Professional Documents
Culture Documents
مسؤولية الأمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب.
مسؤولية الأمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب.
تحت عنوان:
د .عبد العالي اجناح :أستاذ التعليم العالي بكلية متعددة التخصصات بني مالل......................................................عضوا
د .جواد لعسري :أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية المحمدية...............................عضو
ح
سم الله الرحمان الر مي ب
2
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
اهداء
إلى الينبوع الدي لا يمل العطاء إلى من حاكت سعادتى بخبوط منسوحة من قلب اه
إلى روح اتى الدي وافية إلميية وانا انابع دراسيى فى السية إلخامسة من البعليم الابيدا ىت
اخواتى العاليات
عل م إلخي ل سي إل هق ي حمعيي ب
إلى كل الاصد اء الد ن ى م دروت اة ،إ ى الا اد رم واد ري ا دي
ل س خ خت
م ي
اكن له كل السكر والبقدير عرقانا ودابة،
هج
3
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
ك
ة رس م لك
4
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
❖ باللغة العربية:
• ج.ر :الجريدة الرسمية
• ص :صفحة
• م.س :مرجع سابق
• م.م :المسطرة المدنية
• م.م.إ.م.ن :المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية
• ق.ل.ع :قانون اإللتزمات والعقود.
• مح.م :محاكم مالية
• ن.م :نفس المرجع
❖ باللغة الفرنسية:
• B.O : BULTTIN OFFICIEL
• C.C : COURS DES COMPTE
• ED : EDITION
• P : PAGES
• C.R.C : COURS REGIONAL DES COMPES
• ART : ARTICLE
• IBID : MEME REFERENCE
5
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
مقدمة:
خالل العشر سنوات األخيرة ،عرف المغرب عدة إصالحات جوهرية تروم إلى تدعيم
الشفافية وتحسين تدبير المالية العمومية ،وذلك من خالل توطيد األسس التشريعية ،المهيكلة
والمؤسساتية بهدف الرفع من مستوى األداء اإلداري والمالي ،وترسيخ ثقافة المرفق العام،
ومحاربة مظاهر الفساد المالي واإلداري وتكريس الحكامة الجيدة ،من خالل ربط المسؤولية
بالمحاسبة في مجال تدبير الشأن العام على الصعيد المركزي والترابي.
وقد شكلت التوجيهات الملكية السامية بهذا الخصوص المنطلق والمرجع لمختلف
اإلصالحات وعلى ضوئها سارت الحكومة بعد اعتماد إطار المرجعي للعمل تمثل في " ميثاق
حسن التدبير" الذي استهدف باألساس توفير مرجعية مشتركة للمصالح العمومية في مجال
التدبير ،ونشر ثقافة المرفق العام من خالل إرساء مقاربة حديثة لتخليق اإلدارة وتحسين أداء
الفاعلين فيها.
ويعتبر المال العام عماد النشاط االقتصادي للدولة الحديثة ،فاألموال العمومية هي الوسيلة
الرئيسية إلنجاز برامج الدولة في مختلف المجاالت ،إذ ال يمكن أن نتصور دولة بدون األموال
العمومية ،الشيء الذي يستدعي اتخاذ جميع اإلجراءات والتدابير من أجل حمايتها من الفساد
والتبذير وسوء االستغالل .وتشكل الرقابة العليا على األموال العمومية في كل المجتمعات
الديمقراطية أحد الركائز األساسية التي يقوم عليها طرح الحكامة الجيدة في كل تجلياته المالية
واالقتصادية واالجتماعية وحتى القضائية.1
- 1محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون
العام ،بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة ،برسم السنة الجامعية ،2013-2012ص .2
6
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
من هنا ،يظهر الدور المهم الذي تلعبه المحاكم المالية في حماية المال العام ،في ظل
التحوالت العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي ،إذ أن إشكالية الرقابة بمختلف تلويناتها تعد
اإلشكالية المحورية في مختلف النقاشات السياسية واالجتماعية واالقتصادية.
وبدون الحديث عن النقاش الفقهي والقانوني حول الطبيعة القانونية للمحاكم المالية ،من هنا
يمكن القول بأن المجلس األعلى للحسابات يعتبر الهيئة العليا للرقابة على المال العام على
المستوى المركزي ،في حين تتولى الجالس الجهوية الرقابة على المستوى الترابي.2
ويعتبر المجلس األعلى للحسابات ،الذي يضمن الدستور استقالله ،الجهاز األعلى للرقابة
على المالية العمومية بالمملكة المغربية ،حيث يتولى مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة
الجيدة والشفافية والمحاسبة ،بالنسبة للدولة واألجهزة العمومية.3
ويعكس هذا المقتضى الدستوري ،الذي يعتبر تتويجا للتطور التاريخي الذي عرفه نظام
الرقابة العليا على المالية العمومية بالمغرب ،أهمية هذه الرقابة في بناء دولة الحق والقانون
وترسيخ مستلزمات الحكامة الجيدة والشفافية والديمقراطية ،إذ يتم التركيز في أدبيات األجهزة
العليا للرقابة على المالية العمومية على أن الهدف األساسي الذي أنشئت من أجله هذه األجهزة
هو تحسين التدبير المالي العمومي ،وذلك من خالل حث المدبرين العموميين على ضمان
الشرعية وتحقيق الفعالية والنجاعة والكفاءة في تدبيرهم.
وطبقا لمقتضيات المادة الثانية من النظام األساسي للمنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة
المالية والمحاسبة (األنتوساي) ،4فإن هذه الرقابة " يمارسها كل جهاز عال ،أيا كانت تسميته
وطريقة انتمائه وتنظيمه ،يعهد إليه بمقتضى الدستور أو القانون ممارسة الرقابة على
- 2بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الماستر
تخصص العلوم اإلدارية والمالية ،بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سويسي برسم السنة الجامعية -2019
،2020ص .1
- 3الفصل 147من الدستور المغربي ،الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.11.91الصادر بتاريخ 29يوليوز ،2011
الجريدة الرسمية عدد 5964مكرر ،الصدر بتاريخ 30يوليوز ،2011ص .6301
- 4المنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (األنتوساي) .هي منظمة غير حكومية مستقلة وغير سياسية تأسست
عام 1953من طرف األجهزة الرقابة العليا علة المالية العمومية للدول األعضاء المشاركة في هيئة منظمة األمم المتحدة
أو إحدى وكاالتها المتخصصة .وتهدف هذه المنظومة إلى دعم وتشجيع تبادل اآلراء والخبرات بين األجهزة األعضاء في
مجال الرقابة األموال العمومية .وقد أصبحت هذه المنظمة منذ سنة 1968منظمة استشارية لهيئة األمم المتحدة ،وتم تكيفها
رسميا باإلشراف على أعمال تدقيق ومراجعة الحسابات منظماتها .انظرhttp//www.intosai.org/fr/sur-
lintosai.html.
7
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
المالية العمومية ،ويزود الجهاز التشريعي بصفته الهيئة التي تعتمد ميزانية الدولة
وحساباتها الختامية أو الحكومية بصفتها المشرفة على قيام األجهزة التنفيذية بمسؤوليتها
أو كليهما بالمعلومات المتعلقة بكيفية اإلدارة واستعمال تلك األموال".
وقد عرفت منظومة الرقابة على المال العام في المغرب تطورا تدريجيا سواء بالنسبة
لألجهزة المكلفة بها ،أو بالنسبة لطبيعة الصالحيات المسندة لها على مستوى مختلف المجاالت
تدخلها.
وتشكل الرقابة على تنفيذ قانون المالية آخر مرحلة يمر منها أي قانون مالي بعد مرحلتي
اإل عداد والمصادقة ،وهي مرحلة متزامنة لمرحلة التنفيذ ،والتي تهدف للتحقق من سالمة
العمليات المتعلقة بمداخيل ومصروفات األجهزة الخاضعة لرقابته بمقتضى القانون ،إذ من
خاللها يتسنى للهيئات الرقابية ضمان تنفيذ العمليات المالية المبرمجة بالشكل الذي يطابق
المأذون به قانونا ،ويحول دون المساس بالمال العام واختالسه أو ضياعه.
كما تمثل الوسيلة الفعالة لمراقبة كيفية تحصيل األموال العامة وكيفية إنفاقها ،بغية ترشيد
استغالل الموارد المالية المتاحة للمجتمع .وتستهدف هذه الرقابة رفع مستوى األداء وتجنب
كل تبذير أو إسراف للمال العام.5
وتتعدد األجهزة الرقابية المنوط بها هذه المهمة بحسب الدور الرقابي الذي يقوم به كل
جهاز والزمن المحدد له ،وتنقسم أنواع الرقابة إلى ثالثة أقسام :المراقبة اإلدارية والمراقبة
السياسية ثم المراقبة القضائية التي هي مثار البحث الحالي باعتبارها تجسيدا للمراقبة الخارجية
المستقلة عن السلطة التنفيذية كإحدى آليات تعزيز مبدأ الفصل بين السلط المنصوص عليه في
الفصل األول من دستور ،2011خاصة ما يرتبط بمسؤولية اآلمر بالصرف أما المحاكم
المالية بالمغرب الشيء الذي سيساهم في استتباب األمن المالي ،من خالل دراسة أوجه
المسؤولية التي يتعرضون لها اآلمرون بالصرف.
وتعتبر الرقابة القضائية نوعا من أنواع الرقابة المالية التي يقوم بها جهاز متخصص،
يكتسب الطابع القضائي في كل ما يتضمن هذا الطابع من صفات ،سواء من حيث اإلجراءات
- 5عبد النبي اضريف ،كتاب القانون الميزانية الدولة على ضوء القانون التنظيمي للمالية .130.13
8
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
أو الحكم أو الحسم ،كما هو الحال في المحاكم العادية ،وتختلف جهة الرقابة المالية القضائية
عن الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة التي تمارسها المحاكم اإلدارية ،فالرقابة المالية
القضائية هي التي تتوالها أجهزة إدارية ذات الطابع القضائي ،وينحصر عادة االختصاص
القضائي ألجهزة الرقابة المالية القضائية في الحكم على الحسابات ،والحكم بالغرامة في
التصرفات المالية الخاصة وباألموال العامة ،وفي المغرب فإن هذه المهمة أسندت دستوريا
للمجلس األعلى للحسابات باعتباره الهيئة العليا المكلفة بمراقبة المالية العمومية.
فبالنسبة للمغرب فإنه اعتمد نظام الرقابة المالية قبل الحماية ،وهو نظام يستمد أحكامه
وقواعده من الشريعة اإلسالمية ويتمثل في نظام الحسبة ووالية المظالم ،كما أن السلطان
الحسن األول قام بإصالحات مالية حول بموجبها أمين األمناء إلى الوزير المالية وجعله
المسؤول عن بيت المال ومصاريف الموظفين ،بحيث يقدم هذا األخير الئحة إلى أمين السر
الذي يقوم بالصرف ،وعمل السلطان كذلك على الزيادة في األجور المسؤولين عن المالية من
أجل إعانتهم على التعفف عن الرشوة التي كانت تنخر جهاز اإلدارة آنذاك.6
أما في عهد الحماية الفرنسية وفي إطار التغييرات التي أحدثتها سلطات الحماية للنظام
اإلداري المغربي ،تم إلغاء مؤسسة األمناء وتعويضها بتقنيات المراقبة العصرية بشكلها
المعروف آنذاك في فرنسا ،وذلك من خالل تبني فكرة الميزانية العامة وإحداث خزينة عمومية،
حيث تم ابتداءا من سنة 1912إحداث المديرية العامة للمالية ،كما تم إحداث مراقبة االلتزام
بنفقات الدولة 7كمراقبة سابقة لمواجهة بعض الخروقات المالية التي بدأت في الظهور ،وعمدت
السلطات الفرنسية إلى ربط هذه اآلليات بمركز القرار في فرنسا عندما أخضعت جميع
المعامالت والحسابات المالية المغربية لرقابة محكمة الحسابات الفرنسية.
وأما بعد اإلستقالل ،أسندت هذه الرقابة إلى اللجنة الوطنية للحسابات المحدثة بموجب
ظهير 14أبريل .19608وكانت هذه اللجنة تتولى مهمة تصفية حسابات المحاسبين العموميين
- 6مدني أحميدوش ،المحاكم المالية بالمغرب دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة ،مطبعة فاضلة ،المحمدية 2003 ،1. ،ص.
.10-11
7 -dahir 20 décembre 1921. Instituant le contrôle des engagement de dépenses CED.
- 8الظهير الشريف رقم 1.59.270الصادر بتاريخ 14أبريل ،1960الجريدة الرسمية عدد 2478بتاريخ 22أبريل
،1960ص.1349.1347 :
9
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
من خالل التأكد من مدى شرعية العمليات المسجلة بها .غير أن دورها ظل محدودا لكونها
مارست رقابة محاسبية الحقة ذات طبيعة إدارية محضة ،فضال عن كونها كانت تعاني من
ضآلة اإلمكانيات البشرية والمادية.
وفي هذا اإلطار ،تم إنشاء المجلس األعلى للحسابات بمقتضى القانون 12.79الصادر
بتاريخ 14شتنبر ،19799باعتباره الهيئة العليا المكلفة برقابة األموال العمومية في المغرب
حيث عهد إليها بالنظر في حسابات المحاسبين العموميين واآلمرين بالصرف ،وممارسة
اختصاصات قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،ثم تقويم األجهزة
الخاضعة لها.
وفي خضم الدينامية التي انخرط فيها المغرب إلصالح منظومة التدبير العمومي ،التي
شملت مختلف الميادين المالية واالقتصادية والمؤسساتية ،حظيت الرقابة العليا على المالية
العمومية بعناية خاصة ،كما تعكس ذلك المراجعة الدستورية لسنة ،101996التي ارتقت
بالمجلس األعلى للحسابات إلى مصاف المؤسسات الدستورية ،فضال عن إحداث المجالس
الجهوية للحسابات في إطار تدعيم سياسة الالمركزية ،وتطبيقا لهذه المقتضيات الدستورية.
وفي ظل هذه التحوالت ،فقد صدر القانون 1162.99الصادر 2002الذي حدد نطاق عمل
المحاكم المالية بالمغرب ،والضمانات المخولة لقضاتها واإلجراءات المتخذة في ممارسة هذا
التخصص ،والذي اعتبر مدخال إلصالح األصلي للقانون رقم 12.79الذي كان ينظم سابقا
المجلس األعلى للحسابات ،وقد أضاف بعد ذلك المجالس الجهوية ،وإدماج المقتضيات الخاصة
بالنظام األساسي لرجال القضاة المحاكم المالية التي كانت موضوع القانون .1228.80
هكذا ،وفي إطار مواصلة اإلصالحات التي تهدف إلى المساهمة اإليجابية في عقلنة
وترشيد استعمال الموارد العمومية بشكل األمثل ،وفي سياق اقتصادي ومالي يفرض تحسين
- 9ظهير شريف رقم 1.79.175بتاريخ 22شوال 14(1399شتنبر ،)1979الصادر بتنفيذ القانون رقم 12.79المتعلق
بالمجلس األعلى للحسابات ،الجريدة الرسمية عدد ،3490الصادر بتاريخ 20شتنبر ،1979ص .2142
- 10تم تخصيص الباب العاشر من الدستور المراجع لسنة 1996للمجلس األعلى للحسابات.
- 11القانون 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم ،1.02.124بتاريخ فاتح ربيع اآلخر
13(1423يونيو ،)2002الجريدة الرسمية عدد ،5030الصادر بتاريخ 15غشت ،2002ص .2294
- 12الظهير الشريف رقم ،1.80.383الصادر بتاريخ 17صفر 25 ( 1401دجنبر ،)1980الصادر بتنفيذ القانون رقم
28.80المتعلق بالنظام األساسي لقضاة المجلس األعلى للحسابات ،الجريدة الرسمية عدد ،3560الصادر بتاريخ 21يناير
،1981ص .88
10
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
األداء سواء على المستوى الوطني أو الدولي ،والمرتبطة أساسا باألزمة الصحية العالمية
وتداعياتها على االقتصاد الوطني ،وقد عزز دستور المملكة لسنة 2011المكانة الدستورية
للمحاكم المالية( ،المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات) ،من خالل منح
المحاكم المالية نوعين من اإلختصاصات في مجال الرقابة (اختصاصات قضائية وغير
القضائية) ،فضال عن تكريس مجموعة من االختصاصات طبقا لمقتضيات الفصل " 148يقدم
المجلس االعلى للحسابات ،مساعدته للبرلمان في المجاالت المتعلقة بمراقبة المالية العامة،
ويجيب عن األسئلة واالستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم
المتعلقة بالمالية العامة.
ويقدم المجلس أيضا " ،مساعدته للهيئات القضائية "و" للحكومة في الميادين التي تدخل
في نطاق اختصاصه بمقتضى القانون" .وأخرى كانت موكولة لهذه المحاكم قبل صدور
الدستور بمقتضى قوانين تتعلق أساسا بمراقبة نفقات األحزاب السياسية وتمويل الحمالت
االنتخابية والتصريح اإلجباري بالممتلكات.
ومن أجل القيام بالمهام المسندة للمحاكم المالية ،يتولى المجلس األعلى للحسابات ممارسة
نوعين من االختصاصات ينظمها القانون 62.99المذكور سابقا ،وهي اختصاصات غير
قضائية تتمثل في تقييم وتدبير المؤسسات واألجهزة العمومية ألجل تقديره من حيث الكيف
واقتراح الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته ومستوى أدائه ،وكذا
مراقبة استخدام األموال العمومية .وتهدف هذه المراقبة إلى تقييم مدى تحقيق األهداف المحددة
وبيان كيفية استخدام الوسائل المستعملة ومراقبة المشروعية وصدق العمليات المنجزة وتقييم
منظومة الرقابة الداخلية المعتمدة وتقييم المشاريع العمومية بهدف التأكد من مدى تحقيق
األهداف المحددة لكل مشروع انطالقا مما إنجازه وبالنظر إلى الوسائل المستعملة.
➢ أهمية الموضوع :يندرج موضوع مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية
بالمغرب ،في التشريع والقضاء المغربي ضمن المواضيع المتجددة التي تدخل في إطار النقاش
الواسع الذي تعرفه القوانين الميزانية التي تناقش كل سنة ،وما تطرحه من اإلشكاالت عند
إقرارها وأثناء تنفيذها سواء على المستوى الدستوري والسياسي والمالي والرقابي والقضائي،
فموضوع المسؤولية يرتبط بترسيخ مبادئ الديمقراطية والشفافية والحكامة والمساءلة في إطار
11
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الهدف الرامي إلى حسن التدبير الموارد العمومية وعقلنة وترشيد النفقات العمومية بهدف
تحقيق األهداف الرئيسية التي جاء بها النموذج التنموي الجديد.
ووفقا لمختلف للتحوالت التي يشهدها المحيط الوطني والدولي ،بفعل جائحة كورونا
كوفيد 19ساهمت هذه التحوالت في إعتماد مجموعة من اآلليات التي ستساهم في تحسين
التدبير العمومي ولسيما تقليص الفوارق بين التدبير العمومي والتدبير الخاص وذلك من خالل
البحث عن الفعالية في األداء العمومي وتحقيق المردودية في عمل المرافق العمومية كأساس
للتدبير المرتكز على النتائج وهو ما جاء به القانون التنظيمي للمالية ،130.13األمر الذي
يتطلب منح المسؤولين العموميين هامشا واسعا من الحرية والتصرف في اتخاذ القرارات
وأعمال التدبير من خالل تخفيف أشكال الرقابة القبلية التي كانت دائما تنعت بكونها تشكل
إكراهات ذات أساس بيروقراطي تحد بشكل كبير من فاعلية النشاط العمومي.
ومن هذا المنطلق ،فإن إرساء مقاربة مبنية على النتائج واألثر على الحياة المواطن ،مع
اعتماد ذلك معيارا لتقييم وتنفيذ السياسات العمومية والمساءلة األطراف المعنية ،يشكل
ضرورة ملحة في ضوء النموذج التنموي الجديد ،إذ يكتسي الجوانب المرتبطة بدعم مبادئ
الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة وتكريس مبادئ المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة
أهمية بالغة.
دوافع اختيار البحث :لقد قمنا باختيار هذا الموضوع مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم
المالية بالمغرب ،ليكون موضوع هذا البحث نظرا لمجموعة من العوامل والدوافع التي يمكن
تقسيمها إلى دوافع ذاتية وأخرى موضوعية:
الدوافع الذاتية :من خالل درستنا لمادة القضاء المالي والضريبي التي تدرس في مواد
السداسي الثاني في سلك الماستر ،استطعت أن أتوقف عند مسؤولية اآلمر بالصرف امام
المحاكم المالية باعتبار هذه األخيرة مؤسسة دستورية ساهمت في تكريس الرقابة العليا على
المال العام السيما من خالل المادة الرابعة من القانون 61.99المتعلق بمسؤولية اآلمر
بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين ،التي تستثني أعضاء الحكومة والبرلمان من
اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة،
12
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
ومن ثمة تبين بأن هذا الموضوع يستحق التنقيب والتعميق فيه نظرا لتعدد اإلشكاالت التي
يطرحها .كما يمكن تعميق البحث بعد الماستر من خالل الحديث عن مسؤولية المدبرين
العموميين أمام القاضي المالي.
الدوافع الموضوعية :فتتجلى في أهمية حماية المال العام من جهة ،وتحسين التدبير
العمومي من جهة أخرى ،وكذلك تعزيز منظومة الرقابة على المال العام وترشيده وحسن
تدبيره.
➢ اإلشكالية :إلى أي حد ساهمت منظومة الرقابة المحاكم المالية الممارسة على اآلمر
بالصرف في تجويد التدبير العمومي؟
فما هو اإلطار القانوني الذي ينظم تشكيل واختصاصات المحاكم المالية؟ ✓
وما هي أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق اآلمرين بالصرف في المجال المالي؟ ✓
وما هي طرق الطعن في األحكام والقرارات واإلعفاء من المسؤولية أمام ✓
القاضي المالي؟
ما هي االستثناءات المساءلة أمام القاضي المالي؟ ✓
ما هي المخالفات الموجبة للتأديب المالي ،والعقوبات المقررة لها؟ ✓
ما هي اإلكراهات والعراقيل التي تعاني منها المحاكم المالية بالمغرب؟ ✓
وما هي أهم اإلقتراحات وسبل اإلصالح عمل المحاكم المالية بالمغرب؟ ✓
لإلجابة عن اإلشكالية واألسئلة المترتبة عنها يتطلب األمر االعتماد على مجموعة من
المناهج.
وفي هذا الصدد ،سنقوم باعتماد المنهج التاريخي من خالل التطرق لإلطار التاريخي
الذي مرت به منظومة الرقابة المحاكم المالية بالمغرب.
هذا باإلضافة المنهج التحليلي وذلك من خالل تحليل أهم اإلشكاالت المسطرية ،التي
تعاني منها المحاكم المالية وذلك كن خالل عرض أهم اإلختصاصات ومسؤولية اآلمر
بالصرف في المجال المالي.
13
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فضال عن ذلك سأقوم باعتماد المنهج البنيوي الوظيفي وذلك من خالل التركيز على
البنية التنظيمية ورصد أهم اآلليات الرقابية الموكلة له طبقا لما جاء في مدونة المحاكم
المالية من اختصاصات لكن مع التركيز على مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية.
فضال عن ذلك سنحاول اعتماد المنهج المقارن بهدف تحديد أوجه التشابه واالختالف
بين البنية التنظيمية للقضاء المالي المغربي والقضاء المالي الفرنسي.
بناءا على ما سبق ،فإن موضوع دراسة مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية
بالمغرب ،يتوجب علينا تحديد استنتاجات مبنية ساهمت في تحقيق تجويد التدبير العمومي
انطالقا من تحديد أهم المسؤوليات التي يتعرض لها اآلمرين بالصرف في المجال المالي،
وذلك من خالل الفصل 94من الدستور المغربي لسنة ،2011الذي يقر بتحمل أعضاء
الحكومة للمسؤولية الجنائية عما يرتكبون من جنايات وجنح ،والقانون 61.99المتعلق
بمسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين .وذلك ما قمنا بمعالجته في
هذا الموضوع ،والذي يرتكز على طرح فرضيات شاملة لجميع عناصر الدراسة والبحث
والتي اشتقت من عنوان البحث وهي كاآلتي:
➢ الفرضية األولى :استطاعت المحاكم المالية كهيأة عليا للرقابة المالية بالمغرب
االستجابة لمتطلبات حماية المال العام وتجويد التدبير العمومي.
➢ الفرضية الثانية :منح المشرع الموارد البشرية واالمكانيات المادية الالزمة التي
تتيح للمحاكم المالية القيام بوظائفها على أحسن وجه.
➢ الفرضية الثالثة :عمل اإلصالح القانوني الذي تبناه المغرب من خالل صدور
مدونة المحاكم المالية على تجاوز الضعف والمحدودية التي اتسم بها عمل الهيأة
الرقابية.
لإلجابة عن اإلشكالية واألسئلة الفرعية المطروحة ،تم تقسيم الموضوع إلى فصلين
رئيسيين ،بحيث سيتم التطرق في الفصل األول عن اإلطار القانوني للمحاكم المالية بالمغرب،
في حين سيتم تخصيص الفصل الثاني إلى حدود التأديب المالي وإكراهات عمل المحاكم
المالية.
14
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الفصل األول :اإلطار القانوني للمحاكم المالية بالمغرب
15
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
تعتبر المحاكم المالية الهيأة العليا المكلفة بمراقبة المال العام بالمملكة ،كما أنها تتولى طبقا
لألحكام دستور 2011مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة
في مجال التدبير العمومي.13
والمالحظ أن المشرع المالي المغربي ،قد نهج نفس مسار المشرع الفرنسي ،فيما يخص
طبيعة الهيئات المكلفة بمراقبة حسابات وتسيير المؤسسات العمومية ،على اعتبار أن المحاكم
المالية تتوفر على إطار تنظيمي جد قريب من النموذج الفرنسي.14
ومما ال شك فيه أنه تم اإلرتقاء إلى المجلس األعلى للحسابات إلى مصاف مؤسسة
دستورية مع دستور ،1996وهذا يعد خطوة إيجابية في سبيل تفعيل الرقابة المالية بالمغرب،
غير أن هذا اإلرتقاء ليس غاية في حد ذاته وإنما مجرد أداة قانونية الغنى عنها لضمان ترشيد
تدبير هذا الجهاز ،وفق مستلزمات التحديات التي يواجهها البالد في عدة مستويات سواء في
حسن تدبير األجهزة العمومية أو في حسن تسيير المال العام.15
وبالنظر لألهمية المهام واآلمال المعقود عليه هذه الهيأة ،والتي هي باألساس مرتبطة
بطبيعة نظامها القانوني وبدرجة استقالليتها في إصدار األحكام والقرارات وفي القيام
بالتحقيقات والدقيقات الالزمة ،فإن ذلك يستوجب القيام ببحث في البناء التنظيمي للمجلس
األعلى للحسابات باإلضافة إلى المجالس الجهوية للحسابات على المستولى الترابي ،وكذا أهم
اإلختصاصات التي تتمتع بها المحاكم المالية سواء كانت هذه اإلختصاصات غير قضائية أو
اإلختصاصات قضائية.
إن دراسة البنيات التنظيمية والبشرية للمحاكم المالية تندرج في إطار محاولة الكشف
عن المحددات القانونية والتنظيمية لصناعة الفعل الرقابي ،وبالتالي رصد السمات الجوهرية
التي تتحكم في عملية الرقابة على األموال العمومية من داخل البنيات اإلدارية للهيئة المختصة
بالرقابة المالية القضائية نفسها.
من خالل هذه التوطئة وبالتحديد الهيئات والتشكيالت التي تكون البناء التنظيمي لكل من
المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات (المطلب األول) ،وتمكينا للمحاكم
المالية من ممارسة هذه فقد أسندت لها جملة من اإلختصاصات والصالحيات والمسؤوليات
الواسعة والمتنوعة والمختلفة سواء من حيث طبيعتها أو مدياتها وأبعادها (المطلب الثاني).
ويتم تعيينه بظهير شريف من طرف جاللة الملك 16وتتحدد وضعيته اإلدارية في ظهير
تعيينه ،كما أنه يحتل مكانة بارزة وموقع فعال في تنظيم وتسيير إدارة المجلس ،حيث أناط به
المشرع سلطة اإلشراف العام على أشغال المحاكم المالية ،كما يتولى رئاسة جميع الهيئات
المجلس األعلى للحسابات التي حددتها المادة 17من مدونة المحاكم المالية ،باستثناء فروع
الغرف ،وبهذا فهو يتوفر على صفتين ،صفة القاضي الذي يمكنه المشاركة في جميع أشغال
المجلس ،سواء كانت ذات طابع قضائي أو إداري ،ثم صفة السلطة اإلدارية التي تتولى تسيير
أجهزة المجلس.
ويحظى هذا الجهاز بدور بارز ومكانة أساسية في البنية التنظيمية للمجلس األعلى
للحسابات ،ويستمد مكانته من مختلف السلطات والصالحيات الواسعة التي تتوفر عليها ،سواء
في الشق اإلداري أو القضائي.17
هكذا ،يمارس الرئيس األول وظيفة رئيس مصلحة بما أنه المسؤول األول عن تسيير
الجيد للمحكمة ،إذ يتولى اإلشراف العام على المجلس ،وتنظيم أشغاله ،وتسيير إدارته.
من هنا يشرف الرئيس األول بواسطة قرار على تنظيم مصالح المحاكم المالية بصفة عامة
وفي نفس الوقت يراقب أعمال وأنشطة قضاة المحاكم المالية ،ما عدا القضاة المعينين بالنيابات
العامة لدى المجالس الجهوية ،ومن ثمة يقوم الرئيس األول بتسيير الشؤون اإلدارية للقضاة،
وباقي الموظفين اإلداريين التابعين للمحاكم المالية.
- 16أحميدوش مدني ،المجلس األعلى والمجالس الجهوية للحسابات-التشكيل واالختصاصات ،-أطروحة لنيل الدكتوراه في
الحقوق شعبة القانون العام ،جامعة محمد الخامس الرباط ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال ،السنة
الجامعية ،2002-2001ص .205
- 17عادلة الوردي ،رقابة المجلس األعلى للحسابات على المال العام بالمغرب ،منشورات مجلة الحقوق المغربية ،مطبعة
المعارف الجديدة الرباط ،الطبعة األولى ،2012ص .78
19
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
ودائما في إطار المهام اإلدارية التي يتوالها الرئيس األول لمجلس األعلى للحسابات فإنه
مكلف باإلشراف العام على المجلس وتنظيم أشغاله وتسيير إدارته بشكل جيد ،وقيامه كذلك
بتنسيق إشغال المجلس الجهوية للحسابات ،ويحدد تنظيم مصالح المحاكم المالية بصفة عامة
وذلك في قرار يصدره في هذا الشأن.18
كما أن المشرع المغربي أسند للرئيس األول للمجلس ،مهمة تحديد البرنامج السنوي ألشغال
المجلس ،بتنسيق مع الوكيل العام للملك فيما يخص المسائل المتعلقة باالختصاصات القضائية،
فضال عن قيامه برفع التقرير السنوي الذي يعده المجلس عن أنشطته إلى الملك قبل انتهاء
السنة المالية الموالية ،وذلك بعد أن يقوم بتوجيه المالحظات التي تقوم بتحضيرها (لجنة البرامج
والتقارير) حول هذا التقرير ،إلى السلطات الحكومية ومسؤولي المؤسسات واألجهزة العمومية
المعنية ،الذين يتعين عليهم توجيه أجوبتهم إلى المجلس داخل أجل ثالثين ( )30يوما.19
كما أن من بين االختصاصات الموكلة للرئيس األول ،كونه يترأس أو يجوز له أن يترأس
جميع هيئات المجلس بما فيها (مجلس قضاة المحاكم المالية) ،وعند غيابه أو عاقه عائق ينوب
عنه في ممارسة هذه اإلختصاصات المنصوص عليها أحد رؤساء الغرف الذي يعينه بأمر
يصدره في هذا الشأن.
غير أن المالحظ أن المشرع المغربي عالج حالة غياب الرئيس األول عالجا جزئيا ومؤقتا،
إذ يستلزم األمر تدخل الرئيس األول مرة كل سنة ،لتعيين رؤساء الغرفة لينوب عنه في أداء
مهامه ،في حين يتبين بجالء من خالل استقراء النصوص القانونية المنظمة للمجلس األعلى
للحسابات ،أن الرئيس األول يتمتع بسلطات واختصاصات واسعة ومتعددة تنظمها ستة مواد،
من مدونة المحاكم المالية وليست المادة العاشرة فقط ،األمر الذي كان يستوجب من المشرع
تعويض حالة غياب الرئيس األول ،والنص بشكل صريح في المدونة على من ينوب عنه بشكل
دائم في ممارسة مختلف االختصاصات.
ويمكن للرئيس األول بصفته آمر بالصرف تفويض إمضائه للكاتب العام للمجلس وتعيين
رؤساء المجلس الجهوية للحسابات كأمرين مساعدين بالصرف.
ودائما في إطار الصالحيات اإلدارية للرئيس األول ،فإن هذا األخير يتدخل للبت في طلب
الرئيس الغرفة المكلفة بالتداول في ميدان مراقبة التسيير في حالة عدم استجابة المسؤولين
والمستخدمين الستدعاء المجلس ،22ويقوم بتوجيه التقرير الخاص الذي يعده المستشار المقرر،
حول مراقبة التسيير األجهزة المحددة في المادة 76من نفس المدونة ،إلى رئيس الحكومة
والوزير المكلف بالمالية والوزير الوصي ،الذين يمكنهم اإلدالء بمالحظاتهم ،والتعبير عن
آرائهم داخل أجل يحدده الرئيس األول.
كما يتولى الرئيس األول مهمة تعيين الغرفة التي تتكلف بمراقبة استخدام األموال العمومية،
ويكلف إحدى الغرف المجلس بالقيام بمراقبة استخدام الموارد التي تم جمعها من طرف
الجمعيات التي تلتمس اإلحسان العمومي.23
وإذا كان يبدو من خالل هذه المهام اإلدارية التي خولها المشرع المالي للرئيس األول
للمجلس األعلى للحسابات ،بروز دور هذا الجهاز في تنظيم أعمال المجلس ،فإن أهمية
وشساعة اختصاصاته تظهر بشكل أكبر في اختصاصات المساطر القضائية.
فبالنسبة لمادة النظر في الحسابات ،يمارس الرئيس األول في هذا المجال سلطة التأديبية،
على كل محاسب عمومي تأخر في تقديم الحساب والوثائق المحاسبية في اآلجال القانونية
المقررة ،حيث يجوز عليه بغرامة تأديبية قد يصل مبلغها األقصى ألف درهم ( )1000بناء
على ملتمس من الوكيل العام للملك ،يودعه هذا األخير بعد إشعاره بهذا التأخير لدى كتابة
العامة التابعة لرئيس األول ،ويجوز له (الرئيس األول) أن يحكم على المحاسب المعني باألمر
بغرامة تهديدية ال يتجاوز قدرها خمس مئة درهم ( )500عن كل شهر تأخير بعد صدور
الغرامة التهديدية.24
وتجدر اإلشارة إلى أن أوامر الرئيس األول للمجلس القاضية بتطبيق الغرامة التهديدية ال
تقبل الطعن بالنقض.25
أما فيما يخص قضايا التأديب المالي فهي تمر بين الرئيس األول ،بحيث أنه هو الذي يطلب
من الوكيل العام للملك رفع هذا النوع من القضايا – الناتجة عن ارتكاب المخالفات المنصوص
عليها قانونيا – إلى المجلس ،بعد ذلك يتولى مهمة تعيين مستشار مقرر للتحقيق في القضية
بالتماس من الوكيل العام للملك وذلك في حالة المتابعة أما إذا قرر الوكيل العام للملك حفظ
القضية ،فإن قراره يجب أن كون معلال ،ويبلغه إلى الرئيس األول.
وأثناء التحقيق ،وإذا لم يستجب الشهود والمعني باألمر لطلبات المستشار المقرر
المتعلقة بتقديم الوثائق والمستندات ،أو رفضهم أداء اليمين أو اإلدالء بشهادتهم ،فإن هذا
المستشار يرفع تقريرا للرئيس للبث في األمر ،والتي تعرضهم لغرامة من 500درهم إلى
2000درهم.26
ففي حالة الطعن باالستئناف في الحكم الصادر عن المجلس في القضية ،فإن الرئيس األول
يعين مستشارا مقررا للتحقيق فيها وذلك بالتماس من الوكيل العام للملك ،وإذا كان الحكم للملك،
يكون بمجرد توصل هذا األخير بالملف من وكيل الملك لدى المجلس الجهوي الصادر عن
الحكم االبتدائي.27
أما إذا تعلق األمر بالنقض ،فالرئيس األول يترأس هيئة الغرف المجتمعة لنظر في القرار
المحال على المجلس ،بعد نقضه من المجلس األعلى.
وباإلضافة إلى هذه الصالحيات المخولة قانونا للرئيس األعلى للحسابات ،فإنه يساهم كذلك
في قضايا االجتهاد القضائي والمسطرة ،من خالل طلب انعقاد هيئة الغرف المجتمعة وترؤس
جلستها ،28كما انه يصدر بنشر القرارات واألحكام القضائية بعد إستشارة هيئة الغرف
المجتمعة ،وإصدار مذكرات أو توجيهات تتضمن تفسير أو تطبيق المقتضيات المتعلقة
باالختصاصات والمساطر القضائية.29
ويمارس الرئيس األول للمجلس اختصاصاته القضائية من خالل األليات التالية التي سيبينها
الجدول التالي:
وتأخذ شكل اإلنذارات أو شكل األحكام العقابية ،وتعتبر هذه األليات األكثر األوامر
استعماال في االختصاصات والمساطر القضائية ،كما تأخذ مدلوال إداريا
كاألمر بتعيين نائب للرئيس وتقسيم المجلي الجهوي إلى فروع.
- 27بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الماستر
تخصص العلوم اإلدارية والمالية ،بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سويسي برسم السنة الجامعية -2019
،2020ص .12-11
- 28عادلة الوردي ،مرجع سابق ،ص .84
- 29المادة 113من القانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
- 30محمد براو ،الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية ،الكتب الثالث ،مرجع سابق ،ص.67
23
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
والمالحظ وكل وضوح ،أن المشرع المغربي أسند اختصاصات مهمة لجهز الرئاسة
بالمجلس األعلى للحسابات سواء في ظل المدونة المحاكم المالية الصادرة بموجب القانون
،62.99التي عمل فيها على التوسع من الصالحيات الرئيس األول وتوسيع مجال
اختصاصاته ،إلى درجة أصبحت هذه المؤسسة هي المؤسسة المحورية وذات الصدارة داخل
المجلس األعلى للحسابات.
هذا األمر حذا بالبعض إلى نعت نظام مؤسسة المجلس األعلى للحسابات بكونه نظاما
رئاسيا ،32نظرا لألهمية وقيمة اإلختصاصات والمهام المسندة والموكلة للرئيس األول سواء
من الناحية اإلدارية أو القضائية أو اإلستشارية.
هذا كل ما يتعلق بمؤسسة الرئيس األول ،أما الرئيس بالمجالس الجهوية للحسابات فهو يعتبر
من بين األجهزة والهيئات الرئيسية في بنية وتشكيلة المجالس الجهوية للحسابات ،وقد نظمه
المشرع بمجموعة من االختصاصات والصالحيات ،بحيث أنه يتمتع بسلطة اإلشراف العام
على المجلس وتنظيم أشغاله وترأس جلساته ،وكذلك ترأس جلسات الفروع ،التي يمكن أن يقسم
إليها المجلس ،أيضا يتميز بصفة مزدوجة صفة القاضي الذي يمكنه المشاركة في جميع
- 31بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص 13
- 32أحميدوش مدني ،مرجع سابق ،ص.207
24
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
األشغال المجلس سواء كانت ذات طابع او ذات طابع إداري ،ثم صفة السلطة اإلدارية المسير
ألجهزة المجلس ،كما يقوم الرئيس باإلشراف على عملية تقديم التصريحات اإلجبارية عن
الممتلكات ،واالطالع على التصريحات المودعة ،والتحقيق منا مضمونها ،وعملية تجديديها.33
ويتم تعيين رؤساء الجالس الجهوية للحسابات ،من بين المستشارين المشرفين بناء على
اقتراح من الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات ،هذا بعد أخد رأي مجلس القضاة المحاكم
المالية ،34إال أنه استثناء يجوز تعيين رؤساء المجالس الجهوية للحسابات من بين المستشارين
من الدرجة األولى في حالة عدم وجود مستشارين مشرفين .وهذا استثناء ال يمكن تحقيقه إال
في المرحلة االنتقالية التي حددها المشرع في مدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ نشر القانون،
حيث يتم هذا تعيين بناء على اقتراح من الرئيس األول وبعد استطالع رأي مجلس المحاكم
المالية ،ويمكن تعيين رؤساء فروع المجالس من بين مستشارين الدرجة الثانية ،في حالة عدم
وجود مستشارين الدرجة األولى.35
كما أنه من بين االختصاصات رئيس المجلس ،أنه يقرر البرنامج السنوي للمجالس بتنسيق
مع وكيل الملك فيما يخص المسائل المتعلقة باالختصاصات القضائية للمجالس الجهوية
للحسابات وتوزيع أعمالها على المستشارين
ويهدف هذا البرنامج إلى توزيع القضاة والمساعدين ،على مختلف الملفات والقضايا
المعروضة على المجلس ،أخذا بعين االعتبار ضرورة احترام عدد من المتطلبات ،كالقيام
بعمليات المراقبة اإللزامية ،مثل البث في الحسابات المقدمة من طرف المحاسبين العمومين او
اخذ بعين االعتبار الوضعية المالية ،او وضعية التسيير في بعض الجماعات ،بناء على
المالحظات المستنتجة من عمليات مراقبة اإلجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية ،او مراقبة
التسيير .كما يجب االخذ بعين االعتبار طلبات البحث والتقصي الموجهة تلقائيا من طرف
األشخاص الطبيعيين او المعنويين الى المجلس الجهوي ،وذلك اما من اجل فرض احترام
وعملية وضع البرنامج السنوي ألشغال المجلس ليست باألمر السهل ،وطلك أن هذه العملية
تتطلب االيصال المنتظم للوثائق المحاسبية والمالية من الجماعات الترابية والهيئات الخاصة
لرقابة المجلس ،والتوفر على الوسائل للتنفيذ تكون مالئمة.
وتتطلب مهمة اإلشراف العامة المنوطة بالرئيس ،التوفر على قدرات وكفاءة عالية سواء
في العمل القضائي ،أو في مهام التخطيط والتدبير اليومي لعمل المجلس الجهوي.
يتوفر النسق القضائي للمجلس األعلى للحسابات وكذا المجالس الجهوية للحسابات على نيابة
عامة حقيقية ،وذلك لكونه جهاز قضائي متخصص في مجال مراقبة األموال العمومية.
وبهذا الصدد ،تتدخل النيابة العامة لدى المحاكم المالية بطريقة الدعوى او اقتراح او مراقبة،
الشيء الذي يقربها من النيابة العامة لدى محاكم القضاء العادي ،لكن مجال عملها واختصاصها
محدود وضيق أكثر مما هو عليه الحال لدى هذه األخيرة.37
وتمارس مهام النيابة العامة من طرف الوكيل العام للملك بالنسبة للمجالس األعلى
للحسابات ،وذلك بوصفه رئيس لهذا الجهاز ممثال له ،ويعين الوكيل العام للملك من طرف
الملك ،وتحدد وضعيته اإلدارية في ظهير تعينه ،ويساعده خمسة محامين عامين مختارين من
بين قضاة المجلس ،38خاضعين إلشراقه ومراقبته ،من هنا ،قد يخلفه في حالة حدوثه مانع له،
أي إذا عاقه عائق أحد المحامين العامين الذي يعينه سنويا لهذا الغرض.39
- 36محمد مجيدي ،دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
العام ،جامعة محمد الخامس الرباط ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال ،السنة الجامعية ،2007-2006
ص .27
-37بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص .15
- 38عبد الواحد العلمي ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة المدنية ،الجزء األول ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
لبيضاء ،2006 ،ص .86-85
-39الفقرة األولى من المادة 14من القانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
26
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
في حين يعين الوكيل العام في فرنسا بموجب مرسوم جمهوري بناء على ترشيح مجلس
الوزراء ،وال يعد الوكيل العام من أعضاء المحكمة القضائية ،بل موظفا لديها ،وبالتالي فهو ال
يتمتع بحصانة عدم قابلية العزل ،ألنه يعين من طرف الحكومة ،40ويمكن تمثيل الوكيل العام
من طرف المحامين العامين في مختلف التشكيالت واللجان وهيئات المحكمة.41
كما ينوب عنه المحامي العام األول في حالو غيابه ،او إذا اعاقه عائق ،او كان في عطلته،
وان لم يوجد ينوب عنه المحامي االقدم.
وبناء على ذلك ،توقع مستنتجات النيابة العامة بشكل عادي من طرف الوكيل العام ،كما
يمكن أن توقع من طرف محام عام.
ويتوفر الوكيل العام للملك ،رغم الحدود التي تتعرض عمله ،على صالحيات جد واسعة،
اذ يتمثل دوره األساسي في ضبط الوظيفة القضائية بما ينسجم مع الحق والقانون ،من خالل
السهر على فرض القانون ،وممارسة مهام النيابة العامة في المسائل القضائية ،والمساهمة في
برمجة اشغال المجلس في المجال القضائي ،ويتوصل بمختلف التقارير المتعلقة باالختصاص
القضائي للمجلس.
كما انه وباإلضافة الى حق فتح مسطرة التأديب المالي عن طريق تحريك الدعوى،
واحالة العمليات التي قد تشكل تسيرا بحكم الواقع على انظار المجلس ،فبإمكان الوكيل العام
للملك أيضا ان يلتمس من الرئيس األول ،تطبيق الغرامة والغرامة التهديدية في حالة وقوع
تأخير في تقديم الحسابات .كما يحضر جلسات هيئات المجلس ،ويمكن ان يعين محامي عام
لتمثيله في تقديم الحسابات ،وفي نفس السياق يبلغ بالقرارات النهائية المتعلقة باالختصاص
القضائي.42
40 -JEAN FRACOIS Bénard.<la réforme des procédures des juridiction financières et la
convention européene des droit de l’homme>, rfpp, n°106, avril, p 12.
- 41بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص .15
- 42حمد حاسون ،المجلس األعلى للحسابات بالمغرب (دراسة سوسيو قانونية) ،مجلة الدراسات السياسية واالجتماعية
سلسلة أطروحات وابحاث ،العدد ،1مطبعة المعارف الجديدة-الرباط ،2013 ،ص.52
27
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وفي ميدان إحالة قضايا المخالفات المالية الى القضاء الجنائي ،فالوكيل العام للملك يتوفر
على صالحية توجيه الملفات المتضمنة الوقائع التي تستدعي عقوبات جنائية الى وزير العدل،
باإلضافة الى توفره على حق الطعن المشتركة ،ويمكن له استئناف قرارات المجلس امام هيئة
الغرف المشتركة ،ويمكنه كذلك الطعن بالنقض امام محكمة النقض ضد القرارات النهائية
الصادرة استئنافا عن المجلس ،وطلب مراجعة القرارات الصادرة عنه.
وفضال عن ذلك ،يقوم الوكيل العام للملك بمهام مراقبة قضاة النيابة العامة ،وتنسيق اشغال
النيابات العامة بالمجالس الجهوية للحسابات ،كما يحق له االطالع على سير اعمالها بواسطة
التقارير ،ويمكنه ان يوجه مباشرة تعليمات ومالحظات الى وكالء الملك لدى المحاكم ،43الن
هؤالء يوجدون تحت اشرافه ومراقبته ،كما يقترح التعين في وظيفة المحامين العامين
بالمجالس ،ووكالء الملك بالمجالس الجهوية للحسابات على انظار لدى المحاكم المالية الجهوية.
وباستحضار مقتضيات المادة 14من مدونة المحاكم المالية يحضر الوكيل العام للملك في
جلسات الحكم ،والجلسة الرسمية ،وهيئة الغرف المجتمعية ،التي يعد عضوا فيها ،مما يمكنه
بهذه الصفة من أن يلتمس من الرئيس األول إدراج بعض القضايا للبت فيها من طرف هذه
الهيئة ،وهيئة الغرف المشتركة ،والغرف وفروع الغرف .في حين ال وجود ألية إشارة قانونية
صريحة لحضور النيابة العامة ،فتتحدد في المستنتجات والملتمسات وطلبات اإلحالة والتبليغ
واإلخبار والحضور في الهيئات بنص القانون ،والطعن الحفظ واالشراف ،فضال عن
المالحظات الشفوية والمذكرات.
هذا وعلى خالف التجربة المغربية ،وما يمكن مالحظته يمكن أن الوكيل العام لدى محكمة
الحسابات الفرنسية ال ينحصر دوره فقط على االختصاصات القضائية ،بل يمكن أن يشمل
المهام اإلدارية ،الشيء الذي يجعله يساهم في تدبير المحاكم المالية ،كما يمكن أن يراقب أشغال
المحكمة ،ويمنح رأيه في الجلسات الغرف وفروع الغرف ،ويستشار حول تعيينات وترقيات
القضاة ،فضال عن توظيف المقررين الخارجيين ،ويتوفر أيضا ،على إمكانية الحضور في
جلسات هيئات المحكمة ،وتقديم مالحظاته الشفوية لها ،والمشاركة أيضا في المناقشات ،كما
أما فيما يخص عالقته بالنيابة العامة لدى المحاكم العادية فإنه يمكن القول أن الوكيل العام
للملك لدى المجلس األعلى للحسابات يعتبر همزة وصل في إطار العالقة القائمة بين هذه
المؤسسة الدستورية والمحاكم العادية (إقسام الجرائم المالية بمحاكم االستئناف والنيابة العامة
لدى محكمة النقض).
45
جدول :2اختصاصات النيابة العامة
- 44جمال السليماني ،المحاكم المالية بالمغرب -دراسة مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد األول،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة ،السنة الجامعية ،2008-2007ص.176
- 45محمد براو ،الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية ،الكتب الثالث ،مرجع سابق ،ص .86
29
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
هذا فيما يتعلق باختصاصات النيابة العامة ،أما آليات تدخلها واشتغالها فسنوردها وفق
الجدول التالي:
46
جدول :3سبع آليات لتدخل واشتغال النيابة العامة
الملتمسات 1
المستنتجات 2
اإلحالة 3
التبليغ واإلخبار 4
الحفظ 5
اإلشراف 6
الطعن 7
إن الوكيل العام للملك الذي يتولى مهام النيابة العامة إلى جانب عناصر أخرى يشكل بحق
الدليل القاطع على اعتبار المجلس األعلى للحسابات جهازا قضائيا متخصصا في القضاء
المالي.47
- 46- 46محمد براو ،الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية ،الكتب الثالث ،مرجع سابق ،ص .102
- 47بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص. 18
30
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وكما هو معلوم أن الرئيس األول والوكيل العام للملك لدى المجلس األعلى للحسابات يعينان
من نفس الدرجة ،مما يعني أنه ليس هناك أي تمييز بين هاذين الجهازين من حيث درجة
تعيينهما على عكس ما هو معمول عليه في تعيين كل من رئيس المجلس ووكيل الملك في
المجالس الجهوية للحسابات حيث أن الرئيس يتم تنصيبه من بين قضاة الدرجة االستثنائية في
حين أن وكيل الملك يتم تعيينه من بين القضاة الدرجة الثانية وهذا االختالف في درجة تعيينهما
أدى إلى اختالف الوضعية القانونية بينهما الشيء الذي سيؤثر على العالقة داخل النسق
القضائي وعلى التوازن في دور كل متدخل المجلس لذلك فاختالف درجة التعيين بين الرئاسة
ومنصب وكبل الملك ال نجد له تفسيرا.48
فمن خالل دراسة موضوع التعيين ،سيؤدي بنا إلى التطرق لالختصاصات الموكلة لوكيل
الملك الذي يدخل ضمن التشكيلة القضائية للمجالس الجهوية للحسابات ،الذي تندرج
اختصاصاته في ممارسة النيابة العامة لدى المجلس خاصة ما يتعلق بالمسائل القضائية،
ويساعده في مهامه نائب او عدة نواب ،49ويمارس مهام النيابة العامة لدى المجلس الجهوي
وكيل للملك لدى هذا المجلس الدي يتم تعيينه من بين المستشارين ،50ويمكن ان يساعد وكيل
الملك نائب او عدة نواب يعينون وفق نفس المقتضيات المشار اليها في الفقرة السابقة.
ومن بين المهام التي تم تخويلها لوكيل الملك ،نجد ما جاءت به المادة 122من القانون
62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،نذكر على سبيل المثال ال الحصر ،انه يودع مستنتجاته
ومالمساته ،ويقوم بإرسال تقارير بصفة دورية الى الوكيل العام لدى المجلس األعلى
للحسابات ،الطالعه على سير اعمال النيابة العامة.
وعلى هذا األساس ،فالمهام ة االختصاصات التي اناط بها المشرع الملك تنحصر ضمن
االختصاصات ذات الطابع القضائي دون االختصاصات ذات الطابع اإلداري خاصة فيما يتعلق
بمراقبة التسيير ،السؤال الذي يطرح نفسه لماذا عمد المشرع المغربي الى حصر اختصاصات
وكيل الملك في االختصاصات القضائية واقصاء ممارسته للمهام اإلدارية؟ فهذا الحصر غير
ويتجلى دورا من خالل قيامه بالمراقبة والتحقق مما إذا كانت المالحظات المقدمة من طرف
القاضي المقرر منبثقة عن أسباب وواقع كافية لتبرير صياغتها.51
تعد الكتابة العامة مصلحة إدارية تابعة ،قانونيا وممارسة ،لرئيس األول للمجلس ويتولى
مهامها كاتب عام يتم اختياره بناء اقتراح من الرئيس األول بعد موافقة مجلس قضاء المحاكم
المالية.52
وبهذا الصدد ،يتم تعيين الكاتب العام من بين المستشارين المشرفين بالمجلس ،وتحدد
وضعيتهم اإلدارية بمرسوم ،ويعتبر الكاتب العام رئيسا تسلسليا األربعة أقسام :الموارد
البشرية ،نظم المعلومات والتوثيق ،قسم الموارد المالية ،قسم الضبط المركزي ،كما يتولى
مهمة تنسيق أشغال الكتاب العامين بالمجالس الجهوية.
وفي هذا اإلطار ،يتولى الكاتب العام تحت إشراف وسلطة الرئيس األول ،مهمة تسيير
المصالح اإلدارية للمجلس عموما ومصلحة كتابة الضبط خصوصا ،فضال عن توليه إنجاز
العديد من المهام األساسية في دعم وتوجيه عملية الرقابة.
وبناء على ذلك ،يسهر الكاتب العام على تقديم الحسابات والوثائق والمستندات من طرف
المعنيين باألمر باآلجال القانونية المحددة لها ،وفي حال وقوع أي تأخير في األدالء بهده
الحسابات يتولى إخبار الوكيل العام للملك بذلك ،زيادة على مساعدة الكاتب العام للرئيس األول
في تنسيق أشغال المجلس ،وكذا تنظيم جلسات الهيئات التابعة له كما التابعة له كما يساهم في
تنسيق أشغال المجالس الجهوية للحسابات.
-51- 51بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص .20
- 52المادة 66من القانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
32
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وفي هذا السياق ،يمكن للرئيس األول تفويض إمضائه بقرار إلى الكاتب العام في المسائل
التي تتعلق بتسيير موظفي المحاكم المالية.53
وعلى العموم ،تتوزع مهام التكاتب العام إلى مهام ذات طابع اإلداري صرف ،ومهام لها
عالقة بالمسطرة القضائية ،لذا تبدوا الكتابة العامة في الشق اإلداري مجرد مصلحة وسيطة
لمساعدة الرئيس األول في إداء مهامه ،وامتدادا عضويا وتنظيميا لصالحياته ومهامه ،إذ يتمكن
الرئيس األول من خالل تلك المصلحة من تسيير مختلف المصالح اإلدارية للمحاكم المالية
وضبطها.
وبالنظر إلى عالقة الكتابة العامة باألداء الرقابي ،فيندرج عمل الكاتب العام في إطار تسهيل
وظيفة القضاة المكلفين بالتحقيق ،وذلك من الناحيتين اإلدارية والمالية ،وتبعا لذلك يتجلى عمل
الكاتب العام في تدبير كل ما يتعلق بجوانب اللوجستيك الرقابي.54
ويتولى الكاتب العام ممارسة مجموعة من اإلختصاصات تتلخص في مساعدة الرئيس األول
على تنسيق أعمال المجلس وتنظيم جلسات التشكيالت التابعة له ،ويساهم أيضا في تنسيق
أشغال المجالس الجهوية للحسابات ،كما يسهر على أن تقدم الحسابات والمستندات والوثائق
في اآلجال القانونية ،ويخبر الوكيل العام للملك بكل تأخير في هذا الصدد ،كما تسند إلى الكاتب
العام للمجلس تحت سلطة الرئيس األول مهمة تسيير المصالح اإلدارية للجهاز وكتابة الضبط
لديه.55
وقد أضاف المشرع للكاتب العام اختصاصا مهما جديدا ،إذ يمكن للرئيس األول أن يفوض
له التوقيع بقرار يصدره في هذا الشأن ،خاصة في ميدان تسيير وتدبير موظفي المحاكم المالية
وكذا تنفيذ الميزانية هذه المحاكم.56
ويالحظ أن مقتضيات قانون 62.99لم تتناول حالة غياب الكاتب العام ال صراحة وال ضمنيا
بالنظر إلى اإلختصاصات الموكلة إليه ،األمر الذي عالجه المشرع الفرنسي حينما أقر بنيابة
أما كيفية تعيين الكاتب العام للمجلس والشروط التي يجب أن تتوفر فيه ،فهي مطابقة على
حد ما لنظيره في التجربة الفرنسية ،إذ أن اختيار الكاتب العام للمجلس يتم بين المستشارين
المشرفين ،أما وضعيته القانونية واإلدارية فهي مماثلة لوضعية الكاتب العام للوزارة.58
باإلضافة إلى ذلك فالجديد الذي جاء به قانون رقم ،62.99هو إسناده اختصاصا جديدا
للكاتب العام ،يتجلى في إمكانية الرئيس األول تفويض له مهام التوقيع بقرار يصدره في هذا
الشأن ،خاصة في ميدان تسيير وضبط أعمال موظفي المحاكم المالية وكذا تنفيذ ميزانية هذه
المحاكم.59
ويعتبر الكاتب العام للمجلس األعلى للحسابات ،الشخصية الثانية من حيث األهمية بعد
الرئيس األول خاصة من الناحية اإلدارية.60
وبالنسبة للكتاب العامين للمجالس الجهوية للحسابات يتم اختيارهم بناء على اقتراح من
الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات من بين المستشارين من الدرجة األولى بعد موافقة
مجلس قضاة المحاكم المالية.61
من اختصاصات الكاتب العام للمجلس الجهوي ،السهر على ان تقدم الحسابات في اآلجل
القانونية ،ويخبر الوكيل الملك بكل تأخير في هذا الصدد ،ويساعد الرئيس في تحضير البرامج
وتنسيق اشغال المجلس الجهوي وتنظيم جلسات الهيئات التابعة له ،ويتولى تحت سلطة الرئيس
تسيير كتابة الضبط والمصالح اإلدارية للمجلس الجهوي ،وإذا تغيب الكاتب العام أو عاقه عائق
كلف الرئيس من ينوب عنه.62
- 57ياسين قادري ،آليات الحكامة بالمغرب رقابة المجلس األعلى للحسابات نموذجا ،رسالة لنيل شهادة الماستر ،ماستر القانون الدستوري
والمؤسسات الدستورية ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدارلبيضاء ،السنة الجامعية ،2015-2014ص.44
- 58ياسين قادري ،مرجع نفسه ،ص45
- 59عادلة الوردي ،مرجع سابق ،ص .85
- 60بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص .21
- 61خديجة بلكبير ،مساهمة المحاكم المالية في الرقابة العليا دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد
الخامس ،كلية العلوم القانونية االقتصادية واالجتماعية اكدال ،السنة الجامعية ،2008-2007ص.176
- 62المادة 123من القانون 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
34
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
- 2كتابة الضبط لدى المحاكم المالية
تعد كتابة الضبط التي يشرف عليها كاتب الضبط ،مصلحة إدارية من الدرجة الثانية ،إذ
تظل تابعة للكتابة العامة ،حيث تشتغل تحت سلطة وإشراف الكاتب العام.63
والجدير بالذكر ،إلى أن مدونة القانون رقم 62.99لم يحدد اإلطار القانوني للكتاب الضبط،
ولطرق تعيينهم وتكوينهم بالمجلس ،كما لم تربط ذلك على األقل من حيث الوضعية اإلدارية
بقانون الوظيفة العمومية .بل اكتفت بمجرد اإلشارة إلى ان الموظفين اإلداريين والتقنيين
واألعوان يخضعون لنظام خاص بهم .64ويتخذ المشتغلون في مصلحة كتابة الضبط وضعية
اإلداريين ،ويبدوا أن هذه الثغرة القانونية تحتاج إلى إعادة النظر ،من خالل تمكين كتاب الضبط
من نظام خاص يشكل ضمانة قانونية اهم فب تأدية مهامهم ،وكذا تحديد آلية تعيينهم وطرق
تكوينهم.
ويالحظ بهذا الخصوص ،أن كتابة الضبط تجمع في إطار االزدواج الوظيفي ،بين المهام
اإلدارية والقضائية ،هكذا يتولى كاتب الضبط تسجيل الملفات والعرائض والشكايات
واإلحاالت والتقارير ،فضال عن الحسابات وجميع الوثائق المحاسبية المقدمة إلى المجلس ،كما
يعمل على توزيعها على الغرف وفق البرنامج السنوي ألشغال المجلس.
وباإلضافة إلى ذلك ،يتولى مهمة توثيق وتدوين وحفظ الحسابات واسخ لوثائق المحاسبية،
وكذا تبليغ القرارات وإجراءات المجلس في جميع القضايا للمعنيين باألمر ،فضال عن اإلشهاد
على صحة نسخ ومختصرات القرارات القضائية الصادرة عن هذا الجهاز.
وبالموازاة مع ذلك ،يحضر كاتب الضبط في كل هيئة من هيئات المجلس ،وكذا جميع
الجلسات الحكم ويتولى في نفس السياق ،تدوين كل المحاضر ،كما يوقع على القرارات ،زد
على ذلك فكاتب الضبط يحضر لتدوين محاضر جلسات االستماع أثناء التحقيق في مجال
القضايا التأديب المالي.
- 63اسنادا المادة 15من المدونة يشكل الرئيس األول السلطة الرئاسية لكاتب الضبط ،لكن التأطير والتوجيه يتم من طرف الكاتب العام من حيث
الممارسة.
- 64المادة 106من القانون 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
35
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وعالوة على ذلك ،يتولى كاتب الضبط استقبال التصريحات االجبارية بالممتلكات ،والتحقق
من صفة المصرح بناء على قائمة الملزمين بالتصريح ،وكذا إخبار الرئيس األول للمجلس،
والوكيل العام للملك بالتصريحات المودعة ،65كما يساعد كاتب الضبط القضاة الماليين في
ممارسة اختصاصاتهم الرقابية ،سواء في مسطرة البت في الحسابات أو قضايا التأديب المالي،
أم رقابة التسيير من خالل توفير الدعم التدبيري لعملهم.66
وتعتبر هذه المهام التي أنيطت بجهاز كتابة الضبط أهمية بالغة ،وذلك أن هذه الكتابة هي
التي ستتولى استقبال وحفظ وتوزيع المادة األولية واألساسية لعمل المجلس المتمثل في
الحسابات والوثائق.
ومن جهة أخرى ،تتدخل كتابة الضبط في جزء هام من مسطرة البت في الحسابات القضايا
األخرى المعروضة على المجلس ،خاصة تبليغ القرارات وإجراءات المجلس وما يرتبط بذلك
من آجال الطعن وغيرها.
رغم كل هاته األهمية لم يغفل المشرع المغربي من فرض شروط على من سيتولى مهام
كتابة الضبط واإلشراف عليها ،تتمثل في تنصيصه على أدائهم اليمين القانونية قبل الشروع
في مزاولة المهام ،ولم يحدد هذا المشرع أي مستوى تعليمي أو درجة معينة أو مدة أقدمية
معينة.68
- 65المادة 96مكررة من القانون رقم 55.16المغير والمتمم للقانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،الجريدة الرسمية
عدد 6501الصادر بتاريخ 17ذو الحجة 1437سبتمبر 19(2016سبتمبر ،)2016ص .6704
- 66أحمد حاسون ،مرجع سابق ص .62
-67- 67بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص .23
- 68عادلة الوردي ،مرجع سابق ،ص .86
36
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وقد تدارك القانون الجديد لتنظيم مسألة أداء القسم بالنسبة إلى الكاتب الضبط بالمجلس التي
سبق وأن أغفلها القانون السابق ،وذلك حين نص في المادة السادسة عشر على أنه ":يلزم على
الكاتب الضبط قبل الشروع في مزاولة مهامهم بأداء اليمين القانونية ...كما يلزمون بكتمان
السر المهني"...
يجد هذا المقتضى الجديد سنده ،في كون إجراءات التحقيق التي يقوم بها المستشارون
المقررون يشترط أن تحاط بسرية تامة ،تفاديا ألي تسريب محتمل للمعلومات من قبل الكاتب
الضبط الذين يحضرون الجلسات.69
وفيما يتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات ،كذلك يؤدي كاتب الضبط القسم أو اليمين المهني
قبل الشروع في مهامه ،وفقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل.70
باإلضافة إلى أن الكاتب الضبط يقوم بتسجيل الحسابات والوثائق المحاسبية األخرى المقدمة
إلى المجلس الجهوي ،وتقوم كتابة الضبط بحفظ جميع الحسابات والوثائق المذكورة ،وكذا تبليغ
األحكام وإجراءات المجلس الجهوي ،كما تشهد بصحة نسخ ومختصرات األحكام القضائية.
ويمكن لكاتب الضبط حضور جميع التشكيالت المجلس الجهوي للحسابات ،أما مسألة تنظيم
وتسيير كتابة الضبط للمجلس الجهوي ،فهي تتحدد بواسطة أمر يصدره الرئيس األول للمجلس
األعلى للحسابات.71
والجدير بالذكر ،أنه طبقا للقانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية يمكن أن يستعين المجلس
بخبراء في إجراء التحقيقات ذات الصبغة التقنية.72
كما يمكن للرئيس األول تعيين خبراء من القطاع الخاص ،وعند عدم وجود خبير مدرج
بالجدول يمكن بصفة استثنائية للقاضي أن يعين خبيرا لهذا النزاع ،وفي هذه الحالة على الخبير
أن يؤدي اليمين أمام السلطة القضائية التي عينها القاضي بذلك ،على أن يقوم بالمهمة المسندة
أما فيما يخص االختصاصات ومهام الخبراء ،فيحددها أمر تعيينهم الذي يصدره الرئيس
األول للمجلس األعلى للحسابات في هذا الشأن ،73وتجدر اإلشارة إلى أن مسألة تظهر في هذا
الخصوص مسألة إجبارية ،وذلك بالنظر لطبيعة عمل هذه الفئة التي قد تخترق بمهمتها هذه
السرية اإلجراءات ،حيث يبدوا منطقيا جدا الحفاظ على مبدأ السر المهني لسببين إثنين ،أوال
كونهم موظفين ملزمين باحترام هذا المبدأ ،وثانيا لطبيعة عملهم التي قد تؤثر في حسن سير
أشغال المجلس.74
حسب مقتضيات المادة 23من مدونة المحاكم المالية فان المجلس االعلى للحسابات يتألف
من غرفتين ،غرفه مخصصة لممارسة مهام المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية ،وثانية تبث في طلبات االستئناف األحكام النهائية الصادرة عن المجالس
الجهوي.
غير أن الفقرة الثالثة من نفس المادة تنص على أنه ((....ويحدد عدد الغرف والفروع داخل
كل غرفة بموجب قرار الرئيس األول)) ،ما يعني معه األمر أنه ال يقتصر فقط على الغرفتين
السالفتين الذكر ،وإنما يتعلق بعدد من الغرف غير محددة قانونا إذ ترك المشرع أمر تحديدها
وت وزيع اختصاصاتها الرئيس األول للمجلس بمقتضى قرار يتخذه في هذا الشأن ،وبهذا يكون
وبالرجوع إلى تقرير المجلس االعلى للحسابات لسنتين ،752004 2003نجد ان المجلس
االعلى للحسابات يتألف من خمسه غرف دائمة تتكون من قضاة وموظفين ،ثالثة من هذه
الغرف ذات طابع قطاعي حيث أن كل واحدة منها تمارس مجموع الصالحيات المخولة
للمجلس تجاه عدد القطاعات الوزارية واألجهزة العمومية التابعة لها ،باإلضافة الى غرف
تختص بالتأديب المالي واخرى تبث في استئناف االحكام النهائية الصادر عن المجالس الجهوية
للحسابات .
وبهذا يكون المشرع مع استئناف تنصيصه قانونا على الغرفتين المحددة اختصاصاتهما في
الفقرة الثامنة من المادة 23من مدونة المحاكم المالية ،قد أبقى على نفس الثغرة القانونية التي
عرفها القانون 12 .79بخصوص ترك امر تحديد عدد غرف المجلس من الرئيس هذا الجهاز
وذلك على خالف المشرع الفرنسي الذي عملت تحديد عدد الغرف وتكوينها بمقتضى المادة 9
من المرسوم المتعلق بتنظيم محكمة الحسابات الفرنسية.76
وقد جرى توزيع الغرف بالشكل الذي تعمل به حاليا بموجب قرار 30شتنبر ،1994والذي
دخل حيز التنفيذ في فاتح يناير ،1995حيث حددها في سبع غرف كل واحدة متخصصة في
مبدان معين حسب القطاعات أو الوزارات.
77
جدول :4توزيع الغرف بالمجلس األعلى للحسابات
40
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الغرفة الثالثة
التـأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية الغرفة الرابعة
أما عن الغرف بمحكمة الحسابات الفرنسية ،فتتوزع حسب مجال االختصاص كاآلتي:78
وهذه الغرف المحدد قانونا ،يمكن تقسيمها الى فروع باقتراح من رؤسائها بعد استشارة
الوكيل العام للجمهورية ،وذلك بقرار يصدر الرئيس األول لمحكمة الحسابات .
وبهذا وعلى خالف المشرع الفرنسي لم يمنح لرئيس األول لمحكمة الحسابات سوى
صالحيات لتنظيم وتحديد عدد القضاة في الغرف والفروع فقط
وفي قانون رقم 62 99المتعلق بمدونة المحاكم المالية يتم تحديد عدد الغرف والفروع داخل
كل غرفه بقرار من الرئيس األول ،يؤشر عليه كل من وزير المالية وزير الوظيفة العمومية
لتعلق هذا القرار بإحداث مناصب مالية تجيب تدخل كل من وزير المالية وزير الوظيفة
العمومية.
واخيرا المالحظ أنه لم يتجاوز العين الذي شاب القانون القديم في اطار القانون الجديد بل
ابقى على نفس الثغرة القانونية وترك أمر تحديد عدد الغرف و تكوينها وتشكيلها وتوزيع
اختصاصاتها لرئيس األول للمجلس بواسطة أمر يصدره في هذا الشأن ،وبالمقابل فقد نص
على وجود غرف تين االولى تمارس اختصاص المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية ،أما الثانية وتختص بالنظر في استئناف األحكام النهائية الصادر عن المجالس
الجهوية للحسابات ويمكن اعتبار هذا التحديد قاصرا ومردودا بما أن األمر اقتصر على ذكر
غرفتين فقط ،وإغفال تحديد وتعداد غرف أخرى تختص بمجاالت وقطاعات أخرى كالوزارات
مثال ،كما يتولى الرئيس األول مسألة تحديد عدد فروع الغرف عن طريق أمر يصدره في هذا
المجال ايضا .
وتتألف كل غرف المجلس وفروعها من خمسة قضاة بما فيهم الرئيس ،وإذا عاق الرئيس
عائق ناب عنه أقدم رئيس فرع بالغرفة ،80وال يعتبر القرار الذي تتخذه أمام غرف المجلس او
فروعها صحيحا إال إذا صدر عن خمسة أعضاء .
وفي االخير ال يسعنا اال بالتأكيد على ان النظام المجلس األعلى للحسابات هو نظام رئاسي
نظرا لالختصاصات الواسعة التي يتوالها رئيس المجلس االعلى للحسابات والتي منحها إياه
كل قرارات المجلس االعلى للحسابات ذات الصلة بنشاط المرتبط بالمراقبة ويتعلق األمر
هنا بهيئات حددتها المادة 17من القانون 62 99الى جانب الغرف وفروع الغرف ،وخصص
وخصصت هذا القانون مادة لكل واحدة منها للتعريف باختصاصاتها ،باستثناء هيئة الغرف
المجتمعة التي تضمنتها مادتين 19و 20من القانون 62 99من مدونة المحاكم المالية
الجلسة الرسمية:
استنادا الى مقتضيات المادة 18من مدونة المحاكم المالية فإن الجلسة الرسمية التي يعقدها
المجلس يتم عقدها بحضور الرئيس األول والوكيل العام للملك ومجموع القضاة.
كما يجوز للرئيس األول أن يدعو شخصيات اخرى لحضور الجلسة الرسمية ،82وإذا كان
التشريع المغربي لم يحدد الشخصيات التي يمكن دعوتها الجلسة الرسمية ،فإن التشريع
الفرنسي حددها في وزير المالية ورئيسي مجلس البرلمان ووزير االول ،وأحيانا يمكن دعوة
رئيس الجمهورية لحضور الجلسة الرسمية.83
ويتم عقد هذه الجلسات الرسمية اساسا للقيام بخصوص تنصيب القضاة في وظائفهم أداء
اليمين القانونية ،وهو تقليد ترسخ في التجربة الفرنسية في إطار محكمة الحسابات الفتتاح السنة
القضائية واستقبال افواج جديدة من هيئة القضاء المالي.84
وتتولى هذه الهيئة مهمة البث في طلبات االستئناف المرفوعة ضد القرارات النهائية
الصادرة ابتدائيا عن غرف او فروع الغرف بالمجلس في القضايا المتعلقة بالبث في الحسابات
والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية .
وما تجدر االشارة اليه ،ان القضاة الذين أصدروا القرار االبتدائي يمنع عليهم ان يكونوا
اعضاء في هيئة الغرف المشتركة وأن يكون مقررين في نفس القضية عند البت فيها .
ويمكن القول أن المشرع المغربي هو الوحيد الذي انشأ ضمن هيئة المجلس االعلى
للحسابات هيئة الغرف المشتركة بحيث ال وجود لمثل هذه الهيئة عند باقي التشريعات وخاصة
التشريع الفرنسي الذي يعتبر المرجع الذي يقتبس منه المغرب مقتضياته قانونية.85
تعتبر هذه الهيئة من أهم الهيئات القضائية التي يتكون منها المجلس األعلى للحسابات ،تعقد
جلستها بطلب من الرئيس األول ألجل إبداء الرأي في ما يتعلق باالجتهاد القضائي و المسائل
المعروضة على المجلس ،اما من جانب الرئيس األول او بناء على ملتمس النيابة العامة ،او
المحالة عليه بعد ما قد قرار سبق للمجلس أن أصدره ،وتتكون هذه الهيئة من الرئيس األول
والوكيل العام للملك ورؤساء الغرف وقاض عن كل غرفه ينتخبه لمدة سنة ،ومستشار مقرر
معين من طرف الرئيس األول ،اضافة الى امكانيات حضور رؤساء المجالس الجهوية
للحسابات بدعوة من الرئيس األول .وال يمكن لهيئة الغرف المجتمعة أن تتخذ قراراتها إال إذا
كانت كل غرفه المجلس ممثلة فيها ،وحضرها ما ال يقل عن نصف أعضائها وتتخذ قراراتها
بأغلبية األصوات.86
ويطلب عقد جلسات هذه الغرفة إلبداء الرأي في المسائل المتعلقة باالجتهاد القضائي او
المسطرة ،والبت في القضايا المعروضة على أنظارها إما بصفة مباشرة منه أي (الرئيس
األول) أو بناء على ملتمس النيابة العامة ،او بعد اإلحالة من المجلس األعلى في حالة نقده
للقرار الصادر عن المجلس االعلى للحسابات ،كما ان الرئيس األول للمجلس يستشير هذه
الهيئة قبل األمر بنشر قرارات وأحكام المحاكم المالية .
ويمكن اعتبار تمثيلية القضاة الغرف في إطار هذه الهيئة خطوه ايجابيه ومحمودة ،وقد تبنت
المدونة هذه التمثيلية التي لم تكن واردة في القانون السابق ،متأثرة في ذلك بالتجربة الفرنسية .88
ويضاف إلى هذه الهيئة ألجل الحكم في كل قضية مستشار مقرر يتمتع بصوت تقريري
للمجلس األعلى للحسابات ،كما يمكن كذلك لرؤساء الغرف الجهوية يعينه الرئيس األول
للحسابات حضور جلسات هيئة الغرف المجتمعة بدعوة من الرئيس األول ،وذلك ألجل إبداء
الرأي في المسائل االجتهاد القضائي او المسطرة.
أما الوكيل العام للملك فيمارس مهام النيابة العامة عند البث في القضايا المعروضة عليها،
وفي حالة تغيبه أو إذا عاقه عائق ينوب عنه نائبه.
وبمناسبة الحديث عن هيئة الغرف المجتمعة هناك سؤال محوري البد من طرحها بهذا
الخصوص وهو كيف تتشكل هذه الهيئة لدى نظرها في قضية احيلت عليها بعد نقض قرار
صادر عن المجلس االعلى للحسابات؟
ومن المعلوم أنه بعد إدخال مدونة المحاكم المالية لالستئناف كدرجة ثانية للتقاضي ،فإن
القرارات الصادرة عن المجلس التي يمكن أن تتعرض للنقض هي القرارات االستئنافية،89
وهذه القرارات تصدر إما عن هيئة الغرف المشتركة التي تتألف كما سلفنا سابقا من خمسة
قضاة من بينهم ثالثة رؤساء غرف على األقل ،إذا تعلق األمر بالقرارات الصادرة عن
غرفة المشورة:
استنادا لمقتضيات المادة 22من القانون 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية لتحدد تأليف
غرفة المشورة ،بحيث نصت على أنها تتألف من الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات
ورؤساء الغرف والكاتب العام للمجلس ،باإلضافة إلى أقدم مستشار في كل غرفة من غرف
المجلس ،ويقوم الرئيس األول بتعيين مستشارا مقرر من بين أعضائها ،وإذا كانت المدونة لم
تنص على وجود الوكيل العام للملك ضمن أعضاء هذه الغرفة ،فإن المرسوم المحدث لمحكمة
الحسابات الفرنسية نص على ضرورة حضور النيابة العامة الجتماعات غرفة المشورة
والمشاركة في أشغالها.90
وتتولى هذه الغرفة المصادقة على التقرير السنوي للمجلس ،والتقرير المتعلق بتنفيذ القانون
المالية السنة 91والتصريح العام بالمطابقة ،كما يمكن للرئيس األول استشارتها في جميع القضايا
التي تعتبر رأيها ضروريا ،باستثناء تلك التي تدخل في إطار اختصاص الغرف المجتمعة.
وبذلك لم تعد لغرفة المشورة تلك الصالحيات الهامة التي خصتها بها المادة 18من القانون
القديم 12.79خاصة وأنها كانت تشكل الهيئة األساسية التي تصدر في إطارها مختلف قرارات
المجلس ،وكانت هي المكلفة بتطبيق النظام األساسي لقضاة المجلس.
وفي هذا الصدد يمكن القول بأن مدونة المحاكم المالية قد أعادت األمور إلى نصابها
القانوني ،بحيث تم وضع الحد لمختلف الممارسات القانونية التي كانت تمارس في إطار غرفة
المشورة في حالتها القديمة ،وبذلك حددت الصيغة الجديدة النعقاد جلسات الغرفة.92
تتألف هذه اللجنة 93من الرئيس األول ورؤساء الغرف والكاتب العام للمجلس ،هذا األخير
لم يكن في ظل القانون السابق ضمن أعضاء هذه اللجنة ،والتي كانت تسمى بهيئة التقارير،
حيث اقتصرت مهمتها على إعداد التقارير.
أما في ظل القانون الجديد فتسمى هذه اللجنة (لجنة البرامج والتقارير) ،توضح أن مهمتها
تتمحور حول إعداد البرنامج السنوي ألشغال المجلس وتحضير مختلف التقارير التي يعدها
المجلس األعلى للحسابات (التقرير السنوي للمجلس والتقرير المتعلق بتنفيذ القانون المالية
والتصريح العام بالمطابقة) ،كما يجوز دمج التقارير الخاصة المتعلقة برقابة التسيير األجهزة
العامة ضمن التقرير العام السنوي.
وعند مناقشة هذه الجنة لقضايا تهم المجالس الجهوية للحسابات ،يشارك فيها رؤسائها في
أشغالها بدعوة من الرئيس األول ،كما يمكن لهذا األخير تعيين قضاة آخرين سواء من المجلس
األعلى للحسابات أو المجالس الجهوية قصد المشاركة في أعمال اللجنة ،بعدها يعين مقررا
عاما من بين أعضاء اللجنة.
أ ما فيما يخص تنظيم وسير عمل لجنة البرامج والتقارير فيحدد بموجب األمر من الرئيس
األول حسب الفقرة األخيرة من المادة 24من القانون 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
بناءا على ما سبق ،ومن خالل دراسة كافة هيئات المجلس األعلى للحسابات والمهام المنوطة
بها ،فأول ما يالحظ بشأن هذه الهيئات هو تعددها وتنوع تدخلها ،فمنها هيئات غير دائمة تتدخل
كلما استدعى األمر ،لتقوم بمهام خاصة ومنها غرف دائمة حددها الرئيس األول للمجلس
األعلى للحسابات في خمسة غرف.
وتسهر هذه اللجنة على إعداد البرنامج السنوي ألشغال المجلس ،وكذا التقارير المنصوص
عليها في الفصلين 4و 6من الباب الثاني من الكتاب األول من مدونة المحاكم المالية.
وسيتم التوضيح في الجدول أسفله االختصاصات التي تمارسها كل هيئة على حدة:
للحسابات95 جدول :6هيئات المجلس األعلى
االختصاص الهيئة
افتتاح السنة القضائية واستقبال أفواج جديدة من القضاة. الجلسة الرسمية
البت في استئناف القرارات الصادرة عن غرف وفروع الغرف هيئة الغرف المشتركة
المجلس.
إصدار القرارات التمهيدية والنهائية ابتدائيا وإصدار األوامر الغرف وفروع الغرف
والغرامات التمهيدية وإنجاز التقارير الرقابة اإلدارية.
تقدير المشورة في كل ما يخرج عن اختصاص هيئة الغرف غرفة المشورة
المجتمعة والمصادقة على التقرير السنوي والتقارير األخرى التي
تعدها لجنة البرامج والتقارير.
إعداد التقرير السنوي والتقرير حول تنفيذ قانون المالية لجنة البرامج والتقارير
والتصريح العام بالمطابقة وإعداد البرنامج السنوي للمجلس.
تنقسم هذه اإلختصاصات إلى اختصاصات قضائية ترموا إلى رقابة مشروعية ومالئمة
العمليات المالية المتدخلين في صرف المال العمومي ،وتتجلى أساسا في آليتي النظر في
الحسابات والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية (الفقرة األولى) ،واختصاصات إدارية
تهدف إلى تقييم األجهزة الخاضعة لرقابتها وتتجلى هذه اآللية في مراقبة التسيير واستخدام
األموال العمومية بما في ذلك األموال التي يتم جمعها عن طريق التماس اإلحسان العمومي،
إضافة إلى األدوار الجديدة التي جاء بها دستور 2011والمتمثلة في مراقبة حسابات األحزاب
السياسية وتمويل العمليات االنتخابية مار والتصريح بالممتلكات وبدل المساعدة للسلط الثالث
(الفقرة الثانية).
97
أوال :وظيفة النظر في الحسابات
- 96تم تحيين بعض مقتضيات القانون 62.99من خالل القانون 55.16الصادر في 25أكتوبر 2016من اجل أن يتالءم مع المقتضيات
الدستورية التي نص عليها الباب العاشر من الدستور.
- 97المالحظ أن المشرع المغربي على خالف التجربة الفرنسية التي تسند هذه الوظيفة إلى محكمة الحسابات بينما تسند وظيفة التأديب إلى محكمة
التأديب ،قد عمل على جمع الوظيفتين معا وتوكيلها للمجلس األعلى للحسابات.
50
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
يعد التدقيق والبث في الحسابات من أهم الوظائف التي يمارسها المجلس األعلى للحسابات،
وتمارس ويعد الوظيفة بشكل تلقائي وباستمرار قصد رصد والمعية حسابات األجهزة الخاضعة
لرقابتها.
ويعد اختصاص النظر في الحسابات من النظام العام ،إذ أن المحاكم المالية هي الهيئة
الوحيدة المختصة بمراقبة جميع حسابات المحاسبين العموميين ،وبالتالي فهم ملزمون بتقديم
حساباتهم إلى المحكمة المالية باعتبارهم أعوان عموميين ،98فمن هم األشخاص الخاضعون
لمسطرة النظر في الحسابات؟ وما هي المخالفات موضوع المسطرة؟ وما هي الجزاءات
المترتبة عنها؟
تنص المادة 25من مدونة المحاكم المالية على أن المجلس األعلى للحسابات يختص بتدقيق
حسابات مرافق الدولة 99وكذا حسابات المؤسسات العمومية والمقاوالت التي تملك الدولة أو
المؤسسات العمومية رأسمالها كليا أو بصفة مشتركة بين الدولة والمؤسسات العمومية
والجماعات الترابية ،كلما كانت هذه األجهزة تتوفر على محاسب عمومي.
بهذا تكون المادة 25قد حددت األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس في ميدان النظر في
الحسابات والمتمثلة في المرافق التابعة للدولة ،وكذا تلك المتعلقة بالمؤسسات العمومية
والمقاوالت التي يعود رأسمالها إما بصورة كلية إلى الدولة أو المؤسسات العمومية ،100أو
بشكل مشترك بين هاتين األخيرتين والجماعات الترابية شريطة توفرها على محاسب
عمومي.101
ومما يالحظ من خالل المادة 25أن المشرع لم يشترط أي شرط لخضوع مالية وميزانية
مرافق الدولة لرقابة وافتحاص المجلس ،عكس ما هو متعلق بالمؤسسات العمومية والمقاوالت
إذا كانت مدونة المحاكم المالية لم تعرف المقصود بالمحاسب العمومي فإن تعريفه يستشف
مما جاء في المادتين األولى والثانية من القانون 99. 66المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين
بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين ،102حيث يمكن القول أن المحاسب العمومي هو
كل موظف أو مون مؤهل ألن يباشر باسم جهاز عام خاضع لرقابة الدولة قبض المداخيل أو
دفع النفقات أو التصرف في المستندات إما بواسطة أموال أو قيم عهد إليه حراستها وإما
بتحويالت حسابية داخلية أو خارجية لألموال التي يراقب حركتها أو يأمر بها.
ويلزم المحاسبين العمومين المرافق الدولة حسب نفس المادة من تقدم حساباتهم إلى المجلس
األعلى للحسابات عن كل سنة مالية حسب الكيفيات المقررة في النصوص التعليمية الجاري
بها العمل ،بينما يلزم المحاسبون العموميون لألجهزة العمومية األخرى بأن يقدموا سنويا إلى
المجلس بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات وكذا عمليات الصندوق التي يتولون
تنفيذها وذلك وفق الكيفيات المقررة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل.
وفي حالة تختلف المحاسب العمومي عن تقديم الحسابات والبيانات المحاسبية جاز للرئيس
األول بالتماس من الوكيل العام للملك أن يوجه إلى المعني باألمر أوامر بتقديم الوثائق والحكم
عليه في حالة عدم تقديمها بغرامة قد تصل إلى ألف درهم ،كما للرئيس األول أن يحكم عليه
بغرامة تهديدية أقصاها 500درهم عن كل شهر تأخير ،103فعلى الرغم من هزالة هذه الغرامة
إال أن من شأنها أن تدفع المحاسب العمومي إلى تقديم الحساب وعدم عرقلة عمل المجلس
- 102القانون 61.99المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين ،الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.02.25
الصادر في 1423موافق ل 3أبريل ،2002الصادر في الجريدة الرسمية عدد 29 4999أبريل .2002
- 103المادة 29من مدونة المحاكم المالية.
52
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
األعلى للحسابات والتهرب من التزاماته خاصة وأن هذه الغرامة تكون من البدعة المالية
للمحاسب.104
هذا ويمتد هذا االختصاص إلى التدقيق والنظر في حسابات المحاسبين بحكم الواقع وهو
"كل شخص يباشر من غير أن يؤهل لذلك من لدن السلطة المختصة عمليات قبض الموارد
ودفع النفقات وحيازة واستعمال أموال أو قيم في ملك أحد األجهزة العمومية الخاضعة لرقابة
المجلس ،أو يقوم دون أن تكون له صفة محاسب عمومي بعمليات تتعلق بأموال أو قيم ليست
في ملك األجهزة المذكورة" ،105فإذا ما صرحت المحكمة بأن شخصا ما هو محاسب يحكم
الواقع ،أمرته بتقديم حسابه داخل أجل يحدده له على أال يقل عن شهرين ،106كما للمجلس أن
يحكم عليه في حالة عدم متابعته جنائيا بغرامة تقدر باعتبار أهمية ومدة حيازة أو استعمال
األموال والقيم ،ويشترط في هذه الغرامة أن ال يتجاوز مبلغها مجموع المبالغ التي تمت حيازتها
أو استعمالها بصفة غير قانونية.107
ويبقى الهدف من إقرار هذه المسؤولية هو الحفاظ على المال العام وحمايته ،لذلك ثم تحميل
المحاسب بحكم الواقع نفس المسؤوليات التي يتحملها المحاسب العمومي طبقا للمقولة الفقهية
الشهيرة "المال العام يحرق األيادي التي تمتد إليه".108
تتحدد مسؤولية المحاسب العمومي من خالل رصد واقعة العجز في الحساب ،ذلك أن أي
عجر يحصل في حساب المحاسب العمومي يشكل سببا يبرر محاسبته ،وبالتالي تفعيل مسطرة
المتابعة في حقه.109
- 104جدير بالذكر أن المشرع من خالل قانون 62,99قد رفع من مقدار هذه الغرامات ،ذلك أن الغرامة التي كانت المقرر من خالل القانون
12.79على عدم تقديم الحساب ال تتجاوز ،500بينما الغرامة التهديدية عن التأخير فكانت ال تتجاوز 100درهم عن شهر تأخير .أنظر مدني
أحميدوش ،م.س ،.ص.267 .
- 105المادة 41من مدونة المحاكم المالية.
- 106المادة 43من مدونة المحاكم المالية.
- 107المادة 44من مدونة المحاكم المالية
- 108محمد براو ،الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية ،م.س ،.ص.165 .
- 109عادلة الوردي ،م.س ،.ص.130 .
53
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وبالرجوع إلى مدونة المحاكم المالية نجد أن المادة 37قد نظمت مسؤولية المحاسب
العمومي وعادت صورها وبينت نطاق اختصاص المجلس األعلى للحسابات في مجال البت
في الحسابات مع اإلشارة إلى أن ما جاء فيها من تعداد هو على سبيل الحصر وليس المثال
طالما ليس هناك أي كلمة تفيد بكونه على سبيل المثال ،110وتتجلى هذه المخالفات في:
-عدم تبرير انجاز عمل :فمن المعلوم أنه ال أداء إال بعد تنفيذ الخدمة ،وتنحصر مسؤولية
المحاسب في التأكد من وجود إشهاد الشخص المؤهل قانونا على تنفيذ العمل وهو غالبا األمر
بالصرف عدم صحة حساب التصفية :إذ يراقب تحت مسؤوليته هذا الحساب بالتأكد من البيانات
الحسابية والفاتورات والوثائق المرفقة إلثباتها.
-غياب التأشيرة المسبقة لاللتزام :وهي تأشيرة المراقب على وثائق االلتزام وأنه ال يمكن
تجاوز ذلك بأمر بالتسخير من طرف األمر بالصرف
-عدم اتخاذ اإلجراءات التي يتوجب على المحاسب العمومي القيام بها في عمال تحصيل
الموارد.111
وباستقراء االجتهاد القضائي الفرقة اإلدارية محكمة النقض مدها قد كرمت نفس مقتضيات
هذه المادة ،إذ نجد أنها قد نصت في قرار لها على مسؤولية المحاسب العمومي في التأكد من
صحة النفقات التي يسجلها ،وإنجاز النفقات الملتزم بدفعها وتبرير عملياته ،112كما قضت في
قرار آخر على أن من مسؤولية المحاسب العمومي في حالة رصد خطأ مادي في الوثائق المنية
54
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وقف وضع التأشيرة وإخبار األمر بالصرف بذلك ،كما يقع على عاتقه تقديم ما يفيد إخبار
األمر بالصرف بعدم صحة الوثائق المثبتة.113
إن الهدف من إقرار هذه الرقابة على حسابات المحاسبين العموميين هو صيانة المال العام
والتصدي لكل عملية من غير مشروعة به ،لذلك يكون التنصيص على قواعد قانونية تعلم
كيفية التصرف في المال العام والقرار الرقابة عليه غير كافي في غياب جزاءات ردعية تدفع
إلى التعفف عن المال العام والحفاظ عليه وعدم المساس به.
ألجل ذلك أقرت مدونة المحاكم المالية مجموعة من الجزاءات منها ما هو مادي يتعلق
بفرض غرامات مالية وإلزام المتابع بإرجاع المبالغ التي خسرها الجهاز العمومي ،ومنها ما
يمتد إلى المتابعة الجنائية.
فعلى مستوى الغرامات تجد أن المادة 66من مدونة المحاكم المالية قد فرضت غرامات
على كل من ارتكب مخالفة واحدة أو أكثر من المخالفات المشار إليها في المواد 54و 55و،56
بغرامة تحدد مبلغها حسب خطورة وتكرار المخالفة على أال يقل هذا المبلغ عن ألف ()1,000
درهم عن كل مخالفة ومن غير أن يتحاور مجموع مبلغ الغرامة عن كل مخالفة أجرته السنوية
الصافية التي كان يتقاضاها المعني باألمر عند تاريخ ارتكاب المخالفة.114
وأضافت نفس المادة بأنه في حالة ارتكاب مخالفات متعددة ،فإن مجموع مبالغ الغرامات
المذكورة ال يمكن أن يتجاوز أربع مرات مبلغ األجرة السنوية الصافية التي كان يتقاضاها
المعني باألمر عند تاريخ ارتكاب المخالفة .وفي حالة اكتشاف المجلس أن المخالفات المرتكبة
تسببت في خسارة ألحد األجهزة الخاضعة لرقابته ،قضى على المعني باألمر بإرجاع المبالغ
المطابقة العائدة هذا الجهاز من رأسمال وفوائد ،وتحسب الفوائد على أساس السعر القانوني
ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة.
كما تجد أن المشرع من خالل المادة 37قد نص على إمكانية ممارسة الدعوى التأديبية،
غير أن ما يالحظ أن الصيغة التي جاءت بها الفقرة األخيرة من المادة نصت على اكتشاف
- 113قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد 137في الملف اإلداري ،128/4/1/95صادر بتاريخ ،13/02/1997أوردته عادلة
الوردي ،م.س ،ص.131 ،
- 114المادة 66من مدونة المحاكم المالية.
55
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
عقوبات تستوجب عقوبات تأدية دون األفعال التي قد تستوجب عقوبات جنائية ،علما أن المادة
111المحال عليها من طرف هذه المادة تنص على المتابعة التأديبية والجنائية معا ،فهل كانت
إرادة المشرع اتجه إلى إعفاء المحاسب العمومي من المتابعة الحالية أم أنه مجرد سهو من
المشرع؟
وفي اعتقادنا أن المشرع مدعوا إلى تدارك األمر بإقرار المسؤولية الجنائية كما فعل مع
المادة 66في مجال التأديب المالي ،ذلك أنه في حالة اكتشاف المجلس ألفعال تستوجب المتابعة
الجنائية بمناسبة النظر في الحسابات يكون مطالبا بتفعيل المادة 111من المدونة.
فالذي يمكن مالحظته من خالل مقتضيات مدونة المحاكم المالية أنها إلى جانب حرصها
على صون المال العام عير تنظيم الرقابة عليه وإقرار مجموعة من العقوبات الزجرية ،قد
حرصت على حماية المحاسب العمومي إذ أعقته من بعض االلتزامات التي من شأنها أن تثقل
كاهله وتحول دون ممارسة مهامه األصيلة ،حيث حضرت مهمته.
في التأكد ومراقبة وجود التأشيرة من مدى شرعيتها ،كما منعته مجموعة من الضمانات
كالحق في الدفاع من خالل تمكينه من المشاركة في التحقيق ،كما حول له الحق في طلب
مراجعة القرارات النهائية وذلك في حالة اكتشاف عنصر جديد.115
ومن المقتضيات التي تم اقتراحها أثناء مناقشة مشروع قانون مدونة المحاكم المالية إحداث
نظام جماعي تساهم فيه الدولة وينخرط فيه المحاسب العمومي بصفة إلزامية من أجل أن يكون
بمثابة جهار تغطية وقائية تؤمن هذا األخير في حالة وجود عجز في حسابه ،116غير أن هذا
المقترح لم يتم تفعيله لحد اآلن.
إلى جانب وظيفة النظر في حسابات المحاسبين العموميين والمسيرين بحكم الواقع ،يمارس
المجلس األعلى للحسابات وظيفة قضائية أخرى تتمثل في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
تكتسي هذه الوظيفة طابعا خاصا ،إذ أن التأديب المالي الممارس من قبل المجلس األعلى
للحسابات ليس بتأديب إداري وال بمحاكمة جنائية ،فهو دعوى مستقلة عن دعوى التأديب
والدعوى الجنائية.118
وعلى النحو الذي ناقشنا به وظيفة النظر في الحسابات نناقش وظيفة التأديب المالي ،بحيث
نتساءل بداية عن األشخاص الخاضعون لهذه المسطرة؟ والمخالفات التي تستوجب التأديب
المالي واآلثار المترتبة عنها؟
نصت المادة 51من مدونة المحاكم المالية على امتداد اختصاص المجلس األعلى للحسابات
في التأديب المالي لكل مسؤول أو موظف أو عون بأحد األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس،
كال في حدود االختصاصات المخولة له ،والذي يرتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في
المواد 54و 55و 56من المدونة.
▪ مرافق الدولة؛
119
▪ المؤسسات العمومية
▪ الشركات أو المقاوالت التي تملك فيها الدولة أو المؤسسات العمومية على المراد
أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر ،أغلبية األسهم في الرأسمال أو سلطة
مرجحة في اتخاد القرار.
- 117محمد ولد أحمد ميناط ،الرقابة العليا على األموال العمومية في دول المغرب العربي ،دراسة نقدية ومقارنة ،بحث لنيل دبلوم السلك العالي،
المدرسة الوطنية لإلدارة ،الرباط ،1994 ،ص ،91 .أورده مدني أحميدوش ،م.س ،.ص.267. 7.
- 118محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين ،دار السالم
للطباعة والنشر والتوزيع ،الرباط ،الطبعة األول ،2017 ،ص.19.
- 119ينحصر اختصاص المجلس األعلى للحسابات على المؤسسات العمومية الوطنية دون أن يمتد إلى المؤسسات الجهوية أو المحلية التي ينعقد
االختصاص فيها إلى المجالس الجهوية للحسابات.
57
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الشركات أو المقاوالت التي تملك فيها الدولة أو المؤسسات العمومية صفة ▪
مشاركة مع الجماعات المحلية أغلبية األسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ
القرار
ويالحظ أن النص الجديد تميز بتحديده لالئحة األجهزة العامة الخاضعة لرقابة المجلس في
ميدان التأديب المالي بشكل حصري ،على خالف ما كان عليه الفصل 56من القانون 12.79
الذي جاء العبارة فضفاضة ولم يحدد بشكل دقيق هذه األجهزة ،120وبهذا تكون المدونة من
خالل المادة 51قد وضعت حدا لكل تأويل كان يفرضه النص القديم.121
هذا وتجد أن المدونة قد وسعت وظيفة التأديب المالي ليشمل فئات أخرى ،ويتعلق األمر
بكل مراقب أو محاسب عمومي وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرته أو يعمل لحسابه،122
إال أن هذا المقتضى آثار نقاش لخصوص إقحام مراقبو االلتزام بالنفقات الذين تحصر مهمتهم
في التأكد من مشروعية إدراج النفقة في الميزانية وهي عملية تتم قبل عملية االتفاق ،وبالتالي
كان من المفروض أن يبقى بعيدا عن مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،123
غير أن المشرع باتخاذه هذه الخطوة يكون قد اتجه نحو السيطرة على كل مراحل العمليات
المالية وإخضاعها للمراقبة.124
غير أنه يمكن للمعنيين هذه المسطرة أن يتحللوا من المتابعة في حالة اإلدالء بأمر كتابي
صادر قبل ارتكاب المخالفة عن رئيسهم التسلسلي أو أي شخص مؤهل إلصدار هذا األمر،
وفي هذه الحالة للقبل المتابعة إلى من أصدر هذا األمر الكتابي مع مراعاة المادة .52125
وقد استثنى المشرع المغربي من وظيفة التأديب المالي أعضاء الحكومة وأعضاء مجلسي
النواب ومجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة ،126وقد أثار استثناء أعضاء
الحكومة من رقابة المجلس األعلى للحسابات حفيظة عدد من الباحثين الذين اعتبروا أن استثناء
- 120محمد براو ،الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية ،م.س ،.ص.205 .
- 121عادلة الوردي ،م،س ،ص.154 ،
- 122المادة 55من مدونة المحاكم المالية.
- 123نجيب جيري ،إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين والتفعيل ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد مزدوج
،105-106يوليوز – أكتوبر ،2012ص .113
- 124عادلة الوردي ،م.س ،ص.147 ،
- 125المادة 53من مدونة المحاكم المالية.
- 126المادة 52من مدونة المحاكم المالية.
58
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الوزراء من المسؤولية عن تنفيذ الميزانية كأمرين بالصرف رئيسيين ال تتماشي وفق األحكام
القانونية المنظمة إلجراءات التنفيذ المالي ،127على اعتبار أن الوزراء هم المسؤولين عن
القرارات المالية الهامة في الدولة.
إال أن استثناء هذا الصنف من المسؤولين من مسطرة التأديب المالي يفسر يكون الوزراء
يتحملون أثناء التسيير اإلداري والمالي مسؤولية سياسية أمام الملك والبرلمان ،128وفي حالة
ارتكاب جنايات أو أثناء ممارستهم مهامهم فإنهم يعتبرون مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة
ومع ذلك فإن بعض التشريعات ال تعفي الوزراء من المتابعة أمام المحاكم المالية ،129في حين
يستمد أعضاء البرلمان حصانتهم أمام المجلس األعلى للحسابات من الحصانة السياسية المنبثقة
من مبدأ سيادة األمة.130
على غرار تحديد المشرع للمخالفات التي تستوجب إعمال مسطرة النظر في الحسابات،
نجده قد حدد المخالفات الخاضعة للتأديب المالي وذلك من خالل المواد 54و 55و 56من
مدونة المحاكم المالية ،فمن خالل استقراء مضامين المواد الثالث يتضح أن هذه المخالفات
مصنفة إلى ثالثة أصناف؛ يهم الصنف األول األمرين بالصرف ومن يدخل في حكمهم ،كما
يهم الصف الثاني مراقبو االلتزام بالنفقات ومن يدخل في حكمهم ،في حين يشمل الصنف الثالث
المحاسبين العموميين ومن يدخل في حكمهم.131
المخالفات التي يرتكبها اآلمرون بالصرف أو األمرين بالصرف المساعدين وكل من يعمل
تحت سلطتهم أو لحسابهم.
حددتها المادة 54من مدونة المحاكم المالية في الئحة حصرية وهي كالتالي:
- 127نجيب جيري ،إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين والتفعيل ،م.س ،.ص110 .
- 128محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية ،...م.س ،.ص.49 .
- 129الفصل 94من الدستور ،م،س.
- 130محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية ،...م.س ،.ص.50 .
- 131عبد العزيز الحبشي ،بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات المحلية وهيئاتها على ضوء مدونة المحاكم المالية،
المجلة المغربية إلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،50ماي-يونيو ،2003ص .31
59
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
.2عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية؛
.5مخالفة قواعد تحصيل الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم عمال بالنصوص التشريعية
الجاري بها العمل؛
.8إخفاء المستندات أو اإلدالء إلى المحاكم المالية بأوراق مزورة أو غير صحيحة؟
.9عدم الوفاء تجاهال أو خرقا لمقتضيات النصوص الضريبية الجاري بها العمل بالواجبات
المترتبة عليها قصد تقديم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين بالضريبة.
.10حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية.
.11إلحاق ضرر بجهاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات ،وذلك بسبب اإلخالل الخطير
في المراقبة التي هم ملزمون ممارستها أو من خالل اإلغفال أو التقصير المتكرر في القيام
بمهامهم االشرافية.
ويالحظ أن هذه المخالفات التي أوردها المادة 54ذات طبيعة مختلفة فهي قد تكون أخطاء
شخصية داخل المرفق أو أخطاء مرفقية بسيطة أو أخطاء في التسيير ،كما قد تكون مقصودة
أو غير مقصودة كما ال تشترط فيها الخطورة أو سوء النية ،132وعلى العموم فإن هذه المخالفات
تنقسم إلى محورين أساسيين :مخالفات قواعد االنضباط المالي والمحاسبي ومخالفات التسيير
واالنضباط المهني.133
- 132صدر عن المجلس األعلى للحسابات قرار في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية يرى فيه أن حسن نية المعنية باألمر ال يشكل
سببا إلعفائها من المسؤولية .أنظر قرار المجلس األعلى للحسابات عدد /62/2017ت.م.ش.م ،القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية لسنة ،2017الموقع الرسمي للمجلس.http://www.courdescomptes.ma/ar :
- 133محمد براو ،الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية ،م.س ،.ص .225
60
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
المخالفات المرتكبة من قبل المراقبين وكل موظف أو عون تحت سلطتهم
تناولت هذا الصنف من المخالفات المادة 55من مدونة المحاكم المالية ،بحيث جعلت
مسؤوليتهم تتعقد في حالة عدم القيام بالمراقبات التي هم ملزمون بها بمقتضى القوانين واألنظمة
الجاري بها العمل ،على الوثائق المتعلقة بالنفقات وعلى الوثائق المتعلقة بالمداخيل إن كانت
من اختصاصهم ،وذلك ألجل التأكد من:
. 1مطابقة صفقات األشغال أو التوريدات أو الخدمات القواعد طلب المنافسة المطبقة على
الجهاز المعني باألمر؛
.3صفة األشخاص المؤهلين بمقتضى النصوص التنظيمية المعمول بها للتوقيع على
اقتراحات االلتزام بالنفقات.
فبهذا المقتضى تكون المدونة قد حسمت بشكل فعلى مسألة خضوع مراقب االلتزام بالنفقات
للسلطة التأديبية للمجلس األعلى للحسابات ،خالف المشرع الفرنسي الذي جعل اختصاص
محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ينصب على محاسبة األمرين بالصرف
دون أن الحد إلى المراقبين لماليين نظرا لطبيعة تدخلهم في عملية تفيد الميزانية.134
▪ المخالفات المرتكبة من قبل المحاسبين وكل موظف أو عون يعمل تحت إمرتهم
أو لحسابهم
حددت المادة 56من مدونة المحاكم المالية المخالفات التي قد يرتكبها المحاسبين العموميين
والتي تستوجب التأديب المالي في المخالفات التالية:
.
- 134نجيب جيري ،إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين والتفعيل ،م.س ،.ص114_113 .
61
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
2إخفاء المستندات أو اإلدالء المجلس بوثائق مزورة أو غير صحيحة؛
غير أن المحاسب العمومي الذي حكم عليه بالعجز تطبيقا لمسطرة النظر في الحسابات ال
يمكن متابعته النفس األسباب في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،كما أن
مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 66ال تطبق على المحاسب العمومي.135
هذا وتتقادم المخالفات التي تستوجب التأديب التعلق بالميزانية والشؤون المالية إذا لم يتم
اكتشافها من طرف المجلس أو كل سلطة مختصة داخل أجل خمس سنوات كاملة تبتدئ من
التاريخ الذي تكون قد ارتكبت فيه ،وذلك طبقا للمادة 107من مدونة المحاكم المالية.
ويؤدي إثبات إحدى المخالفات السابقة الذكر فإنه يصدر عقوبات تتمثل في فرض غرامات
مالية ،إذ تنص المادة 66من مدونة المحاكم المالية أنه في حالة ارتكاب شخص المخالفة أو
مخالفات من تلك المذكورة في المواد 54و 55و 56يحكم المجلس عليه بغرامة يحدد مبلغها
حسب خطورة وتكرار المخالفة على أال يقل هذا المبلغ عن ألف ( )1,000درهم عن كل
مخالفة ،دون أن يتجاوز مبلغ الغرامة صافي اآلخرة السنوية التي كان يتقاضاها المعني باألمر
أثناء ارتكاب المخالفة.
كما تجد أن نفس المادة قد نصت في فقرتها الثانية على أنه ال يمكن أن يتجاوز مبلغ الغرامات
أربعة أضعاف صافي األجرة السنوية التي كان يتقاضاها المخالف عند ارتكاب المخالفة.
أما بخصوص استئناف بعض القرارات واألحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم المالية فكما
هو الشأن بالنسبة للقرارات النهائية الصدرة عن المجلس ابتدائيا في إطار البت في الحسابات،
وطبقا لمبدأ التقاضي على درجتين ،تخضع القرارات الصادرة عن المجلس األعلى للحسابات
في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للطعن باإلستئناف أمام هيئة الغرف
المشتركة ،بينما تستأنف أحكام المجالس الجهوية للحسابات أمام غرف االستئناف بالمجلس.
ويبين الجدول التالي نسبة استئناف القرارات واألحكام المالية في ميدان التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية:137
وتجدر اإلشارة إلى أن نفس األطراف التي لها حق االستئناف لها حق تقديم طلبات النقض
أمام محكمة النقض ضد القرارات الصادرة استئنافيا عن المجلس .كذلك ،وفي حالة اكتشاف
عنصر جديد ،وبعد انصرام األجل المحدد لطلب النقض ،يمكن للمحكوم عليه ولألطراف
المعنية األخرى طلب مراجعة القرار الذي سبق أن أصدرته المحكمة المالية المعنية.
أما بخصوص االجتهاد القضائي للمحاكم المالية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية فقد أسفرت هذه األخيرة عن استنباط مجموعة من القواعد واالجتهادات التي تعرضت
من جهة ،لتحليل المخالفات المرتكبة وإبراز قواعد إسناد المسؤولية لألشخاص القائمين على
تدبير األجهزة العمومية والخاضعين لهذا االختصاص من جهة أخرى لطبيعة وخصوصية
المسطرة المتبعة في إطار هذا االختصاص.
فمدونة المحاكم المالية في نسختها األولى نصت على وظيفة رقابة التسيير ومراقبة استخدام
األموال العمومية بما فيها األموال التي يتم جمعها عن طريق التماس اإلحسان العمومي إضافة
إلى التقارير التي بعدها المجلس والتي ترفع إلى الملك ،وبذل المساعدة لكل من البرلمان
والحكومة والقضاء ،إال أن هذه الوظائف تعززت مع دستور 2011حيث أضيفت للمجلس
64
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
اختصاصات إدارية جديدة ذات طابع تخليقي تتجلى أساسا في مراقبة مالية األحزاب السياسية
وتمويل العمليات االنتخابية ومراقبة التصريح اإلجباري بالممتلكات ،كما عهدت إلى المجلس
مهمة المصادقة على تنفيذ الميزانية وهو االختصاص الذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من سنة
.2020
فالذي يبدو جليا أن اإلختصاصات اإلدارية التي يتدخل عبرها المجلس قد عرفت توسعا
بشكل كبير الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية إعمال المجلس لهذه اإلختصاصات وعن
دورها في حماية المال العام؟ وألجل ذلك سنحاول أن نقف بداية عند اختصاص رقابة التسيير
واستخدام األموال العمومية (أوال) ثم ننتقل بعدها إلى اختصاص مراقبة حسابات األحزاب
السياسية وتمويل العمليات االنتخابية وتتبع التصريح بالممتلكات (ثانيا) ،وتختم باختصاص
(ثالثا) ،التي تستعرض من خاللها آلية تقديم المساعدة السلطات الثالث.
-1رقابة التسيير
نصت على هذا النوع من الرقابة المادة 75من مدونة المحاكم المالية ،بحيث يتميز هذا
النوع من الرقابة بكون القرارات واآلراء والمالحظات واالقتراحات الصادرة عن المجلس في
إطارها ال تكتسي إلزامية وليس لها آثار جزائية ،138كما أنها مواكبة أو بعدية وليست قبلية،
وتنصب على التقدير الكيفي والتقييم النوعي لتدبير األجهزة والمرافق العمومية ،وتتوج
مقترحات وتوصيات يتم تقديمها من أجل تجويد مناهج وأساليب التدبير والرفع من
فأهداف رقابة التسيير على عكس الرقابة القضائية التي يمارسها المجلس األعلى والتي
تهتم بجانب المشروعية ،فإن رقابة التسيير فحسب المادة 75من مدونة المحاكم المالية إلى
تقدير تسير األجهزة الخاضعة لرقابته من حيث الكيف واإلدالء عند االقتضاء باقتراحات حول
الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته ،ويتميز هذا النوع من الرقابة
وتمتد ،هذه الرقابة إلى مراقبة المجلس المدى مشروعية وصدقية العمليات المنجزة وحقيقة
الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة واألشغال المنجزة ،ويتأكد من أن األنظمة واإلجراءات
المطبقة داخل األجهزة الخاضعة لرقابته تضمن السير األمثل لمواردها واستخداماتها وحماية
ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة ،كما له أن يقوم المشاريع العمومية قصد التأكد من
مدى تحقيق األهداف المحددة لكل مشروع انطالقا مما تم إنجازه وبالنظر إلى الوسائل
المستعملة.
فمن خالل استقراء هذه المادة يتبين أن المشرع أطلق به القاضي المالي من أجل مراقبة
شاملة ألوجه تسيير األجهزة العمومية ،والقيام بتحليل للدي لكل عملية استقالل ومقارنة النتائج
المحققة مع األهداف المحددة من قبل المسؤولين في البداية ،وتعد هذه الرقابة في جانب منها
رقابة مشروعية ،حيث للقاضي المالي سلطة التأكد في ذات الوقت من مدى شرعية عمل هذه
المنظمات.141
.1مرافق الدولة.
.2المؤسسات العمومية.
. 3المقاوالت المحولة االمتياز في مرفق عام أو المعهود إليها تسيره ،باستثناء تلك التي
تخضع لرقابة المجالس الجهوية.
- 140نجيب جيري ،الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية دراسة تحليلية ونقدية ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،الطبعة
،2012 ،1
- 141عادلة الوردي ،م.س ،.ص .168 .ة المادة 76من مدونة المحاكم المالية.
66
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
.4الشركات والمقاوالت التي تملك فيها الدولة أو مؤسسات عمومية على انفراد أو بصفة
مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر أغلبية األسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ
القرار.
. 5الشركات والمقاوالت التي تملك فيها الدولة أو مؤسسات عمومية بصفة مشتركة مع
الجماعات المحلية أغلبية األسهم في رأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرارة.
-6أجهزة الضمان االجتماعي كيفما كان شكلها ،التي تتلقى من أحد األجهزة المنصوص
عليها في الفقرات أعاله مساعدات مالية في شكل مساهمات من أرباب العمل أو في شكل
إعانات.142
أما فيما يخص إجراءات رقابة التسيير فقد ألزم المشرع األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس
بأن توجه له سنويا الحسابات والبيانات المحاسبة وذلك وفقا للكيفيات المنصوص عليها في
النصوص التنظيمية الجاري ما العمل ،كما يتوصل المجلس إضافة إلى ذلك بمحاضر الهيئات
التداولية هذه األجهزة مرفقة بنسخ من تقارير المحاسبين المعتمدين والمراقبين الداخليين
والخارجيين.143
يؤدي التأخر في تقديم الحسابات والوثائق المحاسبية إلى إمكانية إصدار أمر من الرئيس
األول يحكم بموجبه على األشخاص المسؤولين عن هذا التأخير بغرامة مالية يمكن أن يصل
مبلغها األقصى 1000درهم ،كما يمكن إضافة إلى ذلك الحكم عليه بغرامة الحديدية يصل
مبلغها إلى 500درهم عن كل شهر تأخير.144
تحدد األجهزة التي ستخضع لرقابة الجنس في برنامجه السنوي الذي تعده لجنة البرامج
والتقارير ،وبناء عليه يعين رئيس الغرفة المستشارين الذين يضطلعون بمهمة مراقبة هذه
األجهزة ،ومن أجل القيام بمهامهم حول المشرع للمستشارين حل االطالع على كافة المستندات
أو الوثائق المتعة الكفيلة لتزويدهم المعلومات حول تسيير هذه األجهزة ،145واالستماع إلى
ال يمكن التحسن أمام قضاة المجلس بواجب كمان السر المهني ،147إال في حالة تعلق األمر
باألمن والدفاع ،فعندها ترفع القضية إلى رئيس الحكومة من أجل النظر في إمكانية أو عدم
إمكانية رفع السرية عن تلك المعلومات.148
بعد انتهاء المستشار للمقرر من تحرياته ،يوجه مالحظاته إلى المسؤولين عن األجهزة
موضوع المراقبة ،والذين ل إمكانية اإلدالء تعقيباتهم عند االقتضاء داخل أجل شهرين،149
وبعد انتهاء هذا األجل يوجه المستشار تقريره إلى رئيس الغرفة.150
يعرض التقرير المعد من قبل المستشار على الغرفة المعنية ويكون موضوع مداولة
بحضور خمسة أعضاء من بينهم رئيس الغرفة والمستشار الذي تولى المراقبة ،ويعهد إلى
المستشار المقرر تقديم تقريره أمام الغرفة بالنسبة لكل ملف ،ويحق للغرفة استدعاء أي مسؤول
أو عون بالجهاز المعني من أجل االستماع إليه كما لها أن تأمر بإجراء تحريات تكميلية ،وتقرر
في المالحظات التي يمكن أن تكون موضوع رسائل موجهة من رئيس الغرفة إلى مسؤولي
األجهزة المعنية ،ويلزم األشخاص الذين توجه إليهم هذه الرسائل باإلجابة عنها في أجل تحدده
رئيس الغرفة على أال يقل عن شهر ،وتتخذ الغرفة قراراتها بأغلبية األصوات.151
أما فيما يتعلق باآلثار المترتبة عن مراقبة التسيير فينتج عن مراقبة التسيير إعداد التقارير
السنوية والخاصة إضافة إلى إمكانية المتابعة أمام المجلس وتحريك الدعوى التأديبية والجنائية.
- 146تنص المادة 69من المدونة على أنه " يتعرض باألمر والشهود الذين ال يجيبون في األجل المحدد عن طلبات تقديم الوثائق والمستندات أو ال
يستجيبون لالستدعاءات الموجهة إليهم من طرف المجلس أو يرفضون أداء اليمين ،أو يرقصون اإلدالء بشهاداتهم لغرامة من خمس مائة( )500
درهم إلى ألفي ( )2.000درهم بموجب أمر للرئيس األول".
- 147المادة 82من مدونة المحاكم المالية.
- 148محمد براو ،الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية ،م.س ،ص.
فمنذ إحداث المجلس األعلى الحسابات نص القانون المحدث له على إعداد المجلس تقرير
سنوي يرفع إلى الملك ويتضمن أنشطة المجلس ،إال أن القانون 12.79لم ينص على مبدأ
العلمية ونشر التقرير للرأي العام وهو ما تداركه المشرع من خالل القانون 62.99حيث تم
من خالل المادة 100على أن يرفع التقرير السنوي من طرف الرئيس األول إلى الملك قبل
انتهاء السنة المالية الموالية لسنة التسيير المقصودة ،كما يوجه هذا التقرير إلى كل من رئيس
الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان وينشر في الجريدة الرسمية".153
ويتضمن هذا التقرير بيانا عن جميع أنشطة المجلس وملخصا للمالحظات التي أبداها،
ومقترحاته من أجل تحسين تسيير المالية العامة وتدبير المرافق واألجهزة التي شملتها المراقبة،
كما يتضمن التقرير تعاليق السلطات الحكومية ومسؤولي المؤسسات واألجهزة العمومية
المعنية ويعطي ملخصا عن تقرير المجلس حول تنفيذ قانون المالية.154
يتولى المجلس أيضا إعداد التقارير الخاصة التي تهم قطاعات معينة والتي يتم توجيهها من
قبل الرئيس األول إلى رئيس الحكومة والوزير المكلف بالمالية والوزير الوصي ،ويمكن لهم
اإلدالء بمالحظاتهم والتعبير عن آرائهم داخل األجل المحدد من قبل الرئيس األول على أال
يقل هذا األجل على شهر ،وبعد ذلك توجه هذه التقارير مرفقة باآلراء والتعاليق المتوصل بها
إلى لجنة البرامج والتقارير ألجل إدراجها عند االقتضاء في التقرير السنوي وتقرير تنفيذ
الميزانية.155
وفي حالة اكتشاف عناصر مكونة أو حكم الواقع حسب مدلول المادة 41من مدونة المحاكم
المالية ،طلبت الغرفة المختصة من المستشار أن بهي تقريرا في الموضوع بوجهه للوكيل العام
للملك طبقا لمقتضيات المادة 42من نفس المدونة.
وإذا ما كانت األعمال المكتشفة من قبل الغرفة تستوجب عقوبة جنائية أو تأديبية طبقت
المقتضيات المنصوص عليها في المادة .111156
تشكل رقابة التسيير أداة مساعدة من أجل تحسين مستوى التدبير العمومي ،كما أنها تتجاوز
رصد المخالفات إلى تقديم المقترحات وتوصيات من شأنها أن تساعد المسؤولين في تحقيق
نجاعة التدبير ،إضافة إلى كونها تقدم للبرلمان صورة عن تسيير الموارد العمومية وبالتالي
مساعدته في أداء وظيفته الرقابية على الحكومة ،كما أن هذه التقارير تساعد الحكومة في بلورة
برامجها وتوجيه سياستها بما يحقق حسن التدبير.
وفي هذا اإلطار ،وخالل سنتي ،2020-2019عرض على النيابة العامة لددى المجلس
( )28ملفا تتضمن أفعاال قد تكتسي صبغة جنائية ،من بينها ( )20ملف أحيل عليها من طرف
وكالء الملك لدى المجالس الجهوية للحسابات ،وفقا لمقتضيات المادة 162من مدونة المحاكم
المالية
وطبقا لمقتضيات المادة 111من مدونة المحاكم المالية ،أحالت النيابة العامة ،خالل سنتي
)22( ،2019-2020ملفا إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض-رئيس النيابة العامة وذلك
قصد اتخاذ المتعين بشأنها ،فيما اتخذت مقرر بعدم المتابعة وإثارة الدعوى العمومية بخصوص
( )6ملفات لعدم كفاية القرائن واإلثباتات الالزمة إلثارة هذه الدعوى.
وتهدف هذه المذكرة التعاون إلى جانب تعزيز التعاون بين األطراف الموقعة عليها ،ال سيما
في مجال التكوين القضاة ودعم قدرات قضاة المحاكم المالية وقضاة المحاكم الزجرية ،إلى
تكثيف التنسيق بين هذه األطراف بشأن معالجة الشكايات والوشايات والتقارير ذات الصلة
بالجرائم المالية وتبادل الوثائق المتعلقة بها واالجتهادات القضائية المتميزة ،وذلك في أفق
المساهمة في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وتفعيل ربط المسؤولية
بالمحاسبة.157
هذا وتبقى مسألة فعالية رقابة التسيير رهين بمدى توفر اإلرادة السياسية وتفعيل المبادئ
الدستورية المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة ،فعندما تحضر اإلرادة السياسية تكون لهذه
التقارير ما بعدها وتقرير المجلس حول الحسيمة منارة المتوسط الذي أعقبته إعفاءات ملكية
لمجموعة من المسؤولين خير دليل على ذلك.
يمارس المجلس األعلى للحسابات في إطار اختصاصاته اإلدارية رقابة على استخدام
األموال العمومية ،بهدف التأكد من أن استعمال األموال العمومية التي تم تلقيها يطابق األهداف
المتوخاة من المساعدة أو المساهمة.
وقد حددت المادة 86من مدونة المحاكم المالية األجهزة الخاضعة لرقابة التسيير وتشمل
المقاوالت ،باستثناء تلك المشار إليها في المادة 76من المدونة ،أو الجمعيات أو كل األجهزة
األخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف الدولة
ومن أجل قيام المجلس األعلى للحسابات بجده الرقابة ألزمت المادة 87األجهزة الخاضعة
لهذه الرقابة بأن تقدم إلى المجلس الحسابات المتعلقة باستخدام األموال والمساعدات العمومية
األخرى التي تلقتها ،وذلك حسب الكيفيات والشروط المنصوص عليها في النصوص التشريعية
والتنظيمية الجاري بها العمل.
وتخضع مسطرة مراقبة استخدام األموال العمومية لنفس مسطرة رقابة النسيم وينتج عنها
نفس اآلثار.158
تنصف هذه الرقابة بكونها مراقبة جزئية وليست شاملة وتهدف إلى التحقق من أن األموال
التي تم تلقيها تم استخدامها بما يطابق األهداف المتوخاة من المساعدة أو المساهمة وفقا للقاعدة
األصولية " تصرف الهبة بمشيئة الواهب".159
وتمتد هذه الرقابة لتشمل الرقابة على األموال التي يتم جمعها عن طريق التماس اإلحسان
العمومي ،إذ من مستجدات مدونة المحاكم المالية أنها حولت لرئيس الحكومة أن يطلب من
المجلس مراقبة الحسابات المتعلقة باستعمال الموارد التي يتم جمعها من طرف الجمعيات التي
تلتمس اإلحسان العمومي ،هدف التأكد من أن استعمال الموارد التي تم جمعها يطابق األهداف
المتوخاة.160
وتلزم الجمعيات التي تلتمس اإلحسان العمومي بأن تقدم إلى المجلس الحسابات المتعلقة
باستخدام الموارد التي تم جمعها ،وذلك وفق الكيفيات والشروط المنصوص عليها في
النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.161
غير أن ما يالحظ أن مدونة المحاكم المالية لم تحدد سقفا ماليا للمساعدة أو المساهمة التي
تتلقاها األجهزة المعنية من مرافق الدولة ،والتي على أساسها تخضع هذه الهيئة للرقابة ،كما
لم تحدد شكلها ،الشيء الذي يحول للمجلس صالحيات شاملة للتأكد من مطابقة استخدام األموال
العمومية لألهداف المتوخاة ،كما يسمى المراقبة مدى التصرف في المساعدة بكفاءة وفعالية
واقتصاد ،مما يجعل من هذا االختصاص اختصاصا عاما.162
ثانيا :مراقبة حسابات األحزاب السياسية وتمويل العمليات االنتخابية وتتبع التصريح
بالممتلكات
يشكل اختصاص المجلس األعلى في مراقبة مالية األحزاب السياسية وتمويل العمليات
االنتخابية من االختصاصات المهمة التي أوكلت إلى المجلس بمقتضى الدستور ،ذلك أن الفصل
147من الدستور نص على أنه " :تناط بالمجلس األعلى للحسابات مهمة مراقبة وتشيع
التصريح بالممتلكات ،وتدقيق حسابات األحزاب السياسية ،وفحص النفقات المتعلق بالعمليات
164
االنتخابية" ،ونصت عليه المادة 3من مدونة المحاكم المالية ،163إضافة إلى المادة 44
و 45165من القانون التنظيمي رقم 29.11المتعلق باألحزاب السياسية.166
فبمقتضى المادة 31من القانون التنظيمي المتعلق باألحزاب السياسية عمل المشرح على
تحديد الموارد المالية لهذه األحزاب وعددها بشكل حصري ،وتتكون هذه الموارد أساسا من
إضافة إلى الدعم المخصص لها مناسبة التمويل حمالتها االنتخابية التشريعية والجهوية
والجماعية.
ومن أجل تعزيز الشفافية وحماية المال العام ،أوجب المشرع على األحزاب السياسية بأن
168
توجه إلى المجلس األعلى للحسابات في أجل أقصاه 31مارس من كل سنة حساباتها السنوية
مشهود بصحتها من طرف خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين ،169كما
يتوجب على األحزاب التي استفادت من الدعم أن تثبت أن المبالغ التي حصلت عليها قد تم
صرفها في الغابات التي منحت ألجلها وفي الجال ووفق الشكليات المحددة بموجب نص
تنظيمي ،170وفي حالة عدم استخدام أي مبلغ من الدعم أو المساهمة المقدمة له فإنه يتعين عليه
إرجاعها بشكل تلقائي للحزينة ،وقد بوشر العمل هذا المقتضى انطالقا من سنة .1712017
وحالة تأخر الحزب في تقديم المستندات والوثائق المحاسبية داخل اآلجال المحددة يوجه
الرئيس األول للمجلس إنذارا للمسؤول الوطني للحزب من أجل تسوية وضعية الحزب داخل
أجل ثالثين يوما ،ويؤدي عدم تسوية الوضعية داخل هذه اآلجال إلى حرمان الحرب من
االستفادة من الدعم السنوي للسنة الموالية.172
غير أن ما يالحظ هو غياب عقوبات ردعية وأن هذه المقتضيات مازالت غير قادرة على
صيانة المال العام المقدم لألحزاب ،لذلك نرى أنه من األفضل فرض غرامات التأخير على
- 167شكلت مساهمة الدولة لألحزاب السياسية في تدبير مواردها برسم سنة 2016ما نسبته %86.03في حين بلغت الموارد الذاتية لألحزاب
، 97,13أنظر التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات حول تدقيق الحسابات المنوية األحزاب السياسية وفحص نفقاتها لسنة ،2016الموقع
االلكتروني للمجلس ،سبق ذكره.
- 168المادة 44من القانون ،29.11سبق ذكره.
- 169المادة 42من القانون ،29.11سبق ذكره.
- 170المادة 43من نفس القانون.
- 171تقرير المجلس األعلى للحسابات حول تدقيق حسابات األحزاب السياسة لسنة ،2016مي.3 .
- 172المادة 44من القانون ،29.11سبق ذكره.
74
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
األحزاب التي تقاعس عن اإلدالء بوثائقها المحاسبية للمجلس ،كما أن اإلنذار الموجة من طرف
الرئيس األول قد يبقى بدون جواب وبالتالي بدون تأثير.173
إضافة إلى مهمة تدقيق الحسابات السنوية لألحزاب السياسية ،فإن المجلس األعلى
للحسابات مكلف الحصى النفقات المتعلقة بالعمليات االنتخابية ،وذلك من خالل فحص مستندات
اإلثبات المتعلقة بصرف المبالغ التي تسلمها كل حزب معني برسم مساهمة الدولة في تمويل
حمالته االنتخابية.
وفي حالة تبين للمجلس األعلى للحسابات بأن المستندات المدلى بها من لدن حزب سياسي
في شان استعمال مبلغ مساهمة الدولة الممنوح له برسم حمالته االنتخابية ال تبرر ،جزئيا أو
كليا ،استعمال المبلغ المذكور ،طبقا للغايات التي منح من أجلها ،أو إذا لم يقل الحرب المعني
بالمستندات والوثائق الهيئة المطلوبة ،أو إذا لم يرجع إلى الخزينة كل مبلغ لم يستعمله من
المسافة الممنوحة له ،يومه الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات إلى المسؤول الوطني من
الحرب الدار من أجل إرجاع المبلغ المذكور إلى الحزينة أو تسوية وضعية الحرب خالل أجل
ثالثين يوما من تاريخ اإلنذار.
ويترتب عن عدم االستجابة إلى اإلنذار الصادر عن الرئيس األول حرمات الحزب حكم
القانون وبشكل فوري من االستفادة من التمويل العمومي المقرر في هذا القانون التنظيمي إلى
حين تسوية وضعيته العام الحرية وذلك دون اإلخالل بالماء التدابير والمتابعات المقررة في
القوانين الجاري بها العمل.174
مما ال شك فيه أن إخضاع حسابات األحزاب السياسية الرقابة المجلس األعلى الحسابات
بشكل مقتضى مهم من شأنه تعزيز الشفافية والحيلولة دون ترها من الماسية ،وقد تعزز هذا
الدور بإقدام المجلس الحار تقارير خاصة ونشرها من أجل تمكين الرأي العام من االطالع
عليها ،وبالتالي تكريس الشفافية وترسيخ الحكامة السياسية.
- 173أشار تقرير المجلس المتعلق بفحص نفقات األحزاب السياسية برسم سنة 2016إلى عدم إدالء حزبين بالوثائق والمستندات داخل األجل وأنه
تم توجيه إنذار إلى أحد األحزاب لكنه بقي بدون رد ،بينما لم يتم توجيه أي إنذار للحزب الثاني نظرا لوجود خالف داخلي حول األمانة العامة،
الشيء الذي يعزز سؤاال حول دور اإلنذار وعدم كفاية آلية اإلنذار والحرمان من المساهمة المالية في حماية المال العام.
- 174المادة 45من القانون ،29.11سبق ذكره.
75
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
غير أن ما يالحظ أن المشرع قد نظم هذا االختصاص في القانون التنظيمي المتعلق
باألحزاب السياسية بدل مدونة المحاكم المالية ،الشيء الذي يؤدي لتشتت النصوص القانونية
المنظمة الختصاصات المجلس.
فمن خالل إسناد المشرع المغربي مهمة مراقبة وتتبع التصاريح بالممتلكات المجلس األعلى
للحسابات يكون بذلك قد خالف معظم الدول العربية التي وضعت جهارا مستقال عن أجهزة
التدقيق ،كما خالف التجربة الفرنسية التي غالبا ما يستلهم منها والتي اعتمدت محكمة خاصة
بالتصريح بالممتلكات.176
تتمثل مهمة المجلس في تلقي التصريحات اإلجبارية بالممتلكات في تأكد كاتب الضبط من
صفة المصرح وتسليمه وصل بالتسلم وإخبار كل من الرئيس األول والوكيل العام للملك بإبداع
التصريح ،يعين الرئيس األول بعدها مستشارا مقررا مكلفا بالتحقق من مضمون التصريح
وبعد تقرير يتضمن مالحظاته يسلم إلى الرئيس األول والوكيل العام للملك.
ومن أجل تتبع والتأكد من صحة التصاريح أجاز المشرع للمستشار المقرر تحب إشراف
الرئيس األول أن يطلب االطالع على كل الوثائق أو المستندات االلبانية التي من شأنها أن
- 175كريم الحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح وتحليل ،سلسلة العمل التشريعي واالجتهادات القضائية ،العدد ،2012 ،3ص.189 ،
- 176حكيم كرم ،سياسة التصريح اإلجباري بالممتلكات بين القصور التشريعي وغياب اإلرادة السياسية ،مجلة اإلرشاد القانوني ،عدد مزدوج
الثاني والثالث ،2018 ،من.180 ،
76
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
توفر له معلومات حول عناصر تصريحات المعني والقيام باالستماع إلى األشخاص الذين برى
شهادتهم ضرورية دون أن يكون في مقدور هؤالء االحتجاج أمامه بوجود سر مهني محتمل،
كما يمكن بناء على أمر من الرئيس األول طلب من مديرية الضرائب والمؤسسات البنكية
ومؤسسات االئتمان ومن المحافظ العام على األمالك العقارية كل المعلومات التي من شأنها
أن تحدد الوضعية الحقيقية للمعني باألمر.
وفي حالة إيجاد قرائن جسيمة ومتوافقة حول ارتكاب المصرح أو زوجه أو أصوله أو
فروعه لمخالفة ،يحيل الوكيل العام للملك ،يطلب من الرئيس األول ،القضية على الجهة
القضائية المختصة بعد إخبار المعنيين بذلك ،وتتولى الجهة القضائية المختصة اطالع رئيس
المجلس األعلى للحسابات بكل قرار قضائي تصدره ضد األشخاص الخاضعين للتصريح
اإلجباري بالممتلكات.177
مما ال شك فيه أن التنصيص على إجبارية التصريح بالممتلكات تشكل أداة فعالة في حماية
المال العام والوقاية من الفساد ،ذلك أن التصريح بالممتلكات من شأنه أن يعزز الشفافية
والنزاهة في تدبير المال العام ،غير أن تنظيم هذه العملية تشويها مجموعة من الثغرات إذ نجد
تعددا في أنظمة التصريح بالممتلكات حسب فئة الموظفين.
كما نجد أن هناك جهات متعددة التلقي التصريح بالممتلكات الشيء الذي يتنافى مع ما نص
عليه الدستور الذي أوكل هذه المهمة بشكل حصري للمجلس األعلى للحسابات.178
ومن وجهة نظرنا فإننا نعتقد بأن المشرع مطالب بتحاور حالة الفوضى القانونية التي تعرفها
القوانين التي لع على التصريح اإلجباري بالممتلكات 179وإقرار عقوبات ردعية للمتخلفين عن
اإلدالء بالتصريح خاصة التصاريح البعدية أبي بعد التهاء المهمة ،كما عهد بأن هذه التصاريح
ال يترتب عنها أي نتائج إذ تبقى مجرد وثائق االستئناس يرجع إليها عند الحاجة.
شكل التنصيص الدستوري على دور المجلس األعلى للحسابات في تقديم المساعدة للبرلمان
نقلة نوعية في تعزيز العالقة بين أهم مؤسستين في مجال الرقابة على المال العام والمحاسبة،
إذ يشكل البرلمان صاحب االختصاص العريق في الرقابة على المال العام وهي رقابة سياسية
على عكس رقابة المجلس األعلى للحسابات التي هي رقابة قضائية وإدارية.
إال أنه أمام العراقيل المتعددة التي تقف في وجه البرلمان من أجل التقييم والرقابة كتحكم
الجهاز التنفيذي في مصادر المعرفة المالية والماسية وعدم الوفرة على الموارد البشرية
المتخصصة والوسائل التقنية الالزمة إلجراء األبحاث والتحريات والخبرات التي يتطلبها
تدقيق ا لحسابات والتحقق من مدى احترام اإلجراءات المسطرية الخاصة بتدبير المال العام،180
كانت الحاجة ملحة إلعداد جهاز مستقل يتولى هذه المهمة ويكون بمثابة ذراع للبرلمان يساعده
في أداء وظيفته وهي الغابة التي أحداث أسامة ألجلها الهيئات العليا للرقابة على المال العام
سواء في النموذج األنجلوسكسوني أو النموذج الالتيني ،فكيف هي إذن العالقة كل من المجلس
األعلى للحسابات والبرلمان؟ وكيف يقدم المجلس مساعدته للبرلمان؟
- 180عبد الواحد العسلي ،المحاسبة والرقابة البرلمانية :قراءة في القانون التنظيمي رقم 130.13لقانون المالية ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة
والتنمية ،العدد ،127_126يناير أبريل .243 2016
78
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
تميز الدستور المراجع لسنة 1996بإشارته إلى العالقة بين المجلس األعلى للحسابات
والعمال تشكل سطحي ،إذ نص من خالل الفصل 96على أنه "يبذل المجلس األعلى للحسابات
مساعدته للبرلمان وللحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته مقتضى القانون"،
فالفصل المذكور لم يحدد طبيعة العالقة وال نوعية المساعدة ومجالها ،وهو ما حددته مدونة
المحاكم المالية من خالل المادة 92قبل نسخها وتعويضها بمقتضى المادة األولى من القانون
، 55.16إن جعلت هذه العالقة تخذ شكلين األول يتمثل في اإلجابة عن طلبات التوضيح
المعروضة عليه من طرف أحد رئيسي غرفتي البرلمان عند دراسة تقرير تفيد الميزانية
والشكل الثاني من خالل التصريح العام بالمطابقة.
غير أن الدستور الجديد لسنة 2011تميز بوضع قواعد جديدة تضبط قط العالقة بين مختلف
المؤسسات المكلفة بحماية المال العام ،ذلك أن العالقة الجديدة أصبحت تمتد لتشمل إلى جانب
المساعدة كل من مبادئ االستشارة والتعاون والتكامل والمساءلة والشفافية وذلك قصد الحفاظ
على الموارد العامة للدولة ،181ذلك أنه بعد التنصيص الدستوري ونسخ المادة 92أصبح
التواصل يتحد أكثر من شكلين ويتم طوال السنة ،182وتتجلى هذه األشكال في:
االستشارة :ذلك أن الفصل 148من الدستور حانات للصبغة يفهم منها اإللزامية ،بحيث
ألزمت المجلس باإلجابة عن األسئلة واالستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع
والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة.
تقديم عرض عن أعمال المجلس أمام البرلمان :حيث الحث الفقرة األخيرة من الفصل 149
من الدستور على أن تقدم الرئيس األول عرضا من أعمال المجلس أمام البرلمان ويكون مشوقا
بالمناقشة ،الشيء الذي من شأنه أن يسمح ألعضاء البرلمان باالطالع على نتائج أعمال
المجلس واالستناد عليها في مراقبة العمل الحكومي ،واالسترشاد خبرة المجلس في مجال
صناعة التشريع المالي.183
كما يمكن للمجلس كذلك أن يأمر بالقيام بكافة التحريات التي يراها ضرورية في عين المكان
التحليل ظروف تفيد ميزانيات الوزارات واألجهزة األخرى التي تستفيد من اإلعتمادات
المسجلة ميزانية الدولة.
فعلى الرغم من كون تقرير تنفيذ الميزانية والتصريح العام بالمطابقة ال ينتج عنه أي آثار
قانونية وال ترتب عنه أي مساءلة ،فإنه قد يغير مالحظات تتيح لنواب األمة تكوين نظرة دقيقة
حول مختلف مظاهر تنفيذ ميزانية الدولة في مختلف المصالح الوزارية ،والتأكد من مدى
تحقيق األهداف المسطرة في القانون المالي.185
إضافة إلى تقرير تنفيذ الميزانية بعد المجلس التصريح العام بالمطابقة والذي يعد من بين
أدوات االتصال عين المجلس األعلى للحسابات والسلطة التشريعية ،186ويهدف هذا التصريح
إلى مقارنة صالح الحسابات الفردية المقدمة إلى المجلس من طرف المحامين العموميين مع
نتائج الحساب العام الذي بعده الوزير المكلف بالمالية ويقدمه إلى المجلس ،187ومن خالل ذلك
يسعى المجلس إلى اكتشاف مختلف المخالفات المتعلقة بقواعد البرانية وتسليمها الرمال على
اعتبار المجلس مستشارا ومساعدا المنيا للسلطة التشريعية.188
- 184تنص المادة 65من القانون 130.13على ما يلي" :طبقا للفصل 76من الدستور ،يودع مشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية
سنويا باألسبقية بمكتب مجلس النواب في أجل أقصاه نهاية الربع األول من السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ سنة تنفيذ قانون المالية المعني" .القانون
التنظيمي رقم 130.13لقانون المالية ،الصادر بظهير شريف رقم 1.15.62بتاريخ 14شعبان 1436الموافق ل 2يونيو ،2015الجريدة
الرسمية عدد ،6370الصادرة بتاريخ فاتح رمضان 1436الموافق ل 18يونيو 2015.
- 185عبد العزيز الفركاني ،م.س ،،ص67 .
- 186أمل أزرو ،الرقابة المالية بين وزارة المالية والمجلس او على الحسابات ،رسالة لنيل دبلوم الماستر واالقتصادية واالجتماعية السويسي،
،2011_2010ص .44
- 187أنظر المادة 94من مدونة المحاكم المالية ،والمادة 66من من القانون التنظيمي رقم 130.13لقانون المالية ،م.س.
- 188أمل أزرو ،م.س ،.ص.44 .
80
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
التصديق على الميزانية :تعد هذه اآللية من أهم المستجدات التي جاء من القانون التنظيمي
القانون المالية والذي نفس من خالل المادة 31على وظيفة المجلس في التصديق على مطابقة
حسابات الدولية للمتوفين وصدقيتها ،وهو ما يستجيب مع المبادئ الحديثة الحكامة الجيدة في
مجال التدبير عمومي ،والمشرع يسعى من خالل تنصيصه على هذا الدور المجلس التحري
التأكد من مصداقية الميزانية الشيء الذي سيسمح للبرلمان من االضطالع على الوضعية
الحقيقية للمدير المال ويعطي جمالية الجاليات الدولة ،هذا وسيتم الشروع في هذه الوظيفة ابتداء
من فاتح يناير .1892020
ومن أجل تعزيز عالقة التعاون بين المؤسستين نصت المادة 92من مدونة المحاكم المالية
على إمكانية إدراج المجلس في برنامجه السنوي بطلب من أحد مجلسي البرلمان مهاما التقييم
تنفيذ المشاريع والبرامج العمومية أو المراقبة تدبير أحد األجهزة الخاضعة لرقابته ،غير أن
المادة لم تحدد الجهة التي تطلب من المجلس هل هي رئاسة المجلس أم أن العرق البرلمانية لها
هذا الحق كما أن عبارة "يمكن" التي استهل هما المشرح الفقرة الفيال عدم اإللزامية فالطلب
الموجه للمجلس قد يتم االستجابة إليه وإدراجه أو عدم االستجابة إليه فذلك مالك باألساس إلى
السلطة التقديرية للمجلس.
وبدوره أحداث مجلس النواب الموجب البند 9من المادة 55من القانون الداخلي مجلس
النواب لجنة المراقبة المالية العمومية وتتكون من 43عضو ،من بين المهام التي تقوم هما هذه
اللجنة "دراسة التقارير الموضوعاتية للمجلس األعلى للحسابات وكذا التقارير المعدة من طرفه
طبقا لمقتضيات الفصل 148من الدستور " ،كما تقول عده السحنة تحضير األسئلة
واالستشارات الالزمة التي تحال على مكتب المجلس والذي يحيلها بدوره على المجلس األعلى
للحسابات ،وتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها من أجل دراسة المواضيع المحددة في البرنامج السنوي
للمراقبة باالستناد على أجوبة المجلس األعلى للحسابات الذي يمكن أن يحضر رئيسه األول
أو من يمثله قصد تقديم التفسيرات والتوضيحات.190
فإذا كانت هذه هي األشكال التي تتخذها المساعدة المقدمة للبرلمان فكيف هي إذن طبيعة
المساعدة المقدمة للحكومة؟
نصت المعايير الدولية للرقابة العليا على المال العام على ضرورة استقاللية األجهزة
المكلفة بالرقابة العليا على المال العام ،وهو ما استجاب له المشرع المغرب من خالل تكريس
االستقاللية المالية والوظيفية والبشرية للمجلس.
غير أن مسألة االستقاللية ال تتعارض مع تقديم المساعدة السلطة التنفيذية متمثلة في
الحكومة ،فالعالقة بين المؤسستين ليست حكرا فقط على الرقابة والمساءلة وإنما تعد لتشمل
التعاون وتقديم االستشارة ،حيث تجد أن الدستور العربي لسنة 1996قد نص على أن "يبذل
المجلس األع لى للحسابات مساعدته للحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته
بمقتضى القانون" .191وهي نفس الصياغة التي احتفظ بها دستور .2011
فالمجلس األعلى للحسابات يساعد الحكومة من خالل التقريرين الملحقين بقانون التصفية
ويتعلق األمر تقرير تفيد الميزانية والتصريح بالمطابقة ،إذ من خالل هذين التقريرين يمكن
للحكومة أن تقف عند أوجه قصور إدارتها والمخالفات المرتكبة من طرف أجهزتها ،كما أنها
يمكن أن تستعيد من المقترحات التي يتقدم بها المجلس في تقاريره والمتعلقة بتحسين تسيير
المالية العامة وبتدبير المرافق واألجهزة التي شملتها مراقبته.
وبالرجوع إلى المادة 11التي تشكل األساس القانوني هذا التدخل مجمعا قد نصت على
ضرورة إخبار المجلس باإلجراءات التي اتخذت في شأنها ،وتدرج عند االقتضاء في تقارير
المجلس ،كما أمهات األشخاص الذي توجه إليهم المذكرات االستعجالية أجل 60يوما لإلجابة
عنها .وتعهد مهمة تتبع اإلجراءات المتحدة في شأن المذكرات االستعجالية للرئيس األول داخل
كل وزارة إلى موظف سامي له على األقل رتبة مدير باإلدارة المركزية ،ويبلغ هذا التعيين
إلى المجلس.
كما تظهر المساعدة المقدمة من طرف المجلس للحكومة من خالل إخبار الوكيل العام للملك
في حالة اكتشاف أفعال تستوجب عقوبة تأديبية ،السلطة التي لها حق تأديب المعني باألمر
والتي تخدير المجلس خالل أجل 6أشهر في بيان معلل التدابير التي تم اتخاذها.193
يساعد المجلس الحكومة في مجال التشريع أيضا ،ومثال ذلك ما سبق أن أشرنا إليه في القدم
العلم للحكومة توصية ترموا إلى إعادة صياغة القوانين المتعلقة بالتصريح اإلجباري
بالممتلكات في إطار موحد ،وهو ما نتج عنه تشكيل لجنة مشاركة القول مهمة لتبيع عملية
إحداث مشروع هذا القانون.
ومن مظاهر المساعدة المقدمة الحكومة إمكانية إدراج في برنامج أعماله بناء على اقتراح
من الحكومة مهام لتقييم البرامج والمشاريع العمومية أو لمراقبة تسيير أحد األجهزة الخاضعة
القائمة لمراقبته ،ويأتي هذا العون بناء على طلب من رئيس الحكومة دون اإلخالل باختصاص
المجلس األعلى للحسابات في هذا المجال.194
من المستجدات التي جاء بها دستور 2011تنصيصه على تقديم المجلس األعلى للحسابات
المساعدة للسلطة القضائية ،فما هي نوعية المساعدة المقدمة من طرف المجلس األعلى
للحسابات إلى السلطة القضائية؟
انطالقا من المادة 95مكرر من مدونة المحاكم المالية تجدها قد نصت على نوعين من
المساعدة ،األول يهم مساعدة السلطة القضائية في التحقيق في القضايا ذات العالقة بالمالية
العامة ،بينما يهم النوع الثاني تبادل األحكام والوثائق المتعلقة بملفات رائجة أمام محاكم المملكة.
كما يقدم المجلس لمساعدته للقضاء من خالل إحالة الوكيل العام للملك مبادرة منه أو بإيعاز
من الرئيس األول األفعال التي قد يظهر أنها تستوجب عقوبة جنائية إلى الوكيل العام للملك
لدى محكمة النقض قصد اتحاد ما يراه مناسبا ويتعين على هذا األخير إخبار المجلس بالتدابير
التي اتخذها.196
وبالمقارنة بين الصيغة األولى التي جاءت بها المادة 111من مدونة الحاكم المالية والصيغة
الثانية بعد نسخها بمقتضى المادة الثانية من القانون ،55.16تجد أن المشرع قد غير من اتجاه
اإلحالة إذ كانت في السابق تحال على وزير العدل يا حاليا أصبحت تحال على الوكيل العام
للملك لدى محكمة النقض ،وترى بأن المشرع أحسن صنعا بذلك فمن ناحية تجاوز المسألة
باعتبارها تشكك في استقاللية المجلس ،ومن ناحية أخرى أبعد المتابعة عن الطابع السياسي
الذي يمكن أن تطبع به فجعل من المتابعة متابعة قضائية خالصة.
- 195محمد معاش ،دور المجلس األعلى للحسابات في حماية المال العام ومكافحة الفساد ،بحث لنيل دبلوم في القانون العام ،كلية
العلوم القانونية والقتصادية واالجتماعية وجدة ،السنة الجامعية ،2020-2019ص 74
- 196انظر المادة 111من مدونة المحاكم المالية.
84
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فالمالحظ أن المشرع نص على اإلحالة على القضاء المخالفات التي تحمل طابع جنائي دون
المخالفات الغير الحالية التي يتم التحقيق والبت فيها داخل المجلس ،وذلك على خالف الجهاز
المركزي للرقابة والمحاسبة اليمني الذي يقوم بإحالة المخالفات المالية واإلدارية إلى السلطة
القضائية بغض النظر عن الطابع الجنائي أو الغير جنائي لها.197
أن النطاق أو المجال المشترك للمسؤولية لم يكن واضحا فيما قبل ،إال أنه بصدور
القانون رقم 61.99المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين
العموميين بتاريخ 13أبريل ،2022يكون المشرع المغربي قد حدد بشكل جلي مجال
المسؤولية وبالتالي عمل على جمع النصوص القانونية المشتتة بين عدة القوانين متناثرة والتي
ليست من طبيعة واحدة ،والتي كانت ال تشمل نطاقا أو مجاال محددا ،بل كانت تخص عدة
مجاالت وعجة متدخلين في مجال تنفيذ بنود الميزانية .فهذه المجاالت المتعلقة بالمسؤولية
كانت مشتتة بين المسؤولية المدنية التي نص عليها قانون االلتزامات والعقود الصادرة
سنة 1913والمسؤولية الجنائية التي نص عليها القانون الجنائي الصادر سنة ،1962فهذين
القانونين كانا سباقين إلى تحديد قواعد المسؤولية سواء المدنية لألول أو الجنائية بالنسبة للثاني.
إال أن أساس هذه المسؤوليات كان عاما وشامال ،إال أنه بعد صدور المرسوم الملكي رقم -66
330المتعلق بالمحاسبة العمومية ،قد أكد خصوصية مسؤولية المتدخلين في تنفيذ الميزانية في
فباستثناء النظام القانوني الذي يخضع له اآلمرون بالصرف الرئيسيون الذين يتحملون مسؤولية
سياسية ،بحسب مقتضى المادة 52من مدونة المحاكم المالية التي ال تخضعهم الختصاصها
القضائي في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،باعتبارهم يمارسون مهامهم
بصفة "عضو في الحكومة" ويدخل في هذه الخانة الوزير األول حسب القانون المنظم-رئيس
الحكومة-حسب الدستور الحالي – والوزراء والوزراء المنتدبون وكتاب الدولة ونوابهم .فإن
باقي اآلمرين بالصرف الثانويين بصفتهم مدبرين إداريين فهم خاضعون لمقتضيات هذه
المدونة بمنطوق المادة .51وتبقى مسؤولية الوزراء في مجال التدبير اإلداري والمالي خاضعة
في الواقع لرقابة الضمير والرأي وبالتالي تبقى مسؤولية سياسية أمام الملك والبرلمان تطرح
بوسائل منحها المشرع لكل طرف .فإذا ما أقدم الوزير على ارتكاب المخالفات أو جرائم يعاقب
عليها القانون فإنها تثار من طرف البرلمان ،وإذا كانت ترقى إلى جريمة جنائية فإن المتابعة
تتم أمام المحكمة المختصة حسب المساطر الدستورية المنظمة بعد إلغاء المحكمة العليا ،وهذه
المسألة ضرورية لحماية الحقوق وفرض هيبة الدولة ،باإلضافة إلى خضوع الوزارة في مجال
المسؤولية المالية إلى المحاسبة أمام المحاكم المالية ما داموا يتصرفون في المال العام تحقيقا
لهدف الحكامة المالية .فبعض الدول ومن خالل تشريعاتها ال تعفي الوزراء من المسؤولية
المالية والمتابعة في حالة ارتكابهم لمخالفات مالية أمام المحاكم المالية المختصة .إذن
فالمسؤوليات التي يتعرض لها اآلمرون بالصرف تتعدد من مسؤولية تأديبية والمدنية والجنائية
وهو ما سيكون موضوع الدراسة في (المطلب األول) ،إال أن القرارات التي يمكن أن تصدر
المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أو في مجال البت في
الحسابات يمكن أن تكون موضوع ثالثة طرق من الطعن وهي :االستئناف ،والنقض وطلب
المراجعة ،أما بخصوص األحكام الصادرة عن المجالس الجهوية ،فإنها تستئناف أمام غرفة
االستئناف في المجلس األعلى للحسابات من قبل األشخاص المؤهلين قانونا ،فقانون المحاكم
المالية رقم 62.99قد حدد مبدأ تعدد الدرجات التقاضي وفقا لألحكام والكيفيات والشروط
86
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
المنصوص عليها في المادة 47من القانون ،62.99كما يمكن اإلعفاء من المسؤولية المالية
والشخصية والتأديبية والجنائية وإبراء الذمة ،وهذا ما سيكون موضوع (المطلب الثاني).198
لقد تطرق المشرع المغربي إلى المسؤولية المدنية بصيغة إدارية من خالل الفصلين 79و
80من القانون اإللتزمات والعقود الصادر سنة ،1913فقد حدد الفصل 79من هذا القانون
على أن " الدولة والبلديات مسؤولة عن االضرار الناتجة عن مباشرة تسييرها إدارتها وعن
الخطاء المصلحية لمستخدميها ،فقيام المسؤولية المدنية يرتكز على أساسين هما:
قيام مسؤولية اإلدارة في حالة اإلثبات الضحية وجود خطأ من طرف هذه األخيرة ،ومن
يرتكب هذه األخطاء هم الموظفين العموميون.
-- 198محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ،بكلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة ،برسم السنة الجامعية ،2013-2012ص .135
87
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
قيام مسؤولية اإلدارة في غياب أي خطأ إذا نشأ عن نشاط اإلدارة العادي والمشروع خطر
بالنسبة لألفراد ،وفي حالة الخطأ يتم التعويض من الميزانية العامة للدولة ،إذن فالمسؤولية
المدنية في المجال المالي هو أن يتحمل الشخص سواء كان آمر بالصرف أو المحاسب العمومي
من ماله الخاص مسؤولية تعويض األضرار المادية التي يتسبب بخطئه في إلحاقها بغيره،
بحيث يمكن أن تتدخل أحكام المسؤولية المدنية بأحكام المسؤولية اإلدارية ،ويعتبر القضاء
الفرنسي من خالل اجتهادات مجلس الدولة الفرنسي هو من وضع أسس العامة لنظرية
المسؤولية المدنية في عالقتها بالمسؤولية اإلدارية ،من خالل "حكم بالنكو" الصادر عن
محكمة التنازع الفرنسية سنة 1873أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد صيغت المسؤولية
اإلدارية في إطار قانوني.
فمن خالل الفصلين 79و 80من ق.ل.ع ،تتبلور المسؤولية اإلدارية باعتبار أن اآلمرين
بالصرف والمحاسبين العموميين هم الجهات المخولة لهم قانونا القيام بأعمال والتصرفات
القانونية باسم األجهزة العمومية للدولة ،فهم قد يتسببون في إحداث أضرارا للغير أو للمرفق
العام ،وبالتالي فهم يتحملون المسؤولية اإلدارية بصفتهم موظفين وألن أعمالهم وصفتهم
يحكمها القانون العام ،ويتحملون المسؤولية المدنية عن االضرار التي قد يتسبب فيها أخطائهم
الشخصية ،وقد أكد على ذلك ظهير 13أبريل 2002من خالل المادة األولى في فقرتها الثانية
المتعلقة با لمسؤولية المالية لآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين في العموميين وقد جاء
فيه " يتعرص اآلمرون بالصرف والمراقبين والمحاسبون العموميون للمسؤولية التأديبية أو
المدنية أو الجنائية بصرف النظر عن العقوبات التي يمكن أن يصدرها المجلس األعلى
والمجالس الجهوية للحسابات في حقهم ،ما عذا حالة وجود القوة القاهرة أو استثئات
منصوص عليها في القانون".199
أما بالنسبة لألساس إثارة المسؤولية المدنية فهو ضرر المادي او المعنوي الذي يحدثه
الشخص المتسبب في الضرر سواء كان شخصا طبيعيا او معنويا ،وقدد حدد ذلك الفصل
77200من القانون اإللتزمات والعقود" كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار دون ،ومن
- 199- 199محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص.221
- 200الفصل 77من ظهير االلتزمات والعقود الصادر بتاريخ 12غشت .1913
88
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
غير أن يسمح به القانون ،فأحدث ضررا ماديا او معنويا للغير ،ألزم مرتكبه بتعويض هذا
الضرر ،إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حدوث الضرر .وكل شرط مخالف لذلك
يكون عديم األثر".
فإذا كان الضرر عنصرا الزما في مجال إثارة المسؤولية المدنية ،فإنه البد من توفر العديد
من الشروط من بينها أن يكون الضرر محققا وواقعيا وغير قائم على فكرة االحتمال ،ولئن
كان الخطأ هو أساس الضرر وعلى الضرر يتم تقرير المسؤولية المدنية ،فإن طبيعة الخطأ
المرتكب هي التي تحدد نوعية وطبيعة المسؤولية المدنية التي قد يتحملها المتدخلون في تنفيذ
السياسة العمومية المالية في ميدان تنفيذ الميزانيات العامة والترابية ،وعلى رأس هؤالء
اآلمرون بالصرف.
أما فيما يخص المسؤولية المدنية عن الفعل الشخصي فإذا كان شرط العالقة السببية الزما
بين الفعل الضار والضرر الحاصل في مجال المسؤولية المدنية ،فإن األمر ليس كذلك في
المسؤولية المالية ،فالمسؤولية المالية فهي مسؤولية مفترضة ،ال تقتضي بالضرورة وجود
خطأ من جانب اآلمر بالصرف ،بل يمكن االعتماد على سببية مفترضة ما بين التصرفات
هؤالء الموظفين في المال العام للمرفق والتي يجب ان يحترم فيها القانون ،والضرر الحاصل
بالمرفق نتيجة عدم االلتزام بالقوانين واألنظمة في مجال حماية المال العام ،فالبحث في العالقة
السببية يثير العديد من اإلشكاالت والصعوبات ،أوال صعوبة إثبات المسؤولية ،ثانيا حدود
الحرص على المال العام وحمايته ،فعدم االلتزام بالحيطة والحذر والتبصر في التصرف في
المال العام ،قد يثير المسؤولية اآلمر بالصرف وباقي األشخاص المكلفين بالتنفيذ الميزانية،201
وخصوصا أثناء حدوث الضرر بالمرفق أو بماليتهن وبالتالي فالقاضي المدني سيبحث في
العالقة السببية بين الفعل الضار والضرر الحاصل.
وعلى سبيل المثال قد ينجز اآلمر بالصرف مجموعة من العمليات التي قد تلحق ضررا
ماديا أو معنويا بالمرفق ،باعتبار هؤالء الجهة المؤهلة للقيام باألعمال القانونية باسم األجهزة
العمومية ،وبالتالي يتحملون مسؤولية مدنية عن األضرار التي تسببوا فيها بأخطائهم
الشخص ية ،وبالتالي يتحملون المسؤولية الشخصية من أموالهم لتعويض الضرر الناتج عن
- - 201محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص.223
89
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
تصرفهم باألفعال الضارة والمنفصلة عن النشاط اإلداري ،كما قد يخضع للمسؤولية المدنية
كل المتدخلين في تنفيذ الميزانية األجهزة العمومية – مرافق عامة -بما فيهم اآلمرين بالصرف
األساسيين كالوزراء ورؤساء المجالس الجماعية.
و 202
فبخصوص الجمع بين الخطأ الشخصي والمرفقي فيتضح من خالل الفصلين 79
80203من القانون اإللتزمات والعقود أن وجود المسؤولية الشخصية يستثني المسؤولية اإلدارية
أو المرفقية ،والعكس صحيح ،فإما أن اإلدارة هي المسؤولة ،وإما الموظف هو المسؤول وليس
هما معا في آن واحد ،ففي حالة إثارة مسؤولية الموظف المسؤول عن الخطأ ال يمكن متابعة
اإلدارة إال فحالة إعساره أن اإلدارة تحل محل موظفيها المعسرين بالنسبة لألداء التعويض،
وسبب هذا االلتزام هو الحلول الذي يشكل ضمانا تشريعيا لفائدة الضحايا المتضررين ،وال
يتعلق األمر بمسؤولية اإلدارة.
أما فيما يخص الدفع بعدم المسؤولية المدنية في المجال المالي فإثارة هذه المسؤولية سواء
كانت شخصية أو مدنية أو جنائية فتعتبر رادعا للمسؤولين عن تنفيذ القرارات اإلدارية والمالية
للدولة ومؤسساتها فالمشرع المغربي جاء بهذه التدابير لزجر كل المخالفات التي تخرق القواعد
المنظمة للمالية العمومية والتشريعات الموازية لها في مجال تدبير الشأن العام المالي والترابي.
ففي مجال تدبير الميزانية قد ينتج عنها تجاوزات ومخالفات مالية نتيجة أخطاء شخصية
يرتكبها المسؤول ،والتي قد تنتج ضررا للغير يستحق عليه التعويض ،بعد رفع الدعاوى في
الموضوع .وأثناء تنفيذ الحكم الذي يسلط على الشخص المعنوي العام دون الشخص المسؤول
عن التنفيذ ولهذا األخير الرجوع على الشخص المسؤول متى يشاء.204
تعتبر المسؤولية السياسية في نظرنا أهم أساس للمسؤولية فعليها تبنى باقي المسؤوليات،
- 202الفصل 77من ق.ل.ع :الدولة والبلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء
وظائفهم.
- 203الفصل 80من ق.ل.ع :مستخدموا الدولة والبلديات مشؤولين شخصيا عن األضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن أو عن األخطاء الجسيمة
الواقعة منهم في أداء وظائفهم.
وال تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه األضرار ،إال عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها.
-204محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص227-226
90
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فأعضاء الحكومة بما فيهم رئيسها يتحملون المسؤولية بصفة جماعية في إطار التضامن
الحكومي ،أو بصفة فردية كوزراء مسؤولين مباشرين عن تدبير الشأن العام بقطاعاتهم فجميع
الوزراء يشكلون وحدة يمثلها سياسيا رئيس الحكومة في مجال السياسة العامة ،وما دامت هذه
السياسة العامة عمل مشترك بين جميع الوزراء ،فإنه يتعين أن تكون المسؤولية عن هذا العمل
جماعية وتضامنية.205
وإذا كان الوزير مسؤوال بالتضامن مع باقي أعضاء الحكومة ،إلى جانب ذلك يكون مسؤوال
سياسيا بمفرده عن كافة التصرفات التي يتخذها ،وتنعقد المسؤولية الفردية للوزير عن األعمال
والقرارات التي يتخذها في إطار السياسة العمة للحكومة ،وفي إطار السلطة الرئاسية باعتباره
رئيسا إداريا تسلسليا وآمر بالصرف داخل وزارته ،ومن ثم فإن طرح مسؤوليته عن التصرفات
الفردية تعنيه وحده في هذه الحالة ،وإ ذا سحبت منه الثقة ،أو طالبه البرلمان بتقديم استقالته،
عليه أن يستقل بمفرده .كما قد تطرح مسؤوليته الفردية نتيجة تصرفات الشخصية تهم حياته
أو عالقاته الشخصية منعزلة عن صفته كوزير أو كآمر بالصرف فهذه األعمال يتحمل تباعتها
السياسية وحده ،وقد تتخلى عنه الحكومة في مثل هذه المواقف ،وفي هذه الحالة يمكن للبرلمان
المطالبة بإقالة الوزير ،وتحريك مسؤوليته السياسية عن أفعاله الشخصية ،او عن عل يتعلق
بحياته الخاصة وهذا ممكن وقد تحقق في العديد من األنظمة ،اما المسؤولية السياسية الحكومة
أمام البرلمان فغالبا ما تطرح في مجال تنفيذ السياسة العامة للدولة برئاسة رئيس الحكومة
أم فيما يخص المسؤولية السياسية للوزراء عن محتوي القانون المالية فيتجلى من خالل
المادتين األولى والثالثة من القانون التنظيمي للمالية ،130.13206بحيث تنص المادة األولى
على تخصيص القانون المالية بأحكام تتعلق بالموارد والتكاليف وكذا التوازن المالي من خالل
البرمجة المتعددة السنوات ،كما تهدف إلى تحسين شروط المتعلقة بتحصيل المداخيل ،وكذا
مراقبة استعمال األموال العمومية ،207وبالتالي يتبين من خالل بعض مقتضيات القانون
التنظيمي للمالية 130.13أن البرلمان عندما يصادق على مشروع القانون المالية السنوي،
- 205- 205- 205محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص.135
- 206ظهير شريف 1.15.62صادر في 14من شعبان 2(1436يونيو )2015بتنفيذ القانون التنظيمي للمالية 1303لقانون المالية..
- 207المادة األولى من القانون التنظيمي للمالية :130.13يحدد القانون المالية ،بالنسبة لكل سنة مالية ،طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موار
والتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها .وتراعى في ذلك الظرفية االقتصادية واالجتماعية عند إعداد قانون المالية وكذا
أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون.
91
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فإنه يصادق على مشروع متعدد األهداف وكذا النتائج البرامج التي حددها القانون ،والذي من
خاللها تكرس الحكومة كل مجهوداتها واختياراتها من خالل البرامج االقتصادية واالجتماعية
والسياسية خالل سنة أو أكثر ،ألجل تحقيق األهداف التنموية المسطرة.
وفي هذا اإلطار تقدم هذه البرامج على اللجان البرلمانية المختصة من أجل دراستها
وبعد االنتهاء من هذه اللجن من مناقشة مضامين الميزانية وميزانيات المرافق الدولة المسيرة
بطريقة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة ،تصدر تقريرا عاما ،ليعرض مشروع
الميزانية العامة للمناقشة داخل غرفتي البرلمان بالصيغة التي صدر بها عن لجنة المالية ،على
عكس المسرع الفرنسي الذي يطرح للمناقشة مشروع للحكومة أوال قبل المشروع المعدل من
قبل لجنة المالية.
فمناقشة الميزانية السنوية تعتبر أوضح مظاهر المسؤولية السياسية للوزراء أمام
البرلمان ،بحيث في حالة رفض المصادقة على مشروع الميزانية ،سوف تطرح المشاكل
ويزداد االمر تعقيدا بالنسبة للحكومة وقد يطيح بها أو تثار استقلتها ،وهذا هو الجزاء السياسي
الذي يمكن أن يستعمله البرلمان في مواجهة الحكومة ،إال أن هذه اإلمكانية ال تثار في المغرب،
نظرا لكون الحكومة تكون مآزرة بأغلبية برلمانية موالية لها ،خصوصا بعد اإلصالح
الدستوري ل سنة.2011
فطرح المسؤولية السياسية للحكومة ،قد يتم بمبادرة منها لكي تطلب مواصلة تحمل
لمسؤوليتها بتصويت البرلمان على قوانينها وبرامجها المضمن في التصريح الحكومي إال أن
هذه اآللية صعبة التحقق ،في حالة التصويت بالرفض ،نظرا لإلجراءات الدستورية المعقدة
والطويلة ،لذلك يبقى ملتمس الرقابة أهم وسيلة إلثارة مسؤولية الوزراء السياسية خالل مرحلة
تنفيذ الميزانية ،انطالقا من الفصل 105208من دستور 2011بالنسبة لمجلس النواب والفصل
106209من دستور بالنسبة لمجلس المستشارين.
- 208ينص الفصل 5من دستور 2011على أن" :لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على
ملتمس الرقابة ،وال يقبل هذ الملتمس إال إذا وقعه على األقل نسبة 5/1من األعضاء الذين يتألف منه المجلس."...
وبالتالي انتقل المشرع الدستوري من نسبة ¼ في دستور 1996إلى نسبة 1/5في دستور 2011في مجال ملتمس الرقابة.
- 209ينص الفصل 106من دستور 2011على أن " لمجلس المستشارين أن يساءل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على األقل 1/5
أعضائه ،وال يقع التصويت عليه ،بعد مضي ثالثة أيام كاملة على إيداعه ،إال بأغلبية المطلقة ألعضاء هذا المجلس.
92
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فيما يخص توجيه ملتمس المساءلة .وقد استعمل البرلمان المغربي في حياته السياسية
ملتمسين للرقابة فقط األول في ظل الحكومة أحمد بالحنيني سنة ،1964والثاني ضد حكومة
عز الدين العراقي ، 1990إال أن أيا من هذين الملتمسين لم يؤديا إلى استقالة الحكومة أو إقالة
وزير معين من هذه التشكيلة الحكومية.
فمنذ تقديم القانون المالي إلى البرلمان إلقراره والتصويت عليه ،والمسؤولية السياسية
للحكومة حاضرة تطرح كل وقت وحين ،من خالل المحتوى والهيكل والبرامج وغيرها ،وهذه
المسؤولية لن تتوقف عند هذا الحد ،بل تستمر إلى ما بعد تنفيذ الميزانية العامة.
أما فيما يخص المسؤولية السياسية للوزراء بعد تنفيذ الميزانية فمن خالل مقتضيات المادة
66من القانون التنظيمي للمالية ،210130.13الصادر بتاريخ 18يونيو 2015الذي يلزم إرفاق
مشروع القانون التصفية بتقرير حول تنفيذ قانون المالية السنوي ،وبالتصريح عام بالمطابقة
حسابات المحاسبين العموميين الفردية للحساب العام للمملكة ،ويتضمن التقرير وجوبا العناصر
التالية:
-1الحساب العام للدولة مدعم بالحصيلة المحاسبية والبيانات المالية األخرى وبتقييم
لاللتزامات الخارجية عن الحصيلة المحاسبية،
-2ملحق يتعلق باالعتمادات اإلضافية المفتوحة مرفقا بكل اإلثباتات الضرورية عند
االقتضاء،
-3التقرير السنوي حول نجاعة األداء المعد من طرف الوزارة المكلفة بالمالية .يقوم هذا
التقرير بتلخيص وتجميع تقارير نجاعة األداء المعدة من طرف القطاعات الوزارية أو
المؤسسات،
وطبقا لهذه المادة فعلى الحكومة أن تودع مشروع قانون التصفية السنوي بمكتب أحد
مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الثانية الموالية لسنة تنفيذ قانون المالية ،إال أن هذا
األجل ال يحترم رغم إلزاميته بنص القانون وتظهر أهميت هذا القانون من خالل المناقشة
والتصويت عليه في قانون التصفية ويمكن أن تطرح مسؤولية الوزراء كما في المناقشة
والتصويت على القانون المالي السنوي ،حيث يعد الوزير المكلف بالمالية تقريرا يتضمن
المعلومات والوثائق الكفيلة بتحليل شروط تنفيذ الميزانية السنوية المقررة بالقانون المالي
ويتضمن هذا التقرير على الخصوص ما يلي :
-6بيان تفصيلي لموارد الميزانية العامة ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة،
والحسابات الخصوصية للخزينة والميزانيات المحلقة.
-محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص 139 211
94
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فهذا التقرير الذي يتضمن هذه البيانات يعطي صورة واضحة عن تنفيذ الميزانية السنوية،
إال أنه أثناء تنفيذ ،قد تواجه الحكومة بعض الظروف الطارئة ،قد تؤدي إلى اختالل أو خطأ
في تقدير الموارد وتحصيلها أو حصول فوارق بين االعتمادات المفتوحة واألرقام النهائية
المقدمة ،بعد التعديالت التي قد تطرأ على تقديرات الميزانية من حين آلخر إثر إجراءات
تشريعية أو تنظيمية ،تتخذها الحكومة لمواجهة ظروف معينة.
أما فيما يتعلق بمحدودية المسؤولية السياسية في مجال تنفيذ الميزانية فتعتبر إثارة
المسؤولية السياسية للوزراء أهم سالح بيد السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية،
حيث تعلق عليها كل اآلمال في إقرار الديمقراطية والحكامة في صرف األموال العمومية.
وهذا مرتبط بقوة البرلمان واستعمال سلطاته من تشريع وتمثيل ومراقبة ،212فعندما يكون
البرلمان قويا وواثقا من نفسه وذا مصداقية ،فهو ال يخشى أحدا أو جهة ما ألنه منبثق عن
صناديق االقتراع ويمثل إرادة اإلمة ،أما إذا كان ال يتمتع بالمصداقية والشرعية ،وال يتوفر
على الكفاءة التي تخوله استعمال صالحيته وال الشجاعة التي ال تسعفه لمساءلة كل وزير تورط
في قضية من قضايا المال العام أو غيرها فال جدوى منه .ومن خالل التجربة المغربية نالحظ
أن هناك إهمال على مساءلة الحكومة حول قوانين التصفية ،وتقاعس على مستوى طرح
األسئلة الكتابية والشفوية إال من نذر ،وعدم تفعيل تقارير لجن تقصي الحقائق ،حيث يصطدم
التقرير بكوابح وشروط دستورية تعجيزية ،وخصوصا إذا كان األمر يتعلق بالوزراء أو قطاع
تحت وصايتهم ،كما أن بروز دور السلطة التنفيذية عبر وزارة المالية التي تتمتع بصالحيات
واسعة ،بفضل انتشار مؤسساتها وممثليها بالوزارات من مراقبين ومحاسبين وخزنة ،فوزير
المالية يحظى بمكانة هامة داخل الحكومة نظرا لإلمكانيات المادية والمالية والبشرية التي تتمتع
بها هذه الوزارة وقد ظهرت قوة هذه الوزارة وأهميتها في تشكيل الحكومة الحالية في شخص
رئيسها السيد عبد اإلله ابن كيران ،حيث كان الصراع محموما حول تقلد هذه الحقيبة الحيوية
بين األحزاب المكونة للتحالف الحكومي .وقد أدى هذا التهافت إلى تقسيمها إلى قسمين هما :
وزارة االقتصاد والمالية والوزارة المنتدبة لدى وزير االقتصاد والمالية المكلفة بالميزانية.
-محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص .140 212
95
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
أما فيما يخص المسؤولية السياسية اآلمر بالصرف الترابي عن تنفيذ الميزانية الترابية فيعتبر
إعداد وتنفيذ الميزانية الترابية مختلفا تماما عن إعداد وتنفيذ الميزانية العامة ،فإعداد الميزانية
الترابية من اختصاص رؤساء المجالس الجماعات الترابية ،ويتطلب األمر تدخل أطراف عدة
لتهيئ وثيقة الميزانية ،إال أن األولوية يعترف بها الجهاز التنفيذي الترابي ،سواء كان منتخبا
أو معينا وبالرجوع إلى أحكام الفقرة األولى من المادة 15من القانون التنظيم المالي الترابي
بالمغرب 213نجد أن تحضير الميزانية لترابية يتم من لدن رؤساء الجماعات الترابية.
فإذا كانت الميزانية الترابية ترجمة رقمية وحسابية لتنفيذ المخططات التنموية بالنسبة
للجماعات الترابية ،فإنه من الطبيعي أن يمنح حق االطالع والرقابة للمعنيين مباشرة بتنفيذها،
سواء على المستوى المسؤولين عن إعدادها أو من يفترض فيهم أن يكونوا موضوعا لها أو
المستفيدين منها.
فمسؤولية اآلمر بالصرف الجماعي تعتبر ذات أساس سياسي بالدرجة األولى ،قبل أن
تكون مسؤولية مالية وقضائية .فالمنتخب الترابي يتموقع في مركز المسؤولية من وجهة النظر
الناخب ،سواء كان مستشارا جماعيا أو مواطنا عاديا أو ناخبا بالدرجة األولى بجماعته ومعنيا
بالتدبير المالي الترابي.214
فالمسؤولية هنا تكون ذلت طابع ذاتي شخصي وسياسي محض ،يمارسها أعضاء الجماعات
الترابية على الهيئة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجماعة ،باعتباره اآلمر بالصرف المسؤول،
وفي هذا اإلطار يقول روبرت هيرتزوك" بأن المنتخبين بالمجالس الجماعية يتحملون
مسؤوليات متعددة وعلى رأسها المسؤولية السياسية أمام المجلس وأمام الرأي العام وأمام
القاضي اإلداري والمالي.
- 213قانون رقم 45.08المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.09.02بتاريخ 18فبراير
2009الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5711بتاريخ 23فبراير .2009
- 214محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص146
96
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فطبيعة المخالفات المالية التي نصت عليها المادة 51من مدونة المحاكم المالية تخضع
الختصاص قضاة المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات ،إال أن هذا ال يمنع
من ممارسة العقوبة التأديبية ،التي تمارسها السلطة التي لها حق الـتأديب بالنسبة للفاعل ،سواء
عن األخطاء اإلدارية الجسيمة أو عن المخالفات المالية والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
- 215ينص الفصل 7من مرسوم الملكي لسنة 1967المتعلق المحاسبة العمومية على أن" :يتحمل اآلمرون بالصرف بمناسبة مزاولة مهامهم
المسؤوليات المقررة في القوانين واألنظمة المعمول بها" وما دام نفس المرسوم قد أناط العمليات المالية العمومية بكل من اآلمرين بالصرف
والمحاسبين العموميين فاآلمر ينطق عليهما في المسؤولية التأديبية كل واحد فيم ا يخصه.
- 216- 216- 216محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص .213
97
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
على خالف اختصاص البث في الحسابات ال تنحصر والية القاضي المالي في مجال التأديب
المالي في األجهزة العمومية التي تتوفر على محاسب عمومي وتطبق نظام المحاسبة العمومية،
بل تمتد إلى األجهزة العمومية األخرى تتخذ اشكاال قانونية مختلفة ومتنوعة تتجاوز الشكل
اإلداري ال تقليدي للمرفق العام وتنشط في المجاالت التجارية والصناعية ،وتطبق في أغلب
معاملتها تبعا لذلك ،قواعد القانون الخاص .
وتبعا لتنوع القواعد القانونية المنظمة لنشاط مختلف هذه األجهزة الخاضعة ،فان مجال
المساءلة في مادة التأديب المالي ال ينحصر في عدم احترام قواعد تنفيذ النفقات والموارد
العمومية وتدبير الممتلكات االجهزة العمومية ،وبصفة عامة قواعد المحاسبة العمومية ،بل
يمتد إلى األفعال المرتكبة من طرف األشخاص الخاضعين االختصاص التأديب المالي في
إطار ممارسة مهامهم الوظيفية داخل األجهزة الخاضعة بغض النظر عن الشكل الجهاز
وطبيعته التجارية والصناعة ،مادام أن هذه االفعال تخالف قواعد التسيير المالي لهذه االجهزة،
وعليه يتعلق مفهوم هذه القواعد بتلك المطبقة على الجهاز المعني الخاضع الختصاص التأديب
المالي بصرف النظر عن طبيعة الجهاز او االنظمة المطبقة عليه .
وال إن كان المشرع المغربي في إطار مدونة المحاكم المالية قد احتفظ بأسلوب الالئحة في
تحديد هذه المخالفات مقارنة بالقانون 12 79المنسوخ ،فقد ترجع عن العبارات العامة في
تحديدها ،كما ميز بين مخالفات كل فئة من الفئات الرئيسية لألشخاص الخاضعين باالختصاص
التأديب المالي .
يمارس المجلس األعلى للحسابات الرقابة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في المواد 69 66من القانون 99.62المتعلق
بمدونة المحاكم المالية على كل آمر بالصرف أو آمر بالصرف المساعد بالصرف أو مسؤول
وكذا كل موظف او عون يعمل تحت سلطاتهم ولحسابهم اذا ارتكبوا احدى المخالفات التي تم
تحديدها وضبطها بشكل دقيق تسهيال على القاضي حتى ال يأتيه في البحث والتصنيف طبقا
ألحكام المادة 54من القانون على الشكل التالي:
98
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
أداء النفقات 217
-مخالفات قواعد االلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها
دون االلتزام المسبق اإلخفاء الذي من شانه ان يؤدي الى خطأ في التنزيل المالي ،االلتزام
بالنفقات بدون أهلية أو دون توفر االعتمادات ،االلتزام بتجاوز االعتمادات حصول الشخص
لنفسه و لغيره على منفعة مبررة نقدية أو عينية ،اإلفراط في تقديرات أشغال البناء عدم تطبيق
الرسوم حول استغالل المقالع والذبح… إلخ أداء نفقات غير مبررة (الكراء ،الهاتف ،صيانة
السيارات… إلخ.218
وفي حالة تنفيذ صفقة عمومية يعتبر االحتساب الصحيح من قواعد صحة تصفية النفقات
العمومية ،على اعتبار أن بنودها حددت باإلضافة إلى أجل التنفيذ المتعاقد بشأنه ،الجزاءات
التي قد يتخذها صاحب المشروع في حالة تأخر المقاوالت المتعاقد معها في تنفيذ التزاماتها
التعاقدية برسم هذه الصفقة ،السيما تطبيق غرامة التأخير.219
عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية :ال يكفي أن تكون مشاريع
الصفقات العمومية مطابقة للنصوص التنظيمية بل يتعين ان ينسحب احترام تلك النصوص
على جميع في إبرام وتنفيذ ومراقبة الصفقات العمومية احترام قواعد المنافسة.
ومن محاور األساسية التي ينبغي ان تحترم فيها النصوص التنظيمية يمكن أن نذكر ما يلي:
احترام قواعد المنافسة في اختيار المتعهدين ،اخبار المتنافسين وضمان شفافية تسيير
الصفقات العمومية ،ضمان حقوق المنافسين ،أثمان الصفقات وقواعد مراجعتها تتبع ومراقبة
تسيير الصفقات العمومية أفضلية المقاولة الوطنية.
هذا وتشمل النصوص التنظيمية عالوة على المرسوم األساسي ،االنظمة الخاصة بالصفقات
مؤسسات المقاوالت العمومية وكذا كافة النصوص والتعليمات والمذكرات التفسيرية أو
التكميلية.
- 217أحميدوش مدني ،الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،المجلة الغربية للمالية العمومية ،مرجع سابق ،ص
.24-25
- 218بداه مريم ،دور التأديب المحاكم المالية المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص50
- 219القراران عدد 023و 024.2017ت.م.ش.م ،القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانبة والشؤون المالية خالل سنة ،2017
شتنبر ،2017ص .222
99
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
كما تشمل النصوص المتعلقة بسندات الطلب ،وتعتبر تعليمات الوزير األول الصادرة في 6
يونيو 1965سارية المفعول فيما يتعلق بالجوانب الغير المتعارضة مع النصوص الالحقة .
كما أن األمر يشمل أيضا المقتضيات اإلدارية العامة والخاصة… ،فضال عن بنود
الصفقات نفسها ،ويندرج في هذا المدلول فتاوى األمانة العامة للحكومة المستندة الى اراء
اللجنة الوطنية للصفقات.220
والجدير بالذكر ،يمتد نطاق مبدأ الشرعية المخالفة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية إلى التدابير االحتياطية التي يجب أن يتخذ كل مدبر عمومي بما يفيد ببدله
العناية المهنية الكافية ،وفقا لقرار المجلس األعلى عدد ( 594محكمة النقض) حاليا الذي اعتبر
أن مجال التأديب باإلضافة الى القوانين واألنظمة ،لما يعتبر من المسلمات البديهية التي ال
تحتاج الى تنظيم أو تعقيد.221
مخالفات القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها :وذلك عبر
االشهاد على الكشوفات الحساب التفصيلية بشكل ال يعكس حقيقة التنفيذ وعلى سندات التسليم
بما يفيد من مطابقة الخصائص والكميات المتعاقد بشأنها رغم عدم وجود عالقة تعاقدية في
األصل أو عالقة تعاقدية لم تصبح بعد نهائيا في تاريخ التسليم ،مخالفات لقواعد تصفية النفقات
العمومية والنصوص التنظيمية للصفقات العمومية وتشكل ادالء للمجلس بوثائق غير صحيحة.
نفس االمر يتعلق بتوقيع كشوف الحسابات التفصيلية واصدار األمر بأداء مبلغها رغم عدم
تسلم الكميات المتعاقد بشأنها اال الحقا ،او من اجل تخصيص قيمة توريدات غير المسلمة برسم
الصفقة لتسوية ديون تتعلق بتوريدات سابقة لم تكن ابدا موضوع التعاقد .
-مخالفات النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان :ال
تنحصر المخالفات للنصوص التشريعية والتنظيمية فقط في المدبرين العموميين المتمثل في
كل من اآلمر بالصرف أو المشرف على الجهاز المني ،بل غالبا ما ترتكب هذه المخالفات من
- 220محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين-على ضوء
مدونة المحاكم المالية وقضاء المجلس األعلى للحسابات وقضاء محكمة النقض(دليل عملي فائدة المهنيين والباحثين) ،مكتبة دار السالم ،الرباط،
،2017ص 23
- 221قرار عدد 08/2018 /ت.ش.م 2الصادر بتاريخ 21يونيو 2018يتعلق بالنائب اإلقليمي للتربية والتكوين بسال ،قرارات صادرة عن غرفة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أبريل ،2019ص.187
100
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
طرف موظفين وأعوان يتولون التدبير اليومي والمباشر للتنفيذ ،باعتبارهم مسؤولي الدرجة
الثانية ،بحيث انه من النصوص األساسية التي ينبغي مراعاتها نجد ،الظهير المتعلق بالنصوص
العمومية والمرسوم المتعلق باألعوان المؤسسات العمومية وايضا المتعلق بالنظام األساسي
لموظفي الجماعات المحلية… إلخ .
مخالفات قواعد التدبير وممتلكات األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس :قد وردت هذه
المخالفة بالصيغة عامة وشاملة في المادة 54من القانون ،99 62بحيث لم تحدد نوعية
المخالفات الموجبة للمسؤولية في هذا المجال ،مما يفيد بأن األمر يتعلق باحترام قواعد قانونية
التي تخضع لها ممتلكات األجهزة الخاضعة لسيطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية ،ويمكن إجمال هذه المخالفات في مخالفة البنود االتفاقية المبرمة مع منعش عقاري ،او
االخالل الممارسة الجيدة في تدبير الممتلكات العمومية (كعدم القيام باإلجراءات الالزمة لتتبع
معدات تمت إعارتها ،اهمال او تقصير في المحافظة على ممتلكات الجهاز العمومي…) .
التقييد الغير القانوني لنفقة بهدف تمكن من تجاوز االعتمادات :بحيث يتعين على األمر
بالصرف واعوانه ان يراعوا صحة تقييد النفقة في الباب الذي يتعلق بها ،وذلك حفاظا على
الصورة االمنية للميزانية كما تم المصادقة عليها من قبل الهيئات التداولية ،فهذه المخالفة قد
تتعلق بمخالفة بتثبيت نية يتجاوز االعتمادات ،فقد يلجأ اآلمر بالصرف مع سبق االصرار الى
االلتزام بالنفقة تتعلق باعتماد المستنفذ ولكي يجري التحايل على المراقبة االدارية يتم تقييد
النفقة بشكل غير قانوني في باب آخر لم يجر استنفاذه بعد.222
وأخيرا هناك مخالفة اخفاء المستندات او االدالء الى المحاكم المالية بأوراق مزورة او
غير صحيحة :وقد تؤدي هذه المخالفة الى فتح مسطرة المتابعة الجنائية في حق المعني باألمر
هذا فضال عن المتابعة امام المحاكم المالية.
فكل هذه المقتضيات واإللتزمات القانونية وضحت طبيعة المخالفات المالية والتي تخص
مجاالت التي يتدخل فيها اآلمرون بالصرف ،وتتمظهر هذه األخطاء والمخالفات على مستوى
- 222- 222محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين ،مرجع
سابق ،ص .27
101
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
اإليرادات في مجال األمر باألداء أو إصدار األوامر بالتسخير والتي من خاللها يتجاوز
اآلمرون بالصرف رفض المحاسبين العموميين وضع تأشيرة األداء.
وقد جعل المشرع لقيام المسؤولية التأديبية عن المخالفات المالية للمتدخلين في مجال
تنفيذ الميزانية ،توافر شروط منها قيام عالقة نظامية بين الفاعل الموظف بمفهومه العام أو
المرفق العمومي أو الهيئة التي يعمل بها ،وقيام هذا األخير بارتكاب عمل يشكل خرقا
لاللتزامات الوظيفية التي ينتج عنها خطأ مهني أو جريمة تأديبية تستدعي المساءلة.
فقد حدد القانون 3أبريل 2002المنظم لمسؤولية اآلمرين بالصرف والمرقبين والمحاسبين
العموميين ومدونة المحاكم المالية الصادر في 15يونيو 2002المنظم للمحاكم المالية،
اختصاصات اآلمرين بالصرف في مجال تنفيذ الميزانية العامة وتحقيق الحكامة المالية ،في
مقابل ذلك حدد القانونين جزاءات وعقوبات على كل من أخل بهذه اإللتزمات .وهذه المخالفات
فقد حددتها المواد 55-54و 56من مدونة المحاكم المالية كما أشارنا سابقا.
وعموما فإثارة المسؤولية التأديبية لآلمرين بالصرف عن المخالفات وأخطاء إدارية أو مالية
مسألة تخضع لعدة اعتبارات لصيقة بالقطاع المسؤول عنه الوزير ،فقد ذهب بعض الفقه المالي
على اعتبار المسؤولية التأديبية ممكنة التطبيق من الناحية العملية بالنسبة للمحاسبين العموميين
بالدرجة األولى ،أما بالنسبة لآلمرين بالصرف الثانويين فإمكانية إفالتهم من العقاب التأديبي
تبدو ممكنة ،حصوصا وأن الجهة المختصة بإثارة المسؤولية هي الوزارة التابع لها المسؤول
عن الخطأ ،وغالبا ما يكون وزير القطاع أو من يفوض له هذا األمر فإذا فضل الوزير التستر
على المخالفات اآلمر بالصرف التابع له – وهي الحالة الغالبة -فال يستطيع قاضي الحسابات
طرح مسؤوليته في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،بحيث يقف القاضي
المالي في مجال التأديب على شرط رفع القضية بعد اكتشافها من طرف الوزير ليمارس بعد
ذلك ،وهذه الحاالت نادرا ما تقع ،ففي الغالب يفضل الوزير التستر على أخطاء ومخالفات
اآلمر بالصرف التابع له سواء كانت أخطاء إدارية أو مالية في الحدود الممكنة ،على أن يثير
102
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
المسؤولية لدى المحاكم المالية المختصة ،بحيث أن إدانة هؤالء المتابعين أمام هذه المحاكم هو
بمثابة إدانة للقطاع ككل.
وفي هذا اإلطار يتمكن اآلمرون بالصرف في بعض الحاالت اإلفالت من المسؤولية التأديبية
إما عن طريق أخطائهم اإلدارية والمالية عن طريق التصرف بحسن النية خدمة للصالح العام،
وإما عن طريق التذرع باألوامر والتعليمات الصادرة إليهم من رؤسائهم ،وغالبا ما يكون
الوزراء ،مما يصعب مسألة إثارة المسؤولية سواء كانت تأديبية أو مالية أو حتى السياسية ،فهم
مستثنون من اختصاص المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،
الشيء الذي دفع بعض الباحثين بالقول بأن العقوبات التأديبية ال تطبق إال على الموظفين
الصغار ومن الصعب عمليا تأديب ومعاقبة السلطات اإلدارية العليا.
لكن هذا الرأي أصبح متجاوزا ،خصوصا بعد صدور دستور ،2011وتضمنه الباب
العاشر المتعلق بالحكامة المالية ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ،والقطع النظري والعملي مع
عهد " الجزر المحصنة" عن حراس الشرعية المالية والمحاسبة.223
لقد تطرق المشرع المغربي إلى أنواع الجرائم الموجبة للمسؤولية الجنائية في المجال المالي
في المواد 241إلى 256من القانون الجنائي المغربي ،وهي على سبيل الحصر ،ويتعلق األمر
بالجرائم االختالس والغدر النصوص عليها في الفصول 241إلى 247ثم الرشوة واستغالل
النفوذ المنصوص عليها في الفصول 248إلى 256من القانون الجنائي وكل هاته الجرائم يجب
أن ترتبط بأفعال يرتكبها الموظف العمومي ،وبالتالي تترتب عن هذه األفعال المجرمة عقوبات
والغرامات مالية ،وسوف نتطرق لهذه الجرائم اتباعا:
أ-جريمة االختالس
ويقصد بها سرقة األموال العمومية بدون وجه حق والتي تدخل في إطار جرائم اإلخالل
بالثقة العامة التي يرتكبها الموظفون العموميون وغيرهم ،ويتحقق اإلختالس بكل عمل أو
- 223- 223محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ،بكلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة ،برسم السنة الجامعية ،2013-2012ص 216
103
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
تصرف يؤشر أو ينبئ باتجاه نية الجاني إلى االستيالء على الشيء بصفة نهائية ،أو بقصد
تملكه أو ألي سبب أخر كتمليكه للغير أو إتالفه أو احتجازه بدون حق ،كاإلبقاء عليه تحت
تصرف الموظف عوض دفعه إلى أصحابه .ويستوي أن تكون هذه األموال أو غيرها كالسندات
في ملكية الدولة أو الهيئات العامة التابعة لها ،أو في ملكية الخواص ما دامت موضوعة رهن
إشارة الموظف بحكم وظيفته أو بسببها ،فاآلمر بالصرف قد يقتطعان ألحد الدائنين للجهاز
العمومي مبلغا من مستحقاته ،أو جزءا منه ،وبالتالي يكونان قد احتجزا شيئا غير مستحق لهما،
الشيء الذي يعتبر في هذه الحالة اختالسا ولو تذرع أحدهم بأن اإلقتطاع يفرضه القانون ،ألنه
ال يجب أن تتم المقاصة بين مستحقات الدائن والجزاءات والغرامات المستحقة عليه ،فكل عملية
مالية لها قواعدها الخاصة بها.224
وبذلك يشترط في األموال اتي تكون محال لالختالس أن تكون منقولة ،ال عقارات ،ألن
األموال المنقولة هي التي توضع بيد الموظف وال ترى ،أما العقارات فقد حماها المشرع
بنصوص أخرى ،إضافة إلى حمايتها الطبيعية الناشئة عن ثباتها واستقرارها وصعوبة نقل
ملكيتها.225
ب -جريمة الغدر
لقد المشرع الجنائي المغربي إلى مفهوم جريمة الغدر من خالل الفصل 243من القانون
الجنائي عندما اعتبر الشخص مرتكبا لجريمة الغدر كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى
أو فرض أو امر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق ،سواء لإلدارة
العامة أو لألفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة.
كما أن القاضي الجنائي في جرائم الغدر قد اعتبر لكي يتحقق هذا النوع من الجرائم
توافر ثالثة عناصر مجتمعة هي توفر صفة الموظف العمومي ،ويمكن أن يكون آمرا بالصرف
أو محاسبا عموميا أو نائبا عنهما أو لحسابهما ،أن يكون الجرم أو ارتكاب الفعل المادي معاقبا
- 224محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص.237
- 225عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم االلية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة" المعارف القانونية والقضائية" ،طبعة -2022
الرباط ،2022-ص .184
104
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
عليه ،ثم توفر القصد الجنائي وهو النية اإلجرامية ،فبدون هذه العناصر الثالثة مجتمعة تنتفي
جريمة الغدر.
فاغدر في مفهومه العام يعني الخيانة وعدم الوفاء فيما يخص أداء المهمة المكلف بها
الموظف العمومي أو غيره ،أما مفهوم الغدر في التشريع المالي المغربي فيعني قيام الموظف
العمومي سواء كان آمرا بالصرف أو مراقبا أو محاسبا عموميا بفرض رسوم أو ضرائب أو
أداءات او تسليم محصوالت مؤسسات الدولة بشكل مجاني لم يقررها القانون ،كأن يطلب
الموظف أو يتلقى من الملزم أو المتعاقد مع اإلدارة أو المدين لها بدين مبلغا أكثر مما هو مدين
به للجهاز العمومي ،أو يفرض على المدين أداء زيادات عن التأخير غير المنصوص عليها
قانونا ،سواء كانت هذه الزيادات لفائدة اإلدارة التي يعمل بها أو لألفراد الذين يحصل لحسابهم
أو لنفسه وهو يعلم بعدم استحقاق هذه الزيادات.
فالغاية من تجريم الغدر وترتيب عقوبات عنه هو حماية حقوق األفراد والجماعات والحد
من إساءة استعمال السلطة والشطط فيها ،وكذا زرع الثقة في نفوس المتعاملين مع اإلدارة،
ورسم الحدود لدى المسؤولين عن رعاية مصالح الدولة .وال يفلح من تصور أن الزيادة في
فرض رسوم وضرائب أو غيرها على الملزمين بدون أن يفرضها القانون بدافع الحرص على
مصالح الدولة والرغبة في زيادة مواردها ،فمن شأن هذا العمل أن يخل بمبدأ المساواة أمام
القانون أمام تحمل األعباء العامة حسب مل تنص عليه الفصول دستور 2011خصوصا
الفصل 6المتعلق بالمساواة امام القانون والفصل 36المتعلق بحاالت تنازع المصالح
والمخالفات ذات الطابع المالي أشكال االنحراف واستعمال األموال الموجودة تحت تصرف
السلطات العمومية والزجر عن هذه المخالفات باإلضافة إلى الفصل 39الذي ينص علال تحمل
التكاليف العمومية كل حسب قدر استطاعته.226
ج -جريمة الرشوة
لقد اكتفى المشرع الجنائي المغربي بالتنصيص على جريمة الرشوة ضمن الفصول القانون
الجنائي من الفصل 248إلى الفصل 256منه ،ولم يتعمد في إعطاء تعريف أو مفهوم للجريمة
- 226محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص239
105
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الرشوة ،وبالتالي فضل إعطاء مؤشرات يمكن اعتمادها العتبار جريمة الرشوة قائمة كاالتجار
والتعامل بواسطة الوظيفة التي يشغلها الموظف العمومي بمفهومه الواسع ،بمعنى أنه يتخذ من
عمله الوظيفي وسيلة للحصول على كسب أو منفعة يمنعها ويجرمها القانون الجنائي ،فهي في
جوهرها إثراء بال سبب على حساب أفراد المجتمع الذين يحتاجون إلى خدماته العمومية دون
التزام بأداء المقابل .وقد عرف الفقه جريمة الرشوة بأنها " اتجار الموظف العمومي بأعمال
وظيفية واستغاللها للحصول على كسب غير مشروع على حساب أفراد يحتاجون إلى خدماته
العمومية التي كلفه بها القانون دون ان يترتب على أدائها دفع مقابل".
كما يعد مرتكبا للجريمة الرشوة ،كل عامل أو مستخدم أو من في حكمه ،طلب أو قبل عرضا
أو عدا ،طلب أو تسلم هدية أو غير ذلك ،مباشرة أو عن طريق وسيط ،دون موافقة مخدومه
ودون عمله ،من أجل القيام أو االمتناع عنه ،أو بكونه خارج عن اختصاصاته ،ولكن خدمته
سهلته له.227
والجريمة الرشوة كمثيالتها من الجرائم المالية أو الغير المالية البد من توفر فيها األركان
الالزمة لقيام أي جريمة وهي الركن المادي والقانوني والمعنوي المتمثل في القصد الجنائي.
ويقصد بها أن يكون للشخص نوع من التقدير من رجال السلطة الذين بيدهم تحقيق مصلحة
ذات الشأن ،مما يكون له من حملهم على قضائها ،وقد يكن ذلك راجعا إلى مركزه العام في
المجتمع ،وقد يكون سبب حقوقه الخاصة تربطه ببعض رجال السلطة كالقرابة أو الصداقة أو
ما شابه ذلك ،ويتعين ليقام جريمة استغالل النفوذ أن يسعى الجاني بنفوذه سواء لدى رجال
السلطة العمومية أو بسبب وظيفته
ويعد مرتكبا لجريمة استغالل النفوذ حسب الفصل 250من القانون الجنائي المغربي
فوذه " كل موظف عمومي الذي استغل نفوذه الحقيقي أو المفترض فطلب أو قبل عرضا أو
وعدا أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل تمكين شخص أو محاولة تمكينه من
- 227عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم االلية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة" المعارف القانونية والقضائية" ،مرجع سابق ،ص
.188
106
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الحصول على وسام أو نيشان أو رتبة شرفية أو مكافأة أو مركز أو وظيفة أو خدمة أو أية
مزية أخرى تمنحها السلطة العمومية أو صفقة أو مشروع أو أي ربح ناتج عن اتفاق بعقد مع
السلطة العمومية أو مع اإلدارة موضوعة تحت إشرافها ،وبصفة عامة الحصول على قرار
لصالحه من تلك السلطة أو اإلدارة ،مستغال بذلك نفوذه الحقيقي أو المفترض .فجريمة استغالل
النفوذ تقع بمجرد الموافقة واالستجابة ،وال يشترط أن تكون قد تمت أو تم البدء في تنفيذها،
وقد ترتكب من الموظف أو غير الموظف ،وال شك أن المشرع هدف من وراء ذلك الحد من
استغالل الموظف لوظيفته أو المتاجرة بها .ومن أركان الجريمة استغالل النفوذ يعد مجرد
"الطلب" أو الوعد ركنا ماديا لجرائم الرشوة واستغالل النفوذ.
بناءا على ما سبق يتضح من خالل دراستنا للفصل األول أن البنية التنظيمية للمحاكم
المالية واالختصاصات الممنوحة لها ،ال زالت تعاني من مجموعة من اإلكرهات والمشاكل
سواء على مستوى المؤسساتي أو القانوني ،لذلك سنقوم باستعراض هاته اإلكراهات وسبل
تجاوزها في الفصل الثاني بعد التطرق لإلستثناءات المساءلة امام القاضي المالي.228
-- 228محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،مرجع سابق ،ص.242
107
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
أو التأديبية أو الجنائية وإبراء الذمة ،فلم يتطرق المشرع المغربي في ظل قانون 62-99إلى
هذه الحاالت باستثناء حالة فريدة وهي التي جاءت في المادة 137من هذا القانون وهو اإلدالء
باألمر الكتابي الصادر عن الرؤساء التسلسليين أو الصادر عن شخص مؤهل إلصدار هذا
األمر قبل ارتكاب المخالفة ،إال أن قانون 62-99المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف
والمراقبين والمحاسبين العموميين في الماد العاشرة قد تطرق إلى إمكانية اإلعفاء من المسؤولية
في حاالت معينة (الفقرة الثانية).
يعتبر الطعن باالستئناف من مستجدات مدونة المحاكم المالية ،فالقرارات النهائية الصادرة
ابتدائيا عن الغرف وفروعها في مجال البت في الحسابات المقدمة من طرف المحاسبين
230
العموميين ،وفي ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تكون قابلة لالستئناف
أمام هيئة الغرف المشتركة المحدثة 231من طرف المدونة ،وذلك في أجل ثالثين ( )30يوما
الموالية التاريخ تبليغ القرار النهائي ،أما بخصوص األحكام الصادرة عن المجالس الجهوية
للحسابات فإنها تستأنف أمام غرفة االستئناف بالمجلس األعلى للحسابات ،من قبل األشخاص
المؤهلين قانونا ،وهم المعني باألمر ،الوزير المكلف بالمالية ،الوزير المعني باألمر الوكيل
العام للملك والممثلين القانونيين لألجهزة المعنية.232
- 229،أحمد الجرراري ،الرقابة على المال العام بالمغرب ،بين النظرية والممارسة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام،
كلية الحقوق طنجة ،جامعة عبد المالك السعدي ،2008-2007 ،ص .140
- 230المادة 70من قانون 62-99المتعلق بالمحاكم المالية.
- 231إن هيئة الغرف المشتركة تتكون من خمسة ( )5قضاة من بينهم على األقل ثالثة ( )3رؤساء غرف ،هذه المالحظة وردت في تقرير المجلس
األعلى للحسابات برسم سنة 2004ج.ر عدد 5401بتاريخ 6مارس ،2006هامش ص .635
- 232الفقرة األولى من المادة 71من قانون 62-99المتعلق بالمحاكم المالية.
108
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
أما إذا كان الحكم مشموال بالنفاذ المعجل فال حق للطاعن في االستئناف ،حسب ما تنص
عليه المادة 70في الفقرة الثانية من قانون ،62-99وبمجرد تسجيل عريضة االستئناف يشعر
الوكيل العام للملك بذلك ،ويعين الرئيس األول بعد التماس ذلك من طرف الوكيل العام للملك،
مستشارا مقررا مكلفا بالتحقيق غير المستشار الذي كان قد قام بالتحقيق في القصبة ابتدائيا.
فبناء على طلب المستشار المقرر ،تبلغ عريضة االستئناف إلى األطراف األخرى المعنية،
التي يمكنها أن تودع مذكرتها الجوابية لدى كتابة الضبط بالمجلس األعلى للحسابات داخل أجل
الثالثين يوما الموالية لتاريخ التبليغ وعند االقتضاء ،كل المستندات المقدمة لدعمها ،وتتابع
مسطرة التحقيق والحكم طبقا لمقتضيات المواد 59إلى 65من قانون المحاكم المالية
رقم.62.99
وتقوم هيئة الحكم بعد قبول طلب االستئناف شكال ثم ثبت بعد ذلك في الموضوع،
و هكذا فقد توصلت النيابة العامة خالل سنة ،2011باثني عشر ( )12تقريرا بشأن استئناف
بعض األحكام النهائية الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات في ميدان التدقيق و البت في
الحسابات ،و 9قضايا من المجالس الجهوية للحسابات و بقضية واحدة من المجلس األعلى
للحسابات تتعلق باستئناف بعض األحكام الصادرة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية و
الشؤون المالية حسب التقرير األخير للمجلس األعلى للحسابات لسنة .2011
وبالتالي يكون المشرع المغربي قد قدم أهم ضمانة قانونية لصالح الفاعلين في تنفيذ الميزانية
العامة المتابعين أمام المحاكم المالية سواء فيما يخص البت في الحسابات أو في مجال التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،على عكس المشرع الفرنسي الذي أتاح الطعن باإلستنئاف
فقط شد األحكام الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات ،في ميدان التدقيق والبت في حسابات
المحاسبين العموميين 233،أما قرارات مجلس التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،فال
يسمح بالطعن فيها إال بالنقض أمام مجلس الدولة الفرنسي أو بطلب المراجعة أمام هذه المجالس
نفسها.234
233
- L’article L211- 1 du code de juridiction financiére de 1948.
234
- CHOUVEL (f) : « Finances publiques………………… », op.cit, p : 184.
109
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
والسؤال المطروح في مجال التعرض ،هو هل تطرق المشرع المغربي إلى مسطرة محددة
بهذا الخصوص؟ وهل أشار إلى األحكام الصادرة غيابيا؟ وهل يمكن اعتماد قانون المسطرة
المدنية في غياب مسطرة معينة في مجال التعرض؟ وبالتالي تطرح مسألة صياغة الحكم هل
هو غيابي أم حضوري ،235حتى يمكن فتح مجال للطعن؟ كل هذه األسئلة وغيرها لم تجب
عليها .المحاكم المالية في ظل قانون 62 . 99ويبقى من حق المدان طلب الطعن بالنقض.
يمكن للمحاسب العمومي أو وكيله إذا الحظ خرقا للقانون أو خلال في الشكل أو انعداما في
التعليل 236أو عدم اختصاص المجلس ،طلب الطعن بالنقض داخل أجل 60يوما الموالية لتاريخ
تبليغ القرار النهائي الصادر استئنافيا المجلس األعلى للحسابات .ونفس الحق يخول لألشخاص
اآلخرين المؤهلين قانونا لهذا الغرض ،وذلك وفق نفس الشروط واآلجال المنصوص عليها في
قانون 62-99وخاصة المادة .49
وإذا كانت طلبات الطعن باالستئناف تتم أمام المجلس األعلى للحسابات نفسه فإن الطعن
بالنقض ال يتم إال أمام الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى .ولقبول الطعن بالنقض ضد قرارات
وأحكام المجلس األعلى للحسابات نص المشرع المغربي على بعض الشروط التي ينبغي
توافرها في رافع عريضة الطعن بالنقص بحيث يقدم من طرف المعني باألمر ،أو الوزير
المكلف بالمالية أو الوزير المعني بالقطاع أو الوكيل العام للملك أو الممثلين القانونيين لألجهزة
العمومية المعنية فيما يخص التأديب المالي المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أما فيما يخص
القرارات واأل حكام المطعون فيها في مجال التدقيق والبت في الحسابات ،يمكن في هذه الحالة
للمحاسب العمومي أو لذوي حقوقه أو الخازن العام تقديم طلبات الطعن بالنقض.237
وقد عمل المشرع المغربي في ظل قانون 62–99على توسيع نطاق ممارسة حق الطعن
- 235بشرى العلوي :خصوصيات مسطرة التأنيب العالي والميزانية ،ومدى قابلية األحكام الصادرة ألنواع الطعن ،المجلة المغربية للتلفيق
والتنمية .المجالس الجهوية للحسابات والحكامة العطية الجيدة ،السنة التدبير اإلستراتيجي ،العدد ،2005 ،7ص 13 :
- 236قانون رقم 03-01بشأن إلزام اإلمارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.02 202الصادر في 23يوليو 2002جر عند 5020بتاريخ ،12/08/2002أنظر كذلك منشور الوزير األول رقم 03/2011
حول لحسين اال ستقبال واإلرشاد باإلدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ،وخصوصا اإلجراء الرابع حول تعليل القرارات
اإلدارية ،فما يسري على القرارات اإلدارية يسري على القرارات واألحكام القضائية.
- 237انظر قرار الطعن بالنقص عند 137بتاريخ 13/02/1997في الملف عدد ،128/04/1995قضية بوشتي الكيسي عند المحلى األعلى
للحسابات ،حكم منشور بالمحلة المغربية للدقة والتنمية ...........م س،ص .15
110
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
بالنقض ،إذ أصبح يخول باإلضافة إلى المعني باألمر إلى " من الوزير المكلف بالمالية
والوزير المعني باألمر والممثلين القانونيين لألجهزة المعنية ،بعدما كان يقصر في ظل قانون
12-79المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات على الوكيل العام للملك لدى المجلس ،والذي
ال زال يمارس هذا الحق في إطار القانون الجديد وفقا ألحكام المادة ،73ويتم تقديم طلب الطعن
بالنقض شكال وفقا للمادة 354من قانون المسطرة المدنية بواسطة عريضة مكتوبة تودع لدى
كتابة الضبط بالمجلس األعلى أو توجه إليها برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل ،238ويوقع
عليها المعني باألمر أو محام مقبول لدى المجلس األعلى ،وال يعفى من هذا الشرط سوى الدولة
سواء كانت طالبة أو مطلوبة في الدعوى .وقد سكت المشرع المغربي في ظل مدونة المحاكم
المالية عن أثر الطعن بالنقض أثناء التنفيذ ،بينما نص الفصل من قانون المسطرة المدنية على
أن الطعن بالنقص ال يوقف التنفيذ إال فيما ويقدم الطعن بالنقض داخل أجل 60يوما الموالية
لتاريخ تبليغ القرار النهائي الصادر استئنافيا عن المجلس األعلى للحسابات ،بينما في فرنسا
بالنسبة للمحاسبين العموميين المتواجدين 239
فقد حدد مرسوم 20شتنبر 1968أجل شهران
داخل ا الفرنسي ،وأجل ( )3أشهر بالنسبة للمحاسبين العموميين الذين يتواجدون خارج التراب
الفرنسي ،ويشكل الطعن بالنقض وسيلة للمتضررين للدفاع عن أنفسهم في حالة خرق القانون
أو عدم احترام اإلجراءات الشكلية أو خرق حقوق الدفاع ،أو انعدام التعليل أو عدم اختصاص
المجلس .240ويتمثل حرق القانون في حالة تجاهل نص تنظيمي أو تشريعي ،أو تفسريهما بشكل
خاطئ أو عدم تطبيق مبدأ من المبادئ العامة للقانون.241
لقد خول المشرع المغربي في ظل مدونة المحاكم المالية للمعني باألمر الحق في تقديم طلب
مراجعة األحكام النهائية الصادرة عن المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية ،في حالة اكتشاف عنصر جديد في القضية من شأنه تغيير مسار القصية.
فالمادة 50من قانون 62-99المتعلق بالمحاكم المالية أعطت الحق للمحاسب ولدوي حقوقه
- 238عد المالك زعزاع ،طرق الطعن أمام المجلس األعلى ،معلنة المحاكم المغربية العدد ,103سنة ،2006ص 68
239
- Art. 22 du décret du 20 septembre 1968 relatif à la création de la cour des comptes.
- 240المادة 19من قانون ( 62-90الفقرة األولى).
241
- BENNANI (A): L'agent comptable au Maroc, Edition Manuels et travaux universitaires, 1 édition, 1998,
p:228.
111
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
إما بصفة شخصية أو بواسطة وكيل طلب مراجعة القرارات واألحكام النهائية الصادرة عن
المجلس األعلى للحسابات ابتدائيا أو استئنافيا في حالة اكتشاف عنصر جديد بعد النطق بالحكم،
في مجال البت في الحسابات ،ويحول نفس الحق 921عصر حديد ،فقد وإلى الوزير المكلف
بالمالية وا لوزير المعني باألمر والخازن العام للمملكة .المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،
فيمكن أيضا للمعني باألمر بعد انصرام اجل حدد لطلب النقض من المجلس مراجعة القرار
المتعلق به ،والصادر عن المجلس وبعد اكتشاف عنصر جديد والوكيل العام للملك من تلقاء
نفسه أو بإيعاز من الوزير المكلف بالمالية أو الوزير المعني باألمر أو الممثلين القانونيين
لألجهزة العمومية المعنية " .242والمقصود بالعنصر ت أو ظهور وثيقة محاسبية أو مالية أو
إدارية ،أو قرار كتابي جديد يكتش الحكم القضائي عن الجهات المعنية ،أما المادة 135من
قانون ،62-99وفي حالة | أعطت الحق للمحاسب العمومي أو لذوي حقوقه بصفة شخصية
أو بواسطة وكيل ،بعد انصرام األجل المحدد لالستئناف طلب مراجعة األحكام النهائية الصادرة
عن المجلس الجهوي أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار ،ويحول نفس الحق إلى
وكيل الملك وإلى وزير الداخلية أو الوالي أو العامل في حدود االختصاصات المخولة لهم
تطبيقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ،والوزير المكلف بالمالية أو الخازن
بالجهة أو العمالة أو اإلقليم ،أو الممثل القانوني للجماعات المحلية أو الهيئات أو المؤسسات
العمومية المعنية ،وفي مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،وفي حالة اكتشاف
عنصر جديد ،يحق للمعني باألمر ،بعد انصرام األجل المحدد لالستئناف أن يطلب من المجلس
الجهوي للحسابات مراجعة القرار المتعلق به ،243ويحول نفس الحق في طلب المراجعة أمام
المجالس الجهوية للحسابات إلى وكيل الملك من تلقاء نفسه أو بإيعاز من وزير الداخلية والوزير
المكلف بالمالية.244
ولقبول طلب المراجعة من طرف المجلس األعلى للحسابات يجب أن تكون القرارات
االبتدائية والقرارات االستئنافية نهائية ،وبعد انصرام أجل 60يوما الموالية لتاريخ تبليغ القرار
النهائي ،ويستمر األجل القانوني لتقديم طلب المراجعة قائما إلى حدود 10سنوات ابتداء من
وحد المشرع أجل طلب المراجعة مع قاعدة التقادم الرباعي للديون العمومية فطلب المراجعة
يسقط بالتقادم" بعد انصرام أجل 4سنوات ،حتى وإن تم اكتشاف عنصر جديد في القضية يثبت
تورط أحد المتدخلين في التصرف في المال العام بمخالفات مالية أو محاسبية غير قانونية.
وهذا سيف ذو حدين ،قد يؤدي إلى اإلفالت من العقاب في حالة عدم اكتشاف األخطاء المادية
والمالية في الوقت المناسب والقانوني .وقد نصت مدونة المحاكم المالية على توحيد آجال التقادم
في خمس سنوات كاملة تبتدئ من التاريخ الذي اقترفت فيه.
أما مسطرة طلب المراجعة ،فهي تتم بإيداع الطلب لدى كتابة الضبط بالمجلس المختص،
وهو إما المجلس األعلى للحسابات أو المجالس الجهوية للحسابات ،ويحب أن الطلب عرضا
للوقائع والوسائل التي يحتج بها طالب المراجعة ويفتد بها الحجج الموضوعة بالملف ،كما
يجب أن يكون الطلب مرفقا بنسخة من القرار أو الحكم المطعون فيه ،وبالتبريرات المستند
إليها من وثائق وإقرارات وقرائن دامعة .ويبت المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية وفق المسطرة التي يتبعها في التحقيق .أما في ميدان البت في الحسابات ،فإن
الهيئة المختصة تبث في الطلب بقرار أو حكم تمهيدي يبلغ إلى األطراف المعنية التي يحدد لها
أجل لتقديم توضيحاتها وتبريراتها وبعد فحص الوسائل والمستندات المقدمة ،وتقديم مستنتجات
النيابة العامة ،ثبت الهيئة في طلب المراجعة بقرار نهائي.
113
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
لقد أعفت المادة 53من قانون 62-99المتعلق بالمحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية الموظفين واألعوان المرتكبين للمخالفات المشار إليها في المواد
55 ،54و 56إذا قدموا أمرا كتابيا صادرا عن رئيسهم التسلسلي الذي له سلطة قانونية عليهم،
وفي الوقت المناسب ،أي أن يكون تاريخ إصدار األمر سابقا عن تاريخ ارتكاب المخالفة .على
عكس ما صدر في قانون 12-79المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات لسنة 1979في الفصل
60245التي لم تشر إلى تاريخ إصدار األمر .وهذا األمر نصت عليه المحاكم المالية الفرنسية
في المادة L313 9 - 2 246و التي تستهدف من خالل اإلشارة إلى تاريخ إصدار األمر الكتابي
- 245حسب الفصل 60من قانون 12-79الذي ينص على أنه :تبرأ ساحة مرتكبي المخالفات المشار إليها في الفصل 56بتقديم أمر كتابي صادر
عن رئيسهم اإلداري أو عن كل شخص مؤهل إلصدار هذا األمر.
وفي هذه الحالة تحل مسؤولية الشخص الصادر عنه األمر مال مسؤولية الشخص الذي قام بتنفيذه مع مراعاة أحكام الفصل .59
246
- 925 L'art. 1313-9 déclare que: "Les personnes visées à l'article 1312-1 ne sont pas passibles d'aucune
sanction si elles peuvent exciper d'une ordre écrit de leur supérieur hierarchique ou de la personne légalement
habilitée à donner un tel ordre, dont la responsabilité se substituera dans ce cas à la leur, ou donné
personnellement par le ministre compétent, dès lors que ces autorités ont été düment informées sur l'affaire".
114
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وإلى ظاهرة المصادقة الالحقة على تاريخ ارتكاب المخالفات من قبل أعضاء الحكومة
247
المحصنين بالمادة 52من قانون 62-99وكذا فيما يسمى "بأوامر المحاباة أو المجاملة
.Les ordres de complaisance
فباإلضافة إلى األمر الكتابي من أجل اإلعفاء من المسؤولية ،فقد نصت المادة 10من ظهير
13أبريل 2002المتعلق بتنفيذ القانون 61-99المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف
والمراقبين والمحاسبين العموميين صراحة إعفاء المخالفين من المسؤولية وفق شروط
وإجراءات قانونية معينة ،بحيث أجازت المادة 10إمكانية إعفاء األمرين بالصرف الذين يحكم
عليهم بإرجاع األموال ،أو المحاسبين العموميين الذين ثبت وجود عجز في حسابهم أو المصرح
بمديونيتهم ،وكذا الموظفون أو األعوان المشار إليهم في المادة 7من نفس القانون الذين يتم
إعفاؤهم من المسؤولية بناء على طلبهم في حالة القوة القاهرة ،بشرط أال يكون العمل أدى إلى
اتخاذ مقررات إرجاع األموال أو ثبوت العجز أو التصريح بالمديونية قد عاد على أحدهم
بمنفعة شخصية.248
حسب المادة 13من قانون 61-99المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين
والمحاسبين العموميين ،التي أتاحت فرصة ثانية للمعني باألمر من أجل اإلعفاء من المسؤولية،
فقد أقرت أنه ال يحول رفض الوزير األول أو وزير المالية لطلب اإلعفاء من المسؤولية دون
تقديم طلب إبراء الذمة على وجه اإلحسان ،وما على المعني باألمر سوى إثبات وضعيته المادية
شريطة أن ال يفتعل عسره حسب مدلول المادة 84من قانون 15-97بمثابة مدونة تحصيل
الديون العمومية ،فيحق للمعني باألمر سواء كان أمرا بالصرف أو محاسبا عموميا أو غيرهما
أن يطلب إبراء الذمة على وجه اإلحسان ،إال أن األمر يصعب على المحاسب العمومي حسب
ما جاء في المادة 9من قانون 61-99التي أكدت على أن المحاسبين العموميين ملزمين بإبرام
عقد تأمين بصفة فردية أو جماعية لدى مقاولة التأمين لتغطية المخاطر المالية خالل مدة مزاولة
.- 247محمد براو :الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية ........................ ،م.س ،ص.200 :
- 248المادة 10من قانون ) 61-90المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف والعراقيين والمحاسبين العموميين
115
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
مهامهم على المسؤولية الشخصية والمالية التي يتحملونها ،أما باقي المتدخلين فقد أغفلهم
المشرع المغربي سواء كان ذلك عن قصد أو عبر أحد من هذا االلتزام.
أما فيما يخص الجهة المختصة باتخاذ قرار إبراء الذمة على وجه اإلحسان ،فال قانون -99
62وال قانون 61-99أشار إلى هذه الجهة ،بل نجد هذه اإلشارة في الفصل 24976من قانون
المحاسبة العمومية لسنة 1967الذي أشار إلى اختصاص الوزير األول في اتخاذ القرار
المرسوم يتخذ باقتراح من وزير المالية ،على خالف األمر بالنسبة لطلب اإلعفاء من المسؤولية
الذي يقدم لوزير المالية للبت فيه ويحسم فيه الوزير األول ،كما أن موضوع الطلب ينبغي أن
250
يكون قائما على أسباب مرتبطة بالوضعية العائلية والحالة الصحية المعني باألمر
كالظروف االجتماعية وانعكاساتها ،كما يجب أال تكون المخالفة المالية موضوع مساءلة قد
عادت على المعني باألمر بمنفعة شخصية ،وبدون افتعال ظاهرة العسر.251
واإلعفاء من المسؤولية المالية وإبراء الذمة على وجه اإلحسان تتطلب شروطا جوهرية،
البد من توفرها ،قد أكد عليها المشرع المغربي ،رغبة منه في إضفاء نوع من المصداقية على
هذه الحاالت كاعتماد حسن النية قبل تقرير أي إعفاء أو إبراء .فطلب إبراء الذمة على وجه
اإلحسان ال بد أن يحظى بالموافقة المسبقة للجهاز التقريري ومنها الجماعات الترابية وهيئاتها،
والمؤسسات والمقاوالت العمومية الخاضعة للمراقبة المالية للدولة.252
فاالستعانة برأي وقرار المجالس التداولية في طلب اإلعفاء وإبراء الذمة على وجه اإلحسان
تعتبر وضعية منافية لمبدأ أساسي منصوص عليه في الفصل الثالث من مرسوم 21أبريل
1967المنظم للمحاسبة العمومية ،والذي أكد على استقاللية المحاسبين العموميين عن األمرين
بالصرف في مجال العمليات المالية .كما يثير منح كل من وزير المالية والوزير األول سلطة
إعفاء المحاسبين العموميين أو كل متدخل في تنفيذ الميزانية إشكالية تداخل االختصاصات،
فكان من األفضل واألجدى ترك المجال للسلطة القضائية المالية أن تتخذ قرار المتابعة من
-ينص الفصل 76من المرسوم الملكي رقم 330-660بتاريخ 21أبريل 1967بس نظام عام للمحاسبة العمومية على أنه " :يعلن عن ألإلبراء
من الديون بما فيها األصل والفوائد بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من وزير المالية.
249وتعتبر نسخة من المرسوم بمثابة الورقة المثبتة لتخفيض أو إلغاء المبلغ المتكفل به".
250
- MEDDAH (M): Le comptable public, son statut et sa responsabilité, op.cit, p: 166.
- 251إبراهيم عقاش ،مسؤولية المحاسب العمومي ،مس ،من 254 :
- 252المادة 15من قانون 61-99المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين (الفقرة الثانية).
116
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
عدمه ،253واعتماد كافة الظروف المحيطة بالمعني باألمر من أجل اإلعفاء من المسؤولية.
فالتشريع المقارن قد سار في هذا االتجاه ،بحيث يسند اختصاص البت في طلبات إبراء الذمة
في فرنسا إلى وزير المالية ،بعد استشارة مجلس الدولة الفرنسي كلما تجاوز مبلغ الدين أو
العجز 10ألف فرنك فرنسي .254إال أن قرار إبراء الذمة على وجه اإلحسان ال يعتبر حقا
مكتسبا بقوة القانون بطلب اإلعفاء من المسؤولية بالنسبة لألمرين بالصرف أو المحاسبين
العموميين أو من في حكمهم ،فهذا اإلجراء يمارس من طرف الوزير األول على وجه اإلحسان
255
والعطف وال حق للمعني باألمر المطالبة به قانونا ولذلك ال يسمح لمقدميه الطعن في قرار
رفض طلب إبراء الذمة على وجه اإلحسان ،إال أنه في حاالت كثيرة يلجا مقدم الطلب إلى
افتعال عمره بعد إجباره على أداء ما بذمته من غرامات وديون ،فيقوم بتبديد أمواله التي تشكل
وتحصيلها لفائدة الخزينة ،إال أن 256
ضمانا للخزينة لكي ال تخضع إلجراءات الحجز عليها
المادة 86من قانون 15-97المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية قد وضعت حدا لهذه
األفعال لما عاقبت مفتعل العسر بغرامة من 5ألف درهم إلى 10ألف درهم ،وبعقوبة حبسية
موقوفة التنفيذ من سنة إلى سنتين ،أو بإحدى هاتين العقوبتين ،وفي حالة العود تضاعف الغرامة
نافذة .فأغلب التشريعات المالية 257
ومدة الحبس ،وتكون العقوبة الحبسية في هذه الحالة
المقارنة 258قد اعترفت للسلطات اإلدارية بصالحية اإلعفاء من المسؤولية أو إبراء الذمة على
وجه اإلحسان ،وال بعد التشريع المغربي استثناء كما جاء في قانون 61-99المتعلق بتحديد
مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين وخصوصا المادة 10وما بعدها
من المواد إلى حدود المادة .17
253
- BENNANI (A): "L'agent comptable.................................., op.cit. p:244.
254
- PAUL (M): Les financies de l'Etat………………………………..., op.cit, p:661.
255
- BNNANI (A) : L’gent comtable…………………………….., op.cit, p : 242.
-256المادة 4من قانون 15-97بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية.
- 257المادة 87من قانون 15-97السالف الذكر.
258
(- Loi n°63- 156 du février 1963 surtout l’art -60 X alinéa (Décharge de responsabilité et l’art. 60 IX, 2 alinéa
remise gracieuse) portant la loi de finance francaise.
117
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
يتضح من خالل دراسة اإلطار القانوني والمؤسساتي للمحاكم المالية تعدد األجهزة والهيئات
في البناء التنظيمي لهذه المؤسسات الرقابية ،أما البناء التنظيمي فيعني تحديد وضبط مجاالت
اختصاص المحاكم المالية والتي يمكن إدراج مجملها في اإلختصاصات الغير القضائية وأخرى
قضائية وثم التركيز على مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب.
باعتبار أن االختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،قد ارتبط بمسؤولية
اآلمرين بالصرف من أجل تحسين التدبير العمومي وتحقيق نوع من التوازن في نظام
المسؤولية أمام المحاكم المالية ،إذ يمكن لهذا االختصاص أن يشمل جميع المدبرين العموميين
لألجهزة العمومية سواء ما يتعلق بنظام المحاسبة العمومية أو ما يتعلق بمسك المحاسبة في
المعامالت التجارية والصناعية التي تطبق قواعد القانون الخاص ،كما هو الشأن بالنسبة
لمسؤولي ومستخدمي الشركات والمقاوالت العمومية.
فبالرغم من تعدد المسؤوليات الملقاة على عاتق اآلمرين بالصرف سواء كانت مدنية أو
سياسية أو تأديبية أو جنائية إال أن هذا االختصاص قد استثنى فئة من اآلمرين بالصرف بنص
القانون وهو ما جاء في المادة في 4من القانون 61.99المتعلق بمسؤولية اآلمرين بالصرف
والمراقبين والمحاسبين العموميين ،عندما يمارسون وظائفهم بهذه الصفة ،والذين يتولون مهاما
تقريرية داخل األجهزة العمومية المعنية.
118
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وبالنظر إلى المخالفات المستوجبة للمسؤولية التأديبية فهي تتسم بالشمولية ،فإذا كان البت
في والتدقيق يهيمن عليها طابع رقابي فإن وظيفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،
ال تهدف في الواقع االمر إلى معاقبة إلى معاقبة كل االختالالت التي تتسم بها التدبير العمومي،
بل للردع العام بما يحقق مراقبة ذاتية للمسؤول الخاضع لهذا االختصاص.
119
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
انطالقا من ذلك ،فإن المحاكم المالية تمارس اختصاصا قضائيا من نوع آخر ،ويتعلق
االمر باختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،حيث اعتبرت محكمة التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،تبت في اتهامات التي تخص المجال الجنائي ،وهذا ما
حددته المادة 6من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان ،التي تلزم هذه المحكمة لمبدأ علنية
الجلسات ويتعلق األمر باآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين ،وكل موظف أو
عون تابع لهم بأحد األجهزة الخاضعة للرقابة المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية
للحسابات في هذا المجال ،ترتكب بمخالفات في مجال تنفيذ المداخيل والنفقات لهذه األجهزة
المنصوص عليها في المواد 56 55 54من مدونة المحاكم المالية .
وتشمل مسطرة التأديب المالي ،بصفة عامة ،جميع المتدخلين في مجال التدبير العمومي،
وذلك من خالل تفعيل مبدأ المساواة أمام المسؤولية ،وضمان العدالة في الخضوع للقاعدة
القانونية،
بالرغم من أن هذا االختصاص يبدو منذ أول وهلة شامال ،إال أن هناك مجموعة من
االستثناءات تستثني بعض المسؤولين من هذا االختصاص ،ويتعلق األمر بأعضاء الحكومة
120
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس المستشارين عندما يمارسون امامهم بهذه الصفة
(المبحث األول)،
ومن البديهي ،وفقا لذلك ،أن المساطر المتبعة في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية تعتبر دعوى اتهامية تميل الى خصائص المسطرة الجنائية ،كما تمتد هذه الثنائية الى
مجال العقوبات التي يصدرها القاضي المالي ،التي وإن كانت تصنف كلها ضمن العقوبات
المالية ،فإنها تهدف بشكل عام إلى ضمان احترام القواعد القانونية المؤطرة للتدبير العمومي،
إن هذه الدراسة تشكل مناسبة للوقوف على النتائج العملية التي حققتها المحاكم المالية في
هذه الفترة االخيرة من حياتها في حلتها الجديدة أي منذ 2003سنه بداية اشتغالها ،والمجالس
الجهوية اعتبارا من سنة ،2004وبالتالي مالمسات العراقيل واالكراهات التي تعوق سير
المح اكم المالية والوقوف على مكامن القصور التي يعرفها عمل هذه األجهزة ،سواء الجوانب
المرتبطة بالبنية التنظيمية والقانونية او ما يتعلق بالجوانب العملية ،ومن تم االطالع على
مختلف اإلصالحات التي يجب القيام بها في هذا المجال ومحاولة تجاوز هذه اإلكراهات
وبالتالي تحس ين وظيفتها الرقابية وتأهيلها ألداء دورها التنموي(المبحث الثاني). .
المبحث األول :مجال االستثناء في مادة التأديب المالي والمخالفات المحركة لهذه
المسطرة
انطالقا من اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،بحيث قد يشمل هذا
االختصاص كل مسؤول بأحد األجهزة الخاضعة للرقابة المحاكم المالية اي كل موظف او
عون تابع لهم ويشغل منصب المسؤولية وتكمن أهمية هذه الفئة من األشخاص في مضمونها
الواسع ويهدف من جهة إلى تفادي حالة ثبوت مخالفة مرتكبة من طرف أشخاص أسند لهم
مؤقتا إنجاز مهام لفائدة الجهاز العمومي المعني ومن جهة أخرى ،يتالءم هذا المقتضى مع
طبيعة األجهزة التي تتخذ شكل مؤسسات او شركات او مقاوالت عموميه التي ال تطبق
بالضرورة في إطار تنظيمها المالي والمحاسبي قواعد المحاسبة العمومية وقانون الوظيفة
العمومية ويتيح الختصاص التأديب المالي بالتبعية ،ومواكبة التغيرات التي يخضع لها مجال
التدبير العمومي في الوقت والتي يمكن اجمالها في توجيه عام نحو التقارب بين القطاع العام
121
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
والقطاع الخاص من حيث طبيعة القواعد القانونية التي يجب تطبيقها .وتراجع نطاق السلطة
العامة والقانون العام في تدبير الشؤون المالية لألجهزة العمومية.259
تشمل مسطرة تأديب المالي بصفة عامة جميع المتدخلين في مجال التدبير العمومي وذلك
استنادا الى تفعيل مبدا المساواة امام المسؤولية وضمان خضوع للقاعدة القانونية لكن بالرغم
من اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بيده ومنذ أول مره انه يبدو شامال
إال أنه ترد عنه استثناءات تستثني بعض المسؤولين من هذا االختصاص الحكومة واعضاء
مجلس النواب واعضاء مجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة تطبيقا
لمقتضيات المادة الرابعة من القانون 99 .61المتعلق بالمسؤولية اآلمرين في الصرف
والمراقبين والمحاسبين العمومين،
اال ان المشرع المغربي اعتمد في مدونة المحاكم المالية عند تحديد االشخاص الخاضعين
الختصاص التأديب المالي على استثناء فئة من نطاق المتابعة القاضي المالي (المطلب األول)،
ويشكل هذا االمر مستجدا مقارنة بالقانون 12 .79المنسوخ ،والذي اعتمد فيه المشرع
الصياغة ا لعامة في تحديد االشخاص الخاضعين ،التي كانت مصدر تساؤل حول مدى شمول
هذه الخاصية في إثارة المسؤولية المدبرين العموميين (المطلب الثاني) .
- 259إبراهيم بن به ،نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي ،دراسة قانونية وقضائية مقارنة ،طوب بريس-الرباط ،الطبعة األولى
.2017
122
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الفقرة األولى :استثناء الوزراء واعضاء البرلمان من نطاق المساءلة امام القاضي
المالي ومبرراته
ان استثناء الوزراء وأعضاء البرلمان من نطاق المساءلة أمام المحاكم المالية في مجال
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية لم يأتي عن فراغ (اوال) وذلك راجع لمجموعة من
االسباب والمبررات القانونية والسياسية باألساس (ثانيا) .
استنادا لمقتضيات المادة 52من مدونة المحاكم المالية والمادة الرابعة في فقرتها األخيرة
من القانون 99 61المتعلق اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين ،ال يخضع
لالختصاص القضائي للمحاكم المالية في ميدان التأديب المالي أعضاء الحكومة وأعضاء
مجلس النواب وأعضاء مجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة .
انطالقا من هاتين المادتين يتبين أن المشرع لم يشمل نطاق االستثناء للمسؤولين الذين
ارتكبوا مخالفات موضوع قرارات اتخذوها بناء على تفويض التوقيع الصادر عن الوزير
ونستشهد في هذه النقطة قضية تتعلق بكاتب عملي وزاره تقدم دفاع هذا األخير بدفع اعتبر فيه
أن مصادقته على الصفقات المعنية بالمخالفة بناء على تفويض من الوزير الذي ال يخضع لهذا
االختصاص وبالتبعية يسري هذا االستثناء على المفوض اليه .260
وكذا ،ويعد التذكير المجلس بكون المتابع يعتبر أمرا بالصرف منتدبا ،وان االمرين بصرف
يعتبرون مسؤولين بصفة شخصية طبقا للقوانين واألنظمة المعمول بها عن القرارات التي
اتخذوها من تاريخ استالمهم لمهامهم إلى تاريخ انقطاعهم عنها ،اعتبر المجلس ان االستثناء
الوارد في المادة 52من مدونة المحاكم المالية … ،يخص الصفة وال يخص الشخص بداللة
عبارة عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة
وعليه ،فإن تعيين الوزير أمر للصرف منتدبا (تفويض التوقيع للكاتب العام) ال يستثنى هذا
األخير من المسؤولية امام المحاكم المالية في مادة التأديب المالي ،261حيث ال يعفى قرار
- 260قرار عدد 2012/42/ت.ش.م بتاريخ 27يونيو 2012في القضية عدد 2010/111ت.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لوزارة قرارات
صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مادة التأديب المالي ،2017ص .104
- 261المادة 54من القانون 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
123
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الوزير بتفويض اإلمضاء من المسؤولية امام المحاكم المالية في ميدان التأديب المالي اذ يتعين
عليه ان يعمل بهذا القرار وتنفيذ العمليات والمهام المفروضة اليه وفقا للضوابط القانونية
الجاري بها العمل .
تجدر االشارة الى انه ،وفي إطار المسؤوليات التي يتحملها الوزير في النظام القانوني
المغربي ،كان قد صدر القانون التنظيمي تختص المحكمة ،طبقا ألحكام الفصلين 88و 89من
الدستور (يقصد الدستور المملكة المراجع لسنة) 1996في محاكمة أعضاء الحكومة عما
يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم .
وإذا كان إحداث هذه المحكمة قد شكل تاريخيا موضوع طلبه تفعيل المقتضيات الدستورية
1996 1972فقد ألغاها دستور المملكة لسنة 2011بعد سنتين فقط من انشائها دون ان تمارس
اي اختصاص يذكر .وتبعا لذلك ،أصبح الوزراء مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة طبقا
لمقتضيات الفصل 94من الدستور الذي ينص على أن أعضاء الحكومة مسؤول جنائيا أمام
محاكم المملكة ،عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم .ويحدد القانون
المسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية .
وبالتالي ،لم يغير هذا المقتضى من جوهر المبدأ على اعتبار أنه ظل يتعلق بكيفية إثارة
مسؤولية الوزراء في المادة الجنائية من حيث المسطرة وأهلية المحكمة المختصة للبث في
األفعال المرتكبة كذلك المحاكم المالية لم تخضع المادة 52من القانون المتعلق بها ألي تغيير
في القانون 55 16الذي عدل بعض المواد هذه المدونة قصد مالءمتها مع مقتضيات دستور
. 2011
لكن إخضاع الوزراء للمساءلة الجنائية أمام محاكم المملكة قد يعبر عن اتجاه المشرع
الدستوري نحو االقتصار في نطاق المسؤوليات الوزراء في إطار المخالفات الخطيرة التي قد
يرتكبونها في مجال التدبير المالي العمومي أو بشكل خاص في حالة ارتكابهم لجرائم االعتداء
عن األموال العمومية .
وينسجم هذا التحليل مع طبيعة المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة التأديب المالي،
التي وإن كانت عناصرها المادية تتقاطع مع هذه الجرائم ،فان شروط إثباتها ال تستلزم توافر
124
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
عنصر الخطورة فيها وستهدف صفة مرتكب المخالفة أكثر من شخص في حد ذاته .وبالتالي
وفي حالة سوء نية الحصول على منافع شخصية او بصف عامة في حاله توفر ظروف تشديد
في مالمسه ارتكابها فإن هذه العوامل قد تشكل الركن المعنوي لجرائم االعتداء على األموال
العمومية .
لذلك ،ولئن اعتبر المشرع ضمنيا المسؤولية أمام القاضي المالي في مجال التأديب المالي
أقل خطورة من المسؤولية الجنائية األمر الذي يعتبر طبيعيا بالنظر الى اركان ثبوت الجرائم
والعقوبات التي قد يرتكبها الوزراء والمتسمة بخطورة كبيرة ،تخضع لمساءلة القاضي
الجنائي ،وفقا للفصل 4من الدستور المملكة .
اما على الصعيد القانون المقارن ،يالحظ ان بعض األنظمة المسؤولة ،التي اقتبست النموذج
الفرنسي في إحداث محاكم الحسابات ،كما هو الشأن في البرتغال وايطاليا ،عرفت تطورات
تشريعية افضت الى اخضاع الوزراء الختصاص محكمة الحسابات ،في حين ظل المشرع
الفرنسي وفيا لقانون 1948الذي يستثنى الوزراء من مسؤولية أمام القاضي المالي الفرنسي،
بمناسبة ممارستهم لمهامهم او المهام االخرى التي تعتبر تكملة لالختصاصات الرئيسية ،ولم
ينص سواء في صيغته األصلية أو في تعديالت الالحقة صراحة على عدم خضوع البرلمانيين
الختصاص هذه المحكمة .262
يجد استثناء الوزراء وأعضاء البرلمان ،وبصفه عامه السلطة السياسية من مجال
االختصاص التأديب المالي ،أساسه في المبدأ القانوني الذي يقضي باستفادة كل ممارسة لمهمة
تمثيلية من الحماية القانونية في مجال إثارة المسؤولية الشخصية بسبب ممارسته لمهامه بهذه
الصفة ،اعتبارا لكون هذه المسؤولية سياسية حيث تعتبر "الحرية التي يجب توفرها لممارسة
السياسة الوطنية()...جزء ال يتجزأ من هذه السيادة"
ويعكس هذا االستثناء أولوية السياسية وفقا للدور التقليدي للهيئات المنتخبة والتقريرية الذي
يخلط بين والمراقبة والمسؤولية السياسية أمامها ،فقد ال يتقاسم الناخبون مع المحكمة "تقييم
ويسفر عن هذا االستثناء نظامين مستقلين للمسؤولية في إطار التدبير العمومي نظام الوزراء
باعتباره آمرين بالصرف بحكم القانون الذين يخضعون في ممارستهم لمهامهم للمسؤوليات قد
تكون مدنية او تأديبية أو جنائية ،باإلضافة الى العقوبات التي يمكن ان يحكم عليها القاضي
المالي كما أشرنا سابقا .
هكذا ،تركز هذه المبررات على االختالف في الطبيعة المهام بين الوزراء واآلمرين بصرف
الموظفين من خالل التمييز حاله الحاكمين عن حاله األعوان المسيري .
وبالتالي ،تبرر حصانه الوزراء بوضعيتهم الخاصة ،263إذ يتوفر كل مكلف بمهمة سياسية
على هامش من السلطة التقديرية ،ويكون في بعض االحيان مضطرا لتبرير أعماله باالستناد
الى مفهوم المصلحة العليا للدولة ،كما أن اآلثار العملية المترتبة عن التمييز بين الوزراء
والمدبرين تبقى محدودة ألن الوزراء نادرا ما يرتكبون مخالفات بشكل مباشر.
في ذات االتجاه ،يضيف الفقه معطيات اخرى لتبرير هذا االستثناء ،فالوزير مؤهل لتفعيل
النظام العقابي الختصاص التأديب المالي باعتباره من السلطات المؤهلة لرفع القضايا في هذا
المجال ،وبالتالي ،يبدو نظام التأديب المالي كآلية لإلدارات العمومية أكثر منه آلية لضبط العمل
السياسي.
ومع ذلك ،فهناك من االجتهادات القضائية التي تربط بين المسؤولية السياسية والتدبيرية،
إذ بالرغم من االختالفات بين هذين النظامين في المسؤولية ،فإن المسؤولية التدبيرية تعاقب
على اإلختيارات ،وبصفة عامة تدبير الشؤون العامة من طرف السلطات السياسية ،األمر الذي
يثير العالقة الجدلية بين المراقبة المطابقة وحسن األداء في مجال التدبير العمومي.
- 263في بعض التشريعات المقارنة التي اقتبست النموذج الفرنسي في إحداث المحاكم الحسابات ،كالبرتغال وإيطاليا عرفت بعض التطورات
تشريعية تفضي إلى إخضاع الوزراء الختصاص محكمة الحسابات.
126
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
تجدر اإلشارة ،إلى أن المجلس الدستوري الفرنسي لم يعتبر هذا اإلستثناء مخالفا
للدستور ،وذلك في إطار رده على الدفع بهد الدستورية بعض مقتضيات المادة 321L– 1
من مدونة المحاكم المالية الفرنسية لكونها تتعارض مع مبدأ المساواة ،إذ قضى بكون هذا
التمييز يجد مبرره في كون األشخاص المستفيدين من االستثناء يوجدون في وضعية مختلفة
عن تلك التي يوجد فيهل األشخاص الخاضعون للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،
ما دام أن أ عضاء الحكومة مسؤولين أمام البرلمان وأن المنتخبين الترابيين يخضعون لمساءلة
الهيئات التداولية.
تكتسي وظيفة رؤساء الجماعات الترابية طابعا تمثيليا لكونهم يتولون هذه الوظائف بواسطة
االنتخاب وليس التعيين ،حيث تنتخبهم الساكنة الترابية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بناء
على البرنامج انتخابي ،وبع يتم مساءلتهم من طرف الهيئات التداولية للجماعات الترابية المعنية
وأمام الرأي العام المحلي.
في هذا اإلطار ،يتميز التشريع المغربي عن نظيره الفرنسي بإخضاع رؤساء الجماعات
الترابية وعمداء المدن .الختصاص المجالس الجهوية للحسابات في مادة التأديب المالي ،ففي
الوقت التي أسندت فيه الوالية الشاملة للقاضي المالي المغربي على مستوى المجالس الجهوية
للحسابات ،في مجال التأديب المالي ،على المدبرين العموميين بدون استثناء ،ال يمكن مساءلة
المنتخبين المحليين أمام القضاء المالي الفرنسي إال في حالة محدودة.264
أما في فرنسا ،فقد شكل عدم خضوع المنتخبين المحليين لمحكمة التأديب المالي موضوع
نقاش منذ إحداثها ،إذ ال يتطابق مع مستلزمات دولة القانون أال يخضع العمداء ورؤساء المجاس
الجهوية ورؤساء نقابات الجماعات الختصاص محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية ،كم ا هو الشأن بالنسبة لرؤساء الجامعات ومدراء المستشفيات أو مدير بغدارة
مركزية."...
-إصدار األوامر بالتسخير ترتب عنها منح منفعة غير مبررة للغير ألحقت ضررا بالخزينة
أو بمالية الجهاز المعني
رغا م أن عدم خضوع المسؤولين السياسيين الختصاص التأديب المالي ال يثير أي اهتماما
كبيرا ،فإن أهمية هطا العنصر تتحلى في مناقشة اآلثار المترتبة عنه ،ال سيما من خالل ربط
هذا المقتضى بسبب آخر لعدم المسؤولية والمتعلق باألمر الكتابي ،نظرا لما قد ينتج عن هطا
- 265تنص المادة 52من القانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية على أنه ال يخضع لالختصاص القضائي للمجلس في ميدان التأديب
المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة.
- 266نفس المقتضى جاءت به المادة الرابعة في فقرتها األخيرة من القانون 61.99المتعلق بمسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين
العموميين.
- 267بداه مريم ،مرجع سابق ،ص.47
128
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الربط من عدم خضوع عدد كبير من األشخاص الخاضعين والمخالفات المستوجبة للمسؤولية
فعليا ،مما قد يؤثر بشكل سلبي على فعالية هذا النظام في المسؤولية ونطاقه الفعلي.
فربط عدم المسؤولية بالنسبة للسياسيين واآلثار المترتبة عن األوامر الكتابية ،يؤدي إلى
الحد من نطاق الحاالت الخاضعة للتأديب المالي ،التي يكون فيهل المدبرون العموميون الذين
يخضعون لهذا االختصاص طبقا للقانون أطرافا رئيسية ،وتنطوي هذه اآلثار على عدم المساواة
ما بين الخاضعين المستفيدين من األوامر الكتابية الصادرة عن اآلمرين بالصرف السياسيين
واألشخاص اآلخرين الخاضعين.
لذلك ،وإذا كان من الواضح أن أغلب المخالفات التي قد ترتكب في التدبير العمومي تضفي
على المسؤولية طابعا إداريا وليس سياسيا ،فإنه من النادر أن يتخذ الوزير قرارا غير قانوني
بشكل مباشر ،ممل يعني أن هذا النقاش المرتبط بمسؤولية أن يستهدف باألساس تجاوز الفراغ
القان وني في المسؤولية الذي قد يترتب عن إصدار الوزير األوامر الكتابية لمرؤوسيه قصد
ارتكاب مخالفات ستبقى بدون عقاب.
أما في فرنسا ،فقد شكل خضوع كل من الوزراء والمنتخبين المحليين موضوع نقاش منظم
في جميع اإلصالحات التي خضع لها القانون 1948في فرنسا ،خاصة منذ الستينيات من القرن
الماضي ،حيث يعتبر بعض الفقهاء أنه وبالرغم من كون" مستجد ( 1948يعتبر) مهما من
حيث المبادئ ،فقد ظلت أهمية المحكمة محدودة ،إذ أن االستثناءات كانت واسعة ،فال الوزراء
اآلمرين بالصرف الرئيسيين من الحصانة ،األمر الذي ال يمكن معه اعتبار إمكانية معاقبة
الموظفين العاملين تحت سلطتهم بديال عن هذا االستثناء".
فمبرر اعتبارات المصلحة العليا للدولة لم يعد يكتسي شرعية كبيرة ،فضال عن كون القول
بان الوزراء يخضعون ألنظمة خاصة في المسؤولية (السياسية والجنائية) يبقى غير ذي فعالية،
بالنظر إلى حصيلة تفعيل هذه المسؤوليات التي تبقى ضعيفة ،إن لم تكن منعدمة.
وبالمقابل ،هناك اتجاهات تعتبر أن إخضاع الوزراء للمسؤولية أمام القاضي المالي قد تكون
له فائدة حقيقية ،على اعتبار أن ذلك يشكل وسيلة لتجاوز النقائص المرتبطة بمحدودية
المسؤولية السياسية واإلدارية ،ومن شأن قيام هذا النظام ،عقلنة اللجوء إلى القاضي الجنائي
129
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الذي ينطوي على مخاطر تجريم الحياة العامة ،االمر الذي ال يتالءم مع اإلطار وطبيعة المهام
التي قد تثير مسؤولية هؤالء.
كذلك ،يحد من مبرر أولوية المسؤولية السياسية ان العقوبات السياسية األكثر خطورة ،تعتبر
في الممارسة العملية نتيجة لمساطر غير سياسية تضاف إلى األنواع األخرى وتصبح العقوبة
السياسية عقوبة تكميلية لها ،وفقا لذلك ،قد يشكل عدم االمتداد اختصاص القاضي المالي إلى
الوزراء في محال الـتأديب المالي تعزيزا لمسؤوليتهم السياسية.
وبالرغم من كون استثناء الوزراء يجد مبرره في ندرة الحاالت التي يرتكبون فيها المخالفات
للجوئهم المتنظم إلى تفويض اختصاصاتهم اإلدارية والمالية ،أو لطابعها البسيط ،وكذا كون
الوزير يعتبر من السلطات المؤهلة لرفع القضايا أمام المجلس في ماجة التأديب المالي ،إال انه
إذا أدلى مرتكب إحدى المخالفات المستوجبة للتأديب المالي بأمر كتابي صادر عن رئيسه
التسلسلي ،تعتبر من االنتقادات الشديدة التي توجه لهذا االستثناء نظرا ألثاره القانونية على
نطاق المساءلة.268
أما على مستوى مدونة المحاكم المالية ،فإن مفهوم المخالفة المالية يرتبط باالختصاصات
القضائية الموكلة الى المحاكم المالية ،ويقصد بها األفعال التي تشكل خرقا لألحكام التشريعية
او التنظيمية المتعلقة سواء بتنفيذ عملية اإليرادات أو النفقات أو بالتسيير األموال العمومية
والوسائل المادية وممتلكات األجهزة العمومية .
وتبعا لتنوع القواعد القانونية المنظمة لنشاط مختلف هذه األجهزة الخاضعة ،فان مجال
المساءلة في مادة التأديب المالي ال ينحصر في عدم احترام قواعد تنفيذ النفقات والموارد
العمومية وتدبير الممتلكات االجهزة العمومية ،وبصفة عامة قواعد المحاسبة العمومية ،بل
يمتد إلى األفعال المرتكبة من طرف األشخاص الخاضعين االختصاص التأديب المالي في
إطار ممارسة مهامهم الوظيفية داخل األجهزة الخاضعة بغض النظر عن الشكل الجهاز
وطبيعته التجارية والصناعة ،مادام أن هذه االفعال تخالف قواعد التسيير المالي لهذه
االجهزة ،269وعليه يتعلق مفهوم هذه القواعد بتلك المطبقة على الجهاز المعني الخاضع
الختصاص التأديب المالي بصرف النظر عن طبيعة الجهاز او االنظمة المطبقة عليه .
وال إن كان المشرع المغربي في إطار مدونة المحاكم المالية قد احتفظ بأسلوب الالئحة في
تحديد هذه المخالفات مقارنة بالقانون 12 79المنسوخ ،270فقد ترجع عن العبارات العامة في
يمارس المجلس األعلى للحسابات الرقابة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في المواد 69 66من القانون 99.62المتعلق
بمدونة المحاكم المالية على كل آمر بالصرف أو آمر بالصرف المساعد بالصرف أو مسؤول
وكذا كل موظف او عون يعمل تحت سلطاتهم ولحسابهم اذا ارتكبوا احدى المخالفات التي تم
تحديدها وضبطها بشكل دقيق تسهيال على القاضي حتى ال ياتيه في البحث والتصنيف طبقا
ألحكام المادة 54من القانون على الشكل التالي:
-مخالفات قواعد االلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واألمر بصرف :271أداء النفقات
دون االلتزام المسبق اإلخفاء الذي من شانه ان يؤدي الى خطأ في التنزيل المالي ،االلتزام
بالنفقات بدون أهلية أو دون توفر االعتمادات ،االلتزام بتجاوز االعتمادات حصول الشخص
لنفسه و لغيره على منفعة مبررة نقدية أو عينية ،اإلفراط في تقديرات أشغال البناء عدم تطبيق
الرسوم حول استغالل المقالع والذبح… إلخ أداء نفقات غير مبررة (الكراء ،الهاتف ،صيانة
السيارات… إلخ.272
وفي حالة تنفيذ صفقة عمومية يعتبر االحتساب الصحيح من قواعد صحة تصفية النفقات
العمومية ،على اعتبار أن بنودها حددت باإلضافة إلى أجل التنفيذ المتعاقد بشأنه ،الجزاءات
التي قد يتخذها صاحب المشروع في حالة تأخر المقاوالت المتعاقد معها في تنفيذ التزاماتها
التعاقدية برسم هذه الصفقة ،السيما تطبيق غرامة التأخير.273
-عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية :ال يكفي أن تكون مشاريع
الصفقات العمومية مطابقة للنصوص التنظيمية بل يتعين ان ينسحب احترام تلك النصوص
على جميع في إبرام وتنفيذ ومراقبة الصفقات العمومية احترام قواعد المنافسة.
- 271أحميدوش مدني ،الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،المجلة المغربية للمالية العمومية ،مرجع سابق ،ص
.25
- 272أحمد حاسون ،مرجع سابق ،ص .299
- 273القراران عدد 023و 2017/024ت.م ش.م ،القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية خالل سنة ،2017
شتنبر ،2017
132
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
ومن محاور األساسية التي ينبغي ان تحترم فيها النصوص التنظيمية يمكن أن نذكر ما يلي:
احترام قواعد المنافسة في اختيار المتعهدين ،اخبار المتنافسين وضمان شفافية تسيير
الصفقات العمومية ،ضمان حقوق المنافسين ،أثمان الصفقات وقواعد مراجعتها تتبع ومراقبة
تسيير الصفقات العمومية أفضلية المقاولة الوطنية.
هذا وتشمل النصوص التنظيمية عالوة على المرسوم األساسي ،االنظمة الخاصة بالصفقات
مؤسسات المقاوالت العمومية وكذا كافة النصوص والتعليمات والمذكرات التفسيرية أو
التكميلية.
كما تشمل النصوص المتعلقة بسندات الطلب ،وتعتبر تعليمات الوزير األول الصادرة في 6
يونيو 1965سارية المفعول فيما يتعلق بالجوانب الغير المتعارضة مع النصوص الالحقة .
كما أن األمر يشمل أيضا المقتضيات اإلدارية العامة والخاصة… ،فضال عن بنود
الصفقات نفسها ،ويندرج في هذا المدلول فتاوى األمانة العامة للحكومة المستندة الى اراء
اللجنة الوطنية للصفقات.274
والجدير بالذكر ،يمتد نطاق مبدأ الشرعية المخالفة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية إلى التدابير االحتياطية التي يجب أن يتخذ كل مدبر عمومي بما يفيد ببدله
العناية المهنية الكافية ،وفقا لقرار المجلس األعلى عدد ( 594محكمة النقض) حاليا الذي اعتبر
أن مجال التأديب باإلضافة الى القوانين واألنظمة ،لما يعتبر من المسلمات البديهية التي ال
تحتاج الى تنظيم أو تعقيد.275
مخالفات القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها :وذلك عبر
االشهاد على الكشوفات الحساب التفصيلية بشكل ال يعكس حقيقة التنفيذ وعلى سندات التسليم
بما يفيد من مطابقة الخصائص والكميات المتعاقد بشأنها رغم عدم وجود عالقة تعاقدية في
- 274محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين -على ضوء
مدونة المحاكم المالية وقضاء المجلس األعلى للحسابات وقضاء محكمة النقض( ،دليل عملي فائدة المهنيين والباحثين) ،مكتبة دار السالم ،الرباط،
،2017ص .23
- 275قرار عدد 2018//08ت.م.ش.م 2الصادر بتاريخ 21يونيو 2018يتعلق بالنائب اإلقليمي للتربية والتكوين بسال ،قرارات صادرة عن
غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أبريل ،2019ص.187
133
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
األصل أو عالقة تعاقدية لم تصبح بعد نهائيا في تاريخ التسليم ،مخالفات لقواعد تصفية النفقات
العمومية والنصوص التنظيمية للصفقات العمومية وتشكل ادالء للمجلس بوثائق غير صحيحة.
نفس االمر يتعلق بتوقيع كشوف الحسابات التفصيلية واصدار األمر بأداء مبلغها رغم عدم
تسلم الكميات المتعاقد بشأنها اال الحقا ،او من اجل تخصيص قيمة توريدات غير المسلمة برسم
الصفقة لتسوية ديون تتعلق بتوريدات سابقة لم تكن ابدا موضوع التعاقد .
-مخالفات النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان :ال
تنحصر المخالفات للنصوص التشريعية والتنظيمية فقط في المدبرين العموميين المتمثل في
كل من اآلمر بالصرف أو المشرف على الجهاز المني ،بل غالبا ما ترتكب هذه المخالفات من
طرف موظفين وأعوان يتولون التدبير اليومي والمباشر للتنفيذ ،باعتبارهم مسؤولي الدرجة
الثانية ،بحيث انه من النصوص األساسية التي ينبغي مراعاتها نجد ،الظهير المتعلق بالنصوص
العمومية والمرسوم المتعلق باألعوان المؤسسات العمومية وايضا المتعلق بالنظام األساسي
لموظفي الجماعات المحلية… إلخ .
مخالفات قواعد التدبير وممتلكات األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس :قد وردت هذه
المخالفة بالصيغة عامة وشاملة في المادة 54من القانون ،99 62بحيث لم تحدد نوعية
المخالفات الموجبة للمسؤولية في هذا المجال ،مما يفيد بأن األمر يتعلق باحترام قواعد قانونية
التي تخضع لها ممتلكات األجهزة الخاضعة لسيطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية ،ويمكن إجمال هذه المخالفات في مخالفة البنود االتفاقية المبرمة مع منعش عقاري ،او
االخالل الممارسة الجيدة في تدبير الممتلكات العمومية (كعدم القيام باإلجراءات الالزمة لتتبع
معدات تمت إعارتها ،اهمال او تقصير في المحافظة على ممتلكات الجهاز العمومي…) .
-التقييد الغير القانوني لنفقة بهدف تمكن من تجاوز االعتمادات :بحيث يتعين على األمر
بالصرف واعوانه ان يراعوا صحة تقييد النفقة في الباب الذي يتعلق بها ،وذلك حفاظا على
الصورة االمنية للميزانية كما تم المصادقة عليها من قبل الهيئات التداولية ،فهذه المخالفة قد
تتع لق بمخالفة بتثبيت نية يتجاوز االعتمادات ،فقد يلجأ اآلمر بالصرف مع سبق االصرار الى
134
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
االلتزام بالنفقة تتعلق باعتماد المستنفذ ولكي يجري التحايل على المراقبة االدارية يتم تقييد
النفقة بشكل غير قانوني في باب آخر لم يجر استنفاذه بعد.276
-وأخيرا هناك مخالفة اخفاء المستندات او االدالء الى المحاكم المالية بأوراق مزورة او
غير صحيحة :وقد تؤدي هذه المخالفة الى فتح مسطرة المتابعة الجنائية في حق المعني باألمر
هذا فضال عن المتابعة امام المحاكم المالية
أما من حيث موضوع المنازعة القضائية أمام المحاكم المالية في مادة التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية ،تجدر اإلشارة إلى أنه يمكن التمييز ،في إطار المخالفات المستوجبة
للمسؤولية ،بين المخالفات الشكلية ذات الطابع العام ومخالفات النتيجة التي تتسم بخطورة أكبر،
والتب تنقسم حسب إرادة مرتكبيها إلى مخالفات عمدية وأخرى غير عمدية .كما تستوجب هذ
المخالفات ،فضال عن حاالت خرق القواعد القانونية ،تلك المرتبطة بمنح امتيازات غير مبررة،
والتي تمنح لألخالق والقيم التي يجب أن تسود في الحياة العامة أهمية كبيرة .أما بالنسبة للنسبة
هذه المخالفات فسيتم عرضها وفق الجدول التالي:277
- 276محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين ،مرجع
سابق ،ص .27
- 277التقرير المجلس األعلى للحسابات ،برسم سنتي .2020-2019
135
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
-الحاق ضرر بجهاز عمومي يتحملون داخلهم مسؤوليات ،ذلك بسبب اإلخالل الخطير
في المراقبة التي هم ملزمون بها او من خالل االغفال أو التقصير المتكرر في القيام بمهامهم
االشرافية:
تصنف هذه المخالفة ضمن مخالفات اإلهمال والتقصير التي يتوجب القيام بها اثبات الخطأ
الغير من عندي وهي ايضا من مخالفات النتيجة ،يتعين أن يترتب عن هذا التقصير واإلهمال
ضرر مع إثبات العالقة السببية بينهما ،وبالتالي تجمع هذه المخالفة بين قواعد العامة المسؤولية
المدنية التقصيرية التي تقوم على مبادئ الضرر والخطأ والرابطة السببية بين الخطأ والضرر،
وقواعد المسؤولية اإلدارية لموظفي وأعوان الدولة ،التي تستوجب أن يكون الخطأ جسما حتى
يكون شخصيا.
لإلشارة ،فاألشخاص الممكن مسألتهم برسم هذه المخالفة تنحصر في المسيرين والمدبرين
الذين يتحملون داخل األجهزة الخاضعة المسؤوليات ،أي فقط األفعال التي يرتكبها المشرفون
على هذه األجهزة والذين يتولون مسؤوليات التوجيه واالشراف ،بعبارة اخرى األطر المالية
العليا في الجهاز المعني وبالتالي ،ال يشمل مجال المخالفة الموظفين واألعوان والمستخدمين
136
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الذين يمارسون مهاما تنفيذية ،وكذا المسؤولين الذين يتولون وظائف ذات الصلة بالجهاز
المعني لكن من خارجه ،كما هو الشأن بالنسبة ألجهزة الرقابة أو السلطات الوصاية.
ومن اجل متابعة بمخالفة االهمال او التقصير يجب أن يتسما بدرجة معينة من الخطورة
سواء من حيث األفعال المكونة لركنها المادي أو من خالل اشتراط حصول نتيجة بسبب األفعال
المرتكبة تتجلى في تقبل الجهاز المعني لخسارة ،وبالتالي تشكل استثناء من القاعدة المكرسة
في مجال التأديب المالي التي ال تشترط ابتسام الفعل موضوع المخالفة بدرجة معينة من
الخطورة لقيامها.
ويجد شرط الخطأ الجسيم مبرره في أن من المسلم به أن كل مسير ،الذي ال يعتبر شخصا
ذاتيا بالمعنى التقليدي ،بل مسؤوال في جهاز عمومي يؤدي وظيفة عامة ،مهما بلغ من الكفاءة
والخبرة والتحلي بصفات الحيطة والحذر إال ووقع في أخطاء تدبيرية ،ومن ثمة وجب وضع
معيار لتجاوز األخطاء البسيطة.
ولعل من بين القرارات المتعلقة بأخطاء اإلهمال ما يتعلق بجامعة موالي إسماعيل بمكناس
في مجال تدبير الصفقات العمومية بحيث تم عدم تمكين صاحب المشروع لجان تسلم من دفاتر
الشروط الخاصة المتعلقة بتلك الصفقات قصد االلمام بالمراقبات المنوط بها قبل اإلشهاد على
محاضر التسلم المؤقت للمعدات وهذا ما أقره القرار عدد 2018 /1ت .م .ش .م الصادر
بتاريخ 2018بحيث تابعت النيابة العامة السيد( )...من اجل إبرام عدة صفقات القتناء أدوات
ومعدات في غياب تحديد مسبق للحاجيات المراد تلبيتها ،وبعدم احترام دفاتر التحمالت الخاصة
بتلك الصفقات عند اإلشهاد بتسلم المعدات المعنية بها.
كما انه تم إرفاق التقرير المذكور بوضعيات ،تم حصرها بتاريخ 12يونيو ،2015تبين
عدم استعمال مجموعة من التجهيزات والمعدات والمواد التي تم اقتنائها في إطار كل صفقة
على حدة ضمن 13صفقة ،وقد أشهد على هذه الوضعيات ،إلى جانب لجنة من الغرفة الثالثة
137
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
بالمجلس التي قامت بالبحث التمهيدي ،السيدة ( )...التي مكلفة بتدبير تجهيزات مركز البحث
العلمي برئاسة الجامعة ،والسيد( )...المسؤول عن مخزن رئاسة الجامعة.278
-عدم الوفاء تجاهال –الجهل المقصود-أو خرقا للمقتضيات النصوص الضريبية الجاري
بها العمل بالوجبات المترتبة عليها ،قصد تقييم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين
بالضريبة :وتتعلق هذه المخالفة بالمحافظة على المساواة في االستفادة من الفرص أمام المرفق
العام ،كم ا تهدف إلى ضمان الوضعية السليمة للمتعاقدين مع المرفق العمومي أمام اإلدارة
الضريبية ،وتعني الوضعية السليمة أن تكون ذمتهم بريئة ،كما تعني أيضا أن يكونوا في حالة
عدم اإلخالل بالنصوص الضريبية أثناء التعاطي مع المرفق العمومي الخاضع للرقابة المحاكم
المالية في ميدان التأديب المالي ،ويشترط في اإلخالل المذكور أن يؤدي إلى تقديم امتياز غير
القانوني بعض الملزمين بالضريبة.279
-حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية :وذلك تجاهال أو
خرقا للنصوص الضريبية المعمول بها ،بالوجبات المترتبة عليها قصد تقديم فائدة بصفة غير
قانونية لبعض الملزمين بالضريبة والتقيد الغير القانوني للنفقة بهدف التمكن من تجاوز
االعتمادات ،وهي من المخالفات التي يعاقب على ارتكابها كل آمر بالصرف وآمر مساعد
بالصرف وكل مسؤول أو موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم ،وكذا كل محاسب عمومي وكل
موظف أو عون يوجد تحت إمرته أو يعمل لحسابه.
وما يميز هذه المخالفة بمكانة متميزة في إطار القانون العام المالي ،إذ تتشابه في ركنها
المادي مع جنح تلقي فائدة واستغالل النفوذ واالمتياز.280
هذه المخالفة تهدف إلى حماية القواعد المطبقة في مجال المالية العمومية فقط ،بل تروم
أيضا حماية األخالق والقيم اإلدارية ،ذلك أن غايتها ال تنحصر في الحد من سوء نية أو عدم
حياد أو نزاهة المسؤولين المعنيين ،ولكن جعل النشاط اإلداري ،وبصفة عامة القطاع العام،
- 278القرار رقم 2018/01م.ش.م الصادر بتاريخ 28ماي 2018يتعلق برئيس الجامعة موالي إسماعيل بمكناس ،قرارات صادرة عن غرفة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أبريل ،2019ص .7
- 279- 279محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين ،مرجع
سابق ،ص .28
280
-bernard poujades et F.MEYER, LES FONCTIONNAIRES TERRITORIAUX FACE AU JUGE PéNAL, EDITIONS LA
GAZETTE DES COMMUNES 1999, P 25.
138
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
ينمو ويتطور في إطار احترام بعض المبادئ األساسية لإلقتصاد ،والمعاقبة على حاالت تنازع
المصالح.281
ويستلزم قيام هذه المخالفة أن يتعلق األمر بمنفعة نقدية أو عينية ،وتستثني من هذا النطاق
المنافع المعنوية واإلجتماعية ،ولكن تتطلب أن تكون قد منحت فعال ،كما ال يتعلق األمر بمنفعة
أخالقية بل تتعلق بالسمعة أو العالقات مع الغير وال يشترط تقديرها بمبالغ بل يكفي فقط إثبات
وجودها.
وقد وصف المشرع المنفعة العينية أو النقدية موضوع هذه المخالفة بغير المبررة ،وليس
بغير القانونية أو بغير الشرعية ،االمر الذي يعني بأن هذه المنفعة قد تحصل بشكل قانوني،
ولكنها قد تكون مبررة بالنظر إلى قواعد الضمير واألخالق التي يتعين أن تسود التدبير
العمومي والتي قد ال تجد مصدرها بالضرورة في القوانين واألنظمة ،بل في مبادئ عامة ذات
طابع أخالقي ومعنوي ،وهو مل يفيد بأن تطبيقات هذه المخالفة ستبلور تدريجيا قواعد ومبادئ
التخليق في مجال التدبير العمومي ووجبات ومسؤوليات المدبرين العموميين في حماية هذه
القواعد.
حيث تشكل الرقابة العليا على المال العام أحد أهم المؤشرات على ديمقراطية الدولة من
عدمها ،حيث أصبحت الدول مطالبة تحت تأثير مجموعة من اإلعتبارات بإحداث واتخاذ
التدابير الالزمة لتحصين المال العام من السلب والسرقة وإرساء ثقافة الشفافية والمساءلة،
281
-M. kamal DAOUDI, LE GESTIONNAIRE PUBLIC ET LES CONFLIS D’INTéERT. THéSE PROFFETIONNELLE,
MASTéRE SPéCIALE EN DROIT DE L’ENTREPRISE, ISCAE, RABAT,
139
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وتستند ممارسة الرقابة على المال العام في المغرب إلى العديد من النصوص القانونية ،كما
تعتمد على مجموعة من األجهزة التي تختلف من حيث طبيعتها وأدوتها وأساليب عملها ،ولكنها
تلتقي في الهدف من وراء إحداثها ،وهو الحرص على تأمين االستعمال السليم للمال العام،
والتصد ي لالنحرافات والتجاوزات التي يمكن أن تعتري عمليات إدارته والسعي لتصحيحها،
وكذا المساهمة في تقييم وتطوير التدبير العمومي .وتتم الرقابة المالية بتقنيات متعددة ،وأساليب
مختلفة ،يمكن التمييز بينها باالعتماد على عدة معايير ،يبقى أهمها المعيار العضوي الذي
يتأسس على طبيعة الجهة المكلفة بالرقابة والمتمثل في الرقابة بواسطة المحاكم المالية .حيث
أرسى دستور 2011جملة من المبادئ واآلليات الدستورية الهادفة إلى تعزيز الحكامة الجيدة
وتخليق الحياة العامة ومحابة الفساد والرشوة ومحاربتها ،وذلك من خالل دعم دور المجلس
األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات في مراقبة المال العام وترسيخ قواعد الشفافية
المالية وكذا من خالل ربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس قاعدة عدم اإلفالت من العقاب ،لكن
رغم ذلك فإن هذه الهيئات الرقابية تعترضها مجموعة من اإلكرهات التي تعيق قيامها بمهامها
على الوجه المطلوب.282
- 282سارة الطاهيري ،الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح ،جامعة محمد الخامس الرباط ،تاريخ االستالم -03-07
،2021ص .98
140
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
أن يحقق كل األهداف التي تم إنشاؤه من أجلها ،وفي هذا اإلطار يمكننا تصنيف هذه اإلكراهات
إلى ما هو متعلق باألساس في اإلكراهات القانونية والمؤسساتية والبشرية (الفقرة األولى)،
وإلى ما هو مرتبط بمحدودية الموارد البشرية والمالية(الفقرة الثانية).283
فالسلطة المالية تعتبر مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسلطة السياسية ،باعتبار أن الحاجيات المالية،
هي التي كانت وراء إحداث الدولة الحديثة ،فالبحث عن الشفافية في تدبير األموال العمومية،
قد كانت وراء إحداث الدولة البرلمانية الليبرالية ،وعلى هذا األساس أعطي البرلمان سلطات
واسعة ،من أجل قيامه بمراقبة المالية العمومية ،فتأسيس الدولة الديمقراطية مرتبطة بسيادة
مبدأ الرقابة والشفافية في مجال تدبير األموال العمومية ،وهي تعني إلى جانب ذلك أيضا،
المسؤولية والمساءلة والمحاسبة.284
فباستحضار عالقة المجلس األعلى للحسابات بالفاعلين السياسيين على امتدادها الزمني،
أي من الزاوية التاريخية ،يتضح أنه من خالل حقبة التسعينيات ،وفي إطار اإلصالحات التي
همت مجموع القطاعات السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،تم إنشاء محكمة مالية مؤهلة
لممارسة الرقابة العليا على األموال العمومية ،حيث تم إحداث هذا الجهاز الرقابي ،في ظل
- 283سارة الطاهيري ،الحدود الرقابية لعمل للمحاكم المالية وسبل اإلصالح ،مرجع سابق ،ص .99
- 284عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" طبعة ،2022
مطبعة المعارف الجديدة/الرباط .2022ص .357
141
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
تحفظ وانق سام وتباين مواقف النخب السياسية ،كما تم إنشاء المجلس في ظل األزمة مالية
الخانقة ،وصراع سياسي محتدم حول الشرعية والسلطة.285
وبهذا الصدد ،فالحديث عن تأثير إكراهات النسق السياسي المغربي على أداء المجلس،
مرتبط برهان مزدوج :رهن تقني ذو بعد تدبيري صرف ،يقاس بمدى فعالية مراقبة المجلس
في صيانة األموال العمومية والمحافظة عليها ،وترشيد استخدامها وتدبيرها تدبير الجيد ،ومدى
إمكانية الحد من التجاوزات والتبذير ،وكل أشكال االختالس واالبتزاز والضياع ،ورهان ذو
طابع سياسي ،يرتبط بتقييم مدى مساهمة المجلس كمؤسسة دستورية ،في دمج مبادئ المسؤولية
والمساءلة والمحاسبة في آليات اشتغال النظام السياسي المغربي.286
وقد وجد المغرب نفسه خالل هذه الفترة ،أمام اختيارات متعددة للشكل القانوني لجهاز
الرقابة المالية العليا ،إال أنه نظرا للظروف السياسية المتعلقة باإلصالح الدستوري ،والجو
العام السياسي ،وضغط الجهات الخارجية على الدولة ،من أجل تمرير القانون المتعلق بإحداث
المجلس ،لم يبقى له الوقت الكافي لإلتفاق على الشكل القانوني لهذه الجهاز الرقابي ،وفي هذا
اإلطار ،تم إسناد اختصاصات واسعة وضخمة للمجلس ،في غياب إرادة سياسية لتفعيل دوره.
ورغم هذه الظروف ،اهتمت الخطب الملكية بالمجلس ودوره في ترشيد التدبير العمومي،
حيث تم الربط بين المجلس والرقابة المالية ،وعقلنة استعمال وتدبير الموارد والنفقات ،فضال
عن ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية ،والتحقق من سالمة العمليات المالية ،كما
تم الربط بين المحاكم المالية والديمقراطية ،وكذا تكريس مبدأ المساءلة ،هذا إلى جانب التركيز
على الوظيفة االستشارية ،من خالل دوره في مساعدة السلطات العمومية ،كما اعتبرت المحاكم
المالية إطارا قضائيا من حماية المال العام ،من العبث والتسيب واستغالل النفوذ ،وقاد ذلك
للدعوة إلى تفعيل أشكال المراقبة الصارمة والمحاسبة الحازمة ،وفي حق كل متهاون في القيام
بواجباته ذات الصلة بالشأن العام.
- 285عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،مرجع سابق،
ص .357
- 286أحمد حاسون ،المجلس األعلى للحسابات ،مرجع سابق ،ص .414
142
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
ولحسن الحظ ،فإن المؤسسة الملكية في النظام السياسي والدستوري المغربي ،تحتل
مكانا متميزا ،أهلتها هذه المكانة للقيام بأدوار أساسية ،من خالل اإلشراف المباشر على الحياة
السياسية والدستورية المغربية ،جعلت منها الفاعل الرئيسي والمؤثر في مجريات األحداث،
والمهندس االستراتيجي للنظام بكل مكوناته وفي جميع مراحل تطوره.287
ومن المسلمات ،أن عملية المساءلة والمحاسبة والرقابة المالية على الخصوص ،ال
تستقيم إال يتوفر الحد الحيوي المطلوب من الفصل بين السلط ،فالمجلس ما هو إال أداة للرقابة
على الجهاز الحكومي ،وال يمكن تصور فعالية دوره ،إال في ظل األخذ بمبدأ الفصل بين
السلط ،أما في ظل اندماج سلطة سلطات الدولة ،أو هيمنة السلطة التنفيذية عليها ،فستتحول
رقابة هذا الجهاز وغيره من األجهزة الرقابية األخرى ،إلى مجرد آلية صورية.288
فشعور أغلب المسؤولين السياسيين واالداريين ،المتمتعين بموقع عال بأنهم فوق القانون،
إن بفضل حصانتهم السياسية أو البرلمانية ،أو بفضل وزنهم السياسي ومواقع نفوذهم وانتماءهم
الحزبي ،يجعلهم يرفضون الخضوع لمبدأ المساءلة ،عما اقترفوه من إهدار لألموال العمومية،
ويسيجون أنفسهم بمحيط من العالقات العامة مع الدوائر صنع القرار ،حتى يمكن غض الطرف
عنهم ،ويفلتون من العقاب ،وأمام هذا الوضع تجد الجهات القضائية ،صعوبة في تحريك
مسطرة المساءلة والمحاسبة ،عن االختالالت التي تورط فيها المعنيون باألمر ،أثناء قيامهم
بالمسؤوليات المسندة إليهم ،وحتى يصبح من الممكن أن تنالهم أيادي القضاء ،فمن الصعب
مساءلتهم أو محاكمتهم ،إال بعد فقدانهم لمراكز السلطة والنفوذ.
وإذا كانت عدة عوامل إدارية وسياسية واجتماعية وثقافية ،تتفاعل جميعها لخلق تربة
خصبة لمثل هذه األوضاع ،فإن محدودية الرقابة وعدم ترسيخ مبدأ المساءلة في اإلدارة
العمومية ،وعم إبالغ الرأي العام عن نتائج عمليات المراقبة ،وتدقيق الحسابات والتحريات
الي تقوم بها أجهزة المراقبة ،تساهم في استفحال ظاهرة الفساد اإلداري ،وتمكين البيروقراطية
من دواليب اإلدارة واالنفراد باتخاذ القرار ،مما يجعل البيروقراطية المتمركزة في مختلف
- 287عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،مرجع سابق،
ص.359
- 288أحمد حاسون ،المجلس األعلى للحسابات ،مرجع سابق ،ص .420
143
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
اإلدارات العمومية تقاوم بشدة ،وبما توفر لها من قوة ونفوذ ،اإلصالحات التي تهدف إلى إقرار
ثقافة الشفافية المحاسبية والمالية ،وثقافة المسؤولية في اتخاذ القرار.
وهناك أيضا مجموعة من اإلكراهات الداخلية التي تعيق عمل المحاكم المالية وتشكل
الجوانب المؤسساتية أهمها حيث تؤدي لفشل وضعف آداء هذه الهيئة القضائية للرقابة العليا
على األموال العمومية .وذلك راجع إلى الدسترة المتأخرة للرقابة العليا ،التي تمت إال ابتداءا
من المراجعة الدستورية بتاريخ 13شتنبر .1996
وتشكل مسألة دسترة األجهزة العليا للرقابة العليا على المال العام أهم التوصيات التي ما
فتئت تؤكد عليها المنظمات الدولية وخاصة منظمة األنتوساي نظرا لما في ذلك من أهمية
تدعيم هذه األجهزة وتوفير الفضاء المناسب لإلشتغالها.
وقد عملت جل الدول على دسترة الرقابة العليا على المال العام ،فعلى المستوى العربي
نصت عدد من دساتير الدول العربية على دسترة هذه الرقابة بشكل مبكر .ونذكر على سبيل
المثال ال الحصر (سوريا( )1920مصر( )1923الجزائر( )1962لبنان)1986
(تونس...)1954
أما بالنسبة للمغرب فلم تنص جل الدساتير المتعاقبة لسنوات 1962م1970 ،م1972 ،م،
1992م ،على المجلس األعلى للحسابات ،رغم إحداث هذا األخير بموجب القانون رقم 12.79
الذي نظمه دون أن يتم إقراره في صلب الدستور ،مما يتنافى مع معايير المنظمات الدولية
للرقابة العليا على المال العام التي يعد المغرب عضوا فيها.
وقد تمخض عن هذا اإلهمال ضعف وفشل وقصور في ممارسة المجلس لمختلف مهامه
وإختصاصاته ،خالل فترة من الزمن والتي عرفت خاللها تبعية مباشرة للسلطة التنفيذية ،مما
أفقدها اإلستقالل العضوي والوظيفي المالي ،وهي المبادئ األساسية التي ال تسمح ألية هيئة
عليا للرقابة بممارسة المهام الرقابية فعليا.289
- 289سارة الطاهيري ،الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح ،مرجع سابق ص .100
144
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فمسألة التأخير في دسترة الرقابة العليا على األموال العمومية في الدستور المغربي قد أضاع
عليه أساسا قانونيا صلبا في دعم التوجه الرقابي على المستويين العام والمحلي ،وفي ضمان
الفعلي الستقالل مادي ووظيفي لألجهزة المكلفة بالرقابة.
وهكذا فإن الدسترة المتأخرة للرقابة العليا على األموال العمومية لم تكن توافق وتطابق
توجهات االتجاه الرقابي ،سواء وفق توصيات وإعالنات المنظمات الدولية واإلقليمية
المتخصصة في الرقابة المالية والمحاسبة ،أو على مستوى التشريعات المقارنة من خالل
التجارب األجنبية والعربية على الخصوص.290
ومما عمق من هذه اإلشكالية أكثر هو التأخر في إصدار مدونة المحاكم المالية الذي تم
بموجب القانون 62.99في يونيو ،2022بعد التنصيص الدستوري عليها ،ناهيك على أن
عملها لم يبدأ إال في سنة ،2003أما المجالس الجهوية للحسابات فلم تشرع في االشتغال إال
سنة .2004
أما فيما يخص المعيقات واإلكراهات القانونية يعتبر المجال الشاسع لمجال الرقابة على
المالية العمومية التي تمارسها المحاكم المالية ،أولى اإلشكاليات التي تقابلها هذه المحاكم،
ويتميز هذا المجال باتساع اختصاصه بشكل مستمر ،كما يشمل مختلف مظاهر التدبير
العمومي ،في ظل تعدد وتنوع أصناف التدخل العمومي ،فهذه المحاكم هي مكلفة بمراقبة
مجموعة من اإلدارات العمومية ،التي تشكل حقال واسعا ،يشمل " الدولة ومؤسساتها العمومية
والجماعات الترابية ،واألجهزة غير الخاضعة لقواعد المحاسبة العمومية ،وأجهزة الضمان
االجتماعي ،وكذا المؤسسات الخاصة المستفيدة من التمويالت الوطنية بل حتى الخارجية.
وبالتالي ،فإن القاضي المالي يشتغل في عدة المجاالت للرقابة المالية ،منها ما هو ذو طابع
قضائي ،ومنها ما هو ذو طابع إداري ،إضافة إلى أنواع المساعدات التي يقدمها سواء البرلمان
أو الحكومة أو الهيئات القضائية ،ويتبين من ذلك ،أن هذه االختصاصات تبقى في ازدياد دون
نقصان ،وخير دليل على ذلك ،اختصاص مراقبة التصريحات اإلجبارية بالممتلكات ،الذي
أصبح العمل به ساري المفعول بشكل فعلي منذ سنة ،2010وتراكمت التصريحات بعد ذلك
- 290نجيب جيري ،الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية-دراسة تحليلية ونقدية ،دار نشر المعرفة الرباط ص.101
145
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
على المحاكم المالية التي قدر عددها باآلالف ،مما شكل ذلك صعوبة في تأمين مرحلة تلقي
التصريحات ،وأيضا في تحديد الملزمين غير المصرحين ،فباألحرى تتبع المسطرة المتعلقة
بتدقيق مضمون التصريحات.291
وبالنظر إلى افتقار المحاكم المالية للموارد البشرية المؤهلة من الناحية العددية ،وخصوصا
منها فئة القضاة ،فإن هذا يحد من فعالية المحاكم لتنفيذ الكم الهائل من المهام ،ال سيما بالنسبة
الختصاص التدقيق والبت في الحساب ،الذي يعتبر اختصاصا من النظام العام ،حيث يتوجب
معه تدقيق جميع حسابات المحاسبي العموميين والبت بشأنها ،األمر الذي يجعل من الصعوبة
الوفاء بهذه المهمة على أكمل وجه ،وهذا ما دفع بالمجلس لالستعاضة عن التدقيق الشامل،
بتدقيق انتقائي فرضته الضرورة والواقع ،كما أن طول مسطرة التدقيق والبت في الحساب،
والتي تحكمها مجموعة من اإلجراءات واآلجال ،إضافة على احترام مبدأ التواجهية وحقوق
الدفاع وإشكاليات التبليغ ،كل ذلك يشكل ثقال علة هذه المسطرة ،ويساهم في تأخير البت في
اآلجال المعقولة.
فالصعوبات المسطرية الي تعترض عمل القاضي المالي ،قد تعد من بين العوامل التي
تؤثر على مردودية المحاكم المالية عموما ،إضافة إلى اشتقاق أنواع المخالفات بفعل تداخل
مساطر العمل الرقابي ،تعمل على تنشيط باقي االختصاصات ،وتساهم في تعاظم المسؤوليات
إلتمام المهام ،هذا في ظل نقص الموارد البشرية ،األمر الذي قاد إلى إعمال المنهجية االنتقائية
في مراقبة األجهزة العمومية ،لكن العمل بمبدأ المراقبة عن طريق العينات أو االنتقاء ،تمكن
من الوصول إلى درجة معينة من اليقين في المجال الرقابي ،لكن ال تعطينا يقينا مطلقا.292
وفي هذا اإلطار ،يالحظ أن الجمع بين اختصاصات ومهام متعددة ،من شأنه التأثير
بشكل مباشر على األداء الرقابي العام للمحاكم المالية ،في ظل عدم تخفيف العبء من طرف
أجهزة أخرى مساعدة ،بحث ال تتوفر التجربة المغربية في القضاء المالي على وسائل عمل
- 291عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص .353
- 292تجد المحاكم المالية ،صعوبة في حصر األجهزة التي تسري عليها مراقبة المحاكم المالية في اطار استخدام األموال العمومية ،ال سيما
الجمعيات التي تتلقى الدعم على المستوى المحلي ،وذلك نظرا لتكاثرها بشكل كبير ،كما أن الئحة الجمعيات التي تتلقى الدعم من الجماعات
الترابية تتغير من سنة إلى أخرى.
146
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
موازية ،إذ ال تمكن مدونة المحاكم المالية من إنشاء هيئات موازية مساعدة ،وهذا على خالف
مؤسسات رقابية تعتبر امتدادا للعمل الرقابي القضائي المنوط بمحكمة الحسابات.293
فبالنسبة للتجربة الفرنسية ،تساعد المحكمة المالية الفرنسية هيئات مشاركة لها ،يترأس
هيئاتها الرئيس األول للمحكمة المالية الفرنسية ،باإلضافة إلى محكمة التأديب المالي التي تعتبر
وظيفيا مستقلة عن المحكمة المالية ،توجد لديها أيضا " مجلس االقتطاعات االجبارية" الذي
أحدث ابتداءا من سنة ،2005وقد حل محل " مجلس الضرائب" ،ويعد من اختصاصه البحث
في تأثير االقتطاعات الضريبية على مجال االقتصادي واالجتماعي ،وأيضا يرتبط بها "
المجلس األعلى للمالية العمومية" الذي أحدث بموجب القانون التنظيمي للمالية ل 17دجنبر
،2012والذي يساهم في المراقبة العامة للمالية العمومية.294
وتتوفر أيضا التجربة األلمانية على مكاتب الفحص أو التدقيق القبلي ،وهي خاصية يتميز
بها النظام الرقابي األلماني ،الذي يتوفر على 120مكتبا وألف مدقق ،حيث أعطيت لهذه
المكاتب مهمة مساعدة المحكمة المالية ،في أداء وظائفها الرقابية لألموال العمومية ،وفي
تحسين شروط التدبير العمومي ،حتى في التجربة المصرية ،نجد إلى جانب الجهاز المركزي
للحسابات ،مؤسسات تعنى بمراقبة األموال العمومية " كإدارة الكسب الغير المشروع".
أما بالنسبة للتجربة اليمنية ،فباإلضافة إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ،تتوفر
على" الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" التي أحدثت سنة " ،2007والهيئة العليا للرقابة على
المناقصات والمزايدات" "والمجلس اليمني للشفافية" أما فيما يخص التجربة اللبنانية،
فباإلضافة إلى ديوان المحاسبة ،توجد " لجنة المراقبة السنوية على المؤسسات العامة" وهي
لجنة خاصة ملحقة بديوان المحاسبة ،وتنحصر مهمتها في التدقيق والتصديق عليها بعد
مطابقتها لقرارات مجلس اإلدارة ،وال تشمل رقابتها تقدير حسن إدارة تلك المؤسسات ،من
الوجهة المالية أو االقتصادية والمالية.
عموما يبدوا ان العامل الذي يحد من عمل القاضي المالي ،هو تعدد المساطر وتنوعها
وتداخل مراحل إنجازها ،وتعدد األطراف المتداخلة فيها ،كما أن مراقبة المجلس بحكم أنها
- 293أحمد حاسون ،المجلس األعلى للحسابات ،دراسة سوسيو-قانونية ،مرجع سابق ،ص.392 :
- 294عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص 355
147
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
مراقبة بعدية ،تأتي في مرحلة يكون فيها بعض المدبرين العموميين ،استبقوا عملية المراقبة
وسعوا إلى تعديل المستندات التي تثبت المخالفة ،إضافة إلى صعوبة متابعة مرتكبي المخالفات،
الذين يكونون أحيانا قد تقاعدوا أو تم انتقالهم وتغير مكان سكناهم أو أصبح غير محدد ،وهذا
األمر يمكن أن يتسبب في تراكم الملفات ،والتأخير في التعاطي مع المخالفات المكتشفة في
اآلجال المعقولة ،مما قد يخشى معه أن يصبح هذا النوع من المراقبة ،ال يعدو أن يكون مجرد
تسجيل تاريخي للمخالفات المالية.
وترتبط أيضا اإلكراهات القانونية بمسألة غياب النصوص التطبيقية في شكل المراسيم
تطبيقية مثال للقانون 12.79المحدث للمجلس األعلى للحسابات ،مما جعل تبيان العديد من
اإلشكاالت يكتنفها اللبس والغموض والبطء والتعقيد المتعلقة بمساطر الفحص والتدقيق.
ومما يزكي هذا االتجاه عدم قدرة المجلس األعلى للحسابات على استقطاب شخصيات
مرموقة في الفقه المالي واإلداري والقانوني واالقتصادي على غرار التجربة الفرنسية.
فإذا كان دستور المملكة ،الصادر بتاريخ 7أكتوبر ،1996ارتقى بالمجلس األعلى للحسابات
إلى مرتبة مؤسسة دستورية تستمد اختصاصاتها الكبرى من الدستور نفسه ،فإن الدستور
الراهن ،الصادر في 29يوليوز ،2011نص ألول مرة على استقالل المجلس استقالال مضمونا
بموجب الدستور نفسه ،وأناط به مسؤوليات جديدة إلى جانب صالحياته المعهودة المتمثلة في
ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية والتحقق من سالمة العمليات المتعلقة بمداخيل
ومصاريف االجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون وتقييم كيفية تدبيرها لشؤونها.295
وقد عمل المشرع على تجاوز هذه اإلشكالية من خالل إخراجه لمدونة المحاكم المالية
كإطار قانون ينظم تركيبة المجلس وإختصاصاته ويشمل نظام أساسي لقضاته ،كما أن دستور
2011قد عزز مكانته باعتباره الهيأة العليا لمرتقبة المالية العمومية بالمملكة ،296ويضمن
استقالليته ،بالتنصيص على مجموعة من اختصاصاته ،الشيء الذي يجعل من المجلس األعلى
- 295إبراهيم بن به ،نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي-دراسة قانونية وقضائية مقارنة ،-مرجع سابق ،ص .17
-296سارة الطاهيري ،الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح ،مرجع سابق ،ص.100
148
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
للحسابات مطالب بتجاوز هذه العقدة وتفعيل اختصاصاته من أجل اللحاق بركب األجهزة
المتقدمة.
وتتجلى اإلكراهات القانونية أيضا التي يعاني منها القضاء المالي أساسا في تعدد المهام
واالختصاصات المنوطة بالمجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات ،فهما
يجمعان بين االختصاصات القضائية واإلدارية والتأديبية .فالمجال الرقابي لهذه الهيئات هو
مجال واسع من الناحية القانونية ،فهو يغطي مختلف أوجه التدبير المالي .مما أثر بشكل سلبي
على طبيعة الرقابة وفعاليتها ،وحد من قدرة المحاكم المالية على التتبع كل مظاهر التدبير
المالي لألجهزة المعنية ،وأضحت المحاكم المالية تمارس رقابة عشوائية للعديد من القطاعات
دون مراعاة التخصص والتناسب فيما بينها على مستوى الغرف.297
إن هذا التعدد رغم إيجابياته الكبيرة ،والذي تفرضه أهمية المال العام ،ينتج عنه بالمقابل
مجموعة من السلبيات أهمها عدم التنسيق بين هذه األجهزة الشيء الذي أدى إلى تداخل
اختصاصات الجهات الرقابية وتضارب تعليماتها وتكرار الرقابة في أحيان كثيرة على نفس
النشاط األجهزة الحكومية ،فالجمع بين اإلختصاصات متعددة يؤثر بشكل مباشر في فعالية أداء
المجلس الذي عهد إليه بكل هذه المسؤوليات دون تخفيف العبء من قبل األجهزة أخرى مساعدة
كما هو الحال في مجموعة من الدول التقدمة التي تعتمد نظام المراقبة من قبل جهاز قضائي
متخصص.
ومن بين اإلكراهات القانونية التي تواجه عمل المجلس األعلى للحسابات تعدد المساطر
التي يشتغل بها المجلس ،فعمله يتصف باإلزدواج الوظيفي باعتباره محكمة مالية من نوع
خاص ،فهو يشتغل في نفس اللحظة بمساطر متعددة ومتداخلة تحيل الواحدة منها على األخرى
تصل إلى أربع مساطر مختلفة.
وتتميز مساطر اشتغال المجلس بالتعقيد والبطء ،فبالنسبة لمسطرة التدقيق والبت في
الحسابات مثال تتميز بالطول والتعقيد ذلك أنها تتكون من مذكرات ومالحظات ،رد المحاسب
العمومي ،حكم تمهيدي ،رد المحاسب العمومي ،ثم الحكم النهائي .ذلك إلى جانب المدة الزمنية
- 297سارة الطاهيري ،الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح ،مرجع سابق ،ص.101
149
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
التي تتطلبها عملية التدقيق والتحقيق ويرجع السبب في ذلك إلى تعدد المراحل كما ذكرنا وتنوع
المتدخلين وفرض آجال طويلة بين لحظة القيام بالرقابة واللحظة التي يصدر فيها القرار.298
إن من اإلشكاالت التي تحد من فعالية رقابة المجلس األعلى للحسابات على المال العام
تواضع العقوبات الزجرية ،حيث نلمس محدودية الغرامات التي يحكم بها المجلس ذلك أن
أقصى ما يمكن أن تصل له الغرامة التأخير بالنسبة للمحاسب الذي تخلف عن تقديم حسابه هو
1000درهم وحجم الغرامة التهديدية هو 500درهم عن كل شهر تأخير ،ويظهر نفس األمر
بالنسبة للعقوبات الناتجة عن ارتكاب إحدى األفعال المنصوص عليها في المواد 54و 55و
56من مدونة المحاكم المالية والتي تبتدأ من 1.000درهم عن كل مخالفة دون أن يتجاوز
مجموع المبلغ الغرامة صافي األجرة السنوية التي كان يتقاضاها المعني باألمر أثناء ارتكاب
المخالفة وفي حالة تعدد المخالفات فإن مجموع الغرامات ال يمكن أن تتجاوز أربع مرات مبلغ
صافي األجرة السنوية للمعني أثناء مزاولته لمهام.299
إلى حدود سنة ،1998يم يتجاوز العدد اإلجمالي للعاملين بالمجلس 220عامال من ضمنهم
72قاضيا ،ويلقى على عاتق هؤالء القضاة ،النظر والتدقيق في أزيد طنا من الوثائق والملفات
- 298أحمد حاسون ،المجلس األعلى للحسابات ،دراسة سوسيو-قانونية ،مرجع سابق ،ص.397 :
- 299المادة 66من القانون 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.02.124صادر في 13يونيو ،2022
الموافق لفاتح ربيع اآلخر ،1423الجريدة الرسمية عدد ،5030الصادر بتاريخ 15غشت 2002الموافق ل 6جمادى األخرة ،1423ص
.2294
-- 300عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص .332
150
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
المتراكمة سنويا ،على أن هذا العمل ما فتىء يتضخم حجمه مع مرور السنوات ،بفعل تنامي
األشغال وازدياد عدد المؤسسات .ويرتبط ضعف الموارد البشرية في وقت سابق ،إلى هيمنة
وزارة المالية وتحكمها في الموارد البشرية للمجلس ،وبالتالي عملية التوظيف عن طريق
المباريات من سنة 1982إلى .1990301
ويعزى ارتفاع عدد القضاة ،ابتدءا من سنة ،1990إلى توظيف ثالثة أفواج متتالية
بواسطة المباراة ،فالفوج األول يتكون من 46قاضي تم توظيفه سنة ،1990بعده تم توظيف
الفوج الثاني ب 48قاضي من خريجي المدرسة الوطنية وتم تعيينهم سنة ،2000وأخيرا تم
توظيف الفوج الثالث الذي أنهى تدريبه سنة ،2004ويتكون من 23قاضي ،وقد عرفت هذه
الفترة تعزيز موارد المجلس البشرية ،بغية تقوية الطاقات العاملة بالمحاكم المالية ،وخصوصا
بعد إرساء المجالس الجهوية للحسابات ،قصد تأمين انطالقتها الضطالعها بمهامها بشكل فعال.
وقد كان الغرض من هذه التوظيفات خالل هذه الفترة بالخصوص ،تدعيم المجالس
الجهوية للحسابات التي تحتاج لموارد بشرية لممارسة اختصاصاتها ،لذلك تم تعيين 99قاضي
بالمجالس الجهوية التسعة ،لكن رغم ذلك ،بقي الخصاص واضحا بهذه المجالس الجهوية،
حيث أن البعض منها لم يكن يتوفر سوى 07أو 08قضاة ،302من بينهم رئيس المجلس ووكيل
الملك وأيضا الكاتب العام ،على أنه استثناء وكيل الملك والكاتب العام ،يبقى انعقاد جلسة أمر
صعب ،فهناك بعض المجالس الجهوية التي لم يمكن لها عقد جلسة إال بحضور رئيس المجلس،
أما في حالة الغيابات المرضية أو اإلدارية ،يبقى انعقاد الجلسة معلقا ،إلى حين استئناف عمل
المتغيبين ،كما أن المهمات الرقابية التي تستدعي التنقل خارج المجلس ،كان لها تأثير أيضا
على انعقاد الجلسات.
والجذير بالذكر ،فأي جلسة ال يمكن أن تعقد إال بحضور 05قضاة ،بالنسبة لجميع
االختصاصات ،مما يعني أنه من الصعب بما كان ،أن تتمكن باألخص المجالس الجهوية،
بالنظر للظروف المذكورة ،كفاية اختصاصاتها األصلية "كالبت في الحساب ،ومراقبة التسيير،
والتأديب المالي ،ومراقبة اإلجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية" هذا بغض النظر ،عن طلبات
- 301أحمد حاسون ،المجلس األعلى للحسابات ،دراسة سوسيو-قانونية ،مرجع سابق ،ص405 :
"- 302على سبيل المثال ،تم تعيين 7قضاة بالمجلس الجهوي للحسابات بالعيون ،وتعيين 8قضاة بالمجلسين الجهويين للحسابات بطنجة وأكادير"
الفقرة األولى من المادة 158من القانون 62.99المتعلق بمدونة المحاكم بعد تغييره وتتمميه.
151
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
المجلس الموجهة للمجالس الجهوية للحسابات ،من أجل القيام بمهمات مشتركة بينها ،والتي
تدخل في إطار اختصاصات المجلس.
ويتضح من خالل التوظيفات المعتمدة من طرف المجلس األعلى للحسابات خالل سنوات
ما قبل سنة ،2005يبقى عدد القضاة دون الحاجيات الحقيقية للمحاكم المالية ،وذلك راجع إلى
أهمية الوظائف واالختصاصات المسندة إليها ،فرغم تطور عدد التوظيفات في الفئة القضاة ب
160قاضي خالل الفترة ما بين 1997و ،2005إال أن مغادرة عدد مهم من القضاة لهذه
المؤسسة ،بحثا عن وضعية مادية أكثر مالئمة خارج هذه الهيئة ،303ساهم في بروز ظاهرة
عدم استقرار الجهاز من حيث الموارد البشرية ،خصوصا خالل الفترة السابقة لسنة ،1988
كما زاد في تأزم هذا الوضع بعد ذلك ،تقاعد 14قاضيا في إطار المغدرة الطوعية .304وحسب
ما جاء في تصريح الرئيس األول السابق للمجلس األعلى للحسابات " السيد عبد الصادق
الكالوي" فإن تجربة الرقابة القضائية ،عرفت منذ بدايتها اختالال واسعا بين الموارد البشرية
المتوفرة من جهة ،ونطاق اختصاصات المجلس من جهة أخرى ،فبعد عشر سنوات من تأسيس
المجلس ،لم تكن الموارد البشرية التي يتوفر عليها المجلس يتجاوز 50إطارا ،كما تسببت
محدودية عوامل الجذب لدى هذه المؤسسة الرقابية في وقت سابق ،والمتمثلة أساسا في ضعف
أنظمة الرواتب والتحفيزات ،الممنوحة للعاملين بهذا الجهاز وعلى رأسهم الهيئة القضائية ،في
مغادرة أكثر من 50في المئة من القضاة ما بين 1982و ،1994بسبب غموض وضعيتهم
اإلدارية ونقص مستوى التأطير بالمجلس ،الشيء الذي دفع بالمجلس إلى إلغاء مباراة توظيف
المستشارين سنة ،1987مما أثر ذلك سلبا على التركيبة البشرية للمجلس ،وبدا بعد بروز
ضعف واضح لعدد القضاة بهذا الجهاز الرقابي.
وبالنظر لمختلف المهام المخولة للمحاكم المالية ،وتعدد المؤسسات التي تسري عليها
مراقبة هذه المحاكم ،يتبين عدم التوازن الواضح بين حجم المهام ،وعدد القضاة الذين يتوجب
عليهم إتمام هذه المهام ،فعدد األجهزة للرقابة المجلس في إطار التدقيق والبت في الحساب
ومراقبة التسيير فقط ،يعادل 537جهاز ،بغض النظر عن باقي " األجهزة الخاضعة لمراقبة
- 303نجيب جيري" ،الرقابة المالية بالمغرب ،بين الحكامة ومتطلبات التنمية" ،سلسلة المعارف القانونية والقضائية ،الطبعة األولى ،2012ص :
.106
- 304عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص .335
152
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
استخدام األموال العمومية ومراقبة التصريحات بالممتلكات والتصريح بنفقات األحزاب
السياسية...إلخ" كما تجدر اإلشارة ،إلى أن هذه المؤسسات تراقب انطالقا من مختلف
اختصاصات المجلس ،ب 115قاضي عامل بهذا المجلس.
وفي نفس السياق ،فإن المجالس الجهوية للحسابات ،تدقق حوالي ما يقارب 1627حساب،
وتراقب في إطار االختصاص الغير القضائي ما يقارب 52مؤسسة أو مقاولة عمومية محلية،
وما يفوق عن 400جمعية ،وأيضا ما يقارب من 100شركات ذات العقود االمتياز أو شركات
ذات االقتصاد المختلط ،وألعطاء مثال آخر أكثر تحديدا ودقة ،فأن المجلس الجهوي للحسابات
بأكادير ،الذي كان يتوفر على 8قضاة في المجموع وعلى 3موظفين ،قام بالتدقيق والبت في
258حساب ،وراقب في إطار إختصاصه غير قضائي أيضا 258 ،جهاز من الجماعات
والهيئات ،و 2من مؤسسات أو مقاولة مشتركة ،و 1095جمعية.
وقد امتدت االكراهات المتعلقة بالموارد البشرية أيضا إلى فئة الموظفين ،حيث أنه من خالل
سنة ،2004قدر العدد اإلجمالي لموظفي المحاكم المالية ب 158موظف ،تمثل نسبة األطر
%30فقط ،305في حين تمثل نسبة األطر الدنيا ،%30650ونسبة األطر المتوسطة تقريبا
،%30720لهذا السبب قام المجلس األعلى للحسابات حينئذ ،بالحد من التوظيفات في الساللم
الدنيا ،وبتقليص عدد أعوان التنفيذ ،باللجوء إلى إسناد الخدمات إلى جهات خارجية .كما تجدر
اإلشارة إلى أن أغلبية هذه األطر تشتغل بالمصالح اإلدارية ،ونسبة قليلة منها التي تشتغل بكتابة
الضبط ،وتمثل الفئة المستهدفة للعمل بكتابة الضبط والتي أدت اليمين القانونية ،الفئة المتعلقة
باألطر العليا.308
وعرفت المجالس الجهوية للحسابات على الخصوص نسبة خصاص مهمة ،من فئة
موظفي كتابة الضبط ،حيث أن توزيع األطر العليا بين المجالس الجهوية للحسابات سنة ،2006
كانت في غالب األحيان ال تتعدى إطارا واحدا ،وبالنظر لتعدد المهام واالختصاصات المخولة
- 305األطر العيا :الموظفون المدرجون في سالليم األجور تفوق أو تساوي السلم رقم .10
- 306األعوان :الموظفون المدرجون في السالليم أقل من .7
- 307األطر المتوسطة :الموظفون المدرجون في السالليم 7و8و.9
- 308ليس هناك أي إحصاء رسمي بالعدد اإلجمالي للموظفين الذين يمارسون مهامهم حصريا بكتابة الضبط لدى المحاكم المالية.
153
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
للمجالس الجهوية للحسابات ،يتبين أنه من الصعب بل من المستحيل إتمام مهام والمساطر
واإلجراءات ،مع حضور الجلسات والقيام بالتبليغات بفرد واحد.309
فعلى المستوى الكمي ،فإن الضعف شمل مختلف العاملين بالمجلس األعلى للحسابات،
سواء القضاة أو باقي العاملين بالمجلس .فحسب تقرير المجلس لسنة 2018بلغ العدد اإلجمالي
للقضاة والموظفين بالمحاكم المالية ،594من بينهم 345قاضيا و 249موظفا.
ويبين الشكل التالي تطور عدد موظفي المجلس خالل الفترة الممتدة مل بين 2010و
.2018310
باستقرائنا لمعطيات هذا الميبان يظهر أن العدد اإلجمالي لقضاة المحاكم المالية عرف تذبذبا
مستمرا ،فيالحظ ارتفاع ما بين 2015و 2017ب 79عنصر في حين هناك تراجع خالل
سنة 2018بفقدان 26عنصر ،ففي الوقت الذي يفترض أن يكون منحى تطور الموارد البشرية
للمجلس تصاعدي من أجل مواكبة شساعة المهام الموكولة إليه فإن المجلس يعاني من نزيف
في موارده البشرية.
فرغم الزيادة في عدد الموارد البشرية وتخصيص المجلس حيز مهما من ميزانيته لتغطية
نفقاتها حيث شكلت نفقات الموظفين حوالي ،%72من الميزانية المجلس لسنة ،3112018إال
--- 309عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"،
ص .337
- 310رسم مبياني باعتماد التقارير السنوية للمجلس األعلى للحسابات برسم سنوات .2010،2011،2012،2013،2014،2015،2017،2018
- 311تقرير المجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،2018الجزء الثاني ،ص .424
154
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
أنه يبقى حجم ضئيل وغير كافي مقارنة مع األجهزة المماثلة في الدول األجنبية الرائدة في
مجال الرقابة المالية العليا.
كما تعرف المحاكم المالية ضعفا على مستوى الكيفي للموارد البشرية ،ويظهر هذا جليا من
خالل مجموعة من المؤشرات .تتمثل في طبيعة األطر المكونة للمحاكم المالية ونوعية تكوينهم،
إذ نال حظ أن أعوان التنفيذ يشكلون نسبة مرتفعة من مجموع الموظفين اإلداريين والتقنيين
العاملين بهذه المحاكم مقارنة مع باقي األطر
وبالرغم من تنوع قضاة المجلس حسب الشواهد المحصل عليها ما بين شهادة السلك الثالث
والماستر في العلوم القانونية ،شهادة مهندس دولة ،شهادة مهندس دولة ،شهادة الدكتوراه أو
شهادات أ خرى ،فإن غالبية قضاة المحاكم المالية تتشكل من حاملي شهادات السلك الثالث أو
اإلجازة ،أي من الممكن تصنيفهم في فئة األطر المتوسطة والصغيرة ،بينما يمثل األطر العليا
نسبة ضئيلة فقط من قضاة المحاكم المالية.
شهادات أخرى
السلك الثالث
أوالماستر
الدكتوراه
مهندسو الدولة
يتوزع القضاة حسب نوع الشهادات المحصل عليها كما يلي :السلك الثالث أو الماستر في
العلوم القانونية واالقتصادية ،%41مهندسو الدولة ،%30الدكتوراه ،%11شهادات أخرى
.%18
155
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وإذا ما قارنا بين تركيبة القضاة خالل سنة 2010وخالل 2018فسنالحظ تزايد نسبة
القضاة الحاصلين على شهادة الدكتوراه ومهندس دولة على حساب الحاصلين على شهادة
الماستر وشواهد أخرى ،ويبين المبيان التالي ذلك:312
60
50 48
41
40
شهادة الدكتوراه
30
30 مهندس دولة
25
22 شهادة ماستر
20 18
شهادة أخرى
11
10 5
0
2010 2018
رغم المجهودات التي بذلت في سبيل تعزيز المحاكم المالية بموارد بشرية مهمة ومضاعفة
عددها ،إال أنه ما زالت هذه الهيئات تفتقر إلى األطر البشرية ذات الكفاءة العالية في المجال
المالي واالقتصادي والمحاسبي وجانب التدقيق واالستشارة ،وهذا الضعف راجع باألساس إلى
عدم قدرة هذه المحاكم على استقطاب أطر جديدة متنوعة التخصص ،فضال عن غياب الشفافية
في التوظيف.
إذا كان العنصر البشري عامال حاسما ،في فعالية المحاكم المالية ونجاعة مردوديتها ،في
مجال مراقبة المال العام ،تبقى اإلمكانات المادية الموضوعة رهن إشارتها ،إحدى اآلليات
والوسائل الهامة ،في تفعيل الرقابة المالية العليا ،ومن أجل مواجهة التحديات المتمثلة في
التغييرات السريعة والمتالحقة ،والحاجة إلى السرعة والجودة والمردودية ،في اإلنجاز
وتحسين أداء الخدمات ،وكذا االستجابة للتزايد الهائل في حجم البيانات والمعلومات المتداولة،
313
يتحتم إنشاء وتطوير نظم معلومات متكاملة ،تتولى تجميع وتنظيم ومعالجة هذه البيانات.
- 312تقرير المجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،2018الجزء الثاني وسنة .2010
- 313المناظرة األولى لإلصالح اإلداري ،حول اإلدارة المغربية وتحديات المغرب ،2010المملكة المغربية ،وزارة الوظيفة العمومية واإلصالح
اإلداري ،التقرير التركيبي حول" تنمية استعمال تكنولوجيا المعلوميات واالتصال" ،الرباط 8-7ماي 2002ص.36-2 :
156
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
عند التدقيق في الموارد المالية المتخصصة للمحاكم المالية ،يالحظ أوال ،أن
المجلس األعلى للحسابات لم يتمكن من التوفر على ميزانية االستثمار إال في سنة ،1990أي
بعد أكثرمن 10سنوات من إحداثه ،في حين تميزت ميزانية التسيير بالتطور المتذبذب ،المتجه
إلى تقليص أحيانا ،إذا انتقلت ميزانية التسيير ما بين 1981و ،1989من 6إلى 7مليون درهم،
أي بنسبة نمو غير ذات داللة ،حيث بلغت %30منها بحصة الثلثين لتسديدة أجور الموظفين،
والثلث فقط خصصت لباقي النفقات.314
وقد عرفت ميزانية التسيير للمجلس التطور شبه منعدم ،خالل السنوات األلى لعمل
المحاكم المالية ،حيث أنه من ابتداء من سنة 2001وإلى حدود سنة ،2004ارتفعت نسبة
الميزانية المحاكم المالية من 55.66مليون درهم إلى 67.42سنة ،2002ثم إلى 72.15سنة
2003ثم بعد ذلك إلى 82.95مليون درهم سنة ،2004أي بمعدل ارتفاع يساوي % 8تقريبا،
وتغطي هذه الزيادات في أغلبها تسوية الوضعية اإلدارية للقضاة والموظفين ،حيث تمثل نفقات
الموظفين أكثر من %80من نفقات التسيير.
أما بالنسبة لميزانية االستثمار ،فقد عرف رصد ميزانيتها مستوى تنازليا خالل السنوات
األولى ،فرغم االرتفاع الطفيف في مستوى الميزانية المخصصة للمجلس ،إال أن نسبة الموارد
المخصصة لالستثمار تناقصت ،خالل الفترة ما بين 2001و 2007من %30إلى ،%15وقد
أثار المجلس هذه النقطة من المرصودة تعتبر مستقرة خالل تلك السنة ،حيث عرفت زيادة
طفيفة بنسبة ،%1.2كما اعتبر ان هذه الوضعية من شأنها أن تؤخر العديد من أعمال التجهيز
المرتقبة ،وال سيما تلك المتعلقة بتهيئة بنايات مالئمة إليواء المحاكم المالية ،و تنفيذ خطة العمل
في ميدان التجهيزات المعلوماتية.315
-- 314عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص .348
- 315التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،2007ص.408 :
157
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
شهدت انطالق أشغال بناء مقر المجلس الجهوي للحسابات بأكادير ،ويمكن معرفة ذلك ،من
خالل ارتفاع االعتمادات المخصصة لبند "إنشاء البنيات اإلدارية" بنسبة ،%66ما بين سنة
2007و ،2008كما قام المجلس بالبحث على أراضي عارية ،من أجل تشييد مقرات مجالس
الجهوية أخرى ،كمثال على ذلك المجلس الجهوي لمراكش ،وذلك بالنظر لألغلب المجالس
الجهوية للحسابات ،تتوفر على مقرات إما مكتراة أو موضوعة رهن إشارتها من طرف إدارات
أخرى.316
وبالتالي ،يالحظ أنه على الرغم من التطور الطفيف لميزانية المجلس ،فإن هذه األخيرة
تبقى ضعيفة جدا ،وتعرف تطورا بدون داللة بالمقارنة مع أنشطة المجلس ،كما يبدو أن مبدأ
استقاللية القضاء ،ال يمكن أن تكون حقيقيا إال إذا كان الجهاز القضائي ،يتوفر على الوسائل
المالية الكافية وعلى استقالل الميزانية .هذا بالموازاة مع تمكين المحاكم المالية ،مع استعمال
أحدث التقنيات والوسائل الحديثة ،لمواكبة الوتيرة المتسارعة لعمليات المراقبة ،مما يستلزم
التزويد ببرامج معلوماتية ،من أجل تبسيط المساطر وتحسين سير عمل المحاكم المالية،
والمساهمة في تخفيف األعباء التي تقع على كاهل مواردها البشرية.
أما فيما يتعلق بمحاولة استشعار مردودية المحاكم المالية انطالقا من الموارد المالية
المرصدة لها فال يخفى على أحد الدور المحوري واالستراتيجي الذي تقوم به المحاكم المالية،
سواء في ميدان تحسين جودة التدبير العمومي ،أو من خالل دورها الردعي ،التي تبقه على
مدبري الشأن العام والشأن المركزي ،والذي تمارسه عن طريق العقوبات الصادرة بالغرامات،
أو باسترجاع األموال غير المستحقة لصالح الجهاز العمومي ،فبغض النظر عن قيمة العقوبات،
المنطوق بها من طرف هذه المحاكم لصالح الخزينة العامة للمملكة ،فهي تمارس دورا حكما
تيا يساهم في تصحيح األخطاء ،التي تكون لها في أغلب األحيان أثر على ميزانية الجهاز
العمومي ،وبالتالي تساهم في الحفاظ على أموال دافعي الضرائب ،من الهدر واإلنفاق
الالمسؤول.
بالمقابل إذا ما أخذنا االعتبار ،مداخيل الغرامات والمبالغ المسترجعة ،انطالقا من األحكام
المنطوق بها من طرف المحاكم المالية ،فإن هذا يعطي انطباعا أن هذه المبالغ ال ترقى إلى
- 316التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،2008الجزء األول ،ص55 :
158
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
مبالغ الموارد المالية المرصودة لها ،فمجموعة األحكام المنطوق بها ،منذ السنوات األولى
لممارسة المحاكم المالية لمهامها ،تقارب ما يعادل ميزانية سنة واحدة مخصصة للمحاكم
المالية.
ولتوضيح أكثر ،فإن مجموع المبالغ المحكوم بما بعجز من طرف المجلس ،في إطار
التدقيق والبت في الحسابات ،تقدر بأزيد من 60مليون درهم ،أما بالنسبة للمبالغ المحكوم بها
من طرف المجالس الجهوية تقدر ب 62مليون درهم ،كذلك في ميدان التأديب المالي ،فمجموع
األحكام المنطوق بها من طرف المجلس تقدر ب 15مليون درهم ،أما بالنسبة للمجالس الجهوية
فتقدر 28مليون درهم ما بين الغرامات والمبالغ المسترجعة.317
بالتالي ،فإن المحاكم المالية مطالبة بلعب دور بيداغوجي ،أكثر من الدور العقابي ،وذلك
من خالل انخراطها في دينامية عقلنة الترشيد العمومي ،بالسهر على احترام قواعد الحكامة
الجيدة ،كما أن وجود اختالالت في التدبير ،ال يعني بالضرورة المباالة المسيرين أو سوء
نوياهم ،بقدر ما يعزى ذلك أحيانا ،إلى ضعف كفاءتهم التدبيرية أو إلى النقائص التنظيمية،
وكذا إلى تجدر بعض الممارسات التدبيرية القديمة ،أو إلى اإلكراهات المرتبطة بالمحيط الذي
يشتغلون فيه.
ويعتبر النموذج األنجلوسكسوني ،من بين النماذج الرائدة لألنظمة العليا للرقابة على
األموال العمومية ،ويتولى البرلمان في هذا النموذج مراقبة تنفيذ البرنامج الذي رخص له من
طرف البرلمان ،وترفع إليه تقاريرها وتوصياتها ،وال تكتسي هذه الرقابة أية صبغة زجرية،
ويمثل هذا النموذج كل من الدول " إنجلترا والواليات المتحدة األمريكية وكندا" .أما بالنسبة
للنموذج األلماني ،الذي تمثله نظام محكمة الحسابات الفيدرالية المتميزة بتنظيمها القضائي،
غير أنها ال تصدر أحكاما قضائية ،لكنها تمارس الرقابة السابقة والالحقة ،وهي تابعة عضويا
للسلطة التشريعية ،ويتبع هذا النظام كل من " ألمانيا وهولندا وبعض الدول أمركا الالتينية"،
وتعتبر محكمة الحسابات األوربية من هذا الصنف أيضا.
-- 317عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص 351-350
159
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وبالمقارنة بين عدد الموظفين الذين يمارسون مهام مراقبة اإلدارات العمومية الوطنية،
بغض النظر عن عدد الموظفين الذين يمارسون مهام المساعدة ،فإن محكمة الحسابات الفرنسية
باإلضافة إلى الغرف الجهوية للحسابات ،تتوفر على 650شخص يمارسون هذه المهام ،كما
أن مؤسسة الرقابة البريطانية تتوفر على 1850شخص ،وبالنسبة لجهاز الرقابة األلمانية فهي
تتوفر على 1250شخص.
ومن جهة أخرى ،ال يستقيم عمل المحاكم المالية ،دون تنسيق وتعاون ومشاركة ،المؤسسات
المعنية بالرقابة ،والمحيط الرقابي بشكل عام ،حيث أن هناك ارتباطا وظيفي ،بين انواع
الرقبات اإلدارية والسياسية والقضائية .فالمراقبة السياسية تمارسها المؤسسة البرلمانية التي
تتولى مراقبة العمل الحكومي من خالل فحص التدبير االجهزة االدارية للشأن العام ،وتتولى
السلطة التنفيذية تمارس الرقابة اإلدارية ،باعتبار ان االدارة هي الفضاء الذي تتبلور فيه
الممارسة الرقابية ،فضال عن ممارسة هيئة قضائية للرقابة على التدبير العمومي بواسطة
المحاكم المالية
فباإلضافة إلى العوامل الذاتية التي اشرنا اليها سابقا ،فان العوامل الموضوعية والتي
يصطلح عليها بالمحيط العام للمجال الرقابي ،شكلت في مجموعها عقبة حقيقية أمام السير
العادي للمجلس األعلى للحسابات والمحاكم المالية بشكل عام ،وعلى هذا المستوى ،سنحاول
من خالل هذه الدراسة رصد أهم مستلزمات استقاللية المحاكم المالية (الفقرة األولى) ،ثم أيضا
160
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
إبراز عالقة التعاون بين المجلس ومختلف االجهزة الرقابية االخرى التي تتولى مراقبة الشأن
العام ،دون أن ننسى دور الرأي العام ،ورقابة المواطنة في تحسين تدبير العمومي (الفقرة
الثانية).318
إن العالقة بين األجهزة العليا للرقابة على المال العام والمؤسسة التشريعية تعد من بين
ركائز التدبير الجيد للمال العام ،وهي تقليد تعمل به العديد من الدول ،حيث تعمل هذه األجهزة
في التجارب المقارنة على مساعدة البرلمان في الرقابة على تنفيذ قوانين المالية والقيام
بالتحقيقات والدراسات المتعلقة بتنفيذ اإليرادات والنفقات العامة ،وفي إعادة النظر في
االعتمادات المخصصة لإليرادات في الميزانية كما تقوم بإعادة التصريع العام بالمطابقة ،وهذه
االختصاصات تعد بمثابة تحول هام في ماهية عمل األجهزة العليا للرقابة بشكل يجعلها تخرج
عن حدود الرقابة التقليدية لتشمل مجاالت جديدة أهما تقليد المساعدة و االستشارة.319
ولهذا ولضمان استقاللية هذه المحاكم المالية في إطار تعاونها مع السلطة التشريعية البد من
تفعيل المقتضيات الدستورية التي نصت على مبدأ استقاللية األجهزة العليا للرقابة ،وذلك من
خالل نصوص قانونية وتنظيمية لتحديد مدى استقالليتها ،وتقديم التفاصيل في هذا اإلطار،
وينبغي أيضا إنشاء محكمة عليا تضمن الحماية القانونية الضرورية ضد كل تدخل قد يكسر
هذه االستقاللية ومن زاوية أخرى فإن المنظمات الدولية للرقابة العليا على األموال العمومية
أكدت على ضرورة استقالليتها وأكدت أيضا على أن هذه العالقة يجب أن يكون منصوصا
-- 318عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص .332
- 319أحمد حاسون ،المجلس األعلى للحسابات ،دراسة سوسيو-قانونية ،مرجع سابق ،ص218 :
161
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
عليها في الدستور وفق ظروف ومتطلبات كل بلد ،كما أن توصيات الندوة الدولية السادسة
حول " المجالس الجهوية للحسابات والحكامة الجيدة " حثت على استقاللية المحاكم المالية
وكفاءة الفاعلين بها في ممارسة مهامهم ومصداقيتها في األوساط اإلدارية والمجتمع.320
والمغرب ومن خالل دستور 2011قد عمل على احترام هذه التوصيات كما هو متعارف
عليه في تجارب الدول المتقدمة ،مما جعل الحاجة ملحة إلصالح الترسانة القانونية لمالئمتها
مع المستجدات الدستورية التي حثت على ضرورة تدعيم جسور التعاون والتنسيق بين أجهزة
الرقابة العليا والبرلمان وبمراقبة المالية العامة ،وباإلجابة عن األسئلة واالستشارات المرتبطة
بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة ،321كما يجب أن "يقدم
الرئيس األول للمجلس عرضا عن أعمال المجلس األعلى للحسابات أمام البرلمان ويكون
متبوعا بمناقشة"322
ولهذا من أ جل تكريس هذه المقتضيات البد من إدخال إصالحات قانونية وتقنية تنظيمية
ومؤسساتية كضرورة انتماء الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات وبعض القضاة الماليين
إلى اللجان المالية وذلك قصد إبداء مالحظات واستنتاجات المجلس األعلى للحسابات.
وأن يتم اإلجابة على األسئلة الكتابية الموضوعة من قبل أعضاء اللجان المالية ،بمناسبة
فحص مشروع قانون التصفية من خالل تقديم التقرير الخاص بالمقاوالت العمومية التي تهم
اللجان المالية البرلمانية المختصة.
أن هذه اإلصالحات وغيرها من شأنها أن ترفع من األداء الرقابي للمحاكم المالية ،إذ
أن ضعف وهذه العالقة سيؤدي ال محالة إلى إضعاف الرقابة السياسية التي يمارسها البرلمان
على الجهاز الحكومي ،وبالتالي ال يمكن لهذه الرقابة أن تحقق أهدافها إال من خالل مد المؤسسة
التشريعية بالمساعدة والمشورة ،وتزويدها بالمعلومات الالزمة التي تخص مختلف المؤسسات
اإلدارية والمقاوالت العمومية الخاضعة للرقابة التسيير الجهاز التنفيذي.
- 320جمال السليماني ،المحاكم المالية بالمغرب :دراسة مقارنة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية
االقتصادية واالجتماعية ،وجدة السنة الجامعية .2007-2008
- 321القرة األولى من الصل 148من دستور .2011
- 322الفقرة السادسة من الفصل 148من الدستور المغربي لسنة .2011
162
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
فالعالقة المجلس األعلى للحسابات والمؤسسة التشريعية تعتبر مساعدة دائمة للسلطات
العمومية ،فانطالقا من مدونة المحاكم المالية ،يعتبر المجلس هيئة مساعدة للبرلمان ،في مجال
مراقبة تنفيذ القوانين المالية ،ويقوم المجلس كذلك ،بالرد على الطلبات التوضيح المعروضة
عليه ،من طرف رئيس المجلس النواب والمستشارين ،وذلك بمناسبة التقريرين المتعلقين بتنفيذ
القانون المالية السنة والتصريح العام بالمطابقة ،اللذين يعدهما المجلس ،من أجل إرفاقهما
بمشروع قانون التصفية ،ويقدمهما البرلمان طبقا لمقتضيات المادة 47من القانون التنظيمي
للمالية.
ومن المبادئ الهامة التي يجب أن تضبط العالقة بين المجلس والسلطة التشريعية ،عدم
خضوع الجهاز الرقابي لتوجيهات البرلمان في برمجة العمليات الرقابية ،وفي التخطيط لها
وأدائها ،حتى يكون حرا في وضع األولويات ،وفي برمجة عمله بما يتفق مع مهمته ،من خالل
تبني منهجيات مالئمة للعمليات الرقابية المزمع تنفيذها ،ومن المعايير المعتمدة كذلك المحافظة
على استقاللية المجلس من التأثير السياسي ،هو حقه التام في وضع الترتيبات إعداد التقارير
التي يرفعها البرلمان.
لكن رغم المجهودات التي قام المجلس بها في هذا الشأن ،فإن مجال التواصل بينهما ال يزال
يتميز بالضعف لذلك كان من الضروري توفير التنسيق بين كل األجهزة الرقابية وذلك بغية
تكريس الحكامة المالية الجيدة.323
ثانيا :تعزيز التعاون والتنسيق بين المحاكم المالية والجهاز التنفيذي في مجال حماية
المال العام:
إن تحقيق الجودة في أعمال المحاكم المالية يظل مشروطا بضمان استقالليتها وممارستها
الختصاصاتها في إطار من الشفافية التامة تجاه األشخاص الخاضعين لسلطتها وتجاه
المواطنين على حد سواء ،بعيدا عن أي تأثير أو اعتبارات كيفما كان نوعها ومصدرها ،إال أن
هذه االستقاللية ال تمنع من إيجاد آليات للتنسيق والتعاون بين المكونات القضاء المالي والسلطة
التنفيذية ،ووضع وسائل لتسهيل هذا التنسيق وهذا ما جسده الدستور المغربي لسنة 2011
- 323عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص .389
163
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
حينما أكد على أن المجلس األعلى للحسابات يقدم مساعدته للحكومة في الميادين التي تدخل
ضمن نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون .324إن هذا التنسيق والتعاون من شأنه تفادي هدر
الوقت والمطالبات وكذا حصول تنافس في النتائج المتوصل إليها أثناء إجراء عملية المراقبة
المالية والتدقيق ،وهكذا يمكن تحقيق التعاون من خالل استفادة المحاكم المالية من أعمال
التفتيش والتحقيق التي يتم إنجازها من قبل األجهزة المكلفة بالمراقبة والتفتيش والتدقيق التابعة
مثال لوزارة المالية ،وذلك بالنظر إلى الخبرة التي راكمتها هذه األجهزة عبر السنين مقارنة
بحادثة تجربة األجهزة العليا للرقابة على األموال العمومية ،كما يمكن أن يكون هذا التعاون
والتنسيق من خالل تبادل المعلومات والمعطيات المتعلقة بالمالية العمومية.
كما تجدر اإلشارة إلى ضرورة تدعيم عمل القضاء المالي وتعزيز الصالحيات واألدوات
التي تمكنه من ممارسة رقابة فعالة على تدبير المال العام وتحصيله وإنفاقه أيا كانت الجهة
القائمة على ذلك ،من خالل التحيين الذي تخضع له مدونة المحاكم المالية لتتالءم مع مقتضيات
الدستور 2011وهو توجه ال ينتقص من استقاللية األجهزة الحكومية وال يعتبر تدخال في
شؤونها.
وفي هذا اإلطار ،فالمجلس األعلى للحسابات يقدم مساعدته للحكومة انطالقا من مراقبة
تدبير الحكومة وتقييم أعمالها ،انطالقا من التقريرين الملحقين بقانون التصفية التي يعدهما
المجلس ،يقوم أيضا بمهام المساعدة لصالح الحكومة ،حيث يمكن هذه األخيرة ،من تقدير
المخالفات المرتكبة من طرفها في مجال إدارتها ،خاصة المجال المالي ،كما أن المذكرات
االستعجالية التي يوجهها الرئيس األول للمجلس إلى األجهزة المعينة ،تمكن من لفت انتباه
الحكومة ،للسلبيات أو األخطاء المرتبطة بتطبيق سياسية عمومية ما ،نفس الدور يلعبه كذلك
كل من "التقرير السنوي ،التقارير الموضوعاتية ،والتقارير الخاصة"...
إضافة إلى ذلك ،وألجل تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبية،
وأيضا لترسيخ مبدأ الحق في الولوج إلى المعلومة ،من طرف جميع المؤسسات أو األشخاص،
قام المجلس مؤخرا بنشر مجموعة من القرارات الصادرة عنه ،في ميدان التأديب المتعلق
-324الفقرة الثالثة من الفصل 148من الدستور المغربي لسنة 2011الذي جاء فيها :يقدم المجلس األعلى للحسابات مساعدته للحكومة ،في
الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصه بمقتضى القانون.
164
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
بالميزانية والشؤون المالية ،وفي ميدان التدقيق والبت في الحسابات ،وذلك قصد إبراز الطابع
القضائي الختصاصاته القضائية ،وأيضا لتحقيق التكامل بين االختصاصات الرقابية والعقابية،
بشكل يوفق بين طبيعتها كمؤسسات قضائية من جهة ،ومن جهة أخرى ،بشكل تصبح معه
األحكام التي تصدرها هذه المحاكم ،من اآلليات التي تعتمدها من أجل المساهمة في تحسين
التدبير العمومي.
تعددت المراحل التي تمر منها تركيبة الموارد البشرية للمحاكم المالية ،وخصوصا منها فئة
القضاة حيث تميزت المرحلة األولى بإدماج موظفي اللجنة الوطنية للحسابات ،وإلحاق
مجموعة من الموظفي وزارة المالية بالمجلس ،للسهر على تأطير القضاة ولجوه عن طريق
المباراة ،ولعل هذه الثنائية المعتمدة في التأليف األولى للمجلس هي التي لم تمكنهم االستفادة
من كفاءة واطور عليا.325
ففيما يخص ،التأهيل وتكوين قضاة موظفي المجلس فحسب مقتضيات مدونة المحاكم
المالية ،يتعين على ملحقين القضائيين اجراء التدريب ،يخضعون على أثره المتحان الكفاءة
المهنية قبل تعيينهم كقضاة ،وتحديد كيفيات تنظيم التدريب بواسطة األمر للرئيس االول للمجلس
االعلى للحسابات تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية ،ويضمن هذا
التدريب للقضاة تكوينا نظريا وعلميا ،يهم الجوانب القانونية والمالية والمحاسبية ،للرقابة التي
- 325عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص .340
165
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
وغني عن البيان أن القيام بالمهمات الرقابية تستوجب التوفر على تقنيات وخبرات عالية
في مجاالت متنوعة "كالقانون وعلم االدارة وتقنيات التدبير" االمر الذي يستلزم من القاضي
تكوينا يجعله على دراية تامة بالعلوم القانونية واالقتصادية والتوفر له بداية الوقت على
مؤهالت المهنية المطلوبة في كل مدقق وكاد اإللمام بالمعايير والضوابط التي أفرزتها
الممارسات على المستوى الدولي في مجال التحري والتدقيق.326
ولهذا الغرض ،حرص المجلس على تمكن موارده البشرية ،من تكوين متخصص
ومتنوع ،شمل مجموعة من الجوانب ،كمل تمحور برنامج التكوين ،حول شق نظري وآخر
ميداني ،ويهدف التكوين النظري ،إلى تحسين وتحيين مستوى معارف ومهارات القضاء ،وذلك
من أجل تحقيق التجانس مع مستوى كفاءتهم ،أما التكوين الميداني ،والظروف العملية لممارسة
مهنة قاضي بالمحاكم المالية ،ويتلخص هذا في:
-تكوين الملحقين القضائيين (وهم الناجحون في امتحانات ولوج سلك القضاة الذين ال زالوا
في طور التدريب) :حيث يتم التركيز على تكوينهم في "مجال المالية العامة والمحاسب
العمومية والخاصة والقانون والمساطر ومراقبة التسيير ،"...كما يتم تلقينهم تكوينا إضافيا ،في
مجال "المحاسبة والتدقيق والتحليل المالي" ،قصد االستجابة للتوجه الجديد للمراقبة الموكولة
للمحاكم المالية ،إضافة إال تكوينهم في مجال اإلعالميات وتحرير القرارات والتقارير
والمعلوميات.
وتجدر اإلشارة إال أن تنشيط حلقات التكوين ،تتم إما من طرف قضاة المحاكم المالية ،أو
من قبل خبراء معترف بهم دوليا ،من المغاربة (أطر عليا بالقطاعين العام والخاص) ،أو أجانب
(قضاة المحاكم المالية الفرنسية أو خبراء المنظمات الدولية) .إضافة إلى ذلك ،يجري الملحقون
القضائيون تدريبا عمليا ،سواء على المستوى الوطني( ،ال سيما بالمصالح الخزينة العامة
وإدارة الجمارك) ،أو على المستوى الدولي (بالغرف الجهوية الفرنسية للحسابات ،والمكتب
الوطني للتدقيق بإنجلترا ،NAOومكتب المحاسبة الحكومية بالواليات المتحد األمريكية
.327)GAO
- 326التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،2006ص.9 :
- 327التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،2010ص.516 :
166
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
-وألجل تكوين القضاة :في إطار التكوين المستمر ،تتم إعادة تأهيل القضاة بالنظر إلى
اختالف تخصصاتهم ،والسيما في المواد القانونية والمالية والمحاسبية والمعلوماتية ،إضافة
إلى تمكينهم من الحصول على تكوين متخصص ،يرتكز على معارف تقنية وقانونية محكمة،
في المواد التي لها عالقة بالوظائف المخولة للمحاكم المالية ،كما يتم األخذ بمخطط لمالئمة
الوسائل والمساطر المنهجية ،مع التوجهات الجديدة للرقابة المسندة إلى المحاكم المالية،
وخاصة اعتماد الممارسات المهنية المتعلقة بالتدقيق الحديث ومراقبة األداء.
وفي هذا اإلطار ،عمل المجلس على تنظيم دورات تكوينية ،من أجل صقل كفاءات القضاة
العاملين بالمحاكم المالية في مجموعة من الميادين ،وكمثال على ذلك ،قام المجلس خالل سنة
2008بتنظيم أيام إعالمية وعقد ندوات ،حول "اإلصالحات المالية" ،شارك في تنشيطها
المجلس األعلى للحسابات ،ومديرية الميزانية التابعة لوزارة المالية والمفتشية العامة للمالية،
وتم تنظيم ندوات أخرى حول موضوع "التحليل المالي كوسيلة للتدبير الفعال والعقالني
للمقاولة" بتعاون بين المجلس واإلدارة العامة للمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاوالت ،كما
نظم المجلس بمشاركة مع نظيره الفرنسي ،ندوة حول موضوع "تحليل المخاطر" قام بتنشيطها
خبيران فرنسيان.328
كما انخرط المجلس في عالقات التعاون وتبادل الخبرات مع أجهزة رقابية أخرى من
أجل تكوين قضاته ،ويولي المجلس األعلى للحسابات أهمية خاصة لتعزيز مهامه الرقابية،
وتطوير آليات اشتغاله ،وفقا للمعايير المعتمدة دوليا في مجال مراقبة المالية العمومية ،ولهذا
الغرض ،يعمل المجلس بصفة دائمة ،على تشجيع تبادل التجارب والخبرات ،بينه وبين هيئات
ومنظمات الرقابة المالية ،على المستويين اإلقليمي والدولي ،خاصة المنظمة الدولية لألجهزة
العليا للرقابة المالية والمحاسبة (األنتوساي) ،مختلف الفروع المنبثقة عنها ،باإلضافة إلى
مجموعة من المؤسسات المانحة الدولية.
وقد واصل المجلس توطيد عالقاته ،مع المنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة المالية
والمحاسبية (األنتوساي) ،والمجموعة العربية لألجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (األر
بوساي) ،وجمعية األجهزة العليا للرقابة التي تشترك في استعمال اللغة الفرنسية (اإليسكوف)،
- 328عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،ص .342
167
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
ولجنة التنسيق المغاربية لألجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ،والوكالة األلمانية للتنمية،
والمنظمة األوروبية لألجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (األوروساي).329
ويسعى المجلس عبر مبادرات التعاون على مستوى الدولي ،إلى تكريس دور األجهزة
العليا للرقابة المالية والمحاسبة ،في المساهمة الفعالة في عقلنة تدبير األموال العامة ،بحيادية
وموضوعية وكفاءة مهنية عالية ،وذلك عن طريق اعتماد أفضل وأحدث األساليب العلمية،
والممارسات المهنية في العمل الرقابي ،والحرص على مواكبة التطورات والمستجدات،
المرتبطة بمجاالت الرقابة والتدقيق واالفتحاص المالي ،قام بتطوير عالقاته مع هيئات دولية
وجهوية ،أبدت استعدادها لدعم مسار تحديث المجلس ،كمنظمة التعاون والتنمية االقتصادية
) ،(OCDEوالوكالة األمريكية للتنمية ( ،)USAIDوالبنك االفريقي للتنمية (.330)BAD
يعتبر الشرط المالي من الشروط األساسية في عمل األجهزة العليا للرقابة المالية ،ليس
فقط إلنجاز المهام الرقابية وإنما أيضا لضمان استقاللية هذه األجهزة ،وما يحققه ذلك من حياد
ومصداقية في العملية الرقابية ،لكن المالحظ أن المجالس الجهوية للحسابات مثال ال تتوفر على
ميزانية مستقلة ،وإنما هناك ميزانية موحدة للمحاكم المالية عموما والتي تندرج ضمن الميزانية
العامة للدولة ،كما ان اآلمر بالصرف فيها هو الرئيس األول وهو الرئيس المجلس األعلى
للحسابات ،مما يستوجب منح هذه المجالس ميزانية خاصة ،أو على األقل تفعيل المادة 9من
القانون 62.99في إمكانية تفويض صالحية اآلمر بالصرف من الرئيس األول للمجلس األعلى
للحسابات إلى رؤساء المجالس الجهوية.
وعليه فاإلمكانيات المادية للمحاكم المالية تعتبر مؤشرا على نجاح أو فشلها في القيام
بوظائفها واختصاصاتها ،الشيء الذي ينبغي معه التأكيد على أهمية إصالح هذا الشق ،من
خالل تعزيز منظومة المعلوميات في عمل هذه المحاكم ،فإنتاجية أي مؤسسة رهين بتوفرها
على الوسائل المادية المعتمدة في عملها وبنوعية وحداثة هذه الوسائل واالمكانيات ،والمحاكم
- 329عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"،
مرجع سابق ،ص344 :
- 330التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات ،الجزء األول ،برسم سنة ،2015ص.9 :
168
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
المالية مطالبة بتوفير هذه الجوانب للرفع من جودة أدائها والرفع من مستوى عملها ،وذلك
باعتماد األساليب الحديثة للرقابة ،والتي تتطلب االستعانة بتقنيات المعلوميات والحواسيب
والوسائل الحديثة لمعالجة المعلومات واالحصائيات لمواجهة متطلبات االفتحاص
والرقاب331ة .أما فيما يتعلق بمحاولة استشعار مردودية المحاكم المالية انطالقا من الموارد
المالية المرصدة لها فال يخفى على أحد الدور المحوري واالستراتيجي الذي تقوم به المحاكم
المالية ،سواء في ميدان تحسين جودة التدبير العمومي ،أو من خالل دورها الردعي ،التي تبقه
على مدبري الشأن العام والشأن المركزي ،والذي تمارسه عن طريق العقوبات الصادرة
بالغرامات ،أو باسترجاع األموال غير المستحقة لصالح الجهاز العمومي ،فبغض النظر عن
قيمة العقوبات ،المنطوق بها من طرف هذه المحاكم لصالح الخزينة العامة للمملكة ،فهي
تمارس دورا حكما تيا يساهم في تصحيح األخطاء ،التي تكون لها في أغلب األحيان أثر على
ميزانية الجهاز العمومي ،وبالتالي تساهم في الحفاظ على أموال دافعي الضرائب ،من الهدر
واإلنفاق الالمسؤول.
بالمقابل إذا ما أخذنا االعتبار ،مداخيل الغرامات والمبالغ المسترجعة ،انطالقا من
األحكام المنطوق بها من طرف المحاكم المالية ،فإن هذا يعطي انطباعا أن هذه المبالغ ال ترقى
إلى مبالغ الموارد المالية المرصودة لها ،فمجموعة األحكام المنطوق بها ،منذ السنوات األولى
لممارسة المحاكم المالية لمهامها ،تقارب ما يعادل ميزانية سنة واحدة مخصصة للمحاكم
المالية.
ولتوضيح أكثر ،فإن مجموع المبالغ المحكوم بما بعجز من طرف المجلس ،في إطار
التدقيق والبت في الحسابات ،تقدر بأزيد من 60مليون درهم ،أما بالنسبة للمبالغ المحكوم بها
من طرف المجالس الجهوية تقدر ب 62مليون درهم ،كذلك في ميدان التأديب المالي ،فمجموع
األحكام المنطوق بها من طرف المجلس تقدر ب 15مليون درهم ،أما بالنسبة للمجالس الجهوية
فتقدر 28مليون درهم ما بين الغرامات والمبالغ المسترجعة.332
- 331عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،مرجع سابق ص:
.347
- 332عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" ،مرجع سابق،
ص.351 :
169
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
ثالثا :اصالح البنية المؤسساتية لمنظومة الرقابة المالية:
تعد الرقابة على األموال العمومية واحدة من أهم الركائز التي تقوم عليها الدولة الحديثة ،والتي
تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة بكل أبعادها ،مما جعل كل الدول تهتم بهذا المجال وتوليه
عناية كبيرة سواء من خالل إيجاد آليات قانونية أو من حيث إنشاء أجهزة وهياكل تعمل على
القيام بهذه الوظيفة ،وفي هذا اإلطار عمل المغرب على مسايرة التطورات التي تعرفها منظومة
الرقابة المالية ،فحاول انشاء مؤسسات رقابية حديثة إلى جانب المؤسسات التقليدية ،هذا الوضع
أدى إ لى عدم التنسيق أحيانا بين هذه األجهزة مما خلف نتائج وخيمة واثار سلبية على هذا
مجال حماية المال العام وهذا ما يتطلب من جهة انشاء أجهزة أخرى للرقابة االلية من أجل
تحقيق نوع من التخصص وأيضا تعزيز التعاون والتنسيق بين هذه األجهزة من جهة أخرى
تقوم المحاكم المالية بالعديد من األعمال والمهام وذلك في ظل غياب مؤسسات أخرى يمكن أن
تساعدها في القيام بأعباء الرقابة المالية ،كما أن تشعب هذه المهام المنوطة بها في مجاالت
متعددة كمراقبة الحسابات اإلدارية لآلمرين بالصرف للجماعات الترابية والمؤسسات العمومية
والمقاوالت العمومية وكذا الحسابات التدبيرية لجميع محاسبي الدولة ،باإلضافة إلى مهمة
التأديب والتقويم ومراقبة تنفيذ القانون المالية ثم مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات ،وتدقيق
الحسابات األحزاب السياسية ،وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات االنتخابية ...كل هذا يؤدي ال
محالة بهذه المحاكم إلى دعم إتقان عملها وعدم ضمان الفعالية والجودة الطلوبتين في مهامها،
كما يمكن ان يؤدي هذا الوضع إلى جعل المال العام عرضة للهدر والنهب في ظل ضعف
الرقابة وتعدد المهام المنوطة بها ،مما قد يفقدها معنى من وجودها وإنشائها.
بخالف هذا نجد أن التجربة الفرنسية مثال انتبهت إلى هذه اإلشكالية وحاولت تجاوزها،
وذلك بإنشاء هيئات أخرى إلى جانب محكمة الحسابات الفرنسية في مجال الرقابة العليا على
األموال العمومية ،فتم تأسيس محكمة التأديب المالي سنة 1948والتي تنظر في قضايا
المخالفات المحالة إليها بواسطة النائب العام لمحكمة الحسابات وإيقاع الجزاء على كل مخالفة
لقواعد اإلنفاق العمومي من األموال العامة ،التي لم ترتكب من طرف مدني أو عسكري .كما
170
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
تم إنشاء مجلس الضرائب سنة 1971الذي يهتم بالميدان الجبائي ،ويبحث في مظاهر الضغط
الجبائي وقياس تطوره ،فيما تتكلف اللجنة المركزية للتقصي بمراقبة تكاليف مردودية المصالح
العمومية ،كل هذه الهيئات تعد امتدادا وتكملة للعمل الذي تقوم به محكمة الحسابات الفرنسية
في ميدان الرقابة المالية العليا.
إن التجربة الفرنسية في مجال الرقابة العليا على األموال العمومية تتسم بمزيد من التخصص،
وهذا ربما كان نتيجة للتجارب المهمة واألشواط الكبيرة التي قطعتها الرقابة المالية العليا
بفرنسا ،كما أنها وليدة حاجة وظروف مرتبطة بالتطورات االقتصادية واالجتماعية والثقافية
والقانونية وبالحياة السياسية التي تعيشها فرنسا .ونحن بذكرنا للنموذج الفرنسي ال نطلب
استنساخ هذا النموذج ،بل فقط من أجل االستفادة منه وإيجاد صيغة تتناسب مع الوضعية
االقتصادية والمالية والثقافية والسياسية والقانونية للمغرب.333
ب :إقرار شراكة حقيقية وتنسيق دائم بين مختلف الفاعلين واألجهزة الرقابية
إن غياب التنسيق بين األجهزة المكلفة بالرقابة يشكل إحدى نقط الضعف األساسية التي يعرفها
نظام المراقبة المالية بالمغرب ،فغياب التكامل والتشاور فيما بينها لم يكن عامال مساعدا للرفع
من المردودية على المستوى المالي .ورغم الوعي بأهمية هذا العمل فإن مشاريع اإلصالح
الحكومية لم تتمكن بعد من سد هذه الفجوة المزمنة ،ربما العتبارات موضوعية وسياسية
خارجة عن إرادته.
وبالتالي يجب تعزيز التنسيق والتواصل بين مختلف األقطاب الرقابية الداخلية والخارجية
ومختلف مكونات الجهاز القضائي من محاكم إدارية وتجارية وغيرها من أجل محاربة
االنغالق وحاالت الجمود ،وكذا ضمان تجانس وفعالية أكبر في عمل المحاكم المالية ،كما يجب
على هذه األخيرة أن تحرص على تفعيل الرقابة وتنمية روابط التواصل والتشارك على عدة
أصعدة وطنيا ،جهويا ودوليا وينبغي أيضا أن تسهر على تنمية أواصر التعاون مع األجهزة
الرقابية داخلية وكذا األجهزة القضائية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والجامعات.
ولضبط اإلطار العام لهيئات المراقبة وتنسيق تدخالتها ال بد من إحداث جهة عليا موحدة تحلق
برئاسة الحكومة ،يكون من مهامها اإلشراف على التنسيق ومد الجسور التعاون بين المؤسسات
الرقابة المالية المختلفة ،تكون مشكلة من قضاة ومراقبين ماليين ونواب برلمانيين باإلضافة
إلى خبراء التدقيق من القطاعين العام والخاص كالمستشارين ،ويمكن لهذه الهيئة أن تساهم في
خلق نوع من التعاون والتشاور الوثيقين وتمكن من ردم الهوة الحاصلة بين الرقابة اإلدارية
بآلياتها المتعددة والرقابة البرلمانية بصالحيتها المحدودة ،عبر خلق نوع من التوازن يستطيع
من خالله البرلمان اإلستعانة بخبراء ماليين واقتصاديين حتى يستطيع أن يقوم بدوره كامال في
مجال الرقابة على المال العام هذا من جهة ،وفي سبيل تحسين التدبير العمومي وفق ما جاء
على ضوء مخرجات النموذج التنموي الجديد والتقرير األخير للمجلس األعلى للحسابات من
جهة أخرى.
وفي هذا الصدد ،وجب على المحاكم المالية مواكبة زمن الرقمنة ،خاصة في هذه الظرفية
التي طبعتها عدة متغيرات همت السياقين الوطني والدولي ،والمرتبطة أساسا باألزمة الصحية
العالمية وتداعياتها على االقتصاد الوطني ،وذلك ما شرع فيه المجلس األعلى مع شركائه
والمتمثلة في وزارة االقتصاد والمالية ،خاصة الخزينة العامة للمملكة ،ومديرية الجمارك،
ومديرية الضرائب ،بالقيام بمبادرات من أجل تقديم الحسابات بشكل إلكتروني ،في انتظار
334
تعميم هذه التقنيات على مستوى التقاضي بشكل عام ،وذلك باعتماد التبليغ االلكتروني
- 334مجلس النواب ،تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان حول الميزانيات الفرعية ،مشروع قانون المالية سنة ،2019ص.482 :
172
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
واعتماد مبدأ التقاضي عن بعد من خالل اعتماد تقنية ،Visioconférenceالتي شرع العمل
بها على مستوى المحاكم العادية منذ سنة 2016محكمة االستئناف بالدار البيضاء نموذجا.
ومن خالل هذه الدراسة ،فقد دعت مختلف المنظمات الدولية واإلقليمية المتخصصة في الرقابة
المالية والمحاسبة ،وبعض المؤسسات الرسمية في المغرب من خالل مختلف التوصيات
الصادرة عنها( ،توصيات النموذج التنموي الجديد -تقرير المجلس االقتصادي واالجتماعي
والبيئي والتقرير األخير للمجلس األعلى للحسابات) ،على ضرورة تحديث التدبير العمومي
طعن طريق اعتماد التقنية المعلوماتية واستعمالها في الرقابة المالية.
173
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
خاتمة الفصل الثاني:
لقد اقتصر البحث في هذا الفصل عن النطاق الواسع لالختصاص الرقابة القضائية التي
تمارسها المحاكم المالية ،فقد أسفرت الممارسة القضائية للقاضي المالي عن تركيز المساءلة
على اآلمرين بالصرف والمسؤولين الذين يتولون المهمات التنفيذية ال التقريرية داخل األجهزة
الخاضعة ،وبشكل محدود على باقي المدبرين العموميين الخاضعين ،علما أنه بمقتضى القانون
يستثنى من هذا االختصاص المدبرون العموميون الذين يمارسون وظائف سياسية ،والذين
يتولون مهامها التقريرية داخل األجهزة العمومية المعنية ،وكذا مسؤولي األجهزة المختلطة من
األشخاص القانون الخاص الذين يتلقون أموال عمومية سواء على شكل مساهمات أو إعانات.
وقد مكنت التقارير السنوية المنشورة بالمحاكم المالية ،من تشكيل آلية ضاغطة ،مكنت
بالفعل من إعطاء فكرة تقريبية عن حجم اإلختالالت المرصودة على مستوى التدبير اإلداري
والمالي للهيئات الخاضعة لمراقبتها ،وقد عزت المحاكمة المالية إلى وجود إختالالت ،ال يعني
الضرورة ال مباالة المسيرين أو سوء نواياهم ،بقدر ما يعزى أحيانا إلى ضعف كفاءتهم
التدبيرية أو إلى النقائص التنظيمية ،وكذلك إلى تجدر بعض الممارسات القديمة ،وإلى
اإلكراهات المرتبطة بالمحيط الذين يشغلون فيه.
وقد إنتقاء القرارات التي تم نشرها بناء معيار محدد ،الهدف منه تعميم الفائدة من أجل
تحسين التدبير العمومي ،ولم يكن الغرض هو تبيان أهمية العقوبة المحكوم بها ،وإنما الغرض
منه منح المهتمين وللرأي العام في المجال القانوني لإلغناء النقاش حول إشكالية التدبير
العمومي ،وطرق تجاوزها ،وتكريس االجتهاد القضائي في مجال مسؤولية المدبرين العموميين
وتدعيم مبدأ الربط المسؤولية بالمحاسبة.
174
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
خاتمة عامة:
لقد حاولنا من خالل هذه الدراسة المتواضعة تحليل مسؤولية اآلمر بالضرف أمام المحاكم
المالية بالمغرب ،من خالل البحث عن إشكالية مركزية تتعلق بمدى نجاعة منظومة الرقابة
المحاكم المالية في تجويد التدبير العمومي ،وذلك من خالل فصلين.
ففي الفصل األول استعرضنا أهم األجهزة الرقابية على المال العام ،والمتمثلة في المحاكم
المالية بالمغرب ،وذلك من خالل التطرق للبناء التنظيمي لها والتركيز على أهم االختصاصات
المحاكم المالية سواء كانت االختصاصات القضائية أو االختصاصات الغير القضائية باإلضافة
إلى المساعدة التي تقدمها المحاكم المالية للبرلمان والحكومة وللهيئات القضائية فضال عن
األشخاص واألجهزة الخاضعين لهذه المسطرة.
إال أن مشاركة اآلمرين بالصرف في مجال تنفيذ الميزانية كان البد من تحديد مسؤولية
اآلمر بالصرف أمام القضاء المالي حسب السلطة التي يمتلكها في هذا المجال ،فالتشريع
المغربي ،نص على مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين في نص
واحد في إطار القانون 61.99المتعلق بمسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين
العموميين أو من في حكمهم ،وقد شكلت المسؤولية التأديبية والمدنية والجنائية المجال المشترك
للمسؤولية األشخاص الخاضعين للرقابة المحاكم المالية.
أما بالنسبة لاللتزامات الملقاة على عاتق اآلمرين بالصرف فقد حدد المشرع إلتزماته
ومسؤولياته التأديبية والمسؤولية المدنية والشخصية والجنائية ،وتعتبر جرائم الغدر واالختالس
والرشوة واستغالل النفوذ من أهم الجرائم التي يمكن لآلمرين بالصرف إرتكابها.
وقد خص المشرع الجنائي المغربي نصوصا خاصة بهذه الجرائم من خالل الفصول
241إلى ،256فالمشرع في هذه الجرائم سعى إلى حماية السير الطبيعي للمرافق العمومية
التي يتصرف فيها الفاعلون األساسيون في الميزانية العامة والترابية من آمرين بالصرف
والمحاسبين العموميين ،في حين يمكن لهؤالء األشخاص أن يعفوا من المسؤولية ،إما أذا ما
فضل رؤساؤهم التستر عن أخطائهم ومعاقبتهم تأديبيا ،أو طلب ذلك إداريا بحسب شروط
المشرع من خالل طلب اإلعفاء من المسؤولية أو براءة الذمة على وجه اإلحسان ،أو بالطرق
175
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
القضائية كطلب المراجعة االحكام أو القرارات ،والطعن باالستئناف أو النقض إللغاء العقوبات
والغرامات والجزاءات المترتبة عن ثبوت المسؤولية المالية.
ودائما في إطار معالجة إشكالية البحث الرئيسية ،تطرقنا من خالل الفصل الثاني من هذه
الرسالة ،على تبيان مجال المساءلة أعضاء الحكومة والبرلمان في ميدان التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية سواء من حيث النطاق أو من حيث االستثناءات ،وذلك عبر الحديث
عن المخالفات التي ترتكب في مجال التدبير العمومي ،والتي في الغالب تضفي على المسؤولية
طابعا إداريا وليس سياسيا ،بحيث أنه من النادر أن يتخذ الوزير قرارا غير قانوني بشكل
مباشر ،فهذا االختصاص يستثني باألساس المدبرون العموميون الذين يمارسون وظائف
سياسية ،والذين يتولون مهامها تقريرية داخل األجهزة العمومية المعنية.
إن المحاكم المالية وفي سبيل القيام بمختلف الوظائف تصطدم بمجموعة من اإلكرهات
والعراقيل ،الشيء الذي يحد من فعالية أدائها الرقابي ،ويعرقل سير عملها .وفي هذا اإلطار
يمكننا تصنيف اإلكراهات إلى ما هو متعلق بالمحيط الداخلي ،وتتمثل في األساس في
اإل كراهات القانونية والمؤسساتية ،وما هو مرتبط بالمحيط الخارجي والذي تمثل المعيقات
السياسية واإلدارية والثقافية أبرز صوره .وبالتالي البد من التفكير في تجاوز المقتربات
التقليدية لتكييف التقنيات الحديثة في الرقابة المالية ،خصوصا ما يتعلق بمراقبة التسيير،
والتدقيق ،والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،وذلك لنجاح السياسات العمومية إلى
جانب تفعيل مراقبة األداء المعتمدة على النتائج بدل الوسائل واعتماد مقاربة نجاعة األداء من
أجل الحفاظ على المال العام وتحقيق الحكامة الجيدة المفقودة.
كل هاته العوامل كانت دافعا لنا الحديث عن مجموعة من األجهزة التي تختلف من حيث
األدوار وأسالب العمل ،ولكنها تلتقي في هدف واحد وهو تأمين االستعمال السليم للمال العام،
والتصدي لالنحرافات والتجاوزات التي يمكن ان تعتري عمليات إدارته والسعي لتصحيحيها،
وكذا المساهمة في تقييم وتطوير التدبير العمومي .حيث أرسى دستور 2011جملة من اآلليات
الدستورية الهادفة إلى تعزيز الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد والرشوة
ومحاربتها ،وذلك من خالل دعم دور المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات
176
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
في مراقبة المال العام وترسيخ قواعد الشفافية المالية وكذا ربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس
قاعدة عدم اإلفالت من العقاب.
177
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الئحة المراجع:
✓ الكتب والمؤلفات
-عسو منصور ،قانون الميزانية العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة ،مطبعة المعارف
الجديدة ،الطبعة األولى ،أكتوير .2017
-إبراهيم بن به ،نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي -دراسة قانونية
وقضائية مقارنة ،مطبعة طوب بريس-الرباط ،الطبعة األولى ،ماي .2017
-محمد براو ،القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين-على ضوء مدونة المحاكم المالية وقضاء المجلس
األعلى للحسابات وقضاء محكمة النقض (دليل عملي لفائدة المهنيين والباحثين) ،مكتبة دار
السالم ،الرباط.2017 ،
-عبد الفتاح بالخال ،علم المالية العامة التشريع المالي المغربي ،مطبعة فضالة،
الدارالبيضاء.2005 ،
-عبد الواحد العلمي ،المبادئ العامة للقانون الجنائي ،الجزء الثاني ،مطبعة فضالة،
الدارالبيضاء.2005 ،
-عبد الواحد العلمي ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ،الجزء األول،
مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء.2006 ،
-مليكة الصروخ ،القانون اإلداري -دراسة مقارنة -مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء،
الطبعة الخامسة ،أكتوبر .2001
-عبد النبي اضريف ،كتاب القانون الميزانية الدولة على ضوء القانون التنظيمي للمالية
.130.13
178
✓ األطروحات والرسائل:
➢ األطروحات:
-محمد يحيا ،المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي ،أطروحة لنيل
شهادة الدكتوراه في القانون العام ،بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة ،برسم
السنة الجامعية ،2013-2012ص .2
-خديجة بلكبير ،مساهمة المحاكم المالية في الرقابة العليا دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة،
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية اكدال ،السنة الجامعية .2008-2007
-جمال السليماني ،المحاكم المالية بالمغرب-دراسة مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
العام ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة.2008 ،
➢ الرسائل:
-بداه مريم ،دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب،
رسالة لنيل دبلوم الماستر تخصص العلوم اإلدارية والمالية ،بكلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية سويسي برسم السنة الجامعية .2020-2019
-ياسين قادري ،آليات الحكامة بالمغرب رقابة المجلس األعلى للحسابات نموذجا ،رسالة لنيل
شهادة الماستر ،ماستر القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية ،جامعة الحسن الثاني ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدارالبيضاء ،السنة الجامعية .2015-2014
-الحسين غنام ،دور المجلس األعلى للحسابات في حماية المال العام بالمغرب على ضوء
مقتضيات الدستور ،2011رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام والعلوم السياسية
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
تخصص الدراسات اإلدارية والمالية ،جامعة محمد الخامس اكدال الرباط ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،السنة الجامعية .2017-2016
محمد ولد أحمد ميناط ،الرقابة العليا على األموال العمومية في دول المغرب العربي ،دراسة
نقدية ومقارنة ،بحث لنيل دبلوم السلك العالي ،المدرسة الوطنية لإلدارة ،الرباط.
-أمل أزرو ،الرقابة المالية بين وزارة المالية والمجلس او على الحسابات ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر واالقتصادية واالجتماعية السويسي.2011_2010 ،
جاعي الحجوجي ،المجالس الجهوية للحسابات وجباية المال العام المحلي بالمغرب ،رسالة
لنيل دبلوم الماستر في القانون العام جامعة الحسن األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية باسطات ،السنة الجامعية .2010-2009
✓ المقاالت:
عبد الودود الزباخ ،مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية ،مجلة الحقوق سلسلة
"المعارف القانونية والقضائية" .مطبعة المعارف الجديدة-الرباط .2022
-محمد حركات ،الوصايا العشر الكفيلة بضمان نجاح تجربة المحاكم المالية بالمغرب،
منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،سلسلة التدبير االستراتيجي ،عدد.2002 ،3
-أحميدوش مدني ،الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،
المجلة المغربية للمالية العمومية ،العدد ،3سنة .2013
-أحمد حاسون ،المجلس األعلى للحسابات بالمغرب (دراسة سوسيو قانونية) ،مجلة الدراسات
الدراسات السياسية واالجتماعية سلسلة أطروحات وأبحاث ،العدد .2013-1مطبعة المعارف
الجديدة-الرباط.
-سارة الطاهيري ،الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح ،جامعة محمد الخامس
الرباط ،تاريخ االستالم .2021-03-07
180
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
نجيب جيري ،الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية-دراسة تحليلية
ونقدية ،دار نشر المعرفة الرباط.
-عادلة الوردي ،رقابة المجلس األعلى للحسابات على المال العام في المغرب ،منشورات
مجلة الحقوق المغربية مطبعة المعارف الجديدة الربا ،الطبعة األولى .2012
-محمد حركات ،أفاق الرقابة العليا على األموال العمومية بالمغرب في إطار مقتضيات
الدستور الجديد ،جريدة ،العلم ،العدد ، 16854بتاريخ 27شتنبر .1996
عبد العزيز الحبشي ،بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات
المحلية وهيئاتها على ضوء مدونة المحاكم المالية ،المجلة المغربية إلدارة المحلية والتنمية،
العدد ،50ماي-يونيو .2003
حكيم كرم ،سياسة التصريح اإلجباري بالممتلكات بين القصور التشريعي وغياب اإلرادة
السياسية ،مجلة اإلرشاد القانوني ،عدد مزدوج الثاني والثالث.2018 ،
✓ النصوص القانونية
➢ الدستور:
-دستور المملكة المغربية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ،1.11.91بتاريخ 29يوليوز
،2011الجريدة الرسمية عدد 5964مكرر ،الصادر بتاريخ 30يوليوز ،2011ص.6301
➢ القوانين:
181
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
-القانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم
1.02.124بتاريخ فاتح الربيع اآلخر 13( 1423يونيو ،)2002الجريدة الرسمية ،5030
الصادر بتاريخ 15غشت .2002
-ظهير شريف بمثابة قانون 1.72.157المتعلق بإحداث محكمة العدل الخاصة المكلفة بالزجر
عن الجنايات الغدر والرشوة واستغالل النفوذ واالختالس ،الصادر بتاريخ 27شعبان (1392
6أكتوبر ،)1972الجريدة الرسمية عدد ،3128الصادر بتاريخ 11أكتوبر .1972
-القانون رقم 11.15المتعلق بإعداد تنظيم الهيئة العليا لالتصال السمعي البصري ،الصادر
بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.16.123بتاريخ 21ذي القعدة 25( 1437غشت ،)2016
الصادر بالجريدة الرسمية عدد ،65.02بتاريخ 20ذو الحجة 22( 1437شتنبر .)2016
-قانون المسطرة الجنائية رقم ،22.01الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255
الصادر في 25رجب 3( 1423أكتوبر ،)2002الصادر بالجريدة الرسمية عدد ،5078
بتاريخ 27ذي القعدة 30( 1424يناير .)2003
➢ التقارير والمذكرات
-التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات لسنة ،2018المجلس الجهوي للحسابات لجهة
درعة الرباط سال القنيطرة ،المملكة المغربية ،الرباط.2018 ،
182
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
-التقرير السنوي حول أنشطة المجلس األعلى للحسابات لإلختصاص القضائي برسم سنة
،2018المملكة المغربية ،الرباط.2018 ،
-تقرير حول المؤسسات العمومية والمقاوالت العمومية المرفق بمشروع قانون مالية السنة،
.2019
-تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان حول الميزانيات الفرعية ،مشروع قانون مالية،
مجلس النواب ،سنة .2019
➢ قرارات قضائية
-قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد 583في الملف اإلداري ،752/96صادر
بتاريخ ،04/06/1988أوردته عادلة الوردي ،م.س ،.ص .131
-قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد 137في الملف اإلداري ،128/4/1/95
صادر بتاريخ .13/02/1997
-القراران عدد 023و 2017/024ت.م ش.م ،القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية خالل سنة ،2017شتنبر ،2017
-القراران عدد 023و 2017/024ت.م ش.م ،القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية خالل سنة ،2017شتنبر ،2017
183
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
يتعلق برئيس الجامعة موالي2018 ماي28 م الصادر بتاريخ.ش. م2018/01 القرار رقم-
، قرارات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،إسماعيل بمكناس
.7 ص،2019 أبريل
✓ OUVRAGES :
MOHEMED HARAKAT< L’AUDIT DANS LE SECTEUR PUBLIC
AU MAROC : CAS DE LA COURS DES COMPTES>.
TOME2 ;EDITION BABEL ; RABAT 1994.
✓ Thèse et mémoire
- Hicham maroudi, le contrôle financier des entreprises publiques
diplôme des études supérieures approfondie desa université Mohamed
5 Agdal rabat année universitaire. 2004-2005.
✓ Revenues et article
184
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
- Jean-François Bernard la réforme de procédure de juridictions
financières et la Convention européenne des droits de l'homme, RFPP,
n106, avril 2009.
185
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
الفهرس:
مقدمة6 ..................................................................................................:
المبحث األول :المحاكم المالية بين التنظيم واالختصاص والمسؤولية 17 ....................
الفقرة األولى :هيكلة المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات18 .........
الفقرة الثانية :تشكيلة المجلس األعلى والمجالس الجهوية للحسابات 38 ....................
المطلب األول :مجاالت تحديد المسؤولية اآلمرين بالصرف في المجال المالي 87 ..........
186
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
المطلب الثاني :طرق الطعن في األحكام والقرارات واإلعفاء من المسؤولية أمام القضاء
المالي107 ..............................................................................................:
الفقرة األولى :طرق الطعن في القرارات واألحكام في ميدان التأديب المالي 108 ..........
الفصل الثاني :حدود التأديب المالي وإكراهات عمل المحاكم المالية 120 ....................
المبحث األول :مجال االستثناء في مادة التأديب المالي والمخالفات المحركة لهذه المسطرة
121 ......................................................................................................
الفقرة األولى :استثناء الوزراء واعضاء البرلمان من نطاق المساءلة امام القاضي المالي
ومبرراته 123 ...........................................................................................
المطلب الثاني :المخالفات الموجبة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية 130 .....
الفقرة الثانية :اإلهمال في التدبير ومنع منافع غير مبررة 136 ................................
الفقرة األولى :المعيقات السياسية والمؤسساتية لعمل المحاكم المالية 141 .................
187
مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب
188