‫محاضرة حول الحداثة‬

‫وصف المحاضرة‪:‬‬

‫المحاضرة هي في صلب االهتمام بالراب ط وذل ك من أج ل فهم التح والت الحديث ة ال تي توص ف‬
‫على انه ا حال ة حداث ة‪ ،‬وق د اختل ف العلم اء في تاريخه ا منهم من يرده ا الى الث ورة الفرنس ية‬
‫ومنهم من يرى فيها جانب مادي يظهر في الثورة الص ناعية ومنهم من ينظر اليها في االدب‬
‫والفلسفة‪ ،‬أو عصر التنوير‪...‬‬

‫الحداثة التأصيل التاريخي إلى هيمنة الغرب‪:‬‬

‫كانت أوربا مسرحا لتحوالت واسعة اقتصادية وعلمية وتقنية وسياسية واجتماعية‪ ،‬خالل القرن‬
‫‪16‬م‪ .‬وأطل ق على ه ذه التح والت المتس ارعة بم ا يع رف بالحداث ة‪ ،‬ولق د اختل ف المفك رون في‬
‫تحديد مظاهرها ” فالمفكر األمريكي البراجماتي ريتشارد رورتي يلحق الحداثة بفكر ديكارت‬
‫والمفك ر األلم اني هابرم اس يربطه ا بعص ر التن وير‪ ،‬ومنهم من ي رى في اخ تراع الطباع ة‬
‫وآخ رون ينظ رون إليه ا من خالل اإلص الح ال ديني المس يحي‪ ،‬ومنهم من رأى فيه ا الث ورة‬
‫الفرنسية عام ‪1789‬أو الثورة األمريكية عام ‪ ،1776‬وهناك من يرى البداية كانت مع حركة‬
‫الحداث ة (‪ )MODERNISME‬في األدب‪ .‬والكلم ة الالتيني ة " ح ديث ‪ " MODERNUS‬ق د‬
‫ظه رت في الق رن الخ امس للميالد‪ ،‬والكلم ة الفرنس ية ” حداث ة” ‪ MODERNITE‬ق د ظه رت‬
‫بعد ذلك بحوالي عشرة قرون ‪.‬أما الحداثة كتعبير عن رؤية خاصة للوجود والفكر والمجتمع‬
‫فقد برزت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬الذي عرف نهضة‬
‫فكرية وعلمية و اقتصادية‪ ،‬حيث أن دول أوربا شهدت حركات سياسية و إصالحات دينية‪ ،‬و‬
‫توسعات جغرافية و تجارية‪ ،‬و ثورات علمية‬

‫وصناعية‪ ،‬ظهرت في انجلترا وفرنسا وأمريكا‪ ،‬وانتقلت بع د ذل ك‪ ،‬إلى بعض بل دان آس يا وه ذا‬
‫ما انعكس على التربية والتعليم‪ ،‬والعلوم والصناعة والتقنية‪.‬‬

‫‪1‬‬
 ‫مفهوم الحداثة‪:‬‬

‫يتم ايز مفهوم ا الحداث ة ‪ Modernity‬عن مفه وم التح ديث ‪ Modernization‬في‬

‫اللغتين الفرنسية واإلنكليزية‪ .‬فالحداثة هي موقف عقلي تجاه مسألة المعرفة وإ زاء‬
‫المن اهج ال تي يس تخدمها العق ل في التوص ل إلى معرف ة ملموس ة‪ .‬أم ا التح ديث‬
‫‪ Modernization‬فهو عملية استجالب التقنية والمخترعات الحديثة حيث توظف‬
‫ه ذه التقني ات في الحي اة االجتماعي ة دون إح داث أي تغي ير عقلي أو ذه ني لإلنس ان‬
‫من الكون والعالم‪ .‬فأنصار التيارات السلفية المتطرفة يوجدون في المعاهد العلمية‬
‫ويتعاملون مع التقنية الحديثة دون أن يأخذوا بالروح العلمية أو الفلسفية لهذه التقان ة‬
‫‪ .‬ومن أجل أن نفهم جوهر الحداثة يتوجب علينا أن ندركها كطاقة مجددة متحركة‬
‫منطلق ة تتمث ل الماض ي والحاض ر وتعي د إنتاجهم ا ب روح مس تقبلية جدي دة‪ .‬ورد في‬
‫كت اب نق!!د الحداث!!ة لـ ـ أالن ت!!وران" أن التح ديث يف رض تحطيم العالق ات االجتماعي ة والمش اعر‬
‫والعادات واالعتقادات المسماة بالتقليدية‪ ،‬وان فاعل التحديث ليس فئة أو طبقة اجتماعية معين ة‪،‬‬
‫وإ نم ا ه و العق ل نفس ه والض رورة التاريخي ة ال تي مه دت النتص اره‪ ،...‬وال ي رى ف رق بين‬
‫التح ديث والحداث ة كالهما جوهر للغرب‪ .‬وأك د أن العقالني ة أص بحت عنصر أساسي للحداث ة‪،‬‬
‫ويعرفها على أنها انتشار لمنتجات النشاط العقلي‪ ،‬العلمية والتكنولوجية واإلدارية‪.‬‬

‫ويرى آرون ريمون " يحددها بوصفها عملية محققة‪ ،‬تساعد على تنظيم اإلنت اج عقالني ا‪ ،‬وذل ك‬
‫في سبيل إنتاجية تبلغ حدها األقصى" أما جان بودريار‪ ":‬ليست الحداثة مفهوما سوسيولوجيا‪،‬‬
‫وال مفهوما سياسيا‪ ،‬وال تاريخيا‪ ،‬بل هي نمط حضاري خاص يتعارض مع النمط التقليدي‪ ،‬أي‬
‫م ع ك ل الثقاف ات الس ابقة علي ه أوالتقليدي ة‪ .‬فمقاب ل التن وع الجغ رافي والرم زي له ذه األخ يرة‪،‬‬
‫تفرض الحداثة نفسها على أنها شيء واحد متجانس‪ ،‬يشع عالميا انطالقا من الغرب ‪.‬‬

‫إن الحداثة ترتبط بالتقدم التكنولوجي الصناعي إال أن التغييرات الفكرية كانت األك ثر ت أثيرا‪ ،‬و‬
‫تجس دت في الص راع والخص ام األدبي بفرنس ا بين أنص ار الجدي د وأنص ار الق ديم وتش مل‬
‫التغي يرات الفكري ة السياس ة واالقتص اد وال دين وعلم االجتم اع…كم ا وتنس حب ه ذه التغي يرات‬

‫‪2‬‬
‫على مس تويات الحي اة كاف ة‪ ،‬الثقافي ة والسياس ية‪ ،‬والقيم الجمالي ة واألخالقي ة‪ ،‬التي تأخ ذ طريقه ا‬
‫ع بر وس ائل اإلعالم الحديث ة من خالل الت أثير على أفع ال األف راد والجماع ات ت أثيرا مباش را‬
‫يرس خ ل دى الف رد ثقاف ة جدي دة تق وم على تق ديس ال ذات والعق ل وتن امي الش عور ل دى األف راد‬
‫بح اجتهم المتزاي دة إلى الحري ات الفردي ة‪ ،‬والى الرغب ة في تحطيم القواع د العام ة و القديم ة‬
‫وتخطيها عبر الرفض المستمر لألنماط التقليدية في القيم والعادات والثقافة االجتماعية السائدة‪.‬‬

‫وس يطرت االقتص اد الرأس مالي الموج ه لتص ريف منتجات ه الص ناعية لزي ادة في ال ربح وأبع اد‬
‫القيم الدينية واإلنسانية‪ .‬أما على المستوى السياسي فقد أفرزت الحداثة شكال سياسيا تمثل في‬
‫الديمقراطية‪ ،‬تعبيرا عن حرية الفرد والمجتمع في اتخاذ قراراته كونها تعتبره واعيا ومسؤوال‬
‫وصانعا ألفكاره وأفعاله‪ .‬ودفعت بذلك الدولة واألحزاب وجمعيات المجتمع المدني والمفكرين‬
‫والمثقفين إلى جع ل الديمقراطي ة خالص المجتمع ات من الماض ي‪ .‬ه ذه التغ يرات منحت أورب ا‬
‫القوة والنفوذ الالزمين لغزو ثقافات المجتمعات المتخلفة‪ ،‬والتحكم في رق اب الش عوب من خالل‬
‫تصدير المنتجات ال التكنولوجية‪ .‬مثال ‪ :‬شركات الحواسيب والبرمجيات كيف أصبحت تكبل‬
‫ه ذه ال دول من خالل اس تهالكها لمنتج ات البل دان الرأس مالية ال تي تزي د من ت أزم وض عها‬
‫وتبعيتها‪.‬‬

‫‪3‬‬