You are on page 1of 36

‫ِ‬

‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪205‬‬

‫اجتهادات الفاروق عمر‬


‫ِ‬ ‫صورمن‬
‫ُ‬
‫والجنايات‬
‫ِ‬ ‫الحدود‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫الشريعة‬
‫ِ‬ ‫ملقاصد‬
‫ِ‬ ‫ـراعية‬
‫ِ‬ ‫امل‬

‫إعداد‬
‫الدكتور‪ /‬محمد شافعي مفتاح بوشية‬
‫أستاذ مساعد ورئيس قسم الفقه ‪ -‬كلية الشريعة والقانون‬
‫جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه اإلسالمية العاملية (‪)UniSHAMS‬‬
‫والية قدح داراألمان ‪ -‬ماليزيا‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪206‬‬

‫املقدمة‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫َّإن الحمد ّلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باّلل من شرور أنفسنا وسيئات‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده ّللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال ّللا‬
‫ين َآم ُنوا َّات ُقوا َّ َ‬
‫ّللا‬ ‫محمدا عبده ورسوله‪َ  ،‬يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬ ‫ً‬ ‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ين َآمنوا اتقوا‬ ‫ُ‬ ‫َح َّق ُت َقاته َوال َت ُم ُوت َّن إ َّال َو َأ ْن ُت ْم ُم ْسل ُمون‪[ ‬آل عمران‪َ  ،]102:‬يا أ ُّي َها الذ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫صل ْح َل ُك ْم َأ ْع َم َال ُك ْم َو َي ْغف ْر َل ُك ْم ُذ ُن َوب ُك ْم َو َم ْن ُيطع َّ َ‬
‫ّللا َو َر ُس َولهُ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ َ ْ ً َ ِ ً‬
‫يدا ُي ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّللا وقولوا قوال س ِد‬
‫ََ ْ َ َ َْ ً َ ً‬
‫فقد فاز فوزا ع ِظيما‪[ ‬األحزاب‪.]70:‬‬
‫شرعيا على درجة كبيرة من األهمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وبعد‪ ..‬فإن مقاصد الشريعة كانت وال زالت ً‬
‫معلما‬
‫عنصرا من عناصر أصوله فحسب‪ ،‬بل هي أوسع من‬ ‫ً‬ ‫جزءا من الفقه‪ ،‬أو‬ ‫فهي ليست ً‬
‫فن من الفنون‪ ،‬بل تحتاج إليها العلوم والفنون‪،‬‬ ‫أن يضمها علم من العلوم‪ ،‬أو يشملها ٌ‬
‫فلها مكانتها في أصول الدين وأصول الفقه‪ ،‬ولها دورها في التفسير وعلومه‪ ،‬والحديث‬
‫كثيرا إن وجدناها ذات أثر في علوم الطب والتاريخ وغيرهما‪.‬‬ ‫وعلومه‪ ،‬بل ال نبعد ً‬
‫ولقد أدرك سلفنا الصالح من الصحابة األجالء والتابعين األوفياء قيمة مقاصد‬
‫الشريعة ومكانتها‪ ،‬فانتبهوا لها‪ ،‬وراعو تطبيقها فيما استجد في عصرهم من نوازل‪ ،‬وما‬
‫حدث من وقائع في شتى امليادين‪ ،‬السيما األقضية واألحكام‪ ،‬وتجلت مظاهر هذا‬
‫التطبيق بوضوح في اجتهادات الخلفاء األربعة رض ي هللا تعالى عنهم أجمعين‪ ،‬حيث‬
‫أسهموا فيها بنصيب وافر‪.‬‬
‫يؤيد هذا قول اإلمام الشاطبي رحمه هللا (ت‪ ...":)790‬صلى هللا عليه وسلم وعلى آله‬
‫وأصلوها‪،‬‬ ‫وأسسوا قواعدها َّ‬ ‫فحصلوها‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫وأصحابه‪ ،‬الذين عرفوا مقاصد الشريعة‬
‫وجالت أفكارهم في آياتها‪ ،‬وأعملوا الجد في تحقيق مبادئها وغاياتها‪ ،‬وعنوا بعد ذلك‬
‫باطراح اآلمال‪ ،‬وشفعوا العلم بإصالح األعمال‪ ،‬وسابقوا إلى الخيرات فسبقوا‪،‬‬
‫ُ‬
‫وسارعوا إلى الصالحات فما ل ِحقوا‪ ،‬إلى أن طلع في آفاق بصائرهم شمس الفرقان‪،‬‬
‫نور ْ َ‬
‫اإليق ِان؛ فظهرت ينابيع الحكم منها على اللسان‪ ،‬فهم أهل‬ ‫ِ‬ ‫وأشرق في قلوبهم‬
‫اإلسالم واإليمان واإلحسان‪ ،‬وكيف ال وقد كانوا أول من قرع ذلك الباب‪ ،‬فصاروا‬
‫ونجوما يهتدي بأنوارهم أولو األلباب؟! رض ي هللا عنهم‬ ‫ً‬ ‫خاصة الخاصة ولباب اللباب‪،‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪207‬‬
‫وعن الذين خلفوهم قدوة للمقتدين‪ ،‬وأسوة للمهتدين‪ ،‬والتابعين لهم بإحسان إلى‬
‫يوم الدين"(‪.)1‬‬
‫وعمل الصحابة في املقاصد ظهر في احتجاجهم بالقياس وإعماله وانتباههم إلى‬
‫األعراف واملصالح وتقرير كثير من األحكام بموجبها ومقتضاها‪.‬‬
‫يؤيد هذا ما نقله اإلمام ابن تيمية رحمه هللا(ت‪728‬ه) عن اإلمام أحمد بن حنبل‬
‫رحمه هللا(ت‪241‬ه) أن الصحابة كانوا يحتجون في عامة مسائلهم بالنصوص كما هو‬
‫مشهور عنهم‪ ،‬وكانوا يجتهدون رأيهم ويتكلمون بالرأي ويحتجون بالقياس‪ ،‬وحين عرض‬
‫اإلمام ابن تيمية لنوعي القياس َّبين َّأن الصحابة كانوا يستخدمون ًكال منهما‪َّ ،‬‬
‫وعد‬
‫ذلك من قبيل العمل باملقاصد فقال‪" :‬وهما من باب فهم مراد الشارع (‪.)2‬‬
‫وأساسا لعلم املقاصد عند الصحابة‪ ،‬فهو في‬‫ً‬ ‫ويعد سيدنا عمر بن الخطاب ‪ً ‬‬
‫منبعا‬
‫هذا امليدان صاحب مدرسة كبيرة تبعه عليها كثير من الصحابة األجالء‪ ،‬وبفقهه‬
‫واجتهاداته النفيسة أخذ أكثر فقهاء املدينة رضوان هللا عليهم‪ ،‬ومن أشهرهم إمام دار‬
‫الهجرة اإلمام مالك بن أنس رحمه هللا (ت‪179‬ه)‪ ،‬الذي يزخر كتابه" املوطأ" بكثير‬
‫من فقه سيدنا عمر ‪.‬‬
‫ولهذا فقد استخرت هللا تعالى في كتابة بحث يبين أثر املقاصد الشرعية ومد مراعاة‬
‫سيدنا عمر بن الخطاب ‪ ‬لها في مجال العقوبات املشتمل على الحدود والجنايات‪،‬‬
‫فكان التوفيق حليفي الختيار هذا املوضوع‪:‬‬
‫ُ‬
‫الشريعة‬
‫ِ‬ ‫ملقاصد‬
‫ِ‬ ‫اعية‬
‫اجتهادات الفاروق عمراملـر ِ‬
‫ِ‬ ‫صورمن‬
‫والجنايات‬
‫ِ‬ ‫الحدود‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫مشكلة البحث‪:‬‬
‫هاما في فهم الشريعة اإلسالمية والوقوف على حكمها‬ ‫محورا ً‬
‫ً‬ ‫تمثل مقاصد الشريعة‬
‫ه‬
‫يمك ُن املكلف من إدراك عظمة هذه الشريعة ومراعتها ملصالح األمة‪،‬‬ ‫وأسرارها‪ ،‬مما ِ‬
‫املقاصد يعود بتاريخه إلى عصر صدر اإلسالم‪ ،‬حيث بدت معامله في القرآن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وعلم‬
‫والسنة‪ ،‬وطبقه الرسول الكريم ‪ ‬في العديد من الوقائع‪ ،‬ثم طبقه صحابته األجالء‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬إبراهيم بن موس ى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت‪790‬هـ)‪ ،‬املو افقات (‪)7/1‬‬
‫تحقيق‪ /‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن َّ‬
‫عفان‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 :‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني(ت‪827‬ه)‪ ،‬مجموع الفتاوى‬
‫(‪ ،)286/19‬ترتيب الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬مجمع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف‪ ،‬املدينة‬
‫النبوية‪1416،‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪208‬‬

‫من بعده‪ ،‬وظهرت تطبيقاته جلية في اجتهادات سيدنا عمر ‪ ‬في عدة ميادين‪،‬‬
‫طرفا ً‬ ‫َ‬
‫يسيرا من‬ ‫عبادات ومعامالت‪ ،‬وأقضية وأحكام‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وهذا البحث يتناول‬
‫هذه االجتهادات العمرية الثاقبة في الحدود والجنايات‪ ،‬ومد ما حققته تلك‬
‫نظرا ملا روعي فيها من الحرص على‬ ‫االجتهادات من مصالح ودفعته من مفاسد‪ً ،‬‬
‫مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫أهمية البحث وأسباب اختياره‪:‬‬
‫تعود أهمية هذا البحث وأسباب اختياره – في تقديري – إلى عدة أمور منها‪:‬‬
‫َّ‬
‫هاما من مالمح الشريعة اإلسالمية‬ ‫ً‬
‫ملمحا ً‬ ‫‪َّ ‬أن مقاصد الشريعة مثلت وال تزال‬
‫الواسعة النطاق‪ ،‬املنتشرة التطبيق في شتى امليادين‪ ،‬مما يقتض ي الوقوف على‬
‫طرف منها واالستفادة منه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪َّ ‬أن الصحابة األجالء‪ ،‬وعلى رأسهم سيدنا عمر ‪ ‬قد راعو مقاصد الشريعة في‬
‫نوازلهم وأحكامهم وأقضيتهم على الرغم من قربهم الزمني الشديد بعصر‬
‫نظرا ملا اتسموا به من‬ ‫التشريع‪ ،‬مما يقتض ي إبراز هذه الجهود واالستفادة منها‪ً ،‬‬
‫ثقابة الفكر‪ ،‬وقوة الرأي‪.‬‬
‫‪َّ ‬أن األمة اإلسالمية بحاجة في هذا العصر إلى إعمال تلك املقاصد وتطبيقها على‬
‫النوازل والوقائع املستجدة حتى تصل إلى حل للمشكالت التي تواجهها‪.‬‬
‫‪َّ ‬أنه على الرغم من كثرة الدراسات التي دارت حول مقاصد الشريعة إال أنها ما‬
‫زالت بحاجة إلى مزيد من االهتمام باالطالع والبحث والتحليل‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫تعددت الدراسات من بحوث وكتب ورسائل علمية التي تناولت اهتمام سيدنا عمر بن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتطبيقا ً‬ ‫ً‬ ‫الخطاب ‪ ‬بمقاصد الشريعة ً‬
‫عمليا‪ ،‬وأورد هنا طرفا منها على‬ ‫واجتهادا‬ ‫إفتاء‬
‫جهة اإلجمال مراعاة لحجم البحث‪:‬‬
‫ا‬
‫أوال‪ :‬سياسة التشريع عند عمر بن الخطاب ‪ .‬للباحث‪/‬محمد صبحي حسين أبو‬
‫صقر‪ .‬وهي رسالة ماجستير في الفقه املقارن بكلية الشريعة والقانون ‪-‬الجامعة‬
‫اإلسالمية‪ -‬غزة‪-‬فلسطين سنة ‪1428‬ه‪2007-‬م‪ .‬وتتكون من ‪ 143‬صفحة‪ ،‬تشمل‬
‫ثالثة فصول‪ :‬الفصل األول‪ :‬ترجمة الفاروق ومفهوم سياسة التشريع‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫سياسة الفاروق في التثبت من النصوص‪ ،‬والثالث‪ :‬سياسة عمر بن الخطاب في‬
‫تطبيق النصوص الخاصة وما ال نص فيه‪ ،‬واشتمل على أربعة مباحث‪ :‬األول‪ :‬تقييد‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪209‬‬
‫الحق باملصلحة عند عمر بن الخطاب واألمثلة التطبيقية عليه‪ ،‬والثاني‪ :‬درء الحد‬
‫بالشبهة عند عمر بن الخطاب واملثال التطبيقي على ذلك‪ ،‬والثالث‪ :‬سد الذرائع في‬
‫تطبيق عمر بن الخطاب للنصوص الخاصة وما ال نص فيه‪ ،‬والرابع‪ :‬تحقيق الفاروق‬
‫للعدل واملساواة عند تطبيقه للنصوص الخاصة وما ال نص فيه‪.‬‬
‫وتتعلق الرسالة ببحثي في أمور عامة تتعلق بمنهج سيدنا عمر ‪ ‬في اجتهاداته‬
‫املحققة للمصلحة املراعية ملقاصد الشريعة في مجال العقوبات‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬فقه عمر بن الخطاب في الحدود ومالبساتها موازنا بفقه أشهر األئمة‬
‫املجتهدين‪ .‬للدكتور رويفع بن راجح الرحيلي‪ ،‬وهو رسالة ماجستير مقدمة لكلية‬
‫الشريعة والدراسات اإلسالمية– جامعة امللك عبد العزيز– جدة – السعودية سنة‬
‫‪1394‬ه‪1974 -‬م‪ ،‬وبإشراف الدكتور‪/‬أحمد فهمي أبو سنة‪ ،‬وتقع في حوالي ‪213‬‬
‫صفحة‪ ،‬ونشرتها دار الغرب اإلسالمي‪ -‬بيروت سنة ‪1403‬ه‪ ،‬وهو يتناول فقه سيدنا‬
‫عمر‪ ‬في جانب العقوبات‪ ،‬حيث قام مؤلفه بتتبع فتاو سيدنا عمر‪ ‬في مجال‬
‫العقوبات ودراستها دراسة مقارنة باملذاهب الفقهية املعروفة متناوال إياها بالدراسة‬
‫والتحليل والتدليل والترجيح‪.‬‬
‫ويتعلق هذا البحث بمسألة قتل الجماعة بالواحد‪.‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬القضاء في عهد عمر بن الخطاب‪ .‬للباحث‪/‬ناصر بن عقيل بن جاسر الطريفي‪.‬‬
‫وهي رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الشريعة جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬
‫وبإشراف‬‫بالرياض‪ -‬السعودية سنة ‪1404‬ه‪1983-‬م‪ ،‬تقع في حوالي ‪ 1202‬صفحة‪ِ ،‬‬
‫الدكتور عبد هللا بن عبد املحسن التركي‪.‬‬
‫وتتعلق الرسالة ببحثي فيما اتخذ من قرارات تطبيقية في مجال األقضية‪ ،‬أو قدم من‬
‫اجتهادات وفتاو ‪ ،‬والتي يظهر حرض سيدنا عمر ‪ ‬على مراعاة املقاصد‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫يتكون البحث من مقدمة وثالثة مطالب‪.‬‬
‫املقدمة‪ :‬وتشتمل على أهمية املوضوع وأسباب اختياره وخطة البحث ومنهجه‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعليق إقامة حد السرقة في عام الرمادة‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬قتل الجماعة بالواحد‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬النهي عن عدم إقامة الحدود بأرض العدو‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬وفيها أهم نتائج البحث وتوصياته‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪210‬‬

‫أتبع في هذا البحث املنهج الوصفي وذلك من خالل إيراد طائفة يسيرة من مسائل‬
‫الحدود والجنايات التي راعى سيدنا عمر ‪ ‬فيها مقاصد الشريعة من مصادرها‬
‫يخيا‪ ،‬ثم أعقب على ذلك باملنهج التحليلي املتمثل في دراسة تلك الوقائع‬ ‫املعتمدة تار ً‬
‫وبيان وجهة نظر سيدنا عمر فيها واالستدالل لها باألدلة الشرعية‪ ،‬وبيان مد ما‬
‫اعيا في كل ذلك املناهج العلمية املعهودة في االستدالل‬ ‫حققته من مصالح‪ ،‬مر ً‬
‫واملناقشة والترجيح‪ ،‬والتوثيق العلمي من مظانه‪ ،‬وتخريج األحاديث واآلثار‪ ،‬مع التزامي‬
‫بالرجوع إلى املصادر املتخصصة املعتمدة (كتب السنن واآلثار‪ ،‬والسير والتواريخ‪،‬‬
‫والفقه أصوله وقواعده‪ ،‬والسياسة الشرعية‪ ،‬وما يعين على ذلك من دراسات‬
‫معاصرة ذات صلة بالبحث)‪ ،‬مع االلتزام بمراعاة قواعد اللغة واإلمالء في البحث‬
‫لضمان سالمته من األخطاء‪.‬‬
‫ً‬
‫خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يرزقه الرضا والقبول‪،‬‬ ‫وهللا أسأل أن يجعل هذا العمل‬
‫وأن ينفع به من قرأه ووقف عليه‪ ،‬وأن يعفر زالتي ويقيل عثراتي‪ ،‬ويبصرني بمواضع‬
‫خطأي‪ ،‬ونسياني‪ ،‬وتقصيري‪ ،‬إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬فهو على كل‬
‫ش يء قدير‪ ،‬وباإلجابة جدير‪.‬‬
‫املطلب األول‬
‫تعليق إقامة حد السرقة في عام الرمادة‬
‫شرعت الحدود السبعة لحماية الكليات الخمس (الدين‪ ،‬النفس‪ ،‬النسل‪ ،‬العقل‪،‬‬
‫املال)‪ ،‬فكل حد منها يحمي كلية أو أكثر من الكليات الخمس‪ ،‬ومن هذا القبيل ُ‬
‫حد‬
‫السرقة الذي شرع لحماية املال من التعدي عليه بالسرقة‪ ،‬حيث ال يحل مال امرئ‬
‫ٌ‬ ‫إال بطيب من نفسه‪ً ،‬‬
‫وأيا كان دور الحدود زواجر أو جوابر فهي محققة للمصالح‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫منصفة للمظلوم من الظالم‪،‬‬ ‫دافعة للمفاسد‪ ،‬محافظة على مقاصد الشريعة‪ٍ ،‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫حامية للمجتمع من أخطار السرقة التي تمثل هتكا لحقوق الناس وممتلكاتهم‪،‬‬
‫واستهانة بشرع هللا تعالى‪ ،‬حيث يشترك في السرقة حقان‪ :‬حق هللا وحق اإلنسان‪.‬‬
‫والسرقة قد يكون لها دوافع وأسباب ألجأت السارق إلى ارتكاب فعله‪ ،‬وقد ال يكون‪،‬‬
‫وأيا كان الدافع والسبب‬‫بل يكون هدف السارق مجرد التعدي واإلفساد في األرض‪ً ،‬‬
‫وراء ارتكاب جريمة السرقة‪ ،‬فإن هذا ال يغير وصف الفعل من كونه ً‬
‫جرما في حق هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وحق صاحب املال املسروق‪ ،‬وحق املجتمع بأكمله‪ ،‬فالسرقة سرقة وإن‬
‫اختلفت مسمياتها‪ ،‬أو تعددت دوافعها‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪211‬‬
‫إلجاء‪ ،‬واضطرته ظروف الحياة‬ ‫ً‬ ‫ولكن كيف يكون الحال إذا ألجئ املرء إلى السرقة‬
‫ليحيي نفسه بسرقة ش يء من طعام ونحوه‪ ،‬كما لو اضطرته حالته املادية من الفقر‬
‫طعاما يقتات به أو يحيي به نفوس أوالده؟ هل‬ ‫ً‬ ‫املدقع‪ ،‬والعوز الشديد إلى أن يسرق‬
‫ً‬
‫يطبق عليه الحد القاطع لعضو من أعضاء كسبه وهو اليد تنفيذا لنص القرآن‬
‫السار َق ُة َف ْاق َط ُعوا َأ ْيد َي ُه َما َج َز ًاء ب َما َك َس َبا َن َك ًاال م َن َّّللا َو َّ ُ‬
‫ّللا َع ِز ٌيز‬ ‫السار ُق َو َّ‬ ‫َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكريم (و ِ‬
‫يم) [املائدة‪ ،]38:‬أم ُيعذر في فعله ويلتمس له املخرج بتخلية سبيله وال يقام الحد‬ ‫َح ِك ٌ‬
‫ً‬
‫عليه‪ ،‬فيكون في ذلك تعطيال لحد من حدود هللا؟‬
‫قرنا وثلث من‬ ‫هذا ما وقع بالفعل خالل خالفة سيدنا عمر ‪ ،‬منذ حوالي أ بعة عشر ً‬
‫ر‬
‫الزمان‪ ،‬وبالتحديد سنة ‪ 17‬و ‪ 18‬من الهجرة النبوية املباركة‪ ،‬حين نزلت باملسلمين‬
‫نازلة شديدة‪ ،‬وأصابتهم مجاعة كبيرة‪ ،‬استمرت حوالي تسعة أشهر‪ ،‬أجدبت األرض‬
‫شديدا‪ ،‬واشتد القحط على الناس‪ ،‬وسمي هذا العام بعام الرمادة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إجدابا‬ ‫في املدينة‬
‫أي عام الهلكة‪ ،‬أخذا من قولهم‪ :‬رمدت الغنم‪ :‬إذا هلكت وموتت من برد أو صقيع‪ ،‬أو‬
‫ألن األرض اسودت من قلة املطر حتى عاد لونها شبيها بالرماد‪ ،‬وقيل‪ :‬ألنها تسفي الريح‬
‫تر ًابا كالرماد (‪.)1‬‬
‫فما الذي فعله سيدنا عمر ‪ ‬إزاء هذه املحنة‪ ،‬وما هي اإلجراءات التي اتخذها‬
‫كحاكم األمة ور ٍاع لها حينئذ؟‬
‫أخذ سيدنا عمر ‪ ‬في هذه املحنة على نفسه وعلى أهل بيته بالشدة‪ ،‬وقدم مصلحة‬
‫األمة على مصلحته‪ ،‬وسعى بكل قوته إلى درء هذه املفسدة عن األمة‪ ،‬فطلب املدد من‬
‫األمصار اإلسالمية لتنقذ أهل املدينة‪ ،‬وبالغ في الدعاء واالستسقاء باملدينة‪،‬‬
‫فاستسقى بالعباس بن عبد املطلب عم النبي ‪ ،‬وكتب إلى أهل األمصار يدعوهم‬
‫ا‬
‫(‪ )1‬ينظر إجماال‪ :‬ابن شبة‪ ،‬عمر بن شبة زيد بن عبيدة بن ريطة النميري البصري (ت‪262‬هـ)‪ ،‬تاريخ‬
‫املدينة(‪ )745- 736/2‬باب‪ :‬أمر الرمادة وما فعل عمر ‪ ‬في ذلك العام‪ ،‬تحقيق‪/‬فهيم محمد شلتوت‪ ،‬طبعة‬
‫على نفقة‪ :‬السيد حبيب محمود أحمد – جدة‪ 1399 ،‬هـ‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرش ي‬
‫الدمشقي (ت‪774‬هـ)‪ ،‬البداية والنهاية (‪ ،)104 ،103/7‬تحقيق‪/‬علي شيري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬الطبعة‬
‫َ‬
‫األولى‪ ،1408 :‬هـ ‪1988 -‬م‪ ،‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن ق ْايماز (ت‪748‬هـ)‪،‬‬
‫سير أعالم النبالء‪( ،‬جزء راشدون‪ ،)88/‬تحقيق‪ /‬مجموعة من املحققين بإشراف شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1405:‬هـ ‪ 1985-‬م‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد املعروف بابن قيم‬
‫الجوزية (ت‪751‬هـ)‪ ،‬إعالم املوقعين عن رب العاملين(‪ ،)17/3‬تحقيق‪/‬محمد عبد السالم إبراهيم‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1411:‬هـ ‪1991 -‬م الخزاعي‪ ،‬علي بن محمد بن أحمد بن موس ى ابن مسعود ابن ذي‬
‫الوزارتين (ت‪789‬هـ) تخريج الدالالت السمعية على ما كان في عهد رسول هللا من الحرف والصنائع والعماالت‬
‫الشرعية(ص‪)166-165‬تحقيق‪/‬إحسان عباس‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1419:‬ه‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪212‬‬

‫لصالة االستسقاء‪ ،‬واتخذ بعض التدابير الشرعية راعى فيها مقاصد الشريعة‪،‬‬
‫وتحقيق املصلحة‪.‬‬
‫ومن أبرز هذه التدابير والتي لها صلة بموضوع البحث أنه لم يقم حد السرقة عمن‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫طعاما في هذه السنة‪ ،‬حيث أسقط عنه الحد‪ ،‬أو إن شئت فقل علقه ولم‬ ‫سرق‬
‫يقيمه‪ ،‬وواقعة عدم إقامة حد السرقة أوردتها الكثير من مصادر السيرة والتاريخ‪،‬‬
‫والسنن واآلثار والسياسة الشرعية (‪.)1‬‬
‫كيف تعامل سيدنا عمر ‪ ‬مع السارق في عام الرمادة‪ ،‬أو السارق بسبب الجوع؟‬
‫بالنظر إلى صنع سيدنا عمر ‪ ‬في عدم إقامة حد السرقة عمن سرق في عام الرمادة‬
‫نجد أنه قد سلك فيه طريقتين‪ ،‬أوالهما فعلية‪ :‬عدم إقامة الحد على من سرق عام‬
‫أيضا على األجير السارق بسبب افتقاده للكفاية في‬ ‫املجاعة‪ ،‬وعدم إقامة الحد ً‬
‫الطعام والشراب من قبل مستأجره أو سيده‪ ،‬والثانية قولية‪ :‬حيث روي عنه أثر‬
‫صريح بالنهي عن قطع يد السارق في السنة املجدبة أو حالة املجاعة‪.‬‬
‫أما الو اقعة الفعلية األولى فمعروفة حيث تناقلتها كتب السير والتواريخ وهي موضوع‬
‫هذه املسألة‪ ،‬ويؤيدها واقعة سرقة قض ى فيها سيدنا عمر ‪ ‬بقضاء يعد من روائع‬
‫ونوادر القضاء في اإلسالم حيث لم يكتف فيها بعدم إقامة الحد على السارق –‬
‫كحاكم‪ ،‬بل وعاقب فيها املتسبب في إلجاء السارق للسرقة‪.‬‬
‫الر ْح َم ِن ْب ِن‬‫والواقعة رواها َم ِالك‪َ ،‬ع ْن ِه َشام ْبن ُع ْر َو َة‪َ ،‬ع ْن َأبيه‪َ ،‬ع ْن َي ْح َيى ْبن َع ْب ِد َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وها‪َ ،‬ف ُر ِف َع َذ ِل َك إ َلى ُع َمرَ‬ ‫َحاطب‪َ ،‬أ هن َرق ًيقا ل َحاطب َس َر ُقوا َن َاق ًة ل َر ُجل م ْن ُم َزْي َن َة َف ْان َت َح ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ال ُع َم ُر‪"َ :‬أ َ اكَ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ ٍ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ ٍُ َ‬ ‫ْ ْ ٍ َ َّ‬
‫ر‬ ‫اب‪ ،‬فأمر عمر ك ِثير بن الصل ِت أن يقطع أي ِديهم‪ ،‬ثم ق‬ ‫بن الخط‬
‫ال ل ْل ُم َزن هي‪َ ":‬ك ْم َث َمنُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ُ ُ ْ ُ ِ َّ َ َ ُ َ ُ َ َّ َ ُ َ ه َ َّ َ ُ ْ ً َ ُ ُّ َ َ ْ َ ُ َّ َ‬
‫ّللا ألغ ِرمنك غرما يشق عليك"‪ ،‬ثم ق ِ ِ ِ‬ ‫ت ِجيعهم"‪ ،‬ثم قال عمر "و ِ‬

‫(‪ )1‬ينظر إجماال‪ :‬مالك‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي(ت‪ )179‬املوطأ(‪ ،)748/2‬تحقيق‬
‫وتخريج‪/‬محمد فؤاد عبد الباقي‪،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت لبنان‪ 1406 ،‬هـ ‪1985 -‬م‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬أبو بكر‬
‫عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت‪211‬هـ)‪ ،‬املصنف (‪ )239/10‬تحقيق‪/‬حبيب الرحمن‬
‫ه‬
‫األعظمي‪ ،‬املجلس العلمي‪ -‬الهند‪ ،‬املكتب اإلسالمي – بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403:‬ه‪ ،‬أبو عبيد‪ ،‬القاسم بن سالم‬
‫بن عبد هللا الهروي البغدادي (ت‪224‬هـ) األموال(ص‪ ،)669‬تحقيق‪/‬خليل محمد هراس‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‬
‫ط‪ ،‬د ت‪ ،‬البغوي‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي(ت‪516‬هـ) في شرح‬
‫السنة(‪ )316/10‬تحقيق‪/‬شعيب األرنؤوط ومحمد زهير الشاويش‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1403 :‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪213‬‬ ‫َ‬ ‫ّللا َأ ْم َن ُع َها ِم ْن َأ ْرَبع ِم َائ ِة ِد ْر َهم‪َ .‬ف َق َ‬
‫ال ُع َم ُر‪" :‬أ ْع ِط ِه‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ُّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ‬
‫ناق ِتك؟" فقال املزِني‪ :‬قد كنت و‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ان ِمائ ِة ِد ْر َهم(‪.)1‬‬ ‫ثم‬
‫وأما الثانية القولية فقد أخرجها غير واحد من أصحاب السنن واآلثار وذلك في أثر‬
‫َ‬
‫عن السعدي قال‪ :‬حدثنا هارون بن إسماعيل الخ َّراز‪ :‬ثنا علي بن املبارك‪ :‬ثنا يحيى بن‬
‫ا ْ ا‬
‫أبي كثير‪ :‬حدثني َح َّسان بن زاهر أن ابن ُح َد ْير حدثه عن عمر قال‪« :‬ال ُيقط ُع ِفي‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ْ‬
‫ِعذ ٍق‪ ،‬اوال ِفي اع ِام اسن ٍة» (‪.)2‬‬
‫وقد أورد هذا األثر ابن القيم رحمه هللا (ت‪751‬ه) في أسباب سقوط الحد‪ ،‬فذكر منها‬
‫"عدم املجاعة"‪ ،‬ثم أورد بعده موافقة اإلمام أحمد بن حنبل رحمه هللا(ت‪241‬ه) له‬
‫وأخذه به‪ ،‬فقال "‪ ...‬قال السعدي‪ :‬سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال‪:‬‬
‫ْ‬
‫ال ِعذ ُق‪ :‬النخلة‪ ،‬وعام سنة‪ :‬املجاعة‪ ،‬فقلت‪ :‬ألحمد‪ :‬تقول به؟ فقال‪ِ :‬إي لعمري‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ُ‬
‫والناس في‬ ‫ْإن َس َرق في مجاعة ال تقطعه؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬إذا حملته الحاجة على ذلك‬
‫مجاعة وشدة (‪.)3‬‬
‫ورو الجوزجاني (‪259‬ه) عن أحمد بن حنبل رحمه هللا‪ :‬سألت أحمد عنه‪ ،‬أي عن‬
‫حديث‪" :‬ال تقطع اليد في عذق وال عام سنة"‪ ،‬فقلت‪ :‬تقول به؟ قال‪ :‬إي لعمري‪ ،‬ال‬
‫أقطعه إذا حملته الحاجة‪ ،‬والناس في شدة ومجاعة (‪.)4‬‬
‫وجهة نظر سيدنا عمر ‪ ‬في عدم إقامة حد السرقة في عام الرمادة وموقف‬
‫السلف منها‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مالك في املوطأ‪ ،‬باب القضاء في الضواري والحريسة (‪ )748/2‬رقم (‪ ،)38‬وعبد الرزاق‪ ،‬أبو بكر عبد‬
‫الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت‪211‬هـ)‪ ،‬في املصنف (‪ )239/10‬رقم (‪ ،)18978‬كتاب‬
‫اللقطة‪ ،‬باب سرقة العبد‪ ،‬والبغوي‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي‬
‫الشافعي(ت‪516‬هـ) في شرح السنة (‪ )316/10‬رقم (‪ )2599‬كتاب الحدود‪ ،‬باب قطع يد السارق وما يقطع فيه‬
‫يده‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق في املصنف (‪ )242/2‬رقم (‪ )18990‬كتاب اللقطة‪ ،‬باب القطع في عام سنة‪ ،‬وابن أبي‬
‫شيبة‪ ،‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬عبد هللا بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبس ي (ت‪235‬هـ) في الكتاب‬
‫املصنف في األحاديث واآلثار‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب في الرجل يسرق التمر والطعام (‪ )242/10‬رقم (‪،)28586‬‬
‫تحقيق‪/‬كمال يوسف الحوت‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪1409:‬ه‪ ،‬وابن حبان‪ :‬الثقات باب الحاء‬
‫(‪ )157/4‬رقم (‪ .)2259‬وفي سنده حسان بن زاهر‪ ،‬وحصين بن حدير‪ ،‬لم يوثقهما غير ابن حبان‪.‬‬
‫بد‪ ،‬التميمي(ت‪354‬ه) الثقات (‪)157/4‬‬ ‫ينظر‪ ،‬ابن حبان‪ ،‬محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن َم ْع َ‬
‫و(‪ )223/6‬وزارة املعارف للحكومة العالية الهندية‪ ،‬حيدر آباد الدكن‪ ،‬الهند‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1393:‬ه ‪.1973-‬‬
‫(‪ )3‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعين (‪.)351-350/4‬‬
‫(‪ )4‬ابن قدامة‪ ،‬موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي املقدس ي (ت‪620‬هـ) املغني‬
‫(‪ ،)136/9‬مكتبة القاهرة‪ ،‬د ط‪1388 ،‬هـ ‪ 1968 -‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪214‬‬

‫رأينا كيف تعامل سيدنا عمر‪ ‬مع السارق عام الرمادة‪ ،‬أو السارق بسبب الجوع‬
‫وقوليا‪ ،‬فما وجهة نظره رض ي هللا عنه في ذلك‪ ،‬وإلى أي مد اعتبر صنيعه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عمليا‬
‫دافعا للمفسدة؟ وما مد موافقة غيره‬ ‫محققا للمصلحة‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫موافقا ملقاصد الشريعة‬
‫له في هذا الرأي‪ ،‬وأخذ الفقهاء برأيه هذا؟‬
‫* َّأي َد ابن القيم رحمه هللا صنيع سيدنا عمر ‪ ،‬واعتبره موافقا لسنن القياس‪،‬‬
‫ً‬
‫ض القياس‪،‬‬ ‫ومتسقا مع الضرورة‪ ،‬فقال رحمه هللا‪" :‬وهذا َم ْح ُ‬ ‫ً‬ ‫وقواعد الشرع‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ومقتض ى قواعد الشرع؛ فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غل َب على الناس‬
‫َ‬ ‫الحاجة والضرو ة‪ ،‬فال يكاد يسلم السارق من ضرو ة تدعوه إلى ما ه‬
‫يسد به َر َمقه‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ويجب على صاحب املال بذل ذلك له‪ ،‬إما بالثمن وإما مجانا‪ ،‬على الخالف في ذلك" ‪.‬‬
‫)‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬

‫* واعتبر ابن رجب الحنبلي (ت‪759‬ه) هذه الحالة من حاالت سقوط العقوبة ملانع‬
‫قام بالجاني‪ ،‬فقال رحمه هللا في القاعدة األربعين بعد املائة" من سقطت عنه العقوبة‬
‫ملانع" فذكر منها‪ :‬السرقة عام املجاعة (‪.)2‬‬
‫بإتالف نفس أو طرف مع قيام املقتض ى له ٍ‬
‫ً‬
‫وحرصا‬ ‫اعيا مقاصد الشريعة في استبقاء النفس‪،‬‬ ‫فسيدنا عمر‪ ‬قد فعل ذلك مر ً‬
‫ً‬
‫على حياة الناس من الهالك‪ ،‬ومراعاة ملبدأ "درء الحدود بالشبهات" وهو مبدأ إسالمي‬
‫ألن املجاعة كانت حينئذ عامة (‪.)3‬‬‫عام‪ ،‬فلم يقطع يد السارق َّ‬
‫وبنهج سيدنا عمر ‪ ‬وموقفه تجاه السرقة عام الرمادة أو بسبب الجوع أخذ‬
‫أصحاب املذاهب األربعة‪ ،‬حيث لم يختلفوا في إسقاط حد السرقة عمن سرق‬
‫لطعام على تفصيل يسير عند الفقهاء في ضابط ما‬ ‫ٍ‬ ‫ملجاعة؛ كاحتياجه هو أو ذويه‬
‫ٍ‬
‫يسقط الحد من السرقة‪ ،‬وفي أمور أخر بيانها بإيجاز كاآلتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬فذهب الحنفية إلى أنه ال قطع في عام السنة أي زمان القحط؛ ألن الضرورة تبيح‬
‫التناول من مال الغير بقدر الحاجة فيمنع ذلك وجوب القطع‪ ،‬وإذا كان املسروق‬
‫حنطة ونحوها في عام قحط فال تقطع يد السارق (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعين (‪.)352/4‬‬


‫(‪ )2‬ابن رجب‪ ،‬زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن‪َ ،‬‬
‫السالمي‪ ،‬البغدادي الحنبلي(ت‪795‬هـ)‪،‬‬
‫القواعد (ص‪ ،)212 ،211‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعين (‪ ،)17/3‬خالف‪ ،‬عبد الوهاب(ت‪1375‬ه)‪ ،‬السياسة الشرعية في الشئون‬
‫الدستورية والخارجية واملالية‪ ،‬دار القلم‪ 1408،‬هـ ‪1988 -‬م (ص‪،)16‬حو ‪ ،‬سعيد(ت‪1409‬ه)‪ ،‬األساس في‬
‫التفسير(‪ ،)1382/3‬دار السالم – القاهرة‪ ،‬مصر‪1424 ،‬ه‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪215‬‬
‫‪ -2‬وذهب املالكية في تعريفهم للسرقة إلى أن أخذ املضطر في املجاعة ال يعد من‬
‫السرقة‪ ،‬فذكر ابن عرفة (ت‪803‬ه)في تعريف السرقة أنها "أخذ مكلف ًّ‬
‫حرا ال يعقل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نصابا أخرجه من حرزه بقصد واحد خفية ال شبهة له"‬ ‫محترما لغيره‬ ‫لصغره ماال‬
‫فيخرج أخذ غير األسير مال حرب‪ ،‬وما اجتمع بتعدد إخراج وقصد‪ ،‬وأخذ األب مال‬
‫ولده‪ ،‬وأخذه املضطر في املجاعة(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫ومتوفرا‪ ،‬أو‬ ‫ً‬
‫موجودا‬ ‫طعاما وكان الطعام‬ ‫‪ -3‬وذهب الشافعية إلى أن السارق إذا سرق ً‬
‫طعاما يعز وجوده أو ال يستطيع‬ ‫ً‬ ‫شيئا غير طعام فإنه يقطع‪ ،‬أما إذا سرق‬ ‫سرق ً‬
‫ألنه في حكم املضطر‪ ،‬سواء أخذ بقدر حاجته أو‬ ‫تحصيله‪ ،‬فإنه ال قطع عليه‪ ،‬وذلك َّ‬
‫زاد عليه‪ ،‬وذلك بناء على ما فعله سيدنا عمر ‪ ‬في عام الرمادة‪ ،‬ويضاف إلى ذلك‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫أيضا دليل من املعقول وهو‪ :‬أ َّنه ل ُه َه ْت َك ال ِح ْر ِز ِ ِإل ْح َي ِاء ن ْف ِس ِه(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫‪ - 4‬وذهب الحنابلة إلى أنه ال قطع في املجاعة‪ ،‬يعني أن املحتاج إذا سرق ما يأكله‪ ،‬فال‬
‫قطع عليه؛ ألنه كاملضطر‪ ....‬وهذا محمول على من ال يجد ما يشتريه‪ ،‬أو ال يجد ما‬
‫يشتري به‪ ،‬فإن له شبهة في أخذ ما يأكله‪ ،‬أو ما يشتري به ما يأكله(‪.)4‬‬
‫وبناء على ما تقدم فإنه قد ثبت بما ال يدع مجاال للشك لهؤالء الفقهاء األجالء أن‬
‫صنيع سيدنا عمر‪ ‬هذا قد نبع من فكر ثاقب‪ ،‬وعقلية واعية‪ ،‬وحرص على‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومستندا‬ ‫املصلحة‪ ،‬ودرء للمفسدة‪ ،‬وبالتالي اعتبروا صنيعه دليال يرتكزون عليه‪،‬‬
‫يعرفون السرقة ويخرجون محترزات تعريفها‪ ،‬أو يسردون شروط‬ ‫ه‬
‫يرجعون إليه‪ ،‬وهم ِ‬
‫إقامة حد السرقة‪ ،‬أو يتناولون شرح القواعد الفقهية ونحوها‪.‬‬
‫موقف املعاصرين من صنيع سيدنا عمر ‪ ‬وتكييفهم له‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬السرخس ي‪ ،‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخس ي(ت‪483‬هـ)‪ ،‬املبسوط(‪ ،)140/9‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪ ،‬ابن نجيم‪،‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد‪ ،‬املعروف بابن نجيم املصري‬
‫(ت‪970‬هـ) البحرالرائق شرح كنزالدقائق(‪ ،)58/5‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ :‬د ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن عرفة‪ ،‬محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونس ي املالكي‪ ،‬أبو عبد هللا (ت‪ 803‬هـ)‪ ،‬املختصر‬
‫الفقهي(‪ ،)235/10‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬حافظ عبد الرحمن محمد خير‪ ،‬مؤسسة خلف أحمد الخبتور لألعمال الخيرية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1435:‬هـ ‪2014 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬النووي‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين بن يحيى بن شرف النووي(ت‪676‬ه)‪ ،‬املجموع شرح املهذب مع تكملة‬
‫السبكي واملطيعي (‪ ،)95/20‬تكملة وتحقيق‪ /‬محمد نجيب الدين املطيعي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬د‪.‬ت‪ ،‬زكريا‬
‫األنصاري‪ ،‬زكريا بن محمد بن زكريا األنصاري‪ ،‬زين الدين أبو يحيى السنيكي (ت ‪926‬هـ)‪ ،‬أسنى املطالب في شرح‬
‫روض الطالب(‪ .)146/4‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن قدامة‪ ،‬املغني(‪.)136/9‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪216‬‬

‫ال شك أن تعليق إقامة حد السرقة في عام الرمادة الذي فعله سيدنا عمر ‪ ‬قد القى‬
‫من املعاصرين موقفين مختلفين‪ ،‬يمثل كل فريق موقف منهما‪ ،‬موقف املعارض املثير‬
‫للشبهات املترصد لألخطاء أو املتصيد لها‪ ،‬وموقف املنصف الناظر لألمور نظرة‬
‫فاحصة‪ ،‬فالفريق األول منهم من يحتاج إلى إزالة الشبهات‪ ،‬ودحض االفتراءات‪ ،‬ومنهم‬
‫من يحتاج إلى التجاهل وعدم الرد‪ ،‬وال يتسع املقام هنا لسرد شبهاتهم والرد عليها‪.‬‬
‫ً‬
‫والفريق الثاني نورد هنا طرفا من تكييفهم لصنيع سيدنا عمر ‪ ‬وتلقيهم له‬
‫بالتحليل والتعليل‪ ،‬والقبول والرضا‪.‬‬
‫تعطيال له أو ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إلغاء بل‬ ‫فير بعض العلماء أن هذا ليس إسقاطا لحد من حدود هللا أو‬
‫نظرا لوجود‬ ‫دخل حادثة السرقة التي وقعت في عام الرمادة فيما يوجب الحد؛ ً‬ ‫ُ‬
‫هو لم ي ِ‬
‫نصا وأحيى ً‬ ‫عطل ً‬‫َّ‬
‫نصا؛‬ ‫الشبهة‪ ،‬أما الحد فهو باق إلى يوم القيامة‪ ،‬فسيدنا عمر قد‬
‫ليسدَّ‬‫ألن القاعدة الشرعية تقول‪" :‬ادرأوا الحدود بالشبهات"‪ ،‬وما دام قد سرق ُ‬
‫َج ْوعته فلم يصل إلى نصاب السرقة‪ ،‬فالسرقة تكون بعد قدر يكفي الضرورة (‪.)1‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬فمقتض ى هذا الكالم أن صنيع سيدنا عمر ‪ ‬ليس إلغاء للحد وال تعطيال له‬
‫ً‬
‫وال إسقاطا‪ ،‬بل هو تعليق‪ ،‬وال ُيظن ذلك بسيدنا عمر ‪ ،‬وهو املعروف بشدته في‬
‫د ين هللا وغيرته على أحكام الشريعة‪ ،‬كما أن تعطيل الحدود أو إسقاطها ليس له وال‬
‫ً‬
‫ومحققا‬ ‫اعيا ملقاصد الشريعة‪،‬‬ ‫ً‬
‫اجتهادا مر ً‬ ‫لغيره‪ ،‬ولكن جاء تعليقه إلقامة الحد‬
‫للمصلحة‪ ،‬وموازًنا بين املفاسد واملصالح‪.‬‬
‫تطبيقا لصميم مقاصد الشريعة‬ ‫ً‬ ‫وير البعض اآلخر أن صنيع سيدنا عمر ‪ ‬جاء‬
‫ً‬
‫وراعاها‪ ،‬حيث اعتبر بعض املعاصرين أن املقاصد تمثل مرجعا الستقاء ما يتوقف‬
‫جيا عن الشرع‬ ‫عليه التشريع والقضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬وأنها ليست مصد ًرا خار ً‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ولكنها من صميمه‪ ،‬كما أن املقاصد – على حد تعبيره ‪ -‬ليست غامضة‬
‫غموض القانون الطبيعي الذي ال يعرف له حد وال مورد‪ ،‬وأنها تؤثر حتى على ما هو‬
‫منصوص عليه عند االقتضاء(‪.)2‬‬
‫ومقتض ى هذا أن املقاصد حاكمة في الحاالت التي تقتض ي ذلك‪ ،‬كالضرورة والحاجة‪،‬‬
‫وحكمها يؤثر على تطبيق النص وال يتصادم معه‪ ،‬فالنص لها مكانته وقدسيته‪ ،‬ولكن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الشعراوي‪ ،‬محمد متولي (ت‪1420‬ه)‪ ،‬تفسير الشعراوي الخواطر(‪ )3119/5‬و(‪ ،)9976/16‬دار أخبار‬
‫اليوم‪ ،‬مصر ‪.‬د‪.‬ط ‪ .‬دت‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفاس ي‪ ،‬عالل‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها(ص‪ ،)56-55‬مكتبة الوحدة العربية‪ ،‬د ط‪1963 .‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪217‬‬
‫التطبيق تكتنفه أمور أخر غير مجرد حرفية النص‪ ،‬أو حدوده العامة‪ ،‬أليس النص‬
‫القرآني أو الحديثي قاض بتطبيق الحد‪ ،‬والنص اآلخر من السنة يدرء الحد بالشبهة‪،‬‬
‫وال يعد هذا من باب التعارض أو التصادم بين النصوص‪.‬‬
‫وير بعض ثالث أن إيقاف سيدنا عمر‪ ‬لحد السرقة عام املجاعة‪ ،‬أو تعليقه؛ ألنه‬
‫كان يعلم أن مقصود الشارع بهذا الحد هو عقوبة املعتدين وزجرهم عن االعتداء‪،‬‬
‫غنيا والناس من حوله جياع إلى‬ ‫ً‬
‫معتديا‪ ،‬بل املعتدي من كان ً‬ ‫والسارق املضطر ليس‬
‫حد الضرورة وقد أعذر هللا املضطرين‪ ،‬فكيف يقام عليهم الحد؟(‪.)1‬‬
‫اإلسالم حين يقرر تطبيق العقوبات الرادعة فإنه ال يطبقها‬ ‫وينضم إليه آخر فير أن ِ‬
‫أبدا حتى يضمن أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مبرر وال شبهة‬ ‫ً‬
‫أبدا إذا كانت هناك شبهة‬ ‫اضطرار؛ فاإلسالم يقرر قطع يد السارق ولكنه ال يقطعها ً‬
‫بأن السرقة نشأت من جوع‪ .....‬وعمر بن الخطاب ‪ ‬من أبرز فقهاء ِ‬
‫اإلسالم لم ينفذ‬
‫حد السرقة في عام الرمادة‪ ،‬عام الجوع حيث كانت الشبهة قائمة في اضطرار الناس‬
‫للسرقة بسبب الجوع؛ فهذا مبدأ صريح ال يحتمل التأويل وهو أن قيام ظروف‬
‫ومالبسات تدفع إلى الجريمة يمنع تطبيق الحدود(‪.)2‬‬
‫ومقتض ى هذا أن الحد عقوبة على االعتداء‪ ،‬وزجر للمعتدي املستهين بحدود هللا‪،‬‬
‫ولكن املض طر الذي ألجأه الجوع للسرقة ال يدخل ضمن املعتدين املستهينين بحدود‬
‫املعلق للحد ليس مجرد حاكم عادي بل حاكم فقيه‪ ،‬يعد ً‬ ‫ه‬
‫ائدا‬‫ر‬ ‫هللا‪ ،‬كذلك فإن ِ‬
‫وعلم بارز من أعالمها‪ ،‬فرأيه نابع من علم مؤصل بفهم‬ ‫ٌ‬ ‫ملدرسة املقاصد الشرعية‬
‫كتاب هللا‪ ،‬واتباع سنة رسول هللا ‪ ‬وحسن اجتهاد‪ ،‬فليكن لرأيه القبول والرضا‪ ،‬وال‬
‫يظن به إال ً‬
‫خيرا‪.‬‬
‫موقف بعض الغربيين من صنيع سيدنا عمر ‪:‬‬
‫ً‬
‫مشابها ملا فعله سيدنا عمر ‪ ‬في تعامله مع السارق في عام‬ ‫حاولت أن أ صد ً‬
‫موقفا‬ ‫ر‬
‫الرمادة‪ ،‬أو السارق اضطرا ًرا بسبب الجوع‪ ،‬فاستوقفني موقفان معاصران– أكتفي‬
‫تماما مع عدم إقامة الحد‬ ‫بهما نظرا لضيق حجم البحث– وقد وجدتهما متطابقين ً‬
‫على السارق من أجل الجوع‪ ،‬ومع تغريم املتسبب في إلجاء غيره إلى السرقة بسبب‬

‫(‪ )1‬الريسوني‪ ،‬أحمد‪ ،‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطبي (ص ‪ ،)333‬الدار العاملية للكتاب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ 1412:‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬السدالن‪ ،‬صالح بن غانم بن عبد هللا‪ ،‬وجوب تطبيق الشريعة اإلسالمية في كل عصر(ص‪ ،)258‬دار بلنسية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض – السعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1417 :‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪218‬‬

‫إجاعته أو هضم حقه‪ ،‬أي متطابقين مع ما قض ى به الفاروق عمر منذ أربعة عشر‬
‫ً‬
‫قرنا من الزمان‪.‬‬
‫املوقف األول‪ :‬نفي صفة السرقة وإسقاط العقوبة عن سرقة الطعام اليسير ألجل‬
‫الجوع‪( .‬وهو موقف رسمي)‪.‬‬
‫حيث أصدرت املحكمة العليا اإليطالية‪ ،‬ومحكمة النقض العليا اإليطالية ً‬
‫حكما‬
‫بعدم تجريم سرقة الطعام بكميات صغيرة‪ ،‬طاملا أن السارق بحاجة ضرورية للتغذية‪.‬‬
‫شرد يدعى "رومان أوسترياكوف" وهو يسرق‬ ‫ففي سنة ‪ ،2011‬تم القبض على رجل ُم َّ‬
‫بعض األطعمة من الجبن ونحوه بقيمة ‪ 4.5‬دوالرات من إحد محالت البقالة في‬
‫وحكم عليه بالسجن لستة‬ ‫مدينة جنوة اإليطالية‪ ،‬وفي سنة ‪2013‬م‪ُ ،‬أدين بالسرقة ُ‬
‫ً‬ ‫أشهر‪َ ،‬‬
‫ود ِفع غرامة ‪ 115‬دوالرا‪ .‬لكن تم استئناف الحكم سنة ‪2015‬م‪.‬‬
‫وفي مايو ‪2016‬م أعلنت محكمة النقض العليا اإليطالية أن الحكم األول بحق‬
‫يجرم سرقة الطعام‬ ‫وأقرت أن القانون اإليطالي لن ه‬ ‫الغيا‪ ،‬ه‬ ‫"أوسترياكوف" ُيعتبر ً‬
‫بكميات صغيرة‪ ،‬طاملا أن السارق بحاجة ضرورية للتغذية (‪.)1‬‬
‫ً‬
‫محتاجا إلى سرقة الطعام‬ ‫املوقف الثاني‪ :‬تغريم بعض فئات املجتمع لكونهم ألجأوا‬
‫(وهو موقف غيررسمي)‪.‬‬
‫وذلك في قصة متداولة على بعض مواقع التواصل االجتماعي‪ :‬أنه في إحد املقاطعات‬
‫األمريكية تم جلب عجوز قام بسرقة رغيف خبز ليمثل أمام املحكمة‪ ،‬واعترف‬
‫العجوز بفعلته ولم يحاول أن ينكرها لكنه َّبرر ذلك بقوله‪ ":‬كنت أتضور ً‬
‫جوعا‪ ،‬كدت‬
‫أن أموت‪ ".‬فقال القاض ي له‪ ":‬أنت تعرف أنك سارق وسوف أحكم عليك بدفع ‪10‬‬
‫دوالرات وأعرف أنك ال تملكها ألنك سرقت رغيف خبز‪ ،‬لذلك سأدفعها عنك"‪ ،‬صمت‬
‫جميع الحضور‪ ،‬وشاهدوا القاض ي يخرج ‪ 10‬دوالرات من جيبه ويطلب أن تودع في‬
‫حكم على هذا العجوز‪ ،‬ثم وقف فنظر إلى الحاضرين وقال‪ ":‬محكوم‬ ‫كبدل ٍ‬ ‫الخزينة‬
‫ً‬
‫عليكم جميعا بدفع ‪ 10‬دوالرات‪ ،‬ألنكم تعيشون في بلدة يضطر فيها الفقير إلى سرقة‬
‫ً‬
‫رغيف خبز‪ ،‬في تلك الجلسة تم جمع ‪ 480‬دوالرا ومنحها القاض ي للرجل العجوز‪.‬‬

‫(‪ )1‬مقال في جريدة العربية بعنوان " هذه الدولة ال ه‬


‫تجرم سرقة الطعام بحالة الجوع ‪ ..‬هل تعرف ما هي"؟‪ .‬منشور‬
‫بموقع ‪ https://arabic.cnn.com/travel/2016/05/04/food-theft-italy‬بتاريخ ‪2016/5/4‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪219‬‬
‫فهل يا تر غير املسلمين هؤالء قد وقفوا من تراثنا اإلسالمي على قضاء سيدنا عمر‬
‫هذا فتأثروا به والتزموه‪ ،‬وغفل عنه قضاتنا‪ ،‬وغفل عنه مجتمعنا‪ ،‬أم أنهم فعلوا ما‬
‫إعماال لعدالة ضميرهم‪ ،‬ورقي إنسانيتهم التي تر الحق ً‬ ‫ً‬
‫حقا‪ ،‬والعدل رحمة؟ه!‬ ‫فعلوا‬
‫و أقول تعليقا على صنيع سيدنا عمررض ي هللا عنه (قوال وعمال)‪:‬‬
‫ً‬
‫ً‬
‫تقديما‬ ‫َّإن ما فعله سيدنا عمر رض ي هللا عنه ليس تعطيال لحد من حدود هللا‪ ،‬وال‬
‫للمصلحة على النص الشرعي‪ ،‬ولكنه استعمل سلطته الشرعية وواليته العامة‬
‫واجتهد في املوازنة بين التطبيق للنص بإقامة الحد‪ ،‬وبين إعمال نصوص حديثية‬
‫أخر تحث على درء الحدود بالشبهات‪ ،‬أو تفضيل الخطأ في العفو على الخطأ في‬
‫العقوبة‪ ،‬أو الحذر من جمع عقوبة وألم على شخص واحد‪ ،‬عقوبة الحد املفض ي إلى‬
‫يقينا إلضعاف البدن كله‪،‬‬ ‫بتر عضو من األعضاء (يد السارق)‪ ،‬وألم الجوع املفض ي ً‬
‫يقينا‪-‬إن طال‪ -‬إلى فوات النفس كلها باملوت ً‬
‫جوعا‪.‬‬ ‫غالبا أو ً‬‫وظنا ً‬ ‫ً‬
‫ال شك ‪ -‬وهو راعي األمة والقائم بشؤونها‪ -‬أنه قد دار في عقله العديد من األفكار‬
‫والتحليالت‪ ،‬وكيف ال؟! وقد اتخذ من التدابير واإلجراءات الشخصية واألسرية ما‬
‫يدل صراحه على تأثره بتلك املحنة‪ ،‬وشعوره بآالم رعيته‪ ،‬وإجاعة نفسه وأهل بيته‬
‫تضامنا مع األمة‪ ،‬أو مشاركة للرعية في محنتهم‪ ،‬فانظر إلى تصرفاته هذه وما تدل‬ ‫ً‬
‫عليه‪:‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫أ – أميراملؤمنين ال يهنأ بطعام طيب وغيره ال يجد قوته أو يجد قوتا سيئا‪:‬‬
‫أسلم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن َج ِهده‪ ،‬قال‪ :‬كان عمر يصوم الدهر‪ ،‬فكان‬ ‫بن زيد بن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عن عبد هللا ُ‬
‫يوما من األيام َجزو ًرا‪،‬‬ ‫زمان الرمادة إذا أمس ى‪ُ ،‬أتي بخبز قد ُثر َد بالزيت‪ ،‬إلي أن نحروا ً‬
‫َ َّ‬ ‫ُ ِ‬
‫وكبد‪ ،‬فقال‪ :‬أنى هذا؟‬ ‫سنام ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫فأطعمها الناس‪ ،‬وغرفوا له طيبها‪ ،‬فأتي به‪ ،‬وإذا قدر من ٍ‬
‫قالوا‪ :‬يا أمير املؤمنين! من الجزور التي نحرنا اليوم‪ ،‬قال‪َ :‬ب ٍخ َب ٍخ‪ ،‬بئس الوالي أنا إن‬
‫هات لنا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫غير هذا‬ ‫الناس كراديسها(‪ ،)1‬ارفع هذه الجفنة‪ِ ،‬‬ ‫وأطعمت‬ ‫أكلت طيبها‪،‬‬
‫الطعام‪ ،‬فأتي بخبز وزيت‪ ،‬فجعل يكسر بيده‪ ،‬ويثرد ذلك الخبز‪ ،‬ثم قال‪ :‬ويلك يا يرفأ‪،‬‬
‫َ‬
‫أهل بيت ِبث ْمغ‪ ،‬فإني لم آتهم منذ ثالثة أيام‪ ،‬وأحسبهم‬ ‫احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها َ‬ ‫ْ‬
‫ُم ْقفرين‪ ،‬فضعها بين أيديهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬


‫واحدها ك ْردوس وهي ُرؤوس ال ِعظام‪َ ،‬وك ُّل َعظ َم ْي ِن ال َت َق َيا ِفي َم ْف ِصل ف ُه َو ك ْر ُدوس ن ْح َو امل ْن ِك َبين‬ ‫(‪ )1‬الكراديس جمع‬
‫َ َ‬ ‫ُّ ْ‬
‫والو ِركين‪ .‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن منظور األنصاري‬ ‫والرك َبتين‬
‫الرويفعى اإلفريقى (ت‪711‬هـ) لسان العرب(‪ ،)195/6‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1414:‬هـ‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪220‬‬
‫ُ‬
‫أسود‬ ‫عمر عام الرمادة وهو‬ ‫عياض بن خليفة‪ :‬رأيت َ‬ ‫ُ‬ ‫ابن سعد(ت‪230‬ه)‪ :‬قال‬ ‫قال ُ‬
‫ُ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫السمن واللبن‪ ،‬فلما َأ َ‬
‫محل‬ ‫َ‬ ‫عربيا يأكل‬‫جال ً‬ ‫ً‬
‫أبيض‪ ،‬كان ر‬ ‫َ‬ ‫اللون‪ ،‬ولقد كان‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫حرمها‪ ،‬وأكل الزيت حتى غير لونه‪ ،‬وجاع فأكثر(‪.)1‬‬
‫أي نوع من الحكام هذا الذي يجوع لتشبع رعيته‪ ،‬ويختار أطيب الطعام لهم‪ ،‬ويحرم‬
‫وبدنيا بما يقع لرعيته وما يعانوه من قحط وجوع‪ ،‬إال‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نفسيا‬ ‫نفسه منه‪ ،‬بل ويتأثر‬
‫حاكم تربى على منهج النبوة‪ ،‬وتقلب في رحابها‪.‬‬
‫ب – أميراملؤمنين يحاسب أوالده على التنعم الزائد عن رعيته‪:‬‬
‫يخة في يد بعض ولده‪ ،‬فقال‪َ :‬بخ َبخ! ابنُ‬ ‫ه َ‬ ‫قال ابن سعد‪ :‬ونظر ُ َ‬
‫ٍ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بط‬
‫عمر عام الرمادة إلى ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫محم ٍد هزلى؟! فخرج الصبي هارًبا‪ ،‬وبكي‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫وأمة ه‬ ‫أمير املؤمنين يأكل الفاكهة‪،‬‬
‫ه‬
‫بكف من نو (‪.)2‬‬ ‫اشتراها ٍ‬
‫وأخيرا نقول‪ :‬ما أحوج األمة إلى مثل صنيع سيدنا عمر رض ي هللا عنه‪.‬‬ ‫ً‬
‫إننا في العصر الحاضر في أمس الحاجة ملا فعله سيدنا عمر في هذه الواقعة‪ ،‬وهو‬
‫النظر في دوافع الجريمة وملجئات التعدي‪ ،‬وعلى الرغم من أن تطبيق الحدود معطل‬
‫تقصيرا في كل بالد املسلمين ‪ -‬إال من رحم ربي ممن هداهم هللا تعالى من‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عمدا أو‬
‫الدول اإلسالمية لتطبيق شريعته‪ -‬فإنه ال مانع من تطبيق عقوبة تعزيزية على من‬
‫"إن َ‬ ‫ْ‬
‫أيت‬ ‫تسببوا في إلجاء الناس إلى السرقة‪ ،‬على حد قول بعض العلماء املعاصرين ر‬
‫غنيا قد َ‬ ‫ً‬ ‫ً ُ َّ ً‬
‫ض َّن عليه بما أفاض هللا على الغني من رزق"(‪.)3‬‬ ‫ضيعا فاعلم أن هناك‬ ‫فقيرا م‬
‫املطلب الثاني‬
‫قتل الجم ـ ـ ـ ــاعة بالواحد‬
‫بنفس‪ ،‬يقول املولى جل وعال في كتابه‬ ‫ٌ‬
‫ونفس‬ ‫بجرم‪،‬‬ ‫األصل في القصاص املماثلة‪ُ ،‬ج ٌ‬
‫رم‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُُْ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َّ َّ ْ َ َّ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ‬
‫ف َواألذ َن‬ ‫س والعين ِبالعي ِن واألنف ِباألن ِ‬ ‫العزيز ‪‬وكتبنا علي ِهم ْ ِفيها أن النفس ِبالنف ِ‬
‫ص ٌ‬ ‫وح ق َ‬ ‫الس َّن ب ه ه َ ُ َ‬ ‫ُُْ َ ه‬
‫اص‪[ ‬املائدة‪.]45:‬‬ ‫الس ِن والج ُر ِ‬ ‫ِباألذ ِن و ِ ِ ِ‬

‫(‪ )1‬ابن سعد‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالوالء‪ ،‬البصري‪ ،‬البغدادي(ت‪230‬هـ) الطبقات‬
‫الكبرى(‪ )312/3‬للرواية األولى‪ ،‬و(‪ )324/3( ،)314/3‬للرواية الثانية‪ ،‬تحقيق‪/‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1968 :‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن سعد‪ ،‬الطبقات(‪.)315/3‬‬
‫(‪ )3‬الشعراوي‪ ،‬الخواطر(‪.)6773-12:7672‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪221‬‬
‫والقصاص من القاتل هو شرع هللا تعالى املحقق للمصلحة التي عبرت عنها اآلية‬
‫َ َ ٌ َ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫الكريمة أبلغ تعبير بأنه حياة َ(و َل ُك ْم في ْالق َ‬
‫اب ل َعلك ْم ت َّت ُقون)‬ ‫اص حياة يا أ ِولي األلب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫ِ ِ‬
‫[البقرة‪.]179:‬‬
‫ووجه الداللة من اآلية‪ :‬أن سبب الحياة في ذلك يكمن في أنه متى علم القاتل أنه إذا‬
‫قتل وجب القصاص عليه كف عن القتل‪ ،‬فحيي القاتل واملقتول؛ فلو لم يقتص من‬
‫الجماعة بالواحد ملا كان في القصاص حياة‪ ،‬ولكان القاتل إذا أراد القتل شارك غيره‬
‫افعا لحكم اآلية(‪.)1‬‬ ‫فيه ليسقط القصاص عنه وعن غيره‪ ،‬ولكان ذلك ر ً‬
‫وتعد واقعة قتل الجماعة للواحد التي حصلت في اليمن على عهد سيدنا عمر ‪ ‬هي‬
‫أول وأشهر واقعة سجلت في تاريخ اإلسالم‪ ،‬وتناقلتها كتب السير والسنن والتواريخ‪.‬‬
‫وملخص الو اقعة هأن ثمت جماعة من أهل اليمن اجتمعوا وتمالئوا على قتل شخص‬
‫جميعا في مقابل املقتول‪ ،‬وأكد ‪ ‬كما ذكرته جميع‬ ‫ً‬ ‫واحد فقتلهم سيدنا عمر ‪‬‬
‫الروايات‪ -‬أنه سيفعل ذلك حتى ولو كانت الجماعة القاتلة هي أهل صنعاء جميعا‪ً.‬‬
‫والواقعة رويت بطرق متعددة تتفق جميعها على شيئين‪ ،‬وتختلف في ثالثة أشياء‪ ،‬أما‬
‫وجه االتفاق فهو‪ :‬أن التمالؤ قد حصل من جميع الجناة‪ ،‬بحيث اشترك كل شخص‬
‫منهم في الجريمة بشكل أو بآخر‪ ،‬وأن سيدنا عمر ‪ ‬قد قتل الجماعة بالواحد‪ ،‬وهو‬
‫ما أيدته رواية البخاري على جهة اإلجمال‪ ،‬وذكرته جميع الروايات األخر ‪.‬‬
‫وأما وجوه االختالف فنوردها من خالل عدة روايات تشتمل تفصيالتها على اآلتي‪:‬‬
‫أ – عدد الجناة (ثالثة‪ ،‬أربعة‪ ،‬خمسة‪ ،‬سبعة‪ ،‬أو نفر‪ ،‬والنفر في اللغة العربية يشمل‬
‫العدد من ثالثة إلى عشرة)‪.‬‬
‫فعند البخاري رواية ال تدل على تحديد العدد‪ ،‬وأخر تدل على أن الجناة أربعة‪ ،‬فقد‬
‫ال‬‫ّللا َع ْن ُه َما‪َ ،‬أ َّن ُغ َال ًما ُق ِت َل ِغ َيل ًة‪َ ،‬ف َق َ‬
‫أخرج البخاري َع ْن َنافع‪َ ،‬ع ْن ْابن ُع َم َر َرض َي َّ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َّ َ ْ َ َ ً‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ ٍْ ُ َ ْ َ َ ِ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ ُ‬
‫عمر‪« :‬ل ِو اشترك ِفيها أهل صنعاء لقتلتهم» وقال م ِغيرة بن ح ِك ٍيم‪ ،‬عن أ ِب ِيه‪ِ « :‬إن أربعة‬
‫َق َت ُلوا َ‬
‫ص ِب ًّيا»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬املاوردي‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي(ت‪450‬هـ) الحاوي الكبير(‪)27/12‬‬
‫تحقيق‪/‬علي محمد معوض وعادل أحمد عبد املوجود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1419:‬هـ ‪-‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل أبو عبد هللا البخاري الجعفي(‪256‬هـ)‪ ،‬في الجامع املسند الصحيح‬
‫املختصر من أمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه وأيامه‪ ،‬املشهور بـ "صحيح البخاري"‪ ،‬ترقيم‪ /‬الشيخ‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬األولى‪1422:‬هـ‪ ،‬مصر‪ ،‬املصورة عن الطبعة السلطانية‪ .‬كتاب الديات‬
‫باب‪ :‬إذا أصاب قوم من رجل هل بعاقب أو يقتص منهم كلهم (‪ )8/9‬رقم(‪.)6896‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪222‬‬

‫وباقي الروايات املشهورة تقتصر على كون العدد خمسة أو سبعة‪ ،‬وهي رواية عن‬
‫وه قتل‬‫فرا َخ ْم َسة َأو َس ْب َعة ب َر ُجل َق َت ُل ُ‬
‫سعيد بن ْاملسيب ‪َ ‬أن عمر بن ْالخطاب قتل َن ً‬
‫ِ‬
‫يعا»(‪.)1‬‬‫ال‪َ « :‬لو تماأل َع َل ْيه أهل صنعاء لقتلتهم َجم ً‬ ‫َ‬
‫غيلة‪َ ،‬و َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب – ُع ْم ُر املقتو ِل (فالروايات املشهورة تؤكد على أنه رجل ومنها ما تقدم ذكره‪ ،‬بينما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫روايات أخر تذكر أنه كان ً‬
‫صغيرا‪ ،‬وتذكر واقعة القتل تفصيال‪ ،‬كما في رواية‬ ‫غالما‬
‫ونصها من رواية ابن‬ ‫ابن وهب القرش ي(ت‪179‬ه)‪ ،‬وعبد الرزاق الصنعاني (ت‪211‬ه) ُّ‬
‫وهب كما يلي‪:‬‬
‫قال ابن وهب‪" :‬حدثنا بحر‪ :‬ثنا عبد هللا بن وهب قال‪ :‬حدثني جرير بن حازم؛ أن‬
‫املغيرة بن حكيم الصنعاني حدثه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها‪ ،‬وترك‬
‫ً‬ ‫في حجرها ً‬
‫ابنا له من غيرها‪ ،‬غالم يقال له‪ :‬أصيل‪ ،‬فاتخذت املرأة بعد زوجها خليال‪،‬‬
‫فقالت لخليلها‪ :‬إن هذا الغالم يفضحنا فاقتله‪ .‬فأبى فامتنعت منه‪ ،‬فطاوعها واجتمع‬
‫على قتله الرجل ورجل آخر واملرأة وخادمها‪ ،‬فقتلوه ثم قطعوه أعضاء‪ ،‬وجعلوه في‬
‫عيبة من أدم‪ ،‬فطرحوه في ركية في ناحية القرية‪ ،‬وليس فيها ماء‪ ،‬ثم صاحت املرأة‪،‬‬
‫فاجتمع الناس فخرجوا يطلبون الغالم‪ .‬قال‪ :‬فمر رجل بالركية التي فيها الغالم فخرج‬
‫منها الذباب األخضر‪ .‬فقلنا‪ :‬وهللا إن في هذه لجيفة‪ ،‬ومعنا خليلها‪ ،‬فأخذته رعدة‪،‬‬
‫ً‬
‫فذهبنا به فحبسناه‪ ،‬وأرسلنا رجال فأخرج الغالم‪ ،‬فأخذنا الرجل فاعترف‪ ،‬فأخبرنا‬
‫يومئذ أمير‪ -‬بشأنهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الخبر‪ ،‬فاعترفت املرأة والرجل اآلخر وخادمها‪ .‬فكتب يعلى ‪-‬وهو‬
‫ً‬
‫فكتب إليه عمر بقتلهم جميعا وقال‪" :‬وهللا لو أن أهل صنعاء شركوا في قتله لقتلتهم‬
‫أجمعين"(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مالك في املوطأ‪ ،‬كتاب‪ ،‬باب ما جاء في الغيلة والسحر(‪ )871/2‬رقم(‪ ،)13‬والشافعي‪ ،‬محمد بن‬
‫إدريس(ت‪204‬ه) في املسند‪ ،‬ترتيب‪ /‬سنجر بن عبد هللا الجاولي‪ ،‬أبو سعيد‪ ،‬علم الدين (ت ‪745‬هـ)‪ ،‬تحقيق‬
‫وتخريج‪ /‬ماهر ياسين فحل‪ ،‬شركة غراس للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1425:‬هـ ‪2004 -‬م‪ ،‬باب‪ :‬ومن‬
‫جراح العمد‪( ،‬ص‪ )200‬رقم(‪ .)1611‬وينظر تخريجه في‪ :‬البدراملنير(‪ ،)404/8‬تلخيص الحبير(‪.)64/4‬‬
‫(‪ )2‬ابن وهب‪ ،‬أبو محمد عبد هللا بن وهب بن مسلم(ت‪197‬هـ)‪ ،‬الجامع‪ ،‬كتاب القسامة والعقول والديات‬
‫(‪ )280-279/1‬رقم(‪ ،)461/488‬تحقيق د‪ .‬رفعت فوزي عبد املطلب‪ ،‬د‪ .‬علي عبد الباسط‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬املنصورة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1425:‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬عبد الرزاق‪ ،‬املصنف(‪ )477/9‬رقم(‪ )18079‬كتاب العقول‪ ،‬باب النفر‬
‫يقتلون الرجل‪ .‬وهذه الرواية وصلها البيهقي في السنن الكبر (‪ )74/8‬بإسناد صحيح عن املغيرة بن حكيم‪ ،‬أما والد‬
‫املغيرة الذي رويت عنه القصة‪ ،‬فقال عنه ابن حجر العسقالني(ت‪852‬ه) في فتح الباري شرح صحيح البخاري‬
‫(‪" )228/12‬صنعاني‪ ،‬ال أعرف حاله‪ ،‬وال اسم والده‪ ،‬وذكره ابن حبان في «ثقات التابعين» في الثقات(‪)161/4‬ـ‪.‬‬
‫وخرجه ابن امللقن َّ‬
‫وجود إسناده في البدراملنير (‪.)405-404 /8‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪223‬‬
‫تفصيليا للجريمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وهاتان الروايتان تعطيان لنا– بمقاييس العصر الحاضر ‪ً -‬‬
‫وصفا‬
‫من حيث‪ :‬األسباب والدوافع‪ ،‬والكيفية‪ ،‬والحيل التي اتخذها بعض الجناة إلخفاء‬
‫معالم جريمتهم‪ ،‬وكيف اكتشفت الجريمة‪ ،‬والعقوبة التي أوقعت بالجناة‪ ،‬مما تعتبر‬
‫تمثيال ً‬‫ً‬
‫حيا للجريمة‪ ،‬تشبه ما يحدث في عصرنا من طلب املحكمة من الجاني أو‬ ‫معه‬
‫الجناة شرح تفاصيل الجريمة‪ ،‬ودور كل شخص من الجناة فيها‪ ،‬ولهذا أوردتها بتمامها‪.‬‬
‫واملحرضة‬ ‫ه‬ ‫فنحن اآلن أمام جريمة أبطالها هؤالء‪(:‬املرأة) الخائنة لزوجها في عرضه‪،‬‬
‫ِ‬
‫لرفيقها على ارتكاب جريمة‪ ،‬متخذة من الترغيب والترهيب حيلة إلقناعه بارتكاب‬
‫جريمته‪ ،‬و(الرجال الثالثة) خليل املرأة في الفاحشة‪ ،‬ورجل آخر مساعد‪ ،‬وخادم‬
‫جميعا على غالم‬ ‫ً‬ ‫مطيع لسيدته فيما يغضب هللا تعالى‪ ،‬اجتمعت كلمتهم وجوارحهم‬
‫هو أمانة بيد املرأة حتى يعود أبوه من سفره‪َّ ،‬نفذ كل منهم دوره بغض النظر عن‬
‫املتسبب واملباشر‪ ،‬والضارب بقوة‪ ،‬والضارب بضعف‪ ،‬واملخطط‪ ،‬واملتولي إخفاء‬
‫الجثة‪ ....‬الخ‪.‬‬
‫ج – نوع املقتول (هل هو رجل أم امرأة؟) وهذه الجزئية لم أقف عليها إال في رواية ابن‬
‫ّللا‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد‬
‫ْ ُ َ ْ َّ‬ ‫َ َ ٌ َ ْ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ‬
‫اص ِم ب ِن َعبي ِد ِ‬ ‫الجعد(ت‪230‬ه) حيث قال حد ْثنا ع ِل ٌّي َ‪ ،‬أنا ش ِريك‪ ،‬عن ع َ ِ‬
‫َ ََ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫ال‪ :‬ك َت َب َع َام ُل ال َي َم ِن ِإلى ُع َم َر ِإ َّن َس ْب َعة أ ْو ث َما ِن َية أ ْو ِس َّتة نف ٍر ق َتلوا‬ ‫ّللا ْب ِن َع ِام ٍر ق‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ً ْ ْ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ ُّ ُ ْ ُ َ َّ َ ً َ َ َ ْ َ ُ َ َ‬
‫اعت َرفوا فك َت َب ِإل ْي ِه ُع َم ُر‬ ‫امرأة ِمن ِحمير فأ ِتي ِب ِهم فو ِجدت أكفهم مخضبة ِبد ِمها‪ ،‬ف‬
‫َ ْ ْ‬ ‫ََ ْ‬ ‫اش َت َر َك ف َيها َأ ْه ُل َ‬
‫ص ْن َع َاء لق َتل ُت ُه ْم‪ ،‬فاق ُتل ُه ْم»(‪.)1‬‬
‫َْ َ ْ‬
‫«أن ل ِو‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأيا كانت الروايات من حيث صفة املقتول(رجال‪ ،‬أو امرأة‪ ،‬أو ً‬
‫غالما‪ ،‬أو عدد الذين‬
‫اشتركوا في قتله (أربعة أو خمسة أو سبعة)‪ ،‬أو تفاصيل الواقعة‪ ،‬أو كون بعض‬
‫الروايات صحيحة وبعضها فيه مقال‪ ،‬فإن الذي يعنينا هنا أمران‪ :‬أن جماعة قتلوا‬
‫ً‬
‫جميعا‪.‬‬ ‫فردا‪ ،‬وأن العقوبة شملتهم‬ ‫ً‬
‫فما هي جوانب الحكمة في صنيع سيدنا عمر‪ ،‬وما هي وجهة نظره‪ ،‬وكيف تتفق مع‬
‫مقاصد الشريعة ومصالحها‪ ،‬وما موقف الصحابة والتابعين‪ ،‬وفقهاء األمة من هذا‬
‫الصنيع؟ وما هو التمالؤ الذي عناه سيدنا عمر‪ ‬بقوله " لو تماأل عليه أهل‬
‫صنعاء‪ ."...‬لإلجابة على ذلك أقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫ا‬
‫أوال‪ :‬العمدة في قتل الجماعة بالواحد‪ ،‬كما ذكرها ابن رشد (ت‪595‬ه) النظر إلى‬
‫املصلحة‪ ،‬فإنه مفهوم أن القتل إنما شرع لنفي القتل كما هنبه عليه الكتاب في قوله‬
‫الج ْو َهري البغدادي (ت‪230‬هـ)‪ ،‬مسند ابن الجعد(ص‪ )331‬مسند عاصم‬
‫الج ْعد بن عبيد َ‬
‫(‪ )1‬ابن الجعد‪ ،‬علي بن َ‬
‫بن عبيد هللا‪ ،‬تحقيق‪ :‬عامر أحمد حيدر‪ ،‬مؤسسة نادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1990 – 1410:‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪224‬‬
‫َ‬
‫﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي االلباب﴾ [البقرة‪ ،]179:‬وإن كان ذلك كذلك فلو لم‬
‫ُ‬
‫تقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد بالجماعة"(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬نسب سيدنا عمر تنفيذ العقوبة في حالة القتل هذه إلى نفسه وليس إلى ولي‬ ‫ا‬
‫الدم‪ ،‬ألنه اعتبر أن قتل الجماعة للواحد غيلة أشبه بالحرابة‪ ،‬فيكون الجناة حينئذ‬
‫حد وليست عقوبة قصاص‪،‬‬ ‫محاربون أو في حكمهم‪ ،‬ولهذا كانت عقوبتهم عقوبة ٍ‬
‫فقال ‪َ « :‬لو تماأل َع َل ْيه أهل صنعاء لقتلتهم َجم ً‬
‫يعا»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهذا يتفق مع القائلين بأن قتل الغيلة يوجب الحد وليس القصاص‪ ،‬وهم املالكية(‪)2‬‬

‫وابن تيمية (ت‪728‬ه)(‪.)3‬‬


‫ووجه ذلك – كما ذكره بعض املعاصرين ‪ -‬أن القاتل غيلة بمنزلة املحارب؛ ألنه خدعه‬
‫وغشه ليرتكب جنايته على وجه ال يمكن معه الغوث‪ .....‬ومن هذا القبيل قتل‬
‫الجماعة للواحد(‪.)4‬‬
‫ا‬
‫و أقول تعليقا على رأي املالكية‪ :‬لم يكتف املالكية بتسمية قتل الجماعة بالواحد‬
‫حدا‪ ،‬بل ذكروا أن أولياء املقتول الذي قتله جماعة ال يملكون العفو عن قتلته‪ ،‬ال هم‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬فروي عن مالك(ت‪179‬ه) وابن القاسم(ت‪191‬ه)‪ :‬إن ولي‬ ‫وال ولي أمر املسلمين ً‬
‫أحد املحاربين بين قتل رجل ممن قطعوا عليه ولم يعاونه أحد من أصحابه قتلوا‬
‫أجمعون وال عفو فيهم إلمام وال ولي (‪.)5‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬هأن حفظ النفس من الكليات الخمس‪ ،‬والقصاص شرع لسد خلل باملجتمع ألم‬
‫جار في مقابلة جريمة عمدية وقعت‬ ‫بأهل املقتول‪ ،‬وإحياء لنفوس الغير‪ ،‬والقصاص ٍ‬

‫(‪ )1‬ابن رشد الحفيد‪ ،‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد‬
‫(ت ‪595‬هـ) بداية املجتهد ونهاية املقتصد (‪ ،)182/4‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪1425 ،‬هـ ‪ 2004 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر للمالكية‪ :‬مالك‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر(ت‪179‬هـ)‪ ،‬املدونة الكبرى(‪ )554/4‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪1415:‬هـ ‪ 1994 -‬م‪ ،‬املواق‪ ،‬محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري‬
‫الغرناطي(ت ‪897‬هـ) التاج واإلكليل ملختصرخليل(‪ ،)431/8‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪1416:‬هـ‪1994-‬م‪،‬‬
‫عليش‪ ،‬محمد بن أحمد بن محمد(ت‪1299‬هـ) منح الجليل شرح مختصر خليل(‪ ،)343/9‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪1409،‬هـ‪1989-‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت‪728‬ه)‪ ،‬منهاج السنة النبوية في نقض كالم‬
‫الشيعة القدرية(‪ ،)280/6‬تحقيق‪ /‬محمد رشاد سالم‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 1406:‬هـ ‪ 1986 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الشاذلي‪ ،‬حسن علي‪ ،‬الجنايات في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون‬
‫(ص‪ .)324 ،323‬دار الكتاب الجامعي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬املواق‪ ،‬التاج واإلكليل(‪ ،)431/8‬عليش‪ ،‬منح الجليل(‪.)343/9‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪225‬‬
‫بغض النظر عن عدد فاعليها‪ ،‬وهو ما دار بخلد سيدنا عمر ‪ ‬وهو ينفذ هذه‬
‫العقوبة عليهم أو يأمر عامله بتنفيذها‪.‬‬
‫يؤيد ذلك ما استدل به الحنفية من املعقول من أن القصاص قد شرع لحكمة الحياة‬
‫وذلك بطريق الزجر؛ ومعلوم أن القتل بغير حق في العادة ال يكون إال بالتغالب‪،‬‬
‫واالجتماع؛ ألن الواحد يقاوم الواحد فلو لم نوجب القصاص على الجماعة بقتل‬
‫الواحد ألد إلى سد باب القصاص وإبطال الحكمة التي وقعت اإلشارة إليها بالنص‪،‬‬
‫فال مقصود في القتل سو التشفي‪ ،‬واالنتقام وذلك حاصل لكل قاتل بكماله كأنه‬
‫ليس معه غيره(‪.)1‬‬
‫ابعا‪ :‬ما فعله سيدنا عمر ‪ ‬يتفق مع النصوص النبوية العامة املحذرة من قتل‬ ‫ر ا‬
‫ً‬
‫املرء بغير حق‪ ،‬املتوعدة فاعل ذلك بالوعيد الشديد بالغا ما بلغوا‪ ،‬املبينة ملد حرمة‬
‫الدم البريء‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أ – حديث « ال ْو اأ َّن أهل السماء وأهل األرض اشتركوا في دم مؤمن‪َّ ،‬‬
‫ألكبهم هللا في‬
‫النار»(‪.)2‬‬
‫ا‬ ‫اْ ْ‬ ‫ا‬
‫ب‪ -‬حديث « ال از او ُ ُّ ْ ا ْ ا ُ ا ا َّ‬
‫َّللا ِم ْن قت ِل ُمؤ ِم ٍن ِبغ ْي ِر اح ٍق»(‪.)3‬‬
‫ال الدنيا أهون على ِ‬
‫ال شك أن سيدنا عمر كان على دراية تامة بهذه النصوص‪ ،‬وتصرف من واقع الشدة‬
‫والشفقة‪ ،‬الشدة على جناة سولت لهم أنفسهم التهاون بأحكام هللا تعالى‪ ،‬واتبعوا‬
‫الشيطان بارتكاب جريمة بشعة انضمت إلى جريمة قبلها‪ ،‬وهي خيانة املرأة لزوجها (في‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬السرخس ي‪ ،‬املبسوط(‪.)127/26‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي‪ ،‬محمد بن عيس ى بن سورة بن موس ى(ت‪279‬ه)‪ .‬السنن‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب الحكم في‬
‫الدماء(‪ )69/3‬رقم (‪ )1398‬من طريق الحسين بن واقد‪ ،‬عن يزيد الرقاش وقال‪ :‬حديث غريب‪ .‬والسنن تحقيق‪/‬‬
‫أحمد شاكر‪ ،‬ومحمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬وإبراهيم عطوة‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫أيضا‪ :‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت‪ 774‬هـ)‬ ‫الطبعة الثانية‪ 1395:‬هـ ‪1975 -‬م‪ ،‬وينظر ً‬
‫مسند الفاروق أمير املؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه و أقواله على أبواب‬
‫العلم(‪،)270/2‬تحقيق‪ /‬إمام علي دار الفالح‪ ،‬الفيوم‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1430:‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أصحاب السنن‪ :‬ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬وماجة اسم أبيه يزيد (ت ‪273‬هـ)‬
‫ظلما (‪ )847/2‬رقم(‪ ،)2619‬وسكت عنه‪ ،‬وهذا اللفظ له‪،‬‬ ‫السنن‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب التغليظ في قتل مسلم ً‬
‫تحقيق‪ /‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪ -‬فيصل عيس ى البابي الحلبي‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،،‬والترمذي في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مرفوعا وموقوفا‪،‬‬ ‫السنن(‪ )16/4‬رقم(‪)1395‬أبواب الديات‪ ،‬باب ما جاء في تشديد قتل املؤمن‪ ،‬وذكر أنه روي‬
‫والنسائي‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني‪ ،‬النسائي (ت‪303‬هـ) في املجتبى من السنن‬
‫املعروف بـ " السنن الصغرى"‪ ،‬كتاب تحريم الدم‪ ،‬باب تعظيم الدم (‪ ،)82/7‬تحقيق‪ /‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب‬
‫املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬الطبعة الثانية‪1986 – 1406:‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪226‬‬

‫واقعة قتل الغالم)‪ ،‬وسولت لهم أنفسهم الخبيثة سلوك سبيل الحيل ليفلتوا من‬
‫عقاب هللا تعالى لهم‪ ،‬والشفقة على آل هذا املقتول ً‬
‫ظلما وما أدخله قتله على ذويه من‬
‫غم حزن‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أن صنيع سيدنا عمر ‪ ‬من قتل الجماعة بالواحد في هذه الواقعة قد سار‬ ‫ا‬
‫عليه وأخذ به جمهور الفقهاء‪ ،‬على الرغم من وجود خالف في املسألة حاصله ثالثة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن الجماعة تقتل بالواحد‪ ،‬وهو مروي عن عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬واملغيرة بن‬
‫شعبة‪ ،‬وابن عباس رض ي هللا عنهم‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬والحسن‪ ،‬وأبو سلمة‪ ،‬وعطاء‬
‫وقتادة‪ ،‬والثوري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬وهو مذهب الحنفية‪ ،‬واملالكية‪،‬‬
‫والشافعية‪ ،‬والحنابلة على املذهب‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنهم ال يقتلون به‪ ،‬بل تجب عليهم الدية‪ ،‬وهو مروي عن ابن الزبير‬
‫والزهري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت‪ ،‬وربيعة‪ ،‬وابن املنذر‪ ،‬وحكاه بن أبي موس ى‬
‫عن بن عباس‪ ،‬وأحمد في رواية‪ ،‬وداود الظاهري‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه يقتل منهم واحد ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية‪ .‬وهو‬
‫مروي عن معاذ بن جبل‪ ،‬وابن سيرين والزهري(‪.)1‬‬
‫وال يتسع املقام إليراد أدلة هذه اآلراء وال مناقشتهاـ فهي مبسوطة في مواضعها من كتب‬
‫الفقه والسنن وشروحها‪ ،‬وكتب اآلثار واملصنفات وغيرها‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬من فقه سيدنا عمر ‪ ‬النص على التمالؤ في القتل‪ ،‬والذي اختلف الفقهاء‬ ‫ا‬
‫في معناه‪ ،‬ومدلوله فيما بعد‪ ،‬وتناسب هذه اللفظة التي نطق بها سيدنا عمر مع‬
‫تفسير الفقهاء للتمالؤ‪:‬‬
‫فعلى الرغم من كون األئمة األربعة يسلمون بأن الجماعة تقتل بالواحد إال أنهم‬
‫مستعينا بأسلوب بعض املعاصرين إلى هذه‬ ‫ً‬ ‫اختلفوا فى معنى التمالؤ‪ ،‬وأشير هنا‬
‫املسألة بإيجاز(‪:)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر إجماال‪ :‬الكاساني‪ ،‬عالء الدين‪ ،‬أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي (ت‪587‬هـ)‪ ،‬بدائع‬
‫الصنائع في ترتيب الشرائع(‪ )239/7‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1406:‬هـ ‪1986 -‬م‪ ،‬ابن رشد‪ ،‬بداية‬
‫املجتهد(‪ ،)182/4‬النووي‪ ،‬املجموع(‪ )270-269/18‬ابن قدامة‪ ،‬املغني(‪،)290-289/8‬‬
‫ا‬
‫(‪ )2‬ينظر في هذا الخالف من كتب املعاصرين‪ ،‬عودة‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون‬
‫الوضعي(‪ ،)240-239/2‬دار الكاتب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬حيث أجاد في عرض املسألة باختصار‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪227‬‬
‫فيرى فريق منهم‪ :‬أن التمالؤ هو توافق إرادات الجناة على الفعل دون أن يكون بينهم‬ ‫‪-1‬‬
‫َ‬
‫اتفاق سابق‪ ،‬بحيث يجتمعون على ارتكاب الفعل في ف ْور واحد دون سابقة من تدبير‬
‫أو اتفاق‪ .‬وهو رأي الحنفية(‪ ،)1‬وبعض الشافعية (‪ ،)2‬وأحمد في رواية (‪ ،)3‬وال يرتب‬
‫الحنفية عليه أثر إذا كان معنويا فقط‪.‬‬
‫ويرى فريق آخر‪ :‬أن التمالؤ معناه االتفاق السابق على ارتكاب الفعل والتعاون على‬ ‫‪-2‬‬
‫تمالؤا‪ .‬وهو رأي مالك(‪ ،)4‬وبعض آخر من‬ ‫ا تكابه‪ ،‬وأن التوافق على االعتداء ال يعتبر ً‬
‫ر‬
‫ن ً‬
‫الشافعية ‪ ،‬وأحمد على املذهب إال أن بعض الشافعية والحنابلة يخالفو مالكا‬
‫)‬‫‪6‬‬ ‫(‬ ‫)‬‫‪5‬‬ ‫(‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متمالئا إال من اشترك فى ارتكاب الفعل بصفته فاعال له(‪.)7‬‬ ‫فى أنهم ال يعتبرون‬
‫‪ – 3‬ويرى فريق ثالث أن كل من حضر الحادث وإن لم يباشر الفعل إال أحدهم أو‬
‫متمالئا كل من حضر‬‫ً‬ ‫بعضهم‪ ،‬لكن بحيث إذا لم يباشره هذا لم يتركه اآلخر فيعتبر‬
‫ً‬
‫مستعدا لتنفيذ ما اتفقوا عليه‪ ،‬وهو رأي‬ ‫قيبا ‪ -‬بشرط أن يكون‬‫ولو كان ربيئة‪ -‬أي ر ً‬
‫مالك(‪.)8‬‬
‫وأيا كانت صفة التمالؤ أو مقداره‪ ،‬فإنه جريمة تنضم إلى الجريمة األصلية وهي القتل‬
‫العمد‪ ،‬مما تقض ي معه قواعد الشريعة ومقاصدها العامة أن تنفذ عقوبة القصاص‬
‫ْ‬
‫في جميع املشتركين‪ ،‬إذ أن مجرد االشتراك ولو بالقول أو التحريض قد أعطى للفعل‬
‫قوة في اإلجرام‪ ،‬وأملا في التنفيذ‪ ،‬وهذا ما فطن إليه سيدنا عمر ‪ ‬حين قتل الجماعة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الزيلعي‪ ،‬عثمان بن علي بن محجن البارعي‪ ،‬فخر الدين الزيلعي الحنفي (ت‪ 743‬هـ) تبيين الحقائق شرح‬
‫كنز الدقائق(‪ ،)114/6‬املطبعة الكبر األميرية‪ ،‬بوالق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪1313:‬هـ‪ ،‬ثم صورتها دار الكتاب‬
‫اإلسالمي ط‪ ،2‬ابن نجيم‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد (ت ‪970‬ه)‪ ،‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق(‪،)354/8‬‬
‫دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬د‪ .‬ط‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الشيرازي‪ ،‬أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي(ت‪476‬هـ) املهذب في فقه اإلمام‬
‫الشافعي(‪ ،)173/3‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬املغني(‪ ،)290/8‬ابن مفلح‪ ،‬إبراهيم بن محمد بن عبد هللا بن محمد ابن مفلح (ت‪884‬هـ)‬
‫املبدع في شرح املقنع(‪ ،)202/7‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1418:‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الدردير‪ ،‬أحمد بن محمد بن أحمد العدوي‪ ،‬أبو البركات(ت‪1201‬ه)‪ ،‬الشرح الكبير على مختصر‬
‫خليل(‪ )177/3‬مطبوع مع حاشية الدسوقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الرملي‪ ،‬شمس الدين محمد بن أبي العباس(ت‪1004‬هـ)‪ ،‬نهاية املحتاج إلى شرح املنهاج (‪ ،)140/4‬دار‬
‫الب َج ْي َر ِم هي املصري‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األخيرة‪1404:‬هـ‪1984/‬م‪ ،‬البيجرمي‪ ،‬سليمان بن محمد بن عمر ُ‬
‫الشافعي (ت‪1221‬هـ)‪ ،‬حاشية البجيرمي على شرح املنهج (‪ ،)140/4‬مطبعة الحلبي‪ ،‬د‪.‬ط‪1369 ،‬هـ ‪ 1950 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬املغني(‪ ،)290/8‬ابن مفلح‪ ،‬املبدع(‪.)202/7‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬الرملي‪ ،‬نهاية املحتاج(‪ ،)140/4‬البيجرمي‪ ،‬حاشية البيجرمي(‪)140/4‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪ :‬مالك‪ ،‬املدونة الكبرى(‪ ،)554/4‬الدردير‪ ،‬الشرح الكبير(‪.)177/3‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪228‬‬

‫بالواحد وكان عددهم أقل من العشرة‪ ،‬وذكر استعداده لقتل الجماعة بالواحد ولو‬
‫كانت الجماعة أهل صنعاء جمي ًعا‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬النهي عن إقامة الحدود في أرض العدو‬
‫سبق القول بأن الحدود عقوبات شرعت جز ًاء ملن ارتكب ُج ًرما يضر بإحد الكليات‬
‫الخمس‪ ،‬وهي حدود سبعة معروفة‪ ،‬أمر هللا تعالى بإقامتها وحذر من إضاعتها‪ ،‬وأوكل‬
‫تنفيذها إلى ولي األمر في كل عصر ومصر‪ ،‬وهي تقام على العظيم والحقير‪ ،‬والغني‬
‫ً‬
‫والفقير‪ ،‬وجعلت الشريعة اإلسالمية إلقامتها أو عدم إقامتها شروطا وضوابط معروفة‬
‫في مواضعها من كتب الفقه‪.‬‬
‫واملرء حين يرتكب جرما يستوجب الحد فإنه – يعلم بال شك‪ -‬أنه قد خالف الشرع‪،‬‬
‫وفعل ما يستحق عليه العقوبة‪ ،‬بغض النظر عن الدوافع واألسباب‪ ،‬والوقائع‬
‫واملالبسات‪ ،‬والزمان واملكان‪ ،‬ومن خالل تتبع بعض كتب السير وقفنا على وقائع‬
‫ارتكاب جرائم تستوجب الحدود وقعت إبان بعض الحروب والغزوات ولكن لم يتم‬
‫إيقاع العقوبة بمرتكبيها مراعاة لنصوص شرعية نهت عن ذلك‪ ،‬بعضها من كالم‬
‫رسول هللا ‪ ‬وبعضها من كالم صحابته اإلجالء وفعلهم‪ ،‬مراعاة للظروف واألحوال‪،‬‬
‫واملصالح العامة‪ ،‬وكان لسيدنا عمر ‪ ‬نصيب من هذا الفقه‪ ،‬حيث كتب إلى أمرائه‬
‫وقواده أن ال يقيموا حدا أو يوقعوا عقوبة بأرض العدو‪ .‬وهذه بعض النصوص‪:‬‬
‫أوال‪ :‬النصوص الواردة عن رسول هللا ‪ :‬لم أقف فيها إال على نص واحد وهو‬
‫ا‬ ‫ا ُْ ا ا‬ ‫حديث ُب ْسر ْبن َأ ْر َط َاة َق َ‬
‫الن ِب َّي ‪َ ‬ي ُقو ُل‪« :‬ال تقط ُع األ ْي ِدي ِفي الغ ْز ِو» (‪.)1‬‬
‫ال‪َ :‬سم ْع ُت َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ثانيا‪ :‬النصوص الواردة عن سيدنا عمر ‪:‬‬ ‫ا‬
‫أ – أخرج سعيد بن منصور(ت‪227‬ه) بسنده أن عمر كتب إلى الناس أن ال يجلدن‬
‫ً‬ ‫أمير جيش وال سرية وال جل من املسلمين ً‬
‫أحدا وهو غاز يقطع الدرب قافال لئال‬ ‫ر‬
‫تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي في السنن‪ .‬كتاب‪ ،‬باب ما جاء أن ال تقطع األيدي في الغزو( ‪ )53/‬رقم(‪ )1450‬وقال‪ :‬حديث‬
‫غريب‪ ،‬والطبراني‪ ،‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي‪ ،‬أبو القاسم الطبراني (ت‪360‬هـ)‪ ،‬املعجم‬
‫األوسط باب‪ :‬من اسمه مقدام (‪ )6/9‬رقم(‪ )8951‬تحقيق‪/‬طارق بن عوض هللا بن محمد‪ ،‬عبد املحسن بن‬
‫إبراهيم الحسيني‪ ،‬دار الحرمين‪ ،‬القاهرة‪ .‬والحديث فيه مقال ألنه ليس لراويه إال هذا الحديث‪ ،‬كما في أن في‬
‫إسناده ابن لهيعة‪ ،‬ولكن روايته من عدة طرق جعلت غير واحد من علماء الحديث يحكم عليه بالصحة‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫أحاديث املا ا‬
‫الت اناقيح في ات ْخريج ا‬
‫ا َّ‬ ‫ا ْ ُ ا‬
‫ص ِاب ِيح ألبي املعالي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اه ِج و ِ ِ‬‫نصب الراية للزيلعي (‪ ،)344/3‬كشف املن ِ‬
‫السلمي(‪ ،)240/3‬املقرر على أبواب املحرر‪ ،‬للمقدس ي(‪ ،)306/2‬تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق‪ ،‬البن عبد‬
‫الهادي(‪.)545/4‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪229‬‬
‫ْ َُْ َ َ َ‬
‫ال‪ :‬ك َت َب ُع َم ُر ْب ُن‬ ‫ب‪ -‬وأخرج ابن أبي شيبة(ت‪235‬ه) بسنده َع ْن َح ِك ِيم ب ِن عمي ٍر‪ ،‬ق‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫ْال َخ َّطاب‪َ « :‬أ َّال َي ْجل َد َّن َأم ُير َج ْيش َوَال َسرَّية َأ َح ًدا َح َّتى َي ْط ُل َع َع َلى َّ‬
‫الد ْر ِب ِلئال ت ْح ِمل ُه‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ُ ِ َ َِ ْ ِ ْ ٍ‬
‫ال ُك َّفار»(‪). 2‬‬ ‫َّ‬
‫َح ِم َّية الش ْيط ِان أ ْن َيل َح َق ِب‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ج ‪ -‬وعن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد ّللا‪ ،‬عن عبد ّللا بن عروة ويحيى بن عروة‪،‬‬
‫عن أبيهما قال‪" :‬شرب عبد ابن األزور وضرار بن الخطاب وأبو جندل بن سهيل‬
‫َّ‬
‫بالشام فأتي بهم أبو عبيدة بن الجراح فقال أبو جندل‪ :‬وّللا ما شربتها إال على تأويل‪،‬‬
‫َ‬ ‫ات ُج َن ٌ‬ ‫ين َآم ُنوا َو َعم ُلوا َّ َ‬ ‫س َع َلى َّالذ َ‬ ‫إني سمعت َّّللا يقول‪َ  :‬ل ْي َ‬
‫اح ِف َيما ط ِع ُموا‬ ‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪[ ‬املائدة‪ ،]93:‬فكتب أبو عبيدة إلى عمر‬ ‫إ َذا َما َّات َق ْوا َو َآم ُنوا َو َعم ُلوا َّ َ‬
‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫بأمرهم فقال عبد‪ :‬إنه قد حضر عدونا فإن رأيت أن تؤخرنا إلى أن نلقى عدونا غدا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫َّ‬
‫فإن ّللا أكرمنا بالشهادة كفاك ذاك‪ ،‬ولم تقمنا على خزاية وإن نرجع نظرت إلى ما‬
‫أمرك به صاحبك فأمضيته‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬فنعم‪ ،‬فلما التقى الناس استشهد عبد‬
‫بن األزور فرجع كتاب عمر أن الذي أوقع أبا جندل في الخطيئة قد تهيأ له فيها بالحجة‬
‫فح َّدهم والسالم(‪.)3‬‬ ‫إذا أتاك كتابي هذا ُ‬
‫وجهة نظرسيدنا عمرفي النهي عن إقامة الحدود بأرض العدو‪:‬‬
‫نحن هنا أمام طائفة من النصوص واألقضية التي تتعلق بإقامة الحدود على‬
‫املجاهدين‪ ،‬أو في دار الحرب أو في أرض العدو‪ ،‬أو أثناء الغزو‪ ،‬حث سيدنا عمر ‪‬‬
‫نظرا إلى اعتبارات مختلفة‪ ،‬فهل يا تر أخذ‬ ‫عماله وقواده على عدم إقامة الحد فيها ً‬
‫سيدنا عمر فيها بالحديث الوارد عن بسر بن أرطأة فقط‪ ،‬أم أنه اجتهد برأيه ً‬
‫أيضا‬
‫فرأ من الظروف واألحوال ما يستدعي ذلك‪ ،‬وإلى أي مد وافقه الصحابة والتابعون‬
‫والفقهاء أو أخذوا برأيه؟‪ ،‬وما جوانب املصلحة ومراعاة املقاصد الشرعية في هذه‬
‫املسألة؟‪ .‬لإلجابة على هذه التساؤالت نسلك التدرج اآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بيان النصوص والوقائع الواردة عن الصحابة رض ي هللا عنهم في هذا الشأن‪:‬‬

‫(‪ )1‬ابن منصور‪ ،‬أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني (ت ‪227‬هـ) السنن‪ ،‬باب كراهية إقامة الحدود‬
‫في أرض العدو (‪ )234/2‬رقم(‪ .)2499‬رقم(‪ )2500‬تحقيق‪ /‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬الهند‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1403:‬هـ ‪1982-‬م‪.‬‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ْ َ ه ََ‬
‫ض العد ِو (‪ )549/5‬رقم(‪.)28861‬‬ ‫(‪ )2‬ابن أبي شيبة‪ ،‬املصنف كتاب الجهاد‪ ،‬باب ِفي ِإقام ِة الح ِد على الرج ِل ِفي أر ِ‬
‫ه‬
‫محمد بن أحمد بن ُعثمان الذ َه هبي (ت ‪ 748‬هـ)‪ ،‬املهذب في اختصار السنن الكبير‪ ،‬كتاب‬ ‫(‪ )3‬الذهبي‪ ،‬أبو عبد هللا ه‬
‫العلمي‪ ،‬دار الوطن للنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1422:‬هـ ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫السير(‪ )3638/7‬رقم(‪ )14196‬تحقيق‪/‬دار املشكاة للبحث‬
‫‪ 2001‬م‪..‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪230‬‬

‫الر ِوم‪َ ،‬و َم َع َنا‬ ‫ال‪ُ :‬ك َّنا ِفي َج ْيش ِفي َأ ْرض ُّ‬ ‫أ ‪ -‬أخرج سعيد بن منصور بسنده َع ْن َع ْل َق َم َة‪َ ،‬ق َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يد ْب ُن ُع ْق َب َة‪َ ،‬ف َشر َب ْال َخ ْم َر‪َ ،‬ف َأ َر ْد َنا َأ َّن ُن ِح َّد ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‬ ‫ُح َذ ْي َف ُة ْب ُن ْال َي َمان‪َ ،‬و َع َل ْي َنا ْال َول ُ‬
‫ِ‬
‫يك ْم» َف َب َل َغ ُه‪َ ،‬ف َقال‪َ:‬‬ ‫ُ َ ْ َ ُ َ ُ ُّ َ ِ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ْ َ ُ ه ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫حذيفة‪« :‬أت ِحدون أ ِميركم؟ وقد دنوتم ِمن عد ِوكم فيطمعون ِف‬
‫َ ْ‬ ‫ً ََْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََْ‬
‫ألش َرَب َّن َو ِإ ْن كان ْت ُم َح َّر َمة‪َ ،‬وألش َرَب َّن َعلى َرغ ِم َم ْن َر ِغ َم (‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫الر ُجل‪َ ،‬و ُه َو َغاز في َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ّللا‬
‫ٍِ ِ ِ ِ‬ ‫يل‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َ ِ‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ود‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ام‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ى‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ان‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫اء‬‫َِ‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫الد‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫وع ُن ِ‬
‫أ‬ ‫ب‪-‬‬
‫ّللا َع َل ْيه ْم‪َ ،‬وإنْ‬ ‫اب َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َح َّتى َيقف َل َمخافة أن تحمله الحم َّية ف َيلحق بالكفار‪ ،‬فإن ت ُابوا ت َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا م ْن َو َرائه ْم" (‪). 2‬‬ ‫َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عادوا ف ِإن عقوبة‬
‫ال في ْال َع ْس َكر َحتىَّ‬ ‫َ‬
‫السل ِم ُّي‪ ،‬ف َج َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‪َ :‬س ِك َر أ ُبو األ ْع َور ُّ‬ ‫َ‬ ‫وع ْن ِع ْكر َم َة‪ ،‬عن ْابن ع َّباس ق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج‪َ -‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ال‪"َ :‬م ْن َهذا؟ " فقالوا‪َ :‬هذا َعلق َمة َس ِك َر ال‬
‫ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّللا ‪َ ‬ف َق َط َع َأ ْط َن َاب َها‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ُ ل َّ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫أتى حجر رسو ِ‬
‫ُ‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ َُ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ٌ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ َ َ َ‬
‫ض‬ ‫ي ْع ِقل‪ .‬قال‪"ِ :‬ليأخذ رجل ِبي ِد ِه حتى يب ِلغه رحله" قال‪" :‬ال تقام الحدود ِفي أر ِ‬
‫ال َع ُد هو"(‪.)3‬‬
‫د – أخرج سعيد بن منصور بسنده عن إبراهيم بن محمد بن سعد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أ ِت َي َس ْع ٌد ِبأ ِبي ِم ْح َج ٍن َي ْو َم الق ِاد ِس َّي ِة َوق ْد ش ِر َب الخ ْم َر‪ ،‬فأ َم َر ِب ِه ِإلى الق ْي ِد‪َ ،‬وكان ْت‬
‫َ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫الناس َق َ‬ ‫اح ٌة َف َل ْم َي ْخ ُر ْج َي ْو َمئذ إ َلى َّ‬
‫ص ِع ُدوا ِب ِه ف ْوق ال ُعذ ْي ِب ل َي ْنظ َر ِإلى‬ ‫ال‪َ :‬و َ‬ ‫ب َس ْعد ج َر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َّ ٍ ِ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ َ َ َّ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اس‪ ،‬واستعمل على الخي ِل خ ِالد بن عرفطة‪ ،‬فلما التقى الناس‪ ،‬قال أبو ِمحج ٍن‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫كفى َح َزًنا أ ْن تط َر َد الخ ْي ُل بالق َنا‪َ ...‬وأت َر َك َمش ُد ً‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ودا َعل َّي ِوثا ِق َيا‬
‫ّللا َأ ْن َأ ْ ج َع َحتىَّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ ِ َ َ َّ ُ َ َ َّ ْ َ َّ‬
‫رِ‬ ‫فقال ِالبن ِة حصفة امرأ ِة سع ٍد‪ :‬أط ِل ِق ِيني ول ِك ّللا علي ِإن سلم ِني‬
‫اس َع َليَّ‬ ‫الن ُ‬ ‫ال‪َ :‬ف َح َّل ْت ُه ‪ -‬ح َين ْال َت َقى َّ‬ ‫اس َت َر ْح ُت ْم ِم هني‪َ ،‬ق َ‬ ‫ض َع ر ْجلي في ْال َق ْيد‪َ ،‬وإ ْن ُقت ْل ُت ْ‬ ‫َأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ِ ُ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُ ْ ً ُ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ ِ ََ َ‬
‫فوثب على فر ٍس ِلسع ٍد يقال لها البلقاء‪ ،‬ثم أخذ رمحا‪ ،‬ثم خرج‪ ،‬فجعل ال يح ِمل على‬
‫ص َن ُع‪َ ،‬و َج َع َل‬ ‫اس َي ُق ُولو َن‪َ :‬ه َذا َم َل ٌك ملَا َي َر ْو َن ُه َي ْ‬ ‫الن ُ‬‫َناح َية م َن ْال َع ُد هو إ َّال َه َز َم ُه ْم‪َ ،‬و َج َع َل َّ‬
‫ِ‬
‫ْ َ ََ‬ ‫ِ َّ ِ ْ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ْ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ‬
‫َس ْع ٌد َيقول‪« :‬الضبر ضبر البلق ِاء‪ ،‬والطعن طعن أ ِبي ِمحج ٍن‪ ،‬وأبو ِمحج ٍن ِفي القي ِد»‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َْ ْ ََ ََْ َْ ُ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َف َل َّما ُهز َم ْال َع ُد ُّو‪َ َ ،‬ج َع َأ ُبو م ْح َجن َح َّتى َو َ‬
‫صفة‬ ‫ض َع ِر ْجل ُه ِفي القي ِد‪ ،‬وأخبر ِت ابنة ح‬ ‫َ ِ ٍ‬ ‫ر‬
‫ضر ُب َب ْع َد ْال َي ْوم َر ُج ًال َأ ْب َلى َّّللاُ‬ ‫ال َس ْع ٌد‪َ " :‬ال َو َّّللا‪َ :‬ال َأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ً َِ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سعدا ِبما كان ِمن أم ِر ِه‪ ،‬فق‬

‫(‪ )1‬سعيد بن منصور‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب كراهية إقامة الحدود في أرض العدو(‪ )235/2‬رقم(‪.)2501‬‬
‫(‪ )2‬سعيد بن منصور‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب كراهية إقامة الحدود في أرض العدو (‪ )234/2‬رقم(‪.)2499‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر (ت‪ 458‬ه) الخالفيات بين اإلمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬مسألة (‪ :)552‬وإذا‬
‫زنى مسلم في دار الحرب لزمه الحد‪ ،‬وكذلك إذا سرق فيها مال مسلم لزمه القطع (‪ ،)263/7‬تحقيق ودراسة‪ /‬فريق‬
‫البحث العلمي بشركة الروضة‪ ،‬الروضة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1436:‬هـ ‪ 2015 -‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪231‬‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ ْ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ َ‬
‫ال أ ُبو ِم ْح َج ٍن‪ :‬ق ْد ك ْن ُت أش َرُب َها ِإذ‬ ‫املس ِل ِمين على يدي ِه ما أبالهم " فخلى س ِبيله‪ ،‬فق‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ ُ َ َ ْ َ ُّ َ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ّللا ال أش َرُب َها أ َب ًدا(‪.)1‬‬
‫يقام عل َّي الحد‪ ،‬وأط ُه ُر ِمن َها‪ ،‬فأ َّما ِإذا ب ْه َرجت ِني فال و ِ‬
‫ثانيا‪ :‬التعليق على النصوص والوقائع السابقة‪:‬‬ ‫ا‬
‫تتضمن تلك الوقائع فقها مقاصديا على درجة من األهمية‪ ،‬يتمثل في ُبعد نظر سيدنا‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ‬ومن وافقه من الصحابة رضوان هللا عليهم في ترك تنفيذ الحدود‬
‫بأرض العدو أو بأرض الغزو‪ ،‬بيانه على هذا النحو‪:‬‬
‫ا‬
‫أوال‪َّ :‬أن تنفيذ الحدود في أرض العدو يوهن قوة املسلمين ويطمع فيهم عدوهم‪،‬‬
‫ويكسر شوكتهم‪ ،‬ألن الجرائم نقاط ضعف في حياة الناس‪ ،‬وال ينبغي أن ير العدو‬
‫ضعفا فينا‪.‬‬
‫ثانيا‪َّ :‬أن تنفيذ الحدود على املسلم بأرض العدو قد يودي باملسلم إلى اللحوق بالكفار‬ ‫ا‬
‫والفرار من املسلمين‪ ،‬وهذه قد نص عليها غير واحد‪ ،‬وفي ذلك إضعاف واضح لشوكة‬
‫املسلمين‪ ،‬وخسارة كبيرة‪.‬‬
‫وعلى حد قول بعض املعاصرين‪ :‬اعتبار الظروف واألحوال‪ ،‬وهو خشية أن يترتب على‬
‫إقامة الحد ما هو أشد وأبغض إلى هللا من تعطيله وتأخيره وهو لحوق صاحبه‬
‫ً‬
‫وغضبا (‪.)2‬‬ ‫باألعداء حمية‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬إن عدم تنفيذ الحد على املسلم في دار الحرب أو في الغزو ال يعني إسقاط الحد‬
‫أو إبطاله‪ ،‬بل تعليقه إلى ما بعد تحقيق النصر‪ ،‬أو العودة إلى ديار املسلمين‪ ،‬وهذا ما‬
‫تؤيده الوقائع والنصوص‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬أنه وعلى الرغم من وقوع الجرم الذي يقتض ي الحد‪ ،‬فإن املسلم الذي ارتكبه‬ ‫ر ا‬
‫لم يتخاذل عن الجهاد في سبيل هللا كما في واقعة أبي محجن الثقفي الذي أبلى بالء‬
‫حسنا في القادسية‪ ،‬على الرغم من توقيف سيدنا سعد له عن الجهاد وحبسه – على‬ ‫ً‬
‫نحو ما تقدم في القصة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬مراعاة القواعد الفقهية مثل‪" :‬الضرورات تبيح املحظورات" و"درء املفاسد‬ ‫ا‬
‫مقدم على جلب املصالح"‪ ،‬وهما من القواعد الفقهية املشهورة‪ ،‬واملحظور هنا واضح‬

‫َََ َ َ ُ َ ُْ َْ ً َ ً‬
‫وض َبرانا‬ ‫(‪ )1‬سعيد بن منصور‪ ،‬السنن (‪ )235/2‬رقم(‪ .)2502‬ومعنى "الضبر" العدو‪ ،‬يقال‪ :‬ضبر الفرس يضبر ضبرا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِإذا َع َدا‪ ،‬أو َج َمع ق َوا ِئ َم ُه َووث َب‪ ،‬واملراد هنا شدة عدو ووثب البلقاء فرس سيدنا سعد التي استقلها أبو محجن في‬
‫َ‬
‫الحرب بعدما هرب من الجبس‪ .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب(‪ )479/4‬ومعنى " بهرجتني" أي أ ْه َد ْرَتني بإسقاط َ‬
‫الح ِهد‬ ‫ِ‬
‫عني‪ ،.‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب(‪.)217/2‬‬
‫(‪ )2‬جعيط‪ ،‬كمال الدين‪ ،‬العرف بحث منشور في مجلة مجمع الفقه اإلسالمي(‪.)2570/5‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪232‬‬

‫وهو إضعاف شوكة املسلمين‪ ،‬واحتمال لحوق املسلم بالكفار‪ ،‬واملحظور هو تأخير‬
‫الحد‪ ،‬واملفسدة هنا واضحة وهي نفس املحظور الذي سبق ذكره‪ ،‬واملصلحة معروفة‬
‫وهي إقامة حدود هللا تعالى‪.‬‬
‫ويتساءل بعض املعاصرين عن سند هذه املسألة هل هو املصلحة املجردة؟ وهل‬
‫يؤدي القول بأن الحدود ال تقام في أرض العدو إلى تغير الحكم الذي دل عليه النص‬
‫الشرعي وهو وجوب إقامة الحدود؟‬
‫ويجيب عن ذلك بأن سندها هو قاعدة "سد الذرائع" وهي قاعدة عمل الصحابة‬
‫والسلف الصالح بها (‪.)1‬‬
‫سادسا‪ :‬ال ينبغي أن يتطرق إلى الذهن أن مرتكبي هذه املوبقات قد ارتكبوها عن عمد‬ ‫ا‬
‫ً‬
‫أو استهانة بالدين أو استحالال لها‪ ،‬بل ثمت ظروف وتأويالت أودت بهم إلى ارتكاب ذلك‬
‫املحظور‪ ،‬وهم يعلمون حرمته ونكارته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫مفسرا سبب شربه للخمر‪" :‬وّللا ما شربتها إال‬ ‫يؤيد هذا قول أبي جندل ألبي عبيدة‬
‫َ‬
‫ات ُجن ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ين آ َمنوا َو َعملوا َّ َ‬ ‫َّ‬
‫س َعلى الذ َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫على تأويل‪ ،‬إني سمعت َّّللا يقول‪ :‬ل ْي َ‬
‫اح‬ ‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪[‬املائدة‪.]93:‬‬ ‫ف َيما َطع ُموا إ َذا َما َّات َق ْوا َو َآم ُنوا َو َعم ُلوا َّ َ‬
‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫سابعا‪ :‬رفق اإلمام أو األمير أو قائد الجيش بمرتكب الجريمة وعدم تعنيفه‪ ،‬بل تمت‬ ‫ا‬
‫َ‬
‫معاملته باللين‪ ،‬فسيدنا سعد اكتفى بحبس أبي محجن وتوثيقه‪ ،‬وفي واقعة أ ُبي‬
‫ً‬ ‫ْ َ ْ َ ُّ َ‬
‫السل ِم ُّي أمر القائد رجال بأن يأخذ بيده وهو سكران فيدخله إلى رحله خشية‬ ‫األعو ِر‬
‫أن يتوسع ضرره وينتشر شره وهو على هذه الحالة‪.‬‬
‫ثامنا‪َّ :‬أن الفائدة من إقامة الحد الزجر كما هو مشهور – عند القائلين بأن الحدود‬ ‫ً‬
‫زواجر‪ ،‬وير بعض الفقهاء أن فائدة الزجر تحصل بإقامة الحد عليه بعد خروجه‬
‫ملانع(‪.)2‬‬
‫إلينا كما تحصل في حق من يؤخر إقامة الحد عليه ٍ‬ ‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬املؤيديون لرأي سيدنا عمرمن الصحابة والفقهاء ونصوصهم في ذلك‪:‬‬

‫(‪ )1‬السفياني‪ ،‬عابد بن محمد‪ ،‬الثبات والشمول في الشريعة اإلسالمية(ص‪ ،)479‬مكتبة املنارة‪ ،‬مكة املكرمة‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1408:‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫ه‬
‫علي بن علي ابن أبي العز الحنفي (ت ‪ 792‬هـ)‪ ،‬التنبيه على مشكالت الهداية‬‫(‪ )2‬أبو العز الحنفي‪ ،‬صدر الدين ه‬
‫(‪ ،)164/4‬تحقيق ودراسة‪ /‬عبد الحكيم بن محمد شاكر‪ ،‬وأنور صالح أبو زيد‪ ،‬رسالة ماجستير‪ -‬الجامعة‬
‫اإلسالمية باملدينة املنورة‪ ،‬مكتبة الرشد ناشرون – السعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1424:‬هـ ‪ 2003 -‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪233‬‬
‫لم يكن سيدنا عمر ‪ ‬وحده الذي نحا هذا املنحى في تلك املسألة‪ ،‬بل وافقه من‬
‫الصحابة أبو الدرداء‪ ،‬وحذيفة بن اليمان وابن عباس وغيرهم‪ ،‬ومن األئمة‪ :‬أبو‬
‫حنيفة وأحمد وإسحاق واألوزاعي‪ ،‬وعليه إجماع الصحابة‪.‬‬
‫َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ ٌ َ َّ ُ َ‬
‫قال أبو حنيفة النعمان(ت‪150‬ه)‪"ِ :‬إذا غزا الجند أرض الحر ِب وعلي ِهم أ ِمير ف ِإنه ال‬
‫َ ْ‬ ‫َّ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ َّ َ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫يم ْال ُح ُد َ‬
‫اق أ ْو َما أش َب َه ُه‬‫ود ِفي َع ْسك ِر ِه‪ِ ،‬إال أن يكون ِإمام ِمصر أو الشام أو ال ِعر‬ ‫ُيق ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫في ِقيم الحدود ِفي عسك ِر ِه" (‪.)1‬‬
‫قال الكاساني (ت‪587‬ه)‪ " :‬وأما األحكام التي تختلف باختالف الدارين فأنواع‪ ،‬منها أن‬
‫املسلم إذا زنا في دار الحرب‪ ،‬أو سرق‪ ،‬أو شرب الخمر‪ ،‬أو قذف مسلما ال يؤخذ بش يء‬
‫من ذلك؛ ألن اإلمام ال يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب؛ لعدم الوالية‪ ،‬ولو فعل‬
‫شيئا من ذلك ثم رجع إلى دار اإلسالم ال يقام عليه الحد أيضا؛ ألن الفعل لم يقع‬
‫موجبا أصال" (‪.)2‬‬
‫وفي مسائل اإلمام أحمد (ت‪241‬ه) وإسحاق بن راهويه (ت‪238‬ه)‪ " :‬قلت‪ :‬هل تقام‬
‫الحدود في الجيش؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬حتى يخرجوا من بالدهم "(‪.)3‬‬
‫وقال البهوتي (ت‪101‬ه)‪( ":‬وإذا أتى غاز حدا أو) أتى (قودا) وهو (بأرض العدو لم‬
‫يؤخذ به) أي‪ :‬الحد والقود (حتى يرجع إلى دار اإلسالم)"(‪.)4‬‬
‫وخالف في املسألة مالك والشافعي رحمهما هللا تعالى استدالال بعموم األدلة التي تدل‬
‫على وجوب إقامة الحدود على مرتكبي موجباتها بال فرق بين دار الحرب ودار اإلسالم‬
‫(‪ ، )5‬وال يتسع املقام لسرد تلك األدلة ومناقشتها اكتفاء بأدلة املؤيدين لعد إقامة‬
‫الحدود بأرض العدو والتي هي مسألة الباب‪.‬‬
‫و أقول تعليقا على كل ما سبق‪:‬‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن(‪.)171/6‬‬


‫(‪ )2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع(‪.)131/7‬‬
‫(‪ )3‬الكوسج‪ ،‬إسحاق بن منصور بن بهرام‪ ،‬أبو يعقوب املروزي(ت‪251‬هـ)‪ ،‬مسائل اإلمام أحمد بن حنبل‬
‫وإسحاق بن راهويه (‪ ،)3860/8‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬الجامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1425:‬هـ ‪2002 -‬م‪..‬‬
‫(‪ )4‬البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (ت‪1051‬هـ)‪ ،‬دقائق أولي‬
‫النهى لشرح املنتهى املعروف بشرح منتهى اإلرادات(‪ ،)342/3‬عالم الكتب‪ ،‬الطبعة األولى‪1414:‬هـ ‪ 1993 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزريي شمس الدين القرطبي‬
‫(ت‪671‬هـ)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن (‪ )171/6‬تحقيق‪/‬أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش‪ ،‬دار الكتب املصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1384 :‬هـ ‪ 1964 -‬م‪ .‬البيهقي‪ ،‬معرفة السنن واآلثار (‪.)272/13‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪234‬‬

‫إن كل ما تقدم ذكره سواء مما نصت عليه الروايات والوقائع نصا صريحا‪ ،‬أو تم‬
‫استنباطه منها‪ ،‬يدعو إلى القول بأن هذا يتفق مع مقاصد الشريعة اإلسالمية‬
‫السمحة‪ ،‬التي توازن بين املصلحة واملفسدة‪ ،‬وتعلي مصلحة الجماعة على مصلحة‬
‫الفرد‪ ،‬وحفظ وحدة األمة وتماسك قوتها‪ ،‬وتجميل صورتها أمام أعدائها‪ ،‬مع األخذ في‬
‫االعتبار عدم إسقاط حدود هللا تعالى أو تضييعها‪ ،‬وعدم التعنيف أو توجيه اللوم أو‬
‫نظرا ألن الظروف ال تسمح‪ ،‬والوقت ال ينبغي إهداره في‬ ‫اإلهانة إلى مرتكب الجريمة‪ً ،‬‬
‫اللوم والتعنيف بل ينبغي صرف الهمم إلى الجهاد‪.‬‬
‫وفي الختام‪ ..‬ال شك أن الوقائع املقاصدية كثيرة الحوادث متعددة‪ ،‬تحتاج إلى بذل‬
‫جهود الستخراجها‪ ،‬وال يتسع هذا البحث اليسير الستخراجها‪ ،‬وبيان أوجه الحكمة‬
‫فيها‪ ،‬وهي إن دلت فإنما تدل على سعة أفق الشريعة اإلسالمية وسموها‪ ،‬ومد‬
‫مراعاة فقهائها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم ملقاصد الشريعة ومصالحها‬
‫وأسسها العامة‪ ،‬وما أحوجنا في هذه األيام وهذه الظروف إلى األخذ بهذا الفقه‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫بعد أن امتن هللا تعالى علي بإتمام هذا البحث‪ ،‬فإني أشرع في ذكر نتائجه وتوصياته‬
‫على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬النت ــائج‪:‬‬
‫فقهيا على درجة كبيرة من األهمية‪ ،‬ينبغي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محورا‬ ‫َّأن مقاصد الشريعة تمثل‬
‫نظرا ملا يحققه من مصالح شرعية‪.‬‬ ‫مراعاته والعمل بمقتضاه في شتى امليادين‪ً ،‬‬
‫َّأن الصحابة األجالء قد راعوا مقاصد الشريعة في أقضيتهم‪ ،‬وأحكامهم‪ ،‬وفتاويهم‬
‫وطبقوها على الوقائع واألحداث التي وقعت في أعصارهم وأمصارهم‪.‬‬
‫ائدا من رواد املجتهدين املراعين ملقاصد‬ ‫َّأن سيدنا عمر بن الخطاب ‪ ‬يعتبر ً‬
‫ر‬
‫الشريعة‪ ،‬حيث له أقضية وأحكام فقهية نظر فيها إلى املآالت‪ ،‬وراعى فيها مقاصد‬
‫الشريعة‪ ،‬وطبقها وأمر والته وأمراءه بتطبيقها‪.‬‬
‫َّأن األقضية والنوازل التي قض ى فيها سيدنا عمر ‪ ‬على وفق املقاصد الشرعية‬
‫قويما وافقه فيه كثير من الصحابة والتابعين وأخذ‬ ‫فقها ً‬
‫كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وتمثل ً‬
‫به كثير من الفقهاء‪.‬‬
‫َّأن ثمت اتجاهات غربية معاصرة راعت الظروف واألحوال والضرورات في أحكامها‬
‫وأقضيتها مثلما فعله سيدنا عمر ‪ ‬في حد السرقة‪ ،‬وهذا يدل على صالحية‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪235‬‬
‫الفقه اإلسالمي لكل زمان ومكان‪ ،‬وعلى مد تأثر املنصفين من أبناء الغرب‬
‫بالشريعة اإلسالمية‪ -‬إذا افترضنا أنهم اطلعوا على بعض أحكامها‪،‬‬
‫ً‬
‫متسقا مع‬ ‫َّأن قضاء سيدنا عمر بن الخطاب ‪ ‬بقتل الجماعة بالواحد جاء‬
‫حاميا لضرورة حفظ النفس‪ً ،‬‬
‫دارءا‬ ‫محققا للمصلحة العامة‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫املقاصد الشرعية‪،‬‬
‫لكثير من املفاسد الشرعية املترتبة على القتل‪.‬‬
‫َّأن تعليق سيدنا عمر بن الخطاب ‪ ‬إقامة حد السرقة عام الرمادة ال يمثل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إلغاء لها أو تعطيال‪ ،‬بل يمثل أخذا بمقاصد‬ ‫إهدا ًرا لحدود هللا تعالى‪ ،‬وال‬
‫ورفعا للمشقة عن املضطرين للسرقة ألجل‬ ‫الشريعة‪ ،‬ومراعاة للظروف واألحوال‪ً ،‬‬
‫الجوع الشديد‪.‬‬
‫َّأن أمر سيدنا عمر ‪ ‬بعدم إقامة الحدود في أرض العدو إنما وقع ألجل دفع‬
‫وجمعا لشمل املسلمين‪ ،‬وعدم تشويه صورتهم أمام‬ ‫ً‬ ‫مفاسد وتحقيق مصالح‪،‬‬
‫أعدائهم‪ ،‬وحماية ملرتكبي الجرائم منهم بأرض العدو حتى ال يلحق باملشركين‪ ،‬وكل‬
‫هذا يتفق مع مقاصد الشريعة اإلسالمية ومبادئها العامة‪.‬‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬التوصيــات‪:‬‬
‫ضرورة االهتمام بالفقه املقاصدي والعمل على استخراج مواطنه وتطبيقاته التي‬
‫تزخر بها كتب التراث اإلسالمي حتى نستفيد منها في العصر الحاضر‪.‬‬
‫بذل الجهد واستفراغ الوسع في تتبع اجتهادات الصحابة وأقضيتهم‪ ،‬السيما‬
‫سيدنا عمر بن الخطاب ‪ ‬ودراستها دراسة متوسعة‪.‬‬
‫ضرورة الربط بين املقاصد الشرعية وبين النوازل املعاصرة‪ ،‬وذلك ملا تحققه‬
‫املقاصد الشرعية من مصالح وتدرأه من مفاسد‪ .‬وهللا املوفق ملا يحبه ويرضاه‪،‬‬
‫وهو سبحانه وتعالى نعم املولى ونعم النصير‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪236‬‬

‫أهم مراجع البحث‬


‫القرآن الكريم‪:‬‬
‫ابن أبي شيبة‪ ،‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬عبد هللا بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي‬
‫العبس ي (ت‪235‬هـ) في الكتاب املصنف في األحاديث واآلثار‪ ،‬تحقيق‪/‬كمال يوسف الحوت‪،‬‬
‫مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪1409:‬ه‪.‬‬
‫الج ْو َهري البغدادي (ت‪230‬هـ)‪ ،‬مسند ابن الجعد‪،‬‬ ‫الج ْعد بن عبيد َ‬
‫ابن الجعد‪ ،‬علي بن َ‬
‫تحقيق‪ :‬عامر أحمد حيدر‪ ،‬مؤسسة نادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1990 – 1410:‬م‪.‬‬
‫ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد املعروف بابن قيم الجوزية (ت‪751‬هـ)‪ ،‬إعالم‬
‫املوقعين عن رب العاملين‪ ،‬تحقيق‪/‬محمد عبد السالم إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1411:‬هـ ‪ 1991 -‬م‪.‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت‪728‬ه)‪ ،‬منهاج السنة النبوية في‬
‫نقض كالم الشيعة القدرية‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد رشاد سالم‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1406:‬هـ ‪ 1986 -‬م‪.‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني(ت‪827‬ه)‪،‬‬
‫مجموع الفتاوى‪ ،‬ترتيب الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬مجمع امللك فهد لطباعة‬
‫املصحف الشريف‪ ،‬املدينة النبوية‪1416،‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ابن حبان‪ ،‬محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد‪ ،‬التميمي(ت‪354‬ه)‬
‫الثقات‪ ،‬وزارة املعارف للحكومة العالية الهندية‪ ،‬حيدر آباد الدكن‪ ،‬الهند‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 1393:‬ه ‪.1973-‬‬
‫ابن حجر‪ ،‬أحمد بن علي بن محمد بن أحمد العسقالني(ت‪852‬ه) فتح الباري شرح صحيح‬
‫البخاري‪ .‬ترقيم وتبويب‪/‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬إخراج وتصحيح وإشراف‪ /‬محب الدين‬
‫الخطيب‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪1379 ،‬ه‪.‬‬
‫َ‬
‫ابن رجب‪ ،‬زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن‪ ،‬السالمي‪ ،‬البغدادي‬
‫الحنبلي(ت‪795‬هـ)‪ ،‬القواعد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫ابن رشد الحفيد‪ ،‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير‬
‫بابن رشد الحفيد (ت ‪595‬هـ) بداية املجتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬دار الحديث – القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪1425‬هـ ‪ 2004 -‬م‪.‬‬
‫ابن سعد‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالوالء‪ ،‬البصري‪،‬‬
‫البغدادي(ت‪230‬هـ) الطبقات الكبرى‪ ،‬تحقيق‪/‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1968 :‬م‪.‬‬
‫ابن شبة‪ ،‬عمر بن شبة زيد بن عبيدة بن ريطة النميري البصري (ت‪262‬هـ)‪ ،‬تاريخ املدينة‪،‬‬
‫تحقيق‪/‬فهيم محمد شلتوت‪ ،‬طبعة على نفقة‪ :‬السيد حبيب محمود أحمد – جدة‪ 1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫ابن عرفة‪ ،‬محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونس ي املالكي‪ ،‬أبو عبد هللا (ت‪ 803‬هـ)‬
‫املختصرالفقهي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬حافظ عبد الرحمن محمد خير‪ ،‬مؤسسة خلف أحمد الخبتور‬
‫لألعمال الخيرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1435:‬هـ ‪ 2014 -‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪237‬‬
‫ابن قدامة‪ ،‬موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي املقدس ي‬
‫(ت‪620‬هـ) املغني‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬د ط‪1388 ،‬هـ ‪ 1968 -‬م‪.‬‬
‫ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت‪ 774‬هـ) مسند الفاروق أميراملؤمنين أبي‬
‫حفص عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه و أقواله على أبواب العلم‪ ،‬تحقيق‪ /‬إمام علي دار‬
‫الفالح‪ ،‬الفيوم‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1430:‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرش ي الدمشقي (ت‪774‬هـ)‪ ،‬البداية‬
‫والنهاية‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي شيري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1408 :‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬وماجة اسم أبيه يزيد (ت ‪273‬هـ) السنن‪،‬‬
‫تحقيق‪ /‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪ -‬فيصل عيس ى البابي الحلبي‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫ابن مفلح‪ ،‬إبراهيم بن محمد بن عبد هللا بن محمد ابن مفلح (ت‪884‬هـ) املبدع في شرح‬
‫املقنع‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1418:‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫ابن منصور‪ ،‬أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني الجوزجاني (ت ‪227‬هـ)‬
‫السنن‪ ،‬تحقيق‪ /‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬الهند‪ ،‬الطبعة األولى‪1403:‬هـ ‪-‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين األنصاري الرويفعى اإلفريقى‬
‫(ت‪711‬هـ) لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1414:‬هـ‪.‬‬
‫ابن نجيم‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد‪ ،‬املعروف بابن نجيم املصري (ت‪970‬هـ) البحر‬
‫الرائق شرح كنزالدقائق‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ :‬د ت‪.‬‬
‫ابن نجيم‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد (ت ‪970‬ه)‪ ،‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪،‬‬
‫دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫ابن وهب‪ ،‬أبو محمد عبد هللا بن وهب بن مسلم(ت‪197‬هـ)‪ ،‬الجامع‪ ،‬تحقيق‪/‬د‪ .‬رفعت فوزي‬
‫عبد املطلب‪ ،‬د‪ .‬علي عبد الباسط‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬املنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1425:‬هـ ‪-‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫أبو العز الحنفي‪ ،‬صدر الدين علي بن علي ابن أبي العز الحنفي (ت ‪ 792‬هـ)‪ ،‬التنبيه على‬
‫مشكالت الهداية‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ /‬عبد الحكيم بن محمد شاكر‪ ،‬وأنور صالح أبو زيد‪،‬‬
‫رسالة ماجستير ‪ -‬الجامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪ ،‬مكتبة الرشد ناشرون – السعودية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1424:‬هـ ‪ 2003 -‬م‪.‬‬
‫ه‬
‫أبو عبيد‪ ،‬القاسم بن سالم بن عبد هللا الهروي البغدادي (ت‪224‬هـ) األموال‪ ،‬تحقيق‪/‬خليل‬
‫محمد هراس‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل أبو عبد هللا البخاري الجعفي(‪256‬هـ)‪ ،‬في الجامع املسند‬
‫الصحيح املختصر من أمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه و أيامه‪ ،‬املشهور‬
‫بــ"صحيح البخاري"‪ ،‬ترقيم‪ /‬الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬األولى‪1422:‬هـ‪،‬‬
‫مصر‪ .‬املصورة عن الطبعة السلطانية‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪238‬‬

‫البغوي‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي(ت‪516‬هـ) شرح‬
‫السنة‪ ،‬تحقيق‪/‬شعيب األرنؤوط ومحمد زهير الشاويش‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1403 :‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (ت‪1051‬هـ)‪،‬‬
‫دقائق أولي النهى لشرح املنتهى املعروف بشرح منتهى اإلرادات‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1414:‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫البيجرمي‪ ،‬سليمان بن محمد بن عمر البجير ِمي املصري الشافعي (ت‪1221‬هـ)‪ ،‬التجريد‬
‫لنفع العبيد أو حاشية البجيرمي على شرح املنهج‪ ،‬مطبعة الحلبي‪ ،‬د‪ .‬ط‪1369 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1950‬م‪.‬‬
‫البيهقي‪ ،‬أبو بكر (ت‪ 458‬ه) الخالفيات بين اإلمامين الشافعي و أبي حنيفة وأصحابه‪،‬‬
‫تحقيق ودراسة‪ :‬فريق البحث العلمي بشركة الروضة‪ ،‬الروضة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1436:‬هـ ‪2015 -‬م‪.‬‬
‫الترمذي‪ ،‬محمد بن عيس ى بن سورة بن موس ى(ت‪279‬ه)‪ .‬السنن‪ ،‬تحقيق‪ /‬أحمد شاكر‪،‬‬
‫ومحمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬وإبراهيم عطوة‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1395:‬هـ ‪1975 -‬م‪.‬‬
‫جعيط‪ ،‬كمال الدين‪ ،‬العرف بحث منشور في مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ -‬العدد الخامس‪.‬‬
‫حو ‪ ،‬سعيد (ت‪1409‬ه)‪ ،‬األساس في التفسير‪ ،‬دار السالم – القاهرة‪1424 ،‬ه‪.‬‬
‫الخزاعي‪ ،‬علي بن محمد بن أحمد بن موس ى ابن مسعود ابن ذي الوزارتين (ت‪789‬هـ) تخريج‬
‫الدالالت السمعية على ما كان في عهد رسول هللا من الحرف والصنائع والعماالت‬
‫الشرعية‪ ،‬تحقيق‪/‬إحسان عباس‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1419:‬ه‪.‬‬
‫خالف‪ ،‬عبد الوهاب(ت‪1375‬ه)‪ ،‬السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية‬
‫واملالية‪ ،‬دار القلم‪ 1408،‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫الدردير‪ ،‬أحمد بن محمد بن أحمد العدوي‪ ،‬أبو البركات(ت‪1201‬ه)‪ ،‬الشرح الكبير على‬
‫مختصرخليل‪ ،‬مطبوع مع حاشية الدسوقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ه َ ه َّ‬
‫الش ه‬
‫افعي (ت ‪ 748‬هـ)‪ ،‬املهذب في‬ ‫محمد بن أحمد بن ُعثمان الذهبي‬ ‫الذهبي‪ ،‬أبو عبد هللا ه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العلمي‪ ،‬بإشراف أبي تميم ياسر بن‬
‫ِ‬ ‫اختصار السنن الكبير‪ ،‬تحقيق‪ /‬دار املشكاة للبحث‬
‫إبراهيم‪ ،‬دار الوطن للنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1422 :‬هـ ‪ 2001 -‬م‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الذهبي‪ ،‬شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز(ت‪748‬هـ)‪ ،‬سير‬
‫أعالم النبالء‪ ،‬تحقيق‪ /‬مجموعة من املحققين بإشراف شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ 1405:‬هـ ‪ 1985 /‬م‪.‬‬
‫الرملي‪ ،‬شمس الدين محمد بن أبي العباس(ت‪1004‬هـ)‪ ،‬نهاية املحتاج إلى شرح املنهاج‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األخيرة‪1404:‬هـ‪1984/‬م‪.‬‬
‫الريسوني‪ ،‬أحمد‪ ،‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطبي‪ ،‬الدار العاملية للكتاب اإلسالمي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ 1412:‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ِ‬
‫الشريعة يف‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬
‫‪239‬‬
‫زكريا األنصاري‪ ،‬زكريا بن محمد بن زكريا األنصاري‪ ،‬زين الدين أبو يحيى السنيكي (ت‬
‫‪926‬هـ)‪ ،‬أسنى املطالب في شرح روض الطالب‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الزيلعي‪ ،‬عثمان بن علي بن محجن البارعي‪ ،‬فخر الدين الزيلعي الحنفي (ت‪ 743‬هـ) تبيين‬
‫الحقائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬املطبعة الكبر األميرية‪ ،‬بوالق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1313:‬هـ‪ ،‬ثم صورتها دار الكتاب اإلسالمي‪ -‬طبعة ثانية‪.‬‬
‫السدالن‪ ،‬صالح بن غانم‪ ،‬وجوب تطبيق الشريعة اإلسالمية في كل عصر‪ ،‬دار بلنسية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض السعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1417 :‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫السرخس ي‪ ،‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخس ي(ت‪483‬هـ)‪ ،‬املبسوط‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫السفياني‪ ،‬عابد بن محمد‪ ،‬الثبات والشمول في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مكتبة املنارة‪ ،‬مكة‬
‫املكرمة السعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1408:‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫الشاذلي‪ ،‬حسن علي‪ ،‬الجنايات في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي‬
‫والقانون‪ ،‬دار الكتاب الجامعي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫الشاطبي‪ ،‬إبراهيم بن موس ى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت‪790‬هـ)‪،‬‬
‫املو افقات‪ ،‬تحقيق‪/‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن َّ‬
‫عفان‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪1417‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬
‫الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس(ت‪204‬ه) املسند‪ ،‬ترتيب‪ /‬سنجر بن عبد هللا الجاولي‪ ،‬أبو‬
‫سعيد‪ ،‬علم الدين (ت ‪745‬هـ)‪ ،‬تحقيق وتخريج‪ /‬ماهر ياسين فحل‪ ،‬شركة غراس للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1425:‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫الشعراوي‪ ،‬محمد متولي(ت‪1420‬ه)‪ ،‬تفسير الشعراوي الخواطر‪ ،‬دار أخبار اليوم – مصر‪.‬‬
‫د‪.‬ط‪ .‬دت‪.‬‬
‫الشيرازي‪ ،‬أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت‪476‬هـ) املهذب في فقه اإلمام‬
‫الشافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الطبراني‪ ،‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي‪ ،‬أبو القاسم الطبراني‬
‫(ت‪360‬هـ)‪ ،‬املعجم األوسط‪ ،‬تحقيق‪/‬طارق بن عوض هللا بن محمد‪ ،‬عبد املحسن بن‬
‫إبراهيم الحسيني‪ ،‬دار الحرمين‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫عبد الرزاق‪ ،‬أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت‪211‬هـ)‪،‬‬
‫املصنف تحقيق‪/‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬املجلس العلمي‪ -‬الهند‪ ،‬املكتب اإلسالمي – بيروت‬
‫الطبعة الثانية‪1403:‬ه‪.‬‬
‫عليش‪ ،‬محمد بن أحمد بن محمد(ت‪1299‬هـ) منح الجليل شرح مختصر خليل‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪1409،‬هـ‪1989-‬م‪.‬‬
‫ا‬
‫عودة‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي‪ ،‬دار الكاتب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الفاس ي‪ ،‬عالل‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها مكتبة الوحدة العربية‪1963 ،‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلناايت‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫ملقاصد الشر ِ‬
‫يعة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجتهادات الفاروق عمر املـُر ِ‬
‫اعية‬ ‫ِ‬ ‫صور من‬ ‫‪240‬‬

‫القرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزريي شمس الدين‬
‫القرطبي (ت‪671‬هـ)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬تحقيق‪/‬أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش‪ ،‬دار‬
‫الكتب املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1384 :‬هـ ‪1964 -‬م‪.‬‬
‫الكاساني‪ ،‬عالء الدين‪ ،‬أبو بكر بن مسعود بن أحمد (ت‪587‬هـ)‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب‬
‫الشرائع‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1406:‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫الكوسج‪ ،‬إسحاق بن منصور بن بهرام‪ ،‬أبو يعقوب املروزي(ت‪251‬هـ)‪ ،‬مسائل اإلمام أحمد‬
‫بن حنبل وإسحاق بن راهويه‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬الجامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪1425:‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي(ت‪ )179‬املوطأ (‪ ،)748/2‬تحقيق وتخريج محمد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت لبنان‪ 1406 ،‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫مالك‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر(ت‪179‬هـ)‪ ،‬املدونة الكبرى دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1415 :‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫املاوردي‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي(ت‪450‬هـ)‬
‫الحاوي الكبير‪ ،‬تحقيق‪/‬علي محمد معوض وعادل أحمد عبد املوجود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1419:‬هـ ‪1999-‬م‪.‬‬
‫ه‬
‫مقال في جريدة العربية بعنوان " هذه الدولة ال تجرم سرقة الطعام بحالة الجوع‪ ..‬هل تعرف‬
‫ما هي"؟ منشور بموقع ‪https://arabic.cnn.com/travel/2016/05/04/food-theft-italy‬‬
‫بتاريخ ‪2016/5/4‬م)‪.‬‬
‫املواق‪ ،‬محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي (ت ‪897‬هـ) التاج‬
‫واإلكليل ملختصرخليل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪1416:‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫النسائي‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني‪ ،‬النسائي (ت‪303‬هـ) في‬
‫املجتبى من السنن املعروف بـ " السنن الصغرى"‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب‬
‫املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬الطبعة الثانية‪1986 – 1406:‬م‪.‬‬
‫النووي‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين بن يحيى بن شرف النووي(ت‪676‬ه)‪ ،‬املجموع شرح املهذب‬
‫مع تكملة السبكي واملطيعي‪ ،‬تكملة وتحقيق‪ /‬محمد نجيب الدين املطيعي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬

You might also like