You are on page 1of 7

‫د‪ /‬نادية النويهي‬ ‫تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية الحضاري‬ ‫قسم التاريخ‬

‫الفرقة الثانية ‪2024 /2023‬م‬

‫المحاضرة الثالثة‬
‫النظام اإلداري لإلمبراطورية البيزنطية ومركزية الحكم‬

‫أوالً‪ :‬اإلدارة المدنية‬

‫تتناول المحاضرة العناصر التالية‪:‬‬


‫‪ ‬اختصاصات اإلدارة المدنية‬
‫‪ ‬التغيير في نظام اإلدارة البيزنطي عن النظام الروماني‪:‬‬
‫أسباب تغيير دقلديانوس في النظام اإلداري‪.‬‬
‫ما أدخله قسطنطين على النظم اإلدارية‬
‫ما استمر عليه قسطنطين من تعديالت دقلديانوس‬
‫‪ ‬الهيكل العام لنظام اإلدارة في الدولة البيزنطية‪.‬‬
‫‪ ‬اإلمبراطور على رأس النظام اإلداري‪:‬‬
‫شروط تولي المنصب اإلمبراطوري‬
‫قسطنطين يربط الحكم بإرادة هللا‬
‫الواجبات التي يفرضها المنصب اإلمبراطوري‬
‫‪ ‬وريث العرش‬
‫‪ ‬البالط اإلمبراطوري‬
‫‪ ‬الهيئة اإلدارية لإلمبراطورية‬
‫‪ ‬حكام األقاليم‬
‫‪ ‬المناصب الكبرى في اإلمبراطورية البيزنطية‬

‫قام نظام الحكم الروماني ‪-‬كما نعلم‪ -‬على أساس الحكم الثنائي‪ ،‬والذي يعني تقسيم جميع المهام داخل‬
‫اإلمبراطورية بين اإلمبراطور‪ ،‬ومجلس السناتو‪ ،‬الذي ينتمي أعضاؤه للطبقة األرستقراطية‪ ،‬ومع انفراد قسطنطين‬
‫بالحكم‪ ،‬لم يعلن تغيير ذلك النظام‪ ،‬فظل مسمى الحكم ثنائي‪ ،‬غير أن قسطنطين قرر أن يجمع بين يديه جميع الصالحيات‪،‬‬
‫وينفرد بالقرارات‪ ،‬وأن يصبح وحده مصدر التشريع‪ ،‬فأقدم بذلك على أول التجاوزات السياسية في نظم الحكم الروماني‪،‬‬
‫فكما كان قرار دقلديانوس بوضع شركاء له في الحكم‪ ،‬مجازفة سياسية‪ ،‬كانت قرارات قسطنطين‪ ،‬انحراف سياسي عن‬
‫نظام الحكم الروماني‪ ،‬ليس ألنه تخلى عن التقسيم الرباعي الذي أقره سلفه‪ ،‬وعاد لحكم اإلمبراطور الواحد‪ ،‬ولكن لقيامه‬
‫بأمرين لم يحدثا في التاريخ الروماني من قبل‪:‬‬
‫‪ .1‬جعل حكم اإلمبراطورية وراثيا في ذريته‪.‬‬
‫‪ .2‬تهميش سلطة أعضاء مجلس السناتو‪ ،‬واالنفراد بجميع أمور الحكم‪.‬‬
‫ويعتبر هذا االنحراف الذي أقدم عليه قسطنطين في نظام الحكم‪ ،‬تحديد لنهاية العصر الروماني‪ ،‬وبداية العصر البيزنطي‪،‬‬
‫أما بالنسبة للتعديالت اإلدارية األخرى؛ فقد تابع قسطنطين ما بدأه دقلديانوس‪ ،‬فاستمر على نفس النهج الخاص بفصل‬
‫السلطة المدنية عن السلطة العسكرية‪ ،‬والحد من تدخل القادة العسكريين في الشئون الداخلية لإلمبراطورية‪ ،‬وبذلك عادت‬
‫مسئوليات حكام الواليات المدنيين إلى سابق عهدها‪ ،‬فأصبح حاكم الوالية مسئوالً عن جميع الشئون المدنية‪ ،‬واإلدارية‪،‬‬
‫بمختلف أنواعها ‪ -‬داخل حدود واليته‪ ،-‬فيما عدا شئون اإلدارة العسكرية‪.‬‬
‫والنظم اإلدارية المدنية‪ ،‬تختص بجميع الشئون الداخلية لإلمبراطورية‪ ،‬فتشمل مهامها كل ما يتعلق بالمواطنين‬
‫من وظائف‪ ،‬وصحة‪ ،‬وتعليم‪ ،‬وسن القوانين‪ ،‬وتطبيقها‪ ،‬أو فرض الضرائب‪ ،‬ومتابعة جمعها‪ ،‬أو متابعة تنفيذ العقوبات‬
‫الصادرة من القضاء ‪ ،‬إلى غير ذلك من شئون الحياة اليومية العامة‪ ،‬وتمتد كذلك مهام اإلدارة المدنية‪ ،‬للعالقات الخارجية‬
‫لإلمبراطورية‪ ،‬من خالل الجهاز الدبلوماسي للدولة‪ ،‬أما الحفاظ على أمن اإلمبراطورية الداخلي‪ ،‬فهو من اختصاص‬
‫جهاز الشرطة‪ ،‬وهو يتبع اإلدارة المدنية كذلك‪ ،‬ولكن له تدرج وظيفي مختلف‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بأمن اإلمبراطورية الخارجي‪ ،‬وسالمة أراضيها‪ ،‬وحماية حدودها من األعداء‪ ،‬وخوض الحروب‪ ،‬فهذا من‬
‫شأن اإلدارة العسكرية‪ ،‬وتتناوله المحاضرة القادمة بإذن هللا‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬


‫د‪ /‬نادية النويهي‬ ‫تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية الحضاري‬ ‫قسم التاريخ‬
‫الفرقة الثانية ‪2024 /2023‬م‬

‫وبذلك تنقسم النظم اإلدارية لإلمبراطورية البيزنطية إلى‪:‬‬

‫‪ ‬نظم إدارية مدنية‬


‫‪ ‬نظم إدارية عسكرية‬

‫ونظرا ً التساع مساحة اإلمبراطورية‪ ،‬فإن كل والية من واليات اإلمبراطورية تميزت بخصائصها‪ ،‬وظروفها الخاصة‪،‬‬
‫وربما يتطلب األمر تمييز إحدى الواليات بتنظيم إداري‪ ،‬أو قوانين ال يحتاج لها غيرها من أقاليم اإلمبراطورية‪ ،‬فقد تحتاج‬
‫والية أفريقيا إلى تنظيم إداري يختلف عن نظيره في إيطاليا‪ ،‬أو في مصر‪ ،‬أو القسطنطينية‪ ،‬ولذلك تتناول المحاضرة‬
‫مالمح النظام اإلداري بصفة عامة دون الدخول في تفاصيل الواليات المختلفة‪.‬‬
‫من أهم المبادئ التي وضعها قسطنطين لنظام حكمه‪ ،‬والذي استمر حتى نهاية اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬هو االعتماد على‬
‫إدارة مركزية قوية‪ ،‬تمتد سلطاتها لجميع أنحاء اإلمبراطورية‪.‬‬
‫(لمعرفة المباديء التي وضعها قسطنطين لنظام حكمه يمكن مراجعة المحاضرة األولى)‬
‫وتمسك قسطنطين باستمرار الكثير من اإلصالحات اإلدارية‪ ،‬التي وضعها دقلديانوس‪ ،‬ووجد أنها توافق نظامه الجديد في‬
‫إدارة الدولة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ o‬فصل السلطة المدنية عن السلطة العسكرية‪.‬‬
‫‪ o‬تقسيم الواليات الكبيرة إلى وحدات إدارية صغيرة المساحة‪.‬‬
‫وكان دقلديانوس قد قام بهذا اإلجراء (فصل السلطة المدنية عن السلطة العسكرية)؛ لوقف حالة الفوضى التي سادت‬
‫اإلمبراطورية‪ ،‬ولكي يحد من محاوالت بعض القادة‪ ،‬أو والة األقاليم‪ ،‬للقيام بحركات تمرد‪ ،‬أو محاوالت االنفصال‬
‫بأقاليمهم عن الحكم‪ ،‬ولكي يمنع تطلعات بعضهم للوصول للعرش‪ ،‬وكان نتيجة ذلك زيادة عدد الوالة بشكل كبير‪ ،‬وزاد‬
‫بالتبعية عدد الموظفين‪ ،‬الذين يعملون تحت إشراف هؤالء الوالة‪ ،‬منذ بداية عصر دقلديانوس‪.‬‬
‫زادت أعداد الموظفين اإلداريين في بداية العصر البيزنطي‪ ،‬بعد تأسيس القسطنطينية‪ ،‬وحاجتها لعدد كبير من الموظفين‪،‬‬
‫والعمال‪ ،‬ثم تعرض هذا العدد للتغيير على مدار التاريخ البيزنطي‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬انخفضت أعداد الموظفين اإلداريين‬
‫بشكل كبير‪ ،‬مع انفصال الجانب الغربي‪ ،‬بعد سيطرة العناصر الجرمانية على أغلب األقاليم الغربية‪ ،‬ثم عاد للزيادة لفترة‬
‫قصيرة‪ ،‬بعد حروب جستنيان في الغرب‪ ،‬ثم انخفض من جديد مع انفصال األقاليم التى استردها جستنيان مرة أخرى‪ ،‬ثم‬
‫انخفض مع حركة الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬وانفصال بعض األقاليم عن اإلمبراطورية‪ ،‬حتى انهار الجهاز اإلداري بشكل‬
‫كامل مع سقوط القسطنطينية في يد الصليبيين عام ‪1204‬م‪ ،‬ثم حاولت إمبراطوريات المنفى بناء نظام إداري جديد‪ ،‬مماثل‬
‫لما كان قائما بالقسطنطينية‪ ،‬ولكنه لم يخرج بنفس الشكل المتقن‪ ،‬نظرا لمحدودية اإلمكانات االقتصادية المتاحة لديهم‪،‬‬
‫والظروف السياسية التي مروا بها‪.‬‬
‫وبقرار قسطنطين االستمرار على مبدأ تقليل مساحة الواليات‪ ،‬وتشكيل حكومته المركزية في العاصمة‪ ،‬ومد سلطتها‬
‫لجميع األقاليم‪ ،‬أصبح النظام اإلداري البيزنطي يندرج تحت التصنيف البيروقراطي‪ ،‬متخذا ً الشكل الهرمي‪ ،‬ويأتي‬
‫اإلمبراطور على قمته‪ ،‬ثم يتسع الهرم اإلداري تدريجيا‪ ،‬تبعا ً لتدرج الوظائف من حيث األهمية‪ ،‬والمسئولية التي يتحملها‬
‫كبار الموظفين في الدولة‪ ،‬ثم أصحاب المهام األقل في تسلسل وانسيابية‪ ،‬تساعد اإلدارة المركزية على السيطرة على‬
‫جميع أجزاء اإلمبراطورية‪ ،‬وصوالً إلى قاعدة الهرم التي تقوم على صغار الموظفين‪ ،‬في جميع اإلدارات الحكومية‪ ،‬وقد‬
‫بلغ عدد هؤالء الموظفين الذين يتولون المهام الصغيرة‪ ،‬في اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬عشرات اآلالف‪.‬‬
‫وتميز النظام اإلداري البيزنطي باالتقان‪ ،‬ودقة التنظيم‪ ،‬تجعله يستطيع السيطرة على جميع أقاليم اإلمبراطورية الشاسعة‪،‬‬
‫مترامية األطراف‪ ،‬وقد وضع هذا النظام لكي يسهل أمور اإلدارة‪ ،‬على الموظفين‪ ،‬والمواطنين‪ ،‬بعيدا عن التعقيد‪ ،‬وليثبت‬
‫الحقوق‪ ،‬ويعاقب المقصرين في أداء مهام وظائفهم‪ ،‬ولكنه مع الوقت بدأ يتخخله الفساد‪ ،‬بسبب زيادة األعباء على‬
‫المواطنين‪ ،‬خاصة عندما أصبحت الوظائف‪ ،‬في بعض األوقات‪ ،‬متاحة للبيع‪.‬‬
‫اإلمبراطور‬
‫يأتي اإلمبراطور على رأس الدولة بجميع إداراتها المدنية والعسكرية‪ ،‬بيده جميع الصالحيات واالمتيازات‬
‫ويجمع بيده السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬ولم يكن المنصب اإلمبراطوري في القوانين البيزنطية‪ ،‬مشروطا ً على فئة‬
‫معينة‪ ،‬فلم يشترط أن يكون من أهل روما‪ ،‬أو من سكان القسطنطينية‪ ،‬أو أن يكون من بين أعضاء مجلس السناتو‪ ،‬سواء‬
‫المدنيين‪ ،‬أو العسكريين‪ ،‬فالعرش في األعراف البيزنطية‪ ،‬ملك هلل‪ ،‬يهبه من يشاء‪ ،‬وهذا يعني أن المنصب اإلمبراطوري‬

‫‪2‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬


‫د‪ /‬نادية النويهي‬ ‫تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية الحضاري‬ ‫قسم التاريخ‬
‫الفرقة الثانية ‪2024 /2023‬م‬

‫متاح للجميع‪ ،‬سواء من طبقة النبالء‪ ،‬أو من الفالحين‪ ،‬وسواء كان من الطبقة المثقفة أصحاب العلم الغزير‪ ،‬أو من األميين‪،‬‬
‫غير أنه منذ عهد ثيودوسيوس األول‪ ،‬أصبح يشترط أن يكون اإلمبراطور مسيحي‪ ،‬يتبع المذهب األرثوذكسي‪ ،‬ومن المهم‬
‫اإلشارة‪ ،‬إلى أن القوانين البيزنطية لم تشترط ذكورية المنصب اإلمبراطوري‪ ،‬ولذلك‪ ،‬ومن خالل دراسة التاريخ السياسي‪،‬‬
‫وجدنا سيدات تولين العرش‪.‬‬
‫ورغم أن المنصب اإلمبراطوري لم يكن مقصورا على فئة معينة‪ ،‬إال أن هناك شروط يجب توافرها في‬
‫اإلمبراطور‪ ،‬أهم هذه الشروط‪ ،‬هي صحة البدن‪ ،‬والعقل‪ ،‬وذلك لكي يكون اإلمبراطور قادر على متابعة كل شئون الدولة‬
‫بنفسه‪ ،‬ويقوم بجميع واجباته‪ ،‬وقادرا على الزواج (لتكوين أسرة حاكمة‪ ،‬وإنجاب أبناء يرثون العرش)‪ ،‬ولذلك كان‬
‫المنصب اإلمبراطوري محظورا على الخصيان‪ ،‬رغم أن بعضهم وصل لقيادة الجيوش‪ ،‬إال أنهم منعوا من تولي منصب‬
‫اإلمبراطور‪ ،‬وكذلك فاقدو البصر‪ ،‬لم يكن يحق لهم المطالبة بمنصب اإلمبراطور‪ ،‬أو من لديه إعاقة تمنعه من القيام‬
‫بمهامه‪ ،‬ولذلك كان عقاب المتمردين‪ ،‬والذين يخشى مطالبتهم بالعرش‪ ،‬أن يتم حرمانهم من البصر بسمل العينين‪ ،‬أو جدع‬
‫األنف (لم تعد عقوبة جدع األنف تطبق بعد عهد اإلمبراطور جستنيان الثاني)‪ ،‬أو قطع اللسان‪ ،‬أو اإلخصاء‪ ،‬فيصبحون‬
‫بذلك خارج المنافسة على المنصب اإلمب راطوري‪ ،‬وكان كل من يخشى من مطالبته بالعرش‪ ،‬توجه له تهمة التمرد على‬
‫اإلمبراطور‪ ،‬أو تناول المنصب اإلمبراطوري باإلهانة‪ ،‬فتوقع عليه إحدى هذه العقوبات‪ ،‬وكثيرا ما أساء ذوو السلطة‬
‫استخدام هذه العقوبات؛ لحرمان من له األحقية في وراثة العرش من تولي منصب اإلمبراطور‪ ،‬كما فعلت اإلمبراطورة‬
‫إيرين مع ابنها قسطنطين السادس عام ‪ 797‬م‪ ،‬وانفردت بحكم اإلمبراطورية‪ ،‬وكما فعل قنستانز الثاني مع شقيقه‪ ،‬وكما‬
‫فعل ابنه قسطنطين الرابع مع أشقائه‪ ،‬وغير ذلك من الحوادث‪ ،‬التي مرت بنا‪ ،‬خالل دراسة التاريخ السياسي‬
‫لإلمبراطورية‪.‬‬
‫وألن بداية عهد قسطنطين كان مزيجا من اآلداب المسيحية‪ ،‬والعادات الوثنية؛ فقد عمل قسطنطين على إضفاء‬
‫قدر من القداسة على حكمه‪ ،‬حيث رسخ فكرة أنه مختار من هللا‪ ،‬لتنفيذ أوامره‪ ،‬وإعالء راية المسيحية (كيف رسخ‬
‫قسطنطين فكرة أنه اإلمبراطور المختار من هللا؟)‪ ،‬فارتقت سلطة اإلمبراطور على سلطة بطريرك القسطنطينية منذ عهد‬
‫قسطنطين‪ ،‬وأصبحت العالقة بينهما عالقة سلمية‪ ،‬تقوم على التكامل ‪-‬كما سبق أن رأينا‪ ،‬كما أن قسطنطين حرص على‬
‫احترام العادات الوثنية التي كانت متأصلة في اإلمبراطورية‪ ،‬وحمل لقب الحبر األعظم‪ ،‬كعادة األباطرة الرومان‪ ،‬وظل‬
‫هذا اللقب يحمله األباطرة حتى عهد اإلمبراطور جراتيان‪ ،‬الذي رفض أن يحمل لقب وثني‪ ،‬واكتفي بأنه اإلمبراطور‬
‫المسيحي‪ ،‬وتبعه في ذلك ثيودوسيوس األول‪ ،‬الذي جعل المسيحية الدين الرسمي لإلمبراطورية‪ ،‬وحرم ذلك اللقب الوثني‪،‬‬
‫واندثرت الوثنية ونظمها‪.‬‬
‫وحمل اإلمبراطور البيزنطي‪ ،‬اللقب الروماني أغسطس‪ ،‬وكان بعض األباطرة يفضلون حمل لقب الباسيليوس‪ ،‬وهولقب‬
‫يعني ملك الملوك‪ ،‬ولكنه لم يضاف رسميا ً إلى األلقاب اإلمبراطورية‪ ،‬ولم يكن اإلمبراطور يستطيع تزييل خطاباته‬
‫الرسمية بهذا اللقب‪ ،‬وبعد زوال دولة الفرس‪ ،‬التي كان ملكها يحمل لقب الشاهنشاه‪ ،‬وهو لقب له نفس المعنى‪ ،‬ملك الملوك‪،‬‬
‫لم يعد هناك منافس للقب‪ ،‬أو خلط بين األلقاب‪ ،‬فتم إضافته لأللقاب الرسمية لإلمبراطور البيزنطي‪ ،‬حتى نهاية الدولة‬
‫البيزنطية‪.‬‬
‫ومع هذا القدر من القداسة التي تمتع بها األباطرة‪ ،‬دون أن يكون للكنيسة دور في ذلك‪ ،‬كان دور البطريرك‬
‫ينحصر في مباركة اإلمبراطور عند تتويجه‪ ،‬والصالة من أجل نصرته‪ ،‬ولم يكن للبطريرك سلطة على اإلمبراطور‪ ،‬وال‬
‫يحق له مناقشة قراراته‪ ،‬ولم يقم كذلك بأي دور في تتويج اإلمبراطور‪ ،‬سوى مباركة اإلمبراطور بعد تمام التتويج‪ ،‬حتى‬
‫القرن الخامس؛ فأصبح البطريرك هو الذي يقوم بنفسه بوضع التاج على رأس اإلمبراطور‪ ،‬وظلت خطوة تتويج البطريرك‬
‫لإلمبراطور قائمة‪ ،‬حتى استولى الصليبيون على القسطنطينية عام ‪1204‬م‪ ،‬فتم اتباع خطوات التتويج نفسها مع أباطرة‬
‫إمبراطوريات المنفى الثالث‪ ،‬ثم أضيف تقليد جديد منذ ذلك الوقت‪ ،‬حيث دخلت بعض المؤثرات الغربية على الحضارة‬
‫البيزنطية‪ ،‬فأصبح التقليد المتبع منذ ذلك الحين أن يقوم البطريرك بعد تتويجه اإلمبراطور‪ ،‬ومباركته‪ ،‬بمسحه بالزيت‪،‬‬
‫في طقس احتفالي كبير‪ ،‬كما كان التقليد المتبع في الغرب األوروبي‪ ،‬وأصبح ذلك اإلجراء‪ ،‬بعد عودة القسطنطينية‬
‫لإلمبراطورية البيزنطية عام ‪1261‬م‪ ،‬شرطا من شروط التتويج حتى نهاية اإلمبراطورية‪.‬‬
‫غير أن هذه القدسية التي تمتع بها األباطرة منذ البداية؛ ألزمت الجميع ببعض الواجبات‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬


‫د‪ /‬نادية النويهي‬ ‫تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية الحضاري‬ ‫قسم التاريخ‬
‫الفرقة الثانية ‪2024 /2023‬م‬

‫فبالنسبة لإلمبراطور‬
‫‪ ‬عليه أن يسير على خطى السيد المسيح عليه السالم‪ ،‬وألن هذا األمر كان مستحيال‪ ،‬مع الظروف التي تمر بها‬
‫اإلمبراطورية‪ ،‬واألخطار الخارجية التي تهددها‪ ،‬والفتن الداخلية بسبب تعدد المذاهب‪ ،‬كما أن اإلمبراطور مجرد بشر‬
‫معرض للخطأ‪ ،‬لذلك أصبح عليه واجب‪ ،‬أن يبذل قصارى جهده من أجل الصالح العام للشعب‪ ،‬حتى يحظى برضى‬
‫اإلله‪ ،‬وصلوات رجال الدين من أجله‪.‬‬
‫‪ ‬من المفروض أن يكون ملما بالمهارات العسكرية والحربية‪ ،‬حتى يستطيع الدفاع عن اإلمبراطورية وخوض‬
‫الحروب‪ ،‬إال أن المهارات الحربية‪ ،‬لم تكن شرطا أساسيا ً في توليه العرش‪ ،‬فمن الممكن أال يكون اإلمبراطور قائدا‬
‫حربيا‪ ،‬وال خبرة له في خوض المعارك والحروب‪ ،‬وفي هذه الحال يقوم كبار القادة العسكريين بمهام حماية‬
‫اإلمبراطورية‪ ،‬والحفاظ على الحدود وخوض المعارك‪ ،‬وعليه متابعة تلك األمور بنفسه‪ ،‬حتى وإن لم يكن ملما باألمور‬
‫العسكرية‪.‬‬
‫‪ ‬على اإلمبراطور‪ ،‬سواء كان قائدا عسكريا أو ينتمي لألرستقراطية المدنية‪ ،‬أن يكون متابعا بنفسه لجميع الشئون‬
‫اإلدارية (المدنية والعسكرية) ومطلعا على اختصاصات جميع اإلدارات‪ ،‬حتى ال تنسحب االختصاصات من بين يديه‪،‬‬
‫فيفقد سيطرته على أمور الدولة‪ ،‬ولذلك عليه أن يجتهد في اإللمام بجميع األمور اإلدارية لإلمبراطورية‪.‬‬
‫‪ ‬وعلي اإلمبراطور كذلك أن يتكفل بإقامة العدل‪ ،‬وحماية جميع رعاياه‪ ،‬ويعمل على نيل محبتهم‪ ،‬وعليه كذلك أن‬
‫يتجنب الطغيان في حكمه‪ ،‬وقراراته‪ ،‬وأال يكون متعسفا في أحكامه‪ ،‬وإال عرض نفسه للغضب اإللهي‪ ،‬الذي يحل على‬
‫اإلمبراطورية كلها‪ ،‬في صورة كوارث طبيعية‪ ،‬أو حروب‪ ،‬وهزائم تحل بالجيوش‪ ،‬فيحرم اإلمبراطور في هذه الحال‬
‫من مباركة البطريرك‪ ،‬وجميع رجال الدين‪.‬‬
‫بالنسبة لعامة أفراد الشعب البيزنطي‬
‫‪ ‬يعتبر المنصب االمبراطوري منصب مقدس‪ ،‬وعلى الجميع احترامه‪ ،‬وتبجيله‪ ،‬واقامة الصلوات من أجل نصرة‬
‫االمبراطور‪ ،‬وال يحق ألي شخص مجرد االعتراض على شخص اإلمبراطور‪ ،‬أو مناقشة‪ ،‬أو نقد قراراته‪ ،‬وعلى‬
‫الجميع أن يؤمن بأن هناك مسافة ال يحق لهم اجتيازها‪ ،‬بينهم وبين االمبراطور‪ ،‬فالحديث إليه يجب أن يكون تبع‬
‫أصول وقواعد تظهر احترام المتحدث لشخص االمبراطور‪.‬‬
‫‪ ‬كل تجاوز في حق االمبراطور‪ ،‬أو هجوم على شخصه‪ ،‬أو قراراته‪ ،‬يعرض صاحبه للعقوبة المشددة‪ ،‬والتي غالبا ما‬
‫كانت سمل العينين‪.‬‬
‫وبالنسبة ألعضاء مجلس السناتو‬

‫لم يقرر قسطنطين إ لغاء مجلس السناتو‪ ،‬فظل حكم اإلمبراطورية‪ ،‬حكم ثنائي شكأل‪ ،‬ولكنه في الحقيقة تحول لحكم‬
‫أوتوقراطي‪ ،‬منذ أصبحت القسطنطينية عاصمة‪ ،‬ومقر اإلقامة الدائمة لإلمبراطور‪ ،‬فكان قسطنطين قد قرر منذ البداية‪،‬‬
‫تهميش مجلس السناتو‪ ،‬وتحديد مهامه‪ ،‬وسحب سلطة أعضائه بالتدريج‪ ،‬وبدالً من القضاء على كبار الشخصيات‪ ،‬أو‬
‫التخلص من المنافسين‪ ،‬حاول جذبهم لإلقامة بالعاصمة الجديدة‪ ،‬ومنحهم كثير من االمتيازات‪ ،‬مع تخفيف األعباء‪ ،‬التي‬
‫كانوا يقومون بها قبل اعتالئه العرش‪.‬‬
‫(يمكن مراجعة المحاضرة الثانية لمعرفة كيف استطاع قسطنطين جذب أعضاء السناتو للعاصمة الجديدة)‬
‫لم يقم قسطنطين بنقل مجلس السناتو من روما للقسطنطينية‪ ،‬فكما عرفنا‪ ،‬كان يريد الحد من نفوذهم‪ ،‬لذلك بنى لهم مقر‬
‫جديد في العاصمة الجديدة‪ ،‬ورحب بمن قبل منهم االنتقال للقسطنطينية‪ ،‬وأضاف لهم أعضاء جدد من سكان الشرق‪ ،‬وقد‬
‫زاد خلفاء قسطنطين من امتيازات أعضاء السناتو الجديد الذي تكون في القسطنطينية‪ ،‬ومنحوهم لقب النبالء (وهو لقب‬
‫أقل من لقب األشراف الذي عرف به أعضاء السناتو في روما)‪ ،‬ودعوهم لعقد االجتماعات لمناقشة أمور اإلمبراطورية‪،‬‬
‫وذلك حتى يتخلصوا من منافسة أعضاء مجلس السناتو الروماني‪ ،‬الذين رفضوا مغادرة روما‪ ،‬وظلوا متمسكين بالتقاليد‬
‫الرومانية القديمة‪ ،‬وبحقهم في تسيير أمور البالد إلى جانب اإلمبراطور‪ ،‬والذين عبروا عن رفضهم للقرارات التي تتخذ‬
‫من قبل المجلس الجديد‪ ،‬الذي يتم عقده بعيدا ً عن روما‪ ،‬ورفضوا مساواته بمجلس سناتو روما‪ ،‬وتوقعوا فشل المجلس‬
‫الجديد‪ ،‬وشبهوه بالشجرة التي زرعت في غير موطنها‪ ،‬فال تكاد تنمو‪ ،‬حتى تذبل وتموت‪.‬‬
‫بعد وفاة قسطنطين‪ ،‬اعتقد أعضاء السناتو في روما‪ ،‬أن بإمكانهم عودة السلطة لمجلسهم من جديد‪ ،‬ولذلك نجد‬
‫قسطنطيوس يتخذ إجراءات قوية‪ ،‬فقام في عام ‪357‬م‪ ،‬بزيارة مفاجأة لروما‪ ،‬ودعا مجلس روما لالنعقاد‪ ،‬ورصد جميع‬
‫الذين تغيبوا عن الحضور‪ ،‬واستدعاهم لالستفسار عن تغيبهم‪ ،‬وفشلوا جميعا ً في تبرير تغيبهم عن المجلس‪ ،‬وخشى‬

‫‪4‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬


‫د‪ /‬نادية النويهي‬ ‫تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية الحضاري‬ ‫قسم التاريخ‬
‫الفرقة الثانية ‪2024 /2023‬م‬

‫قسطنطيوس إن طبق عليهم عقاب تغيبهم عن المجلس دون مبرر‪ ،‬أن ينقلبوا عليه‪ ،‬لذلك‪ ،‬اتخذ قرار بعدم ضرورة وجود‬
‫العضو في االجتماع‪ ،‬ولكن عليه إبداء الرأي فيما ناقشه المجلس من موضوعات‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬اتخذ قسطنطيوس‬
‫قرار‪ ،‬بأن من حق اإلمبراطور ندب أحد أعضاء السناتو من روما‪ ،‬للعمل بالقسطنطينية‪ ،‬أو العكس‪ ،‬بهدف تبادل الخبرة‬
‫والمشورة‪ ،‬وأن ليس من حق العضو الرفض‪ ،‬أو االعتراض‪ ،‬وربما كان قسطنطيوس يقصد من ذلك‪ ،‬أن يمنح أعضاء‬
‫السناتو الرومان‪ ،‬فرصة لمشاهدة القسطنطينية‪ ،‬وعقد المقارنة بينها‪ ،‬وبين روما القديمة‪ ،‬وبالفعل زاد اإلقبال على االلتحاق‬
‫بسناتو القسطنطينية بعد قرارات قسطنطيوس‪.‬‬
‫وبعدما زاد ضغط العناصر الجرمانية على روما‪ ،‬قرر عدد كبير من أعضاء السناتو مغادرة روما‪ ،‬واإلقامة بالقسطنطينية‪،‬‬
‫يبدو ألنها كانت أكثر أمانا ً من الجانب الغربي‪ ،‬فيذكر المؤرخون أن عهد فالنز‪ ،‬وفالنتيان‪ ،‬كان عدد األعضاء الموجودين‬
‫في روما قد قل بشكل كبير‪.‬‬
‫وناقشت قوانين ثيودوسيوس مهام وحقوق أعضاء السناتو‪ ،‬فأكدت على أن المشاركة بالحضور المباشر في المجلس‪،‬‬
‫ليست شرطا ً الستمرار العضوية‪ ،‬ولكن على العضو أن يقوم بجميع مهامه التي يكلفه بها اإلمبراطور‪ ،‬مادام يحمل اللقب‬
‫السيناتوري (الشريف)‪ ،‬فإذا لم يقم بواجبه‪ ،‬يسحب منه اللقب‪ ،‬ك ما اهتمت قوانين ثيودوسيوس بالحي السكني ألعضاء‬
‫السناتو‪ ،‬ونصت على أن هذا الحي يجب أن يكون مميزاً‪ ،‬وتتوفر به كامل الخدمات‪ ،‬ألن جميع سكانه من األشراف‪.‬‬
‫غير أن مجلس السناتو الجديد الذي نشأ في القسطنطينية كان يضم عدداً كبيرا ً من رجال الجيش بين أعضائه‪،‬‬
‫ولم يكن سوى مجلس استشاري‪ ،‬ال يتخذ قرارات‪ ،‬وكانت العقوبات المشددة‪ ،‬مثل عقوبة سمل العين كفيلة بتحديد سلطة‬
‫أعضاء المجلس‪ ،‬فانحصرت مهامهم في حضور االجتماعات‪ ،‬والتصديق على قرارات اإلمبراطور‪ ،‬ونادرا ما اعترض‬
‫أحدهم على شخص اإلمبراطور‪ ،‬أو خال أوامره؛ حتى ال يتعرض للعقوبة المشددة‪ ،‬حتى عندما بدأ األعضاء القدامى من‬
‫مجلس روما االنتقال للقسطنطينية‪ ،‬ظل الحال كما هو‪ ،‬فقد نجحت خطة قسطنطين األول في تهميش مجلس السناتو‪،‬‬
‫وأصبح‪ ،‬في نهاية األمر‪ ،‬مجرد مجلس شكلي ال رأي له‪ ،‬إال في حاالت نادرة ظهرت فيها همتهم‪ ،‬وحسن إدارتهم لألمور‪،‬‬
‫وفي ظروف تعرض اإلمبراطورية لمخاطر كبيرة‪ ،‬أو تخلي اإلمبراطور عن مهام وظيفته‪ ،‬مثلما حدث أثناء ثورة نيقا‪،‬‬
‫حيث قرر اإلمبراطور جستنيان الفرار‪ ،‬فتصدت له اإلمبراطورة ثيودورا‪ ،‬وساعدها بعض القادة ورجال السناتو؛ لحمل‬
‫اإلمبراطور على التراجع‪ ،‬وإنقاذ اإلمبراطورية‪ ،‬وكذلك‪ ،‬عند التخلص من مارتينا وابنها هرقليون‪ ،‬قام مجلس السناتو‬
‫بإدارة اإلمبراطورية‪ ،‬من خالل الوصاية على اإلمبراطور الصغير قنستانز الثاني‪ ،‬فرغم تهميش دور مجلس السناتو‪ ،‬إال‬
‫أن بعض األعضاء كان لهم دور في إنقاذ اإلمبراطورية‪ ،‬في مثل تلك المواقف الحرجة‪.‬‬

‫وريث العرش‬
‫كان مبدأ وراثة العرش في اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬مالزما لنقل العاصمة إلى الشرق في عهد قسطنطين األول‪،‬‬
‫الذي عمل على إ عداد أكبر أبنائه لتولي منصب اإلمبراطور من بعده‪ ،‬وكان ذلك قبل االنتقال إلى القسطنطينية‪ ،‬ويبدو أن‬
‫زوجته الثانية كانت تعلم نية قسطنطين بتوريث العرش‪ ،‬ويبدو أنها رغبت بأن تكون وراثة العرش في أحد أبنائها الثالث‪،‬‬
‫فأوشت إلى قسطنطين بأفكار مغلوطة‪ ،‬عن ابنه األكبر‪ ،‬فقتله‪.‬‬
‫غير أن اإلمبراطورة هيلينا والدة قسطنطين كانت على علم بما تدبر له الزوجة‪ ،‬واطلعت قسطنطين على ما‬
‫تعلمه بشأنها‪ ،‬فقتلها جز اء لها على الوشاية بابنه األكبر‪ ،‬ويبدو أن ذلك كان وراء قرار قسطنطين بتقسيم اإلمبراطورية‬
‫بين أبنائه الثالث‪ ،‬تعويضا لهم عما فعله بأمهم‪ ،‬وحتى ال يدبر أحدهم للتخلص من شقيقه الذي يرث العرش‪ ،‬واستمر‬
‫توريث األبناء بعد عهد قسطنطين حتى نهاية اإلمبراطورية‪.‬‬
‫وغالبا م ا يتوج االبن األكبر وريثا للعرش‪ ،‬ووليا للعهد في حياة والده‪ ،‬ويحمل لقب قيصر‪ ،‬ويضع فوق رأسه‬
‫تاجا من الذهب‪ ،‬غير أن الصليب ال يوضع على تاج ولي العهد‪ ،‬وال يحق له وضع الصليب على رأسه‪ ،‬إال بعد التتويج‬
‫إمبراطور‪ ،‬فإذا لم يكن لإلمبراطور نسل‪ ،‬فله أن يختار وريثا للعرش من أهله‪ ،‬أو من يراه مناسبا لذلك‪ ،‬مثلما توج جستنيان‬
‫وليا لعهد جستين‪ ،‬وأحيانا يكون االبن األكبر مصابا بعيب ال يسمح له بتولي الحكم‪ ،‬أو يكون مصاب بمرض ال يرجى‬
‫شفاءه‪ ،‬فيتم تتويج شقيقه األصغر‪ ،‬أو يتم تتويج أكثر من ابن‪ ،‬حتى إذا تعرض أحدهم لمرض يمنه من تولى العرش‪ ،‬أو‬
‫مات‪ ،‬ينتقل العرش لإلبن المتوج الثاني‪ ،‬دون أن ينازعه أحدا‪ ،‬مثلما توج هرقل ابنه هرقليون مع ابنه قسطنطين‪ ،‬الذي‬
‫كان معتل الصحة‪ ،‬ولم يمنع القانون البيزنطي تتويج البنات‪ ،‬فقد توج اإلمبراطور ثيوفيلوس بناته‪ ،‬حتى تستطيع إحداهن‬
‫منح العرش لزوجها‪ ،‬بعد وفاة اإلمبراطور‪ ،‬غير أنه رزق بابنه ميخائيل الثالث‪ ،‬فقام بتتويجه على الفور‪ ،‬وتوج قسطنطين‬
‫الثامن بناته زوي وثيودورا‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬


‫د‪ /‬نادية النويهي‬ ‫تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية الحضاري‬ ‫قسم التاريخ‬
‫الفرقة الثانية ‪2024 /2023‬م‬

‫وبمجرد تحديد ولي العرش‪ ،‬عليه أن يبدأ دروسه الخاصة في كيفية إدارة شئون البالد‪ ،‬على يد عدد من األساتذة‬
‫الذين يتم اختيارهم بعناية‪ ،‬وتحت إشراف اإلمبراطور نفسه‪ ،‬وعليه كذلك التقدم في تدريبات الفروسية‪ ،‬حتى يكون جديرا‬
‫بتولي الدفاع عن اإلمبراطورية‪ ،‬وقيادة الجيوش‪ ،‬حال وصوله لمنصب اإلمبراطور‪ ،‬ومع ذلك مر بنا أباطرة فضلوا‬
‫الثقافة والعلم‪ ،‬على دراسة فنون الحرب‪ ،‬أو إدارة الجيوش‪ ،‬ولكن هذا لم يكن حائالً بينهم‪ ،‬وبين تولي منصب اإلمبراطور‪،‬‬
‫مثل ثيودوسيوس الثاني‪ ،‬أو قسطنطين الثامن‪ ،‬وغير هؤالء من األباطرة‪.‬‬

‫البالط االمبراطوري‬
‫أقام اإلمبراطور البيزنطي طوال الوقت في القصر اإلمبراطوري الرئيسي أو الكبير‪ ،‬وقريبا منه‪ ،‬يقيم كبار رجال‬
‫اإلمبراطورية الذين يمكن أن يحتاج اإلمبراطور وجودهم في أي وقت‪ ،‬مثل قائد القوات العسكرية‪ ،‬وبالقرب من القصر‬
‫الكبير معسكرات الجيش اإلمبراطوري‪ ،‬أما معسكرات التدريب فتقع على مسافة قريبة من القصر اإلمبراطوري‪ ،‬حتى‬
‫يتمكن اإلمبراطور من متابعتها دون عناء‪.‬‬
‫في القصر اإلمبراطوري يقيم جميع أفراد العائلة اإلمبراطورية‪ ،‬وجميع الرجال الذين يعملون في خدمة اإلمبراطور‪،‬‬
‫وهناك نوعان من هؤالء الرجال الذين يخدمون اإلمبراطور‪ ،‬وأسرته‪ ،‬النوع األول‪ ،‬هم الخصيان‪ ،‬وهؤالء أعدادهم تفوق‬
‫النوع الثاني‪ ،‬وهم المسموح لهم بالدخول إلى حجرة اإلمبراطور‪ ،‬وولي العهد‪ ،‬وسيدات القصر‪ ،‬ومن بينهم يختار رئيس‬
‫ا لحجاب‪ ،‬وهو شخصية تتمتع بسلطات واسعة في القصر‪ ،‬وتزايدت أعداهم بشكل كبير داخل القسطنطينية‪ ،‬وبلغت سلطتهم‬
‫مبلغا كبيرا‪ ،‬حتى أصبحوا يشكلون خطرا على النظام اإلداري لإلمبراطوري‪ ،‬فقد كان اإلخصاء فرصة للحصول على‬
‫وظائف مهمة في اإلمبراطورية‪ ،‬ولم يكن األباطرة يخشون زيادة نفوذهم‪ ،‬فهم ال يمكن أن يتطلعوا للوصول للعرش‪،‬‬
‫فقوانين اإلمبراطورية تمنع ذلك‪ ،‬وقد مر بنا من أشهرهم يوحنا طواشي القصر في عهد أزواج اإلمبراطورة زوى‪ ،‬ورأى‬
‫كيف بلغت سلطته نطاقا واسعا‪ ،‬حتى تخلص منه ابن شقيقته اإلمبراطور ميخائيل الخامس‪ ،‬وكان األباطرة كذلك يأمنون‬
‫على تعليمهم بناتهم على يد الخصيان‪ ،‬ومن أشهرهم معلم آنا كومنينا ابنة اإلمبراطور ألكسيوس األول كومنين ‪ ،‬وتشهد‬
‫له بسعة علمه‪ ،‬وأدبه‪ ،‬والنوع الثاني هم الملقبون بذوي اللحى‪ ،‬وهذا تمييزا لهم عن الخصيان‪ ،‬ويمنع هؤالء من الدخول‬
‫على الحجرات الخاصة باإلمبراطور‪ ،‬أو أي من أفراد أسرته‪ ،‬كما أن مقابالتهم مع اإلمبراطور‪ ،‬لمناقشة أمور الدولة‪،‬‬
‫تكون بناء على موعد محدد‪ ،‬أو بعد اإلذن لهم بالمقابلة‪ ،‬والذي يتولى تدبير تلك المقابالت بينهم وبين األباطرة‪ ،‬أو أي من‬
‫أفراد األسرة الحاكمة‪ ،‬هو رئيس الحجاب‪ ،‬الذي يكون عادة واحد من الخصيان‪.‬‬
‫و بالقرب من القصر اإلمبراطوري الكبير‪ ،‬تقع جميع مكاتب الخدمات اإلدارية المركزية‪ ،‬ومكتب إدارة الشرق‪ ،‬التابع‬
‫لوالي الشرق‪ ،‬ويترأس جميع اإلدارات المحلية‪ ،‬الواقعة تحت قيادة والي الشرق‪.‬‬

‫حكام األقاليم (الوالة)‬


‫وهم حكام واليات اإلمبراطورية المتعددة‪ ،‬وأهمهم على اإلطالق والي القسطنطينية‪ ،‬وهو من أهم موظفي اإلمبراطورية‪،‬‬
‫وسلطته داخل العاصمة تلي سلطة اإلمبراطور مباشرة‪ ،‬وينوب عنه فيما يخص المدينة في حالة خروج اإلمبراطور‬
‫للحرب‪ ،‬أو أي غرض آ خر‪ ،‬ويلي والي القسطنطينية من حيث األهمية (والي الشرق) ومقره القسطنطينية كذلك‪ ،‬وتمتد‬
‫سلطته لكامل المناطق الشرقية لإلمبراطورية‪ ،‬وهو المسئول أمام اإلمبراطور عن كل ما يخص المناطق الشرقية‪ ،‬والتي‬
‫تمتد من ليبيا غربا وحتى الحدود مع دولة الفرس‪ ،‬ووالي الشرق هو المسئول عن جباية الضرائب‪ ،‬وأهمها ضريبة القمح‬
‫التي تصل من مصر‪ ،‬أما عامة والة األقاليم الشرقية‪ ،‬فكل منهم مسئول أمام والي الشرق عما يخص إقليمه‪.‬‬

‫المناصب الكبرى في االمبراطورية‬


‫يرأس الجهاز اإلداري المدني بالكامل‪ ،‬رئيسا يعتبر كبير موظفي اإلمبراطورية‪ ،‬وهو كبير اإلداريين (هي وظيفة تساوي‬
‫رئيس الوزراء)‪ ،‬وتخضع له جميع اإلدارات‪ ،‬وتخضع له كذلك دور الصناعة‪ ،‬والنقابات التجارية‪ ،‬والعمالية‪ ،‬وهو الذي‬
‫يتولى استالم المراسالت من أقاليم اإلمبراطورية‪ ،‬ووالياتها المختلفة ويقوم بالرد عليها‪ ،‬وكذلك من مهامه بصفته كبيرا‬
‫للوزراء‪ ،‬اإلشراف على العالقات الدبلوماسية لإلمبراطورية‪ ،‬فهو أيضا رئيس الجهاز الدبلوماسي‪ ،‬وعليه متابعة السفراء‬
‫واستقبالهم وعرض السفارات على اإلمبراطور‪.‬‬
‫وقام المؤرخون بدراسة تدرج المناصب الكبرى في الحكومة البيزنطية‪ ،‬من خالل دراسة قوائم ترتيب الجلوس على‬
‫المائدة اإلمبراطورية في الوالئم‪ ،‬واالحتفاالت الرسمية‪ ،‬التي يدعو إليها اإلمبراطور‪ ،‬فقواعد البروتوكول اإلمبراطوري‬

‫‪6‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬


‫د‪ /‬نادية النويهي‬ ‫تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية الحضاري‬ ‫قسم التاريخ‬
‫الفرقة الثانية ‪2024 /2023‬م‬

‫تدعو صاحب أكبر المناصب إلى الجلوس على المائدة‪ ،‬بجوار اإلمبراطور‪ ،‬ويليه األقل فاألقل‪ ،‬فيجلس ولي العهد بجوار‬
‫ال‪ ،‬مبراطور ويحيط به اثنان من المستشارين‪ ،‬ووالي القسطنطينية‪ ،‬وكبير اإلداريين‪ ،‬ورئيس الخزانة‪ ،‬وكبير حجاب‬
‫القصر اإلمبراطوري‪ ،‬ثم حكام األقاليم فالوزراء حسب األهمية‪ ،‬وكبار رجال القضاء‪ ،‬وكبار قادة الشرطة‪ ،‬ومسئول‬
‫العالقات الخارجية‪ ،‬ومسئول استقبال الوفود الدبلوماسية‪ ،‬والسفراء األجانب‪ ،‬ورئيس ديوان البريد والمراسالت‪.‬‬
‫وكان كل شخص من هؤالء يعمل تحت سلطته آالف الموظفين‪ ،‬موزعين على جميع أنحاء اإلمبراطوية‪ ،‬ومنح هؤالء‬
‫الخاصة مرتبات ضخمة‪ ،‬وعطايا كان اإلمبراطور يقوم بنفسه بتوزيعها عليهم‪ ،‬وحملوا ألقابا تشريفية‪ ،‬تميز كل منهم‬
‫حسب مكانته‪ ،‬غير أن هذه المناصب تعرضت في بعض األوقات للشراء‪ ،‬مقابل مبالغ مالية ضخمة كانت توضع في‬
‫خزانة اإلمبراطورية أثناء األزمات‪ ،‬التي كانت تمر بها الدولة‪ ،‬نتيجة خوض الحروب‪ ،‬ولذلك فكثير من هذه الوظائف‬
‫فقدت قيمتها مع الوقت‪ ،‬وفقد أصحابها أهميتهم‪ ،‬ومصداقيتهم في المجتمع البيزنطي‪.‬‬
‫ولم تستمر هذه الوظائف طوال الوقت‪ ،‬فكانت المسميات تتغير من وقت آلخر‪ ،‬خاصة حين يظهر التضارب في‬
‫االختصاصات‪ ،‬فتتمسك كل إدارة باختصاصها‪ ،‬خاصة فيما يتعلق باإلدارة المالية‪ ،‬وإدارة الخزانة العامة‪ ،‬فكثيرا ما حدثت‬
‫المشاحنات بين رؤساء تلك اإلدارات‪ ،‬والتنافس بينهم‪ ،‬وكذلك التداخل بين اختصاصات السلطات التنفيذية‪ ،‬والتشريعية‬
‫على مهام كل منهم‪ ،‬فكان كل إمبراطور يغير الوظائف‪ ،‬ويحدد المسميات حسب رؤيته‪ ،‬أو يقوم بدمج وظيفتين متشابهتين‬
‫في وظيفة واحدة‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق باألمور المالية‪ ،‬فكثيرا ما حدث الخلط بين مهام المسئول المالي الخاص باإلمبراطور‬
‫وأسرته‪ ،‬وبين مهام المسئول عن المال العام لإلمبراطورية‪ ،‬وهذا يختلف عن المسئول المدني عن الهبات المقدسة‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن عددا ً من هذه الوظائف الكبرى في اإلمبراطورية كان يتوالها أصحابها كمناصب شرفية‪ ،‬نظير ما‬
‫قدموه لإلمبراطورية من خدمات طوال سنوات خدمتهم‪ ،‬فكانت بمثابة مكافأة لهم عما قاموا به لصالح اإلمبراطورية‪ ،‬ومن‬
‫المهم ذكره كذلك‪ ،‬أن بعض هذه الوظائف الشرفية ال يتقاضى أصحابها أجور نظير القيام بها‪ ،‬ولكنها في حد ذاتها تكريم‬
‫لصاحب الوظيفة‪.‬‬
‫ولم يكن أفراد األسرة اإلمبراطورية يتقلدون هذه الوظائف‪ ،‬وال يمنحون ألقاب أصحابها‪ ،‬فهم أعلى شأن من ذلك‪ ،‬ولهم‬
‫ألقاب خاصة بهم‪ ،‬واستمر هذا األمر حتى وصول أسرة كومنين للعرش‪ ،‬فسمح ألفراد األسرة الحاكمة تقلد تلك المناصب‬
‫الحكومية‪ ،‬وأصبح لهم األولوية في توليها‪ ،‬يليهم في ذلك أتباع اإلمبراطور‪ ،‬ومعارفه‪ ،‬واألصدقاء المقربين من األسرة‬
‫الحاكمة‪ ،‬واستمر هذا النظام معموال به حتى نهاية الدولة البيزنطية‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

You might also like