You are on page 1of 116

‫للتواصل حول شؤون متعلقة بالكتاب‪:‬‬

‫‪islamspedia@gmail.com‬‬

‫تلحميل كتب حممد بن شمس ادلين‪:‬‬


‫‪www.mshmsdin.com/?cat=5‬‬

‫األربعون من أحاديث الرسول ﷺ يف اتلوحيد واإليمان‬


‫ً‬
‫صحيحا يف اتلوحيد واإليمان‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫مبوب‬ ‫الوصف‪ :‬أربعون حديثا‬
‫عليها بفقهها‪ ،‬وبآيات الكتاب‬
‫عدد الصفحات‪ 70 :‬قياس صغي‬

‫ادلاعء من الكتاب والسنة‬

‫داعء ًّ‬
‫نبويا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الوصف‪ :‬مجيع األدعية القرآنية‪ ،‬و‪117‬‬

‫عدد الصفحات‪ 60 :‬قياس وسط‬

‫تيسي العقيدة اإلسالمية‬


‫الوصف‪ :‬رشح خمترص ىلع منظومة سلم الوصول إىل علم‬
‫األصول‬
‫عدد الصفحات‪ 148 :‬قياس كبي‬

‫تعليم األطفال اإلسالم‬


‫الوصف‪ :‬كتاب جيمع خمتلف أبواب ادلين‪ ،‬ويعرضها بطريقة‬
‫تناسب الطفل املسلم‪.‬‬
‫عدد الصفحات‪ 256 :‬قياس كبي‬
‫سلسلة‪:‬‬
‫املدخل إىل دِراسَة كتب السَّلَف‬

‫الكتاب األول‪:‬‬

‫بيان فضل علم السلف‬


‫على علم اخللف‬

‫ا‬
‫للعالمة‪ :‬زين ادلين‪ ،‬عبد الرمحن بن أمحد بن رجب بن‬
‫احلسن‪َ ،‬‬
‫الساليم‪ ،‬ابلغدادي‪ ،‬ثم ادلمشيق‪ ،‬احلنبيل‬
‫(املتوىف‪ 795 :‬ـه)‬
‫احملتويات‬
‫مقدمة ‪7 .....................................................‬‬
‫ا َ‬
‫السلف‪7 .........‬‬ ‫ما يه سلسلة املدخل إىل دراسة كتب‬
‫ا َ‬
‫السلف؟‪11 ...........................................‬‬ ‫َمن ـهم‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫نبذة عن املؤلف ‪14 ..........................................‬‬
‫عميل يف ـهذا الكتاب ‪15 .....................................‬‬
‫منهج املؤلف يف الكتاب ‪15 .................................‬‬
‫الكتاب ‪19 ....................................................‬‬
‫معىن العلم‪ ،‬وانقسامه إىل نافع وغي نافع ‪19..............‬‬
‫جاءت السنة بتقسيم العلم ‪22.............................‬‬
‫بعض العلوم اليت ال تنفع ‪25 ...............................‬‬
‫َ‬
‫وأما ما أحدث بعد الصحابة من العلوم ‪36 ...............‬‬
‫انله عن اخلوض يف القدر ‪39 .............................‬‬
‫ومن َح َذا َح َ‬
‫ذوـهم ‪41 ....................‬‬ ‫ما أحدثه املعزتلة َ‬
‫والصواب ما عليه السلف الصالح ‪48 .....................‬‬
‫ما أحدثه فقهاء أـهل الرأي ‪54 .............................‬‬
‫اجلدال واخلصام واملراء يف مسائل‪58 ..................... .‬‬
‫َ‬
‫انله عن كرثة املسائل‪ ،‬وعن أغلوطات املسائل ‪61 .....‬‬
‫أفضل العلوم ‪71..............................................‬‬
‫كتابة الكم أئمة السلف‪74 ................................ .‬‬
‫الالكم يف العلوم ابلاطنة ‪76 .................................‬‬
‫فالعلم انلافع من ـهذه العلوم لكها‪81 ..................... :‬‬
‫وعالمة ـهذا العلم اذلي ال ينفع ‪91........................‬‬
‫َمن علمه غي نافع ‪97 .......................................‬‬
‫[الع وابليان] ‪99 ............................................‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ‪103 .........................‬‬ ‫ومن سلك غي سبيل‬
‫مشابهة علماء ابلاطل ألـهل الكتاب‪108 ................. .‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪7‬‬

‫مقدمة‬
‫ما هي سلسلة املدخل إىل دراسة كتب‬
‫السلَف‬
‫َّ‬
‫ا َ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫السلف‪ ،‬والعناية‬ ‫لما رأيت شدة احلاجة إىل تقريب علوم‬
‫بها‪ ،‬وما يعانيه شبابنا من ضياع بسبب ابلعد عنها‪ ،‬وـهم‬
‫صنفان‪:‬‬

‫صنف معرض عنها‪ ،‬وـهؤالء املنجرفون إىل املناـهج‬


‫َ‬
‫المنحرفة؛ فقد أسمعهم علماؤـهم بضعة اقتباسات حاولوا بها‬
‫ا‬ ‫ا َ‬ ‫ا‬
‫السلف وكأنهم ال الكم هلم‬ ‫وصوروا هلم أن‬ ‫خدمة مذاـهبهم‪،‬‬
‫أبلتة يف أمور اإليمان واالعتقاد‪ ،‬وأنهم اكنوا معرضون عن َ‬
‫تدبر‬
‫انلصوص‪ ،‬حىت تأخر الزمن فجاء علماء الالكم فوضعوا‬
‫ادلقاة الع ا‬
‫لمة‪،‬‬ ‫الرصني‪ ،‬اليت تهبه ِّ‬
‫القواعد املؤسسة للعقل املسلم ا‬
‫َ‬
‫والفكر العميق = فرصف الشباب بمثل ـهذا الالكم عن علوم‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫علماءـهم أقنعوـهم‬ ‫خاصة وأن‬ ‫السلف‪ ،‬واخندعوا بما سمعوا‪،‬‬
‫مقدمة‬
‫‪8‬‬

‫السلَف ما ـهم إال رشذمة م ِّ َ‬


‫قِّلة‬
‫َ ا‬
‫يديع االنتساب إىل ا‬ ‫بأن من‬
‫ألخطاء ابن تيمية ‪-‬حبسب زعمهم‪ -‬ومن ثم حممد بن عبد‬
‫ا‬ ‫ا ا‬
‫ظن الشباب أن السلف ليس عندـهم من الكم إال‬ ‫الوـهاب‪ ،‬ف‬
‫ا‬
‫بضعة نصوص‪ ،‬وأن علماءـهم ال خيالفونها‪.‬‬
‫ِّ‬
‫والصنف اثلاين‪ ،‬وـهم اذلين أحبُّوا ا‬
‫السلف‪ ،‬ورأوا أن اخلي‬
‫يف اتِّباعهم‪ ،‬ا ا‬
‫والَّش يف خمالفتهم‪ ،‬إال أنهم ُصفوا عنهم ا‬
‫حبجة أن‬
‫فهم‪ ،‬وأن شيوخهم من املعاُصين أو بعض‬ ‫الكمهم صعب‪ ،‬وال ي َ‬
‫الرسميون لعلوم ا‬ ‫ِّ‬
‫املتأخرين ـهم املمثلون ا‬
‫السلف‪ ،‬فانشغل ـهؤالء‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫السلف بكالم اخلَلف‪ ،‬وهلذا آثار سيئة‪ ،‬فم امن يديع‬ ‫عن ا‬

‫اتلمييع‪،‬‬‫السلف م َميِّعون‪ ،‬فرتى حمبيهم ىلع ـهذا ا‬ ‫االنتساب إىل ا‬


‫ا َ‬ ‫ا‬ ‫ًّ‬
‫السلف‪ ،‬ومن املعاُصين َمن غال يف‬ ‫ظنا منهم أن ـهذا منهج‬
‫أن ـهذا منهج ا‬ ‫ا‬ ‫ًّ‬
‫السلف‪،‬‬ ‫مسألة‪ ،‬فتجد حمبيه يغلون فيها ظنا منهم‬
‫وحىت يف الفقه جتد أن جمموعة من مشاـهي املعاُصين قد‬ ‫ا‬
‫َ‬ ‫الش ُّ‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫اب الشيخ األول‪ ،‬فاثلاين‪ ،‬فاثلالث‪،‬‬ ‫يقولون قوال؛ فيسمع‬
‫الشاب أن ـهذا إمجاع ا‬ ‫ا‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫السلف‪،‬‬ ‫فيظن ذلك‬ ‫فمن بعده يقول قوال؛‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫وأن املخالف فيه مبتدع‪ ،‬واحلقيقة أن ـهؤالء اذلين سمعهم قد‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪9‬‬

‫ا َ‬ ‫ً‬
‫السلف ىلع خالفه‪ ،‬وسبب‬ ‫واحدا‪ ،‬وأكرث‬ ‫يكون مصدر قوهلم‬
‫ا َ‬
‫السلف‪ ،‬وعدم تقريبها‪.‬‬ ‫ذلك‪ :‬اجلفوة عن كتب‬

‫وحىت بعض َمن قام بتحقيق بعض الكتب؛ حاول يف‬ ‫ا‬
‫فر اد ىلع كثي من أقوال ا‬
‫السلف‪،‬‬ ‫احلاشية توجيهها إىل مراده‪َ ،‬‬
‫واعرضها بآراء اخللف‪ ،‬أو برأيه ـهو‪ ،‬ا‬
‫حىت صار األوىل أن ِّ‬
‫نسِّم‬
‫ـهذه الكتب «رد فالن ىلع كتاب كذا» بدال من «كتاب كذا‪.‬‬
‫حققه فالن»‬

‫وـهذا األمر واقع يف حتقيقات اجلهمياة بادلرجة األوىل‪،‬‬


‫واملميعة يف ادلرجة اثلانية‪ ،‬وغالة اتلبديع يف ادلرجة اثلاثلة‪.‬‬

‫أما دور املحقق‪ ،‬فهو ضبط انلص‪ ،‬وإخراج الكتاب كما‬


‫ا‬
‫الكمايلات؛ من ختريج لألحاديث‪،‬‬‫يريد مؤلفه‪ ،‬ثم املتممات و‬
‫وبيان صحيحها من ضعيفها‪ ،‬وبيان األلفاظ املجملة‪،‬‬
‫والغريبة‪ ،‬واليت يعرف أن الطبقة اليت ستقرأ الكتاب ال تعرفها‪،‬‬
‫واتلعريف بالشخصياات اليت ينتفع القارئ باتلعريف بهم‪،‬‬
‫بتعريف موجز حيصل به املقصود‪ ،‬ال أن يذكر َ َ‬
‫سيـهم‪ ،‬أو ينقل‬
‫مقدمة‬
‫‪10‬‬

‫صفحات من كتب أخرى‪ ،‬كما نرى يف كثي من اتلحقيقات‪،‬‬


‫حىت جتد يف بعضها الكم املؤلف سطر‪ ،‬وسائر الصفحة للمحقق!‬
‫وحنن إنما اتينا بالكتاب لقراءة الكم املؤلف‪ ،‬ال الكم املحقق‪.‬‬
‫وإنما قد ا‬
‫يبني خطأ املؤلف يف أمر واضح اخلطأ كأن يقول‬
‫مثال عن حديث «أخرجه ابلخاري من طريق محاد بن زيد»‬
‫فنجده يف الصحيح من طريق «محاد بن سلمة» فهذا وأرضابه‬
‫ِّ‬ ‫ا‬
‫يبني‪ .‬أما ختطئة املؤلف بالرأي‪ ،‬أو برأي غيه‪ ،‬فهذا ليس‬
‫ً‬
‫حتقيقا‪ ،‬وإنما حاشية تنسب لصاحبها‪.‬‬

‫ضع َف ً‬
‫آثارا صحيحة ألنها ال توافق رأيه‪،‬‬ ‫ومنهم َمن ا‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫مراده ا‬ ‫ومنهم من إذا ا‬
‫خرجه من لك املصادر يلوـهم‬ ‫مر بأثر يوافق‬
‫القارئ بأنه قوي‪ ،‬وال ينبِّه ىلع ضعفه‪ ،‬وإذا مر باملسألة اليت‬
‫مر بما ال يريد؛ ا‬
‫وج َهها توجيها‬ ‫يريدـها حشد هلا انلقوالت‪ ،‬وإذا ا‬
‫ً‬
‫خمالفا ملراد املؤلف بطرق ال تظهر لغي اخلبي‪.‬‬

‫فأردت يف ـهذه السلسلة أن اضع بني أيديكم عَّشة‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫نطلقا للمجتهد‪ ،‬ا‬
‫يتعرف فيها‬ ‫كتب‪ ،‬تكون اكفيَة للمقتصد‪ ،‬وم‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪11‬‬

‫َ‬
‫املسلم ىلع َسلفه من الكمهم‪ ،‬سأحاول فيها ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬أن‬
‫ِّ‬
‫أرتبها بتسلسل يليق باملبتدئ‪ ،‬وبدأتها برسالة ابن رجب‬
‫َ‬ ‫ِّ َ‬
‫تشحذ ـهمة احلَريص إىل انلاظر يف‬ ‫املدللة ىلع فضلهم‪ ،‬واليت‬
‫كتبهم‪ ،‬واالقتباس من علومهم‪.‬‬

‫وأسأل اهلل العون واتلوفيق‪.‬‬

‫السلَف؟‬
‫مَن هم َّ‬
‫ُّ‬ ‫ا َ‬
‫السلف يف اللغة‪ :‬لك َمن مىض‪.‬‬

‫والسلف يف اصطالحنا‪ :‬أـهل القرون اخليية‪ ،‬اذلين جاء‬


‫«خ ري انلااس قَ ررِن‪ ،‬ث ام ااذل َ‬
‫ين‬
‫َ‬
‫مدحهم يف حديث انلايب ﷺ‪:‬‬
‫ادة أَ َحدـهمر‬
‫َ َ َ‬ ‫ر‬ ‫َرَ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫َ َ ر ا ا َ َ َ‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم اذلين يلونهم‪ ،‬ثم يِجء أقوام تسبق شه‬
‫َ َ َ‬
‫ادتَه» (‪ )1‬فيف ـهذه ِّ‬
‫الرواية‪ :‬ذكر قرنه وقرنني‬ ‫يَمينَه‪َ ،‬ويَمينه شه‬
‫بعدـهما‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري (‪ )2652‬ومسلم (‪)2533‬‬


‫مقدمة‬
‫‪12‬‬

‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ويف رواية ذكر بعد قرنه ثالثة قرون «قال ع رم َران فال‬
‫ََ َ َ َ ر َ َر َرَر َر َ ًَ‬ ‫َر‬
‫أدري‪ :‬أذكر بعد قرنه قرنني أو ثالثا» (‪)2‬‬

‫َ ِّ‬
‫ند اذلكر علماءـهم‪،‬‬ ‫وخنص من أـهل القرون اخليية ع‬
‫ألنهم أـهل اللكمة‪ ،‬وموضع القدوة‪ ،‬ونستثين علماء الضاللة‪،‬‬
‫ا‬ ‫ٌ ا‬
‫موضع للم ال للقدوة‪ ،‬وهلذا نقول‪« :‬السلف الصالح» وقل‬ ‫ألنهم‬
‫خت َرص‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫استعمال قيد «الصالح» لرضورة العلم به‪ ،‬في َ‬
‫ا َ‬
‫«السلف»‬

‫أما القرن‪ ،‬فقد قال اخلليل بن أمحد الفراـهيدي يف "معجم‬


‫َ‬
‫«والقرن‪ :‬ا‬ ‫َ‬
‫األمة»‬ ‫العني"‪:‬‬
‫ر‬ ‫رَ‬
‫وقال ابن فارس يف "مقاييس اللغة"‪« :‬الق ررن‪ :‬األ امة م َن‬
‫َ ً َرَ َ َ‬ ‫ر َ َ‬ ‫ٌ َ َ ا‬ ‫ر‬
‫ني ذلك‬ ‫حانه‪﴿ :‬وقرونا ب‬ ‫انلااس‪َ ،‬واجل َ رمع قرون‪ .‬قال اَّلل سب‬
‫َكث ً‬
‫يا﴾»‬
‫ا ر‬ ‫َ‬
‫وقال ابن منظور يف "لسان العرب"‪« :‬والق ررن‪ :‬األمة تأيت‬

‫(‪ )2‬رواه ابلخاري (‪ )3650‬ومسلم (‪)2533‬‬


‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪13‬‬

‫َ‬ ‫ر َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫يل‪ :‬م ادته َع رَّش سن َ‬ ‫ر‬
‫ني‪َ ،‬وقيل‪ :‬عَّشون َسنَة‪َ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫َبع َد األ امة‪ ،‬ق‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫ثالثون‪َ ،‬وقيل‪ :‬ستُّون‪َ ،‬وقيل‪َ :‬سبرعون‪َ ،‬وقيل‪ :‬ث َمانون َوـه َو مق َدار‬
‫ِّ‬
‫لك َز َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫اتل َو ُّسط يف أَعمار أَ رـهل ا‬
‫ان‪،‬‬ ‫م‬ ‫ـهل‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬‫اي‬ ‫ه‬‫الز َمان‪َ ،‬ويف انلِّ‬ ‫ا‬
‫ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َ ر ر َ ا َر‬ ‫َ ر‬ ‫ر‬
‫مأخوذ من االقرتان‪ ،‬فكأنه المقدار اذلي يقرتن فيه أـهل ذلك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الز َمان يف أعمارـهم وأحواهلم»‬ ‫ا‬

‫قلت‪ :‬فليس املراد بالقرن مئة سنة كما يظن كثي ممن لم‬
‫حيقق يف املسألة‪ .‬وسبب ـهذا الظن أن العجم استخدموا لكمة‬
‫َ‬
‫‪- Saeculum‬ويه املرادف الالتيين للكمة قرن‪ -‬فجعلوـها للمئة‬
‫سنة يف اتلقاويم واحلساب‪ ،‬ا‬
‫فعربها العرب ىلع «قرن»‬

‫فليس ـهذا املعىن اذلي أراده رسول اهلل ﷺ‪ .‬فأـهل القرن‬


‫ـهم ا‬
‫أمة من انلااس‪ ،‬وديلل ذلك أنه قال «ثم اذلين يلونهم» ولم‬
‫يقل «ثم اذلي يليه» فاملراد‪ :‬الصحابة‪ ،‬واتلابعني‪ ،‬وأتباع‬
‫اتلابعني‪ ،‬وإذا ثبت اللفظ اآلخر؛ دخل اآلخذون عن تبع‬
‫اتلابعني وـهم طبقة اإلمام أمحد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬ويدخل فيها‬
‫ابلخاري‪ ،‬وأبو بكر ادلاريم‪ ،‬ومن أدرك الطبقة القرن اثلالث‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫‪14‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫نُبذَة عن املؤلِّف‬


‫ـهو أبو َ‬
‫الفرج‪ ،‬عبد الرمحن بن أمحد بن رجب بن احلسن‪،‬‬
‫بزبن ِّ‬
‫ادلين‪ ،‬واملعروف بابن رجب احلَنبيل‪.‬‬ ‫الساليم‪ .‬امللقب َ‬

‫قال عنه «ابن الم َ ِّ‬


‫َبد‪ :‬اكن ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬إماما وراع‬
‫زاـهدا مالت القلوب باملحبة إيله وأمجعت الفرق عليه اكنت‬
‫جمالس تذكيه انلاس اعمة نافعة وللقلوب صادعة»‬

‫ودل يف بغداد اعم ‪736‬ـه‪ ،‬ونشأ يف دمشق‪ ،‬واعش فيها إىل‬


‫وفاته اعم ‪795‬ـه‪.‬‬

‫مِن شيوخه‪:‬‬
‫َ‬
‫• ابن القيِّم‪.‬‬
‫• زين ادلين العرايق‪.‬‬
‫• أبو احلرم حممد بن حممد بن حممد القالنيس‪.‬‬

‫(‪ )3‬مصادر الرتمجة‪« :‬حلظ األحلاظ بذيل طبقات احلفاظ» ‪« /‬اجلوـهر املنضد يف طبقات‬
‫متأخري أصحاب أمحد» ‪« /‬األعالم للزريلك»‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪15‬‬

‫• إبراـهيم بن داود العطار‪.‬‬


‫• حممد بن إبراـهيم امليدويم‪.‬‬

‫من كتبه‪:‬‬

‫• «فتح ابلاري‪ ،‬رشح صحيح ابلخاري» وـهو رشح نفيس‪،‬‬


‫ولكناه وصل إىل اجلنائز‪ ،‬ولم ا‬
‫يتمه (‪.)4‬‬
‫• «رشح جامع الرتمذي» وـهو مفقود إىل اآلن‪.‬‬
‫َ‬
‫• «رشح علل الرتمذي» وـهو كتاب يف علل احلديث‪ ،‬وـهو‬
‫جزء من الكتاب السابق‪ ،‬إال أنه موجود حبمد اهلل‪.‬‬
‫َ‬
‫• «جامع العلوم واحلكم» وـهو من أشهر كتبه‪.‬‬
‫وهل كتب أخرى‪ ،‬ورسائل نفيسة ً‬
‫جدا‪.‬‬

‫منهج املؤلف يف الكِتاب‬


‫بدأ باآليات ادلالة ىلع مراده من ـهذا الكتاب‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ا‬ ‫قسم العلم إىل نافع‪ ،‬وغي نافع‪ .‬ا‬ ‫ّ‬
‫وبني أن انلافع قد‬ ‫‪-2‬‬

‫(‪ )4‬يوجد رشح بنفس االسم البن حجر‪ ،‬وـهو املشهور بني انلاس‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫‪16‬‬

‫َ‬ ‫يكون ًّ‬


‫نافعا بنفسه‪ ،‬إال أن حامله قد ينتفع به‪ ،‬أو ال‬
‫ينتفع به‪.‬‬
‫ا َ‬ ‫ّ ا‬
‫السلف‪.‬‬ ‫السنة وأقوال‬ ‫أيت باألدلة ىلع ـهذا اتلقسيم من‬ ‫‪-3‬‬
‫ثم ذكر أنوااع من العلوم غي انلافعة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫واتلوسع فيه‬ ‫ا‬
‫وبني ما اكن األخذ منه بقدر احلاجة ناف ًعا‪ ،‬ا‬ ‫‪-5‬‬
‫غي نافع‪.‬‬
‫بني بعض العلوم اليت تشاغل بها أـهل ابل َدع‬‫ا‬ ‫‪-6‬‬
‫ذكر القدر‪ ،‬وحكم اخلوض فيه‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫ثم ذكر ما وقعت فيه بعض الف َرق من خلل منهِج‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫ا‬
‫وبني عيوبه‪.‬‬
‫السلف وطريقتهم‪.‬‬ ‫بني حماسن الكم ا‬ ‫‪ -9‬ثم ا‬

‫‪ -10‬ثم انتقل إىل بيان العلم انلاافع‪.‬‬


‫بني عالمات وآثار العلم انلافع‪ ،‬وغي انلاافع‪.‬‬ ‫‪ -11‬ثم ا‬

‫‪ -12‬ثم عقد فصال يف ضالل أـهل الكتاب‪ ،‬وقارنه مع أـهل‬


‫العلم غي انلاافع‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪17‬‬

‫فنسأل اهلل تعاىل أن ينفعنا بهذا الكتاب‪ ،‬ويرزقنا العلم‬


‫انلافع‪.‬‬

‫عملي يف هذا الكتاب‬


‫• ضبطت انلص ا‬
‫ونسقته‪.‬‬
‫• اآليات ضبطتها ىلع رواية ـهشام عن ابن اعمر اليت اكن‬
‫الشام يف زمانه‪ ،‬وجعلت ً‬ ‫ا‬
‫خطا حتت‬ ‫يقرأ بها أـهل‬
‫اللكمات اليت ختتلف فيها عن رواية حفص‪ ،‬وليس‬
‫خيتلفان إال يف قراءة لكمتني مما يف ـهذا الكتاب‪.‬‬
‫خرجت األحاديث واآلثار‪ ،‬وذكرت أحاكمها من حيث‬ ‫ا‬ ‫•‬
‫الصحة والضعف‪.‬‬
‫َ‬ ‫• يف اتلصحيح ا‬
‫واتلضعيف نقلت أقوال أـهل العلم‪ ،‬وما‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫نقلته عزوته إىل قائله‪ ،‬وما لم أجد فيه قوال ألـهل العلم‬
‫املعروفني‪ ،‬أو اختلفوا فيه؛ نظرت يف إسناده‪.‬‬
‫• إذا اكن احلديث يف الصحيحني أو أحدـهما؛ اكتفيت به‪،‬‬
‫وإذا اكن يف السنن‪ ،‬أو بعضها؛ اكتفيت بها‪ ،‬وإذا اكن يف‬
‫غيـها؛ ذكرته من الكتب املشهورة‪ ،‬أو اليت جاء فيها‬
‫مقدمة‬
‫‪18‬‬

‫بإسناد سليم‪.‬‬
‫ا‬
‫• أما آثار الصحابة واتلابعني فيف الغالب أذكر املصنف‬
‫ً‬
‫األقدم‪ ،‬أو األصح إسنادا‪ .‬وبيانت أحاكمها من حيث‬
‫ا‬
‫الص احة والضعف‪.‬‬
‫ِّ‬
‫أخرجه من اآلثار لم أجده م ً‬
‫سندا‪ ،‬وال أرى كبي‬ ‫• وما لم ِّ‬

‫فائدة يف تكثي العزو إىل كتب أخرى غي مسندة‪.‬‬


‫ا‬ ‫ِّ‬ ‫• وضعت ًّ‬
‫متعرجا حتت األحاديث واآلثار الضعيفة‪.‬‬ ‫خطا‬
‫• بيانت ما ا‬
‫تيّس من األلفاظ والعبارات اليت قد تشلك‬
‫ىلع القارئ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫عرفت ما ا‬ ‫ا‬
‫تيّس من العلماء اذلين ذكرـهم املؤلف‪.‬‬ ‫•‬
‫• لم أذكر مواضع اآليات‪ ،‬فإين أرى ذلك من تكثي‬
‫احلوايش دون حاجة‪.‬‬
‫• وجعلت أرقام احلوايش منه ما ـهو إىل األىلع (‪ )1‬وـهذا ما‬
‫فيه فوائد‪ ،‬ومنه منخفض (‪ )1‬وـهو ما فيه ختريج‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪19‬‬

‫الكتاب‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫ِّ‬
‫رب أعن يا كريم‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصىل اهلل ىلع حممد وآهل وصحبه‬


‫ً‬ ‫ا‬
‫كثيا‪.‬‬ ‫أمجعني وسلم تسليما‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أما بعد؛ فهذه لكمات خمترصة يف‬

‫ِ‪ ،‬وانقسامِه إىل علم نافع‪،‬‬


‫معنى العلم‬
‫نافع‪ ،‬واتلنبيه ىلع فضل علم السلف ىلع‬ ‫وعلم غري‬
‫علم اخللف‪ ،‬فنقول ‪-‬وباهلل املستعان‪ ،‬وال حول وال قوة إال‬
‫باهلل‪:-‬‬
‫َ ً‬
‫العلم تارة يف مقام املدح‪ ،‬وـهو‬ ‫قد ذكر اهلل تعاىل يف كتابه‬
‫العلم انلافع‪ ،‬وتارة يف مقام اذلم‪ ،‬وـهو العلم اذلي ال ينفع‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫ا ر‬ ‫ر َر‬
‫فأما األول فمثل قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل ـهل يَستَوي اذلي َن‬
‫اَّلل أَناه َال إ َ َ‬
‫هل إ اال ـهوَ‬ ‫َ َ ا‬ ‫َرَ َ ا ر َ َرَ َ‬
‫يعلم رون َواذلي َن ال يعلم رون﴾ وقوهل‪﴿ :‬شهد‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر َ‬ ‫َ‬ ‫ر َ‬
‫َوال َمالئكة َوأولو العلم قائ ًما بالق رسط﴾ وقوهل‪َ ﴿ :‬وقل َر ِّب زدين‬
‫ر َ ر‬ ‫اَ َر‬
‫خي َش ا َ‬ ‫ر‬
‫اَّلل م رن عبَاده العل َمـؤا﴾‬ ‫عل ًما﴾ وقوهل‪﴿ :‬إنما‬
‫َ‬ ‫وما ا‬
‫قص سبحانه من قصة آدم وتعليمه األسماء‪ ،‬وعرضهم‬
‫ا َ‬ ‫ا‬ ‫ر َ َ َ َ ر َ ا‬
‫حانك ال عل َم َنلا إال َما َعل رمتَنَا إنك‬‫ىلع املالئكة وقوهلم‪﴿ :‬سب‬
‫ر‬
‫احلَكيم﴾ وما ا‬ ‫َر َ ر‬
‫قصه سبحانه وتعاىل من قصة موىس‬ ‫ت ال َعليم‬ ‫أن‬
‫َ َ ر َا َ َ َ ر‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫عليه السالم‪ ،‬وقوهل للخرض‪﴿ :‬قال هل موىس ـهل أتبعك َىلع أن‬
‫ا ِّ ر َ ر‬ ‫ِّ‬
‫ت رش ًدا﴾ فهذا ـهو العلم انلافع‪.‬‬ ‫ت َعل َمن مما علم‬
‫ر‬ ‫وقد أخَب عن قوم أنهم أوتوا ً‬
‫علما ولم ينفعهم علمهم‪.‬‬
‫ينتفع به‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ر‬ ‫فهذا علم نافع يف نفسه‪ ،‬لكن صاحبَه لم‬
‫َر‬ ‫ر‬ ‫َ َر َ َ َ‬ ‫ا َ‬ ‫﴿ َمثَل ااذل َ‬
‫ين ِّ‬
‫اتل رو َراة ث ام ل رم حيملوـها ك َمثل احل َمار حيمل‬ ‫محلوا‬
‫ارا﴾ وقال‪َ ﴿ :‬واترل َع َليره رم َنبَأَ ااذلي آتَيرنَاه آيَات َنا َفان ر َسلَ َخ منرهاَ‬‫أَ رس َف ً‬
‫ين ۝ َول َ رو شئرنَا ل َ َر َف رعنَاه بهاَ‬ ‫الشير َطان فَ َاك َن م َن الر َغاو َ‬ ‫ا‬ ‫فَأَ رتبَعهَ‬
‫َ َ ََ‬ ‫ا َ‬ ‫َ ا َ رَ َ رَ‬
‫َولكنه أخ َِّل إىل األ ررض َواتبَ َع ـه َواه﴾ وقال تعاىل‪﴿ :‬فخلف م رن‬
‫َ َ َ َ َ َ رَرَ‬ ‫ر َ َ َر‬ ‫َ رٌ‬ ‫ر‬
‫َبعدـه رم خلف َورثوا الكتاب يأخذون عرض ـهذا األدن‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪21‬‬

‫ََ ر ر َ ر‬ ‫ر َر ر َ ٌ ر َر‬ ‫رَ َ‬ ‫َ‬


‫َويَقولون َسيغفر نلَا َوإن يأتهم ع َرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ‬
‫ََ ا ا ر‬
‫احل َ اق َو َد َرسوا ماَ‬ ‫َ َر ر َ ر َ َ ر َ َ‬
‫عليهم ميثاق الكتاب أن ال يقولوا ىلع اَّلل إال‬
‫َ‬ ‫ر َ َ رٌ ا َ َ َ َََ َ ر‬
‫ين يتاقون أفال تعقلون﴾ وقال‪:‬‬ ‫ادلار اآلخرة خي لل‬ ‫فيه َو ا‬
‫ر‬ ‫َ ا ا َ ر‬
‫﴿ َوأ َضله اَّلل َىلع عل ٍم﴾ ىلع تأويل من تأول اآلية ىلع‪﴿ :‬عل ٍم﴾‬
‫ا‬
‫عند من أضله اهلل‪.‬‬

‫وأما العلم اذلي ذكره اهلل تعاىل ىلع جهة اذلم هل‪ ،‬فقوهل يف‬
‫َ‬ ‫ََ ر‬ ‫َ َرَ‬ ‫ََََ ا َ‬
‫رضـه رم َوال ينفعه رم َولقد َعلموا ل َمن‬
‫ون َما يَ ُّ‬ ‫السحر‪﴿ :‬ويتعلم‬
‫ََا َ َر‬ ‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫اش َ َ‬
‫اءته رم رسله رم‬ ‫رتاه َما هل يف اآلخ َرة م رن خال ٍق﴾ وقوهل‪﴿ :‬فلما ج‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ابليِّنَات فرحوا ب َما عن َدـه رم م َن العلم َو َحاق به رم َما اكنوا به‬ ‫ب رَ‬
‫َ ر َ َ َ ً َ ر َ َ ُّ ر‬ ‫ر َ‬
‫ادلنيَا‬ ‫ي َ رستَهزئون﴾ (‪)5‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬يعلمون ظاـهرا من احلياة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫(‪)6‬‬
‫َوـه رم َعن اآلخ َرة ـه رم َغفلون﴾‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )5‬العلم يف ـهذه اآلية واليت قبلها ليس علوم ادلنيا انلافعة وإنما ـهو ق روهلم‪﴿ :‬حنن أعلم‬
‫ر َ ر ا‬
‫لن نعذب﴾‪.‬‬ ‫منهم و‬

‫(‪ )6‬أما ـهذه آلية فليس يظهر أن املراد ذم العلم اذلي ذك َر فيها‪ ،‬فقد قال املفّسون أن‬
‫ا‬ ‫ايشهم َو َما يصلحهم»‪ ،‬وـهذا علم نافع َخ ر ٌ‬
‫ي‪ ،‬ولكن الَّش يف حامله إذ‬ ‫ر‬ ‫املراد به « َم َع‬

‫=‬
‫‪22‬‬

‫ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم إىل‬


‫نافع‪ ،‬واالستعاذة من العلم اذلي‬ ‫نافع‪ ،‬وإىل غري‬
‫َ‬
‫العلم انلافع‪.‬‬ ‫ال ينفع‪ ،‬وسؤال‬
‫أرقم أن انليب ﷺ اكن يقول‪:‬‬ ‫فيف صحيح مسلم عن زيد بن َ‬
‫(‪)7‬‬

‫َر َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َرَ َ ر َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ا ِّ َ‬


‫ب ال خيشع‪َ ،‬وم رن‬
‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫م‬‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫كم ر‬
‫ن‬ ‫ب‬ ‫وذ‬ ‫ع‬ ‫«اللهم إين أ‬
‫َ‬
‫جاب ل َها» وخ ارجه أـهل السنن‬
‫َ‬ ‫َن رفس َال ت َ رشبَع‪َ ،‬وم رن َد رع َوة َال ي رس َت َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫(‪ )8‬من وجوه متعددة عن انليب ﷺ‪ .‬ويف بعضها‪« :‬ومن داع ٍء ال‬

‫َر ر‬ ‫َ‬
‫غفل به عن علم اآلخرة‪ .‬كما جاء عن احلَ َسن‪« :‬يلَبرلغ من حذق أحدـهم بأمر دنيَاه‬
‫ِّ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬
‫ادل ررـهم ىلع ظفره فيخَبك بوزنه‪َ ،‬و َما حيسن ي َصيل» [تفسي ابن أيب حاتم‬ ‫أنه يقلب‬
‫‪]17467‬‬

‫(‪)2722( )7‬‬
‫(‪ )8‬سنن أيب داود‪ ،‬وجامع الرتمذي‪ ،‬وسنن الناسايئ‪ ،‬وسنن ابن َ‬
‫ماجه‪ .‬وـهذه اليت يسميها‬
‫أـهل العلم «السنن األربع» فإذا أضيف إيلها الصحيحان (صحيح ابلخاري‪ ،‬وصحيح‬
‫مسلم)؛ س ِّميَت‪« :‬الكتب الستة»‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪23‬‬

‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ ر َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫يسمع» (‪ )9‬ويف بعضها‪« :‬أعوذ بك من ـهؤالء األربع» (‪)10‬‬

‫ا‬
‫وخرج النسايئ من حديث جابر أن انليب ﷺ اكن يقول‪« :‬الله ام‬ ‫ا‬
‫ر َ َرَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ َ َ ر َ‬
‫(‪)11‬‬
‫إين أ رسألك عل ًما ناف ًعا‪َ ،‬وأعوذ بك م رن عل ٍم ال ينفع»‬
‫ر‬
‫وخرجه ابن ماجه ولفظه أن انليب ﷺ قال‪َ « :‬سلوا اهلل عل ًما‬ ‫ا‬
‫ر ر َ َرَ‬ ‫َ ً َََا‬
‫م ال ينفع» (‪)12‬‬
‫نافعا‪ ،‬وتعوذوا باهلل من عل ٍ‬

‫وخرجه الرتمذي من حديث أيب ـهريرة أن انليب ﷺ اكن يقول‪:‬‬


‫ر‬ ‫ر‬ ‫َرَ‬ ‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫رَ ر‬
‫«امهللا انفعين ب َما َعل رمتَين‪َ ،‬و َعل رمين َما ينفعين‪َ ،‬وزدين عل ًما»‬
‫(‪)13‬‬

‫(‪ )9‬أبو داود (‪ )1548‬والرتمذي (‪ )3842‬والنسايئ (‪ )5467‬وابن ماجه (‪ )250‬وصححه‬


‫األبلاين‪ ،‬وأمحد شاكر‪ ،‬وشعيب األرنؤوط‪.‬‬

‫(‪ )10‬الرتمذي (‪ )3482‬والنسايئ (‪)5470‬‬

‫(‪ )11‬لم خيرجه النسايئ يف املجتىب‪ ،‬وإنما يف السنن الكبي (‪ )7818‬والعادة‪ :‬إذا قيل‪ :‬أخرجه‬
‫النسايئ‪ ،‬فإنما يراد «املجتىب» أو «السنن الصغرى» وـهو املعروف بني انلاس بـ«سنن‬
‫النسايئ»‬

‫(‪ )3843( )12‬وحسنه األبلاين‪ ،‬وحسني سليم أسد‪.‬‬


‫َ َ َ ٌ َ ٌ ر َ َ َ ر‬
‫الوجه» ورواه وابن ماجه (‪)251‬‬ ‫(‪ )13‬الرتمذي (‪ )3599‬وقال‪« :‬ـهذا حديث غريب من ـهذا‬

‫=‬
‫‪24‬‬

‫ا‬
‫وخرج الن َسايئ من حديث أنس أن انليب ﷺ اكن يدعو‪« :‬الله ام‬ ‫ا‬
‫ر َرَ‬ ‫َ ر ر‬ ‫َرَ‬ ‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫رَ ر‬
‫ارزقين عل ًما تنفعين‬ ‫انفعين ب َما َعل رمتَين‪َ ،‬و َعل رمين َما ينفعين‪ ،‬و‬
‫(‪)14‬‬
‫به»‬

‫أنس أن انليب ﷺ اكن يقول‪:‬‬ ‫َ‬


‫يم من حديث ٍ‬ ‫وخرج أبو نع ٍ‬
‫َ‬ ‫«امهلل إنّا نسألك إيمانًا ً‬
‫دايما» فر اب إيمان غي دايم‪« ،‬وأسألك‬
‫نافعا» فر اب علم غي نافع‬
‫علما ً‬‫ً‬
‫(‪)15‬‬

‫ا‬
‫وخرج أبو داود من حديث بريدة عن انليب ﷺ قال‪« :‬إن م َن‬
‫ا‬

‫الربَذي‪-‬‬
‫وقال شعيب األرنؤوط‪« :‬إسناده ضعيف لضعف موىس بن عبيدة ‪-‬وـهو ا‬
‫وجهالة شيخه ا‬
‫حممد بن ثابت» قال‪« :‬ولقوهل‪« :‬امهلل انفعين بما علمتين‪ ،‬وعلمين ما‬
‫ينفعين» شاـهد من حديث أنس سلف ذكره ـهناك‪ ،‬وإسناده حسن»‬
‫َ َ َ ٌ َ ٌ َ‬
‫يح َىلع‬ ‫(‪ )14‬أخرجه النسايئ يف الكَبى (‪ )7819‬وقال احلاكم (‪ )1879‬ـهذا حديث صح‬
‫َ َ‬ ‫َ ر‬
‫رشط م رسل ٍم‪َ ،‬ول رم خي ِّر َجاه‬
‫ا ِّ َ ر َ َ َ ً‬
‫يمانا‬‫(‪ )15‬اذلي عند أيب نعيم يف احللية (ج‪6‬ص‪ 179‬ط‪ .‬دار السعادة)‪« :‬اللهم إين أسألك إ‬
‫ر َ‬ ‫َ ر َ‬ ‫َ‬
‫دائ ًما‪َ ،‬وـهديًا قيِّ ًما‪َ ،‬وعل ًما ناف ًعا» ورواه ابن أيب شيبة بلفظ قريب (‪ )32378‬وصححه‬
‫سعد الشرثي‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪25‬‬

‫َ‬ ‫حرا‪ ،‬وإن من العلم َج ره ًال» وأن َص رع َص َع َة َ‬


‫بن ص رو َحان‬ ‫ابليان س ً‬
‫َ‬
‫(‪)16‬‬
‫ً‬
‫(‪ )17‬فّس قوهل‪« :‬إن من العلم جهال» أن «يتلكف العالم إىل علمه‬
‫َ‬
‫العلم اذلي يرض‬ ‫فّس أيضا بأن‬‫ما ال يعلَم في َج ِّهله ذلك» وي ا‬
‫(‪)18‬‬
‫َ‬
‫اجلهل به ٌ‬ ‫ٌ‬
‫خي من العلم به؛ فإذا اكن اجلهل‬ ‫وال ينفع‪ :‬جهل‪ ،‬ألن‬
‫اكلسحر وغيه من العلوم‬‫خيا منه؛ فهو رش من اجلهل‪ ،‬وـهذا ِّ‬
‫به ً‬
‫ا‬
‫املرضة يف ادلين أو يف ادلنيا‪.‬‬
‫بع ض العلوم اليت ال ت نف ع‬

‫ض العلوم‬
‫ِ‬ ‫وقد ر َ‬
‫وي عن انليب ﷺ تفسي بع‬
‫تنفع‪ .‬فيف َمراسيل (‪ )19‬أيب داود عن زيد بن أسلم‪،‬‬ ‫اليت ال‬
‫ً‬
‫أعلم فالنا! قال‪« :‬ب َم؟» قالوا‪ :‬بأنساب‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬قيل يا رسول اهلل ما‬

‫(‪ )16‬برقم (‪ )5012‬قال شعيب األرنؤوط‪ :‬حديث صحيح لغيه دون قوهل‪« :‬وإن من العلم‬
‫ً‬
‫جهال»‬
‫ِّ ٌ‬ ‫(‪ )17‬تابع‪ ،‬من أصحاب ٍّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه‪ .‬وـهو حمدث ثقة وثقه ابن سعد والنسايئ‪.‬‬

‫(‪ )18‬املصدر السابق‬

‫ع أو َمن بعده عن انليب ﷺ دون ذكر‬ ‫(‪ )19‬الم َ‬


‫رسل‪ :‬ـهو احلديث اذلي يرويه شخص ا‬
‫اتلاب ُّ‬
‫ً‬
‫الواسطة بينهم‪ .‬وـهذا االسناد يكون ضعيفا‪ .‬وـهناك حاالت أخرى‪.‬‬
‫‪26‬‬

‫ََ ٌ‬
‫الة ال تَ ُّ‬ ‫انلاس‪ ،‬قال‪ٌ « :‬‬
‫(‪)20‬‬
‫رض»‬ ‫علم ال ينفع‪ ،‬وجه‬
‫ِّ‬
‫وخرجه أبو نعيم يف كتاب "رياضة الم َت َعلمني" من حديث‬
‫َ‬
‫بقية‪ ،‬عن ابن ج َرير ٍج عن عطا‪ ،‬عن أيب ـهريرة مرفواع (‪ )21‬وفيه‬
‫ا‬
‫أنهم قالوا‪« :‬أعلم انلاس بأنساب العرب‪ ،‬وأعلم انلاس بالشعر‪،‬‬
‫وبما اختلفت فيه العرب» وزاد يف آخره‪« :‬العلم ثالثة ما خالـهن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اٌ‬ ‫ر َ‬
‫فهو فضل‪ :‬آية حمك َمة‪ ،‬أو سنة قائمة‪ ،‬أو فريضة اعدلة» وـهذا‬
‫َا‬
‫اإلسناد ال يصح‪ ،‬وبقية (‪ )22‬دلسه (‪ )23‬عن غي ثقة‪.‬‬

‫(‪ )20‬املراسيل أليب داود (‪ )478‬ضعيف إلرساهل‬


‫ا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فائدة‪ :‬والعلماء قد يذكرون احلَديث الضعيف يف مثل ـهذه الكتب ‪-‬أعين يف غي‬
‫يقرون ب َمعناه‪ ،‬فإذا وجدوا املعىن اذلي يريدون ذكره يف حديث‬ ‫كتب احلديث‪ -‬ألناهم ٌّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫أحاكما‬ ‫ضعيف أتوا به بدال من أن يقولوه من قولهم‪ .‬وـهذا ليس اكلفقيه اذلي يبين‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ىلع احاديث ضعيفة‪ ،‬فتَنباه‪.‬‬
‫ً‬
‫صحيحا اكن أو َضعيفا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )21‬املرفوع‪ :‬ـهو اذلي فيه من قول أو فعل انليب ﷺ‪،‬‬

‫(‪ )22‬يقصد‪« :‬بَقياة بن الويلد» وـهو أحد الرواة‪ ،‬واكن مشهورا باتلدليس‪.‬‬

‫(‪ )23‬اتلدليس‪ :‬ـهو أن خييف اسم أحد الوسائط اذلين نقلوا احلديث‪ ،‬وهل أنواع‪ ،‬منها ما‬
‫شخصا آخر‪ ،‬ومنها ما يَظهر أنه ال يوجد شخص قد أخيف‬‫ً‬ ‫يوـهم أن الشخص َ‬
‫المخيف‬
‫من اإلسناد‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪27‬‬

‫وآخر احلديث خرجه أبو داود‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬من حديث‬


‫ٌ‬
‫عبد اهلل بن عمرو بن العاص مرفواع‪« :‬العلم ثالثة‪ ،‬وما سوى‬
‫ذلك فهو فضل‪ :‬آية حمكمة‪ ،‬أو سنة قايمة‪ ،‬أو فريضة اعدلة»‬
‫(‪)24‬‬

‫ويف إسناده‪ :‬عبد الرمحن بن زياد األفرييق‪ ،‬وفيه َضعف مشهور‪.‬‬

‫وقد ورد األمر بأن يتعلم من األنساب ما ت رو َصل به‬


‫َ ا‬
‫األرحام من حديث أيب ـهريرة عن انليب ﷺ قال‪« :‬ت َعلموا م رن‬
‫امك رم» أخرجه اإلمام امحد‬ ‫ون به أَ رر َح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َر‬
‫أن َسابك رم َما تصل‬
‫(‪)25‬‬ ‫والرتمذي‬
‫ر ر‬
‫وخرجه محيد بن َزن رويَه (‪ )26‬من طريق آخر عن أيب ـهريرة‬
‫ون به أَ رر َح َ‬
‫امك رم‪ ،‬ثما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً َ ا‬
‫مرفواع‪« :‬تعلموا م رن أنسابك رم َما تصل‬

‫(‪ )24‬أبو داود (‪ )2885‬وابن ماجه (‪)54‬‬

‫(‪ )25‬أمحد (‪ )8868‬والرتمذي (‪)1979‬‬

‫(‪ )26‬األسماء املنتهية بـ «ويه» مثل راـهويه‪ ،‬سيبويه‪ ،‬زنويه‪ ،‬يه أسماء فارسياة‪ ،‬اللغويون‬
‫ر ر‬ ‫َ ِّ‬
‫«ويَه» وسبب اخلالف‪ :‬أن اللغويون قاسوـها‬ ‫حدثون ينطقونها‬ ‫«ويره» والم‬
‫ينطقونها‪َ :‬‬
‫ىلع لكمة « َويره» ويه َ‬
‫لكمة تقال للتحريض‪ ،‬فقاسوا األسماء عليها‪ ،‬وأما أـهل احلديث‬
‫فإنهم ينطقونها كما سمعوـها وكما ينطقها أـهلها‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫ر‬ ‫َ رََ ا َ ر َ‬ ‫َ ا‬ ‫ر‬


‫اب اهلل‪ ،‬ث ام انتَهوا‪،‬‬‫ون به كتَ َ‬ ‫انتَهوا‪َ ،‬وت َعلموا من العربية ما تعرب‬
‫ر ِّ َ ر َ ر‬ ‫َ‬ ‫َر‬ ‫َو َت َعلاموا م َن ُّ‬
‫ابلحر‪ ،‬ث ام‬ ‫انلجوم َما تهتَدون به يف ظل َمات الَب و‬
‫ر َ (‪)28‬‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫انتَهوا» (‪ )27‬ويف إسناد روايته ابن لهيعة‬

‫أيضا من رواية ن َعيرم بن أيب ـهند قال‪ :‬قال‪ :‬عمر‪:‬‬


‫وخرج ً‬
‫وحبركم ا‬
‫ثم‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫انلجوم ما تهتَدون به يف بَ ِّركم‬ ‫« َت َعلاموا من ُّ‬
‫َ ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ا‬
‫أرحامكم‪ ،‬وت َعلموا‬ ‫أمسكوا‪ ،‬وت َعلموا من النسبَة ما تصلون به‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُّ‬
‫ما حيل لكم من النساء وحيرم عليكم ثم انتَهوا»‬
‫(‪)29‬‬

‫عر عن حممد ابن عبَيد اهلل قال‪ :‬قال‪ :‬عمر بن‬‫وروى م َس ٌ‬


‫ر رََ َ ا َ‬ ‫َ َر َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ََا‬
‫اخلطاب‪« :‬تعلموا من انلجوم ما تعرفون به القبلة والطريق» (‪)30‬‬

‫ر‬
‫(‪ )27‬أخرجه ابليهيق من طريق ابن َزنويَه يف شعب اإليمان (‪)1723‬‬
‫(‪)28‬‬
‫راو ضعيف احلديث‪.‬‬
‫وـهو ٍ‬
‫(‪)29‬‬
‫(حسن) رواه بهذا اللفظ أبو بكر ابن انلجاد يف "مسند عمر بن اخلطاب" (‪)41‬‬
‫بإسناد مقارب‪ ،‬وتعضده رواية ـهناد بن ا‬
‫الّسي يف "الزـهد" (ج‪2‬ص‪ )487‬وابن عبد‬
‫الَب "يف جامع بيان العلم" (‪)1474‬‬
‫ا‬
‫الش ُّ‬
‫حود‪« :‬الزـهد للمعاىف بن عمران املوصيل (‪ )146‬وفيه انقطاع» [اإليمان‬ ‫(‪ )30‬قال نايف‬
‫باجلن بني احلقيقة واتلهويل ص‪]460‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪29‬‬

‫ع (‪ )31‬ال يرى ً‬ ‫ا َ‬
‫خ ُّ‬
‫بأسا أن يتعلم الرجل من انلجوم‬ ‫واكن انل‬
‫َ ا‬
‫ورخص يف تعلم منازل القمر أمحد (‪ )32‬وإسحق‬ ‫ما يهتدي به‪،‬‬
‫َ‬
‫(‪ ،)33‬نقله عنهما َحرب‪ ،‬زاد إسحاق‪ :‬ويتعلم من أسماء انلجوم‬
‫ر‬
‫يرخص ابن‬ ‫ما يهتدي به (‪ .)34‬وكره قتادة تعلم منازل القمر‪ ،‬ولم‬
‫ر‬
‫عيَينَة فيه‪ ،‬ذكره حرب عنهما (‪.)35‬‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫وقال‪ :‬طاووس‪« :‬ر اب ناظر يف ُّ‬
‫انلجوم‪ ،‬وم َت َعل ٍم حروف أيب‬ ‫ٍ‬

‫(‪ )31‬إبراـهيم انلخع املتوىف ‪ 196‬ـهمن متأخري اتلابعني‪ .‬إمام أـهل الكوفة يف زمانه‪.‬‬

‫(‪ )32‬ابن حنبل‪ .‬اإلمام املعروف‪ .‬ستأيت ترمجته‪.‬‬

‫(‪ )33‬ـهو إسحاق بن إبراـهيم‪ ،‬املعروف بإسحاق بن راـهويَه‪ .‬ت‪ 238‬ـهستأيت ترمجته‪.‬‬

‫(‪ )34‬مسائل حرب (‪.)1305‬‬

‫وحرب ـهو حرب بن إسماعيل الكرماين‪ ،‬تويف اعم ‪ 280‬ـهوـهو من األئمة يف زمانه‪.‬‬
‫أخذ العلم عن أمحد بن حنبل‪ ،‬وإسحاق بن راـهويه‪ ،‬وسعيد بن منصور‪ ،‬وغيـهم‪.‬‬

‫(‪ )35‬مسائل حرب (‪ )1310‬و(‪)1311‬‬


‫‪30‬‬

‫يس َهل ع َ‬
‫ند اهلل َخالق» خرجه حرب (‪ )37‬وخرجه َ‬
‫محيرد‬ ‫جاد (‪)36‬؛ لَ َ‬
‫ر ر‬
‫بن َزن رويَه من رواية طاووس عن ابن عباس‪ )38( .‬وـهذا حممول‬
‫علم اتلأثي باطل حمرم‬‫ىلع علم اتلأثي ال علم التسيي (‪ )39‬فان َ‬
‫ر‬ ‫وفيه َو َر َد احلديث املرفوع‪َ « :‬من اقتبَ َس علر ًما م َن ُّ‬
‫انلجوم اقتبَ َس‬
‫شعبَة من ِّ‬
‫السحر» خرجه أبو داود من حديث ابن عباس‬
‫ً‬
‫مرفواع‬ ‫(‪)40‬‬

‫مرفواع‪« :‬العيَافَة ِّ‬


‫والط َ‬
‫ية‬ ‫ً‬ ‫وخرج ً‬
‫أيضا من حديث قبيصة‬

‫(‪ )36‬يقصد ما يسِّم بعلم احلروف‪ ،‬وحساب اجل امل‪ ،‬وـهو إعطاء قيم رقمية للحروف‪ ،‬وـهذه‬
‫ا َ‬
‫واتلك ُّهن‪.‬‬ ‫َ‬
‫تستخدم يف ِّ‬
‫السحر‬

‫(‪ )37‬مسائل حرب (‪)1312‬‬


‫َ َ َ ا َ َ ر َ ر َ ُّ َ َ َ‬ ‫ر‬ ‫اَ‬
‫وب‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫(‪ )38‬رواه ابن أيب شيبة (‪َ )25648‬حدثنَا َزيرد ربن احلبَاب‪ ،‬قال‪ :‬حدثين حيَي بن أي‬
‫َ‬ ‫َ َ َر‬ ‫َ ر َا‬ ‫َ ر َ‬ ‫َ ا ََ َر ا ر‬
‫اس‪ ،‬قال‪( :‬ينظرون يف انلُّجوم َويف‬‫حدثنا عبد اَّلل بن َطاوو ٍس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن عب ٍ‬
‫َ َ ََ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫حروف أيب َجا ٍد‪ ،‬قال‪ :‬أ َرى أوَلك ق رو ًما ال خالق له رم)‪ .‬وحسنه الشرثي‬

‫(‪ )39‬اتلأثي ـهو ما يدعون من أن حركة الكواكب وانلجوم تؤثر ىلع حياة انلاس‪ .‬والتسيي‪:‬‬
‫ـهو العلم بسيـها‪ ،‬ومواقعها‪ ،‬وما شابه‪.‬‬

‫(‪ )40‬أبو داود (‪ )3905‬وابن ماجه (‪ )3726‬قال األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح‪ ،.‬وقال األبلاين‪:‬‬
‫حسن‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪31‬‬

‫ا‬
‫والطرق من اجلبت» (‪ )41‬والعيافة‪ :‬زجر الطي (‪ ،)42‬والطرق‪ :‬اخلط‬
‫(‪)43‬‬
‫يف األرض‬

‫فعلم تأثي انلجوم باطل حمرم‪ .‬والعمل بمقتضاه اكتلقرب‬


‫ا‬
‫إىل انلجوم‪ ،‬وتقريب القرابني هلا؛ كفر‪ ،‬وأما علم التسيي‪،‬‬
‫فإذا تعلم منه ما حيتاج إيله لالـهتداء‪ ،‬ومعرفة القبلة‪ُّ ،‬‬
‫والطرق؛‬
‫جائزا عند اجلمهور‪ ،‬وما زاد عليه فال حاجة إيله‪ ،‬وـهو‬ ‫ً‬ ‫اكن‬
‫َ‬
‫يشغل ا‬
‫عما ـهو أـهم منه‪ .‬وربما أدى اتلدقيق فيه إىل إساءة الظن‬
‫ً‬
‫كثيا‬ ‫بمحاريب (‪ )44‬املسلمني يف أمصارـهم (‪ ،)45‬كما وقع ذلك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قديما وحديثا‪ ،‬وذلك يفيض إىل اعتقاد خطأ‬ ‫من أـهل ـهذا العلم‬

‫ر َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫(‪ )41‬اجلبت‪ :‬ادلي جاء يف قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬أَل َ رم تَ َر إ َىل ااذل َ‬
‫ين أوتوا نصيبًا م َن الكتَاب يؤمنون‬
‫ر‬
‫اجلبرت َو ا‬
‫الطاغوت﴾‬ ‫ب‬

‫(‪ )42‬أي تركه يطي‪ ،‬فإن طار إىل ايلمني؛ تفاءلوا وأرشعوا يف األمر‪ ،‬وإن طار إىل الشمال؛‬
‫تشاءموا‪ ،‬وتركوا ما أرادوا فعله‪.‬‬

‫(‪ )43‬خيطون بأصابعهم خطوطا يف الرمل‪ ،‬ويرمون بعض احلَىص‪ ،‬ويتكهنون‪.‬‬

‫(‪ )44‬يريد املاكن اذلي يقف فيه اإلمام يف الصالة‪ .‬وإساءة الظن‪ :‬يعين بصحة توجهه‪،‬‬
‫وباتلايل صحة صالته‪.‬‬
‫ََ‬
‫ابلِّل اذلي حيتوي ىلع قرى‪.‬‬ ‫(‪ )45‬األمصار‪ :‬مجع مرص‪ ،‬وـهو‬
‫‪32‬‬

‫الصحابة واتلابعني يف صالتهم يف كثي من األمصار‪ ،‬وـهو باطل‪.‬‬

‫وقد أنكر األمام أمحد االستدالل باجل َدي وقال‪« :‬إنما‬


‫َ‬
‫اعتبار اجلدي‬ ‫ورد‪ :‬ما بني املَّشق واملغرب قبلة» (‪ )46‬يعين‪ :‬لم يَرد‬
‫وحنوه من انلجوم‪.‬‬

‫(‪ )46‬برج اجلدي‪ :‬ـهو جمموعة نمياة معروفة‪ ،‬قالوا أن اـهل بغداد إذا جعلوـها وراء ظهورـهم؛‬
‫اكنت القبلة تلقاء وجوـههم‪.‬‬
‫َ َر ر َ‬ ‫ا‬ ‫َ َ َ‬
‫قال ابن عبد الَب‪ « :‬قيل أليب عبرد اَّلل [أمحد بن حنبل]‪ :‬قبرلة أـهل َبغ َداد ىلع اجلدي؟‬
‫َ َ َ َرَ ر ر‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫ني ال َمَّشق‬ ‫جعل ينكر اجلدي‪ ،‬وقال‪ :‬ليس ىلع اجلدي َولك رن َحديث عمر ما ب‬
‫ٌَ‬ ‫ر ر‬
‫َوال َمغرب قبرلة» [اتلمهيد ج‪17‬ص‪]60‬‬
‫إال أن احلنابلة لم يعتمدوا قوهل ـهذا‪ ،‬فقد قال حرب الكرماين‪« :‬يَنبَيغ َهلم أن َيتَ َ‬
‫ح اروا‬
‫ا‬
‫بصالتهم إذا َصلوا‪ ،‬وتبىن َمساجدـهم إذا َبنَوـها» ثم ذكر كيف يستدل أـهل األمصار‬
‫ىلع القبلة من خالل انلجوم [مسائل حرب ج‪1‬ص‪]602‬‬
‫ر‬ ‫َ َ ا َ َ‬ ‫َ َ َ ا‬
‫وقال ابن قدامة‪َ « :‬وأ روثق أدتل َها [يعين القبلة] انلُّجوم‪ ،‬قال اَّلل ت َعاىل‪َ ﴿ :‬وبانلاجم ـه رم‬
‫َ‬ ‫َر‬
‫يهتَدون﴾»‬
‫َر‬ ‫َ‬ ‫َ رَ َ ر َ‬
‫مجعوا أن َىلع َم رن َغ َب عن َها [يعين لم يستطع رؤية الكعبة] َبع َد‬ ‫وقال ابن عبد الَب‪« :‬أ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ر َ‬ ‫َ َ‬
‫أ رو قر َب أن يتَ َو اجه يف َصالته حن َوـها ب َما قد َر عليه م َن االستدالل َىلع جهتها م َن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ر‬
‫الريَاح َوغ ريـها» [االستذاكر ج‪2‬ص‪]455‬‬ ‫اجلبَال َو ِّ‬‫انلُّجوم و‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪33‬‬

‫وقد أنكر ابن مسعود ىلع كعب (‪ )47‬قوهل إن الفلك تدور‪،‬‬


‫وأنكر ذلك مالك وغيه‪ .‬وأنكر اإلمام أمحد ىلع املنجمني‬
‫قوهلم أن الزوال خيتلف يف ابلِّلان (‪.)48‬‬

‫وقد يكون إنكارـهم أو إنكار بعضهم ذللك ألن‬


‫الرسل لم تتلكم يف ـهذا‪ ،‬وإن اكن أـهله يقطعون به‪ ،‬وإن اكن‬
‫االشتغال به ربما أدى إىل فساد عريض‪.‬‬

‫وقد اعرتض بعض من اكن يعرف ـهذا ىلع حديث الزنول‬


‫وقال‪« :‬ثلث الليل خيتلف باختالف‬ ‫(‪)49‬‬
‫ثلث الليل اآلخر‬

‫َ‬ ‫ٌّ‬
‫تابع‪ ،‬اكن من أحبار ايلهود‪ ،‬ثم أسلم‪.‬‬ ‫(‪ )47‬كعب األحبار‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ادلنيا لكها واحد»‪ .‬قيل هل‪ :‬فإنه يتَغ اي يف‬ ‫«الزوال يف ُّ‬ ‫أمحد يقول‪ :‬ا‬ ‫(‪ )48‬قال حرب‪« :‬وسمعت‬
‫جمني» [مسائل حرب‬ ‫ب إىل أنه َالكم املنَ ِّ‬ ‫ً َ ً َ‬
‫وذ َـه َ‬ ‫َ‬
‫ابلِّلان؟ فأنك َر ذلك إنكارا شديدا‪،‬‬
‫كتاب الطهارة ص‪]591‬‬

‫والزوال‪ :‬ـهو حترك الشمس عن وسط السماء إىل جهة املغرب‪ ،‬وثبت يقينا اختالفه‬
‫يف ابلِّلان‪.‬‬
‫ر‬ ‫ا َ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ ا‬ ‫َرََ َ َ ا َر َا‬ ‫َ َ‬
‫يض اَّلل عنه‪ :‬أن َرسول اَّلل َصىل اهلل َعليره َو َسل َم قال‪« :‬يَزنل َر ُّبنَا‬ ‫(‪ )49‬ع رن أيب ـهريرة ر‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫ني يبرَق ثلث الليرل اآلخر يقول‪َ :‬م رن‬
‫َ َ َ‬ ‫ُّ ر‬
‫ادلنيَا ح‬ ‫لك َيلرلَة إ َىل ا‬
‫الس َماء‬
‫ََ َ َ َََ َ ا‬
‫تبارك وتعاىل‬
‫ٍ‬
‫=‬
‫‪34‬‬

‫ابلِّلان؛ فال يمكن أن يكون الزنول يف وقت معني»‪ .‬ومعلوم‬


‫بالرضورة من دين اإلسالم قبح ـهذا االعرتاض‪ ،‬وأن الرسول ﷺ‬
‫َ‬
‫أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعرتض به ل َما ناظروه‪ ،‬بل‬
‫بادروا إىل عقوبته وإحلاقه بزمرة املخالفني املنافقني املكذبني‪.‬‬

‫كذلك اتلوسع يف علم األنساب ـهو مما ال حيتاج إيله‪ ،‬وقد‬


‫سبق عن عمر وغيه انله عنه‪ ،‬مع أن طائفة من الصحابة‬
‫(‪)50‬‬
‫واتلابعني اكنوا يعرفونه ويعتنون به‬

‫ً‬
‫وحنوا‪ :‬ـهو مما يشغل‬ ‫وكذلك اتلوسع يف علم العربية لغة‬
‫علما ً‬
‫نافعا‪ .‬وقد كره‬ ‫ً‬ ‫عن العلم األـهم‪ ،‬والوقوف معه حيرم‬
‫ٌ‬ ‫القاسم بن خمَيرم َر َة (‪َ )51‬‬
‫علم انلحو وقال‪« :‬أوهل شغل وآخره بَيغ»‬
‫َ‬
‫اتلوسع يف معرفة اللغة وغريبها‪ ،‬وذللك كره أمحد‬ ‫وأراد به‬

‫ََ ر َ‬ ‫ر‬ ‫َ ر‬ ‫َ‬ ‫ََ ر َ َ َ‬ ‫ر‬


‫يب هل َم رن ي َ رسألين فأعطيَه‪َ ،‬م رن ي َ رستَغفرِن فأغف َر هل» رواه ابلخاري‬ ‫يَدعوِن‪ ،‬فأستج‬
‫(‪ )1145‬ومسلم (‪)758‬‬
‫ِّ ِّ‬
‫الصديق‪.‬‬ ‫(‪ )50‬ومنهم أبو بكر‬

‫(‪ )51‬تابع‪ ،‬تويف اعم ‪ 100‬ـهأخذ عن عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وأيب أمامة ابلاـهيل‪ ،‬وأيب سعيد‬
‫اخلدري‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪35‬‬

‫توس َعه‬
‫اتلوسع يف معرفة اللغة وغريبها‪ ،‬وأنكر ىلع أيب عبيدة ُّ‬
‫يف ذلك‪ ،‬وقال‪« :‬ـهو يشغل عما ـهو ُّ‬
‫أـهم منه» (‪.)52‬‬
‫َ‬
‫العربية يف الالكم اكلملح يف ا‬
‫الطعام» يعين‬ ‫وهلذا يقال‪« :‬إن‬
‫َ‬
‫الالكم كما يؤخذ من امللح ما يصلح‬ ‫أنه يؤخذ منها ما يصلح‬
‫الطعام‪ ،‬وما زاد ىلع ذلك فإنه يفسده‪.‬‬

‫وكذلك علم احلساب حيتاج منه إىل ما يعرف به حساب‬

‫(‪ )52‬أبو عبيد‪ :‬ـهو القاسم بن َس االم‪ ،‬إمام كبي‪ ،‬وهل كتب يف اللغة العربياة تنتفع بها ا‬
‫األمة‬
‫ٌّ‬
‫عريب‪،‬‬ ‫َ‬
‫باحلاجة إىل اللغة‪ ،‬واإلمام أمحد‬ ‫رويم‪َ ،‬‬
‫فأح اس‬ ‫ٌ‬ ‫أعج ٌ‬
‫ِم‬ ‫َ‬ ‫إىل يومنا ـهذا‪ ،‬وـهو‬
‫فليس شعوره بهذه احلاجة كشعور َمن و َدل وأـهله ال حيسنون ـهذه اللغة‪.‬‬
‫ا‬
‫ولم يكن يريد االنتقاص من ماكنة علوم العربياة‪ ،‬ولكنه اكن يريد للقاسم االشتغال‬
‫ا‬
‫باحلديث‪ ،‬فاشتغاهل بالعربية جعله يف درجة أقل من أمحد يف ـهذا العلم‪ ،‬واإلمام أمحد‬
‫ُّ‬
‫وحيب االشتغال بالسنن‪.‬‬ ‫حيب اخلي للقاسم‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ا‬
‫خاصة بعد أن صار املعزتلة يَشغبون بتأويل القرآن‪،‬‬
‫إن اإلمام أمحد اعتىن باللغة‪ ،‬ا‬ ‫ثم‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫فقال أبو حسان ا‬
‫كتاب محزة يف‬ ‫الوراق‪ :‬طلب مين أبو عبد اَّلل ‪-‬وـهو يف السجن‪-‬‬
‫العربية؛ فدفعته إيله‪ ،‬فنظر فيه قبل أن يمتَ َ‬
‫حن» [اإلبانة البن بطة ‪]442‬‬

‫كما قال حممد بن حبيب‪ :‬قال أمحد‪« :‬كتبت من العربية أكرث مما كتب أبو عمرو بن‬
‫العالء»‪[ .‬طبقات احلنابلة ج‪1‬ص‪ / 16‬املقصد األرشد ج‪1‬ص‪]67‬‬
‫‪36‬‬

‫َ‬ ‫ما يقع من ق َ‬


‫سمة الفرائض والوصايا واألموال اليت تق اسم بني‬
‫املستحقني هلا‪ ،‬والزائد ىلع ذلك مما ال ينتفع به إال يف جمرد‬
‫َ‬
‫رياضة األذـهان وصقاهلا ال حاجة إيله‪ ،‬وي َشغل عما ـهو أـهم‬
‫(‪)53‬‬
‫منه‪.‬‬

‫وأما ما أُحدِثَ بعد الصحابة من العلوم‬


‫اليت توسع فيها أـهلها‪ ،‬ا‬
‫وسموـها علوما وظنوا أن من لم يكن‬
‫اعلما بها فهو جاـهل أو ضال؛ فلكها بدعة‪ ،‬ويه من حم َدثات‬
‫ً‬

‫األمور املنه عنها‪.‬‬


‫َ َ‬
‫فمن ذلك ما أحدثته املعزتلة من الالكم يف القدر‪ ،‬ورضب‬

‫ا‬
‫الَّشيع‪ ،‬أم ا‬
‫لعامة انلااس؟ يقال يف اجلواب عن ـهذا‪ :‬إن‬ ‫(‪ )53‬ـهل ـهذا انله لطالب العلم‬
‫املسلمني اكنت هلم ح َرف‪ ،‬واكن منهم املنشغل بتجارته‪ ،‬أو َزرعه َعن العلم‪ ،‬ولم يرد‬
‫لمن لم ينشغل به عن دينه‪ ،‬فكذا حال املتخصصني يف جمال‬ ‫انله عن ذلك َ‬
‫ا‬
‫االقتصاد‪ ،‬أو غيـها من العلوم انلافعة اليت حيتاج انلاس إيلها‪ ،‬إال أن من اكنت هل‬
‫ُّ‬
‫ـهمة‪ ،‬واكن هل عقل‪ ،‬فأوىل به أن يسب َق إىل تعلم دينه‪ ،‬بدال مما نراه من تنافس ىلع‬
‫علوم ادلنيا‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪37‬‬

‫ا‬
‫األمثال َّلل (‪ ،)54‬وقد َو َرد انله عن اخلوض يف القدر‪ ،‬ويف‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرفواع‪« :‬ال‬ ‫صحيح (‪ )55‬ابن حباان واحلاكم عن ابن عباس‬
‫ر‬ ‫َ َ َا‬ ‫َ‬ ‫َر َ‬
‫يَ َزال أمر ـهذه األ امة موافيا َومقاربًا َما ل رم يتَلكموا يف الو َدلان‬
‫َ‬
‫(‪)56‬‬
‫َوالق َدر»‬

‫(‪ )54‬كقوهلم‪« :‬إذا اكن اهلل استوى ىلع عرشه؛ فسيكون حمتاجا إيله» وقوهلم‪« :‬إذا اكن هلل‬
‫ا‬
‫يد؛ فستكون كأيدينا» وقوهلم‪« :‬إذا اكن اهلل يتلكم؛ فسيكون هل لسان واسنان‬
‫وحنجرة» تعاىل اهلل ا‬
‫عما يقولون ًّ‬
‫علوا كبيا‪.‬‬
‫ِّ‬
‫يسميه‬ ‫يحني‪ ،‬واكن بعض العلماء‬ ‫درك" ىلع ا‬
‫الصح َ‬ ‫كتاب احلاكم اسمه "المستَ َ‬ ‫(‪)55‬‬

‫ِّ‬ ‫الص ا‬
‫اشرتط ِّ‬
‫حة يف أحاديثه‪ ،‬إال أنه ال ي َسلم هل العلماء يف‬ ‫َ‬ ‫"صحيح احلاكم" لكونه‬
‫كثي مما صححه‪ ،‬وكذلك األمر يف صحيح ابن حباان‪ ،‬وابن خزيمة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َر َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )56‬عند ابن حباان مرفوع برقم (‪ )4878‬ولفظه‪« :‬ال يَ َزال أمر ـهذه األ امة م َوائ ًما‪ ،‬أ رو‬
‫رَ‬ ‫ر ر‬ ‫َ َ َا‬ ‫َ‬
‫مقاربًا‪َ ،‬ما ل رم يتَلكموا يف الو َدلان َوالق َدر» وعند احلاكم مرفوع برقم (‪ )93‬وفيه‪:‬‬
‫َ‬ ‫ا َر‬ ‫َ َ َ ٌ َ ٌ ََ‬
‫ىلع َ ر‬ ‫َ َ َ َ‬
‫رشط الشيرخني‪َ ،‬وال‬ ‫«م َؤام ًرا أ رو قال مقاربًا» وقال احلاكم‪« :‬ـهذا حديث صحيح‬
‫ا‬ ‫َرَ َ اً َ َ‬
‫نعلم هل علة َول رم خي ِّر َجاه»‪ ،‬وقال اذلـهيب يف تعليقه‪« :‬ىلع رشطهما وال علة هل»‬

‫أما الودلان‪ ،‬فاملراد بهم عند كثي من أـهل العلم‪ :‬حال أطفال املَّشكني يف اآلخرة‪.‬‬
‫َ‬
‫والالكم فيهم هل ارتباط بقضيّة الق َدر‪.‬‬
‫‪38‬‬

‫وقد روي موقوفا (‪ )57‬ورجح بعضهم وقفه‪.‬‬


‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫مرفواع‪« :‬إذا ذك َر‬ ‫وخرج ابليهيق من حديث ابن مسعود‬
‫ََر‬ ‫َ‬ ‫ََر‬ ‫أَ رص َ‬
‫حايب‪ ،‬فأمسكوا‪َ ،‬وإذا ذك َر انلُّجوم‪ ،‬فأمسكوا» (‪ )58‬وقد روي‬
‫من وجوه متعددة يف أسانيدـها مقال‪.‬‬
‫مليمون بن مهران‪« :‬إيا َ‬ ‫َ‬
‫اك‬ ‫وروي عن ابن عباس أنه قال‬
‫َ‬ ‫ك َهانَة‪َ ،‬وإيا َ‬ ‫َ ر َ‬ ‫َ ا َر‬ ‫انل َظ َر يف ُّ‬
‫اك َوانلاظ َر يف‬ ‫انلجوم‪ ،‬فإن َها تدعو إىل ال‬ ‫َو ا‬

‫حاب‬ ‫اك َو َشتر َم أَ َح ًدا م رن أَ رص َ‬ ‫الر َق َدر‪ ،‬فَإناه يَ ردعو إ َىل ا‬


‫الزنر َدقَة‪َ ،‬وإيا َ‬
‫ً‬ ‫ََ َ ر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرفواع‪،‬‬ ‫وخرجه أبو نعيم‬ ‫ك» (‪ )59‬ا‬ ‫حم ام ٍد ﷺ فيَكباك اهلل ىلع وجه‬
‫وال يصح رفعه‪.‬‬

‫ا‬ ‫َ‬
‫(‪ )57‬عند الفريايب يف الق َدر (‪ )259‬وعبد اهلل بن أمحد يف السنة (‪.)870‬‬

‫(‪ )58‬لم أجده عند ابن حبان واحلاكم‪ ،‬وإنما رواه الطَباين (‪ )10448‬ورواه غيه‪ .‬قال‬
‫العرايق‪« :‬أخرجه الطَباين من حديث ابن مسعود بإسناد حسن» ا‬
‫وقواه األبلاين‬
‫بمجموع طرقه [الصحيحة ‪]34‬‬
‫َ‬
‫ومعىن أمسكوا‪ :‬أي اسكتوا عن الوقوع فيهم‪ ،‬أو اغتيابهم‪ ،‬او ملزـهم‪.‬‬

‫(‪ )59‬رواه ابن املقرئ يف معجمه (‪ )817‬والاللاكيئ (‪ )1134‬واسناده قريب من احلسن‪ ،‬فيه‬
‫نعيم بن ا‬
‫محاد‪ ،‬صدوق‪ ،‬اختلفوا يف ضبطه‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪39‬‬

‫والنهيُ عن اخلوض يف القدر يكونُ‬


‫على وجوه منها‪:‬‬
‫رضب كتاب اهلل بعضه ببعض‪ ،‬فيزنع املثبت للقدر بآية‪،‬‬
‫وانلايف هل بأخرى‪ ،‬ويقع اتلجادل يف ذلك‪ .‬وـهذا قد روي أنه وقع‬
‫يف عهد انليب ﷺ وأن انليب ﷺ غضب من ذلك ونىه عنه‬
‫(‪)60‬‬

‫ه عن‬‫وـهذا من مجلة االختالف يف القرآن والمراء فيه‪ ،‬وقد ن َ‬


‫(‪)61‬‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ِّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫(‪ َ )60‬ر َ ر ر‬


‫ب‪ ،‬ع رن أبيه‪ ،‬ع رن َجده‪ ،‬قال‪ :‬خ َر َج َرسول اَّلل َصىل اهلل َعليره َو َسل َم‬ ‫َر‬
‫عن عمرو بن شعي ٍ‬
‫َ ر‬ ‫رَ‬ ‫َ َ َا‬ ‫رَ‬ ‫َ‬ ‫َر‬ ‫ىلع أَ ر‬
‫ََ‬
‫الر امان م َن‬ ‫ب ُّ‬‫جهه‪َ ،‬ح ُّ‬ ‫حابه‪َ ،‬وـه رم خيتَصمون يف الق َدر‪ ،‬فكأن َما يفقأ يف و‬ ‫ص َ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ ر َ ر‬ ‫َ ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫رَ‬
‫الغ َضب‪ ،‬فقال‪« :‬ب َهذا أم ررت رم‪ ،‬أ رو ل َهذا خلقت رم‪ ،‬ترضبون الق ررآن َبع َضه ببَع ٍض‪ ،‬ب َهذا‬
‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫ََ َ‬
‫ـهلكت األ َمم قبرلك رم» رواه ابن ماجه (‪ )85‬قالوا يف الزوائد‪« :‬يف الزوائد ـهذا إسناد‬
‫صحيح رجاهل ثقات» وقال األبلاين‪« :‬حسن صحيح» وقال األرنؤوط‪« :‬اسناده حسن»‬
‫ورواه أمحد (‪ )6668‬وقال أمحد شاكر‪« :‬اسناده صحيح» وـهو عند مسلم (‪)2666‬‬
‫دون ذكر القدر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫اء يف الق ررآن كف ٌر» رواه أمحد (‪ )7835‬واحلاكم (‪ )2882‬واستحسنه‬
‫(‪ )61‬قال ﷺ‪« :‬م َر ٌ‬

‫حيَي بن معني [جامعة الرجال والعلل ‪ ]1386‬وقال اذلـهيب‪« :‬ىلع رشط مسلم»‬
‫وصححه األبلاين‪ ،‬وأمحد شاكر‪ ،‬وشعيب األرنؤوط‪.‬‬
‫‪40‬‬

‫ً‬
‫ومنها‪ :‬اخلوض يف القدر إثباتا ونفيًا باألقيسة العقلية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ظالما‪ ،‬وقول‬ ‫كقول القدرية (‪ :)62‬لو قدر وقىض ثم عذب؛ اكن‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫من خالفهم‪ :‬إن اهلل َج ََب العباد ىلع أفعاهلم‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫ِّ َ‬
‫الق َدر‪ ،‬وقد ورد انله عنه عن ٍّ‬
‫يلع‬ ‫ومنها‪ :‬اخلوض يف س‬

‫َ َ‬ ‫َ ر‬ ‫ر‬ ‫رَ‬
‫(‪ )62‬قال أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية‪« :‬الق َدر اية ال َمجوس اية م رن ـهذه األ امة َوغ ريـها َوـه رم‬
‫َ َ ر‬
‫اجل ِّن َو راإلنرس َو ر َ‬ ‫ر َ‬ ‫َ َ ا اَ َ َر َر َ‬ ‫ااذل َ‬
‫ابل َهائم‬ ‫اَّلل ل رم خيل رق أف َعال عبَاده م رن ال َمالئكة و‬ ‫ين يَ رزعمون أن‬
‫ر َ َ َر‬ ‫َ َ‬ ‫اخل َ ري أَ رك َ َ‬
‫ر ر‬ ‫َ َ ر َر َ‬ ‫َ َر‬
‫رث م اما ف َعله به رم‪ ،‬بَل َوال َىلع أف َعاله رم‪،‬‬ ‫َوال يقدر َىلع أن يف َعل بعبَاده من‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫السيِّئَات فه َو َواق ٌع َىلع خالف َمشيئَته‬ ‫ير‪ .‬أَ رو أَ ان َما َاك َن م رن ا‬ ‫لك َ ر‬
‫يش ٍء قَد ٌ‬ ‫َ َ ر َ َ َ َ ِّ‬
‫فليس ـهو ىلع‬
‫مجاع َسلَف ا رأل امة‪َ ،‬ولماَ‬ ‫ون للركتَاب َو ُّ‬
‫السناة َوإ ر َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ر َ َ ٌ رَ َ ٌ َ‬
‫وإرادته‪ .‬وـهم ضالل مبتدعة خمالف‬
‫ا‬ ‫َ ر ر‬
‫عرف بال َعقل َواذل روق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ر ا ا َ َ رَر َ‬ ‫رَ‬ ‫ا ا َ َ َ ر َ ر ٌ َ ٌّ ر‬
‫ين َرأ روا األف َعال َواق َعة ب َمشيئَته‬ ‫رش منه رم َوـه رم الق َدر اية المَّشكية اذل‬ ‫ثم إنه قابلهم قوم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫اَّلل َما أ ر َ‬
‫ر َ َ ا‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ر‬
‫ا‬
‫يش ٍء﴾ َول رو كر َه اَّلل‬ ‫رشكنَا َوال آبَاؤنَا َوال َح ار رمنَا م رن ر‬ ‫َوقد َرته‪ ،‬فقالوا‪﴿ :‬لو شاء‬
‫ا‬ ‫ر َ ا‬ ‫َ ر ََ َ‬
‫شيئًا أل َزاهل َو َما يف ال َعالم إال َما حيبُّه اَّلل َويَ رر َضاه» [جمموع الفتاوى ج‪2‬ص‪]409‬‬
‫َ‬ ‫وأما عن سبب التسمية‪ ،‬فقال يلع بن إسماعيل األشعري‪ « :‬ا‬
‫فلما كنتم تزعمون أنكم‬
‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫ب أن تكونوا ق َدر اية‪ ،‬ولم نكن‬‫ون ربِّكم‪َ ،‬و َج َ‬ ‫تقدرون أعمالكم وتفعلونها د‬
‫حنن قدرية» [اإلبانة ص‪]72‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪41‬‬

‫َ‬
‫العباد ال ا‬
‫يطلعون ىلع حقيقة ذلك‪.‬‬ ‫وغيه من السلف (‪ ،)63‬فإن‬

‫ومن ذلك ‪-‬أعين حمدثات األمور‪:-‬‬

‫ما أحدثه املعتزلة ومَن حَذَا حَذوَهُم‪،‬‬


‫اهلل تعاىل‬ ‫(‪)64‬‬
‫مِن الكالم يف ذات‬

‫(‪ )63‬رواه عن يلع‪ :‬اآلجري يف الَّشيعة (‪ )422‬و(‪ )547‬واالسناد تالف‪.‬‬

‫ورواه الطَباين يف الكبي (‪ )10606‬عن ابن عباس بإسناد مظلم‬


‫ا ر َ َ َ ُّ ا َ َ َ َ َ ر َ‬
‫س اَّلل ت َعاىل‪ ،‬فال تدخل ان فيه» [الَّشيعة‬ ‫روي عن طاوس ايلماين اتلابع‪« :‬إن القدر‬
‫لآلجري ‪ / 535‬اإلبانة ‪]1993‬‬

‫ورواه ابن بطة (‪ )1282‬عن حيَي بن معاذ الرازي ت‪ 258‬ـه‬

‫ورواه الاللاكيئ مرفواع (‪ )1122‬وقال املحقق نشأت بن كمال املرصي‪ :‬ضعيف‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫مرفواع‪ ،‬ولكن تتابع‬ ‫وحاصل األمر أن ـهذا الالكم ال يقوى أن يثبت موقوفا أو‬
‫العلماء ىلع روايته‪ ،‬وحاكيته‪ ،‬مما يدل ىلع أن هل أصل‪ ،‬وال ينكره سين‪ .‬قال الَببهاري‪:‬‬
‫«والالكم واجلدل واخلصومة يف القدر خاصة منه عنه عند مجيع الفرق؛ ألن القدر‬
‫ا‬
‫س اهلل» [رشح السنة ‪ 67‬ص‪]80‬‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫(‪ )64‬يريد‪ :‬يف نفس اهلل تعاىل‪ ،‬أما لكمة اذلات فمتداولة‪ ،‬لكنها لم ترد يف الكتاب والسنة‬

‫=‬
‫‪42‬‬

‫ً‬
‫خطرا من‬ ‫وـهو أشد‬ ‫(‪)65‬‬
‫وصفاته بأدلة العقول‬
‫َ‬
‫الق َدَر‪ ،‬ألن الالكم يف القدر ٌ‬
‫الكم يف أفعاهل‪ ،‬وـهذا الكم‬ ‫الالكم يف‬
‫يف ذاته وصفاته‪.‬‬
‫وانقسم ـهؤالء إىل قسمني‪:‬‬

‫كثيا مما ورد به الكتاب والسنة من‬‫ً‬ ‫أحدـهما‪ :‬من نىف‬


‫َ‬
‫ذلك؛ الستلزامه عنده التشبيه باملخلوقني‪ ،‬كقول املعزتلة‪ :‬لو‬
‫َ‬
‫رؤ َي لاكن جسما‪ ،‬ألنه ال ي َرى إال يف جهة‪ ،‬وقولهم‪ :‬لو اكن هل‬

‫بهذا املعىن‪ ،‬وال تصح يف أصل اللغة بهذا املعىن‪ ،‬فإنها مؤنث «ذو» لكنهم تتابعوا ىلع‬
‫ذكرـها‪ ،‬ويل حبث بعنوان «لكمة اذلات ونسبتها هلل تعاىل»‬

‫(‪ )65‬كما فعلت اجلهمية‪ ،‬ومن تابعها‪ ،‬من معزتهل‪ ،‬وأشعرية‪ ،‬وماتريدية‪ ،‬وإباضية‪ ،‬ورافضة‪،‬‬
‫ً‬
‫فإنهم يثبتون نعوتا هلل تعاىل بآرائهم‪ ،‬وينفون عنه ما ثبت يف الكتاب والسنة بآرائهم‪،‬‬
‫كقوهلم‪« :‬إذا أثبتنا هلل يدا فستكون كأيدي املخلوقني» و «إذا أثبتنا هل وجها فيكون‬
‫هل أجزاء ستهلك‪ ،‬ويبَق الوجه» وغي ذلك من الكم شبيه‪ ،‬ثم أثبتوا هل صفات من‬
‫رأيهم‪ ،‬اكلقديم‪ ،‬واملخالفة للحوادث‪ ،‬ويه وإن اكن يشء من معناـها صحيح‪ ،‬إال أنها‬
‫لم ترد يف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪43‬‬

‫ٌ‬
‫الكم يسمع لاكن ج ً‬
‫سما (‪.)66‬‬

‫ً ً ر َ َ‬ ‫َرَ ر َ َ َ َ َ ر‬ ‫ر َ‬
‫امة ‪ -‬أ رو قال‪ :‬العبَاد ‪ -‬ع َراة غ ررال به ًما «قال‪:‬‬ ‫(‪ )66‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬حيَّش انلااس يوم القي‬
‫ر َ‬ ‫قلرنَا‪َ :‬و َما ب ره ًما؟ قَ َال‪« :‬لَير َس َم َعه رم َ ر‬
‫يش ٌء‪ ،‬ث ام ينَاديه رم ب َص رو ٍت ي َ رس َمعه م رن بع ٍد ك َما ي َ رس َمعه‬
‫ادلياان» رواه أمحد (‪ )16042‬وقال العرايق‪« :‬رواه أمحد بإسناد‬ ‫م رن ق ررب‪ :‬أَنَا ال ر َملك أَنَا ا‬
‫ٍ‬
‫حسن» [ختريج أحاديث اإلحياء ج‪6‬ص‪ ]2690‬واحتج به ابلخاري يف "خلق أفعال‬
‫َ َ‬ ‫ر‬
‫العباد" (ص‪ )40‬ورواه احلاكم برقم (‪ )3683‬وقال‪َ :‬صحيح اإل رسنَاد َول رم خي ِّر َجاه‪،‬‬
‫ا‬
‫وعلق اذلـهيب عليه‪« :‬صحيح»‬

‫لما سمعه جابر بن عبد اهلل األنصاري ريض اهلل عنه‪ ،‬اشرتى بعيا‬‫وـهذا احلَديث ا‬
‫َر‬ ‫ا‬ ‫وسافر ً‬
‫شهرا إىل الشام ليسمعه من عبد اهلل بن أني ٍس اذلي سمعه من فم انليب ﷺ‪.‬‬
‫وقال بعض اجلهمية‪ :‬قد يكون الصوت‪ :‬صوت غي اهلل‪ .‬وتع َست اجلهمية‪َ ،‬‬
‫فمن غي‬
‫ادلياان»؟!‬ ‫اهلل يقول يوم القيامة «أنا َ‬
‫الملك‪ ،‬أنا ا‬

‫اكفر كفرعون‪.‬‬ ‫فال خيلو قائله ـهذه العبارة من أن يكون ـهو اهلل‪ ،‬أو م اد ٍع لأللوـهياة ٌ‬

‫ِّ َ َ ا‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ر‬ ‫ََر َ َ َ ا َ‬


‫ّس اَّلل َعليره رم َىلع َرغم أنوفه رم فقال‪﴿ :‬إين أنا اَّلل َر ُّب‬ ‫قال عثمان ادلاريم‪« :‬وقد ك‬
‫َ ر َر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َر ٌ‬ ‫رَ َ َ َ‬
‫ني﴾ ال ي َ رستَح ُّق خملوق أن يتَلك َم ب َهذا‪ ،‬فإن ذلك اكن اكف ًرا‪ ،‬كفرعون» [نقض‬ ‫العالم‬
‫ا‬
‫املرييس ج‪1‬ص‪ ]165‬قلت‪ :‬فكيف جترأ اجلهِم أن يديع أن خملوقا يقول «أنا امللك‪،‬‬
‫َ َ َ‬ ‫ًّ َ َ َ ا َ ا‬ ‫ر َ َ‬ ‫أنا ادليان» يف اآلخرة ﴿يَ رو َم َيقوم ُّ‬
‫الروح َوال َمالئكة َصفا ال يتَلكمون إال َم رن أذن هل‬
‫ا رَ َ َ‬
‫محن َوقال َص َوابًا﴾ فاحلمد هلل ىلع العافية‪.‬‬ ‫الر‬
‫ر‬ ‫َا ر َ رََ َ َ‬
‫ني قال‪َ :‬سمعت‬‫روى حرب الكرماين وعبد اهلل بن أمحد بن حنبل عن حممد بن أع‬

‫=‬
‫‪44‬‬

‫ا ََ ا َ ََ ا ََ َ ر ر‬ ‫َ ر‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫انلا ر َ‬


‫هل إال أنا فاعبدين﴾‪:‬‬ ‫«م رن قال يف ـهذه اآليَة ﴿إنين أنا اَّلل ال‬ ‫رض رب َن حم ام ٍد‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ر ا ر ر َ َ ََ ر َر َ َ َ َ َ‬ ‫َ ر‬ ‫َر ٌ َ َ‬
‫«ص َدق أبو حم ام ٍد‬ ‫خملوق؛ فه َو اكف ٌر»‪ ،‬فجئت إىل عبد اَّلل بن المبارك فأخَبته‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ا ر َ ر َ ر َر ً‬ ‫َ َ ا‬ ‫َ ا‬
‫َاعفاه اَّلل‪َ ،‬ما اكن اَّلل َع از َو َجل يَأمر أن نعب َد خملوقا»‪[ .‬مسائل حرب ج‪3‬ص‪/ 342‬‬
‫السنة لعبد اهلل ‪ 19‬و‪]20‬‬
‫ا‬
‫وحاول اجلهمية تضعيف ذلك األثر اذلي فيه ذكر الصوت ألنه من طريق عبد اهلل‬
‫بن حممد بن عقيل‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ر‬ ‫حممد بن عقيل خمتلف يف ضبطه‪ ،‬قال اذلـهيب‪َ « :‬وقَ َال ِّ ر‬
‫الرتمذ ُّي‪َ :‬سمعت‬ ‫أوال‪ :‬عبد اهلل بن ا‬
‫َ َ ر ُّ َ ر َ ُّ َ‬ ‫محد‪َ ،‬وإ رس َ‬ ‫َ‬
‫حمَ ام ًدا َيق رول‪َ :‬اك َن أ ر َ‬
‫ج رون حبَديرثه» [سي أعالم انلبالء‬ ‫حاق‪ ،‬واحلميدي حيت‬
‫ج‪6‬ص‪ ] 205‬وذكر عن حيَي بن سعيد‪ ،‬وابن خزيمة‪ ،‬وأيب حاتم‪ ،‬والفسوي‪ ،‬وغيـهم‬
‫عدم االحتجاج به‪ .‬وقال احلاكم أبو أمحد‪ :‬اكن أمحد بن حنبل‪ ،‬وإسحاق بن إبراـهيم‬
‫حيتجان حبديثه‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬إن اكن الصوت ال يليق باهلل تعاىل‪ ،‬وـهو جتسيم وضالل كما تزعم اجلهمياة‪ ،‬وإن‬
‫سلامنا لكم َ‬
‫بضعف عبد اهلل بن عقيل‪ ،‬وأنه لم يضبط لفظ احلديث كما تزعمون؛‬
‫فهل ـهو جاـهل باهلل تعاىل‪ ،‬وجاـهل بما يليق باهلل وما ال يليق به إذ َج اوز ىلع اهلل تعاىل‬
‫جمسم؟ وعبد اهلل بن عقيل ـهو ابن عم انليب‬ ‫الصوت؟! وـهل جترؤون ىلع القول بأنه ِّ‬
‫زينب بن يلع بن أيب طالب‪ ،‬فأخَبونا م امن تعلا َم اتلجسيم؟ من بيت انلُّ ا‬
‫بوة‬ ‫َ‬ ‫ﷺ‪ ،‬وابن‬
‫والربَيِّع بنت معوذ‪ ،‬وجابر‬
‫اذلي نشأ فيه‪ ،‬أم من شيوخه كأنس بن مالك‪ ،‬وابن ع َمر‪ُّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫بن عبد اهلل‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وعطاء بن يسار؟ فرجل أوَلك أـهله وـهؤالء شيوخه‬
‫سيجهل ربه‪ ،‬وينسب هل ما ال يليق‪ ،‬وتعلمون أنتم؟‬

‫=‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪45‬‬

‫ا‬
‫السلف‪ ،‬ونقلوه‪ ،‬وسطروه يف مصنفاتهم‪ ،‬فهل اكنوا يَروون‬
‫مر ىلع أئمة ا‬
‫ثم ـهذا احلديث ا‬
‫وينقلون الكفر ويسكتون‪ ،‬ويرتكون اتلحذير منه‪ ،‬ا‬
‫حىت ظهرت اجلهمية واملعزتلة‬
‫ا‬
‫فحذروا منه؟‬
‫ا‬
‫ثم لو افرتضنا أنه أخطأ يف حديثه‪ ،‬وأن نسبَة الصوت هلل تعاىل اكنت من عنده‪ ،‬فها‬
‫حنن نسند إيله‪ ،‬وـهو شيخنا يف إثبات الصوت‪ ،‬فمن شيخكم يف نيف الصوت؟ إن‬
‫قلتم‪ :‬أرسطو؛ خبتم‪ ،‬وإن قلتم‪ :‬اجلهم؛ خّستم‪ ،‬وإن قلتم‪ :‬إبليس؛ فواهلل إن‬
‫رَ‬ ‫َ ر‬ ‫َ‬
‫أسانيدكم إيله ملتصلة‪﴿ ،‬فبئ َس القرين﴾‬

‫ثاثلًا‪ :‬عبد اهلل بن عقيل لم ينفرد به‪ ،‬بل هل متابع‪ ،‬كما قال ابن حجر يف تغليق اتلعليق‬
‫(ج‪5‬ص‪َ « :)356‬وقد وجدت لعبد اهلل بن حمَ امد بن عقيل متَ ً‬
‫ابعا فيه» ثم ذكر ما رواه‬
‫الطَباين يف مسند الشاميني (‪ )156‬وذكر اسانيده‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫فاحلديث صحيح ال شك فيه‪ ،‬رواه أـهل السنة‪ ،‬وأثبتوا ما فيه‪.‬‬

‫وـهاكم بيان املمتابَعة‪:‬‬


‫رَ‬ ‫َ رَََ‬
‫َعن القاسم‬ ‫اَ‬
‫َ َ‬
‫ع رن ع ربد اهلل‬ ‫برن َعبدر‬ ‫َبنا‬ ‫أخ‬ ‫َحدثنَا‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫َ‬
‫برن حم امد برن‬ ‫ر‬ ‫ـه امام بن‬ ‫يَزيد بن‬ ‫أمحد يف املسند (‪)16042‬‬
‫َ‬ ‫ال َواحد‬ ‫َ َر‬ ‫َ َ‬
‫يل‬
‫عق ٍ‬ ‫ر َ ِِّّ‬ ‫حيَي‬ ‫ـهارون‬
‫المّك‬
‫ع رن َجابر برن عبرد اَّلل‬
‫َ‬
‫عبرد اَّلل برن أنيس‬

‫َ‬ ‫اَ‬
‫ثنا ع ربد‬ ‫َحدث َنا‬
‫َ‬

‫ر‬
‫ر‬
‫احلَ ا‬ ‫الر ر َ‬ ‫ثنا‬ ‫ثنا عث َمان برن‬ ‫ر‬ ‫الطَباين يف‬
‫جاج‬ ‫َعن‬ ‫محن برن‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫احلَ َسن برن‬
‫سل ري َمان‬ ‫َ‬
‫ا‬

‫َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫يد‬


‫سع ٍ‬ ‫َ‬ ‫الشاميني‬
‫ار‬
‫بن دين ٍ‬ ‫ثابت بن‬ ‫ير‬
‫جر ٍ‬
‫َ‬
‫ع رن حم ام ٍد‬
‫َ‬ ‫َرَ َ‬ ‫برن َصال ٍح‬ ‫الص ري َداو ُّي‬‫ا‬
‫ُّ‬ ‫(‪)156‬‬
‫َ‬

‫الصور ُّي‬
‫َر‬

‫ر ر َ‬ ‫ثوبان‬
‫المنكدر‬ ‫رَ ر‬
‫ا‬

‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ع رن ع ربد اهلل َعن الفضل‬ ‫نا ث رو َبان‬ ‫اَ َ‬ ‫أمحد بن مروان ادلينوري‪.‬‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫َحدث َنا حم امد‬
‫برن عبيد اهلل بن عيَس‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫يد‬
‫بن سع ٍ‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ر َ‬ ‫املجالسة وجواـهر العلم‬
‫الرقَ ِّ‬
‫ا‬ ‫رَا َ‬
‫اد ِّ‬ ‫الر رب ُّ‬
‫ِّ‬ ‫ب‬ ‫بن َغل ٍ‬
‫ايش‬ ‫اين‬ ‫العب‬ ‫ع‬ ‫(‪)2223‬‬
‫‪46‬‬

‫فنفوه هلذه الشبهة‪ ،‬وـهذا‬ ‫(‪)67‬‬


‫ووافقهم َم رن نىف االستواء‬
‫طريق املعزتلة واجلهمية‪ ،‬وقد اتفق السلف ىلع تبديعهم‬
‫ك سبيلَهم يف بعض األمور ٌ‬
‫كثي ممن انتسب‬
‫َ َ َ‬
‫وتضليلهم‪ ،‬وقد سل‬
‫إىل السنة واحلديث م َن املتأخرين (‪.)68‬‬

‫واثلاين‪ :‬من رام إثبات ذلك (‪ )69‬بأدلة العقول اليت لم يَرد‬


‫ا‬
‫ورد ىلع أوَلك م َ‬
‫قاتلهم‪ ،‬كما يه طريقة مقاتل بن‬ ‫بها األثر‪،‬‬

‫ً‬
‫جسما إذا استوى‪.‬‬ ‫(‪ )67‬أي كذلك َمن نىف االستواء؛ قال بقوهلم أنه سيكون‬

‫وقد أمجع املسلمون ىلع إثبات االستواء بال حتريف‪ ،‬وقد نقلت ذلك اإلمجاع عن‬
‫عَّشين ً‬
‫اعلما ىلع مر العصور يف رسالة سميتها «إمجاع املسلمني ىلع أن اهلل تعاىل يف‬
‫السماء ىلع عرشه»‬
‫ِّ‬
‫باملتأخرين‪ :‬املتأخرون زمانًا‪ ،‬وـهم َمن اعش يف القرن اخلامس تقريبًا َ‬
‫ومن‬ ‫(‪ )68‬المراد‬
‫بعدـهم‪.‬‬
‫(‪ِّ )69‬‬
‫الصفات‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪47‬‬

‫سليمان (‪ )70‬ومن تابعه كنوح بن أيب مريم (‪ )71‬وتابعهم طائفة من‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫قديما وحديثًا‪ .‬وـهو ً‬
‫أيضا َمسلك الك ارامية‬
‫ا (‪.)72‬‬ ‫ً‬ ‫املحدثني‬

‫َ‬
‫اجلسم‪ ،‬إما‬ ‫فمنهم من أثبت ‪-‬إلثبات ـهذه الصفات‪-‬‬
‫ً‬
‫لفظا‪ ،‬وإما معىن‪.‬‬
‫ا‬
‫صفات لم يأت بها الكتاب والسنة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ومنهم من أثبت َّلل‬

‫ا َ‬
‫سماه اذلـهيب «كبي املفّسين» قلت‪ :‬فال تكاد جتد تفسيا لم ينقل‬ ‫(‪ )70‬متوىف اعم ‪ 150‬ـه‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫َ ر َ َ َر رَ َ‬ ‫عنه‪ .‬قَ َال رابن المبَ َ‬
‫يه ل رو اكن ثقة!» يعين يف احلديث‪ .‬وقال اذلـهيب‪:‬‬ ‫ارك‪« :‬ما أحسن تفس‬
‫َ‬
‫«أمجعوا ىلع تركه» أي‪ :‬ترك اتلحديث عنه‪.‬‬
‫ونسب إيله أبو احلسن األشعري وغيه ممن صناف يف الف َرق مقاالت شنيعة ً‬
‫جدا يف‬
‫ا‬
‫اتلجسيم واإلرجاء‪ .‬وبرأه منها الشهرستاين‪ ،‬وـهناك من توقف حباهل‪.‬‬
‫ا‬ ‫(‪)71‬‬
‫ـهو تلميذ ملقاتل‪ ،‬وأليب حنيفة‪ ،‬متوىف اعم ‪ 173‬ـه‪ ،‬كذاب يف احلديث‪ ،‬نسبوه إىل‬
‫ََ َ َ‬
‫اإلرجاء‪ ،‬لكن لم أجد مما نسب إيله مما يتعلق بالصفات إال ما قاهل أبو ت َميرلة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ر َ َ َ ر َ َ ََ ر َ َ َ رَ َا َ ا َ ا َ َ ا َ َ َر ا َ‬ ‫َر‬
‫السالم؟ قال‪:‬‬ ‫َسألت نوح بن أيب مريم أبا عصمة كيف لكم اَّلل عز وجل موىس عليه‬
‫َ َ ً‬
‫«مشاف َهة» [السنة لعبد اهلل بن أمحد ‪ ]547‬فهذا اللفظ اذلي أثبته بال ديلل‪.‬‬

‫اين‪ ،‬واكن ٌمرجئًا وـهو صاحب املقالة بأن من قال‬ ‫أتباع حممد بن َك ارامٍ ِّ‬
‫السج رستَ ِّ‬ ‫(‪)72‬‬

‫الشهادتني بلسانه؛ صار مؤمنا‪ .‬ونسبوه إىل التشبيه‪ .‬وطرده عثمان ادلاريم من ـهراه‬
‫لسوء ديانته‪.‬‬
‫‪48‬‬

‫اكحلركة وغي ذلك مما يه عنده الزم الصفات اثلابتة (‪ .)73‬وقد‬


‫َ‬
‫مقاتل قوهل يف رده ىلع جهم بأدلة العقل (‪،)74‬‬
‫ٍ‬ ‫أنكر السلف ىلع‬
‫ّك بن‬‫وبالغوا يف الطعن عليه‪ ،‬ومنهم من استحل قتله‪ ،‬منهم م ُّ‬
‫إبراـهيم شيخ ابلخاري (‪ )75‬وغيه‪.‬‬

‫من إمرار‬ ‫والصواب ما عليه السلف الصاحل‬


‫تفسي هلا (‪ ،)76‬وال‬
‫ٍ‬ ‫آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت‪ ،‬من غي‬

‫(‪ )73‬يريد أن ـهناك من أثبت هلل تعاىل احلركة‪ ،‬ألن إثبات الزنول‪ ،‬واملِجء يلزم منه إثبات‬
‫ا‬
‫احلركة‪ ،‬مع كون احلركة ليست واردة يف الكتاب والسنة‪.‬‬

‫السلف يه الرد عليهم باحلديث واألثر‪ .‬أما الرد بالالكم وانلظر‪ ،‬فإنه‬ ‫(‪ )74‬ألن طريقة ا‬
‫َ‬
‫طريق مظل َمة‪ ،‬ألن المف اوه فيها أقدر ىلع االنتصار وإن اكن ىلع باطل‪ ،‬كما أن اذلين‬
‫خاضوا بهذا وقعوا بأخطاء‪ ،‬وقالوا الكما ال ينبيغ‪.‬‬
‫ا‬ ‫(‪ )75‬ا‬
‫لما مات مقاتل اكن عمر مّك بن إبراـهيم أربع وعَّشون سنة‪ ،‬فلعل الشيخ َوـهم‪ ،‬فإن‬
‫استباحة دمه رويت عن اللكيب [املجروحني ج‪3‬ص‪ ]15‬وعن خارجة بن مصعب‬
‫[تاريخ بغداد ج‪15‬ص‪]207‬‬

‫(‪ )76‬اتلفسي‪ :‬كقول القائل‪« :‬العني‪ :‬يه الراعية‪ ،‬وايلد‪ :‬يه القدرة» وما شابه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قوم وقالوا أن َ‬
‫عد َم ا‬ ‫وقد غلط ٌ‬
‫اداعء ظاـهر‬ ‫اتلفسي ـهو عدم فهم املعىن‪ ،‬وـهذا‬
‫ابلطالن‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪49‬‬

‫َ‬
‫تكييف (‪ ،)77‬وال تمثيل (‪ ،)78‬وال يَصح عن أحد منهم خالف‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫خصوصا اإلمام أمحد‪ ،‬وال خوض يف معانيها‪ ،‬وال‬ ‫ذلك أبلتة‪،‬‬
‫َ َ‬
‫رضب َمث ٍل من األمثال هلا‪ ،‬وإن اكن بعض َمن اكن قريبًا من‬
‫ً‬
‫اتبااع لطريقة‬ ‫زمن اإلمام أمحد فيهم من فعل شيئًا من ذلك‬
‫مقاتل فال يقتدى به يف ذلك‪ ،‬إنما االقتداء بأئمة اإلسالم اكبن‬

‫(‪ )77‬اتلكييف‪ :‬كقول الفخر الرزي األشعري (صاحب اتلفسي)‪« :‬كونه يف السماء يقتيض‬
‫كون السماء حميطا به من مجيع اجلوانب‪ ،‬فيكون أصغر من السماء‪ ،‬والسماء أصغر‬
‫من العرش بكثي‪ ،‬فيلزم أن يكون اهلل تعاىل شيئا حقيا بالنسبة إىل العرش» [يف‬
‫السماء﴾] نعوذ باهلل من قوهل‪.‬‬ ‫تفسيه لـ ﴿أَأَمنرت رم َم رن يف ا‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ر َر ََ‬
‫الك َم رايلَهود َوانلا َص َ‬
‫ارى َوال ن َ رستَجي أ رن حنر َ‬
‫ّك‬ ‫قال ابن املبارك‪« :‬إناا ن َ رستَجي أن حن َ‬
‫ّك‬
‫ر ر‬ ‫ََ‬
‫الك َم اجلَهمياة» [رواه عبد اهلل بن أمحد يف "السنة" (‪ ])23‬قلت‪ :‬لشناعة الكمهم‪ ،‬كما‬
‫رأيتم‪.‬‬
‫(‪ )78‬اتلمثيل‪ :‬كقول ابلويط‪« :‬إذا قلنا ﴿يد اهلل فوق أيديهم﴾ إذن فكأننا نقول أن هلل ً‬
‫يدا‪،‬‬
‫وإذا قلنا إن هلل ً‬
‫يدا‪ ،‬فإننا ال تعلم إال ـهذه» ورفع يده وقال‪« :‬ـهذه يه ايلَد» [رشح‬
‫كَبى ايلقينيات الكونية‪ ،‬ادلرس رقم ‪ 8‬فيديو]‬
‫‪50‬‬

‫املبارك (‪ ،)79‬ومالك (‪ ،)80‬واثلوري (‪،)81‬‬

‫(‪ )79‬عبد اهلل بن املبارك بن واضح احلنظىل‪ ،‬املتوىف ‪ 181‬ـهأخذ العلم عن األعمش‪،‬‬
‫ا‬
‫احلجاج‪ ،‬واألوزايع‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬ومالك بن أنس‪،‬‬ ‫ورشيك انلخع‪ ،‬وشعبة بن‬
‫ٌ‬
‫وخلق كثي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأخذ عنه‪ :‬سعيد بن منصور‪ ،‬وعثمان بن أيب شيبة‪ ،‬ون َعيم بن محاد‪ ،‬وحيَي الق اطان‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وخلق كثي‪.‬‬ ‫وحيَي بن معني‪،‬‬

‫عن شعيب بن حرب‪« :‬ما ليق ابن املبارك رجال إال وابن املبارك أفضل منه» وقال ابن‬
‫حبان يف "اثلقات"‪« :‬اكن فيه خصال لم جتتمع يف أحد من أـهل العلم يف زمانه يف‬
‫األرض لكها»‬

‫(‪ )80‬ـهو مالك بن أنس‪ ،‬إمام أـهل املدينة‪ ،‬تويف اعم ‪179‬ـه‪ ..‬نقل عن الشافع أنه قال‪« :‬إذا‬
‫ٌ‬
‫جاء األثر فمالك انلجم» وهلذا اكن عدد من أـهل العلم يسمونه‪« :‬نم السنن» ومن‬
‫السختياين‪ ،‬وجعفر ا‬
‫الصدق‪ ،‬وعبد اهلل بن دينار‪ ،‬ونافع موىل‬ ‫الزناد‪ ،‬وأيوب ا‬
‫شيوخه‪ :‬أبو ِّ‬
‫ابن عمر‪ ،‬وابن شهاب ُّ‬
‫الزـهري‪ ،‬وخلق‪.‬‬
‫َ‬
‫وممن أخذ عنه‪ :‬سعيد بن منصور‪ ،‬وشعيب بن َحرب‪ ،‬وعبد اهلل بن َمسلمة القعنَيب‪،‬‬
‫واألوزايع‪ ،‬ووكيع بن اجلراح‪ ،‬وحيَي ا‬
‫القطان‪ ،‬وخلق‪.‬‬

‫(‪ )81‬ـهو سفيان اثلوري‪ ،‬تويف اعم ‪ 161‬ـهمن كبار أتباع اتلابعني‪ ،‬أخذ العلم عن‪ :‬أيوب‬
‫َ‬ ‫السختياين‪ ،‬واألعمش‪ ،‬وشعيب بن َحرب‪ ،‬وأيب ِّ‬
‫الزناد‪ ،‬وأيب إسحاق ا‬ ‫ا‬
‫السبيع‪ ،‬وخلق‬
‫كثي‪ .‬وقرأ ىلع الك َسايئ‪.‬‬

‫=‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪51‬‬

‫واألوزايع (‪ ،)82‬والشافع (‪،)83‬‬

‫َ‬
‫وأخذ عنه‪ :‬سفيان بن عيينة‪ ،‬والفضل بن دكني‪ ،‬وف َضيل بن عياض‪ ،‬ومالك بن أنس‪،‬‬
‫اجلراح‪ ،‬وحيَي ا‬
‫القطان‪ ،‬ويوسف بن أسباط‪ ،‬وخلق كثي‪.‬‬ ‫ووكيع بن ا‬

‫ا‬
‫(‪ )82‬عبد الرمحن بن عمرو األوزايع‪ ،‬إمام أـهل الشام‪ ،‬تويف اعم ‪ 157‬ـهيف بيوت‪ .‬أخذ‬
‫ََ َ‬
‫ادة بن َد َاع َمة ا‬
‫السدويس‪ ،‬وحممد بن‬ ‫العلم عن األعمش‪ ،‬وعبد الرمحن بن القاسم‪ ،‬وقت‬
‫ادلمشيق‪ ،‬وخلق كثي‪.‬‬ ‫سيين‪ ،‬ومكحول ِّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫وأخذ عنه‪ :‬أبو إسحاق الف َزاري‪ ،‬وإسماعيل بن عيااش‪ ،‬وسفيان اثلاوري‪ ،‬وشعبة بن‬
‫احلجاج‪ ،‬وحممد بن يوسف الفريايب‪ ،‬واملعاىف بن عمران‪ ،‬وحيَي بن سعيد القطان‪،‬‬‫ا‬

‫وخلق كثي‪.‬‬

‫قال إسماعيل بن عياش‪ :‬سمعت انلاس يف سنة أربعني ومئة يقولون‪« :‬األوزايع ايلوم‬
‫َ‬
‫اعلم األمة» وقال األحنف بن قيس‪« :‬بَلغ اثلوري مقدم األوزايع‪ ،‬فخرج حىت لقيه‬
‫وأخذ َ‬
‫رس َن بعيه‪ ،‬وسار به‪ ،‬فإذا مر جبماعة‪ ،‬قال‪ :‬الطريق للشيخ» قال اذلـهيب‪« :‬واكن‬
‫هل مذـهب مستقل مشهور‪ ،‬عمل به فقهاء الشام مدة‪ ،‬وفقهاء األندلس‪ ،‬ثم فين»‬
‫ا‬
‫(‪ )83‬حممد بن إدريس الشافع‪ ،‬املتوىف اعم ‪204‬ـه‪ .‬أخذ العلم عن‪ :‬سفيان بن عيينة‪ ،‬وعبد‬
‫العزيز املاجشون‪ ،‬ومالك بن أنس‪ ،‬وـهشام بن يوسف ّ‬
‫الصاَغين‪ ،‬وحيَي بن خادل‬
‫ِّ ِّ‬
‫اتلنييس‪ ،‬والفضيل بن عياض‪ ،‬وخلق غيـهم‪.‬‬
‫وأخذ عنه‪ :‬إسماعيل بن حيَي الم َزِن‪ ،‬والربيع بن سليمان‪ ،‬وعبد اهلل بن ُّ‬
‫الزبي‬
‫ا‬
‫احل َميردي‪ ،‬والقاسم بن سالم‪ ،‬وـهارون بن سعيد األيريل‪ ،‬وأبو يعقوب ابل َويرطي‪.‬‬

‫=‬
‫‪52‬‬

‫وأمحد (‪ ،)84‬واسحاق (‪،)85‬‬

‫ا‬
‫جاء عن أمحد بن حنبل أنه قال عن الشافع‪« :‬اكن اكلشمس لِّلنيا‪ ،‬واكلعافية للناس»‬
‫اٌ‬ ‫َ َ َ ٌ َ ا رًََ َ َ ََ ً ا َ ا‬
‫لشاف ِّ‬
‫ع يف عنقه منة»‬ ‫وقال‪« :‬ما أحد مس حمَبة وال قلما إال ول‬
‫ا‬
‫(‪ )84‬أمحد ابن حنبل الشيباين‪ .‬املتوىف اعم ‪241‬ـه‪ .‬تلَق العلم عن سفيان بن عيينة‪ ،‬وأيب‬
‫والشافع‪ ،‬ومعتَمر بن سلَيمان‪ ،‬ووكيع بن ا‬
‫اجلراح‪،‬‬
‫ا‬ ‫َر‬
‫داود الطياليس‪ ،‬والفضل بن دكني‪،‬‬
‫وحيَي بن سعيد ا‬
‫القطان‪ ،‬وخلق كثي‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الك َ‬ ‫َ‬
‫وأخذ عنه الع َ‬
‫وسج‪ ،‬وبيق بن خمِّل‪،‬‬ ‫لم‪ :‬ابلخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬وإسحاق‬
‫َ‬
‫وحرب الكرماين‪ ،‬وعثمان بن سعيد ادلاريم‪ ،‬وأوالده‪ :‬صالح‪ ،‬وعبد اهلل‪ ،‬وخلق كثي‪.‬‬

‫قال قتيبة بن سعيد‪« :‬لوال اثلوري‪ ،‬ملات الورع‪ ،‬ولوال أمحد‪ ،‬ألحدثوا يف ادلين‪ ،‬أمحد‬
‫إمام ادلنيا» وقال الشافع‪« :‬خرجت من بغداد‪ ،‬فما خلفت بها رجال أفضل‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪ ،‬وال أفقه‪ ،‬وال أتَق من أمحد بن حنبل»‬
‫ر‬
‫َ‬
‫العلم عن‪ :‬اسماعيل بن‬ ‫(‪ )85‬ـهو إسحاق بن إبراـهيم ابن راـه رو َيه‪ ،‬تويف اعم ‪238‬ـه‪ ،‬أخذ‬
‫ُّ‬ ‫َ ا‬
‫علياة‪ ،‬وبَّش بن المفضل‪ ،‬وحفص بن غياث‪ ،‬وسعيد بن اعمر الضبَع‪ ،‬وسفيان بن‬
‫الرمحن بن مهدي‪ ،‬وانلارض بن ش َمير ٍل‪ ،‬وخلق كثي‪.‬‬
‫عيَينة‪ ،‬وعبد اهلل بن املبارك‪ ،‬وعبد ا‬
‫َ‬
‫الك َ‬ ‫ا‬
‫وسج‪،‬‬ ‫وأخذ عنه‪ :‬ابلخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسايئ‪ ،‬وإسحاق‬
‫َ‬
‫وحيَي بن آدم‪ ،‬وخلق‪.‬‬
‫ر‬ ‫َ َ‬
‫وص َدقة بن الفضل‪َ ،‬ويَع َم َر عن‬ ‫قال وـهب بن جرير‪« :‬جزى اهلل إسحاق بن راـهويه‪،‬‬
‫اإلسالم خيا‪ ،‬أحيوا السنة باملَّشق»‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪53‬‬

‫وأيب عبيد (‪ ،)86‬وحنوـهم (‪.)87‬‬

‫ولك ـهؤالء ال يوجد يف الكمهم يشء من جنس الكم‬


‫َ‬
‫املتلكمني (‪ ،)88‬فضال عن الكم الفالسفة‪ ،‬ولم يدخل ذلك يف‬
‫ُّ‬ ‫دح َ‬‫َ‬
‫رح‪ ،‬وقد قال أبو زرعة الرازي‪ :‬لك‬
‫وج ٍ‬ ‫الكمه َمن سلم من ق ٍ‬

‫َ َ‬ ‫ا‬
‫(‪ )86‬ـهو أبو عبيد‪ ،‬القاسم بن َسالم‪ ،‬املتوىف اعم ‪224‬ـه‪ .‬أخذ العلم عن رشيرك بن عبد اهلل‬
‫خع‪ ،‬وإسماعيل بن عيااش‪ ،‬وسفيان بن عيينة‪ ،‬وعبد اهلل بن المبَ َ‬
‫ارك‪َ ،‬‬ ‫ا َ‬
‫وسعيد بن‬ ‫انل‬
‫عبد الرمحن اجل َم ا‬
‫ح‪ ،‬وخلق كثي‪ ،‬وقرأ ىلع الك َسايئ‪.‬‬
‫وأخذ عنه العلم‪ :‬ابن أيب ادلنيا‪ ،‬واحلارث بن أسامة‪ ،‬وحممد بن حيَي َ‬
‫الم َ‬
‫روزي‪ ،‬وأبو‬
‫َ‬ ‫بكر ادلاريم‪ ،‬وأبو منصور ا‬
‫الصاَغين‪ ،‬وخلق‪.‬‬

‫عن محدان بن سهل‪ :‬سألت حيَي بن معني عن الكتبة‪ ،‬عن أيب عبيد‪ ،‬فقال ‪-‬وتبسم‪-‬‬
‫‪« :‬مثيل يسأل عن أيب عبيد؟! أبو عبيد يسأل عن انلاس‪ ،‬لقد كنت عند األصمع‬
‫يوما‪ ،‬إذ أقبل أبو عبيد‪ ،‬فشق إيله برصه حىت اقرتب منه‪ ،‬فقال‪ :‬أترون ـهذا املقبل؟!‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬لن تضيع ادلنيا ما حيي ـهذا»‬

‫(‪ )87‬ممن ذكرنا من شيوخهم وتالميذـهم‪ .‬وقد تعمدت ذكر أـهم أسماء شيوخهم‬
‫وتالميذـهم‪ ،‬لّك يعر َف القارئ بعض علماء ا‬
‫السلف املعتَبين‪.‬‬
‫َ‬
‫(‪ )88‬املتلكمون‪ :‬ـهم الف َرق اليت أخذت أصول االعتقاد من علم الالكم‪ ،‬وـهو نوع من‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الفلسفة الم َط اورة‪ ،‬ومن ـهذه الف َرق‪ :‬اجلهمية‪ ،‬واملعزتلة‪ ،‬واألشعرية‪ ،‬واملاتريدياة‪،‬‬
‫والرافضة‪ ،‬واإلباضياة‪.‬‬
‫ا‬
‫‪54‬‬

‫َمن اكن عنده علم فلم يصن علمه واحتاج يف نَّشه إىل يشء‬
‫(‪)89‬‬
‫من الالكم؛ فلستم منه‪.‬‬

‫ومن ذلك ‪-‬أعين حمدثات العلوم‪:-‬‬

‫(‪)90‬‬
‫ما أحدثه فقهاء أهل الرأي‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وسواء‬ ‫وقواعد عقلية ورد فروع الفقه إيلها‪.‬‬ ‫ضوابط‬ ‫من‬
‫ً‬
‫نن أم وافقتها طردا تللك القواعد املقررة‪ ،‬وإن اكن‬ ‫أخالَ َفت ُّ‬
‫الس َ َ‬
‫َ‬
‫بتأويالت‬
‫ٍ‬ ‫أصلها مما تأولوه ىلع نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬لكن‬
‫خيالفهم غيـهم فيها‪ ،‬وـهذا ـهو اذلي أنكره أئمة اإلسالم ىلع‬
‫َمن أنكروه من فقهاء أـهل الرأي باحلجاز والعراق‪ ،‬وبالغوا يف‬

‫(‪ )89‬ـهذا يف سؤاالت الَبذيع (‪ )476‬كنا عند أيب ز رر َعة‪ ،‬فاختلف رجالن من أصحابنا ‪...‬‬
‫فأقبل عليهما أبو ز رر َعة يوخبهما‪ ،‬وقال هلما‪« :‬من اكن عنده علم‪ ،‬فلم يصنه‪ ،‬ولم‬
‫يقبض عليه‪ ،‬واتلجأ يف نَّشه إىل الالكم‪ ،‬فما يف أيديكما منه يشء»‬
‫َ‬ ‫(‪ )90‬أـهل ا‬
‫الرأي‪ :‬ـهم مؤسسو وأتباع املذـهب احلنيف‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪55‬‬

‫َ‬
‫ذ ِّمه وإنكاره (‪.)91‬‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫فأما األئمة وفقهاء أـهل احلديث فإنهم يتبعون احلديث‬
‫الصحيح حيث اكن‪ ،‬إذا اكن معموال به عند الصحابة ومن‬

‫(‪ )91‬وردت يف ذلك آثار‪ ،‬منها‪:‬‬


‫قال مالك بن أنس عن إمام أـهل ا‬
‫الرأي‪ :‬ما ظنكم برجل لو قال‪« :‬ـهذه السارية من‬
‫ََ‬
‫ذـهب» لقام دونها ‪-‬أو قال‪ -‬لقاي َ َسكم عليها حىت جيعلها من ذـهب‪ ،‬ويه من خشب‬
‫أو حجارة» قال عبد الرمحن بن أيب حاتم‪« :‬يعين أنه اكن يثبت ىلع اخلطأ وحيتج دونه‬
‫وال يرجع إىل الصواب إذا بان هل» [مناقب الشافع البن أيب حاتم ص ‪ / 162‬مناقب‬
‫الشافع للبيهيق ج‪1‬ص‪ / 171‬نَّش الصحيفة ص‪]366‬‬

‫وقال حرب الكرماين‪« :‬ـهذا مذـهب أئمة العلم وأصحاب األثر وأـهل السنة املعروفني‬
‫بها املقتدى بهم فيها‪ ،‬وأدركت من أدركت من علماء أـهل العراق واحلجاز والشام‬
‫وغيـهم عليها فمن خالف شيئًا من ـهذه املذاـهب‪ ،‬أو طعن فيها‪ ،‬أو اعب قائلها فهو‬
‫مبتدع خارج من اجلماعة زائل عن منهج السنة وسبيل احلق‪ ،‬وـهو مذـهب أمحد‬
‫وإسحاق بن إبراـهيم بن خمِّل‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبي احلميدي وسعيد بن منصور‪،‬‬
‫وغيـهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فاكن من قوهلم‪ ... :‬وأصحاب الرأي والقياس‬
‫ُّ ّ‬
‫يف ادلين مبتدعة جهلة ضالل» [مسائل حرب ج‪3‬ص‪]977‬‬
‫‪56‬‬

‫بعدـهم (‪ )92‬أو عند طائفة منهم (‪ ،)93‬فأما ما اتفق ىلع تركه فال‬
‫جيوز العمل به ألنهم ما تركوه إال ىلع علم أنه ال ي َ‬
‫عمل به‪ .‬قال‬
‫عمر بن عبد العزيز‪« :‬خذوا من الرأي ما يوافق من اكن قبلكم‬
‫(‪)94‬‬ ‫فإنهم اكنوا أعلم منكم»‬

‫فأما ما خالف عمل أـهل املدينة من احلديث‪ ،‬فهذا اكن‬


‫َ‬ ‫ٌ‬
‫مالك يرى األخذ بعمل أـهل املدينة (‪.)95‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫للع َمل به ا‬


‫(‪ )92‬ألن تركهم َ‬
‫إما أن يكون داللة ىلع أنهم ثبت عندـهم نسخه أو ختصيصه‪،‬‬
‫ا‬ ‫أو داللة ىلع علة قادحة يف ا‬
‫صحته‪ ،‬أو أن َ‬
‫َ‬
‫صورة غي اليت ظنها‬ ‫الع َمل به يكون ىلع‬
‫انلاظر إيله‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف به يكيف‪ ،‬حىت لو خالفتهم طائفة أخرى‪ ،‬ألنه قد ال‬ ‫(‪ )93‬فإن عمل طائفة من‬
‫يبلغ الطائفة األخرى‪ ،‬أو اكن يف فهمه خالف بينهم‪ ،‬وـهذا ال يبطل العمل به‪ .‬وـهذا‬
‫يسِّم باخلالف املعتَب‪ ،‬أما اخلالف اذلي ينشأ يف العصور املتأخرة خالفا‬ ‫اذلي ا‬
‫ا َ‬
‫للسلف فهو خالف مردود‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ر‬
‫الرأي َما ي َصدق‬‫(‪ )94‬رواه أبو نعيم يف احللية (ج‪5‬ص‪ / 270‬ج‪5‬ص‪ )315‬بلفظ‪« :‬خذوا م َن ا‬
‫َ رَ‬ ‫َ َ َ ٌ َ ر َ ا ر َ رٌ ر‬ ‫َ َر‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ي منك رم َوأعلم»‬ ‫َم رن اكن قبرلك رم‪َ ،‬وال تأخذوا ما ـهو خالف لهم‪ ،‬فإنهم خ‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫(‪ )95‬وجهة نظر مالك يف ـهذا األمر بيانها يف رساتله لليث بن سعد‪ ،‬فقال‪« :‬فإنما انلاس تبَ ٌع‬

‫=‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪57‬‬

‫ألـهل املدينة‪ ،‬إيلها اكنت اهلجرة وبها نزل القرآن وأحل احلالل وحرم احلرام إذ رسول‬
‫اهلل بني أظهرـهم حيرضون الويح واتلزنيل ويأمرـهم فيطيعونه ويسن هلم فيتبعونه‪،‬‬
‫حىت توفاه اهلل واختار هل ما عنده صلوات اهلل عليه ورمحته وبراكته‪.‬‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫أتبَع انلاس هل من أمته م امن َو َ‬
‫يل األمر من بعده‪ ،‬فما ن َزل بهم مما‬ ‫ثم قام م رن بعده‬
‫علموا؛ أنفذوه‪ ،‬وما لم يكن عندـهم فيه علم؛ سألوا عنه‪ ،‬ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا‬
‫يف ذلك يف اجتهادـهم وحداثة عهدـهم‪ ،‬وإن خالفهم خمالف‪ ،‬أو قال امرؤ‪ :‬غيه أقوى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منه وأوىل؛ تر َك قوهل‪ ،‬وعمل بغيه‪.‬‬

‫ثم اكن اتلابعون من بعدـهم يسلكون تلك السبيل‪ ،‬ويتبعون تلك السنن‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ظاـهرا معموال به؛ لم أر ألحد خالفه؛ للي يف أيديهم من‬ ‫فإذا اكن األمر باملدينة‬
‫تلك الوراثة اليت ال جيوز ألحد انتحاهلا وال اداعؤـها‪[ .‬املعرفة واتلاريخ للفسوي‬
‫ج‪1‬ص‪ / 696‬ترتيب املدارك‪ ،‬للقايض عياض ج‪1‬ص‪]42‬‬
‫َ‬ ‫َر‬ ‫َ‬ ‫َ َ َر ر‬
‫آرائه رم‬
‫ون ب َ‬ ‫وقال الشافع يف رد ـهذا االحتجاج‪« :‬والة أـهل ال َمدينَة اكنوا يقض‬
‫ر‬ ‫َ َ ر‬ ‫َر‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ر ََ ا َ َ َ َ ر ر‬ ‫َ‬
‫اء أـهل ال َمدينَة اكنوا خيتَلفون فيَأخذ أ َم َراؤـه رم ب َرأي‬ ‫َوخيالفون فقهاءـهم وأن فقه‬
‫َ ر‬ ‫ر‬
‫َبعضه رم دون َبع ٍض» [األم ج‪7‬ص‪]274‬‬
‫ك َ ر‬ ‫َر َ‬ ‫ر ر‬ ‫َ َ َ ر َ َ َ ِّ َ ر ر َ َ َ َ َ ر َ‬ ‫ا‬
‫يش ٌء‬ ‫يش ٍء فال يَدخل يف قلب‬ ‫وقال الشافع‪« :‬إذا وجدت متقديم أـهل المدينة ىلع‬
‫َا ر‬
‫أنه احل َ ُّق» [مسند اجلوـهري ‪ / 41‬حلية األويلاء ج‪9‬ص‪ / 128‬اخلالفيات للبيهيق ‪2026‬‬
‫‪ /‬غرائب مالك البن املظفر ‪ 117‬رووـها بأسانيد متعددة عن يونس بن عبد األىلع‬
‫عن الشافع]‬
‫‪58‬‬

‫واألكرثون أخذوا باحلديث (‪.)96‬‬

‫ومما أنكره أئمة السلف‪:‬‬

‫اجلدال واخلصام واملراء يف مسائل‬


‫أيضًا‪ ،‬ولم يكن ذلك طريقة أئمة‬ ‫احلالل واحلرام‬
‫اإلسالم‪ ،‬وإنما أحدث ذلك بعدـهم‪ ،‬كما أحدثه فقهاء العراقيني‬
‫يف مسائل اخلالف بني الشافعية واحلنفية (‪ ،)97‬وصنفوا كتب‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫اخلالف‪ ،‬ووسعوا ابلحث واجلدال فيها‪ ،‬ولك ذلك حم َدث ال‬

‫(‪ )96‬قال أمحد‪ :‬قال يل الشافع‪« :‬أنتم أعلم باحلديث منا فإذا صح احلديث فقولوا نلا حىت‬
‫نذـهب إيله» [ذم الالكم‪ ،‬للهروي ‪]396‬‬

‫وقال أمحد‪« :‬اكن الشافع إذا ثبت عنده اخلَب قِّله» [اآلداب الَّشعية ج‪1‬ص‪/ 220‬‬
‫سي أعالم انلبالء ج‪10‬ص‪]26‬‬

‫وقال أمحد‪« :‬إذا جاء احلديث الصحيح اإلسناد‪ ،‬يقال‪ :‬ـهو سنة‪ ،‬إذا لم يكن هل يشء‬
‫يدفعه أو خيالفه» [اجلامع لعلوم اإلمام أمحد ج‪5‬ص‪]92‬‬
‫حابه يف ال ر َم رسجد َوقَد ر‬
‫ار َت َف َع ر‬ ‫ص َ‬ ‫ََ ر َ َ َ‬
‫يف َة َوـه َو َم َع أَ ر‬
‫ت‬ ‫(‪ )97‬قال سفيان اثلوري‪« :‬مررت بأيب حن‬
‫ََ َ‬ ‫ر َ‬ ‫َ‬ ‫َ ر‬ ‫َ ر َ ر َ ر َ ََ َ َ‬
‫يف َة َـه َذا ال ر َم رسجد‪َ ،‬و ا‬
‫الص روت ال يَنبَيغ أن ي ررف َع فيه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫أصواتهم فقلت‪ :‬يا أبا حن‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ر َ َ َا َ ا‬
‫دعه رم ال يتَفقهون إال ب َهذا» [رواه عبد اهلل بن أمحد يف «السنة» ‪]341‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪59‬‬

‫َ‬
‫أصل هل‪ ،‬وصار ذلك ع َ‬
‫لمهم‪ ،‬حىت شغلهم ذلك عن العلم انلافع‪،‬‬
‫وقد أنكر ذلك السلف‪.‬‬
‫ر‬ ‫ا َ‬
‫وورد يف احلديث املرفوع يف السنن‪َ « :‬ما َضل ق رو ٌم َبع َد‬
‫َ َ َ َ َ ا‬ ‫ر َ‬ ‫َ ا‬ ‫َ‬
‫رضبوه لك إال‬ ‫ـه ًدى اكنوا َعليره إال أوتوا اجل َ َدل‪ ،‬ثم قرأ‪﴿ :‬ما‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً ر‬
‫َج َدال بَل ـه رم ق رو ٌم خصمون﴾»‬
‫(‪)98‬‬

‫يا َفتر َح َهل بَابَ‬ ‫َ ََ َ ا‬


‫اَّلل ب َعبر ٍد َخ ر ً‬ ‫وقال بعض السلف‪« :‬إذا أراد‬
‫ر َ َ َ َ ر َ َ َ ر َ َ ر َ َ َ َ َ َ ا َ ر َ ًّ َ ر َ‬
‫َ‬
‫رشا فت َح هل‬ ‫العمل‪ ،‬وأغلق عنه باب اجلدل‪ ،‬وإذا أراد اَّلل بعب ٍد‬
‫َ َ رَ َ َ َ ر َ َ َ ر َ َ ر‬
‫اب ال َع َمل» (‪.)99‬‬‫باب اجلدل‪ ،‬وأغلق عنه ب‬

‫َ‬ ‫ا َ‬
‫اإلكثار‬ ‫وقال مالك‪« :‬أدركت ـهذه ابلِّلة وإنهم َيلكرـهون‬

‫(‪ )98‬رواه الرتمذي (‪ )3306‬وقال‪« :‬ـهذا حديث حسن صحيح» ورواه ابن ماجه (‪)48‬‬
‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ‬
‫وأمحد (‪ )22218‬واحلاكم (‪ )3674‬وقال‪« :‬ـهذا َحديث َصحيح اإل رسنَاد َول رم خي ِّر َجاه»‬
‫ا‬
‫وعلق اذلـهيب‪ :‬صحيح‪ ،‬وقال األبلاين‪ :‬حسن‪ ،‬وقال شعيب‪ :‬حديث حسن بطرقه‬
‫وشواـهده‪.‬‬

‫(‪ )99‬رواه اخلطيب ابلغدادي يف «اقتضاء العلم العمل» (‪ )123‬عن معروف الكريخ‪ .‬وحنوه‬
‫عن األوزايع (‪)122‬‬
‫‪60‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)101‬‬
‫ايلوم» (‪ )100‬يريد املسائل‬ ‫اذلي فيه انلااس‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واكن يعيب كرثة الالكم وكرثة الفتيا‪ ،‬ويقول‪« :‬يتلكم‬
‫َر‬ ‫ٌ‬
‫مجل م رغتَل ٌم (‪ ،)102‬يقول‪َ « :‬‬
‫ـهو كذا‪َ ،‬‬ ‫ا‬
‫(‪)103‬‬
‫ـهو كذا» يهدر‬ ‫أحدـهم كأنه‬
‫يف الكمه»‬
‫َ‬
‫واكن يكره اجلواب يف كرثة املسائل ويقول‪« :‬قال اهلل عز‬
‫َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫وجل ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ريب﴾ فلم يأته‬
‫يف ذلك جواب‬
‫وقيل هل‪« :‬الرجل يكون ً‬
‫اعلما ُّ‬
‫بالسنن جيادل عنها؟» قال‪:‬‬

‫(‪ )100‬رواه حممد بن خمِّل يف كتابه "ما رواه األكابر عن مالك بن أنس" (‪)53‬‬
‫ً‬
‫أحاكما‪،‬‬ ‫ً‬
‫ابتداء‪ ،‬كأن يتلكم الشخص بفروع كثية‪ ،‬ويستخرج هلا‬ ‫(‪ )101‬املسائل قد تكون‬
‫أو تكون طلبًا‪ ،‬بأن يسأل ا‬
‫السائل عن أشياء ال تنفع‪ ،‬كما سئل مالك‪ :‬عن رجل‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬
‫نك َح دجاجة ميتة‪ ،‬فخرجت منها بيضة‪ ،‬ففقست ابليضة‪ ،‬فهل حيل هل أكل الفرخ؟‬
‫فقال مالك‪« :‬سل ا‬
‫عما يكون‪ ،‬ودع ما ال يكون» [املوافقات ص‪]332‬‬

‫وقول‪« :‬يريد املسائل» ـهو قول ابن وـهب‪ ،‬كما يف جامع بيان العلم (‪)2062‬‬
‫ا‬
‫(‪ )102‬املغتلم‪ :‬اهلائج من الشهوة‪.‬‬
‫(‪ )103‬اهلدر‪ :‬ـهو ابلاطل‪ .‬وقد تكون من َ‬
‫الهذر‪ ،‬باذلال‪ ،‬وـهو الالكم اذلي ال قيمة هل‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪61‬‬

‫ّ‬ ‫ر َ‬ ‫ُّ ا‬
‫بالسنة‪ ،‬فإن قبل منه‪ ،‬وإال سكت»‬ ‫«ال‪ ،‬ولكن خيَب‬

‫وقال‪« :‬املراء واجلدال يف العلم يذـهب بنور العلم»‬


‫ِّ‬
‫ويورث الضغن»‬ ‫وقال‪« :‬الم َراء (‪ )104‬يف العلم يقيس القلب‬

‫ً‬
‫كثيا‪« :‬ال أدري»‬ ‫واكن يقول يف املسائل اليت يسأل عنها‬

‫واكن اإلمام أمحد يسلك سبيله يف ذلك‪.‬‬

‫املسائل‪ ،‬وعن‬ ‫وقد ورد النهي عن كَثرة‬


‫أغلوطات املسائل (‪ ،)105‬وعن املسائل قبل وقوع احلوادث (‪ ،)106‬ويف‬

‫(‪ )104‬المراء‪ :‬ـهو اجل َ َدل المصاحب للطعن بقول الطرف اآلخر وتصغيه‪.‬‬

‫(‪ )105‬األغلوطات‪ :‬يه املسائل اليت يراد بها استخراج جواب خطأ من املسؤول‪ .‬ويه من‬
‫صنف األحايج‪ ،‬واأللغاز‪ .‬كما لو قال لك قائل‪« :‬رجل صىل صالة فريضة بدون وضوء‬
‫فهل تقبل صالته؟» وـهو يريد أن الرجل اغتسل غسل اجلنابة قبل الصالة‪ ،‬فصالته‬
‫صحيحة ىلع الراجح‪ ،‬وظاـهر ُّ‬
‫السؤال قد جير املسؤول إىل القول بأن الصالة ال تصح‪.‬‬
‫مثال‪ :‬كيف خنرج ا‬‫ً‬
‫الزاكة‪ ،‬إذا صار لك انلااس أثرياء؟ وـهذا أمر‬ ‫(‪ )106‬كمن يسأل يف زماننا‬
‫ادلنيوية إىل وقوعه قريبًا‪ ،‬فمثل‬
‫ا‬ ‫غي متحقق‪ ،‬وليس من األمور اليت تشي المعطيات‬

‫=‬
‫‪62‬‬

‫ذلك ما يطول ذكره‪.‬‬


‫ومع ـهذا فيف الكم السلف واألئمة كمالك‪ ،‬والشافع‪،‬‬
‫وأمحد‪ ،‬وإسحاق = اتلنبيه ىلع مآخذ الفقه (‪ ،)107‬ومدارك األحاكم‬
‫وجي خمترص‪ ،‬يفهم به املقصود‪ ،‬من غي إطالة وال‬
‫ٍ‬ ‫(‪ ،)108‬بكالم‬
‫إسهاب‪ ،‬ويف الكمهم من رد األقوال املخالفة للسنة بألطف‬
‫َ‬
‫إشارة وأحسن عبارة‪ ،‬حبيث يغين ذلك َمن فه َمه عن إطالة‬
‫املتلكمني يف ذلك بعدـهم‪ ،‬بل ربما لم يتضمن تطويل الكم َمن‬
‫بعدـهم من ا‬
‫الصواب يف ذلك ما تضمنه الكم السلف واألئمة مع‬
‫اختصاره وإجيازه (‪ ،)109‬فما سكت َمن سكت من كرثة اخلصام‬
‫ً‬
‫عجزا‪ ،‬ولكن سكتوا عن‬ ‫واجلدال من سلف األمة جهال وال‬
‫وتوسع َمن ا‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫توسع‬ ‫علم وخشية َّلل‪ .‬وما تكلم من تكلم‪،‬‬

‫ـهذا ال يصح التشاغل به‪ ،‬لكن لو أشارت املعطيات إىل وقوع أمر ما‪ ،‬كعاصفة‬
‫ترابية يف مكة‪ ،‬فسأل من يريد اذلـهاب إىل احلج عن حكم تغطية الوجه يف اإلحرام‬
‫إذا جاءت العاصفة‪ ،‬فمثل ـهذا ال يدخل يف انله‪.‬‬

‫(‪ )107‬املأخذ‪ :‬ما يؤخذ منه احلكم‪ ،‬ويه مصادر التَّشيع‪ ،‬اكلكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪.‬‬
‫(‪ )108‬مدارك األحاكم يه املحل اذلي ي َ‬
‫درك منه احلكم‪.‬‬

‫(‪ )109‬واالختصار مع الفائدة ال يستطيعه لك أحد‪ ،‬فهذا يدل ىلع إتقان السلف رمحهم اهلل‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪63‬‬

‫بعدـهم الختصاصه بعلم دونهم‪ ،‬ولكن حبًا للالكم وقلة ورع‬


‫(‪ ،)110‬كما قال‪ :‬احلسن ‪-‬وسمع قوما يتجادلون‪« :-‬ـهؤالء قوم ملوا‬
‫ا‬
‫العبادة‪ ،‬وخف عليهم القول‪ ،‬وقل ورعهم فتلكموا» (‪)111‬‬

‫اراه‬‫بن سيين ‪َ -‬و َم َ‬ ‫َ‬


‫حممد َ‬ ‫وقال مهدي بن ميمون‪ :‬سمعت‬
‫ٌ ََ‬
‫رجل‪ ،‬ففطن هل‪ -‬فقال‪« :‬إين أعلم ما تريد‪ ،‬إين لو أردت أن‬
‫َ‬
‫أماريَك؛ كنت اعل ًما بأبواب المراء» ويف رواية قال‪« :‬أنا أعلم‬
‫(‪)112‬‬ ‫بالمراء منك‪ ،‬ولكين ال أماريك»‬
‫َ‬ ‫ع‪َ « :‬ما َخ َ‬ ‫ا َ‬
‫(‪)113‬‬ ‫اص رمت ق ُّط»‬ ‫خ ُّ‬ ‫وقال إبراـهيم انل‬

‫الكمه لَّشح الكم السلف ل َمن ٌ‬


‫قرص عن فهمه‪ ،‬أو للتفصيل‬ ‫َ‬ ‫(‪ )110‬اخللَف منهم َمن ا‬
‫طول‬
‫يف رد شبهات أـهل املبتدعة‪ ،‬ومنهم َمن فيه ـهذا الوصف‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ا‬
‫(‪ )111‬رواه أمحد يف الزـهد (‪ )1546‬وأبو نعيم يف احللية (ج‪2‬ص‪ )156‬بلفظ‪َ « :‬واَّلل َما ـهؤالء‬
‫َ َا‬ ‫َا‬ ‫ر‬ ‫ر ََ َ ر َ َ‬ ‫ُّ ر َ َ‬ ‫ا َ‬
‫إال ق رو ٌم َملوا العبَادة َو َو َجدوا الالك َم أـه َون َعليره رم م َن ال َع َمل َوقل َو َرعه رم فتَلكموا»‬
‫ورواه ابن أيب ُّ‬
‫ادلنيا يف الورع (‪ )215‬بلفظ قريب‬

‫(‪ )112‬رواه الفريايب يف القدر (‪ )379‬بإسناد حسن صحيح‪.‬‬

‫(‪ )113‬رواه ابن بطة يف اإلبانة (‪ )632 / 631‬واسناده صحيح‬


‫‪64‬‬

‫ٌ َ‬ ‫ر‬
‫اجل َ َزر اي‪َ « :‬ما َخ َ‬
‫(‪)114‬‬ ‫اص َم َورع ق ُّط»‬ ‫وقال‪ :‬عبد الكريم‬
‫ر َ ر‬
‫اخلص َ‬
‫ومات يف ِّ‬
‫ادلين‬ ‫وقال‪ :‬جعفر بن حممد‪« :‬إيااكم و‬
‫ِّ َ َ‬ ‫رَ ر َ َ‬ ‫َ اَ ر‬
‫فإنها تشغل القلب‪ ،‬وتورث انلفاق» (‪)115‬‬

‫واكن عمر بن عبد العزيز يقول‪« :‬إذا َسم َ‬


‫عت الم َراء‬
‫(‪)116‬‬ ‫فأقرص»‬

‫ومات أَ رك َرثَ‬
‫ينه َغ َر ًضا للرخص َ‬
‫وقال‪َ « :‬م رن َج َع َل د َ‬
‫ا ُّ َ‬
‫(‪)117‬‬ ‫اتلنَقل»‬
‫َ ُّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ ر ر ََ‬ ‫وقال‪« :‬إ ان ا‬
‫رص ناف ٍذ كفوا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬‫وا‬‫ف‬ ‫ق‬‫السابقني عن عل ٍم و‬

‫(‪ )114‬رواه اآلجري يف "الَّشيعة" (‪ )123‬وابن بطة يف "اإلبانة" (‪ )634‬وإسناده حسن‬

‫(‪ )115‬رواه الاللاكيئ (‪)219‬‬


‫(‪)116‬‬
‫رواه ابن بطة يف اإلبانة (‪ )644‬و(‪ )651‬واهلروي يف ذم الالكم (‪ )812‬وـهو حسن‬
‫بمجموع طرقه‪.‬‬

‫(‪ )117‬رواه مالك يف املوطأ (برواية حممد بن احلسن ‪ )918‬بإسناد صحيح وكذا رواه ادلاريم‬
‫يف سننه (‪ )312‬بإسناد آخر قال عنه حسني سليم أسد‪« :‬صحيح»‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪65‬‬

‫َ‬ ‫ر َرَ ََ رَ ر َر َ‬ ‫ََ‬


‫واكنوا ـهم أقوى ىلع ابلحث لو حبثوا» (‪)118‬‬

‫كثي ً‬
‫جدا‬ ‫ٌ‬ ‫والكم السلف يف ـهذا املعىن‬
‫وقد ف َ‬
‫ت كثي من املتأخرين بهذا فظنوا أن من كرث الكمه‬
‫وجداهل وخصامه يف مسائل ادلين؛ فهو أعلم ممن ليس كذلك‪،‬‬
‫َ‬
‫وـهذا َجهل حمض‪ .‬وانظر إىل أكابر الصحابة وعلمائهم كأيب‬
‫بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬ويلع‪ ،‬ومعاذ‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وزيد بن ثابت كيف‬
‫ُّ‬
‫اكنوا‪ ،‬الكمهم أقل من الكم ابن عباس وـهم أعلم منه (‪،)119‬‬
‫وكذلك الكم اتلابعني أكرث من الكم الصحابة‪ ،‬والصحابة أعلم‬
‫منهم‪ ،‬وكذلك تابعوا اتلابعني الكمهم أكرث من الكم اتلابعني‪،‬‬
‫واتلابعون أعلم منهم‪ .‬فليس العلم بكرثة ِّ‬
‫الر َواية‪ ،‬وال بكرثة‬

‫(‪ )118‬رواه أبو داود بلفظ قريب (‪ )4612‬صحيح‪ .‬واللفظ اذلي أثبته املؤلف قريب مما رواه‬
‫ابن بطة يف اإلبانة (‪ )163‬إال أن اذلي فيه‪َ « :‬ول َ رم َيبر َ‬
‫حثوا»‬
‫(‪ )119‬ابن عبااس طال عمره‪ ،‬واعُص ً‬
‫أناسا حباجة إىل علمه فتلكم‪ ،‬بينما الصحابة اذلين‬ ‫ٍ‬
‫توفوا قبله اكنوا يف زمان أقرب إىل زمن انلبوة‪ ،‬والصحابة فيه أكرث‪ .‬واستدالل الشيخ‬
‫ً‬
‫علما من‬ ‫صحيح‪ ،‬فكرثة الكمه وحديثه انلافع ريض اهلل عنه ال يعين أنه أوسع‬
‫الصحابة اذلين سبقوه يف الصحبة والفضل كأيب بكر وعمر‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫المقال‪ ،‬ولكنه نور يقذف يف القلب (‪ ،)120‬يَفهم به العبد احلق‪،‬‬
‫ويعَب عن ذلك بعبارات وجية‬ ‫ِّ‬ ‫ويمي به بينه وبني ابلاطل‪،‬‬
‫ِّ‬
‫حمصلة للمقاصد‪.‬‬
‫َ‬
‫اللكم واخت َ‬ ‫وقد اكن انليب ﷺ أ َ‬
‫رص هل الالكم‬ ‫وت جوامع‬

‫ا‬
‫ور يَ َضعه اَّلل َع از‬ ‫الر َوايَة‪ ،‬إ ان َما الرعلرم ن ٌ‬ ‫رثة ِّ‬ ‫كرَ‬
‫َ‬ ‫ر ر‬ ‫َر‬
‫(‪ )120‬روي مثل ـهذا عن مالك «لي َس العلم ب‬
‫ا‬ ‫كرَ‬‫َ‬ ‫ر ر‬ ‫َر‬ ‫ر‬ ‫ا‬
‫الر َوايَة‪ ،‬إن َما‬
‫رثة ِّ‬ ‫َو َجل يف القلوب» رواه اجلوـهري يف مسند املوطأ‪« :‬لي َس العلم ب‬
‫ر‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫الرعلرم ن ٌ‬
‫ور يَ َضعه اَّلل َع از َو َجل يف القلوب» [مسند املوطأ للجوـهري ‪ ]14‬وشاـهد ـهذا‬
‫ور﴾‬ ‫ََ ر َر َرَ ا َ ً ََ َ ر‬
‫الالكم قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬ومن لم جيعل اَّلل هل نورا فما هل من ن ٍ‬
‫َر‬ ‫اب مب ٌ‬ ‫ور َوكتَ ٌ‬ ‫اَّلل ن ٌ‬‫َر َ َ ر َ ا‬
‫ني ۝ يهدي‬ ‫وأصل ـهذا انلور كتاب اهلل تعاىل‪﴿ :‬قد جاءكم من‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ر‬ ‫َ ا َ‬ ‫ر َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫السالم َوخيرجه رم م َن الظل َمات إىل انلُّور بإذنه َويَهديه رم‬ ‫به اَّلل َمن اتبَ َع رض َوانه سبل‬
‫ا‬ ‫ُّ‬ ‫ا‬ ‫إ َىل َ‬
‫يم﴾ فاهلل تعاىل يهدي به َمن اتبع‪ ،‬ويَضل به َمن ابتدع ﴿ـه َو اذلي‬ ‫ر َ‬
‫اط مستق ٍ‬ ‫ُص ٍ‬
‫ين‬‫ات فَأَ اما ااذل َ‬ ‫َ َ َ َ َ ٌ‬ ‫ر‬
‫اب منه آيَات حمك َمات ـه ان أ ُّم الكتَاب وأخر متشابه‬
‫ٌ ر َ ٌ‬ ‫َرَ َ َ َر َ ر َ َ ر‬
‫أنزل عليك الكت‬
‫َ َ َ ر َ َر َ‬ ‫ر َرٌ ََا َ َ َ َ ََ ر ر َ ر رَ ر َ َر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يف قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله‬
‫ا ا ا‬ ‫ر‬ ‫ٌّ‬ ‫َ َا‬ ‫ر ر َ‬ ‫َ‬ ‫ا ا‬
‫آمنا به لك م رن عند َربِّنَا َو َما يَذكر إال أولو‬ ‫الراسخون يف العلم يقولون‬ ‫اَّلل َو ا‬ ‫إال‬
‫ر َ َر‬
‫األبلاب﴾‬

‫فالبد من احلرص ىلع االتباع‪ ،‬فاتلعلم وحده ال يكيف‪.‬‬


‫ر ر‬ ‫ر ر‬ ‫َ ا َر ر ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫قال كعب األحبار‪َ « :‬عليرك رم بالق ررآن‪ ،‬فإنه فهم ال َعقل‪َ ،‬ونور احلك َمة‪َ ،‬ويَنَابيع العلم‪،‬‬
‫ا رَ َ ر‬ ‫ر‬ ‫َ ر‬
‫محن عه ًدا» رواه ادلاريم (‪ )3370‬قال حسني سليم أسد‪« :‬إسناده‬ ‫َوأح َدث الكتب بالر‬
‫حسن»‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪67‬‬

‫ً‬
‫اختصارا (‪ )121‬وهلذا ورد انله عن كرثة الالكم واتلوسع يف القيل‬
‫(‪)122‬‬
‫والقال‬
‫ا‬ ‫ِّ ً‬ ‫َ َ ر َ ا‬ ‫ا‬
‫وقد قال انليب ﷺ‪« :‬إن اهلل ل رم يبر َعث نبيًّا إال مبَلغا‪َ ،‬وإن‬
‫ا‬ ‫َ ر َ ر ََ‬
‫يق الالكم م َن الشير َطان» يعين أن انليب إنما يتلكم بما‬
‫(‪)123‬‬ ‫تشق‬

‫َ‬ ‫ر‬
‫(‪ )121‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬بعثت جبَ َوامع اللكم» رواه ابلخاري (‪ )7013‬ومسلم (‪)523‬‬
‫ي َة‪ ،‬الايت َاكنَ ر‬ ‫َ َ‬ ‫ََََ َ ا َ َ َ َ َ ا اَ َر‬
‫ت‬ ‫الكث َ‬ ‫اَّلل جي َمع األمور‬ ‫وقال ابلخاري‪ :‬وبلغين أن جوامع اللكم‪ :‬أن‬
‫ر َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األ رمر َ‬ ‫َ َ‬ ‫ر‬
‫الواحد‪َ ،‬واألم َريرن‪ ،‬أ رو حن َو ذلك‬ ‫تكتَب يف الكتب قبرله‪ ،‬يف‬
‫ر‬
‫اخت َص ً‬ ‫ر‬ ‫َ ر‬
‫اخت َ‬
‫ارا» روي ـهذا بأسانيد خمتلفة لك واحد منها‬ ‫رص يل احلَديث‬ ‫وعنه ﷺ‪« :‬و‬
‫ضعيف‪ ،‬وقد حيَسن بمجموعها‪.‬‬
‫المال‪َ ،‬و َك ر َ‬
‫رث َة ُّ‬
‫الس َؤال» رواه‬ ‫يل َوقَ َال‪َ ،‬وإ َض َ‬
‫اع َة َ‬ ‫َ‬ ‫َ ًَ‬ ‫ا اَ َ َ‬
‫اَّلل كر َه لك رم ثالثا‪ :‬ق‬ ‫(‪ )122‬قال ﷺ‪« :‬إن‬
‫ابلخاري (‪ )1477‬ومسلم (‪)1715‬‬
‫َر‬ ‫َ‬
‫ر َ ر‬ ‫ا ُّ‬ ‫َ‬
‫رجه أح َس َن خمرج‪[ .‬انلهاية يف غريب احلديث‬‫اتل َطلب فيه يلخ‬ ‫(‪ )123‬تشقيق الالكم‪ :‬أي‬
‫ج‪2‬ص‪]492‬‬
‫ً‬
‫صحيحا قريبًا منه‪ ،‬وفيه‬ ‫رواه عبد الرزاق (‪ )21128‬وـهو ضعيف‪ .‬وروى أمحد حديثا‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫حمل الشاـهد‪ .‬قال ﷺ‪« :‬يا أيها انلاس‪ ،‬قولوا بق رولكم‪ ،‬فإنما تشقيق الالكم من‬
‫ر‬
‫ابليَان سح ًرا» املسند (‪ )5687‬صححه أمحد شاكر‪ ،‬وقال شعيب‬ ‫الشيطان‪ ،‬إ ان م َن ر َ‬

‫األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح ىلع رشط الشيخني‪ .‬ورواه ابن حبان يف صحيحه (‪،)5718‬‬
‫وقال األبلاين‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪68‬‬

‫حيصل به ابلالغ‪ ،‬وأما كرثة القول وتشقيق الالكم فإنه مذموم‪.‬‬


‫ً‬ ‫ِّ‬
‫صدا (‪ ،)124‬واكن حيَدث حديثا لو‬‫واكنت خ َطب انليب ﷺ َق ً‬
‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ا‬
‫سحرا» (‪ )125‬وإنما قاهل يف‬ ‫عده العاد ألحصاه وقال‪« :‬إن من ابليان‬
‫مدحا هل كما َظن ذلك من ظنه‪ ،‬ومن ا‬
‫تأمل سياق‬ ‫ً‬ ‫ذم ذلك‪ ،‬ال‬
‫(‪)126‬‬
‫ألفاظ احلديث قطع بذلك‬
‫ا‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫مرفواع‪« :‬إن‬ ‫ويف الرتمذ ِّي وغيه عن عبد اهلل بن عمرو‬
‫َ َ ا‬ ‫َ ا‬ ‫َ َ‬
‫الرجال اذلي يتَخلل بلسانه ك َما تتَخلل‬
‫ليغ من ِّ‬ ‫َ‬
‫اهلل يلبغض ابل‬

‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫(‪)124‬‬


‫قصدا‪ :‬بتوازن‪ ،‬حيصل به املقصود‪ ،‬ال قصيا خمال‪ ،‬وال طويال ممال‪.‬‬

‫(‪ )125‬جزء من احلديث السابق‪ .‬وجاء مفردا ـهكذا يف صحيح ابلخاري (‪ )5767‬وجاء عند‬
‫ا َ َ‬ ‫ر ََ‬
‫الصالة‪،‬‬
‫اٌ‬
‫رص خ رطبَته‪َ ،‬مئنة م رن فقهه‪ ،‬فأطيلوا‬ ‫الرجل‪َ ،‬وق َ َ‬ ‫ول َص َالة ا‬‫ا َ‬
‫مسلم (‪« :)869‬إن ط‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اخل رطبَ َة‪َ ،‬وإ ان م َن َ‬ ‫ر‬
‫ابليَان سح ًرا»‬ ‫َواقرصوا‬
‫َ‬ ‫َ ر‬ ‫خ َراج ر َ‬
‫َ ِّ ر َ َ َ ر ٌ َ ر‬
‫ورة احلَ ِّق‪َ ،‬ويقال ـه َو‬ ‫ابلاطل يف ص‬ ‫(‪ )126‬قال ابن فارس‪ :‬فالسحر‪ ،‬قال قوم‪ :‬ـهو إ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ورة احل َ ِّق‪َ ،‬وي َقال ـه َو اخلَد َ‬‫ابلاطل يف ص َ‬ ‫خ َراج ر َ‬ ‫ر َ َ َ ِّ ر َ َ َ ر ٌ َ ر‬
‫يعة‪،‬‬ ‫اخلديعة فالسحر‪ ،‬قال قوم‪ :‬ـهو إ‬
‫ر َ َ َ َ َ َ ََا‬ ‫َ ر رَ‬ ‫ر‬ ‫ً َا‬
‫سحرا‪ ،‬ألنه َمرصوف عن جهته‪ ،‬ومنه قوهل سبحانه وتعاىل‪{ :‬فأن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوسِم السحر‬
‫ر َا َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر َ َ‬
‫رصفون َعن احلق‪َ ،‬وقوهل عز َوجل‪﴿ :‬إن تتبعون إال َرجال‬ ‫ون﴾‪ ،‬أي‪ :‬ت َ‬ ‫تسحر‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫ورا﴾ أي‪ :‬مرصوفا َعن احلق‪.‬‬ ‫َم رسح ً‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪69‬‬

‫ابل َق َرة ب َ‬
‫لسانها» (‪ )127‬ويف املعىن أحاديث كثية مرفوعة وموقوفة‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ىلع َ‬
‫وسعد‪ ،‬وابن مسعو ٍد‪ ،‬واعئشة‪ ،‬وغيـهم من الصحابة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عمر‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫فيجب أن يعتَقد أنه ليس لك َمن كرث بسطه للقول‪،‬‬
‫َ‬
‫أعلم ممن ليس كذلك‪.‬‬ ‫والكمه يف العلم؛ اكن‬
‫وقد ابتلينا جبهلة من انلاس يعتقدون يف بعض َمن ا‬
‫توسع‬
‫يف القول من املتأخرين؛ أنه أعلم ممن تقدم‪ ،‬فمنهم من يَظن يف‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫أعلم من لك من تقدم من الصحابة ومن بعدـهم؛‬ ‫شخص أنه‬
‫لكرثة بيانه ومقاهل‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬ـهو أعلم من الفقهاء‬
‫املشهورين املتبوعني‪ .‬وـهذا يلزم منه ما قبله؛ ألن ـهؤالء الفقهاء‬
‫املشهورين املتبوعني أكرث قوال ممن اكن قبلهم‪ ،‬فإذا اكن َمن‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أعلم ممن اكن أقل منهم‬ ‫أعلم منهم التساع قوهل؛ اكن‬ ‫بعدـهم‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫قوال بطريق األوىل‪ ،‬اكثلوري‪ ،‬واألوزايع‪ ،‬والليث‪ ،‬وابن املبارك‪،‬‬
‫وطبقتهم‪ ،‬وممن قبلَهم من اتلابعني والصحابة ً‬
‫أيضا‪ ،‬فإن ـهؤالء‬
‫ً‬
‫الكما ممن جاء بعدـهم‪ .‬وـهذا تنقص عظيم بالسلف‬ ‫لكهم أقل‬

‫(‪ )127‬رواه أبو داود (‪ )5005‬وقال األرنؤوط‪ :‬إسناده حسن‪ .‬ورواه الرتمذي (‪ )3067‬وقال‪:‬‬
‫َ َ َ ٌ َ َ ٌ َ ٌ ر َ َ َ ر‬
‫الوجه» وقال األبلاين‪« :‬صحيح»‬ ‫«ـهذا حديث حسن غريب من ـهذا‬
‫‪70‬‬

‫الصالح‪ ،‬وإساءة ظن بهم‪ ،‬ونسبته هلم إىل اجلهل وقصور العلم‪،‬‬


‫وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ولقد صدق ابن مسعود يف قوهل يف الصحابة أنهم «أبَ ُّر ـهذه‬
‫َ َ ُّ َ َ ُّ ً‬ ‫ر‬ ‫َ ر‬ ‫ر‬
‫األ امة قلوبًا‪َ ،‬وأع َمق َها عل ًما‪َ ،‬وأقل َها تكلفا» (‪ .)128‬وروي حنوه عن‬
‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫أيضا (‪ .)129‬ويف ـهذا إشارة إىل أن َمن َ‬ ‫ابن عمر ً‬
‫علوما‬ ‫بعدـهم أقل‬
‫ً‬
‫وأكرث تكلفا‪.‬‬
‫َ ٌ َ‬ ‫ََ‬ ‫ا ر‬ ‫ً‬
‫ي عل َماؤه‪،‬‬ ‫ان كث‬
‫وقال ابن مسعود أيضا‪« :‬إنكم يف زم ٍ‬
‫َ َر‬
‫يل علَ َماؤه‪َ ،‬كثيٌ‬‫َ َر ر ََ ٌ َ ٌ‬ ‫َ ٌ‬
‫قليل خ َطبَاؤه‪َ ،‬وسيأيت عليكم زمان قل‬
‫خ َطبَاؤه» فمن كرث علمه وقل قوهل فهو املمدوح ومن اكن‬ ‫(‪)130‬‬

‫(‪ )128‬رواه ابن عبد الَب يف جامع بيان العلم وفضله (‪ )1810‬واسناده فيه ضعف‪ ،‬ويف العادة‬
‫يقبل مثله يف مثل ـهذه األخبار‪ ،‬إال أن الالكم نفسه مروي عن احلسن ابلرصي بإسناد‬
‫قوي عند اآلجري (‪ )1161‬فيبدو يل أن حسن بن إسماعيل ا‬
‫الرضاب (اذلي روى ابن‬
‫عبد الَب من طريقه) أخطأ فيه‪ ،‬فقد ضعفه ادلارقطين‪.‬‬
‫(‪ )129‬رواه أبو نعيم يف احللية (ج‪1‬ص‪ )305‬واسناده تالف ي َ‬
‫نِّم إىل احلسن ابلرصي عن ابن‬
‫عمر‪ ،‬واألصح كما يف اتلعليق السابق أنه عن احلسن‪.‬‬

‫(‪( )130‬صحيح) رواه عبد الرزاق (‪ ،)3830‬وزـهي بن حرب يف "العلم" (‪ )109‬والطَباين يف‬
‫الكبي (‪)8566‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪71‬‬

‫بالعكس فهو مذموم‪.‬‬

‫وقد شهد انليب ﷺ ألـهل ايلمن باإليمان والفقه (‪.)131‬‬


‫ُّ‬
‫أقل انلاس ً‬
‫علمهم‬‫لكن َ‬‫ا‬ ‫وتوس ًعا يف العلوم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الكما‬ ‫وأـهل ايلمن‬
‫َ ر‬
‫علم نافع يف قلوبهم‪ ،‬وي َعَبون بألسنتهم عن القدر المحتاج إيله‬
‫ٌ‬

‫من ذلك‪ ،‬وـهذا ـهو الفقه والعلم انلافع‪.‬‬

‫يف تفسي القرآن‪ ،‬ومعاين احلديث‪،‬‬ ‫فأفضل العلوم‬


‫ً‬
‫مأثورا عن الصحابة‬ ‫والالكم يف احلالل واحلرام = ما اكن‬
‫واتلابعني وتابعيهم‪ ،‬إىل أن ينته إىل أئمة اإلسالم املشهورين‬
‫املقتَ َدى بهم اذلين ا‬
‫سميناـهم فيما سبق‪.‬‬
‫فضبط ما روي عنهم يف ذلك أفضل العلم‪ ،‬مع ُّ‬
‫تفهمه‬ ‫َ‬
‫ا َ ُّ‬ ‫َ ُّ‬
‫واتلفقه فيه‪.‬‬ ‫وتعقله‬

‫اتلوسع ال َ‬
‫خي يف كثي منه‪ ،‬إال أن‬ ‫وما حدث َ‬
‫بعدـهم من ا‬

‫َر‬ ‫ا ََ‬ ‫َ‬ ‫ا ِّ ا‬ ‫َرََ َ َ ا َر‬ ‫َ َ‬


‫يب َصىل اهلل َعليره َو َسل َم‪« :‬أتاك رم أـهل ايلَ َمن‪،‬‬ ‫يض اَّلل عنه‪َ ،‬عن انل‬ ‫(‪ )131‬ع رن أيب ـهريرة ر‬
‫ٌ‬ ‫ر َ‬
‫ان َواحلك َمة ي َمانيَة» رواه ابلخاري (‪)4388‬‬ ‫َ ََ‬ ‫ً‬ ‫ر َ َ ُّ َ ر َ ً َ َ ر َ‬
‫ـهم أرق أفئدة وألني قلوبا‪ ،‬اإليمان يم ٍ‬
‫ان»‬ ‫ر ر ََ‬
‫ومسلم (‪ )52‬وعنده «الفقه يم ٍ‬
‫‪72‬‬

‫ً‬
‫رشحا لالكم يتعلق من الكمهم (‪.)132‬‬ ‫يكون‬
‫ً‬
‫وأما ما اكن خمالفا لالكمهم فأكرثه باطل أو ال منفعة فيه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ويف الكمهم يف ذلك كفاية وزيادة‪ ،‬فال يوجد يف الكم َمن بعدـهم‬
‫بأوجز لفظ وأخرص عبارة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫من حق إال وـهو يف الكمهم موجود‬
‫باطل إال ويف الكمهم ما يبَ ِّني‬
‫ٍ‬
‫وال يوجد يف الكم من َ‬
‫بعدـهم من‬
‫بطالنه ملن فهمه وتأمله‪ ،‬ويوجد يف الكمهم من املعاين ابلديعة‬
‫واملآخذ ادلقيقة ماال يهتدى إيله َمن َ‬
‫بعدـهم‪ ،‬وال يلم يه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫العلم من الكمهم؛ فاته ذلك اخلي لكه‪ ،‬مع‬ ‫فمن لم يأخذ‬
‫َ ً‬
‫متاب َعة ل َمن تأخر عنهم‪.‬‬ ‫ما يقع يف كثي من ابلاطل‬
‫َ‬
‫وحيتاج من أراد مجر َع الكمهم إىل معرفة صحيحه من‬

‫(‪ )132‬لعله قصد‪ :‬بكالمهم‪.‬‬


‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪73‬‬

‫سقيمه (‪ ،)133‬وذلك بمعرفة اجلرح واتلعديل (‪ )134‬والعلَل (‪َ )135‬‬


‫فمن‬
‫لم يعرف ذلك؛ فهو غي واثق بما ينقله من ذلك‪ ،‬ويلتبس عليه‬
‫ا‬
‫حقه بباطله‪ ،‬وال يثق بما عنده من ذلك‪ .‬كما ي َرى َمن قل علمه‬
‫بذلك‪ ،‬ال يثق بما يروى عن انليب ﷺ‪ ،‬وال عن السلف؛ جلهله‬
‫ً‬ ‫َ ُّ‬
‫بصحيحه من سقيمه‪ ،‬فهو جلهله جيَ ِّوز أن يكون لكه باطال؛‬
‫لعدم معرفته بما يعرف به صحيح ذلك وسقيمه‪.‬‬

‫حممد ﷺ‪ ،‬فما‬
‫ٍ‬ ‫جاء به أصحاب‬ ‫قال األوزايع‪« :‬العلم ما َ‬
‫َ َ‬
‫بعلم» (‪ )136‬وكذا قال‪ :‬اإلمام أمحد‪ ،‬وقال‪« :‬يف‬
‫اكن غي ذلك فليس ٍ‬
‫يعىن خمي يف كتابته وتركه‪ .‬وقد اكن‬ ‫(‪)137‬‬
‫اتلابعني أنت خمي»‬

‫ا‬
‫(‪ )133‬السقيم‪ :‬ـهو الضعيف‪.‬‬
‫(‪ )134‬وـهو العلم اذلي ي َ‬
‫عرف به حال رواة األخبار‪ ،‬من حيث ضبطهم لألخبار‪ ،‬وأمانتهم‬
‫يف نقلها‪.‬‬
‫(‪ )135‬وـهو العلم اذلي ي َ‬
‫عرف به اخلطأ يف احلديث‪ ،‬أو يف إسناده‪ ،‬إذا جاء ذلك اخلطأ من‬
‫اثلِّقات‪.‬‬

‫(‪ )136‬جامع بيان العلم وفضله (‪)1420‬‬

‫(‪ )137‬قال أبو داود‪ :‬سمعت أمحد يقول‪« :‬االتباع‪ :‬أن يتبع الرجل ما جاء عن انليب ﷺ وعن‬
‫أصحابه‪ ،‬ثم ـهو من بعد يف اتلابعني ا‬
‫خمي» [مسائل أيب داود ‪]1789‬‬
‫‪74‬‬

‫َر‬
‫الزـهري يكتب ذلك‪ ،‬وخالفه صالح بن كي َسان‪ ،‬ثم ندم ىلع‬
‫تركه َ‬
‫الكم اتلابعني‪.‬‬

‫ويف زماننا يتعني كتابة كالم أئمة‬


‫َ‬
‫وأمحد‬ ‫ِّ‬
‫الشافع‬ ‫بهم‪ ،‬إىل زمن‬ ‫السلف املقتدى‬
‫َ‬
‫ويلكن اإلنسان ىلع حذر مما َح َدث‬ ‫وإسحاق وأيب عبيد‪ ،‬ر َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بعدـهم‪ ،‬فإنه حدث بعدـهم حوادث كثية‪ ،‬وحدث من انتسب‬
‫ُّ‬
‫إىل متابعة السنة واحلديث من الظاـهرية وحنوـهم‪ ،‬وـهو أشد‬
‫َ‬
‫خمالفة هلا لشذوذه عن األئمة‪ ،‬وانفراده َعنهم بفهم يفهمه‪ ،‬أو‬
‫ر‬
‫يأخذ ما لم يأخذ به األئمة من قبله‪.‬‬
‫املتلكمني أو الفالسفة فَ َ ٌّ‬
‫َّش‬ ‫َ‬ ‫فأما ادلخول مع ذلك يف الكم‬
‫َا‬
‫حمض‪ ،‬وقل َمن دخل يف يشء من ذلك؛ إال وتلطخ ببعض‬
‫أوضارـهم (‪ )138‬كما قال‪ :‬أمحد‪« :‬ال خيلو َمن َ‬
‫نظر يف الالكم من أن‬

‫وسخ ادلسم َواللا َب وغسالَة ِّ‬


‫السقاء‬ ‫الو َرض َ‬ ‫ابن س َ‬
‫يدهر‪َ :‬‬ ‫وادل َسم‪ .‬قال ر‬
‫ادل َرن ا‬ ‫الو َرض‪ :‬ا‬
‫(‪َ )138‬‬
‫َر‬ ‫رَ ر‬
‫َوالقص َعة َوحنوـه َما‪[ .‬لسان العرب]‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪75‬‬

‫َ‬ ‫ا‬
‫يتجهم» (‪ )139‬واكن ـهو وغيه من أئمة السلف حيذرون من أـهل‬
‫َ‬
‫(‪)140‬‬
‫الالكم وإن ذبُّوا عن السنة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الالكم المحدث واتبع‬ ‫ا‬
‫أحب‬ ‫وأما ما يوجد يف الكم َمن‬
‫أـهلَه من ذم َمن ال يَ ا‬
‫توسع يف اخلصومات واجلدال‪ ،‬ونسبته إىل‬
‫اجلهل‪ ،‬أو إىل احلشو (‪ ،)141‬أو إىل أنه غي اعرف باهلل‪ ،‬أو غي‬

‫َ َ‬ ‫َ َ ر ََ َ ر‬
‫(‪ )139‬رواه ابن بطة يف اإلبانة (‪ )674‬و(‪َ « )403‬م رن ت َعاط الالك َم ل رم يفل رح‪َ ،‬و َم رن ت َعاط‬
‫الك َم ل َ رم َخيرل م رن أَ رن َيتَ َ‬
‫ج اه َم»‬
‫ر ََ‬
‫ال‬
‫ُّ ا‬
‫السنة يراد بها ‪:‬‬ ‫(‪ )140‬لكمة‬

‫تارة‪ :‬االنضباط يف مسائل اإليمان واملنهج‪ ،‬وـهذا المراد يف الغالب يف كتب اإليمان‪.‬‬
‫َ‬
‫مستخدم يف كتب أصول الفقه‪.‬‬ ‫وتارة‪ :‬احلديث انلابوي‪ ،‬وـهذا‬

‫وتارة‪ :‬األعمال المستحباة‪ ،‬وـهذا يف الغالب مستخدم يف كتب الفقه‪.‬‬


‫وتارة‪ :‬يراد بها ما يقابل التا َشيُّع‪ ،‬وـهذا يف الغالب يف كتب الملَل وانلِّ َ‬
‫حل‪.‬‬
‫ا‬
‫(‪ )141‬نسبته إىل احلشو‪ :‬أي يقال عنه َحشوي‪ .‬وـهذا اكن يطلقه اجلهمياة ىلع أـهل السنة‪،‬‬
‫َ ر‬
‫وال يزالون‪ .‬ومعىن اللكمة كما قال الفراـهيدي‪« :‬واحلشو من الالكم‪ :‬الفضل اذلي ال‬
‫ر ُّ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫يعتَ َمد عليه‪ .‬واحلَشو من انلّاس‪ :‬من ال يعتَد به» [معجم العني]‬

‫قال نشوان ايلمين املتوىف (‪573‬ـه)‪« :‬وإنما س ِّميَت احلشوية لكرثة روايتها لألخبار‪،‬‬

‫=‬
‫‪76‬‬

‫اعرف بدينه = فلك ذلك من خطوات الشيطان‪ ،‬نعوذ باهلل منه‪.‬‬

‫َ‬
‫الكالمُ يف العلوم‬ ‫ومما أحدث من العلوم‪:‬‬

‫من املعارف وأعمال القلوب وتوابع ذلك بمجرد‬ ‫الباطنة‬


‫(‪)143‬‬
‫الرأي (‪ )142‬واذلوق‬

‫وقبوهلا ما ورد عليها من غي إنكار» [شمس العلوم ج‪3‬ص‪ ]1452‬فإذا اكنت‬


‫ًّ‬
‫حشوية ألننا نأخذ بها من غي‬ ‫ً‬
‫حشوا‪ ،‬وحنن‬ ‫أحاديث انليب ﷺ والكم ا‬
‫السلف‬
‫إنكار‪ ،‬فيا حباذا ـهذا احلشو‪َ ،‬‬
‫ومن أراد أن يعيب أـهل السنة بها؛ فقد اعب نفسه‬
‫قبل أن يعيبنا‪.‬‬

‫وقال ابن ابلنا احلنبيل (املتوىف ‪471‬ـه) أن عمرو بن عبيد (وـهو من رؤوس املعزتلة)‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اكن يقول «اكن ابن عمر حشويا» [املختار يف أصول السنة ج‪1‬ص‪]91‬‬
‫ا‬
‫(‪ )142‬وـهو أن يتلكم يف الَّشيعة برأيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫الصوفية‪ :‬إما د َر َجة يصل إيلها الصويف‪ ،‬وليس ـهذا املقصود‪ ،‬أو «نور‬
‫ا‬ ‫(‪ )143‬اذلوق عند‬
‫عرفاين يقذفه احلق بتجليه يف قلوب أويلائه» [معجم مصطلحات الصوفية للحنيف‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫ص‪ ]104‬قلت‪ :‬ـه َد َم اهلل لك بدعة‪ ،‬آمني‪.‬‬

‫=‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪77‬‬

‫ٌ‬ ‫َ ر‬
‫خطر عظيم‪ ،‬وقد أنكره أعيان األئمة‬ ‫أو الكشف (‪ ،)144‬وفيه‬
‫اكإلمام أمحد وغيه‪.‬‬
‫َ‬
‫واكن أبو سليمان يقول‪« :‬إنه َتلم ُّر يب انلُّكتة (‪ )145‬من نكت‬

‫ا‬
‫ومن اتلفسي باذلوق‪ :‬ما قال ابن عريب (الصويف) يف قول ربنا تعاىل‪﴿ :‬أنتم الفقراء‬
‫ا‬ ‫ر َ‬ ‫َ‬
‫إىل اهلل﴾ قال‪« :‬فيف ـهذه اآلية ت َس اِّم اهلل بكل يشء يفتَقر إيله» ثم قال‪« :‬وـهذا اذلوق‬
‫عزيز» [الفتوحات ج‪1‬ص‪ 228‬ط‪ .‬دار الكتب العربية] قلت‪ :‬وحنن نفتقر إىل احلذاء‪،‬‬
‫واملنديل‪ ،‬وكثي من األشياء‪ ،‬فتعاىل اهلل عما يقول الظاملون‪ ،‬وإنما اآلية تثبت فقرنا‬
‫تسِّم بكل ما نفتقر إيله ‪-‬تقدس اهلل عن ذلك‪.-‬‬ ‫وحاجتنا إىل اهلل تعاىل‪ ،‬ال أن اهلل ا‬

‫(‪ )144‬الكشف عندـهم‪ :‬نوع من علم الغيب‪ .‬قال أبو حامد الغزايل (وـهو صويف)‪« :‬فلك‬
‫حكمة تظهر من القلب باملواظبة ىلع العبادة من غي تعلم فهو بطريق الكشف‬
‫واإلهلام» [إحياء علوم ِّ‬
‫ادلين] وقال‪« :‬فإن الكشف أنفع من الرواية وانلقل»‬
‫[ج‪4‬ص‪ ،]246‬وقال القشيي (الصويف)‪« :‬مقام الكشف اذلي يستغىن به عن‬
‫االستدالل» [نقله الشعراين يف األنوار ج‪1‬ص‪ ]39‬وقال صيف الشاذيل (الصويف)‪:‬‬
‫«أخَبِن قليب عن رىب من طريق اإلهلام اذلي ـهو ويح األويلاء‪ ،‬وـهو دون ويح‬
‫األنبياء» [مرشد الزوار إىل قبور األبرار ج‪2‬ص‪]85‬‬
‫َ‬ ‫ا َ‬
‫ادلقيقة المستخرجة من ن ِّص ما‪ .‬وـهذا اصطالح عند أـهل العلم‪،‬‬ ‫انلكتَة‪ :‬الفائدة‬
‫(‪ُّ )145‬‬

‫واألصل يف اللغة انلُّقطة‪.‬‬


‫‪78‬‬

‫(‪)146‬‬ ‫القوم فال أقبل َها إال بشاـهدين عدلني؛ الكتاب والسنة»‬
‫ٌ‬
‫وقال اجلنَيرد‪« :‬علمنا ـهذا مقياد بالكتاب والسنة‪َ ،‬من لم‬
‫يقرأ القرآن ويكتب احلديث؛ ال يقتدى به يف علمنا ـهذا»‬

‫قوم إىل أنواع‬‫وقد ات ا َس َع اخل َ ررق يف ـهذا ابلاب‪ ،‬ودخل فيه ٌ‬


‫َ‬
‫أويلاء اهلل أفضل من األنبياء (‪،)147‬‬ ‫الزندقة وانلفاق ودعوى أن‬
‫َ‬
‫أو أنهم مستغنون عنهم (‪ ،)148‬وإىل اتلنقص بما جاءت به الرسل‬

‫(‪ )146‬أبو سليمان‪ :‬ـهو ا‬


‫ادلاراين املتوىف ‪212‬ـه‪ .‬وـهذا رواه العاليئ يف «إثارة الفوائد» (‪)152‬‬

‫(‪ )147‬كما قالوا عن أيب يزيد البسطايم‪« :‬تاهلل إن لوايئ أعظم من لواء حممد ﷺ لوايئ من‬
‫نور حتته اجلان واجلن واإلنس لكهم من انلبيني» [لطائف املنن واألخالق للشعراين‬
‫ج‪1‬ص‪]125‬‬
‫َ‬ ‫اَ‬ ‫َ‬
‫معارش األنبياء‪ ،‬أوتيتم اللقب‪ ،‬وأوتينا ما لم تؤتوه»‬‫وقال عبد الكريم اجلييل‪« :‬‬
‫[اإلنسان الاكمل للجييل ج‪1‬ص‪ / 124‬اجلواب املستقيم البن عريب ص‪ ]247‬وادعوا‬
‫انه قول عبد القادر اجليالين‪ ،‬وـهو منهم بريء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ٌ‬
‫جبَة وـهم يَدعون إىل اهلل ال إىل أنفسهم‪،‬‬‫(‪ )148‬قال ابن عريب الطايئ (الصويف)‪« :‬الرسل ح‬
‫َ َ ٌ‬
‫جبَة بني اهلل وبني الرسل» ثم قال ما معناه أن الصوفية يصلون إىل‬‫وقال‪ :‬املالئكة ح‬
‫َر‬
‫ابلصية اليت فّسـها بأنها األخذ عن اهلل دون واسطة‪ ،‬وـهذا الكمه‪« :‬فقال‪﴿ :‬أدعوا‬

‫=‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪79‬‬

‫َ‬
‫من الَّشائع (‪ )149‬وإىل دعوى احللول (‪ )150‬واالحتاد (‪ )151‬أو القول‬
‫بوحدة الوجود (‪ ،)152‬وغي ذلك من أصول الكفر والفسوق‬ ‫َ‬

‫ا‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫إ َىل اهلل َىلع بَص َ‬


‫الملك‪﴿ ،‬أنا َومن اتبَ َعين﴾ فزال الرسول‪ ،‬قال أبو يزيد‪:‬‬ ‫يةٍ﴾ فزال‬
‫«حدثين قليب عن ريب» فعنه أخذ» [الفتوحات ج‪4‬ص‪]412‬‬

‫(‪ )149‬كما نقل الغزايل عن أحد علماءـهم‪« :‬وللعلماء باهلل س لو أظهروه بلطلت األحاكم»‬
‫[إحياء علوم ادلين‪ ،‬للغزايل ج‪1‬ص‪]100‬‬
‫ا‬ ‫(‪ )150‬احللول‪ :‬ـهو أن يمأل ُّ‬
‫ربهم الفراَغت اليت يف الكون‪ ،‬أو أن الكون واملخلوقات تكون‬
‫ربه دخل يف خملوق ا‬
‫عما يصفون‪ .‬وبعضهم يقول أن ا‬ ‫يف داخل ربهم‪ ،‬تعاىل اهلل ا‬
‫معني‪،‬‬
‫ا‬ ‫كما تقول ُّ‬
‫ادلروز أن ربهم حل يف جسد احلاكم بأمر اهلل‪ .‬ولكن يرون ان ربهم‬
‫ا‬
‫من املمكن أن ينفصل عن اليشء اذلي حل فيه‪.‬‬
‫أن ا‬‫ا‬ ‫ِّ‬
‫ربهم امزتج باملخلوق فصارا شيئني‬ ‫(‪ )151‬االحتاد‪ :‬مثل قول احللويلة‪ ،‬إال أنهم يقولون‬
‫ُّ ا‬
‫اكلسكر يف املاء‪ ،‬ال ينفصالن‪ .‬وـهاتان الفرقتان‪ :‬احللويلاة‪ ،‬واالحتادياة‬ ‫يف صورة واحدة‬
‫تقوالن العبارة املشهورة‪« :‬االهل يف لك ماكن»‬

‫(‪ )152‬وحدة الوجود‪ :‬ـهؤالء يقولون أن لك يشء ـهو إلههم بنفسه‪ ،‬فنحن وما نراه‪ ،‬لك ذلك‬
‫ِّ َ‬
‫جتليات لربِّهم‪ .‬والعجيب انهم مع كفرـهم يكفرون من يقول ان اخلزنير ‪-‬مثال‪-‬‬
‫غي اإلهل‪.‬‬

‫وقد نسب البن عريب قول‪« :‬ما اللكب واخلزنير إال إهلنا‪ ،‬وما اهلل إال راـهب يف كنيسة»‬
‫ّ‬
‫قال أمحد بن الصديق الغماري‪ :‬ولو قيل إنه قال‪« :‬إن اللكب واخلزنير ـهو اهلل»‬
‫وجها عند أـهل الفنا يف الشهود [اجلواب املفيد ص‪]94‬‬ ‫ألمكن أن يكون لقوهل ً‬
‫‪80‬‬

‫ِّ‬
‫والعصيان‪ ،‬كدعوى اإلباحة وحل حمظورات الَّشائع (‪.)153‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫أشياء كثية ليست من ادلين يف‬ ‫وأدخلوا يف ـهذا الطريق‬
‫يشء‪ ،‬فبعضها زعموا أنه حيصل به ترقيق القلوب‪ ،‬اكلغناء‬
‫ا‬
‫والرقص‪ ،‬وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة ُّ‬
‫انلفوس (‪ )154‬كعشق‬
‫َ‬
‫الصور املحرمة ونظرـها (‪ ،)155‬وبعضها زعموا أنه لكّس انلفوس‬
‫واتلواضع كشهرة اللباس (‪ ، )156‬وغي ذلك مما لم تأت به الَّشيعة‪.‬‬
‫وبعضه يصد عن ذكر اهلل وعن الصالة‪ ،‬اكلغناء وانلظر إىل‬

‫ِّ‬
‫(‪ )153‬قال بعض اإلسماعيلية من الشيعة‪« :‬من عرف ابلاطن فقد سقط عنه عمل‬
‫الظاـهر‪ ....‬ورف َعت عنه األغالل واألصفاد وإقامة الظاـهر» [اهلفت الَّشيف‪،‬‬
‫للمفضل اجلعيف ص‪ 42‬ط‪ .‬دار األندلس]‬

‫(‪ )154‬بمعىن ترويضها‪ ،‬تذيللها‪ ،‬وجعلها سهلة مستجيبة‪.‬‬

‫(‪)155‬ال يراد ـهنا ما نسميه ايلوم بـ«الصورة» وإنما األشياء‪ ،‬فلك يشء هل صورة‪.‬‬
‫واملقصود ُّ‬
‫بالصور املحرمة‪ :‬ما يثي الغرائز‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف‪ ،‬قال ابن أيب حاتم‪« :‬اكن‬ ‫(‪ )156‬اللباس اذلي يشتهرون به‪ .‬وـهذا وردت كراـهته عن‬
‫َ‬
‫أمحد بن حنبل إذا رأيتَه تعل رم أنه ال يظهر النسك‪ ،‬رأيت عليه نعال ال يشبه نعل‬
‫القراء قال‪ :‬أراد بهذا واهلل أعلم ترك الزتين بزي القراء وإزاتله عن نفسه ما يشتهر‬
‫به» [مناقب أمحد البن اجلوزي ص‪]376‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪81‬‬

‫َ َر َ‬ ‫ا َ اَ‬
‫ينه رم له ًوا َولعبًا﴾‪.‬‬ ‫ين اختذوا د‬ ‫املحرم‪ ،‬وشابَهوا بذلك ﴿اذل‬

‫فالعلم النافعُ من هذه العلوم كلها‪:‬‬


‫َ‬
‫ضبط نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وفهم معانيها‪ ،‬واتلقيُّد يف‬
‫ذلك باملأثور عن الصحابة واتلابعني وتابعيهم يف معاين القرآن‬
‫واحلديث‪ ،‬وفيما ورد عنهم من الالكم يف مسائل احلالل‪،‬‬
‫واحلرام‪ ،‬والزـهد‪ ،‬والرقائق‪ ،‬واملعارف‪ ،‬وغي ذلك‪ ،‬واالجتهاد ىلع‬
‫تميي صحيحه من سقيمه أوال‪ ،‬ثم االجتهاد ىلع الوقوف يف‬
‫ٌ‬ ‫َََ‬ ‫ٌ‬ ‫ََ‬
‫معانيه وتف ُّهمه ثانيًا‪ ،‬ويف ذلك كفاية ملن عقل وشغل ل َمن بالعلم‬
‫انلافع ع َ‬
‫ين واشتغل‪.‬‬

‫ومن وقف ىلع ـهذا وأخلص القصد فيه لوجه اهلل عز‬
‫وجل واستعان عليه؛ أاعنَه وـهداه ووفقه وسدده ا‬
‫وفهمه وأهلمه‪.‬‬
‫وحينئذ يثمر هل ـهذا العلم ثمرته اخلاصة به‪ ،‬ويه خشية اهلل‪،‬‬
‫ر َ‬ ‫كما قال عز وجل‪﴿ :‬إ ان َما َخير َش َ‬
‫اهلل م رن عبَاده العل َماء﴾‬
‫‪82‬‬

‫ََ‬ ‫ر‬ ‫ََ َ ر‬


‫قال ابن مسعود وغيه‪« :‬كىف خبشيَة اهلل عل ًما‪َ ،‬وكىف‬
‫رً‬ ‫باال رغ َ‬
‫رتار باهلل َجهال»‬
‫(‪)157‬‬

‫َ‬
‫بكرثة ِّ‬ ‫وقال بعض السلف‪َ « :‬‬
‫الرواية‪ ،‬ولكن‬ ‫ليس العلم‬
‫َ‬
‫العلم اخلشية»‬
‫(‪)158‬‬

‫َ‬
‫وقال بعضهم‪« :‬من خيش اهلل؛ فهو اعلم‪ ،‬ومن عصاه؛ فهو‬
‫(‪)159‬‬ ‫جاـهل»‬

‫(‪ )157‬رواه ابن املبارك يف الزـهد والرقائق‪ ،‬من رواية احلسني بن احلسن املروزي (‪ )46‬وابن‬
‫ايب شيبة (‪ )34532‬عن القاسم بن عبد الرمحن بن عبد اهلل بن مسعود عن جده‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وبينهما انقطاع‪ ،‬ولكنه حيتَ َمل يف مثل ـهذه األخبار‬

‫وروي ـهذا عن الفضيل بن عياض‪ ،‬رواه ابن األعرايب يف معجمه (‪)1691‬‬

‫(‪ )158‬رواه أمحد يف الورع عن ابن مسعود (‪ )282‬بإسناد فيه انقطاع وإرسال‪ ،‬ورواه أبو‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َعيم يف احللية (ج‪1‬ص‪ )131‬وفيه‪« :‬ع رن َع رون برن عبرد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬قال يل عبرد اهلل»‬
‫ابن مسعود‪ .‬كما يتضح من اتلاريخ‪ ،‬وأثبَ َ‬
‫ت عدم إدراكه هل‬ ‫وابن عون لم يدرك َ‬

‫الرتمذي وادلارقطين [انظر جامع اتلحصيل ‪]598‬‬

‫(‪ )159‬روى ادلاريم بإسناد ضعيف ‪-‬كما قال حسني سليم أسد‪ -‬عن ابن عباس‪َ « :‬م رن‬

‫=‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪83‬‬

‫والكمهم يف ـهذا املعىن كثي ً‬


‫جدا‪.‬‬

‫وسبب ذلك أن ـهذا العلم انلافع يدل ىلع أمرين‪:‬‬

‫أحدـهما‪ :‬ىلع معرفة اهلل‪ ،‬وما يستحقه من األسماء‬


‫احلسىن‪ ،‬والصفات العىل (‪ ،)160‬واألفعال ابلاـهرة‪ ،‬وذلك يستلزم‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ورجاءه واتلولك عليه‬ ‫ومهابتَه وحمباتَه‬
‫َ‬ ‫وإعظامه وخشيَتَه‬ ‫إجالهل‬
‫َ‬
‫والصَب ىلع بالئه‪.‬‬ ‫والرىض بقضائه‬

‫واألمر اثلاين‪ :‬املعرفة بما حيبه ويرضاه‪ ،‬وما يكرـهه‬


‫ويسخطه من االعتقادات‪ ،‬واألعمال الظاـهرة وابلاطنة‪،‬‬
‫َ‬
‫واألقوال‪ ،‬فيوجب ذلك ملن علمه املسارعة إىل ما فيه حمبة اهلل‬
‫َ‬
‫ورضاه‪ ،‬واتلباعد عما يكرـهه وي َسخطه‪ ،‬فإذا أثمر العلم‬

‫َ َ اَ َ‬
‫اَّلل فه َو َاعل ٌم» ومثله عن عطاء ضعيفا‪ ،‬يف جامع بيان العلم (‪)1544‬‬ ‫خيش‬
‫ُّ‬
‫روى ابليهيق يف شعب اإليمان (‪ )6671‬بإسناد جيد عن جماـهد بن جَب‪« :‬لك َم رن‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َعىص َر ابه فه َو َجاـهل»‬
‫ا َ‬ ‫(‪ )160‬تتابع العلماء ىلع نعت ِّ‬
‫السلف‪ ،‬ولعل‬ ‫الصفات بأنها "العىل"‪ ،‬وليس ذلك يف زمان‬
‫َ ر َ رَ َ‬
‫ذلك استنبطوه من قول اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬وهل ال َمثل األ رىلع﴾ كما جاء عن بعض املفّسين‪.‬‬
‫‪84‬‬

‫لصاحبه ـهذا؛ فهو علم نافع‪.‬‬


‫َ‬ ‫فمىت اكن العلم ً‬
‫نافعا َو َوق َر يف القلب؛ فقد خشع القلب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫وتعظيما‪.‬‬ ‫َّلل‪ ،‬وانكّس هل‪ ،‬وذل ـهيبة وإجالال وخشية وحمبة‬
‫ا َا‬
‫ومىت خشع القلب َّلل وذل وانكّس هل؛ قنعت انلفس بيسي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والزـهد‬ ‫احلالل من ادلنيا وشبعت به‪ ،‬فأوجب هلا ذلك القناعة‬
‫ِّ‬
‫يف ادلنيا ولك ما ـهو فان ال يبَق من املال‪ ،‬واجلاه‪ ،‬وفضول العيش‬
‫ُّ‬
‫اذلي ينقص به حظ صاحبه عند اهلل من نعيم اآلخرة‪ ،‬وإن اكن‬
‫عمر وغيه من السلف‪ ،‬وروي‬ ‫ً‬
‫كريما ىلع اهلل‪ ،‬كما قال ذلك ابن َ‬

‫ب ذلك أن يكون بني العبد وبني ربه عز وجل‬ ‫َ‬


‫وأوج َ‬ ‫مرفواع‪.‬‬
‫ٌ‬
‫معرفة خاصة‪ .‬فإن سأهل أعطاه‪ ،‬وإن داعه أجابه‪ ،‬كما قال يف‬
‫احلديث اإللـه (‪« :)161‬و َما يَ َزال َعبردي َيتَ َق ارب إ َ ايل ب ا‬
‫انل َوافل َح اىت‬
‫ر َ‬ ‫َ‬ ‫َ ر ا‬ ‫ََ‬ ‫أحباه» إىل قوهل‪« :‬فَلَ ر‬
‫استَ َعاذين‬ ‫ئ َسألين ألعطيَنه‪َ ،‬ولئ‬

‫(‪)161‬‬
‫ويه الالكم اذلي نقله رسول اهلل ﷺ عن اهلل تعاىل من غي القرآن‪ .‬والتسمية‬
‫املشهورة هلا‪ :‬األحاديث القدسية‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪85‬‬

‫ََ َ َ ر ٌَ رَا‬ ‫َا‬ ‫َ‬


‫ألعيذنه»(‪ )162‬ويف رواية‪« :‬ولئ داعين ألجيبنه» (‪)163‬‬

‫اَ َرَ ر َ ر َ‬ ‫رَ‬


‫اَّلل حيفظك‪ ،‬احفظ‬ ‫ويف وصيته ﷺ البن عباس‪« :‬احفظ‬
‫ِّ ا‬ ‫ا َ َر ر َ‬ ‫اَ َ ر َ َ َ َ ر َ ا‬
‫الرخاء يعرفك يف الشدة»‬
‫(‪)164‬‬ ‫امك‪ ،‬ت َع ارف إىل اَّلل يف‬‫اَّلل جتده أم‬
‫ٌ‬
‫العبد يكون بينَه وبني ربِّه معرفة خاصة‬
‫َ‬ ‫فالشأن يف أن‬
‫بقلبه‪ ،‬حبيث جيده قريبًا منه‪ ،‬يستأنس به يف خلوته‪ ،‬وجيد‬
‫حالوة ذكره وداعئه ومناجاته وخدمته‪ ،‬وال جيد ذلك إال من‬
‫أطاعه يف سه وعالنيته‪.‬‬

‫اعة َمن‬ ‫الو َة ا‬


‫الط َ‬ ‫كما قيل لو َـهيرب بن َ‬
‫الورد (‪« :)165‬جيد َح َ‬

‫(‪ )162‬رواه ابلخاري (‪)6505‬‬


‫(‪ )163‬رواه ا‬
‫الزبار (‪ )5750‬بنفس إسناد ابلخاري‪.‬‬
‫يث َح َس ٌن َصح ٌ‬ ‫َ َ َ ٌ‬
‫يح» ورواه أمحد (‪)2667‬‬ ‫(‪ )164‬رواه الرتمذي (‪ )2516‬وقال‪« :‬ـهذا حد‬
‫َ َ ر ََ َ ر َ ا‬ ‫َر‬ ‫َ‬
‫واحلاكم بهذا اللفظ (‪ .)6303‬قال العقييل‪َ « :‬وقد رو َي ـهذا الالكم عن ابن عب ٍ‬
‫اس‪،‬‬
‫ر‬ ‫َ َ ِّ َ ٌ َ َ ر َ َ ر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلح م رن َبع ٍض» (الضعفاء ج‪3‬ص‪)53‬‬ ‫م رن غ ري َطري ٍق‪ ،‬أ َسانيدـها يلنة‪ ،‬وبعضها أ‬
‫وصححه أمحد شاكر‪ ،‬واألبلاين‪ ،‬وشعيب األرنؤوط‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ ِّ ً‬
‫(‪ )165‬املتوىف ‪ 153‬ـه‪ .‬واكن حمدثا ثقة‪ ،‬معروفا بالعبادة‪.‬‬
‫‪86‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)166‬‬
‫َعىص؟» قال‪« :‬ال‪ ،‬وال َمن ـه ام»‬
‫وج َد العبد ـهذا؛ فقد عرف ا‬
‫ربه‪ ،‬وصار بينه وبينه‬ ‫ومىت َ‬
‫ٌ‬
‫معرفة خاصة‪ ،‬فإذا سأهل؛ أعطاه‪ ،‬وإذا داعه‪ ،‬أجابه‪ ،‬كما قالت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر َ‬
‫لفضيل‪« :‬أما بينَك وبني ربِّك ما إذا دعوته‬‫ٍ‬
‫(‪)167‬‬
‫شعوانة‬
‫َ‬
‫فغيش عليه (‪.)168‬‬ ‫أجابَك؟»‬

‫وكرب يف ادلنيا‪ ،‬ويف الَبزخ‪،‬‬ ‫َ‬


‫شدائد‬ ‫والعبد ال يزال يقع يف‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫ويف املوقف‪ ،‬فإذا اكن بينه وبني ربه معرفة خاصة؛ كفاه اهلل‬
‫ا‬
‫ذلك لكه‪ ،‬وـهذا ـهو املشار إيله يف وصية ابن عباس بقوهل ﷺ‪:‬‬
‫ِّ ا‬ ‫ا َ َر ر َ‬ ‫ََار َ ا‬
‫«تعرف إىل اَّلل يف الرخاء يعرفك يف الشدة» (‪)169‬‬

‫(‪ )166‬رواه ابن األعرايب يف معجمه (‪ )707‬قال «نا حممد بن عبد اهلل املخزويم» ولم أعرفه‪.‬‬
‫فاملشهور بهذا االسم ـهو أبو احلسن الساليم‪ ،‬املتوىف ‪393‬ـه‪ ،‬وابن االعرايب تويف ‪340‬ـه‪.‬‬
‫ورواه أبو نعيم يف احللية (ج‪8‬ص‪ )144‬بإسناد صحيح‪.‬‬
‫َ‬
‫(‪ )167‬عرفت بكرثة العبادة وابلاكء‪.‬‬

‫(‪( )168‬موضوع) رواه أبو نعيم يف احلليَة (ج‪8‬ص‪ )113‬من طريق "انلرض بن سلمة" ‪-‬وـهو‬
‫ا‬
‫وضاع‪ -‬ورواه عن رجل جمهول‪.‬‬

‫(‪ )169‬راجع احلاشية (‪.)164‬‬


‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪87‬‬

‫جك إىل االنقطاع؟» وذك َر‬ ‫لمعروف (‪« :)170‬ما اذلي ـهيا َ‬
‫وقيل َ‬
‫ً‬
‫هل املوت‪ ،‬والقَب‪ ،‬واملوقف‪ ،‬واجلنة‪ ،‬وانلار‪ ،‬فقال‪« :‬إن َملاك ـهذا‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫لكه بيده؛ إذا اكنت بينك وبينه معرفة؛ كفاك ـهذا لكه»‬
‫َ‬
‫فالعلم انلافع‪ :‬ما عرف بني العبد وربِّه‪ ،‬ودهل عليه حىت‬
‫ربه‪ ،‬ووحده‪ ،‬وأن َس به‪ ،‬واستحَي من قربه‪ ،‬وعبده كأنه‬‫عرف ا‬
‫َ‬

‫يراه‪.‬‬
‫َ‬
‫وهلذا قالت طائفة من الصحابة‪« :‬إن أول علم يرفع من‬
‫(‪)171‬‬
‫انلاس‪ :‬اخلشوع»‬
‫َ ر َ َ‬ ‫َر‬ ‫ا َ‬
‫وقال ابن مسعود‪« :‬إن أق َوا ًما يق َرءون الق ررآن ال جيَاوز‬

‫ً‬
‫مشهورا بالزـهد والعبادة‪.‬‬ ‫(‪ )170‬معروف الكريخ‪ .‬متوىف ‪204‬ـه‪ .‬اكن‬
‫ا‬
‫(‪ )171‬منهم عبَادة بن الصامت‪ ،‬وشداد بن أوس‪.‬‬

‫أما عن عبادة‪ ،‬فرواه ادلاريم يف السنن (‪ )296‬والرتمذي (‪ )2653‬وإسناده يقبل يف‬


‫مثل ـهذه األخبار‪.‬‬
‫َ َ َ ٌ َ ر‬
‫يح َوقد احتَ اج‬ ‫وأما عن شداد‪ ،‬فرواه أمحد (‪ )23990‬واحلاكم (‪ )337‬وقال‪« :‬ـهذا صح‬
‫ا‬ ‫ا َ‬
‫الشيرخان جبَميع ر َواته» وعلق اذلـهيب‪« :‬صحيح احتجا برواته» ورواه ابن حبان يف‬
‫صحيحه (‪)4572‬‬
‫‪88‬‬

‫ََ‬ ‫رَ ر َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫(‪)172‬‬ ‫ت َراق َيه رم‪َ ،‬ولك رن إذا َوق َع يف القلب ف َر َسخ فيه؛ نف َع»‬

‫اللسان‪ ،‬فذلك‬ ‫لم ىلع َ‬ ‫وقال‪ :‬احلسن‪« :‬العلم ع َ‬


‫لمان‪ :‬فع ٌ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬
‫حجة اهلل ىلع ابن آدم‪ ،‬وعلم يف القلب‪ ،‬فذلك العلم انلافع» (‪)173‬‬

‫(‪ )172‬رواه مسلم (‪)822‬‬


‫ً‬
‫(‪ )173‬ـهو عن احلسن عن رسول اهلل ﷺ مرسال‪ .‬وإسناده اىل احلسن ضعيف‪ ،‬فلم يروه عن‬
‫ً‬
‫صغيا‪ ،‬واكن يروي الكمه من‬ ‫احلسن إال ـهشام بن ا‬
‫حسان‪ ،‬وـهو لم يسمع منه إال‬
‫كتاب حوشب‪.‬‬

‫رواه ابن أيب شيبة (‪ )34361‬من طريق عبد اهلل بن نمي عن ـهشام بن حسان عن‬
‫عياض‪ ،‬عن‬
‫ٍ‬ ‫احلسن‪ .‬ورواه احلكيم الرتمذي يف انلوادر (‪ )986‬من طريق الفضيل بن‬
‫ـهشامٍ ‪ ،‬عن احلسن‪ .‬ورواه ابن عبد الَب يف جامع بيان العلم (‪ )735‬من طريق أيب‬
‫ر‬ ‫معاوية‪ ،‬عن ـهشام‪ ،‬عن احلسن‪ .‬وقال العرايق‪« :‬أخرجه ِّ ر‬
‫الرتمذ ّي احلَكيم يف انلا َوادر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫َوابرن عبد الَب من َحديث احلسن م ررسال بإ رسنَاد َصحيح»‬
‫يم‪َ ،‬ح اد َثنَا ـه َش ٌ‬ ‫َبنَا َم ِّ ُّ‬
‫ّك ربن إب ر َراـه َ‬ ‫خََ‬‫َ ر‬
‫ام» وقال‬ ‫ورواه ادلاريم يف السنن (‪ )376‬قال‪« :‬أ‬
‫حسني سليم اسد‪« :‬إسناده صحيح إىل احلسن وـهو موقوف عليه» قلت‪ :‬ال يصح ما‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫سبق‪ ،‬ووقفه ىلع احلسن شاذ واهلل أعلم‪ ،‬فقد رواه عن ـهشام ثالثة ثقات لكهم جعلوه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مرفواع مرسال‪.‬‬

‫وجاء يف كتاب الزـهد البن املبارك‪ ،‬من زيادات احلسني املروزي (‪ )1161‬ويف اسناده‬

‫=‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪89‬‬

‫اعلم باهلل ٌ‬ ‫ٌ‬


‫ثالثة‪ٌ :‬‬ ‫َ‬
‫اعلم‬ ‫العلماء‬ ‫واكن السلف يقولون‪« :‬إن‬
‫بأمر اهلل‪ ،‬واعلم باهلل ليس بعالم بأمره‪ ،‬واعلم بأمر اهلل ليس‬
‫بعالم باهلل‪ ،‬وأكملهم األول وـهو اذلي خيش اهلل ويعرف‬
‫(‪)174‬‬ ‫أحاكمه‪.‬‬

‫ربه؛ فيعرفه‪،‬‬ ‫َ‬


‫العبد يستدل بالعلم ىلع ِّ‬ ‫فالشأن لكه يف أن‬
‫ربه؛ فقد وجده منه قريبًا‪ ،‬ومىت وجده منه قريبًا؛‬‫فإذا عرف ا‬
‫قربَه إيله وأجاب داعءه‪ ،‬كما يف األثر اإلسائييل‪َ « :‬‬
‫ابن آدم!‬ ‫ا‬
‫َ َ َ‬ ‫ر‬
‫اطلبين جتدين‪ ،‬فإن وجدتين؛ وجدت لك يشء‪ ،‬وإن فتُّك؛ فاتك‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫أحب إيلك من لك يشء»‬ ‫لك يشء‪ ،‬وأنا‬

‫خطأ‪ .‬ووصله إسماعيل الصفار يف جزءه (‪ )559‬من طريق يوسف بن عطية‪ ،‬وـهو‬
‫مرتوك‪.‬‬
‫ر َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ رَََ َ‬
‫َبنا حم امد ربن يوسف‪ ،‬ع رن سفيَان قال‪ :‬اكن يقال‪:‬‬ ‫(‪ )174‬قال ادلاريم يف مسنده (‪ : )375‬أخ‬
‫ر َ ََ ٌَ‬
‫«العل َماء ثالثة»‪...‬الخ‬
‫ِم قَ َال‪« :‬الر َ‬
‫علماء‬ ‫اتلير ّ‬
‫ورواه ابن معني يف تارخيه (‪ )2624‬عن سفيان َعن أيب َحياان ا‬
‫ََ َ‬
‫ثالثة‪»...‬‬
‫‪90‬‬

‫واكن ذو انلُّون (‪ )175‬يردد ـهذه األبيات بالليل‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مثـل ما َو َجـدت أنا‬ ‫اطلبـوا ألنفسـكم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يلـ َس يف ـهواه َعنـا‬ ‫قد َو َجدت يل َسكنًا‬
‫َ (‪)176‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫أو قربت منه دنا‬ ‫إن َبعــدت قــ اربَين‬

‫واكن اإلمام أمحد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يقول عن معروف‪َ « :‬م َعه‬


‫أصل َ‬
‫العلم‪ :‬خشية اهلل»‬
‫(‪)177‬‬

‫َ‬
‫والقرب‬ ‫فأصل العلم باهلل‪ :‬اذلي يوجب خشيتَه وحمبتَه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واألنس به والشوق إيله‪ ،‬ثم يتلوه‪ :‬العلم بأحاكم اهلل‪ ،‬وما‬ ‫منه‬
‫حيبه ويرضاه من العبد؛ من قول أو عمل أو حال أو اعتقاد؛ فمن‬
‫لما ً‬
‫نافعا‪ ،‬وحصل هل العلم‬ ‫حتقق بهذين العلمني؛ اكن علمه ع ً‬

‫ً‬ ‫َ‬
‫(‪ )175‬ـهو ثوبان بن إبراـهيم‪ ،‬املعروف بـ«ذي انلون المرصي» واعظ زاـهد‪ ،‬ليق مالاك‪،‬‬
‫َ‬
‫والليث وبعض أـهل ـهذه الطبقة‪.‬‬

‫(‪ )176‬حلية األويلاء (ج‪9‬ص‪)344‬‬


‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫يشء من العلم؟» قال‪« :‬يا‬ ‫(‪ )177‬عن عبد اَّلل بن أمحد‪ :‬قلت أليب‪« :‬ـهل اكن مع معروف‬
‫ا‬
‫ب َين اكن معه رأس العلم‪ :‬خشية اَّلل» [تاريخ بغداد ج‪13‬ص‪ / 201‬طبقات احلنابلة‬
‫ج‪2‬ص‪]479‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪91‬‬

‫انلافع‪ ،‬والقلب اخلاشع‪ ،‬وانلفس القانعة‪ ،‬وادلاعء املسموع‪،‬‬


‫ومن فاته ـهذا العلم انلافع؛ وقع يف األربع اليت استعاذ منها انليب‬
‫ً‬
‫ﷺ (‪ ،)178‬وصار علمه َوباال وحجة عليه‪ ،‬فلم ينتفع به؛ ألنه لم‬
‫خيشع قلبه لربه‪ ،‬ولم تشبع نفسه من ادلنيا‪ ،‬بل ازداد عليها‬
‫حرصا‪ ،‬ول َ َها طلبًا‪ ،‬ولم ي َ‬
‫سمع داعؤه؛ ل َعدم امتثاهل ألوامر ربه‪،‬‬ ‫ً‬
‫وعدم اجتنابه ملا ي َسخطه ويكرـهه‪ .‬ـهذا إن اكن علمه ً‬
‫علما‬
‫َا‬
‫يمكن االنتفاع به وـهو المتَلَق عن الكتاب والسنة‪ ،‬فإن اكن‬
‫متلَق من غي ذلك؛ فهو غي نافع يف نفسه‪ ،‬وال يمكن‬
‫االنتفاع‪ ،‬به بل َ ُّ‬
‫رضه أكرث من نفعه‪.‬‬

‫ينفع أن يكس َ‬
‫ب‬ ‫وعالمة هذا العلم الذي ال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وطلب العلو والرفعة يف ادلنيا‪،‬‬ ‫الزـهو والفخر واخليَالء‪،‬‬
‫صاحبَه ُّ‬
‫َ‬
‫وطلب مباـهاة العلماء وم َماراة السفهاء‪ ،‬وُصف‬
‫َ‬ ‫واملنافسة فيها‪،‬‬
‫وجوه انلاس إيله‪ ،‬وقد ورد عن انليب ﷺ أن من طلب العلم‬

‫َر َ‬ ‫َ ر ر َ َرَ َ ر َر َ َر َ‬ ‫ا ِّ َ‬
‫ب ال خيشع‪َ ،‬وم رن نف ٍس ال‬
‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬‫و‬ ‫‪،‬‬‫ع‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫وذ‬ ‫ع‬ ‫(‪ )178‬قال ﷺ‪« :‬اللهم إين أ‬
‫َ‬
‫جاب ل َها» رواه مسلم (‪)2722‬‬ ‫ت َ رشبَع‪َ ،‬وم رن َد رع َوة َال ي رستَ َ‬
‫ٍ‬
‫‪92‬‬

‫ذللك «فانلار انلار»‬ ‫(‪)179‬‬


‫َ‬ ‫ا‬
‫وربما ادىع بعض أصحاب ـهذه العلوم معرفة اهلل وطلبَه‬
‫ِّ‬
‫اتلقدم يف‬ ‫َ‬
‫طلب‬ ‫واإلعراض عما سواه‪ ،‬وليس غرضهم بذلك إال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قلوب انلاس من الملوك وغيـهم‪ ،‬وإحسان ظنهم بهم‪ ،‬وكرثة‬
‫َ‬
‫واتلعظم بذلك ىلع انلاس‪.‬‬ ‫أتباعهم‪،‬‬

‫ُّ َ َ َ َ‬ ‫ر ََ َ َ‬ ‫ر ر‬ ‫َ َ ا‬
‫اء‪َ ،‬وال‬ ‫اء‪َ ،‬وال تل َماروا به السفه‬ ‫(‪( )179‬حسن) ونصه‪« :‬ال ت َعلموا العل َم تلبَاـهوا به العلم‬
‫ر‬ ‫«م رن َطلَ َ‬
‫ك فَانلاار انلاار» ويف الرواية األشهر‪َ :‬‬ ‫رَ َ َ َ َ ر َ ََ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ب العل َم‬ ‫خت ايوا به المجالس‪ ،‬فمن فعل ذل‬
‫َ َر َ َ ا‬ ‫اء أَ رو يَ ررص َف به وج َ‬ ‫اء أَ رو يل َمار َي به ُّ‬
‫الس َف َه َ‬ ‫جار َي به العلَ َم َ‬
‫يل َ‬
‫وه انلااس إيلره أدخله اَّلل‬
‫انلا َ‬
‫ار»‬

‫هل أربعة أسانيد‪ ،‬عن أربعة من الصحابة‪ ،‬لكها شديد الضعف‪ ،‬إال عند ابن ماجه‬
‫ا‬
‫وحيسن ببايق الطرق‪ .‬وقال شعيب األرنؤوط‪« :‬حسن لغيه‪ ،‬رجاهل‬ ‫(‪ )254‬فإنه مقارب‪،‬‬
‫ثقات رجال الصحيح لكن فيه عنعنة ابن جريج وأيب الزبي» ورواه اب حباان يف‬
‫صحيحه (‪ )77‬واحلاكم (‪)290‬‬

‫وقد جاء عن عبد الرمحن بن مهدي أنه اكن يقول‪« :‬ماذا روينا يف اثلواب والعقاب‬
‫وفضائل األعمال تساـهلنا يف االسناد وسمحنا يف الرجال‪ ،‬وإذا روينا احلالل واحلرام‬
‫فهم‬‫واالحاكم تشددنا يف االسانيد وانتقدنا الرجال» [املدخل إىل اإللكيل ص‪ ]4‬وال ي َ‬
‫رَ َ َ َ ر‬
‫احلَ َر َ‬
‫ام م َن‬ ‫من التساـهل أنه تهاون‪ ،‬بل كما ورد عن سفيان بن عيينة‪« :‬خذ احلالل و‬
‫ر ر َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ر ر‬ ‫ال ر َم رشهور َ‬
‫ين يف العلم‪َ ،‬و َما س َوى ذلك فم َن ال َمشيَخة» [املحدث الفاصل ص‪]406‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪93‬‬

‫الواليَة (‪ )180‬كما اكن يدعيه‬


‫وعالمة ذلك‪ :‬إظهار دعوى َ‬

‫أـهل الكتاب (‪ ،)181‬وكما اداعه القرامطة (‪ )182‬وابلاطنية وحنوـهم‪،‬‬


‫وـهذا خبالف ما اكن عليه السلف من احتقار نفوسهم‬
‫وظاـهرا (‪ ،)183‬وقال عمر‪َ « :‬و َمن قال‪ :‬إنه اعلم؛ فهو‬
‫ً‬ ‫وازدرائها باطنًا‬
‫جاـهل‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنه مؤمن؛ فهو اكفر‪ ،‬ومن قال‪ :‬ـهو يف اجلنة‪،‬‬
‫(‪)184‬‬
‫فهو يف انلار»‬

‫الوالية (بفتح الواو)‪ :‬مصدر المواالة‪ ،‬اليت فيها معىن القرب واملحبة وانلارصة‪،‬‬ ‫(‪َ )180‬‬
‫ِّ‬
‫والوالية (بكّس الواو)‪ :‬مصدر الوايل اذلي يتوىل األمر‪.‬‬
‫ا َ‬ ‫َ ا َ َ َر َ‬ ‫َ َ ر‬
‫ارى حنن أ ربنَاء اَّلل َوأحبااؤه﴾‬‫(‪ )181‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وقالت ايلَهود وانلص‬

‫(‪ )182‬يه طائفة من الشيعة االسماعيلياة‪ ،‬أسسوا دولة يف رشق اجلزيرة العربية يف القرن‬
‫الرابع‪ ،‬وعرفوا باإلجرام‪ ،‬وفساد ادلين‪.‬‬
‫ا‬
‫بكلمة "باطنًا" ىلع َمن يديع اتلواضع يلقال عنه‪" :‬اعلم كبي متواضع" وـهو يف‬
‫َ‬ ‫(‪ )183‬نباه‬
‫ً‬
‫عظيما‪ ،‬وسيأيت الالكم عنه‪.‬‬ ‫احلقيقة يرى نفسه‬
‫ا‬ ‫(‪)184‬‬
‫عن عمر بن اخلطاب‪ .‬رواه اخلالل يف "السنة" (‪ )1290‬والاللاكيئ (‪ )1777‬بإسناد‬
‫ضعيف جدا‪ .‬ونقله ابن كثي يف مسند الفاروق (‪ )811‬عن ابن مردويه‪ ،‬و(‪ )812‬عن‬
‫ا‬ ‫َ َر‬
‫رسلني‪ ،‬ثم قال‪« :‬ـهذان طريقان متعاضدان» كأنه جينَح إىل‬ ‫حنبل بإسناديهما‪ ،‬م‬

‫=‬
‫‪94‬‬

‫َ‬
‫وم رن عالمات ذلك‪ :‬عدم قبول احلق واالنقياد إيله‪،‬‬
‫ً‬
‫خصوصا إن اكن دونهم يف أعني‬ ‫واتلكَب ىلع من يقول ا‬
‫احلق‪،‬‬
‫َ‬
‫انلاس‪ ،‬واإلُصار ىلع ابلاطل خشية تفرق قلوب انلاس عنهم‬

‫تصحيحه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وقال ابن كثي‪« :‬ويف قوهل‪" :‬ومن قال‪ :‬أنا مؤمن‪ ،‬فهو اكفر" مستَ َدل ملن ذـهب من‬
‫العلماء إىل وجوب االستثناء يف ذلك» يعين يف اإليمان‪.‬‬
‫واالستثناء ـهو قَول‪« :‬إن شاء اهلل» ُّ‬
‫والس ِّ ا‬
‫ين ال يقول‪« :‬أنا مؤمن» بل يقول‪« :‬أنا مؤمن‬
‫إن شاء اهلل» أو «أرجو أن أكون مؤمنًا» واملراد ـهنا ليس الشك بدينه‪ ،‬وإنما ألن‬
‫ِّ‬
‫اإليمان درجة فوق درجة اإلسالم‪ ،‬فه درجة الصالح واالتباع‪ ،‬فاذلي جيزم نلفسه‬
‫باإليمان فإنه ال يرى أن ادلين درجات‪ ،‬وـهذا اعتقاد المرجئة‪ .‬وـهذا المراد باألثر‪ :‬أن‬
‫َ‬ ‫من أثبت نلفسه اإليمان وباتلايل اجلناة ولم يستَنث‪ ،‬فهو مرئج‪ ،‬ر‬
‫ووصفه بالاكفر يكون‬
‫َ ِّ‬ ‫ا َ‬ ‫ا‬
‫والسلف اكنوا يكفرونهم‪ ،‬ثم قال بهذا القول أـهل الرأي‪،‬‬ ‫ألنه ـهذا مذـهب اجلهمياة‪،‬‬
‫وـهم ليسوا بكافرين‪ ،‬ولكن إذا قيل فيهم؛ فياد به الكفر بانلصوص ادلالة ىلع‬
‫تفاوت انلاس يف اإليمان‪ ،‬وـهو يدخل يف الكفر األصغر‪ ،‬وكونه من أـهل انلاار‪ :‬أي‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫من الف َرق اليت شذت عن سنة انليب ﷺ‪ ،‬ولكها يف انلاار‪.‬‬

‫وقد وجدت تعليقا غي صائب ىلع ـهذا انلص لرجل معروف بالعلم‪ ،‬قال إنه إن صح؛‬
‫فمردود ىلع قائله؛ ألن ـهذا من الغيبياات!! إال أين عرفت أن حتقيقه ـهذا اكن أول‬
‫ا‬
‫حتقيق هل‪ ،‬فلعله لم لكن َع َرف طبيعة ـهذه اآلثار‪ ،‬فنسأل اهلل العلم انلافع فإنه أـهل‬
‫إلكرامنا بذلك ىلع رغم قصورنا‪.‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪95‬‬

‫بإظهار الرجوع إىل احلق‪ ،‬وربما أظهروا بألسنتهم ا‬


‫ذم أنفسهم‬
‫َ‬
‫يلعتقد انلاس فيهم أنهم عند‬ ‫َ‬
‫واحتقارـها ىلع رؤوس األشهاد؛‬
‫أنفسهم متواضعون؛ في َ‬
‫مدحون بذلك‪ ،‬وـهو من دقائق أبواب‬
‫الرياء‪ ،‬كما نبه عليه اتلابعون فمن بعدـهم من العلماء‪ ،‬ويظهر‬
‫َ‬
‫المدح واستجالبه مما ينايف الصدق واإلخالص‪،‬‬‫منهم من قَبول َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فإن الصادق خياف انلفاق ىلع نفسه‪ ،‬وخيش ىلع نفسه من سوء‬
‫َ‬
‫اخلاتمة‪ ،‬فهو يف شغل شاغل عن قبول املدح واستحسانه‪.‬‬

‫فلهذا اكن من عالمات أـهل العلم انلافع أنهم ال يرون‬


‫َ‬
‫ألنفسهم حاال وال َمقاما‪ ،‬ويَكرـهون بقلوبهم الزتكية واملدح‪،‬‬
‫وال يتكَبون ىلع أحد‪.‬‬

‫قال احلسن‪« :‬إنما الفقيه‪ :‬الزاـهد يف ادلنيا‪ ،‬الراغب يف‬


‫(‪)185‬‬ ‫اآلخرة‪ ،‬ابلصي بدينه‪ ،‬املواظب ىلع عبادة ربه»‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ويف رواية عنه قال‪« :‬اذلي ال حيسد َمن فوقه‪ ،‬وال ي َسخر‬

‫(‪( )185‬صحيح) رواه ابن أيب شيبة (‪ )35188‬بإسناد صحيح‪ ،‬وادلاريم يف املسند (‪)302‬‬
‫بإسناد حسن‬
‫‪96‬‬

‫(‪)186‬‬
‫ممن دونه‪ ،‬وال يأخذ ىلع علم َعلا َمه اهلل ً‬
‫أجرا»‬

‫وـهذا الالكم األخي قد روي معناه عن ابن عمر من‬


‫(‪)187‬‬
‫قوهل‬

‫وأـهل العلم انلافع لكما ازدادوا يف ـهذا العلم؛ ازدادوا‬


‫ً‬ ‫ً ا‬
‫وانكسارا‪ ،‬وذال‪.‬‬ ‫تواضعا َّلل‪ ،‬وخشية‪،‬‬

‫قال بعض السلف‪« :‬ينبيغ للعالم أن يضع الرتاب ىلع‬


‫علما بربه ومعرفة به؛‬ ‫ً‬
‫تواضعا لربه» فإنه لكما ازداد ً‬ ‫رأسه‬ ‫(‪)188‬‬

‫ً‬
‫وانكسارا‪.‬‬ ‫ازداد منه خشية وحمبة‪ ،‬وازداد هل ذال‬
‫ُّ‬
‫ومن عالمات العلم انلافع‪ :‬أنه يدل صاحبَه ىلع اهلرب‬
‫من ادلنيا‪ ،‬وأعظمها الرئاسة والشهرة واملدح‪ ،‬فاتلباعد عن‬

‫َ‬
‫بطة يف إبطال احليَل (ص‪ )22‬بإسناد حسن‪ ،‬لكن بلفظ قريب‪ ،‬وفيه‪« :‬ال‬‫(‪ )186‬رواه ابن ا‬
‫َ َ‬ ‫َر‬
‫يه َزأ ب َم رن ف روقه»‬
‫َ َ‬ ‫َ َر‬
‫(‪ )187‬رواه ابن أيب شيبة (‪ )34629‬وادلاريم (‪ )298‬بإسناد ساقط‪ ،‬وفيه «ال حيس َد َم رن ف روقه»‬
‫ِّ‬
‫واجلري يف أخالق أـهل القرآن (‪ )61‬عن أيوب‬ ‫رواه ابن أيب شيبة (‪)35684‬‬ ‫(‪)188‬‬

‫السختياين بإسناد صحيح‪.‬‬


‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪97‬‬

‫ذلك‪ ،‬واالجتهاد يف جمانبته من عالمات العلم انلافع‪ ،‬فإذا وقع‬


‫خوف‬‫ٍ‬ ‫يشء من ذلك من غي قصد واختيار؛ اكن صاحبه يف‬
‫ً‬
‫مكرا‬ ‫شديد من اعقبَته‪ ،‬حبيث أنه خيش أن يكون‬
‫ً‬
‫واستدراجا‪ ،‬كما اكن اإلمام أمحد خياف ذلك ىلع نفسه عند‬
‫اشتهار اسمه وبعد صيته (‪.)189‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫يديع الع َ‬
‫لم‪،‬‬ ‫ومن عالمات العلم انلافع‪ :‬أن صاحبَه ال‬
‫وال يفخر به ىلع أحد‪ ،‬وال ينسب َ‬
‫غيه إىل اجلهل إال من خالف‬
‫ا‬
‫السنة وأـهلها؛ فإنه يتلكم فيه غضبًا َّلل‪ ،‬ال غضبًا نلفسه‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫قصدا لرفعتها ىلع أحد‪.‬‬

‫فليس هل شغل سوى‬ ‫وأما مَن عِلمُه غري نافع‬


‫اتلكَب بعلمه ىلع انلااس‪ ،‬وإظهار فضل علمه عليهم‪ ،‬ونسبتهم‬
‫ُّ‬
‫إىل اجلهل وتنقصهم؛ ليتفع بذلك عليهم‪ ،‬وـهذا من أقبح‬

‫َ ر‬ ‫ا‬ ‫(‪ )189‬قال ُّ‬


‫املروذي‪ :‬قال يل أبو عبد اَّلل [يعين أمحد بن حنبل]‪ :‬قل لعبد الوـهاب‪« :‬أخل‬
‫ذكرك‪ ،‬فإين قد بليت بالشهرة‪ ،‬إين أتمىن املوت صباحا ومساء» [املناقب البن اجلوزي‬
‫ص‪]377‬‬
‫‪98‬‬

‫َ‬
‫اخلصال وأرداـها‪ .‬وربما نسب َمن اكن قبله من العلماء إىل‬
‫حب نفسه وحب ظهورـها‪،‬‬‫اجلهل والغفلة والسهو‪ ،‬فيوجب هل ا‬

‫وإحسان ظنه بها‪ ،‬وإساءة ظنه بمن سلف‪.‬‬

‫وأـهل العلم انلافع ىلع ضد ـهذا‪ ،‬يسيؤون الظن بأنفسهم‪،‬‬


‫وحيسنون الظن بمن َسلف من العلماء‪ ،‬ويقرون بقلوبهم‬
‫وأنفسهم بفضل من سلف عليهم‪ ،‬وبعجزـهم عن بلوغ مراتبهم‬
‫َ‬
‫أحسن قول أيب حنيفة‪ ،‬وقد‬ ‫والوصول إيلها أو مقاربتها‪ ،‬وما‬
‫بأـهل‬
‫سئل عن علقمة واألسود أيهما أفضل؛ فقال‪« :‬واهلل ما حنن ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أن نذكرـهم‪ ،‬فكيف نفضل بينهم» (‪)190‬‬

‫َ َ‬
‫واكن ابن املبارك إذا ذكر أخالق من سلف؛ ينشد‪:‬‬
‫ر‬ ‫ر َ‬ ‫َ َر‬
‫ال تعر َض ان بذكرنا يف ذكرـه رم ‪...‬‬
‫َ َ َ ر ر‬ ‫لَير َس ا‬
‫الصحيح إذا َمش اكلمقعد‬
‫َ (‪)191‬‬

‫(‪ )190‬طبقات الشعراين (ج‪1‬ص‪)46‬‬


‫(‪ )191‬رواه أبو نعيم يف احللية (ج‪8‬ص‪ )266‬عن َخم َِّل بن احلسني‪ .‬ون َ َسبَه هل ً‬
‫ايضا ق َوام السنة‬
‫األصبهاين يف "سي السلف" (ص‪)1048‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪99‬‬

‫[العِي والبيان]‬
‫َ ا‬
‫ومن علمه غي نافع إذا رأى نلفسه فضال ىلع َمن تقد َمه‬
‫َ‬

‫يف املقال وتشقق الالكم؛ ظن نلفسه عليهم فضال يف العلوم أو‬


‫عمن سبق؛ فاحتقر َمن تقدمه‪،‬‬
‫ادلرجة عند اهلل لفضل خ اص به ا‬
‫َ‬
‫واجرتأ عليه بقلة العلم‪ ،‬وال يعلم املسكني أن قلة الكم من‬
‫ََ‬
‫وإطاتله ملا َ‬
‫عجز‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫َسلف إنما اكن َو َراع وخشية َّلل‪ ،‬ولو أراد الالكم‬
‫َ‬
‫يتمارون يف ادلين‪:‬‬ ‫عن ذلك‪ ،‬كما قال ابن عباس لقوم سمعهم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫أما َعلمتم أن َّلل عبادا أسكتَتهم خشيَة اهلل من غي يع‬
‫ِّ (‪)192‬‬ ‫« َ‬
‫ا َ‬ ‫َ‬
‫وال بَك ٍم‪ ،‬وإنهم لهم العلماء والفصحاء والطلقاء وانلبالء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫العلماء بأيام اهلل‪َ ،‬‬
‫غي أنهم إذا تذكروا عظمة اهلل؛ طاشت‬
‫عقولهم‪ ،‬وانكّست قلوبهم‪ ،‬وانقطعت ألسنتهم‪ ،‬حىت إذا‬
‫ُّ‬
‫استفاقوا من ذلك؛ يسارعون إىل اهلل باألعمال الزاكية‪ ،‬يَعدون‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أقوياء‪ ،‬ومع الظاملني‬ ‫ألكياس‬ ‫أنفسهم من المف ارطني وإنهم‬
‫(‪)193‬‬
‫واخلاطئني وإنهم ألبرار ب َرآء‪ ،‬إال أنهم ال يستكرثون هل‬

‫ا‬ ‫(‪ُّ )192‬‬


‫الع‪ :‬اتللعثم يف الالكم‪ ،‬أو العجز عن اتلعبي‪ ،‬أو قلة الالكم‪.‬‬

‫(‪ )193‬أي‪ :‬هلل‬


‫‪100‬‬

‫ُّ َ‬ ‫الكثي‪ ،‬وال َ‬


‫يرضون هل بالقليل‪ ،‬وال يدلون (‪ )194‬عليه باألعمال‪،‬‬
‫مهتمون مشفقون َوجلون خائفون» خرجه‬ ‫ُّ‬ ‫ـهم حيث ما لقيتَهم‬
‫(‪)195‬‬ ‫أبو نعيم وغيه‬

‫وخرج اإلمام أمحد والرتمذي من حديث أيب إمامة عن‬ ‫ا‬


‫َ ََ‬ ‫الع ش رعبَتَان م َن اإل َ‬
‫انليب ﷺ قال‪« :‬احلَيَاء َو ُّ‬
‫ابلذاء‬‫يمان‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ابليَان شعبَتَان م َن انلِّفاق» وحسنه الرتمذي‪ .‬وخرجه احلاكم‬
‫َو َ‬
‫(‪)196‬‬
‫وصححه‬

‫وخرج ابن حبان يف صحيحه عن أيب ـهريرة عن انليب‬

‫ادل ِّل» بمعىن ا‬


‫ادلالل‪.‬‬ ‫(‪ )194‬من « ا‬

‫(‪( )195‬حسن) رواه اآلجري يف الَّشيعة (‪ )130‬بإسناد جيد وألفاظ خمتلفة عما يف احللية‬
‫(ج‪1‬ص‪ )325‬ورواه ابليهيق يف القضاء والقدر (‪)456‬‬

‫(‪ )196‬عند الرتمذي برقم (‪ )2027‬ويف املسند (‪ )22312‬ويف املستدرك (‪ )17‬وقال اذلـهيب‪:‬‬
‫ـهذا حديث صحيح ىلع رشط الشيخني‪ ،‬وقد صححه األبلاين‪ ،‬وقال شعيب‬
‫األرنؤوط‪ :‬حديث صحيح دون قوهل‪« :‬والع وابليان»‬
‫ابليَان‪ :‬ـه َو َك ر َ‬ ‫ََ‬ ‫ر‬ ‫َ ُّ ا َ َ َ َ َ‬
‫رثة‬ ‫الالكم‪َ ،‬و َ‬ ‫ابلذاء‪ :‬ـه َو الفحش يف‬ ‫قال الرتمذي‪« :‬والع قلة الالكم‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ َ ا َ َ‬ ‫ر َ َ‬ ‫ََ‬
‫ين خيطبون في َو ِّسعون يف الالكم َويَتفصحون فيه م رن‬ ‫الالكم مثل ـهؤالء اخلطباء اذل‬
‫يما َال ي رريض ا َ‬
‫اَّلل»‬ ‫َم ردح انلااس ف َ‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪101‬‬

‫َ َر َ رََ َ رَ َ‬ ‫ا‬ ‫اَّلل‪َ ،‬والر ُّ‬


‫َ ا‬ ‫ر‬
‫رثة‬ ‫ع م َن الشير َطان‪ ،‬وليس ابليان ك‬ ‫ﷺ‪« :‬ا َبليَان من‬
‫ر َ ِّ َ َ ر َ ر ُّ ا َ ر َ َ‬ ‫ر ََ َ َ ا رَ َ رَ ر‬
‫ع قلة الالكم‪،‬‬ ‫ابليَان الفصل يف احلق‪ ،‬وليس ال‬ ‫الالكم‪ ،‬ولكن‬
‫َ َ ر َ ر َ َ َ ار‬
‫ولكن من سفه احلق»‬
‫(‪)197‬‬

‫ويف مراسيل حممد بن كعب الق َريظ عن انليب ﷺ قال‪:‬‬


‫«ثالث يَنقص بهن العبد يف ادلنيا‪ ،‬ويزداد بهن يف اآلخرة ما ـهو‬
‫ُّ ر‬
‫حم‪ ،‬واحلياء‪ِّ ،‬‬
‫(‪)198‬‬ ‫ويع اللسان»‬ ‫أعظم من ذلك؛ الر‬
‫ٌ‬
‫قال َعون بن عبد اهلل (‪« :)199‬ثالث من اإليمان‪ :‬احلياء‪،‬‬
‫يع اللسان ال يع القلب‪ ،‬وال يع العمل‪ ،‬وـهن‬‫والعفاف‪ ،‬والع‪ُّ ،‬‬
‫مما يزدن يف اآلخرة وينق َ‬
‫صن يف ادلنيا‪ ،‬وما يزدن يف اآلخرة أكَب‬

‫(‪)197‬‬
‫رواه ابن حبان يف صحيحه (‪ )5796‬قال األبلاين‪« :‬ضعيف جدا» وقال شعيب‬
‫األرنؤوط‪« :‬إسناده ضعيف جدا»‬
‫والرحم‪ :‬ا‬
‫الرمحة‪.‬‬ ‫(‪ )198‬رواه اخلطايب بإسناده إىل القريظ يف "غريب احلديث" (ج‪1‬ص‪ُّ )479‬‬

‫ُّ َ‬
‫تابع ثقة‪ ،‬عرف بالفقه واألدب والزـهد‪ ،‬واكن مرجئًا ثم تاب‪.‬‬ ‫(‪)199‬‬
‫‪102‬‬

‫(‪)201‬‬
‫مما ينقصن من ادلنيا» (‪ )200‬وروي ـهذا مرفواع من وجه ضعيف‬
‫َ‬ ‫ر َ‬
‫وقال بعض السلف‪« :‬إن اكن الرجل يلَجلس إىل القوم‬
‫ا‬ ‫ََ ٌ‬ ‫فيون أن به عيًّا‪ ،‬وما به من ٍّ‬
‫يع‪ ،‬إنه لفقيه م َسل ٌم»‬
‫(‪)202‬‬
‫َ‬

‫ا‬
‫أن سكوتَهم ا‬
‫عما سكتوا‬ ‫فمن عرف قدر السلف؛ عرف‬
‫عنه من رضوب الالكم‪ ،‬وكرثة اجلدال واخلصام‪ ،‬والزيادة يف‬
‫َ ً‬
‫هال وال ق ً‬
‫صورا‪،‬‬ ‫ابليان ىلع مقدار احلاجة = لم يكن عيًا وال ج‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫وإنما اكن َو َراع وخشية َّلل‪ ،‬واشتغاال عما ال ينفع بما ينفع‪.‬‬

‫(‪( )200‬اسناده صحيح) رواه عبد الرزاق (‪)21064‬‬

‫(‪( )201‬صحيح) رواه الطَباين (‪ )63‬واسناده ضعيف‪ ،‬ولكن رواه ادلاريم يف املسند (‪)526‬‬
‫وقال حسني سليم أسد‪« :‬إسناده صحيح»‪ .‬وـهو يف السلسلة الضعيفة املخترصة‬
‫لألبلاين برقم (‪ ) 6277‬وفيها انه منكر‪ .‬ثم وجد االسناد اذلي عند ادلاريم وجعله يف‬
‫سلسلته الصحيحة (‪.)3381‬‬

‫(‪( )202‬صحيح) عن احل َ َسن ابلرصي‪ .‬رواه وكيع يف "الزـهد" (‪ ،)320‬وزـهي بن حرب يف العلم‬
‫(‪)20‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪103‬‬

‫وسواء يف ذلك الكمهم يف أصول ادلين (‪ )203‬وفروعه (‪ ،)204‬ويف‬


‫َ‬
‫تفسي القرآن واحلديث‪ ،‬ويف الزـهد والرقائق (‪ ،)205‬واحلكم‬
‫َ‬
‫والمواعظ‪ ،‬وغي ذلك مما تكلموا فيه‪.‬‬

‫فمن سلك سبيلهم؛ فقد اـهتدى‪.‬‬

‫ومن سلك غري سبيلهم‪ ،‬ودخل يف‬


‫ِ‪،‬‬
‫كثرة السؤال‪ ،‬والبحثِ واجلدال‬
‫والقيل والقال‪:‬‬
‫فإن اعرتف هلم بالفضل‪ ،‬وىلع نفسه بانلقص؛ اكن حاهل‬
‫قريبًا‪.‬‬

‫ُّ ا‬
‫والسنة‪.‬‬ ‫(‪ )203‬أبواب اإليمان‬

‫(‪ )204‬األحاكم العملياة‪.‬‬

‫(‪ )205‬ما يرقق القلب‪.‬‬


‫‪104‬‬

‫وقد قال إياس بن معاوية (‪« :)206‬ما من أحد ال يَعرف َع َ‬


‫يب‬ ‫ٍ‬
‫أمحق» قيل هل‪« :‬فما عيبك؟» قال‪َ « :‬ك ر َ‬
‫رثة‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫نفسه؛ إال وـهو‬
‫(‪)207‬‬ ‫الالكم»‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫َ‬
‫انلقص واجلهل؛‬ ‫وإن ادىع نلفسه الفضل‪ ،‬ول َمن سبقه‬
‫ً‬
‫فقد ضل ضالال مبينًا‪ ،‬وخّس خّسانا عظيما‪.‬‬

‫ويف اجلملة فيف ـهذه األزمان الفاسدة إما أن يَرىض‬


‫َ‬
‫يكون ً‬
‫اعلما عند اهلل‪ ،‬أو ال يرىض إال بأن‬ ‫اإلنسان نلفسه أن‬
‫اعلما؛ فإن ريض باألول؛ فليكتَف‬ ‫يكون عند أـهل الزمان ً‬
‫ٌ‬
‫بعلم اهلل فيه‪ .‬ومن اكن بينه وبني اهلل معرفة؛ اكتىف بمعرفة اهلل‬
‫يرض إال بأن يكون ً‬ ‫َ‬
‫اعلما عند انلاس؛ دخل يف‬ ‫إياه‪ ،‬ومن لم‬
‫العلماء‪ ،‬أو يمار َي به‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يلبايه به‬ ‫َ‬
‫العلم‬ ‫قوهل ﷺ‪« :‬من طلب‬
‫جوه انلاس إيله؛ فلريَتَبَ اوأ َم َ‬
‫قع َده من‬
‫َ‬
‫يرصف به و َ‬ ‫ُّ‬
‫السفهاء‪ ،‬أو‬

‫(‪ )206‬تابع‪ ،‬تويف اعم ‪ 122‬ـهأخذ عن أنس بن مالك‪ ،‬وسعيد بن جبي‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪،‬‬
‫وعمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫(‪)207‬‬
‫(حسن) رواه ادلواليب يف "الكىن واأللقاب" (‪ )1955‬وابليهيق يف "شعب اإليمان"‬
‫(‪ )4725‬و(‪)4368‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪105‬‬

‫(‪)208‬‬ ‫انلاار»‬

‫قال و َـهيب بن الورد‪« :‬ر اب اعلم يَقول هل انلاس‪ٌ :‬‬


‫اعلم‪ ،‬وـهو‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫َمعدود عند اهلل من اجلاـهلني»‬
‫َ‬
‫ويف صحيح مسلم عن أيب ـهريرة عن انليب ﷺ‪ :‬أن أول‬
‫َ‬
‫وتعلم الع َ‬
‫لم‬ ‫َ‬ ‫َمن ت َس اعر به انلار ثالثة‪ :‬أحدـهم َمن قرأ القرآن‬
‫يلقال‪ :‬ـهو قارئ وـهو اعلم‪ ،‬ويقال هل‪ :‬قَد قيل ذلك‪ ،‬ا‬
‫ثم أم َر به‬
‫(‪)209‬‬ ‫في َ‬
‫سحب ىلع وجهه حىت أليق يف انلار‪.‬‬

‫(‪( )208‬حسن) سبق خترجيه‪.‬‬


‫ا َ َ‬ ‫(‪ )209‬ا َ‬
‫عَب عن احلديث بلفظه ـهو‪ ،‬ولفظ احلديث عند مسلم (‪« :)1905‬إن أ اول انلااس‬
‫ت‬‫يت به َف َع ارفَه ن َع َمه َف َع َر َف َها‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ف َما َعملر َ‬
‫است رشه َد‪ ،‬فَأ َ‬‫امة َعلَيره َرج ٌل ر‬ ‫ي رق َىض يَ رو َم الرقيَ َ‬
‫َ َ َ َر َ ََ ا َ َ َر َ َ ر َ َ‬ ‫َ َ ا ر ر ر‬ ‫َ َ َ َ َر‬
‫ت ألن يقال‪:‬‬ ‫استشهدت‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪ ،‬ولكنك قاتل‬ ‫يها؟ قال‪ :‬قاتلت فيك حىت‬ ‫ف‬
‫ا َ َ ٌ َ َ ا َ ر َر‬ ‫َ ََ َ ر َ ا ر‬ ‫َ ٌ ََ ر َ‬
‫يق يف انلار‪ ،‬ورجل تعلم العلم‪،‬‬ ‫يل‪ ،‬ث ام أم َر به فَسحب ىلع وجهه حىت أل َ‬ ‫جريء‪ ،‬فقد ق‬
‫ر‬ ‫َ َ اَ َ َََ ر ر َ َ َ َ َا َ َ َ َ ََ ََ َ َ َ َ َ ر َ َ َ َ َ َ ا‬
‫وعلمه وقرأ القرآن‪ ،‬فأيت به فعرفه نعمه فعرفها‪ ،‬قال‪ :‬فما عملت فيها؟ قال‪ :‬تعلمت‬
‫َ ر ر َ َ َ َ َر َ ََ ا َ ََار َ ر ر َ َ‬ ‫َ ر‬ ‫ا‬ ‫ر ر‬
‫ت العل َم يلقال‪َ :‬اعل ٌم‪،‬‬ ‫العل َم‪َ ،‬و َعل رمته َوق َرأت فيك القرآن‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪ ،‬ولكنك تعلم‬
‫ر‬
‫جهه َح اىت أل َ‬ ‫َ ََ َ ر‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ ََ ر َ‬ ‫َ ر َ ر َ َ َ‬
‫يق يف‬ ‫َوق َرأت الق ررآن يلقال‪ :‬ـه َو قارئ‪ ،‬فقد قيل‪ ،‬ث ام أم َر به فسحب ىلع و‬
‫َ َ‬ ‫صنَاف ال ر َمال لكِّه‪ ،‬فَأ َ‬ ‫انلاار‪َ ،‬و َرج ٌل َو اس َع اهلل َعلَيره‪َ ،‬وأَ رع َطاه م رن أَ ر‬
‫يت به ف َع ارفه ن َع َمه‬

‫=‬
‫‪106‬‬

‫َ‬
‫فإن لم تقنَع نفسه بذلك حىت تصل إىل درجة احلكم بني‬
‫ِّ‬
‫انلاس‪ ،‬حيث اكن أـهل الزمان ال يعظمون من لم يكن كذلك‪،‬‬
‫وال يلتَفتون إيله؛ فقد استبدل اذلي ـهو أدن باذلي ـهو خي‪،‬‬
‫َ َ‬
‫وانتقل من درجة العلماء إىل درجة الظل َمة‪.‬‬
‫لما َ‬
‫أريد ىلع القضاء فأباه‪« :‬إنما‬ ‫وهلذا قال‪ :‬بعض السلف ا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫تعلمت الع َ‬
‫العلماء‬ ‫لم ألحَّش به مع األنبياء‪ ،‬ال مع امللوك؛ فإن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)210‬‬ ‫حيَّشون مع األنبياء‪ ،‬والقضاة حيَّشون مع الملوك»‬

‫وال بد للمؤمن من صَب قليل حىت يصل به إىل راحة‬


‫طويلة‪ ،‬فإن جزع ولم يصَب؛ فهو كما قال ابن املبارك‪« :‬من َص َ َ‬
‫َب‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫(‪)211‬‬
‫فما أقل ما يصَب‪ ،‬ومن َج َزع فما أقل ما يَتمتاع»‬

‫ُّ َ ر ر َ َ َ ا َ ر َ ر‬ ‫يها؟ قَ َال‪َ :‬ما تَ َر ركت م رن َ‬


‫تف َ‬ ‫َف َع َر َف َها‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ف َما َعملر َ‬
‫يها إال أنفقت‬ ‫يل حتب أن ينفق ف‬ ‫ٍ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ َ َ َ َ َ َر َ ََ ا َ ََر َ َ َ َ ََ ٌ ََ ر َ‬
‫يل‪ ،‬ث ام أم َر به فَسح َ‬
‫ب‬ ‫فيها لك‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪ ،‬ولكنك فعلت يلقال‪ :‬ـهو جواد‪ ،‬فقد ق‬
‫ر‬ ‫ََ َ ر‬
‫جهه‪ ،‬ث ام أل َ‬
‫يق يف انلاار»‬ ‫ىلع و‬

‫(‪ )210‬رواه ابليهيق يف "السنن الكَبى" (‪ )20240‬عن عبد اهلل بن وـهب‪ ،‬املتوىف ‪ 197‬ـهوـهو‬
‫ِّ‬
‫املحدثني األعالم‪ ،‬ا‬
‫ولما ديع لكون قاضيًا؛ تظاـهر باجلنون‪.‬‬ ‫من‬

‫(‪ )211‬رواه ابن أيب ادلنيا يف "الصَب" (‪)140‬‬


‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪107‬‬

‫واكن اإلمام الشافع رمحه اهلل ينشد (‪:)212‬‬


‫ّ َ َ‬
‫ّ‬ ‫يا نَفس ما َ‬
‫يه إال صَب أيام ‪...‬‬
‫َ‬ ‫ََا اَ َ‬
‫‪ ...‬كأن مدتها أضغاث أحالم‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫يا نفس جوزي َعن ادلنيا مباد َرة ‪...‬‬
‫َ َ ِّ َ َ ا َ َ ا‬
‫‪ ...‬وخل عنها فإن العيش قدايم (‪)213‬‬

‫علم ال ينفع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫فنسأل اهلل تعاىل علما نافعا‪ ،‬ونعوذ به من ٍ‬
‫َ‬
‫نفس ال تشبع‪ ،‬ومن داعء ال يسمع‪،‬‬
‫قلب ال خيشع‪ ،‬ومن ٍ‬ ‫ومن ٍ‬
‫ّ‬
‫امهلل إنا نعوذ بك من ـهؤالء األربع‪.‬‬
‫ا‬
‫احلمد هلل رب العاملني وصل اهلل وسل َم ىلع سيدنا حممد‬
‫وآهل َ‬
‫وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫َ َ ِّ‬
‫الش َ‬ ‫ليس اإلنشاد املعروف ايلوم اذلي اكلغناء‪ ،‬وإنما تقول َ‬
‫(‪َ )212‬‬
‫عر» كما‬ ‫الع َرب‪« :‬أنشد‬
‫َ‬
‫و«أخَب باخلَب» كذلك «أنشد ابليت» أو «أنشد‬ ‫تقول «روى احلديث» و«تال اآلية»‬
‫الشعر» وأصل اإلنشاد‪ :‬رفع الصوت‪.‬‬
‫َ ّ‬
‫يه إال َصَب)‬ ‫(‪ )213‬ترتيب األمايل‪ ،‬للشجري (ما‬
‫‪108‬‬

‫فصلٌ‬
‫الكتابِ من‬ ‫ليُتَدَبَّر ما ذم اهللُ به أهلَ‬
‫قسوة القلوب بَعد إيتائهم الكتاب ومشاـهدتهم اآليات‪ ،‬كإحياء‬
‫َ‬

‫القتيل املرضوب ببعض ابلقرة‪.‬‬


‫ر‬
‫ثم نهينا عن التشبُّه بهم يف ذلك‪ ،‬فقيل نلا‪﴿ :‬أَل َ رم يَأن ل الينَ‬
‫َ‬ ‫ر ر ا َ َ َ ا َ َ ر َ ِّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ر َر َ‬
‫آمنوا أن ختشع قلوبهم ذلكر اَّلل وما نزل من احلق وال يكونوا‬
‫رَ‬
‫األ َمد َف َق َس ر‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ين أوتوا الركتَ َ‬ ‫َاك اذل َ‬
‫ت‬ ‫اب م رن قبرل ف َطال َعليرهم‬
‫َ‬ ‫ر ََ ٌ ر َ‬
‫ي منه رم فاسقون﴾‬ ‫قلوبهم وكث‬

‫سبب قسوة قلوبهم‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وبَ اني يف موضع أخر‬
‫َ ً‬ ‫ر‬ ‫َ َ َ ا‬ ‫َ َر‬
‫ََ‬
‫فأخَب‬ ‫﴿فب َما نقضه رم ميثاقه رم ل َعناـه رم َو َج َعلنَا قلوبَه رم قاسيَة﴾‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫أن قسوة قلوبهم اكنت عقوبة هلم ىلع نقضهم ميثاق اهلل‪ ،‬وـهو‬
‫َ‬
‫خمالفتهم ألمره‪ ،‬وارتكابهم نلهيه بعد أن أخذت عليهم‬
‫َ َ‬
‫حي ِّرفون‬‫مواثيق اهلل وعهوده أن ال يفعلوا ذلك‪ ،‬ثم قال تعاىل‪﴿ :‬‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪109‬‬

‫ِّ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫رَ َ‬


‫اللك َم ع رن َم َواضعه َونسوا َحظا م اما ذكروا به﴾ فذكر أن قسوة‬
‫أوجبت هلم خصلتني مذمومتني‪:‬‬ ‫قلوبهم َ‬

‫َ‬
‫إحداـهما‪ :‬حتريف اللكم من بَعد مواضعه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫واثلانية‪ :‬نسيانهم حظا مما ذكروا به‪ ،‬واملراد‪ :‬تركهم‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫وإـهمالهم نصيبًا مما ذكروا به من احلكمة واملوعظة احلسنة‪،‬‬
‫َ‬
‫فنسوا ذلك‪ ،‬وتركوا العمل به وأـهملوه‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ين فسدوا من علمائنا‪،‬‬ ‫وـهذان األمران موجودان يف اذل‬
‫ملشابهتهم ألـهل الكتاب‪:‬‬
‫ا َ‬ ‫ا‬ ‫ٌ‬
‫أحدـهما‪ :‬حتريف‪ ،‬فإن َمن تفقه لغي العمل؛ يقسو قلبه‪،‬‬
‫فال يشتغل بالعمل‪ ،‬بل بتحريف اللكم‪ ،‬وُصف ألفاظ الكتاب‬
‫ا‬
‫والسنة عن مواضعها‪ ،‬واتللطف يف ذلك بأنواع احل َيل اللطيفة؛‬
‫َ‬
‫ستبعدة (‪ ،)214‬وحنو ذلك‪ ،‬والطعن‬ ‫من محلها ىلع جمازات اللغة الم‬

‫(‪ )214‬اكلقول أن احلديث الصحيح عن صعود روح املسلم قال انليب ﷺ‪« :‬إىل السماء اليت‬
‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫فيها اهلل» قالت اجلهمية‪« :‬فيها ن َعم اهلل» والقول أن معىن ﴿ َو َعىص آدم َر ابه فغ َوى﴾‬
‫آدم ا‬
‫أي‪« :‬وعىص أوالد َ‬
‫ربهم»‬
‫‪110‬‬

‫السنن‪ ،‬حيث لم ي رمكنهم الطعن يف ألفاظ الكتاب (‪،)215‬‬


‫يف ألفاظ ُّ‬

‫ويذمون من تمسك بانلصوص وأجراـها ىلع ما يفهم منها‪،‬‬


‫ويسمونه جاـهال‪ ،‬أو ح ًّ‬
‫شويا (‪.)216‬‬

‫وـهذا يوجد يف املتلكمني يف أصول ادليانات (‪ ،)217‬ويف فقهاء‬


‫الرأي (‪،)218‬‬

‫(‪ )215‬وقد ا‬
‫ُصح الفخر الرازي (صاحب اتلفسي) بذلك‪ ،‬فقال‪« :‬اكن القطع حاصال بأن‬
‫شي ئا من ـهذه األلفاظ ليس من ألفاظ الرسول صىل اهلل عليه وسلم بل ليس ذلك‬
‫إال من ألفاظ الراوي» [أساس اتلقديس ص‪]129‬‬

‫(‪ )216‬يقول الغزايل‪« :‬وعرفوا أن من ظن من احلشوية وجوب اجلمود ىلع اتلقليد [يقصد‬
‫باتلقليد‪ :‬متابعة السلف]‪ ،‬واتباع الظواـهر [أي‪ :‬املعىن الظاـهر من نصوص الكتاب‬
‫والسنة دون حتريف]‪ ،‬ما أتوا به إال من ضعف العقول وقلة ابلصائر» [االقتصاد يف‬
‫االعتقاد ص‪]9‬‬
‫َ‬ ‫(‪ )217‬كقول الواحدي أن معىن قول اهلل تعاىل ﴿أأمنتم َمن يف ا‬
‫السماء أن خيسف بكم‬
‫األرض﴾ «ـهو جَبيل» وـهذا اتلحريف لم يَسبقه إيله أحد‪ ،‬وتابعه عليه أـهل الالكم‪،‬‬
‫اكلرازي‪ ،‬والقرطيب وغيـهم‪.‬‬

‫(‪ )218‬اكتلحريف ـهذا اذلي أبطلوا فيه رشطياة الويل يف انلاكح الوارد يف قول انليب ﷺ‪« :‬ال‬
‫نكاح إال بويل» قال القدوري احلنيف‪« :‬اخلَب يقتيض ثبوت انلاكح بويل‪ ،‬والزوج ويل‬

‫=‬
‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪111‬‬

‫ويف صوفية الفالسفة واملتلكمني (‪.)219‬‬


‫ِّ‬
‫حظ مما ذكروا به من العلم انلافع‪ ،‬فال‬
‫واثلاين‪ :‬نسيان ٍ‬
‫ا‬
‫تتعظ قلوبهم‪ ،‬بل يذمون َمن تعلم ما يبكيه ويَرق به قلبه‪،‬‬
‫ويسمونه ًّ‬
‫قاصا (‪.)220‬‬
‫ََ‬
‫ونقل أـهل الرأي يف كتبهم عن بعض شيوخهم‪ :‬أن ثمرات‬

‫يف عقود نفسه‪ ،‬واملرأة ويله يف عقود نفسها» [اتلجريد ج‪9‬ص‪ ]4263‬فجعل لكمة‬
‫الويل ال قيمة هلا‪ ،‬وأبطل ما جاء به الرسول ﷺ يف ـهذا ابلاب‪.‬‬
‫َ ر ََ‬ ‫آمنوا ااتقوا ا َ‬
‫اَّلل َو رابتَغوا إيلره ال َوسيلة﴾ وـهذه آية فيها‬ ‫(‪ )219‬كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬يَاأَ ُّي َها ااذل َ‬
‫ين َ‬

‫املقرب إىل اهلل تعاىل‪ ،‬فجعلوـها يف داعء املوىت‪ ،‬واالستغاثة‬ ‫احلض ىلع طلب الطريق ِّ‬

‫بهم‪ ،‬أو بلدعة ادلاعء جباه اآلخرين‪.‬‬


‫ون ً‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫تماما عن أبواب الزـهد‬ ‫(‪ )220‬وـهذا مذـهب طائفة من مديع االتباع للسلف‪ ،‬معرض‬
‫ا‬
‫واخلَشيَة‪ ،‬وـهذه األبواب صنف فيها املعاىف بن عمران‪ ،‬وابن املبارك‪ ،‬ووكيع‪ ،‬وأمحد‪،‬‬
‫السلف وانلاقلني‬‫وأبو داود‪ ،‬وابن أيب حاتم‪ ،‬وابن أيب اعصم‪ ،‬وغيـهم‪ ،‬من علماء ا‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫عنهم‪ ،‬فتجد الطائفة القاسية يدعون متابعة ـهؤالء األئمة‪ ،‬ويذمون من تكلم يف‬
‫مثل الكمهم يف الزـهد ورقة القلب‪ ،‬ويسمونه صوفيا‪ ،‬وقَ اص ا‬
‫اصا‪.‬‬
‫َ ا َ‬
‫السلف مذمومون‪ ،‬وـهم اذلين انشغلوا بالقصص عن العلم انلافع‪،‬‬ ‫والق اصاص عند‬
‫وأكرث قصصهم باطلة وخم َ‬
‫رتعة‪.‬‬
‫‪112‬‬

‫العلوم تدل ىلع رشفها فمن اشتغل باتلفسي‪ ،‬فغايته أن يق اص‬


‫ىلع انلاس وي َ‬
‫ذكرـهم‪ ،‬ومن اشتغل برأيهم وعلمهم‪ ،‬فإنه يفيت‬
‫ويَقيض وحيكم وي َد ِّرس‪ ،‬وـهؤالء هلم نصيب من اذلين‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ ر َ َ َ ً َ ر َ َ ُّ ر‬
‫ادلنيَا َوـه رم َعن اآلخ َرة ـه رم َغفلون﴾‪.‬‬ ‫﴿يعلمون ظاـهرا من احلياة‬
‫ِّ‬
‫وعلوـها‪ ،‬ولو أنهم‬ ‫واحلامل هلم ىلع ـهذا‪ :‬شدة حمبتهم لِّلنيا‬
‫َ‬
‫زـهدوا يف ادلنيا ورغبوا يف اآلخرة‪ ،‬ونصحوا أنفسهم وعباد اهلل؛‬
‫َ‬
‫َتلمسكوا بما أنزل اهلل ىلع رسوهل‪ ،‬وألزموا انلاس بذلك‪ ،‬فاكن‬
‫حينئذ أكرثـهم ال خيرجون عن اتلقوى‪ ،‬فاكن يكفيهم‬
‫ٍ‬ ‫انلاس‬
‫َ َ‬
‫ومن خ َر َج منهم عنهما اكن‬ ‫ما يف نصوص الكتاب والسنة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ً‬
‫قليال‪ ،‬فاكن اهلل يقيِّض من يفهم من معاين انلصوص ما يرد بها‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫خلارج عنها إىل الرجوع إيلها‪ ،‬ويستغين بذلك عما ودلوه من‬ ‫ا‬
‫الفروع ابلاطلة‪ ،‬واحليَل الم َح ارمة اليت بسببها فتحت أبواب‬
‫الربا وغيه من املحرمات‪ ،‬واستحلت حمارم اهلل بأدن احليَل‬ ‫ِّ‬

‫كما فعل أـهل الكتاب‪.‬‬


‫ا َ‬
‫السلف ىلع علم اخللف‬ ‫فضل علم‬
‫‪113‬‬

‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر َ‬ ‫اَّلل ااذل َ‬


‫ا‬ ‫َ‬
‫آمنوا ل َما اختَلفوا فيه م َن احل َ ِّق بإذنه‬ ‫ين َ‬ ‫و ﴿ـه َدى‬
‫يم﴾‬ ‫ر َ‬ ‫اَّلل َي رهدي َم رن ي َ َشاء إ َىل َ‬
‫َ ا‬
‫اط مستق ٍ‬ ‫ُص ٍ‬ ‫و‬

‫وصىل اهلل ىلع سيـدنا حممـد وآهل‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬


‫كثيا‬ ‫تسليما‬ ‫وصحبه وسلم‬

‫إىل يـوم الــدين‪.‬‬

‫وحسبنا اهلل‬

‫ونعـــم‬

‫الوكيل‬

‫‪.‬‬
‫ا َ‬
‫كناشة‬
‫ا َ‬
‫كناشة‬
‫ا َ‬
‫كناشة‬

You might also like