You are on page 1of 258

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة‬

‫الكتاب ‪ :‬الفساد واإلصالح ‪-‬دراسة‬


‫عماد صالح عبد الرزاق الشيخ داود‬
‫من منشورات احتاد الكتاب العرب‬
‫دمشق ‪2003 -‬‬

‫الربيد االلكرتوين‪: unecriv@net.sy E-mail :‬‬


‫‪aru@net.sy‬‬
‫موقع احتاد الكتّاب العرب على شبكة اإلنرتنت‬
‫‪http://www.awu-dam.org‬‬
‫مالحظة‪[ :‬هذا الكتاب من كتب املستودع مبوقع املكتبة الشاملة]‬

‫الفساد واإلصالح‬

‫الربيد االلكرتوين‪: unecriv@net.sy E-mail :‬‬


‫‪aru@net.sy‬‬
‫موقع احتاد الكتّاب العرب على شبكة اإلنرتنت‬
‫‪http://www.awu-dam.org‬‬

‫((‬

‫عماد صالح عبد الرزاق الشيخ داود‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الفساد واإلصالح‬
‫دراسة‬

‫من منشورات احتاد الكتاب العرب‬


‫دمشق ‪2003 -‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫ِ‬
‫ري(‪َ ،)112‬والَ تَ ْرَكنُواْ إِ ََل الذ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ك َوالَ تَطْغَ ْوا إِنهُ ِمبَا تَ ْع َملُو َن بَص ٌ‬ ‫ب َم َع َ‬ ‫ت َوَمن ََت َ‬‫استَ ِق ْم َك َما أ ُِم ْر َ‬
‫{ فَ ْ‬
‫نص ُرو َن(‪َ ،)113‬وأَقِ ِم الصلَوةَ طََرََف الن َها ِر‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ُُث الَ تُ َ‬ ‫ار َوَمالَ ُكم من ُدون هللا م ْن أَوليَ َ‬ ‫ظَلَ ُمواْ فَ تَ َمس ُك ُم الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئات ذَلِ َ ِ‬ ‫ْب السيِ ِ‬ ‫وُزلََفاً ِمن الي ِل إِن احلسن ِ ِ‬
‫اصِ ْرب فَِإن هللاَ الَ يُض ُ‬
‫يع‬ ‫ين(‪َ ،)114‬و ْ‬ ‫ك ذ ْك َرى للذاك ِر َ‬ ‫ت يُ ْذه ْ َ ّ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َّ ْ‬
‫ض إِال‬ ‫اد َِف األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ون من قَبلِ ُكم أُولُواْ ب ِقي ٍة ي ْن هو َن َع ِن ال َفس ِ‬ ‫ِ‬
‫أَجر املُ ْح ِسنِني(‪ ،)115‬فَلَوالَ َكا َن من ال ُقر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ ْ َ َ َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫ك ليُ ْهل َ‬ ‫ني(‪َ ،)116‬وَما َكا َن َربُّ َ‬ ‫ين ظَلَ ُمواْ َما أُتُ ِرفُواْ فيه َوَكانُواْ ُُْم ِرم َ‬‫قَليالً ّّم ْن أَنَْي نَا م ْن ُه ْم َوات بَ َع الذ َ‬
‫صلِ ُحو َن‪ } .‬صدق هللا العظيم ‪.‬‬ ‫الْ ُق َرى بِظُل ٍْم َوأ َْهلُ َها ُم ْ‬
‫سورة هود‬
‫غدهِ‪:‬‬
‫إين رأيت أنه ال يكتب أح ٌد كتاابً َف يومه إال قال َف ِ‬
‫لو غري هذا لكان أحسن‪ ،‬ولو زيد هذا لكان يستحسن‪ ،‬ولو قدم هذا لكان أفضل‪ ،‬ولو ترك هذا‬
‫لكان أمجل‪.‬‬
‫شر‪.‬‬
‫ليل على استيالء النقص على ُمجلة البَ َ‬
‫العرب‪ ،‬وهو َد ٌ‬
‫وهذا من أعظم َ‬
‫العماد األصفهاين‬
‫املقدمة‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫(فاستقم كما أمرت ومن َتب معك وال تطغوا إنه مبا تعملون بصري)‬
‫صدق هللا العظيم‬
‫هود اآلية ‪112‬‬

‫(‪)1/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫احلمد هلل مستحق احلمد الذي أَطعم وأنعم ويسر ورحم‪ ،‬احلمد هلل الذي أيقظ من عباده من اصطفاه‬
‫رمحة للعاملني وقائداً للغر احملجلني إماماً للمتقني وشفيعاً للمسلمني سيدان حضرة رسول هللا (حممد بن‬
‫عبد هللا) عليه وعلى آله األخيار وصحابته األبرار صالة ريب وتسليمه ومن اتبع فعمل صاحلاً ليحشر‬
‫يوم تشخص فيه القلوب واألبصار‪.‬‬ ‫مع األخيار‪ ،‬متجنبني أذى ٍ‬
‫أما بعد‪..‬‬
‫فلقد ابت من الواضح أمام الوجود البشري منذ نشأته حىت يومنا احلاضر‪ ،‬أن كل سلوك ال يتوافق‬
‫مع كل ما هو‬
‫(أخالقي‪ ،‬قيمي‪ ،‬عقالين)‬
‫َف سلسلة العالقات اإلنسانية السوية‪ ،‬تعارف عليه اصطالحاً (ابلفساد) الذي عرفه علماء األخالق‬
‫(على حد تعبري آ‪.‬د‪ .‬حممد علي الفرا) أبنه‪:‬‬
‫(كل قول أو فعل يناَف ويتعارض مع األخالق والسلوك السوي)‬
‫وهو ما درسه النتاج الفكري اإلنساين بشكل مستفيض وحاول الكثريون منذ نشوء اخلليقة أتطريه‬
‫والعمل على عالجه بوصفه حالة هلا آاثرها املؤذية على األفراد واجملتمعات‪ .‬حيث ند بوادر‬
‫تشخيصها لدى امللك (محو رايب) َف شريعته‪ ،‬ولدى (كونفوشيوس) َف تعاليمه‪ ،‬انهيك عن الكثري‬
‫ّما جاء بعد ذلك من آاثر َف الشأن املذكور‪ .‬على أن ذروة سنام األمر يتجلى حتديده َف الرساالت‬
‫السماوية وما أتى به (الرسل الكرام) من هداية للبشرية وإرشاد إَل الطريق السوي املستقيم‪ ،‬إلنقاذ‬
‫الناس من اختالالت كثرية َف ُماالت احلياة‪ ،‬كانت إحداها ظاهرة (الفساد) املقيتة‪ ،‬ملا هلا من أتثري‬
‫غري حممود َف ّمارسات اإلنسان جتاه أخيه اإلنسان‪ ،‬اباللتجاء إَل سلب احلقوق‪ ،‬وإيثار النفس‬
‫لتحقيق مآرهبا‪ ،‬خاصة على حساب آخرين من أبناء اجللدة‪ ،‬تركوا يعانون من ذلك الفعل غري النزيه‬
‫الذي جره منصب استأثر به أحدهم فلم يصنه‪ ،‬أو مال أئتمن عليه فخانه ومل حيفظه‪ ،‬أو والية على‬
‫أمر الناس مل يؤدها حقها وجار فيها‪.‬‬

‫(‪)2/1‬‬

‫ولعل األخذ ابألمنوذج اإلسالمي لتشخيص الظاهرة يدلنا َف شواهده على الكثري من أشكال املعاجلة‬
‫والتطهري من هذا الوابء الذي يصيب النفوس فريدي حاهلا‪ ،‬وما حساب اخلليفة الراشد الثاين سيدان‬
‫(عمر بن اخلطاب) (رضي هللا عنه وأرضاه) لعماله على البحرين‪ ،‬والبصرة عن أموال جرت َف أيديهم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بعد إسناد الوالية إليهم واسرتداده إايها وإيداعها َف بيت املال‪ ،‬إال استشرافاً صحيحاً للظاهرة اليت‬
‫حددها القرآن العظيم والسنة املطهرة وسار عليها اآلل الكرام والصحابة األطهار إلصالح حال‬
‫الدنيا والسري مبا يرضي هللا والرعية‪ ،‬ذلك أنه ليس من شأن العامل على والية (أو منصب) مزامحة‬
‫الرعية َف رزقها واالنشغال ابألموال عن ما أسند إليه من أمر‪ ،‬حيث أن الوالية تعين اجللوس للقضاء‪،‬‬
‫واإلمامة َف الصالة‪ ،‬والقسمة بني الناس ابلعدل‪ ،‬والزهد (وهو قمة األمر) عن ما َف يد العباد أو َف‬
‫يغل َف ذلك حياسب‬
‫بيت املال من أموال وّمتلكات إذ أن احملافظة على األمانة هو غاية الوالية ومن ّ‬
‫حساابً عسرياً َف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫كانت تلك هي اآلاثر اليت تُركت من األقدمني ّما يدعوان للسري على منحاها القومي بعدها مناراً رابنياً‬
‫وسلوكاً بشرايً نورانياً منظماً حلياة الناس وموجهاً ضد كل ما يناَف القيم الفاضلة‪.‬‬
‫إال أن االنتقال إَل ما هو عليه اليوم‪ ،‬يكشف عن أهوال تركتها هذه الظاهرة‪ ،‬ومرارة َف احلياة ألقتها‬
‫على كثريين عانوا من آاثرها املدمرة‪.‬‬

‫(‪)3/1‬‬

‫ذلك أن بالد هللا ذاقت األمرين من استفحال الفساد على الرغم من قيام الدولة احلديثة مبؤسساهتا‬
‫اليت (تشرع‪ ،‬وتنفذ‪ ،‬وتقضي‪ ،‬وتراقب) إذ املفروض أن حتد آبليات عملها من هذا السبيل املقيت غري‬
‫أن الواقع ينذر حبال عكس ما هو مفرتض أن يكون‪ .‬يضاف إَل ذلك ما حتت وقع (العوملة) وأذرعها‬
‫وسبل حتقيقها ما ينبئ إبطالق انقوس اخلطر الستشراء الفساد وتعومله (هو اآلخر) بعد أن كانت‬
‫الظاهرة مقتصرة على الواقع الداخلي احمللي فحسب‪ ،‬إذ أصبحت متارس على نطاق عاملي وغدت‬
‫هنالك جهات تستفيد من زايدة سلوكها املنحرف وتعدد سبلها امللتوية‪ ،‬ال بل إن بعض األفكار‬
‫وجدت َف (الفساد) الزيت الذي يسهل حركة عجلة التنمية وأنه ضرورة من ضرورات تصاعد وَتئرها‬
‫وناحها َف مقاصدها‪.‬‬
‫وَف خضم هذا البحر املظلم املتالطم الذي ال ينجو منه من يسبح فيه إال القليل كون عمقه قادراً‬
‫على ابتالع موارد أمم وحصائل ُمتمعات‪ ،‬يتطلب احلال بغية النجاة واللجوء إَل الدراسة املعمقة‬
‫لظاهرة (الفساد) اليت عرفتها كل بلدان البسيطة َف الشمال واجلنوب على الرغم من أن طبيعة‬
‫استقرار املؤسسات وتطور اجملتمعات املدنية وتعدد سبل الرقابة والرصد َف األوَل قد تقوض (بعض‬
‫الشي) من االنتشار املفرط للظاهرة‪ ،‬دون األخرية من البلدان اليت تشكو الضعف َف كل تلك‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫املفاصل األمر الذي يساعد َف استشرائها‪ ،‬وهو ما يضطران لإلحاطة الشاملة إَل أخذمها كليهما بنظر‬
‫االعتبار َف التأصيل والبحث والدراسة للوقوف على األمر وحقيقته‪.‬‬

‫(‪)4/1‬‬

‫وبناء على ذلك فإن األمانة العلمية حتتم علينا االنطالق لدراسة الظاهرة بع ّدها جهداً يشري ويؤصل‬
‫للعديد من أبعادها وسبل انتشارها‪ ،‬ويقدم إسهاماً متواضعاً يستقرئ جتارب العامل الناجحة َف إعالن‬
‫احلرب على الفساد لتوظفها برؤية أكادميية للحد منه والسري َف ُمال اإلصالح الذي أصبح ضرورة‬
‫ال بد منها َف عامل اليوم ابتباع سبل (الشفافية واملساءلة واحلكم الرشيد)‪ ،‬وبعد ذلك مشاركة قد تفيد‬
‫َف جتنب اإلنسانية لويالت ألقت بظالهلا عليها هذه الظاهرة‪ .‬ولذلك اعتمدان اختاذ املنهج املقارن‬
‫أسلوابً علمياً للدراسة كي نصل ابألمر إَل مبتغاه‪ ،‬وبشكل حوى كثرياً من األمثلة واألمنوذجات من‬
‫شىت أصقاع األرض‪ .‬حيث لوحظ َف الدراسات املتخصصة َف الشأن املذكور اقتضاهبا واكتفاؤها‬
‫بدراسة حالة الفساد َف البلدان بشكل مفرد‪ ،‬من دون النظرة َف الدراسة إَل احلال اجلمعي (الدويل)‬
‫برمته الذي أصبحت دراسته ضرورة َف عامل يتعومل ويزداد اندماجه يوماً بعد آخر‪ ،‬وهو ما اضطران‬
‫الختاذ املنحى اجلمعي أمنوذجاً للدراسة املقارنة َف مسعاان هذا خاصة وأن الكثري من املؤسسات‬
‫واملنظمات غري احلكومية العاملة على الصعيد الدويل أخذت ابالهتمام ودراسة الظاهرة (على عاتقها)‬
‫الستئصال شأفة الفساد ابلكشف عنه واحلث على حماربته ضمن سياق أعماهلا ّما يفسر اتساع دائرة‬
‫نفوذ الظاهرة‪.‬‬
‫وصفوة القول ال بد لنا من عرض هيكل املوضوع الذي نرجو أن يكون خطوة على الطريق الصحيح‬
‫وكان على النحو التايل‪:‬‬
‫الفصل األول خصص لدراسة األبعاد التارخيية وأبعاد املفهوم للفساد واإلصالح ومقارابهتا اللغوية‪.‬‬
‫الفصل الثاين درست فيه أمناط الفساد مبختلف صوره َف حماولة لتسليط الضوء على تلك األمناط‬
‫وبيان الرتابط فيما بينها‪.‬‬
‫الفصل الثالث وخصص حملاكاة متغريات عرفتها تسعينيات القرن املنصرم أكثر من أي وقت قبالً‬
‫تؤثر َف ازدايد رقعة الفساد َف عامل الشمال واستشرائه َف عامل اجلنوب‪.‬‬

‫(‪)5/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الفصل الرابع وجاء للرتكيز على ما يرتكه الفساد من آاثر سلبية على التنمية‪ ،‬وسداد الدين‪ ،‬والنظام‬
‫العام والكفاية وقيم اجملتمع‪.‬‬
‫الفصل اخلامس وفيه مت مناقشة اإلصالح على الصعيد الداخلي واخلارجي وكيفية االستفادة من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ُث لنختم الدراسة ببضع نقاط وجدان أن أمهيتها قد جتلت لدينا بعد هذا السفر بني نقاط عدة‪.‬‬
‫وختاماً ليس يل إال أن أقول احلمد هلل من قبل ومن بعد وهو املستعان سبحانه ومنه نستمد العون‬
‫والتوفيق إنه حكيم بصري‪.‬‬
‫بغداد‪ /‬شتاء ‪2002‬‬
‫عماد الشيخ داود‬
‫***‬

‫الباب األول‬
‫دراسة َف األبعاد التارخيية‬
‫وأبعاد املفهوم‬
‫ال بد للباحث عند الولوج َف أي موضوع أن يستقرئ حوادثه السابقة وكذلك أن يعي معناه‬
‫ولإلحاطة بكال األمرين‬
‫يرتكز جهدان َف هذا الباب‪...‬‬
‫الفصل األول‬
‫الفساد ‪CORRUPTION‬‬

‫الفساد‪ :‬الكلمة اليت كانت املساعي اخلرية وما زالت تسعى للحد منها‪،‬‬
‫كيف نشأت وتطورت؟‬
‫وما معانيها العمومية والتخصصية؟‬
‫تساؤالت سنتناول إجابتها َف املطلبني اآلتيني‪:‬‬
‫‪ 1‬البعد التارخيي للفساد‬
‫مل تعرف اإلنسانية َترخياً حمدداً لنشوء ظاهرة الفساد على وجه البسيطة‪ .‬بل قد يكون الفساد ظاهرة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫نشأت مع بداية اخلليقة على األرض حيث نرى َف األثر قصة ولدي آدم (عليه السالم) (هابيل‬
‫وقابيل) اليت تدل على نشوئه منذ ذلك الزمن السحيق‪.‬‬
‫وإلثراء البعد التارخيي ال بد أن نستذكر شواهده وكيف متت اإلشارة هلذه الظاهرة اليت تعد آفة تعاين‬
‫منها البشرية أبمجعها‪.‬‬

‫(‪)6/1‬‬

‫وابدئ ذي بدء ال بد من اإلشارة إَل أن األقوام اليت استوطنت أرض العراق واليت تؤكد الشواهد‬
‫التارخيية أهنا أُوَل احلضارات َف العامل‪ ،‬قد عرفت ظاهرة الفساد‪ ،‬لذلك نرى إشارات إَل جرائم‬
‫الظاهرة َف القوانني اليت عرفتها (أوروك) و(أورمنو) َف األلواح السومرية وحماضر جلسات ُملس‬
‫(أرك)‪ ،‬حسب آراء (السري كرمير)‪ )1(.‬كما إن الواثئق اليت عثر عليها وتعود بتارخيها إَل األلف‬
‫الثالث (ق‪.‬م) تبني أن (احملكمة امللكية) آنذاك كانت تنظر َف قضااي الفساد‪ ،‬مثل (استغالل النفوذ‪،‬‬
‫استغالل الوظيفة العامة‪ ،‬قبول الرشوة وإنكار العدالة) حىت أن قرارات احلكم َف جرائم مثل هذه‬
‫كانت تصل إَل حد اإلعدام(‪.)2‬‬
‫ويالحظ أن (محو رايب) ملك اببل الذي وسع اململكة‪ ،‬وصاحب التشريعات املهمة َف التاريخ‬
‫(شريعة محورايب)‪ ،‬قد أشار َف املادة السادسة من شريعته إَل جرمية الرشوة‪.‬‬
‫حيث شدد على إحضار طالب الرشوة أمامه ليقاضيه بنفسه وتوليه أمر اجتثاثه‪ّ ،‬ما يدل على‬
‫اهتمامه الكبري مبكافحة آفة الفساد‪ ،‬وكذلك فإن الشريعة املذكورة كانت قد نظمت العالقة بني‬
‫احلاكم واحملكوم(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صموئيل كرمير‪ /‬من ألواح سومر‪ /‬د‪ .‬طه ابقر (مرتجم)‪ /‬بغداد‪ /‬مكتبة املثىن‪ /1975 /‬ص‬
‫ص‪.82-81‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬إبراهيم عبد الكرمي الغازي‪َ /‬تريخ القانون َف وادي الرافدين والدولة الرومانية‪ /‬بغداد‪ /‬مطبعة‬
‫األزهر‪ /1973 /‬ص‪.100‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬سعد العنزي‪َ /‬ف لقاء متلفز (برانمج شريعة محورايب)‪ /‬تلفزيون العراق الساعة ‪ 6‬مساء يوم‬
‫‪.2000/6/20‬‬

‫(‪)7/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وابنتقالنا من وادي الرافدين إَل وادي النيل نالحظ أن ملصر الفرعونية إشارات ووصااي وتنبؤات َف‬
‫تنظيم اإلدارة والعالقات السليمة َف احلكم والدولة‪ ،‬كما جاء َف تشريع (حور حمب) على سبيل‬
‫املثال(‪ .)1‬كذلك مل يغفل اإلغريق اهتمامهم مبشكلة الفساد فقد حدد (سولون)(‪َ )2‬ف تشريعاته اليت‬
‫أطلق عليها قانون (اتيكا) قواعد إلرشاد موظفي الدولة وضبط عملهم اإلداري‪ .‬وسعى إلدخال املثل‬
‫األعلى للمساواة االجتماعية َف بالد مزقتها نزاعات األغنياء والفقراء وقد سن تشريعاته إمياانً منه‬
‫بتكريس سيادة القانون للحد من مظاهر الفساد اليت بدت َف ترف األغنياء وبذخهم املثري‬
‫لألحقاد(‪.)3‬‬
‫وبعد ذلك كله ال بد من حملة َترخيية نتطرق فيها إَل الصينيني القدماء حيث نرى أن تراث الفكر‬
‫السياسي لدى (كونفوشيوس) قد شخص ظاهرة الفساد‪ ،‬ففي كتابه (التعليم األكرب) يرد أسباب‬
‫احلروب إَل فساد احلكم والذي مرده إَل فساد األسر وإغفال األشخاص تقومي نفوسهم‪ ،‬أما َف كتابه‬
‫(عقيدة الوسط) فهو يرى أن احلكم ال يصلح إال ابألشخاص الصاحلني والوزارة الصاحلة اليت توزع‬
‫الثروة بني الناس على أوسع نطاق‪ ،‬وهو يشري ألخطار الفساد عندما يتطرق إَل القول إن تركيز‬
‫الثروة يؤدي إَل تشتت الشعب(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬فاروق سعد (احملامي)‪ /‬تراث الفكر السياسي قبل (األمري) وبعده‪ /‬بغداد‪ /‬مطبعة االنتصار‪/‬‬
‫‪ /1988‬ص ص ‪.214-210‬‬
‫(‪ )2‬سولون‪ :‬أحد احلكماء السبعة عند اإلغريق والذي ند لديه بداايت املدينة الفاضلة اليت اندى‬
‫هبا أفالطون‪.‬‬
‫(‪ )3‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫(‪ )4‬م‪ .‬ن‪ /.‬ص ص ‪.217-216‬‬

‫(‪)8/1‬‬

‫جدير ابلذكر أن أفالطون َف كتابه (اجلمهورية) (والذي جاء بعد سولون‪ ،‬وكونفوشيوس‪ ،‬بفرتة الحقة)‬
‫تطرق لظاهرة الفساد من خالل مناقشته ملشكلة (العدالة) الفردية واجلماعية‪ .‬حيث أشار إَل أن‬
‫اللجوء إَل العدالة يستبعد مسألة املنفعة أو املصلحة واليت هي األساس َف ظهور الفساد واستفحاله‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫كما أنه ومن خالل معاجلته للصريورة السياسية للحكومات واليت هي َف نظره صريورة حتمية ودقيقة‬
‫يرى فيها أن احلكومة تنتقل من (األرستقراطية) إَل (التيموقراطية) ُث (األوليغارشية) ف (الدميقراطية)‬
‫لكي تنتهي (ابالستبدادية) حيدد ويتهم (التيموقراطية) (‪ )Timo cratic‬أبهنا تستغل الفرصة‬
‫لتقاسم الثروات واضطهاد من كلفوا حبمايتها‪ .‬وَف ذلك تشخيص ضمين ملظهر من مظاهر الفساد َف‬
‫ذلك الوقت‪ .‬حيث إنه يفلسف احلب املتزايد للثروة اليت منشؤها السلطة والبحث عن اجملد‬
‫واملطامح ويعده سبباً من أسباب انتقال السلطة بني صور صريورهتا‪ ،‬وَف رأيه أن صاحب الثروة هو‬
‫السيد املطاع والفقري هو احلقري املرتذل(‪.)1‬‬
‫أما على صعيد كتابة (القوانني)(‪ )2‬فنراه حيارب الفساد َف مجيع صوره‪ ،‬فهو حيارب الفساد الديين‬
‫وحيث على الوحدة األخالقية حلاضرته املؤلفة من (مخسة آالف وأربعني مواطناً) ونراه أيضاً حياول‬
‫احلد من الفساد االقتصادي واإلداري حبيث مل يسمح للمالّك بزايدة أمواهلم إال ضمن حد معني‪،‬‬
‫وعزل احلاضرة عن البحر لتفادي تعاطي التجارة‪ ،‬وإقرار إنشاء هيئة موظفني واجبها مراقبة تصرفات‬
‫املواطن(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جان توشار‪َ /‬تريخ الفكر السياسي‪ /‬د‪ .‬علي مقلد (مرتجم)‪ /‬بريوت‪ /‬العاملية للطباعة‪/1981 /‬‬
‫ص‪.31‬‬
‫(‪ )2‬كتاب القوانني هو نتاج شيخوخة أفالطون‪.‬‬
‫(‪ )3‬م‪ .‬ن‪ /.‬ص ص ‪.37-35‬‬

‫(‪)9/1‬‬

‫وابنتقاله من أفكار (أفالطون) إَل أفكار (أرسطو) نرى أنه ش ّخص الفساد السياسي من خالل‬
‫تصنيفه للدساتري‪ ،‬حيث درس مع تالمذته (مئة ومثانية ومخسني) دستوراً ملدن وحواضر خمتلفة‪ ،‬فقد‬
‫ضمن كتابه‬
‫درس (احلق العرَف) لدى الربابرة‪ ،‬وقوانني (سولون)‪ ،‬ومطالب احلواضر اإلغريقية‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫(األخالقيات) (اتيك أنيكوماك) التأكيد على دراسة الدساتري ليالحظ العناصر اليت حتافظ على‬
‫احلواضر‪ ،‬فضالً عن العوامل اليت تدمرها(‪ .)1‬فهو من خالل معاجلاته يصنف املدينة اليت يغويها‬
‫هدف فاسد أبهنا مدينة فاسدة‪ ،‬بل قد تفشل َف أن تكون دولة على اإلطالق‪َ .‬ف حني يرى أ ّن‬
‫الدولة الصاحلة هي اليت ال تكتفي بطلب اخلري هلا فحسب بل تطلب اخلري العام‪ ،‬وحيدد ذلك أبن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫احلكم السليم ال يقوم على ُمرد طلب اخلري ما مل يكن اخلري عاماً ومشرتكاً بني مجيع املواطنني(‪.)2‬‬
‫إن أرسطو مل يكن مؤمناً ابحلكم املطلق مهما كانت صفة احلاكم حىت لو كان فيلسوفاً‪ ،‬لذا نراه‬
‫يش ّخص ظاهرة الفساد لدى ذكره أنواعاً للحكم ثالثة تتضمنها الدساتري حبسب عدد احلكام(‪)3‬‬
‫واليت لكل منها شكله الفاسد‪ ،‬على أن الضابط لديه الذي يفرق بني الصاحل والفاسد هو أ ّن‬
‫الدساتري الصاحلة متارس احلكم لصاحل احملكومني والفاسدة متارس احلكم لصاحل أولئك الفاسدين(‪.)4‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬وإذا ما انتقلنا من اإلغريق إَل عهود املسيحية ند أ ّن نصوص (الكتاب املقدس) عاجلت‬
‫ظاهرة الفساد أيضاً‪ ،‬فهذه رسالة بولس الرسول األول إَل أهل كورنثوس تورد ما نصه‪:‬‬
‫((ال تضلوا‪ :‬املعاشرة السيئة تفسد األخالق احلسنة))(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬م‪ .‬ن‪ /.‬ص‪.37‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬عصام سليمان‪ /‬مدخل إَل علم السياسة‪ /‬بريوت‪ /‬دار النضال‪ /1989 /‬ص‪.37‬‬
‫(‪ )3‬الدستور امللكي‪ ،‬األرستقراطي‪ ،‬والتيموقراطي وأشكاهلا الفاسدة التسلطي‪ ،‬األوليغارشي‪،‬‬
‫والدميوقراطي‪.‬‬
‫(‪ )4‬جان توشار‪َ /‬تريخ الفكر السياسي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.38‬‬
‫(‪ )5‬الكتاب املقدس‪ /‬اإلصحاح (‪ /)15‬اآلية (‪.)33‬‬

‫(‪)10/1‬‬

‫والذي فيه داللة على اهتمام املسيحية ابخللق القومي الذي يؤدي إَل تكوين ُمتمع خال من الضاللة‬
‫والعشرة السيئة اللتني ينجم عنهما الكثري من املفاسد‪.‬‬
‫كذلك نلحظ أن (الكتاب املقدس) يورد َف نص آخر حب املال هو إصابة ألوجاع كثرية وفيه حتديد‬
‫للوقاية من الفساد بشكل غري صريح وهو ما نراه َف النص اآليت‪:‬‬
‫((فحب املال أصل كل شر‪ ،‬وبعض الناس استسلموا إليه فضلّوا عن اإلميان وأصابوا أنفسهم أبوجاع‬
‫كثرية))(‪.)1‬‬
‫إن نصوص املسيحية السالفة الذكر جاءت لتشخيص ثقل ظاهرة الفساد على الناس من خالل‬
‫معاجلات تبغي الرسالة السماوية من ورائها تقومي اجملتمع وحثه على الطريق القومي الذي فيه النجاة من‬
‫اإلُث(‪.)2‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عرف الفساد ودرس الظاهرة‪ ،‬إال أن ذروة سنام األمر َف املعرفة واملعاجلة جاء‬
‫كل ما أشران إليه ّ‬
‫خالل األثر اإلسالمي‪ ،‬وما جاءت به الرسالة احملمدية املطهرة‪ ،‬حيث ند َف (القرآن الكرمي) تنبيهاً‬
‫وإشارات لظاهرة الفساد بكل أبعادها وأشكاهلا‪ ،‬ذكرت َف أكثر من مخسني موضعاً بني صفحاته‬
‫الشريفة(‪.)3‬‬
‫ولو عدان إَل سورة اإلسراء مبفردها لوجدان اإلبداع الرابين ينبه الناس إَل كل أشكال الفساد ابحلث‬
‫على تفاديه‪ ،‬فجاءت النصوص بوحي منزهلا (سبحانه وتعاَل) مشرية للفساد واإلصالح (َف الوقت‬
‫نفسه) لتعطي درساً بليغاً ينبه للسلوك القومي‪.‬‬
‫على أن الدالالت تظهر ذلك َف اآلايت املطهرات اآلتية‪:‬‬
‫لقوله تعاَل‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكتاب املقدس‪ /‬اإلصحاح (‪ /)10‬اآلية (‪.)10‬‬
‫(‪ )2‬انظر َف ذلك‪ :‬منري بعلبكي‪ /‬مصابيح التجربة‪ /‬بريوت‪ /‬دار العلم للماليني‪ /1986 /‬ص‪.39‬‬
‫(‪ )3‬لقد وردت اإلشارات َف السور اآلتية من القرآن الكرمي وهي‪( :‬البقرة)‪( ،‬آل عمران)‪( ،‬املائدة)‪،‬‬
‫(األعراف)‪( ،‬األنفال)‪( ،‬يونس)‪( ،‬هود)‪( ،‬يوسف)‪( ،‬الرعد)‪( ،‬النحل)‪( ،‬اإلسراء)‪( ،‬الكهف)‪،‬‬
‫(األنبياء)‪( ،‬املؤمنون)‪( ،‬الشعراء)‪( ،‬النمل)‪( ،‬القصص)‪( ،‬العنكبوت)‪( ،‬الروم)‪( ،‬ص)‪( ،‬غافر)‪،‬‬
‫(حممد)‪( ،‬الفجر)‪.‬‬

‫(‪)11/1‬‬

‫علواً‬ ‫ِ‬ ‫ضي نَا إَل ب ِين إسرائِيل َف ِ‬


‫األرض َمرتَ ْني ولتعلُن ّ‬ ‫الكتاب لتُفسدن َف‬ ‫َ َْ‬ ‫بسم هللا الرمحن الرحيم { َوقَ َ ْ‬
‫كبرياً } صدق هللا العظيم(‪.)1‬‬
‫حيث ند أن الفساد َف اآلية املذكورة إمنا جاء مبعىن القتل وإزهاق الروح‪ ،‬ليبني كيف يكون الناس قد‬
‫ساروا َف طريق الفساد‪ ،‬فبين إسرائيل قتلوا (زكراي) (عليه السالم) ُث أتبعوه ب (حيىي) (عليه السالم)‬
‫نتيجة لفسادهم وتكذيبهم ملا جاءت به الرساالت السماوية‪.‬‬
‫وقوله تعاَل‪:‬‬
‫سقوا فِيها فَ َحق َعلَْي َها ال َقول‬ ‫ك قَريةً أمران م ِ‬‫ِ‬
‫رتفيها فَ َف َ‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { وإذا َأردان أن هنُل َ َ ْ ُ َ‬
‫مرانها تَ ْد ِمرياً } صدق هللا العظيم(‪.)2‬‬
‫ف َد َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الذي نرى فيه اإلشارة لفساد اخللق والفساد االجتماعي‪.‬‬
‫وكلذلك قوله تعاَل‪ :‬بسم هللا الرمحن الرحيم‪ { :‬والتقربوا الزىن إنه فاحشة وساء سبيال } ‪ .‬صدق هللا‬
‫العظيم(‪)3‬‬
‫واليت فيها عالج وتشخيص للمفاسد االجتماعية واحلث على جتنب فعلها‪.‬‬
‫كما أن اإليفاء ابلعهود واملواثيق ورد األماانت وأشكال الفساد االقتصادي واستغالل النفوذ جتسدت‬
‫اإلشارة إليها َف النصوص اآلتية‪:‬‬
‫لقوله تعاَل‪:‬‬
‫تيم إال ابلَيت هي أحسن حىت ي ب لُ َغ أَ ُشده وأوفُوا ابلع ِ‬
‫هد إن‬ ‫ال اليَ ِ‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { َوالَ تَ ْق َربوا َم َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َْ‬
‫العه َد كا َن َم ْسئوالً } صدق هللا العظيم(‪.)4‬‬
‫َ‬
‫الذي فيه الدفع لصيانة األمانة واحلفاظ عليها وهي جزء من أعمال املسؤولية َف يومنا احلاضر‪.‬‬
‫أما الفساد االقتصادي فنرى تشخيصه لقوله تعاَل‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة اإلسراء‪ /‬اآلية (‪.)4‬‬
‫(‪ )2‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة اإلسراء‪ /‬اآلية (‪.)16‬‬
‫(‪ )3‬القرآن الكرمي – سورة اإلسراء األية‪.)32( :‬‬
‫(‪ )4‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة اإلسراء‪ /‬اآلية (‪.)34‬‬

‫(‪)12/1‬‬

‫س ُن َأتويالً‬
‫وأح َ‬ ‫اس املُ ْستَ ِقيم ذَلِ َ‬
‫ك َخ ْريٌ ْ‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { وأَوفُوا ال َكيل إذا كِلْتُم وِزنُوا ِ‬
‫ابلق ْسطَ ِ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫} صدق هللا العظيم(‪.)1‬‬
‫حيث أ ّن أقوات الناس أمانة َف رقاب املسؤولني عليها وإنقاصها أو العمد إَل غشها هو من ابب‬
‫عدم إيفاء الكيل والذي أكدت عليه اآلية املذكورة‪.‬‬
‫كذلك نرى أن السورة املطهرة قد نبهت لشكل استغالل النفوذ والتعايل على الرعية لقوله تعاَل‪:‬‬
‫لن تَ ْب لُ َغ اجلِبَ َ‬
‫ال طُوالً }‬ ‫ض َو ْ‬ ‫ك لَ ْن َختْ ِر َق ْ‬
‫األر َ‬ ‫األر ِ‬
‫ض َم َر َحاً إن َ‬ ‫بسم هللا الرمحن الرحيم { َوالَ متَْ ِ‬
‫ش َف ْ‬
‫صدق هللا العظيم(‪.)2‬‬
‫كانت هذه إشارات تدل على عمق التوجيه الرابين َف النصوص القرآنية للتنبيه للفساد وعالجه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وكيف أنه ظاهرة مقيتة ال حيبها هللا (سبحانه وتعاَل) وال يرضاها لعباده الصاحلني‪.‬‬
‫ومن اجلدير ابلقول أنه عند بزوغ فجر اإلسالم انربت تعاليمه تنفض غبار الذل عن الناس رافعة‬
‫الظلم واحليف اللذين حلقا ابلبشرية وتب ّدى األمر جلياً َف سلوك الرسول الكرمي ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وسنته املطهرة اليت حضت على اقتالع الفساد من جذوره وأحاديثه الشريفة حافلة مبثل‬
‫هذه التوجيهات من ذلك قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪[ : -‬لعن هللا الراشي واملرتشي َف‬
‫احلكم](‪)4(.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة اإلسراء‪ /‬اآلية (‪.)35‬‬
‫(‪ )2‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة اإلسراء‪ /‬اآلية (‪.)37‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داوود وأمحد والرتمذي عن أيب هريرة (رضي هللا عنهم) بسند صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ /‬الشيخ‪ /‬منصور علي انصف‪ /‬التاج اجلامع لألصول َف أحاديث الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ / -‬بريوت‪ /‬دار إحياء الرتاث العريب‪ /1962 /‬اجلزء ‪ /3‬ص‪.56‬‬

‫(‪)13/1‬‬

‫كذلك يروى عن أيب ُمحيد (رضي هللا عنه) قال استعمل النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬رجالً من‬
‫بين األسد‪ ،‬يقال له ابن اللتيبة على الصدقة فلما قدم قال‪ :‬هذا لكم وهذا أهدي يل‪ ،‬فقام رسول هللا‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬على املنرب فحمد هللا وأثىن عليه وقال‪ :‬ما ابل عامل أبعثه فيقول هذا لكم‬
‫وهذا أهدي يل أفال قعد َف بيت أبيه أو َف بيت أمه حىت ينظر أيهدى إليه أم ال؟ والذي نفس حممد‬
‫بيده ال ينال أحد منكم منها شيئاً إال جاء به يوم القيامة حيمل على عنقه بعري له رغاء‪ ،‬أو بقرة له‬
‫خوار‪ ،‬أو شاة تبعر‪ُ ،‬ث رفع يديه حىت رأينا عفريت إبطيه ُث قال‪ :‬اللهم هل بلغت‪ ،‬مرتني(‪.)1‬‬
‫يضاف لذلك قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪[ : -‬كل حلم أنبته السحت فالنار أوَل به] قيل وما‬
‫السحت؟ قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪[ : -‬الرشوة َف احلكم](‪.)2‬‬
‫بعد ذلك وابنتقالنا من عصر صدر اإلسالم إَل العصور األخرى نلحظ أن الظاهرة استشرت َف‬
‫العصرين األموي والعباسي حيث كان املال يبذل َف العصر األموي للجماعات والفرق املعارضة‬
‫لضمان والئها لألمويني‪ ،‬ولكي حيافظ الوالة الباذلني لذلك املال على مناصبهم‪.‬‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪ /‬ص‪.54‬‬
‫(‪ )2‬نقالً عن عبد العزيز عبد هللا‪ /‬الرشوة‪ /‬عمان‪ /‬دار الوطن‪ /‬بال َتريخ‪ /‬ص‪.1‬‬

‫(‪)14/1‬‬

‫يذكر أيضاً جتلي ظاهرة الفساد (َف العصور العباسية األخرية) بشكل واضح ومنتشر عند اخلاطبني‬
‫للمناصب الذين كانوا يسعون َف الوساطات لدى القادة األتراك ونساء القصور للوصول إَل مناصب‬
‫الوزارة أو أية مناصب أخرى‪ .‬ويبدو أن الفساد َف هذا األمر أثر على املراكز الوظيفية وأدى إَل‬
‫حدوث موجة من االضطراب اإلداري الذي ينتهي ابخللل إَل مجيع أركان الدولة حيث كان كل‬
‫شخص يتوَل منصبه اجلديد (اخلاطب له كما أشران) يسارع إلحاطة نفسه حباشية موالية وحني يعزل‬
‫تعزل حاشيته كلها(‪ )1‬وهو أمر يزيد حالة الدولة سوءاً فيطغى الفساد وتتفشى الرشوة وتزداد املظامل‪.‬‬
‫إن احلوادث اليت عرفت َف العصرين املشار إليهما جعلت صاحب املقدمة (العالمة العريب ابن‬
‫خلدون)‪ ،‬الذي جاء بفرتة الحقة يشخص ظواهر فساد أصحاب الدولة ووزرائهم والكتاب والشرطة‪،‬‬
‫حيث يذكر أن الكثري من أصحاب املمالك وامللك صار ينزع إَل الفرار عن الرتب والتخلص من‬
‫ربقة السلطان‪ ،‬مبا حصل َف يديه من (مال الدولة)‪ ،‬والفرار إَل دولة اثنية ملا يراه أنه أهنأ وأسلم َف‬
‫إنفاق ذلك املال واحلصول على مثرته‪ ،‬وهو يشري إَل أن َف ذلك فساداً ألحوال البالد والعباد‬
‫ودنياهم(‪.)2‬‬
‫ويذكر البعض أن ابن خلدون إذ يش ّخص هذا التشخيص لظواهر الفساد فإنه يعزو ذلك إَل الطور‬
‫اخلامس من مراحل عمر الدولة حسب تصنيفه(‪،)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬قصي احلسني‪ /‬الفساد والسلطة‪ /‬بريوت‪ /‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‪/1997 /‬‬
‫ص‪.146‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ /‬املقدمة‪ /‬بريوت‪ /‬دار إحياء الرتاث العريب‪ /‬بال َتريخ‪ /‬ص ص ‪-283‬‬
‫‪.285‬‬
‫(‪ )3‬مراحل عمر الدولة لديه‪ 1 :‬النشوء على أنقاض دولة سابقة‪.‬‬
‫‪ 2‬انفراد أصحاب الدولة ابحلكم‪.‬‬
‫‪ 3‬سيادة الراحة والطمأنينة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪ 4‬حتول الراحة والطمأنينة إَل قناعة ومساملة‪.‬‬

‫‪ 0 5‬حتلل الدولة وزواهلا‪.‬‬

‫(‪)15/1‬‬

‫حيي يَكْثُ ُر اإلسراف والتبذير‪ ،‬ويكون صاحب الدولة َف هذا الطور متلفاً ملا مجعه السابقون َف سبيل‬
‫الشهوات واملالذ واإلنفاق على بطانته‪ ،‬وبذلك يفسد كبار أوليائه وخيرب ما ابتناه أسالفه‪ .‬وهذا‬
‫الطور ال يؤدي إال إَل انقراض الدولة حيث أن االنقراض يكون نتيجة لألزمة االقتصادية اليت حتل‬
‫لنقص األموال واحلاجة إليها من قبل صاحب السلطان اليت جتربه على السلوك اإلكراهي َف زايدة‬
‫الضرائب على األكرة والفالحني وسائر أهل البالد ّما يدعو الناس إَل التقاعس عن العمل (بسبب‬
‫فساد السلطان) وابلتايل تتفاقم األزمة وتدخل الدولة َف مرحلة االضمحالل(‪.)1‬‬
‫بعد هذه النظرة َف تشخيص الفساد وأشكاله َف العهود السالفة‪ ،‬وكذلك ما أشار إليه األثر‬
‫اإلسالمي قرآانً وحديثاً وّمارسة للسلطة وفكراً سياسياً اجتماعياً ولكون الدراسة متتاز بكوهنا من‬
‫النوع املقارن‪ ،‬فال بد من إثراء البعد التارخيي أبمثلة من دول الشمال تسلط الضوء على الظاهرة‪،‬‬
‫وسيكون الرتكيز َف هذا اجملال على األمنوذجني اإلنكليزي واألمريكي كأشكال للفساد َف العصر‬
‫احلديث‪.‬‬
‫ففي إنكلرتا‪ ،‬إابن حكم ملوك (آل ستيوارت) وحتديداً عام (‪ )1660‬للميالد ظهر استخدام آلية‬
‫(الفساد) للتأثري على أعضاء الربملان من قبل امللك أو املعارضة ليحقق كل طرف غايته املنشودة‬
‫وحتقيق مكاسبه بضم أصوات أولئك األعضاء جلانبه‪ ،‬حىت أن البعض يذكر استمرار هذا األسلوب‬
‫ملراحل متأخرة من القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك‪ /‬د‪ .‬قصي احلسني‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.183‬‬

‫(‪)16/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫جدير ابلذكر أن العديد من املصادر تشري إَل أن الفساد كان منتشراً َف إنكلرتا وإيرلندا حبيث أن‬
‫مظهر شراء املناصب أصبح معروفاً َف تلك البالد وخصوصاً َف القرن الثامن عشر لتويل وظائف َف‬
‫البحرية واجليش وإشغال أغلب مقاعد الربملان من قبل أصحاب األراضي املتنفذين‪ّ ،‬ما أاثر حفيظة‬
‫العديد من رجال اجملتمع اإلنكليزي اليت نم عنها مهامجتهم هلذه األساليب الفاسدة عام‬
‫(‪ .)1()1782‬وابنتقاهلا من األمنوذج اإلنكليزي وصعيده إَل صعيد األمنوذج األمريكي (الوالايت‬
‫املتحدة األمريكية حصراً) نالحظ مسامهة عوامل كثرية َف ازدايد الفساد َف هذا البلد‪ ،‬فللنمو السريع‬
‫واجملتمع املتحرك الذي يركز على الفردية والنجاح املادي أثر َف ذلك‪ .‬وتتحدث املصادر عن أنه‬
‫خالل عهد الرئيس (كرانت ‪ )2()Grant‬كانت مظاهر للفساد تعاين منها احلكومة الوطنية‪،‬‬
‫فهنالك فضائح الكمارك‪ ،‬والعوائد املالية‪ ،‬وحيل االستيالء على األراضي‪ ،‬وبروز فئة من الصناعيني‬
‫ومهندسي السكك احلديد تستخدم الفساد لتمرير مصاحلها‪ ،‬فضالً عن مترير أعضاء الكونغرس‬
‫ملصاحلهم اخلاصة عن طريق املنفذ التشريعي‪( ،‬اليت هي مؤشرات ملدى استفحال الظاهرة‬
‫آنذاك)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪David M. chalmers/ Corruption/ University of Florida/ )1‬‬
‫‪Encyclopedia Americana corporation/ volume (23)/ 1980/ p.‬‬
‫‪.22‬‬
‫(‪ )2‬كرانت‪ .‬يوليوس مسبسون ‪ )Grant. Ulysses Simpson) (1822-1885‬الرئيس‬
‫الثامن عشر للوالايت املتحدة األمريكية حكم ما بني (‪.)1877-1869‬‬
‫(‪.Ibid/ p. 22 )3‬‬

‫(‪)17/1‬‬

‫إن َتريخ الوالايت املتحدة األمريكية الالحق حيدثنا عن الكثري من فضائح الفساد‪ .‬فهنالك الفضائح‬
‫اخلاصة ابملسامهات املالية َف احلمالت االنتخابية اليت ازدادت إَل احلد الذي جعل احلكومة حتدد‬
‫احلدود القصوى لتلك املسامهات عام ‪ُ ،1925‬ث لتتبعه عام ‪ 1972‬بقانون يتطلب أن يكشف فيه‬
‫املرشحون الفيدراليون بصورة كاملة عن عوائد محالهتم ومصاريفهم َف خطوة منها للحد من هذا‬
‫السبيل الذي يفضي الزدايد الفساد َف ذلك البلد‪ .‬من اجلدير ابلذكر أن القانون املذكور تزامن مع‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فضيحة (وترغيت) اليت أجربت آاثرها الرئيس (نيكسون ‪ )1()Nixon‬على التخلي عن منصبه‬
‫كرئيس لإلدارة األمريكية بعد كشف النقاب عن قيامه بتجسس سياسي ضد معارضيه وقيامه إبخفاء‬
‫مسامهات كبرية ضخمة وغري شرعية قادمة من شركات ومجعيات عدة كان من املفروض عليه‬
‫اإلفصاح عنها‪ ،‬يضاف هلذا أيضاً وَف نطاق فساد القمة َف الوالايت املتحدة أن (سبريو اكنيو)‬
‫(انئب نيكسون) بعيداً عن فضيحة (وترغيت) استقال عام ‪ 1973‬بعد التماس تقدم به بعدم‬
‫إخضاعه للشهادة بسبب هتمة هتربه من ضريبة الدخل(‪( .)2‬الذي جاء بدليل جديد على اتساع‬
‫حجم الفساد َف احلقبة املذكورة)‪.‬‬
‫ّما تقدم خنلص إَل أن أثر الفساد قدمي قدم التاريخ حيث عرفه اإلنسان منذ بداية اخلليقة‪ ،‬وال زال‬
‫يكتشف َف كل يوم شكل جديد ونوع جديد منه‪ ،‬سامهت تعقيدات احلياة َف زايدته وتعدد صوره‬
‫اليت تلقي بظالهلا السيئة على اجملتمعات‪.‬‬
‫‪ 2‬بُ ْع ُد املفهوم‬
‫الفساد ‪:Corruption‬‬
‫مفردة تناوهلا العديد من كتاب األدب والتاريخ والسياسة‪ ،‬ووردت َف الكتب السماوية لتنبيه الناس‬
‫وتوعيتهم إَل جلل املصاب هبذه الظاهرة‪.‬‬
‫هلذا تعددت املشارب واختلفت التفسريات َف معناها‪ ،‬وسنعرض فيما أييت ملفهوم هذه املفردة‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ريتشارد نيكسون‪ Richard Nixon .‬الرئيس السابع والثالثون للوالايت املتحدة‬
‫األمريكية توَل الرائسة عام ‪ 1969‬واستقال منها بسبب فضيحة وترغيت‪.‬‬
‫(‪.Ibid )2‬‬

‫(‪)18/1‬‬

‫فس ُد) ابلضم (فساداً) فهو (فاسد) و(أفسده ففسد) واملفسدة‬


‫س َد) الشيء‪( ،‬يَ ُ‬
‫ففي اللغة‪ /‬يقال (فَ َ‬
‫هي ضد املصلحة(‪.)1‬‬
‫والفساد‪ :‬يعين أخذ املال ظلماً‪ ،‬أو يعين التلف والعطب ويراد به لغوايً اجلدب والقحط‪ ،‬ويراد‬
‫ابملفردة أيضاً معىن التحلل العضوي للمادة بتحلل اجلراثيم (كتفسري علمي صرف)(‪.)2‬‬
‫كذلك فالتفسري ملعىن كلمة (‪ )Corruption‬اإلنكليزية يعين‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫السبب َف التغيري من الصاحل إَل السيئ‪.‬‬
‫(‪)Cause to change from good to bad‬‬
‫أو بكلمة واحدة تعين املفردة‪:‬‬
‫مضاد النزاهة ‪ ،Dishonest‬أو األذى ‪ ،Wicked‬أو السوء ‪.Bad‬‬
‫وتعين كذلك‪:‬‬
‫تعفن اجلثة بعد املوت‪.‬‬
‫)‪)3( (The corruption of the body after death‬‬
‫أو تعين أيضاً (على حد ذكر مصادر أخرى)‪:‬‬
‫الفساد واإلفساد‪ ،‬أو التعفن‪ ،‬أو العمل القابل للرشوة‪.‬‬
‫َف حني أن كلمة (‪ )Venality‬اإلنكليزية تعين أيضاً‪:‬‬
‫(الفساد القابل للرشوة)(‪.)4‬‬
‫بعد ذلك إذا ما انتقلنا من تفسريات املراجع للمفردة إَل معناها الوارد َف (القرآن الكرمي) ألصبحنا‬
‫أمام العديد من التفسريات اليت من الصعب استحضارها مجيعاً‪ ،‬لذلك وملتطلبات البحث سنتناول‬
‫بعض آراء املفسرين ملعىن مفردة (الفساد) طبقاً لآلايت الكرمية اليت سنوردها ومن خالهلا حناول‬
‫إعطاء املعىن من زاوية الرؤية اإلسالمية التفسريية للمفردة‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حممد بن أيب بكر الرازي‪ /‬خمتار الصحاح‪ /‬الكويت‪ /‬دار الرسالة‪ /1983 /‬ص‪.503‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬خليل اجلر‪ /‬املعجم العريب احلديث‪ /‬ابريس‪ /‬مكتب الروس‪ /1973 /‬ص‪.907‬‬
‫(‪others/ long man, dictionary of & Virginia french allen )3‬‬
‫‪.American English/ n.y./ long man inc/ 1983 / p.155‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬منري بعلبكي‪ /‬قاموس املورد ‪ /86‬بريوت‪ /‬دار العلم للماليني‪ /‬ص‪.1026‬‬

‫(‪)19/1‬‬

‫فشرح غريب(‪ )1‬يفسر املفردة على أهنا تعين (اخللل واخلراب) لقوله تعاَل‪:‬‬
‫سبَت أَيْدي النَاس ليُ ِذي َق ُهم بَ ْعض الذي‬ ‫ِ‬
‫اد َف ال َرب والبَح ِر مبَا َك َ‬
‫سُ‬ ‫بسم هللا الرمحن الرحيم { ظَ َه َر ال َف َ‬
‫َع ِملوا لَ َعل ُهم يَ ْرِج ُعون } صدق هللا العظيم(‪.)2‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أو أهنا تعين (املعاصي) لقوله تعاَل‪:‬‬
‫ساد } صدق هللا العظيم(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫يها ال َف َ‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { فَأَ ْكثَروا ف َ‬
‫َف حني أن ابن كثري يفسر املفردة لقوله تعاَل‪:‬‬
‫سبَت أَيْدي الناس ليُ ِذي َق ُهم بَ ْعض الذي‬ ‫ِ‬
‫الرب والبَح ِر مبَا َك َ‬
‫اد َف َ‬ ‫سُ‬ ‫بسم هللا الرمحن الرحيم { ظَ َه َر ال َف َ‬
‫َع ِملوا لَ َعل ُّهم يَ ْرِج ُعون } صدق هللا العظيم(‪.)4‬‬
‫على أنه (انقطاع املطر والقحط) فانقطاع املطر عن الرب يعقبه القحط وعن البحر يعين هالك‬
‫خملوقاته‪.‬‬
‫الرب)‬
‫اد َف َ‬
‫سُ‬ ‫أو أنه (القتل واغتصاب املال) لرواية حممد بن عبد هللا بن يزيد عن ُماهد هو (ظَ َه َر ال َف َ‬
‫أي قتل ابن آدم و(البَ ْحر) أي أخذ السفينة غصباً‪.‬‬
‫أو أنه (العصيان لطاعة هللا) لرواية (أبو العالية)‪ :‬من عصى هللا َف األرض فقد أفسد َف األرض ألنه‬
‫صالح األرض والسماء ابلطاعة(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صخر (العاملية للحاسبات)‪ /‬برانمج القرآن الكرمي (شرح غريب)‪ /‬اململكة العربية السعودية‪ /‬بال‬
‫َتريخ‪ /‬قرص ليزري مدمج ‪.CD‬‬
‫(‪ )2‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة الروم‪ /‬اآلية (‪.)41‬‬
‫(‪ )3‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة الفجر‪ /‬اآلية (‪.)12‬‬
‫(‪ )4‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة الروم‪ /‬اآلية (‪.)41‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ /‬تفسري ابن كثري‪ /‬اإلمام أيب الفداء إمساعيل ابن كثري القرشي الدمشقي‪ /‬تفسري ابن كثري‬
‫(ج‪ /)3/‬بريوت‪ /‬دار املفيد‪ /‬الطبعة األوَل‪ /1987 /‬ص‪.436‬‬

‫(‪)20/1‬‬

‫جدير ابلذكر أن املفردة وردت َف مواضع كثرية مبعناها الصريح أو ابملعاين املقاربة َف املصحف‬
‫الشريف‪ ،‬وكذلك َف الكتب السماوية للدايانت األخرى‪ ،‬إال أننا لسنا هنا َف معرض اإلشارة هلا‬
‫مجيعاً بل إن الغاية املرجتاة َف هذا املوضع من حبثنا هو اإلشارة هلا فحسب لبيان البعض منها اليت‬
‫تقارب معانيها مغزى دراستنا هذه‪.‬‬
‫بعد التطرق للمفاهيم العمومية ملفردة (الفساد) ال بد من انتقالة إَل اخلاص املبتغى من معاين الفساد‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫حيث أن املفردة بدأت تنتشر وتفهم مع تفاقم حالة سوء اإلدارة‪ ،‬واستغالل املال العام واستغالل‬
‫النفوذ حتقيقاً للنفع اخلاص‪ .‬ومن حيث انتهينا ابلعموميات سنبدأ ابملعاين اخلاصة‪.‬‬
‫فالقرآن الكرمي َف املعاين املقاربة لكلمة الفساد أكد على الشديد منها فجاءت مفردة (العثو) لتعرب‬
‫عن أشد أنواع الفساد لقوله تعاَل‪:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { وال تعثوا َف األرض مفسدين } صدق هللا العظيم(‪.)1‬‬
‫ولألثر اإلسالمي مفردات مقاربة تدل على املعاين املتخصصة املقاربة ملفردة الفساد‪ ،‬كمفردة‬
‫(السحت) ومفردة (الرشوة)(‪ )2‬فاألوَل تعين معىن الثانية‪ ،‬والثانية يراد هبا أشد أنواع أكل األموال‬
‫ابلباطل (ألهنا دفع املال إَل الغري لقصد إحالته عن احلق) وقد مشل التحرمي فيها أركان صنعها الثالثة‪:‬‬
‫(الراشي) مقدم الرشوة‪( ،‬املرتشي) آخذ الرشوة‪( ،‬الرائش) الوسيط بني االثنني‪ .‬لقول رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪[ -‬لعن هللا الراشي واملرتشي والرائش](‪ )3‬الذي سبق وأن أشران إليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة البقرة‪ /‬اآلية (‪.)60‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الفصل األول‪ /1 /‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ /‬عبد العزيز عبد هللا‪ /‬الرشوة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.3‬‬

‫(‪)21/1‬‬

‫إن تقادم الزمن أعطى ملفردة (الفساد) الكثري من (املرادفات) لعل مفردة (الربطلة) واحدة منها واليت‬
‫تعطي معىن ختصيصياً للفساد‪ ،‬أخذ به الكثري من علماء املسلمني والعرب فهذا العالمة (املقريزي)‬
‫يعرف مفردة (الربطلة) (على أهنا األموال اليت تؤخذ من والة البالد وحمتسبيها وقضاهتا وعماهلا ابلقهر‬
‫والظلم)(‪( .)1‬أي مبعىن ما أيخذه الوالة وبقية املذكورين َف التعريف من عامة الناس) وَف تعريفه قرابة‬
‫من معىن الفساد َف عامل اليوم وخصوصاً التفسريات اليت تنطلق من وجهة نظر إسالمية‪.‬‬
‫حيث يعرف الفساد على أنه (قبول صاحب السلطان ماالً أو هدية ذات قيمة مالية (رشوة) مقابل‬
‫أداء عمل هو ملزم أبدائه رمسياً ابجملان أو ّمنوع من أدائه رمسياً‪ ،‬أو هو قيام املوظف الرمسي مبمارسة‬
‫يشتم منها رائحة استغالل املنصب اإلداري أو سوء استخدام‬
‫سلطاته التقديرية بطريقة غري مشروعة ّ‬
‫السلطة الرمسية وترجيح املصلحة الشخصية على املصلحة العامة)(‪.)2‬‬
‫ويرى آخرون أن مفردة (الفساد) تعرف على أهنا (عالقة تعاقدية غري مشروعة بني فاعلني يقع فعلهما‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫و(املفسود) حيث أن األخري هو كل شخص حيوز سلطة‬
‫ُ‬ ‫حتت طائلة القانون‪ ،‬ومها (الفساد)‬
‫ويستعملها استعماالً احتيالياً‪ ،‬و(الفاسد) هو كل من حيوز وسيلة مادية لشراء تلك السلطة‪ ،‬أو‬
‫ابألحرى شراء قرار بعينه ميكن أن يصدر عن تلك السلطة)(‪.)3‬‬
‫أما (صموئيل هانتنغتون ‪ )4()Huntington‬فيذهب َف تعريفه ملفردة (الفساد) على أهنا‪:‬‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬قصي احلسني‪ /‬الفساد والسلطة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.140‬‬
‫(‪ )2‬أ‪ .‬أمحد إبراهيم أبو سن‪ /‬استخدام وسائل الرتغيب والرتهيب ملكافحة الفساد اإلداري‪ /‬اجمللة‬
‫العربية للدراسات األمنية والتدريب‪ /‬السعودية‪ /‬اجمللد ‪ /11‬العدد ‪ /31‬حمرم ‪1417‬ه ‪/‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )3‬جورج طرابيشي‪ /‬ثنائي الدميقراطية والفساد‪ /‬صحيفة احلياة‪ /‬العدد ‪ 11 /13273‬متوز‬
‫‪ /1999‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )4‬صموئيل هانتنغتون‪ /‬كاتب أمريكي صاحب كتاب (صدام احلضارات)‪.‬‬

‫(‪)22/1‬‬

‫سلوك املوظفني احلكوميني الذين ينحرفون عن القواعد املقبولة خلدمة أهداف خاصة)(‪.)1‬‬
‫تعرف (الفساد)‬
‫َف حني أن (الشفافية الدولية ‪ّ )2()Transparency International‬‬
‫على أنه‪:‬‬
‫(سوء استخدام السلطة العامة لربح أو منفعة خاصة)‬
‫أو أنه‪:‬‬
‫(عمل ضد الوظيفة العامة اليت هي ثقة عامة)(‪.)3‬‬
‫على أن (أ‪ .‬د‪ .‬حممود عبد الفضيل)(‪ )4‬يذهب إَل تعريف املفردة بتقسيمها إَل نوعني‪:‬‬
‫‪ .1‬الفساد الصغري‪ :‬ويشمل‪ :‬آلية دفع الرشوة والعمولة‪ ،‬وآلية وضع اليد على املال العام واحلصول‬
‫على مواقع لألقارب‪.‬‬
‫‪ .2‬الفساد الكبري‪ :‬ويشمل‪ :‬صفقات السالح والتوكيالت التجارية للشركات متعددة اجلنسية)(‪.)5‬‬
‫مستنداً َف تقسيمه أعاله إَل تعريف البنك الدويل للمفردة على أهنا‪:‬‬
‫(استعمال الوظيفة العامة للكسب الشخصي)(‪.)6‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يذكر أنه لصندوق النقد الدويل (‪ )IMF‬مفهومه اخلاص (للفساد) الذي يرى فيه‪:‬‬
‫(عالقة األيدي الطويلة املتعمدة اليت هتدف ابستنتاج الفوائد من هذا السلوك‪ ،‬لشخص واحد‪ ،‬أو‬
‫جملموعة ذات عالقة من األفراد)(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صموئيل هانتنغتون‪ /‬النظام السياسي جملتمعات متغرية‪ /‬مسية فلو (مرتمجة)‪ /‬بريوت‪ /‬دار الساقي‪/‬‬
‫‪ /1993‬ص‪.77‬‬
‫(‪ )2‬منظمة دولية غري حكومية تناهض الفساد‪.‬‬
‫(‪Gerard Carney/ Conflict of Interest/ Ti working paper/ )3‬‬
‫‪.Berlin/ 1998/ p.1‬‬
‫(‪ )4‬أستاذ‪ /‬ورئيس قسم االقتصاد‪َ /‬ف كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ /‬جامعة القاهرة‪ /‬أحد‬
‫االقتصاديني العرب املعروفني ومن الذين يهتمون بقضااي الفساد‪.‬‬
‫(‪ )5‬أ‪ .‬د‪ .‬حممود عبد الفضيل‪ /‬الفساد وتداعياته َف الوطن العريب‪ /‬املستقبل العريب‪ /‬العدد ‪/243‬‬
‫مايس ‪ /99‬ص ص ‪.5-4‬‬
‫(‪ )6‬البنك الدويل لإلنشاء والتعمري‪ /‬تقرير عن التنمية َف العامل (‪ /)1997‬احلد من الفساد‬
‫والتفرقات التحكيمية للدولة‪ /‬مركز األهرام للرتمجة والنشر (مرتمجاً)‪ /‬القاهرة‪ /1997 /‬ص‪.112‬‬
‫(‪IMF/ Corruption Around the World/ Washington/ IMF )7‬‬
‫‪.Working Paper/ 1998/ p. 8‬‬

‫(‪)23/1‬‬

‫ّما تقدم خنلص إَل حقيقة مفادها‪:‬‬


‫أن الفساد ظاهرة عرفت تفسريها معاجم اللغة والكتب السماوية وآراء املتخصصني‪ ،‬فهي تعين حتول‬
‫الشيء من حالته الطبيعية املقبولة إَل حالة متفسخة غري مقبولة‪.‬‬
‫إهنا استغالل فرد أو (ُمموعة أفراد) ذوي منصب حكومي لوضعهم الوظيفي للحصول من ورائه على‬
‫مردود يكون (مادايً‪ ،‬أو معنوايً) بقبول رشوة أو بتهيئة منصب حملاسيبهم‪.‬‬
‫إنه ببساطة إساءة للثقة العامة واعتداء على النزاهة اليت ترجى َف املوظف العام‪ ،‬فهو النخر َف جسد‬
‫اجملتمع الذي يفضي إَل هتتكه وسقوط القيم األخالقية فيه‪ ،‬النامجة عن تفكيك وسائل السيطرة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫للنظم السياسية الفاقدة للمصداقية َف ّمارستها‪ ،‬املتجاوزة عن استغالل احلق العام للنفع اخلاص‪.‬‬
‫((‬

‫الفصل الثاين‬
‫اإلصالح ‪REFORM‬‬
‫‪ 1‬البعد التارخيي لإلصالح‬
‫الحظنا فيما سلف عند معاجلة البعد التارخيي للفساد‪ ،‬أن الظاهرة عرفت منذ األزل ومستمرة حىت‬
‫يومنا احلاضر‪ .‬وبغية إجياد العالج الناجح للخالص من األثر السليب للظاهرة املذكورة عرف اإلصالح‬
‫منذ القدم على وجه البسيطة أيضاً‪.‬‬
‫حىت أن التاريخ حيدثنا أبن اإلصالح ظهر مع ظهور أوَل حاالت الفساد َف األرض‪ ،‬عندما قتل قابيل‬
‫أخاه هابيل‪ ،‬وحريته َف أمر أخيه املقتول الذي حيمل جثته‪ ،‬حيث أرسل رب العزة (سبحانه وتعاَل)‬
‫(َف درس إصالحي للبشرية) غراابً ملواراة سوءة غراب آخر ميت‪ ،‬لكي يتعلم منه ابن آدم كيف‬
‫يواري سوءة أخيه (تعفن جثته وفسادها)‪.‬‬
‫وعندما سأل قابيل نفسه السؤال احملري عن عجزه عن مواراة (سوءة أخيه)‪ ،‬برزت إَل حيز املعرفة‬
‫اإلنسانية ظاهرة (اإلصالح) كمعاكس للفعل الفاسد الذي أتت به يد ابن آدم هذا‪.‬‬
‫كما جاءت به اآلايت البينات لقوله تعاَل‪:‬‬

‫(‪)24/1‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من اخلاسرين فبعث هللا غراابً‬
‫يبحث َف األرض لرييه كيف يواري سوءة أخيه قال يويليت أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري‬
‫سوءة أخي فأصبح من النادمني } صدق هللا العظيم(‪.)1‬‬
‫فضالً عما تقدم حيدثنا التاريخ أيضاً‪ ،‬أن السالالت السومرية (َف أرض العراق) عرفت شكل‬
‫اإلصالح‪ ،‬حيث عثر املنقبون َف آاثر (ّملكة أشنونة) على رقم طينية (مل يتم التعرف على مشرعها)‬
‫فيها الكثري من نواحي اإلصالح‪ ،‬كتحديد أسعار املواد‪ ،‬وحتديد أسعار العبيد‪ ،‬ابإلضافة إَل قوانني‬
‫عدة تنظم احلياة االجتماعية‪.‬‬
‫بعد ذلك ومع تطور شكل الدولة ومعرفة القوانني يذكر لنا التاريخ أبن أهم إصالحي عرفه (عند‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فجره) هو العراقي سادس ملوك ساللة اببل األوَل (محو رايب) الذي سن قانوانً موحداً للبالد َف‬
‫مسلته الشهرية مضمناً إايه العديد من املناحي اإلصالحية كمعاجلة االهتام ابلباطل وشهادة الزور‪،‬‬
‫وتغيري القاضي حكمه بعد إصداره‪ ،‬ومواد خاصة ابألموال والسرقات‪ ،‬ابإلضافة إَل األحوال‬
‫الشخصية وتوجيه اجملتمع ضد الفساد االجتماعي(‪.)2‬‬
‫جدير ابلذكر وضمن ما يعرف اليوم ابلشروط السياسية ملكافحة الفساد (كاملساءلة) و(حسن‬
‫احلكم) عاجل (محو رايب) كثرياً من املشكالت‪ ،‬حيث أوَل (مساءلة) القضاة أمهية ابلغة وعمل على‬
‫مكافحة الرشوة َف أوساطهم وكان يضرب بشدة على أيدي املتجاوزين‪ ،‬هذا فضالً عن إجبار‬
‫تشريعاته بعض حكامه على رد حقوق اآلخرين‪ ،‬اليت هبا يكون قد أثبت مبدأ (حسن احلكم) املعروف‬
‫َف عامل اليوم(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة املائدة‪ .‬اآلايت (‪.)31-30‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬تقي الدابغ‪ /‬العراق َف التاريخ‪ /‬بغداد‪ /‬دار احلرية للطباعة‪ /1983 /‬ص ص ‪.185-87‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪.‬‬

‫(‪)25/1‬‬

‫وابنتقالة من حضارة وادي الرافدين إَل اإلغريق يظهر لدينا أهنم عرفوا ظاهرة اإلصالح أيضاً على‬
‫صعيد ّمارستهم السياسية فهذا (سولون) الذي سبقت اإلشارة إليه وَف نطاق اإلصالح نراه قد صاغ‬
‫مبدأ يدعى (حق اجلماعة) فيه أن أي مجاعة هلا عبادة مشرتكة (أي مبدأ ما) هلا أن تضع لنفسها‬
‫قوانني تعرتف دولته بصالحيتها وشرعيتها‪ .‬فكانت هذه اجلماعات وطبقاً للمبدأ واحلق املذكور هي‬
‫النواة ملا يعرف اليوم ابألحزاب‪ ،‬النقاابت‪ ،‬واجلمعيات(‪.)1‬‬
‫جدير ابلذكر أن بروز األداين أشار إَل ظهور اإلصالح َف األرض بعد فسادها‪ ،‬هلذا نلحظ أن سيدان‬
‫موسى (عليه السالم) ما جاء إال ليصلح فرعون الذي ادعى األلوهية لقوله تعاَل‪:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { الذين طغوا َف البالد‪ ،‬فأكثروا فيها الفساد } صدق هللا العظيم(‪.)2‬‬
‫وعلى نفس السبيل جاءت رسالة سيدان عيسى (عليه السالم) لقوله تعاَل‪:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { لقد كفر الذين قالوا أن هللا هو املسيح ابن مرمي وقال املسيح ايبين إسراءيل‬
‫اعبدوا هللا ريب وربكم إنه من يشرك ابهلل فقد حرم هللا عليه اجلنة ومأواه النار وما للظلمني من أنصار‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫} صدق هللا العظيم(‪.)3‬‬
‫حيث نرى من اآلية دعوة سيدان املسيح (عليه السالم) اإلصالحية لبين إسرائيل لعبادة رهبم والسري‬
‫َف جادة الصواب‪.‬‬
‫يضاف لذلك أن املسيحية كانت حتذر وحتث على اإلصالح هلذا نرى أن (الكتاب املقدس) حيدثنا ما‬
‫نصه‪:‬‬
‫((ال يقدر أحد أن خيدم سيدين‪ ،‬ألنه إما أن يبغض أحدمها وحيب اآلخر‪ ،‬وإما أن يتبع أحدمها وينبذ‬
‫اآلخر‪ ،‬فأنتم ال تقدرون أن ختدموا هللا واملال))(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك‪ :‬د‪ .‬طه حسني‪ /‬نظام االثنني‪ /‬القاهرة‪ /‬دار املعارف‪ /1921 /‬ص ‪.65-51‬‬
‫(‪ )2‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة الفجر‪ /‬اآلايت (‪.)12-11‬‬
‫(‪ )3‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة املائدة‪ /‬اآلية (‪.)72‬‬
‫(‪ )4‬احتاد مجعيات الكتاب املقدس‪ /‬الكتاب املقدس‪ /‬اإلصحاح السادس‪ /‬اآلية (‪ /)24‬بريوت‪/‬‬
‫‪.1978‬‬

‫(‪)26/1‬‬

‫وفيه يظهر املعىن اإلصالحي ابحلث على االرتقاء ابلنفوس وخدمة (هللا تعاَل) أفضل من حب املال‬
‫الذي ال أييت من سبيل صاحل عند حبه أكثر من احملبة هلل تعاَل‪.‬‬
‫أما الرسالة احملمدية املطهرة فقد جعلت اإلصالح مبدأً رئيسياً من مبادئها شأهنا شأن سائر األداين‬
‫السماوية اليت سبقتها َف تقومي السلوك اإلنساين ونشر عقيدة الطاعة هلل وحده ال شريك له‪ ،‬ونبذ كل‬
‫شكل من أشكال الفساد َف األرض وجعل العمل الصاحل منهاجاً للحياة‪ .‬هلذا نلحظ َف النص‬
‫القرآين الوارد َف سورة األعراف لقوله تعاَل‪:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { وال تفسدوا َف األرض بعد إصالحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رمحة هللا‬
‫يب من احملسنني } صدق هللا العظيم(‪.)1‬‬
‫قر ٌ‬
‫النهي الرابين عن أعمال وأشكال الفساد كافة حيث فيها النهي عن‪:‬‬
‫فساد عقيدة املؤمن‪.‬‬
‫وفساد امللك على الرعية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وفساد الرعية نفسها‪.‬‬
‫(أي أن اخلليقة واألرض أنشأها هللا على الفطرة الصاحلة اليت ال ميكن أن تشوه إبفسادها وقد جعلها‬
‫هللا سبحانه وتعاَل على الوجه املالئم ملنافع اخللق)(‪.)2‬‬
‫كذلك َف موضع آخر ورد مفهوم اإلصالح لإلرشاد والتقومي واهلداية عن القيام أبعمال الفساد لقوله‬
‫تعاَل‪:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { وإَل مدين أخاهم شعيباً قال ايقوم اعبدوا هللا ما لكم من إاله غريه قد‬
‫جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل وامليزان وال تبخسوا الناس أشياءهم وال تفسدوا َف األرض بعد‬
‫إصالحها ذلكم خري لكم إن كنتم مؤمنون‪ ،‬وال تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل هللا‬
‫من آمن به وتبغوهنا عوجاً واذكروا إذ كنتم قليالً فكثركم وانظروا كيف كان عقبة‬
‫املفسدين } صدق هللا العظيم(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة األعراف‪ /‬اآلية (‪.)56‬‬
‫(‪ )2‬الشيخ عبد الكرمي حممد املدرس‪ /‬مواهب الرمحن َف تفسري القرآن‪ /‬اجمللد ‪ /3‬بغداد‪ /‬دار احلرية‬
‫للطباعة‪ /1992 /‬ص‪.372‬‬
‫(‪ )3‬سورة األعراف‪ /‬اآلايت (‪.)86-85‬‬

‫(‪)27/1‬‬

‫حيث نرى وعلى لسان نيب هو سيدان شعيب (عليه السالم) كيف توضح اآلايت الكرمية سبل‬
‫اإلصالح للناس‪ ،‬وسيدان شعيب (عليه السالم) كان يوصف أبنه كثري املراجعة لقومه فيما فسد من‬
‫أحواهلم وعمله على تقوميها وإصالحها حلديث رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪: -‬‬
‫[إن شعيباً ذاك خطيب األنبياء عليهم السالم حلسن مراجعة قومه]‬
‫حيث كان ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أيمر قومه بتوحيد هللا وااللتزام بذلك (كما توضحه بداية اآلية‬
‫‪ 85‬أعاله من سورة األعراف) وهذا إصالح ملا فسد من عقيدة اإلميان ابإلشراك والكفر‪ُ ،‬ث لريبط‬
‫اإلصالح (التوحيدي) إبصالح اجملتمع من فساد املعامالت‪ ،‬وهنا ند بوادر اإلصالح االقتصادي َف‬
‫احلث على عدم خبس الناس أشياءهم وعدم التطفيف َف الكيل وكذلك عدم اإلفساد َف األرض‬
‫ابجلور‪ ،‬والعدول عن هنج العدالة القومي َف األمور كلها بعد أن أصلحها هللا بقدرته‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بعد ذلك نرى اآلية التالية (اآلية ‪ 86‬من سورة األعراف) حتث على إصالح وضع فاسد يدل على‬
‫عظم جرمية قطع الطريق وإرهاب اخللق وسلبهم أمواهلم ملا لذلك من أثر سيئ على العباد من ارتفاع‬
‫أسعار البضائع‪ ،‬وسلب احلقوق‪ُ .‬ث لتنحو اآلية منحى آخر َف احلث على اإلصالح لرتشيد الناس إَل‬
‫عدم الصد عن سبيل هللا أو منع من آمن ابهلل ابلسعي َف وجوه اخلري اليت تتضمن تكافل اجملتمع‪،‬‬
‫لتنتقل بعد ذلك اآلية لتذكر الناس بفعل الفساد أبهله وكيف كانت عاقبتهم السيئة(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الشيخ عبد الكرمي حممد املدرس‪ /‬مواهب الرمحن َف تفسري القرآن‪ /‬م س ذ ص‪.388‬‬

‫(‪)28/1‬‬

‫ّما تقدم نرى القدرة اإلهلية قد مجعت َف آيتني فقط كثرياً من نواحي اإلصالح اليت حيث هللا تعاَل‬
‫الناس عليها إلصالح أمرهم وتيسري حاهلم(‪.)1‬‬
‫وضمن سياق نظرة اإلسالم إَل اإلصالح ال بد للباحث وإلغناء املوضوع من التطرق إَل آاثر‬
‫الرسول ( ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪َ ) -‬ف ذلك‪.‬‬
‫فعن عبد هللا بن عمرو (رضي هللا عنهما) عن النيب حممد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫[إن املقسطني عند هللا على منابر من نور عن ميني الرمحن عز وجل وكلتا يديه ميني‪ ،‬الذين يعدلون َف‬
‫حكمهم وأهليهم وما ُولّوا)(‪)3(.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نرى ّما ورد أن القرآن الكرمي عاجل اإلصالح َف كل وجوهه اجتماعياً (دينياً)‪ ،‬اقتصادايً‪ ،‬إدارايً‬
‫بل وحىت اإلصالح السياسي‪ .‬وَف مواضع عدة سواء أكان ذلك مبا استشهدان به أو َف سور أخرى‬
‫من سور (القرآن الكرمي)‪ .‬لقد وجدت الدراسة أن (القرآن الكرمي) حيوي بني صفحاته املطهرة وعلى‬
‫مستوى جذر كلمة اإلصالح (صلح) ذكر له َف أكثر من (مئة وسبعني موضعاً) ذكرت فيها عبارات‬
‫الصاحلني‪ ،‬الصاحلات‪ ،‬العمل الصاحل‪ ...،‬إخل‪ .‬وذلك َف السور الشريفة اآلتية‪( :‬البقرة)‪( ،‬آل‬
‫عمران)‪( ،‬النساء)‪( ،‬املائدة)‪( ،‬األنعام)‪( ،‬األعراف)‪( ،‬األنفال)‪( ،‬التوبة)‪( ،‬يونس)‪( ،‬هود)‪،‬‬
‫(يوسف)‪( ،‬الرعد)‪( ،‬إبراهيم)‪( ،‬النحل)‪( ،‬اإلسراء)‪( ،‬الكهف)‪( ،‬مرمي)‪( ،‬طه)‪( ،‬األنبياء)‪( ،‬احلج)‪،‬‬
‫(املؤمنون)‪( ،‬النور)‪( ،‬الفرقان)‪( ،‬الشعراء)‪( ،‬النحل)‪( ،‬القصص)‪( ،‬العنكبوت)‪( ،‬الروم)‪( ،‬لقمان)‪،‬‬
‫(السجدة)‪( ،‬األحزاب)‪( ،‬سبأ)‪( ،‬فاطر)‪( ،‬الصافات)‪( ،‬ص)‪( ،‬غافر)‪( ،‬فصلت)‪( ،‬الشورى)‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(اجلاثية)‪( ،‬األحقاف)‪( ،‬حممد)‪( ،‬الفتح)‪( ،‬احلجرات)‪( ،‬املنافقون)‪( ،‬التغابن)‪( ،‬الطالق)‪( ،‬التحرمي)‪،‬‬
‫(القلم)‪( ،‬اجلن)‪( ،‬االنشقاق)‪( ،‬الربوج)‪( ،‬التني)‪( ،‬البينة)‪( ،‬العصر)‪..‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشيخ منصور علي انصف‪ /‬التاج اجلامع لألصول َف أحاديث الرسول‪ /‬بريوت‪ /‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪ /1962 /‬ص‪.50‬‬

‫(‪)29/1‬‬

‫الذي يستشف منه احلث على ضرورة صالح احلكم َف مجيع مناحيه والقسط َف ذلك‪.‬‬
‫جدير ابلذكر أن بعض النظم السياسية اليوم تلزم أعضاء احلكومة والنواب فيها بتقدمي كشف‬
‫تفصيلي عن ّمتلكاهتم قبل تويل املنصب وبعد تركهم له وهو أمر تناوله وعاجله األثر اإلسالمي منذ‬
‫الصدر األول إلصالح حال العامل (املوظف املسؤول عن إدارة منطقة ما) حلديث رسول هللا ( ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪:) -‬‬
‫عن بريرة (رضي هللا عنه) عن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫(من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)(‪)2(.)1‬‬
‫وهذا يعين أن للعامل أن أيخذ ما حتت يده مسكناً وخادماً الئقني به‪ ،‬وزوجة ما يلزمها إذا شاء فإن‬
‫زاد فهو (غال) أي خائن‪ ،‬وهذا إذا مل جيعل له مال معني‪ ،‬وإال فال جيوز له أخذ شيء سواه ألنه أجره‬
‫وقد رضي به‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪ /‬ص‪.52‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود واحلاكم‪.‬‬

‫(‪)30/1‬‬

‫لقد كانت آايت القرآن الكرمي وأحاديث النيب حممد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬البداية اليت سار‬
‫عليها من جاء ليحكم َف النظام اإلسالمي فيما بعد حيث نشهد (حسن احلكم) وحسن اإلصالح‬
‫عند اخللفاء الراشدين املهديني‪ ،‬فهذا سيدان عمر بن اخلطاب (رضي هللا عنه وأرضاه) عمل على‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إصالح الدولة إبنشاء العديد من الدواوين اليت تطور العمل هبا َف العهدين األموي والعباسي فيما‬
‫األزمة) َف العصر العباسي الذي يعىن (ابملساءلة)‬
‫بعد(‪ )2(.)1‬فكان أن عمل اخلليفة املهدي (ديوان ّ‬
‫والتدقيق املايل واحملاسيب‪ ،‬وديوان (املظامل) الذي يعىن بشكاوى املواطنني ومظامل الوالة‪ ،‬يضاف إليهما‬
‫أيضاً ديوان (االستخراج) الذي كان يقوم على تتبع أخبار الوزراء والكتاب واحلجاب والعمال‬
‫املتهمني (ابحملسوبية والرشوة)‪.‬‬
‫يتضح لنا ّما تقدم أن هذه الدواوين تعىن مبا يعرف اليوم آبلية (املساءلة) اليت هي واحدة من ثالثة‬
‫شروط سياسية لإلصالح‪ )3(،‬مضافاً إليها آلية الكشف عن املتهمني ابحملسوبية والرشوة واليت تعرف‬
‫اليوم (ابلشفافية)‪.‬‬
‫أما النزاهة أو (حسن احلكم) كما يعرف اليوم فتتجلى ّمارستها َف اختيار (الكتاب) القائمني على‬
‫هذه الدواوين الذين كان يشرتط َف قيامهم عليها إملامهم ابلعلم الديين والدنيوي وسرعة البديهة‬
‫ومتتعهم حبسن اإلدارة(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عبد اجلبار عبد املصطفى‪ /‬الفكر السياسي الوسيط واحلديث‪ /‬املوصل‪ /‬دار الكتب للطباعة‪/‬‬
‫‪ /1982‬ص‪.117-114‬‬
‫(‪ )2‬كان عند األمويني دواوين مثل (اخلراج)‪( ،‬الرسائل)‪( ،‬النفقات)‪( ،‬الصدقات)‪( ،‬اجلند)‪،‬‬
‫(األزمة)‪( ،‬املظامل)‪( ،‬الصواَف)‪( ،‬املوايل)‪( ،‬االستخراج)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(الربيد)‪( ،‬اخلامت)‪ .‬وعند العباسيني ديوان‬
‫(اخلاصة)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشروط السياسية لإلصالح هي‪ :‬الشفافية‪ ،‬املساءلة‪ ،‬حسن احلكم‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ /‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد العزيز الدوري‪ /‬النظم اإلسالمية‪ /‬بغداد‪ /‬سلسلة بيت احلكمة جامعة بغداد‪/‬‬
‫‪ /1988‬ص ص ‪.158-146‬‬

‫(‪)31/1‬‬

‫بعد هذا اإلجياز وإليالء اجلانب التارخيي اإلحاطة العلمية ال بد من انتقالة إَل حركات اإلصالح اليت‬
‫انتشرت َف أوراب‪.‬‬
‫لذلك نشري بداية لإليطايل (مكيافيللي) الذي اندى بفصل السياسة عن الدين انطالقاً من مبدأ‬
‫(الغاية تربر الوسيلة) للحد من السلطة الدينية وإبراز السلطة الزمنية للحلول مكاهنا ضمن مسعاه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اإلصالحي الذي ميثل أحد اجتاهني برزا َف عصر النهضة(‪.)1‬‬
‫أما االجتاه اآلخر فكان االجتاه الديين اإلصالحي الذي رفض أن تكون الكنيسة وحدها وسيلة‬
‫الوصول للسعادة األبدية خصوصاً بعد تفشي روح الفساد َف أوصاهلا (حيث اهتمام رجاالهتا‬
‫ابألراضي واملمتلكات وبيع صكوك الغفران)‪ ،‬لذلك هامجت احلركة الدينية اإلصالحية منحى‬
‫الكنيسة َف التملك واإلثراء‪ ،‬داعية إَل أن الفرد جيب أن تكون عالقته بربه مباشرة دون أي وسيلة‬
‫وأن يفسر الفرد الكتاب املقدس طبقاً لضمريه‪ .‬هلذا كله ظهرت أمهية بروز احلرية السياسية واحلرية‬
‫الدينية لدى األفراد استجابة لتلك األفكار(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر ‪/‬فاروق سعد‪ /‬تراث الفكر السياسي قبل األمري وبعده‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.249‬‬
‫(‪ )2‬راجع َف ذلك‪ :‬عبد اجلبار عبد مصطفى‪ /‬الفكر السياسي الوسيط واحلديث‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص‬
‫‪.64-61‬‬

‫(‪)32/1‬‬

‫إن األفكار املشار إليها كانت لبنات أساسية عززهتا لبنات مضافة أخرى جاءت لتصحيح األوضاع‬
‫وإحداث تطور َف النظامني االقتصادي والسياسي َف أوراب‪ .‬هلذا يرى الربوفيسور (موريس دوفرجيه)‬
‫أن بوادر اإلصالح ظهرت مع نشوء مجعيات (أي ُمالس متثيلية) كانت جتتمع بشكل عام لتقدمي‬
‫مساعدات مالية ُث ما لبثت أن طالبت امللكية بتسويغ طلباهتا املالية‪ ،‬وراقبت الضرائب وجبايتها‪،‬‬
‫وَف آخر املطاف ذهبت إَل التدقيق َف احلساابت‪ُ ،‬ث ارتقى مستوى عملها لتمارس الرقابة السياسية‬
‫عرب صياغة شكاوى قبل منح املساعدات(‪.)1‬‬
‫إن تلك املمارسات العملية اإلصالحية عززها بروز مبدأ (فصل السلطات) ( ‪Separation of‬‬
‫‪ )Powers‬الذي جاء به املفكر (مونتسكيو) أو ابألحرى تبلورت فكرته على يده‪ )2(،‬الذي كان‬
‫له األثر َف حتقيق مزااي التخصص ومنع إساءة استخدام السلطة (نزاهة احلكم ‪Good‬‬
‫‪ )Governance‬اليت سوف تستغل إذا ما اجتمعت بوظائفها الثالث (تشريع‪ ،‬تنفيذ‪ ،‬قضاء) َف‬
‫هيئة (يد) واحدة‪.‬‬
‫أي بعبارة أخرى ملا كانت (السلطة مفسدة) فإن فصلها إَل مؤسسات متميزة ملمارسة وظائفها‬
‫املختلفة يصبح أمراً ضرورايً لصيانتها من التسلط‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬موريس دوفرجيه‪ /‬املؤسسات السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬األنظمة السياسية الكربى‪ /‬ترمجة‬
‫جورج سعد‪ /‬بريوت‪ /‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ /1992 /‬ص‪.30‬‬
‫(‪ )2‬تشري الدراسات السياسية إَل أن نظرية (فصل السلطات) قال هبا آخرون سبقوا (مونتسكيو) َف‬
‫الظهور منهم (أرسطو)‪( ،‬شييشرون)‪( ،‬مارسيليو)‪( ،‬لوك)‪.‬‬

‫(‪)33/1‬‬

‫إن املبدأ املذكور يعطي حقاً شرعياً ومتساوايً لكل هيئة (تشريع‪ ،‬تنفيذ‪ ،‬قضاء) َف ّمارسة ختصصها َف‬
‫النظام السياسي مستنداً إَل فكرة (املراقبة والتدقيق ‪ )Check and Balance‬الذي يسمح‬
‫بتدخل السلطات الثالث مبهام بعضها البعض وبنسبة ترجع إَل شكل وطبيعة النظام السياسي‬
‫القائم(‪.)1‬‬
‫جدير ابلذكر أن العملية اإلصالحية بعد ذلك استمرت ابلتصاعد فمثالً خالل القرن السابع عشر‪،‬‬
‫نلحظ َف أنكلرتا أن الربملان مل يعد ينتزع صالحيات من امللك‪ ،‬بل إن امللك ونتيجة للتدرجية (اليت‬
‫أخذت فرتة من الزمن) َف حتديد صالحياته قد استبدل جبهاز حكومي آخر ميتلك السلطة التنفيذية‪،‬‬
‫مؤلف من رئيس للحكومة وأعضاء يرتتب عليهم نيل ثقة الربملان للبقاء َف مناصبهم(‪.)2‬‬
‫لقد استمرت وترية اإلصالح تلك ابلتقدم خالل القرن الثامن عشر حيث شهد القرن املذكور إصدار‬
‫ثالث شرعات (‪َ )Bills‬ف األعوام (‪،)1832‬‬
‫(‪ )1885-1884( ،)1867‬على التوايل حيث مت توسعة قاعدة املنتخبني وإزالة عدم املساواة َف‬
‫التمثيل (الربملاين)‪ ،‬وكانت الشرعة األخرية قد خلقت املساواة َف مناطق االنتخاب وإعطاء حق‬
‫التصويت إَل أكرب عدد(‪.)3‬‬
‫أما القرن العشرون فقد شهد اكتمال ذلك اإلصالح بزايدة أعداد الناخبني حيث أصبح االقرتاع‬
‫عملياً لكل الرجال فوق الواحد والعشرين عاماً‪ ،‬والنساء فوق الثالثني عاماً َف عام ‪ُ ،1918‬ث ما‬
‫لبث أن أعطيت للنساء عام ‪ 1928‬حقوق االقرتاع بنفس مواصفات الرجال العمرية(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬حافظ علوان محادي الدليمي‪ /‬النظم السياسية َف أوراب الغربية والوالايت املتحدة األمريكية‪/‬‬
‫بغداد‪ُ /‬مموعة مذكرات َف النظم السياسية غري منشورة‪ /1991 /‬ص‪.42‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )2‬موريس دوفرجيه‪ /‬املؤسسات السياسية والقانون الدستوري‪ /‬م س ‪ /1‬ص‪.21‬‬
‫(‪.David M. Chalmers/ Corruption/ Opcit. P. 316 )3‬‬
‫(‪J. Jean Hecht/ Encyclopedia international/ Philippines/ )4‬‬
‫‪.1979/ p. 342‬‬

‫(‪)34/1‬‬

‫بقي أن نذكر أن اإلصالحات َف الوالايت املتحدة األمريكية وفرنسا كانت تسري بنمط آخر يستقي‬
‫روحه من النظام اإلنكليزي ولكن بصيغ وألوان أخرى‪ .‬حيث جتدر اإلشارة إَل أن آابء التأسيس‬
‫األوائل للوالايت املتحدة األمريكية فسروا أفكار مونتسكيو عام (‪ )1748‬بربملان مينح سلطة تشريعية‬
‫بوجه سلطان جيسد التنفيذ وال تستطيع اجلمعيات عزله‪.‬‬
‫وإذا ما انتقلنا من النظام السياسي للوالايت املتحدة األمريكية إَل النظام السياسي الفرنسي نلحظ أن‬
‫اإلصالح عرف َف مجيع مراحل تطور ذلك النظام وحتديداً منذ نشوب الثورة الفرنسية (برغم العديد‬
‫من السلبيات اليت شهدها)‪ .‬جتدر اإلشارة إَل أن إعالن (حقوق اإلنسان) كان خطوة إصالحية جاء‬
‫هبا املنحى اإلصالحي للثورة املذكورة سار على هديه الكثري من النظم السياسية‪ .‬لقد ظهر َف مقدمة‬
‫ذلك اإلعالن الصادر عام (‪ )1789‬املنحى اإلصالحي بشكل واضح وذلك طبقاً للنص اآليت‪:‬‬
‫"إن ّمثلي الشعب الفرنسي املكونني للجمعية الوطنية ملا كانوا يعتربون جهل حقوق اإلنسان‪ ،‬أو‬
‫نسياهنا أو ازدرائه‪ ،‬هي األسباب الوحيدة للمصائب العامة‪ ،‬ولفساد احلكومات‪ ،‬فقد عقدوا العزم‬
‫على عرض حقوق اإلنسان الطبيعية املقدسة واليت ال ميكن التنازل عنها"‪.‬‬
‫الذي تزامن معه حتويل ملكية لويس السادس عشر املطلقة إَل ملكية حيدها الربملان‪َ ،‬ف خطوة‬
‫إصالحية مهمة(‪.)1‬‬
‫ّما تقدم نكون قد عرضنا لبعد اإلصالح التارخيي بشكل موجز منذ عصور فجر التاريخ إَل العصر‬
‫احلديث وَترخينا املعاصر‪ ،‬بتوصيف أثر املنهج املقارن َف الدراسة لتنتقل بعد ذلك لبيان بعد املفهوم‬
‫ملفردة اإلصالح بعرض يغين املادة العلمية للبحث‪.‬‬
‫‪ 2‬بعد املفهوم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬موريس دوفرجيه‪ /‬املؤسسات السياسية والقانون الدستوري‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.39-37‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)35/1‬‬

‫لقد بينا فيما سبق مفهوم ظاهرة الفساد وعرضنا لبعدها التارخيي ابإلضافة إَل عرضنا للجانب‬
‫التارخيي لإلصالح هبيئة توضح مبتغى غايتنا البحثية َف هذا الفصل‪ .‬وبغية إعطاء موضوع اإلصالح‬
‫كل أبعاده واستكماالً لغايتنا وألغراض اإلحاطة العلمية ببعد املفهوم وما يقاربه من مصطلحات نقول‬
‫إن اإلصالح أخذ معاين ومفاهيم كثرية تناولتها مراجع اللغة‪ ،‬والقواميس‪ ،‬والكتب التخصصية حىت‬
‫ابت عمالً تنادي به كل جهة تعاين من مشكالت َف آلية عملها لتعطيه مفهوماً خيتلف بعض الشيء‬
‫عن مفهوم آخر له‪ ،‬لذلك أصبح هناك (إصالح سياسي) و(إصالح اقتصادي) وإداري واجتماعي‬
‫وثقاَف وصحي‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫وعندما نتناول مفهوم (اإلصالح ‪ )Reform‬ابلتعريف ال بد من استخدام نفس منهجية تعريفنا‬
‫(للفساد) من العام الشامل إَل اخلاص املبتغى إلكساب املفهوم كافة أبعاد صورته وعلى النحو اآليت‪:‬‬
‫يعرف اإلصالح من خالل جذر الكلمة (صلح) و(صالحاً) و(صلوحاً)‪:‬‬‫ففي اللغة‪ّ /‬‬
‫أي الشيء الذي زال عنه الفساد‪.‬‬
‫فعندما يقال (صلحت حال الرجل) أي زال عنها (فسادها)(‪.)1‬‬
‫و(الصالح) هو ضد الفساد عند (حممد بن أيب بكر الرازي) واببه (دخل) و(اإلصالح) هو ضد‬
‫(اإلفساد) و(االستصالح) هو ضد (االستفساد)‪)2(.‬‬
‫وتعرف املفردة املقابلة لكلمة (اإلصالح) ابإلنكليزية وهي مصطلح‬
‫ّ‬
‫(‪ )Reform‬على أهنا العمل الذي حيسن الظروف‪.‬‬
‫)‪)3((An actions that improves conditions‬‬
‫أو تعين إعادة التشكيل أو تشكيل الشيء وجتميعه من جديد أو هو حتسني احلالة أو تصليحها‪)4(.‬‬
‫أو تعين التحسينات بتصحيح األخطاء‪.‬‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬خليل اجلر‪ /‬املعجم العريب احلديث‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.749‬‬
‫(‪ )2‬حممد بن أيب بكر الرازي‪ /‬خمتار الصحاح‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.367‬‬
‫(‪others/ Longman, Dictionary/ & Virginia French allen )3‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.opcit/ p. 568‬‬
‫(‪ )4‬منري بعلبكي‪ /‬قاموس املورد (‪ /)86‬بريوت‪ /‬دار العلم للماليني‪ /1986 /‬ص‪.770‬‬

‫(‪)36/1‬‬

‫‪)To improve by correcting errors)(1‬‬


‫أما على صعيد تعريف املفردة ومعناها (من خالل األثر اإلسالمي) املذكور َف (القرآن الكرمي)(‪)2‬‬
‫فاملفردة تعين (ابالستناد َف البحث إَل جذر الكلمة) (صلح) اآليت‪:‬‬
‫ويعرف على أنه أداء الفروض والنوافل واستقامة احلال لقوله تعاَل‪:‬‬
‫‪ )1‬عمل الصاحلات ّ‬
‫‪ ...‬بسم هللا الرمحن الرحيم { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصاحلات أن هلم جنّات جتري من حتتها‬
‫األهنار‪ . } ....‬صدق هللا العظيم‪)3(.‬‬
‫‪ )2‬العمل بشريعة هللا لقوله تعاَل‪:‬‬
‫‪ ...‬بسم هللا الرمحن الرحيم { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئني من آمن ابهلل واليوم‬
‫اآلخر وعمل صاحلاً فلهم أجرهم عند رهبم وال خوف عليهم وال هم حيزنون } ‪ .‬صدق هللا‬
‫العظيم(‪.)4‬‬
‫‪ )3‬إقامة العدل َف األرض‪ .‬لقوله تعاَل‪:‬‬
‫‪ ...‬بسم هللا الرمحن الرحيم { فمن خاف من موص جنفاً أو إمثاً فأصلح بينهم فال إُث عليه إن هللا‬
‫غفور رحيم } صدق هللا العظيم(‪.)5‬‬
‫‪ )4‬أو تنمية األموال لليتامى‪ .‬لقوله تعاَل‪:‬‬
‫‪ ...‬بسم هللا الرمحن الرحيم { َف الدنيا واآلخرة ويسئلونك عن اليتامى قل إصالح هلم خري‪} ...‬‬
‫صدق هللا العظيم(‪.)6‬‬
‫‪ )5‬أو هو صالح أمر الرعية خللل فيها‪ .‬لقوله تعاَل‪:‬‬
‫‪ ...‬بسم هللا الرمحن الرحيم { وواعدان موسى ثالثني ليلة وأمتمناها بعشر فتم ميقات ربه أربعني ليلة‬
‫وقال موسى ألخيه هارون اخلفين َف قومي وأصلح وال تتبع سبيل املفسدين } صدق هللا العظيم(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪Webster’s II/ new riverside dictionary/ n.y./ Houghton )1‬‬
‫‪.Mifflin company/ 1984/ p.588‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )2‬يرجى الرجوع الفصل األول من هذا املبحث للتعرف على السور اليت ذكر فيها اإلصالح‪.‬‬
‫(‪ )3‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة البقرة‪ /‬اآلية (‪.)25‬‬
‫(‪ )4‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة البقرة‪ /‬اآلية (‪.)62‬‬
‫(‪ )5‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة البقرة‪ /‬اآلية (‪.)182‬‬
‫(‪ )6‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة البقرة‪ /‬اآلية (‪.)220‬‬
‫(‪ )7‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة األعراف‪ /‬اآلية (‪.)142‬‬

‫(‪)37/1‬‬

‫جدير ابلذكر أن ما عرضنا له من معان ملفردة اإلصالح َف األثر اإلسالمي هي أقرب ما وجدته‬
‫الدراسة من أمثلة تتطابق مع منهجها حيث أن التفسريات كثرية وتعاجل مواضيع عدة لذلك رشفنا‬
‫منها ما أشران إليه الذي يدخل َف صميم دائرة االهتمام‪.‬‬
‫وابالنتقال من املعاين العامة إَل املفاهيم املتخصصة نلحظ أن اإلصالح‪:‬‬
‫(مفهوم يطلق على التغريات االجتماعية أو السياسية اليت تسعى إلزالة الفساد)‬
‫‪(Reform means social or political change that seeks to‬‬
‫)‪)1(remove corruption‬‬
‫أو كما يعرفه بعضهم على أنه‪:‬‬
‫(تعديل غري جذري َف شكل احلكم أو العالقات االجتماعية دون مساس أبسسها وهو (خالفاً ملفهوم‬
‫الثورة) ليس سوى حتسني َف النظام السياسي االجتماعي‪ ،‬القائم دون املساس أبسس هذا النظام‪ .‬إن‬
‫اإلصالح يشبّه ابلدعائم اخلشبية املقامة حملاولة منع اهنيار املباين املتداعية ويستعمل للحيلولة دون‬
‫الثورة أو لتأخري وقوعها)(‪.)2‬‬
‫يعرف (اإلصالح) طبقاً لرأي (صموئيل هنتينغتون)‪:‬‬
‫على أن الفكر الغريب ّ‬
‫أبنه (تغيري القيم وأمناط السلوك التقليدية‪ ،‬ونشر وسائل االتصال والتعليم‪ ،‬وتوسيع نطاق الوالء‬
‫حبيث يتعدى العائلة والقرية والقبيلة ليصل إَل األمة‪ ،‬وعلمنة احلياة العامة‪ ،‬وعقالنية البىن َف‬
‫السلطة‪ ،‬وتعزيز التنظيمات املتخصصة وظيفياً‪ ،‬واستبدال مقاييس العزوة (أي احملاابة) مبقاييس‬
‫الكفاءة‪ ،‬وأتييد توزيع أكثر إنصافاً للموارد املادية والرمزية)‪)3(.‬‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪.Websters II/ New Riverside Dictionary/ op. cit. p. 588 )1‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬عبد الوهاب الكيايل‪ /‬املوسوعة السياسية‪ /‬بريوت‪ /‬الدار العربية للدراسات والنشر‪/1974 /‬‬
‫ص‪.55‬‬
‫(‪ )3‬صموئيل هنتينغتون‪ /‬النظام السياسي جملتمعات متغرية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.121‬‬

‫(‪)38/1‬‬

‫بعد هذا التقدمي ملعىن مفردة اإلصالح لغوايً ودينياً وختصيصاً ال بد للدراسة من االنتقال إَل املفاهيم‬
‫املقاربة لإلصالح أو ابألحرى الشروط السياسية ملكافحة الفساد وهي (الشفافية)‪( ،‬املساءلة)‪،‬‬
‫(النزاهة أو حسن احلكم)‪ .‬اليت سنعرض ملعانيها العامة ُث التخصصية طبقاً للمنهج الذي سران عليه‬
‫وكما أييت‪:‬‬
‫فالشفافية‪َ /‬ف اللغة تعين‪ /‬طبقاً جلذر الكلمة (شفف) اخلفة ورقة احلال‪ ،‬أو الشيء القليل (مجع‬
‫أشفاف)‪ ،‬و(الشف) هو سرت القليل(‪.)1‬‬
‫على أن املفردة (‪ )Transparency‬اإلنكليزية تعين‪:‬‬
‫احلالة اليت تكون شافة وميكن الرؤية من خالهلا‪.‬‬
‫‪(The state of being transparent which that can seen‬‬
‫)‪)2(.through‬‬
‫إهنا الوضوح )‪ ،)3((Obvious‬أو هي الشيء اجللي‪ ،‬أي هي كما الصورة املرسومة على زجاج‬
‫جيلى للعني من خالل نور يشع خلفها حسب ما يوصف(‪.)4‬‬
‫أما انتقالنا إَل املفاهيم املتخصصة فيقودان إَل أهنا تعين‪:‬‬
‫(الشفافية)‪( /‬مفهوم يطلق على ما ميكن استيعابه بسهولة وفهمه أو ما ميكن استيضاحه بسهولة‬
‫واكتشافه)‬
‫‪(Readily understandable, Easily detected) or‬‬
‫)‪)5(.(Easily understood, unmistakable, undoubted‬‬
‫أو هي على حد تعبري (د‪ .‬صالح سامل زرنوقة)(‪:)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬خليل اجلر‪ /‬املعجم العريب احلديث‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.716‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪others/ longman Dictionary/ op. & Viginia French Allen )2‬‬
‫‪.cit. p. 718‬‬
‫(‪.Websters II/ New Riverside Dictionary/ op. cit. p. 729 )3‬‬
‫(‪ )4‬منري بعلبكي‪ /‬قاموس املورد (‪ /)86‬ص‪.985‬‬
‫(‪Oxford/ English Readers Dictionary/ London/ Oxford )5‬‬
‫‪.Press/ 1959/ p. 464‬‬
‫(‪ )6‬د‪ .‬صالح زرنوقة‪ /‬أستاذ َف جامعة القاهرة‪ /‬وخبري مبركز دراسات وحبوث الدول النامية‪ /‬كلية‬
‫االقتصاد والعلوم السياسية‪.‬‬

‫(‪)39/1‬‬

‫آلية الكشف عن الفساد أبن يكون‪ ،‬اإلعالم (واإلعالن) من جانب الدولة عن أنشطتها كافة َف‬
‫التخطيط والتنفيذ(‪.)1‬‬
‫أو كما يعرفها آخرون على أهنا‪:‬‬
‫(التمييز بوضوح بني القطاع احلكومي وابقي القطاعات‪ ،‬ومبوجبها حتدد بدقة األدوار السياسية‬
‫واإلدارية داخل احلكومة‪ .‬وأن يتم بوضوح وفق آلية يطلع عليها اجلمهور حتديد توزيع املسؤوليات بني‬
‫خمتلف مستوايت احلكومة‪ ،‬وكذلك توزيعها بني كل من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية)(‪.)2‬‬
‫أو هي من وجهة نظر اقتصادية سياسية تعين‪:‬‬
‫(االنفتاح على اجلمهور فيما يتعلق هبيكل ووظائف القطاع احلكومي‪ /‬ونوااي سياسات املالية العامة‬
‫وحساابت القطاع العام الذي من شأنه تعزيز (املساءلة) وكذلك تعزيز (املصداقية)‪ ،‬وحشد أتييد‬
‫أقوى للسياسات االقتصادية السليمة من قبل مجهور على علم مبجرايت األمور‪ .‬على أن انعدامها‬
‫(الشفافية) َف السياسات يؤدي إَل زعزعة االستقرار‪ ،‬وعدم الكفاءة‪ ،‬واالفتقار للعدالة)(‪.)3‬‬
‫َف حني أن (املساءلة) (‪ )Accountability‬تعين‪:‬‬
‫احلساب عن أعمال معينة (أي املسؤولية عن أداء العمل وتولية املنصب)‪ ،‬ومنها املسؤولية الوزارية‬
‫أمام الربملان(‪( ،)4‬أو هي كفاءة ّمارسة النفوذ والتأثري على قضااي شؤون الدولة واجملتمع)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬صالح سامل زرنوقة‪ /‬الشروط السياسية للتنمية االقتصادية‪ُ /‬ملة النهضة‪ /‬العدد ‪/1999 /1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ص‪.156‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فيتوَتنزي‪ /‬مشروع دليل شفافية املالية العامة‪ /‬واشنطن‪ /‬صندوق النقد الدويل‪ /‬أكتوبر‬
‫‪ /1998‬ص‪ 87‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪Caring/ Transparency in government & Kopits )3‬‬
‫‪operation/ Washington/ IMF/ Occasional Paper No. 158/‬‬
‫‪.1998‬‬
‫(‪ )4‬منري بعلبكي‪ /‬قاموس املورد (‪ /)86‬م س ذ‪ /‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )5‬أ‪ .‬غادة موسى‪ /‬الشفافية واملساءلة َف أملانيا‪ /‬بعد الوحدة‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد (حمرر)‪/‬‬
‫الفساد والتنمية‪ /‬القاهرة‪ /‬مركز دراسات وحبوث الدول النامية‪ /1999 /‬ص‪.84‬‬

‫(‪)40/1‬‬

‫أما احلكم اجليد أو (حسن احلكم ‪ )Good Governance‬فيعين‪:‬‬


‫(ّمارسة القوة َف ُمموعة متنوعة َف حميط وبيئة املؤسسات‪ ،‬هبدف التوجيه والسيطرة وحتديد وتنظيم‬
‫األنشطة مبا خيدم املواطنني)(‪.)1‬‬
‫على أن حسن احلكم ال يتحقق إال ابملشاركة والشفافية واملساءلة‪.‬‬
‫ّما تقدم خنلص إَل أن اإلصالح ومقرتابته تعين‪:‬‬
‫أن اإلصالح هو املفهوم املضاد للفساد‪ ،‬وآلية تدعيم ركائز ما تداعى وهرم من بىن ومؤسسات‬
‫الدولة أي بعبارة أخرى هو عملية حقن مواد التصلد َف أساسات ذلك البناء‪ ،‬إلعادة متتني تلك‬
‫الركائز‪ ،‬وذلك ابتباع آليات نبذ التخلف وحترير اجملتمع وحماربة أساليب العزوة واحملسوبية‪ ،‬واختالف‬
‫االمتيازات بني أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫إن اإلصالح يتطلب استخدام آلية (الشفافية) عن طريق فتح القنوات للجمهور لالطالع على‬
‫سياسات احلكومة وتعزيز (املساءلة) وذلك إبشراك اجلمهور بعد االطالع على سياسات احلكومة‬
‫إببداء رأيه بتلك السياسات وجعله املسؤول األول عن تقييم الرؤساء اإلداريني وسياستهم‪.‬‬
‫كل ذلك يعطي لإلصالح ضرورة التفاعل مع (حسن احلكم) واالمتزاج مع ذلك املفهوم للعمل آبلية‬
‫هادئة ال تقود إَل العنف مطلقاً وال تؤدي إَل الفوضى إلصالح جدار اجملتمع ُث طالئه جبميل الطالء‬
‫على أ ْن ال يكون ذلك الطالء لتغطية النخر من غري إصالح‪ ،‬إهنا عملية الرتميم بكل وجوهها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(((‬

‫الباب الثاين‬
‫أمناط الفساد‬
‫مالمح الفساد وطبيعته‬
‫‪& The Shape‬‬
‫‪Nature of Corruption‬‬

‫خالل هذا الباب سنعرض ألربعة أمناط من الفساد لتشكل لنا قاعدة نشرح من خالهلا نوعية وشكل‬
‫كل منط ألغراض التوضيح‪ُ ،‬ث لننتقل بعدها إَل تناول مفردات أخرى َف فصول الحقة تتعلق‬
‫ابألمناط املذكورة بغية إعطاء املوضوع ترابطه املطلوب‪.‬‬
‫حيث بدون فهم دقيق هلذه األمناط يصبح من العسري الوقوف على حقيقة الفساد وتداعياته‪ .‬األمر‬
‫الذي سيفصح عن حقيقته تباعاً َف ثنااي هذه الدراسة‪.‬‬
‫الفصل األول‬
‫الفساد االجتماعي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه ص‪.86‬‬

‫(‪)41/1‬‬

‫ابدئ ذي بدء فإن احلديث عن الفساد االجتماعي يقود دارسه الستقراء أساليب االحنراف وحياد بين‬
‫البشر عن الطريق القومي للفطرة اإلنسانية والتجرد من املثل األخالقية اليت أفرزها الوجود اإلنساين‬
‫على وجه البسيطة‪.‬‬
‫وعليه فإن ذروة سنام احلديث عن الفساد االجتماعي ال بد أن ينطلق من نقطة مركز هي (حسن‬
‫اخللق) وكيفية دراسة األخالق وبنائها‪ ،‬على أن الشروع َف ذلك يكون على أفضل صوره عندما‬
‫ينطلق من الرؤية اإلسالمية َف الدراسة‪ ،‬حيث التوجيه اإلهلي هلذا املنهج جيعله أفضل سبل البحث‪.‬‬
‫لذلك كان التوجيه الرابين خلامت األنبياء سيدان حممد ( ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ) -‬يقوم على إمتام ما‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أتى به إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السالم) إلقامة الدين على األسس القائمة على العدل واحملبة‬
‫والسالم وعدم اختاذ الدين أداة للتفرقة وإن هذه املبادئ كلها تدل على األخالق الكرمية الواجبة‬
‫لبين البشر(‪.)1‬‬
‫وهلذا جاء النص القرآين‪ :‬بسم هللا الرمحن الرحيم { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي‬
‫أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه } صدق هللا‬
‫العظيم(‪.)2‬‬
‫لقد ورد التأكيد اإلسالمي على األخالق عندما خاطبت اآلية الكرمية حضرة شخص الرسول حممد (‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ) -‬لقوله تعاَل‪:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { وإنك لعلى خلق عظيم } صدق هللا العظيم(‪.)3‬‬
‫وما جاء من توجيه نبوي لألمة ابألحاديث الشريفة يعزز ما عرضه القرآن الكرمي من دعوة إَل التخلق‬
‫ابخللق القومي‪ ،‬حلديث رسول هللا ( ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪:) -‬‬
‫[‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عفيف عبد الفتاح طبارة‪ /‬اخلطااي َف نظر اإلسالم‪ /‬لبنان‪ /‬مطبعة العلوم‪ ،1985 /‬ص‪.7‬‬
‫(‪ )2‬سورة الشورى‪ :‬اآلية (‪.)13‬‬
‫(‪ )3‬سورة القلم‪ /‬اآلية (‪.)4‬‬

‫(‪)42/1‬‬

‫إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق](‪)1‬‬


‫وما كان يدعو به ( ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪) -‬‬
‫فحسن ُخلقي(‪)3(])2‬‬
‫حسنت َخلقي ّ‬
‫[اللهم ّ‬
‫وحلديثه ( ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪) -‬‬
‫[عن جابر (رض) عنه ( ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ) -‬قال‪ :‬إن من أحبكم إيل وأقربكم مين ُملساً يوم‬
‫القيامة أحاسنكم أخالقاً وإن من أبغضكم إيل وأبعدكم مين ُملساً يوم القيامة الثراثرون واملتشدقون‬
‫واملتفيهقون‪ .‬قالوا اي رسول هللا قد علمنا الثراثرون واملتشدقون فما املتفيهقون؟ قال‪ :‬املتكربون]‬
‫(رواه الرتمذي)(‪)4‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وعلى املنهج ذاته سار الصحابة األجالء‪ ،‬وآل البيت األطهار فهذا سيدان علي بن أيب طالب (كرم‬
‫هللا وجهه) يقول‪ :‬حسن اخللق َف ثالث خصال‪:‬‬
‫(اجتناب احملارم‪ ،‬وطلب احلالل‪ ،‬والتوسعة على العيال)(‪)5‬‬
‫ومن هذا التوجيه اإلسالمي الذي عرضنا له ننطلق َف دراستنا لنرى عمق املعاجلة لقضية األخالق‬
‫وحسنها وما يؤول له األمر عند انعدامها وفسادها‪.‬‬
‫وملا له من صلة ابملوضوع نتناول ابلتفصيل حديث اخلليفة الراشدي الرابع (رض) الذي أسلفناه‬
‫تفصيالً‪ ،‬حيث إن (اجتناب احملارم) تعين العفة والطهر عن سوء األخالق‪ ،‬و(طلب احلالل) يعين أن‬
‫يكون املال حالالً طيباً غري انجم عن عمل فاسد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬احلديث عن ما أخرجه أمحد واحلاكم والبيهقي من حديث الصحايب اجلليل‪ /‬أيب هريرة‪( /‬رضي هللا‬
‫عنهم مجيعاً) عن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪. -‬‬
‫(‪ )2‬لرواية أيب مسعود البدري ورواية أمحد عن حديث أم املؤمنني عائشة (رضي هللا عنهم مجيعاً)‪.‬‬
‫(‪ )3‬نقالً عن ‪/‬أيب حامد الغزايل‪ /‬إحياء علوم الدين‪ /‬بريوت‪ /‬دار القلم‪ /‬بال َتريخ‪ /‬اجلزء الثالث‬
‫ص‪ 48‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشيخ منصور علي انصف‪ /‬التاج‪ /‬اجلامع لألصول َف أحاديث الرسول‪ /‬ج‪ /5‬بريوت‪ /‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ /1962 /‬ص‪.64‬‬
‫(‪ )5‬نقالً عن‪ /‬أيب حامد الغزايل‪ /‬إحياء علوم الدين‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪ 48‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)43/1‬‬

‫على أن حسن اخللق يرجع إَل اعتدال قوة العقل وكمال احلكمة واعتدال قوة الغضب والشهوة‬
‫وإطاعتها للعقل والشرع واالعتدال َف ذلك حيدث بوجهني‪:‬‬
‫األول ‪ / ...‬أن يكون بكمال فطري أوجده هللا تعاَل َف ذات ذلك املخلوق‪.‬‬
‫اثنيهما ‪ / ...‬اكتساب األخالق ابجملاهدة ومحل النفس على األعمال اليت يقتضيها اخللق املطلوب‪.‬‬
‫حيث إن اإلصالح للذات البشرية ّمكن وإن كانت تنزع إَل العمل السيئ قال رسول هللا ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪: -‬‬
‫[اعبد هللا َف الرضا فإن مل تستطع ففي الصرب على ما تكره خري كثري] أخرجه الطرباين(‪.)1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عليه فإن حسن اخللق يرجع كما أسلفنا إَل اعتدال قوة العقل واحلكمة واعتدال قوة الغضب‬
‫والشهوة وخضوعها لقوة العقل املعتدلة‪ .‬ولقابلية النفس اإلنسانية لإلصالح والرتويض أي مبا يعرف‬
‫اصطالحاً (ابلتنشئة)(‪ ،)2‬والتنشئة االجتماعية الصحيحة أتيت من طريقة التوجيه الصحيح والتعليم‬
‫طاملا إن اإلنسان َف داخله قابل للتعلم‪.‬‬
‫ولقد حدد فالسفة السياسة منذ أزمنة سحيقة أبن هدف التعليم هو توجيه الشباب إَل معرفة القوانني‬
‫الصحيحة كما جاء على لسان أفالطون(‪ )3‬أي بناء الشخصية االجتماعية ذات القابلية على‬
‫التصرف السوي (ابلتنشئة السليمة) ولذلك نرى أن اإلسالم حث على هذا املنحى أيضاً ابلتنشئة‬
‫على الوجه األكمل وأن يكون العدل والقسط َف اجملتمع هو األساس ولو على النفس لقوله تعاَل‪:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم { اي أيها الذين آمنوا كونوا قوامني ابلقسط شهداء هلل ولو على أنفسكم أو‬
‫الوالدين واألقربني إن يكن غنياً أو فقرياً فاهلل أوَل هبما فال تتبعوا اهلوى أن تعدلوا وإن تلوا أو‬
‫تعرضوا فإن هللا كان مبا تعملون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪ /‬ص‪ 48‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬املقصود ابلتنشئة هنا (التنشئة القومية الصحيحة)‪.‬‬
‫(‪ )3‬نقالً عن د‪ .‬أمحد مجال الظاهر‪ /‬دراسات َف الفلسفة السياسية‪ /‬إربد‪ /‬مكتبة الكندي‪/1988 /‬‬
‫ص‪ 398‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)44/1‬‬

‫خبريا } صدق هللا العظيم(‪.)1‬‬


‫حيث نرى هنا التوجيه اإلهلي حيث على البناء األخالقي‪ ،‬وعلى التنشئة أبفضل صورها حبيث تصل‬
‫إَل قول احلق وإقامة العدل مع أقرب املقربني قربة هلل تعاَل‪.‬‬
‫على أن التنشئة االجتماعية لعامل اليوم تناولتها البحوث والدراسات السيكولوجية مليادين خمتلفة من‬
‫حياة اإلنسان َف بدايتها (مرحلة الطفولة)‪ ،‬وخالل تطورها االجتماعي (املراحل األخرى)‪ ،‬حىت إن‬
‫علماء تلك البحوث درسوا طرق الوالدة وكميات األدوية املعطاة لألم وانعكاسها على تصرفات‬
‫األطفال إلمكانية وضع احللول لتنشئتهم بشكل سليم‪.‬‬
‫وأتخذ تلك الدراسات بعني الرعاية العالقة بني الطفل واألم ملا هلا من أتثريات على األخالقيات‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والتصرفات مستقبالً ويرى علماء البحوث النفسية أن اآلابء قد يشجعون أبناءهم على التصرف‬
‫السيئ أو احلسن من خالل عالقتهم البعض مع البعض اآلخر(‪ .)2‬على أن التنشئة األخالقية بني‬
‫اآلابء وأبنائهم تظهر من خالل هذه العالقة بني االثنني فالعالقات اإلجيابية (كالثناء واملديح وتقدمي‬
‫اهلدااي) هلا أتثري على سلوك الطفل مستقبالً‪ .‬وابلفعالية نفسها‪ ،‬للعالقات السلبية أتثري أيضاً‪ .‬حيث‬
‫يؤدي العقاب إَل زرع روح العداء َف شخصية الطفل أيضاً مستقبالً‪.‬‬
‫إن الدراسات السيكلوجية تؤكد أن السلوك غري القومي ميكن تقوميه ابلتعليم واالختالط ابألقران‬
‫اجليدين‪.‬‬
‫وتدل البحوث على أن تصرفات الطفل مستقبالً حيددها نوع العالقات االجتماعية (فاألمانة‪،‬‬
‫اإلخالص‪ ،‬احلرص‪ ،‬اختيار اهلوية‪ ،‬االنتماء حلزب ما والسلوك االجتماعي) كلها للمحيط الذي نشأ‬
‫به الطفل أثر فيها(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬القرآن الكرمي‪ /‬سورة النساء‪ /‬اآلية (‪.)135‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬أمحد مجال الظاهر‪ /‬دراسات َف الفلسفة السياسية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪ 398‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬م‪ .‬ن‪ /‬ص‪ 398‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)45/1‬‬

‫وهلذا يالحظ أن لظاهرة افرتاق األبوين أثراً على السلوك االجتماعي لألطفال فيما بعد فقد كشفت‬
‫دراسة بدأت عام (‪ )1971‬على عينة من (‪ )100‬طفل أمريكي واستمرت لغاية بلوغهم سن الرشد‬
‫أن (‪ )%60‬من الشباب الناشئ الذي كان ضحية طالق األبوين يقعون ضحااي ألخطاء كبرية أثناء‬
‫حياهتم‪ .‬وإن (‪ )%25‬منهم يعانون اإلدمان على املخدرات والكحول قبل سن األربعة عشر عاماً‬
‫وأكدت الدراسة على أنه كلما كان عمر الطفل عند االفرتاق صغري كان لذلك أثر َف حياته‬
‫االجتماعية عند نشوئه(‪.)1‬‬
‫نستدل ّما تقدم أن للتنشئة القومية نسبة كبرية لتحقيق أشكال خمتلفة من السلوك االجتماعي القومي‬
‫أو املنحل خبالفها لدى األفراد مستقبالً‪.‬‬
‫ولكي نسرب غور املوضوع بشكل أوسع إليضاح هذه املقدمة ومدى ارتباطها مبوضوع حبثنا نشري‪:‬‬
‫إن موضوع الدراسة هذه حمدد للفرتة من (‪ )2000-1990‬أي دراسة العشرية األخرية للقرن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫العشرين وضمن هذا املبحث علينا التطرق حلوادث الفساد االجتماعي ضمن هذه العشرية وحنن إزاء‬
‫هذا لسنا بصدد سرد قصص وإمنا أمام حبث علمي يستدل ابلوقائع إلثبات مدى أتثري ذلك على‬
‫احلياة اإلنسانية وخطورته على اجملتمعات‪ .‬لقد برزت َف العشرية األخرية مفاهيم كان من أبرزها على‬
‫صعيد السياسة واالقتصاد هو مفهوم العوملة‬
‫(‪ )Globalization‬اليت كان من إفرازاهتا على الصعيد االجتماعي ثالثة حماور وجد أهنا كانت‬
‫على أشدها خالل العشرية املذكورة (على سبيل احلصر) وهذه احملاور هي‪:‬‬
‫‪ )1‬فضائح كبار مسؤويل الدول األخالقية‪.‬‬
‫‪ )2‬بروز شبكات جتارة الرقيق األبيض‪.‬‬
‫‪ )3‬استغالل األطفال َف األعمال الال أخالقية و(جتارة األطفال)‪.‬‬
‫وإلعطاء كل حمور حقه َف البحث سنتناول كل واحد منها بشيء من التفصيل‪.‬‬
‫‪ )1‬فضائح كبار مسؤويل الدول األخالقية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أمساء عبد اخلالق‪ /‬اجملتمع األمريكي عالقات أسرية مفككة ونسبة طالق عالية‪ /‬صحيفة‬
‫القادسية البغدادية‪ /‬العدد ‪َ 7000‬ف ‪.2000/10/17‬‬

‫(‪)46/1‬‬

‫سبق أن حتدثنا َف موضوع من هذا الفصل عن أثر التنشئة على تصرفات الطفل مستقبالً وسنوضح‬
‫هنا ما بدأانه آنفاً‪ ،‬حيث يورد األستاذ (حممد حسنني هيكل) أن صاحب أكرب فضيحة أخالقية‬
‫ش ّدت إليها أنظار العامل َف العشرية األخرية هو رئيس اإلدارة األمريكية (ويليام جيفرسون كيلنتون)‬
‫الذي أاثرت فضائحه اجلنسية حفيظة الشعب األمريكي ولفتت انتباه العامل أبسره‪.‬‬
‫فرئيس أكرب قوة َف عامل اليوم جاءت نشأته بشكل عشوائي من أم سكرية جتهل أابه ّما تسبب ألن‬
‫حيمل الطفل اسم زوج الحق لوالدته األمر الذي أثر بشخصيته الحقاً‪ .‬حىت أن زوجة الرئيس‬
‫(هيالري كلينتون) صرحت (أبن زوجها تكمن نقطة ضعفه َف استعداده للجري وراء أي امرأة يطوهلا‬
‫(كعامل رد فعل) َف شخصيته ظاانً أنه بذلك ينتقم من والدته اليت مل تستطع أن حتدد له شخص‬
‫والده)‪ .‬وذلك حسب حتليلها لشخصية الرئيس(‪.)1‬‬
‫وغطاء فضفاضاً‬
‫ً‬ ‫ولقد استغل (بيل كلينتون) نقطة ضعفه هذا ليجعل من فضائحه اجلنسية معرباً آمناً‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫لفضائح أخرى كتهريب املخدرات‪ ،‬وإذاعته ألسرار سياسية منها ما أثره من فضيحة أخالقية مع‬
‫عشيقته (جنيفر فالورز)(‪ )2‬على انكشاف أمر إابحته هلا أبسرار سياسية‪ ،‬فطبقاً لرواية األستاذ‬
‫(هيكل) أن كلينتون رّكز على عنصر اجلنس بعدما كشفت (فالورز) عالقتها به وفاجأته بتسجيل‬
‫صويت له بعد إنكاره للعالقة معها ّما دعاه لالعرتاف صراحة وأثر الفضيحة على ماابح به من أسرار‬
‫السياسة والساسة مبن فيهم زوجته على (خمدة) فالورز(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حممد حسنني هيكل‪ /‬كالم َف السياسة‪/‬القاهرة‪ /‬املصرية للنشر العريب‪ /‬الطبعة األوَل‪/‬‬
‫شباط‪ ./2000/‬ص ‪.45‬‬
‫(‪ )2‬جنيفر فالورز‪/‬مغنية َف اند ليلي َف ليتل روك‪ /‬عشيقة كلينتون عندما كان حاكم لوالية‬
‫أركنساس‪.‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه ‪/‬ص ‪ ،31‬وقارن مع‪ /‬حسني عبد الواحد‪ /‬أمريكا حرية‪ ،‬جنس‪ ،‬بوليتيكا‪/‬‬
‫القاهرة‪ /‬مركز احلضارة العربية‪ /1997 /‬ص‪.107‬‬

‫(‪)47/1‬‬

‫ُث بعد ذلك وَف البيت األبيض نالحظ أن الرئيس يستخدم الرشوة لضمان سكوت (بوال جونز)(‪)1‬‬
‫(اليت اهتمته ابلتحرش هبا عندما كانت تعمل َف إحدى املؤمترات وكان هو حاكماً لوالية أركنساس)‪،‬‬
‫ويعرض عليها مبلغ (‪ 850‬ألف دوالر) عن طريق حماميه بعد أن وصلت دعواها للمحقق (ستار)‬
‫لضمان سكوهتا ومن املفارقات أن رشوة (جونز) هذه دبر الرئيس نصف مبلغها ودبرت هيالري‬
‫النصف اآلخر(‪.)2‬‬
‫بقي أن نذكر أن شهرة كلينتون جاءت َف فضيحة مع (مس‪/‬لوينسكي) اليت أحيلت قضيتها إَل‬
‫املدعي العام املستقل (كينيث ستار) الذي استطاع حبنكته اكتشاف عالقتها عن طريق تسجيل‬
‫صويت قامت به إحدى زميالت (مونيكا)‪( /‬يعتقد لدوافع شخصية للمرأة) ويظهر فيه‪:‬‬
‫إن الرئيس طلب إَل مونيكا الكذب َف اعرتافاهتا عن قضية (بوال جونز) وأنه بذاته درهبا وحاول ذلك‬
‫للكذب على هيئة احمللفني َف قضية (بوال) ُث أنه قد أنكر نفسه عالقته مبونيكا (حتت القسم) أمام‬
‫هيئة احمللفني‪.‬‬
‫لقد توافرت بعد ذلك كله الدالئل مجيعها أمام (ستار) إلدانة (كلينتون) والدليل الدامغ َف هذا كله‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ما فاجئ به (ستار) الرئيس عندما استطاع إثبات كذبه على الشعب األمريكي وأمام ّمثلي القانون‬
‫الذي أقسم أمامهم (رئيس الوالايت املتحدة األمريكية) أبنه يقول احلق كل احلق وال شيء غري احلق‪.‬‬
‫وأول مهام الدستور األمريكي هو مسؤولية حفظ القانون وااللتزام به‪ .‬أن (ستار) أماط اللثام عن‬
‫الفضيحة الألخالقية بني الرئيس (ومونيكا) عندما قدم الثوب الذي التقت به مونيكا آلخر مرة مع‬
‫كلينتون إذ ترك األخري آاثره عليه اليت تستطيع املعامل أن تثبت أبهنا تعود لصاحب األثر الرئيس‬
‫األمريكي(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬بوال جونز ‪ /‬موظفة استقبال َف أحد الفنادق‪ /‬عندما كان كلينتون حاكم لوالية أركنساس‪.‬‬
‫(‪( )2‬انظر‪ :‬حسني عبد الواحد ‪/‬ص ‪ 108‬وقارن مع حممد حسنني هيكل ‪ /‬ص‪ )29‬م‪.‬ن‪.‬‬
‫(‪ )3‬حممد حسنني هيكل ‪ /‬كالم َف السياسة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.40‬‬

‫(‪)48/1‬‬

‫إن لعنة مونيكا استمرت تالحق كلينتون حيث بعد رفع أمر الرئيس إَل الكونغرس وتربئته من قبل‬
‫ُملس الشيوخ (شباط‪ )1999/‬بعد اهتام ُملس النواب له ابخليانة حلنثه ابليمني واضطراره لالعتذار‬
‫من الشعب األمريكي وإعاقة سري العدالة َف (ك‪( )1998/ 1‬واليت حاول تغطيتها إباثرة حرب‬
‫مفتعلة ضد العراق معروفة قصتها َف ذات التاريخ ُث ظهر ليحيي العرب واملسلمني برمضان) يسعى‬
‫املستشار املستقل (روبرت راي) الذي خلف (ستار) (وطبقاً لقانون االستشارات القضائي األمريكي‬
‫الذي استحدث عام‬
‫(‪ )1978‬بعد فضيحة وترغيت الذي مينح ّمثلي االدعاء احلرية َف التحرك بعيداً عن التغريات‬
‫السياسية َف التحقيق َف املزاعم والتهم املوجهة ضد املوظفني اإلداريني رفيعي املستوى َف حالة‬
‫ارتكاهبم أخطاء) لتوجيه االهتام وإقامة دعوى جنائية ضد (كلينتون) بعد انتهاء رائسته(‪.)1‬‬
‫ّما تقدم يتضح أبن الفساد األخالقي والفضائح الال أخالقية لرئيس أكرب دولة َف العامل مل أتت‬
‫بشكل واحد وإمنا جاءت نتيجة لتفاعالت الطفولة وتغطية أعمال فساد أخرى منها هتريب الكوكائني‬
‫عندما كان كلينتون حاكم لوالية أمريكية وقضااي تتعلق برشاوى سابقة ارتبطت مجيعها لكي جتعل‬
‫احلادثة األخالقية هتيمن عليها مجيعاً دون تفسري ملقتل (‪ 21‬شخصا)(‪ )2‬هلم عالقة بكلينتون منهم‬
‫(مثان) حاالت قيدت على أهنا حوادث انتحار(‪.)3‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيفة اببل البغدادية ‪ /‬العدد ‪َ 2804‬ف ‪.2000/8/19‬‬
‫(‪ )2‬ترددت شائعات عديدة للربط بني الرئيس واملخدرات ليس ابلتعاطي حسب بل واالجتار هبا‬
‫أيضاً َف والية أركنساس والدليل الوحيد املتاح على ذلك‪ ،‬هو أن أصدقاء ومساعدي كلينتون أغلبهم‬
‫انتحر أو قتل َف حوادث خالل (‪ 12‬عاماً)‪.‬‬
‫حسني عبد الواحد‪/‬أمريكا حرية‪ ،‬جنس وبولتيكا‪ /‬م س ذ ‪ /‬ص ‪.97‬‬
‫(‪ )3‬حممد حسنني هيكل ‪/‬كالم َف السياسة ‪ /‬م س ذ ‪ /‬ص ‪.31‬‬

‫(‪)49/1‬‬

‫لقد حتولت الفضائح األخالقية كما يقول األستاذ (هيكل) (بعد سلسلة من جرائم الفساد بشىت‬
‫أنواعه) إَل (مسرحية) تشد اهتمام الناس َف أمريكا والعامل برغم أهنا فضيحة معيبة لرئيس أمريكي‬
‫جرت وقائعها َف البيت البيضاوي وهو مصدر القرار األهم َف عامل اليوم (بفضل اهليمنة اليت حتاول‬
‫الوالايت املتحدة األمريكية فرضها على العامل)‪ ،‬إهنا مسرحية حاولت اإلدارة األمريكية واملراكز األخرى‬
‫َف القرار األمريكي‪ .‬تركها بدون خامتة َتركة لكل شخص أن خيتار اخلامتة وفق مزاجه‪ ،‬وهكذا انزلقت‬
‫أحوال السياسة إَل أحوال فقد فيها القانون واألخالق هيبتها ألن الغلبة أصبحت ملا يسميه خرباء‬
‫الزمن اجلديد ومضة ضوء (‪ )Flash‬ونبضة صوت (‪ )Sound Bite‬وكيف تلمع األوَل َف‬
‫العيون وترن الثانية َف األذان(‪ّ ،)1‬ما شكل ذلك الفساد من خماطر على الشعب‪.‬‬
‫نالحظ هنا كيف أن للتنشئة أثر َف سلوك شخص قد يصل إَل أهم مراكز القرار َف العامل‪ ،‬وكيف‬
‫يصرف هذا الشخص أفعاله مركزاً على اجلانب األهم َف شد انتباه الناس وهو عنصر الفضائح‬
‫األخالقية لتغطية أعمال فساد أخرى كما أسلفنا ُث ليوظف قوته اليت يهيمن عليها ليتعرض إَل آمنني‬
‫لكي يغطي على الفضيحة جبرمية‪.‬‬
‫وبعد هذا األمنوذج ألثر الفضائح َف عامل الشمال نعرض ألشكال تلك الفضائح َف عامل اجلنوب‬
‫وكيف يتم استغالل ذلك سياسياً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جريدة الزمن البغدادية األسبوعية ‪ /‬العدد ‪َ 40‬ف‪....‬‬

‫(‪)50/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ففي ماليزاي يتهم وزير املالية وانئب رئيس الوزراء واملرشح الحتالل موقع (رئيس احلكومة) (أنور‬
‫إبراهيم) الذي أقاله رئيس احلكومة (حماذير حممد) عام ‪ 1998‬من منصبه ليتلو ذلك توجيه اهتامات‬
‫إَل (أنور) بفضيحة أخالقية(‪ )1‬أعقبها حكم ابلسجن عليه ملدة (‪ 6‬سنوات)‪ ،‬أبعده عن احلياة‬
‫السياسية َف البالد‪ .‬ومابني اهتامات رئيس احلكومة ودفاعات املتهم تشري الدالئل إَل استغالل‬
‫الفساد االجتماعي كورقة سياسية جتعل من استغالهلا ذلك صورة مهزوزة لكبار مسؤويل الدولة َف‬
‫ماليزاي‪ .‬فاحلالة إذا كان املتهم كاذابً صورة غري سوية ملسؤول سابق وإن كان اهتامه تسويغاً لفضيحة‬
‫سياسية فهي صور غري سوية ملن يرتأس احلكومة املاليزية (ضمن اجملتمع املاليزي)‪ .‬وَف بلد قريب من‬
‫ماليزاي نالحظ أن الشرطة األندونيسية استجوبت َف جاكرَت امرأة تدعي إقامة عالقة عام ‪ 1995‬مع‬
‫الرئيس السابق ألندونيسيا (عبد الرمحن واحد) وهي على ذمة زوج ومهما كان شكل الفضيحة فإهنا‬
‫متس رئيس الدولة املنتخب َف بلد إسالمي(على أن القانون األندونيسي يوجه عقوبة السجن إَل‬
‫(‪ 9‬أشهر) لكل من يتهم ابلزىن َف أندونيسيا)‪ .‬يذكر أن الصحافة األندونيسية نشرت صوراً‬
‫فوتوغرافية تثبت دعوى االمرأة ضد واحد‪)2( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يشار إَل أنه صدرت َف حق أنور وشقيقته ابلتبين (سوكما) هتمة أخالقية حبق السائق الشخصي‬
‫ألنور الذي اعرتف بذلك وغري أقواله ألكثر من مرة وعلى أثرها حكم على أنور إبراهيم ابلسجن‬
‫(‪ )6‬سنوات ّما أاثر موجة شغب َف ماليزاي أقامها مناصرو (أنور)‪ .‬ويصرح (أنور) إن القضية كلها‬
‫ملفقة وأهنا حماولة مفضوحة إلزالته من املسرح السياسي ‪/‬انظر‪ :‬جريدة اببل البغدادية‪ /‬العدد‬
‫‪/9 /2796‬آب‪ .2000/‬جريدة اببل البغدادية ‪ /‬العدد ‪َ 2793‬ف ‪/5‬آب‪.2000/‬‬
‫(‪ )2‬صحيفة اببل البغدادية ‪ /‬العدد ‪َ /2819‬ف ‪.2000/9/4‬‬

‫(‪)51/1‬‬

‫من هنا نالحظ أن الفضائح خترتق كثرياً من أركان ورؤوس الدولة َف بلدان الشمال واجلنوب ّما يؤثر‬
‫على آراء الرأي العام واستغالل ذلك إما لتمرير أغراض شخصية وإما جتاهالً للرأي العام وَف كلتا‬
‫احلالتني نرى فساداً اجتماعياً يلقي بظالله على الواقع السياسي‪.‬‬
‫‪ )2‬بروز شبكات الرقيق األبيض‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الشكل اآلخر من أشكال الفساد االجتماعي هو االجتار ابلرقيق األبيض الذي يقول فيه تقرير‬
‫التنمية البشرية لعام ‪ 1999‬إن العوملة (‪ )Globalization‬تتيح فرصاً جديدة ومثرية من بني‬
‫أكثر االنتهازيني هلذه الفرص إبداعاً هم اجملرمون الدوليون‪.‬‬
‫حيث أن شبكات اجلرمية متعددة األعراق سارعت الستغالل ظروف انفتاح احلدود وضغوط الفقر‬
‫وأحالم العيش (َف ُمتمع الرفاهية) اليت ترسم مالمح صورها الدعاية الغربية الستغالل الفقراء للسري‬
‫وراء هبرجها‪ .‬وتشري البياانت الدولية الدارسة للحالة إَل أن االجتار ابلبشر بدأ أيخذ أشكاالً متعددة‬
‫َف عامل اليوم لكنه ذو طابع أنثوي َف أغلب األحيان‪ ،‬إذ أن (مخسني مليون) نسمة على األقل من‬
‫املتاجر هبم هم من النساء اللوايت ينتهي هبن األمر إَل السقوط َف الرذيلة َف شوارع مدن الغرب(‪.)1‬‬
‫ولعل االستشهاد حبادثة األوكرانية (آيرما) خري دليل فقد وعدهتا إحدى شركات شبكات اجلرمية‬
‫بفرصة عمل َف تركيا بشكل ومهي وما إن وصلت إليها من أوكرانيا حىت بيعت من قبل عصابة‬
‫لسماسرة الرذيلة (املنتشرة حتت غطاء وكالة توظيف ومهية) حيث مت مصادرة مستمسكات سفرها َف‬
‫تركيا وأجربت على اخلضوع لضغوطهم بكل وسائل الرتهيب ليباع جسدها أبجور عالية ذهبت إَل‬
‫جيوب رجال عصاابت الرقيق األبيض‪ ،‬مل يتبق منه عندما هربت عائدة إَل بالدها سوى ثالثني‬
‫دوالراً‪ّ .‬ما أعادها فقرية إَل أهلها كما ذهبت منهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪.‬كرمي حممد محزة‪ /‬من مثار العوملة االجتار ابلبشر‪ /‬صحيفة الثورة البغدادية‪ /‬العدد ‪/10124‬‬
‫َف ‪/9‬ت‪.2000 /1‬‬

‫(‪)52/1‬‬

‫جدير ابإلشارة إَل أن السلطات َف أوكرانيا أعلنت أن (مئة ألف امرأة) أوقعها الفساد والفقر ضحية‬
‫لتلك الشبكات الدولية للدعارة وصناعة اجلنس‪ ،‬اليت ترتكز مراكز عملها َف كل من (اليوانن)‪،‬‬
‫(تركيا)‪( ،‬أملانيا)‪( ،‬قربص)‪ ،‬و(إسرائيل) (‪ ،)1‬طبقاً ملا أعلنته منظمة (السرتادا) غري احلكومية اليت‬
‫تكافح جتارة الرقيق األبيض َف أوكرانيا(‪.)2‬‬
‫ابإلضافة إَل ما ذكر فإن واحدة من منظمات حقوق اإلنسان تذكر أن الشبكات ذاهتا تنقل آالف‬
‫من التايالندايت إَل الياابن لالستغالل الرذيل بتأثري دعوة مغرية للعمل أبجر المع‪ ،‬إال أن الفتيات‬
‫سرعان ما يقعن َف شرك عبودية ّمارسة الرذيلة بعد إكراههن على توقيع صكوك ووصوالت جتعلهن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أسريات الديون حىت املوت‪)3( .‬‬
‫جدير ابلذكر أن مدينة (ابَتاي) اليت تقع جنوب ابنكوك توصف أبهنا أرخص وكر لتجارة وسياحة‬
‫اجلنس َف العامل‪ ،‬وتشري اإلحصائيات الدولية إَل أن حوايل ربع فتيات َتيالند يعملن َف ّمارسة الرذيلة‬
‫وأن مخسني َف املائة منهن مصاابت مبرض اإليدز أو حيملن فريوس (‪ )H.I.V‬على األقل‪ .‬إن عدد‬
‫فتيات اهلوى َف َتيالند يصل إَل حوايل (‪ 2‬مليون فتاة) من بني مثانية ماليني فتاة َف البالد‪ ،‬أغلبهن‬
‫َف أوساط فقرية يتعرضن لغسيل دماغ من قبل حكومة َتيالند( اليت تبارك الفساد ابلفساد) ومافيات‬
‫بيع األجساد الغضة لكي حيلمن ابلثراء والرفاهية مهما كان الثمن(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تشري التقارير الدولية أن هنالك مخسة عشر ألف فتاة تقل أعمار(‪ )%57‬منهن عن إحدى‬
‫وعشرين سنة‪ ،‬يعملن َف الرذيلة َف أملانيا وهولندا وهن من جنسيات روسية وأوربية شرقية‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيفة اببل البغدادية‪ /‬العدد ‪َ 2795‬ف ‪/8‬آب‪.2000/‬‬
‫(‪ )3‬يذكر أن احلكومة التايلندية تساعد شبكات املافيا هذه لعدم مصادقتها على االتفاقية الدولية‬
‫ملنع البغاء واالجتار جبسد الغري‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬حسني عبد الواحد‪ /‬أمريكا حرية‪ ،‬جنس وبولتيكا‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.151‬‬

‫(‪)53/1‬‬

‫إن عامل اليوم ابنفتاح أسواقه واقتصاده احلر ومفاهيم التحول إَل ذلك االقتصاد العصري نم عنه‬
‫اتساع دائرة الفساد‪ ،‬فتايالند تريد أن تنضم إَل ما يسمى بنادي النمور األسيوية برؤية مفادها أن‬
‫اقتصاد الدعارة اليت قامت عليه احلياة َف بالدهم سوف يتحول إَل اقتصاد عصري(‪.)1‬‬
‫إن بلدان االحتاد السوفيايت املنهار أصبحت فيها‪ ،‬اتساقاً مع هذه املفاهيم (سالفة الذكر)‪ ،‬مافيا قوية‬
‫(احتلت بنفوذها مواقع احلزب الشيوعي الذي كان) وظفت الفتيات َف صناعة عريضة طويلة لبيع‬
‫اجلسد سامهت َف نشوئها عناصر ثالثة (الفتيات الفقريات)‪ ،‬و(النظام السياسي املهرتئ)‪ ،‬و(مافيا‬
‫صناعة األجساد والرقيق األبيض)‪.‬‬
‫بعد هذا إَل أي مدى ميكن أن تسهم سياسات هذه البلدان َف الرتبح من هذه التجارة (وخلق‬
‫حاالت مساسرة األجساد املرتحبني من السياسة)؟ (‪)2‬‬
‫تساؤل جتيب عليه عصاابت اجلرمية املنظمة ومنو أمواهلا القذرة وأعداد املستفيدين منها ساسة وعوام‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪ )3‬استغالل األطفال َف األعمال الال أخالقية و(جتارة األطفال)‪:‬‬
‫من أفدح أشكال الفساد الذي شهده العامل مع بروز أفكار العوملة وحترير التجارة‪ ،‬وهيكلة‬
‫االقتصادات‪ ،‬منو مافيات الفساد الستخدام األطفال َف عمليات شبيهة مبا أسلفناه عن االجتار‬
‫ابلرقيق األبيض‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه ص ‪.151‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬عبد هللا كمال ‪ /‬ظاهرة احنالل الصفوة (القوادون والسياسة) ‪/‬القاهرة‪ /‬دار اخليال‪/‬‬
‫‪ /1998‬ص ‪ .17‬وص ‪.84‬‬

‫(‪)54/1‬‬

‫حيث يشري أحد تقارير األمم املتحدة إَل أن أعداد كبرية من هؤالء األطفال يس ّخرون (خاصة الفقراء‬
‫منهم) َف عمليات واسعة للبيع َف دول جنوب شرق آسيا وكوراي إَل أسر أمريكية وأوربية(‪ )1‬السبب‬
‫فيها هو عدم وجود الرعاية والعناية واالفتقار لوجود القوانني احلامية للضعفاء من نذالة األقوايء‪،‬‬
‫الذي مرده إَل فساد األنظمة السياسية َف تلك البلدان ّما جعل بلداهنم مزاراً غري مقدس للسياح‬
‫األثرايء الباحثني عن متع جسدية شاذة ورخيصة مع األطفال‪ .‬حبيث أدى إَل تدفق شواذ العامل‬
‫الرأمسايل عليهم (بلدان َتيالند وكمبوداي وسريالنكا والفلبني) للحصول على رذائلهم بسعر رغيف‬
‫اخلبز الذي يسد رمق اجلياع ابئعي أجساد أطفاهلم ذكوراً وإاناثً(‪.)2‬‬
‫هلذا نلحظ أن منظمة العمل الدولية وكذلك منظمة اليونيسيف تشريان إَل كون آسيا وحدها فيها‬
‫أكثر من مليون طفل يستخدمون ألغراض غري سوية(‪ )3‬فضالً عن مليوين طفل َف أحناء العامل‬
‫يتعرضون لذات العمل‪)4(.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪.‬كرمي حممد محزة‪ /‬م س ذ‪.‬‬
‫(‪ )2‬حسني عبد الواحد‪ /‬أمريكا حرية‪ ،‬جنس وبولتيكا‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.127‬‬
‫(‪ )3‬د‪.‬كرمي حممد محزة‪ /‬م س ذ‪.‬‬
‫(‪ )4‬حسني عبد الواحد ‪ /‬م س ذ‪ /‬أمريكا حرية جنس وبولتيكا‪ /‬ص ‪.127‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)55/1‬‬

‫هبذا الصدد نشري إَل أن حمكمة جناايت ابريس استدعت أمامها املتهم (أمنون مشوئيل) ‪ 48‬عاماً‪،‬‬
‫متهماً ابغتصاب فتاة َف احلادية عشرة من عمرها (أي قاصر) عام ‪َ 1994‬ف مدينة ابَتاي‪ /‬بتايالند‬
‫(ضمن ما يعرف أبسلوب السياحة اجلنسية)‪ ،‬وقد أقر املتهم بفعله الشائن مع تلك الطفلة البائسة‬
‫اليت استغلت من قبل ُمموعة من أقارهبا قبضوا مثنها مقدماً‪ .‬إن احلادثة مل تنته عند هذا احلد بل إن‬
‫املتهم (الشاذ) مل يكتف بعمله السالب لعفة الفتاة فحسب‪ ،‬بل استغلها استغالالً آخر للحصول من‬
‫ورائها على املال لنفسه وشريكه السويسري حيث مسح له بتصوير أشرطة فاضحة هلا ضبطتها‬
‫الشرطة السويسرية فيما بعد وعدت دليالً على القضية اليت تسببت مبثوله أمام القضاء مع‬
‫شريكه(‪.)1‬‬
‫ولألغراض ذاهتا نشرت الصحيفة اهلندية (بينيكي فرياين) كتاابً بعنوان (الشوكوالته املرة) أظهرت فيه‬
‫أن نسبة ال تقل عن (‪ )%20‬من األطفال اهلنود الفقراء دون سن (ستة عشر) عاماً يتعرضون‬
‫لالغتصاب بشكل منظم وإن هذه العمليات حتيط هبا األسر الفقرية بقدر عال من التكتم ّما حيرم‬
‫الفتيات من رعاية مجعيات إنسانية تقدم اخلدمات االستشارية من األعراض البدنية والنفسية اليت‬
‫يتعرض هلا أولئك القاصرون(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬صحيفة اببل البغدادية‪َ /2866/‬ف ‪.2000/10/21‬‬
‫(‪ )2‬صحيفة اببل البغدادية‪ /‬العدد ‪َ 2787‬ف ‪.2000/7/30‬‬

‫(‪)56/1‬‬

‫يذكر أن منظمة العمل الدولية ابتفاقيتها املرقمة (‪ )182‬حظرت سوء أشكال عمل األطفال ومنها‬
‫مجيع أشكال الرق أو املمارسات املشينة مثل بيع األطفال واالجتار هبم‪ ،‬وعبودية ال َديْن‪ ،‬والقنانة‪،‬‬
‫والعمل القسري‪ ،‬واستخدام األطفال للدعارة‪ ،‬لقد كان أسوأ أشكال االجتار ابألطفال هو قيام‬
‫أسرهم الفقرية ببيع أعضائهم أو بيع الطفل ابلكامل لكي تستطيع العوائل من جعل هذا الطفل‬
‫(سبيالً) ملعيشة بقية أفراد أسرته ومحاية املتبقي وهي عملية يندى هلا جبني اإلنسانية وميقتها كل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ضمري حي َف البناء البشري(‪.)1‬‬
‫إن لظاهرة الفساد االجتماعي جبوانبه اليت أشران إليها أو جلوانبه األخرى اليت مل نستطيع اإلحاطة به‬
‫كاملة‪ ،‬إمنا يؤثر على استقرار البلدان ومنوها بشكل واضح‪.‬‬
‫َف هذا الصدد يشري أحد التقارير اإلخبارية إَل أن أكثر من (‪ 44‬مليون) طفل معرضون لليتم َف‬
‫العامل خالل السنوات القادمة نتيجة ملعاانة والديهم من مرض فقدان املناعة املكتسبة (اإليدز) الذي‬
‫هو أحد أهم نتائج انتشار الرذيلة والفقر‪ .‬وتظهر َف القارة األفريقية (األكثر فقراً َف العامل) أكثر‬
‫اإلصاابت كما أشار إليها املؤمتر (الثالث عشر) ملكافحة اإليدز املنعقد َف متوز‪ 2000/‬جبنوب‬
‫أفريقيا‪ .‬ويشكل الفقر مع عدم إمكانية املصابني الفقراء احلصول على الدواء مرتفع الثمن الذي‬
‫خيفف وطأة فريوس (‪ )HIV‬على املرضى ازدايد نسبة اهلالكات البشرية وتعد هذه اهلالكات من‬
‫العوامل اليت تؤثر على منو اجملتمعات وتطورها وتلحق املوت مبن هم َف سن الشباب األكثر عرضة‬
‫للمرض ّما يشكل هتديداً ألنظمة هذه البلدان وزايدة َف مشكالهتا(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪.‬كرمي حممد محزة‪ /‬م س ذ‪.‬‬
‫(‪ )2‬إذاعة صوت أمريكا الناطقة ابللغة العربية‪/‬تقرير حول اإليدز وآاثره اخلطرية‪ /‬الساعة ‪11.30‬‬
‫مساء بتوقيت بغداد يوم ‪.2000/10/22‬‬
‫ً‬

‫(‪)57/1‬‬

‫ومن انفلة القول أن الفساد االجتماعي خيلف وراءه مجلة من األسباب اليت تعطي للفساد بكل أبعاده‬
‫سبيالً للنفاذ إَل اجملتمعات اليت يغزوها‪.‬‬
‫((‬

‫الفصل الثاين‬
‫الفساد اإلداري‬

‫يعد الفساد اإلداري واحداً من أهم أمناط ظاهرة الفساد مدى التاريخ‪ ،‬ملا عرفته األجيال اليت خلت‬
‫منذ األزل عنه‪ ،‬إذ عرف (مثالً) عند قدماء الصينيني واملصريني‪ ،‬فكانت جل نصائح حكماء هذه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫البلدان تتعلق ابلصفات والسلوكيات اليت جيب أن يتحلى هبا شاغل الوظيفة العامة‪ ،‬جتنباً ملا قد يظهر‬
‫من بوادر تساعد على منو هذا النمط من الفساد‪.‬‬
‫ومنذ ذلك العمق التارخيي وحىت يومنا احلاضر استمرت الدراسات تقدم النصيحة تلو النصيحة‬
‫الجتناب أسلوب الفساد هذا الذي يعد مرضاً خطرياً يهدد الكيان اإلداري واالقتصادي والسياسي‬
‫للدول(‪.)1‬‬
‫فهو اآلفة السلوكية اليت ترمي بظالهلا على مجيع اجملتمعات دون استثناء ولكن بدرجات متفاوتة على‬
‫اختالف نظمها االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬فهو يظهر َف كال العاملني الشمال واجلنوب وإن‬
‫كانت تلك اجملتمعات تتباين َف حتليل مفهوم ومكوانت الفساد اإلداري(‪ )2‬كما تتفاوت وجهات نظر‬
‫تلك اجملتمعات حول أسباب ظهوره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك‪ :‬د‪.‬عطية حسني أفندي‪ /‬املمارسات غري األخالقية َف اإلدارة العامة‪َ /‬ف‪:‬‬
‫د‪.‬مصطفى كامل السيد (حمرر) ‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬جامعة القاهرة‪ /‬مركز دراسات وحبوث الدول‬
‫النامية‪ /1999/‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )2‬ترى بعض اجملتمعات أن بعض املمارسات تعد فساداً إدارايً مثل (البخشيش) بينما يعد أمراً‬
‫طبيعياً َف كثري من دول عامل اجلنوب ابخلصوص‪.‬‬

‫(‪)58/1‬‬

‫هلذا يشري أحد الباحثني الغربيني َف أحد مؤلفاته(‪ )R.N.davidson( )1‬إَل أن البعض يؤكد‬
‫على أن الفساد اإلداري َف بلدان اجلنوب خيتلف بنوعه وأسبابه عما هو عليه َف بلدان الشمال‪،‬‬
‫وذلك للتفاوت االقتصادي واختالف نظم القيم واألخالق فيما بني العاملني(‪ .)2‬من هنا لكي نتعرف‬
‫على منط الفساد اإلداري (وأيخذ املوضوع مداه) البد أن نطرح التساؤل اآليت‪:‬‬
‫أين يكمن الفساد اإلداري؟ وما تعريفه؟‪..‬‬
‫ولإلجابة نقول إن الفساد اإلداري يكمن َف أداء الوظيفة العامة وّمارسها (املوظف العام) الذي‬
‫يعرف على أنه‪:‬‬
‫((كل من يعمل َف خدمة إحدى املنظمات العامة بصفة مستمرة ودائمة ووفق ما متليه أحكام‬
‫أتسيسها ولوائحها مستهدفاً حتقيق مصاحل هذه املنظمة وأهدافها‪ .‬سعياً حنو الرضاء العام)) (‪.)3‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عليه‪ ،‬فإن تصرف املوظف العام داخل هذه املنظمة طبقاً للتعريف أعاله يعد سلوكاً أخالقياً‬
‫يف فإن ذلك التصرف يعد‬ ‫السلوك التعر َ‬
‫ُ‬ ‫يف‪ ،‬أما إذا مل يطابق‬
‫التطبيق التعر َ‬
‫ُ‬ ‫طابق‬
‫(‪ )Ethical‬طاملا َ‬
‫سلوكاً ال أخالقياً (‪ )Unethical‬للموظف العام(‪.)4‬‬
‫وبصرف النظر عن السلوك الذي يعد غري أخالقي عند ّمارسة الوظيفة العامة (دون قصد) لسبب أو‬
‫آلخر َف تصرف املوظف العام‪ ،‬فإن السلوكية غري األخالقية ليس هلا تفسري إَل مصطلح (الفساد‬
‫اإلداري) والذي يربز من خالل تصرفات املوظف العام ويعرف على أنه‪:‬‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اجلرمية والتنمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪.‬صالح فهمي حممود ‪ /‬الفساد اإلداري كمعوق لعمليات التنمية االجتماعية واالقتصادية‪/‬‬
‫الرايض‪ /‬املركز العريب للدراسات األمنية والتدريب‪ /1994/‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )3‬د‪.‬عطية حسني أفندي‪ /‬املمارسات غري األخالقية َف اإلدارة العامة ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )4‬م‪.‬ن‪.‬‬

‫(‪)59/1‬‬

‫سلوك املوظف العام املخالف للواجب الرمسي بسبب املصلحة الشخصية(مثل العائلة‪ ،‬القرابة‪،‬‬
‫الصداقة) أو االستفادة املادية‪ ،‬أو استغالل املركز وخمالفة التعليمات لغرض ّمارسة النفوذ والتأثري‬
‫الشخصي والذي يدفع هذا السلوك إَل استعمال الرشوة ملنع عدالة أو موضوعية شخص معني َف‬
‫مركز حمرتم وكذلك يشمل سوء استخدام املال العام مثل التوزيع غري القانوين للموارد من أجل‬
‫االستفادة اخلاصة)‪ ،‬وذلك طبقاً لتعريف جوزيف اني‬
‫)‪.)1((Joseph Nye‬‬
‫أو هو املفهوم الذي يفسر الفساد اإلداري على أنه‪( :‬تصرف املوظف العام الذي يستخدم املنصب‬
‫العمومي لتقنني مكاسب خاصة ويشمل ذلك الرشوة واالبتزاز ومها ينطواين ابلضرورة على مشاركة‬
‫طرفني َف األقل‪ ،‬كما يشمل أيضاً أنواعاً أخرى من ارتكاب األعمال احملظورة الذي يستطيع املسؤول‬
‫العمومي القيام هبا مبفرده ومن بينها االحتيال واالختالس)‪)2(.‬‬
‫على أن ذلك السلوك يرتافق مع ضعف (املساءلة) احلقيقية وضعف (شفافية) أعمال الدولة من‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫حيث اإلفصاح عنها ومنح صالحيات كربى للموظفني العموميني‪ ،‬مضافاً إليها اخنفاض الكثري من‬
‫دخوهلم مبا ال يتناسب وضمان حياة وعيش كرمي هلم ّما يؤدي إَل استخدامهم للصالحيات (بسلوك‬
‫غري أخالقي) جيعلهم يستغلون تلك الصالحيات لتحقيق املنافع الشخصية اليت تفسر على أهنا فساد‬
‫إداري(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نقالً عن د‪.‬صالح الدين فهمي حممود‪/‬الفساد ا إلداري كمعوق لعمليات التنمية االجتماعية‬
‫واالقتصادية ‪/‬م س ذ ‪ /‬ص ‪ )*( .26‬أحد األساتذة الغربيني املتخصصني َف الدراسات السياسية‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪.‬عطية حسني أفندي‪ /‬املمارسات غري األخالقية َف اإلدارة العامة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.52‬‬
‫(‪ )3‬أمحد السيد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية‪ /‬االجتاهات االقتصادية واالسرتاتيجية‪/‬‬
‫‪( /2000‬ملف سنوي)‪ /‬القاهرة‪ /‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية ابألهرام ‪ /2001/‬ص‬
‫‪.165‬‬

‫(‪)60/1‬‬

‫ومن خالل ما تقدم َف مفهوم الفساد اإلداري سنبدأ بتناول صوره املتمثلة مبا أييت‪:‬‬
‫أوالً الرشوة‪:‬‬
‫وهي صورة يتلمسها كل ذي حس َف تعامل وسلوك املوظف مع عامة اجملتمع عندما يريد استغالل‬
‫سلطته‪ ،‬وقد عرفت الرشوة عند صغار املوظفني وعند كبار املديرين وهي ختتلف بشكلها وطبيعتها‬
‫فقد تكون (ذات قيمة مادية) أو تكون (ذات طبيعة عينية) وقد أتخذ مفاهيم وتفسريات عدة‪،‬‬
‫فمنهم يسميها (هدية)‪ ،‬ومنهم من يسميها (مساعدة)‪ ،‬ومنهم من يسميها (إكرامية) والكل يعي أهنا‬
‫(رشوة) مهما اختلفت التسميات‪.‬‬
‫والرشوة طبقاً للمفهوم القانوين هي (جرمية) تفرتض وجود طرفني عند اقرتافهما مها‪:‬‬
‫أ املرتشي‪ :‬وهو الذي طلب أو قبل لنفسه أو لغريه أو أخذ وعداً أو عطية ألداء عمل من أعمال‬
‫وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو لالمتناع عنه أو لإلخالل بواجبات الوظيفة وبعبارة أخرى‬
‫هو الشخص الذي يستغل سلطة وظيفته(‪.)1‬‬
‫ب الراشي‪ :‬وهو صاحب احلاجة الذي يسعى إَل شراء ذمة املرتشي وإفساده‪ ،‬كي جيعله مييل عن‬
‫جادة الصواب وذلك بعرض أو تقدمي وعداً أو عطية أو هدية بغية الوصول إَل هدفه‪ ،‬وهو محل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫املرتشي إَل أن يؤدي له عمالً من أعمال وظيفته أو ميتنع عن أ دائه أو خيل بواجبات وظيفته(‪.)2‬‬
‫جدير ابلذكر أنه َف دراسة ألحد الباحثني حلالة جنوب آسيا عند حتليله للفساد املنتشر فيها ش ّخص‬
‫أن الرشوة صارت من احلقائق الثابتة َف األجهزة البريوقراطية هناك حيث تعاين معظم اإلدارات العامة‬
‫والشركات والوكاالت احلكومية ومكاتب إصدار تصاريح التصدير واالسترياد وإدارات الضرائب من‬
‫انتشار الرشوة على نطاق واسع فيها ّما ميكن من القول‪:‬‬
‫((‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪.‬أمحد رفعت خفاجي‪ /‬جرائم الرشوة َف التشريع املصري والقانون املقارن‪ /‬القاهرة‪ /‬دار قباء‬
‫للنشر والتوزيع‪ /1999 /‬ص ‪.208‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ /‬ص ‪.208‬‬

‫(‪)61/1‬‬

‫مىت أعطيت السلطة ألي موظف‪ ،‬سيكون هناك ُمال للرشوة واليت بدوهنا ال تسري عجالت‬
‫اإلدارة))(‪.)1‬‬
‫هلذا نرى َف حتليل آخر ألحد مناذج تلك الظاهرة َف ذات القارة أن الرشاوى تدفع إلغواء املوظفني‬
‫للتغاضي عن الظروف اخلطرة أو للسماح للشركات بتوريد خدمات منخفضة اجلودة‪ .‬مثال ذلك أن‬
‫املقاولني الذين يقومون بصيانة شبكات الري َف الباكستان واهلند يهملون تنفيذها بكامل مواصفاهتا‪،‬‬
‫األمر الذي جعل املراقبني للتشغيل عن كثب َف العديد من مناطق الري يؤمنون أبن اخنفاض اجلودة‬
‫انجم عن برطلة (رشوة) املسؤولني اإلداريني احلكوميني عن املشرع للتغاضي عن األشغال الرديئة‬
‫النوعية(‪.)2‬‬
‫ّما جيعلنا نالحظ كيف أن آللية الفساد من خالل الرشوة أتثرياً كبرياً على قطاع مهم خيدم آالف‬
‫املواطنني البسطاء َف تلك البلدان الذين يشكل هلم انتظام الري دميومة العيش ضمن اقتصادهم‬
‫الزراعي‪ ،‬ويشكل االحنراف عائقاً مهماً هلذه اخلدمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نبوية علي حممود اجلندي‪ /‬الفساد السياسي َف الدول النامية مع دراسة تطبيقية للنظام اإليراين‬
‫حىت قيام الثورة اإلسالمية (‪ )1978 1941‬رسالة ماجستري‪ /‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪/‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫جامعة القاهرة‪ /1983 1982 /‬ص ص ‪.29 28‬‬
‫(‪ )2‬سوزان روز أكرمان‪ /‬االقتصاد السياسي للفساد‪َ /‬ف‪ /‬كيمربيل أن اليوت (حمررة) ‪/‬الفساد‬
‫واالقتصاد العاملي‪ /‬ترمجة‪ :‬حممد مجال إمام‪ /‬القاهرة‪ /‬مركز األهرام للرتمجة ‪ /2000/‬ص ‪.68‬‬

‫(‪)62/1‬‬

‫وبدراسة أمنوذج آخر من مناذج استخدام آلية الرشوة ند أهنا قد تصل إَل أن تكون هذه اآللية‬
‫موضوعاً معقداً له آاثره اجلانبية اخلطرة على حياة اجملتمعات‪ ،‬ولعل تناول موضوع فساد جهاز‬
‫الشرطة يشكل عنوانه حبد ذاته فكرة سوداء لدى املتلقي هلذا العنوان ملا ينتج عنه من آاثر خطرية‪،‬‬
‫إن فساد الشرطة يكون انمجاً عن عوامل متعددة ترتبط ليس فقط أبخالقية العمل (كشرطة)‬
‫والتدريب واإلشراف على اجلهاز ولكن ترتبط أيضاً بنوعية النظام الذي جيب أن تعمل الشرطة َف‬
‫إطاره(‪.)1‬‬
‫ولعل من الواضح دوماً أن أنشطة األعمال غري القانونية حتاول جهدها إفساد عناصر هذا اجلهاز‬
‫ليس لضمان عدم مالحقتها قضائياً فحسب وإمنا للحصول على نفوذ احتكاري) لألعمال غري‬
‫القانونية حتت محاية الشرطة عن طريق استخدام آلية اإلفساد من خالل الرشوة‪.‬‬
‫هذا الشكل من الفساد اإلداري يظهر واضحاً أبمنوذج تناوله أحد الباحثني عن عالقات مافيا‬
‫املقامرات (الوالايت املتحدة األمريكية) مع الشرطة‪ ،‬حيث يدفع أولئك املقامرون وجتار املخدرات‬
‫ملسؤويل الشرطة الرشاوى مقابل إغارة الشرطة على منافسيهم أو لتقييد آخرين من الدخول إَل‬
‫النشاط أو التغاضي عن جرائمهم جتاه اجملتمع‪)2(.‬‬
‫والذي يدعو هذا إلعطاء غطاء كامل ملرتكيب اجلرائم من قبل اجلهاز املنفذ حلكم القانون والعدالة‬
‫(جهاز الشرطة) حيث يالحظ من خالل استخدام آلية الرشوة يتحول األبرايء من مدعني إَل متهمني‬
‫وقد يصل أتثري الرشاوى هذه إَل جعل هؤالء األبرايء يتحولون َف ابحات احملاكم إَل ُمرمني تلفق‬
‫ضدهم التهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جامعة الدول العربية‪ /‬اجمللة العربية للدفاع االجتماعي‪ /‬العدد (‪ /1977 / )6‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )2‬سوزان روز أكرمان ‪/‬االقتصاد السياسي للفساد ‪/‬م س ذ ‪/‬ص ‪.59‬‬

‫(‪)63/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األمر الذي يدع هذا اجلانب من الفساد اإلداري يرتك األثر على اجملتمعات جبعل املواطنني مهزوزي‬
‫الثقة ابلعدالة ليس هلم اثلث سوى االختيار بني التمرد أو اإلذعان للحالة وهنا ال ميكن أن يتمتع‬
‫املواطن ابحلرية خصوصاً َف بلدان تنادي هبا َف شعاراهتا ومتسك هبا َف مشاعلها كما تدعي(‪،)1‬‬
‫فتكون آلية الرشوى هذه سبيالً لتربير وتغطية السلوك اإلجرامي كما الحظنا‪.‬‬
‫جدير ابإلشارة أن الرشوة قد تدفع من أسفل اجلهاز اإلداري إَل قمته لتحقيق سرية األعمال الال‬
‫أخالقية والال قانونية اليت يقوم هبا اجلهاز اإلداري والتكتم عليه من قبل الرؤساء اإلداريني األعلى‬
‫مرتبة‪ .‬أو على سبيل املشاركة بني أسفل اجلهاز اإلداري وأعاله (بريع الفساد)‪ .‬أو قد تدفع الرشاوى‬
‫ملا هو أدهى من ذلك حيث تستخدم للتكتم على سرقات كربى وجرائم ضخمة ّما يؤدي إَل تعريض‬
‫املصلحة العامة للضرر البالغ(‪.)2‬‬
‫وَف آخر املطاف وصف أحد السياسيني اللبنانيني ما تؤول إليه الرشوة أبهنا عندما تكون سيدة َف‬
‫الدوائر‪ ،‬يعين أن تكون أسرة بال بيت وقرية بال طريق وضيعة بال ماء ومريض بال دواء وأن تتبوأ‬
‫األمية واجلهل أعلى املراتب وتتبوأ الال أخالقية أخطر املناصب وأن يظل أقل من (‪ )%1‬ينعم‬
‫ابخلريات على ظهر بضع عشرات ابملئة من األفراد اآلخرين(‪.)3‬‬
‫إن الرشوة تعين أن املواطن الذي يرى موظفاً يطالبه هبا قبل أن يضع إمضاءه على ورقة سيصاب‬
‫ابخليبة ألنه يرى أقدس مقدساته تطعن وتداس حيث عليه أن يدفع مثناً للحصول على حق من حقوقه‬
‫الشرعية كمواطن ليس من ماله فقط وإمنا من ضمريه(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬صحيفة احلياة‪.2001/6/29 /‬‬
‫(‪ )2‬السيد علي شتا‪ /‬الفساد اإلداري وُمتمع املستقبل‪ /‬القاهرة‪ /‬مكتبة ومطبعة اإلشعاع‪/1999/‬‬
‫ص ‪.56‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬د‪.‬حممود عبد الفضيل‪ /‬حماور من ظاهرة الفساد والقضاء على تداعياهتا السلبية‪ ،‬صحيفة‬
‫السفري اللبنانية‪.2000/3/30 /‬‬
‫(‪ )4‬صحيفة احلياة‪/‬م س ذ‪.‬‬

‫(‪)64/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وهنا تتضح اآلاثر السلبية للرشوة كآلية خطرة من آليات الفساد اإلداري اليت تنجم عن سوء تصرف‬
‫املوظفني العموميني واليت ابلنتيجة تفقد القانون سيادته َف اجملتمع‪.‬‬
‫اثنياً احملاابة واحملسوبية (‪:)Favoritism & Nepotism‬‬
‫وهي اثين الصور اليت نعرض إليها من خالل حتليلنا للفساد اإلداري والنامجة عن حماابة األقارب‬
‫واألصدقاء‪ ،‬لذا ند َف دراسة للكاتب جيسن سكوت وهو يش ّخص هذه احلالة ويطلق عليها مفهوم‬
‫(الفساد الرعوي ‪ )Parochial corruption‬على أساس أن هذه اآللية تنطلق من روابط‬
‫القرىب والوضع الطبقي والوالءات التقليدية الضيقة اليت تكون خمرجاهتا تقريب طبقات ومجاعات‬
‫واستبعاد ورمبا اضطهاد مجاعات وطبقات أخرى متأثرين بذلك ابألصول العرقية واالجتماعية‪ .‬يذكر‬
‫أن اآللية املذكورة مستشرية َف عامل اجلنوب بشكل واضح حيث نالحظ أن (الفساد الرعوي) يظهر‬
‫َف َتيالند وكذلك َف اهلند(على سبيل املثال) لذا فاملتتبع حلالته َف تلك البالد يرى ازدايد السخط‬
‫العام منه(‪ .)1‬نتيجة لتلك الفوارق الطبقية َف التمييز‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نبوية علي حممود اجلندي‪ /‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ /‬رسالة ماجستري‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‬
‫‪.35 33‬‬

‫(‪)65/1‬‬

‫هلذا يكون (بيرت وارد ‪ )Ward‬من خالل حتليله للفساد الناجم عن احملاابة واحملسوبية ضمن سياق‬
‫املشكلة االجتماعية َف اجملتمع اهلندي قد تنبه إَل قيام ذلك اجملتمع على الال مساواة بني الطبقات‬
‫العليا والدنيا منه ويذكر أن املوارد تؤدي إَل توسيع الفجوة بني تلك الطبقات والعالقة فيما بينها‬
‫حبيث يصبح (احلراك االجتماعي) (‪ )Social mobility‬إَل أعلى أمراً صعباً لوجود عالقات‬
‫تبعية واعتماد‪ ،‬وحىت مع االفرتاض أبن ُمتمع اهلند يشهد حتوالً اقتصادايً وحتديثاً للقواعد واملمارسات‬
‫التقليدية اليت يعمل هبا (شأنه شأن ُمتمعات عامل اجلنوب األخرى) فإن املرحلة االنتقالية قد تساعد‬
‫على تسويغ الفساد خاصة وأهنا تساعد على حصول الفقراء على املوارد بدالً من اعتمادهم على‬
‫الشرحية العليا(‪.)1‬‬
‫إن الدارس آللية احملاابة واحملسوبية جيد أهنا واحدة من أكثر اآلليات خطورة واألصعب عالجاً‪ .‬حيث‬
‫أن استغالل املنصب احلكومي لالستفادة الشخصية ملصلحة الفرد وحماسيبه دون وجه حق أحد‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أسباب الفساد اإلداري الناتج عن سوء نية وسوء قصد مع سبق اإلصرار عليه(‪ .)2‬إلعطاء حق من‬
‫يستحق إَل من ال يستحق وأساس التمييز هو الصلة (العصبوية القرابية)‪ ،‬وبذلك تستغل املوارد‬
‫وتشغل املناصب من قبل غري املؤهلني ّما يؤدي إَل اآلاثر السلبية املنعكسة على حياة اجملتمعات‬
‫نتيجة هذه املمارسات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪.‬غادة موسى‪ /‬الشفافية واملساءلة َف أملانيا بعد الوحدة‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد (حمرر)‪/‬‬
‫الفساد والتنمية ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.83‬‬
‫(‪ )2‬أ‪.‬د‪.‬أمحد إبراهيم أبو سن‪ /‬استخدام أساليب الرتغيب والرتهيب َف مكافحة الفساد اإلداري‪/‬‬
‫اجمللة العربية للدراسات األمنية ‪/‬الرايض‪ /‬اجمللد (‪ )11‬العدد (‪/)21‬حمرم ‪1417‬ه ‪/‬ص‪ 91‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫(‪)66/1‬‬

‫وأبمنوذج يقرب الصورة إَل األذهان بشكل واضح سنعرض إلحدى قضااي الفساد اإلداري من خالل‬
‫احملاابة لنرى كيف مت وضع أحد األفراد أميناً عاماً على املال العام َف مصر فغرف هو وأسرته ابنتظام‬
‫ابستخدام آلية احملاابة هبدف اإلثراء غري املشروع (الفساد)‪.‬‬
‫حيث عرفت احملاكم املصرية واحدة من أشهر قضااي الفساد عندما قدمت الئحة االهتام اليت أعدهتا‬
‫النيابة املصرية العامة ضد (رئيس شركة ا لنصر لألجهزة الكهرابئية واإللكرتونية‪ ،‬الرئيس السابق‬
‫للشركة القابضة للصناعات اهلندسية)‪ ،‬طبقاً ملا تضمنته القضية (‪ )1599‬لسنة (‪ )1997‬حمكمة‬
‫جناايت القاهرة وما نظرته حمكمة النقض َف ‪/20‬أاير‪ 1998/‬حيث تبني أن الشخص املذكور حصل‬
‫لنفسه وزوجته وأناله الثالثة على كسب غري مشروع بسبب استغالله لسلطات وظيفته ونفوذه(‪،)1‬‬
‫واتضح أن االستغالل هذا ولد لدى املذكور وأقاربه وأفراد أسرته ثروة طائلة وطارئة بلغت(أربعة‬
‫وعشرين مليوانً وسبعمائة واثنني وسبعني ألفاً ومخسمائة) دوالر أمريكي‪ ،‬مضافاً إليها (ستة ماليني‬
‫ومئة وتسعة وثالثني ألفاً ومئة وأحد عشر) جنيهاً مصرايً‪ ،‬مع مبلغ قدره (مائتان وتسعة وستون ألفاً‬
‫ومائتان وسبعة وسبعون) فرنكاً فرنسياً(‪ ،)2‬هذا ابإلضافة إَل أن الشخص املذكور عند إحالته على‬
‫املعاش (التقاعد) مل يبلغ راتبه سوى (‪ 6‬آالف جنيهاً مصرايً) وهو مبلغ ضئيل جتاه هذه الثروة‬
‫الطائلة(‪.)3‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪.‬أمحد حجاجي‪ /‬بعض قضااي الفساد َف احملاكم املصرية‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد‪( /‬حمرر)‬
‫‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ./‬ص ‪.284‬‬
‫(‪ )2‬أ‪.‬د‪.‬حممود عبد الفضيل‪ /‬اقتصادايت الفساد(‪ /)2‬حماور حصار الظاهرة والقضاء على تداعياته‬
‫السلبية‪ /‬صحيفة السفري اللبنانية‪.2000/3/30 /‬‬
‫(‪ )3‬أ‪.‬أمحد حجاجي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.284‬‬

‫(‪)67/1‬‬

‫جدير ابلذكر أن اجملتمع َف مصر من اجملتمعات ذات العالقات املرتابطة اليت متتلك منظومة اجتماعية‬
‫قوية ال ميلك فيها املرء سوى أن يقدم املساعدة ألهله ومعارفه ّما جيعل تطبيق مبدأ احملافظة على‬
‫احلدود بني املؤسسات غري واقعي‪ .‬إن مثل هذا اإلطار االجتماعي جيعل املوظف العام جيين هو‬
‫وحماسيبه مثناً خفياً من وراء استخدام آلية احملاابة واحملسوبية‪ ،‬تؤثر على حقوق بقية أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫ونتيجة هلذه احلالة االجتماعية تكون احملسوبية واحملاابة واحدة من عدة أسباب (بل سبباً رئيسياً من‬
‫بني أسباب عدة) َف أن ترتاكم ثروات هائلة لدى أفراد (جتعل الفرد مذهوال من األرقام اليت ميتلكوهنا)‬
‫ويشخص املفكر العريب (األستاذ حممد حسنني هيكل) هذه احلالة عندما يذكر أنه َف غضون (عشرين‬
‫سنة فقط) أصبح أشخاص َف اجملتمع من أولئك الذين ميتلكون تلك الثروات الضخمة (عند معاجلته‬
‫لنفس األمنوذج) (‪ )1‬اليت مل ترتاكم لديهم نتيجة للمنطق الرأمسايل السليم القائم على االستثمار‬
‫وخماطره واحرتام القوانني وضوابطها ودفع الضرائب بشكلها املنتظم والرضا بتكاليفها ولكنه جاء (َف‬
‫تشخيص غري مباشر لفساد املشار إليهم َف احلديث) جراء استغالل نفوذ‪ ،‬ودوران حول القانون‬
‫واستهتار به‪ ،‬ومن ضرائب غري عادلة َف تكاليفها وإمنا ضرائب على أضعف الطبقات قدرة على‬
‫أدائها وأقلها فرصة َف اهلرب والتهرب منها(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يشخص األستاذ هيكل إَل أن هنالك فقط (‪ )3740‬فرد فقط من اجملتمع املصري ذو الكثافة‬
‫السكانية املعهودة ميتلكون مابني (‪ 200‬مليون دوالر فأكثر و‪ 10‬ماليني دوالر أمريكي)‪.‬‬
‫(‪ )2‬حممد حسنني هيكل‪ /)1995( /‬ابب مصر إَل القرن الواحد والعشرين‪/‬القاهرة‪ /‬دار الشروق‬
‫‪ /1995/‬ص ‪.21‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)68/1‬‬

‫ولرؤية مدى خطورة آلية احملسوبية واحملاابة من خالل أمنوذج دراستنا وتشخيص حالة اإلثراء السريع‬
‫من قبل (األستاذ هيكل) لبعض أفراد اجملتمع املصري نرى أن التأثري ينعكس بوصفه سبباً من ضمن‬
‫أسباب عدة إَل أن حوايل (‪ )%30‬من السكان يعيش حتت خط الفقر (أقل من ‪ 25‬دوالراً أمريكياً‬
‫للعائلة َف الشهر) وأن معدل البطالة (‪َ )%20‬ف املدن و(‪َ )%50‬ف الريف طبقاً لدراسة أصدرها‬
‫البنك السويسري (سويتز الند بنك) ّما جيعل هذه الفئات تدفع ضريبة إصالح وصفات املنظمات‬
‫الدولية َف حني تستفيد فئات أخرى من ذلك(‪.)1‬‬
‫إن مشكلة احملاابة واحملسوبية (كآلية من آليات الفساد اليت سبق وأن أشران إَل أنه خيتلف َف احلكم‬
‫عليه ابختالف قيم اجملتمعات) تستشري َف عامل اجلنوب بسبب قيم اجملتمعات وكذلك ميكن‬
‫استيضاحها َف عامل الشمال أيضاً‪ .‬وهلذا يشري األستاذ (فيتو َتنزي ‪ )2()Tanzi‬ملدى خطورة هذه‬
‫الظاهرة وما يكتنف هذه اآللية من تكاليف على اجملتمع من خالل تناوله لألمنوذج اإليطايل َف ذلك‪،‬‬
‫حيث يشري إَل أن الكثريين َف جنوب إيطاليا (موطنه األصلي) يعتقد أن معظم املناصب احلكومية ال‬
‫ختصص وفقاً (للجدارة) (‪ )3‬وإمنا من خالل التزكيات الشخصية والتوصيات (العالقات القرابية)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سعد الدين وهبة‪ /‬من االنفتاح إَل اخلصخصة‪ /‬النهب الثالث ملصر‪/‬دراسة واثئقية‪ /‬القاهرة‪/‬‬
‫دار اخليال‪ /1997 /‬ص ص ‪.99 98‬‬
‫(‪ )2‬فيتو َتنزي‪ ،‬مدير إدارة الشؤون املالية َف صندوق النقد الدويل (‪ )IMF‬وله دراسات عدة َف‬
‫تشخيص ومعاجلة موضوع الفساد‪ /.‬إيطايل اجلنسية‪.‬‬
‫(‪ )3‬يظهر من خالل احلديث مدى احملسوبية املنتشرة َف اجملتمع اإليطايل وأثرها السيء‪.‬‬

‫(‪)69/1‬‬

‫ويذكر أن إحدى السيدات من معارفه اتصلت به طالبة وساطته ليقوم ابلتوصية لقبول حفيدها َف‬
‫منصب شاغر (كعازف موسيقي) َف فرقة أوركسرتا إقليمية إبيطاليا ويتساءل األستاذ (َتنزي) بقوله‬
‫فلنفكر َف بيئة حتدد فيها التوصيات وليس الكفاية واملقدرة ما أن كان شخص ما خيتار للعزف َف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أوركسرتا أم ال! وميضي قائالً‪ :‬لنفرتض أن من املمكن أن يؤثر االجتاه نفسه على ختصيص املناصب‬
‫ليس فقط منصب (عازف الفلوت) وإمنا منصب األطباء اجلراحني مثالً‪ ،‬ففي هذه احلالة لن تقاس‬
‫تكلفة الفساد من حيث النفخات املوسيقية وإمنا من حيث العمليات اجلراحية غري املتقنة أيضاً ومدى‬
‫أتثريها على اجملتمع وأرواح الناس(‪.)1‬‬
‫وهلذه احلالة يشري (روبرت تلمان ‪ )2( )Telman‬إَل أن الدوافع وراء الفساد اإلداري هي وجود‬
‫بيئة فاسدة تساند فيه السياسة العامة للحكومة نظاماً بريوقراطياً يوجد فيه (حسب أتكيد مفكر آخر‬
‫هو (بريبانيت))(‪ )3‬سوء التنظيم اإلداري وبريوقراطية القيادات اإلدارية املتمثلة َف تعدد القادة‬
‫اإلداريني وتضارب اختصاصاهتم وتضخم اجلهاز الوظيفي ونقص املهارات السلوكية واإلنسانية لدى‬
‫أولئك اإلداريني فضالً عن إشغال املناصب العليا بعناصر غري كفوءة أوصلتها السبل غري القانونية‬
‫والشرعية فكانت مناصب متخلفة فاسدة إدارايً متتاز بتناثر السلطة(‪ .)4‬كانت احملاابة واحملسوبية‬
‫السبب الرئيس َف إشغاهلا فأحدثت انعكاساً خطراً على اجملتمع حال دون تولية األصلح‪.‬‬
‫اثلثاً االحتيال (النصب) ‪:Fraud‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬فيتو َتنزي‪ /‬تعليقات‪َ /‬ف‪ :‬كيمربيل آن أليوت (حمرر)‪ /‬الفساد االقتصادي العاملي‪ /‬م س ذ ‪/‬‬
‫ص ‪.224‬‬
‫(‪ )2‬ابحث غريب َف ُماالت الفساد واإلدارة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابحث غريب َف ُماالت الفساد واإلدارة‪.‬‬
‫(‪ )4‬نقالً عن‪ :‬د‪.‬صالح الدين فهمي حممود‪ /‬الفساد اإلداري كمعوق لعمليات التنمية‪ /‬م س ذ‪/‬‬
‫ص ص ‪.51 50‬‬

‫(‪)70/1‬‬

‫وهي آخر صور الفساد اإلداري الذي سنتناوله ابلدراسة‪ .‬الذي يعد من اجلرائم طبقاً للمفهوم‬
‫القانوين (إبشارة للمادة (‪ )405‬من قانون العقوابت الفرنسي) حيث أنه لكي يعد النصب جرمية‬
‫يتعني فيه توافر الركن املادي الستعماله الطرق االحتيالية(‪.)1‬‬
‫وتستخدم جرمية االحتيال هنا للحصول على منافع شخصية تدر على مرتكبيها‪ .‬فاملرتكب هلذه‬
‫اجلرمية يقوم بفعله االحتيايل الفاسد بعد أن يتبني أنه يستطيع النفاذ من فعله ابحليلة وبعد أن يقارن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بني مكاسب الفعل وخسارته قبل ارتكابه‪.‬‬
‫عليه سنعرض ألساليب االحتيال اليت ينفذ منها أصحاب النفوذ اإلداري لتجاوز القوانني والعبور من‬
‫خالهلا بشكل ٍ‬
‫خال من املسؤولية ابستعمال آلية االحتيال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪.‬د‪.‬أمحد رفعت خفاجي‪ /‬جرائم الرشوة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.203‬‬

‫(‪)71/1‬‬

‫وأمنوذجنا األول َف ذلك يتضمن ما كشفته إحدى الصحف احمللية الصينية عام ‪ 1995‬عن فضيحة‬
‫ضخمة كان طرفها رؤساء (مخس شركات َف مدينة داندونج) الصينية‪ ،‬حيث حاول هؤالء تعويض‬
‫خسائر شركاهتم اليت منيت هبا نتيجة الرتفاع األعباء الضريبية وتضاؤل األرابح‪ ،‬ابستخدام طرق‬
‫احتيال ملتوية على القانون لتهريب سيارات من خارج الصني إَل داخلها لتحقيق أرابح ضخمة‬
‫يستطيعون من خالهلا تعويض خسائرهم‪ .‬وأتيت أرابحهم هذه نتيجة لالحتيال على قانون الضرائب‬
‫أوالً وبدفع الرشاوى إَل ُملس املدينة لغض الطرف عن تلك الصفقة اثنياً‪ ،‬وقد حقق هذا السبيل‬
‫من االحتيال إدخال (ثالمثئة شاحنة) مهربة إَل البالد مع حتقيق املكاسب املادية َف التهرب من دفع‬
‫الضرائب بطرق االحتيال مبا يعادل (مخسمائة مليون يوان صيين)(‪ .)1‬وهكذا يتجلى أن لالحتيال‬
‫على القانون آاثراً تثري فئة ضيقة وتؤثر على الدخل القومي للمجتمع ككل‪ .‬ولعل املثال اآليت يعزز‬
‫ذلك َف تفسري أثر أساليب االحتيال بشكل واضح‪ .‬إذ ورد َف تقرير لصندوق النقد الدويل أن‬
‫إحدى الدول املستقلة بعد اهنيار االحتاد السوفيايت حصلت على قرض امتيازي لشراء القمح على‬
‫أهنا مساعدات إنسانية وَف عملية احتيال كأن أطرافها (َتجراً مرتبطاً مبوظفني حكوميني) بيعت‬
‫الصفقة إَل ذلك التاجر بسعر يقل عن سعر استريادها املساوي‪ ،‬وقام األخري مع مشاركيه من أعضاء‬
‫اجلهاز احلكومي جبين أرابح ضخمة أضرت ابملستهلك َف تلك الدولة(‪ .)2‬األمر الذي يظهر مدى‬
‫اآلاثر السيئة للفساد اإلداري‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪.‬حنان قنديل‪ /‬التحول إَل السوق والفساد َف الصني‪َ /‬ف مصطفى كمل السيد (حمرر)‬
‫‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.144‬‬
‫(‪fighting & Thomas wolf/ Improving Governance - )2‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪(CIS) Countries/ washington & corruption in the baltic‬‬
‫‪./IMF/ 2000 p.6‬‬

‫(‪)72/1‬‬

‫املثاالن سالفا الذكر آللية االحتيال كاان لتصوير آلية االحتيال ألشكال تؤثر على الدخل القومي‬
‫وعلى املستهلك من عموم املواطنني‪.‬‬
‫أما أن يكون االحتيال مؤثراً بشكل يسلب اآلخرين جهودهم الفكرية والعلمية فهذا يعد أسلوابً خطراً‬
‫ألنه يهدد حقوق الباحثني وعناءهم العلمي‪ .‬ولعل مثالنا الذي ستوضحه األسطر القليلة اآلتية يبني‬
‫شكل وخطورة هذا األسلوب‪.‬‬
‫حيث بتاريخ ‪/7‬ت‪ 1983/2‬حصل أحد الرعااي العرب َف دولة عربية شقيقة على درجة املاجستري‬
‫من إحدى اجلامعات املعروفة َف ذلك البلد‪ .‬ومالبثت أن نشرت إحدى الصحف اليومية مقالة‬
‫ألستاذه (املشرف املساعد على الرسالة) منقولة من رسالته‪ ،‬وجاء فيها أن األستاذ ينوي إصدار ذلك‬
‫َف كتاب إلقراره على طلبة الكلية ذاهتا اليت أجازت رسالة الطالب‪ُ ،‬ث صدر الكتاب من دار نشر‬
‫معروفة وتداولته أيدي طلبة الكلية مببلغ حمدد على الغالف ومدرجاً عليه اسم ذلك األستاذ‪ .‬على أنه‬
‫أورد َف مقدمة ذلك املؤلف (الذي هو نسخة طبق األصل من رسالة املاجستري املذكورة) ما نصه‪:‬‬
‫((إن هنالك أحد الطلبة قد اقتبس رسالة ماجستري ابلكامل من هذا الكتاب))‪.‬‬
‫َف حماولة منه بتلك العبارة التمويه ليصبح هو املؤلف األصلي والطالب هو الشخص الذي اقتبس‬
‫معلومات ابلكامل ليست من جهده ليحصل هبا على املاجستري‪ ،‬األمر الذي يوضح (دليل إدانة أول‬
‫لذلك األستاذ) حيث إن كانت الرسالة كما يذكر من أتليفه‪ ،‬فكيف مسح لتلميذه بنسخها كاملة وهو‬
‫املشرف املساعد عليها؟ ُث كيف أجاز الرسالة وهو أحد املناقشني هلا واألمانة العلمية حتتم عليه عدم‬
‫إجازهتا َف حالة علمه أهنا ليست من جهد الطالب؟‪..‬‬

‫(‪)73/1‬‬

‫أما (دليل اإلدانة الثاين) فيكمن َف الفرق بني َتريخ مناقشة الرسالة وَتريخ صدور الكتاب حيث أن‬
‫الرسالة نوقشت َف بداية شهر ت‪ 1983/2‬وصدر الكتاب بعدها حبوايل(‪ 6 5‬أشهر) أي َف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫آذار‪ 1984/‬بوصفه مؤلفاً لألستاذ املذكور(‪.)1‬‬
‫هبذه األدلة أصبح األستاذ َف موقف يؤكد أنه استحل لنفسه (أدبياً ومادايً) عائداً علمياً هو من حق‬
‫الباحث املشار إليه‪ .‬ولقد كشفت الدعاوى القضائية واملالحقات الصحفية اليت قام هبا األخري‬
‫إلثبات حقه أفكار ذلك األستاذ االحتيالية‪ ،‬حيث أجرب َف حماولة لتربير عمله اخلايل من القيم‬
‫العلمية‪ ،‬أبن يقوم ابستبدال غالف الكتاب بلون آخر وأصدره بذات العنوان الذي جاءت به رسالة‬
‫الطالب املذكور (ألن األستاذ نشر املؤلف ابمسه وبعنوان آخر)‪.‬‬
‫وتضمن الكتاب إبصداريته اجلديدة ورقة َف بدايته كتبها األستاذ خبطه متضمنة اعرتافه أبن هذا‬
‫املؤلف هو رسالة ماجستري نوقشت َف كلية (‪ ).........‬حتت إشراف (وجاء ذكر أمساء األساتذة‬
‫املناقشني ومن بينهم (األستاذ املستحوذ)) وأهنا أجيزت بتقدير (جيد جداً) بتاريخ ‪1983/11/7‬‬
‫واعتمدهتا جامعة (‪ )...........‬بتاريخ ‪ُ .1984/1/9‬ث لتختم هذه الصيغة بدرج اسم األستاذ‬
‫بعبارة (أ‪.‬د‪ ).......‬حبروف مطبعية (وليست خبطه الذي تضمنته الورقة) خالية من أي توقيع له‬
‫مسوغاً بذلك فعله االحتيايل(‪.)2‬‬
‫ّما تقدم يتجلى لنا مدى خطورة آليات وصور الفساد اإلداري الذي ميتد أثره السيء إَل العديد من‬
‫أركان وزوااي اهليكل اإلداري للدولة فيجعل اخلسائر النامجة عنه تؤثر بشكل موجع على قيم‬
‫اجملتمعات وأساليب التعامل اإلداري السليم‪.‬‬
‫((‬

‫الفصل الثالث‬
‫الفساد االقتصادي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك‪ :‬حازم هاشم‪ /‬صور من الفساد اجلامعي‪ /‬القاهرة‪ /‬دار الشروق‪ /1994 /‬ص‬
‫‪ 76‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر َف ذلك‪ :‬حامد أمحد موسى هاشم‪ /‬نظرية املبارايت ودورها َف حتليل الصراعات‬
‫الدولية‪/‬القاهرة‪ /‬مكتبة مدبويل‪ /‬بال َتريخ‪ /‬ص‪.1‬‬

‫(‪)74/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عندما يتحدث أو يكتب َف ُمال الفساد االقتصادي فالبد ملن طرح الفكرة للمناقشة أن جيعل صورة‬
‫(الفقر) أمامه نتيجة رئيسة لتفاعل الفساد مع املال‪ ،‬لذلك فإن الكثري من الباحثني تناولوا مسألة‬
‫الفساد االقتصادي جنباً إَل جنب مع موضوع الفقر‪ .‬حيث ابنعدام املبادئ واألخالق والعدالة‬
‫وتفاقم الرشوة والعمولة تتدهور االقتصادايت َف ظل فسادها ويؤدي ذلك إَل انتشار آفة الفقر‪ .‬هلذا‬
‫شخص الربفسيور د‪.‬ديفيد جولد أستاذ العالقات الدولية جبامعة بتسربج‪ ،‬والدكتور خوزيه امارو‬
‫ريسي األستاذ املساعد للعلوم السياسية َف جامعة سييتون هول (اخلبريان لدى البنك الدويل) َف‬
‫دراسة عن أثر الفساد االقتصادي على الدول النامية إَل أن بعض اجملتمعات استطاعت التغلب على‬
‫الفساد َف الدول املتقدمة إال أنه الظاهرة ال زالت متفاقمة َف عامل اجلنوب العامل األكثر فقراً ومعاانة‬
‫من ضنك العيش‪ّ .‬ما يؤدي إَل اختاذ قرارات اقتصادية َف تلك الدول خمالفة ملتطلبات الواقع الفعلي‬
‫وبذلك تسود الفوضى كل مظاهر احلياة(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نقالً عن محدي فؤاد‪ /‬الفساد َف الدول النامية‪ُ/‬ملة األهرام االقتصادي‪ /‬العدد ‪َ 840‬ف‬
‫‪.1985/2/18‬‬

‫(‪)75/1‬‬

‫لقد عرفت العالقة بقبول املفاوض فائدة عند إبرامه عقداً ما لقاء سعيه َف إمتامه الصفقة بشروط‬
‫ُمحفة (مبعىن أنه خيون أمانته َبع ّدهِ مؤمتناً على حق عام فينحاز إَل اآلخر وال يراعي مصلحة الطرف‬
‫الذي ميثله )أبهنا آلية (العمولة ‪ )Commission‬اليت هي الصورة واملفهوم الذي يتجلى منط‬
‫الفساد االقتصادي ابستخدامه(‪ .)1‬حيث من خالل هذه اآللية ومنو التجارة الدولية واألعمال‬
‫أصبح أسلوب الفساد االقتصادي خري من أييت بنفع كبري إَل العديد من الشركات (خصوصاً متعددة‬
‫اجلنسية) ابستخدامها هذا األسلوب للفوز ابلعقود على حساب منافسيها (ذلك طبقاً ملا تشري إليه‬
‫تقارير صندوق النقد الدويل الصادرة عام ‪ .)2().1998‬هلذا نالحظ أبن صحيفة اللوموند الفرنسية‬
‫َف عددها الصادر بتاريخ ‪ 1995/3/17‬تشري إَل أن حجم الرشاوى (العموالت) املدفوعة للخارج‬
‫من قبل شركات فرنسية للعام ‪ 1994‬يقدر ب (‪ 10‬بليون ف‪.‬ف)‪ .‬وذلك نقالً عن تقرير سري‬
‫للحكومة(‪.)3‬‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )1‬د‪.‬أمحد رفعت خفاجي‪ /‬جرائم الرشوة َف التشريع املصري والقانون املقارن‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‬
‫‪.483‬‬
‫(‪Vio tanzi / corruption around the world/ Washington / - )2‬‬
‫‪.IMF/ May . 1998. /p.7‬‬
‫(‪.Ibid . p.7- )3‬‬

‫(‪)76/1‬‬

‫ضمن هذا السياق ملفهوم الفساد االقتصادي ومفهوم العمولة ند أن من أوضح األمثلة إلغناء‬
‫املوضوع يكون من خالل اإلشارة إَل أمنوذج التسلح‪ ،‬ففي هذه الصورة من صور الفساد االقتصادي‬
‫تشري إحدى أوراق صندوق النقد الدويل إَل أن الفساد َف العامل يرتبط بنوعية البريوقراطية َف كل‬
‫دولة ومستوى أجور القطاع العام وسلطة حكم القانون وتوفر املصادر الطبيعية ودرجة املنافسة‬
‫االقتصادية‪ُ .‬ث ينتقل بعد ذلك التقرير ليشري إَل أن منتجي األسلحة َف العامل يلجؤون إَل تقدمي‬
‫عموالت (غري قانونية) ألجل كسب العقود َف كثري من البلدان وحىت َف بلداهنم(‪ .)1‬ويقدر خرباء‬
‫الصندوق أن هنالك أكثر من (‪ )%15‬من عوائد صفقات التسلح تذهب لتغطية هذه‬
‫العموالت(‪ )2‬وأن هلذه العموالت األثر السليب على الدول املستوردة لزايدة النفقات وأثراً إجيابياً‬
‫على الدول املصدرة إلمكانية التصدير‪ .‬ومبا أن الدول األكثر استرياداً للسالح َف العامل هي دول‬
‫العامل الثالث (األكثر فقراً) (كما أشران سلفاً) واليت ينمو إنتاجها مبعدل (‪ )%5‬سنوايً نالحظ أن‬
‫إنفاقها العسكري يزداد مبعدل (‪ )%7‬ونسبة من هذه اإلنفاقات تذهب كعمولة طبقاً لآلراء الواردة‬
‫أعاله ّما ميتص القدرات املتاحة لتلك البلدان َف التطور(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪military & others/ corruption & Sanjeev Gupta- )1‬‬
‫‪.spending/ Washington/ I MF/ Feb 2000 / pp 2-4‬‬
‫(‪.Vito Tanzi / corruption around the world / po. Cit. p.7 - )2‬‬
‫(‪ )3‬د‪.‬سامي منصور‪ /‬جتارة السالح واألمن القومي العريب‪ /‬القاهرة‪ /‬مكتبة مدبويل‪/ 1991 /‬ص‬
‫‪.232‬‬

‫(‪)77/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن هلذا اإلنفاق العسكري لدول اجلنوب األثر على ميزانيات الدول املصدرة للسالح األمر الذي‬
‫حيث األخرية إَل دفع العموالت جلين الفوائد‪ ،‬لذلك نرى أن تقريراً ملكتب امليزانية َف الكونغرس‬
‫األمريكي أوضح بدراسة (لبيان ذلك األثر) حول مبيعات السالح إَل أن وقف هذه املبيعات يؤدي‬
‫إَل فقدان (ثالمثائة ومخسني ألف) فرصة عمل للعمالة األمريكية‪ ،‬فضالً عن أن كل (مليار دوالر‬
‫أمريكي) أييت من صادرات السالح يوفر (اثنتني وأربعني ألف فرصة عمل) على أساس أن متوسط‬
‫برانمج املبيعات هو (‪ 8.2‬مليار دوالر) سنوايً‪ .‬الذي بدوره (أي املتوسط املذكور) حيقق فائضاً َف‬
‫ميزان املدفوعات األمريكي يصل إَل (‪ 560‬مليون دوالر) وكذلك حيقق (‪ 160‬مليون دوالر) وفراً َف‬
‫تكاليف إنتاج األسلحة(‪.)1‬‬
‫ّما تقدم يتضح لدينا مقدار مكاسب الدول املصدرة للسالح سواء أكانت الوالايت املتحدة أو‬
‫غريها ومقدار خسائر عامل اجلنوب نتيجة الكثري من شركات التسلح ابلعقود عن طريق دفع العموالت‬
‫اليت قدرها صندوق النقد الدويل ب (‪ )%15‬من عوائد كل صفقة كما أشران‪.‬‬
‫وَف نقطة الضوء ذاهتا يشري تقرير ملنظمة الشفافية الدولية (‪ )Ti‬إَل أهنا تشخص عامل اجلنوب‪ .‬هو‬
‫األكثر إصابة مبرض الفساد االقتصادي أو أشكال الفساد األخرى نتيجة لسياسات الدول الكربى‬
‫وشركاهتا(‪ .)2‬جدير ابلذكر أن شركات صناعة وتسويق األسلحة بغية حتقيق أعلى نسب َف األرابح‬
‫ال تتواىن عن دفع الرشاوى والعموالت لكبار املوظفني َف البلدان اليت جتهزها‪ ،‬أو حىت لرؤوس النظم‬
‫السياسية اليت تتجنس جبنسيتها إذا تطلب األمر‪ .‬فشركة (نورثروب ‪)NORTHROP‬‬
‫األمريكية قامت َف ‪ 1971‬بدفع عمولة مقدارها‬
‫((‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه ‪ /‬من ص ‪.241 240‬‬
‫(‪ )2‬عبد هللا إمام‪ /‬الفساد ظاهرة قومية‪ /‬صحيفة الرأي األردنية‪ /‬العدد ‪َ 10634‬ف‬
‫‪.1999/10/21‬‬

‫(‪)78/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪ )2.3‬مليون دوالر)‪ .‬جلنرال َف سالح الطريان الربازيلي حلث دولته على طلب شراء طائرات حديثة‬
‫من الشركة املذكورة‪َ ،‬ف فرتة كان قرار سابق لرئيس اإلدارة األمريكية (طبق منتصف الستينيات من‬
‫القرن املنصرم) حيظر تصدير األسلحة إَل دول أمريكا الالتينية ّما أفسح اجملال للشركات األوروبية‬
‫ابلدخول إَل ميدان تسليحها‪ ،‬احلالة اليت جعلت الشركات األمريكية ختسر تلك األسواق‪ ،‬وقد‬
‫تعهدت تلك الشركة للجنرال املذكور أبهنا ستعمل على تغيري قرار الرئيس األمريكي َف ذلك‪ ،‬وفعالً‬
‫قامت الشركة بدفع مبلغ (مخسة وسبعني ألف دوالر) كتمويل حلملة الرئيس األسبق (ريتشارد‬
‫نيكسون) الذي بدوره أصدر قراره َف ‪/5‬حزيران‪ 1973/‬ابلسماح إبمتام الصفقة‪ ،‬اليت أظهرت‬
‫األوساط املهتمة فيما بعد أن ذلك املال ذهب لتغطية نفقات الدفاع عن املتهمني َف فضيحة وتر‬
‫غيت(‪ .)1‬األمنوذج الذي يعطي الدليل الواضح على الفساد املتأصل َف هذه الصفقات‪.‬‬
‫جدير ابلذكر أن صندوق النقد الدويل يشري َف إحدى تقاريره إَل أ ن العموالت املذكورة تتم‬
‫جدولتها ضمن رسوم ضرائب تلك الشركات الدافعة هلا‪ ،‬وأن طبيعتها اجلرمية تنتفي َف حال دفعها‬
‫ملوظفني َف دول أخرى تقتضيها مصاحل تلك الشركات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪.‬سامي منصور‪ /‬م س ذ ‪ /‬ص ‪.266‬‬

‫(‪)79/1‬‬

‫يذكر أن كل هذا يعود إَل الكتمان الذي حييط تلكم العقود ّما يؤدي إَل فقداهنا للشفافية املطلوبة‬
‫وجيعل اللعبة حمصورة بني اجملهز وسلطات االسترياد (الفاسدة) اليت يساعد على زايدة فسادها حجب‬
‫تلك الصفقات من الرقابة الكمركية والضرائبية(‪ .)1‬أن اآلليات الفاسدة والسرية للعقود املشار إليها‬
‫خلقت حالة من عدم االستقرار َف العامل أمجع نتيجة لتزايد أعداد الصفقات‪ ،‬األمر الذي جعل ُملس‬
‫الكنائس َف أملانيا (خامس أكرب دولة َف العامل تصديراً للسالح) ينتقد مثل تلكم الصادرات إَل‬
‫الدول األخرى خصوصاً الفقرية‪ ،‬اليت بلغت قيمتها أكثر من (مليار مارك) عام ‪ 1998‬وتصاعدت‬
‫لتبلغ (‪ 2‬مليار مارك) عام ‪ 1999‬حيث ترى الكنائس (انطالقاً من رؤيتها اإلنسانية) أن سرية هذه‬
‫الصفحات جيب أن حتارب وتطالب الكنائس بشفافية أكثر َف هذا اجملال وترى أن استعار (تصعيد)‬
‫عمليات التسلح َف دول اجلنوب بزايدة الصادرات إليها ميثل تبذيراً ملوارد تلك البلدان(‪ .)2‬هلذا‬
‫أيضاً يشري تقرير الشفافية الدولية‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‬
‫__________‬
‫(‪Sanjeev Gupta /corruption and Military spending/ op. -- )1‬‬
‫‪.cit pp. 4-6‬‬
‫مساء بتوقيت بغداد‪ /‬يوم‬
‫(‪ )2‬إذاعة صوت أملانيا العربية من كولونيا‪ /‬الساعة ‪ً 10.30‬‬
‫‪.2000/12/18‬‬

‫(‪)80/1‬‬

‫‪ )Ti‬لسنة ‪ 1999‬إَل أن سرية كسب العطاءات ورشوة املوظفني العموميني للحصول على العروض‬
‫يؤدي إَل إشاعة الفساد َف دول اجلنوب من قبل الدول اليت تتعامل ابلفساد لتسويق عروضها ومنها‬
‫الوالايت املتحدة بشركاهتا َف املقام األول ُث تليها الشركات الفرنسية فالصينية فاألملانية(‪ .)1‬وأن‬
‫جيشاً من كبار املوظفني َف (مائة وست وثالثني) دولة يتقاضون بشكل منظم رشاوى من تلك‬
‫الشركات حىت أن (وليم ويلي) وزير التجارة األمريكي أورد أنه خالل الفرتة من أاير ‪97/‬حىت‬
‫نيسان‪/98/‬مت اكتشاف الرشاوى َف أكثر من (ستني) عقداً أبرمتها الشركات األمريكية خارج احلدود‬
‫وصلت قيمتها إَل ((ثالثني) بليون دوالر أمريكي)(‪ .)2‬وَف صميم املوضوع يشار إَل أن القضاء‬
‫الفرنسي نتيجة لشكوى مقدمة له استدعى َف هناايت عام ‪( 2000‬نل الرئيس ميرتان)‪ /‬ومستشاره‬
‫َف الوقت ذاته (أابن فرتة حكمه) للشؤون األفريقية (جون كريستوف ميرتان)‪ ،‬وقرر احتجازه إبصدار‬
‫األمر القضائي للشرطة الستجوابه عن تعاونه مع َتجر األسلحة‪( /‬بيري فالكون) بعقد صفقات لبيع‬
‫األسلحة إَل أنغوال خالل فرتة حكم والده وأن (جون كريستوف) متورط بكون هذه الصفقات غري‬
‫مشروعة وقيامه ابلتهرب الضرييب عنها وعمليات فساد مايل كبري(‪ )3‬على أن القضاء قد أطلق‬
‫سراحه بكفالة ّما يشري إَل أن االهتام قائم ضده(‪ )4‬حىت بعد إطالق سراحه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪.(Ti) News letter/April 2000 - )1‬‬
‫(‪ )2‬فهمي هويدي ‪ /‬صحيفة اللواء األردنية‪.2000/6/28 /‬‬
‫(‪ )3‬إذاعة لندن ‪ / B.B.C‬العربية‪ 2000/12/22 /‬الساعة ‪ 12.10‬بعد منتصف الليل‪/‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بتوقيت بغداد‪.‬‬
‫مساء‪ /‬بتوقيت بغداد‪.‬‬
‫(‪ )4‬إذاعة لندن ‪ / B.B.C‬العربية‪ 2000/12/27 /‬الساعة ‪ً 9.10‬‬

‫(‪)81/1‬‬

‫من هذا كله ند أن املصروفات العسكرية َف أقطار اجلنوب منذ سنة ‪ 1980‬بلغ متوسطها ما مقداره‬
‫(‪ )%25‬من اجملموع العاملي لإلنفاق ّما دعا إَل تشجيع آلية الفساد َف هذه الدول وتسهيله من‬
‫خالل سوء اإلدارات احلكومية فيها وبروز الدكتاتورايت واالستبدادية وضعف أنظمة الرقابة واحملاسبة‪،‬‬
‫وذلك نتيجة النزعة التسليحية ونشوب الكثري من املنازعات َف عامل اجلنوب اليت كانت تضحياته‬
‫البشرية أفدح من خسائره االقتصادية ّما أضاف لعامل اجلنوب معاانةً وأشكاالً خمتلفة من الفقر‬
‫واحلرمان ما زال عامل اليوم يعاين منها(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يوليوس ك‪.‬نرييري وآخرون ‪ /‬التحدي أمام اجلنوب‪ /‬تقرير جلنة اجلنوب‪ /‬بريوت‪ /‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ /‬ديسمرب ‪ / 1990‬من ص ‪.107 105‬‬

‫(‪)82/1‬‬

‫ومن صورة الفساد االقتصادي عرب التسلح‪ ،‬ننتقل إَل صورة أخرى يتوضح فيها الفساد االقتصادي‬
‫هي نشاطات وانتشار شبكات مافيا املخدرات كواحد من نشاطات (اجلرمية املنظمة) اليت أصبحت‬
‫تشكل قوة اقتصادية هائلة يستطيع أطرافها بسطوهتم املالية إفساد حكومات أبكملها نتيجة ملا‬
‫ترتكز َف أيديهم من أموال ضخمة (مئات الباليني من الدوالرات)‪ .‬يذكر أن أطراف هذهِ املافيا‬
‫يستخدمون آليات العمولة والرشوة واإلفساد وسيلة لتمرير أعماهلم غري الشرعية‪ ،‬وإذا مل تنجح هذه‬
‫اآللية وتضاربت مع نزاهة املوظفني الشرفاء‪ ،‬جلأت هذه الفئات إَل استخدام آلية القوة والقتل ا‬
‫لعمد لتمرير أ عماهلا تلك‪ .‬هلذا ابت معروفاً أن هنالك مقاطعات من أقاليم كثرية َف العامل يديرها‬
‫ابروانت املخدرات (‪ )Drug Barons‬ال جيرؤ حىت رجال الشرطة على ولوجها‪ ،‬ساعدت‬
‫سطوهتم على أن يصبح اإلفساد االقتصادي للمؤسسات املالية واهليئات االقتصادية عملية ماكرة‬
‫وخبيثة يقومون ابإلعداد هلا‪ .‬ال بل أصبحت هنالك العديد من النظم املالية تعتمد على ذلك املال‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫القذر الوارد من دوالرات املخدرات ومشروعات إجرامية (كالقمار‪ ،‬والدعارة‪ ،‬وجتارة الرقيق األبيض‪،‬‬
‫واألسلحة غري املرخصة)(‪ )1‬لتستخدم َف أنشطة أخرى (كالسياحة والفنادق واملصارف) َف عملية‬
‫يطلق عليها اليوم (عملية غسل املال القذر)(‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نالحظ أن املوضوع يتداخل فيما بني الفساد االجتماعي واالقتصادي ّما يدل على أن الفساد‬
‫وإن تعددت تعاريفه يُشكل َف أحيان كثرية حالة واحدة هي عكس احلالة السوية ملناحي احلياة‬
‫اإلنسانية إن صح التعبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬عملية غسل العملة‪ :‬هي حتويل أموال مت احلصول عليها بطرق غري قانونية من خالل طرف‬
‫اثلث إلخفاء مصدرها‪( .‬انظر‪ :‬د‪.‬كاظم نزار الركايب ‪ /‬أمريكا أهم مركز لغسيل األموال َف العامل‪/‬‬
‫بغداد‪ /‬صحيفة العراق البغدادية‪ /‬العدد ‪َ /6974‬ف ‪..)2000/1/21‬‬

‫(‪)83/1‬‬

‫أو (غسل العملة)‪ ،‬وذلك حىت تستطيع خالاي اإلجرام أن متارس أعماالً هلا أتثري مهم َف قطاعات‬
‫االقتصاد الرئيسية‪ .‬وبسبب هذا التداخل َف العالقات مع املصارف الدولية والشركات يصبح‬
‫التحقيق َف‪ ،‬ومقاضاة مسألة هتريب املخدرات أمراً ابلغ الصعوبة‪ .‬حيث يستطيع اجملرمون االنتقال‬
‫ونقل ملكياهتم إَل جهات قضائية صديقة أو إَل دول حتمي مصارفها السرية عمل أولئك اجملرمني(‪)1‬‬
‫جدير ابلذكر أن هنالك أمواالً قدرت ب (عشرة باليني دوالر أمريكي) طبقاً لتقرير صحيفة األوبزرفر‬
‫الربيطانية‪ ،‬تورطت فيها بنوك نيويورك وشبكة مؤسسات مالية أمريكية وبريطانية‪ ،‬جاءت من غسيل‬
‫أموال عصاابت اجلرمية املنظمة اليت مت حتويلها عرب إنشاء عدد من الشركات القانونية واحلساابت‬
‫املصرفية وأعمال أخرى مثل إدارة املراقص الليلية(‪ .)2‬إَل ذلك تشري بعض الدراسات االقتصادية‬
‫أبن تقديرات أعمال (غسيل األموال) للعام ‪ 1998‬فقط بلغت (‪ )%10‬من الناتج احمللي جلمهورية‬
‫التشيك و(‪ )%7.3‬من الناتج احمللي لربيطانيا و(‪ )%25‬من الناتج احمللي للعامل أبسره‪.‬‬
‫وختتلف قيمة األموال املغسولة حسب الدول واملناطق حيث تقدر لذات الفرتة املذكورة حبوايل (سبعة‬
‫عشر مليار دوالر أمريكي َف كندا) و(عشرين مليار دوالر أمريكي َف املكسيك) (ومثانية وأربعني مليار‬
‫دوالر أمريكي َف الوالايت املتحدة األمريكية) و(مخسمائة مليار دوالر أمريكي َف سويسرا) وما يقارب‬
‫(واحداً وثالثني تريليون دوالر أمريكي َف العامل أبمجعه) وذلك طبقاً للتقرير االقتصادي لبنك ديب‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الوطين املنشور َف كانون الثاين للعام‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األمم املتحدة ‪ /‬الفساد َف احلكومة‪ .‬د‪ .‬اندر أمحد أبو شيخة(مرتجم)‪/‬عمان‪ /‬املنظمة العربية‬
‫للتنمية اإلدارية ‪ /1994‬من ص ‪.13 11‬‬
‫(‪ )2‬ظافر إبراهيم‪ /‬فضائح ابجلملة عن عالقة املافيا ابملسؤولني األمريكان والربيطانيني ‪ /‬صحيفة‬
‫القادسية البغدادية‪.1999/10/23 /‬‬

‫(‪)84/1‬‬

‫‪)1(.)2000‬‬
‫لقد حتولت مافيا اجلرمية املنظمة إَل قوة تتحكم َف اقتصادات وسياسات بلدان عدة حبكم آليات‬
‫الفساد املتحكمة فيها‪ ،‬حىت أصبحت توصف أبهنا حكومة الظل َف تلك البلدان اليت منها على‬
‫سبيل املثال دول أوراب الشرقية (املنهارة بعد احلرب الباردة)‪ ،‬حيث وعدت هذه الدول شعوهبا بنقلهم‬
‫إَل ُمتمع الرفاهية حال زوال نظمها السياسية االشرتاكية‪ ،‬وسرعان ما سادت َف تلك اجملتمعات‬
‫مفاهيم االقتصاد احلر للسوق‪ ،‬واخلوصصة‪ُ ،‬ث مالبثت أن ازدهرت فيها مافيات اجلرمية املنظمة‬
‫املتزامن معها حتكم املمولني‪ ،‬ليظهر التسول والبغاء (كناتج عرضي) َف الشوارع إضافة للسرقة‬
‫لتسهيل اللقمة(‪ )2‬بدالً من الرفاهية املزعومة‪.‬‬
‫لذلك نرى َف دراسة لألمنوذج األمريكي الروسي (كمثال عن احلالة املذكورة) أن وكالة رويرتز لألنباء‬
‫نقلت عن مكتب التحقيقات الفيدرايل‬
‫(‪َ )F.B.I‬ف الوالايت املتحدة األمريكية أنه مت استجواب (لوسي ادواروز) (املسؤولة السابقة َف بنك‬
‫نيويورك) وشريكها (بيرت برلني) صاحب شركة بنكس الدولية)‪ ،‬لتورطهم َف عمليات غسيل لألموال‬
‫غري املشروعة (ونقلها من روسيا إَل الوالايت املتحدة األمريكية من خالل بنك نيويورك) قدرت‬
‫بباليني الدوالرات األمريكية‪ ،‬ونتيجة االستجواب املذكور كانت أن وافق املشتبه هبم تسليم مبلغ‬
‫(تسعة ماليني دوالر) (‪ )3‬كانت حبوزهتم إَل السلطات الفيدرالية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك‪ /‬د‪.‬كاظم نزار الركايب‪ /‬الوالايت املتحدة أهم مركز َف العامل لغسيل األموال‪/‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صحيفة العراق البغدادية‪ /‬العدد ‪.1999/12/21 /6974‬‬
‫(‪ّ )2‬مدوح علوان‪ /‬صحيفة الرأي األردنية‪ /‬العدد ‪َ 10693‬ف ‪.1999/12/19‬‬
‫(‪.Ruters. 15 . Fel. 2000 - )3‬‬

‫(‪)85/1‬‬

‫بعد ذلك صدرت أحكام حبق كليهما حسب ما أعلنه القاضي (لورينت كاسرب) َف ندوة قانونية حول‬
‫الفساد عقدت من هناايت عام ‪ 2000‬ويفتح هذا التحقيق الطريق أمام احتمال قيام السلطات‬
‫ابلطلب من املصارف التدقيق َف كيفية إجراء هذهِ التحويالت‪ ،‬ويعتقد أن اجلزء األكرب من هذهِ‬
‫األموال مصدره الشركات التجارية الروسية اليت حاولت التهرب من دفع الضرائب والكمارك‬
‫(ميتلكها أثرايء روس) هرب الكثريون منهم من روسيا بعد اهنيار االحتاد السوفيايت جتنباً لدفع‬
‫الضرائب فيما يشكل اجلزء اآلخر من هذه النقود نشاطات إجرامية حسب أتكيد دوائر التحقيقات‬
‫األمريكية‪ .‬يذكر أن (لورينت كاسرب) القاضي الفيدرايل اعتزم تقدمي طلب َف تعقب أصول تلك‬
‫األموال وكان (كاسرب) قد أبدى شكواه علناً َف السابق من هشاشة تعاون السلطات الروسية‬
‫واألمريكية َف تعقب مصدر هذهِ األموال(‪.)1‬‬
‫لقد انتشرت جرمية غسل العملة بشكل واسع وأصبحت ظاهرة تؤخذ ابحلسبان ملا هلا من أثر على‬
‫اقتصادايت الدول واهتمت الكثري من املنظمات احلكومية وغري احلكومية هبذه اجلرمية‪ ،‬وقد عد‬
‫(غسيل العملة) من أهم صور اجلرمية املنظمة(‪ .)2‬كما أن اجلمعية العامة للشرطة اجلنائية الدولية َف‬
‫دورهتا (‪َ )66‬ف نيودهلي ‪ 1997/‬أوصت إبعداد بياانت إحصائية لتعزيز التعاون األويل اجلنائي َف‬
‫(مواجهة غسل العملة) َف كل مراحلها(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اليزابيث أولسون‪ /‬عملية روسية لغسيل األموال‪ /‬صحيفة الشرق األوسط ‪.2000/11/17/‬‬
‫(‪ )2‬طبقاً ملشروع االتفاقية اإلطارية لألمم املتحدة حملاربة اجلرمية املنظمة (م‪.)1/‬‬
‫(‪ )3‬تتم مراحل عملية غسل العملة َف عملية معقدة تتطلب استخدام العديد من الوجوه‪ ،‬حيث‬
‫يقوم كل وجه بدور َف مرحلة إخفاء األموال داخل وخارج البالد‪ .‬ومراحل غسل العملة هي‪ :‬اإليداع‬
‫لدى البنوك‪ ،‬التوظيف‪ ،‬التمويه‪ ،‬الدمج‪.‬‬

‫(‪)86/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫من هنا يتضح كيف أن للسلوك الفاسد لعصاابت اجلرمية املنظمة أثراً على اقتصادايت البلدان وكيف‬
‫يتم نقل األموال غري املشروعة ّما جيعل الكثري من الشعوب تنوء حتت وطأة الفقر (اإلمكانية خفض‬
‫قيمة العملة واختالل البنية االجتماعية للدولة وحدوث فجوة بني األغنياء والفقراء) وما تروجه تلك‬
‫العصاابت من خمدرات وعمليات غري مشروعة تسلب الكثريين حقوقهم َف احلياة(‪.)1‬‬
‫وبعد أن تناولنا صورتني من صور الفساد االقتصادي‪ ،‬البد وأن نركز الضوء على صورة اثلثة وأخرية‪،‬‬
‫نتناول فيها كيف يستهلك الفساد االقتصادي‪َ ،‬ف أوجه أخرى‪ ،‬حق اإلنسان َف العيش ويهدد البناء‬
‫البشري َف أبسط مقومات استمراره َف احلياة‪ .‬وجيعل أولئك املدافعني عن هذا احلق َف العيش ُسراقاً‬
‫له‪ .‬وإليضاح الصورة بشكلها الناصع نورد بعض األمثلة عن ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك‪ :‬عبد الوهاب التحاَف‪ /‬غسل األموال جرمية إخفاء أشياء متحصلة من جرمية‪/‬‬
‫صحيفة الثورة البغدادية ‪.2000/6/12/‬‬
‫‪ ...‬وكذلك ‪ :‬عصام الدين األمحدي‪ /‬ظاهرة غسيل األموال وآاثرها االقتصادية وأهم اجلهود العاملية‬
‫واحمللية املبذولة ملكافحتها‪ُ /‬ملة احتاد املصارف العربية‪ /‬العدد ‪ /237‬اجمللد ‪/20‬أيلول ‪ /2000‬ص‬
‫‪.109‬‬

‫(‪)87/1‬‬

‫فطبقاً ملا أشار إليه مساعد سكرتري عام األمم املتحدة للشؤون العلمية‪ ،‬املدير األسبق ملنظمة‬
‫(‪ )F.A.O‬األغذية والزراعة الدولية(‪( )1‬كمثال أول) َف حتديده ملدى الفساد َف بعض برامج‬
‫املعونة األمريكية‪ ،‬نراه يروي أمنوذجه َف ذلك من خالل احلديث عن أحد تلك الربامج اخلاصة بزراعة‬
‫الرز َف مصر‪ ،‬حيث يذكر أن إمجايل مبلغ املعونة وقدره (ستة عشر مليون دوالر أمريكي) املعد توظيفه‬
‫خلدمة املشروع ذهب نصفها للرواتب وللزايرات إَل الوالايت املتحدة األمريكية وإلنشاء بعض‬
‫البناايت‪ ،‬دون أي زايدة تذكر َف إنتاج حمصول الرز (الذي أنشئ الربانمج أصالً لزايدة غلته)‪ .‬األمر‬
‫الذي جعله يلفت األنظار إَل أنه دائماً ما تنفق املبالغ كلها على وجوه يعلم هللا حقيقتها ويرتك حال‬
‫املشاريع والبلدان أفقر ّما كانت عليه قبل الشروع بتنفيذها(‪ .)2‬هذا املثال ميكن أن يوضح األثر‬
‫السيء للفساد إذا ما مت ربطه بشكل آخر من أشكال مافيات األغذية يوضحه الواقع املصري أيضاً‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َف معاانته من ذلك إابن هناايت عقد الثمانينيات َف القرن املنصرم حيث أشارت بعض اجلهات املعنية‬
‫اب لفساد إَل أن وزارة الصحة األملانية (االحتادية َف حينه) اكتشفت شحنات من األلبان (اجملففة)‬
‫امللوثة ابإلشعاع َف موانئها حتاول بعض اجلهات تصديرها إَل بعض بلدان عامل اجلنوب من بينها‬
‫مصر‪ ،‬وقد أعلنت َف حينها وزيرة الصحة األملانية أن ذلك العمل قد ضبطته السلطات هنالك وهو‬
‫عمل غري أخالقي ومؤذ للبيئة والصحة‪ ،‬إال أن املوضوع أيخذ (الفساد) فيه صورته الكاملة حبقيقة ما‬
‫انقشه الكاتب املصري (عصام رفعت) َف موضوعه الصحفي حول تلك الصفقة حيث أشار إَل عدة‬
‫أركان َف املوضوع منها‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪.‬د‪.‬مصطفى اجلبلي‪ /‬من مصر العربية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجال زايدة ‪/‬مافيا االسترياد ضد تطوير الزراعة‪ /‬القاهرة‪ُ /‬ملة األهرام االقتصادية العدد ‪943‬‬
‫‪ /‬شباط ‪.1987‬‬

‫(‪)88/1‬‬

‫الركن األول‪ :‬أن املشكلة تكمن َف فتح اجلهات املسؤولة عن االسترياد إمكانية استرياد البضائع بال‬
‫ضوابط للمستوردين‪ّ ،‬ما أدى إَل تواطؤ (الشخص) املستورد مع املصدر لتسويق شحنات غري‬
‫صاحلة لالستهالك البشري الغاية من ورائه الربح السريع‪.‬‬
‫الركن الثاين‪ :‬انعدام حقل التخصص للمستوردين ّما فتح اجملال أمام كل مغامر ابحث عن الربح‬
‫(مشروع أم غري مشروع) حىت وإن كان املتاجرة بسالمة وأرواح األبرايء‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬انتفاء وجود العقوبة القانونية الرادعة َف القانون املصري حيث أن العقوبة ال تتجاوز‬
‫(‪ )3 6‬سنوات سجن‪ ،‬وغرامة من (‪ )1000 100‬جنيه مصري وهي عقوبة ليست ذات معىن‬
‫جتاه هتديد شعب أبكمله َف صحته‪.‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬الكشف عن ما وراء املستورد من املوظفني العموميني الذين يسهلون له احلصول على‬
‫شهادات سالمة الصفقات املزورة وإصدار الفواتري املزورة أيضاً‪ .‬ماكان مههم من وراء ذلك إال‬
‫اإلثراء على حساب الغري(‪.)1‬‬
‫إن املثالني سالفي الذكر يوضحان مدى أتثري الفساد االقتصادي على واقع اجملتمع املصري كأمنوذج‬
‫للدراسة ميكن القياس عليه ابلنسبة لباقي الدول(خصوصاً َف عامل اجلنوب) ومدى أثرها السيء على‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اجملتمعات‪.‬‬
‫والنتيجة أسوأ من اليت أشران هلا‪ ،‬ند أن الكاتب (كراهام هانكوك ‪)Graham Hancock‬‬
‫يعرض لكيفية الفساد من خالل حماربة اجلوع‪ ،‬ففي كتابه (لوردات الفقر) ( ‪Lords of‬‬
‫‪ )Poverty‬يشري املؤلف ملشروع اجلوع‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عصام رفعت‪ /‬مافيا املستوردين وعصاابت املوظفني‪ /‬القاهرة‪ُ /‬ملة األهرام االقتصادي‪ /‬العدد‬
‫‪َ /843‬ف ‪ 85/3/11‬ص ‪.9‬‬

‫(‪)89/1‬‬

‫‪ )Hunger Project‬إلعانة البلدان املنكوبة وإزالة اجلوع َف العامل‪ ،‬حيث يذكر طبقاً ملعلومات‬
‫(املكتب العاملي ملعلومات العون) أن منظمات الغوث اإلنساين تسلمت خالل فرتة عام واحد مبلغاً‬
‫يزيد عن (سبعة ماليني دوالر أمريكي)‪ ،‬دفع منها فقط (واحد وعشرون ألف دوالر) على شكل منح‬
‫ملنظمات إغاثة وأنفق املبلغ الباقي َف الوالايت املتحدة األمريكية حتت بنود‪:‬‬
‫(تسيري النجدة)‪( ،‬التسجيل)‪( ،‬االتصاالت)‪( ،‬إدارة املعلومات)‪ .‬والالفت للنظر َف األمر أن قوائم‬
‫اهلواتف فقط كانت تزيد قرابة العشرين مرة عن ما دفع من منح لإلغاثة (نصف مليون دوالر قوائم‬
‫هواتف)‪.‬‬
‫كما يذكر املؤلف أيضاً أن منظمات العون املسيحي العاملية األمريكية مل ترسل ألثيوبيا اليت مجعت هلا‬
‫(مثانية عشر مليون دوالر) كمساعدات (سنتاً واحداً)(‪ ،)1‬األمر الذي يتضح معه عظم اهلوة اليت‬
‫يوجدها الفساد َف حياة الشعوب الفقرية‪ .‬هلذا ذهبت دراسة أجريت َف املغرب حول (مشاكل الفقر)‬
‫حددت (إشاعة الفساد) كأحد مخسة أسباب جتعل الفقر يستشري َف اجملتمعات أال وهي ابإلضافة‬
‫للفساد‪( ،‬النمو الدميوغراَف‪ ،‬التحوالت االقتصادية العاملية‪ ،‬ضعف النمو االقتصادي‪ ،‬وأسباب‬
‫اجتماعية أخرى)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نقالً عن ‪/‬صحيفة اجلمهورية البغدادية ‪.1994/5/29/‬‬

‫(‪)90/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وند ضمن الدراسة املذكورة أبن معطيات البحث الوطين الذي أعدته وزارة التوقعات االقتصادية‬
‫والتخطيط لعام ‪َ 1999‬ف املغرب حول مستوى معيشة األسر‪ ،‬يثبت أن عدد فقراء املغرب َف حالة‬
‫ارتفاع مستمر وصل إَل (ثالثة ماليني ونصف مليون نسمة) خالل العشرية األخرية من القرن‬
‫املنصرم‪ .‬هلذا يذهب الكاتب والصحفي املغريب [حممد أديب السالوي) الذي أورد تلك املعطيات َف‬
‫مؤلفه [(أطفال الفقر) أحد عدة مؤلفات للكاتب انقش فيها (قضااي الفساد)] أن شرحية كربى من‬
‫ُمتمع املغرب تعيش على عتبة الفقر ودخلها اليومي ال يتعدى (دوالراً أمريكياً واحداً) حسب‬
‫تصرحيات الوزير األول املغريب (عبد الرمحن اليوسفي)‪ ،‬ويذهب املؤلف إَل أن هذا املقدار من الدخل‬
‫يوم واحد للفرد وبذلك يتجلى (تعريف الفقر)(‪ .)1‬ويربط الكاتب بني الفقر والفساد‬‫ال يؤمن قوت ٍ‬
‫(األخالقي‪ ،‬السياسي‪ ،‬واإلداري‪ ،‬واالقتصادي) وانعكاسات ذلك على اجملتمع وخصوصاً على‬
‫الطفولة وهتديده حلقوق اإلنسان من أمن صحي وغذائي ومائي(‪ .)2‬وأتسيساً على ما ورد ترى‬
‫الدراسة أن فيما سلف كله انتهاكاً للعهد الدويل اخلاص ابحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫واملنصوص عليها َف ديباجة العهد ومواده (‪ )1 7‬و(‪ )3 10‬و(‪ )11‬و‬
‫(‪ )13‬اليت يهددها الفساد َف صحة تطبيقها على أبناء البشرية(‪.)3‬‬
‫من هذا كله يتضح ما للفساد االقتصادي من خطر يستوجب الوقوف عليه وتعريض املسؤولني عنه‬
‫للمساءلة دوماً لكي تظهر الصورة جلية خالية من كل شائبة للفساد اليت ابستشرائها تزداد معاانة‬
‫الناس اقتصادايً‪.‬‬
‫((‬

‫الفصل الرابع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الفقر‪ :‬هو حالة الفقر الذي ال يتجاوز دخله دوالراً أمريكياً َف اليوم‪ ،‬أو ذلك الذي ال يستطيع‬
‫أتمني قوته اليومي‪.‬‬
‫(‪ )2‬سعيدة شريف‪ /‬الفقر والطفولة املغربية‪( /‬عرض لكتاب الصحفي حممد أديب السألوي‪ /‬أطفال‬
‫الفقر)‪ /‬صحيفة الشرق األوسط العدد ‪َ 8026‬ف ‪.2000/11/18‬‬
‫(‪ )3‬نشرة املنتدى ‪/‬العدد ‪ /91‬إبريل ‪ /1993‬ص ‪.7 4‬‬

‫(‪)91/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الفساد السياسي‬

‫يشكل الفساد السياسي قمة اهلرم مابني أمناط الفساد األخرى اليت تناولناها ابلدراسة َف حبثنا هذا‪،‬‬
‫على أنه النمط األخطر َف موضوعة الفساد اليت كما أسلفنا ال ميكن الفصل التام بني أمناطها لعملها‬
‫بشكل متداخل َف أتثريها الضار على اجملتمع والدولة‪ ،‬لذلك حاز املوضوع جانباً كبرياً من اهتمام‬
‫الكثري من املفكرين‪ .‬وإلعطاء املفهوم دقته املتناهية ولتحديد معىن املصطلح بشكل واضح سنتناول‬
‫بعض املفاهيم اليت ذكرت َف هذا الصعيد‪.‬‬
‫حيث يرى (‪َ )H.A.Brasz‬ف حبثه املوسوم (سوسيولوجيا الفساد)‪:‬‬
‫((إن الفساد السياسي هو املرادف للقوة التعسفية (أي مبعىن استعمال القوة لتحقيق غرض خيتلف‬
‫عن الغرض الذي على أساسه مت منح هذه القوة) اليت يطلق عليها مصطلح ( ‪Abuse of‬‬
‫‪ )Power‬والصفة املميزة هلذا هي ّمارسة السلطة الرمسية حتت ستار املشروعية القانونية‪( ،‬أي‬
‫التظاهر ابملشروعية والتطابق مع القانون) إال أن الغرض من هذه املمارسة ليس هو حتقيق ما تنص‬
‫عليه القوانني أي املصلحة العامة وإمنا حتقيق املصلحة اخلاصة للقائم هبذه املمارسة))(‪.)1‬‬
‫فيما يرى صموئيل هنتغتون (‪:)Samuel Huntigtion‬‬
‫"إنه الوسيلة لقياس مدى غياب املؤسساتية السياسية الفاعلة"‪.‬‬
‫أي أ نه عرف الفساد من خالل وجود املؤسسات السياسية أو عدمها أي أنه ربط بني التنمية‬
‫السياسية والفساد‪)2(.‬‬
‫َف حني يعرفه ا‪.‬د‪ /‬جالل عبد هللا معوض‪:‬‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نقالً عن نبوية علي اجلندي‪ /‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ /‬رسالة ماجستري‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‬
‫‪.4‬‬
‫(‪ )2‬صموئيل هانتغتون‪ /‬النظام السياسي جملتمعات متغرية‪ /‬ترمجة‪ :‬مسية فلو‪ /‬بريوت‪ /‬دار الساقي‪/‬‬
‫‪ /1993‬ص ‪.78‬‬

‫(‪)92/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إنه السلوك القائم على االحنراف عن الواجبات الرمسية املرتبطة ابملنصب العام‪ ،‬سواء كان شغل هذا‬
‫املنصب يتم ابالنتخاب أو ابلتعيني َف سبيل حتقيق مصلحة خاصة‪ ،‬سواء أكانت هذه املصلحة‬
‫شخصية مباشرة تتعلق بشاغل املنصب أو عائلية أو طائفية أو قبلية‪ ،‬وسواء أكانت هذه املصلحة‬
‫تتعلق مبكاسب مادية أو غري مادية‪ ،‬وذلك من خالل استخدام إجراءات أو االلتجاء إَل تعامالت‬
‫ختالف الشرعية القانونية)(‪.)1‬‬
‫َف حني أن الدراسة ترى أن الفساد السياسي يعين‪:‬‬
‫((اخلرق الواضح لقيم النزاهة َف أداء الواجب الرمسي عن طريق استخدام الالّحق على أنه حق‪.‬‬
‫وحتقيق اإلثراء على حساب الغري‪ ،‬وعلى حساب املال العام‪ .‬إنه استغالل النفوذ لالعتداء على‬
‫قدسية القانون من خالل العالقات الشخصية وقيم التمييز العرقية‪ ،‬حبيث تكون احملسوبية واحملاابة‬
‫دليل ٍ‬
‫عمل ألصحابه))‪.‬‬ ‫َ‬
‫وبعد تعريفنا ملفهوم الفساد السياسي سوف ننتقل ابلدراسة والتحليل لصور هذا النمط املتمثلة مبا‬
‫أييت‪:‬‬
‫‪ 1‬فساد القمة (‪:)Top - Corruption‬‬
‫يعد هذا الفساد األجدر ابلدراسة بني صور الفساد السياسي‪ ،‬على حد توصيف (أستاذ العلوم‬
‫السياسية‪ /‬د‪.‬جالل عبد هللا معوض) الذي يرى فيه الصورة الواجب دراستها بعمق اليت ينبغي الرتكيز‬
‫عليها من بني صور الفساد السياسي األخرى حيث تشكل املرتكز األساس لفساد املستوايت الدنيا‬
‫منها‪ ،‬وجتعل آاثره أخطر أنواع الفساد‪)2(.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جالل معوض‪ /‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ُ /‬ملة دراسات عربية‪ /‬العدد ‪ /4‬شباط‬
‫‪ /1987‬ص‪.4‬‬
‫(‪ )2‬لقاء شخصي للباحث‪ /‬مع أ‪.‬د‪.‬جالل معوض‪َ /‬ف جامعة القاهرة‪ /‬كلية االقتصاد والعلوم‬
‫السياسية بتاريخ ‪2001/2/6‬م‪.‬‬

‫(‪)93/1‬‬

‫وترجع خطورته إَل ارتباطه بقمة اهلرم السياسي َف كثري من أشكال النظم السياسية النتفاع من يتوَل‬
‫القمة ابخلروج عن حكم القانون ابملكاسب الشخصية اليت جتين الثروات الطائلة(‪ .)1‬لذلك يوصف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫استشراء هذا النمط أبنه (الفساد الكثيف للقمة) (‪ )Top Heavy Corruption‬حيث‬
‫جيري العمل على أساس ٍ‬
‫آلية تعرف إبطار (الرئيس العمالء) (‪ )Patron-Client Ties‬اليت‬
‫تتعامل القمة من خالله جلين ريع الفساد‪.‬‬
‫إن اآللية املشار إليها ترتبط بنمط حكم هو احلكم (األبوي العصبوي) حيث متثل القمة البؤرة اليت‬
‫والء للقمة) اليت متثل بدورها‬
‫ترتكز فيها السلطة السياسية ومنها تنبعث وتشع إَل العناصر (األكثر ً‬
‫نقاطاً فرعية ابلنسبة إَل العناصر األخرى األقل أتثرياً ونفوذاً واقرتاابً من القمة (أي نقاط وسيطة بني‬
‫القمة وتلك العناصر األخرى) وتتسم العالقات الرأسية َف هذا األمنوذج ابلوالءات الشخصيانية‪،‬‬
‫بينما تتسم العالقات األفقية بني النقاط الفرعية ابلتنافس والصراع من أجل إظهار قوة الوالء للقمة‬
‫السياسية وحماولة الوجود على مقربة منها دائماً(‪.)2‬‬
‫إن عالقة (الرئيس العمالء) هو شكل من العالقات املسماة العالقات ال (هرياركية)(‪ )3‬اليت فسرها‬
‫الكاتب (جيمس سكوت) على شكل املخطط اآليت‪:‬‬

‫القمة‬
‫‪A‬‬

‫(وسيط) ‪ ...‬عنصر أكثر والء واالرتباط ابلقمة ‪ ... C ...‬عنصر أكثر والء واالرتباط ابلقمة ‪...‬‬
‫(وسيط)‬

‫‪I ... J ... G ... F‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪.‬شادية فتحي‪ /‬اآلاثر السياسية للتحول‪ :‬حالة روسيا‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد‪ /‬حمرراً‪ /‬الفساد‬
‫والتنمية ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.118‬‬
‫(‪ )2‬د‪.‬جالل معوض‪ /‬الفساد السياسي َف تركيا‪َ /‬ف ا‪.‬د‪.‬اكرام بدر الدين (حمرر) ‪/‬الفساد السياسي‬
‫النظرية والتطبيق‪ /‬القاهرة‪ /‬دار الثقافة العربية‪ /1992 /‬ص ‪.60‬‬
‫(‪ )3‬أساس العالقات ال (اهلرياركية) يقوم على االعتماد املتبادل بني القمة اليت تسيطر على القوة‬
‫وبني العمالء الذين يبحثون عن املكانة واهليبة واملنافع املادية‪.‬‬

‫(‪)94/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫العناصر األخرى األقل أتثرياً ونفوذاً واقرتاابً من القمة‬

‫العناصر األخرى األقل أتثرياً ونفوذاً واقرتاابً من القمة‬

‫ُث وضع (سكوت) تفسريه اآليت عليها‪:‬‬


‫إن الفساد يعرب عن عالقات وروابط شخصية َف شبكة غري رمسية تقوم على العالقات (الرأسية) وهو‬
‫ما يتضح (ابلشكل) حيث ند أن (‪ )B‬و(‪ )C‬مها العميالن للقمة (‪ )A‬ومها بدورمها ميثالن رئيسني‬
‫ابلنسبة إَل النقاد (‪ )E,F,G‬ارتباطاً مع (‪ )B‬و(‪ )H, I, J‬ارتباطاً مع )‪.)1((c‬‬
‫ُث يضيف قائالً‪ :‬إن من مسات هذا املخطط‪:‬‬
‫‪.1‬أن الروابط فيه رأسية العالقة‪ ،‬ومن غري احملتمل أن تكون هنالك روابط أفقية‪.‬‬
‫‪.2‬رأسية الرابطة تعكس اختالفات املكانة لكل قمة عن أتباعها فمكانة (‪ )A‬أعلى من (‪ )B‬واألخري‬
‫أعلى من (‪)F‬‬
‫‪.3‬أن كل رابطة رأسية مباشرة أساسها املواجهة أو ما يطلق عليه ( ‪Face to face‬‬
‫‪ )Relation‬وميكن لكل قمة رئيسة وسيطة توسيع نطاق أتباعها وابلتايل تزداد السيطرة اليت‬
‫يتمتع هبا قمة اهلرم‪.‬‬
‫‪.4‬أن النقاط الصغرى مثل (‪ )J‬و(‪ )F‬ترتبط من خالل القمم الوسيطة (‪ )B‬و(‪ )C‬أبعلى قمة اهلرم‬
‫(‪ )A‬ويكون شكل النظام َف العالقات هو النظام الشبكي الذي ميثل نوعاً من الطابع املصلحي‬
‫النفعي َف العمل‪.‬‬
‫‪ ...‬وميكن لصغار النقاط مثل (‪ )J‬و(‪ )E‬أن تتحول بوالئها إَل قمة أخرى ملسك علوية اهلرم تبعاً‬
‫لتحول والء القمم الوسيطة إذا ما حتولت بوالئها (ابختفاء القمة العلوية) إَل (قمة علوية أخرى)‪.‬‬
‫‪.5‬أن الرابطة الشخصية بني القمة واألتباع قد تنبع من عالقات (أسرية)‪( ،‬شخصية)‪( ،‬قيادات‬
‫إدارية ومرؤوسيها)‪( ،‬روابط صداقة)‪ ،‬أو (روابط منفعة حبتة) للحصول على منافع (ريع الفساد)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نبوية اجلندي‪ /‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ /‬رسالة ماجستري‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.25 22‬‬

‫(‪)95/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪ .6‬تعمل هذه الشبكات بشكل ائتالفات أو حتالفات وتقود للمحاابة والكسب الشخصي(‪)1‬‬
‫ولكي نضع طروحات (سكوت) قيد التطبيق سنتناوله ابلدراسة (حالة أندونيسيا) أوالً‪ ،‬حيث تعد‬
‫حالة أندونيسيا حالة صارخة َف ُمال ّمارسة الفساد خاصة عندما أعلن الرئيس (سوهارتو) الرتشيح‬
‫لفرتة سابعة َف آذار‪ ،1998/‬بعد مدة حكم بلغت اثنتني وثالثني سنة‪ ،‬أطلق فيها اليد ألوالده‪،‬‬
‫وأقاربه‪ ،‬وأصدقائه (راجع خمطط املمتلكات هناية الفصل لطفاً) َف السيطرة على مقدرات الدولة‬
‫ُمسداً حالة (الرئيس العمالء)(‪ .)2‬حيث أن التمادي َف الفساد جعله يضع َف وزارته بعد إعادة‬
‫انتخابه َف آذار‪ 1998 /‬شخصيات متهمة َف ذّمها وليست فوق الشبهات‪.‬‬
‫إذ ذكرت وسائل اإلعالم أمساء أربعة من وزرائه ((ضمن التشكيلة للوزارة ا ملشار إليها)) على أهنم‬
‫مرتشون أو مستولون على أموال عامة مباليني الدوالرات األمريكية‪ ،‬وعلى رأسهم صديقه وزير‬
‫السياحة والثقافة‪ ،‬الذي أمجعت كل األطراف املتهمة على أنه حصل على مبالغ كبرية من صندوق‬
‫التأمني على العمال أثناء عمله وزيراٍ سابقاً للعمل‪.‬‬
‫حيث عمل (سوهارتو) َف حينه جاهداً على محاية ذلك الوزير املتهم ومترير املوضوع دون حماكمة ّما‬
‫يعكس شكل العالقة بينهما(‪.)3‬‬
‫جدير ابلذكر أنه بعد استقالة الرئيس األسبق (سوهارتو)‪ ،‬وتويل رئيس منتخب جديد (عبد الرمحن‬
‫وحيد) السلطة َف أندونيسيا(‪َ( )4‬ف حينه) بدأت ملفات الفساد اخلاصة ابلرئيس األسبق ابلظهور‪،‬‬
‫حيث قدرت اختالساته ب‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬م‪.‬ن‪ /‬ص ص ‪.25 23‬‬
‫(‪ )2‬عدد الشركات اليت تسيطر عليها الفئات املشار إليها َف أندونيسيا هو (‪ )975‬شركة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أ‪.‬د‪.‬حممود عبد الفضيل‪ /‬من الفساد األصغر إَل الفساد األكرب‪ُ /‬ملة الكتب وجهات نظر‪/‬‬
‫العدد‪ /15/‬إبريل ‪ /2000‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ )4‬بني سوهارتو وعبد الرمحن وحيد فرتة انتقالية توَل خالهلا انئب سوهارتو رائسة الدولة (حبييب)‬
‫حلني أجراء االنتخاابت‪.‬‬

‫(‪)96/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪ )571‬مليون دوالر من األموال العامة(‪ .)1‬جراء ذلك وجهت إليه (سوهارتو) التهمة للمثول أمام‬
‫القضاء األندونيسي‪.‬حملاكمته على قضااي فساد خالل حكمه بعد أن فرضت عليه اإلقامة اجلربية َف‬
‫منزله‪ ،‬من جهة اثنية أصدر القضاء األندونيسي حكمه على (تومي) أصغر أنال (سوهارتو) ابلسجن‬
‫ملدة (مثانية عشر شهراً) بتهمة الفساد أيضاً(‪ .)2‬يتضح لنا من خالل ما تقدم كيف أن لفساد القمة‬
‫وعالقاهتا أبركان (متفرعة) مرتبطة هبا من ابتزاز ملوارد الدولة و اجملتمع تتجلى َف أمنوذج (الرئيس‬
‫العمالء)‪.‬‬
‫يضاف ملثالنا عن احلالة األندونيسية حاالت عدة تتجلى فيها صورة فساد القمة‪ .‬منها مثالً ما عرفته‬
‫األوساط َف تركيا أثناء فرتة حكم الرئيس (تورقوت أوزال) حيث تشري الدالئل إَل هيمنته على‬
‫العملية السياسية داخل احلزب احلاكم والسلطة التنفيذية برمتها َف حينه (الذي جيب عليه أن يكون‬
‫حيادايً ألن شرط توليه الرائسة تستوجب استقالته من احلزب) ّما مسح له ابستغالل نفوذه‪ ،‬لتكوينه‬
‫هو وأفراد أسرته ثروات طائلة عن طريق ّمارسة أنشطة متنوعة صناعية‪ ،‬وجتارية‪ ،‬ومالية كان األصل‬
‫فيها فساد القمة اليت يرتبع عليها (أوزال) (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر صحيفة العراق البغدادية َف ‪ /2000/9/29‬وكذلك إعداد صحيفة اببل البغدادية َف‬
‫‪ 6/18‬و‪.2000/8/5‬‬
‫(‪ )2‬انظر صحيفة العراق البغدادية َف ‪.2000/11/3‬‬
‫(‪ )3‬ملزيد من التفصيل‪ /‬انظر د‪.‬جالل عبد هللا معوض‪ /‬الفساد السياسي َف تركيا‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪57‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)97/1‬‬

‫من انحية أخرى نضع حتت دائرة الضوء أمنوذجاً آخراً هو ابلتحديد ((األمنوذج الزائريي) (الكونغو‬
‫حالياً) َف ّإابن عهد (سيسيسيكو)) مثاالً لفساد القمة يطلق عليه منط (الدولة القرصان )‬
‫(‪ ،)Pirate-State‬حيث أضحى جهاز الدولة عند الرئيس األسبق (موبوتو سيسيسيكو)‬
‫مؤسسة للفساد وهنب الفائض ااالقتصادي لصاحل حفنة من املنتفعني‪ ،‬ميثل سلوكهم الفاسد جوهر‬
‫مفهوم (الدولة القرصان) الذي جيسده (سيسيسيكو) ذاته‪ ،‬حيث كان حيصل طبقاً ملا أوردته مصادر‬
‫عدة ضمن سلطته املطلقة اليت يستخدم فيها كافة الوسائل املشروعة وغري املشروعة على (‪)%17‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫من إمجايل امليزانية القومية للدولة كمدفوعات نظري خدماته الرائسية‪ ،‬فضالً عن سيطرته على‬
‫استثمارات الدولة َف الغالب‪ ،‬واستخدامه أموال الدولة َف رشوة العناصر املعارضة له بغية خلق‬
‫مجاعة من املنتفعني لتدعيم وأتييد سلطاته ونظام حكمه السلطوي‪.‬‬
‫يضاف إَل ذلك سيطرته على معظم األسهم َف أكرب شركة لسيارات األجرة َف البالد وكذلك أسهم‬
‫(بنك كينشاسا) وانطحات السحاب َف (كوت ديفوار)‪ ،‬وكذلك حصوله على حصة األسد َف شركة‬
‫(زائري لوكس ‪ )Zaier- Lux‬املسوقة للسلعة الرتفيه والكمالية‪ ،‬انهيك عن الفلل الضخمة َف‬
‫أمجل بقاع األرض ومنتجعاهتا(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ /‬د‪.‬محدي عبد الرمحن حسن‪ /‬الدولة القرصان(دراسة لظاهرة الفساد السياسي َف‬
‫زائري)‪َ/‬ف‪ :‬د‪.‬إكرام بدر الدين (حمرر)‪ /‬الفساد السياسي النظرية والتطبيق‪ /‬القاهرة‪ /‬دار الثقافة‬
‫العربية‪ /1992 /‬ص ‪.90‬‬

‫(‪)98/1‬‬

‫إن (موبوتو) ميثل فساد القمة َف زائري (كدولة جنوب) وجيسد فساد الشمال َف الوقت نفسه لدعمه‬
‫فاسداً مثله‪ .‬حيث َف تقرير مفصل نشرته صحيفة (فاينانشيال َتميز) أوضح أن صندوق النقد الدويل‬
‫أقرض زائري (بضغط من الوالايت املتحدة وحكومات غربية أخرى)‪ ،‬أكثر من مليار دوالر َف‬
‫الثمانينات من القرن املنصرم برغم تلقي الصندوق تقريراً من أحد كبار موظفيه حيذر فيه من أن‬
‫حكومة (موبوتو) فاسدة متاماً‪ .‬وبرغم ذلك وصل ُمموع اإلقراض متعدد األطراف لزائري مابني‬
‫‪ 1994 1982‬إَل زهاء‬
‫(‪ 2‬مليار دوالر أمريكي)‪ّ .‬ما يدل على أن للشمال ضلعاً َف فساد اجلنوب(‪ )1‬إن كانت املصاحل‬
‫تقتضي ذلك‪.‬‬
‫بعد ذلك إذا ما انتقلنا إَل عامل الشمال ند أن لفساد القمة أمثلة واضحة تسببت َف مغادرة‬
‫أصحاهبا لقممهم نتيجة لكشف النقاب عن فضائحهم تلك فاألمنوذج األملاين يكشف أنه َف بداية‬
‫العام ‪ ،1991‬مت اكتشاف قيام رئيس الوزراء (لوثر سبايث) (‪ )Lother Spaeth‬ملقاطعة ابدن‬
‫(من احلزب الدميقراطي املسيحي ‪ )CDU‬مع أفراد أسرته برحالت خلارج أملانيا‪ ،‬حتملت بعض‬
‫الشركات اخلاصة تكلفتها مقابل حصوهلا على تسهيالت مادية من احلكومة‪ّ .‬ما أسفر عن تقدمي‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫استقالته مباشرة بعد اكتشاف قيامه بتقاضي رشاوى وقبول تلك الرحالت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك‪/ :‬د‪.‬محدي عبد الرمحن‪ /‬م ن‪/‬ص ‪ 9‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪ ...‬وكذلك‪ :‬كيمربيل ان اليوت‪ /‬الفساد كمشكلة من مشكالت السياسة الدولية‪َ /‬ف‪ :‬كيمربيل ان‬
‫اليوت‪( /‬حمررة)‪ /‬الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬حممد مجال إمام (مرتجم) ‪/‬القاهرة‪ /‬مركز األهرام للرتمجة‬
‫والنشر ‪ /2000/‬ص ‪.291‬‬

‫(‪)99/1‬‬

‫من انحية أخرى وابستقراء لوضع بلد ُماور جغرافياً لألمنوذج األملاين‪ ،‬وهو األمنوذج الروسي نلحظ‬
‫أن فساد القمة ظهر متأصالً َف ذلك البلد‪ ،‬حيث يربز متتع القمة بسلطات واسعة َف(عهد يلتسني)‬
‫ووجود ُمموعة من املنتفعني حوله ميثلون النقاط الفرعية والقمم الوسيطة ((ابلعودة إَل منوذج سكوت‬
‫وآلية فساد (الرئيس العمالء) )) يوصفون ابللصوص املستفيدين من صالحيات القمة الواسعة‬
‫حسب تعليق (يوري سكوارتوف)(‪ )1‬وذلك لنفوذ (يلتسني) وسيطرته على الكثري من مفاصل‬
‫الدولة الروسية ووزاراهتا(‪ .)2‬األمر الذي حدد سلطات رئيس احلكومة بشكل واضح ليصبح وضعه‬
‫اليعدو كونه موظفاً عمومياً حمدوداً مقيداً بسلطات واسعة لرئيس الدولة الذي يعتمد على مستشارين‬
‫كثر مل ينالوا ثقة الربملان حلجب الثقة عن معظمهم كوزراء سابقني‪ ،‬ليأيت على رأسهم كمستشار أول‬
‫قائم أبعمال احلكومة الروسية (جايدار)الذي أهدر مليارات من مدخرات الروس ببنوك توظيف‬
‫األموال اليت أعلنت إفالسها الحقاً‪.‬‬
‫وَف ذات اإلطار ند أن ُملس (الدوما) الروسي اهتم ضمن مجلة اهتامات الرئيس السابق (يلتسني)‬
‫أبنه مارس محلة إلابدة الشعب الروسي وإفقاره من خالل اتباع تغيريات أدت إَل اهنيار االقتصاد‬
‫وهنب ثروات الدولة‪)3(.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املدعي العام لروسيا االحتادية‪.‬‬
‫(‪ )2‬كان الرئيس السابق (يلتسني) يسيطر ويتحكم َف ‪ :‬وزارة العدل‪ /‬الداخلية‪ /‬الدفاع‪ /‬اخلارجية‪/‬‬
‫شؤون الدفاع املدين‪ /‬هيئة املخابرات اخلارجية‪ /‬هيئة األمن الداخلي‪ /‬هيئة شرطة حتصيل الضرائب‪/‬‬
‫هيئة احلماية الفيدرالية لالتصاالت‪ /‬هيئة قوات احلدود‪ /‬إضافة إَل مهام كثرية أخرى أمهها االحتفاظ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫حبقيبة الشفرة إلطالق الصواريخ النووية عابرة القارات‪ /‬ومنصب القائد العام للقوات املسلحة‬
‫الروسية‪.‬‬
‫(‪ )3‬حول احلالة األملانية والروسية انظر‪:‬‬
‫أ‪.‬أ‪.‬غادة موسى‪ /‬الشفافية واملساءلة َف أملانيا بعد الوحدة‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد (حمرر)‪ /‬الفساد‬
‫والتنمية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.98‬‬

‫ب‪ .‬د‪.‬شادية فتحي‪ /‬اآلاثر السلبية للتحول‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد (حمرر) ‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬م س‬
‫ذ‪ /‬ص ‪.120 119‬‬

‫(‪)100/1‬‬

‫ّما تقدم نلخص مدى خطورة فساد القمة كصورة من صور الفساد السياسي ملا تشكله القمة من لبنة‬
‫أساسية ترتكز عليها لبنات أخرى َف اهلرم السياسي للدولة‪.‬‬
‫فإذا ما كانت هذه اللبنة األساسية قد ضرهبا الفساد فإهنا ال حمالة قد حتولت من كتلتها الصلدة إَل‬
‫كتلة هشة ميكن أن تنهار َف أية حلظة واليت ابهنيارها ينهار البناء كامالً ويتداعى خملفاً ركاماً من‬
‫الصعوبة مبكان إصالحه جبهد يسري‪.‬‬
‫ولنا َف الركام الذي تعاين منه زائري (الكونغو) وروسيا خري دليل على ذلك‪.‬‬

‫بعد هذا سننتقل لتوضيح صور الفساد السياسي األخرى اليت هي حتصيل حاصل انمجةعن فساد‬
‫القمة َف الغالب‪.‬‬
‫‪.2‬فساد اهليئات التشريعية والتنفيذية‪:‬‬
‫يكشف لنا عنوان الصورة الثانية من صور الفساد السياسي عن فساد املراتب اليت تلي القمة من‬
‫حيث الرتتيب َف هياكل سلطات الدول‪ ،‬للتنويه على ما يرتك فعلها وّمارساهتا الفاسدة من بصمات‬
‫على ُمتمعاهتا‪.‬‬
‫لذا ومن خالل هذه الدراسة سنتناول بعض األمنوذجات اليت تعرض لفساد اهليئات املذكورة‪ ،‬ونبدأ‬
‫بفساد اهليئات التشريعية‪ .‬حيث تشهد كثري من دول العامل فضائح جلوء أعضاء هذه اهليئات إَل‬
‫استغالل (النفوذ‪ ،‬وّميزات احلصانة الربملانية) ملباشرة أنشطة غري مشروعة حتقق هلم ابلتايل ثروات‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫طائلة‪ ،‬أو استفادات معينة هلم ولذويهم أو خلاصتهم‪ .‬هلذا قد تكون هذه األنشطة إما (أعمال تقاضي‬
‫رشاوى أو قبض عموالت من مستفيدين لتسهيل إصدار قرارات تشريعية ختدم مصاحلهم‪ ،‬أو‬
‫للحيلولة دون إصدار قرارات معينة تقييد أعماهلم‪ ،‬أو لتسريب معلومات سرية عن نشاطاهتم‬
‫املشبوهة تناقشها تلك اهليئات إليهم)‪.‬‬
‫أو (العمل على دعم مقرتحات تشريعية ختدم (احلزب السياسي‪ /‬أو دائرة املنتخبني أو العائلة) اليت‬
‫ينتمي إليها العضو النيايب دون االهتمام للمصلحة العامة ككل ّما يظهر أن الفساد َف هكذا تصرف‬
‫يبدو جلياً واضحاً) (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ /‬د‪.‬جالل معوض‪ /‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.9‬‬
‫‪ ...‬وقارن مع‪:‬‬

‫‪Gerard Carney/ conflict of Intrest/ (Ti) working papers/‬‬


‫‪.Berlin 1998/p.3‬‬

‫(‪)101/1‬‬

‫ولعل ذلك يتجلى واضحاً من دراسة (األمنوذج الفلبيين) َف ّإابن عهد الرئيس األسبق (فرديناند‬
‫ماركوس)‪ ،‬حيث احتفظ أعضاء ُملس الشيوخ مبستوايت معيشية واستهالكية تتجاوز بكثري عوائدهم‬
‫الرمسية‪ ،‬وقد كون معظمهم ثروات طائلة َف أثناء عضويتهم ابجمللس املذكور نمت عن ّمارسات‬
‫استغالل نفوذ لتعاطي أنشطة حمظورة قانوانً مثل نوادي املقامرة‪ ،‬وإدارة عمليات هتريب‪ ،‬والتسرت على‬
‫شبكات البغاء(‪.)1‬‬
‫بعد ذلك ننتقل لنوضح أن عامل الشمال قد شهد حاالت فساد ألعضاء هيئاته التشريعية كشف عنها‬
‫النقاب َف الكثري من األوساط اإلعالمية والسياسية‪ ،‬حيث سنتناول أمنوذج اهليئة التشريعية َف‬
‫الوالايت املتحدة األمريكية كمثال هلذه احلاالت َف دول الشمال‪ .‬حيث مت إعالن استقالة النائب‬
‫(نيوت جنجريتش) رئيس األغلبية اجلمهورية َف ُملس النواب‪َ( ،‬ف ّإابن عهد الرئيس كلنتون)) بعد‬
‫تسرب أنباء استغالله لنفوذه وهتربه من الضرائب (نصف مليون دوالر أمريكي)‪ ،‬األمر الذي اضطر‬
‫(جنجريتش) إَل اإلقرار بذلك واالعتذار عنه‪ُ ،‬ث اضطراره أيضاً بعد ذلك إَل االنسحاب من رائسة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ما تبقى من مدة ُملس النواب‪)2(.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نبوية علي اجلندي‪ /‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ /‬رسالة ماجستري‪ /‬م س ذ‪./‬‬
‫(‪ )2‬حممد حسنني هيكل‪ /‬كالم َف السياسة‪ /‬م س ذ‪/‬ص ‪.34‬‬

‫(‪)102/1‬‬

‫ّما تقدم تظهر خطورة فساد اهليئات التشريعية اليت تكون مهمتها دائماً املراقبة على ّمارسات السلطة‬
‫التنفيذية وكذلك صالحياهتا َف إصدار التشريعات فضالً عن ما تتمتع به من حصاانت لذلك يرى‬
‫الدكتور (إكرام بدر الدين)(‪" )1‬أن هذا الشكل من الفساد هو أخطر أنواع الفساد املعروفة حيث‬
‫إذا ما تطرق الفساد إَل الربملان يكون من السهل أن يوجد أيضاً على مستوى الوزارة وعلى مستوى‬
‫األحزاب السياسية‪ ،‬وبعبارة أخرى ميكن النظر إَل الفساد الربملاين ابعتباره املتغري املستقل ابلنسبة‬
‫للفساد املؤسسي بصفة عامة‪ ،‬وميكن االستدالل على فساد أعضاء الربملان من املستوى املعيشي‬
‫واالستهالكي هلم‪ ،‬فإذا كان يفوق ما حيصلون عليه من عوائد رمسية من وظائفهم فإن ذلك يعترب‬
‫مؤشراً على الفساد"‪.‬‬
‫ُث يذهب (د‪.‬إكرام) َف موضع آخر للقول‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أحد الباحثني َف الفساد السياسي َف مصر‪ /‬وحمرر كتاب الفساد السياسي النظرية والتطبيق‪/‬‬
‫املستخدم كأحد مصادر حبثنا هذا‪.‬‬

‫(‪)103/1‬‬

‫"إن موضوع الفساد الربملاين يثري الكثري من التساؤالت وذلك نظراً لصعوبة تطبيق العقوابت ابلنسبة‬
‫لعضو الربملان ومعاملته معاملة املوظف العادي‪ ،‬فاألصل أن يكون عضو الربملان يتمتع حبصانة برملانية‬
‫وهو مسؤول فقط أمام دائرته االنتخابية فكيف ميكن إاثرة هتمة الرشوة على سبيل املثال ابلنسبة له؟‬
‫وماهي جهة االختصاص وكيف ميكن أن يتوافق ذلك مع ما يتمتع به النائب من مكانة خاصة ووضع‬
‫متميز يتيح له القدرة على أداء أعماله‪ )1( ".‬من ذلك يتضح لنا كيف أن لفساد اهليئات التشريعية‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫من آاثر على املستوايت املؤسسية جتعل العضو الربملاين وهو متمتع ابحلصانة أن يساهم َف فساد‬
‫وإفساد الكثري من العاملني َف املفاصل املؤسسية األخرى للدول‪)2( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬آ د‪.‬أكرم بدر الدين‪ /‬ظاهرة الفساد السياسي‪َ /‬ف د‪.‬اكرام بدر الدين (حمرر)‪ /‬الفساد‬
‫السياسي‪ /‬م س ذ ص ‪.38‬‬
‫(‪ )2‬إذا ما مت تزوير نتائج االنتخاابت من قبل احلكومة فسيسمح ذلك بوصول أعضاء برملانيني هلم‬
‫امليل للفساد واستغالل النفوذ متحصنني من املساءلة ابحلصانة الربملانية ومن املسؤولية أمام الناخبني‬
‫لوصوهلم ابلتزوير وبذلك ونتيجة لعالئق املنفعة املتبادلة ستظهر شبكات الفساد الربملانية واحلكومية‬
‫ويستشري َف ذلك البالد دون أي وسيلة للحد من ذلك‪.‬‬

‫(‪)104/1‬‬

‫وبعد اإلشارة لفساد اهليئات التشريعية سوف ننتقل لبيان حالة فساد اهليئات التنفيذية أو ما يطلق‬
‫عليه (الفساد احلكومي)‪َ .‬ف األنظمة السياسية‪ ،‬حيث مت رصد العديد من حاالت تفشي الفساد َف‬
‫هذه اهليئات نتيجة لتقاضي بعض الوزراء وكبار اإلداريني رشاوى وعموالت أو الختالسهم األموال‬
‫العامة ضمن آلية يطلق عليها (الفساد الذايت الداخلي) (‪ )Auto corruption‬أي ما يعين‬
‫استغالهلم ملناصبهم استغالالً مباشراً لغرض حتقيق مصاحلهم اخلاصة‪ .‬حىت لو كان هذا عن طريق‬
‫هتريب السلع أو االجتار ابلعمالت أو االستيالء على أراضي الدولة‪ .‬أو رمبا عن طريق تعيني األفراد‬
‫الذين ال تربطهم أبعضاء هذه اهليئة (التنفيذية) عالقات قرابية َف الوظائف العامة نظري دفوعات مالية‬
‫مستدمية طيلة استمرار ذلك املوظف بوظيفته وهي احلالة اليت عرفت اصطالحاً (حبالة بيع املناصب‬
‫والوظائف العامة) واليت أتخذ أبعاداً خطرية َف اجلنوب (‪ .)1‬يضاف إَل هذا كله من ضمن ما رصد‬
‫َف حالة الفساد احلكومي هو إفادة أصحاب املناصب اإلدارية العليا أو الوزراء من عوائد احتكار‬
‫السلع واخلدمات املقدمة لعموم األفراد اليت مينع املوظفون الذين هم أدىن وظيفية من أولئك الوزراء‬
‫ٍ‬
‫مضاف إَل مثنها األصلي يعرف َف أدبيات الفساد أبنه (ريع‬ ‫استيفاء مث ٍن‬ ‫تقدميها للمواطنني األبعد‬
‫َ‬
‫الفساد) (‪ ،)2‬الذي غالباً ما يكون ريعاً قسرايً يضطر املستهلك الذي يستفيد من السلعة املقدمة‬
‫دفعه بسعر أعلى ّما هو حمدد قانوانً من قبل احلكومة (مثل احلصول على هاتف أو موافقة أو‬
‫إجازة‪...‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬جالل عبد هللا معوض ‪/‬الفساد السياسي َف الدول النامية ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪9- 7‬‬
‫(‪- )2‬غالباً ما يكون أولئك املوظفون الواطئون ذوي املناصب الصغرية أدوات لتنفيذ سياسات‬
‫الفساد لكبار أعضاء اهليئات التنفيذية وابلتايل تكون حصيلة ربع الفساد ‪/‬للوزير أو املوظف اإلداري‬
‫التنفيذي ذو املنصب العايل (بنسبة حصة األسد)‪.‬‬

‫(‪)105/1‬‬

‫اخل) ّما جيعل هذا الريع ينتج عن مفاوضة بني الطرفني يستفيد منها أولئك الفاسدون على حساب‬
‫املوارد املالية للدولة وعلى حساب املصلحة العمومية للمواطنني‪ .‬ولعل األدهى َف هذه احلالة هو‬
‫اتفاقات أعضاء اهليئات الرقابية الضرائبية َف تسهيل التهرب الضرييب (‪ ،)1‬أو احلصول على قنينة‬
‫دواء بسعر يتضاعف عن سعرها األصلي أضعافاً مضاعفة يكون ضحيتها املستهلك وضحيتها‬
‫األخرى أموال الدولة املهدورة َف دعم تلك السلع اليت يستفيد منها أولئك الفاسدون مادايً‪ .‬وليأخذ‬
‫املوضوع شكله الواضح سنعرض فيما أييت لبعض مناذج فساد اهليئات التنفيذية‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬رسالن خضور ‪/‬حماضرة عن اآلاثر االقتصادية لظاهرة الفساد ‪/‬دمشق‪ /‬مجعية العلوم‬
‫االقتصادية السورية ‪ /1999 /9 /23/‬ص ‪.31‬‬

‫(‪)106/1‬‬

‫فاألمنوذج األول سيكون دراسة حالة فساد حكومة السيد (حممود الزعيب) رئيس الوزراء السوري‬
‫السابق‪ .‬حيث َف حركة تصحيحية وإصالحية ملكافحة الفساد َف سوراي قام بتوليها الدكتور (بشار‬
‫األسد) (‪َ( )1‬ف ّإابن حكم والده الرئيس (حافظ األسد) قبل رحيله) قامت القيادات العليا َف سورية‬
‫مبناقشة ّمارسات وسوء ائتمان اهتمت هبا حكومة (الزعيب) خالل فرتة توليه رائسة ُملس الوزراء ملدة‬
‫ثالثة عشر عاماً (‪ّ )2‬ما أسفر عن قبول استقالة حكومته َف آذار ‪ 2000/‬من قبل الرئيس (حافظ‬
‫األسد)‪ ،‬فضالً عن وضع عدد من املسؤولني َف تلك احلكومة قيد االهتام ومنع أكثر من ثالثني‬
‫شخصية من مغادرة البالد حلني الفراغ من التحقيقات‪ ،‬والقيام إبجراءات احلجز االحتياطي على‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أموال الكثري من املتهمني وأناهلم‪ ،‬بناء على قرار وزير املالية الصادر َف ‪)3( 2000 /5/ 13‬‬
‫ومنهم انئب رئيس الوزراء للشؤون االقتصادية‪ ،‬ووزير النقل السابق (‪ )4‬الذين ما لبثوا أن اهتمتهم‬
‫حمكمة األمن االقتصادي السوري ومعهم الوسيط التجاري السوري األصل (األسباين اجلنسية) (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬رئيس اجلمهورية العربية السورية حالياً ‪/‬الذي توَل منصب الرائسة خلفاً لوالده الرئيس (حافظ‬
‫األسد) ‪/‬حني كان يشغل منصب رئيس اجلمعية السورية للمعلومات‪ ،‬فضالً عن كونه طبيباً للعيون َف‬
‫اجليش السوري‪.‬‬
‫(‪- )2‬انظر صحيفة اببل البغدادية ‪َ/‬ف ‪.20000 /5 /13‬‬
‫(‪- )3‬بتاريخ ‪ /2000 /5/21‬قام السيد (حممود الزعيب) ابالنتحار حال وصول عناصر أمنية‬
‫مكلفة ابحلجز على أمواله تنفيذاً لقرار وزير املالية املشار إليه‪.‬‬
‫(‪- )4‬صحيفة الدستور األردنية َف ‪.2000 /6/ 6‬‬
‫(‪- )5‬صحيفة اببل البغدادية ‪..2000 /7/ 25‬‬

‫(‪)107/1‬‬

‫بقضية تتعلق بعملية شراء (ست) طائرات أيرابص فرنسية الصنع إَل اخلطوط اجلوية السورية َف هناية‬
‫عام ‪ 1996‬بقيمة (مئتني ومخسني) مليون دوالر أمريكي) وأشارت السلطات السورية إَل أن اتفاق‬
‫الشراء تضمن شروطاً خمالفة لكل القواعد واألنظمة وأدى إَل إيقاع أضرار مالية كبرية قدرت مباليني‬
‫الدوالرات على اخلطوط السورية ووزارة النقل‪ ،‬يضاف إَل هذا كله أن قرارات احلجر مشلت أيضاً‬
‫أموال املدير العام السابق للطريان السوري بتهمة إهدار ماليني من الدوالرات َف عملية صيانة طائريت‬
‫جامبو (‪.)1‬‬
‫ّما تقدم نالحظ كيف أن اهليئة التنفيذية استغلت نفوذها ووضعت مصاحلها اخلاصة وإفادهتا املالية‬
‫قبل املصلحة العامة وكيف أهدرت األموال َف قضية تشغل حيزاً مهماً َف قطاع خدمي وحيوي يعرض‬
‫أرواح أبرايء من الناس إَل اخلطر ومن املمكن أن يضر بسمعة شركة طريان عاملية عريقة تنم عنها كثري‬
‫من اخلسائر واليت رمبا تؤدي إَل إفالسها‪.‬‬
‫من انحية أخرى وَف اإلطار نفسه لفساد اهليئة التنفيذية نالحظ أن هنالك حاالت عدة ميكن التوقف‬
‫عندها إذا ما انتقلنا لدراسة مناذج من عامل الشمال‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪- )1‬آ‪ .‬أمحد السيد النجار ‪/‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية ‪/‬نشرة االجتاهات االقتصادية‬
‫السرتاتيجية ‪/ 2000‬القاهرة‪ /‬مركز الدراسات واالسرتاتيجية ابألهرام ‪ /2001/‬ص ‪.177‬‬

‫(‪)108/1‬‬

‫حيث نرى َف (األمنوذج الروسي) (ختصيصاً َف عهد الرئيس السابق (يلتسني) أن عملية اختيار‬
‫الوزراء‪ ،‬وإسقاط الثقة عنهم من قبل رئيس الدولة‪ ،‬أو رئيس احلكومة‪ ،‬مرهتن ابلضغوط اليت يتعرض‬
‫ذوي النفوذ َف روسيا الذين يرومون تعيني وزراء‬
‫هلا هؤالء املسؤولون من قبل كبار رجال األعمال ّ‬
‫موالني هلم َف الدولة‪ .‬األمر الذي جعل أتثري الفساد ابدايً وابزدايد َف ذلك البلد‪ ،‬مضافاً إليه حاالت‬
‫اإلثراء الشخصي ألولئك الوزراء‪ ،‬اليت نراها تتجسد َف واحدة من تلك احلاالت وهي قضية اهتام‬
‫النائب األول لرئيس الوزراء السابق (نيكوالي اكسيو نيتكو) َف حكومة (ستيباشني) بتاريخ ‪/6/ 2‬‬
‫‪.1999‬‬
‫حيث مت التحقيق معه َف هتم فساد عندما كان يشغل منصب وزير السكك لعقده العديد من‬
‫االتفاقات املشتبه فيها مع شركات أجنبية إثر اهتام ُملس الدوما له بذلك فضالً عن توفر الكثري من‬
‫األدلة األخرى اليت تثبت ّمارسته ألنشطة جتارية خاصة تتعارض مع منصبه الرمسي واليت تعطي الدليل‬
‫دامغاً على فساده واستغالله لنفوذه الوزاري بغية حتقيق اإلثراء الشخصي على حساب املصلحة‬
‫العامة‪)1( .‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬شادية فتحي ‪/‬اآلاثر السياسية للتحول َف حالة روسيا ‪َ/‬ف مصطفى كامل السيد (حمرر)‬
‫‪/‬الفساد والتنمية ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪120‬‬

‫(‪)109/1‬‬

‫ولنفس الغاايت نلحظ أن (األمنوذج األملاين) غزير بنماذج فساد الوزراء فقد شهد العام ‪1993‬‬
‫استقالة العديد من الوزراء املتهمني بقضااي استغالل النفوذ واستغالل املال العام‪ ،‬حيث استقال وزير‬
‫االقتصاد (جيوجيت موليمار ‪ )Moe llemanr‬من احلزب الدميقراطي احلر ( ‪،)F. D. P‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الستغالله منصبه خلدمة أحد أقاربه بفتح جريدة له‪ .‬كذلك قيام وزيرة شؤون املرأة َف مقاطعة هيس‬
‫(هياد بفار ‪ )Pfarr‬ابستغالهلا املال العام لتجديد ديكورات منزهلا ّما أجربها (افتضاح األمر) على‬
‫االستقالة‪ .‬انهيك عن أعمال الوزراء َف أملانيا الشرقية قبل إعالن الوحدة وتطاوهلم على املال العام‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ّما تقدم أشران لكيفية استغالل اهليئات التنفيذية واهليئات التشريعية من قبل بعض أعضائها إلثرائهم‬
‫الشخصي ولتحقيق املنافع على حساب املصلحة العامة وقد تصل احلالة على حساب أرواح األبرايء‬
‫ّما يوضح مدى قتامة الصورة اليت يرتكها الفساد على اجملتمعات ومدى أخطار تلك الظاهرة‪.‬‬
‫بقي أن نذكر آلية فساد اهليئات التشريعية والتنفيذية آباثرها اليت أسلفت تلقي بظالهلا على جانب‬
‫آخر هو فساد األحزاب وتزوير االنتخاابت وهو ما سنعرض له َف الصورة األخرية من صور الفساد‬
‫السياسي التالية‪.‬‬
‫‪-3‬الفساد السياسي من خالل شراء األصوات وتزوير االنتخاابت وفساد األحزاب السياسية وقضااي‬
‫التمويل‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬آ‪ .‬غادة موسى ‪/‬الشفافية واملساءلة َف أملانيا بعد الوحدة ‪َ/‬ف‪ /‬مصطفى كامل السيد (حمرر)‬
‫‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬م س ذ ‪/‬ص ‪.99‬‬

‫(‪)110/1‬‬

‫تشري الدراسات اليت تناولت ظاهرة فساد األحزاب وتزوير االنتخاابت إَل أهنا عرفت َف عامل الشمال‬
‫كما عرفها عامل اجلنوب‪ ،‬وعلى حد تعبري (جوزيف ال ابملبورا ‪)Joseph La Palombara‬‬
‫(‪ .)1‬إن الفساد السياسي يكثر َف الدول اليت حتدد فيها االنتخاابت املستقبل السياسي لألحزاب‬
‫والنخب السياسية املختلفة وإمكاانت وصوهلا للسلطة‪َ ،‬ف العديد من دول العامل املتقدم أو النامي‪.‬‬
‫وَف مثال (اهلند أو الفليبني) عادة ما تستخدم ماليني الدوالرات املخصصة حلمالت االنتخاابت َف‬
‫شراء أصوات الناخبني وَف أحيان كثرية تقوم بعض الشركات الضخمة واهليئات اخلاصة بتقدمي مبالغ‬
‫لتمويل احلمالت لألحزاب املتنافسة وينجم عن ذلك التمويل َف حالة وصول احلزب املدعوم للحكم‬
‫احلصول على شيء مقابل تلك املساندة املادية يقدمها الواصلون للحكم إَل هذه الشركات‪)2( .‬‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪- )1‬جوزيف ال ابملبورا مؤلف كتاب السياسات داخل األمم ‪ /‬واألحزاب السياسية َف العامل‬
‫الثالث‪.‬‬
‫(‪- )2‬نبوية على اجلندي ‪/‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ /‬رسالة ماجستري ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.19‬‬

‫(‪)111/1‬‬

‫وقد يكون حصيلة الدعم املايل هلذه القوى السياسية أن تتبدل املواقف نتيجة لفساد الذمم‪ ،‬فاحلزب‬
‫املعارض َف بلد ما قد يتحول صراعه مع احلزب احلاكم إَل وائم (تقتضيه املصاحل الشخصية) وبذلك‬
‫تباع املعارضة مقابل مثن هو عبارة عن صفقات ووساطات وختليص أعمال‪ .‬وقد يصل األمر إَل أن‬
‫ختتفي من صحف األحزاب املعارضة كل اآلراء املسماة ابملعارضة من منافع ومكاسب شخصية ينعم‬
‫هبا زعماء األحزاب وخاصتهم‪ .‬وهبذا يتحول العمل السياسي املبين على الرأي والرأي اآلخر إَل‬
‫صفقة جتارية تربح كل األطراف من ورائه ومل يتبق منها إال رأي واحد سائد‪ ،‬حىت إذا ما صدر رأي‬
‫ينتقد سياسة وبرانمج عمل ذلك احلزب الذي َف السلطة من صحف أخرى تقوم صحافة املعارضة‬
‫مبمارسة السمسرة الفكرية والسياسية وتطالب إبغالق الصحف اجلديدة رغم أهنا ينبغي أن تعتلي منرب‬
‫احلرية‪ )1( .‬كذلك يؤثر التمويل من قبل رؤوس األموال اليت تتطلب قرارات خاصة هبا َف إفساد‬
‫النخبة احلاكمة من احلزب الذي مت متويله وإَل إفساد األحزاب املعارضة عن طريق شراء الذمم من‬
‫خالل أموال التمويل من قبل احلزب احلاكم َف آن واحد وبذلك تصبح العملية هدراً لثقة الشعب‬
‫الذي ِّ‬
‫صوت إليصال تلك األحزاب للحكم‪ .‬جتدر اإلشارة هنا أيضاً إَل أن عمليات شراء األصوات‬
‫تؤثر أيضاً على آراء الشعوب وتطلعاهتا حيث إن استخدام سياسية املاكينة ( ‪Political‬‬
‫‪ )Machine‬الذي يسهم فيها الوسطاء والسماسرة‪ .‬كأهنم َف مزاد علين يضاربون َف ابألصوات‬
‫ويسوقوهنا إَل احلزب أو اجلماعة اليت تدفع أكثر (‪)2‬‬
‫ّ‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬للمزيد من التفصيل ‪/‬انظر‪ /‬عبد هللا كمال ‪/‬ظاهرة احنالل الصفوة‪ ،‬القوادون والسياسة‬
‫‪/‬القاهرة –لندن ‪/‬دار اخليال ‪/‬شباط ‪ /1998‬ص ص ‪.9– 10‬‬
‫(‪- )2‬نبوية على اجلندي ‪/‬الفساد َف الدول النامية‪ /‬رسالة ماجستري ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪..20‬‬

‫(‪)112/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ّما يسفر َف النهاية أبن ال يصل إَل انصية احلكم إال اجلماعات ذات القدرة املالية الواردة إليها من‬
‫متويل اجلهات الراغبة َف جعل القرار السياسي يصب َف مصاحلها‪ ،‬األمر الذي جيعل تلك اجلهة اليت‬
‫مت متويلها تدافع عن مصاحل املمول‪ ،‬وهبذا يتضح أن اآللية برمتها هي إفساد للذمم وحتول القرار‬
‫السياسي إَل قرار يدعم أصحاب النفوذ املايل من دون الدفاع عن السواد األعظم من أبناء الشعب‪،‬‬
‫ّما يؤدي إَل انتشار آليات الفساد َف مجيع املنافذ‪ ،‬ألن ما بين على اخلطأ فهو خطأ ال حمالة‪.‬‬

‫(‪)113/1‬‬

‫إن ما تقدم يتوضح جلياً بدراسة (األمنوذج الكوري اجلنويب)‪ .‬حيث شهدت تلك الدولة العديد من‬
‫التربعات واملنح السياسية اليت متد هبا الشركات الصناعية الكربى األحزاب السياسية‪ ،‬وختصيصاً‬
‫احلزب احلاكم إَل درجة أن هذه املنح أصبحت تقدم بشكل روتيين ودوري‪ ،‬حىت مت التعارف عليها‬
‫على أهنا شكل من أشكال الضرائب تدفع لألحزاب احلاكمة‪ ،‬انتظاراً ملزيد من املنافع ومحاية لتلك‬
‫الشركات َف التعرض لغضب احلكومة‪ .‬وتربز األمهية اليت تعول عليها األحزاب على هذه التمويالت‪،‬‬
‫ما يؤكد عليه البعض من أن طبيعة العملية السياسية َف كوراي تعتمد بشكل أساس على املال‪ ،‬بدالً‬
‫من كوهنا تعتمد بشكل أساس على األيديولوجية أو العقيدة فاختيار املرشحني ارتبط بشكل مباشر‬
‫ابملال‪ .‬وميكن القول إنه كلما زادت إمكانية حصول املرشح على مقعد َف اجلمعية الوطنية ارتفع مثن‬
‫الرتشيح وكرب حجم املبالغ اليت يكون على املرشح دفعها مثناً لذلك‪ .‬فعلى سبيل املثال َف انتخاابت‬
‫عام ‪ 1992‬للجمعية الوطنية قدر املبلغ الذي ينبغي ملرشح اجلمعية أن ينفقه للحصول على مقعد‬
‫حبوايل (مخسني مليون دوالر أمريكي) وميكن املزايدة على هذا املبلغ (‪ )1‬من هنا نرى كيف أن أموال‬
‫التمويل تلعب دوراً َف حصول املرشح على املقعد َف اجلمعية الوطنية الكورية اليت سيكون فيها‬
‫املقعد ملن ينفق أكثر بدالً من األقدر على حتقيق طموحات الشعب واألكثر إمكانية على تنفيذ‬
‫الربامج اليت تعلنها األحزاب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬ملزيد من التفضل ‪/‬أنظر‪ .‬آ‪ .‬نالء الرفاعي ‪/‬الفساد َف كوراي اجلنوبية وَتيوان ‪َ/‬ف‪ /‬مصطفى‬
‫كامل السيد (حمرر) كتاب الفساد والتنمية ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.199– 190‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)114/1‬‬

‫إن آلية التمويل واإلنفاق على احلمالت االنتخابية جتعل العملية برمتها ال تعين شيئاً ابلنسبة إَل‬
‫سكان البلدان الفقرية خصوصاً‪ .‬حيث َف دراسة مقارنة بني آسيا وأفريقيا للكاتب (جووي هنرت) (‬
‫)‪ )1( Juy Hunter‬يذكر فيها أن العملية السياسية ابلنسبة إَل السكان الفقراء َف كلتا القارتني‬
‫وخصوصاً الدول الفقرية فيها ال تعين أي شيء خاصة َف املناطق القروية وعلى املستوايت احمللية‬
‫سوى أهنا وسيلة لتحقيق مكاسب ومصاحل شخصية لبعض القلة من أفراد الشعب‪ ،‬وللتغلب على‬
‫حالة الفقر املدقع يضطر أولئك الفقراء حتقيقاً لبعض الربع املادي لسد الرمق للتنازل عن حقوقهم‬
‫السياسية املشروعة وذلك ببيع أصواهتم ألولئك الساسة املنتفعني من القلة أو َف أحسن األموال‬
‫التنازل عن تلك األصوات نظري وعد ابحلصول على وظيفة حكومية تدر دخالً اثبتاً‪ .‬أو احلصول‬
‫على وعد بشق طريق يربط قرى أولئك الفقراء النائية مبدينة ُماورة أو بعاصمة الدولة‪)2( .‬‬
‫بعد هذا كله وانطالقاً من حتليل (جوزيف ال ابملبورا) الذي سبق وأن أوردانه نشري إَل أن ظاهرة‬
‫الفساد السياسي عرفتها أيضاً بلدان الشمال من خالل فساد األحزاب والتمويل ولعل دراسة‬
‫(األمنوذج األملاين) يعطينا التصور عن احلالة كامالً حيث نالحظ أن قضااي التمويل ساعدت َف‬
‫هترابت ضريبية وهتريب أموال للخارج كان أبطاهلا رؤساء حكومات وزعماء سياسيني‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬جووي هنرت ‪/‬كاتب سياسي‪ /‬صاحب كتاب حتديث اجملتمعات الفردية ‪/‬الصادر عن جامعة‬
‫أوكسفورد‪.‬‬
‫(‪- )2‬نبوية علي اجلندي ‪/‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ /‬رسالة ماجستري ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.36‬‬

‫(‪)115/1‬‬

‫ولقد سجل الكثري من املراقبني حاالت فساد كل من بني أمهها ما اكتشفت خالل هناايت العام‬
‫‪ 1990‬حول هتمة قبول تربعات للحزب املسيحي الدميقراطي األملاين مقدمة من َتجر أسلحة‬
‫(معتقل َف كندا)‪ )2( )1( .‬وقد وجهت اإلدانة إَل املستشار األملاين السابق ‪/‬الذي يعد رجل الوحدة‬
‫األملانية (هلموت كول) َف هذه التهمة‪ ،‬الذي أقر هبا خالل شهر تشرين الثاين من العام ‪1999‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وأبنه خالف القوانني إبدارة شبكة من األموال تستند إَل تربعات غري معلنة‪ ،‬رفض كول تسمية‬
‫أصحاهبا‪ .‬ولقد أدى هذا اإلقرار إَل كشف سلسلة من احلقائق اليومية اليت ختص املمارسات املالية‬
‫للحزب الدميقراطي املسيحي ّما حقق رقماً قياسياً َف فقدان احلزب ملؤيده َف االنتخاابت وتعايل‬
‫األصوات إَل استقالة خليفه (كول) (‪َ )3‬ف رائسة احلزب من بعده (فولف كانغ شوبل) لتورطه‬
‫ابلفضيحة أيضاً وذلك إلعالن (شوبل) أبن مبلغ (مخسني ألف دوالر) حصل عليها احلزب من متعهد‬
‫األسلحة عام ‪ 1994/‬ومل يعلن عنها بسبب أخطاء َف السجالت املالية للحزب‪)4( .‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬هو َتجر األسلحة ‪/‬كارل هانز شرايرب‪.‬‬
‫(‪- )2‬صحيفة اجلمهورية البغدادية َف ‪.1999 /12/ 1‬‬
‫(‪- )3‬يذكر أن الرئيس (كول) يشغل رئيس شرف للحزب وأثرت تلك الفضيحة َف استقالته‪.‬‬
‫(‪- )4‬صحيفة اببل البغدادية َف ‪.2000 /2/ 7‬‬

‫(‪)116/1‬‬

‫جدير ابلذكر أن الفضيحة املالية املشار إليها ليست هي الفضيحة الوحيدة للحزب املذكور‪ ،‬ففي‬
‫بداايت عقد الثمانينيات من القرن املنصرم كشفت ُملة (دير شبيغل ‪ )Der Spiegel‬األملانية‬
‫أن ُمموعة الشركات األملانية (فليك ‪ )Flick‬قامت من خالل رئيس ُملس إدارهتا آنذاك بتيسري‬
‫احلصول جلميع األحزاب َف (بون) على أموال ضخمة قدمتها تلك اجملموعة على أهنا تربعات خريية‪،‬‬
‫وذلك لكي تتهرب اجملموعة املشار إليها من دفع مستحقات ضريبية قدرت حبوايل (‪ )%56‬من‬
‫حصيلة قيام رئيس ُملس اإلدارة املذكور ببيع حصته َف شركة (داميلر –بنز – ‪Diamler‬‬
‫أقر وزير االقتصاد األملاين َف حينه وهو من احلزب االشرتاكي الدميقراطي حصول‬
‫‪ .)Benz‬وقد ّ‬
‫رئيس احلزب ورئيس احلكومة آنذاك (فايلي براندت ‪ )Willy Brandt‬على مليون مارك أملاين‬
‫كتسهيالت اهتم على إثرها ابلفساد َف حينه‪ ،‬كذلك فإن من مجلة املتسلمني ملبالغ من رئيس اجملموعة‬
‫املذكورة أيضاً السيد (كول) (قبل توليه منصب املستشار األملاين) من احلزب الدميقراطي املسيحي‬
‫حسب ما يؤكده املراقبون برغم إنكار السيد (كول) لذلك‪)1( .‬‬
‫من هنا يظهر أن األموال كما تقدم َف عامل اجلنوب تقدم َف عامل الشمال ولكن بدرجة أقل وألغراض‬
‫شخصية حبتة وهترابت من حكم القانون تصل إَل حد رؤساء أحزاب هلم ابع َف ّمارسة السياسية َف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫دول من دول الشمال اليت تعد أمنوذجاً لكثري من الدول األخرى ويتضح كيف يؤدي فساد‬
‫املسؤولني َف تلك األحزاب إَل زعزعة ثقة املواطنني هبم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪-- )1‬آ‪ .‬غادة موسى ‪/‬الشفافية واملساءلة َف أملانيا بعد الوحدة ‪َ/‬ف مصطفى كامل السيد‪ /‬كتاب‬
‫الفساد والتنمية ‪ /‬م س ذ ص ص ‪.98– 97‬‬

‫(‪)117/1‬‬

‫وأخرياً فمن خالل أربعة مباحث خلت‪ ،‬تناولنا مالمح الفساد وطبيعته َف أربعة أمناط (اجتماعياً –‬
‫اقتصادايً –سياسياً) لنصل إَل حقيقة عن الفساد ميكن من خالهلا أن تظهر صورة الظاهرة على‬
‫أفضل ما نستطيع إظهاره إلثبات مدى بشاعتها وتغلغلها َف مجيع مفاصل حياة اجملتمعات بشكل‬
‫مرتابط عانت منه دول البسيطة برمتها فكانت بذلك واحدة من أخطر الظواهر اليت هتدد استقرار‬
‫وسالمة اجملتمعات‪.‬‬

‫(((‬

‫الباب الثالث‬
‫املتغريات املؤثرة َف ازدايد الفساد َف عامل الشمال واستشرائه‬
‫َف عامل اجلنوب‬
‫الفصل األول‬
‫متغري الثورة التقانية‪،‬‬
‫وثورة االتصاالت وعالقته ابلفساد‬
‫ابدئ ذي بدء يعد نشوء ثورة التقانة وما حلق هبا من تطورات َف ُمال املعلوماتية واالتصاالت تغيرياً‬
‫َف شكل احلياة البشرية‪ .‬ولقد ساعد التطور املذهل والسريع إَل حد جعل العامل على حد تعبري أحد‬
‫املفكرين الغربيني (مارشال ما كلوهان) عام ‪( 1964‬قرية كونية)‪.‬‬
‫حيث أصبح اإلنسان يشارك وهو َف غرفة جلوسه َف األحداث العاملية ابلصوت والصورة كأنه حاضر‬
‫(‪ )1‬ويكفي أن نلقي نظرة على ما حصل من تطور منذ العام ‪ 1964‬إَل بداية األلفية الثالثة َف تلك‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اجملاالت لنرى سرعة هذا التقدم هبذه الثورة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬نقالً عن ‪/‬د‪ .‬ماجد حممد شدود ‪/‬العوملة مفهومها‪ ،‬مظاهرها‪ ،‬سبل التعامل معها ‪/‬دمشق‪/‬‬
‫مطبعة اليازجي‪/ 1998 /‬ص ‪.70‬‬

‫(‪)118/1‬‬

‫إن ثورة التقانة وتوابعها هي حصيلة ما توصل إليه العقل البشري من إنازات‪ ،‬واكتشافات‪،‬‬
‫واستخدام ألدوات‪ ،‬والطرق العلمية واملنهجية واملعرفة املنظمة‪ ،‬البتكار أدوات ووسائل جديدة‬
‫متطورة ومطورة تستهدف متكني اإلنسان من السيطرة املستمرة على الطبيعة والكون‪ ،‬واالستخدام‬
‫األمثل لكل القدرات واإلمكاانت املوجودة بسرعة أكرب وجودة أفضل وإنتاج أوفر‪ ،‬وكلفة أقل‪ .‬إهنا‬
‫وسيلة لتطبيق االكتشافات أو األساليب العلمية أو املعرفة املنظمة إلنتاج أدوات معينة أو القيام‬
‫مبهام حمددة‪ ،‬من أجل إجياد حلول علمية للمشكالت اليت يواجهها اإلنسان َف البيئة واجملتمع إهنا‬
‫الثورة اليت توجد وسائل إنتاج جديدة َف اجملاالت كافة وخصوصاً املعلومات واالتصاالت (‪)1‬‬
‫إال أنه وبرغم كل ما تقدم فإن هذه الثورة حتمل بني ثناايها عالقات وظواهر خطرة من ضمنها نشاط‬
‫الفساد واإلفساد‪ ،‬وهلذا أصبحت ثورة التقانة كما يصفها املفكر (رجاء غارودي) (‪ )2‬كالنبوءة الثقيلة‬
‫للقديس أوجستان (على حد تعبريه) اليت وصفت العبادة الوثنية أبهنا‪- :‬‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬م ن‪ /‬ص ‪.49‬‬
‫(‪- )2‬مفكر أوريب ‪/‬اعتنق اإلسالم‪ /‬وأصبح امسه ابلصيغة املذكورة بعد أن كان يعرف ب (روجيه‬
‫غارودي) ‪ /‬له مواقف اثبتة َف نصرة قضااي التحرر وصراع الشمال واجلنوب‪.‬‬

‫(‪)119/1‬‬

‫اضطهدت البشرية َف صيغة يديها!) وهو احلال ذاته مع ثورة التقانة فهي بكل ما حتمله من معاين‬
‫التطور قد اضطهدت البشرية من خالهلا‪ .‬حيث يشري (غارودي) إَل أن العقل البشري من خالل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الثورة التقانية اكتشف أسرار الطاقة النووية اليت هلا استخدامات مهمة لتطوير احلياة البشرية ُث‬
‫سرعان ما أسفر االكتشاف هذا عن قنبلة ألقيت على مدينة (هريوشيما) الياابنية َف حلظة واحدة‬
‫قتلت (سبعني ألف) ضحية (األمر الذي عد تقدماً تقنياً ال يقبل اجلدل أو النقاش) فما بذله (جنكيز‬
‫خان) َف أسبوع إلقامة هرم من (عشرة آالف) مججمة َف أصفهان ميكن اليوم بفعل ثورة التقانة‬
‫وبكبسة زر أن يبيد ما يعادل اثين عشر مرة عدد سكان البسيطة (‪ )1‬وهبذا يتطابق واقع التقانة مع‬
‫مثال القديس أوجستان‪ .‬بعد هذا‪ ،‬ولربط املوضوع‪ ،‬ال بد من التساؤل‪ :‬كيف استخدمت التقانة‬
‫خلدمة الفساد؟ وما هوى األثر السيئ لذلك؟‪.‬‬
‫ولغرض اإلجابة‪ ،‬ولوضع النقاط على احلروف علينا أن نوضح قبل ذلك أن ثورة التقانة ارتبطت‬
‫بتطور شهده القرن العشرون ومن ُث القرن الواحد والعشرون‪ ،‬وهو تقنية املعلومات واالتصاالت اليت‬
‫تعد ثورة حبد ذاهتا‪ ،‬بدأت ابلصورة والكلمة املطبوعة‪ ،‬وأساسها احلرب والورق‪ ،‬مروراً ابإللكرتونيات‬
‫الدقيقة املرتبطة ابلكمبيوتر والفاكس والروبوت (اإلنسان اآليل) حسب رؤية العامل (ديكن) (‪ )2‬الذي‬
‫يرى إضافة إَل ذلك أن ثورة املعلومات واالتصاالت شهدت مرحلتني‪- :‬‬
‫األوَل‪ :‬مرحلة تقنية املعلومات اليت هي ثورة مادهتا اخلام البياانت واملعلومات واملعارف وأداهتا‬
‫األساسية هي احلاسوب (الكمبيوتر ‪ )COMPUTER‬وبراُمه اليت تستهلك طاقته احلسابية َف‬
‫حتويل املادة اخلام إَل سلع وخدمات معلوماتية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬وجيه غارودي ‪/‬حفار والقبور‪ ،‬احلضارة اليت حتفر لإلنسانية قربها ‪/‬القاهرة‪ /‬دار الشروق‪/‬‬
‫‪ /2000‬ص ص ‪.98– 96‬‬
‫(‪- )2‬عامل غريب ‪/‬يتناول طروحات َف قضااي التقانة‪.‬‬

‫(‪)120/1‬‬

‫الثانية‪ :‬هي اليت تعد عنصراً مكمالً لتقانة املعلومات اليت جيسدها احلاسوب وهي ثورة االتصاالت‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بعد هذا علينا العودة إَل جوهر السؤال الذي طرحناه َف سطور سابقة وهو‪:‬‬
‫كيف استخدمت التقانة خلدمة الفساد؟‪.‬‬
‫لإلجابة على ذلك يرى (أ‪ .‬د مصطفى كامل السيد) (‪ )2‬املختص َف أحباث الفساد أن هذه الثورة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫من خالل وسائلها االتصالية السريعة واملرئية سوف تفتح عقول كثري من مواطين الدول الفقرية على‬
‫وسائل ومستوايت معيشية عالية ّما يشجع على زايدة التطلعات برغم ضعف اإلمكاانت‪ ،‬قد تؤدي‬
‫ابلتايل إَل حاالت فساد ينبغي من ورائها العيش َف مستوى الرفاهية املطلوبة من وراء تلك التطلعات‬
‫(من زاوية رؤيته هلذا الشكل من أشكال الفساد)‪)3( .‬‬
‫جتدر اإلشارة إَل أن الشفافية الدولية (‪ )TI‬قد ش ّخصت الكثري من حاالت الفساد عرب استثمار‬
‫التقنيات احلديثة َف عامل الشمال ّما جيعل األمر جلياً َف معاانة العامل أمجع من الفساد عرب التقانة (‪)4‬‬
‫وهلذا كله سنتناول فيما يلي صوراً للفساد ساعدت على انتشاره ثورة التقانة واالتصاالت‪ .‬لنعطي‬
‫للتساؤل كامل إجابته وأيضاً نعطي للمدى كل طوله لبيان األثر السيئ للفساد وفق احملاور اآلتية‪- :‬‬
‫أوالً ‪/‬حاالت الفساد والتزوير ضمن آليات عمل وسائل االتصال‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬ماجد حممد شدود ‪/‬العوملة‪ /‬م س ذ ‪/‬ص ‪.49‬‬
‫(‪ - )2‬رئيس مركز دراسات وحبوث الدول النامية ‪/‬وأستاذ العلوم السياسية بكلية االقتصاد والعلوم‬
‫السياسية ‪/‬جامعة القاهرة‪ /‬أحد املتخصصني َف موضوع الفساد‪.‬‬
‫(‪ )3‬من لقاء شخصي للباحث مع أ‪ .‬د‪ .‬مصطفى كامل السيد ‪َ/‬ف مبىن كلية االقتصاد والعلوم‬
‫السياسية ‪/‬جامعة القاهرة‪ 6 /‬شباط ‪.2001‬‬
‫(‪- )4‬انظر املوقع ‪WWW. Transparency. org‬‬

‫(‪)121/1‬‬

‫لقد كشف النقاب من خالل الدراسات واللقاءات الدولية للمختصني عن مشكالت التزوير والفساد‬
‫عرب وسائل االتصال إَل أنه منذ بداية العام ‪ 2000‬هنالك الكثري من احملققني والقانونيني واملسؤولني‬
‫احلكوميني (املنتمني إَل الدول الصناعية الثماين الكربى) يتدارسون الوسيلة املثلى للحد من ظاهرة‬
‫الفساد املتجسدة َف التزوير واالحتيال واجلرمية املنظمة عرب وسائل اتصال الشبكة الدولية‬
‫للمعلومات (االنرتنيت) (‪)1‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬يذكر أن هنالك تنوعاً وتعدد َف أشكال الفساد واجلرائم عرب االنرتنيت إال أن جرمية االحتيال‬
‫والنصب والفساد َف نطاق التجارة اإلليكرتونية تشغل قمة السلم بني تلكم اجلرائم‪ ،‬خاصة مع شيوع‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫استخدام هذا األسلوب من أساليب التجارة على الصعيد الدويل‪.‬‬
‫‪ ...‬لقد قرر تقرير (نيلسون) الصادر عن واحدة من اجلهات املهتمة ابلشأن املصرَف أبن قيمة‬
‫اخلسارة من جراء عمليات النصب واالحتيال والفساد عرب الشبكة الدولية للمعلومات تبلغ (‪28‬‬
‫سنتاً أمريكياً) لكل (مئة دوالر أمريكي) ينفق عرب االنرتنيت‪ ،‬أي (‪ 4‬مرات) أكثر من قيمة ما جيري من‬
‫عمليات احتيال داخل احملالت والبيع والشراء ابلطرق التقليدية‪.‬‬

‫‪ ...‬كما تفيد اإلحصاءات أبن أكثر من ستة ماليني مستخدم للشبكة تضرروا جراء آليات الفساد‬
‫واالحتيال َف عمليات التجارة الدولية خالل العام ‪/ 2000‬وذلك خبسائر تقدر أبكثر من تسعة‬
‫ماليني مليارات دوالر‪.‬‬

‫(‪)122/1‬‬

‫اليت قدرت خسائرها مباليني الدوالرات األمريكية (‪ )1‬وخصوصاً العمليات اخلاصة (ببطاقات‬
‫اإلئتمان وتزييفها) (‪ )3( )2‬اليت يسعى التنسيق الدويل إَل زايدة ضبط أولئك املتعاملني هبا (طبقاً‬
‫آلليات الفساد)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر‪ :‬عصام خريي ‪/‬تقرير‪ /‬اإلدمان االستهالكي العريب يعزز التجارة اإللكرتونية ‪ُ/‬ملة الوطن‬
‫العريب ‪/‬العدد ‪.2001 /9 /7/ 1279‬‬
‫(‪ - )2‬بطاقات اإلئتمان ‪/‬تعرف على أهنا عبارة (عن عقد مبقتضاه مصدر البطاقة بفتح اعتماد مببلغ‬
‫معني ملصلحة شخص آخر هو حامل البطاقة الذي يستطيع بواسطتها الوفاء مبشرتايته لدى احملالت‬
‫التجارية اليت ترتبط مع مصدر البطاقة بعقد تتعهد فيه بقبوهلا الوفاء مبشرتايت حاملي البطاقات‬
‫الصادرة عن الطرف األول على أن تتم التسوية النهائية بعد كل مدة حمددة)‪ .‬وأغلب بطاقات‬
‫اإلئتمان تكون عبارة عن كارت َف أغلب األحيان مصنوع من البالستيك ومواد أخرى وحتوي قطع‬
‫معدنية َف الغالب ميكن للمتحسسات اإللكرتونية َف قارائت البطاقة لدى البنوك أو احملالت أو‬
‫أجهزة اهلاتف التعرف عليها لتمكن حاملها من شراء اخلدمة املقدمة مقابل الدفع اجلزئي هناية الشهر‬
‫أو تقسيط املبلغ مع احتساب الفوائد‪ ،‬وهي كذلك متكن حاملها من إجراء االتصاالت اهلاتفية‪،‬‬
‫وإجراء سحوابت املبالغ بعد انتهاء دوام املصارف من مكائن األمتتة املوجودة‪ .‬ومن أشهر أنواع‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫البطاقات )‪.( master card) ( American Exprees) ( Visa card‬‬
‫(‪ - )3‬انظر ‪/‬وائل إمساعيل عصفور ‪/‬بطاقات الوفاء‪ُ /‬ملة البنوك َف األردن ‪/‬العدد األول‪ /‬اجمللد‬
‫‪/ 18‬آذار‪/ 1999 /‬ص ‪ .340‬وكذلك ‪/‬د‪ .‬فائز نعيم رضوان ‪/‬بطاقات الوفاء‪ /‬القاهرة‪ /‬املطبعة‬
‫العربية احلديثة ‪ /1990/‬ص ‪.8‬‬

‫(‪)123/1‬‬

‫حيث لوحظ استشراء شكل الفساد هذا َف األعوام األخرية من القرن املنصرم وبداايت األلفية احلالية‬
‫لزايدة أعمال االحتيال والتزوير والتصرف ببطاقة اإلئتمان (قبل أن يعلم صاحب البطاقة أن بطاقته‬
‫مت استعماهلا) من خالل استخدام تقنيات ثورة املعلومات واالتصاالت (‪ )1‬ولكي نبني تلك اآللية‬
‫الفاسدة سنوردها بشيء من التفصيل‪.‬‬
‫حيث من املالحظ أن عملية صياغة البطاقات املزورة تتم طبقاً ملرحلتني‪-:‬‬
‫أوالمها ‪/‬هي عملية احلصول على البطاقة البالستيكية لطباعة املعلومات وختزينها عليها‪.‬‬
‫واثنيهما‪ :‬احلصول على هولو جرام إلمتام عملية تصنيع البطاقة من قبل الشبكات الفاسدة العاملة َف‬
‫هذا اجملال األسود (‪ )2‬وذلك أبن تتم هذه املراحل عادة بسبب أعمال اختالس البطاقات من البنوك‬
‫الكبرية اليت ينفذها املوظفون الفاسدون واملرتبطون بعالقات مشبوهة مع تلك الشبكات اليت تقوم‬
‫بدورها بنقل إرسال البطاقات بعد قيامها بتزويرها إَل دول أخرى األمر الذي يرتب األثر السيئ على‬
‫مسعة الدولة الصادرة منها البطاقة‪ّ ،‬ما يستدعي للحد من هذه الظاهرة أن يتم تعظيم دائرة التدقيق‬
‫على أولئك املوظفني وعلى اجلهات املعنية إبصدار تلك البطاقات‪)3(.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬صحيفة اببل البغدادية ‪.2000 /5/ 2‬‬
‫(‪- )2‬لقد عرف على صعيد شبكات التزوير ثالثة ُمموعات اثنني منها تنتمي لدول اجلنوب وهي‬
‫اجملموعة الصينية واجملموعة الناجيرية (اليت تتسم برداءة جودهتا)‪ ،‬أما ُمموعة دول الشمال فهي‬
‫اجملموعة الروسية‪.‬‬
‫(‪- )3‬د‪ .‬مجعة أاب الرقوش ‪/‬تزوير البطاقات اإلنتمائية ‪/‬عرض ألعمال الندوة اخلاصة بتزوير بطاقات‬
‫االئتمان ‪ُ/‬ملة األمن واحلياة ‪/‬الرايض‪ /‬العدد ‪/ 217‬أكتوبر‪ 2000 /‬ص ص ‪.15– 10‬‬

‫(‪)124/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن عمليات التزوير قد تكون إبصدار بطاقة مزورة بكاملها تتوفر فيها مجيع العناصر األساسية‬
‫للبطاقة (وتشمل تزوير الوسائل األمنية كافة اليت حتويها ويكثر هذا لدى اجملموعة الصينية)‪ ،‬أو قد‬
‫يتم إبجراء تغيري بسيط على البطاقة املختلسة أو املسروقة‪ ،‬كأن يتم تغيري رقمها‪ ،‬أو اسم صاحبها‬
‫بطريقة إلكرتونية هي املسح احلراري ومن ُث يتم إعادة طباعتها حرارايً بشكل آخر يرام من خالله‬
‫االحتيال َف استخدام البطاقات‪ ،‬ويكون هذا الشكل من التزوير بغية تعقيد عملية متابعة البطاقة عند‬
‫اكتشافها (‪ )1‬أو رمبا يكون التزوير يستخدم َف تقنيات الثورة التقانية لالحتيال لتنفيذ (عمليات‬
‫الشراء اإللكرتونية) من خالل نقاط البيع املباشرة اليت ال حتتاج إَل كل ما حتتويه البطاقة من بياانت‬
‫ظاهرة (كاالسم والرقم وَتريخ نفاذ البطاقة) إمنا تتعامل هبذه البياانت نتيجة قراءة األجهزة‬
‫اإللكرتونية للشرائط اإللكرتونية املثبتة على البطاقة اليت بتحريفها (أي تلك لشرائح) وتزويرها دون‬
‫املساس مبظهر البطاقة ينجم أمر يساعد على اكتمال عنصر اجلرمية (حيث املعلومات الظاهرة‬
‫صحيحة واملعلومات على الشرحية مغايرة غري متطابقة (مع الظاهرة منها) إال أهنا قابلة لالستخدام‬
‫وتعود لبطاقة سليمة) (‪.)2‬‬
‫أسلوب ٍ‬
‫كشف خيتلف نوعاً ما حيث يتطلب قراءة البطاقة آلياً‬ ‫َ‬ ‫إن أسلوب تزوير املعلومات يتطلب‬
‫(إلكرتونياً) ومقارنة بياانهتا مع ما يظهر عليها خارجياً‪ ،‬وذلك ما يرتب خسائر مالية كبرية تتحملها‬
‫اجلهات املصدرة للبطاقة واجلهات القابلة للتعامل معها مبا فيها حامل البطاقة نفسه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬حول قبول الدفع ببطاقة اإلئتمان وآاثر املسح احلراري انظر‪- :‬‬
‫‪ ...‬وائل إمساعيل عصفور ‪/‬بطاقات الوفاء ‪ُ/‬ملة البنوك األردنية‪ /‬العد الثالث‪ /‬اجمللد الثامن عشر‪/‬‬
‫نيسان ‪ /1999/‬ص ‪.21‬‬
‫(‪- )2‬د‪ .‬مجعان أاب الرقوش ‪/‬تزوير االنتمائية‪ /‬م س ذ ‪/‬ص ص ‪.15– 10‬‬

‫(‪)125/1‬‬

‫جدير ابلذكر أن البطاقة اإلنتمائية املزورة تسبب خرقاً للنظام املصرَف من خالل استخدامها‪ّ ،‬ما‬
‫يسهل بذلك عملية كشف الشبكة املصرفية الداخلية املتعلقة بتشغيل (البطاقات اإلنتمائية) السليمة‬
‫وهذا االخرتاق يتسبب َف الكثري من اهلدر املايل الذي يذهب إَل تطوير األنظمة وإصدار بطاقات‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫جديدة خمتلفة للعمالء املتضررين جراء أعمال التزوير املذكورة‪.‬‬
‫بعد ذلك علينا أن نوضح أساليب أخرى للفساد عرفت مع ثورة التقانة واالتصاالت تضاف إَل ما‬
‫تقدم منها كون فضاء شبكة االنرتنيت يشهد حاالت حتويل أموال‪ ،‬وفساداً كبرياً‪ ،‬يشري إليه كل من‬
‫(ابتريك جلني) و(مويزيس نعيم)(‪ )1‬وذلك أبن مثة عدداً من الشركات تعمل جاهدة على استحداث‬
‫نقود إلكرتونية من املمكن استخدامها َف ذلك العدد املتنامي من املعامالت التجارية اليت جتري على‬
‫شبكة االنرتنيت‪ ،‬وستجمع النقود األمريكية مهما كان الشكل الذي ستتخذه بني صفات النقود‬
‫احلالية (أي القبول العاملي وعدم احلاجة إَل مراجعة الحقة واضحة) وبني سهولة التحويل اإللكرتوين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬الباحثان ‪/‬أعضاء َف ُمموعة دافوس ‪/‬التابعة للمنتدى االقتصادي العاملي ‪/‬واألخري هو أيضاً‬
‫يرأس حترير ُملة (السياسة اخلارجية)‪.‬‬

‫(‪)126/1‬‬

‫ٍ‬
‫بلمسة على لوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر ( ‪KEY‬‬ ‫وستكون النقود اإللكرتونية قابلة للنقل الفوري‬
‫‪ )BOARD‬أو بنقرة ( ‪ )CLICK‬على جهاز الفارة‪ّ ،‬ما جيعل من الصعوبة مبكان اقتفاء أثر‬
‫هذه األموال وتنظيمها (ومن املمكن تصورايً أن جتعل شراء مسؤول عمومي أو موظف وإفساده ُمرد‬
‫صفقة عرب االنرتنيت) ولعل التصور للحجم املايل الكبري الذي يزيد عن الرتيليون دوالر جيري كل يوم‬
‫دائراً حول الكرة األرضية‪( .‬بلمسة واحدة) وبسرعة الضوء ابملعىن احلرَف للكلمة كتدفقات مالية‬
‫ضمن النظام املايل الدويل لعامل اليوم واملتكون من شاشات األلوف من أجهزة احلاسوب (الكمبيوتر)‬
‫املرتبطة بواسطة األقمار الصناعية (السواتل) َف شبكة اتصال فوري وثيق (‪ ،)1‬يبني ما أن تدخل‬
‫األموال إَل النظام املايل هذا فإنه ميكن صرفها ألي عدد من املواقع املرتامية األطراف وهلذا تشري‬
‫ُملة التامي إَل أن مسؤويل إنفاذ القوانني مضطرون اليوم إَل البحث عن الكثري من األموال املتأتية من‬
‫الرشاوى وأعمال الفساد األخرى وغسيل العملة الطافية على سطح احمليطات من املدفوعات‬
‫املشروعة وهي مهمة مضنية َف أحسن أحواهلا ألكفأ جهاز يراقبها‪.‬‬
‫إن هذه األموال تشكل معضلة حىت ابلنسبة لصندوق النقد الدويل ( ‪ )IMF‬الذي يشجع انفتاح‬
‫األسواق املالية الدولية أو قابلية العملة للتحويل مع إلغاء الرقابة على الصرف حيث أن الصندوق‬
‫ذاته وَف الوقت نفسه يرى أن التحرر يكون حمفوفاً ابملخاطر َف ظل ثورة املعلومات واالتصاالت ألنه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يفتح قنوات إضافية لغسيل األموال القذرة (‪)3( .)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬ابتريك جلني وآخرون ‪/‬تعومل الفساد‪َ /‬ف كيمرييل ان اليوت ‪/‬الفساد واالقتصاد العاملي ‪/‬حممد‬
‫مجال إمام (مرتجم) ‪/‬القاهرة مركز األهرام للرتمجة والنشر ‪ /2000/‬ص ص ‪.29– 28‬‬
‫(‪ - )2‬حول أمثلة غسيل األموال ‪/‬انظر الفصل الثاين من هذا البحث‪.‬‬
‫(‪ - )3‬صحيفة الثورة السورية ‪.2000 /1 /2‬‬

‫(‪)127/1‬‬

‫ّما تقدم يتضح لنا كيف أن للتزوير وحاالت الفساد منافذ عرب ثورة املعلومات واالتصاالت أصبحت‬
‫اليوم واقع حال يرتقب منه الكثري من املؤسسات احلكومية واهليئات الدولية نظراً لسرعة املعامالت‬
‫وعدم إمكانية تتبعها بسهولة ّما حدا بتلك اجلهات للحد من ظاهرة التزوير والفساد أن يظهر لديها‬
‫نظام للتشفري (‪ )1‬يستخدم لتبادل املعلومات املهمة وخصوصاً بباانت وأرقام بطاقات اإلئتمان (اليت‬
‫سبق احلديث عنها) إال أنه وبرغم كل اجلهد احلثيث ما يزال هنالك كم هائل من العمليات غري‬
‫املشروعة يكون ُماهلا األرحب َف (فضاء شبكة االنرتنيت)‪.‬‬
‫اثنياً ‪/‬االخرتاق عرب وسائل االتصال‪- :‬‬
‫إن احلديث عن االخرتاق عرب وسائل االتصال ما هو إال تتمة للموضوع‪ ،‬لبيان كيف أن املعلومات‬
‫واالتصاالت ملا شكلته اليوم من وسيلة حيوية يستخدمها بنو البشر ميكن لبعض اجلهات اخلارجة عن‬
‫القوانني أن تستغلها َف حاالت فساد قد تصل إَل هتديد حياة اآلمنني‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬التشفري ‪/‬عملية معقدة وسرية تستهدف الرتميز اإللكرتوين ابتباع معادالت معينة لطمس هوية‬
‫البياانت ومنع كل من ال ميتلك املفتاح اإللكرتوين من الدخول إَل ذلك النظام‪.‬‬

‫(‪)128/1‬‬

‫هلذا نشري إَل ما حتدث عنه (انطوين ليك) َف أحد كتبه (‪ )1‬على أنه َف العام ‪ 1994‬متكن أحد‬
‫قراصنة الكومبيوتر من اخرتاق نظام قاعدة (روم) اجلوية ألكثر من أسبوعني وكذلك تعرض نظام‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(الربيد اإللكرتوين ‪ )E- MAIL‬من قاعدة (النغلي) اجلوية َف فريجنيا إَل إمطار هائل برسائل‬
‫إليكرتونية حوايل أكثر من (ثالثني ألف رسالة) أدت إَل إغالق نظام احلاسوب َف تلك القاعدة لعدة‬
‫ساعات‪ .‬إن مثل هذا العمل يشكل استغالالً للوسائل اإلليكرتونية إليقاف عمل منظومات حاسوبية‬
‫الذي يعد العمل على إيقافها من أخطر احلاالت اليت تعرض حركة الطريان لكوارث‪ ،‬وكذلك‬
‫استخدام األسلحة بشكل غري صحيح وعشوائي نتيجة الختالف البياانت اليت يقدمها نظام‬
‫احلاسوب للمستخدمني‪ ،‬وبذلك يتضح مدى عظم اخلطر الذي تسببه حاالت استغالل تلك املواقع‬
‫ملثل هذه القرصنة‪ ،‬خصوصاً و(الكاتب) يذكر أن السلطات القائمة على التحقيق َف تلك‬
‫االخرتاقات مل تستطيع حتديد أماكن أولئك القراصنة‪ .‬ويستطرد (ليك) ليتحدث عن اخرتاق النظام‬
‫اإللكرتوين لبدالة شرطة النجدة َف ميامي من موقع مستخدم خاص على الشبكة اإلليكرتونية ّما أدى‬
‫إَل وقف خدمات جهاز الشرطة وإيقاف النظام اإلليكرتوين هلا ملدة ليست ابلقصرية ّما دفع إَل‬
‫حتويل املكاملات اهلاتفية إَل أماكن أخرى ال عالقة هلا بشرطة النجدة‪ .‬كما إن الشخص ذاته (الذي‬
‫ألقي القبض عليه فيما بعد) قام ابستغالل موقعه اإلليكرتوين ابلدخول على نظام مؤسسة اهلواتف َف‬
‫ميامي ّما مكنه من إجراء (‪ 60‬ألف مكاملة) غري مرخصة ّما يؤدي إَل سلب الكثريين أمواهلم‬
‫بعمليات التلصص اإللكرتونية (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انطوين ليك ‪/‬هو مستشار األمن القومي األمريكي السابق ‪/‬ومؤلفه هو (كوابيس أمريكا الستة)‪.‬‬
‫(‪- )2‬صحيفة الزمن البغدادية ‪َ/‬ف ‪.2001 /1/ 18‬‬

‫(‪)129/1‬‬

‫جدير ابلذكر أن عدم توفر احللول األمنية لشبكات الكثري من نظم احلاسوب جتعل حماوالت اخرتاق‬
‫األنظمة والشبكات ّمكنة‪ ،‬وهنالك من يعتقد أن حماوالت االخرتاق مقتصرة على األفراد فحسب أو‬
‫منظمات ما يدعى بعامل انرتنيت السفلي مثل املنظمة املسماة (اهلاكر) اليت حتاول توجيه االخرتاق حنو‬
‫أنظمة وشبكات ومواقع اجلهات الرمسية َف العامل أمجع حبيث تؤدي أعماهلا االخرتاقية إَل نتائج ختريبية‬
‫َف األنظمة ذاهتا ميكن إصالحها إذا ما وجدت النسخ األصلية‪ .‬إال أن اخلطر الداهم ليس كما يعتقد‬
‫من أن حماوالت االخرتاق مقتصرة على األفراد‪ ،‬بل إنه حماوالت إفساد املوظفني أو العاملني َف نقاط‬
‫مهمة لدولة ما من قبل دولة أخرى لكشف الشفرات أو بيان املمرات اليت عربها ميكن الوصول إَل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫البياانت الكامنة فيها األسرار‪ ،‬اليت حياول العمل التجسسي اإلليكرتوين نقلها من مكان إَل آخر هي‬
‫ذروة سنام األمر َف اخلطر الذي ينتاب دول العامل من خالل شبكاهتا املعلوماتية (‪ .)1‬يذكر أيضاً أن‬
‫شركات احلواسيب العاملية ذاهتا ومنها شركة مايكروسوفت (‪ )MICROSOFT‬األمريكية قد‬
‫أعلنت بعد افتضاح األمر أهنا ستصلح خطأ جتسسياً َف نظام (‪ )WINDOW98‬الذي تتمكن‬
‫مبوجبه تلك الشركة من مجع املعلومات والبياانت من أجهزة املستخدمني للنظام من دون علمهم بغية‬
‫حتقيق النفع َف شىت اجملاالت من خالل تلك البياانت‪ .‬وكان قد كشف عن ذلك (ستيفن‬
‫سينوفسكي) (‪ )2‬الذي قال َف معرض حديثه إننا مهتمون جداً أبمر اخلصوصية و تفهم الدواعي‬
‫الكامنة خلفها ولذلك لن توجد هذه امليزة َف نظام‬
‫)‪.)3( (WINDOWS 2000‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬انظر ‪/‬التجسس اإلليكرتوين ‪/‬عامل احلاسبات اإللكرتونيات ‪ /‬ملحق صحيفة اجلمهورية‬
‫البغدادية ‪/‬العدد‪َ 22 /‬ف ‪.2001 /3 /3/ 16‬‬
‫(‪ - )2‬انئب رئيس مؤسسة مايكروسوفت للحاسبات‪.‬‬
‫(‪.P. C. Magazine /April/ 1999 - )3‬‬

‫(‪)130/1‬‬

‫من خالل ما تقدم يتضح أن عمليات االخرتاق عرب وسائل االتصال وخصوصاً شبكة (اإلنرتنت)‬
‫ميكنها أن حتدث شرخاً َف جدار أمنية املعلومات وسريتها وبذلك يستغل الكم اهلائل من تلك‬
‫املعلومات ملنفعة أطراف أخرى وهنا تربز (فرضية الفساد)‪ ،‬اليت حتقق نفعاً خاصاً قد يتحول إَل عمل‬
‫جتسسي يقصد به إيذاء شعوب أبكملها والسيطرة عليها وتكمن خطورته َف النقاط اآلتية‪- :‬‬
‫أ‪ /‬إمكانية استغالل مجاعات اجلرمية املنظمة لتلك التقنيات وإمكانية اخرتاق نظم عدة قد تصل إَل‬
‫حد الدخول على نظم ميكن احلصول منها على معلومات خطرة لتصنيع أسلحة ذات تقنيات عالية‬
‫أو أسلحة دمار شامل‪ ،‬وخصوصاً بعد امتالك الكثري من دول اجلنوب للسالح النووي‪ ،‬واستخدام‬
‫تلك األسرار َف ابتزاز األموال أو التهديد حلياة شعوب ودول كثرية وهو أمر حمتمل ووارد الوقوع‪.‬‬
‫ب‪ /‬إن حاالت التمكن من استغالل الشبكات املعلوماتية تتسبب َف زرع االضطراب َف شبكات‬
‫الدفاع واملنظومات الكهرابئية واخلطوط اهلاتفية املطارات وأنظمة أخرى‪ّ ،‬ما يؤدي ابلنتيجة إَل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اختالالت وخسائر مادية فادحة ولعل ذلك جيري من قبل حكومة مثل احلكومة األمريكية اليت قامت‬
‫من خالل عمليات يراد هبا السيطرة وحتقيق النفع األمريكي إَل زرع فايروس كومبيوتري أو (‬
‫‪َ ) BOMB LOGIC‬ف شبكات كومبيوتر دول ّما أدى إَل التالعب ابلفضاء اإلليكرتوين‬
‫للشبكات اليت ذكرت آنفاً وسيطرة اجلانب األمريكي على املواقع اإلليكرتونية لتلك الدول ابلكامل‬
‫(‪.)1‬‬
‫ّما تقدم نرى أن ما عرضنا له دعا دول متقدمة مثل فرنسا إَل املطالبة ابلتنظيم احلكومي لشبكة‬
‫اإلنرتنت هبدف حماربة جرائم االحتيال والتخريب وغسل العملة والتجسس اإلليكرتوين حىت أننا‬
‫نالحظ أن رئيس احلكومة الفرنسية السيد (ليوينيل جوسبان) يدعو البلدان الصناعية الثماين الرئيسية‬
‫قائالً‪" :‬إن التنظيم للشبكة ليس كافياً وهناك حاجة لتنظيم حكومي منسق"‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر صحيفة الزمن البغدادية ‪ /‬م س ذ‪.2001 /1/ 18 /‬‬

‫(‪)131/1‬‬

‫وذلك خالل املؤمتر األول للشرطة ورجال وّمثلي احلكومات اهلادف إَل مكافحة اجلرمية عرب‬
‫االنرتنيت (‪.)1‬‬
‫ولألمر نفسه يشري (كولن روز) (‪ )2‬إَل أن هذا النوع من اجلرائم حيتل املوقع التايل للتهديد النووي‬
‫حيث أنه قادر على تدمري صناعات أبكملها وهدم بياانت مهمة بكبسه مفتاح ليس إال‪ ،‬وال حيتاج َف‬
‫هذا العصر (العصر املعلومايت) إَل أسلحة أو قنابل لتدمري البلدان بل إن االقتصاد وعامل املال‬
‫والدفاع واالتصال كله مرتبط ابجملتمع املعلومايت الذي ميكن اخرتاقه بواسطة هذا الشكل من اجلرائم‪.‬‬
‫إن أعمال الفساد َف ُمتمع املعلوماتية قد تؤدي إَل كوارث إنسانية وبيئية من خالل اخرتاقات لنظم‬
‫مطارات تؤثر على احلركة اجلوية أو اخرتاق نظم حمطات نووية يثري خلالً فيها أو حىت اخرتاق نظم‬
‫مستشفيات تؤدي إَل اضطراب البياانت املسجلة على احلالة الصحية للمرضى وابلتايل خيتلط األمر‬
‫ويودي حبياة الكثريين‪ ،‬إن تلك األعمال تؤدي ابلتايل إَل خلل َف نظام اجملتمع للكثري من الدول‬
‫وتتسبب َف تراجعات ملعدالت التنمية والتطور (‪.)3‬‬
‫اثلثاً ‪/‬إشكالية اخرتاق نظم االنتخاابت عرب ثورة املعلومات واالتصاالت‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪- )1‬صحيفة اببل البغدادية ‪.2000 /5 /18/‬‬
‫(‪- )2‬أحد املتخصصني َف علم اإلجرام املعلومايت بشركة بوكاانن انرتانشيوانل االسكتلنديه‪.‬‬
‫(‪- )3‬انظر صحيفة اببل البغدادية ‪ 2000 /5 /17‬و‪.2000 /1/31‬‬

‫(‪)132/1‬‬

‫لعل التطرق إَل الفساد السياسي عرب ثورة املعلومات واالتصاالت موضوع قد جيعل عالمة التعجب‬
‫ترافق نظر املتلقي للوهلة األوَل‪ ،‬إال أن عامل اليوم قد استخدم التقنية َف كل اجملاالت فلماذا ال‬
‫تستخدم َف الصعيد السياسي‪ .‬لقد مت ذلك فعالً عند اإلعالن عن استخدام شبكة (اإلنرتنت) َف‬
‫التصويت االنتخايب حيث أشار مدير األحباث َف كلية العلوم السياسية ‪/‬جبامعة أريزوان قبل‬
‫االنتخاابت الرائسية َف الوالايت املتحدة األمريكية هناية عام ‪ 2000‬إَل أن الناخبني األمريكيني‬
‫سيكون بوسعهم التصويت عرب شبكة (اإلنرتنت) للمرة األوَل َف االنتخاابت األمريكية بوالية اريزوان‬
‫وهذه الفكرة تعد مبتكرة من قبل احلزب الدميقراطي‪.‬‬
‫وال يتوجب على الناخب إال أن يدون امسه َف لوائح حزبه وأن يدخل رقماً للتعريف به حيصل عليه‬
‫مسبقاً من منظمي اإلنرتنت بواسطة الربيد اإللكرتوين ابإلضافة إَل ُمموعة بياانت شخصية‪ .‬وقد أكد‬
‫مدير األحباث أن النظام آمن وال ُمال للتزوير فيه إال أن ذلك مل يقنع الكثري من أخصائيي العلوم‬
‫السياسية حيث أعلن أحدهم َف صحيفة (الواشنطن بوست) أن الدميقراطية ال تتعزز بتشجيع انخبني‬
‫جالسني َف بيوهتم وصفهم ابلكساَل للمشاركة َف االنتخاابت (‪ .)1‬وطبقاً ملا أشارت له الدراسة َف‬
‫هذا املبحث من ّمارسات لالخرتاق اإلليكرتوين وحديث مستشار األمن القومي األمريكي السابق‬
‫(ليك) عن تلك اخلروقات تظهر إمكانية اخرتاق النظام االنتخايب وكذلك احتمال عدم تصويت‬
‫الناخب على بطاقته االنتخابية ّما يسبب إرابكاً لصحة االنتخاابت (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬ملزيد من التفصيل أنظر َف ذلك‪- :‬ابتريك جلني وأخرون ‪/‬تعومل الفساد‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪28‬‬
‫–‪.29‬‬
‫(‪- )2‬صحيفة اببل البغدادية ‪.2000 /8/21/‬‬

‫(‪)133/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وَف تطورات أخرى للخدمات االنتخابية املقدمة على شبكة (اإلنرتنت) طرح بعض الناخبني أصواهتم‬
‫للبيع ابملزاد على الشبكة برغم املنع القانوين املشدد لبيع وشراء األصوات ومع عدم تسجيل أي‬
‫عملية بيع أو شراء إال أن احلركة حبد ذاهتا تشري إَل مدى إمكانية بيع األصوات ملن يدفع أكثر‬
‫وإمكانية تزييف النتائج أيضاً (‪.)1‬‬
‫ولقد بني َف معرض ذلك رئيس الوفد الياابين املشارك َف مؤمتر مكافحة اجلرمية َف ابريس أبن‬
‫االخرتاق عرب الشبكة يتجاوز حدود أمن املواقع ّما يشكل خماوف ال حدود هلا من تطور ذلك‬
‫االخرتاق وأثره على أنظمة الدول واستقرار اجملتمعات (‪.)2‬‬
‫من هنا يتضح كيف أن لشبكة املعلومات آاثراً على تزوير االنتخاابت ونتائجها ّما يؤدي إَل خلل َف‬
‫النظم االنتخابية إذا ما أشيع استخدام ذلك‪.‬‬
‫ختاماً هلذا الفصل نود القول أبن ثورة املعلومات واالتصاالت قد شكلت طفرات َف احلياة اإلنسانية‬
‫ويسرت السبل لالتصاالت بني الدول وحنن َف حبثنا هذا ال نريد أن نقف موقف الضد منها أو النقد‬
‫هلا بل على العكس إهنا تشكل مرحلة من مراحل االرتقاء اإلنساين‪ .‬ولكن حاولنا تسليط الضوء على‬
‫االستغالل غري السليم هلذه الثورة اهلائلة ّما يؤدي إَل إضرار ابجملتمعات والدول ال ميكن جتاهلها كما‬
‫بيننا فيما سلف‪.‬‬
‫((‬

‫الفصل الثاين‬
‫الفساد واخلوصصة‬
‫يرى منظرو الرأمسالية اجلدد ومسؤولو الصناديق الدولية أن اخلوصصة هي واحدة من عدة سبل حتث‬
‫البلدان على اتباعها لتقليص حجم الفساد الناجم فيها وذلك طبقاً لوصفات املؤسسات الرأمسالية‬
‫الدولية (كالبنك الدويل مثالً)‪ ،‬إال أننا َف مبحثنا هذا سنخالف ما أوردته الوصفات املذكورة لتوضيح‬
‫كيف أن اخلوصصة تساعد َف أحيان كثرية الفساد أو ختلق البيئة املناسبة لنمو أو استشراء الفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬صحيفة اببل البغدادية ‪.2000 /5/17/‬‬
‫(‪- )2‬صحيفة اببل البغدادية ‪.2000 /5/18/‬‬

‫(‪)134/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ففي عامل اليوم ند أن الوصفات اليت أشران إليها خصوصاً الوصفة املعروفة للبنك الدويل هليكلة أو‬
‫تثبيت االقتصادات والسيطرة على التضخم واستئصال الفساد تؤكد على السري ابجتاه (اخلوصصة)‬
‫وتقليص القطاع العام‪ .‬وهي سياسة اقتصادية تنبه العامل النتهاجها (برغم وجودها املسبق) منذ انتهاج‬
‫اململكة املتحدة هلا عام ‪ 1983‬لتشمل نطاقاً واسعاً من القطاعات االقتصادية العامة فيها‪ ،‬إال أنه‬
‫مع مرور الزمن أصبحت تلك السياسة االقتصادية أسلوابً تستخدمه الكثري من دول العامل على أمل‬
‫اإلصالح االقتصادي مسرتشدة بنصائح البنك الدويل وصندوق النقد الدويل للتغلب على مشكالت‬
‫ديوهنا وتشوه اقتصاداهتا (‪ .)1‬وإخفاقاهتا َف ّمارسة الوظيفة (االقتصادية –االجتماعية) من خالل‬
‫الوظيفة التدخلية (‪ ،)2‬اليت سرعان ما حتولت بعد سياسات التأميم ومتلك األصول َف فرتات‬
‫اخلمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن املنصرم إَل مزرعة لطبقة أو شبه طبقة متحلقة حول‬
‫تشكيالت السلطة وأجهزة العنف‪ّ .‬ما أدت أدوات التأثري اليت اعتمدهتا الدول َف قطاعها العام (من‬
‫ختطيط وتوجيه وإشراف إداري) إَل سوء ختصيص املوارد مبا يعنيه َف اقتصاد العقالنية والرشد وارتفاع‬
‫مستوى الفاقد َف الصناعات واهلدر فكان ذلك عالمة مركبة على إخفاق الدولة َف ّمارسة وظيفتها‬
‫االقتصادية –االجتماعية (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) تقييم برامج اخلصخصة َف منطقة‬
‫االسكوا ‪/‬نيويورك‪ /‬منشورات األمم املتحدة ‪/ 1999‬ص ‪.4‬‬
‫(‪َ - )2‬ف إشارة لقطاع العام‪.‬‬
‫(‪ - )3‬املستشار‪ .‬آد حممد عبد الشفيع عيسى ‪/‬األبعاد االجتماعية للتكيف اهليكيلي واخلوصصة َف‬
‫مصر ‪َ/‬ف‪ :‬مصطفى حممد العبد هللا وآخرون ‪/‬كتاب اإلصالحات االقتصادية وسياسات اخلوصصة َف‬
‫البلدان العربية ‪/‬بريوت‪ /‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪/‬شباط‪ /1999 /‬ص ‪.281‬‬

‫(‪)135/1‬‬

‫كذلك حاالت الفساد (َف عامل اجلنوب) اليت شهدها القطاع العام أثقلت ذلك القطاع بديون إَل‬
‫البنوك وأدى إَل اهنيار الكثري من شركاته كدليل على أفعال تلك الطبقة أو شبه الطبقة املتحلقة حول‬
‫تشكيالت السلطة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وأصبح القطاع العام َف عامل اليوم منبوذاً بعد أن كان يؤدي وظيفة حتقق (العدالة االجتماعية) (‪)1‬‬
‫اليت كانت جزءاً ال يتجزأ من الفلسفة االشرتاكية نتيجة لسوء التصرف الذي قامت به النخب‬
‫املسؤولة عن هذا القطاع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬لقد كان القطاع العام املصري يوفر الدعم احلكومي لسلع أساسية حلياة األسرة املصرية (على‬
‫سبيل املثال) حيث ينكر أي عادل أن الدعم كان يذهب ملستحقني لواله لكان أولئك قد هلكوا كما‬
‫أن القطاع العام املصري هو الذي أوجد فلسفة (السعر االجتماعي) وهو القطاع ذاته الذي قدم‬
‫للعموم سلعاً "حددت أسعارها بصرف النظر عن تكاليفها فأصبحت عند ذلك َف متناول األغلبية‪،‬‬
‫وهو القطاع نفسه الذي كان َف صاحل أصحاب الشهادات واملثقفني واخلرجيني حيث كان يوفر جليش‬
‫من (البطالة املقنعة) ما يكفيهم َف آخر الشهر من رواتب وبذلك وفر االحتضان هلم‪.‬‬
‫‪ ...‬كل ذلك أن أصبح َف عامل اليوم أمراً يعاب عليه القطاع العام َف ظل سياسة (اخلوصصة) اليت‬
‫تنادي بتسريح العمالة الزائدة ورفع الدعم عن السلع وبذلك تنتهك العدالة االجتماعية‪( .‬انظر َف‬
‫ذلك) ‪/‬سعد الدين وهبة‪ /‬من االنفتاح إَل اخلصخصة النهب الثالث ملصر ‪/‬القاهرة‪ /‬دار اخليال‪/‬‬
‫‪ /1997‬ص ص ‪.11– 10‬‬

‫(‪)136/1‬‬

‫فكما يذكر الكاتب اليوغسالَف (مليوفان دوجالس) َف كتابيه (الطبقة اجلديدة) و(حماداثت مع‬
‫ستالني) أن النخب من ثوار األمس َف يوغسالفيا حتولت إَل طبقة خمملية عرب تنمية الثروة اخلاصة من‬
‫خالل القطاع العام جراء آلية لتوحيد مصاحل الدولة االقتصادية واالجتماعية مع املصاحل الشخصية‬
‫للنخبة املسيطرة َف كل مجهورية داخل بوغسالفيا‪ ،‬وهبذا حتولت هذه النخب إَل فئة بريوقراطية حاملة‬
‫الهم هلا سوى السيطرة على تلك اجلمهورايت ألطول مدة ّمكنة عن طريق املزايدة اليسارية لفرتة‪ُ ،‬ث‬
‫املزايدة القومية بعد أن أصبحت املزايدة اليسارية ّمجوجة أو غري مقنعة حبكم فشل كل الطروحات‬
‫املاركسية التقليدية ولذلك بدأ االستمتاع ببهرج احلياة ومجع كل ما ميكن من مال وثروات (هنب‬
‫القطاع العام) بشىت الطرق وإيداعه َف الدول الغربية مستفيدين من التعتيم الكامل على نشاطات‬
‫الدولة سلبية الطابع وانعدام الشفافية املطلق للدولة التوَتليتارية اليت أقامتها النخب الغنية َف إطار‬
‫احلرب الباردة وانعدام احملاسبة املؤسساتية‪ )1( .‬لقد أدت هذه األعمال إَل التخلي عن الوظيفة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫االجتماعية للقطاع العام اليت كانت سنداً لشعوب ٍ‬
‫بلدان كثرية وأصبحت الوصفة تسريح العمالة‬
‫الفائضة ّما يفقد العدالة االجتماعية مفهومها لدى اجلمهور ويسري ابلبلدان حنو وصفة (اخلوصصة) َف‬
‫العقود التارخيية اليت تلت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬حممد رايض األبرش ود‪ .‬نبيل مرزوق ‪/‬اخلصخضة آفاقها وأبعادها ‪/‬دمشق‪ /‬دار الفكر‪/‬‬
‫الطبعة األوَل‪ /1999 /‬ص ص ‪.222– 221‬‬

‫(‪)137/1‬‬

‫إن سيادة فلسفة اقتصاد السوق وخوصصة القطاع العام َف بلدان اجلنوب جيب أن تسود معها‬
‫تشريعات تضمن (العدالة االجتماعية) حيث عندما خيوصص القطاع العام وتنعدم تشريعات ضامنة‬
‫للعدالة االجتماعية‪ ،‬تصبح تلك العدالة مسألة اختيارية‪ ،‬وهو ما خيشاه كل حريص على اجملتمع ألن‬
‫العطاء ال ينبع من مصدر قوى داخل كل إنسان فهنالك قلة تعطي عن اقتناع ورغبة‪ ،‬وكثرية سوف‬
‫متسك وهنالك قلة تقدم حق الدولة من الضرائب وكثرة تتفنن َف أسلوب إفساد اهليئات الضريبية‬
‫والتهرب من الضرائب (‪ .)1‬وهنا سوف حتدث إشكالية العدالة االجتماعية حيث تصل ابجملتمع إَل‬
‫طريق مسدود عند فصل الوظيفة االجتماعية عن الوظيفة االقتصادية‪ .‬لذلك يرى االقتصادي السابق‬
‫َف البنك الدويل ورئيس املكتب السوري للتنمية واالستثمار ( ‪ )SCB‬حالياً َف دراسة عن حالة‬
‫القطاع العام (األمنوذج السوري) أن القطاع العام يؤدي وظيفة اقتصادية واجتماعية‪ ،‬وأن هيكلة هذا‬
‫القطاع تكشف حقيقة مرة‪ ،‬لذلك ترى أن النهوض هبذا القطاع وحماولة املواءمة بني القطاع العام‬
‫والقطاع اخلاص هو الذي حيقق العدالة االجتماعية حيث يطرح حلوالً للمحافظة على الوظيفة‬
‫االجتماعية للقطاع العام وإَل جنبها يدعم عمل القطاع اخلاص دون االستعانة بفلسفة (اخلوصصة)‬
‫(‪ )2‬اليت تؤدي إَل تسريح آالف العمال والضغط على اإلنفاق وبرامج الدعم احلكومي‪ .‬ومن هذه‬
‫احللول ما يتلخص ابآليت‪- :‬‬
‫‪-1‬أتهيل وتدريب العمالة الفائضة وفق برامج تؤهلها لالنتقال إَل وظائف أخرى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬سعد الدين وهبة ‪/‬من االنفتاح إَل اخلصخصة ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.11– 10‬‬
‫(‪- )2‬إن لالقتصادي املذكور وهو األستاذ الدكتور (نبيل سكر) رؤية َف اخلوصصة –فهو يرى فيها‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أهنا‬
‫ال تؤدي أبداً إَل حماربة الفساد بل إَل زايدته وتركيزه وذلك ألهنا سرتكز الثروة بيد قلة قد‬
‫ال ترى إال مصلحتها الذاتية فوق كل املصاحل‪( .‬من لقاء للباحث مع د‪ .‬نبيل سكر َف‬
‫دمشق ‪.)2002 /1/ 25‬‬

‫(‪)138/1‬‬

‫‪-2‬برامج التعويض املايل للفئات املتضررة‪.‬‬


‫‪-3‬برامج منح املعوانت الفنية واملالية للعمال الراغبني َف الدخول للعمل احلر بدل الوظيفة‪.‬‬
‫‪-4‬تقوية القطاع اخلاص الستيعاب العمالة الفائضة‪.‬‬
‫وبذلك تتم املواءمة بني القطاعني العام واخلاص دون املساس بفلسفة العدالة االجتماعية (‪.)1‬‬
‫بعد ما تقدم كله وما عرضنا له حنو آلية عمل القطاع العام وكيفية حتقيق العدالة االجتماعية اليت ال‬
‫ميكن هلا أن تزدهر بنمو الفساد‪ ،‬ال بد لنا من العودة لنخوض َف تفسري سياسة اخلوصصة وكيف‬
‫تساهم تلك السياسة َف منو الفساد َف بعض األحيان بعد أن قدمنا للقطاع العام الذي تعد عملية‬
‫اخلوصصة آلية ال تتم إال بوجوده‪.‬‬
‫ولكي ندرس احلالة من مجيع جوانبها ونلم هبا فال بد أوالً أن نعي مفهوم اخلوصصة‪:‬‬
‫اليت يعرفها األستاذ يوسف صائغ على أهنا‪( :‬النزوع العاملي املعاصر إَل التحول عن الرتكيز على‬
‫القطاع العام صوب القطاع اخلاص كجزء من التصحيح اهليكلي كظاهرة قوية ضاغطة) وقد تعدى‬
‫هذا التحول نطاق الفكر واختيار األنساق االقتصادية –االجتماعية ليشكل ضغطاً سياسياً مكشوفاً‬
‫متارسه الدول الغربية الصناعية الكربى َف تعاملها مع البلدان ومع الدول االشرتاكية العاملة على‬
‫إعادة هيكلة اقتصادها وُمتمعها‪ ،‬كما ميارسه البنك الدويل وصندوق النقد الدويل‪)2( .‬‬
‫َف حني يعرفها مؤمتر األمم املتحدة للتجارة والتنمية (األونكتاد ‪ )UNCTAD‬على أهنا‪:‬‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬نبيل سكر اإلصالح االقتصادي َف الدول العربية (حالة سورية) ُملة دراسات اسرتاتيجية‬
‫‪/‬دمشق‪ /‬العدد ‪ /4/‬ديسمرب ‪ /2000‬ص ‪.172‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ - )2‬د‪ .‬عبد العزيز صاحل بن حبتور ‪/‬إدارة عمليات اخلصخصة وأثرها َف اقتصادات الوطن العريب‬
‫(دراسة مقارنة) عمان ‪/‬دار صفاء للنشر والتوزيع ‪ /1997/‬ص ‪.6‬‬

‫(‪)139/1‬‬

‫جزء من عمليات اإلصالحات اهليكلية للقطاع العام َف البنيان االقتصادي وتتضمن إعادة حتديد دور‬
‫الدولة والتخلي عن األنشطة اليت ميكن للقطاع اخلاص القيام هبا‪ ،‬مستهدفة بوجه عام رفع الكفاءة‬
‫االقتصادية) (‪)1‬‬
‫(واخلوصصة) عند مناصريها برانمج لإلصالح االقتصادي والتحول إَل اقتصاد السوق‪ ،‬وتتم على‬
‫املراحل اآلتية‪:‬‬
‫األول‪( :‬نظم الصدمة ‪- :)Shock Therapy Approach‬أي االنتقال ابلقطاع العام إَل‬
‫اقتصاد السوق خبوصصة األول بشكل َتم وبوقت واحد مثل ما حدث َف كل من بولونيا‪ ،‬ألبانيا‪،‬‬
‫التشيك‪ ،‬سلوفاكيا‪ ،‬روسيا‪.‬‬
‫الثاين‪( :‬نظام التدرج ‪- :)Gradualist Approach‬أي االنتقال إَل اخلوصصة على شكل‬
‫دفعات مثل ما حدث َف بلغاراي‪ ،‬سلوفينيا‪ ،‬مصر واملغرب‪)2( .‬‬
‫أما أساليب التخصيص فتكون على النحو اآليت‪- :‬‬
‫‪-1‬أسلوب طرح أسهم َف اكتتاب عام (جزئي أو كلي)‪.‬‬
‫( ‪)Public Offering Of Shares‬‬
‫‪-2‬أسلوب بيع أسهم الشركة جملموعة خاصة من املستثمرين‬
‫( ‪)Private Sale Of Shares‬‬
‫‪ ...‬أي أسلوب البيع إَل مش ٍرت واحد معروف مقدماً أو ُمموعة من املستثمرين املعروفني مقدماً أيضاً‪.‬‬
‫‪-3‬أسلوب بيع أصول الشركة ابملزاد العلين‬
‫( ‪)Sale Of Company Assets by Competitive Bidding‬‬
‫‪-4‬أسلوب ضخ استثمارات خاصة جديدة َف الشركة‬
‫( ‪)New private Investment in slated owned companies‬‬
‫‪ ...‬حيث ال تتصرف احلكومة َف ملكيتها للشركة بل تزيد امللكية َف ذات الشركة ّما يؤدي إَل‬
‫التخفيف ( ‪ )Dilution‬من مركز ملكيتها وتتولد تركيبة ملكية مشرتكة بينها وبني القطاع اخلاص‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وتسمى هذه احلالة شركة مشرتكة ( ‪.)joint Venture‬‬
‫‪-5‬أسلوب شراء اإلدارة (و ‪/‬أو) العاملني للشركة‬
‫( ‪)Management / Employee Buy out‬‬
‫أي شراء أعضاء إدارة الشركة والعاملني فيها لألصول‪..‬‬
‫‪-6‬أسلوب عقود التأجري واإلدارة‬
‫( ‪)Leasess and Management Contracts‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغرب آسيا ‪/‬اسكوا‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.5‬‬
‫(‪- )2‬املصدر نفسه ‪/‬ص ‪.7‬‬

‫(‪)140/1‬‬

‫وهي ليست عملية بيع لألصول وإمنا خوصصة اإلدارة والعمليات التشغيلية َف الشركة بعقد إجيار‬
‫لرفع كفاءة العمل واستقدام اخلربة‪)1( .‬‬
‫يذكر أن هذه السياسة وبرغم تعدد أساليبها وكثرة التفسريات اليت تربر جدواها َف إصالح‬
‫االقتصادات والتخلص من سلبيات كثرية ملشاريع القطاع العام وخصوصاً التخلص من ظاهرة‬
‫الفساد‪ ،‬إال أنه من املالحظ هنالك نزعة يطرحها الرأي العام العاملي ضد سياسة (اخلوصصة) أمجلها‬
‫أحد تقارير التنمية ابآليت‪- :‬‬
‫‪-1‬إن (اخلوصصة) هي سبيل لتبادل املنافع بني الساسة ورجال األعمال األقوايء لإلثراء على‬
‫حساب اجلماهري‬
‫‪-2‬إن (اخلوصصة) تؤدي إَل تسليم أصول وطنية قيمة إَل (قطط مسان) أجنبية أو حملية‪.‬‬
‫‪-3‬إن (اخلوصصة) تؤدي إَل زايدة معدالت البطالة من خالل إلقاء عمال القطاع العام َف عرض‬
‫الطريق‪.‬‬
‫‪-4‬إن القطاع اخلاص احمللي يتسم ابلضعف البالغ‪ ،‬وبدون وجود منشآت حكومية سيسحق االقتصاد‬
‫ويتوقف متاماً‪.‬‬
‫‪-5‬إن كل ما تفعله (اخلوصصة) هو إحالل احتكار خاص حمل احتكار عام‪.‬‬
‫‪-6‬إنه ال داع للزج ابلنفس َف هذه املكابدة الضارة وتكفي إدارة املنشآت احلكومية بطريقة أفضل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪.)2‬‬
‫من خالل ما سلف وما وضحته اآلراء والدراسات والتقارير الدولية إزاء سياسة (اخلوصصة) ميكن لنا‬
‫أن نوضح اختصار ذلك مبعادلة صغرية هي‪- :‬‬
‫(اخلوصصة = الفساد (َف أحيان كثرية)‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬حممود صبح ‪/‬اخلوصصة ملواجهة متطلبات البقاء وحتدايت النمو ‪/‬القاهرة‪ /‬كلية التجارة‪/‬‬
‫جامعة عني مشس ‪ /1995/‬ص ص ‪.30– 25‬‬
‫(‪- )2‬البنك الدويل ‪/‬تقرير عن التنمية َف العامل ‪(/ 1997‬الدولة َف عامل متغري) القاهرة ‪/‬مؤسسة‬
‫األهرام‪ /‬حزيران ‪.1997‬‬

‫(‪)141/1‬‬

‫على حد تعبري اآلراء آنفة الذكر‪ .‬وإلثراء املوضوع وبيان حاالت ساعدت على استشراء الفساد‬
‫كناتج لسياسة (اخلوصصة) نشري إَل احلالة اليت شهدهتا روسيا االحتادية بعد اهنيار االحتاد السوفيايت‬
‫وحتوهلا من حالة االقتصاد االشرتاكي إَل حالة اقتصاد السوق ابستخدام أسلوب الصدمة َف‬
‫اخلصوصة ّما دعا إَل ختصيص الكثري من املشاريع وحدا ابلدولة الروسية للسري حنو منط الدولة‬
‫اإلدماجية )‪ )1( ( Corparatist‬اليت ينتشر فيها الفساد‪ ،‬وكذلك نلحظ سيطرة قلة فاسدة‬
‫كانت معروفة َف ظل االحتاد السوفيايت املنهار وبعد التحول غريت هذه القلة من شكلها لتصبح منطاً‬
‫رأمسالياً يدعى السادة اللصوص‬
‫(‪ )Robber Barons‬ويشكل (أانتويل تشوابس) أحد أركان هذا النمط ومن الذين أشرفوا‬
‫على عملية سياسية (اخلوصصة) َف روسيا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬الدول االدماجية ( ‪ )Corparratist‬وهي اليت تتسم بدرجات عالية من اجلرمية وتسيطر‬
‫فيا قلة هدفها األمسى زايدة ثرواهتا َف إطار جتاهل القانون واالستهتار به وإضعافه‪.‬‬

‫(‪)142/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫لقد قامت ُمموعة هذا الشخص ببيع (مخسمائة مصنع وُممع صناعي) ال يقل مثنها األصلي عن‬
‫(مئيت مليار دوالر) مببلغ زهيد هو (سبعة مليارات دوالر أمريكي) أي ما يوازي (‪ )%3.5‬من احلد‬
‫األدىن للثمن احلقيقي لتلك املصانع ّما يكشف الستار عن آلية جلية للفساد واالحتيال جراء عملية‬
‫سياسة (اخلوصصة) (‪)2( .)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬د‪ .‬شادية فتحي ‪/‬حالة روسيا‪ :‬أمناط الفساد وتكلفة الفساد ‪ُ/‬ملة األهرام االقتصادي‪ /‬العدد‬
‫‪ /1999 /9 /9/ 1600‬ص ‪.3‬‬
‫(‪ - )2‬لقد هنب (تشوابس) مدخرات املواطنني الروس َف عملية فساد كربى ابتدعها عن طريق‬
‫سندات من ابتكاره ادعى أن قيمة (السند –الشيك) عشرة آالف روبل روسي على اعتبار أنه حق‬
‫كل روسي َف ثروة بالده‪ ،‬ومع اخنفاض معدالت أسعار العملة الروسية عام ‪ 1997‬أصبح كل (ستة‬
‫آالف روبل) يوازي دوالراً أمريكياً واحداً‪ .‬فأصبح حق املواطن الروسي َف بالده ال يزيد عن دوالرين‬
‫أمريكيني بينما تعد بالده صاحبة أعلى مصادر إنسانية وطبيعية وللمقارنة َف حالة ّماثلة عن (لبنان)‬
‫انظر كتاب األايدي السوداء ‪/‬للنائب ناح واكيم ‪/‬بريوت‪ /‬شركة املطبوعات للتوزيع والنشر‬
‫‪.1999/‬‬

‫(‪)143/1‬‬

‫جتدر اإلشارة إَل أن الوالايت املتحدة األمريكية اليت تعد من أكرب مناصري ومروجي فكرة‬
‫(اخلوصصة) شهدت حاالت فساد منها على سبيل املثال ال احلصر ما حدث َف عملية (خوصصة)‬
‫حتصيل تذاكر خمالفات وقوف السيارات َف بلدية نيويورك‪ ،‬حيث علق مكتب خمالفات وقوف‬
‫السيارات اآلمال على مرونة وكفاية املنظمات اخلاصة الساعية للربح للتعاقد معها للكشف عن‬
‫املخالفني ومطاردهتم وحتصيل األموال‪ ،‬اليت كان العجز فيها دافعاً ملدينة نيويورك لزايدة املمارسات‬
‫اخلاصة َف التحصيل‪ ،‬وبعد سنوات من (خوصصة) هذا العمل كان مقاولو املدينة جيلبون للبلدية‬
‫املذكورة (ستة وأربعني مليون دوالر سنوايً) مع احتفاظهم بثلث احلصيلة أجراً هلم وتسليم الباقي‬
‫للبلدية‪ .‬إال أن موظفي املدينة بدؤوا بتقبل الرشاوى مقابل منح عقود سخية لتحصيل املخالفات من‬
‫دون تقدمي عطاءات منافسة كما استأجرت شركات التحصيل موظفني سابقني للضغط على مكتب‬
‫خمالفات وقوف السيارات كانوا يعملون فيه أصالً‪ ،‬وكانت تلك الشركات تقدم األموال للموظفني‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الذين يستطيعون ّمارسة التأثري للحصول على العقود وتطورت القضية إَل أن استدعى األمر إجراء‬
‫حتقيق فيها من قبل املدعي العام األمريكي كانت نتيجته كشف النقاب عن ظهور فضائح الرشاوي من‬
‫قبل الشركات اخلاصة ملدير مكتب خمالفة السيارات وانئبه اليت أدت اعرتافات األخري للسلطات إَل‬
‫انتحار املدير‪)1( .‬‬
‫__________‬
‫(‪JOHN D. DONAHUE /PRIVATIZATION - )1‬‬
‫‪DECISION DECISION (PUBLIC ENDS /PRIVATE‬‬
‫‪.MEANS /N. Y. USA/ 1989/ P. 179 AND FOLLOWES‬‬

‫(‪)144/1‬‬

‫بعد هذا يتضح لنا‪ ،‬إذا ما انتقلنا إَل دول شرق آسيا‪ ،‬أثر (خوصصة البنوك) َف استشراء الفساد‬
‫ومعاانة الكثري من أبناء تلك املناطق‪ ،‬حيث أثبتت التجربة َف تلك الدول أن اإلدارة غري احلكيمة‬
‫للبنوك اليت (خوصصت)‪ ،‬وخصوصاً من خالل التداخل بعيد املدى بني رجال البنوك ورجال احلكم‬
‫بكل أتكيد صورة من صور الفساد السياسي واملايل‪ ،‬وكان ذلك واحداً من أسباب األزمة املالية‬
‫االقتصادية َف كل من كوراي اجلنوبية وَتيلند وأندونيسيا‪ ،‬ولذا فإنه مبجرد ظهور العالمات األوَل‬
‫للركود االقتصادي وعجز بعض العمالء عن سداد قروضهم‪ ،‬اهنار النظام املصرَف َف هذه البلدان‬
‫ودخلت مرحلة االنكماش مبا صحبها من بطالة املاليني وتدهور مستوايت املعيشة وهبوط تلك‬
‫املستوايت ألعداد كبرية من املواطنني إَل مادون خط الفقر كما هو واضح للعيان َف احلالة‬
‫األندونيسية (‪.)1‬‬
‫جدير ابلذكر أن آلية سياسية (اخلوصصة) قد تعددت سبلها حيث مشلت منافذ حكومية كثرية‬
‫خصوصاً قطاعات (املنافع العامة) َف كثري من البلدان ومنها (خوصصة قطاع مياه الشرب والصرف‬
‫الصحي)‪ ،‬و(خوصصة الطرق) و(الكهرابء) و(املطارات)‪ ،‬و(االتصاالت)‪ ،‬بل مشلت (اخلوصصة)‬
‫حىت الضمان االجتماعي وصرف املعاشات) (‪ّ ،)2‬ما استدعى حتذير الكثري من الكتاب واملفكرين‬
‫من هذه الوسائل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬مصطفى كامل السيد ‪/‬خصخصة البنوك والتنمية َف مصر ‪/‬القاهرة‪ /‬كتاب األهرام‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫االقتصادي ‪/‬العدد‪ /153 /‬أول نوفمرب ‪ /2000‬ص ‪.6‬‬
‫(‪- )2‬اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغرب آسيا ‪/‬اسكوا‪ /‬م س ذ ‪ /‬ص ‪.2‬‬

‫(‪)145/1‬‬

‫لذا ند أن واحداً من هؤالء الكتاب وهو األستاذ (عصام رفعت) رئيس حترير ُملة األهرام‬
‫االقتصادي (القاهرية) حيذر من ذلك َف أحد األعمدة اليت يكتبها أسبوعياً َف اجمللة املشار إليها من‬
‫أن سياسة (خوصصة) قطاع االتصاالت (َف مصر كأمنوذج) خصوصاً خدمات اهلاتف احملمول‬
‫(املوابيل) قد شابه بعض القصور وذلك بسبب عدم وجود الرقابة من الدولة على املشروع وترك‬
‫ذلك القطاع من دون (مساءلة) ومن دون محاية للمستهلك‪ُ .‬ث ينتقل (األستاذ رفعت) بعد ذلك‬
‫لريكز على نقطة جوهرية أخرى َف قطاع اخلدمات اليت مت ختصيصها وهي (خوصصة قطاع الكهرابء)‬
‫ذلك القطاع احليوي الذي ميس املستهلك مباشرة‪.‬‬
‫حيث حيذر أن (اخلوصصة) َف هذا اجملال تعطي للقطاع اخلاص احلق َف حتقيق أرابح من املمكن أن‬
‫تتحول إَل عملية استغالل واحتكار على حساب املواطن املستهلك الذي له احلق َف احلصول على‬
‫اخلدمة املذكورة بشكل منتظم ودائم وأبسعار متكنه من تدبري ضروراته اليومية‪.‬‬
‫ُث بعد ذلك يشري إَل أن وضع رقاب املستهلكني حتت رمحة القطاع اخلاص َف قطاع اخلدمات من‬
‫دون (شفافية) وضوابط وشروط واتباع أساليب صحيحة َف تلك اآللية يهيئ البيئة لفساد واسع َف‬
‫تلك اخلدمات الضرورية‪)1( .‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬عصام رفعت ‪/‬محاية املستهلك قبل خصخصة الكهرابء ‪ُ/‬ملة األهرام االقتصادي‪ /‬العدد‬
‫‪.1999 /9 /9/ 1600‬‬

‫(‪)146/1‬‬

‫وضمن اإلطار نفسه يالحظ أيضاً أن جزءاً كبرياً من القطاع العام َف العديد من البلدان متت‬
‫(خوصصته) بشكل واسع وسريع وَف أحيان كثرية بعيداً عن علم املهتمني بشراء هذا القطاع من‬
‫الصناعيني والتجار وأصحاب األعمال‪ ،‬وجرى عرض مصانع عامة كبرية جداً (أنشأت مباليني‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫العمالت الصعبة) ابملزاد والبيع دون إعالن سابق عنها فكانت من حصة أولئك البعيدين جداً عن‬
‫ُماالت عمل تلك املؤسسات (املخوصصة) الصناعية واإلنتاجية‪ .‬وَف الغالب كان أعضاء الطبقة‬
‫املخملية أو أولئك الصفوة املالكة ألرصدة مفتوحة هم من اشرتوا تلك املؤسسات اليت آلت ملكيتها‬
‫إليهم فانتقلت من القطاع العام إَل اخلاص البعيد عن فهم مساقات العمل الصناعي أو التجاري أو‬
‫إدارة املؤسسات اإلنتاجية‪ ،‬فضالً عن كون البيع قد مت ابلعمالت احمللية وأبرخص األسعار ولفئات مل‬
‫جتد هلا منافساً جياريها (‪ .)1‬وآبلية بيع فاسدة خسرت تلك البلدان مشاريعها العامة واستبدلت موارد‬
‫الدولة مبوارد ال قيمة هلا من العمالت احمللية ّما سبب تبديداً للثروات وضياعاً ملوارد اجملتمعات (‪.)2‬‬
‫وهكذا ند كيف أصبحت (اخلوصصة) سياسة ينمو معها الفساد رغم أهنا السياسة اليت اندت هبا‬
‫الكثري من املؤسسات ملكافحة فساد القطاع العام وتثبيت االقتصادات‪.‬‬

‫((‬

‫الفصل الثالث‬
‫ازدايد الفساد واستشراؤه‬
‫خالل منطق حترير التجارة‬
‫وحرية انتقال األشخاص واألموال والسلع عرب احلدود‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬حول هذا األسلوب من اخلوصصة راجع بداية البحث (حالة األمنوذج الروسي)‪.‬‬
‫(‪- )2‬عبد العزيز بن صاحل بن حبتور ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.59– 58‬‬

‫(‪)147/1‬‬

‫إن معاجلة موضوع الفساد من خالل حترير التجارة يشكل نقطة ذات تفرعات عديدة ولكون‬
‫املوضوع يرتبط ابالقتصاد واالقتصاديني أكثر من ارتباطه ابلسياسة (إال أنه َف عامل اليوم وضمن‬
‫طروحات (العوملة) يشغل اهتمام الكثريين من املختصني َف العلوم االجتماعية)‪ ،‬لذا سنحاول الرتكيز‬
‫على بعض النقاط اليت نستقرئ من خالهلا بروز آلية الفساد ضمن املوضوع ولكن قبالً علينا توضيح‬
‫معىن حترير التجارة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إهنا تعين‪( :‬إهناء القيود اليت حتد من حركة التجارة بني الدول وتوسيع اإلطار اجلغراَف لألسواق‪ ،‬لتنتقل‬
‫تلك األسواق َف حركتها من اإلطار احمللي أو اإلطار اإلقليمي ُث اإلطار العاملي‪ ،‬متخطية بذلك‬
‫احلدود واملوانع والقيود واألنظمة احلمائية املوضوعة‪ ،‬اليت تقف َف وجه تدفقات التجارة وحركة‬
‫رؤوس األموال مستفيدة من التطور التقاين الكبري الذي يسهل احلركة ويستهدف َف النهاية حتويل‬
‫العامل إَل سوق واحدة دولية)‪.‬‬
‫ويذكر أن حترير التجارة برز َف خطني متوازيني ولكنهما متكامالن مها‪-:‬‬
‫اخلط األول‪- :‬هو التحرير اجلماعي للتجارة الدولية َف إطار االتفاقيات العامة ومن أبرزها اتفاق‬
‫(اجلات ‪.)GATT‬‬
‫اخلط الثاين‪- :‬حترير التجارة الدولية َف إطار ثنائي وإقليمي ويتمثل ذلك َف اتفاقيات التكامل‬
‫االقتصادي بني الدول املتطورة والدول النامية (‪ )1‬أو بني الدول النامية ذاهتا ولعل ما يفيدان َف‬
‫موضوع حبثنا هو تناول اخلط األول وخصوصاً اتفاق‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪(- )1‬اجلات) شهدت سبع دورات متعاقبة للمفاوضات التجارية من أمهها (دورة كنيدي) َف أوائل‬
‫ستينيات القرن املنصرم اليت خفضت الرسوم الكمركية مبا يعادل (‪ّ )%50‬ما كانت عليه عام‬
‫‪ُ 1960‬ث بعدها (دورة طوكيو) خالل أواخر السبعينيات من القرن ذاته اليت خفضت الرسوم مبثل‬
‫(‪ّ )%30‬ما كانت عليه عام ‪ ،1974‬وكانت نتيجة الدورات املتعاقبة أن أصبح متوسط الرسوم‬
‫الكمركية املطبقة حالياً َف الدول املتقدمة أقل من (‪ )%10‬قياساً على ما يزيد عن (‪َ )%40‬ف‬
‫بداية القرن‪.‬‬

‫(‪)148/1‬‬

‫‪ )GATT‬حيث يقوم ( اجلات على مبادئ معلنة معروفة هي تفضيل التعددية على الثنائية َف‬
‫التبادل‪ ،‬وإلغاء اإلجراءات اليت تعطي أفضلية للمنتجني الوطنيني على األجانب‪ ،‬وابملوازاة منع‬
‫ّمارسات إغراق األسواق (‪ ، )DUMPING‬وختفيف الرسوم اجلمركية وإلغاء وسائل احلماية غري‬
‫املباشرة من خالل حتديد الكميات املسموح ابستريادها وكذلك فرض بعض الشروط (اإلدارية) أو‬
‫(الصحية) غري الصادقة َف تربيرها‪.)1( .‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫لقد أنشئت (اجلات) عام ‪ 1947‬وبعدة دورات أمهها دورة أو (جولة) األورغواي ما بني األعوام‬
‫(‪ )1994– 1986‬اليت تضمنت حترير االستثمارات األجنبية من القيود التجارية وكفالة املزيد من‬
‫احلماية حلقوق امللكية الفكرية‪ .‬إضافة إَل إنشاء منظمة التجارة العاملية ( ‪ )WTO‬لتحل حمل‬
‫(اجلات)‪ ،‬اليت أعلنت َف املغرب عام ‪ 1994‬وبدأت ّمارسة نشاطها عام ‪ 1995‬وتضمنت العديد‬
‫من االتفاقيات وهي ما يدعى أبخوات (اجلات)‪.‬‬
‫إن جولة األورغواي كما بيّنا َف األسطر القليلة السالفة تضمنت حترير االستثمارات األجنبية من‬
‫القيود التجارية (أي بروز دور الشركات متعددة اجلنسية بشكل أكرب)‪ .‬وكفالة املزيد من احلماية‬
‫حلقوق امللكية الفكرية ومن هذين املنطلقني سنحاول تسليط الضوء على آلية الفساد اليت صاحبت‬
‫حترير التجارة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬مسري أمني ‪َ/‬ف مواجهة أزمة عصران ‪/‬سينا للنشر‪ /‬القاهرة‪ /‬ط‪ /1997 /1‬ص ‪.62‬‬

‫(‪)149/1‬‬

‫إن تسهيل سيطرة االستثمارات اخلارجية على القطاعات االقتصادية واخلدمية األساسية َف الكثري من‬
‫الدول وخصوصاً عامل اجلنوب سيؤدي إَل حرمان الكثري من تلك الدول والشعوب من ملكيتها‬
‫لثرواهتا وحتويل امللكية إَل رأس املال اخلارجي‪ ،‬بل إن التبادل التجاري مع الدول املصدرة للمواد‬
‫األولية هلذه الشركات‪( ،‬فاألمنوذج اآلسيوي) يؤشر االخنفاض املستمر للمواد األولية ابلنسبة إَل‬
‫البضائع املصنعة ويالحظ َف عام ‪ 1993‬اخنفاض مبادلة تلك املواد بنسبة (‪ )%50‬للمواد املصنعة‪،‬‬
‫ذلك أن الشركات تقوم بتصنيع البضائع َف غري مصلحة الدول املصدرة للمواد األولية (‪ .)1‬ولذلك‬
‫يذكر أحد رؤساء ُمالس إدارة تلك الشركات َف وصفه للدور الذي تؤديه أبهنا ليست كما تدعي‬
‫(متعددة اجلنسية) بل هي عابرة للقومية أو ما بعد القومية أو معادية للقومية‪ ،‬ذلك أهنا تنكر فكرة‬
‫األمم أو أية إقليمية أخرى تفيدها زمانياً أو مكانياً (‪ .)2‬ولذلك يكون اهلم األول واألخري هو حتقيق‬
‫املنفعة على حساب الشعوب‪ .‬وهلذا كله تستخدم آلية اإلفساد لتمرير صفقات تلك الشركات‪،‬‬
‫حيث تورد إحدى الباحثات أن الشركات العابرة للقومية اليت متارس نفوذها ضمن منطق حترير‬
‫التجارة وخصوصاً َف بلدان اجلنوب تقوم ابستئجار وكالء حمليني هلا يكونون مبثابة ّمثلني عنها لدى‬
‫احلكومات احمللية وهذا الوكيل حيصل على نسبة معينة من قيمة العقود اليت تكسبها الشركة بواسطته‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫نتيجة ألساليب ذلك الوكيل امللتوية ومن أبرزها قيامه إبغراء املوظفني العمومني َف تلك البلدان تقدمي‬
‫الرشاوى هلم اليت غالباً ما تكون قيمة سيارة (وهي تعين الشيء الكثري َف البلدان الفقرية)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬ماجد حممد شدود ‪/‬العوملة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.87‬‬
‫(‪Benjamin R. Barber. /jehad vs Mcworld /Ny/ Times - )2‬‬
‫‪.Books/ 1995/ p. 27‬‬

‫(‪)150/1‬‬

‫ّما يؤدي ابلتايل إَل ارتفاع كلف إنشاء املشاريع حبوايل (‪ )%10‬تدفع نسبة آللية الفساد اليت يقوم‬
‫هبا ذلك الوكيل احمللي (‪.)1‬‬
‫وَف اإلطار نفسه يالحظ أن جريدة الصباح الفرنسية بعددها الصادر َف ‪ 1995 /3 /17‬ذكرت أن‬
‫الرشاوى اليت قدمتها الشركات الفرنسية ملثل هذه األمور َف العام ‪ 1994‬تقدر حبوايل (عشرة بليون‬
‫فرنك فرنسي)‪)2( .‬‬
‫جدير ابإلشارة إَل أن الوالايت املتحدة األمريكية وَف السنوات اليت أعقبت فضيحة (ووتر غيت)‬
‫أصدر فيها الكونغرس عام ‪ 1977‬قانوانً (يدعى قانون املمارسات األجنبية الفاسدة) (‪ ،)3‬الذي‬
‫يُظهر أن القانون األمريكي ال يسمح للشركات بدفع مبالغ رشاوى وإظهارها َف موازنتها السنوية‬
‫وعدها كجزء من حساابت الكلفة اليت ينبغي حسمها عند احتساب الضرائب املفروضة على األرابح‬
‫املتحققة لتلك الشركات‪.‬‬
‫لذا نرى أن (مايكل كانتور) وزير التجارة األمريكي األسبق َف حديثه يوم ‪َ 1996 /7/25‬ف النادي‬
‫(ديرتويت) استعرض تقريراً خبسائر قطاع التجارة واملقاوالت األمريكي وإضاعة الفوز‬
‫ْ‬ ‫االقتصادي ب‬
‫بعقود خارجية بلغت قرابة (مخسة وأربعني مليار دوالر أمريكي) ما بني العامني ‪.1995– 1994‬‬
‫(‪)4‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬رافع ‪/‬عوملة الفساد‪ُ /‬ملة العريب ‪/‬العدد ‪ /481‬ديسمرب ‪ 1998‬ص ‪.140‬‬
‫(‪.E. MAIL; Vtanzi @ inf. Org - )2‬‬
‫(‪- )3‬يتضمن قانون املمارسات األجنبية الفاسدة بعد تعديله عام ‪ 1988‬حكمني‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أ) جترمي تقدمي مدفوعات معينة إَل املسؤولني احلكوميني َف اخلارج‪.‬‬
‫ب) إجراء مراجعة حسابية دقيقة جلميع املعامالت وإنشاء نظام للمراقبة الداخلية مع القيام بتدقيق‬
‫دوري للحساب (لكشف الفساد إذا ما وجد)‪.‬‬
‫(‪- )4‬د‪ .‬مظهر حممد صاحل ‪/‬الفساد اإلداري َف ظل نظام العوملة بني التزييف األكادميي والتطبيقات‬
‫الدولية الضالة ‪ُ/‬ملة احلكمة‪ /‬العدد العاشر‪ /‬السنة الثانية‪ /1999 /‬ص ‪.77‬‬

‫(‪)151/1‬‬

‫ونتيجة هلذا القانون شكت أكثر الشركات األمريكية من تطبيقيه ألنه يفسح اجملال للشركات األوربية‬
‫أن تقدم الرشا ّما حدا ابحلكومة األمريكية إَل التظاهر ابلسعي ضاغطة على شركائها األوربيني‬
‫إلصدار تشريعات على هذه الشاكلة حتظر تقدمي مثل هذه الرشا‪.‬‬
‫لكن من املعروف أن الوالايت املتحدة األمريكية هلا احلصة الكربى َف التجارة الدولية آلالت ومعدات‬
‫الطاقة الكهرابئية (‪ )%21‬وكذلك التجارة الدولية َف قطاع الطائرات وقطع غيارها (‪ّ )%40‬ما‬
‫يدل على أن الشركات األمريكية متورطة برغم أتكيداهتا على متسكها بقانون (املمارسات األجنبية‬
‫الفاسدة) َف تقدمي الرشاوى اخلارجية َف القطاعات املذكورة‪.‬‬
‫األمر الذي جعل الدعوة للدول الرأمسالية الصناعية وخصوصاً دول‬
‫)‪ )1( ( O. E. C. D.‬بتجرمي الرشاوى املقدمة َف التجارة الدولية أمراً ال يلقى اهتماماً َف الدول‬
‫األوربية املنافسة للوالايت املتحدة األمريكية‪)2( .‬‬
‫وابلنظر النتشار ظاهرة الرشاوى ضمن التجارة الدولية طالبت منظمات عدة درست الظاهرة ووقفت‬
‫على حجمها ابحلد من الظاهرة ومنح أعمال الشركات شفافية أكرب ولذلك تضمنت الورقة الثالثة‬
‫ملنظمة الشفافية الدولية‬
‫( ‪ )TI‬املقدمة إَل (االحتاد األوريب) هناية عقد التسعينيات مقرتحاً إلنشاء قائمة سوداء تدرج فيها‬
‫الشركات اليت انتهكت قوانني حظر الرشوة‪ ،‬واتباع آلية للكشف عن ذلك االنتهاك من دون اللجوء‬
‫إَل القضاء حلرمان تلك الشركات من احلصول على العطاءات مستقبالً ّما يشكل عائقاً دائماً أو‬
‫مؤقتاً متنع مبوجبه هذه الشركات عن ّمارسة أعماهلا‪)3( .‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬منظمة التعاون والتنمية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪- )2‬آ‪ .‬أمحد السيد النجار ‪/‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.163‬‬
‫(‪.WWW. Transparency. Org - )3‬‬

‫(‪)152/1‬‬

‫وبعدما عرضنا ألحد املنطلقات اليت برزت َف جولة األورغواي وهو حترير االستثمارات اخلارجية فإننا‬
‫سوف نعرض أيضاً ملنطلق آخر هو محاية حقوق امللكية الفكرية ‪( Intellectual‬‬
‫)‪.)1( Property Rights‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬إن العبارة تسبغ على امللكية املراد محايتها مكانة قد تزيد َف كثري من األحيان عما تستحق‬
‫فهي تشمل حقوق املؤلف ( ‪ )Copy Rights‬وبراءات االخرتاع ( ‪ )Patents‬وخمتلف أنواع‬
‫العالمات التجارية ( ‪.)Trade Marks‬‬

‫(‪)153/1‬‬

‫اليت زادت اجلولة املذكورة من درجة احلماية املمنوحة هلا فضالً عن ما أضافته اتفاقية إنشاء منظمة‬
‫التجارة العاملية ( ‪ )W. T. O‬من ضوابط لتلك احلماية‪ ،‬مؤادها توسيع نطاقها‪ ،‬وزايدة مدة‬
‫سرايهنا وإلزام الدول املوقعة على االتفاقية تضمني تشريعاهتا الوطنية القواعد اجلديدة للحماية‪ ،‬وفرض‬
‫عقوابت على اخلارجني عليها (‪ )1‬طبقاً ألحد اتفاقيات (أخوات اجلات) الداخلة َف إطار املنظمة‬
‫أعاله ( ‪ )W. T. O‬وتدعى اتفاقية )‪ )2( ( TRIPS‬اليت بشكلها حسب وصف (الدكتور‬
‫مسري أمني) ال تسعى إال تكريس املنافسة بل العكس متاماً أي إَل اعتماد امتيازات االحتكار‬
‫التكنولوجي على حساب احتياجات التنمية (‪ .)3‬حيث تنص على امتداد حقوق املؤلف إَل (مخسني‬
‫سنة)‪ ،‬وحق استغالل العالمات التجارية إَل (سبع سنوات)‪ ،‬وأن تزداد مدة محاية براءات االخرتاع‬
‫من (عشرة) إَل (عشرين) سنة‪ .‬ولتشمل ليس فقط طريقة التصنيع كما كانت بل أضيف املنتج نفسه‬
‫فضالً عن طريقة التصنيع اليت تضمنتها االتفاقات السابقة(‪ .)4‬إن ذلك كله يلقي ابألعباء الثقيلة‬
‫على الدول النامية اليت ال حتقق من النفع إال النزر اليسري حيث من الواضح أن أغلبية براءات‬
‫االخرتاع وحقوق التأليف والعالمات التجارية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬جالل أمني ‪/‬العوملة والتنمية العربية من محلة انبليون إَل جولة األوراغوي ‪– 1798‬‬
‫‪/ 1998‬بريوت‪ /‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪/‬أيلول‪ 1999 /‬ص ‪.180‬‬
‫(‪- )2‬د‪ .‬ماجد حممد شدود ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.120‬‬
‫(‪- )3‬د‪ .‬مسري أمني ‪َ/‬ف مواجهة أزمة عصران ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.67‬‬
‫(‪- )4‬د‪ .‬جالل أمني ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.181‬‬

‫(‪)154/1‬‬

‫منشؤها العامل املتقدم حبكم تقدمه نفسه وإن أكثر من (‪ )%80‬من إمجايل براءات االخرتاع املطبقة‬
‫َف العامل الثالث ّملوك لألجانب الذين هم األساس شركات متعددة اجلنسية دولتها األم َف أغلب‬
‫األحيان الوالايت املتحدة األمريكية أو دول أوراب الغربية‪ّ ،‬ما يلزم الدفع مقابل استخدام تلك احلقوق‬
‫طبقاً لالتفاقية وينعكس هذا على ارتفاع أسعار السلع واخلدمات اليت تستخدم هذه االخرتاعات أو‬
‫األمساء التجارية‪.‬‬
‫وَف ذلك عبء ثقيل على عامل اجلنوب (جيسده األمنوذج املصري) فقطاع حيوي هو قطاع األدوية‬
‫ميكن أن يعاين من آلية هذه االتفاقية املرهقة لكاهل ذلك البلد النامي‪.‬‬
‫حيث جذبت مصر انتباه الشركات متعددة اجلنسية (إلنتاج األدوية) لكوهنا تعد أكرب سوق لألدوية‬
‫َف املنطقة العربية (مليار دوالر حسب تقديرات عام ‪ ،)1977‬بسبب ما أحرزته هذه الصناعة من‬
‫منو اعتماداً على إنتاج بدائل ملنتجات أجنبية‪ ،‬وعند االفرتاض أبن تطبيق اتفاقية ( ‪ )TRIPS‬على‬
‫ذلك سوف تكون احلصيلة ارتفاع أسعار األدوية َف مصر إَل مستوى أسعارها َف الوالايت املتحدة‬
‫األمريكية مثالً‪ّ .‬ما يؤدي إَل ارتفاع أسعار األدوية َف املتوسط إَل حنو (مخسة أمثال) مستوايهتا احلالية‪.‬‬
‫(‪ )1‬من هنا ميكننا تقدير األثر السيئ واملنفعة الفاسدة اليت حتققها تلك الشركات نتيجة لتلك‬
‫االتفاقية‪ .‬على حساب الدول النامية اليت كانت حتصل على منافع من دون مقابل قبالً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬م‪ .‬ن ‪/‬ص ‪.181‬‬

‫(‪)155/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن (د‪ .‬مسري أمني) حيدد أن أعضاء (اجلات) أو ما تبعها من اتفاقيات أخذوا استخدام مصطلح‬
‫(القرصنة) َف تناول مشكلة نقل التكنولوجيا ولقد دافعت (اجلات) عن مواقف احتكارية لصاحل‬
‫صناعة األدوية َف مواجهة العامل الثالث الذي طالب بتخفيض شروط هذه التجارة من أجل تسهيل‬
‫حصوله على أدوية رخيصة‪ ،‬كما أنه يضيف أن (اجلات) تتجرأ برغم كل حماوالت التصدي (للفساد)‬
‫على طرح مشروع مينع دول عامل اجلنوب حق اختاذ اإلجراءات الالزمة للحد من الغش َف فواتري‬
‫التصدير واالسترياد علماً أبن هذا الغش املشهور هو وسيلة للفساد وللهروب من الضرائب (‪.)1‬‬
‫لذلك نرى هذه الشركات تلجأ إَل تزوير واثئقها هبدف ختفيض الضرائب املفروضة عليها اليت ابلتايل‬
‫تؤدي إَل ختفيض املبالغ املقدمة للدولة ّما يضعف دور الدولة َف أداء املهام والوظائف املختلفة‬
‫املطلوب منها حتقيقها (‪ .)2‬ففي مثال (األمنوذج األملاين) نلحظ أن خرباء شؤون الضريبة َف مصرف‬
‫(كوفر بنك) األملاين وهو من أبرز املؤسسات االقتصادية قد خفضوا من خالل تالعبهم ابلواثئق‬
‫األرابح اليت يتعني على املصرف أن يدفعها مبقدار (‪ 700‬مليون مارك أملاين) (‪ .)3‬كذلك ما قامت‬
‫به شركة ( ‪ )BMW‬اليت دفعت عام ‪( 1988‬مخسمائة ومخسة وأربعني مليون مارك) كضريبة لتدفع‬
‫عام ‪( 1992‬أربعة وثالثني مليون مارك أملاين) فقط أبسلوب ال يتفق مع روح القوانني الضريبية‬
‫مستفيدة من تشابكات العوملة ومنطق حترير التجارة‪)4( .‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪ .‬مسري أمني ‪َ/‬ف مواجهة أزمة عصران‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.67‬‬
‫(‪- )2‬د‪.‬ماجد حممد شدود ‪/‬العوملة‪ /‬م س ذ ‪/‬ص ‪.124‬‬
‫(‪- )3‬انظر هانس بيرت وآخرون ‪/‬فخ العوملة‪ /‬الكويت‪ /‬اجمللس الوطين للثقافة‪ /1998 /‬ص ‪.348‬‬
‫(‪- )4‬د‪ .‬ماجد حممد ‪/‬العوملة‪ /‬م س ذ ‪/‬ص ‪.124‬‬

‫(‪)156/1‬‬

‫ّما استدعى هذا األسلوب خفض تلك الشركة مدفوعاهتا الضريبية مبا يزيد عن (مليار مارك) أملاين َف‬
‫خالل أربع سنوات ولألسلوب ذاته اضطرت شركات ومشاريع يربو عددها على الستني مشروعاً من‬
‫ضمنها شركة (كوكاكوال) إَل الدفع اإلجباري لوزارة املالية الياابنية عام (‪ )1994‬مبلغ يربو على‬
‫(امللياري مارك أملاين) بسبب اكتشاف استخدامها التحايل الضرييب الفاسد لإلضرار ابملصاحل العامة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وحتقيقها فائدهتا املادية‪)1( .‬‬
‫إن ما تقدم يعطي الدليل واضحاً على عمق الفساد َف ثنااي منطق حترير التجارة الذي يزيد من معاانة‬
‫كثريين بدالً من التخفيف عنهم اقتصادايً‪.‬‬
‫((‬

‫الفصل الرابع‬
‫الثغرات القانونية وضعف دور الرقابة‬
‫على كبار املسؤولني العموميني‬
‫واملوظفني َف الدول‬

‫َف بداية احلديث عن الثغرات القانونية وضعف دور الرقابة على كبار املسؤولني العمومني واملوظفني‬
‫َف الدول ند أنفسنا أمام شقني‪- :‬‬
‫الشق األول ‪ : ...‬هو الثغرات القانونية‪.‬‬
‫أما الشق الثاين ‪ : ...‬فهو ضعف دور الرقابة‪.‬‬
‫إالّ أن الشقني بطبيعتهما متالزمان ومتداخالن‪ ،‬لكن ضرورات البحث العلمي متلي الفصل بينهما‬
‫وتدع التداخل يفصح عن نفسه َف خالل املوضوع كله‪.‬‬
‫لذلك نقول إ ّن‬
‫لغموض التفسريات وعدم وضوح النصوص َف قانون ما ابلذات وكذلك االختالف َف النص القانوين‬
‫ما بني دولة وأخرى قد يوجد فرصة ساحنة النتشار آليات الفساد َف بعض األحيان وهو ما يفسر‬
‫ويفصح عن مقصدان (ابلثغرات القانونية) الذي سنوضحه ابآليت‪- :‬‬
‫نذ ّكر أنه َف موضع سبق من هذا البحث قد عرضنا جلرائم غسيل األموال اليت تعد ظاهرة تسبب‬
‫مشكالت مستعصية للكثري من دول العامل ّما دعا الكثري من تلك الدول إَل قوننة تشريعات حتارب‬
‫الظاهرة وحتاول استئصال شأفة ذلك الشكل من أشكال الفساد منها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬املصدر نفسه ‪/‬ص ‪.124‬‬

‫(‪)157/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫حىت أن دوالً صنفت ضمن أكثر الدول مساحاً لألموال املغسولة رواجا هبا (مثال لبنان) سنت أخرياً‬
‫تشريعات ملكافحة غسيل األموال ّما يدل على أن عظم الظاهرة أدى نتيجة للضغط الدويل إَل سن‬
‫مثل هذه القوانني (‪.)1‬‬
‫إال أن (الثغرة القانونية) تتجلى عندما نقارن ذلك حبالة (جزر سيشل) حيث مت تشريع قانون َف‬
‫السنوات األخرية لعقد التسعينيات من القرن املنصرم من قبل حكومة جزر سيشل يبدو بريء املظهر‬
‫ويدعى (قانون التنمية االقتصادية)‪ ،‬ويقدم هذا القانون َف أحد بنوده لألجانب الذين يستثمرون أكثر‬
‫من (عشرة ماليني دوالر) حصانة من املالحقة القضائية املرتتبة على مجيع املخالفات اجلنائية‪ ،‬بل إن‬
‫لغة هذا القانون تكفل عدم إمكانية تغيريه إال من خالل استفتاء وطين وتعديل دستوري‪.‬‬
‫إن هذا القانون (برغم ما أثري حوله من استنكار عاملي وضغوط دولية على حكومة سيشل إللغائه‬
‫(يشكل ثغرة قانونية متثل دعوة علنية من خالل قانون مسنون َف دولة (أي دعوة رمسية) جلميع‬
‫أولئك املشتغلني بغسيل األموال القذرة من مهربني وجتار خمدرات ومرتشني‪ ..‬اخل (أن أتوا إَل سيشل‬
‫بذلك املال القذر)‪ّ )2( .‬ما يهيئ للمال املتأيت من أعمال الفساد أن يزدهر َف تلك اجلزيرة مستغالً‬
‫ثغرات القانون َف قانوهنا عن قوانني دول أخرى‪ .‬األمر الذي يفسر أن اختالف النصوص القانونية ما‬
‫بني الدول يشكل بيئة مهيئة النتشار الفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫مساء بتوقيت بغداد الصيفي‬
‫(‪- )1‬إذاعة لندن ‪ .B. B. C‬ابللغة العربية ‪/‬الساعة ( ‪ً )10 ،15‬‬
‫‪/‬اجلمعة ‪.2001 /4 /13‬‬
‫(‪- )2‬ابتريك جلني ‪/‬تعومل الفساد‪َ /‬ف كيمربيل ان آليوت ‪/‬الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‬
‫‪.44‬‬

‫(‪)158/1‬‬

‫ليس هذا فقط بل قد يكون اختالف التشريعات َف دولة واحدة (خصوصاً الدول الفيدرالية) سبباً‬
‫الستشراء الفساد‪ .‬فاختالف تشريعات (الوالايت) عن تشريعات احلكومة الفيدرالية يعطي لتلك‬
‫األحكام املتباينة فرصة جتعل الرباطيل (الرشوة) مسألة يصعب جتنبها‪ .‬لذلك تروي دراسة البنك‬
‫الدويل عن املنشآت اخلاصة َف (الوالايت املتحدة الربازيلية) أن أحد أصحاب املشاريع تلقى زايرة‬
‫من مفتشني َتبعني حلكومة الوالية وللحكومة االحتادية َف الوقت عينه وكان هدف الزايرة املشرتكة هو‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫التوثيق من ضبط الشركة وهي تنتهك واحداً من قوانني احلكومتني َف األقل (املقصود احلكومية‬
‫الفيدرالية وحكومة الوالية) املتباينة بشأن تركيب أجهزة إطفاء احلرائق‪.‬‬
‫إن مثل هذه املمارسات متكن سلطات إنقاذ القوانني‪ ،‬من رجال شرطة إَل وكالء النائب العام إَل‬
‫القضاة‪ ،‬أن يطلبوا مدفوعات للتغاضي عن االنتهاكات‪ ،‬أو إلنقاص اجلزاءات املرتتبة‪ّ ،‬ما جيعل آلية‬
‫الفساد منتشرة َف مثل هكذا ّمارسات‪.)1( .‬‬
‫يتضح ّما تقدم أن الثغرات القانونية تكون واضحة َف البلد الواحد وال سيما البلد الفيدرايل حيث‬
‫يلحظ التباين بني القانون االحتادي وقانون الوالية ّما يهيئ قاعدة تساعد على منو الفساد‪.‬‬
‫وبعدما أوضحنا كيف ميهد تباين القوانني للفساد سنوضح فيما أييت كيف يؤثر غموض القوانني وعدم‬
‫وضوحها وكذلك غموض التفسريات على منو الفساد‪ .‬حيث نالحظ ضمن تشريعات الدول قوانني‬
‫متنع املوظفني العمومني من ابتزاز األفراد للحصول على مبالغ غري قانونية (نتيجة أعمال فساد) أو‬
‫تشريعات تكافح كل شكل من أشكال الفساد‪ ،‬إال أن نصوص هذه القوانني حتتفظ هبا احلكومات َف‬
‫سجالهتا فحسب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬سوزان روز –اكرمان ‪/‬االقتصاد السياسي للفساد ‪َ/‬ف كيمربيل ان اليوت‪ /‬الفساد واالقتصاد‬
‫العاملي ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.59– 58‬‬

‫(‪)159/1‬‬

‫أما على صعيد الواقع التطبيقي‪ ،‬الذي تكون فيه نسب الفساد عالية َف مؤسسات إحدى تلك‬
‫الدول تصبح هذه القوانني أسرية تلك السجالت‪ ،‬وتصبح حقوق االعرتاض على ّمارسات الفساد‬
‫عالية َف مؤسسات إحدى تلك الدول تصبح هذه القوانني أسرية تلك السجالت‪ ،‬وتصبح حقوق‬
‫االعرتاض على ّمارسات الفساد وابالً قد جيرم من ورائه املعرتضون بسبب كون نصوص القوانني غري‬
‫ذات أمهية جتاه استغالل السلطة وضعف التفسريات القانونية‪)1( .‬‬
‫وقد أظهرت التجربة َف (هونك كونك) أن التعليمات غري الدقيقة تعطي سلطة تقديرية أكرب‬
‫للموظف وتوفر له مزيداً من فرص الفساد ولذلك يتضح أن السياسة والتشريع وحدمها ال يضمنان‬
‫االلتزام ابإلجراءات الرمسية للبريوقراطية وإمنا ال بد من أن يتبع ذلك إصدار تعليمات تنظيم هذه‬
‫اإلجراءات تتسم ابلوضوح لسد كل ثغرة ميكن أن مير عربها الفساد (‪)2‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وبناء على ذلك لكي أتخذ التشريعات بعدها الصحيح يشرتط أن يكون البناء القانوين لوسائل‬
‫مواجهة الفساد متميزاً ابلعبارات الدقيقة اليت حتدد األفعال حمل التجرمي حتديداً دقيقاً واالبتعاد عن‬
‫الغموض َف التشريع الذي يصعب معه حتديد املعىن (‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬األمم املتحدة ‪/‬الفساد َف احلكومة‪ /‬د‪ .‬اندر أبو شيخة (مرتجم) ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.15‬‬
‫(‪- )2‬املصدر نفسه ‪ /‬ص ‪.69‬‬
‫(‪- )3‬د‪ .‬فتحي سرور ‪/‬العوملة والفساد واجلرمية املنظمة‪ُ /‬ملة األهرام االقتصادي ‪/‬العدد (‪)1600‬‬
‫‪.1999 /9/9‬‬

‫(‪)160/1‬‬

‫ولتكون التشريعات فعالة فعليها أن تكون حديثة وخاضعة للمراجعة الدورية وتفسر وتنفذ بشكل‬
‫واضح وحازم وعادل (‪ ،)1‬مينع معها أن حيوز املوظف سلطة اختاذ القرار الذي قد يقوم ببيعه (إذا ما‬
‫انعدمت نزاهته) إَل مستفيد متواطئ معه بغية شراء املستفيد للقرار اإلداري والسياسي ملصلحة‬
‫خاصة تتحقق معها آلية الفساد (‪ )2‬الذي يبلغ حداً لتجاهل القوانني وعدم إنقاذها ّما يسبب هدراً‬
‫لألموال وإفالساً للخزينة وتدمرياً للمجتمع وإحالل شريعة الغاب حمل شريعة القانون والدستور ‪)3(.‬‬
‫وهو ما يتجلى َف أمنوذج القانون البولندي حيث أن مصطلح (موظف عام ‪)Public Official‬‬
‫الذي يظهر َف القانون املذكور مصطلح حييطه الغموض‪ ،‬وأن معىن املصطلح َف مواد القانون اجلنائي‬
‫لسنة ‪ 1970‬حبماية املسؤولني من الفساد يعرفه‪- :‬‬
‫(أبنه القائم ابلوظيفة العامة ‪ )Public Factionary‬ويكون ذلك املوظف مصاانً من اهلجوم‬
‫على شخصه أو تعرضه ألية إساءات أخرى)‪ .‬ولكن َف املواد اليت تتعلق ابلرشوة ظهر املعىن (أبنه أي‬
‫شخص يقوم بوظيفة عامة ‪ ) Whoever performs A Public Functions‬املادة‬
‫(‪ .)239‬كما تُعرف الفقرة (‪ )11‬من املادة (‪ )120‬من القانون القائم ابلوظيفة العامة على أنه‬
‫الشخص الذي يعمل َف اإلدارة احلكومية‪- :‬‬
‫‪ -‬القاضي وقاضي القضاة والنائب العام‪.‬‬
‫‪ -‬الشخص الذي يشغل وظيفة عالية أو ينهض مبسؤولية حمددة ومرتبطة بوحدة تنظيمية ابلدولة‪ ،‬أو‬
‫منظمة تعاونية أو أية مجاعة اجتماعية أخرى‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪ -‬الشخص املسؤول بشكل خاص عن محاية النظام العام‪ ،‬األمن العام‪ ،‬املمتلكات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬الشخص الذي يعمل َف اخلدمة العسكرية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬األمم املتحدة ‪/‬الفساد َف احلكومة‪ /‬د‪ .‬اندر شيخة (مرتجم) م س ذ ‪/‬ص ‪.69‬‬
‫(‪- )2‬جورج طرابيشي ثنائي الدميقراطية والفساد‪ ،‬صحيفة احلياة ‪ 11/‬متوز ‪ /99‬م س ذ‪.‬‬
‫(‪- )3‬د‪ .‬حممود عبد الفضيل ‪/‬من الفساد األصغر إَل الفساد األكرب‪ُ /‬ملة السفري ‪/3 /29/‬‬
‫‪.2000‬‬

‫(‪)161/1‬‬

‫‪ -‬األشخاص الذين يتمتعون حبماية قانونية بسبب أدائهم لوظيفة عامة بوجود قوانني خاصة‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف القانون أيضاً ّمثلي الربملان وّمثلي الشعب على أهنم يقومون بوظائف عامة‪.‬‬
‫إال أنه وفيما يتعلق ابلرشوة كما عرفتها املادة (‪ )239‬فقد لوحظ أن مدى (األشخاص الذين يقومون‬
‫بوظائف عامة) قد مت تفسريه حبدود ضيقة من أجل استثناء هؤالء الذين يشغلون مراكز عليا بوحدات‬
‫الدولة التنظيمية األخرى مثل مصنع أو شركة جتارية (‪.)1‬‬
‫وهلذا ند أن االختالف َف التفسري ما بني مواد القانون الواحد جيعل الثغرة ابدية من خالل ذلك‬
‫االختالف ويهيئ أرضاً خصبة لنمو الفساد‪.‬‬
‫ّما تقدم توضح لنا كيف ميكن النفاذ من ثغرات القوانني إلحالل الفساد حمل التعامل النزيه‪ .‬وإن هلذا‬
‫املوضوع ارتباطاً وثيقاً ابلشق الثاين ملوضوع مبحثنا هذا (وهو ضعف دور الرقابة على كبار املسؤولني‬
‫العموميني واملوظفني َف الدول)‪ ،‬حيث يتجلى ضعف دور الرقابة عندما يرتبط الفساد عادة بتفصيل‬
‫قوانني انتخاابت ومتويل محالت انتخابية وكذلك عدم األخذ ابلتشريعات (كما بينا َف ما سلف)‪،‬‬
‫اليت تضمن عدم تضارب املصاحل املالية لدى النواب والوزراء وكبار املوظفني‪ .‬لذلك نالحظ أن‬
‫تداخل احللقات املبينة َف الشكل التايل حتول الوظائف البريوقراطية العليا إَل أدوات لإلثراء‬
‫الشخصي املتصاعد من خالل تلك القوانني والتشريعات اليت أتيت ضعيفة من حيث دور الرقابة‬
‫وإنفاذ املساءلة احلقيقة(‪.)2‬‬

‫دوائر املال واألعمال‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عضوية ُمالس‬
‫إدارة الشركات‬
‫النخبة السياسية‬
‫وزراء‪ ،‬نواب‪،‬‬
‫‪ ...‬مستوزرون ‪ ... ...‬البريوقراطية‬
‫التعينات َف وظائف‬
‫حكومية عليا‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬األمم املتحدة ‪/‬الفساد َف احلكومة‪ /‬د‪ .‬اندر أبو شيخة (مرتجم) ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.134‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬حممد عبد الفضيل‪ /‬الفساد وتداعياته َف الوطن العريب‪ُ /‬ملة املستقبل العريب‪ /‬العدد ‪/243‬‬
‫مايس ‪.1999‬‬

‫(‪)162/1‬‬

‫ونتيجة الوهن َف دور املراقبة والتشريعات ند أن الفساد ينمو ويكون مغرايً َف املواقف والظروف‬
‫اليت يكون فيها عنصر املخاطرة معدوماً أو شبه معدوم وهو ما توفره حالة الضعف هذه وبزايدة‬
‫عنصر املخاطرة يقل اإلغراء بل يكاد يتالشى كلما أحكم الطوق لذا جيب وضع ضوابط واضحة‬
‫ملكافحة أنشطة الفساد وكذلك تطبيق التشريعات بشكل سليم وتعديل التشريعات املعمول هبا واليت‬
‫يشوهبا اللبس‪ .‬مضافاً إَل هذا كله استخدام عنصر اجلزاء بشكل صارم وحازم بغض النظر عن‬
‫الوضع االجتماعي ملرتكيب أنشطة الفساد تلك‪ ،‬والعمل على تعديل أو إلغاء كل قانون يوفر احلماية‬
‫ويضعف دور الرقابة على كبار املسؤولني العموميني واملوظفني َف الدول من خالل احلصاانت اليت‬
‫يتمتعون هبا َف ظل تلك القوانني السائدة‪ ،‬اليت جتعل إمكانية انتشار آليات وتداعيات الفساد ّمكنة‪،‬‬
‫األمر الذي يشكل عائقاً أمام سلطات التحقيق واملساءلة(‪ّ ،)1‬ما جيعل األمر على حقيقته مسألة‬
‫يصعب التعامل معها عندما يتعلق األمر أبولئك األشخاص أصحاب املستوايت اإلدارية الرفيعة َف‬
‫املؤسسات واملنظمات احلكومية الذين جيعلون من التشريع أمراً فاسداً ومن القوانني أشكاالً حمرفة‬
‫تتيح اجملال خلدمة فساد أقطاب النظم الفاسدة تلك(‪.)2‬‬
‫وملعاجلة احلالة ضمن سياقات األمنوذجات التطبيقية نورد املثال الذي تناوله الرئيس اجلزائري (عبد‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫العزيز بو تفليقة) لبيان حالة ضعف الرقابة وفساد مسؤويل اجلهاز اإلداري َف ذلك البلد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األمم املتحدة‪ /‬الفساد َف احلكومة‪ /‬د‪ .‬اندر أمحد أبو شيخة‪( /‬مرتجم)‪ /‬م س ذ) ص‪.31‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪ /‬ص‪.33‬‬

‫(‪)163/1‬‬

‫ففي خطابه َف ‪ /27‬نيسان‪ 1999 /‬حدد الرئيس اجلزائري أن البالد (دولة مريضة ابلفساد‪ ،‬دولة‬
‫مريضة َف إدارهتا‪ ،‬مريضة مبمارسات احملاابة واحملسوبية والتعسف والنفوذ والسلطة‪ ،‬وعدم جدوى‬
‫الطعون والتظلمات‪ ،‬مريضة ابالمتيازات اليت ال رقيب عليها وال حسيب‪ ،‬مريضة بتبذير املوارد العامة‬
‫بنهبها بال انهٍ وال رادع) ومن ُث يضع بعض املالحظات إَل أن هذه األمراض (أضعفت الروح املدنية‪،‬‬
‫وأبعدت القدرات‪ ،‬وهجرت الكفاءات‪ ،‬ونفرت أصحاب الضمري‪ ،‬وشوهت مفهوم الدولة وغاية‬
‫اخلدمة العمومية)(‪.)1‬‬
‫إن ما تطرق إليه الرئيس بوتفليقة يظهر جلياً واضحاً من خالل ما ذهب إليه اجلنرال (حممد بتشني)‬
‫الوزير املستشار لدى الرائسة اجلزائرية َف ّإأبن حكم الرئيس السابق (األمني زروال) خالل إدالئه‬
‫بشهادة أمام احملاكم اجلزائرية (ذاكراً أبن لديه معلومات مثرية عن مسؤولني كبار بينهم رئيسا حكومة‬
‫سابقان ووزيران هلما سابقان قاموا بعمليات حتويل األموال العمومية للخارج)(‪َ )2‬ف إطار التحقيقات‬
‫اليت جرت َف مؤسسة (سيدار) اليت شهدت فساداً مالياً واسعاً يضاف إليه ما كشف النقاب عنه قبل‬
‫تلك األحداث رئيس احلكومة اجلزائرية األسبق (عبد احلميد اإلبراهيمي) عن تورط مسؤولني‬
‫حكوميني كبار ووزراء سابقني َف قضااي فساد ورشاوى بلغ حجمها (‪ 26‬مليار دوالر)(‪.)3‬‬
‫ابإلضافة إَل اهتامات أخرى وجهت إَل وزير البرتول األسبق بسرقة‬
‫(‪ 40‬مليار دوالر) من أموال الدولة اجلزائرية(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬راجع أ‪ .‬د‪ .‬حممود عبد الفضيل‪ /‬اقتصادايت الفساد‪ /‬من الفساد األصغر إَل الفساد األكرب‪/‬‬
‫صحيفة السفري ‪ .2000/3/29/‬وكذلك تتمة املقالة َف ذات الصحيفة املنشورة بتاريخ‬
‫‪.2000/3/30‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )3‬ملزيد من التفصيل أنظر جريدة األهرام القاهرية ‪.1992/1/22/‬‬
‫(‪ )4‬ملزيد من التفصيل أنظر جريدة األهرام القاهرية ‪.1992/1/14/‬‬

‫(‪)164/1‬‬

‫ومن خالل ما تقدم وبرغم االهتامات املوجهة واألدلة على ّمارسات الفساد والبياانت املذهلة اليت‬
‫جاءت نتيجة ألعمال وتصرفات كبار املسؤولني َف السلطة اجلزائرية إال أننا نالحظ أن ضعف دور‬
‫الرقابة واملساءلة واضحاً جلياً من خالل عدم استتباع كل هذه االهتامات مبحاكمات لقطع دابر‬
‫واستئصال شأفة الفساد َف ذلك البلد‪.‬‬
‫وهلذا كله يشري (الرئيس بوتفليقة) مرة أخرى َف خطاب الحق بتاريخ ‪/8‬يوليو‪ 2000/‬ألقاه َف جامعة‬
‫هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا هلذه الظاهرة اخلطرة الذي يستخلص من خالله أن ضعف دور‬
‫املراقبة واملساءلة قد عرض اجلزائر إَل ظواهر كان ميكن جتاوزها لوال آلية الفساد املنتشرة َف البالد‬
‫ولذا يقول‪:‬‬
‫(إن الفساد الذي فكك أواصر الدولة‪ ،‬وسفه قيم احلكم‪ ،‬وأربك مسرية التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وصرف مفاهيم العمل والكد والنزاهة والتفاين‪ ،‬قد ولد َف النهاية ظاهرة اإلرهاب‬
‫البشعة املدمرة)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬أمحد السيد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.176‬‬

‫(‪)165/1‬‬

‫بعد هذا العرض للحالة اجلزائرية وما سببه الفساد َف ذلك البلد من مشكالت سوف ننتقل لبيان‬
‫مثال آخر يتجلى فيه ضعف دور الرقابة على كبار املسؤولني العمومني واملوظفني اإلداريني وهو‬
‫(األمنوذج الرتكي) حيث يتجلى ذلك الضعف للرقابة عندما يتم إخالء سبيل ٍ‬
‫ُمرم َف هتم اثبتة عليه‬
‫نتيجة لتورط أولئك الكبار معه َف جرائم فساد‪ .‬ولعل إلقاء القبض على أحد رجال األعمال األتراك‬
‫(الصادر حبقه حكم غيايب َف حمكمة أمن الدولة َف (أزمري) حملاكمته بتهمة احلصول على (أربعني مليون‬
‫دوالر) من الدولة الرتكية على شكل حوافز مقابل صادرات ومهية) َف أثينا بتهمة أخرى (غري‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الصادرات الومهية) وهي محل سالح غري مرخص وهتريب هريوين ُث ترحيله إَل تركيا من قبل سلطات‬
‫اليوانن بشرط حماكمته على هتمة اهلريوين والسالح فقط‪ ،‬خري دليل على حوادث الفساد اليت أدت‬
‫إَل إخالء سبيله َف شباط ‪ .1990‬وذلك لتصرحيه قبل ترحيله إَل تركيا أنه إذا ما حوكم عن قضااي‬
‫الصادرات الومهية فسيجد بعض الوزراء أنفسهم َف مشكلة‪.‬‬
‫إن ذلك يدل على ضعف الرقابة الذي يتجلى عندما أعلنت املعارضة أن صفقة سرية أبرمت لصاحل‬
‫رجل األعمال املتهم الذي سيسعد إطالق سراحه دوائر معنية قريبة منه‪ .‬وإن هذا كله يظهر أن‬
‫ضعف املساءلة قد يسلب السلطة القضائية دورها الصحيح َف إنفاذ القانون خدمة ألصحاب‬
‫النفوذ(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ /‬أ‪ .‬د‪ .‬جالل عبد هللا معوض‪ /‬ظاهرة الفساد السياسي َف تركيا‪َ /‬ف إكرام بدر الدين‬
‫(حمرر)‪ /‬الفساد السياسي النظرية والتطبيق‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.73‬‬

‫(‪)166/1‬‬

‫يضاف ملا عرضنا له َف كلتا احلالتني اجلزائرية والرتكية من عامل اجلنوب إَل أنه َف عامل الشمال هنالك‬
‫أمنوذجات تؤكد ضعف الرقابة َف حاالت رصدت‪ .‬ولذا فإن دستور الوالايت املتحدة األمريكية الذي‬
‫تعد صياغته أمنوذجاً لنظرية فصل السلطات وآلية الرقابة واملوازنة ال ختلو اإلدارات اليت تولت تنفيذه‬
‫من ضعف دور الرقابة عليها‪ ،‬وعلى سبيل املثال ند ّمارسات رئيس اإلدارة األمريكية السابق (بيل‬
‫كلينتون) (سواء كان رئيساً لإلدارة أم حاكماً لوالية من قبل) تزخر آبليات عمل واستغالل نفوذ‬
‫نالحظ فيها خلوها من عنصر الرقابة عليها‪.‬‬
‫فهو عندما كان (حاكم والية) َف أركنساس ظهرت لديه الكثري من ظواهر الفساد ومن هذه ما قام به‬
‫من إسباغ محايته على مشروع عقاري ضخم َف تلك الوالية (رأمساله سبعمائة مليون دوالر) تقوم‬
‫بتنفيذه شركة تدعى (‪( )A.D.F.A‬شركة أركنساس لتمويل التنمية)‪ .‬اليت أحيط إنشائها مبالبسات‬
‫حمفوفة ابلشكوك وذلك ألن اإلدارة القانونية لشؤون هذه الشركة قام هبا مكتب حماماة يدعى مكتب‬
‫(روز للمحاماة) تعود ملكيته إَل (هيالري) عقيلة كلنتون‪ ،‬وشريك آخر هو (فنسنت فوسرت) حيث‬
‫لوحظ أن (هيالري) تقاضت أتعاابً تقدر مبائة ألف دوالر أمريكي جلهد مل يستغرق سوى بضع‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ساعات وهو أجر حسب تقدير اخلرباء َف القضااي القانونية وأتعاهبا يفوق أتعاب أي ِ‬
‫حمام أكثر شهرة‬
‫من ذلك املكتب بكثري‪.‬‬

‫(‪)167/1‬‬

‫وعندما أثريت تلك احلادثة أمام القاضي املستقل (كينيث ستار) َف سلسلة االهتامات اليت وجهت‬
‫إَل كلنتون ومن بينها الفضائح اجلنسية (اليت أشري إليها آنفاً) طلب ذلك القاضي بيان مفردات‬
‫املبالغ املدفوعة إَل مكتب روز من شركة (‪ ،)A.D.F.A‬إال أن الرد كان أن املستندات قد فقدت‬
‫من ملفاهتا ومل يعثر على أثر هلا ومن خالل التحقيقات أثبتت امللفات املتبقية أن هنالك أصدقاء‬
‫ومستشارين للرئيس (كلنتون) حصلوا على قروض من تلك الشركة مل يسددوها على ما يبدو‪ُ ،‬ث‬
‫شاع أن جزءاً من هذه القروض وجد طريقه إَل جيب (الرئيس) نفسه‪ ،‬وإَل متويل محالته االنتخابية‬
‫من دون اإلعالن عن ذلك خمالفة للقانون‪.‬‬
‫يذكر أن هذه القروض واملبالغ قد رتب هلا املكتب ذاته (مكتب روز للمحاماة) الذي كانت مكافأته‬
‫عني (فنسنت فوسرت اآلنف ذكره) املستشار القانوين لرئيس اإلدارة األمريكية عندما وصل كلنتون‬
‫أن ّ‬
‫ملنصب الرئيس‪.‬‬
‫إن ضعف دور الرقابة واملساءلة يتجلى عندما وقف القاضي (ستار) ومل جيد طريقاً للنفاذ إَل خبااي‬
‫هذه الوقائع نتيجة جلدار الصمت الذي يصد الذين يعرفون دخائل الوقائع عن الكالم واخلنادق اليت‬
‫حتصنت فيها كتائب من احملامني تزودت بكل الذرائع وحتوطت لكل سؤال‪ّ ،‬ما جعل (ستار) يقتنع أن‬
‫الصمت واإلخفاء سياسة مقصودة مؤيدة لسلطة ال يرد هلا أمر(‪.)1‬‬
‫ّما تقدم توضح لدينا كيف تسبب الثغرات القانونية واختالف النظم والتشريعات َف تغلغل الفساد َف‬
‫البلدان املختلفة أو داخل البلد الواحد إذا ما كانت هنالك تشريعات متعددة كما هو احلال َف‬
‫الدول الفدرالية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حممد حسنني هيكل‪ /‬كالم َف السياسة‪ /‬القاهرة‪ /‬املصرية للنشر‪ /2000 /‬ص ص‪.28 27‬‬

‫(‪)168/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وند أن للثغرات القانونية أمثلة َف دول عامل اجلنوب كما هلا تطبيقات َف دول عامل الشمال قد يسهل‬
‫منها ضعف التفسريات وغموض التشريعات َف زايدة نسبة الفساد‪ .‬كما أن األمر يتعلق أيضاً بضعف‬
‫دور الرقابة على كبار املسؤولني العموميني واملوظفني اإلداريني الذين أوضحت األمثلة أهنم َف كال‬
‫العاملني الشمال واجلنوب يستغلون نفوذهم إلضعاف القانون والتطاول عليه للوصول إَل منافعهم‬
‫حيجم َف الشمال بسبب الطابع‬
‫الشخصية اليت تشكل أرضاً مسراء خصبة لنمو الفساد إال أنه قد ّ‬
‫املؤسسايت وكثرة أجهزة الرقابة ويكثر َف اجلنوب بسبب السري عكس ذلك‪.‬‬

‫(((‬

‫الباب الرابع‬

‫النتائج السلبية للفساد‬

‫لعل دراسة النتائج السلبية للفساد‪ ،‬تعطي للباحث الفرصة لبيان مدى خطورة ظاهرة الفساد اليت إذا‬
‫ما ازدادت َف بلدان أو استشرت َف أخرى ألقت بثقلها على تطور تلك البلدان‪.‬‬
‫فالفساد يشكل أخطر معاكس لعملية التنمية حيث يؤدي إَل استنفاد املوارد‪ ،‬واختالالت َف البىن‬
‫األساسية اليت ترتكز عليها عملية التنمية‪.‬‬
‫كذلك فإنه يؤدي أيضاً إَل هتديد سيادة البلدان‪ ،‬ومعاانهتا من مديونيات كبرية لعدم قدرة البلدان‬
‫على حتقيق النواتج الكافية لسد تلك الديون وحتقيق مستوى منو مقبول بوجوده‪ ،‬كما أن الفساد‬
‫خيرق النظام العام ويضرب املرتكزات األساسية اليت يرتكز عليها ذلك النظام‪ ،‬وابستشرائه يهدم‬
‫عوامل الكفاية ومي ّكن غري املستحق من أخذ حق من يستحق‪ ،‬وبذلك تضعف كفاية األداء ويسود‬
‫كسح لذوي الكفاايت ّما يشكل عامل طرد‬
‫جيل من أنصاف املتعلمني َف املرافق املهمة يعمل أداةَ ٍ‬
‫هلم‪.‬‬
‫وبعد ذلك كله ينجم عن الفساد نشوء طبقة حتاول تغيري كل ما هو سائد من قيم الفضيلة إَل قيم‬
‫الفساد وسنالحظ ضمن هذا الفصل حتليالً كامالً ملا ورد أعاله وهو يظهر مدى التأثري السيء‬
‫للفساد‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الفصل األول‬
‫أثر الفساد َف التنمية‬

‫(‪)169/1‬‬

‫ملناقشة اآلاثر السلبية للفساد نتوَل ابلتحليل أوالً‪ ،‬ذلك األثر السليب الذي يرتكه الفساد على‬
‫التنمية‪ ،‬ملا للتنمية من أمهية َف بناء وارتقاء اجملتمعات واألمم‪ ،‬اليت أصبح تناول موضوعها (أي‬
‫التنمية) من قبل املهتمني موضوعاً واسعاً ال ميكن أن يغطى َف بضع صفحات لتعدد املشارب فيه‪،‬‬
‫وكثرة الرؤى حوله‪.‬‬
‫لذا سنعمل ضمن هذا الفصل على حتديد ذلك األثر عرب رؤية مستقاة من آراء املتخصصني وبعض‬
‫احلاالت اليت مت رصدها اليت يتجلى فيها أثر الفساد السيء على التنمية‪ ،‬وبدءاً ننطلق من الفكرة‬
‫القائلة‪:‬‬
‫((إنه ابألضداد تفهم األشياء))‬
‫وهي فكرة معروفة إال أن (أ‪ .‬د‪/ .‬عبد احلميد الغزايل)(‪ )1‬يتبناها َف دراسته للتنمية وتتلخص رؤيته َف‬
‫أن معرفة التنمية تتطلب قبالً فهم املعاكس أو املضاد هلا وهو مفهوم (التخلف)‪ ،‬الذي من دون‬
‫معرفته تبقى التنمية انقصة ال حمالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد احلميد الغزايل‪ /‬أستاذ مادة االقتصاد وأحد االقتصاديني املصريني املعروفني بدراساهتم‬
‫َف ُمال التنمية‪.‬‬

‫(‪)170/1‬‬

‫لذا نقول إن الدولة املتخلفة (‪ )Under developed‬يشار فيها عادة إَل األقطار املتخلفة‬
‫ثقافياً أو اجتماعياً أو سياسياً (مع مراعاة الربط بني كل أشكال التخلف)(‪ ،)1‬والتخلف اقتصادايً‬
‫يراد به اصطالحاً اخنفاض املستوى املعاشي (َف اإلقليم أو البلد) نتيجةً الخنفاض مستوى الدخل‬
‫ألفراده وذلك نتيجة لعوامل عدة من أمهها ((االعتماد على إنتاج غلة رئيسة واحدة كمحصول‬
‫زراعي َف البلدان املعتمدة على االقتصاد الزراعي فحسب‪ ،‬كذلك ندرة رأس املال الالزم لالستثمار‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إلحداث منو‪ ،‬أو ضعف اإلنتاج بسبب نقل التقنية‪ ،‬أو ما تؤدي إليه زايدة عدد األفراد أكثر من‬
‫حصيلة التنمية االقتصادية مع ضعف الطاقة االدخارية وامليل لإلسراف))(‪ ،)2‬يضاف لذلك آراء‬
‫أخرى ترى أن التخلف يعين‪ :‬ضعف القدرة على استثمار املوارد الطبيعية من قبل القوى البشرية‬
‫احمللية ابلشكل املعقول أو األمثل‪ .‬وتكون أشكاله على هيئة اخنفاض مستوى الدخل الفردي‬
‫احلقيقي‪ ،‬وانتشار األمية‪ ،‬وضآلة نسبة التصنيع وتدهور الوضع الصحي الناجم غالباً عن سوء التغذية‬
‫مع زايدة الوالدات والوفيات بصورة غري طبيعية(‪ّ .)3‬ما جيعل الدول اليت تعاين منه تنظر إَل التنمية‬
‫على أهنا األمل املنقذ من تلك األعباء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عبد الوهاب الكيايل‪ /‬املوسوعة السياسية‪ /‬بريوت‪ /‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪/1974 /‬‬
‫الطبعة األوَل‪ /‬ص‪.148‬‬
‫(‪ )2‬أمحد عطية هللا‪ /‬القاموس السياسي‪ /‬القاهرة‪ /‬دار النهضة العربية‪ /1968 /‬ص ص‬
‫‪.277 276‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬عبد السالم بغدادي‪ُ /‬مموعة حماضرات َف التنمية والتخلف ألقيت على طلبة كلية اآلداب‬
‫للعام الدراسي ‪.2001 2000‬‬

‫(‪)171/1‬‬

‫على أن التخلف ينظر إليه أيضاً (كما أسلفنا) بوصفه ختلفاً ثقافياً‪ ،‬أو اجتماعياً أو معلوماتياً (بعد‬
‫ازدهار ثورة املعلومات)‪ ،‬وأخرياً سياسياً الذي يكون العامل املعاكس لضعف أو انتفاء قيام التنمية‬
‫السياسية(‪.)1‬‬
‫وعلى حد تعبري (أ‪ .‬د‪ .‬عبد احلميد الغزايل) إذا ما وجد ُمتمع مقهور سياسياً ومستغل اقتصادايً مهما‬
‫أويت من موارد فتلك داللة على أنه ُمتمع متخلف‪ ،‬أي مبعىن أن القهر السياسي واالستغالل‬
‫االقتصادي مها سببان مهمان من أسباب عدة للتخلف(‪.)2‬‬
‫بعد ذلك وإلثراء املوضوع البد لنا من االنتقال إَل الوسيلة املضادة‪ .‬للتخلف(‪ )3‬وهي التنمية اليت‬
‫مت التعارف عليها َف مراحلها األوَل على أهنا‪:‬‬
‫(الزايدة السريعة واملستمرة َف مستوى الدخل الفردي عرب الزمن)‬
‫من خالل نظرة اقتصادية ملفهوم التنمية اليت جاءت لتربز أن العامل الوحيد لتحقيقها (أي التنمية)‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هو النمو االقتصادي‪.‬‬
‫إال أن نشوء مناذج للدول استطاعت حتقيق التقدم َف ُمال إشباع احلاجات األساسية دون حتقيق منو‬
‫َف الدخل من خالل سياسات التوزيع العادل له وختفيف وطأة الفقر وحتسني مستوى معيشة املواطن‪،‬‬
‫أفسح اجملال لفهم التنمية على أهنا‪:‬‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يقصد ابلتنمية السياسية‪ :‬إقامة النظام الدميقراطي‪ /‬وتفضيل املشاركة الشعبية وعوامل مساعدة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫(‪ )2‬ميكن اعتبار املراحل األوَل للتنمية َف بلدان العامل الثالث هي سنوات ما بعد احلرب العاملية‬
‫الثانية‪.‬‬
‫(‪ )3‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد احلميد الغزايل‪ /‬تعقيب‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد‪ /‬الفساد والتنمية جامعة القاهرة‪/‬‬
‫مركز دراسات وحبوث الدول النامية ‪ /1999/‬ص‪.372‬‬

‫(‪)172/1‬‬

‫إلغاء الفقر وتضييق الفجوة بني األغنياء والفقراء وتوسيع فرص العمل وإشباع احلاجات األساسية إَل‬
‫جانب العامل املهم وهو النمو االقتصادي)(‪.)1‬‬
‫أي مبعىن آخر‪ :‬إن التنمية تعين (االرتقاء مبستوى احلياة اقتصادايً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً)(‪.)2‬‬
‫وهو ما أكده أيضاً إعالن ((احلق َف التنمية)) الذي أقرته األمم املتحدة عام ‪ 1986‬الذي فسر‬
‫عملية التنمية (أبهنا عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية‪ ،‬هتدف إَل‬
‫حتقيق التحسن املتواصل لرفاهية كل السكان وكل األفراد اليت ميكن عن طريقها إعمال حقوق‬
‫اإلنسان وحرايته األساسية)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬د‪ .‬إبراهيم العيسوي‪ /‬التنمية َف عامل متغري‪ ،‬دراسة َف مفهوم التنمية ومؤشراهتا‪ /‬القاهرة‪:‬‬
‫منتدى العامل الثالث مكتبة مصر ‪ /2020‬دار الشروق‪ /2000 /‬ص‪ 13‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬عبد السالم البغدادي‪ُ /‬مموعة حماضرات َف التنمية والتخلف ألقيت على طلبة كلية‬
‫اآلداب‪ /‬م‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫س ذ‪.‬‬
‫(‪ )3‬حممد فائق‪ /‬حقوق اإلنسان والتنمية‪ /‬بريوت‪ُ /‬ملة املستقبل العريب‪ /‬العدد ‪ /251‬كانون‪/2‬‬
‫‪ /2000‬ص‪.101‬‬

‫(‪)173/1‬‬

‫عليه‪ ،‬وطبقاً ملا ورد أصبحت الرؤية والتفسري اجلديد للتنمية خيتلف عما كان معروفاً َف املراحل األوَل‬
‫لنشوئها وبناء عليه أصبح فهم التخلف (السابق اإلشارة إليه) ليس مرده إَل قلة األموال املطلوبة‬
‫لالستثمار َف بلد ما‪ ،‬بل قد تكون هنالك أموال وفرية إال أن التنمية مل يذق هلا طعم َف ذلك البلد‬
‫ومرجع ذلك إَل طبيعة اهلياكل السياسية واالجتماعية واالقتصادية السائدة‪ ،‬وما تتسم به تلك‬
‫اهلياكل من توزيع للنفوذ االقتصادي واالجتماعي والسياسي وطبيعة العالقات الدولية اليت تربط بني‬
‫عامل اجلنوب وعامل الشمال املتقدم‪ ،‬وكذلك عالقات القوى الناشئة من وجود تفاعل هذه اهلياكل‬
‫واألطر احمللية والدولية حبيث حتدد توزيعاً معيناً للسلطة يؤدي إَل كون سلطة اختاذ القرارات‬
‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية تنحصر بيد فئة اجتماعية معينة دون الفئات األخرى ّما يسبب‬
‫ضعف التخطيط وانعدام التوزيع العادل وعدم االكرتاث بتخفيف حدة الفقر‪ ،‬الذي مؤاده دوام حالة‬
‫التخلف وفقدان التنمية‪ ،‬الناجم عن حتقيق تلك الفئات أكرب قدر ّمكن من الثروة والتصرف هبا‬
‫بدون تفويض‪ ،‬والتمتع هبا من دون قيود حقانية على وفق سياق تستقل به عن ُمتمعاهتا وتتعاَل‬
‫عليها ّما يؤدي إَل شيوع حالة الفساد(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬د‪ .‬إبراهيم العيسوي‪ /‬التنمية َف عامل متغري‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪ 13‬وما بعدها‪.‬‬
‫كذلك راجع‪ :‬هادي حسن‪ /‬دولة الرفاه العربية‪ /‬أمن القمع إَل الدعاية‪ُ /‬ملة املستقبل العريب‪ /‬العدد‬
‫‪ 268‬حزيران‪ /2001/‬ص‪.21‬‬

‫(‪)174/1‬‬

‫وبناء على كل ما تقدم واستناداً إَل الرؤية التحليلية ل (أ‪ .‬د‪ .‬إبراهيم العيسوي)(‪ )1‬اليت يتحدث فيها‬
‫أبن خربة العامل اجلنويب َف اخلمسينيات والستينيات من القرن املنصرم‪ ،‬أظهرت حتجيماً َف دور العنصر‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫االقتصادي (منو االقتصاد) َف مفهوم التنمية (كما أسلفنا)‪ ،‬وأبرزت دور اجلوانب املؤسسية‪،‬‬
‫واهليكلية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬وأصبح هنالك متييز مألوف بني النمو (االقتصادي) و(التنمية)‪.‬‬
‫فالنمو االقتصادي‪ /‬أصبح يشري إَل ُمرد الزايدة الكمية َف متوسط الدخل الفردي احلقيقي الذي ال‬
‫يرتبط حبدوث تغيريات هيكلية اقتصادية أو اجتماعية وهذا ما يعاكسه ابملفهوم مصطلح (الركود‬
‫االقتصادي)‪.‬‬
‫َف حني أن‬
‫التنمية‪ /‬تتمثل بتغيريات عميقة َف اهلياكل االقتصادية والسياسية واالجتماعية للدول وَف العالقات‬
‫اليت تربطها ابلنظام االقتصادي الدويل‪ ،‬اليت يكون من شأهنا حتقيق زايدات تراكمية قابلة لالستمرار‬
‫َف الدخل الفردي احلقيقي عرب فرتة ّمتدة من الزمن‪ ،‬إَل جانب عدد من النتائج األخرى غري‬
‫االقتصادية وهذا ما يعاكسه ابملفهوم مصطلح (التخلف)(‪.)2‬‬
‫وأتسيساً على ما عرضنا له خبصوص التنمية (كمفهوم عام) وتطور مفهومها ند أن التنمية‬
‫االقتصادية ترتابط مع الكثري من جوانب التنمية األخرى إال أن ما يعنينا هو الرتابط األكثر أمهية‬
‫وهو الرتابط بني (التنمية االقتصادية) و(التنمية السياسية) اليت إذا ما ظهرت بينهما ظاهرة الفساد‬
‫اهنارت كلتا العمليتني ملا للظاهرة املذكورة من عالقة متجذرة بكلتا احلالتني (وكما أشران للرتابط بني‬
‫حاالت الفساد وأشكاله َف الفصل الثاين)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬د‪ .‬إبراهيم العيسوي‪ /‬أحد املتخصصني العرب َف ُمال التنمية‪ /‬أستاذ جامعي عريب‪.‬‬
‫(‪ )2‬أ‪ .‬د‪ .‬إبراهيم العيسوي‪ /‬م ن‪ /‬ص‪ 3‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)175/1‬‬

‫ولبيان العالقة بني التنمية السياسية والتنمية االقتصادية ميكن استعراض‪ ،‬بشكل مقتضب‪ ،‬عدد من‬
‫االجتاهات النظرية اليت تفسر مدى هذه العالقة(‪:)1‬‬
‫االجتاه األول‪ /‬يفسر العالقة على كوهنا عضوية ووثيقة بني كلتا احلالتني‪ .‬وَف ذلك رأي ملدرستني‬
‫رئيستني يفسر هذا االجتاه‪:‬‬
‫أ املدرسة األوَل ترى أن التنمية االقتصادية ذات أتثري على اإلطار السياسي وهي املتغري املستقل‪،‬‬
‫وتنظر املدرسة إَل التنمية السياسية اليت تشمل (الدميقراطية واملشاركة) على أهنا املتغري التابع‪ .‬ويرى‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أنصارها أن جوهر التنمية السياسية يرتبط بتحقيق مستوى معني من التنمية االقتصادية يبلغ من‬
‫خالهلا اجملتمع درجة من النمو االقتصادي تسمح له إبشباع حاجاته وحتقق توازانً مقبوالً بني التطلعات‬
‫االقتصادية من انحية ودرجة الرضاء الفعلي هلذه التطلعات من انحية أخرى‪ .‬ومن أنصار املدرسة‬
‫املفكر )‪ )2((Hagen‬الذي وضع النمو االقتصادي شرطاً للدميقراطية السياسية‪ .‬فيما توصل أحد‬
‫أنصار املدرسة اآلخرين من خالل دراسته التارخيية للتجارب الثورية َف (بريطانيا) و(فرنسا)‬
‫و(الوالايت املتحدة األمريكية) و(االحتاد السوفييت املنحل) إَل نتيجة مؤادها أن توقيت حدوث‬
‫الثورات ارتبط بفرتة اتسمت مبرحلة رخاء اقتصادي مستمر أعقبها تدهور اقتصادي مفاجئ(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬خالد زكراي أبو الدهب‪ /‬العالقة بني التنمية االقتصادية والدميقراطية َف كوراي‪َ /‬ف أ‪ .‬د‪ .‬حممد‬
‫السيد سليم (حمرراً)‪( /‬النموذج الكوري للتنمية) القاهرة‪ /‬مركز الدراسات اآلسيوية‪ /‬جامعة القاهرة‪/‬‬
‫‪ /1996‬ص‪.467‬‬
‫(‪ :Hagen )2‬مفكر غريب له آراء َف التنمية‪.‬‬
‫(‪ )3‬للمزيد من التفاصيل أنظر أ‪ .‬د‪ .‬علي الدين هالل‪ /‬حماضرات َف التنمية السياسية‪ /‬القاهرة‪ /‬كلية‬
‫االقتصاد والعلوم السياسية‪ /‬جامعة القاهرة‪ /1976 1975 /‬ص‪.71 69‬‬

‫(‪)176/1‬‬

‫ب املدرسة الثانية وتعد األقل مجاهريية بني املتخصصني َف ُماالت التنمية ونظم احلكم وجتعل املتغري‬
‫املستقل هو التطور السياسي والتنمية االقتصادية هي املتغري التابع‪.‬‬
‫االجتاه الثاين‪ /‬يرى أنصاره أن النمو االقتصادي مل حتققه التنمية السياسية (أي مبعىن آخر مل حتققه‬
‫دميقراطيات) بل حققته دول استبدادية رأمسالية بشكل معني كما حدث َف الياابن والرايخ الثاين َف‬
‫أملانيا َف النصف األخري من القرن التاسع عشر وأسبانيا (فرانكو) وكوراي بعد عام ‪ 1961‬وتشيلي َف‬
‫عهد بينوشيه ويعلل االجتاه هذا األمر أبن االستبدادايت تضع النمو االقتصادي َف صدارة أولوايهتا‬
‫على العكس من الدميقراطيات اليت متيل إَل نقل الثروة من الغين إَل الفقري لصاحل املساواة‬
‫االجتماعية ومحاية الصناعات املتعثرة ودعمها واإلنفاق على اخلدمات االجتماعية أكثر من اإلنفاق‬
‫على االستثمارات‪ .‬على أن أصحاب هذا االجتاه يرون ارتفاع معدالت التنمية االقتصادية خيلق‬
‫احلاجة لتحقيق قدر أكرب من االنفراج السياسي‪ .‬لذلك يرى‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫) ‪ )1((Rasmussen Jorgen‬إذا كانت التنمية االقتصادية تتطلب دوراً قوايً للدولة ّما ال‬
‫يسمح بتعدد مراكز صنع القرار (بل أن دمقرطة النظام رمبا تعطل عملية التنمية)‪ ،‬فإن تلك التنمية‬
‫االقتصادية تؤدي كتحصيل حاصل إَل توسيع نطاق االقتصاد القومي وتعقيده مبا جيعل من الصعب‬
‫إدارته بدون قدر من الالمركزية والدميقراطية(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أحد أنصار االجتاه املذكور‪ /‬صاحب كتاب ( ‪The process of politics: A‬‬
‫‪.)comparative Approach/ 1969‬‬
‫(‪Lucianpye/ Aspects of political Development/ Boston/ )2‬‬
‫‪.Company, 1965 & Little Brown‬‬

‫(‪)177/1‬‬

‫االجتاه الثالث‪ /‬يرى هذا أن التنمية االقتصادية بتقدمها التكنولوجي البد أن تقود إَل التغري‬
‫االجتماعي‪ ،‬ورغم أتكيد هذا االجتاه على حدوث تغري فإنه ال حيدد وجهة هذا التغري حيث يرى‬
‫(أستاذان حامد ربيع) أن التقدم التكنولوجي قد يقود إَل ختفيف حدة الصراع الطبقي األمر الذي‬
‫يدعم التحول الدميقراطي (والتنمية السياسية) ولكنه قد يقود إَل زايدة مظاهر التناقض الطبقي ومن‬
‫ُث عرقلة هذا التحول ولذا يرى (‪ )Hagen‬أن االرتباط بني التغري (االجتماعي السياسي) ال يدلنا‬
‫على حقيقة اجتاه تلك العالقة إال أنه ما من شك أن التغري االقتصادي هو الذي ينمي التغري‬
‫تغري سياسي(‪.)1‬‬
‫االجتماعي والسياسي فالتصنيع والتمدن واحلراك اجلغراَف خبلق بيئة مؤاتية إلحداث ّ‬
‫االجتاه الرابع‪ /‬هذا االجتاه يعد التنمية االقتصادية ليست شرطاً ضرورايً أو كافياً حيث أن هناك بلداانً‬
‫عديدة متخلفة نحت بتبين نظم دميقراطية فعالة على مدى طويل مثل كوستاريكا‪ ،‬اهلند‪ ،‬وحىت‬
‫الوالايت املتحدة األمريكية َف بداية نشوئها‪ ،‬وعلى العكس هنالك أمثلة لبلدان متقدمة مل تكن‬
‫تعرف (التنمية السياسية) مثل أملانيا اهلتلرية أو الياابن قبل عام ‪ 1954‬وعلى هذا االعتبار يرى‬
‫أنصار هذا االجتاه أنه ليست هناك قوانني حتمية تربط بني التنمية االقتصادية والتنمية السياسية(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬خالد زكراي أبو الدهب‪ /‬العالقة بني التنمية واالقتصادية والدميقراطية َف كوراي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‬
‫ص ‪ ،470 468‬وملزيد من التفصيل أنظر‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪& Everett Hagen/ A Framework for Analyzing Economic‬‬
‫‪D. Neubaver (eds.)/ Prentice & Political change/ in R. Dohl‬‬
‫‪.Hall/ 1980/ p191‬‬
‫(‪ )2‬للمزيد من التفصيل أنظر‪/‬‬
‫‪ ...‬فرانسيس فوكوايما‪ /‬الرأمسالية والدميقراطية‪ :‬احللقة املفقودة‪ُ /‬ملة الدميقراطية العدد ‪/4‬آب‪/‬‬
‫‪ /1992‬ص‪.25‬‬

‫(‪)178/1‬‬

‫ويؤكد االجتاه هذا على أن التحول إَل الدميقراطية عملية سياسية متنوعة منها القدرة على تصفية‬
‫النظام السلطوي السابق‪ ،‬ومهارة احلكام خللق نظام دميقراطي‪ ،‬هذا إَل جانب التعامل مع عقبات‬
‫أخرى تتعلق ابلثقافة والعرق والدين ومجيعها مستقلة نسبياً عن مستوى التنمية االقتصادية(‪.)1‬‬
‫وبعد هذه القراءة َف العالقة بني (التنمية االقتصادية) و(التنمية السياسية) بدا جلياً أن بروز وتطور‬
‫املفهوم (أي مفهوم التنمية) بشكل عام أصبح يشمل البنيان االجتماعي وتطوره (اتساع حجم الطبقة‬
‫املتوسطة وأعداد املهنيني) مضافاً إليه مشول املفهوم التطور َف اجملال الثقاَف والعلمي كذلك‪ ،‬انهيك‬
‫عن ما قدمنا له من (املفهوم االقتصادي)‪ ،‬إال أن كل ذلك يرتافق معه االهتمام املتصاعد ابلعملية‬
‫السياسية (وتنميتها) ولقد أثبت واقع التجارب أنه ما مل يشمل التغيري كل اجلوانب ال تكون هناك‬
‫تنمية على اإلطالق أي بعبارة أخرى (ال تنمية إن مل تكن تنمية شاملة للحياة)(‪.)2‬‬
‫جدير ابلذكر أن االهتمام املتصاعد املشار إليه ابلعملية السياسية أي البعد السياسي للتنمية‪ .‬حبثته‬
‫بعض الكتاابت َف شقني‪:‬‬
‫الشق األول‪ /‬هو زايدة فعالية الدولة وقدرهتا على توجيه ُماالت النشاط اإلنساين داخل حدودها‪.‬‬
‫الشق الثاين‪ /‬هو إَتحة أكرب قدرة من احلرايت للمواطنني للمشاركة َف توجيه السياسة العامة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬خالد زكراي أبو الدهب‪ /‬العالقة بني التنمية االقتصادية والدميقراطية َف كوراي‪ /‬م س ذ‪/‬‬
‫ص‪.471‬‬
‫(‪ )2‬أ‪ .‬د‪ .‬مصطفى كامل السيد‪ /‬الشروط السياسية للتنمية (الشفافية‪ ،‬واملساءلة‪ ،‬واحلكم الرشيد)‪/‬‬
‫َف مصطفى كامل السيد (حمرر) الفساد والتنمية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.9 7‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)179/1‬‬

‫وبذلك نالحظ أن إعمال هذين الشقني يؤدي إَل احلد من ظاهرة الفساد (اليت حنن بصدد دراستها)‬
‫هلذا جاءت كتاابت كثرية لرتبط بني الشقني سالفي الذكر لتعزيز قوة الدولة والوصول إَل الغاية‬
‫املرجوة وتعزيز قوة اجملتمع اليت تتحقق إذا ما اتسم عمل الدولة (ابلشفافية) وإذا ما خضع القائمون‬
‫على املؤسسات (للمساءلة) ُث إذا ما اتصفت الدولة َف حد ذاهتا (ابحلكم الرشيد) وهي الشروط‬
‫السياسية الثالثة إلحداث التنمية َف اجملتمعات(‪ ،)1‬اليت يتأتى دوماً الفساد فيها ألن األغلبية حمرومة‬
‫من التعبري عن رأيها ومطالبها أو أهنا ابألحرى مبعدة بصورة أو أبخرى عن مراكز اختاذ القرار‪ ،‬وحىت‬
‫مراكز التأثري َف اختاذ القرارات‪ .‬وهلذا أظهرت جتارب وخربات عامل اجلنوب والدول االشرتاكية ونظم‬
‫احلكم املعاكسة للدميقراطية أمهية البعد َف حترير الفرد وحترير اجملتمع واملشاركة الشعبية بوصفها‬
‫مدخالً حلشد جهود اجملتمع من أجل التنمية(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬م ن‪ /‬ص ص ‪.9 7‬‬
‫(‪ )2‬أ‪ .‬د‪ .‬إبراهيم العيسوي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪ 13‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)180/1‬‬

‫إن املشاركة الشعبية تتناسب بشكل عكسي مع الفساد ولذلك فالسلبية السياسية (ضعف املشاركة)‬
‫غالباً ما ترتبط بضعف املؤسسات واخنفاض مستوى تنظيمها وابلتايل فهي دليل على فقدان األفراد‬
‫لشعورهم ابملسؤولية العامة وكذلك إمكانية جتميع جهودهم من أجل حتقيق عمل يؤدي إَل منفعة‬
‫عامة مستقبلية‪ .‬فضالً عن كون السلبية السياسية تضعف من قدرة األفراد على ّمارسة الدور الوطين‬
‫َف الرقابة بفاعلية على األجهزة احلكومية واملؤسسات السياسية‪ّ ،‬ما يعطي للفساد دوراً أكرب من‬
‫االستشراء وجيعله يرمي بثقله َف إضعاف التنمية بكل أبعادها (أي مبعناها الشامل) ّما يؤدي إَل‬
‫اهتزاز الشرعية وانعدام االستقرار السياسي وهتديد التكامل‪ ،‬وجيعل القرارات وصدورها تفتقر إَل‬
‫التخطيط املسبق والعقالنية األمر الذي يدعو إَل تغليب املصلحة اخلاصة على العامة (وهذا هو‬
‫مفهوم الفساد ابألساس) ّما يقولب آليات عملية التنمية لتحقيق مصاحل ضيقة ختدم شرائح معينة أو‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أفراد معينني من دون سائر املواطنني(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬إكرام بدر الدين‪ /‬ظاهرة الفساد السياسي‪َ /‬ف د‪ .‬إكرام بدر الدين وآخرون (حمرراً)‪ /‬الفساد‬
‫السياسي النظرية والتطبيق‪ /‬القاهرة‪ /‬دار الثقافة العربية‪ /1992 /‬ص ص‪.33 32‬‬

‫(‪)181/1‬‬

‫والبد من اإلشارة إَل أنه على احلكومات السعي جبد لفرض الشفافية واملساءلة على مجيع مفاصل‬
‫عملها بدءاً أبعلى مستوايت اهلرم السياسي ونزوالً إَل قاعدته بغية إناح عملية التنمية(‪ )1‬وخبالف‬
‫ذلك سينتشر الفساد الذي يؤدي للعزلة السياسية وعدم االستقرار وزايدة التوجه إَل النفور العام‬
‫واسع االنتشار إزاء النشاطات غري املشروعة لتعامل املوظفني العموميني مع أفراد اجملتمع(‪.)2‬‬
‫وَف دراسة عن األمنوذج الفلبيين نرى أن (جامعة الفلبني) أنزت أثين عشر حبثاً عن الفساد َف ذلك‬
‫البلد مبا َف ذلك حتليالً مفصالً للمؤسسات القائمة وكانت خالصة املشروعات "أن الفساد أثر‬
‫بصورة سلبية على جهود التنمية َف الفلبني ّما أسهم َف إعطاء األفضلية للمنتجني غري األكفاء‪،‬‬
‫وتسرب الدخل من خزائن الدولة إَل اجليوب اخلاصة فضالً عن إسهام الفساد بطريقة مباشرة‪َ ،‬ف‬
‫زعزعة الثقة ابحلكومة(‪ .)3‬لذا نالحظ أن الفلبني كانت من أكثر البلدان فساداً َف إابن (عهد‬
‫ماركوس) حيث حل شخصه حمل املؤسسات السياسية الستغالل املنصب من أجل املكسب‬
‫الشخصي مضافاً إليه السلوك السياسي للمسؤولني(‪َ )4‬ف ذلك النظام الذي ميثلون قمة اهلرم (الذي‬
‫يتوقف على ذلك السلوك درجة الفساد ألولئك املسؤولني)‪ .‬ويتضح مدى العالقة الطردية بني ميلهم‬
‫للفساد ودرجة انتشار الفساد َف نظامهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬حسن أبو محود‪ /‬الفساد ومنعكساته االقتصادية واالجتماعية‪( /‬حبث غري منشور)‪ /‬دمشق‪/‬‬
‫املعهد العايل للعلوم السياسية‪ /2000 /‬ص‪.5‬‬
‫(‪ )2‬روبرت كليتجارد‪ /‬السيطرة على الفساد (‪ )Controlling Corruption‬علي حسني‬
‫عجاج (مرتمجة)‪ /‬عمان‪ /‬دار البشر للنشر والتوزيع‪ /1994 /‬ص‪.70‬‬
‫(‪ )3‬م‪ .‬ن‪ /‬ص‪.63‬‬
‫(‪ )4‬تتوقف درجة الفساد على طبيعة هذا السلوك‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)182/1‬‬

‫لذلك كان (ماركوس) مثالً واضحاً ملدى ارتباط الفساد بسلطته الشخصية واستخدام قوة تلك‬
‫السلطة لتغطية احنرافاته وتكوينه للثروات الطائلة ّما أثر على البالد وجعلها تعاين من مشكالت عدة‬
‫واضطراابت استمرت حىت بعد سقوط حكمه ال تستطيع الفلبني التغلب عليها(‪.)1‬‬
‫من خالل ما سلف نستطيع أن نستشرف رؤية عن مدى تطوير مفهوم التنمية وعمق االرتباط بني‬
‫أشكاهلا املختلفة خصوصاً السياسية منها واالقتصادية‪ ،‬واللتني تعدان (حمور إشكال التنمية األخرى)‪.‬‬
‫وعلى وفق نوعية طبيعة املنهج الذي اخرتانه وهو املنهج املقارن البد من تعزيز ما قدمناه له هو‬
‫معهود عند املتخصصني والدارسني أن مفهوم التنمية ارتبط بعامل اجلنوب النامي (حتديداً) ّما جيعل من‬
‫الصعوبة مبكان اإلتيان مبثال من العامل املتقدم َف هذا اجملال‪ ،‬إال أن ظاهرة الفساد ظاهرة عرفها العامل‬
‫أبسره سواء أكانت َف اجلنوب أم َف الشمال لذا ومن خالل مثال حي لشكل الفساد َف عامل اجلنوب‬
‫واملؤثر على عملية التنمية منيط اللثام عن فساد العامل املتقدم وبذلك سنحاول إعطاء الوضوح لصور‬
‫الفساد (من خالل التنمية) َف كال العاملني الشمال واجلنوب‪.‬‬
‫فقد ابت من الواضح أن معظم دول اجلنوب تعتمد على املساعدات واإلمكاانت الفنية اخلارجية اليت‬
‫َف األغلب أتيت من دول الشمال املتقدم وقد استعرضنا فيما سلف (من فصول هذا البحث) قانوانً‬
‫َف الوالايت املتحدة األمريكية صدر عام ‪( 1977‬بعد فضيحة وتر غيت) مينع الشركات من دفع‬
‫الرشى ملسؤولني َف الدول النامية ألغراض الفوز بعقود املشاريع أو التوريدات إَل تلك البلدان‪ ،‬على‬
‫أن الكثري من الدول املتقدمة قد رفضت تبين مثل هذا القانون األمريكي ولو ابالسم وعلى سبيل‬
‫املثال أملانيا‪ ،‬كندا‪ ،‬الدامنارك وسويسرا الستفادهتا من آليات اإلفساد والفساد لتمرير عقودها‬
‫وتنفيذها للمشاريع َف البلدان النامية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬أكرم بدر الدين‪ /‬ظاهرة الفساد السياسي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.32‬‬

‫(‪)183/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هلذا الحظت الشفافية الدولية (‪ )Ti‬أن نسبة (‪ )%5‬تدفعها دول الشمال عمولة َف تلك البلدان‬
‫التابعة لعامل اجلنوب للفوز بعقد تنموي َف أحد هذه البلدان النامية‪ ،‬وأن النسبة املذكورة حتفز شهية‬
‫املدراء‪ ،‬والوزراء‪ ،‬وكبار املسؤولني العموميني حىت قمم اهلرم السياسي للحصول عليها‪ ،‬على أن هذه‬
‫النسبة راحت تبدو قليلة َف بعض بلدان اجلنوب ّما دعا املسؤولني فيها إَل مطالبة الشركات برفعها‬
‫إَل نسبة ترتاوح بني (‪ )%15 10‬من قيمة العقد أو املشروع التنموي لذلك شخصت هذه احلالة‬
‫بشكل يبني مدى كون هذه املساعدات واإلمكاانت الفنية ضعيفة ومؤثرة على الوضع االقتصادي‪،‬‬
‫حيث يظهر األمنوذج األندنوسي حتليالً هلا طبقاً لتصريح (سومريتو جوكو دكو مسو) وزير املالية‬
‫األسبق أطلقه عام ‪ 1993‬الذي جاء فيه‪:‬‬
‫((إنه لو أمكن وقف اهلدر والفساد َف املال فإننا لن نعود حباجة إَل املساعدات األجنبية)) لتعطي‬
‫التفصيل الكامل ملدى أتثري املساعدات املالية واإلمكاانت الفنية على أوضاع تلك البلدان(‪.)1‬‬
‫إن هذه العموالت املشار إليها اليت يتقاضاها املوظفون العموميون أو كبار الساسة حتتسب كنسبة‬
‫مئوية على كلف املشاريع من قبل املؤسسات اليت تفوز ابلعطاءات ولذلك أتخذ الدراسات‬
‫املتخصصة َف الفساد بنظر االعتبار برؤية مفادها أن املرتشني َف تلك املشاريع تكون فائدهتم من ريع‬
‫الفساد أكرب كلما كان مدى أو حجم املشروع أكرب استناداً للنسب (العمولة) اليت تردها من أعمال‬
‫تلك الشركات َف بلداهنم النامية‪ ،‬لذلك يرى أن عمولة مقدارها (‪ )%2‬من كلفة إنشاء طريق ذي‬
‫أربعة ّمرات تبدو أكثر إغراء من مقدار العمولة نفسها عن كلفة إنشاء طريق ذي ّمرين(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬شوقي رافع‪ /‬عوملة الفساد‪ُ /‬ملة العريب الكويتية‪ /‬العدد ‪ /481‬ديسمرب ‪ /1998‬ص‪.143‬‬
‫(‪Hamid Davoodi/ Roads to No where: How & Vitotanzi )2‬‬
‫‪corruption in public investment hurts growth/ Washington,‬‬
‫‪.D.C/ IMF 1993. pp 4-5‬‬

‫(‪)184/1‬‬

‫وقد يقوم أولئك املرتشون أيضاً بتكييف العطاءات للمشاريع على وفق مصاحلهم الذاتية ومصاحل‬
‫املؤسسات اليت تنفذ تلك املشاريع (ابالتفاق) لكي حتظى بذلك العطاء الذي مت تفصيله جاهزاً هلا‪،‬‬
‫على أن هذه املؤسسات اندراً ما يصيبها أذى من دفع تلك املبالغ للفوز ابلعطاءات املذكورة لسهولة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اسرتدادها من قبلها (تعويضاً لتلك الكلف) من خالل اآلليات اآلتية‪:‬‬
‫‪ 1‬إما ابالتفاق املسبق بني الفاسدين من املوظفني العموميني (املستفيدين من ذلك العطاء) وبني‬
‫املؤسسات اليت تبغي احلصول على العطاء املذكور‪ ،‬جيعل األخرية تدخل كلف الرشاوى والعموالت‬
‫ضمن تكاليف العطاء ذاته‪.‬‬
‫‪ 2‬أو أن املؤسسة تستطيع التفاهم مع أولئك املوظفني العموميني الفاسدين على تكييف العطاء‬
‫املقدم واطئ الكلفة األوَل إَل كلفة أعلى عن طريق ما يعرف إبدخال التعديالت على التصاميم‬
‫األولية للمشاريع والعطاء‪.‬‬
‫‪ 3‬كما ميكن أن تعيد الشركات كلف الرشاوى أبسلوب الكلف اإلضافية ذات األسعار العالية‪.‬‬
‫ككلف مضافة فيما بعد‪.‬‬
‫كل ذلك ينتهي مبشروع أكثر تكلفة أو أكرب من حيث السعة ولكن بال جدوى وفائدة تذكر‪ ،‬أو‬
‫مبشروع ذي تعقيدات غري مطلوبة أصالً وال تدخل َف صلب موضوع املشروع املذكور‪ ،‬ورمبا ينتهي‬
‫املشروع إَل حالة رديئة تتطلب كلف ٍ‬
‫إدامة وتصليح عالية(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪.Ibid., pp 4-5 )1‬‬

‫(‪)185/1‬‬

‫أي مبعىن آخر قد يفضي ختصيص عقود التوريدات العمومية عن طريق آلية فاسدة إَل تدين البنية‬
‫األساسية واخلدمات العمومية‪ .‬إن املسؤولني احلكوميني الفاسدين يسعون دائماً إَل تفضيل تلك‬
‫األنواع من املشروعات التنموية (إن صح القول فيها) ذات اإلنفاق الذي ميكنهم من مجع ريع‬
‫الفساد والرشاوى واحملافظة على سريتها‪ ،‬ويلمح بعض املهتمني بدراسة تلك احلاالت إَل أن اإلنفاق‬
‫الكبري على بنود متخصصة مثل بناء اجلسور والسدود اليت يصعب تقدير قيمتها السوقية املضبوطة‬
‫تفضي إَل مزيد من الفرص املرحبة للمفسدين(‪.)1‬‬
‫لقد أصبح جلياً أن تلك القطاعات املذكورة (األشغال واإلنشاءات الضخمة) ينظر إليها على أهنا‬
‫األكثر تعرضاً للفساد يليها َف ذلك قطاعات الدفاع(‪ ،)2‬طبقاً ملسح أجرته مؤسسة (غالوب)‬
‫الدولية بتكليف من الشفافية الدولية (‪ )Ti‬ولعل املخطط اآليت يوضح ذلك بشكل واسع‪:‬‬
‫يالحظ أن قطاع األشغال حيتل الدرجة (‪َ )1.5‬ف التدرج وهي أقرب الدرجات ألعلى مستوى‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫للفساد َف حني حيتل قطاع الدفاع الدرجة (‪ )2‬وهي أبعد قليالً عن مستوى قطاع األشغال‪.‬‬

‫مستوى‬
‫التحرر من الفساد‬

‫قطاع ‪ ...‬قطاع ‪... ...‬‬


‫الدفاع ‪ ...‬األشغال‬
‫والتسلح‬

‫نوع القطاع‬

‫املصدر‪ – www. Imf.org/Fandd :‬شكل رقم (‪)1‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬ابولو ماورو‪ /‬أتثري الفساد على النمو واالستثمار واإلنفاق احلكومي‪َ /‬ف كيمربيل أن اليوت‬
‫(حمرراً)‪ /‬الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬حممد مجال إمام (مرتجم)‪ /‬القاهرة‪ /‬مركز األهرام للرتمجة والنشر‪/‬‬
‫‪ /2000‬ص ص ‪.128 -127‬‬
‫(‪ )2‬جريمي بوب‪ -‬وفرانك موجل‪ /‬لكي تصبح أجهزة مكافحة الفساد أكثر فاعلية‪ُ /‬ملة التمويل‬
‫والتنمية‪ /‬واشنطن‪ /‬عدد يونيه ‪/2000‬ص‪.7‬‬

‫(‪)186/1‬‬

‫وإلثراء ذلك أبمنوذج تطبيقي سنتناول مثاالً من األرجنتني حالة للدراسة‪ ،‬إن (سد ايسريتا)(‪ )1‬املقام‬
‫على النهر الفاصل بني الباراغواي واألرجنتني استحق لقب (نصب الفساد) حيث قاربت مدة إنشائه‬
‫على الربع قرن من دون جدوى‪ ،‬ففي عام ‪ 1973‬مت االتفاق األويل على إنشائه وتناوبت العديد من‬
‫العهود والرؤساء وعشرات من الوزراء على ذلك السد من دون إكماله وكان اجلميع إن صح التعبري‬
‫يرضع من ضرع الفساد لذلك السد الذي أشرف على متويله البنك الدويل‪ ،‬ويشار إَل أن الكلفة‬
‫األولية له كانت قد قدرت (مبليار ونصف دوالر أمريكي) وعلى إثر ذلك التقدير تسلمت حكومة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اجلنراالت قرضاً بقيمة (مئتني وعشرة ماليني دوالراً أمريكياً) عام ‪ .1979‬وعندما تسلم (راؤول‬
‫الفونسني) عام ‪ 1983‬زمام السلطة من احلكومة العسكرية ظهر أن قائمة احلساب للسد قد انهزت‬
‫(املليار من الدوالرات األمريكية)‪ ،‬وبعد مناقشات طويلة حول االستمرار َف إكمال إنشاء السد جرى‬
‫احلصول على قرض جديد بقيمة (مئتني واثنني ومخسني مليون دوالر أمريكي) من البنك املذكور إلمتام‬
‫اإلنشاء وذلك عام ‪ 1988‬إال أن الفاتورة أصبحت عام ‪ 1990‬ضعف الكلفة الكلية املقدرة مع أن‬
‫حجم األعمال اإلنشائية ال يزيد على (‪ )%60‬فقط(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جتدر اإلشارة أن سد ايسريتا مقام على هنر منابعه َف وسط القارة األمريكية اجلنوبية ومير ُمراه‬
‫على مقربة من عاصمة الربغواي (اسانسيون – ‪ )Asuncion‬الذي ينحدر ليصب َف رأس الذراع‬
‫البحري الذي تقع عليه (منتيفديو) و(بوينس أيرس)‪ ،‬وأتيت أمهية السد من كون األرجنتني بلد حيتاج‬
‫لتنمية موارده املائية الزراعية والسمكية كونه بلد زراعي يشتهر بزراعات احملاصيل النجيلية وإنتاج‬
‫اللحوم‪.‬‬
‫(‪ )2‬شوقي رافع‪ /‬عوملة الفساد‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.143‬‬

‫(‪)187/1‬‬

‫عندما توَل (كارلوس منعم) السلطة وجرى التفاوض مع البنك مرة اثلثة حصلت األرجنتني مبوجبه‬
‫على قرض جديد بقيمة (ثلثمئة مليون دوالر أمريكي) ملتابعة البناء عام ‪ ،1992‬إال أن بعثة البنك‬
‫الدويل التقييمية اليت زارت املوقع بعد (ثالث سنوات) من منح آخر قرض اكتشفت أن (مخسة عشر‬
‫ألفاً) من املزارعني الذين أفقدهم بناء السد أراضيهم مل يتم تعويضهم هنائياً ومل مينحوا أي بدل مايل‪،‬‬
‫أو أي جزء من أرض بديالً ألراضيهم‪ ،‬فضالً عن أخطاء وفضائح فنية ضمن األعمال اإلنشائية ميكن‬
‫إطالق تسمية (‪ )fish - get‬عليها حيث إن إنشاء مصعد لألمساك بكلفة (مخسة وعشرين مليون‬
‫دوالر أمريكي) يصلح لصعود السمك عكس التيار فقط وال يسمح له ابلعودة بعد وضع البيوض‬
‫وعدم متكن السمك من اخلروج من ذلك املصعد يشكل عبئاً وخطأ فنياً جسيماً وتبديداً لثروة طبيعية‬
‫مهمة‪.‬‬
‫يذكر أن شكوك الفساد َف هذا املشروع حتوم حول مجيع العقود اليت مت توقيعها مع الشركات الكربى‬
‫املنفذة اليت يعود أغلبها إَل الدول األكثر مسامهة َف البنك الدويل ّما ميكن من احلصول على أكرب‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عدد من املشاريع اليت ميوهلا البنك املذكور‪ ،‬عند هذا سيتضح جلياً أن الدول املمولة عن طريق البنك‬
‫هي اليت جتين(‪ )1‬أرابح التمويل وفوائد القروض مستفيدة بذلك من فساد الذمم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪ /‬ص‪.143‬‬

‫(‪)188/1‬‬

‫البني عن أثر الفساد َف التنمية وكيف تتداخل آليات فساد‬


‫إن حالة (سد ايسريتا) تعطي املثال ّ‬
‫الذمم ومشروعات التنمية غري النزيهة اليت تضرب مفاصل مهمة َف حياة الشعوب ليس هذا فحسب‬
‫بل إن العديد من التجارب التنموية ومشاريعها مفعمة ابألمثلة اليت جاءت هبا أعمال الفساد‪ ،‬مثال‬
‫ذلك طرق مليئة ابحلفر مباشرة بعد انتهاء عقد إكماهلا‪ ،‬أو مصانع للقدرة تتعرض النطفاءات‬
‫وتوقفات منتظمة‪ ،‬ونظم مياه وصرف صحي ال تعمل البتة‪ ،‬كذلك فإن الفساد يؤدي دوراً كبرياً َف‬
‫إدامة وإصالح مستمرين ُث إن‬‫مشاريع تنجز ولكن ال تستخدم أبداً ألهنا رديئة منذ البدء وحتتاج إَل ٍ‬
‫قدرهتا اإلنتاجية خميبة لآلمال‪ ،‬إذاً وَف حالة كهذه يفشل رأس املال َف توليد النمو بسبب آلية‬
‫الفساد املستمرة واملستشرية َف كل املفاصل(‪.)1‬‬
‫جدير ابملالحظة أن بعض املفسدين من ساسة وموظفني عموميني ّمن ابعوا أمانتهم يهملون إدامة‬
‫البىن التحتية املادية املوجودة النتزاع عموالت إضافية من مشروعات استثمار جديدة َف حني أن‬
‫تلك البلدان تستطيع أن حتصل على انتج أكرب من البىن التحتية املوجودة أصالً (عندما يتم إدامة‬
‫تلك البىن وإبقاؤها َف حالة عمل جيدة) حيث إن تدهور تلك البىن يؤخر النمو أكثر ّما تفعله‬
‫املشاريع اجلديدة من إضافة للنمو(‪.)2‬‬
‫وأتسيساً على ما تقدم خنلص إَل ما أييت‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ملزيد من التفصيل انظر‪:‬‬
‫‪.Hamid Davoodi. Opcit p-5 & Vitotanzi‬‬
‫(‪ )2‬انظر كذلك‪:‬‬
‫‪Ibid, p.5‬‬

‫(‪)189/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن التنمية مفهوم برز خالل أواسط القرن املنصرم بشكل واسع ابلرغم من أنه مفهوم متعارف عليه‬
‫قبل تلك الفرتة مبدة قصرية‪ ،‬وكان َف البداية مفهوماً ينظر إليه نظرة (اقتصادية) حبتة إال أن بروز‬
‫جتارب للتنمية مل يكن العامل االقتصادي هو حمورها الرئيس جعل املفهوم أيخذ أبعاداً اقتصادية‪،‬‬
‫واجتماعية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وثقافية لذلك ظهرت َف ستينيات القرن املنصرم مفاهيم جديدة حول أمناط‬
‫التنمية ذات األبعاد املشار إليها‪ ،‬لقد تعددت الرؤى حول أي األمناط هو املتغري املستقل وأيها التابع‬
‫له إال أن ذلك مل يتجاوز أن من يتصدر األمناط بكونه املتغري املستقل حمصوراً ما بني (التنمية‬
‫االقتصادية) و(التنمية السياسية) وبينا ذلك ابلتفصيل فيما سلف من خالل االجتاهات اليت قال فيها‬
‫الفقهاء آراءهم َف ذلك‪ ،‬على أننا نرى أن (الفساد) له أمناط وأشكال متعددة من الصعوبة مبكان‬
‫العزل والفصل فيما بينها كذلك هي (التنمية) من الصعوبة مبكان الفصل على األقل بني منطيها‬
‫(االقتصادي) و(السياسي) حيث أن كلتا احلالتني مرتبطة ابألخرى ارتباط اجلنني أبمه وقد أثبتت‬
‫االجتاهات املشار إليها ذلك (انظر اآلراء فيما سلف من هذا البحث)‪.‬‬
‫وبناء على ذلك وللربط ما بني موضوع (التنمية) و(الفساد) فقد ابت من الواضح أن الفساد سواء‬
‫أكان سياسياً أم اقتصادايً أم إدارايً له األثر الكبري على التنمية بكل أبعادها وما يشكله من عائق مهم‬
‫عليها‪.‬‬

‫(‪)190/1‬‬

‫ولنبين بيئة خالية من الفساد االقتصادي املؤثر على التنمية االقتصادية البد من تفعيل دور‬
‫املؤسسات السياسية القائمة أو استحداثها إن مل تكن موجودة وال يتأتى ذلك إال من خالل إفساح‬
‫اجملال أمام املشاركة الشعبية َف صنع القرار السياسي‪ ،‬الذي قد يكون َف حمصلته خيطط لعملية‬
‫اقتصادية أو تنمويه وليكون ذلك القرار وتلك العملية تتسم بشفافية السياسة وتسمح مبساءلة‬
‫املسؤولني عن تنفيذها وتلك شروط ال حيققها إال احلكم الصاحل الذي يؤمن أبن التنمية هي عملية‬
‫كل األفراد وليس قراراً يوضع من وراء ابب موصد وبذلك يضمن تقليل فرص الفساد الذي إذا ما‬
‫استشرى فسوف تكون عواقبه وخيمة على االقتصاد والسياسة وحياة اجملتمع أبسره‪.‬‬

‫((‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الفصل الثاين‬
‫أثر الفساد َف السيادة وسداد الديون‬
‫اخلارجية والنظام العام‬

‫احلديث عن السيادة واملديونية والنظام العام وأثر الفساد عليها يشكل أمهية ذات خصوصية‪.‬‬
‫فمحور السيادة من جهة وحمور النظام العام من جهة أخرى إذا ما أصيبا ابخللل فإهنما سوف‬
‫ينعكسان على البيئة الداخلية للمجتمع والدولة‪ ،‬إلحداثهما اختالالت ال ميكن قياس مدى حجمها‬
‫تؤثر على تلك البيئة وهي َف الوقت عينه تؤثر على بيئة الدولة اخلارجية وعالقاهتا َف حميطها الدويل‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫ولكي نصيب كبد احلقيقة َف مبحثنا هذا لبيان أثر الفساد على احملورين املشار إليهما نورد أن الفساد‬
‫عرفته دول الشمال كما عرفته دول اجلنوب على حد سواء طبقاً لفرضيتنا إال أن استشراءه َف‬
‫اجلنوب كان أكرب من دول الشمال يرافقه ما أكدته العديد من اآلراء والدراسات املتعلقة ابحملاور‬
‫املشار إليها اليت تتطابق مع الفرضية ولكون عامل الشمال ميتاز بنسبة معقولة من استقرار املؤسسات‪،‬‬
‫وثبات القوانني‪ ،‬وتنامي الفائض املايل فإن الرتكيز ضمن هذا الفصل سيكون على مناقشة حالة عامل‬
‫اجلنوب بشكل أوسع وأكرب ملا ميتاز به من كثرة املديونية وعدم وضوح القوانني واتسام الكثري من‬
‫مؤسساته بعدم االستقرار‪.‬‬

‫(‪)191/1‬‬

‫وللدخول َف صلب احملاور سننطلق أوالً من حمور السيادة وسداد الديون ُث نتناول األثر على النظام‬
‫العام طبقاً ملا أييت‪:‬‬
‫حمور‪ :‬أثر الفساد على السيادة وسداد الديون اخلارجية‬
‫نبني أثر الفساد على السيادة وعالقة ذلك بسداد الديون البد أن نعرض ملعىن السيادة بشكل‬
‫لكي ّ‬
‫بسيط أوالً‪.‬‬
‫((فالدولة ذات السيادة ‪ )Sovereign state‬تعين أن تلك الدولة هي سيدة أمرها ومطلقة‬
‫التصرف َف شؤوهنا اخلاصة‪ ،‬وأهنا اجلهة العليا اليت خيضع هلا مواطنو البلد‪ ،‬وهي اليت تصرف شؤوهنا‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫خارجياً وداخلياً حيث تسن التشريعات وتفرض الضرائب وتعلن احلرب وتقيم السالم وتربم االتفاقات‬
‫مع غريها من الدول ذات السيادة أو اهليئات ذات الشخصية القانونية))(‪.)1‬‬
‫هلذا فإن من الواضح أن السيادة هي شرط لالستقالل السياسي الذي تتمتع به الدولة عندما تعرتف‬
‫مثيالهتا من الدول هبا بوصفها املصدر الوحيد للممارسة الشرعية للسلطة داخل أراضيها‪ .‬وقد يواجه‬
‫مفهوم السيادة الوطنية مشكالت عندما تكون الدولة ملزمة مبعاهدة على إطاعة قرارات من خارج‬
‫نظامها السياسي الوطين (كما هي احلال َف االحتاد األورويب مثالً)(‪ ،)2‬أو أن الدولة تطيع قرارات‬
‫خارجية إزاء التزامات عليها تطبيقها جراء اقرتاضها الحتياجها للمعونة اخلارجية (كما هو احلال َف‬
‫قروض صندوق النقد الدويل ‪.)IMF‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حارث سليمان الفاروقي‪ /‬املعجم القانوين‪ /‬بريوت‪ /‬مكتبة لبنان‪ /1982 /‬ص‪.653‬‬
‫(‪ )2‬جيوفري روبرتز‪ /‬املعجم احلديث للتحليل السياسي‪ /‬مسري اجلليب (مرتجم)‪ /‬بريوت‪ /‬الدار العربية‬
‫للموسوعات‪ /1999 /‬ص ص ‪.429 -427‬‬

‫(‪)192/1‬‬

‫يذكر أن االتفاق مع املؤسسات املالية النقدية الدولية يتطلب موافقة املقرتض (أي الدولة) على‬
‫القيام بتنفيذ شروط تلك املؤسسات سياسياً واقتصادايً ّما يفسح اجملال للتدخل َف سيادة تلك‬
‫الدولة (بتطبيق عنصر اجلزاء) إذا ما أخلت بتقيد تلك الشروط اليت تفرض عليها َف حالة كون‬
‫االلتزامات احمللية للدولة ضعيفة ال متكنها من سداد القروض(‪.)1‬‬
‫وبعد هذا التقدمي البد أن نضع تساؤالً تكمن َف إجابته حقيقة الوقوف على اإلشكالية ما بني‬
‫(الفساد‪ ،‬السيادة‪ ،‬املديونية) والتساؤل هو‪:‬‬
‫إذا كانت الدولة املقرتضة تقيد نفسها ابلتزامات متكن املؤسسات املقرضة ّما فرض شروط خترق‬
‫سيادة الدولة احملتاجة‪ ،‬فكيف يكون األمر إذا ما تفشي الفساد َف مفاصل تلك الدولة؟ وكيف هو‬
‫األمر إذا ما وجهت القروض لغري وظيفتها األساسية؟ وما مآل األمر إذا أخلت تلك الدولة بسداد‬
‫القرض؟‬
‫أسئلة سنتناول إجابتها لبيان اإلشكالية اليت عرضنا هلا فيما تقدم‪.‬‬
‫حيث من املالحظ أن الكثري من دول عامل اجلنوب (اليت تكون َف حاجة للقروض على األغلب)‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تلجأ إَل املؤسسات املالية الدولية لالقرتاض منها‪ ،‬وأن تلك املؤسسات قدمت العديد من القروض‬
‫للدول َف عامل اجلنوب وحىت للدول َف عامل الشمال (علماً أن قسماً من هذه األخرية تنتمي إَل هذه‬
‫املؤسسات) خالل األزمات اليت اعرتضت تطورها‪ ،‬إال أن املالحظ على حكومات عامل اجلنوب أهنا‬
‫توجه تلك القروض جتاه مشاريع أو جهات أخرى ال متت بصلة إَل التنمية والتطور حىت أن‬
‫اإلحصاءات تشري إَل توجيه حنو (‪ )%25‬من تلك القروض للتسليح فقط‪ ،‬وهذا أمر ال حيدث‬
‫تنمية مطلقاً(‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البنك الدويل لإلنشاء والتعمري‪ /‬الدولة َف عامل متغري‪( /‬تقرير التنمية البشرية ‪ /)1997‬ترمجة‬
‫مركز األهرام للرتمجة والنشر‪ /‬القاهرة‪ /1997 /‬ص‪.108‬‬
‫(‪ )2‬راجع فقرة التسليح َف الفصل الثاين‪.‬‬

‫‪ ...‬حنان البيلي‪ /‬الفساد املؤسسي‪ /‬سلبيات األداء‪ُ /‬ملة السياسة الدولية‪ /‬العدد ‪ /143‬يناير‪/‬‬
‫‪ /2001‬ص‪.229‬‬

‫(‪)193/1‬‬

‫فضالً عن أن نسبة كبرية من تلك القروض توجه إَل حساابت خاصة ألعضاء النخب السياسية‪.‬‬
‫ولعل أمنوذج أمريكا الالتينية وخصوصاً (املكسيك) مثال صارخ على حتويل تلك القروض للحساابت‬
‫الشخصية لكبار املسؤولني مع األخذ بنظر االعتبار (ما سبق وأن أشران إليه) إَل أن الكثري من تلك‬
‫األموال اليت تقرتضها الدول توجه ملشاريع رديئة النوعية ينجم عنها تسريب كثري من كلفها (رشاوى‬
‫للموظفني العموميني تضاف على قيمة تلك املشاريع)(‪ )1‬تدفع من قبل املنفذين هلذه املشاريع عدمية‬
‫اجلدوى(‪.)2‬‬
‫كل هذه األسباب تدفع املؤسسات الدولية املقرضة إلمالء شروط على الدولة املقرتضة حتسباً‬
‫لتسريب أموال القرض‪ ،‬اليت تكون إمكانية سداده أشبه ابحلالة املستحيلة َف ظل اآلليات الفاسدة‬
‫اليت قدمنا هلا خصوصاً وأن احلالة ختص (دول عامل اجلنوب) اليت تتسم دوله بكوهنا فقرية ابألساس‪.‬‬
‫إن القرن املنصرم (القرن العشرين) شهد مع هناايته حاالت أصبحت َف ظلها الدول الفقرية أكثر فقراً‬
‫نتيجة لعوامل (طبيعية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬أو سياسية) ّما جعل الكثري من دول عامل اجلنوب تسري خبطاها حنو‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اهليئات املالية الدولية للحصول على قروض جديدة إضافة إَل القروض السابقة اليت أتلفت طبقاً‬
‫لآلليات املشار إليها‪ّ ،‬ما دعا تلك اهليئات وعلى رأسها صندوق النقد الدويل للمطالبة بشروط قاسية‬
‫لضمان سداد القروض‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬راجع الفصل األول من هذا الباب قضية سد ايسريتا األرجنتيين‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظر َف ذلك‪:‬‬
‫‪ ...‬د‪ .‬نبيل علي‪ /‬مقاربة سوسيولوجية اقتصادية لظاهرة الفساد‪( /‬حبث غري منشور)‪ /‬دمشق‪ /‬املعهد‬
‫العايل للعلوم السياسية‪ /2000 /‬ص‪.‬‬
‫‪ ...‬وكذلك د‪.‬دريد درغام ‪/‬اآلاثر االقتصادية للفساد‪ /‬مجعية العلوم االقتصادية السوريه‪-4-23 /‬‬
‫‪ /1999‬ص‪.50‬‬

‫(‪)194/1‬‬

‫وهلذا برزت الوصفات اليت تنادي ابلتعديالت اهليكلية والدعوة خلفض اإلنفاق احلكومي على‬
‫اخلدمات‪ ،‬ورفع أسعار الفائدة‪ ،‬وفتح األسواق أمام املستثمرين األجانب‪ ،‬اليت يقع ثقلها األساس‬
‫على كاهل املواطنني الذين يعيشون َف الكثري من دول عامل اجلنوب إما على خط الفقر أو دونه بقليل‬
‫أو أعلى منه بقدر ذلك‪ّ ،‬ما جيعل احلياة ابلنسبة إَل هؤالء شبه مستحيلة‪.‬‬
‫إن هذه املعاانة أدت َف الكثري من األحيان إَل حدوث قالقل اجتماعية (َف البلدان اليت سارت على‬
‫هنج الوصفة القاتلة لإلقراض اليت سبق التطرق إليها َف مواضع سابقة) ّما زعزع االستقرار‪ ،‬وزاد من‬
‫حجم املعاانة بكثرة(‪.)1‬‬
‫كل هذا كان نتاجاً آلليات الفساد اليت صاحبت هذه األموال واليت جعلت دولة مثل (أندونيسيا)‬
‫تسري على هنج الوصفة اليت قدمها الصندوق لتعيش حالة تدهور اقتصادها وكثرة مشكالهتا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ /‬حنان البيلي‪ /‬الفساد املؤسسي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.229‬‬

‫(‪)195/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن الصورة الفوتوغرافية اليت عرضت على معظم أرجاء املعمورة اليت تصور الرئيس األسبق ألندونيسيا‬
‫(سوهارتو) وهو يوقع حتت أنظار (ميشيل كامديسو) مدير صندوق النقد الدويل‪ ،‬االتفاق مع‬
‫الصندوق إلقراض أندونيسيا مبلغ (ثالثة وأربعني مليار دوالر) إلخراجها من أزمتها‪ ،‬تدل على كيفية‬
‫اإلجبار واخلشونة غري املسبوقة اليت تعاملت هبا إدارة الصندوق مع (سوهارتو) وهو رئيس دولة ذات‬
‫سيادة فرضت عليها شروط لتطبيق برانمج لإلصالح املايل‪ ،‬اضطرته وهو صاحب السيادة فيها إَل‬
‫التنازل عن جزء من ماله الشخصي اخلاص ما مقداره (مخسة مليارات دوالر أمريكي) مسامهة منه َف‬
‫ذلك اإلصالح‪ ،‬وكان األمر بعد هذا الرضوخ لتطبيق تلك القرارات اخلارجية (اليت تفقد الدولة‬
‫استقالليتها السيادية َف تشريعاهتا واتباع سياسة خاصة هبا) أن أطيح (بسوهارتو) وافتضح سر‬
‫أخطائه املالية وفساده الذي جر البالد إَل أزمات اقتصادية‪ ،‬ونزعات انفصالية وحركات عصيان‬
‫تنفجر بني احلني واآلخر‪ ،‬وربط البالد مالياً بقرار خارجي ال ميت للرأي الداخلي أبي صلة ّما أضعف‬
‫استقرار ذلك البلد(‪.)1‬‬
‫إن مقارنة بسيطة بني احلالة األندونيسية وحالة جارهتا ماليزاي تبني األثر السيء للتدخل اخلارجي على‬
‫سيادة الدولة حيث رفضت ماليزاي إقامة اتفاق مع صندوق النقد الدويل واالنصياع لوصفته للتغلب‬
‫على أزمتها املالية‪ ،‬فما كان من حكومتها إال أن وضعت خطة للسري جتاه سياسات اقتصادية مبنية‬
‫على أسس سليمة معتمدة على تنمية الصادرات بسرعة وكان نتيجته أن استطاعت دون غريها‬
‫اخلروج من أزمتها من غري مشكالت وال قالقل اجتماعية ّما دعا رئيس حكومتها للقول ((إننا لو‬
‫اتبعنا خطط الصندوق لكان االنتكاس مالزماً القتصادان))(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حممود املراغي‪ /‬عصر من الفساد (من فساد السفح إَل فساد السلطة)‪ُ /‬ملة الكتب وجهات‬
‫نظر‪ /‬العدد (‪ /)21‬أكتوبر ‪ /2000‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )2‬حنان البيلي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.229‬‬

‫(‪)196/1‬‬

‫إن ماال يغيب عن مدى الرؤية أبن كثرياً من دول اجلنوب تعاين من عوامل ضعف عديدة مشخصة‪،‬‬
‫يشكل الفساد واحداً منها‪ ،‬يضاف إليه أن العوامل هذه جتعل الدول تلجأ إَل االقرتاض لتلبية‬
‫حاجاهتا األساسية حتت شروط إقراض تعسفية وتدخلية‪ ،‬وَف ظل أوضاع كهذه تكون الدول حباجة إَل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫القروض رغم أهنا فاقدة القدرة على سدادها‪ّ ،‬ما جيعلها رهن وضع ال يسمح هلا برتاكم رأس املال‬
‫احمللي الذي تستطيع عربه (تلك الدول اليت هي فقرية َف الغالب) أن تبين قاعدة إنتاجية معطاء تدر‬
‫دخالً حقيقياً يساعد على تلبية ضرورايهتا وابلوقت نفسه يساعد على السداد التدرجيي لتلك‬
‫القروض وتبعاهتا الذي يعد مطمحاً بعيد املنال عن إمكانيات تلك الدول(‪ّ ،)1‬ما جيرها إَل قبول‬
‫الشروط القسرية لإلقراض اليت تفقدها َف الغالب خصوصيتها السيادية على أراضيها وثرواهتا‬
‫الطبيعية‪ ،‬األمر الذي يضطر البعض من تلك الدول إَل رفض القروض حفاظاً على املتبقي من‬
‫شتاهتا‪.‬‬
‫ولكي نعطي ملا تقدم بعده التطبيقي سنتناول دراسة حالة (املكسيك) وكيف وصلت السياسات‬
‫اإلقراضية إَل حد تقييد سلطة احلكومة على ثرواهتا ّما جعلها ترفض املساعدات اليت هي َف أمس‬
‫احلاجة إليها َف النهاية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬أسامة عبد الرمحن‪ /‬تنمية التخلف وإدارة التنمية‪ /‬بريوت‪ /‬مركز دراسات الوحدة العربية‪/‬‬
‫حزيران ‪ /1997‬ص ص ‪.124 -177‬‬

‫(‪)197/1‬‬

‫لقد سبقت اإلشارة إَل معاانة (املكسيك) من حاالت فساد النخبة السياسية اليت تظهر تفاقم هذه‬
‫املشكلة ابإلضافة إَل مشكالت أخرى (مالية واقتصادية) جعلت البالد وحكوماهتا تنصاع إَل‬
‫إرادات اهليئات املالية اليت جلأت إليها املكسيك لإلقرتاض منها‪ ،‬وما التعليمات اليت أصدرها‬
‫صندوق النقد الدويل لتحقيق شروط إقراضه ذلك البلد بتخفيض عملته الرمسية (البيزو) إال السبب‬
‫الرئيس َف انفجار األزمة املكسيكية ملا نم عن ذلك التخفيض من تدهور قيمة عملة (البيزو) بشكل‬
‫عنيف وفوري حىت وصل االخنفاض إَل أرقام خطرية‪ ،‬جعلت الوالايت املتحدة األمريكية (الكثرية‬
‫االستثمارات َف املكسيك) خالل فرتة إدارة الرئيس (بيل كلينتون) تقرتح تقدمي قرض للمكسيك‬
‫بقيمة (أربعني مليار دوالر) إلنقاذها من حمنتها‪ ،‬مع حتسب تلك اإلدارة من أن يلحق األذى‬
‫ابملستثمرين األمريكان وكذلك إمكانية التعرض للهجرة من املكسيك إَل أراضيها نتيجة لتدهور‬
‫الوضع االقتصادي َف األوَل(‪.)1‬‬
‫إن املقرتح املذكور مل حيظ مبوافقة الكونغرس إال َف حالة أن تقدم املكسيك ضماانت ضمن سياق‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ضماانت القروض اليت كانت غاية َف القسوة ومن أمهها‪:‬‬
‫أن تكون عائدات البرتول املكسيكي ضماانً لسداد القروض اليت ستقدم للمكسيك بضمانة احلكومة‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫وعلى إثر ذلك صرح وزير اخلزانة َف اإلدارة املذكورة أن عائدات البرتول سوف تودع َف حساب‬
‫خاص َف البنك املركزي األمريكي بنيويورك وتشرف عليه هيئة مالية ونقدية مستقلة يكون من حقها‬
‫اإلشراف على السياسة االقتصادية للمكسيك‪ ،‬ابإلضافة إَل مطالبات أمريكية أخرى مثل احلد من‬
‫اهلجرة املكسيكية إَل الوالايت املتحدة وتعزيز إجراءات مكافحة املخدرات‪ ،‬والتوقف عن مساعدة‬
‫كواب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سعد الدين وهبة‪ /‬من االنفتاح إَل اخلصخصة (النهب الثالث ملصر)‪ /‬القاهرة‪ /‬دار اخليال‪/‬‬
‫‪ /1997‬ص ص ‪.179 -176‬‬

‫(‪)198/1‬‬

‫إن معظم هذه الشروط تعد انتهاكاً خطراً لسيادة املكسيك ّما دفع وزير اخلارجية املكسيكي لإلعالن‬
‫(أبن بالده ترفض أي عدوان على سيادهتا)‪.‬‬
‫إن مثال املكسيك يكشف أن اهليئات املالية الدولية ابلتعاون مع البعض من دول الشمال تستفيد‬
‫من إفالس بعض الدول ليتاح هلا شراء استقالهلا بقرض أو أكثر وابلتايل تسيطر على سيادة تلك‬
‫الدول وخترقها‪ .‬إن دولة مثل املكسيك تتمتع بثروات طبيعية وإمكاانت ال أبس هبا ما كان هلا أن‬
‫تصبح َف موقف كهذا حتت سيطرة القوى املهيمنة الرأمسالية لو كانت مؤسساهتا وخنبها ال تعرف‬
‫الفساد الذي نعود ونقول إنه أحد أبرز مشكالت املكسيك الذي أثر على سداد ديوهنا وسياستها‬
‫النقدية وليس املشكلة الوحيدة(‪.)1‬‬
‫بعد هذا العرض إلشكالية العالقة بني الفساد‪ ،‬السيادة‪ ،‬أزمة الديون‪ ،‬وبيان ما يولده الفساد من‬
‫مشكالت (تدخل خارجي َف سياسات احلكومة الوطنية وإمالء شروط هي َف غىن عنها لو كان‬
‫أعضاء خنبها السياسية ومسؤولوها العموميون بعيدين عن آليات الفساد)‪ .‬البد لنا من اإلشارة إَل ما‬
‫يؤثره الفساد على النظام العام َف احملور اآلخر من حبثنا هذا تتمة للموضوع‪.‬‬
‫حمور‪ :‬أثر الفساد على النظام العام‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يظهر من خالل الدراسة ملوضوع الفساد أنه موضوع ميد أذرعه إَل كثري من املفاصل َف اجملتمع‬
‫والدولة‪ ،‬وله آاثر سلبية خطرية على األنظمة والتشريعات على حياة األفراد‪ ،‬عليه يكون حبث أثر‬
‫الفساد على النظام العام واحداً من أهم تلك اآلاثر السلبية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪ /‬ص ص ‪.179 -176‬‬

‫(‪)199/1‬‬

‫إن فكرة النظام العام ارتبطت ابجملتمع واحملافظة على حاجته لالستقرار والسالم‪ ،‬إال أن تلك الفكرة‬
‫هي َف األصل فكرة نسبية مرنة ختتلف ابختالف الزمان واملكان فهي ختتلف من ُمتمع إَل آخر‪،‬‬
‫ومن دولة إَل أخرى‪ ،‬ورمبا يصل االختالف إَل أن حيدث بني منطقة وأخرى َف كيان الدولة الواحدة‪،‬‬
‫طبقاً لفلسفة النظام السياسي السائدة فضالً عن ما تسبب فيه اتساع دور الدولة وتزايد تدخلها َف‬
‫احلياة االقتصادية واالجتماعية من سعة َف مرونة املفهوم(‪.)1‬‬
‫ولنستطيع الوقوف على ذلك األثر للفساد على النظام العام (هذا املفهوم املرن) البد من االستفادة‬
‫من اآلراء اليت حددت وحاولت وضع فكرة النظام العام َف إطار قانوين وإعطاء داللة مفهومية له‬
‫برغم صعوبة حتديد مفهوم جامع مانع للفكرة‪.‬‬
‫حيث يرى البعض ومنهم أستاذ القانون الفرنسي (‪َ )Hauriou‬ف النظام العام "أنه حالة واقعية‬
‫عكس الفوضى‪ ،‬وعندئذ يكون النظام العام معداً ال ليستخدم لوصف وضع سلمي هادئ"‪.‬‬
‫أي أن يفسره على أساس حالة الفوضى فحسب‪ ،‬وليس لوصف حالة االستقرار َف األوضاع السلمية‬
‫اهلادئة‪ ،‬والذي حدا أبستاذ فرنسي آخر هو (‪ )Blaevoeet‬أن يعرفه "أبن غاية الضبط هي حالة‬
‫واقعية سلبية وكل أعماله تستهدف منع اإلضراب"‪.‬‬
‫ُح ِد َ‬
‫ث‬ ‫ما ورد يدل أن التفسري حيصر النظام العام َف حالة سلبية ال تدعو الضبط إَل التدخل إال إذا أ ْ‬
‫هتديد أو اضطراب(‪.)2‬‬
‫ولتوسيع دور الدولة وتطوير املفاهيم برزت أفكار جديدة خبصوص النظام العام منها رأي (د‪ .‬حممود‬
‫عصفور) الذي يقول‪:‬‬
‫((‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )1‬عاشور سليمان صاحل‪ /‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال وقرارات الضبط اإلداري (دراسة مقارنة‪/‬‬
‫بنغازي‪ /‬جامعة قاريونس‪ /1997 /‬ص‪ 128‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.‬‬

‫(‪)200/1‬‬

‫ف النظام العام التقليدي تعريفاً سلبياً وهو اختفاء اإلخالل‪ ،‬وإمنا جيب أن ينطوي‬
‫ال ميكن أن يُ َعر َ‬
‫على معىن إنشائي يتجاوز النتيجة املباشرة‪ ،‬وهلذا مل يعد اهلدوء العام يعين القضاء على الضجة‬
‫واالضطراابت اخلارجية وإمنا راحة السكان))(‪.)1‬‬
‫لذا على أساس اتساع فكرة النظام العام من خالل ما قدمنا له ذهب البعض إَل تعريف النظام العام‬
‫على أنه‪:‬‬
‫((ذلك التنظيم الذي يتسع ليشمل مجيع أبعاد النشاط االجتماعي))‬
‫بعد هذا البد لنا من القول أبن اآلراء استقرت بعد ذلك َف الفقه القانوين على أن مدلول النظام‬
‫العام يتضمن عناصر ثالثة (األمن العام)‪( ،‬الصحة العامة)‪ ،‬و(السكينة) كعناصر تتضمن أغراض‬
‫النظام العام وأهدافه(‪.)2‬‬
‫إن العناصر الثالثة املشار إليها كمدلوالت للنظام العام ترتبط هبا األمثلة اآلتية اليت سنحاول من‬
‫خالهلا توضيح املراد من مبحثنا هذا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬للمزيد من التفصيل‪ /‬انظر‪ /‬د‪ .‬حممود عصفور‪ /‬البوليس الدويل‪ /‬القاهرة‪ /1971 /‬ص‪.152‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬عاشور سليمان‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.128‬‬

‫(‪)201/1‬‬

‫إن املراقبني للفساد َف كثري من األحيان ينسبون إليه أنه يؤدي إَل آاثر سلبية مجة منها العزلة‬
‫السياسية وعدم االستقرار اليت ينجم عنها النفور العام‪ ،‬وأمنوذج املكسيك الذي أشران إليه َف موضع‬
‫سبق خري مثال على ذلك ففي ظل قطاع عام يضم أكثر من مليون ونصف عامل‪ ،‬انتشر الفساد َف‬
‫ظل رقابة إدارية بشعة وعدمية الفائدة (على حد تعبري أحد املسؤولني احلكوميني َف املكسيك) ّما‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تسبب َف اهنيار االقتصاد وجعل موجة النمو َف املكسيك تتالشى كما يتالشى زبد البحر‪ ،‬وقد وصل‬
‫أثر ذلك اهلياج الشعيب إَل حد أن القرى املكسيكية‪ ،‬ومترداً منها‪ ،‬بدأت ترفع إَل جانب شعارات‬
‫(األحزاب الشيوعية) املطرقة واملنجل شعارات مفادها (ضد الفساد نقف حنن املعارضون)(‪ ،)1‬لذلك‬
‫يرى أحد علماء السياسة (مايكل خنت ‪ )NCHT‬أن الفساد مؤشر مستقل مهم يدل على‬
‫احتمال (تغيري نظام احلكم) َف دول اجلنوب حتماً بعد أخذ عدد من العوامل األخرى الثابتة إحصائياً‬
‫بعني االعتبار(‪.)2‬‬
‫ويستشهد للغرض ذاته أحد اخلرباء املختصني (ابلشؤون اإلفريقية) َف دراسة عن احلالة َف غاان ما‬
‫نصه‪:‬‬
‫((‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬روبرت كليتجارد‪ /‬السيطرة على الفساد ‪ /Controlling corruption‬علي حسني‬
‫عجاج (مرتجم)‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪ 19‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ملزيد من التفصيل ‪Regime & Michael Nacht, Internal change‬‬
‫‪stability/ London/ International Institute for strategic‬‬
‫‪.studies/ 1981 p. 10 and follows‬‬

‫(‪)202/1‬‬

‫ملا كان عدد كبري من حمصلي الضرائب َف املناطق الريفية قد نح َف امتالك البيوت واملزارع َف‬
‫الوقت الذي كان يفرتض فيه أن يكسب ُمرد دريهمات قليلة‪َ ،‬ف الشهر‪ ،‬فإنه يصبح من املفهوم‬
‫متاماً ملاذا يتمرد عدد كبري من املزارعني عن دفع اجلباية بسبب ما يراه َف قريته‪ ...‬كيف ميكن‬
‫للحكومة أن تتضرع للناس أن يشدوا األحزمة‪ ...‬بينما يعمل أفراد الطبقة األرستقراطية الغنية‬
‫اجلديدة وأذانهبم‪ ،‬الذين يطلبون منهم القيام بذلك‪ ،‬على ملء كروشهم وبطوهنم‪ ،‬وتعمل زوجاهتم‬
‫وعشيقاهتم على تكبري غببهن‪َ ،‬ف تناسب طردي مع نسبة شد احلزام على البطون عند الناس‬
‫العاديني؟))‪ .‬والذي يفسر حاالت اهليجان عند أولئك املزارعني(‪ّ .)1‬ما يؤدي إَل اإلخالل ابلنظام‬
‫العام‪.‬‬
‫وبشكل آخر فإن اإلخالل ابلنظام العام َف (حالة هونك كونغ) قبيل انبثاق جلنة (كيرت) املستقلة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫للفساد َف هونك كونغ (اليت ساعدت البالد على التخلص من الفساد) ميثل دليالً مادايً آخر على‬
‫األثر السليب للفساد على ذلك‪ ،‬حيث كان اإليراد اليومي لرجال شرطة هونك كونغ ما يوازي عشرة‬
‫آالف دوالر (هونك كونغ) يومياً‪ ،‬نتيجة للرشاوي اليت تقدمها مافيات املخدرات هلم مقابل سكوهتم‬
‫أو تقدمي اإلنذار املبكر عن الغارات (على أوكار املخدرات) اليت خيطط هلا َف الدوائر العليا‬
‫للحكومة‪ ،‬حىت وصلت أمور الرشاوى إَل حد أن كان للشرطة مؤسستهم اخلاصة َف املقاطعة الغربية‬
‫من كاولون اليت كانت جتمع املال من أوكار القمار واملخدرات عن طريق ضباط الشرطة ذوي الرتب‬
‫الوسطى‪ .‬أما أصحاب الرتب العليا فقد كانوا يتلقون مبالغ كبرية نظري إبقاء عيوهنم مغلقة‪ .‬وقد أقام‬
‫الطرفان الشرطة ومافيات القمار واملخدرات خطة حمكمة لتوزيع املال (األسود) مبا َف ذلك استئجار‬
‫احملاسبني ودفع األنصبة َف ستة بنوك والتحويل إَل العمالت األجنبية حىت أن روائح الفساد العفنة قد‬
‫سيطرت على‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬روبرت كليتجارد‪ /‬السيطرة عل الفساد‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.70 -69‬‬

‫(‪)203/1‬‬

‫‪ )%70‬من األخبار عن هونك كونغ َف الصحافة الربيطانية طبقاً لإلحصائيات حول ذلك(‪.)1‬‬
‫إن األمثلة الواردة تدل على كيفية إخالل الفساد ابلنظام العام بداللة التأثري على عنصر (األمن‬
‫العام) أحد مدلوالت النظام العام أما ما خيتص بداللة التأثري على عنصر (الصحة العامة) فحسبنا‬
‫ابملثال املذكور عن أفريقيا وآلية الفساد من خالل بيع املساعدات الطبية خري مثال يدل على ذلك‬
‫اجلانب من الفساد‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بعنصر (السكينة)‪ ،‬فمن الواضح أن الفساد يضرب قاعدة املساواة بني املواطنني ألن‬
‫من ميتلك نفوذاً سياسياً يستغله لتحقيق منافع خاصة ال يستحقها حارماً منها من يستحقوهنا وفقاً‬
‫للمعايري املوضوعية‪ّ ،‬ما جيعل أولئك املستحقني يشعرون كأهنم مواطنون من الدرجة الثانية(‪ّ .)2‬ما‬
‫حيدث خلالً َف (السلم االجتماعي) (على حد وصف األستاذ حممد حسنني هيكل) الذي يعرفه أبنه‬
‫مطلب مركب‪ ،‬مشروط بشرعية السلطة‪ ،‬مشروط مبشروعية الثروة‪ ،‬مشروط حبقوق املواطنة‪ ،‬مشروط‬
‫إبحساس املساواة بني الناس وإن تفاوتت الكفاايت أو حىت احلظوظ‪ ،‬ومشروط بغري ذلك(‪.)3‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬ملزيد من التفصيل انظر‪International Herald Tribune, 18-19 July :‬‬
‫‪- 1986‬‬
‫(‪ )2‬أ‪ .‬السيد أمحد النجار‪ /‬الفساد مكافحته َف الدول العربية‪ /‬االجتاهات االقتصادية االسرتاتيجية‬
‫‪ -2000‬القاهرة ‪ /‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية ابألهرام‪ /2001 /‬ص‪.170‬‬
‫(‪ )3‬أ‪ .‬حممد حسنني هيكل‪ )1995( /‬ابب مصر إَل القرن ‪ /21‬القاهرة‪ /‬دار الشروق‪/1995 :‬‬
‫ص‪.25‬‬

‫(‪)204/1‬‬

‫إن ذلك كله يرتبط بتحليل األستاذ هيكل أيضاً املتعلق ابلقضية اجلزائرية اليت من خالهلا نستشف‬
‫األثر السيء للفساد على سكينة اجملتمع وابلتايل اخللل َف النظام العام‪ ،‬حيث أورد بتاريخ ‪/12‬أاير‬
‫(مايو) ‪ 1997‬مقالة حتت عنوان (ذبح الوطن واملستقبل َف اجلزائر) يعرض فيها إَل أنه منذ َتريخ‬
‫كتابة مقالة سابقة عن اجلزائر من قبله حتت عنوان (سحق الدميقراطية هبدف إنقاذها) بتاريخ ‪/27‬‬
‫(إبريل) نيسان‪ 1992 /‬واجلزائر شهدت حوادث قتل مائة ومثانني ألف رجل أي بواقع ‪ 250‬شخصاً‬
‫مقتوالً كل يوم إذا ما قسم العدد الكلي على فرتة مخس سنوات (هي الفرتة بني املقالتني) َف بلد‬
‫كانت لديه كل طاقات وإمكاانت التقدم عند استقالله (بنية أساسية الأبس هبا تركتها فرنسا‪ ،‬موارد‬
‫برتول وغاز‪ ،‬حجم سكاين معقول‪ ،‬زراعة متطورة‪ ،‬وإمكاانت صناعية قابلة للنمو)‪.‬‬
‫لكن البلد هذا برغم كل اخلريطة املهيأة للتقدم تعثر َف الطريق بسبب مواريث التخلف (حالة عانت‬
‫منها الكثري من دول عامل اجلنوب) إَل جانب هشاشة َف الرتكيب االجتماعي والطبقي‪ ،‬اليت أعطت‬
‫فرصة لبريوقراطية عسكرية لالستيالء على السلطة َف ظل احلرب الباردة وصراع العقائد‪ ،‬وتضارب‬
‫مناذج التنمية‪َ ،‬ف وطن حديث العهد ابالستقالل ّما أنتج حالة من االختناق شد واثقها ثنائي‬
‫(العجز) و(الفساد)(‪.)1‬‬
‫ويضيف (هيكل) إَل أن كل األطراف اجلزائرية َف أعقاب هناية احلرب الباردة أحست أن املأزق أمام‬
‫اجلزائر هو احلل الدميقراطي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ا‪ .‬حممد حسنني هيكل‪ /‬املقاالت الياابنية‪ /‬القاهرة‪ /‬دار الشروق‪ /1998 /‬ص‪ 221‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)205/1‬‬

‫وقد رأى بعض األطراف أن الدميقراطية َف اجلزائر بدت مهرابً كما هي حل‪ ،‬فكمية األخطاء و(حجم‬
‫الفساد) جعال عدداً من األقوايء َف مراحل سابقة على استعداد لتحويل املسؤولية والتبعات إَل‬
‫غريهم شريطة أن تغلق دفاتر املاضي وتنسى احلساابت‪ ,‬وبدا ذلك ابإلمكان عندما مت االتفاق على‬
‫نوع من امليثاق الوطين جتري على أساسه انتخاابت تشريعية عامة تضع للجزائر دستوراً جديداً‪ ،‬لكن‬
‫اخلروج من املأزق سواء ابحلل أو ابهلرب أثبت صعوبته وذلك لتخوف البريوقراطية العسكرية اليت‬
‫استولت على اجلزائر وآمواهلا من احلساب على ما جرى من نتائج االختناق ابلعجز والفساد(‪.)1‬‬
‫وازدادت تلك املخاوف عندما أسفرت نتائج أول انتخاابت جزائرية عام ‪ 1992‬عن فوز اجلبهة‬
‫اإلسالمية لإلنقاذ اليت تشككت البريوقراطية العسكرية من أن اجلبهة لديها حلول انجعة للمشكالت‬
‫ورمبا كان جزء منها صحيحاً‪ُ ،‬ث تصورت تلك البريوقراطية أن اجلبهة عندما تتوَل وترى الطريق‬
‫للمستقبل صعباً‪ ،‬فإنه أسهل املخارج هلا قد يكون العودة إَل فتح امللفات القدمية‪.‬‬
‫لذلك ألغت البريوقراطية العسكرية نتيجة االنتخاابت التشريعية‪ ،‬وأعلنت حالة الطوارئ وقررت‬
‫تصفية التيار اإلسالمي من اجلزائر‪ ،‬منذ ذلك الوقت أصبح القتل صناعة ثقيلة‪ ،‬فالبريوقراطية بدأت‬
‫ابلضربة األوَل‪ُ ،‬ث ردت عليها اجلماعات اإلسالمية‪ ،‬واندلعت انر اهليجان(‪ .)2‬إن ذلك تسبب َف‬
‫اإلخالل ابلسكينة َف اجلزائر وابلتايل اإلخالل ابلنظام العام الذي كان واحداً من أهم أسبابه إن مل‬
‫يكن السبب الرئيس هو الفساد الذي استشرى َف ذلك البلد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر تصرحيات الرئيس بوتفليقة وشهادة اجلنرال حممد يتشني َف موضع سابق من هذا البحث َف‬
‫الصفحة (‪)143‬‬
‫(‪ )2‬م ن‪ /‬ص‪.222‬‬

‫(‪)206/1‬‬

‫إذاً من خالل ما تقدم نلحظ أن للفساد آاثراً سلبية على إمكانية سداد الديون وما يؤدي ذلك إَل‬
‫تدخل َف سيادة البلدان (الذي ينمو فيها الفساد)‪ُ ،‬ث ما حيدثه الفساد من آاثر على (األمن العام)‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫و(الصحة العامة) و(السكينة) اليت تشكل مرتكزات النظام العام وهو تنظيم يشمل مجيع أبعاد‬
‫النشاط االجتماعي‪ .‬ولكن علينا أن نذكر أن البلدان اليت حتتاج للمساعدات اخلارجية خصوصاً‬
‫بلدان عامل اجلنوب يصبح الفساد معوقاً هلا أيضاً حيث أن اخللل َف النظام العام وضعف سداد‬
‫الديون يؤدي ابلرساميل املستثمرة إَل اهلرب عن األماكن اليت فيها اضطراب وضعف َف أداء الديون‬
‫يوصف حالة الفساد وإعاقته لالستثمارات‬
‫واإليفاء هبا‪ ،‬لذلك َف حتليل لسياسي أفريقي ابرز ّ‬
‫واملساعدات ما مفاده‪ ،‬أن البلدان اليت يستوطن فيها الفساد تكون فيه املؤسسات بفعل ذلك غري‬
‫مؤثرة‪ ،‬األمر الذي جيعلها جتتذب املغامرين أو املنبوذين أو الفاشلني َف ُمتمعاهتم فحسب لالستثمار‬
‫فيها وليس املستثمرين األكثر احرتاماً واألصدق وعداً‪.‬‬
‫ُث يذكر أيضاً أن مجيع املشتغلني ابألعمال يريدون مجع األموال‪ ،‬إال أهنم يبحثون عن البلدان اليت‬
‫تكون الظروف مستقرة فيها وميكن التنبؤ هبا‪ .‬وحيثما ينشغل كل فرد ابخلطف واالغتصاب‪ ،‬ويصبح‬
‫من املستعصي إحصاء الفساد‪ ،‬وحىت أكثر الناس تلهفاً على مجع األموال سيجد أن احلالة ال تطاق‬
‫ويغادر‪ .‬وابملثل‪ ،‬فإن املعونة اخلارجية ستُ َقل ُل إَل أن ختتفي‪ ،‬حيث أن الدولة املاحنة لن تستمر َف إلقاء‬
‫أموال دافعي الضرائب فيها َف حفرة ال قاع هلا(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أوغسطني روزينداان‪ /‬أمهية دور القيادة َف حماربة الفساد َف أوغندا‪َ /‬ف كيمربيل ان اليوت‪/‬‬
‫الفساد واالقتصادي العاملي‪ :‬م س ذ‪ /‬ص‪.189‬‬

‫(‪)207/1‬‬

‫من ذلك خنلص إَل أن السيادة هو أن تكون الدولة هي ذاهتا (السيد الوحيد الذي يتصرف أبمرها)‪،‬‬
‫أي بعبارة أخرى تكون الدولة ولية أمر نفسها بنفسها‪ ،‬إال أنه َف بعض األحيان تلزم الدولة نفسها‬
‫ابلتزامات جتاه أطراف أخرى تسمح َف التنازل عن شيء من سيادهتا جتاه هذه االلتزامات‪ ،‬وأخطر ما‬
‫يكون حسب ما توضح لدينا من تلك االلتزامات هي االلتزامات جتاه سداد الديون‪ ،‬حيث تسبب‬
‫هذه احلالة َف أحيان كثرية إمكانية التدخل اخلارجي َف الشأن الداخلي‪ ،‬وابلتايل تتسبب َف فرض‬
‫سياسات معينة‪ ،‬على الدولة تنفيذها‪ ،‬من قبل اجلهات اخلارجية اليت تقدم القروض (كما الحظنا حالة‬
‫صندوق النقد الدويل وتصرفه مع أندونيسيا) خترق سيادة الدولة‪.‬‬
‫وتوضح أن واحداً من أهم أسباب فرض تلك السياسات (إن مل يكن السبب األكثر أمهية) هو‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫استشراء الفساد َف تلك البلدان املقرتضة (واليت تكون معظمها َف الغالب من دول اجلنوب)‪ ،‬واخللل‬
‫ابلتصرف َف أموال تلك القروض‪.‬‬
‫كذلك ومن انحية اثنية الحظنا كيف أن الفساد خيرق النظام العام من خالل تغلغل الفساد َف‬
‫العناصر اليت يرتكز عليها هذا النظام وهي (األمن العام)‪( ،‬الصحة العامة)‪( ،‬السكينة)‪.‬‬
‫وقد توضح جلياً أن اإلغراق َف املديونية يسبب خرقاً للسيادة ويتسبب َف إحداث خلل ابلنظام‬
‫العام‪ ،‬كلها نتيجة الفساد الذي أوصل بلداانً إَل حافة احلرب األهلية ما كانت لتقع لو كانت هنالك‬
‫أساليب للمساءلة الصحيحة‪ٍ ،‬‬
‫وأيد نزيهة تعمل على حفظ املال العام‪ ،‬وشفافية َف التعامالت املالية‬
‫وخطط تنموية يتحجم هبا الفساد‪.‬‬
‫((‬

‫الفصل الثالث‬
‫أثر الفساد َف الكفاية وقيم اجملتمع‬

‫هنالك مفهوم عرفته األجيال منذ األزل له من األمهية ما ميكن قياس تقدم األمم على أثره‪ ،‬هو ما‬
‫يسبغ على الفرد دقيق الصنعة‪ ،‬احلريص على إمتام عمله على الوجه األمت‪ ،‬ذلك ما يصطلح عليه ب ‪:‬‬
‫(الكفاية ‪.)Efficiency‬‬
‫الذي يعرف بدقة على أنه‪:‬‬
‫((‬

‫(‪)208/1‬‬

‫العمل اجليد والسريع اخلايل من الفواقد))(‪)1‬‬


‫ومن داللة هذا التعريف نلحظ أن حركة آليات الفساد تكون األمر املعاكس هلذا املفهوم‪ .‬لذا فمن‬
‫منطلقنا هذا سنبني األثر السليب لألمر املعاكس للكفاية بكل أبعادها سواء أكانت (كفاية فرد‪ ،‬أم‬
‫كفاية برامج تنموية‪ ...‬أم أشكال أخرى للكفاية)‪.‬‬
‫كذلك وَف الوقت عينه ومبدى التأثري السليب للفساد نفسه على الكفاية سوف نلحظ (من خالل‬
‫دراستنا هذه) ذلك الطيف‪( .‬املؤثر بشكل سليب للفساد) على قيم اجملتمع أيضاً وكيف يؤدي ذلك‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫التأثري إَل بروز قيم تتولد مع تكوينه َف اجملتمعات‪ ،‬تتشكل معها فئات تدافع عنها كوهنا هي اليت‬
‫أسهمت من خالل أفعاهلا الفاسدة َف بروزها كي خيدمها تبدل القيم األصيلة والسديدة إَل قيم تربر‬
‫حاالت الفساد وحتاول إجياد الذرائع الستثمارها على أهنا قيم صحيحة‪.‬‬
‫كما جتدر اإلشارة إَل أن منظومة القيم َف شعب ما‪ ،‬أو ُمتمع ما‪ ،‬ختتلف عن منظومة أخرى َف‬
‫ُمتمع آخر أو شعب آخر‪ ،‬ويفسر ذلك أن بعض اجملتمعات قد اعتادت على استخدام بعض‬
‫اآلليات الفاسدة َف عملها اليومي دون أن جتد َف ذلك متييزاً بينها وبني الفعل اجليد‪ ،‬من ذلك على‬
‫سبيل املثال ال احلصر ظاهرة (البخشيش) أو (اإلكرامية) اليت يدفعها الشخص َف أحيان كثرية مكرهاً‬
‫ال راغباً اتساقاً مع منظومة قيم ُمتمعه اليت إذا ما انتقلنا إَل ُمتمعات أخرى نراها تفسرها على أهنا‬
‫ظاهرة إفساد ليس إال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪Longman Dictionary of American English/ NY/ USA/ )1‬‬
‫‪.Longman Inc., 1983, p. 217‬‬

‫(‪)209/1‬‬

‫وللدخول إَل صلب املوضوع وحتليله بشكله العلمي سنتناول مفهوماً سبق التطرق إليه َف فصل‬
‫سابق (كنقطة استناد نبدأ منها للتوغل َف حيثيات هذا الفصل) هذا املفهوم هو (احملسوبية أو احملاابة)‬
‫(اليت أضحى مفهومها واضحاً َف أثناء تناولنا فيما سلف)‪ .‬حيث أن استغالل العالقات القرابية‬
‫تفعل من منو آليات الفساد حينما يتفاقم ذلك االستغالل َف‬
‫وصالت املعرفة وفق منطق احملاابة ّ‬
‫اجملتمعات‪.‬‬
‫لذلك ند على سبيل املثال أن اآللية الفاسدة للمحاابة (‪ )Favoritism‬تضرب مفاصل مهمة‬
‫كثرية َف اجلهاز احلكومي‪ ،‬ومنها (املفاصل اإلدارية) حيث ند أن املناصب اإلدارية العليا طبقاً لآللية‬
‫الفاسدة تشغل بعناصر كفايتهم إليها (كارت الوساطة) أو (عالقة القرابة)‪ .‬حيث ال ُمال للنظر َف‬
‫التأهل وإمكانية اآلخرين على إشغال تلك املواقع مبوجب كفايتهم أو مؤهالهتم الشخصية(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬السيد أمحد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.171‬‬

‫(‪)210/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ّما يؤثر بشكل سليب على كفاية األداء‪ ،‬وضعف اجلهاز احلكومي برتاكم العناصر غري املؤهلة فيه‬
‫وإدارهتا له‪( .‬هذا على الصعيد اإلداري فحسب)‪ .‬فكيف إذا ما انتشر األمر ملفاصل أخرى؟ إن‬
‫تلك الظاهرة تبدو واضحة َف األمنوذج الزائريي (الكونغو كينشاسا) َف عهد موبوتو حيث وصل‬
‫األمر حىت إَل إشغال املقاعد الدراسية اجلامعية على الصعد األولية والعليا عن طريق تلك اآلليات‬
‫وكذلك إمتام الرتقيات العلمية‪ ،‬والرتقيات الوظيفية أيضاً حبيث أصبحت معايري االستحقاق وفق‬
‫املؤهل والتخصص ال تشكل أي أمهية أمام آلية احملاابة‪ّ .‬ما جعل معيار الفساد والرشوة يضرب كفاية‬
‫اإلدارة واجلهاز اإلداري فالبيئة السياسية واإلدارية َف زائري كانت تتسم بغلبة الشك وعدم الثقة‬
‫املتبادلة لسهولة تزوير الواثئق املهمة واملستندات احلكومية وسجالت اجلامعات وهذا طبعاً ال يتم إال‬
‫بعالقة حمسوبية أو بدفع رشوة بسيطة للموظف املسؤول وهبذا يكون معيار الكفاية هو آخر شيء‬
‫يتم التفكري فيه عند القيام هبذه األعمال الفاسدة‪.‬‬
‫إن ذلك جعل األمر َف (زائري موبوتو)‪ ،‬دون ضابط حيث ليس هنالك أدىن اهتمام بكفاية األداء‬
‫الوظيفي‪ ،‬أو َف إسناد األعمال ملستحقيها وخصوصاً املشاريع اليت كان ضعف الكفاية سبباً َف‬
‫تعثرها‪ .‬كل هذا األمر أشاع َف زائري (الكونغو) ما يعرف (بثقافة الفساد)‪ ،‬اليت أصبحت عمالً اعتاد‬
‫عليه الشعب هناك(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ملزيد من التفصيل انظر‪ /‬د‪ .‬محدي عبد الرمحن‪ /‬الدولة القرصان دراسة لظاهرة الفساد السياسي‬
‫َف زائري‪َ /‬ف د‪ .‬إكرام بدر الدين (حمرر) الفساد السياسي النظرية والتطبيق‪ /‬القاهرة‪ /‬دار الثقافة‬
‫العربية‪ /1992 /‬ص ص ‪.110 -109‬‬

‫(‪)211/1‬‬

‫إن شيوع (ثقافة الفساد) املشار إليها لوحظت أيضاً عند دراسة احلالة األفريقية لعموم القارة وليس‬
‫لبلد معني هو (زائري)‪ ،‬واتضح من الدراسة أن واحدة من أخطر املشكالت اليت تواجه القارة السوداء‬
‫هي الفساد‪ ،‬اليت تتمثل بشكل رئيس َف سوء استخدام السلطة لتحقيق املصاحل الشخصية‪ .‬األمر‬
‫الذي يؤثر َف الكفاية‪.‬‬
‫ويتبني بشكل صريح هذا التأثري من خالل حتليل الواقع لربانمج املساعدات املقدمة ألفريقيا‪ ،‬فكما‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هو معروف فإن القارة تعاين من العديد من األوبئة واألمراض الفتاكة اليت منها (مرض اإليدز‪ ،‬فريوس‬
‫إيبوال‪ ،‬محى الوادي املتصدع‪ ...‬اخل) ّما أدى إَل قيام مؤمترات دولية للحد من آاثرها وكانت مسألة‬
‫توفري األمصال أو العالجات الالزمة هلذه األمراض بكلف رخيصة هو الشغل الشاغل هلذه احملافل‬
‫الدولية‪ ،‬كيما يستطيع الفرد األفريقي‪ ،‬الذي هو َف األعم األغلب غري قادر على توفريها مبدخوله‬
‫البسيط ألنه يعيش وأسرته حتت خط الفقر(‪ ،)1‬اقتناءها‪.‬‬
‫(‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ /‬أوغسطني روزينداان‪َ /‬ف كيمربيل ان اليوت (حمررة)‪ /‬الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬م س ذ‪/‬‬
‫ص‪.187‬‬

‫(‪)212/1‬‬

‫وَف هذا اخلضم يبدو جلياً أن الفساد حييّد برامج املساعدات والربامج الوطنية للقضاء على تلك‬
‫األوبئة اليت تفتك ابجلنس البشري)‪ .‬حيث يقوم أفراد اهليئات الطبية متعاونني مع أفراد النخب‬
‫السياسية واإلدارات احلكومية َف تلك املناطق املنكوبة على كفالة تسريب األدوية احلكومية وأدوية‬
‫املساعدات املدعومة وبيعها حلساهبم الشخصي واإلثراء بواسطة هذه اآللية الفاسدة على حساب‬
‫أولئك اهلزيلني الذين يصارعون املوت‪ .‬إن هذا العمل يدع املرضى حيصلون على جرعات مبخوسة‬
‫من األدوية (غري كافية إلابدة املرض َف أبداهنم) وابلتايل فإن هذه التربعات سوف تعطي لبعض‬
‫اجلراثيم القدرة على مقاومة تلك األدوية ّما ينتج عنه َف النهاية خلق أعداد كبرية من احلاالت املزمنة‬
‫اليت ال يرجى هلا الشفاء وهلذا يُفقد الفعل الفاسد تلك الربامج اإلنسانية فاعليتها أو يؤثر على‬
‫الكفاية املرجوة من ورائها(‪.)1‬‬
‫بعد ذلك ننتقل لبيان أثر الفساد على كفاية األفراد وكفاية العملية السياسية‪ ،‬حيث تبني من خالل‬
‫مالحظات املتتبعني لظاهرة الفساد السياسي أهنا تؤدي إَل تبعية القوة السياسية للقوة االقتصادية‬
‫لتصبح أداة بيد أصحاب األموال والطبقات الغنية القادرة على الدفع لتحقيق منافعها‬
‫الشخصية(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪ /‬ص‪.187‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ /‬نبوية علي اجلندي‪ /‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ /‬رسالة ماجستري‪ /‬جامعة القاهرة‪/‬‬
‫كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ /1982 /‬ص‪.192‬‬

‫(‪)213/1‬‬

‫وبدراسة لألمنوذج اإليطايل اتضح أن الفئات من أصحاب املصاحل والطبقات الغنية تسعى إلجياد‬
‫منفذ لتمويل األحزاب السياسية َف إيطاليا‪ .‬اليت تسعى بدورها من خالل األموال املقدمة ومن خالل‬
‫الوعود ابمتيازات إذا ما فاز احلزب ابالنتخاابت إَل جتنيد عشرات األلوف من األفراد للقيام بتأييد‬
‫احلزب والتصويت له‪ ،‬وتنطوي عملية االستقطاب والتجنيد على تقدمي احلزب اجملامالت ألولئك‬
‫األفراد اجملندين (من خالل وعوده اليت أشران إليها) على شكل‪ /‬مناصب حكومية‪ ،‬معاشات‪ ،‬منح‬
‫دراسية‪ ،‬إسكان عام‪ ،‬نقل إَل درجات وظيفية أعلى‪ ،‬األمر الذي يساعد َف التأييد الكامل لذلك‬
‫احلزب(‪ّ )1‬ما ينظر إليه َف احملصلة النهائية إذا ما فاز ذلك احلزب حتقيقاً ألهداف أصحاب القوة‬
‫االقتصادية (الذين أشران إليهم) واملسيطرة على القوة السياسية أبن آلية انتخاب احلزب ليست‬
‫كفوءة الستخدامه آليات الفساد َف تقدمي مناصب ومنح دراسية إَل مؤيدين َف االنتخاب قد ال‬
‫يتوافر لديهم عنصر الكفاية وابلتايل يظهر التأثري السيء على كفاية اإلدارات وكفاية املناصب‬
‫احلكومية وكفاية األعمال بدرجة جتعل من العملية الدميقراطية غري كفوءة أصالً لكوهنا تسهم َف‬
‫وصول وتويل أشخاص من غري ذوي اخلربة واالختصاص ملناصب حكومية أو التمتع ابمتيازات ال‬
‫يستحقوهنا‪ ،‬الغاية من ورائها خدمة فئة ضئيلة تفضل مصاحلها الشخصية على املصلحة العامة وهي‬
‫فئة أصحاب القوة االقتصادية املذكورين آنفاً(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬راجع‪ /‬فيتوَتنزي‪ /‬تعليقات‪َ :‬ف كيمربيل ان اليوت (حمرر)‪ /‬الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬م س ذ‪/‬‬
‫ص‪.226‬‬
‫(‪- )2‬د‪.‬رسالن خضور‪ /‬اآلاثر االقتصادية لظاهرة الفساد‪ /‬حماضرة َف مجعية العلوم االقتصادية‬
‫السورية ‪/‬دمشق‪.1999/2/23 /‬‬

‫(‪)214/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ّما تقدم ند كيف يعوق الفساد الدميقراطية ويفقدها كفايتها (إذا ما استخدمت اآلليات املشار إليها‬
‫َف األمنوذج اإليطايل سالف الذكر) ويؤدي إَل ختريب إدارة احلكومة والدولة وشل القوانني ويضعف‬
‫عمل السلطة القضائية وابحملصلة سوف تقوض شرعية السلطة السياسية‪ ،‬وتفقد الثقة اليت هي أساس‬
‫التعامل بني األفراد ونظامهم السياسي‪ ،‬وسوف تكون النتيجة هي التخريب ألخالقيات العمل وقيم‬
‫اجملتمع‪.‬‬
‫إن انتشار اآلليات الفاسدة جتعل العمل الكفء واملخلص عبئاً على صاحبه ويصبح العمل الفاسد‬
‫ميزة اجتماعية يتمتع هبا أولئك الفاسدون(‪ )1‬الذين يكون أتثريهم أكثر خطورة عندما يشغلون‬
‫مناصب قيادية َف بعض األحيان حيث أنه َف األعم األغلب قد يكون الفرد وصل إَل ذلك املنصب‬
‫اإلداري عن طريق معايري غري موضوعية‪ّ ،‬ما جيعل خربته العملية والعلمية ال تؤهله لشغل تلك‬
‫املناصب‪.‬‬
‫األمر الذي جيعل هذه العناصر متنع أولئك األكفاء من الوصول إَل سلطة اختاذ القرار‪ ،‬أو إبداء‬
‫املشورة لصناع القرار‪ ،‬وذلك لتعارض أفكار املختصني ذوي الكفاية مع مصاحل أولئك املتبوئني‬
‫للمناصب احلكومية بشكل غري نظامي‪ ،‬حبيث يصبح السلم اهلرمي للنظام الوظيفي مشغوالً بكوادر‬
‫عاجزة غري ذات كفاية اختريت بشكل عشوائي (تفوح منه رائحة الفساد) بعيداً عن مصلحة الدولة‪،‬‬
‫الذي مؤداه شلل املؤسسات وعدم أدائها لدورها بشكل صحيح(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪- )2‬د‪.‬دريد درغام ‪/‬اآلاثر االقتصادية لظاهرة الفساد اإلداري‪ /‬تعقيب ‪/‬على حماضرة د‪.‬رسالن‬
‫خضور‪ /‬اآلاثر االقتصادية لظاهرة الفساد‪َ /‬ف مجعية العلوم االقتصادية السورية‪ /‬دمشق‬
‫‪.1999/2/23‬‬

‫(‪)215/1‬‬

‫وبدراسة متخصصة ألحد الباحثني عن كفاية أجهزة التنمية اإلدارية واإلصالح أشار إَل أن املعاهد‬
‫واملراكز املتخصصة هبذا النوع من التنمية أسندت طبقاً لآلليات املشار إليها آنفاً إَل عناصر غري‬
‫كفئة‪( .‬خصوصاً َف الدول األفريقية) ومن غري املؤهلني إلدارة تلك املرافق ُث اتبعت هذه العملية أبنه‬
‫مت القضاء على استقاللية الكثري من املعاهد واملراكز املتخصصة َف ذلك اجلانب بضمها إَل إدارات‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أو وزارات جعلت املهمة الرئيسة هلذه املرافق النظر َف شكاوى املواطنني خبصوص الرتقيات‬
‫والعالوات دون املهمة األصلية وهي حتقيق التنمية اإلدارية‪ّ ،‬ما أفقد هذه املرافق خصوصيتها‬
‫العلمية‪ ،‬وكفايتها‪ ،‬فضالً عن ما سبق اإلشارة إليه من إسناد غري موفق إلدارة هذه املرافق ّما حدا‬
‫ابلكثريين من كوادر هذه املراكز من أصحاب الكفاايت البحثية إَل ترك وظائفهم لعدم إمكانية‬
‫االستمرار ابلعمل(‪.)1‬‬
‫تبوء غري األكفاء للمناصب العليا َف مراكز حبثية هم غري مؤهلني أصالً هلا‪ ،‬جعل العديد من دول‬
‫إن ّ‬
‫عامل اجلنوب تشكل عامل طرد لتلك الكفاايت اليت حنيت أو تركت عملها‪ ،‬ونتيجة لذلك شكلت‬
‫دول الشمال عامل جذب هلم من خالل السماح بنزوح تلك القدرات من دون األفراد اآلخرين إليها‬
‫ّما جعل العامل املتطور يستفيد من خربات وطاقات كفئة يفرتض االستفادة منها على صعدها الوطنية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬أنظر ‪/‬جالل معوض‪ /‬عالقة القيادة ابلظاهرة اإلمنائية دراسة َف املنطقة العربية ‪/‬رسالة دكتوراه‪/‬‬
‫جامعة القاهرة‪ /‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ /1985 /‬ص‪.233‬‬

‫(‪)216/1‬‬

‫لقد أدى تفاقم هذه احلالة إَل أهنا شكلت هدراً لطاقات ال ميكن تعويضها فكان ذلك عامل ضعف‬
‫جديد يضاف لعوامل ضعف القدرات َف عامل اجلنوب(‪ )1‬إن اآلليات الفاسدة جعلت األوضاع َف‬
‫غري أعنتها وضيعت الفرص على بلدهنا وأدت إَل نشوء أجيال من الكوادر غري املؤهلة والضعيفة‬
‫علمياً لفقداهنا التوجيه الصحيح أوالً واالحتكاك ابملؤهلني اثنياً‪.‬‬
‫ّما انعكس سلباً على كفاية األجهزة اإلدارية واملؤسسات َف الكثري من دول عامل اجلنوب موضوع‬
‫البحث‪.‬‬
‫إن اآلليات الفاسدة أدت إَل سيادة قيم جديدة هجينة َف اجملتمعات اليت انتشرت فيها‪ ،‬فأصاب‬
‫اخللل منظومة القيم السائدة وأخالقيات العمل وبدأت (الرشوة) ومقارابهتا أتخذ شكالً أصبح‬
‫ابلتدريج عبارة عن نظام جديد للحوافز َف اإلدارة بديالً عن الرواتب ولذلك برزت مسميات جديدة‬
‫يروج هلا ويدافع عنها‪ ،‬حبيث أصبحت النظرة للفساد على أنه أحد‬
‫تسوغ احلالة الفاسدة وخرج من ّ‬
‫مقومات تنمية اجملتمعات‪ ،‬وظهرت لدينا مفردة مثل (الفساد املنتج)(‪ )2‬لتجميل الصورة املعتمة‬
‫للفساد َف األرض‪ ،‬وهلذا تبلورت من خالل بروز هذه األفكار نظريتان تفسران ظاهرة الفساد‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أوالمها‪ :‬النظرية األخالقية (‪)Moral Theory‬‬
‫‪ ...‬وهي اليت مؤداها أن الفساد رذيلة ويلحق الضرر ابالقتصاد والسياسية والتنمية وكل املفاصل‬
‫املتعلقة ابلشكل الصحيح ملسرية اجملتمعات وتطوير الدولة‪.‬‬
‫واثنيهما‪ :‬النظرية البنيوية (‪)Structralist Theory‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر ‪/‬د‪.‬أسامة عبد الرمحن‪ /‬تنمية التخلف وإدارة التنمية ‪/‬بريوت‪ /‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية ‪ /1997/‬ص‪.122‬‬
‫(‪- )2‬أ‪.‬د‪ .‬حممود عبد الفضيل ‪/‬الفساد وتداعياته َف الوطن العريب ‪/‬املستقبل العريب‪ /‬العدد ‪/243‬‬
‫مايس ‪/1999‬ص‪.7‬‬

‫(‪)217/1‬‬

‫‪ ...‬اليت تسوق لفكرة (الفساد املنتج) حيث يرى أنصارها أن الفساد (خصوصاً َف دولة اجلنوب) له‬
‫أثر إجيايب ملسامهته َف اندماج فئات اجملتمع وشرائحه‪ ،‬وحتقيقه لالستقرار وتعجيله للنمو االقتصادي‬
‫والتطور(‪.)1‬‬
‫ومن خالل النقطتني أعاله ند أن النظرية األوَل هي الرؤية اليت حتد من الفساد بينما الثانية هي‬
‫الرؤية اليت تربر الفساد وجتعله فضيلة بدالً من كونه رذيلة الرذائل‪ ،‬حبيث أن واحداً من أبرز أنصارها‬
‫وهو (صموئيل هنتينغتون ‪ )Samouel Huntington‬يرى َف الفساد الناجم عن توسيع‬
‫املشاركة السياسية أنه يساعد على دمج فئات جديدة َف النظام السياسي(‪ ،)2‬وَف الفساد الناجم‬
‫عن توسيع التنظيم احلكومي عامالً َف حتفيز التطور االقتصادي‪ ،‬وأن للفساد وظيفة أبن يكون وسيلة‬
‫لتجاوز القوانني التقليدية والتنظيم البريوقراطي الذي يعوق التقدم االقتصادي‪.‬‬
‫ويربر أفكاره أبن َف الوالايت املتحدة األمريكية وخالل هناايت القرن التاسع عشر كان أعضاء اهليئات‬
‫التشريعية َف الوالية وأعضاء اجملالس احمللية َف املدينة يقبضون أموال الرشوة من شركات السكك‬
‫احلديد واإلنتاج الغذائي والصناعي‪ ،‬وذلك (حسب تعبريه) ّما أسهم بال شك ابلتسريع َف عجلة‬
‫النمو االقتصادي األمريكي(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬حسين عايش ‪/‬الفساد وعوامله وعالته وسبل التصدي له‪ُ /‬ملة دراسات عربية‪ /‬العدد (‪)11‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪( )12‬أيلول‪/‬ت‪/1997/ )1‬ص‪102‬‬
‫‪ ...‬يطلق على "الفساد املنتج" مصطلح ‪ FUET‬عند أصار هذه النظرية‪.‬‬
‫(‪- )2‬يشري د‪ .‬جالل عبد هللا معوض إَل أن أنصار هذا الشكل يرون أن له اإلجيابية َف حل مشكلة‬
‫األقليات والتأثري السياسي حيث بواسطته تقام العالقات مع النخبة الفاسدة ميكن حتقيق مصاحل‬
‫معينة‪.‬‬
‫(‪- )3‬صموئيل هانتغتون ‪/‬النظام السياسي جملتمعات متغرية‪ /‬ترمجة مسية فلو‪ /‬بريوت‪ /‬دار الساقي‪/‬‬
‫‪ /1993‬ص ص ‪.91-89‬‬

‫(‪)218/1‬‬

‫ويذهب هنتينغتون َف توصيفه املناصر للفساد إَل أن أحد الكتاب املطلعني على احلالة اهلندية يرى‬
‫أن العديد من النشاطات االقتصادية َف اهلند كانت ستصاب ابلشلل لوال املرونة اليت يضيفها‬
‫(البخشيش) على النظام اإلداري املعقد واجلامد‪.‬‬
‫ُث يضيف هنتينغتون ملا مؤداه أن القليل من الفساد يسهم َف إدخال بعض التحسينات على ُمتمع‬
‫تقليدي متطور‪ ،‬أو أنه قد يتعصرن َف األقل‪.‬‬
‫لكنه برغم كل نظرته املناصرة للفساد يعود (هنتينغتون) ليقول‪ :‬إن اجملتمع الذي تفشى فيه الفساد‬
‫يكون غري قابل ألن يتحسن بتفاقمه(‪ّ( .)1‬ما يدل على أن الفساد أينما حيل يوجد معه اخلراب حىت‬
‫عند املناصرين له الذين يعتقدون أن القليل منه يصلح األمر)‪.‬‬
‫إن أنصار النظرية البنيوية للفساد وأتسيساً على طروحات (هنتينغتون) يرون أن استقرار دول عامل‬
‫اجلنوب يعود َف بعض جوانبه ابلفضل إَل آلية الفساد‪ ،‬حيث أن فكرهتم تنطلق من أن الفساد جينب‬
‫النظام السياسي ويالت االنقالابت واألزمات‪ ،‬وذلك لكونه يوجد (ُمموعة) أو (طبقة) من‬
‫املستفيدين يعملون على محاية النظام ّما ينجم عنه حدوث االستقرار الالزم الذي هو َف حقيقته الزم‬
‫للمفسدين فحسب(‪.)2‬‬
‫فضالً عن هذا كله فاآلراء القائلة أبن الفساد منتج‪ ،‬تصف الفساد كذلك أبنه مبثابة الشحمة أو‬
‫قطرة الزيت اليت ال بد منها لتزييت املفاصل اجلامدة َف اإلدارة وحتريكها على حد وصف ُملة‬
‫(‪.)Far Eastern Economic Review‬‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪- )1‬املصدر نفسه ‪/‬ص ص ‪.91-89‬‬
‫(‪- )2‬د‪.‬عطية حسني أفندي ‪/‬املمارسات غري األخالقية َف اإلدارة العامة‪َ /‬ف‪ :‬مصطفى كامل السيد‬
‫(حمرر) ‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.60‬‬

‫(‪)219/1‬‬

‫اليت تربر أبن هنالك آاثراً إجيابية تنظيمية وإدارية انمجة عن آلية الفساد اليت هي ُمرد عمولة مقابل‬
‫جهد مشروع (على حد وصفها)(‪ ،)1‬ال بل إن التسويغ إبجيابية آاثر الفساد يصل إَل حد اعتباره‬
‫بديالً لرأس املال من خالل استغالل املوظفني العموميني وأعضاء النخب السياسية عرب مناصبهم‬
‫رأس املال العام املتاح لتأسيس أعمال خاصة هبم يرى أهنا ستوفر فرصاً للعمل‪( ،‬على حد رؤيتهم)‪،‬‬
‫وتؤدي ابلتايل إَل زايدة االستثمار الذي من خالله ستنشأ طبقة مستثمرة جديدة(‪ .)2‬كما أهنم يربرون‬
‫أيضاً أبن الفساد يشجع السلوك االقتصادي الرايدي ابختيار املوظفني العموميني املتقبلني آلليات‬
‫الفساد لرجال أعمال لديهم القدرة على دفع أكرب املبالغ كرشوة للحصول على العقود أو لكي حتال‬
‫عليهم عطاءات تنفيذ املشاريع(‪.)3‬‬
‫وبذلك (على حد تفسريهم) سوف يوفرون الكفاايت ذات املقدرة املالية على إناز األعمال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬حسين عايش ‪/‬الفساد وعوامله وعالته وسبل التصدي له‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.102‬‬
‫(‪- )2‬مي فريد ‪/‬الفساد رؤية نظرية‪ُ /‬ملة السياسة الدولية‪ /‬العدد ‪ /143‬يناير ‪ /2001‬ص ‪.227‬‬
‫(‪- )3‬حسين عاش ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.102‬‬

‫(‪)220/1‬‬

‫وبعد بيان آراء النظرية البنيوية اليت عرضنا لبعضها من خالل ما تقدم ترى الدراسة أن الفساد من ألد‬
‫أعداء اإلنتاج بل إنه ال ميكن أن يكون منتجاً إطالقاً وإن النظرية األخالقية هي النظرية الوحيدة اليت‬
‫حتمل دالئل صحة نظرهتا بني ظهرانيها‪ ،‬حيث أن الفساد يضرب منظومة الكفاية والقيم َف الصميم‬
‫ويؤثر بشكل سليب عليهما‪ ،‬إنه ينتهك الثقة العامة‪ ،‬ويتسبب َف آتكل الثروة الوطنية عن طريق آليات‬
‫ومشاريع عدمية اجلدوى ّما يؤثر على مصداقية الدول واحلكومات‪ ،‬كما إنه يبدد الوقت الذي حيقق‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اإلناز َف املدة املقررة إلمتام املشاريع(‪ .)2(-)1‬ويؤثر بشكل كبري على قيم اجملتمع حيث تصبح‬
‫الدخول اخلفية (اليت تربرها النظرية البنيوية سابقة اإلشارة) النامجة عنه هي الدخول األساسية اليت‬
‫تفوق َف قيمتها (الدخول االمسية الرمسية) اليت تنتج عن العمل الوظيفي ّما جير لفقد الثقة بعمله‬
‫وقيمة ذلك العمل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬لوحظ َف عملية مسحية َف أوكرانيا جرت عام ‪ 1996‬أن ثلث مدة إناز املشاريع تستنفذ َف‬
‫املفاوضات مع املوظفني العموميني إلقناعهم إبمتام الصفقات‪ ،‬وَف مثال تبني أن عمالً ينجز َف (‪22‬‬
‫أسبوع) َف ظروف خالية من الفساد يتطلب إنازه (‪ 75‬أسبوع) َف ظروف فاسدة‪ ،‬وذلك هو الوقت‬
‫الذي بدده الفساد إلمتام صفقاته‪.‬‬
‫(‪- )2‬انظر ‪/‬مي فريد‪ /‬الفساد رؤية نظرية ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.227‬‬

‫(‪)221/1‬‬

‫وابلتايل يصبح لدى الفرد تقبل نفسي للتفريط تدرجاً َف معايري أداء الواجب الوظيفي‪ ،‬واملهين‪،‬‬
‫والرقايب عند ذاك تسود القيم اجلديدة (قيم الفساد) وتنعدم الكفاية‪ ،‬حيث يتم تعلية العمارات بدون‬
‫ضوابط ودون مطابقة للمواصفات اإلنشائية‪ ،‬وكذلك يتم غش األغذية وتطفيف الكيل وهتريب‬
‫السلع إَل السوق السوداء‪ ،‬وتنشأ آليات التهرب الضرييب‪ ،‬ويتم التعدي على امللكية العامة‬
‫ابالغتصاب واالشغال(‪.)2(-)1‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬إن النائب اللبناين ناح واكيم يشري َف إحدى دراساته إَل قضية التعدي على امللكية العامة‬
‫من خالل مناقشته ملوضوع قطعة أرض مساحتها (‪5334‬م‪ )2‬تعود ملكيتها ابألصل إَل عائلتني‬
‫معروفتني َف لبنان متلك األوَل (‪ )%75‬منها والعائلة الثانية (‪ )%25‬منها‪ ،‬وقد استملكت الدولة‬
‫اللبنانية األرض َف عام (‪ )1954‬مبوجب مرسوم صادر عن بلدية العاصمة بريوت من املالك‬
‫املذكورين‪ .‬وَف عام (‪ )1996‬مت وضع إشارة ختطيط على القطعة لتحويلها إَل ساحة عامة (ووضع‬
‫اإلشارة تعين َف القانون اللبناين منع إجراء التعديل أو إضافة على القطعة)‪ ،‬إال أنه سرعان ما حرر‬
‫لألرض عقد إجيار إَل مستثمر (من إحدى األسرتني أعاله) من قبل بلدية بريوت وحسب موافقة‬
‫اجمللس البلدي وحمافظ العاصمة دون إحالته (كطلب استثمار على جلنة االستشارات والتشريع َف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وزارة العدل اللبنانية) وتبني أن املستثمر خرج عن نطاق إشارة التخطيط وبىن مطعماً من اإلمسنت ّما‬
‫يشكل سابقة الستغالل أرض عليها إشارة ختطيط وَتبعة للدولة ودون حتقق الضوابط ّما يفسر آلية‬
‫التعدي على أمالك الدولة‪.‬‬
‫(‪- )2‬أنظر ‪/‬أ‪ .‬د‪ .‬حممود عبد الفضيل‪ /‬الفساد وتداعياته َف الوطن العريب‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.7‬‬
‫‪ ...‬كذلك ‪/‬ناح واكيم‪ /‬األايدي السود ‪/‬بريوت‪ /‬شركة املطبوعات للتوزيع والنشر‪ /‬الطبعة‬
‫‪ /1999/24‬ص ‪.196‬‬

‫(‪)222/1‬‬

‫كل هذا يوضح أن هنالك خلالً َف الكفاية سوف حيدث وشيوعاً لثقافة جديدة هي ثقافة الفساد‬
‫(املشار إليها سابقاً) خترق القيم املتعارف عليها لتنشئ قيماً بديلة هي (قيم الفساد)‪.‬‬
‫من كل ما تقدم ولثالثة فصول بينا من خالهلا األثر والنتائج السلبية للفساد خنلص إَل أن‪:‬‬
‫للفساد آليات انفذة َف عامل الشمال واجلنوب إال أن استقرار املؤسسات‪ ،‬والوفر املايل‪ ،‬وآليات‬
‫الرقابة جعلت سبل الفساد َف عامل الشمال أكثر إمكانية َف الزايدة عنها َف عامل اجلنوب‪ ،‬اليت‬
‫استشرى فيه الفساد خصوصاً ضمن برامج عملية التنمية‪ ،‬اليت تسعى تلك الدول من خالل تضييق‬
‫الفجوة بينها وبني عامل الشمال‪.‬‬
‫يذكر أن الفساد إذا ما تغلغل َف آليات التنمية ترك جديد املشاريع قاصراً‪ ،‬وأخرى تشكل البىن‬
‫الرئيسة بال إدامة األمر الذي شكل هنباً لألموال وخصوصاً املال العام‪ ،‬وجعل تلك البالد ترزح حتت‬
‫وطأة الديون من خالل تسريب تلك األموال لالنتفاع الشخصي للنخبة السياسية‪ ،‬الذي ال ميكن أن‬
‫حيدث ذلك البتة‪ ،‬إال أبن تشغل املناصب من قبل غري املؤهلني ويكون الفساد هو من أتى هبم‬
‫ملناصبهم وهم الذي جعل دميومة حياهتم عليه‪ّ ،‬ما مسح بشيوع ثقافة الفساد اليت تبدد كل القيم‬
‫اجلميلة والسليمة السائدة لتحل حملها قيم الفساد واستغالل النفوذ واحملاابة ّما يالحظ على أنه هتديد‬
‫للمجتمعات أبن تسود فيها الطبقية وقيم النفوذ واجلهرية والشللية حيث تستأثر فئة ابملنافع وفئات‬
‫تدفع مثن فساد أولئك املنتفعني‪.‬‬
‫ّما جيعل تلك اجملتمعات تعاين من الفساد الذي يؤدي إَل رزوحها حتت مشكالت املديونية اليت‬
‫ط اآلخرين على موارد مسببة خرقاً لسيادهتا‪.‬‬
‫تسل َ‬
‫األول َف اإلخالل ابلنظام العام‬
‫العامل َ‬
‫َ‬ ‫وكذلك تواجه مشكالهتا الداخلية فيحدث أن يكون الفساد‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َف تلك اجملتمعات ّما يؤدي إَل إِحداث حالة من اإلرابك َف استقرارها‪ .‬إذا ما توفرت املتالزمتان‬
‫النامجتان عن الفساد‪( :‬املديونية وخرق النظام العام)‪.‬‬

‫(‪)223/1‬‬

‫حيث أن ذلك سيؤدي إَل إعاقة االستثمار وضعف َف مصداقية الدولة وبذلك تكون تلك البالد‬
‫عامل طرد لتلك األموال اليت حتاول أن تطورها وذلك لكثرة مشكالهتا الداخلية ومديونيتها حيث أن‬
‫رأس املال يبحث عن االستقرار دائماً‪.‬‬
‫إن مشكالت تنجم عن الفساد ال ميكن أن تصحح إال أبن يكون للمؤهلني أدوارهم وللمؤسسات‬
‫الرقابية فاعليتها‪ ،‬ومساءلة القانون لكل أصحاب العالقة سواء كرب أتثريهم أم صغر هذا مضافاً إليه‬
‫آلية شفافية املعامالت‪ ،‬واطالع اجلمهور على عقود التنمية وجعل ضوء الشمس ميأل املكان‪.‬‬

‫(((‬

‫الباب اخلامس‬

‫سبل مواجهة الفساد‬

‫لكي تطرح تساؤالً يتكون من ثالث كلمات هي‪:‬‬


‫كيف نواجه الفساد؟‬
‫ال بد أن نكون على دراية أبن اإلجابة ستكون طويلة ومليئة ابلشروحات‪.‬‬
‫فالفساد هذا املوضوع الشائك واملعقد كثرت فيه سبل اإلصالح اليت من املمكن أن ند فيها العديد‬
‫من املؤلفات والدراسات والتطبيقات‪.‬‬
‫ولكي نديل بدلوان َف هذا البئر املظلم ال بد أن نعلق سراجاً فوق ذلك الدلو لنرى إَل أين يصل‬
‫وذلك ألن َف طريق الدلو نقاطاً عدة مليئة ابلوصااي إذا ما استثمرها حمب اإلصالح جاءت له بزيت‬
‫ماء خيفف به‬
‫يزداد به وهج السراج‪ ،‬أما إذا ما أراد تركها أو التغاضي عنها فإهنا ستخلط ابلزيت ً‬
‫وهج السراج‪ .‬وعندما نصل إَل النهاية سيكون سراجنا قد امتأل زيتاً إذا ما أخذ حمب اإلصالح بكل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ماء على حاله إذا ما أراد خالف ذلك‪ ،‬مع العلم أن جهدان هو جزء ضئيل من‬
‫الوصااي أو قد يكون ً‬
‫جهود كبرية ننحين هلا إبجالل ألن هذه اجلهود جعلت السراج والزيت يتوهجان َف دنيا أظلمها‬
‫الفساد ولكي نفسر ما اإلصالح ال بد من اتباع ما سنورده اآلن‪:‬‬

‫الفصل األول‬
‫سبل املواجهة َف الصعيد الداخلي‬

‫إن سبل املواجهة من خالل دور رقايب فاعل ال ميكن أن تتم إال عرب أشكال متعددة لذلك الدور‬
‫وتوجز فيما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬الرقابة الربملانية‪.‬‬
‫‪-2‬الرقابة القضائية‪.‬‬
‫‪-3‬نظام املفوض العام‪.‬‬
‫‪-4‬رقابة اإلعالم‪.‬‬
‫‪-1‬تفعيل الدور الرقايب‬

‫(‪)224/1‬‬

‫الفرع األول‬
‫الرقابة الربملانية‪:‬‬
‫أصبح من الواضح أن آليات السياسة الستئصال الفساد هي ثالث (الشفافية)‪( ،‬املساءلة)‪( ،‬حسن‬
‫احلكم)‪.‬‬
‫ولعل الرقابة الربملانية َف ظل شفافية عالية ومساءلة جادة وحكم حسن‪ .‬جتعل الفساد َف أوطأ نسب‬
‫قياسه‪ ،‬وبغياب تلك الشروط يصبح احلال مرتدايً ال حمالة‪.‬‬
‫إن الربملان غالباً وَف الكثري من النظم السياسية الدميقراطية اليت تتبع األسلوب النيايب الكالسيكي‬
‫(على حد تعبري د‪.‬منذر الشاوي)(‪ )1‬يؤدي دور املقيد كمحرك للحياة السياسية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية للمجتمع‪ ،‬ليست حرة بل هي ختضع لتقييد الربملان‪ .‬والربملان يقيد الوزارة بصورة‬
‫مسبقة‪ ،‬وذلك عندما حيدد اإلطار القانوين لنشاط احلكومة مبا يضعه من قوانني‪ ،‬فضالً عن ما يقوم به‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫من آليات أخرى جتاهها‪َ .‬ف مقدمتها آلية (املساءلة ‪ )Accountability‬ألعضاء الوزارة فرادى‬
‫أو ُمتمعني‪ ،‬للحصول على تفسريات أو بياانت عن أعماهلا بوصفها جهازاً تنفيذايً‪ ،‬وذلك بتوجيه‬
‫األسئلة إَل رئيس احلكومة أو أحد مساعديه‪ ،‬أو إَل الوزراء أو مساعديهم‪َ ،‬ف موضوع يدخل َف‬
‫اختصاصاهتم من قبل أحد نواب الربملان أو األعضاء الربملانيني ُمتمعني‪.‬‬
‫إن اهلدف الكامن وراء هذا احلق الربملاين هو احلصول على البياانت عن أعمال اجلهاز التنفيذي‪،‬‬
‫ويتوَل الوزراء حبث ما وجه إليهم من استفسارات ودراستها وإعداد الرد عليها‪ ،‬ملناقشتها اثنية َف‬
‫الربملان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬أنظر‪ :‬د‪.‬منذر الشاوي ‪/‬القانون الدستوري (نظرية الدولة) ‪/‬بغداد‪ /‬مركز البحوث القانونية‬
‫وزارة العدل ‪ /1981/‬ص ‪.199‬‬

‫(‪)225/1‬‬

‫إن هلذه اآللية أثراً مباشراً َف الرقابة الربملانية على أعمال السلطة التنفيذية بفضل ما تؤدي إليه من‬
‫لفت النظر إَل األخطاء واستدعاء االنتباه إَل التصور املوجود َف اجلهاز احلكومي‪ .‬وابلتايل كشف‬
‫حاالت الفساد أو بوادرها َف ذلك اجلهاز(‪ )1‬على أن الشكل الكالسيكي (النظري) إذا ما أصابه‬
‫االحنراف عن صورته املثالية (كهيمنة رئيس الدولة) على الربملان كما َف شكل الربملانية ((األورليانية))‬
‫أو ((الفاميارية)) أو ((الديغولية)) أو حىت ((الناصرية))(‪،)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪.‬أمحد فارس عبد املنعم ‪/‬الدميقراطية ومكافحة الفساد‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد (حمرراً)‬
‫‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬جامعة القاهرة‪ /‬مركز دراسات وحبوث الدول النامية ‪ /1999/‬ص‪.341‬‬
‫(‪- )2‬األورليانية‪ /‬نوع من النظام الربملاين حتت حكم لوي فيليب (‪ ،)1848-1830‬وأطلق االسم‬
‫نسبة إَل عائلة لوي فليب وهو نظام يسهم امللك بصورة فعالة مع الربملان فيه‪.‬‬
‫الفاميارية‪ /‬نوع من النظام الربملاين يعود إَل دستور ‪ 1919‬الذي أقام مجهورية فاميار َف أملانيا اليت‬
‫أتخذ أبسلوب تقوية دور رئيس الدولة‪.‬‬

‫الديغولية‪ /‬هو شكل النظام الربملاين الذي أقامه دستور اجلمهورية اخلامسة الفرنسية عام ‪.1958‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)226/1‬‬

‫أو (هبيمنة ُملس الوزراء) على الربملان(‪ )1‬سوف يؤدي إَل انعدام فاعلية آلية املساءلة‪ ،‬أما إذا ما‬
‫ترافق ذلك مع تغيب كامل للشفافية َف أعمال احلكومة وندرة املعلومات فضالً عن احتكار تلك‬
‫احلكومة للقوة‪ ،‬جيعلنا أمام أمنوذج للحكومة حيصن أفرادها ضد املساءلة وينجم عنه هتيئة كل األجواء‬
‫َف بيئة ميكن للفساد اإلنبات والنمو فيها إذا ما توافرت عناصر أخرى مساعدة له(‪.)2‬‬
‫إن الكثري من الدراسات والبحوث واملراكز املختصة َف ُمال استئصال الفساد تؤكد على تعزيز نطاق‬
‫املساءلة‪ ،‬ومن هذه املراكز ما سنستعرض آراءها كمثال على ذلك وهي‪ :‬اللجنة امللكية لإلدارة املالية‬
‫واملساءلة َف كندا “ ‪The Royal Commission of Financial‬‬
‫‪”Management and Accountability‬‬
‫حيث َف الكثري من آرائها تؤكد على ضرورة تفعيل املساءلة لرؤساء األجهزة التنفيذية بشكل مباشر‬
‫أمام اللجان الربملانية املسؤولة‪ ،‬وأن يقوم كل جهاز إبنشاء وحدات مستقلة لإلدارة ذات أهداف‬
‫حمدودة وواضحة تساءل عنها‪.‬‬
‫ولقد عدت اللجنة آلية املساءلة مطلباً رئيساً ملناهضة استغالل السلطة والنفوذ والتأكيد على أن‬
‫تلك السلطة موجهة حنو حتقيق أهداف وطنية عامة ومقبولة‪ ،‬تنفذ بدرجة عالية من الكفاية والفعالية‬
‫واألمانة والفطنة‪ّ .‬ما جيعل مطلب املسؤولية العامة ومساءلة الوزراء وموظفيهم أمراً ذات ضرورة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬ملزيد من التفاصيل أنظر ‪/‬د‪.‬منذر الشاوي‪ /‬القانون الدستوري (نظرية الدولة) ‪/‬بغداد‪ /‬مركز‬
‫البحوث القانونية وزارة العدل ‪ /1981/‬ص‪ 182‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪- )2‬أنظر َف ذلك ‪/‬د‪ .‬حسن أبو محود‪ /‬الفساد ومنعكساته االقتصادية واالجتماعية ‪/‬دمشق‪/‬‬
‫املعهد العايل للعلوم السياسية‪.2000 /‬‬

‫(‪)227/1‬‬

‫حيث أن أي تقصري حيدث َف أتكيد هذا املطلب من شأنه أن يؤدي إَل إجياد قوانني وأنظمة غري‬
‫فعالة ابإلضافة إَل احتمال كوهنا استبدادية وغري مسؤولة(‪.)1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن اهليئة الربملانية ابإلضافة إَل حق املساءلة املخول هلا الذي تستعمله ضد احلكومة متلك إجراءات‬
‫وحقوقاً أخرى تقوم هبا الستكمال الوقوف على احلقائق وهي‪:‬‬
‫أ‪-‬حق إجراء التحقيق‪ :‬وهو الذي مبوجبه تقوم اهليئة الربملانية ابلتحقيق َف القضااي اليت تنم عن وجود‬
‫اخلطأ أو الفساد َف اجلهاز احلكومي (عن طريق جلنة خمولة من الربملان) وليتخذ الربملان بعد استكمال‬
‫ذلك التحقيق قراراً حبسم املوضوع وفق النتائج اليت وصل التحقيق إليها(‪.)2‬‬
‫ب‪-‬حق االستجواب‪ :‬وهو أحد احلقوق املخولة للسلطة التشريعية‪ ،‬الذي يعد وسيلة فعالة من‬
‫وسائل الرقابة األكيدة هلا َف مواجهة السلطة التنفيذية‪ ،‬ويتضمن هذا احلق اهتام رئيس احلكومة أو‬
‫أحد أعضاء حكومته َف شأن من الشؤون العامة اليت تدخل ضمن اختصاصهم‪ .‬إن االستجواب يبدأ‬
‫بنقد تصرفات احلكومات وقد ينتهي بسحب الثقة منها أو ببعض أعضائها ولكنه يتضمن أيضاً أن‬
‫تعطى مدة معينة (ملن يوجه له االهتام) ملناقشة األمر ودراسته وإعداد بيان بشأنه‪.‬‬
‫ج‪-‬حق سحب الثقة‪ :‬إن املسؤولية السياسية مظهر مهم من مظاهر رقابة التشريع على التنفيذ‪،‬‬
‫وهذه املسؤولية تعين أن الوزارة أو الوزير مسؤول عن العمل الذي يتصل ابلسياسة العامة وقد تكون‬
‫تضامنية أو فردية‪ .‬إن هذه املسؤولية تتعلق ابلسياسة اليت ينتجها رئيس احلكومة أو وزراؤه وإذا مل‬
‫يوافق الربملان عليها مكنه احلق الدستوري سحب الثقة من تلك احلكومة ّما يوجب عليها االستقالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬األمم املتحدة ‪/‬الفساد َف احلكومة‪ /‬د‪.‬اندر أمحد أبو شيخة (مرتجم) ‪/‬عمان‪ /‬املنظمة العربية‬
‫للتنمية اإلدارية ‪ /1993/‬ص‪.83‬‬
‫(‪- )2‬د‪.‬أمحد فارس عبد املنعم ‪/‬الدميقراطية ومكافحة الفساد‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.343-342‬‬

‫(‪)228/1‬‬

‫على أن للربملان وضمن صفته الرقابية مناقشة بعض املوضوعات مع جهاز التنفيذ للوصول إَل حلول‬
‫جذرية ملشكالت مستعصية وهذا يشكل جزءاً من الوظيفة الرقابية ولكن بشكلها املتعاون‪.‬‬
‫إن احلقوق السالفة الذكر واملخولة للربملان دستورايً للحد من النشاط غري الصحيح للجهاز احلكومي‬
‫تستوجب آليات أخرى لتكون فعالة َف املواجهة والقضاء على الفساد آليات أخرى‪ ،‬تعزز من نطاق‬
‫الرقابة الربملانية‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫‪-1‬فتح القنوات املباشرة التصال اجلمهور ابلسلطة التشريعية عن طريق مكاتب الشكاوى‪ ،‬ومن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األفضل اتصال كل مواطن مبن ميثله َف الربملان أي ّمثل دائرته االنتخابية وينبغي أن تؤخذ شكاوى‬
‫املواطنني على حممل من اجلد فالعربة ليس بتمريرها إَل السلطة التنفيذية عرب الربملان ولكن بتدقيق‬
‫اإلجراء خبصوصها‪ ،‬والتزام األمر وكأنه أمر ذو جانب ٍ‬
‫عال من األمهية‪ .‬حيث أن مصداقية الربملان ال‬
‫تعزز إال بفتح القنوات مع اجلمهور‪ .‬أما أن يكون النائب الربملاين (رجل العدالة) و(رجل اخلري‬
‫واإلنصاف) وما إَل ذلك أثناء محلته االنتخابية ليسلك كل السبل ملنحه الصوت وبعدها يقول (من‬
‫بعدي الطوفان)‪ ،‬ال ميثل إال أشد أنواع الفساد َف داخل السلطة التشريعية ذاهتا اليت من خالهلا ميتد‬
‫الفساد إَل سائر مفاصل الدولة األخرى فالرقابة الربملانية حتتاج نواابً يقدرون عظم املسؤولية‪ ،‬وعلى‬
‫الربملان نفسه فرض الرقابة على أعضائه وإقصاءهم َف حال التخلي عن واجباهتم جتاه اجلمهور قبل‬
‫استخدام احلق جتاه السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫‪-2‬املراجعة الدورية لألنظمة والقوانني ومدى مالئمتها حلالة اجملتمع‪ ،‬واالستئناس آبراء املتخصصني‬
‫اليت تقال حبق ذلك‪ ،‬ابإلضافة إَل االستفادة من استطالعات الرأي للحد من قوانني غري ذات فائدة‬
‫للعموم ومتكن البريوقراطية اإلدارية من فرض سطوهتا على اجلمهور‪.‬‬

‫(‪)229/1‬‬

‫‪-3‬أتكيد الربملان على إشهار الذمة املالية ألعضائه قبل توليهم املنصب النيايب وبعده‪ ،‬وكذلك‬
‫مساءلة أعضاء احلكومة والتدقيق بذمتهم وّمتلكاهتم اخلاصة ومن يعولوهنم‪ ،‬ابإلضافة إَل مساءلة‬
‫أقارهبم عمن يالحظ عليهم الثراء خالل فرتة تويل أعضاء احلكومة املنصب أو بعد خروجه منه‪.‬‬
‫وذلك ابلتنسيق مع اهليئة القضائية‪.‬‬
‫فعال وفجائي‬
‫‪-4‬ال يكتفي الربملان مبناقشة امليزانية للدولة وإقرارها وإمنا قيام اللجان الربملانية بتدقيق ّ‬
‫حلساابت املؤسسات احلكومية‪ ،‬والشركات املسؤولة عن توفري السلع واخلدمات لضمان أفضل‬
‫استخدام لألموال العامة(‪.)1‬‬
‫الفرع الثاين‪:‬‬
‫الرقابة القضائية‪:‬‬
‫ابدئ ذي بدء ميكن القول‪ :‬إن السلطة القضائية (‪ )Judicial Power‬هي السلطة اليت تسند‬
‫إَل القضاة واحملاكم‪ ،‬وتقابل َف هيكل الدولة السلطتني التشريعية (‪،)Legislative Power‬‬
‫والتنفيذية )‪ )2((Administrative Power‬ومتتاز عنهما ابستقالليتها‪ ،‬وسلطة تنفيذ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األحكام اليت تصدرها والتنظيم الفعال هلا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬حول املزيد من اإليضاح انظر‪:‬‬
‫أ‪-‬األمم املتحدة ‪/‬الفساد َف احلكومة ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪ 77‬وما بعدها‪.‬‬
‫ب‪-‬السفري ‪َ/‬ف‪-‬جي راجان‪ /‬الشفافية واملساءلة‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد ‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬م س‬
‫ذ‪ /‬ص‪.79‬‬
‫ج‪-‬د‪.‬عطية حسني أفندي ‪/‬املمارسة غري األخالقية َف اإلدارة العامة‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد‬
‫‪/‬الفساد والتنمية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.67‬‬
‫(‪- )2‬حارث سليمان الفاروقي ‪/‬املعجم القانوين‪ /‬بريوت‪ /‬مكتبة لبنان‪ /1982 /‬ص‪.392‬‬

‫(‪)230/1‬‬

‫إهنا السلطة اليت متتلك مبفردها (طبقاً للمفهوم القانوين) سلطة اإلرغام َف تنفيذ األحكام والقرارات‬
‫الصادرة عنها (كما أشران سلفاً)‪ ،‬كما إهنا السلطة الفيصل َف احلكم على إجراءات السلطات‬
‫األخرى َف الدولة ّما ميكنها من استخدام آلية املساءلة (‪)Judicial Accountability‬‬
‫للكشف عن طبيعة أداء تلك السلطات أمامها(‪.)1‬‬
‫هلذا اقتضى زايدة فعالية وأتثري مبدأ (حسن احلكم ‪ )Good governance‬زايدة أتثري‬
‫وفاعلية وقدرة القضاء وسلطته ومن أهم صفاهتا النزاهة واالستقاللية‪ ،‬وذلك ألن اخللل إذا أصاب‬
‫جهاز هذه السلطة مسح للفساد أن يشق طريقه سهالً ميسراً وتسبب َف إعاقة جهود التطهري‪ ،‬فضالً‬
‫عن تضييق الفرصة للمخربين عن الفساد َف وجود األذن الصاغية واحلماية الكافية هلم من قبل‬
‫القضاء‪ .‬وسينعكس أيضاً ابملدى نفسه على املوظفني واملسؤولني احلكوميني امليالني لإلصالح‬
‫والراصدين لظواهر الفساد َف األجهزة العاملني هبا وما يتعرضون له من مضايقة من املوظفني اإلداريني‬
‫واحلكوميني الفاسدين الذين أمنوا سطوة القضاء ابخللل الذي أصابه‪ .‬مضافاً إَل ذلك أيضاً ما سوف‬
‫تعانيه بيوت األعمال اخلاصة النزيهة والعاملة مبوجب القانون من متييز َف االنتصاف هلا(‪ّ ،)2‬ما ميكن‬
‫مروجي الفساد (الفاسدين واملفسدين) من االستمرار َف أنشطتهم اخلارجة عن القانون دون اخلشية‬
‫من العقاب‪.‬‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪- )1‬انظر ‪/‬األمم املتحدة‪ /‬تقرير التنمية البشرية ‪ /1997‬القاهرة‪ /‬دار األهرام (مرتمجاً) ‪/1997/‬‬
‫ص‪.109‬‬
‫(‪- )2‬كيمربيل ان اليوت ‪/‬الفساد مشكلة من مشكالت السياسة الدولية ‪َ/‬ف كيمربيل ان اليوت‪/‬‬
‫الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬حممد مجال إمام (مرتجم) ‪/‬القاهرة مركز األهرام للرتمجة والنشر ‪/2000/‬‬
‫ص ص ‪.290-284‬‬

‫(‪)231/1‬‬

‫إن فعالية القضاء هتدف محاية اجملتمع من أي تعد غري قانوين على حقوق األفراد فيه‪ ،‬لذا فإنه‬
‫يتوجب عليها التأكد من دقة الصالحيات املمنوحة للموظفني العموميني‪ ،‬ومراقبة سوء استخدام‬
‫السلطة وانتهاك القانون واستغالل النفوذ وتزوير االنتخاابت والتهرب من الضرائب‪ ،‬ابإلضافة إَل‬
‫قانونية املمارسات احلكومية‪ ،‬على أنه يكون الدور الرقايب والقضائي للسلطة القضائية متسماً ابحلياد‬
‫واملوضوعية(‪.)1‬‬
‫لقد جتلت فاعلية الرقابة القضائية َف استئصال الفساد‪ ،‬مبثال حي وهو واحد من أمثلة عدة إال أن‬
‫فاعلية هذا املثال َف بيئة تعج ابلفساد جعلته أمنوذجاً يستذكره العديد من الدارسني واملهتمني بقضااي‬
‫الفساد‪ ،‬حبيث أصبح رائده وهو القاضي بالان (‪ )Plana‬واحداً من رموز مكافحة الفساد َف‬
‫الفلبني‪ ،‬وأمنوذجاً حيتذى به َف الكثري من ّمارسات استئصال الفساد َف العامل‪.‬‬
‫ففي إابن عهد (ماركوس) (وكما قدمنا َف مواضيع سابقة) كانت الفلبني تعاين من استشراء الفساد‬
‫فيها‪ .‬وأحد من املفاصل اليت حصلت على استهجان اجلمهور هو (مكتب ضريبة الدخل) لكثرة‬
‫أساليب الفساد فيه‪ ،‬حىت أن الرائحة غري املقبولة للفساد َف هذا املفصل‪ ،‬استدعت من (ماركوس)‬
‫نفسه وهو أحد رموز الفساد َف العامل‪ ،‬ألن يبدأ حبركة إصالح له‪ ،‬وقد أوكل مهمتها إَل القاضي‬
‫املذكور أحد القضاة َف حماكم العدل َف الفلبني‪.‬‬
‫إن مكتب الضريبة املذكور كان انتشار الرشوة فيه وحاالت اإلثراء غري املباح ملوظفيه‪ ،‬والتحايل‬
‫والتزوير َف القوانني وعليها يعد من األمور الطبيعية َف ّمارساته اليومية‪ .‬لذا استدعى ملكافحة ذلك‬
‫من قبل (بالان) استخدام األسلوب القضائي لتطهري اإلدارة املذكورة(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬األمم املتحدة ‪/‬الفساد َف احلكومة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.84‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪- )2‬للمزيد من التفصيل انظر‪:‬‬
‫روبرت كليتجارد ‪/‬السيطرة على الفساد ‪/ Controlling corruption‬علي حسني عجاج‬
‫(مرتجم)‪ /‬عمان‪ /‬دار البشر للنشر والتوزيع ‪ /1994/‬ص ‪ 83‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)232/1‬‬

‫حيث متثلت اسرتاتيجية (بالان) الستئصال شأفة الفساد ابلعناصر التالية‪:‬‬


‫أ‪-‬استحداث نظم جديدة لتقييم األداء‪.‬‬
‫ب‪-‬مجع املعلومات عن الفساد‪.‬‬
‫ج‪-‬معاقبة كبار املسؤولني بشكل صارم وسريع‪.‬‬
‫على أنه أضاف إَل العناصر أعاله اآليت‪:‬‬
‫أ‪-‬املهنية ‪.Profession alization‬‬
‫ب‪-‬حتديد دافعي الضرائب الفاسدين احملتملني‪.‬‬
‫ج‪-‬تشديد أنظمة الرقابة‪.‬‬
‫د‪-‬تغيري قوانني الضرائب‪.‬‬
‫ه ‪-‬تقوية وإحكام اإلشراف املركزي على األقاليم‪.‬‬
‫و‪-‬تناوب ّمثلي السلطة ‪.Rotating Agents‬‬
‫ز‪-‬إشراك املدققني اخلارجيني‪.‬‬
‫ح‪-‬تغيري االجتاهات السائدة حنو الفساد(‪.)1‬‬
‫فضالً عن قيام (بالان) بتقصي املعلومات من خالل فرق حتقيق معظم أعضائها من ضباط‬
‫االستخبارات‪ ،‬حيث متكن من متابعة موظفي وحمصلي الضرائب من خالل مراقبة مستوايهتم املعيشية‬
‫ومدى البذخ َف االستهالك‪ ،‬وكذلك بعدد مرات ترددهم إَل صاالت القمار وعلب الليل‪ ،‬وإجراء‬
‫إحصاءات مبمتلكاهتم وكذلك عضويتهم َف النوادي اخلاصة‪.‬‬
‫كل هذه اإلجراءات الرقابية ال ميكن أن يقوم هبا إال شخص خمول ابلقانون‪ ،‬و(بالان) هو القاضي‬
‫الذي خوله القانون متابعة ذلك‪ ،‬فأقسام الرقابة املالية ودوائر تدقيق احلساابت ال ميكنها القيام‬
‫ابإلجراءات كلها عن طريق أعضائها(‪.)2‬‬
‫هذا فضالً عن إجراءات اإلرغام اليت استخدمها (بالان) اليت هي جزء من آلية عمل القضاء حيث‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عمد لإلرغام َف مساءلة (‪ )Accountability‬كبار املسؤولني واحلد من أنشطتهم املصابة‬
‫ابلفساد‪ ،‬واستخدم اإلرغام كذلك لعزل الكثري من أولئك املسؤولني‪ ،‬وهو أيضاً من قام خالل مدة‬
‫وجيزة نسبياً بعد اكتمال املعلومات لديه بطرد (‪ )34‬موظفاً والطلب إَل (‪ )15‬آخرين بتقدمي‬
‫استقالتهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬ملزيد من التفصيل انظر‪ :‬األمم املتحدة ‪/‬الفساد َف احلكومة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.67-66‬‬
‫(‪- )2‬روبرت كليتجارد ‪/‬السيطرة على الفساد ‪/ Controlling corruption‬م س ذ‪ /‬ص‬
‫‪ 83‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)233/1‬‬

‫إن (بالان) أفصح عن شكل الرقابة القضائية وفاعليتها َف تطهري جهاز كان مضرب األمثال َف‬
‫فساده‪ ،‬ولذلك أوصلته خربته القضائية إَل حد أن تقوميه كان على حد تعبري أحد اخلبريات بشؤون‬
‫الفساد‪ /‬الربوفسورة (اليونور ماغنوليس برايونس) ابآليت‪:‬‬
‫((إن (بالان) يستحق أن يقال عن جهوده أهنا حققت أثرها على اجلميع من العاملني َف مكاتب‬
‫ضريبة الدخل))(‪.)1‬‬
‫وبعد استعراض جتربة القاضي (بالان) كأمنوذج انجح للرقابة القضائية ملناهضة الفساد‪ ،‬سنوجز بعض‬
‫النقاط اليت ترى دراستنا هذه أهنا تعزز من دور الرقابة القضائية حسبما أفرزته الدراسات القائلة هبذا‬
‫الشكل من الرقابة ملكافحة الفساد وهي‪:‬‬
‫‪-1‬احرتام الدستور بع ِّدهِ قانوانً أمسى‪ ،‬ومراقبة صحة التشريعات األخرى‪ ،‬واحلد من التطبيقات‬
‫احلكومية غري املتوافقة مع أحكام الدستور والتشريعات املذكورة اليت قد متكن أعضاء احلكومة أو‬
‫السلطة التشريعية من السري ابجتاه الفساد‪ ،‬وتعزيز نطاق املساءلة القضائية هلؤالء بشكل صارم ودون‬
‫متييز إبجراءات سريعة وفعالة تدل على قدرة السلطة القضائية َف ذلك‪.‬‬
‫‪-2‬املراقبة واحلد من جرائم استغالل النفوذ اهلادفة إَل هتديد احلياة العامة‪ ،‬وانتشار املظامل واملفاسد‪،‬‬
‫وابلتايل شيوع االضطراب‪ .‬ومعاقبة كل شخص طلب لنفسه أو قبل وعداً أو عطية للحصول على‬
‫مزية أية سلطة عامة وذلك ابستعمال نفوذه احلقيقي أو املزعوم مثال ما جاءت به املادة (‪َ )178‬ف‬
‫قانون العقوابت الفرنسي وفقاً لقانون ‪.1945‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪- )1‬م ن‪ /‬ص ‪ 83‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)234/1‬‬

‫‪-3‬اختاذ اإلجراءات القضائية حلجز األموال ومصادرة املمتلكات اليت مت احلصول عليها بطرق‬
‫فاسدة وغري مشروعة أو بطرق احتيالية بعد التحقيق قضائياً من عدم شرعيتها‪ ،‬واالستفادة من‬
‫تعيينها َف إقرارات إشهار الذمة املالية ألعضاء احلكومة والربملان (اليت سبق التطرق إليها َف الرقابة‬
‫الربملانية)‪ ،‬وعمن يعيلوهنم أيضاً‪ ،‬ومثال ذلك ما أوجبه القانون رقم ‪ 11‬لسنة ‪ 1968‬الصادر َف‬
‫اجلمهورية العربية املتحدة من أحقية للقضاء َف تدقيق الذمم املالية ألعضاء احلكومة‪ ،‬واملقرتن ابلقرار‬
‫الرائسي رقم ‪ 1118‬لسنة ‪َ 1968‬ف شأن إجراءات تنفيذه املنشورة َف اجلريدة الرمسية للجمهورية‬
‫العربية املتحدة العدد ‪ 18‬لسنة ‪.1968‬‬
‫‪-4‬فسح اجملال للمبلغني عن حاالت الفساد واألخطاء إبيصال شكواهم ومتتع القضاة ابحللم واألانة‬
‫َف مساع ذلك وعدم إشعارهم ابلالمباالة اليت تؤخذ على رجال القضاء من منطق احلياد َف القضااي‬
‫حبيث يدفع ذلك التظاهر إَل إمكانية تراجع ذلك املبلغ عن دعواه‪ .‬والعمل بشكل جاد وذي متابعة‬
‫منتظمة من القاضي على محاية ذلك املبلغ عن الفساد‪ ،‬وإلزام اجلهات األمنية كالشرطة أو ما شاهبها‬
‫من أجهزة قائمة على محاية األمن بتوفري احلماية الشخصية له ولعائلته‪ .‬وكذلك العمل على تعزيز‬
‫النصوص اليت تقر احلماية ألولئك األشخاص‪ .‬حيث أن املرونة والدعم سوف تشيعان حالة إجيابية‬
‫من االطمئنان الهتمام القضاء َف الرأي العام ّما جيعل الرقابة الشعبية ظهرياً سانداً للرقابة القضائية‪.‬‬
‫‪-5‬مراقبة نظم التوريدات احلكومية وإلزام القضاء اجلهات الرمسية ابإلفصاح عنها والتحلي بشفافية‬
‫تعامالهتا‪.‬‬

‫(‪)235/1‬‬

‫‪-6‬الرقابة الدائمة واملستمرة والتحري عن البياانت اخلاصة أبعمال القطاع اخلاص‪ ،‬والتزامه ابلسداد‬
‫الكامل للضرائب (ألهنا جزء من الدخل القومي)‪ ،‬والرسوم الكمركية للبضائع املستوردة ومطابقتها‬
‫للمواصفات املسموح هبا‪ ،‬وتنفيذ أفراد القطاع اخلاص للقوانني بشأن العمالة وحقوقها َف ذلك‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫القطاع‪ .‬واحلد من استغالله إلمكاانته املالية لتسهيل أعماله عن طريق الرشوة‪ ،‬وإلزام أصحاب بيوت‬
‫األعمال َف القطاع اخلاص إبشهار الذمة املالية حتسباً لورود األموال بطرق غري شرعية اليت غالباً ما‬
‫ترصد َف عمل ذلك القطاع‪ .‬بغية حتفيزه على العمل القانوين املنظم والنهوض بدوره كقطاع داعم‬
‫ملسرية البلدان ومنوها وتطورها‪ .‬وَف الوقت ذاته احلد من آليات غسل العملة‪.‬‬
‫‪-7‬العمل على مراقبة استخدامات األموال العامة‪ ،‬واألداء الرقايب القضائي ألعمال تدقيق احلساابت‬
‫وعدم االكتفاء برتك الرقابة املالية ألقسام احملاسبات احلكومية فحسب‪.‬‬
‫‪-8‬تفعيل دور االدعاء العام كجزء مهم من أجزاء السلطة القضائية(‪.)1‬‬
‫الفرع الثالث‪:‬‬
‫نظام األمبودمسان أو املفوض العام (‪)Ombudsman System‬‬
‫يعد نظام األمبودمسان واحداً من مظاهر الرقابة الستئصال شأفة الفساد وميكن توصيفه على أنه‪:‬‬
‫"نظام احملقق َف الشكاوى ضد موظفي الدولة"(‪.)2‬‬
‫وكلمة (‪ )Ombudsman‬مفردة ذات أصل أسكندانَف وذلك ألنه أول تطبيق‪ ،‬للمفوض ابلتزام‬
‫ما (األمبودمسان) ظهر َف السويد عام ‪ ،1809‬ومنه انتشر إَل الكثري من دول العامل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬للمزيد من التفصيل أنظر‪:‬‬
‫‪-‬األمم املتحدة ‪/‬تقرير التنمية البشرية ‪/ 1997‬م س ذ‪ /‬ص ‪ 109‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪-‬األمم املتحدة ‪/‬الفساد َف احلكومة ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪ 84‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪-‬كيمربيل ان إليوت ‪/‬الفساد كمشكلة من مشكالت السياسة الدولية ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪-284‬‬
‫‪.290‬‬
‫‪-‬د‪.‬رفعت أمحد خفاجي ‪/‬جرائم الرشوة‪ /‬القاهرة‪ /‬دار قباء للطباعة والنشر ‪ /1999/‬ص ‪.185‬‬
‫(‪- )2‬منري بعلبكي ‪/‬قاموس املورد ‪ /86‬بريوت ‪/‬دار العلم للماليني‪ /1986/‬ص‪.631‬‬

‫(‪)236/1‬‬

‫نظام (‪ )Ombudsman‬عادة ما ينشأ مبوجب الدستور‪ ،‬أو بتفويض يصدره الربملان َف البالد‪.‬‬
‫ويرتأسه موظف عام (مفوض) (أو هيئة من املفوضني) ذو مستوى ٍ‬
‫عال ويتمتع ابالستقاللية‪ ،‬وتتحدد‬
‫مسئووليته أمام الربملان‪ .‬أن (األمبودمسان) يتوَل النظر َف الشكاوى املقدمة من قبل املتظلمني من‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اهليئات احلكومية واملسؤولني واملوظفني‪ ،‬كما أنه له املبادأة إبجراء التحقيقات‪ ،‬والتوصية ابخلطوات‬
‫التصحيحية‪ ،‬ويعد هو أيضاً املكلف إبعداد التقارير الالزمة بشأن ذلك كله‪.‬‬
‫إهنا إحدى وسائل الرقابة اليت جتعل اإلدارة دوماً موضعاً للمساءلة (‪ )Accountability‬أمام‬
‫جلنة خمولة من السلطة التشريعية(‪ .)1‬ولكن التوسع الدويل ابللجوء لنظام (األمبودمسان) َف الرقابة‬
‫جعل هذا النظام َف بعض الدول يتشكل بتكليف من السلطة التنفيذية كما هو احلال َف العديد من‬
‫دول جنوب شرق أسيا وأفريقيا‪.‬‬
‫لقد تعرض نظام (األمبودمسان) إَل ُماهبات وردود أفعال كثرية فاململكة املتحدة على سبيل املثال‬
‫رفضت فيها حكومة احملافظني عام (‪ )1962‬إنشاء مثل هذا النظام‪ ،‬لدواعي عدم التطابق بني‬
‫مسؤوليات (األمبودمسان) واملسؤولية الوزارية‪ ،‬وذلك ألن الوزير مسؤول مبوجب املسؤولية الوزارية‬
‫أمام الربملان‪ ،‬ومن غري املمكن أن يقوم مكتب (األمبودمسان) مبراقبة الوزير َف اخلفاء‪ ،‬أو تعقبه عند‬
‫أدائه مهامه الوزارية‪ .‬إال أن ذلك مل مينع فيما بعد من قيام مكتب املفوض الربملاين لإلدارة مبباشرة‬
‫أعماله َف اململكة املتحدة ( ‪The Parliamentary commissioner for‬‬
‫‪.)administration‬‬
‫كذلك وضمن نطاق معارضة رقابة (األمبودمسان) فإن سنغافورة كذلك مل تصادق على مثل هذا‬
‫النظام الرقايب عام (‪ )1966‬حبجة عدم حتقق اخلربات واملهارات الكافية إلقامته(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬أنظر ‪/‬األمم املتحدة‪ /‬الفساد َف احلكومة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.97-95‬‬
‫(‪- )2‬املصدر نفسه‪ /‬ص ص ‪.97-95‬‬

‫(‪)237/1‬‬

‫إال أن اجلدير ابلذكر كون جهود الربوفيسور (ستيفان هوروتيز ‪ )Hurwitz‬الذي شغل منصب‬
‫(األمبودمسان) َف الدمنارك َف اخلمسينيات ومحاسته أمثرت َف جعل الكثري من دول الشمال واجلنوب‬
‫تؤمن إبنازه على غرار ما قام به (هورويتز) وكان حصيلة ذلك أن عرفت النظام دول مثل نيوزيلندة‪،‬‬
‫النمسا‪ ،‬فيجي وغواايان‪.‬‬
‫وعلى سبيل املثال فقد أسهم الوطن العريب َف مثل هذا النظام حيث نلحظ أن اجلمهورية العربية‬
‫املتحدة شكلت عام (‪ )1964‬هيئة‪ ،‬ترى الدراسة أهنا تشبه َف نظامها نظام (األمبودمسان) إَل حد‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بعيد‪ ،‬فكان أن شرع القانون رقم ‪ 54‬لسنة ‪ 1964‬لتباشر تلك اهليئة الرقابة ضمن اختصاصها َف‬
‫اجلهاز احلكومي‪ ،‬واجلمعيات العامة واخلاصة‪ ،‬ومؤسسات القطاع اخلاص اليت تباشر أعماالً عامة‬
‫ومجيع اجلهات اليت تسهم الدولة فيها بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫لقد كانت تلك اهليئة تعمل حتت عنوان (هيئة الرقابة اإلدارية) وتنظر َف‪:‬‬
‫‪-1‬شكاوى املواطنني‪.‬‬
‫‪-2‬ما تنشره الصحف من مشكالت عامة وخاصة للمواطنني ورصد الظواهر غري اإلجيابية‪.‬‬
‫‪-3‬حاالت خرق القوانني وحاالت اإلمهال‪.‬‬
‫‪-4‬سوء اإلدارة واستغالل النفوذ‪.‬‬
‫وكان عليها دور آخر هو تلبية تكليفات رئيس الوزراء والوزراء واحملافظني ومطالب جهات التحقيق‬
‫املختلفة ومدهم ابملعلومات اليت يطلبوهنا‪ .‬فاهليئة تبحث فضالً عن كل ما تقدم َف قصور اإلنتاج‪،‬‬
‫وعيوب النظم اإلدارية واملالية‪ ،‬والكشف عن اجلرائم اليت ترتكب للمساس ابملال العام‪ ،‬وحاالت‬
‫الكسب غري املشروع ّما يوفر هلا كماً هائالً‪ ،‬من املعلومات(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬اللواء ‪/‬هتلر طنطاوي‪ /‬دور هيئة الرقابة اإلدارية َف مكافحة الفساد َف مصر‪َ /‬ف مصطفى‬
‫كامل السيد (حمرر) الفساد والتنمية‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.312‬‬

‫(‪)238/1‬‬

‫إن تشريع قانون إنشاء هيئة الرقابة اإلدارية مل جيئ َف اجلمهورية العربية املتحدة إال تعزيزاً لنطاق‬
‫(املساءلة) وإلزاماً للقطاعات احلكومية العاملة بتحقيق (شفافية) األعمال (منذ وقت متقدم) بصورة‬
‫أكثر حبيث حتقق اهليئة وظائفها بصورة مثلى والشواهد على ذلك كثرية َف هذا اجلهاز األمنوذج َف‬
‫الوطن العريب‪.‬‬
‫إذاً ومن خالل ما عرضنا له نرى من الواجب القيام بتوثيق أهم الصفات اليت جيب أن تتوفر َف شكل‬
‫الرقابة بنظام (األمبودمسان) للحد من الفساد وهي‪:‬‬
‫‪-1‬االستقاللية ‪Independency‬‬
‫وهي صفة مهمة من الصفات الواجب أن يتمتع هبا نظام (األمبودمسان) وتعين استقالليته عن‬
‫التدخالت اإلدارية والتنفيذية اليت يشويها الكثري من احلد من سلطات (األمبودمسان)‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إال أن استقاللية هذا النظام تتوقف على األسلوب الذي مت به إسناد املهمة (للمفوض) فجمهورية‬
‫تنزانيا مثالً َف نظامها خيول رئيس اجلمهورية هيئة مفوضني (‪ )Commission‬للبدء ابلتحقيق‬
‫كخطوة أوَل‪ ،‬بعد ذلك ليس من حق أي شخص حىت رئيس اجلمهورية ذاته احلق َف إيقاف آليات‬
‫التحقيق اليت بدأها (األمبودمسان)‪ .‬بينما َف جارهتا األفريقية (زامبيا) يتمتع رئيس اجلمهورية بكامل‬
‫الصالحية اليت متكنه من التدخل والنظر َف حتقيق ما(‪.)1‬‬
‫َف حني أن السويد ال تسمح بفرض أي حتقيق على املفوض العام أو إصدار أمر له بوقف أي حتقيق‪.‬‬
‫ويبدو أن االستقاللية للنظام مكفولة بشكل أكرب َف الدول اليت يتم إسناد املهمة (للمفوض) فيها‬
‫عن طريق السلطات التشريعية‪ .‬حيث أن اإلسناد من قبل التنفيذ غالباً ما يشوبه التدخل َف سلطات‬
‫(املفوض) وهذا ما هو شائع َف عامل اجلنوب كما سبق وأشران له فيما سلف‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬ملزيد من التفصيل أنظر ‪/‬األمم املتحدة‪ /‬الفساد َف احلكومة‪/‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.100-98‬‬

‫(‪)239/1‬‬

‫إن االستقاللية تعزز ثقة اجلمهور مبن توكل إليه مهمة حماربة الفساد‪ ،‬ولقد ذكر حاكم هونغ كونغ عام‬
‫‪( 1973‬ماكليهوز) الذي أنشأ أنظف وأكفأ جلنة حملاربة الفساد َف آسيا وهي‪:‬‬
‫اللجنة املستقلة حملاربة الفساد “ ‪Independent Commission Against‬‬
‫)‪”Corruption (I C A C‬‬
‫أمام اجمللس التشريعي هلونغ كونغ مؤكداً على االستقاللية ما نصه‪" :‬إن اجلمهور ستكون لديه ثقة‬
‫أعظم َف وحدة مستقلة كل االستقالل ومنفصلة عن أية أجهزة أخرى مبا َف ذلك الشرطة"‪.‬‬
‫وأسند تلك املهمة إَل شخص هو (جاك كيرت) الذي كان له ابع طويل َف اخلدمة احلكومية‪ ،‬بوصفه‬
‫وزيراً سابقاً‪ ،‬وحاصالً على ثقة اجلمهور‪ ،‬وله مطامح قيادية حيث كان يطمح أن يتوَل منصب حاكم‬
‫هونغ كونغ‪ .‬وقد أثبتت التجربة أن اللجنة ورئيسها الذي كان شكالً من أشكال الرقابة وفق نظام‬
‫(األمبودمسان) قادرة على جعل هونغ كونغ من أنظف مناطق آسيا من حيث الفساد بعد أن كان‬
‫مستشرايً فيها(‪.)1‬‬
‫‪-2‬سلطة التحقيق ‪Investigatory power‬‬
‫حيث يتعذر أن يكون النظام فعاالً َف حال عدم حصوله على املعلومات الضرورية واألدلة والواثئق‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫املطلوبة‪ ،‬أي بعبارة أوضح ال يعد نظام (األمبودمسان) فعاالً َف حالة انعدام الشفافية‬
‫(‪َ )Transparency‬ف سياسة احلكومة اليت غالباً ما تكون هي الساحة اليت حيقق فيها‬
‫(األمبودمسان)‪.‬‬
‫كما جيب أن تكون لسلطة التحقيق إمكانية مجع املعلومات عن كل شخص يشتبه به(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬راجع ‪/‬روبرت كليتجارد‪ /‬السيطرة على الفساد ‪/ Controlling Corrupting‬م س‬
‫ذ‪/‬‬
‫ص‪.153‬‬
‫(‪- )2‬انظر ‪/‬األمم املتحدة‪ /‬الفساد َف احلكومة ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.100‬‬

‫(‪)240/1‬‬

‫ونالحظ أن اللجنة املستقلة حملكافحة الفساد َف هونغ كونغ (‪ )I C A C‬استخدمت هذا‬


‫األسلوب حيث أن سلطة التحقيق تطول كل شخص يشتبه به ويفتح على أثر ذلك له ملف َف‬
‫اللجنة‪ ،‬وتقوم اللجنة (ابستدعائه ومقابلته وتقابل أصدقاءه وأقاربه) ومجع املعلومات َف األماكن اليت‬
‫عمل هبا أو يرتدد عليها‪ ،‬وهلا التدقيق َف كل شؤونه حفاظاً على أمهية املوضوع(‪.)1‬‬
‫‪-3‬الشخصية ‪ Personality‬واملرونة ‪ Flexibility‬وإمكانية االتصال‬
‫‪:Accessibility‬‬
‫جيب َف شخص يشغل منصب (األمبودمسان) أو َف (اهليئة املفوضة) التمتع بشخصية متتاز ابلسرية‬
‫والكتمان واحلذر والصرامة والصرب‪ ،‬كما ميتاز ابهتمامه الكبري ابجلمهور ورغبته َف حتقيق العدل‬
‫واإلنصاف‪ .‬لذا جيب أن يكون هذا الشخص يتحلى ابملرونة للتعامل مع املظامل الفردية مثل (التحيز‪،‬‬
‫اإلمهال‪ ،‬التأخري‪ ،‬عدم الكفاية‪ ،‬الفوضى‪ ،‬االستبداد‪ ،‬التسلط‪ ..‬إخل)‪.‬‬
‫فضالً عن ذلك يكون شخصاً سلساً ميكن االتصال به بسهولة ويسر‪ .‬وغالباً ما تكون القضااي اليت‬
‫يدقق فيها (األمبودمسان) بشكل عرض حال مكتوب (‪ )Simple written Expose‬تتبعه‬
‫لقاء أو لقاءات للوقوف على احلالة‪ ،‬من أجل دراستها وتقييمها ووضع السبل الناجحة ملكافحة‬
‫الفساد الذي تتناوله تلك الطلبات والشكاوى(‪.)2‬‬
‫لذا وبعودة إَل مثالنا ند أن (جاك كيرت) يتمتع بشخصية حمبوبة جداً لدى الشعب الصيين احمللي َف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هونغ كونغ وهي صفة عدت مهمة جداً لرتأسه للجنة املستقلة (‪ )I C A C‬عالوة على أنه يتمتع‬
‫ابملرونة الكافية من حيث التعامل مع املواطنني أو من حيث مجعه للبياانت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬روبرت كليتجارد ‪/‬السيطرة على الفساد ‪/ Controlling corruption‬م س ذ‪ /‬ص‬
‫‪.157‬‬
‫(‪- )2‬انظر ‪/‬األمم املتحدة‪ /‬الفساد َف احلكومة‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪ 101‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)241/1‬‬

‫أما اتصال األفراد ب (كيرت) فقد يسر الرجل السبل كافة لالتصال به‪ ،‬تعزيزاً لذلك قام إبنشاء جلان‬
‫استشارية من املواطنني ضمت بني صفوفها منتقدي احلكومة‪ ،‬وكذلك قرر متابعة شكاوى اجلمهور‬
‫عن طريق اهلواتف الساخنة (‪ )Hot line‬ومراكز تقدمي الشكاوى اليت افتتحها فعزز بذلك إمكانية‬
‫الوصول إليه(‪.)1‬‬
‫‪-4‬السرعة والصالحيات ‪Speed & Jurisdiction‬‬
‫إن نظام املفوض (األمبودمسان) بال صالحيات‪ ،‬كساع إَل اهليجا بغري سالح‪ ،‬فلكي حيد من الفساد‬
‫يقتضي منحه الكثري من الصالحيات‪ ،‬ولكي حيصل على املزيد من التعامل املوثوق معه وكذلك تعزيزاً‬
‫ملصداقيته عليه أن يتم إناز القضااي املوكلة إليه ابلسرعة الالزمة وبدون أي أتخري‪.‬‬
‫وابنتقاله إَل ما قامت به جلنة (كيرت) َف هونغ كونغ (‪ )I C A C‬نالحظ أهنا استخدمت‬
‫صالحيات واسعة منحت هلا خولتها‪:‬‬
‫أ) إلقاء القبض على كل من يشتبه به ابلتورط َف الفساد وختويل ضباط اللجنة إلقاء القبض بدون‬
‫تفويض إذا اقتضت احلالة‪.‬‬
‫ب) استدعاء اللجنة ألي شخص كان‪ ،‬وطلب إفادته ألي سبب يراه رئيس اللجنة ضرورايً‪.‬‬
‫ج) إمكانية التصرف ابألموال وجتميدها والنامجة عن أعمال الفساد بعد التأكد من ذلك‪.‬‬
‫د) مصادرة واثئق السفر ألي مشتبه به ملنع هروب ما يطلق عليهم حملياً َف هونغ كونغ (األمساك‬
‫الكبرية) خارج البالد‪.‬‬
‫ه ) االستعانة ابخلرباء املشهود هلم ابلنزاهة من خارج البالد‪.‬‬
‫و) إصدار األوامر للمصارف بكشف حساابت العمالء وتفتيش صناديق ودائعهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر روبرت كليتجارد ‪/‬السيطرة على الفساد ‪/ Controlling Corruption‬م س‬
‫ذ‪ /‬ص ‪.158-155‬‬

‫(‪)242/1‬‬

‫أما من حيث السرعة َف إناز املهمام فقد استخدمت اللجنة أساليب صيغت على منط حتقيقات‬
‫)‪ (Federal Bearu of Investigations) (FBI‬مكتب التحقيقات الفدرايل األمريكي‬
‫و(‪ )M 15‬الربيطاين‪ ،‬وكانت التحقيقات واملتابعات جتري على مدى (‪ )24‬ساعة لضمان السرعة‬
‫َف اإلناز إال أن بعض القضااي لتعقيدها تستغرق أشهراً بل وسنيناً(‪.)1‬‬
‫الفرع الرابع‬
‫رقابة األعالم‬
‫عام ‪ 1948‬أقرت ُمموعة الدول املنضمة إَل اجلمعية العامة لألمم املتحدة إعالانً عرف ((ابإلعالن‬
‫العاملي حلقوق اإلنسان)) وجاء َف نص املادة(‪ )19‬منه اآليت‪:‬‬
‫((لكل شخص احلق َف حرية التفكري والتعبري‪ ،‬ويشمل هذا احلق حرية اعتناق اآلراء دون أي تدخل‪،‬‬
‫واستيفاء األنباء واألفكار وتلقيها وإذاعتها أبية وسيلة كانت دون تقييد ابحلدود اجلغرافية))(‪.)2‬‬
‫وبناء على هذا اإلعالن‪ ،‬وما جرى عليه العمل احلر من احرتام للحرايت املدنية والسياسية‬
‫للمواطنني‪ ،‬اليت من أهم مقوماهتا السياسية حرية التعبري عن الرأي‪ ،‬تبزغ ظاهرة للعيان أمهية كون‬
‫((اإلعالم حراً)) حيث جرى العمل َف البدء على مبدأ (حرية الصحافة) إال أن ما مشل وسائل‬
‫اإلعالم كافة من تطور هائل جعل هذا املفصل املهم يشكل ثورة هي ثورة الصورة‪ ،‬بعد ثورة الصوت‪،‬‬
‫املتمثلة ابلتلفزة اليت قدر هلا فيما تال من تطور أن تركب األقمار الصناعية وأن متر عرب كل القارات‬
‫وعرب كل احلدود‪ ،‬وعرب كل األسوار واجلدران َف ثوان‪ .‬وبذلك أصبحت الوسيلة اجلديدة أوسع من‬
‫وسيلة (حرية الصحافة) لتعرب عن ما للرأي العام من آراء ليس الوطين حسب ولكن العاملي‬
‫أيضاً(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر ‪/‬نفس املصدر السابق ص ‪.158‬‬
‫(‪- )2‬انظر ‪/‬األمم املتحدة‪ /‬الوثيقة الدولية حلقوق اإلنسان ‪/‬القاهرة‪ /‬دار الشعب‪ /1981 /‬ص ص‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.16-9‬‬
‫(‪- )3‬انظر ملزيد من التفصيل ‪/‬حممد حسنني هيكل‪ /‬كالم َف السياسة‪ /‬القاهرة‪ /‬الشركة املصرية‬
‫للنشر العريب والدويل‪ /‬فرباير ‪ /2000‬ص ‪.23‬‬

‫(‪)243/1‬‬

‫هلذا كله عدت الصحافة ووسائل اإلعالم األخرى وسائل للرقابة الشعبية على السلطات‪ ،‬مياط اللثام‬
‫عن طريقها عن الكثري من الظواهر السلبية وآليات الفساد‪.‬‬
‫لقد عدت رقابة اإلعالم (السلطة الرابعة) َف بناء اهليكل السلطوي للدولة واملتكون أساساً من‬
‫السلطات الثالث (التشريع‪ ،‬والتنفيذ‪ ،‬والقضاء)‪.‬‬
‫إهنا السلطة اليت أصبحت املنرب الذي من خالله يعرب الرأي العام عن تطلعاته‪ ،‬ونظرته الفاحصة‬
‫لألمور‪ ،‬وتقييمه لوضع اجلهاز احلكومي ومواطن اخللل وسلبية التصرفات فيه(‪.)1‬‬
‫وهلذا فقد استفادت الكثري من بلدان عامل الشمال اليت استوطن فيها الفساد لبضع حقب من‬
‫(السلطة الرابعة) ورقابتها وخصوصاً الصحافة َف تقييم مؤسساهتا‪ ،‬واالستفادة من نقد الرأي العام عن‬
‫طريقها وكذلك توجيه الرأي العام للحد من الفساد عن طريقها أيضاً املثال الذي نراه جلياً (َف حالة‬
‫بريطانيا خري دليل على أمهية هذا اجلهاز الرقايب)‪.‬‬
‫كذلك أيضاً استفادت العديد من دول اجلنوب من رقابة اإلعالم حيث نحت مساعي سنغافورة‬
‫للحد من الفساد بتجنيد وسائل اإلعالم لتؤهلها لتصبح ّمن حيتمل املواقع املتقدمة َف الطهر من‬
‫الفساد واتسام أعمال احلكومة ابلشفافية فيها(‪.)2‬‬
‫وبعد هذا علينا أن نرتك الضفة اليت متارس دور الرقابة لننتقل إَل الضفة األخرى اليت متارس دور‬
‫التوجيه والتوعية‪ ،‬حيث إن لإلعالم فضالً عن الوظيفة الرقابية وظيفة اثبتة وهي إقامة محالت التوعية‬
‫مبضمار الفساد اليت حتفز العامة على رصد تلك احلاالت وابلتايل سوف يصب الفعل َف اجلدول‬
‫نفسه الذي حيوي املاء الطهور لغسل درن الفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪.‬أمحد فارس عبد املنعم ‪/‬الدميقراطية ومكافحة الفساد ‪َ/‬ف‪ /‬مصطفى كامل السيد (حمرراً)‬
‫الفساد والتنمية ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.349‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪- )2‬د‪.‬نبيل علي وآخرون ‪/‬مقاربة سيوسيولوجية – اقتصادية لظاهرة الفساد ‪/‬دمشق‪ /‬املعهد العايل‬
‫لعلوم السياسية ‪ /2001-2000/‬ص ‪.13‬‬

‫(‪)244/1‬‬

‫فحملة واضحة وجلية األهداف‪ ،‬وبتصرف ذي مصداقية يُبغى من ورائه التعريف أبن ملكافحة الفساد‬
‫آاثر إجيابية على حتسني األوضاع االقتصادية والسياسية وحتقيق العدالة االجتماعية يقوم بياهنا‬
‫أكادمييون ومتخصصون ورجال دين من الثقاة الذين يعدون قادة رأي هلم أتثري َف نفوس اجلمهور‪.‬‬
‫وابستخدام أمثل لوسائل اإلعالم (بكل مفاصلها) من التلفزة إَل الصحيفة احمللية إَل إقامة الندوات‬
‫اإلعالمية بدون مبالغة وبتوازن َف شرح املوضوع بني مبادئ الثواب والعقاب على ّمارسة‪ ،‬أو عدم‬
‫ّمارسة‪ ،‬آليات الفساد سوف نصل إَل إمكانية إيصال رسالة إعالمية نظيفة تساهم َف احلد من‬
‫الفساد‪ ،‬آلاثره السلبية اليت ميكن أن تثمر كما تثمر محالت احلد من التدخني‪ ،‬واحلد من تعاطي‬
‫املخدرات واحلد من تعاطي األدوية‪ ..،‬إخل‪.‬‬
‫حيث أن لإلعالم‪ ،‬وابستخدام العديد من املؤثرات‪ ،‬اإلمكانية َف النجاح حبملة حتارب الفساد(‪.)1‬‬
‫‪-2‬تنشيط فرص اإلصالح‬
‫بعد أن بينا ما لألدوار الرقابية للربملان والقضاء ونظام املفوض العام واإلعالم من أثر واسع َف‬
‫إصالح الفساد‪ ،‬ال بد أن نذكر حماور أخرى ترى الدراسة أهنا مكملة ملا أسلفناه‪ ،‬اليت تعزز من‬
‫اإلحاطة ابلفساد واستئصاله‪ ،‬وهذه احملاور توضحها الفروع اآلتية‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬احلل الدميقراطي ملشكلة الفساد‬
‫اعتاد الناس تداول عبارة‪ ،‬اختذهتا األوساط اليت تعىن بصحة اإلنسان دليل عمل َف الكثري من وسائل‬
‫عملها ملكافحة األمراض وهي عبارة‪:‬‬
‫((الوقاية خري من العالج))‬
‫وحنن نرى أن الفساد وابء يصيب اجملتمعات‪ ،‬ويتطلب استخدام العبارة السالفة أيضاً‪ ،‬قبل فتكه‬
‫ابجملتمعات‪ ،‬واألكالف العالية ملكافحته إذا ما استفحل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬ملزيد من التفصيل ‪/‬انظر‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الرمحن أمحد هيجان‪ /‬مكافحة الفساد اإلداري‪:‬‬
‫االسرتاتيجيات واإلمكانيات‪ُ /‬ملة األمن واحلياة‪ /‬العدد ‪ /217‬أكتوبر ‪ /2000‬ص ‪.54‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)245/1‬‬

‫ومن منظور الوقاية حصراً‪ ،‬فإن الدول الدميقراطية تظهر إمكانيات للحد من الفساد والوقاية منه‬
‫أكثر من الدول غري الدميقراطية‪ ،‬فاحتكار السلطة َف األخرية يكون العامل األول واألهم للفساد‬
‫وخصوصاً‪ ،‬على حد تعبري ‪/‬أ‪ .‬د‪ .‬مصطفى كامل السيد‪َ /‬ف هذا اجلانب‪ ،‬ما اكتشفته قضية التعاقب‬
‫على السلطة اليت تغيب فيها الدميقراطية بشكل كامل وهو ما نراه َف الكثري من دول عامل‬
‫اجلنوب(‪.)1‬‬
‫إن اإلقرار ابملبدأ الدميقراطي السلمي للسلطة وتداوهلا الذي تعرفه الكثري من دول عامل الشمال وعامل‬
‫اجلنوب‪ ،‬يضع القيود على وجود حكومة دائمة وكذلك استمرار معارضة دائمة‪ ،‬حيث يتم َف ظل‬
‫هذا املبدأ تبادل املواقع من فرتة ألخرى انسجاماً مع ما أتيت به نتائج االنتخاابت الدميقراطية‪ .‬اليت‬
‫جتعل السلطة موزعة ومتوازنة بدالً من األحادية َف مراكز اختاذ القرار‪ ،‬والذي يؤدي ابلنتيجة إَل‬
‫مكافحة الفساد َف أكثر من زاوية‪ .‬فالقائمون على احلكم َف ظل الدميقراطية خيشون السري َف منحى‬
‫الفساد خوفاً من افتضاح األمر بعد هناية وال يتهم للسلطة‪ ،‬فضالً عن أن أسلوب التداول مينع‬
‫تكوين شبكات الفساد بصورة كربى ومعقدة وذلك ألن تدوير الدماء َف النخب السياسية وجتديدها‬
‫َف ظل هذا األسلوب شيء وارد‪.‬‬
‫يضاف إَل هذا أيضاً أن من يتولون السلطة ابألسلوب املشار إليه ميتازون بكثرة عددهم‪ ،‬ورشوة‬
‫الكثرة أصعب بكثري من رشوة الواحد (َف ظل احتكار السلطة)‪ ،‬بل يكاد يكون من االستحالة‪ ،‬مع‬
‫الكثرة‪ ،‬أن يبقى فعل التواطؤ مكتوماً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬من لقاء‪ :‬للباحث مع أ‪ .‬د‪ .‬مصطفى كامل السيد ‪/‬مدير مركز دراسات وحبوث الدول النامية‪/‬‬
‫جامعة القاهرة‪/6 /‬شباط‪.2001/‬‬

‫(‪)246/1‬‬

‫كما أن مبدأ تداول السلطة السلمي ال يتم إال َف ظل تصويت الشعب لصاحل خنبة معينة لكي تصل‬
‫إَل السلطة‪ ،‬وَف حالة استفحال الفساد َف خنبة سبق فوزها ابالنتخاابت‪ ،‬يفوت عليها الفرصة َف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫احلصول على أصوات الشعب مرة اثنية للوصول إَل السلطة (َف حالة االنتخاابت الدميقراطية احلرة‬
‫النزيهة البعيدة عن أساليب التزوير والقسر والقمع)(‪.)1‬‬
‫ولقد متت املالحظة بصورة دقيقة َف دراسة أمنوذج (فلبني) ماركوس‪ ،‬و(أندونيسيا) سوهارتو‪ ،‬و(زائري)‬
‫موبوتو‪ ،‬أن عامل اجلنوب فيه الكثري من أشكال احتكار السلطة وعدم األخذ مببدأ التداول السلمي‬
‫هلا الذي مبقتضاه استمرت هذه النظم ملدد طويلة أبشخاصها دون إمكانية التغيري أو االستبدال‬
‫بنخب بديلة ّما دعاها إَل عدم اخلشية عند ّمارسة الفساد ألهنا واثقة أن إمكانية كشف هذا الفساد‬
‫معدومة‪ ،‬الستثمارها وحتكمها ابلسلطة(‪.)2‬‬
‫كل ذلك جعل اإلقرار أبن الضمان احلقيقي حلل (مشكلة الفساد) بشكل أساس يكمن َف تداول‬
‫السلطة حىت ال يعشعش هذا املرض ملدة طويلة ويتم توارثه والتسرت عليه(‪.)3‬‬
‫وأتسيساً على ما جاء فقد أكدت طروحات املهتمني والنخب املثقفة َف الكثري من احملافل على أمهية‬
‫احلل الدميقراطي‪.‬‬
‫من ذلك ما أكد عليه البيان اخلتامي للمؤمتر القومي العريب احلادي عشر املنعقد َف بغداد من ‪-10‬‬
‫‪ 13‬أاير ‪ 2001‬عند مناقشته (ملوقف الدميقراطية وحقوق اإلنسان) حيث جاء فيه‪:‬‬
‫((‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر َف ذلك‪- :‬جورج طرابيشي ‪/‬ثنائي الدميقراطية والفساد‪ /‬صحيفة احلياة‪ /‬العدد‬
‫‪ 11/13273‬متوز ‪.1999‬‬
‫وكذلك‪- :‬د‪ .‬أمحد فارس‪ /‬الدميقراطية ومكافحة الفساد‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد‪ /‬الفساد والتنمية‪/‬‬
‫م س ذ‪ /‬ص ص ‪.338-337‬‬
‫(‪- )2‬انظر د‪ .‬أمحد فارس‪ /‬الدميقراطية ومكافحة الفساد‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪-337‬ص‪.338‬‬
‫(‪- )3‬د‪.‬حممود عبد الفضيل ‪/‬اقتصادايت الفساد‪ /2/‬حماور حصار الظاهر والقضاء على تداعياهتا‬
‫السلبية‪ /‬صحيفة السفري ‪.2000/3/30‬‬

‫(‪)247/1‬‬

‫إن الدميقراطية داخل األقطار العربية هي الطريق األفضل واألجدى لتنمية العمل القومي الوحدوي‬
‫احلق‪ ،‬إذ مبقدار ما تتوسع رقعة احلرايت تزداد مسامهة الشعب العريب َف بناء أسس تقدمه ووحدته))‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يضاف أيضاً أتكيد املؤمتر على ((وقف العدوان على إرادة الشعب احلرة‪ ،‬من خالل وضع حد لتزوير‬
‫االنتخاابت وطبخ املؤسسات الصورية‪ ،‬كما من خالل إحاطة االقرتاع واحلياة التمثيلية ابلضماانت‬
‫القانونية والدستورية اليت تكفل هلا الشرعية والصدقية‪ ،‬وأتكيد مبدأ التداول السلمي لسلطة عرب‬
‫انتخاابت نزيهة يتعدد فيها املرشحون ويشرف عليها القضاء إشرافاً كامالً))(‪.)1‬‬
‫حيث نرى أن املؤمتر قد شخص‪ ،‬من خالل استعراض العبارات السالفة‪ ،‬العلة‪ ،‬ووصف هلا العالج‬
‫وإن كان مل يشر بعبارة صرحية ملفردة الفساد َف النصوص املذكورة‪.‬‬
‫واحلل الدميقراطي يعزز الشكل السلمي لتداول السلطة ويعزز دور مؤسسات اجملتمع املدين‪ ،‬حيث‬
‫تعارف واتفق الكثري من دول العامل منذ أواسط القرن املنصرم على أمهية تلك املؤسسات حيث‬
‫نصت املادة(‪ )20‬من اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان الذي أقرته األمم املتحدة عام ‪ 1948‬على‬
‫أن‪" :‬لكل شخص احلق َف حرية االشرتاك َف اجملتمعات واجلماعات السلمية‪ ،‬وال جيوز إرغام أحد‬
‫على االنضمام إَل مجعية ما"‪.‬‬
‫وكذلك ما أكدت عليه االتفاقية الدولية بشأن احلقوق املدنية والسياسية اليت أقرهتا اجلمعية العامة‬
‫لألمم املتحدة َف ‪ 16‬كانون الثاين ‪َ 1966‬ف النص اآليت للمادة(‪ )22‬منها إن‪:‬‬
‫((‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر ُملة املستقبل العريب‪ /‬العدد‪ /268/‬حزيران ‪ /2001/‬ص ص ‪.225-210‬‬

‫(‪)248/1‬‬

‫لكل فرد احلق َف حرية املشاركة مع اآلخرين مبا َف ذلك تشكيل النقاابت أو االنضمام إليها حلماية‬
‫مصاحله‪ ،‬وال جيوز وضع القيود على ّمارسة هذا احلق غري تلك املنصوص عليها َف القانون واليت‬
‫تستوجبها‪َ ،‬ف ُمتمع دميقراطي‪ ،‬مصاحل األمن الوطين أو السالمة العامة أو النظام العام أو محاية‬
‫الصحة العامة أو االخرتاق أو محاية حقوق اآلخرين وحرايهتم‪.‬‬
‫وال حتول هذه املادة دون فرض القيود القانونية على أعضاء القوات املسلحة والشرطة من ّمارسة‬
‫هذا احلق))(‪.)1‬‬
‫وللشأن نفسه أكد املؤمتر القومي احلادي عشر َف بيانه اخلتامي (الذي سبقت اإلشارة إليه) أيضاً َف‬
‫مواضع عدة أمهية هذه املؤسسات حيث نصت البنود (ه ‪ ،‬و‪ ،‬ز) من املوقف (‪( )5‬الدميقراطية‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وحقوق اإلنسان) اآليت‪:‬‬
‫((البند ه ‪-: ...‬تفعيل دور مؤسسات اجملتمع املدين الوطنية واملستقلة‪ ،‬وأجهزة الرقابة الشعبية‪َ ،‬ف‬
‫مراقبة السلطة واملؤسسات واالحتساب عليها قانوانً‪.‬‬
‫البند و ‪-: ...‬تفعيل دور منظمات حقوق اإلنسان واملنظمة العربية حلقوق اإلنسان َف مضمار مراقبة‬
‫سلوك السلطة والدفاع عن دولة احلق والقانون‪ .‬ودعوهتا لتشكيل جلان وطنية ملراقبة عمليات االقرتاع‬
‫َف البلدان العربية كافة‪.‬‬
‫البند ز ‪-: ...‬تدريس مادة حقوق اإلنسان َف املقررات املدرسية وَف املعاهد واجلامعات وكليات‬
‫اجليش والشرطة))(‪.)2‬‬
‫هذا ابإلضافة ملا أشار إليه املؤمتر ضمن املوقف نفسه َف بيانه اخلتامي َف نقده لغياب احلياة‬
‫الدستورية‪ ،‬وتزوير إرادة الشعب َف االقرتاع االنتخايب ومنع التعددية السياسية‪ ،‬وإفراغ املؤسسات‬
‫التمثيلية احمللية والنيابية من مضموهنا‪ ،‬ابإلضافة إَل تردي املمارسة الدميقراطية على مستوى العديد‬
‫من األحزاب(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬انظر‪ /‬األمم املتحدة‪ /‬الوثيقة الدولية حلقوق اإلنسان ‪/‬القاهرة‪ /‬مطابع دار الشعب‬
‫‪/1981‬ص ‪.16 9‬‬
‫(‪- )2‬انظر ُملة املستقبل العريب ‪/‬العدد‪ /268‬حزيران ‪/2001/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.221‬‬
‫(‪- )3‬م‪ .‬ن نفسه‪ /‬ص ص ‪.221-220‬‬

‫(‪)249/1‬‬

‫إذ أن تداول السلطة َف الدولة الدميقراطية بني أحزاب متنافسة وتعددية سياسية جيعل دفاتر احملاسبة‬
‫مفتوحة دائماً أو قابلة للفتح وإلعادة الفتح ابستمرار‪ ،‬فضالً عن أن تداول السلطة سلمياً ال يتيح‬
‫الوقت الكاَف للفساد كي يتجذر ولضمائر أصحاب القرار أن تتخشن ويقسو جلدها من طول‬
‫ّمارسة السلطة(‪.)1‬‬
‫لذلك على األحزاب عند توليها السلطة أن تفصل بني وظيفة احلزب احلاكم ومؤسسات وأجهزة‬
‫الدولة‪ ،‬حيث أن الدولة هلا هيكلها العام‪ ،‬الذي من املفرتض أن يستوعب كل شرائح اجملتمع دون‬
‫األخذ بنظر االعتبار ارتباطهم السياسي وبصورة ختلق وضعاً طبيعياً يسهل منع الفساد‪ ،‬أما َف حالة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سيطرة احلزب احلاكم على اإلدارات احلكومية والقطاع العام وأجهزة الدولة فإن ذلك يزيد من‬
‫إمكانية استفحال واستشراء الفساد بصورة أوسع ليصبح معها من العسري مبكان استئصاله واحلد منه‬
‫(كما يدل عليه األمنوذج التنزاين إابن عهد الثمانينيات)‪.‬‬
‫يضاف هلذا أيضاً أن احلزب الذي يتوَل السلطة قد يستخدم أساليب هدفها املعلن عمليات ملكافحة‬
‫الفساد‪ ،‬أما جوهرها فهو احلد من قدرات األحزاب األخرى‪ ،‬وكذلك احلد من املعارضني السياسيني‬
‫واخلارجني عن النظام (والشكوك َف قضية أنور إبراهيم وخالفه مع رئيس احلكومة املاليزية مهاتري‬
‫حممد‪ ،‬تعد أمنوذجاً هلذا الشكل من أشكال الفساد السياسي طبقاً لوجهة نظر الطرفني املتنازعني)(‪)2‬‬
‫اليت يفرتض أن تتنحى عنها األحزاب تعزيزاً لدورها َف حماربة الفساد‪.‬‬
‫إن الوظيفة والواجب لألحزاب جتاه اجملتمع‪ ،‬حتتم عليها أن تؤدي دوراً فاعالً َف حماربة الفساد من‬
‫خالل ما ميارسه احلزب من نشاط َف اجملتمع وميكن حتديدها ابملالحظات اآلتية‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬جورج طرابيشي ‪/‬ثنائي الفساد الدميقراطي‪ /‬م س ذ‪./‬‬
‫(‪- )2‬انظر ‪/‬أ‪ .‬أمحد السيد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية‪ /‬االجتاهات االقتصادية‬
‫االسرتاتيجية‪ 2000 /‬القاهرة‪ /‬مركز الدراسات السياسية االسرتاتيجية ابألهرام‪ /2001 /‬ص ‪.194‬‬

‫(‪)250/1‬‬

‫‪ -1‬يعمل احلزب بوصفه منظمة تعليمية يقدم مبوجبها للشعب خمتلف املعلومات عن األوضاع‬
‫االقتصادية والسياسية واالجتماعية ابلطرق الواضحة اليت توقظ فيها الوعي السياسي (شفافية عمل‬
‫األحزاب)‪.‬‬
‫‪ -2‬يعمل احلزب على متكني اجلماعات املختلفة من التعبري عن رغبتها ومعتقداهتا بشكل منظم‬
‫وفعال‪.‬‬
‫‪ -3‬يقوم احلزب وهو خارج نطاق احلكم مبهمة املراقبة على أعمال احلزب احلاكم‪.‬‬
‫‪ -4‬يهيء احلزب للشعب فرصة الختيار ّمثليه وحكومته بني مرشحني متنافسني وكذلك فرصة‬
‫االختيار بني السياسات املتباينة‪.‬‬
‫‪ -5‬وجود التعددية السياسية واألحزاب املتنافسة مينح الشعب قدرة على احلد من الفساد‬
‫املستشري َف املؤسسات السياسية(‪.)1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن ما نستوضحه من كل ما تقدم أن الدميقراطية هي احلل األمثل للحد من الفساد‪ ،‬وذلك ال يعين‬
‫أن النظم الدميقراطية خالية متاماً من الفساد فهناك العديد من الظواهر الفاسدة شكت منها اجملتمعات‬
‫الدميقراطية كما هو احلال َف أملانيا (كول) وَف فرنسا وكذلك َف إيطاليا‪..‬إخل‪.‬‬
‫إال أن الدميقراطية هلا من املرونة ما تستطيع به كشف ذلك الفساد وجتاوزه ولو بعد حني‪ .‬وليكافح‬
‫الفساد –َف دول اجلنوب‪ -‬ينبغي تعميق الدميقراطية مبا يسمح إبعداد الشعب على أساس الوعي‬
‫مبصاحله وحقوقه وواجباته‪ ،‬فالفساد يتفشى َف اجملتمعات اليت تغيب فيها الدميقراطية بشكل عام‪.‬‬
‫ختاماً جيب أن نذكر أمهية كون التوعية السياسية هي الطريق الواجب سلوكه مع اخليار الدميقراطي‬
‫جملاهبة عدوى الفساد(‪.)2‬‬
‫الفرع الثاين‪-:‬حتسني الدخول واالمتيازات وبرامج إعادة التأهيل‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر ‪/‬د‪ .‬بطرس غايل ود‪.‬خريي عيسى ‪/‬املدخل َف علم السياسة‪ /‬القاهرة‪ /‬مكتبة األنلو‬
‫مصرية‪ /1974 /‬ص ص ‪.341-340‬‬
‫وكذلك د‪ .‬أمحد فارس‪/‬الدميقراطية ومكافحة الفساد‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.347‬‬
‫(‪- )2‬انظر د‪.‬أمحد رفعت خفاجي ‪/‬جرائم الرشوة‪ /‬القاهرة‪ /‬دار قباء للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ /1999/‬ص ‪.565‬‬

‫(‪)251/1‬‬

‫ّما ال شك فيه أن الدخول (الرواتب) تشكل عصب حياة املوظف العام‪.‬‬


‫فكلما كانت الكفاية َف الدخول متوافرة كان أداة املوظف أكفأ وأدق‪ .‬وبوفرهتا حتقق مستوى يكفي‬
‫لضمان حياة كرمية لذلك املوظف وملن يعيلهم أيضاً‪ .‬على أن ارتفاع تكاليف املعيشة ابلقياس إَل‬
‫رواتب املوظفني يقود إَل نشوء الفساد هبدف زايدة تلك الدخول لتحقيق مستوى معاشي معتدل‪،‬‬
‫وغالباً ما يكون العامل األساس لفساد املوظف العام‪ ،‬ووقوعه ضحية َف براثن هذا الوابء‪ ،‬هو حاجته‬
‫املاسة للنقود وفاقة حاله‪ ،‬فهو دافعه َف أغلب األحيان إَل ارتكاب العمل الفاسد‪ ،‬رغبة َف إشباع‬
‫حاجاته اليت ال يقدر على أدائها بسبب ارتفاع تكاليف املعيشة وغالء األسعار نظراً لضعف القوة‬
‫الشرائية ملدخوله‪ ،‬الذي ال يكفي لسد هذه احلاجات‪ .‬هكذا هي البداية دائماً اليت تقود إَل اإلثراء‬
‫الفاحش فيما بعد نتيجة استمرارية ضعف الدخول واجتاه املوظف إَل اآلليات الفاسدة اليت جتعله َف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هناية املطاف ال يعري ابالً إَل قيمة املدخول الرمسي نتيجة لتعويضه أبموال الفساد‪ ..‬وهكذا تصبح‬
‫الوظيفة العامة مصدراً الكتساب األموال‪ ،‬وليس ثقة عامة توكل إَل هذا املوظف‪ ،‬حيافظ عليها‬
‫ويدميها(‪.)1‬‬
‫لذلك ترى بعض الدراسات املتخصصة َف هذا الشأن‪ ،‬أن زايدة مدخول املوظف العام (أي زايدة‬
‫راتبه) حبيث تكفي لضمان حياة كرمية له وملن يعيلهم تقضي َف إطار عملية شاملة لتحسني توزيع‬
‫الدخل َف اجملتمع إَل مكافحة الفساد وهذا رأي سليم َف شكله النظري(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬انظر ‪/‬أ‪ .‬أمحد السيد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول النامية ‪/‬م س ذ‪ /‬ص ‪.193‬‬
‫وكذلك ‪/‬د‪ .‬أمحد رفعت خفاجي‪ /‬جرائم الرشوة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.560‬‬
‫(‪- )2‬انظر ‪/‬أ‪ .‬أمحد السيد النجار‪ /‬م ن‪ /‬ص ‪.193‬‬

‫(‪)252/1‬‬

‫إال أن حقيقة التطبيق تكشف أن زايدة املدخول تؤدي (خصوصاً َف دول اجلنوب اليت يكون فيها‬
‫القطاع العام ضخم احلجم) إَل أعباء إضافية على موازانت الدولة‪ ،‬اليت َف الغالب تعاين من ضعف‬
‫اإلنتاجية ومن عجوزات مستدمية‪ ،‬فضالً عن ما تسببه زايدة الدخول َف مثل هذه الظروف من الولوج‬
‫يعرفه كتاب االقتصاد أبنه ازدايد وسائل الدفع بنسبة أكرب من حاجة‬
‫َف حلقة التضخم(‪ .)1‬والذي ّ‬
‫املعامالت‪ّ .‬ما يؤدي إَل املغاالة َف إصدار النقود الورقية وابلتايل تدهور قيمتها تطبيقاً لنظرية كمية‬
‫النقود(‪.)2‬‬
‫لذلك كله ترى الدراسة أن زايدة مدخول املوظف‪ ،‬أي زايدة قيمة راتبه فقط‪ ،‬ليس ابحلل األمثل‪ .‬بل‬
‫من املفروض أن تتبع وسائل أخرى متكن املوظف العام توفري حاجاته وعيشه َف ظل مستوى يضمن‬
‫له احلياة الكرمية‪ .‬وهلذا وكأساس وقاعدة لالنطالق َف بيان هذه الوسائل سوف نشري أوالً إَل املعاجلة‬
‫اليت جاء هبا التشريع اإلسالمي احلنيف وسياسة الرسول األعظم (حممد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪) -‬‬
‫وخلفائه الراشدين املهديني (رضوان هللا عليهم مجيعاً)‪ .‬حيث كانت تلك السياسة احلنيفة تراعي َف‬
‫تقدير أجر العامل واألعباء العائلية له وصعوبة العمل وطبيعة مستوى غالء املعيشة َف املناطق‬
‫املختلفة من الدولة اإلسالمية آنذاك‪ ،‬وكانت حكمة من‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ وما ينطق عن اهلوى*إن هو إال وحي يوحى* علمه شديد القوى } (‪)3‬‬
‫صدق هللا العظيم‬
‫درساً بليغاً َف واحدة من مفردات اإلصالح اإلسالمي للدنيا وما فيها حيث يقول ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪َ -‬ف عالج هذه احلالة‪:‬‬
‫[من ُويل لنا عمالً وليس له منزل فليتخذ منزالً‪ ،‬أو ليس له زوجة فليتزوج‪ ،‬أو ليس له دابةَ فليتخذ‬
‫دابة]‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪- )1‬د‪.‬دريد درغام ‪/‬اآلاثر السلبية لظاهرة الفساد اإلداري‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.57‬‬
‫(‪- )2‬د‪.‬أمحد رفعت خفاجي ‪/‬جرائم الرشوة‪ /‬ص ‪.561‬‬
‫(‪- )3‬القرآن الكرمي ‪/‬سورة النجم‪ /‬اآلايت ‪.5-4-3‬‬

‫(‪)253/1‬‬

‫ضاء املستمد من الوهج اخلالد للمنهج اإلصالحي لإلسالم‪.‬‬


‫إن هذا القنديل الو ّ‬
‫يقودان للقول‪:‬‬
‫"إن على الدولة اليت تكافح الفساد أو تتبع أساليب للوقاية منه النظر َف قيمة مدخوالت موظفها‬
‫العام املتدنية‪ ،‬اليت ميكن أن تنهض هبا دون زايدة َف راتبه ولكن بوسائل أخرى هي‪:‬‬
‫‪ -‬توفري اإلسكان املناسب الذي يضمن مستقبله ويؤوي عائلته‪.‬‬
‫‪ -‬توفري وسيلة النقل له السهلة وامليسرة‪.‬‬
‫‪ -‬ضمان عالجه وأفراد أسرته على أيدي املهرة من األطباء بشكل يوازي ما ميكن أن ينفقه أصحاب‬
‫الثروات وأصحاب بيوت األعمال اخلاصة على أنفسهم‪.‬‬
‫‪ -‬توفري السلع الكمالية وضرورايت احلياة بشكل مدعوم واستخدام آلية التقسيط املريح َف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬دعمه َف كل فرصة ابالمتيازات واملكافآت والقروض الطويلة األجل بدون فوائد‪.‬‬
‫‪ -‬ضمان تطويره الفكري ابلتدريب واالحتكاك مع اخلربات داخل بلده وخارجه‪.‬‬
‫‪ -‬موضوعية االختيار َف تويل املناصب وترقية املوظفني بشكل عادل‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعامل مجيع املوظفني بشكل متوازن من حيث الرواتب واألجور واالمتيازات واحلوافز وأن‬
‫تكون حالة التوازن هذه بني الرئيس واملرؤوس بشكل أساس (على املستوى الرأسي) فمن غري‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫املرغوب فيه أن ختتلف املدخوالت بني هؤالء بشكل يعزز الطبقية‪ ،‬حيث إذا كان الرئيس اإلداري‬
‫مكتفياً من حيث الدخل والسكن والنقل والصحة‪ ،‬والتدريب واالحتكاك‪ ،‬وتوفري متطلباته بشكل‬
‫ميسر‪ ،‬وكان املرؤوس يعاين من كل تلك املشاكل فستجد حالة من اإلحباط جتعل ذلك املرؤوس‬
‫يسري َف طريق الفساد خللق حالة من التوازن بينه وبني ذلك الرئيس اإلداري على األقل‪ .‬وَف االجتاه‬
‫نفسه جيب أن يراعى ما أشران إليه أيضاً (على املستوى األفقي) حبيث تتوازن مدخوالت املوظفني من‬
‫محلة الشهادة نفسها واالختصاص ذاته َف دوائر الدولة املختلفة من دون متييز ّما خيلق حالة من‬
‫اإلرابك هتيئ تربة خصبة لنمو الفساد‪.‬‬

‫(‪)254/1‬‬

‫‪ -‬نشر ميثاق لألخالق الوظيفية لتعزيز ارتباط املوظف هبا والعمل على إجياد نوع من التدوير‬
‫الوظيفي (‪ )Job Rotation‬حبيث ال يستمر املوظف َف املنصب نفسه ملدة طويلة ّما خيلق حالة‬
‫من األمل لتويل املنصب من قبل ابقي املوظفني‪ ،‬ومينع من توَل املنصب من الفساد(‪.)1‬‬
‫إن حتسني الدخل وخلق وسائل داعمة له سوف يبعث على حتقيق نتائج َف حقل نزاهة املوظف وأدائه‬
‫لعمله بكفاية‪ ،‬على أن ذلك يتعزز بربامج أتهيل تشرتك فيها األطراف الدينية َف اجملتمع والنقاابت‬
‫املهنية ومنظمات حقوق اإلنسان ابإلضافة إَل الدعم احلكومي لذلك إلشعار املوظف العام بقيمته‬
‫ظ على كرامته‬
‫وإمكانية إيصال صوته لكي تتعمق الثقة لديه‪ ،‬ويبدأ زرعٌ جدي ٌد صاحلٌ َف اجملتمع حماف ٌ‬
‫االجتماعية‪ ،‬وكرامة بلده‪ ،‬ومراعاة النزاهة واألمانة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬احلد من البريوقراطية‬
‫عرفت البريوقراطية على أهنا نظام املركزية َف األعمال الرمسية (وهو يقر التدرج الطويل َف املسؤولية‬
‫وتسلسل الدوائر وتعددها َف املصلحة الواحدة وارتباطها برئيس واحد)(‪.)2‬‬
‫الذي ابحملصلة يؤدي إَل متكني املوظف من استغالل سلطة وظيفته إذا ما انعدمت نزاهته‪ ،‬وابلتايل‬
‫سوف يسمح ذلك للجهاز البريوقراطي مبمارسة وظيفة النهب والفساد بدالً من السري خبدمة‬
‫املواطن(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك ‪/‬د‪ .‬عطية حسني أفندي‪ /‬املمارسات غري األخالقية َف اإلدارة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.67‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )2‬حارث سليمان الفاروقي‪ /‬املعجم القانوين‪ /‬بريوت‪ /‬مكتبة لبنان‪ /1982 /‬ص ‪.97‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪/‬د‪ .‬أمحد رفعت جفاجي‪ /‬جرائم الرشوة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.563‬‬

‫(‪)255/1‬‬

‫ولذلك فإن اجلهود املبذولة الستئصال الفساد تؤكد على التخفيف واحلد من اإلجراءات البريوقراطية‬
‫ألقصى حد ّمكن خصوصاً َف منح تراخيص العمل‪ ،‬والواثئق‪ ،‬وجباية الضرائب وجعل اإلجراءات‬
‫اإلدارية معلنة وواضحة وسهلة‪ ،‬هذا ابإلضافة إَل احلد من صالحيات موظفي الدولة اليت تسمح‬
‫ابملنح واملنع لصاحل أمهية استيفاء شروط منح تلك الرتاخيص والواثئق على أن تكون شروطاً ميسرة‬
‫ومبسطة إَل أقصى حد ّمكن(‪ .)1‬فضالً عن أن إصالح اجلهاز اإلداري للدولة وحتقيق االنضباط َف‬
‫اجلهاز احلكومي‪ ،‬والقضاء على الروتني َف املصاحل احلكومية اليت هلا صلة مباشرة ابجلماهري واالهتمام‬
‫بفحص شكاواهم وبتيسري حصوهلم على مطالبهم املشروعة َف أوقات حمددة ومعلنة َف كل مصلحة‬
‫سوف حيقق الطريق املعبد للنجاة من الفساد(‪.)2‬‬
‫الفرع الرابع‪ -:‬رقابة اخلوصصة واختالط املال العام ابخلاص‬
‫على اجلهات اليت تبغي مكافحة الفساد وضع ضوابط رقابية صارمة على آليات اخلوصصة اليت‬
‫تشكل واحداً من املداخل الرئيسة للفساد‪ ،‬خصوصاً َف البلدان املتحولة من االقتصاد املوجه إَل‬
‫اقتصاد السوق (حالة روسيا مثالً)(‪.)3‬‬
‫كما جيب وضع القواعد والضوابط الالزمة ملنع (التداخل) بني الوظيفة العامة وّمارسة النشاط‬
‫التجاري واملايل (ابألصالة أو الوكالة) ملنع اختالط املال العام واملال اخلاص وهذا يقتضي إعادة النظر‬
‫َف اللوائح املالية واإلدارية‪ ،‬وتشديد القيود والضوابط‪ ،‬والقضاء التدرجيي على مفهوم (الدولة‪-‬‬
‫املزرعة)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر ‪/‬أ‪ .‬أمحد السيد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.193‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪/‬د‪ .‬أمحد رفعت جفاجي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.564‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪/‬أ‪ .‬أمحد السيد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.194‬‬
‫‪ ...‬وكذلك راجع الفصل الثالث من حبثنا هذا‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )4‬راجع ‪/‬أ‪ .‬د‪ .‬حممود عبد الفضيل‪ /‬اقتصادايت الفساد ‪ /2/‬حماور حصار الظاهرة والقضاء على‬
‫تداعياهتا السلبية‪ /‬صحيفة السفري ‪ /2000/3/30‬م س ذ‪.‬‬

‫(‪)256/1‬‬

‫الفرع اخلامس‪ -:‬النظام الضرييب والعمل اجلمركي‬


‫لقد أصبح من الواضح بعد كل ما تطرقنا إليه ضرورة تطوير النظام الضرييب وجعله يتسم ابلشفافية‬
‫وحتديد األعباء الضريبية مبستوايت مقبولة تتناسب مع املقدرة التكليفية للممولني لتقليل أسباب‬
‫التهرب الضرييب‪ ،‬وينبغي َف العمل الضرييب إشراك أكثر من جهة إلجراء أعمال التخمني‪ ،‬كما أن‬
‫الدراسة ترى أن استخدام الوسائل املتاحة َف الوقت احلاضر وتفعيل الركون إَل برامج احلاسوب‬
‫املتطورة واملعدة وفق النسب والتعليمات واإلعفاءات املنصوص عليها قانوانً‪ ،‬متنع موظف الضريبة‬
‫من السري َف اجتاه الفساد بشكل أوسع‪ ،‬وتفوت الفرصة على من جتب عليه الضريبة َف التهرب‪.‬‬
‫كذلك فإن العمل الكمركي يتطلب إشراك الكثري من االختصاصيني ومراكز الفحص والبحوث فيه‬
‫لتعزيز آلية عمله‪.‬‬
‫على أن ذروة سنام األمر َف كلتا احلالتني‪ ،‬الضريبية والكمارك‪ ،‬هو اختيار األشخاص املشهود هلم‬
‫ابلنزاهة والكفاية ليتبوؤوا املراكز القيادية اإلدارية َف تلك اجلهات على أن تشرتك الكثري من اجلهات‬
‫الرمسية واملنظمات الفاعلة َف أعمال الرقابة تعزيزاً لشفافية العمل(‪.)1‬‬
‫النوع السادس‪- :‬الرقابة املالية‬
‫إن تعزيز الدور الرقايب للبنوك املركزية ومنحه استقاللية عالية وسلطات ملساءلة مسؤويل إدارات‬
‫البنوك وللعمالء حىت لو كانوا من ذوي النفوذ السياسي أو االقتصادي يساهم َف اجتثاث‬
‫الفساد(‪.)2‬‬
‫كما أن العمل على حتقيق شفافية املالية العامة يعطي جرعة جيدة من مضادات الفساد‪.‬‬
‫حيث يتحقق العمل من خالل التأكيد على وضوح األدوار واملسؤوليات وذلك ابلتمييز بوضوح بني‬
‫القطاع احلكومي وابقي قطاعات االقتصاد بوضوح‪ ،‬وحتديد األدوار السياسية واإلدارية بدقة داخل‬
‫احلكومة‪.‬‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )1‬انظر َف ذلك ‪/‬أ‪ .‬أمحد السيد النجار‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.194‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه ص ‪.194‬‬

‫(‪)257/1‬‬

‫فضالً عن العمل على إخضاع إدارة املالية العامة لقوانني وقواعد إدارية شاملة تنطبق على أنشطة‬
‫امليزانية واألنشطة اخلارجة عن امليزانية‪ ،‬وجيب أن يكون أي التزام أو إنفاق ألموال حكومية مرتكزاً‬
‫على صالحية قانونية‪ ،‬مع التقيد الكامل إبَتحة املعلومات الكاملة للجمهور عن النشاط احلكومي َف‬
‫املالية العامة (ماضياً وحاضراً‪ ،‬ومستقبالً)‪ ،‬متزامناً مع وجوب كون تقديرات امليزانية مصنفة ومعروضة‬
‫بشكل يسهل حتليل السياسة العامة ويشجع املساءلة (‪ ،)Accountability‬وكذلك اإلعالن‬
‫عن األهداف احملدودة للربامج الرئيسة َف امليزانية ومقارنة نتائج الربامج احلكومية معها ونشر تقارير‬
‫عنها إلحاطة اجلمهور علماً‪ .‬على أن ختضع كل تلك اإلجراءات لتأكيدات مستقلة عن صحة‬
‫معلومات املالية العامة تقوم هبا هيئات تدقيق عامة مستقلة‪ .‬حيث ينبغي على السلطة التشريعية‬
‫تسمية مراجعني للحساابت احلكومية مسؤوليتهم تقدمي تقارير تتسم ابلتحديث املستمر للمعلومات‬
‫تبني صحة احلساابت احلكومية من الناحية املالية أو أي حتفظات لدى املراجع على تلك احلساابت‬
‫(مثال ذلك ما تقوم به جلنة احلساابت العامة َف اململكة املتحدة حيث تبلغ نتائجها الربملان ووزارة‬
‫اخلزانة اليت يتعني على األخرية أن تقوم الحقاً بتقدمي تقرير إجابة عن اإلجراءات اليت مت اختاذها أو مل‬
‫يتم اختاذها بشأن النتائج الواردة َف تقرير جلنة احلساابت العامة(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ملزيد من التفصيل‪ ،‬انظر ذلك ‪/‬صندوق النقد الدويل‪ /‬مشروع دليل شفافية املالية العامة‪ /‬ت‪/1‬‬
‫‪ /1998‬ص ص ‪.85-78‬‬

‫(‪)258/1‬‬

‫إن مسؤولية مراجعي احلساابت تتحدد َف عنصر مهم هو انتظام عملية التدقيق وهو ما يشمل‬
‫(أتكيد املساءلة املالية ملختلف املصاحل احلكومية‪ ،‬والتعبري عن الرأي بشأن البياانت املالية‪ ،‬والتأكيد‬
‫على املساءلة املالية للحكومة ككل‪ ،‬والتدقيق َف األنظمة واملعامالت املالية وَف مهام املراقبة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الداخلية ومراجعة احلساابت مبا َف ذلك تقييم التقييد ابألنظمة والقوانني)‪ .‬وهذا مؤداه أن عملية‬
‫التدقيق تعين النظر َف كيفية حتقيق اهليئات احلكومية ألهدافها املعلنة من حيث االقتصاد والفعالية‬
‫والكفاية اليت إذا ما انتظمت جتعل الفساد َف درجاته الدنيا(‪.)1‬‬
‫الفرع السابع‪-:‬رقابة البورصات وأسواق األوراق املالية‬
‫إن مكافحة الفساد َف أسواق األوراق املالية والبورصات تتطلب على حد تعبري أحد الباحثني تطوير‬
‫الضوابط املانعة للفساد َف البورصات عرب استكمال مؤسساهتا وإعالء مبدأ الشفافية والعلم املتزامن‬
‫بظروف السوق لكل املوجودين فيها‪ ،‬وتغليظ العقوابت على عمليات الفساد َف البورصة بصورة‬
‫تشكل رادعاً لكل من تسول له نفسه التالعب واإلثراء غري املشروع على حساب صغار ومتوسطي‬
‫املستثمرين َف البورصة(‪.)2‬‬
‫الفرع الثامن‪-:‬حماربة اجلرمية املنظمة وغسيل األموال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪ /‬ص‪.73‬‬
‫(‪ )2‬أ‪ .‬أمحد السيد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.194‬‬

‫(‪)259/1‬‬

‫من املالحظ أن الكثري َف بلدان الشمال واجلنوب ظهرت فيها فضائح اجلرمية املنظمة وغسيل‬
‫األموال حىت هناية عقد التسعينيات‪ ،‬ولقد أظهر اهنيار (بنك االعتماد والتجارة) الذي يقع مقره َف‬
‫عقر عاصمة الضباب (لندن) وحتت نظر وإشراف (بنك إنكلرتا) (والبنك املركزي الربيطاين)‪ ،‬الدور‬
‫الذي كان يلعبه َف ُمال غسيل األموال من خالل الشركات التابعة له َف الدول األوربية ّما يدل على‬
‫أن الظاهرة موجودة حىت َف الدول املتقدمة وبشكل ملفت للنظر(‪ .)1‬فضالً عن ما هو موجود َف‬
‫دول اجلنوب ومثال ذلك ما أسلفنا ذكره عن جزر سيشل واملؤسسات املالية َف لبنان(‪.)2‬‬
‫ّما دعا إَل تشريع قوانني جترم هذه الظاهرة وحتد منها‪( ،‬منها ما أصدرته) َف دول اجلنوب سلطنة‬
‫عمان‪ ،‬واجلمهورية اللبنانية (على سبيل املثال) ملا هلا من آاثر سلبية‪.‬‬
‫إن جترمي غسيل األموال ال يهدف فقط إَل محاية النظام االقتصادي الوطين فحسب وإمنا يهدف‬
‫كذلك إَل حماربة كافة أشكال اجلرمية املنظمة سواء أكانت (جرائم فساد‪ ،‬هتريب خمدرات‪ ،‬أم التجارة‬
‫ابلرقيق األبيض‪ ...‬اخل) من خالل عدم متكني مرتكبيها من احلصول على مآرهبم بطرق غري مشروعة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فاجلهود الرامية إَل كبح مجاح غسيل األموال تساعد على احلد من الفساد (ابعتبار أن مرتكيب جرائم‬
‫الفساد وأعضاء اجلرمية املنظمة الذين حيصلون على املال غري املشروع يبحثون عن قنوات مالية آمنة‬
‫إلخفاء املصدر األساس لذلك املال)‪.‬‬
‫وابلتايل تؤدي إَل خلق بيئة نظيفة ومصارف خالية من األموال القذرة‪ .‬إال أن تلك اجلهود ال تتطلب‬
‫تشريعاً قانونياً داخلياً فحسب بل تقضي احلالة أن يكون هناك تنسيق َف اجلهود بني الدول إقليمياً‬
‫ودولياً للحد من هذه اجلرائم اخلطرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نزيرة األفندي‪ /‬الفساد واإلفساد ظاهرة عاملية‪ُ /‬ملة األهرام االقتصادي‪ /‬العدد‪َ /1600 /‬ف‬
‫‪ /6‬سبتمرب‪.1999 /‬‬
‫(‪ )2‬راجع الفصل الثاين من حبثنا هذا لطفاً‪.‬‬

‫(‪)260/1‬‬

‫خصوصاً أن بروزها جاء متزامناً أو ابألحرى جاء كأحد عوارض ظاهرة (العوملة)‬
‫(‪ )Globliazation‬من خالل خصيصتني هلذه الظاهرة مها‪-:‬‬
‫‪-‬احلصول على الربح‪.‬‬
‫‪-‬كسر احلواجز بني الدول‬
‫اليت تلتقي مع أهداف اجلرمية املنظمة بشكل منطبق متام االنطباق ّما جعل اجلرمية املنظمة أحد‬
‫املظاهر السلبية هلذه الظاهرة تقتضي حشداً وطنياً وإقليمياً ودولياً ملكافحتها واحلد منها ابعتبارها‬
‫شكالً من أشكال الفساد توجب احلالة اجتثاثه من جذوره(‪.)1‬‬
‫الفرع التاسع‪ -:‬ميثاق سلوك الشركات‬
‫إن العمل على وضع قائمة سوداء ابلشركات الدولية النشاط (متعددة اجلنسية)‪ ،‬والشركات حملية‬
‫النشاط‪ ،‬اليت يتم ضبطها ابستخدام آليات الفساد َف أعماهلا ملنع قيامها مبزاولة نشاطها والدخول َف‬
‫تعاقدات لألعمال أو مناقصات أو مزايدات‪ ،‬سوق يقلص أو ينهي أحد املداخل املهمة للفساد َف‬
‫أحد أشكاله املدمرة اليت تؤدي إَل إضعاف االقتصاد الوطين‪ .‬إذ يؤدي ذلك ابلتأكيد إَل اخلسارة‬
‫املعنوية لتلك الشركات نتيجة للسلوك الفاسد (ّما جيعل الشركات النزيهة تشق طريقها بصعوبة‬
‫ابحلصول على العقود أو القيام أبعماهلا بشكل أمني)‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ّما يعيق فرص حصوهلا على العقود َف البلد الذي درجها ابلقائمة أو البلدان األخرى‪ .‬وابلتايل ختلق‬
‫آلية التهديد مبثل هذه الوسائل إمكانية الوصول إَل ميثاق للسلوك احلسن للشركات تتفق عليه منذ‬
‫البدء َف تنفيذ أعماهلا وتتضمنه صفحات العقد‪ ،‬حىت إذا ما أخلت به تلك الشركات فسوف يرتب‬
‫عليها اجلزاءات القانونية ابإلضافة إَل السمعة غري الطيبة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر د‪ .‬فتحي سرور‪ /‬العوملة والفساد واجلرمية املنظمة‪ُ /‬ملة األهرام االقتصادي‪ /‬العدد‬
‫‪ 6 /1600‬سبتمرب ‪.1999‬‬

‫(‪)261/1‬‬

‫إن عمالً كهذا جيعل األمور تسري َف أعنتها وينهي االتفاقات الفاسدة خلف الكواليس للفوز ابلعقود‬
‫أو الستمراريتها بشكل قاطع ّما يضيق اخلناق على الفساد وجيعل استئصاله َف متناول اليد(‪.)1‬‬
‫الفرع العاشر‪-:‬مجع املعلومة وأساليب الفضح‬
‫للقضاء على الفساد‪ ،‬وقتل جذوره بشكل َتم‪ ،‬استخدمت العديد من اجلهات العامة ملناهضة الفساد‬
‫أساليب صممت على أهنا تدابري مضادة كجمع املعلومة ومن ُث إطالقها لزعزعة كرسي الفساد‪ ،‬أو‬
‫العمل على دفع الفاسدين حلالة عدم الثقة فيما بينهم‪.‬‬
‫هلذا أثبتت التجارب َف كل من إيطاليا ومدينة نيويورك َف الوالايت املتحدة األمريكية أن لزرع كامرات‬
‫املراقبة‪ ،‬واستخدام الالقطات الصوتية الال سلكية‪ ،‬ابإلضافة إَل إغراء أفراد مهمني داخل التنظيمات‬
‫الفاسدة ليكونوا مصادر للمعلومات هلا أتثري حاسم َف مجع املعلومة عن األنشطة الفاسدة‪ ،‬اليت‬
‫يكفي استخدامها (أي املعلومة) َف حوارات عامة مع أقطاب الفساد خللق حالة من التوتر لديهم‬
‫جتعلهم ينهارون إذا ما قدمت بوصفها واثئق دامغة على أنشطتهم الالشرعية‪.‬‬
‫إن استخدام الوكالء السريني واملتسللني واملرتدين ابإلضافة إَل استخدام أسلوب (احليل القذرة) اليت‬
‫جتعل من عملها أسلوابً يغذي ويستفيد من أسلوب مجع املعلومات خللق حالة من الشعور ابإلحباط‬
‫وعدم الثقة بني أفراد شبكات الفساد (َف حالة الصفقات الكربى أي شكل الفساد الكبري) عن‬
‫طريق إطالق اإلشاعات غري احلقيقية أبن أحد أعضاء الشبكة ارتد عليها‪ ،‬أو إذكاء العداء بني‬
‫التجمعات املختلفة َف تلك الشبكات‪ ،‬خيلق حالة مهيئة الهنيار تلك األشكال الفاسدة ولكشف‬
‫أوراقها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر َف ذلك‪- :‬السيد أمحد النجار‪ /‬الفساد ومكافحته َف الدول العربية‪ /‬م س ذ ص ‪.194‬‬
‫‪ ...‬وكذلك روبرت كلتجارد ‪/‬استئصال شأفة الفساد‪ُ /‬ملة التمويل والتنمية‪ /‬اجمللد ‪ /37‬العدد ‪/2‬‬
‫حزيران ‪/2000‬ص‪.2‬‬

‫(‪)262/1‬‬

‫يضاف إَل ذلك كله أن استخدام األساليب التقنية احلديثة كعرض بعض املعلومات اليت مجعت على‬
‫شبكة اإلنرتنت‪ ،‬أو القيام ابلتعاون مع دولة ُماورة أو صديقة ببثها‪ ،‬على أهنا تقارير إخبارية‪ ،‬فضائياً‪،‬‬
‫أو إنشاء مواقع على الشبكة املذكورة تظهر كيفية مكافحة جرائم الفساد سوف تعزز من اإلجراءات‬
‫ملكافحة هذه الظاهرة‪ّ ،‬ما جيعل استخدامها أتثري عامل الصورة واملؤثرات والبث املعلن‪ ،‬عامالً قوايً‬
‫على بعض األشخاص الذين يشرتكون َف أعمال الفساد من املمكن أن ينهاروا ابالستفادة من نقاط‬
‫الضعف َف شخصيتهم واخلوف من الفضيحة َف الكشف عن كل حبائل الفساد والقضاء عليه(‪.)1‬‬
‫(((‬

‫الفصل الثاين‬
‫سبل املواجهة على الصعيد اخلارجي‬
‫‪-1‬تنسيق اجلهود بني اجلنوب –اجلنوب لكبح الفساد‬
‫َف عامل اليوم ومستجداته‪ ،‬من اإلنصاف القول أبن اجملتمع املثايل الفاضل الشديد النظافة املتميز‬
‫بوجود الشروط السياسية الثالثة (املساءلة)‪( ،‬الشفافية)‪( /‬حسن احلكم)‪ ،‬بشكل كامل‪ ،‬ليس له‬
‫وجود إال َف أفكار الفالسفة املنادين ابملدن الفاضلة فحسب‪ .‬خاصة وأن الفساد أصبح ظاهرة‬
‫عاملية تعرفها كل اجملتمعات على حد سواء َف عامل الشمال وعامل اجلنوب‪ ،‬إال أن آاثره َف هذا األخري‬
‫كانت أشد وطأة على ُمتمعات فقريه ابئسة تسعى حنو التنمية من دون طائل بسبب هذه اآلاثر‬
‫املقيتة‪ .‬اليت أسهمت َف تعظيمها طروحات فتح احلدود‪ ،‬وانتقال رؤوس األموال‪ ،‬وازدايد نشاط‬
‫املؤسسات والشركات عابرة القومية اليت تتمركز أكثر إداراهتا َف دول الشمال‪ ،‬وكذلك األثر السليب‬
‫جلماعات اجلرمية املنظمة‪.‬‬
‫__________‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )1‬انظر َف ذلك ‪/‬روبرت كليتجارد‪ /‬استئصال شأفة الفساد‪ُ /‬ملة التمويل والتنمية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‬
‫‪.2‬‬

‫(‪)263/1‬‬

‫هلذا نسلط الضوء هنا على أمهية التعاون بني (اجلنوب‪ -‬اجلنوب) َف مكافحة الفساد ألن الدراسة‬
‫ترى من خالل ما توضح لديها من رؤية عن هذه الظاهرة‪ .‬أن السبيل األمثل الستئصال الفساد َف‬
‫دول اجلنوب هو ابلتعاون البيين لتلك الدول‪ ،‬بدالً من االعتماد على الوصفات والرؤى اخلارجية اليت‬
‫يكمن َف ظاهرها اإلحاطة ابلفساد وَف ابطنها التشجيع على استمراره تنفيذاً ملصاحلها (مع األخذ‬
‫بنظر االعتبار اآلراء اخلارجية والعاملية البناءة اليت من املمكن االستفادة منها بشكل واسع َف هذا‬
‫اجملال)‪.‬‬
‫وإلعطاء شكل التعاون هذا كل مدى طيفه سنعرض لنماذج منه لتكون دليالً يتم االستناد إليه َف‬
‫حتقيق أفق أوسع وأكثر متانة للحد من الفساد َف ّمارسات دول عامل اجلنوب‪.‬‬
‫هلذا سنبدأ أوالً ابجلهود العربية أمنوذجاً الستئصال الفساد بتعاون إقليمي‪ُ ،‬ث ننتقل بعده إَل جهود‬
‫دول اجلنوب‪ -‬اجلنوب األخرى َف هذا اجملال‪.‬‬
‫إن أمنوذجنا العريب يرتكز َف اجلهود املبذولة َف إطار اجلامعة العربية‪ /‬وحتديداً َف (ُملس وزراء الداخلية‬
‫العرب) لنرى أن هذا اجمللس سعى منذ أكثر من ثالثني عاماً إَل مكافحة هذه الظاهرة اليت تشكل َف‬
‫وجودها خطراً على اجملتمعات ككل‪.‬‬
‫فنراه َف جهده هذا حيث منذ سبعينيات القرن املنصرم الدول العربية "على إنشاء جهاز حملي للشرطة‬
‫َف كل بلد تكون مسؤوليته جتاه القانون فقط‪ ،‬وأن يبتعد عن أتثري كل أنواع اجلماعات أبي شكل من‬
‫األشكال"(‪.)1‬‬
‫وذلك لتحصني أهم جهاز يقي من ظاهرة الفساد الوقوع َف حبائل الظاهرة نفسها‪ ،‬تقديراً من اجمللس‬
‫ملدى عظم املصاب إذا ما استشرى َف جهاز الشرطة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬راجع َف ذلك ‪/‬جامعة الدول العربية‪ ،‬اجمللة العربية للدفاع االجتماعي‪ ،‬العدد‪ ،1977 ،6 /‬ص‬
‫‪.117‬‬

‫(‪)264/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يضاف إَل ذلك اجلهد ما يقوم اجمللس به من جهد مضاف َف إطار مشكالت الفساد اليت تفاقمت‬
‫َف عامل اليوم وكثرت صورها‪ ،‬وكان سابقاً َف التنبه هلا‪ ،‬حيث نالحظ اهتمام اجمللس بدراسة واقع‬
‫احلال جتاه جرائم غسيل العملة أو اجلرمية املنظمة‪ ،‬ومكافحة املخدرات اليت يكون الفساد هو العامل‬
‫األول َف إاثرهتا (بسبب كوهنا عوامل متفرعة منه)‪ .‬لذلك ركز اجمللس َف دورات انعقاده للسنوات‬
‫األخرية على أمهية تعزيز التعاون بني األقطار العربية‪ ،‬لتحصينها ضد هذه األوبئة اجلديدة للمحافظة‬
‫على نظمها القانونية واملالية سليمة من اخلرق‪ ،‬لقد جاء ذلك اجلهد بشكل مثمر ملا برز َف اآلونة‬
‫األخرية من إصدار قوانني َف دول الوطن العريب ملكافحة هذه اجلرائم املضرة ابجملتمعات(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫وابنتقال من شكل التعاون (للجنوب‪ -‬اجلنوب) َف اإلطار العريب إَل كيفية األخذ به على الصعيد‬
‫األفريقي تتناول األمنوذجات اآلتية (اليت مت أخذها بنظر االعتبار كجهود تشكل لبناء األساس لبناء‬
‫جهود أوسع َف ُمال احلد من الفساد َف تقرير اهليئة الدولية ملراقبة املخدرات (‪ )I N C B‬لعام‬
‫‪.)2()1999‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مزيد من التفصيل انظر‪ /‬عبد هللا إمام‪ /‬الفساد ظاهرة قومية‪ /‬عمان‪ /‬صحيفة الرأي‪ /‬العدد‬
‫‪.1999-10-21 /10634‬‬
‫‪ ...‬كذلك‪ :‬األمم املتحدة‪ /‬تقرير اهليئة الدولية ملراقبة املخدرات (‪ )I N C B‬لعام ‪1999‬‬
‫‪/‬النمسا‪ /‬منشورات األمم املتحدة‪/2000 /‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )2‬جتدر اإلشارة إَل أن اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة األجتار غري املشروع ابملخدرات وتكوين‬
‫ثروات فاسدة الصادرة عام ‪ 1988‬كانت من أوَل االتفاقات اليت أاثرت االهتمام العاملي بظاهرة‬
‫الفساد وعواملها املتفرعة وخصوصاً غسيل العملة‪ /‬انظر األمم املتحدة‪ /‬تقرير (‪ )I N C B‬لعام‬
‫‪ /1999‬م س ذ‪.‬‬

‫(‪)265/1‬‬

‫حيث نرى أن التحركات التعاونية للحد من الفساد أخذت ابالهتمام على صعيد منظمة الوحدة‬
‫األفريقية (االحتاد األفريقي ‪ ،)UAO‬وكذلك اجلماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا (األكواس‬
‫‪ )ECOWAS‬وبشكل يتضمن التعاون مع هيئة (‪ )INCB‬املذكورة ملكافحة غسيل العملة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫واجلرمية املنظمة واالجتار ابملخدرات والذي أييت َف إطاره أيضاً شكل من التعاون األفقي ملكافحة‬
‫اجلرائم املذكورة املتفرعة عن الفساد وكما هو احلال بني الرأس األخضر والسنغال ضمن االتفاق‬
‫املوقع بينهما بتاريخ ‪ 1999/12/9‬وكذلك اجلهود الناجيريية مع جنوب إفريقيا َف املوضوع ذاته‪،‬‬
‫على أنه وبشكل التعاون نفسه مع جلنة (‪ ،)INCB‬نرى َف اجلهة األخرى من احمليط شكالً مكثفاً‬
‫من اجلهود للحد من اجلرائم املذكورة َف دول (أمريكا الوسطى وحوض الكارييب ودول املريكوسور)‬
‫اليت تعاين من الظواهر الفاسدة املشار إليها بشكل صارخ وذلك الحتواء إقليمها على مركزين‬
‫رئيسني ملزاولة النشاطات غري املشروعة َف (جزر الباهاما وجزر كامين) اليت تعد نقاط متركز جلماعات‬
‫املخدرات واجلرمية املنظمة والتهرب من الضرائب وغسيل العملة‪ ،‬هلذا تضافرت جهود حكومات‬
‫هذه الدول للعمل جبهد حثيث ملكافحة هذه النشاطات ومنها ما عرف (خبطة عمل برابدوس)‬
‫الستحداث قوانني ضد العائدات الفاسدة وغسيل العملة كما أقرهتا حكومة (برابدوس‪ ،‬جامايكا‬
‫والسلفادور)‪.‬‬
‫من انحية أخرى أجرت دول السوق املشرتكة للمخروط اجلنويب للقارة األمريكية (مريكوسور‬
‫‪ )MERCOSUR‬مفاوضات هبدف تبسيط اإلجراءات الراهنة للتعاون القضائي فيما بينها‬
‫لتطويق واستئصال األعمال الفاسدة وغري القانونية(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر ‪/‬األمم املتحدة‪ /‬تقرير اهليئة الدولية لرقابة املخدرات ‪ INCB‬لعام ‪/1999‬م س ذ‪/‬ص‬
‫ص ‪.50-28‬‬

‫(‪)266/1‬‬

‫إن آليات التعاون كما هي َف الوطن العريب‪ ،‬وأفريقيا‪ ،‬ووسط وجنوب القارة األمريكية‪ ،‬مل تغفل عنها‬
‫القارة اآلسيوية اليت عانت الكثري من جرائم الفساد ومقرتابته‪ .‬فاجلهود املبذولة من قبل دول بلدان‬
‫منظمة امليكونغ وبدعم من حكومة الياابن للتعاون َف ُمال مكافحة اجلرمية املنظمة لالجتار غري‬
‫املشروع ابملخدرات‪ .‬أفضت إَل اتفاق الدول الستة(‪َ ،)1‬ف طوكيو ضمن مؤمتر آسيوي أقيم َف شهر‬
‫شباط ‪ 1999/‬على ذلك‪.‬‬
‫كذلك جيب علينا وَف إطار التعاون اآلسيوي أن نشري إَل أن منظمة التعاون االقتصادي (األيكو‬
‫‪ ،)2()ECO‬اليت تتخذ طهران مقراً هلا قامت ابجتماعها َف (كويتا) الباكستانية عام ‪ 1992‬على‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫توقيع اتفاق يتضمن من بني بنوده السري ضد التهريب‪ ،‬والسعي إلصالح مؤسسات دول املنظمة َف‬
‫وسط آسيا والقوقاز(‪ )3‬كما أهنا نظمت حلقة عمل قانونية َف آذار ‪ 1999/‬بطهران بشأن التعاون‬
‫القضائي َف قضااي املخدرات وغسيل األموال أسهمت فيها الدول األعضاء مجيعها‪ ،‬فضالً عن‬
‫عقدها حلقة ّماثلة َف تشرين الثاين‪ 1999 /‬لتدريب القضاة واملدعني العامني على الغرض‬
‫نفسه(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دول امليكونغ الستة هي‪َ( - :‬تيلند‪ ،‬مجهورية الو‪ ،‬الصني‪ ،‬فيتنام‪ ،‬كمبوداي‪ ،‬مامينهار)‪.‬‬
‫(‪ )2‬منظمة التعاون االقتصادي (‪ :)ECO‬تضم كل من ابكستان‪ ،‬إيران‪ ،‬تركيا (كدولة مؤسسة)‬
‫وانضمت إليها أفغانستان ودول وسط آسيا اإلسالمية املنفصلة عن االحتاد السوفييت املنهار فيما‬
‫بعد‪.‬‬
‫(‪ )3‬ملزيد من التفصيل عن (‪ )ECO‬انظر‪ /‬أ‪ .‬د‪ .‬هاين الياس خضر‪ /‬التعاون اإلقليمي بني وسط‬
‫وغرب آسيا‪ُ /‬ملة دراسات اسرتاتيجية ‪/‬العدد الثاين‪ /‬بغداد ‪ /2000/‬ص ‪.39‬‬
‫(‪ )4‬األمم املتحدة ‪/‬تقرير ‪ /INCB‬م س ذ‪ /‬ص ص ‪.50-28‬‬

‫(‪)267/1‬‬

‫ّما تقدم برز لدينا مجلة من التعاون (اجلنوب‪-‬اجلنوب) للحد من الفساد الذي ميثل استعراضاً سريعاً‬
‫ألمنوذجات من هذا التعاون الذي كما ترى الدراسة ميثل السري خبطى سليمة َف منحى التعاون وتقوية‬
‫الروابط بني دول اجلنوب إال أن من املالحظ كون التعاون ال يزال هشاً قضيضاً مل يرتق إَل مستوى‬
‫الطموح فيه وما زالت أغلب دول اجلنوب تفضل االنتظام َف خطط التعاون الدويل بني الشمال‬
‫واجلنوب َف إطار املنظمات الدولية وهو تعاون سليم وحسن من حيث تبادل اخلربات واإلطالع على‬
‫اإلجراءات املتخذة ملكافحة هذا الوابء‪ ،‬إال أنه ال يسلم من فرض آراء الشمال على اجلنوب ّما‬
‫يستدعي أن نكرر ضرورة تعاون (اجلنوب‪ -‬جنوب) انطالقاً من العبارة القائلة (أهل مكة أدرى‬
‫بشعاهبا)‪.‬‬
‫لقد تناولت الدراسة فيما تقدم احلديث عن التعاون َف النطاق احلكومي إال أن الدراسة تود اإلشارة‬
‫إَل ما تقوم به املؤسسات األكادميية من دور َف تعزيز تعاون (اجلنوب‪-‬اجلنوب) للحد من الفساد‬
‫ولذلك سوف نشري إَل‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أ‪ -‬جهود احلكومة الرتكية اليت تسعى لتعزيز اجلانب األكادميي للحد من الفساد انتباهاً منها ومن‬
‫منظمة (‪ )ECO‬لفائدة األكادمييني للحد من هذه الظاهرة اخلطرة‪ .‬حيث جترى اجلهود حثيثاً‬
‫إلنشاء (أكادميية دولية إلنفاذ القوانني) َف تركيا وذلك لتدريب موظفي إنفاذ القوانني واملدعني العامني‬
‫وغريهم َف جهاز القضاء (من مواطين الدول األعضاء َف (‪ )ECO‬أو بلدان احمليط اإلقليمي) على‬
‫آليات وسبل مكافحة الفساد بشكل علمي يستخدم البحث األكادميي هنجاً َف ذلك‪ .‬وهو يعرب عن‬
‫شكل من التعاون بني (اجلنوب‪-‬اجلنوب) على الصعيد العلمي‪.‬‬
‫ب‪ -‬اجلهود البحثية املشرتكة بني دول اجلنوب الستقراء وحتليل وعالج الظاهرة املستشرية فيها‪،‬‬
‫نذكر منها التعاون البحثي الذي أقامه مركز دراسات وحبوث الدول النامية‪ /‬جامعة القاهرة َف هناية‬
‫عام ‪.1999‬‬

‫(‪)268/1‬‬

‫حيث مت عقد مؤمتر علمي مجع العديد من األكادمييني وكذلك العاملني املتخصصني َف ُمال مكافحة‬
‫الفساد َف حشد واسع برعاية كلية االقتصاد والعلوم السياسية التام حتت عنوان (الفساد والتنمية)‬
‫الذي كرس جل اهتمامه على معوقات التنمية َف عامل اجلنوب‪ .‬وخرج بنتائج تعزز سبل اإلحاطة هبذا‬
‫األخطبوط لو أخذت بنظر االعتبار وعلى حممل من الشعور ابملسؤولية واجلد التام من قبل حكومات‬
‫دول اجلنوب على أنه جزء من التعاون بني (اجلنوب‪-‬اجلنوب)‪.‬‬
‫لذا نستخلص أن اجلنوب ال ميكنه السري َف احلد من الفساد إال ابللجوء للتعاون مع اجلنوب َف إطار‬
‫يستلزم دراسة الفساد بشكل دقيق وعلمي يفيد من اخلربة األكادميية للمتخصصني َف هذا اجملال‬
‫لتكون نرباس عمل الستئصال هذا اجلزء غري السليم َف جسم الدول والذي يعيق تطورها ومنوها‪.‬‬
‫‪-2‬تنسيق اجلهود بني الشمال‪ -‬اجلنوب لكبح الفساد (الشفافية الدولية ‪ Ti‬أمنوذجاً)‬
‫‪-1‬اجلهود َف نطاق األمم املتحدة‬
‫منظمة األمم املتحدة هذا اجلهاز الدويل الذي يرتبط به الكثري من املنظمات التابعة املعنية بشؤون‬
‫التجارة واملالية والزراعة والصحة والتعليم‪ ..‬اخل كان هلا قصب السبق َف التنبيه لظاهرة الفساد‬
‫الستقرائها الوضع الدويل من خالل مكاتبها ومنظماهتا التابعة املذكورة املنتشرة َف أحناء العامل‪ ،‬األمر‬
‫الذي أسفر عن العديد من الدراسات والندوات واالتفاقيات واملعاهدات اليت جرت جبهود هذه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫املنظمة آخذة الظاهرة ابلتحليل ُث وصف العالج هلا وكذلك كيفية التحصني منها‪ ،‬ومن هذه اجلهود‬
‫ما يلي‪- :‬‬

‫(‪)269/1‬‬

‫أ‪ -‬االتفاقية الدولية لألمم املتحدة ملكافحة االجتار غري املشروع ابملخدرات واملؤثرات العقلية لسنة‬
‫‪ ،1988‬اليت نبهت خلطورة ظاهرة الفساد َف طياهتا وكذلك مدى التأثري السيء آلليات غسيل‬
‫العملة اليت تستخدمها عصاابت اجلرمية املنظمة إلخفاء األموال املستخلصة من جتارة السموم‬
‫البيضاء(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬تقرير الندوة اإلقليمية اليت عقدهتا دائرة التعاون الفين للتنمية )‪(DTCD‬‬
‫)‪(Department of Technical cooperation for development‬‬
‫ومركز التنمية االجتماعية والشؤون اإلنسانية ابألمم املتحدة (‪( )CSD HA‬الفساد َف احلكومة –‬
‫(‪ )Corruption in Government‬كندوة متخصصة درست الظاهرة وبينت أسباهبا‬
‫اء َف احللول هلا(‪.)2‬‬
‫وطرحت آر ً‬
‫ج ‪ -‬القرارات الصادرة كذلك ملواجهة الظاهرة ومنها القرار ‪َ 45/121‬ف ‪/14‬ك‪ ،1990 /1‬القرار‬
‫‪َ 46/152‬ف ك‪ ،1991 /1‬وقرارات اجمللس االقتصادي واالجتماعي ‪َ 1992/22‬ف ‪/30‬متوز‪/‬‬
‫‪َ 1993/32 ،1992‬ف ‪ /27‬متوز‪ُ 1993 /‬ث قرار اجمللس ذاته ‪َ 1995/14‬ف ‪/24‬متوز‪1995 /‬‬
‫بشأن إجراءات مقاومة الفساد و ‪َ 1998/16‬ف متوز ‪.)3(1998‬‬
‫إن جهود الدول األعضاء اليت أسفرت عن احلصيلة اليت أشران إليها َف ُمال مكافحة الفساد تظهر‬
‫بشكل واضح جهود املنظمة لتحقيق التعاون الدويل للحد من هذا الوابء وهي صورة من صور تعاون‬
‫الشمال واجلنوب ضمن إطار التنظيم الدويل‪ ،‬الذي عرضنا له بشكل موجز فيما أسلفنا لننتقل إَل‬
‫بيان اجلهود الدولية املكملة على صعد أخرى بعد ذلك‪.‬‬
‫‪-2‬اجلهود بني املنظمات واملؤسسات احلكومية الدولية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر األمم املتحدة‪ /‬تقرير اللجنة الدولية ملكافحة املخدرات ‪ /(INCB) 1999‬م س ذ‪/‬‬
‫ص ‪III‬‬
‫(‪ )2‬لإلطالع راجع ‪/‬األمم املتحدة‪ /‬الفساد َف احلكومة‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )3‬راجع ‪/‬أ‪ .‬أماين غامن‪ /‬اجلهود الدولية ملكافحة الفساد‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد‪ /‬حممد‪ /‬الفساد‬
‫والتنمية ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪ 359‬وكذلك ‪Social/ Resolution & The Economic‬‬
‫‪.1998/16/ Action against Corruption‬‬

‫(‪)270/1‬‬

‫لقد تعددت اجلهود َف املنظمات اإلقليمية واملنظمات القارية واالحتادات اليت متثل حكومات العديد‬
‫من بلدان املعمورة ملكافحة الفساد ومن أبرز هذه اجلهود ما سنعرض له َف حموران هذا وهي‪-:‬‬
‫أ‪.‬اجلهد الذي اعتمدته منظمة التعاون والتنمية َف امليدان االقتصادي (‪َ )OECD‬ف شهر مايس‪/‬‬
‫‪ 1997‬حول اتفاقية جترم الرشوة عرب الوطنية وكذلك املطالبة إبهناء إمكانية خصم الرشاوى من‬
‫الضرائب اليت تعد حماور مهمة َف إطار تعاون الشمال مع اجلنوب للحد من هذه الظواهر(‪ . )1‬على‬
‫أن املنظمة املذكورة أوعزت إَل أمانتها إبجراء املشاورات مع املنظمات الدولية واملؤسسات املالية‬
‫إلتباع هنج مشرتك للحد من الفساد‪ ،‬هذا فضالً عن اإليعاز لألمانة املذكورة أيضاً إبمكانية ضم‬
‫أعضاء إَل آلية مكافحة الفساد اليت اعتمدهتا من غري الدول األعضاء فيها ّما دعا الكثري من دول‬
‫اجلنوب لالنضمام لتلك اجلهود ومنها املكسيك‪ ،‬كوراي اجلنوبية واألرجنتني َف إطار تعاون (الشمال‪-‬‬
‫اجلنوب) ملكافحة هذا الوابء(‪.)2‬‬
‫ب‪.‬اجلهد الذي اعتمدته منظمة الدول األمريكية‪ ،‬بتوقيعها اتفاقية البلدان األمريكية ملكافحة الفساد‬
‫َف آذار‪ 1996 /‬واليت وقعت عليها أكثر من ‪ 23‬دولة عضواَ ًً َف املنظمة‪ .‬بوصفها جهداً للتعاون‬
‫بني الشمال واجلنوب ضد الفساد على صعيد القارة املذكورة(‪.)3‬‬
‫ج‪.‬التعاون َف إطار االحتاد الربملاين الدويل َف مؤمتره املنعقد َف بوخارست بتاريخ ‪ 13‬تشرين أول‬
‫‪ 1995‬الذي أقر فيه جترمي رشوة املسؤولني األجانب عالوة على التعاون َف منع غسيل حصائل‬
‫أموال الفساد غري املشروعة(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كيمربيل ان اليوت‪/‬الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ )2‬مارك بيث‪ /‬التعاون الدويل ملكافحة الفساد‪َ /‬ف كيمربيل ان اليوت (حمرراً) ‪/‬الفساد واالقتصاد‬
‫العاملي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪ 166‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪ )3‬راجع كيمربيل ان إليوت ‪/‬الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬م س ذ ص ‪.13‬‬
‫(‪ )4‬مارك بيث ‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪ 166‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪)271/1‬‬

‫ّما سلف يتضح لنا بعض من أشكال التعاون الدويل للحد من الفساد والذي يظهر صورة التعاون ما‬
‫بني (الشمال‪ -‬اجلنوب) َف إطار التنظيمات الدولية احلكومية اليت تسفر من خالل حتركاهتا عن مدى‬
‫توجه حكوماهتا َف سبيل حماربة الفساد من عدمه وهذا ما يكشف لنا نقطة ارتكاز أساسية سنتناوهلا‬
‫َف احملور الثاين لبيان أمهية املنظمات غري احلكومية‪.‬‬
‫‪-3‬اجلهود َف نطاق املنظمات غري احلكومية‪ /‬الشفافية الدولية (‪( )Ti‬منوذجاً)‬
‫من منطلق (االستقاللية) عن آراء وتوجيهات احلكومات (َف العمل على مناهضة الفساد) تنبع أمهية‬
‫املنظمات غري احلكومية‪ ،‬اليت تكون فعالياهتا ومراصدها على الصعيدين الداخلي والدويل َف هذا‬
‫اجملال بعيداً عن ما تتأثر به املنظمات احلكومية للسري َف املنحى نفسه وذلك لكون املنظمات‬
‫احلكومية الدولية (أو الداخلية) تكون قراراهتا تعرب عن آراء رجال السلطة َف تلك احلكومات الذين‬
‫رمبا يكونون استخدموا آليات الفساد َف إشغاهلم ملناصبهم احلكومية ّما جيعلهم مدافعني عن هذا‬
‫األخطبوط أكثر ّما هم مناوئني له‪ .‬األمر الذي يؤدي إَل صدور قرارات ُمتزأة أو تصدر بشكل كامل‬
‫ومل تلق جهوداً فعالة لتطبيقها بفعل أولئك املستفيدين من آليات الفساد الذين أوكلت إليهم مهمة‬
‫تنفيذ تلك القرارات‪.‬‬
‫ّما جيعل اهلدف املنشود غري قابل للتحقيق من جهود تلك املنظمات‪.‬‬

‫(‪)272/1‬‬

‫وإذا ما أمعنا النظر َف جهود املنظمات غري احلكومية فسنرى أن فاعليتها تتأتى من كون هذه‬
‫املنظمات عمل على تكوينها مهتمون بقضااي الفساد‪ ،‬من أكادمييني ورجال أعمال وأعضاء ُمتمع‬
‫مدين هبدف مناهضة الظاهرة نتيجة الستقرائهم واقعاً غري مرض دون أن تدفعهم ضغوط أو‬
‫احتجاجات للسري َف هذا السبيل‪ ،‬وإمنا الغاية اليت مجعتهم هي حب النزاهة والرغبة َف ُمتمع نظيف‬
‫تقوم تلك‬
‫تتمتع به املؤسسات العاملة (ابلشفافية) التامة َف عملها وختضع فيه (ملساءلة) الدورية ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األعمال وترشدها للطريق القومي الذي يتيح َف احملصلة (حكماً حسناً) مرضياً للجميع‪.‬‬
‫من هنا تتبع أمهية هذه املنظمات اليت ال تتأثر بقرارات حكومية أو رؤى أصحاب املناصب وبذلك‬
‫تكون فاعليتها أكرب وأوسع‪ .‬مع األخذ بنظر االعتبار أن تتمتع املنظمات املذكورة ابملصداقية الكاملة‬
‫بعيداً عن سبل الرتبح السياسي أو العمل بشكل يكون قريباً من السمسرة التجارية وذلك ألن‬
‫(االستقاللية) ال تتفق مع هكذا سلوك مطلقاً(‪ )1‬يبغي القضاء على الفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لإلطالع عن بعض السلوكيات للمنظمات غري احلكومية اليت تبتعد كثرياً عن ضحى االستقاللية‬
‫راجع‪- :‬عبد هللا كمال‪ /‬ظاهرة احنالل الصفوة (القوادون والسياسة) ‪/‬القاهرة‪ /‬دار اخليال‪ /‬شباط‪/‬‬
‫‪ /1998‬ص ص ‪ 18/1‬كذلك(‪ -‬صحيفة العرب‪ /‬اجلمعة‪ /2000/12/9 /‬ص‪.6‬‬

‫(‪)273/1‬‬

‫وكأمنوذج برز َف صعد مناهضة الفساد ستتناول دراسة منظمة غري حكومية (دولية) أسهمت َف‬
‫الكثري من إنازات احلد من الفساد أال وهي (الشفافية الدولية ( ‪Ti) (Transparency‬‬
‫‪ .International‬إن الشفافية الدولية (‪ )Ti‬منظمة غري حكومية أتسست عام ‪َ 1993‬ف‬
‫أملانيا وابلتحديد َف (جامعة غوتنغن األملانية) هدفها املعلن أهنا منظمة أكادميية‪ ،‬تعمل على تقوية‬
‫اجملتمع املدين‪ ،‬وتصوغ حتالفاً يقود اجملتمع إَل احلد من الفساد‪ ،‬متخذاً من ضم دوائر األعمال‬
‫واحلكومات واهليئات األكادميية سبيالً لتحقيق هذا اهلدف(‪ .)1‬ففي خالل أربع سنوات من عملها‬
‫املتواصل َف ُمال مكافحة الفساد الدويل استطاعت املنظمة أن تقيم شبكة من الفروع تضم ما يقرب‬
‫من مخسة وسبعني فرعاً َف كافة أحناء العامل(‪ .)2‬غايتها املعلنة النصح لتطهري اجملتمعات‪.‬‬
‫أما أسباب اهتمام الشفافية الدولية مبناهضة الفساد فتعود إَل(‪:)3‬‬
‫أ‪ -‬أسباب إنسانية (وذلك إلعاقة الفساد الكثري من عمليات التنمية واليت تؤثر على املواطن وتنتهك‬
‫حقوقه اإلنسانية)‬
‫ب‪ -‬أسباب إصالحية (حيث يعوق الفساد أسلوب احلكم الصاحل واخليار الدميقراطي الصحيح‬
‫وناح إصالح املؤسسات خاصة َف بلدان عامل اجلنوب اليت تعاين من مشكالت التحول إَل اقتصاد‬
‫السوق)‪.‬‬
‫ج‪ -‬أسباب أخالقية (إلعاقة الفساد تكامل اجملتمع)‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫د‪ -‬أسباب اقتصادية (لتشويه الفساد لالقتصادايت الدولية وابلتايل يؤثر على منافع االقتصاد‬
‫الفعال)‪.‬‬
‫إن الشفافية الدولية ومن خالل أسباب اهتمامها بظاهرة الفساد ترى أن مقاومة ذلك لن يتسىن إال‬
‫ِم ْن خالل مرتكزين مها‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر ُملة التمويل والتنمية‪ /‬اجمللد ‪ /37‬العدد ‪ /2/‬حزيران ‪/2000‬ص‪.7‬‬
‫(‪ )2‬انظر كيمربيل ان إليوت ‪/‬الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.13‬‬
‫(‪ )3‬أماين غامن‪ /‬اجلهود الدولية ملكافحة الفساد‪َ /‬ف مصطفى كامل السيد (حمرر) ‪/‬الفساد والتنمية‪/‬‬
‫ص ‪.365‬‬

‫(‪)274/1‬‬

‫أ‪ -‬احلاجة إَل التحالف‪ /‬حيث تعمل الشفافية الدولية من خالل أفرعها القومية ( ‪National‬‬
‫‪ )Chapters‬على وضع حتالف من احلكومة ومن أطراف أخرى تضم اجملتمع املدين ورجال‬
‫األعمال والقطاع اخلاص ملناهضة الفساد‪ .‬لكون رسالة الشفافية الدولية ليست مهامجة األفراد‬
‫الفاسدين وإمنا بناء نظم تقاوم الفساد‪ ،‬فهي تقدم املساعدة واملعلومة لإلعالم احلر وأجهزة القضاء ملا‬
‫تراه من أمهية هلما َف آلية مقاومة الفساد من خالل التحالف‪.‬‬
‫‪ ...‬وما جيب إيضاحه أن املنظمة ضمن آليات التحالف هذه ال تسمي مطلقاً احلاصلني على‬
‫الرشاوى لتجنبها الدخول َف أي حوار سياسي لكنها تستخدم برامج معينة وبطرق خاصة ومن خالل‬
‫حتالفاهتا وأفرعها القومية تنبه للظواهر السلبية وابلتايل ختلق حالة هدفها ضرورة مقاومتها واحلد منها‪.‬‬
‫ب‪ -‬زايدة الوعي العام العاملي من خالل الفروع القومية هلا َف الدول املختلفة(‪.)1‬‬
‫لقد سجل َتريخ الشفافية الدولية العديد من اإلنازات نتيجة جلهودها وجهود الفروع القومية َف احلد‬
‫من الفساد‪ ،‬وهي بذلك تفسر أمهية التعاون الدويل من خالل االستفادة من خربات املتعاونني معها‬
‫لتوظفها َف خدمة الدول املوبوءة ابلفساد‪ .‬فعلى صعيد التعاون مع دول اجلنوب (مثاالً وأمنوذجاً‬
‫للدراسة) نذكر هنا اجلهد الذي أنزته الشفافية الدولية َف إحدى البلدان اإلفريقية اليت عانت كثرياً‬
‫من مشاكل الفساد وهذا البلد هو (تنزانيا)‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬م ن‪ /‬ص ‪.365‬‬

‫(‪)275/1‬‬

‫فتنزانيا بلد عاىن من تفشي ظاهرة الفساد‪ ،‬وتغليب املصاحل الفردية داخل أجهزة احلزب احلاكم فيه‪.‬‬
‫إذاً يالحظ منو التمايز الطبقي احلاد داخل احلزب نفسه ّما جعل القيادات احمللية طرفاً َف مقاومة‬
‫التنمية وجتريتها َف ذلك البلد‪ ،‬حيث أن بعض القيادات كانت تستفيد من البطالة املقنعة َف الريف‬
‫خلدمة مزارعها اخلاصة وأخرى تشتغل ابلتسويق واثلثة تعتمد ثرواهتا على عمليات هتريب احملاصيل‬
‫احلقلية للدول اجملاورة ورابعة تنسق مع مشروعات الشركات األجنبية َف املنطقة‪ .‬األمر الذي مييط‬
‫اللثام عن مدى اتساع الظاهرة َف تنزانيا(‪ّ .)1‬ما استدعى االستعانة ابجلهود الدولية لتحقيق اإلصالح‬
‫َف ذلك البلد ولقد كانت (الشفافية الدولية) من الداعمني إلنشاء (نظم نزاهة وطنية) فيه‪ .‬لذلك‬
‫قامت املنظمة بتزويد تنزانيا (ابملرجع األساس للمنظمة (‪ The Ti Source Book‬الذي‬
‫تضع فيه العصارة البحثية هلا إبعدادها برامج ملكافحة الفساد ابلتعاون مع فروعها القومية‬
‫(‪ )National Chapters‬حبيث تتالئم تلك الربامج مع ظروف وعادات كل دولة وأطرها‬
‫احمللية(‪ )2‬وذلك ألغراض مناقشة الدور الذي تقوم به الصحافة واجملتمع املدين ملناهضة الفساد‪،‬‬
‫إضافة إَل أمهية اإلصالحيات القضائية والتشريعية واإلدارية اليت من شأهنا أن حتسن رصد الفساد‬
‫وحتمي املبلغني عن األخطاء‪ ،‬وتعزز نظم التوريدات العلنية الشفافة‪ ،‬وكذلك رقابة القطاع اخلاص‬
‫الذاتية ألعماله وأخطائه(‪َ )3‬ف ذلك البلد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر عبد السالم إبراهيم بغدادي‪ /‬التجربة التنموية َف تنزانيا‪َ /‬ف (طه ايسني رمضان وآخرون)‬
‫مشكالت وجتارب التنمية َف العامل الثالث‪ /‬بغداد‪ /‬كلية العلوم السياسية‪ /1990 /‬ص‪.316‬‬
‫(‪ )2‬آ‪ .‬أماين غامن‪ /‬اجلهود الدولية ملكافحة الفساد‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.367‬‬
‫(‪ )3‬كمربيل ان إليوت‪ /‬الفساد كمشكلة من مشكالت السياسة الدولية‪َ /‬ف كيمربيل ان إليوت حمرر‪/‬‬
‫الفساد واالقتصاد العاملي‪ /‬م س ذ‪ /‬ص‪.290‬‬

‫(‪)276/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫كذلك وَف اإلطار نفسه أصدرت الشفافية الدولية حبثاً توصي فيه مجيع الدول ومنها تنزانيا بضرورة‬
‫إنشاء وكالة مكافحة فساد مستقلة على أن حتظى ب ‪-:‬‬
‫‪ -1‬دعم سياسي ليس فقط من رئيس احلكومة أو الدولة ولكن أيضاً من القيادة السياسية الوطنية‬
‫على نطاق واسع‪.‬‬
‫‪ -2‬متتع الوكالة نتيجة للدعم السياسي املشار إليه ابالستقالل السياسي والتنفيذي الضروري‬
‫للتحري عن أعلى املستوايت احلكومية‪( .‬حيث فشلت التجربة َف تنزانيا من قبل وذلك ألن الوكالة‬
‫كانت تقيم داخل مكتب رئيس اجلمهورية ومن ُث مل تكن لديها سوى فرصة ضئيلة ملعاجلة الفساد‬
‫الذي ميس القيادات احمللية اليت أشران هلا َف بداية املوضوع)(‪ .)1‬جدير ابلذكر أن الشفافية الدولية‬
‫وتعزيزاً منها ألمهية تعاون الشمال مع اجلنوب ملناهضة الفساد عملت جبهد حثيث خالل السنوات‬
‫األخرية للعقد األخري من القرن املنصرم على زايدة فاعليتها لدفع هذا اجملال وقد أسفر عن‪-:‬‬
‫‪ -‬مشاركتها بنشاط َف بناء الدعم الدويل لعقد ميثاق منظمة التعاون والتنمية َف امليدان االقتصادي‬
‫حملاربة الفساد الذي أصبح سارايً َف شباط‪.)2(1999 /‬‬
‫‪ -‬تعاوهنا مع املنظمات َف دول اجلنوب وعقدها للمؤمترات اليت تنادي مبكافحة الفساد ومنها املؤمتر‬
‫الذي عقدته املنظمة َف القاهرة هناية عام ‪ 1999‬ابلتعاون مع املنظمة العربية للتنمية اإلدارية الذي‬
‫جاء يؤكد على أمهية (الشفافية) و (املساءلة) بوصفها عوامل لوقف نشاط الفساد وكذلك ما يشكله‬
‫الوعي اجلماهريي من عمق لتعزيز هذه العوامل ومقارعة الفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جريميى بوب وفرانك فوجل‪ /‬لكي تصبح أجهزة مكافحة الفساد أكثر فعالية‪ُ /‬ملة التمويل‬
‫والتنمية‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ )2‬م ن‪ /‬ص‪.7‬‬

‫(‪)277/1‬‬

‫بقي أن نقول إن (الشفافية الدولية) منظمة دولية غري حكومية للحد من الفساد تستعني َف آليات‬
‫عملها بنظم الصحافة واإلعالم احلر‪ ،‬وابحلكومات (ألن آلية الفساد ال ميكن حصارها بدون توافر‬
‫املعلومة عنها اليت يكون دور احلكومة مهماً َف احلصول عليها) وكذلك أبداء األفرع القومية عن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫طريق إاثرة الوعي ابلفساد بطرق خالقة ذات أتثري غري سيء حيث تقوم هذه األفرع بعمل‬
‫املسوحات ووضع مؤشر لقياس إدراك الفساد وتطبيقه على الكثري من دول العامل‪ .‬مستعينة مبعلومة‬
‫الصحافة واحلكومة إضافة إَل مستوى إدراك الفساد كما يراه املراقبون للشؤون العامة ورجال‬
‫األعمال‪ .‬ومن ُث وضع ذلك َف جدول متكون من عشرة مواقع ابألحرى (عشر درجات) أتخذ فيه‬
‫الدول األقل فساداً موقع الصدارة وهو الرقم (عشرة) ويبدأ بعد ذلك درج الدول حسب الرتتيب‬
‫تنازلياً حبيث حتصل الدول األكثر فساداً على درجات قريبة من درجة الصفر‪.‬‬
‫وتقوم (الشفافية الدولية) بنشر هذا املؤشر َف إصداراهتا وعلى (‪ )Web Site‬وبلغات متعددة‪.‬‬
‫حىت جتعل الشفافية الدولية الفساد َف شرحية شفافة (ساليد) حتت ُمهر الفاحص وهي شعوب العامل‪.‬‬
‫لتتيح بذلك الفرصة للجهد التعاوين من أن يثمر حملاربة الفساد واالنتصار عليه(‪.)1‬‬
‫وأخرياً‬
‫وبعد كل الذي عرضنا له من سبل ملواجهة الفساد ال بد من خنلص حلقيقة واحدة هي أن كل هذه‬
‫السبل اليت هي آليات جملاهبة الفساد‪ ،‬واليت قد تزداد احلاجة لبعضها َف ُمتمعات وتقل َف ُمتمعات‬
‫أخرى طبقاً لضرورات احلالة‪ ،‬إمنا هي أجزاء من عصا واحدة تضرب على عنق الفساد ورأسه‬
‫للخالص منه‪ ،‬وأن هذه السبل تعمل كوصلة واحدة جملاهبة هذه اآلفة‪ .‬وال ميكن هنا أن تستخدم‬
‫صفة اإلطالق َف أن هذه السبل هي الوصفة الوحيدة بل إهنا أتيت ضمن الكثري من الوصفات‬
‫ووسائل العالج للحد من الفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أ‪ .‬أماين غامن‪ /‬اجلهود الدولية ملكافحة الفساد‪ /‬م س ذ‪ /‬ص ‪.368‬‬

‫(‪)278/1‬‬

‫إال أنه مهما تعددت املشارب ال بد هلا أن تعمل بشكل واحد وكجزء واحد ألن الفساد ال ميكن‬
‫القضاء عليه آبلية واحدة التساعه وقابليته ملد آثليله اخلبيثة للكثري من املفاصل َف اجملتمعات‪.‬‬

‫((‬

‫اخلامتة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أما وقد فرغنا من مخسة أبواب تناولت ابلدراسة موضوع الفساد كأساس هلا وموضوع اإلصالح‬
‫السياسي كعامل مرتبط وَتبع للموضوع األساس‪ .‬فإهنا (أي الدراسة) أخذت بعني االعتبار تناول كال‬
‫املوضوعني من أوجه عدة َف البحث حيث مت العرض هلما بداية َترخياً ومفهوماً إلعطاء سند نرتكز‬
‫عليه َف إنشاء الباقي الذي عرض ألمناط الفساد اجتماعياً‪ ،‬إدارايً‪ ،‬اقتصادايً وسياسياً َف ابب ُث‬
‫ليتبعه إفراد اثلث إليضاح املتغريات اليت استجدت َف عقد التسعينات‪ ،‬وسامهت َف ارتفاع نسب‬
‫الفساد َف العامل أمجع‪ُ ،‬ث لننتقل بعد ذلك لتسليط الضوء على أهم املفاصل اليت يضرهبا الفساد‬
‫فتعرض البلدان ملشكالت كثرية َف مفصل التنمية والسيادة والكفاية وأخرياً كيف يهدد الفساد النظام‬
‫العام‪.‬‬
‫لنصل بعد ذلك إَل خامس مراحل الدراسة‪ ،‬الذي كانت فيه العديد من النقاط للمواجهة واإلصالح‬
‫ليشكل آخر املطاف َف البحث‪ .‬الذي اعتمد َف ذلك البناء على أن مفهوم الفساد هو حتقيق نفع‬
‫خاص من استغالل املنصب العام‪ ،‬مراعياً َف احلسبان أن الدراسة املقارنة تظهر احلال جلياً بني‬
‫الشمال واجلنوب من خالل أمثلتها على أن الفساد عرف َف كل أحناء البسيطة إال أنه َف الشمال‬
‫أقل نسبة من اجلنوب الذي يعاين من مشكالت عدة منها تغييب الدميقراطية‪ ،‬واستغالل النفوذ‪،‬‬
‫وعدم استقرارية املؤسسات وضعف اهلياكل االقتصادية‪ ،‬ومشكالت أخرى كثرية سامهت َف‬
‫استمرارية الفساد واإلفساد فيه‪.‬‬
‫لذلك كله وما احتوته صفحات الدراسة من تشخيص خنلص للمالحظات اآلتية‪:‬‬

‫(‪)279/1‬‬

‫‪-1‬إن مفهوم (الفساد ‪ )Corruption‬يغطي معىن واسعاً متتد أوصاله ليخرق البناء االجتماعي‬
‫واإلداري واالقتصادي وكذلك السياسي للمجتمعات‪ ،‬ليشكل مفهوماً عاماً ال ميكن عزله أو تناوله‬
‫بشكل ُمزأ‪ ،‬مبا يعطي للمتلقي االنطباع أبن الفساد حالة واحدة مهما تعددت أمناطها‪ .‬ساعد على‬
‫ترابطها َف عامل اليوم ما أفرز من مستجدات جعلت الفساد ميتاز ابلرتابط البنيوي بني أوصاله بصورة‬
‫أوسع ّما هو معهود عنه ليمنح املفهوم مداه الذي مشل كل جوانب احلياة إن صح التعبري‪.‬‬
‫‪-2‬توصلت الدراسة إَل أن الكثري من وصفات املؤسسات املالية الدولية وكذلك طروحات بعض‬
‫الساسة كانت تؤكد دوماً َف املرحلة التارخيية اليت تناوهلا البحث على أمهية إتباع سياسات اخلوصصة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وحترير التجارة وحرية انتقال البضائع ملكافحة الفساد َف القطاع العام وقطاعات الكمارك والضرائب‪.‬‬
‫َف حني أن العمل البحثي ضمن الدراسة ركز على أنّه عرب هذه املتغريات اليت تعتمدها تلك‬
‫املؤسسات للحد من الظاهرة ميكن أن مير الفساد نفسه ّما يعطي الدليل قاطعاً على أهنا ليست‬
‫ابلوصفات الناجعة الستئصال شأفته‪.‬‬
‫‪ ...‬األمر الذي يتطلب السعي وراء أفكار ودراسات تعمل على تفعيل دور القطاع العام وأتهيله‬
‫ُمدداً بشكل جيعله يتفاعل مع القطاع اخلاص الذي ال بد من مراقبته وضبطه هو اآلخر َف ّمارسته‬
‫لنشاطه وبصورة فيها الكثري من (شفافية) التعامل لكال القطاعني واحلزم َف (املساءلة) احلكومية‬
‫والشعبية هلما واليت ال ميكن أن تتم إال َف إطار من النزاهة املتجسدة َف (حسن احلكم) حىت ال‬
‫ينشب الفساد خمالبه الفتاكة َف أبدان الشعوب واجملتمعات‪.‬‬
‫‪-3‬توصي الدراسة بضرورة العمل على االستفادة من آراء الثقافة واملثقفني َف رصد الفساد وإصالح‬
‫اجملتمع‪ .‬فالتاريخ أبرز الكثري من الشخصيات اليت ترمجت نقدها للظاهرة بتعبري ثقاَف ينم عن‬
‫تشخيص فاعل ملشكالت اجملتمع‪ ،‬لذا جيب النظر بعني التفحص واالهتمام آلاثر عباقرةٍ أفرزهم‬
‫الوجود اإلنساين منها آاثر‪:‬‬

‫(‪)280/1‬‬

‫ابن خلدون ومكيافللي على صعيد السياسة وشكسبري وأرويل َف األدب القصصي وتعبرياً فنياً مثل‬
‫تعبري شابلن والرحياين ودريد حلام‪ ،‬وشعراً مثل ما قاله الرصاَف‪ ،‬وأدابً مسرحياً مثل ما كتبه حممد‬
‫املاغوط‪ ،‬وتشخيصاً دقيقاً مثل حتليل (هيكل) للواقع العريب‪ ،‬ورأايً أكادميياً مثل رأي (الطيب تيزيين)‪.‬‬
‫لفهم رأي اجملتمع املنعكس َف األثر األديب والثقاَف ملثل هؤالء املفكرين واملثقفني للحد من ظاهرة‬
‫الفساد‪.‬‬
‫‪-4‬توصي الدراسة وانطالقاً من مبدأ أصيل (أن التخطيط للمجتمعات ال ميكن أن أييت مستورداً‬
‫جاهزاً) بضرورة العمل على إنشاء منظمات إقليمية َف دول اجلنوب تعىن بدراسة ظواهر الفساد َف‬
‫تلك البلدان يقوم عليها إلدارهتا منظمات حكومية وغري حكومية تعىن حبقوق اإلنسان واحلرايت‬
‫األساسية للمواطن‪ .‬لتحلل الواقع بشكل بناء دون جتريح وتعطي الوصفات الناجعة لذلك اخللل‪.‬‬
‫على أن ذلك ال مينع من االستئناس آبراء املنظمات الدولية العاملية واالستفادة من خرباهتا إذا ما‬
‫ابتت زمام املبادرة بيد تلك املنظمات إقليمية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪-5‬ترى الدراسة بضرورة وجوب تقبل من املؤسسات العامة خصوصاً َف عامل اجلنوب لكل اآلراء‬
‫حول الظاهرة َف بلداهنا تعزيزاً للوصول مبجتمعاهتا إَل البناء القومي الذي إذا ما استفحل فيه الفساد‬
‫عمل فيه كما تعمل األرضة َف سيقان األشجار‪.‬‬
‫‪ ...‬وختاماً نقول كما قال املعري‬
‫كالمها‬
‫فسا ٌد وكو ٌن حاداثن ُ‬

‫نع حكيم‬
‫صُ‬ ‫‪@1‬شهي ٌد أبن اخللق ُ‬

‫(((‬

‫املراجع‬

‫‪-1‬املراجع ابللغة العربية‬


‫‪)1‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪)2‬الكتاب املقدس‪ ،‬بريوت‪ ،‬احتاد مجعيات الكتاب املقدس‪.1978 ،‬‬
‫أوالً‪ :‬الكتب‬
‫أ‬
‫‪.1‬إبراهيم العيسوي‪ ،‬التنمية َف عامل متغري (دراسة َف مفهوم التنمية ومؤشراهتا)‪ ،‬القاهرة‪( ،‬منتدى‬
‫العامل الثالث مكتبة مصر ‪ )2020‬دار الشروق‪.2000 ،‬‬
‫‪.2‬إبراهيم عبد الكرمي الغازي‪َ ،‬تريخ القانون َف وادي الرافدين والدولة الرومانية ‪/‬بغداد‪ /‬مطبعة‬
‫األزهر‪.1973 ،‬‬

‫(‪)281/1‬‬

‫‪.3‬أبو حامد الغزايل‪ ،‬أحياء علوم الدين‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.1962 ،‬‬
‫‪.4‬أيب الفداء إمساعيل ابن كثري القرشي الدمشقي‪ ،‬تفسري ابن كثري (ج‪ ،)3/‬بريوت‪ ،‬دار املفيد‪،‬‬
‫ط‪.1987 ،1/‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.5‬د‪ .‬أمحد مجال الظاهر‪ ،‬دراسات َف الفلسفة السياسية‪ ،‬اربد‪ ،‬مكتبة الكندي‪.1988 ،‬‬
‫‪.6‬د‪ .‬أمحد رفعت خفاجي‪ ،‬جرائم الرشوة َف التشريع املصري والقانون املقارن‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار قباء‬
‫للنشر والتوزيع‪.1999 ،‬‬
‫‪.7‬أمحد عطية هللا‪ ،‬القاموس السياسي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪.1968 ،‬‬
‫‪.8‬د‪ .‬أسامة عبد الرمحن‪ ،‬تنمية التخلف وإدارة التنمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫حزيران‪.1997 ،‬‬
‫‪.9‬آ‪ .‬د‪ .‬إكرام بدر الدين (حمرر)‪ ،‬الفساد السياسي النظرية والتطبيق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الثقافة العربية‪،‬‬
‫‪.1992‬‬
‫‪.10‬السيد علي شتا‪ ،‬الفساد اإلداري وُمتمع املستقبل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة ومطبعة اإلشعاع‪.1999 ،‬‬
‫ب‬
‫‪.11‬د‪ .‬بطرس غايل ود‪ .‬خريي عيسى‪ ،‬املدخل َف علم السياسة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األنلو –مصرية‪،‬‬
‫‪.1974‬‬
‫ت‬
‫‪.12‬د‪ .‬تقي الدابغ‪ ،‬العراق َف التاريخ‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار احلرية للطباعة‪.1983 ،‬‬
‫ج‬
‫‪.13‬د‪ .‬جالل أمني‪ ،‬العوملة والتنمية العربية من محلة انبليون إَل جولة األورغواي ‪،1998-1798‬‬
‫بريوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬أيلول ‪.1999‬‬
‫ح‬
‫‪.14‬حارث سليمان الفاروقي‪ ،‬املعجم القانوين‪ ،‬بريوت‪ ،‬مكتبة لبنان‪.1982 ،‬‬
‫‪.15‬حازم هاشم‪ ،‬صور من الفساد اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشروق‪.1994 ،‬‬
‫‪.16‬حامد أمحد موسى هاشم‪ ،‬نظرية املبارايت ودورها َف حتليل الصراعات الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة‬
‫مدبويل‪ ،‬بال َتريخ‪.‬‬
‫‪.17‬حسني عبد الواحد (أمريكا‪ ،‬حرية‪ ،‬جنس‪ ،‬بولتيكا)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مركز احلضارة العربية‪.1997 ،‬‬
‫خ‬
‫‪.18‬د‪ .‬خليل اجلر‪ ،‬املعجم العريب احلديث‪ ،‬ابريس‪ ،‬مكتبة الروس‪.1973 ،‬‬
‫ر‬
‫‪.19‬آ‪.‬د‪ .‬رايض عزيز هادي‪ ،‬املشكالت السياسية َف العامل الثالث‪ ،‬بغداد‪ ،‬جامعة بغداد‪.1989 ،‬‬
‫س‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.20‬د‪ .‬سامي منصور‪ ،‬جتارة السالح واألمن القومي العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪،‬‬
‫‪.1991‬‬

‫(‪)282/1‬‬

‫‪.21‬سعد الدين وهبة‪ ،‬من االنفتاح إَل اخلصخصة (النهب الثالث ملصر)‪ ،‬دراسة واثئقية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫دار اخليال‪.1997 ،‬‬
‫‪.22‬د‪ .‬مسري أمني‪َ ،‬ف مواجهة أزمة عصران‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سينا للنشر‪.1997 ،‬‬
‫‪.23‬د‪ .‬صالح فهمي حممود‪ ،‬الفساد اإلداري كمعوق لعمليات التنمية االجتماعية‪ ،‬الرايض‪ ،‬املركز‬
‫العريب للدراسات األمنية والتدريب ‪.1994‬‬
‫ط‬
‫‪.24‬د‪ .‬طه حسني‪ ،‬نظام االثنني‪ ،‬القاهرة دار املعارف‪.1921 ،‬‬
‫‪.25‬طه ايسني رمضان وآخرون‪ ،‬مشكالت وجتارب التنمية َف العامل الثالث‪ ،‬بغداد‪ ،‬كلية العلوم‬
‫السياسية (جامعة بغداد)‪.1990 ،‬‬
‫ع‬
‫‪.26‬عاشور سليمان صاحل شوايل‪ ،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال وقرارات الضبط اإلداري (دراسة‬
‫مقارنة)‪ ،‬بنغازي‪ ،‬جامعة قار يونس‪.1997 ،‬‬
‫‪.27‬عبد اجلبار عبد مصطفى‪ ،‬الفكر السياسي الوسيط واحلديث‪ ،‬املوصل‪ ،‬دار الكتب للطباعة‬
‫‪.1982‬‬
‫‪.28‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بال َتريخ‪.‬‬
‫‪.29‬آ‪.‬د‪ .‬عبد العزيز الدوري‪ ،‬النظم اإلسالمية‪ ،‬بغداد‪ ،‬سلسلة بيت احلكمة‪ ،‬جامعة بغداد‪،‬‬
‫‪.1988‬‬
‫‪.30‬د‪ .‬عبد العزيز بن صاحل بن حبتور‪ ،‬إدارة عمليات اخلصخصة وأثرها َف اقتصادايت الوطن‬
‫العريب (دراسة مقارنة)‪ ،‬عمان‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪.1997 ،‬‬
‫‪.31‬الشيخ عبد الكرمي املدرس‪ ،‬مواهب الرمحن َف تفسري القرآن (اجمللد الثالث)‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار احلرية‬
‫للطباعة‪.1992 ،‬‬
‫‪.32‬عبد هللا كمال‪ ،‬ظاهرة احنالل الصفوة (القوادون والسياسية)‪ ،‬القاهرة‪ -‬لندن‪ ،‬دار اخليال‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.1998‬‬
‫‪.33‬د‪ .‬عبد الوهاب الكيايل وكامل زهريي‪ ،‬املوسوعة السياسية‪ ،‬بريوت‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات‬
‫والنشر‪.1974 ،‬‬
‫‪.34‬د‪ .‬عصام سليمان‪ ،‬مدخل إَل علم السياسة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار النضال‪.1989 ،‬‬
‫‪.35‬عفيف عبد الفتاح طبارة‪ ،‬اخلطااي َف نظر اإلسالم‪ ،‬لبنان‪ ،‬مطبعة العلوم‪.1985 ،‬‬
‫ف‬
‫‪.36‬فاروق سعد (احملامي)‪ ،‬تراث الفكر السياسي قبل (األمري) وبعده‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة االنتصار‪،‬‬
‫‪.1988‬‬

‫(‪)283/1‬‬

‫‪.37‬د‪ .‬فايز نعيم رضوان‪ ،‬بطاقات الوفاء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املطبعة العربية احلديثة‪.1990 ،‬‬
‫ق‬
‫‪.38‬د‪ .‬قصي احلسني‪ ،‬الفساد والسلطة‪ ،‬بريوت‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫م‬
‫‪.39‬آ‪.‬د‪ .‬ماجد حممد شدود‪( ،‬العوملة‪ .‬مفهومها‪ .‬مظاهرها‪ .‬سبل التعامل معها)‪ ،‬دمشق‪ ،‬مطبعة‬
‫اليازجي‪.1998 ،‬‬
‫‪.40‬آ‪.‬د‪ .‬حممد السيد سليم (حمرراً)‪ ،‬النموذج الكوري للتنمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مركز الدراسات اآلسيوية‬
‫(جامعة القاهرة)‪.1996 ،‬‬
‫‪.41‬حممد بن أيب بكر الرازي‪ ،‬خمتار الصحاح‪ ،‬الكويت‪ ،‬دار الرسالة‪.1983 ،‬‬
‫‪.42‬حممد حسنني هيكل‪ )1995( ،‬ابب مصر إَل القرن (‪ ،)21‬القاهرة دار الشروق‪،‬‬
‫‪.1995‬‬
‫‪.43‬حممد حسنني هيكل‪ ،‬املقاالت الياابنية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشروق‪.1998 ،‬‬
‫‪.44‬حممد حسنني هيكل‪ ،‬كالم َف السياسية (قضااي ورجال‪ :‬وجهات نظر) (مع بداايت القرن الواحد‬
‫والعشرين)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املصرية للنشر العريب والدويل‪ ،‬شباط‪.2000 ،‬‬
‫‪.45‬د‪ .‬حممد رايض األبرش و د‪ .‬نبيل مرزوق‪ ،‬اخلصخصة آفاقها وأبعادها‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.1999‬‬
‫‪.46‬د‪ .‬حممود صبح‪ ،‬اخلصخصة ملواجهة متطلبات البقاء وحتدايت النمو‪ ،‬القاهرة‪ ،‬كلية التجارة‬
‫(جامعة عني مشس)‪.1995 ،‬‬
‫‪.47‬د‪ .‬حممود عصفور‪ ،‬البوليس والدولة‪ ،‬القاهرة‪.1971 ،‬‬
‫‪.48‬أ‪.‬د‪ .‬مصطفى كامل السيد ود‪ .‬صالح سامل زرنوقة‪ ،‬الفساد والتنمية (الشروط السياسية للتنمية‬
‫االقتصادية)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مركز دراسات وحبوث الدول النامية (جامعة القاهرة)‪.1999 ،‬‬
‫‪.49‬أ‪.‬د‪ .‬مصطفى كامل السيد‪ ،‬خصخصة البنوك والتنمية َف مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬كتاب األهرام‬
‫االقتصادي‪ ،‬العدد ‪/153‬أول نوفمرب (ت‪.2000 ،)2‬‬
‫‪.50‬مصطفى حممد العبد هللا وآخرون‪ ،‬اإلصالحات االقتصادية وسياسات اخلوصصة َف البلدان‬
‫العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬شباط‪.1999 ،‬‬
‫‪.51‬أ‪.‬د‪ .‬منذر الشاوي‪ ،‬القانون الدستوري (نظرية الدولة)‪ ،‬بغداد‪ ،‬مركز البحوث القانونية (وزارة‬
‫العدل العراقية)‪.1981 ،‬‬

‫(‪)284/1‬‬

‫‪.52‬الشيخ منصور علي انصف‪ ،‬التاج‪ .‬اجلامع لألصول َف أحاديث الرسول (ص)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪.1962 ،‬‬
‫‪.53‬منري بعلبكي‪ ،‬مصابيح التجربة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار العلم للماليني (قاموس املورد ‪.1986 ،)86‬‬
‫‪.54‬منري بعلبكي‪ ،‬قاموس املورد (‪ ،)86‬بريوت‪ ،‬دار العلم للماليني‪.1986 ،‬‬

‫ن‬
‫‪.55‬ناح واكيم‪ ،‬األايدي السود‪ ،‬بريوت‪ ،‬شركة املطبوعات للتوزيع والنشر‪.1999 ،‬‬

‫اثنياً‪-‬الكتب املرتمجة إَل اللغة العربية‬


‫ج‬
‫‪.1‬جان توشار‪َ ،‬تريخ الفكر السياسي‬
‫(‪)Histoire Des Ide’es politiques‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪، ...‬د‪ .‬علي مقلد (مرتجم)‪ ،‬بريوت‪ ،‬العاملية للطباعة‪.1981 ،‬‬
‫‪.2‬جيوفري روبرتز‪ ،‬املعجم احلديث للتحليل السياسي‬
‫(‪)A Modern Dictionary of political Analysis‬‬
‫‪، ...‬مسري عبد الرحيم اجلليب (مرتجم)‪ ،‬بريوت‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪.1999 ،‬‬
‫ر‬
‫‪.3‬روبرت كليتجارد‪ ،‬السيطرة على الفساد‬
‫(‪)Controlling Corruption‬‬
‫علي حسني عجاج (مرتجم) عمان‪ ،‬دار البشر للنشر والتوزيع ‪.1994‬‬
‫‪.4‬روجيه جارودي‪ ،‬حفارو القبور (احلضارة اليت حتفر لإلنسانية قربها)‪ ،‬عزة صبحي (مرتمجة)‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الشروق‪.1999 ،‬‬
‫ص‬
‫‪.5‬صموئيل كرمير‪ ،‬من ألواح سومر‪ ،‬د‪ .‬طه ابقر (مرتجم)‪ ،‬بغداد‪ ،‬مكتبة املثىن‪.1957 ،‬‬
‫‪.6‬صموئيل هنتينغتون‪ ،‬النظام السياسي جملتمعات متغرية‬
‫(‪)Political Order In Changing Societies‬‬
‫‪ ...‬مسية فلو (مرتمجة) بريوت‪ ،‬دار الساقي‪.1993 ،‬‬
‫ك‬
‫‪.7‬كيمربيل ان اليوت (حمررة)‪ ،‬الفساد واالقتصاد العاملي‬
‫(‪)Corruption And The Global Economy‬‬
‫‪ ...‬حممد مجال أمام (مرتجم)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مركز األهرام للرتمجة والنشر‪.2000 ،‬‬
‫م‬
‫‪.8‬موريس دو فرجية‪ ،‬املؤسسات السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬جورج سعد (مرتجم)‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪.1992 ،‬‬
‫ه‬
‫‪.9‬هانس بيرت وآخرون‪ ،‬فخ العوملة‪ ،‬الكويت اجمللس الوطين للثقافة‪.1998 ،‬‬
‫‪.10‬د‪.‬عدانن عباس علي (مرتجم)‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬رمزي زكي (مراجع)‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،295‬ط‪.2‬‬
‫اثلثاً‪ :‬البحوث واملقاالت‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫(‪)285/1‬‬

‫‪.1‬آ‪.‬د أمحد إبراهيم أبو سن ‪ ،‬استخدام أساليب الرتغيب والرتهيب َف مكافحة الفساد اإلداري‪،‬‬
‫الرايض‪ ،‬اجمللة العربية للدراسات األمنية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)11‬العدد (‪( ،)31‬حمرم‬
‫‪1417‬ه )‪.‬‬
‫‪.2‬أمساء عبد اخلالق‪ ،‬اجملتمع األمريكي عالقة أسرية مفككة ونسبة طالق عالية‪ ،‬بغداد‪ ،‬صحيفة‬
‫القادسية‪ ،‬العدد (‪.)2000/10/17( ،)7000‬‬
‫ج‬
‫‪.3‬د‪ .‬جالل عبد هللا معوض‪ ،‬الفساد السياسي َف الدول النامية‪ ،‬بريوت‪ُ ،‬ملة دراسات عربية‪ ،‬العدد‬
‫(‪( ،)4‬شباط ‪.)1987‬‬
‫‪.4‬مجال زايدة‪ ،‬مافيا االسترياد ضد تطوير الزراعة‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة األهرام االقتصادي‪ ،‬العدد (‪،)943‬‬
‫(شباط ‪.)1987‬‬
‫‪.5‬د‪ .‬مجعان أاب الرقوش‪ ،‬تزوير البطاقات االئتمانية (عرض ألعمال الندوة اخلاصة بتزوير البطاقات‬
‫االئتمانية)‪ ،‬الرايض‪ُ ،‬ملة األمن واحلياة‪ ،‬العدد (‪( ،)217‬اكتوبر (ت‪.)2000 /)2‬‬
‫‪.6‬جورج طرابيشي‪ ،‬ثنائي الدميقراطية والفساد‪ ،‬لندن‪ ،‬صحيفة احلياة‪ ،‬العدد (‪،)13273‬‬
‫(‪/11‬متوز‪.)1999/‬‬
‫‪.7‬جريمي بوب وفرانك فوجل‪ ،‬لكي تصبح أجهزة مكافحة الفساد أكثر فعالية‪ ،‬واشنطن‪ُ ،‬ملة‬
‫التمويل والتنمية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)37‬العدد (‪( ،)2‬يونية (حزيران) ‪.)2000‬‬
‫ح‬
‫‪.8‬حسين عايش‪ ،‬الفساد وعوامله وعالته وسبل التصدي له‪ ،‬بريوت‪ُ ،‬ملة دراسات عربية‪ ،‬العدد‬
‫(‪( ،)12/11‬أيلول‪ /‬ت‪.)1997 /1‬‬
‫‪.9‬حنان البيلي‪ ،‬الفساد املؤسسي (سلبيات األداء)‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة السياسة الدولية‪ ،‬العدد‬
‫(‪( ،)143‬يناير‪ /‬ك‪.)2001 /2‬‬
‫‪.10‬محدي فؤاد‪ ،‬الفساد َف الدول النامية‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة األهرام االقتصادي‪ ،‬العدد (‪،)840‬‬
‫(‪.)1985/2/18‬‬

‫ر‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.11‬روبرت كليتجارد‪ ،‬استئصال شأفة الفساد‪ ،‬واشنطن‪ُ ،‬ملة التمويل والتنمية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)37‬العدد‬
‫(‪( ،)2‬يونية (حزيران) ‪.)2000‬‬
‫س‬
‫‪.12‬سعيدة شريف‪ ،‬الفقر والطفولة املغربية‪ ،‬صحيفة الشرق األوسط‪ ،‬العدد (‪،)8026‬‬
‫(‪.)2000/11/18‬‬
‫ش‬
‫‪.13‬شادية فتحي‪ ،‬حالة روسيا (أمناط الفساد وتكلفة الفساد) القاهرة‪ُ ،‬ملة األهرام االقتصادي‪،‬‬
‫العدد (‪.)1999/9/9( ،)1600‬‬

‫(‪)286/1‬‬

‫‪.14‬شوقي رافع‪ ،‬عوملة الفساد‪ ،‬الكويت‪ُ ،‬ملة العريب‪ ،‬العدد (‪( ،)481‬ديسمرب (ك‪.)1998 /)1‬‬
‫ظ‬
‫‪.15‬ظافر إبراهيم‪ ،‬فضائح ابجلملة عن عالقة املافيا ابملسؤولني األمريكان والربيطانيني‪ ،‬بغداد‪ ،‬صحيفة‬
‫القادسية‪.)99/10/23( ،‬‬
‫ع‬
‫‪.16‬عبد هللا إمام‪ ،‬الفساد ظاهرة قومية‪ ،‬عمان‪ ،‬صحيفة الرأي األردنية‪ ،‬العدد (‪،)10634‬‬
‫(‪.)99/10/21‬‬
‫‪.17‬د‪ .‬عبد الرمحن أمحد هيجان‪ ،‬مكافحة الفساد اإلداري االسرتاتيجيات واإلمكاانت‪ ،‬الرايض‪،‬‬
‫ُملة األمن واحلياة‪ ،‬العدد (‪( ،)217‬أكتوبر (ت‪.)2000 )1‬‬
‫‪.18‬ل‪ .‬شرطة عبد الوهاب عبد الرزاق التحاَف (احملامي)‪ ،‬غسل األموال جرمية أشياء متحصلة من‬
‫جرمية‪ ،‬بغداد‪ ،‬صحيفة الثورة‪.)2000/6/12( ،‬‬
‫‪.19‬عصام الدين األمحدي‪ ،‬ظاهرة غسيل األموال وآاثرها االقتصادية‪ُ ،‬ملة احتاد املصارف العربية‪،‬‬
‫اجمللد (‪ ،)20‬العدد (‪ ،)237‬أيلول ‪.2000‬‬
‫‪.20‬عصام خريي‪ ،‬اإلدمان االستهالكي العريب يعزز التجارة االلكرتونية‪ ،‬ابريس‪ُ ،‬ملة الوطن العريب‪،‬‬
‫العدد (‪.)2001/9/7( ،)1279‬‬
‫‪ .21‬عصام رفعت‪ ،‬محاية املستهلك قبل خصخصة الكهرابء‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة األهرام االقتصادي‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫العدد (‪.)1999/9/9( ،)1600‬‬
‫‪ .22‬عصام رفعت‪ ،‬مافيا املستوردين وعصاابت املوظفني‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة األهرام االقتصادي‪ ،‬العدد‬
‫(‪.)1985/3/11( ،)843‬‬
‫ف‬
‫‪.23‬د‪.‬فتحي سرور‪ ،‬العوملة والفساد واجلرمية املنظمة‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة األهرام االقتصادي‪ ،‬العدد‬
‫(‪.)1999/9/9( ،)1600‬‬
‫‪.24‬فرانسيس فوكوايما‪ ،‬الرأمسالية والدميقراطية‪ :‬احللقة املفقود‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة الدميقراطية‪ ،‬العدد‬
‫(‪ 1( ،)4‬ب‪.)1992 /‬‬
‫ك‬
‫‪.25‬د‪ .‬كاظم نزار الركايب‪ ،‬الوالايت املتحدة أهم مركز َف العامل لغسيل األموال‪ ،‬بغداد‪ ،‬صحيفة‬
‫العراق‪ ،‬العدد (‪.)2000/1/21( ،)6974‬‬
‫‪.26‬د‪ .‬كرمي حممد محزة‪ ،‬من مثار العوملة االجتار ابلبشر‪ ،‬بغداد‪ ،‬صحيفة الثورة‪ ،‬العدد (‪،)10124‬‬
‫(‪.)2000/10/9‬‬
‫م‬
‫‪.27‬د‪ .‬حممد علي الفرا‪ ،‬الفساد‪ ..‬نظرة عامة َف املفاهيم والدالالت‪ ،‬صحيفة الدستور األردنية‪1 ،‬‬
‫متوز‪.2000 /‬‬

‫(‪)287/1‬‬

‫‪.28‬حممد فائق‪ ،‬حقوق اإلنسان والتنمية‪ ،‬بريوت‪ُ ،‬ملة املستقبل العريب‪ ،‬العدد (‪( ،)251‬ك‪/2‬‬
‫‪.)2000‬‬
‫‪.29‬حممود املراغي‪ ،‬عصر من الفساد (من فساد السفح إَل فساد السلطة)‪ُ ،‬ملة الكتب وجهات‬
‫نظر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬العدد (‪( ،)21‬أكتوبر (ت‪.)2000 /)1‬‬
‫‪.30‬آ‪.‬د‪ .‬حممود عبد الفضيل‪ ،‬الفساد وتداعياته َف الوطن العريب‪ ،‬بريوت‪ُ ،‬ملة املستقبل العريب‪،‬‬
‫العدد (‪( ،)243‬مايس‪.)1999 /‬‬
‫‪.31‬آ‪.‬د حممود عبد الفضيل‪ ،‬من الفساد األصغر إَل الفساد األكرب‪ ،‬بريوت‪ ،‬صحيفة السفري‬
‫اللبنانية‪.2000/3/29 ،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.32‬آ‪ .‬د حممود عبد الفضيل‪ ،‬حماور حصار ظاهرة الفساد والقضاء على تداعياهتا السلبية‪ ،‬بريوت‪/‬‬
‫صحيفة السفري‪.)2000/3/30( ،‬‬
‫‪.33‬آ‪.‬د حممود عبد الفضيل‪ ،‬من الفساد األصغر إَل الفساد األكرب‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة الكتب وجهات‬
‫نظر‪ ،‬العدد (‪( ،)15‬أبريل‪.)2000 /‬‬
‫‪.34‬د‪.‬مظهر حممد صاحل‪ ،‬الفساد َف ظل نظام العوملة بني التزييف األكادميي والتطبيقات الدولية‬
‫الضالة‪ ،‬بغداد‪ُ ،‬ملة احلكمة‪ ،‬العدد (‪ ،)10‬السنة (‪.)1999( ،)2‬‬
‫‪.35‬مي فريد‪ ،‬الفساد رؤية نظرية‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة السياسة الدولية‪ ،‬العدد (‪( ،)143‬يناير‬
‫(ك‪.)2001 /)2‬‬

‫ن‬
‫‪.36‬د‪ .‬نبيل سكر‪ ،‬اإلصالح االقتصادي َف الدول العربية (حالة سورية)‪ ،‬دمشق‪ُ ،‬ملة دراسات‬
‫اسرتاتيجية‪ ،‬العدد (‪( ،)4‬ديسمرب (ك‪.)2000 /)1‬‬
‫‪.37‬نزيرة األفندي‪ ،‬الفساد واإلفساد ظاهرة عاملية‪ ،‬القاهرة‪ُ ،‬ملة األهرام االقتصادي‪ ،‬العدد‬
‫(‪.)1999/9/9( ،)1600‬‬
‫ه‬
‫‪.38‬هادي حسن‪ ،‬دولة الرفاه العربية (من القمع إَل الدعاية)‪ ،‬بريوت‪ُ ،‬ملة املستقبل العريب‪ ،‬العدد‬
‫(‪( ،)268‬حزيران‪.)2001 /‬‬
‫‪.39‬د‪ .‬هاين الياس خضر‪ ،‬التعاون اإلقليمي بني وسط وغرب آسيا‪ ،‬بغداد‪ُ ،‬ملة دراسات‬
‫اسرتاتيجية‪ ،‬العدد (‪.)2000( ،)8‬‬
‫و‬
‫‪.40‬وائل إمساعيل عصفور‪ ،‬بطاقات الوفاء‪ ،‬عمان‪ُ ،‬ملة البنوك األردنية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)18‬العدد (‪،)1‬‬
‫(آذار‪.)1999 /‬‬

‫رابعاً‪ :‬األطاريح والرسائل اجلامعية‬


‫ج‬

‫(‪)288/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪.1‬جالل عبد هللا معوض‪ ،‬عالقة القيادة ابلظاهرة اإلمنائية َف املنطقة العربية‪ ،‬أطروحة دكتوراه غري‬
‫منشورة‪ ،‬مقدمة إَل كلية االقتصاد والعلوم السياسية (جامعة القاهرة)‪.1985 ،‬‬
‫ن‬
‫‪.2‬نبوية علي حممود اجلندي‪ ،‬الفساد السياسي َف الدول النامية مع دراسة تطبيقية للنظام اإليراين‬
‫حىت قيام الثورة اإلسالمية (‪ ،)1978-1941‬رسالة ماجستري غري منشورة مقدمة إَل كلية االقتصاد‬
‫والعلوم السياسية (جامعة القاهرة)‪.1983-1982 ،‬‬

‫خامساً‪ :‬الواثئق والتقارير‬


‫أ‬
‫‪.1‬أمحد السيد النجار‪ ،‬تقرير االجتاهات االقتصادية االسرتاتيجية‪ ،2000 /‬القاهرة‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫السياسية واالسرتاتيجية ابألهرام‪.2001 ،‬‬
‫‪.2‬األمم املتحدة‪ ،‬الفساد َف احلكومة (‪( ، )corruption in government‬تقرير الندوة‬
‫اإلقليمية اليت عقدهتا دائرة التعاون الفين للتنمية ومركز التنمية االجتماعية والشؤون اإلنسانية ابألمم‬
‫املتحدة َف الهاي‪-‬هولندا‪ ،)1989 ،‬د‪ .‬اندر أمحد البوشيخة (مرتجم) عمان‪ ،‬املنظمة العربية للتنمية‬
‫اإلدارية‪.1994 ،‬‬
‫‪.3‬األمم املتحدة‪ ،‬الوثيقة الدولية حلقوق اإلنسان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشعب‪.1981 ،‬‬
‫‪.4‬األمم املتحدة‪ ،‬تقرير اهليئة الدولية ملراقبة املخدرات (‪ )INCB‬لعام (‪ ،)1999‬النمسا‪،‬‬
‫منشورات األمم املتحدة‪.2000 ،‬‬
‫‪.5‬البنك الدويل لإلنشاء والتعمري‪ ،‬تقرير عن التنمية َف العامل ‪( 1997‬الدولة َف عام متغري)‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مركز األهرام للرتمجة والنشر‪.1997 ،‬‬
‫‪.6‬اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغرب آسيا (اسكوا)‪ ،‬تقرير تقيم برامج اخلصخصة َف منطقة‬
‫االسكوا‪ ،‬منشورات األمم املتحدة‪.1999 ،‬‬
‫ص‬
‫‪.7‬صندوق النقد الدويل (فيتو َتنزي)‪ ،‬تقرير مشروع شفافية املالية العامة‪ ،‬واشنطن (‪،)D-C‬‬
‫منشورات الصندوق‪.1998 ،‬‬
‫ي‬
‫‪.8‬يوليوس ك انيريري وآخرون‪ ،‬التحدي أمام اجلنوب (تقرير جلنة اجلنوب)‪ ،‬عطا عبد الوهاب‬
‫(مرتجم)‪ ،‬بريوت مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ديسمرب ‪.1990‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سادساً‪ :‬احملاضرات‬
‫د‬

‫(‪)289/1‬‬

‫‪.1‬د‪ .‬دريد درغام‪ ،‬اآلاثر االقتصادية للفساد‪ ،‬حماضرة ألقيت َف دمشق‪ ،‬مجعية العلوم االقتصادية‬
‫السورية‪ ،‬بتاريخ ‪.1999/9/23‬‬
‫ر‬
‫‪.2‬د‪ .‬رسالن خضور‪ ،‬اآلاثر االقتصادية لظاهرة الفساد‪ ،‬حماضرة ألقيت َف دمشق‪ ،‬مجعية العلوم‬
‫االقتصادية السورية‪ ،‬بتاريخ ‪.1999/9/23‬‬
‫ع‬
‫‪.3‬عبد السالم إبراهيم بغدادي‪ ،‬حماضرات َف التنمية والتخلف‪ ،‬ألقيت على طلبة كلية اآلداب‪ /‬قسم‬
‫التاريخ‪ /‬جامعة بغداد‪.2001-2000 ،‬‬
‫‪.4‬د‪ .‬علي الدين هالل‪ ،‬حماضرات َف التنمية السياسية‪ ،‬ألقيت على طلبة قسم العلوم السياسية‪/‬‬
‫كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ /‬جامعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة القاهرة احلديثة‪.1976-1975 ،‬‬

‫سابعاً‪ :‬البحوث غري املنشورة‬


‫ح‬
‫‪.1‬حافظ علوان محادي الدليمي‪ ،‬النظم السياسية َف أوراب الغربية والوالايت املتحدة األمريكية‪،‬‬
‫بغداد‪ُ ،‬مموعة مذكرات َف النظم السياسية‪.1991 ،‬‬
‫‪.2‬د‪ .‬حسن أبو محود‪ ،‬الفساد ومنعكساته االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬دمشق‪ ،‬املعهد العايل للعلوم‬
‫السياسية‪.2000 ،‬‬
‫ن‬
‫‪.3‬د‪ .‬نبيل سكر وآخرون‪ ،‬مقارنة سوسيولوجية‪ -‬اقتصادية لظاهرة الفساد‪ ،‬دمشق‪ ،‬املعهد العايل‬
‫للعلوم السياسية‪.2000 ،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اثمناً‪ :‬الصحف‬
‫أ‬
‫‪.1‬األهرام (القاهرة)‪.1992/1/14 ،‬‬
‫‪.2‬األهرام (القاهرة)‪.1992/1/22 ،‬‬
‫‪.3‬الثورة (السورية)‪.2000/1/2،‬‬
‫‪.4‬اجلمهورية (البغدادية)‪.1994/5/29،‬‬
‫‪.5‬اجلمهورية (البغدادية)‪.1999/12/1 ،‬‬
‫‪.6‬اجلمهورية (البغدادية)‪ ،‬ملحق عامل احلاسبات واإللكرتونيات‪ ،‬العدد (‪َ )22‬ف ‪.2001/3/16‬‬
‫‪.7‬احلياة (اللندنية)‪.2000/6/26 ،‬‬
‫‪.8‬الدستور (األردنية)‪.2000/6/6 ،‬‬
‫‪.9‬الرأي (األردنية)‪ ،،‬العدد (‪َ )10693‬ف ‪.1999/12/19‬‬
‫‪.10‬الزمن (البغدادية األسبوعية)‪.2000/1/21 ،‬‬
‫‪.11‬الزمن (البغدادية األسبوعية)‪.2001/1/18 ،‬‬
‫‪.12‬الشرق األوسط‪.2000/11/17 ،‬‬
‫‪.13‬العراق (البغدادية)‪.2000/9/29 ،‬‬
‫‪.14‬العراق (البغدادية)‪.2000/11/3 ،‬‬
‫‪.15‬العرب (اللندنية)‪.2000/12/9 ،‬‬
‫‪.16‬اللواء (األردنية)‪.2000/6/28 ،‬‬
‫ب‬
‫‪.17‬اببل (البغدادية)‪.2000/1/31 ،‬‬

‫(‪)290/1‬‬

‫‪ .18‬اببل (البغدادية)‪.2000/2/7 ،‬‬


‫‪ .19‬اببل (البغدادية)‪.2000/2/17 ،‬‬
‫‪ .20‬اببل (البغدادية)‪.2000/5/2 ،‬‬
‫‪ .21‬اببل (البغدادية)‪.2000/5/13 ،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪ .22‬اببل (البغدادية)‪.2000/5/17 ،‬‬
‫‪ .23‬اببل (البغدادية)‪.2000/5/18 ،‬‬
‫‪ .24‬اببل (البغدادية)‪.2000/6/18 ،‬‬
‫‪ 25‬اببل (البغدادية)‪.2000/7/25 ،‬‬
‫‪ .26‬اببل (البغدادية)‪.2000/7/30 ،‬‬
‫‪ .27‬اببل (البغدادية)‪.2000/8/5 ،‬‬
‫‪ .28‬اببل (البغدادية)‪.2000/8/8 ،‬‬
‫‪ .29‬اببل (البغدادية)‪.2000/8/19 ،‬‬
‫‪ .30‬اببل (البغدادية)‪.2000/8/21،‬‬
‫‪ .31‬اببل (البغدادية)‪.2000/9/4 ،‬‬
‫‪ .32‬اببل (البغدادية)‪.2000/9/14 ،‬‬
‫‪ .33‬اببل (البغدادية)‪.2000/10/21 ،‬‬

‫َتسعاً‪ :‬اجملالت‬
‫‪.1‬اجمللة العربية للدفاع االجتماعي‪ ،‬العدد (‪.1997 ،)6‬‬
‫‪.2‬املستقبل العريب‪ ،‬العدد (‪ ،)268‬حزيران ‪.2001‬‬
‫‪ُ.3‬ملة التمويل والتنمية‪ ،‬اجمللة (‪ ،)37‬العدد (‪ ،)2‬حزيران ‪.2000‬‬

‫عاشراً‪ :‬النشرات‬
‫‪.1‬الرشوة‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬بال َتريخ‪.‬‬
‫‪.2‬املنتدى‪ ،‬العدد (‪ ،)91‬أبريل (نيسان)‪.1993 /‬‬

‫حادي عشر‪ :‬برامج حاسوب‬


‫‪.1‬صخر (العاملية للحاسبات)‪ ،‬برانمج القرآن الكرمي (شرح غريب)‪ ،‬قرص ليزري مدمج (‪،)C. D‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬بال َتريخ‪.‬‬

‫اثين عشر‪ :‬متفرقة (إذاعات)‬


‫‪.1‬إذاعة صوت أمريكا الناطقة ابلعربية‪ ،‬تقرير حول اإليدز وآاثره‪ ،‬الساعة (‪ )11.30‬مساء بتوقيت‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بغداد‪ ،‬بتاريخ ‪.2000/10/22‬‬
‫‪.2‬إذاعة صوت أملانيا العربية من كولونيا‪ ،‬الساعة (‪ )10.30‬مساء بتوقيت بغداد‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪.2000/12/18‬‬
‫‪.3‬إذاعة لندن (‪ )B. B. C‬العربية‪ ،‬الساعة (‪ )12.10‬بعد منتصف الليل بتوقيت بغداد‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪.2000/12/22‬‬
‫‪.4‬إذاعة لندن (‪ )B. B.C‬العربية‪ ،‬الساعة (‪ )9.10‬مساء بتوقيت بغداد‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪.2000/12/27‬‬
‫‪.5‬إذاعة لندن (‪ )B. B.C‬العربية‪ ،‬الساعة (‪ )10.15‬مساءاً بتوقيت بغداد الصيفي‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪.2000/4/13‬‬
‫‪.6‬تلفزيون العراق‪( ،‬برامج شريعة محورايب)‪ ،‬الساعة (‪ )6.00‬مساء بتوقيت بغداد الصيفي‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪.2000/6/20‬‬
‫‪.7‬وكالة‬
‫‪.Ruters, 15. Feb. 2000‬‬

‫(‪)291/1‬‬

‫اثلث عشر‪ :‬لقاءات شخصية للباحث‬


‫‪.1‬مع (آ‪.‬د جالل عبد هللا معوض)‪َ ،‬ف القاهرة‪ ،‬مبىن جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬بتاريخ ‪.2001/2/6‬‬
‫‪.2‬مع (آ‪ .‬د حممود عبد الفضيل)‪َ ،‬ف القاهرة‪ ،‬مببىن جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‬
‫بتاريخ ‪.2001/2/6‬‬
‫‪ .3‬مع (آ‪ .‬د مصطفى كامل السيد)‪َ ،‬ف القاهرة‪ ،‬مببىن جامعة القاهرة‪ ،‬مركز دراسات وحبوث الدول‬
‫النامية‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬بتاريخ ‪.2001/2/6‬‬
‫‪.4‬مع (آ‪ .‬د نبيل سكر)‪ ،‬مدير املكتب االستشاري السوري للتنمية واالستثمار واالقتصادي السابق‬
‫لدى البنك الدويل َف دمشق‪ ،‬مبىن املكتب‪ ،‬بتاريخ ‪.2001/1/24‬‬
‫‪-2‬املراجع األجنبية‬
‫‪References‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


B
Benjamin R. Barber, Jehad Vs Mc World, N. Y, Times .1
.Books, 1995
J
John D. Donahue, “Privatization Decision, Public ends, .2
.Private mens.”, N.Y. 1989
K
Caring, Transparency in government operation, & Kopits.3
.Washington (D. C), IMF, 1998
L
Lucian Pye, Aspects of Political Development, Bostn, .4
.Little Brown and Company, 1965
M
Michael Nacht, Internal change and Regime Stability .5
.London, International Institute for strategic studies, 1981
R
R Dohl, Readings in modern political analysis, Engle .6
.wood cliffs, prentice Hall, 1980
S
Sanjeev Gupta and others, Corruption and Military .7
.Spending, Washington D.C, IMF(1), Feb 2000
T
Thomas Wolf, Improving Governance and Fighting .8
Corruption in the Baltic and (CIS) Countries, Washington
.D. C, IMF, 2000
Virginia French Allen and Others, Long man Dictionary .9
.of American English, N. Y, Long man INC, 1983
Vito Tanzi, Corruption Around The World, Washington .10

This file was downloaded from QuranicThought.com


.D. C, IMF, 1998
__________
.International Monetary Fund )1(

)292/1(

Vito Tanzi and Hamid Davoodi, Roads To No Where: .11


How Corruption in public Investment Hurts Growth,
.Washington D. C, IMF, 1998
Articles*
D
David M. Chalmers, Corruption, Encyclopedia .1
.Americana Corporation, Volume 23, 1980
G
Gerard Carney, conflict of intrest, Ti Working paper, .2
.Berling 1998
J
J.Jeam Hecht, Corruption, Encyclopedia International, .3
.Philippines, 1979
Documents*
The Economic and Social Council, Resolution 1998/16,
.Action against corruption
News paper*
I
.international Herald Tribune, 18-19 July 1989.1
P
.P. C Magazine, April 1999.2

This file was downloaded from QuranicThought.com


T
.Ti New Letter, April 2000.3
Electronic Locations*
V
.Vitanzi @ imf. Org.1
W
.WWW. transparency. Org.2
.WWW. imf. Org/Fandd.3
Dictionary*
W
Webster’s II New Riverside Dictionary, N.Y, Houghton
.Mifflin company, 1984
Oxford, English Readers Dictionary, London, Oxford press,
.1959

(((

‫فهرس احملتوى‬

2 ... ... ‫املقدمة‬


2 ... ‫الباب األول دراسة َف األبعاد التارخيية وأبعاد املفهوم‬
CORRUPTION ... 2 ‫الفصل األول الفساد‬
2 ... ‫ البعد التارخيي للفساد‬1
2 ... ‫ بُ ْع ُد املفهوم‬2
REFORM ... 2 ‫الفصل الثاين اإلصالح‬
2 ... ‫ البعد التارخيي لإلصالح‬1
2 ... ‫ بعد املفهوم‬2
2 ... ‫ أمناط الفساد مالمح الفساد وطبيعته‬:‫الباب الثاين‬

This file was downloaded from QuranicThought.com


‫الفصل األول الفساد االجتماعي ‪2 ...‬‬
‫‪ )1‬فضائح كبار مسؤويل الدول األخالقية‪2 ... .‬‬
‫‪ )2‬بروز شبكات الرقيق األبيض‪2 ... :‬‬
‫‪ )3‬استغالل األطفال َف األعمال الالأخالقية و(جتارة األطفال)‪2 ... :‬‬
‫الفصل الثاين الفساد اإلداري ‪2 ...‬‬
‫أوالً الرشوة‪2 ... :‬‬
‫اثنياً احملاابة واحملسوبية (‪Favoritism): ... 2 & Nepotism‬‬
‫اثلثاً االحتيال (النصب) ‪Fraud: ... 2‬‬
‫الفصل الثالث الفساد االقتصادي ‪2 ...‬‬
‫الفصل الرابع الفساد السياسي ‪2 ...‬‬
‫‪ 1‬فساد القمة ‪(Top - Corruption): ... 2‬‬
‫‪.2‬فساد اهليئات التشريعية والتنفيذية‪2 ... :‬‬

‫(‪)293/1‬‬

‫‪-3‬الفساد السياسي من خالل شراء األصوات وتزوير االنتخاابت وفساد األحزاب السياسية وقضااي‬
‫التمويل‪2 ... :‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬املتغريات املؤثرة َف ازدايد الفساد َف عامل الشمال واستشرائه َف عامل اجلنوب ‪2 ...‬‬
‫الفصل األول متغري الثورة التقانية‪ ،‬وثورة االتصاالت وعالقته ابلفساد ‪2 ...‬‬
‫أوالً‪/‬حاالت الفساد والتزوير ضمن آليات عمل وسائل االتصال ‪2 ...‬‬
‫اثنياً ‪/‬االخرتاق عرب وسائل االتصال ‪2 ...‬‬
‫اثلثاً ‪/‬إشكالية اخرتاق نظم االنتخاابت عرب ثورة املعلومات واالتصاالت ‪2 ...‬‬
‫الفصل الثاين الفساد واخلوصصة ‪2 ...‬‬
‫الفصل الثالث ازدايد الفساد واستشراؤه خالل منطق حترير التجارة وحرية انتقال األشخاص‬
‫واألموال والسلع عرب احلدود ‪2 ...‬‬
‫الفصل الرابع الثغرات القانونية وضعف دور الرقابة على كبار املسؤولني العموميني واملوظفني َف‬
‫الدول ‪2 ...‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الباب الرابع‪ :‬النتائج السلبية للفساد ‪2 ...‬‬
‫الفصل األول أثر الفساد َف التنمية ‪2 ...‬‬
‫الفصل الثاين أثر الفساد َف السيادة وسداد الديون اخلارجية والنظام العام ‪2 ...‬‬
‫حمور‪ :‬أثر الفساد على السيادة وسداد الديون اخلارجية ‪2 ...‬‬
‫حمور‪ :‬أثر الفساد على النظام العام ‪2 ...‬‬
‫الفصل الثالث أثر الفساد َف الكفاية وقيم اجملتمع ‪2 ...‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬سبل مواجهة الفساد ‪2 ...‬‬
‫الفصل األول سبل املواجهة َف الصعيد الداخلي ‪2 ...‬‬
‫الفرع األول ‪2 ...‬‬
‫الفرع الثاين‪2 ... :‬‬
‫الفرع الثالث‪2 ... :‬‬
‫نظام األمبودمسان أو املفوض العام‪(Ombudsman System) ... 2‬‬
‫‪-1‬االستقاللية ‪Independency ... 2‬‬
‫‪-2‬سلطة التحقيق ‪Investigatory power ... 2‬‬
‫‪-3‬الشخصية ‪ Personality‬واملرونة ‪ Flexibility‬وإمكانية االتصال‬
‫‪Accessibility: ... 2‬‬
‫‪-4‬السرعة والصالحيات ‪Speed ... 2 & Jurisdiction‬‬
‫الفرع الرابع ‪2 ...‬‬
‫‪-2‬تنشيط فرص اإلصالح ‪2 ...‬‬
‫الفصل الثاين سبل املواجهة على الصعيد اخلارجي ‪2 ...‬‬
‫‪-1‬تنسيق اجلهود بني اجلنوب –اجلنوب لكبح الفساد ‪2 ...‬‬
‫‪-2‬تنسيق اجلهود بني الشمال‪ -‬اجلنوب لكبح الفساد (الشفافية الدولية ‪ Ti‬أمنوذجاً) ‪2 ...‬‬
‫‪-3‬اجلهود َف نطاق املنظمات غري احلكومية‪ /‬الشفافية الدولية‬
‫(‪( )Ti‬منوذجاً) ‪2 ...‬‬

‫(‪)294/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اخلامتة ‪2 ... ...‬‬
‫املراجع ‪2 ... ...‬‬
‫فهرس احملتوى ‪2 ...‬‬
‫السرية الذاتية للباحث ‪2 ...‬‬

‫(((‬

‫السرية الذاتية للباحث‬

‫االسم عماد صالح عبد الرزاق الشيخ داود‬


‫التولد‪ /‬بغداد‪.1963-‬‬
‫املهنة‪ /‬مدرس مساعد َف وزارة التعليم العايل‪ /‬العراق‬
‫الشهادة‪/‬‬
‫‪-‬حاصل على شهادة البكالوريوس َف العلوم السياسية‪ /‬جامعة بغداد (‪)1998-1997‬‬
‫‪-‬حاصل على ماجستري العلوم السياسية ‪/‬النظم السياسية‪ .)2-1( /‬من جامعة بغداد‪.‬‬
‫العضوية َف اجلمعيات‬
‫‪-‬عضو نقابة املعلمني‪ /‬العراق‪.‬‬
‫‪-‬عضو اجلمعية العراقية للعلوم السياسية‪.‬‬

‫((‬

‫(‪)295/1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬

You might also like