أن نظام الذكاء االصطناعي يمكنه االستمرار في العمل أثناء
جدا على املجتم ،فقد يكون خطيرا ً
ً ً
مناسبا .وإذا كان األمر العالج ،فقد يكون االختبار
مناسبا .عندما يتم فرض املراقبة ً
أخيرا ،يجب على نظام الذكاء االصطناعي أن ً السجن
يبدأ العالج ،الذي يتكون من إصالح عملياته الداخلية بحيث تتطلب بعض األنظمة
التدخل في عملية التعلم اآللي ،والبعض اآلخر يتطلب ترقية أجهزتها ،والبعض اآلخر
يتطلب التدخل في البرامج األساسية للنظام .خالل هذه العملية ،يواصل نظام الذكاء
االصطناعي نشاطه الروتيني تحت اإلشراف الذي تفرضه املحكمة .من الناحية
االجتماعية والوظيفية ،فإن املراقبة متطابقة بالنسبة للمجرمين من البشر والشركات
وأنظمة الذكاء االصطناعي(.)1
وتتطلب سمات كل مجرم معاملة مختلفة ،ولكن هذا صحيح بالنسبة للمجرمين
أيضا ،وبطبيعة الحال ،يمكن للمصنعين واملبرمجين ومستخدمي النظام البدء من البشر ً
في عملية اإلصالح دون تدخل املحكمة ،ولكن عندما تأمر املحكمة بالتدخل ،فهذا يعني
أن هذه إرادة املجتم وبنفس الطريقة ،يجوز ملدمن املصدرات أو عائلة املدمن البدء في
عملية إعادة تأهيل من املصدرات دون أمر من املحكمة ،ولكن عندما تفرض املحكمة
ذلك ،وتعتبر هذه هي إرادة املجتم (.)2
أما فيما يخص عقوبة اإلعدام فإن جوهرها هو موت الجاني ،فعندما يكون الجاني
ً
إنسانا ،فإن الحياة تعني وجود الخصص كمخلوق فاعل ،أما اذا كان الجاني شركة أو
نظام ذكاء اصطناعي ،فيمكن تحديد حياته من خالل نشاطه ،وإن نظامه الحي هو نظام
فعال ،وبالتالي فإن «حياة» نظام الذكاء االصطناعي هي قدرته على العمل على هذا
النحو ،إن إيقاف نشاط نظام الذكاء االصطناعي ال يعني بالضرورة «موت» النظام ،كون
املوت يعني العجز الدائم عن حياة النظام .ولذلك ،فإن عقوبة اإلعدام لنظام الذكاء
االصطناعي تعني إغالقه الدائم ،بحيث ال يمكن توق املزيد من الجرائم أو أي نشاط
168
المبحث الثالث -نموذج جرائم الذكاء االصطناعي
آخر من جانب النظام .عندما يتم إغالق نظام الذكاء االصطناعي بأمر من املحكمة،
جدا على املجتم . خطيرا ً
ً فهذا يعني أن املجتم يحظر تشغيل ذلك الكيان ألنه يعتبر
يخدم تطبيق عقوبة اإلعدام على أنظمة الذكاء االصطناعي كال من أغراض عقوبة
اإلعدام والعجز (كغرض عام للحكم) فيما يتعلق بأنظمة الذكاء االصطناعي(.)1
ً
ويقرر املجتم فرض عقوبة اإلعدام عندما يكون الجاني خطيرا عليه ،م كون
العقوبة مقبولة في النظام القانوني املعين ،بقصد تحقيق العجز التام والنهائي للجاني.
وينطبق هذا على املجرمين من البشر والشركات وأنظمة الذكاء االصطناعي .بالنسبة
ألنظمة الذكاء االصطناعي ،يعني العجز الدائم اإلغالق التام بموجب أمر من املحكمة،
م عدم وجود خيار إلعادة تنشيط النظام مرة أخرى .لن يشارك النظام الذي يعاني من
العجز الدائم في املزيد من األحداث الجانحة(.)2
قد يقال إن مثل هذا اإلغالق قد يؤثر على أشصاص أبرياء آخرين على سبيل املثال،
الشركة املصنعة للنظام ،أو مبرمجيه ومستخدميه ،وال ينطبق هذا على أنظمة الذكاء
ً االصطناعي فحسب ،بل ينطبق ً
أيضا على املجرمين من البشر والشركات أيضا ،بحيث
أيضا على عائلته البريئة (في حالة الجاني البشري) أو يؤثر على يؤثر إعدام الجاني ً
املوظفين واملديرين واملساهمين وما إلى ذلك (في حالة الشركة) ،عندما يكون الجاني عبارة
أيضا على أشصاص أبرياء آخرين، عن نظام ذكاء اصطناعي ،فإن إيقاف التشغيل يؤثر ً
لكن هذا ال يقتصر على أنظمة الذكاء االصطناعي ولذلك ،قد تنطبق عقوبة اإلعدام على
أنظمة الذكاء االصطناعي(.)3
169
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
170
الخاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
اخلامتة
علينا أن ندرك أوال وقبل كل ش يء في هذه الحياة أنه مهما تطور الذكاء االصطناعي
وكافة تقنياته فلن يستطيع البشر أن يسأل أو يضع لهذه التقنيات ملكة العقل البشري،
أو أي ذرة من املشاعر ،أو اإلنسانية ،أو األخالق ،أو اإلحساس ،أو الروح التي هي من أمر
هللا ومعجزاته الت ي تحدى كافة البشرية أن يخلقوا ذبابة ولم يستطيعوا ولن يستطيعوا
ألن الكمال هلل عز وجل والنقص لكافة مخلوقاته.
تعتبر ذروة الثروة التكنولوجية فيما قدمه الذكاء االصطناعي وخوارزمياته اليوم من
تحديث واستحداث شكل جديد من الخدمات لم تكن موجودة من قبل وهذه االمور كلها
تشكل وبما ينعكس بتحسين األداء بزيادة االنتاجية،بتوفير الوقت ،والجهد ،واملال هو
حقيقة ش يء غير مسبوق ،لربما في الوضع الطبيعي على سبيل املثال صنع اآللة التي
تبحث في قواعد البيانات وتعيد البيانات بما هو مقارب لعملية البحث فإن دل ذلك عن
خلق محتوى جديد فعندما يكون هذا الروبوت أو اآللة موجود في اجتماع مثال فإنه
ينوب عن اإلنسان وهو قادر على أن يتفاعل مع املعطيات املوجودة في محيطه وأن
يستخرج أجوبة ولربما بعض النتائج الغير موجودة في قاعدة بياناته إنما التي قام
بتحليلها وخلق محتوى جديد غير موجود في قاعدة بياناته كل هذا يعتبر عند الكثير انه
ذروة ما توصل إليه الذكاء االصطناعي.
ً ً
وأخيرا ،وليس آخرا نستطيع القول بأن عصر الجغرافيا في هذا العالم بدأ يتضاءل
لصالح عصر بال حدود ،تتالش ى فيه سيادات الدول ،ويغلب ويسود فيه الذكاء
االصطناعي واختراعات األقمار الصناعية ،والهواتف ،والفاكس والحاسب اآللي ،مع
تواصل التخوف لدى العالم من أن يصبح الذكاء االصطناعي تقنية للدمار الشامل ،وأن
ً
يصبح البشر عبدا لتقنيات الذكاء االصطناعي وتحديدا لخدمة االنسان االلي مستقبال،
أو أن تقودنا إلى حرب عاملية ثالثة.
171
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
النتائج:
لقد توصل الباحث إلى العديد من النتائج ،أهمها:
يعرف الذكاء االصطناعي بأنه :علم اآلالت الحديثة ،مفهوم جديد ،ذو طبيعة )1
خاصة ،وفرع من فروع علم الحاسوب ،وسلوك يحاكي الذكاء البشري في أغلب
تطبيقاته عبر قيام االنسان بمحاولة برمجة ،وتطوير اآللة أو الحاسوب ،وإيجاد
وصنع تقنيات حديثة ،بحيث تصبح قادرة على أداء بعض املهام التي يقوم بها البشر
كالتعلم ،والتفكير ،واالستنباط ،والتنفيذ على أرض الواقع وحل املشكالت،
والتفهم والسمع والتكلم والحركة بأسلوب منطقي ومنظم.
أصبح الذكاء االصطناعي واقعا ملموسا بعد أن كان مجرد خيال علمي موجود، )2
وكثرة االستخدام له وتطوره أدت إلى استقالليته ،مما يشكل الخطر على األفراد
واملجتمعات.
للذكاء االصطناعي نماذج منها ،النموذج البسيط وهو ال يعمل باستقالل وإنما )3
يعمل بتحكم اإلنسان فيه بتكليف االلة بالقيام بأوامر معينة ومعطاة لها مثل:
اآللة الحاسبة والهاتف وغيرها .والنموذج املتقدم الذي يعمل باستقالل إلى حد ما،
ً
وله القدرة على اتخاذ قرارات بشكل مستقل ،لكن هذا االستقالل ليس تاما ،وفيه
قد تكلف االلة بالقيام بأوامر معينة ومعطاة لها باإلضافة إلى تمكينها وبرمجتها على
إمكانية االلة من التفكير ذاتيا وتطوير ذلك بناء على خوارزميات برمجية وقواعد
بيانات ضخمة مما يمكنها من تطوير نفسها واتخاذ قرارات ذاتية وتنفيذ هذه
القرارات فبالتالي أصبحت شبيهة بالبشر .ومن االمثلة على هذا النوع :الحواسيب،
ماكينات الصرف لدى البنوك ،الطيارات بدون طيار ،والسيارات ذاتية القيادة
وغيرها ،والنموذج الخارق الفائق املستقبلي.
يتميز الذكاء االصطناعي بعدة خصائص ،أهمها :التمثيل الرمزي ،القدرة الفائقة )4
على التواصل ،التعلم ،واإلدراك ،واإلبداع ،واالستدالل ،واكتساب الخبرة،
واكتساب وتمثيل املعرفة وتطبيقها ،واتخاذ القرار باستقاللية دون االشراف
172
الخاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
173
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
التقدم والتطور الهائل وما صاحبه من إتاحة الفرصة لتقنيات الذكاء االصطناعي )8
فأصبحت هذه التقنيات تفكر وتتخذ القرارات بنفسها وتنفذها ذاتيا مما أدى إلى
صعوبة إسناد املسؤولية الجنائية الناشئة عن جرائم هذه التقنيات.
يتميز الذكاء االصطناعي بطبيعة قانونية خاصة ،فهو ال يعد من املنقوالت وال من )9
ً
العقارات ،وإنما يعد وفقا لرأي الفقه القانوني من طبيعة خاصة تشبه الطبيعة
ً
القانونية للسفن ،فهو يحظى بميزات املنقوالت والعقارات معا.
تتعدد مجاالت استخدام الذكاء االصطناعي ،منها املجال العسكري ،وهو ما يجعل )11
ً
الذكاء االصطناعي يعد سالحا في ذاته ،فتستخدم تقنية الذكاء االصطناعي في
الروبوت املقاتل ،وهو ربوت يحل محل الجندي املقاتل وله قدرة على تحديد
األهداف وإصابتها بدقة ،كذلك تستخدم في الطائرات املقاتلة دون طيار وهي أبرز
وأحدث تطبيقات الذكاء االصطناعي في املجال العسكري ،وتقوم هذه الطائرات
برصد األهداف وتصويرها بدقة كبيرة ،وإصابتها بشكل دقيق ،دون الحاجة إلى
وجود طيار يقودها.
ً
يثير وجود الذكاء االصطناعي عددا من اإلشكاليات القانونية منها :تحديد الطبيعة )11
القانونية والشخصية القانونية له ،فبالنظر إلى أنماط عمله وطبيعتها فإنه ال يمكن
القول بوجود شخصية قانونية مستقلة للذكاء االصطناعي ،ألن الشخصية
القانونية قوامها اإلدراك والتمييز وحرية االختيار ،وهو ما ال يتوفر في الذكاء
االصطناعي الذي يقوم على ضرورة وجود وكالء عنه يتحكمون به ويستخدمونه.
يتعدد أطراف املسؤولية الجنائية للذكاء االصطناعي ،وهم :الشركة املصنعة )12
واملبرمجة ،ومالك التقنية أو مستخدمها ،والذكاء االصطناعي نفسه ،وتقوم
مسؤولية كل من الشركة املصنعة واملبرمجة ومالك التقنية ومستخدمها في حال
ثبوت نسبة العمل الذي صدر عن الذكاء االصطناعي الذي يشكل جريمة جنائية،
ويكون له إسهام فيه ،كما لو كان تصنيع لو كان تصنيع الذكاء االصطناعي وبرمجته
قد تمت على نحو يجعله يرتكب جريمة ،أو كما لو كانت الجريمة راجعة إلى سلوك
174
الخاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
املالك أو املستخدم بفعل إرادي ،فال تعدو تقنية الذكاء االصطناعي أن تكون
وسيلة الرتكاب الجريمة ،والجاني هو املتسبب بالفعل واملتحكم به.
)13تقوم املسؤولية الجنائية عن أفعال الذكاء االصطناعي في حال اكتمال الركن املادي
للجريمة املتمثل في السلوك اإلجرامي الذي يرتب نتيجة جرمية تربطهما عالقة
سببية ،واكتمال الركن املعنوي املتمثل في القصد الجنائي املكون من علم الجاني
بحقيقة الفعل الذي يرتكبه ومع ذلك تتجه إرادته إلى ارتكابه رغم علمه به ،فتكون
ً
املسؤولية الجنائية أثرا لوجود الجريمة ،أي أنه يجب أن يتوافر الركن املعنوي في
جرائم الذكاء االصطناعي ،فال يكفي تحقق الركن املعنوي والركن القانوني ،فال بد
من وجود القصد الجنائي في الجرائم القصدية كأن يعلم مستخدم الذكاء
االصطناعي بموضوع وطبيعة الفعل الذي يرتكبه وأن يعلم بأنه فعل مجرم معاقب
ً
عليه قانونا ،ثم تتجه إرادته إلى ارتكاب هذا الفعل ،كما يجب أن يتوافر الخطأ في
جرائم الذكاء االصطناعي التي تقوم على أساس الخطأ ،فتتجه إرادة الجاني الذي
يستخدم الذكاء االصطناعي إلى الفعل دون النتيجة التي يتوقعها وليس بإمكانه
تفاديها وتجنبها ،ويترتب على هذا أن غياب الركن املعنوي بنوعيه القصدي وغير
القصدي في األفعال التي تشكل جرائم في ذاتها انتفاء املسؤولية الجنائية عنها.
ّ ً
املصنع واملبرمج )14تتعدد املسؤولية الجنائية وفقا لظروف كل حالة ،فقد يتحمل
ّ
املسؤولية الجنائية في حال كان الفعل الذي شكل جريمة راجع إلى ما قاموا به من
ً
تصنيع وبرمجة ،بحيث تكون تلك األفعال املجرمة جزءا من اآللية التي تمت
صناعة الذكاء االصطناعي وبرمجته عليها ،كما هو في حال الروبوت املقاتل ،الذي
ُ
صنع لوظيفة محددة وهي القتال.
)15كذلك قد يتحمل املالك أو املستخدم لتقنيات الذكاء االصطناعي املسؤولية
ً
الجنائية عن أفعال الروبوت إذا كان الفعل الذي شكل جريمة راجعا إلى
استخدامه ،ال سيما وأن الشركات املصنعة واملبرمجة ّ
تنبه املالك واملستخدم إلى ما
قد يترتب على استخدام تقنيات الذكاء االصطناعي من أخطار ،في سبيل رفع
175
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
176
الخاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
177
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
التوصيات:
يوص ي الباحث إلى أنه يجب أن يتم االعتراف بالشخصية القانونية املحدودة للذكاء )1
االصطناعي ،وتقنياته ،وكياناته بالقدر الذي يسمح أن تكون هناك مسؤولية جناية
مشتركة مع املبرمج واملستخدم حال ارتكاب أي جريمة ما.
يجب على املشرع أن يبدأ في عمل الدراسات ووضع تشريعات التي تنظم انتاج وعمل )2
الذكاء االصطناعي وتحدد املسؤولية الجنائية للذكاء االصطناعي ألي جريمة ارتكبها
ذاتيا وملواجهة كافة املستجدات التي قد تحدث نتيجة لتطبيقات هذا الذكاء
االصطناعي.
ونهيب املشرعين إلى ضرورة وضع قواعد قانونية متخصصة يكون من شأنها أن )3
توافر الحماية للمضرورين من األضرار التي تسببها كيانات الذكاء االصطناعي.
ضرورة تدخل املشرع الفوري ووضع تصور يسمح بإمكانية تطبيق قواعد املسؤولية )4
الجنائية الناشئة عن أضرار وجرائم الذكاء االصطناعي على كل األطراف سواء
ُ
املصنع أو املبرمج ،واملستخدم ،والذكاء االصطناعي نفسه ،مع وضع عقوبات
تناسبهم.
ضرورة نشر ثقافة الذكاء االصطناعي من خالل التدريس في مادة التكنولوجيا )5
ضمن املناهج الدراسية وبالتحديد في السنوات الدراسية املبكرة من أجل فتح آفاق
في مجال العلوم والتكنولوجيا الحديثة.
ضرورة اعتراف الدولة في تشريعاتها الوطنية بالطبيعة القانونية الخاصة للذكاء )6
االصطناعي وتقنياته وخاصة الروبوتات املقاتلة ذاتية التشغيل ،حتى يتم تحديد
الجهة املسؤولة عن األضرار التي تحدثها ،واالعتراف بمبدأ مسؤولية البشر عن
القرارات التي تتخذها كيانات الذكاء االصطناعي كالروبوتات املستقلة.
يجب إبرام املعاهدات الدولية التي تنظم مسؤولية الدول عن األضرار التي تحدثها )7
كيانات الذكاء االصطناعي وتقنياته ،خاصة األضرار التي تحدثها األسلحة ذاتية
التشغيل ،بحيث يتم اتخاذ كافة إجراءات التأمين الالزمة لها ،مع اتخاذ كافة
178
الخاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
إجراءات األمن السيبراني ليتم حماية كافة برامج الذكاء االصطناعي املستخدمة.
ضرورة ووجوب وضع الذكاء االصطناعي ،واآلتة ،وتقنياته ،وكياناته وكل ما يشمله )8
ُ
تحت التأمين اإلجباري وإصدار شهادة بأسماء املصنع ،واملبرمج ،واملستخدم،
وشهادة تضمن كافة املخاطر.
تزايد تأثير تقنيات الذكاء االصطناعي على حياة الناس في الوقت الحالي أصبح من )9
الضروري القيام بالتدخل القانوني ووضع القواعد الالزمة واإلطار القانوني ليتمكن
من خالل هذا اإلطار محاسبة تقنيات الذكاء االصطناعي على جرائمه التي يرتكبها
وضبط هذا األمر بكافة الطرق القانونية ويتوجب على املشرع أن يضع بعض املواد
القانونية التي تضبط هذا األمر بشأن الذكاء االصطناعي.
ضرورة عقد وقيام ورشات العمل واملؤتمرات والندوات واملراكز ،والدوائر البحثية )11
والقانونية حول الذكاء االصطناعي وتقنياته والتطرق والحديث عن جرائم الذكاء
االصطناعي واألطر القانونية للمسؤولية الجنائية الناشئة عن تلك الجرائم وتقديم
نتائج دراساتها وبحوثها وتوصياتها إلى السلطة التشريعية كمرجع متخصص تستند إليه
في فهم آلية وطريقة عمل الذكاء االصطناعي ومجاالته ،وصوره ،ومستحدثاته وأخطائه.
إنشاء جهات رقابية وتنظيمية ووقائية تعمل على مراقبة وتطوير الذكاء االصطناعي )11
وتقنياته وتطبيقاته ،واالشراف على كيانات الذكاء االصطناعي ،ومكافحة كافة
وجوه االستغالل الس يء لهم ليتم حماية كل شخص طبيعي واعتباري من ذلك.
العمل على إنشاء وبناء فريق عمل رأس اهتمامه وشؤون عمله االهتمام بتقنيات )12
الذكاء االصطناعي وتشكيل مجلس الذكاء االصطناعي للدولة وإنشاء فرق عمل مع
الرؤساء التنفيذيين لالبتكار في الجهات الحكومية وأن يتم وصياغة الخطط
االستراتيجية ونشرها في القمة العاملية للحكومات لألعوام املقبلة.
تفعيل العديد من البرامج واملبادرات وورش العمل في جميع الجهات الحكومية )13
واألهلية حول اآلليات التطبيقية للذكاء االصطناعي ،وبيان مخاطر استخدام
الذكاء االصطناعي وتقنياته ،وتنظيم قمة عاملية سنوية ،وإطالق املسرعات
179
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
180
الخاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
181
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
182
قائمة المصادر والمراجع
القانون املدني املصري ،رقم ( ،)131لسنة 1948م ،عدد 1948/7/29 ،108م.
قانون التجارة املصري ،رقم ( ،)17لسنة 1999م ،عدد ،19تاريخ اإلصدار:
1999/5/17م.
املذكرة اإليضاحية ملشروع قانون التجارة الفلسطيني ،لسنة 2004م ،ديوان
الفتوى والتشريع الفلسطيني.
القانون األساس ي الفلسطيني لعام 2005م ،الوقائع الفلسطينية ،العدد ممتاز.
قانون حماية املستهلك املصري ،رقم ( )181لسنة 2018م ،عدد ،37تاريخ اإلصدار:
(2018/9/13م).
183
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الكتب:
الجبوري ،فارس ،العيب الخفي في ضوء قوانين حماية املستهلك ،دروب املعرفة
للنشر ،ط ،1مصر2022 ،م.
السعدي ،واثبة ،الوجيز في شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،النظرية العامة
للجريمة والعقاب ،عمان ،دار اليازوري2012 ،م.
السنهوري ،عبد الرزاق ،الوسيط في شرح القانون املدني-حق امللكية ،-الجزء ،8
دار احياء التراث العربي ،لبنان1952 ،م.
السنهوري ،عبد الرزاق ،علم أصول القانون ،مطبعة فتح هللا نوري ،مصر،
1936م.
خزيمية ،محمد منصور ،املسؤولية املدنية عن أضرار الذكاء االصطناعي دراسة
مقارنة ،دار الشامل للنشر و التوزيع – فلسطين ،جنين2023 ،م.
الشرقاوي ،محمود ،القانون البحري ،القاهرة ،دار النهضة العربية1978 ،م.
الفار ،عبد القادر ،املدخل لدراسة العلوم القانونية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
ط ،1عمان/األردن2008 ،م.
النجار ،فايز ،نظم املعلومات اإلدارية :منظور إداري ،دار الحامد للنشر والتوزيع،
األردن ،الطبعة الرابعة2010 ،م.
النمر ،رائد ،الحراسة في نطاق املسؤولية عن فعل األشياء دراسة مقارنة ،ط ،1دار
وائل للنشر ،األردن2015 ،م.
الوالي ،عبد هللا ،املسؤولية املدنية عن أضرار تطبيقات الذكاء االصطناعي في
القانون اإلماراتي ،ط ،1دار النهضة العلمية للنشر والتوزيع ،اإلمارات ،دبي،
2021م.
أمين ،دواس ،مجلة األحكام العدلية وقانون املخالفات املدنية « ،»2املعهد
184
قائمة المصادر والمراجع
حسني ،محمود ،شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،الطبعة الخامسة ،دار
النهضة العربية ،القاهرة1982 ،م.
حسني ،محمود ،شرح قانون العقوبات اللبناني ،القسم العام ،بيروت ،دار
النهضة العربية1984 ،م.
سالم ،العزاوي ،مسؤولية املنتج في القوانين املدنية واالتفاقيات الدولية ،دار
الثقافة ،عمان2008 ،م.
آالن ،بونيه ،الذكاء االصطناعي واقعه ومستقبلية ،مطابع السياسة ،الكويت ،بدون
طبعة1993 ،م.
سلطان ،أنور ،املبادئ القانونية العامة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية،
2005م.
عبد القادر ،وضاح ،نظرة حديثة إلى التزام البائع بضمان العيوب الخفية ،املركز
العربي للنشر ،ط ،1املركز العربي للنشر ،مصر2019 ،م.
عبد النور ،عادل ،مدخل إلى عالم الذكاء االصطناعي ،اململكة العربية السعودية،
مدينة امللك عبد العزيز للعلوم والتقنية2005 ،م.
عثامنية ،أمينة ،املفاهيم األساسية للذكاء االصطناعي ،كتاب جماعي ،اشراف
وتنسيق أبو بكر خوالد ،تطبيقات الذكاء االصطناعي كتوجه حديث لتعزيز
تنافسية منظمات األعمال ،املركز الديمقراطي العربي للدراسات اإلستراتيجية
185
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
186
قائمة المصادر والمراجع
مقدمة الستكمال شهادة املاستر أكاديمي حقوق ،تخصص قانون أعمال ،جامعة
قاصدي مرباح ورقلة ،كلية العلوم الحقوق والعلوم السياسية2021-2020 ،م،
ص .67
القايدي ،مشاعل ،املسؤولية الجنائية للذكاء االصطناعي ،بحث مقدم ضمن
متطلبات مقرر مشروع التخرج (حقوق )498في برنامج بكالوريوس الحقوق ،جامعة
طيبة ،اململكة العربية السعودية1442 ،ه ،ص.4
الهدام ،صابر ،رسالة دبلوم ماستر تحت عنوان القانون في مواجهة الذكاء
االصطناعي (دراسة مقارنة) ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفأس ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية2021 ،م.
عائشة ،شقفة ،الحماية القانونية للمصنفات الناشئة عن برامج الذكاء
االصطناعي ،رسالة مقدمة لنيل درجة املاجستير ،كلية القانون ،قسم القانون
الخاص ،جامعة اإلمارات العربية املتحدة2021 ،م.
فتيحة ،رصاع ،الحماية الجنائية للمعلومات على شبكة اإلنترنت ،مذكرة لنيل
شهادة ماجستير في القانون العام ،جامعة أبي بكر بلقايد-تلمسان ،الجمهورية
الجزائرية.2012-2011 ،
لويس ،بدر ،أثر التطور التكنولوجي مع الحريات الشخصية في النظم السياسية،
رسالة الدكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة1982 ،م.
موس ى ،عمري ،بالل ،يس ،اآلثار القانونية املترتبة عن استخدام الذكاء
االصطناعي ،رسالة لنيل شهادة املاستر في الحقوق تخصص قانون االعمال ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة زيان عاشور ،الجزائر2020 ،م.
أحباث و دوريات:
دهشان ،يحيى ،املسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي ،مجلة الشريعة
والقانون كلية القانون جامعة اإلمارات ،اإلمارات العربية املتحدة2019 ،م.
187
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
أحمد ،عثمان ،انعكاسات الذكاء االصطناعي على القانون املدني دراسة مقارنة،
مجلة البحوث القانونية واالقتصادية ،العدد ،76جامعة املنصورة ،كلية الحقوق،
2021م.
العدوان ،ممدوح ،دراسات حول املسؤولية الجنائية عن أفعال كيانات الذكاء
االصطناعي غير املشروعة ،علوم الشريعة والقانون ،املجلد ،48عدد 2021 ،4م.
األستاذ ،سوزان ،انتهاك حرمة الحياة الخاصة عبر اإلنترنت ،مجلة جامعة دمشق
للعلوم القانونية واالقتصادية ،املجلد ،29العدد الثالث2013 ،م.
الدحيات ،عماد ،نحو تنظيم قانوني للذكاء االصطناعي في حياتنا :إشكالية العالقة
بين البشر واآللة ،مجلة االجتهاد للدراسات القانونية واالقتصادية ،مجلد ،8عدد
2009 ،5م.
عبد اللطيف ،محمد ،املسؤولية عن الذكاء االصطناعي بين القانون الخاص
والقانون العام ،بحث مقدم إلى مؤتمر الجوانب القانونية واالقتصادية للذكاء
االصطناعي وتكنولوجيا املعلومات ،كلية الحقوق ،جامعة املنصورة2021 ،م.
عمار ،توظيف تقنيات الذكاء االصطناعي في العمل األمني ،مجلة األمن والقانون،
أكاديمية شرطة دبي ،املجلد ،28عدد 2020 ،1م توظيف تقنيات الذكاء
االصطناعي في العمل األمني ،مجلة األمن والقانون ،أكاديمية شرطة دبي ،املجلد
،28عدد 2020 ،1م.
البلتاجي ،محمد ،أثر الذكاء االصطناعي في سوق األوراق املالية ،مجلة البحوث
القانونية واالقتصادية ،جامعة املنصورة ،كلية الحقوق ،عدد 2021 ،75م.
الجلعود ،أروى ،أحكام تطبيقات الذكاء االصطناعي في القضاء ،دراسات قضائية،
الجمعية العلمية القضائية السعودية ،مكتبة امللك فهد الوطنية ،الرياض ،الطبعة
األولى ،مركز قضاء للبحوث والدراسات2023-2022 ،م.
الخالدي ،إيناس ،حوكمة استخدام الذكاء االصطناعي في العمل القضائي ،مجلة
188
قائمة المصادر والمراجع
189
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
بن طرية ،معمر ،شهيدة ،قادة ،أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء االصطناعي :تحد
جديد لقانون املسؤولية املدنية الحالي ملحات في بعض مستجدات القانون املقارن،
دراسة مقارنة ،مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ،العدد 2018 ،22م.
جهلول ،الكرار ،عودة ،وحسام ،املسؤولية املدنية عن األضرار التي يسببها
الروبوت ،مجلة الطريق التعليمية واالجتماعية ،عدد .6
حاتم ،دعاء ،العزاوي ،لمى ،الذكاء االصطناعي واملسؤولية الجنائية الدولية ،مجلة
املفكر ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد بسكرة ،عدد 2006 ،18م.
حسكر ،مراد ،إشكالية تطبيق أحكام املسؤولية الجنائية على جرائم الذكاء
االصطناعي ،مجلة الحقوق والعلوم اإلنسانية ،مجلد ،15عدد2022 ،1م.
خضر ،دولي ،نفيسة ،ناصري ،دور الذكاء االصطناعي في مواجهة الجرائم
اإللكترونية ،مجلة املؤشر للدراسات االقتصادية ،جامعة ظاهري محمد بشار،
الجزائر2018-2017 ،م.
خوالد ،أبو بكر ،بو زرب ،خيرالدين ،فعالية استخدام تطبيقات الذكاء االصطناعي
الحديثة في مواجهة فيروس كورونا ) :)COVID-19تجربة كوريا الجنوبية نموذجا،
مجلة بحوث اإلدارة واالقتصاد ،مجلد ،2عدد ،2الجزائر 2020م ،ص .44
عميش ،رحاب ،املسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي ،أكاديمية العربية
للعلوم والتكنولوجيا القرية الذكية ،كلية الحقوق لغة انجليزية ،املنصورة2021 ،م.
محمد ،فتح الباب ،الطبيعة القانونية للمسؤولية املدنية عن أضرار الروبوتات:
190
قائمة المصادر والمراجع
دراسة تحليلية مقارنة ،مجلة البحوث القانونية واالقتصادية ،عدد خاص باملؤتمر
الدولي السنوي العشرون ،جامعة املنصورة ،مصر2021 ،م ،ص.88
فريدة ،بن عثمان ،الذكاء االصطناعي مقاربة قانونية ،مجلة دفاتر السياسة
والقانون ،جامعة لونيس ي علي ،الجزائر ،املجلد ،12العدد 2020 ،2م.
فولى ،أحمد ،مواجهة القانون الدولي للروبوتات املقاتلة وضبط استخدام الذكاء
االصطناعي في صناعة األسلحة ،أكاديمية شرطة دبي ،مجلد ،29عدد2021 ،1م.
صقر ،وفاء ،املسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي -دراسة تحليلية
استشرافية ،-مجلة روح القوانين2021 ،م.
عبد الحميد ،عائشة ،اإلطار القانوني والتشريعي للرقمنة والذكاء االصطناعي،
جمعية التنمية التكنولوجية والبشرية ،الجزائر2020 ،م.
عبد الوهاب مريم ،املسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي ،مجلة القانون
والعلوم البيئية ،عدد ،2جامعة املدية ،الجزائر.2023،
فطيمة ،نساخ ،الشخصية القانونية للكائن الجديد :الشخص االفتراض ي الروبوت،
مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية ،مجلد ،5عدد2020 ،1م.
كميلة ،أعراب ،مسؤولية الروبوت في ضل الذكاء االصطناعي ،مقال منشور في كتاب
أعمال ملتقى االستثمار املالي والصناعي في الذكاء االصطناعي ،جامعة مولود
معمري ،الجزائر 2022م.
مجاهد ،محمد ،املسؤولية املدنية عن الروبوتات ذات الذكاء االصطناعي «دراسة
مقارنة» ،املجلة القانونية ،العدد 2021 ،2م.
محمد ،مشعل ،الذكاء االصطناعي وآثاره على حرية التعبير في مواقع التواص
االجتماعي ،مجلة البحوث القانونية واالقتصادية ،عدد ،77كلية الحقوق جامعة
الزقاقيق2021 ،م.
مختار ،محمود ،تطبيقات الذكاء االصطناعي ،املجلة الدولية للبحوث في العلوم
191
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
192
قائمة المصادر والمراجع
https://u.ae/ar-AE/about-the-uae/strategies-initiatives-and-
awards/strategies-plans-and-visions/government-services-and-digital-
transformation/uae-strategy-for-artificial-intelligence.
األحكام القضائية:
قرار محكمة التمييز األردنية ،الدعوى الحقوقية ،هيئة خماسية ،رقم ،2477
لسنة ،2002تاريخ الفصل2007/4/12:م ،أشار إليه دواس ،أمين ،في كتاب مجلة
األحكام العدلية وقانون املخالفات املدنية « ،»2املعهد القضائي الفلسطيني ،لسنة
2012م.
193
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
194
قائمة المصادر والمراجع
195
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
196
فهرس المحتويات
فهرس احملتويات
الصفحة املوضــــــــــــــــــوع
7 املقدمة .................................................................................................................
املبحث األول
197
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
الصفحة املوضــــــــــــــــــوع
الفرع الثاني :مسؤولية الذكاء االصطناعي عن اضراره 123 .....................................
املبحث الثالث
198
المسؤولية الجنائية عن أضرار الذكاء االصطناعي
4