Professional Documents
Culture Documents
صور من اجتهادات الفاروق عمر المراعية لمقاصد الشريعة في الحدود والجناية د. محمد شافعي مفتاح بوشية - العدد 11 يناير 2021 م-210-245
صور من اجتهادات الفاروق عمر المراعية لمقاصد الشريعة في الحدود والجناية د. محمد شافعي مفتاح بوشية - العدد 11 يناير 2021 م-210-245
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
205
إعداد
الدكتور /محمد شافعي مفتاح بوشية
أستاذ مساعد ورئيس قسم الفقه -كلية الشريعة والقانون
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه اإلسالمية العاملية ()UniSHAMS
والية قدح داراألمان -ماليزيا
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 206
املقدمة
ه ه
َّإن الحمد ّلل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باّلل من شرور أنفسنا وسيئات
ه ه
أعمالنا ،من يهده ّللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال ّللا
ين َآم ُنوا َّات ُقوا َّ َ
ّللا محمدا عبده ورسولهَ ،يا َأ ُّي َها َّالذ َ ً وحده ال شريك له ،وأشهد أن
َ ِ
ُ َّ
ين َآمنوا اتقوا ُ َح َّق ُت َقاته َوال َت ُم ُوت َّن إ َّال َو َأ ْن ُت ْم ُم ْسل ُمون[ آل عمرانَ ،]102:يا أ ُّي َها الذ َ
َّ َ
ِ ِ ِِ
صل ْح َل ُك ْم َأ ْع َم َال ُك ْم َو َي ْغف ْر َل ُك ْم ُذ ُن َوب ُك ْم َو َم ْن ُيطع َّ َ
ّللا َو َر ُس َولهُ َّ َ َ ُ ُ َ ْ ً َ ِ ً
يدا ُي ْ
ِِ ِ ِ ّللا وقولوا قوال س ِد
ََ ْ َ َ َْ ً َ ً
فقد فاز فوزا ع ِظيما[ األحزاب.]70:
شرعيا على درجة كبيرة من األهمية، ً وبعد ..فإن مقاصد الشريعة كانت وال زالت ً
معلما
عنصرا من عناصر أصوله فحسب ،بل هي أوسع من ً جزءا من الفقه ،أو فهي ليست ً
فن من الفنون ،بل تحتاج إليها العلوم والفنون، أن يضمها علم من العلوم ،أو يشملها ٌ
فلها مكانتها في أصول الدين وأصول الفقه ،ولها دورها في التفسير وعلومه ،والحديث
كثيرا إن وجدناها ذات أثر في علوم الطب والتاريخ وغيرهما. وعلومه ،بل ال نبعد ً
ولقد أدرك سلفنا الصالح من الصحابة األجالء والتابعين األوفياء قيمة مقاصد
الشريعة ومكانتها ،فانتبهوا لها ،وراعو تطبيقها فيما استجد في عصرهم من نوازل ،وما
حدث من وقائع في شتى امليادين ،السيما األقضية واألحكام ،وتجلت مظاهر هذا
التطبيق بوضوح في اجتهادات الخلفاء األربعة رض ي هللا تعالى عنهم أجمعين ،حيث
أسهموا فيها بنصيب وافر.
يؤيد هذا قول اإلمام الشاطبي رحمه هللا (ت ...":)790صلى هللا عليه وسلم وعلى آله
وأصلوها، وأسسوا قواعدها َّ فحصلوهاَّ ، َّ وأصحابه ،الذين عرفوا مقاصد الشريعة
وجالت أفكارهم في آياتها ،وأعملوا الجد في تحقيق مبادئها وغاياتها ،وعنوا بعد ذلك
باطراح اآلمال ،وشفعوا العلم بإصالح األعمال ،وسابقوا إلى الخيرات فسبقوا،
ُ
وسارعوا إلى الصالحات فما ل ِحقوا ،إلى أن طلع في آفاق بصائرهم شمس الفرقان،
نور ْ َ
اإليق ِان؛ فظهرت ينابيع الحكم منها على اللسان ،فهم أهل ِ وأشرق في قلوبهم
اإلسالم واإليمان واإلحسان ،وكيف ال وقد كانوا أول من قرع ذلك الباب ،فصاروا
ونجوما يهتدي بأنوارهم أولو األلباب؟! رض ي هللا عنهم ً خاصة الخاصة ولباب اللباب،
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
207
وعن الذين خلفوهم قدوة للمقتدين ،وأسوة للمهتدين ،والتابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين"(.)1
وعمل الصحابة في املقاصد ظهر في احتجاجهم بالقياس وإعماله وانتباههم إلى
األعراف واملصالح وتقرير كثير من األحكام بموجبها ومقتضاها.
يؤيد هذا ما نقله اإلمام ابن تيمية رحمه هللا(ت728ه) عن اإلمام أحمد بن حنبل
رحمه هللا(ت241ه) أن الصحابة كانوا يحتجون في عامة مسائلهم بالنصوص كما هو
مشهور عنهم ،وكانوا يجتهدون رأيهم ويتكلمون بالرأي ويحتجون بالقياس ،وحين عرض
اإلمام ابن تيمية لنوعي القياس َّبين َّأن الصحابة كانوا يستخدمون ًكال منهماَّ ،
وعد
ذلك من قبيل العمل باملقاصد فقال" :وهما من باب فهم مراد الشارع (.)2
وأساسا لعلم املقاصد عند الصحابة ،فهو فيً ويعد سيدنا عمر بن الخطاب ً
منبعا
هذا امليدان صاحب مدرسة كبيرة تبعه عليها كثير من الصحابة األجالء ،وبفقهه
واجتهاداته النفيسة أخذ أكثر فقهاء املدينة رضوان هللا عليهم ،ومن أشهرهم إمام دار
الهجرة اإلمام مالك بن أنس رحمه هللا (ت179ه) ،الذي يزخر كتابه" املوطأ" بكثير
من فقه سيدنا عمر .
ولهذا فقد استخرت هللا تعالى في كتابة بحث يبين أثر املقاصد الشرعية ومد مراعاة
سيدنا عمر بن الخطاب لها في مجال العقوبات املشتمل على الحدود والجنايات،
فكان التوفيق حليفي الختيار هذا املوضوع:
ُ
الشريعة
ِ ملقاصد
ِ اعية
اجتهادات الفاروق عمراملـر ِ
ِ صورمن
والجنايات
ِ الحدود
ِ في
مشكلة البحث:
هاما في فهم الشريعة اإلسالمية والوقوف على حكمها محورا ً
ً تمثل مقاصد الشريعة
ه
يمك ُن املكلف من إدراك عظمة هذه الشريعة ومراعتها ملصالح األمة، وأسرارها ،مما ِ
املقاصد يعود بتاريخه إلى عصر صدر اإلسالم ،حيث بدت معامله في القرآن ِ ُ
وعلم
والسنة ،وطبقه الرسول الكريم في العديد من الوقائع ،ثم طبقه صحابته األجالء
( )1الشاطبي ،إبراهيم بن موس ى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت790هـ) ،املو افقات ()7/1
تحقيق /أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ،دار ابن َّ
عفان ،الطبعة األولى1417 :هـ1997-م.
( )2ابن تيمية ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني(ت827ه) ،مجموع الفتاوى
( ،)286/19ترتيب الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ،مجمع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف ،املدينة
النبوية1416،هـ1995-م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 208
من بعده ،وظهرت تطبيقاته جلية في اجتهادات سيدنا عمر في عدة ميادين،
طرفا ً َ
يسيرا من عبادات ومعامالت ،وأقضية وأحكام ،وغيرها ،وهذا البحث يتناول
هذه االجتهادات العمرية الثاقبة في الحدود والجنايات ،ومد ما حققته تلك
نظرا ملا روعي فيها من الحرص على االجتهادات من مصالح ودفعته من مفاسدً ،
مقاصد الشريعة.
أهمية البحث وأسباب اختياره:
تعود أهمية هذا البحث وأسباب اختياره – في تقديري – إلى عدة أمور منها:
َّ
هاما من مالمح الشريعة اإلسالمية ً
ملمحا ً َّ أن مقاصد الشريعة مثلت وال تزال
الواسعة النطاق ،املنتشرة التطبيق في شتى امليادين ،مما يقتض ي الوقوف على
طرف منها واالستفادة منه.
ٍ
َّ أن الصحابة األجالء ،وعلى رأسهم سيدنا عمر قد راعو مقاصد الشريعة في
نوازلهم وأحكامهم وأقضيتهم على الرغم من قربهم الزمني الشديد بعصر
نظرا ملا اتسموا به من التشريع ،مما يقتض ي إبراز هذه الجهود واالستفادة منهاً ،
ثقابة الفكر ،وقوة الرأي.
َّ أن األمة اإلسالمية بحاجة في هذا العصر إلى إعمال تلك املقاصد وتطبيقها على
النوازل والوقائع املستجدة حتى تصل إلى حل للمشكالت التي تواجهها.
َّ أنه على الرغم من كثرة الدراسات التي دارت حول مقاصد الشريعة إال أنها ما
زالت بحاجة إلى مزيد من االهتمام باالطالع والبحث والتحليل.
الدراسات السابقة:
تعددت الدراسات من بحوث وكتب ورسائل علمية التي تناولت اهتمام سيدنا عمر بن
ً ً
وتطبيقا ً ً الخطاب بمقاصد الشريعة ً
عمليا ،وأورد هنا طرفا منها على واجتهادا إفتاء
جهة اإلجمال مراعاة لحجم البحث:
ا
أوال :سياسة التشريع عند عمر بن الخطاب .للباحث/محمد صبحي حسين أبو
صقر .وهي رسالة ماجستير في الفقه املقارن بكلية الشريعة والقانون -الجامعة
اإلسالمية -غزة-فلسطين سنة 1428ه2007-م .وتتكون من 143صفحة ،تشمل
ثالثة فصول :الفصل األول :ترجمة الفاروق ومفهوم سياسة التشريع ،والثاني:
سياسة الفاروق في التثبت من النصوص ،والثالث :سياسة عمر بن الخطاب في
تطبيق النصوص الخاصة وما ال نص فيه ،واشتمل على أربعة مباحث :األول :تقييد
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
209
الحق باملصلحة عند عمر بن الخطاب واألمثلة التطبيقية عليه ،والثاني :درء الحد
بالشبهة عند عمر بن الخطاب واملثال التطبيقي على ذلك ،والثالث :سد الذرائع في
تطبيق عمر بن الخطاب للنصوص الخاصة وما ال نص فيه ،والرابع :تحقيق الفاروق
للعدل واملساواة عند تطبيقه للنصوص الخاصة وما ال نص فيه.
وتتعلق الرسالة ببحثي في أمور عامة تتعلق بمنهج سيدنا عمر في اجتهاداته
املحققة للمصلحة املراعية ملقاصد الشريعة في مجال العقوبات.
ا ا
ثانيا :فقه عمر بن الخطاب في الحدود ومالبساتها موازنا بفقه أشهر األئمة
املجتهدين .للدكتور رويفع بن راجح الرحيلي ،وهو رسالة ماجستير مقدمة لكلية
الشريعة والدراسات اإلسالمية– جامعة امللك عبد العزيز– جدة – السعودية سنة
1394ه1974 -م ،وبإشراف الدكتور/أحمد فهمي أبو سنة ،وتقع في حوالي 213
صفحة ،ونشرتها دار الغرب اإلسالمي -بيروت سنة 1403ه ،وهو يتناول فقه سيدنا
عمر في جانب العقوبات ،حيث قام مؤلفه بتتبع فتاو سيدنا عمر في مجال
العقوبات ودراستها دراسة مقارنة باملذاهب الفقهية املعروفة متناوال إياها بالدراسة
والتحليل والتدليل والترجيح.
ويتعلق هذا البحث بمسألة قتل الجماعة بالواحد.
ا
ثالثا :القضاء في عهد عمر بن الخطاب .للباحث/ناصر بن عقيل بن جاسر الطريفي.
وهي رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الشريعة جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية
وبإشرافبالرياض -السعودية سنة 1404ه1983-م ،تقع في حوالي 1202صفحةِ ،
الدكتور عبد هللا بن عبد املحسن التركي.
وتتعلق الرسالة ببحثي فيما اتخذ من قرارات تطبيقية في مجال األقضية ،أو قدم من
اجتهادات وفتاو ،والتي يظهر حرض سيدنا عمر على مراعاة املقاصد.
خطة البحث:
يتكون البحث من مقدمة وثالثة مطالب.
املقدمة :وتشتمل على أهمية املوضوع وأسباب اختياره وخطة البحث ومنهجه.
املطلب األول :تعليق إقامة حد السرقة في عام الرمادة.
املطلب الثاني :قتل الجماعة بالواحد.
املطلب الثالث :النهي عن عدم إقامة الحدود بأرض العدو.
الخاتمة :وفيها أهم نتائج البحث وتوصياته.
منهج البحث:
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 210
أتبع في هذا البحث املنهج الوصفي وذلك من خالل إيراد طائفة يسيرة من مسائل
الحدود والجنايات التي راعى سيدنا عمر فيها مقاصد الشريعة من مصادرها
يخيا ،ثم أعقب على ذلك باملنهج التحليلي املتمثل في دراسة تلك الوقائع املعتمدة تار ً
وبيان وجهة نظر سيدنا عمر فيها واالستدالل لها باألدلة الشرعية ،وبيان مد ما
اعيا في كل ذلك املناهج العلمية املعهودة في االستدالل حققته من مصالح ،مر ً
واملناقشة والترجيح ،والتوثيق العلمي من مظانه ،وتخريج األحاديث واآلثار ،مع التزامي
بالرجوع إلى املصادر املتخصصة املعتمدة (كتب السنن واآلثار ،والسير والتواريخ،
والفقه أصوله وقواعده ،والسياسة الشرعية ،وما يعين على ذلك من دراسات
معاصرة ذات صلة بالبحث) ،مع االلتزام بمراعاة قواعد اللغة واإلمالء في البحث
لضمان سالمته من األخطاء.
ً
خالصا لوجهه الكريم ،وأن يرزقه الرضا والقبول، وهللا أسأل أن يجعل هذا العمل
وأن ينفع به من قرأه ووقف عليه ،وأن يعفر زالتي ويقيل عثراتي ،ويبصرني بمواضع
خطأي ،ونسياني ،وتقصيري ،إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه ،فهو على كل
ش يء قدير ،وباإلجابة جدير.
املطلب األول
تعليق إقامة حد السرقة في عام الرمادة
شرعت الحدود السبعة لحماية الكليات الخمس (الدين ،النفس ،النسل ،العقل،
املال) ،فكل حد منها يحمي كلية أو أكثر من الكليات الخمس ،ومن هذا القبيل ُ
حد
السرقة الذي شرع لحماية املال من التعدي عليه بالسرقة ،حيث ال يحل مال امرئ
ٌ إال بطيب من نفسهً ،
وأيا كان دور الحدود زواجر أو جوابر فهي محققة للمصالح، ٍ
ٌ ٌ
منصفة للمظلوم من الظالم، دافعة للمفاسد ،محافظة على مقاصد الشريعةٍ ،
ً ٌ
حامية للمجتمع من أخطار السرقة التي تمثل هتكا لحقوق الناس وممتلكاتهم،
واستهانة بشرع هللا تعالى ،حيث يشترك في السرقة حقان :حق هللا وحق اإلنسان.
والسرقة قد يكون لها دوافع وأسباب ألجأت السارق إلى ارتكاب فعله ،وقد ال يكون،
وأيا كان الدافع والسبببل يكون هدف السارق مجرد التعدي واإلفساد في األرضً ،
وراء ارتكاب جريمة السرقة ،فإن هذا ال يغير وصف الفعل من كونه ً
جرما في حق هللا
تعالى ،وحق صاحب املال املسروق ،وحق املجتمع بأكمله ،فالسرقة سرقة وإن
اختلفت مسمياتها ،أو تعددت دوافعها.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
211
إلجاء ،واضطرته ظروف الحياة ً ولكن كيف يكون الحال إذا ألجئ املرء إلى السرقة
ليحيي نفسه بسرقة ش يء من طعام ونحوه ،كما لو اضطرته حالته املادية من الفقر
طعاما يقتات به أو يحيي به نفوس أوالده؟ هل ً املدقع ،والعوز الشديد إلى أن يسرق
ً
يطبق عليه الحد القاطع لعضو من أعضاء كسبه وهو اليد تنفيذا لنص القرآن
السار َق ُة َف ْاق َط ُعوا َأ ْيد َي ُه َما َج َز ًاء ب َما َك َس َبا َن َك ًاال م َن َّّللا َو َّ ُ
ّللا َع ِز ٌيز السار ُق َو َّ َ َّ
ِ ِ ِ ِ ِ الكريم (و ِ
يم) [املائدة ،]38:أم ُيعذر في فعله ويلتمس له املخرج بتخلية سبيله وال يقام الحد َح ِك ٌ
ً
عليه ،فيكون في ذلك تعطيال لحد من حدود هللا؟
قرنا وثلث من هذا ما وقع بالفعل خالل خالفة سيدنا عمر ،منذ حوالي أ بعة عشر ً
ر
الزمان ،وبالتحديد سنة 17و 18من الهجرة النبوية املباركة ،حين نزلت باملسلمين
نازلة شديدة ،وأصابتهم مجاعة كبيرة ،استمرت حوالي تسعة أشهر ،أجدبت األرض
شديدا ،واشتد القحط على الناس ،وسمي هذا العام بعام الرمادة، ً ً
إجدابا في املدينة
أي عام الهلكة ،أخذا من قولهم :رمدت الغنم :إذا هلكت وموتت من برد أو صقيع ،أو
ألن األرض اسودت من قلة املطر حتى عاد لونها شبيها بالرماد ،وقيل :ألنها تسفي الريح
تر ًابا كالرماد (.)1
فما الذي فعله سيدنا عمر إزاء هذه املحنة ،وما هي اإلجراءات التي اتخذها
كحاكم األمة ور ٍاع لها حينئذ؟
أخذ سيدنا عمر في هذه املحنة على نفسه وعلى أهل بيته بالشدة ،وقدم مصلحة
األمة على مصلحته ،وسعى بكل قوته إلى درء هذه املفسدة عن األمة ،فطلب املدد من
األمصار اإلسالمية لتنقذ أهل املدينة ،وبالغ في الدعاء واالستسقاء باملدينة،
فاستسقى بالعباس بن عبد املطلب عم النبي ،وكتب إلى أهل األمصار يدعوهم
ا
( )1ينظر إجماال :ابن شبة ،عمر بن شبة زيد بن عبيدة بن ريطة النميري البصري (ت262هـ) ،تاريخ
املدينة( )745- 736/2باب :أمر الرمادة وما فعل عمر في ذلك العام ،تحقيق/فهيم محمد شلتوت ،طبعة
على نفقة :السيد حبيب محمود أحمد – جدة 1399 ،هـ ،ابن كثير ،أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرش ي
الدمشقي (ت774هـ) ،البداية والنهاية ( ،)104 ،103/7تحقيق/علي شيري ،دار إحياء التراث العربي ،الطبعة
َ
األولى ،1408 :هـ 1988 -م ،الذهبي ،شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن ق ْايماز (ت748هـ)،
سير أعالم النبالء( ،جزء راشدون ،)88/تحقيق /مجموعة من املحققين بإشراف شعيب األرناؤوط ،مؤسسة
الرسالة ،الطبعة الثالثة 1405:هـ 1985-م ،ابن القيم ،محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد املعروف بابن قيم
الجوزية (ت751هـ) ،إعالم املوقعين عن رب العاملين( ،)17/3تحقيق/محمد عبد السالم إبراهيم ،دار الكتب
العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى1411:هـ 1991 -م الخزاعي ،علي بن محمد بن أحمد بن موس ى ابن مسعود ابن ذي
الوزارتين (ت789هـ) تخريج الدالالت السمعية على ما كان في عهد رسول هللا من الحرف والصنائع والعماالت
الشرعية(ص)166-165تحقيق/إحسان عباس ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،الطبعة الثانية1419:ه.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 212
لصالة االستسقاء ،واتخذ بعض التدابير الشرعية راعى فيها مقاصد الشريعة،
وتحقيق املصلحة.
ومن أبرز هذه التدابير والتي لها صلة بموضوع البحث أنه لم يقم حد السرقة عمن
َّ ً
طعاما في هذه السنة ،حيث أسقط عنه الحد ،أو إن شئت فقل علقه ولم سرق
يقيمه ،وواقعة عدم إقامة حد السرقة أوردتها الكثير من مصادر السيرة والتاريخ،
والسنن واآلثار والسياسة الشرعية (.)1
كيف تعامل سيدنا عمر مع السارق في عام الرمادة ،أو السارق بسبب الجوع؟
بالنظر إلى صنع سيدنا عمر في عدم إقامة حد السرقة عمن سرق في عام الرمادة
نجد أنه قد سلك فيه طريقتين ،أوالهما فعلية :عدم إقامة الحد على من سرق عام
أيضا على األجير السارق بسبب افتقاده للكفاية في املجاعة ،وعدم إقامة الحد ً
الطعام والشراب من قبل مستأجره أو سيده ،والثانية قولية :حيث روي عنه أثر
صريح بالنهي عن قطع يد السارق في السنة املجدبة أو حالة املجاعة.
أما الو اقعة الفعلية األولى فمعروفة حيث تناقلتها كتب السير والتواريخ وهي موضوع
هذه املسألة ،ويؤيدها واقعة سرقة قض ى فيها سيدنا عمر بقضاء يعد من روائع
ونوادر القضاء في اإلسالم حيث لم يكتف فيها بعدم إقامة الحد على السارق –
كحاكم ،بل وعاقب فيها املتسبب في إلجاء السارق للسرقة.
الر ْح َم ِن ْب ِنوالواقعة رواها َم ِالكَ ،ع ْن ِه َشام ْبن ُع ْر َو َةَ ،ع ْن َأبيهَ ،ع ْن َي ْح َيى ْبن َع ْب ِد َّ
ِ ِ ِ ِ
وهاَ ،ف ُر ِف َع َذ ِل َك إ َلى ُع َمرَ َحاطبَ ،أ هن َرق ًيقا ل َحاطب َس َر ُقوا َن َاق ًة ل َر ُجل م ْن ُم َزْي َن َة َف ْان َت َح ُر َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ِ
ال ُع َم ُر"َ :أ َ اكَ َ َّ ْ ٍ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ٍُ َ ْ ْ ٍ َ َّ
ر اب ،فأمر عمر ك ِثير بن الصل ِت أن يقطع أي ِديهم ،ثم ق بن الخط
ال ل ْل ُم َزن هيَ ":ك ْم َث َمنُ َ ُ ِ ُ ُ ْ ُ ِ َّ َ َ ُ َ ُ َ َّ َ ُ َ ه َ َّ َ ُ ْ ً َ ُ ُّ َ َ ْ َ ُ َّ َ
ّللا ألغ ِرمنك غرما يشق عليك" ،ثم ق ِ ِ ِ ت ِجيعهم" ،ثم قال عمر "و ِ
( )1ينظر إجماال :مالك ،مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي(ت )179املوطأ( ،)748/2تحقيق
وتخريج/محمد فؤاد عبد الباقي،دار إحياء التراث العربي ،بيروت لبنان 1406 ،هـ 1985 -م ،عبد الرزاق ،أبو بكر
عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت211هـ) ،املصنف ( )239/10تحقيق/حبيب الرحمن
ه
األعظمي ،املجلس العلمي -الهند ،املكتب اإلسالمي – بيروت ،الطبعة الثانية1403:ه ،أبو عبيد ،القاسم بن سالم
بن عبد هللا الهروي البغدادي (ت224هـ) األموال(ص ،)669تحقيق/خليل محمد هراس ،دار الفكر ،بيروت ،د
ط ،د ت ،البغوي ،أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي(ت516هـ) في شرح
السنة( )316/10تحقيق/شعيب األرنؤوط ومحمد زهير الشاويش ،املكتب اإلسالمي ،دمشق ،بيروت ،الطبعة
الثانية1403 :هـ 1983 -م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
213 َ ّللا َأ ْم َن ُع َها ِم ْن َأ ْرَبع ِم َائ ِة ِد ْر َهمَ .ف َق َ
ال ُع َم ُر" :أ ْع ِط ِه ِ
َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ُّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ
ناق ِتك؟" فقال املزِني :قد كنت و
ٍ ِ ََ َ َ
ان ِمائ ِة ِد ْر َهم(.)1 ثم
وأما الثانية القولية فقد أخرجها غير واحد من أصحاب السنن واآلثار وذلك في أثر
َ
عن السعدي قال :حدثنا هارون بن إسماعيل الخ َّراز :ثنا علي بن املبارك :ثنا يحيى بن
ا ْ ا
أبي كثير :حدثني َح َّسان بن زاهر أن ابن ُح َد ْير حدثه عن عمر قال« :ال ُيقط ُع ِفي
ا ا ْ
ِعذ ٍق ،اوال ِفي اع ِام اسن ٍة» (.)2
وقد أورد هذا األثر ابن القيم رحمه هللا (ت751ه) في أسباب سقوط الحد ،فذكر منها
"عدم املجاعة" ،ثم أورد بعده موافقة اإلمام أحمد بن حنبل رحمه هللا(ت241ه) له
وأخذه به ،فقال " ...قال السعدي :سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال:
ْ
ال ِعذ ُق :النخلة ،وعام سنة :املجاعة ،فقلت :ألحمد :تقول به؟ فقالِ :إي لعمري ،قلت:
ُ
والناس في ْإن َس َرق في مجاعة ال تقطعه؟ فقال :ال ،إذا حملته الحاجة على ذلك
مجاعة وشدة (.)3
ورو الجوزجاني (259ه) عن أحمد بن حنبل رحمه هللا :سألت أحمد عنه ،أي عن
حديث" :ال تقطع اليد في عذق وال عام سنة" ،فقلت :تقول به؟ قال :إي لعمري ،ال
أقطعه إذا حملته الحاجة ،والناس في شدة ومجاعة (.)4
وجهة نظر سيدنا عمر في عدم إقامة حد السرقة في عام الرمادة وموقف
السلف منها:
( )1أخرجه مالك في املوطأ ،باب القضاء في الضواري والحريسة ( )748/2رقم ( ،)38وعبد الرزاق ،أبو بكر عبد
الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت211هـ) ،في املصنف ( )239/10رقم ( ،)18978كتاب
اللقطة ،باب سرقة العبد ،والبغوي ،أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي
الشافعي(ت516هـ) في شرح السنة ( )316/10رقم ( )2599كتاب الحدود ،باب قطع يد السارق وما يقطع فيه
يده.
( )2أخرجه عبد الرزاق في املصنف ( )242/2رقم ( )18990كتاب اللقطة ،باب القطع في عام سنة ،وابن أبي
شيبة ،أبو بكر بن أبي شيبة ،عبد هللا بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبس ي (ت235هـ) في الكتاب
املصنف في األحاديث واآلثار ،كتاب الحدود ،باب في الرجل يسرق التمر والطعام ( )242/10رقم (،)28586
تحقيق/كمال يوسف الحوت ،مكتبة الرشد ،الرياض ،الطبعة األولى1409:ه ،وابن حبان :الثقات باب الحاء
( )157/4رقم ( .)2259وفي سنده حسان بن زاهر ،وحصين بن حدير ،لم يوثقهما غير ابن حبان.
بد ،التميمي(ت354ه) الثقات ()157/4 ينظر ،ابن حبان ،محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن َم ْع َ
و( )223/6وزارة املعارف للحكومة العالية الهندية ،حيدر آباد الدكن ،الهند ،الطبعة األولى 1393:ه .1973-
( )3ابن القيم ،إعالم املوقعين (.)351-350/4
( )4ابن قدامة ،موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي املقدس ي (ت620هـ) املغني
( ،)136/9مكتبة القاهرة ،د ط1388 ،هـ 1968 -م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 214
رأينا كيف تعامل سيدنا عمر مع السارق عام الرمادة ،أو السارق بسبب الجوع
وقوليا ،فما وجهة نظره رض ي هللا عنه في ذلك ،وإلى أي مد اعتبر صنيعه ً ً
عمليا
دافعا للمفسدة؟ وما مد موافقة غيره محققا للمصلحةً ، ً ً
موافقا ملقاصد الشريعة
له في هذا الرأي ،وأخذ الفقهاء برأيه هذا؟
* َّأي َد ابن القيم رحمه هللا صنيع سيدنا عمر ،واعتبره موافقا لسنن القياس،
ً
ض القياس، ومتسقا مع الضرورة ،فقال رحمه هللا" :وهذا َم ْح ُ ً وقواعد الشرع،
َ َ
ومقتض ى قواعد الشرع؛ فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غل َب على الناس
َ الحاجة والضرو ة ،فال يكاد يسلم السارق من ضرو ة تدعوه إلى ما ه
يسد به َر َمقه، ر ر
ً َّ َ َْ
ويجب على صاحب املال بذل ذلك له ،إما بالثمن وإما مجانا ،على الخالف في ذلك" .
) 1 (
* واعتبر ابن رجب الحنبلي (ت759ه) هذه الحالة من حاالت سقوط العقوبة ملانع
قام بالجاني ،فقال رحمه هللا في القاعدة األربعين بعد املائة" من سقطت عنه العقوبة
ملانع" فذكر منها :السرقة عام املجاعة (.)2
بإتالف نفس أو طرف مع قيام املقتض ى له ٍ
ً
وحرصا اعيا مقاصد الشريعة في استبقاء النفس، فسيدنا عمر قد فعل ذلك مر ً
ً
على حياة الناس من الهالك ،ومراعاة ملبدأ "درء الحدود بالشبهات" وهو مبدأ إسالمي
ألن املجاعة كانت حينئذ عامة (.)3عام ،فلم يقطع يد السارق َّ
وبنهج سيدنا عمر وموقفه تجاه السرقة عام الرمادة أو بسبب الجوع أخذ
أصحاب املذاهب األربعة ،حيث لم يختلفوا في إسقاط حد السرقة عمن سرق
لطعام على تفصيل يسير عند الفقهاء في ضابط ما ٍ ملجاعة؛ كاحتياجه هو أو ذويه
ٍ
يسقط الحد من السرقة ،وفي أمور أخر بيانها بإيجاز كاآلتي:
- 1فذهب الحنفية إلى أنه ال قطع في عام السنة أي زمان القحط؛ ألن الضرورة تبيح
التناول من مال الغير بقدر الحاجة فيمنع ذلك وجوب القطع ،وإذا كان املسروق
حنطة ونحوها في عام قحط فال تقطع يد السارق (.)1
( )1ينظر :السرخس ي ،محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخس ي(ت483هـ) ،املبسوط( ،)140/9دار
املعرفة ،بيروت ،د ت1414 ،هـ 1993 -م ،ابن نجيم،زين الدين بن إبراهيم بن محمد ،املعروف بابن نجيم املصري
(ت970هـ) البحرالرائق شرح كنزالدقائق( ،)58/5دار الكتاب اإلسالمي ،الطبعة الثانية :د ت.
( )2ينظر :ابن عرفة ،محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونس ي املالكي ،أبو عبد هللا (ت 803هـ) ،املختصر
الفقهي( ،)235/10تحقيق /د .حافظ عبد الرحمن محمد خير ،مؤسسة خلف أحمد الخبتور لألعمال الخيرية،
الطبعة األولى 1435:هـ 2014 -م.
( )3ينظر :النووي ،أبو زكريا محيي الدين بن يحيى بن شرف النووي(ت676ه) ،املجموع شرح املهذب مع تكملة
السبكي واملطيعي ( ،)95/20تكملة وتحقيق /محمد نجيب الدين املطيعي ،دار الفكر ،د.ط .د.ت ،زكريا
األنصاري ،زكريا بن محمد بن زكريا األنصاري ،زين الدين أبو يحيى السنيكي (ت 926هـ) ،أسنى املطالب في شرح
روض الطالب( .)146/4دار الكتاب اإلسالمي ،د .ط ،د.ت.
( )4ابن قدامة ،املغني(.)136/9
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 216
ال شك أن تعليق إقامة حد السرقة في عام الرمادة الذي فعله سيدنا عمر قد القى
من املعاصرين موقفين مختلفين ،يمثل كل فريق موقف منهما ،موقف املعارض املثير
للشبهات املترصد لألخطاء أو املتصيد لها ،وموقف املنصف الناظر لألمور نظرة
فاحصة ،فالفريق األول منهم من يحتاج إلى إزالة الشبهات ،ودحض االفتراءات ،ومنهم
من يحتاج إلى التجاهل وعدم الرد ،وال يتسع املقام هنا لسرد شبهاتهم والرد عليها.
ً
والفريق الثاني نورد هنا طرفا من تكييفهم لصنيع سيدنا عمر وتلقيهم له
بالتحليل والتعليل ،والقبول والرضا.
تعطيال له أو ً ً ً
إلغاء بل فير بعض العلماء أن هذا ليس إسقاطا لحد من حدود هللا أو
نظرا لوجود دخل حادثة السرقة التي وقعت في عام الرمادة فيما يوجب الحد؛ ً ُ
هو لم ي ِ
نصا وأحيى ً عطل ًَّ
نصا؛ الشبهة ،أما الحد فهو باق إلى يوم القيامة ،فسيدنا عمر قد
ليسدَّألن القاعدة الشرعية تقول" :ادرأوا الحدود بالشبهات" ،وما دام قد سرق ُ
َج ْوعته فلم يصل إلى نصاب السرقة ،فالسرقة تكون بعد قدر يكفي الضرورة (.)1
ً
قلت :فمقتض ى هذا الكالم أن صنيع سيدنا عمر ليس إلغاء للحد وال تعطيال له
ً
وال إسقاطا ،بل هو تعليق ،وال ُيظن ذلك بسيدنا عمر ،وهو املعروف بشدته في
د ين هللا وغيرته على أحكام الشريعة ،كما أن تعطيل الحدود أو إسقاطها ليس له وال
ً
ومحققا اعيا ملقاصد الشريعة، ً
اجتهادا مر ً لغيره ،ولكن جاء تعليقه إلقامة الحد
للمصلحة ،وموازًنا بين املفاسد واملصالح.
تطبيقا لصميم مقاصد الشريعة ً وير البعض اآلخر أن صنيع سيدنا عمر جاء
ً
وراعاها ،حيث اعتبر بعض املعاصرين أن املقاصد تمثل مرجعا الستقاء ما يتوقف
جيا عن الشرع عليه التشريع والقضاء في الفقه اإلسالمي ،وأنها ليست مصد ًرا خار ً
اإلسالمي ،ولكنها من صميمه ،كما أن املقاصد – على حد تعبيره -ليست غامضة
غموض القانون الطبيعي الذي ال يعرف له حد وال مورد ،وأنها تؤثر حتى على ما هو
منصوص عليه عند االقتضاء(.)2
ومقتض ى هذا أن املقاصد حاكمة في الحاالت التي تقتض ي ذلك ،كالضرورة والحاجة،
وحكمها يؤثر على تطبيق النص وال يتصادم معه ،فالنص لها مكانته وقدسيته ،ولكن
( )1ينظر :الشعراوي ،محمد متولي (ت1420ه) ،تفسير الشعراوي الخواطر( )3119/5و( ،)9976/16دار أخبار
اليوم ،مصر .د.ط .دت.
( )2الفاس ي ،عالل ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها(ص ،)56-55مكتبة الوحدة العربية ،د ط1963 .م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
217
التطبيق تكتنفه أمور أخر غير مجرد حرفية النص ،أو حدوده العامة ،أليس النص
القرآني أو الحديثي قاض بتطبيق الحد ،والنص اآلخر من السنة يدرء الحد بالشبهة،
وال يعد هذا من باب التعارض أو التصادم بين النصوص.
وير بعض ثالث أن إيقاف سيدنا عمر لحد السرقة عام املجاعة ،أو تعليقه؛ ألنه
كان يعلم أن مقصود الشارع بهذا الحد هو عقوبة املعتدين وزجرهم عن االعتداء،
غنيا والناس من حوله جياع إلى ً
معتديا ،بل املعتدي من كان ً والسارق املضطر ليس
حد الضرورة وقد أعذر هللا املضطرين ،فكيف يقام عليهم الحد؟(.)1
اإلسالم حين يقرر تطبيق العقوبات الرادعة فإنه ال يطبقها وينضم إليه آخر فير أن ِ
أبدا حتى يضمن أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مبرر وال شبهة ً
أبدا إذا كانت هناك شبهة اضطرار؛ فاإلسالم يقرر قطع يد السارق ولكنه ال يقطعها ً
بأن السرقة نشأت من جوع .....وعمر بن الخطاب من أبرز فقهاء ِ
اإلسالم لم ينفذ
حد السرقة في عام الرمادة ،عام الجوع حيث كانت الشبهة قائمة في اضطرار الناس
للسرقة بسبب الجوع؛ فهذا مبدأ صريح ال يحتمل التأويل وهو أن قيام ظروف
ومالبسات تدفع إلى الجريمة يمنع تطبيق الحدود(.)2
ومقتض ى هذا أن الحد عقوبة على االعتداء ،وزجر للمعتدي املستهين بحدود هللا،
ولكن املض طر الذي ألجأه الجوع للسرقة ال يدخل ضمن املعتدين املستهينين بحدود
املعلق للحد ليس مجرد حاكم عادي بل حاكم فقيه ،يعد ً ه
ائدار هللا ،كذلك فإن ِ
وعلم بارز من أعالمها ،فرأيه نابع من علم مؤصل بفهم ٌ ملدرسة املقاصد الشرعية
كتاب هللا ،واتباع سنة رسول هللا وحسن اجتهاد ،فليكن لرأيه القبول والرضا ،وال
يظن به إال ً
خيرا.
موقف بعض الغربيين من صنيع سيدنا عمر :
ً
مشابها ملا فعله سيدنا عمر في تعامله مع السارق في عام حاولت أن أ صد ً
موقفا ر
الرمادة ،أو السارق اضطرا ًرا بسبب الجوع ،فاستوقفني موقفان معاصران– أكتفي
تماما مع عدم إقامة الحد بهما نظرا لضيق حجم البحث– وقد وجدتهما متطابقين ً
على السارق من أجل الجوع ،ومع تغريم املتسبب في إلجاء غيره إلى السرقة بسبب
( )1الريسوني ،أحمد ،نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطبي (ص ،)333الدار العاملية للكتاب اإلسالمي ،الطبعة
الثانية 1412:هـ 1992 -م.
( )2السدالن ،صالح بن غانم بن عبد هللا ،وجوب تطبيق الشريعة اإلسالمية في كل عصر(ص ،)258دار بلنسية
للنشر والتوزيع ،الرياض – السعودية ،الطبعة األولى 1417 :هـ 1997 -م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 218
إجاعته أو هضم حقه ،أي متطابقين مع ما قض ى به الفاروق عمر منذ أربعة عشر
ً
قرنا من الزمان.
املوقف األول :نفي صفة السرقة وإسقاط العقوبة عن سرقة الطعام اليسير ألجل
الجوع( .وهو موقف رسمي).
حيث أصدرت املحكمة العليا اإليطالية ،ومحكمة النقض العليا اإليطالية ً
حكما
بعدم تجريم سرقة الطعام بكميات صغيرة ،طاملا أن السارق بحاجة ضرورية للتغذية.
شرد يدعى "رومان أوسترياكوف" وهو يسرق ففي سنة ،2011تم القبض على رجل ُم َّ
بعض األطعمة من الجبن ونحوه بقيمة 4.5دوالرات من إحد محالت البقالة في
وحكم عليه بالسجن لستة مدينة جنوة اإليطالية ،وفي سنة 2013مُ ،أدين بالسرقة ُ
ً أشهرَ ،
ود ِفع غرامة 115دوالرا .لكن تم استئناف الحكم سنة 2015م.
وفي مايو 2016م أعلنت محكمة النقض العليا اإليطالية أن الحكم األول بحق
يجرم سرقة الطعام وأقرت أن القانون اإليطالي لن ه الغيا ،ه "أوسترياكوف" ُيعتبر ً
بكميات صغيرة ،طاملا أن السارق بحاجة ضرورية للتغذية (.)1
ً
محتاجا إلى سرقة الطعام املوقف الثاني :تغريم بعض فئات املجتمع لكونهم ألجأوا
(وهو موقف غيررسمي).
وذلك في قصة متداولة على بعض مواقع التواصل االجتماعي :أنه في إحد املقاطعات
األمريكية تم جلب عجوز قام بسرقة رغيف خبز ليمثل أمام املحكمة ،واعترف
العجوز بفعلته ولم يحاول أن ينكرها لكنه َّبرر ذلك بقوله ":كنت أتضور ً
جوعا ،كدت
أن أموت ".فقال القاض ي له ":أنت تعرف أنك سارق وسوف أحكم عليك بدفع 10
دوالرات وأعرف أنك ال تملكها ألنك سرقت رغيف خبز ،لذلك سأدفعها عنك" ،صمت
جميع الحضور ،وشاهدوا القاض ي يخرج 10دوالرات من جيبه ويطلب أن تودع في
حكم على هذا العجوز ،ثم وقف فنظر إلى الحاضرين وقال ":محكوم كبدل ٍ الخزينة
ً
عليكم جميعا بدفع 10دوالرات ،ألنكم تعيشون في بلدة يضطر فيها الفقير إلى سرقة
ً
رغيف خبز ،في تلك الجلسة تم جمع 480دوالرا ومنحها القاض ي للرجل العجوز.
( )1ابن سعد ،أبو عبد هللا محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالوالء ،البصري ،البغدادي(ت230هـ) الطبقات
الكبرى( )312/3للرواية األولى ،و( )324/3( ،)314/3للرواية الثانية ،تحقيق/إحسان عباس ،دار صادر ،بيروت،
الطبعة األولى1968 :م.
( )2ابن سعد ،الطبقات(.)315/3
( )3الشعراوي ،الخواطر(.)6773-12:7672
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
221
والقصاص من القاتل هو شرع هللا تعالى املحقق للمصلحة التي عبرت عنها اآلية
َ َ ٌ َ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ُ َ َ الكريمة أبلغ تعبير بأنه حياة َ(و َل ُك ْم في ْالق َ
اب ل َعلك ْم ت َّت ُقون) اص حياة يا أ ِولي األلب ِ ِ ص ِ ِ
[البقرة.]179:
ووجه الداللة من اآلية :أن سبب الحياة في ذلك يكمن في أنه متى علم القاتل أنه إذا
قتل وجب القصاص عليه كف عن القتل ،فحيي القاتل واملقتول؛ فلو لم يقتص من
الجماعة بالواحد ملا كان في القصاص حياة ،ولكان القاتل إذا أراد القتل شارك غيره
افعا لحكم اآلية(.)1 فيه ليسقط القصاص عنه وعن غيره ،ولكان ذلك ر ً
وتعد واقعة قتل الجماعة للواحد التي حصلت في اليمن على عهد سيدنا عمر هي
أول وأشهر واقعة سجلت في تاريخ اإلسالم ،وتناقلتها كتب السير والسنن والتواريخ.
وملخص الو اقعة هأن ثمت جماعة من أهل اليمن اجتمعوا وتمالئوا على قتل شخص
جميعا في مقابل املقتول ،وأكد كما ذكرته جميع ً واحد فقتلهم سيدنا عمر
الروايات -أنه سيفعل ذلك حتى ولو كانت الجماعة القاتلة هي أهل صنعاء جميعاً.
والواقعة رويت بطرق متعددة تتفق جميعها على شيئين ،وتختلف في ثالثة أشياء ،أما
وجه االتفاق فهو :أن التمالؤ قد حصل من جميع الجناة ،بحيث اشترك كل شخص
منهم في الجريمة بشكل أو بآخر ،وأن سيدنا عمر قد قتل الجماعة بالواحد ،وهو
ما أيدته رواية البخاري على جهة اإلجمال ،وذكرته جميع الروايات األخر .
وأما وجوه االختالف فنوردها من خالل عدة روايات تشتمل تفصيالتها على اآلتي:
أ – عدد الجناة (ثالثة ،أربعة ،خمسة ،سبعة ،أو نفر ،والنفر في اللغة العربية يشمل
العدد من ثالثة إلى عشرة).
فعند البخاري رواية ال تدل على تحديد العدد ،وأخر تدل على أن الجناة أربعة ،فقد
الّللا َع ْن ُه َماَ ،أ َّن ُغ َال ًما ُق ِت َل ِغ َيل ًةَ ،ف َق َ
أخرج البخاري َع ْن َنافعَ ،ع ْن ْابن ُع َم َر َرض َي َّ ُ
ِ
ِ
َّ َ ْ َ َ ً َ ْ َ َ ُ ْ ُ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ ٍْ ُ َ ْ َ َ ِ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ ُ
عمر« :ل ِو اشترك ِفيها أهل صنعاء لقتلتهم» وقال م ِغيرة بن ح ِك ٍيم ،عن أ ِب ِيهِ « :إن أربعة
َق َت ُلوا َ
ص ِب ًّيا»(.)2
( )1املاوردي ،أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي(ت450هـ) الحاوي الكبير()27/12
تحقيق/علي محمد معوض وعادل أحمد عبد املوجود ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى 1419:هـ -
1999م.
( )2أخرجه البخاري ،محمد بن إسماعيل أبو عبد هللا البخاري الجعفي(256هـ) ،في الجامع املسند الصحيح
املختصر من أمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه وأيامه ،املشهور بـ "صحيح البخاري" ،ترقيم /الشيخ
محمد فؤاد عبد الباقي ،دار طوق النجاة ،األولى1422:هـ ،مصر ،املصورة عن الطبعة السلطانية .كتاب الديات
باب :إذا أصاب قوم من رجل هل بعاقب أو يقتص منهم كلهم ( )8/9رقم(.)6896
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 222
وباقي الروايات املشهورة تقتصر على كون العدد خمسة أو سبعة ،وهي رواية عن
وه قتلفرا َخ ْم َسة َأو َس ْب َعة ب َر ُجل َق َت ُل ُ
سعيد بن ْاملسيب َ أن عمر بن ْالخطاب قتل َن ً
ِ
يعا»(.)1الَ « :لو تماأل َع َل ْيه أهل صنعاء لقتلتهم َجم ً َ
غيلةَ ،و َق َ
ِ ِ
ب – ُع ْم ُر املقتو ِل (فالروايات املشهورة تؤكد على أنه رجل ومنها ما تقدم ذكره ،بينما
ً ً روايات أخر تذكر أنه كان ً
صغيرا ،وتذكر واقعة القتل تفصيال ،كما في رواية غالما
ونصها من رواية ابن ابن وهب القرش ي(ت179ه) ،وعبد الرزاق الصنعاني (ت211ه) ُّ
وهب كما يلي:
قال ابن وهب" :حدثنا بحر :ثنا عبد هللا بن وهب قال :حدثني جرير بن حازم؛ أن
املغيرة بن حكيم الصنعاني حدثه ،عن أبيه ،أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها ،وترك
ً في حجرها ً
ابنا له من غيرها ،غالم يقال له :أصيل ،فاتخذت املرأة بعد زوجها خليال،
فقالت لخليلها :إن هذا الغالم يفضحنا فاقتله .فأبى فامتنعت منه ،فطاوعها واجتمع
على قتله الرجل ورجل آخر واملرأة وخادمها ،فقتلوه ثم قطعوه أعضاء ،وجعلوه في
عيبة من أدم ،فطرحوه في ركية في ناحية القرية ،وليس فيها ماء ،ثم صاحت املرأة،
فاجتمع الناس فخرجوا يطلبون الغالم .قال :فمر رجل بالركية التي فيها الغالم فخرج
منها الذباب األخضر .فقلنا :وهللا إن في هذه لجيفة ،ومعنا خليلها ،فأخذته رعدة،
ً
فذهبنا به فحبسناه ،وأرسلنا رجال فأخرج الغالم ،فأخذنا الرجل فاعترف ،فأخبرنا
يومئذ أمير -بشأنهم. ٍ الخبر ،فاعترفت املرأة والرجل اآلخر وخادمها .فكتب يعلى -وهو
ً
فكتب إليه عمر بقتلهم جميعا وقال" :وهللا لو أن أهل صنعاء شركوا في قتله لقتلتهم
أجمعين"(.)2
( )1أخرجه مالك في املوطأ ،كتاب ،باب ما جاء في الغيلة والسحر( )871/2رقم( ،)13والشافعي ،محمد بن
إدريس(ت204ه) في املسند ،ترتيب /سنجر بن عبد هللا الجاولي ،أبو سعيد ،علم الدين (ت 745هـ) ،تحقيق
وتخريج /ماهر ياسين فحل ،شركة غراس للنشر والتوزيع ،الكويت ،الطبعة األولى 1425:هـ 2004 -م ،باب :ومن
جراح العمد( ،ص )200رقم( .)1611وينظر تخريجه في :البدراملنير( ،)404/8تلخيص الحبير(.)64/4
( )2ابن وهب ،أبو محمد عبد هللا بن وهب بن مسلم(ت197هـ) ،الجامع ،كتاب القسامة والعقول والديات
( )280-279/1رقم( ،)461/488تحقيق د .رفعت فوزي عبد املطلب ،د .علي عبد الباسط ،دار الوفاء ،املنصورة،
مصر ،الطبعة األولى 1425:هـ 2005 -م.عبد الرزاق ،املصنف( )477/9رقم( )18079كتاب العقول ،باب النفر
يقتلون الرجل .وهذه الرواية وصلها البيهقي في السنن الكبر ( )74/8بإسناد صحيح عن املغيرة بن حكيم ،أما والد
املغيرة الذي رويت عنه القصة ،فقال عنه ابن حجر العسقالني(ت852ه) في فتح الباري شرح صحيح البخاري
(" )228/12صنعاني ،ال أعرف حاله ،وال اسم والده ،وذكره ابن حبان في «ثقات التابعين» في الثقات()161/4ـ.
وخرجه ابن امللقن َّ
وجود إسناده في البدراملنير (.)405-404 /8
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
223
تفصيليا للجريمة، ً وهاتان الروايتان تعطيان لنا– بمقاييس العصر الحاضر ً -
وصفا
من حيث :األسباب والدوافع ،والكيفية ،والحيل التي اتخذها بعض الجناة إلخفاء
معالم جريمتهم ،وكيف اكتشفت الجريمة ،والعقوبة التي أوقعت بالجناة ،مما تعتبر
تمثيال ًً
حيا للجريمة ،تشبه ما يحدث في عصرنا من طلب املحكمة من الجاني أو معه
الجناة شرح تفاصيل الجريمة ،ودور كل شخص من الجناة فيها ،ولهذا أوردتها بتمامها.
واملحرضة ه فنحن اآلن أمام جريمة أبطالها هؤالء(:املرأة) الخائنة لزوجها في عرضه،
ِ
لرفيقها على ارتكاب جريمة ،متخذة من الترغيب والترهيب حيلة إلقناعه بارتكاب
جريمته ،و(الرجال الثالثة) خليل املرأة في الفاحشة ،ورجل آخر مساعد ،وخادم
جميعا على غالم ً مطيع لسيدته فيما يغضب هللا تعالى ،اجتمعت كلمتهم وجوارحهم
هو أمانة بيد املرأة حتى يعود أبوه من سفرهَّ ،نفذ كل منهم دوره بغض النظر عن
املتسبب واملباشر ،والضارب بقوة ،والضارب بضعف ،واملخطط ،واملتولي إخفاء
الجثة ....الخ.
ج – نوع املقتول (هل هو رجل أم امرأة؟) وهذه الجزئية لم أقف عليها إال في رواية ابن
ّللاَ ،ع ْن َع ْب ِد
ْ ُ َ ْ َّ َ َ ٌ َ ْ َ َ َّ َ َ َ
اص ِم ب ِن َعبي ِد ِ الجعد(ت230ه) حيث قال حد ْثنا ع ِل ٌّي َ ،أنا ش ِريك ،عن ع َ ِ
َ ََ َ ُ َ َ َ َ َ َ َّ
ال :ك َت َب َع َام ُل ال َي َم ِن ِإلى ُع َم َر ِإ َّن َس ْب َعة أ ْو ث َما ِن َية أ ْو ِس َّتة نف ٍر ق َتلوا ّللا ْب ِن َع ِام ٍر ق
ِ
َ ْ َ َ ً ْ ْ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ ُّ ُ ْ ُ َ َّ َ ً َ َ َ ْ َ ُ َ َ
اعت َرفوا فك َت َب ِإل ْي ِه ُع َم ُر امرأة ِمن ِحمير فأ ِتي ِب ِهم فو ِجدت أكفهم مخضبة ِبد ِمها ،ف
َ ْ ْ ََ ْ اش َت َر َك ف َيها َأ ْه ُل َ
ص ْن َع َاء لق َتل ُت ُه ْم ،فاق ُتل ُه ْم»(.)1
َْ َ ْ
«أن ل ِو
ِ
ً ً
وأيا كانت الروايات من حيث صفة املقتول(رجال ،أو امرأة ،أو ً
غالما ،أو عدد الذين
اشتركوا في قتله (أربعة أو خمسة أو سبعة) ،أو تفاصيل الواقعة ،أو كون بعض
الروايات صحيحة وبعضها فيه مقال ،فإن الذي يعنينا هنا أمران :أن جماعة قتلوا
ً
جميعا. فردا ،وأن العقوبة شملتهم ً
فما هي جوانب الحكمة في صنيع سيدنا عمر ،وما هي وجهة نظره ،وكيف تتفق مع
مقاصد الشريعة ومصالحها ،وما موقف الصحابة والتابعين ،وفقهاء األمة من هذا
الصنيع؟ وما هو التمالؤ الذي عناه سيدنا عمر بقوله " لو تماأل عليه أهل
صنعاء ."...لإلجابة على ذلك أقول وباهلل التوفيق:
ا
أوال :العمدة في قتل الجماعة بالواحد ،كما ذكرها ابن رشد (ت595ه) النظر إلى
املصلحة ،فإنه مفهوم أن القتل إنما شرع لنفي القتل كما هنبه عليه الكتاب في قوله
الج ْو َهري البغدادي (ت230هـ) ،مسند ابن الجعد(ص )331مسند عاصم
الج ْعد بن عبيد َ
( )1ابن الجعد ،علي بن َ
بن عبيد هللا ،تحقيق :عامر أحمد حيدر ،مؤسسة نادر ،بيروت ،الطبعة األولى1990 – 1410:م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 224
َ
﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي االلباب﴾ [البقرة ،]179:وإن كان ذلك كذلك فلو لم
ُ
تقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد بالجماعة"(.)1
ثانيا :نسب سيدنا عمر تنفيذ العقوبة في حالة القتل هذه إلى نفسه وليس إلى ولي ا
الدم ،ألنه اعتبر أن قتل الجماعة للواحد غيلة أشبه بالحرابة ،فيكون الجناة حينئذ
حد وليست عقوبة قصاص، محاربون أو في حكمهم ،ولهذا كانت عقوبتهم عقوبة ٍ
فقال َ « :لو تماأل َع َل ْيه أهل صنعاء لقتلتهم َجم ً
يعا». ِ ِ
وهذا يتفق مع القائلين بأن قتل الغيلة يوجب الحد وليس القصاص ،وهم املالكية()2
( )1ابن رشد الحفيد ،أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد
(ت 595هـ) بداية املجتهد ونهاية املقتصد ( ،)182/4دار الحديث ،القاهرة ،د .ط1425 ،هـ 2004 -م.
( )2ينظر للمالكية :مالك ،مالك بن أنس بن مالك بن عامر(ت179هـ) ،املدونة الكبرى( )554/4دار الكتب
العلمية ،الطبعة األولى1415:هـ 1994 -م ،املواق ،محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري
الغرناطي(ت 897هـ) التاج واإلكليل ملختصرخليل( ،)431/8دار الكتب العلمية ،الطبعة األولى1416:هـ1994-م،
عليش ،محمد بن أحمد بن محمد(ت1299هـ) منح الجليل شرح مختصر خليل( ،)343/9دار الفكر ،بيروت،
د.ط1409،هـ1989-م.
( )3ينظر :ابن تيمية ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت728ه) ،منهاج السنة النبوية في نقض كالم
الشيعة القدرية( ،)280/6تحقيق /محمد رشاد سالم ،جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،الطبعة
األولى 1406:هـ 1986 -م.
( )4ينظر :الشاذلي ،حسن علي ،الجنايات في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون
(ص .)324 ،323دار الكتاب الجامعي ،الطبعة الثانية ،د .ت.
( )5ينظر :املواق ،التاج واإلكليل( ،)431/8عليش ،منح الجليل(.)343/9
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
225
بغض النظر عن عدد فاعليها ،وهو ما دار بخلد سيدنا عمر وهو ينفذ هذه
العقوبة عليهم أو يأمر عامله بتنفيذها.
يؤيد ذلك ما استدل به الحنفية من املعقول من أن القصاص قد شرع لحكمة الحياة
وذلك بطريق الزجر؛ ومعلوم أن القتل بغير حق في العادة ال يكون إال بالتغالب،
واالجتماع؛ ألن الواحد يقاوم الواحد فلو لم نوجب القصاص على الجماعة بقتل
الواحد ألد إلى سد باب القصاص وإبطال الحكمة التي وقعت اإلشارة إليها بالنص،
فال مقصود في القتل سو التشفي ،واالنتقام وذلك حاصل لكل قاتل بكماله كأنه
ليس معه غيره(.)1
ابعا :ما فعله سيدنا عمر يتفق مع النصوص النبوية العامة املحذرة من قتل ر ا
ً
املرء بغير حق ،املتوعدة فاعل ذلك بالوعيد الشديد بالغا ما بلغوا ،املبينة ملد حرمة
الدم البريء ،ومن ذلك:
أ – حديث « ال ْو اأ َّن أهل السماء وأهل األرض اشتركوا في دم مؤمنَّ ،
ألكبهم هللا في
النار»(.)2
ا اْ ْ ا
ب -حديث « ال از او ُ ُّ ْ ا ْ ا ُ ا ا َّ
َّللا ِم ْن قت ِل ُمؤ ِم ٍن ِبغ ْي ِر اح ٍق»(.)3
ال الدنيا أهون على ِ
ال شك أن سيدنا عمر كان على دراية تامة بهذه النصوص ،وتصرف من واقع الشدة
والشفقة ،الشدة على جناة سولت لهم أنفسهم التهاون بأحكام هللا تعالى ،واتبعوا
الشيطان بارتكاب جريمة بشعة انضمت إلى جريمة قبلها ،وهي خيانة املرأة لزوجها (في
واقعة قتل الغالم) ،وسولت لهم أنفسهم الخبيثة سلوك سبيل الحيل ليفلتوا من
عقاب هللا تعالى لهم ،والشفقة على آل هذا املقتول ً
ظلما وما أدخله قتله على ذويه من
غم حزن.
خامسا :أن صنيع سيدنا عمر من قتل الجماعة بالواحد في هذه الواقعة قد سار ا
عليه وأخذ به جمهور الفقهاء ،على الرغم من وجود خالف في املسألة حاصله ثالثة
أقوال:
القول األول :أن الجماعة تقتل بالواحد ،وهو مروي عن عمر ،وعلي ،واملغيرة بن
شعبة ،وابن عباس رض ي هللا عنهم ،وسعيد بن املسيب ،والحسن ،وأبو سلمة ،وعطاء
وقتادة ،والثوري ،واألوزاعي ،وإسحاق ،وأبي ثور ،وهو مذهب الحنفية ،واملالكية،
والشافعية ،والحنابلة على املذهب.
القول الثاني :أنهم ال يقتلون به ،بل تجب عليهم الدية ،وهو مروي عن ابن الزبير
والزهري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت ،وربيعة ،وابن املنذر ،وحكاه بن أبي موس ى
عن بن عباس ،وأحمد في رواية ،وداود الظاهري.
القول الثالث :أنه يقتل منهم واحد ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية .وهو
مروي عن معاذ بن جبل ،وابن سيرين والزهري(.)1
وال يتسع املقام إليراد أدلة هذه اآلراء وال مناقشتهاـ فهي مبسوطة في مواضعها من كتب
الفقه والسنن وشروحها ،وكتب اآلثار واملصنفات وغيرها.
سادسا :من فقه سيدنا عمر النص على التمالؤ في القتل ،والذي اختلف الفقهاء ا
في معناه ،ومدلوله فيما بعد ،وتناسب هذه اللفظة التي نطق بها سيدنا عمر مع
تفسير الفقهاء للتمالؤ:
فعلى الرغم من كون األئمة األربعة يسلمون بأن الجماعة تقتل بالواحد إال أنهم
مستعينا بأسلوب بعض املعاصرين إلى هذه ً اختلفوا فى معنى التمالؤ ،وأشير هنا
املسألة بإيجاز(:)2
( )1ينظر إجماال :الكاساني ،عالء الدين ،أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي (ت587هـ) ،بدائع
الصنائع في ترتيب الشرائع( )239/7دار الكتب العلمية ،الطبعة الثانية1406:هـ 1986 -م ،ابن رشد ،بداية
املجتهد( ،)182/4النووي ،املجموع( )270-269/18ابن قدامة ،املغني(،)290-289/8
ا
( )2ينظر في هذا الخالف من كتب املعاصرين ،عودة ،عبد القادر ،التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون
الوضعي( ،)240-239/2دار الكاتب العربي ،بيروت ،د .ط ،د.ت ،حيث أجاد في عرض املسألة باختصار
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
227
فيرى فريق منهم :أن التمالؤ هو توافق إرادات الجناة على الفعل دون أن يكون بينهم -1
َ
اتفاق سابق ،بحيث يجتمعون على ارتكاب الفعل في ف ْور واحد دون سابقة من تدبير
أو اتفاق .وهو رأي الحنفية( ،)1وبعض الشافعية ( ،)2وأحمد في رواية ( ،)3وال يرتب
الحنفية عليه أثر إذا كان معنويا فقط.
ويرى فريق آخر :أن التمالؤ معناه االتفاق السابق على ارتكاب الفعل والتعاون على -2
تمالؤا .وهو رأي مالك( ،)4وبعض آخر من ا تكابه ،وأن التوافق على االعتداء ال يعتبر ً
ر
ن ً
الشافعية ،وأحمد على املذهب إال أن بعض الشافعية والحنابلة يخالفو مالكا
)6 ( )5 (
ً ً
متمالئا إال من اشترك فى ارتكاب الفعل بصفته فاعال له(.)7 فى أنهم ال يعتبرون
– 3ويرى فريق ثالث أن كل من حضر الحادث وإن لم يباشر الفعل إال أحدهم أو
متمالئا كل من حضرً بعضهم ،لكن بحيث إذا لم يباشره هذا لم يتركه اآلخر فيعتبر
ً
مستعدا لتنفيذ ما اتفقوا عليه ،وهو رأي قيبا -بشرط أن يكونولو كان ربيئة -أي ر ً
مالك(.)8
وأيا كانت صفة التمالؤ أو مقداره ،فإنه جريمة تنضم إلى الجريمة األصلية وهي القتل
العمد ،مما تقض ي معه قواعد الشريعة ومقاصدها العامة أن تنفذ عقوبة القصاص
ْ
في جميع املشتركين ،إذ أن مجرد االشتراك ولو بالقول أو التحريض قد أعطى للفعل
قوة في اإلجرام ،وأملا في التنفيذ ،وهذا ما فطن إليه سيدنا عمر حين قتل الجماعة
( )1ينظر :الزيلعي ،عثمان بن علي بن محجن البارعي ،فخر الدين الزيلعي الحنفي (ت 743هـ) تبيين الحقائق شرح
كنز الدقائق( ،)114/6املطبعة الكبر األميرية ،بوالق ،القاهرة ،الطبعة األولى1313:هـ ،ثم صورتها دار الكتاب
اإلسالمي ط ،2ابن نجيم ،زين الدين بن إبراهيم بن محمد (ت 970ه) ،البحر الرائق شرح كنز الدقائق(،)354/8
دار الكتاب اإلسالمي ،بيروت ،الطبعة الثانية ،د .ط.
( )2ينظر :الشيرازي ،أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي(ت476هـ) املهذب في فقه اإلمام
الشافعي( ،)173/3دار الكتب العلمية ،بيروت ،د.ط ،د.ت.
( )3ينظر :ابن قدامة ،املغني( ،)290/8ابن مفلح ،إبراهيم بن محمد بن عبد هللا بن محمد ابن مفلح (ت884هـ)
املبدع في شرح املقنع( ،)202/7دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى 1418:هـ 1997 -م.
( )4ينظر :الدردير ،أحمد بن محمد بن أحمد العدوي ،أبو البركات(ت1201ه) ،الشرح الكبير على مختصر
خليل( )177/3مطبوع مع حاشية الدسوقي ،دار الفكر ،د.ط ،د.ت.
( )5ينظر :الرملي ،شمس الدين محمد بن أبي العباس(ت1004هـ) ،نهاية املحتاج إلى شرح املنهاج ( ،)140/4دار
الب َج ْي َر ِم هي املصري
الفكر ،بيروت ،الطبعة األخيرة1404:هـ1984/م ،البيجرمي ،سليمان بن محمد بن عمر ُ
الشافعي (ت1221هـ) ،حاشية البجيرمي على شرح املنهج ( ،)140/4مطبعة الحلبي ،د.ط1369 ،هـ 1950 -م.
( )6ينظر :ابن قدامة ،املغني( ،)290/8ابن مفلح ،املبدع(.)202/7
( )7ينظر :الرملي ،نهاية املحتاج( ،)140/4البيجرمي ،حاشية البيجرمي()140/4
( )8ينظر :مالك ،املدونة الكبرى( ،)554/4الدردير ،الشرح الكبير(.)177/3
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 228
بالواحد وكان عددهم أقل من العشرة ،وذكر استعداده لقتل الجماعة بالواحد ولو
كانت الجماعة أهل صنعاء جمي ًعا.
املطلب الثالث :النهي عن إقامة الحدود في أرض العدو
سبق القول بأن الحدود عقوبات شرعت جز ًاء ملن ارتكب ُج ًرما يضر بإحد الكليات
الخمس ،وهي حدود سبعة معروفة ،أمر هللا تعالى بإقامتها وحذر من إضاعتها ،وأوكل
تنفيذها إلى ولي األمر في كل عصر ومصر ،وهي تقام على العظيم والحقير ،والغني
ً
والفقير ،وجعلت الشريعة اإلسالمية إلقامتها أو عدم إقامتها شروطا وضوابط معروفة
في مواضعها من كتب الفقه.
واملرء حين يرتكب جرما يستوجب الحد فإنه – يعلم بال شك -أنه قد خالف الشرع،
وفعل ما يستحق عليه العقوبة ،بغض النظر عن الدوافع واألسباب ،والوقائع
واملالبسات ،والزمان واملكان ،ومن خالل تتبع بعض كتب السير وقفنا على وقائع
ارتكاب جرائم تستوجب الحدود وقعت إبان بعض الحروب والغزوات ولكن لم يتم
إيقاع العقوبة بمرتكبيها مراعاة لنصوص شرعية نهت عن ذلك ،بعضها من كالم
رسول هللا وبعضها من كالم صحابته اإلجالء وفعلهم ،مراعاة للظروف واألحوال،
واملصالح العامة ،وكان لسيدنا عمر نصيب من هذا الفقه ،حيث كتب إلى أمرائه
وقواده أن ال يقيموا حدا أو يوقعوا عقوبة بأرض العدو .وهذه بعض النصوص:
أوال :النصوص الواردة عن رسول هللا :لم أقف فيها إال على نص واحد وهو
ا ا ُْ ا ا حديث ُب ْسر ْبن َأ ْر َط َاة َق َ
الن ِب َّي َ ي ُقو ُل« :ال تقط ُع األ ْي ِدي ِفي الغ ْز ِو» (.)1
الَ :سم ْع ُت َّ
ِ ِ ِ
ثانيا :النصوص الواردة عن سيدنا عمر : ا
أ – أخرج سعيد بن منصور(ت227ه) بسنده أن عمر كتب إلى الناس أن ال يجلدن
ً أمير جيش وال سرية وال جل من املسلمين ً
أحدا وهو غاز يقطع الدرب قافال لئال ر
تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار(.)1
( )1أخرجه الترمذي في السنن .كتاب ،باب ما جاء أن ال تقطع األيدي في الغزو( )53/رقم( )1450وقال :حديث
غريب ،والطبراني ،سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي ،أبو القاسم الطبراني (ت360هـ) ،املعجم
األوسط باب :من اسمه مقدام ( )6/9رقم( )8951تحقيق/طارق بن عوض هللا بن محمد ،عبد املحسن بن
إبراهيم الحسيني ،دار الحرمين ،القاهرة .والحديث فيه مقال ألنه ليس لراويه إال هذا الحديث ،كما في أن في
إسناده ابن لهيعة ،ولكن روايته من عدة طرق جعلت غير واحد من علماء الحديث يحكم عليه بالصحة .ينظر:
أحاديث املا ا
الت اناقيح في ات ْخريج ا
ا َّ ا ْ ُ ا
ص ِاب ِيح ألبي املعالي ِ ِ ِِ اه ِج و ِ ِنصب الراية للزيلعي ( ،)344/3كشف املن ِ
السلمي( ،)240/3املقرر على أبواب املحرر ،للمقدس ي( ،)306/2تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ،البن عبد
الهادي(.)545/4
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
229
ْ َُْ َ َ َ
ال :ك َت َب ُع َم ُر ْب ُن ب -وأخرج ابن أبي شيبة(ت235ه) بسنده َع ْن َح ِك ِيم ب ِن عمي ٍر ،ق
َ َّ َ َ ْال َخ َّطابَ « :أ َّال َي ْجل َد َّن َأم ُير َج ْيش َوَال َسرَّية َأ َح ًدا َح َّتى َي ْط ُل َع َع َلى َّ
الد ْر ِب ِلئال ت ْح ِمل ُه ِ ٍ ُ ِ َ َِ ْ ِ ْ ٍ
ال ُك َّفار»(). 2 َّ
َح ِم َّية الش ْيط ِان أ ْن َيل َح َق ِب
ِ
َّ َّ
ج -وعن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد ّللا ،عن عبد ّللا بن عروة ويحيى بن عروة،
عن أبيهما قال" :شرب عبد ابن األزور وضرار بن الخطاب وأبو جندل بن سهيل
َّ
بالشام فأتي بهم أبو عبيدة بن الجراح فقال أبو جندل :وّللا ما شربتها إال على تأويل،
َ ات ُج َن ٌ ين َآم ُنوا َو َعم ُلوا َّ َ س َع َلى َّالذ َ إني سمعت َّّللا يقولَ :ل ْي َ
اح ِف َيما ط ِع ُموا الص ِالح ِ ِ ِ
ات[ املائدة ،]93:فكتب أبو عبيدة إلى عمر إ َذا َما َّات َق ْوا َو َآم ُنوا َو َعم ُلوا َّ َ
الص ِالح ِ ِ ِ
ً
بأمرهم فقال عبد :إنه قد حضر عدونا فإن رأيت أن تؤخرنا إلى أن نلقى عدونا غدا، ٌ
َّ
فإن ّللا أكرمنا بالشهادة كفاك ذاك ،ولم تقمنا على خزاية وإن نرجع نظرت إلى ما
أمرك به صاحبك فأمضيته .قال أبو عبيدة :فنعم ،فلما التقى الناس استشهد عبد
بن األزور فرجع كتاب عمر أن الذي أوقع أبا جندل في الخطيئة قد تهيأ له فيها بالحجة
فح َّدهم والسالم(.)3 إذا أتاك كتابي هذا ُ
وجهة نظرسيدنا عمرفي النهي عن إقامة الحدود بأرض العدو:
نحن هنا أمام طائفة من النصوص واألقضية التي تتعلق بإقامة الحدود على
املجاهدين ،أو في دار الحرب أو في أرض العدو ،أو أثناء الغزو ،حث سيدنا عمر
نظرا إلى اعتبارات مختلفة ،فهل يا تر أخذ عماله وقواده على عدم إقامة الحد فيها ً
سيدنا عمر فيها بالحديث الوارد عن بسر بن أرطأة فقط ،أم أنه اجتهد برأيه ً
أيضا
فرأ من الظروف واألحوال ما يستدعي ذلك ،وإلى أي مد وافقه الصحابة والتابعون
والفقهاء أو أخذوا برأيه؟ ،وما جوانب املصلحة ومراعاة املقاصد الشرعية في هذه
املسألة؟ .لإلجابة على هذه التساؤالت نسلك التدرج اآلتي:
أوال :بيان النصوص والوقائع الواردة عن الصحابة رض ي هللا عنهم في هذا الشأن:
( )1ابن منصور ،أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني (ت 227هـ) السنن ،باب كراهية إقامة الحدود
في أرض العدو ( )234/2رقم( .)2499رقم( )2500تحقيق /حبيب الرحمن األعظمي ،الدار السلفية ،الهند،
الطبعة األولى1403:هـ 1982-م.
ه ُ َ َْ ْ ُ َّ َ َ ْ َ ه ََ
ض العد ِو ( )549/5رقم(.)28861 ( )2ابن أبي شيبة ،املصنف كتاب الجهاد ،باب ِفي ِإقام ِة الح ِد على الرج ِل ِفي أر ِ
ه
محمد بن أحمد بن ُعثمان الذ َه هبي (ت 748هـ) ،املهذب في اختصار السنن الكبير ،كتاب ( )3الذهبي ،أبو عبد هللا ه
العلمي ،دار الوطن للنشر ،الطبعة األولى 1422:هـ - ِ السير( )3638/7رقم( )14196تحقيق/دار املشكاة للبحث
2001م..
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 230
الر ِومَ ،و َم َع َنا الُ :ك َّنا ِفي َج ْيش ِفي َأ ْرض ُّ أ -أخرج سعيد بن منصور بسنده َع ْن َع ْل َق َم َةَ ،ق َ
ِ ٍ
يد ْب ُن ُع ْق َب َةَ ،ف َشر َب ْال َخ ْم َرَ ،ف َأ َر ْد َنا َأ َّن ُن ِح َّد ُهَ ،ق َ
ال ُح َذ ْي َف ُة ْب ُن ْال َي َمانَ ،و َع َل ْي َنا ْال َول ُ
ِ
يك ْم» َف َب َل َغ ُهَ ،ف َقالَ: ُ َ ْ َ ُ َ ُ ُّ َ ِ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ْ َ ُ ه ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُ
ِ
حذيفة« :أت ِحدون أ ِميركم؟ وقد دنوتم ِمن عد ِوكم فيطمعون ِف
َ ْ ً ََْ َ َ ََْ
ألش َرَب َّن َو ِإ ْن كان ْت ُم َح َّر َمةَ ،وألش َرَب َّن َعلى َرغ ِم َم ْن َر ِغ َم (.)1
َّ الر ُجلَ ،و ُه َو َغاز في َ َّ َّ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ ْ َ
ّللا
ٍِ ِ ِ ِ يل ب س َ ِ ى ل ع ود د ح ال ام ق ت ن أ ى ه ن ي ان ك ه ن أ اءَِ د ر الد ي ب
وع ُن ِ
أ ب-
ّللا َع َل ْيه ْمَ ،وإنْ اب َّ ُ َ َ ْ َّ ُ ْ
َح َّتى َيقف َل َمخافة أن تحمله الحم َّية ف َيلحق بالكفار ،فإن ت ُابوا ت َ
َ َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ّللا م ْن َو َرائه ْم" (). 2 َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ َّ
ِ ِ ِ ِ عادوا ف ِإن عقوبة
ال في ْال َع ْس َكر َحتىَّ َ
السل ِم ُّي ،ف َج َ َ َ ْ
الَ :س ِك َر أ ُبو األ ْع َور ُّ َ وع ْن ِع ْكر َم َة ،عن ْابن ع َّباس ق َ
َ َ َ جَ -
ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
َ َ َْ ُ
ال"َ :م ْن َهذا؟ " فقالواَ :هذا َعلق َمة َس ِك َر ال
ََ ُ َ ّللا َ ف َق َط َع َأ ْط َن َاب َهاَ ،ف َق َ َ َ ُ َ َ َ ُ ل َّ
َْ َ
ِ ْ أتى حجر رسو ِ
ُ
ُ ُ ُ ْ َ ُ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ ه َ َُ َّ َ ُ ٌ َ ْ ُ َْ ُ َ َ َ
ض ي ْع ِقل .قال"ِ :ليأخذ رجل ِبي ِد ِه حتى يب ِلغه رحله" قال" :ال تقام الحدود ِفي أر ِ
ال َع ُد هو"(.)3
د – أخرج سعيد بن منصور بسنده عن إبراهيم بن محمد بن سعد ،عن أبيه ،قال:
َ َ َ َْ ََ ْ َ َ َ َْ َ ُ
أ ِت َي َس ْع ٌد ِبأ ِبي ِم ْح َج ٍن َي ْو َم الق ِاد ِس َّي ِة َوق ْد ش ِر َب الخ ْم َر ،فأ َم َر ِب ِه ِإلى الق ْي ِدَ ،وكان ْت
َ َ ْ َ َ ُ َ الناس َق َ اح ٌة َف َل ْم َي ْخ ُر ْج َي ْو َمئذ إ َلى َّ
ص ِع ُدوا ِب ِه ف ْوق ال ُعذ ْي ِب ل َي ْنظ َر ِإلى الَ :و َ ب َس ْعد ج َر َ
َ ْ ُ ِ َّ ٍ ِ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ َ َ َّ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ
ِ ِ ٍ ِ
اس ،واستعمل على الخي ِل خ ِالد بن عرفطة ،فلما التقى الناس ،قال أبو ِمحج ٍن: ِ الن
َ َ ْ ْ ُ َ ْ َ ْ ْ
كفى َح َزًنا أ ْن تط َر َد الخ ْي ُل بالق َناَ ...وأت َر َك َمش ُد ًُ َ َ َ
ودا َعل َّي ِوثا ِق َيا
ّللا َأ ْن َأ ْ ج َع َحتىَّ ُ َّ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ ِ َ َ َّ ُ َ َ َّ ْ َ َّ
رِ فقال ِالبن ِة حصفة امرأ ِة سع ٍد :أط ِل ِق ِيني ول ِك ّللا علي ِإن سلم ِني
اس َع َليَّ الن ُ الَ :ف َح َّل ْت ُه -ح َين ْال َت َقى َّ اس َت َر ْح ُت ْم ِم هنيَ ،ق َ ض َع ر ْجلي في ْال َق ْيدَ ،وإ ْن ُقت ْل ُت ْ َأ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ ْ ِ ُ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُ ْ ً ُ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ ََ َ ِ ََ َ
فوثب على فر ٍس ِلسع ٍد يقال لها البلقاء ،ثم أخذ رمحا ،ثم خرج ،فجعل ال يح ِمل على
ص َن ُعَ ،و َج َع َل اس َي ُق ُولو َنَ :ه َذا َم َل ٌك ملَا َي َر ْو َن ُه َي ْ الن َُناح َية م َن ْال َع ُد هو إ َّال َه َز َم ُه ْمَ ،و َج َع َل َّ
ِ
ْ َ ََ ِ َّ ِ ْ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ْ ُ َ ْ ُ َ ِ ٍ ِ
َْ ُ
َس ْع ٌد َيقول« :الضبر ضبر البلق ِاء ،والطعن طعن أ ِبي ِمحج ٍن ،وأبو ِمحج ٍن ِفي القي ِد»
ْ َ ْ ُ ُ
َْ ْ ََ ََْ َْ ُ َ ْ َ َ َ َف َل َّما ُهز َم ْال َع ُد ُّوَ َ ،ج َع َأ ُبو م ْح َجن َح َّتى َو َ
صفة ض َع ِر ْجل ُه ِفي القي ِد ،وأخبر ِت ابنة ح َ ِ ٍ ر
ضر ُب َب ْع َد ْال َي ْوم َر ُج ًال َأ ْب َلى َّّللاُ ال َس ْع ٌدَ " :ال َو َّّللاَ :ال َأ ْ َ َ ْ َ ْ ً َِ َ َ ْ َ
ِ ِ ِ سعدا ِبما كان ِمن أم ِر ِه ،فق
( )1سعيد بن منصور ،السنن ،كتاب الجهاد ،باب كراهية إقامة الحدود في أرض العدو( )235/2رقم(.)2501
( )2سعيد بن منصور ،السنن ،كتاب الجهاد ،باب كراهية إقامة الحدود في أرض العدو ( )234/2رقم(.)2499
( )3البيهقي ،أبو بكر (ت 458ه) الخالفيات بين اإلمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ،مسألة ( :)552وإذا
زنى مسلم في دار الحرب لزمه الحد ،وكذلك إذا سرق فيها مال مسلم لزمه القطع ( ،)263/7تحقيق ودراسة /فريق
البحث العلمي بشركة الروضة ،الروضة للنشر والتوزيع ،القاهرة ،الطبعة األولى 1436:هـ 2015 -م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
231
ْ َ ُ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ َ
ال أ ُبو ِم ْح َج ٍن :ق ْد ك ْن ُت أش َرُب َها ِإذ املس ِل ِمين على يدي ِه ما أبالهم " فخلى س ِبيله ،فق
َ ْ َ َ َّ ُ َ ُ َ َ ْ َ ُّ َ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ
ّللا ال أش َرُب َها أ َب ًدا(.)1
يقام عل َّي الحد ،وأط ُه ُر ِمن َها ،فأ َّما ِإذا ب ْه َرجت ِني فال و ِ
ثانيا :التعليق على النصوص والوقائع السابقة: ا
تتضمن تلك الوقائع فقها مقاصديا على درجة من األهمية ،يتمثل في ُبعد نظر سيدنا
عمر بن الخطاب ومن وافقه من الصحابة رضوان هللا عليهم في ترك تنفيذ الحدود
بأرض العدو أو بأرض الغزو ،بيانه على هذا النحو:
ا
أوالَّ :أن تنفيذ الحدود في أرض العدو يوهن قوة املسلمين ويطمع فيهم عدوهم،
ويكسر شوكتهم ،ألن الجرائم نقاط ضعف في حياة الناس ،وال ينبغي أن ير العدو
ضعفا فينا.
ثانياَّ :أن تنفيذ الحدود على املسلم بأرض العدو قد يودي باملسلم إلى اللحوق بالكفار ا
والفرار من املسلمين ،وهذه قد نص عليها غير واحد ،وفي ذلك إضعاف واضح لشوكة
املسلمين ،وخسارة كبيرة.
وعلى حد قول بعض املعاصرين :اعتبار الظروف واألحوال ،وهو خشية أن يترتب على
إقامة الحد ما هو أشد وأبغض إلى هللا من تعطيله وتأخيره وهو لحوق صاحبه
ً
وغضبا (.)2 باألعداء حمية
ا
ثالثا :إن عدم تنفيذ الحد على املسلم في دار الحرب أو في الغزو ال يعني إسقاط الحد
أو إبطاله ،بل تعليقه إلى ما بعد تحقيق النصر ،أو العودة إلى ديار املسلمين ،وهذا ما
تؤيده الوقائع والنصوص.
ابعا :أنه وعلى الرغم من وقوع الجرم الذي يقتض ي الحد ،فإن املسلم الذي ارتكبه ر ا
لم يتخاذل عن الجهاد في سبيل هللا كما في واقعة أبي محجن الثقفي الذي أبلى بالء
حسنا في القادسية ،على الرغم من توقيف سيدنا سعد له عن الجهاد وحبسه – على ً
نحو ما تقدم في القصة.
خامسا :مراعاة القواعد الفقهية مثل" :الضرورات تبيح املحظورات" و"درء املفاسد ا
مقدم على جلب املصالح" ،وهما من القواعد الفقهية املشهورة ،واملحظور هنا واضح
َََ َ َ ُ َ ُْ َْ ً َ ً
وض َبرانا ( )1سعيد بن منصور ،السنن ( )235/2رقم( .)2502ومعنى "الضبر" العدو ،يقال :ضبر الفرس يضبر ضبرا
َ َ
ِإذا َع َدا ،أو َج َمع ق َوا ِئ َم ُه َووث َب ،واملراد هنا شدة عدو ووثب البلقاء فرس سيدنا سعد التي استقلها أبو محجن في
َ
الحرب بعدما هرب من الجبس .ابن منظور ،لسان العرب( )479/4ومعنى " بهرجتني" أي أ ْه َد ْرَتني بإسقاط َ
الح ِهد ِ
عني ،.ابن منظور ،لسان العرب(.)217/2
( )2جعيط ،كمال الدين ،العرف بحث منشور في مجلة مجمع الفقه اإلسالمي(.)2570/5
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 232
وهو إضعاف شوكة املسلمين ،واحتمال لحوق املسلم بالكفار ،واملحظور هو تأخير
الحد ،واملفسدة هنا واضحة وهي نفس املحظور الذي سبق ذكره ،واملصلحة معروفة
وهي إقامة حدود هللا تعالى.
ويتساءل بعض املعاصرين عن سند هذه املسألة هل هو املصلحة املجردة؟ وهل
يؤدي القول بأن الحدود ال تقام في أرض العدو إلى تغير الحكم الذي دل عليه النص
الشرعي وهو وجوب إقامة الحدود؟
ويجيب عن ذلك بأن سندها هو قاعدة "سد الذرائع" وهي قاعدة عمل الصحابة
والسلف الصالح بها (.)1
سادسا :ال ينبغي أن يتطرق إلى الذهن أن مرتكبي هذه املوبقات قد ارتكبوها عن عمد ا
ً
أو استهانة بالدين أو استحالال لها ،بل ثمت ظروف وتأويالت أودت بهم إلى ارتكاب ذلك
املحظور ،وهم يعلمون حرمته ونكارته.
َّ ً
مفسرا سبب شربه للخمر" :وّللا ما شربتها إال يؤيد هذا قول أبي جندل ألبي عبيدة
َ
ات ُجن ٌ ُ ُ
ين آ َمنوا َو َعملوا َّ َ َّ
س َعلى الذ ََ َ
على تأويل ،إني سمعت َّّللا يقول :ل ْي َ
اح الص ِالح ِ ِ ِ
ات[املائدة.]93: ف َيما َطع ُموا إ َذا َما َّات َق ْوا َو َآم ُنوا َو َعم ُلوا َّ َ
الص ِالح ِ ِ ِ ِ ِ
سابعا :رفق اإلمام أو األمير أو قائد الجيش بمرتكب الجريمة وعدم تعنيفه ،بل تمت ا
َ
معاملته باللين ،فسيدنا سعد اكتفى بحبس أبي محجن وتوثيقه ،وفي واقعة أ ُبي
ً ْ َ ْ َ ُّ َ
السل ِم ُّي أمر القائد رجال بأن يأخذ بيده وهو سكران فيدخله إلى رحله خشية األعو ِر
أن يتوسع ضرره وينتشر شره وهو على هذه الحالة.
ثامناَّ :أن الفائدة من إقامة الحد الزجر كما هو مشهور – عند القائلين بأن الحدود ً
زواجر ،وير بعض الفقهاء أن فائدة الزجر تحصل بإقامة الحد عليه بعد خروجه
ملانع(.)2
إلينا كما تحصل في حق من يؤخر إقامة الحد عليه ٍ ا
ثالثا :املؤيديون لرأي سيدنا عمرمن الصحابة والفقهاء ونصوصهم في ذلك:
( )1السفياني ،عابد بن محمد ،الثبات والشمول في الشريعة اإلسالمية(ص ،)479مكتبة املنارة ،مكة املكرمة
السعودية ،الطبعة األولى 1408:هـ 1988 -م.
ه
علي بن علي ابن أبي العز الحنفي (ت 792هـ) ،التنبيه على مشكالت الهداية( )2أبو العز الحنفي ،صدر الدين ه
( ،)164/4تحقيق ودراسة /عبد الحكيم بن محمد شاكر ،وأنور صالح أبو زيد ،رسالة ماجستير -الجامعة
اإلسالمية باملدينة املنورة ،مكتبة الرشد ناشرون – السعودية ،الطبعة األولى 1424:هـ 2003 -م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
233
لم يكن سيدنا عمر وحده الذي نحا هذا املنحى في تلك املسألة ،بل وافقه من
الصحابة أبو الدرداء ،وحذيفة بن اليمان وابن عباس وغيرهم ،ومن األئمة :أبو
حنيفة وأحمد وإسحاق واألوزاعي ،وعليه إجماع الصحابة.
َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ ٌ َ َّ ُ َ
قال أبو حنيفة النعمان(ت150ه)"ِ :إذا غزا الجند أرض الحر ِب وعلي ِهم أ ِمير ف ِإنه ال
َ ْ َّ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ َّ َ َ ْ ْ َ َ َ َ يم ْال ُح ُد َ
اق أ ْو َما أش َب َه ُهود ِفي َع ْسك ِر ِهِ ،إال أن يكون ِإمام ِمصر أو الشام أو ال ِعر ُيق ُ
ِ
َ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ ُ َ
في ِقيم الحدود ِفي عسك ِر ِه" (.)1
قال الكاساني (ت587ه) " :وأما األحكام التي تختلف باختالف الدارين فأنواع ،منها أن
املسلم إذا زنا في دار الحرب ،أو سرق ،أو شرب الخمر ،أو قذف مسلما ال يؤخذ بش يء
من ذلك؛ ألن اإلمام ال يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب؛ لعدم الوالية ،ولو فعل
شيئا من ذلك ثم رجع إلى دار اإلسالم ال يقام عليه الحد أيضا؛ ألن الفعل لم يقع
موجبا أصال" (.)2
وفي مسائل اإلمام أحمد (ت241ه) وإسحاق بن راهويه (ت238ه) " :قلت :هل تقام
الحدود في الجيش؟ قال :ال ،حتى يخرجوا من بالدهم "(.)3
وقال البهوتي (ت101ه)( ":وإذا أتى غاز حدا أو) أتى (قودا) وهو (بأرض العدو لم
يؤخذ به) أي :الحد والقود (حتى يرجع إلى دار اإلسالم)"(.)4
وخالف في املسألة مالك والشافعي رحمهما هللا تعالى استدالال بعموم األدلة التي تدل
على وجوب إقامة الحدود على مرتكبي موجباتها بال فرق بين دار الحرب ودار اإلسالم
( ، )5وال يتسع املقام لسرد تلك األدلة ومناقشتها اكتفاء بأدلة املؤيدين لعد إقامة
الحدود بأرض العدو والتي هي مسألة الباب.
و أقول تعليقا على كل ما سبق:
إن كل ما تقدم ذكره سواء مما نصت عليه الروايات والوقائع نصا صريحا ،أو تم
استنباطه منها ،يدعو إلى القول بأن هذا يتفق مع مقاصد الشريعة اإلسالمية
السمحة ،التي توازن بين املصلحة واملفسدة ،وتعلي مصلحة الجماعة على مصلحة
الفرد ،وحفظ وحدة األمة وتماسك قوتها ،وتجميل صورتها أمام أعدائها ،مع األخذ في
االعتبار عدم إسقاط حدود هللا تعالى أو تضييعها ،وعدم التعنيف أو توجيه اللوم أو
نظرا ألن الظروف ال تسمح ،والوقت ال ينبغي إهداره في اإلهانة إلى مرتكب الجريمةً ،
اللوم والتعنيف بل ينبغي صرف الهمم إلى الجهاد.
وفي الختام ..ال شك أن الوقائع املقاصدية كثيرة الحوادث متعددة ،تحتاج إلى بذل
جهود الستخراجها ،وال يتسع هذا البحث اليسير الستخراجها ،وبيان أوجه الحكمة
فيها ،وهي إن دلت فإنما تدل على سعة أفق الشريعة اإلسالمية وسموها ،ومد
مراعاة فقهائها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم ملقاصد الشريعة ومصالحها
وأسسها العامة ،وما أحوجنا في هذه األيام وهذه الظروف إلى األخذ بهذا الفقه.
الخاتمة
بعد أن امتن هللا تعالى علي بإتمام هذا البحث ،فإني أشرع في ذكر نتائجه وتوصياته
على النحو اآلتي:
أوال :النت ــائج:
فقهيا على درجة كبيرة من األهمية ،ينبغي ً ً
محورا َّأن مقاصد الشريعة تمثل
نظرا ملا يحققه من مصالح شرعية. مراعاته والعمل بمقتضاه في شتى امليادينً ،
َّأن الصحابة األجالء قد راعوا مقاصد الشريعة في أقضيتهم ،وأحكامهم ،وفتاويهم
وطبقوها على الوقائع واألحداث التي وقعت في أعصارهم وأمصارهم.
ائدا من رواد املجتهدين املراعين ملقاصد َّأن سيدنا عمر بن الخطاب يعتبر ً
ر
الشريعة ،حيث له أقضية وأحكام فقهية نظر فيها إلى املآالت ،وراعى فيها مقاصد
الشريعة ،وطبقها وأمر والته وأمراءه بتطبيقها.
َّأن األقضية والنوازل التي قض ى فيها سيدنا عمر على وفق املقاصد الشرعية
قويما وافقه فيه كثير من الصحابة والتابعين وأخذ فقها ً
كثيرة ومتنوعة ،وتمثل ً
به كثير من الفقهاء.
َّأن ثمت اتجاهات غربية معاصرة راعت الظروف واألحوال والضرورات في أحكامها
وأقضيتها مثلما فعله سيدنا عمر في حد السرقة ،وهذا يدل على صالحية
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
235
الفقه اإلسالمي لكل زمان ومكان ،وعلى مد تأثر املنصفين من أبناء الغرب
بالشريعة اإلسالمية -إذا افترضنا أنهم اطلعوا على بعض أحكامها،
ً
متسقا مع َّأن قضاء سيدنا عمر بن الخطاب بقتل الجماعة بالواحد جاء
حاميا لضرورة حفظ النفسً ،
دارءا محققا للمصلحة العامةً ، ً املقاصد الشرعية،
لكثير من املفاسد الشرعية املترتبة على القتل.
َّأن تعليق سيدنا عمر بن الخطاب إقامة حد السرقة عام الرمادة ال يمثل
ً ً
إلغاء لها أو تعطيال ،بل يمثل أخذا بمقاصد إهدا ًرا لحدود هللا تعالى ،وال
ورفعا للمشقة عن املضطرين للسرقة ألجل الشريعة ،ومراعاة للظروف واألحوالً ،
الجوع الشديد.
َّأن أمر سيدنا عمر بعدم إقامة الحدود في أرض العدو إنما وقع ألجل دفع
وجمعا لشمل املسلمين ،وعدم تشويه صورتهم أمام ً مفاسد وتحقيق مصالح،
أعدائهم ،وحماية ملرتكبي الجرائم منهم بأرض العدو حتى ال يلحق باملشركين ،وكل
هذا يتفق مع مقاصد الشريعة اإلسالمية ومبادئها العامة.
ا
ثانيا :التوصيــات:
ضرورة االهتمام بالفقه املقاصدي والعمل على استخراج مواطنه وتطبيقاته التي
تزخر بها كتب التراث اإلسالمي حتى نستفيد منها في العصر الحاضر.
بذل الجهد واستفراغ الوسع في تتبع اجتهادات الصحابة وأقضيتهم ،السيما
سيدنا عمر بن الخطاب ودراستها دراسة متوسعة.
ضرورة الربط بين املقاصد الشرعية وبين النوازل املعاصرة ،وذلك ملا تحققه
املقاصد الشرعية من مصالح وتدرأه من مفاسد .وهللا املوفق ملا يحبه ويرضاه،
وهو سبحانه وتعالى نعم املولى ونعم النصير.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 236
البغوي ،أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي(ت516هـ) شرح
السنة ،تحقيق/شعيب األرنؤوط ومحمد زهير الشاويش ،املكتب اإلسالمي ،دمشق ،بيروت،
الطبعة الثانية1403 :هـ 1983 -م.
البهوتي ،منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (ت1051هـ)،
دقائق أولي النهى لشرح املنتهى املعروف بشرح منتهى اإلرادات ،عالم الكتب ،الطبعة
األولى1414:هـ 1993 -م.
ه َ ْ َ ُ
البيجرمي ،سليمان بن محمد بن عمر البجير ِمي املصري الشافعي (ت1221هـ) ،التجريد
لنفع العبيد أو حاشية البجيرمي على شرح املنهج ،مطبعة الحلبي ،د .ط1369 ،هـ -
1950م.
البيهقي ،أبو بكر (ت 458ه) الخالفيات بين اإلمامين الشافعي و أبي حنيفة وأصحابه،
تحقيق ودراسة :فريق البحث العلمي بشركة الروضة ،الروضة للنشر والتوزيع ،القاهرة،
الطبعة األولى 1436:هـ 2015 -م.
الترمذي ،محمد بن عيس ى بن سورة بن موس ى(ت279ه) .السنن ،تحقيق /أحمد شاكر،
ومحمد فؤاد عبد الباقي ،وإبراهيم عطوة ،شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي،
مصر ،الطبعة الثانية 1395:هـ 1975 -م.
جعيط ،كمال الدين ،العرف بحث منشور في مجلة مجمع الفقه اإلسالمي -العدد الخامس.
حو ،سعيد (ت1409ه) ،األساس في التفسير ،دار السالم – القاهرة1424 ،ه.
الخزاعي ،علي بن محمد بن أحمد بن موس ى ابن مسعود ابن ذي الوزارتين (ت789هـ) تخريج
الدالالت السمعية على ما كان في عهد رسول هللا من الحرف والصنائع والعماالت
الشرعية ،تحقيق/إحسان عباس ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،الطبعة الثانية1419:ه.
خالف ،عبد الوهاب(ت1375ه) ،السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية
واملالية ،دار القلم 1408،هـ1988 -م.
الدردير ،أحمد بن محمد بن أحمد العدوي ،أبو البركات(ت1201ه) ،الشرح الكبير على
مختصرخليل ،مطبوع مع حاشية الدسوقي ،دار الفكر ،د.ط ،د.ت.
ه َ ه َّ
الش ه
افعي (ت 748هـ) ،املهذب في محمد بن أحمد بن ُعثمان الذهبي الذهبي ،أبو عبد هللا ه
َ َ
العلمي ،بإشراف أبي تميم ياسر بن
ِ اختصار السنن الكبير ،تحقيق /دار املشكاة للبحث
إبراهيم ،دار الوطن للنشر ،الطبعة األولى 1422 :هـ 2001 -م.
ْ َ
الذهبي ،شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز(ت748هـ) ،سير
أعالم النبالء ،تحقيق /مجموعة من املحققين بإشراف شعيب األرناؤوط ،مؤسسة الرسالة،
الطبعة الثالثة 1405:هـ 1985 /م.
الرملي ،شمس الدين محمد بن أبي العباس(ت1004هـ) ،نهاية املحتاج إلى شرح املنهاج ،دار
الفكر ،بيروت ،الطبعة األخيرة1404:هـ1984/م.
الريسوني ،أحمد ،نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطبي ،الدار العاملية للكتاب اإلسالمي،
الطبعة الثانية 1412:هـ 1992 -م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ِ
الشريعة يف ِ
ملقاصد اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من
239
زكريا األنصاري ،زكريا بن محمد بن زكريا األنصاري ،زين الدين أبو يحيى السنيكي (ت
926هـ) ،أسنى املطالب في شرح روض الطالب ،دار الكتاب اإلسالمي ،د .ط ،د.ت.
الزيلعي ،عثمان بن علي بن محجن البارعي ،فخر الدين الزيلعي الحنفي (ت 743هـ) تبيين
الحقائق شرح كنز الدقائق ،املطبعة الكبر األميرية ،بوالق ،القاهرة ،الطبعة
األولى1313:هـ ،ثم صورتها دار الكتاب اإلسالمي -طبعة ثانية.
السدالن ،صالح بن غانم ،وجوب تطبيق الشريعة اإلسالمية في كل عصر ،دار بلنسية
للنشر والتوزيع ،الرياض السعودية ،الطبعة األولى 1417 :هـ 1997 -م.
السرخس ي ،محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخس ي(ت483هـ) ،املبسوط ،دار
املعرفة ،بيروت ،د ت1414 ،هـ 1993 -م.
السفياني ،عابد بن محمد ،الثبات والشمول في الشريعة اإلسالمية ،مكتبة املنارة ،مكة
املكرمة السعودية ،الطبعة األولى 1408:هـ 1988 -م.
الشاذلي ،حسن علي ،الجنايات في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي
والقانون ،دار الكتاب الجامعي ،الطبعة الثانية ،د .ت.
الشاطبي ،إبراهيم بن موس ى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت790هـ)،
املو افقات ،تحقيق/أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ،دار ابن َّ
عفان ،الطبعة األولى:
1417هـ1997-م.
الشافعي ،محمد بن إدريس(ت204ه) املسند ،ترتيب /سنجر بن عبد هللا الجاولي ،أبو
سعيد ،علم الدين (ت 745هـ) ،تحقيق وتخريج /ماهر ياسين فحل ،شركة غراس للنشر
والتوزيع ،الكويت ،الطبعة األولى 1425:هـ 2004 -م.
الشعراوي ،محمد متولي(ت1420ه) ،تفسير الشعراوي الخواطر ،دار أخبار اليوم – مصر.
د.ط .دت.
الشيرازي ،أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت476هـ) املهذب في فقه اإلمام
الشافعي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،د.ط ،د.ت.
الطبراني ،سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي ،أبو القاسم الطبراني
(ت360هـ) ،املعجم األوسط ،تحقيق/طارق بن عوض هللا بن محمد ،عبد املحسن بن
إبراهيم الحسيني ،دار الحرمين ،القاهرة.
عبد الرزاق ،أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت211هـ)،
املصنف تحقيق/حبيب الرحمن األعظمي ،املجلس العلمي -الهند ،املكتب اإلسالمي – بيروت
الطبعة الثانية1403:ه.
عليش ،محمد بن أحمد بن محمد(ت1299هـ) منح الجليل شرح مختصر خليل ،دار الفكر،
بيروت ،د.ط1409،هـ1989-م.
ا
عودة ،عبد القادر ،التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي ،دار الكاتب
العربي ،بيروت ،د.ط ،د.ت.
الفاس ي ،عالل ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها مكتبة الوحدة العربية1963 ،م.
ِ
واجلناايت ِ
احلدود ملقاصد الشر ِ
يعة يف ِ اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ
اعية ِ صور من 240
القرطبي ،أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزريي شمس الدين
القرطبي (ت671هـ) ،الجامع ألحكام القرآن ،تحقيق/أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش ،دار
الكتب املصرية ،القاهرة ،الطبعة الثانية1384 :هـ 1964 -م.
الكاساني ،عالء الدين ،أبو بكر بن مسعود بن أحمد (ت587هـ) ،بدائع الصنائع في ترتيب
الشرائع ،دار الكتب العلمية ،الطبعة الثانية1406:هـ 1986 -م.
الكوسج ،إسحاق بن منصور بن بهرام ،أبو يعقوب املروزي(ت251هـ) ،مسائل اإلمام أحمد
بن حنبل وإسحاق بن راهويه ،عمادة البحث العلمي ،الجامعة اإلسالمية باملدينة املنورة،
السعودية ،الطبعة األولى1425:هـ 2002 -م.
مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي(ت )179املوطأ ( ،)748/2تحقيق وتخريج محمد
فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت لبنان 1406 ،هـ 1985 -م.
مالك ،مالك بن أنس بن مالك بن عامر(ت179هـ) ،املدونة الكبرى دار الكتب العلمية،
الطبعة األولى1415 :هـ 1994 -م.
املاوردي ،أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي(ت450هـ)
الحاوي الكبير ،تحقيق/علي محمد معوض وعادل أحمد عبد املوجود ،دار الكتب العلمية،
بيروت ،الطبعة األولى 1419:هـ 1999-م.
ه
مقال في جريدة العربية بعنوان " هذه الدولة ال تجرم سرقة الطعام بحالة الجوع ..هل تعرف
ما هي"؟ منشور بموقع https://arabic.cnn.com/travel/2016/05/04/food-theft-italy
بتاريخ 2016/5/4م).
املواق ،محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي (ت 897هـ) التاج
واإلكليل ملختصرخليل ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األولى1416:هـ1994-م.
النسائي ،أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني ،النسائي (ت303هـ) في
املجتبى من السنن املعروف بـ " السنن الصغرى" ،تحقيق /عبد الفتاح أبو غدة ،مكتب
املطبوعات اإلسالمية ،حلب ،الطبعة الثانية1986 – 1406:م.
النووي ،أبو زكريا محيي الدين بن يحيى بن شرف النووي(ت676ه) ،املجموع شرح املهذب
مع تكملة السبكي واملطيعي ،تكملة وتحقيق /محمد نجيب الدين املطيعي ،دار الفكر ،د.ط.
د.ت.