You are on page 1of 5

‫المحاضرة العاشرة‪ :‬التناول النفسي لعملية االتصال‬

‫إن تحدي د العوام ل النفس ية ال تي ت ؤثر وتغ ير في األداء اللغ وي‪ ،‬أو ال تي تق ع خل ف‬
‫الكف اءة اللغوي ة باالص طالح التشومس كي‪ ،‬ه و الموض وع ال رئيس له ذا العلم‪ .‬فالعالق ة بين‬
‫اللغ ة والنفس البش رية‪ ،‬أو بين اللغ ة والعق ل البش ري‪ ،‬هي االهتم ام األس اس أو الع ام لعلم‬
‫اللغة النفسي‪.‬‬
‫فاهتم ام علم اللغ ة النفس ي واق ع على عملي ة الكالم كك ل‪ ،‬بم ا فيه ا ني ة اإلبالغ ل دى‬
‫المتكلم‪ ،‬وم ا يتبعه ا من عملي ة الترم يز المرس لة ال تي تتف ق وأه داف المتكلم وتتماش ى م ع‬
‫مقاص د‪ ،‬لينتهي عن د عملي ة االلتق اط – الرم وز –‪ ،‬ومحاول ة تحليله ا وفهمه ا من قب ل‬
‫المستمع‪.‬‬
‫وإ ذا ك ان علم اللغ ة يختص بدراس ة المس توى الص وتي وإ ص دار الكالم أو ب األحرى‬
‫الصوت‪ ،‬وذلك بانطالق الهواء من الرئتين بضغط من الحجاب الحاجز‪ ،‬ومرورا بالقصبة‬
‫الهوائية والحنجرة والحلق والفم انتهاء بالشفتين‪ ،‬ومن ثمة انتقال هذا الصوت إلى المستمع‬
‫بهذه الموجات والعمليات السمعية التي تجعله قادرا على التقاط الصوت عبر الهواء‪ .‬فعلم‬
‫اللغة النفس ي يبحث في العملي ات العقلية ال تي يقوم به ا المس تقبل للكالم بفك شفرة الرموز‬
‫الص وتية لغاي ة فهم المقص ود وإ دراك ه‪ ،‬والبحث عن الق درة ال تي يمتلكه ا المتكلم والس امع‬
‫على إنت اج اللغ ة وفهمه ا‪ .‬وذل ك عن طري ق امتالك ه لمجموع ة من االس تعدادات والقواع د‬
‫النحوي ة‪ ،‬وال تي تمكن ه من إنت اج ع دد ال نه ائي من الجم ل‪ ،‬وه و م ا يمث ل ج وهر النظري ة‬
‫التشومسكية التوليدية‪.‬‬
‫إن تحدي د اهتمام ات علم اللغ ة النفس ي ومج االت البحث في ه‪ ،‬إنم ا يك ون ب النظر إلى‬
‫المش كالت ال تي يطرحه ا والحل ول ال تي يقترحه ا له ذه المش كالت‪ ،‬أو من خالل اإلجاب ات‬
‫ال تي تش غل ب ال الب احثين‪ .‬وق د تص ور ه ؤالء تس اؤالت كث يرة تص ب في ه ذا االهتم ام‪،‬‬
‫ويمكننا عرضها كما يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ما العمليات العقلية التي يتمكن بها الناس من قول ما يريدون قوله‪ .‬أي كي ف يستطيع‬
‫الفرد استخدام معرفته اللغوية حين إنتاج الكالم وفهمه؟ وهذا يرتبط بالوظيفة التي تؤديها‬
‫اللغة حين نتكلم ونسمع ونقرأ ونكتب‪ ،‬وربما حين نفكر‪ .‬وما العمليات العقلية التي يتمكن‬
‫بها الناس من إدراك وفهم ما يسمعونه‪ ،‬أي إدراك الكالم؟‬
‫‪-‬وكيف يمكن للفرد اكتساب المعرفة اللغوية والقدرة التي تمكنه من استخدامها؟ ويع ود‬
‫اهتم ام اللس انيات النفس ية بظ اهرة اكتس اب اللغ ة إلى تأثره ا بنظري ة القواع د التوليدي ة‬
‫لتشومسكي‪ ،‬والذي يرى أن األطفال يولدون وهم مزودون بقدرة فطرية للمبادئ الصورية‬
‫التي تحدد التراكيب النحوية في جميع اللغات‪ .‬هذه القدرة الفطرية أو (المعرفة النظرية)‬
‫هي عم اد اكتس اب اللغ ة وس رعتها ل ديهم‪ .‬وفي ه ذا الس ياق يس عى علم اللغ ة النفس ي إلى‬
‫"دراسة المؤثرات النفسية التي تعصف بهذا االكتساب سلبا وإ يجابا‪ ،‬وكذلك الوقوف على‬
‫المه ارات العقلي ة"‪ ،‬وأيض ا يه دف إلى "دراس ة العالق ة بين اللغ ة والفك ر"‪ .‬وأيض ا عملي ة‬
‫االكتس اب و"كيفي ة فهم الجم ل والكلم ات وس رعة الفهم وخط وات الفهم وعوام ل ص عوبة‬
‫الفهم"‪.‬‬
‫‪ -‬التع رف على ت ركيب ال ذاكرة من الناحي ة اللغوي ة‪ ،‬وطبيع ة الت ذكر وعملي ة‬
‫اخ تزان األلف اظ والمف ردات في ال ذاكرة‪ ،‬وه و م ا يطل ق علي ه اس م "المعجم ال ذهني"‪.‬‬
‫وأيض ا التع رف على "أس لوب اس تدعاء المخ زون اللغ وي من ال ذاكرة"‪ ،‬ومن ه كي ف تتم‬
‫عملية اختيار المتكلم للمفردات التي يحتاجه ا للتعبير عن أفك اره وتوص يلها إلى الطرف‬
‫اآلخ ر بطريق ة ت ؤدي إلى فهمه ا في س هولة ويس ر؟ وكي ف يمكن للمس تمع أن يحل ل‬
‫األص وات ال تي يلتقطه ا إلى وح دات ح تى يمكن ه التوص ل إلى المع نى أو المع اني ال تي‬
‫يريدها المتكلم؟ فمجال علم اللغة النفسي إذن دراس ة العملي ات العقلية عن د المتحدث قبل‬
‫صدور اللغة وعند صدور اللغة من قب ل المتكلم‪ ،‬وي درس االكتس اب واإلدراك لديه وفق‬
‫المستويات الصوتي والصرفي والنحوي والداللي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫نظرية شانون في االتصال‪:‬‬
‫كل ود ش انون ووارن ويف ر وض عا إط ارا خاص ا أو نموذج ا ال ذي يص ور مف اهيم‬
‫االتص ال وعناص ره المختلف ة‪ ،‬وه ذا النم وذج يعت بر من أك ثر نم اذج االتص ال الموج ودة‬
‫ت أثيرا في معظم الج وانب والمج االت‪ ،‬وعلى جمي ع المش تركين في العملي ة االتص الية ال تي‬
‫تعتمد عليه‪.‬‬
‫ويقوم هذا النموذج على وجود فكرة رئيسية أساسية‪ ،‬التي تكون موجودة أو تبدأ عند‬
‫مصدر المعلومات الذي تخرج منه الرسالة المرغوبة من بين مجموعة كبيرة من الرسائل‬
‫الممكنة‪ ،‬وتحمل إلى المرسل خالل قناة اتصال مثل الصوت اإلشارات المختلفة والصور‪،‬‬
‫حيث توض ع في رم وز ‪ encoding‬على ش كل إش ارة وبع دها تنتق ل ه ذه اإلش ارة بمس اعدة‬
‫أداة اتص ال معين ة إلى المس تقبل‪ ،‬ال ذي يتلقاه ا أو يق وم بعملية ف ك ه ذه الرم وز عن طري ق‬
‫عملية تسمى ‪ decoding‬وبعد عملية فك الرموز هذه‪ ،‬تمر إلى الهدف ‪ ،destination‬أي أن‬
‫أساس النشاط الذي يقوم به طرفي العملية‪ .‬يكون على المرسل أن يضع أو يصوغ الفكرة‬
‫الرئيس ة في رم وز معين ة‪ ،‬وعلى المس تقبل أن يق وم بعملي ة ف ك له ذه الرم وز وإ عادته ا إلى‬
‫الفكرة األساسية‪.‬‬
‫وفي مثل هذا الوضع الذي يوجد في عملية االتصال أي الترميز والنقل والفك‪ ،‬يجب‬
‫على مصدر المعلومات أن يضع في اعتباره وجود تشويش أو ضوضاء‪ .‬أو تداخل الذي‬
‫من الممكن أن يحدث نتيجة لعوامل معنوية أو نفسية أو آلية‪ ،‬وعندما يحدث مث ل التشويش‬
‫أو الضوضاء والرسالة في طريقها من المرسل إلى المستقبل يؤثر تأثيرا سلبيا في عملية‬
‫االتص ال‪ ،‬إلى ح د أنه ا تك ون عرض ة للفش ل في تحقي ق أه دافها أو أنه ا تك ون عرض ة‬
‫للتحريفات واألخطار المحددة‪ ،‬مما يؤكد على وجود اضطراب وعدم الق درة على الوص ول‬
‫إلى الغاية المنشودة من عملية االتصال‪ .‬من هنا نرى مدى وأهمية االبتعاد عن المؤثرات‬
‫السلبية وأهمية وصول الرسالة بصورة واضحة ومحددة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫واألمثل ة على ذل ك كث يرة ن ذكر منه ا‪ ،‬ح دوث أش ياء أو ت داخل ال ذي من ش أنه أن‬
‫يص رف المس تقبل عن تلقي اإلش ارات والرموز ال تي تص ل إليه مع الرس الة‪ ،‬المرسلة‪ ،‬أو‬
‫حدوث ضجة مفاجئة التي تؤثر على عملية االستماع والتركيز واالنتباه‪ ،‬أو عدم الدقة في‬
‫الكتابة‪ ،‬التي تؤدي إلى الفهم الخطأ ومنه الوقوع في أخطاء أخرى عند رد الفعل‪.‬‬
‫ولكي نعالج مشكل التشويش وتأثيره في العملية االتصالية يجب إتباع طريقة اإلعادة‬
‫أو التك رار للمعلوم ات المرس لة‪ ،‬وذل ك بقص د إعط اء الفرص ة الكافي ة للمس تقبل للقي ام في‬
‫التق اط اإلش ارة بش كل ص حيح‪ ،‬ولكن يجب أن ال ننس ى أن عملي ة التك رار ق د تس بب المل ل‬
‫لدى المستقبل‪ ،‬والملل بدوره يؤدي إلى عدم االنتباه والشرود الذهني‪ ،‬واالتج اه إلى مش اغل‬
‫أخرى وفي نهاية األمر إلى تعطيل فهم الرسالة وعملية االتصال‪ ،‬أيضا وجود الرجع أو‬
‫التغذية ‪ Feed back‬يعتبر من المفاهيم والجوانب التي لها أهمية في عملية االتصال؛ ألنها‬
‫تش ير إلى ح دوث االتص ال بص ورة ص حيحة وس ليم وخالي ة من المعوق ات‪ ،‬باإلض افة إلى‬
‫كونه ا تعطي للمرس ل فك رة عن م دى اس تجابة وت أثر المس تقبل بالرس الة وقبول ه له ا أو‬
‫رفض ها‪ ،‬والقب ول يع ني الفهم واالس تفادة وال رفض‪ ،‬يع ني فش ل الرس الة في الوص ول إلى‬
‫المستقبل‪ ،‬وتأثيره فيه وعدم تحقيق األهداف منها‪.‬‬
‫وعلى ه ذا النم وذج أدخ ل تع ديال بحيث أخ ذ في االعتب ار الحقيق ة ال تي تق ول إن‬
‫االتصال عندما يكون في أشكال كبيرة ينظر إليه وكأنه عملية تدفق للمعلومات أو الرسائل‬
‫من خالل مجموعة من القنوات‪ ،‬لذا فإن االهتمام األول والكبير ال يعطي للكفاءة في عملي ة‬
‫الترميز أو تسهيالت النقل والتغلب على التشويش‪ ،‬بل تعطي األهمية األولى والكب يرة لع دم‬
‫االس تمرارية وانقط اع تواص ل المعلوم ات‪ ،‬ولعملي ة االختب ار ال تي تح دث ه ذه النق اط‬
‫المختلف ة‪ ،‬مث ل االختي ار ال ذي يحث عن د المص در أو في مرحل ة النق ل واإلرس ال أو في‬
‫المراح ل المختلف ة ال تي ترس ل فيه ا الرس الة‪ ،‬وتض م الرس ائل ونقط ة وص ول الرس الة‬
‫للمستقبل واستقباله لها‪ ،‬كيف يكون وفي أي وضع‪.‬‬

‫‪4‬‬
5

You might also like