You are on page 1of 188

‫رسالة لنيل شهادة الماستر في العلوم القانونية‬

‫تخصص‪ :‬المالية العامة والضرائب‬

‫تحت عنوان‪:‬‬

‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام‬


‫المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تحت إشراف‪:‬‬ ‫من إعداد الطالب‪:‬‬

‫د‪ .‬محمد سليم الورياغلي‬ ‫نصري مروان‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‪:‬‬


‫د‪ .‬محمد سليم الورياغلي‪ :‬أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية المحمدية‪..........‬رئيسا ومشرفا‬

‫د‪ .‬عبد العالي اجناح‪ :‬أستاذ التعليم العالي بكلية متعددة التخصصات بني مالل‪......................................................‬عضوا‬

‫د‪ .‬جواد لعسري‪ :‬أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية المحمدية‪...............................‬عضو‬

‫السنة الجامعية‪2022-2021 :‬‬


‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫ح‬
‫سم الله الرحمان الر مي‬ ‫ب‬

‫‪2‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫اهداء‬
‫إلى الينبوع الدي لا يمل العطاء إلى من حاكت سعادتى بخبوط منسوحة من قلب اه‬

‫والدتى الع يررة‬

‫إلى روح اتى الدي وافية إلميية وانا انابع دراسيى فى السية إلخامسة من البعليم الابيدا ىت‬

‫والدي رحمة الله عليك‬

‫ف‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ن‬


‫ف‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫ل حب‬
‫إ ى من م جري ى عروى و ج بدكرا م وادي‬

‫اخواتى العاليات‬
‫ع‬‫ل‬ ‫م‬ ‫إلخي ل سي إل‬ ‫ه‬‫ق ي حمعيي ب‬
‫إلى كل الاصد اء الد ن ى م دروت اة‪ ،‬إ ى الا اد رم واد ري ا دي‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫خ‬ ‫خت‬
‫م‬ ‫ي‬
‫اكن له كل السكر والبقدير عرقانا ودابة‪،‬‬
‫ه‬‫ج‬

‫إلى كل هولاء اهدي هدا العمل إلمبواضع‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫ك‬
‫ة ر‬‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ك‬

‫ه‬ ‫ج‬ ‫ص‬ ‫ن‬


‫بس ترى ان اوحة سكري لكل من خيى وارسدتى او و هيى او سا م‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫ا‬
‫معى فى اعداد هدا ت‪ ،‬وا ر ى و ة وص ا ادي‬
‫ي‬ ‫س‬ ‫ص‬ ‫خ‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫خ‬
‫ص‬ ‫ن‬ ‫الف ض عي العل حي عل مس ب ت س ن ل‬
‫ا ل د ا ى ا اح ى ا د ى وار ادي ا ج‬
‫ص‬ ‫ن‬‫ال‬
‫م‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫و ح‪ ،‬ا ا ر ل ن در ى او ا م ى در ى ن‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫خ‬
‫حيم ع إل حم‬
‫دكايرة كلية العلوم الفابوبية والافنصادبة والا ا ية مد ةب‬
‫كل ناسمة وضقية‪.‬‬
‫ت‬ ‫م‬ ‫ب‬‫م‬ ‫حت بق بج ن السك إل ح‬
‫وا را ا دم رل ر ى ع ر لا ى‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫دليل الكلمات المختصرة‪:‬‬

‫❖ باللغة العربية‪:‬‬
‫• ج‪.‬ر‪ :‬الجريدة الرسمية‬
‫• ص‪ :‬صفحة‬
‫• م‪.‬س‪ :‬مرجع سابق‬
‫• م‪.‬م‪ :‬المسطرة المدنية‬
‫• م‪.‬م‪.‬إ‪.‬م‪.‬ن‪ :‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‬
‫• ق‪.‬ل‪.‬ع‪ :‬قانون اإللتزمات والعقود‪.‬‬
‫• مح‪.‬م‪ :‬محاكم مالية‬
‫• ن‪.‬م‪ :‬نفس المرجع‬
‫❖ باللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪• B.O : BULTTIN OFFICIEL‬‬
‫‪• C.C : COURS DES COMPTE‬‬
‫‪• ED : EDITION‬‬
‫‪• P : PAGES‬‬
‫‪• C.R.C : COURS REGIONAL DES COMPES‬‬
‫‪• ART : ARTICLE‬‬
‫‪• IBID : MEME REFERENCE‬‬

‫‪5‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫خالل العشر سنوات األخيرة‪ ،‬عرف المغرب عدة إصالحات جوهرية تروم إلى تدعيم‬
‫الشفافية وتحسين تدبير المالية العمومية‪ ،‬وذلك من خالل توطيد األسس التشريعية‪ ،‬المهيكلة‬
‫والمؤسساتية بهدف الرفع من مستوى األداء اإلداري والمالي‪ ،‬وترسيخ ثقافة المرفق العام‪،‬‬
‫ومحاربة مظاهر الفساد المالي واإلداري وتكريس الحكامة الجيدة‪ ،‬من خالل ربط المسؤولية‬
‫بالمحاسبة في مجال تدبير الشأن العام على الصعيد المركزي والترابي‪.‬‬

‫ونظرا لإلنعكاسات السلبية لمظاهر الفساد على المستوى االقتصادي واالجتماعي‬


‫والسياسي‪ ،‬بادر المشرع المغربي في ظل هذه التحوالت الجديدة والضغوط السياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية والمالية التي يعرفها المحيط اإلقليمي والدولي إلى نهج سياسة‬
‫اإلصالح على العموم اإلدارة والفاعلين فيها‪ ،‬باعتبارها قاطرة للتنمية في ظل مخرجات‬
‫النموذج التنموي الجديد ومنطلقا أساسيا للعمل في مجال التدبير العمومي‪.‬‬

‫وقد شكلت التوجيهات الملكية السامية بهذا الخصوص المنطلق والمرجع لمختلف‬
‫اإلصالحات وعلى ضوئها سارت الحكومة بعد اعتماد إطار المرجعي للعمل تمثل في " ميثاق‬
‫حسن التدبير" الذي استهدف باألساس توفير مرجعية مشتركة للمصالح العمومية في مجال‬
‫التدبير‪ ،‬ونشر ثقافة المرفق العام من خالل إرساء مقاربة حديثة لتخليق اإلدارة وتحسين أداء‬
‫الفاعلين فيها‪.‬‬

‫ويعتبر المال العام عماد النشاط االقتصادي للدولة الحديثة‪ ،‬فاألموال العمومية هي الوسيلة‬
‫الرئيسية إلنجاز برامج الدولة في مختلف المجاالت‪ ،‬إذ ال يمكن أن نتصور دولة بدون األموال‬
‫العمومية‪ ،‬الشيء الذي يستدعي اتخاذ جميع اإلجراءات والتدابير من أجل حمايتها من الفساد‬
‫والتبذير وسوء االستغالل‪ .‬وتشكل الرقابة العليا على األموال العمومية في كل المجتمعات‬
‫الديمقراطية أحد الركائز األساسية التي يقوم عليها طرح الحكامة الجيدة في كل تجلياته المالية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية وحتى القضائية‪.1‬‬

‫‪ - 1‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون‬
‫العام‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة‪ ،‬برسم السنة الجامعية ‪ ،2013-2012‬ص ‪.2‬‬
‫‪6‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫من هنا‪ ،‬يظهر الدور المهم الذي تلعبه المحاكم المالية في حماية المال العام‪ ،‬في ظل‬
‫التحوالت العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي‪ ،‬إذ أن إشكالية الرقابة بمختلف تلويناتها تعد‬
‫اإلشكالية المحورية في مختلف النقاشات السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫وبدون الحديث عن النقاش الفقهي والقانوني حول الطبيعة القانونية للمحاكم المالية‪ ،‬من هنا‬
‫يمكن القول بأن المجلس األعلى للحسابات يعتبر الهيئة العليا للرقابة على المال العام على‬
‫المستوى المركزي‪ ،‬في حين تتولى الجالس الجهوية الرقابة على المستوى الترابي‪.2‬‬

‫ويعتبر المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬الذي يضمن الدستور استقالله‪ ،‬الجهاز األعلى للرقابة‬
‫على المالية العمومية بالمملكة المغربية‪ ،‬حيث يتولى مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة‬
‫الجيدة والشفافية والمحاسبة‪ ،‬بالنسبة للدولة واألجهزة العمومية‪.3‬‬

‫ويعكس هذا المقتضى الدستوري‪ ،‬الذي يعتبر تتويجا للتطور التاريخي الذي عرفه نظام‬
‫الرقابة العليا على المالية العمومية بالمغرب‪ ،‬أهمية هذه الرقابة في بناء دولة الحق والقانون‬
‫وترسيخ مستلزمات الحكامة الجيدة والشفافية والديمقراطية‪ ،‬إذ يتم التركيز في أدبيات األجهزة‬
‫العليا للرقابة على المالية العمومية على أن الهدف األساسي الذي أنشئت من أجله هذه األجهزة‬
‫هو تحسين التدبير المالي العمومي‪ ،‬وذلك من خالل حث المدبرين العموميين على ضمان‬
‫الشرعية وتحقيق الفعالية والنجاعة والكفاءة في تدبيرهم‪.‬‬

‫وطبقا لمقتضيات المادة الثانية من النظام األساسي للمنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة‬
‫المالية والمحاسبة (األنتوساي)‪ ،4‬فإن هذه الرقابة " يمارسها كل جهاز عال‪ ،‬أيا كانت تسميته‬
‫وطريقة انتمائه وتنظيمه‪ ،‬يعهد إليه بمقتضى الدستور أو القانون ممارسة الرقابة على‬

‫‪ - 2‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر‬
‫تخصص العلوم اإلدارية والمالية‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سويسي برسم السنة الجامعية ‪-2019‬‬
‫‪ ،2020‬ص ‪.1‬‬
‫‪- 3‬الفصل ‪ 147‬من الدستور المغربي‪ ،‬الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.91‬الصادر بتاريخ ‪ 29‬يوليوز ‪،2011‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر‪ ،‬الصدر بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ ،2011‬ص ‪.6301‬‬
‫‪ - 4‬المنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (األنتوساي)‪ .‬هي منظمة غير حكومية مستقلة وغير سياسية تأسست‬
‫عام ‪ 1953‬من طرف األجهزة الرقابة العليا علة المالية العمومية للدول األعضاء المشاركة في هيئة منظمة األمم المتحدة‬
‫أو إحدى وكاالتها المتخصصة‪ .‬وتهدف هذه المنظومة إلى دعم وتشجيع تبادل اآلراء والخبرات بين األجهزة األعضاء في‬
‫مجال الرقابة األموال العمومية‪ .‬وقد أصبحت هذه المنظمة منذ سنة ‪ 1968‬منظمة استشارية لهيئة األمم المتحدة‪ ،‬وتم تكيفها‬
‫رسميا باإلشراف على أعمال تدقيق ومراجعة الحسابات منظماتها‪ .‬انظر‪http//www.intosai.org/fr/sur-‬‬
‫‪lintosai.html.‬‬
‫‪7‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المالية العمومية‪ ،‬ويزود الجهاز التشريعي بصفته الهيئة التي تعتمد ميزانية الدولة‬
‫وحساباتها الختامية أو الحكومية بصفتها المشرفة على قيام األجهزة التنفيذية بمسؤوليتها‬
‫أو كليهما بالمعلومات المتعلقة بكيفية اإلدارة واستعمال تلك األموال"‪.‬‬

‫وقد عرفت منظومة الرقابة على المال العام في المغرب تطورا تدريجيا سواء بالنسبة‬
‫لألجهزة المكلفة بها‪ ،‬أو بالنسبة لطبيعة الصالحيات المسندة لها على مستوى مختلف المجاالت‬
‫تدخلها‪.‬‬

‫وتشكل الرقابة على تنفيذ قانون المالية آخر مرحلة يمر منها أي قانون مالي بعد مرحلتي‬
‫اإل عداد والمصادقة‪ ،‬وهي مرحلة متزامنة لمرحلة التنفيذ‪ ،‬والتي تهدف للتحقق من سالمة‬
‫العمليات المتعلقة بمداخيل ومصروفات األجهزة الخاضعة لرقابته بمقتضى القانون‪ ،‬إذ من‬
‫خاللها يتسنى للهيئات الرقابية ضمان تنفيذ العمليات المالية المبرمجة بالشكل الذي يطابق‬
‫المأذون به قانونا‪ ،‬ويحول دون المساس بالمال العام واختالسه أو ضياعه‪.‬‬

‫كما تمثل الوسيلة الفعالة لمراقبة كيفية تحصيل األموال العامة وكيفية إنفاقها‪ ،‬بغية ترشيد‬
‫استغالل الموارد المالية المتاحة للمجتمع‪ .‬وتستهدف هذه الرقابة رفع مستوى األداء وتجنب‬
‫كل تبذير أو إسراف للمال العام‪.5‬‬

‫وتتعدد األجهزة الرقابية المنوط بها هذه المهمة بحسب الدور الرقابي الذي يقوم به كل‬
‫جهاز والزمن المحدد له‪ ،‬وتنقسم أنواع الرقابة إلى ثالثة أقسام‪ :‬المراقبة اإلدارية والمراقبة‬
‫السياسية ثم المراقبة القضائية التي هي مثار البحث الحالي باعتبارها تجسيدا للمراقبة الخارجية‬
‫المستقلة عن السلطة التنفيذية كإحدى آليات تعزيز مبدأ الفصل بين السلط المنصوص عليه في‬
‫الفصل األول من دستور ‪ ،2011‬خاصة ما يرتبط بمسؤولية اآلمر بالصرف أما المحاكم‬
‫المالية بالمغرب الشيء الذي سيساهم في استتباب األمن المالي‪ ،‬من خالل دراسة أوجه‬
‫المسؤولية التي يتعرضون لها اآلمرون بالصرف‪.‬‬

‫وتعتبر الرقابة القضائية نوعا من أنواع الرقابة المالية التي يقوم بها جهاز متخصص‪،‬‬
‫يكتسب الطابع القضائي في كل ما يتضمن هذا الطابع من صفات‪ ،‬سواء من حيث اإلجراءات‬

‫‪ - 5‬عبد النبي اضريف‪ ،‬كتاب القانون الميزانية الدولة على ضوء القانون التنظيمي للمالية ‪.130.13‬‬
‫‪8‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫أو الحكم أو الحسم‪ ،‬كما هو الحال في المحاكم العادية‪ ،‬وتختلف جهة الرقابة المالية القضائية‬
‫عن الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة التي تمارسها المحاكم اإلدارية‪ ،‬فالرقابة المالية‬
‫القضائية هي التي تتوالها أجهزة إدارية ذات الطابع القضائي‪ ،‬وينحصر عادة االختصاص‬
‫القضائي ألجهزة الرقابة المالية القضائية في الحكم على الحسابات‪ ،‬والحكم بالغرامة في‬
‫التصرفات المالية الخاصة وباألموال العامة‪ ،‬وفي المغرب فإن هذه المهمة أسندت دستوريا‬
‫للمجلس األعلى للحسابات باعتباره الهيئة العليا المكلفة بمراقبة المالية العمومية‪.‬‬

‫فبالنسبة للمغرب فإنه اعتمد نظام الرقابة المالية قبل الحماية‪ ،‬وهو نظام يستمد أحكامه‬
‫وقواعده من الشريعة اإلسالمية ويتمثل في نظام الحسبة ووالية المظالم‪ ،‬كما أن السلطان‬
‫الحسن األول قام بإصالحات مالية حول بموجبها أمين األمناء إلى الوزير المالية وجعله‬
‫المسؤول عن بيت المال ومصاريف الموظفين‪ ،‬بحيث يقدم هذا األخير الئحة إلى أمين السر‬
‫الذي يقوم بالصرف‪ ،‬وعمل السلطان كذلك على الزيادة في األجور المسؤولين عن المالية من‬
‫أجل إعانتهم على التعفف عن الرشوة التي كانت تنخر جهاز اإلدارة آنذاك‪.6‬‬

‫أما في عهد الحماية الفرنسية وفي إطار التغييرات التي أحدثتها سلطات الحماية للنظام‬
‫اإلداري المغربي‪ ،‬تم إلغاء مؤسسة األمناء وتعويضها بتقنيات المراقبة العصرية بشكلها‬
‫المعروف آنذاك في فرنسا‪ ،‬وذلك من خالل تبني فكرة الميزانية العامة وإحداث خزينة عمومية‪،‬‬
‫حيث تم ابتداءا من سنة ‪ 1912‬إحداث المديرية العامة للمالية‪ ،‬كما تم إحداث مراقبة االلتزام‬
‫بنفقات الدولة‪ 7‬كمراقبة سابقة لمواجهة بعض الخروقات المالية التي بدأت في الظهور‪ ،‬وعمدت‬
‫السلطات الفرنسية إلى ربط هذه اآلليات بمركز القرار في فرنسا عندما أخضعت جميع‬
‫المعامالت والحسابات المالية المغربية لرقابة محكمة الحسابات الفرنسية‪.‬‬

‫وأما بعد اإلستقالل ‪ ،‬أسندت هذه الرقابة إلى اللجنة الوطنية للحسابات المحدثة بموجب‬
‫ظهير ‪ 14‬أبريل ‪ .19608‬وكانت هذه اللجنة تتولى مهمة تصفية حسابات المحاسبين العموميين‬

‫‪ - 6‬مدني أحميدوش‪ ،‬المحاكم المالية بالمغرب دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة‪ ،‬مطبعة فاضلة‪ ،‬المحمدية‪ 2003 ،1. ،‬ص‪.‬‬
‫‪.10-11‬‬
‫‪7 -dahir 20 décembre 1921. Instituant le contrôle des engagement de dépenses CED.‬‬

‫‪- 8‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.59.270‬الصادر بتاريخ ‪ 14‬أبريل ‪ ،1960‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2478‬بتاريخ ‪ 22‬أبريل‬
‫‪ ،1960‬ص‪.1349.1347 :‬‬
‫‪9‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫من خالل التأكد من مدى شرعية العمليات المسجلة بها‪ .‬غير أن دورها ظل محدودا لكونها‬
‫مارست رقابة محاسبية الحقة ذات طبيعة إدارية محضة‪ ،‬فضال عن كونها كانت تعاني من‬
‫ضآلة اإلمكانيات البشرية والمادية‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬تم إنشاء المجلس األعلى للحسابات بمقتضى القانون ‪ 12.79‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 14‬شتنبر ‪ ،19799‬باعتباره الهيئة العليا المكلفة برقابة األموال العمومية في المغرب‬
‫حيث عهد إليها بالنظر في حسابات المحاسبين العموميين واآلمرين بالصرف‪ ،‬وممارسة‬
‫اختصاصات قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬ثم تقويم األجهزة‬
‫الخاضعة لها‪.‬‬

‫وفي خضم الدينامية التي انخرط فيها المغرب إلصالح منظومة التدبير العمومي‪ ،‬التي‬
‫شملت مختلف الميادين المالية واالقتصادية والمؤسساتية‪ ،‬حظيت الرقابة العليا على المالية‬
‫العمومية بعناية خاصة‪ ،‬كما تعكس ذلك المراجعة الدستورية لسنة ‪ ،101996‬التي ارتقت‬
‫بالمجلس األعلى للحسابات إلى مصاف المؤسسات الدستورية‪ ،‬فضال عن إحداث المجالس‬
‫الجهوية للحسابات في إطار تدعيم سياسة الالمركزية‪ ،‬وتطبيقا لهذه المقتضيات الدستورية‪.‬‬
‫وفي ظل هذه التحوالت‪ ،‬فقد صدر القانون ‪ 1162.99‬الصادر ‪ 2002‬الذي حدد نطاق عمل‬
‫المحاكم المالية بالمغرب‪ ،‬والضمانات المخولة لقضاتها واإلجراءات المتخذة في ممارسة هذا‬
‫التخصص‪ ،‬والذي اعتبر مدخال إلصالح األصلي للقانون رقم ‪ 12.79‬الذي كان ينظم سابقا‬
‫المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬وقد أضاف بعد ذلك المجالس الجهوية‪ ،‬وإدماج المقتضيات الخاصة‬
‫بالنظام األساسي لرجال القضاة المحاكم المالية التي كانت موضوع القانون ‪.1228.80‬‬

‫هكذا‪ ،‬وفي إطار مواصلة اإلصالحات التي تهدف إلى المساهمة اإليجابية في عقلنة‬
‫وترشيد استعمال الموارد العمومية بشكل األمثل‪ ،‬وفي سياق اقتصادي ومالي يفرض تحسين‬

‫‪- 9‬ظهير شريف رقم ‪ 1.79.175‬بتاريخ ‪ 22‬شوال ‪ 14(1399‬شتنبر ‪ ،)1979‬الصادر بتنفيذ القانون رقم ‪ 12.79‬المتعلق‬
‫بالمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‪ ،3490‬الصادر بتاريخ ‪ 20‬شتنبر ‪ ،1979‬ص ‪.2142‬‬
‫‪- 10‬تم تخصيص الباب العاشر من الدستور المراجع لسنة ‪ 1996‬للمجلس األعلى للحسابات‪.‬‬
‫‪- 11‬القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪ ،‬الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم ‪ ،1.02.124‬بتاريخ فاتح ربيع اآلخر‬
‫‪ 13(1423‬يونيو‪ ،)2002‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،5030‬الصادر بتاريخ ‪ 15‬غشت ‪ ،2002‬ص ‪.2294‬‬
‫‪- 12‬الظهير الشريف رقم ‪ ،1.80.383‬الصادر بتاريخ ‪ 17‬صفر ‪ 25 ( 1401‬دجنبر ‪ ،)1980‬الصادر بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 28.80‬المتعلق بالنظام األساسي لقضاة المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،3560‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬يناير‬
‫‪ ،1981‬ص ‪.88‬‬
‫‪10‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫األداء سواء على المستوى الوطني أو الدولي‪ ،‬والمرتبطة أساسا باألزمة الصحية العالمية‬
‫وتداعياتها على االقتصاد الوطني‪ ،‬وقد عزز دستور المملكة لسنة ‪ 2011‬المكانة الدستورية‬
‫للمحاكم المالية‪( ،‬المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات)‪ ،‬من خالل منح‬
‫المحاكم المالية نوعين من اإلختصاصات في مجال الرقابة (اختصاصات قضائية وغير‬
‫القضائية)‪ ،‬فضال عن تكريس مجموعة من االختصاصات طبقا لمقتضيات الفصل ‪ " 148‬يقدم‬
‫المجلس االعلى للحسابات‪ ،‬مساعدته للبرلمان في المجاالت المتعلقة بمراقبة المالية العامة‪،‬‬
‫ويجيب عن األسئلة واالستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم‬
‫المتعلقة بالمالية العامة‪.‬‬

‫ويقدم المجلس أيضا‪ " ،‬مساعدته للهيئات القضائية "و" للحكومة في الميادين التي تدخل‬
‫في نطاق اختصاصه بمقتضى القانون"‪ .‬وأخرى كانت موكولة لهذه المحاكم قبل صدور‬
‫الدستور بمقتضى قوانين تتعلق أساسا بمراقبة نفقات األحزاب السياسية وتمويل الحمالت‬
‫االنتخابية والتصريح اإلجباري بالممتلكات‪.‬‬

‫ومن أجل القيام بالمهام المسندة للمحاكم المالية‪ ،‬يتولى المجلس األعلى للحسابات ممارسة‬
‫نوعين من االختصاصات ينظمها القانون ‪62.99‬المذكور سابقا‪ ،‬وهي اختصاصات غير‬
‫قضائية تتمثل في تقييم وتدبير المؤسسات واألجهزة العمومية ألجل تقديره من حيث الكيف‬
‫واقتراح الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته ومستوى أدائه‪ ،‬وكذا‬
‫مراقبة استخدام األموال العمومية‪ .‬وتهدف هذه المراقبة إلى تقييم مدى تحقيق األهداف المحددة‬
‫وبيان كيفية استخدام الوسائل المستعملة ومراقبة المشروعية وصدق العمليات المنجزة وتقييم‬
‫منظومة الرقابة الداخلية المعتمدة وتقييم المشاريع العمومية بهدف التأكد من مدى تحقيق‬
‫األهداف المحددة لكل مشروع انطالقا مما إنجازه وبالنظر إلى الوسائل المستعملة‪.‬‬

‫➢ أهمية الموضوع‪ :‬يندرج موضوع مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية‬
‫بالمغرب‪ ،‬في التشريع والقضاء المغربي ضمن المواضيع المتجددة التي تدخل في إطار النقاش‬
‫الواسع الذي تعرفه القوانين الميزانية التي تناقش كل سنة‪ ،‬وما تطرحه من اإلشكاالت عند‬
‫إقرارها وأثناء تنفيذها سواء على المستوى الدستوري والسياسي والمالي والرقابي والقضائي‪،‬‬
‫فموضوع المسؤولية يرتبط بترسيخ مبادئ الديمقراطية والشفافية والحكامة والمساءلة في إطار‬
‫‪11‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الهدف الرامي إلى حسن التدبير الموارد العمومية وعقلنة وترشيد النفقات العمومية بهدف‬
‫تحقيق األهداف الرئيسية التي جاء بها النموذج التنموي الجديد‪.‬‬

‫ووفقا لمختلف للتحوالت التي يشهدها المحيط الوطني والدولي‪ ،‬بفعل جائحة كورونا‬
‫كوفيد ‪ 19‬ساهمت هذه التحوالت في إعتماد مجموعة من اآلليات التي ستساهم في تحسين‬
‫التدبير العمومي ولسيما تقليص الفوارق بين التدبير العمومي والتدبير الخاص وذلك من خالل‬
‫البحث عن الفعالية في األداء العمومي وتحقيق المردودية في عمل المرافق العمومية كأساس‬
‫للتدبير المرتكز على النتائج وهو ما جاء به القانون التنظيمي للمالية ‪ ،130.13‬األمر الذي‬
‫يتطلب منح المسؤولين العموميين هامشا واسعا من الحرية والتصرف في اتخاذ القرارات‬
‫وأعمال التدبير من خالل تخفيف أشكال الرقابة القبلية التي كانت دائما تنعت بكونها تشكل‬
‫إكراهات ذات أساس بيروقراطي تحد بشكل كبير من فاعلية النشاط العمومي‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬فإن إرساء مقاربة مبنية على النتائج واألثر على الحياة المواطن‪ ،‬مع‬
‫اعتماد ذلك معيارا لتقييم وتنفيذ السياسات العمومية والمساءلة األطراف المعنية‪ ،‬يشكل‬
‫ضرورة ملحة في ضوء النموذج التنموي الجديد‪ ،‬إذ يكتسي الجوانب المرتبطة بدعم مبادئ‬
‫الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة وتكريس مبادئ المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة‬
‫أهمية بالغة‪.‬‬

‫دوافع اختيار البحث‪ :‬لقد قمنا باختيار هذا الموضوع مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم‬
‫المالية بالمغرب‪ ،‬ليكون موضوع هذا البحث نظرا لمجموعة من العوامل والدوافع التي يمكن‬
‫تقسيمها إلى دوافع ذاتية وأخرى موضوعية‪:‬‬

‫الدوافع الذاتية‪ :‬من خالل درستنا لمادة القضاء المالي والضريبي التي تدرس في مواد‬
‫السداسي الثاني في سلك الماستر‪ ،‬استطعت أن أتوقف عند مسؤولية اآلمر بالصرف امام‬
‫المحاكم المالية باعتبار هذه األخيرة مؤسسة دستورية ساهمت في تكريس الرقابة العليا على‬
‫المال العام السيما من خالل المادة الرابعة من القانون ‪ 61.99‬المتعلق بمسؤولية اآلمر‬
‫بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ ،‬التي تستثني أعضاء الحكومة والبرلمان من‬
‫اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ومن ثمة تبين بأن هذا الموضوع يستحق التنقيب والتعميق فيه نظرا لتعدد اإلشكاالت التي‬
‫يطرحها‪ .‬كما يمكن تعميق البحث بعد الماستر من خالل الحديث عن مسؤولية المدبرين‬
‫العموميين أمام القاضي المالي‪.‬‬

‫الدوافع الموضوعية‪ :‬فتتجلى في أهمية حماية المال العام من جهة‪ ،‬وتحسين التدبير‬
‫العمومي من جهة أخرى‪ ،‬وكذلك تعزيز منظومة الرقابة على المال العام وترشيده وحسن‬
‫تدبيره‪.‬‬

‫➢ اإلشكالية‪ :‬إلى أي حد ساهمت منظومة الرقابة المحاكم المالية الممارسة على اآلمر‬
‫بالصرف في تجويد التدبير العمومي؟‬

‫وهذه اإلشكالية تتفرع عنها مجموعة من األسئلة الفرعية‪:‬‬

‫فما هو اإلطار القانوني الذي ينظم تشكيل واختصاصات المحاكم المالية؟‬ ‫✓‬
‫وما هي أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق اآلمرين بالصرف في المجال المالي؟‬ ‫✓‬
‫وما هي طرق الطعن في األحكام والقرارات واإلعفاء من المسؤولية أمام‬ ‫✓‬
‫القاضي المالي؟‬
‫ما هي االستثناءات المساءلة أمام القاضي المالي؟‬ ‫✓‬
‫ما هي المخالفات الموجبة للتأديب المالي‪ ،‬والعقوبات المقررة لها؟‬ ‫✓‬
‫ما هي اإلكراهات والعراقيل التي تعاني منها المحاكم المالية بالمغرب؟‬ ‫✓‬
‫وما هي أهم اإلقتراحات وسبل اإلصالح عمل المحاكم المالية بالمغرب؟‬ ‫✓‬

‫لإلجابة عن اإلشكالية واألسئلة المترتبة عنها يتطلب األمر االعتماد على مجموعة من‬
‫المناهج‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬سنقوم باعتماد المنهج التاريخي من خالل التطرق لإلطار التاريخي‬
‫الذي مرت به منظومة الرقابة المحاكم المالية بالمغرب‪.‬‬

‫هذا باإلضافة المنهج التحليلي وذلك من خالل تحليل أهم اإلشكاالت المسطرية‪ ،‬التي‬
‫تعاني منها المحاكم المالية وذلك كن خالل عرض أهم اإلختصاصات ومسؤولية اآلمر‬
‫بالصرف في المجال المالي‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فضال عن ذلك سأقوم باعتماد المنهج البنيوي الوظيفي وذلك من خالل التركيز على‬
‫البنية التنظيمية ورصد أهم اآلليات الرقابية الموكلة له طبقا لما جاء في مدونة المحاكم‬
‫المالية من اختصاصات لكن مع التركيز على مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية‪.‬‬

‫فضال عن ذلك سنحاول اعتماد المنهج المقارن بهدف تحديد أوجه التشابه واالختالف‬
‫بين البنية التنظيمية للقضاء المالي المغربي والقضاء المالي الفرنسي‪.‬‬

‫بناءا على ما سبق‪ ،‬فإن موضوع دراسة مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية‬
‫بالمغرب‪ ،‬يتوجب علينا تحديد استنتاجات مبنية ساهمت في تحقيق تجويد التدبير العمومي‬
‫انطالقا من تحديد أهم المسؤوليات التي يتعرض لها اآلمرين بالصرف في المجال المالي‪،‬‬
‫وذلك من خالل الفصل ‪ 94‬من الدستور المغربي لسنة ‪ ،2011‬الذي يقر بتحمل أعضاء‬
‫الحكومة للمسؤولية الجنائية عما يرتكبون من جنايات وجنح‪ ،‬والقانون ‪ 61.99‬المتعلق‬
‫بمسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ .‬وذلك ما قمنا بمعالجته في‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬والذي يرتكز على طرح فرضيات شاملة لجميع عناصر الدراسة والبحث‬
‫والتي اشتقت من عنوان البحث وهي كاآلتي‪:‬‬

‫➢ الفرضية األولى‪ :‬استطاعت المحاكم المالية كهيأة عليا للرقابة المالية بالمغرب‬
‫االستجابة لمتطلبات حماية المال العام وتجويد التدبير العمومي‪.‬‬
‫➢ الفرضية الثانية‪ :‬منح المشرع الموارد البشرية واالمكانيات المادية الالزمة التي‬
‫تتيح للمحاكم المالية القيام بوظائفها على أحسن وجه‪.‬‬
‫➢ الفرضية الثالثة‪ :‬عمل اإلصالح القانوني الذي تبناه المغرب من خالل صدور‬
‫مدونة المحاكم المالية على تجاوز الضعف والمحدودية التي اتسم بها عمل الهيأة‬
‫الرقابية‪.‬‬

‫لإلجابة عن اإلشكالية واألسئلة الفرعية المطروحة‪ ،‬تم تقسيم الموضوع إلى فصلين‬
‫رئيسيين‪ ،‬بحيث سيتم التطرق في الفصل األول عن اإلطار القانوني للمحاكم المالية بالمغرب‪،‬‬
‫في حين سيتم تخصيص الفصل الثاني إلى حدود التأديب المالي وإكراهات عمل المحاكم‬
‫المالية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار القانوني للمحاكم المالية بالمغرب‬

‫الفصل الثاني‪ :‬حدود التأديب المالي وإكراهات عمل المحاكم المالية‬

‫‪15‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫الفصل األول‪ :‬اإلطار القانوني‬


‫للمحاكم المالية بالمغرب‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬اإلطار القانوني للمحاكم المالية بالمغرب‪.‬‬

‫تعتبر المحاكم المالية الهيأة العليا المكلفة بمراقبة المال العام بالمملكة‪ ،‬كما أنها تتولى طبقا‬
‫لألحكام دستور ‪ 2011‬مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة‬
‫في مجال التدبير العمومي‪.13‬‬

‫وتتمثل هذه المحاكم في كل من المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات‬


‫من الهيئات األساسية‪ ،‬مهمتها الحفاظ على التسيير القانوني واإلداري في إطار اختصاصاتها‬
‫ووظائفها‪ ،‬وتتكون هذه المجالس المكلفة بالرقابة المالية على المستوى المركزي والترابي‪ ،‬من‬

‫‪ - 13‬الفصل ‪ 147‬من الدستور المغربي لسنة ‪.2011‬‬


‫‪16‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تشكيالت تكون البناء التنظيمي‪ ،‬والتي تساهم في إطار منظم من الناحية القانونية وفقا للقانون‬
‫المنظم لها من ممارسة اختصاصاتها‪.‬‬

‫والمالحظ أن المشرع المالي المغربي‪ ،‬قد نهج نفس مسار المشرع الفرنسي‪ ،‬فيما يخص‬
‫طبيعة الهيئات المكلفة بمراقبة حسابات وتسيير المؤسسات العمومية‪ ،‬على اعتبار أن المحاكم‬
‫المالية تتوفر على إطار تنظيمي جد قريب من النموذج الفرنسي‪.14‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المحاكم المالية بين التنظيم واالختصاص والمسؤولية‬


‫أضحى االهتمام في األونة األخيرة بتدبير وترشيد أداء األجهزة العليا للرقابة على المال‬
‫العام‪ ،‬أحد انشغاالت الرأي العام والحكومات والمواطنين والخبراء المهتمين في شتى أنحاء‬
‫المعمور‪ ،‬بحكم المكانة التي تحتلها الوظيفة الرقابية في مجال تدبير الشأن العام الوطني‬
‫والترابي‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه أنه تم اإلرتقاء إلى المجلس األعلى للحسابات إلى مصاف مؤسسة‬
‫دستورية مع دستور‪ ،1996‬وهذا يعد خطوة إيجابية في سبيل تفعيل الرقابة المالية بالمغرب‪،‬‬
‫غير أن هذا اإلرتقاء ليس غاية في حد ذاته وإنما مجرد أداة قانونية الغنى عنها لضمان ترشيد‬
‫تدبير هذا الجهاز‪ ،‬وفق مستلزمات التحديات التي يواجهها البالد في عدة مستويات سواء في‬
‫حسن تدبير األجهزة العمومية أو في حسن تسيير المال العام‪.15‬‬

‫وبالنظر لألهمية المهام واآلمال المعقود عليه هذه الهيأة‪ ،‬والتي هي باألساس مرتبطة‬
‫بطبيعة نظامها القانوني وبدرجة استقالليتها في إصدار األحكام والقرارات وفي القيام‬
‫بالتحقيقات والدقيقات الالزمة‪ ،‬فإن ذلك يستوجب القيام ببحث في البناء التنظيمي للمجلس‬
‫األعلى للحسابات باإلضافة إلى المجالس الجهوية للحسابات على المستولى الترابي‪ ،‬وكذا أهم‬
‫اإلختصاصات التي تتمتع بها المحاكم المالية سواء كانت هذه اإلختصاصات غير قضائية أو‬
‫اإلختصاصات قضائية‪.‬‬

‫‪14‬‬‫‪-MOHEMED HARAKAT< L’AUDIT DANS LE SECTEUR PUBLIC AU MAROC : CAS DE LA COURS‬‬


‫‪DES COMPTES> ; TOME2 ;EDITION BABEL ; RABAT 1994 ; P14.‬‬
‫‪ - 15‬محمد حركات‪ ،‬الوصايا العشر الكفيلة بضمان نجاح تجربة المحاكم المالية بالمغرب‪ ،‬منشورات المجلة المغربية للتدقيق‬
‫والتنمية‪ ،‬سلسلة التدبيراالستراتيجي‪ ،‬عدد ‪ ،2002 ،3‬ص ‪.8‬‬
‫‪17‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ألجل ذلك أسند المشرع المغربي‪ ،‬للمحاكم المالية مهاما أساسيا في مسلسل الرقابة‬
‫القضائية سواء على المحاسبين العموميين أو األمرين بالصرف باعتبار هذا األخير يتمتع‬
‫بسلطات واسعة في مجال تنفيذ المداخيل والنفقات والتي تقابلها مجموعة من اإللتزمات‬
‫ومسؤوليات التي يتحملها‪ ،‬فهو الشخص المؤهل لتنفيذ العمليات اإلدارية المتعلقة بالميزانية‬
‫والممثل القانوني للجهاز العمومي‪.‬‬

‫إن دراسة البنيات التنظيمية والبشرية للمحاكم المالية تندرج في إطار محاولة الكشف‬
‫عن المحددات القانونية والتنظيمية لصناعة الفعل الرقابي‪ ،‬وبالتالي رصد السمات الجوهرية‬
‫التي تتحكم في عملية الرقابة على األموال العمومية من داخل البنيات اإلدارية للهيئة المختصة‬
‫بالرقابة المالية القضائية نفسها‪.‬‬

‫من خالل هذه التوطئة وبالتحديد الهيئات والتشكيالت التي تكون البناء التنظيمي لكل من‬
‫المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات (المطلب األول)‪ ،‬وتمكينا للمحاكم‬
‫المالية من ممارسة هذه فقد أسندت لها جملة من اإلختصاصات والصالحيات والمسؤوليات‬
‫الواسعة والمتنوعة والمختلفة سواء من حيث طبيعتها أو مدياتها وأبعادها (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تنظيم المحاكم المالية بالمغرب‬


‫إن المحاكم المالية باعتبارها مؤسسات دستورية للرقابة‪ ،‬ذات اختصاصات واسعة‬
‫ومتعددة البد أن تضم هياكل منظمة ذات أبعاد إدارية وقضائية‪ ،‬سواء تعلق األمر بالتنظيم‬
‫الذاتي‪ ،‬أو على مستوى تأليف هذه المحاكم أفقيا وعموديا‪ ،‬على هذا األساس سنخصص في هذا‬
‫المطلب (الفقرة األولى) للهياكل القضائية واإلدارية المكونة للمحاكم المالية سواء على مستوى‬
‫المركزي أو الترابي‪ ،‬في حين سنتحدث في (الفقرة الثانية) لتشكيلة المجلس األعلى للحسابات‬
‫والمجالس الجهوية للحسابات‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬هيكلة المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات‬


‫تتكون المحاكم المالية المغربية من هياكل قضائية(أوال)‪ ،‬وهياكل أخرى إدارية (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الهياكل القضائية‬

‫‪-1‬رئاسة المحاكم المالية‬


‫‪18‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫يمكن التمييز بين في رئاسة المحاكم المالية بين الرئيس األول في المجلس األعلى للحسابات‬
‫والرئيس بالنسبة للمجالس الجهوية‪ ،‬فبالنسبة لألول والمتمثل في الرئيس األول الذي أصبح‬
‫يحمل هذه التسمية في إطار القانون ‪ 62.99‬المتعلق بالمدونة المحاكم المالية‪ ،‬الشخصية‬
‫المحورية لمؤسسة المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬باعتباره رئيسا إداريا ورئيسا لهيئة قضائية‬
‫متخصصة في آن واحد‪.‬‬

‫ويتم تعيينه بظهير شريف من طرف جاللة الملك‪ 16‬وتتحدد وضعيته اإلدارية في ظهير‬
‫تعيينه‪ ،‬كما أنه يحتل مكانة بارزة وموقع فعال في تنظيم وتسيير إدارة المجلس‪ ،‬حيث أناط به‬
‫المشرع سلطة اإلشراف العام على أشغال المحاكم المالية‪ ،‬كما يتولى رئاسة جميع الهيئات‬
‫المجلس األعلى للحسابات التي حددتها المادة ‪ 17‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬باستثناء فروع‬
‫الغرف‪ ،‬وبهذا فهو يتوفر على صفتين‪ ،‬صفة القاضي الذي يمكنه المشاركة في جميع أشغال‬
‫المجلس‪ ،‬سواء كانت ذات طابع قضائي أو إداري‪ ،‬ثم صفة السلطة اإلدارية التي تتولى تسيير‬
‫أجهزة المجلس‪.‬‬

‫ويحظى هذا الجهاز بدور بارز ومكانة أساسية في البنية التنظيمية للمجلس األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬ويستمد مكانته من مختلف السلطات والصالحيات الواسعة التي تتوفر عليها‪ ،‬سواء‬
‫في الشق اإلداري أو القضائي‪.17‬‬

‫هكذا‪ ،‬يمارس الرئيس األول وظيفة رئيس مصلحة بما أنه المسؤول األول عن تسيير‬
‫الجيد للمحكمة‪ ،‬إذ يتولى اإلشراف العام على المجلس‪ ،‬وتنظيم أشغاله‪ ،‬وتسيير إدارته‪.‬‬

‫من هنا يشرف الرئيس األول بواسطة قرار على تنظيم مصالح المحاكم المالية بصفة عامة‬
‫وفي نفس الوقت يراقب أعمال وأنشطة قضاة المحاكم المالية‪ ،‬ما عدا القضاة المعينين بالنيابات‬
‫العامة لدى المجالس الجهوية‪ ،‬ومن ثمة يقوم الرئيس األول بتسيير الشؤون اإلدارية للقضاة‪،‬‬
‫وباقي الموظفين اإلداريين التابعين للمحاكم المالية‪.‬‬

‫‪- 16‬أحميدوش مدني‪ ،‬المجلس األعلى والمجالس الجهوية للحسابات‪-‬التشكيل واالختصاصات‪ ،-‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫الحقوق شعبة القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪ ،2002-2001‬ص ‪.205‬‬
‫‪ - 17‬عادلة الوردي‪ ،‬رقابة المجلس األعلى للحسابات على المال العام بالمغرب‪ ،‬منشورات مجلة الحقوق المغربية‪ ،‬مطبعة‬
‫المعارف الجديدة الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2012‬ص ‪.78‬‬
‫‪19‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ودائما في إطار المهام اإلدارية التي يتوالها الرئيس األول لمجلس األعلى للحسابات فإنه‬
‫مكلف باإلشراف العام على المجلس وتنظيم أشغاله وتسيير إدارته بشكل جيد‪ ،‬وقيامه كذلك‬
‫بتنسيق إشغال المجلس الجهوية للحسابات‪ ،‬ويحدد تنظيم مصالح المحاكم المالية بصفة عامة‬
‫وذلك في قرار يصدره في هذا الشأن‪.18‬‬

‫كما أن المشرع المغربي أسند للرئيس األول للمجلس‪ ،‬مهمة تحديد البرنامج السنوي ألشغال‬
‫المجلس‪ ،‬بتنسيق مع الوكيل العام للملك فيما يخص المسائل المتعلقة باالختصاصات القضائية‪،‬‬
‫فضال عن قيامه برفع التقرير السنوي الذي يعده المجلس عن أنشطته إلى الملك قبل انتهاء‬
‫السنة المالية الموالية‪ ،‬وذلك بعد أن يقوم بتوجيه المالحظات التي تقوم بتحضيرها (لجنة البرامج‬
‫والتقارير) حول هذا التقرير‪ ،‬إلى السلطات الحكومية ومسؤولي المؤسسات واألجهزة العمومية‬
‫المعنية‪ ،‬الذين يتعين عليهم توجيه أجوبتهم إلى المجلس داخل أجل ثالثين (‪ )30‬يوما‪.19‬‬

‫كما أن من بين االختصاصات الموكلة للرئيس األول‪ ،‬كونه يترأس أو يجوز له أن يترأس‬
‫جميع هيئات المجلس بما فيها (مجلس قضاة المحاكم المالية)‪ ،‬وعند غيابه أو عاقه عائق ينوب‬
‫عنه في ممارسة هذه اإلختصاصات المنصوص عليها أحد رؤساء الغرف الذي يعينه بأمر‬
‫يصدره في هذا الشأن‪.‬‬

‫غير أن المالحظ أن المشرع المغربي عالج حالة غياب الرئيس األول عالجا جزئيا ومؤقتا‪،‬‬
‫إذ يستلزم األمر تدخل الرئيس األول مرة كل سنة‪ ،‬لتعيين رؤساء الغرفة لينوب عنه في أداء‬
‫مهامه‪ ،‬في حين يتبين بجالء من خالل استقراء النصوص القانونية المنظمة للمجلس األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬أن الرئيس األول يتمتع بسلطات واختصاصات واسعة ومتعددة تنظمها ستة مواد‪،‬‬
‫من مدونة المحاكم المالية وليست المادة العاشرة فقط‪ ،‬األمر الذي كان يستوجب من المشرع‬
‫تعويض حالة غياب الرئيس األول‪ ،‬والنص بشكل صريح في المدونة على من ينوب عنه بشكل‬
‫دائم في ممارسة مختلف االختصاصات‪.‬‬

‫‪- 18‬المادة ‪ 8‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ - 19‬المادة ‪ 99‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬إن الرئيس األول اختصاص مالي‪ ،‬بحيث يعتبر اآلمر بالصرف لميزانية‬
‫المحاكم المالية‪ ،20‬وبذلك يقدر نفقات هذه المحاكم بمعية المحاسبين الذين يشتغلون تحت‬
‫إشرافه‪ ،‬فقد أصبحت للمحاكم المالية ميزانية تندرج تحت الميزانية العامة للدولة‪ ،‬بعدما كانت‬
‫تدخل ضمن ميزانية الوزارة األولى‪ ،‬اعتبارا لكون التوفر على ميزانية مستقلة هي من الشروط‬
‫األساسية واألولية لكل هيئة عليا للرقابة المالية‪ ،‬نظرا لما يستتبع ذلك من اعتراف قانوني‬
‫صريح لهذه المؤسسات بالتحكم عن طريقة إعداد وصرف نفقات ميزانيتها‪.21‬‬

‫ويمكن للرئيس األول بصفته آمر بالصرف تفويض إمضائه للكاتب العام للمجلس وتعيين‬
‫رؤساء المجلس الجهوية للحسابات كأمرين مساعدين بالصرف‪.‬‬

‫ودائما في إطار الصالحيات اإلدارية للرئيس األول‪ ،‬فإن هذا األخير يتدخل للبت في طلب‬
‫الرئيس الغرفة المكلفة بالتداول في ميدان مراقبة التسيير في حالة عدم استجابة المسؤولين‬
‫والمستخدمين الستدعاء المجلس‪ ،22‬ويقوم بتوجيه التقرير الخاص الذي يعده المستشار المقرر‪،‬‬
‫حول مراقبة التسيير األجهزة المحددة في المادة ‪ 76‬من نفس المدونة‪ ،‬إلى رئيس الحكومة‬
‫والوزير المكلف بالمالية والوزير الوصي‪ ،‬الذين يمكنهم اإلدالء بمالحظاتهم‪ ،‬والتعبير عن‬
‫آرائهم داخل أجل يحدده الرئيس األول‪.‬‬

‫كما يتولى الرئيس األول مهمة تعيين الغرفة التي تتكلف بمراقبة استخدام األموال العمومية‪،‬‬
‫ويكلف إحدى الغرف المجلس بالقيام بمراقبة استخدام الموارد التي تم جمعها من طرف‬
‫الجمعيات التي تلتمس اإلحسان العمومي‪.23‬‬

‫وإذا كان يبدو من خالل هذه المهام اإلدارية التي خولها المشرع المالي للرئيس األول‬
‫للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬بروز دور هذا الجهاز في تنظيم أعمال المجلس‪ ،‬فإن أهمية‬
‫وشساعة اختصاصاته تظهر بشكل أكبر في اختصاصات المساطر القضائية‪.‬‬

‫‪- 20‬المادة ‪ 9‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪- 21‬نفس المقتضى نص عليه الفصل ‪ 92‬من القانون رقم ‪ 12.79‬المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات‪.‬‬
‫‪- 22‬المادة ‪ 82‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪- 23‬المادة ‪ 91‬من نفس القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫إضافة إلى المهام السالف ذكرها‪ ،‬فمؤسسة الرئاسة بالمجلس األعلى للحسابات لها سلطات‬
‫واسعة في المجال القضائي‪ ،‬سواء في مادة النظر في الحسابات أو في مادة التأديب المالي‬
‫باعتباره أهم يخضع له كل من المحاسبين العموميين واآلمرين بالصرف وبحتنا سيقتصر على‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام القضاء المالي‪.‬‬

‫فبالنسبة لمادة النظر في الحسابات‪ ،‬يمارس الرئيس األول في هذا المجال سلطة التأديبية‪،‬‬
‫على كل محاسب عمومي تأخر في تقديم الحساب والوثائق المحاسبية في اآلجال القانونية‬
‫المقررة‪ ،‬حيث يجوز عليه بغرامة تأديبية قد يصل مبلغها األقصى ألف درهم (‪ )1000‬بناء‬
‫على ملتمس من الوكيل العام للملك‪ ،‬يودعه هذا األخير بعد إشعاره بهذا التأخير لدى كتابة‬
‫العامة التابعة لرئيس األول‪ ،‬ويجوز له (الرئيس األول) أن يحكم على المحاسب المعني باألمر‬
‫بغرامة تهديدية ال يتجاوز قدرها خمس مئة درهم (‪ )500‬عن كل شهر تأخير بعد صدور‬
‫الغرامة التهديدية‪.24‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن أوامر الرئيس األول للمجلس القاضية بتطبيق الغرامة التهديدية ال‬
‫تقبل الطعن بالنقض‪.25‬‬

‫أما فيما يخص قضايا التأديب المالي فهي تمر بين الرئيس األول‪ ،‬بحيث أنه هو الذي يطلب‬
‫من الوكيل العام للملك رفع هذا النوع من القضايا – الناتجة عن ارتكاب المخالفات المنصوص‬
‫عليها قانونيا – إلى المجلس‪ ،‬بعد ذلك يتولى مهمة تعيين مستشار مقرر للتحقيق في القضية‬
‫بالتماس من الوكيل العام للملك وذلك في حالة المتابعة أما إذا قرر الوكيل العام للملك حفظ‬
‫القضية‪ ،‬فإن قراره يجب أن كون معلال‪ ،‬ويبلغه إلى الرئيس األول‪.‬‬

‫وأثناء التحقيق‪ ،‬وإذا لم يستجب الشهود والمعني باألمر لطلبات المستشار المقرر‬
‫المتعلقة بتقديم الوثائق والمستندات‪ ،‬أو رفضهم أداء اليمين أو اإلدالء بشهادتهم‪ ،‬فإن هذا‬
‫المستشار يرفع تقريرا للرئيس للبث في األمر‪ ،‬والتي تعرضهم لغرامة من ‪ 500‬درهم إلى‬
‫‪ 2000‬درهم‪.26‬‬

‫‪ - 24‬المادة ‪ 29‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪- 25‬قرار المجلس األعلى للحسابات عدد ‪ 1219‬بتاريخ ‪ ،04-12-08‬ملف عدد ‪ ،02-1-4-2337‬قرار غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 26‬المادة ‪ 69‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وبعد قياس الرئيس األول بفحص شامل للملف‪ ،‬وإذ تبين أن القضية أصبحت جاهزة للبث‪،‬‬
‫أمر بإدراجها في جدول جلسات الغرفة المختصة بالتأديب المالي ان لتصدر في األخير قرارها‬
‫الذي يمكن أن يكون موضوعا للطعن‪.‬‬

‫ففي حالة الطعن باالستئناف في الحكم الصادر عن المجلس في القضية‪ ،‬فإن الرئيس األول‬
‫يعين مستشارا مقررا للتحقيق فيها وذلك بالتماس من الوكيل العام للملك‪ ،‬وإذا كان الحكم للملك‪،‬‬
‫يكون بمجرد توصل هذا األخير بالملف من وكيل الملك لدى المجلس الجهوي الصادر عن‬
‫الحكم االبتدائي‪.27‬‬

‫أما إذا تعلق األمر بالنقض‪ ،‬فالرئيس األول يترأس هيئة الغرف المجتمعة لنظر في القرار‬
‫المحال على المجلس‪ ،‬بعد نقضه من المجلس األعلى‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى هذه الصالحيات المخولة قانونا للرئيس األعلى للحسابات‪ ،‬فإنه يساهم كذلك‬
‫في قضايا االجتهاد القضائي والمسطرة‪ ،‬من خالل طلب انعقاد هيئة الغرف المجتمعة وترؤس‬
‫جلستها‪ ،28‬كما انه يصدر بنشر القرارات واألحكام القضائية بعد إستشارة هيئة الغرف‬
‫المجتمعة‪ ،‬وإصدار مذكرات أو توجيهات تتضمن تفسير أو تطبيق المقتضيات المتعلقة‬
‫باالختصاصات والمساطر القضائية‪.29‬‬

‫ويمارس الرئيس األول للمجلس اختصاصاته القضائية من خالل األليات التالية التي سيبينها‬
‫الجدول التالي‪:‬‬

‫جدول‪ :1‬أليات تدخل المجلس األعلى للحسابات في االختصاصات والمساطر الضريبية‪.30‬‬

‫وتأخذ شكل اإلنذارات أو شكل األحكام العقابية‪ ،‬وتعتبر هذه األليات األكثر‬ ‫األوامر‬
‫استعماال في االختصاصات والمساطر القضائية‪ ،‬كما تأخذ مدلوال إداريا‬
‫كاألمر بتعيين نائب للرئيس وتقسيم المجلي الجهوي إلى فروع‪.‬‬

‫‪ - 27‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر‬
‫تخصص العلوم اإلدارية والمالية‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سويسي برسم السنة الجامعية ‪-2019‬‬
‫‪ ،2020‬ص ‪.12-11‬‬
‫‪ - 28‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪ - 29‬المادة ‪ 113‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪- 30‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬الكتب الثالث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪23‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫تستخدم في الجوانب التنظيمية كتنظيم مصالح المحاكم المالية أو تحديد‬ ‫القرارات‬


‫اختصاصات الغرف وفروع الغرف‪.‬‬
‫لتفسير أو تعميم أو تطبيق المقتضيات القانونية ذات الصلة باالختصاصات‬ ‫المذكرات‬
‫والمساطر القضائية بالمجلس األعلى وبالمجالس الجهوية للحسابات‪.‬‬ ‫والدوريات‬
‫لتعيين الخبراء قصد المساعدة في التحقيقات ذات الصبغة التقنية‬ ‫المقررات‬
‫يطلب اإلحالة على المجلس في ميدان التأديب المالي ويطلب اإلحالة على‬ ‫طلبات‬
‫وزير العدل (الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بسن التعديل الذي عرفته‬ ‫اإلحالة‬
‫م مدونة المحاكم المالية وفق قانون رقم ‪ 55-16‬فيما يخص المخالفة بالقانون‬
‫الجنائي‪.31‬‬

‫والمالحظ وكل وضوح‪ ،‬أن المشرع المغربي أسند اختصاصات مهمة لجهز الرئاسة‬
‫بالمجلس األعلى للحسابات سواء في ظل المدونة المحاكم المالية الصادرة بموجب القانون‬
‫‪ ،62.99‬التي عمل فيها على التوسع من الصالحيات الرئيس األول وتوسيع مجال‬
‫اختصاصاته‪ ،‬إلى درجة أصبحت هذه المؤسسة هي المؤسسة المحورية وذات الصدارة داخل‬
‫المجلس األعلى للحسابات‪.‬‬

‫هذا األمر حذا بالبعض إلى نعت نظام مؤسسة المجلس األعلى للحسابات بكونه نظاما‬
‫رئاسيا‪ ،32‬نظرا لألهمية وقيمة اإلختصاصات والمهام المسندة والموكلة للرئيس األول سواء‬
‫من الناحية اإلدارية أو القضائية أو اإلستشارية‪.‬‬

‫هذا كل ما يتعلق بمؤسسة الرئيس األول‪ ،‬أما الرئيس بالمجالس الجهوية للحسابات فهو يعتبر‬
‫من بين األجهزة والهيئات الرئيسية في بنية وتشكيلة المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬وقد نظمه‬
‫المشرع بمجموعة من االختصاصات والصالحيات‪ ،‬بحيث أنه يتمتع بسلطة اإلشراف العام‬
‫على المجلس وتنظيم أشغاله وترأس جلساته‪ ،‬وكذلك ترأس جلسات الفروع‪ ،‬التي يمكن أن يقسم‬
‫إليها المجلس‪ ،‬أيضا يتميز بصفة مزدوجة صفة القاضي الذي يمكنه المشاركة في جميع‬

‫‪ - 31‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ - 32‬أحميدوش مدني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪24‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫األشغال المجلس سواء كانت ذات طابع او ذات طابع إداري‪ ،‬ثم صفة السلطة اإلدارية المسير‬
‫ألجهزة المجلس‪ ،‬كما يقوم الرئيس باإلشراف على عملية تقديم التصريحات اإلجبارية عن‬
‫الممتلكات‪ ،‬واالطالع على التصريحات المودعة‪ ،‬والتحقيق منا مضمونها‪ ،‬وعملية تجديديها‪.33‬‬

‫ويتم تعيين رؤساء الجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬من بين المستشارين المشرفين بناء على‬
‫اقتراح من الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬هذا بعد أخد رأي مجلس القضاة المحاكم‬
‫المالية‪ ،34‬إال أنه استثناء يجوز تعيين رؤساء المجالس الجهوية للحسابات من بين المستشارين‬
‫من الدرجة األولى في حالة عدم وجود مستشارين مشرفين‪ .‬وهذا استثناء ال يمكن تحقيقه إال‬
‫في المرحلة االنتقالية التي حددها المشرع في مدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ نشر القانون‪،‬‬
‫حيث يتم هذا تعيين بناء على اقتراح من الرئيس األول وبعد استطالع رأي مجلس المحاكم‬
‫المالية‪ ،‬ويمكن تعيين رؤساء فروع المجالس من بين مستشارين الدرجة الثانية‪ ،‬في حالة عدم‬
‫وجود مستشارين الدرجة األولى‪.35‬‬

‫كما أنه من بين االختصاصات رئيس المجلس‪ ،‬أنه يقرر البرنامج السنوي للمجالس بتنسيق‬
‫مع وكيل الملك فيما يخص المسائل المتعلقة باالختصاصات القضائية للمجالس الجهوية‬
‫للحسابات وتوزيع أعمالها على المستشارين‬

‫ويهدف هذا البرنامج إلى توزيع القضاة والمساعدين‪ ،‬على مختلف الملفات والقضايا‬
‫المعروضة على المجلس‪ ،‬أخذا بعين االعتبار ضرورة احترام عدد من المتطلبات‪ ،‬كالقيام‬
‫بعمليات المراقبة اإللزامية‪ ،‬مثل البث في الحسابات المقدمة من طرف المحاسبين العمومين او‬
‫اخذ بعين االعتبار الوضعية المالية‪ ،‬او وضعية التسيير في بعض الجماعات‪ ،‬بناء على‬
‫المالحظات المستنتجة من عمليات مراقبة اإلجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية‪ ،‬او مراقبة‬
‫التسيير‪ .‬كما يجب االخذ بعين االعتبار طلبات البحث والتقصي الموجهة تلقائيا من طرف‬
‫األشخاص الطبيعيين او المعنويين الى المجلس الجهوي‪ ،‬وذلك اما من اجل فرض احترام‬

‫‪ - 33‬المادة ‪ 120‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪- 34‬المادة ‪ 166‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ 238- 35‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫القاعدة القانونية في تدبير محلي‪ ،‬او من اجل التفادي المسبق غير ضرورية‪ ،‬وغير مقيدة وقد‬
‫تكون ذات أثار ال يمكن تحملها من طرف الجماعات الترابية أو المؤسسة المعنية‪.36‬‬

‫وعملية وضع البرنامج السنوي ألشغال المجلس ليست باألمر السهل‪ ،‬وطلك أن هذه العملية‬
‫تتطلب االيصال المنتظم للوثائق المحاسبية والمالية من الجماعات الترابية والهيئات الخاصة‬
‫لرقابة المجلس‪ ،‬والتوفر على الوسائل للتنفيذ تكون مالئمة‪.‬‬

‫وتتطلب مهمة اإلشراف العامة المنوطة بالرئيس‪ ،‬التوفر على قدرات وكفاءة عالية سواء‬
‫في العمل القضائي‪ ،‬أو في مهام التخطيط والتدبير اليومي لعمل المجلس الجهوي‪.‬‬

‫‪-2‬النيابة العامة للمحاكم المالية‬

‫يتوفر النسق القضائي للمجلس األعلى للحسابات وكذا المجالس الجهوية للحسابات على نيابة‬
‫عامة حقيقية‪ ،‬وذلك لكونه جهاز قضائي متخصص في مجال مراقبة األموال العمومية‪.‬‬

‫وبهذا الصدد‪ ،‬تتدخل النيابة العامة لدى المحاكم المالية بطريقة الدعوى او اقتراح او مراقبة‪،‬‬
‫الشيء الذي يقربها من النيابة العامة لدى محاكم القضاء العادي‪ ،‬لكن مجال عملها واختصاصها‬
‫محدود وضيق أكثر مما هو عليه الحال لدى هذه األخيرة‪.37‬‬

‫وتمارس مهام النيابة العامة من طرف الوكيل العام للملك بالنسبة للمجالس األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬وذلك بوصفه رئيس لهذا الجهاز ممثال له‪ ،‬ويعين الوكيل العام للملك من طرف‬
‫الملك‪ ،‬وتحدد وضعيته اإلدارية في ظهير تعينه‪ ،‬ويساعده خمسة محامين عامين مختارين من‬
‫بين قضاة المجلس‪ ،38‬خاضعين إلشراقه ومراقبته‪ ،‬من هنا‪ ،‬قد يخلفه في حالة حدوثه مانع له‪،‬‬
‫أي إذا عاقه عائق أحد المحامين العامين الذي يعينه سنويا لهذا الغرض‪.39‬‬

‫‪- 36‬محمد مجيدي‪ ،‬دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬السنة الجامعية ‪،2007-2006‬‬
‫ص ‪.27‬‬
‫‪ -37‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ - 38‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة المدنية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫لبيضاء‪ ،2006 ،‬ص ‪.86-85‬‬
‫‪ -39‬الفقرة األولى من المادة ‪ 14‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫في حين يعين الوكيل العام في فرنسا بموجب مرسوم جمهوري بناء على ترشيح مجلس‬
‫الوزراء‪ ،‬وال يعد الوكيل العام من أعضاء المحكمة القضائية‪ ،‬بل موظفا لديها‪ ،‬وبالتالي فهو ال‬
‫يتمتع بحصانة عدم قابلية العزل‪ ،‬ألنه يعين من طرف الحكومة‪ ،40‬ويمكن تمثيل الوكيل العام‬
‫من طرف المحامين العامين في مختلف التشكيالت واللجان وهيئات المحكمة‪.41‬‬

‫كما ينوب عنه المحامي العام األول في حالو غيابه‪ ،‬او إذا اعاقه عائق‪ ،‬او كان في عطلته‪،‬‬
‫وان لم يوجد ينوب عنه المحامي االقدم‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬توقع مستنتجات النيابة العامة بشكل عادي من طرف الوكيل العام‪ ،‬كما‬
‫يمكن أن توقع من طرف محام عام‪.‬‬

‫ويتوفر الوكيل العام للملك‪ ،‬رغم الحدود التي تتعرض عمله‪ ،‬على صالحيات جد واسعة‪،‬‬
‫اذ يتمثل دوره األساسي في ضبط الوظيفة القضائية بما ينسجم مع الحق والقانون‪ ،‬من خالل‬
‫السهر على فرض القانون‪ ،‬وممارسة مهام النيابة العامة في المسائل القضائية‪ ،‬والمساهمة في‬
‫برمجة اشغال المجلس في المجال القضائي‪ ،‬ويتوصل بمختلف التقارير المتعلقة باالختصاص‬
‫القضائي للمجلس‪.‬‬

‫كما انه وباإلضافة الى حق فتح مسطرة التأديب المالي عن طريق تحريك الدعوى‪،‬‬
‫واحالة العمليات التي قد تشكل تسيرا بحكم الواقع على انظار المجلس‪ ،‬فبإمكان الوكيل العام‬
‫للملك أيضا ان يلتمس من الرئيس األول‪ ،‬تطبيق الغرامة والغرامة التهديدية في حالة وقوع‬
‫تأخير في تقديم الحسابات‪ .‬كما يحضر جلسات هيئات المجلس‪ ،‬ويمكن ان يعين محامي عام‬
‫لتمثيله في تقديم الحسابات‪ ،‬وفي نفس السياق يبلغ بالقرارات النهائية المتعلقة باالختصاص‬
‫القضائي‪.42‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪-JEAN FRACOIS Bénard.<la réforme des procédures des juridiction financières et la‬‬
‫‪convention européene des droit de l’homme>, rfpp, n°106, avril, p 12.‬‬
‫‪ - 41‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪ - 42‬حمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات بالمغرب (دراسة سوسيو قانونية)‪ ،‬مجلة الدراسات السياسية واالجتماعية‬
‫سلسلة أطروحات وابحاث‪ ،‬العدد ‪ ،1‬مطبعة المعارف الجديدة‪-‬الرباط‪ ،2013 ،‬ص‪.52‬‬
‫‪27‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وفي ميدان إحالة قضايا المخالفات المالية الى القضاء الجنائي‪ ،‬فالوكيل العام للملك يتوفر‬
‫على صالحية توجيه الملفات المتضمنة الوقائع التي تستدعي عقوبات جنائية الى وزير العدل‪،‬‬
‫باإلضافة الى توفره على حق الطعن المشتركة‪ ،‬ويمكن له استئناف قرارات المجلس امام هيئة‬
‫الغرف المشتركة‪ ،‬ويمكنه كذلك الطعن بالنقض امام محكمة النقض ضد القرارات النهائية‬
‫الصادرة استئنافا عن المجلس‪ ،‬وطلب مراجعة القرارات الصادرة عنه‪.‬‬

‫وفضال عن ذلك‪ ،‬يقوم الوكيل العام للملك بمهام مراقبة قضاة النيابة العامة‪ ،‬وتنسيق اشغال‬
‫النيابات العامة بالمجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬كما يحق له االطالع على سير اعمالها بواسطة‬
‫التقارير‪ ،‬ويمكنه ان يوجه مباشرة تعليمات ومالحظات الى وكالء الملك لدى المحاكم‪ ،43‬الن‬
‫هؤالء يوجدون تحت اشرافه ومراقبته‪ ،‬كما يقترح التعين في وظيفة المحامين العامين‬
‫بالمجالس‪ ،‬ووكالء الملك بالمجالس الجهوية للحسابات على انظار لدى المحاكم المالية الجهوية‪.‬‬

‫وباستحضار مقتضيات المادة ‪ 14‬من مدونة المحاكم المالية يحضر الوكيل العام للملك في‬
‫جلسات الحكم‪ ،‬والجلسة الرسمية‪ ،‬وهيئة الغرف المجتمعية‪ ،‬التي يعد عضوا فيها‪ ،‬مما يمكنه‬
‫بهذه الصفة من أن يلتمس من الرئيس األول إدراج بعض القضايا للبت فيها من طرف هذه‬
‫الهيئة‪ ،‬وهيئة الغرف المشتركة‪ ،‬والغرف وفروع الغرف‪ .‬في حين ال وجود ألية إشارة قانونية‬
‫صريحة لحضور النيابة العامة‪ ،‬فتتحدد في المستنتجات والملتمسات وطلبات اإلحالة والتبليغ‬
‫واإلخبار والحضور في الهيئات بنص القانون‪ ،‬والطعن الحفظ واالشراف‪ ،‬فضال عن‬
‫المالحظات الشفوية والمذكرات‪.‬‬

‫هذا وعلى خالف التجربة المغربية‪ ،‬وما يمكن مالحظته يمكن أن الوكيل العام لدى محكمة‬
‫الحسابات الفرنسية ال ينحصر دوره فقط على االختصاصات القضائية‪ ،‬بل يمكن أن يشمل‬
‫المهام اإلدارية‪ ،‬الشيء الذي يجعله يساهم في تدبير المحاكم المالية‪ ،‬كما يمكن أن يراقب أشغال‬
‫المحكمة‪ ،‬ويمنح رأيه في الجلسات الغرف وفروع الغرف‪ ،‬ويستشار حول تعيينات وترقيات‬
‫القضاة‪ ،‬فضال عن توظيف المقررين الخارجيين‪ ،‬ويتوفر أيضا‪ ،‬على إمكانية الحضور في‬
‫جلسات هيئات المحكمة‪ ،‬وتقديم مالحظاته الشفوية لها‪ ،‬والمشاركة أيضا في المناقشات‪ ،‬كما‬

‫‪- 43‬المادة ‪122‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪28‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫يعد الوكيل العام عضوا بحكم القانون في لجنة التقرير العام والبرامج‪ ،‬وفي مؤتمر الرؤساء‪،‬‬
‫وفي اللجنة االستشارية للمجلس األعلى للغرف الجهوية‪ ،‬ويشارك الوكيل العام في هذه الهيئات‬
‫بصوت تقريري‪.44‬‬

‫أما فيما يخص عالقته بالنيابة العامة لدى المحاكم العادية فإنه يمكن القول أن الوكيل العام‬
‫للملك لدى المجلس األعلى للحسابات يعتبر همزة وصل في إطار العالقة القائمة بين هذه‬
‫المؤسسة الدستورية والمحاكم العادية (إقسام الجرائم المالية بمحاكم االستئناف والنيابة العامة‬
‫لدى محكمة النقض)‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫جدول ‪ :2‬اختصاصات النيابة العامة‬

‫إيداع ملتمسات عند االقتضاء‬ ‫‪‬‬ ‫التدقيق والبت في حسابات المحاسبين‬


‫لتغريم المماطلين في تقديم الحسابات غير‬ ‫العموميين‬
‫المتعاونين في التحقيق‬
‫إيداع مستنتجات في المسطرة‬ ‫‪‬‬
‫وفي الجلسات الحكم‪.‬‬
‫الطعن باالستئناف والنقض‬ ‫‪‬‬
‫وطلب المراجعة‬
‫إيداع ملتمسات عند االقتضاء‬ ‫‪‬‬ ‫التدقيق والبت في الحسابات المحاسبين‬
‫لتغريم المماطلين في تقديم الحسابات وغير‬ ‫بحكم الواقع‬
‫المتعاونين في التحقيق‪.‬‬
‫إيداع مستنتجات في المسطرة‬ ‫‪‬‬
‫وفي الجلسة الحكم وفي جلسة النقض‬
‫وطلب المراجعة‬

‫‪- 44‬جمال السليماني‪ ،‬المحاكم المالية بالمغرب‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد األول‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2008-2007‬ص‪.176‬‬
‫‪- 45‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬الكتب الثالث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪29‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫إحالة المخالفين على المحكمة‬ ‫‪‬‬ ‫في مادة التأديب المالي‬


‫االشراف على السير الواقع‬ ‫‪‬‬
‫تقديم المستنتجات أثناء الجلسة‬ ‫‪‬‬
‫الحكم‬
‫الطعن باالستئناف والنقض‬ ‫‪‬‬
‫وطلب المراجعة‬

‫هذا فيما يتعلق باختصاصات النيابة العامة‪ ،‬أما آليات تدخلها واشتغالها فسنوردها وفق‬
‫الجدول التالي‪:‬‬
‫‪46‬‬
‫جدول‪ :3‬سبع آليات لتدخل واشتغال النيابة العامة‬

‫الملتمسات‬ ‫‪1‬‬

‫المستنتجات‬ ‫‪2‬‬
‫اإلحالة‬ ‫‪3‬‬
‫التبليغ واإلخبار‬ ‫‪4‬‬

‫الحفظ‬ ‫‪5‬‬

‫اإلشراف‬ ‫‪6‬‬

‫الطعن‬ ‫‪7‬‬

‫إن الوكيل العام للملك الذي يتولى مهام النيابة العامة إلى جانب عناصر أخرى يشكل بحق‬
‫الدليل القاطع على اعتبار المجلس األعلى للحسابات جهازا قضائيا متخصصا في القضاء‬
‫المالي‪.47‬‬

‫‪- 46- 46‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬الكتب الثالث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ - 47‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 18‬‬
‫‪30‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وكما هو معلوم أن الرئيس األول والوكيل العام للملك لدى المجلس األعلى للحسابات يعينان‬
‫من نفس الدرجة‪ ،‬مما يعني أنه ليس هناك أي تمييز بين هاذين الجهازين من حيث درجة‬
‫تعيينهما على عكس ما هو معمول عليه في تعيين كل من رئيس المجلس ووكيل الملك في‬
‫المجالس الجهوية للحسابات حيث أن الرئيس يتم تنصيبه من بين قضاة الدرجة االستثنائية في‬
‫حين أن وكيل الملك يتم تعيينه من بين القضاة الدرجة الثانية وهذا االختالف في درجة تعيينهما‬
‫أدى إلى اختالف الوضعية القانونية بينهما الشيء الذي سيؤثر على العالقة داخل النسق‬
‫القضائي وعلى التوازن في دور كل متدخل المجلس لذلك فاختالف درجة التعيين بين الرئاسة‬
‫ومنصب وكبل الملك ال نجد له تفسيرا‪.48‬‬

‫فمن خالل دراسة موضوع التعيين‪ ،‬سيؤدي بنا إلى التطرق لالختصاصات الموكلة لوكيل‬
‫الملك الذي يدخل ضمن التشكيلة القضائية للمجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬الذي تندرج‬
‫اختصاصاته في ممارسة النيابة العامة لدى المجلس خاصة ما يتعلق بالمسائل القضائية‪،‬‬
‫ويساعده في مهامه نائب او عدة نواب‪ ،49‬ويمارس مهام النيابة العامة لدى المجلس الجهوي‬
‫وكيل للملك لدى هذا المجلس الدي يتم تعيينه من بين المستشارين‪ ،50‬ويمكن ان يساعد وكيل‬
‫الملك نائب او عدة نواب يعينون وفق نفس المقتضيات المشار اليها في الفقرة السابقة‪.‬‬

‫ومن بين المهام التي تم تخويلها لوكيل الملك‪ ،‬نجد ما جاءت به المادة ‪ 122‬من القانون‬
‫‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪ ،‬نذكر على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬انه يودع مستنتجاته‬
‫ومالمساته‪ ،‬ويقوم بإرسال تقارير بصفة دورية الى الوكيل العام لدى المجلس األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬الطالعه على سير اعمال النيابة العامة‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فالمهام ة االختصاصات التي اناط بها المشرع الملك تنحصر ضمن‬
‫االختصاصات ذات الطابع القضائي دون االختصاصات ذات الطابع اإلداري خاصة فيما يتعلق‬
‫بمراقبة التسيير‪ ،‬السؤال الذي يطرح نفسه لماذا عمد المشرع المغربي الى حصر اختصاصات‬
‫وكيل الملك في االختصاصات القضائية واقصاء ممارسته للمهام اإلدارية؟ فهذا الحصر غير‬

‫‪- 48‬أحمد حاسون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪ - 49‬المادة ‪ 121‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 50‬المادة ‪ 166‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫منطقي ألنه في بعض األنظمة المقارنة كالنظام الفرنسي على سبيل المثال‪ ،‬وكيل الملك لدى‬
‫الغرفة الجهوية للحسابات تم منحه هذه المهام (اإلدارية) حيث يلعب دورا هاما وفعاال في‬
‫االختصاصات ذات الطابع اإلداري والمتعلقة بمراقبة التسيير‪.‬‬

‫ويتجلى دورا من خالل قيامه بالمراقبة والتحقق مما إذا كانت المالحظات المقدمة من طرف‬
‫القاضي المقرر منبثقة عن أسباب وواقع كافية لتبرير صياغتها‪.51‬‬

‫ثانيا‪ :‬الهياكل اإلدارية للمحاكم المالية بالمغرب‬

‫‪ :1‬الكتابة العامة للمحاكم المالية‬

‫تعد الكتابة العامة مصلحة إدارية تابعة‪ ،‬قانونيا وممارسة‪ ،‬لرئيس األول للمجلس ويتولى‬
‫مهامها كاتب عام يتم اختياره بناء اقتراح من الرئيس األول بعد موافقة مجلس قضاء المحاكم‬
‫المالية‪.52‬‬

‫وبهذا الصدد‪ ،‬يتم تعيين الكاتب العام من بين المستشارين المشرفين بالمجلس‪ ،‬وتحدد‬
‫وضعيتهم اإلدارية بمرسوم‪ ،‬ويعتبر الكاتب العام رئيسا تسلسليا األربعة أقسام‪ :‬الموارد‬
‫البشرية‪ ،‬نظم المعلومات والتوثيق‪ ،‬قسم الموارد المالية‪ ،‬قسم الضبط المركزي‪ ،‬كما يتولى‬
‫مهمة تنسيق أشغال الكتاب العامين بالمجالس الجهوية‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يتولى الكاتب العام تحت إشراف وسلطة الرئيس األول‪ ،‬مهمة تسيير‬
‫المصالح اإلدارية للمجلس عموما ومصلحة كتابة الضبط خصوصا‪ ،‬فضال عن توليه إنجاز‬
‫العديد من المهام األساسية في دعم وتوجيه عملية الرقابة‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬يسهر الكاتب العام على تقديم الحسابات والوثائق والمستندات من طرف‬
‫المعنيين باألمر باآلجال القانونية المحددة لها‪ ،‬وفي حال وقوع أي تأخير في األدالء بهده‬
‫الحسابات يتولى إخبار الوكيل العام للملك بذلك‪ ،‬زيادة على مساعدة الكاتب العام للرئيس األول‬
‫في تنسيق أشغال المجلس‪ ،‬وكذا تنظيم جلسات الهيئات التابعة له كما التابعة له كما يساهم في‬
‫تنسيق أشغال المجالس الجهوية للحسابات‪.‬‬

‫‪ -51- 51‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪- 52‬المادة ‪ 66‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬يمكن للرئيس األول تفويض إمضائه بقرار إلى الكاتب العام في المسائل‬
‫التي تتعلق بتسيير موظفي المحاكم المالية‪.53‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬تتوزع مهام التكاتب العام إلى مهام ذات طابع اإلداري صرف‪ ،‬ومهام لها‬
‫عالقة بالمسطرة القضائية‪ ،‬لذا تبدوا الكتابة العامة في الشق اإلداري مجرد مصلحة وسيطة‬
‫لمساعدة الرئيس األول في إداء مهامه‪ ،‬وامتدادا عضويا وتنظيميا لصالحياته ومهامه‪ ،‬إذ يتمكن‬
‫الرئيس األول من خالل تلك المصلحة من تسيير مختلف المصالح اإلدارية للمحاكم المالية‬
‫وضبطها‪.‬‬

‫وبالنظر إلى عالقة الكتابة العامة باألداء الرقابي‪ ،‬فيندرج عمل الكاتب العام في إطار تسهيل‬
‫وظيفة القضاة المكلفين بالتحقيق‪ ،‬وذلك من الناحيتين اإلدارية والمالية‪ ،‬وتبعا لذلك يتجلى عمل‬
‫الكاتب العام في تدبير كل ما يتعلق بجوانب اللوجستيك الرقابي‪.54‬‬

‫ويتولى الكاتب العام ممارسة مجموعة من اإلختصاصات تتلخص في مساعدة الرئيس األول‬
‫على تنسيق أعمال المجلس وتنظيم جلسات التشكيالت التابعة له‪ ،‬ويساهم أيضا في تنسيق‬
‫أشغال المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬كما يسهر على أن تقدم الحسابات والمستندات والوثائق‬
‫في اآلجال القانونية‪ ،‬ويخبر الوكيل العام للملك بكل تأخير في هذا الصدد‪ ،‬كما تسند إلى الكاتب‬
‫العام للمجلس تحت سلطة الرئيس األول مهمة تسيير المصالح اإلدارية للجهاز وكتابة الضبط‬
‫لديه‪.55‬‬

‫وقد أضاف المشرع للكاتب العام اختصاصا مهما جديدا‪ ،‬إذ يمكن للرئيس األول أن يفوض‬
‫له التوقيع بقرار يصدره في هذا الشأن‪ ،‬خاصة في ميدان تسيير وتدبير موظفي المحاكم المالية‬
‫وكذا تنفيذ الميزانية هذه المحاكم‪.56‬‬

‫ويالحظ أن مقتضيات قانون‪ 62.99‬لم تتناول حالة غياب الكاتب العام ال صراحة وال ضمنيا‬
‫بالنظر إلى اإلختصاصات الموكلة إليه‪ ،‬األمر الذي عالجه المشرع الفرنسي حينما أقر بنيابة‬

‫‪ - 53‬المادة ‪ 15‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ - 54‬أحمد حاسون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ - 55‬عبد الفتاح بالخال‪ ،‬علم المالية العامة والتشريع المالي بالمغرب‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2005 ،‬ص ‪.355‬‬
‫‪- 56‬المادة ‪ 15‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الكتاب العامين المساعدين له في حالة غياب‪ ،‬او إذا عاقه عائق والذين يتم اختيارهم من بين‬
‫المستشارين المقررين‪ ،‬وهم يعينون باقتراح من الرئيس األول للمحكمة‪.57‬‬

‫أما كيفية تعيين الكاتب العام للمجلس والشروط التي يجب أن تتوفر فيه‪ ،‬فهي مطابقة على‬
‫حد ما لنظيره في التجربة الفرنسية‪ ،‬إذ أن اختيار الكاتب العام للمجلس يتم بين المستشارين‬
‫المشرفين‪ ،‬أما وضعيته القانونية واإلدارية فهي مماثلة لوضعية الكاتب العام للوزارة‪.58‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فالجديد الذي جاء به قانون رقم ‪ ،62.99‬هو إسناده اختصاصا جديدا‬
‫للكاتب العام‪ ،‬يتجلى في إمكانية الرئيس األول تفويض له مهام التوقيع بقرار يصدره في هذا‬
‫الشأن‪ ،‬خاصة في ميدان تسيير وضبط أعمال موظفي المحاكم المالية وكذا تنفيذ ميزانية هذه‬
‫المحاكم‪.59‬‬

‫ويعتبر الكاتب العام للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬الشخصية الثانية من حيث األهمية بعد‬
‫الرئيس األول خاصة من الناحية اإلدارية‪.60‬‬

‫وبالنسبة للكتاب العامين للمجالس الجهوية للحسابات يتم اختيارهم بناء على اقتراح من‬
‫الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات من بين المستشارين من الدرجة األولى بعد موافقة‬
‫مجلس قضاة المحاكم المالية‪.61‬‬

‫من اختصاصات الكاتب العام للمجلس الجهوي‪ ،‬السهر على ان تقدم الحسابات في اآلجل‬
‫القانونية‪ ،‬ويخبر الوكيل الملك بكل تأخير في هذا الصدد‪ ،‬ويساعد الرئيس في تحضير البرامج‬
‫وتنسيق اشغال المجلس الجهوي وتنظيم جلسات الهيئات التابعة له‪ ،‬ويتولى تحت سلطة الرئيس‬
‫تسيير كتابة الضبط والمصالح اإلدارية للمجلس الجهوي‪ ،‬وإذا تغيب الكاتب العام أو عاقه عائق‬
‫كلف الرئيس من ينوب عنه‪.62‬‬

‫‪ - 57‬ياسين قادري‪ ،‬آليات الحكامة بالمغرب رقابة المجلس األعلى للحسابات نموذجا‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر‪ ،‬ماستر القانون الدستوري‬
‫والمؤسسات الدستورية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدارلبيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2015-2014‬ص‪.44‬‬
‫‪- 58‬ياسين قادري‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪45‬‬
‫‪- 59‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ - 60‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪- 61‬خديجة بلكبير‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في الرقابة العليا دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية االقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2008-2007‬ص‪.176‬‬
‫‪ - 62‬المادة ‪ 123‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫‪- 2‬كتابة الضبط لدى المحاكم المالية‬

‫تعد كتابة الضبط التي يشرف عليها كاتب الضبط‪ ،‬مصلحة إدارية من الدرجة الثانية‪ ،‬إذ‬
‫تظل تابعة للكتابة العامة‪ ،‬حيث تشتغل تحت سلطة وإشراف الكاتب العام‪.63‬‬

‫والجدير بالذكر‪ ،‬إلى أن مدونة القانون رقم ‪ 62.99‬لم يحدد اإلطار القانوني للكتاب الضبط‪،‬‬
‫ولطرق تعيينهم وتكوينهم بالمجلس‪ ،‬كما لم تربط ذلك على األقل من حيث الوضعية اإلدارية‬
‫بقانون الوظيفة العمومية‪ .‬بل اكتفت بمجرد اإلشارة إلى ان الموظفين اإلداريين والتقنيين‬
‫واألعوان يخضعون لنظام خاص بهم‪ .64‬ويتخذ المشتغلون في مصلحة كتابة الضبط وضعية‬
‫اإلداريين‪ ،‬ويبدوا أن هذه الثغرة القانونية تحتاج إلى إعادة النظر‪ ،‬من خالل تمكين كتاب الضبط‬
‫من نظام خاص يشكل ضمانة قانونية اهم فب تأدية مهامهم‪ ،‬وكذا تحديد آلية تعيينهم وطرق‬
‫تكوينهم‪.‬‬

‫ويالحظ بهذا الخصوص‪ ،‬أن كتابة الضبط تجمع في إطار االزدواج الوظيفي‪ ،‬بين المهام‬
‫اإلدارية والقضائية‪ ،‬هكذا يتولى كاتب الضبط تسجيل الملفات والعرائض والشكايات‬
‫واإلحاالت والتقارير‪ ،‬فضال عن الحسابات وجميع الوثائق المحاسبية المقدمة إلى المجلس‪ ،‬كما‬
‫يعمل على توزيعها على الغرف وفق البرنامج السنوي ألشغال المجلس‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يتولى مهمة توثيق وتدوين وحفظ الحسابات واسخ لوثائق المحاسبية‪،‬‬
‫وكذا تبليغ القرارات وإجراءات المجلس في جميع القضايا للمعنيين باألمر‪ ،‬فضال عن اإلشهاد‬
‫على صحة نسخ ومختصرات القرارات القضائية الصادرة عن هذا الجهاز‪.‬‬

‫وبالموازاة مع ذلك‪ ،‬يحضر كاتب الضبط في كل هيئة من هيئات المجلس‪ ،‬وكذا جميع‬
‫الجلسات الحكم ويتولى في نفس السياق‪ ،‬تدوين كل المحاضر‪ ،‬كما يوقع على القرارات‪ ،‬زد‬
‫على ذلك فكاتب الضبط يحضر لتدوين محاضر جلسات االستماع أثناء التحقيق في مجال‬
‫القضايا التأديب المالي‪.‬‬

‫‪- 63‬اسنادا المادة ‪ 15‬من المدونة يشكل الرئيس األول السلطة الرئاسية لكاتب الضبط‪ ،‬لكن التأطير والتوجيه يتم من طرف الكاتب العام من حيث‬
‫الممارسة‪.‬‬
‫‪- 64‬المادة ‪ 106‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬يتولى كاتب الضبط استقبال التصريحات االجبارية بالممتلكات‪ ،‬والتحقق‬
‫من صفة المصرح بناء على قائمة الملزمين بالتصريح‪ ،‬وكذا إخبار الرئيس األول للمجلس‪،‬‬
‫والوكيل العام للملك بالتصريحات المودعة‪ ،65‬كما يساعد كاتب الضبط القضاة الماليين في‬
‫ممارسة اختصاصاتهم الرقابية‪ ،‬سواء في مسطرة البت في الحسابات أو قضايا التأديب المالي‪،‬‬
‫أم رقابة التسيير من خالل توفير الدعم التدبيري لعملهم‪.66‬‬

‫وتقوم كتابة الضبط بالمجلس األعلى للحسابات بالمهام التالية‪:‬‬

‫✓ ت سجيل الحسابات والوثائق المحاسبية األخرى المقدمة إلى المجلس وتوزيعها‬


‫على الغرف حسب البرنامج اشغال المجلس‪.‬‬
‫✓ مسك األرشيف المتعلق بتلك الحسابات والوثائق وكذا تبليغ قرارات اإلجراءات‬
‫المجلس واالشهاد على صحة نسخ ومختصرات القرارات القضائية‪.67‬‬

‫وتعتبر هذه المهام التي أنيطت بجهاز كتابة الضبط أهمية بالغة‪ ،‬وذلك أن هذه الكتابة هي‬
‫التي ستتولى استقبال وحفظ وتوزيع المادة األولية واألساسية لعمل المجلس المتمثل في‬
‫الحسابات والوثائق‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تتدخل كتابة الضبط في جزء هام من مسطرة البت في الحسابات القضايا‬
‫األخرى المعروضة على المجلس‪ ،‬خاصة تبليغ القرارات وإجراءات المجلس وما يرتبط بذلك‬
‫من آجال الطعن وغيرها‪.‬‬

‫رغم كل هاته األهمية لم يغفل المشرع المغربي من فرض شروط على من سيتولى مهام‬
‫كتابة الضبط واإلشراف عليها‪ ،‬تتمثل في تنصيصه على أدائهم اليمين القانونية قبل الشروع‬
‫في مزاولة المهام‪ ،‬ولم يحدد هذا المشرع أي مستوى تعليمي أو درجة معينة أو مدة أقدمية‬
‫معينة‪.68‬‬

‫‪- 65‬المادة ‪ 96‬مكررة من القانون رقم ‪ 55.16‬المغير والمتمم للقانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 6501‬الصادر بتاريخ ‪ 17‬ذو الحجة ‪ 1437‬سبتمبر ‪ 19(2016‬سبتمبر ‪ ،)2016‬ص ‪.6704‬‬
‫‪- 66‬أحمد حاسون‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.62‬‬
‫‪ -67- 67‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪- 68‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪36‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وقد تدارك القانون الجديد لتنظيم مسألة أداء القسم بالنسبة إلى الكاتب الضبط بالمجلس التي‬
‫سبق وأن أغفلها القانون السابق‪ ،‬وذلك حين نص في المادة السادسة عشر على أنه‪ ":‬يلزم على‬
‫الكاتب الضبط قبل الشروع في مزاولة مهامهم بأداء اليمين القانونية‪ ...‬كما يلزمون بكتمان‬
‫السر المهني‪"...‬‬

‫يجد هذا المقتضى الجديد سنده‪ ،‬في كون إجراءات التحقيق التي يقوم بها المستشارون‬
‫المقررون يشترط أن تحاط بسرية تامة‪ ،‬تفاديا ألي تسريب محتمل للمعلومات من قبل الكاتب‬
‫الضبط الذين يحضرون الجلسات‪.69‬‬

‫وفيما يتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬كذلك يؤدي كاتب الضبط القسم أو اليمين المهني‬
‫قبل الشروع في مهامه‪ ،‬وفقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل‪.70‬‬

‫باإلضافة إلى أن الكاتب الضبط يقوم بتسجيل الحسابات والوثائق المحاسبية األخرى المقدمة‬
‫إلى المجلس الجهوي‪ ،‬وتقوم كتابة الضبط بحفظ جميع الحسابات والوثائق المذكورة‪ ،‬وكذا تبليغ‬
‫األحكام وإجراءات المجلس الجهوي‪ ،‬كما تشهد بصحة نسخ ومختصرات األحكام القضائية‪.‬‬

‫ويمكن لكاتب الضبط حضور جميع التشكيالت المجلس الجهوي للحسابات‪ ،‬أما مسألة تنظيم‬
‫وتسيير كتابة الضبط للمجلس الجهوي‪ ،‬فهي تتحدد بواسطة أمر يصدره الرئيس األول للمجلس‬
‫األعلى للحسابات‪.71‬‬

‫والجدير بالذكر‪ ،‬أنه طبقا للقانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية يمكن أن يستعين المجلس‬
‫بخبراء في إجراء التحقيقات ذات الصبغة التقنية‪.72‬‬

‫كما يمكن للرئيس األول تعيين خبراء من القطاع الخاص‪ ،‬وعند عدم وجود خبير مدرج‬
‫بالجدول يمكن بصفة استثنائية للقاضي أن يعين خبيرا لهذا النزاع‪ ،‬وفي هذه الحالة على الخبير‬
‫أن يؤدي اليمين أمام السلطة القضائية التي عينها القاضي بذلك‪ ،‬على أن يقوم بالمهمة المسندة‬

‫‪- 69‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪.46‬‬


‫‪- 70‬تنص المادة ‪ 16‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية على القسم الذي يلقيه كاتب الضبط والمتمثل في‪ :‬اقسم باهلل العظيم بأن أقوم‬
‫بوفاء وإخالص بمهامي وأن احافظ على سر اعمال الجلسات وأن أسلك في ذلك مسلك الكاتب النزيه المخلص‪.‬‬
‫‪- 71‬خديجة بلكير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.177‬‬
‫‪- 72‬تنص المادة ‪ 6‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية على ما يلي "يمكن أن يستعين المجلس في اجراء التحقيقات ذات الصبغة‬
‫التقنية بخبراء يتم تعيينهم من طرف الرئيس األول باقتراح من الرئيس الغرفة المختصة بعد موافقة رؤسائهم اإلداريين أكاموا موظفين أو موافقة‬
‫الجهاز العام الذي ينتمون إليه أن كانوا من األعوان التابعين ألحد هذه األجهزة‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫إليه بأمانة وإخالص‪ ،‬وأن يعطي رأيه بكل تجرد واستقالل ما لم يعفي من ذلك اليمين باتفاق‬
‫األطراف‪ ،‬ويحدد القاضي النقط التي تجري عليها الخبرة على أساس أن تكون تقنية ال عالقة‬
‫لها مطلقا بالقانون‪.‬‬

‫أما فيما يخص االختصاصات ومهام الخبراء‪ ،‬فيحددها أمر تعيينهم الذي يصدره الرئيس‬
‫األول للمجلس األعلى للحسابات في هذا الشأن‪ ،73‬وتجدر اإلشارة إلى أن مسألة تظهر في هذا‬
‫الخصوص مسألة إجبارية‪ ،‬وذلك بالنظر لطبيعة عمل هذه الفئة التي قد تخترق بمهمتها هذه‬
‫السرية اإلجراءات‪ ،‬حيث يبدوا منطقيا جدا الحفاظ على مبدأ السر المهني لسببين إثنين‪ ،‬أوال‬
‫كونهم موظفين ملزمين باحترام هذا المبدأ‪ ،‬وثانيا لطبيعة عملهم التي قد تؤثر في حسن سير‬
‫أشغال المجلس‪.74‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تشكيلة المجلس األعلى والمجالس الجهوية للحسابات‬


‫باإلضافة إلى العنصر البشري المكون للمحاكم المالية سواء على مستوى المركزي أو‬
‫الترابي‪ ،‬فهم أيضا يتكون من عدة هيئات تتشكل وفق االختصاص يبلغ عددها إجماال سبع‬
‫هيئات او غرف دائمة (أوال)‪ ،‬واخرى غير دائمة (ثانيا)‪.‬‬

‫اوال‪ :‬الغرف الدائمة في المحاكم المالية‬

‫حسب مقتضيات المادة ‪ 23‬من مدونة المحاكم المالية فان المجلس االعلى للحسابات يتألف‬
‫من غرفتين‪ ،‬غرفه مخصصة لممارسة مهام المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية‪ ،‬وثانية تبث في طلبات االستئناف األحكام النهائية الصادرة عن المجالس‬
‫الجهوي‪.‬‬

‫غير أن الفقرة الثالثة من نفس المادة تنص على أنه ((‪....‬ويحدد عدد الغرف والفروع داخل‬
‫كل غرفة بموجب قرار الرئيس األول))‪ ،‬ما يعني معه األمر أنه ال يقتصر فقط على الغرفتين‬
‫السالفتين الذكر‪ ،‬وإنما يتعلق بعدد من الغرف غير محددة قانونا إذ ترك المشرع أمر تحديدها‬
‫وت وزيع اختصاصاتها الرئيس األول للمجلس بمقتضى قرار يتخذه في هذا الشأن‪ ،‬وبهذا يكون‬

‫‪ - 73‬الفقرة األخيرة من المادة ‪ 6‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ - 74‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪25‬‬
‫‪38‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تحديد القانوني للغرف قاصرا وغير تام‪ ،‬لذا اقتصر على ذكر غرفتين فقط دون تحديد عدد‬
‫باقي الغرف ‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى تقرير المجلس االعلى للحسابات لسنتين ‪ ،752004 2003‬نجد ان المجلس‬
‫االعلى للحسابات يتألف من خمسه غرف دائمة تتكون من قضاة وموظفين‪ ،‬ثالثة من هذه‬
‫الغرف ذات طابع قطاعي حيث أن كل واحدة منها تمارس مجموع الصالحيات المخولة‬
‫للمجلس تجاه عدد القطاعات الوزارية واألجهزة العمومية التابعة لها‪ ،‬باإلضافة الى غرف‬
‫تختص بالتأديب المالي واخرى تبث في استئناف االحكام النهائية الصادر عن المجالس الجهوية‬
‫للحسابات ‪.‬‬

‫وبهذا يكون المشرع مع استئناف تنصيصه قانونا على الغرفتين المحددة اختصاصاتهما في‬
‫الفقرة الثامنة من المادة ‪ 23‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬قد أبقى على نفس الثغرة القانونية التي‬
‫عرفها القانون ‪ 12 .79‬بخصوص ترك امر تحديد عدد غرف المجلس من الرئيس هذا الجهاز‬
‫وذلك على خالف المشرع الفرنسي الذي عملت تحديد عدد الغرف وتكوينها بمقتضى المادة ‪9‬‬
‫من المرسوم المتعلق بتنظيم محكمة الحسابات الفرنسية‪.76‬‬

‫وقد جرى توزيع الغرف بالشكل الذي تعمل به حاليا بموجب قرار ‪ 30‬شتنبر ‪ ،1994‬والذي‬
‫دخل حيز التنفيذ في فاتح يناير ‪ ،1995‬حيث حددها في سبع غرف كل واحدة متخصصة في‬
‫مبدان معين حسب القطاعات أو الوزارات‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫جدول‪ :4‬توزيع الغرف بالمجلس األعلى للحسابات‬

‫القطاعات الوزارية التالية واألجهزة العمومية التابعة لها‪:‬‬


‫‪-‬الوزارة األولى‪.‬‬
‫‪ -‬وزارة العدل‪.‬‬
‫‪ -‬الشؤون الخارجية والتعاون‪.‬‬
‫‪ -‬الداخلية‪.‬‬ ‫الغرف األولى‬

‫‪- 75‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات لسنتي ‪ ،2004-2003‬ص‪.47‬‬


‫‪76‬‬
‫‪-L’ARTICLE 9 DU DéCRET N° 85-199 DU 11 FéVRIIER 1985 RELATIF A LA COUR DES COMPTE STIPULE QUE ;(LA‬‬
‫‪COUR DES COMPTéES COMPREND SEPT CHAMBRE…) JORF DU 15 FéVRIER 1985,P1959, MODIFIE ET éTUDIé.‬‬
‫‪- 77‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89-88‬‬
‫‪39‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫‪ -‬األوقاف والشؤون اإلسالمية‪.‬‬


‫‪ -‬األمانة العامة للحكومة‪.‬‬
‫‪ -‬تحديث القطاعات العمومية‪.‬‬
‫االتصال‪.‬‬
‫‪ -‬الدفاع الوطني‬
‫القطاعات الوزارية التالية واألجهزة العمومية التابعة لها‪:‬‬
‫‪-‬المالية الخصوصية‬
‫‪ -‬الفالحة والتنمية القروية‬
‫‪ -‬التجهيز والنقل‬
‫‪ -‬الصناعة والتجارة وتأهيل االقتصاد‪.‬‬
‫‪ -‬السياحة‬
‫‪ -‬الصيد البحري‬
‫‪ -‬الطاقة والمعادن‬
‫‪ -‬التجارة الخارجية‬
‫‪ -‬الشؤون االقتصادية والعامة‬
‫‪ -‬المندوبية السامية للتخطيط‬ ‫الغرفة الثانية‬
‫‪ -‬المندوبية السامية للمياه والغابات‬

‫‪40‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫القطاعات الوزارية التالية واألجهزة العمومية التابعة لها‪:‬‬

‫‪-‬إعداد التراب الوطني والماء والبيئة‪.‬‬


‫‪ -‬التشغيل والشؤون االجتماعية والتضامن‬
‫‪ -‬التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي‬
‫‪ -‬الثقافة‬
‫‪ -‬الصناعة التقليدية واالقتصاد االجتماعي‬
‫‪ -‬الصحة‬
‫‪ -‬السكنى والتعمير‬

‫الغرفة الثالثة‬
‫التـأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬ ‫الغرفة الرابعة‬

‫استئناف األحكام النهائية الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات‬ ‫الغرفة الخامسة‬

‫أما عن الغرف بمحكمة الحسابات الفرنسية‪ ،‬فتتوزع حسب مجال االختصاص كاآلتي‪:78‬‬

‫جدول‪ :5‬توزيع الغرف بمحكمة الحسابات الفرنسية‬

‫والمصالح‬ ‫المالية‬ ‫وزارة‬ ‫رقابة‬ ‫الغرفة األولى‬


‫والمؤسسات والمقاوالت التابعة لها‪.‬‬
‫والمصالح‬ ‫الدفاع‬ ‫وزارة‬ ‫رقابة‬ ‫الغرفة الثانية‬
‫والمؤسسات والمقاوالت التابعة لها‪.‬‬

‫‪- 78‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع نفسه‪.90-89 ،‬‬


‫‪41‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫رقابة وزارة التربية الوطنية والبحث‬ ‫الغرفة الثالثة‬


‫العلمي والثقافة والمصالح والمقاوالت‬
‫والمؤسسات التابعة لها‪.‬‬
‫تخص النظر في طلبات استئناف أحكام‬ ‫الغرفة الرابعة‬
‫الغرف الجهوية والترابية للحسابات ومراقبة‬
‫مصالح وزارة العدل والداخلية والتعاون‬
‫والشؤون الخارجية والمصالح والمؤسسات‬
‫التابعة لها والمناطق المتواجدة خارج التراب‬
‫الوطني الفرنسي‪.‬‬
‫مراقبة وزارة الصحة ووزارة التشغيل‬ ‫الغرفة الخامسة‬
‫والضمان االجتماعي والمصالح واألجهزة‬
‫التابعة لها‪.‬‬
‫رقابة وزارة الفالحة والبناء والتجارة‬ ‫الغرفة السادسة‬
‫والصناعة التقليدية والمصالح والمقاوالت‬
‫التابعة لها‪.‬‬
‫رقابة وزارة التجهيز والنقل وإعداد‬ ‫الغرفة السابعة‬
‫والمصالح‬ ‫والسياحة‬ ‫الوطني‬ ‫التراب‬
‫والمؤسسات والمقاوالت التابعة لها‪.79‬‬

‫وهذه الغرف المحدد قانونا‪ ،‬يمكن تقسيمها الى فروع باقتراح من رؤسائها بعد استشارة‬
‫الوكيل العام للجمهورية‪ ،‬وذلك بقرار يصدر الرئيس األول لمحكمة الحسابات ‪.‬‬

‫وبهذا وعلى خالف المشرع الفرنسي لم يمنح لرئيس األول لمحكمة الحسابات سوى‬
‫صالحيات لتنظيم وتحديد عدد القضاة في الغرف والفروع فقط‬

‫‪- 79‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.90‬‬


‫‪42‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ومن بين التشريعات كذلك التي ذهبت خالف المشرع المغربي بخصوص مسألة تحديد‬
‫القانوني لعدد الغرف المجلس‪ ،‬نجد القانون المنظم لدائرة المحاسبات التونسية‪ ،‬وكذا القانون‬
‫المنظم لمجلس المحاسبة الجزائري‪ ،‬قد حدد بدورهما عدد الغرف والفروع بهاتين المؤسستين‪.‬‬

‫وفي قانون رقم ‪ 62 99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية يتم تحديد عدد الغرف والفروع داخل‬
‫كل غرفه بقرار من الرئيس األول‪ ،‬يؤشر عليه كل من وزير المالية وزير الوظيفة العمومية‬
‫لتعلق هذا القرار بإحداث مناصب مالية تجيب تدخل كل من وزير المالية وزير الوظيفة‬
‫العمومية‪.‬‬

‫واخيرا المالحظ أنه لم يتجاوز العين الذي شاب القانون القديم في اطار القانون الجديد بل‬
‫ابقى على نفس الثغرة القانونية وترك أمر تحديد عدد الغرف و تكوينها وتشكيلها وتوزيع‬
‫اختصاصاتها لرئيس األول للمجلس بواسطة أمر يصدره في هذا الشأن‪ ،‬وبالمقابل فقد نص‬
‫على وجود غرف تين االولى تمارس اختصاص المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية‪ ،‬أما الثانية وتختص بالنظر في استئناف األحكام النهائية الصادر عن المجالس‬
‫الجهوية للحسابات ويمكن اعتبار هذا التحديد قاصرا ومردودا بما أن األمر اقتصر على ذكر‬
‫غرفتين فقط‪ ،‬وإغفال تحديد وتعداد غرف أخرى تختص بمجاالت وقطاعات أخرى كالوزارات‬
‫مثال‪ ،‬كما يتولى الرئيس األول مسألة تحديد عدد فروع الغرف عن طريق أمر يصدره في هذا‬
‫المجال ايضا ‪.‬‬

‫وتتألف كل غرف المجلس وفروعها من خمسة قضاة بما فيهم الرئيس‪ ،‬وإذا عاق الرئيس‬
‫عائق ناب عنه أقدم رئيس فرع بالغرفة‪ ،80‬وال يعتبر القرار الذي تتخذه أمام غرف المجلس او‬
‫فروعها صحيحا إال إذا صدر عن خمسة أعضاء ‪.‬‬

‫وفي االخير ال يسعنا اال بالتأكيد على ان النظام المجلس األعلى للحسابات هو نظام رئاسي‬
‫نظرا لالختصاصات الواسعة التي يتوالها رئيس المجلس االعلى للحسابات والتي منحها إياه‬

‫‪- 80‬المادة ‪ 23‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪43‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المشرع سواء في ظل القانون ‪12.79‬او القانون الجديد رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم‬
‫المالية‪.81‬‬

‫ثانيا‪ :‬الغرف الغير الدائمة في المحاكم المالية‬

‫كل قرارات المجلس االعلى للحسابات ذات الصلة بنشاط المرتبط بالمراقبة ويتعلق األمر‬
‫هنا بهيئات حددتها المادة ‪ 17‬من القانون ‪ 62 99‬الى جانب الغرف وفروع الغرف‪ ،‬وخصص‬
‫وخصصت هذا القانون مادة لكل واحدة منها للتعريف باختصاصاتها‪ ،‬باستثناء هيئة الغرف‬
‫المجتمعة التي تضمنتها مادتين ‪ 19‬و ‪ 20‬من القانون ‪ 62 99‬من مدونة المحاكم المالية‬

‫الجلسة الرسمية‪:‬‬

‫استنادا الى مقتضيات المادة ‪ 18‬من مدونة المحاكم المالية فإن الجلسة الرسمية التي يعقدها‬
‫المجلس يتم عقدها بحضور الرئيس األول والوكيل العام للملك ومجموع القضاة‪.‬‬

‫كما يجوز للرئيس األول أن يدعو شخصيات اخرى لحضور الجلسة الرسمية‪ ،82‬وإذا كان‬
‫التشريع المغربي لم يحدد الشخصيات التي يمكن دعوتها الجلسة الرسمية‪ ،‬فإن التشريع‬
‫الفرنسي حددها في وزير المالية ورئيسي مجلس البرلمان ووزير االول‪ ،‬وأحيانا يمكن دعوة‬
‫رئيس الجمهورية لحضور الجلسة الرسمية‪.83‬‬

‫ويتم عقد هذه الجلسات الرسمية اساسا للقيام بخصوص تنصيب القضاة في وظائفهم أداء‬
‫اليمين القانونية‪ ،‬وهو تقليد ترسخ في التجربة الفرنسية في إطار محكمة الحسابات الفتتاح السنة‬
‫القضائية واستقبال افواج جديدة من هيئة القضاء المالي‪.84‬‬

‫هيئة الغرف المشتركة‬

‫‪ - 81‬خديجة بلكير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.182‬‬


‫‪- 82‬المادة ‪ 18‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫‪-HICHAM MAROUDI : LE CONTROLE FINZNCIER DES ENTREPRISE PUBlic » op cite. Page 96.‬‬
‫‪ - 84‬عسو منصور‪ ،‬قانون الميزانية العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪-‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2017‬صفحة ‪.319‬‬
‫‪44‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تعتبر هيئة الغرف المشتركة هيئة جديدة اتت بها المدونة‪ ،‬فهي لم تكن موجودة في القانون‬
‫السابق‪ ،‬واسندت مهمة رئاستها الى أحد رؤساء الغرف‪ ،‬ويتم تعيينه سنويا بأمر يصدره الرئيس‬
‫األول للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬وإضافة الى الرئيس‪ ،‬تتألف هذه الهيئة من خمسة قضاة من‬
‫بينهم ثالثة رؤساء الغرف على االقل وتستكمل عند االقتضاء بمستشارين ‪.‬‬

‫وتتولى هذه الهيئة مهمة البث في طلبات االستئناف المرفوعة ضد القرارات النهائية‬
‫الصادرة ابتدائيا عن غرف او فروع الغرف بالمجلس في القضايا المتعلقة بالبث في الحسابات‬
‫والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ‪.‬‬

‫وما تجدر االشارة اليه‪ ،‬ان القضاة الذين أصدروا القرار االبتدائي يمنع عليهم ان يكونوا‬
‫اعضاء في هيئة الغرف المشتركة وأن يكون مقررين في نفس القضية عند البت فيها ‪.‬‬

‫ويمكن القول أن المشرع المغربي هو الوحيد الذي انشأ ضمن هيئة المجلس االعلى‬
‫للحسابات هيئة الغرف المشتركة بحيث ال وجود لمثل هذه الهيئة عند باقي التشريعات وخاصة‬
‫التشريع الفرنسي الذي يعتبر المرجع الذي يقتبس منه المغرب مقتضياته قانونية‪.85‬‬

‫هيئة الغرف المجتمعة‬

‫تعتبر هذه الهيئة من أهم الهيئات القضائية التي يتكون منها المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬تعقد‬
‫جلستها بطلب من الرئيس األول ألجل إبداء الرأي في ما يتعلق باالجتهاد القضائي و المسائل‬
‫المعروضة على المجلس‪ ،‬اما من جانب الرئيس األول او بناء على ملتمس النيابة العامة‪ ،‬او‬
‫المحالة عليه بعد ما قد قرار سبق للمجلس أن أصدره‪ ،‬وتتكون هذه الهيئة من الرئيس األول‬
‫والوكيل العام للملك ورؤساء الغرف وقاض عن كل غرفه ينتخبه لمدة سنة‪ ،‬ومستشار مقرر‬
‫معين من طرف الرئيس األول‪ ،‬اضافة الى امكانيات حضور رؤساء المجالس الجهوية‬
‫للحسابات بدعوة من الرئيس األول‪ .‬وال يمكن لهيئة الغرف المجتمعة أن تتخذ قراراتها إال إذا‬
‫كانت كل غرفه المجلس ممثلة فيها‪ ،‬وحضرها ما ال يقل عن نصف أعضائها وتتخذ قراراتها‬
‫بأغلبية األصوات‪.86‬‬

‫‪- 85‬عسو منصور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.320‬‬


‫‪ - 86‬عسو منصور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.320‬‬
‫‪45‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وفي حالة التعادل‪ ،‬يرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس األول ويمارس فيها مهام النيابة‬
‫العامة عند البث في القضايا المعروضة عليها الوكيل العام للملك ونائبه ‪.87‬‬

‫ويطلب عقد جلسات هذه الغرفة إلبداء الرأي في المسائل المتعلقة باالجتهاد القضائي او‬
‫المسطرة‪ ،‬والبت في القضايا المعروضة على أنظارها إما بصفة مباشرة منه أي (الرئيس‬
‫األول) أو بناء على ملتمس النيابة العامة‪ ،‬او بعد اإلحالة من المجلس األعلى في حالة نقده‬
‫للقرار الصادر عن المجلس االعلى للحسابات‪ ،‬كما ان الرئيس األول للمجلس يستشير هذه‬
‫الهيئة قبل األمر بنشر قرارات وأحكام المحاكم المالية ‪.‬‬

‫ويمكن اعتبار تمثيلية القضاة الغرف في إطار هذه الهيئة خطوه ايجابيه ومحمودة‪ ،‬وقد تبنت‬
‫المدونة هذه التمثيلية التي لم تكن واردة في القانون السابق‪ ،‬متأثرة في ذلك بالتجربة الفرنسية ‪.88‬‬

‫ويضاف إلى هذه الهيئة ألجل الحكم في كل قضية مستشار مقرر يتمتع بصوت تقريري‬
‫للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬كما يمكن كذلك لرؤساء الغرف الجهوية‬ ‫يعينه الرئيس األول‬
‫للحسابات حضور جلسات هيئة الغرف المجتمعة بدعوة من الرئيس األول‪ ،‬وذلك ألجل إبداء‬
‫الرأي في المسائل االجتهاد القضائي او المسطرة‪.‬‬

‫أما الوكيل العام للملك فيمارس مهام النيابة العامة عند البث في القضايا المعروضة عليها‪،‬‬
‫وفي حالة تغيبه أو إذا عاقه عائق ينوب عنه نائبه‪.‬‬

‫وبمناسبة الحديث عن هيئة الغرف المجتمعة هناك سؤال محوري البد من طرحها بهذا‬
‫الخصوص وهو كيف تتشكل هذه الهيئة لدى نظرها في قضية احيلت عليها بعد نقض قرار‬
‫صادر عن المجلس االعلى للحسابات؟‬

‫ومن المعلوم أنه بعد إدخال مدونة المحاكم المالية لالستئناف كدرجة ثانية للتقاضي‪ ،‬فإن‬
‫القرارات الصادرة عن المجلس التي يمكن أن تتعرض للنقض هي القرارات االستئنافية‪،89‬‬
‫وهذه القرارات تصدر إما عن هيئة الغرف المشتركة التي تتألف كما سلفنا سابقا من خمسة‬
‫قضاة من بينهم ثالثة رؤساء غرف على األقل‪ ،‬إذا تعلق األمر بالقرارات الصادرة عن‬

‫‪ - 87‬ياسين قادري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬


‫‪- 88‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪- 89‬المادة ‪ 49‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المجلس‪ ،‬أوعن غرف استئناف األحكام النهائية الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات‪،‬‬
‫التي تعتبر من الغرف الدائمة للمجلس‪.‬‬

‫غرفة المشورة‪:‬‬

‫استنادا لمقتضيات المادة ‪ 22‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية لتحدد تأليف‬
‫غرفة المشورة‪ ،‬بحيث نصت على أنها تتألف من الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات‬
‫ورؤساء الغرف والكاتب العام للمجلس‪ ،‬باإلضافة إلى أقدم مستشار في كل غرفة من غرف‬
‫المجلس‪ ،‬ويقوم الرئيس األول بتعيين مستشارا مقرر من بين أعضائها‪ ،‬وإذا كانت المدونة لم‬
‫تنص على وجود الوكيل العام للملك ضمن أعضاء هذه الغرفة‪ ،‬فإن المرسوم المحدث لمحكمة‬
‫الحسابات الفرنسية نص على ضرورة حضور النيابة العامة الجتماعات غرفة المشورة‬
‫والمشاركة في أشغالها‪.90‬‬

‫وتتولى هذه الغرفة المصادقة على التقرير السنوي للمجلس‪ ،‬والتقرير المتعلق بتنفيذ القانون‬
‫المالية السنة‪ 91‬والتصريح العام بالمطابقة‪ ،‬كما يمكن للرئيس األول استشارتها في جميع القضايا‬
‫التي تعتبر رأيها ضروريا‪ ،‬باستثناء تلك التي تدخل في إطار اختصاص الغرف المجتمعة‪.‬‬

‫وبذلك لم تعد لغرفة المشورة تلك الصالحيات الهامة التي خصتها بها المادة ‪ 18‬من القانون‬
‫القديم ‪ 12.79‬خاصة وأنها كانت تشكل الهيئة األساسية التي تصدر في إطارها مختلف قرارات‬
‫المجلس‪ ،‬وكانت هي المكلفة بتطبيق النظام األساسي لقضاة المجلس‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد يمكن القول بأن مدونة المحاكم المالية قد أعادت األمور إلى نصابها‬
‫القانوني‪ ،‬بحيث تم وضع الحد لمختلف الممارسات القانونية التي كانت تمارس في إطار غرفة‬
‫المشورة في حالتها القديمة‪ ،‬وبذلك حددت الصيغة الجديدة النعقاد جلسات الغرفة‪.92‬‬

‫‪- 90‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.95‬‬


‫‪91‬‬
‫‪- l’article 7 du décret n°85.199du 11 février 1985 relatif a ma cour des compte stipule que ;((le procureur‬‬
‫‪général assiste aux séances de la chambre du consiel et participe aux débats.‬‬
‫‪- 92‬أحميدوش مدني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪47‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ويشترط لصحة اجتماع غرفة المشورة أن يحضرها ما ال يقل عن نصف أعضائها‪ ،‬هذا‬
‫وتتخذ قرارات وآراء غرفة المشورة بأغلبية أصوات أعضائها‪ ،‬وفي حالة التعادل األصوات‬
‫يرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس‪.‬‬

‫لجنة البرامج والتقارير‪:‬‬

‫تتألف هذه اللجنة‪ 93‬من الرئيس األول ورؤساء الغرف والكاتب العام للمجلس‪ ،‬هذا األخير‬
‫لم يكن في ظل القانون السابق ضمن أعضاء هذه اللجنة‪ ،‬والتي كانت تسمى بهيئة التقارير‪،‬‬
‫حيث اقتصرت مهمتها على إعداد التقارير‪.‬‬

‫أما في ظل القانون الجديد فتسمى هذه اللجنة (لجنة البرامج والتقارير)‪ ،‬توضح أن مهمتها‬
‫تتمحور حول إعداد البرنامج السنوي ألشغال المجلس وتحضير مختلف التقارير التي يعدها‬
‫المجلس األعلى للحسابات (التقرير السنوي للمجلس والتقرير المتعلق بتنفيذ القانون المالية‬
‫والتصريح العام بالمطابقة)‪ ،‬كما يجوز دمج التقارير الخاصة المتعلقة برقابة التسيير األجهزة‬
‫العامة ضمن التقرير العام السنوي‪.‬‬

‫وعند مناقشة هذه الجنة لقضايا تهم المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬يشارك فيها رؤسائها في‬
‫أشغالها بدعوة من الرئيس األول‪ ،‬كما يمكن لهذا األخير تعيين قضاة آخرين سواء من المجلس‬
‫األعلى للحسابات أو المجالس الجهوية قصد المشاركة في أعمال اللجنة‪ ،‬بعدها يعين مقررا‬
‫عاما من بين أعضاء اللجنة‪.‬‬

‫أ ما فيما يخص تنظيم وسير عمل لجنة البرامج والتقارير فيحدد بموجب األمر من الرئيس‬
‫األول حسب الفقرة األخيرة من المادة ‪ 24‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫بناءا على ما سبق‪ ،‬ومن خالل دراسة كافة هيئات المجلس األعلى للحسابات والمهام المنوطة‬
‫بها‪ ،‬فأول ما يالحظ بشأن هذه الهيئات هو تعددها وتنوع تدخلها‪ ،‬فمنها هيئات غير دائمة تتدخل‬
‫كلما استدعى األمر‪ ،‬لتقوم بمهام خاصة ومنها غرف دائمة حددها الرئيس األول للمجلس‬
‫األعلى للحسابات في خمسة غرف‪.‬‬

‫‪- 93‬أحميدوش مدني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫‪48‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫كما أن هذه الهيئات تتدخل في مجاالت متعددة وموكول لها القيام بمهام وافرة وغاية في‬
‫األهمية لتكون من بين تشكيالت مؤسسة المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬ليعتبر بذلك هذه األخيرة‬
‫جهاز يتماشى وخصائص اإلدارة الحديثة التي تقوم على مبدأ التخصص‪.94‬‬

‫وتسهر هذه اللجنة على إعداد البرنامج السنوي ألشغال المجلس‪ ،‬وكذا التقارير المنصوص‬
‫عليها في الفصلين ‪ 4‬و ‪ 6‬من الباب الثاني من الكتاب األول من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫وسيتم التوضيح في الجدول أسفله االختصاصات التي تمارسها كل هيئة على حدة‪:‬‬
‫للحسابات‪95‬‬ ‫جدول ‪ :6‬هيئات المجلس األعلى‬

‫االختصاص‬ ‫الهيئة‬
‫افتتاح السنة القضائية واستقبال أفواج جديدة من القضاة‪.‬‬ ‫الجلسة الرسمية‬

‫البت في بعض القضايا واالفتاء في االجتهاد القضائي‬ ‫هيئة الغرف المجتمعة‬


‫والمسطرة‪.‬‬

‫البت في استئناف القرارات الصادرة عن غرف وفروع الغرف‬ ‫هيئة الغرف المشتركة‬
‫المجلس‪.‬‬
‫إصدار القرارات التمهيدية والنهائية ابتدائيا وإصدار األوامر‬ ‫الغرف وفروع الغرف‬
‫والغرامات التمهيدية وإنجاز التقارير الرقابة اإلدارية‪.‬‬
‫تقدير المشورة في كل ما يخرج عن اختصاص هيئة الغرف‬ ‫غرفة المشورة‬
‫المجتمعة والمصادقة على التقرير السنوي والتقارير األخرى التي‬
‫تعدها لجنة البرامج والتقارير‪.‬‬
‫إعداد التقرير السنوي والتقرير حول تنفيذ قانون المالية‬ ‫لجنة البرامج والتقارير‬
‫والتصريح العام بالمطابقة وإعداد البرنامج السنوي للمجلس‪.‬‬

‫‪- 94‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬


‫‪- 95‬عادلة الوردي‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪49‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اختصاصات المحاكم المالية بالمغرب‬


‫أسند المشرع للمجلس األعلى للحسابات من خالل القانون ‪ 62.99‬مجموعة من‬
‫اإلختصاصات التي يتدخل عبرها قصد أداء وظيفته األساسية التي هي حماية المال العام‪ ،‬وقد‬
‫أشارت المادتين الثانية والثالثة من هذا القانون على أهم هذه اإلختصاصات والتي كرسها‬
‫ووسعها دستور ‪ 2011‬والتحيين الذي لحق هذا القانون بعده‪.96‬‬

‫تنقسم هذه اإلختصاصات إلى اختصاصات قضائية ترموا إلى رقابة مشروعية ومالئمة‬
‫العمليات المالية المتدخلين في صرف المال العمومي‪ ،‬وتتجلى أساسا في آليتي النظر في‬
‫الحسابات والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية (الفقرة األولى)‪ ،‬واختصاصات إدارية‬
‫تهدف إلى تقييم األجهزة الخاضعة لرقابتها وتتجلى هذه اآللية في مراقبة التسيير واستخدام‬
‫األموال العمومية بما في ذلك األموال التي يتم جمعها عن طريق التماس اإلحسان العمومي‪،‬‬
‫إضافة إلى األدوار الجديدة التي جاء بها دستور ‪ 2011‬والمتمثلة في مراقبة حسابات األحزاب‬
‫السياسية وتمويل العمليات االنتخابية مار والتصريح بالممتلكات وبدل المساعدة للسلط الثالث‬
‫(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االختصاصات القضائية‬


‫يتدخل المجلس األعلى للحسابات من أجل حماية المال العام من خالل وظيفتين قضائيتين‪،‬‬
‫تتعلق الوظيفة األولى بالنظر في الحسابات والتي تعد اختصاصا تقليديا بالنسبة لمختلف الهيئات‬
‫المكلفة بالرقابة العليا على األموال العمومية (الفقرة األولى)‪ ،‬أما الوظيفة القضائية الثانية‬
‫ف تتجلى في وظيفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫أوال‪ :‬وظيفة النظر في الحسابات‬

‫‪ - 96‬تم تحيين بعض مقتضيات القانون ‪ 62.99‬من خالل القانون ‪ 55.16‬الصادر في ‪ 25‬أكتوبر ‪ 2016‬من اجل أن يتالءم مع المقتضيات‬
‫الدستورية التي نص عليها الباب العاشر من الدستور‪.‬‬
‫‪ - 97‬المالحظ أن المشرع المغربي على خالف التجربة الفرنسية التي تسند هذه الوظيفة إلى محكمة الحسابات بينما تسند وظيفة التأديب إلى محكمة‬
‫التأديب‪ ،‬قد عمل على جمع الوظيفتين معا وتوكيلها للمجلس األعلى للحسابات‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫يعد التدقيق والبث في الحسابات من أهم الوظائف التي يمارسها المجلس األعلى للحسابات‪،‬‬
‫وتمارس ويعد الوظيفة بشكل تلقائي وباستمرار قصد رصد والمعية حسابات األجهزة الخاضعة‬
‫لرقابتها‪.‬‬

‫ويعد اختصاص النظر في الحسابات من النظام العام‪ ،‬إذ أن المحاكم المالية هي الهيئة‬
‫الوحيدة المختصة بمراقبة جميع حسابات المحاسبين العموميين‪ ،‬وبالتالي فهم ملزمون بتقديم‬
‫حساباتهم إلى المحكمة المالية باعتبارهم أعوان عموميين‪ ،98‬فمن هم األشخاص الخاضعون‬
‫لمسطرة النظر في الحسابات؟ وما هي المخالفات موضوع المسطرة؟ وما هي الجزاءات‬
‫المترتبة عنها؟‬

‫‪ :1‬األشخاص المعنيون بمسطرة البت في الحسابات‬

‫تنص المادة ‪ 25‬من مدونة المحاكم المالية على أن المجلس األعلى للحسابات يختص بتدقيق‬
‫حسابات مرافق الدولة‪ 99‬وكذا حسابات المؤسسات العمومية والمقاوالت التي تملك الدولة أو‬
‫المؤسسات العمومية رأسمالها كليا أو بصفة مشتركة بين الدولة والمؤسسات العمومية‬
‫والجماعات الترابية‪ ،‬كلما كانت هذه األجهزة تتوفر على محاسب عمومي‪.‬‬

‫بهذا تكون المادة ‪ 25‬قد حددت األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس في ميدان النظر في‬
‫الحسابات والمتمثلة في المرافق التابعة للدولة‪ ،‬وكذا تلك المتعلقة بالمؤسسات العمومية‬
‫والمقاوالت التي يعود رأسمالها إما بصورة كلية إلى الدولة أو المؤسسات العمومية‪ ،100‬أو‬
‫بشكل مشترك بين هاتين األخيرتين والجماعات الترابية شريطة توفرها على محاسب‬
‫عمومي‪.101‬‬

‫ومما يالحظ من خالل المادة ‪ 25‬أن المشرع لم يشترط أي شرط لخضوع مالية وميزانية‬
‫مرافق الدولة لرقابة وافتحاص المجلس‪ ،‬عكس ما هو متعلق بالمؤسسات العمومية والمقاوالت‬

‫‪ - 98‬مدني أحميدوش‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.253 .‬‬


‫‪ - 99‬يتم تعريف المرفق العمومي وفق معيارين أحدهما عضوي يقصد من خالله أن المرفق العمومي هو الهيئة العامة التي تمارس النشاط المتميز‬
‫بطابع المنفعة العامة شأن الوزارات والجامعات‪ ،‬أما األخر فهو المعيار المادي الذي يعرف المرفق العام على أنه النشاط أو العمل الذي يباشره‬
‫المرفق من أجل تحقيق المنفعة العامة‪ .‬أنظر عبد الكريم الطالب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص ‪.128‬‬
‫‪ - 100‬تعرف المؤسسات العمومية على أنها مرفق عمومي يدار عن طريق هيأة عامة ويتمتع بالشخصية المعنوية‪ .‬نس المرجع‪ ،‬ص‪.129 ،‬‬
‫‪ - 101‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.128 .‬‬
‫‪51‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫التي تملك الدولة أو المؤسسات العمومية رأسمالها حيث اشترط من أجل خضوعها لمراقبة‬
‫توفرها على محاسب عمومي‪ ،‬وقد ترتب عن هذا التمييز حسب المادة ‪ 26‬خضوع الوثائق‬
‫والمستندات المثبتة لمرافق الدولة للتدقيق كل ثالثة أشهر‪ ،‬بينما تخضع وثائق المؤسسات‬
‫العمومية والمقاوالت التي تتوفر على محاسب عمومي فيمكن تدقيق هذه المستندات بعين‬
‫المكان‪.‬‬

‫إذا كانت مدونة المحاكم المالية لم تعرف المقصود بالمحاسب العمومي فإن تعريفه يستشف‬
‫مما جاء في المادتين األولى والثانية من القانون ‪ 99. 66‬المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين‬
‫بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ ،102‬حيث يمكن القول أن المحاسب العمومي هو‬
‫كل موظف أو مون مؤهل ألن يباشر باسم جهاز عام خاضع لرقابة الدولة قبض المداخيل أو‬
‫دفع النفقات أو التصرف في المستندات إما بواسطة أموال أو قيم عهد إليه حراستها وإما‬
‫بتحويالت حسابية داخلية أو خارجية لألموال التي يراقب حركتها أو يأمر بها‪.‬‬

‫ويلزم المحاسبين العمومين المرافق الدولة حسب نفس المادة من تقدم حساباتهم إلى المجلس‬
‫األعلى للحسابات عن كل سنة مالية حسب الكيفيات المقررة في النصوص التعليمية الجاري‬
‫بها العمل‪ ،‬بينما يلزم المحاسبون العموميون لألجهزة العمومية األخرى بأن يقدموا سنويا إلى‬
‫المجلس بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات وكذا عمليات الصندوق التي يتولون‬
‫تنفيذها وذلك وفق الكيفيات المقررة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل‪.‬‬

‫وفي حالة تختلف المحاسب العمومي عن تقديم الحسابات والبيانات المحاسبية جاز للرئيس‬
‫األول بالتماس من الوكيل العام للملك أن يوجه إلى المعني باألمر أوامر بتقديم الوثائق والحكم‬
‫عليه في حالة عدم تقديمها بغرامة قد تصل إلى ألف درهم‪ ،‬كما للرئيس األول أن يحكم عليه‬
‫بغرامة تهديدية أقصاها ‪ 500‬درهم عن كل شهر تأخير‪ ،103‬فعلى الرغم من هزالة هذه الغرامة‬
‫إال أن من شأنها أن تدفع المحاسب العمومي إلى تقديم الحساب وعدم عرقلة عمل المجلس‬

‫‪ - 102‬القانون ‪ 61.99‬المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ ،‬الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم ‪1.02.25‬‬
‫الصادر في ‪ 1423‬موافق ل ‪ 3‬أبريل ‪ ،2002‬الصادر في الجريدة الرسمية عدد ‪ 29 4999‬أبريل ‪.2002‬‬
‫‪ - 103‬المادة ‪ 29‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫األعلى للحسابات والتهرب من التزاماته خاصة وأن هذه الغرامة تكون من البدعة المالية‬
‫للمحاسب‪.104‬‬

‫هذا ويمتد هذا االختصاص إلى التدقيق والنظر في حسابات المحاسبين بحكم الواقع وهو‬
‫"كل شخص يباشر من غير أن يؤهل لذلك من لدن السلطة المختصة عمليات قبض الموارد‬
‫ودفع النفقات وحيازة واستعمال أموال أو قيم في ملك أحد األجهزة العمومية الخاضعة لرقابة‬
‫المجلس‪ ،‬أو يقوم دون أن تكون له صفة محاسب عمومي بعمليات تتعلق بأموال أو قيم ليست‬
‫في ملك األجهزة المذكورة"‪ ،105‬فإذا ما صرحت المحكمة بأن شخصا ما هو محاسب يحكم‬
‫الواقع‪ ،‬أمرته بتقديم حسابه داخل أجل يحدده له على أال يقل عن شهرين‪ ،106‬كما للمجلس أن‬
‫يحكم عليه في حالة عدم متابعته جنائيا بغرامة تقدر باعتبار أهمية ومدة حيازة أو استعمال‬
‫األموال والقيم‪ ،‬ويشترط في هذه الغرامة أن ال يتجاوز مبلغها مجموع المبالغ التي تمت حيازتها‬
‫أو استعمالها بصفة غير قانونية‪.107‬‬

‫ويبقى الهدف من إقرار هذه المسؤولية هو الحفاظ على المال العام وحمايته‪ ،‬لذلك ثم تحميل‬
‫المحاسب بحكم الواقع نفس المسؤوليات التي يتحملها المحاسب العمومي طبقا للمقولة الفقهية‬
‫الشهيرة "المال العام يحرق األيادي التي تمتد إليه"‪.108‬‬

‫‪ :2‬المخالفات موضوع مسطرة النظر في الحسابات الجزاءات المترتبة عنها‬

‫تتحدد مسؤولية المحاسب العمومي من خالل رصد واقعة العجز في الحساب‪ ،‬ذلك أن أي‬
‫عجر يحصل في حساب المحاسب العمومي يشكل سببا يبرر محاسبته‪ ،‬وبالتالي تفعيل مسطرة‬
‫المتابعة في حقه‪.109‬‬

‫‪ - 104‬جدير بالذكر أن المشرع من خالل قانون ‪ 62,99‬قد رفع من مقدار هذه الغرامات‪ ،‬ذلك أن الغرامة التي كانت المقرر من خالل القانون‬
‫‪ 12.79‬على عدم تقديم الحساب ال تتجاوز ‪ ،500‬بينما الغرامة التهديدية عن التأخير فكانت ال تتجاوز ‪ 100‬درهم عن شهر تأخير‪ .‬أنظر مدني‬
‫أحميدوش‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.267 .‬‬
‫‪ - 105‬المادة ‪ 41‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 106‬المادة ‪ 43‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 107‬المادة ‪ 44‬من مدونة المحاكم المالية‬
‫‪ - 108‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.165 .‬‬
‫‪ - 109‬عادلة الوردي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.130 .‬‬
‫‪53‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وبالرجوع إلى مدونة المحاكم المالية نجد أن المادة ‪ 37‬قد نظمت مسؤولية المحاسب‬
‫العمومي وعادت صورها وبينت نطاق اختصاص المجلس األعلى للحسابات في مجال البت‬
‫في الحسابات مع اإلشارة إلى أن ما جاء فيها من تعداد هو على سبيل الحصر وليس المثال‬
‫طالما ليس هناك أي كلمة تفيد بكونه على سبيل المثال‪ ،110‬وتتجلى هذه المخالفات في‪:‬‬

‫‪ -‬عدم تبرير انجاز عمل‪ :‬فمن المعلوم أنه ال أداء إال بعد تنفيذ الخدمة‪ ،‬وتنحصر مسؤولية‬
‫المحاسب في التأكد من وجود إشهاد الشخص المؤهل قانونا على تنفيذ العمل وهو غالبا األمر‬
‫بالصرف عدم صحة حساب التصفية‪ :‬إذ يراقب تحت مسؤوليته هذا الحساب بالتأكد من البيانات‬
‫الحسابية والفاتورات والوثائق المرفقة إلثباتها‪.‬‬

‫‪ -‬غياب التأشيرة المسبقة لاللتزام‪ :‬وهي تأشيرة المراقب على وثائق االلتزام وأنه ال يمكن‬
‫تجاوز ذلك بأمر بالتسخير من طرف األمر بالصرف‬

‫‪ -‬عدم احترام قواعد التقادم وسقوط الحق؛‬

‫‪ -‬عدم مراعاة قوة إبراء التسديدة‬

‫‪ -‬عدم اتخاذ اإلجراءات التي يتوجب على المحاسب العمومي القيام بها في عمال تحصيل‬
‫الموارد‪.111‬‬

‫وباستقراء االجتهاد القضائي الفرقة اإلدارية محكمة النقض مدها قد كرمت نفس مقتضيات‬
‫هذه المادة‪ ،‬إذ نجد أنها قد نصت في قرار لها على مسؤولية المحاسب العمومي في التأكد من‬
‫صحة النفقات التي يسجلها‪ ،‬وإنجاز النفقات الملتزم بدفعها وتبرير عملياته‪ ،112‬كما قضت في‬
‫قرار آخر على أن من مسؤولية المحاسب العمومي في حالة رصد خطأ مادي في الوثائق المنية‬

‫‪ - 110‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.141 .‬‬


‫‪ - 111‬شيد قاعدة‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪173_172 .‬‬
‫‪ - 112‬قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد ‪ 583‬في الملف اإلداري ‪ ،752/96‬صادر بتاريخ ‪ ،04/06/1988‬أوردته عادلة الوردي‪،‬‬
‫م‪.‬س‪ ،.‬ص ‪.131‬‬

‫‪54‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وقف وضع التأشيرة وإخبار األمر بالصرف بذلك‪ ،‬كما يقع على عاتقه تقديم ما يفيد إخبار‬
‫األمر بالصرف بعدم صحة الوثائق المثبتة‪.113‬‬

‫إن الهدف من إقرار هذه الرقابة على حسابات المحاسبين العموميين هو صيانة المال العام‬
‫والتصدي لكل عملية من غير مشروعة به‪ ،‬لذلك يكون التنصيص على قواعد قانونية تعلم‬
‫كيفية التصرف في المال العام والقرار الرقابة عليه غير كافي في غياب جزاءات ردعية تدفع‬
‫إلى التعفف عن المال العام والحفاظ عليه وعدم المساس به‪.‬‬

‫ألجل ذلك أقرت مدونة المحاكم المالية مجموعة من الجزاءات منها ما هو مادي يتعلق‬
‫بفرض غرامات مالية وإلزام المتابع بإرجاع المبالغ التي خسرها الجهاز العمومي‪ ،‬ومنها ما‬
‫يمتد إلى المتابعة الجنائية‪.‬‬

‫فعلى مستوى الغرامات تجد أن المادة ‪ 66‬من مدونة المحاكم المالية قد فرضت غرامات‬
‫على كل من ارتكب مخالفة واحدة أو أكثر من المخالفات المشار إليها في المواد ‪ 54‬و‪ 55‬و‪،56‬‬
‫بغرامة تحدد مبلغها حسب خطورة وتكرار المخالفة على أال يقل هذا المبلغ عن ألف (‪)1,000‬‬
‫درهم عن كل مخالفة ومن غير أن يتحاور مجموع مبلغ الغرامة عن كل مخالفة أجرته السنوية‬
‫الصافية التي كان يتقاضاها المعني باألمر عند تاريخ ارتكاب المخالفة‪.114‬‬

‫وأضافت نفس المادة بأنه في حالة ارتكاب مخالفات متعددة‪ ،‬فإن مجموع مبالغ الغرامات‬
‫المذكورة ال يمكن أن يتجاوز أربع مرات مبلغ األجرة السنوية الصافية التي كان يتقاضاها‬
‫المعني باألمر عند تاريخ ارتكاب المخالفة‪ .‬وفي حالة اكتشاف المجلس أن المخالفات المرتكبة‬
‫تسببت في خسارة ألحد األجهزة الخاضعة لرقابته‪ ،‬قضى على المعني باألمر بإرجاع المبالغ‬
‫المطابقة العائدة هذا الجهاز من رأسمال وفوائد‪ ،‬وتحسب الفوائد على أساس السعر القانوني‬
‫ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة‪.‬‬

‫كما تجد أن المشرع من خالل المادة ‪ 37‬قد نص على إمكانية ممارسة الدعوى التأديبية‪،‬‬
‫غير أن ما يالحظ أن الصيغة التي جاءت بها الفقرة األخيرة من المادة نصت على اكتشاف‬

‫‪ - 113‬قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد ‪ 137‬في الملف اإلداري ‪ ،128/4/1/95‬صادر بتاريخ ‪ ،13/02/1997‬أوردته عادلة‬
‫الوردي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.131 ،‬‬
‫‪ - 114‬المادة ‪ 66‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫عقوبات تستوجب عقوبات تأدية دون األفعال التي قد تستوجب عقوبات جنائية‪ ،‬علما أن المادة‬
‫‪ 111‬المحال عليها من طرف هذه المادة تنص على المتابعة التأديبية والجنائية معا‪ ،‬فهل كانت‬
‫إرادة المشرع اتجه إلى إعفاء المحاسب العمومي من المتابعة الحالية أم أنه مجرد سهو من‬
‫المشرع؟‬

‫وفي اعتقادنا أن المشرع مدعوا إلى تدارك األمر بإقرار المسؤولية الجنائية كما فعل مع‬
‫المادة ‪ 66‬في مجال التأديب المالي‪ ،‬ذلك أنه في حالة اكتشاف المجلس ألفعال تستوجب المتابعة‬
‫الجنائية بمناسبة النظر في الحسابات يكون مطالبا بتفعيل المادة ‪ 111‬من المدونة‪.‬‬

‫فالذي يمكن مالحظته من خالل مقتضيات مدونة المحاكم المالية أنها إلى جانب حرصها‬
‫على صون المال العام عير تنظيم الرقابة عليه وإقرار مجموعة من العقوبات الزجرية‪ ،‬قد‬
‫حرصت على حماية المحاسب العمومي إذ أعقته من بعض االلتزامات التي من شأنها أن تثقل‬
‫كاهله وتحول دون ممارسة مهامه األصيلة‪ ،‬حيث حضرت مهمته‪.‬‬

‫في التأكد ومراقبة وجود التأشيرة من مدى شرعيتها‪ ،‬كما منعته مجموعة من الضمانات‬
‫كالحق في الدفاع من خالل تمكينه من المشاركة في التحقيق‪ ،‬كما حول له الحق في طلب‬
‫مراجعة القرارات النهائية وذلك في حالة اكتشاف عنصر جديد‪.115‬‬

‫ومن المقتضيات التي تم اقتراحها أثناء مناقشة مشروع قانون مدونة المحاكم المالية إحداث‬
‫نظام جماعي تساهم فيه الدولة وينخرط فيه المحاسب العمومي بصفة إلزامية من أجل أن يكون‬
‫بمثابة جهار تغطية وقائية تؤمن هذا األخير في حالة وجود عجز في حسابه‪ ،116‬غير أن هذا‬
‫المقترح لم يتم تفعيله لحد اآلن‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬وظيفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬

‫إلى جانب وظيفة النظر في حسابات المحاسبين العموميين والمسيرين بحكم الواقع‪ ،‬يمارس‬
‫المجلس األعلى للحسابات وظيفة قضائية أخرى تتمثل في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬

‫‪ - 115‬عادلة الوردي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.144-143 .‬‬

‫‪ - 116‬وقائع مناقشة مشروع مدونة المحاكم المالية أمام البرلمان‪ ،‬م‪.‬س‪.23،.‬‬


‫‪56‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المالية والذي يصطلح عليه بالتأديب المالي‪ ،‬وهو يشكل الوجه الثاني لرقابة المشروعية أو‬
‫المطابقة‪.117‬‬

‫تكتسي هذه الوظيفة طابعا خاصا‪ ،‬إذ أن التأديب المالي الممارس من قبل المجلس األعلى‬
‫للحسابات ليس بتأديب إداري وال بمحاكمة جنائية‪ ،‬فهو دعوى مستقلة عن دعوى التأديب‬
‫والدعوى الجنائية‪.118‬‬

‫وعلى النحو الذي ناقشنا به وظيفة النظر في الحسابات نناقش وظيفة التأديب المالي‪ ،‬بحيث‬
‫نتساءل بداية عن األشخاص الخاضعون لهذه المسطرة؟ والمخالفات التي تستوجب التأديب‬
‫المالي واآلثار المترتبة عنها؟‬

‫‪ :1‬األشخاص الخاضعون المسطرة التأديب المالي‬

‫نصت المادة ‪ 51‬من مدونة المحاكم المالية على امتداد اختصاص المجلس األعلى للحسابات‬
‫في التأديب المالي لكل مسؤول أو موظف أو عون بأحد األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس‪،‬‬
‫كال في حدود االختصاصات المخولة له‪ ،‬والذي يرتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في‬
‫المواد ‪ 54‬و‪ 55‬و‪ 56‬من المدونة‪.‬‬

‫وبخصوص األجهزة الخاضعة للرقابة فقد حددها نفس المادة في‪:‬‬

‫▪ مرافق الدولة؛‬
‫‪119‬‬
‫▪ المؤسسات العمومية‬
‫▪ الشركات أو المقاوالت التي تملك فيها الدولة أو المؤسسات العمومية على المراد‬
‫أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬أغلبية األسهم في الرأسمال أو سلطة‬
‫مرجحة في اتخاد القرار‪.‬‬

‫‪ - 117‬محمد ولد أحمد ميناط‪ ،‬الرقابة العليا على األموال العمومية في دول المغرب العربي‪ ،‬دراسة نقدية ومقارنة‪ ،‬بحث لنيل دبلوم السلك العالي‪،‬‬
‫المدرسة الوطنية لإلدارة‪ ،‬الرباط‪ ،1994 ،‬ص‪ ،91 .‬أورده مدني أحميدوش‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.267. 7.‬‬
‫‪ - 118‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين‪ ،‬دار السالم‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األول‪ ،2017 ،‬ص‪.19.‬‬
‫‪ - 119‬ينحصر اختصاص المجلس األعلى للحسابات على المؤسسات العمومية الوطنية دون أن يمتد إلى المؤسسات الجهوية أو المحلية التي ينعقد‬
‫االختصاص فيها إلى المجالس الجهوية للحسابات‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الشركات أو المقاوالت التي تملك فيها الدولة أو المؤسسات العمومية صفة‬ ‫▪‬
‫مشاركة مع الجماعات المحلية أغلبية األسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ‬
‫القرار‬
‫ويالحظ أن النص الجديد تميز بتحديده لالئحة األجهزة العامة الخاضعة لرقابة المجلس في‬
‫ميدان التأديب المالي بشكل حصري‪ ،‬على خالف ما كان عليه الفصل ‪ 56‬من القانون ‪12.79‬‬
‫الذي جاء العبارة فضفاضة ولم يحدد بشكل دقيق هذه األجهزة‪ ،120‬وبهذا تكون المدونة من‬
‫خالل المادة ‪ 51‬قد وضعت حدا لكل تأويل كان يفرضه النص القديم‪.121‬‬

‫هذا وتجد أن المدونة قد وسعت وظيفة التأديب المالي ليشمل فئات أخرى‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫بكل مراقب أو محاسب عمومي وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرته أو يعمل لحسابه‪،122‬‬
‫إال أن هذا المقتضى آثار نقاش لخصوص إقحام مراقبو االلتزام بالنفقات الذين تحصر مهمتهم‬
‫في التأكد من مشروعية إدراج النفقة في الميزانية وهي عملية تتم قبل عملية االتفاق‪ ،‬وبالتالي‬
‫كان من المفروض أن يبقى بعيدا عن مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،123‬‬
‫غير أن المشرع باتخاذه هذه الخطوة يكون قد اتجه نحو السيطرة على كل مراحل العمليات‬
‫المالية وإخضاعها للمراقبة‪.124‬‬

‫غير أنه يمكن للمعنيين هذه المسطرة أن يتحللوا من المتابعة في حالة اإلدالء بأمر كتابي‬
‫صادر قبل ارتكاب المخالفة عن رئيسهم التسلسلي أو أي شخص مؤهل إلصدار هذا األمر‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة للقبل المتابعة إلى من أصدر هذا األمر الكتابي مع مراعاة المادة ‪.52125‬‬

‫وقد استثنى المشرع المغربي من وظيفة التأديب المالي أعضاء الحكومة وأعضاء مجلسي‬
‫النواب ومجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة‪ ،126‬وقد أثار استثناء أعضاء‬
‫الحكومة من رقابة المجلس األعلى للحسابات حفيظة عدد من الباحثين الذين اعتبروا أن استثناء‬

‫‪ - 120‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.205 .‬‬
‫‪ - 121‬عادلة الوردي‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.154 ،‬‬
‫‪ - 122‬المادة ‪ 55‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 123‬نجيب جيري‪ ،‬إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين والتفعيل‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج‬
‫‪ ،105-106‬يوليوز – أكتوبر ‪ ،2012‬ص ‪.113‬‬
‫‪ - 124‬عادلة الوردي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.147 ،‬‬
‫‪ - 125‬المادة ‪ 53‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 126‬المادة ‪ 52‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الوزراء من المسؤولية عن تنفيذ الميزانية كأمرين بالصرف رئيسيين ال تتماشي وفق األحكام‬
‫القانونية المنظمة إلجراءات التنفيذ المالي‪ ،127‬على اعتبار أن الوزراء هم المسؤولين عن‬
‫القرارات المالية الهامة في الدولة‪.‬‬

‫إال أن استثناء هذا الصنف من المسؤولين من مسطرة التأديب المالي يفسر يكون الوزراء‬
‫يتحملون أثناء التسيير اإلداري والمالي مسؤولية سياسية أمام الملك والبرلمان‪ ،128‬وفي حالة‬
‫ارتكاب جنايات أو أثناء ممارستهم مهامهم فإنهم يعتبرون مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة‬
‫ومع ذلك فإن بعض التشريعات ال تعفي الوزراء من المتابعة أمام المحاكم المالية‪ ،129‬في حين‬
‫يستمد أعضاء البرلمان حصانتهم أمام المجلس األعلى للحسابات من الحصانة السياسية المنبثقة‬
‫من مبدأ سيادة األمة‪.130‬‬

‫‪ :2‬المخالفات موضوع مسطرة التأديب المالي والجزاءات المترتبة عنها‬

‫على غرار تحديد المشرع للمخالفات التي تستوجب إعمال مسطرة النظر في الحسابات‪،‬‬
‫نجده قد حدد المخالفات الخاضعة للتأديب المالي وذلك من خالل المواد ‪ 54‬و‪ 55‬و‪ 56‬من‬
‫مدونة المحاكم المالية‪ ،‬فمن خالل استقراء مضامين المواد الثالث يتضح أن هذه المخالفات‬
‫مصنفة إلى ثالثة أصناف؛ يهم الصنف األول األمرين بالصرف ومن يدخل في حكمهم‪ ،‬كما‬
‫يهم الصف الثاني مراقبو االلتزام بالنفقات ومن يدخل في حكمهم‪ ،‬في حين يشمل الصنف الثالث‬
‫المحاسبين العموميين ومن يدخل في حكمهم‪.131‬‬

‫المخالفات التي يرتكبها اآلمرون بالصرف أو األمرين بالصرف المساعدين وكل من يعمل‬
‫تحت سلطتهم أو لحسابهم‪.‬‬

‫حددتها المادة ‪ 54‬من مدونة المحاكم المالية في الئحة حصرية وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ .1‬مخالفة قواعد االلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واألمر يصرفها؛‬

‫‪ - 127‬نجيب جيري‪ ،‬إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين والتفعيل‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪110 .‬‬
‫‪ - 128‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية‪ ،...‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.49 .‬‬
‫‪ - 129‬الفصل ‪ 94‬من الدستور‪ ،‬م‪،‬س‪.‬‬
‫‪ - 130‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية‪ ،...‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.50 .‬‬
‫‪ - 131‬عبد العزيز الحبشي ‪ ،‬بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات المحلية وهيئاتها على ضوء مدونة المحاكم المالية‪،‬‬
‫المجلة المغربية إلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،50‬ماي‪-‬يونيو ‪ ،2003‬ص ‪.31‬‬
‫‪59‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫‪ .2‬عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية؛‬

‫‪ .3‬مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان؛‬

‫‪ .4‬مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها؛‬

‫‪ .5‬مخالفة قواعد تحصيل الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم عمال بالنصوص التشريعية‬
‫الجاري بها العمل؛‬

‫‪ 6‬مخالفة قواعد تدبير ممتلكات األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس؛‬

‫‪ .7‬التقييد غير القانوني للنفقة بهدف التمكن من تجاوز االعتمادات؛‬

‫‪ .8‬إخفاء المستندات أو اإلدالء إلى المحاكم المالية بأوراق مزورة أو غير صحيحة؟‬

‫‪ .9‬عدم الوفاء تجاهال أو خرقا لمقتضيات النصوص الضريبية الجاري بها العمل بالواجبات‬
‫المترتبة عليها قصد تقديم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين بالضريبة‪.‬‬

‫‪.10‬حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية‪.‬‬

‫‪.11‬إلحاق ضرر بجهاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات‪ ،‬وذلك بسبب اإلخالل الخطير‬
‫في المراقبة التي هم ملزمون ممارستها أو من خالل اإلغفال أو التقصير المتكرر في القيام‬
‫بمهامهم االشرافية‪.‬‬

‫ويالحظ أن هذه المخالفات التي أوردها المادة ‪ 54‬ذات طبيعة مختلفة فهي قد تكون أخطاء‬
‫شخصية داخل المرفق أو أخطاء مرفقية بسيطة أو أخطاء في التسيير‪ ،‬كما قد تكون مقصودة‬
‫أو غير مقصودة كما ال تشترط فيها الخطورة أو سوء النية‪ ،132‬وعلى العموم فإن هذه المخالفات‬
‫تنقسم إلى محورين أساسيين‪ :‬مخالفات قواعد االنضباط المالي والمحاسبي ومخالفات التسيير‬
‫واالنضباط المهني‪.133‬‬

‫‪ - 132‬صدر عن المجلس األعلى للحسابات قرار في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية يرى فيه أن حسن نية المعنية باألمر ال يشكل‬
‫سببا إلعفائها من المسؤولية‪ .‬أنظر قرار المجلس األعلى للحسابات عدد ‪ /62/2017‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‪ ،‬القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية لسنة ‪ ،2017‬الموقع الرسمي للمجلس‪.http://www.courdescomptes.ma/ar :‬‬
‫‪ - 133‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص ‪.225‬‬

‫‪60‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المخالفات المرتكبة من قبل المراقبين وكل موظف أو عون تحت سلطتهم‬

‫تناولت هذا الصنف من المخالفات المادة ‪ 55‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬بحيث جعلت‬
‫مسؤوليتهم تتعقد في حالة عدم القيام بالمراقبات التي هم ملزمون بها بمقتضى القوانين واألنظمة‬
‫الجاري بها العمل‪ ،‬على الوثائق المتعلقة بالنفقات وعلى الوثائق المتعلقة بالمداخيل إن كانت‬
‫من اختصاصهم‪ ،‬وذلك ألجل التأكد من‪:‬‬

‫‪ . 1‬مطابقة صفقات األشغال أو التوريدات أو الخدمات القواعد طلب المنافسة المطبقة على‬
‫الجهاز المعني باألمر؛‬

‫‪ .2‬مشروعية القرارات المتعلقة باقتناء العقارات وباالتفاقيات المبرمة مع الغير وبمنح‬


‫اإلعانات المالية؛‬

‫‪ .3‬صفة األشخاص المؤهلين بمقتضى النصوص التنظيمية المعمول بها للتوقيع على‬
‫اقتراحات االلتزام بالنفقات‪.‬‬

‫فبهذا المقتضى تكون المدونة قد حسمت بشكل فعلى مسألة خضوع مراقب االلتزام بالنفقات‬
‫للسلطة التأديبية للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬خالف المشرع الفرنسي الذي جعل اختصاص‬
‫محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ينصب على محاسبة األمرين بالصرف‬
‫دون أن الحد إلى المراقبين لماليين نظرا لطبيعة تدخلهم في عملية تفيد الميزانية‪.134‬‬

‫▪ المخالفات المرتكبة من قبل المحاسبين وكل موظف أو عون يعمل تحت إمرتهم‬
‫أو لحسابهم‬
‫حددت المادة ‪ 56‬من مدونة المحاكم المالية المخالفات التي قد يرتكبها المحاسبين العموميين‬
‫والتي تستوجب التأديب المالي في المخالفات التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬عدم مراقبة مشروعية تحميل وتنزيل المداخيل المرصدة في صناديقهم؟‬

‫‪.‬‬

‫‪ - 134‬نجيب جيري‪ ،‬إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين والتفعيل‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪114_113 .‬‬
‫‪61‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫‪ 2‬إخفاء المستندات أو اإلدالء المجلس بوثائق مزورة أو غير صحيحة؛‬

‫‪ .3‬تحصيل ألنفسهم أو لغيرهم على منفعة غير مقررة نقدية أو عينية‪.‬‬

‫غير أن المحاسب العمومي الذي حكم عليه بالعجز تطبيقا لمسطرة النظر في الحسابات ال‬
‫يمكن متابعته النفس األسباب في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬كما أن‬
‫مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة ‪ 66‬ال تطبق على المحاسب العمومي‪.135‬‬

‫هذا وتتقادم المخالفات التي تستوجب التأديب التعلق بالميزانية والشؤون المالية إذا لم يتم‬
‫اكتشافها من طرف المجلس أو كل سلطة مختصة داخل أجل خمس سنوات كاملة تبتدئ من‬
‫التاريخ الذي تكون قد ارتكبت فيه‪ ،‬وذلك طبقا للمادة ‪ 107‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫ويؤدي إثبات إحدى المخالفات السابقة الذكر فإنه يصدر عقوبات تتمثل في فرض غرامات‬
‫مالية‪ ،‬إذ تنص المادة ‪ 66‬من مدونة المحاكم المالية أنه في حالة ارتكاب شخص المخالفة أو‬
‫مخالفات من تلك المذكورة في المواد ‪ 54‬و‪ 55‬و‪ 56‬يحكم المجلس عليه بغرامة يحدد مبلغها‬
‫حسب خطورة وتكرار المخالفة على أال يقل هذا المبلغ عن ألف (‪ )1,000‬درهم عن كل‬
‫مخالفة‪ ،‬دون أن يتجاوز مبلغ الغرامة صافي اآلخرة السنوية التي كان يتقاضاها المعني باألمر‬
‫أثناء ارتكاب المخالفة‪.‬‬

‫كما تجد أن نفس المادة قد نصت في فقرتها الثانية على أنه ال يمكن أن يتجاوز مبلغ الغرامات‬
‫أربعة أضعاف صافي األجرة السنوية التي كان يتقاضاها المخالف عند ارتكاب المخالفة‪.‬‬

‫أما بخصوص استئناف بعض القرارات واألحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم المالية فكما‬
‫هو الشأن بالنسبة للقرارات النهائية الصدرة عن المجلس ابتدائيا في إطار البت في الحسابات‪،‬‬
‫وطبقا لمبدأ التقاضي على درجتين‪ ،‬تخضع القرارات الصادرة عن المجلس األعلى للحسابات‬
‫في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للطعن باإلستئناف أمام هيئة الغرف‬
‫المشتركة‪ ،‬بينما تستأنف أحكام المجالس الجهوية للحسابات أمام غرف االستئناف بالمجلس‪.‬‬

‫‪ - 135‬المادة ‪ 56‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪62‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫يوضح الجدول التالي وضعية القضايا الرائجة وتلك التي تم البت فيها استئنافيا في هذا‬
‫المجال خالل سنتي ‪:1362020-2019‬‬

‫المجموع‬ ‫أحكام استئناف‬ ‫هيئة الغرف‬ ‫الملفات‬


‫المجالس الجهوية‬ ‫المشتركة‬
‫للحسابات‬

‫‪21‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪07‬‬ ‫الملفات الرائجة في‬


‫يناير ‪2019‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪07‬‬ ‫طلبات االستئناف‬


‫‪2019-2020‬‬

‫‪18‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪05‬‬ ‫تقارير التحقيق‬


‫المنجزة‬

‫‪27‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الملفات الرائجة في‬


‫دجنبر ‪2020‬‬

‫‪18‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪05‬‬ ‫القرارات الصادرة‬

‫ويبين الجدول التالي نسبة استئناف القرارات واألحكام المالية في ميدان التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية‪:137‬‬

‫النسبة‬ ‫عدد طلبات‬ ‫عدد القرارات‬ ‫المحاكم المالية‬


‫االستئناف ‪-2019‬‬ ‫واألحكام الصادرة‬
‫‪2020‬‬ ‫سنتي ‪2020-2019‬‬

‫‪ 136‬التقرير المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬برسم سنتي ‪ ،2020-2019‬ص‪.1255‬‬


‫‪- 137‬التقرير المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬برسم سنتي ‪ ،2020-2019‬ص‪1255.‬‬
‫‪63‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫‪10,44%‬‬ ‫‪07‬‬ ‫‪67‬‬ ‫المجلس األعلى‬


‫للحسابات‬

‫‪7,27%‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪220‬‬ ‫المجالس الجهوية‬


‫للحسابات‬

‫‪08%‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪287‬‬ ‫المجموع‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن نفس األطراف التي لها حق االستئناف لها حق تقديم طلبات النقض‬
‫أمام محكمة النقض ضد القرارات الصادرة استئنافيا عن المجلس‪ .‬كذلك‪ ،‬وفي حالة اكتشاف‬
‫عنصر جديد‪ ،‬وبعد انصرام األجل المحدد لطلب النقض‪ ،‬يمكن للمحكوم عليه ولألطراف‬
‫المعنية األخرى طلب مراجعة القرار الذي سبق أن أصدرته المحكمة المالية المعنية‪.‬‬

‫أما بخصوص االجتهاد القضائي للمحاكم المالية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية فقد أسفرت هذه األخيرة عن استنباط مجموعة من القواعد واالجتهادات التي تعرضت‬
‫من جهة‪ ،‬لتحليل المخالفات المرتكبة وإبراز قواعد إسناد المسؤولية لألشخاص القائمين على‬
‫تدبير األجهزة العمومية والخاضعين لهذا االختصاص من جهة أخرى لطبيعة وخصوصية‬
‫المسطرة المتبعة في إطار هذا االختصاص‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االختصاصات غير القضائية‬


‫يتميز النموذج المغربي في الرقابة العليا على المالية بكونه استلهم من النموذج الفرنسي‬
‫الرقابة الفضائية‪ ،‬بينما نجده يستلهم من النموذج األنجلوسكسوني االختصاصات الغير‬
‫القضائية‪ ،‬إذ خول المشرع للمجلس األعلى ممارسة مجموعة من الوظائف اإلدارية التي تهدف‬
‫إلى تحقيق التوجيه والتقييم‪.‬‬

‫فمدونة المحاكم المالية في نسختها األولى نصت على وظيفة رقابة التسيير ومراقبة استخدام‬
‫األموال العمومية بما فيها األموال التي يتم جمعها عن طريق التماس اإلحسان العمومي إضافة‬
‫إلى التقارير التي بعدها المجلس والتي ترفع إلى الملك‪ ،‬وبذل المساعدة لكل من البرلمان‬
‫والحكومة والقضاء‪ ،‬إال أن هذه الوظائف تعززت مع دستور ‪ 2011‬حيث أضيفت للمجلس‬

‫‪64‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫اختصاصات إدارية جديدة ذات طابع تخليقي تتجلى أساسا في مراقبة مالية األحزاب السياسية‬
‫وتمويل العمليات االنتخابية ومراقبة التصريح اإلجباري بالممتلكات‪ ،‬كما عهدت إلى المجلس‬
‫مهمة المصادقة على تنفيذ الميزانية وهو االختصاص الذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من سنة‬
‫‪.2020‬‬

‫فالذي يبدو جليا أن اإلختصاصات اإلدارية التي يتدخل عبرها المجلس قد عرفت توسعا‬
‫بشكل كبير الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية إعمال المجلس لهذه اإلختصاصات وعن‬
‫دورها في حماية المال العام؟ وألجل ذلك سنحاول أن نقف بداية عند اختصاص رقابة التسيير‬
‫واستخدام األموال العمومية (أوال) ثم ننتقل بعدها إلى اختصاص مراقبة حسابات األحزاب‬
‫السياسية وتمويل العمليات االنتخابية وتتبع التصريح بالممتلكات (ثانيا)‪ ،‬وتختم باختصاص‬
‫(ثالثا)‪ ،‬التي تستعرض من خاللها آلية تقديم المساعدة السلطات الثالث‪.‬‬

‫أوال‪ :‬رقابة التسيير واستخدام األموال العمومية‬

‫‪ -1‬رقابة التسيير‬

‫نصت على هذا النوع من الرقابة المادة ‪ 75‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬بحيث يتميز هذا‬
‫النوع من الرقابة بكون القرارات واآلراء والمالحظات واالقتراحات الصادرة عن المجلس في‬
‫إطارها ال تكتسي إلزامية وليس لها آثار جزائية‪ ،138‬كما أنها مواكبة أو بعدية وليست قبلية‪،‬‬
‫وتنصب على التقدير الكيفي والتقييم النوعي لتدبير األجهزة والمرافق العمومية‪ ،‬وتتوج‬
‫مقترحات وتوصيات يتم تقديمها من أجل تجويد مناهج وأساليب التدبير والرفع من‬

‫مردودية وفعالية هذه األجهزة‪.139‬‬

‫فأهداف رقابة التسيير على عكس الرقابة القضائية التي يمارسها المجلس األعلى والتي‬
‫تهتم بجانب المشروعية‪ ،‬فإن رقابة التسيير فحسب المادة ‪ 75‬من مدونة المحاكم المالية إلى‬
‫تقدير تسير األجهزة الخاضعة لرقابته من حيث الكيف واإلدالء عند االقتضاء باقتراحات حول‬
‫الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته‪ ،‬ويتميز هذا النوع من الرقابة‬

‫‪ - 138‬مدني أحميدوش‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪ .‬ر‪284‬‬


‫‪ - 139‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.295 .‬‬
‫‪65‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫بكونها رقابة شاملة لهم جميع أوجه التسيير‪ ،‬إذ يقيم المجلس مدى تحقيق األهداف المحددة‬
‫والنتائج المحققة كذا تكاليف وشروط النشاء واستخدام الوسائل المستعملة‪ ،‬الشيء الذي دفع‬
‫أحد الباحثون إلى وصف رقابة التسيير من الناحية المبدئية بالرقابة االستشرافية في مقابل‬
‫الرقابة الوصفية التي تتسم بها الرقابة القضائية‪. 140‬‬

‫وتمتد‪ ،‬هذه الرقابة إلى مراقبة المجلس المدى مشروعية وصدقية العمليات المنجزة وحقيقة‬
‫الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة واألشغال المنجزة‪ ،‬ويتأكد من أن األنظمة واإلجراءات‬
‫المطبقة داخل األجهزة الخاضعة لرقابته تضمن السير األمثل لمواردها واستخداماتها وحماية‬
‫ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة‪ ،‬كما له أن يقوم المشاريع العمومية قصد التأكد من‬
‫مدى تحقيق األهداف المحددة لكل مشروع انطالقا مما تم إنجازه وبالنظر إلى الوسائل‬
‫المستعملة‪.‬‬

‫فمن خالل استقراء هذه المادة يتبين أن المشرع أطلق به القاضي المالي من أجل مراقبة‬
‫شاملة ألوجه تسيير األجهزة العمومية‪ ،‬والقيام بتحليل للدي لكل عملية استقالل ومقارنة النتائج‬
‫المحققة مع األهداف المحددة من قبل المسؤولين في البداية‪ ،‬وتعد هذه الرقابة في جانب منها‬
‫رقابة مشروعية‪ ،‬حيث للقاضي المالي سلطة التأكد في ذات الوقت من مدى شرعية عمل هذه‬
‫المنظمات‪.141‬‬

‫فاألجهزة الخاضعة للرقابة فتنصرف رقابة التسيير لتشمل األجهزة التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬مرافق الدولة‪.‬‬

‫‪ .2‬المؤسسات العمومية‪.‬‬

‫‪ . 3‬المقاوالت المحولة االمتياز في مرفق عام أو المعهود إليها تسيره‪ ،‬باستثناء تلك التي‬
‫تخضع لرقابة المجالس الجهوية‪.‬‬

‫‪ - 140‬نجيب جيري‪ ،‬الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية دراسة تحليلية ونقدية‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬
‫‪،2012 ،1‬‬
‫‪ - 141‬عادلة الوردي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪ .168 .‬ة المادة ‪ 76‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫‪ .4‬الشركات والمقاوالت التي تملك فيها الدولة أو مؤسسات عمومية على انفراد أو بصفة‬
‫مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر أغلبية األسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ‬
‫القرار‪.‬‬

‫‪ . 5‬الشركات والمقاوالت التي تملك فيها الدولة أو مؤسسات عمومية بصفة مشتركة مع‬
‫الجماعات المحلية أغلبية األسهم في رأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرارة‪.‬‬

‫‪ -6‬أجهزة الضمان االجتماعي كيفما كان شكلها‪ ،‬التي تتلقى من أحد األجهزة المنصوص‬
‫عليها في الفقرات أعاله مساعدات مالية في شكل مساهمات من أرباب العمل أو في شكل‬
‫إعانات‪.142‬‬

‫أما فيما يخص إجراءات رقابة التسيير فقد ألزم المشرع األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس‬
‫بأن توجه له سنويا الحسابات والبيانات المحاسبة وذلك وفقا للكيفيات المنصوص عليها في‬
‫النصوص التنظيمية الجاري ما العمل‪ ،‬كما يتوصل المجلس إضافة إلى ذلك بمحاضر الهيئات‬
‫التداولية هذه األجهزة مرفقة بنسخ من تقارير المحاسبين المعتمدين والمراقبين الداخليين‬
‫والخارجيين‪.143‬‬

‫يؤدي التأخر في تقديم الحسابات والوثائق المحاسبية إلى إمكانية إصدار أمر من الرئيس‬
‫األول يحكم بموجبه على األشخاص المسؤولين عن هذا التأخير بغرامة مالية يمكن أن يصل‬
‫مبلغها األقصى ‪ 1000‬درهم‪ ،‬كما يمكن إضافة إلى ذلك الحكم عليه بغرامة الحديدية يصل‬
‫مبلغها إلى ‪ 500‬درهم عن كل شهر تأخير‪.144‬‬

‫تحدد األجهزة التي ستخضع لرقابة الجنس في برنامجه السنوي الذي تعده لجنة البرامج‬
‫والتقارير‪ ،‬وبناء عليه يعين رئيس الغرفة المستشارين الذين يضطلعون بمهمة مراقبة هذه‬
‫األجهزة‪ ،‬ومن أجل القيام بمهامهم حول المشرع للمستشارين حل االطالع على كافة المستندات‬
‫أو الوثائق المتعة الكفيلة لتزويدهم المعلومات حول تسيير هذه األجهزة‪ ،145‬واالستماع إلى‬

‫‪ - 142‬المادة ‪ 76‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ - 143‬نفس المادة الفقرة األخيرة‬
‫‪ - 144‬المادة ‪ 78‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 145‬المادة ‪ 79‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫األشخاص الذين يرون أن إفادتهم ضرورية‪ .‬وفي حالة عدم استجابة المعنيين باألمر الطلبات‬
‫المستشارين ترفع تقارير للرئيس األول للميت في األمر طبقا للمادة ‪ 69‬من المدونة‪.146‬‬

‫ال يمكن التحسن أمام قضاة المجلس بواجب كمان السر المهني‪ ،147‬إال في حالة تعلق األمر‬
‫باألمن والدفاع‪ ،‬فعندها ترفع القضية إلى رئيس الحكومة من أجل النظر في إمكانية أو عدم‬
‫إمكانية رفع السرية عن تلك المعلومات‪.148‬‬

‫بعد انتهاء المستشار للمقرر من تحرياته‪ ،‬يوجه مالحظاته إلى المسؤولين عن األجهزة‬
‫موضوع المراقبة‪ ،‬والذين ل إمكانية اإلدالء تعقيباتهم عند االقتضاء داخل أجل شهرين‪،149‬‬
‫وبعد انتهاء هذا األجل يوجه المستشار تقريره إلى رئيس الغرفة‪.150‬‬

‫يعرض التقرير المعد من قبل المستشار على الغرفة المعنية ويكون موضوع مداولة‬
‫بحضور خمسة أعضاء من بينهم رئيس الغرفة والمستشار الذي تولى المراقبة‪ ،‬ويعهد إلى‬
‫المستشار المقرر تقديم تقريره أمام الغرفة بالنسبة لكل ملف‪ ،‬ويحق للغرفة استدعاء أي مسؤول‬
‫أو عون بالجهاز المعني من أجل االستماع إليه كما لها أن تأمر بإجراء تحريات تكميلية‪ ،‬وتقرر‬
‫في المالحظات التي يمكن أن تكون موضوع رسائل موجهة من رئيس الغرفة إلى مسؤولي‬
‫األجهزة المعنية‪ ،‬ويلزم األشخاص الذين توجه إليهم هذه الرسائل باإلجابة عنها في أجل تحدده‬
‫رئيس الغرفة على أال يقل عن شهر‪ ،‬وتتخذ الغرفة قراراتها بأغلبية األصوات‪.151‬‬

‫أما فيما يتعلق باآلثار المترتبة عن مراقبة التسيير فينتج عن مراقبة التسيير إعداد التقارير‬
‫السنوية والخاصة إضافة إلى إمكانية المتابعة أمام المجلس وتحريك الدعوى التأديبية والجنائية‪.‬‬

‫‪-‬إعداد التقارير السنوية والخاصة‬

‫‪ - 146‬تنص المادة ‪ 69‬من المدونة على أنه " يتعرض باألمر والشهود الذين ال يجيبون في األجل المحدد عن طلبات تقديم الوثائق والمستندات أو ال‬
‫يستجيبون لالستدعاءات الموجهة إليهم من طرف المجلس أو يرفضون أداء اليمين‪ ،‬أو يرقصون اإلدالء بشهاداتهم لغرامة من خمس مائة( ‪)500‬‬
‫درهم إلى ألفي ( ‪ )2.000‬درهم بموجب أمر للرئيس األول‪".‬‬
‫‪ - 147‬المادة ‪ 82‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 148‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.‬‬

‫‪ - 149‬المادة ‪ 80‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ - 150‬المادة ‪ 81‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 151‬المادة ‪ 82‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فبخصوص إعداد كل من التقرير السنوي والتقارير الخاصة فهو تقليد التيني عريق تميزت‬
‫به التجربة الفرنسية واقتبسها منها المشرع المغربي‪ ،‬وخالصته أن على الهيئة العليا للرقابة‬
‫على األموال العمومية أن تقدم تقريرا سنويا إلى رئيس الدولة والبرلمان يتضمن بيانا عن جميع‬
‫أوجه أنشطة الهيئة ومالحظات بشأن تنفيذ العمليات المالية التي راقبتها‪.152‬‬

‫فمنذ إحداث المجلس األعلى الحسابات نص القانون المحدث له على إعداد المجلس تقرير‬
‫سنوي يرفع إلى الملك ويتضمن أنشطة المجلس‪ ،‬إال أن القانون ‪ 12.79‬لم ينص على مبدأ‬
‫العلمية ونشر التقرير للرأي العام وهو ما تداركه المشرع من خالل القانون ‪ 62.99‬حيث تم‬
‫من خالل المادة ‪ 100‬على أن يرفع التقرير السنوي من طرف الرئيس األول إلى الملك قبل‬
‫انتهاء السنة المالية الموالية لسنة التسيير المقصودة‪ ،‬كما يوجه هذا التقرير إلى كل من رئيس‬
‫الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان وينشر في الجريدة الرسمية"‪.153‬‬

‫ويتضمن هذا التقرير بيانا عن جميع أنشطة المجلس وملخصا للمالحظات التي أبداها‪،‬‬
‫ومقترحاته من أجل تحسين تسيير المالية العامة وتدبير المرافق واألجهزة التي شملتها المراقبة‪،‬‬
‫كما يتضمن التقرير تعاليق السلطات الحكومية ومسؤولي المؤسسات واألجهزة العمومية‬
‫المعنية ويعطي ملخصا عن تقرير المجلس حول تنفيذ قانون المالية‪.154‬‬

‫يتولى المجلس أيضا إعداد التقارير الخاصة التي تهم قطاعات معينة والتي يتم توجيهها من‬
‫قبل الرئيس األول إلى رئيس الحكومة والوزير المكلف بالمالية والوزير الوصي‪ ،‬ويمكن لهم‬
‫اإلدالء بمالحظاتهم والتعبير عن آرائهم داخل األجل المحدد من قبل الرئيس األول على أال‬
‫يقل هذا األجل على شهر‪ ،‬وبعد ذلك توجه هذه التقارير مرفقة باآلراء والتعاليق المتوصل بها‬
‫إلى لجنة البرامج والتقارير ألجل إدراجها عند االقتضاء في التقرير السنوي وتقرير تنفيذ‬
‫الميزانية‪.155‬‬

‫‪ -‬إمكانية المتابعة داخل المجلس وتحريك الدعوى التأديبية والجنائية‬

‫‪ - 152‬مدني أحميدوش‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.289_288.‬‬


‫‪ - 153‬في إطار استثمار المعلوميات يقوم المجلس بنشر تقاريره على موقعه االلكتروني أيضا‪.‬‬
‫‪- 154‬المادة ‪ 100‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 155‬المادة ‪ 85‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫على الرغم من كون رقابة التسيير رقابة إدارية غير قضائية إال أن لها تبعات قضائية‪ ،‬ففي‬
‫حالة اكتشاف الغرفة لمخالفة تندرج ضمن المخالفات المنصوص عليها في المواد ‪ 54‬و‪55‬‬
‫و‪ 56‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬تشعر بذلك الوكيل العام للمالك طبقا لمقتضيات المادة ‪ 57‬من‬
‫نفس المدونة قصد بحث إمكانية المتابعة في إطار التأديب المالي‪.‬‬

‫وفي حالة اكتشاف عناصر مكونة أو حكم الواقع حسب مدلول المادة ‪ 41‬من مدونة المحاكم‬
‫المالية‪ ،‬طلبت الغرفة المختصة من المستشار أن بهي تقريرا في الموضوع بوجهه للوكيل العام‬
‫للملك طبقا لمقتضيات المادة ‪ 42‬من نفس المدونة‪.‬‬

‫وإذا ما كانت األعمال المكتشفة من قبل الغرفة تستوجب عقوبة جنائية أو تأديبية طبقت‬
‫المقتضيات المنصوص عليها في المادة ‪.111156‬‬

‫تشكل رقابة التسيير أداة مساعدة من أجل تحسين مستوى التدبير العمومي‪ ،‬كما أنها تتجاوز‬
‫رصد المخالفات إلى تقديم المقترحات وتوصيات من شأنها أن تساعد المسؤولين في تحقيق‬
‫نجاعة التدبير‪ ،‬إضافة إلى كونها تقدم للبرلمان صورة عن تسيير الموارد العمومية وبالتالي‬
‫مساعدته في أداء وظيفته الرقابية على الحكومة‪ ،‬كما أن هذه التقارير تساعد الحكومة في بلورة‬
‫برامجها وتوجيه سياستها بما يحقق حسن التدبير‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬وخالل سنتي ‪ ،2020-2019‬عرض على النيابة العامة لددى المجلس‬
‫(‪ )28‬ملفا تتضمن أفعاال قد تكتسي صبغة جنائية‪ ،‬من بينها (‪ )20‬ملف أحيل عليها من طرف‬
‫وكالء الملك لدى المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬وفقا لمقتضيات المادة ‪ 162‬من مدونة المحاكم‬
‫المالية‬

‫وطبقا لمقتضيات المادة ‪ 111‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬أحالت النيابة العامة‪ ،‬خالل سنتي‬
‫‪ )22( ،2019-2020‬ملفا إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‪-‬رئيس النيابة العامة وذلك‬
‫قصد اتخاذ المتعين بشأنها‪ ،‬فيما اتخذت مقرر بعدم المتابعة وإثارة الدعوى العمومية بخصوص‬
‫(‪ )6‬ملفات لعدم كفاية القرائن واإلثباتات الالزمة إلثارة هذه الدعوى‪.‬‬

‫‪ - 156‬المادة ‪ 84‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪70‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه وفي إطار تنزيل أحكام الدستور المملكة في الشق المتعلق ببذل التعاون‬
‫بين الهيئات القضائية‪ ،‬تم خالل شهر يونيو ‪ 2021‬توقيع مذكرة تعاون بين الرئيس األول‬
‫لمحكمة النقض‪ ،‬الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية والوكيل العام للملك لدى‬
‫محكمة النقض رئيس للنيابة العامة والرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات والوكيل العام‬
‫لدى المجلس‪.‬‬

‫وتهدف هذه المذكرة التعاون إلى جانب تعزيز التعاون بين األطراف الموقعة عليها‪ ،‬ال سيما‬
‫في مجال التكوين القضاة ودعم قدرات قضاة المحاكم المالية وقضاة المحاكم الزجرية‪ ،‬إلى‬
‫تكثيف التنسيق بين هذه األطراف بشأن معالجة الشكايات والوشايات والتقارير ذات الصلة‬
‫بالجرائم المالية وتبادل الوثائق المتعلقة بها واالجتهادات القضائية المتميزة‪ ،‬وذلك في أفق‬
‫المساهمة في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وتفعيل ربط المسؤولية‬
‫بالمحاسبة‪.157‬‬

‫هذا وتبقى مسألة فعالية رقابة التسيير رهين بمدى توفر اإلرادة السياسية وتفعيل المبادئ‬
‫الدستورية المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬فعندما تحضر اإلرادة السياسية تكون لهذه‬
‫التقارير ما بعدها وتقرير المجلس حول الحسيمة منارة المتوسط الذي أعقبته إعفاءات ملكية‬
‫لمجموعة من المسؤولين خير دليل على ذلك‪.‬‬

‫‪-2‬رقابة استخدام األموال العمومية‬

‫يمارس المجلس األعلى للحسابات في إطار اختصاصاته اإلدارية رقابة على استخدام‬
‫األموال العمومية‪ ،‬بهدف التأكد من أن استعمال األموال العمومية التي تم تلقيها يطابق األهداف‬
‫المتوخاة من المساعدة أو المساهمة‪.‬‬

‫وقد حددت المادة ‪ 86‬من مدونة المحاكم المالية األجهزة الخاضعة لرقابة التسيير وتشمل‬
‫المقاوالت‪ ،‬باستثناء تلك المشار إليها في المادة ‪ 76‬من المدونة‪ ،‬أو الجمعيات أو كل األجهزة‬
‫األخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف الدولة‬

‫‪ - 157‬التقرير المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬برسم سنتي ‪ ،2020-2019‬ص‪.1271‬‬


‫‪71‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫أو مؤسسة عمومية أو من أحد األجهزة األخرى الخاضعة لرقابة للمجلس‪ ،‬مع مراعاة‬
‫مقتضيات قانون تأسيس الجمعيات‪.‬‬

‫ومن أجل قيام المجلس األعلى للحسابات بجده الرقابة ألزمت المادة ‪ 87‬األجهزة الخاضعة‬
‫لهذه الرقابة بأن تقدم إلى المجلس الحسابات المتعلقة باستخدام األموال والمساعدات العمومية‬
‫األخرى التي تلقتها‪ ،‬وذلك حسب الكيفيات والشروط المنصوص عليها في النصوص التشريعية‬
‫والتنظيمية الجاري بها العمل‪.‬‬

‫وتخضع مسطرة مراقبة استخدام األموال العمومية لنفس مسطرة رقابة النسيم وينتج عنها‬
‫نفس اآلثار‪.158‬‬

‫تنصف هذه الرقابة بكونها مراقبة جزئية وليست شاملة وتهدف إلى التحقق من أن األموال‬
‫التي تم تلقيها تم استخدامها بما يطابق األهداف المتوخاة من المساعدة أو المساهمة وفقا للقاعدة‬
‫األصولية " تصرف الهبة بمشيئة الواهب"‪.159‬‬

‫وتمتد هذه الرقابة لتشمل الرقابة على األموال التي يتم جمعها عن طريق التماس اإلحسان‬
‫العمومي‪ ،‬إذ من مستجدات مدونة المحاكم المالية أنها حولت لرئيس الحكومة أن يطلب من‬
‫المجلس مراقبة الحسابات المتعلقة باستعمال الموارد التي يتم جمعها من طرف الجمعيات التي‬
‫تلتمس اإلحسان العمومي‪ ،‬هدف التأكد من أن استعمال الموارد التي تم جمعها يطابق األهداف‬
‫المتوخاة‪.160‬‬

‫وتلزم الجمعيات التي تلتمس اإلحسان العمومي بأن تقدم إلى المجلس الحسابات المتعلقة‬
‫باستخدام الموارد التي تم جمعها‪ ،‬وذلك وفق الكيفيات والشروط المنصوص عليها في‬
‫النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪.161‬‬

‫‪ - 158‬أنظر المواد ‪ ،85 ،84 ،83‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ - 159‬محمد براو‪ ،‬الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.359 .‬‬
‫‪ - 160‬المادة ‪ 89‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 161‬المادة ‪ 90‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫يشكل اختصاص المجلس األعلى للحسابات في مراقبة استخدام األموال العمومية بما فيها‬
‫تلك األموال التي يتم جمعها عن طريق التماس اإلحسان العمومي إلى تحسين شروط تدبير‬
‫المال العام وحمايته من التبذير واالختالس وتحقيق الشفافية في التسيير المالي للجمعيات‪.‬‬

‫غير أن ما يالحظ أن مدونة المحاكم المالية لم تحدد سقفا ماليا للمساعدة أو المساهمة التي‬
‫تتلقاها األجهزة المعنية من مرافق الدولة‪ ،‬والتي على أساسها تخضع هذه الهيئة للرقابة‪ ،‬كما‬
‫لم تحدد شكلها‪ ،‬الشيء الذي يحول للمجلس صالحيات شاملة للتأكد من مطابقة استخدام األموال‬
‫العمومية لألهداف المتوخاة‪ ،‬كما يسمى المراقبة مدى التصرف في المساعدة بكفاءة وفعالية‬
‫واقتصاد‪ ،‬مما يجعل من هذا االختصاص اختصاصا عاما‪.162‬‬

‫ثانيا‪ :‬مراقبة حسابات األحزاب السياسية وتمويل العمليات االنتخابية وتتبع التصريح‬
‫بالممتلكات‬

‫‪ :1‬مراقبة حسابات األحزاب السياسية وتمويل العمليات االنتخابية‬

‫يشكل اختصاص المجلس األعلى في مراقبة مالية األحزاب السياسية وتمويل العمليات‬
‫االنتخابية من االختصاصات المهمة التي أوكلت إلى المجلس بمقتضى الدستور‪ ،‬ذلك أن الفصل‬
‫‪ 147‬من الدستور نص على أنه‪ " :‬تناط بالمجلس األعلى للحسابات مهمة مراقبة وتشيع‬
‫التصريح بالممتلكات‪ ،‬وتدقيق حسابات األحزاب السياسية‪ ،‬وفحص النفقات المتعلق بالعمليات‬
‫‪164‬‬
‫االنتخابية"‪ ،‬ونصت عليه المادة ‪ 3‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،163‬إضافة إلى المادة ‪44‬‬
‫و‪ 45165‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 29.11‬المتعلق باألحزاب السياسية‪.166‬‬

‫فبمقتضى المادة ‪ 31‬من القانون التنظيمي المتعلق باألحزاب السياسية عمل المشرح على‬
‫تحديد الموارد المالية لهذه األحزاب وعددها بشكل حصري‪ ،‬وتتكون هذه الموارد أساسا من‬

‫‪ - 162‬رشيد قاعدة‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.209 .‬‬


‫‪ - 163‬تنص المادة الثالثة م ن مدونة المحاكم المالية على أنه "‪ ...‬يمارس المجلس االختصاصات التالية‪ ... :‬تدقيق حسابات األحزاب السياسية‪،‬‬
‫فحص النفقات المتعلقة العمليات االنتخابية‪."...‬‬
‫‪ - 164‬تنص المادة ‪ 44‬من القانون المتعلق باألحزاب السياسية على أنه‪" :‬طبقا ألحكام الفصل ‪ 131‬من الدستور‪ ،‬يتولى المجلس األعلى للحسابات‬
‫تدقيق حسابات األحزاب السياسية المشار إليها في المادة ‪ 36‬من هذا القانون التنظيمي‪ ،‬وكذا فحص صحة نفقاتها برسم الدعم المشار إليه في المادة‬
‫‪."46‬‬
‫‪ - 165‬تنص المادة ‪ 45‬من نفس القانون على أنه‪ " :‬يتولى المجلس األعلى للحسابات فحص مستندات اإلثبات المتعلقة بصرف المبالغ التي تسلمها‬
‫كل حزب معني يرسم مساهمة الدولة في تمويل حمالته االنتخابية‪.".‬‬
‫‪ - 166‬القانون التنظيمي رقم ‪ ،29.11‬المتعلق باألحزاب السياسية‪ ،‬الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم ‪ 1.11.166‬صادر في ‪ 24‬من ذي القعدة‬
‫الموافق ل ‪ 22‬أكتوبر ‪ ،2011‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5989‬بتاريخ ‪ 26‬ذي القعدة ‪ 1432‬الموافق ل ‪ 26‬أكتوبر ‪ ،2011‬ص ‪.5172‬‬
‫‪73‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الدعم السنوي الذي تقدمه الدولة للمساهمة في تغطية مصاريف تدير األحزاب السياسية‪،167‬‬
‫وكذا الدعم المخصص للمساهمة في تغطية مصاريف تنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية‬

‫إضافة إلى الدعم المخصص لها مناسبة التمويل حمالتها االنتخابية التشريعية والجهوية‬
‫والجماعية‪.‬‬

‫ومن أجل تعزيز الشفافية وحماية المال العام‪ ،‬أوجب المشرع على األحزاب السياسية بأن‬
‫‪168‬‬
‫توجه إلى المجلس األعلى للحسابات في أجل أقصاه ‪ 31‬مارس من كل سنة حساباتها السنوية‬
‫مشهود بصحتها من طرف خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين‪ ،169‬كما‬
‫يتوجب على األحزاب التي استفادت من الدعم أن تثبت أن المبالغ التي حصلت عليها قد تم‬
‫صرفها في الغابات التي منحت ألجلها وفي الجال ووفق الشكليات المحددة بموجب نص‬
‫تنظيمي‪ ،170‬وفي حالة عدم استخدام أي مبلغ من الدعم أو المساهمة المقدمة له فإنه يتعين عليه‬
‫إرجاعها بشكل تلقائي للحزينة‪ ،‬وقد بوشر العمل هذا المقتضى انطالقا من سنة ‪.1712017‬‬

‫وحالة تأخر الحزب في تقديم المستندات والوثائق المحاسبية داخل اآلجال المحددة يوجه‬
‫الرئيس األول للمجلس إنذارا للمسؤول الوطني للحزب من أجل تسوية وضعية الحزب داخل‬
‫أجل ثالثين يوما‪ ،‬ويؤدي عدم تسوية الوضعية داخل هذه اآلجال إلى حرمان الحرب من‬
‫االستفادة من الدعم السنوي للسنة الموالية‪.172‬‬

‫غير أن ما يالحظ هو غياب عقوبات ردعية وأن هذه المقتضيات مازالت غير قادرة على‬
‫صيانة المال العام المقدم لألحزاب‪ ،‬لذلك نرى أنه من األفضل فرض غرامات التأخير على‬

‫‪ - 167‬شكلت مساهمة الدولة لألحزاب السياسية في تدبير مواردها برسم سنة ‪ 2016‬ما نسبته ‪ %86.03‬في حين بلغت الموارد الذاتية لألحزاب‬
‫‪ ، 97,13‬أنظر التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات حول تدقيق الحسابات المنوية األحزاب السياسية وفحص نفقاتها لسنة ‪ ،2016‬الموقع‬
‫االلكتروني للمجلس‪ ،‬سبق ذكره‪.‬‬
‫‪ - 168‬المادة ‪ 44‬من القانون ‪ ،29.11‬سبق ذكره‪.‬‬
‫‪ - 169‬المادة ‪ 42‬من القانون ‪ ،29.11‬سبق ذكره‪.‬‬
‫‪ - 170‬المادة ‪ 43‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪ - 171‬تقرير المجلس األعلى للحسابات حول تدقيق حسابات األحزاب السياسة لسنة ‪ ،2016‬مي‪.3 .‬‬
‫‪ - 172‬المادة ‪ 44‬من القانون ‪ ،29.11‬سبق ذكره‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫األحزاب التي تقاعس عن اإلدالء بوثائقها المحاسبية للمجلس‪ ،‬كما أن اإلنذار الموجة من طرف‬
‫الرئيس األول قد يبقى بدون جواب وبالتالي بدون تأثير‪.173‬‬

‫إضافة إلى مهمة تدقيق الحسابات السنوية لألحزاب السياسية‪ ،‬فإن المجلس األعلى‬
‫للحسابات مكلف الحصى النفقات المتعلقة بالعمليات االنتخابية‪ ،‬وذلك من خالل فحص مستندات‬
‫اإلثبات المتعلقة بصرف المبالغ التي تسلمها كل حزب معني برسم مساهمة الدولة في تمويل‬
‫حمالته االنتخابية‪.‬‬

‫وفي حالة تبين للمجلس األعلى للحسابات بأن المستندات المدلى بها من لدن حزب سياسي‬
‫في شان استعمال مبلغ مساهمة الدولة الممنوح له برسم حمالته االنتخابية ال تبرر‪ ،‬جزئيا أو‬
‫كليا‪ ،‬استعمال المبلغ المذكور‪ ،‬طبقا للغايات التي منح من أجلها‪ ،‬أو إذا لم يقل الحرب المعني‬
‫بالمستندات والوثائق الهيئة المطلوبة‪ ،‬أو إذا لم يرجع إلى الخزينة كل مبلغ لم يستعمله من‬
‫المسافة الممنوحة له‪ ،‬يومه الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات إلى المسؤول الوطني من‬
‫الحرب الدار من أجل إرجاع المبلغ المذكور إلى الحزينة أو تسوية وضعية الحرب خالل أجل‬
‫ثالثين يوما من تاريخ اإلنذار‪.‬‬

‫ويترتب عن عدم االستجابة إلى اإلنذار الصادر عن الرئيس األول حرمات الحزب حكم‬
‫القانون وبشكل فوري من االستفادة من التمويل العمومي المقرر في هذا القانون التنظيمي إلى‬
‫حين تسوية وضعيته العام الحرية وذلك دون اإلخالل بالماء التدابير والمتابعات المقررة في‬
‫القوانين الجاري بها العمل‪.174‬‬

‫مما ال شك فيه أن إخضاع حسابات األحزاب السياسية الرقابة المجلس األعلى الحسابات‬
‫بشكل مقتضى مهم من شأنه تعزيز الشفافية والحيلولة دون ترها من الماسية‪ ،‬وقد تعزز هذا‬
‫الدور بإقدام المجلس الحار تقارير خاصة ونشرها من أجل تمكين الرأي العام من االطالع‬
‫عليها‪ ،‬وبالتالي تكريس الشفافية وترسيخ الحكامة السياسية‪.‬‬

‫‪ - 173‬أشار تقرير المجلس المتعلق بفحص نفقات األحزاب السياسية برسم سنة ‪ 2016‬إلى عدم إدالء حزبين بالوثائق والمستندات داخل األجل وأنه‬
‫تم توجيه إنذار إلى أحد األحزاب لكنه بقي بدون رد‪ ،‬بينما لم يتم توجيه أي إنذار للحزب الثاني نظرا لوجود خالف داخلي حول األمانة العامة‪،‬‬
‫الشيء الذي يعزز سؤاال حول دور اإلنذار وعدم كفاية آلية اإلنذار والحرمان من المساهمة المالية في حماية المال العام‪.‬‬
‫‪ - 174‬المادة ‪ 45‬من القانون ‪ ،29.11‬سبق ذكره‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫غير أن ما يالحظ أن المشرع قد نظم هذا االختصاص في القانون التنظيمي المتعلق‬
‫باألحزاب السياسية بدل مدونة المحاكم المالية‪ ،‬الشيء الذي يؤدي لتشتت النصوص القانونية‬
‫المنظمة الختصاصات المجلس‪.‬‬

‫‪ :2‬مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات‬

‫تخضع عملية مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات المجموعة من النصوص التشريعية‬


‫والتنظيمية‪ ،‬فضال من تنظيمه بمقتضيات مدونة المحاكم المالية‪ ،‬كما أن الدستور قد تدخل من‬
‫خالل الفصل ‪ 147‬من أجل تكريس االختصاص الحصري للمجلس األعلى للحسابات في‬
‫مراقبة وتتبع التصاريح بالممتلكات‪ ،175‬كما جعل من التصريح بالممتلكات مبدأ دستوريا إذ‬
‫نص في الفصل ‪ 158‬على أن " يجب على كل شخص‪ ،‬منتخبا كان أو معينا‪ ،‬مارس مسؤولية‬
‫عمومية‪ ،‬أن يقدم‪ ،‬طبقا للكيفيات المحددة في القانون‪ ،‬تصريحا كتابيا بالممتلكات واألصول‬
‫التي في حيازته‪ ،‬بصفة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬بمجرد تسلمه لمهامه‪ ،‬وخالل ممارستها‪ ،‬وعند‬
‫انتهائها"‪.‬‬

‫فمن خالل إسناد المشرع المغربي مهمة مراقبة وتتبع التصاريح بالممتلكات المجلس األعلى‬
‫للحسابات يكون بذلك قد خالف معظم الدول العربية التي وضعت جهارا مستقال عن أجهزة‬
‫التدقيق‪ ،‬كما خالف التجربة الفرنسية التي غالبا ما يستلهم منها والتي اعتمدت محكمة خاصة‬
‫بالتصريح بالممتلكات‪.176‬‬

‫تتمثل مهمة المجلس في تلقي التصريحات اإلجبارية بالممتلكات في تأكد كاتب الضبط من‬
‫صفة المصرح وتسليمه وصل بالتسلم وإخبار كل من الرئيس األول والوكيل العام للملك بإبداع‬
‫التصريح‪ ،‬يعين الرئيس األول بعدها مستشارا مقررا مكلفا بالتحقق من مضمون التصريح‬
‫وبعد تقرير يتضمن مالحظاته يسلم إلى الرئيس األول والوكيل العام للملك‪.‬‬

‫ومن أجل تتبع والتأكد من صحة التصاريح أجاز المشرع للمستشار المقرر تحب إشراف‬
‫الرئيس األول أن يطلب االطالع على كل الوثائق أو المستندات االلبانية التي من شأنها أن‬

‫‪ - 175‬كريم الحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح وتحليل‪ ،‬سلسلة العمل التشريعي واالجتهادات القضائية‪ ،‬العدد ‪ ،2012 ،3‬ص‪.189 ،‬‬
‫‪ - 176‬حكيم كرم‪ ،‬سياسة التصريح اإلجباري بالممتلكات بين القصور التشريعي وغياب اإلرادة السياسية‪ ،‬مجلة اإلرشاد القانوني‪ ،‬عدد مزدوج‬
‫الثاني والثالث‪ ،2018 ،‬من‪.180 ،‬‬
‫‪76‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫توفر له معلومات حول عناصر تصريحات المعني والقيام باالستماع إلى األشخاص الذين برى‬
‫شهادتهم ضرورية دون أن يكون في مقدور هؤالء االحتجاج أمامه بوجود سر مهني محتمل‪،‬‬
‫كما يمكن بناء على أمر من الرئيس األول طلب من مديرية الضرائب والمؤسسات البنكية‬
‫ومؤسسات االئتمان ومن المحافظ العام على األمالك العقارية كل المعلومات التي من شأنها‬
‫أن تحدد الوضعية الحقيقية للمعني باألمر‪.‬‬

‫وفي حالة إيجاد قرائن جسيمة ومتوافقة حول ارتكاب المصرح أو زوجه أو أصوله أو‬
‫فروعه لمخالفة‪ ،‬يحيل الوكيل العام للملك‪ ،‬يطلب من الرئيس األول‪ ،‬القضية على الجهة‬
‫القضائية المختصة بعد إخبار المعنيين بذلك‪ ،‬وتتولى الجهة القضائية المختصة اطالع رئيس‬
‫المجلس األعلى للحسابات بكل قرار قضائي تصدره ضد األشخاص الخاضعين للتصريح‬
‫اإلجباري بالممتلكات‪.177‬‬

‫مما ال شك فيه أن التنصيص على إجبارية التصريح بالممتلكات تشكل أداة فعالة في حماية‬
‫المال العام والوقاية من الفساد‪ ،‬ذلك أن التصريح بالممتلكات من شأنه أن يعزز الشفافية‬
‫والنزاهة في تدبير المال العام‪ ،‬غير أن تنظيم هذه العملية تشويها مجموعة من الثغرات إذ نجد‬
‫تعددا في أنظمة التصريح بالممتلكات حسب فئة الموظفين‪.‬‬

‫كما نجد أن هناك جهات متعددة التلقي التصريح بالممتلكات الشيء الذي يتنافى مع ما نص‬
‫عليه الدستور الذي أوكل هذه المهمة بشكل حصري للمجلس األعلى للحسابات‪.178‬‬

‫ومن وجهة نظرنا فإننا نعتقد بأن المشرع مطالب بتحاور حالة الفوضى القانونية التي تعرفها‬
‫القوانين التي لع على التصريح اإلجباري بالممتلكات‪ 179‬وإقرار عقوبات ردعية للمتخلفين عن‬
‫اإلدالء بالتصريح خاصة التصاريح البعدية أبي بعد التهاء المهمة‪ ،‬كما عهد بأن هذه التصاريح‬
‫ال يترتب عنها أي نتائج إذ تبقى مجرد وثائق االستئناس يرجع إليها عند الحاجة‪.‬‬

‫‪ - 177‬المادة ‪ 96‬مكررة من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ - 178‬حکيم کرم‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.172 ،‬‬
‫‪ - 179‬قدم المجلس األعلى للحسابات توصية ترموا إلى إعادة صياغة القوانين المتعلقة بالتصريح اإلجباري بالممتلكات في إطار موحد‪ ،‬وقد قامت‬
‫الحكومة بتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة تنفيذ مشروع مراجعة نظام التصريح اإلجباري بالممتلكات‪ ،‬وقد انصبت اللجنة من أكتوبر ‪ 2018‬على هذا‬
‫المشروع قصد صياغة مشروع قانون موحد التصريح بالممتلكات يتجاوز النواقص التي تميز القوانين الحالية‪ .‬أنظر التقرير السنوي للمجلس‬
‫األعلى للحسابات برسم سنة‪ ،‬الجزء األول‪ ،19 ،‬منشور على الموقع اإللكتروني للمجلس‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫هذا وترى أن إسناد مهمة تلقي وضع التصريح اإلخباري بالممتلكات للمجلس األعلى‬
‫للحسابات فيها إرهاق المجلس وتوسيع في اختصاصاته خاصة عامة أمام التساؤل حول ما إذا‬
‫كانت غرفة التصريح بالممتلكات بالمجلس مؤهلة في الوقت الحاضر القيام هذه المهمة إذ بلغ‬
‫عدد التصاريح الذي تلقاها الفلس منذ سنة ‪ 2010‬الريح حول القانون التعلق بالتصريح‬
‫اإلجباري بالممتلكات حيز السعيد إلى غاية نهاية ‪ 2018‬ما مجموعه ‪ 73,951‬تصريحا‬
‫بالممتلكات‪ .‬لذلك تقترح إسناد هذا االختصاص لطيفة مستقلة مختصة‪ ،‬وإلى حين ذلك فإن تقلى‬
‫األعلى للحسابات ومن أجل تعبير الشفافية أكثر فهو مدعو ألن يقوم بنشر هذه التصاريح خاصة‬
‫تلك المتعلقة بأعضاء الحكومة والعمال ودوي المناصب العليا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تقديم المساعدة للبرلمان والحكومة والقضاء‬

‫‪ :1‬تقديم المجلس األعلى للحسابات المساعدة للبرلمان‬

‫شكل التنصيص الدستوري على دور المجلس األعلى للحسابات في تقديم المساعدة للبرلمان‬
‫نقلة نوعية في تعزيز العالقة بين أهم مؤسستين في مجال الرقابة على المال العام والمحاسبة‪،‬‬
‫إذ يشكل البرلمان صاحب االختصاص العريق في الرقابة على المال العام وهي رقابة سياسية‬
‫على عكس رقابة المجلس األعلى للحسابات التي هي رقابة قضائية وإدارية‪.‬‬

‫إال أنه أمام العراقيل المتعددة التي تقف في وجه البرلمان من أجل التقييم والرقابة كتحكم‬
‫الجهاز التنفيذي في مصادر المعرفة المالية والماسية وعدم الوفرة على الموارد البشرية‬
‫المتخصصة والوسائل التقنية الالزمة إلجراء األبحاث والتحريات والخبرات التي يتطلبها‬
‫تدقيق ا لحسابات والتحقق من مدى احترام اإلجراءات المسطرية الخاصة بتدبير المال العام‪،180‬‬
‫كانت الحاجة ملحة إلعداد جهاز مستقل يتولى هذه المهمة ويكون بمثابة ذراع للبرلمان يساعده‬
‫في أداء وظيفته وهي الغابة التي أحداث أسامة ألجلها الهيئات العليا للرقابة على المال العام‬
‫سواء في النموذج األنجلوسكسوني أو النموذج الالتيني‪ ،‬فكيف هي إذن العالقة كل من المجلس‬
‫األعلى للحسابات والبرلمان؟ وكيف يقدم المجلس مساعدته للبرلمان؟‬

‫‪ - 180‬عبد الواحد العسلي‪ ،‬المحاسبة والرقابة البرلمانية‪ :‬قراءة في القانون التنظيمي رقم ‪ 130.13‬لقانون المالية‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة‬
‫والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،127_126‬يناير أبريل ‪.243 2016‬‬
‫‪78‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تميز الدستور المراجع لسنة ‪ 1996‬بإشارته إلى العالقة بين المجلس األعلى للحسابات‬
‫والعمال تشكل سطحي‪ ،‬إذ نص من خالل الفصل ‪ 96‬على أنه "يبذل المجلس األعلى للحسابات‬
‫مساعدته للبرلمان وللحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته مقتضى القانون"‪،‬‬
‫فالفصل المذكور لم يحدد طبيعة العالقة وال نوعية المساعدة ومجالها‪ ،‬وهو ما حددته مدونة‬
‫المحاكم المالية من خالل المادة ‪ 92‬قبل نسخها وتعويضها بمقتضى المادة األولى من القانون‬
‫‪ ، 55.16‬إن جعلت هذه العالقة تخذ شكلين األول يتمثل في اإلجابة عن طلبات التوضيح‬
‫المعروضة عليه من طرف أحد رئيسي غرفتي البرلمان عند دراسة تقرير تفيد الميزانية‬
‫والشكل الثاني من خالل التصريح العام بالمطابقة‪.‬‬

‫غير أن الدستور الجديد لسنة ‪ 2011‬تميز بوضع قواعد جديدة تضبط قط العالقة بين مختلف‬
‫المؤسسات المكلفة بحماية المال العام‪ ،‬ذلك أن العالقة الجديدة أصبحت تمتد لتشمل إلى جانب‬
‫المساعدة كل من مبادئ االستشارة والتعاون والتكامل والمساءلة والشفافية وذلك قصد الحفاظ‬
‫على الموارد العامة للدولة‪ ،181‬ذلك أنه بعد التنصيص الدستوري ونسخ المادة ‪ 92‬أصبح‬
‫التواصل يتحد أكثر من شكلين ويتم طوال السنة‪ ،182‬وتتجلى هذه األشكال في‪:‬‬

‫االستشارة‪ :‬ذلك أن الفصل ‪ 148‬من الدستور حانات للصبغة يفهم منها اإللزامية‪ ،‬بحيث‬
‫ألزمت المجلس باإلجابة عن األسئلة واالستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع‬
‫والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة‪.‬‬

‫تقديم عرض عن أعمال المجلس أمام البرلمان‪ :‬حيث الحث الفقرة األخيرة من الفصل ‪149‬‬
‫من الدستور على أن تقدم الرئيس األول عرضا من أعمال المجلس أمام البرلمان ويكون مشوقا‬
‫بالمناقشة‪ ،‬الشيء الذي من شأنه أن يسمح ألعضاء البرلمان باالطالع على نتائج أعمال‬
‫المجلس واالستناد عليها في مراقبة العمل الحكومي‪ ،‬واالسترشاد خبرة المجلس في مجال‬
‫صناعة التشريع المالي‪.183‬‬

‫‪ - 181‬فهد طه حيدر‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،.‬ص‪.45 .‬‬


‫‪ - 182‬معاد السبب‪ ،‬مس‪ ،‬ص‪98. ،‬‬
‫‪ - 183‬أحمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات بالمغرب دراسة سوسيو قانونية‪ ،‬منشورات حوارات‪ ،‬طبعة ‪ ،2013‬ص ‪.219‬‬
‫‪79‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫التقرير المتعلق تفيد الميزانية والتصريح العام المطابقة‪ :‬بناء على المادة ‪ 92‬من مدونة‬
‫المحاكم المالية يقوم المجلس األعلى للحسابات بإعداد تقرير حول تنفيذ قانون المالية‪ ،‬وألجل‬
‫ذلك نصت المادة ‪ 95‬من نفس المدونة على أن يوجه الوزير المكلف بالمالية إلى المجلس سنة‬
‫أشهر قبل الشراء األجل المنصوص عليه في المادة ‪ 65‬من القانون التعليمي رقم ‪130 13‬‬
‫على أبعد تقدير المعلومات والوثائق الكفيلة بالسماح له تحليل شروط تفيد‬ ‫‪184‬‬
‫لقانون المالية‬
‫قانون المالية‪.‬‬

‫كما يمكن للمجلس كذلك أن يأمر بالقيام بكافة التحريات التي يراها ضرورية في عين المكان‬
‫التحليل ظروف تفيد ميزانيات الوزارات واألجهزة األخرى التي تستفيد من اإلعتمادات‬
‫المسجلة ميزانية الدولة‪.‬‬

‫فعلى الرغم من كون تقرير تنفيذ الميزانية والتصريح العام بالمطابقة ال ينتج عنه أي آثار‬
‫قانونية وال ترتب عنه أي مساءلة‪ ،‬فإنه قد يغير مالحظات تتيح لنواب األمة تكوين نظرة دقيقة‬
‫حول مختلف مظاهر تنفيذ ميزانية الدولة في مختلف المصالح الوزارية‪ ،‬والتأكد من مدى‬
‫تحقيق األهداف المسطرة في القانون المالي‪.185‬‬

‫إضافة إلى تقرير تنفيذ الميزانية بعد المجلس التصريح العام بالمطابقة والذي يعد من بين‬
‫أدوات االتصال عين المجلس األعلى للحسابات والسلطة التشريعية‪ ،186‬ويهدف هذا التصريح‬
‫إلى مقارنة صالح الحسابات الفردية المقدمة إلى المجلس من طرف المحامين العموميين مع‬
‫نتائج الحساب العام الذي بعده الوزير المكلف بالمالية ويقدمه إلى المجلس‪ ،187‬ومن خالل ذلك‬
‫يسعى المجلس إلى اكتشاف مختلف المخالفات المتعلقة بقواعد البرانية وتسليمها الرمال على‬
‫اعتبار المجلس مستشارا ومساعدا المنيا للسلطة التشريعية‪.188‬‬

‫‪ - 184‬تنص المادة ‪ 65‬من القانون ‪ 130.13‬على ما يلي‪" :‬طبقا للفصل ‪ 76‬من الدستور‪ ،‬يودع مشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية‬
‫سنويا باألسبقية بمكتب مجلس النواب في أجل أقصاه نهاية الربع األول من السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ سنة تنفيذ قانون المالية المعني"‪ .‬القانون‬
‫التنظيمي رقم ‪ 130.13‬لقانون المالية‪ ،‬الصادر بظهير شريف رقم ‪ 1.15.62‬بتاريخ ‪ 14‬شعبان ‪ 1436‬الموافق ل ‪ 2‬يونيو ‪ ،2015‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ ،6370‬الصادرة بتاريخ فاتح رمضان ‪ 1436‬الموافق ل ‪ 18‬يونيو ‪2015.‬‬
‫‪ - 185‬عبد العزيز الفركاني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،،‬ص‪67 .‬‬
‫‪ - 186‬أمل أزرو‪ ،‬الرقابة المالية بين وزارة المالية والمجلس او على الحسابات‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر واالقتصادية واالجتماعية السويسي‪،‬‬
‫‪ ،2011_2010‬ص ‪.44‬‬
‫‪ - 187‬أنظر المادة ‪ 94‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬والمادة ‪ 66‬من من القانون التنظيمي رقم ‪ 130.13‬لقانون المالية‪ ،‬م‪.‬س‪.‬‬
‫‪ - 188‬أمل أزرو‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.44 .‬‬
‫‪80‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫التصديق على الميزانية‪ :‬تعد هذه اآللية من أهم المستجدات التي جاء من القانون التنظيمي‬
‫القانون المالية والذي نفس من خالل المادة ‪ 31‬على وظيفة المجلس في التصديق على مطابقة‬
‫حسابات الدولية للمتوفين وصدقيتها‪ ،‬وهو ما يستجيب مع المبادئ الحديثة الحكامة الجيدة في‬
‫مجال التدبير عمومي‪ ،‬والمشرع يسعى من خالل تنصيصه على هذا الدور المجلس التحري‬
‫التأكد من مصداقية الميزانية الشيء الذي سيسمح للبرلمان من االضطالع على الوضعية‬
‫الحقيقية للمدير المال ويعطي جمالية الجاليات الدولة‪ ،‬هذا وسيتم الشروع في هذه الوظيفة ابتداء‬
‫من فاتح يناير ‪.1892020‬‬

‫ومن أجل تعزيز عالقة التعاون بين المؤسستين نصت المادة ‪ 92‬من مدونة المحاكم المالية‬
‫على إمكانية إدراج المجلس في برنامجه السنوي بطلب من أحد مجلسي البرلمان مهاما التقييم‬
‫تنفيذ المشاريع والبرامج العمومية أو المراقبة تدبير أحد األجهزة الخاضعة لرقابته‪ ،‬غير أن‬
‫المادة لم تحدد الجهة التي تطلب من المجلس هل هي رئاسة المجلس أم أن العرق البرلمانية لها‬
‫هذا الحق كما أن عبارة "يمكن" التي استهل هما المشرح الفقرة الفيال عدم اإللزامية فالطلب‬
‫الموجه للمجلس قد يتم االستجابة إليه وإدراجه أو عدم االستجابة إليه فذلك مالك باألساس إلى‬
‫السلطة التقديرية للمجلس‪.‬‬

‫وبدوره أحداث مجلس النواب الموجب البند ‪ 9‬من المادة ‪ 55‬من القانون الداخلي مجلس‬
‫النواب لجنة المراقبة المالية العمومية وتتكون من ‪ 43‬عضو‪ ،‬من بين المهام التي تقوم هما هذه‬
‫اللجنة "دراسة التقارير الموضوعاتية للمجلس األعلى للحسابات وكذا التقارير المعدة من طرفه‬
‫طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 148‬من الدستور‪ " ،‬كما تقول عده السحنة تحضير األسئلة‬
‫واالستشارات الالزمة التي تحال على مكتب المجلس والذي يحيلها بدوره على المجلس األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬وتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها من أجل دراسة المواضيع المحددة في البرنامج السنوي‬
‫للمراقبة باالستناد على أجوبة المجلس األعلى للحسابات الذي يمكن أن يحضر رئيسه األول‬
‫أو من يمثله قصد تقديم التفسيرات والتوضيحات‪.190‬‬

‫‪ - 189‬أنظر المادة ‪ 69‬من القانون التنظيمي ‪ 130.13‬لقانون المالية‪ ،‬م‪.‬س‪.‬‬


‫‪ - 190‬عسو منصور‪ ،‬قانون الميزانية العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة‪ ،‬مطبعة المعرف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2017 ،‬ص ‪-349‬‬
‫‪.350‬‬
‫‪81‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫لقد سعى المشرع من خالل المقتضيات الدستورية إلى تعزيز العالقة بين المجلس األعلى‬
‫للحسابات والبرلمان وجعلها عالقة تعاون وتكامل‪ ،‬بحيث يسعى إلى شد عضد اليونان بالمجلس‬
‫األعلى للحسابات من أجل مساعدته في رقاته على العمل الحكومي وتحويل وظائفه‪ ،‬غير أن‬
‫ما يالحظ أنه و بعد مرور أزيد من ثمان سنوات على اإلقرار الدستوري لهذه العالقة لم يذب‬
‫بعد حل الجليد بين المؤسستين‪ ،‬إذ ال تزال هذه العالقة لم ترقى للمقتضيات الدستورية وهو ما‬
‫سوف نتطرق إليه في الفصل الثاني من هذه الدراسة‪.‬‬

‫فإذا كانت هذه هي األشكال التي تتخذها المساعدة المقدمة للبرلمان فكيف هي إذن طبيعة‬
‫المساعدة المقدمة للحكومة؟‬

‫‪ :2‬تقديم المجلس األعلى للحسابات المساعدة للحكومة‬

‫نصت المعايير الدولية للرقابة العليا على المال العام على ضرورة استقاللية األجهزة‬
‫المكلفة بالرقابة العليا على المال العام‪ ،‬وهو ما استجاب له المشرع المغرب من خالل تكريس‬
‫االستقاللية المالية والوظيفية والبشرية للمجلس‪.‬‬

‫غير أن مسألة االستقاللية ال تتعارض مع تقديم المساعدة السلطة التنفيذية متمثلة في‬
‫الحكومة‪ ،‬فالعالقة بين المؤسستين ليست حكرا فقط على الرقابة والمساءلة وإنما تعد لتشمل‬
‫التعاون وتقديم االستشارة‪ ،‬حيث تجد أن الدستور العربي لسنة ‪ 1996‬قد نص على أن "يبذل‬
‫المجلس األع لى للحسابات مساعدته للحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته‬
‫بمقتضى القانون"‪ .191‬وهي نفس الصياغة التي احتفظ بها دستور ‪.2011‬‬

‫فالمجلس األعلى للحسابات يساعد الحكومة من خالل التقريرين الملحقين بقانون التصفية‬
‫ويتعلق األمر تقرير تفيد الميزانية والتصريح بالمطابقة‪ ،‬إذ من خالل هذين التقريرين يمكن‬
‫للحكومة أن تقف عند أوجه قصور إدارتها والمخالفات المرتكبة من طرف أجهزتها‪ ،‬كما أنها‬
‫يمكن أن تستعيد من المقترحات التي يتقدم بها المجلس في تقاريره والمتعلقة بتحسين تسيير‬
‫المالية العامة وبتدبير المرافق واألجهزة التي شملتها مراقبته‪.‬‬

‫‪ - 191‬الفصل ‪ 97‬من دستور ‪ ،1996‬م‪.‬س‪.‬‬


‫‪82‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫إضافة إلى ذلك تشكل المذكرات االستعجالية الرئيس األول أداة للتواصل مع الحكومة‪ ،‬وهي‬
‫تقنية تخصص أساسا للمخالفات األكثر جسامة واألكثر تكرارا تهدف إلى عليه الحكومة إلى‬
‫ضرورة القيام وصالح من شانه إنماء االختالل مستقبال‪ ،‬كما تسمح أيضا بضمان احترام‬
‫القواعد الكبرى للقانون المالي‪ ،‬وأيضا المبادئ العامة للميزانية‪.192‬‬

‫وبالرجوع إلى المادة ‪ 11‬التي تشكل األساس القانوني هذا التدخل مجمعا قد نصت على‬
‫ضرورة إخبار المجلس باإلجراءات التي اتخذت في شأنها‪ ،‬وتدرج عند االقتضاء في تقارير‬
‫المجلس‪ ،‬كما أمهات األشخاص الذي توجه إليهم المذكرات االستعجالية أجل ‪ 60‬يوما لإلجابة‬
‫عنها‪ .‬وتعهد مهمة تتبع اإلجراءات المتحدة في شأن المذكرات االستعجالية للرئيس األول داخل‬
‫كل وزارة إلى موظف سامي له على األقل رتبة مدير باإلدارة المركزية‪ ،‬ويبلغ هذا التعيين‬
‫إلى المجلس‪.‬‬

‫كما تظهر المساعدة المقدمة من طرف المجلس للحكومة من خالل إخبار الوكيل العام للملك‬
‫في حالة اكتشاف أفعال تستوجب عقوبة تأديبية‪ ،‬السلطة التي لها حق تأديب المعني باألمر‬
‫والتي تخدير المجلس خالل أجل ‪ 6‬أشهر في بيان معلل التدابير التي تم اتخاذها‪.193‬‬

‫يساعد المجلس الحكومة في مجال التشريع أيضا‪ ،‬ومثال ذلك ما سبق أن أشرنا إليه في القدم‬
‫العلم للحكومة توصية ترموا إلى إعادة صياغة القوانين المتعلقة بالتصريح اإلجباري‬
‫بالممتلكات في إطار موحد‪ ،‬وهو ما نتج عنه تشكيل لجنة مشاركة القول مهمة لتبيع عملية‬
‫إحداث مشروع هذا القانون‪.‬‬

‫ومن مظاهر المساعدة المقدمة الحكومة إمكانية إدراج في برنامج أعماله بناء على اقتراح‬
‫من الحكومة مهام لتقييم البرامج والمشاريع العمومية أو لمراقبة تسيير أحد األجهزة الخاضعة‬
‫القائمة لمراقبته‪ ،‬ويأتي هذا العون بناء على طلب من رئيس الحكومة دون اإلخالل باختصاص‬
‫المجلس األعلى للحسابات في هذا المجال‪.194‬‬

‫‪ - 192‬أحمد حاسون‪ ،‬م‪.‬س‪241 ،.‬‬


‫‪ - 193‬أنظر المادة ‪ 111‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 194‬حمزة شامي‪ .،‬تجليات تفعيل رقابة المحاكم المالية على ضوء دستور ‪ ،2011‬بحث لنيل دبلوم الماستر‪ ،‬جامعة موالي واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬كلية العلوم القانونية‪ ،‬مكناس‪.58 .2017_2016 ،‬‬
‫‪83‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وفي إطار تجاوب الحكومة مع المضامين التي جاءت في تقرير المجلس األعلى للحسابات‬
‫لسنة ‪ 2018‬أعلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني من تشكيل لجنة البيع توصيات‬
‫المجلس‪ ،195‬وهو ما نراه خطوة في االتجاه الصحيح وينبغي تدعيمها بإخبار دوري المجلس‬
‫والبرلمان وكذا الرأي العام بنتائج عمل هذه اللجة‪.‬‬

‫‪ :3‬تقديم المساعدة للهيئات القضائية‬

‫من المستجدات التي جاء بها دستور ‪ 2011‬تنصيصه على تقديم المجلس األعلى للحسابات‬
‫المساعدة للسلطة القضائية‪ ،‬فما هي نوعية المساعدة المقدمة من طرف المجلس األعلى‬
‫للحسابات إلى السلطة القضائية؟‬

‫انطالقا من المادة ‪ 95‬مكرر من مدونة المحاكم المالية تجدها قد نصت على نوعين من‬
‫المساعدة‪ ،‬األول يهم مساعدة السلطة القضائية في التحقيق في القضايا ذات العالقة بالمالية‬
‫العامة‪ ،‬بينما يهم النوع الثاني تبادل األحكام والوثائق المتعلقة بملفات رائجة أمام محاكم المملكة‪.‬‬

‫كما يقدم المجلس لمساعدته للقضاء من خالل إحالة الوكيل العام للملك مبادرة منه أو بإيعاز‬
‫من الرئيس األول األفعال التي قد يظهر أنها تستوجب عقوبة جنائية إلى الوكيل العام للملك‬
‫لدى محكمة النقض قصد اتحاد ما يراه مناسبا ويتعين على هذا األخير إخبار المجلس بالتدابير‬
‫التي اتخذها‪.196‬‬

‫وبالمقارنة بين الصيغة األولى التي جاءت بها المادة ‪ 111‬من مدونة الحاكم المالية والصيغة‬
‫الثانية بعد نسخها بمقتضى المادة الثانية من القانون ‪ ،55.16‬تجد أن المشرع قد غير من اتجاه‬
‫اإلحالة إذ كانت في السابق تحال على وزير العدل يا حاليا أصبحت تحال على الوكيل العام‬
‫للملك لدى محكمة النقض‪ ،‬وترى بأن المشرع أحسن صنعا بذلك فمن ناحية تجاوز المسألة‬
‫باعتبارها تشكك في استقاللية المجلس‪ ،‬ومن ناحية أخرى أبعد المتابعة عن الطابع السياسي‬
‫الذي يمكن أن تطبع به فجعل من المتابعة متابعة قضائية خالصة‪.‬‬

‫‪ - 195‬محمد معاش‪ ،‬دور المجلس األعلى للحسابات في حماية المال العام ومكافحة الفساد‪ ،‬بحث لنيل دبلوم في القانون العام‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية والقتصادية واالجتماعية وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2020-2019‬ص ‪74‬‬
‫‪ - 196‬انظر المادة ‪ 111‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فالمالحظ أن المشرع نص على اإلحالة على القضاء المخالفات التي تحمل طابع جنائي دون‬
‫المخالفات الغير الحالية التي يتم التحقيق والبت فيها داخل المجلس‪ ،‬وذلك على خالف الجهاز‬
‫المركزي للرقابة والمحاسبة اليمني الذي يقوم بإحالة المخالفات المالية واإلدارية إلى السلطة‬
‫القضائية بغض النظر عن الطابع الجنائي أو الغير جنائي لها‪.197‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مسؤوليات األمرين بالصرف في المجال المالي‬


‫يمكن ان ينتج عن ارتكاب أخطاء أو تجاوزات في المجال السياسي أو المالي إثارة المسؤولية‬
‫السياسية للوزراء‪ ،‬ويعتبر الجزاء المناسب في هذا الشأن‪ ،‬كما أن إعمال القواعد المسؤولية‬
‫السياسية في المجال المالي تكون نتيجة مخالفة التشريعات والقوانين واألنظمة المالية‬
‫والمحاسبية‪ ،‬وفي هذه الحالة يتعين على المؤسسة التشريعية استدعاء الوزير المعني باألمر‬
‫لمساءلته عن األفعال المنسوبة إليه وبالتالي توقيفه وفق الشروط ومساطر قانونية‪ ،‬أو أن الوزير‬
‫يبادر من تقديم استقالته من الحكومة كما يقع في الدول الديمقراطية‪.‬‬

‫أن النطاق أو المجال المشترك للمسؤولية لم يكن واضحا فيما قبل‪ ،‬إال أنه بصدور‬
‫القانون رقم ‪ 61.99‬المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين‬
‫العموميين بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ ،2022‬يكون المشرع المغربي قد حدد بشكل جلي مجال‬
‫المسؤولية وبالتالي عمل على جمع النصوص القانونية المشتتة بين عدة القوانين متناثرة والتي‬
‫ليست من طبيعة واحدة‪ ،‬والتي كانت ال تشمل نطاقا أو مجاال محددا‪ ،‬بل كانت تخص عدة‬
‫مجاالت وعجة متدخلين في مجال تنفيذ بنود الميزانية‪ .‬فهذه المجاالت المتعلقة بالمسؤولية‬
‫كانت مشتتة بين المسؤولية المدنية التي نص عليها قانون االلتزامات والعقود الصادرة‬
‫سنة‪ 1913‬والمسؤولية الجنائية التي نص عليها القانون الجنائي الصادر سنة ‪ ،1962‬فهذين‬
‫القانونين كانا سباقين إلى تحديد قواعد المسؤولية سواء المدنية لألول أو الجنائية بالنسبة للثاني‪.‬‬
‫إال أن أساس هذه المسؤوليات كان عاما وشامال‪ ،‬إال أنه بعد صدور المرسوم الملكي رقم ‪-66‬‬
‫‪ 330‬المتعلق بالمحاسبة العمومية‪ ،‬قد أكد خصوصية مسؤولية المتدخلين في تنفيذ الميزانية في‬

‫‪ - 197‬فهد طه حيدر‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.49-48 .‬‬


‫‪85‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فصليه السابع والخامس عشر‪ .‬كما كان للنظام العام للوظيفة العمومية الصادرة سنة ‪1958‬‬
‫نصيب في تحديد مجال المسؤولية التأديبية التي لها ارتباط وثيق بالمسؤولية المالية‪.‬‬

‫فباستثناء النظام القانوني الذي يخضع له اآلمرون بالصرف الرئيسيون الذين يتحملون مسؤولية‬
‫سياسية‪ ،‬بحسب مقتضى المادة ‪ 52‬من مدونة المحاكم المالية التي ال تخضعهم الختصاصها‬
‫القضائي في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬باعتبارهم يمارسون مهامهم‬
‫بصفة "عضو في الحكومة" ويدخل في هذه الخانة الوزير األول حسب القانون المنظم‪-‬رئيس‬
‫الحكومة‪-‬حسب الدستور الحالي – والوزراء والوزراء المنتدبون وكتاب الدولة ونوابهم‪ .‬فإن‬
‫باقي اآلمرين بالصرف الثانويين بصفتهم مدبرين إداريين فهم خاضعون لمقتضيات هذه‬
‫المدونة بمنطوق المادة ‪ .51‬وتبقى مسؤولية الوزراء في مجال التدبير اإلداري والمالي خاضعة‬
‫في الواقع لرقابة الضمير والرأي وبالتالي تبقى مسؤولية سياسية أمام الملك والبرلمان تطرح‬
‫بوسائل منحها المشرع لكل طرف‪ .‬فإذا ما أقدم الوزير على ارتكاب المخالفات أو جرائم يعاقب‬
‫عليها القانون فإنها تثار من طرف البرلمان‪ ،‬وإذا كانت ترقى إلى جريمة جنائية فإن المتابعة‬
‫تتم أمام المحكمة المختصة حسب المساطر الدستورية المنظمة بعد إلغاء المحكمة العليا‪ ،‬وهذه‬
‫المسألة ضرورية لحماية الحقوق وفرض هيبة الدولة‪ ،‬باإلضافة إلى خضوع الوزارة في مجال‬
‫المسؤولية المالية إلى المحاسبة أمام المحاكم المالية ما داموا يتصرفون في المال العام تحقيقا‬
‫لهدف الحكامة المالية‪ .‬فبعض الدول ومن خالل تشريعاتها ال تعفي الوزراء من المسؤولية‬
‫المالية والمتابعة في حالة ارتكابهم لمخالفات مالية أمام المحاكم المالية المختصة‪ .‬إذن‬
‫فالمسؤوليات التي يتعرض لها اآلمرون بالصرف تتعدد من مسؤولية تأديبية والمدنية والجنائية‬
‫وهو ما سيكون موضوع الدراسة في (المطلب األول)‪ ،‬إال أن القرارات التي يمكن أن تصدر‬
‫المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أو في مجال البت في‬
‫الحسابات يمكن أن تكون موضوع ثالثة طرق من الطعن وهي‪ :‬االستئناف‪ ،‬والنقض وطلب‬
‫المراجعة‪ ،‬أما بخصوص األحكام الصادرة عن المجالس الجهوية‪ ،‬فإنها تستئناف أمام غرفة‬
‫االستئناف في المجلس األعلى للحسابات من قبل األشخاص المؤهلين قانونا‪ ،‬فقانون المحاكم‬
‫المالية رقم ‪ 62.99‬قد حدد مبدأ تعدد الدرجات التقاضي وفقا لألحكام والكيفيات والشروط‬

‫‪86‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 47‬من القانون ‪ ،62.99‬كما يمكن اإلعفاء من المسؤولية المالية‬
‫والشخصية والتأديبية والجنائية وإبراء الذمة‪ ،‬وهذا ما سيكون موضوع (المطلب الثاني)‪.198‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مجاالت تحديد المسؤولية اآلمرين بالصرف في المجال المالي‬


‫إن الرقابة الممارسة على المال العام تتجسد بالخصوص في رقابة األعمال الصدرة من‬
‫األشخاص الساهرين على إدارة المال العام‪ ،‬ويتم ذلك من خالل رقابة أعمال تحصيل المداخيل‬
‫إدارتها وصرف النفقات‪ ،‬طبقا لم هو معمول به في قانون المحاسبة العمومية الصادر سنة‬
‫‪ ،1967‬وأيضا القانون رقم ‪ 61.99‬المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين‬
‫والمحاسبين العموميين‪ ،‬وبالتالي أصبح المتدخلون في مجال تنفيذ الميزانية يحتكمون إلى نص‬
‫واحد في مجال المسؤولية‪ ،‬ومنه تتفرغ باقي المسؤوليات والنتائج المترتبة عنها‪ .‬لذلك سنتحدث‬
‫في هذا المطلب عن الم سؤولية المدنية والسياسية (الفقرة األولى)‪ ،‬في حين سنتطرق عن‬
‫المسؤولية التأديبية والجنائية في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية المدنية والسياسية لآلمرين بالصرف‬


‫يمكن أن تتخد المسؤولية التي يخضع لها اآلمرون بالصرف شكل المسؤولية المدنية‬
‫والجنائية‪ ،‬لذلك سنتناول في هذه الفقرة المسؤولية المدنية (أوال)‪ ،‬في حين سنتحدث عن‬
‫المسؤولية السياسية (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المسؤولية المدنية‬

‫لقد تطرق المشرع المغربي إلى المسؤولية المدنية بصيغة إدارية من خالل الفصلين ‪ 79‬و‬
‫‪ 80‬من القانون اإللتزمات والعقود الصادر سنة ‪ ،1913‬فقد حدد الفصل ‪ 79‬من هذا القانون‬
‫على أن " الدولة والبلديات مسؤولة عن االضرار الناتجة عن مباشرة تسييرها إدارتها وعن‬
‫الخطاء المصلحية لمستخدميها‪ ،‬فقيام المسؤولية المدنية يرتكز على أساسين هما‪:‬‬

‫قيام مسؤولية اإلدارة في حالة اإلثبات الضحية وجود خطأ من طرف هذه األخيرة‪ ،‬ومن‬
‫يرتكب هذه األخطاء هم الموظفين العموميون‪.‬‬

‫‪ -- 198‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬بكلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة‪ ،‬برسم السنة الجامعية ‪ ،2013-2012‬ص ‪.135‬‬
‫‪87‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫قيام مسؤولية اإلدارة في غياب أي خطأ إذا نشأ عن نشاط اإلدارة العادي والمشروع خطر‬
‫بالنسبة لألفراد‪ ،‬وفي حالة الخطأ يتم التعويض من الميزانية العامة للدولة‪ ،‬إذن فالمسؤولية‬
‫المدنية في المجال المالي هو أن يتحمل الشخص سواء كان آمر بالصرف أو المحاسب العمومي‬
‫من ماله الخاص مسؤولية تعويض األضرار المادية التي يتسبب بخطئه في إلحاقها بغيره‪،‬‬
‫بحيث يمكن أن تتدخل أحكام المسؤولية المدنية بأحكام المسؤولية اإلدارية‪ ،‬ويعتبر القضاء‬
‫الفرنسي من خالل اجتهادات مجلس الدولة الفرنسي هو من وضع أسس العامة لنظرية‬
‫المسؤولية المدنية في عالقتها بالمسؤولية اإلدارية‪ ،‬من خالل "حكم بالنكو" الصادر عن‬
‫محكمة التنازع الفرنسية سنة ‪ 1873‬أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد صيغت المسؤولية‬
‫اإلدارية في إطار قانوني‪.‬‬

‫فمن خالل الفصلين ‪ 79‬و ‪ 80‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬تتبلور المسؤولية اإلدارية باعتبار أن اآلمرين‬
‫بالصرف والمحاسبين العموميين هم الجهات المخولة لهم قانونا القيام بأعمال والتصرفات‬
‫القانونية باسم األجهزة العمومية للدولة‪ ،‬فهم قد يتسببون في إحداث أضرارا للغير أو للمرفق‬
‫العام‪ ،‬وبالتالي فهم يتحملون المسؤولية اإلدارية بصفتهم موظفين وألن أعمالهم وصفتهم‬
‫يحكمها القانون العام‪ ،‬ويتحملون المسؤولية المدنية عن االضرار التي قد يتسبب فيها أخطائهم‬
‫الشخصية‪ ،‬وقد أكد على ذلك ظهير ‪ 13‬أبريل ‪ 2002‬من خالل المادة األولى في فقرتها الثانية‬
‫المتعلقة با لمسؤولية المالية لآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين في العموميين وقد جاء‬
‫فيه " يتعرص اآلمرون بالصرف والمراقبين والمحاسبون العموميون للمسؤولية التأديبية أو‬
‫المدنية أو الجنائية بصرف النظر عن العقوبات التي يمكن أن يصدرها المجلس األعلى‬
‫والمجالس الجهوية للحسابات في حقهم‪ ،‬ما عذا حالة وجود القوة القاهرة أو استثئات‬
‫منصوص عليها في القانون‪".199‬‬

‫أما بالنسبة لألساس إثارة المسؤولية المدنية فهو ضرر المادي او المعنوي الذي يحدثه‬
‫الشخص المتسبب في الضرر سواء كان شخصا طبيعيا او معنويا‪ ،‬وقدد حدد ذلك الفصل‬
‫‪ 77200‬من القانون اإللتزمات والعقود" كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار دون‪ ،‬ومن‬

‫‪- 199- 199‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.221‬‬
‫‪- 200‬الفصل ‪ 77‬من ظهير االلتزمات والعقود الصادر بتاريخ ‪ 12‬غشت ‪.1913‬‬
‫‪88‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫غير أن يسمح به القانون‪ ،‬فأحدث ضررا ماديا او معنويا للغير‪ ،‬ألزم مرتكبه بتعويض هذا‬
‫الضرر‪ ،‬إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حدوث الضرر‪ .‬وكل شرط مخالف لذلك‬
‫يكون عديم األثر‪".‬‬

‫فإذا كان الضرر عنصرا الزما في مجال إثارة المسؤولية المدنية‪ ،‬فإنه البد من توفر العديد‬
‫من الشروط من بينها أن يكون الضرر محققا وواقعيا وغير قائم على فكرة االحتمال‪ ،‬ولئن‬
‫كان الخطأ هو أساس الضرر وعلى الضرر يتم تقرير المسؤولية المدنية‪ ،‬فإن طبيعة الخطأ‬
‫المرتكب هي التي تحدد نوعية وطبيعة المسؤولية المدنية التي قد يتحملها المتدخلون في تنفيذ‬
‫السياسة العمومية المالية في ميدان تنفيذ الميزانيات العامة والترابية‪ ،‬وعلى رأس هؤالء‬
‫اآلمرون بالصرف‪.‬‬

‫أما فيما يخص المسؤولية المدنية عن الفعل الشخصي فإذا كان شرط العالقة السببية الزما‬
‫بين الفعل الضار والضرر الحاصل في مجال المسؤولية المدنية‪ ،‬فإن األمر ليس كذلك في‬
‫المسؤولية المالية‪ ،‬فالمسؤولية المالية فهي مسؤولية مفترضة‪ ،‬ال تقتضي بالضرورة وجود‬
‫خطأ من جانب اآلمر بالصرف‪ ،‬بل يمكن االعتماد على سببية مفترضة ما بين التصرفات‬
‫هؤالء الموظفين في المال العام للمرفق والتي يجب ان يحترم فيها القانون‪ ،‬والضرر الحاصل‬
‫بالمرفق نتيجة عدم االلتزام بالقوانين واألنظمة في مجال حماية المال العام‪ ،‬فالبحث في العالقة‬
‫السببية يثير العديد من اإلشكاالت والصعوبات‪ ،‬أوال صعوبة إثبات المسؤولية‪ ،‬ثانيا حدود‬
‫الحرص على المال العام وحمايته‪ ،‬فعدم االلتزام بالحيطة والحذر والتبصر في التصرف في‬
‫المال العام‪ ،‬قد يثير المسؤولية اآلمر بالصرف وباقي األشخاص المكلفين بالتنفيذ الميزانية‪،201‬‬
‫وخصوصا أثناء حدوث الضرر بالمرفق أو بماليتهن وبالتالي فالقاضي المدني سيبحث في‬
‫العالقة السببية بين الفعل الضار والضرر الحاصل‪.‬‬

‫وعلى سبيل المثال قد ينجز اآلمر بالصرف مجموعة من العمليات التي قد تلحق ضررا‬
‫ماديا أو معنويا بالمرفق‪ ،‬باعتبار هؤالء الجهة المؤهلة للقيام باألعمال القانونية باسم األجهزة‬
‫العمومية‪ ،‬وبالتالي يتحملون مسؤولية مدنية عن األضرار التي تسببوا فيها بأخطائهم‬
‫الشخص ية‪ ،‬وبالتالي يتحملون المسؤولية الشخصية من أموالهم لتعويض الضرر الناتج عن‬

‫‪ - - 201‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.223‬‬
‫‪89‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تصرفهم باألفعال الضارة والمنفصلة عن النشاط اإلداري‪ ،‬كما قد يخضع للمسؤولية المدنية‬
‫كل المتدخلين في تنفيذ الميزانية األجهزة العمومية – مرافق عامة‪ -‬بما فيهم اآلمرين بالصرف‬
‫األساسيين كالوزراء ورؤساء المجالس الجماعية‪.‬‬

‫و‬ ‫‪202‬‬
‫فبخصوص الجمع بين الخطأ الشخصي والمرفقي فيتضح من خالل الفصلين ‪79‬‬
‫‪ 80203‬من القانون اإللتزمات والعقود أن وجود المسؤولية الشخصية يستثني المسؤولية اإلدارية‬
‫أو المرفقية‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬فإما أن اإلدارة هي المسؤولة‪ ،‬وإما الموظف هو المسؤول وليس‬
‫هما معا في آن واحد‪ ،‬ففي حالة إثارة مسؤولية الموظف المسؤول عن الخطأ ال يمكن متابعة‬
‫اإلدارة إال فحالة إعساره أن اإلدارة تحل محل موظفيها المعسرين بالنسبة لألداء التعويض‪،‬‬
‫وسبب هذا االلتزام هو الحلول الذي يشكل ضمانا تشريعيا لفائدة الضحايا المتضررين‪ ،‬وال‬
‫يتعلق األمر بمسؤولية اإلدارة‪.‬‬

‫أما فيما يخص الدفع بعدم المسؤولية المدنية في المجال المالي فإثارة هذه المسؤولية سواء‬
‫كانت شخصية أو مدنية أو جنائية فتعتبر رادعا للمسؤولين عن تنفيذ القرارات اإلدارية والمالية‬
‫للدولة ومؤسساتها فالمشرع المغربي جاء بهذه التدابير لزجر كل المخالفات التي تخرق القواعد‬
‫المنظمة للمالية العمومية والتشريعات الموازية لها في مجال تدبير الشأن العام المالي والترابي‪.‬‬

‫ففي مجال تدبير الميزانية قد ينتج عنها تجاوزات ومخالفات مالية نتيجة أخطاء شخصية‬
‫يرتكبها المسؤول‪ ،‬والتي قد تنتج ضررا للغير يستحق عليه التعويض‪ ،‬بعد رفع الدعاوى في‬
‫الموضوع‪ .‬وأثناء تنفيذ الحكم الذي يسلط على الشخص المعنوي العام دون الشخص المسؤول‬
‫عن التنفيذ ولهذا األخير الرجوع على الشخص المسؤول متى يشاء‪.204‬‬

‫ثانيا‪ :‬المسؤولية السياسية‪:‬‬

‫تعتبر المسؤولية السياسية في نظرنا أهم أساس للمسؤولية فعليها تبنى باقي المسؤوليات‪،‬‬

‫‪- 202‬الفصل ‪77‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ :‬الدولة والبلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء‬
‫وظائفهم‪.‬‬
‫‪ - 203‬الفصل ‪ 80‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ :‬مستخدموا الدولة والبلديات مشؤولين شخصيا عن األضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن أو عن األخطاء الجسيمة‬
‫الواقعة منهم في أداء وظائفهم‪.‬‬
‫وال تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه األضرار‪ ،‬إال عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها‪.‬‬
‫‪ -204‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪227-226‬‬
‫‪90‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فأعضاء الحكومة بما فيهم رئيسها يتحملون المسؤولية بصفة جماعية في إطار التضامن‬
‫الحكومي‪ ،‬أو بصفة فردية كوزراء مسؤولين مباشرين عن تدبير الشأن العام بقطاعاتهم فجميع‬
‫الوزراء يشكلون وحدة يمثلها سياسيا رئيس الحكومة في مجال السياسة العامة‪ ،‬وما دامت هذه‬
‫السياسة العامة عمل مشترك بين جميع الوزراء‪ ،‬فإنه يتعين أن تكون المسؤولية عن هذا العمل‬
‫جماعية وتضامنية‪.205‬‬

‫وإذا كان الوزير مسؤوال بالتضامن مع باقي أعضاء الحكومة‪ ،‬إلى جانب ذلك يكون مسؤوال‬
‫سياسيا بمفرده عن كافة التصرفات التي يتخذها‪ ،‬وتنعقد المسؤولية الفردية للوزير عن األعمال‬
‫والقرارات التي يتخذها في إطار السياسة العمة للحكومة‪ ،‬وفي إطار السلطة الرئاسية باعتباره‬
‫رئيسا إداريا تسلسليا وآمر بالصرف داخل وزارته‪ ،‬ومن ثم فإن طرح مسؤوليته عن التصرفات‬
‫الفردية تعنيه وحده في هذه الحالة‪ ،‬وإ ذا سحبت منه الثقة‪ ،‬أو طالبه البرلمان بتقديم استقالته‪،‬‬
‫عليه أن يستقل بمفرده‪ .‬كما قد تطرح مسؤوليته الفردية نتيجة تصرفات الشخصية تهم حياته‬
‫أو عالقاته الشخصية منعزلة عن صفته كوزير أو كآمر بالصرف فهذه األعمال يتحمل تباعتها‬
‫السياسية وحده‪ ،‬وقد تتخلى عنه الحكومة في مثل هذه المواقف‪ ،‬وفي هذه الحالة يمكن للبرلمان‬
‫المطالبة بإقالة الوزير‪ ،‬وتحريك مسؤوليته السياسية عن أفعاله الشخصية‪ ،‬او عن عل يتعلق‬
‫بحياته الخاصة وهذا ممكن وقد تحقق في العديد من األنظمة‪ ،‬اما المسؤولية السياسية الحكومة‬
‫أمام البرلمان فغالبا ما تطرح في مجال تنفيذ السياسة العامة للدولة برئاسة رئيس الحكومة‬

‫أم فيما يخص المسؤولية السياسية للوزراء عن محتوي القانون المالية فيتجلى من خالل‬
‫المادتين األولى والثالثة من القانون التنظيمي للمالية ‪ ،130.13206‬بحيث تنص المادة األولى‬
‫على تخصيص القانون المالية بأحكام تتعلق بالموارد والتكاليف وكذا التوازن المالي من خالل‬
‫البرمجة المتعددة السنوات‪ ،‬كما تهدف إلى تحسين شروط المتعلقة بتحصيل المداخيل‪ ،‬وكذا‬
‫مراقبة استعمال األموال العمومية‪ ،207‬وبالتالي يتبين من خالل بعض مقتضيات القانون‬
‫التنظيمي للمالية ‪ 130.13‬أن البرلمان عندما يصادق على مشروع القانون المالية السنوي‪،‬‬

‫‪ - 205- 205- 205‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫‪- 206‬ظهير شريف ‪ 1.15.62‬صادر في ‪ 14‬من شعبان ‪2(1436‬يونيو ‪ )2015‬بتنفيذ القانون التنظيمي للمالية ‪ 1303‬لقانون المالية‪..‬‬
‫‪ - 207‬المادة األولى من القانون التنظيمي للمالية ‪ :130.13‬يحدد القانون المالية‪ ،‬بالنسبة لكل سنة مالية‪ ،‬طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موار‬
‫والتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها‪ .‬وتراعى في ذلك الظرفية االقتصادية واالجتماعية عند إعداد قانون المالية وكذا‬
‫أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فإنه يصادق على مشروع متعدد األهداف وكذا النتائج البرامج التي حددها القانون‪ ،‬والذي من‬
‫خاللها تكرس الحكومة كل مجهوداتها واختياراتها من خالل البرامج االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية خالل سنة أو أكثر‪ ،‬ألجل تحقيق األهداف التنموية المسطرة‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار تقدم هذه البرامج على اللجان البرلمانية المختصة من أجل دراستها‬
‫وبعد االنتهاء من هذه اللجن من مناقشة مضامين الميزانية وميزانيات المرافق الدولة المسيرة‬
‫بطريقة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة‪ ،‬تصدر تقريرا عاما‪ ،‬ليعرض مشروع‬
‫الميزانية العامة للمناقشة داخل غرفتي البرلمان بالصيغة التي صدر بها عن لجنة المالية‪ ،‬على‬
‫عكس المسرع الفرنسي الذي يطرح للمناقشة مشروع للحكومة أوال قبل المشروع المعدل من‬
‫قبل لجنة المالية‪.‬‬

‫فمناقشة الميزانية السنوية تعتبر أوضح مظاهر المسؤولية السياسية للوزراء أمام‬
‫البرلمان‪ ،‬بحيث في حالة رفض المصادقة على مشروع الميزانية‪ ،‬سوف تطرح المشاكل‬
‫ويزداد االمر تعقيدا بالنسبة للحكومة وقد يطيح بها أو تثار استقلتها‪ ،‬وهذا هو الجزاء السياسي‬
‫الذي يمكن أن يستعمله البرلمان في مواجهة الحكومة‪ ،‬إال أن هذه اإلمكانية ال تثار في المغرب‪،‬‬
‫نظرا لكون الحكومة تكون مآزرة بأغلبية برلمانية موالية لها‪ ،‬خصوصا بعد اإلصالح‬
‫الدستوري ل سنة‪.2011‬‬

‫فطرح المسؤولية السياسية للحكومة‪ ،‬قد يتم بمبادرة منها لكي تطلب مواصلة تحمل‬
‫لمسؤوليتها بتصويت البرلمان على قوانينها وبرامجها المضمن في التصريح الحكومي إال أن‬
‫هذه اآللية صعبة التحقق‪ ،‬في حالة التصويت بالرفض‪ ،‬نظرا لإلجراءات الدستورية المعقدة‬
‫والطويلة‪ ،‬لذلك يبقى ملتمس الرقابة أهم وسيلة إلثارة مسؤولية الوزراء السياسية خالل مرحلة‬
‫تنفيذ الميزانية‪ ،‬انطالقا من الفصل ‪ 105208‬من دستور ‪ 2011‬بالنسبة لمجلس النواب والفصل‬
‫‪ 106209‬من دستور بالنسبة لمجلس المستشارين‪.‬‬

‫‪- 208‬ينص الفصل ‪ 5‬من دستور ‪2011‬على أن‪" :‬لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على‬
‫ملتمس الرقابة‪ ،‬وال يقبل هذ الملتمس إال إذا وقعه على األقل نسبة ‪ 5/1‬من األعضاء الذين يتألف منه المجلس‪."...‬‬
‫وبالتالي انتقل المشرع الدستوري من نسبة ¼ في دستور ‪ 1996‬إلى نسبة ‪ 1/5‬في دستور ‪ 2011‬في مجال ملتمس الرقابة‪.‬‬
‫‪- 209‬ينص الفصل ‪ 106‬من دستور ‪ 2011‬على أن " لمجلس المستشارين أن يساءل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على األقل ‪1/5‬‬
‫أعضائه‪ ،‬وال يقع التصويت عليه‪ ،‬بعد مضي ثالثة أيام كاملة على إيداعه‪ ،‬إال بأغلبية المطلقة ألعضاء هذا المجلس‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فيما يخص توجيه ملتمس المساءلة‪ .‬وقد استعمل البرلمان المغربي في حياته السياسية‬
‫ملتمسين للرقابة فقط األول في ظل الحكومة أحمد بالحنيني سنة ‪ ،1964‬والثاني ضد حكومة‬
‫عز الدين العراقي‪ ، 1990‬إال أن أيا من هذين الملتمسين لم يؤديا إلى استقالة الحكومة أو إقالة‬
‫وزير معين من هذه التشكيلة الحكومية‪.‬‬

‫فمنذ تقديم القانون المالي إلى البرلمان إلقراره والتصويت عليه‪ ،‬والمسؤولية السياسية‬
‫للحكومة حاضرة تطرح كل وقت وحين‪ ،‬من خالل المحتوى والهيكل والبرامج وغيرها‪ ،‬وهذه‬
‫المسؤولية لن تتوقف عند هذا الحد‪ ،‬بل تستمر إلى ما بعد تنفيذ الميزانية العامة‪.‬‬

‫أما فيما يخص المسؤولية السياسية للوزراء بعد تنفيذ الميزانية فمن خالل مقتضيات المادة‬
‫‪ 66‬من القانون التنظيمي للمالية ‪ ،210130.13‬الصادر بتاريخ ‪ 18‬يونيو‪ 2015‬الذي يلزم إرفاق‬
‫مشروع القانون التصفية بتقرير حول تنفيذ قانون المالية السنوي‪ ،‬وبالتصريح عام بالمطابقة‬
‫حسابات المحاسبين العموميين الفردية للحساب العام للمملكة‪ ،‬ويتضمن التقرير وجوبا العناصر‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬الحساب العام للدولة مدعم بالحصيلة المحاسبية والبيانات المالية األخرى وبتقييم‬
‫لاللتزامات الخارجية عن الحصيلة المحاسبية‪،‬‬

‫‪ -2‬ملحق يتعلق باالعتمادات اإلضافية المفتوحة مرفقا بكل اإلثباتات الضرورية عند‬
‫االقتضاء‪،‬‬

‫‪ -3‬التقرير السنوي حول نجاعة األداء المعد من طرف الوزارة المكلفة بالمالية‪ .‬يقوم هذا‬
‫التقرير بتلخيص وتجميع تقارير نجاعة األداء المعدة من طرف القطاعات الوزارية أو‬
‫المؤسسات‪،‬‬

‫‪-4‬تقرير حول الموارد المرصدة للجماعات الترابية‪،‬‬

‫‪-5‬تقرير افتحاص نجاعة األداء‪.‬‬

‫‪ - 210‬الفصل ‪ 66‬من القانون التنظيمي للمالية ‪.130.13‬‬


‫‪93‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫يحيل المجلس األعلى للحسابات على البرلمان التقرير حول تنفيذ قانون المالية والتصريح‬
‫العام للمطابقة بين الحسابات الفردية للمحاسبين والحساب العام للمطابقة بين الحسابات الفردية‬
‫للمحاسبين والحساب العام للمملكة‪ .‬مع توجيه نسخة منهما للحكومة‪.211‬‬

‫وطبقا لهذه المادة فعلى الحكومة أن تودع مشروع قانون التصفية السنوي بمكتب أحد‬
‫مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الثانية الموالية لسنة تنفيذ قانون المالية‪ ،‬إال أن هذا‬
‫األجل ال يحترم رغم إلزاميته بنص القانون وتظهر أهميت هذا القانون من خالل المناقشة‬
‫والتصويت عليه في قانون التصفية ويمكن أن تطرح مسؤولية الوزراء كما في المناقشة‬
‫والتصويت على القانون المالي السنوي‪ ،‬حيث يعد الوزير المكلف بالمالية تقريرا يتضمن‬
‫المعلومات والوثائق الكفيلة بتحليل شروط تنفيذ الميزانية السنوية المقررة بالقانون المالي‬
‫ويتضمن هذا التقرير على الخصوص ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬وضعية االعتمادات النهائية المنبثقة عن قانون المالية للسنة المعينة والقوانين‬


‫التعديلية مفصلة حسب األبواب والفصول والموارد والفقرات‪.‬‬

‫‪ -2‬وضعية االقتطاعات من االعتمادات المخصصة لفصل النفقات الطارئة‪.‬‬

‫‪ -3‬وضعية تحويالت االعتمادات‪.‬‬

‫‪ -4‬وضعية االلتزام بالنفقات‪.‬‬

‫‪ -5‬وضعية األوامر بالترحيل‪.‬‬

‫‪ -6‬بيان تفصيلي لموارد الميزانية العامة ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة‪،‬‬
‫والحسابات الخصوصية للخزينة والميزانيات المحلقة‪.‬‬

‫‪ -7‬الوضعية المتعلقة بتسيير الدين العمومي‪.‬‬

‫‪ -8‬القوائم التركيبة‪ ،‬ووضعيات التسيير الوارد بيانه في النصوص التنظيمية الجاري‬


‫بها العمل‪.‬‬

‫‪ -‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪139‬‬ ‫‪211‬‬

‫‪94‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فهذا التقرير الذي يتضمن هذه البيانات يعطي صورة واضحة عن تنفيذ الميزانية السنوية‪،‬‬
‫إال أنه أثناء تنفيذ‪ ،‬قد تواجه الحكومة بعض الظروف الطارئة‪ ،‬قد تؤدي إلى اختالل أو خطأ‬
‫في تقدير الموارد وتحصيلها أو حصول فوارق بين االعتمادات المفتوحة واألرقام النهائية‬
‫المقدمة‪ ،‬بعد التعديالت التي قد تطرأ على تقديرات الميزانية من حين آلخر إثر إجراءات‬
‫تشريعية أو تنظيمية‪ ،‬تتخذها الحكومة لمواجهة ظروف معينة‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بمحدودية المسؤولية السياسية في مجال تنفيذ الميزانية فتعتبر إثارة‬
‫المسؤولية السياسية للوزراء أهم سالح بيد السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية‪،‬‬
‫حيث تعلق عليها كل اآلمال في إقرار الديمقراطية والحكامة في صرف األموال العمومية‪.‬‬
‫وهذا مرتبط بقوة البرلمان واستعمال سلطاته من تشريع وتمثيل ومراقبة‪ ،212‬فعندما يكون‬
‫البرلمان قويا وواثقا من نفسه وذا مصداقية‪ ،‬فهو ال يخشى أحدا أو جهة ما ألنه منبثق عن‬
‫صناديق االقتراع ويمثل إرادة اإلمة‪ ،‬أما إذا كان ال يتمتع بالمصداقية والشرعية‪ ،‬وال يتوفر‬
‫على الكفاءة التي تخوله استعمال صالحيته وال الشجاعة التي ال تسعفه لمساءلة كل وزير تورط‬
‫في قضية من قضايا المال العام أو غيرها فال جدوى منه‪ .‬ومن خالل التجربة المغربية نالحظ‬
‫أن هناك إهمال على مساءلة الحكومة حول قوانين التصفية‪ ،‬وتقاعس على مستوى طرح‬
‫األسئلة الكتابية والشفوية إال من نذر‪ ،‬وعدم تفعيل تقارير لجن تقصي الحقائق‪ ،‬حيث يصطدم‬
‫التقرير بكوابح وشروط دستورية تعجيزية‪ ،‬وخصوصا إذا كان األمر يتعلق بالوزراء أو قطاع‬
‫تحت وصايتهم‪ ،‬كما أن بروز دور السلطة التنفيذية عبر وزارة المالية التي تتمتع بصالحيات‬
‫واسعة‪ ،‬بفضل انتشار مؤسساتها وممثليها بالوزارات من مراقبين ومحاسبين وخزنة‪ ،‬فوزير‬
‫المالية يحظى بمكانة هامة داخل الحكومة نظرا لإلمكانيات المادية والمالية والبشرية التي تتمتع‬
‫بها هذه الوزارة وقد ظهرت قوة هذه الوزارة وأهميتها في تشكيل الحكومة الحالية في شخص‬
‫رئيسها السيد عبد اإلله ابن كيران‪ ،‬حيث كان الصراع محموما حول تقلد هذه الحقيبة الحيوية‬
‫بين األحزاب المكونة للتحالف الحكومي‪ .‬وقد أدى هذا التهافت إلى تقسيمها إلى قسمين هما ‪:‬‬
‫وزارة االقتصاد والمالية والوزارة المنتدبة لدى وزير االقتصاد والمالية المكلفة بالميزانية‪.‬‬

‫‪ -‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.140‬‬ ‫‪212‬‬

‫‪95‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫أما فيما يخص المسؤولية السياسية اآلمر بالصرف الترابي عن تنفيذ الميزانية الترابية فيعتبر‬
‫إعداد وتنفيذ الميزانية الترابية مختلفا تماما عن إعداد وتنفيذ الميزانية العامة‪ ،‬فإعداد الميزانية‬
‫الترابية من اختصاص رؤساء المجالس الجماعات الترابية‪ ،‬ويتطلب األمر تدخل أطراف عدة‬
‫لتهيئ وثيقة الميزانية‪ ،‬إال أن األولوية يعترف بها الجهاز التنفيذي الترابي ‪ ،‬سواء كان منتخبا‬
‫أو معينا وبالرجوع إلى أحكام الفقرة األولى من المادة ‪ 15‬من القانون التنظيم المالي الترابي‬
‫بالمغرب‪ 213‬نجد أن تحضير الميزانية لترابية يتم من لدن رؤساء الجماعات الترابية‪.‬‬

‫فإذا كانت الميزانية الترابية ترجمة رقمية وحسابية لتنفيذ المخططات التنموية بالنسبة‬
‫للجماعات الترابية‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن يمنح حق االطالع والرقابة للمعنيين مباشرة بتنفيذها‪،‬‬
‫سواء على المستوى المسؤولين عن إعدادها أو من يفترض فيهم أن يكونوا موضوعا لها أو‬
‫المستفيدين منها‪.‬‬

‫فمسؤولية اآلمر بالصرف الجماعي تعتبر ذات أساس سياسي بالدرجة األولى‪ ،‬قبل أن‬
‫تكون مسؤولية مالية وقضائية‪ .‬فالمنتخب الترابي يتموقع في مركز المسؤولية من وجهة النظر‬
‫الناخب‪ ،‬سواء كان مستشارا جماعيا أو مواطنا عاديا أو ناخبا بالدرجة األولى بجماعته ومعنيا‬
‫بالتدبير المالي الترابي‪.214‬‬

‫فالمسؤولية هنا تكون ذلت طابع ذاتي شخصي وسياسي محض‪ ،‬يمارسها أعضاء الجماعات‬
‫الترابية على الهيئة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجماعة‪ ،‬باعتباره اآلمر بالصرف المسؤول‪،‬‬
‫وفي هذا اإلطار يقول روبرت هيرتزوك" بأن المنتخبين بالمجالس الجماعية يتحملون‬
‫مسؤوليات متعددة وعلى رأسها المسؤولية السياسية أمام المجلس وأمام الرأي العام وأمام‬
‫القاضي اإلداري والمالي‪.‬‬

‫‪- 213‬قانون رقم ‪ 45.08‬المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم ‪ 1.09.02‬بتاريخ ‪ 18‬فبراير‬
‫‪ 2009‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5711‬بتاريخ ‪ 23‬فبراير ‪.2009‬‬
‫‪ - 214‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪146‬‬
‫‪96‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية التأديبية والمسؤولية الجنائية‬


‫تتعدد أنواع المسؤوليات التي يخضع لها اآلمرون بالصرف في المجال المالي لذلك سنتطرق‬
‫من خالل هذه الفقرة عن المسؤولية الـتأديبية (أوال) في حين سنتحدث عن المسؤولية الجنائية‬
‫( ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المسؤولية التأديبية‪:‬‬

‫حسب مقتضيات المادة األولى من القانون ‪ 61.99‬المتعلق بمسؤولية اآلمرين بالصرف‬


‫والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ ،‬والتي جعلت من أولى فقراتها تحقيق هدف تحديد المسؤولية‬
‫الناتجة عن اتخاذ القرارات أو التأشير أو التنفيذ المادي خالل ممارسة المهام وبالتالي تحمل‬
‫المسؤول ية التأديبية أمام الرؤساء عن األخطاء الوظيفية المقررة ففي القوانين واألنظمة المعمول‬
‫بها كما جاء في الفصل ‪ 7215‬من المرسوم الملكي المتعلق بالمحاسبة العمومية لسنة ‪،1967‬‬
‫وقد أكد هذا االمر المادة الثالثة من القانون ‪ 61.99‬ابتي اعتبرت كل اآلمر بالصرف مسؤوال‬
‫عن القرارات التي اتخذها أو أشر عليها أو نفذها من تاريخ استالمه لمهامه إلى تاريخ انقطاعه‬
‫عنها‪ .‬أما المواد ‪ ،6 ،5 ،4‬من القانون ‪ 61.99‬المذكور أعاله فقد حددت المخالفات التي توجب‬
‫المسؤولية طبقا للقوانين واألنظمة على سبيل الحصر وحسب كل متدخل تفاديا لكل تأويل‪،‬‬
‫الشيء الذي من شأنه أن يساهم في خلق جو الشفافية في مجال الـتأديب والمتابعات وبعث روح‬
‫المسؤولية من جهة‪ ،‬والثقة لدى األشخاص المتابعين من جهة أفعال من شأنها أم تستوجب‬
‫المسؤولية التأديبية‪ ،‬وجب تطبيق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة ‪ 111‬والتي أكدت على أن‬
‫المتابعة أمام المحاكم المالية ال تحول دون ممارسة الدعوى التأديبية والجنائية‪.216‬‬

‫فطبيعة المخالفات المالية التي نصت عليها المادة ‪ 51‬من مدونة المحاكم المالية تخضع‬
‫الختصاص قضاة المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع‬
‫من ممارسة العقوبة التأديبية‪ ،‬التي تمارسها السلطة التي لها حق الـتأديب بالنسبة للفاعل‪ ،‬سواء‬
‫عن األخطاء اإلدارية الجسيمة أو عن المخالفات المالية والتي يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ - 215‬ينص الفصل ‪ 7‬من مرسوم الملكي لسنة ‪1967‬المتعلق المحاسبة العمومية على أن‪" :‬يتحمل اآلمرون بالصرف بمناسبة مزاولة مهامهم‬
‫المسؤوليات المقررة في القوانين واألنظمة المعمول بها" وما دام نفس المرسوم قد أناط العمليات المالية العمومية بكل من اآلمرين بالصرف‬
‫والمحاسبين العموميين فاآلمر ينطق عليهما في المسؤولية التأديبية كل واحد فيم ا يخصه‪.‬‬
‫‪ - 216- 216- 216‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.213‬‬
‫‪97‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫على خالف اختصاص البث في الحسابات ال تنحصر والية القاضي المالي في مجال التأديب‬
‫المالي في األجهزة العمومية التي تتوفر على محاسب عمومي وتطبق نظام المحاسبة العمومية‪،‬‬
‫بل تمتد إلى األجهزة العمومية األخرى تتخذ اشكاال قانونية مختلفة ومتنوعة تتجاوز الشكل‬
‫اإلداري ال تقليدي للمرفق العام وتنشط في المجاالت التجارية والصناعية‪ ،‬وتطبق في أغلب‬
‫معاملتها تبعا لذلك‪ ،‬قواعد القانون الخاص ‪.‬‬

‫وتبعا لتنوع القواعد القانونية المنظمة لنشاط مختلف هذه األجهزة الخاضعة‪ ،‬فان مجال‬
‫المساءلة في مادة التأديب المالي ال ينحصر في عدم احترام قواعد تنفيذ النفقات والموارد‬
‫العمومية وتدبير الممتلكات االجهزة العمومية‪ ،‬وبصفة عامة قواعد المحاسبة العمومية‪ ،‬بل‬
‫يمتد إلى األفعال المرتكبة من طرف األشخاص الخاضعين االختصاص التأديب المالي في‬
‫إطار ممارسة مهامهم الوظيفية داخل األجهزة الخاضعة بغض النظر عن الشكل الجهاز‬
‫وطبيعته التجارية والصناعة‪ ،‬مادام أن هذه االفعال تخالف قواعد التسيير المالي لهذه االجهزة‪،‬‬
‫وعليه يتعلق مفهوم هذه القواعد بتلك المطبقة على الجهاز المعني الخاضع الختصاص التأديب‬
‫المالي بصرف النظر عن طبيعة الجهاز او االنظمة المطبقة عليه ‪.‬‬

‫وال إن كان المشرع المغربي في إطار مدونة المحاكم المالية قد احتفظ بأسلوب الالئحة في‬
‫تحديد هذه المخالفات مقارنة بالقانون ‪ 12 79‬المنسوخ‪ ،‬فقد ترجع عن العبارات العامة في‬
‫تحديدها‪ ،‬كما ميز بين مخالفات كل فئة من الفئات الرئيسية لألشخاص الخاضعين باالختصاص‬
‫التأديب المالي ‪.‬‬

‫يمارس المجلس األعلى للحسابات الرقابة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في المواد ‪ 69 66‬من القانون ‪ 99.62‬المتعلق‬
‫بمدونة المحاكم المالية على كل آمر بالصرف أو آمر بالصرف المساعد بالصرف أو مسؤول‬
‫وكذا كل موظف او عون يعمل تحت سلطاتهم ولحسابهم اذا ارتكبوا احدى المخالفات التي تم‬
‫تحديدها وضبطها بشكل دقيق تسهيال على القاضي حتى ال يأتيه في البحث والتصنيف طبقا‬
‫ألحكام المادة ‪ 54‬من القانون على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫أداء النفقات‬ ‫‪217‬‬
‫‪ -‬مخالفات قواعد االلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها‬
‫دون االلتزام المسبق اإلخفاء الذي من شانه ان يؤدي الى خطأ في التنزيل المالي‪ ،‬االلتزام‬
‫بالنفقات بدون أهلية أو دون توفر االعتمادات‪ ،‬االلتزام بتجاوز االعتمادات حصول الشخص‬
‫لنفسه و لغيره على منفعة مبررة نقدية أو عينية‪ ،‬اإلفراط في تقديرات أشغال البناء عدم تطبيق‬
‫الرسوم حول استغالل المقالع والذبح… إلخ أداء نفقات غير مبررة (الكراء‪ ،‬الهاتف‪ ،‬صيانة‬
‫السيارات… إلخ‪.218‬‬

‫وفي حالة تنفيذ صفقة عمومية يعتبر االحتساب الصحيح من قواعد صحة تصفية النفقات‬
‫العمومية‪ ،‬على اعتبار أن بنودها حددت باإلضافة إلى أجل التنفيذ المتعاقد بشأنه‪ ،‬الجزاءات‬
‫التي قد يتخذها صاحب المشروع في حالة تأخر المقاوالت المتعاقد معها في تنفيذ التزاماتها‬
‫التعاقدية برسم هذه الصفقة‪ ،‬السيما تطبيق غرامة التأخير‪.219‬‬

‫عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية‪ :‬ال يكفي أن تكون مشاريع‬
‫الصفقات العمومية مطابقة للنصوص التنظيمية بل يتعين ان ينسحب احترام تلك النصوص‬
‫على جميع في إبرام وتنفيذ ومراقبة الصفقات العمومية احترام قواعد المنافسة‪.‬‬

‫ومن محاور األساسية التي ينبغي ان تحترم فيها النصوص التنظيمية يمكن أن نذكر ما يلي‪:‬‬

‫احترام قواعد المنافسة في اختيار المتعهدين‪ ،‬اخبار المتنافسين وضمان شفافية تسيير‬
‫الصفقات العمومية‪ ،‬ضمان حقوق المنافسين‪ ،‬أثمان الصفقات وقواعد مراجعتها تتبع ومراقبة‬
‫تسيير الصفقات العمومية أفضلية المقاولة الوطنية‪.‬‬

‫هذا وتشمل النصوص التنظيمية عالوة على المرسوم األساسي‪ ،‬االنظمة الخاصة بالصفقات‬
‫مؤسسات المقاوالت العمومية وكذا كافة النصوص والتعليمات والمذكرات التفسيرية أو‬
‫التكميلية‪.‬‬

‫‪ - 217‬أحميدوش مدني‪ ،‬الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬المجلة الغربية للمالية العمومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.24-25‬‬
‫‪- 218‬بداه مريم‪ ،‬دور التأديب المحاكم المالية المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪50‬‬
‫‪- 219‬القراران عدد ‪ 023‬و ‪ 024.2017‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‪ ،‬القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانبة والشؤون المالية خالل سنة ‪،2017‬‬
‫شتنبر ‪ ،2017‬ص ‪.222‬‬
‫‪99‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫كما تشمل النصوص المتعلقة بسندات الطلب‪ ،‬وتعتبر تعليمات الوزير األول الصادرة في ‪6‬‬
‫يونيو ‪ 1965‬سارية المفعول فيما يتعلق بالجوانب الغير المتعارضة مع النصوص الالحقة ‪.‬‬

‫كما أن األمر يشمل أيضا المقتضيات اإلدارية العامة والخاصة… ‪ ،‬فضال عن بنود‬
‫الصفقات نفسها‪ ،‬ويندرج في هذا المدلول فتاوى األمانة العامة للحكومة المستندة الى اراء‬
‫اللجنة الوطنية للصفقات‪.220‬‬

‫والجدير بالذكر‪ ،‬يمتد نطاق مبدأ الشرعية المخالفة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية إلى التدابير االحتياطية التي يجب أن يتخذ كل مدبر عمومي بما يفيد ببدله‬
‫العناية المهنية الكافية‪ ،‬وفقا لقرار المجلس األعلى عدد ‪( 594‬محكمة النقض) حاليا الذي اعتبر‬
‫أن مجال التأديب باإلضافة الى القوانين واألنظمة‪ ،‬لما يعتبر من المسلمات البديهية التي ال‬
‫تحتاج الى تنظيم أو تعقيد‪.221‬‬

‫مخالفات القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها‪ :‬وذلك عبر‬
‫االشهاد على الكشوفات الحساب التفصيلية بشكل ال يعكس حقيقة التنفيذ وعلى سندات التسليم‬
‫بما يفيد من مطابقة الخصائص والكميات المتعاقد بشأنها رغم عدم وجود عالقة تعاقدية في‬
‫األصل أو عالقة تعاقدية لم تصبح بعد نهائيا في تاريخ التسليم‪ ،‬مخالفات لقواعد تصفية النفقات‬
‫العمومية والنصوص التنظيمية للصفقات العمومية وتشكل ادالء للمجلس بوثائق غير صحيحة‪.‬‬

‫نفس االمر يتعلق بتوقيع كشوف الحسابات التفصيلية واصدار األمر بأداء مبلغها رغم عدم‬
‫تسلم الكميات المتعاقد بشأنها اال الحقا‪ ،‬او من اجل تخصيص قيمة توريدات غير المسلمة برسم‬
‫الصفقة لتسوية ديون تتعلق بتوريدات سابقة لم تكن ابدا موضوع التعاقد ‪.‬‬

‫‪-‬مخالفات النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان‪ :‬ال‬
‫تنحصر المخالفات للنصوص التشريعية والتنظيمية فقط في المدبرين العموميين المتمثل في‬
‫كل من اآلمر بالصرف أو المشرف على الجهاز المني‪ ،‬بل غالبا ما ترتكب هذه المخالفات من‬

‫‪ - 220‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين‪-‬على ضوء‬
‫مدونة المحاكم المالية وقضاء المجلس األعلى للحسابات وقضاء محكمة النقض(دليل عملي فائدة المهنيين والباحثين)‪ ،‬مكتبة دار السالم‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪ ،2017‬ص ‪23‬‬
‫‪ - 221‬قرار عدد‪ 08/2018 /‬ت‪.‬ش‪.‬م ‪ 2‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬يونيو ‪ 2018‬يتعلق بالنائب اإلقليمي للتربية والتكوين بسال‪ ،‬قرارات صادرة عن غرفة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أبريل ‪ ،2019‬ص‪.187‬‬
‫‪100‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫طرف موظفين وأعوان يتولون التدبير اليومي والمباشر للتنفيذ‪ ،‬باعتبارهم مسؤولي الدرجة‬
‫الثانية‪ ،‬بحيث انه من النصوص األساسية التي ينبغي مراعاتها نجد‪ ،‬الظهير المتعلق بالنصوص‬
‫العمومية والمرسوم المتعلق باألعوان المؤسسات العمومية وايضا المتعلق بالنظام األساسي‬
‫لموظفي الجماعات المحلية… إلخ ‪.‬‬

‫مخالفات قواعد التدبير وممتلكات األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس‪ :‬قد وردت هذه‬
‫المخالفة بالصيغة عامة وشاملة في المادة ‪ 54‬من القانون ‪ ،99 62‬بحيث لم تحدد نوعية‬
‫المخالفات الموجبة للمسؤولية في هذا المجال‪ ،‬مما يفيد بأن األمر يتعلق باحترام قواعد قانونية‬
‫التي تخضع لها ممتلكات األجهزة الخاضعة لسيطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية‪ ،‬ويمكن إجمال هذه المخالفات في مخالفة البنود االتفاقية المبرمة مع منعش عقاري‪ ،‬او‬
‫االخالل الممارسة الجيدة في تدبير الممتلكات العمومية (كعدم القيام باإلجراءات الالزمة لتتبع‬
‫معدات تمت إعارتها‪ ،‬اهمال او تقصير في المحافظة على ممتلكات الجهاز العمومي…) ‪.‬‬

‫التقييد الغير القانوني لنفقة بهدف تمكن من تجاوز االعتمادات‪ :‬بحيث يتعين على األمر‬
‫بالصرف واعوانه ان يراعوا صحة تقييد النفقة في الباب الذي يتعلق بها‪ ،‬وذلك حفاظا على‬
‫الصورة االمنية للميزانية كما تم المصادقة عليها من قبل الهيئات التداولية‪ ،‬فهذه المخالفة قد‬
‫تتعلق بمخالفة بتثبيت نية يتجاوز االعتمادات‪ ،‬فقد يلجأ اآلمر بالصرف مع سبق االصرار الى‬
‫االلتزام بالنفقة تتعلق باعتماد المستنفذ ولكي يجري التحايل على المراقبة االدارية يتم تقييد‬
‫النفقة بشكل غير قانوني في باب آخر لم يجر استنفاذه بعد‪.222‬‬

‫وأخيرا هناك مخالفة اخفاء المستندات او االدالء الى المحاكم المالية بأوراق مزورة او‬
‫غير صحيحة‪ :‬وقد تؤدي هذه المخالفة الى فتح مسطرة المتابعة الجنائية في حق المعني باألمر‬
‫هذا فضال عن المتابعة امام المحاكم المالية‪.‬‬

‫فكل هذه المقتضيات واإللتزمات القانونية وضحت طبيعة المخالفات المالية والتي تخص‬
‫مجاالت التي يتدخل فيها اآلمرون بالصرف‪ ،‬وتتمظهر هذه األخطاء والمخالفات على مستوى‬

‫‪ - 222- 222‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪101‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫اإليرادات في مجال األمر باألداء أو إصدار األوامر بالتسخير والتي من خاللها يتجاوز‬
‫اآلمرون بالصرف رفض المحاسبين العموميين وضع تأشيرة األداء‪.‬‬

‫وقد جعل المشرع لقيام المسؤولية التأديبية عن المخالفات المالية للمتدخلين في مجال‬
‫تنفيذ الميزانية‪ ،‬توافر شروط منها قيام عالقة نظامية بين الفاعل الموظف بمفهومه العام أو‬
‫المرفق العمومي أو الهيئة التي يعمل بها‪ ،‬وقيام هذا األخير بارتكاب عمل يشكل خرقا‬
‫لاللتزامات الوظيفية التي ينتج عنها خطأ مهني أو جريمة تأديبية تستدعي المساءلة‪.‬‬

‫أما فيما يخص طبيعة الجزاءات التأديبية المترتبة عن المخالفات المالية‬

‫فقد حدد القانون ‪ 3‬أبريل ‪ 2002‬المنظم لمسؤولية اآلمرين بالصرف والمرقبين والمحاسبين‬
‫العموميين ومدونة المحاكم المالية الصادر في ‪ 15‬يونيو ‪ 2002‬المنظم للمحاكم المالية‪،‬‬
‫اختصاصات اآلمرين بالصرف في مجال تنفيذ الميزانية العامة وتحقيق الحكامة المالية‪ ،‬في‬
‫مقابل ذلك حدد القانونين جزاءات وعقوبات على كل من أخل بهذه اإللتزمات‪ .‬وهذه المخالفات‬
‫فقد حددتها المواد ‪55-54‬و ‪ 56‬من مدونة المحاكم المالية كما أشارنا سابقا‪.‬‬

‫وعموما فإثارة المسؤولية التأديبية لآلمرين بالصرف عن المخالفات وأخطاء إدارية أو مالية‬
‫مسألة تخضع لعدة اعتبارات لصيقة بالقطاع المسؤول عنه الوزير‪ ،‬فقد ذهب بعض الفقه المالي‬
‫على اعتبار المسؤولية التأديبية ممكنة التطبيق من الناحية العملية بالنسبة للمحاسبين العموميين‬
‫بالدرجة األولى‪ ،‬أما بالنسبة لآلمرين بالصرف الثانويين فإمكانية إفالتهم من العقاب التأديبي‬
‫تبدو ممكنة‪ ،‬حصوصا وأن الجهة المختصة بإثارة المسؤولية هي الوزارة التابع لها المسؤول‬
‫عن الخطأ‪ ،‬وغالبا ما يكون وزير القطاع أو من يفوض له هذا األمر فإذا فضل الوزير التستر‬
‫على المخالفات اآلمر بالصرف التابع له – وهي الحالة الغالبة‪ -‬فال يستطيع قاضي الحسابات‬
‫طرح مسؤوليته في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬بحيث يقف القاضي‬
‫المالي في مجال التأديب على شرط رفع القضية بعد اكتشافها من طرف الوزير ليمارس بعد‬
‫ذلك‪ ،‬وهذه الحاالت نادرا ما تقع‪ ،‬ففي الغالب يفضل الوزير التستر على أخطاء ومخالفات‬
‫اآلمر بالصرف التابع له سواء كانت أخطاء إدارية أو مالية في الحدود الممكنة‪ ،‬على أن يثير‬

‫‪102‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المسؤولية لدى المحاكم المالية المختصة‪ ،‬بحيث أن إدانة هؤالء المتابعين أمام هذه المحاكم هو‬
‫بمثابة إدانة للقطاع ككل‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يتمكن اآلمرون بالصرف في بعض الحاالت اإلفالت من المسؤولية التأديبية‬
‫إما عن طريق أخطائهم اإلدارية والمالية عن طريق التصرف بحسن النية خدمة للصالح العام‪،‬‬
‫وإما عن طريق التذرع باألوامر والتعليمات الصادرة إليهم من رؤسائهم‪ ،‬وغالبا ما يكون‬
‫الوزراء‪ ،‬مما يصعب مسألة إثارة المسؤولية سواء كانت تأديبية أو مالية أو حتى السياسية‪ ،‬فهم‬
‫مستثنون من اختصاص المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،‬‬
‫الشيء الذي دفع بعض الباحثين بالقول بأن العقوبات التأديبية ال تطبق إال على الموظفين‬
‫الصغار ومن الصعب عمليا تأديب ومعاقبة السلطات اإلدارية العليا‪.‬‬

‫لكن هذا الرأي أصبح متجاوزا‪ ،‬خصوصا بعد صدور دستور ‪ ،2011‬وتضمنه الباب‬
‫العاشر المتعلق بالحكامة المالية ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬والقطع النظري والعملي مع‬
‫عهد " الجزر المحصنة" عن حراس الشرعية المالية والمحاسبة‪.223‬‬

‫ثانيا‪ :‬المسؤولية الجنائية‬

‫لقد تطرق المشرع المغربي إلى أنواع الجرائم الموجبة للمسؤولية الجنائية في المجال المالي‬
‫في المواد ‪241‬إلى ‪ 256‬من القانون الجنائي المغربي‪ ،‬وهي على سبيل الحصر‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫بالجرائم االختالس والغدر النصوص عليها في الفصول ‪241‬إلى ‪ 247‬ثم الرشوة واستغالل‬
‫النفوذ المنصوص عليها في الفصول ‪248‬إلى ‪ 256‬من القانون الجنائي وكل هاته الجرائم يجب‬
‫أن ترتبط بأفعال يرتكبها الموظف العمومي‪ ،‬وبالتالي تترتب عن هذه األفعال المجرمة عقوبات‬
‫والغرامات مالية‪ ،‬وسوف نتطرق لهذه الجرائم اتباعا‪:‬‬

‫أ‪-‬جريمة االختالس‬

‫ويقصد بها سرقة األموال العمومية بدون وجه حق والتي تدخل في إطار جرائم اإلخالل‬
‫بالثقة العامة التي يرتكبها الموظفون العموميون وغيرهم‪ ،‬ويتحقق اإلختالس بكل عمل أو‬

‫‪ - 223- 223‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬بكلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة‪ ،‬برسم السنة الجامعية ‪ ،2013-2012‬ص ‪216‬‬
‫‪103‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تصرف يؤشر أو ينبئ باتجاه نية الجاني إلى االستيالء على الشيء بصفة نهائية‪ ،‬أو بقصد‬
‫تملكه أو ألي سبب أخر كتمليكه للغير أو إتالفه أو احتجازه بدون حق‪ ،‬كاإلبقاء عليه تحت‬
‫تصرف الموظف عوض دفعه إلى أصحابه‪ .‬ويستوي أن تكون هذه األموال أو غيرها كالسندات‬
‫في ملكية الدولة أو الهيئات العامة التابعة لها‪ ،‬أو في ملكية الخواص ما دامت موضوعة رهن‬
‫إشارة الموظف بحكم وظيفته أو بسببها‪ ،‬فاآلمر بالصرف قد يقتطعان ألحد الدائنين للجهاز‬
‫العمومي مبلغا من مستحقاته‪ ،‬أو جزءا منه‪ ،‬وبالتالي يكونان قد احتجزا شيئا غير مستحق لهما‪،‬‬
‫الشيء الذي يعتبر في هذه الحالة اختالسا ولو تذرع أحدهم بأن اإلقتطاع يفرضه القانون‪ ،‬ألنه‬
‫ال يجب أن تتم المقاصة بين مستحقات الدائن والجزاءات والغرامات المستحقة عليه‪ ،‬فكل عملية‬
‫مالية لها قواعدها الخاصة بها‪.224‬‬

‫وبذلك يشترط في األموال اتي تكون محال لالختالس أن تكون منقولة‪ ،‬ال عقارات‪ ،‬ألن‬
‫األموال المنقولة هي التي توضع بيد الموظف وال ترى‪ ،‬أما العقارات فقد حماها المشرع‬
‫بنصوص أخرى ‪ ،‬إضافة إلى حمايتها الطبيعية الناشئة عن ثباتها واستقرارها وصعوبة نقل‬
‫ملكيتها‪.225‬‬

‫ب ‪-‬جريمة الغدر‬

‫لقد المشرع الجنائي المغربي إلى مفهوم جريمة الغدر من خالل الفصل ‪ 243‬من القانون‬
‫الجنائي عندما اعتبر الشخص مرتكبا لجريمة الغدر كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى‬
‫أو فرض أو امر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق‪ ،‬سواء لإلدارة‬
‫العامة أو لألفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة‪.‬‬

‫كما أن القاضي الجنائي في جرائم الغدر قد اعتبر لكي يتحقق هذا النوع من الجرائم‬
‫توافر ثالثة عناصر مجتمعة هي توفر صفة الموظف العمومي‪ ،‬ويمكن أن يكون آمرا بالصرف‬
‫أو محاسبا عموميا أو نائبا عنهما أو لحسابهما‪ ،‬أن يكون الجرم أو ارتكاب الفعل المادي معاقبا‬

‫‪ - 224‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.237‬‬
‫‪ - 225‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم االلية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة" المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬طبعة ‪-2022‬‬
‫الرباط‪ ،2022-‬ص ‪.184‬‬
‫‪104‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫عليه‪ ،‬ثم توفر القصد الجنائي وهو النية اإلجرامية‪ ،‬فبدون هذه العناصر الثالثة مجتمعة تنتفي‬
‫جريمة الغدر‪.‬‬

‫فاغدر في مفهومه العام يعني الخيانة وعدم الوفاء فيما يخص أداء المهمة المكلف بها‬
‫الموظف العمومي أو غيره‪ ،‬أما مفهوم الغدر في التشريع المالي المغربي فيعني قيام الموظف‬
‫العمومي سواء كان آمرا بالصرف أو مراقبا أو محاسبا عموميا بفرض رسوم أو ضرائب أو‬
‫أداءات او تسليم محصوالت مؤسسات الدولة بشكل مجاني لم يقررها القانون‪ ،‬كأن يطلب‬
‫الموظف أو يتلقى من الملزم أو المتعاقد مع اإلدارة أو المدين لها بدين مبلغا أكثر مما هو مدين‬
‫به للجهاز العمومي‪ ،‬أو يفرض على المدين أداء زيادات عن التأخير غير المنصوص عليها‬
‫قانونا‪ ،‬سواء كانت هذه الزيادات لفائدة اإلدارة التي يعمل بها أو لألفراد الذين يحصل لحسابهم‬
‫أو لنفسه وهو يعلم بعدم استحقاق هذه الزيادات‪.‬‬

‫فالغاية من تجريم الغدر وترتيب عقوبات عنه هو حماية حقوق األفراد والجماعات والحد‬
‫من إساءة استعمال السلطة والشطط فيها‪ ،‬وكذا زرع الثقة في نفوس المتعاملين مع اإلدارة‪،‬‬
‫ورسم الحدود لدى المسؤولين عن رعاية مصالح الدولة‪ .‬وال يفلح من تصور أن الزيادة في‬
‫فرض رسوم وضرائب أو غيرها على الملزمين بدون أن يفرضها القانون بدافع الحرص على‬
‫مصالح الدولة والرغبة في زيادة مواردها‪ ،‬فمن شأن هذا العمل أن يخل بمبدأ المساواة أمام‬
‫القانون أمام تحمل األعباء العامة حسب مل تنص عليه الفصول دستور ‪ 2011‬خصوصا‬
‫الفصل ‪ 6‬المتعلق بالمساواة امام القانون والفصل ‪ 36‬المتعلق بحاالت تنازع المصالح‬
‫والمخالفات ذات الطابع المالي أشكال االنحراف واستعمال األموال الموجودة تحت تصرف‬
‫السلطات العمومية والزجر عن هذه المخالفات باإلضافة إلى الفصل ‪ 39‬الذي ينص علال تحمل‬
‫التكاليف العمومية كل حسب قدر استطاعته‪.226‬‬

‫ج ‪-‬جريمة الرشوة‬

‫لقد اكتفى المشرع الجنائي المغربي بالتنصيص على جريمة الرشوة ضمن الفصول القانون‬
‫الجنائي من الفصل ‪ 248‬إلى الفصل ‪ 256‬منه‪ ،‬ولم يتعمد في إعطاء تعريف أو مفهوم للجريمة‬

‫‪ - 226‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪239‬‬
‫‪105‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الرشوة‪ ،‬وبالتالي فضل إعطاء مؤشرات يمكن اعتمادها العتبار جريمة الرشوة قائمة كاالتجار‬
‫والتعامل بواسطة الوظيفة التي يشغلها الموظف العمومي بمفهومه الواسع‪ ،‬بمعنى أنه يتخذ من‬
‫عمله الوظيفي وسيلة للحصول على كسب أو منفعة يمنعها ويجرمها القانون الجنائي‪ ،‬فهي في‬
‫جوهرها إثراء بال سبب على حساب أفراد المجتمع الذين يحتاجون إلى خدماته العمومية دون‬
‫التزام بأداء المقابل‪ .‬وقد عرف الفقه جريمة الرشوة بأنها " اتجار الموظف العمومي بأعمال‬
‫وظيفية واستغاللها للحصول على كسب غير مشروع على حساب أفراد يحتاجون إلى خدماته‬
‫العمومية التي كلفه بها القانون دون ان يترتب على أدائها دفع مقابل"‪.‬‬

‫كما يعد مرتكبا للجريمة الرشوة‪ ،‬كل عامل أو مستخدم أو من في حكمه‪ ،‬طلب أو قبل عرضا‬
‫أو عدا‪ ،‬طلب أو تسلم هدية أو غير ذلك‪ ،‬مباشرة أو عن طريق وسيط‪ ،‬دون موافقة مخدومه‬
‫ودون عمله‪ ،‬من أجل القيام أو االمتناع عنه‪ ،‬أو بكونه خارج عن اختصاصاته‪ ،‬ولكن خدمته‬
‫سهلته له‪.227‬‬

‫والجريمة الرشوة كمثيالتها من الجرائم المالية أو الغير المالية البد من توفر فيها األركان‬
‫الالزمة لقيام أي جريمة وهي الركن المادي والقانوني والمعنوي المتمثل في القصد الجنائي‪.‬‬

‫د – جريمة استغالل النفوذ‬

‫ويقصد بها أن يكون للشخص نوع من التقدير من رجال السلطة الذين بيدهم تحقيق مصلحة‬
‫ذات الشأن‪ ،‬مما يكون له من حملهم على قضائها‪ ،‬وقد يكن ذلك راجعا إلى مركزه العام في‬
‫المجتمع‪ ،‬وقد يكون سبب حقوقه الخاصة تربطه ببعض رجال السلطة كالقرابة أو الصداقة أو‬
‫ما شابه ذلك‪ ،‬ويتعين ليقام جريمة استغالل النفوذ أن يسعى الجاني بنفوذه سواء لدى رجال‬
‫السلطة العمومية أو بسبب وظيفته‬

‫ويعد مرتكبا لجريمة استغالل النفوذ حسب الفصل ‪ 250‬من القانون الجنائي المغربي‬
‫فوذه " كل موظف عمومي الذي استغل نفوذه الحقيقي أو المفترض فطلب أو قبل عرضا أو‬
‫وعدا أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل تمكين شخص أو محاولة تمكينه من‬

‫‪ - 227‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم االلية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة" المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.188‬‬
‫‪106‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الحصول على وسام أو نيشان أو رتبة شرفية أو مكافأة أو مركز أو وظيفة أو خدمة أو أية‬
‫مزية أخرى تمنحها السلطة العمومية أو صفقة أو مشروع أو أي ربح ناتج عن اتفاق بعقد مع‬
‫السلطة العمومية أو مع اإلدارة موضوعة تحت إشرافها‪ ،‬وبصفة عامة الحصول على قرار‬
‫لصالحه من تلك السلطة أو اإلدارة‪ ،‬مستغال بذلك نفوذه الحقيقي أو المفترض‪ .‬فجريمة استغالل‬
‫النفوذ تقع بمجرد الموافقة واالستجابة‪ ،‬وال يشترط أن تكون قد تمت أو تم البدء في تنفيذها‪،‬‬
‫وقد ترتكب من الموظف أو غير الموظف‪ ،‬وال شك أن المشرع هدف من وراء ذلك الحد من‬
‫استغالل الموظف لوظيفته أو المتاجرة بها‪ .‬ومن أركان الجريمة استغالل النفوذ يعد مجرد‬
‫"الطلب" أو الوعد ركنا ماديا لجرائم الرشوة واستغالل النفوذ‪.‬‬

‫بناءا على ما سبق يتضح من خالل دراستنا للفصل األول أن البنية التنظيمية للمحاكم‬
‫المالية واالختصاصات الممنوحة لها‪ ،‬ال زالت تعاني من مجموعة من اإلكرهات والمشاكل‬
‫سواء على مستوى المؤسساتي أو القانوني‪ ،‬لذلك سنقوم باستعراض هاته اإلكراهات وسبل‬
‫تجاوزها في الفصل الثاني بعد التطرق لإلستثناءات المساءلة امام القاضي المالي‪.228‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬طرق الطعن في األحكام والقرارات واإلعفاء من المسؤولية أمام‬


‫القضاء المالي‪:‬‬
‫إن القرارات الصادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مجال التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية أو في مجال البت في الحسابات يمكن أن تكون موضوع ثالثة طرق طعن‬
‫وهي ‪ :‬االستئناف‪ ،‬النقض والمراجعة‪ ،‬أما بخصوص األحكام الصادرة عن المجالس الجهوية‬
‫للحسابات‪ ،‬فإنها فقط تستأنف أمام غرفة االستئناف بالمجلس األعلى للحسابات من قبل‬
‫األشخاص المؤهلين قانونا‪ ،‬فقانون المحاكم المالية رقم ‪ 62-99‬قد فتح الباب في إطار احترام‬
‫مبدأ تعدد درجات التقاضي بإمكانية طلب المراجعة في حالة ظهور عنصر جديد في القضية‬
‫أو استئناف القرارات واألحكام الصادرة مركزيا عن المجلس األعلى للحسابات فضال عن‬
‫الطعن بالنقض أمام المجلس األعلى ضد القرارات النهائية التي يصدرها استئنافيا المجلس‬
‫األعلى للحسابات وفقا لألحكام والكيفيات والشروط المنصوص عليها في المادة ‪ 49‬من قانون‬
‫‪( 62-99‬الفقرة األولى)‪ ،‬أما فيما يخص طرق اإلعفاء من المسؤولية المالية سواء الشخصية‬

‫‪ -- 228‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.242‬‬
‫‪107‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫أو التأديبية أو الجنائية وإبراء الذمة‪ ،‬فلم يتطرق المشرع المغربي في ظل قانون ‪ 62-99‬إلى‬
‫هذه الحاالت باستثناء حالة فريدة وهي التي جاءت في المادة ‪ 137‬من هذا القانون وهو اإلدالء‬
‫باألمر الكتابي الصادر عن الرؤساء التسلسليين أو الصادر عن شخص مؤهل إلصدار هذا‬
‫األمر قبل ارتكاب المخالفة‪ ،‬إال أن قانون ‪ 62-99‬المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف‬
‫والمراقبين والمحاسبين العموميين في الماد العاشرة قد تطرق إلى إمكانية اإلعفاء من المسؤولية‬
‫في حاالت معينة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬طرق الطعن في القرارات واألحكام في ميدان التأديب المالي‬


‫إن قرارات وأحكام المجلس األعلى للحسابات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية يمكن الطعن فيها بواسطة ثالثة وسائل قانونية‪ ،‬وهي الطعن باالستئناف (أوال)‪ ،‬الطعن‬
‫بالنقض (ثانيا)‪ ،‬والطعن من أجل المراجعة (ثالثا)‪ ،‬ونفس األمر بالنسبة لطرق الطعن في مجال‬
‫التدقيق والبت في الحسابات ولها نفس مدة التقادم‪ ،‬باستثناء األحكام النهائية التي تحصلت‬
‫بانصرام أجل الطعن‪.229‬‬

‫أوال‪ :‬الطعن باالستئناف‬

‫يعتبر الطعن باالستئناف من مستجدات مدونة المحاكم المالية‪ ،‬فالقرارات النهائية الصادرة‬
‫ابتدائيا عن الغرف وفروعها في مجال البت في الحسابات المقدمة من طرف المحاسبين‬
‫‪230‬‬
‫العموميين‪ ،‬وفي ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تكون قابلة لالستئناف‬
‫أمام هيئة الغرف المشتركة المحدثة‪ 231‬من طرف المدونة‪ ،‬وذلك في أجل ثالثين (‪ )30‬يوما‬
‫الموالية التاريخ تبليغ القرار النهائي‪ ،‬أما بخصوص األحكام الصادرة عن المجالس الجهوية‬
‫للحسابات فإنها تستأنف أمام غرفة االستئناف بالمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬من قبل األشخاص‬
‫المؤهلين قانونا‪ ،‬وهم المعني باألمر‪ ،‬الوزير المكلف بالمالية‪ ،‬الوزير المعني باألمر الوكيل‬
‫العام للملك والممثلين القانونيين لألجهزة المعنية‪.232‬‬

‫‪ - 229،‬أحمد الجرراري‪ ،‬الرقابة على المال العام بالمغرب‪ ،‬بين النظرية والممارسة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام‪،‬‬
‫كلية الحقوق طنجة‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،2008-2007 ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪ - 230‬المادة ‪ 70‬من قانون ‪ 62-99‬المتعلق بالمحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 231‬إن هيئة الغرف المشتركة تتكون من خمسة (‪ )5‬قضاة من بينهم على األقل ثالثة (‪ )3‬رؤساء غرف‪ ،‬هذه المالحظة وردت في تقرير المجلس‬
‫األعلى للحسابات برسم سنة ‪ 2004‬ج‪.‬ر عدد ‪ 5401‬بتاريخ ‪ 6‬مارس ‪ ،2006‬هامش ص ‪.635‬‬
‫‪ - 232‬الفقرة األولى من المادة ‪ 71‬من قانون ‪ 62-99‬المتعلق بالمحاكم المالية‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫أما إذا كان الحكم مشموال بالنفاذ المعجل فال حق للطاعن في االستئناف‪ ،‬حسب ما تنص‬
‫عليه المادة ‪ 70‬في الفقرة الثانية من قانون ‪ ،62-99‬وبمجرد تسجيل عريضة االستئناف يشعر‬
‫الوكيل العام للملك بذلك‪ ،‬ويعين الرئيس األول بعد التماس ذلك من طرف الوكيل العام للملك‪،‬‬
‫مستشارا مقررا مكلفا بالتحقيق غير المستشار الذي كان قد قام بالتحقيق في القصبة ابتدائيا‪.‬‬
‫فبناء على طلب المستشار المقرر‪ ،‬تبلغ عريضة االستئناف إلى األطراف األخرى المعنية‪،‬‬
‫التي يمكنها أن تودع مذكرتها الجوابية لدى كتابة الضبط بالمجلس األعلى للحسابات داخل أجل‬
‫الثالثين يوما الموالية لتاريخ التبليغ وعند االقتضاء‪ ،‬كل المستندات المقدمة لدعمها‪ ،‬وتتابع‬
‫مسطرة التحقيق والحكم طبقا لمقتضيات المواد ‪ 59‬إلى ‪ 65‬من قانون المحاكم المالية‬
‫رقم‪.62.99‬‬

‫وتقوم هيئة الحكم بعد قبول طلب االستئناف شكال ثم ثبت بعد ذلك في الموضوع‪،‬‬

‫و هكذا فقد توصلت النيابة العامة خالل سنة ‪ ،2011‬باثني عشر (‪ )12‬تقريرا بشأن استئناف‬
‫بعض األحكام النهائية الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات في ميدان التدقيق و البت في‬
‫الحسابات‪ ،‬و ‪ 9‬قضايا من المجالس الجهوية للحسابات و بقضية واحدة من المجلس األعلى‬
‫للحسابات تتعلق باستئناف بعض األحكام الصادرة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية و‬
‫الشؤون المالية حسب التقرير األخير للمجلس األعلى للحسابات لسنة ‪.2011‬‬

‫وبالتالي يكون المشرع المغربي قد قدم أهم ضمانة قانونية لصالح الفاعلين في تنفيذ الميزانية‬
‫العامة المتابعين أمام المحاكم المالية سواء فيما يخص البت في الحسابات أو في مجال التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬على عكس المشرع الفرنسي الذي أتاح الطعن باإلستنئاف‬
‫فقط شد األحكام الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬في ميدان التدقيق والبت في حسابات‬
‫المحاسبين العموميين‪ 233،‬أما قرارات مجلس التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬فال‬
‫يسمح بالطعن فيها إال بالنقض أمام مجلس الدولة الفرنسي أو بطلب المراجعة أمام هذه المجالس‬
‫نفسها‪.234‬‬

‫‪233‬‬
‫‪- L’article L211- 1 du code de juridiction financiére de 1948.‬‬
‫‪234‬‬
‫‪- CHOUVEL (f) : « Finances publiques………………… », op.cit, p : 184.‬‬
‫‪109‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫والسؤال المطروح في مجال التعرض‪ ،‬هو هل تطرق المشرع المغربي إلى مسطرة محددة‬
‫بهذا الخصوص؟ وهل أشار إلى األحكام الصادرة غيابيا؟ وهل يمكن اعتماد قانون المسطرة‬
‫المدنية في غياب مسطرة معينة في مجال التعرض؟ وبالتالي تطرح مسألة صياغة الحكم هل‬
‫هو غيابي أم حضوري‪ ،235‬حتى يمكن فتح مجال للطعن؟ كل هذه األسئلة وغيرها لم تجب‬
‫عليها‪ .‬المحاكم المالية في ظل قانون ‪ 62 . 99‬ويبقى من حق المدان طلب الطعن بالنقض‪.‬‬

‫ثانيا الطعن بالنقض‬

‫يمكن للمحاسب العمومي أو وكيله إذا الحظ خرقا للقانون أو خلال في الشكل أو انعداما في‬
‫التعليل‪ 236‬أو عدم اختصاص المجلس‪ ،‬طلب الطعن بالنقض داخل أجل ‪ 60‬يوما الموالية لتاريخ‬
‫تبليغ القرار النهائي الصادر استئنافيا المجلس األعلى للحسابات‪ .‬ونفس الحق يخول لألشخاص‬
‫اآلخرين المؤهلين قانونا لهذا الغرض‪ ،‬وذلك وفق نفس الشروط واآلجال المنصوص عليها في‬
‫قانون ‪ 62-99‬وخاصة المادة ‪.49‬‬

‫وإذا كانت طلبات الطعن باالستئناف تتم أمام المجلس األعلى للحسابات نفسه فإن الطعن‬
‫بالنقض ال يتم إال أمام الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى‪ .‬ولقبول الطعن بالنقض ضد قرارات‬
‫وأحكام المجلس األعلى للحسابات نص المشرع المغربي على بعض الشروط التي ينبغي‬
‫توافرها في رافع عريضة الطعن بالنقص بحيث يقدم من طرف المعني باألمر‪ ،‬أو الوزير‬
‫المكلف بالمالية أو الوزير المعني بالقطاع أو الوكيل العام للملك أو الممثلين القانونيين لألجهزة‬
‫العمومية المعنية فيما يخص التأديب المالي المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أما فيما يخص‬
‫القرارات واأل حكام المطعون فيها في مجال التدقيق والبت في الحسابات‪ ،‬يمكن في هذه الحالة‬
‫للمحاسب العمومي أو لذوي حقوقه أو الخازن العام تقديم طلبات الطعن بالنقض‪.237‬‬

‫وقد عمل المشرع المغربي في ظل قانون ‪ 62–99‬على توسيع نطاق ممارسة حق الطعن‬

‫‪ - 235‬بشرى العلوي ‪ :‬خصوصيات مسطرة التأنيب العالي والميزانية‪ ،‬ومدى قابلية األحكام الصادرة ألنواع الطعن‪ ،‬المجلة المغربية للتلفيق‬
‫والتنمية‪ .‬المجالس الجهوية للحسابات والحكامة العطية الجيدة‪ ،‬السنة التدبير اإلستراتيجي‪ ،‬العدد ‪ ،2005 ،7‬ص ‪13 :‬‬
‫‪ - 236‬قانون رقم ‪ 03-01‬بشأن إلزام اإلمارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية الصادر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.02 202‬الصادر في ‪ 23‬يوليو ‪ 2002‬جر عند ‪ 5020‬بتاريخ ‪ ،12/08/2002‬أنظر كذلك منشور الوزير األول رقم ‪03/2011‬‬
‫حول لحسين اال ستقبال واإلرشاد باإلدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية‪ ،‬وخصوصا اإلجراء الرابع حول تعليل القرارات‬
‫اإلدارية‪ ،‬فما يسري على القرارات اإلدارية يسري على القرارات واألحكام القضائية‪.‬‬
‫‪ - 237‬انظر قرار الطعن بالنقص عند ‪ 137‬بتاريخ ‪ 13/02/1997‬في الملف عدد ‪ ،128/04/1995‬قضية بوشتي الكيسي عند المحلى األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬حكم منشور بالمحلة المغربية للدقة والتنمية‪ ...........‬م س‪،‬ص ‪.15‬‬
‫‪110‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫بالنقض‪ ،‬إذ أصبح يخول باإلضافة إلى المعني باألمر إلى " من الوزير المكلف بالمالية‬
‫والوزير المعني باألمر والممثلين القانونيين لألجهزة المعنية‪ ،‬بعدما كان يقصر في ظل قانون‬

‫‪ 12-79‬المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات على الوكيل العام للملك لدى المجلس‪ ،‬والذي‬
‫ال زال يمارس هذا الحق في إطار القانون الجديد وفقا ألحكام المادة ‪ ،73‬ويتم تقديم طلب الطعن‬
‫بالنقض شكال وفقا للمادة ‪ 354‬من قانون المسطرة المدنية بواسطة عريضة مكتوبة تودع لدى‬
‫كتابة الضبط بالمجلس األعلى أو توجه إليها برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل‪ ،238‬ويوقع‬
‫عليها المعني باألمر أو محام مقبول لدى المجلس األعلى‪ ،‬وال يعفى من هذا الشرط سوى الدولة‬
‫سواء كانت طالبة أو مطلوبة في الدعوى‪ .‬وقد سكت المشرع المغربي في ظل مدونة المحاكم‬
‫المالية عن أثر الطعن بالنقض أثناء التنفيذ‪ ،‬بينما نص الفصل من قانون المسطرة المدنية على‬
‫أن الطعن بالنقص ال يوقف التنفيذ إال فيما ويقدم الطعن بالنقض داخل أجل ‪ 60‬يوما الموالية‬
‫لتاريخ تبليغ القرار النهائي الصادر استئنافيا عن المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬بينما في فرنسا‬
‫بالنسبة للمحاسبين العموميين المتواجدين‬ ‫‪239‬‬
‫فقد حدد مرسوم ‪ 20‬شتنبر ‪ 1968‬أجل شهران‬
‫داخل ا الفرنسي‪ ،‬وأجل (‪ )3‬أشهر بالنسبة للمحاسبين العموميين الذين يتواجدون خارج التراب‬
‫الفرنسي‪ ،‬ويشكل الطعن بالنقض وسيلة للمتضررين للدفاع عن أنفسهم في حالة خرق القانون‬
‫أو عدم احترام اإلجراءات الشكلية أو خرق حقوق الدفاع‪ ،‬أو انعدام التعليل أو عدم اختصاص‬
‫المجلس‪ .240‬ويتمثل حرق القانون في حالة تجاهل نص تنظيمي أو تشريعي‪ ،‬أو تفسريهما بشكل‬
‫خاطئ أو عدم تطبيق مبدأ من المبادئ العامة للقانون‪.241‬‬

‫ثالثا طلب المراجعة‬

‫لقد خول المشرع المغربي في ظل مدونة المحاكم المالية للمعني باألمر الحق في تقديم طلب‬
‫مراجعة األحكام النهائية الصادرة عن المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية‪ ،‬في حالة اكتشاف عنصر جديد في القضية من شأنه تغيير مسار القصية‪.‬‬
‫فالمادة ‪ 50‬من قانون ‪ 62-99‬المتعلق بالمحاكم المالية أعطت الحق للمحاسب ولدوي حقوقه‬

‫‪ - 238‬عد المالك زعزاع‪ ،‬طرق الطعن أمام المجلس األعلى ‪ ،‬معلنة المحاكم المغربية العدد ‪ ,103‬سنة ‪ ،2006‬ص ‪68‬‬
‫‪239‬‬
‫‪- Art. 22 du décret du 20 septembre 1968 relatif à la création de la cour des comptes.‬‬
‫‪ - 240‬المادة ‪ 19‬من قانون ‪( 62-90‬الفقرة األولى)‪.‬‬
‫‪241‬‬
‫‪- BENNANI (A): L'agent comptable au Maroc, Edition Manuels et travaux universitaires, 1 édition, 1998,‬‬
‫‪p:228.‬‬
‫‪111‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫إما بصفة شخصية أو بواسطة وكيل طلب مراجعة القرارات واألحكام النهائية الصادرة عن‬
‫المجلس األعلى للحسابات ابتدائيا أو استئنافيا في حالة اكتشاف عنصر جديد بعد النطق بالحكم‪،‬‬
‫في مجال البت في الحسابات‪ ،‬ويحول نفس الحق ‪ 921‬عصر حديد‪ ،‬فقد وإلى الوزير المكلف‬
‫بالمالية وا لوزير المعني باألمر والخازن العام للمملكة‪ .‬المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،‬‬
‫فيمكن أيضا للمعني باألمر بعد انصرام اجل حدد لطلب النقض من المجلس مراجعة القرار‬
‫المتعلق به‪ ،‬والصادر عن المجلس وبعد اكتشاف عنصر جديد والوكيل العام للملك من تلقاء‬
‫نفسه أو بإيعاز من الوزير المكلف بالمالية أو الوزير المعني باألمر أو الممثلين القانونيين‬
‫لألجهزة العمومية المعنية‪ " .242‬والمقصود بالعنصر ت أو ظهور وثيقة محاسبية أو مالية أو‬
‫إدارية‪ ،‬أو قرار كتابي جديد يكتش الحكم القضائي عن الجهات المعنية‪ ،‬أما المادة ‪ 135‬من‬
‫قانون ‪ ،62-99‬وفي حالة | أعطت الحق للمحاسب العمومي أو لذوي حقوقه بصفة شخصية‬
‫أو بواسطة وكيل‪ ،‬بعد انصرام األجل المحدد لالستئناف طلب مراجعة األحكام النهائية الصادرة‬
‫عن المجلس الجهوي أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار‪ ،‬ويحول نفس الحق إلى‬
‫وكيل الملك وإلى وزير الداخلية أو الوالي أو العامل في حدود االختصاصات المخولة لهم‬
‫تطبيقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬والوزير المكلف بالمالية أو الخازن‬
‫بالجهة أو العمالة أو اإلقليم‪ ،‬أو الممثل القانوني للجماعات المحلية أو الهيئات أو المؤسسات‬
‫العمومية المعنية‪ ،‬وفي مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬وفي حالة اكتشاف‬
‫عنصر جديد‪ ،‬يحق للمعني باألمر‪ ،‬بعد انصرام األجل المحدد لالستئناف أن يطلب من المجلس‬
‫الجهوي للحسابات مراجعة القرار المتعلق به‪ ،243‬ويحول نفس الحق في طلب المراجعة أمام‬
‫المجالس الجهوية للحسابات إلى وكيل الملك من تلقاء نفسه أو بإيعاز من وزير الداخلية والوزير‬
‫المكلف بالمالية‪.244‬‬

‫ولقبول طلب المراجعة من طرف المجلس األعلى للحسابات يجب أن تكون القرارات‬
‫االبتدائية والقرارات االستئنافية نهائية‪ ،‬وبعد انصرام أجل ‪ 60‬يوما الموالية لتاريخ تبليغ القرار‬
‫النهائي‪ ،‬ويستمر األجل القانوني لتقديم طلب المراجعة قائما إلى حدود ‪ 10‬سنوات ابتداء من‬

‫‪ - 242‬المادة ‪ 74‬الفقرة الثانية من قانون ‪ 62-99‬المتعلق بالمحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ - 243‬الفقرة األولى من المادة ‪ 141‬من قانون ‪ 62-99‬المتعلق بالمحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ - 244‬الفقرة الثانية من نفس المادة‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تاريخ تبليغ قرار المجلس‪ ،‬مع إمكانية تقليصه إلى أربع (‪ )4‬سنوات إذا لم يقدم في صالح‬
‫الشخص المعني باألمر‪ ،‬ومن خالل األجل يتضح أن المشرع المغربي قد حدد أجلين لطلب‬
‫المراجعة‪ ،‬األول في صالح المعني باألمر إذا حاول المذنب تبرير بعض العمليات ولم يستطع‬
‫في وقت الدعوى إيجاد الوثائق والتبريرات الكافية لنفي التهمة حدد األجل في ‪ 10‬سنوات‪ ،‬أما‬
‫األجل الثاني فهو مقلص في حدود ‪ 4‬سنوات وهي مدة في صالح المتهم المذنب‪ ،‬حماية له من‬
‫الطعون والمراجعة من طرف األجهزة المعنية التي يمكن أن تالحق المتدخلين في العمليات‬
‫المالية والذين لم يكتشفوا أثناء المتابعة‪.‬‬

‫وحد المشرع أجل طلب المراجعة مع قاعدة التقادم الرباعي للديون العمومية فطلب المراجعة‬
‫يسقط بالتقادم" بعد انصرام أجل ‪ 4‬سنوات‪ ،‬حتى وإن تم اكتشاف عنصر جديد في القضية يثبت‬
‫تورط أحد المتدخلين في التصرف في المال العام بمخالفات مالية أو محاسبية غير قانونية‪.‬‬
‫وهذا سيف ذو حدين‪ ،‬قد يؤدي إلى اإلفالت من العقاب في حالة عدم اكتشاف األخطاء المادية‬
‫والمالية في الوقت المناسب والقانوني‪ .‬وقد نصت مدونة المحاكم المالية على توحيد آجال التقادم‬
‫في خمس سنوات كاملة تبتدئ من التاريخ الذي اقترفت فيه‪.‬‬

‫أما مسطرة طلب المراجعة‪ ،‬فهي تتم بإيداع الطلب لدى كتابة الضبط بالمجلس المختص‪،‬‬
‫وهو إما المجلس األعلى للحسابات أو المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬ويحب أن الطلب عرضا‬
‫للوقائع والوسائل التي يحتج بها طالب المراجعة ويفتد بها الحجج الموضوعة بالملف‪ ،‬كما‬
‫يجب أن يكون الطلب مرفقا بنسخة من القرار أو الحكم المطعون فيه‪ ،‬وبالتبريرات المستند‬
‫إليها من وثائق وإقرارات وقرائن دامعة‪ .‬ويبت المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية وفق المسطرة التي يتبعها في التحقيق‪ .‬أما في ميدان البت في الحسابات‪ ،‬فإن‬
‫الهيئة المختصة تبث في الطلب بقرار أو حكم تمهيدي يبلغ إلى األطراف المعنية التي يحدد لها‬
‫أجل لتقديم توضيحاتها وتبريراتها وبعد فحص الوسائل والمستندات المقدمة‪ ،‬وتقديم مستنتجات‬
‫النيابة العامة‪ ،‬ثبت الهيئة في طلب المراجعة بقرار نهائي‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق اإلعفاء من المسؤولية‬


‫إن المشرع المغربي في ظل قانون ‪ 62-99‬المتعلق بالمحاكم المالية لم يحدد طرق اإلعفاء‬
‫من المسؤولية باستثناء طلب المراجعة والطعن بالنقض وطلب االستئناف ولم يحدد أيضا‬
‫مسطرة خاصة بتنفيذ أحكام وقرارات المحاكم المالية‪ ،‬على عكس قانون ‪ 61-99‬المتعلق بتحديد‬
‫مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الذي أشار في الفصل ‪ 10‬منه‬
‫على أنه يمكن أن يعفى األمر بالصرف الذي يحكم عليه بإرجاع األموال أو المحاسب العمومي‬
‫الذي ثبت وجود عجز في حسابه أو مصرح بمديونيته‪ ،‬وكذا الموظف أو العون المكلف في‬
‫حالة القوة القاهرة‪ ،‬ويتولى هذا األمر الوزير المختص أو السلطة الوصية المكلفة بدراسة طلب‬
‫اإلعفاء من المسؤولية (أوال)‪ ،‬ويترتب عن اإلعفاء من المسؤولية إبراء ذمة صاحب الطلب‬
‫كليا أو جزئيا من دفع المبلغ المستحق‪ ،‬ويخوله عند االقتضاء حق استرجاع المبالغ التي كان‬
‫قد أداها استيفاء للدين‪ ،‬وإذا رفض الوزير األول أو وزير المالية طلب اإلعفاء من المسؤولية‪،‬‬
‫ال يحرم المعني باألمر من طلب إبراء الذمة على وجه اإلحسان (ثانيا)‪.‬‬

‫‪Demande de discharge de la‬‬ ‫أوال‪ :‬طلب اإلعفاء من المسؤولية‬


‫‪responsabilité‬‬

‫لقد أعفت المادة ‪ 53‬من قانون ‪ 62-99‬المتعلق بالمحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية الموظفين واألعوان المرتكبين للمخالفات المشار إليها في المواد‬
‫‪ 55 ،54‬و‪ 56‬إذا قدموا أمرا كتابيا صادرا عن رئيسهم التسلسلي الذي له سلطة قانونية عليهم‪،‬‬
‫وفي الوقت المناسب‪ ،‬أي أن يكون تاريخ إصدار األمر سابقا عن تاريخ ارتكاب المخالفة‪ .‬على‬
‫عكس ما صدر في قانون ‪ 12-79‬المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات لسنة ‪ 1979‬في الفصل‬
‫‪ 60245‬التي لم تشر إلى تاريخ إصدار األمر‪ .‬وهذا األمر نصت عليه المحاكم المالية الفرنسية‬
‫في المادة‪ L313 9 - 2 246‬و التي تستهدف من خالل اإلشارة إلى تاريخ إصدار األمر الكتابي‬

‫‪ - 245‬حسب الفصل ‪ 60‬من قانون ‪ 12-79‬الذي ينص على أنه ‪ :‬تبرأ ساحة مرتكبي المخالفات المشار إليها في الفصل ‪ 56‬بتقديم أمر كتابي صادر‬
‫عن رئيسهم اإلداري أو عن كل شخص مؤهل إلصدار هذا األمر‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة تحل مسؤولية الشخص الصادر عنه األمر مال مسؤولية الشخص الذي قام بتنفيذه مع مراعاة أحكام الفصل ‪.59‬‬
‫‪246‬‬
‫‪- 925 L'art. 1313-9 déclare que: "Les personnes visées à l'article 1312-1 ne sont pas passibles d'aucune‬‬
‫‪sanction si elles peuvent exciper d'une ordre écrit de leur supérieur hierarchique ou de la personne légalement‬‬
‫‪habilitée à donner un tel ordre, dont la responsabilité se substituera dans ce cas à la leur, ou donné‬‬
‫‪personnellement par le ministre compétent, dès lors que ces autorités ont été düment informées sur l'affaire".‬‬
‫‪114‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وإلى ظاهرة المصادقة الالحقة على تاريخ ارتكاب المخالفات من قبل أعضاء الحكومة‬
‫‪247‬‬
‫المحصنين بالمادة ‪ 52‬من قانون ‪ 62-99‬وكذا فيما يسمى "بأوامر المحاباة أو المجاملة‬
‫‪.Les ordres de complaisance‬‬

‫فباإلضافة إلى األمر الكتابي من أجل اإلعفاء من المسؤولية‪ ،‬فقد نصت المادة ‪ 10‬من ظهير‬
‫‪ 13‬أبريل ‪ 2002‬المتعلق بتنفيذ القانون ‪ 61-99‬المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف‬
‫والمراقبين والمحاسبين العموميين صراحة إعفاء المخالفين من المسؤولية وفق شروط‬
‫وإجراءات قانونية معينة‪ ،‬بحيث أجازت المادة ‪ 10‬إمكانية إعفاء األمرين بالصرف الذين يحكم‬
‫عليهم بإرجاع األموال‪ ،‬أو المحاسبين العموميين الذين ثبت وجود عجز في حسابهم أو المصرح‬
‫بمديونيتهم‪ ،‬وكذا الموظفون أو األعوان المشار إليهم في المادة ‪ 7‬من نفس القانون الذين يتم‬
‫إعفاؤهم من المسؤولية بناء على طلبهم في حالة القوة القاهرة‪ ،‬بشرط أال يكون العمل أدى إلى‬
‫اتخاذ مقررات إرجاع األموال أو ثبوت العجز أو التصريح بالمديونية قد عاد على أحدهم‬
‫بمنفعة شخصية‪.248‬‬

‫ثانيا‪ :‬طلب إبراء الذمة على وجه اإلحسان‬

‫حسب المادة ‪ 13‬من قانون ‪ 61-99‬المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين‬
‫والمحاسبين العموميين‪ ،‬التي أتاحت فرصة ثانية للمعني باألمر من أجل اإلعفاء من المسؤولية‪،‬‬
‫فقد أقرت أنه ال يحول رفض الوزير األول أو وزير المالية لطلب اإلعفاء من المسؤولية دون‬
‫تقديم طلب إبراء الذمة على وجه اإلحسان‪ ،‬وما على المعني باألمر سوى إثبات وضعيته المادية‬
‫شريطة أن ال يفتعل عسره حسب مدلول المادة ‪ 84‬من قانون ‪ 15-97‬بمثابة مدونة تحصيل‬
‫الديون العمومية‪ ،‬فيحق للمعني باألمر سواء كان أمرا بالصرف أو محاسبا عموميا أو غيرهما‬
‫أن يطلب إبراء الذمة على وجه اإلحسان‪ ،‬إال أن األمر يصعب على المحاسب العمومي حسب‬
‫ما جاء في المادة ‪ 9‬من قانون ‪ 61-99‬التي أكدت على أن المحاسبين العموميين ملزمين بإبرام‬
‫عقد تأمين بصفة فردية أو جماعية لدى مقاولة التأمين لتغطية المخاطر المالية خالل مدة مزاولة‬

‫‪ .- 247‬محمد براو ‪ :‬الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية‪ ........................ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.200 :‬‬
‫‪ - 248‬المادة ‪ 10‬من قانون ‪ ) 61-90‬المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف والعراقيين والمحاسبين العموميين‬
‫‪115‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫مهامهم على المسؤولية الشخصية والمالية التي يتحملونها‪ ،‬أما باقي المتدخلين فقد أغفلهم‬
‫المشرع المغربي سواء كان ذلك عن قصد أو عبر أحد من هذا االلتزام‪.‬‬

‫أما فيما يخص الجهة المختصة باتخاذ قرار إبراء الذمة على وجه اإلحسان‪ ،‬فال قانون ‪-99‬‬
‫‪ 62‬وال قانون ‪ 61-99‬أشار إلى هذه الجهة‪ ،‬بل نجد هذه اإلشارة في الفصل ‪ 24976‬من قانون‬
‫المحاسبة العمومية لسنة ‪ 1967‬الذي أشار إلى اختصاص الوزير األول في اتخاذ القرار‬
‫المرسوم يتخذ باقتراح من وزير المالية‪ ،‬على خالف األمر بالنسبة لطلب اإلعفاء من المسؤولية‬
‫الذي يقدم لوزير المالية للبت فيه ويحسم فيه الوزير األول‪ ،‬كما أن موضوع الطلب ينبغي أن‬
‫‪250‬‬
‫يكون قائما على أسباب مرتبطة بالوضعية العائلية والحالة الصحية المعني باألمر‬
‫كالظروف االجتماعية وانعكاساتها‪ ،‬كما يجب أال تكون المخالفة المالية موضوع مساءلة قد‬
‫عادت على المعني باألمر بمنفعة شخصية‪ ،‬وبدون افتعال ظاهرة العسر‪.251‬‬

‫واإلعفاء من المسؤولية المالية وإبراء الذمة على وجه اإلحسان تتطلب شروطا جوهرية‪،‬‬
‫البد من توفرها‪ ،‬قد أكد عليها المشرع المغربي‪ ،‬رغبة منه في إضفاء نوع من المصداقية على‬
‫هذه الحاالت كاعتماد حسن النية قبل تقرير أي إعفاء أو إبراء‪ .‬فطلب إبراء الذمة على وجه‬
‫اإلحسان ال بد أن يحظى بالموافقة المسبقة للجهاز التقريري ومنها الجماعات الترابية وهيئاتها‪،‬‬
‫والمؤسسات والمقاوالت العمومية الخاضعة للمراقبة المالية للدولة‪.252‬‬

‫فاالستعانة برأي وقرار المجالس التداولية في طلب اإلعفاء وإبراء الذمة على وجه اإلحسان‬
‫تعتبر وضعية منافية لمبدأ أساسي منصوص عليه في الفصل الثالث من مرسوم ‪ 21‬أبريل‬
‫‪ 1967‬المنظم للمحاسبة العمومية‪ ،‬والذي أكد على استقاللية المحاسبين العموميين عن األمرين‬
‫بالصرف في مجال العمليات المالية‪ .‬كما يثير منح كل من وزير المالية والوزير األول سلطة‬
‫إعفاء المحاسبين العموميين أو كل متدخل في تنفيذ الميزانية إشكالية تداخل االختصاصات‪،‬‬
‫فكان من األفضل واألجدى ترك المجال للسلطة القضائية المالية أن تتخذ قرار المتابعة من‬

‫‪ -‬ينص الفصل ‪ 76‬من المرسوم الملكي رقم ‪ 330-660‬بتاريخ ‪ 21‬أبريل ‪ 1967‬بس نظام عام للمحاسبة العمومية على أنه‪ " :‬يعلن عن ألإلبراء‬
‫من الديون بما فيها األصل والفوائد بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من وزير المالية‪.‬‬
‫‪ 249‬وتعتبر نسخة من المرسوم بمثابة الورقة المثبتة لتخفيض أو إلغاء المبلغ المتكفل به"‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫‪- MEDDAH (M): Le comptable public, son statut et sa responsabilité, op.cit, p: 166.‬‬
‫‪ - 251‬إبراهيم عقاش‪ ،‬مسؤولية المحاسب العمومي ‪ ،‬مس‪ ،‬من ‪254 :‬‬
‫‪ - 252‬المادة ‪ 15‬من قانون ‪ 61-99‬المتعلق بتحديد مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫عدمه‪ ،253‬واعتماد كافة الظروف المحيطة بالمعني باألمر من أجل اإلعفاء من المسؤولية‪.‬‬
‫فالتشريع المقارن قد سار في هذا االتجاه‪ ،‬بحيث يسند اختصاص البت في طلبات إبراء الذمة‬
‫في فرنسا إلى وزير المالية‪ ،‬بعد استشارة مجلس الدولة الفرنسي كلما تجاوز مبلغ الدين أو‬
‫العجز ‪ 10‬ألف فرنك فرنسي‪ .254‬إال أن قرار إبراء الذمة على وجه اإلحسان ال يعتبر حقا‬
‫مكتسبا بقوة القانون بطلب اإلعفاء من المسؤولية بالنسبة لألمرين بالصرف أو المحاسبين‬
‫العموميين أو من في حكمهم‪ ،‬فهذا اإلجراء يمارس من طرف الوزير األول على وجه اإلحسان‬
‫‪255‬‬
‫والعطف وال حق للمعني باألمر المطالبة به قانونا ولذلك ال يسمح لمقدميه الطعن في قرار‬
‫رفض طلب إبراء الذمة على وجه اإلحسان‪ ،‬إال أنه في حاالت كثيرة يلجا مقدم الطلب إلى‬
‫افتعال عمره بعد إجباره على أداء ما بذمته من غرامات وديون‪ ،‬فيقوم بتبديد أمواله التي تشكل‬
‫وتحصيلها لفائدة الخزينة‪ ،‬إال أن‬ ‫‪256‬‬
‫ضمانا للخزينة لكي ال تخضع إلجراءات الحجز عليها‬
‫المادة ‪ 86‬من قانون ‪ 15-97‬المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية قد وضعت حدا لهذه‬
‫األفعال لما عاقبت مفتعل العسر بغرامة من ‪ 5‬ألف درهم إلى ‪ 10‬ألف درهم‪ ،‬وبعقوبة حبسية‬
‫موقوفة التنفيذ من سنة إلى سنتين‪ ،‬أو بإحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬وفي حالة العود تضاعف الغرامة‬
‫نافذة‪ .‬فأغلب التشريعات المالية‬ ‫‪257‬‬
‫ومدة الحبس‪ ،‬وتكون العقوبة الحبسية في هذه الحالة‬
‫المقارنة‪ 258‬قد اعترفت للسلطات اإلدارية بصالحية اإلعفاء من المسؤولية أو إبراء الذمة على‬
‫وجه اإلحسان‪ ،‬وال بعد التشريع المغربي استثناء كما جاء في قانون ‪ 61-99‬المتعلق بتحديد‬
‫مسؤولية األمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين وخصوصا المادة ‪ 10‬وما بعدها‬
‫من المواد إلى حدود المادة ‪.17‬‬

‫‪253‬‬
‫‪- BENNANI (A): "L'agent comptable.................................., op.cit. p:244.‬‬
‫‪254‬‬
‫‪- PAUL (M): Les financies de l'Etat………………………………..., op.cit, p:661.‬‬

‫‪255‬‬
‫‪- BNNANI (A) : L’gent comtable…………………………….., op.cit, p : 242.‬‬
‫‪ -256‬المادة ‪ 4‬من قانون ‪ 15-97‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫‪ - 257‬المادة ‪ 87‬من قانون ‪ 15-97‬السالف الذكر‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫(‪- Loi n°63- 156 du février 1963 surtout l’art -60 X alinéa (Décharge de responsabilité et l’art. 60 IX, 2 alinéa‬‬
‫‪remise gracieuse) portant la loi de finance francaise.‬‬
‫‪117‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫خاتمة الفصل األول‪:‬‬

‫يتضح من خالل دراسة اإلطار القانوني والمؤسساتي للمحاكم المالية تعدد األجهزة والهيئات‬
‫في البناء التنظيمي لهذه المؤسسات الرقابية‪ ،‬أما البناء التنظيمي فيعني تحديد وضبط مجاالت‬
‫اختصاص المحاكم المالية والتي يمكن إدراج مجملها في اإلختصاصات الغير القضائية وأخرى‬
‫قضائية وثم التركيز على مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‪.‬‬

‫باعتبار أن االختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬قد ارتبط بمسؤولية‬
‫اآلمرين بالصرف من أجل تحسين التدبير العمومي وتحقيق نوع من التوازن في نظام‬
‫المسؤولية أمام المحاكم المالية‪ ،‬إذ يمكن لهذا االختصاص أن يشمل جميع المدبرين العموميين‬
‫لألجهزة العمومية سواء ما يتعلق بنظام المحاسبة العمومية أو ما يتعلق بمسك المحاسبة في‬
‫المعامالت التجارية والصناعية التي تطبق قواعد القانون الخاص‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة‬
‫لمسؤولي ومستخدمي الشركات والمقاوالت العمومية‪.‬‬

‫فبالرغم من تعدد المسؤوليات الملقاة على عاتق اآلمرين بالصرف سواء كانت مدنية أو‬
‫سياسية أو تأديبية أو جنائية إال أن هذا االختصاص قد استثنى فئة من اآلمرين بالصرف بنص‬
‫القانون وهو ما جاء في المادة في ‪ 4‬من القانون ‪ 61.99‬المتعلق بمسؤولية اآلمرين بالصرف‬
‫والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ ،‬عندما يمارسون وظائفهم بهذه الصفة‪ ،‬والذين يتولون مهاما‬
‫تقريرية داخل األجهزة العمومية المعنية‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وبالنظر إلى المخالفات المستوجبة للمسؤولية التأديبية فهي تتسم بالشمولية‪ ،‬فإذا كان البت‬
‫في والتدقيق يهيمن عليها طابع رقابي فإن وظيفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،‬‬
‫ال تهدف في الواقع االمر إلى معاقبة إلى معاقبة كل االختالالت التي تتسم بها التدبير العمومي‪،‬‬
‫بل للردع العام بما يحقق مراقبة ذاتية للمسؤول الخاضع لهذا االختصاص‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬حدود التأديب‬


‫المالي وإكراهات عمل المحاكم‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫الفصل الثاني‪ :‬حدود التأديب المالي وإكراهات عمل المحاكم المالية‬


‫خالفا للدعوى التدقيق والبت في الحسابات التي تتميز بطابعها الخاص‪ ،‬فإن الدعوى التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬ينظر اليها عموما باعتبارها قرينه من المجال الجنائي‪،‬‬
‫خصوصا في فيما يتعلق بتطبيق الضمانات والمبادئ العامة كمبدأ قرينة البراءة‪ ،‬وحقوق‬
‫الدفاع‪ ،‬عدم رجعية النصوص القانونية…‪ ،‬وذلك ما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي من خالل‬
‫قراره الصادر بتاريخ ‪.1998‬‬

‫انطالقا من ذلك‪ ،‬فإن المحاكم المالية تمارس اختصاصا قضائيا من نوع آخر‪ ،‬ويتعلق‬
‫االمر باختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬حيث اعتبرت محكمة التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬تبت في اتهامات التي تخص المجال الجنائي‪ ،‬وهذا ما‬
‫حددته المادة ‪ 6‬من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان‪ ،‬التي تلزم هذه المحكمة لمبدأ علنية‬
‫الجلسات ويتعلق األمر باآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ ،‬وكل موظف أو‬
‫عون تابع لهم بأحد األجهزة الخاضعة للرقابة المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية‬
‫للحسابات في هذا المجال‪ ،‬ترتكب بمخالفات في مجال تنفيذ المداخيل والنفقات لهذه األجهزة‬
‫المنصوص عليها في المواد ‪ 56 55 54‬من مدونة المحاكم المالية ‪.‬‬

‫وتشمل مسطرة التأديب المالي‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬جميع المتدخلين في مجال التدبير العمومي‪،‬‬
‫وذلك من خالل تفعيل مبدأ المساواة أمام المسؤولية‪ ،‬وضمان العدالة في الخضوع للقاعدة‬
‫القانونية‪،‬‬

‫بالرغم من أن هذا االختصاص يبدو منذ أول وهلة شامال‪ ،‬إال أن هناك مجموعة من‬
‫االستثناءات تستثني بعض المسؤولين من هذا االختصاص‪ ،‬ويتعلق األمر بأعضاء الحكومة‬

‫‪120‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس المستشارين عندما يمارسون امامهم بهذه الصفة‬
‫(المبحث األول)‪،‬‬

‫ومن البديهي‪ ،‬وفقا لذلك‪ ،‬أن المساطر المتبعة في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية تعتبر دعوى اتهامية تميل الى خصائص المسطرة الجنائية‪ ،‬كما تمتد هذه الثنائية الى‬
‫مجال العقوبات التي يصدرها القاضي المالي‪ ،‬التي وإن كانت تصنف كلها ضمن العقوبات‬
‫المالية‪ ،‬فإنها تهدف بشكل عام إلى ضمان احترام القواعد القانونية المؤطرة للتدبير العمومي‪،‬‬

‫إن هذه الدراسة تشكل مناسبة للوقوف على النتائج العملية التي حققتها المحاكم المالية في‬
‫هذه الفترة االخيرة من حياتها في حلتها الجديدة أي منذ ‪ 2003‬سنه بداية اشتغالها‪ ،‬والمجالس‬
‫الجهوية اعتبارا من سنة ‪ ،2004‬وبالتالي مالمسات العراقيل واالكراهات التي تعوق سير‬
‫المح اكم المالية والوقوف على مكامن القصور التي يعرفها عمل هذه األجهزة‪ ،‬سواء الجوانب‬
‫المرتبطة بالبنية التنظيمية والقانونية او ما يتعلق بالجوانب العملية‪ ،‬ومن تم االطالع على‬
‫مختلف اإلصالحات التي يجب القيام بها في هذا المجال ومحاولة تجاوز هذه اإلكراهات‬
‫وبالتالي تحس ين وظيفتها الرقابية وتأهيلها ألداء دورها التنموي(المبحث الثاني)‪. .‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مجال االستثناء في مادة التأديب المالي والمخالفات المحركة لهذه‬
‫المسطرة‬
‫انطالقا من اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬بحيث قد يشمل هذا‬
‫االختصاص كل مسؤول بأحد األجهزة الخاضعة للرقابة المحاكم المالية اي كل موظف او‬
‫عون تابع لهم ويشغل منصب المسؤولية وتكمن أهمية هذه الفئة من األشخاص في مضمونها‬
‫الواسع ويهدف من جهة إلى تفادي حالة ثبوت مخالفة مرتكبة من طرف أشخاص أسند لهم‬
‫مؤقتا إنجاز مهام لفائدة الجهاز العمومي المعني ومن جهة أخرى‪ ،‬يتالءم هذا المقتضى مع‬
‫طبيعة األجهزة التي تتخذ شكل مؤسسات او شركات او مقاوالت عموميه التي ال تطبق‬
‫بالضرورة في إطار تنظيمها المالي والمحاسبي قواعد المحاسبة العمومية وقانون الوظيفة‬
‫العمومية ويتيح الختصاص التأديب المالي بالتبعية‪ ،‬ومواكبة التغيرات التي يخضع لها مجال‬
‫التدبير العمومي في الوقت والتي يمكن اجمالها في توجيه عام نحو التقارب بين القطاع العام‬

‫‪121‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫والقطاع الخاص من حيث طبيعة القواعد القانونية التي يجب تطبيقها ‪.‬وتراجع نطاق السلطة‬
‫العامة والقانون العام في تدبير الشؤون المالية لألجهزة العمومية‪.259‬‬

‫تشمل مسطرة تأديب المالي بصفة عامة جميع المتدخلين في مجال التدبير العمومي وذلك‬
‫استنادا الى تفعيل مبدا المساواة امام المسؤولية وضمان خضوع للقاعدة القانونية لكن بالرغم‬
‫من اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بيده ومنذ أول مره انه يبدو شامال‬
‫إال أنه ترد عنه استثناءات تستثني بعض المسؤولين من هذا االختصاص الحكومة واعضاء‬
‫مجلس النواب واعضاء مجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة تطبيقا‬
‫لمقتضيات المادة الرابعة من القانون ‪ 99 .61‬المتعلق بالمسؤولية اآلمرين في الصرف‬
‫والمراقبين والمحاسبين العمومين‪،‬‬

‫اال ان المشرع المغربي اعتمد في مدونة المحاكم المالية عند تحديد االشخاص الخاضعين‬
‫الختصاص التأديب المالي على استثناء فئة من نطاق المتابعة القاضي المالي (المطلب األول)‪،‬‬

‫ويشكل هذا االمر مستجدا مقارنة بالقانون ‪ 12 .79‬المنسوخ‪ ،‬والذي اعتمد فيه المشرع‬
‫الصياغة ا لعامة في تحديد االشخاص الخاضعين‪ ،‬التي كانت مصدر تساؤل حول مدى شمول‬
‫هذه الخاصية في إثارة المسؤولية المدبرين العموميين (المطلب الثاني) ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬استثناءات المساءلة أمام القاضي المالي‬


‫يخضع اآلمر بالصرف نظرا لمكانته األساسية في تنفيذ ميزانية األجهزة العمومية لنظام‬
‫مسؤولية المدبرين العموميين امام المحاكم المالية‪ ،‬اال ان هناك استثناءات ويتعلق االمر‬
‫بالوزراء الذين يعتبرون بالصرف بقوه القانون إذن فما هو اإلطار القانوني المنظم لهذه‬
‫االستثناء؟ وما هي مبررات؟‬

‫‪ - 259‬إبراهيم بن به‪ ،‬نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي‪ ،‬دراسة قانونية وقضائية مقارنة‪ ،‬طوب بريس‪-‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2017‬‬
‫‪122‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫الفقرة األولى‪ :‬استثناء الوزراء واعضاء البرلمان من نطاق المساءلة امام القاضي‬
‫المالي ومبرراته‬
‫ان استثناء الوزراء وأعضاء البرلمان من نطاق المساءلة أمام المحاكم المالية في مجال‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية لم يأتي عن فراغ (اوال) وذلك راجع لمجموعة من‬
‫االسباب والمبررات القانونية والسياسية باألساس (ثانيا) ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نطاق االستثناء‬

‫استنادا لمقتضيات المادة ‪ 52‬من مدونة المحاكم المالية والمادة الرابعة في فقرتها األخيرة‬
‫من القانون ‪ 99 61‬المتعلق اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ ،‬ال يخضع‬
‫لالختصاص القضائي للمحاكم المالية في ميدان التأديب المالي أعضاء الحكومة وأعضاء‬
‫مجلس النواب وأعضاء مجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة ‪.‬‬

‫انطالقا من هاتين المادتين يتبين أن المشرع لم يشمل نطاق االستثناء للمسؤولين الذين‬
‫ارتكبوا مخالفات موضوع قرارات اتخذوها بناء على تفويض التوقيع الصادر عن الوزير‬
‫ونستشهد في هذه النقطة قضية تتعلق بكاتب عملي وزاره تقدم دفاع هذا األخير بدفع اعتبر فيه‬
‫أن مصادقته على الصفقات المعنية بالمخالفة بناء على تفويض من الوزير الذي ال يخضع لهذا‬
‫االختصاص وبالتبعية يسري هذا االستثناء على المفوض اليه ‪.260‬‬

‫وكذا‪ ،‬ويعد التذكير المجلس بكون المتابع يعتبر أمرا بالصرف منتدبا‪ ،‬وان االمرين بصرف‬
‫يعتبرون مسؤولين بصفة شخصية طبقا للقوانين واألنظمة المعمول بها عن القرارات التي‬
‫اتخذوها من تاريخ استالمهم لمهامهم إلى تاريخ انقطاعهم عنها‪ ،‬اعتبر المجلس ان االستثناء‬
‫الوارد في المادة ‪ 52‬من مدونة المحاكم المالية‪ … ،‬يخص الصفة وال يخص الشخص بداللة‬
‫عبارة عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة‬

‫وعليه‪ ،‬فإن تعيين الوزير أمر للصرف منتدبا (تفويض التوقيع للكاتب العام) ال يستثنى هذا‬
‫األخير من المسؤولية امام المحاكم المالية في مادة التأديب المالي‪ ،261‬حيث ال يعفى قرار‬

‫‪- 260‬قرار عدد ‪ 2012/42/‬ت‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 27‬يونيو ‪ 2012‬في القضية عدد ‪ 2010/111‬ت‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لوزارة قرارات‬
‫صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مادة التأديب المالي ‪ ،2017‬ص ‪.104‬‬
‫‪ - 261‬المادة ‪ 54‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الوزير بتفويض اإلمضاء من المسؤولية امام المحاكم المالية في ميدان التأديب المالي اذ يتعين‬
‫عليه ان يعمل بهذا القرار وتنفيذ العمليات والمهام المفروضة اليه وفقا للضوابط القانونية‬
‫الجاري بها العمل ‪.‬‬

‫تجدر االشارة الى انه‪ ،‬وفي إطار المسؤوليات التي يتحملها الوزير في النظام القانوني‬
‫المغربي‪ ،‬كان قد صدر القانون التنظيمي تختص المحكمة‪ ،‬طبقا ألحكام الفصلين ‪ 88‬و‪ 89‬من‬
‫الدستور (يقصد الدستور المملكة المراجع لسنة)‪ 1996‬في محاكمة أعضاء الحكومة عما‬
‫يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم ‪.‬‬

‫وإذا كان إحداث هذه المحكمة قد شكل تاريخيا موضوع طلبه تفعيل المقتضيات الدستورية‬
‫‪ 1996 1972‬فقد ألغاها دستور المملكة لسنة ‪ 2011‬بعد سنتين فقط من انشائها دون ان تمارس‬
‫اي اختصاص يذكر‪ .‬وتبعا لذلك‪ ،‬أصبح الوزراء مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة طبقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 94‬من الدستور الذي ينص على أن أعضاء الحكومة مسؤول جنائيا أمام‬
‫محاكم المملكة‪ ،‬عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم‪ .‬ويحدد القانون‬
‫المسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية ‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬لم يغير هذا المقتضى من جوهر المبدأ على اعتبار أنه ظل يتعلق بكيفية إثارة‬
‫مسؤولية الوزراء في المادة الجنائية من حيث المسطرة وأهلية المحكمة المختصة للبث في‬
‫األفعال المرتكبة كذلك المحاكم المالية لم تخضع المادة ‪ 52‬من القانون المتعلق بها ألي تغيير‬
‫في القانون ‪ 55 16‬الذي عدل بعض المواد هذه المدونة قصد مالءمتها مع مقتضيات دستور‬
‫‪. 2011‬‬

‫لكن إخضاع الوزراء للمساءلة الجنائية أمام محاكم المملكة قد يعبر عن اتجاه المشرع‬
‫الدستوري نحو االقتصار في نطاق المسؤوليات الوزراء في إطار المخالفات الخطيرة التي قد‬
‫يرتكبونها في مجال التدبير المالي العمومي أو بشكل خاص في حالة ارتكابهم لجرائم االعتداء‬
‫عن األموال العمومية ‪.‬‬

‫وينسجم هذا التحليل مع طبيعة المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة التأديب المالي‪،‬‬
‫التي وإن كانت عناصرها المادية تتقاطع مع هذه الجرائم‪ ،‬فان شروط إثباتها ال تستلزم توافر‬

‫‪124‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫عنصر الخطورة فيها وستهدف صفة مرتكب المخالفة أكثر من شخص في حد ذاته‪ .‬وبالتالي‬
‫وفي حالة سوء نية الحصول على منافع شخصية او بصف عامة في حاله توفر ظروف تشديد‬
‫في مالمسه ارتكابها فإن هذه العوامل قد تشكل الركن المعنوي لجرائم االعتداء على األموال‬
‫العمومية ‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬ولئن اعتبر المشرع ضمنيا المسؤولية أمام القاضي المالي في مجال التأديب المالي‬
‫أقل خطورة من المسؤولية الجنائية األمر الذي يعتبر طبيعيا بالنظر الى اركان ثبوت الجرائم‬
‫والعقوبات التي قد يرتكبها الوزراء والمتسمة بخطورة كبيرة‪ ،‬تخضع لمساءلة القاضي‬
‫الجنائي‪ ،‬وفقا للفصل ‪ 4‬من الدستور المملكة ‪.‬‬

‫اما على الصعيد القانون المقارن‪ ،‬يالحظ ان بعض األنظمة المسؤولة‪ ،‬التي اقتبست النموذج‬
‫الفرنسي في إحداث محاكم الحسابات‪ ،‬كما هو الشأن في البرتغال وايطاليا‪ ،‬عرفت تطورات‬
‫تشريعية افضت الى اخضاع الوزراء الختصاص محكمة الحسابات‪ ،‬في حين ظل المشرع‬
‫الفرنسي وفيا لقانون ‪ 1948‬الذي يستثنى الوزراء من مسؤولية أمام القاضي المالي الفرنسي‪،‬‬
‫بمناسبة ممارستهم لمهامهم او المهام االخرى التي تعتبر تكملة لالختصاصات الرئيسية‪ ،‬ولم‬
‫ينص سواء في صيغته األصلية أو في تعديالت الالحقة صراحة على عدم خضوع البرلمانيين‬
‫الختصاص هذه المحكمة ‪.262‬‬

‫ثانيا‪ :‬مبررات االستثناء‬

‫يجد استثناء الوزراء وأعضاء البرلمان‪ ،‬وبصفه عامه السلطة السياسية من مجال‬
‫االختصاص التأديب المالي‪ ،‬أساسه في المبدأ القانوني الذي يقضي باستفادة كل ممارسة لمهمة‬
‫تمثيلية من الحماية القانونية في مجال إثارة المسؤولية الشخصية بسبب ممارسته لمهامه بهذه‬
‫الصفة‪ ،‬اعتبارا لكون هذه المسؤولية سياسية حيث تعتبر "الحرية التي يجب توفرها لممارسة‬
‫السياسة الوطنية(‪)...‬جزء ال يتجزأ من هذه السيادة"‬

‫ويعكس هذا االستثناء أولوية السياسية وفقا للدور التقليدي للهيئات المنتخبة والتقريرية الذي‬
‫يخلط بين والمراقبة والمسؤولية السياسية أمامها‪ ،‬فقد ال يتقاسم الناخبون مع المحكمة "تقييم‬

‫‪- 262‬إبراهيم بن به‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.121‬‬


‫‪125‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تدبير المتصرفين واآلمرين بالصرف الذين (أي الناخبين) يعتبرون قضاة المناسبين على األقل‬
‫عندما تتم االنتخابات باالقتراع العام المباشر‪ ،‬ألنهم هم الملزمين بالضرائب ويتحملون بهذه‬
‫الصفة تبعات اختيارهم ‪".‬‬

‫ويسفر عن هذا االستثناء نظامين مستقلين للمسؤولية في إطار التدبير العمومي نظام الوزراء‬
‫باعتباره آمرين بالصرف بحكم القانون الذين يخضعون في ممارستهم لمهامهم للمسؤوليات قد‬
‫تكون مدنية او تأديبية أو جنائية‪ ،‬باإلضافة الى العقوبات التي يمكن ان يحكم عليها القاضي‬
‫المالي كما أشرنا سابقا ‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬تركز هذه المبررات على االختالف في الطبيعة المهام بين الوزراء واآلمرين بصرف‬
‫الموظفين من خالل التمييز حاله الحاكمين عن حاله األعوان المسيري ‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬تبرر حصانه الوزراء بوضعيتهم الخاصة‪ ،263‬إذ يتوفر كل مكلف بمهمة سياسية‬
‫على هامش من السلطة التقديرية‪ ،‬ويكون في بعض االحيان مضطرا لتبرير أعماله باالستناد‬
‫الى مفهوم المصلحة العليا للدولة‪ ،‬كما أن اآلثار العملية المترتبة عن التمييز بين الوزراء‬
‫والمدبرين تبقى محدودة ألن الوزراء نادرا ما يرتكبون مخالفات بشكل مباشر‪.‬‬

‫في ذات االتجاه‪ ،‬يضيف الفقه معطيات اخرى لتبرير هذا االستثناء‪ ،‬فالوزير مؤهل لتفعيل‬
‫النظام العقابي الختصاص التأديب المالي باعتباره من السلطات المؤهلة لرفع القضايا في هذا‬
‫المجال‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يبدو نظام التأديب المالي كآلية لإلدارات العمومية أكثر منه آلية لضبط العمل‬
‫السياسي‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فهناك من االجتهادات القضائية التي تربط بين المسؤولية السياسية والتدبيرية‪،‬‬
‫إذ بالرغم من االختالفات بين هذين النظامين في المسؤولية‪ ،‬فإن المسؤولية التدبيرية تعاقب‬
‫على اإلختيارات‪ ،‬وبصفة عامة تدبير الشؤون العامة من طرف السلطات السياسية‪ ،‬األمر الذي‬
‫يثير العالقة الجدلية بين المراقبة المطابقة وحسن األداء في مجال التدبير العمومي‪.‬‬

‫‪ - 263‬في بعض التشريعات المقارنة التي اقتبست النموذج الفرنسي في إحداث المحاكم الحسابات‪ ،‬كالبرتغال وإيطاليا عرفت بعض التطورات‬
‫تشريعية تفضي إلى إخضاع الوزراء الختصاص محكمة الحسابات‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تجدر اإلشارة‪ ،‬إلى أن المجلس الدستوري الفرنسي لم يعتبر هذا اإلستثناء مخالفا‬
‫للدستور‪ ،‬وذلك في إطار رده على الدفع بهد الدستورية بعض مقتضيات المادة ‪321L– 1‬‬

‫من مدونة المحاكم المالية الفرنسية لكونها تتعارض مع مبدأ المساواة‪ ،‬إذ قضى بكون هذا‬
‫التمييز يجد مبرره في كون األشخاص المستفيدين من االستثناء يوجدون في وضعية مختلفة‬
‫عن تلك التي يوجد فيهل األشخاص الخاضعون للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،‬‬
‫ما دام أن أ عضاء الحكومة مسؤولين أمام البرلمان وأن المنتخبين الترابيين يخضعون لمساءلة‬
‫الهيئات التداولية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حدود اإلستثناء والمخاطر المترتبة عنه‬


‫رغم أن المشرع استثنى الوزراء وأعضاء البرلمان من خضوعهم لمادة التأديب المالي بناء‬
‫على عدة اعتبارات سبق أن ذكرناه أعاله‪ ،‬إال أن مدونة المحاكم المالية لم تستثني رؤساء‬
‫الجماعات الترابية‪ ،‬وبصفة عامة كل مسؤول يرتكب إحدى المخالفات المستوجبة للمسؤولية‬
‫في هذا المجال (أوال)‪ ،‬إال أن تولي هؤالء مهام اإلدارية دون مساءلتهم تنطوي على مخاطر‬
‫كبيرة قد تترتب عنا تبعات على العاملين تحت سلطتهم ( ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مسؤولية رؤساء الجماعات الترابية أمام المحاكم المالية‬

‫تكتسي وظيفة رؤساء الجماعات الترابية طابعا تمثيليا لكونهم يتولون هذه الوظائف بواسطة‬
‫االنتخاب وليس التعيين‪ ،‬حيث تنتخبهم الساكنة الترابية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بناء‬
‫على البرنامج انتخابي‪ ،‬وبع يتم مساءلتهم من طرف الهيئات التداولية للجماعات الترابية المعنية‬
‫وأمام الرأي العام المحلي‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬يتميز التشريع المغربي عن نظيره الفرنسي بإخضاع رؤساء الجماعات‬
‫الترابية وعمداء المدن‪ .‬الختصاص المجالس الجهوية للحسابات في مادة التأديب المالي‪ ،‬ففي‬
‫الوقت التي أسندت فيه الوالية الشاملة للقاضي المالي المغربي على مستوى المجالس الجهوية‬
‫للحسابات‪ ،‬في مجال التأديب المالي‪ ،‬على المدبرين العموميين بدون استثناء‪ ،‬ال يمكن مساءلة‬
‫المنتخبين المحليين أمام القضاء المالي الفرنسي إال في حالة محدودة‪.264‬‬

‫‪- 264‬إبراهيم بن به‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.126‬‬


‫‪127‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وبالمقارنة بين اختصاص المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات في مادة‬
‫التأديب المالي‪ ،‬أن المادة ‪52265‬من الكتاب األول من مدونة المحاكم المالية ليس لها ما يقابلها‬
‫بنفس المضمون في مواد الكتاب الثاني المنظم الختصاص الجالس الجهوية‪ ،266‬كما لم تحل‬
‫مقتضيات هذا الكتاب على المادة ‪ 52‬التي تبقى منحصرة في تحديد نطاق اختصاص المجلس‬
‫األعلى للحسابات في المادة التأديب المالي‪.‬‬

‫أما في فرنسا‪ ،‬فقد شكل عدم خضوع المنتخبين المحليين لمحكمة التأديب المالي موضوع‬
‫نقاش منذ إحداثها‪ ،‬إذ ال يتطابق مع مستلزمات دولة القانون أال يخضع العمداء ورؤساء المجاس‬
‫الجهوية ورؤساء نقابات الجماعات الختصاص محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية‪ ،‬كم ا هو الشأن بالنسبة لرؤساء الجامعات ومدراء المستشفيات أو مدير بغدارة‬
‫مركزية‪."...‬‬

‫لهذا‪ ،‬فبمقتضى قانون ‪ 1993‬المتعلق بالوقاية من الرشوة والشفافية في الحياة‬


‫االقتصادية‪ ،267‬أصبحوا يخضعون لمحكمة األديب المالي في حاالت ثالث وهي‪:‬‬

‫‪-‬عدم تنفيذ المقررات القضائية‬

‫‪-‬إصدار األوامر بالتسخير ترتب عنها منح منفعة غير مبررة للغير ألحقت ضررا بالخزينة‬
‫أو بمالية الجهاز المعني‬

‫‪-‬ممارسة نشاط غير ضروري لوظيفتهم التمثيلية‬

‫ثانيا‪ :‬مخاطر استثناء المسؤولين السياسيين من المساءلة أمام القضاء المالي‬

‫رغا م أن عدم خضوع المسؤولين السياسيين الختصاص التأديب المالي ال يثير أي اهتماما‬
‫كبيرا‪ ،‬فإن أهمية هطا العنصر تتحلى في مناقشة اآلثار المترتبة عنه‪ ،‬ال سيما من خالل ربط‬
‫هذا المقتضى بسبب آخر لعدم المسؤولية والمتعلق باألمر الكتابي‪ ،‬نظرا لما قد ينتج عن هطا‬

‫‪ - 265‬تنص المادة ‪ 52‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية على أنه ال يخضع لالختصاص القضائي للمجلس في ميدان التأديب‬
‫المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة‪.‬‬
‫‪ - 266‬نفس المقتضى جاءت به المادة الرابعة في فقرتها األخيرة من القانون ‪ 61.99‬المتعلق بمسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين‬
‫العموميين‪.‬‬
‫‪ - 267‬بداه مريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪128‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الربط من عدم خضوع عدد كبير من األشخاص الخاضعين والمخالفات المستوجبة للمسؤولية‬
‫فعليا‪ ،‬مما قد يؤثر بشكل سلبي على فعالية هذا النظام في المسؤولية ونطاقه الفعلي‪.‬‬

‫فربط عدم المسؤولية بالنسبة للسياسيين واآلثار المترتبة عن األوامر الكتابية‪ ،‬يؤدي إلى‬
‫الحد من نطاق الحاالت الخاضعة للتأديب المالي‪ ،‬التي يكون فيهل المدبرون العموميون الذين‬
‫يخضعون لهذا االختصاص طبقا للقانون أطرافا رئيسية‪ ،‬وتنطوي هذه اآلثار على عدم المساواة‬
‫ما بين الخاضعين المستفيدين من األوامر الكتابية الصادرة عن اآلمرين بالصرف السياسيين‬
‫واألشخاص اآلخرين الخاضعين‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬وإذا كان من الواضح أن أغلب المخالفات التي قد ترتكب في التدبير العمومي تضفي‬
‫على المسؤولية طابعا إداريا وليس سياسيا‪ ،‬فإنه من النادر أن يتخذ الوزير قرارا غير قانوني‬
‫بشكل مباشر‪ ،‬ممل يعني أن هذا النقاش المرتبط بمسؤولية أن يستهدف باألساس تجاوز الفراغ‬
‫القان وني في المسؤولية الذي قد يترتب عن إصدار الوزير األوامر الكتابية لمرؤوسيه قصد‬
‫ارتكاب مخالفات ستبقى بدون عقاب‪.‬‬

‫أما في فرنسا‪ ،‬فقد شكل خضوع كل من الوزراء والمنتخبين المحليين موضوع نقاش منظم‬
‫في جميع اإلصالحات التي خضع لها القانون ‪1948‬في فرنسا‪ ،‬خاصة منذ الستينيات من القرن‬
‫الماضي‪ ،‬حيث يعتبر بعض الفقهاء أنه وبالرغم من كون" مستجد ‪( 1948‬يعتبر) مهما من‬
‫حيث المبادئ‪ ،‬فقد ظلت أهمية المحكمة محدودة‪ ،‬إذ أن االستثناءات كانت واسعة‪ ،‬فال الوزراء‬
‫اآلمرين بالصرف الرئيسيين من الحصانة‪ ،‬األمر الذي ال يمكن معه اعتبار إمكانية معاقبة‬
‫الموظفين العاملين تحت سلطتهم بديال عن هذا االستثناء"‪.‬‬

‫فمبرر اعتبارات المصلحة العليا للدولة لم يعد يكتسي شرعية كبيرة‪ ،‬فضال عن كون القول‬
‫بان الوزراء يخضعون ألنظمة خاصة في المسؤولية (السياسية والجنائية) يبقى غير ذي فعالية‪،‬‬
‫بالنظر إلى حصيلة تفعيل هذه المسؤوليات التي تبقى ضعيفة‪ ،‬إن لم تكن منعدمة‪.‬‬

‫وبالمقابل‪ ،‬هناك اتجاهات تعتبر أن إخضاع الوزراء للمسؤولية أمام القاضي المالي قد تكون‬
‫له فائدة حقيقية‪ ،‬على اعتبار أن ذلك يشكل وسيلة لتجاوز النقائص المرتبطة بمحدودية‬
‫المسؤولية السياسية واإلدارية‪ ،‬ومن شأن قيام هذا النظام‪ ،‬عقلنة اللجوء إلى القاضي الجنائي‬

‫‪129‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الذي ينطوي على مخاطر تجريم الحياة العامة‪ ،‬االمر الذي ال يتالءم مع اإلطار وطبيعة المهام‬
‫التي قد تثير مسؤولية هؤالء‪.‬‬

‫كذلك‪ ،‬يحد من مبرر أولوية المسؤولية السياسية ان العقوبات السياسية األكثر خطورة‪ ،‬تعتبر‬
‫في الممارسة العملية نتيجة لمساطر غير سياسية تضاف إلى األنواع األخرى وتصبح العقوبة‬
‫السياسية عقوبة تكميلية لها‪ ،‬وفقا لذلك‪ ،‬قد يشكل عدم االمتداد اختصاص القاضي المالي إلى‬
‫الوزراء في محال الـتأديب المالي تعزيزا لمسؤوليتهم السياسية‪.‬‬

‫وبالرغم من كون استثناء الوزراء يجد مبرره في ندرة الحاالت التي يرتكبون فيها المخالفات‬
‫للجوئهم المتنظم إلى تفويض اختصاصاتهم اإلدارية والمالية‪ ،‬أو لطابعها البسيط‪ ،‬وكذا كون‬
‫الوزير يعتبر من السلطات المؤهلة لرفع القضايا أمام المجلس في ماجة التأديب المالي‪ ،‬إال انه‬
‫إذا أدلى مرتكب إحدى المخالفات المستوجبة للتأديب المالي بأمر كتابي صادر عن رئيسه‬
‫التسلسلي‪ ،‬تعتبر من االنتقادات الشديدة التي توجه لهذا االستثناء نظرا ألثاره القانونية على‬
‫نطاق المساءلة‪.268‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المخالفات الموجبة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬


‫يقصد بالمخالفة في إطار المسؤولية التأديبية كل فعل أو امتناع من موظف يخالف الواجبات‪،‬‬
‫التي تنص عليها النصوص التشريعية والتنظيمية وأوامر رؤساء التسلسليين أو يمثل خروجا‬
‫عن مقتضيات العمل الوظيفي أو يمثل مسلكا ال يتفق مع االحترام الواجب والكرامة الوظيفة‪،‬‬
‫وتأتي هذه الواجبات الوظيفية في صياغة عامة تدخل في إطارها أفعال يتعذر حصرها وتختلف‬
‫من وظيفة ألخرى ‪.‬‬

‫أما على مستوى مدونة المحاكم المالية‪ ،‬فإن مفهوم المخالفة المالية يرتبط باالختصاصات‬
‫القضائية الموكلة الى المحاكم المالية‪ ،‬ويقصد بها األفعال التي تشكل خرقا لألحكام التشريعية‬
‫او التنظيمية المتعلقة سواء بتنفيذ عملية اإليرادات أو النفقات أو بالتسيير األموال العمومية‬
‫والوسائل المادية وممتلكات األجهزة العمومية ‪.‬‬

‫‪ - 268‬المادة ‪ 53‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪130‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫بيد أن المخالفات المنشئة للمسؤولية أمام القاضي المالي بالمحاكم المالية تنسجم مع مبدأ‬
‫الفصل بين األمرين بالصرف وظيفة المحاسبين العموميين‪ ،‬فبناء على هذا المبدأ توفر المدبرين‬
‫العموميين على السلطات واسعة في مجال اتخاذ أعمال تدبير شؤون األجهزة التي يشرفون‬
‫عليها ‪ ،‬ويمكن إجمال المخالفات التي يمكن أن تثير مسؤوليتهم الى ثالثة مجاالت متكاملة‪،‬‬
‫تشمل مخالفات في كل من النصوص القانونية وكذا إهمال في التدبير العمومي (الفقرة األولى)‪،‬‬
‫باإلضافة الى تقديم ومنح منافع غير مبررة (الفقرة الثانية) ‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مخالفة الشرعية في التدبير العمومي‬


‫على خالف اختصاص البث في الحسابات ال تنحصر والية القاضي المالي في مجال التأديب‬
‫المالي في األجهزة العمومية التي تتوفر على محاسب عمومي وتطبق نظام المحاسبة العمومية‪،‬‬
‫بل تمتد إلى األجهزة العمومية األخرى تتخذ اشكاال قانونيه مختلفة ومتنوعة تتجاوز الشكل‬
‫اإلداري ال تقليدي للمرفق العام وتنشط في المجاالت التجارية والصناعية‪ ،‬وتطبق في أغلب‬
‫معاملتها تبعا لذلك‪ ،‬قواعد القانون الخاص ‪.‬‬

‫وتبعا لتنوع القواعد القانونية المنظمة لنشاط مختلف هذه األجهزة الخاضعة‪ ،‬فان مجال‬
‫المساءلة في مادة التأديب المالي ال ينحصر في عدم احترام قواعد تنفيذ النفقات والموارد‬
‫العمومية وتدبير الممتلكات االجهزة العمومية‪ ،‬وبصفة عامة قواعد المحاسبة العمومية‪ ،‬بل‬
‫يمتد إلى األفعال المرتكبة من طرف األشخاص الخاضعين االختصاص التأديب المالي في‬
‫إطار ممارسة مهامهم الوظيفية داخل األجهزة الخاضعة بغض النظر عن الشكل الجهاز‬
‫وطبيعته التجارية والصناعة‪ ،‬مادام أن هذه االفعال تخالف قواعد التسيير المالي لهذه‬
‫االجهزة‪ ،269‬وعليه يتعلق مفهوم هذه القواعد بتلك المطبقة على الجهاز المعني الخاضع‬
‫الختصاص التأديب المالي بصرف النظر عن طبيعة الجهاز او االنظمة المطبقة عليه ‪.‬‬

‫وال إن كان المشرع المغربي في إطار مدونة المحاكم المالية قد احتفظ بأسلوب الالئحة في‬
‫تحديد هذه المخالفات مقارنة بالقانون ‪ 12 79‬المنسوخ‪ ،270‬فقد ترجع عن العبارات العامة في‬

‫‪ - 269‬بداه مريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50‬‬


‫‪ - 270‬حدد الفصل ‪ 56‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية المخالفات المستوجبة المسؤولية في مادة التأديب المالي كاالتي‪ ":‬يمارس‬
‫المجلس مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالنسبة لكل موظف أو مسؤول أو عون جهاز عام وكل مسؤول أو‬
‫عون بكل جهاز آخر تجري عليه مراقبة المجلس يرتكب إحدى المخالفات اآلتية‪ :‬عدم االحترام االلتزام بالنفقات‪ ،‬اإلخفاء الذي قد يساعد على‬
‫التزييف في خصم نفقة‪...‬‬
‫‪131‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تحديدها‪ ،‬كما ميز بين مخالفات كل فئة من الفئات الرئيسية لألشخاص الخاضعين باالختصاص‬
‫التأديب المالي ‪.‬‬

‫يمارس المجلس األعلى للحسابات الرقابة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في المواد ‪ 69 66‬من القانون ‪ 99.62‬المتعلق‬
‫بمدونة المحاكم المالية على كل آمر بالصرف أو آمر بالصرف المساعد بالصرف أو مسؤول‬
‫وكذا كل موظف او عون يعمل تحت سلطاتهم ولحسابهم اذا ارتكبوا احدى المخالفات التي تم‬
‫تحديدها وضبطها بشكل دقيق تسهيال على القاضي حتى ال ياتيه في البحث والتصنيف طبقا‬
‫ألحكام المادة ‪ 54‬من القانون على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ -‬مخالفات قواعد االلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واألمر بصرف‪ :271‬أداء النفقات‬
‫دون االلتزام المسبق اإلخفاء الذي من شانه ان يؤدي الى خطأ في التنزيل المالي‪ ،‬االلتزام‬
‫بالنفقات بدون أهلية أو دون توفر االعتمادات‪ ،‬االلتزام بتجاوز االعتمادات حصول الشخص‬
‫لنفسه و لغيره على منفعة مبررة نقدية أو عينية‪ ،‬اإلفراط في تقديرات أشغال البناء عدم تطبيق‬
‫الرسوم حول استغالل المقالع والذبح… إلخ أداء نفقات غير مبررة (الكراء‪ ،‬الهاتف‪ ،‬صيانة‬
‫السيارات… إلخ‪.272‬‬

‫وفي حالة تنفيذ صفقة عمومية يعتبر االحتساب الصحيح من قواعد صحة تصفية النفقات‬
‫العمومية‪ ،‬على اعتبار أن بنودها حددت باإلضافة إلى أجل التنفيذ المتعاقد بشأنه‪ ،‬الجزاءات‬
‫التي قد يتخذها صاحب المشروع في حالة تأخر المقاوالت المتعاقد معها في تنفيذ التزاماتها‬
‫التعاقدية برسم هذه الصفقة‪ ،‬السيما تطبيق غرامة التأخير‪.273‬‬

‫‪ -‬عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية‪ :‬ال يكفي أن تكون مشاريع‬
‫الصفقات العمومية مطابقة للنصوص التنظيمية بل يتعين ان ينسحب احترام تلك النصوص‬
‫على جميع في إبرام وتنفيذ ومراقبة الصفقات العمومية احترام قواعد المنافسة‪.‬‬

‫‪ - 271‬أحميدوش مدني‪ ،‬الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬المجلة المغربية للمالية العمومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.25‬‬
‫‪ - 272‬أحمد حاسون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪ - 273‬القراران عدد ‪ 023‬و‪ 2017/024‬ت‪.‬م ش‪.‬م‪ ،‬القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية خالل سنة ‪،2017‬‬
‫شتنبر ‪،2017‬‬
‫‪132‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ومن محاور األساسية التي ينبغي ان تحترم فيها النصوص التنظيمية يمكن أن نذكر ما يلي‪:‬‬

‫احترام قواعد المنافسة في اختيار المتعهدين‪ ،‬اخبار المتنافسين وضمان شفافية تسيير‬
‫الصفقات العمومية‪ ،‬ضمان حقوق المنافسين‪ ،‬أثمان الصفقات وقواعد مراجعتها تتبع ومراقبة‬
‫تسيير الصفقات العمومية أفضلية المقاولة الوطنية‪.‬‬

‫هذا وتشمل النصوص التنظيمية عالوة على المرسوم األساسي‪ ،‬االنظمة الخاصة بالصفقات‬
‫مؤسسات المقاوالت العمومية وكذا كافة النصوص والتعليمات والمذكرات التفسيرية أو‬
‫التكميلية‪.‬‬

‫كما تشمل النصوص المتعلقة بسندات الطلب‪ ،‬وتعتبر تعليمات الوزير األول الصادرة في ‪6‬‬
‫يونيو ‪ 1965‬سارية المفعول فيما يتعلق بالجوانب الغير المتعارضة مع النصوص الالحقة ‪.‬‬

‫كما أن األمر يشمل أيضا المقتضيات اإلدارية العامة والخاصة… ‪ ،‬فضال عن بنود‬
‫الصفقات نفسها‪ ،‬ويندرج في هذا المدلول فتاوى األمانة العامة للحكومة المستندة الى اراء‬
‫اللجنة الوطنية للصفقات‪.274‬‬

‫والجدير بالذكر‪ ،‬يمتد نطاق مبدأ الشرعية المخالفة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية إلى التدابير االحتياطية التي يجب أن يتخذ كل مدبر عمومي بما يفيد ببدله‬
‫العناية المهنية الكافية‪ ،‬وفقا لقرار المجلس األعلى عدد ‪( 594‬محكمة النقض) حاليا الذي اعتبر‬
‫أن مجال التأديب باإلضافة الى القوانين واألنظمة‪ ،‬لما يعتبر من المسلمات البديهية التي ال‬
‫تحتاج الى تنظيم أو تعقيد‪.275‬‬

‫مخالفات القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها‪ :‬وذلك عبر‬
‫االشهاد على الكشوفات الحساب التفصيلية بشكل ال يعكس حقيقة التنفيذ وعلى سندات التسليم‬
‫بما يفيد من مطابقة الخصائص والكميات المتعاقد بشأنها رغم عدم وجود عالقة تعاقدية في‬

‫‪ - 274‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين‪ -‬على ضوء‬
‫مدونة المحاكم المالية وقضاء المجلس األعلى للحسابات وقضاء محكمة النقض‪( ،‬دليل عملي فائدة المهنيين والباحثين)‪ ،‬مكتبة دار السالم‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪ ،2017‬ص ‪.23‬‬
‫‪- 275‬قرار عدد ‪ 2018//08‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م ‪ 2‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬يونيو ‪ 2018‬يتعلق بالنائب اإلقليمي للتربية والتكوين بسال‪ ،‬قرارات صادرة عن‬
‫غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أبريل ‪ ،2019‬ص‪.187‬‬
‫‪133‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫األصل أو عالقة تعاقدية لم تصبح بعد نهائيا في تاريخ التسليم‪ ،‬مخالفات لقواعد تصفية النفقات‬
‫العمومية والنصوص التنظيمية للصفقات العمومية وتشكل ادالء للمجلس بوثائق غير صحيحة‪.‬‬

‫نفس االمر يتعلق بتوقيع كشوف الحسابات التفصيلية واصدار األمر بأداء مبلغها رغم عدم‬
‫تسلم الكميات المتعاقد بشأنها اال الحقا‪ ،‬او من اجل تخصيص قيمة توريدات غير المسلمة برسم‬
‫الصفقة لتسوية ديون تتعلق بتوريدات سابقة لم تكن ابدا موضوع التعاقد ‪.‬‬

‫‪-‬مخالفات النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان‪ :‬ال‬
‫تنحصر المخالفات للنصوص التشريعية والتنظيمية فقط في المدبرين العموميين المتمثل في‬
‫كل من اآلمر بالصرف أو المشرف على الجهاز المني‪ ،‬بل غالبا ما ترتكب هذه المخالفات من‬
‫طرف موظفين وأعوان يتولون التدبير اليومي والمباشر للتنفيذ‪ ،‬باعتبارهم مسؤولي الدرجة‬
‫الثانية‪ ،‬بحيث انه من النصوص األساسية التي ينبغي مراعاتها نجد‪ ،‬الظهير المتعلق بالنصوص‬
‫العمومية والمرسوم المتعلق باألعوان المؤسسات العمومية وايضا المتعلق بالنظام األساسي‬
‫لموظفي الجماعات المحلية… إلخ ‪.‬‬

‫مخالفات قواعد التدبير وممتلكات األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس‪ :‬قد وردت هذه‬
‫المخالفة بالصيغة عامة وشاملة في المادة ‪ 54‬من القانون ‪ ،99 62‬بحيث لم تحدد نوعية‬
‫المخالفات الموجبة للمسؤولية في هذا المجال‪ ،‬مما يفيد بأن األمر يتعلق باحترام قواعد قانونية‬
‫التي تخضع لها ممتلكات األجهزة الخاضعة لسيطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية‪ ،‬ويمكن إجمال هذه المخالفات في مخالفة البنود االتفاقية المبرمة مع منعش عقاري‪ ،‬او‬
‫االخالل الممارسة الجيدة في تدبير الممتلكات العمومية (كعدم القيام باإلجراءات الالزمة لتتبع‬
‫معدات تمت إعارتها‪ ،‬اهمال او تقصير في المحافظة على ممتلكات الجهاز العمومي…) ‪.‬‬

‫‪ -‬التقييد الغير القانوني لنفقة بهدف تمكن من تجاوز االعتمادات‪ :‬بحيث يتعين على األمر‬
‫بالصرف واعوانه ان يراعوا صحة تقييد النفقة في الباب الذي يتعلق بها‪ ،‬وذلك حفاظا على‬
‫الصورة االمنية للميزانية كما تم المصادقة عليها من قبل الهيئات التداولية‪ ،‬فهذه المخالفة قد‬
‫تتع لق بمخالفة بتثبيت نية يتجاوز االعتمادات‪ ،‬فقد يلجأ اآلمر بالصرف مع سبق االصرار الى‬

‫‪134‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫االلتزام بالنفقة تتعلق باعتماد المستنفذ ولكي يجري التحايل على المراقبة االدارية يتم تقييد‬
‫النفقة بشكل غير قانوني في باب آخر لم يجر استنفاذه بعد‪.276‬‬

‫‪ -‬وأخيرا هناك مخالفة اخفاء المستندات او االدالء الى المحاكم المالية بأوراق مزورة او‬
‫غير صحيحة‪ :‬وقد تؤدي هذه المخالفة الى فتح مسطرة المتابعة الجنائية في حق المعني باألمر‬
‫هذا فضال عن المتابعة امام المحاكم المالية‬

‫أما من حيث موضوع المنازعة القضائية أمام المحاكم المالية في مادة التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أنه يمكن التمييز‪ ،‬في إطار المخالفات المستوجبة‬
‫للمسؤولية‪ ،‬بين المخالفات الشكلية ذات الطابع العام ومخالفات النتيجة التي تتسم بخطورة أكبر‪،‬‬
‫والتب تنقسم حسب إرادة مرتكبيها إلى مخالفات عمدية وأخرى غير عمدية‪ .‬كما تستوجب هذ‬
‫المخالفات‪ ،‬فضال عن حاالت خرق القواعد القانونية‪ ،‬تلك المرتبطة بمنح امتيازات غير مبررة‪،‬‬
‫والتي تمنح لألخالق والقيم التي يجب أن تسود في الحياة العامة أهمية كبيرة‪ .‬أما بالنسبة للنسبة‬
‫هذه المخالفات فسيتم عرضها وفق الجدول التالي‪:277‬‬

‫نسبة ارتكاب هذه المخالفات (‪)%‬‬ ‫المخالفات المستوجبة للمسؤولية‬


‫مخالفة قواعد االلتزام بالنفقات العمومية‬
‫‪44‬‬ ‫وتصفيتها واألمر‬
‫عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة‬
‫‪16‬‬ ‫بالصفقات العمومية‬
‫اإلدالء إلى المحاكم المالية بأوراق مزورة أو‬
‫‪29‬‬ ‫غير صحيحة‬
‫حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة‬
‫‪08‬‬ ‫غير مبررة نقدية أو عينية‬
‫التقيد الغير القانوني لنفقة بهدف التمكن من‬
‫‪01‬‬ ‫تجاوز االعتمادات‬

‫‪ - 276‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪- 277‬التقرير المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬برسم سنتي ‪.2020-2019‬‬
‫‪135‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫إلحاق ضرر بجهاز عمومي بسبب اإلخالل‬


‫‪02‬‬ ‫الخطير في المراقبة التي هم ملزمون‬
‫بممارستها أو من خالل اغفال أو التقصير‬
‫المتكرر في القيام بمهامهم اإلشرافية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلهمال في التدبير ومنع منافع غير مبررة‬


‫باإلضافة إلى المخالفات المتعلقة بشرعية تدبير العمومي‪ ،‬يمتد اختصاص التأديب المالي‬
‫الى معاقبة على ارتكاب المدبرين العموميين لمخالفات أكثر خطورة‪ ،‬والمتعلقة باألساس‬
‫باإلهمال في التدبير العمومي ومنح منافع غير مبررة‪ ،‬وبالنظر الى تعدد اركان قيام هذه‬
‫المخالفات‪ ،‬تظ ل المسائل عنها محدودة‪ ،‬األمر الذي يجعلها ال تشكل سوى مصدرا ثانويا‬
‫للمسؤوليات في مجال التأديب المالي‪ ،‬وتندرج هذه المخالفات فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬الحاق ضرر بجهاز عمومي يتحملون داخلهم مسؤوليات‪ ،‬ذلك بسبب اإلخالل الخطير‬
‫في المراقبة التي هم ملزمون بها او من خالل االغفال أو التقصير المتكرر في القيام بمهامهم‬
‫االشرافية‪:‬‬

‫تصنف هذه المخالفة ضمن مخالفات اإلهمال والتقصير التي يتوجب القيام بها اثبات الخطأ‬
‫الغير من عندي وهي ايضا من مخالفات النتيجة‪ ،‬يتعين أن يترتب عن هذا التقصير واإلهمال‬
‫ضرر مع إثبات العالقة السببية بينهما‪ ،‬وبالتالي تجمع هذه المخالفة بين قواعد العامة المسؤولية‬
‫المدنية التقصيرية التي تقوم على مبادئ الضرر والخطأ والرابطة السببية بين الخطأ والضرر‪،‬‬
‫وقواعد المسؤولية اإلدارية لموظفي وأعوان الدولة‪ ،‬التي تستوجب أن يكون الخطأ جسما حتى‬
‫يكون شخصيا‪.‬‬

‫لإلشارة‪ ،‬فاألشخاص الممكن مسألتهم برسم هذه المخالفة تنحصر في المسيرين والمدبرين‬
‫الذين يتحملون داخل األجهزة الخاضعة المسؤوليات‪ ،‬أي فقط األفعال التي يرتكبها المشرفون‬
‫على هذه األجهزة والذين يتولون مسؤوليات التوجيه واالشراف‪ ،‬بعبارة اخرى األطر المالية‬
‫العليا في الجهاز المعني وبالتالي‪ ،‬ال يشمل مجال المخالفة الموظفين واألعوان والمستخدمين‬

‫‪136‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫الذين يمارسون مهاما تنفيذية‪ ،‬وكذا المسؤولين الذين يتولون وظائف ذات الصلة بالجهاز‬
‫المعني لكن من خارجه‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة ألجهزة الرقابة أو السلطات الوصاية‪.‬‬

‫ومن اجل متابعة بمخالفة االهمال او التقصير يجب أن يتسما بدرجة معينة من الخطورة‬
‫سواء من حيث األفعال المكونة لركنها المادي أو من خالل اشتراط حصول نتيجة بسبب األفعال‬
‫المرتكبة تتجلى في تقبل الجهاز المعني لخسارة‪ ،‬وبالتالي تشكل استثناء من القاعدة المكرسة‬
‫في مجال التأديب المالي التي ال تشترط ابتسام الفعل موضوع المخالفة بدرجة معينة من‬
‫الخطورة لقيامها‪.‬‬

‫ويجد شرط الخطأ الجسيم مبرره في أن من المسلم به أن كل مسير‪ ،‬الذي ال يعتبر شخصا‬
‫ذاتيا بالمعنى التقليدي‪ ،‬بل مسؤوال في جهاز عمومي يؤدي وظيفة عامة‪ ،‬مهما بلغ من الكفاءة‬
‫والخبرة والتحلي بصفات الحيطة والحذر إال ووقع في أخطاء تدبيرية‪ ،‬ومن ثمة وجب وضع‬
‫معيار لتجاوز األخطاء البسيطة‪.‬‬

‫ولعل من بين القرارات المتعلقة بأخطاء اإلهمال ما يتعلق بجامعة موالي إسماعيل بمكناس‬
‫في مجال تدبير الصفقات العمومية بحيث تم عدم تمكين صاحب المشروع لجان تسلم من دفاتر‬
‫الشروط الخاصة المتعلقة بتلك الصفقات قصد االلمام بالمراقبات المنوط بها قبل اإلشهاد على‬
‫محاضر التسلم المؤقت للمعدات وهذا ما أقره القرار عدد ‪ 2018 /1‬ت‪ .‬م‪ .‬ش‪ .‬م الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 2018‬بحيث تابعت النيابة العامة السيد(‪ )...‬من اجل إبرام عدة صفقات القتناء أدوات‬
‫ومعدات في غياب تحديد مسبق للحاجيات المراد تلبيتها‪ ،‬وبعدم احترام دفاتر التحمالت الخاصة‬
‫بتلك الصفقات عند اإلشهاد بتسلم المعدات المعنية بها‪.‬‬

‫كما انه تم إرفاق التقرير المذكور بوضعيات‪ ،‬تم حصرها بتاريخ ‪ 12‬يونيو ‪ ،2015‬تبين‬
‫عدم استعمال مجموعة من التجهيزات والمعدات والمواد التي تم اقتنائها في إطار كل صفقة‬
‫على حدة ضمن ‪ 13‬صفقة‪ ،‬وقد أشهد على هذه الوضعيات‪ ،‬إلى جانب لجنة من الغرفة الثالثة‬

‫‪137‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫بالمجلس التي قامت بالبحث التمهيدي‪ ،‬السيدة (‪ )...‬التي مكلفة بتدبير تجهيزات مركز البحث‬
‫العلمي برئاسة الجامعة‪ ،‬والسيد(‪ )...‬المسؤول عن مخزن رئاسة الجامعة‪.278‬‬

‫‪ -‬عدم الوفاء تجاهال –الجهل المقصود‪-‬أو خرقا للمقتضيات النصوص الضريبية الجاري‬
‫بها العمل بالوجبات المترتبة عليها‪ ،‬قصد تقييم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين‬
‫بالضريبة ‪ :‬وتتعلق هذه المخالفة بالمحافظة على المساواة في االستفادة من الفرص أمام المرفق‬
‫العام‪ ،‬كم ا تهدف إلى ضمان الوضعية السليمة للمتعاقدين مع المرفق العمومي أمام اإلدارة‬
‫الضريبية‪ ،‬وتعني الوضعية السليمة أن تكون ذمتهم بريئة‪ ،‬كما تعني أيضا أن يكونوا في حالة‬
‫عدم اإلخالل بالنصوص الضريبية أثناء التعاطي مع المرفق العمومي الخاضع للرقابة المحاكم‬
‫المالية في ميدان التأديب المالي‪ ،‬ويشترط في اإلخالل المذكور أن يؤدي إلى تقديم امتياز غير‬
‫القانوني بعض الملزمين بالضريبة‪.279‬‬

‫‪ -‬حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية‪ :‬وذلك تجاهال أو‬
‫خرقا للنصوص الضريبية المعمول بها‪ ،‬بالوجبات المترتبة عليها قصد تقديم فائدة بصفة غير‬
‫قانونية لبعض الملزمين بالضريبة والتقيد الغير القانوني للنفقة بهدف التمكن من تجاوز‬
‫االعتمادات‪ ،‬وهي من المخالفات التي يعاقب على ارتكابها كل آمر بالصرف وآمر مساعد‬
‫بالصرف وكل مسؤول أو موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم‪ ،‬وكذا كل محاسب عمومي وكل‬
‫موظف أو عون يوجد تحت إمرته أو يعمل لحسابه‪.‬‬

‫وما يميز هذه المخالفة بمكانة متميزة في إطار القانون العام المالي‪ ،‬إذ تتشابه في ركنها‬
‫المادي مع جنح تلقي فائدة واستغالل النفوذ واالمتياز‪.280‬‬

‫هذه المخالفة تهدف إلى حماية القواعد المطبقة في مجال المالية العمومية فقط‪ ،‬بل تروم‬
‫أيضا حماية األخالق والقيم اإلدارية‪ ،‬ذلك أن غايتها ال تنحصر في الحد من سوء نية أو عدم‬
‫حياد أو نزاهة المسؤولين المعنيين‪ ،‬ولكن جعل النشاط اإلداري‪ ،‬وبصفة عامة القطاع العام‪،‬‬

‫‪ - 278‬القرار رقم ‪ 2018/01‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 28‬ماي ‪ 2018‬يتعلق برئيس الجامعة موالي إسماعيل بمكناس‪ ،‬قرارات صادرة عن غرفة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أبريل ‪ ،2019‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 279- 279‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪280‬‬
‫‪-bernard poujades et F.MEYER, LES FONCTIONNAIRES TERRITORIAUX FACE AU JUGE PéNAL, EDITIONS LA‬‬
‫‪GAZETTE DES COMMUNES 1999, P 25.‬‬
‫‪138‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ينمو ويتطور في إطار احترام بعض المبادئ األساسية لإلقتصاد‪ ،‬والمعاقبة على حاالت تنازع‬
‫المصالح‪.281‬‬

‫ويستلزم قيام هذه المخالفة أن يتعلق األمر بمنفعة نقدية أو عينية‪ ،‬وتستثني من هذا النطاق‬
‫المنافع المعنوية واإلجتماعية‪ ،‬ولكن تتطلب أن تكون قد منحت فعال‪ ،‬كما ال يتعلق األمر بمنفعة‬
‫أخالقية بل تتعلق بالسمعة أو العالقات مع الغير وال يشترط تقديرها بمبالغ بل يكفي فقط إثبات‬
‫وجودها‪.‬‬

‫وقد وصف المشرع المنفعة العينية أو النقدية موضوع هذه المخالفة بغير المبررة‪ ،‬وليس‬
‫بغير القانونية أو بغير الشرعية‪ ،‬االمر الذي يعني بأن هذه المنفعة قد تحصل بشكل قانوني‪،‬‬
‫ولكنها قد تكون مبررة بالنظر إلى قواعد الضمير واألخالق التي يتعين أن تسود التدبير‬
‫العمومي والتي قد ال تجد مصدرها بالضرورة في القوانين واألنظمة‪ ،‬بل في مبادئ عامة ذات‬
‫طابع أخالقي ومعنوي‪ ،‬وهو مل يفيد بأن تطبيقات هذه المخالفة ستبلور تدريجيا قواعد ومبادئ‬
‫التخليق في مجال التدبير العمومي ووجبات ومسؤوليات المدبرين العموميين في حماية هذه‬
‫القواعد‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬اإلكراهات عمل المحاكم المالية وسبل تطويره‬


‫ال يخفى علينا مدى أهمية المال العام ومدى تأثير على مستوى الدولة من كافة النواحي‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬لذا استلزم األمر إحاطته بنوع من الحماية‪ ،‬حتى ال يتم‬
‫العبث به سواء بالتبذير أو اإلختالس أو سوء التدبير خصوصا وأن ظاهرة الفساد المالي وإن‬
‫كانت مالزمة للتصرف المالي على مر التاريخ‪ ،‬فقد اتخذت أبعادا خطيرة في السنوات األخيرة‪،‬‬
‫حيث تنوعت وسائل وطرق التالعب بالمال العام نتيجة التطور العلمي والتقني ألساليب التدبير‬
‫اإلداري والمالي‪.‬‬

‫حيث تشكل الرقابة العليا على المال العام أحد أهم المؤشرات على ديمقراطية الدولة من‬
‫عدمها‪ ،‬حيث أصبحت الدول مطالبة تحت تأثير مجموعة من اإلعتبارات بإحداث واتخاذ‬
‫التدابير الالزمة لتحصين المال العام من السلب والسرقة وإرساء ثقافة الشفافية والمساءلة‪،‬‬

‫‪281‬‬
‫‪-M. kamal DAOUDI, LE GESTIONNAIRE PUBLIC ET LES CONFLIS D’INTéERT. THéSE PROFFETIONNELLE,‬‬
‫‪MASTéRE SPéCIALE EN DROIT DE L’ENTREPRISE, ISCAE, RABAT,‬‬
‫‪139‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وتستند ممارسة الرقابة على المال العام في المغرب إلى العديد من النصوص القانونية‪ ،‬كما‬
‫تعتمد على مجموعة من األجهزة التي تختلف من حيث طبيعتها وأدوتها وأساليب عملها‪ ،‬ولكنها‬
‫تلتقي في الهدف من وراء إحداثها‪ ،‬وهو الحرص على تأمين االستعمال السليم للمال العام‪،‬‬
‫والتصد ي لالنحرافات والتجاوزات التي يمكن أن تعتري عمليات إدارته والسعي لتصحيحها‪،‬‬
‫وكذا المساهمة في تقييم وتطوير التدبير العمومي‪ .‬وتتم الرقابة المالية بتقنيات متعددة‪ ،‬وأساليب‬
‫مختلفة‪ ،‬يمكن التمييز بينها باالعتماد على عدة معايير‪ ،‬يبقى أهمها المعيار العضوي الذي‬
‫يتأسس على طبيعة الجهة المكلفة بالرقابة والمتمثل في الرقابة بواسطة المحاكم المالية‪ .‬حيث‬
‫أرسى دستور‪ 2011‬جملة من المبادئ واآلليات الدستورية الهادفة إلى تعزيز الحكامة الجيدة‬
‫وتخليق الحياة العامة ومحابة الفساد والرشوة ومحاربتها‪ ،‬وذلك من خالل دعم دور المجلس‬
‫األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات في مراقبة المال العام وترسيخ قواعد الشفافية‬
‫المالية وكذا من خالل ربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس قاعدة عدم اإلفالت من العقاب‪ ،‬لكن‬
‫رغم ذلك فإن هذه الهيئات الرقابية تعترضها مجموعة من اإلكرهات التي تعيق قيامها بمهامها‬
‫على الوجه المطلوب‪.282‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إكراهات اشتغال المحاكم المالية‬


‫على الرغم من اعتبار المحاكم المالية مؤسسات دستورية‪ ،‬مرتبطة برهان التدبير العمومي‬
‫عن طريق الرقابة العليا على المالية العامة‪ ،‬باعتمادها لخيار قضاء مالي محايد ومستقل‪ ،‬إال‬
‫أن عمل هذا الجهاز في بعض األحيان تعترضه مجموعة من الصعوبات واإلكراهات‪ ،‬التي‬
‫من شأنها أن تحول دون قيامه بمهامه على أكمل وجه‪ ،‬إن المحاكم المالية وفي سبيل قيام‬
‫بمختلف هذه الوظائف تصطدم بمجموعة من اإلكراهات والعراقيل‪ ،‬الشيء الذي يحد من فعالية‬
‫أدائها الرقابي‪ ،‬ويعرقل سير عملها‪ .‬وفي هذا اإلطار فبعد مسلسل اإلصالحات التي عرفتها‬
‫الترسانة القانونية المتعلقة بالمال العام‪ ،‬وعلى رأسها مدونة المحاكم المالية‪ ،‬نؤكد أنها لم تراكم‬
‫عددا من التجارب في حياته العملية‪ ،‬فعلى الرغم من النتائج اإليجابية التي حققها المجلس إال‬
‫أنه مازال يواجه مجموعة من اإلكراهات والمشاكل التي تعرقل سيره العادي وتقف حائال دون‬

‫‪- 282‬سارة الطاهيري‪ ،‬الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬تاريخ االستالم ‪-03-07‬‬
‫‪ ،2021‬ص ‪.98‬‬
‫‪140‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫أن يحقق كل األهداف التي تم إنشاؤه من أجلها‪ ،‬وفي هذا اإلطار يمكننا تصنيف هذه اإلكراهات‬
‫إلى ما هو متعلق باألساس في اإلكراهات القانونية والمؤسساتية والبشرية (الفقرة األولى)‪،‬‬
‫وإلى ما هو مرتبط بمحدودية الموارد البشرية والمالية(الفقرة الثانية)‪.283‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المعيقات السياسية والمؤسساتية لعمل المحاكم المالية‬


‫تواجه المحاكم المالية من خالل ممارستها الختصاصاتها‪ ،‬العديد من العوائق والقيود التي‬
‫نسجها المحيط الخارجي‪ ،‬والتي تفرضا العوامل السياسية واالجتماعية‪ ،‬ويؤثر هذا المحيط‬
‫بشكل رئيسي في عمل أجهزة الرقابة المالية‪ ،‬والمحاكم المالية بشكل خاص‪ ،‬من خالل تحديد‬
‫نوعية وطبيعة النظام الرقابي المعمول به‪ ،‬وكذا الوظائف الموكولة إليه داخل نسقه المجتمعي‪،‬‬
‫فمحدودية عمل األجهزة العليا للرقابة المالية‪ ،‬ال يرتبط في كل األحوال بقصور المقتضيات‬
‫القانونية فقط‪ ،‬بل يمكن أن يكون نتيجة وضعيات تتعلق باعتبارات سياسية واقتصادية‬
‫واجتماعية‪.‬‬

‫فالسلطة المالية تعتبر مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسلطة السياسية‪ ،‬باعتبار أن الحاجيات المالية‪،‬‬
‫هي التي كانت وراء إحداث الدولة الحديثة‪ ،‬فالبحث عن الشفافية في تدبير األموال العمومية‪،‬‬
‫قد كانت وراء إحداث الدولة البرلمانية الليبرالية‪ ،‬وعلى هذا األساس أعطي البرلمان سلطات‬
‫واسعة‪ ،‬من أجل قيامه بمراقبة المالية العمومية‪ ،‬فتأسيس الدولة الديمقراطية مرتبطة بسيادة‬
‫مبدأ الرقابة والشفافية في مجال تدبير األموال العمومية‪ ،‬وهي تعني إلى جانب ذلك أيضا‪،‬‬
‫المسؤولية والمساءلة والمحاسبة‪.284‬‬

‫فباستحضار عالقة المجلس األعلى للحسابات بالفاعلين السياسيين على امتدادها الزمني‪،‬‬
‫أي من الزاوية التاريخية‪ ،‬يتضح أنه من خالل حقبة التسعينيات‪ ،‬وفي إطار اإلصالحات التي‬
‫همت مجموع القطاعات السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬تم إنشاء محكمة مالية مؤهلة‬
‫لممارسة الرقابة العليا على األموال العمومية‪ ،‬حيث تم إحداث هذا الجهاز الرقابي‪ ،‬في ظل‬

‫‪- 283‬سارة الطاهيري‪ ،‬الحدود الرقابية لعمل للمحاكم المالية وسبل اإلصالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ - 284‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" طبعة ‪،2022‬‬
‫مطبعة المعارف الجديدة‪/‬الرباط ‪ .2022‬ص ‪.357‬‬
‫‪141‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تحفظ وانق سام وتباين مواقف النخب السياسية‪ ،‬كما تم إنشاء المجلس في ظل األزمة مالية‬
‫الخانقة‪ ،‬وصراع سياسي محتدم حول الشرعية والسلطة‪.285‬‬

‫وبهذا الصدد‪ ،‬فالحديث عن تأثير إكراهات النسق السياسي المغربي على أداء المجلس‪،‬‬
‫مرتبط برهان مزدوج‪ :‬رهن تقني ذو بعد تدبيري صرف‪ ،‬يقاس بمدى فعالية مراقبة المجلس‬
‫في صيانة األموال العمومية والمحافظة عليها‪ ،‬وترشيد استخدامها وتدبيرها تدبير الجيد‪ ،‬ومدى‬
‫إمكانية الحد من التجاوزات والتبذير‪ ،‬وكل أشكال االختالس واالبتزاز والضياع‪ ،‬ورهان ذو‬
‫طابع سياسي‪ ،‬يرتبط بتقييم مدى مساهمة المجلس كمؤسسة دستورية‪ ،‬في دمج مبادئ المسؤولية‬
‫والمساءلة والمحاسبة في آليات اشتغال النظام السياسي المغربي‪.286‬‬

‫وقد وجد المغرب نفسه خالل هذه الفترة‪ ،‬أمام اختيارات متعددة للشكل القانوني لجهاز‬
‫الرقابة المالية العليا‪ ،‬إال أنه نظرا للظروف السياسية المتعلقة باإلصالح الدستوري‪ ،‬والجو‬
‫العام السياسي‪ ،‬وضغط الجهات الخارجية على الدولة‪ ،‬من أجل تمرير القانون المتعلق بإحداث‬
‫المجلس‪ ،‬لم يبقى له الوقت الكافي لإلتفاق على الشكل القانوني لهذه الجهاز الرقابي‪ ،‬وفي هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬تم إسناد اختصاصات واسعة وضخمة للمجلس‪ ،‬في غياب إرادة سياسية لتفعيل دوره‪.‬‬

‫ورغم هذه الظروف‪ ،‬اهتمت الخطب الملكية بالمجلس ودوره في ترشيد التدبير العمومي‪،‬‬
‫حيث تم الربط بين المجلس والرقابة المالية‪ ،‬وعقلنة استعمال وتدبير الموارد والنفقات‪ ،‬فضال‬
‫عن ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية‪ ،‬والتحقق من سالمة العمليات المالية‪ ،‬كما‬
‫تم الربط بين المحاكم المالية والديمقراطية‪ ،‬وكذا تكريس مبدأ المساءلة‪ ،‬هذا إلى جانب التركيز‬
‫على الوظيفة االستشارية‪ ،‬من خالل دوره في مساعدة السلطات العمومية‪ ،‬كما اعتبرت المحاكم‬
‫المالية إطارا قضائيا من حماية المال العام‪ ،‬من العبث والتسيب واستغالل النفوذ‪ ،‬وقاد ذلك‬
‫للدعوة إلى تفعيل أشكال المراقبة الصارمة والمحاسبة الحازمة‪ ،‬وفي حق كل متهاون في القيام‬
‫بواجباته ذات الصلة بالشأن العام‪.‬‬

‫‪ - 285‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪.357‬‬
‫‪- 286‬أحمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.414‬‬
‫‪142‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ولحسن الحظ‪ ،‬فإن المؤسسة الملكية في النظام السياسي والدستوري المغربي‪ ،‬تحتل‬
‫مكانا متميزا‪ ،‬أهلتها هذه المكانة للقيام بأدوار أساسية‪ ،‬من خالل اإلشراف المباشر على الحياة‬
‫السياسية والدستورية المغربية‪ ،‬جعلت منها الفاعل الرئيسي والمؤثر في مجريات األحداث‪،‬‬
‫والمهندس االستراتيجي للنظام بكل مكوناته وفي جميع مراحل تطوره‪.287‬‬

‫ومن المسلمات‪ ،‬أن عملية المساءلة والمحاسبة والرقابة المالية على الخصوص‪ ،‬ال‬
‫تستقيم إال يتوفر الحد الحيوي المطلوب من الفصل بين السلط‪ ،‬فالمجلس ما هو إال أداة للرقابة‬
‫على الجهاز الحكومي‪ ،‬وال يمكن تصور فعالية دوره‪ ،‬إال في ظل األخذ بمبدأ الفصل بين‬
‫السلط‪ ،‬أما في ظل اندماج سلطة سلطات الدولة‪ ،‬أو هيمنة السلطة التنفيذية عليها‪ ،‬فستتحول‬
‫رقابة هذا الجهاز وغيره من األجهزة الرقابية األخرى‪ ،‬إلى مجرد آلية صورية‪.288‬‬

‫فشعور أغلب المسؤولين السياسيين واالداريين‪ ،‬المتمتعين بموقع عال بأنهم فوق القانون‪،‬‬
‫إن بفضل حصانتهم السياسية أو البرلمانية‪ ،‬أو بفضل وزنهم السياسي ومواقع نفوذهم وانتماءهم‬
‫الحزبي‪ ،‬يجعلهم يرفضون الخضوع لمبدأ المساءلة‪ ،‬عما اقترفوه من إهدار لألموال العمومية‪،‬‬
‫ويسيجون أنفسهم بمحيط من العالقات العامة مع الدوائر صنع القرار‪ ،‬حتى يمكن غض الطرف‬
‫عنهم‪ ،‬ويفلتون من العقاب‪ ،‬وأمام هذا الوضع تجد الجهات القضائية‪ ،‬صعوبة في تحريك‬
‫مسطرة المساءلة والمحاسبة‪ ،‬عن االختالالت التي تورط فيها المعنيون باألمر‪ ،‬أثناء قيامهم‬
‫بالمسؤوليات المسندة إليهم‪ ،‬وحتى يصبح من الممكن أن تنالهم أيادي القضاء‪ ،‬فمن الصعب‬
‫مساءلتهم أو محاكمتهم‪ ،‬إال بعد فقدانهم لمراكز السلطة والنفوذ‪.‬‬

‫وإذا كانت عدة عوامل إدارية وسياسية واجتماعية وثقافية‪ ،‬تتفاعل جميعها لخلق تربة‬
‫خصبة لمثل هذه األوضاع‪ ،‬فإن محدودية الرقابة وعدم ترسيخ مبدأ المساءلة في اإلدارة‬
‫العمومية‪ ،‬وعم إبالغ الرأي العام عن نتائج عمليات المراقبة‪ ،‬وتدقيق الحسابات والتحريات‬
‫الي تقوم بها أجهزة المراقبة‪ ،‬تساهم في استفحال ظاهرة الفساد اإلداري‪ ،‬وتمكين البيروقراطية‬
‫من دواليب اإلدارة واالنفراد باتخاذ القرار‪ ،‬مما يجعل البيروقراطية المتمركزة في مختلف‬

‫‪ - 287‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.359‬‬
‫‪ - 288‬أحمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.420‬‬
‫‪143‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫اإلدارات العمومية تقاوم بشدة‪ ،‬وبما توفر لها من قوة ونفوذ‪ ،‬اإلصالحات التي تهدف إلى إقرار‬
‫ثقافة الشفافية المحاسبية والمالية‪ ،‬وثقافة المسؤولية في اتخاذ القرار‪.‬‬

‫وهناك أيضا مجموعة من اإلكراهات الداخلية التي تعيق عمل المحاكم المالية وتشكل‬
‫الجوانب المؤسساتية أهمها حيث تؤدي لفشل وضعف آداء هذه الهيئة القضائية للرقابة العليا‬
‫على األموال العمومية‪ .‬وذلك راجع إلى الدسترة المتأخرة للرقابة العليا‪ ،‬التي تمت إال ابتداءا‬
‫من المراجعة الدستورية بتاريخ ‪ 13‬شتنبر ‪.1996‬‬

‫وتشكل مسألة دسترة األجهزة العليا للرقابة العليا على المال العام أهم التوصيات التي ما‬
‫فتئت تؤكد عليها المنظمات الدولية وخاصة منظمة األنتوساي نظرا لما في ذلك من أهمية‬
‫تدعيم هذه األجهزة وتوفير الفضاء المناسب لإلشتغالها‪.‬‬

‫وقد عملت جل الدول على دسترة الرقابة العليا على المال العام‪ ،‬فعلى المستوى العربي‬
‫نصت عدد من دساتير الدول العربية على دسترة هذه الرقابة بشكل مبكر‪ .‬ونذكر على سبيل‬
‫المثال ال الحصر (سوريا‪( )1920‬مصر‪( )1923‬الجزائر‪( )1962‬لبنان‪)1986‬‬
‫(تونس‪...)1954‬‬

‫أما بالنسبة للمغرب فلم تنص جل الدساتير المتعاقبة لسنوات ‪1962‬م‪1970 ،‬م‪1972 ،‬م‪،‬‬
‫‪1992‬م‪ ،‬على المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬رغم إحداث هذا األخير بموجب القانون رقم ‪12.79‬‬
‫الذي نظمه دون أن يتم إقراره في صلب الدستور‪ ،‬مما يتنافى مع معايير المنظمات الدولية‬
‫للرقابة العليا على المال العام التي يعد المغرب عضوا فيها‪.‬‬

‫وقد تمخض عن هذا اإلهمال ضعف وفشل وقصور في ممارسة المجلس لمختلف مهامه‬
‫وإختصاصاته‪ ،‬خالل فترة من الزمن والتي عرفت خاللها تبعية مباشرة للسلطة التنفيذية‪ ،‬مما‬
‫أفقدها اإلستقالل العضوي والوظيفي المالي‪ ،‬وهي المبادئ األساسية التي ال تسمح ألية هيئة‬
‫عليا للرقابة بممارسة المهام الرقابية فعليا‪.289‬‬

‫‪- 289‬سارة الطاهيري‪ ،‬الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.100‬‬
‫‪144‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فمسألة التأخير في دسترة الرقابة العليا على األموال العمومية في الدستور المغربي قد أضاع‬
‫عليه أساسا قانونيا صلبا في دعم التوجه الرقابي على المستويين العام والمحلي‪ ،‬وفي ضمان‬
‫الفعلي الستقالل مادي ووظيفي لألجهزة المكلفة بالرقابة‪.‬‬

‫وهكذا فإن الدسترة المتأخرة للرقابة العليا على األموال العمومية لم تكن توافق وتطابق‬
‫توجهات االتجاه الرقابي‪ ،‬سواء وفق توصيات وإعالنات المنظمات الدولية واإلقليمية‬
‫المتخصصة في الرقابة المالية والمحاسبة‪ ،‬أو على مستوى التشريعات المقارنة من خالل‬
‫التجارب األجنبية والعربية على الخصوص‪.290‬‬

‫ومما عمق من هذه اإلشكالية أكثر هو التأخر في إصدار مدونة المحاكم المالية الذي تم‬
‫بموجب القانون ‪ 62.99‬في يونيو‪ ،2022‬بعد التنصيص الدستوري عليها‪ ،‬ناهيك على أن‬
‫عملها لم يبدأ إال في سنة ‪ ،2003‬أما المجالس الجهوية للحسابات فلم تشرع في االشتغال إال‬
‫سنة ‪.2004‬‬

‫أما فيما يخص المعيقات واإلكراهات القانونية يعتبر المجال الشاسع لمجال الرقابة على‬
‫المالية العمومية التي تمارسها المحاكم المالية‪ ،‬أولى اإلشكاليات التي تقابلها هذه المحاكم‪،‬‬
‫ويتميز هذا المجال باتساع اختصاصه بشكل مستمر‪ ،‬كما يشمل مختلف مظاهر التدبير‬
‫العمومي‪ ،‬في ظل تعدد وتنوع أصناف التدخل العمومي‪ ،‬فهذه المحاكم هي مكلفة بمراقبة‬
‫مجموعة من اإلدارات العمومية‪ ،‬التي تشكل حقال واسعا‪ ،‬يشمل " الدولة ومؤسساتها العمومية‬
‫والجماعات الترابية‪ ،‬واألجهزة غير الخاضعة لقواعد المحاسبة العمومية‪ ،‬وأجهزة الضمان‬
‫االجتماعي‪ ،‬وكذا المؤسسات الخاصة المستفيدة من التمويالت الوطنية بل حتى الخارجية‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فإن القاضي المالي يشتغل في عدة المجاالت للرقابة المالية‪ ،‬منها ما هو ذو طابع‬
‫قضائي‪ ،‬ومنها ما هو ذو طابع إداري‪ ،‬إضافة إلى أنواع المساعدات التي يقدمها سواء البرلمان‬
‫أو الحكومة أو الهيئات القضائية‪ ،‬ويتبين من ذلك‪ ،‬أن هذه االختصاصات تبقى في ازدياد دون‬
‫نقصان‪ ،‬وخير دليل على ذلك‪ ،‬اختصاص مراقبة التصريحات اإلجبارية بالممتلكات‪ ،‬الذي‬
‫أصبح العمل به ساري المفعول بشكل فعلي منذ سنة ‪ ،2010‬وتراكمت التصريحات بعد ذلك‬

‫‪- 290‬نجيب جيري‪ ،‬الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية‪-‬دراسة تحليلية ونقدية ‪ ،‬دار نشر المعرفة الرباط ص‪.101‬‬
‫‪145‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫على المحاكم المالية التي قدر عددها باآلالف‪ ،‬مما شكل ذلك صعوبة في تأمين مرحلة تلقي‬
‫التصريحات‪ ،‬وأيضا في تحديد الملزمين غير المصرحين‪ ،‬فباألحرى تتبع المسطرة المتعلقة‬
‫بتدقيق مضمون التصريحات‪.291‬‬

‫وبالنظر إلى افتقار المحاكم المالية للموارد البشرية المؤهلة من الناحية العددية‪ ،‬وخصوصا‬
‫منها فئة القضاة‪ ،‬فإن هذا يحد من فعالية المحاكم لتنفيذ الكم الهائل من المهام‪ ،‬ال سيما بالنسبة‬
‫الختصاص التدقيق والبت في الحساب‪ ،‬الذي يعتبر اختصاصا من النظام العام‪ ،‬حيث يتوجب‬
‫معه تدقيق جميع حسابات المحاسبي العموميين والبت بشأنها‪ ،‬األمر الذي يجعل من الصعوبة‬
‫الوفاء بهذه المهمة على أكمل وجه‪ ،‬وهذا ما دفع بالمجلس لالستعاضة عن التدقيق الشامل‪،‬‬
‫بتدقيق انتقائي فرضته الضرورة والواقع‪ ،‬كما أن طول مسطرة التدقيق والبت في الحساب‪،‬‬
‫والتي تحكمها مجموعة من اإلجراءات واآلجال‪ ،‬إضافة على احترام مبدأ التواجهية وحقوق‬
‫الدفاع وإشكاليات التبليغ‪ ،‬كل ذلك يشكل ثقال علة هذه المسطرة‪ ،‬ويساهم في تأخير البت في‬
‫اآلجال المعقولة‪.‬‬

‫فالصعوبات المسطرية الي تعترض عمل القاضي المالي‪ ،‬قد تعد من بين العوامل التي‬
‫تؤثر على مردودية المحاكم المالية عموما‪ ،‬إضافة إلى اشتقاق أنواع المخالفات بفعل تداخل‬
‫مساطر العمل الرقابي‪ ،‬تعمل على تنشيط باقي االختصاصات‪ ،‬وتساهم في تعاظم المسؤوليات‬
‫إلتمام المهام‪ ،‬هذا في ظل نقص الموارد البشرية‪ ،‬األمر الذي قاد إلى إعمال المنهجية االنتقائية‬
‫في مراقبة األجهزة العمومية‪ ،‬لكن العمل بمبدأ المراقبة عن طريق العينات أو االنتقاء‪ ،‬تمكن‬
‫من الوصول إلى درجة معينة من اليقين في المجال الرقابي‪ ،‬لكن ال تعطينا يقينا مطلقا‪.292‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يالحظ أن الجمع بين اختصاصات ومهام متعددة‪ ،‬من شأنه التأثير‬
‫بشكل مباشر على األداء الرقابي العام للمحاكم المالية‪ ،‬في ظل عدم تخفيف العبء من طرف‬
‫أجهزة أخرى مساعدة‪ ،‬بحث ال تتوفر التجربة المغربية في القضاء المالي على وسائل عمل‬

‫‪ - 291‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫‪ - 292‬تجد المحاكم المالية‪ ،‬صعوبة في حصر األجهزة التي تسري عليها مراقبة المحاكم المالية في اطار استخدام األموال العمومية‪ ،‬ال سيما‬
‫الجمعيات التي تتلقى الدعم على المستوى المحلي‪ ،‬وذلك نظرا لتكاثرها بشكل كبير‪ ،‬كما أن الئحة الجمعيات التي تتلقى الدعم من الجماعات‬
‫الترابية تتغير من سنة إلى أخرى‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫موازية‪ ،‬إذ ال تمكن مدونة المحاكم المالية من إنشاء هيئات موازية مساعدة‪ ،‬وهذا على خالف‬
‫مؤسسات رقابية تعتبر امتدادا للعمل الرقابي القضائي المنوط بمحكمة الحسابات‪.293‬‬

‫فبالنسبة للتجربة الفرنسية‪ ،‬تساعد المحكمة المالية الفرنسية هيئات مشاركة لها‪ ،‬يترأس‬
‫هيئاتها الرئيس األول للمحكمة المالية الفرنسية‪ ،‬باإلضافة إلى محكمة التأديب المالي التي تعتبر‬
‫وظيفيا مستقلة عن المحكمة المالية‪ ،‬توجد لديها أيضا " مجلس االقتطاعات االجبارية" الذي‬
‫أحدث ابتداءا من سنة ‪ ،2005‬وقد حل محل " مجلس الضرائب"‪ ،‬ويعد من اختصاصه البحث‬
‫في تأثير االقتطاعات الضريبية على مجال االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وأيضا يرتبط بها "‬
‫المجلس األعلى للمالية العمومية" الذي أحدث بموجب القانون التنظيمي للمالية ل‪ 17‬دجنبر‬
‫‪ ،2012‬والذي يساهم في المراقبة العامة للمالية العمومية‪.294‬‬

‫وتتوفر أيضا التجربة األلمانية على مكاتب الفحص أو التدقيق القبلي‪ ،‬وهي خاصية يتميز‬
‫بها النظام الرقابي األلماني‪ ،‬الذي يتوفر على ‪ 120‬مكتبا وألف مدقق‪ ،‬حيث أعطيت لهذه‬
‫المكاتب مهمة مساعدة المحكمة المالية‪ ،‬في أداء وظائفها الرقابية لألموال العمومية‪ ،‬وفي‬
‫تحسين شروط التدبير العمومي‪ ،‬حتى في التجربة المصرية‪ ،‬نجد إلى جانب الجهاز المركزي‬
‫للحسابات‪ ،‬مؤسسات تعنى بمراقبة األموال العمومية " كإدارة الكسب الغير المشروع"‪.‬‬

‫أما بالنسبة للتجربة اليمنية‪ ،‬فباإلضافة إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة‪ ،‬تتوفر‬
‫على" الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" التي أحدثت سنة ‪" ،2007‬والهيئة العليا للرقابة على‬
‫المناقصات والمزايدات" "والمجلس اليمني للشفافية" أما فيما يخص التجربة اللبنانية‪،‬‬
‫فباإلضافة إلى ديوان المحاسبة‪ ،‬توجد " لجنة المراقبة السنوية على المؤسسات العامة" وهي‬
‫لجنة خاصة ملحقة بديوان المحاسبة‪ ،‬وتنحصر مهمتها في التدقيق والتصديق عليها بعد‬
‫مطابقتها لقرارات مجلس اإلدارة‪ ،‬وال تشمل رقابتها تقدير حسن إدارة تلك المؤسسات‪ ،‬من‬
‫الوجهة المالية أو االقتصادية والمالية‪.‬‬

‫عموما يبدوا ان العامل الذي يحد من عمل القاضي المالي‪ ،‬هو تعدد المساطر وتنوعها‬
‫وتداخل مراحل إنجازها‪ ،‬وتعدد األطراف المتداخلة فيها‪ ،‬كما أن مراقبة المجلس بحكم أنها‬

‫‪- 293‬أحمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬دراسة سوسيو‪-‬قانونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.392 :‬‬
‫‪ - 294‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪355‬‬
‫‪147‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫مراقبة بعدية‪ ،‬تأتي في مرحلة يكون فيها بعض المدبرين العموميين‪ ،‬استبقوا عملية المراقبة‬
‫وسعوا إلى تعديل المستندات التي تثبت المخالفة‪ ،‬إضافة إلى صعوبة متابعة مرتكبي المخالفات‪،‬‬
‫الذين يكونون أحيانا قد تقاعدوا أو تم انتقالهم وتغير مكان سكناهم أو أصبح غير محدد‪ ،‬وهذا‬
‫األمر يمكن أن يتسبب في تراكم الملفات‪ ،‬والتأخير في التعاطي مع المخالفات المكتشفة في‬
‫اآلجال المعقولة‪ ،‬مما قد يخشى معه أن يصبح هذا النوع من المراقبة‪ ،‬ال يعدو أن يكون مجرد‬
‫تسجيل تاريخي للمخالفات المالية‪.‬‬

‫وترتبط أيضا اإلكراهات القانونية بمسألة غياب النصوص التطبيقية في شكل المراسيم‬
‫تطبيقية مثال للقانون ‪ 12.79‬المحدث للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬مما جعل تبيان العديد من‬
‫اإلشكاالت يكتنفها اللبس والغموض والبطء والتعقيد المتعلقة بمساطر الفحص والتدقيق‪.‬‬

‫ومما يزكي هذا االتجاه عدم قدرة المجلس األعلى للحسابات على استقطاب شخصيات‬
‫مرموقة في الفقه المالي واإلداري والقانوني واالقتصادي على غرار التجربة الفرنسية‪.‬‬

‫فإذا كان دستور المملكة‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪7‬أكتوبر ‪ ،1996‬ارتقى بالمجلس األعلى للحسابات‬
‫إلى مرتبة مؤسسة دستورية تستمد اختصاصاتها الكبرى من الدستور نفسه‪ ،‬فإن الدستور‬
‫الراهن‪ ،‬الصادر في ‪ 29‬يوليوز ‪ ،2011‬نص ألول مرة على استقالل المجلس استقالال مضمونا‬
‫بموجب الدستور نفسه‪ ،‬وأناط به مسؤوليات جديدة إلى جانب صالحياته المعهودة المتمثلة في‬
‫ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية والتحقق من سالمة العمليات المتعلقة بمداخيل‬
‫ومصاريف االجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون وتقييم كيفية تدبيرها لشؤونها‪.295‬‬

‫وقد عمل المشرع على تجاوز هذه اإلشكالية من خالل إخراجه لمدونة المحاكم المالية‬
‫كإطار قانون ينظم تركيبة المجلس وإختصاصاته ويشمل نظام أساسي لقضاته‪ ،‬كما أن دستور‬
‫‪ 2011‬قد عزز مكانته باعتباره الهيأة العليا لمرتقبة المالية العمومية بالمملكة‪ ،296‬ويضمن‬
‫استقالليته‪ ،‬بالتنصيص على مجموعة من اختصاصاته‪ ،‬الشيء الذي يجعل من المجلس األعلى‬

‫‪ - 295‬إبراهيم بن به‪ ،‬نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي‪-‬دراسة قانونية وقضائية مقارنة‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪ -296‬سارة الطاهيري‪ ،‬الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫‪148‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫للحسابات مطالب بتجاوز هذه العقدة وتفعيل اختصاصاته من أجل اللحاق بركب األجهزة‬
‫المتقدمة‪.‬‬

‫وتتجلى اإلكراهات القانونية أيضا التي يعاني منها القضاء المالي أساسا في تعدد المهام‬
‫واالختصاصات المنوطة بالمجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬فهما‬
‫يجمعان بين االختصاصات القضائية واإلدارية والتأديبية‪ .‬فالمجال الرقابي لهذه الهيئات هو‬
‫مجال واسع من الناحية القانونية‪ ،‬فهو يغطي مختلف أوجه التدبير المالي‪ .‬مما أثر بشكل سلبي‬
‫على طبيعة الرقابة وفعاليتها‪ ،‬وحد من قدرة المحاكم المالية على التتبع كل مظاهر التدبير‬
‫المالي لألجهزة المعنية‪ ،‬وأضحت المحاكم المالية تمارس رقابة عشوائية للعديد من القطاعات‬
‫دون مراعاة التخصص والتناسب فيما بينها على مستوى الغرف‪.297‬‬

‫إن هذا التعدد رغم إيجابياته الكبيرة‪ ،‬والذي تفرضه أهمية المال العام‪ ،‬ينتج عنه بالمقابل‬
‫مجموعة من السلبيات أهمها عدم التنسيق بين هذه األجهزة الشيء الذي أدى إلى تداخل‬
‫اختصاصات الجهات الرقابية وتضارب تعليماتها وتكرار الرقابة في أحيان كثيرة على نفس‬
‫النشاط األجهزة الحكومية‪ ،‬فالجمع بين اإلختصاصات متعددة يؤثر بشكل مباشر في فعالية أداء‬
‫المجلس الذي عهد إليه بكل هذه المسؤوليات دون تخفيف العبء من قبل األجهزة أخرى مساعدة‬
‫كما هو الحال في مجموعة من الدول التقدمة التي تعتمد نظام المراقبة من قبل جهاز قضائي‬
‫متخصص‪.‬‬

‫ومن بين اإلكراهات القانونية التي تواجه عمل المجلس األعلى للحسابات تعدد المساطر‬
‫التي يشتغل بها المجلس‪ ،‬فعمله يتصف باإلزدواج الوظيفي باعتباره محكمة مالية من نوع‬
‫خاص‪ ،‬فهو يشتغل في نفس اللحظة بمساطر متعددة ومتداخلة تحيل الواحدة منها على األخرى‬
‫تصل إلى أربع مساطر مختلفة‪.‬‬

‫وتتميز مساطر اشتغال المجلس بالتعقيد والبطء‪ ،‬فبالنسبة لمسطرة التدقيق والبت في‬
‫الحسابات مثال تتميز بالطول والتعقيد ذلك أنها تتكون من مذكرات ومالحظات‪ ،‬رد المحاسب‬
‫العمومي‪ ،‬حكم تمهيدي‪ ،‬رد المحاسب العمومي‪ ،‬ثم الحكم النهائي‪ .‬ذلك إلى جانب المدة الزمنية‬

‫‪ - 297‬سارة الطاهيري‪ ،‬الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪149‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫التي تتطلبها عملية التدقيق والتحقيق ويرجع السبب في ذلك إلى تعدد المراحل كما ذكرنا وتنوع‬
‫المتدخلين وفرض آجال طويلة بين لحظة القيام بالرقابة واللحظة التي يصدر فيها القرار‪.298‬‬

‫إن من اإلشكاالت التي تحد من فعالية رقابة المجلس األعلى للحسابات على المال العام‬
‫تواضع العقوبات الزجرية‪ ،‬حيث نلمس محدودية الغرامات التي يحكم بها المجلس ذلك أن‬
‫أقصى ما يمكن أن تصل له الغرامة التأخير بالنسبة للمحاسب الذي تخلف عن تقديم حسابه هو‬
‫‪1000‬درهم وحجم الغرامة التهديدية هو ‪ 500‬درهم عن كل شهر تأخير‪ ،‬ويظهر نفس األمر‬
‫بالنسبة للعقوبات الناتجة عن ارتكاب إحدى األفعال المنصوص عليها في المواد ‪ 54‬و ‪ 55‬و‬
‫‪ 56‬من مدونة المحاكم المالية والتي تبتدأ من ‪ 1.000‬درهم عن كل مخالفة دون أن يتجاوز‬
‫مجموع المبلغ الغرامة صافي األجرة السنوية التي كان يتقاضاها المعني باألمر أثناء ارتكاب‬
‫المخالفة وفي حالة تعدد المخالفات فإن مجموع الغرامات ال يمكن أن تتجاوز أربع مرات مبلغ‬
‫صافي األجرة السنوية للمعني أثناء مزاولته لمهام‪.299‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية الموارد المالية والبشرية‬


‫يعد ضعف الموارد البشرية‪ ،‬من اإلكراهات التي تعرقل ممارسة المحاكم المالية‪ ،‬المخولة‬
‫لهل قانونا‪ ،‬وهذا من شأنه التأثير على الدور الرقابي‪ ،‬الذي تقوم به المحاكم المالية بشكل فعال‪،‬‬
‫ويعد مشكل الخصاص الموارد البشرية والمالية من الصعوبات الكالسيكية‪ ،‬التي تحد من فعالية‬
‫أداء األجهزة العليا المكلفة بالرقابة على األموال العمومية‪ ،‬وهي من األسباب األساسية التي‬
‫عانت وال زالت تعاني منها المحاكم المالية‪ ،‬وأن كانت بدرجات متفاوتة‪ ،‬إال أنها تعتبر من‬
‫المشاكل الرئيسية التي تؤثر في مردودية هذه المحاكم‪.300‬‬

‫أ‪-‬اإلكراهات المتعلقة بضعف عدد الموارد البشرية‪:‬‬

‫إلى حدود سنة ‪ ،1998‬يم يتجاوز العدد اإلجمالي للعاملين بالمجلس ‪ 220‬عامال من ضمنهم‬
‫‪ 72‬قاضيا‪ ،‬ويلقى على عاتق هؤالء القضاة‪ ،‬النظر والتدقيق في أزيد طنا من الوثائق والملفات‬

‫‪ - 298‬أحمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬دراسة سوسيو‪-‬قانونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.397 :‬‬
‫‪ - 299‬المادة ‪ 66‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪ ،‬الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.124‬صادر في ‪ 13‬يونيو ‪،2022‬‬
‫الموافق لفاتح ربيع اآلخر ‪ ،1423‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،5030‬الصادر بتاريخ ‪ 15‬غشت ‪ 2002‬الموافق ل ‪6‬جمادى األخرة ‪ ،1423‬ص‬
‫‪.2294‬‬
‫‪ -- 300‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪.332‬‬
‫‪150‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المتراكمة سنويا‪ ،‬على أن هذا العمل ما فتىء يتضخم حجمه مع مرور السنوات‪ ،‬بفعل تنامي‬
‫األشغال وازدياد عدد المؤسسات‪ .‬ويرتبط ضعف الموارد البشرية في وقت سابق‪ ،‬إلى هيمنة‬
‫وزارة المالية وتحكمها في الموارد البشرية للمجلس‪ ،‬وبالتالي عملية التوظيف عن طريق‬
‫المباريات من سنة ‪ 1982‬إلى ‪.1990301‬‬

‫ويعزى ارتفاع عدد القضاة‪ ،‬ابتدءا من سنة ‪ ،1990‬إلى توظيف ثالثة أفواج متتالية‬
‫بواسطة المباراة‪ ،‬فالفوج األول يتكون من ‪ 46‬قاضي تم توظيفه سنة ‪ ،1990‬بعده تم توظيف‬
‫الفوج الثاني ب ‪ 48‬قاضي من خريجي المدرسة الوطنية وتم تعيينهم سنة ‪ ،2000‬وأخيرا تم‬
‫توظيف الفوج الثالث الذي أنهى تدريبه سنة ‪ ،2004‬ويتكون من ‪ 23‬قاضي‪ ،‬وقد عرفت هذه‬
‫الفترة تعزيز موارد المجلس البشرية‪ ،‬بغية تقوية الطاقات العاملة بالمحاكم المالية‪ ،‬وخصوصا‬
‫بعد إرساء المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬قصد تأمين انطالقتها الضطالعها بمهامها بشكل فعال‪.‬‬

‫وقد كان الغرض من هذه التوظيفات خالل هذه الفترة بالخصوص‪ ،‬تدعيم المجالس‬
‫الجهوية للحسابات التي تحتاج لموارد بشرية لممارسة اختصاصاتها‪ ،‬لذلك تم تعيين ‪ 99‬قاضي‬
‫بالمجالس الجهوية التسعة‪ ،‬لكن رغم ذلك‪ ،‬بقي الخصاص واضحا بهذه المجالس الجهوية‪،‬‬
‫حيث أن البعض منها لم يكن يتوفر سوى ‪ 07‬أو ‪ 08‬قضاة‪ ،302‬من بينهم رئيس المجلس ووكيل‬
‫الملك وأيضا الكاتب العام‪ ،‬على أنه استثناء وكيل الملك والكاتب العام‪ ،‬يبقى انعقاد جلسة أمر‬
‫صعب‪ ،‬فهناك بعض المجالس الجهوية التي لم يمكن لها عقد جلسة إال بحضور رئيس المجلس‪،‬‬
‫أما في حالة الغيابات المرضية أو اإلدارية‪ ،‬يبقى انعقاد الجلسة معلقا‪ ،‬إلى حين استئناف عمل‬
‫المتغيبين‪ ،‬كما أن المهمات الرقابية التي تستدعي التنقل خارج المجلس‪ ،‬كان لها تأثير أيضا‬
‫على انعقاد الجلسات‪.‬‬

‫والجذير بالذكر‪ ،‬فأي جلسة ال يمكن أن تعقد إال بحضور ‪ 05‬قضاة‪ ،‬بالنسبة لجميع‬
‫االختصاصات‪ ،‬مما يعني أنه من الصعب بما كان‪ ،‬أن تتمكن باألخص المجالس الجهوية‪،‬‬
‫بالنظر للظروف المذكورة‪ ،‬كفاية اختصاصاتها األصلية "كالبت في الحساب‪ ،‬ومراقبة التسيير‪،‬‬
‫والتأديب المالي ‪ ،‬ومراقبة اإلجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية" هذا بغض النظر‪ ،‬عن طلبات‬

‫‪ - 301‬أحمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬دراسة سوسيو‪-‬قانونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪405 :‬‬
‫‪ "- 302‬على سبيل المثال‪ ،‬تم تعيين ‪ 7‬قضاة بالمجلس الجهوي للحسابات بالعيون‪ ،‬وتعيين ‪ 8‬قضاة بالمجلسين الجهويين للحسابات بطنجة وأكادير"‬
‫الفقرة األولى من المادة ‪ 158‬من القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم بعد تغييره وتتمميه‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المجلس الموجهة للمجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬من أجل القيام بمهمات مشتركة بينها‪ ،‬والتي‬
‫تدخل في إطار اختصاصات المجلس‪.‬‬

‫ويتضح من خالل التوظيفات المعتمدة من طرف المجلس األعلى للحسابات خالل سنوات‬
‫ما قبل سنة ‪ ،2005‬يبقى عدد القضاة دون الحاجيات الحقيقية للمحاكم المالية‪ ،‬وذلك راجع إلى‬
‫أهمية الوظائف واالختصاصات المسندة إليها‪ ،‬فرغم تطور عدد التوظيفات في الفئة القضاة ب‬
‫‪ 160‬قاضي خالل الفترة ما بين ‪1997‬و‪ ،2005‬إال أن مغادرة عدد مهم من القضاة لهذه‬
‫المؤسسة‪ ،‬بحثا عن وضعية مادية أكثر مالئمة خارج هذه الهيئة‪ ،303‬ساهم في بروز ظاهرة‬
‫عدم استقرار الجهاز من حيث الموارد البشرية‪ ،‬خصوصا خالل الفترة السابقة لسنة ‪،1988‬‬
‫كما زاد في تأزم هذا الوضع بعد ذلك‪ ،‬تقاعد ‪ 14‬قاضيا في إطار المغدرة الطوعية‪ .304‬وحسب‬
‫ما جاء في تصريح الرئيس األول السابق للمجلس األعلى للحسابات " السيد عبد الصادق‬
‫الكالوي" فإن تجربة الرقابة القضائية‪ ،‬عرفت منذ بدايتها اختالال واسعا بين الموارد البشرية‬
‫المتوفرة من جهة‪ ،‬ونطاق اختصاصات المجلس من جهة أخرى‪ ،‬فبعد عشر سنوات من تأسيس‬
‫المجلس‪ ،‬لم تكن الموارد البشرية التي يتوفر عليها المجلس يتجاوز ‪ 50‬إطارا‪ ،‬كما تسببت‬
‫محدودية عوامل الجذب لدى هذه المؤسسة الرقابية في وقت سابق‪ ،‬والمتمثلة أساسا في ضعف‬
‫أنظمة الرواتب والتحفيزات‪ ،‬الممنوحة للعاملين بهذا الجهاز وعلى رأسهم الهيئة القضائية‪ ،‬في‬
‫مغادرة أكثر من ‪ 50‬في المئة من القضاة ما بين ‪ 1982‬و ‪ ،1994‬بسبب غموض وضعيتهم‬
‫اإلدارية ونقص مستوى التأطير بالمجلس‪ ،‬الشيء الذي دفع بالمجلس إلى إلغاء مباراة توظيف‬
‫المستشارين سنة ‪ ،1987‬مما أثر ذلك سلبا على التركيبة البشرية للمجلس‪ ،‬وبدا بعد بروز‬
‫ضعف واضح لعدد القضاة بهذا الجهاز الرقابي‪.‬‬

‫وبالنظر لمختلف المهام المخولة للمحاكم المالية‪ ،‬وتعدد المؤسسات التي تسري عليها‬
‫مراقبة هذه المحاكم‪ ،‬يتبين عدم التوازن الواضح بين حجم المهام‪ ،‬وعدد القضاة الذين يتوجب‬
‫عليهم إتمام هذه المهام‪ ،‬فعدد األجهزة للرقابة المجلس في إطار التدقيق والبت في الحساب‬
‫ومراقبة التسيير فقط‪ ،‬يعادل ‪ 537‬جهاز‪ ،‬بغض النظر عن باقي " األجهزة الخاضعة لمراقبة‬

‫‪ - 303‬نجيب جيري‪" ،‬الرقابة المالية بالمغرب‪ ،‬بين الحكامة ومتطلبات التنمية"‪ ،‬سلسلة المعارف القانونية والقضائية‪ ،‬الطبعة األولى ‪،2012‬ص ‪:‬‬
‫‪.106‬‬
‫‪ - 304‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪.335‬‬
‫‪152‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫استخدام األموال العمومية ومراقبة التصريحات بالممتلكات والتصريح بنفقات األحزاب‬
‫السياسية‪...‬إلخ" كما تجدر اإلشارة‪ ،‬إلى أن هذه المؤسسات تراقب انطالقا من مختلف‬
‫اختصاصات المجلس‪ ،‬ب ‪ 115‬قاضي عامل بهذا المجلس‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬فإن المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬تدقق حوالي ما يقارب ‪ 1627‬حساب‪،‬‬
‫وتراقب في إطار االختصاص الغير القضائي ما يقارب ‪ 52‬مؤسسة أو مقاولة عمومية محلية‪،‬‬
‫وما يفوق عن ‪ 400‬جمعية‪ ،‬وأيضا ما يقارب من ‪ 100‬شركات ذات العقود االمتياز أو شركات‬
‫ذات االقتصاد المختلط‪ ،‬وألعطاء مثال آخر أكثر تحديدا ودقة‪ ،‬فأن المجلس الجهوي للحسابات‬
‫بأكادير‪ ،‬الذي كان يتوفر على ‪ 8‬قضاة في المجموع وعلى ‪ 3‬موظفين‪ ،‬قام بالتدقيق والبت في‬
‫‪ 258‬حساب‪ ،‬وراقب في إطار إختصاصه غير قضائي أيضا‪ 258 ،‬جهاز من الجماعات‬
‫والهيئات‪ ،‬و‪ 2‬من مؤسسات أو مقاولة مشتركة‪ ،‬و ‪ 1095‬جمعية‪.‬‬

‫وقد امتدت االكراهات المتعلقة بالموارد البشرية أيضا إلى فئة الموظفين‪ ،‬حيث أنه من خالل‬
‫سنة ‪ ،2004‬قدر العدد اإلجمالي لموظفي المحاكم المالية ب‪ 158‬موظف‪ ،‬تمثل نسبة األطر‬
‫‪ %30‬فقط‪ ،305‬في حين تمثل نسبة األطر الدنيا ‪ ،%30650‬ونسبة األطر المتوسطة تقريبا‬
‫‪ ،%30720‬لهذا السبب قام المجلس األعلى للحسابات حينئذ‪ ،‬بالحد من التوظيفات في الساللم‬
‫الدنيا‪ ،‬وبتقليص عدد أعوان التنفيذ‪ ،‬باللجوء إلى إسناد الخدمات إلى جهات خارجية‪ .‬كما تجدر‬
‫اإلشارة إلى أن أغلبية هذه األطر تشتغل بالمصالح اإلدارية‪ ،‬ونسبة قليلة منها التي تشتغل بكتابة‬
‫الضبط‪ ،‬وتمثل الفئة المستهدفة للعمل بكتابة الضبط والتي أدت اليمين القانونية‪ ،‬الفئة المتعلقة‬
‫باألطر العليا‪.308‬‬

‫وعرفت المجالس الجهوية للحسابات على الخصوص نسبة خصاص مهمة‪ ،‬من فئة‬
‫موظفي كتابة الضبط‪ ،‬حيث أن توزيع األطر العليا بين المجالس الجهوية للحسابات سنة ‪،2006‬‬
‫كانت في غالب األحيان ال تتعدى إطارا واحدا‪ ،‬وبالنظر لتعدد المهام واالختصاصات المخولة‬

‫‪- 305‬األطر العيا‪ :‬الموظفون المدرجون في سالليم األجور تفوق أو تساوي السلم رقم ‪.10‬‬
‫‪- 306‬األعوان‪ :‬الموظفون المدرجون في السالليم أقل من ‪.7‬‬
‫‪ - 307‬األطر المتوسطة‪ :‬الموظفون المدرجون في السالليم ‪7‬و‪8‬و‪.9‬‬
‫‪ - 308‬ليس هناك أي إحصاء رسمي بالعدد اإلجمالي للموظفين الذين يمارسون مهامهم حصريا بكتابة الضبط لدى المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫للمجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬يتبين أنه من الصعب بل من المستحيل إتمام مهام والمساطر‬
‫واإلجراءات‪ ،‬مع حضور الجلسات والقيام بالتبليغات بفرد واحد‪.309‬‬

‫فعلى المستوى الكمي‪ ،‬فإن الضعف شمل مختلف العاملين بالمجلس األعلى للحسابات‪،‬‬
‫سواء القضاة أو باقي العاملين بالمجلس‪ .‬فحسب تقرير المجلس لسنة ‪ 2018‬بلغ العدد اإلجمالي‬
‫للقضاة والموظفين بالمحاكم المالية ‪ ،594‬من بينهم ‪ 345‬قاضيا و ‪ 249‬موظفا‪.‬‬

‫ويبين الشكل التالي تطور عدد موظفي المجلس خالل الفترة الممتدة مل بين ‪ 2010‬و‬
‫‪.2018310‬‬

‫تطور عدد الموارد البشرية للمجلس خالل الفترة ما بين ‪ 2010‬و‪2018‬‬


‫‪700‬‬
‫‪600‬‬
‫‪500‬‬
‫‪400‬‬
‫‪300‬‬
‫‪200‬‬
‫‪100‬‬
‫‪0‬‬
‫‪2010‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪2018‬‬

‫عدد القضاة‬ ‫عدد الوظفين‬ ‫المجموع‬

‫باستقرائنا لمعطيات هذا الميبان يظهر أن العدد اإلجمالي لقضاة المحاكم المالية عرف تذبذبا‬
‫مستمرا‪ ،‬فيالحظ ارتفاع ما بين ‪ 2015‬و ‪ 2017‬ب ‪ 79‬عنصر في حين هناك تراجع خالل‬
‫سنة ‪ 2018‬بفقدان ‪ 26‬عنصر‪ ،‬ففي الوقت الذي يفترض أن يكون منحى تطور الموارد البشرية‬
‫للمجلس تصاعدي من أجل مواكبة شساعة المهام الموكولة إليه فإن المجلس يعاني من نزيف‬
‫في موارده البشرية‪.‬‬

‫فرغم الزيادة في عدد الموارد البشرية وتخصيص المجلس حيز مهما من ميزانيته لتغطية‬
‫نفقاتها حيث شكلت نفقات الموظفين حوالي ‪ ،%72‬من الميزانية المجلس لسنة ‪ ،3112018‬إال‬

‫‪ --- 309‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪،‬‬
‫ص ‪.337‬‬
‫‪- 310‬رسم مبياني باعتماد التقارير السنوية للمجلس األعلى للحسابات برسم سنوات ‪.2010،2011،2012،2013،2014،2015،2017،2018‬‬
‫‪ - 311‬تقرير المجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،2018‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪.424‬‬
‫‪154‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫أنه يبقى حجم ضئيل وغير كافي مقارنة مع األجهزة المماثلة في الدول األجنبية الرائدة في‬
‫مجال الرقابة المالية العليا‪.‬‬

‫كما تعرف المحاكم المالية ضعفا على مستوى الكيفي للموارد البشرية‪ ،‬ويظهر هذا جليا من‬
‫خالل مجموعة من المؤشرات‪ .‬تتمثل في طبيعة األطر المكونة للمحاكم المالية ونوعية تكوينهم‪،‬‬
‫إذ نال حظ أن أعوان التنفيذ يشكلون نسبة مرتفعة من مجموع الموظفين اإلداريين والتقنيين‬
‫العاملين بهذه المحاكم مقارنة مع باقي األطر‬

‫وبالرغم من تنوع قضاة المجلس حسب الشواهد المحصل عليها ما بين شهادة السلك الثالث‬
‫والماستر في العلوم القانونية‪ ،‬شهادة مهندس دولة‪ ،‬شهادة مهندس دولة‪ ،‬شهادة الدكتوراه أو‬
‫شهادات أ خرى‪ ،‬فإن غالبية قضاة المحاكم المالية تتشكل من حاملي شهادات السلك الثالث أو‬
‫اإلجازة‪ ،‬أي من الممكن تصنيفهم في فئة األطر المتوسطة والصغيرة‪ ،‬بينما يمثل األطر العليا‬
‫نسبة ضئيلة فقط من قضاة المحاكم المالية‪.‬‬

‫توزيع القضاة حسب الشهادة‬

‫شهادات أخرى‬
‫السلك الثالث‬
‫أوالماستر‬
‫الدكتوراه‬

‫مهندسو الدولة‬

‫يتوزع القضاة حسب نوع الشهادات المحصل عليها كما يلي‪ :‬السلك الثالث أو الماستر في‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية ‪ ،%41‬مهندسو الدولة ‪ ،%30‬الدكتوراه ‪ ،%11‬شهادات أخرى‬
‫‪.%18‬‬

‫‪155‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وإذا ما قارنا بين تركيبة القضاة خالل سنة ‪ 2010‬وخالل ‪ 2018‬فسنالحظ تزايد نسبة‬
‫القضاة الحاصلين على شهادة الدكتوراه ومهندس دولة على حساب الحاصلين على شهادة‬
‫الماستر وشواهد أخرى‪ ،‬ويبين المبيان التالي ذلك‪:312‬‬

‫‪60‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪41‬‬
‫‪40‬‬
‫شهادة الدكتوراه‬
‫‪30‬‬
‫‪30‬‬ ‫مهندس دولة‬
‫‪25‬‬
‫‪22‬‬ ‫شهادة ماستر‬
‫‪20‬‬ ‫‪18‬‬
‫شهادة أخرى‬
‫‪11‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪0‬‬
‫‪2010‬‬ ‫‪2018‬‬

‫رغم المجهودات التي بذلت في سبيل تعزيز المحاكم المالية بموارد بشرية مهمة ومضاعفة‬
‫عددها‪ ،‬إال أنه ما زالت هذه الهيئات تفتقر إلى األطر البشرية ذات الكفاءة العالية في المجال‬
‫المالي واالقتصادي والمحاسبي وجانب التدقيق واالستشارة‪ ،‬وهذا الضعف راجع باألساس إلى‬
‫عدم قدرة هذه المحاكم على استقطاب أطر جديدة متنوعة التخصص‪ ،‬فضال عن غياب الشفافية‬
‫في التوظيف‪.‬‬

‫ب ‪-‬اإلكراهات المتعلقة بضعف الموارد المالية‪:‬‬

‫إذا كان العنصر البشري عامال حاسما‪ ،‬في فعالية المحاكم المالية ونجاعة مردوديتها‪ ،‬في‬
‫مجال مراقبة المال العام‪ ،‬تبقى اإلمكانات المادية الموضوعة رهن إشارتها‪ ،‬إحدى اآلليات‬
‫والوسائل الهامة‪ ،‬في تفعيل الرقابة المالية العليا‪ ،‬ومن أجل مواجهة التحديات المتمثلة في‬
‫التغييرات السريعة والمتالحقة‪ ،‬والحاجة إلى السرعة والجودة والمردودية‪ ،‬في اإلنجاز‬
‫وتحسين أداء الخدمات‪ ،‬وكذا االستجابة للتزايد الهائل في حجم البيانات والمعلومات المتداولة‪،‬‬
‫‪313‬‬
‫يتحتم إنشاء وتطوير نظم معلومات متكاملة‪ ،‬تتولى تجميع وتنظيم ومعالجة هذه البيانات‪.‬‬

‫‪ - 312‬تقرير المجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،2018‬الجزء الثاني وسنة ‪.2010‬‬
‫‪ - 313‬المناظرة األولى لإلصالح اإلداري‪ ،‬حول اإلدارة المغربية وتحديات المغرب ‪ ،2010‬المملكة المغربية‪ ،‬وزارة الوظيفة العمومية واإلصالح‬
‫اإلداري‪ ،‬التقرير التركيبي حول" تنمية استعمال تكنولوجيا المعلوميات واالتصال"‪ ،‬الرباط ‪ 8-7‬ماي ‪2002‬ص‪.36-2 :‬‬
‫‪156‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫عند التدقيق في الموارد المالية المتخصصة للمحاكم المالية‪ ،‬يالحظ أوال‪ ،‬أن‬
‫المجلس األعلى للحسابات لم يتمكن من التوفر على ميزانية االستثمار إال في سنة ‪ ،1990‬أي‬
‫بعد أكثرمن ‪ 10‬سنوات من إحداثه‪ ،‬في حين تميزت ميزانية التسيير بالتطور المتذبذب‪ ،‬المتجه‬
‫إلى تقليص أحيانا‪ ،‬إذا انتقلت ميزانية التسيير ما بين ‪ 1981‬و‪ ،1989‬من ‪ 6‬إلى ‪ 7‬مليون درهم‪،‬‬
‫أي بنسبة نمو غير ذات داللة‪ ،‬حيث بلغت ‪ %30‬منها بحصة الثلثين لتسديدة أجور الموظفين‪،‬‬
‫والثلث فقط خصصت لباقي النفقات‪.314‬‬

‫وقد عرفت ميزانية التسيير للمجلس التطور شبه منعدم‪ ،‬خالل السنوات األلى لعمل‬
‫المحاكم المالية‪ ،‬حيث أنه من ابتداء من سنة ‪ 2001‬وإلى حدود سنة ‪ ،2004‬ارتفعت نسبة‬
‫الميزانية المحاكم المالية من ‪ 55.66‬مليون درهم إلى ‪ 67.42‬سنة ‪ ،2002‬ثم إلى ‪ 72.15‬سنة‬
‫‪ 2003‬ثم بعد ذلك إلى ‪ 82.95‬مليون درهم سنة ‪ ،2004‬أي بمعدل ارتفاع يساوي ‪% 8‬تقريبا‪،‬‬
‫وتغطي هذه الزيادات في أغلبها تسوية الوضعية اإلدارية للقضاة والموظفين‪ ،‬حيث تمثل نفقات‬
‫الموظفين أكثر من ‪ %80‬من نفقات التسيير‪.‬‬

‫أما بالنسبة لميزانية االستثمار‪ ،‬فقد عرف رصد ميزانيتها مستوى تنازليا خالل السنوات‬
‫األولى‪ ،‬فرغم االرتفاع الطفيف في مستوى الميزانية المخصصة للمجلس‪ ،‬إال أن نسبة الموارد‬
‫المخصصة لالستثمار تناقصت‪ ،‬خالل الفترة ما بين ‪ 2001‬و‪ 2007‬من ‪ %30‬إلى ‪ ،%15‬وقد‬
‫أثار المجلس هذه النقطة من المرصودة تعتبر مستقرة خالل تلك السنة‪ ،‬حيث عرفت زيادة‬
‫طفيفة بنسبة ‪ ،%1.2‬كما اعتبر ان هذه الوضعية من شأنها أن تؤخر العديد من أعمال التجهيز‬
‫المرتقبة‪ ،‬وال سيما تلك المتعلقة بتهيئة بنايات مالئمة إليواء المحاكم المالية‪ ،‬و تنفيذ خطة العمل‬
‫في ميدان التجهيزات المعلوماتية‪.315‬‬

‫و ابتداء من سنة ‪ ،2008‬عرفت الميزانية المخصصة لالستثمار من ميزانية المجلس ارتفاعا‬


‫مضطردا‪ ،‬حيث ارتفعت بنسبة ‪ ،%24.35‬مقارنة مع السنة التي قبلها‪ ،‬وذلك راجع لكون تلك‬
‫السنة‪ ،‬عرفت توسعة مقر المجلس األعلى للحسابات الذي عانى من ضيق المكاتب‪ ،‬بالنظر‬
‫لعدد البنيات التي يتشكل منها‪ ،‬وكذا عدد القضاة واألطر العاملين به‪ ،‬إضافة إلى أن تلك السنة‪،‬‬

‫‪ -- 314‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪.348‬‬
‫‪- 315‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،2007‬ص‪.408 :‬‬
‫‪157‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫شهدت انطالق أشغال بناء مقر المجلس الجهوي للحسابات بأكادير‪ ،‬ويمكن معرفة ذلك‪ ،‬من‬
‫خالل ارتفاع االعتمادات المخصصة لبند "إنشاء البنيات اإلدارية" بنسبة ‪ ،%66‬ما بين سنة‬
‫‪ 2007‬و ‪ ،2008‬كما قام المجلس بالبحث على أراضي عارية‪ ،‬من أجل تشييد مقرات مجالس‬
‫الجهوية أخرى‪ ،‬كمثال على ذلك المجلس الجهوي لمراكش‪ ،‬وذلك بالنظر لألغلب المجالس‬
‫الجهوية للحسابات‪ ،‬تتوفر على مقرات إما مكتراة أو موضوعة رهن إشارتها من طرف إدارات‬
‫أخرى‪.316‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬يالحظ أنه على الرغم من التطور الطفيف لميزانية المجلس‪ ،‬فإن هذه األخيرة‬
‫تبقى ضعيفة جدا‪ ،‬وتعرف تطورا بدون داللة بالمقارنة مع أنشطة المجلس‪ ،‬كما يبدو أن مبدأ‬
‫استقاللية القضاء‪ ،‬ال يمكن أن تكون حقيقيا إال إذا كان الجهاز القضائي‪ ،‬يتوفر على الوسائل‬
‫المالية الكافية وعلى استقالل الميزانية‪ .‬هذا بالموازاة مع تمكين المحاكم المالية‪ ،‬مع استعمال‬
‫أحدث التقنيات والوسائل الحديثة‪ ،‬لمواكبة الوتيرة المتسارعة لعمليات المراقبة‪ ،‬مما يستلزم‬
‫التزويد ببرامج معلوماتية‪ ،‬من أجل تبسيط المساطر وتحسين سير عمل المحاكم المالية‪،‬‬
‫والمساهمة في تخفيف األعباء التي تقع على كاهل مواردها البشرية‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بمحاولة استشعار مردودية المحاكم المالية انطالقا من الموارد المالية‬
‫المرصدة لها فال يخفى على أحد الدور المحوري واالستراتيجي الذي تقوم به المحاكم المالية‪،‬‬
‫سواء في ميدان تحسين جودة التدبير العمومي‪ ،‬أو من خالل دورها الردعي‪ ،‬التي تبقه على‬
‫مدبري الشأن العام والشأن المركزي‪ ،‬والذي تمارسه عن طريق العقوبات الصادرة بالغرامات‪،‬‬
‫أو باسترجاع األموال غير المستحقة لصالح الجهاز العمومي‪ ،‬فبغض النظر عن قيمة العقوبات‪،‬‬
‫المنطوق بها من طرف هذه المحاكم لصالح الخزينة العامة للمملكة‪ ،‬فهي تمارس دورا حكما‬
‫تيا يساهم في تصحيح األخطاء‪ ،‬التي تكون لها في أغلب األحيان أثر على ميزانية الجهاز‬
‫العمومي‪ ،‬وبالتالي تساهم في الحفاظ على أموال دافعي الضرائب‪ ،‬من الهدر واإلنفاق‬
‫الالمسؤول‪.‬‬

‫بالمقابل إذا ما أخذنا االعتبار‪ ،‬مداخيل الغرامات والمبالغ المسترجعة‪ ،‬انطالقا من األحكام‬
‫المنطوق بها من طرف المحاكم المالية‪ ،‬فإن هذا يعطي انطباعا أن هذه المبالغ ال ترقى إلى‬

‫‪ - 316‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،2008‬الجزء األول‪ ،‬ص‪55 :‬‬
‫‪158‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫مبالغ الموارد المالية المرصودة لها‪ ،‬فمجموعة األحكام المنطوق بها‪ ،‬منذ السنوات األولى‬
‫لممارسة المحاكم المالية لمهامها‪ ،‬تقارب ما يعادل ميزانية سنة واحدة مخصصة للمحاكم‬
‫المالية‪.‬‬

‫ولتوضيح أكثر‪ ،‬فإن مجموع المبالغ المحكوم بما بعجز من طرف المجلس‪ ،‬في إطار‬
‫التدقيق والبت في الحسابات‪ ،‬تقدر بأزيد من ‪ 60‬مليون درهم‪ ،‬أما بالنسبة للمبالغ المحكوم بها‬
‫من طرف المجالس الجهوية تقدر ب ‪ 62‬مليون درهم‪ ،‬كذلك في ميدان التأديب المالي‪ ،‬فمجموع‬
‫األحكام المنطوق بها من طرف المجلس تقدر ب ‪ 15‬مليون درهم‪ ،‬أما بالنسبة للمجالس الجهوية‬
‫فتقدر ‪ 28‬مليون درهم ما بين الغرامات والمبالغ المسترجعة‪.317‬‬

‫بالتالي‪ ،‬فإن المحاكم المالية مطالبة بلعب دور بيداغوجي‪ ،‬أكثر من الدور العقابي‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل انخراطها في دينامية عقلنة الترشيد العمومي‪ ،‬بالسهر على احترام قواعد الحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬كما أن وجود اختالالت في التدبير‪ ،‬ال يعني بالضرورة المباالة المسيرين أو سوء‬
‫نوياهم‪ ،‬بقدر ما يعزى ذلك أحيانا‪ ،‬إلى ضعف كفاءتهم التدبيرية أو إلى النقائص التنظيمية‪،‬‬
‫وكذا إلى تجدر بعض الممارسات التدبيرية القديمة‪ ،‬أو إلى اإلكراهات المرتبطة بالمحيط الذي‬
‫يشتغلون فيه‪.‬‬

‫ويعتبر النموذج األنجلوسكسوني‪ ،‬من بين النماذج الرائدة لألنظمة العليا للرقابة على‬
‫األموال العمومية‪ ،‬ويتولى البرلمان في هذا النموذج مراقبة تنفيذ البرنامج الذي رخص له من‬
‫طرف البرلمان‪ ،‬وترفع إليه تقاريرها وتوصياتها‪ ،‬وال تكتسي هذه الرقابة أية صبغة زجرية‪،‬‬
‫ويمثل هذا النموذج كل من الدول " إنجلترا والواليات المتحدة األمريكية وكندا"‪ .‬أما بالنسبة‬
‫للنموذج األلماني‪ ،‬الذي تمثله نظام محكمة الحسابات الفيدرالية المتميزة بتنظيمها القضائي‪،‬‬
‫غير أنها ال تصدر أحكاما قضائية‪ ،‬لكنها تمارس الرقابة السابقة والالحقة‪ ،‬وهي تابعة عضويا‬
‫للسلطة التشريعية‪ ،‬ويتبع هذا النظام كل من " ألمانيا وهولندا وبعض الدول أمركا الالتينية"‪،‬‬
‫وتعتبر محكمة الحسابات األوربية من هذا الصنف أيضا‪.‬‬

‫‪ -- 317‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪351-350‬‬
‫‪159‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وبالمقارنة بين عدد الموظفين الذين يمارسون مهام مراقبة اإلدارات العمومية الوطنية‪،‬‬
‫بغض النظر عن عدد الموظفين الذين يمارسون مهام المساعدة‪ ،‬فإن محكمة الحسابات الفرنسية‬
‫باإلضافة إلى الغرف الجهوية للحسابات‪ ،‬تتوفر على ‪ 650‬شخص يمارسون هذه المهام‪ ،‬كما‬
‫أن مؤسسة الرقابة البريطانية تتوفر على ‪ 1850‬شخص‪ ،‬وبالنسبة لجهاز الرقابة األلمانية فهي‬
‫تتوفر على ‪1250‬شخص‪.‬‬

‫المطلب الثاني سبل تطوير المحاكم المالية بالمغرب‬


‫اذا كان المشرع المغربي قد منح للمحاكم المالية اختصاصات متعددة‪ ،‬فهذا يعني ان األمر‬
‫يستدعي‪ ،‬ضرورة توفير الموارد البشرية والمالية الالزمة‪ ،‬لتسهيل ممارسة مهامها كما يجب‪،‬‬
‫ونظرا لكون المهام المخولة للمحاكم المالية‪ ،‬والتي تنقسم بين اختصاصات قضائية أخرى غير‬
‫قضائية‪ ،‬ال تقوم دون توفير موارد بشرية كافية وكفؤة‪ ،‬مما يعني‪ ،‬ان كل االختصاص من هذه‬
‫االختصاصات‪ ،‬يتطلب اكتمال النصاب عند انعقاد الهيئات ويتطلب ايضا توفيق اإلمكانيات‬
‫اللوجيستيكية من أجل القيام بمهامها الرقابية في عين المكان وذلك لوجود عالقة وثيقة بين تنفيذ‬
‫هذه االختصاصات واالمكانات المتاحة وبالتالي فان الموارد البشرية تشكل الى جانب الوسائل‬
‫المالية اللوجستيكية‪ ،‬عناصر رئيسية لبلورة ونجاح الرقابة العليا على األموال العمومية‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ال يستقيم عمل المحاكم المالية‪ ،‬دون تنسيق وتعاون ومشاركة‪ ،‬المؤسسات‬
‫المعنية بالرقابة‪ ،‬والمحيط الرقابي بشكل عام‪ ،‬حيث أن هناك ارتباطا وظيفي‪ ،‬بين انواع‬
‫الرقبات اإلدارية والسياسية والقضائية‪ .‬فالمراقبة السياسية تمارسها المؤسسة البرلمانية التي‬
‫تتولى مراقبة العمل الحكومي من خالل فحص التدبير االجهزة االدارية للشأن العام‪ ،‬وتتولى‬
‫السلطة التنفيذية تمارس الرقابة اإلدارية‪ ،‬باعتبار ان االدارة هي الفضاء الذي تتبلور فيه‬
‫الممارسة الرقابية‪ ،‬فضال عن ممارسة هيئة قضائية للرقابة على التدبير العمومي بواسطة‬
‫المحاكم المالية‬

‫فباإلضافة إلى العوامل الذاتية التي اشرنا اليها سابقا‪ ،‬فان العوامل الموضوعية والتي‬
‫يصطلح عليها بالمحيط العام للمجال الرقابي‪ ،‬شكلت في مجموعها عقبة حقيقية أمام السير‬
‫العادي للمجلس األعلى للحسابات والمحاكم المالية بشكل عام‪ ،‬وعلى هذا المستوى‪ ،‬سنحاول‬
‫من خالل هذه الدراسة رصد أهم مستلزمات استقاللية المحاكم المالية (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم أيضا‬
‫‪160‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫إبراز عالقة التعاون بين المجلس ومختلف االجهزة الرقابية االخرى التي تتولى مراقبة الشأن‬
‫العام‪ ،‬دون أن ننسى دور الرأي العام‪ ،‬ورقابة المواطنة في تحسين تدبير العمومي (الفقرة‬
‫الثانية)‪.318‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعزيز مستلزمات استقاللية المحاكم المالية‬


‫تشتغل المحاكم المالية في تفاعل مع محيطها السياسي‪ ،‬هذا األخير يؤثر عليها بشكل سلبي‬
‫كما رأينا سابقا سواء من حيث استقالليتها كمؤسسة أو من حيث أدائها الرقابي‪ ،‬مما يتطلب‬
‫األمر اعتماد إصالحات تهم دعم استقالليتها في عالقتها مع المحيط بشكل يكرس استقاللها من‬
‫ناحية ويقوي عالقتها بالسلطة التشريعية ويصلح عالقتها بالسلطة التنفيذية وتعزيز التعاون‬
‫بينهما‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعزيز استقاللية المحاكم المالية وتقوية عالقتها بالسلطة التشريعية‬

‫إن العالقة بين األجهزة العليا للرقابة على المال العام والمؤسسة التشريعية تعد من بين‬
‫ركائز التدبير الجيد للمال العام‪ ،‬وهي تقليد تعمل به العديد من الدول‪ ،‬حيث تعمل هذه األجهزة‬
‫في التجارب المقارنة على مساعدة البرلمان في الرقابة على تنفيذ قوانين المالية والقيام‬
‫بالتحقيقات والدراسات المتعلقة بتنفيذ اإليرادات والنفقات العامة‪ ،‬وفي إعادة النظر في‬
‫االعتمادات المخصصة لإليرادات في الميزانية كما تقوم بإعادة التصريع العام بالمطابقة‪ ،‬وهذه‬
‫االختصاصات تعد بمثابة تحول هام في ماهية عمل األجهزة العليا للرقابة بشكل يجعلها تخرج‬
‫عن حدود الرقابة التقليدية لتشمل مجاالت جديدة أهما تقليد المساعدة و االستشارة‪.319‬‬

‫ولهذا ولضمان استقاللية هذه المحاكم المالية في إطار تعاونها مع السلطة التشريعية البد من‬
‫تفعيل المقتضيات الدستورية التي نصت على مبدأ استقاللية األجهزة العليا للرقابة‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل نصوص قانونية وتنظيمية لتحديد مدى استقالليتها‪ ،‬وتقديم التفاصيل في هذا اإلطار‪،‬‬
‫وينبغي أيضا إنشاء محكمة عليا تضمن الحماية القانونية الضرورية ضد كل تدخل قد يكسر‬
‫هذه االستقاللية ومن زاوية أخرى فإن المنظمات الدولية للرقابة العليا على األموال العمومية‬
‫أكدت على ضرورة استقالليتها وأكدت أيضا على أن هذه العالقة يجب أن يكون منصوصا‬

‫‪ -- 318‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪.332‬‬
‫‪ - 319‬أحمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬دراسة سوسيو‪-‬قانونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪218 :‬‬
‫‪161‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫عليها في الدستور وفق ظروف ومتطلبات كل بلد‪ ،‬كما أن توصيات الندوة الدولية السادسة‬
‫حول " المجالس الجهوية للحسابات والحكامة الجيدة " حثت على استقاللية المحاكم المالية‬
‫وكفاءة الفاعلين بها في ممارسة مهامهم ومصداقيتها في األوساط اإلدارية والمجتمع‪.320‬‬

‫والمغرب ومن خالل دستور ‪ 2011‬قد عمل على احترام هذه التوصيات كما هو متعارف‬
‫عليه في تجارب الدول المتقدمة‪ ،‬مما جعل الحاجة ملحة إلصالح الترسانة القانونية لمالئمتها‬
‫مع المستجدات الدستورية التي حثت على ضرورة تدعيم جسور التعاون والتنسيق بين أجهزة‬
‫الرقابة العليا والبرلمان وبمراقبة المالية العامة‪ ،‬وباإلجابة عن األسئلة واالستشارات المرتبطة‬
‫بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة‪ ،321‬كما يجب أن "يقدم‬
‫الرئيس األول للمجلس عرضا عن أعمال المجلس األعلى للحسابات أمام البرلمان ويكون‬
‫متبوعا بمناقشة‪"322‬‬

‫ولهذا من أ جل تكريس هذه المقتضيات البد من إدخال إصالحات قانونية وتقنية تنظيمية‬
‫ومؤسساتية كضرورة انتماء الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات وبعض القضاة الماليين‬
‫إلى اللجان المالية وذلك قصد إبداء مالحظات واستنتاجات المجلس األعلى للحسابات‪.‬‬

‫وأن يتم اإلجابة على األسئلة الكتابية الموضوعة من قبل أعضاء اللجان المالية‪ ،‬بمناسبة‬
‫فحص مشروع قانون التصفية من خالل تقديم التقرير الخاص بالمقاوالت العمومية التي تهم‬
‫اللجان المالية البرلمانية المختصة‪.‬‬

‫أن هذه اإلصالحات وغيرها من شأنها أن ترفع من األداء الرقابي للمحاكم المالية‪ ،‬إذ‬
‫أن ضعف وهذه العالقة سيؤدي ال محالة إلى إضعاف الرقابة السياسية التي يمارسها البرلمان‬
‫على الجهاز الحكومي‪ ،‬وبالتالي ال يمكن لهذه الرقابة أن تحقق أهدافها إال من خالل مد المؤسسة‬
‫التشريعية بالمساعدة والمشورة‪ ،‬وتزويدها بالمعلومات الالزمة التي تخص مختلف المؤسسات‬
‫اإلدارية والمقاوالت العمومية الخاضعة للرقابة التسيير الجهاز التنفيذي‪.‬‬

‫‪ - 320‬جمال السليماني‪ ،‬المحاكم المالية بالمغرب‪ :‬دراسة مقارنة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة السنة الجامعية ‪.2007-2008‬‬
‫‪- 321‬القرة األولى من الصل ‪ 148‬من دستور ‪.2011‬‬
‫‪- 322‬الفقرة السادسة من الفصل ‪ 148‬من الدستور المغربي لسنة ‪.2011‬‬
‫‪162‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫فالعالقة المجلس األعلى للحسابات والمؤسسة التشريعية تعتبر مساعدة دائمة للسلطات‬
‫العمومية‪ ،‬فانطالقا من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬يعتبر المجلس هيئة مساعدة للبرلمان‪ ،‬في مجال‬
‫مراقبة تنفيذ القوانين المالية‪ ،‬ويقوم المجلس كذلك‪ ،‬بالرد على الطلبات التوضيح المعروضة‬
‫عليه‪ ،‬من طرف رئيس المجلس النواب والمستشارين‪ ،‬وذلك بمناسبة التقريرين المتعلقين بتنفيذ‬
‫القانون المالية السنة والتصريح العام بالمطابقة‪ ،‬اللذين يعدهما المجلس‪ ،‬من أجل إرفاقهما‬
‫بمشروع قانون التصفية‪ ،‬ويقدمهما البرلمان طبقا لمقتضيات المادة ‪ 47‬من القانون التنظيمي‬
‫للمالية‪.‬‬

‫ومن المبادئ الهامة التي يجب أن تضبط العالقة بين المجلس والسلطة التشريعية‪ ،‬عدم‬
‫خضوع الجهاز الرقابي لتوجيهات البرلمان في برمجة العمليات الرقابية‪ ،‬وفي التخطيط لها‬
‫وأدائها‪ ،‬حتى يكون حرا في وضع األولويات‪ ،‬وفي برمجة عمله بما يتفق مع مهمته‪ ،‬من خالل‬
‫تبني منهجيات مالئمة للعمليات الرقابية المزمع تنفيذها‪ ،‬ومن المعايير المعتمدة كذلك المحافظة‬
‫على استقاللية المجلس من التأثير السياسي‪ ،‬هو حقه التام في وضع الترتيبات إعداد التقارير‬
‫التي يرفعها البرلمان‪.‬‬

‫لكن رغم المجهودات التي قام المجلس بها في هذا الشأن‪ ،‬فإن مجال التواصل بينهما ال يزال‬
‫يتميز بالضعف لذلك كان من الضروري توفير التنسيق بين كل األجهزة الرقابية وذلك بغية‬
‫تكريس الحكامة المالية الجيدة‪.323‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعزيز التعاون والتنسيق بين المحاكم المالية والجهاز التنفيذي في مجال حماية‬
‫المال العام‪:‬‬

‫إن تحقيق الجودة في أعمال المحاكم المالية يظل مشروطا بضمان استقالليتها وممارستها‬
‫الختصاصاتها في إطار من الشفافية التامة تجاه األشخاص الخاضعين لسلطتها وتجاه‬
‫المواطنين على حد سواء‪ ،‬بعيدا عن أي تأثير أو اعتبارات كيفما كان نوعها ومصدرها‪ ،‬إال أن‬
‫هذه االستقاللية ال تمنع من إيجاد آليات للتنسيق والتعاون بين المكونات القضاء المالي والسلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬ووضع وسائل لتسهيل هذا التنسيق وهذا ما جسده الدستور المغربي لسنة ‪2011‬‬

‫‪ - 323‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪.389‬‬
‫‪163‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫حينما أكد على أن المجلس األعلى للحسابات يقدم مساعدته للحكومة في الميادين التي تدخل‬
‫ضمن نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون‪ .324‬إن هذا التنسيق والتعاون من شأنه تفادي هدر‬
‫الوقت والمطالبات وكذا حصول تنافس في النتائج المتوصل إليها أثناء إجراء عملية المراقبة‬
‫المالية والتدقيق‪ ،‬وهكذا يمكن تحقيق التعاون من خالل استفادة المحاكم المالية من أعمال‬
‫التفتيش والتحقيق التي يتم إنجازها من قبل األجهزة المكلفة بالمراقبة والتفتيش والتدقيق التابعة‬
‫مثال لوزارة المالية‪ ،‬وذلك بالنظر إلى الخبرة التي راكمتها هذه األجهزة عبر السنين مقارنة‬
‫بحادثة تجربة األجهزة العليا للرقابة على األموال العمومية‪ ،‬كما يمكن أن يكون هذا التعاون‬
‫والتنسيق من خالل تبادل المعلومات والمعطيات المتعلقة بالمالية العمومية‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى ضرورة تدعيم عمل القضاء المالي وتعزيز الصالحيات واألدوات‬
‫التي تمكنه من ممارسة رقابة فعالة على تدبير المال العام وتحصيله وإنفاقه أيا كانت الجهة‬
‫القائمة على ذلك‪ ،‬من خالل التحيين الذي تخضع له مدونة المحاكم المالية لتتالءم مع مقتضيات‬
‫الدستور ‪ 2011‬وهو توجه ال ينتقص من استقاللية األجهزة الحكومية وال يعتبر تدخال في‬
‫شؤونها‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬فالمجلس األعلى للحسابات يقدم مساعدته للحكومة انطالقا من مراقبة‬
‫تدبير الحكومة وتقييم أعمالها‪ ،‬انطالقا من التقريرين الملحقين بقانون التصفية التي يعدهما‬
‫المجلس‪ ،‬يقوم أيضا بمهام المساعدة لصالح الحكومة‪ ،‬حيث يمكن هذه األخيرة‪ ،‬من تقدير‬
‫المخالفات المرتكبة من طرفها في مجال إدارتها‪ ،‬خاصة المجال المالي‪ ،‬كما أن المذكرات‬
‫االستعجالية التي يوجهها الرئيس األول للمجلس إلى األجهزة المعينة‪ ،‬تمكن من لفت انتباه‬
‫الحكومة‪ ،‬للسلبيات أو األخطاء المرتبطة بتطبيق سياسية عمومية ما‪ ،‬نفس الدور يلعبه كذلك‬
‫كل من "التقرير السنوي‪ ،‬التقارير الموضوعاتية‪ ،‬والتقارير الخاصة‪"...‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬وألجل تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبية‪،‬‬
‫وأيضا لترسيخ مبدأ الحق في الولوج إلى المعلومة‪ ،‬من طرف جميع المؤسسات أو األشخاص‪،‬‬
‫قام المجلس مؤخرا بنشر مجموعة من القرارات الصادرة عنه‪ ،‬في ميدان التأديب المتعلق‬

‫‪ -324‬الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 148‬من الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬الذي جاء فيها‪ :‬يقدم المجلس األعلى للحسابات مساعدته للحكومة‪ ،‬في‬
‫الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصه بمقتضى القانون‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬وفي ميدان التدقيق والبت في الحسابات‪ ،‬وذلك قصد إبراز الطابع‬
‫القضائي الختصاصاته القضائية‪ ،‬وأيضا لتحقيق التكامل بين االختصاصات الرقابية والعقابية‪،‬‬
‫بشكل يوفق بين طبيعتها كمؤسسات قضائية من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬بشكل تصبح معه‬
‫األحكام التي تصدرها هذه المحاكم‪ ،‬من اآلليات التي تعتمدها من أجل المساهمة في تحسين‬
‫التدبير العمومي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إصالح الجانب المؤسساتي للمحاكم المالية‬


‫ال يمكن للمحاكم المالية ان تمارس اختصاصاتها القضائية وغير القضائية‪ ،‬في ظل ضعف‬
‫الحاصل في عدد الموارد البشرية‪ ،‬من قضاة وموظفي كتابة الضبط‪ ،‬لممارسة المهام‬
‫واالختصاصات المتعددة المخولة لهذه المحاكم‪ ،‬ألجل ذلك كان من الضروري العمل على‬
‫الرفع من عدد المتوفر لدى هذه األجهزة‪ ،‬والمطالبة بتوفير الظروف المواتية‪ ،‬لمزاولة هذه‬
‫المهام في أحسن الظروف‪.‬‬

‫أوال‪ :‬دعم الموارد البشرية بالمحاكم المالية‬

‫تعددت المراحل التي تمر منها تركيبة الموارد البشرية للمحاكم المالية‪ ،‬وخصوصا منها فئة‬
‫القضاة حيث تميزت المرحلة األولى بإدماج موظفي اللجنة الوطنية للحسابات‪ ،‬وإلحاق‬
‫مجموعة من الموظفي وزارة المالية بالمجلس‪ ،‬للسهر على تأطير القضاة ولجوه عن طريق‬
‫المباراة‪ ،‬ولعل هذه الثنائية المعتمدة في التأليف األولى للمجلس هي التي لم تمكنهم االستفادة‬
‫من كفاءة واطور عليا‪.325‬‬

‫ففيما يخص‪ ،‬التأهيل وتكوين قضاة موظفي المجلس فحسب مقتضيات مدونة المحاكم‬
‫المالية‪ ،‬يتعين على ملحقين القضائيين اجراء التدريب‪ ،‬يخضعون على أثره المتحان الكفاءة‬
‫المهنية قبل تعيينهم كقضاة‪ ،‬وتحديد كيفيات تنظيم التدريب بواسطة األمر للرئيس االول للمجلس‬
‫االعلى للحسابات تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية‪ ،‬ويضمن هذا‬
‫التدريب للقضاة تكوينا نظريا وعلميا‪ ،‬يهم الجوانب القانونية والمالية والمحاسبية‪ ،‬للرقابة التي‬

‫تمارسها المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪ - 325‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪.340‬‬
‫‪165‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫وغني عن البيان أن القيام بالمهمات الرقابية تستوجب التوفر على تقنيات وخبرات عالية‬
‫في مجاالت متنوعة "كالقانون وعلم االدارة وتقنيات التدبير" االمر الذي يستلزم من القاضي‬
‫تكوينا يجعله على دراية تامة بالعلوم القانونية واالقتصادية والتوفر له بداية الوقت على‬
‫مؤهالت المهنية المطلوبة في كل مدقق وكاد اإللمام بالمعايير والضوابط التي أفرزتها‬
‫الممارسات على المستوى الدولي في مجال التحري والتدقيق‪.326‬‬

‫ولهذا الغرض‪ ،‬حرص المجلس على تمكن موارده البشرية‪ ،‬من تكوين متخصص‬
‫ومتنوع‪ ،‬شمل مجموعة من الجوانب‪ ،‬كمل تمحور برنامج التكوين‪ ،‬حول شق نظري وآخر‬
‫ميداني‪ ،‬ويهدف التكوين النظري‪ ،‬إلى تحسين وتحيين مستوى معارف ومهارات القضاء‪ ،‬وذلك‬
‫من أجل تحقيق التجانس مع مستوى كفاءتهم‪ ،‬أما التكوين الميداني‪ ،‬والظروف العملية لممارسة‬
‫مهنة قاضي بالمحاكم المالية‪ ،‬ويتلخص هذا في‪:‬‬

‫‪-‬تكوين الملحقين القضائيين (وهم الناجحون في امتحانات ولوج سلك القضاة الذين ال زالوا‬
‫في طور التدريب)‪ :‬حيث يتم التركيز على تكوينهم في "مجال المالية العامة والمحاسب‬
‫العمومية والخاصة والقانون والمساطر ومراقبة التسيير‪ ،"...‬كما يتم تلقينهم تكوينا إضافيا‪ ،‬في‬
‫مجال "المحاسبة والتدقيق والتحليل المالي"‪ ،‬قصد االستجابة للتوجه الجديد للمراقبة الموكولة‬
‫للمحاكم المالية‪ ،‬إضافة إال تكوينهم في مجال اإلعالميات وتحرير القرارات والتقارير‬
‫والمعلوميات‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إال أن تنشيط حلقات التكوين‪ ،‬تتم إما من طرف قضاة المحاكم المالية‪ ،‬أو‬
‫من قبل خبراء معترف بهم دوليا‪ ،‬من المغاربة (أطر عليا بالقطاعين العام والخاص)‪ ،‬أو أجانب‬
‫(قضاة المحاكم المالية الفرنسية أو خبراء المنظمات الدولية)‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬يجري الملحقون‬
‫القضائيون تدريبا عمليا‪ ،‬سواء على المستوى الوطني‪( ،‬ال سيما بالمصالح الخزينة العامة‬
‫وإدارة الجمارك)‪ ،‬أو على المستوى الدولي (بالغرف الجهوية الفرنسية للحسابات‪ ،‬والمكتب‬
‫الوطني للتدقيق بإنجلترا ‪ ،NAO‬ومكتب المحاسبة الحكومية بالواليات المتحد األمريكية‬
‫‪.327)GAO‬‬

‫‪- 326‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،2006‬ص‪.9 :‬‬
‫‪- 327‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،2010‬ص‪.516 :‬‬
‫‪166‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫‪-‬وألجل تكوين القضاة‪ :‬في إطار التكوين المستمر‪ ،‬تتم إعادة تأهيل القضاة بالنظر إلى‬
‫اختالف تخصصاتهم‪ ،‬والسيما في المواد القانونية والمالية والمحاسبية والمعلوماتية‪ ،‬إضافة‬
‫إلى تمكينهم من الحصول على تكوين متخصص‪ ،‬يرتكز على معارف تقنية وقانونية محكمة‪،‬‬
‫في المواد التي لها عالقة بالوظائف المخولة للمحاكم المالية‪ ،‬كما يتم األخذ بمخطط لمالئمة‬
‫الوسائل والمساطر المنهجية‪ ،‬مع التوجهات الجديدة للرقابة المسندة إلى المحاكم المالية‪،‬‬
‫وخاصة اعتماد الممارسات المهنية المتعلقة بالتدقيق الحديث ومراقبة األداء‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬عمل المجلس على تنظيم دورات تكوينية‪ ،‬من أجل صقل كفاءات القضاة‬
‫العاملين بالمحاكم المالية في مجموعة من الميادين‪ ،‬وكمثال على ذلك‪ ،‬قام المجلس خالل سنة‬
‫‪ 2008‬بتنظيم أيام إعالمية وعقد ندوات‪ ،‬حول "اإلصالحات المالية"‪ ،‬شارك في تنشيطها‬
‫المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬ومديرية الميزانية التابعة لوزارة المالية والمفتشية العامة للمالية‪،‬‬
‫وتم تنظيم ندوات أخرى حول موضوع "التحليل المالي كوسيلة للتدبير الفعال والعقالني‬
‫للمقاولة" بتعاون بين المجلس واإلدارة العامة للمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاوالت‪ ،‬كما‬
‫نظم المجلس بمشاركة مع نظيره الفرنسي‪ ،‬ندوة حول موضوع "تحليل المخاطر" قام بتنشيطها‬
‫خبيران فرنسيان‪.328‬‬

‫كما انخرط المجلس في عالقات التعاون وتبادل الخبرات مع أجهزة رقابية أخرى من‬
‫أجل تكوين قضاته‪ ،‬ويولي المجلس األعلى للحسابات أهمية خاصة لتعزيز مهامه الرقابية‪،‬‬
‫وتطوير آليات اشتغاله‪ ،‬وفقا للمعايير المعتمدة دوليا في مجال مراقبة المالية العمومية‪ ،‬ولهذا‬
‫الغرض‪ ،‬يعمل المجلس بصفة دائمة‪ ،‬على تشجيع تبادل التجارب والخبرات‪ ،‬بينه وبين هيئات‬
‫ومنظمات الرقابة المالية‪ ،‬على المستويين اإلقليمي والدولي‪ ،‬خاصة المنظمة الدولية لألجهزة‬
‫العليا للرقابة المالية والمحاسبة (األنتوساي)‪ ،‬مختلف الفروع المنبثقة عنها‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫مجموعة من المؤسسات المانحة الدولية‪.‬‬

‫وقد واصل المجلس توطيد عالقاته‪ ،‬مع المنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة المالية‬
‫والمحاسبية (األنتوساي)‪ ،‬والمجموعة العربية لألجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (األر‬
‫بوساي)‪ ،‬وجمعية األجهزة العليا للرقابة التي تشترك في استعمال اللغة الفرنسية (اإليسكوف)‪،‬‬

‫‪ - 328‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬ص ‪.342‬‬
‫‪167‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ولجنة التنسيق المغاربية لألجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة‪ ،‬والوكالة األلمانية للتنمية‪،‬‬
‫والمنظمة األوروبية لألجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (األوروساي)‪.329‬‬

‫ويسعى المجلس عبر مبادرات التعاون على مستوى الدولي‪ ،‬إلى تكريس دور األجهزة‬
‫العليا للرقابة المالية والمحاسبة‪ ،‬في المساهمة الفعالة في عقلنة تدبير األموال العامة‪ ،‬بحيادية‬
‫وموضوعية وكفاءة مهنية عالية‪ ،‬وذلك عن طريق اعتماد أفضل وأحدث األساليب العلمية‪،‬‬
‫والممارسات المهنية في العمل الرقابي‪ ،‬والحرص على مواكبة التطورات والمستجدات‪،‬‬
‫المرتبطة بمجاالت الرقابة والتدقيق واالفتحاص المالي‪ ،‬قام بتطوير عالقاته مع هيئات دولية‬
‫وجهوية‪ ،‬أبدت استعدادها لدعم مسار تحديث المجلس‪ ،‬كمنظمة التعاون والتنمية االقتصادية‬
‫)‪ ،(OCDE‬والوكالة األمريكية للتنمية (‪ ،)USAID‬والبنك االفريقي للتنمية (‪.330)BAD‬‬

‫ثانيا‪ :‬إصالح الجانب المالي للمحاكم المالية‬

‫يعتبر الشرط المالي من الشروط األساسية في عمل األجهزة العليا للرقابة المالية‪ ،‬ليس‬
‫فقط إلنجاز المهام الرقابية وإنما أيضا لضمان استقاللية هذه األجهزة‪ ،‬وما يحققه ذلك من حياد‬
‫ومصداقية في العملية الرقابية‪ ،‬لكن المالحظ أن المجالس الجهوية للحسابات مثال ال تتوفر على‬
‫ميزانية مستقلة‪ ،‬وإنما هناك ميزانية موحدة للمحاكم المالية عموما والتي تندرج ضمن الميزانية‬
‫العامة للدولة‪ ،‬كما ان اآلمر بالصرف فيها هو الرئيس األول وهو الرئيس المجلس األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬مما يستوجب منح هذه المجالس ميزانية خاصة‪ ،‬أو على األقل تفعيل المادة ‪ 9‬من‬
‫القانون ‪ 62.99‬في إمكانية تفويض صالحية اآلمر بالصرف من الرئيس األول للمجلس األعلى‬
‫للحسابات إلى رؤساء المجالس الجهوية‪.‬‬

‫وعليه فاإلمكانيات المادية للمحاكم المالية تعتبر مؤشرا على نجاح أو فشلها في القيام‬
‫بوظائفها واختصاصاتها‪ ،‬الشيء الذي ينبغي معه التأكيد على أهمية إصالح هذا الشق‪ ،‬من‬
‫خالل تعزيز منظومة المعلوميات في عمل هذه المحاكم‪ ،‬فإنتاجية أي مؤسسة رهين بتوفرها‬
‫على الوسائل المادية المعتمدة في عملها وبنوعية وحداثة هذه الوسائل واالمكانيات‪ ،‬والمحاكم‬

‫‪ - 329‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪344 :‬‬
‫‪ - 330‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬برسم سنة ‪ ،2015‬ص‪.9 :‬‬
‫‪168‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المالية مطالبة بتوفير هذه الجوانب للرفع من جودة أدائها والرفع من مستوى عملها‪ ،‬وذلك‬
‫باعتماد األساليب الحديثة للرقابة‪ ،‬والتي تتطلب االستعانة بتقنيات المعلوميات والحواسيب‬
‫والوسائل الحديثة لمعالجة المعلومات واالحصائيات لمواجهة متطلبات االفتحاص‬
‫والرقاب‪331‬ة‪ .‬أما فيما يتعلق بمحاولة استشعار مردودية المحاكم المالية انطالقا من الموارد‬
‫المالية المرصدة لها فال يخفى على أحد الدور المحوري واالستراتيجي الذي تقوم به المحاكم‬
‫المالية‪ ،‬سواء في ميدان تحسين جودة التدبير العمومي‪ ،‬أو من خالل دورها الردعي‪ ،‬التي تبقه‬
‫على مدبري الشأن العام والشأن المركزي‪ ،‬والذي تمارسه عن طريق العقوبات الصادرة‬
‫بالغرامات‪ ،‬أو باسترجاع األموال غير المستحقة لصالح الجهاز العمومي‪ ،‬فبغض النظر عن‬
‫قيمة العقوبات‪ ،‬المنطوق بها من طرف هذه المحاكم لصالح الخزينة العامة للمملكة‪ ،‬فهي‬
‫تمارس دورا حكما تيا يساهم في تصحيح األخطاء‪ ،‬التي تكون لها في أغلب األحيان أثر على‬
‫ميزانية الجهاز العمومي‪ ،‬وبالتالي تساهم في الحفاظ على أموال دافعي الضرائب‪ ،‬من الهدر‬
‫واإلنفاق الالمسؤول‪.‬‬

‫بالمقابل إذا ما أخذنا االعتبار‪ ،‬مداخيل الغرامات والمبالغ المسترجعة‪ ،‬انطالقا من‬
‫األحكام المنطوق بها من طرف المحاكم المالية‪ ،‬فإن هذا يعطي انطباعا أن هذه المبالغ ال ترقى‬
‫إلى مبالغ الموارد المالية المرصودة لها‪ ،‬فمجموعة األحكام المنطوق بها‪ ،‬منذ السنوات األولى‬
‫لممارسة المحاكم المالية لمهامها‪ ،‬تقارب ما يعادل ميزانية سنة واحدة مخصصة للمحاكم‬
‫المالية‪.‬‬

‫ولتوضيح أكثر‪ ،‬فإن مجموع المبالغ المحكوم بما بعجز من طرف المجلس‪ ،‬في إطار‬
‫التدقيق والبت في الحسابات‪ ،‬تقدر بأزيد من ‪ 60‬مليون درهم‪ ،‬أما بالنسبة للمبالغ المحكوم بها‬
‫من طرف المجالس الجهوية تقدر ب ‪ 62‬مليون درهم‪ ،‬كذلك في ميدان التأديب المالي‪ ،‬فمجموع‬
‫األحكام المنطوق بها من طرف المجلس تقدر ب ‪ 15‬مليون درهم‪ ،‬أما بالنسبة للمجالس الجهوية‬
‫فتقدر ‪ 28‬مليون درهم ما بين الغرامات والمبالغ المسترجعة‪.332‬‬

‫‪ - 331‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬مرجع سابق ص‪:‬‬
‫‪.347‬‬
‫‪ - 332‬عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة "المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.351 :‬‬
‫‪169‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ثالثا‪ :‬اصالح البنية المؤسساتية لمنظومة الرقابة المالية‪:‬‬

‫تعد الرقابة على األموال العمومية واحدة من أهم الركائز التي تقوم عليها الدولة الحديثة‪ ،‬والتي‬
‫تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة بكل أبعادها‪ ،‬مما جعل كل الدول تهتم بهذا المجال وتوليه‬
‫عناية كبيرة سواء من خالل إيجاد آليات قانونية أو من حيث إنشاء أجهزة وهياكل تعمل على‬
‫القيام بهذه الوظيفة‪ ،‬وفي هذا اإلطار عمل المغرب على مسايرة التطورات التي تعرفها منظومة‬
‫الرقابة المالية‪ ،‬فحاول انشاء مؤسسات رقابية حديثة إلى جانب المؤسسات التقليدية‪ ،‬هذا الوضع‬
‫أدى إ لى عدم التنسيق أحيانا بين هذه األجهزة مما خلف نتائج وخيمة واثار سلبية على هذا‬
‫مجال حماية المال العام وهذا ما يتطلب من جهة انشاء أجهزة أخرى للرقابة االلية من أجل‬
‫تحقيق نوع من التخصص وأيضا تعزيز التعاون والتنسيق بين هذه األجهزة من جهة أخرى‬

‫أ‪ :‬احداث مؤسسات رقابية أخرى لحماية المال العام‬

‫تقوم المحاكم المالية بالعديد من األعمال والمهام وذلك في ظل غياب مؤسسات أخرى يمكن أن‬
‫تساعدها في القيام بأعباء الرقابة المالية‪ ،‬كما أن تشعب هذه المهام المنوطة بها في مجاالت‬
‫متعددة كمراقبة الحسابات اإلدارية لآلمرين بالصرف للجماعات الترابية والمؤسسات العمومية‬
‫والمقاوالت العمومية وكذا الحسابات التدبيرية لجميع محاسبي الدولة‪ ،‬باإلضافة إلى مهمة‬
‫التأديب والتقويم ومراقبة تنفيذ القانون المالية ثم مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات‪ ،‬وتدقيق‬
‫الحسابات األحزاب السياسية‪ ،‬وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات االنتخابية‪ ...‬كل هذا يؤدي ال‬
‫محالة بهذه المحاكم إلى دعم إتقان عملها وعدم ضمان الفعالية والجودة الطلوبتين في مهامها‪،‬‬
‫كما يمكن ان يؤدي هذا الوضع إلى جعل المال العام عرضة للهدر والنهب في ظل ضعف‬
‫الرقابة وتعدد المهام المنوطة بها‪ ،‬مما قد يفقدها معنى من وجودها وإنشائها‪.‬‬

‫بخالف هذا نجد أن التجربة الفرنسية مثال انتبهت إلى هذه اإلشكالية وحاولت تجاوزها‪،‬‬
‫وذلك بإنشاء هيئات أخرى إلى جانب محكمة الحسابات الفرنسية في مجال الرقابة العليا على‬
‫األموال العمومية‪ ،‬فتم تأسيس محكمة التأديب المالي سنة ‪ 1948‬والتي تنظر في قضايا‬
‫المخالفات المحالة إليها بواسطة النائب العام لمحكمة الحسابات وإيقاع الجزاء على كل مخالفة‬
‫لقواعد اإلنفاق العمومي من األموال العامة‪ ،‬التي لم ترتكب من طرف مدني أو عسكري‪ .‬كما‬

‫‪170‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تم إنشاء مجلس الضرائب سنة‪ 1971‬الذي يهتم بالميدان الجبائي‪ ،‬ويبحث في مظاهر الضغط‬
‫الجبائي وقياس تطوره‪ ،‬فيما تتكلف اللجنة المركزية للتقصي بمراقبة تكاليف مردودية المصالح‬
‫العمومية‪ ،‬كل هذه الهيئات تعد امتدادا وتكملة للعمل الذي تقوم به محكمة الحسابات الفرنسية‬
‫في ميدان الرقابة المالية العليا‪.‬‬

‫إن التجربة الفرنسية في مجال الرقابة العليا على األموال العمومية تتسم بمزيد من التخصص‪،‬‬
‫وهذا ربما كان نتيجة للتجارب المهمة واألشواط الكبيرة التي قطعتها الرقابة المالية العليا‬
‫بفرنسا ‪ ،‬كما أنها وليدة حاجة وظروف مرتبطة بالتطورات االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫والقانونية وبالحياة السياسية التي تعيشها فرنسا‪ .‬ونحن بذكرنا للنموذج الفرنسي ال نطلب‬
‫استنساخ هذا النموذج‪ ،‬بل فقط من أجل االستفادة منه وإيجاد صيغة تتناسب مع الوضعية‬
‫االقتصادية والمالية والثقافية والسياسية والقانونية للمغرب‪.333‬‬

‫ب‪ :‬إقرار شراكة حقيقية وتنسيق دائم بين مختلف الفاعلين واألجهزة الرقابية‬

‫إن غياب التنسيق بين األجهزة المكلفة بالرقابة يشكل إحدى نقط الضعف األساسية التي يعرفها‬
‫نظام المراقبة المالية بالمغرب‪ ،‬فغياب التكامل والتشاور فيما بينها لم يكن عامال مساعدا للرفع‬
‫من المردودية على المستوى المالي‪ .‬ورغم الوعي بأهمية هذا العمل فإن مشاريع اإلصالح‬
‫الحكومية لم تتمكن بعد من سد هذه الفجوة المزمنة‪ ،‬ربما العتبارات موضوعية وسياسية‬
‫خارجة عن إرادته‪.‬‬

‫وبالتالي يجب تعزيز التنسيق والتواصل بين مختلف األقطاب الرقابية الداخلية والخارجية‬
‫ومختلف مكونات الجهاز القضائي من محاكم إدارية وتجارية وغيرها من أجل محاربة‬
‫االنغالق وحاالت الجمود‪ ،‬وكذا ضمان تجانس وفعالية أكبر في عمل المحاكم المالية‪ ،‬كما يجب‬
‫على هذه األخيرة أن تحرص على تفعيل الرقابة وتنمية روابط التواصل والتشارك على عدة‬
‫أصعدة وطنيا‪ ،‬جهويا ودوليا وينبغي أيضا أن تسهر على تنمية أواصر التعاون مع األجهزة‬
‫الرقابية داخلية وكذا األجهزة القضائية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والجامعات‪.‬‬

‫‪- 333‬أحميدوش مدني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.133-134 :‬‬


‫‪171‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ومما ال شك فيه أن تنمية ثقافة وقيم جديدة في مجال الرقابة ال يتحقق دون نشر وعي ثقافي‬
‫يحترم مبدأ المساءلة والمحاسبة في تدبير الشأن العام‪ ،‬كما أن تفعيل في هذه القيم والتأسيس‬
‫لحضور المغرب في شتى المحافل الجهوية والدولية الرقابية رهين بضمان حركية دائمة‬
‫للموارد البشرية المتاحة للمحاكم المالية والتي تعد رأسمالها األوحد في تطير أداء عملها‪،‬‬
‫وفرصة ثمينة في مجال تراكم التجارب المهنية وتداول الخبرات وطنيا وجهوي وبضرورة‬
‫تحرير الطاقات اإلبداعية واالبتكارية للعنصر البشري لمواكبة التحوالت العميقة التي يعرفها‬
‫العالم المعاصر‪.‬‬

‫ولضبط اإلطار العام لهيئات المراقبة وتنسيق تدخالتها ال بد من إحداث جهة عليا موحدة تحلق‬
‫برئاسة الحكومة‪ ،‬يكون من مهامها اإلشراف على التنسيق ومد الجسور التعاون بين المؤسسات‬
‫الرقابة المالية المختلفة‪ ،‬تكون مشكلة من قضاة ومراقبين ماليين ونواب برلمانيين باإلضافة‬
‫إلى خبراء التدقيق من القطاعين العام والخاص كالمستشارين‪ ،‬ويمكن لهذه الهيئة أن تساهم في‬
‫خلق نوع من التعاون والتشاور الوثيقين وتمكن من ردم الهوة الحاصلة بين الرقابة اإلدارية‬
‫بآلياتها المتعددة والرقابة البرلمانية بصالحيتها المحدودة‪ ،‬عبر خلق نوع من التوازن يستطيع‬
‫من خالله البرلمان اإلستعانة بخبراء ماليين واقتصاديين حتى يستطيع أن يقوم بدوره كامال في‬
‫مجال الرقابة على المال العام هذا من جهة‪ ،‬وفي سبيل تحسين التدبير العمومي وفق ما جاء‬
‫على ضوء مخرجات النموذج التنموي الجديد والتقرير األخير للمجلس األعلى للحسابات من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬وجب على المحاكم المالية مواكبة زمن الرقمنة‪ ،‬خاصة في هذه الظرفية‬
‫التي طبعتها عدة متغيرات همت السياقين الوطني والدولي‪ ،‬والمرتبطة أساسا باألزمة الصحية‬
‫العالمية وتداعياتها على االقتصاد الوطني‪ ،‬وذلك ما شرع فيه المجلس األعلى مع شركائه‬
‫والمتمثلة في وزارة االقتصاد والمالية‪ ،‬خاصة الخزينة العامة للمملكة‪ ،‬ومديرية الجمارك‪،‬‬
‫ومديرية الضرائب‪ ،‬بالقيام بمبادرات من أجل تقديم الحسابات بشكل إلكتروني‪ ،‬في انتظار‬
‫‪334‬‬
‫تعميم هذه التقنيات على مستوى التقاضي بشكل عام‪ ،‬وذلك باعتماد التبليغ االلكتروني‬

‫‪- 334‬مجلس النواب‪ ،‬تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان حول الميزانيات الفرعية‪ ،‬مشروع قانون المالية سنة ‪ ،2019‬ص‪.482 :‬‬
‫‪172‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫واعتماد مبدأ التقاضي عن بعد من خالل اعتماد تقنية ‪ ،Visioconférence‬التي شرع العمل‬
‫بها على مستوى المحاكم العادية منذ سنة ‪ 2016‬محكمة االستئناف بالدار البيضاء نموذجا‪.‬‬

‫ومن خالل هذه الدراسة‪ ،‬فقد دعت مختلف المنظمات الدولية واإلقليمية المتخصصة في الرقابة‬
‫المالية والمحاسبة‪ ،‬وبعض المؤسسات الرسمية في المغرب من خالل مختلف التوصيات‬
‫الصادرة عنها‪( ،‬توصيات النموذج التنموي الجديد ‪ -‬تقرير المجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي والتقرير األخير للمجلس األعلى للحسابات)‪ ،‬على ضرورة تحديث التدبير العمومي‬
‫طعن طريق اعتماد التقنية المعلوماتية واستعمالها في الرقابة المالية‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫خاتمة الفصل الثاني‪:‬‬

‫لقد اقتصر البحث في هذا الفصل عن النطاق الواسع لالختصاص الرقابة القضائية التي‬
‫تمارسها المحاكم المالية‪ ،‬فقد أسفرت الممارسة القضائية للقاضي المالي عن تركيز المساءلة‬
‫على اآلمرين بالصرف والمسؤولين الذين يتولون المهمات التنفيذية ال التقريرية داخل األجهزة‬
‫الخاضعة‪ ،‬وبشكل محدود على باقي المدبرين العموميين الخاضعين‪ ،‬علما أنه بمقتضى القانون‬
‫يستثنى من هذا االختصاص المدبرون العموميون الذين يمارسون وظائف سياسية‪ ،‬والذين‬
‫يتولون مهامها التقريرية داخل األجهزة العمومية المعنية‪ ،‬وكذا مسؤولي األجهزة المختلطة من‬
‫األشخاص القانون الخاص الذين يتلقون أموال عمومية سواء على شكل مساهمات أو إعانات‪.‬‬

‫وقد مكنت التقارير السنوية المنشورة بالمحاكم المالية‪ ،‬من تشكيل آلية ضاغطة‪ ،‬مكنت‬
‫بالفعل من إعطاء فكرة تقريبية عن حجم اإلختالالت المرصودة على مستوى التدبير اإلداري‬
‫والمالي للهيئات الخاضعة لمراقبتها‪ ،‬وقد عزت المحاكمة المالية إلى وجود إختالالت‪ ،‬ال يعني‬
‫الضرورة ال مباالة المسيرين أو سوء نواياهم‪ ،‬بقدر ما يعزى أحيانا إلى ضعف كفاءتهم‬
‫التدبيرية أو إلى النقائص التنظيمية‪ ،‬وكذلك إلى تجدر بعض الممارسات القديمة‪ ،‬وإلى‬
‫اإلكراهات المرتبطة بالمحيط الذين يشغلون فيه‪.‬‬

‫وقد إنتقاء القرارات التي تم نشرها بناء معيار محدد‪ ،‬الهدف منه تعميم الفائدة من أجل‬
‫تحسين التدبير العمومي‪ ،‬ولم يكن الغرض هو تبيان أهمية العقوبة المحكوم بها‪ ،‬وإنما الغرض‬
‫منه منح المهتمين وللرأي العام في المجال القانوني لإلغناء النقاش حول إشكالية التدبير‬
‫العمومي‪ ،‬وطرق تجاوزها‪ ،‬وتكريس االجتهاد القضائي في مجال مسؤولية المدبرين العموميين‬
‫وتدعيم مبدأ الربط المسؤولية بالمحاسبة‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫خاتمة عامة‪:‬‬
‫لقد حاولنا من خالل هذه الدراسة المتواضعة تحليل مسؤولية اآلمر بالضرف أمام المحاكم‬
‫المالية بالمغرب‪ ،‬من خالل البحث عن إشكالية مركزية تتعلق بمدى نجاعة منظومة الرقابة‬
‫المحاكم المالية في تجويد التدبير العمومي‪ ،‬وذلك من خالل فصلين‪.‬‬

‫ففي الفصل األول استعرضنا أهم األجهزة الرقابية على المال العام‪ ،‬والمتمثلة في المحاكم‬
‫المالية بالمغرب‪ ،‬وذلك من خالل التطرق للبناء التنظيمي لها والتركيز على أهم االختصاصات‬
‫المحاكم المالية سواء كانت االختصاصات القضائية أو االختصاصات الغير القضائية باإلضافة‬
‫إلى المساعدة التي تقدمها المحاكم المالية للبرلمان والحكومة وللهيئات القضائية فضال عن‬
‫األشخاص واألجهزة الخاضعين لهذه المسطرة‪.‬‬

‫إال أن مشاركة اآلمرين بالصرف في مجال تنفيذ الميزانية كان البد من تحديد مسؤولية‬
‫اآلمر بالصرف أمام القضاء المالي حسب السلطة التي يمتلكها في هذا المجال‪ ،‬فالتشريع‬
‫المغربي‪ ،‬نص على مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين في نص‬
‫واحد في إطار القانون ‪ 61.99‬المتعلق بمسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين‬
‫العموميين أو من في حكمهم‪ ،‬وقد شكلت المسؤولية التأديبية والمدنية والجنائية المجال المشترك‬
‫للمسؤولية األشخاص الخاضعين للرقابة المحاكم المالية‪.‬‬

‫أما بالنسبة لاللتزامات الملقاة على عاتق اآلمرين بالصرف فقد حدد المشرع إلتزماته‬
‫ومسؤولياته التأديبية والمسؤولية المدنية والشخصية والجنائية‪ ،‬وتعتبر جرائم الغدر واالختالس‬
‫والرشوة واستغالل النفوذ من أهم الجرائم التي يمكن لآلمرين بالصرف إرتكابها‪.‬‬

‫وقد خص المشرع الجنائي المغربي نصوصا خاصة بهذه الجرائم من خالل الفصول‬
‫‪ 241‬إلى ‪ ،256‬فالمشرع في هذه الجرائم سعى إلى حماية السير الطبيعي للمرافق العمومية‬
‫التي يتصرف فيها الفاعلون األساسيون في الميزانية العامة والترابية من آمرين بالصرف‬
‫والمحاسبين العموميين‪ ،‬في حين يمكن لهؤالء األشخاص أن يعفوا من المسؤولية‪ ،‬إما أذا ما‬
‫فضل رؤساؤهم التستر عن أخطائهم ومعاقبتهم تأديبيا‪ ،‬أو طلب ذلك إداريا بحسب شروط‬
‫المشرع من خالل طلب اإلعفاء من المسؤولية أو براءة الذمة على وجه اإلحسان‪ ،‬أو بالطرق‬

‫‪175‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫القضائية كطلب المراجعة االحكام أو القرارات‪ ،‬والطعن باالستئناف أو النقض إللغاء العقوبات‬
‫والغرامات والجزاءات المترتبة عن ثبوت المسؤولية المالية‪.‬‬

‫ودائما في إطار معالجة إشكالية البحث الرئيسية‪ ،‬تطرقنا من خالل الفصل الثاني من هذه‬
‫الرسالة‪ ،‬على تبيان مجال المساءلة أعضاء الحكومة والبرلمان في ميدان التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية سواء من حيث النطاق أو من حيث االستثناءات‪ ،‬وذلك عبر الحديث‬
‫عن المخالفات التي ترتكب في مجال التدبير العمومي‪ ،‬والتي في الغالب تضفي على المسؤولية‬
‫طابعا إداريا وليس سياسيا‪ ،‬بحيث أنه من النادر أن يتخذ الوزير قرارا غير قانوني بشكل‬
‫مباشر‪ ،‬فهذا االختصاص يستثني باألساس المدبرون العموميون الذين يمارسون وظائف‬
‫سياسية‪ ،‬والذين يتولون مهامها تقريرية داخل األجهزة العمومية المعنية‪.‬‬

‫إن المحاكم المالية وفي سبيل القيام بمختلف الوظائف تصطدم بمجموعة من اإلكرهات‬
‫والعراقيل‪ ،‬الشيء الذي يحد من فعالية أدائها الرقابي‪ ،‬ويعرقل سير عملها‪ .‬وفي هذا اإلطار‬
‫يمكننا تصنيف اإلكراهات إلى ما هو متعلق بالمحيط الداخلي‪ ،‬وتتمثل في األساس في‬
‫اإل كراهات القانونية والمؤسساتية‪ ،‬وما هو مرتبط بالمحيط الخارجي والذي تمثل المعيقات‬
‫السياسية واإلدارية والثقافية أبرز صوره‪ .‬وبالتالي البد من التفكير في تجاوز المقتربات‬
‫التقليدية لتكييف التقنيات الحديثة في الرقابة المالية‪ ،‬خصوصا ما يتعلق بمراقبة التسيير‪،‬‬
‫والتدقيق‪ ،‬والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬وذلك لنجاح السياسات العمومية إلى‬
‫جانب تفعيل مراقبة األداء المعتمدة على النتائج بدل الوسائل واعتماد مقاربة نجاعة األداء من‬
‫أجل الحفاظ على المال العام وتحقيق الحكامة الجيدة المفقودة‪.‬‬

‫كل هاته العوامل كانت دافعا لنا الحديث عن مجموعة من األجهزة التي تختلف من حيث‬
‫األدوار وأسالب العمل‪ ،‬ولكنها تلتقي في هدف واحد وهو تأمين االستعمال السليم للمال العام‪،‬‬
‫والتصدي لالنحرافات والتجاوزات التي يمكن ان تعتري عمليات إدارته والسعي لتصحيحيها‪،‬‬
‫وكذا المساهمة في تقييم وتطوير التدبير العمومي‪ .‬حيث أرسى دستور ‪ 2011‬جملة من اآلليات‬
‫الدستورية الهادفة إلى تعزيز الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد والرشوة‬
‫ومحاربتها‪ ،‬وذلك من خالل دعم دور المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات‬

‫‪176‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫في مراقبة المال العام وترسيخ قواعد الشفافية المالية وكذا ربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس‬
‫قاعدة عدم اإلفالت من العقاب‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪-‬المراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫✓ الكتب والمؤلفات‬
‫‪-‬عسو منصور‪ ،‬قانون الميزانية العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة‪ ،‬مطبعة المعارف‬
‫الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬أكتوير ‪.2017‬‬

‫‪-‬إبراهيم بن به‪ ،‬نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي ‪ -‬دراسة قانونية‬
‫وقضائية مقارنة‪ ،‬مطبعة طوب بريس‪-‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ماي ‪.2017‬‬

‫‪ -‬محمد براو‪ ،‬القواعد القانونية والقضائية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬
‫للمسؤولين والموظفين واألعوان العموميين‪-‬على ضوء مدونة المحاكم المالية وقضاء المجلس‬
‫األعلى للحسابات وقضاء محكمة النقض (دليل عملي لفائدة المهنيين والباحثين)‪ ،‬مكتبة دار‬
‫السالم‪ ،‬الرباط‪.2017 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاح بالخال‪ ،‬علم المالية العامة التشريع المالي المغربي‪ ،‬مطبعة فضالة‪،‬‬
‫الدارالبيضاء‪.2005 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬المبادئ العامة للقانون الجنائي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة فضالة‪،‬‬
‫الدارالبيضاء‪.2005 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪.2006 ،‬‬

‫‪ -‬مليكة الصروخ‪ ،‬القانون اإلداري ‪ -‬دراسة مقارنة ‪ -‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪،‬‬
‫الطبعة الخامسة‪ ،‬أكتوبر ‪.2001‬‬

‫‪ -‬عبد النبي اضريف‪ ،‬كتاب القانون الميزانية الدولة على ضوء القانون التنظيمي للمالية‬
‫‪.130.13‬‬

‫‪178‬‬
‫✓ األطروحات والرسائل‪:‬‬
‫➢ األطروحات‪:‬‬

‫‪-‬محمد يحيا‪ ،‬المسؤولية في مجال تنفيذ الميزانية العامة في التشريع المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل‬
‫شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة‪ ،‬برسم‬
‫السنة الجامعية ‪ ،2013-2012‬ص ‪.2‬‬

‫‪-‬خديجة بلكبير‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في الرقابة العليا دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة‪،‬‬
‫أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2008-2007‬‬

‫‪ -‬جمال السليماني‪ ،‬المحاكم المالية بالمغرب‪-‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪.2008 ،‬‬

‫‪ -‬أحميدوش مدني‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات – التشكيل‬


‫واالختصاصات‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق شعبة القانون العام‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪-2001‬‬
‫‪.2002‬‬

‫➢ الرسائل‪:‬‬

‫‪ -‬بداه مريم‪ ،‬دور المحاكم المالية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب‪،‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الماستر تخصص العلوم اإلدارية والمالية‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية سويسي برسم السنة الجامعية ‪.2020-2019‬‬

‫‪-‬ياسين قادري‪ ،‬آليات الحكامة بالمغرب رقابة المجلس األعلى للحسابات نموذجا‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫شهادة الماستر‪ ،‬ماستر القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدارالبيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2015-2014‬‬

‫‪ -‬الحسين غنام‪ ،‬دور المجلس األعلى للحسابات في حماية المال العام بالمغرب على ضوء‬
‫مقتضيات الدستور ‪ ،2011‬رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام والعلوم السياسية‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫تخصص الدراسات اإلدارية والمالية‪ ،‬جامعة محمد الخامس اكدال الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2017-2016‬‬

‫محمد ولد أحمد ميناط‪ ،‬الرقابة العليا على األموال العمومية في دول المغرب العربي‪ ،‬دراسة‬
‫نقدية ومقارنة‪ ،‬بحث لنيل دبلوم السلك العالي‪ ،‬المدرسة الوطنية لإلدارة‪ ،‬الرباط‪.‬‬

‫‪-‬أمل أزرو‪ ،‬الرقابة المالية بين وزارة المالية والمجلس او على الحسابات‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر واالقتصادية واالجتماعية السويسي‪.2011_2010 ،‬‬

‫جاعي الحجوجي‪ ،‬المجالس الجهوية للحسابات وجباية المال العام المحلي بالمغرب‪ ،‬رسالة‬
‫لنيل دبلوم الماستر في القانون العام جامعة الحسن األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية باسطات‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2010-2009‬‬

‫✓ المقاالت‪:‬‬
‫عبد الودود الزباخ‪ ،‬مساهمة المحاكم المالية في إقرار الحكامة المالية‪ ،‬مجلة الحقوق سلسلة‬
‫"المعارف القانونية والقضائية"‪ .‬مطبعة المعارف الجديدة‪-‬الرباط ‪.2022‬‬

‫‪-‬محمد حركات‪ ،‬الوصايا العشر الكفيلة بضمان نجاح تجربة المحاكم المالية بالمغرب‪،‬‬
‫منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية‪ ،‬سلسلة التدبير االستراتيجي‪ ،‬عدد‪.2002 ،3‬‬

‫‪ -‬أحميدوش مدني‪ ،‬الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،‬‬
‫المجلة المغربية للمالية العمومية‪ ،‬العدد ‪ ،3‬سنة ‪.2013‬‬

‫‪-‬أحمد حاسون‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات بالمغرب (دراسة سوسيو قانونية)‪ ،‬مجلة الدراسات‬
‫الدراسات السياسية واالجتماعية سلسلة أطروحات وأبحاث‪ ،‬العدد ‪ .2013-1‬مطبعة المعارف‬
‫الجديدة‪-‬الرباط‪.‬‬

‫‪-‬سارة الطاهيري‪ ،‬الحدود الرقابية لعمل المحاكم المالية وسبل اإلصالح‪ ،‬جامعة محمد الخامس‬
‫الرباط‪ ،‬تاريخ االستالم ‪.2021-03-07‬‬

‫‪180‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫نجيب جيري‪ ،‬الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية‪-‬دراسة تحليلية‬
‫ونقدية‪ ،‬دار نشر المعرفة الرباط‪.‬‬

‫‪ -‬عادلة الوردي‪ ،‬رقابة المجلس األعلى للحسابات على المال العام في المغرب‪ ،‬منشورات‬
‫مجلة الحقوق المغربية مطبعة المعارف الجديدة الربا‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2012‬‬

‫‪ -‬محمد حركات‪ ،‬أفاق الرقابة العليا على األموال العمومية بالمغرب في إطار مقتضيات‬
‫الدستور الجديد‪ ،‬جريدة‪ ،‬العلم‪ ،‬العدد‪ ، 16854‬بتاريخ ‪ 27‬شتنبر ‪.1996‬‬

‫عبد العزيز الحبشي‪ ،‬بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات‬
‫المحلية وهيئاتها على ضوء مدونة المحاكم المالية‪ ،‬المجلة المغربية إلدارة المحلية والتنمية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،50‬ماي‪-‬يونيو ‪.2003‬‬

‫حكيم كرم‪ ،‬سياسة التصريح اإلجباري بالممتلكات بين القصور التشريعي وغياب اإلرادة‬
‫السياسية‪ ،‬مجلة اإلرشاد القانوني‪ ،‬عدد مزدوج الثاني والثالث‪.2018 ،‬‬

‫✓ النصوص القانونية‬
‫➢ الدستور‪:‬‬

‫‪-‬دستور المملكة المغربية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ ،1.11.91‬بتاريخ ‪ 29‬يوليوز‬
‫‪ ،2011‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ ،2011‬ص‪.6301‬‬

‫➢ القوانين‪:‬‬

‫القانون رقم ‪ 61.99‬المتعلق بمسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين‬


‫العموميين الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.25‬المؤرخ ب ‪ 19‬من محرم‬
‫‪13(1423‬أبريل ‪.)2002‬‬

‫‪181‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫‪-‬القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.02.124‬بتاريخ فاتح الربيع اآلخر ‪ 13( 1423‬يونيو ‪ ،)2002‬الجريدة الرسمية ‪،5030‬‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 15‬غشت ‪.2002‬‬

‫‪-‬ظهير شريف رقم ‪ 1.79.17‬بتاريخ ‪ 22‬شوال ‪14( 1399‬شتنبر‪ ،)1979‬الصادر بتنفيذه‬


‫القانون رقم ‪ 12.79‬المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،3490‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪20‬شتنبر‪.1979‬‬

‫‪-‬ظهير شريف بمثابة قانون ‪ 1.72.157‬المتعلق بإحداث محكمة العدل الخاصة المكلفة بالزجر‬
‫عن الجنايات الغدر والرشوة واستغالل النفوذ واالختالس‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 27‬شعبان ‪(1392‬‬
‫‪ 6‬أكتوبر ‪ ،)1972‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،3128‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪.1972‬‬

‫‪-‬القانون رقم ‪ 11.15‬المتعلق بإعداد تنظيم الهيئة العليا لالتصال السمعي البصري‪ ،‬الصادر‬
‫بتنفيذ الظهير الشريف رقم ‪ 1.16.123‬بتاريخ ‪ 21‬ذي القعدة ‪ 25( 1437‬غشت ‪،)2016‬‬
‫الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،65.02‬بتاريخ ‪ 20‬ذو الحجة ‪ 22( 1437‬شتنبر ‪.)2016‬‬

‫‪-‬قانون المسطرة الجنائية رقم ‪ ،22.01‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪1.02.255‬‬
‫الصادر في ‪ 25‬رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪ ،)2002‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪،5078‬‬
‫بتاريخ ‪ 27‬ذي القعدة ‪ 30( 1424‬يناير ‪.)2003‬‬

‫➢ التقارير والمذكرات‬

‫‪ -‬التقرير المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬برسم سنتي ‪.2020-2019‬‬

‫‪-‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات لسنة ‪ ،2018‬المجلس الجهوي للحسابات لجهة‬
‫درعة الرباط سال القنيطرة‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪.2018 ،‬‬

‫‪ -‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات لسنتي ‪ 2016‬و ‪ ،2017‬المجلس الجهوي‬


‫للحسابات لجهة الرباط سال القنيطرة‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪2017-2016 ،‬‬

‫‪182‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫‪ -‬التقرير السنوي حول أنشطة المجلس األعلى للحسابات لإلختصاص القضائي برسم سنة‬
‫‪ ،2018‬المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪.2018 ،‬‬

‫‪ -‬تقرير حول المؤسسات العمومية والمقاوالت العمومية المرفق بمشروع قانون مالية السنة‪،‬‬
‫‪.2019‬‬

‫‪ -‬تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان حول الميزانيات الفرعية‪ ،‬مشروع قانون مالية‪،‬‬
‫مجلس النواب‪ ،‬سنة ‪.2019‬‬

‫➢ قرارات قضائية‬

‫‪-‬قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد ‪ 583‬في الملف اإلداري ‪ ،752/96‬صادر‬
‫بتاريخ ‪ ،04/06/1988‬أوردته عادلة الوردي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص ‪.131‬‬

‫‪ -‬قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد ‪ 137‬في الملف اإلداري ‪،128/4/1/95‬‬
‫صادر بتاريخ ‪.13/02/1997‬‬

‫‪-‬قرار عدد ‪ 2012/42/‬ت‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 27‬يونيو ‪ 2012‬في القضية عدد ‪ 2010/111‬ت‪.‬ش‪.‬م‬


‫المتعلقة بالتسيير المالي لوزارة قرارات صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مادة التأديب‬
‫المالي ‪ ،2017‬ص ‪.104‬‬

‫‪ -‬القراران عدد ‪ 023‬و‪ 2017/024‬ت‪.‬م ش‪.‬م‪ ،‬القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية خالل سنة ‪ ،2017‬شتنبر ‪،2017‬‬

‫‪ -‬القراران عدد ‪ 023‬و‪ 2017/024‬ت‪.‬م ش‪.‬م‪ ،‬القرارات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية خالل سنة ‪ ،2017‬شتنبر ‪،2017‬‬

‫قرار عدد ‪ 2018//08‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م ‪ 2‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬يونيو ‪ 2018‬يتعلق بالنائب اإلقليمي‬


‫للتربية والتكوين بسال‪ ،‬قرارات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،‬‬
‫أبريل ‪ ،2019‬ص‪187‬‬

‫‪183‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫ يتعلق برئيس الجامعة موالي‬2018 ‫ ماي‬28 ‫م الصادر بتاريخ‬.‫ش‬.‫ م‬2018/01 ‫ القرار رقم‬-
،‫ قرارات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬،‫إسماعيل بمكناس‬
.7 ‫ ص‬،2019 ‫أبريل‬

:‫المراجع باللغة الفرنسية‬

✓ OUVRAGES :
MOHEMED HARAKAT< L’AUDIT DANS LE SECTEUR PUBLIC
AU MAROC : CAS DE LA COURS DES COMPTES>.
TOME2 ;EDITION BABEL ; RABAT 1994.

-Bernard Poujade et F. Meyer, les fonctionnaires territoriaux face au


juge pénal, édition La Gazette des communes, 1999.

- james charrier, cours de la discipline budgétaire et financière de


contentieux administratif, Dalloz, 2005.

✓ Thèse et mémoire
- Hicham maroudi, le contrôle financier des entreprises publiques
diplôme des études supérieures approfondie desa université Mohamed
5 Agdal rabat année universitaire. 2004-2005.

- Kamel Daoudi, le gestionnaire public et des conflits d'intérêt, mastére


spécialisé en Droit de l'Entreprise Iscae, rabat février 2013.

✓ Revenues et article

184
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
- Jean-François Bernard la réforme de procédure de juridictions
financières et la Convention européenne des droits de l'homme, RFPP,
n106, avril 2009.

- Robert Hertzog, vers une refondation des juridictions financières,


revenu de gestion et finance publique, 2011.

✓ Textes législatif et réglementaire


-Loi n 95-851 du 24 juillet 1995 relative à la partie législative du livre
droit de code des juridictions financières, jo n 172 du 26 juillet et 1995.

- loi n 2007-224 du 21 février 2007 pourtant disposition statutaire et


institutionnel relative à l'autre-mer, JORFN 0045 DU 22 février 2007.

Décret n 85-199 du 11 février 1985 relative à la Cour des compte, JORF


du 15 février 1985, p 1959, modifié et un étudié.

185
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫الفهرس‪:‬‬
‫مقدمة‪6 ..................................................................................................:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬اإلطار القانوني للمحاكم المالية بالمغرب‪16 .................................... .‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المحاكم المالية بين التنظيم واالختصاص والمسؤولية ‪17 ....................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تنظيم المحاكم المالية بالمغرب ‪18 ................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬هيكلة المجلس األعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات‪18 .........‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تشكيلة المجلس األعلى والمجالس الجهوية للحسابات ‪38 ....................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اختصاصات المحاكم المالية بالمغرب ‪50 ........................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االختصاصات القضائية ‪50 ..........................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االختصاصات غير القضائية ‪64 ....................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مسؤوليات األمرين بالصرف في المجال المالي ‪85 ...........................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مجاالت تحديد المسؤولية اآلمرين بالصرف في المجال المالي ‪87 ..........‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية المدنية والسياسية لآلمرين بالصرف ‪87 ...........................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية التأديبية والمسؤولية الجنائية ‪97 ....................................‬‬

‫‪186‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طرق الطعن في األحكام والقرارات واإلعفاء من المسؤولية أمام القضاء‬
‫المالي‪107 ..............................................................................................:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬طرق الطعن في القرارات واألحكام في ميدان التأديب المالي ‪108 ..........‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق اإلعفاء من المسؤولية ‪114 .................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬حدود التأديب المالي وإكراهات عمل المحاكم المالية ‪120 ....................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مجال االستثناء في مادة التأديب المالي والمخالفات المحركة لهذه المسطرة‬
‫‪121 ......................................................................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬استثناءات المساءلة أمام القاضي المالي ‪122 ..................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬استثناء الوزراء واعضاء البرلمان من نطاق المساءلة امام القاضي المالي‬
‫ومبرراته ‪123 ...........................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حدود اإلستثناء والمخاطر المترتبة عنه ‪127 ...................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المخالفات الموجبة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ‪130 .....‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مخالفة الشرعية في التدبير العمومي ‪131 ......................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلهمال في التدبير ومنع منافع غير مبررة ‪136 ................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬اإلكراهات عمل المحاكم المالية وسبل تطويره‪139 ...........................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إكراهات اشتغال المحاكم المالية ‪140 .............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المعيقات السياسية والمؤسساتية لعمل المحاكم المالية ‪141 .................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية الموارد المالية والبشرية‪150 ..........................................‬‬

‫المطلب الثاني سبل تطوير المحاكم المالية بالمغرب ‪160 ........................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعزيز مستلزمات استقاللية المحاكم المالية ‪161 ...............................‬‬

‫‪187‬‬
‫مسؤولية اآلمر بالصرف أمام المحاكم المالية بالمغرب‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إصالح الجانب المؤسساتي للمحاكم المالية ‪165 ................................‬‬

‫خاتمة عامة‪175 ...................................................................................... :‬‬

‫الفهرس‪186 .......................................................................................... :‬‬

‫‪188‬‬

You might also like