Professional Documents
Culture Documents
Copy 3
Copy 3
3
4
محتويات الكتاب
تمهيد
31-13 الفصل األول :ما علم االجتماع
19-14 دراسة علم االجتماع
22-19 لغز الحياة
23-22 علم االجتماع والتفسيرات الطبيعية
25-23 علم االجتماع والعلم
27-26 لماذا ندرس علم االجتماع
30-27 بعض المفاهيم األساسية في علم االجتماع
31-30 خالصة
71-32 الفصل الثاني :المجتمع المعاصر
34-33 جنون التطور
39-35 اإلحساس بالمجتمع
44-39 علم االجتماع االنعكاسي
51-44 الحداثة
65-51 ما بعد الحداثة
63-56 العولمة
69-63 العولمة واألسواق
72-69 عولمة الثقافة
74-72 خالصة
5
105-73 الفصل الثالث :الثقافة والتنشئة
79-74 ماهية الثقافة
80-79 الثقافة المادية والثقافة الالمادية
84-81 الثقافة والشخصية
88-84 النسبية الثقافية
90-88 الثقافة الفرعية
92-90 التغير الثقافي
92-92 الثقافة والتنشئة
95-93 الطبيعة والتطبع
99-95 أهمية التنشئة االجتماعية
101-99 التنوع في أنماط التنشئة
103-101 التنشئة والتغير االجتماعي
105-103 خالصة
124-106 الفصل الرابع :الثقافة والزمن االجتماعي
108-107 الزمن كثقافة
110-108 الزمن احادي البعد والزمن متعدد االبعاد
112-110 الدقة في المواعيد
114-112 العالقة بين الزمان والمكان
118-114 وظائف الزمن االجتماعي
119-118 إيقاع الزمن
120-119 التوجهات الزمنية
6
122-120 الزمن والتغير االجتماعي
124-122 خالصة
153-125 الفصل الخامس :اشكال الجماعات االجتماعية
129-126 اشكال الجماعات االجتماعية
131-129 الجماعات ،الفئات والتجمعات اإلحصائية
132-113 الالمعيارية واالنتحار
132-132 أنواع الجماعات
133-132 الجماعات األولية
135-133 الجماعات الثانوية
136-135 الجماعات المرجعية
138-136 داخل الجماعة وخارج الجماعة
138-138 التنوع االجتماعي وديناميكيات الجماعة
138-138 المؤسسات والبيروقراطية
141-138 تطور المؤسسات الحديثة
142-141 خصائص المؤسسات الحديثة
145-142 خصائص البيروقراطية
146-145 تغير اشكال المؤسسات
147-146 انسنة البيروقراطية
152-147 مجتمع شبكات االتصال
153-152 خالصة
191-154 الفصل السادس :االسرة
7
158-155 ماهي االسرة
158-158 النظريات المفسرة للعائلة
161-158 نظرية تالكوت بارسونز
164-161 نظرية ميشيل فوكو
166-165 النظرية الماركسية
168-166 النظرية االبوية
170-168 انطفاء االسرة
171-170 تراجع االسرة النووية
174-171 الثورة الجنسية
176-174 الزواج والمعاشرة
178-176 الطالق والزواج للمرة الثانية
181-178 االبوين والطفل
182-181 االسرة أحادية الوالد
183-182 العنف االسري وسوء التعامل
185-183 االعتداء على األطفال
189-185 بدائل االسرة
191-189 خالصة
221-192 الفصل السابع :الدين والمعتقدات
197-193 الدين والمجتمع
201-197 طبيعة الدين
206-201 أصل وتطور األديان
8
207-206 الدين وازمات الحياة
209-207 الدين واالجماع القيمي
212-210 المنظور الماركسي
215-212 المنظور الفينومينولوجي (الظاهراتي)
219-215 اديان العالم والنظام االبوي
221-220 خالصة
247-222 الفصل الثامن :القوة والسلطة والدولة
227-223 طبيعة القوة والسلطة
229-227 السياسة والسلطة
231-229 الطبقة والسلطة
233-231 الحسابات الكالسيكية للسلطة
235-233 االتجاه التعددي
239-235 االتجاه الماركسي
242-239 السياسة فيما وراء الطبقة
243-242 الدولة الحديثة
246-243 العولمة والدولة القومية
247-246 خالصة
283-248 الفصل التاسع :االنحراف والجريمة
252-250 ما هو االنحراف
253-252 منظور االنحراف
256-253 االنحراف الجيني
9
258-256 السلوك المنحرف والبناء االجتماعي
262-258 االختيار العقالني والنظريات التفاعلية
263-262 نظرية التعزيز
265-263 نظرية التوصيف
266-265 نظريات البنائية الوظيفية والصراع
268-266 الالمعيارية والتفكك االجتماعي
271-269 نظرية التوتر
273-271 نظرية الصراع
276-273 النظرية النسوية
277-276 المرأة والجريمة
279-277 جرائم ذوي الياقات البيضاء
281-279 علم االجرام ونقد ما بعد الحداثة
283-281 خالصة
307-284 الفصل العاشر :التعليم
289-286 حالة التعليم
291-289 نظريات المستوى الصغير في التعليم
291-291 نظرية االختيار العقالني
292-291 النظريات الواسعة
296-292 اهداف التعليم
297-296 ماذا يحدث في المدارس الرسمية
299-297 المناخ التربوي والمناخ القيمي للمدرسة
10
300-299 ديناميكيات القوة داخل الفصل
301-300 التعليم والحداثة
303-301 التعليم وثورة العالم االفتراضي
305-303 مستقبل التعليم في النظام العالمي
307-306 خالصة
327-308 الفصل الحادي عشر :التحضر والحضرية
311-310 التحضر والحضرية والنمو الحضري
313-311 الفرد والمجتمع
315-313 القبلية الجديدة
318-315 نمو المدن
321-318 علم االجتماع الحضري في القرن العشرين
325-322 الحضرية في مرحلة ما بعد الحداثة
327-325 خالصة
347-328 الفصل الثاني عشر :التغير االجتماعي والحركات االجتماعية
11
بسم هللا الرحمن الرحيم
تمهيد Preface
كتابrrة مقدمrrة في علم االجتمrrاع ليسrrت عمال سrrهال في عrrالم تتبrrدل فيrrه
المفاهيم والقواعد االجتماعية تبدال سريعا يصعب معه اإلمساك بخيrrط من
خيوط المجتمrrع الrrذي اعتrrدنا عليrrه .ولكنهrrا في الrrوقت نفسrrه ليسrrت عمال
خارقا يرقى الى فتوحات طارق بن زياد او نrابليون بونrابرت ،الكتابrة في
علم االجتمrrاع ليسrrت وجهrrة نظrrر يمكن تبrrديلها او تحويرهrrا او حrrتى
االستغناء عنها ،انها بفهمنا ،صrrناعة عقليrrة صrrالحة لالسrrتهالك المعrrرفي
ولكنهrrا غrrير صrrالحة للrrترويج في عربrrات الباعrrة المتجrrولين او تجrrار
الشrrوارع الخلفيrrة وهي من وجهrrة نظrrر فيزيولوجيrrة تشrrبه والدة طبيعيrrة
بدون مشرط جراح ولكن البد لها من أساس معrrرفي يعمrrل بمثابrrة مطهrrر
من اجل ان ال تصبح الوالدة ناقصة ،ويصاب الجrrنين بفيروسrrات مrrا بعrrد
الوالدة .هذه الوالدة تحتاج عقول مدربrrة وايrrدي مrrاهرة واال ألصrrبح كrrل
الناس قابالت مأذونrrة او طبيبrrات توليrrد او علمrrاء اجتمrrاع .المهrrارة يمكن
تخزينها ويمكن تطويرها ويمكن نقلها الى اخرين عrrبر عمليrrة تrrدريب قrrد
تطول لسنوات ،وكrrذلك نفعrrل في حقول المعرفrrة كلهrrا ،ولrrذلك اخrrذنا في
االعتبار:
أوال :أنه من بين الكم الهائل من المعلومات التي تنطوي عليها ادبيrrات علم
االجتماع ،قمنا بانتقاء موضوعات ذات أهمية للعrrالم والمتعلم والrrتي يمكن
12
ان تعطي صورة شاملة للعلم ،اذ ال يمكن ألي بrrاحث مهمrrا اجتهrrد تغطيrrة
حقل المعرفة االجتماعية بالكامل.
ثانيrrا :لrrدينا يقين بrrان هrrذا الكتrrاب من شrrانه ان يrrرقى بالوظيفrrة التربويrrة
المزدوجrrة لعلم االجتمrrاع ،فمن جهrrة نrrرى انrrه ذو قيمrrة لحقل المعرفrrة
االجتماعية ،حيث يمكنه ان يبرز الطبيعة الممrrيزة للعلم والمالمح الرئيسrrة
للتحليل االجتماعي ،وسيكون أداة معرفية مهمة للثقافة العامة حتى ألولئrrك
الذين لم يتسن لهم دراسة هذا الحقل المعرفي.
ثالثا :عمدنا قدر المستطاع الى تحديد مفاهيم العلم بمهrrارة احترافيrrة وعلى
درجة من الوضوح والشفافية
رابعا :ان الكتاب في األصل ألهل االختصاص ،ولذلك ابتعدنا عن تبسrrيط
المفاهيم لدرجة تفقد الكتاب المنهجي محتواه األكاديمي ،وتقدم طعاما بائتrrا
يسبب عسر هضم للمتعلمين.
هذه االعتبارات نظن انها ستكون مفتاحا ألكثر المغاليق صعوبة ،فهي من
جهrrة تفتح بrrاب المعرفrrة االجتماعيrrة للطrrالب والمعلم في ان واحrrد ،وفي
الوقت ذاته تقدم مفاهيم العلم دون اخالل بطبيعتها التربوية والثقافيrrة ،ومن
جهة أخrrرى من شrrانها ان تفتح عين المتعلم على كيفيrrة النظrrر للظrrاهرات
االجتماعية التي تحدث في كrل لحظrة حولنrا ليال ونهrارا وقrrد ال نجrد لهrا
تفسrrيرا واضrrحا من دون اساسrrيات الفكrrر االجتمrrاعي بنظرياتrrه وأدبياتrrه
ومناهجه.
وفrrوق كrrل هrrذا فrrان ادراكنrrا للعrrالم الrrذي يحيrrط بنrrا بعين مفتوحrrة بكrrل
االتجاهrrrات ال بنصrrrف عين ،من شrrrانه ان يغrrrير سrrrلوكنا تجrrrاه النrrrاس
13
واالحrrداث ،فلrrو نظرنrrا لظrrاهرة الطالق مثال فإننrrا ال نسrrتطيع ان نعطي
احكاما حول المرأة التي ال ترغب بالعيش مع رجل لمجrrرد انهrrا تrrزعم ان
الرجrrل ال ينفrrق عليهrrا ،كمrrا ال نسrrتطيع ان نصrrدق الرجrrل الrrذي ال يريrrد
العيش مع امرأة لمجرد زعمه انها ال تجيد الطبخ ،كالهما يسوق أسrrبابا ال
تشبه األسباب ،وعالم االجتماع ال يتكهن وال يتنبأ كمrا يفعrل الrدراويش او
خبراء االنrrواء الجويrrة ،وال يحب األسrrباب الrrتي تخrrرج من فم الزوجrrات
اللواتي تزوجن بفرمان وال الرجال الذين تزوجوا إرضاء للعشيرة الrrتي ال
تؤمن بالذرية من غير الrrذكور .عrrالم االجتمrrاع لديrrه مهrrارة مئrrة عrrام من
البحث واالستقصاء ،مائة عام من الفكر الrrذي يتجrrاوز األسrrباب المباشrrرة
الrrتي يخترعهrrا النسrrاء والرجrrال للتخلص من الشrrريك بأقrrل الخسrrائر
االجتماعية واألخالقية والمادية أيضا.
الظواهر المحبطة ،والظواهر المؤلمة والظواهر التي تصrrادر منrrا هويتنrrا
وتحتجrrز جrrوازات سrrفرنا في نقاط تفrrتيش وهميrrة كثrrيرة وكثrrيرة ،نلrrوك
بعضها بكال الفكين ثم نلفظهrrا ،ونبقي بعضrrها تحت النظrrر حrrتى نجrrد لهrrا
تفسيرا عند ابن خلدون او ميرتون او كارل ماركس.
السrrالح الrrذي يقدمrrه علم االجتمrrاع لتالميrrذه ومؤيديrrه ،يفrrوق السrrكاكين
واألسلحة النارية والعبوات الناسفة المخبأة تحت الثياب ،الن لعبة األسلحة
في فن الحرب قد تفشل فشrال ذريعrا في مقاومrة شrائعة ،وقrد تفشrل فشrال
ذريعا في تغيير اتجاهات الناس حول الموائد العبثية لتجار السياسة وتجار
الدين وتجار االفيون.
14
البعض يقول اننrrrا ال نحتrrrاج الى علم االجتمrrrاع كمrrrا نحتrrrاج الى الطب
والهندسة والكيمياء والفيزيrrاء والرياضrrيات ،ألننrrا جميعrrا يمكن ان نكrrون
علمrrاء اجتمrrاع طالمrrا اننrrا نحيrrا في بيئrrة اجتماعيrrة ،ونعrrرف حrrدودها
وتركيبها الفيزيائي ومكوناتها من القيم والعادات والتفاعالت التي نختارها
والتي ال نختارها ،وهrrذه النظrrرة المحّد بrrة هي الrrتي تrrأتي بخrrراب البلrrدان
وخراب العمران ألنها نظرية واحدية الجانب .الطبيب ال يستطيع ان يكون
مهندسا ،كما ان المهنrrدس ال يسrrتطيع ان يكrrون طبيبrrا ،الن المعrrايش كمrrا
يقول الجاحظ تستلزم تنوعا مهنيا ولو كان الناس جميعا على مهنrrة واحrrدة
لفسدت األرض وعندها كما يقول ابن خلدون ال أحد يعمل نجارا او حrrدادا
او مزارعا .وفي ذلك يقول االمام علي (ع) ان الرعاع إذا اجتمعوا خّربوا
وإذا تفرقوا نفعوا ،قيل له قد علمنا الخراب في اجتماعهم فكيف ينفعون في
تفرقهم ،قال كٌل يذهب الي مهنته ،النجار الى نجارته والخبrrاز الى مخrrبزه
والتاجر الى تجارتrه والصrانع الى مصrrنعه ،فينتفrع النrاس منهم .التrوازن
المهني غاية لكل تقدم وحاجة لكل مجتمع.
وبعد هذا ال نحتاج الى علم اجتمrrاع لكي نحصrrل على وظيفrrة تعrrود علينrrا
بمردود مالي فقط ،ألننrrا نسrrتطيع ان نحصrrل على ثالثrrة اضrrعاف العائrrد
المادي من تجارة السمك او البصrrل او بيrrع الفالفrrل على ناصrrية الشrrارع.
الذي يدرس علم االجتماع ينبغي ان يؤدي رسالة مفادها :ان لم تكن قrrادرا
على استخدام المعرفة من اجل حياة أفضل للمجتمع ،عليrrك ان تrrترك هrrذا
الميدان وتبحث عن عمل اخر.
15
الفصل األول
16
العجائز والصبيان ،الحالمون وفاقدو االحالم ،المحرومون والمتخمون،
هم المادة األولية لعلم االجتماع
دراسة علم االجتماع The Study of Sociology
بrrدانا نقضrrم الربrrع األول من القرن الحrrادي والعشrrرين ،وسrrط عrrالم من
التحديات التي تهدد مستقبل االنسrان في كrل مكrان ،ليسrت أسrلحة الrدمار
الشامل وحدها ،وال تقنيات المعلومات ،وال التفكrrك العrrائلي ،وال الجريمrrة
المنظمة وال الفساد السياسي وال البطالة وال التعليم وال الصحة وال الفقر،
وال غيrrاب العدالrrة ،وال الطمrrع وال سrrوء اإلدارة وال التغrrير المنrrاخي وال
التلوث البيئي ،وانما كل هذه التحديات مجتمعة .االن مازالت لrدينا فرصrrة
الن نتحكم في مصائرنا عبر العمل من اجل حياة أفضrrل ،هrrل هrrذا مجrrرد
ضrrرب من االمrrاني ام بمقدورنا فعال ان نسrrاهم في إعrrادة تشrrكيل حياتنrrا
وزرع االمل في عقول اجيالنا القادمة.
علم االجتماع والمشتغلون به ال يستطيعون مواجهة التحrrديات وحrrدهم وال
يستطيعون حمل العبء الذي خلقته شرور الناس واطماعهم ،ولكن جهrrود
اهrrل العلم والمعرفrrة مrrع بعضrrها يمكن ان تنقذ المجتمrrع اإلنسrrاني من
17
االخطار التي سببها االنسان نفسه .الموضrrوعات االكاديميrrة عrادة تعrrرف
من نrrوع األسrrئلة الrrتي تطرحهrrا وبالطريقة الrrتي تجيب فيهrrا على هrrذه
األسئلة ،كل ما يحدث يسrrتثير اسrrتجابات علميrrة مختلفrrة ،فعلمrrاء الطبيعrrة
يستجيبون للكوارث الطبيعية بطريقة تختلف جوهريا عن اسrrتجابة العلrrوم
اإلنسانية .يقول بروم واخرين ( )1981ان حادثة التسرب االشrrعاعي في
جزيرة االميال الثالثة في بنسلفانيا عام 1979طرحت سrrؤاال جrrديا حrrول
مستقبل الطاقة النووية ،ولدراسة المسالة انتrدبت الحكومrة الفدراليrة لجنrة
اغلب أعضاءها فنيين وخبراء بالعلوم الطبيعية وفي وقت الحrrق اعrrترفت
الحكومrrة بخطrrأ انتrrداب فريrrق من الفنrrيين فقط فاسrrتجابت لنrrداء مجلس
أبحاث العلوم االجتماعية فشكلت فريقا مشتركا تأييدا لوجهة نظrrر المجلس
باعتبار ان مشكلة الطاقة مشكلة اجتماعية كما هي مشكلة طبيعية.
االستجابة لهذه الحادثة الطارئة ،أظهرت كيف ان عدة علوم مختلفة جندت
مهارات منتسبيها نحو دراسة المشكلة من زوايا مختلفة .في تقويم سrrالمة
اسrrتخدام الطاقrrة النوويrrة ،ركrrز المهندسrrون ،والمتخصصrrون بالفيزيrrاء
النووية في البداية على مشكلة التصميم ،ثم أجهزة اإلنذار الفاشلة الrrتي من
المفترض ان تعمل في حال حصول عطب .خبراء الصحة العامrrة ركrrزوا
على قيrrrاس مخrrrاطر االشrrrعاع ،بوضrrrع تقديرات لحجم السrrrكان الrrrذين
يتعرضون للخطر والعمل على إيجrrاد طريقة لتقليrrل آثrrاره .علمrrاء النفس
اهتموا بأخطاء االنسان ،مثل ضعف التدريب والتأهيل ،والفشل في وضrrع
فريق تحذير على وفق مبادئ علم النفس ،وكذلك الضrrغوط الrrتي يتعrrرض
لها االفrrراد وتأثيرهrا على مسrتوى األداء اثنrاء االزمrة .علمrاء االجتمrاع
18
انشغلوا بدراسة الشائعات التي انتشرت ،والrrتي من شrrانها ان تثrrير الفrrزع
لدى الناس ،ودراسة االختالف بين من يسعى للفrrرار من األمrrاكن القريبrrة
وبين الذين يصرون على البقاء في مواجهة الخطر.
في حقبrrة الحrrرب العراقيrrة-اإليرانيrrة ( )1988-1980أدركت الحكومrrة
العراقية آنذاك ولrrو بشrrكل متrrأخر بعض الشrrيء أهميrrة ادخrrال علم النفس
وعلم االجتمrrrrاع واالعالم والتrrrrاريخ واالقتصrrrrاد الى جrrrrانب المrrrrدافع
والطائرات ،وذلك بعد تدني مستوى المعنويات.
هذه القائمة القصيرة من االختصاصات العلمية التي استخدمت في مواجهة
مشكلة واحدة تؤكد الخاصية االنتقائية للعلrrوم .والواقrrع ان االنتقائيrrة جrrزء
من الحيrrاة اليوميrrة ،فالسrrائق مثال يركrrز بالدرجrrة األولى على الطريrrق،
وربما يهتم بتشغيل المrذياع .لمعرفrة اخبrار الحrوادث او زحمrة المrرور،
كما ان قراءة كتاب للمتعة غير قراءة الكتاب نفسه بوصفه مقررا دراسrrيا،
وركوب الدراجة الهوائية تختلrف عن ركوبهrا في سrباق ،وهكrذا ينسrحب
االمrrر على الموضrrوعات االكاديميrrة الrrتي تعطي اهتمامrrا ألشrrياء معينrrة
وتهمل أخرى.
والسؤال االن هو الى أي مدى يمكن لعلم االجتماع ان يساهم في تخفيrrف
االلم والجrrوع والمrrرض والخrrوف من المجهrrول ،سrrؤال قrrد تجيب عنrrه
الصفحات القادمة.
نعود الى السؤال الذي ابتدأنا به ما علم االجتماع؟ علم االجتماع هو واحrrد
من عائلة العلوم اإلنسrrانية الrrتي تهتم بدراسrrة السrrلوك اإلنسrrاني وانتاجrrه،
وهي :االنثروبولوجيrrا ،وعلم النفس ،وعلم النفس االجتمrrاعي ،والسياسrrة،
19
واالقتصاد ،والتrrاريخ ،والجغرافيrrة واالعالم ،والrrتي ال تجrrد بينهrrا حrrدودا
فاصلة واضحة المعالم .وعلم االجتم==اع بشrrكل أكrrثر تحديrrدا هrrو الدراسrrة
العلميrrrة المنظمrrrة للجماعrrrات اإلنسrrrانية ،التغrrrير االجتمrrrاعي والحيrrrاة
االجتماعيrrة ،الى جrrانب مسrrببات ونتrrائج السrrلوك اإلنسrrانيBrowne( ،
)2010 Middleton 1986
وبما انه يهتم بالسلوك اإلنساني فانه يعمrrل على تحليrrل الحيrrاة االجتماعيrrة
بثالثة مستويات:
المس===توى األول :دراسrrrة العالقrrrات بين األشrrrخاص interpersonal
relationsوهذا التحليل ال يعrني بالضrرورة دراسrة العالقrات الحميمrة،
ولكن يهتم بالعالقات الحميمة والعدائية أيضا ،العالقrrات القريبrrة والبعيrrدة،
العميقة والسطحية ،المنفعية والخالية من المنفعة.
المس===توى الث===اني :دراسrrrة العالقrrrة على مسrrrتوى الجماعrrrة Group
،relationوالجماعة مفهوم واسع المعنى يضيق ويتسع بحسب فهمنا لrrه،
تماما مثل مفهوم المجتمع المحلي ،فقد يضيق ليشrrمل االسrrرة او مجموعrrة
اصدقاء في حارة او زقاق ،وقد يتسع ليشمل مدينة او امrة ،فrrاذا جrاء احrد
من قرية "ساحل الذهب" مثال الى مدينة الكوت ،فانه سيقول انrrا من قريrrة
الذهب ،فتكون القرية هي الجماعة التي ينتمي لها؛ فrrاذا غrrادر الكrrوت الى
بغداد سيقول انا من الكوت ،عندها تصبح الجماعrrة الrrتي ينتمي لهrrا مدينrrة
الكrrوت بكrrل مكوناتهrrا اإلداريrrة والسrrكانية ،فrrاذا غادرهrrا الى القاهرة او
بيروت سيقول انrrا من العrrراق ،عنrrدها يكrrون العrrراق كلrrه الجماعrrة الrrتي
ينتمي لها فاذا غادر الى لندن سيقول اني عربي فيكون العرب على الrرغم
20
من تنrrوعهم الrrديني والعrrرقي والمrrذهبي وحrrدودهم الوهميrrة وجrrوازات
سفرهم ونقاط تفتيشهم هم الجماعة التي ينتمي اليها .اما الفئات االجتماعية
المتماثلrrة عمريrrا او مهنيrrا او لrrديهم دخrrل اقتصrrادي متشrrابه فال يشrrكلون
بالضرورة جماعrة اجتماعيrة ،ألنهم سrيكونون مجrرد فئrات اجتماعيrة او
تجمعrrrات إحصrrrائية اال إذا كrrrانت منظمrrrة وتملrrrك قrrrدرا من الديمومrrrة
واالستقرار .وفي ذلك تختلف الجماعة عن التجمع ،فالجماعrrة االجتماعيrrة
منظمة والتجمع سائب ومؤقت ،مثل التظاهرة السياسية ،والتجمع عند بائع
الخبز او في موقف الباص او في عيادة الطrبيب ،بيrد ان بعض التجمعrات
يمكن ان تتحول الى جماعات اجتماعيrة عنrدما تنتظم في سrياق اجتمrاعي
واضrrح المعrrالم ،مثrrل نقابrrة البنrrاء ونقابrrة المعلمين ...وهكrrذا .وتحrrول
التجمعات الى جماعات ذات أهمية كبيرة لعلم االجتماع.
المس==توى الث==الث :العالقrrات المجتمعيrrة ،Societal relations :وهrrذا
المستوى من التحليل يشمل المجتمع كله ،والمجتمع الذي يمتلك خصrrائص
ثابتة نسبيا وانماطا محrددة يسrمى نظامrا اجتماعيrا ،فrrالمجتمع الrذي يقوم
على نظrrrام العشrrrيرة او القرابrrrة مثال هrrrو نظrrrام اجتمrrrاعي ،والمجتمrrrع
االقطrrاعي الrrذي يقوم على العبوديrrة واالسrrتغالل وامتالك األرض ومrrا
عليها ،وكذلك المجتمع الرأسمالي والمجتمع االشrrتراكي ومجتمrrع دويالت
المدن هي أنماط اخرى من أنماط النظم االجتماعية .ولكل مجتمع من هrrذه
المجتمعات خصائص ثابتة نسبيا .وهذه المجتمعات ومؤسساتها الكبrrيرة ال
تدرس منفصلة عن مكوناتها او مجموعة اجزائها التي يrrؤثر بعضrrها على
بعض ،فالمجتمع الذي يقوم على نظrrام القرابrrة مثال تكrrون فيrrه االواصrrر
21
القرابيrrة على درجrrة عاليrrة من األهميrrة ،وتكrrون االسrrرة قاعrrدة النظrrام
االجتمrrاعي ،فالمعمrrل االسrrري والمزرعrrة اُألسrrرية هي امثلrrة للنشrrاط
االقتصادي الذي يrدار بوسrاطة االقربrاء ،والمجتمrع بهrذا المعrنى ُأسrرّي
بامتيrrاز ،حيث تقوم االسrrرة بمسrrؤولية حفrrظ النظrrام بين أعضrrاءها ،تنتج
الطعام وتحدد الواجبات الدينية والدنيوية ،وفي هذا النظrrام يعتمrrد االقربrrاء
على بعضrrهم ،يسrrاعدون بعضrrهم ماديrrا ومعنويrrا ويشrrتركون في تقاسrrم
االفراح واالحزان ،كما ان لrديهم منظومrة قيم تحrدد العالقrة بين الصrrغار
والكبار والنساء والرجال واالقارب واالباعد ضمن النسق القرابي .وعلى
النقيض فان المجتمع الحديث يقوم على الفرديrrة اكrrثر من االسrrرة الممتrrدة
التي بدأت تختفي ،ولكنه هو االخر يمتلك مؤسسات وأنساق ونظما فرعيrrة
تؤثر بعضها على بعض؛ فالمؤسسrrة االجتماعيrrة للطب الحrrديث مثال ،يتم
تناولهrrا عن طريrrق المختrrبرات ،وصrrناعة االدويrrة ،وردهrrات المشrrافي
وعيrrادات األطبrrاء ،ومن هrrذه المكونrrات يمكن اسrrتطالع تأثيرهrrا على
العالقrrrات بين األطبrrrاء ،والممرضrrrات ،والفنrrrيين واالداريين كمrrrا يمكن
استقصاء تأثيرها على العالقات بين الصيادلة واألطباء ،ووكاالت الرقابrrة
الحكوميrrة ،ونمrrط العالقrrات هrrذا يrrؤثر بrrدوره على نمrrط النشrrاطات في
المشافي ،كما ان قبول او رفض األطباء استخدام عقاقير جديrrدة لهrrا تrrأثير
على شركات صناعة االدوية ،وهكrrذا يمكن دراسrrة المجتمrrع الطrrبي عrبر
اجزائه التي ترتبط ببعضrrها بطريقة االعتمrrاد المتبrrادل ،وهrrو في ذلrrك ال
يختلف كثيرا عن المجتمrع القرابي اال من ناحيrة تعrدد األجrزاء وتنوعهrا
22
ودرجrrة تقسrrيم العمrrل وطبيعrrة النشrrاطBallantine & Roberts ( .
.)2009, Broom et al 198l
لغز الحياة االجتماعية Puzzle of Social Life
مrrازال االنسrrان اكrrبر لغrrز على هrrذا الكrrوكب ،اكتشrrف القارات وقrrاع
المحيطات وتوغل بعيدا في الفضاء؛ اخترع أجهزة وأدوات قياس وأدوات
تواصل تفوق الخيال ،صنع وسائل تدمير يمكن ان تقضrrي على الحيrrاة في
دقrrائق ،بrrنى مrrدنا عمالقrrة وطrrائرات اسrrرع من الصrrوت وسrrفنا تجrrوب
المحيطات ،لكنه حتى اللحظة ال يعرف لماذا يتصرف عندما يكون منفردا
بطريقة تختلف عن تصرفه عندما يكون في حشrrد ،ولمrrاذا يختلrrف سrrلوكه
في حفل راقص عن سلوكه في مكان عبادة ،ولماذا يسrrلك سrrلوكا متحفظrrا
مع والديه وال يفعل ذلك مع اصدقائه ،ولماذا يكون تصرفه مrrع رئيسrrه في
العمل مغايرا لسلوكه مع مرؤوسه .علماء االجتماع يحاولون منذ أكثر من
مائة سنة معرفة األسrباب الrتي تجعrل الجماعrة تتصrrرف بوصrrفها وحrدة
اجتماعية متعاونة أحيانا ومتصارعة أحيانrrا أخrrرى ،تحrrاول معرفrrة لمrrاذا
يعrrاقب االنسrrان بشrrدة عنrrدما يrrرتكب عمال اجراميrrا ولكنrrه يكrrون خrrارج
المسrrاءلة القانونيrrة عنrrدما يمتلrrك القوة والسrrلطة ويقتrrل االالف او يسrrلب
حريتهم ،ولماذا يقتل االنسان انسrrانا اخrrر ال يعرفrrه اثنrrاء الحrrرب ويكrrون
القاتل بطال وتعلق على صدره االوسrrمة والنياشrrين .ولمrrاذا يحتكrrر بعض
النrrاس السrrلطة والrrثروة فيمrrا يعيش اخrrرون على الهrrامش ،لمrrاذا تعمrrل
الشrrائعات عمrrل البنrrادق او تتفrrوق عليهrrا أحيانrrا .هrrل تعrrد هrrذه الظrrواهر
االجتماعية الغازا تحتاج رموزها الى تفكيك؟ الناس العاديون لديهم معرفة
23
وفهم للحيrrاة العائليrrة ،والنظrrام الrrتربوي ،والعمrrل ،االعالم والrrدين ،ألنهم
ببساطة يعيشون أعضاًء في مجتمع ،وهذا يقود بعض النrrاس الى االعتقاد
بان الموضوعات التي يدرسها علم االجتماع هي في الحقيقة من البديهيات
التي يعرفهrrا الجميrrع .وهrrذا اعتقاد خrrاطئ .علمrrاء االجتمrrاع اثبتrrوا عrrبر
ابحrrاثهم ان فكrrرة البrrديهيات فكrrرة باطلrrة .فمثال فكrrرة ،ال يوجrrد فقر في
المجتمعrrات االوربيrrة الحديثrrة ،الن الفقراء والعrrاطلين عن العمrrل هم
كسالى ،وان هناك فرص متسrrاوية في الحيrrاة ،وان األغنيrrاء اغنيrrاء ألنهم
مثrrابرون في العمrrل ،وان الرجrrال طبيعيrrا متفوقrrون على النسrrاء ،وان
الرجال والنساء يحبون بعضهم ولهذا يعيشون مع بعضهم ،هrذه البrديهيات
تأكد بطالنها بأدلة ميدانية .المشrrكلة األخrrرى للبrrديهيات انهrrا ترتبrrط بقوة
بمعتقدات شعب من الشعوب في زمrان ومكrان معيrنين وال يمكن تعميمهrا
على باقي الشعوب ،فمثال ما يrrراه شrrعب "الهrrوبي " أحrrد مكونrrات شrrعب
الهنود الحمر عن أسrrباب نrrزول المطrrر يختلrrف كليrrا عمrrا يعتقده مrrدرس
فيزياء او ربة بيت امية او رجل دين .شrrعب الهrrوبي لديrrه رقصrrة المطrrر
التي تستحث الهة المطر النزال الغيث ،ولكن مدرس الفيزياء لديrrه تفسrrير
علمي يقوم على أساس اصطدام بخار الماء بطبقات باردة في أعالي الجrrو
تتسبب في احداث المطر .البديهيات ذاتها تتغrير عrبر الrزمن في المجتمrع
الواحد نفسه .في بريطانيا مثال تبدلت عادة احrrراق السrrاحرات في مواسrrم
نقص المحاصيل وصاروا يتلمسون أسبابا علمية لهذه الظاهرة.
نتائج أبحاث علم االجتماع لم تقوض طبعا كل البrديهيات ،ولكنهrا أسrهمت
بشكل فعال في فهم أفضrل لهrذه البrديهيات ،فمثال يعrرف بعض النrاس ان
24
معدالت الطالق في العراق تتزايد بسبب تدخل االهrrل او الفقر او الفrrارق
الثقافي بين الrrزوجين ،لكن علمrrاء االجتمrrاع يrrذهبون ابعrrد بكثrrير من
افتراضات عامة الناس ،وينظرون للظاهرة من زوايا مختلفة قد ال تخطrrر
في بrال النrاس ،ولهrذا يختلrف علم االجتمrاع عن البrديهيات الrتي يعرفهrا
الناس اختالفا ظاهرا ذلك ألن:
ـ علماء االجتماع لديهم أدوات ومناهج بحث لدراسة الظواهر االجتماعيrrة
دراسة منظمة ونتائجها تقوم على شواهد وادلة دقيقة
-يسrrتخدم علمrrاء االجتمrrاع الخيrrال االجتمrrاعي ،وهrrذا يعrrني انهم عنrrدما
يدرسون الرتابة المألوفة للحياة اليومية ،فانهم ينظرون اليها بطرائق غrrير
تقليديrrة ومن زوايrrا مختلفrrة .قrrد يسrrألون أنفسrrهم هrrل فعال البrrديهيات هي
كrrذلك ،ثم يقومrrون بإعrrادة اخضrrاعها للبحث ،فيدرسrrون ماضrrيها وكيrrف
تغيرت ،وكيrف ولمrاذا تختلrف من مجتمrع ألخrر واحتمrاالت تغيرهrا في
المستقبل
-االسrrتنتاجات الrrتي يتوصrrل لهrrا علمrrاء االجتمrrاع من ابحrrاثهم تقود الى
إيجاد نظريات مفسرة يمكن اسrrتخدامها دليrrل عمrrل عنrrد دراسrrة الظrrواهر
المماثلة)Browne 2010, Giddens 1989, Chinoy 1971( .
علم االجتماع والتفسيرات الطبيعي==ة Sociology and Naturalistic
Explanation
التفسيرات الطبيعية هي االفتراض بأن السلوك اإلنساني بكrrل اشrrكاله هrrو
سrrلوك طrrبيعي يقوم على الفطrrرة ( )innateأي بrrالوالدة مثلمrrا يحrrدث
ألفراخ البط عندما تولد وتدخل الماء من دون حاجة للتدريب على السباحة
25
حتى لو تم عزلهrا منrذ الrوالدة في بيئrة دجrاج فأنهrا حالمrا تلقى في المrاء
يمكنهrrا ان تسrrبح بسrrبب اسrrتعداداتها او خصائصrrها البيولوجيrrة .إذا كrrان
االمر كذلك فان المتوقع ان يكون سلوك الناس متشابها في كل المجتمعrrات
البشرية باعتبار ان الخصائص البيولوجية للمجتمعات لم تتغير .في الواقع
انه بمقارنة المجتمعات المختلفة اكتشف علماء االجتماع تنوعا هائال بينهrrا
في العادات والقيم واألعراف والمعتقدات وبمعrrايير السrrلوك أيضrrا .فمثال
هناك اختالف هائل بين المجتمعrrات في أدوار الrrذكور واالنrrاث ،فالrrذكور
في مجتمعنا يستطيعون الخروج والدخول متى شrrاءوا ومثrrل هrrذا السrrلوك
يعد شاذا لدى االناث ،الrrذكور لهم حrrق التحكم في االنrrاث حrrتى لrrو كrrانت
االنrrاث أكrrبر منهم سrrنا ،وأحسrrن منهم تعليمrrا والrrذكور يمكن ان يتخrrذوا
القرارات نيابة عن االناث حتى لو كانت هذه القرارات ضد رغبتهم ،مثrrل
هذا السلوك مستهجن وغrير مقبrول في مجتمrع مثrل المجتمrع اإلنكلrيزي.
وكال النrrrوعين من السrrrلوك يعrrrود الى عمليrrrة التعلم االجتمrrrاعي اذ ان
الخصائص البيولوجية للبشر متشابهة ،حيث ال يوجد مجتمrrع بعين واحrrدة
واخر بثالث عيون وليس هناك مجتمع برئة واحدة واخر برئتين .التفسrrير
االجتماعي يؤكد ان اغلب أنماط السلوك اإلنساني يتعلمه االفراد بوصrrفهم
أعضاء في مجتمع وليس ألنهم ولدوا هكrrذا ،هrrذه العمليrrة الrrتي يتعلم فيهrrا
االفراد انماط معينة من السلوك المشابه لحد ما لسلوك بقية افراد المجتمrrع
تسمى التنشئة االجتماعية Socializationوالتنشئة االجتماعية موضrrوع
مهم للغاية لذلك سنعود اليه في الفصول القادمةBrowne (2010) .
علم االجتماع والعلم Sociology and Science
26
اعتاد الناس ربط العلم بدراسة موضوعات العلوم الطبيعية ،مثrrل الفيزيrrاء
والكيميrrاء والرياضrrيات وعلم الحيrrاة .وعلم االجتمrrاع ليس ضrrمن هrrذه
المجموعة من العلوم ،والفارق بينها موضrrع تسrrاؤالت ،فrrالعلوم الطبيعيrrة
يمكن تجريبها في المختبر ويمكن عزل اسبابها مختبريا ،كمrrا يمكن التنبrrؤ
بنتائجها عندما تحدث في المستقبل في ظروف مشابهة ،ففي الكيميrrاء مثال
يمكن التنبrrؤ بدقrrة نتيجrrة للتجrrارب المختبريrrة ان خلrrط عنصrrرين سrrيولد
انفجارا فاذا تم استحضار الخلطة نفسها االن او في المسrrتقبل فأنهrrا سrrتولد
انفجارا ،وال يستطيع عالم الطبيعيات التدخل في سلوك العناصر الكيميائية
وأخrيرا ال يحتrاج عrالم الطبيعrة اقنrاع العناصrrر الكيميائيrة او الحيوانrات
للتعrrاون معrrه .بينمrrا في علم االجتمrrاع حقوق االنسrrان تحrrول بيننrrا وبين
اخضrrاعه للتجrارب دون موافقتrه ،فمثال لrو أردنrا فصrrل طفrل عن ابويrه
وعزله تماما لمعرفة تأثير البيئة االجتماعية عليه فان ذلrrك سrrيثير غضrrب
اغلب النrrاس .كمrrا ان السrrلوك اإلنسrrاني ال يمكن التنبrrؤ بrrه اال في حrrدود
ضيقة جدا ،ألنه حتى في الظروف المتشrrابهة يمكن ان تكrrون ردود أفعrrال
الناس مختلفة ،ويمكن ان يغيروا اراءهم على وفق المواقف المختلفة .اثناء
الدراسة قrrد يشrعر النrاس بrاألحراج ألنهم تحت التجrريب وربمrا يجيبrون
إجابات تختلف جوهريا حينما يكونون خارج حدود التجربة فاذا حدث ذلك
فان التجربة ال تعكس حقيقة سrrلوكهم الطrrبيعي فتفقد النتrrائج مصrrداقيتها.
فضال عن ان كثيرا من النrrاس يرفضrrون اإلجابrrة عن األسrrئلة او التعrrاون
مع الباحثين فتصبح البحوث صعبة وربمrrا مسrrتحيلة ،فrrاذا اشrrتركوا ربمrrا
يكذبون وربما يزيفون اجاباتهم فتكون نتائج األبحاث موضع شrrكوك .هrrذه
27
االختالفات ال تصادر الخصائص العلمية األخrrرى الrrتي يشrrترك فيهrrا علم
االجتماع مع العلوم الطبيعيrة وال تنقص من علميتrه شrيئا .فمن خصrائص
أي علم ان يكون محايدا وموضوعيا وان يمتلك منهجا ونظريrrات مفسrrرة،
وعلم االجتماع بوصفه محايrrدا ال يملrrك اتباعrrه الحrrق في إعطrrاء االحكrrام
الجاهزة حول معتقدات الناس او عاداتهم او مؤسساتهم ،وليس من واجبهم
اعتبrrار انمrrاط السrrلوك خاطئrrة او صrrحيحة ،جيrrدة او رديئrrة ،ولكن من
واجبهم فقط تفسrrير لمrrاذا وكيrrف يحrrدث السrrلوك بوصrrفه نتائجrrه ،وهrrذه
الخاصrrية وحrrدها تبعrrد علم االجتمrrاع عن اآلراء االعتباطيrrة للنrrاس .علم
االجتماع يفترض (والنظريات بعامrrة تبrrدأ بافتراضrrات) ان العالقrrات بين
االفراد والجماعات والمجتمعات والمؤسسات ال تحدث عشrrوائيا ،ذلrrك ان
هناك قواعد للحياة االجتماعية ،والبحث في معرفة هrrذه القواعrrد ووصrrفها
وتحليلها وتفسيرها هو واحrد من أكrثر اهتمامrات علمrاء االجتمrاع ،ثم ان
الطريق الذي يسلكه علم االجتماع في البحث ال يختلف عن الطريrrق الrrذي
تسrrلكه العلrrوم الطبيعيrrة ،فكال الحقلين يبrrدءا عملهمrrا بالمالحظrrة وينتهي
بتشكيل النظرية ،بتعبير ادق ،حتى في العلوم الطبيعية فإن مناهج الفيزيrrاء
مثال تختلrrف جrrذريا عن منrrاهج علrrوم الحيrrاة .وبسrrبب اختالف المrrادة
موضوع الدراسة ،فان علم االجتماع ال يمكنrrه اخضrrاع المجتمrrع وافrrراده
ومؤسساته للتجارب المختبرية .في المختبر يمكن السrrيطرة على العوامrrل
المؤثرة على الظواهر او المواقف ،مثال يمكن تحويل المrrاء الى جليrrد عن
طريق تقليrrل درجrrة الحrrرارة او زيrrادة الضrrغط او تحويلrrه الى بخrrار عن
طريق رفع درجات الحرارة او تقليل الضغط ،فمتغrrير الحrrرارة والضrrغط
28
يمكن التحكم بهمrrا مختبريrrا والتالعب بتشrrكيل المrrادة بrrاختالف درجrrات
الحرارة والضغط .وبسبب مستوى التحكم يمكن فحص النظريrrة مختبريrrا.
مثل هذه التجارب ال يمكن اجراؤها في العلوم االجتماعية ذلك الن الوجوه
المختلفة للظاهرة االجتماعية ال يمكن عزلها تجريبيا كما يحدث للمrrاء .فال
أحد يستطيع ان يجرب كيف ستكون أمريكا مع حكومة اشrrتراكية او كيrrف
سrrيكون شrrكل المجتمrrع األلمrrاني مrrع اغلبيrrة مسrrلمة او هندوسrrية .علمrrاء
االجتماع عليهم إيجاد طريقة أخrrرى للسrrيطرة على الظrrواهر عن طريrrق
المنهج المقارن بين المجتمعات المختلفة او بين أجزاء المجتمrrع الواحrrد( .
)Hurd et al 1978, Browne 2010في ضوء ذلك فان علم االجتماع
يمتلك كل خصائص العلم التي تؤهله لدراسة الظواهر االجتماعيrrة دراسrrة
منظمة ،ومنهجية وموضوعية.
لماذا ندرس علم االجتماع؟ ?Why studying Sociology
هrrل خطrrر في بالrrك يومrrا لمrrاذا تبrrدو بعض العrrائالت متماسrrكة وبعضrrها
االخrrر مفككrrة؟ لمrrاذا تكrrون بعض المجتمعrrات منتجrrة وبعضrrها ضrrعيفة
انتاجيا؟ لماذا يصبح بعض الناس اغنياء فيما يبقى بعضrrهم االخrrر فقراء؟
لماذا يرتكب بعض الناس اعماال إجرامية فيما يتعفف بعضهم عن االجرام
ويلrrتزمون بrrالقوانين؟ على الrrرغم من ان علمrrاء االجتمrrاع ال يملكrrون
إجابات جاهزة عن كrrل هrrذه التسrrاؤالت ،لكنهم يملكrrون الرؤيrrة والوسrrيلة
لفهم عميق ألنماط التفاعالت اإلنسانية كلها.
هناك اثنان من المكونات الضرورية لدراسة عالم المجتمع :القدرة العاليrة
لمالحظة ما يحدث ولماذا يحدث ،والرغبة في إيجاد أجوبة عما يحدث .ان
29
قيمة علم االجتماع تكمن في قدرته الفريدة على اختبار المجتمع عبر منهج
منظم لدراسrrة األسrrئلة الrrتي ال يمكن اإلجابrrة عنهrrا بrrدون منهج علمي.
والقيمrrrة العمليrrrة لعلم االجتمrrrاع ،كمrrrا اوجزهrrrا بالنrrrتين وروبrrrرتس
) Ballantine & Roberts (2009هي:
ـ تعزيز الوعي الذاتي ،الذي يقود الى تحسين حياة الفرد
ـ تشجيع الفهم الشامل للظروف االجتماعيrrة ،عن طريrrق النظrrر لمrrا وراء
التفسيرات الفردية لهذه الظروف لتشمل تحليل سلوك الفرد داخل الجماعة
ـ مساعدة الناس على فهم المشrrكالت االجتماعيrrة وتقويمهrrا بشrrكل منهجي
منظم بدل التفسيرات العاطفية والشخصية
ـ التعrrرف على التنrrوع الثقافي الهائrrل للمجتمrrع الواحrrد والمجتمعrrات
األخرى ،وكيف تؤثر ثقافة المجتمع على أنماط السلوك
ـ تقديم الوسائل الالزمة لتقويم تأثير السياسات االجتماعية
ـ تكشف تعقيدات الحياة االجتماعية وتقدم المنهج المناسب لدراستها .ثم
ـ تزويrrد المهتمين بمهrrارات ضrrرورية لفهم العالقrrات البيشخصrrية (بين
األشrrrخاص) ،interpersonal relationsوالتفكrrrير النقدي ،وجمrrrع
البيانات وتحليلها ،حل المشكالت واتخاذ القرارات.
هذا المنظور الفريد يمتلك قيمة عملية للناس عندما يقومون بrrأدوارهم ،في
العمل ،مع االصدقاء ،مع االسرة او مواطنين ،فمثال رئيس الدائرة او رب
العمل الذي لديه خبرة منهجية في علم االجتمrrاع ،من المحتمrrل بrrل األكيrrد
يملك فهما أفضل للعمrrل الجمrrاعي ،وكيrrف ان ظrrروف العمrrل تrrؤثر على
سلوك العامrل او الموظrف ،وكيrف يواجrه المشrكالت ويعمrل على إيجrاد
30
الحلول لهrا .ومثrل ذلrك ينطبrق على معلم المدرسrة الrذي سrينجح بفضrrل
درايته بعلم االجتمrاع في كيفيrة إدارة الفصrrل الدراسrي ،ودافعيrة الطلبrة،
وأسrrباب بطء التعلم الrrتي تمتrrد جrrذورها خrrارج المدرسrrة ،والمتغrrيرات
األخrrرى الrrتي تغطي الحيrrاة المهنيrrة للمعلم وتrrؤدي الى نجrrاح الطrrالب
اجتماعيا ومدرسيا.
بعض المفاهيم األساسية في علم ال اجتماع Sociological Concepts
31
دور في ان واحد ،فهو يؤدي دور طفل وشاب وبالغ وشيخ ،وطالب ورب
اسرة وسائق سrrيارة اجrrرة (بعrrد انتهrrاء عملrrه الصrrباحي) .القائمون بهrrذه
األدوار يتوقع منهم المجتمع ان يسلكوا سلوكا معينا .ويشغل االنسrrان عrrدة
أدوار في ان واحد ،فمثال المرأة قد تؤدي دور ام واخت وعاملrrة في مقهى
وزوجrة وربمrا تrؤدي دور االب واالم في وقت واحrد عنrدما يكrون االب
غائبا او مطرودا او ميتا .بعض هrrذه األدوار يمكن اشrrغالها بتنrrاغم ،ولكن
بعضها قrrد يrrؤدي الى "صrrراع األدوار" حيث تعجrrز المrrرأة عن التوفيrrق
مثال بين دورها أما ودورها عاملة بدوام كامل ،او عنrrدما تأخrrذ دور االب
واالم في وقت واحد)Haralambos 1991( .
32
السلوك المرتبط بها فيكون ان تطرق الباب قبل الدخول ،او مثال "احrrترام
حياة االنسان " قيمة والسلوك المرتبط بها ان ال تشرب الكحول وانت تقود
سيارتك .وفي بالدنا العربية بعامrrة لrrدينا معrrايير قيميrrة مختلفrة نوعrا مrrا،
فمثال ،ال يجrrوز الغنrrاء في المسrrجد او الضrrحك اثنrrاء تشrrييع الجنrrازة ،او
التعري في الشارع او الrrدخول الى مجلس من دون القاء التحيrrة ،الن هrrذ
السrrلوك مrrزعج ،ووقح ،وشrrاذة وخrrارج عن المrrألوفTaylor et al( .
)2004, Hofstede 1994
الضبط االجتماعي Social Control
الضrrبط االجتمrrاعي مفهrrوم يرتبrrط بعrrدة طrrرق ألقنrrاع او اجبrrار االفrrراد
لالمتثال لقيم المجتمع ومعاييره التي يتعلمها الفrrرد خالل عمليrrات التنشrrئة
االجتماعيrrة ،للحيلولrrة دون حrrدوث خrrدش في جrrدار االمن االجتمrrاعي.
والمجتمع أي مجتمع ،متقدم او متخلف متحضر او متوحش يمتلrrك روادع
،Sanctionsوهrrذه الrrروادع تمثrrل المكافrrأة والعقوبrrة الrrتي عن طريقهrrا
يمكن لوسائل الضبط االجتماعي تحقيrrق االمتثrrال للمعrrايير وتعزيrrز القيم.
والrروادع يمكن ان تكrون إيجابيrة (تشrجيعية) او سrلبية (عقابيrة) ،ونمrط
الردع يعتمد على جدية المعيار ،فالروادع اإليجابية تتدرج من المrrديح الى
الهدايا العينية كالحلوى لألطفال ،او شrrارة التمrrيز المدرسrrية ،الى األلقاب
الفخمة وانواط الشجاعة وامتيازات أخrrرى .امrrا الrrروادع السrrلبية فتتrrدرج
أيضا من االستهجان الى النبذ والغرامة ثم السجن .وتنقسم وسrrائل الضrrبط
االجتماعي الى وسائل رسمية ووسائل غير رسمية .سrrناتي على تفصrrيلها
الحقا)Browne 2010, Giddens 1989( .
33
خالصة Conclusion
الحصيلة التي نخرج بها في هذا الفصل هي ان الظاهرة االجتماعيrrة الrrتي
تحدث لها ما وراءها ،أي ان الظواهر ليست كما تبدو ،هناك دائمrrا الوجrrه
غير المرئي والذي يحتاج الى مجهود وخبرة علمية للكشف عنه .التrrدريب
األكاديمي الناقص يمكن ان يقدم لنا بrrاحثين ينظrrرون في األشrrياء بنصrrف
عين ،باحثين يتوقفون في منتصف الطريق يتلفتون الى الrrوراء بحثrrا عمن
ينقذهم من الورطة ،الن تأهيلهم ناقص ،وتدريبهم ناقص وتفكيرهم ناقص.
المعرفة العلمية لإلنسان والثقافة والمجتمع تحتاج الى تواصل معrrرفي مrrع
االخrrرين في حقول المعرفrrة األخrrرى ،في البلrrدان األخrrرى وربمrrا في
الكrrواكب األخrrرى ،واال سrrيبقى البrrاحث في حrrدود الرطانrrة الrrتي لم يفهم
نصفها في سني التحصيل األكاديمي.
التعريف بعلم االجتماع الذي قدمناه ال يكفي لرحلة طويلة األمد ،انه مجرد
تعريف ضمن مئات التعريفات التي كتبهrا مفكrرون في هrذا الحقل ،ولكن
ربما تكون الخطوة األولى سببا ليس فقط في التعرف على خصائص العلم
ولكن في انشاء عالقة عاطفية معه .كثيرون سrrيقرؤون نصrrف المقدمrrة ثم
يرمون الكتاب بأكملrrه خلrrف ظهrrورهم .والقراءة المجrrزأة لن تrrترك لrrدى
القارئ اثرا عندما يدخل الميدان .وكثrrيرون أيضrrا يكتفrrون بقراءة عنrrوان
الكتrrاب ثم يدخلونrrه عrrالم الرفrrوف ،وعنrrدما يحتrrاجون اليrrه في ابحrrاثهم
ودراساتهم ومحاضراتهم سيجدون صعوبة بالغة في العثور على المعلومة
التي تنقذهم من الرطانة التي تعايشوا معها عمرا.
34
ليس عبثا ترديد البعض قrrول المتنrrبي "وخrrير صrrديق في الزمrrان كتrrاب"
واني ألشفق على الجيل الرقمي الذي تعرض لغزو الشبكة العنكبوتية التي
اخذت منهم الكتاب واستبدلته بمقوالت وخزعبالت والغاز ،حتى اصrrبحت
قراءة كتاب عrrادة قديمrrة باليrrة يجب نسrrيانها ،وجrrل مrrا اخشrrاه ان يتحrrول
قارئ الكتاب الى فارس من فرسان العصور الوسطى في ندرته ومثابرتrrه
وشجاعته.
فاذا افترضنا ان أحدا سيقرأ هذا الفصل فانه سيكون قادرا على:
ـ معرفrrة الفrrرق بين علم االجتمrrاع وأصrrحاب نظريrrة "البrrديهيات؛ ،كمrrا
يمكنه التفريق بينه وبين التفسيرات الطبيعية للظواهر
ـ فهم المشكالت التي تواجه علم االجتماع عند مقارنته مع العلوم الطبيعية
ـ لماذا يعد علم االجتماع علما وليس ضربا من الرطانة
ـ ان يتعrrرف بشrrكل مrrوجز على التنشrrئة االجتماعيrrة ،والثقافrrة ،والهويrrة،
واألدوار وصراع األدوار ،القيم والمعايير والضبط االجتماعي.
هذه هي رسالة هذا الفصل فاذا احكمنا السيطرة عليه سيكون بمقدورنا ان
نجد اقداما وارضا جديدة تُدب عليهrrا هrrذه االقrrدام في رحلrrة التعrrرف على
المجتمع المعاصر بكل اشكالياته وتناقضاته وتحدياته.
35
الفصل الثاني
المجتمع المعاصر
Contemporary Society
36
المجتمع المعاصر مجاميع تهر بعضها على بعض
37
شrrخص معرفrrة عrrادات الشrrعوب وطبائعهrrا بضrrغطة زر وفي دقrrائق.
والمؤسف في هrrذا التطrrور ان الفجrrوة بين العrrالم األول (الrrدول المتقدمrrة)
والعrrالم الثrrالث (الrrدول الناميrrة) ازدادت اتسrrاعا .وبفضrrل هrrذا االتسrrاع
صارت الهيمنة على الدول اقل كلفة وأكثر فعالية ،فانكفrrأت الrrدول الفقيرة
وتحولت الى كانتونات مستهلكة تتلقى األوامر عrrبر اجهrrزة استشrrعار عن
بعد ،فاذا عزمت على التصرف باسrتقاللية مورسrت عليهrا ضrغوط اقلهrا
التجويع وأشدها التشريد كما حrrدث لrrدول مثrrل العrrراق وأفغانسrrتان وليبيrrا
وسوريا واليمن وقبلها الصومال ودول البلقان واوغنrrدا وكوريrrا الشrrمالية
وغيرهrrا .ومن تrrأثيرات التطrrور السrrريع تبrrني المجتمعrrات األقrrل تطrrورا
بعض مفrrrاهيم المجتمعrrrات األكrrrثر تطrrrورا وعاداتهrrrا وقيمهrrrا ،فمثال
المجتمعات العربية الrrتي نكصrrت الى الrrوراء بعrrد ان استشrrعرت التحrrدي
القيمي والذت بالمظاهر الدينية الشكلية زيrrا وشrrعارا وليس سrrلوكا وفعال،
لم تستطع مقاومة عملية التالقح الثقافي التي كانت تتغلغrrل سrrرا لتقويض
المعrrايير القيميrrة العربيrrة بصrrمت ،فالعالقrrة بين االنrrاث والrrذكور في
المجتمعات المتطورة تحدث خارج مؤسسrrة الrrزواج كمrrا يحrrدث في عrrالم
الحيوان ،فحيثما يلتقي اثنان ويعجب احدهما باآلخر فانهما يذهبان لتكrrوين
عالقة تشبه الزواج ولكنها سرعان ما تنفلت ويذهب كل منهمrrا للبحث عن
شrrريك جديrrد وتتكrrرر العمليrrة فتصrrبح االسrrرة المسrrتقرة نسrrبيا في حكم
الالغيrrrrة ،في البالد العربيrrrrة بrrrrدأ النrrrrاس يحتrrrrالون على القيم الدينيrrrrة
واالجتماعية وصاروا يمارسون السلوك نفسه عبر مسrrميات مثrrل الrrزواج
العrrrرفي وزواج المتعrrrة وزواج المسrrrيار ،وهي تمامrrrا تشrrrبه عالقrrrة (
38
)Boyfriend & girlfriendولكن بحيلrrة شrrرعية .التغلغrrل الثقافي لم
يقتصر على تسميم المؤسسة العائلية وانمrrا تسrrرب نحrrو تسrrميم المؤسسrrة
السياسية والمؤسسة التربوية والمؤسسة الدينيrrة ومنظومrrة القيم األخالقيrrة
بكامل عدتها وعديدها .في النهايrة سrيتم تغrييب االسrرة تمامrا ،واضrعاف
الدين الى اقصى حد ممكن وتقليل كفاءة التعليم الى حد التجهيrrل ،والعمليrrة
ماضية بهذا االتجاه ليتشكل مجتمع قائم على الفردية المطلقة فال االب وال
االم وال المدرسة وال المسجد بمقدورهم إيقاف العجلة التي يركبها الشrrباب
متأثرا بما يرى من انحالل في المجتمعrrات المتطrrورة .وبالنتيجrrة سrrتظهر
اثrrار امrrراض المجتمعrrات المتطrrورة علينrrا ،وان كrrان بعضrrها بrrدء فعال
بالظهور ،مثل انتشار المخrrدرات وزيrrادة اعrrداد الrrوالدات غrrير الشrrرعية
وتجارة الجسد والجريمة المنظمة واالعتداء على الحقوق العامة ،هrrذا الى
جانب االمrrراض النفسrrية لrrدى األطفrrال غrrير الشrrرعيين واألطفrrال الrrذين
يعانون من الحرمان العاطفي بسrrبب التفكrrك العrrائلي .هrrذه هي "العولمrrة"
التي ستقودنا الى الالمكان.
اإلحساس بالمجتمع Making Sense of Societyبغض النظر عن
درجة تطور المجتمعات ودرجة تعقيrrدها ،فrrان االنسrrان سrrوف لن يتحrrول
الى كائن فضائي يتحرك بطريقة مبرمجrrة الكترونيrrا ،سrrيبقى بحاجrrة الى
المجتمع .ربما تتغير درجة االمتثال للمعايير ،وربما تتغrrير انمrrاط االسrrرة
وربما تتبدل العادات والتقاليد ولكن يبقى االنسان كائنا اجتماعيrrا كمrrا كrrان
منذ االزل ،ال يستطيع ان يحيrrا في فrrراغ وال في فوضrrى تامrrة .لقد أدرك
دوركهrrايم مبكrrرا اول لغrrز حقيقي للحيrrاة االجتماعيrrة فrrاألفراد يموتrrون،
39
ويولد غrrيرهم والمجتمrrع يسrrتمر ،انrrه تمامrrا مثrrل النrrادي الرياضrrي الrrذي
يحتفظ فريقه بخصائصه واسلوبه في اللعب عrrبر الrrزمن ،على الrrرغم من
ان العبيه ومدربيه يذهبون او يسrتبدلون بغrيرهم .ربمrا يحrدث مrدرب او
العب تغييرا جوهريا على مستوى أداء الفريق وأسلوب لعبrrه ويقوده الى
نجاح او اخفاق .بالطريقة نفسها يعمrل المجتمrع ،افrrراد يrذهبون واخrرون
يأتون ،أشrياء كثrيرة تسrتمر عrبر الrزمن ،مثrل اللغrة ،والكتابrة ،والrدين،
واالسrrرة ،والملكيrrة الخاصrrة ،واالدب ،والطrrرز المعماريrrة واالحسrrاس
بالتاريخ والهوية ،وهذه أيضا قابلة للتغير والتبrrدل والتحrrول ،ولكنهrrا تبقى
تحت العنوان نفسه ،لذلك من الخطأ التفكير بrrان مؤسسrrات المجتمrrع يمكن
ان تكون قيدا على الفعل الفردي ،ربما تكون المعادلة معكوسة فمؤسسrrات
المجتمع تعمل على جعل الحياة االجتماعية ممكنة ،وتrrزود االفrrراد باللغrrة
التي تمنحهم القدرة على االتصrrال والتفاعrrل ،قrrد تتغrrير اللغrrة أيضrrا ولكن
االتصال والتفاعل عبر اللغة سيبقى ابديا ،واللغrrة احrrدى مكونrrات الثقافrrة،
لrrrذلك فrrrان الثقافrrrة سrrrتبقى بكrrrل مكوناتهrrrا وستسrrrتمر بتزويrrrد االفrrrراد
بالمشتركات .ابعاد المجتمع وإحالل الفرد محله لن يجعrrل الفrrرد حrrرا الن
الفرد بحاجrrة الى المجتمrrع لكي يبقى انسrrانا او كمrrا قrrال كrrارل مrrاركس (
)Marx 1976:174االنسrrان ليس كائنrrا مجrrردا يعيش خrrارج العrrالم،
االنسrrان عالمrrه االنسrrان والدولrrة والمجتمrrع Man is the world of
.man, the state, and societyلهذا ال يؤيد اغلب علماء االجتمrrاع
حياة الفوضى ،ولكنهم يدفعون باتجاه تغيير مؤسسات المجتمع واصالحها.
لنأخذ مثال العالقة بين اإلباء واالبناء والتي تمثrrل حجrrر األسrrاس في بنrrاء
40
المجتمع ،قد ال يكون القارئ أبrrا ،ولكنrrه حتمrrا ابنrrا او بنتrrا ألبrrوين ،وهمrrا
اللذان يعلمان األبناء القيام بأدوارهم .والسrrؤال هrrو مrrا الrrذي يجعrrل بعض
األبناء جيدين وبعضهم سيئين؟ على افrrتراض ان االبrrوين تعّرضrrا الزمrrة
ماليrrة او صrrحية وأصrrبحا بحاجrrة الى مسrrاعدة األبنrrاء .هrrل هم ملزمrrون
بتقديمها لهما؟ في المجتمع الصناعي المتقدم ربما يتعرض األبناء لضغوط
من موظفي الخدمة االجتماعيrrة إلعانrrة االبrrوين ،فrrان لم يفعلrrوا وغالبrrا ال
يفعلون فان السلطات المحليrة قrrد تقدم بعض العrون او تسrتخدم مrدخرات
االبوين لمساعدتهما .قrد يشrعر بعض األبنrاء بrان عليهم التزامrا لمسrاعدة
االبrrوين ،لكن ذلrrك ال يحrrدث بفعrrل ضrrغط اجتمrrاعي وانمrrا بفعrrل ضrrغط
أخالقي .الموقف ربما يكون مختلفا جدا في المجتمعات األقل تقدما والrrتي
ليس لديها نظام رعاية اجتماعية فعّال السّrrيما في البالد العربيrrة ،حيث ان
سمعة االسرة تعتمد كليا على التوقعات االجتماعية ،فان تrrردد األبنrrاء عن
مساعدة الوالدين فانهم والشrrك سيتعرضrrون لعقوبrrات اجتماعيrrة (وليسrrت
عقوبات رسمية) ،عقوبات قد تأخذ شكل اإلدانrrة ،او االسrrتهجان او النظrrر
اليهم بنظرة دونية ،وقد تصل العقوبات الى اإلهانrrة المباشrrرة على مrrرأى
ومسrrمع افrrراد المجتمrrع المحلي ،ثم تضrrرب بهم االمثrrال للتنrrدر ولتrrذكير
األبنrrاء بrrالتزامهم األخالقي إزاء االبrrوين "هrrل تريrrد ان تكrrون مثrrل فالن
الذي ترك امه في المشفى وهو يملك ما يكفي لعالجها" او "مثrrل ابن فالن
الذي ارسل ابوه لدار العجزة إرضاء لزوجته" مثل هذه العقوبrrات سrrتكون
روادع لآلخرين .ولكن في مجتمع يتجه بقوة نحrrو االسrrرة النوويrrة ونحrrو
الفردية ،من المتوقع ان تضعف الروادع األخالقية ،السيما وان خصائص
41
المجتمع المحلي في المدن الكبيرة بدأت تتالشى وتتحول االسرة الى وحدة
مستقلة وبالتالي سrrتتولد انمrrاط قيميrrة جديrrدة وتوقعrrات جديrrدة يكrrون فيهrrا
األبنrrاء في منrrأى عن الضrrغوط االجتماعيrrة ،ويكrrون على اإلبrrاء تrrامين
حياتهم عند الكrrبر او الحاجrrة بعيrrدا عن التوقعrrات .في سrrياق ذلrrك يقترح
علمrrاء االجتمrrاع ( )Bilton et al 2002ان تقوم الهيrrأة االجتماعيrrة
وأصrrحاب القرار بrrإجراءات صrrارمة لتعزيrrز قيم اجتماعيrrة مرغوبrrة
للوقوف بوجه التغيrrير النrrاتج عن الحريrrات الفرديrrة السrrائبة ،لكيال تظهrrر
حركات مثل "طالبrان والقاعrدة" والحركrات المتطرفrrة األخrرى لتفrرض
أنظمة بطريركية ظالمة تعود بنا قرون الى الوراء بحجة مواجهrrة األفكrrار
الغربيrrة او تعمrrل كأنهrrا رد فعrrل على غيrrاب منظومrrات القيم الrrتي تحمي
االنسان وتحمي المجتمع من االنحالل والتفكك.
وفي ضوء ذلك فان السلطة االجتماعية وسلطة الدولة يمكن ان تrrؤثر على
المجتمع تأثيرا بالغrrا .أحيانrrا تفسrrر بعض األشrrياء خطrrأ ،حيث تعrrد بعض
القضrrايا الكبrrيرة وكأنهrrا خrrارج السrrيطرة ،او هي قrrدر ُك تب علينrrا ،مثrrل
ظهور داعش ISISاو الفقر او الجهل او المرض ،ولكن عند النظر اليهrrا
بإمعان نجد انها ليسrrت ظrrواهر طبيعيrrة ال يمكن السrrيطرة عليهrrا ،ولكنهrrا
مشrrكالت من صrrناعة البشrrر لهrrا عالقrrة بالفسrrاد االقتصrrادي ،والسياسrrي
والثقافي .وامثلة ذلك كثيرة في الغرب وفي الشرق .ففي البالد المتطrrورة،
ظهر جنون البقر mad cow diseasesوانفلrونزا الخنrازير (Swine
)flueوانفلونزا الطيrrور ( )Avian Flueوفrrيروس االيبrrوالِ (،)Ebola
42
يقابهrrا الفقر والمrrرض وتخلrrف البrrنى التحتيrrة ،وسrrوء التعليم والخrrدمات
العامة ،في البلدان النائمة ،وكال منهما سببه الفساد السياسي واالقتصادي.
عrrدد كبrrير من علمrrاء االجتمrrاع (Dürrschmidt &Taylor 2007,
)Giddens 1990بدأوا يقرعون أجراس الخطر ،الى اننا نشهد مرحلrrة
انعدام الثقة بالسياسيين ،والعلماء وأدوات السrrلطة ،فالحقبrrة الحاليrrة دخلت
مرحلrrة العلمانيrrة التامrrة ،وانحسrrار السrrلطة الدينيrrة ،فيمrrا عrrدا المسrrاهمة
الشكلية في ممارسة الطقوس او المناسrrبات الدينيrrة ،كمrrا ان هنrrاك تناميrrا
ملحوظrrا في تآكrrل الثقة في قواعrrد اجتماعيrrة تقليديrrة كمؤسسrrات الدولrrة،
والعلوم ،والمهنيين .Professionalsفي بالدنا العربية سار أغلب رجال
الدين فيها على نهج نظرائهم في البالد المتطrrورة فحولrrوا الrrدين الى لعبrrة
خادعة عن طريقها تم تدمير المجتمع وافساد مؤسسrrاته وذلrrك عنrrدما لبس
اللصrrوص عمrrائم واسrrتخدموها لتهrrريب المخrrدرات؛ او عنrrدما يrrؤدون
الصالة والصيام والحج حفاة عراة وتحت جلودهم سكاكين حrrادة يطعنrrون
بها المجتمع والدين وأصحاب اليقين من الخلف .ان انعدام الثقة بالسياسيين
ورجال السلطة مسالة تقليدية يمكن لحد ما قبولها ولكن انعدام الثقة برجrال
الدين في مجتمع متدين بالعادة خطير جدا ،ذلrrك الن الrrدين هويrrة االنسrrان
والمجتمع وإذا فقد المجتمع هويتrه تحrول الى مrا يشrبه القطعrان الشrاردة.
علمrrاء اجتمrrاع مثrrل عrrالم االجتمrrاع األلمrrاني )Ulrich Beck (1992
حذروا من ان المجتمع المعاصر مجتمع معبأ بالشrrكوك ،مrrتزعزع وغrrير
آمن وهو على حrrد تعبrrير العrrالم Beckمجتمrrع خطrrر ،Risk Society
فعندما يّسوق لنا لحم فاسrد وبيض منتهي الصrrالحية وفاكهrة معدلrة جينيrا
43
ومنتجات مسرطنة عنrrدها يكrrون الخطrrر وانعrrدام الثقة في قلب الصrrناعة
والزراعة والسياسة والدين وعندها أيضا يكون المجتمع البشrrري بال شrrك
على حافة الهاويةBilton et al (2002) .
هذه صورة المجتمع الحديث ،فهل ارتبط الخطر بالحداثة وما بعrrد الحداثrrة
ثم العولمة؟ لنقف أوال عند مفهوم علم االجتمrrاع االنعكاسrrي قبrrل الوقrrوف
عند اشكالية الحداثة والعولمة.
علم االجتماع االنعكاسي Reflexive Sociology
علماء االجتماع األوائل كانوا يظنون ان علم االجتماع سيمكنهم من التنبrrؤ
بما سيحدث للمجتمع ،ولكن ثبت ان ذلك مجرد طموح ،بيد ان هrrذا الفrrرع
من فروع المعرفة يمكنه المساعدة في فهم لماذا تتجه األشياء هrrذا االتجrrاه
وليس باتجاه اخrر ،كمrا يمكنrه المسrاعدة في التفكrير ببrدائل خّالقrة ،لهrذا
السrrبب أراد علمrrاء االجتمrrاع المعاصrrر ان يكrrون علم االجتمrrاع علمrrا
انعكاسrrيا .لقد حrrاولوا فهم المجتمrrع ،ثم عملrrوا على ضrrخ المعرفrrة الrrتي
اكتسبوها للحياة االجتماعية.
يقول جدنز (“ )Giddens 1991: 38االنعكاسية في الحياة االجتماعية
الحديثة تتجسد في حقيقة الممارسة االجتماعية ،التي تتعرض لالمتحان
بشكل دائم وتعيد تشكيل نفسها في ضوء المعلومات عن اولئك الذين
يقومون بالفعل االجتماعي ،ولذلك فأنها تعمل على تبديل خصائصها
مؤسسيا مما يستلزم ان نكون على درجة من الوضوح بشأن هذه
الظاهرة ،فكل اشكال الحياة االجتماعية جزئيا تتشكل بوساطة المعرفة
التي يمتلكها الفاعلون ،Actorsمعرفة كيف تمضي األشياء قدما ...في
44
كل الثقافات الممارسة االجتماعية تتبدل بشكل تلقائي في ضوء
االكتشافات المتسارعة" وعلى هذا فان التأثير الفعلي للعلوم اإلنسانية
سrrيكون عميقا وال يسrrتغنى عنrrه ،المجتمعrrات الحديثrrة ومؤسسrrاتها تشrrبه
مكائن عاقلة تجمع المعلومات من اجل الوصول الى الفهم الشrrامل لنفسrrها.
المجتمعrrات القادرة على الفعrrل االنعكاسrrي وحrrدها القادرة على تعrrديل
مؤسساتها في وجه التغير المتسrrارع ،وهي وحrrدها القادرة على مواجهrrة
المستقبل بثقة ،وسيكون علم االجتماع الوسيط الرئيس في هذه االنعكاسية.
وعلى أي حال ،ان مفهوم علم االجتماع االنعكاسrrي ليس اكتشrrافا عبقريrrا،
ولكنه يمكن ان يساعد على إدراك اهمية الفهم االجتماعي في عrrالم اليrrوم.
ولم يقل جدنز فيما تقدم ان علماء االجتمrrاع يعرفrrون االحسrrن وفي الrrوقت
نفسه لم يقل انهم ال يستطيعون التخطيط للتنمية االجتماعية .ولكنه أراد ان
يقول ان الناس الذين يقومون بتغيير المجتمع ليس علماء االجتمrrاع ،وانمrrا
أعضاء المجتمrrع الrrذين يملكrrون نوعrrا من السrrلطة واالدارة والقدرة على
التنفيذ .المعرفة العلمية للمجتمع مصدر يمكن لهؤالء االعتماد عليها عندما
يريrrدون القيrrام بإحrrداث تغيrrير اجتمrrاعي .وفي كrrل األحrrوال فrrان بrrرامج
اإلصالح او الثورة ليست الوحيدة التي تستخدم المعرفة االجتماعية ،وانما
كلنا نحتاج إطار عمل معرفي لتفسير عالمنا والعمل من اجله ،لذا فrrان علم
المجتمع هو مصدر مهم واحد من بين العديد من مصrrادر المعرفrrة ،وهrrذا
يعني ان علم االجتماع ال يقوم بدور الناقد بالنيابة عن افrrراد المجتمrrع ،وال
يحدد لهم مسار مستقبلهم .ومع ذلك فان علم االجتماع لrrه بعrrد نقدي يمكن
45
ان يقدم للناس فهما أفضل لموقعهم االجتمrاعي ،السrيما إلصrحاب القرار
الذين يملكون السلطة والثروة وإمكانيات التغيير.
منrrذ نصrrف قrrرن أكrrد كولrrدنر (( Gouldner 1971على ازمrrة علم
االجتمrrrاع الغrrrربي ،معارضrrrا بشrrrدة التركrrrيز على النظrrrام االجتمrrrاعي
واستمراريته لصrrالح دراسrrة التغrrير والصrrراع والتجديrrد االجتمrrاعي عن
طريق الفعل ،وكان الحل الrrذي قدمrrه إيجrrاد علم اجتمrrاع انعكاسrrي ،وهrrو
المناسب لعالم اليوم .ومنذ ذلك التاريخ أصبح اغلب علماء االجتمrrاع أكrrثر
حذرا في التعامل مع فكرة دور علم االجتماع الرائد في التغيrrير الجrrذري،
وبدال من ذلك اتجهوا لتبني ما قاله انتوني جدنز ( )Giddens 1984عن
فكrrرة إعrrادة تrrدوير Recursivenessالمعرفrrة االجتماعيrrة ،ذلrrك ان
المعرفة االجتماعية قطعا ليست محايدة كليا او مستقلة بسبب انهrrا تسrrتخدم
بوسrrاطة أنrrاس يعملrrون على تفسrrير مجتمعهم وإعrrادة تشrrكيله ،وهrrذا هrrو
المجتمع الذي يقوم علم االجتمrاع بدراسrته ،لهrذا فrان دراسrته تحتrاج الى
تجديrrد ،والمعرفrrة الجديrrدة ينبغي ان يعrrاد تrrدويرها للحيrrاة االجتماعيrrة..
التفاعل الحلقي او الrrدائري Looping interactionبين علم االجتمrrاع
والحيrrاة االجتماعيrrة لrrه نتrrائج غايrrة في األهميrrة ،لrrذا يتعين على علمrrاء
االجتماع العمل من اجل تزويد الحياة االجتماعيrrة بالمعرفrrة المتجrrددة عن
مجتمع مؤقت وسريع التغيير ،وهذا التغrrير السrrريع ال تنفrrع معrrه القوالب
الجrrrاهزة ،وعليrrrه فrrrان علم االجتمrrrاع كمrrrا يقول بومrrrان (Bauman
)1992:213ينبغي ان يكrrون “اشrrبه بدوامrrة في نهrrر سrrريع الجريrrان،
دوامة تعيد تشكيل نفسrها باسrتمرار وتبrدل محتواهrا طrوال الrوقت ،وعلم
46
االجتماع بهذا المعنى يقوم بتسجيل االحداث ،وتفسيرها واعادتها للمجتمrrع
نفسه".
لكل ذلrrك ،علمrrاء االجتمrrاع ال يكتبrrون مخطوطrrات على هيئrrة طالسrrم او
تكهنات تكشف اسرار المستقبل ،وال يملكون القدرة الن يقولrوا للنrاس أي
القيم يجب ان يؤمنوا بها ،وال يستطيعون القول أي األهداف او الطموحات
او أي االحالم تكrrون في صrrrالحهم ،صrrrناعة المسrrتقبل بأيrrدي أعضrrrاء
المجتمع ،وفي كل األحوال ،نحن لسنا احرارا لنعمل كما نحب ،الن الحياة
االجتماعية تتشكل بتrrأثير عوامrrل عديrrدة بعضrrها مقدور عليهrrا وبعضrrها
االخر خrrارج السrrيطرة ،وهrrذه هي مشrrكلة اننrrا نحيrrا في مجتمrrع متحrrرك
متبدل تتداخل فيه عوامل كثيرة التنrrوع لتشrrكل سrrلوكنا الrrذي يتناسrrب مrrع
سرعة التبدالت .لنأخذ مثال العالقة العاطفيrrة بين اثrrنين .فقبrrل ثالثين سrrنة
من االن لم يكن مسrrموحا للفتrrاة ان تختrrار شrrريكها او تقيم معrrه عالقrrة
عاطفية خارج سلطة التقاليrrد العائليrrة( ،مrrاتزال طبعrrا كثrrير من العrrائالت
تعارض أية عالقة خارج مؤسسة الزواج في مجتمع تقليدي مثل مجتمعنا)
كان الشاب يبحث عن شريكته عن طريق امه او اخته ،او انه يرى طrrرف
ثوب واحدة من بنات الجيران او االقرباء او األصrrدقاء فيتمسrrك بهrrا ،ولن
يصل اليها قبل ان يجتاز سلسrrلة إجrrراءات معروفrrة .االن وبسrrبب دخrrول
المرأة الواسع ميدان العمل اغلب الزواجات تحدث نتيجة عالقة اعجاب او
حب .عالقrrة الحب او االعجrrاب هrrذه مسrrألة شخصrrية فريrrدة ،تقوم على
الكيمياء الشخصية للمتحrrابين ،قrrد تحrrدث عشrrوائيا من غrير تخطيrrط ومن
دون سابق معرفة ،وقد تحدث في غرفة مزحومة بالفتيان والفتيات كما في
47
دوائrrر الحكومrrة او الجامعrrات ،ولكن االختيrrار يقع على احrrداهن او على
أحدهم .في عالقة شخصية من هذا النوع ال عالقة لعلم االجتماع بها .االن
كمrrا في الماضrrي يتم اختيrrار الشrrريك من المسrrتوى االجتمrrاعي والثقافي
والديني والعرقي والتعليمي نفسه ،مrrع قليrrل من االسrrتثناءات ،فrrاذا فشrrلت
هذه العالقات وأدت الى الطالق ،فهي مسألة شخصية أيضا ال عالقrrة لعلم
االجتماع بها ،ولكن عند اخضاع هذه العالقة لمستوى التحليل االجتمrrاعي
فإننا نقف عند حقيقة انrrه حrrتى المسrrائل العاطفيrrة بين اثrrنين تتشrrكل غالبrrا
بتrrأثير ظrrروف اجتماعيrrة فمثال الشrrخص الrrذي/الrrتي تقع في حبrrه على
االرجح يتم الحصول على معلومات عنه عن طريق الحلقات القريبة الrrتي
نشrأ فيهrا ،وهي بدرجrة مrا تتrأثر بrالمجتمع المحلي الrذي يعيشrان فيrه او
المؤسسات التي يعمالن بها ( الدائرة الوظيفية ،المؤسسة الدينية ،الجامعة،
الجيرة...الخ) وهذا يعني ان العالقة العاطفية بين اثنين خرجت من اطارها
الفردي وتحولت الى ظاهرة ،والن ظاهرة من هذا النوع تتبدل بسرعة مع
تبدل الفعل االجتماعي فان البحث عنها يصبح الزما ،ذلك ان زواج المتعة
او المسيار او الزواج العرفي لم يكن مألوفا قبل اقل من عقدين من الrrزمن
ولما صار مألوفا فان علم االجتماع ال يقف الى جانب العrrرف االجتمrrاعي
إلدانة هذه الظاهرة ولكن مسrrؤوليته تفسrrيرها والبحث عن أسrrبابها وبrrذلك
يكون علم االجتماع انعكاسيا وليس َح كمrrا بين النrrاس والمعrrايير .انعكاسrrيا
بمعنى انه يحصrrل على معلومrات عمrا وراء الظrاهرة ثم يعيrد ضrrخ هrذه
المعلومات للمجتمع بوسائل معروفة.
48
مشكلة علم االجتماع الحديث تكمن في قدرته على تحصrrيل المعلومrrات ثم
تدويرها ،ولكن السؤال من المسؤول أوال عن التبدل السريع؟ وكيف يمكن
لعلمrrاء وطالب علم االجتمrrاع اللحrrاق بrrه؟ البrrد اذن من تسrrليط األضrrواء
على الحداثة ،وما بعد الحداثة والعولمة وعالقتهما بrrالتغييرات المتسrrارعة
في الحياة االجتماعية.
الحداثة Modernity
في لغتنا اليومية نعني بالحداثة ،الrrوقت الحاضrrر Up-to-dateاو الrrوقت
المعاصrrر ،لكن علمrrاء االجتمrrاع يسrrتخدمونها بمعrrنى مختلrrف تمامrrا ،هم
يرون ان لهrrا تاريخrrا طrrويال ،فالمجتمعrrات الحديثrrة وعلم االجتمrrاع نفسrrه
نشrrrrأوا في حقبrrrrة تعrrrrرف بحقبrrrrة التحrrrrوالت العظيمrrrrة the great
transformationوهذا المصطلح يشير الى حجم التغيرات الrrتي حrrدثت
في هذا الوقت ،وهذه التحوالت التي انطوت على خلق عمليات اجتماعية،
اقتصrrادية ،سياسrrية وثقافيrrة معقدة أدت الى إيجrrاد أشrrكال جديrrدة للحيrrاة
االجتماعية .طبيعة هذه التحوالت تجعrrل من الصrrعب جrrدا إعطrrاء تrrاريخ
محrrدد لمفهrrوم الحداثrrة ،وكrrل مrrا يمكن ان يقال انهrrا ارتبطت بمجتمعrrات
اوربrrا الغربيrrة ،وعلى الrrرغم من ان بrrدايات الحداثrrة يمكن تتبعهrrا لمئrrات
السنين اال انها ظهرت بشكل واضح في القرن التاسع عشر وبدايات القرن
العشرينBilton et al (2002) .
نظرية الحداثة هي مزيج من النظرية الوظيفية في علم االجتماع واألفكrrار
االقتصادية التقليدية .من وجهة نظر بعض منظrrري الحداثrrة ،ان المجتمrrع
الحديث هو المجتمع الرأسrrمالي على الطريقة االمريكيrrة ،ويrrراه اخrrرون
49
على الطريقة السويدية التي تعطي للملكية الخاصrrة دورا وللملكيrrة العامrrة
دورا اخر مrrع إنفrrاق كبrrير على المرافrrق العامrrة .هrrذه اذن هي مجتمعrrات
الحداثة ،التي تكون قد اجتازت حاجز التنميrrة نحrrو الرفاهيrrة .االمrrر يبrrدو
اقتصاديا بالدرجrrة األولى يتبعهrrا بالضrrرورة تغrrيرا في وظrrائف المجتمrrع
وانسrاقه وطبيعrة العالقrات والتفrاعالت الrتي تrؤدي الى خلrق منظومrات
قيمية استهالكية خارج حدود المألوف، )Gomm 1989( .
لقد كrrان لعrrالم االقتصrrاد األمrrريكي والrrتر روسrrتاوWalter Rostow
) (1971تأثير كبير في توضrrيح مفهrrوم التغrrير االجتمrrاعي الrrذي قrrاد الي
مرحلة ما يسrrمى (الحداثrrة) ،بتأكيrrده على ان المجتمعrrات الrrتي اسrrتثمرت
راس المال واسrrتخدمت المكننrrة ومrrا رافقهrrا من تطrrور في البrrنى التحتيrrة
أوصلها الى نقطة معينة من التطور الصناعي ،بحيث صrrار بمقدورها ان
تنطلق وتديم نفسها .وعندما حدث ذلك كان البد ان تستجيب كل مؤسسrrات
المجتمع لعمليات التحديث .مrاكس فيrبر Weber ))1930يعrد من اوائrل
المسrrاهمين في تحديrrد مفهrrوم الحداثrrة اذ انrrه أشrrار الى أن صrrعود نجم
الرأسمالية في غrرب اوربrا وانكلrترا وليس في العrالم اإلسrالمي او الهنrد
والصrrين يعrrود الى ان الثقافrrة الغربيrrة تنطrrوي على مالمح تتrrواءم مrrع
التطور الرأسمالي؛ فالدين المسيحي البروتستانتي على وجه التحديد يؤكrrد
على المسؤولية الشخصية والمبادرة الفردية ،ويسrمح للفrرد بخدمrة الrرب
عن طريrrق انشrrطته اليوميrrة اكrrثر من انقيrrاده للنظrrام الrrديني ،بمعrrنى ان
األنشطة الدنيوية mundane activitiesالتي يتم فيها كسب المال ينبغي
ان يحتفى بها على إنها خدمة للرب االله ،وال ُيكترث للدوافع الدينية الrrتي
50
كانت تقف ضد المشاريع االقتصادية .الواقع ان مrrاكس فيrrبر في انتصrrاره
للنظام الرأسمالي القائم على العقيدة البروتستانتية يبرر السلوك النفعي أيrrا
كrrان مصrrدر تحصrrيله وبأيrrة وسrrيلة ،كمrrا انrrه يشrrدد على أهميrrة التعامrrل
الربوي الذي يؤدي الى االسrrتغالل وفي الrrوقت نفسrrه تrrراكم راس المrrال،
وهrrrو مrrrا يتعrrrارض مrrrع العقيrrrدة اإلسrrrالمية ،والهندوسrrrية والبوذيrrrة
والكونفوشيوسية في الهند والصين ،ولهذا كان ماكس فيبر موضrrع اهتمrrام
النظrrام الرأسrrمالي ،حrrتى ُع ّد نrrبي الرأسrrمالية األول نكايrrة برفيقة كrrارل
مrrاركس الrrذي انتقد النظrrام الرأسrrمالي بشrrدة وع ّrد ه مرحلrrة من مراحrrل
التطrrور الrrتي تنتهي بثrrورة البروليتاريrrة وتغrrير ملكيrrة وسrrائل اإلنتrrاج
وادواته .طبعا أدرك العrrالم الرأسrrمالي الحrrديث خطrrورة مrrا اسrrماه كrrارل
ماركس "صراع االضداد" وادخلوا تعديالت جوهرية على قواعrrد العمrrل
الرأسمالي مما اطال في عمره حتى اليrrوم ،ولكنrrه في النتيجrrة سrrيتآكل من
الrrداخل لكrrثرة التناقضrrات واالسrrتغالل الطبقي ،والrrدليل ان اغلب النظم
الرأسمالية الحديثة بrrدأت تrrتراجع بسrrرعة امrrام الزحrrف الصrrيني األقrrرب
لالشتراكية الماركسrrية ،وليس من شrrك لrrدي في ان القرن القادم سrrيكون
قرنا صينيا بامتياز.
نظرية الحداثة اذن تعتقد ان المجتمعات التي تمتلك الخصائص التي تعمrrل
على انسيابية راس المال بسهولة ويسrrر ،بينمrrا المجتمعrrات األقrrل تطrrورا
تمتلك خصائص من شانها ان تعيق التغير نحو الرأسrrمالية وتجعلrrه صrrعبا
للغاية.
51
نظريrrة الحداثrrة من وجهrrة نظrrر أخrrرى هي وليrrدة مدرسrrة علم االجتمrrاع
التطورية في القرن التاسع عشر والrrتي تزعمهrrا كrrل من اوكسrrت كrrونت،
وهيربرت سبنسر ،وفرديناند تونيز واميل دوركهايم ،وهذه المدرسة تعتقد
ان المجتمعrات البشrرية تطrورت باالتجrاه نفسrه عrبر الrزمن في مراحrل
متعاقبrrة .وعلى الrrرغم من ان هrrؤالء العلمrrاء يختلفrrون في فهمهم لهrrذه
المراحrrل اال انهم يتفقون على ان المجتمعrrات األكrrثر تقدما تنحrrدر من
مجتمعات بسrrيطة ،وان المجتمعrrات األقrrل تقدما ربمrrا تعrrثرت لسrrبب من
األسباب ولكنها ستتبع في تطورها خط سير المجتمعات التي سبقتها نفسه.
منّظرو الحداثة يعتقدون مثلمrrا كrrان اسrrالفهم التطوريrrون ،ان المجتمعrrات
الغربية هي النموذج الذي سيتخذه نظرائهم في المجتمعات األخrrرى األقrrل
تطورا ،ولكي يتحقق ذلrك البrد لهrذه المجتمعrات من الrدخول في مرحلrة
التصنيع التي ُتعد القوة المحركة للتحرر والتقدم ،ومنافع التصrrنيع سrrتكون
اكبر بكثير من مسrrاوئها ،وسrrيكون الصrrراع والمعانrrاة الrrتي تواجههrrا في
مرحلة التحول من النظام الrrزراعي الى النظrrام الصrrناعي امrrرا البrrد منrrه
ولكن النتrrائج تسrrتحق الصrrبر والتضrrحية ،ذلrrك ان الrrثروة الrrتي سrrتتولد
ستصيب جميع أعضاء الهيأة االجتماعية في النهاية ،ولكن المشrrكلة تبقى،
الى حد ما ،قائمة طالما ان التطور التكنولوجي يحدث في الدول الصناعية
ثم يتم نقل هrrذه التكنولوجيrrا للمجتمعrrات األقrrل تطrrورا ،بمعrrنى ان هrrذه
المجتمعrrات سrrتظل تفتقر للقاعrrدة االجتماعيrrة للتطrrور التكنولrrوجي وان
التغير الذي حدث هو باألصل حدث من خارج هذه المجتمعات ،ولrrذلك لن
يكون التغير جوهريا كما هو شانه في دول المنشأ ،مما يحول دون حدوث
52
تقدم حقيقي على الصعيد االجتماعي ،وسيكون للقوى المعيقة للتقدم دوٌر
في تخريب عملية التغير ما لم يحدث تبدل حقيقي في المجال االقتصrrادي،
الثقافي والسياسي ،وهي من اهم مقومات التصنيع والحداثة.
في المجال الثقافي تحتاج المجتمعات األقل تطورا الى تبني قيم واتجاهات
وممارسrrrات سrrrلوكية حديثrrrة من النrrrوع التحrrrرري نفسrrrه الrrrذي شrrrجع
المجتمعات الغربية .،وفي المجrrال االقتصrrادي يتعين تطrrوير نظrrام التعليم
من اجل تهذيب وتدريب القوى العاملة ،كمrrا يتعين قبrrول السrrكان لألفكrrار
االقتصادية الحديثة ،بما في ذلك اعتماد مبادئ العمل مدفوع الثمن ،والدقة
في استخدام الزمن ،بساعات عمل محددة والتزام بقواعد العمل الذي يتلقى
عليrrه االفrrراد اجrrرا ،وفي الrrوقت نفسrrه ال بrrد من وضrrع معrrايير لتقدير
اإلنجاز ،والمشاريع الفردية والعائد المادي ،كمrrا ينبغي تعلم ادخrrار المrrال
واستثماره في المشrrاريع االقتصrrادية والمصrrارف ،والبrrد من قبrrول فكrrرة
الحrrراك االجتمrrاعي الواسrrعة وتغيrrير نمrrط السrrكن التقليrrدي الى نمrrط
حضريTaylor et al (2004) .
ان أصل "الحداثة" كان قrrد اسrrتلزم عrrددا من العمليrrات المتداخلrrة ،نrrوجز
فيما يأتي أهمها:
1-سrrرعة القدرات اإلنتاجيrrة واسrrتمراريتها عن طريrrق األنشrrطة
االقتصrrادية وطرائrrق العمrrل الجديrrدة .ان العوامrrل الحاسrrمة للمجتمعrrات
الحديثة هو تبنيها انماطا من انتاج الغذاء على درجة من الكفاءة ،واستبدال
الزراعة بنمط انتاج صناعي هيمن على مجمل النشاط االقتصادي .الواقrrع
ان اإلنتاج الصناعي يعود الى عدة مئات من السنين ،والجديrrد فيrrه هrrو ان
53
الثورة الصناعية كrrانت قrrد وضrrعت اسسrrا جديrrدة للتنظيم والسrrيطرة على
اإلنتrاج ،ونظrام المعمrل مثال احكم سrيطرته على العمrال ،وسrمح بتقسrيم
معقد للعمل عبر تجزئ الواجب الى أجزاء صغيرة جrrدا باسrrتخدام الحrrزام
الناقل الrذي قrاد الي نمrط اإلنتrاج الواسrع الrذي ادي بrدوره الي انخفrاض
أسعار السلع (على وفق نظرية العرض والطلب)
2-بشrrrائر التصrrrنيع ،هي تطrrrوير اشrrrكال ديناميكيrrrة جديrrrدة للنشrrrاط
االقتصrادي ،تتمحrور حrول راس المrال والفائrدة ،والrتي كrان لهrا الrدور
الحاسم في نمو االنتاج الصناعي ،وقد استحدث النظام الرأسمالي اتجاهات
ومؤسسات جديدة غايتها األولى الحصول على الربح ،وكان السوق يعمrrل
محركا أساسrrيا للحيrrاة اإلنتاجيrrة ،وأصrrبحت البضrrائع والخrrدمات والعمrrل
سلعا تخضع لحسابات عقالنية.
3-أصبح هناك تغيرا جوهريا في نمو السكان والحراك االجتمrrاعي ،وقrrد
ازداد معدل الوالدات وانخفض معدل الوفيات ،وفي ذلك تشrrير التقديرات
االحصائية لنمو السrrكان في اوربrrا الى انهrrا تسrrارعت بشrrكل كبrrير ،حيث
كان سكان اوربا كلها عام 1750ال يزيد عن 120مليون نسrrمة ثم صrrار
468مليونrrا في عrrام ،1913وشrrهدت هrrذه الحقبrrة ازديrrاد حجم الحيrrاة
الحضرية عبر عملية نزوح واسعة من الريف الى المدينة.
4-شهدت الحداثة شrكال جديrدا من اشrكال النظrام الحكrومي ،ونشrات في
هذه الحقبة الدولة الوطنية التي لها كامل السيطرة على حدودها الجغرافية-
السكانية ،وصار لها سلطة موحدة ،كما أدت الحداثة دورا رئيسrrا في نشrrأة
النظم السياسية عالية الطور ،والتي أصrrبح لهrrا دور مهم في حيrrاة النrrاس،
54
ترافrrق ذلrrك مrrع بrrزوغ أفكrrار سياسrrية جديrrدة مثrrل القوميrrة ،والمواطنrrة،
والديمقراطية ،والمحافظة ،واللبرالية واالشتراكية.
5-وأخrrrيرا التمrrrدد األوربي في العrrrالم كrrrان عrrrامال حاسrrrما في نشrrrوء
المجتمعات الحديثة ،فمنذ القرن الخامس عشر بدأت الهيمنة االوربية على
المحيطات ومن ثم على منافذ الحياة البرية والبحرية لدول العrrالم ،وصrrار
االتصrrال ببقيrrة شrrعوب األرض أوال عن طريrrق التجrrارة ،ثم النهب ثم
االستعمار ،هذا التمدد جلب الثروة ،والمrrواد األوليrrة ثم السrrوق الrrذي أدى
الى نمrrو االقتصrrاد األوربي ،وفي الrrوقت ذاتrrه دمrrرت القوة االوربيrrة
مجتمعrrات الشrrعوب المسrrتَع مرة (بفتح الميم) وثقافاتهrrاBilton et al
).(2004
في ضوء ذلك ،يبدو انه ليس من باب الصدفة والدة علم االجتماع بوصrrفه
فرعا من فروع المعرفة العلمية خالل القرن التاسع عشر ،لقد كانت نشأته
استجابة لحقبة طويلة من التغير االجتماعي غrrير المسrrبوق .حيث أصrrبح
النظام القديم ،والطريقة القديمة للحياة والثوابت القديمة تمضي سريعا نحو
االنrrدثار .لقد كrrان التغrrير االجتمrrاعي الrrذي سrrلط عليrrه علمrrاء االجتمrrاع
األوائل االضواء ،سريعا جدا ،وبعيد المدى لدرجة انهم كrrانوا على قناعrrة
من انهم يشهدون مجتمعا مختلفا كليrrا .لهrrذا سrrوف لن نفاجrrأ إذا عرفنrrا ان
المنظrrرين األوائrrل كrrانوا يفترضrrون ان ديناميكيrrات الحداثrrة سrrتقود الى
تشrrكيل المجتمعrrات كلهrrا وبنائهrrا بrrالطريق اإليجrrابي نفسrrه ،بيrrد ان هrrذه
االفتراضات لم تعد صالحة وان الحداثة الغربيrrة لم تعrrد النمrrوذج األمثrrل،
ومع ذلك يقول ما كجrrرو) McGrew (1992انrrه على الrrرغم من كrrثرة
55
المجتمعات الحديثة التي دخلت مرحلrrة التصrrنيع والتحضrrر اال ان ذلrrك لم
يحدث بمعزل عن تأثيرات القوى العالميrrة ،أي المجتمعrrات الغربيrrة الrrتي
دخلت أوال سباق التصنيع والتحضر.
الواقع ان المجتمعات الصناعية تجاوزت مرحلة الحداثة وتجاوزت مرحلة
ما بعد الحداثة ودخلت وادخلت معها باقي سكان الكوكب لمرحلrrة العولمrrة
كما سنرى ولكننا سنتوقف قليال امام مرحلة ما بعد الحداثة.
ما بعد الحداثة Beyond Modernity
إذا كانت الحداثة منتجا منتجات الثrrورة الصrrناعية ،فrrان ثrrورة المعلومrrات
دفعتنrrا نحrrو مرحلrrة مrrا بعrrد الحداثrrة .وهrrذه المرحلrrة تشrrير الى األنمrrاط
والخصائص االجتماعية لمجتمعrrات مrrا بعrrد الصrrناعة ،والواقrrع ان هنrrاك
عدم اتفاق على محتوى وشrكل مrا بعrد الحداثrة ،فهrذا المصrطلح كrان قrد
استخدم لحقبة طويلة في االدب ،والفلسفة وحتى في فنون العمrrارة ،ودخrrل
ميدان علم االجتماع مع موجrrة النقد االجتمrrاعي الrrتي رافقت صrrعود نجم
اليسار السياسي في ستينات القرن الماضيMacionis & Plummer( .
)2002بيد ان المتعارف عليه ان مرحلة ما بعد الحداثrrة تشrrير الى تحrrول
النشاط االقتصrادي من نشrاط قrائم على انتrاج البضrائع الى نشrاط إلنتrاج
الخدمات ،فالعمrrل اليrrدوي أوشrrك على االنقراض والمكننrrة الrrتي يشrrرف
عليها ويديرها العامrrل اسrrتبدلت بrrاالت اوتوماتيكيrrة ،بينمrrا مهن الخrrدمات
غير اليدوية اتسعت وارتفrع نطاقهrا .مهن الخrدمات هrذه صrارت مهمتهrا
انتrrاج المعرفrrة والمعلومrrات ،فمثال المهن المتعلقة بrrاألموال ،والمعلمين،
البrrاحثين في مجrrال السrrوق ،والعلمrrاء ،األخصrrائيين االجتمrrاعيين ،كلهم
56
يعملون في أنواع المعرفة والمعلومات المختلفrة ،وعليrrه فrrان االقتصrrاد لم
يعد يبحث عن أفضل الوسrrائل إلنتrrاج البضrrائع ،وانمrrا عن أفضrrل السrrبل
إلنتrrاج المعرفrrة وجمrrع المعلومrrات وتحليلهrrا حrrتى صrrارت المعرفrrة هي
المصدر األول لإلنتاج .لقد وصف دانيال بيل ( ) D. Bell (1973التحول
في العمل والمعلومات واالتصاالت بانه "الثورة التكنولوجية الثالثrrة" بعrrد
الثورة الصrrناعية االولى الrrتي اعتمrrدت على البخrrار ،والثrrورة الصrrناعية
الثانية التي ُأسست على اكتشاف الكهرباء ،ثم الثورة الصناعية الثالثة التي
قامت على الحاسوب (الكومبيوتر) ثم أخيرا الثورة الرابعة الrrتي سrrنتحدث
عنها مع العولمة .وفي كل األحوال مرحلة ما بعد الحداثrrة ،شrrهدت تحrrوال
بنائيا مهما ،فمثال مجتمع ما بعد الحداثة اسrrتلزم عمrrاال على درجrrة عاليrrة
من التأهيل التقني والتربية المهنية ،وأولئك الrrذين ليس لrrديهم تأهيrrل تقني
عالي المستوى ،من المستبعد حصولهم على عمل ضمن مفاصل المجتمrrع
التكنولوجي .مجتمrع مrا بعrد الحداثrة يعتمrد على مصrادر جديrدة للطاقrة،
الطاقة النوويrrة ،طاقrrة الريrrاح ،الطاقrrة الشمسrrية ،مrrع اسrrتخدامات جديrrدة
للكومبيوتر ،مثل الروبوت الذي يتم التحكم به بوساطة الكومبيوتر ،والrrذي
أضعف الحاجة لعمل االنسان فيمrrا عrrدا المrrؤهلين تrrأهيال عاليrrا في مجrrال
التقنية .ومهما قيل فإن هذا التحول من انتاج البضائع الى انتاج المعرفrrة ال
يمكن بمفرده ان يرسrrم مالمح مرحلrrة مrrا بعrrد الحداثrrة او مرحلrrة مrrا بعrrد
الصناعة ،ذلrrك ان اإلنتrrاج الصrrناعي كrrان دائمrrا يقوم على تطrrبيق نتrrائج
المعرفة لخلق وسrrائل وأدوات عمrrل أكrrثر فاعليrrة وأكrrثر انتاجيrrة .التغrrير
التكنولوجي بالتأكيد أضعف الحاجة للعمل اليدوي ،ولكن ليس في ذلrrك من
57
جديد .والتحول التدريجي من اإلنتاج للخدمات كان منذ البداية من مقومات
المجتمعات الصناعية ،ولهذا فان تزايد العمل في مجال الخrrدمات وتراجrrع
اإلنتاج اليدوي ال يمكن ان يخلق مجتمع ما بعد الحداثة او ما بعد الصناعة
)Fulcher & Scott 1999
الواقع ان السمة األساس لمجتمع ما بعrrد الحداثrrة هي تمrrيزه بغلبrrة الطrrابع
االسrrتهالكي للمجتمrrع "أي مجتمrrع رفاهيrrة" بحسrrب بومrrان (Bauman
)1992بمعنى ان التحول الثقافي عمrrل على تهميش العقالنيrrة في العمrrل
واإلنتاج ،وتحول االقتصاد الى ثقافة ،والثقافة الى عالم زائل من البضrrائع
التي تستخدم لمرة واحدة .العقالنيrrة المثلجrrة (البrrاردة) اسrrتبدلت بعواطrrف
دافئة (تصوف ،سحر ،اسطورة ،وديانة).
التبادل العقالني rational exchangeللبضrrائع اسrrتبدل بتبrrادل رمrrزي
،symbolic exchangeتبrادل ينطrوي على الالانتاجيrة والالمحدوديrة
في ان واحد .في عالم مrrا بعrrد الحداثrrة الصrrناعي ،الواقعيrrة المفرطrrة فيrrه
تتجلى في االغrrواء seductionالrrذي عمrrل على تrrدعيم القوة .power
القوة االقتصادية والتجارية والماليrrة الrrتي صrrارت تلعب بrrالوهم وتضrrفي
الطابع السحري على األشياء من اجل التحكم بالذوق العام في حيrاة النrاس
عبر فنون اإلعالن والدعايrrة .ان حقيقة االغrrواء وااليهrrام مهrrدت إلعrrادة
الحياة الى الالعقالنية ،والعودة الى تعلم احترام الغموض والعواطف الrrتي
كrrانت ترافrrق االنسrrان في عصrrور مrrا قبrrل الصrrناعة ،او على حrrد تعبrrير
دورشميدت وتايلور ()" Dürrschmidt & Taylor (2007:103مrrا
بعد الحداثة هي القرون الوسطى الجديدة .ما بعد الحداثة االستهالكية تمثل
58
شكال حديا liminal formمن اشكال مجتمع ما قبل الحداثrrة " ،ذلrrك ان
ثقافات ما قبل الحداثة لم تندمج كليا مع عملية التسrrليع ،والعقلنrrة والمدنيrrة.
وفي ذلك إشارة الى ان مرحلة ما بعد الحداثة في هلعها االسrrتهالكي تشrrبه
في وجه من الوجوه ثقافة العصور الوسطى التي كان هrrدف االنسrrان فيهrrا
البحث عن مصادر اللذة باي ثمن خارج حدود العقل والمنطق .ففي القرن
العشرين اصبحت النظرة المتعلقة ب "التمرد على النظام "مصدرا رئيسrrا
من مصrrrادر الفتنrrrة ،والشrrrغف والحrrrنين nostalgiaوانتقلت الى االدب
والفن ،ووسائل المتعة وأصبحت أروقة المتاجر عالم أحالم للسلع الوهمية
القّيمrrة ،الrrتي اسrrتلزمت المزاملrrة والمجالسrrة والمعاشrrرة مrrع المبالغrrة في
التنافس على المظاهر الخادعة او الرمزية لألشrياء الrتي تسrتنزف الطاقrة
النفسrrية والماديrrة لألسrrرة والمجتمrrعBallantine and Roberts .
)(2009), Featherstone (1998
وعلى الرغم من وجود اختالفrrات وتباينrrات في وجهrrات نظrrر العلمrrاء في
الفكر االجتماعي لمرحلة ما بعد الحداثrrة اال انهم يتفقون على الخصrrائص
االتية:
.1في الميrrدان االقتصrrادي ,هنrrاك تحrrول مسrrتمر للقطاعrrات المهيمنrrة،
فاالنتقال من اإلنتاج الزراعي الى اإلنتاج الصrrناعي الrrذي اوجrrد الحداثrrة،
اعقبه تحrrول من الصrrناعة الى الخrrدمات ،الrrتي خلقت تنوعrrا مهنيrrا هrrائال
ليست مرتبطة مباشرة بالعمليrrة اإلنتاجيrrة مثrrل التجrrارة ،والمrrال ،والنقل،
والعنايrrrrة الصrrrrحية ،واالسrrrrتجمام ،والبحث العلمي ،والتعليم ،واإلدارة،
والحكومة.
59
.2في البنrrاء الطبقي والrrتراتب االجتمrrاعي ،هنrrاك نمrrو كبrrير في طبقة
العاملين في مجال الخدمات ،السrrيما الجماعrrات الrrتي تجيrrد العمrrل التقني
والمهنيون من ذوي االختصاصrrات عاليrrة الكفrrاءة ،والعrrاملون في حقول
المعرفrrة العلميrrة ،واألبحrrاث ،والخrrدمات اإلنسrrانية ،كrrالتعليم والصrrحة
والثقافة والرعاية االجتماعية واالستجمام.
.3في التكنولوجيا ،ارتفrrاع كبrrير في التكنولوجيrrا الذكيrrة الجديrrدة High-
Tecالتي تقوم على جمع المعلومات وتحليلها ،أكثر من اهتمامهrrا بrrالمواد
الخام والطاقة.
.4في مجrrال ديناميكيrrات المجتمrrع ،نمrrو التكنولوجيrrا الrrتي تrrديم نفسrrها
بrrالتطوير المسrrتمر مثrrل الهrrاتف النقال والتلفrrاز الrrتي تتجrrدد بسrrرعة
وباستمرارية ،اكتسبت أهمية قصوى.
.5في ميدان القيم والعادات اليومية ،التركيز ينحو نحو المعرفrrة وطرائrrق
اكتسrrابها عrrبر اشrrكال مختلفrrة من التعليم المسrrتمرNaisbitt, J and .
)Aburdene P, (1990) Sztompka (1998
من المالحrrظ ان خصrrائص مرحلrrة مrrا بعrrد الحداثrrة توكrrد على تكrrثيف
الظاهرات والعمليات التي كانت موجrrودة أصrrال في مرحلrrة الحداثrrة منrrذ
بدايتها ،كل الذي حدث ان النظريات التي تناولت مرحلrrة مrrا بعrrد الحداثrrة
كانت تنظر للمرحلة التي سبقتها من الزاوية الكئيبة ،وتنتقد الظروف غrrير
اإلنسانية التي رافقتها ،وكأن احدهم يقول ان المجتمع الحrديث ال ينبغي ان
يستمر في هذا الطريق ،والنظrrرة البديلrrة تتجrrذر في الحrrنين الى الجrrوانب
المضيئة للمجتمع التقليدي الذي اعيد اكتشافه فقفrrز فجrrأة للواجهrrة ،ولrrذلك
60
يقول جدنز )" Giddens (1990:51من السابق ألوانه الحديث عن
مرحلة ما بعد الحداثة ،اننا لم نتخطى بعد مرحلة الحداثة ،إننا في الواقع
نعيش ضمن احدى وجوهها الراديكالية (المتطرفة) اكثر من دخولنا في
مرحلة ما بعد الحداثة ،اننا نمضي باتجاه احدى الوجوه األكثر تطورا
للحداثة ." .high modernity
يبrrدو ان االختالف في وجهrrات نظrrر علمrrاء االجتمrrاع ال تتعrrدى حrrدود
المواصفات الشrrكلية ،امrrا المحتrrوى فrrانهم على درجrrة عاليrrة من التوافrrق
حوله ،فاذا كان جدنز يسمي المرحلة اعلى مراحل تطrrور الحداثrrة فانrrه ال
يختلف عن االخرين الذين اسموها مرحلة ما بعد الحداثة ،ذلك انهم جميعrrا
يتفقون على التحrول الجrذري من اقتصrrاد البضrrائع الى اقتصrrاد المعرفrrة
والمعلومات ،وهي مرحلة وال شك أكثر تطورا وأكrrثر تعقيrrدا من سrrابقتها
من الناحيتين البنائية والوظيفية .اما الجوانب السيئة التي ركز عليها بعض
العلماء في سياق ما تقدم فإنها ليست من باب الحنين الى المجتمع التقليrrدي
وانما من باب ان لكل مرحلة من مراحrrل التطrrور البشrrري جrrوانب قاتمrrة
واخرى مضيئة .وعلى الرغم من كل مrrا قيrrل عن مسrrاوئ الحاضrrر فانrrه
يبقى اعم فائدة من الماضي ،ولو عاد الماضي الذي يتبrاكى عليrه كثrيرون
لرفضوه.
العولمة Globalization
ندخل االن الى أكثر المفاهيم الحديثة تعقيدا" ،العولمة" والعولمrrة بالدرجrrة
األسrrاس ليسrrت مفهومrrا سيسrrيولوجيًا ،انهrrا مفهrrوم اخترعrrه السياسrrيون،
مباشرة بعد انهيار االتحاد السوفيتي ))1991وتفككه الى دويالت صغيرة
61
ضعيفة اقتصاديا وسياسيا ،وتفرد الواليrrات المتحrrدة بالهيمنrrة على العrrالم،
بعد ان كان االتحrrاد السrrوفيتي قطبrrا مهمrrا في التوازنrrات الدوليrrة .سياسrrة
القطب الواحrrد ارادت ان تقول لشrrعوب األرض ان أحrrدا ال يسrrتطيع ان
يوفر لكم الحماية مrrالم تrrدخلوا تحت مظلrrة القطب الواحrrد ،وهrrذا الrrدخول
مشروط بتغيير شامل ليس فقط في نمط التبادل االقتصادي وانما أيضا في
المحركrrات الثقافيrrة والنفسrrية للمجتمعrrات البشrrرية ،وبسrrبب التفrrرد خلrrق
القطب الواحد عالما من الرعب ،وأشعل الحرائق في وسط اوربا والشرق
األوسrrط وشrrمال افريقيrrا ،وحrrاول خنrrق الصrrين وروسrrيا وتحجيم اوربrrا
واليابان .وهذا بالضبط عكس ما يشاع في ادبيات علم االجتماع والسياسrrة
من ان أمريكrrا وأروبrrا الرأسrrمالية قrrد انتصrrرت وإنهrrا سrrتكون النمrrوذج
المثالي الذي ستتبعه الشعوب طوعا او كرها.
عالم واحد بلسان واحد وثقافة واحدة على الطريقة االمريكيrة-االوربيrة لم
يكن سهال جدا ولم يكن مخططا له لذلك لم يحقق كثrrيرا من أهدافrrه اال انrrه
نجح في احrrداث عrrالم مضrrطرب ،وشrrديد الخطrrورة ،يقول پيپrrل وبيلي
) Peoples & Bailey (2003:160في كتابهمrrrrا المعنrrrrون "”
" Humanityانه في الحادي والعشرين من تموز 2001وعلى الصrrفحة
االولى لصحيفة سان فرانسيسكو كرونكrrل ظهrrر عنrrوان بالخrrط العrrريض
يقول "شغب القمة المميت" وهذا العنوان كان يحكي قصrrة الشrrغب الrrذي
حصل في قمة الثمانية ( G8وهي قمة دوريrrة للrrدول السrrبع الغنيrrة زائrrدا
روسrrrيا) المنعقد في جنrrrوة بإيطاليrrrا لمناقشrrrة االهتمامrrrات المشrrrتركة.
"المشrrاغبون" كrrانوا يحتجrrون على العولمrrة ،وكrrانت شrrعاراتهم تقول ان
62
الفجوة بين األغنياء والفقراء تrزداد اتسrاعا ،وان حقوق العمrال سrحقت،
والبيئة الطبيعية فسدت" والسؤال هو مrrاهي العولمrrة؟ ولمrrاذا يحتج النrrاس
ضدها؟
منذ مطلع التسعينات من القرن الماضrrي دخrل مصrrطلح العولمrة الى كrل
لغات العالم ،ومنذ ذلrك الحين أيضrا دخrل المفهrوم قrاموس علم االجتمrاع
وادبياته ،ومع ان المصطلح مrrازال يتمتrrع بشrrيء من الغمrrوض ،ويتناولrrه
المختصrrون بمعrrان مختلفrrة ،اال ان التعريrrف األبسrrط هrrو تعريrrف جrrدنز
) Giddens (1999الذي يقول ان العولمrrة هي شrrيء يتعلrrق بفكrrرة اننrrا
جميعا نحيا في عrrالم واحrrد ،وبمعrrنى ادق هي تسrrارع عمليrrة الترابrrط بين
المجتمعrrات البشrrرية في كrrل وجrrوه الحيrrاة المعاصrrرة ،من الثقافrrة الى
الجريمة ثم المال حتى الحيrاة الروحيrة ،وذلrك يعrني بحسrب الrرج بيrك
) Ulrich Beck (2000ان الدولة القومية التقليدية بحدودها الجغرافيrrة
وهويتها الثقافية تم تقويضها تماما عبر العبي التحول الماهرين .ويضrrيف
روبرتسrrون ) Robertson (1992ان العولمrrة ببسrrاطة ليسrrت عمليrrة
ترابط بين األمم فقط ،انها تتعدى ذلك الى الثقافات واألشخاص ،انها مجال
للوعي بان العالم أصبح مكانا واحدا بهوية كونية واحدة.
وبقدر ما تكون العولمة اختراعا سياسيا ،فان أهrrدافها المعلنrrة ‘اقتصrrادية’
بالدرجة األولى ،فهي كما يقول جrدنز ) Giddens (2007:7-9ظrاهرة
اقتصادية فقط من وجهة نظر أكثر المختصين في العلrrوم اإلنسrrانية ،غrrير
ان هذه النظرة ليست خاطئة كليrrا ولكنهrrا أحاديrrة الجrrانب ،العولمrrة ليسrrت
اقتصrrادية فقط ،فrrاذا اخrrذنا في االعتبrrار مثال ،دور وسrrائل التواصrrل
63
االجتمrrاعي Social communication Mediaفrrان العrrالم أصrrبح
متشابك الكترونيا بطريقة لم يكن باإلمكان حتى مجrrرد تخيلهrrا عrrدة عقود
مضrrت .وتrrاريخ بrrدايات العولمrrة يمكن تحديrrدها بنهايrrة السrrتينات وبدايrrة
السrبعينات من القرن الماضrي ،عنrدما بrدأ غrزو الفضrاء ،بتثrبيت أقمrار
صrrناعية خrrارج مrrدار الكrrرة األرضrrية ،والrrتي سrrهلت عمليrrة االتصrrال
الفوري بين الناس في كل انحاء العالم ،كما ان استحداث الشبكة العنكبوتية
"االنترنيت" في نهاية التسعينات ،غيرت الحيrrاة االجتماعيrrة واالقتصrrادية
في كrrل مكrrان ،الهجrrرة مثال تغrrيرت طبيعتهrrا ،وصrrار بمقدور المهrrاجر
التواصل مع موطنه األصلي متى شاء .العولمة لم تrrأت من الخrrارج ،ذلrrك
انه كلما فتحنا الحاسوب "الكومبيوتر" وارسلنا رسالة الكترونيrrة "ايميrrل"
e-mailوكلما بحثنا عن معلومrrات عrrبر االنrrترنيت ،وكلمrrا فتحنrrا جهrrاز
التلفزة او المذياع ،فأننا نساهم في العولمrrة في اللحظrrة الrrتي نسrrتخدم فيهrrا
هذه األدوات .ويتعين ،في أي حال ،ان نأخذ في االعتبار تأثيرات العولمrrة
من جrrوانب مختلفrrة ،ذلrrك انهrrا لم تعrrد كمrrا روج لهrrا بعrrد سrrقوط االتحrrاد
السوفيتي ،في ان أمريكا وأروبا ستهيمن على بقيrrة بلrrدان العrrالم اقتصrrاديا
وسياسيا ،ذلك ان دخول الصين والهند وروسيا واليابrان وكوريrا منافسrين
اقتصrrrاديين ،يملكrrrون القدرة على احrrrداث تغrrrيرات جيrrrو -سياسrrrية
geopoliticsمباشرة على العالم أحدث قrrدرا من الrتراجع لrدى مrروجي
القطب الواحد والعالم الواحد تحت الهيمنة االمريكية .ومع ان التكنولوجيrrا
الحديثة عملت على تقزيم العrrالم ليبrrدو وكأنrrه قريrrة كونيrrة صrrغيرة ،لكن
يجب االعتراف بانه مازال كل شعب يحتفظ بهويته وثقافته ولغته ،صحيح
64
ان الفrrوارق الثقافيrrة بrrدأت تتقلص نسrrبيا ولكنهrrا سrrتبقى فاعلrrة الى اخrrر
الزمان ،والقول بوحدة العالم شيء مبالغ فيه ،اال إذا استثنينا العالم العrrربي
وشعوب اسيا وافريقيا وامريكا الالتينية ،عندها تبقى أمريكrrا وأروبrrا الrrتي
تشترك فعال بخصائص متشابهة ثقافيا واقتصاديا ونفسيا.
على ايrrة حrrال ،بعض علمrrاء االجتمrrاع يعتقدون ان العولمrrة هي أحrrدث
نسrrخة للحداثrrة ،بمعrrنى ان مرحلrrة مrrا بعrrد الصrrناعة وصrrلت الى اقصrrى
درجات تطورها فيما يسمى االن "العولمة" ،والعولمة بحسب تعبير بلتون
واخرين ) Bilton et al (2002:48هي "خاصية فريدة للحداثة وتعبير
عنها" .وسواء كانت العولمة جزء من الحداثة او مرحلة متطورة عنها
فان خصائصها الملموسة تتضح فيما يأتي:
-تحول في حدود التعrrامالت االقتصrrادية :فقد احrrدثت تغrrيرا واضrrحا في
سrrرعة التطrrور االقتصrrادي في العrrالم؛ فشrrركات االعمrrال ،والتعrrامالت
المصrrرفية ،واالسrrتثمارات عrrبرت الحrrدود اإلقليميrrة للrrدول أكrrثر من أي
وقت مضى .بعض الشركات العمالقة لديها استثمارات ونفقات أكبر حrrتى
من الدخل القومي للدول التي تعمل فيها.
-تمدد االتصاالت في الشبكات العالمية :تلفزة األقمار الصناعية ،ووسائل
االعالم الرقمية ،والحاسبات الشخصية ،والهاتف النقال ،وكrrل تكنولوجيrrا
المعلومات التي ساهمت في تقزيم العالم ،وهذه كلها أدت الى إعادة النظrrر
في فكرة الزمان والمكان ،فلم يعد بإمكاننrrا التفكrrير بشrrكل رئيس باألمrrاكن
المحلية ،فالهاتف النقال ،والطrrائرات فائقة السrrرعة ،والشrrبكة العنكبوتيrrة
(االنترنيت) ،سهلت االتصال الفوري بكل أجزاء الكوكب ،لrrو فكرنrrا فقط
65
بخدمة الهاتف النقال وكيف انه رفع القيود عن العالقات وجها لوجه سنجد
انها اشبه بمعجrrزة بشrrرية لم تكن تخطrrر في بrrال احrrد في يrrوم من االيrrام.
الهrrاتف ليس اختراعrrا جديrrدا ،ولكن فكrrرة ان يكrrون الهrrاتف معrrك اينمrrا
تذهب ،فكرة عبقريrrة غrrيرت نمrrط االتصrrاالت تغيrrيرا مrrذهال ،لقد صrrار
بمقدور االنسان ان يعرف ما يحدث في الطرف االخر من الكرة األرضية
في نصف دقيقة.
-بناء ثقافة عالمية جديrrدة واسrrعة االنتشrrار :المنrrاطق الحضrrرية صrrارت
تشبه بعضها البعض في طرز البناء وفي محتوى األسواق وترتيبهrrا ،كمrrا
صrrارت الrrبرامج التلفزيونيrrة ،والموسrrيقى واألفالم ومrrا شrrاكل تستنسrrخ
بعضها في كل االرجاء.
-تطوير اشكال جديدة ألنظمة الحكم العالمية :البعض ،كمrrا أشrrرنا ،سrrابقا
يعتقد ان العولمrrة هي اضrrعاف الدولrrة القوميrrة ،على الrrرغم من ان هrrذا
االعتقاد مثير للجدل ،ولكن الذي ال شك فيه هو تطrrور الوكrrاالت العالميrrة
الrrتي تضrrعف األنظمrrة القوميrrة ،مثrrل األمم المتحrrدة ،ومنظمrrة الصrrحة
العالمية ،والمحكمة االوربية لحقوق االنسrان .هrذه الوكrاالت تقوم بتنفيrذ
بrrرامج تعلنهrrا على المأل وتلrrتزم بتنفيrrذها عمrrا يسrrمى "مقرطrrة العrrالم"
،Democratization of the Worldمع اعتقاد متزايد من ان النظام
الديمقراطي سوف يهيمن على النظم السياسية في العالم.
-خلrrق وعي متنrrامي عن مشrrكالت العrrالم المشrrتركة :من الصrrعب جrrدا
التفكير بمشكالت العالم على انها فقط مشكالت تعود لبلد واحد من البلدان،
فمثال الجريمة ،التي أصبحت عالمية بشكل متزايد ،تجارة المخدرات الrrتي
66
بدأت تنتشر عبر القارات ،والجرائم االلكترونيrrة الrrتي تتعrrارض بقوة مrrع
قوانين كل دول العالم ،مع المحكمrة الدوليrة ومrع قrrوانين العدالrة الدوليrة.
وعلى هذه الشاكلة تأتي مشكلة التلوث البيئي التي تحدثها الصrrناعة والrrتي
باتت تهدد كل بلدان العالم ،كما تحتل مشكالت ،مثل الفقر ،وعدم المساواة
واإلرهاب والالجئين والهجرة مستوى األولويات نفسrrه لrrدى الrrدول بغrrير
استثناء.
-تزايد اإلحساس بالخطر :عالم االجتماع األلمrrاني بيrrك )Beck (1992
سrrمى المجتمrrع العrrالمي الجديrrد بمجتمrrع المخrrاطر ،فالتكنولوجيrrا الجديrrدة
خلقت مخاطر تختلف كليا عن كل ما نعرفه في تrrاريخ المجتمrrع البشrrري.
بالطبع المجتمعات القديمة عرفت المخاطر ،وكانت األمrrاكن فيهrrا خطrrيرة
أيضا ،فزلزال واحد كان كافيا لمسح كامل السكان من أي بلد .الفيضانات،
واألوبئة ،والمجاعات ،كلها نماذج للمخاطر ،فالحياة اإلنسrrانية على طrrول
التاريخ كانت بغيضة ومؤلمة ،وقاسية ،والطبيعة كانت دائمrrا تحمrrل معهrrا
المخاطر ،لكن المخاطر التي جلبتها الصناعة تختلrrف في قسrrوتها وشrrدتها
ووحشيتها ألنها ليست طبيعية وانما من صنع االنسان نفسه .هذه المخاطر
تrrرافقت مrrع أنrrواع من التكنولوجيrrا الجديrrدة الrrتي تهrrدد الحيrrاة على هrrذا
الكوكب ،وهrrذه التكنولوجيrrا من انتrrاج االنسrrان ،وهي تنطrrوي على نتrrائج
وخيمة غير منظrrورة ،وقrrد ال نستشrrعر خطرهrrا في الrrوقت الrrراهن ولكن
انعكاساتها قد تأخذ عدة مئات من السنين قبل ان تظهر على الناس والبيئة.
هذه المخاطر الصناعية تدفعنا نحو حافة الهاوية ،ذلrrك ان خطرهrrا يتعrrدى
االنسان ليشمل كافة اشكال الحياة على األرض .ومع نمو جrrذر المخrrاطر،
67
وصعوبة الخالص مما ستؤول اليه ،أصrrبح لrدينا يقين بrان هrذه المخrاطر
هي قرين العولمة التي تدفعنا للقطيعة مع الماضي واالنفصال عن التقاليد.
كل التغييرات الrrتي جrrاءت بهrrا العولمrrة ،من القطrrار الى الكومrrبيوتر الى
الهندسة الوراثية الى األسلحة النوويrrة لهrrا نتrrائج غrrير محسrrوبة ويصrrعب
التنبؤ بها.
.7ظهور شبكة الممثلين العالميين المتنقلين :الذين ليس لديهم موطن محدد
على الجغرافية انهم ممثلون يتسلقون كل مكان عبر الشبكة العنكبوتيrrة من
أمثال ,amazon, Pay pal, E-Bayاالحزاب الخضر ،ديrزني ويلrد،
الحركrrات النسrrوية ،الحركrrات الدينيrrة ،هrrؤالء يع ّrد ون أنفسrrهم مواطrrنين
عالميينMacionis & Plummer (2002) .
لو نظرنا للمستقبل على وفق ما ذكرناه من مخrrاطر ،وأصrrبحنا نعيش في
مجتمع انساني واحد باقتصاد وثقافة عالمية واحدة ،فهل نرضrrى ان يعيش
أطفالنا واحفادنا في مثل هذا العالم؟.
العولمة واألسواق Globalization & Markets
أكثر مظاهر العولمة وضوحا هو التشابك االقتصادي بين شrrعوب العrrالم.
وعولمة السوق تعني ان العالم كله يمضي نحو التكامل في نظام اقتصادي
واحrrد يقوم على التبrrادل الحrrر :العمrrل ،وراس المrrال ،والتكنولوجيrrا،
والمنتجrrات االسrrتهالكية والخrrدمات تمضrrي رويrrدا رويrrدا عrrبر الحrrدود
القومية للبلدان مع التخلي التدريجي عن التحفظات الوطنية .نظريrrا العrrالم
يمضي نحو نظام السrrوق التكrrاملي الواحrrد ،السrrوق العمالق ،بحيث مثال،
ان مزارعي القطن في مصر سيتنافسون مع نظرائهم األمريكrrيين في بيrrع
68
محاصيلهم في كل من القاهرة وشيكاغو ،وطبعا تطبيقات السrrوق العrrالمي
سrrوف تتعمrrق لتتجrrاوز القاهرة وشrrيكاغو لتشrrمل بقيrrة بلrrدان العrrالم.
) .Peoples & Bailey (2003عمليrrا هrrذه الرؤيrrة تبrrدو ضrrربا من
الخيال ،ذلك ان ردود األفعال الرافضة للعولمة تتزايrrد ،ففي كrrانون األول
1995تrrدفق أكrrثر من مئrrتي ألrrف متظrrاهر في شrrوارع بrrاريس ،ودخلت
فرنسا في اضراب شامل احتجاجا على قطع معونات الرعاية االجتماعية،
وإصrrالح ظrrروف العمrrل ،وفي أيلrrول 2001تظrrاهر أكrrثر من مليrrوني
شخص في انحاء العالم احتجاجا على غزو العراق واحتاللrrه .وفي 2003
تجمع أكثر من مائة ألف متظاهر في شوارع بورتو أليغrrري في البرازيrrل
احتجاجا على العولمة.
لقد اثبتت هذه االحداث ،االحكام المريضة والرؤية المظللrrة إلعالن فوكrrو
يامrrا * Fukuyama’s declarationفي مقالتrrه الشrrهيرة عن "نهايrrة
التاريخ" والتي طورها الحقا في كتrrاب اسrrماه " نهايrrة التrrاريخ واالنسrrان
األخير" 1992والتي تحدث فيها عن االنتصار األيديولوجي للديمقراطيrrة
اللبرالية .وفوق هذا فان التعبئة الجماهيرية ليست األغلبيrrة الصrrامتة الrrتي
المح لهrrrا بrrrودريالرد ) Baudrillard (1994bفي تصrrrويره لنهايrrrة
المجتمع ،وهذا طبعا ال يعني انه ليس هناك تغييرات مهمة تتعلrrق بسياسrrة
ما وراء الدولة والهوية الى جانب التغييرات االقتصادية الجوهرية.
وعلى افrrتراض ان عولمrrة السrrوق ستمضrrي قrrدما ،فإنهrrا سrrتأخذ االبعrrاد
االتية:
69
.1عولمة راس المال وقوة العمل :الشركات الكrrبرى في الrrدول المتقدمrrة
نقلت خدماتها اإلنتاجية لrrدول فقيرة .ان تحويrrل مكrrان هrrذه الشrrركات من
مواطنها االصلية الى مواطن أخرى بعيدة عنها جغرافيا تعود عليها بفوائد
عديدة ،أهمها استغالل قوة العمل الرخيصة ،واستغالل إجراءات السrrالمة
االقل تشددا فيها .هذا الى جانب التكلفة الضئيلة ألجور األرض ،والقوانين
البيئة المتراخية او غير الملزمة للحفاظ على البيئة ،كمrrا ان النقابrrات غrrير
موجودة او فقيرة تنظيميا .كل هذه الفوائد تقلل من كلفة اإلنتrrاج وتزيrrد من
عائد األرباح
.2عولمة البضائع االستهالكية :مع جهود التسويق ،فان البضائع المنتجrrة
في بلد ما تباع في بلد اخر مع اقل ما يمكن من القيود او من دون قيود .في
*سياسي امريكي من أصل ياباني
اوربا رفع االتحاد األوربي في التسrrعينات من القرن الماضrrي كrrل أنrrواع
القيrrود عن البضrrائع االسrrتهالكية بين أعضrrاء االتحrrاد ،أمريكrrا وكنrrدا
والمكسيك هي األخرى لديها سوق موحدة .وحديثا ترتيبات مماثلrrة حrrدثت
في جنrrوب شrrرق اسrrيا ،المحيrrط الهrrادي ،منطقة البحrrر الكrrاريبي ودول
افريقيrrا .األسrrواق العالميrrة ليسrrت ظrrاهرة جديrrدة ،ولكن حجم التجrrارة
وحريتها تبدلت تبدال دراماتيكيا .والسؤال لماذا تمددت األسrrواق العالميrrة؟
ُيعد التقدم التكنولوجي واحدا من اهم األسباب ،فrrالحموالت العمالقrrة الrrتي
تحمل االف الصناديق الكبيرة قللت بشكل كبير من كلفة نقل المنتجrrات من
أماكن انتاجها الى أماكن بيعها او استهالكها ،كما ان االلكترونيات يجrrري
تجميعها ،والمالبس تتم خياطتها في جنوب شرق اسيا وفي افريقيrrا ،ثم يتم
70
نقلهrrا ألمريكrrا الشrrمالية واروبrrا ،مrrع المحافظrrة على هrrامش أربrrاح كبrrير
للمنتجين وباعrrة التجزئrrrة ،التقدم في تكنولوجيrrrا التعrrrدين واسrrrتخالص
الخشب ،فتح االفاق للحصول على المعادن واالخشاب بتكrrاليف اقتصrrادية
واطئrة ،حيث كrانت لعrدة عقود مضrrت مكلفrة جrدا .تكنولوجيrا الزراعrة
الحديثة مع األسمدة والمكننة أدت الى استغالل األرض لدرجة انهrrا قrrادرة
على انتrrاج المحاصrrيل الشrrتوية والصrrيفية معrrا في وقت واحrrد وتزويrrد
المستهلكين بها على مدار السنة.
العولمrrة هنrrا وجrrدت لكي تبقى ولكي تحrrول دون انهيrrار شrrامل لالقتصrrاد
العrrالمي .أسrrبابها ونتائجهrrا مrrاتزال موضrrع جrrدل لrrدى وسrrائل االعالم،
والمسrrؤولين الحكومrrيين ،ونقابrrات العمrrال ،والشrrركات والمسrrتهلكين،
واالسئلة المطروحة لها عالقة بالتكاليف واالرباح ،بيد ان الكل يتفrrق على
ان الشركات العمالقة عابرة القارات هي الرابح األكبر من العولمة بسrrبب
تقليrrل كلفrrة العمrrل ،وضrrعف القيrrود على التلrrوث البيrrئي ،وعلى شrrروط
اإلنتاج .المستهلكون في الدول الغنية ربما يكونون ضمن الrrرابحين بسrrبب
ان المنتجات ،من الحذاء الى الكومrrبيوتر ،يمكن الحصrrول عليهrrا بأسrrعار
مناسrrrبة ،ويحسrrrب للعولمrrrة قrrrدرتها على تقليrrrل معrrrدالت التضrrrخم في
االقتصادات االوربية في التسعينيات.
أخيرا ،ماذا بشأن تأثيرات العولمة على اإلرث الثقافي للشعوب ،هل هناك
محاولة إلذابrrة التنrrوع الثقافي في انrrاء عrrالمي واحrrد؟ إذا كrrان النrrاس قrrد
تحولت ميولهم نحrو الrبيع والشrراء من سrوق عrالمي عمالق موحrد فهrل
ستنشrأ ثقافrة عالميrة عمالقrة واحrدة على غrرار السrوق؟ المتخوفrون من
71
العولمrة يقولrون ان وسrائل اإلعالن وصrrلت الى كrل مكrان حrتى الجبrال
المقفrرة في غينيrrا .امrrا الrrذين يؤيrrدون العولمrrة فrrانهم يعتقدون ان البلrrدان
والشعوب بإمكانها ان تأخذ ما تريrد من العولمrة وتrترك البrاقي ،كمrا انهم
يرون ان الشركات الكبرى التي تبيع بضrrائعها في بلrrدان معينrrة عليهrrا ان
تكيrrف منجاتهrrا وطريقتهrrا في اإلعالن عن هrrذه المنتجrrات بشrrكل يناسrrب
الثقافة المحلية لتلك البلدان ,لهذا يقوم مكدونالد بتحضrrير وجباتrrه السrrريعة
من غrrير لحrrوم االبقار في الهنrrد ،ومن غrrير لحrrوم الخنrrازير في البلrrدان
)Peoples & Bailey (2003 االسالمية.
عولمة الثقافة The Globalization of Culture
التمدد العالمي للرأسمالية استلزم تمrrددا ممrrاثال في البضrrائع المصrrنعة في
البلدان الرأسمالية .ان دخول البضائع لألسواق المحلية ليسrrت مجrrرد سrrلع
تباع وتشترى ،انها تنقل رسائل وشعارات ثقافية تهدف الى زعزعrrة الثقة
بمكونات الثقافات االصrrلية للشrrعوب لتحrrل محلهrrا مكونrrات ثقافيrrة جديrrدة
بشكل غير مباشر ،لنتذكر فقط انتشار بعض الماركات العالمية (رأسrrمالية
كلهrrrا) مثrrrل Nike, Adidas, Coca Cola, Sony, Levis,
،Marlboro, Armani, Microsoft, Apple, Gucci, Nikon
ومثلها كثير .يتساءل توني بلتون ) ،Bilton et al (2002هل ان انتشار
هذه البضائع العالمية يقتضي ضمنا عولمة الثقافة ،السrrيما الثقافrrة الغربيrrة
واألمريكيrrة تحديrrدا ،بوصrrفها القطب المهيمن؟ لإلجابrrة عن هrrذا السrrؤال
يقول بيكر ) Becker et al (1987ان قوة العالم الرأسمالي ال تكمن فقط
في قدرته على بيع بضائع ،وانما بrبيع أفكrار مؤدلجrة ،من شrانها ان تrديم
72
مسrrتويات االسrrتهالك .وثقافrrة االسrrتهالك قrrادرة ان تحكم قبضrrتها على
المجتمعات في كل انحاء العالم ،بضمنها الدول النامية والدول الrrتي كrrانت
ضمن المنظومة االشتراكية في شrrرق ووسrrط أوروبrrا .من أولى المحالت
الrrتي فتحت أبوابهrrا في الrrدول االوربيrrة الrrتي كrrانت تنضrrوي تحت لrrواء
المعسكر االشتراكي هي ( )Nike & Reebokلأللبسrrة واالحذيrrة وهي
ذات ربحيrrة عاليrrة جrrدا ،وطبيعrrة عرضrrها والدعايrrة المرافقة لهrrا تعطي
انطباع ان الشخص الذي يرتديها شخص عصري ,Modernولذلك تجrrد
الشباب ينفقون مبالغ طائلة لشراء هذه المنتجات التي ال تختلف عن غيرها
في النوعية فيما عدا العالمة التجارية ،ودخلت هrrذه الموجrrة التجاريrrة الى
كل بلدان العالم الفقيرة والغنية ،بضمنها البالد العربية.
ان نمو النزعة االستهالكية ترافقت بقوة مع وسائل االتصrrال ،الrrتي تهيمن
عليهrrا شrrركات معروفrrة في توجهاتهrrا األيدولوجيrrة مثrrل (Sony, Sky
)TV, CBS, MBC and so onالى جrrانب شrrبكات االنrrترنيت،
والتلفون المحمول ،هذه الشبكات تسrrتعمل اإلعالنrrات المغريrrة السrrيما في
األسواق الجائعة للبضائع ،.كما ان تعrrريض المشrrاهدين لمنتجrrات االعالم
االستهالكية أصبحت ظاهرة مالزمة للحياة اليومية لكل افrrراد المجتمعrات
المعاصرة .والن التلفrrاز والهrrاتف النقال واالنrrترنيت أصrrبحت من المتrrع
التي ال يستغني عنها الشباب واألطفال ،فإنها من أكثر الوسائل تأثيرا على
االتجاهات ،السيما فيما يتعلق بالثقافة االستهالكية .اغلب معلومات النrrاس
االن عن طريrrق وسrrائل االتصrrال الحديثrrة ،السrrيما فيمrrا يتعلrrق بالنrrاس،
واألماكن ،واالحداث .وسائل التواصل جعلت الناس يسافرون من دون ان
73
يركبrrوا الطrrائرات والقطrrارات والسrrفن ،يسrrافرون الى كrrل االنحrrاء عrrبر
التلفاز والهاتف والكومrrبيوتر ،من دون ان يتحركrrوا من كراسrrيهم ،وعrبر
السrrفر المجمrrد (غrrير المتحrrرك) تعمrrل هrrذه الوسrrائل على تطعيم بrrرامج
االمتrrاع بمrrديات واسrrعة من المعrrايير والقيم .ولهrrذا عّrrد بعض علمrrاء
االجتماع اغراق شركات التواصل االجتمrrاعي بrrالبرامج المؤدلجrrة نوعrrا
من االستعمار الثقافي Cultural Imperialismحيث انهrrا تعمrrل على
توصيل رسائل من شانها ان تفرض مجموعة من القيم الrrتي تنطrrوي على
مrrا يعrrد ،جيrrدا ،وانيقا ،وصrrحيحا او خطrrأ ،وفي ذلrrك تقويض للثقافrrات
المحلية ،ومن امثلة ذلك هو تدعيم اللغrrة اإلنكليزيrrة على انهrrا لغrrة العrrالم،
وبسrrبب الضrrخ المتواصrrل بهrrذا االتجrrاه صrrار النrrاس يؤمنrrون ان اللغrrة
Giddens (1990), اإلنكليزيrrrrrة هي مفتrrrrrاح الثقافrrrrrة Bilton
)(2002واالن اذهب الى دبي ،او سrrنغافورة او الهنrrد او كولومبيrrا او أي
بلrrد اخrrر سrrتجد ان اغلب سrrكانها يتكلمrrون اإلنكليزيrrة ويهملrrون لغrrاتهم
االصلية ،وبالتقادم ستضrrمر هrrذه اللغrrات ،وهrrذه هي احrrدى اكrrثر مالمح
االمبرياليrrة الثقافيrrة وضrrوحا ،وبنrrاء على ذلrrك يعتقد روبrrنز Robins
) (1994انrrه من الrrواجب ايقاظ الثقافrrة المحليrrة والسياسrrة المحليrrة على
مسrrتوى الشrrعوب واالقrrاليم بعrrدم االسrrتجابة لضrrغوط العولمrrة ،وان كrrان
يسrrاوره الشrrك في قrrدرة الثقافrrات المحليrrة على الوقrrوف بوجrrه الطغيrrان
اإلعالمي المتغول.
خالصة Conclusion
74
المجتمrrع المعاصrrر وصrrل الى نقطrrة الالعrrودة ،فمن الحداثrrة الrrتي بrrدأت
أصrrال مrrع بدايrrة الثrrورة الصrrناعية األولى الى مrrا بعrrد الحداثrrة او الثrrورة
الصناعية الثانية وصوال الى العولمة ،هذه المراحل المتعاقبة كانت بمثابrrة
حربrrة في خاصrrرة االنسrrان والبيئrrة .والتطrrور المجنrrون في تسrrارعه
واندفاعrrه وانتشrrاره ،سrrحق ماليين النrrاس في طريقه ومrrازال يسrrحق
الماليين وستستمر عجلة التطور في سحق كل أنواع الحيrrاة على األرض.
لقد دفrrع 150مليونrrا من شrrعب الهنrrود الحمrrر ثمن التطrrور الrrذي قادتrrه
الرأسمالية ،التي انتصrrرت في النهايrrة على االتحrrاد السrrوفيتي ،ووضrrعت
أفكار كارل ماركس في ثالجة حتى اشعار اخر كما يقول فوكو ياما .يجب
ان نعترف ان التطور امر الزم وحتمي الستمرار الحيrrاة ،المشrrكلة ليسrrت
في التطrrور ذاتrrه المشrrكلة في االنسrrان الrrذي يقود عجلrrة التطrrور ،ليس
االنسان االلي الrrذي خلقتrrه التكنولوجيrrا وليس االنسrrان القادم من كrrواكب
أخرى ،انما االنسان الذي يتقن فن الصrrراع ويتفنن في ابتكاراتrrه من اجrrل
التفrrوق والغلبrrة ،االنسrrان الrrذي يعمrrل على اسrrتخدام اسrrنانه الحديديrrة،
ومخالبه ومكائده من اجل الحصول على السلطة والrrثروة ،وهrrذه األخrrيرة
سبب كل الشرور التي خلقها التطrrور .وإذا كrrان العrrالم منقسrrما الى فقراء
واغنياء ،حكام ومحكومين ،رؤسrrاء ومرؤوسrrين فrrان العدالrrة ظلت غائبrrة
ابدا .لقد قامت الثورة الصrrناعية على عrrرق العبيrrد ودمrrوعهم ،واسrrتمرت
عملية االستعباد حتى بعد تحرر العبيد ،وحrrتى بعrrد حصrrولهم على تrrامين
صحي ومعrاش وسrرير للنrوم ،فقد كrان عليهم ان يحملrوا وحrدهم اوزار
التطrrور .العبوديrrة الrrتي رافقت الثrrورة الصrrناعية االولى بشrrكلها الفض،
75
انتفضت على نفسها بعد حrrربين عrrالميتين مrrدمرتين وشْrrر عت تشrrريعات
حماية إنسانية ،ولكنهrrا سrrرعان مrrا عrrادت الى سrrيرتها األولى مrrع تrrراكم
راس المال الذي زاد من ّح دة االسنان الفوالذيrrة ألصrrحابها ،الrrذين عملrrوا
على نهش األرض وما عليها من اجل مصالحهم ،وليذهب الجنس البشري
كله الى الفناء .لقد كrrان العrrالم األلمrrاني دورشrrميدت محقا عنrrدما وصrrف
مجتمع ما بعد الحداثrrة على انrrه مجتمrrع القرون الوسrrطى ،في إشrrارة الى
درجة وحشيته واندفاعrrه االهrrوج نحrrو تحقيrrق الrrربح بrrاي ثمن .الشrrعوب
الفقيرة في اسيا وافريقيا وامريكrrا الالتينيrrة ،تقاوم اإلبrrادة بأسrrلحة بدائيrrة،
والعولمrrة اخrrر مراحrrل الجنrrون التطrrوري ،أرسrrل اصrrحابها مصrrانعهم
العمالقة لهذه الدول الجائعة برفقة اسrrاطيل مجهrrزة بكrrل أنrrواع األسrrلحة،
وعادوا الى استغالل األرض وما عليهrا بمنطrق العبوديrة التقليrدي نفسrه،
ساعات عمل طويلة ،أجور عمل زهيدة ،ومن دون تشريعات ضد التلrrوث
البيئي ،وال الرعاية الصحية ،حتى صrrارت دول بكاملهrrا مقابر للنفايrrات،
ومنهrا العrراق وبلrدان عربيrة وأفريقيrة والتينيrة اخrرى ،هrذا الى جrانب
الهيمنrrة المباشrrرة وغrrير المباشrrرة ،ونشrrر الrrرعب النrrووي والفيروسrrات
الصناعية المعدلة في المختبرات .واالن السوق العالميrة الموحrدة والثقافrrة
العالمية الموحدة التي تقوض اإلرث الثقافي للشrعوب وتrدمجها بمrا يشrبه
الماشية في نظام عالمي جديد ...اظن ان العولمة ومrا يرافقهrا من مخrاطر
ستقود المجتمع اإلنساني كله وليس الفقراء فقط الي الهالك الحتمي.
لقد تعرفنا في هذا الفصل على مالمح التطور الذي اوصلنا الى مrrا اسrrماه
عالم االجتماع األلماني Beckبمجتمع المخاطر ،الذي بrrدأ يقحم المجتمrrع
76
البشري في المجهول ،والذي بدأ يبذر بذور موته المؤجrrل الى حين ،ولكن
اليس هذا نتيجة حتمية ألسباب ثقافية وايديولوجية ونفسrrية .إذا كrrان االمrrر
كrrذلك فrrان الحكمrrة تسrrتدعي البحث في أصrrل الثقافrrة ومصrrادر قوتهrrا
وضعفها وهو ما سيكون موضوع الفصل القادم
الفصل الثالث
الثقافة والتنشئة
77
Culture and Socialization
78
ماهية الثقافة What is Culture
يصل سكان العالم اليوم الى سrrبعة مليrrارات انسrrان ،كلهم بحسrrب الروايrrة
الدينيrة من ادم ،وكلهم بحسrب نظريrة التطrور من أصrrل بيولrوجي واحrد
يسrrمي Homo sapiensاو الثrrدييات العليrrا .وعلى الrrرغم من األصrrل
الواحrrد تجrrد بينهم اختالفrrات هائلrrة .بعض هrrذه االختالفrrات لهrrا عالقrrة
بالتقاليد ،فمثال ،يلبس الصينيون المالبس البيضاء في المآتم ،بينمrrا يفضrrل
االوربيون والعرب اللrrون األسrrود ،الصrrينيون يعّrد ون الrrرقم أربعrrة رقمrrا
مشؤوما ،بينمrrا يتشrrاءم االوربيrrون والعrrرب من الrrرقم ثالثrrة عشrrر ،وفي
السrrياق نفسrrه ،يمrrارس االنكلrrيز عrrادة تقبيrrل النسrrاء في األمrrاكن العامrrة،
العرب الrrذكور يقّبلrrون الrrذكور في األمrrاكن العامrrة ،وليس النسrrاء ،تقبيrrل
النساء بالنسبة للعrrرب والصrrينيين في األمrrاكن الخاصrrة فقط ،الفرنسrrيون
يقّبلون النساء في األماكن العامة على الخد من الجانبين (قبلrrة واحrrدة على
كrrrل خrrrد) البلجيكيrrrون يقّبلrrrون ثالث قبالت على أي من الخrrrدين ،اغلب
النيجيريين ال يقّبلون ،بrrل بعضrrهم يعrrد القبلrrة شrrيئا مثrrيرا لالشrrمئزاز .في
حفالت الزفrrاف ،في العrrادة يتبrrادل العروسrrان االمريكrrان قبلrrة طويلrrة،
الكوريrrrون يعطي العروسrrrان بعضrrrهما البعض انحنrrrاءة قصrrrيرة ،وفي
كمبوديrrا يضrrع العrrريس انفrrه على خrrد العrrروس ،واذا سrrافرنا الى أمrrاكن
أخrrرى سrrندرك حجم االختالف العميrrق في أشrrياء مثrrل عrrادات الطعrrام
وانواعها ،المالبس القليلة التي تغطي العورة فقط او المالبس الrrتي تغطي
حتى االظافر ،انجاب عدد قليل او كبير من األطفال ،توقير كبار السن او
79
ابعادهم ،مسالمين او عدائيين ،اعتناق معتقدات دينية متعددة االلهrrة او الrrه
واحrrد ،االسrrتمتاع بrrأنواع مختلفrrة من الموسrrيقى ،والطعrrام والرياضrrة.
باختصrrار على الrrرغم من ان النrrاس من أصrrل بيولrrوجي واحrrد اال انهم
استطاعوا تطوير أفكار مختلفrة بعضrrها جذابrrة وبعضrrها كريهrrة ،بعضrrها
مهذبة وبعضها غير مهذبة ،جميلة او قبيحrة ،صrحيحة او غrير صrrحيحة.
هrrذه السrrعة من االختالف هي مالمح الجنس البشrrري وهي الrrتي نسrrميها
الثقافrrة اإلنسrrانية .Human Cultureفم==ا الثقاف==ة ،يقول هوفسrrتيد
) Hofstede (1991كلنا يحمل في داخله انماطا من األفكار ،والمشrrاعر
واالفعال الكامنة ،التي تعلمناها خالل رحلة الحياة الطويلة ،اغلبها تكتسrrب
اثناء الطفولة ،حيث يكون االنسان في هrrذه المرحلrrة أكrrثر اسrrتعدادا للتعلم
والتمثيل (االستيعاب) ،وحالما تستقر هذه األفكار والمشrrاعر واالفعrrال في
عقل الفرد فإنها تخزن وتدخل عالم الالوعي (النسيان) قبrrل الشrrروع بتعلم
أشrrياء مختلفrrة اخrrرى .وباسrrتخدام المقاربrrة االجتماعيrrة sociological
analogyمrrع الطريقة الrrتي تتم فيهrrا برمجrrة الكومrrبيوتر ،فrrان دخrrول
األفكrrار والمشrrاعر واالفعrrال الى العقل ،تكrrون بمثابrrة برمجrrة للعقل
software of the mindوهrrذه ال تعrrني بrrالطبع ان االنسrrان يمكن
برمجتrrه كمrrا يrrبرمج الكومrrبيوتر ،ولكن سrrلوك الفrرد يصrrبح قابrrل للتنبrrؤ
بسبب دخول البرمجة العقلية التي حrrدثت بعrrد رسrrوخ األفكrrار والمشrrاعر
واالفعال .وعلى الرغم من ن الفرد لديه قابلية لتعديل البرامج العقلية التي
اكتسبها فان مصدر البرمجة العقلية الوحيد هو البيئة االجتماعية التي ينمو
فيهrrا الفrrرد ويكتسrrب مكوناتهrrا عن طريrrق الخrrبرات المتراكمrrة للحيrrاة
80
اليومية .البرمجة تبدا أوال داخل االسرة ،وتستمر ضrrمن حrrدود الجrrيرة ثم
تتrrولى المدرسrrة المسrrؤولية مrrع جماعrrة اللعب واألصrrدقاء the peer
groupوأخيرا جماعة العمل .هذه السلسrrلة من مؤسسrrات المجتمrrع تحقن
كل منا بافيون الثقافة على شكل جرعات متوازنة ومتدرجة وتسrrتمر معنrrا
حتى ندخل في الغيبوبة األبدية .اول جرعة ثقافة ناخذها مع الحليب عنrrدما
نخلق قائمrة من الرمrوز تفهمهrا االم وتسrتجيب لهrا ،من نغمrة الصrrرخة
التي نطلقها تعرف االم -بعملية تواصل عجيبة – اذا كنا نشكو من الجوع
او العطش او الحrrر او الrrبرد او نحتrrاج اسrrتبدال اثوابنrrا الداخليrrة او نريrrد
بعض الحنان بااللتصاق بصدر االم او النrrوم على كتفهrrا او تمريrrرة يrrدها
على شعورنا او قبلة تطبعهrrا على جبيننrrا ،عمليrrة التواصrrل الرمزيrrة هrrذه
تعطينا اول تابو Tabooفي حياتنا وأول مكافأة ومنها نعرف قيمة الحالل
والحرام ومنها ايضا نتعلم التمييز بين الحب والالحب مثلما نميز بين الليل
والنهrrار ،وحين نصrrل سrrن العاشrrرة نكrrون قrrد شrrربنا الثقافrrة كلهrrا بحيث
يصبح من الصعب جدا انتزاعهrrا منrrا او نسrrيانها ،تصrrبح موجهrrا ال غrrنى
عنه لسلوكنا اليومي ولكrل حياتنrا .المدرسrة والجrيرة وجماعrة األصrrدقاء
وأخيرا جماعة العمل كلها مجتمعة تعزز األفيون الذي شربناه مrrع الحليب
مrrع اول كلمrrات النفي وأول كلمrrات االستحسrrان الrrتي تنطقهrrا االم وهي
تغطينrrا بيrrد وتrrربت على اكتافنrrا باليrrد األخrrرى ،وهي تضrrع يrrدها تحت
الغطاء لتبديد مخاوفنا وتغنينrا لكي ننrام منrذ ذلrك الrوقت نتعلم مrتى يتعين
علينrrا ان نحصrrل على االهتمrrام ونتجنب النrrواهي والزواجrrر ،ومن نغمrrة
صوتها نعرف الجمال ونميزه عن القبح ومن نظرة عينيها نعرف الرضrrى
81
من الغضrrب ،ونمrrيز الرحمrrة من الطغيrrان ،كrrل الrrذين يrrأتون بعrrدها ال
يزيدون كثيرا وال ينقصون كثيرا ،مهمتهم األولى مباركة ما قامت بrrه االم
اوالتحذير مما نهت عنrrه ،باختصrrار االسrrرة تبrrدا وبrrاقي هيئrrات المجتمrrع
تعزز وتقوي األساس الذي بنتrrه االسrrرة ،هكrrذا تتسrrرب الثقافrrة الينrrا مثrrل
الهواء الذي نتنفسه بدون وعي وبدون قصد وبدون الحاجة الن تrrذهب الى
البقال لتشتري منه نصف كيلو ثقافة او نصف كيلrو هrواء ،ال تحتrاج ذلrك
النها تrأتي اليrك ال شrعوريا وانت تأكrل على المائrدة وانت تrراقب أبويrك
وهمrrا يصrrليان وهم يتشrrاجران او يتبrrادالن كلمrrات الrrود ،تتعلم السrrلوك
الثقافي عندما تضع قدمك الصغيرة في حذاء ابيك رغبة منك في ان تكrrون
مثله ،او عندما تقوم ألبنت الصغيرة بوضع قلم الحمرة على شفتيها لتماثrrل
امها .والبرمجrrة العقليrrة تختلrrف بrrاختالف البيئrrة االجتماعيrrة حrrتى داخrrل
المجتمrrع الواحrrد ،فالrrذي ينشrrأ في بيئrrة قرويrrة او في حي شrrعبي يكتسrrب
برمجة عقلية مختلفة كليا عن البرمجrrة العقليrrة إلنسrrان اخrrر نشrrأ في بيئrrة
مرفهة او بيئة موبوءة او بيئrrة دينيrrة .عملي==ات البرمج==ة العقلي==ة ه==ذه هي
الثقافة .والبرمجة العقلية تتقرر فيزيولوجيا عن طريrrق الخاليrrا الدماغيrrة.
طبعا ال نستطيع ان نلحظ البرمجة العقلية بشكل مباشrrر ،كrrل الrrذي يمكننrrا
مالحظته هو السلوك :الكلمات واالفعال التي نقوم بها والتي تعكس الثقافrrة
الrrrrتي اكتسrrrrبناها ) Hofstede (2001وفي السrrrrياق نفسrrrrه يقول
) Ballantine & Roberts (2009كrrل المجتمعrrات لrrديها حrrدود
جغرافيrrة ،وفيهrrا يعيش االفrrراد ضrrمن جماعrrات او مجتمعrrات محليrrة
ويشrrتركون في برمجrrة عقليrrة جماعيrrة "ثقافrrة" .هrrذا المجتمrrع بمكوناتrrه
82
المختلفrrrة بمrrrا فيهrrrا االسrrrرة والمدرسrrrة وجماعrrrة األصrrrدقاء والعمrrrل
والمؤسسات والذي يزود االفراد بالبرامج العقلية نطلق عليrه مجrازا االلrة
او الماكنrrة Hardwareالrrتي تشrrبه جهrrاز الكومrrبيوتر .وعمليrrة تزويrrد
االفrrراد بrrالبرامج العقليrrة softwareتتم بوسrrاطة التنشrrئة حيث تنتقل
األفكrrار والمشrrاعر واالفعrrال من جيrrل ألخrrر بمrrا في ذلrrك المعrrارف
والمعتقدات والقيم والقواعد والقانون واللغة والعادات والرموز والمنتجات
المادية .والبرمجrrة العقليrrة او الثقافrrة هي الrrتي تrrزود االفrrراد والجماعrات
بدليل لألفعال والتفrاعالت بين األشrخاص ضrمن المجتمrع ،ودليrل العمrل
الثقافي الذي يتبعrrه النrrاس يمكن مالحظتrrه في طريقة التخrrاطب ،وعنrrدما
يلقي أحrrدهم التحيrrة على االخrrر وفي العrrادات المتعلقة باألكrrل والشrrرب
والملبس .والثقافة بهذا المعنى أوسع بكثير من المفهrrوم الشrrائع عن الثقافrrة
التي تطلق على الفن واالدب والموسيقى والمسرح وما شاكل .وبعيrrدا عن
التعريفات التقليديrrة للثقافrrة يقول ) Geertz (1995:5االنسrrان حيrrوان
معلق في شبكة من االهتمامات هrrو الrrذي قrrام بنسrrجها ،وهrrذه الشrrبكة هي
الثقافة ،وتحليلها ال يكون بالتجربة العلمية التي تبحث عن قrrانون يحكمهrrا،
انها ال تستلزم أكثر من طريقة تفسيرية للمعrrنى والوظيفrة الrrتي تقوم بهrrا.
وبتعبير ) Macionis & Plummer (2002انها تصميم للحياة ،تنطوي
على القيم والمعتقدات والسلوك والممارسات واالشياء المادية الrrتي تشrrكل
طريقة حيrrاة النrrاس ،انهrrا تشrrبه علبrrة أدوات toolboxتسrrتطيع ان تrrوفر
الحل لمشكالت الناس اليومية .انها جسر للماضي ودليل للمستقبل.
الثقافة المادية والثقافة الالمادية Material & Non-material Culture
83
لكي نفهم الثقافة فهما شموليا ،من المفيد التمييز بين الثقافة المادية والثقافrrة
الالمادية .علماء االجتماع يطلقون اسrrم الثقافrrة الالماديrrة على العrrالم غrير
الملموس لألفكار التي هي صنيعة اعضrاء المجتمrع والrتي تغطي مسrاحة
واسrrrعة من األفكrrrار تمتrrrد من االيrrrديولوجيا الى العقائrrrد مrrrرورا بrrrالقيم
واألعراف والمعايير واألخالق .اما الثقافة المادية فهي األشrrياء الملموسrrة
التي خلقها الناس بوصفهم أعضrrاء في مجتمrrع .وهrrذه األخrrرى تمتrrد على
مساحة واسعة ،من التسلح بالسكاكين والخناجر الى الرمrز البريrدي ،ومن
الهrrrاتف المحمrrrول الى قصrrrيدة الشrrrعر ومن أدوات الطبخ الى ناطحrrrات
السحاب ،وكالهما يتطلب ممارسات على مستوى الفعل االجتماعي.
النrrاس هم الrrذين خلقوا الثقافrrة وبالمقابrrل منحوهrrا سrrلطة فخضrrعوا لهrrا
وصrrrارت هي الrrrتي تتحكم فيهم ،وألنهrrrا كrrrذلك يقول & Macionis
) Plummer (2002أصبح فهمنrrا للطبيعrrة البشrrرية يعrrني انهrrا صrrنيعة
الثقافrrة ،والواقrrع ان ماشrrيونز لديrrه خلrrط بين الطبيعrrة البشrrرية والطبيعrrة
االجتماعية .الطبيعة االجتماعية هي وحrrدها صrrنيعة الثقافrrة ،امrrا الطبيعrrة
البشرية فهي المشrrتركات بين كrrل البشrrر من االسrrتاذ الروسrrي الى الفالح
البولندي الى قاطع الطريrrق الصrrومالي ،انهrrا تمثrrل المسrrتوى الكrrوني في
البرنامج العقلي لإلنسrrان ،انهrrا موروثrrة جينيrrا ،وإنهrrا تشrrبه نظrrام تشrrغيل
الكومبيوتر الذي يقرر وظrrائف الفrrرد الفيزيائيrrة والنفسrrية ،قrrدرة االنسrrان
على تلمس الخrوف ،والغضrrب ،والحب ايضrrا ،المتعrة والحrزن والحاجrة
لآلخrrرين .القدرة على مالحظrrة البيئrrة بكrrل تناغماتهrrا واضrrدادها وبكrrل
عوالمها الصاخبة المعربدة وهrrدوئها الحrrالم الجميrrل ،كلهrrا تعrrود الى هrrذا
84
المستوى من البرمجة العقلية .الطبيعة البشرية في بعضها نتماثل بيولوجيا
....كلنا بقامة مستقيمة وعينين ولسان (مع استثناء ان بعضنا له الrrف عين
والف لسان وربما الف وجه) ولكننا طبعا ال نؤسس على االسrrتثناءات وال
على التورية التي نعني بها ابعد من محتواها المورفولrوجي ( شrكل كتابrة
الكلمات ومعناها الظاهر) .نتوقف هنrrا بعض الrrوقت ،ألننrrا امrrام منعطrrف
فكrrري خطrrير ومهم بنفس القدر ،ذلrrك ان إحساسrrنا بrrالخوف واسrrتجابتنا
لبrrاعث الخrrوف او الحrrزن او المتعrrة او المالحظrrة تقوم الثقافrrة بتعديلrrه،
فالطبيعة البشرية ال تعني ان االنسrان اجتمrاعي خrالص النrه يشrترك مrع
المملكة الحيوانية في كثير من المالمح البيولوجية والسلوكية ،ولوال تrrدخل
الثقافة في تعديل سلوكنا لما كrrان لنrrا أي امتيrrاز على نظرائنrrا في المملكrrة
الحيوانيrrة ،وقrrديما قrrالت العrrرب ان احrrدنا ال يخلrrو من اخالق البهrrائم.
وخالصة القول يمكننا الحصول على أداة غير متعبة للتميrrيز بين الطبيعrrة
البشرية والطبيعة االجتماعية عن طريrrق اختيrrار الثقافrrة بوصrrفها معيrrارا
للتعبrrير عن مظrrاهر السrrلوك المحrrدد سrrلفا والrrذي يوصrrلنا بهrrدوء ودون
الحاجrrة الى البحث عن نظريrrات او مفrrاهيم كونيrrة الكتشrrاف الطبيعrrة
االجتماعية مقابل الطبيعة البشرية التي تبدو من سrrياق العrrرض لهrrا صrrلة
مباشرة بالتكوين البيولوجي ووظائفه الفيزيولوجية .والنتيجة األكثر أهميrrة
التي نصrrل اليهrrا على أسrrاس التعميم هي ان االنسrrان يشrrبه النrrاس جميعrrا
(طبيعة بشرية) ويشبه بعضهم (طبيعة اجتماعية) .وال يشبه أحrrدا (طبيعrrة
نفسية).
الثقافة والشخصية Culture & Personality
85
يرى االنسان نفسه في مرآة الثقافة عبر سلسلة من عمليات التعلم المستمر
عبر التفاعل مع البيئة االجتماعية ،وصورة االنسان عن نفسه تتشكل عبر
الخارطة العقلية الrrتي يكّونهrrا الفrرد عن االخrrرين وردود أفعrrال االخrrرين
على تفكيره وسلوكه .االخرون هنا يؤدون دور المرآة التي تعكس صrrورة
الفrرد ،وطريقة تفكrيره ومشrاعره وتصrرفه ،وهي الخارطrة الrتي يفسrر
الفرد عن طريقها لعبة الحيrrاة .هrrذه الخارطrrة االدراكيrrة عبrrارة عن نظrrام
دينrrاميكي متكامrrل من التصrrورات المتراكمrrة ،تتضrrمن الrrذات وبيئتهrrا
السلوكية ،وعندما نتحدث عن الشخصية الفردية ،فإننا نعني بهrrا الخارطrrة
العقلية للفرد عبر الزمن ،من هنا فان الشخصية هي نتrrاج عمليrrات الثقفنrrة
enculturationالrrrتي يكتسrrrبها كrrrل فrrrرد بمكوناتrrrه الجينيrrrة الفريrrrدة.
والشخصية الفردية تتأثر بقوة بمراحل التنشrrئة المبكrrرة .علمrrاء االجتمrrاع
وعلمrrاء النفس واالنrrثروبولوجيون يعطrrون اهتمامrrا مبالغrrا فيrrه للطفولrrة
المبكrrرة وتأثيرهrrا على بنrrاء الشخصrrية ،فمثال النمrrط المثrrالي التقليrrدي
لشخصية االناث والذكور في المجتمعات الغربيrrة ،والعربيrrة وربمrrا اغلب
المجتمعrrات في العrrالم عrrدا بعض االسrrتثناءات ،هrrو ان الرجrrل ينبغي ان
يكون صارما ،حاد الطباع ،عنيفا ومهيمنا ويمارس دور المعيrrل او عمrrود
الrrبيت وحrrامي االسrrرة ،بينمrrا المتوقrrع ان تكrrون المrrرأة وديعrrة مسrrالمة،
وطائعة مستجيبة لمتطلبات الذكور ومخلصة وراعية لشؤون االسرة .هrrذه
االختالفات في الشخصية بين الجنسrrين ،ينظrrر لهrrا على انهrrا طبيعيrrة لهrrا
عالقrrة بrrالتكوين الrrبيولوجي ،ولrrذلك ال يمكن تجاوزهrrا او القفrز عليهrrا او
تغييرها .والسؤال الذي يسأله علماء االجتمrrاع واالنثروبولوجيrrا ،هrrل هي
86
كذلك فعال؟ وهل وجد العلماء اختالفات شخصية شاملة للتمييز بين االناث
والrrذكور .مrrارغريت ميrrد ) Mead (1963,1970من األوائrrل الrrذين
انشغلوا بدراسة الفروق بين الجنسrrين عrrبر الثقافrrات وفي ابحاثهrrا العديrrدة
اكrrدت انrrه ال توجrrد اختالفrrات شخصrrية مطلقة بين الجنسrrين ،وان هrrذه
االختالفات هي اختراع كهنrrوتي الغايrrة منrrه هيمنrrة الrrذكور على االنrrاث،
وأشارت الى ان هناك اثنين من التنظيمات االجتماعية المتجاورة في غينيا
الجديدة ،األولى تكون فيها شخصيات الرجال والنسrrاء معrrا وليس الرجrrال
فقط شخصيات على درجة عالية من اللياقة وغير عدوانية ،اما الثاني فكال
الجنسين فيه ،شخصياتهم ذات نزعة عصبية وعدوانية .ووجدت في غينيrrا
الجديدة أيضا ان هناك مجتمعات يقوم الذكور فيها بتجميل انفسهم ويعتنون
باألطفال ويقومون بإدارة شؤون المنزل ،بينما ال تفعrل النسrاء ذلrك وانمrا
تخرج للصيد والتسوق فيما يبقى الرجrrال في تrrرقب لعrrودة النسrrاء ،وهrrذه
المقارنة تعطي انطباعا بان العامrrل الثقافي واالقتصrrادي هrrو الrrذي يحrrدد
األدوار بين الجنسrrين وليس العامrrل الطrrبيعي الrrبيولوجي ،كمrrا ان هrrذه
النماذج االجتماعية-الثقافية توحي بان هناك بدائل لتربيrrة األطفrrال تختلrrف
نوعيrrا عن النظrrرة التقليديrrة ،وهrrو مrrا الت اليrrه األمrrور في المجتمعrrات
الغربيrrة من وجrrود مسrrاواة بين الrrذكور واالنrrاث .والحrrق ان االنrrاث في
الغرب صارت لهن في االغلب اليد الطولى .وباختصار شديد ،الشخصrrية
الفردية هي مجموعة فريدة من البرامج العقلية التي ال يشrrترك فيهrrا الفrrرد
مrrع أي شrrخص اخrrر ،انهrrا تقوم على سrrمات موروثrrة جزئيrrا من ضrrمن
المجموعة الجينية الفريدة للشخص وجزئيا تكتسrrب بrrالتعلم ،والتعلم يعrrني
87
التعديل الrذي يحrدث بتrأثير البرمجrة الجمعيrة للعقل (الثقافrة) الى جrانب
الخrrبرات الشخصrrية الفريrrدة Haviland (1996) .وبمrrا ان الشخصrrية
بعامrrة هي صrrنيعة الثقافrrة وبالتrrالي تعrrني ان اغلب سrrماتها قابلrrة للتعلم
والتrrوارث الثقافي وليس الrrبيولوجي فانهrrا تعتمrrد على طريقة الثقفنrrة
،enculturationوفي ذلrrrك يrrrذكر وولrrrف ) Wolf (1966ان هنrrrاك
نrrrrrوعين مختلفين من تنشrrrrrئة األطفrrrrrال األول التrrrrrدريب االعتمrrrrrادي
Dependent trainingالrrذي يخلrrق شخصrrيات مذعنrrة ومعتمrrدة على
أعضاء االسرة االخرين ،والنوع الثاني ،التدريب ذو الطبيعrrة االسrrتقاللية
,Independent trainingوهذا النوع من التrrدريب يقود الى االعتمrrاد
على النفس واالسrrتقاللية واالنجrrاز لrrدى األطفrrال ،وهrrذا هrrو مrrا يحrrدث
بالضrrبط في مجتمعنrrا العrrربي حيث يمrrيز الrrذكر منrrذ يومrrه األول بrrالوان
اثوابه ،وطريقة االحتفاء به ،ثم خروجه مع ابيه ونظرائrrه في بrrاكر حياتrrه
فيما تحتجز االنثى خلف اسوار عالية وال يسrrمح لهrrا بمرافقة االب اال في
مناسبات نادرة ،وحالما تبلغ سن العاشرة ال يسrrمح لهrrا برؤيrrة الrrذكور من
غير قرابة الدم ،وتبقى تحت رقابة مشددة حتى يأتيها "نصيبها" فتدخل في
غيبوبة جديدة في بيت زوجها حتى تسrrقط اسrrنانها .وإذا ألقينrrا نظrrرة على
المثلث في الشكل ادناه نجد ان الشخصية تمثل الجزء العلrrوي من الطبيعrrة
البشرية وصنيعة من صنائع الثقافة .وتبدو الثقافة محورا مركزيrrا في بنrrاء
المجتمع ،اذ انها تعمل باتجاهين ،تؤثر في الطبيعrrة البشrrرية وتهrrذب فيهrrا
الجزء الrrبيولوجي المrrوروث والrrذي نشrrترك فيrrه مrrع المملكrrة الحيوانيrrة،
88
وتعمل في الوقت ذاته على صقل الشخصية وتدريبها لكي تتماشى باتسrrاق
مع قواعد المجتمع.
شكل 3 -1يوضح البرمجة العقلية الفريدة لإلنسان
الشخصيةpersonality
الثقافةculture
89
Hofstede: Culture and Organization P. 9 :المصدر
الرموزsymbols
االبطالHeroes
الطقوسrituals
القيمvalue
91
المصدرHofstede: Culture and Organization P.9 :
الطقوس Rituals
هي أنشrrطة جمعيrrة ،تقنيrrا تبrrدو غrrير الزمrrة وغrrير ضrrرورية للوصrrول
لألهrrداف المرغوبrrة ،ولكنهrrا ضrrمن الثقافrrة تبrrدو ضrrرورة اجتماعيrrة،
يعملون جميعا من أجل ممارسrrتها لحاجrrة نفسrrية اكrrثر منهrrا عقائديrrة ،من
امثلتهrrا المعروفrrة طrrرق القاء التحيrrة واحrrترام اآلخrrرين ،االحتفrrاالت
االجتماعيrrة والدينيrrة .تنظيم عمrrل اللقاءات السياسrrية الrrتي تبrrدو أسrrبابها
عقالنية تحسب هي األخرى على األنشطة الطقوسية ،مثل السrrماح للقادة
بتسويق انفسهم امام مؤسساتهم او جماهيرهم.
القيم Values
القيم نزعات واسعة لتفضيل جملة من القضايا على حسrاب أخrرى ،ولهrا
جانب سلبي واخر إيجابي مثل خير -شر ،نضيف – وسخ ،جميل -قبيح،
طبيعي -غير طبيعي ،سليم – مريض منطقي – متناقض ،عقالني – غrrير
عقالني .القيم من اول األشياء التي يتعلمها األطفrrال بطرائrrق ال شrrعورية،
وحين يصrrلون سrrن العاشrrرة يكrrون النظrrام القيمي قrrد اسrrتقر الى االبrrد،
فيصبح كما يقول اهل علم النفس من الصعب تغييره بعد هrrذه السrrن .والن
النظrrام القيمي نظrrام مجrrرد ال يمكن رؤيتrrه او مالحظتrrه مباشrrرة من قبrrل
الفرد من خrrارج المجموعrrة الثقافيrrة فانrrه يمكن فقط االسrrتدالل عليrrه عن
طريق بعض أنواع السلوك في ظروف معينة.
92
لتفسير مايردده الناس حول قيمهم نحتrrاج الى التميrrيز بين مrrاهو مرغrrوب
Desiredومrا هrو مرغrوب فيrه Desirableبمعrنى بين "كيrف يحب
الناس ان يكون عليه العالم مقابل ماذا يريد النrrاس ألنفسrrهم" .المرغrrوب
فيه Desirableيشير الى رغبة الناس عامة على نحو "صحيح/خاطئ ،
موافrrق /غrrير موافrrق او مrrا يماثrrل ذلrrك ،بشrrكل مجrrرد ،كrrل انسrrان يحب
الفضيلة ويعادي االثم او الخطيئة ،واالجوبة التي تعrrبر عن وجهrrات نظrrر
الناس حول المرغوب فيه تمثل المثل العليا الrتي قrrد ال تجrد لنفسrها سrبيال
للتطبيق عندما يتعلق االمر برغبة االنسان الذاتية ،فقد يقول االنسان شrrيئا
ويفعل غيره.
الrrذي يمrrيز المرغrrوب عن المرغrrوب فيrrه هrrو المعrrايير the norms
والمعrrايير هي القاعrrدة الrrتي تسrrتخدم للتعريrrف بrrالقيم الموجrrودة داخrrل
الجماعrrrة االجتماعيrrrة .في حالrrrة القيم المرغrrrوب فيهrrrا المعيrrrار مطلrrrق
absoluteويتعلق بما هو صحيح أخالقيا ،ولكن في حالة المرغrrوب فانrrه
عملية إحصائية تشير الى االختيارات التي يقوم بهrrا أغلبيrrة النrrاس فعليrrا.
باختصrrار المرغrrوب فيrrه يتعلrrق بالمثrrل العليrrا ،امrrا المرغrrوب فيتعلrrق
بالممارسة السلوكية على ارض الواقعHofstede (2001, 1992) .
الثقافة الفرعية Subculture
الثقافrrة الفرعيrrة هي نمrrط ثقافي منقطrrع جزئيrrا ونسrrبيا عن بقيrrة سrrكان
المجتمع ،المجموعات المثلية ،الجماعrrات الدينيrrة المتشrrددة او الrrتي لrrديها
طقوس السيما جماعات موسيقى الجاز ،وكبار السrrن في مسrrاكن الرعايrrة
االجتماعية ،الى جrانب جماعrة االدب او الشrعر ،والمشrردون ،واالكrراد
93
في بغrrداد ،واالقبrrاط في القاهرة ،والrrدروز في دمشrrق وبrrيروت ،العrrرب
والهنود في إنكلترا ،االيطاليون والسود في نيويrورك ،كrل هrؤالء يمثلrون
ثقافrات فرعيrة داخrل الثقافrة الكليrة .من السrهل (ولكن غالبrا بشrكل غrير
دقيق) وضع الناس ضrrمن فئrrات الثقافrrة الفرعيrrة ،ذلrrك ان كrrل واحrrد منrrا
يساهم عفويا في عدد من الثقافات الفرعية ،ولكن من دون إلrrزام او الrrتزام
تلقائي مع كثير منها ،مثال يمكن لإلنسان ان يكون عضوا في اتحاد االدباء
ومشاركا في جماعة اثنية ،ويحضر حفالت الجrrاز وينrrام مrrع المسrrنين في
دور العجزة ،مثل هؤالء الناس ال يحسrrبون على الثقافrrة الفرعيrrة ألي من
هذه التجمعات ألنهم يفتقدون شrrرطا او أكrrثر من شrrروط االنتمrrاء للثقافrrة
الفرعية .في بعض الحاالت ،السمات الثقافية ذات األهمية القصrrوى ،مثrrل
الِع رق او الدين تبعد الناس بعضهم من بعض ،وأحيانا لها نتrrائج مأسrrاوية.
خذ مثال العrrراق بعrrد الغrrزو األمrrريكي عrام ،2003الوضrrع المضrrطرب
والفراغ السياسي الذي اوجده الغزاة ،في المجتمع العراقي متعدد االثنيrrات
والطوائrrف واألديrrان (ثقافrrات فرعيrrة) .وكrrل من هrrذه المكونrrات الثقافيrrة
تختلrrف لغويrrا او مrrذهبيا او دينيrrا او عرقيrrا او حزبيrrا ،قrrامت (بتحrrريض
وتمويل من جهات معروفة ،وغير معروفة) بالتصادم المميت مع بعضها،
حتى صار القتrل على الهويrة فمن كrان اسrمه عليrا يقتلrه عمَrر ومن كrان
اسمه عمَر يقتله علي ،ومن كrrان اسrrمه شrrيرزاد يقتrrل عليrrا وعمَrر ويقتلrrه
علي وعمر .النسبية الثقافية ال تنطوي على التنوع فقط وانما على التراتب
ايضا ،hierarchyفما يعرف باألنماط الثقافية الراقية والمهيمنrrة ،هي في
العادة ثقافة الفئة المتنفذة من أصحاب رؤوس األموال والمهنrrيين من ذوي
94
الrrدخول العاليrrة والتجrrار وصrrناع القرار السياسrrي ،فيمrrا تلصrrق الثقافrrة
الهابطة بفئrrات الثقافrrات الفرعيrrة ،ألنهم حrrتى لrrو كrrانوا من األثريrrاء فrrان
انماطهم السلوكية المستمدة من ثقافتهم الفرعية تبعدهم عن اللغة المشتركة
للثقافة المهيمنة .والتنوع الثقافي يتضمن أيضا رفض افراد الثقافة الفرعية
لألفكار او السلوكيات التقليدية للثقافة المهيمنrrة ،وهم لrrذلك يميلrrون لتقويrrة
كينونة واواصر العالقات فيما بينهم وبطريقة شrrبه مغلقة ،فهم يrrتزاوجون
ويتبrrادلون المنrrافع وااللتزامrrات االقتصrrادية فيمrrا بينهم ،مrrع اإلبقاء على
هامش للعالقة السطحية مع الثقافة المهيمنrة Macionis & Plummer
) .(2002في المجتمrrrع الرأسrrrمالي المعاصrrrر يقول فلجrrrر وسrrrكوت
) Fulcher & Scott (1999وفقا لنظريrrة المجتمrrع الواسrrع Mass-
society Theoryفان الثقافة المألوفrrة هي ثقافrrة المجتمrrع الواسrrع ،امrrا
الثقافة التقليدية الحقيقية فإنها تعرضت لعملية ابادة مبرمجة من قبل الثقافrrة
الواسعة ذات النزعrة التجاريrة عاليrة التنظيم ،والrتي اجهrزت أيضrا على
الثقافة الراقية .ادرنو وهورخيمر Adorno & Horkheimerمن أبرز
اعضاء مدرسة فرانكفrrورت الحديثrrة لعلم االجتمrrاع ،اسrrتخدموا مصrrطلح
"صناعة الثقافة" في إشارة الى ان الثقافrrة صrrارت تصrrنع وتبrاع مثrل أي
منتج صناعي من اجل الحصول على الربح ،انها وفقا لوجهة النظر هrrذه،
تفرض على المجتمع الواسع الثقافة المصنعة في الغrrرف الخلفيrrة للمتrrاجر
العمالقة لكي تجعل من الناس مجrrرد مسrrتهلكين خrrاملين لبضrrائع ال تلrrبي
حاجrrاتهم الحقيقيrrة ،وهrrذه الثقافrrة أصrrبحت ضrrرورية إلدامrrة المجتمrrع
الرأسمالي ،العمال يقبلون الضجر واالستغالل في العمrrل ألنrrه ليس لrrديهم
95
خيار اال الحصول على أجور توفر لهم فرص الهروب في أوقات فrrراغهم
لالنضrrمام الى أولئrrك الrrذين يبحثrrون عن متrrع الثقافrrة الواسrrعة لمشrrاهدة
األفالم او االسrrتماع للموسrrيقى المفضrrلة .والواقrrع ان هنrrاك تعارضrrا بين
وجهة نظر النخبة ووجهة نظر عامة الناس ،فالنخبة تميل الى الثقافة الفنية
وتعد الثقافة العامة مجرد ثقافة تجارية رخيصة وان جrrذورها على عالقrrة
بالثقافات الفرعيrrة ألقليrrات العrrرق او الطبقة .وخالصrrة القول ان الثقافrrة
الفرعية هي جماعrات معينrة داخrل المجتمrع ،ومصrrطلح الثقافrrة الفرعيrة
أصrrال كrrان يسrrتخدم لإلشrrارة الى ثقافrrات الشrrباب والطبقات االجتماعيrrة
الدنيا ،وأصل معنى الثقافة الفرعية هو “الثقافة التحتية" under-culture
ليدل على وجود الثقافrrة المهيمنrة او الثقافrrة الراقيrة ،وينظrر الماركسrيون
للمصطلح من وجهة مغrrايرة اذ يعrrدون الثقافrrة الفرعيrrة نوعrrا من مقاومrrة
الطبقات الrrدنيا للطبقات العليrrا ،وهي ضrrمنا تعrrني الوقrrوف بوجrrه النظrrام
االجتماعي الذي يفتقر للعدالة.
التغير الثقافي Cultural Change
التغير سمة الزمة للوجود ،كل يوم ،يوم جديد ،وكل ساعة او دقيقة تمر ال
تشبه التي قبلها وال تشrبه الrتي بعrدها ،وقrديما قالهrا الفيلسrوف االغrريقي
هرقليدس ( )BC 480-540انrك ال تسrتطيع ان تعrبر النهrر مrرتين ،فال
الماء يبقى على حاله وال االنسان الذي يعبر النهrrر يبقى كمrrا هrrو ،كالهمrrا
يتغير ،للوهلة األولى تبدو هذه الرؤية غير منطقية ذلك ان شكل النهrrر في
جريانه لن يتغير واالنسان ال شيء يحدث له عدا انه ستبتل قrrدماه ،بيrrد ان
ذرات الماء ليست هي في حالة العبور للمرة الثانية ،كما ان تفكير االنسان
96
وطريقة عبوره ال يمكن ان تكون بالطريقة ذاتها ،والعبرة ان التغير يحدث
في البنية األساسية underlying structureلألشياء عrrبر الrrزمن ،وفي
حالrrة المجتمrrع فrrان التغrrير يحrrدث أحيانrrا بهrrدوء ومن دون ان نالحظrrه،
واحيانrrا يحrrدث بطريقة كارثيrrة ،كمrrا هrrو الحrrال عنrrدما تتعrrرض مدينrrة
إلعصار مدمر ،او غrrزو كrrالغزو األمrrريكي للعrrراق او ثrrورة تقلب كيrrان
النظام االجتماعي.
التغير في أحد ابعاد الثقافة يترافق ،في العادة ،مrrع تحrrوالت أخrrرى ،فمثال
دخول المرأة لميدان العمل يتزامن مع تبدل في أنماط االسرة ،بما في ذلrrك
تأخير سن الrrزواج ،وارتفrrاع نسrrب الطالق ،وتزايrrد عrrدد األطفrrال الrrذين
ينشؤون في بيوت من غير اباء ،وهذا الترابط يوضح مبدأ التكامل الثقافي
Cultural integrationالrrrذي يعrrrني الترابrrrط الوثيrrrق بين العناصrrrر
المختلفة للنظام الثقافي ،ولكن طبعا عناصر النظام الثقافي ال تتبدل جميعrrا
بالسرعة نفسها .وليم اوكrrبرن ) Ogburn (1964الحrrظ ان التكنولوجيrrا
تتبدل وتولد عناصر جديrدة للثقافrrة الماديrة أسrرع بكثrير من التبrدل الrذي
يحصل لعناصر الثقافة غير المادية ،اوكبرن سrrمى هrrذه العمليrrة المتنrrافرة
الفجوة الثقافية ،Cultural Lagوهي تعني ان مستوى التغير المتباين في
عناصر الثقافة يؤدي الى ارباك النظام الثقافي كله .فمثال قدرة التكنولوجيا
على تمكين المرأة من األنجاب عن طريق تخصيب البويضrrة في المختrrبر
بحيمن شخص اخر غير الزوج ،من ثم نقل البويضة المخصبة الى الرحم،
من شانه ان يساعدنا على استبعاد الفكرة التقليدية لألمومة واالبوة.
97
التغير الثقافي يحدث في العادة بواحدة من ثالث طرائق .أوال .االختراع
:inventionوهو عملية ابتكار عناصر ثقافية جديدة ،واالختراع قrrدم لنrrا
الهاتف في عام 1876والسيارة عام 1885والطrrائرة عrrام ،1903كrrل
هذه المخترعات كان لها تأثير هائل على حياتنا .عمليrrة االخrrتراع تمضrrي
قrrدما ،لكن النظrrام االجتمrrاعي يحتrrاج بعض الrrوقت لتعrrديل مؤسسrrاته
ومنظومته القيميrة ،والتغيrير الrذي تحدثrه االبتكrارات سrوف يتبعrه حتمrا
شكال اجتماعيا جديدا ال يشبه ابدا ما كان عليه قبل وجود االخrrتراع .ثانيrrا.
االكتشاف discoveryوهو اننا ندرك ونفهم أشياء لم نكن نعرفها من
قبل ،من النجوم البعيدة الى وجبات الطعrrام الrrتي يتناولهrrا النrrاس في ثقافrrة
أخrrرى ،ومن المخلوقrrات في أعمrrاق المحيطrrات الى فيروسrrات انفلrrونزا
الخنrrازير ،اغلب االكتشrrافات جrrاءت نتيجrrة األبحrrاث العلميrrة ،وبعضrrها
بالصدفة ،فمثال عندما تركت السيدة ماري كrrوري قطعrrة من الحجrrر على
ورقة فوتوغرافية عام 1898كان ذلك ايذانا باكتشاف االشrrعاع بالصrrدفة.
وثالثا .االنتشار diffusionوهو عملية تدفق السمات الثقافية من مجتمع
آلخر .قدرة التكنولوجيا على نشر المعلومات حول العالم في نصrrف دقيقة
عبر المذياع ،التلفاز ،الكومبيوتر ،الهاتف النقال ،تعني ان عملية االنتشrrار
ليس فقط للمعلومات وانما لكل مكونات الثقافrrات اإلنسrrانية الماديrrة وغrrير
الماديrrة هي اليrrوم أعظم من أي وقت مضrrى .وال شrrك ان الثقافrrة العربيrrة
ساهمت في وقت من األوقات في نشrrر كثrrير من السrrمات الثقافيrrة في كrrل
انحrrrاء العrrrالم ،ولكن بالمقابrrrل كثrrrير من العrrrادات والمالبس واالثrrrاث
والتكنولوجيrrا ،والصrrحافة مسrrتمدة من ثقافrrات أخrrرى .واالنتشrrار بشrrكل
98
خاص له دور فعال في نقل األفكار واألدوات من مجموعة بشرية ألخرى
عن طريق االتصال الثقافي الشخصي او عrrبر وسrrائل االتصrrال الحديثrrة،
وهي بالتالي عملية متبادلة التأثير ،فاإلنكليز مثال نقلوا للهند اثناء االحتالل
عناصrrر ثقافيrrة كثrrيرة واخrrذو عنهم الكثrrير أيضrrاGiddens 1989, .
))Beattie 1985, Macionis & Plummer 2002
الثقافة والتنشئة Culture & Socialization
عند الوالدة يكون الطفل عاجزا تماما ومعتمدا بشكل مطلق على االخرين.
الطفل الرضيع في الواقع ليس كائنا بشريا بrrالمعنى الكامrrل انrrه ليس أكrrثر
من حيrrوان صrrغير ،فهrrو ال يسrrتطيع ان يتكلم وال يسrrتطيع السrrيطرة على
نفسه ،وهذان العنصران هما األكrثر أهميrة في إعطrاء االنسrان العضrوية
الكاملrrة في اي مجتمrrع بشrrري .ومصrrطلح التنشrrئة االجتماعيrrة يشrrير الى
الطريقة العامrrة للنمrrو بوصrrفه كائنrrا بشrrريا ،وخالل هrrذه العمليrrة يكتسrrب
الطفل اللغة والمهارات التي تؤهله لالنضمام للمجموعة البشرية الrrتي ولrrد
فيهrrا ،وهي عمليrrة تعلم مrrدى الحيrrاة من اجrrل الحصrrول على عضrrوية
المجتمع البشري .الطفل الرضيع لديrrه اسrrتعداد للتفاعrrل ،وهrrذا االسrrتعداد
يسrrاعده للنمrrو االجتمrrاعي ،وبالتrrدريج يتعلم ان سrrلوكه يلقى اسrrتجابة من
االخرين ،فعندما يبتسrrم او يبكي او ينrrاغي فانrrه يرسrrل رسrrالة الى االم او
االب فيلقى ردا مناسrrبا ومقنعrrا ،عمليrrة تبrrادل الرسrrائل هrrذه تعrrد اللبنrrة
األسrrاس في عمليrrة التنشrrئة ،وعمليrrة التفاعrrل تقوم بمهمrrة بنrrاء الrrذات
االجتماعيrrrrة الrrrrتي تعrrrrني إدراك من نحن .والمؤكrrrrد ان االسrrrrتعدادات
البيولوجية ،مع الثقافة ومع الخبرات الشخصية تعمrrل جميعrrا إطrrارا عامrrا
99
للتنشئة ،وعلى الرغم من ان الرضيع يولد بال حول وال قrrوة اال انrrه يملrrك
القوة الكامنrrة لتعلم اللغrrة ،والمعrrايير والقيم والمهrrارات الrrتي يحتاجهrrا في
مجتمعه .والتنشئة ليست ضرورية لبقاء الفرد وانما ضرورية أيضrrا لبقاء
الجماعة والمجتمع .وهي لذلك عملية مستمرة بأشكال متنوعة عبر دخrrول
االنسان وخروجه من المواقف المتعددة ،من المدرسة الى العمل ثم التقاعد
الى الموت.
الطبيعة والتطبع Nature & Nurture
ما الذي يجعلنا ما نحن عليه؟ هل هو تكويننا البيولوجي ام البيئة التي نشأنا
فيها وعملت عملهrrا في توجيrrه سrrلوكنا؟ أحrrد طrrرفي الrrنزاع بين الطبيعrrة
والتطبع المعاصrrرين يrrزعم ان تطrrور الrrذات والسrrلوك االجتمrrاعي الrrذي
يتخلله العنف ،والجريمة ،واألداء األكاديمي ،واختيrrار الشrrريك ،والنجrrاح
االقتصادي ،واألدوار الجنسية Gender Rolesومrا شrاكل ،لهrا عالقrة
بتركيبنrrrا الrrrبيولوجي او العوامrrrل الجينيrrrة Genetic Factorsفمثال،
السrrلوك االيثrrاري Altruismالrrذي يشrrير الى المشrrاركة والتعrrاون ،هrrو
سلوك مقرر جينيا ،او جزء منه على األقل ) Harris (1998فنحن نعمل
على ديمومة ساللتنا العائلية ونحافrrظ على امتrrدادنا البشrrري عrrبر سrrلوكنا
االجتمrrاعي المتنrrوع .الجماعrrات االنسrrانية عملت على تطrrوير السrrلطة
وحماية األقارب ،االم تضحي بسالمتها من اجل سrrالمة طفلهrrا ،والجنrrدي
يموت في المعركة من اجrrل رفاقrrه ووطنrrه ،والمجتمعrrات المحليrrة تظهrrر
نوعا من العداء نحو الدخالء والغرباء ،والجار يحمي ممتلكrrات جrrاره من
المتطفلين واللصوص ،كل هذه األمثلة يسوقها بعض علماء االجتماع على
100
انها متجذرة في تكويننا البيولوجي ،وهذه األنمrrاط السrrلوكية ،يقول لrrيرنر
) Lerner (1992سrrوف لن تrrزول الن نتائجهrrا سrrتمنح الجنس البشrrري
فرصrrا أفضrrل للبقاء .الطrrرف المعrrارض من علمrrاء االجتمrrاع يrrزعم ان
نظرية "األصل البيولوجي" لسلوكنا هي نظرية اختزالية Reductionist
Theoryمليئrrة بrrالعيوب ،ذلrrك انهrrا تخrrتزل السrrلوك االجتمrrاعي المعقد
وتنسبه لعامل واحد هو السrrمات الموروثrrة ،لم يثبت علميrrا ان هنrrاك جينrrا
geneخاصا بالسلوك االيثاري او للعدوانية ،او أي جين لمظاهر السrrلوك
األخرى ،فهنrrاك تنrrوع هائrrل في سrrلوك أعضrrاء الجماعrrات والمجتمعrrات
المختلفrrة ،فrrاألفراد الrrذين يولrrدون وينشrrؤون في ثقافrrة معينrrة ثم ينتقلrrون
للعيش في ثقافة أخرى ،فانهم اكثر التصrrاقا بثقافتهم االصrrلية الrrتي ولrrدوا
فيها .والحقيقة كما يقول بالنrrتين وروبrrرتس Ballantine & Roberts
) (2009ان ما يجعلنا ننفرد عن سائر االحياء ليس موروثاتنrrا البيولوجيrrة
وانمrrا قrrدرتنا على تعلم الترتيبrrات االجتماعيrrة المعقدة للثقافrrة الrrتي نعيش
فيها .نتعلم ماذا يعني ان نكون بشرا ،ونتعلم كيrrف نتصrrرف اثنrrاء تفاعلنrrا
مع االخرين .واليزال الجدل قائما بين الفريقين ،ولكن دخول طrرف ثrالث
أضعف من حجة الفريقين ،والفريrق الثrالث يقول ان العوامrل البيولوجيrة
تشترك مع العوامل البيئيrrة في تشrrكيل سrrلوكنا ،ذلrrك مrrع افrrتراض وجrrود
دوافع بيولوجية محركة للسلوك فإن البيئة االجتماعية تعمrrل قrrوة مركزيrrة
في تعrrديل السrrلوك وتوجيهrrه وتشrrكيله عrrبر عمليrrات التنشrrئة االجتماعيrrة
)Freese et al (1999
أهمية التنشئة االجتماعية The Importance of Socialization
101
إذا كنت تعيش في حقل او مزرعrrة ورأيت الحيوانrrات على الطبيعrrة او
كنت من هواة مشاهدة برامج الحيrاة البريrة او عrالم الحيrوان ،فإنrك ربمrا
تكون قد
الحظت ان الحيوان المولود حديثا يعتمد على نفسه من اللحظة الrrتي يrrرى
فيها النور ،الثور او الحصان او الغrrزال يقف على قوائمrrه بعrrد ان يتعrrثر
لعدة دقائق ثم ينهض من جديد ويمrrارس حيrrاة الحيوانrrات األخrrرى بشrrكل
تلقائي ،وكذلك السالحف وبعض الطيور والحشرات التي تخرج من قشرة
البيض الى الماء مباشرة من دون الحاجة لالتصال مrrع الحيوانrrات األكrrبر
سنا من اجrrل التعليم او التrrدريب ،وهrrو في ذلrrك مrrبرمج بيولوجيrrا .وعلى
102
العموم ،كلما كان الكائن الحي أكثر ذكاء كلما احتrrاج الى مrrدة حمrrل ومrrدة
اعتماد غذائي واجتماعي أطول من نظرائه األقل ذكاء ،حتى مع الثrrدييات
العليا يأخذ الطفل االنساني الرضيع أطrrول مrrدة حمrrل واطrrول مrrدة انسrrنة
.Socializeوالجدول ( )1-3يوضح مدة اعتمrrاد الرضrrيع لrrدى الثrrدييات
العليا ،حيث يظهر الفارق هائال في درجrrة االعتماديrrة ،واالنسrrان اطولهrrا
طفولة .وهذا الزمن الطويrrل يحتاجrrه الرضrrيع من اجrrل ان يتعلم تعقيrrدات
الثقافة ،ومن هنا ندرك ان العوامل البيولوجية وعوامل البيئة االجتماعيrrة-
الثقافيrrة يعمالن مrrع بعض في تشrrكيل السrrلوك اإلنسrrاني والنمrrو الطrrبيعي
لإلنسان يتضrrمن تعلم الجلrrوس ،والحبrrو ،والوقrrوف ،والمشrrي ،والتفكrrير،
والكالم ثم التفاعل االجتمrاعي ،وبطrول مrدة الطفولrة االعتماديrة يحصrrل
الطفل على فرصة اكrrبر لتعلم المهrrارات الضrrرورية ،والمعرفrrة واالدوار
عن طريrrق الحب والتسrrامح االبrrوي ،امrrا في حالrrة الحرمrrان المrrادي او
العrrاطفي فrrان التنشrrئة سrrتكون ناقصrrة وتrrؤثر تrrأثيرا بالغrrا على الrrذات
االجتماعية كما سنرى
تأثير العزلة وسوء المعاملة The Effect of Isolation & Abuse
103
هل بإمكانك ان تتخيل طفال يعيش من دون تفاعل اجتمrاعي؟ من الواضrrح
ان الطفrrل يحتrrاج الى حrrد أدنى من التفاعrrل الضrrروري لكي ينمrrو نمrrوا
طبيعيrrrrrrا ،واال
فانrrrrrrه يبقى في
حrrrدود تكوينrrrه
الrrrrrrrrبيولوجي،
الذي ال يسrrاعده
كثيرا في العيش
انسrrانا ،ذلrrك ان
االشباع المادي والعاطفي يعطي مردود ايجابي على بناء الشخصية في
الثقافrrة هي الrrتي الفترات الالحقة
اخرجتنا من السجن البيولوجي الى الفضrrاء االجتمrrاعي ،ومن بين األمثلrrة
التي كشفت عن تأثير البيئrrة االجتماعيrrة على تحrrول الكrrائن البشrrري من
كائن شبيه بالحيوان الى انسان هو حالة الطفل المسمى Wild boyالrذي
وجد هائما في احدى الغابات الفرنسrrية في عrrام ،1799وكrrان يعيش على
ما كان يجrده بين األشrجار ،وعلى الrرغم من ان أحrدا لم يكن يسrتطيع ان
يقدر كم كان قد بقي على تلك الحالة اال انrه كrان يبrدو ابن الحاديrة عشrرة
من عمره ،لم يكن يتكلم ،ولكنه يصدر أصrواتا تشrبه أصrوات الحيوانrات.
كان عاريا تماما ،وسخا وخائفا ،نقل الى باريس وتبناه طبيب شrrاب كrrرس
خمس سنين من حياته لتعليمه ،تقدم كبrير حصrل في أنسrنته ،فبعrد مrرور
عامين أصبح الطفل نظيفrrا ،حنونrrا وقrrادرا على تعلم عrrدة كلمrrات وقrrادرا
على استيعاب اغلب ما يقال لrrه .وعلى الrrرغم من جهrrود الطrrبيب الشrrاب
104
كلها ،فان الطفل لم يستطع ان يتكلم بأكثر من كلمتين ولذلك فشلت محاولrrة
أنسنته ) Hurd et al (1978ومن األمثلة المثيرة لالهتمام حالة األطفال
الذين أساء االبrوين معrاملتهم وعزلrوهم واهملrوهم اهمrاال شrديدا .هrؤالء
األطفال تركوا في عزلة تامة في غرفة في الطابق العلوي لسrrنين من دون
أي اهتمام او تطبيع ،وعندما كشف امر هؤالء األطفال المعزولين ،لوحrrظ
انهم كانوا يعانون من اضطراب عميق في النمو االجتماعي رافقهم طrrوال
حياتهم ) .Curtiss (1977وفي دراسrة "حالrة" قrام بهrا عrالم االجتمrاع
كrrنزلي ديفrrز ) Kingsley Davis (1947قrrارن فيهrrا الفتrrاتين آنrrا
وايزابيل اللتين عانتا من عزلة مبالغ فيها في طفولتهما المبكرة ،ووجrrد ان
قليال من االتصال يحدث فرقا في التنشئة .كانت الفتاتان ثمرة عالقrrة غrrير
شرعية وحاول االهل إخفاء الفتاتين وإبقاء وجودهما سريا بحبس الفتrrاتين
وعزلهما .وعندما كشف امرهما كانتا في سن السادسة ،ونقلتا الى مؤسسة
لرعاية االيتrام ،وهنrاك تلقتrا عنايrة خاصrrة عrبر برنrامج تrأهيلي مكثrف.
الحالتrrان مختلفتrrان بعض الشrrيء ،فالفتrrاة األولى "أنrrا" قبrrل اكتشrrافها لم
يحدث ان اتصلت بأحد من البشر ،وكانت ترى الناس عنrrدما يrrتركون لهrrا
الطعام من دون أي كالم ،اما "ايزابيل" فقد كانت تعيش في غرفrrة مظلمrrة
مrrع أمهrrا الصrrماء-البكمrrاء وهي لrrذلك تعrrرف قليال عن االتصrrال ولrrو
باإلشارات" .انrrا" لم تكن تعrrرف الجلrrوس ،او المشrrي ولم تسrrتطع التكلم،
وتعلمت قليال جدا في المدرسة التي وضعت فيها ضrrمن مؤسسrrة الرعايrrة
الخاصة ،عندما مrrاتت في سrrن الحاديrrة عشrrرة كrrانت قrrد تعلمت مهrrارات
لغوية تشبه ما يتعلمه الطفل في سن الثانية او الثالثة .ايزابيل كانت أفضل
105
حrrاال فقد تقدمت تقدما ملموسrrا ،تعلمت الكالم واللعب مrrع اقرانهrrا وبعrrد
سنتين استطاعت ان تلحق بمسrrتوى نظرائهrrا في مسrrتوى الrrذكاء ،ولكنهrrا
ظلت متأخرة عنهم بمعدل سنتين في مستوى األداء المدرسي.
في الحاالت األقل تطرفا من العزلrrة ولكنهrrا تتماثrrل معهrrا في التrrأثير ،هي
حالة األطفال الذين جاءوا من البلدان التي مزقتها الحروب ،والذين عاشوا
في دور االيتام او أهملوا او تم االعتداء عليهم جنسيا ،هؤالء لم يتعرضrrوا
للعrrزل الكلي ولكنهم يعrrانون من صrrعوبات بالغrrة في عمليrrة االنrrدماج
االجتماعي .والرسالة من هذه األمثلrrة ان األطفrrال المعrrزولين او المعتrrدى
عليهم جنسيا او المهملين في مراحل حياتهم المبكrrرة يواجهrrون صrrعوبات
بالغة في عمليات التنشئة االجتماعية الطبيعية ،والناس في العادة يحتاجون
من بrrrيئتهم أكrrrثر من الطعrrrام والسrrrكن ،يحتrrrاجون الى عالقrrrات طيبrrrة،
وإحساس باالنتماء ،وتلمس الحنان ،والشعور باألمن ،الى جrrانب المعرفrrة
والمهارات االجتماعية األخرى.
التنوع في أنماط التنشئة Variations in Patterns of Socialization
106
اختالف في أنماط التنشrrئة ،فالrrذي ينشrrأ في بغrrداد مثال يختلrrف كليrrا عمن
يترعرع في قرية من قرى الكوت او العمارة في جنrrوب العrrراق ،كمrrا ان
الذي يترعرع في حي راٍق مثل المنصور او االعظميrrة في بغrrداد يختلrrف
كليا عمن ينمو في حي فقير مثل بغداد الجديدة او الثورة او الشعلة .التنوع
في أنماط التنشئة يوضح المرونة التي تتميز بها الطبيعrrة البشrrرية ،وفrrوق
هذا فان معرفتنا بسrrلوك االخrrرين في المجتمعrrات األخrrرى يسrrاعدنا على
النظر لسلوكنا بمنظور جديد وبالنتيجة يزيد من فهمنا ألنفسrrنا ولآلخrrرين.
عدة معتقدات وافعال نأخrrذها نحن مسrrلمات ونظن انهrrا عامrrة لrrدى جميrrع
الناس ،ثم نكتشف انها جزء من نسيجنا االجتماعي وإنها غير مألوفة لrrدى
مجتمعات أخرى ،فمثال كلنا يحمل تصورات عن االختالف الجوهري بين
خصائص الرجولة وخصائص االنوثة ،فنحن نعتقد ان االنrrاث بطrrبيعتهن
مطيعات ،خاضrعات ،وغrير عمليrات ،وعلى الrرغم من ان اغلب االنrاث
في مجتمعrrات معينrrة هن كrrذلك ،لكن هrrذه السrrمات الrrتي ربطت باإلنrrاث
ليست والدية وال عامة ،الواقع ان مفهrوم االنوثrة والrذكورة ربمrا يختلrف
كثيرا من مجتمع ألخر ،ففي دراسrة مسrحية عن السrكان األصrليين لrدول
وسط افريقيا وجد ان الغزل بالمغزل ،والحياكrrة والخياطrrة تعrrد من اصrrل
اعمال الرجrال ،وهي في مجتمعrات أخrرى من اعمrال النسrاء ،في بعض
المجتمعrrات تقوم المrrرأة بأعمrrال عضrrلية ،ويقوم الرجrrل في مجتمعrrات
أخرى بالطبخ ،ورعاية المنزل ،وتربية األطفrrال .الصrrيد يعrrد على نطrrاق
واسع من مهام الرجrrل ،لكن لrrدى سrrكان تازمينيrrا Tasmaniaاألصrrليين
في الساحل الجنوبي ألستراليا ،تسبح النسrrاء مسrrافات طويلrrة حrrتى تصrrل
107
منطقة الصخور الصماء ،منطقة تواجد الحيوانات البرية ليقمن بمطاردتها
وقتلها بعصا غليظة تشبه هrراوات الشrرطة ،ثم يعrدن بفرائسrهن سrباحة،
ويكون الرجrال بانتظrار غنrائم الصrائدات المrاهرات ،وهrذا يrدل على ان
الفكرة التقليدية عن ان الرجال طبيعيا أكثر قوة وأكثر عدوانيrrة من النسrrاء
وانهم يولrrدون محrrاربين هي فكrrرة باطلrrة .ولكrrل مجتمrrع من المجتمعrrات
تصrrورات مشrrتركة عن كيفيrrة تصrrرف كrrل من الرجrrال والنسrrاء ،هrrذه
التصrrورات تعمrل بمثابrة موجهrات لمrا هrو متوقrrع من األطفrال -من كال
الجنسين -ان يفعلوه ليتماثلوا مrrع االخrrرين ،وفrrوق هrrذا فإننrrا على العمrrوم
نميل الى اعطاء نماذج السلوك السrrائدة في مجتمعنrrا سrrمة األفضrrلية عمن
سواها من الناحية األخالقية ،وهذه تجعلنrrا نستصrrعب فهم غيرنrrا واحrrترام
سrلوكه .كrأفراد لrدينا دائمrا مشrاعر طبيعيrة في ان طريقة حياتنrا وقيمنrا
وعاداتنا هي األفضل ،ولكن االخرين هم أيضrrا ينظrrرون لطريقة حيrrاتهم
على انهrrا األفضrrل .لrrذلك يعتقد علمrrاء االجتمrrاع ان كrrل نمrrاذج السrrلوك
اإلنساني في كل مكان تستحق الدراسrrة دون ان يكrrون من واجبهم كعلمrrاء
وضع معايير للمفاضلة بينهاHurd et al (1978) .
التنشئة والتغير االجتماعي Socialization and Social Change
الصrrورة النمطيrrة للتنشrrئة االجتماعيrrة هي انهrrا عمليrrة مسrrتمرة تمتrrد الى
مرحلrrة البلrrوغ ومrrا بعrrدها وتنطrrوي على تفاعrrل دائم مrrع نمrrاذج إنسrrانية
متنوعة تساعدنا في التغلب على مشكالت عالقة في كل ما قيل ضمنا حتى
االن .فهناك افراط في التأكيد على الطريق الذي تسلكه التنشrrئة في تحقيrrق
التماثل االجتماعي ،وإذ افترضrrنا ان األطفrrال ينشrrؤون ،بشrrكل مثrrالي في
108
قبول معايير االبوين ،فكيف اذن يحدث التغrrير؟ هنrrاك نزعrrة للتفكrrير بrrان
التنشئة االجتماعية تتوارث بتحفظ شrrديد وانهrrا لصrrيقة الصrrلة بالماضrrي،
وان الفرد ليس اكثر من كائن سلبي او وعrrاء السrrتقبال المrrوروث الثقافي
كمrrا هrrو ،لكي يصrrبح جrrزءا من المجتمrrع ،من وجهrrة النظrrر هrrذه ُيعrrد
االنحراف عن المعايير االجتماعية السائدة امrrرا غrrير مرغrrوب فيrrه ،لكن
كما نعلم ان االنسان لديه القدرة الن يكون مختلفا ،ومخترعا ،وقrrادرا على
خلق أشياء جديrrدة ،واالخrrتراع بشrrكل متrrواتر ينطrrوي على انحrrراف عن
الممارسrrات المعياريrrة السrrائدة ،وكrrل المخrrترعين العظrrام كrrانوا يجrrدون
انفسهم في حالة تصادم مع التقاليrrد االجتماعيrrة ،فمثال غrrاليليو ،ودارون و
فرويد ،كانت أفكrارهم قrrد وضrrعتهم في مواجهrة حrادة مrع األفكrار والقيم
التقليدية ،وسقراط اسقي السم ألنه خرج عن المألوف ،لهذا فان االنحrrراف
عن السائد قد يكون إيجابيا على الرغم من انه يسrrبب ألصrrحابه كثrrيرا من
األلم .والنrrاس يكونrrون مجrrبرين على كسrrر التقاليrrد عنrrدما يجrrبرون على
التكيف مع الظروف المتغيرة ،وهنا تrأتي اإلجابrة عن جrزء من مشrكلتنا،
فاذا كان العrrالم الrrذي ينشrrأ فيrrه األطفrrال متغrrيرا ،فrrانهم سrrيتعلمون أشrrياء
تختلrف نوعيrا عمrا كrان يrؤمن بهrا ابrاؤهم .والنتيجrة تباعrد بين األجيrال
يوضحه ما يحدث للدول النامية التي يهجر فيها عدد كبير من جيل الشباب
المناطق الريفية الفقيرة ويتجهون نحو المراكز الحضرية .هrrؤالء الشrrباب
ينتقلون لعالم جديد غريب تماما في قيمه ومعاييره عن قيم ابائهم واقربائهم
ومعrrاييرهم في القرى او البrrوادي الrrتي هجروهrrا .وعمليrrة تكيrrف هrrؤالء
المهاجرين لقيم البيئة الحضرية ومعاييرها التي تبدو للجيrrل القديم غريبrrة
109
بعض الشيء عن طريقة الحياة التي اِلفوها في قراهم وبواديهم ،وحتى لrrو
رافقوا ابناءهم الى المدن وسكنوا فيها فان العالقة بين األجيال تتبدل .والن
اإلباء غرباء عن البيئة الحضرية فانهم ال يسrrتطيعون اعrrداد أوالدهم على
وفrrق تقاليrrدهم القرويrrة التقليديrrة ،ولكن األوالد أسrrرع في تبrrني المواقrrف
الجديrrدة في البيئrrة الجديrrدة ممrrا يrrؤدي الى فقدان احrrترام حكمrrة التقاليrrد
وبالتrrالي تضrrعف سrrلطة اإلبrrاء .وقrrد يتخلrrل الصrrراع بين األجيrrال بعض
االالم السيما اثناء فترات التغير االجتماعي السريع.
هrrذه المالحظrrات على طريقة التنشrrئة الrrتي ربمrrا تrrؤدي الى صrrراع بين
األجيrrال تقودنrrا مباشrrرة الى االسrrتنتاج االتي :التنشrrئة االجتماعيrrة عمليrrة
مسrrتمرة ومنقطعrrة في ان واحrrد .االسrrتمرارية تتمثrrل في اسrrتبطان القيم
التقليدية التي تمثل الماضي .االنقطاعية تتمثل في ان كل جيrrل جديrrد ربمrrا
يرفض مكونات موروثات الماضي من اجل التكيف مع تغrrيرات الحاضrrر
المعrrاش والمسrrتقبل المنظrrور .تطrrور األفrrراد والمجتمعrrات يعتمrrد على
التوازن بين الموروثات الثقافية والمتغrrيرات الجديrrدة الrrتي تعمrrل بطريقة
االعتماد المتبادل)Chinoy 1971, Hurd 19780( .
خالصة Conclusion
الثقافrrة مفهrrوم مجrrرد ،ال نسrrتطيع لمسrrها باألصrrابع ،وال نراهrrا بrrالعين
المجردة وال بالمايكروسكوب وال حتى بمنظrrار غrrاليليو ،هي مثrrل الهrrواء
الذي نتنفس تدخل الينا ال شعوريا من دون مجهود ،نتعلمها بrrاكرا بطريقة
الية ،ونحن نراقب المحيطين بنا كيف يتنrاولون طعrامهم ،كيrف يختrارون
اثrrوابهم ،كيrrف يتحrrدثون الى ابrrائهم وامهrrاتهم واخrrوانهم واخrrواتهم ،مrrاذا
110
يفعلون عندما يrrدخلون المسrrاجد او الكنrrائس ،وكيrrف يتصrrرفون في حفrrل
زفrrاف او في مrrأتم ،مrrتى يرفعrrون أصrrواتهم ومrrتى يخفضrrونها .مrrتى
يستحسنون ومتى يسخطون .ولم يخطر في بال أحدنا ان يسأل لمrrاذا يأكrrل
غيرنا الكالب والضفادع والحيrrات والخنrrازير ونحن ال نفعrrل مثلهم ،نتعلم
من دون تفكير ان ال نقترب من لحم الخrrنزير وال من لحم الضrrفادع هكrrذا
وجدنا الناس في مجتمعنا يفعلون فصرنا نفعل كما يفعلون .وكل مجموعrrة
بشرية تتصرف وكأنها مبرمجة في جهاز كومrrبيوتر ،فعنrrدما ُتقدم حبrrات
من التمر لطفل او شاب إنكليزي تراه يعتذر منك بطريقة تشrrعر معهrrا انrrه
ال يستطيع حتى النظر اليها ،وحتى لو تذوقها فانه يلفظها قبل ان تصل الى
البلعوم .وإذا قّد م لك فرنسي حساء مrrع قطعrrة من لحم الضrrفادع فسrrينتابك
نوع من الغثيان وربما القيء قبل ان تذوقها .هذه هي الثقافة سلوك نمارسه
كما يفعل الناس في مجتمعنا ،ونعتقد بانحياز تام ان ما نفعلrrه هrrو األفضrrل
بينما يرى االخرون في مجتمع اخر انهم االحسن وان طrريقتهم في الحيrاة
هي الطريقة المثلى .والن الثقافrrة تأتينrrا تلقائيrrا من دون مجهrrود ومن دون
درس خصوصي يقوم به معلم محترف ،فإننrrا نأخrrذها من دون فحص وال
تمحيص وال استجواب ألنها في نظرنا األمثل واالكمل ،تخيل إنrrك تrrركب
وسيلة نقل عامة او تجلس في مقهى او مطعم فتجد صrrديقا او قريبrrا يجلس
قبلك فيدفع عنك ثمن الطعام او اجرة الحافلة فإنك ستراه امرا عاديا ،ولكن
لو فعلته مع إنكليزي لعّد ك مسرفا او معتوها ،ألنه لم يتعود ذلrrك .والثقافrrة
بعد هذا تعمل بمثابة دليل عمل في حياتنا ،حيث نتعلم بالتنشئة االجتماعيrrة
كيف نجلس وكيف نأكل وكيف نتحrrدث لمن هrrو أصrrغر او أكrrبر منrrا سrrنا
111
ولماذا نضع القيود على سلوك المرأة ،ولماذا يأخrrذ الrrذكور الوصrrاية على
االناث حتى عندما تكون االنrrاث أكrrبر سrrنا وارفrrع تعليمrrا وأكمrrل أخالقrrا.
التنشئة المبكرة تنقل لنا الثقافة بكل ما تحمله من محاسن او مسrrاوئ وليس
لنا اال ان نمتثل ونتصرف كما هو مقرر ثقافيrrا .وباختصrrار فrrان ثقافrrة أي
مجتمع هي خالصة تجارب االولين واالخrrرين ،طريقة تفكrrير ،ومشrrاعر
وافعال ،نكتسrبها ال شrعوريا بوصrrفنا أعضrrاء في مجتمrع ،نمتثrل لهrا ،ثم
نتناقلها من جيل الى اخر ،انها طريقة حياة.
الفصل الرابع
الثقافة والزمن االجتماعي
Culture and Social Time
112
ال شrrيء هrrو االنسrrان ،انrrه في أحسrrن األحrrوال ،المrrادة األساسrrية
للزمن
كارل ماركس*
الزمن كثقافة Time as Culture
بعض األشياء ليس من السهل تعديلها لتكون مستقيمة في الشكل واالتجrrاه،
والزمن أحد هذه األشياء .والواقع هناك سrوء فهم جrدي للrزمن ،فهrو ليس
صrrيغة ثابتrrة غrrير قابلrrة للتغيrrير كمrrا يفrrترض نيrrوتن ،انrrه مجموعrrة من
المفاهيم ،االحداث وااليقاعrات الrrتي تغطي مسrrاحة واسrrعة من الظrrواهر،
فعلى المستوى الضيق هناك أنواع مختلفة للزمن تتنوع بتنوع البشrrر على
هذه األرض ،ولكن في الغرب يقول أ .هrrول )" E. Hall (1984: 13
ينظرون للrrزمن على انrrه كينونrrة أحاديrrة ،Single Entityوهrrذه نظrrرة
قاصرة ولكنهم هكذا يرونه"
باإلمكان فلسفة طبيعة الزمن قدر مrrا نشrrاء ،وعلى الrrرغم من ان ممارسrrة
التفكير الفلسفي تضيء لنا بعض الجوانب اال ان االتجاه األكrثر أهميrة من
113
الفلسفة هو االتجاه البراغماتي (الواقعي) الذي يقوم على أساس ان السلوك
يأتي أوال والكلمات تتبع .انظر الى ما يفعله الناس وقارن ذلك بما يقولون،
اذ سرعان ما تكتشف الفرق بين الزمن المعاش والزمن الذي نتحدث عنه،
فلدينا في المجتمع العربي ،مثال ،صورة نمطية للزمن ،نقول في مناقشrrاتنا
وأحاديثنrrا ومناظراتنrrا ان "الrrوقت من ذهب ،وان الrrوقت كالسrrيف ان لم
تقطعه قطعك ،واضاعة دقيقة من العمل إضrrاعة لفرصrrة من التقدم" انهrrا
في الواقع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* in Marx & Angels 1967:P.127
مجrrرد كالم ال يجrrد طريقه للتطrrبيق ال على المسrrتوى الفrrردي وال على
المستوى االجتماعي ،الزمن لrrدينا دقrrائق وسrrاعات وايrrام ضrrائعة .النrrاس
يقومون بأعمال كثيرة ومتنوعrrة ،فمنهم من يكتب كتابrrا ،ومنهم من يسrrافر
او يضع جدوال لنشاطاته او يلعب او ينام او يحلم ،او يكون وسيطا تجاريrا
او يمrrارس طقسrrا من الطقوس ،هrrؤالء جميعrrا يعّب رون او يمارسrrون ال
شعوريا ،وأحيانا شعوريا عن أنماط مختلفrrة من الrrزمن ،فمثال هنrrاك زمن
مقدس مثل توقيتات الصrrيام في شrrهر رمضrrان ،ومثrrل زيrrارة المعابrrد في
أوقrrات محrrددة من السrrنة في الديانrrة البوذيrrة ،او أعيrrاد الميالد في الديانrrة
المسيحية .وهنrrاك زمن غrrير مقدس ،كمrrا ان هنrrاك زمنrrا فيزيائيrrا واخrrر
ميتrrافيزيقي ،الى جrrانب السrrاعة البيولوجيrrة والسrrاعة الميكانيكيrrة .بمعrrنى
أكثر تحديدا يمكننا ان نثبت ان الزمن على مستوى الثقافة المركزيrrة يمثrrل
ثقافة المجتمع ،ففي المجتمع الحrrديث يمكن للنrrاس ان يسrrتخدموا ويمrrيزوا
114
بين السrrاعة السادسrrة والثامنrrة عن السrrاعة التاسrrعة ،على عكس الثقافrrة
البدوية او الريفيrrة التقليديrrة الrrتي تقيس الrrزمن بحركrrة الشrrمس او القمrrر،
فيقول أحدهم ،قبل الظهر او بعد الظهر ،قبل صالة المغرب او بعrد صrالة
العشاء وهذه ال تميز السادسة عن التاسعة مساء ،كما ان قبل الظهر او بعد
الظهر قد تعني أربع دقائق وقد تعني أربعين دقيقة أو ربما ساعتين قبrل او
بعدHall (1984) .
ال==زمن اح==ادي البع==د وال==زمن متع==دد االبع==اد Monochronic and
هناك أنظمة توقيتات شديدة التنوع في العالم، Polychronic Time
من بينها الزمن األحادي والrrزمن المتعrrدد االبعrrاد .الrrزمن األحrrادي البعrrد
monochronic timeإعطاء االهتمام والعمل لشrrيء واحrrد في الrrوقت
المعين ،اما الزمن متعدد االبعاد فانه االنشغال بعدة أشياء في وقت واحrrد،
والنظامrrان مختلفrrان كليrrا ،مثrrل خطين متrrوازيين ال يلتقيrrان .في الثقافrrات
أحادية البعد ،الزمن يمضي على شكل خط مسrrتقيم ،مثrrل طريrrق يمتrrد من
الماضrrي الى المسrrتقبل ،وهrrو ينقسrrم طبيعيrrا الى أجrrزاء ،يمكن جدولتrrه
ويمكن تقطيعه وجعله ممكنا للشخص الذي يقوم بمهمة واحrrدة .في النظrrام
ذي البعد الواحد ،جدولة الزمن تعطي أولوية لشيء ما على بrrاقي األشrrياء
لدرجة التقديس مع صrrعوبة في التبrrديل او التعrrديل ،وهrrذا النrrوع يمrrارس
بوصفه شيئا محسوسا ،والناس يتحدثون عنه مثلما يتحدثون عن قطعة من
الrrrذهب ،piece of goldاو المrrrال ،moneyيمكن انفاقrrrه ،ويمكن
اضاعته او فقده ،كما انrrه يسrrتخدم وسrrيلة لتصrrنيف نظrrام الحيrrاة ،وتحديrrد
األولويات فيقول قائلهم " ليس لrدي وقت لرؤيتrه" والنrاس في هrذا النrوع
115
من النظام الزمني ال يحبون التrداخل ألنهم يركrزون على شrيء واحrد في
وقت واحد .وهذا النوع من النظام الزمني يهيمن على كل قطاعات العمrrل
في اوربا وامريكا ،حتى أصبح لشدة تنظيمrrه مثrrل الهrrواء الrrذي يتنفسrrون.
وعلى الرغم من انه يرتبط بالتعلم ،اال انه يبدو وكأنه طبيعي ومنطقي ألنه
باألصل نشأ في أحضان المكننة التي تستلزم دقrrة في الحضrrور والخrrروج
واإلنتrrاج .دول مثrrل الrrدول االسrrكندنافية ،المانيrrا ،إنكلrrترا ،سويسrrرا،
والواليات المتحدة ،تخضع لقبضrrة الrrزمن األحrrادي البعrrد ،حيث ان نسrrبة
االفراد الذين تتواءم شخصياتهم مع هذا النمط تفوق بكثير الناس االخrrرين
في العالم .نظام االبعrاد المتعrددة polychronic timeهrو تمامrا نقيض
نظام البعد الواحد ،وهو يتميز بإعطاء االهتمام والقيام بأعمrrال متعrrددة في
وقت واحد ،ويهتم بإنجاز معامالت النrrاس على حسrrاب االلrrتزام بالجrrدول
الزمني (طبعا ال البعد الواحrrد وال االبعrrاد المتعrrددة للrrزمن ينطبrrق علينrrا،
فليس لدينا جداول زمنية وليس هناك أدنى اهتمام بإنجاز معامالت الناس..
نحن حالة خاصة في تعاملنا مع الزمن) .النظام المتعrrدد االبعrrاد محسrrوس
بدرجrrة اقrrل من نظrrام البعrrد الواحrrد ،ويمكن وصrrفه بانrrه نظrrام نقطrrوي
(متقطع) أكثر منه طريق مفتوح من الماضي الى المسrrتقبل .نظrrام الrrزمن
الياباني يمكن وصفه بانه خليط من نظام البعrrد الواحrrد واالبعrrاد المتعrrددة.
في التعامل مع األجrانب ومrع التكنولوجيrا ،فrانهم يسrتخدمون نظrام البعrد
الواحد ،بينما يستخدمون النظrrام متعrrدد االبعrrاد في تعrrامالتهم البيشخصrrية
(بين األشخاص) )Hall & Hall (1987
الدقة في المواعيد Punctuality
116
الدقة في المواعيrrد في العالقrrات غrير الرسrrمية بين األشrrخاص لهrrا معrrان
مختلفrة في الثقافrة االوربيrة واألمريكيrة .التrأخر عن الموعrد لمrدة خمس
دقائق تجعل الشخص الذي ينتظر يغمغم وتسrrتلزم اعتrrذارا خفيفrrا ،التrrأخر
لمدة عشر دقائق يعد إهانة متوسطة ،خمسة عشر دقيقة تستلزم اعتrrذارا
كامال ،عشrrرين دقيقة تعrrد قلrrة ادب ،ثالثين دقيقة تعrrد احتقارا ،خمس
واربعين دقيقة الى ساعة تعد إهانrrة ال تغتفrrر مهمrrا كrrان السrrبب ومهمrrا
كrrان العrrذر ،ولن يقبrrل أي اعتrrذار Broom et al (1981) Hall
) ،(1959اما في مجتمعنا فيمكن وضrrع التصrrنيف االتي :خمس عشrrرة
دقيقة متوقعrrة وال تحتrrاج اعتrrذار ألنهrrا أقrrرب الى الدقrrة في االلrrتزام
بالموعد ،ثالثون دقيقة تستلزم اعتذارا خفيفا ،ساعة كاملة تحتاج تبريرا
والتبريرات جاهزة وكثيرة ،واغلبها غير صحيحة مثل
مرض مفاجئ ،زحام ،حادث مروري ،ساعة ونصف الى ساعتين تحتrrاج
الى اعتذار كامل ،ثالث سrاعات او نسrيان الموعrد اشrبه باإلهانrة ولكنهrا
مقبولة الن الطرفين يفعالن ذلك في أوقات مختلفة.
ومهما يكن فان التباين الثقافي يسrrتلزم تباينrrا في فهم
قيمة الrزمن وادراكrه .ليفين ) Levine (1988ذكrر
قصrrة طريفrة عن أخrوين افغrانيين اتفقا ان يلتقيrا في
كابول ،ولكنهما لم يحددا السنة او اليوم الذي سيلتقيان
فيه ،تقول القصة ان رجال ظهر في كrrابول يسrrال عن
أخيه ،سال كل التجار في السوق ان كان أحrد يعرفrrه،
وأخrrبرهم عن مكrrان اقامتrrه في حrrال ان عrrاد اخrrوه
117
واراد ان يلتقي بrه ،في السrنة الالحقة عrاد مrرة أخrرى يسrال عنrه .أحrد
أعضاء السفارة االمريكية سمع بقصته فسأله ان كان قد وجrrد أخيrrه ،فقال
المشكلة اننا اتفقنا ان نلتقي في كابول ولكن نسينا ان نحدد السrrنة او اليrrوم.
واسrrتنتج ان ضrrعف االهتمrrام بrrالزمن هrrو سrrمة من سrrمات المجتمعrrات
التقليدية .ويذكر ادوارد هول قصة أخرى عن مرافقه اإليrrراني ان صrrديقا
له اقسم اغلظ االيمان ان يأتي في الموعد المحدد للقائه ،ولكنه لم يأت وبعد
انتظrار خمس واربعين دقيقة اتصrrل بصrrديقه هاتفيrا فوجrده مrا يrزال في
البيت ،قال له لماذا لم تأت؟ انت اقسrrمت اغلrrظ االيمrrان إنrrك سrrتاتي مهمrrا
كانت الظروف ،قrrال الصrrديق على الطrrرف االخrrر للهrrاتف ،اوه ،ولكنهrrا
تمطر االن ،فالتفت الّي ،يقول هول Hallوقال بحزن هذا طبيعي في بالد
فارس .وفي دراسة للباحث الحالي عن قيمة الزمن في العراق ،وجrrد ان (
)%30من العمال والموظفين يتأخرون عن وقت العمل المحدد 15دقيقة
على األقrrrل .وفي دراسrrrة حديثrrrة وجrrrد ان أكrrrثر من %80من الطالب
يتrrأخرون أكrrثر من 15دقيقة عن السrrاعة األولى للمحاضrrرات Alwan
) .(2019والواقrrrع ان االهتمrrrام بrrrالزمن كقيمrrrة في المواعيrrrد والعمrrrل
واألنشrrطة االجتماعيrrة األخrrرى في الrrوطن العrrربي عامrrة وفي العrrراق
خاصrrة ال يrrرقى الى مسrrتوى أدنى دولrrة صrrناعية ،حrrتى بين المتعلمين
تعليما عاليا .وفي أمريكا الالتينية يقول إدوارد هول ( )Hall 1959غالبا
يتعاملون مع الزمن بمرونة عالية.
العالقة بين الزمان والمكان The Relation Between Time & Space
118
العالقة بين المكان والزمان عالقة ترابطية غير قابلrrة لالنفصrrال ،ذلrrك ان
كل األنشطة والتفاعالت االجتماعية لها حدود في الزمان والمكان ،طبيعrrة
المكان ودرجة تطوره تكنولوجيا وتنظيميا تحrrدد طبيعrrة الزمrrان وطرائrrق
استخداماته وقيمته االقتصrrادية واالجتماعيrrة ففي المجتمrrع الصrrناعي مثال
المكاتب الخاصة تغلrrف بمrrواد عازلrrة للصrrوت ال يrrدخلها أحrrد اال بموعrد
مسبق ،في ثقافة مجتمعات شمال وشrrرق البحrrر المتوسrrط ،مكrrاتب العمrrل
في دوائر الدولrrة والقطrrاع الخrrاص على السrrواء ،في الغrrالب لrrديها مكrrان
اسrrتعالمات واسrrع لالنتظrrار .الشrrركات والمكrrاتب الحكوميrrة تقوم بrrأداء
عملها بغير تنظيم في منطقة االسrrتقبال وفي المكrrاتب المجrrاورة بطوابrrير
وبrrrدون انتظrrrام ،وتعطى األولويrrrة لألقربrrrاء واألصrrrدقاء والمعrrrارف
والوسطاء ،ويترك عامة الناس في االنتظار ساعات وايام .وفي ذلك يقول
إدوارد هrrrrول )“ Hall (1987:19في المجتمعrrrrات التقليديrrrrة (غrrrrير
الصrrناعية) المواعيrrد appointmentsال تعrrني كثrrيرا وربمrrا تتغrrير او
تستبدل في الدقيقة األخيرة لصالح شخص أكثر أهمية ،او الحrrد االقربrrاء،
او األصدقاء او المعارف .بعض الناس (كما في أمريكا الالتينية والعرب)
يعطون االسبقية للدائرة الكبrrيرة ألعضrrاء االسrrرة على حسrrاب أي الrrتزام
اخrrر في العمrrل" والمسrrؤولون في الغrrالب لrrديهم عrrدد كبrrير من االقربrrاء
واألصدقاء الذين يجعلون من مكاتبهم مضافة تقدم فيها أنrrواع المشrrروبات
واالطعمrrة والحلrrوى ويقضrrون معهم أوقrrات ممتعrrة على حسrrاب العمrrل
وعلى حساب مصالح الناس الذين ينتظرون أياما وايام .اليس عجيبا -يقول
إدوارد هrrول -ان النrrاس في المجتمعrrات ذات الrrزمن المتعrrددة االبعrrاد ال
119
يعطون اهتماما ألشياء مثل جدول المواعيد ،وبرمجة الrrوقت؟ ثم يrrتركون
النrrrاس في االنتظrrrار طrrrويال ..ال شrrrك ان ذلrrrك يعكس مrrrدى االسrrrتهانة
بrrاألخرين كمrrا يعكس سrrوء التنظيم ،وهrrو أسrrاس الفسrrاد اإلداري الrrذي
توصrrف بrrه ثقافrrات الشrrرق األوسrrط على وجrrه الخصrrوص ،ففي زمن
العولمة واالنترنيت ووسائل االتصال المتقدمة مrrازالت أطنrrان من الrrورق
تستخدم في مكاتبات بيروقراطية عقيمة ،ومrازالت دوائrر الحكومrة تعمrل
بقوانين الدولة العثمانية الrrتي تسrrتخدم عrrددا هrrائال من المrrوظفين الrrذين ال
عمل لهم وال انجاز .الهrrاتف النقال الrrذي يفrrترض انrrه يسrrاعد في تقليص
مشكالت العمل وتسريع اإلنجاز أصrrبح وسrrيلة لقضrrاء أوقrrات ممتعrrة في
العمrrل والبحث عن العrrاب وبrrرامج تسrrوق وتسrrلية لقضrrاء الrrوقت وتrrرك
الناس كالمتسولين على األبواب .وفي كل األحوال يختلف استخدام الrrزمن
وفقا للمعايير الثقافية ففي اليابان يستخدم الزمن مقياس والء للمؤسسة وفي
أمريكا يستخدم زمن العمل مقياسا للكفاءة والجهد واالنجrrاز ،وفي العrrراق
يستخدم زمن العمل والء للذات واالقرباء واألصدقاء والمعارف.
وظائف الزمن االجتماعي Functions of Time
هناك وظائف عامة للزمن في كل المجتمعات البشrrرية ،وهنrrاك اختالفrrات
تاريخيrrة مهمrrة بين المجتمعrrات التقليديrrة (قبrrل الصrrناعية) والمجتمعrrات
الصناعية الحديثة في إدراك قيمة الزمن .ولبرت مور )Moore (1963a
اقترح ثالث وظائف رئيسة للزمن ذات أهميrrة لثالثrrة وجrrوه عامrrة للحيrrاة
اليومية .1:األفعال المتزامنة في وقت واحد .2تسلسrrل األفعrrال المتتابعrrة
.3وتحديد معدل األفعال في وحدة زمنية .هذه النقاط يمكن ان تكون أساسا
120
لتوضيح وظائف الrزمن في الحيrاة االجتماعيrة .فrأولى المتطلبrات العامrة
للحياة االجتماعيrrة الrrتي تواجrrه الجميrrع هي ان النشrrاطات اإلنسrrانية الrrتي
تحدث بشكل متزامن ،Synchronization of Activitiesأي في وقت
واحد ،ذلك ان جزءا كبيرا من حياتنا االجتماعية مليء باألفعال التي يقوم
بها الناس بشكل جماعي ،ولكي يحدث الفعrrل الجمrrاعي يتعين على النrrاس
ان يجدوا أنفسهم في المكان نفسrrه ،وفي اللحظrrة نفسrrها ،مثال ان مشrrجعي
كرة القدم الذين يقومون بأفعال معينة في الوقت نفسه .ولrrو وضrrعنا شاشrrة
تلفزيونية كبrrيرة في مكrrان عrrام وفتحناهrrا على برنrrامج مثrrل Arab got
talentاو مسلسrrل "تحت مrrوس الحالق" فrrان ردود األفعrrال المتشrrابهة
ستكون متزامنrة ،أي ان الكrل يبتسrم او يضrrحك او يعلrق في وقت واحrد.
المتطلب الثاني هو التنسيق ،Co-ordinationاألفعال الفردية ال تحrrدث
في فراغ ،عدد كبير من هذه األفعال مرتبطrrة ببعضrrها وتقود الى اهrrداف
مشتركة ،تقسيم العمل االجتماعي الذي شغل علماء االجتماع مrrدة طويلrrة،
أوضح مثال على ذلك ،فعندما يستخدم مجهود الفرد في أنتاج جزء صغير
من سrrيارة مثال في نظrrام اإلنتrrاج الواسrrع ،ويقوم اخrrرون بإنتrrاج أجrrزاء
أخرى فان عمل الفرد يحدث اما بشكل متزامن مع أفعال االخrrرين ،او في
فواصل زمنيrrة محrrددة او في سلسrrلة زمنيrrة متصrrلة ،واذا أردت ان تبrrني
بيتا مثال ،فان عمل البّناء والسباك ومالحظ العمل يحدث في وقت واحrrد،
وينظمrrون عملهم بالسrrاعة ،وسrrتكون واجبrrاتهم قائمrrة منطقيrrا على مبrrدأ
االعتماد المتبادل .لكي تربح معركة ينبغي ان يتrrدخل الطrrيران في الrrوقت
المناسب (قبل او بعد او اثنrاء المعركrة) بحسrب االسrتراتيجية العسrكرية.
121
المتطلب الثrrrrالث هrrrrو التتrrrrابع او التعrrrrاقب Sequencingالعمليrrrrات
االجتماعية تحدث على مراحل ،االحداث تتبrrع بعضrrها في تسلسrrل معين،
ومعظم العمليات متالزمة منطقيا ،وهناك أفعrrال تعطي معrrنى فقط عنrrدما
تrrدخل في اللحظrrة المناسrrبة في العمليrrة ،أي ال يمكن القيrrام بهrrا في وقت
مبكrrر او في وقت متrrأخر ،النrrاس عليهم االنتظrrار إذا كrrانوا مبكrrرين او
اإلسراع إذا كانوا متأخرين ،وأحسن مثrال على ذلrك هrو تجميrع األجrزاء
في المعمل ،ولكن الموقف اكثر عمومية في األمثلة االتية :الطفrrل يجب ان
يدخل المدرسة في عمر معين ،الحقل يجب ان يحرث قبل بrrذر البrrذور في
موسم معين ،ويحصد في فصل اخر ،العدو يجب ان يقصف بالطيران قبل
دخول المشاة المعركة ،بطاقة التهنئة بأعياد الميالد ترسل في شrrهر معين،
وهدية الزواج او الrrوالدة ال ترسrrل قبrrل الrrزواج او الrrوالدة ،لهrrذا كلrrه ال
يمكن االستغناء عن الزمن .المتطلب الرابع هrrو التrrوقيت Timingبعض
األنشطة يمكن القيام بها فقط عندما تكون الموارد او التسrrهيالت متrrوافرة،
وربما ال تكون متوفرة طوال الوقت ،وقد تتrrوفر في بعض الفrrترات فقط،
ففي بعض أيrrrام األسrrrبوع يمكن الrrrذهاب للمصrrrرف ،للسrrrوق ،للمطعم،
للسrrrينما ،للمسrrrرح الن السrrrاعات الrrrتي تفتح فيهrrrا تختلrrrف بrrrاختالف
المجتمعات ،وضبط مواعيrrد الفتح واالغالق جrrزء ضrrروري من الثقافrrة.
وهناك توقيتات دقيقة للقطارات والطائرات ،والباصات العامة والسrrفن في
المغrrادرة والوصrrول ،واسrrتخدام وسrrائل النقل العrrام غrrير ممكن من دون
معرفة جداول التوقيتات .المتطلب الخrrامس هrrو القيrrاس Measuringان
المدة الزمنية لألنشطة المختلفة لها أهمية بالغة على المستوى االجتمrاعي،
122
فمثال تحديد طrrول الجهrrد المتوقrrع( :سrrاعات المدرسrrة ،سrrاعات العمrrل)،
االجر الذي يدفع (باليوم ،باألسبوع بالشهر) األداء المتميز (في المنافسات
الرياضrrية ،االختبrrارات االكاديميrrة) ثمن الخrrدمات (المكالمrrات الهاتفيrrة،
الكهرباء ،او تأجير سيارة) كل هذه األنشطة من الصعب تحديدها من دون
مقاييس زمنيrrrrة عامrrrrة ومقبولrrrrة .والمتطلب األخrrrrير هrrrrو التميrrrrيز
Differentiatingمن المهم جrrدا كسrrر الرتابrrة وروتين الحيrrاة بتوزيrrع
الفrrترات الزمنيrrة على األنشrrطة المختلفrrة ،فاأليrrام مثال تكrrرس للمتعrrة او
العبادة ،للرياضة او العيد ،للتسوق ،او لجمrع افrراد االسrرة ،لالحتفrاالت،
او تكرس لحمالت انتخابية .كل هذه التوزيعات االستثنائية ،من العمrrل الى
االهتمامات الدنيوية تتعلrrق بالنrrاس في كrrل المجتمعrrات ،وإحrrدى وظrrائف
الrrزمن هنrrا هrrو تحديrrد اللحظrrات المناسrrبة لهم وعزلهrrاSztompka .
)(1998
ان هrrذه الوظrrائف على أهميتهrrا ربمrrا تتغrrير مrrع التعقيrrدات المتزايrrدة
للمجتمعات البشrrرية بمؤسسrrاتها ومنظماتهrrا وواجباتهrrا وبالتحrrديات الrrتي
تواجه أعضاءها .فقط تذّك ر القبائل التي تعيش على الصيد او جمع الطعrrام
وضعها في مقارنة مع مدينة صناعية حديثة ،في المجتمrrع البrrدائي الrrزمن
ينبثق من األنشrrطة االيقاعيrrة للطبيعrrة ،من إعrrادة أنمrrاط األفعrrال ،تعrrاقب
الفصول ،دورة الحياة ،االحتفrاالت الدينيrة او السrحرية ،ومن هrذه جميعrا
يحصrrلون على الrrوعي بrrالزمن ,واذا اخrrذنا الطrrرف النقيض أي المجتمrrع
الصناعي الحديث فان الوضrrع سrrيكون معكوسrrا ،الrrزمن يصrrبح الضrrابط
المركrrزي ،المنسrrق ،والمنظم لألنشrrطة اإلنسrrانية ،بسrrبب ذلrrك يكتسrrب
123
الزمن نوعrrا من االسrrتقاللية العميrrاء ،فهrrو لم يعrrد أداة او الrrة وانمrrا قيمrrة
بذاته ،يصبح متغيرا مستقال ،وعrrامال أساسrrا ومحrrددا للحيrrاة االجتماعيrrة،
وبتعبير ادق هناك طغيان للrrزمن في المrrدنيات الحديثrrة ،التقويم والسrrاعة
اصrrبحت هي القوى الحاكمrrة .جrrاك جrrودي ) Goody (1968اعتrrبر
الساعة االلة الرئيسة في العالم الحديث تفوق في أهميتهrrا اخrrتراع الماكنrrة
البخارية ،والناس أصبحوا يتوجهrون كالعميrان نحrو التrواريخ والسrاعات
والمواعيد النهائية ،واخذ الزمن شكل الثروة الrتي يمكن انفاقهrا ،االحتفrاظ
بها او خسارتها ،او شكل السلعة الrrتي يمكن شrrراؤها ،بيعهrrا او تبادلهrrا او
كما تقول باربرا ادم ) Adam (1995:52بات الزمن ذا شخصية خاصة
في المجتمعات الصناعية الحديثة اذ انه ثروة يمكن وضعها في الميزانيrrة،
تضrrrييعها ،بيعهrrrا او السrrrيطرة عليهrrrا .في الحضrrrارة الصrrrناعية يقول
) ،Sztompka (1998تrrدفع األجrrور بالسrrاعة ،وتrrبرم العقود بrrالزمن،
ويحسrrب العمrrل بrrالوقت ،واالكrrل حrrتى االكrrل يحسrrب بrrالوقت ،من هrrذه
المرحلrrة فصrrاعدا لم يعrrد هنrrاك شrrيء خrrارج ختم التقويم او السrrاعة.
واضاعة الوقت من أكrrبر اآلثrrام ،وأصrrبحت الدقrrة في المواعيrrد من أكrrبر
الفضائل.
من اجل التحديث قامت الحكومة المكسيكية في عrrام 1983بحملrrة توعيrrة
من اجل استخدام عقالني للزمن ،وفي شrrوارع مكسrrيكو العاصrrمة ،صrrار
باإلمكrrان رؤيrrة إعالنrrات كبrrيرة تrrذكر النrrاس بمقولrrة بنجrrامين فrrرانكلين
الشهيرة Time is Moneyهذه الظاهرة التي حولت الزمن الى آلة واداة
124
قياس وعامل مستقل هي ظاهرة نوعية في الحياة االجتماعية ،وخصيصrrة
من خصائص الحداثة.
إيقاع الزمن Rhythm of Time
الجانب االخر للزمن هو الجانب غير المحسوس بدرجة كافيrrة ولكنrrه على
درجة من األهمية ،ذلrrك هrrو إيقاع الحيrrاة .والن دورات الطبيعrrة ايقاعيrrة
Rhythmicفإننا نفهم ان اإليقاع او الرتابة هي مالمح تعكس نمط الثقافة
السrrائد .واإليقاع يربrrط النrrاس مrrع ثقافتهم ،ويمrrيزهم عن أعضrrاء ثقافrrة
أخرى .في بعض الثقافات يتحrرك النrاس ببطء شrديد ،في أخrرى يتحrرك
الناس بسرعة كبيرة ،عندما تلتقي الثقافتان تنشأ صrrعوبة بالغrrة في لقائهمrrا
النهما ليستا متزامنتين ،وهذه على درجة من األهمية الن التزامن يقتضrrي
القدرة على الحركrrة معrrا باإليقاع نفسrrه ،وذلrrك مهم للتعrrاون ،والتشrrاور،
واإلدارة والعمل مع بعض على اآلالت والمكائن او حrrتى الrrبيع والشrrراء.
الناس الذين يتحركون بإيقاع سريع يطلق عليهم ذيل العربة .Tailgating
الrذين يتحركrون ببطء شrديد والrذين يتحركrون بسrرعة ليس بينهم تفاعrل
منسrrجم harmonious interactionألنrrك ال تسrrتطيع ان تجrrبر الrrذين
يتحركون بسرعة على االبطاء ،وال الذين يتحركrrون ببطء على اإلسrrراع.
االمريكيrrون يشrrكون من بطء اليابrrانيين في اتخrrاذ القرارات ،واليابrrانيين
يشكون من االمريكان في انهم ال يعطون اليابانيون الفرصة للوصrrول الى
االجماع في اتخاذ القرارات والذي يتطلب مزيrrدا من الrrوقت .يمكن أيضrrا
مالحظة الفارق بين العرب واالوربيين في الحركة ،االوربيrrون سrrريعون
125
جrrدا والعrrرب في منتهى البطء ،ليس فقط في الشrrوارع واألمrrاكن العامrrة
ومحطات القطارات ولكن أيضا في كل مناشط الحياةHall (1987) .
التوجهات الزمنية Time Orientation
من المهم جدا معرفة الجزء الذي يوكد عليه الناس في توجهrrاتهم الزمنيrrة،
ففي ثقافrrة الشrrرق عمومrrا ،والعrrرب والفrrرس والrrترك والهنrrود خاصrrة
يتوجهrrون نحrrو الماضrrي ،Past-orientedامrrا االخrrرون مثrrل اوربrrا
والواليات المتحrrدة االمريكيrrة فrrانهم يتوجهrrون نحrrو الحاضrrر والمسrrتقبل
"Present & future” - orientedويتركون الماضي خلف ظهورهم.
في كتابات الكّتاب العرب والفرس والهنود ال بد من خلفيrrة تاريخيrrة تنبش
الماضrrي التليrrد ،وفي األحrrاديث العامrrة ال يسrrتقيم الكالم اال بrrالعودة الى
"يrrروى ان" و"يقال في سrrالف العهrrد" .الماضrrي المجيrrد هrrو أحrrد اهم
مرتكزاتنا الثقافية التي ال يستغنى عنها في سلوكنا .والماضrrي الrrذي ينبغي
ان يكrrون محفrrزا السrrتلهام العrrبر واالنطالق نحrrو المسrrتقبل تحrrول الى
كابوس يهيمن على حياتنا وافعالنrrا ويشrrدنا شrrدا الى الrrوراء .يقول إدوارد
هول ) E. Hall (1987, 1959الماضي في إيران يأخذ اهتماما مبالغrrا
فيه .الناس ينظرون الى الوراء ويستشعرون عجrrائب الماضrrي والعصrrور
العظيمة للثقافة الفارسية ،والمستقبل يبدو تافها بالنسبة له ،رجrال االعمrال
ينفقون ماليين الrrدوالرات في شrrراء مصrrانع من كrrل نrrوع من دون ان
يضعوا أية خطة في كيفية تشغيلها .مصنع كامل للغزل والنسيج تم شrrراؤه
وشحنه الى طهrrران قبrrل ان يقوم المسrrتثمر الrrذي اشrrتراه بتوفrrير المبrrالغ
الالزمrة لنصrبه وتشrغيله ،وقبrل تجهrيز شrراء المrواد األوليrة او تrدريب
126
العrrاملين ،وعنrrدما جrrاء الفريrrق التقني األمrrريكي لمسrrاعدة االقتصrrاد
اإليراني ،كان عليهم التماشي مع االنعدام التام للتخطيط .ويبدو ان ذلك هو
حال كل الثقافات المشدودة الى الوراء والمتمسrrكة بالماضrrي الrrذي أصrrبح
عبئrrا ثقيال بrrدل ان يكrrون حrrافزا للتقدم .وفي العrrراق مصrrانع كاملrrة تم
شراؤها وشحنها واركنت في المخازن حrrتى اكrrل الصrrدأ نصrrفها ثم بيعت
بالمزاد العلrrني لتجrrار الخrrردة وسماسrrرة السياسrrة الrrذين يعملrrون لصrrالح
اجندات خارجية .طبعا كثير من الثقافات تغrrيرت بمrrا فيهrrا إيrrران وتركيrrا
وأصبحت قادرة على التخطيط للمسrrتقبل وهم أفضrrل حrrاال من اغلب دول
المنطقة ،ولكنهم أيضا لم يلحقوا بالثقافrrات الصrrناعية ،ومrrازالت كثrrير من
رواسب الماضي تشدهم بقوة الى الخلف.
الزمن والتغير االجتماعي time and Social Change
كيف لنا ان نعرف ان التغيير يتسارع ،انه بعد كrrل شrrيء ال يوجrrد مقيrrاس
مطلrrق للتغrrير ،عمليrrا وفي ظrrل التعقيrrدات الكونيrrة المتزايrrدة في كrrل
المجتمعات فقيرها وغنيها ،كبيرها وصغيرها ،هناك سيل غير محدود من
التغيرات التي تحدث في وقت واحد ،كل األشياء من أصrrغر فrrايروس الى
أعظم مجرة هي في الواقrrع ليسrrت أشrrياء انهrrا عمليrrات Processesليس
هناك نقطrة ثابتrة ،ليس هنrاك مrا يشrبه النيرفانrا* الrتي تعمrل بالضrد من
قrrوانين التغrrير ،وألن التغrrير كrrذلك فهrrو ال بrrد منrrه .وهrrو لrrذلك ال يعمrrل
بمستوى واحد ،فهنrاك أشrياء تتغrير أسrرع من غيرهrا وهنrاك مجتمعrات
تتغير أيضا أسrrرع او ابطrrأ من غيرهrrا ،فrrاذا كrrانت كrrل العمليrrات تحrrدث
بالسرعة نفسها وبالمستوى نفسه وتتسارع او تتباطأ بانسrrجام فسrrيكون من
127
المستحيل مالحظة التغير .المستقبل يغزو الحاضر بسرعات مختلفة ،لهrrذا
أصrrبح ممكنrrا مقارنrrة سrrرعة العمليrrات المختلفrrة بوضrrوح .نحن نعrrرف،
مثال ،بالمقارنة مع التطور البيولوجي للجنس البشري ،التطور االجتماعي
والثقافي في الواقrrع أسrrرع بكثrrير ،ونعrrرف أيضrrا ان بعض المجتمعrrات
تطورت اقتصrrاديا وتكنولوجيrrا أسrrرع من األخrrرى ،وان بعض المفاصrrل
في المجتمع الواحد تتطور بمعدالت أسrrرع من غيرهrrا وهي الrrتي سrrماها
وليم اوكبرن الفجوة الثقافيrrة Cultural lagوهي تعrrني بالضrrبط التغrrير
غير المتوازن الذي يمكن قياسrrه .والواقrrع نحن نحتrrاج الى مقيrrاس معتمrrد
yardstickيجعل باإلمكان مقارنة عمليrrات التغrrير شrrديدة التنrrوع ،وهrrذا
المقياس هو الزمن .من غير الزمن يصrبح التغrير ال معrنى لrه ،ومن دون
التغrrير يتوقrrف الrrزمن .الrrزمن يمكن ادراكrrه عن طريrrق فrrترات وقrrوع
االحrrداث ،تمامrrا مثلمrrا تسrrمح لنrrا النقود بتحديrrد قيمrrة البطيخ والبرتقال،
الزمن يسمح لنا بمقارنة عمليات التغير المختلفة ،فلو قلنا اننا نحتrrاج ثالث
سنين لبناء سد من السدود ،فكأنما نقول اننا نحتاج ما يعادل
ــــــــــــــــــــــــــــ
*النيرفانا :حالة االنطفاء الكامل التي يصل اليها االنسان بعد مدة من التأمل العميق في
الديانة البوذية .وهي طريقة مهمة لتفريغ الشحنات العاطفية الضاغطة
دوران األرض حول الشمس ثالث مرات .الزمن هrrو عملrrة التبrrادل الrrتي
تجعrrل باإلمكrrان مقارنrrة معrrدالت التغrrير المختلفrrة ،ومrrع التسrrلح بrrالزمن
بوصفه مقياسrrا معتمrrدا للتغrrيرات غrrير المتسrrاوية ،فإننrrا مrrا نrrزال نواجrrه
صعوبة بالغة في قياس التغير ،فعندما نتحدث عن معدل التغير فإننا نشrrير
128
الى عدد االحداث التي تتجمrrع خالل حقب زمنيrrة نحrrددها اعتباطيrrا ،لهrrذا
نحتاج الى تعريف "االحداث" وهذ يستلزم اختيار الفrrترات الزمنيrrة بدقrrة،
ونحتrrاج الحrrذر في االسrrتنتاجات الrrتي نصrrل اليهrrا بسrrبب اختالفاتنrrا في
المالحظة .وعلى الرغم من اننا أكثر تقدما في قياس التغrير الطrبيعي عمrا
هو عليه الحال في التغير االجتمrrاعي ،فإننrrا نعrrرف بطريقة أفضrrل مثال،
كيrrف نقيس معrrدل جريrrان الrrدم في الجسrrم ،أكrrثر ممrrا نعrrرف عن معrrدل
انتشار الشائعة في المجتمع .ومع كل هذه المؤهالت ،على كل حال ،هناك
اتفاق واسع بين المؤرخين وعلماء االثار وعلماء االجتماع واالقتصrrاد في
ان معدالت التغير تتسارع بشكل غير مسبوق وغير مسيطر عليه ،وربمrrا
يصعب قياسه مع كل التقدم التكنولوجي الذي وصلنا اليه .وقrrد يكrrون ذلrrك
مدعاة إلعادة النظر ليس في المقياس المعتمد وانمrrا في طريقة المالحظrrة
وإجراءات القياس طالمrrا اننrrا ال نملrrك وسrrيلة قيrrاس أخrrرى غrrير الrrزمن.
)Toffler (1971
خالصة Conclusion
إذا كنا نعتقد اننا نعيش في مجتمع وإننا نستبطن معايير هذا المجتمع وقيمه
وعاداته شعوريا او ال شعوريا ونتماثل مع أعضاء المجتمع االخرين فإننrrا
ندخل ضمن دائرة البرمجrة العقليrة للثقافrrة ،بمعrنى اننrا نتصrrرف ونعمrل
ونشعر بطريقة غير قابلة للتجزئة .يمكننا التكيف مع ثقافrrة أخrrرى بعمليrrة
تثrrاقف او اسrrتعارة او استحسrrان ،ولكننrrا ال نسrrتطيع تحت أي ظrrرف ان
نتخلى عن القواعد الثقافية التي شربناها مع اول قطرة لبن ومع اول كلمrrة
استحسان او استهجان ،مrrع اول كلمrrة عيب او حrrرام ،ثم مrrع دار دور في
129
القراءة الخلدونية .الثقافة اذن وعاء عمالق يستوعب طريقة حيrrاة أعضrrاء
كل مجتمع من المجتمعات ،ويمنحهم هوية ال تشrrبه بrrاقي الهويrrات .وعلى
الرغم من الغزو الثقافي الذي حملته الينا وسائل التواصrrل الحديثrrة ،وعلى
الرغم من التقارب الشديد بين سكان الكوكب ،اال ان التنوع الثقافي سrrيبقى
ابدا ألنه يورث عبر األجيال بطريقة تشبه الموروثات الجينية.
لقد تفاءل بعض السياسيين وعلماء االجتماع كثيرا عندما ظنوا ان العولمrrة
يمكن ان تعمل على حصrر الثقافrات المتنوعrة تحت خيمrة ثقافيrة واحrدة،
فوجدوا بعد حين ان تفاؤلهم لم يكن في محله وان العولمة ذاتها ليست أكثر
من حلم من االحالم وان الثقافات على تنوعها تزداد تمسrكا بتقاليrدها كلمrا
ازداد عليها الضغط.
اعترف ان الثقافrrة يمكن ان تتحrrول وتتبrrدل وتتطrrور ولكن يبقى كrrل ذلrrك
ضrrمن حركrrة التغrrير الطrrبيعي الrrذي يسrrتلزمه التبrrدل في نمrrط اإلنتrrاج
واالستهالك .وبسبب التنوع الثقافي ومعدالت التطrrور فrrان مفهrrوم الrrزمن
ظل احد اهم مكونات الثقافة ،وفي ذلك مازالت كrrل ثقافrrة تحتفrrظ بحسrrابها
وادراكها للزمن ،فالثقافات التي حولت الrrوقت الى بضrrاعة يمكن بيعهrrا او
شراؤها او االحتفاظ بها تنظر للزمن بمنظور مادي على انrrه سrrلعة غاليrrة
الثمن ،وهذا يحسrrب للثrrورة الصrrناعية الrrتي حrrولت إيقاع الrrزمن البطيء
المرتبط بأحداث الطبيعة الى إيقاع سريع يتناسب مع المكننة واالتمتة ،امrrا
المجتمعات التقليدية التي ُنصنف نحن ضمن دائرتها المغلقة فإنهrrا مrrاتزال
تتعامrrل مrrع الrrزمن على انrrه بضrrاعة كاسrrدة ال قيمrrة لهrrا ،يمكن تضrrييعه
ويمكن التعامrrل معrrه بrrتراخ ويمكن اهمالrrه ،والسrrاعات غاليrrة الثمن الrrتي
130
نعلقها على الحوائط أو التي نرتديها في المعاصrrم نسrتخدمها للزينrة وليس
لجدولة انشطتنا اليومية.
الزمن واستخداماته يحدد موقعنrا على خرائrط الطrول والعrرض الثقافيrة،
ومع اننا في زمن سريع التبدل في كل الميادين مازلنا نتأخر عن المواعيrrد
بمعrrدالت تفrوق أجrrزاء السrrاعة وال نكrrترث ،ومrrا تrrزال مؤسسrrاتنا تعمrrل
بقوانين المواسم والفصول ،وما زلنا نستخدم النظام البrيروقراطي الrورقي
الذي انقرض منذ ربع قرن في كrrل تعامالتنrrا اليوميrrة .وفrrوق هrrذا مrrازال
الماضي يجرنا بقوة الى الخلف .التغير الذي يقاس بrrالزمن لم يrrدفعنا ولrrو
لمرة نحو حسابه بمنطق المتأخر في السباق.
131
الفصل الخامس
أشكال الجماعات االجتماعية
Forms of Social Groups
132
الجماعات ،الفئات والتجمعات اإلحصائية Groups, Categories and
Statistical Aggregations
مفهrrوم الجماعrrة يطلrrق من غrrير تميrrيز على عrrدد كبrrير من التجمعrrات
اإلنسانية ،عصبة من المراهقين في حارة ،حفنة من القرويين في عrrرس،
أربعين ألrrف عامrrل في معمrrل لألدويrrة ،مليrrون معلم أعضrrاء في نقابrrة
المعلمين ،اثنين مليون حاج لبيت هللا الحrrرام ،االسrrرة ،والقبيلrrة والعشrrيرة
والفخrrذ ،مrrوظفي الحكومrrة ،مشrrاهدي السrrينما ،الوجوديrrون beatniks
والماركسيون والمتدينون .هذا الفيلق من الجماعات legion of groups
متنوع لدرجة يصعب وضعها تحت مسمى واحد .االسرة بالعrrدد المحrrدود
ألعضائها ،دورها ،ومكانتها واحساسها باالنتماء ،هي بالتأكيد تختلrrف في
أهميتها عن الكنيسة الكاثوليكية مع اتساعها التراتrrبي ومrrع ماليين االتبrrاع
الrrذين يشrrتركون في االعتقاد نفسrrه ،من العrrاملين في حقل الكهربrrاء الى
العاملين في البنrrوك والrrذين يتمتعrrون بمكانrrة اجتماعيrrة متشrrابهة من دون
وعي بالهوية الجمعية .كل هذه التجمعات اإلنسانية تضع علمrrاء االجتمrrاع
امام مسؤولية تصنيفها فئويا وتبويبها وظيفيا وتحليلها منهجيا.
ان تصrrنيف الجماعrrات االجتماعيrrة الrrتي حrrددناها في هrrذا السrrياق او
الجماعات األخرى التي لم نشر اليها والتي تتضمن فئات ،العمر ،الrrدخل،
المهنrrة ،المكrrان او الحقبrrة الزمنيrrة لبقائهrrا هي مسrrميات اعتباطيrrة ،وان
وضrrعها تحت هrrذا التصrrنيف ليس مجrrديا ،الن الجماعrrة ترتبrrط بالمكانrrة
والمكانrrة تتغrrير عrrبر الrrزمن ،لهrrذا كrrان علمrrاء االجتمrrاع الrrذين تركrrوا
بصماتهم على هذا النوع من البحث العلمي يبحثrrون عن محكrrات تصrrنيف
133
منطقية .وعلى الرغم من صعوبة الوصول الى تصنيف منطقي للجماعات
المختلفة بسبب ان بعضها يقع خارج التصنيف ،مثل مشجعي كرة القدم او
المشrrاركين في تظrrاهرة او المتجمعين امrrام فrrرن لrrبيع الخrrبز ذلrrك ألنهrrا
تجمعrrات مؤقتrrة فيمrrا تمتلrrك الجماعrrة قrrدرا من الديمومrrة والثبrrات ،مثrrل
االسرة واألصدقاء والجيرة .يقول شينوي ) Chinoy (1971ان المشكلة
المركزيrrة في تصrrنيف الجماعrrات وتحليلهrrا ،هي طبيعrrة العالقrrات بين
أعضائها ،وان احدى اهم التمايزات تكمن في فصل الجماعات التي ترتبط
بعالقات قريبة وحميمة (الجماعات األولية) وتلك التي ليس بينها مثل هrrذه
العالقات (الجماعة الثانوية) .الجماعة االولية تتضمن االسرة ،جماعة
اللعب ،األصrrدقاء ،الجrrيرة وأحيانrrا المجتمrrع المحلي .العالقrrات داخrrل
الجماعة األولية شخصية ،عفويrة ،وتسrتلزم مrدة طويلrة نسrبيا في بقائهrا.
االسrrرة اهم الجماعrrات األوليrrة على االطالق .الجماعrrات االوليrrة ربمrrا
وجدت أيضا ضمن الجماعات األكبر حجما التي يطلق عليها الجماعات
الثانوية ،مثل اتحاد التجار ،والمؤسسات المالية ،والمصانع ،والجامعات،
والدوائر الحكومية ،والجماعات الدينيrrة ،ولكن هrrذه الجماعrrات ليسrrت في
حقيقتها أولية الن أعضاءها ال يرتبطون بروابط حميمة او شخصrrية .هrrذه
التصنيفات ترتبrrط بrrرواد علم االجتمrrاع األوائrrل مثrrل دوركهrrايم جrrارلس
كولي وماكيفر ،هؤالء الرواد هم الذين وضrrعوا األسrrاس لكrrل التصrrنيفات
الالحقة ،على الrرغم من تطrور المجتمعrات وتبrدل عالقاتهrا وتفاعالتهrا.
باالنتاين وروبرتس ) Ballantine & Roberts (2009صrrنفوها الى
134
ثالث مجموعات ،مجموعات صغيرة ،Microمتوسrrطة Mesoوكبrrيرة
Macro
الحقيقة ان كrrل منrrا يولrrد في اسrrرة ،عمليrrات التنشrrئة االجتماعيrrة تتم في
جماعrrات ،ونحن نعتمrrد في بقائنrrا على جماعrrة ،حrrتى الناسrrك hermit
يحتrrاج الى جماعrrة لتلبيrrة كثrrير من احتياجاتrrه للبقاء ،ليس هنrrاك ناسrrك
معزول تماما .الجماعات مهمة للحماية ،والحصول على الطعام ،وصناعة
البضائع ،للحصول على عمrrل ،للrrدعم واالسrrناد ،والجماعrrة تلrrبي حاجتنrrا
االجتماعية لالنتماء والقبrrول .ويمكن ان تكrrون صrrغيرة ذات بيئrrة حميمrrة
على مستوى micro levelمثل األصدقاء ويمكن ان تتحول الى منظمrrة
متوسطة الحجم ،Meso levelوفي كل األحوال عن طريق العضوية في
كال الجماعتين يحدث الترابط بينهما.
وبعد هذا فان الجماعة تمثل شخصين او أكثر يتفrrاعلون مrrع بعضrrهم بنrrاء
على مصrrالح واهrrداف وحاجrrات مشrrتركة .األعضrrاء يشrrعرون باالنتمrrاء
للجماعrrة واألعضrrاء االخrrرون ينظrrرون لهم بالمنظrrار نفسrrه كمrrا يrrراهم
االخرون من خrrارج الجماعrrة على انهم يفكrrرون ويشrrعرون ويتصrrرفون
على وفrrق األهrrداف المشrrتركة للجماعrrة األخrrرى .والجماعrrات تضrrع
محددات للعضوية وطرائق انتماء االعضاء الجدد ،كمrrا تضrrع قواعrrد من
شانها ان تعمل دليال لسلوك األعضاء.
وفي كل األحوال ليس كل تجمع لعدد من االفراد هrrو جماعrrة ،كمrrا ذكرنrrا
سابقا ،فاألسرة جماعة ولكن المتسوقين من المجمعrrات التجاريrrة او الrrذين
ينتظرون الباص ليسوا جماعات ،انها تجمعات عشوائية ألنهم ال يتفاعلون
135
وليست لهم اهداف او مصrrالح مشrrتركة .وعلى الrrرغم من كrrل التحrrوالت
االجتماعية تبقى الجماعة جزءا أساسيا للحياة اإلنسانية ،انها تحrrدد موقعنrrا
على خرائط المحيط االجتماعي وتزودنا بالدعم واالنتماء .اعداد قليلة فقط
يمكنها المحافظة على البقاء خارج الجماعة كما سيتضrrح عنrrد اسrrتعراض
الالمعيارية واالنتحار.
الالمعيارية واالنتحار Anomie & Suicide
مع التبدالت السريعة ومrrع تشrrظي البنrrاء المؤسسrrي في أفغانسrrتان بسrrبب
زعماء الحرب المتنافسين من اجrrل السrrلطة ،وفي العrrراق حيث تتصrrارع
الجماعات الدينية والعرقية ،على أثر الغزو األمrrريكي وبتشrrجيع منrrه ،من
اجل السrلطة االقتصrrادية والسياسrية ،ظهrرت للوجrود مشrكالت مرعبrة،
تفكك المجتمع المدني ،صراع من اجل السلطة ،تفجrrيرات انتحاريrrة ،قتrrل
منظم ،فرهود .هذه المشكالت كانت تحدث بشrrكل متكrrرر ألكrrثر من عقد
كامل من الزمان .وسائل الضبط الرسمية (قوى االمن الrrداخلي) أصrrبحت
غائبrrة او مغيبrrة ،والقيrrادات تعrrاني من عrrدم قrrدرتها على ضrrبط األمrrور،
نتيجrrة هrrذا التشrrظي في المعrrايير تولrrد Anomieالrrذي يعrrني حالrrة
الالمعيارية ،حيث ان قواعrrد السrrلوك في المجتمrrع تتهشrrم تحت الضrrغوط
الشديدة للتغير االجتماعي السريع او الصراع ) .Merton (1968aلنأخذ
مثال ظاهرة االنتحار .واالنتحار فعل فردي يقوم به الفرد بسrبب مشrكالت
شخصية .مبكرا عالم االجتماع الفرنسي اميل دوركهايم اتجه اتجاها فريrrدا
في دراسة ظrrاهرة االنتحrrار .نrrاقش فيهrrا تrrأثير العوامrrل االجتماعيrrة على
االنتحrrار اعتمrrادا على اإلحصrrاءات المتrrوفرة عن معrrدالت االنتحrrار في
136
اوربrrا ،واسrrتخدم لrrذلك متغrrيرات مثrrل الجنس والعمrrر والrrدين والقوميrrة
والموسم الذي يحدث فيه االنتحار ،وكانت نتائجه مفاجِئ ة للكثrrيرين ،حيث
اثبت ان المشrrكالت الفرديrrة ال يمكن ان تفهم من دون فهم نمrrط الجماعrrة
التي حدثت فيها ،مستوى التفاعل ،واالحداث والقوى المؤثرة األخrrرى في
النظrrام االجتمrrاعي .دوركهrrايم وجrrد ان البروتسrrتانت أكrrثر انتحrrارا من
الكاثوليrrrك ،أعضrrrاء المراكrrrز الحضrrrرية أكrrrثر انتحrrrارا من أعضrrrاء
المجتمعات المحليrrة الصrrغيرة ،في المجتمعrrات المتطrrورة والمعقدة أكrrثر
تكرارا من المجتمعات البسrrيطة ،الrrذين يعيشrrون وحيrrدين أكrrثر من الrrذين
يعيشون داخل عوائل .العامل الرئيس الذي يربrrط هrrذه النتrrائج هrrو درجrrة
تكامrrل الفrrرد مrrع الجماعrrة ،أو العالقrrة الوثيقة مrrع االخrrرين .ففي اثنrrاء
الحرب يشعر الناس بالسrrبب واالنتمrrاء المشrrترك الrrذي يrrدفعهم للتماسrrك،
لهذا فان االنتحار يزداد في السلم عنه في الحرب ألنهم اثناء السلم يضعف
لديهم الرابط القوي الrذي يrدفعهم للتقارب والتضrامن .ثم ذهب دوركهrايم
لوصف ثالث أنواع مختلفة من االنتحار:
االنتحار االناني او األنوي ( Egoistic Suicideنسبة الى االنا) أي
عندما يحدث تضخم في االنا او الذات ويضrrعف الرابrrط االجتمrrاعي لrrدى
الفرد ،ويفتقد الجو االسري وجrrو االصrrدقاء ،يتولrrد شrrعور باليrrأس يدفعrrه
للتخلص من نفسه تحت دافع العزلة وغياب الشعور باالنتماء وعدم جدوى
الحياة.
االنتحار الالمعياري Anomic Suicideوهذا النوع من االنتحار يحدث
عندما يكون المجتمع او أحد اجزائه في حالrة اضrطراب او تفكrك وتكrون
137
المعrrايير الضrrابطة للسrrلوك في حالrrة من الغمrrوض او التrrدهور ،وهrrذا
الوضrrع يرافrrق التغrrير االجتمrrاعي السrrريع او المفrrاجئ او المشrrكالت
االقتصادية التي تقود الى االكتئاب.
االنتحار االيثاري Altruistic Suicide
وهذا النوع يختلف عن سابقيه في ان الفرد
يشعر برابط وانتمrrاء قrrوي جrrدا للجماعrrة،
ولديه استعداد للتضحية بنفسrrه في سrrبيلها،
وبقاء الجماعrة لديrة أكrثر اهميrة من بقاء
الفrرد ) Durkheim (1897/1964ومن االنتحار االنوي
138
وبعضrrها تتطلب التزامrrا واحساسrrا بrrالوجود والبقاء .علمrrاء االجتمrrاع
وضrrعوا التصrrنيف االتي للجماعrrات ،بعضrrها أشrrرنا اليهrrا في السrrياق
وبعضها سناتي عليها:
الجماعات األوليةPrimary Groups :
الجماعة األولية هي جماعة اجتماعية صغيرة يشترك أعضrrاؤها بعالقrrات
شخصية طويلة األمد نسبيا ،يقضي الفرد معظم وقته في داخلها ،وينخrrرط
في اغلب أنشطتها المشتركة ،ويشعر أعضاؤها بان كل واحد منهم يعrrرف
االخر ،وعلى الرغم من انها ال تخلو من بعض أنواع الصراع ،اال ان كrrل
عضو فيها يحرص كل الحرص على سعادة االخrrرين ورفrrاهيتهم ،أفضrrل
ممثل لهذه الجماعrrة هي االسrrرة واألصrrدقاء .قrrوة العالقrrات األوليrrة تمنح
الفرد الراحة والشعور باألمن ،وفيها ال يحتاج الفرد ان يقلق لتعبير صrrدر
عنrrه .اعضrrاء الجماعrrة األوليrrة يقومrrون بمسrrاعدة بعضrrهم اقتصrrاديا
ويrrدعمون بعضrrهم معنويrrا ،ويقفrrون الى جrrانبهم في االفrrراح واألزمrrات
والنزاعات ،وهم لهذا يرون ان الجماعة وبقاءها وسعادتها هي غايrrة فrrوق
كل الغايات ،وان كل عضو فيها يrrرى أعضrrاءها االخrrرين شrrيئا فريrrدا ال
يعrrوض ،ويرتبطrrون بعواطrrف ووالءات غrrير محrrدودةMacionis & .
)Plummer (2002
الجماعات الثانوية Secondary Groups
على النقيض من الجماعة األولية ،الجماعة الثانوية هي جماعrrة اجتماعيrrة
كبيرة وعالقاتها غير شخصية ،ويشترك أعضاؤها في اهتمامات ومصالح
محrrددة ،وتتمrrيز بضrrعف الروابrrط العاطفيrrة ،ومعرفrrة أعضrrائها بعضrrهم
139
البعض محدودة جدا ان لم تكن معدومة ،وال يدوم بقاؤها طويال ،فهي تبrrدأ
وتنتهي من دون أهمية السrrيما ،الطالب في الجامعrrة الrrذين ربمrrا ال يrrرى
أحrrدهم االخrrر بعrrد التخrrرج ابrrدا ،هم نمrrوذج للجماعrrة الثانويrrة .الروابrrط
االجتماعيrrة الضrrعيفة تسrrمح للجماعrrة الثانويrrة من ضrrم عrrدد كبrrير من
االفراد ،عشرات وربما مئات من األشخاص الذين يعملون في مكان واحد
وال يعير بعضهم االنتباه لبعض اال بشكل سrrطحي للغايrrة مثrrل القاء تحيrrة
الصباح ،لكن بمرور الوقت قد تتحول الجماعة الثانوية الى جماعة أوليrrة،
مثل الزمالء الذين يعملون في مكان واحrrد لعrrدة سrrنوات قrrد يتحولrrون الى
أصدقاء ،ومع ذلك فتلك حاالت استثنائية لعدد محrrدود من االعضrrاء ،وفي
كrrل األحrrوال الحrrدود الفاصrrلة بين أعضrrاء الجماعrrات الثانويrrة عن غrrير
األعضاء أوضح بكثير منها لrrدى الجماعrrات األوليrrة .الجماعrrات الثانويrrة
ينقصrrها الrrوالء القوي للجماعrrة ،ويتعين على األعضrrاء التصrrرف مrrع
نظرائهم باحترافية وحذرBallantine & Roberts (2009) .
الجماعات المرجعية Reference groups
تتألف هذه الجماعة من أعضاء يتصرفون بطريقة النموذج المثالي لتمثيrrل
الدور ،وتضع معايير ضد الخروج على المثل العليا للدور المقرر ،لدرجة
ان األتباع يقيسون افعالهم وسلوكهم في ضوء هrrذه المعrrايير ،وفي الrrوقت
ذاتrrه يعrrدون معrrايير الجماعrrة المرجعيrrة بمثابrrة دليrrل عمrrل لسrrلوكهم
وقrrراراتهم .هrrذا التعريrrف يبrrدو اشrrبه بالرطانrrة لكن عنrrدما نعrrرف ان
المصrrطلح في العrrادة يسrrتخدم لإلشrrارة الى النمrrوذج المختrrار في الحقل
المهني يظهر المعrنى ،فالتلميrذ قبrل دخrول كليrة الطب ،والrذين يدرسrون
140
التمريض ،علم الحاسبات ،المrrال واالعمrrال ،علم النفس ،القانون ،هrrؤالء
وامثالهم يراقبون من سبقوهم مهنيا لكي يحتذوا بسrلوكهم .وعنrدما يتحrول
الفرد من طالب الى مهrrني Professionalفانrrه يتبrrنى ،المالبس ،جrrدول
التوقيتات ،المردود المالي المتوقع ،والخصائص األخرى الrrتي يتمتrrع بهrrا
من سبقه ويمارسها في دوره الجديد .انهم يقومون بrrدور المحاكrrاة ألولئrrك
الrrذين يمثلrrون النمrrوذج المصrrغر للنجrrاح في الميrrدان المعين .المؤسسrrات
المهنية مثل جمعية علم االجتماع االمريكية ،او نقابrrة الصrrيادلة العراقيrrة،
او الجمعيrrة الملكيrrة البريطانيrrة ألطبrrاء االسrrنان ،تضrrع معrrايير للسrrلوك
والعمrrل ،والنrrاس الrrذين ينتمrrون للجماعrrة المرجعيrrة ،مثrrل المحrrامين
الممارسين يعملون على تقليد القادة ومحاكاتهم في حقل اختصاصهم ،ومن
الممكن ان يصبح احدهم مّد عي عام او طبيبا استشاريا او رياضrrيا المعrrا،
وال يتوق لمحاكاة احد في الجماعة المرجعيrة ،النهم هم انفسrهم سrيكونون
جماعة مرجعية اال اذا كانوا ال يملكون اخالقا مهنيrrة او يسrrيئون اسrrتخدام
المكانة التي حصلوا عليها فrrانهم ال مرجعيrrة لهم ،والفrrرد ال يكrrون ضrrمن
الجماعrrة المرجعيrrة اال اذا كrrان يسrrلك سrrلوكا ال يتعrrارض مrrع اخالقيrrات
الجماعة التي ينتمي اليها.
الجماعrrات العرقيrrة تrrزود بعض المrrراهقين “ "Adolescentsبمعrrايير
الجماعة المرجعية التي يمتثلون لها بقوة ،ويعrrدونها حكمrrا على سrrلوكهم.
وكلما كان شrrعور الفrrرد باالنتمrrاء للجماعrrة العرقيrrة قويrrا كلمrrا ابتعrrد عن
التواصل مع أعضاء الجماعات العرقية األخرى ( Schaefer & Kunz
141
)2007وهذه قد تحمل طابعا إيجابيا او طابعا مرضيا للمراهق كما سنرى
في مفصل داخل الجماعة /خارج الجماعة.
الجماعة الواحrrدة يمكن ان تخrrدم الفrrرد في مجrrاالت عديrrدة ،اذ يمكنهrrا ان
تكون جماعrة أوليrة ،وجماعrة عمريrة ،وجماعrة مرجعيrة ،هrذه التعrابير
تنطrrوي على مالمح مختلفrrة للجماعrrة ،فمثال الجماعrrة العمريrrة هي الrrتي
يكrrون أعضrrاؤها من ذوي االعمrrار المتقاربrrة او لهم مكانrrة اجتماعيrrة
متشابهة ،وهذه يمكن ان تكrون جماعrة مرجعيrة أيضrا .ومن المالحrظ ان
هناك افرادا لديهم جماعrrات مرجعيrrة من دون الحصrrول على عضrrويتها،
فمثال الطrrبيب الممrrارس الrrذي لم يسrrجل في نقابrrة األطبrrاء وال في نrrادي
الزوراء الرياضي ولكنه يمتثrrل للمعrrايير الطبيrrة لنقابrrة األطبrrاء ويمrrارس
كrrرة القدم على وفrrق ضrrوابط نrrادي الrrزوراء فانهمrrا سrrيكونان جماعتrrه
المرجعية ،وينطبق الحrrال على الجماعrات العرقيrrة او الدينيrrة الrrتي يلrrتزم
بعض افرادها بمعايير الجماعة وهrrو بعيrrد عنهrrا مكانيrrا مثrrل االتrrراك في
المانيا واالكراد في بريطانيا والمسلمون في فرنسا.
داخل الجماعة وخارج الجماعة In-group & Out-group
داخل الجماعة :هو ان الفرد يشعر بالوالء واالنتماء للجماعة التي يمكن
ان تكون أيضا جماعة مرجعية له .خارج الجماعة :وهو ان الفرد ال
يشعر بالوالء وال باالنتماء لها ،انها في الغالب جماعة منافسrrة او معاديrrة.
العضrrوية في "داخrrل الجماعrrة" يمكن ان تقوم على الجنس ،والعrrرق،
واألقليrrة االثنيrrة ،والطبقة االجتماعيrrة ،والrrدين ،والrrوالء السياسrrي .في
الجامعة ،مثال ،ينتمي البعض لجماعة االخوة (جماعة ذكورية) او لجماعة
142
الفتاة (جماعة انثوية) ،في المحلة او المنطقة التي يعيش فيها الفرد ،النrrاس
هناك غالبrrا يطلقون احكامrrا عن الجماعrrات األخrrرى عن طريrrق هrrويتهم
داخل الجماعة .مشجعو فريق المدرسة (داخrrل الجماعrrة) غالبrrا يتعrrاملون
مع مشجعي الفريق المنافس بنrrوع من العدائيrrة .تهديrrد او عدائيrrة "خrrارج
الجماعة" على األرجح مبالغ فيه ،ولكنه يعمل على تعزيز تماسك اعضاء
"داخل الجماعrrة" ،وفي كrrل األحrrوال يعكس الrrوالء ل "داخrrل الجماعrrة"
نوعا من االنحياز الذي يرقى الى الوثنيrrة أحيانrrا ،ومن األمثلrrة الrrتي يمكن
اإلشrrrارة اليهrrrا في العالقrrrة العدائيrrrة بين "داخrrrل الجماعrrrة" و "خrrrارج
الجماعة" المسrrلمون والصrrرب في البلقان ،الكاثوليrrك والبروتسrrتانت في
ايرلندا ،والعرب واليهrrود في فلسrrطين" ،الهوتrrوس" Hutusو"التrrوتس"
Tutsisفي راوندا والصراع بين الشيعة والسنة في العراق الذي اخذ بعدا
تطهيريا عنيفا في السنوات 2012-2006انقسم المجتمrrع خاللهrrا انقسrrاما
خطيرا أدى الى ازهاق أرواح بريئrة من الطrرفين .في كrل حالrة من هrذه
الحاالت الوالء للجماعة يعrزز بالسrلوك العrدائي نحrو "خrارج الجماعrة"
ينتج عنه انrrدفاع الجهلrrة من الطrrرفين في صrrراع يrrؤدي الى حrrرب تrrأتي
على الكل ،ال تترك مذنبا وال بريئاBallantine & Roberts (2009) .
التن==وع االجتم==اعي وديناميكي==ات الجماع==ة & Social Diversity
Group Dynamics
التنوع االجتماعي يؤثر تأثيرا بالغا على حركrrة الجماعrrات السrrيما عنrrدما
يتفاعل اعضاء الجماعات مrrع بعضrrهم .ماسrrيونز وبلمrrر & Macionis
143
) Blumer (2002حrrددا أربrrع طرائrrق لتrrأثير الrrتركيب االجتمrrاعي
للجماعات على العالقات بينها:
أوال :الجماعات الكبيرة تندفع للداخل :الجماعات الكبيرة في الغالب تحتفظ
بعالقrrات حصrrرا بين أعضrrاؤها ،الجماعrrات األصrrغر بالمقارنrrة اغلب
أعضrrائها ينrrدفعون ابعrrد من الrrدائرة الضrrيقة والمباشrrرة للجماعrrة ،ومن
األمثلة على ذلك الجهود الrrتي تبrrذلها الجامعrrات السrrتيعاب أكrrبر عrrدد من
الطالب األجانب ،وزيادة عدد الطالب األجانب ربما يعطي الجامعrrة بعrrدا
مهما عدا المردود المالي ،ولكن كلمrrا ازداد عrrددهم كلمrrا اسrrتطاعوا خلrrق
جماعrrة خاصrrة بهم ،لهrrذا فrrان الرغبrrة في زيrrادة التنrrوع االجتمrrاعي في
الجامعة قد يأتي بمردود غير مرغوب فيه لما يترتب عليه من االنقسام.
ثانيا :الجماعات غير المتجانسة تندفع الي الخارج :كلما كانت الجماعة
غير متجانسة من الrrداخل ،كلمrrا تrrزداد احتمrrاالت انrrدفاع أعضrrاءها نحrrو
التفاعل مع أعضاء الجماعrrات األخrrرى ،فمثال إذا قrrامت جماعrrة المجمrrع
الجrrامعي بتشrrغيل افrrراد من كال الجنسrrين ومن أصrrول مختلفrrة عرقيrrا
وجغرافيا فإنها تشجع االتصال بين الجماعات أكثر منها لو كrrان العrrاملون
من أصل اجتماعي واحد.
ثالثا :التكافؤ االجتماعي يشجع االتصال :اذا كان أعضاء الجماعات في
البيئة يقفون على قدم المساواة ،فان ذلrrك من شrrانه ان يrrدفع االعضrrاء من
مختلف الخلفيrات االجتماعيrة لالختالط وتكrوين روابrط اجتماعيrة ،لهrذا
سواء كانت الجماعة تعrrزل أعضrrاءها ام ال ،فrrان ذلrrك يعتمrrد على درجrrة
التراتب الهرمي للجماعة نفسها ،بمعنى ان تركيب الجماعة وسلطتها على
144
أعضrrائها يحrrدد درجrrة انrrدفاع األعضrrاء لتكrrوين روابrrط مrrع أعضrrاء
الجماعات األخrرى ،فكلمrا كrان تrركيب الجماعrة وسrلطتها ضrrعيفة على
األعضاء كلمrrا كrrان ذلrrك دافعrrا للتفاعrل المفتrrوح مrrع أعضrrاء الجماعrات
األخرى.
رابعrrا :الفواصrrل البدنيrrة تشrrجع الفواصrrل االجتماعيrrة :التباعrrد المكrrاني
يضrrعف التواصrrل االجتمrrاعي بين الجماعrrات ،فكلمrrا كrrانت الجماعrrات
متباعدة مكانيا كلما كان ذلك مدعاة لتجنب االنخراط في روابط اجتماعية،
مثال في السكن الطالبي تكون العالقة أقرب مع الذين يشrrتركون في سrrكن
واحد او يأكلون في مطبخ مشترك أو غرفة جلوس مشتركة عمن هم ابعrrد
مكانيrrا في السrrكن المجrrاور الrrذي ال يrrتيح فرصrrة االقrrتراب البrrدني بين
األعضاء.
المؤسسات والبيروقراطية :العالقة بين الجماعات المتوسطة والكبيرة
Organizations and Bureaucracy: Meso-Macro
*Connection
عالمنrrا المعاصrrر مليء باألنشrrطة المؤسسrrية العمالقrrة والمعقدة ،فمن
مواعيد األطباء الى فصول الجامعة ،الى أيام العبادة في الكنائس والمعابrrد
والمساجد ،الى دفع الضرائب عن بيع معجون االسنان الى وجبrrات االكrrل
السريعة ،كلهrrا تظهrrر ان مؤسسrrات المجتمrrع مكونrrة من االف المنظمrrات
والجمعيات والهيئات( ،الجمعيات الطبية ،والمؤسسات التربوية ،والدينية،
واالقتصادية ،والسياسية )...وكلها تتبع المعايير الثقافية لمجتمعاتنا ،ولكrrل
منها دور يربطنا بوساطة شبكات معقدة بالعالم االجتمrrاعي الكبrrير .فكيrrف
145
نشأت وتطrrورت هrrذه المنظمrrات وكيrrف اخrrذت خصائصrrها المتوسrrطة "
"Characteristics of Meso-levelوالكبيرة " "Macro-levelفي
عالم اليوم؟
تطور المؤسسات الحديثة The Evolution of Modern Organization
146
أصبحت متخصصة وبعض االعمال اليدوية تولتها المكائن ،وقامت وحrrدة
القيrrاس النrrوعي بتحسrrين مسrrتوى االنتrrاج حجمrrا ودقrrة وسrrرعة ،هrrذه
المؤسسrrrات العقالنيrrrة الحديثrrrة تسrrrمى المؤسسrrrات الرسrrrمية Formal
Organizationوهي مجموعات ثانويrrة مركبrrة تشrrكلت قصrrديا لتحقيrrق
اهداف معينة ،الصليب
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسrrتخدمنا المؤسسrrات Institutionsوالمنظمrrات Organizationsبنفس المعrrنى
مرادفrات ،على الrرغم من انهمrا مفهومrان مختلفrان بعض الشrيء ،ولكننrا وجrدناهما
يستخدمان بالمعنى نفسه في اغلب ادبيات علم االجتماع
147
جنب مع التطور الحديث في إدارة المؤسسات .مجتمعات ما بعد الصrrناعة
وتسمى أحيانا مجتمعات ما بعد الحداثة تعتمد كليا على التكنولوجيا الحديثة
التي استغنت عن العمل اليدوي الى اقصي الحدود بحيث اصrrبح ()%2.5
فقط من القوى العاملrrة في الواليrrات المتحrrدة االمريكيrrة يعملrrون في
الزراعة ،وهو ما يعادل ) )3.5مليون من مجموع 141مليون من القوى
العاملة بالمقارنrrة مrrع ( )%11.6يعملrrون في الزراعrrة عrrام ( )1950و (
)%63.7في عrrrام (Fulcher 1999, Ballantine &( .)1850
)Roberts 2009
148
ولكنها جزء من مؤسسات كبيرة على مسrrتوى البلrrد كلrrه وهي في الحقيقة
مؤسسrrات متوسrrطة الحجم .Meso-levelفي مسrrتوى اخrrر لrrه عالقrrة
بالحجم ،الحكومة االتحادية هي مؤسسة معقدة جrrدا وتrrؤثر على حيrrاة كrrل
مواطن ،وبعض الشركات عrrابرة القارات ،كالهمrrا يعمrrل على المسrrتوى
الكبrrير .Macro-levelبعض المؤسسrrات تrrوفر لنrrا عمال ضrrروريا من
اجل البقاء وهذه المؤسسات يطلق عليها ،Utilitarian Organization
وأخرى مفروضة علينا ،مثل السجن ،ومشفى االمراض النفسية والعقليrrة،
أنظمة الكتائب العسكرية ،وحrrتى المدرسrrة لعمrrر معين وهrrذه المؤسسrrات
يطلق عليها Coercive Organizationوهناك نrrوع ثrrالث ال تزودنrrا
بعائد مادي وانما لها دور معنrrوي يسrrتحق الجهrrد والrrوقت الrrذي ينفrrق في
االنضمام اليهrrا مثrrل المنظمrrات التطوعيrrة كالصrrليب األحمrrر واألحrrزاب
السياسية والمنظمات الدينية ويطلق عليها Normative Organization
وهذه المنظمrrات تعمrrل من اجrrل المصrrالح العامrrة وال تrrأتي بمrrردود على
المسrrتوى الشخصrrي غrrير المrrردود االعتبrrاريNolan & lenski .
)(2008
خصائص البيروقراطية Characteristics of Bureaucracy
البيروقراطية شكل خاص للمؤسسات الحديثة تتميز بتrrدريب الكrrوادر من
اجل القيام باإلجراءات والواجبات بكفاءة عالية ،ربما تحتاج سلعة فتrrذهب
الى الدكان فتجد السعر مثبت عليها ،ثم تذهب الى مكان الدفع وتrrدفع الثمن
المثبت الrrذي قrrرره النظrrام البrrيروقراطي ،لكن اذا ذهبت الى السrrوق في
بلدان البحر الكاريبي ،افريقيا ،اسيا او الشرق األوسط فان عليك ان تساوم
149
حتي تصل الى تسوية مقبولة من الطرفين عن السعر الذي سrrتدفعه ،نظrrام
السوق في هذه البلدان شخصrrي وينطrrوي على احتكrrاك مباشrrر بين البrrائع
والمشتري ،وعملية الشراء تستغرق وقتrا أطrول ،وكفrاءة اقrل ،ويمكن ان
تؤدي الى احباط الزائrر الrذي ال يعrرف المنrاورة في السrوق ويrدفع ثمنrا
باهظا لسلعة ال تساوي ربع ثمنها ،كما ان السلعة التي تباع ال تسترجع وال
تستبدل حتي لو كانت اصال معطوبrrة ،وهrrذه المجتمعrrات في حالrrة تحrrول
وال بد لها ان تتبع النظام البيروقراطي.
لكي تحصل على إجازة سوق او تدفع أجrrور مدرسrrية ،او تشrrتري تrrذكرة
لمشاهدة لعبة كرة قدم او حفل موسيقي ،عليrك ان تقف في طrابور طويrل
وتنتظر حتى يأتي دورك (طبعا في مجتمعنا ال ننتظر بل نهب جميعا على
بائع التذاكر من كل الجهات ونتدافع الى حrrد التقاتrrل ،والشrrاطر من يصrrل
أوال ،واولوية البيع للذي يصل أوال) فاذا نسيت رقمك الوطني National
insurance numberاو البrrائع ال يقبrrل الrrدفع اال نقدا- ،هrrذا نrrادرا مrrا
يحدث فالدفع كله بوساطة -Visa or Credit cardفان الروتين سيكون
ممال .بعض المؤسسات تبنت الدفع بالتلفون او التسrrجيل عrrبر االنrrترنيت،
لكن على الرغم من هذا النظام االوتوماتيكي الفعال فان أخطاء قد تحrrدث.
اإلحباط الذي تسببه البيروقراطية هو جزء من الحياة الحديثة ،لكن البrrديل
"كالمقايضrrة" اقrrل كفrrاءة وأكrrثر احباطrrا .معظم المؤسسrrات في المجتمrrع
الحديث ،مثل المشافي ،الكنائس ،المrrدارس ،الوكrrاالت الحكوميrrة البنrrوك،
الصناعات وحتى النوادي الليلية كلها مبرمجة بيروقراطيrrا ،لهrrذا فrrان فهم
150
المؤسسات الحديثة ضrrروري من اجrل فهم المجتمrع الحrديث الrذي نعيش
فيه.
في مطلع القرن العشرين بحث ماكس فيبر ( )1920-1864عن األسrrباب
الrrتي تقف وراء تحrrول المجتمعrrات من النظrrام االجتمrrاعي التقليrrدي الى
النظام البيروقراطي الرأسمالي .اراد ان يعرف لماذا معrrدالت التحrrول في
بعض أجزاء اوربا أسرع من البعض االخر ،ولماذا هيمنت البيروقراطيrrة
على بعض المؤسسrrات دون غيرهrrا .فبينمrrا تنظrrر المجتمعrrات التقليديrrة
للماضي بوصفه دليل عمل ،كان المجتمrrع الصrrناعي البrrيروقراطي يتبrrنى
شrrكال جديrrدا للتفكrrير والسrrلوك ،ويعمrrل على تغيrrير االتجاهrrات نحrrو
العقالنية ،ماكس فيبر الحظ ان القيrrادة في االعمrrال وفي الحكومrrة ،تتخلى
عن االشكال التقليدية للعrrائالت المتنفrrذة والقيrrادة الكاريزميrrة وتتجrrه نحrrو
البيروقراطية الالشخصية (العالقات غير مباشرة) ،االكثر كفاءة.
ان مصrrطلح في==بر ( )1947النمrrط البrrيروقراطي المثrrالي Ideal-type
bureaucracyيشير الى الخصائص الجوهرية المهيمنة ذات الموثوقية
والكفاءة العالية للمؤسسات ،انه ال يعني المؤسسات الجيدة او عالية الكفاءة
بقدر مrا يعrني المؤسسrات ذات السrمات المعينrة .ومن غrير المحتمrل ان
تحمل المؤسسات البيروقراطية كل خصائص النموذج المثالي .والعناصrrر
الستة التي وضعها فيبر للنمط المثالي هي:
.1التخصrrص :عrrبر تrrاريخ الجنس البشrrري ،كrrل واحrrد يسrrعى لتحقيrrق
األهداف األساسية للحصrول على الطعrام والسrكن ،البيروقراطيrة حrددت
للفرد واجبات على درجة عالية من التخصص.
151
.2التراتب اإلداري :البيروقراطية وضعت سلما هرميا لإلدارة .كrrل فrrرد
يأتمر بأمر من هو اعلى منه في التسلسrrل اإلداري للمؤسسrrة ،والواجبrrات
تتقرر من األعلى ويقوم األدنى بتنفيذها.
.3القواعد والتعليمات الرسمية :التقاليrrد الثقافيrrة في النظrrام البrrيروقراطي
وضعت جانبا ،وبدال عنها وضعت قواعد وتعليمات عقالنية .هذه القواعد
ال تسيطر على عمل المؤسسات فقط وانما من المحتمل ان يكون لها تrrأثير
على كامل البيئة األكبر.
.4المهارة التقنية :المؤسسrrة البيروقراطيrrة تقوم بتشrrغيل ذوي المهrrارات
الفنية الذين يسrrتطيعون تنفيrrذ العمrrل بمهrrارة احترافيrrة ،وتضrrع مسrrتويات
األداء تحت الرقابة الدائمة
.5الالشخصية :المؤسسات البيروقراطيrrة تتجنب الrrنزوات الشخصrrية في
العمل عبر قواعد صارمة ليس فيهrrا للعامrrل الشخصrrي أي تrrأثير .كمrrا ان
القواعد تضع في الحسبان معاملة الزبrrائن وحrrتى العrrاملين بشrrكل موحrrد،
بrrrدون تفريrrrق وال امتيrrrاز الحrrrد على اخrrrر لتعrrrزز فكrrrرة Faceless
Bureaucratالبيروقراطي مجهول الهوية.
.6االتصrrاالت الرسrrمية المكتوبrrة :القول المrrأثور القديم يقول ان روح
البيروقراطية هو ليس الناس وانمrrا الrrورق ،فبrrدل االتصrrاالت الشrrفهية او
التي تحدث بالصدفة ،البيروقراطية تعتمد على المذكرة والتقرير الرسrrمي
المكتوب في عملية االتصال .وعبر الrrزمن تrrتراكم المعلومrrات في ملفrrات
يمكن العrrودة اليهrrا في أي وقت لتكrrون دليال لإلجrrراءات الالحقة ،مثال
الطrrبيب يكتب حالrrة المrrريض منrrذ اول مراجعrrة الى اخrrر مراجعrrة وفي
152
ضوء الحالة المرضية وتطورها عبر الزمن "المثبت في الملف" يسrrتطيع
وصف العالج المناسب.
هذه السمات تتعارض تماما مع الخاصية الشخصية للجماعrrات الصrrغيرة،
فالمؤسسrrات البيروقراطيrrة تشrrجع الكفrrاءة عن طريrrق تشrrغيل الكrrوادر
المؤهلة وتقليrrل التrrأثيرات غrير المتوقعrrة لألذواق واألراء الشخصrrية .في
الجماعات الرسمية الصغيرة ،يسمح االعضاء لبعضrrهم البعض التصrrرف
كrل على هrواه ،ويسrتجيبون لبعضrrهم بطريقة شخصrrية ويعrدون أنفسrهم
متسrrاوين في ُس لْم المسrrؤوليةBilton et al 2002, Macionis & .
,Plummer 2002
تغير اشكال المؤسسات Changing Organizational Forms
بعد الحرب العالمية الثانية كانت معظم المؤسسات في اوربا بيروقراطيات
تقليديrrrة ،تrrrدار من األعلى الى األسrrrفل على وفrrrق سلسrrrلة من األوامrrrر
الصارمة .اليrrوم مrrع تنrrامي التنrrافس العrrالمي بين الشrrركات والمؤسسrrات
الكبرى ،فان البناء المتحجر لهذه المؤسسات بدأ يتفتت ،فمن بين العناصrrر
المهمة ألساليب إدارة المؤسسات الجديدة هو اإلدارة الذاتيrrة لفريrrق العمrrل
. self-managed work teamأعضاء الفريق الصغير هؤالء يمكنهم
إدارة العمل بمهارة مع الحد األدنى من االشراف .بإعطاء العاملين فرصة
للعمل على شكل مجموعات مستقلة ،تعزز المؤسسة انغماس العrrاملين في
أداء واجباتهم بصورة فعالة ،توفير فهم أوسع لطبيعة العمل ورفrrع الrrروح
المعنويrrة للعrrاملين .وعلى الrrرغم من كrrل هrrذه المنrrافع ،مrrاتزال بعض
153
المشكالت تواجrrه العمrrل في هrrذه المؤسسrrات أبرزهrrا "االغrrتراب" وهrrو
االنموذج التقليدي للبيروقراطيةMacionis and Plummer (2002) .
أنسنة البيروقراطية Humanising Bureaucracies
انسنة البيروقراطية تعrrني تعزيrrز المناخrrات المؤسسrrية الديمقراطيrrة الrrتي
تّقدر وتشجع مساهمات الجميع ،انهrrا كمrrا يقول كنrrتر )Kanter (1989
تنتج عrrاملين سrrعداء وعائrrدات سrrخية ،واألنسrrنة يمكن النظrrر اليهrrا عن
طريق:
.1الشمولية االجتماعية :التركيب االجتمrrاعي المثrrالي للمؤسسrrة ال يشrrعر
أحrrدا انrrه خrrارج الrrدائرة بسrrبب الجنس او العنصrrر او العrrرق ،وعنrrدها
سيتحسن مستوى أداء العاملين ليصrrل الى الحrrد الrrذي ال يشrrعر معrrه احrrد
باالستبعاد.
.2المشاركة في المسؤولية :عندما تتخلص المؤسسة من البنrrاء المؤسسrrي
الصارم ،وتوزع السrrلطة والمسrrؤولية بشrrكل واسrrع ،فrrان المrrدراء سrrوف
يعملrrون على االسrrتفادة من أفكrrار العrrاملين الrrذين ال يجrrدون قنrrاة أخrrرى
للتعبير عن أفكارهم ،ومعرفة الرؤساء ذلك سوف يدفعهم لفتح البrrاب على
مصراعيه للمقترحات واألفكار الخالقة التي من شrrانها ان تrrدفع المؤسسrrة
بقوة الى االمام.
.3توسيع فرص التقدم :توسيع الفرص من شأنه ان يقلل من عدد العاملين
العالقين في الrrروتين ويضrrعف الشrrعور بعrrدم وجrrود وظrrائف جديrrدة ممrrا
يعمل على تحفيز الذين ليس لديهم دافعية لألداء الجيrrد لتحسrrين ادائهم لكي
ال يخسrrروا وظrrائفهم .والمؤسسrrة تقوم بإعطrrاء العrrاملين في مختلrrف
154
المسrrتويات الفرصrrة للمشrrاركة بأفكrrارهم ،وتجrrريب اتجاهrrات جديrrدة،
واعتبrrار الوظيفrrة الحاليrrة مrrدخال لعrrالم أرحب من المسrrؤوليات والمنrrافع
للمؤسسrrات وللعrrاملين .كنrrتر Kanterيrrرى ان المؤسسrrات ذات البنrrاء
الصارم ربما تكون ذات معrنى في الماضrrي عنrدما كrانت تسrتأجر عمrاال
غير ماهرين ألداء اعمال بدنية ،لكن القوى العاملة المؤهلrrة اليrrوم يمكنهrrا
ان تساهم بثروة من األفكار اإلبداعية الخالقة التي تدعم كفrrاءة المؤسسrrة،
كمrrا ان التعامrrل مrrع العrrاملين على انهم مrrورد يجب تطrrويره أكrrثر منrrه
كجماعة تحت السيطرة سrrيعود على المؤسسrrة بنفrrع عظيم ليس فقط على
المدى القصير وانما على مديات ابعد..
مجتمع شبكات االتصال :المستوى الكبير للجماعات The Macro Level
الجماعrrات والمؤسسrrات اثبتت انهrrا ذات قيمrrة لعلم االجتمrrاع ،وحيث ان
العالقات تغيرت ،من الجماعة األولية الى الجماعة الثانوية ،ومن الجماعة
الثانوية الى المؤسسات الرسمية ،ومن المؤسسات الرسrrمية الى مؤسسrrات
ما بعد الحداثة ،فان علماء االجتماع يالحقون هذه التطورات باهتمrrام بrrالغ
من اجrrrل فهم التحrrrول االجتمrrrاعي الrrrذي لعبت فيrrrه شrrrبكات التواصrrrل
االجتماعي دورا اساسيا .والشبكة اجرائيا ،تعني نسيج من العالقات
االجتماعية التي تربط الناس بعظهم مع بعض .تخيل ان شبكة االتصاالت
تقوم بمهمة دفع الناس لالتصال بمشاعر وحدود وهويات افراد من خrrارج
الجماعة ،فrrاذا اعتبرنrrا الجماعrrة "حلقة أصrrدقاء" فإننrrا سنصrrف شrrبكات
االتصال على انها نسيج اجتماعي يمتد خارجها ويصل الى مسافات بعيrrدة
ويغطي اعداد هائلة من الناس .شبكات االتصال اذن تذهب ابعد بكثrrير من
155
فكرة الجماعات او حتى المؤسسات ،الن الجماعات والمؤسسات تفrrترض
وجود حدود ،وغالبا ترافقها عالقات مباشرة وجها لوجه ،بالمقابل شrrبكات
االتصال تصور حقل االتصrاالت والعالقrات على نطrاق واسrع ،فأنظمrة
االتصاالت الحديثة والقدرة على نقل األفكار واألموال بضrrغطة على لrوح
االزرار تكrrrون بrrrذلك قrrrد تخطت الحrrrدود الوطنيrrrة .الشrrrركات متعrrrددة
الجنسيات تسrrتخدم االن كrrوادر من كrrل مكrrان في العrrالم وتضrrع قواعrrدها
الخاصة دون رقيب.
أحد التطبيقات المعقدة لشبكات االتصال على المستوى الوطني والمسrتوى
العالمي هو استخدام اللغات المتعددة ،فبالعلى الرغم من ان اللغة االسrrبانية
والصينية والعربية تستخدم بشكل واسع في الrrبيوت في كrrل انحrrاء العrrالم،
اال ان اإلنكليزيrrة وحrrدها ظلت لغrrة التجrrارة العالميrrة ،ذلrrك الن القوة
االقتصrrrادية والسياسrrrية الى جrrrانب السrrrيطرة على التمrrrدد التكنولrrrوجي
متمركزة في البلدان الناطقة باإلنكليزية .وللتكنولوجيا اليوم تطبيقات مثيرة
في ميدان التفاعل االجتماعي ،گوگل األيميل ،الفيس بوك ،الفايبر ،غrrرف
الدردشة والمدونات ،blogsسهلت إمكانية التواصل االجتمrrاعي ،وصrrار
بمقدورنا ان نتحrrدث مrrع أي شrrخص في أي مكrrان في الكrrرة األرضrrية،
ونتبادل األفكار وربما االرتباط بعالقات صداقة حقيقية او وهميrrة .الحكrrام
الطغاة لم يعد بوسعهم اقفال األبrrواب على مواطrrنيهم ليعرفrrوا كيrrف يفكrrر
النrrاس من حrrولهم في البلrrدان األخrrرى .في الصrrين حيث تقوم السrrلطات
بتصفية المعلومات ،وجد خبراء الكومبيوتر طرقrrا التفافيrrة حrrول التصrrفية
(الفلrrترة) .في ماينمrrار حrrاولت السrrلطات اغالق االتصrrال عrrبر األقمrrار
156
الصناعية لمنع الحصول على المعلومrrات .وعلى الrrرغم من جهrrود بعض
الدول لتضييق مساحة التواصل مع العrrالم الخrrارجي فrrان عمليrrات التغrrير
أصبحت سريعة جدا لدرجة يصعب معها حصر الناس في زجاجة.
شبكة االنترنيت التي انتشرت عالميا لم تر النور اال في نهايات 1989ولم
تستخدم استخداما واسعا على نطاق العrrالم اال في منتصrrف التسrrعينات من
القرن الماضrrي ،ترافrrق ذلrrك مrrع اسrrتخدام ال e-mailثم اعقبتهrrا بقيrrة
التفاصيل .لقد واجه االنترنت في بدايته عزوفrrا ومقاومrrة حrrتى في البلrrدان
التي اخترعته ،ولكنه في غضون سنوات قليلة صار جزءا من حياة الناس
لدرجة يصعب معها االستغناء عنrrه ،وهrrو مثrrل أي مrrدخل جديrrد ال بrrد ان
يلقى مقاومة قبل تبنيrrه .المهم ان الشrrبكة العنكبوتيrrة دخلت لكrrل الميrrادين،
وصار بمقدور النrrاس االتصrrال بغrrيرهم في كrrل مكrrان .ومن نتيجrrة ذلrrك
عملت وسrrائل االتصrrال على تغيrrير العrrالم .والحrrق ان االنrrترنيت أصrrبح
وسيلة تسويق ثقافية قبل ان يكون سrrلعة تجاريrrة مربحrrة .يقول باالنتrrاين
Ballantineوبلمrrر & Plummerلقد اصrrبح اإلمكrrان معرفrrة سrrلوك
األمم الغربية وعاداتهrrا وتقاليrrدها ،وقrrد أدى ذلrrك الى ردود فعrrل مختلفrrة،
فمثال اصrrطدمت القيم الغربيrrة مrrع ثقافrrة عrrدة بلrrدان إسrrالمية في الشrrرق
األوسrrط ،والنتيجrrة اسrrتثارة درجrrة عاليrrة من الغضrrب والعدائيrrة ضrrد
الواليات المتحدة االمريكية وبلدان اوربrrا الغربيrrة ليس بسrrبب معارضrrتها
للحرية والديمقراطية ،كما يزعم بعض السياسيين الغربrrيين ،وانمrrا بسrrبب
القيم النفعية والمؤسسات الالشخصية التي تصrrدر من الغrrرب الى الشrrرق
لتغزوا نسيج الجماعrات الصrrغيرة والمتوسrطة ،انهم يشrعرون ان ثقافتهم
157
تحت التهديrrد ،والحقيقة ان ضrrغوط األوضrrاع االجتماعيrrة واالقتصrrادية
والسياسية المتردية هناك اشعلت الجماعات والحركات األصrrولية لrrرفض
الحداثة قبل ان تتحول الى حركات مسلحة خارج القانون.
السؤال االن ما مستقبل العالقات العنكبوتيrrة syber- relationsفبمrrا ان
عالقات الوجه لوجه في الجماعات األوليrrة قrrد تشrrظت ،واننrrا اعتrrدنا منrrذ
وقت طويل على العالقات غير المباشrrرة واالنتقاليrrة للجماعrrات الثانويrrة،
فان اغلبنا اصبح يتقبل هذا الحال ،وبينما مrrازال جrrزء من حياتنrrا مرتبطrrا
لحrrد مrrا بالجماعrrة األوليrrة ،وان اغلب انشrrطتنا اليوميrrة ،من العمrrل الى
التسوق ،الى الترفيه ،تعتمد اكثر فاكثر على العالقات الثانوية ،فان الطرق
التي تربطنا بالعالم قد تغيرت ،لكن هذه في طريقهrrا للتحrrول مrrرة أخrrرى،
فكمrrا الحظنrrا في السrrياق ،مجموعrrة من العالقrrات في طريقهrrا للتشrrكل،
بعضها يمكن ان نطلrق عليهrا عالقrات مrا بعrد االنrترنيت .فعrبر األدوات
التكنولوجيrة عاليrة التقنيrة يمكن توجيrه النظrر الى العالقrات الجديrدة عن
طريق الفيديو ،الوسائط المتعددة multimediaالهاتف الخلrrوي ،شrrبكات
االتصrrال ،األلعrrاب االلكترونيrrة ،والحاسrrوب الشخصrrي ،وعلينrrا هنrrا ان
نتذكر كم من الوقت ننفrق للقيrام بأشrياء ال حصrrر لهrا بعيrدة عن عالقrrات
الوجه لوجه .اعداد كبيرة من الناس ينفقون وقتا طويال جدا على الحاسوب
او الهواتف الذكية ،وهناك طلبة ينفقون أربعrrا وعشrrرين سrrاعة في اليrrوم
امام حواسبهم او هواتفهم الذكية ،التي ال يمكن انتزاعها منهم ،انها تمارس
على طريقة المrrدمنين ،فهم يعملrrون واجبrrاتهم المدرسrrية او االكاديميrrة
عليهrا ،يسrتخدمونها في العrاب التسrلية ،يتسrوقون بهrا ويقيمrون عالقrات
158
أيضا .واالن لو فكرنا لدقيقة واحدة كيف غrrيرت هrrذه التكنولوجيrrا العالقrrة
مع الجماعات التي ينتمون اليها .جيرجين ) Gergen (1991في دراستها
لتغير العالقات االجتماعية في عصر ال Hi-Tecوجدت:
.1ان عالقات التحدث وجها لوجه استبدلت بعالقات كتابة عبر المسrrافات
عن طريق شاشة الحاسب او التلفون
.2الجماعrrات األوليrrة القريبrrة وحrrتى الثانويrrة اخلت الطريrrق للجماعrrات
الكونية ،والعالقات الحميمrrة انتشrrرت عن طريrrق الشاشrrة عrrبر القارات،
والسيما القنوات الجنسية او الجنس عبر النت.
.3االتصال االن ال يحتاج إظهrار الهويrة (رجrل او امrرأة مثال) كمrا هrو
الحال في العالقات االولية
هذه مجرد قائمة ويمكنك إضافة الكثير من هذه العالقات العrrابرة للقارات.
لكن السؤال األهم هو ان بعضrنا يفعrل ذلrك االن مrاذا لrو أصrبحنا جميعrا
نفعل ذلك ،والواقع اننا جميعا أصبحنا بالفعrل نفعrل ذلrك ،فيمrا عrدا من ال
يستطيعون شrrراء حاسrrب او تلفrrون متطrrور ،عنrrدها سنقسrrم المجتمrrع الى
طبقتين ،طبقة syber-classوطبقة non-syber-classثم مrrاذا يحrrدث
إذا أصبحنا جميعا نملك ثمن الهاتف الrrذكي او الحاسrrب المتطrrور .البعض
يعتقد ان الشrrعور بالخجrrل التrrدني في مسrrتوى الجrrرأة في التحrrدث امrrام
الغرباء سيزداد لديهم وسيكتفون بأرسال الرسائل عبر الشاشات ويبتعدون
عن التفاعل المباشر الذي يستلزم القدرة على تبادل الكالم .وهذه العالقrrات
ربما هي األخرى معرضة للتغير في المستقبل طالما ان التكنولوجيا تندفع
بقوة نحو المجاهيل ،فالسيارة مثال ستكون ذاتيrrة القيrrادة ،وتجrrارب تجrrرى
159
االن لتحويلها الى سيارة طائرة .الحاسب والتلفrون ربمrا يسrتبدالن بقطعrة
الكترونية تزرع في المخ او أي شيء ال يمكننا تصوره االن.
خالصة Conclusion
المجتمrrع الحrrديث تبrrدل في ربrrع القرن الماضrrي تبrrدال مخيفrrا ،ولم تعrrد
الجماعة االولية التي ننتمي لها تشrrبع فضrrولنا ،فوضrrعناها على الهrrامش،
واسrrتبدلناها بجماعrrات ثانويrrة ال تربطنrrا معهrrا رابطrrة دم وال جrrيرة وال
مجتمrrع محلي ،ولكنهrrا تrrوفر لنrrا اغلب حاجاتنrrا الضrrرورية للبقاء .كrrان
االنسان بحاجة الى شهرين لكي يصrrل من بغrداد الى طنجrة في المغrرب،
هذا إذا لم تمت دابته في الطريق او يختطفه اللصوص وقطrrاع الطrrرق .ثم
صار بوسعنا ان نقطrrع المسrrافة بسrrاعة ونصrrف .االن فقط بrrدأت اتلمس
اإلجابة عن تساؤل قديم "كيrrف يسrrتطيع الrrذي عنrrده علم الكتrrاب ان يrrأتي
بعrrرش بلقيس قبrrل ان يرتrrد بصrrر الملrrك النrrبي سrrليمان اليrrه ،أي قبrrل ان
تrrرمش عينrrاه ،والمسrrافة بين صrrنعاء والقدس تحتrrاج سrrبعة أيrrام بلياليهrrا
لراكب ال يتوقف اال لقضrrاء حاجتrrه .بعrrد عصrrر االنrrترنيت صrrار لنrrا ان
نذهب الى ابعد من صنعاء بكثير قبل ارتداد البصر .بلمسrrة زر من ازرار
الهاتف الذكي او الحاسب االلكتروني يمكن نقل رسالة الى ابعد نقطة على
هذا الكوكب ،ليس رسالة فقط ،مكتبrrة من مليrrون كتrrاب كrrانت تحتrrاج الى
مئة ألف بعير لحملها وثالثة أشهر لنقلها من لندن الى بغداد ،االن تسrrتطيع
تحميلها على قطعة سليكون بحجم انف البعير وارسrrالها بنصrrف ثانيrrة الى
المكتبة المركزيrrة في بغrrداد .في ظrrل هrrذا التطrrور المخيrrف الrrذي ال أحrrد
يrrدري الى اي اتجrrاه يتجrrه ،لم تعrrد جماعrrات الوجrrه لوجrrه الزمrrة ،حrrتى
160
الجماعة الثانوية التي تعودنrا على كثrير من مالمحهrا في القرن الماضrrي
أصبحت بحكم الالغية بعrrد ان تحrrول المجتمrrع البشrrري بكrrل اتسrrاعه الى
قريrrة كونيrrة ،فrrدخلت الجماعrrات الكبrrيرة Macro Groupالى الميrrدان
وازاحت كrrل مrrا قبلهrrا من الجماعrrات التقليديrrة المعروفrrة .الدراسrrات
االجتماعيrrة مrrا عrrادت تعطي اهتمامrrا للجماعrrات الصrrغيرة وعالقاتهrrا
الحميمة وتفاعالتها المباشرة الن وجودها صار هالميا ولم تعد تrrدرس اال
من باب التذكير في انrrه فيمrrا مضrrى كrrانت هنrrاك اسrrرة وكrrان أعضrrاؤها
يتعاونون ويتفاعلون في كل لحظrrة ،االن يعيشrrون في بيت واحrrد وال أحrrد
يرى االخر االمرة كل شهرين ،وإذا اجتمعوا انشغل كل منهم بهاتفه النقال
او حاسوبه االلكتروني .هناك اخوة واخوات يعيشrrون في مدينrrة واحrrدة لم
ير أحدهم االخر منذ خمس سنوات .هذا الرقم ليس مبالغrrا فيrrه ،فهنrrاك ابن
يعيش في شمال بريطانيا وابوه يعيش في جنوبها ولم ير أحدهم االخر منrrذ
عشرين سنة ،وامثلة كثيرة حتى في مجتمعنا الذي مازال في طور االنتقال
الى القرية الكونية.
ماذا بعد الجماعات الكونية التي بدأت توفر لنrrا حاجاتنrrا دون ان ننتقل من
غrrرف نومنrrا؟ لقد وفrrرت لنrrا ال Hi-Tecفrrرص التخrrاطب وتكrrوين
الصداقات والتسوق ومعرفة اخر اخبار الموضة ،وإنتاج المعرفة وكل مrrا
نحتاجه ،حتى الحب والجنس والزواج أصبحت في متناول اليrrد .مrrاذا بعrrد
الجماعة العنكبوتية الكونية؟ سؤال يبقى مفتوحا.
161
162
الفصل السادس
االسرة Family
163
سؤال سrrاذج ينبغي ان ال ُيسrrأل ،فمن المؤكrrد اننrrا جميعrrا نعrrرف مrrا هي
االسرة ،فعندما نقول عائلتي او عائلتك فأننا نعرف بالضبط ماذا نعني بها،
لكن في هrrذا الفهم إشrrكالية بعيrrدة كrrل البعrrد عن الوضrrوح ،فعنrrدما نقول
عائلتي ،قد نعني بها االسرة المباشرة التي نعيش ونشترك فيها مع ازواجنا
واوالدنا في سكن موحد ،وقد نعني بها الجماعة االوسع ،االبوين واالخوة
واالخوات ،سواء كانوا يعيشون معنا او يعيشون في سكن منفصل ،ويمكن
ان تمتد لتشمل جماعات اكبر لتشrrمل األقrrارب الrrذين يتم االتصrrال بهم في
مناسبات معينة ،وقد نعني بها أقارب الدم مثل االعمام واالخوال وابنائهم،
العمات والخاالت واالجداد ،وقد تعنى أشخاصrrا ليس لنrrا اتصrrال بهم على
االطالق ننتسب لهم باالسrrم فقط .فتعريrrف االسrrرة ليسrrت بالبسrrاطة كمrrا
تبrrدو .التعريrrف ينبغي مناقشrrته عن طريrrق المفrrاهيم المرتبطrrة بالمنزلrrة
والقرابة .والتعريف التقليrدي لألسrرة مرتبrط بrالزواج وتقسrيم العمrل بين
كاسب القوت وربة البيت التي تقوم بتربية األطفال ،وهذا التعريف يستبعد
االسrrرة الrrتي تrrدار بوسrrاطة االب وحrrده او االم وحrrدها "االسrrرة أحاديrrة
الوالد" Single Parentكمrrا يسrrتبعد المعاشrrرة بين اثrrنين من دون عقد
زواج ،ويسrrتبعد الrrزواج المثلي (الrrذي أصrrبح شrrرعيا في اغلب بلrrدان
اوربا) .لتجنب اإلشكالية يقول جتrrنز) Gittins (1993يجب ان نتحrrدث
عن األسrrر او العوائrrل بصrrيغة الجمrrع لكي تشrrمل كrrل أنrrواع االسrrرة،
ونتخلص من إعطrrاء امتيrrاز لشrrكل معين لألسrrرة على حسrrاب االشrrكال
األخرى .ومع هذا االتجاه الrrذي لقي رواجrrا عنrrد بعض علمrrاء االجتمrrاع،
مازالت اإلشكالية قائمة .وعلى كل حال وحسما للجدل فان االسرة تشrrترك
164
في خاصيتين :أولها العالقات القريبrrة مكانيrrا والحميمrrة عاطفيrrا ،حيث ان
العالقة العائلية قريبة داخل االسرة عنها مع النrrاس خارجهrrا ،وألعضrrائها
شعور باالنتمrاء ،وثانيهrا اإلحسrاس بrالوالء والمسrؤولية ،فrrأفراد االسrرة
يعطون أولوية قصوى لحاجات األعضrrاء االخrrرين ،والمسrrؤوليات غالبrrا
مقررة سلفا فاألب يعرف مسؤولياته تجاه أعضاء االسرة كمrrا تعrrرف االم
واألوالد حrrدودهم في المسrrؤولية .وفي ضrrrوء ذلrrك يمكن االن تعريrrف
االسرة على انها أصغر وحدة اجتماعية يرتبط أعضrrاؤها بروابrrط الهويrrة
واالنتماء والمسؤولية ،وهذه الوحrrدة االجتماعيrrة ال تقوم بالضrrرورة على
الزواج ،او االنحدار البيولوجي او التبني.
لحقبة طويلة مضrrت كrrان علم االجتمrrاع ينظrrر للعائلrrة على انهrrا مؤسسrrة
اجتماعيrrة تعمrrل على توحيrrد االفrrراد في جماعrrات متعاونrrة تشrrرف على
تربية
ـــــــــــــــــــــــ
*استخدمنا مفهrrوم العائلrrة بنفس معrrنى االسrrرة تماشrrيا مrrع أصrrلها اإلنكلrrيزي Familyربمrrا
تعطي معنى مقارب او مختلف بعض الشيء في اللغة العربية .بعض اللغويين العrrرب يعrrدون
العائلrة من األخطrاء الشrائعة ،فهي مrؤنث "عائrل" والعائrل :الفقير ،ويحتجrون بقولrه تعrالى
"ووجدك عائال فأغنى" الضحى 8,ولكننا آثرنا استخدامها بنفس المعنى لشيوع استخدامها في
علم االجتماع .وفي اللغة اإلنكليزية هنrrاك مصrrطلح Householdالrrذي يعrrني سrrكان الrrبيت
وذلك ال يشrrكل اسrrرة وال عائلrة ،فربمrrا يكrrون في الrبيت أكrrثر من عائلrة او نصrrف عائلrة او
شخص واحد بمفرده .فهrrو اذن ال يصrrلح السrrتخدامه كمعrrنى مقارب لألسrrرة او االسrrرة كمrrا
نفهمها في اللغة العربية.
165
األطفال ،واغلب العائالت مبنية على القرابة ،أي انها رابط اجتماعي يقوم
على الrrدم ،الrزواج او التبrrني .وعلى الrrرغم من ان كrrل المجتمعrrات لrrديها
نظام عائلي لكنها تختلف تاريخيا في تحديد من يrrدخل تحت مظلrrة االسrrرة
ومن يكون خارجها ،واليوم أيضا شكل وتركيب االسرة يختلrrف بrrاختالف
الثقافات .في القرن العشرين كان الناس ينظرون لألسrrرة على انهrrا وحrrدة
اجتماعية تتألف من شخصين او أكثر يرتبطrrون برابطrrة الrrدم ،الrrزواج او
التبني ويعيشون مrrع بعض في سrrكن موحrrد .في كrrل انحrrاء العrrالم الشrrكل
األكثر شيوعا للعائلة يقوم على الزواج المقبول شرعيا ويقتضي الديمومrrة
والتعاون االقتصادي والعالقات الجنسية المعيارية ورعاية األطفال ،وهrrو
الrrزواج الrrذي ينتج عنrrه الrrوالدات الشrrرعية ،وكrrان النrrاس يطلقون على
األطفال المولودين خارج العالقة الزواجية بأنهم غير شرعيين .طبعrrا هrrذا
الربط بين الrزواج وشrرعية األطفrال أصrبح ضrعيفا جrدا في المجتمعrات
الغربية حrrتى يقول ماسrrيونز ) Macionis & Plummer (2002ان
واحدا من كل أربع والدات يولدون من اباء غير معروفين ،ولكنه ما يزال
فعاال جدا في مجتمعنا العrrربي حيث يحمrrل الوليrrد غrrير الشrrرعي وصrrمة
اجتماعية طول حياتrrه ويسrrتبعد حصrrوله على عمrrل او عالقrrة عاطفيrrة او
زواج طبيعي مثل سائر الناس.
عدد كبير من علماء االجتماع الغربيين يرفضrrون ربrrط االسrrرة بrrالزواج
وإنجاب األطفال الن ذلك سيجعل كل عضو من أعضاء المجتمrrع يخضrrع
لمعيrrار واحrrد ،حيث ان اعrrدادا متزايrrدة من النrrاس (في المجتمrrع الغrrربي
طبعrrا) يتمrrردون على الشrrكل التقليrrدي للروابrrط العائليrrة ،الغالبيrrة اليrrوم
166
يركrrزون على االسrrرة الrrتي ترتبrrط بالتجrrاذب العrrاطفي القائم على الحب
المتبrrادل من دون قيrrود اجتماعيrrة او شrrرعية .عrالم االجتمrrاع كريسrrتوفر
كارنتون ) Christopher Carrington (1999:5يقول " انrrا افهم ان
االسرة تتألف من أناس يحبون ويعتنون ببعضهم البعض".
النظريات المفسرة للعائلة Theories Explaining Family
بسبب وجود اشكال متعددة لألسرة ،فإننا نحتاج ان نعrrرف لمrrاذا أصrrبحت
االسرة النووية معيارا للمجتمع الصناعي الرأسمالي .بعد الحرب العالميrrة
الثانيrrة النظريrrة التفسrrيرية األكrrثر شrrيوعيا كrrانت البنائيrrة الوظيفيrrة الrrتي
طورهrrا تrrالكوت بارسrrونز ( .)79-1902شrrيل )Cheal (1991:3-4
أطلrrق على هrrذا االتجrrاه النظrrري "علم االجتمrrاع األمrrريكي األساسrrي"
Standard American Sociologyبسبب هيمنته على كل فروع علم
االجتماع األمريكي ونظرياته األخرى واستمراره في التأثير طوال الحقبة
الحرجة من نموه .ثم تمدد تأثيره خrrارج الواليrrات المتحrrدة االمريكيrrة مrrع
صعود نجم الواليات المتحدة كإحدى القوى العالمية المهيمنة بعد الحرب.
نظرية تالكوت بارسونز Talcott Parsons Theory
النظريrrة الrrتي يشrrار لهrrا غالبrrا في تفسrrيرها لعالقrrة الموائمrrة بين االسrrرة
النووية والمجتمع الصناعي هي نظريrة تrالكوت بارسrونز ،وتفيrد نظريrة
بارسونز بان نظام االسرة النووية تكيف بشكل فريد مع حاجrrات المجتمrrع
الصrrناعي لسrrببين ،األول :التنrrوع االقتصrrادي (عrrدة مهن مختلفrrة ،مrrع
عائدات مادية وأسلوب حياة مختلف) الذي يشrrكل روح الحيrrاة الصrrناعية،
وهو ما ال ينسrrجم مrrع طبيعrrة االسrrرة الممتrrدة ،ولكنrrه مثrrالي مrrع االسrrرة
167
النوويrrة ،فrrاذا كrrانت االسrrرة مقيrrدة بجماعrrة نوويrrة صrrغيرة مrrع عائrrل
Breadwinnerرئيسي واحد الذي هو رب االسرة ،فان الصrrراع الخفي
بين أعضاء االسرة الممتدة العاملين في مهن مختلفrrة يمكن تجنبrrه ،بمعrrنى
انه لو عمل احد افراد االسرة في مهنrrة بrrأجر اعلى من أخيrrه او ابيrrه فrrان
ذلك يثير حسد وسخط األخ واألب الذين يبذلون نفس المجهود بrrأجور اقrrل
في مهنة أخرى ،وبسبب ذلك قد ينشأ بينهم صراع كامن ويضعف قrrدرتهم
على التركيز في أداء الواجب الدقيق والسrrريع والمنضrrبط الrrذي يسrrتلزمه
العمrrل الصrrناعي .لهrrذا يعتقد بارسrrونز ان االسrrرة النوويrrة هي الوحيrrدة
القادرة على إزالrrة االختالف االقتصrrادي الrrذي قrrد يحrrدث داخrrل االسrrرة
الكبيرة ويحول دون حدوث التنافس على أجور العمل الصrrناعي الrrذي قrrد
يعمل على تقويض التماسrrك العrrائلي ،وفي الrrوقت نفسrrه تسrrتطيع االسrrرة
النووية بوصفها وحدة صغيرة االنتقال جغرافيا واقتصrrاديا بسrrهولة لتلrrبي
حاجات االقتصاد الصناعي .وثانيا :الحاجrrة لحrrل الصrrراع بين القيم الrrتي
تrrدعم االقتصrrاد واألنشrrطة العامrrة للمجتمrrع الصrrناعي وتلrrك الrrتي تمrrيز
العالقات العائلية التقليدية ،وفقا لرأي بارسونز ،العائالت تتميز بقيم العزو
Ascriptionالتي تميل الى نسبة األشياء لسبب ،مثل " التركrrيز على من
هم النrrrاس الrrذين معrrrك ،من أي عائلrrrة او قبيلrrة او دين او عrrرق" وقيم
المحسوبية ( Particularismتعطي األولويrrة للعالقrrات الخاصrrة) ،فمثال
متوقع من االبوين إعطاء كل الحب والرعاية ألوالدهم أكrrثر ممrrا يفعلونrrه
مع االخرين ،بغض النظر عن درجة نجrrاحهم او جrrاذبيتهم وفقا للمعrrايير
العامة .بارسونز يرى ان هذا السلوك مؤذي وغير مقبول في المناخ العام،
168
فمثال في العمrل ،االسrتخدام والطrرد والترقيrة من المفrترض انهrا تحrدث
كامتياز فردي فقط ،بمعنى اخر ،يقول بارسونز ،العمل الكفوء الrrذي يلrrبي
حاجrrات المصrrrلحة العامrrة للمجتمrrع الصrrrناعي يسrrتلزم قيم تقوم على
االنجازيrrة والمصrrلحة العامrrة وهrrو مrrا يتعrrارض كليrrا مrrع القيم القرابيrrة،
ويحدث ارباك في العمل عندما تتrrداخل االلتزامrrات المهنيrrة مrrع العالقrrات
القرابية ،فمثال اذا كان احد افrrراد االسrrرة مشrrرفا واألخrrر عrrامال في نفس
حقل العمل فان الصrrراع بينهمrrا يمكن تجنبrrه أوال بفصrrل االسrrرة النوويrrة
عن االقربrrاء ،وثانيrrا فصrrل االسrrرة النوويrrة عن الميrrدان العrrام من اجrrل
االبتعrrاد عن ادخrrال القيم العائليrrة في العمrrل ،وفي ذلrrك ال يحتrrاج النrrاس
االختيار بين الوالء القرابي والمعايير الالشخصية المطلوبة في اداء الدور
المهrrني .باإلضrrافة لمrrا تقدم بارسrrونز يrrزعم ان االسrrرة النوويrrة تقوم
بوظيفrrتين هrrامتين ألعضrrائها ،تنشrrئة األطفrrال واالسrrتقرار الشخصrrي
للبالغين.
اما بشأن تقسيم العمل االسري فقد أشار الى ان المورد المادي يتواله االب
او الrrزوج ،والمrrرأة تهتم بشrrؤون المrrنزل والحاجrrات العاطفيrrة ألعضrrاء
االسrrrرة .بارسrrrونز وصrrrف وظيفrrrة الrrrذكر على انrrrه أداة او وسrrrيلة
instrumentalفعالة فيما اعطى للمرأة وظيفة تعبيريrrة expressiveاو
عاطفية ،هذا التقسيم الجنسrي Gendered Divisionوضrrعه بارسrونز
على افتراض القابليات الطبيعية للمرأة .وأضاف ان الوظائف االجتماعية
الخاصة بالجنسين تتحدد وفقا للعالقة الرئيسrrة بين الطفrrل الصrrغير وأمrrه،
وان الطبيعة الخاصrrة لهrrذه العالقrrة ،بزعمrrه ،تrrأتي نتيجrrة للقدرة الفريrrدة
169
للمrrرأة على حمrrل ورعايrrة األطفrrال ) .Cheal (1991أفكrrار بارسrrونز
بمنظور علم االجتماع المعاصر تبدو متخلفrrة جrrدا ،ولكن يجب اخrrذها في
سياقها االجتماعي والتاريخي .اذ ان المرأة في عصره لم تكن قrrد حصrrلت
على التعليم والمكانة والحرية التي تتمتع بها النساء اليوم .ومع ان النموذج
العائلي لبارسونز كان يعد ممهدا لعصrrر الحداثrrة اال ان عrrالم المجتمrrع قrrد
تبدل بشكل تجاوز منظور بارسونز بكثير،
نظرية ميشيل فوكو * Michel Foucault
ميشrيل فوكrو المrؤرخ والفيلسrوف الفرنسrي ( )84-1926كrان معاصrrرا
لبارسrrونز ،ولكنrrه يختلrrف عنrrه كليrrا في النهج وفي طريقة التفكrrير وفي
النظر للعائلة .فوكو يعتقد ان أفضrrل وسrrيلة لفهم المجتمعrrات البشrrرية تتم
عن طريrrق الخطابrrات (لغrrة التخrrاطب بين النrrاس) ،discoursesوهي
شrrكل من اشrrكال المعرفrrة المتداولrrة بين النrrاس اثنrrاء تفrrاعالتهم( ،وهي
رديف للقيم الثقافية) مثال في المناقشrrات العائليrrة يميلrrون لتفضrrيل االسrrرة
النووية نموذجا مثاليا للحياة العائلية .المجتمعات البشرية تعمrrل دائمrrا على
تطوير أجهزة الشرطة ووسائل الضبط األخرى من اجل امتثrrال أعضrrائها
لنمط الخطاب السائد ،فمثال الجنسية المثلية يعدها النظام القضrrائي جريمrrة
ألنها تشكل تهديدا لوجود االسرة النوويrrة ،بالنسrrبة لفوكrrو فrrان الخطابrrات
األكثر أهميrrة في المجتمعrrات الحديثrrة هي تلrrك الrrتي تهتم بتشrrكيل وتنظيم
وتحديد الجسrrد بطrrرق منظrrورة ،كمrrا في تحrrريم او عrrدم تحrrريم التعrrابير
الجنسية .مادية فوكو تركز على جانبين مهمين :األول ،انrrه حrrاول اختبrrار
أنماط الخطابات التي تحدث في الزمن المعاصrrر والrrتي تهيمن على جسrrد
170
الفرد ،هذه الخطابات تهتم بما يسمى قوة التشrrريح السياسrrي Anatomo-
politicsلجسد الفrرد .والثrاني رؤيتrه للخطابrات الrتي تمارسrها السrلطة
على أجسrrrاد الجماعrrrة ،حيث تحتrrrل أجسrrrاد الجمrrrوع مسrrrاحة طبيعيrrrة
واجتماعيrrة ،هrrذه الخطابrrات تهتم بالسياسrrة البيولوجيrrة bio-politics
للسكان ،وتهيمن على أكبر عدد من االفرادTurner (1987) .
منظrrور فوكrrو للحيrrاة االجتماعيrrة اذن يركrrز بشrrكل أساسrrي على السrrلطة
فأشrrكال انتشrrار المعرفrrة او الخطrrاب تمrrارس علينrrا سrrلطة واسrrعة ألنهrrا
تزودنrrا بلغrrة نسrrتخدمها للتفكrrير بالعrrالم من حولنrrا فنعrrرف عنrrه مrrا نريrrد
معرفته .هذه الخطابات تدخل في تكويننا االجتماعي وفي طريقة تفكيرنrrا،
ألننrrا سrrنكون مضrrطرين السrrتخدام المفrrردات اللغويrrة الrrتي تعطي معrrنى
لألحداث والظاهرات .وفوكو يزعم اننا نعرف ما تسمح به اللغة فقط ألننrrا
قطعا ال نسrrتطيع إدراك او معرفrrة الحقيقة خrrارج اللغrrة ،ال شrrيء يحrrدث
خارج اللغة ،وباختالف الحقب التاريخية واختالف المجتمعات هناك لغات
مختلفrrة ومن ثم حقائق مختلفrrة .هrrذه الخطابrrات تمنحنrrا هويتنrrا وتشrrكل
سلوكنا ،ذلك انهrا تعّرفنrا بأنفسrنا ،وبطريقة الحيrاة الrتي نحياهrا ،كمrا ان
افعالنا تخضع لتأثيراتهrrا المقررة سrrلفا ،وينبغي ان نعلم ،يقول فوكrrو ،ان
الخطابات ال تفرض علينا بالقوة ،او تنكر علينا طريقة حياتنrrا ،وان أدوات
الضبط مثل التربية والتعليم تعزز الخطابات وتدعم كيفية تشrrكيلها لهويتنrrا
وسلوكنا وتعكس سلطة وقوة هذه األجهزة المستمدة من الخطابrrات نفسrrها،
والنتيجة فان هويتنا وسلوكنا يعطي سلطة لجماعات معينة في المجتمع.
ـــــــــــــــــــــــ
171
*الواقع ان فوكو يستخدم مفهوم الخطاب بمعrrنى قrrريب من معrrنى الثقافrrة ،فالخطrrاب بمكوناتrrه اللغويrrة
والتربويrة والسrلطوية هي مكونrات ثقافيrة بلغrة بارسrونز وهي الrتي تمنحنrا هويتنrا وتحrدد لنrا أنمrاط
سلوكنا ،ولو استبدلنا كلمة خطاب بكلمة ثقافة الستقام المعنى أكثر ولكن ال سلطة لنا على الفالسrrفة فيمrrا
يكتبون
وتكون هذه الجماعات حارسا على السلطة الممنوحة لها اجتماعيrrا .وعليrrه
يمكن النظر لتطور خصائص االسرة الحديثrrة عن طريrrق األسrrئلة االتيrrة:
ماهي اشكال المعرفة التي تشكل االسرة الحديثة وتكّrون السrلوك العrائلي؟
ماهي أدوات الضrrبط الrrتي تسrrتخدم لتعزيrrز هrrذه الخطابrrات؟ ثم من الrrذي
يستفيد من تأثيرها وسلطتها في المجتمع يقول بلتون واخrrرين Bilton et
) al (2002ان اإلجابة عن هrrذه األسrrئلة تسrrتلزم تحديrrد معrrنى االسrrرة
الطبيعية Normal Familyالتي تقرها ثقافة المجتمrrع (الخطابrrات بلغrrة
فوكو) في أي وقت ،وكيف تم فرض هذه النسخ العائلية ،ومن المستفيد من
الخطrاب حrول االسrرة الطبيعيrة .في المملكrة المتحrدة يقول بلتrون ،منrذ
الحرب العالميrة الثانيrة ظهrر نrوعين من الخطابrات الrتي عrززت بشrكل
خrrاص هيمنrrة االسrrرة النوويrrة في الحيrrاة االجتماعيrrة ،األول ،ان االسrrرة
أصrrبحت موضrrع تrrدخل الطب والممارسrrات الطبيrrة ،بمعrrنى ان االسrrرة
دستوريا وقانونيا يجب ان تنتظم في تسجيل أعضاؤها لدى طrrبيب االسrrرة
الذي يحتفظ بسrجل مرضrي كامrل ألفrراد االسrرة مrدى الحيrاة .والثrاني،
السياسة العائلية التي تعني الممارسة الدستورية للدولة كجهاز مسؤول عن
بناء الحياة العائلية عن طريق تشريعات مهمتها الحفاظ على شكل ووظيفة
االسرة التقليديrrة ،حيث اسrrتحدثت وكالrrة رعايrrة الطفrrل الrrتي اخrrذت على
عاتقها تقديم العون المادي لألطفال من دون تمييز (كل طفل يولد لrrه مبلrrغ
172
معين) ويزداد المبلغ في حال انفصال االبوين عن بعضهما من اجrrل ان ال
يشعر الطفل بالحرمrrان المrrادي بعrrد االنفصrrال ،ولهrrذا عملت التشrrريعات
على معاملة االسرة وكأنها مازالت وحدة واحrrدة ،ووفقا للتشrrريعات يبقى
الرجل ملزم بأداء دوره التقليدي كممول لألسرة (الحقا حلت الدولrrة محrrل
الزوج في التمويل) ،وتبقى المرأة تمارس دورها التقليدي كأم .في محاولة
إلعrrادة عقارب السrrاعة الى الrrوراء ،بخلقهrrا سياسrrة تقوم على افrrتراض
اسrrتمرارية تقسrrيم العمrrل التقليrrدي بين الجنسrrين حrrتى مrrع اختفrrاء بعض
الوجوه التقليدية للعائلة مثل الزواج.
على اية حال ،نظرية فوكو اهتمت بالخطاب الديني الذي كان يrrؤدي دورا
مهما في استمرارية االسرة تاريخيا ،والسيما في مرحلة ما قبل الصناعة،
حيث كان ينظر للمrrرأة على انهrrا غrrير عقالنيrrة وغrrير قrrادرة على ضrrبط
النفس ،وانهrrا معرضrrة إلغrrواء الشrrيطان وكrrان الهrrدف من نعتهrrا بهrrذه
النعrrوت واتهامهrrا الى جrrانب ذلrrك بالسrrحر والشrrعوذة ،هrrو التحكم بجسrrد
المrrرأة ،الن السrrيطرة على الجسrrد بحسrrب فوكrrو يعrrني تنظيم العالقrrة
الجنسية ،وتنظيم العالقة الجنسية عمليا تعني السيطرة على عالقات المرأة
الجنسrrية وطريقتهrrا في اإلغrrواء والrrتي من شrrأنها ان تضrrعف ديمومrrة
واسrrتمرار االسrrرة بوظائفهrrا التقليديrrة .كمrrا اسrrتخدم فوكrrو فكrrرة المrrرأة
الهستيرية في القرن التاسع عشر دليال على هيمنة الخطاب الطبي في ذلك
الrrوقت ،حيث كrrانت ظrrروف العrrوز تrrدفع المrrرأة ،للبكrrاء ،والصrrراخ،
واالغماء وفقدان السيطرة على المrrزاج .ووفقا لطب القرن التاسrrع عشrrر
فقد كانت هذه "االمراض" حسب تسمية فوكrrو سrrببها معانrrاة النسrrاء غrrير
173
المتزوجrrات والمطلقات ،واالرامrrل ،اللrrواتي كن يبحثن عن عمrrل بrrدل
ممارسrrrتهن حيrrrاة جنسrrrية طبيعيrrrة في زواج مسrrrتقر ،وتطبيقات هrrrذه
االعراض المرضية بحسب الطب آنذاك ان المrrرأة يمكنهrrا ان تعيش حيrrاة
صحية فقط في حال حصولها على حيrrاة عائليrrة تقوم على عالقrrة جنسrrية
طبيعية مع زوج هدفه االستقرار وإنجاب األطفال.
النظرية الماركسية Marxism Theory
احrrدى البrrدائل النظريrrة لتفسrrير االسrrرة هي الrrتي تقدم بهrrا مجموعrrة من
الكّت اب الماركسrrيين في السrrبعينيات من القرن العشrrرين .ولrrبي Walby
) (1986تولى مهمة عrrرض ونقد هrrذا االتجrrاه النظrrري ،يقول ولrrبي ان
االتجrrاه الماركسrrي فسrrر تطrrور االسrrرة في ضrrوء حاجrrات االقتصrrاد
الرأسمالي ،وكانت النقطة المركزية لتفسيراتهم تقول ان النظام الرأسrrمالي
كان يستغل العمل المنزلي المجاني لربات البيوت .العمل المrrنزلي وتربيrrة
األطفال ليست أنشطة عائلية خrrارج عمليrrة االقتصrrاد الرأسrrمالي ،بrrل هي
جزء جوهري من اجزائه ،فالعامrrل الrrذي يكسrrب لقمrrة العيش يسrrتطيع ان
يعمل ساعات طويلة لرب العمل فقط بسبب ان المرأة تقوم بمهمات العمrrل
المنزلي وتربية األطفال ،ولوال ذلك ألعطى العامrrل نصrrف وقتrrه لشrrؤون
المنزل ،واالسرة بدأت في الوقت ذاته انتrrاج عمrrال خrrانعين ،وتعrrزز هrrذا
الخنrوع بrالتعليم .والمسrألة المهمrة هي انrه على الrرغم من أهميrة العمrل
المنزلي لالقتصrrاد الرأسrrمالي فrrان اربrrاب العمrrل ال يrrدفعون غrrير أجrrور
الرجل الذي يعمrrل لكسrrب قrrوت عيالrrه ،ولrrو دفrrع رب العمrrل اجrrورا عن
اعمال النساء المنزلية لتضاعف حجم االجور على رب العمrrل ولكن ذلrrك
174
كrrان سrrيؤدي الى تحسrrين الظrrروف االقتصrrادية للعائلrrة ،كمrrا ان وجrrود
االسرة من شانه ان يخفف التوتر واإلحبrاط واالغrتراب الrذي يعrاني منrه
الرجال بسبب ساعات العمrrل الطويلrrة في االقتصrrاد الرأسrrمالي ،والعمrrال
الذين يشعرون انهم تحت ضغط مستمر من ارباب العمrrل الrrذين يrrدفعونهم
للعمل بقوة وسرعة غالبrrا يشrrعرون بالملrrل من تكrrرار العمrrل في ظrrروف
بالغة السوء ،واالسrrرة تمثrrل متنفس مrrؤقت للهrrروب من تrrوترات العمrrل،
وذلrrك أيضrrا على حسrrاب الزوجrrة واألطفrrال ،لهrrذا فrrان شrrعور العامrrل
باالنسحاق ربما يدفعه لتعكير صفاء االسرة الستعادة الشعور بتقدير الذات
. self-esteemان تراكم االسrrتياء القابrrل لالنفجrrار في العمrrل يتم تجنبrrه
عن طريق صمام األمان الذي توفره االسرة والجهد العاطفي الذي تقوم به
الزوجة .عدد كبير من الزوجات ،على كل حال ،يعملن باجر مدفوع ،ومع
ذلrrك يملكن القدرة على اإلدارة العاطفيrrة لألزواج ،أليمrrانهن ان العمrrل
األساسي للزوجة في االسرة النووية هو رعاية االسرة ،والمرأة العاملة لم
تكن تحصل اال على إجور متدنية ،وارباب العمrل يعrاملونهن على اسrاس
انهن جيش احتيrrاطي يمكن اسrrتخدامهن فقط عنrrد الضrrرورة .واالسrrرة
النوويrrة ،فrrوق ذلrrك ،تrrوفر ألربrrاب العمrrل ايrrدي عاملrrة إضrrافية مفيrrدة
ورخيصة.
هذا التحليل يشبه الى حد كبrrير رؤيrrة االتجrrاه الrrوظيفي الrrذي يفrrترض ان
االسرة النووية تناسب تماما نمط اإلنتاج في االقتصاد الرأسrrمالي ،وينظrrر
للعائلة النووية على انها النموذج المثالي للعائلة ،تماما كمrا يراهrا تrالكوت
175
بارسrrونز .والخالصrrة ان المفكrrرين الماركسrrيين يعتقدون ان ديناميكيrrة
النظام الرأسمالي هي السبب الرئيس في تدني مكانة المرأة.
االتجاه االبوي Patriarchy Approach
هذا االتجاه النظري يتفrق مrrع االتجاهrrات السrrابقة في تركrrيزه على تقسrrيم
العمل المنزلي ،ولكن أصحابه يرفضون االعتقاد بrان ذلrك يعrزى للنظrام
الرأسمالي .ويقولrrون ان تقسrrيم العمrrل المrrنزلي كrrان موجrrودا قبrrل النظrrام
الرأسمالي ،وهو نتيجة قرون من هيمنة الرجrrل على المrrرأة .هrrذا االتجrrاه
الذي تبناه مجموعة من المفكرين الراديكاليين ،يرى ان المشكلة ليسrrت في
النظام الرأسمالي وانما بالنظام البطريركي (االبوي) .ان مصطلح "ابوي"
يستخدم دائمrا لإلشrارة الى هيمنrة الrذكور على االنrاث .واالبويrة بالنسrبة
لهrrؤالء المفكrrرين يعrrني بنrrاء شrrامل لسrrلطة الrrذكور في كrrل المجتمعrrات
البشرية (عدا بعض االستثناءات) وبطرائق مؤسسية او دستورية مختلفrrة.
دلفي ) Delphy (1977تrرى ان هيمنrة الrذكور تعrود الى نمrط اإلنتrاج
العrrائلي ،وليس نمrrط اإلنتrrاج الرأسrrمالي ،وذهبت للتأكيrrد على ان العمrrل
اإلنتrrاجي داخrrل المrrنزل ،ال يختلrrف عن العمrrل في المصrrنع ،فالعمrrل
المrrنزلي ،من وجهrrة نظرهrrا ،هrrو عمrrل منتج كrrأي عمrrل اخrrر ،وضrrمن
أسrrلوب اإلنتrrاج المrrنزلي اسrrتطاع الرجrrل التحكم في توزيrrع األمrrوال
والبضائع داخل االسرة واستخدمها لصالحه .وعن طريrrق الrrزواج اسrrتغل
الرجل عمل المرأة ،واالسرة لهذا أصبحت مؤسسة الستغالل المرأة .دلفي
رفضت بشدة االعتقاد السrائد بrان المrرأة تحمrل نفس الطبقة االجتماعيrة
لزوجها ،وترى انها يجب ان تحمل صrrفة طبقيrrة أخrrرى مrrادامت مسrrتغلة
176
من زوجها .دلبي ) Dalby (1986هي األخرى رفضت فكرة الحسrrابات
الرأسمالية لهيمنة الذكور ،مؤكدة ان هناك هيكلة ابوية لألسرة ،بمعrrنى ان
ابقاء المرأة داخل المنزل وابعادها عن العمل المدفوع الثمن خارج المنزل
هو الذي أفقدها االسrتقاللية وبالتrالي اعتمادهrا اقتصrrاديا على الرجrل هrو
بالضrrبط الrrذي اعطى الرجrrل المكانrrة االرفrrع وتrrرك المrrرأة في المكانrrة
االوطأ .النظام الرأسrrمالي سrrعى إلعطrrاء المrrرأة عمال بrrأجور قليلrrة ،لكن
اتحاد التجار والحكومة هي السبب في منع المرأة من العمrrل المنتج ولrrذلك
لم يكن امامها خيار غير العمل المنزلي .االتجاه االبوي في تفسير االسrrرة
تعرض لنقد شديد ،حيث ذكر بrrولرت ) Pollert (1996ان االدعrاء بrrان
مكانrrة المrrرأة المتدنيrrة كrrانت نتيجrrة قrrرون من هيمنrrة النظrrام االبrrوي
الذكوري ،ليست اال تفسير ضيق األفق ،وللخروج من هrrذا النفrrق الضrrيق
هو عزو الهيمنة الذكوريrrة للحتميrrة البيولوجيrrة ،ذلrrك انrrه إذا كrrان النظrrام
االبوي عاما فال بد ان تكون جrrذوره بيولوجيrrة ،وإذا كrrان النظrrام االبrrوي
عاما فكيف نفسر التغير في العالقrrة بين الجنسrrين؟ وعلى الrrرغم من ذلrrك
فان مفهوم النظام االبوي لعب دورا مهما في جلب االنتباه للهيمنrrة االبويrrة
الذكورية ولكنه لم يصمد طويال ام النقد.
انطفاء االسرة The Decline of the Family
هل فقدت االسرة أهميتها التقليدية بوصrrفها أصrrغر وحrrدة اجتماعيrrة؟ منrrذ
مطلع الستينيات من القرن الماضي تزايد الخوف من تدهور مكانة االسرة
ووظيفتها في المجتمع ،وبالطبع المقصود من ذلك التبrrدل الrrذي طrrرأ على
"القيم العائليrrة" .ثم تزايrrد الخrrوف بعrrد ذلrrك عنrrدما فقدت االسrrرة شrrكلها
177
وتركيبها ودورها االجتماعي التقليدي في عصrrر مrrا بعrrد الحداثrrة .الrrرأي
الراجح الذي يتفق عليه بعض علماء االجتماع يقول ان االسrrرة الزواجيrrة
هي الشكل الطبيعي لألسرة اما االشكال المستحدثة مثل االسرة ذات الوالد
الوحيrrد single-parentفأنهrrا غrrير طبيعيrrة ،واالسrrرة الطبيعيrrة كمrrا
يفترض جوسون ) Jewson (1994هي التي تتمتع بتقسيم عمrrل جنسrrي
Genderيكون فيه االب هو العائل واالم تتrrولى شrrؤون المrrنزل ،كمrrا ان
العالقة الجنسية التي تتم خrrارج الrrزواج هي عالقrrة فاسrrدة ،وان مسrrؤولية
رفاه االسرة تقع على عاتق االسرة وليس الدولة .الزواج وفقا لوجهة نظrrر
جوسون هو محrrور الحيrrاة العائليrrة ،وان ارتفrrاع معrrدالت الطالق مؤشrrر
على انطفاء شrعلة االسrرة ،ولهrذا تعrالت بعض األصrوات لجعrل الطالق
أصعب مما هو عليه االن .ذلك انه حتى في الشرائع السماوية التي اجازت
الطالق فأنها اجازته للضrrرورات القصrrوى وليس ألجrrل التالعب بالحيrrاة
العائليrrة تحت تrrأثير الrrنزوات .كمrrا ان المعاشrrرة الجنسrrية البrrديل الشrrائع
للزواج في الغرب مؤشر اخر على انحدار االسرة ،وهو بحسrrب جوسrrون
غير مقبول البتة .وهrrاجم جوسrrون االسrrرة أحاديrrة الوالrrد قrrائال ان غيrrاب
االب من شأنه ان يضعف سيطرة االسرة على األوالد ويحrرم الrذكور من
النموذج االبوي الذي يقتدى به ،والعrائالت الrتي بال اب تلصrrق بهrا تهمrة
ارتفrrاع معrrدالت الجريمrrة ،والتخلrrف الدراسrrي وعrrدم الرغبrrة في العمrrل
واالعتماد على المعونrrات العائليrrة او على معونrrات الدولrrة .المعترضrrون
على وجهة النظر هذه يقولون ليس االسrرة األحاديrة الوالrد هي المسrؤولة
عن المشكالت وانما الفقر وضrrعف الrrدعم الحكrrومي لهrrا .البعض ال يؤيrrد
178
فكرة انطفاء االسرة كسبب في احداث المشrrكالت بrrل على العكس .بrrرات
ومrrاكنتوش ) Barrett & McIntosh (1991يقولrrون ان قيم االسrrرة
القوية هي السبب ،ذلك الن االسرة هي االلية المركزية الrrتي عن طريقهrrا
تنتقل فكرة الالمسrrاواة من جيrrل ألخrrر عrrبر تrrوارث الrrثروة بين األغنيrrاء
وتوارث العوز بين الفقراء وهذا هو الجانب المظلم للحياة العائلية .االسrrرة
ليست الجئ فر من ضغوط العالم لكي يوضع في سجن ،تعزل فيه المرأة،
وتصادر حريتها ،وتrrترك تحت سrrياط الrrزوج (العنrrف االسrrري) وتrrدفعها
نحو مستشفيات االمراض العقلية .الزواج هrrو الrrذي يخضrrع النسrrاء ماديrrا
وجنسيا للرجال .واالسرة لذلك هي المصدر الرئيس للقمع ضد المrrرأة عن
طريق الزواج وتقسيم العمل المنزلي التقليدي .ومشrrكلة االسrrرة ليس فقط
فيما تفعله للناس ،وانما هي "كمؤسسة متمrrيزة" ال تعطي أيrrة قيمrrة للحيrrاة
خارجهrrا ،وفي ذلrrك يقول ) Barrett & McIntosh (1991:77ان
"النمrrوذج المثrrالي للعائلrrة يجعrrل كrrل شrrيء شrrاحب وغrrير مقنrrع ،وان
المؤسسات غير العائليrة مثrل بيrوت العجrزة ،وريrاض األطفrال ،وبيrوت
رعاية األطفال ،ربمrrا كrrانت أقrrدر من االسrrرة في توفrrير الرعايrrة والبيئrrة
المريحة على الرغم من انها توصف بأوصrrاف سrrيئة ألنهrrا تتعrrارض من
النموذج المثالي للعائلة .وفوق هذا يصبح الناس مثrrل العلب المغّلفrrة داخrrل
االسrrرة ألنهم ليس لrrديهم الrrوقت وال القدرة على تجrrريب مؤسسrrات او
عالقrrات أخrrرى" .هrrذا الهجrrوم الشrrديد اللهجrrة على االسrrرة يجعrrل منهrrا
مؤسسة خانقة .وعلى الرغم من ذلك فrrان هrrذه الرؤيrrة تعمrrل على احrrداث
توازن بين مؤيدي القيم العائلية ومعارضيها.
179
تراجع االسرة النووية Decline of the Nuclear Family
منrrذ منتصrrف القرن العشrrرين أصrrبحت االسrrرة النوويrrة الشrrكل الrrرئيس
للعائلة في المجتمعات الغربية الصناعية ،هذا ال يعrrني ان االسrrرة الممتrrدة
قد فقدت أهميتها نهائيا .االسرة النووية وحrrدة منفصrrلة تقوم على الrrزواج
واألطفال ،وعلى تقسrrيم العمrrل بين الجنسrrين .هrrذا الشrrكل العrrائلي أصrrبح
مهيمنا أيديولوجيا ،وتم تنصيبها نموذجا مثاليا للعائلة الحديثة بالمقارنة مrrع
االشكال األخرى للعائلة .وفي مطلع السrrتينات من القرن الماضrrي أصrrبح
هذا الشكل النموذجي للعائلة مشلوال لألسباب االتية:
ـ مؤسسrrة الrrزواج واجهت تحrrديا جrrديا بسrrبب التسrrاهل في العالقrrات
الجنسية ،وارتفعت نتيجة لذلك معدالت الطالق.
ـ االنفصrrال ،والطالق والrrزواج ،أدت الى نشrrوء االسrrرة أحاديrrة الوالrrد
Single-parentوإعادة هيكلة معقدة للبناء العائلي.
ـ تقسيم العمrل المrنزلي تعطrل العمrل بrه بتrأثير النشrاط النسrوي ودخrول
المرأة الواسع لسوق العمل.
ـ وعي المrrرأة المتزايrrد بالجrrانب المظلم للحيrrاة العائليrrة ومrrا يصrrاحبه من
تعنيف للنساء وسوء معاملتهن
ـ حصrrول المrrرأة على سrrكن مسrrتقل ،الى جrrانب التغrrيرات االجتماعيrrة
األخرى أدى الى ضمور االسرة النووية.
هذه األسباب مجتمعة قسمت علماء االجتماع بين مؤيrrد ومعrrارض ،فمنهم
من يرى ان القيم العائلية تدافع عن نفسها إزاء التغيرات التي تحدث والتي
180
تسببت في تقويض االسرة النووية ،ومنهم من يدفع باتجrrاه قبrrول االشrrكال
الجديدة للعائلة بوصفها مرحلة من مراحل التطور االجتماعي.
الثورة الجنسية Sexual Revolution
على الرغم من ان الثورة الجنسية لها بدايات غير معلنة قبل وبعد الحربين
العالميتين اال انهrrا اخrrذت شrrكال صrrريحا وتمrrردا في مطلrrع السrrتينات من
القرن الماضي .ويكس ) Weeks (1991اعتبر الثورة الجنسية من نتائج
الحrrرب في المجتمrrع الرأسrrمالي وتأثيراتهrrا على الطبقة العاملrrة بشrrكل
خاص .فالنمو االقتصادي بعد الحrrرب العالميrrة الثانيrrة تأسrrس على قاعrrدة
االسrrتهالك الواسrrع الrrذي تrrاجر بكrrل أوجrrه الحيrrاة وانتهى بكسrrر العزلrrة
االجتماعية للطبقة العاملة .الحواجز االجتماعية انهارت ،واالتجاهات نحو
السلوك الجنسي تغيرت ،وتحولت القيم البرجوازية التقليدية لنكران الrrذات
واالنفاق المحسوب بدقة الى إنفاق مفتrrوح .هrrذه التوجهrrات في البحث عن
المتعrrة انrrزلقت نحrrو السrrلوك الجنسrrي ،وصrrارت االثrrارة الجنسrrية في
اإلعالن احدى وسائل التسويق التجrrاري والجنسrrي في ان واحrrد .واعتrrبر
ويكس Weeksممارسة المرآة للجنس بشكل أكrrثر وضrrوحا ،هrrو السrrبب
في تحول الممارسة الجنسية الى وسيلة من وسائل االمتاع واالستمتاع بدل
وظيفتها التقليديrrة في إنجrrاب األطفrrال ،وبحسrrب ويكس فrrان المrrرأة بrrاتت
تدرك حاجتهrrا الجنسrrية أكrrثر من أي وقت مضrrى ،وتمارسrrها علنrrا بrrدون
خوف او تrrردد او شrrعور بالrrذنب بتشrrجيع ومباركrrة العقليrrة التجاريrrة .ان
تأكيrrد ويكس على "إدراك المrrرأة لحاجتهrrا الجنسrrية" لم يrrرق للمنظمrrات
النسوية والمدافعين عن تحرير المرأة ،اذ اعتبروا ذلك ليس تحريرا للمرأة
181
وانما استعبادها بطريقة جديدة ،بجعل الجنس سلعة تعرض للبيع والشراء.
لذا فان الثورة الجنسية قد تورطت في استغالل المرأة جنسrrيا ،واخضrrعتها
لعالقrrات غrrير محrrدودة مrrع رجrrال ال على التعrrيين لدرجrrة انهrrا في حالrrة
الحمل ال تدري ألي من الرجrrال الrrذين عاشrrرتهم يمكن ان ينسrrب الوليrrد.
الثrrورة الجنسrrية غrrيرت االتجاهrrات نحrrو الجنس من غrrير زواج وليس
الخيانة الزوجية .بمعنى ان المرأة يمكنها الrrدخول في معاشrrرة جنسrrية من
دون زواج شrrرعي .فrrاذا تrrزوجت فمن غrrير المقبrrول اخالقيrrا ممارسrrة
الجنس خارج عش الزوجية ،هذا طبعا ال يعني ان ممارسة الجنس خrrارج
الrrزواج (الخيانrrة) ليس مألوفrrا ،ففي دراسrrة عن المrrتزوجين في إنكلrrترا
وامريكا وجدت انيتا الوسون ) Annette Lawson (1988ان ربع الى
نصrrف المتزوجrات وعلى األقrrل نصrrف المrتزوجين من الrذكور مارسrوا
الخيانrrة الزوجيrrة مrrرة واحrrدة او أكrrثر .وعلى كrrل حrrال أصrrبح االتصrrال
الجنسي جزءا مكمال للعالقة مع الذكور خارج مؤسسة الزواج .وفوق هذا
فان الثورة الجنسية لم تغrrير االتجاهrrات نحrrو الجنس من دون زواج فقط،
وانما مع الزواج أيضا .العالقة الجنسية في الrrزواج مهمrrة جrrدا السrrتمرار
الزواج ،فrrان لم تكن قائمrrة على االشrrباع واالمتrrاع واالقتنrrاع فإنهrrا غالبrrا
تؤول الى التباعد واالنفصال ،لهrذا فrrان الrزواج نفسrه تغrير بفعrل الثrورة
الجنسrrية .وصrrورة الrrزواج هنrrا يمكن النظrrر اليهrrا بوصrrفها اسrrتمرارية
للتطور من األساس االقتصادي الى االساس العاطفي.
وبينمrrا أصrrبحت العالقrrة الجنسrrية بين االنrrاث والrrذكور Heterosexual
غrrير المrrتزوجين شrrيئا مقبrrوال وشrrائعا ،فrrان ذلrrك ال ينطبrrق على العالقrrة
182
الجنسية المثلية Homosexualوهناك ،على كل حال ،تغيرات مهمrة في
االتجاهات نحو الجنسية المثلية ،فبعrrد ان كrrانت مسrrتهجنة وغrrير مسrrموح
بها صارت اليوم مسموح بها وبكفالة القانون .الرأي العام مازال ينظر لها
بمنظار أدنى ولكنها تحت حماية القانون وتمتلrrك شrrرعية مماثلrrة لشrrرعية
الrrزواج االعتيrrادي بين رجrrل وامrrرأة .ويكس يrrزعم ان شrrرعنة الجنسrrية
المثليrrة هي اسrrتفزاز لألخالق ،كمrrا ان الجنسrrية المثليrrة ليسrrت فقط ضrrد
العالقة الجنسية الطبيعة ،وليست فقط ضد الشرائع السماوية ولكنهrrا سrrبب
لبعض االمrrراض المستعصrrية مثrrل االيrrدز .AIDSالقصrrة االتيrrة الrrتي
يرويها ) Fulcher & Scott (1999قد تثير اشمئزاز القارئ العrrربي
ألنها تتعارض كليrrا مrrع الrrدين والتقاليrrد واالعrراف المألوفrrة في مجتمعنrrا
نذكرها فقط لمعرفة اتجاهات التطور في المجتمعات الرأسمالية.
"اثنان من الذكور المثليين المعوقين أعلن==وا ع==زمهم على الحص==ول على
طف===ل ألنفس===هم ،على ال===رغم من اع===تراض األطب===اء ،واالخص===ائيين
االجتماعيين ومدراء الصحة ،روسل كولن 39سنة ،وزوجه س==تيفن 32
سنة ،يبحث==ون عن زوج من االن=اث المثلي==ات لكي يتم التنس==يق معهم من
اجل الحصول على طفل عن طريق االخصاب الخارجي ،لكن قسم الخدمة
االجتماعية المحلي رفض الفكرة .وكان كولن وزوجه قد تزوجا منذ ع==ام
في احتفال باركه قس من الكنيسة بعد عالق==ة دامت عش==ر س==نين .وعّب ر
ك==ولن لص==حيفة independentاللندني==ة عن رغبت==ه الملح==ة للحص==ول
على طفل بقوله ان الحصول على طفل يساوي عندي أفض==ل من ان اربح
عشرة ماليين جني==ه إس==ترليني في اليانص==يب ،نس==تطيع ان نمنح==ه الحب
والرعاية ال=تي يمكن ان يحص=ل عليه=ا في عائل=ة زواجي=ة طبيعي=ة .نحن
تزوجنا تحت رعاية هللا ،ول==دينا ش==هادة زواج رس==مية ،وزواجن==ا باركت==ه
الكنيسة ،ولنا الحق في الحصول على طفل .وأخيرا تق=دم الزوج=ان بطلب
183
لقسم الخدمة االجتماعية في مدينة مانشس=تر لتب=ني طف=ل ،ولكن طلبهم=ا
تم رفضه".
على الرغم من شرعية الزواج المثلي اال انrه غrير مقبrول اجتماعيrا ومrا
زال النrrاس ينظrrرون للمثلrrيين على انهم تهديrrد للقيم واألخالق وللسrrلوك
البشري السوي ولذلك اغلبهم ال يفصحون عن هويتهم المثليrة في األمrاكن
العامة ولكنهم يفعلون في نوادي خاصة بهم ال يدخلها االسوياء.
الزواج والمعاشرة Marriage & Cohabitation
التساهل الذي حصل في الستينات ،كان ينظر لrrه على انrrه تهديrrد لمؤسسrrة
الrrزواج ،والواقrrع ان الrrزواج بrrدأ يتنrrاقص بشrrكل ملفت للنظrrر .احصrrائيا
الزواج يتقلص سنة بعد سنة منذ الستينات حتى اليrrوم .أكrrثر من %60من
اإلنكلrrيز خrrارج مؤسسrrة الrrزواج في عrrام 2016والسrrبب ان الغالبيrrة
يتعاشrrrrرون معاشrrrrرة األزواج وينجبrrrrون أطفrrrrاال ولكن بrrrrدون زواج.
والمعاشرة تأخذ عدة اشكال:
184
المعاشرة بديال للزواج أصبحت مستقرة في اغلب دول اوربا السيما
الدول االسكندنافية واخص األخص منها السويد التي تسود فيهrrا المعاشrrرة
أكثر من أي بلد اخر في العالم ،لدرجة انrrه أصrrبح شrrكال مؤسسrrيا مشrrابها
للrrزواج .وعلى
الزواج المسيحي التقليدي الذي بدأ ينقرض
المسيحي التقليدي الذي بدأ ينقرضالrrrrرغم من تزايrrrrد
ينقرض
ينقرض الزواج
بدأ بدأ الذي
الذي المسيحي 4
التقليدي
التقليدي المسيحي 13 2
الزواج
الزواج
185
دراسrrة مسrrحية حديثrrة ،يضrrيف ايليrrوت ،وجrrدت ان الشrrباب البريطrrاني
مازالوا يفكرون بالزواج الrدائم مrع توقrrع اإلخالص الجنسrي ،فrrالتغير في
ممارسة الزواج يجب ان ال يفسر على انه انهيار الزواج بوصفه مؤسسة.
الطالق والزواج للمرة الثانية Divorce & remarriage
في الوقت الذي ال يزال الناس يرغبون بالزواج ،فان معrrدالت الطالق في
تزايد مستمر ،ليس في اوربا فقط وانمrrا في المجتمrrع العrrربي أيضrrا ،على
الرغم من صرامة الضوابط الدينية واالجتماعية ،فهل يعطي هذا االرتفاع
في معدالت الطالق مؤشرا على تدهور مؤسسة الزواج؟
الواقع ان التقارير اإلحصائية تشير الى ارتفاع مخيف في معدالت الطالق
في الدول العربية ،ففي المغرب أشار تقرير وزارة العدل الى حدوث اكثر
من 100الف حالة طالق في عام 2017وفي األردن ذكر تقريrrر قاضrrي
القضاة عن حدوث 60حالة طالق يوميا في 2018وهي اكثر من ضعف
الحrrاالت في العrrام الrrذي سrrبقه ،وفي الجزائrrر ذكrrر الrrديوان الوطrrني
لإلحصrrاء عن حrrدوث اكrrثر من 62الrrف حالrrة طالق في العrrام 2015
يضrاف لهrا %4عrام ،2016وفي العrراق أشrار تقريrر لمجلس القضrاء
األعلى عن حدوث اكثر من 70الف حالrrة طالق في العrrام 2017امrrا في
مصر فقد بلغت األرقام معدالت مخيفة بلغت 250حالة يوميا أي ما يزيrrد
عن 90الف حالة سنويا في عام 2015كما ذكرت صحيفة اليوم السrrابع
في عدد الخامس من سبتمبر ،وفي السعودية اشارت صحيفة عكاظ الى ان
اكثر من %40من الزواجات انتهت بالطالق ،وبلغ معدل الطالق في عام
2018الى اكثر من 53الrrف حالrrة طالق .ومعrrدالت الطالق في الكrrويت
186
بلغت %62من مجمrrوع الزواجrrات في عrrام 2018وهي اعلى من نسrrبة
الطالق في بريطانيا على قلة حاالت الrrزواج والrrتي بلغت أكrrثر بقليrrل من
%51من مجموع الزواجات في العام 2016وهذا يؤكد ان نسrrب الطالق
تتزايد عالميا وإنهrا تعrد مؤشrرا على تrدهور مؤسسrة الrزواج ذلrك ألنهrا
اصبحت اقل استقرارا وأكثر عرضة للتشrrظي .وفي كrrل حrrال هنrrاك على
االقل سrrببين لهrrذا التrrدهور .أوال :معrrدالت الطالق ال تعكس فقط ضrrعف
العالقة الزواجية وانمrrا سrrهولة الحصrrول على االنفصrrال .وثانيrrا :ارتفrrاع
معدالت الزواج للمرة الثانية بعد الطالق (طبعا الزواج الثrrاني في الغrrرب
أسهل منه لrدينا بسrبب ان المطلقة لrديهم ال توصrم اجتماعيrا ،ولكن لrدينا
تبقى الوصrrمة االجتماعيrrة مالزمrrة لهrrا مrrدى الحيrrاة فتضrrعف معrrدالت
الزواج للمرة الثانية لدى النساء خاصة اما الرجال فبمقدورهم الزواج مرة
أخرى ومرات).
ان الحصrrول على االنفصrrال في مجتمعنrrا العrrربي يحrrدث بسrrبب سrrهولة
اإلجراءات وااللتزامات الالحقة ،وإذا كانت االسرة الزواجية غrrير سrrعيدة
فان أحد الطرفين او كالهما يسعى للخالص بrrاي ثمن ،وغالبrrا يقع العبء
على الزوجrrة الrrتي تسrrعى لنيrrل حريتهrrا بتنازلهrrا عن كامrrل او جrrزء من
حقوقها ،او تبقى حبيسة البيت ،والمحاكم التي تتباطأ في إجراءاتها لفترات
قد تطول لسنين .وبينما يذهب الرجل ليتزوج مرة أخrrرى ويؤسrrس عائلrrة
جديدة تبقى المرأة موضع اتهام ويتعrrذر عليهrrا الحصrrول على زوج جديrrد
السيما إذا كان لديها أطفال من زواجها األول .وإذا لم تكن قد دخلت سrrوق
العمل فإنها ستعيش على النفقة التي ال تكrrاد تسrrد تكrrاليف المعيشrrة ويتعين
187
عليها اما ان تبحث عن عمل او تتعايش مع الفقر والعوز او تدفع بأوالدهrrا
الى العمل فيتخلفوا دراسيا ،وربما يتحول بعضrrهم الى مجrrرمين ،ذلrrك ان
بيئة الحرمان تشجع على االنحراف والجريمة في ظل غيrrاب سrrلطة االب
وتراخي سلطة الدولة.
االبوين والطفولة Parents and Childhood
القيم العائلية تعrrد الrrزواج مصrrدرا أساسrrيا لألبrrوة واألمومrrة ،وان وجrrود
االبوين معا في االسرة هو الطريق الوحيد الصحيح لتربيrrة األطفrrال وفrrق
قيم االسرة النموذجية .وبما ان الزواج أصبح معرضrrا النفعrrاالت االبrrوين
وامزجتهم فانه لم يعد الحاضن الموعود للطفولة .والطفولة نفسها أصبحت
موضع تساؤل ،لألسباب االتية:
-تزايrrد عrrدد األزواج الrrذين ال يرغبrrون في الحصrrول على أطفrrال (هrrذا
سبب ال ينطبق على مجتمعنا العربي الrrذي يسrrعى فيrrه األزواج للحصrrول
على طفل باي ثمن ،ولكن المتعلمون منهم يعملون على تحديد النسل بطفل
واحد او طفلين)
-األطفال الذين يولدون خارج مؤسسrrة الrrزواج أكrrثر منهم داخلهrrا (وهrrذا
السبب ال ينطبrrق أيضrrا على المجتمrrع العrrربي بسrrبب ان أي والدة خrrارج
مؤسسة الزواج تعد غير شرعية ويوصrrم الطفrrل بمجهوليrrة النسrrب وهrrذه
عقوبة قاسية جدا ألي طفل .هذه الوصمة تبقى مصدر عذاب للطفل ترافقه
طول حياته ،ولكن ذلك ال يعني -عrrدم وجrrود والدات من دون زواج وان
كانت نسبتها ال تقارن مع ما يحدث في الغرب .في الغرب ال يوصم الطفل
باي وصمة من هذا النوع الن ثقافة المجتمع ال تعد العالقة الجنسية خrrارج
188
الزواج عالقة زنا بل بالعكس الفتاة التي ليست لها عالقrrات جنسrrية سrrابقة
تعد ساذجة وشاذة وال يقترب منها أحد في زواج او غيره.
ارتفاع معدالت االنفصrrال او الطالق يبعrrد األطفrrال عن حضrrانة ورعايrrة
أحrrد االبrrوين او كالهمrrا .والقصrrة االتيrrة الrrتي يرويهrrا فلجrrر وسrrكوت
) Fulcher & Scott (1999:380في كتابهمrrrrا علم االجتمrrrrاع
Sociologyتلخص حياة اغلب نساء الطبقة الوسطى ودون الوسrrطى في
المجتمع الغربي:
في الس==ابعة عش==رة من عمره==ا ب==دأت ش==ارون Sharonاول عالق==ة
جنسية ،وقبل التاسعة عشرة كان لها عالقات جنسية عدي==دة من دون أي
التزامات او تعهدات عائلية ،في هذا الوقت كانت ماتزال تعيش في م==نزل
ابويها .في التاسعة عشرة استأجرت ش==قة م==ع ص==ديقاتها ،ثم انتقلت الى
سكن مستقل مع صديقها سيمون Simonال==ذي ك==انت ق==د تع==رفت علي==ه
حديثا .شارون صار له==ا طف==ل ،فتخلت عن وظيفته==ا الص==باحية ،واخ==ذت
تعمل في المساء تمأل الرف==وف في أح==د المت==اجر .في الحادي==ة والعش==رين
انفصلت عن صديقها وعادت لتعيش مع ابويها مع طفلها بش==كل م==ؤقت،
فوج==دت ان الحي==اة م==ع ابويه==ا غ==ير مقنع==ة ،ولكن الحص==ول على س==كن
مستقل لم يكن ممكنا في ظروفها ،وأثر مشادة كالمي=ة م=ع ابويه=ا ت=ركت
شارون بيت ابويها واعتبرها قسم الشؤون المنزلي=ة في المجلس البل=دي
المحلي مشردة فوفروا له==ا س==كنا مؤقت==ا من غرف=ة واح==دة ومطبخ ،وفي
ه===ذا ال===وقت ك===ان مورده===ا الوحي===د المعون===ات الحكومي===ة “Income
”Supportفي سن الثالثة والعشرين بدأت ش==ارون عالق==ة جدي==دة م==ع
وليم ،Williamالذي كان مطلقا من س==نتين ولدي==ه طفلين يعيش==ان م==ع
طليقته .شارون ووليم قررا العيش مع بعضهما .ام شارون كانت في هذا
ال==وقت ق==د احيلت على المع==اش فتعه==دت برعاي==ة ابن ش==ارون .فع==ادت
شارون الى الوظيفة بدوام جزئي Part-time Jobسكرتيرة في شركة
189
ت==امين ،وفي ه==ذا ال==وقت اس==تطاعت م==ع وليم الحص==ول على ق==رض من
البنك لشراء منزل .في سن الخامسة والعشرين تزوجا ،وانجبت ش==ارون
طفلين اخرين فقررت التخلي عن العمل مؤقتا .في سن الحادية والثالثين
انفص==لت ش==ارون عن وليم .في س==ن الثاني==ة والثالثين وبع==د مح==اوالت
تصالح ناجحة قررا االنفصال عن تراٍض .البيت تم بيع=ه واخ=ذ ك=ل واح=د
منهم حصته وعادت شارون لتستأجر سكنا مع أوالده==ا الثالث==ة .في س==ن
الرابعة والثالثين تعرفت ش=ارون على م=ارك Markال=ذي انتق=ل أخ=يرا
الى بيت شارون لكي يعيش معها .في سن األربعين ت==زوجت ش==ارون من
مارك .في سن الثانية والستين مات مارك فأصبحت شارون ارملة.
هrذه القصrة ليسrت من نسrج الخيrال ،عrدد مخيrف من النسrاء في الغrرب
يعشن قصصا مماثلrة مrع اختالف بسrيط في التفاصrيل ،ونسrتدل منهrا ان
الحرية الجنسية ليست النموذج األمثل لحيrrاة مليئrrة بrrالتحوالت ،واألطفrrال
يدفعون ثمنا باهظا ،ذلك ان العيش مع زوج االم او صديقها ،او مع زوجة
االب او صديقته ،يعرض األطفال لخبرات نفسية صعبة للغايrrة اقلهrrا عrrدم
الشعور باألمان وأكثرها قسوة عندما يرى الطفل رجال غريبا ينام مع امrrه
في فراش واحد وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره بعد .وقد انتجت الحرية
الجنسية والمعاشرة بدون زواج امراضا وعلال نفسية وعقلية ال حصر لها
كمrrا انتجت مrrا يسrrمى "االسrrرة أحاديrrة الوالrrد" الrrتي حلت محrrل االسrrرة
النووية.
االسرة أحادية الوالد Single-Parent Family
في بريطانيrrا يقول بrrراون ) Brown (1986ان نسrrبة العrrائالت احاديrrة
الوالد التي لديها أطفrrال دون سrrن البلrrوغ تضrrاعفت ثالثrrة اضrrعاف خالل
عشرين سنة ( ،)1990-1970وان سبب وجود االسرة أحادية الوالد يعود
190
الى إنجاب األطفال خارج الزواج ،او بسبب الطالق .ان نسrrبة المولrrودين
خrrارج مؤسسrrة الrrزواج ارتفrrع من %5في عrrام 1961الى %33عrrام
،1995وفي فرنسrrrا والواليrrrات المتحrrrدة األرقrrrام مقاربrrrة ،امrrrا الrrrدول
االسكندنافية فالنسبة اعلى من ذلك بكثير .عrrدد من هrrؤالء األطفrrال ولrrدوا
في عائالت فيها االبوان معا ،قد يكون بعضم ولد نتيجة معاشرة وهي اقrrل
اسrrتقرارا من االسrrرة الزواجيrrة ولكن وجrrود االبrrوين حrrتى وان لم يكونrrا
مrrتزوجين أفضrrل من وجrrود أحrrدهم وغيrrاب االخrrر .االنفصrrال والطالق
سبب اخر يقود الى نشوء االسرة أحادية الوالد .في عالمنا العrrربي اسrrباب
وجود االسرة أحادية الوالد يختلف نوعيا عنه في بريطانيا والدول الغربيrrة
عامة ،ذلك ان مجتمعنا ال يسمح دينيrrا وال ثقافيrrا بالمعاشrrرة ،ولrrذلك يمكن
اسrrتبعاد هrrذا العامrrل تمامrrا في تكrrوين االسrrرة أحاديrrة الوالrrد ،بقي عامrrل
الطالق وهو عامل مهم للغاية ويترتب عليrه دخrول األطفrال في تجاذبrات
غrrrير محسrrrوبة النتrrrائج بين االبrrrوين تعمrrrل على تحطيم البنrrrاء النفسrrrي
واالجتماعي لألطفال .ولrدينا عامrل اخrر غrير موجrود في الغrرب ،وهrو
غياب االب بrrالموت اثنrrاء الحrrروب العبثيrrة الrrتي عشrrناها وبطش الحكrrام
للمعارضين الى جrانب االعمrال اإلرهابيrة الrتي حصrrدت مجتمعrة مئrات
االالف وربمrrا الماليين من الشrrباب الrrذين تركrrوا خلفهم أطفrrاال تعrrولهم
امهاتهم االرامل .والعوائل احادية الوالد التي سببتها الحروب اقل كلفrة من
عوائل الطالق بالنسبة لألطفال ،ذلك ان تخريب الروح المعنويrrة لألطفrrال
ليس سrrببها غيrrاب االب على أهميتrrه ولكن بسrrبب الصrrراع والتنrrاحر بين
االبوين قبل الطالق واثنائه كما يقول روجر )Rodger (1996
191
العنف االسري وسوء التعامل Domestic Violence and Abuse
الشكل المسrrتقر للعائلrrة النوويrrة أصrrبح موضrrع تسrrاؤل ،ليس فقط بسrrبب
تقسيم العمل المrrنزلي وثبrrات األدوار الجنسrrية الrrتي تعرضrrت لالخrrتزال،
وانما أيضا بسبب الrrوعي المتنrrامي لمrrا يسrrمى "الجrrانب المظلم للعائلrrة".
فالمنزل العائلي ليس مكانا للراحة والمشrrاعر الحميمrrة فقط ،ولكنrrه أيضrrا
مكrrان للعنrrف الجسrrدي واالعتrrداء الجنسrrي .والعنrrف االسrrري واالعتrrداء
الجنسي يمكن عزوه الى:
-تغيرات في السلوك :السلوك المتوقrrع ،وسrrلوك االهتمrrام بالشrrريك الrrذي
يسrrبق المعاشrrرة او الrrزواج معّrrرض للتغrrير بسrrبب الشrrعور بrrاالمتالك
واكتشاف معايب الشريك
-إعrrادة تعريrrف السrrلوك :بمعrrنى ان السrrلوك الrrذي كrrان مقبrrوال او الrrذي
يصنف بشكل بسيط على انه أقرب لالنحراف ويتم التغاضي عنه في بداية
العالقة ،يصبح غير مقبول ومثيرا لالشمئزاز ،مثل معاقبة األطفال جسديا
او لفظيا ،ومثل االتصال الجنسي الذي يشبه االغتصاب.
-تنامي الوعي :السلوك غير المقبول الذي كrrان مسrrتورا بrrدأ يظهrrر للعلن
بشكل واضح .اغلب ما يحدث داخل المنrrازل ال يعرفrrه أحrrد ،ولكن بسrrبب
تزايrrد الrrوعي بrrدأ المسrrتور يتكشrrف والسrrكوت عليrrه بrrدافع الحفrrاظ على
التماسrrك االسrrري لم يعrrد مناسrrبا .وألجrrل ذلrrك تrrولت مؤسسrrات بحثيrrة
وأجهزة حماية المعّنفين مسؤولية الكشف عن الجانب غير المرئي للعائلة.
االعتداء على األطفال Child Abuse
192
مشrrكالت االنفصrrال تغrrيرت وتغrrيرت معهrrا اتجاهrrات النrrاس نحrrو ابالغ
السلطات عن االعتداء الجسدي واالعتrداء الجنسrي على األطفrال ،العنrف
الجسدي ليس جديدا ،فالعقوبة البدنية كانت تمارس منذ زمن طويrrل شrrكال
من اشrrكال التrrأديب الصrrارم للحفrrاظ على النظrrام االجتمrrاعي ،ولكن منrrذ
السrrبعينات بعrrد اكتشrrاف حrrاالت عنrrف شrrديدة القسrrوة يمارسrrها ازواج
األمهrrات او زوجrrات اإلبrrاء والrrتي سrrميت "متالزمrrة الطفrrل المعنrrف"
Battered-baby syndromeظهrrرت للعلن بعrrد حادثrrة وفrrاة الطفلrrة
ماريا كالويrrل على يrrد زوج أمهrrا عrrام .1973ومنrrذ ذلrrك التrrاريخ اعتrrبر
االعتداء على الطفل مشكلة اجتماعية .والواقع ان العمل المهrrني للمؤسسrrة
الطبية ومؤسسة العناية بالطفل اّد يrrا دورا مهمrrا في جلب مشrrكلة االعتrrداء
على األطفال الى دائrrرة الضrrوء .ثم ازدادت معrrدالت اإلبالغ عن حrrاالت
ايذاء األطفال بدنيا ازديادا ملحوظا في بريطانيا بعد حادثة كالويrrل ،وتبنت
وسائل االعالم حملة واسعة ضد تعنيف األطفال مشيرة الى حاالت كثrrيرة
مشابهة لحالة كالويل .اكتشrrاف االيrrذاء البrrدني سrrرعان مrrا تبعrrه اكتشrrاف
االعتداء الجنسي على األطفrال ،في الواليrrات المتحrrدة االمريكيrrة اكتشrrف
في السrrrبعينيات وفي بريطانيrrrا في الثمانينيrrrات من القرن الماضrrrي .في
بريطانيrrا تبrrنى األخصrrائيون االجتمrrاعيون تقنيrrة طبيrrة جديrrدة لتشrrخيص
االعتداء على األطفrrال ،وكrrانت تقنيrrة فعالrrة أدت الى سrrحب األطفrrال من
العوائل المتهمة بإيذاء األطفrrال ونقلهم الى أمrrاكن خاصrrة إلعrrادة تrrأهيلهم
وتوفrrير بيئrة امنrة لهم .وعلى اثrر نrزاع بين الشrرطة من جهrة واألطبrاء
واالخصائيين االجتماعيين حول التقنيrrة الطبيrrة لتشrrخيص المعتrrدى عليهم
193
من األطفال ،رفضت الشرطة التقنية الجديدة متهمة األطباء واالخصrrائيين
االجتمrrاعيين بالتعسrrف في سrrحب األطفrrال من عrrائالتهم ورفضrrوا تنفيrrذ
األوامر ،فيما اتهم االخصائيون االجتماعيون الشرطة بانهrrا تمثrrل السrrلطة
االبويrrrة الغاشrrrمة ،ووقفت الصrrrحافة الى جrrrانب الشrrrرطة ،فتعrrrرض
األخصائيون االجتماعيون لألحراج الشديد بسبب هجوم الشrrرطة ورجrrال
السياسrrة والصrrحافة ،واسrrهم عrrدم استسrrالم االخصrrائيين االجتمrrاعيين
لهجمات المنrrاوئين الى بنrrاء قاعrدة بيروقراطيrrة متينrrة للعمrrل االجتمrrاعي
تعتمrrد على إجrrراءات وقواعrrد دفاعيrrة تقوم على الشrrواهد الملموسrrة
والتصوير بالفيrديو لتجنب االنتقادات ،ثم اثمrرت مجهrوداتهم عن تشrريع
قوانين وأنظمة لحماية الطفولة,Gittins (1993), Rodger (1996).
بدائل االسرة Alternatives to the Family
االسرة النووية في المجتمع الغربي اليوم أكrrثر عزلrrة من أي وقت مضrrى
في التاريخ ،ووحدة االسرة الممتدة أصبحت ذكرى من ذكريات الماضrrي،
والنسيج المغلق للمجتمع المحلي يتجrه نحrو التفكrك ،وهrذا الوضrع يجعrل
االسرة النووية تعاني من ضrrغوط شrrديدة ،وان شrrكال بrrديال لبنrrاء االسrrرة
النووية التقليدية أصبح ضروريا .هrاراالمبوس واخrرين Haralambos
) et al (1991تبنوا الفكرة التي تقول ان السيكولوجيين واألطباء ومدراء
المدارس والموظفين الحكوميين يقدمون دعاية رخيصة عن فضائل الحياة
العائلية ،واغلبنا أيضا ربما يعتقد ان االسرة هي مؤسسrrة شrrاملة لهrrا جrrذر
في كrrل المجتمعrrات البشrrرية ،او أصrrغر وحrrدة أساسrrية للمجتمrrع المنظم.
ولكنها ليست كذلك ،الكائنات البشرية من وقت آلخر استطاعت ان تخترع
194
اشrكال مختلفrة للحيrاة المنزليrة ،وعلينrا ان نخrترع المزيrد في المسrتقبل،
العrrائالت الصrrغيرة مرتبطrrة بالعrrالم الخrrارجي بطرائrrق عديrrدة مختلفrrة،
والعالقrrات الخارجيrrة لألسrrرة يمكن ان تقوم على أي شrrكل من اشrrكال
المصالح المشتركة ،السياسrrة ،الرياضrrة ،أوقrrات الفrrراغ ،أنشrrطة من كrrل
نوع ،ولكن كقاعدة ،فان الرابط األقrrوى هم األقrrارب ،الجrrيران ،أصrrحاب
المهنrrة الواحrrدة ،وهrrذه األنrrواع هي األكrrثر أهميrrة اليrrوم في كrrل مفاصrrل
المجتمع الحديث .مالكي المنازل في أي شارع ال يعملrrون جميعrrا في نفس
المهنrrة وليسrrوا جميعrrا مrrرتبطين قرابيrrا ،هrrذه االختالفrrات تعكس تمامrrا
التغrrيرات العظيمrrة في المجتمrrع ،وهي بشrrكل رئيسrrي نتيجrrة للتطrrور
االقتصادي عبر الخمسين سنة الماضية .في الماضي وصrrوال الى الحrرب
العالميrrة األولى ،كrrان الجrrزء األكrrبر من السrrكان في المrrدن او األريrrاف
مستقرون في سكن دائم .التنوع المهني المتاح للطبقة العاملة كrان محrدودا
جدا ،وحتى الهجرة من الريف الى المدينة وبين المدن كrrانت تحrrدث ببطء
لغياب المحفزات .اما اليوم فrrان الشrrباب يتنقلrrون من مكrrان الى اخrrر على
عجل من اجل الكسب األكثر واالسرع .هذا التغير كان له نتrrائج جوهريrrة
على البناء األساسي للمجتمع .في األيام الخالية كانت الروابط مع االقربrrاء
والجيران وزمالء المهنة تميل الى التطابق ،فاغلب النrrاس كrrانوا يقضrrون
حيrrاتهم كلهrrا قريبrrا من المكrrان الrrذي ولrrدوا فيrrه لهrrذا كrrانوا على الrrدوام
محrrاطين باألهrrل واألصrrدقاء ،وفrrوق هrrذا فrrان الrrزواج كrrان يحrrدث بين
العوائل الذين يعرفون بعضهم البعض في محيط الجيرة واالقrrارب ،وكrrان
االهrrل يعطrrون األبنrrاء دعمrrا مسrrتمرا مrrدى الحيrrاة ،ولكن االسrrرة اليrrوم
195
معزولة تماما وتهتم بشrrؤونها فقط وتتخللهrrا تrrوترات عاطفيrrة شrrديدة بين
الزوج والزوجة وبين االبوين واألطفال ،توترات يصعب احتمالها احيانا،
وهrrذا الحrrال بعيrrد كrrل البعrrد عن االعتقاد باننrrا نعيش في مجتمrrع مثrrالي،
فاألسرة بخصوصيتها الضيقة واسرارها التافهة هي مصدر سrrخطنا كلrrه.
نحتاج الى تغrrير قيمي ،لكن ليس واضrrحا ابrrدا كيrrف ينبغي ان يكrrون هrrذا
التغير .التاريخ واألثنوجرافيا تزودنا بأمثلة قليلة عن مجتمعات تكونت بما
يشبه التجمعات السائبة ،الوحدة العائلية فيها أكبر وتقوم على أسس قرابية،
ولكن الجماعrة القرابيrrة تمrrارس وظائفهrrا بشrrكل فعrrال فقط عنrrدما تكrrون
ملتصrrقة ببعضrrها مكانيrrا ،وهrrذا المطلب يتعrrارض مrrع العقائrrد الرئيسrrة
للشركات الرأسمالية الحرة التي ال تمنح أكثر من حرية التنقل من اجل بيع
قوة العمrل في أحسrن األسrواق .مجتمعنrا المعاصrر غrير مrريح عاطفيrا،
االبوان يحتشدون مع أطفالهم في عزلة خانقة تأخذ منهم كل مأخذ .االبوان
في عراك مستمر واألطفال يتمrrردون ألنهم يريrrدون العيش في بيئrrة أكrrبر
حجمrrا ،في جماعrة عائليrrة خاليrrة من التrrوترات العصrrبية تتوسrrط مجتمrrع
محلي يعرف فيrrه النrrاس بعضrrهم ويسrrاندون بعضrrهم مrrدى الحيrrاة ،وليس
داخل زنزانة تكون الحركة فيها محصورة بين االم والمطبخ ،نحتاج شيء
يشبه االكيبوتز Kibbutzاإلسرائيلي او الشعب الصيني ،لكن حشrrر مثrrل
هrrذ ا النمrrوذج في االقتصrrاد الرأسrrمالي لن يكrrون سrrهال على االطالق.
سنعرض نموذج الكيبوتز اإلسرائيلي ليس من باب االيمrrان بانrrه النمrrوذج
المثالي ،على الrrرغم من ان هrrاراالمبوس يعrrده انجح بrrديل للعائلrrة ،ولكن
196
الن اغلب الناس في الrrوطن العrrربي فيمrrا عrrدا المتخصصrrون ال يعرفrrون
تركيب المجتمع اإلسرائيلي.
يقول هrrاراالمبوس ان نظrrام االكيبrrوتز هrrو نظrrام مسrrتوطنات اقتصrrادية
جماعية تعاونية ،يمزج بين االشتراكية والصهيونية وهو تجمع شبه عائلي
ال يستلزم تعاون الزوجين من اجل الحصول على منافع اقتصادية لهمrrا او
لعائلتهمrrا ،انهم يعملrrون من اجrrل المسrrتوطنة (الكيبrrوتز) ككrrل .يشrrكل
الكيبوتز حrrوالي %4من مجمrrوع السrrكان ويعيشrrون في 270مسrrتوطنة
حسب إحصاء ،2010تختلrrف هrrذه المسrrتوطنات في الحجم اذ انهrrا تضrrم
بين 100-2000مسrrrrتوطن اغلبهم يعملrrrrون في الزراعrrrrة مrrrrع بعض
الصrrناعات الخفيفrة ،ملكيrة البنايrات ،والمكrائن واإلنتrاج الrزراعي تعrود
ألعضاء المستوطنة جميعا .البضrrائع مثrrل المالبس واالحذيrrة والخrrدمات،
مثrrل الطبخ وكي المالبس والخrrدمات األخrrرى لهم وألوالدهم تقوم بهrrا
المستوطنة .االسرة تصطبغ بعدد من العوامل األيديولوجيrrة واالقتصrrادية،
السrrيما في بrrداياتها األولى .كrrل االصrrحاء بrrدنيا من البrrالغين يتعين عليهم
اخالء ارضية المكان من اجل إعطاء وقت قليل للعالقات الحميمة بين االم
واطفالهrrrا .أيديولوجيrrrة المسrrrتوطنة تؤكrrrد وتعمrrrل بنظrrrام المسrrrاواة بين
الجنسين ،وترفض النمط الغربي في أدوار االبوين ،السrيما دور االم ،مrع
التخلي عن الدور التقليدي المعروف لالم اليهودية التي تتمتع بنظام حمايrrة
فrrrوق العrrrادة ،نمrrrط النظrrrام العrrrائلي يقوم على الrrrزواج األحrrrادي
monogamousالزوجان يشتركان في غرفة نوم واحrدة ولrديهما غرفrrة
معيشrrrة ،المrrrنزل ال يشrrrمل األطفrrrال النهم في مهrrrاجع مسrrrتقلة يتrrrولى
197
مسؤوليتها مربون ومعلمون محترفون ،فيها يأكلون وفيها يتعلمrrون وفيهrrا
ينامون ،ويقضون اغلب ساعات الليrrل والنهrrار بعيrrدين عن االبrrوين ،انهم
يرون اباءهم وامهاتهم لمدة ساعة او ساعتين في اليrrوم على األكrrثر ،حيث
يقومون بزيارتهم في أمrrاكن سrrكنهم ،هrrذه الزيrrارات ينظrrر لهrrا على انهrrا
وقت مرح fun timeاكثر منها أوقrrات للتنشrrئة والتrrدريب ،الن التنشrrئة
تقوم بها مؤسسة مسrتقلة ومتخصصrrة لنقل التقاليrد والعقيrدة اليهوديrة لهم
بشكل جمrrاعي ،وفي ذلrrك يقول برونrrو بتلهrrايم )Bettelheim (1969
ان االسرة تنقل سrrلطتها على األطفrrال للمجتمrrع المحلي للمسrrتوطنة ،كrrل
األطفrrال ينظrrر لهم ويعتrrنى بهم على انهم أوالد المسrrتوطنة ،وفي ذلrrك
يعتقدون ان التنشrrrئة الجماعيrrrة لألطفrrrال تجنبهم االمومrrrة السrrrيئة ،وان
الطريقة الجمعية في التنشئة تمثل رفضا صريحا للعائلة مع إشارة خاصrrة
ألدوار االبوين ،اي رفض ألدوار االبوين في التنشئة .انتاج المسrrتوطنات
يشكل ما قيمته %9من الناتج القومي او ما يعrrادل ثمانيrrة مليrrارات دوالر
امريكي سنويا ويغطي %40من اإلنتاج الrrزراعي الكلي .تشrrكيل غrrريب
لألسرة وبسبب غرابته وكفايته اعتrrبره هrrاراالمبوس انجح شrrكل وأفضrrل
بديل لألسرة النووية التي بدأت باألفولHaralambos (1991,1993) .
خالصة Conclusion
في هذا الفصrrل قrrدمنا تفسrrيرات متعrrددة لتطrrور االسrrرة ابتrrداء بالمدرسrrة
البنائية الوظيفية التي طورها ووضع قواعدها النظرية تالكوت بارسrrونز،
ثم المدرسة الفرنسية متمثلة بميشيل فوكو ،والماركسية واالتجاه التفسيري
198
االبوي .وبطبيعة الحال فان أيا من هذه المدارس لم تنكر األهمية القصوى
للعائلة ،التي اعتبرت وحrدة شrاملة عامrة في كrل المجتمعrات ،لكن هنrاك
اتجاهات اثنوجرافيrrة وتاريخيrrة اعتrrبرت االسrrرة وحrrدة شrrاملة مrrع بعض
االستثناءات.
وعلى العموم ما زال علماء االجتماع ينظrrرون للعائلrrة بوصrrفها أصrrغر
وحدة اجتماعية عليها يقوم المجتمع ،ومنها يستمد تماسrrكه او تفككrrه ،وقrrد
مرت االسرة بمراحل متعددة ،فاألسرة في مرحلة ما قبrل الصrrناعة كrانت
ممتدة ،ومتماسكة ووظائفها تعمrrل وفrrق تقسrrيم العمrrل على أسrrاس الجنس
والعمrrر ،ونشrrاطها االقتصrrادي في االعم يغلب عليrrه الطrrابع الrrزراعي.
التطور ادخل االسرة في نفق غrrير معrrروف النهايrrات ،ذلrrك ان الصrrناعة
بدلت شكل وتركيب االسرة لكي تخrrدم االقتصrrاد الصrrناعي ،فتحrrولت من
ممتدة الى نووية .في مجتمع ما بعد الصناعة او ما بعد الحداثة كما تسrrمى
أحيانrrا تعرضrrت االسrrرة النوويrrة البrrديل الصrrناعي لألسrrرة الممتrrدة ،هي
األخرى للتشظي والتفكrrك والتمrrزق ،وبrrاتت االسrrرة عبئrrا على أعضrrائها
وسببا من أسباب سخطهم وتوتراتهم وحماقrrاتهم كمrrا يقول هrrاراالمبوس.
المشكالت التي تعاني منه االسرة الحديثة باتت تهدد وجودهrrا الفعلي ،ففي
عصر ما بعد الحداثة والعولمrة أصrبحت االسrرة الrتي تقوم على الrزواج
شبه مشلولة ،ذلك ان اغلب االفراد ذكورا واناثا يقيمون عالقrrات معاشrrرة
وينجبون أطفrrاال خrrارج مؤسسrrة الrrزواج ،وحrrتى الrrذين يrrتزوجون فrrانهم
سرعان ما ينفصلون حتى بلغت نسrب الطالق في كrل انحrاء العrالم وليس
في المجتمrrع الغrrربي وحrrده أكrrثر من نصrrف عrrدد الزواجrrات .المعاشrrرة
199
المشرعنة أصبحت البديل الواقعي لألسرة النووية ،ويبدو انrrه عمrrا قrrريب
ستلحق االسرة النووية باألسرة الممتدة التي صrrار ينظrrر لهrrا كrrذكرى من
ذكريrrات الماضrrي .الى جrrانب المعاشrrرة ولrrدت عrrائالت هامشrrية مrrازال
الراي العام ينظر لها باستهجان تلك هي االسرة الrrتي تقوم على العالقrrات
المثلية ،وعلى الرغم من ان هذا النوع من التركيب العائلي كسب الشرعية
القانونية في اغلب المجتمعات االوربية وان اعداده في تزايد اال انrrه يفتقد
الشrrرعية االجتماعيrrة ،ولكن ربمrrا لن يطrrول الrrوقت حrrتى تصrrبح المثليrrة
احدى البدائل إذا تم قبولها اجتماعيا .وفي هذا الوقت تعالت أصوات كثيرة
تدعو للبحث عن بدائل للعائلة النووية التي لم تعد مناسبة في ظrrل عمليrrات
التمرد واالنقالب التي تمارس ضدها باعتبار ان الزواج الrrذي يعrrد الحلقة
األهم في بناء االسرة خرج عن السيطرة ،وحلت المعاشرة بديال معترفا به
قانونيا واجتماعيا وثقافيا .وأصبح األطفrال الrذين يولrدون خrارج مؤسسrة
الزواج أكثر بكثير من األطفال الذين يولدون في عائالت زواجية ،ولم يعد
ينظر لهؤالء على انهم ثمرات زنا غير شرعية ،ولم يعrrد المجتمrrع يلصrrق
بهم وصrrمة اجتماعيrrة تلحrrق بهم العrrار ،اال في المجتمrrع العrrربي الrrذي
مازالت االسرة النووية والى حد مrrا الممتrrدة تعمrrل بنصrrف طاقتهrrا ،اذ ان
هناك محاوالت للتمرد على االسرة الزواجيrrة عن طريrrق اشrrكال مبتدعrrة
مثل الزواج العرفي وزواج المسrrيار وزواج المتعrrة ،وهrrذه تشrrبه الى حrrد
كبير المعاشرة خارج الزواج التقليدي.
الواقع ان االسرة النووية في ازمة وهذه االزمrة تrزداد عمقا مrع عمليrات
دخول المرأة الواسع لسوق العمل ومع تطور عمليات التثاقف التي خلقتهrrا
200
وسائل االتصrrال الحديثrrة والrrتي سrrهلت العالقrrات العاطفيrrة والجنسrrية في
العالم االفتراضي وانتقالها بالتدريج الى الحياة االجتماعية.
201
الفصل السابع
الدين والمعتقدات
Religion & Belief
203
عبد السادة يذهب ماشيا من البصرة الى كربالء تقديسا لولي من اولياء هللا
الذي يتعين احترامه وزيارته بناء على منزلته الكبيرة وجزءا من الrrواجب
الديني االعتقادي تقربا هلل.
مارشال ابلوايت من كاليفورنيا قاد تسrrعا وثالثين من اتباعrrه الى االنتحrrار
كجزء من اعتقاد طائفته بان ذلrك يقود الى أبrواب الجنrة ،لقد أقنعهم بrان
وقت الذهاب الى الجنrrة قrrد حrrان ،وان عليهم ان يحتسrrوا قليال من الفودكrrا
ممزوجة مع مخدر يؤثر بشدة على الجهrاز العصrrبي المركrزي ،من اجrل
ان تصعد بهم مركبتهم األرضية الى السماء.
سلمان رشدي كتب كتابrا مسrيئا للنrبي محمrد (ص) جrزءا من لعبrة قrrذرة
ألعداء اإلسالم وافتى المسrلمون بقتلrه ،غّي ر اسrمه الى جوزيrف أنطrوان
وظrrل مختفيrrا عن الوجrrود ،حrrتى نفrrذ فيrrه حكم هللا فلقي حتفrrه مخنوقrrا او
مشنوقا في مكان ال يعرفه أحد.
دوكم داني Dugum Daniشعب يعيش في مرتفعات غينيا الجديدة ،ليس
لهم إلrrه ،لكن عrrالمهم مسrrكون بكائنrrات خارقrrة للعrrادة Supernatural
beingsتrrدعى موجrrات ،Mogatهrrذه الكائنrrات (الموجrrات) هي أرواح
المrrوتى ،وهي تتسrrبب في االمrrراض والمrrوت وتتحكم في حركrrة الريrrاح
والمطر .دوكم داني ليسوا اتقياء وال يؤدون الصالة ،وطقوسهم ال تسrrتلزم
التبجيrrل او عبrrادة الموجrrات وانمrrا التلطrrف معهم واسترضrrاءهم بطرائrrق
طقوسية بدائيrة (( & Ballantine & Roberts 2009, Macionis
Plummer 2002
204
هذه األمثلة
تعكس
بوضrrrrrوح
القوة
الهائلة التي
يتمتrrع بهrrا
الrrrrدين في
هيمنتrrrrrrrrه
على شعب الدوكم داني في غينيا الجديدة (اندونيسيا) شعب بال دين
الناس ،ألنه يحقق لهم حاجات أساسية جدا .األسئلة اإلنسrrانية التقليديrrة عن
معنى الحياة التي تنتهي بالموت ،غياب العدالrrة ،والوحشrrية الrrتي ال تنتهي
ابدا ،ال أحد يستطيع اإلجابة عنهrrا علميrrا وال عن طريrrق الخrrبرة اليوميrrة.
الدين فقط هو الذي يوضrrح لنrrا معrrنى المrrوت والحيrrاة ،والمعانrrاة ،واالالم
وغياب العدالة واالحداث التي تقع خارج حدود قدرتنا المعرفية .دوركهايم
( )Durkheim {1915}2002أكد ان الناس عمومrrا يعتقدون ان هrrذ ه
التساؤالت عن عالم الوجود تعزى للعالم المقدس Sacred Realmأكrثر
منها لخبرات العالم الدنيوي Mundaneالمدنس ،هذا العالم المقدس يبعث
على الخrrوف والrrرعب والتبجيrrل ،ألنrrه فrrوق قrrدرة االنسrrان على فهمrrه
وادراكه .الدين يحدد لنا ما هو صحيح وما هrو خطrأ ،يزودنrا بأجوبrة عن
األسrrئلة الكبrrيرة للحيrrاة ويغrrرس لrrدينا قواعrrد أخالقيrrة وأفكrrار عن العrrالم
المحيط بنا ،انه بكلمات دوركهايم نظام موحد للمعتقدات والممارسات التي
205
تهدف الى التقرب من شيء مقدس .الدين ،في الواقrrع ،أكrrثر من مجموعrrة
معتقدات عن القوة الغيبية الخارقة ،انه يعمل على جعل الثقافة الrrتي نعيش
فيهrrا ،الطبقة الrrتي ننتمي لهrrا والمكانrrة الrrتي نمتلكهrrا واالتجاهrrات نحrrو
االخرين واألخالق التي نتمسك بها كلها موضrrع قدسrrية ،فالrrدين جrrزء من
حياتنا اليومية ،من ادوارنا الجنسية Gender Roleومكاننا في المجتمrrع
الذي نعيش فيه ،ودوره في تحفيزنا للدفاع عنه بحياتنا ان لزم االمر .عrrدد
كبير من الناس في أماكن متباعدة يؤمنون كما نؤمن ويظنrrون انهم وجrrدوا
الحقيقة واالجابات النهائية في دينهم ،وهم ايضrrا على اسrrتعداد للمrrوت من
اجل دينهم الذي يرونه الطريق الوحيد الصrrحيح .الحrrظ ان حروبrrا عديrrدة
نشrrأت بين المسrrلمين والهنrrدوس في الهنrrد ،البروتسrrتانت والكاثوليrrك في
ايرلنrrدا ،الشrrيعة والسrrنة في العrrراق ،بrrالعلى الrrرغم من ان دوافrrع هrrذه
الصراعات اقتصrrادية وسياسrrية اال ان الrrدين يسrrتخدم السrrتقطاب االتبrrاع
فتتحول الصراعات كأنها دينية وهي في الواقrrع ليسrrت كrrذلك .الغrrريب ان
اشتعال الصراعات على أسس دينية او طائفية تعزز اعتقاد كل طرف بان
هللا الى جrrانبهم ،والصrrراعات الدينيrrة أكrrثر الصrrراعات دمويrrة على مrrر
التاريخ فما تزال الحروب الصليبية مسrrتمرة منrrذ أكrrثر من خمسrrمئة سrrنة
على الrrرغم من ان الغrrرب ابتعrrد عن الrrدين ،لكن تصrrريحات المسrrؤولين
مثل تصريح جون ميجر رئيس وزراء بريطانيا اثناء حرب البلقان الثالثrrة
،1992عندما قال ان اوربrrا مسrrيحية وسrrتبقى مسrrيحية في إشrrارة الى ان
المسلمين ال مكان لهم في اوربا وهذا مrrا دفعهم لتشrrجيع يوغسrrالفيا للقيrrام
بتطهير عرقي ضد المسلمين في البوسنة والهرسrrك .جrrورج بrrوش االبن
206
في الحرب االمريكية ضد العراق قال ان حربه هي حرب صليبية جديrrدة،
وكان مسرورا جدا لجاذبية الكلمة التي خطرت على باله ،لكنه سرعان مrrا
استدرك بإشارة من مستشاريه الذين قالوا له ان للكلمة مدلوالت سيئة لrrدى
العالم اإلسالمي ،مما جعله ال يذكرها ابدا في خطاباته الالحقة.
طبيعة الدين The Nature of Religion
االعتقاد بالrrدين والقوى الغيبيrrة الخارقrrة لهrrا أسrrاس في كrrل المجتمعrrات
البشرية ،وتنوعها وطريقة التعبير عنها تبدو ال نهاية لها ،وتعريrrف الrrدين
يجب ان يأخذ في االعتبار هذا التنوع .وابسط تعريrف للrدين هrو االعتقاد
بقوى غيبية خارقة للعrادة .يقول هrاراالمبوس ان الrدين شrكل من اشrكال
االعتقاد بقوة خارقة لها تrأثير على البشrر والحجrر والrدواب وكrل مrا في
الكrrrون من موجrrrودات ،وهrrrو ينطrrrوي على اإلطrrrار الرسrrrمي للعقيrrrدة
،theologyوالطقوس ،ومجموعة من القيم األخالقية ،كمrrا ينطrrوي على
مؤسسrrات للعبrrادة مثrrل الكنrrائس والمسrrاجد والمعابrrد ،وبrrاختالف العقائrrد
تختلف الطقوس والممارسات وتتنوع كما الحظنrا في األمثلrة السrابقة .في
الغrrرب مثال فكrrرة هللا تهيمن على التفكrrير الrrديني ،من دون إلrrه ال يوجrrد
دين ،لذلك فانهم يّعرفون الدين بانه عالقrة الفrرد بالسrماء .البوذيrة ُتعrرف
بانها ممر الخالص من االالم وفقا لتعاليم بوذا في الكتاب المسمى "طريق
الثمانية اضعاف النبيل" .the noble eight-fold Pathديانة الشنتو (
)Shintoاليابانيrrة ُتعrrرف بانهrrا الممrrر الى االلهrrة وبتعبrrير كونفوشrrيوس
الطريق الى االلهrrة .فكrrرة هللا في هrrذه الrrديانات فكrrرة غامضrrة او مفقودة
تماما ،والتركيز يكون حول الطقوس واألفكrrار المجrrردة ،بعض المفrrاهيم
207
المتعلقة باإلنسان فائق القوة ،توجد أيضا في كل األديrان ،ولكن هrذه القوة
تأخذ عدة اشrrكال ،االلهrrة المتعrrددة االشrrكال ،عبrrاد اعطrrاهم هللا كرامrrات،
أرواح واشباح او قوى مجrrردة ومجهولrrة .في ميالنيزيrrا جنrrوب الباسrrفيك
يعتقدون ان هناك قوة غيبية خارقة هي قوة "المانا" Mana Powerالتي
تتواجد في أماكن غير مرئية ،وطالما يستمر الناس في طقوس تمجيد هrrذه
القوة فإنها ستعمل لصالحهم بدل ان تتسبب في ايذائهم.
المفكرون الغربيون ،يقول شينوي ) Chinoy (1971اعطrrوا المعتقدات
والمrrذاهب مكانrrا مركزيrrا في الrrدين انطالقrrا من فهمهم للrrدين المسrrيحي،
لكنهما معا (أي العقائrrد والمrrذاهب) في وقت اخrrر وفي أجrrزاء أخrrرى من
العالم ،اقل أهمية من الطقوس .في الوقت الحاضر كل األديان بال اسrrتثناء
تهتم بالطقوس أكثر من اهتمامها بجوهر العقيدة ،المسيحيون يحتفلون بعيد
الميالد وعيد الفصح احتفاال مبالغا فيه والغالبيrrة العظمى منهم ال دين لهم،
المسلمون يهتمون بطقوس العبادة فيركعون ويسجدون وافعالهم وافكrrارهم
تسرح وتمرح خارج حدود العقيدة ،واليهود يهrrزون رؤوسrrهم امrrام حائrrط
المبكى وافعالهم ال تشبه العقيدة الموسوية ،اما األديان والمعتقدات األخرى
فهي أصال ال أساس سماوي لها والطقوس لديهم اهم من العقيدة نفسها.
األشياء التي تكتسب أهمية دينية ،بوصفها رموزا مقدسة او أشياء محّرمrrة
تتنوع بشكل واسع ،في الهند مثال الهندوس يقدسون البقرة ،ومن الشrrعوب
البدائية من يقدس الطيور ،واألشجار ،والنباتات وربمrا يعبrدونها .الشrمس
والقمر ،والشالالت ،والجrrداول ،والصrrخور .وتحتrrل المجrrوهرات الثمينrrة
مكانrrة مرموقrrة في العقائrrد الدينيrrة والممارسrrات الطقوسrrية لrrدى بعض
208
الشعوب .بعض الطعام الrrذي نأكلrrه ربمrrا ينظrrر لrrه على انrrه غrير نظيrrف
ومدنس ،وغير مناسب لالستهالك البشري ،مثل لحم الخنزير والسrrمك ذو
االصداف لدى اليهود المتشددين ،المشروبات الكحولية ولحم الخنزير لدى
المسلمين ،من جهة أخرى بعض األطعمة ربما تكون مطلوبة في مناسبات
دينيrة معينrة ،مثrل النبيrذ Wineوالرقrائق في الطقوس الكاثوليكيrة ،لحم
الطوطم او الحيrrوان المقدس لrrدى بعض الشrrعوب البدائيrrة ،اعشrrاب مrrرة
وخبز غير مخمر في وجبة الفصrrح اليهrrودي .Pass over mealوهrrذا
التنوع في األشياء ربما يكتسب أهمية دينيrrة ،لكن العقيrrدة الدينيrrة لإلنسrrان
والطقوس التي يمارسها ليس لها ما يمنحها المعنى الديني ،فالمسيح لم يقل
اشrrربوا الخمrrر ،ولم يقل موسrrى كلrrوا األعشrrاب المrrرة ومحمrrد لم يrrأذن
بتعذيب الذات ،وبوذا لم يقل اركعوا تحت قدمي التماثيل عراة،
وهكذا تبدو الطقوس ال عالقة لها بجوهر العقائد واغلبها مخترعات ثقافية.
األشياء والطقوس تبrدو مقدسrة ألنهrا تملrك معrنى للمعِتقد وليسrت دينيrة
بrrذاتها .الممارسrrات الدينيrrة تقيم االحتفrrاالت الدوريrrة
لألحrrداث والرمrrوز المهمrrة ،مثrrل صrrلب المسrrيح ثم
عودتrrه ،المولrrد النبrrوي الشrrريف ،هrrروب اليهrrود من
مصrrر ،مولrrد بrrوذا .وأحيانrrا تسrrتخدم الطقوس رمزيrrا
لتعزيrrrز بعض القيم المهمrrrة ،فمثال عنrrrدما السجود تحت قدمي تمثال بوذا
Macionis &Plummer
Macionis &Plummer 2002
2002
آلمصدر:
آلمصدر:
يحتفل اليهrrود بطعrrام الفصrrح فrrانهم يrrتركون
األبواب مفتوحة لكي يسمح للنبي إيليا بالrrدخول من اجrrل ان يشrrرب معهم
قدحا من النبيذ المعّتق الrذي ُأعrد لrه خصيصrrا .وتقاسrم الخrبز والنبيrذ في
209
القربrrان المقدس Eucharistيقرب المشrrاركين من المسrrيح في التقاليrrد
المسيحية ،ويدفعهم لالعتراف امام القس بrrذنوبهم من اجrrل التكفrrير عنهrrا.
ومن بين الطقوس الهندوسية يغطس االتبrrاع في المrrاء للتطهrrر من الrrدنس
واآلثrrام الrrتي ارتكبوهrrا في حيrrاتهم اليوميrrة .بعض الطقوس تمrrارس في
مناسrrبات غrrير دينيrrة ولكنهrrا تأخrrذ طابعrrا دينيrrا ،مثrrل الrrوالدة والrrزواج
والموت ،في موسم زراعة الحبrrوب ،او في مواسrrم الحصrrاد ،عنrrد نrrزول
المطر او احتباس المطر ،عند البدء بحملة عسكرية او عند االنتصrrار .في
مثrrل هrrذه المناسrrبات يعrrبرون عن امrrالهم بمسrrتقبل أكrrثر نجاحrrا .بعض
الطقوس الدينيrrة الrrتي يقوم بهrrا اغلب المشrrاركين ،على كrrل حrrال ،من
الصrrعب فهم معناهrrا الرمrrزي او األسrrطوري ،فمrrا هrrو معrrنى تعrrريض
المشارك نفسه للجلrد حrتى يrنزف الrدم من كrل جسrمه لrدى بعض الفrرق
الدينية المسيحية شبه الوثنية ،وما معنى ان يrrأتي االب بابنrrه الrrذي لم يبلrrغ
السادسة من عمره ليضرب بسكين كبيرة وحادة على راسه ويبقى يصrrرخ
طول الليل ،او يمشrrي على الجمrrر او يزحrrف مثrrل الكلب .لسrrنا في صrrدد
إعطاء احكام عن صحة او شرعية مثل هذه الممارسات ولكن من الصعب
على أي مراقب من خارج الجماعة إدراك المعrrنى الرمrrزي لهrrذا السrrلوك
الجنrrوني .انهم في الواقrrع يتبعrrون تقاليrrد تعrrد جrrزءا من العقيrrدة ،وهي في
جوهرهrrا ليسrrت كrrذلك ،انهrrا تلبس عبrrاءة الrrدين وفي حقيقتهrrا تعبrrير عن
احباط مزمن ،كما انها تمثل نوعا من التمرد السrrلبي على السrrلطة الrrتي ال
يستطيع الفرد مواجهتها مباشرة خوفا من الشرطة السرية التي ترافقه مثل
ظله ،فيمعن في تعذيب ذاته بطريقة مازوشية مصحوبة باللrrذة وكأنrrه ينتقم
210
عن طريrrrق دمrrrه المسrrrفوح على عrrrدوه متخrrrذا من دم المقدس ذريعrrrة
لالنتصrrار على سrrوط الجالد وسrrيف السrrياف .وفي ذلrrك يقول شrrينوي
) Chinoy (12971: 271عندما يضفي الفرد طابعا مقدسrrا على شrrيء
يعده االخرون دنيويrrا محضrrا ،فانrrه يبrrدو في عيrrون االخrrرين مريضrrا او
معتوها ،والناس الذين يكتسبون االفكار الدينية يكتسبونها بوصفهم أعضاء
في جماعrrة وليسrrوا أفrrرادا ،كمrrا ان بعض أنrrواع السrrلوك الrrديني الrrتي
يمارسها الفرد وحيدا فانه ال يقوم بها اال ألنه يتبع الوصفة الثقافية.
أصل األديان وتطورها The Origin & Evolution of Religion
النظرية التطورية Evolution Theory
في القرن التاسrrع عشrrر كrrان اهتمrrام علم االجتمrrاع بالrrدين منصrrبا على
سؤالين :كيف بدأ الدين؟ وكيف تطور؟ هذا االتجاه كrان واقعrا تحت تrأثير
نظرية دارون المسماة أصل االنrواع The Origin of Speciesالrتي
نشرت عام ،1859ومثلما حاول دارون تفسير تطور االنواع ،حذا علماء
االجتماع حذوه في تفسير تطور المؤسسات االجتماعية والمجتمrrع ،وفيمrrا
يتعلق بأصل الدين فقد قدموا لنا النظرية األرواحيrة (االحيائيrة) والنظريrة
الطبيعية.
األرواحية والطبيعية & Naturalism Animism
األرواحية تعني االعتقاد باألرواح .وبحسب إدوارد تايلور فان األرواحيrrة
هي الشrrكل المبكrrر للrrدين ،وهي مسrrتمدة من محاولrrة النrrاس اإلجابrrة عن
سؤالين :ما الشيء الذي يحدث فرقا بين الجسد الحي والجسد الميت؟
211
ثم ما تلك االشكال البشرية الrrتي تظهrrر في الrrرؤى واالحالم؟ لكي تعطى
هrrذه االحrrداث معrrنى ،الفالسrrفة األوائrrل اخrrترعوا فكrrرة الrrروح ،soul
والrrروح تعrrني النفس spiritالrrتي تغrrادر الجسrrد مؤقتrrا اثنrrاء االحالم
والرؤى ،وتغادر الجسد بشكل دائم اثناء المrrوت ،وحالمrrا اخrrترعت فكrrرة
الrrروح فإنهrrا اخrrذت تطبيقاتهrrا ليس على النrrاس فحسrrب وانمrrا على كrrل
الموجrrودات في الطبيعrrة والمجتمrrع ،فالحيوانrrات
مrrزودة بrrأرواح ،وحrrتى األشrrياء الrrتي يصrrنعها
االنسان مثل االيقونة المسrrماة Bullroarerالrrتي
يصrrنعها سrrكان اسrrتراليا االصrrليون لهrrا أرواح
ويrrرى تrrايلور ان اخrrتراع الrrروح كrrان غرضrrه
ارضrrrاء الطبيعrrrة العقليrrrة لإلنسrrrان في حاجتrrrه
المتزايrrrrدة إلعطrrrrاء معrrrrنى للمrrrrوت واالحالم
والرؤى .النظرية الثانية هي النظريrrة الطبيعيrrة شكل يوضح احدى ايقونات سكان
استراليا االصليون المقدسة
التي تقدم بها ماكس مولر Max Müllerعالم
اللغويات القديمrة الrذي يrزعم ان الشrكل المبكrر للrدين مسrتمد من اعتقاد
الناس بان قوى الطبيعة تملrrك قrrوة خارقrrة ،ولهrrا تrrأثير غrير محrrدود على
عrrواطفهم ،وهrrذه القوة الخارقrrة غrrير المنظrrورة تعمrrل بطريقة مباغتrrة،
وتبعث على الrrرعب واالعrrاجيب ،مثrrل األعاصrrير والفيضrrانات والرعrrد
والبرق ،وكان النrrاس األوائrrل بزعمrrه قrrد نقلrrوا هrrذه القوى المجrrردة الى
وكالء شخصrrيين ،أي شخصrrنوا الطبيعrrة Personified Natureفقوة
الرياح أصبحت روح الرياح ،وقوة الشمس صارت روح الشrrمس .وبينمrrا
212
كrrانت األرواحيrrة تلrrبي حاجrrة عقليrrة كrrانت قrrوى الطبيعrrة تحقق حاجrrة
عاطفية ،فالطبيعية هي استجابة الناس لتأثيرات القوة المدهشة للطبيعة.
علماء االجتماع التطوريون في القرن التاسع عشر وضعوا خمس مراحrrل
لتطور الدين بالتالزم مrrع تطrrور المجتمrrع ،ابتrrداء باألحيائيrrة ،ثم االعتقاد
باألرواح المتعددة تليها مرحلrrة تعrrدد االلهrrة وصrrوال الى مرحلrrة التوحيrrد
،Monotheismتايلور يعتقد ان كل مرحلة من مراحل تطور الدين تقوم
على سrrابقتها ،وان األديrrان الحاليrrة المعقدة تمتrrد في جrrذورها لألشrrكال
البدائية األولىHaralambos & Holborn (1992) .
نقد االتجاه التطوري Criticism of Evolutionary Approach
تعرض االتجاه التطوري لموجة من النقد الشديد ،فاألصrrول األولى للrrدين
مفقودة تماما ،وأول إشارة عن الدين جاءتنا من حفريrrات اآلثrrاريين الrrذين
كشفوا النقاب عن المالمح األولى للدين منذ ستين ألف سrrنة ،حيث وجrrدوا
في الرواسب ان انسان النيانrrدرتال Neanderthalكrrان يrrدفن موتrrاه مrrع
الزهور واألدوات الحجرية والمجوهرات ،وطبعا هذا ال يعطي أي انطباع
عن شكل الدين ووظيفته في ذلrrك الrrوقت ،وال الrrدوافع الrrتي تrrدفعهم لrrدفن
المقتنيات مع الموتى ،ولهذا فان البحث عن أصل الrrدين مجrrرد تخمينrrات.
تخمينات تايلور ومولر معقولrrة نوعrrا مrrا ولكنهrrا لم تعrrط أي تفسrrير لمrrاذا
اخذت هذه االشكال هذا االتجاه ،كما انها ال تعrrني بالضrrرورة بدايrrة لنشrrأة
األديان ،كما ال يعقل ان تكون األديrrان كلهrrا نشrrأت بالطريقة نفسrrها ،وإذا
افترضنا جدال انها بrrدأت هكrrذا فلمrrاذا تنrrوعت بهrrذا الشrrكل بrrدون روابrrط
مشrrتركة ،هrrذا الى جrrانب ان المراحrrل الrrتي وضrrعوها لتطrrور الrrدين ال
213
تتناسب مع الحقيقة ،ذلrrك ان بعض المجتمعrrات البسrrيطة لrrديها دين يقوم
على التوحيد ،والتوحيد بزعم تايلور يرتبط بالمجتمعات الحديثة.
االتجاه الوظيفي Functional Approach
إذا كrrان االتجrrاه التطrrوري قrrد شrrدد على الحاجrrات العقليrrة ،والحاجrrات
العاطفية للمجتمع في تفسير نشأة األديان وتطورها فان االفتراضrrات الrrتي
قدموها لم تكن مقنعة بما يكفي ألخذها مأخذا جديا ألنها أصال كانت مجرد
تخمينات .االتجاه الrrوظيفي اتجrrه اتجاهrrا أكrrثر توازنrrا ألنrrه لم يتrrورط في
تخمينات عن أصل وتطور الدين ،وانمrا اتجrه نحrو الوظيفrة الrتي يؤديهrا
الدين للتضامن والتماسك االجتماعي .فالمجتمع بزعمهم يحتاج الى درجrrة
معينة من التضrrامن ،واالجمrrاع القيمي ،واالنسrrجام والتكامrrل بين اجزائrrه
لكي يبقى ويستمر في الوجود ،والدين يساهم في تحقيق هrrذه المهمrrة ،فهrrو
يستطيع ان يوحد الجماعات والمجتمعrrات في نظrrام قيمي شrrامل ،كمrrا انrrه
يسهل عملية االنسجام التي تحافظ على البنrrاء االجتمrrاعي ،ويعمrrل بمثابrrة
سد منيع ضد التفكك واالنحراف.
الطوطمية Totemism
يعrrد دوركهrrايم األكrrثر تrrأثيرا على االطالق بين الrrذين فسrrروا الrrدين من
وجهة نظر المدرسة الوظيفية ،وكان قد استخدم عrrدة اديrrان لجماعrrات من
سكان استراليا األصليين .هذه األديان الrrتي سrrماها "الطوطميrrة" اعتبرهrrا
ابسط اشكال الدين .مجتمع استراليا األصلي كان منقسما الى عشrrائر وكrrل
عشrrrيرة عبrrrارة عن عائلrrrة ممتrrrدة بأعضrrrاء يشrrrتركون في الواجبrrrات
وااللتزامrrrات نفسrrrها ،مثال العشrrrيرة لrrrديها نظrrrام الrrrزواج الخrrrارجي
214
exogamyأعضrrrاء العشrrrيرة عليهم واجب مسrrrاعدة بعضrrrهم البعض،
يجتمعrrrون في الحrrrزن على الميت ،ويشrrrاركون في االنتقام من عضrrrو
العشrrيرة األخrrرى إذا تعrrرض عضrrو من أعضrrاء عشrrيرتهم للظلم .كrrل
عشيرة لها طوطم .والطوطم رمز ،شعار للعشيرة مثل العلم الوطrrني ،انrrه
عالمة تميز كل عشيرة عن سواها من العشrrائر ،والطrrوطم أكrrثر من ذلrrك
انه رمز مقدس ينحت على االيقونات ،وهو اهم مقدس في شrrعائرهم ،انrrه
الشrrكل األكrrثر حضrrورا في المبrrادئ الطوطميrrة ،وهrrو بمثابrrة إلrrه .يقول
دوركهايم إذا كان الطوطم رمزا لإلله ،فانه يعني ان االله والمجتمع شrrيء
واحد ولذلك فانهم حين يعبدون االلrrه فrrانهم في الحقيقة يعبrrدون المجتمrrع،
فالمجتمع هو الشيء الحقيقي للتبجيل الديني.
كيف يقوم الناس بعبادة المجتمع؟ األشياء المقدسة تعد ارفع مقامrrا وسrrلطة
من األشياء الدنيوية والسيما االنسان ،فاإلنسان في عالقته بالمقدس يكrrون
أدنى منزلrrة وأكrrثر اعتماديrrة على المقدس ،هrrذه العالقrrة بين االنسrrان
والمقدس هي بالضبط نفس عالقته بالمجتمع ،والمجتمع اهم وأكrrثر سrrلطة
من الفرد ،وفي ذلrrك يقول دوركهrrايم ان االنسrrان البrrدائي ينظrrر للمجتمrrع
على انه مقدس ألنه يعتمد عليه اعتمrrادا كليrrا .والسrrؤال لمrrاذا اذن ال يعبrrد
االنسrrان المجتمrrع نفسrrه؟ لمrrاذا اخrrترع طrrوطم مقدس ليعبrrد عن طريقه
المجتمrrع؟ يجيب دوركهrrايم ،انهrrا طريقة أسrrهل للشrrخص عنrrدما يتوجrrه
بمشاعره نحو الرمز من ان يتوجه لشيء معقد مثل العشيرة.
دوركهrrايم يؤكrrد ان الحيrrاة االجتماعيrrة تسrrتحيل من دون قيم ومعتقدات
أخالقيrrة مشrrتركة والrrتي تشrrكل مrrا يسrrمى الrrوعي الجمعي collective
215
consciousوفي حالrrة غيابهrrا ليس هنrrاك نظrrام اجتمrrاعي ،وال ضrrبط
اجتماعي وال تضامن او تعاون اجتماعي وال حتى مجتمrrع ،والrrدين يعمrrل
على تعزيز الrوعي الجمعي .هrذا وان عبrادة المجتمrع من شrانه ان يقوي
القيم والمعتقدات األخالقية الي تشكل القاعدة األساسية للمجتمع.
وعلى الرغم من أهمية أفكrار دوركهrايم في تفسrير الrدين اال انrه تعrرض
لنقد شديد من علماء اجتمrrاع وليس من رجrrال دين ،ذلrrك ان رجrrال الrrدين
يعدون دوركهrايم ملحrدا ال دين لrه ،امrا علمrاء االجتمrاع فrrانهم لم يجrدوا
رابطrrا حقيقيrrا بين الطوطميrrة والrrدين ،وانrrه بrrالغ كثrrيرا في ربrrط عبrrادة
الطوطم بعبادة المجتمrrع ذلrrك ان رؤيتrrه للrrدين قrrد تنطبrrق على مجتمعrrات
بسيطة وغير متعلمة حيث تكون العالقات والمؤسسات االجتماعية-الثقافية
متماسكة بدين او بدون دين وان رؤيته ال عالقة لهrrا بالمجتمعrrات الحديثrrة
التي تنطrrوي على ثقافrrات وجماعrrات فرعيrrة ومؤسسrrات متخصصrrة الى
جانب نسق من الممارسات والمعتقدات ،والمؤسسات الدينية .ولكن علماء
االجتمrrاع يؤيrrدون دوركهrrايم في اعتقاده بrrان الrrدين يعrrزز الروابrrط
االجتماعية والتضامن االجتماعي والمعتقدات األخالقية.
الدين وازمات الحياة Religion & Life Crises
من اهم الذين سrrلطوا األضrrواء على أزمrrات الحيrrاة وعالقتهrrا بالrrدين هrrو
االنrrrثروبولوجي مالينوفسrrrكي ) ،Malinowski (1954ومثلمrrrا فعrrrل
دوركهrrايم درس مالينوفسrrكي مجتمعrrات اميrrة وصrrغيرة الحجم لتطrrوير
فرضيته عن الدين ،واغلب امثلتrrه مسrrتمدة من دراسrrته الميدانيrrة لمجتمrrع
التروبرياند بالقرب من سrrواحل غينيrrا الجديrrدة وكمrrا فعrrل دوركهrrايم أكrrد
216
مالينوفسكي ان الدين يعزز القيم والمعايير االجتماعية ويقود الى التماسrrك
االجتماعي ،ولكنه يختلف مع دوركهايم في ان الدين ال يمثل المجتمع كلrrه
والشعائر الدينية ال تقدس المجتمع .واختار مالينوفسكي منrrاطق معينrrة في
الحياة االجتماعية تهتم بالدين ،وعليها بrrنى افتراضrrاته ،هrrذه المنrrاطق هي
المواقrrف الrrتي تبعث على الضrrغوط العاطفيrrة مثrrل التrrوتر والقلrrق اللrrذين
يمألن الحيrrاة االجتماعيrrة ،والمواقrrف الrrتي تنتج هrrذه المشrrاعر بمrrا فيهrrا
أزمات الحياة ،مثل الوالدة والبلوغ والrrزواج والمrrوت .يقول مالينوفسrrكي
) Malinowski (1954في كrrل المجتمعrrات أزمrrات الحيrrاة هrrذه تحrrاط
بطقوس دينية ،ووجد ان الموت من أكثر االحداث التي تبعث على الحrrزن
واالضrrطراب ،واكثرهrrا تشويشrrا ،وهي لrrذلك ربمrrا تكrrون اهم مصrrدر
للمعتقدات الدينية .والدين يتعامل مع المrrوت عن طريrrق الحفrrل الجنrrائزي
الrrذي يعrrبر عن االعتقاد بالأخالقيrrة المrrوت ،وهي عقيrrدة تتنكrrر لحقيقة
لمrrوت .وفي الحفrل الجنrrائزي يخفrف المعrrزون عن الثكrrالى بوقrrوفهم الى
جانبهم .هذا السلوك التضامني يخفف الحزن واألسى ويقلل القلrrق والتrrوتر
الذي يسببه الموت .والموت يبعث على االضطراب االجتماعي ألنه يزيrrل
عضوا من أعضاء المجتمع ،والدعم الrذي تحصrrل عليrه عrائالت المrوتى
يؤدي الى التماسك االجتمrrاعي .والحrrظ مالينوفسrrكي ان الطقوس الدينيrrة
المرافقة لبعض النشrاطات االقتصrrادية مثrل الصrيد ،من شrانها ان تخفrف
القلق وتبعث على الطمأنينة والشعور بالسيطرة.
الدين واالجماع القيمي Religion & Value Consensus
217
رائد هذا االتجاه تالكوت بارسونز الذي يقول ان الفعل االجتماعي موّج ه،
ومسيطر عليه بوساطة المعايير االجتماعية .فالنظام الثقافي يزودنrrا بrrدليل
عrrام للفعrrل على شrrكل معتقدات وقيم وانظمrrة معrrاني Systems of
،Meaningوالمعايير التي توجه الفعل ليسrrت قواعrrد للسrrلوك المعيrrاري
فقط انها تتكامل وتنّم ط بوساطة القيم والمعتقدات التي تزودنrrا بهrrا الثقافrrة،
فمثال ،عدة معايير في المجتمع العربي هي في الواقع اشrrكال تعبيريrrة عن
القيم الدينية ،مثل بر الوالدين واحترام الجيران وحسن الخلrrق .وألن الrrدين
جزء من النظام الثقافي ،فان المعتقدات الدينية تزود الفعل االنسrrاني بrrدليل
عمل من شانه ان يحدد ما ينبغي وما ال ينبغي من األفعrrال الrrتي يقوم بهrrا
الناس والتي تخضع للتقويم ،بمعنى ان األفعال المستمدة من العقائد الدينيrrة
تمنح الناس فرصة لتقويمها وفقا لمعايير العقائد ،فيقال هrrذا الفعrrل محمrrود
وذاك الفعل مrrرذول ،فالrrذي يكrrذب يكrrون سrrلوكه موضrrع اسrrتهجان وفقا
لمعايير العقيدة الدينية ،ومن يكون امينا او صادقا او يسrrلك سrrلوكا ايثاريrrا
فان سلوكه يكون موضع استحسان ،ومثال يحرم الrrدين القتrrل ،او الزنrrا او
الغش ،وهذا ينعكس على السلوك ،حيث يعمل المعيار الديني بمثابة موّج ه
للسلوك ،فيتجنب اغلب الناس اللجrrوء للقتrrل او ارتكrrاب الفاحشrrة او الغش
(مrrع بعض االسrrتثناءات) ،وبتأسrrيس مبrrادئ عامrrة ومرتكrrزات أخالقيrrة،
يساهم الدين في الوصول الى اجماع ،من شانه بحسب بارسrrونز ان يكrrون
ضrrامنا السrrتقرار وتنظيم المجتمrrع .وأنظمrrة المعrrاني الrrتي أشrrار اليهrrا
بارسونز تعrrني األفكrrار والرمrrوز الrrتي تسrrتعمل لتعطي معrrنى لهrrدف من
اهrrداف الحيrrاة ،وتسrrاعد في تفسrrير المعانrrاة ،وغيrrاب العدالrrة ،ووسrrاوس
218
الشيطان ،انها باختصار تزودنا بصورة كبيرة لألحداث التي تبدو من دون
الrrدين وكأنهrrا نrrوع من الفوضrrى والعبث والالعقالنيrrةBallantine & .
)Roberts (2009
المدرسة الوظيفة التي يعد بارسونز احrrد ابrrرز اقطابهrrا ،تؤكrrد كمrrا يقول
"هاراالمبوس" على الجوانب اإليجابيrrة للrrدين فقط ويتجrrاهلون الجrrوانب
السrrلبية ،والواقrrع ان الrrدين الحقيقي ليس فيrrه جrrوانب سrrلبية ،ولكن فيrrه
ممارسات سلبية تعزى للدين وهي ليست منه ،فمثال عندما يعتrrدي قس من
القساوسة جنسيا على طفل او يقوم رجrل دين باالسrتحواذ على الممتلكrات
العامة بحجة انه يأخذ حصته الدينية فان ذلك ليس من الدين في شيء ،كما
ان النقد الموجه للوظيفية يشير الى انها اهملت عمrrدا االنقسrrام االجتمrrاعي
الداخلي الذي يقوم به الrrدين والrrذي يrrؤدي الى صrrراعات مميتrrة كمrrا هrrو
الحال بين الكاثوليك والبروتستانت او الهندوس والمسrrلمين او بين الشrrيعة
والسنة ،ومرة أخرى ال يبدو ان الدين او جوهر العقيدة هrrو المسrrؤول عن
االنقسامات ،االنقسامات من صنع االطماع ،فاإلسالم لم يقل ال في الكتrrاب
وال في السrrنة ان المسrrلمين ينبغي ان يتبعrrوا المrrذهب الفالني او الشrrخص
الفالني ،او يكونوا شيعة او سنة ،هذه مسميات وتقسيمات جاءت إضrrافات
ثقافية من رجال كان هدفهم الحصول على السلطة والثروة وربما الشهرة،
والحال ينطبق على باقي األديان والمعتقدات ،وجوهر الrrدين في كrrل حrrال
يؤكد على االنسجام والتراحم والتضامن والتكامل وليس االنقسام والتباعrrد
والتبrrاغض ،وقrrول منتقدي المدرسrrة الوظيفيrrة بانهrrا تجrrاهلت موضrrوع
االنقسام الذي يسببه الدين هو نوع من الهرطقة الكالميrrة ،يrrراد منrrه إبعrrاد
219
التهمة عن المسبب لالنقسام والصrrاقها بالrrدين ألغrrراض بعضrrها سياسrrية
وبعضها فكرية وبعضها ال دينية.
220
الوعود المسيحية بإنقاذ العبيد من العبودية الطبقية والبؤس في حياة ما بعد
المrrوت هي كذبrrة هrrدفها اإلبقاء على امتيrrازات الطبقة الحاكمrrة وزرع
اآلمال في نفوس المقهورين.
ـ بعض األديrrان تجعrrل من الفقر والعrrوز والحرمrrان مrrع الكرامrrة فضrrيلة
سيكافئون عليها مما يعطي للحياة امل في تحمل الفقر والحرمان.
ـ الدين يعطي وعودا بتدخل قوى غيبية إلنقاذ الفقراء وحل مشكالتهم على
األرض.
ـ الدين يبرر النظام االجتماعي التراتبي وموقrrع الفrrرد فيrrه ،ويحافrrظ على
نظام االستغالل الطبقي القائم
ومما يؤيrrد أفكrrار مrrاركس عن الrrدين مrrا ذكrrره "هrrاراالمبوس" ()1993
Haralambos & Holbornمن ان نظام الطبقة المغلقة الهندي تبرره
الديانة البوذية ،وان ملوك وملكات اوربا القرون الوسطى كrrانوا يحكمrrون
باسم الحق اإللهي ،وان الفراعنة المصrrريين ذهبrrوا ابعrrد من ذلrrك بادعrrاء
االلوهية ،وكان ارباب العمrrل في بدايrrة الثrrورة الصrrناعية يrrدعمون الrrدين
بوصrrفه وسrrيلة السrrتعباد العمrrال وحثهم على الصrrبر والعمrrل ،ومrrازالت
الحكومة البرازيلية تتهم فقراء مدن الصفيح بrrان فقرهم سrrببه اآلثrrام الrrتي
يرتكبونها.
المؤكrrد ان أفكrrار كrrارل مrrاركس تنطبrrق على األديrrان الrrتي انحrrرفت عن
ملكrrوت هللا ورسrrاالته .مrrاركس وانجلrrز وحrrتى ليrrنين لم يتحrrدثوا عن
اإلسrrالم ،جrrاءوا بشrrواهد عن المسrrيحية وعن العقائrrد الوثنيrrة الrrتي تrrبرر
االسrrتعباد واالسrrتغالل الطبقي ،ألنهم امrrا انهم لم يتعرفrrوا على اإلسrrالم
221
الحقيقي واما انهم وجدوا اإلسالم مختلفا في تعامله مrrع االسrrتغالل الطبقي
فتجنبوا اإلشارة اليه ،ومع ذلك فان ماركس والذين اتبعrوا منهجrه الفكrري
في النيل من الدين كانوا قد اغفلوا ان البشrrر الrrذين تولrrوا مسrrؤولية التحكم
بالعقائد هم الذين انحرفوا وجعلوا من الدين وسيلة لتبرير القهر والحرمrrان
والتمايز الطبقي الحrاد .في االسrالم الحقيقي ال تrبرير اطالقrا لالسrتغالل،
وليس ثمة اية او حديث يعطي امتيازا للغني على حساب الفقير ،ولrrو اتبrrع
الناس أصل العقيدة لما وجدت جائعا في بالد المسلمين وهنrrاك شrrواهد من
التاريخ تقول ان الصrrدقات في عهrrد االمrrام علي (ع) وفي عهrrد عمrrر بن
عبد العزيز كانت تعرض على الناس وال يقربها أحد بسrrبب نظrrام العدالrrة
في توزيrrع الrrثروة ،بمعrrنى انrrه لم يكن هنrrاك جrrائع او محrrروم .ولكن في
عصرنا ،مع العوائrrد الضrrخمة للبالد تجrrد عrrدد الrrذين يعيشrrون تحت خrrط
الفقر أكثر من نصف عدد السrrكان بسrrبب جشrrع وطمrrع وانحrrراف رجrrال
الدين السياسي الذين يدعون التrrدين واغلبهم لصrrوص فاسrrدين ومفسrrدين،
ألنهم ال يعبدون هللا وانما يعبدون شهواتهم ومناصبهم وامتيازاتهم .نخلص
من ذلك ان الدين ال عالقة له باالستغالل وال باالنحراف وال بالفساد الrrذي
يقوم بrrه افrrراد يزعمrrون انهم يمثلrrون الrrدين .الrrدين الحقيقي الrrذي اكتمrrل
باإلسrrالم كrrان غايrrة في الدقrrة في تنظيم الحيrrاة االجتماعيrrة على أسrrاس
العدالة .اليس اإلسالم من يقول " مrrا افتقر فقير اال ببخrrل غrrني" ويقول
ايضا " ان هللا سبحانه فرض في أموال األغنياء اقrrوات الفقراء فمrrا جrrاع
فقير اال بما متع به غrrني ،ومrrا رأيت نعمrrة موفrrورة اال والى جانبهrrا حrrق
222
مضيع" ولو عرف كارل ماركس هrrذا الكالم ألعrrاد النظrrر فيمrrا قالrrه عن
الدين ولكنه انشغل بأرباب الكفر في عصره فكان محقا.
المنظ=======ور الفينومينول=======وجي (الظ=======اهراتي) Phenomenological
Perspective
اهم المنظرين في هذا الميدان هم بيتر بيركر وتومrrاس لوكمrrان Berger
) & Luckmann (1969هذان العالمان لهما بصrrمة نوعيrrة في تطrrور
علم االجتماع الديني ،فمن وجهة نظرهمrrا ان الrrدين منتج اجتمrrاعي هدفrrه
إعطاء معنى وتفسير للعالم االجتماعي والفrيزيقي (الطrبيعي) الrذي يحيrط
بrrالفرد .وهم يrrرون ان علم االجتمrrاع الrrديني هrrو جrrزء من علم اجتمrrاع
المعرفة الذي يهتم بالمعrrاني الكrrبرى للحيrrاة ،وان كrrل مجتمrrع لديrrه وعrاء
خاص للمعرفة ،فمثال مجتمع االسكيمو التقليدي لديه معارف مشrتركة عن
الحيrrاة والعrrالم تختلrrف عن أي مجتمrrع اخrrر ،هrrذه الشrrمولية في المعrrاني
لمجتمrrع االسrrكيمو الrrتي ينفrrرد بهrrا ،يراهrrا "بrrيركر ولوكمrrان" مسrrتمدة
اجتماعيrrا ،والمعrrاني الشrrاملة (العامrrة) ال تتضrrمن المسrrتويات الرفيعrrة
لألفكار الفلسفية حول معنى الحياة فقط ،وانما أيضا المعارف التي تكتسب
كل يوم وتعد من األمrrور المفrrروغ منهrrا .والعموميrrة في المعrrاني تسrrتلزم
شرعية مستمرة ،تحتاج إعادة تعزيز وتبرير ،فأعضrrاء المجتمrrع يجب ان
يقال لهم ويعاد القول عليهم ان المعrاني الشrاملة للحيrاة حقيقيrة ،صrrحيحة
وشرعية ،ومن دون هذا التدعيم تتدهور المعاني الشاملة وتصبح الحيrاة ال
معrنى لهrا ،واسrتقرار المجتمrع يصrبح مهrددا .وهنrا يrأتي دور الrدين في
المحافظة على شرعية المعاني العامة ،وفي ذلك يقول “بيركر ولوكمان"،
223
ادي الrrدين على طrrول الزمrrان دورا حاسrrما في بنrrاء الكونيrrات وحفظهrrا،
وكان الدين يقوم بهذه الوظيفة عن طريrrق محاولتrrه الجريئrrة audacious
attemptلفهم الكون بوصفه ذا أهمية لإلنسrان ،وفي هrذا الطريrق ابتكrر
اإلنسان المعارف ووضع المعrrاني لظrrواهر الكrrون بأجمعrrه وحrrدد موقعrrه
فيها ،كما ان الشرائع الدينية كانت فعالة بسبب انها ربطت الحقائق العابرة
للتجارب االجتماعية بالحقائق الكونيrة المطلقة .الrدين يقدم أجوبrة نهائيrة
للمعتقدين يصعب اخضrاعها للتسrاؤالت ،فمثال يالحrظ النrاس ان الشrمس
تشرق كل صباح ،والتفسير الديني لهrrا ،انهrrا محكومrrة بقوة غrrير طبيعيrrة
خارقة للعادة ،والمؤمنون بالدين ال يسألون في العادة عن هrrذه القوة ألنهم
يؤمنrrون بهrrا ويقفrrون عنrrد هrrذا الحrrد .كمrrا ان الrrدين يعطي الشrrرعية
للمؤسسات االجتماعية بوضعها ضمن مرجعية اإلطrrار الكrrوني المقدس،
وفي هذا المعنى فان القانون يدخل في الدين عنrrدما يعrrد العمrrل االجrrرامي
خطيئrrة ضrrد إرادة هللا .وكrrل معrrنى كrrوني يقوم على قاعrrدة اجتماعيrrة،
والقاعدة االجتماعيrة الrتي تمثrل البنrاء االجتمrاعي للمجتمrع يطلrق عليهrا
البنية العقلية Plausibility Structureفاذا تهدمت البنية العقليrrة تتهrrدم
المعrrاني الكونيrrة كلهrrا ،ووجrrود أي منهمrrا مرهrrون بوجrrود االخrrر .فمثال
عندما دمرت امبراطورية االنكا* Inca Empireعلى يد االسبان في عام
( (1572فان القاعدة االجتماعية للدين تبعثرت ،فصارت بدون بنية عقلية
ومن دون البنية العقلية مات دين االنكا .بيركر ولوكمان اكrrدا على ان كrrل
حقيقة هي موضع شrrك ،وليس هنrrاك حقيقة ثابتrrة ،فاألشrrياء تبrrدو حقيقيrrة
عندما يعتقد الناس انهrrا حقيقيrrة ،الحيrrاة مليئrrة بالمعrrاني الن النrrاس هم من
224
يعطيهrrا هrrذه المعrrاني ،األشrrياء يمكن اإلحسrrاس بهrrا ألنهrrا مألوفrrة لrrدى
الجميع ،وعلى كل حال فان الحقيقة ،والمعrrاني والمشrrاعر هي تصrrنيفات
اعتباطيrrة ،فليس هنrrاك قاعrrدة عامrrة او مقيrrاس نسrrتطيع بواسrrطته قيrrاس
الحقيقة ومشاهدتها ،والمعنى العام هو تركيب اجتماعي للحقيقة ،فمrrا يبrrدو
حقيقة في مجتمع من المجتمعات قد ال يبrrدو كrrذلك في مجتمrrع اخrrر او في
زمن اخر ،والشيء المليء بالمعاني
ـــــــــــــــــــ
*أقدم حضارة في أمريكا قبل وصول كريسrتوفر كrولمبس ،ويعتقد انهrا كrانت متطrورة تقنيrا
واجتماعيا قبل ان يقوم االسبان بتدميرها
225
الماركسيون والتطوريون هاجموا بيركر ولوكمان باعتبار انهما عّد ا الدين
عامل توحيد وتماسكا أكثر منه عامل انقسام ومبررا لالستعباد واالستغالل
الطبقي
ادي==ان الع==الم والنظ==ام البطري==ركي (االب==وي) World Religion and
Patriarchy
يتساءل ماسيونز وبلمر ) Macionis &Plummer (2002:465فيمrrا
إذا كانت االلهة تفضل الذكور ،ذلك الن اديان العالم كلهrrا ابويrrة ذكوريrrة،
لها الهة ذكورية تعطي الرجrrال المسrrؤولية في األرض وتبعrrد النسrrاء عن
المعبد والكنيسة والمجتمع .كما ان عددا كبrrيرا من الحركrrات والمنضrrمات
الدينية التي نشأت حديثا هي االخرى تحافظ على النظام االبوي الذكوري.
وعلى الrrرغم من ان المسrrيحية تشrrير دائمrrا الى ان مrrريم العrrذراء هي ام
السيد المسيح اال ان كتاب العهد الجديد (االنجيل) يصrور الرجrل على انrه
خلق بهيئة وبهاء االله ،فيمrrا خلقت المrrرأة على هيئrrة وبهrrاء الرجrrل ،وان
الرجل لم يخلق من المرأة ولكن المرأة خلقت من الرجل ،كما ان الرجل لم
يخلق للمرأة ولكن المرأة خلقت للرجل ،كما يشير االنجيل في موضع اخر
الى ان المرأة تتبع زوجها وهو بمثابrة الrرأس للزوجrة ،كمrا يريrد الrرب.
وفي كتابات القديس ثومrاس ،الrتي اخrذها عن القديس بrولس في الكتrاب
الثاني من االنجيل ما نصه " ليس مسموحا للمرأة ان تعطي درسrrا للرجrrل
او توضع في موضع مسؤولية فوق الرجل" .واليهود المتشrrددون يrrدخلون
في صالتهم اليومية:
شكرا هلل أني لم اولد ناعما -
226
شكرا هلل أني لم اولد عبدا -
شكرا هلل أني لم اولد امرأة -
تاريخيا ،في كل األديان الرئيسة ليس مسrrموحا للمrrرأة ان تكrrون كاهنrrا او
قسا او اماما ،ومازالت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ،واليهود المتشrrددون
يستبعدون المرأة من التدرج الكهنوتي ،لكن الكنيسة البروتسrrتانتية خrrرقت
العادة وسمحت للمرأة الrrدخول لعrrالم الكهنrrوت على الrrرغم من الكثrrير من
االعتراضات .الحركات النسوية رفعت صوتها ضد هrrذا التميrrيز الجنسrrي
في الممارسة الدينية ،وبعض النشطاء في الحركات النسrrوية من الجنسrrين
يزعمrrون انrrه مrrا لم تلغى الفكrrرة التقليديrrة للتمrrايز الجنسrrي genderفrrان
المرأة لن تحصل ابدا على المساواة مع الرجل.
227
سوداء في جبين التطور ألنها عملت على تقويض االخالق وتدمير اآلداب
العامrrrة .اغلب علمrrrاء االجتمrrrاع يفضrrrلون البقاء على الحيrrrاد ،أي ال
ينتصرون لطرف على حسrrاب الطrrرف االخrrر لكيال يفقدوا الموضrrوعية
والمصrrداقية الrrتي تعrrد من مrrيزات علم االجتمrrاع ،والعتقادهم ان مسrrالة
االيمان او عدمه هي مسالة شخصية ،الrrذي يسrrترعي انتبrrاههم في الواقrrع
هو السؤال عما إذا كان الدين في تراجع فعال ،وإذا كان التراجع يحدث في
الغرب فلماذا يتعاظم شانه في الشرق.
المفهrrوم االجتمrrاعي للعلمانيrrة ،كrrان يعrrني في األصrrل فصrrل الrrدين عن
مؤسسات المجتمع األخرى السيما السياسية (أي فصل الدين عن الدولrrة)،
وهrrذا يعrrني ان المعتقدات والممارسrrات الدينيrrة ابعrrدت عن المؤسسrrات
الرئيسة في المجتمع وأصrبحت ممارسrتها واالعتقاد بهrا مسrاءلة خاصrrة
واختيارا شخصيا محضا .والواقع كانت العلمانية في بrrداياتها تعrrني إزالrrة
حدود الهيمنة الشرعية للكنيسة ،وهذا االجراء لم يضعف دور الكنيسة فقط
بل أضعف االعتقاد الديني نفسه ،ولمفهوم العلمانية تطبيق اخر هو تحرير
الحياة االجتماعية من األوهام disenchantmentوالمجتمrrع يتحrrرر من
األوهام عندما ال يصبح للمقدس عالقة تأثير على النrrاس ،وبالتrrالي افrrراغ
أية أهمية للمؤثرات الروحية
واإلْبعrrrاد disengagementيعrrrني إزالrrrة هيمنrrrة المؤسسrrrات الدينيrrrة
ورموزهrrا على المؤسسrrات االجتماعيrrة .مثrrل إزالrrة هيمنrrة الكنيسrrة على
التعليم والرعايrrrة االجتماعيrrrة ،وانسrrrحابها من محاولrrrة تنظيم السrrrلوك
االقتصادي والسrrيطرة على قضrrايا االخالق ،وقrrد أدى ذلrrك الى اضrrعاف
228
االلrrتزام الrrديني والrrدخول الواسrrع الى العrrالم المrrادي الrrذي اسrrتبدل الrrدين
بالدنيا ومغرياتها حتى صار كل انسان يعبد اهrrواءه وشrrهواته الrrتي خلقهrrا
اقتصاد الوفرة ،وبينمrrا خلت الكنrrائس من روادهrrا امتألت محrrاريب ثقافrrة
االستهالك بالمتعبدينBerger (1973) .
وحيث تفرغ مقاعد الكنيسة وتعلن افالسها وتباع بالمزاد العلني في الغرب
ويتزايد عدد الذين ال دين لهم فيما عدا قلة قليلة من العجrrائز ،يقوى الrrدين
في الشرق ويتعاظم نفوذه ،السيما في بالدنrا العربيrة واإلسrالمية ،وبعض
الدول النامية األخرى التي تدين باإلسالم او بغrrير اإلسrrالم .ولعrrل من اهم
أسباب تعاظم نفوذ الدين في بالدنا هو :أوال :التحدي الثقافي الrrذي جrrاءت
بrrه العولمrrة ومؤسسrrاتها الدعائيrrة العمالقrrة حيث ان الrrدين يمثrrل الهويrrة
ومحاولrrة مؤسسrrات العولمrrة سrrلخنا من هويتنrrا جعrrل اغلب النrrاس في
مجتمعاتنrrا يلتصrrق أكrrثر بالrrدين على األقrrل في وجهrrه الشrrكلي مثrrل اداء
الطقوس الدينية والتمسrrك بغطrrاء الrrراس (الحجrrاب) والسrrلوك اللفظي في
التعrامالت اليوميrة .ثانيrا :الشrعوب اإلسrالمية يrزداد فيهrا الفقر والجهrل
واالمية ،وكلما كrان المجتمrع فقيرا وجrاهال واميrا كلمrا صrrار يبحث عن
منقذ من البrؤس الrذي يعيشrه والrدين يعمrل بمثابrة صrمام امrان للتrوازن
النفسي لألفراد والجماعات .ثالثا :عملت القوى الدولية على زيrrادة الشrrرخ
واالنقسام بين المسلمين أنفسهم طائفيا ومrذهبيا ،وصrار التمسrك بالمrذهب
محورا مهما من محاو الشعور بالبقاء .رابعا :هامش الحريrrة الrrذي حصrrل
عليه المواطن بعد مدة طويلة من محاربة انظمتنا السياسية المتعاقبة للrrدين
والممارسات العقائدية ،أعاد النrrاس الى الrrدين بقوة تحت مسrrميات كثrrيرة
229
اغلبها شعائرية .خامسا :أصبح واضrrحا ان تشrrجيع اإلسrrالم السياسrrي من
قبل القوى الدولية هدفه زعزعة الثقة بالدين وبالتالي اضrrعاف تrأثيره على
الناس وان ظلوا يمارسون الشعائر الشكلية ،ذلك ان رجال الدين السياسrrي
في اغلب بالدنrrا العربيrrة اسسrrوا عصrrابات للنهب والسrrلب والقتrrل وفي
الوقت نفسه يؤدون الطقوس والشعائر الدينية مما جعل الناس على مختلف
مستوياتهم الصاق التهمة بالدين وليس برجال الدين السياسي الذين شوهوا
صrrrورة الrrrدين الrrrذي كrrrان ومrrrازال اهم عوامrrrل التماسrrrك والتضrrrامن
االجتماعي ،وبسبب هؤالء راينا عدد غير قليل من الشrrباب يتجهrrون نحrrو
االلحاد ،كما راينا بعض حاالت التحول الديني ،ومثل هrrذه االتجاهrrات من
شانها زعزعة امن واستقرار المجتمع .ولعل هذه المجتمعrrات ستشrrهد ردة
قوية ضد الدين إذا استمر الدين السياسي في افقار الناس وعrrدم االكrrتراث
بالمصالح العامة للمجتمع.
خالصة Conclusion
لقد تبين حrrتى االن ان الrدين يعمrrل على اسrrتقرار وتكامrrل المجتمrrع ،وفي
الوقت نفسه يكون مصدرا للتباغض والتنافس واالنقسام والصrrراع .مrrرة
أخرى أقول ان الدين بذاته ال يعمل على تفريق النrrاس او وضrrع الحrrواجز
والتمrrايزات بينهم ،ذلrrك ان الrrدين في جrrوهره جrrاء لخالص النrrاس من
الخرافة والتعسف واالستعباد ،ولكن القائمين عليه انقسموا بتrrأثير االهrrواء
والمصrrالح فصrrاروا شrrيعا وطوائrrف وأحزابrrا متنrrاحرة لم تكن في أصrrل
العقيrrدة ،ال في اإلسrrالم وال في المسrrحية وال في اليهوديrrة وال حrrتى في
230
البوذية والكونفوشيوسية .لقد وجد كارل مrrاركس ان الكنيسrrة كrrانت تrrبرر
السلطة القاهرة ألصحاب راس المال ،وكانت تعمrrل على تخrrدير الفقراء
الذين كان عليهم ان يصrrبروا لكي ينrrالوا الجنrrة ،وقrrد كrrان مrrاركس محقا
عندما وصف الدين المسيحي الذي تقوده الكنيسة على وجه التحديد ،بمثابة
افيون للشعوب المسحوقة فيما تتنعم فئة قليلة من ضمنها فئrrة رجrrال الrrدين
بكل االمتيازات ،تماما مثلما يحدث معنا في العراق واغلب الدول العربيrrة
االن حيث يستحوذ رجال الrrدين السياسrrي على كrrل شrrيء فيمrrا ال يحصrrل
المواطن على أي شيء ،فال تجد شارعا يصrrلح للمشrrاة وال مشrrفى يصrrلح
لعالج المرضى وال مدرسة تصلح لتعليم األوالد ،وال كهرباء في الصrrيف
وال ماء صالحا للشرب بينما يدخل العراق من موارد النفط وحده ما يعادل
دخول عشر دول من دول الجوار ،ولكن هذه الثروة كلها تذهب في بطون
اللصوص والسماسرة وتجار الليل بتأييد ومباركrrة رجrrال الrrدين السياسrrي
الذين يتحصrrنون في مسrrتوطنات خاصrrة تحت حمايrrة االتبrrاع والجنrrازير
والكالب المدربrrة على اكrrل لحrrوم البشrrر .وعلى الrrرغم من ان المدرسrrة
التطورية والمدرسrة الصrراعية تrرى ان الrدين ولrد في أحضrان الخrوف
وانrrه شrrكل من اشrrكال الrrوهم او االسrrاطير ،اال ان الحقيقة الrrتي ال تقبrrل
الجدل ان الدين كان على امتداد التاريخ ،كما تقول المدرسrrة الوظيفيrrة في
علم االجتماع ،قوة تعمل على توحيد المجتمع وتماسكه عبر منظومة قيمية
واخالقية متكاملة .وقد كان للدين كمrrا يقول بrrراوني )Browne (2010
دور فاعل في احداث التغrrيرات االجتماعيrrة اإليجابيrrة ،وفي الrrوقت نفسrrه
اّد ى دورا في نشوء الجماعrrات المتطرفrrة ،في كrrل األديrrان ،ولكن تركrrيز
231
المفكرين الغربيين كان على التطرف اإلسrrالمي فقط ،على الrrرغم من ان
الحركات اإلسالمية المتطرفة نشrrأت في مختrrبر المخrrابرات األجنبيrrة عن
طريق جذب المحرومين ،غير المتعلمين وغير االسوياء مع المرتزقrrة من
غير المسrrلمين الrrذين كrrانت تمrrدهم المخrrابرات األجنبيrrة بالمrrال والسrrالح
والمعلومات .التطرف اإلسالمي في الواقع لعبة خطيرة نجح الغrrرب فيهrrا
بتخrrريب البلrrدان العربيrrة بrrدون ان يخسrrر جنrrديا ومن دون ان يrrدخل في
حrrرب ترهقه اقتصrrاديا .اإلرهrrاب صrrناعة غربيrrة جنrrدت لrrه االجنrrاد
المخابراتية واموال ودماء وعقائد العrrرب الrrذين انrrدفعوا لتخrrريب بلrrدانهم
بسبب سعة الفجوة بين الحاكم والمحكوم.
الفصل الثامن
232
القوة والسلطة والسياسة والدولة
Power, Authority, Politics & State
234
المرحلة خنع الحكام واسكتوا أصrrوات الجمrrاهير الغاضrrبة ولم تعrrد هنrrاك
أصوات ترتفع حتى مع اعالن الرئيس األمريكي ترامب تأييد إسرائيل في
ضrrم الجrrوالن المحتrrل ،ولم تظهrrر الجمrrاهير الغاضrrبة مrrع نقل السrrفارة
االمريكية للقدس ...الجماهير الغاضبة هدأت مع هrrدوء الحكrrام وأصrrبحت
ذكرى من الماضي) .القوة تنطrrوي على إمكانيrrة اصrrدار األوامrrر واتخrrاذ
القرارات الrrتي تrrؤثر بشrrكل مباشrrر او غrrير مباشrrر على حيrrاة وافعrrال
االخرين .القوة قد تستند الى أيديولوجيا خادعة قد تعمد الى انكار وجودهrrا
او تقلل من أهميتها ولكنها تعمل في الظالم بقوة ،مثrrل اللrrوبي الصrrهيوني
في أمريكا وأروبا ،الrrذي ال يظهrrر للعلن ولكنrrه يملrrك تrrأثيرا خطrrيرا على
صّناع القرار في هذه البلrrدان .والتrrاريخ يزودنrrا بأمثلrrة ال حصrrر لهrrا عن
القوة التي تفرض نفسها بالسيف ،وفي ذلك يقول بعضهم "ان
ــــــــــــــــــــ
الف==رق بين الق==وة powerوالسrrلطة :authorityهrrو ان القوة تعrrني قrrدرة الفrrرد او
الجماعrrة في التrrأثير على االخrrرين والسrrيطرة على افعrrالهم ،امrrا السrrلطة فإنهrrا الحrrق
الشrrrrرعي والرسrrrrمي الrrrrذي يسrrrrمح بإعطrrrrاء األوامrrrrر واتخrrrrاذ القرارات.
،https://keydifferences.comوهما في الغالب يسrrتخدمان كمرادفrrات الن القوة
مرتبطة بالسلطة والسلطة تحتاج قوة لكي تستمر في اصدار األوامر وتنفيذها.
القوة تصنع الحق" وهي بكلمrrاتِ ثراسيماشrrوس Thrasymachusالrrذي
يجادل سrrقراط في جمهوريrrة افالطrrون "العدالrrة ليسrrت أكrrثر من مصrrالح
األقوياء" وفي رواية دانيال ديفrrوا "روبنسrrون كروسrrو" يوكrrد الكrrاتب ان
من يملك القوة يملك السيادة وحالما يفقدها يتحول الى عبد .لكن القوة الrrتي
تعتمد على األيديولوجيrrة المجrrردة يقول شrrينوي Chinoyهي قrrوة غrrير
مستقرة وانتقالية ،ولن يكون االقوى قويا بما فيه الكفايrة مrالم يحrول القوة
235
الى حق والطاعة الى واجب ،كما يقول جان جاك روسrrو .وأولئrrك الrrذين
يفرضون قوتهم بrrالقوة المسrrلحة فقط قrrد يواجهrrون في وقت من األوقrrات
عصيان تنفيذ اوامرهم مالم يكونوا على درجة من التحوط في الحفاظ على
مrrواقعهم .وقrrد يسrrتطيعون تrrأمين قrrوتهم بالضrrغط الشrrديد على المنrrاوئين
ليكونrrوا بال حrrول وال قrrوة ،مrrع اضrrعاف شrrامل للنسrrيج االجتمrrاعي عن
طريق إعطاء امتيازات كبيرة لفئة قليلة تrrدين لهم بrrالوالء ومن ثم بتحويrrل
القوة powerالى سrrلطة authorityتrrديم سrrيطرتهم بوسrrاطة عقوبrrات
مؤسسية واخالقية .وهذا النوع من القوة هو المعمrrول بrrه في العrrراق منrrذ
عهد االنقالبات وصوال الى "ديمقراطية" اللصوص الذين احاطوا أنفسrrهم
بأسالك شrrائكة وكالب مدربrrة على اكrrل لحrrوم البشrrر وبضrrعة مئrrات من
السماسرة والعصابات والمنتفعين والمنافقين الذين يأكلون معهم في صحن
واحد في اول النهار ويكيلون لهم التهم في اخر النهار .لقد انتصrrر النفrrاق
في العراق انتصارا ساحقا وهيمن على منظومrrة القيم االجتماعيrrة لدرجrrة
ان الذي ال ينافق ال يجد لنفسه مكانا في مؤسسات الدولة والمجتمع ،بمعنى
ادق صار النفاق قيمة إيجابية وسلعة رابحة في سrوق السياسrة واالقتصrاد
واالجتماع بعد ان كان قيمة مرذولة.
عمليrrا يمكن الحصrrول على القوة من عrrدة مصrrادر؛ القوة المسrrلحة،
المصrrالح الذاتيrrة ،األيrrديولوجيا ،والالمبrrاالة apathyفنظrrام عبrrد الكrrريم
قاسم او صدام حسين مثال حصال على القوة من ثrورة او انقالب عسrكري
مصحوب بالعنف ،واحكموا قبضتهم بالقوة المسلحة وإرهrrاب النrrاس وبث
الرعب ،ولكنهم عملوا أيضا على اسكات الناس بتقديم خrrدمات في التعليم
236
والصحة والزراعة والصناعة ،وعملوا على تحقيق بعض وعودهم .واالن
في عصر الديمقراطية الزائفة تعاقب حتى اللحظrrة خمسrrة رؤسrrاء وزراء
أطلrrق كلهم وعrrودا بتقديم خrrدمات في الصrrحة والتعليم والبنيrrة التحتيrrة
ومحاربة الفساد ولم يحقق أي منهم ولو واحد في المائة من وعودهم ،ذلrrك
ان الذي يأتي مع جنازير المحتrrل ال يكrrترث ابrrدا بتحقيrrق وعrrوده للشrrعب
الrrذي يحكمrrه ،واهتمامrrه األول إرضrrاء المحتrrل الrrذي وضrrعه على راس
الهرم وتكفل بحمايته.
التبرير االجتماعي للقوة بصيغتها الشرعية قد يأخذ عدة اشكال ،منها القوة
المقبولة اجتماعيا التي ترتبط بتقاليد مثل االسرة المالكة في بريطانيrrا الrrتي
ما تrزال على راس الهrرم منrذ عrدة قrrرون ،ومنهrا الrوالء الحrزبي الrذي
يتجrrاوز األشrrخاص نحrrو أنظمrrة وسياسrrات تلrrتزم بقواعrrد يشrrترك فيهrrا
الجميع ،مثال في الواليrات المتحrدة االمريكيrة كمrا يزعمrون ان الحكومrة
هي حكومrrة قrrوانين وليسrrت حكومrrة اشrrخاص .وليس مهّم ًا ان ال تحظى
القوانين بشعبية ،المهم ان تطrrاع طالمrrا انهrrا دسrrتورية .والمعارضrrون قrrد
يبذلون مجهrrودا لتغيrrير القوانين او الدسrrاتير من دون اعالن العصrrيان او
التمرد .وقد تكون السلطة شرعية عندما يكون الشخص ذا مؤهالت قياديrrة
كاريزمية Charismaمثل شخصية نيلسون مانديال ،او كاسترو او ليrrنين
او ماو تسيتونغ .ومع ذلك فان بناء القوة لم ُيحدد بوضrrوح ،انrrه في الواقrrع
ال يملك أرضية مشتركة وهو مفهوم غير موثrrوق بrrه ألنrrه موضrrع خالف
حتى بين المتخصصين .بعض المراقبين يعتقدون ان المrrدير التنفيrrذي في
الشركات العمالقة في المجتمعات الرأسمالية الحديثة يتمتrrع بسrrلطة كبrrيرة
237
جدا مستمدة من الموقع الذي يشغله .ولكن مثل هذا االعتقاد موضع تشكيك
مستمر ،فالقوة او السلطة التي يتمتع بها المدير التنفيذي او السياسrrي يمكن
انتزاعها بسرعة على طريقة مصrrباح عالء الrrدين السrrحري .ومهمrrا يكن
فان فهم القوة والسلطة يستلزم فهم السياسة.
السياسة والسلطة Politics & Power
التحليل االجتماعي للسياسة يأخذ في االعتبار العالقة بين السلوك السياسي
والبناء االجتماعي .علم االجتماع يقوم بتحليل السلطة والهيمنة في مواطن
مختلفة من المجتمع ،من مكان العمل الى االسرة ،وعلم االجتماع السياسي
يهتم بدراسrrة السrrلوك السياسrrي المباشrrر مثrrل التصrrويت في االنتخابrrات
وانشrrطة جماعrrات الضrrغط ،لكن علمrrاء االجتمrrاع يعتقدون ان مrrديات
السrrلطة السياسrrية ابعrrد من ذلrrك بكثrrير ،فالسياسrrة تrrدخل في كrrل أنrrواع
التفاعالت االجتماعية ،وكمrrا يقول وزلي )Worsley (1966: 16-17
"يمكننrrا القول باننrrا نتصrrرف سياسrrيا عنrrدما نضrrع نrrوع من القيrrود على
االخرين لكي يسلكوا السلوك الذي نريد ...وضع القيrrود على االخrrرين في
أي عالقة اجتماعيrrة هrrو سياسrrة" .وفقا لوجهrrة النظrrر هrrذه فrrان السrrلوك
السياسي هو سلوك سلطوي ،وهذا ال يقتصrrر على المؤسسrrات الحكوميrrة،
ولكنه يمكن ان يظهر في أي موقف اجتماعي .عندما يتخذ القرار السياسي
فانه يصبح موضع تنفيذ ،والتنفيذ يستلزم القوة والسrلطة لكي يأخrذ طريقه
الملزم .السياسة ببساطة ليست ما يفعله السياسي ،انها أية ممارسة تسrrتلزم
ممارسة الضبط ،ووضع القيود واالجبrار في المجتمrع ،وايrة عالقrة غrير
متكافئrrة او ليس فيهrrا مسrrاواة تملrrك ابعrrادا سياسrrية ،والن عrrدم المسrrاواة
238
موجود في الحياة االجتماعية ،فrrان اي بحث في أنمrrاط الحيrrاة االجتماعيrrة
ينبغي ان يكون بحثا عن أنماط توزيع السلطة .كما ان االتجrrاه االجتمrrاعي
للسياسrrة يقوم دائمrrا على تحليrrل عمليrrات السrrلطة في مجrrال العالقrrات
االجتماعيrrrة ،وعلى نتrrrائج السrrrلطة المرتبطrrrة بالصrrrراع او االسrrrتقرار
االجتمrrاعي .النظريrrات الحديثrrة للسrrلطة ذهبت بعيrrدا في تحليلهrrا بكال
االتجrrاهين ،الضrrيق والواسrrع .Micro & Macroميشrrيل مrrان M.
) Mann (1986أكد على ان هناك أربعة مصادر للقوة االجتماعيrrة هي:
األيديولوجيا ،واالقتصاد ،والعسكر والقوة السياسية ،وبدل ان يكون هنrrاك
بناء مفرد للقوة لكل مجتمع من المجتمعات ،أكد "مrrان" ان هنrrاك شrrبكات
متداخلة للقوة والسrrلطة ،كمrrا أشrrار الى انrrه ال ينبغي االعتقاد بrrان احrrدى
أنواع القوة او السلطة المشrrار اليهrrا يمكن ان تحصrrل على الهيمنrrة التامrrة
كما وصفها كارل ماركس .مان كان مشككا بنظريات بناء السلطة التقليدية
ولكنrrه هrrو االخrrر سrrقط في فخ التوصrrيفات االعتباطيrrة في اعتمrrاده على
مفهوم المنظمات التي تمارس السلطة .ميشيل فوكو Michel Foucault
) (1979هو االخر كrrان مرتابrrا من التعامrrل مrrع المجتمعrrات المحصrrورة
بأبنية منفصلة ،ورفض بقوة أي تعميم بشأن التفسير االقتصrrادي للسrrلطة،
فوكو ذهب ابعد من مrان في رفض فكrرة البنrاء الواسrع للسrلطة Macro
،wayوكان ينظر للسلطة منظار الباب الضيق ،Microويراها واضحة
في كل العالقات االجتماعيrrة وفي عمrrل مختلrrف المؤسسrrات بمrrا في ذلrrك
السrrجون والعيrrادات الطبيrrة .وهrrو في ذلrrك يكتشrrف العالقrrة القريبrrة بين
السrrلطة والمعرفrrة ،ويقول انrrه حيث تسrrتقر األفكrrار وتوضrrع موضrrع
239
الممارسة ويصبح الخطاب فعrrاال فrrان فكrrرة هيمنrrة السrrلطة الحاكمrrة مثال
تبدد الغموض عن حقيقة السrrلطة على المسrrتوى الضrrيق Micro level
بمعrrنى ان السrrلطة ال يمكن النظrrر اليهrrا من البrrاب الواسrrع Macroأي
باستحواذ طبقة بذاتها دون االخرين على السلطة ،وهو لrrذلك يعrrد السrrلطة
بناء يشبه الشبكة ينتشر عبر نسيج الحيrrاة االجتماعيrrة ،ففي الحقل الطrrبي
مثال يقول فوكو ان طبيعة المعرفة لها سلطة مباشrrرة اذا وضrrعت موضrrع
الممارسة في المؤسسrrات الطبيrrة ،ويتخrrذ من هrrذه السrrلطة على المسrrتوى
المؤسسي انموذجا للسلطة على مسrrتوى " ،"Microبينمrrا ذهب اخrrرون
في توجيه االتجاه نحrrو السrrلطة على المسrrتوى العrrالمي الواسrrع ،Macro
مثrل الشrركات عrابرة القارات الrتي ذهبت مrع سrلطتها وقوتهrا ابعrد من
الحدود القومية ألي بلدBilton et al (2002).
الطبقة والسلطة Class & Power
العالقة بين الطبقة والسلطة السياسية كانت محور نظرية كrrارل مrrاركس،
وينضوي تحتها الطبقة التي تحكم والطبقة التي تعمل ،وهذه الثنائيrة كrانت
موضrrع نقاش مسrrتمر من ِقبrrل المؤيrrدين والمعارضrrين .مناقشrrة الطبقة
العاملة كانت تتمحور حول وعيها الطبقي وفعلها السياسrrي ،بينمrrا ركrrزت
مناقشrrة الطبقة الحاكمrrة على قrrدرة هrrذه الطبقة على الهيمنrrة على سrrلطة
الدولة .لقد كان الماركسيون ينظرون للطبقة العاملة على انها اشكال ناميrrة
للعمل السياسي الذي يعمل على تحدي النظام االجتماعي الرأسمالي القائم،
وإنها في النهاية ستنتصر على هذا النظام بالثورة ،ومن جهrrة أخrrرى فrrان
الطبقة الحاكمة التي تتحكم في أدوات الدولrrة سrrتؤول الى الrrزوال .منتقدو
240
مrrاركس هrrاجموا نظريتrrه السياسrrية بوجهيهrrا ،وأكrrدوا ان الطبقة العاملrrة
فشلت في ان تكون أداة ثورية فعالة كما أراد لها ماركس ،ثم رفضوا فكرة
هيمنrة الطبقة الرأسrمالية على الدولrة .المنتقدون الrذين ينتمrون لمدرسrة
الصrrفوة التقليديrrة ،اسrrتبدلوا مفهrrوم مrrاركس عن الطبقة الحاكمrrة بمفهrrوم
الصفوة السياسية او الصفوة الحاكمة ،وقالوا ان الrrذين يحكمrrون هم خليrrط
من كل الطبقات ،والسلوك السياسrي لهrذا ال يمكن ببسrاطة عrزوه للعالقrة
بين الطبقات او الصراع الطبقي .ماركس كان يrrرى الطبقات االجتماعيrrة
على انها فئات من النrrاس يشrrتركون في مصrrالح اقتصrrادية معينrrة ،وكrrان
يعتقد انه عنrrدما يصrrبح أعضrrاء الطبقة على وعي بمصrrالحهم المشrrتركة
فانهم سيقومون بتشكيل او االنضمام لحزب سياسي يمثrrل مصrrالحهم .كمrrا
ان وعيهم الطبقي وتضrrامنهم سrrوف يعrrزز فعلهم الجمعي ويجعrrل منهم
طبقة بذاتها على حد تعبير مrrاركس نفسrrه .فrrاذا انتظم أعضrrاء الطبقة من
اجrrل العمrrل السياسrrي فانrrه سrrيكون بمقدورهم العمrrل ألنفسrrهم من اجrrل
مصالحهم الجمعية ،ولن يعودوا يشكلون مجرد طبقة بrrذاتها ،او تجمrrع من
االفrrراد المتمrrاثلين ،ألنهم يملكrrون الوحrrدة والتماسrrك والتنظيم من اجrrل
برنrrامج عمrrل مشrrترك يمrrيزهم .مrrاركس كrrان يrrرى المجتمrrع الرأسrrمالي
يمضي بقوة نحو القطبية ،االنقسام االقتصادي بين الطبقة العاملrrة والطبقة
المالكة لوسائل اإلنتاج الرأسمالي ،أصبح ملحوظا أكثر وأكثر ،كما أصrrبح
ينعكس على استقطاب الوعي الطبقي .والطبقة العاملrrة انتظمت في شrrبكة
االتحادات العمالية ،جماعrات الضrrغط ،واألحrزاب السياسrية ،وهrذه كلهrا
مجتمعة تشكل حركة اجتماعية تقدمية فعالة ،هي الحركة العماليrrة ،ويrrرى
241
ماركس ان األحزاب الشrrيوعية تلعب دورا قياديrrا فيهrrا .من جهrrة أخrrرى،
الطبقة الرأسrrمالية متورطrrة بشrrكل مباشrrر في ممارسrrة سrrلطة الدولrrة،
واعضاؤها يمسكون بالمواقع القياديrrة في البرلمrrان والحكومrrة والمفاصrrل
األخرى للدولة ،حيث يشكلون الطبقة الحاكمة ،وسلطتها السياسية تنمو مع
نمو الدولة ،والصrراع بين الطبقة العاملrة والطبقة الحاكمrة أصrبح منظم
سياسrrيا .اغلب علمrrاء االجتمrrاع اليrrوم يتفقون على ان رؤيrrة مrrاركس
لالستقطاب الطبقي ليست بهذه الحدة ،كما ان تطور المجتمعات الرأسمالية
لم يؤكrrد توقعاتrrه ،ذلrrك الن المجتمعrrات الرأسrrمالية اسrrتوعبت نظريrrة
الصراع وعملت على تحييد العوامل التي تقود للصراع ،مثل رفع األجور
وتوفير الضrrمان االجتمrrاعي والصrrحي وتحسrrين ظrrروف العمrrل ،واالهم
امتصاص الوعي الطبقي المحفز للكفاح ضد االسrrتغالل .ومهمrrا يكن فrrان
المفاهيم النظرية لكارل مrrاركس على الrrرغم من اخفاقهrrا في التطrrبيق في
اغلب البلدان الشيوعية ،وانهيrrار االتحrrاد السrrوفيتي الrrذي كrrان يمثrrل امrrل
العمال في التحرر ،بقيت ذات قيمة عظيمة وقاعدة فعالة في فهم التوجهات
المركزية للمجتمعات الحديثة.
الحسابات الكالسيكية للسلطة Classic Accounts of Power
242
متسrrاوون امrrام القانون .لكن الحقوق المتسrrاوية ال تعrrني بالضrrرورة
الحصrrول على المقدار نفسrrه من السrrلطة .وإذا كrrان النظrrام االقتصrrادي
الرأسمالي قد أنتج نظام عدم مساواة في القوة االقتصrrادية ،فهrrل كrrان ذلrrك
إيذانا بعدم المساواة السياسية ،يتساءل بلتrون واخrرون؟ منظrرو السياسrة
الليبرالية لهم نظرة مختلفة كليrrا عن اتبrrاع السياسrrة الشrrتراكية حrrول هrrذا
السrrؤال .اللrrبراليون يrrرون ان الفوائrrد االقتصrrادية ليسrrت مفتاحrrا للفوائrrد
السياسrrية ،فالنظrrام السياسrrي يعطي الحقوق والحمايrrة للجميrrع .والعمليrrة
الديمقراطية ينبغي ان تعكس المتطلبات السياسية لكل األطrrراف السياسrrية
والمصالح االجتماعية بrrدون تميrrيز .في الحسrrابات الليبراليrrة الكالسrrيكية،
الطبقة البرجوازية هي التي تمتلك الحقوق السياسية ،هذه الطبقة الوسrrطى
كrrانت تقود النضrrال من اجrrل الحريrrة االقتصrrادية والسياسrrية ،وتrrرفض
الهيمنrrة األرسrrتقراطية في الحكم ،وعنrrدما تم تعrrديل المواطنrrة السياسrrية
بإدخrrال المrrرأة والفقراء في أواخrrر القرن التاسrrع عشrrر وبrrدايات القرن
العشرين ،كان ذلك المطلب األساس للمبادئ الليبرالية في الحقوق الفرديrrة
الشrrاملة .وفي المقابrrل كrrان المفكrrرون االشrrتراكيون ينتقدون الحقوق
البرجوازيrrrة ،ويrrrرون ان الليبراليrrrة الرأسrrrمالية أطلقت أيrrrدي الطبقة
البرجوازيrrة في الهيمنrrة السياسrrية واالقتصrrادية ،فمبrrدأ حريrrة األسrrماك
الكبيرة يعني موت األسrrماك الصrrغيرة .وحقوق المسrrاواة الرسrrمية تخفي
وتبرر حقيقة ممارسة الالمساواة ،ذلك الن النrrاس ال يسrrتطيعون ممارسrrة
الحقوق السياسية بفعالية إذا كان النظام االقتصrrادي ينكrrر عليهم الحصrrول
على الثروة والقوة والتrrأثير .لهrrذا فrrان المناقشrrة الrrتي دارت حrrول توزيrrع
243
القوة ،السrrيما العالقrrة بين القوة االقتصrrادية والقوة السياسrrية ،يمكن
مالحظتها عبر االتجاه التعددي واالتجاه الماركسي اللrrذين سrrنعرض لهمrrا
في المفصrrل الالحrrق .جماعrrة االتجrrاه التعrrددي Pluralismيrrرون ان
المؤسسات الديمقراطية الليبرالية ،حقيقة تمنح الحقوق والفrrرص والفوائrrد
السياسrrية الضrrرورية للمواطrrنين والحيلولrrة دون حصrrول تركrrز للسrrلطة
والقوة في ايrrدي جماعrrة اجتماعيrrة واحrrدة .وحrrتى في حrrال ان النخبrrة
الصغيرة هي التي تقرر السياسة والحكومة ،فأنها تخضع لتrrأثير جماعrrات
الضغط االجتماعية وتستجيب لعامة المواطrrنين .االتجrrاه الماركسrrي يrrرى
ان الترتيبrrات السياسrrية للديمقراطيrrة الليبراليrrة هي ترتيبrrات زائفrrة ،وهم
جميل ،يخفي حقيقة تركز السلطة في ايدي طبقة صغيرة متنفذة اقتصاديا.
االتجاه التعددي Pluralism Approach
االتجاه التعددي لتوزيع السلطة يرفض الفكرة القائلة ان المصrrالح الطبقيrrة
هي البوابrrة الرئيسrrة للسrrلطة ،وبrrدال من ذلrrك يؤكrrد على ان المكونrrات
االجتماعية العديدة ،والحاجات السياسrrية ،والمرجعيrrات الrrتي يسrrتمد منهrrا
المواطن قوته هي التي تؤخذ في االعتبار عند التمثيل السياسrrي .أصrrحاب
االتجاه التعددي ينكرون الصrrراع الطبقي ويrrرون الجماعrrات االجتماعيrrة
المتعددة والمتداخلة مع تنوع في المصrrالح السياسrrية هي صrrاحبة السrrلطة
في النظrrام الrrديمقراطي اللrrبرالي ،بمعrrنى ان بنrrاء السrrلطة يتrrوزع على
جماعrrات اجتماعيrrة متنوعrrة ،مrrادام السياسrrيون منفتحين على مختلrrف
الجماعات ذات التأثير ،ومrrادام النrrاس يمتلكrrون األهrrداف الrrتي من اجلهrrا
يمنحrون أصrواتهم لممثلين من مختلrف الجماعrات ،فانrه عندئrذ باإلمكrان
244
تحقيق ديمقراطية تعددية حقيقية كما يقول دال ) .Dahl (1989حصrrول
الناس على هذا االمتياز ،وفقا لالتجاه التعددي ،جاء نتيجة توسrيع الحقوق
المدنية في االختيار الجمعي لممثلي الشعب عبر األحزاب السياسrrية ،مثrrل
األحزاب االشrrتراكية ،وعن طريrrق المنضrrمات االجتماعيrrة والصrrناعية،
مثل جمعيات المستهلكين واتحادات العمrال .لهrذا فrrان االتجrاه التعrددي لم
يكن بالدرجة األولى مهتما بالحقوق الفردية ،ذلك الن القوى الفاعلrrة الrrتي
تقف وراء الديمقراطيrrة الليبراليrrة هي النشrrاطات السياسrrية للجماعrrات
المنظمة ،فسياسات القرن العشrrرين الحديثrrة كrrانت منقسrrمة بسrrبب تنrrوع
الجماعات االجتماعية التي ينتمي لها االفراد ،مثrrل الطبقات االجتماعيrrة،
والجماعات المهنية ،وجماعات النوع (الجندر) والجماعات الدينيrrة ...الخ.
والعامل األساس في القوة هrو التعقيrدات المتزايrدة للمجتمعrات الصrrناعية
الحديثة التي خلقت جماعات مصالح شديدة التنوع .والمجتمrrع لهrrذا أصrrبح
مرفأ لتنوع المصالح المتنافسة ،ولكنه لم ينقسم اجتماعيrrا لدرجrrة التنrrاحر،
الن هناك مصالح مشتركة من شانها ان تدفع كل األطراف للمحافظة على
اإلطrrار العrrام الrrذي عن طريقه تتنrrافس الجماعrrات المختلفrrة من دون ان
تعمrل على تrدمير النسrيج االجتمrاعي ،لهrذا فrrان الجماعrات الrتي تخطrو
خrrارج حrrدود الديمقراطيrrة الليبراليrrة توصrrف بأنهrrا تنتهrrك قواعrrد اللعبrrة
الديمقراطيrrة ،وان الجماعrrات السياسrrية الراديكاليrrة (المتطرفrrة) توصrrف
بانهrrا تهديrrد من شrrانه ان يقوض التسrrامح المتبrrادل والتنrrافس السياسrrي
المعتrrدل .النازيrrة الجديrrدة ،حركrrة الرايrrات السrrوداء ،التطrrرف الطالبي،
العمrrال المضrrربين عن العمrrل ،كrrل هrrؤالء ينظrrر لهم على انهم أعrrداء
245
الrrداخل ،الrrذين ينتهكrrون االجمrrاع األساسrrي الrrذي يعrrزز الديمقراطيrrة
التعددية.
بالعلى الرغم من ان الحكومة تلعب دورا حاسما في حل مشrrكلة المصrrالح
المتعارضة للجماعات ،فان االتجاه التعددي من الناحية الجوهرية يتمحور
اجتماعيا ،وال يتمحور حول الدولة ،ذلك الن الحكومrrة تقف بعيrrدا بمثابrrة
وسrrيط محايrrد ،او حكم بين مصrrالح الجماعrrات المتنافسrrة ،ولكنrrه وسrrيط
مستقل ال يخضع لسيطرة جماعة على حساب مصالح الجماعات األخرى،
والن كل جماعة لديها مصالح فان الحكومة تكون ملزمة في اخrrذ مصrrالح
الجماعات كلها بنظر االعتبار في رسrrم السياسrrات ،وليس هنrrاك جماعrrة
مفضلة وال جماعة مسrrتبعدة في عrrرف الحكومrrة المحايrrدة ،كمrrا انrrه ليس
هناك جماعة بمقدورها التحكم في سياسة الدولة ،لهذا فان بناء القوة مrrائع
ومعقد في ان واحrrد .واصrrحاب االتجrrاه التعrrددي يرفضrrون المسrrاواة بين
القوة االقتصrrادية والقوة السياسrrية ،او القبrrول بهيمنrrة الطبقة االقتصrrادية
على زمام القوة.
تعrrرض أصrrحاب هrrذا االتجrrاه لهجrrوم شrrديد من خصrrومهم ،أهمهrrا ان
الجماعات تختلف في حجمها ومصادر تأثيرها ،فالجماعrrات الكبrrيرة مثrrل
اتحادات العمrrال او االغنيrrاء من أصrrحاب المصrrانع والشrrركات يمتلكrrون
تأثيرا أكبر بكثير من االفراد الذين يعملrrون في شrrركات صrrغيرة وبالتrrالي
حظrrوظهم في الحصrrول على القوة والسrrلطة أكrrبر من نظrrرائهم .عمليrrا
الحكومة ليست محايrrدة وهي على االغلب تميrrل لتrrأثيرات أصrrحاب القوة
االقتصادية ،كما ان الجماعات والحركات السياسية التي تطالب بتغيrrيرات
246
جذرية في المجتمع توصف بانهrrا غrrير شrrرعية ،وذلrrك يفنrrد زعم االتجrrاه
التعrrددي في تحقيrrق العدالrrة في توزيrrع السrrلطة وفي اخrrذ وجهrrات نظrrر
الجميع في رسم السياسات االجتماعية.
االتجاه الماركس==ي في توزي==ع الس==لطة Marxist Approach of the
Distribution of Power
االتجrrاه التعrrددي للسrrلطة ال يقوم على الطبقة وحrrدها وانمrrا على أجrrزاء
المجتمrrع األخrrرى ،مثrrل اإلقليم ،والنrrوع (الجنrrدر) والعrrرق ،بينمrrا يقوم
االتجrrاه الماركسrrي على الطبقات االقتصrrادية ،والسrrبب الrrرئيس في ذلrrك
يعود الى زعم الماركسيين في ان:
ـ المالمح البنائية األكثر أهمية للحداثة هي رأس المال
ـ الرأسrrمالية تسrrتند الى العالقrrات الطبقيrrة ،وهrrذه بالضrrرورة تسrrتلزم
االستغالل والهيمنة
ـ هناك دائما صراع طبقي متجذر في جوهر المجتمعات الرأسمالية
ـ وفوق هذا فان العالقات االقتصادية تشكل العالقات االجتماعيrة األخrرى
في المجتمrrع ،لهrrذا فrrان الطبقة الرأسrrمالية هي األكrrثر تrrأثيرا من بrrاقي
المكونات السياسية األساسية في المجتمع .واالجزاء السياسية األخرى لحد
ما خاضعة للطبقة الرأسمالية ،وعليه فإنها ال تملك القدرة الالزمrrة لتقريrrر
التطور السياسي في المجتمع .كما ان مrrاركس وانجلrrز أنفسrrهما يrrرون ان
السياسة والتغير االجتماعي ال يمكن استبعادهما من المستوى االقتصادي،
انهم يعدون العامل االقتصrrادي عrrامال حاسrrما في تحديrrد مسrrارات التغrrير
االجتماعي والسياسي .والماركسيون الجدد أعطrrوا مسrrاحة أكrrبر للسياسrrة
247
وااليrrديولوجيا ،ولكنهم يعrrدون الهيمنrrة المطلقة للبنrrاء االقتصrrادي بحكم
المؤكدة.
مrاركس وانجلrز اسrتخدما نموذجrا مبسrطا للسياسrة ،اذ انهم يزعمrون ان
الدولة أداة بيد الطبقة الحاكمة ،وهي الطبقة االقتصrادية المهيمنrة مباشrرة
او بوساطة اخرين يrrأتمرون بأوامرهrrا ،فمثال في البيrrان الشrrيوعي 1848
وصفا الدولة الرأسمالية بانهrrا "لجنrrة تنفيذيrrة للمصrrالح البرجوازيrrة" وفي
مكrrان اخrrر وصrrفا الدولrrة بانهrrا تعمrrل من اجrrل المصrrالح االقتصrrادية
والسياسrrrrية للطبقة الرأسrrrrمالية )،Marx & Angels (1967
والماركسrrrيون الrrrذين يتبنrrrون مبrrrدأ "الدولrrrة أداة" يشrrrككون في حقيقة
الديمقراطيrrة في الدولrrة الرأسrrمالية ،فالبرلمrrان والحكومrrة ليسrrا المصrrدر
األساس للقوة والسلطة ،الن القوة الحقيقية بيد الrذين يمتلكrون ويسrيطرون
على رأس المال ،فالديمقراطية والمشrrاركة الشrrعبية تبقى محrrدودة للغايrrة،
او وهمية ،مادامت المجتمعات الغربية باقية مجتمعات رأسrrمالية وتخضrrع
لهيمنة الطبقة االقتصrrادية الrrتي تملrrك القوة الحقيقيrrة .الطبقة االقتصrrادية
المهيمنة تستمد قوتها ليس فقط من امتالكهrrا وسrrائل اإلنتrrاج ،وانمrrا أيضrrا
بسبب امتالكها لوسائل االعالم ،والجيش ،والمؤسسات الدينية ،فضrrال عن
انها قريبة جدا من صناع القرار في الدولrrة ،لهrrذا فrrان الطبقة االقتصrrادية
المهيمنة هي الطبقة الحاكمة ،وهي في الواقع طبقة قليلة العrrدد تهيمن على
رأس المال فيما يعجrrز بقيrrة أعضrrاء المجتمrrع من الحصrrول على اقrrل مrrا
يمكن من الثروة التي تتحكم بمفrrاتيح القوة والسrrلطة .وعلى الrrرغم من ان
الطبقة المهيمنrrة تغrrيرت بعض الشrrيء في تركيبتهrrا االجتماعيrrة ،اال انهrrا
248
مازالت مجموعة لها خصوصrrيتها ،فهي طبقة مغلقة ومنفصrrلة كليrrا عن
البناء الطبقي للجماعات األخrrرى ،واسrrتمرارية خصوصrrيتها مسrrتمدة من
استراتيجيتها متعددة االبعاد في إعادة انتاج الطبقة وانغالقها عبر واحدة او
أكثر من الطرائق االتية:
ـ الزواج الداخلي ،والعالقات القرابية
ـ المصالح االقتصrrادية المترابطrة ،مثrل اإلدارات المتشrابكة ،حيث تكrون
نفس اإلدارة لعدة شركات
ـ خلفيrrة تعليميrrة خاصrrة ،مثrrل االلتحrrاق بمrrدارس معينrrة ،ثم االلتحrrاق
بجامعات مرموقة مثل هارفرد ،أوكسفورد وكامبردج.
ـ االرتباط بعالقات المجال cross-sphere linkageحيث يشغل االفراد
موقع من مواقع النخبة او يرتبطون بالنخبة ارتباطا عضrrويا ،مثrrل عضrrو
في البرلمان وفي الوقت نفسه يشغل موقعا قياديا او استشاريا في الشrركة،
او لهم صrrالت السrrيما مrrع أصrrحاب النفrrوذ من الrrوزراء وكبrrار مrrوظفي
الدولة.
على الرغم من ان النظام الرأسمالي حاول تعديل بعض القوانين التي تمنح
الطبقة العاملة بعض االمتيازات ،مثل تعديل األجrrور والضrrمان الصrrحي
والضمان االجتماعي وتوفير السrrكن ،وعrrرض الشrrركات للملكيrrة العامrrة
عن طريrrrق االسrrrهم اال ان النظrrrام االجتمrrrاعي في حقيقتrrrه لم يتغrrrير،
فالمشاركة في ملكية الشركات عن طريق األسهم هي مجرد ندبrrة صrrغيرة
في نمط حيازة الثروة كما يقول سكوت) ، Scott (1982وبالنتيجة مهمrrا
امتلك االفراد من اسrrهم فrrان عائrrداتها النهائيrrة سrrتبقى ضrrمن دائrrرة راس
249
المال ،الن الذين بمقدورهم ان يشتروا اكبر قrrدر من األسrrهم هم أصrrحاب
راس المال وليس الفقراء والعمال ،ولذلك فان حملة األسهم الذين يتمتعون
بrrالقوة الحقيقيrrة ويتحكمrrون في هrrذه الشrrركات هم فقط عrrدد محrrدود من
أصحاب راس المال ،ومن هنا يرى الماركسيون ان الطبقة الرأسrrمالية لم
تختِف بل بالعكس تزدهر وتزداد ثrrراء ،وهrrذه تعكس نظrrام القيم المهيمنrrة
التي تساوي بين المصالح الرأسمالية والمصالح الوطنية وتدافع عن مبادئ
الملكية الخاصة وحرية الشركات والربحية ،واقتصاد السوق الحrrر ،وكrrل
ما يتبعها من اشكال الالمساواة االجتماعية.
السياسة فيما وراء الطبقة Beyond Class Politics
تعيش المجتمعات الغنية اليوم تناقضrrا واضrrحا ،فعلى الrrرغم من االرتفrاع
الكبير في مستويات المعيشة في العقود األخrrيرة من القرن العشrrرين ،اال
ان هذا االرتفاع لم يكن متساويا .واالتجrrاه نحrrو تقليrrل الفrوارق في الrrدخل
انقلب الى الضrrد في الثمانينrrات والتسrrعينات من القرن الماضrrي ونشrrات
بسبب ذلك اقلية فقيرة نسrrبيا ،وصrrنف بعض الكتrrاب المجتمrrع الرأسrrمالي
بثالث فئات ،فئة تملك وفئة تملك كثيرا وفئة ال تملك أي شrيء ،في إشrارة
الى وجود اقلية أساسية مستبعدة تماما من تيار الرفاهية .والتناقض هrrو ان
الطبقة لم يعrrد ينظrrر لهrrا بتلrrك األهميrrة ولكن في الrrوقت نفسrrه تrrزداد
الالمسrrاواة عمقا .وهrrذه خلقت مشrrكلة ألولئrrك الrrذين يعrrدون السياسrrة في
المجتمع الحديث ماتزال تخضع للهيمنة الطبقية .وعلى الرغم من انهrrا في
الواقع كذلك لكنها تعمل بطريقة غrrير مرئيrrة .وعليrrه فإننrrا ال نسrrتطيع ان
نضع افتراضات بسrrيطة حrrول العالقrrة بين الطبقة ،والمصrrلحة الطبقيrrة،
250
والقيم واالفعال السياسية ،فليس هناك رابط مباشrrر بين البنrrاء االجتمrrاعي
للطبقة والrrوعي الطبقي والفعrrل السياسrrي .والواقrrع ان الموقrrع الطبقي
والrrrوعي الطبقي والفعrrrل السياسrrrي هي فقط ثالث قواعrrrد للمكونrrrات
االجتماعية من بين عrدد كبrير من القواعrد الrتي تشrكل الهويrة السياسrية،
فالنrrrاس يحصrrrلون على هويrrrاتهم االجتماعيrrrة ،ووعيهم من خrrrبراتهم
االجتماعيrrة المتعrrددة ،ولrrذلك هنrrاك قواعrrد عديrrدة بواسrrطتها يمكن ان
يتحشدوا او ُيحشدوا سياسrrيا ،وتبقى الطبقة حاضrrرة بقوة في المجتمعrrات
الصناعية على الرغم من محاوالت ابعادهrrا عن الواجهrrة ،والطبقة ،على
كل حال ،لبنrrة أساسrrية عنrrدما نحrrاول ان نفهم موقعنrrا في المجتمrrع ،ولكن
الطبقة يتم اغفالها في البحث عن الهويrrة االجتماعيrrة او الهويrrة السياسrrية،
ولهrrذا فإنهrrا لم تعrrد تملrrك تrrأثيرا مباشrrرا على الrrوعي المتعلrrق بالفعrrل
السياسي.
المكونات والمصالح االجتماعية أكثر هيمنة على تفكير النrrاس من الطبقة
االجتماعية او المصالح الطبقية او االنتماء الطبقي ،فمثال التمrrايز الطبقي،
والمصالح الطبقية ،أصبحت تتقاطع مع متغيرات غير طبقية .مثل االنتماء
الديني ،االنتمrrاء العمrrري ،النrrوع الجنسrrي (الجنrrدر) او االنتمrrاء العrrرقي.
التمrrrايز على أسrrrاس الجنس او العrrrرق ،مثال ،مrrrألوف في بيئrrrة العمrrrل
وخارجها أيضا .ثقافة العمل اليدوية التقليدية كانت وماتزال تعطي الrrذكور
أولويrrة في اإلدارة واألجrrور والواجبrrات مrrع تمrrايز واضrrح ومعلن وشrrبه
عدائي ضد المرأة .قادة اتحادات العمال الrrبيض غالبrrا يتعrrاملون بنrrوع من
التعالي على العمال غير المنتظمين كاإلناث واألقليات العرقية والناس من
251
ذوي األصrrول االفريقيrrة يعrrانون من تميrrيز الrrبيض لهم عنصrrريا داخrrل
وخارج أماكن العمل ،لذلك فان المنظمات الrrتي ترتبrrط بقوة مrrع السياسrrة
الطبقية ،تتصرف غالبا بعدائية ضد الهويات والمصالح االخرى .ان أهمية
معرفة ذلك تتجلى في الكيفية التي ينظر بها النrrاس لمrrوقعهم الطبقي ،فمrrع
تعرض بعض الناس للتمايز وعدم المسrrاواة في الحيrrاة اليوميrrة ،فrrان هrrذه
الخبرة تحتاج الى تفسير عن طريق مجموعة من األفكار او االطر العامrrة
التي يمكن تحديد اثنين منها .أوال :مجموعrrة القيم واألفكrrار السrrائدة والrrتي
تمارس في التفاعالت اليومية ،مثل الكلمrات الrتي تسrتخدم لوصrrف رجrل
اسود او رجل اسيوي .فالرجrrل األسrrود في محادثrrة بين اثrrنين من الrrبيض
يوصف بانه األسود ذو الرائحة الكريهة “ ”Smelly Nigerوهي كلمة
تنطوي على إهانة عنصرية ،وكrrذلك الحrrال بالنسrrبة لألسrrيوي (أي كrrانت
اصوله االثنية) الذي يطلق عليrه الپrاكي البخيrل " "Greedy Pakiوهي
األخرى تنطوي على نوع من الدونية ،وعلى الرغم من انها غير مسrrموح
بها قانونا اال انها تمrrارس معيrrارا ضrrمن منظومrrة القيم الrrتي تحكم سrrلوك
الرجل األبيض ،ثانيا :نطاق المؤسسات التي تزود االفراد بطريقة رؤيتهم
للعالم ،فمؤسسات مثل االعالم والمدارس واألحrrزاب السياسrrية واتحrrادات
العمال كلها تنطلق منطلق طبقي ،فاألحزاب المحافظة هي في الواقrrع تحrrد
د االنتماء غالبrا باألغنيrاء ومrدارس األغنيrاء تختلrف نوعيrا عن مrدارس
الفقراء ،فالطبقة تدخل هنا حقيقة واقعة واطار عام لفهم العrrالم .وإذا فكرنrrا
سيسيولوجيا حول تغير المجتمعrات الغنيrة خالل العقود القليلrة الماضrrية،
فانrه من الواضrrح ان الطبقة لم تعrد محوريrة في التفrاعالت اليوميrة وفي
252
النظرة للعالم ألنها أصبحت تمارس نفوذها عن طريق التحكم بالمؤسسrات
وليس الممارسة الطبقية المباشرة .ومهما يكن فان اختفاء الوعي الطبقي ال
يعني بالضرورة اختفاء الطبقة ذلك الن الطبقة تعمrrل بصrrمت من دون ان
تثير الغبار الrrذي من شrrانه ان يعمrrق التمrrايز والصrrراع ،وهrrو في الواقrrع
التفاف عبقري على النظريrrة الماركسrrية الrrتي تعتمrrد على الrrوعي الطبقي
الrrrذي يقود بالضrrrرورة الى الصrrrراع الطبقي في تفسrrrيرها للعالقrrrات
االجتماعية .ومع ذلك فان االعالن عن موت السياسrrة الطبقيrrة ليس جديrrدا
ذلrrك انrrه في خمسrrينات القرن الماضrrي زعم بعض المعلقين ان السياسrrة
الطبقية في طريقها لالنحسار ،والواقrrع ان تمrrدد دولrrة الرفاهيrrة ،وارتفrrاع
مسrrتوى المعيشrrة وتحسrrين ظrrروف العمrrل من المتوقrrع ان تنهي السياسrrة
الطبقية وتجعل من أفكار كارل ماركس "أفكrrار مثلجrrة"Bilton et al .
)(2002
الدولة الحديثة The Modern State
فكrrرة تقسrrيم العrrالم الى دول مسrrتقلة ،بحrrدود جغرافيrrة ونقاط تفrrتيش
وجrrوازات سrrفر ،فكrrرة حديثrrة ،فمثال المانيrrا وإيطاليrrا لم تكن لهمrrا حrrدود
معروفة حتى أواخر القرن التاسع عشر ،والواقع ان العالم المنقسrrم بحrrدود
جغرافيrrة لم يكن موجrrودا قبrrل انحالل االمبراطوريrrات االسrrتعمارية في
النصف الثاني من القرن العشrrرين .والدولrrة القوميrrة الحديثrrة الrrتي تملrrك
نظمrا وتشrريعات قانونيrة خاصrrة ونظامrا سياسrيا وجهrاز ضrrبط رسrمي
وقrrوات مسrrلحة وإدارة مركزيrrة ضrrمن رقعrrة جغرافيrrة محrrددة هي بهrrذا
المعنى اختراع استعماري .والدولة الحديثة تزعم انها تملك سلطة شrrرعية
253
ليس الحد مشrاركتها فيهrا ضrrمن حrدودها الجغرافيrة ،فمثال ليسrت هنrاك
سلطة دينية يمكنها تجاوز قانون الدولة القوميrrة ،وليس هنrrاك جماعrrة لهrrا
امتياز فوق القانون ،لهذا فان مبrrدا المسrrاواة القانونيrrة للمواطrrنين عrrززت
الدولة الحديثة ،ثم امتدت المواطنة القانونية الى مواطنة سياسrrية ،لrrذا فrrان
الحكومة تزعم انها مسؤولة عن المواطrrنين وتحكم بمrrوافقتهم ،ولهم الحrrق
في االعتراض على القوانين والسياسات التي ال تحقق مصrrالحهم ،ولكنهم
ملزمين بأداء واجباتهم وقبول القرارات الصادرة عنها واالمتثال لها .وفي
الواقع هناك عدد قليل جدا من الدول التي تتمتع باستقالل تrrام عن تrrأثيرات
قوى خارجية نافذة .عدد كبير من الدول ،السrrيما الrrدول الrrتي كrrانت تحت
السيطرة األجنبية تتنrrازل تلقائيrrا عن جrrزء من سrrيادتها لقوى عالميrrة من
اجل الحصول على منافع العمل بانسrrجام مrrع الrrدول األخrrرى .ومن امثلrrة
الدول النافذة ،االتحاد األوربي ،حلف شمال األطلسrrي "النrrاتو" وصrrندوق
النقد الدولي التي تهيمن عليهما الواليات المتحدة االمريكيrrة ،وهنrrاك قrrوى
نافذة حتى في الrrدول الكrrبرى بمقدورها تحجيم قrrدرة الدولrrة على العمrrل،
فالقوة المالية التي تقف خلrف محاولrة ابعrاد الجنيrه اإلسrترليني من سrوق
تبادل العمالت االوربيrrة عrrام 1993هrrو أحrrد األمثلrrة على ذلrrك .والrrدول
الصغيرة لم يعد بمقدورها العمل باستقاللية مع وجود القوى الكبرى ،وهذا
يدفعنا للسؤال عما إذا كان للمواطن او المسrrؤول أي معrrنى في السياسrrات
العالميةPoggi (1978) .
العولمة والدولة القومية Globalization and Nation-State
254
السياسات الحديثة تنطوي على نوعين من االتجاهات المتعارضة ،العولمة
وتقسيم الدول الى دويالت واقاليم صغيرة .هذان االتجاهان يحمالن معهما
اشكاال متنوعة من المخاطر والتحديات ،المخاطر تتمثل في نشوء حrrروب
وصراعات محلية بسبب الحدود يقودها متعصبون قوميون كما حصل في
يوغسالفيا ،وفي شمال العراق وفي السودان ،وفي اسوأ الحrrاالت تتشrrظى
الrrدول وتrrدخل في صrrراعات يرافقهrrا تحrrزب عنصrrري وتطهrrير عrrرقي
وتشrrريد لماليين النrrاس ،واألكrrثر سrrوء عنrrدما تتحrrول الحrrدود الى بrrؤرة
صراع دائم ومميت بين الدول كما هو الحال بين الهند وباكسrrتان .العrrراق
وإيران ،العراق والكويت .لقد عمد االسrrتعمار على تrرك فجrوات خطrيرة
في عمليrrات رسrrم الحrrدود هدفrrه اشrrعال الحرائrrق بين الrrدول لكي تبقى
مسrrتنفدة اقتصrrاديا وعسrrكريا وسياسrrيا وتrrترك التنميrrة والتطrrور جانبrrا،
وتعتمد كليا في دعمها سياسيا واقتصاديا وعسrrكريا على المسrrتعمر القديم
الذي يظهر بمظهر المحب الrذي يقدم المسrاعدة بسrخاء ألطrrراف الrنزاع
جميعا وبتوازن محسوب بدقة لكيال تميل الكفة لصالح طرف على حسrrاب
طرف ولكيال ينتصر طرف على اخر من اجل ادامة العrداء ألطrول حقبrة
ممكنة.
عrrدد من القوى االقتصrrادية والعسrrكرية والسياسrrية واأليديولوجيrrة الrrتي
تهيمن على السياسrrات واالقتصrrادات العالميrrة تعمrrل ضrrمن نطrrاق الrrدول
القومية وهذه القوى تعمrrل بشrrكل متزايrrد على ادامrrة هيمنتهrrا على العrrالم
بوسrائل واسrتراتيجيات مختلفrة .والتحrدي هrو كيrف يمكن بنrاء سياسrات
فعالrrة مrrؤثرة عالميrrا تتمكن عن طريقهrrا السrrيطرة على القوى اإلقليميrrة
255
والمحليrrة بنrrوع من المسrrؤولية وفي الrrوقت نفسrrه تعمrrل على تشrrجيع قيم
الديمقراطية اللبرالية وصوال الى العولمة؟ والعولمrrة نفسrrها ليسrrت جديrrدة
ولكنهrrا تلبس اثوابrrا جديrrدة ،فاإلمبراطوريrrات الrrتي قrrامت على أشrrالء
الشعوب لها تاريخ طويل ،والجديد فيها هو عمليrrة تكrrثيف الربrrط العrrالمي
للrدول والشrعوب بrالقوى االسrتعمارية التقليديrة ،وتقليص مفهrوم الزمrان
والمكrrان ،بمعrrنى انتشrrار االتصrrاالت االلكترونيrrة ذات الكلفrrة الواطئrrة،
تقليص المسافات عبر النقل الجوي ،ورفع الحrrواجز التقليديrrة امrrام حركrrة
الشركات عابرة القارات ومتعrددة الجنسrيات لنقل اعمالهrا للrدول الفقيرة
والناميrrة إلعrادة الهيمنrrة بوسrrائل اكrrثر تطrrورا وبrrدون اسrrتثارة المشrrاعر
القوميrrة الrrتي كrrانت تسrrتثيرها عمليrrة االحتالل التقليديrrة المباشrrرة Held
).(1995
القوى التي تقود العولمة لم تخلق عالما منسجما او متمrrاثال على المسrrتوى
الوطني للدول ،على العكس خلقت عالما مضطربا وشديد التفاوت ومنقسم
بشكل حاد ،وفي الrrوقت نفسrrه فrrان العمrrال الrrذين يعملrrون لrrدى الشrrركات
متعددة الجنسية Multi-national Firmsأصبحوا اقل قدرة على الفعل
الجمعي للدفاع عن مصالحهم ،الن أصrrحاب العمrrل يمكنهم في أيrrة لحظrrة
نقل أعمالهم الى اماكن أخرى ،وقrrوى التغيrrير بعيrrدة وتبrrدو غrير مسrrيطر
عليهrrا ،وعليrrه فال يبrrدو هنrrاك أيrrة طريقة لمقاومrrة قrrوة العولمrrة .وبينمrrا
أصrrبحت المقاومrrة االقتصrrادية صrrعبة للغايrrة ،على غrrير العrrادة سrrمحت
القوى التي تقود العولمة للقوى المحلية والقوميrة الصrrغيرة على االنتعrاش
المشروط ،فمثال البلدان الصrrغيرة لم تعrrد قrrادرة على االكتفrrاء الrrذاتي وال
256
الدفاع عن نفسها .في الماضي كانت الدول الصrrغيرة تعتمrrد على جيرانهrrا
األقوياء ،او تقبل حماية دول كrبرى قويrة .دول مثrل اوربrا الشrرقية الrتي
كrrانت تنتج كrrل شrrيء اعتمrrادا على نفسrrها ،اضrrطرت بعrrد انهيrrار النظم
االشتراكية الى خصخصrة القطrاع العrام وتحrولت ملكيتrه الى مسrتثمرين
محليين وأجانب عملوا على افقار هrrذه البلrrدان ودخولهrrا مرحلrrة االعتمrrاد
على القوى المهيمنة ففقدت قrrدرتها على اتخrrاذ القرارات المسrrتقلة بشrrأن
سياسrrاتها الداخليrrة والخارجيrrة ،وتحrrولت الى دول تابعrrة لقوى العولمrrة
وليس لديها خيارات اال اإلذعان .وكل الدول الصغيرة التي كانت تفrrترض
ان العولمة ستوفر لها االمن أصيبت بخيبة امrrل ،ذلrrك الن العولمrrة عملت
على تجزئrrة المجتمrrع ومؤسسrrاته لدرجrrة انهrrا لم يعrrد بمقدورها مقاومrrة
الضغوط بسبب تحالفها عسكريا واقتصاديا مع قوى العولمة التي ال تفضل
اتباعا أقوياء او ولديهم القدرة في الrدفاع عن مصrالحهمBilton et al .
)(2002
خالصة Conclusion
هذا الفصل كان مكرسا للتعريف بعالقة السلطة والقوة بالسياسrrة والدولrrة،
وقrrد تrrبين ان علم االجتمrrاع ذهب بعيrrدا في مالحقة األفكrrار واالتجاهrrات
المختلفة في عالم سريع التغير اجتماعيا واقتصاديا وسياسrrيا ،واتضrrح انrrه
من المستحيل على علم االجتماع االلتزام بخط فكري واحد للسلطة والقوة
في المجتمع ،ومن الخطأ التركrrيز على السياسrrة في بلrrد بعينrrه دون االخrrذ
في االعتبار ابنية القوة االوسع فيما وراء حدود الدولrrة القوميrrة .وإذا كrrان
االتجrrاه الماركسrrي قrrد تrrرك اثrrرا حrrادا في الفكrrر السياسrrي واالقتصrrادي
257
المعادي للرأسمالية ،فان النظام الرأسمالي الذي بلغ شأوا رفيعrrا من التقدم
والذي استوعب فكرة الصراع الطبقي وتجاوزها ،فانه أسس لعالقات قrrوة
ابعد بكثير من أفكار كارل ماركس .ومهما يكن فان طبيعة السياسة والقوة
في المجتمrع ال تقتصrر على الدولrة ومؤسسrاتها ،وانمrا تشrمل أيضrا كrل
العالقات ذات الطبيعة الملزمة بين الجماعات االجتماعية ،من االسrrرة الى
المدرسrrrة الى الشrrrركات متعrrrددة الجنسrrrية والعrrrابرة للقارات .النظrrrام
الرأسمالي تخطى حدود الدولة القومية في السياسة واالقتصاد واالجتمrrاع،
والدولة الحديثrrة بمقوماتهrrا الجغرافيrrة والسrrكانية والثقافيrrة والسياسrrية هي
صنيعة االستعمار الذي بدأ ينحسر في النصف الثاني من القرن العشrrرين،
االستعمار الذي رسم الحدود والحواجز ونقاط التفتيش والهويات ،كrrان قrrد
فتح الباب واسعا لصراعات محلية وإقليمية من اجل حدود منتجة للحروب
واألزمات لكي تنشغل الدول الصغيرة بأزماتها وتعتمد اقتصاديا وعسكريا
على الدول العظمى التي كانت قد خططت لذلك قبل ان تصبح الدول دوال.
التطور التكنولوجي واالقتصادي للبلدان الصناعية وصل مرحلة العولمrrة،
والعولمrة لم تعrد تعrني االنrدماج االقتصrrادي لسrكان الكrوكب ،وانمrا هي
غrrول افrrترس كrrل البلrrدان الصrrغيرة واسrrتلب منهrrا القدرة على اتخrrاذ
القرارات المستقلة في السياسة او االقتصاد او حتى في المعاشرة الزوجيrrة
بين السياسيين وأصحاب المصrrالح .الدولrrة القوميrrة اسُrتلبت وُأفrrرغت من
كrrل محتوياتهrrا األيديولوجيrrة والسياسrrية والنفسrrية ،وأصrrبحت تعتمrrد في
الحماية االقتصادية والسياسية على القوى الrتي تقود العولمrة ...والعولمrة
باختصار شديد اعادت انتاج االستعمار االقتصادي والسياسي والعسrrكري
258
بأساليب جديدة عبر تغلغل شركاتها العمالقrrة في نسrrيج المجتمعrrات األقrrل
تطrrورا ،وفي تحالفاتهrrا السياسrrية وفي هيمنتهrrا التكنولوجيrrة .وإذا كrrانت
سياسة ما قبل العولمة تقوم على مبدا "الحق مrع القوة" ،فrان المبrدأ نفسrه
عاد للواجهrrة مrrرة أخrrرى بوضrrوح أكrrبر مrrع اربrrاب العولمrrة والمقرطrrة
(الديمقراطية) الجديدة برفقة شrrعارات زائفrrة عن حقوق االنسrrان وحريrrة
الراي واالعتقاد.
الفصل التاسع
االنحراف والجريمة
Deviance & Crime
259
الجريمة هي نتاج الترف االجتماعي
فالديمير لينين
262
وعلى هذا األساس فان التماثل مع توقعات مجتمع معين قد تعني انحrrراف
عن توقعrrات مجتمrrع اخrrر ،فمثال اإلرهrrاب الثrrوري قrrد تعrrده المجتمعrrات
المستقرة انحرافrا ولكن أعضrاء ومؤيrدي الحركrات الثوريrة تعrده سrلوكا
طبيعيا .في كل هذه الحاالت يخضع االنحراف لوجهة نظر األكثريrrة الrrتي
لها قدرة على االنتشار وعلى جعل وجهة نظرها تؤخذ في الحسبان ،وهذه
الرؤيrrة تنسrrجم مrrع نظريrrة التوصrrيف labelling theoryوهي قريبrrة
الصrrلة بالتفاعليrrة الرمزيrrة .ووفقا لوجهrrة النظrrر هrrذه فrrان التوصrrيف
باالنحراف يصدر عن الجماعة االجتماعيrrة المهيمنrrة او الrrتي تتمتrrع بقوة
معيارية ملزمة ،وهذا يفسر لنا موقع األقليات العرقية في المجتمعات الrrتي
تحتضrrنها ،حيث تعامrrل على انهrrا منحرفrrة وينظrrر لهrrا بارتيrrاب بسrrبب
انتهاكها معايير األغلبية العرقية.
263
ـ نماذج االجماع :والتي تنظر للمجتمع على انه اما ان يكون قاعدة واسrrعة
االنتشار للتوافrrق حrول مrا هrو صrrحيح ومrا هrو غrير صrrحيح (االجمrاع
القيمي) او يكون في حالة انحطاط عندما ال يحصrل اجمrاع قيمي .صrورة
المجتمع هذه تضع االنحراف شاهدا على ان المجتمع يعمل بشrrكل منسrrجم
ولكن في مسrrيرته تظهrrر بعض اشrrكال االنحrrراف عنrrدما يعجrrز بعض
االفراد عن مجاراة المعايير االجتماعيrrة ،او ان المجتمrrع مrrريض وتعrrاني
انساقه من خلل في أداء وظائفها ،كما هو الحrrال في العrrراق بعrrد االحتالل
األمريكي الذي يعاني من اضطراب او تعارض في عمل مؤسساته.
ـ نماذج الصrrراع :والrrتي تrrرى المجتمrrع ينطrrوي على جماعrات بمصrrالح
وقيم مختلفrrrة ،ويحتمrrrل ذلrrrك ان بعض الجماعrrrات تسrrrتهدف مصrrrالح
الجماعات األخرى ،وفي ذلك فان االنحراف ال يبدو مستغربا ،انrrه يظهrrر
وكأنه جrrزء من الصrrراع المسrrتمر بين الجماعrrات الrrتي تسrrعى كrrل منهrrا
للمضي في طريقهاGomm (1989) .
االنحراف الجيني Genes & Deviance
في الماضي كانت المناقشات تميل الى اهمال البعد االجتماعي لالنحراف،
فالسلوك المنحرف كrrان ينظrrر لrrه على انrrه مسrrالة فرديrrة خالصrrة متعلقة
بالجينات ،وفقا لوجهة النظrر هrذه فrrان االفrراد االعتيrاديين يتوافقون مrع
التوقعrrات االجتماعيrrة ،والrrذين ال يفعلrrون ليسrrوا اسrrوياء ،فالشrrكل غrrير
الطبيعي يعكس عقال وسلوكا منحرفا .مثل هذا الزعم ينكrrر الحقيقة الrrتي
تقول ليس هناك سلوك مسrrتقل عن التrrأثيرات االجتماعيrrة .عrrدد كبrrير من
الكتاب في القرن التاسrع عشrر وبعضrهم الى اليrوم يزعمrون ان السrلوك
264
يمكن تفسيره في ضود التركيب الrrبيولوجي للفrrرد .نظريrrة التطrrور كrrانت
الرائدة في قبول فكرة التسلسل التطوري من الحيوانات الدنيا الى االنسان.
وهنrrاك من مrrازال يعتقد ان االنسrrان يحمrrل عrrددا كبrrيرا من الموروثrrات
الحيوانية في تركيبته الجينية .فقد تطrrور االنسrrان األبيض بحسrrب زعمهم
أسرع من االنسان األسود وان الطفل االبيض وصل مرحلة تطور األسود
البالغ نفسها .بمعنى ان البالغ االسود لم يتطور ابعد من تطور طفل ابيض
في خصائصrrه وانمrrاط سrrلوكه (نظريrrة عنصrrرية مrrا زالت قائمrrة) ،هrrذه
االفتراضات تعزز النظرة المعاصرة لالنحراف كما يّد عي فالشر وسكوت
).Fulcher &Schott (1999
احrrدى االتجاهrrات سrrيئة السrrمعة لنظريrrة التطrrور المتعلقة بالسrrلوك
المنحrrrرف هي نظريrrrة سrrrيزار لومrrrبروزو (Cesare )1909-1836
Lombrosoالrrذي ربrrط الجريمrrة بخصrrائص منحطrrة Atavisticأي
يرجعها الى سلوك االنسان قبل تطrوره الحrالي ،فrالمجرمون برايrه لrديهم
فشل حتمي في التطور البيولوجي يحول بينهم وبين نموهم الكامل بشrrريا،
انهم يظهرون خصائص أقرب الى خصائص القرود ،وأحيانا لديهم مالمح
وحشية تعطيهم خصائص تشريحية مميزة ،مثل التضrrخم في حجم الفكين،
أذرع طويلrrة ،جمجمrrة سrrميكة ،انrrف مفلطح وهكrrذا .هrrذه الخصrrائص
المنحطة يقول لومبروزو تقودهم لتفضيل أنماط من السrrلوك تبrrدو طبيعيrrة
بين القرود والوحrrrrوش ،ولكنهrrrrا
إجرامية في المجتمعات البشرية .هrrذا
الrrrrrنزوع االجrrrrrرامي واضrrrrrح في
265
خصائصهم الشخصية المنحطة كما يزعم لومبروزو ،والمجرم كمrrا يعتقد
كسول ،يحب وضع الوشم على جسrrده ويميrrل الى العربrrدة .كمrrا يعتقد ان
%40من مجمrrوع المجrrرمين يولrrدون مجrrرمين من هrrذا النrrوع ،انهم
يندفعون للجريمة بدافع تركيبهم البيولوجي ،اما بقية منتهكي القوانين فrrان
فعلهم االجrrرامي يحrrدث بالصrrدفة ،او بسrrبب بعض الظrrروف ،ولكنهم ال
يملكون خصائص منحطrrة تجعلهم مجrrرمين بrrالوالدة .نظريrrة لومrrبروزو
واالفتراضات العرقية المؤيrrدة لهrrا كrrانت قrrد اسُrتبعدت منrrذ زمن طويrrل،
وعلى الrrرغم من ذلrrك مrrا يrrزال بعض النrrاس يrrرون الجريمrrة مالزمrrة
للخصrrائص الفطريrrة ،فrrالعنف او العrrدوان مثال ال ينظrrر لrrه بوصrrفه من
خصائص الذكور فقط وانما هو شكل متطرف للخصrrائص الجينيrrة ،حيث
ان المجرم العنيف في اجرامه ُيعتقد انه يملrrك جين Yإضrrافي .وعلى كrrل
حrrال العالقrrة بين الrrتركيب الrrبيولوجي والسrrلوك االجتمrrاعي ليسrrت بهrrذا
الوضوح ،على الrرغم من وجrود أسrاس بيولrوجي للسrلوك العrنيف .ومrا
يزال الجدل قائما حrrول تrrأثير العوامrrل البيولوجيrrة والمواقrrف االجتماعيrrة
الrrتي تسrrتثير السrrلوك المنحrrرف ،فسrrلوك الجنrrدي اثنrrاء الحrrرب يسrrتلزم
العنف ،وهذا السلوك يدخل ضمن إطار العمل المنضبط ضد العrrدو .وهrrذا
العنف يتم التغاضrrي عنrrه او تشrrجيعه وربمrrا يكrrافئ عليrrه ويوصrrف بانrrه
بطولة وشجاعة ،ولكن عندما يهrrاجم أحrrدهم مشrrجعي الفريrrق الخصrrم في
لعبة كرة القدم ،فان هذا السلوك يدان ويعد نوعا من التخrrريب الrrذي يتعين
إيقافه .ليس هناك تفسير بيولوجي للعنف حيث انrه يكrون في موقrrف معين
عمل بطولي وفي موقrrف اخrrر عمrrل منحrrرف .هrrذا طبعrrا ال يعrrني ان رد
266
الفعل االجتماعي المختلف في الموقفين هو االفتراض الراجح في اسrrتبعاد
التفسrrير الrrبيولوجي .والحقيقة هي عنrrدما يمتلrrك بعض النrrاس ميال نحrrو
السلوك العنيف فان التفسير الrrبيولوجي يصrrبح مقنعrrا ،وباإلمكrrان إيضrrاح
متى وأين يمكن التعبير عن هذا الميل في السلوك االجتمrrاعي او االحجrrام
عنه وفقا لردة فعل المجتمع إزاء العنف .ومهما يكن فان تفسير االنحrrراف
يجب ان يفهم عن طريق عمليrrات التنشrrئة االجتماعيrrة ،حيث يتعلم النrrاس
إعطاء معrنى لسrلوكهم ،وخالل عمليrة التrأديب المبكrرة الrتي يتمكن فيهrا
االنسrrان من التميrrيز بين السrrلوك المرغrrوب فيrrه والسrrلوك المنحrrرف.
)Fulcher & Scott (1999
الس==لوك المنح==رف والبن==اء االجتم==اعي & Deviant Behaviour
Social Structure
على الرغم من االليrrات العديrrدة الrrتي تعrrزز التماثrrل conformityفليس
هناك مجتمع او جماعة في مجتمع يخلو تماما من بعض أنrrواع االنحrrراف
عن المعايير السائدة .والسلوك المنحرف يتدرج من الهفrوات البسrrيطة الى
الجريمة والخيانة .من وجهة النظر النفسية ،أصل السلوك المنحرف يكمن
في الشخصية ،في الحاجات غير المشبعة ،والدوافع غrrير المسrrيطر عليهrrا
او المشrrrكالت العاطفيrrrة .فرويrrrد وجrrrد جrrrذور االنحrrrراف في الغرائrrrز
البيولوجية ،تلك التي تحاول االنفجار بوجه تحفظrrات الثقافrrة ،على الrrرغم
من ظهور التrوترات اثنrاء التفاعrل بين الحاجrات او الrدوافع وبين النظrام
االجتماعي .النظريات التي توكد فقط على قrrوة هrrذه الrrدوافع من الواضrrح
انها غير كافية لتفسير ما يحدث من خرق لوسrائل الضrبط االجتمrاعي في
267
اوقrrات معينrrة .التفسrrيرات النفسrrية للسrrلوك غrrير التقليrrدي او السrrلوك
االجرامي كrان عليهrا ان تتجنب االعتمrاد على الrدوافع الفطريrة وحrدها،
وعلى كل حال فرويد نفسه اقترح اثناء تحليله لrrديناميكيات الشخصrrية ،ان
االفراد يهملون االمالءات الثقافية بسبب خصوصية خبراتهم االجتماعيrrة،
واهمال االبوين او المتطلبات المفرطة لهم ،او ممارسrrة السrrلطة الغاشrrمة
او الصراع المستمر بين االبوين امام األطفال قد يقود كل ذلrrك الى نrrزوع
سيكولوجي لرفض او عدم احترام االمالءات الثقافية الن السنوات المبكرة
ذات أهميrrة قصrrوى في تكrrوين الشخصrrية ،كمrrا ان عrrدم االنسrrجام مrrع
المعايير الثقافية يعكس فشrrل عمليrrة التنشrrئة االجتماعيrrة ،مثrrل عrrدم زرع
احrrترام االخrrرين او عrrدم االلrrتزام بrrالقيم االجتماعيrrة السrrائدة ،او تشrrجيع
المشاعر العدائية ،او حتى نقل السلوك المعادي للهيئة االجتماعية لألطفال
مباشرة.
مصادر التحليل السيكولوجي لالنحراف وجذوره في سيرة الشrrخص تبrrدو
مناسبة وضرورية لفهم الحاالت الفردية .فكل مجرم او منحرف او غريب
االطrrوار او مضrrاد للمجتمrrع لديrrه تrrاريخ خrrاص لrrه عالقrrة بأفعالrrه ،لكن
الحقائق حول شخصية الفرد او خبراتrه ال ينبغي اخrذها في الحسrبان عنrد
تتبع االشكال الخاصة لالنحrrراف لrrدى الجماعrrات او الفئrrات االجتماعيrrة،
ذلك الن الجريمة واالنحراف ومعدالت االنتحار متذبذبة من سrنة ألخrرى
وحrrتى من موسrrم آلخrrر ،فالمقامرة غrrير المشrrروعة ،عrrدم االكrrتراث
بالمعايير الجنسية ،والفساد السياسي يزداد او يقل حسrrب تغrrير الظrrروف،
وان اغلب حاالت االنحراف نادرا ما تتوزع بشكل متساوي في كل أجزاء
268
المجتمع ،السرقة والسطو واالعتداء تحدث بشكل متكرر غالبا لدى الطبقة
الدنيا ،واالختالس واالحتيال embezzlementلrدى الطبقتين الوسrطى
والعليrrا .عصrrابات االحrrداث المنحrrرفين تتواجrrد في الغrrالب في االحيrrاء
الحضrrرية الفقيرة .رجrrال الطبقة الrrدنيا يرعrrون البغايrrا أكrrثر من رجrrال
الطبقة الوسطى .حقائق مثل هذه يمكن فقط تفسيرها سيسيولوجيا ولحد مrrا
وفق مبادئ علم النفس االجتماعي ،فمنظور علم االجتماع انتهاك القوانين
واألعراف يتوقrrف على خصrrائص الثقافrrة والمؤسسrrات االجتماعيrrة الrrتي
يحدث فيها ،انهrا العالقrة بين انسrان وانسrان اخrر ،الrدور الrذي يؤدونrه،
والمؤسسrrrات والقيم الrrrتي تrrrؤثر على شrrrكل ومعrrrدل وتوزيrrrع السrrrلوك
المنحرف ،والن الثقافة والمؤسسات االجتماعية ال يمكن ان تتكامrrل كليrrا،
مع تعقيدات وتنوع العناصر الrrتي تتrrداخل فيهrrا ،هنrrاك دائمrrا نrrزوع نحrrو
الالتماثrل متأصrrل في الحيrاة االجتماعيrة نفسrها .وقrrوة هrذا الrنزوع نحrو
االنحrrراف تختلrrف بrrاختالف المؤسسrrات االجتماعيrrة ،والrrتي تظهrrر في
الغrrالب جزئيrrا وتكrrون حrrادة أحيانrrا في بعض أجrrزاء المجتمrrع .انهيrrار
المؤسسات في العراق بعد الغrrزو األمrrريكي ،وتrrدهور منظومrrة القيم أدت
الى ظهrrور أنrrواع من االنحرافrrات لم تكن مألوفrrة ابrrدا ،مثrrل العصrrابات،
والعشائر والجنسية المثلية والبغاء العقلي ،وسرقة المال العام ،كلهrrا امثلrrة
على حدة االنحرافات في المجتمع .المجتمع المفكrrك ينطrrوي على ظrrواهر
منحرفة شديدة التنوع ،مثل صrrراع الrrدور والصrrراع الثقافي واالنفصrrال
بين معاني العقوبات االجتماعيrrة وأهrrدافها ،واشrrكال أخrrرى لعrrدم التماثrrل
والتناقض .الجماعات واالفراد الذين يتعرضون أكثر من غيرهم للضغوط
269
الناشrrrئة عن التفكrrrك المؤسسrrrي ،هم أكrrrثر احتمrrrاال النتهrrrاك المعrrrايير
االجتماعيrrrة ،واسrrrتجاباتهم تعتمrrrد على قrrrوة او ضrrrعف منظومrrrة القيم،
والتوقعrrات والحاجrrات الrrتي تنبثrrق من الصrrعوبات الناتجrrة عن ظrrروفهم
)Chinoy (1965
االختيار العقالني والنظريات التفاعلية Rational Choice &Interaction
Theories
ال أحد يولد منحرفا يقول باالنتاين وروبrرتس Ballantine &Roberts
) (2009فrrاألفراد يتعلمrrون االمتثrrال للقوانين او انتهاكهrrا خالل عمليrrات
التنشئة االجتماعية ،لهذا فrrان السrrلوك يكتسrrب اثنrrاء عمليrrة التفاعrrل الrrتي
تحrrدث في مراحrrل الحيrrاة المختلفrrة .والسrrؤال لمrrاذا يتعلم بعض االفrrراد
ليصrrبحوا منحrrرفين فيمrrا يتعلم اخrrرون االمتثrrال للمعrrايير االجتماعيrrة؟
االختي==ار العقالني يركrrز على تحليrrل "الفائrrدة والثمن" لخيrrارات الفrrرد،
بمعنى ان الفرد يملك حرية اختيار الفعrrل الrrذي يعrrتزم القيrrام بrrه ويحسrrب
حساب الخسارة والربح عند شروعه بالعمل المنحrrرف ،فrrاذا رجحت كفrrة
الربح في الفعل المنحrrرف انجrrرف خrrارج حrrدود المسrrموح بrrه وإذا غلب
على تفكrrيره الخسrrارة فانrrه سrrوف يحجم عنrrه ويلrrتزم بالمعrrايير ..االتجrrاه
االخر يسrrتند الى نظريrrة "التفاعلي==ة الرمزي==ة" الrrتي تفrrترض ان االفrrراد
يتعرضون لفرص االنحراف فاذا انحرفوا فrrانهم سrrيكونون امrrام عقوبrrات
توصrrيف يوسrrمون بهrrا من قبrrل نظrrرائهم وافrrراد عrrائالتهم ورمزيrrة
التوصيف (الوسم) سrrيكون لهrrا أثrrر بrrالغ السrrوء على حيrrاتهم وعالقrrاتهم.
فrrالمجرم الrrذي يrrدخل السrrجن مثال يصrrعب عليrrه الحصrrول على عمrrل
270
ويصrrعب عليrrه الحصrrول على زوجrrة وعلى احrrترام وتقدير االخrrرين.
وفقدان التقدير االجتماعي لوحده كفيل بردع اغلب النrrاس عن االنحrrراف.
أصحاب االختيار العقالني والتفاعلية الرمزية يركزون على القضrrايا ذات
المسrتوى الصrغير Micro levelامrا نظريrة الض==بط االجتم==اعي فإنهrا
تشrrدد على أهميrrة امتثrrال النrrاس الrrدائم للمعrrايير وتجنبهم ارتكrrاب اعمrrال
منحرفة ،فاذا كrrان النrrاس أحrrرارا في كrrل مrrا يفعلrrون ،فمن المحتمrrل انهم
يرتكبون اعماال منحرفrrة ،لهrrذا فrrان العيش مrrع االخrrرين او بrrالقرب منهم
يستلزم مراقبة االفراد لسلوكهم للعيش بسالم ولتجنب العقوبrrات والنrrواهي
االجتماعية ،انها باختصار عملية ضبط اجتماعي.
والسؤال المتكرر في علم االجتماع هو :كيف يمكن للنظrrام االجتمrrاعي ان
يأخذ مداه في ظل مجتمع سريع التغير .والجrrواب األكrrثر عموميrrة هrrو ان
النظام ينتج عن المعايير االجتماعية التي تعزز النظام والتوقعات ،وعندما
يفشل الناس في االلتزام بالمعايير ،او عندما تكون المعايير ضعيفة او غير
واضحة فrrان اسrrتقرار وديمومrrة النظrrام االجتمrrاعي كلrrه سrrتكون مهrrددة،
والناس في العادة يتواشجون مع بالمجتمع عبر أربعة عوامل أساسrrية هي:
االرتب==اط Attachmentمrrع االخrrرين الrrذين يحrrترمون قواعrrد المجتمrrع
وقيمه ،ذلك ان االفراد ال يريدون ان يكونوا موضع رفض من قبrrل النrrاس
الrrذين يحrrترمونهم او الrrذين يعيشrrون معهم .ـ االل==تزام Commitment
باألنشrrطة التقليديrrة (كالمدرسrrة ومكrrان العمrrل) تلrrك الrrتي ال يريrrدون
تعريضrrها للخطrrر االنغم==اس Involvementفي األنشrrطة الrrتي تجعلهم
منشrrغلين كليrrا بrrاألدوار والتوقعrrات التقليديrrة الrrتي ال تقبrrل تعمrrد األذى.
271
االعتقاد Beliefبالقواعد االجتماعية للثقافrrة ،والrrتي يخضrrعون لهrrا عrبر
عمليات التنشئة المبكرة والتي ُتلقن لهم مع المعتقدات التقليدية
فاذا ضعفت هذه المتغيرات فان هنrrاك احتمrrاال متزايrrدا في ارتكrrاب الفrrرد
عمال منحرفا ) ،Hirschi (2002وهناك عامالن أساسان يحددان نزوعنا
نحو االمتثال ،أوال :التحكم الداخلي ،ويتمثrrل في األصrrوات الrrتي نسrrمعها
من داخل انفسنا والتي تعمل بمثابة منبهات لسلوكنا المرغوب فيه وسلوكنا
غrrير المرغrrوب فيrrه (المنحrrرف) ،وثانيrrا :التحكم الخ==ارجي ،ويتمثrrل في
وسائل الضrrبط الرسrrمية وغrrير الرسrrمية الrrتي تحrrول بيننrrا وبين ارتكابنrrا
االعمال المنحرفة ،وسائل الضبط غير الرسمية مثrل االبتسrامة السrاخرة،
االسrrتهجان Frownsاالبعrrاد او االسrrتخفاف من اقrrرب المقربين ،امrrا
وسائل الضبط الرسمية فإنها تتمثل بالنظrrام الشrrرعي ،عن طريrrق أجهrrزة
االمن ،والقضاء ،وفي كال الحالين فان تفكrrير األفrrراد بمبrrدأ الفائrrدة /الثمن
تتجه بهم نحو االمتثال او االنحراف.
الفكرة األساس لالختيار العقالني هي عندما يتخذ االفراد القرارات فrrانهم
يحسبون المنافع واالضرار ،وهم غالبrrا يزيrrدون صrrورة المنrrافع ويقللrrون
صورة االضرار ،والقرار الذي يصلون اليه باختيارهم سيدفعهم نحو أحrrد
االتجاهين .ووسائل الضrrبط االجتمrrاعي تعمrrل على تحويrrل الموازنrrة بين
المنفعة والضرر لصالح الضرر الذي سrrيلحق بrrالمنحرفين ويقلrrل المنفعrrة
وذلك ربما يدفعهم لالمتثال للمعايير لتجنب األلم المحتمل فيما لrrو ارتكبrrوا
عمال منحرفا.
272
التحول في نسبة الفائدة/الثمن قد يعني التغير في الجزاءات الrrتي يفرضrrها
المجتمrrع على أنمrrاط معينrrة من السrrلوك ،فrrالجزاءات اإليجابيrrة تكrrافئ
السلوكيات الrrتي يقرهrrا المجتمrrع ،مثrrل احتفrrاالت التشrrريف في المrrدارس
والجامعrrات عنrrد التخrrرج ،الشrrركات والمؤسسrrات الrrتي تقوم بتكrrريم
المتميزين ،تكريم االم المثالية ،ومثلها كثير من أنماط السلوك الrrذي يعrrزز
االمتثال للمعايير التقليدية .امrrا الجrrزاءات السrrلبية (العقوبrrات) فإنهrrا تزيrrد
الكلفة على أولئك الrذين ينحرفrون عن المعيrار ،ومrداها ،يبrدا من غرامrة
النتهاك قوانين المرور الى االحكام بالسجن لمرتكبي الجرائم الكبرى وقrrد
تصل الى المrrوت عنrrدما تكrrون مهrrددة ألمن المجتمrrع .والعمrrل على ردع
المنحرفين يكون بزيادة التكلفة ،عبر زيادة الrوعي بالتكلفrة الrتي ينتظرهrا
المنحرف مثrrل زيrrادة الغرامrrة على انتهrrاك قrrوانين المrrرور من 20.000
دينار الى 100.000دينار) بعملة العrrراق الحاليrrة) سrrتكون تكلفrة باهظrrة
ورادع قوى لاللتزام بقوانين المرور .وينطبق ذلك على كل االنحرافrrات،.
أي زيادة التكلفة وتقليل الفائدةGottfredson & Hirschi (1990) .
نظرية التعزيز Reinforcement Theory
تشير نظرية التعزيز الى اثنين من العمليrrات الrrتي ينتج عنهrrا تعلم االفrrراد
االنخrrراط في العمrrل االجrrرامي .األولى :االشrrتراك مrrع اخrrرين يؤمنrrون
بالجريمrrة كقيمrrة ويمارسrrون العمrrل االجrrرامي قrrوال وفعال .وثانيrrا التعلم
االجتماعي يقود الى تعزيز السلوك االجrرامي ،هrذا االتجrاه يربrط عمليrة
التعلم بالسلوك االجرامي ،فالمنحرف يتعلم االجرام من االسرة او أصدقاء
السrrrوء ،او جماعrrrة العمrrrل ،او المنظمrrrات السياسrrrية ،او الجrrrيران او
273
العصابات او أي جماعة منحرفة في محيط االفراد ،وهذه النظرية هي في
الواقع تفاعلية رمزية ذلك ألنهrrا تؤكrrد على كيفيrrة تشrrكيل اتجاهrrات الفrrرد
وتعليمه ما هو طبيعي ومقبول اجتماعيا وما هو غير ذلك .فاذا كان التلميذ
في المدرسrrة ،مثال ،محrrاط بتالميrrذ يتسrrربون من المدرسrrة ويبrrدو فعلهم
المنحرف طبيعيا وإذا كان اصدقاءه المقربين من هؤالء وانهم يrrدخنون او
يتعاطون المخrدرات فrrان تدخينrه او تعاطيrه المخrدرات قrrد ال يكrون فعال
شrrائنا بrrل عمال رجوليrrا .ووفقا لنظريrrة التعزيrrز فrrان احتمrrاالت ارتكrrاب
العمل المنحrrرف يعتمrrد على أربعrrة عوامrrل :الحقبrrة الزمنيrrة ،duration
الشدة intensityاألولوية priorityوتكرار الزمن المنفrrق مrrع الجماعrrة
المنحرفة frequency of time spentفاذا كrrان السrrلوك المنحrrرف
موجودا في النسيج االجتماعي لألفrrراد بشrrكل متكrrرر وعلى مrrدى طويrrل
نسبيا ،السيما إذا كانوا على صلة وثيقة مع الجماعrrات الrrتي تسrrلك سrrلوكا
منحرفا ،فانهم على االغلب يتعلمون السلوك المنحrrرف Sutherland et
)al (1992
نظرية التوصيف Labelling Theory
نظرية التوصيف او الوسم كما يسميها البعض ،هي األخرى وثيقة الصrrلة
بالتفاعلية الرمزية .فالتوصيف (مثل انحrrراف االحrrداث) هrrو رمrrز يمتلrrك
معنى يؤثر على النفس تأثيرا بالغا ،ولقد كان جل اهتمام نظرية التوصيف
ينصب حول كيفيrrة تحديrrد المجتمrrع لالنحrrراف ،وهrrو القضrrية المحوريrrة
للتفاعلية الرمزية .االفتراض األساس لنظرية التوصيف هو انه ليس هناك
سلوك او فرد منحرف بطبيعته ،السلوك منحرف الن افراد المجتمع عّrد وه
274
منحرفا .والعملية األساسية لتوصrrيف شrrخص مrrا ،هrrو ان افrrراد المجتمrrع
خلقوا االنحراف وحددوا له هrrذه التسrrمية ،وكrrان يمكن ان يسrrمى أي اسrrم
اخر لو اتفقوا على التسمية ،ولكنهم أطلقوا عليrrه هrrذا التحديrrد لتميrrيزه عن
السلوك الطبيعي المتفق عليه اجتماعيا ،فتطويل الشعر ،والrrترافق يrrدا بيrrد
بين الرجال في األماكن العامrrة ،او أي سrrلوك ينظrrر لrrه على انrrه مخrrالف
وغير مناسب في الزمان والمكrان المعيrنين يعrد سrلوكا شrاذا عن القاعrدة
وبالتrrrالي حصrrrوله على رفض اجتمrrrاعي او قصrrrاص .حrrrددت نظريrrrة
التوصrrيف مرحلrrتين للسrrلوك المنحrrرف ،االنح==راف االولي Primary
devianceوهو انتهاك المعيار بوصفه فعال منعزال ،مثل سrrرقة مراهrrق
من محل تجاري بتشجيع من اصدقائه .والواقrrع ان اغلب النrrاس يعrrترفون
بارتكابهم انحراف اولي من هذا النوع ،وقليلون منا من يعد ذلrrك انحرافrrا.
فاذا استمر الفرد في انتهrrاك المعيrrار وحصrrل على هويrrة منحrrرف عندئrrذ
يصrrبح االنح==راف ثانوي==ا Secondary devianceواالنحrrراف يصrrبح
ثانويا عندما يكون معّرفا اجتماعيrrا ويوصrrف الفrrرد بانrrه منحrrرف عنrrدما
يمتهن االنحrrراف ،فعنrrدما يمسrrك المراهrrق مثال متلبسrrا بrrبيع او تعrrاطي
االفيrrون فانrrه سيصrrبح معروفrrا للهيrrأة االجتماعيrrة وربمrrا تفضrrح وسrrائل
االعالم امره ،وقrrد يوضrrع في سrrجن االحrrداث لحقبrrة من الrrزمن ،وربمrrا
يحذر اإلباء واالمهات أبناءهم من االختالط به ،ثم صrrعوبة حصrrوله على
عمل بعد ذلك ،وهذا قد يقود الى استمرار المنحرف في انحرافه حتى بعrrد
تجاوزه سن المراهقة طالمrrا ان الهيrrأة االجتماعيrrة تغلrrق كrrل األبrrواب في
وجهrrه .وإذا كrrانت معrrايير المجتمrrع قrrد حrrددت السrrلوك على انrrه سrrلوك
275
منحرف ،فان االفراد سيصrrدقون انrrه منحrrرف ،والعقوبrrات الrrتي تفrrرض
على االحrrداث المنحrrرفين من شrrانها ان تعrrزز السrrلوك المنحrrرف أوال:
بزيادة العزلة االجتماعية للمنحرف وثانيا :بشعور المراهق المنحrrرف انrrه
مجrrبر لاللتصrrاق بنظرائrrه المنحrrرفين ،وثالثrrا :بrrدفع المراهrrق المنحrrرف
لوصف االنحراف على انه قيمة إيجابية حتى مع توصيفه سلبيا.
بعض االفراد قد يجدون أنفسهم منحرفين بتrrأثير المضrrايقة ،واالسrrتهجان،
والرفض من قبل االهل واألصدقاء والجrrزاءات السrrلبية ،فمثال حمrrزة ابن
ثماني سنين يرى نفسه فاشال ،الن ابويه ومدّر سيه وزمالئه يقولون له انrrه
"أبكم" وبالتكرار صار حمزة يتقبل هذا التوصيف ويتصrrرف على وفقه،
مالم يأتي أحدهم مثل معلم متنور ويعطيه توصrrيفا اخrر ،وعلى الrرغم من
ذلك فمن غير المحتمل ان يمحى التوصيف األول.
التفسير االخrrر لتوصrrيف بعض االفrrراد والجماعrrات على انهم منحرفrrون
يعrrود الى مكrrانتهم وقrrوتهم في المجتمrrع ،فأولئrrك الrrذين على الهrrامش،
البعيدون عن السلطة او المشاركة في التيار العام في الغالب يتم توصيفيهم
على انهم منحرفون ،كالفقراء واألقليات وأعضاء الحركات الدينية الجديدة
او أولئك الذين لم ينتظموا ضمن الجماعات المهيمنة ،اما الجماعrrات الrrتي
بيدها القوة والسلطة فمن المستبعد توصيفها ،الن مفrrاتيح التوصrrيف بيrrدها
او بيد من يمثلهاKaplan &Johnson (1991) .
نظري==ات البنائي==ة الوظيفي==ة والص==راع & Structural-Functional
Conflict Theories
276
بينما تقود عمليات التفاعل بين االفrrراد الى االنحrrراف ،فrrان معظم علمrrاء
االجتماع يعتقدون ان التحليل على المستوى المتوسط والكبrrير & Meso
Macro Levelيمنحنا قدرة أكبر على فهم العوامل االجتماعية التي تقود
لالنحراف .مستوى التحليل المتوسrrط Mesoيركrrز على الثقافrrة الفرعيrrة
لألقليات الى جانب المنظمات والمؤسسات الوطنية ،امrrا المسrrتوى الكبrrير
Macroفانه يهتم بالمجتمعrrات المحليrrة وباألنظمrrة االجتماعيrrة العالميrrة.
وعلى كل حال عنrrدما يتعلrrق االمrrر بrrاالنحراف والتماثrrل فrrان النظريrrات
نفسها تعمل على المسrrتويين المتوسrrط والكبrrير .في هrrذا المفصrrل سنسrrلط
االضواء على أوال على تفسير النظرية البنائية-الوظيفيrrة لالنحrrراف وهي
االعرق واالطول تاريخا في علم االجتماع والتي سrrتناقش تحت معطيrrات
اثrrنين من النظريrrات همrrا الالمعياريrrة Anomieالrrتي تعrrني انحالل او
تrrدهور المعrrايير الrrتي تعمrrل دليال للسrrلوك ،والrrتي تقود الى التفكrrك
االجتمrrاعي ،.ثم نظريrrة التrrوتر strain theoryوهي معنيrrة بدراسrrة
الضغوط التي يمارسها المجتمع على االفrrراد والrrتي من شrrانها ان تrrدفعهم
الرتكrrrاب اعمrrrال منحرفrrrة ،وهي كمrrrا يقول باالنتrrrاين وروبrrrرتس
) ،Ballantine & Roberts (2009التrrوتر النrrاتج من االختالف في
تحديد األهداف والوسائل المتاحة لتحقيق هذه األهداف.
الالمعيارية والتفكك االجتماعي Anomie & Social Disorder
القرويون في البلدان الصناعية في اسيا وافريقيا وامريكا الالتينيrrة هجrrروا
قراهم ذات اإلنتاجية الضعيفة والمستوى المعاشي المتrrدني واتجهrrوا تحت
تأثير اغراءات سحر المدينة نحو المراكrrز الحضrrرية من اجrrل الحصrrول
277
على فرص عمل افضل ،وتغيير مستوى المعيشrrة ،ولكنهم عنrrدما وصrrلوا
هناك أصيبوا بخيبة امل ،فهم فقراء ،وغير مؤهلين للعمل الصناعي الrrذي
يحتاج مهارات عالية ،وشبه مشردين بسبب صعوبة الحصrrول على سrrكن
مناسب ،لذلك فانهم اتجهوا نحو المراكrrز المزدحمrrة ومrrدن الصrrفيح الrrتي
ُز رعت عند اعتاب المدن الصناعية ،وحاولوا التكيrrف مrrع أسrrلوب الحيrrاة
الجديدة بضمنها البطالة ،هذا الوصف ينطبق على المهاجرين منذ مئة عام
حتى اليrوم .عrدد كبrير من الrدول الصrناعية تواجrه تغrيرات بنيويrة ،الن
اقتصاداتها تنتقل من الزراعة الى الصناعة والخدمات .القرويrrون الشrrباب
تركوا خلفهم روابrrط قويrrة ومنظومrrة قيم مشrrتركة ،ووضrrعهم في المدينrrة
مختلrrف كليrrا ذلrrك ألنrrه في المدينrrة يrrذوب االفrrراد في الحشrrود ويتحrrول
االنسrrان فيهrrا الى رقم مجهrrول .ومعrrايير القريrrة الrrتي تعمrrل بمثابrrة دليrrل
للسلوك تتدهور أحيانا على غير المتوقع وبrدون بrدائل ،ذلrك الن اسrتبدال
المعايير او تبني معايير جديدة تحتاج حقبة طويلة من الزمن قrد تصrل الى
الجيل الثالث .ان فقدان المعrrايير الواضrrحة في البيئrrة الحضrrرية يقود الى
مسrrتويات عاليrrة من التفكrrك االجتمrrاعي والى السrrلوك المنحrrرف .علمrrاء
االجتمrrrاع يسrrrتخدمون مصrrrطلح االنrrrومي Anomieلوصrrrف حالrrrة
الالمعيارية في المجتمع ،اي تدهور المعايير الضابطة للسلوك التي تحدث
بسبب نقص األهداف المشrrتركة وضrrعف القدرة على تحقيقهrrا كمrrا يقول
مrrrيرتون ) Merton (1968aوعنrrrدما تغيب المعrrrايير او تضrrrعف او
تتصادم فان االنحراف سrrيزداد .وكrrان دوركهrrايم Durkheim (1858-
) 1917اول من وصف الالمعيارية في المجتمع بوصفها نتيجrة لغيrاب او
278
ضعف او تصادم المعايير والقيم عندما يكون المجتمع مفككا .هذه الصورة
تنطبrrق تمامrrا على المجتمعrrات الصrrناعية الrrتي شrrهدت تحضrrرا سrrريعا،
فالمجتمعات في أوقات التحول التكنولوجي السريع او االنحطrrاط المفrrاجئ
نتيجrة االنقالب على نظrام الحكم بثrورة او احتالل او حrرب شrاملة فإنهrا
تشهد غيابا او تصادما في المعايير التي تؤدي الى االنحرافات ،كما حrrدث
في العrrراق بعrrد االحتالل األمrrريكي ،حيث غrrابت الrrروادع األخالقيrrة
(المعrrايير) والقيم الrrتي كrrانت تعمrrل بمثابrrة موجهrrات للسrrلوك وأدت الى
النهب والسrrrلب والقتrrrل وانتشrrrار العصrrrابات واللصrrrوص وكثrrrير من
االنحرافات األخرى مثل االتجrrار بالبشrrر والبغrrاء والمخrrدرات والجنسrrية
المثلية والغش والكذب والنفاق وسوء االدب ،وظهور نظام العشrrيرة الrrذي
اندثر منذ زمن طويل ليتrrولى مهمrrة االمن بrrدل وسrrائل الضrrبط الرسrrمية.
الالمعيارية تصيب المجتمrrع الحضrrري أوال ثم ال تلبث ان تنتشrrر في كrrل
مكونات المجتمع ،لذا فان االحداث على المستوى الواسع Macro-level
Eventsمثل الركrrود االقتصrrادي او الحrrروب ،توضrrح أهميrrة التضrrامن
االجتماعي المبني على القيم الراسrrخة في نفrrوس النrrاس والrrتي من دونهrrا
يتحول المجتمع الى مجاميع هائجة متوحشة.
الفكرة الرئيسrrة لالمعياريrrة قrrادت مدرسrrة شrrيكاغو في علم االجتمrrاع الى
دراسة الظروف االجتماعية للمدينة واالنحراف الذي يرتبrrط بهrrا .مدرسrrة
شيكاغو ربطت المناطق العشوائية بالجريمrrة ،احيrrاء معينrrة في شrrيكاغو،
وبالتحديrد المنطقة المتحولrة في وسrط المدينrة والrتي تضrم نrزالء جrدد،
وجrrدوا انهrrا تحتrrوي على اعلى معrrدالت لالنحrrراف بغض النظrrر عن
279
الجماعات التي تسكنها ،والتي تتمثل بجماعrrات متدنيrrة اقتصrrاديا ،اعrrراق
غrrير متجانسrrة ،نrrزالء مؤقتrrون ،عrrائالت مضrrطربة ،ومنظومrrات قيميrrة
متنافسrrة ،كrrل هrrذه المكونrrات أدت الى درجrrة عاليrrة من عrrدم االنسrrجام
والتفكك وغياب المعايير ،وعلى الرغم من الحrrراك السrrكاني العrrالي حيث
تنتقل عائالت وتحل محلها أخrrرى بشrrكل مسrrتمر بقيت معrrدالت الجريمrrة
عاليrrrة ،الن كrrrل جيrrrل من القادمين تتشrrrكل لديrrrه خrrrبرة سrrrريعة عن
الالمعيارية ،عبر جماعات االقران Peer Groupالى جانب ندرة نموذج
السلوك غير المنحرف لدى المراهقين والبالغين ايضا .كrrل ذلrrك أدى الى
استمرار معدالت االنحراف عالية في وسط هذه االحياء في مدينة شيكاغو
)Anderson (2000
نظرية التوتر Strain Theory
اغلب الناس في المجتمrrع يشrrتركون في قيم واهrrداف متماثلrrة ،لكن أولئrrك
الrrذين ينقصrrهم التعليم وتنقصrrهم مصrrادر العيش لrrديهم فrrرص اقrrل من
االخرين لتحقيrrق األهrrداف المشrrتركة .وعنrrدما تكrrون الطrrرق المشrrروعة
للنجاح مقطوعة فrrانهم يشrrعرون باإلحبrrاط والغضrrب ،وربمrrا يسrrتخدمون
الطرق المنحرفة لتحقيrrق أهrrدافهم .نظريrrة التrrوتر تركrrز على التناقضrrات
والتrrوترات بين القيم واالهrrداف المشrrتركة من جهrrة ،وبنrrاء الفrrرص في
المجتمع من جهة أخرى .ميرتون ) Merton (1968bزعم ان االختالف
بين تحديد المجتمع لألهداف والطrrرق الشrrرعية في تحقيrrق هrrذه األهrrداف
يخلق نوعا من التوتر داخل المجتمع ،فrrاألفراد ربمrrا يوافقون على تحديrrد
المجتمع لألهداف التي تودي الى النجاح ،ولكنهم غير قادرين على تحقيrrق
280
هذه األهداف وفقا للمحددات االجتماعية ،والتوتر الذي يتولrrد عن ذلrrك قrrد
يقود لالنحراف .مثال المحددات االجتماعية لبناء جسر او مشrrفى ،تسrrتلزم
ان تكون الشركة التي تقوم ببنائه امينة في البنrrاء لكيال يسrrقط الجسrrر بعrrد
نصف ساعة من بنائه ،ولكن لكي تكون الشركة امينة فان أرباحها ستكون
قليلة هنا ينشrrأ تrrوتر بسrrبب التعrrارض بين األمانrrة الrrتي يريrrدها المجتمrrع
والربح الذي تبحث عنه الشركة .وبسبب هذا التعارض يحدث االنحrrراف،
فتقوم الشركة بالغش في مواد البناء لكي تحقق ربحيrrة اعلى فتنحrrرف عن
اهداف المجتمع وتدخل عالم الجريمة .ميرتون حدد خمسة اهداف للتكيrrف
مع التوتر الناتج عن التعارض بين األهداف االجتماعية ووسائل تحقيقه:
ـ االمتثrrال Conformity :أي االلrrتزام بمحrrددات المجتمrrع للنجrrاح في
تحقيق األهداف .فالشركة التي تبني الجسrر تلrتزم بالمحrددات االجتماعيrة
للنجاح في اإلنجاز مع الرضا بهrrامش الrrربح القليrrل حفاضrrا على سrrمعتها
ومصداقيتها.
ـ االبتكار Innovation :أي استعمال الوسائل غير المشrrروعة للوصrrول
لألهداف المحددة اجتماعيا ،فالشركة التي تبني الجسر قد تقوم بإطالrة مrدة
اإلنجاز او الغش في مواد البناء فالنجاح في اكمrrال بنrrاء الجسrrر مrrع اعلى
هامش للربح هو المهم باية طريقة كانت حتى لو سقط الجسر بعد سrrاعتين
من بنائه.
ـ الطقوسية :Ritualismوهو االلتزام الصارم بالقواعد المحددة في ثقافrrة
المجتمع ،فالطالب مثال ال يغش في االمتحان حrrتى لrrو اضrrطر للتخلي عن
مشروع الحصول على شهادة جامعية.
281
ـ التراجعية :والمقصود بها التخلي عن المشروع وعن الوسائل التي تؤدي
الى انجاز هذا المشروع ،فالشركة التي تبني الجسر قد تعيد حسrrاباتها قبrrل
الشروع وتنسحب من بنائه لكيال تضطر للمناورة في الوسائل واالهداف.
ـ التمرد Rebellion :وهو رفض األفكار والمحددات االجتماعية للنجrrاح
والوسائل المستخدمة في تحقيقه ،فالشrrركة الrrتي تrrرغب ببنrrاء الجسrrر قrrد
تضع أهدافا بديلة لألهداف المحددة اجتماعيا ،وتعrrد االهrrداف االجتماعيrrة
متخلفة او بيروقراطية او انهrrا تعيrrق العمrrل او ال تحقق الrrربح المطلrrوب
فتتبrrنى اسrrتراتيجية بديلrrة تحقق لهrrا مrrا تريrrد على حسrrاب األهrrداف
االجتماعية.
السrrلوك المنحrrرف يظهrrر في التراجعيrrة ،واالبتكrrار والتمrrرد ،ووفقا ل
ميرتون فان السبب الذي يدفع االفراد الى اللجrrوء لهrrذا السrrلوك يعrrود الى
الظروف االجتماعية التي تضع مسrrتويات مختلفrة لتحقيrrق النجrrاح ،وليس
الن االنحراف جزء من تركيبهم البيولوجي او تكوينهم النفسي.
نظرية الصراع Conflict Theory
في 2011خrrرج ماليين المصrrريين الى الشrrوارع ضrrد إدارة الrrرئيس
حسني مبارك فيما سمي في وقتها ثورة الربيع العربي (وهي في الواقع لم
تكن ربيعا وال عربيا) في العراق عام 1991خرج االف الناس ضد إدارة
الرئيس صدام حسrrين فيمrrا عrrرف باالنتفاضrrة الشrrعبانية وتعrrرض اغلبهم
للقتل المريع ،فيما فّrrر بضrrعة االف منهم لrrدول الجrrوار ،في 2008احrrاط
مئrrات االف من اليابrrانيين بسrrفن الصrrيد احتجاجrrا على صrrيد الحيتrrان في
المحيrrط المتجمrrد الجنrrوبي ،وفي 1991وقrrف عrrدد من رسrrل السrrالم
282
الكنديين واالمريكيين في بغداد دروعrrا بشrrرية لمنrrع إدارة بrrوش االب من
ضرب العراق .هل هؤالء المحتجون منحرفون ومجرمrrون ام انهم ابطrrال
شجعان؟ اإلجابة تعتمد على من يجيب عن هذه األسrrئلة .نظريrrة الصrrراع
تفترض حتمية الصراع بين الجماعات ،والن اغلب المجتمعات في الوقت
الحاضر عبارة عن تجمعات غير متجانسة ،فان االختالفات بين جماعrrات
المصالح وجماعrات السrلطة تrؤدي في الغrالب الى صrراع .والن نظريrة
الصrrراع تهتم بتحليrrل االنحrrراف على المسrrتوى الواسrrع Macro-level
فإنها ترى االنحراف نتيجة لعدم المسrrاواة ،او صrrراعا بين الجماعrات من
اجل السلطة .واالنحراف مرتبrrط بمكانrrة الطبقة االجتماعيrrة ،وبجماعrrات
المصrrلحة ،وبالجماعrrة المهيمنrrة في صrrراعها الثقافي مrrع الجماعrrات
األخrrrرى ،مثrrrل االقليrrrات العرقيrrrة ،والجماعrrrات الدينيrrrة ،والسياسrrrية
والمناطقية ،وجماعات النوع (الجنrrدر) وغيرهrrا كثrrير ،فالصrrفوة صrrاحبة
القوة والثروة تسعى للمحافظة على البقاء في مواقعهrrا العليrrا ،وهي تملrrك
السلطة لتمرير القوانين وتحديrrد من هم المنحرفrrون ،وأحيانrrا تقضrrي على
الجماعات المعارضة قضاء تامrrا .وكلمrrا ازدادت االختالفrrات الثقافيrrة بين
الجماعات المهيمنة والجماعات األخرى ،كلما ازدادت احتماالت الصراع
بينهم ،ذلك الن األقليات وجماعات الثقافات الفرعية والجماعات المهمشrrة
غالبا ما تتحدى معrايير الجماعrات المهيمنrة وتهrدد االجمrاع في المجتمrع
)Domhoff (1998
بعض نظريrrات الصrrراع تضrrع اللrrوم على النظrrام الرأسrrمالي في اإلدارة
غير العادلة للقانون ،وتقول ان الطبقة الحاكمrrة تسrrتخدم النظrrام القضrrائي
283
لتزيrrد من قrrوة الشrrركات الرأسrrمالية ،والطبقة المهيمنrrة هي الrrتي تحrrدد
االنحrrراف وتطبrrق القوانين لحمايrrة مصrrالحها ،وتسrrحق كrrل المنrrاوئين
والمحتجين ،وفي الواقع انها تجبر الطبقات الخاضrrعة للقيrrام بأفعrrال ُتفسrrر
على انهrrا منحرفrrة ،وبالمقابrrل تrrدعم األيrrديولوجيا الrrتي تجّrrرم الطبقات
المسحوقة وتعمrrل ضrrدها ،حيث تصrrنف كrrل األنشrrطة المعاديrrة لمصrrالح
ورفاهية وثروة الطبقة الرأسمالية على انها أنشrrطة منحرفrrة .والن الطبقة
المهيمنة في الغالب جماعة عرقية واحدة ،وبقية األعراق وألقليrrات عليهrrا
ان تكون خاضعة لها فان الصراع غالبا عرقي مثلما هو طبقي .وعليه فان
ارتكاب الفعل المنحرف نفسه يحاسب عليه أبناء الطبقات المسrrحوقة أكrrثر
مما يحاسب عليه أبناء الطبقة المهيمنة .لتقليل االنحرافات والجرائم ،تقول
نظريrات الصrراع ،يجب تغيrير بنيrة المجتمrع ،فمثال ،القوانين في بلrدان
عديrrدة تrrزعم انهrrا تrrدعم التعامrrل العrrادل مrrع الجميrrع ،ولكن عنrrد النظrrر
للقوانين عمليا تجد الصورة مختلفة ،فالطالب الrrذين ينحrrدرون من الطبقة
الحاكمة يعاملون معاملة خاصة تختلف كليا عن التعامrrل مrrع نظrrرائهم من
الطبقات المحكومrrrة .عrrدم المسrrrاواة تتجrrrذر في قلب النظrrrام السياسrrrي
والقانوني والمهني الرأسمالي ،فاذا تغيرت بنية المجتمrrع ،واختفت الطبقة
المهيمنة التي تستغل الطبقات األخرى فان االنحراف ال يزول ولكنه يقل
بدرجة كبيرة ،فمعدالت الجريمة في الصrrين وكوبrrا ،مثال ،اقrrل بكثrrير من
الrrدول الرأسrrمالية الديمقراطيrrة الغربيrrة ،في جrrزء منrrه بسrrبب الالتمrrايز
النسrrبي ،والضrrبط االجتمrrاعي الصrrارم للسrrلوك ،ومن جهrrة أخrrرى فrrان
الجريمة التrزال موجrودة في النظم غrير الرأسrمالية ،لrذا فrان الالمسrاواة
284
الطبقيrrة هي عامrrل واحrrد من مجموعrrة من العوامrrل المسrrببة لالنحrrراف
)Quinney (2002
النظرية النسوية Feminist Theory
اغلب النظريات النسوية تهدف الى فهم مكانrrة المrrرأة وتحسrrينها ،بمrrا في
ذلك طريقة تعامل الرجال وذوي السلطة معها .النظرية النسrrوية تعتقد ان
النظريات التقليدية لم تعط صورة مالئمة لفهم مواقف المرأة ،وعلى الرغم
من وجود عدة تفرعات للنظرية النسوية اال ان اغلبها يعزو سrrوء التعامrrل
مrrع المrrرأة الى المنظrrور الواسrrع للتحليrrل Macro-levelالrrذي ينسrrب
أسrrباب معانrrاة المrrرأة للنظrrام الرأسrrمالي االبrrوي ،متمثلrrة أوال :بمواجهrrة
المرأة لتقسيم عمrل جنسrي جrائر ،ثانيrا :فصrل متعمrد بين العrام (العمrل)
والخrاص (الrبيت) وهrذا من شrانه ان يخلrق جrوا من النشrاط االجتمrاعي
التمييزي على أساس “نحن" مقابل "هم" في إشارة الى الرجrrال والنسrrاء.
ثالثا :تنشئة األطفال على أساس خصوصية النوع (الجندر) في إشrrارة الى
التمييز بين الذكور واالناث في شكل العالقة الالحقة بينهما .احدى النتrrائج
المتعلقة بمكانة المرأة هي انهن في الغالب ضحايا الجرائم ،ونrوع األفعrال
التي تجعل من النسrrاء ضrrحايا يختلrrف بrrاختالف الثقافrrات ،فمن المتrrاجرة
بهن أهrدافا جنسrية الى االغتصrاب ،والمrرأة في الغrالب ليسrت في موقrع
يسمح لها بارتكاب فعل إجرامي قياسا بالرجrrل ،طبعrrا ذلrrك ال ينفي وجrrود
نساء منحرفات ،ولكن في االغلب انحراف النسrrاء يقع ضrrمن فئrrة سrrرقة
بضائع من محالت ،احتيال ،بغاء ،زنا ،ونادرا مrrا تrrرتكب جrrرائم قتrrل او
الحاق اذى بممتلكات او اشخاص.
285
إذا اخrrذنا في االعتبrrار حالrrة العنrrف االسrrري ضrrد المrrرأة ،بمrrا في ذ لrrك
االغتصاب ،فانه لحrد سrنوات قليلrة ماضrrية ،لم تكن هنrاك عrواقب جديrة
على مرتكrrبي العنrrف ضrrد النسrrاء السrrيما اثنrrاء االزمrrات االجتماعيrrة
والحروب ،ومع انهن ضحايا اال انهن يتعرضن لّلوم او يلمن أنفسهن فيمrrا
حدث لهن .واالتجاهات الثقافية نحو عنف الزوج يختلrrف بrrاختالف مكانrrة
المرأة في المجتمع ،فمثال عندما تتمتع المrrرأة بمكانrrة رفيعrrة وتكrrون على
قدر كبير من العفة فان انحرافها يقابل بقسrrوة ،ففي بعض الثقافrrات تخشrrى
المرأة من اإلبالغ عن العنف الذي يمارس ضدها وربما تلوم نفسها عندما
تعrrاقب بrrدنيا او تغتصrrب .ومن الدراسrrات القليلrrة عن المrrرأة في الشrrرق
األوسrrط ان %52- %16من النسrrاء المتزوجrrات يتعرضrrن لالعتrrداء
البدني سنويا بالمقارنة مع %12 - %1.3في اوربا وامريكrrا Krug et
)al (2002
النظريrrrات النسrrrوية مrrrازالت تبحث عن
تفسير للعنف والمكانة الثانوية للمرأة
عن طريrrق العالقrrة بين الجنسrrين وعن
طريق األبنيrrة االجتماعيrrة وعrrبر التنrrوع
الثقافي ،وتrrرى ان تعلم المrrرأة لrrدورها
النrrوعي بوصrrفها امrrرأة هrrو جrrزء من
الثقافrrة الrrتي يتعلم فيهrrا الرجrrل ان يكrrون
عدوانيا ،ومكانة المرأة في المجتمع تrrأتي
:امرأة تعرضت للعنف االسري
من طريقة التعامrrل معهrrا بوصrrفها هrrدفا Source: Ballantine.P.176
286
جنسيا إلمتاع الرجrrل .عمrrل المrrرأة المrrنزلي ،وتربيrrة األطفrrال واالشrrباع
الجنسrrي للrrزوج ال يعطى القيمrrة الrrتي يسrrتحقها ،ففي بعض المجتمعrrات
ومنها المجتمع العربي تعد المرأة ملكية خاصrrة للrrزوج ،لهrrذا تrrرى بعض
فروع النظريrة النسrوية ان الرجrال يسrتغلون قrوة عمrل المrرأة وعالقتهم
الجنسية معها من اجل استمرار اخضاعها ويتم ذلrrك عrrبر تنشrrئة األجيrrال
على المحافظة على النظrrام االبrrوي الrrذكوري والنظrrر لعrrدم المسrrاواة بين
الجنسين بوصفه امرا طبيعيا ،والمرأة التي تنحرف عن التوقعrrات الثقافيrrة
"للسلوك الطبيعي" تدان بشدة.
وخالصة القول ليست هناك نظرية واحدة عن االنحrrراف قrrادرة ان تفسrrر
كل االنحرافات .بعض النظريات تأخذ في االعتبار العملية على المسrrتوى
الضrrrيق Micro-levelهrrrذا االتجrrrاه يختrrrبر االنحrrrراف ونتائجrrrه على
المستوى الفردي او على مستوى الجماعات الصغيرة ،اما النظريات الrrتي
تفسر االنحراف على المستويين المتوسrrط والواسrrع Meso & Macro
Levelفإنهrrا تأخrrذ في االعتبrrار العوامrrل البنائيrrة على مسrrتوى المجتمrrع
المحلي والمجتمrrrع الكبrrrير او حrrrتى على مسrrrتوى المجتمrrrع العrrrالمي.
)McEvoy & Brookings (2008
المرأة والجريمة Women & crime
على الrrرغم من كrrل التrrبريرات الrrتي قrrدمتها النظريrrات النسrrوية عن ان
النسrrrاء في االغلب ضrrrحايا النظrrrام االبrrrوي الرأسrrrمالي او االسrrrتغالل
الذكوري ،اال ان النسrrاء مثrrل الرجrrال ينجرفrrون نحrrو السrrلوك المنحrrرف
حيثمrا تسrتلزم الظrروف .المواقrrف المعينrة الrتي تجrد فيهrا المrرأة نفسrها
287
محددة بهويتها الجنسrية (الجنrدر) تrدفعها للتصrرف وفrق التوقعrات حrتى
انحرافاتها ليس لها نفس االبعاد الrتي للrذكور ،والصrrورة النمطيrة لإلنrاث
والذكور المقررة ثقافيا لها تأثير كبير على طبيعة ردود الفعrrل االجتماعيrrة
إزاء جرائم النساء ،كما ان غياب ردة الفعل العقابية الصrrارمة ضrrد اغلب
اشrrكال الجrrرائم النسrrوية تعrrني ان تحrrول جrrرائم النسrrاء من االنحرافrrات
االولية الى االنحرافات الثانوية في الواقrrع امrrر قليrrل الحrrدوث .المrrرأة قrrد
تنجرف نحو الجريمة ولكنها قطعا لن تسrتمر فيهrا ولن تتخrذها مهنrة كمrا
هو الحال عند المجرمين من الرجال.
الجريمrrة النسrrوية الrrتي تبrrدو اسrrتثناء عن القاعrrدة هي البغrrاء ،والقانون
الغrربي على وجrه الخصrوص يّج رم المrرآة الrتي تمrارس الجنس مقابrل
ثمن ،والمجتمrrع أيضrrا ال يستحسrrن هrrذا الفعrrل ،ولكن ليس بنفس الطريقة
الrrتي ينظrrر فيهrrا المجتمrrع العrrربي لبائعrrات الهrrوى .في الغrrرب تتغافrrل
الشرطة عن سلوكهن في الشارع ،كما ان الهيأة االجتماعية ال تنظر لبائعة
الهوى من منظور الشرف ،الن الشرف ال عالقrrة لrrه بrrالجنس حيث يمكن
ألي امرأة ان تمارس الجنس مع أي رجل من دون ضوابط شrrريطة ان ال
تجrrبر على ذلrrك ،ولrrذلك من النrrادر وجrrود امrrرأة تحتفrrظ ببكارتهrrا قبrrل
الزواج ،ولكن المجتمع يستهجن بيع الجنس الن ذلك يعد بنظرهم نوعا من
النخاسة وتعrrويم للحيrrاة العائليrrة وخrrروج عن الrدور التقليrrدي للمrrرأة .وال
يصح تطبيق مقاييس الثقافrة العربيrة على الغrرب ذلrك الن كrل ثقافrة لهrا
مقاييسها الخاصة وعلم االجتماع ال يتورط في إعطاء احكrrام عن السrrلوك
طالما ان ثقافة المجتمrrع هي الrrتي تحrrدد المالئكrrة والشrrياطين ،وهي الrrتي
288
تحدد السلوك السوي المرغrrوب فيrrه والسrrلوك المنحrrرف غrrير المرغrrوب
فيrrه .وعلى العمrrوم فrrإن انحرافrrات النسrrاء في كrrل الثقافrrات اقrrل حrrدة من
انحرافات الرجال وان انحرافات النساء غالبا بسrrيطة مثrrل سrrرقة بضrrاعة
من متجر او احتيال او زنا ،ولكن طبعا ذلك ال يعني خلو عrrالم المrrرأة من
الجرائم المروعrrة كالقتrrل ،ولكنrrه بالمقارنrrة يبrrدو وكأنrrه من النrrدرة بحيث
يحسب باألصابع ويحدث تحت ظروف قاهرةEdwards (1984) .
جرائم ذوي الياقات البيضاء White Collar Crimes
نقطrrة البدايrrة في اغلب الدراسrrات االجتماعيrrة عن االنحrrراف والجريمrrة
تشير الى ان السلوك المنحرف يتركز عند شباب الطبقة العاملة الذكور او
ذوي الياقrrات الزرقrrاء Blue Collar Crimeمrrع اغفrrال (ربمrrا غrrير
متعمrrد) لجrrرائم الطبقة الوسrrطى من ذوي الياقrrات البيضrrاء .سrrذرالند
) Sutherland (1949هrrrو اول من اسrrrتخدم مصrrrطلح ذوي الياقrrrات
البيضاء وأول من تحدى االفتراضات التي تلصق الجrrرائم بrrذوي الياقrrات
الزرقاء .لسوء الحظ لم يكن تعريف سذرالند لجرائم ذوي الياقات البيضاء
نافعا كما يقول نيلكن ) Nelken (1994ذلك ان سrrذرالند ربrrط الجريمrrة
بأشrrخاص من ذوي المكانrrة العاليrrة في الشrrركات والمؤسسrrات الحكوميrrة
وغrrير الحكوميrrة دون ان يمrrيز بين الrrذين يرتكبrrون الجrrرائم لمصrrلحة
مؤسساتهم وبين الذين يرتكبونهrrا لمصrrلحتهم الشخصrrية ،ومهمrrا يكن فrrان
جrrرائم ذوي الياقrrات البيضrrاء تشrrمل ذوى النفrrوذ في المؤسسrrات العامrrة
والشركات الخاصة وال تستثنى الحكومrrات من األنشrrطة االجراميrrة ،مثrrل
289
فضيحة ووترجيت في امريكا والعالقة بين السياسيين االيطاليين والمافيا،
وعالقة بعض السياسيين العراقيين مع عصابات الجريمة المنظمة.
والجrrرائم المهنيrrة تغطي مسrrاحة واسrrعة من االنتهاكrrات اغلبهrrا سrrرقة
واحتيال وابتزاز واختالس ،وعلى الرغم من ان هrذه الجrرائم قrrد يرتكبهrا
صغار الموظفين مثلما يرتكبها التنفيذيون الكبrrار ،ولكن فrrرص الكبrrار في
الحصول على الغنائم أكبر بكثrrير من فrrرص المسrrتويات األدنى .وجrrرائم
ذوي الياقات البيضاء ربما أكبر عددا من الجرائم األخrrرى ولكنهrrا تحrrدث
بشكل غير مرئي وال تسrrلط عليهrrا األضrrواء وال يتناولهrrا االعالم ام عrrدم
اكتشافها او بسبب تأثير هrrؤالء على األجهrrزة الرقابيrrةTaylor et al .
)(2004
جrrرائم ذوي الياقrrات البيضrrاء يسrrميها فولتشrrر وسrrكوت & Fulcher
) ،Scott (1999جرائم االغنيrrاء Crimes of Effluentsوأصrrحاب
النفوذ ،وهي ال تختلف في دوافعها المرضية عن دوافع الجرائم األخrrرى،
والفrrارق فقط في ردة الفعrrل االجتمrrاعي .فشخصrrية المجrrرمين ودوافعهم
األغنياء ليست اقل وال أكثر من كل الذين ينجرفrrون نحrrو عrrالم الجريمrrة،
ولكن هؤالء من غير المحتمل ان يتخذوا من الفعل االجرامي مهنة دائمrrة،
كمrrا ان طبيعrrة ردة الفعrrل االجتمrrاعي أخrrف بكثrrير من ردة الفعrrل على
الجرائم األخرى ألنها ترتبط بتأثيرات النفوذ .وأكثر األمثلrrة وضrrوحا عن
جرائم األغنياء وأصحاب النفوذ تتمثل في كبار موظفي الدولة في العrrراق
وفي دول اوربrrا الشrrرقية الrrتي تمقرطت بعrrد انهيrrار االتحrrاد السrrوفيتي،
ولكنها في العراق بلغت ما لم تبلغه أية دولة في العالم منrذ ان خلrق هللا ادم
290
حتى يومنا هذا .ولك ان تتخيrrل ضrrياع 800مليrrار دوالر في مشrrروعات
وهمية خالل األعوام ،2014-2003وان وزارة الكهرباء التي لم تسrrتطع
حrrتى اليrrوم من تrrأمين الكهربrrاء للعrrراق على الrrرغم من ان ميزانيتهrrا
التأسيسrrية والتشrrغيلية السrrنوية كافيrrة إلضrrاءة الكrrرة األرضrrية مrrرتين.
والغريب في جrrرائم األغنيrrاء في العrrراق ان السياسrrيين يتهمrrون بعضrrهم
بالسرقة واالحتيال يوميا وعلنا على الشاشات الفضائية وال تملك الحكومrrة
قوة ردع حقيقيrة لكي تضrrع األغنيrاء المفسrدين خلrف القضrrبان ،الن قrrوة
الردع الشرعية والقانونية بأيديهم او بأيدي اتباعهم.
علم االجرام ونقد ما بعد الحداثة Criminology & Postmodernity
Critique
علم االجrrrرام والدراسrrrات المرتبطrrrة بrrrاالنحراف ارتبطت في شrrrكلها
وخصائصrrها بمرحلrrة الحداثrrة ،وكمrrا اشrrرنا في بدايrrة هrrذا الفصrrل فrrان
المدرسة الوضعية التي تزعمها دوركهايم وطورها مrيرتون كrانت شrديدة
الحماس لما اسماه ديفيد ماتز ) Matza (1964البحث عن االختالفrrات،
وكrrانت المدرسrrة التطوريrrة ال تقل حماسrrة عن تبrrني فكrrرة لومrrبروزو
البيولوجية ،بينما نظرية التوصrrيف والنظريrrة الماركسrrية ،رفضrrت بشrrدة
فكرة االختالفات واالرتداد البيولوجي ،واعتبروها بسيطة اكrrثر ممrrا يجب
ومظللة ،ولكنهما لم يبتعدا كثrrيرا عن منطلقات الحداثrrة الrrتي تضrrع اللrrوم
على النظrrام الطبقي-االبrrوي في االنحrrراف والجريمrrة ،ومrrع انهمrrا من
النظريات الكالسيكية في تفسير الجريمrrة ولكن تفسrrيراتهما مrrازالت حrrتى
اليوم تؤخذ مأخذا جديا النهما قّد ما ضربا من المعرفrrة الrrتي تفrrوق كrrل مrrا
291
سبق من المعارف والحسابات التي تناولت التطبيقات الشرعية في التعامل
مع االنحراف والجريمة .من جهة أخrrرى جrrادت النظريrrات النسrrوية بنقد
شديد للخط الذكوري لعلم االجرام .وعّد ها بلتون واخرون Bilton et al
) ،(1997مسؤولة ولو جزئيا عن بداية نقد علم االجrrرام لمرحلrrة مrrا بعrrد
الحداثة .فقد أعلن مفكrrرو مrrا بعrrد الحداثrrة عن تحrrديهم ورفضrrهم لمفrrاهيم
مفكrrري مرحلrrة الحداثrrة عن عrrالم المجتمrrع ورؤيتهم عن التقدم الrrذي
اعتبروه محطة لمستقبل أفضل ،كما رفضrrوا المقيrrاس الشrrامل للتفسrrيرات
النظرية التي ظنوا انها قابلة للتطrrبيق على مسrrتوى العrrالم .وهrrذا التrrأطير
وضع األساس لمنظور جديد يأخذ في االعتبار البنى الثقافية المحليrrة الrrتي
ال يصلح معهrrا مrrا اصrrطلح عليrrه الصrrورة الكونيrrة لالنحrrراف .وبحسrrب
قrrولهم طالمrrا انrrه ال توجrrد شrrمولية اجتماعيrrة فال يمكن وضrrع نظريrrة
اجتماعية شاملة في عالم مrrا بعrrد الحداثrrة ،لهrrذا من االنفrع تبrrني نظريrrات
تتناسrrب مrrع الخصوصrrيات الثقافيrrة .ولكنهم اعrrترفوا بوجrrود مشrrتركات
ثقافية ،غير ان هذه المشتركات ال تسمح بالضرورة تجاوز الخصوصrrيات
المجتمعية ،النظريات المحلية قد تتالقح او تتنافس ولكنهrrا ال تملrrك امتيrrاز
الدخول الى الحقيقة الشاملة ،فاذا لم يكن هناك أساس للحقيقة الشاملة فإنهrrا
أية النظريrrة الشrrاملة غrير مؤهلrrة لتكrrون دليال للعمrrل اإلنسrrاني .سrrمارت
) Smart (1990تعتقد ان علم االجرام مكشوف تمامrrا امrrام نقد مفكrrري
مرحلة ما بعد الحداثة الن فكر علم االجرام التقليدي كان مقترنrrا بالمrrذهب
الوضعي للحداثة الذي كان يعتقد انه قادر على بناء معرفrrة قابلrrة للتطrrبيق
والتحقق للجريمة واسبابها من شانها ان تضع الحلول او تقدم اسrrتراتيجية
292
للتدخل قبل حدوث الجريمة ،ولكن وفقا لرؤية سمارت فان الفكrrر الحrrداثي
ارتكب خطأ فادحا عندما ظن انه قrrادر على تقديم اطrrار نظrrري شrrمولي،
الن زعمهم هذا يستلزم وحدة المجتمع البشري من اجل وضع حلول قابلrrة
للتطبيق في كل مكان ،لكن المجتمع البشري ال يشترك في أية وحrrدة اكrrثر
من تورط المجرمين في انتهاك القوانين ،والقوانين ذاتها تختلف ثقافيrrا وال
تجّرم قوانين ثقافة بعض األفعال التي ُتعد جرائم في ثقافة أخrrرى ،فrrزواج
القاصrrرات في المجتمrrع الغrrربي مثال ُيعrrد جريمrrة يعrrاقب عليهrrا القانون
ولكنها ليست كذلك في المجتمع العربي.
خالصة Conclusion
على الrrرغم من ان موضrrوع االنحrrراف متعrrدد االبعrrاد وينطrrوي على
تعقيدات تفسيرية شديدة التنوع قد تصل الى التعارض ،اال انها جميعا تتفق
على االطار العام لالنحراف الذي يعني الخروج على المعايير االجتماعية
السائدة ،النظريات المبكرة التي يربطهrrا بعض علمrrاء االجتمrrاع بالحداثrrة
اخذت اتجاهين مختلفين ،اتجاه يهتم بrردود الفعrل االجتماعيrة الrتي تعطى
مفهrrوم االنحrrراف معrrنى معياريrrا مسrrتمد من القواعrrد الثقافيrrة للمجتمrrع،
وتعزو الفعل المنحرف الي التنشئة االجتماعيrrة واالضrrطراب االجتمrrاعي
الذي سماه دوركهايم االنومي او الالمعياريrrة او التفكrrك االجتمrrاعي الrrذي
يعطي فرصrrة لبعض االفrrراد للتحrrرر من المعrrايير الصrrارمة او التمrrرد
عليها كما حدث في العراق بعد االحتالل األمريكي .واالتجاه االخrrر تبrrنى
منطلقات المدرسrrة التطوريrrة الrrتي من ضrrمنها االتجrrاه الrrبيولوجي الrrذي
تزعمه لومبروزو والذي يرى ان االنحراف والجريمة له عالقة بالتركيب
293
الجيني لألفراد وان المجرمين لديهم خصrrائص بيولوجيrrة ممrrيزة ،ويrrدخل
ضمن هrrذا المنظrrور االتجrrاه النفسrrي الrrذي يعrrزو االنحrrراف الى الrrدوافع
الفطرية او الغرائز مثل غريزة العدوان التي تدفع بعض الناس الى التعبير
عن غرائrrزهم حالمrrا تتrrوفر الفرصrrة او تضrrعف المعrrايير االجتماعيrrة.
الوظيفية البنائية والتفاعلية الرمزية كانت لهما وجهة نظر تفسrrيرية تنبثrrق
من طبيعة المجتمع الذي ال يخلrrو في مسrrيرته من االنحرافrrات الrrتي تعrrود
الى تنوع مكوناته وتعارضها والتي تقود الى عمليrrة تrrوازن ،فلrrوال وجrrود
االنحراف والجريمة بزعمهم لما استطعنا معرفة صحة وسالمة المجتمrrع،
والجريمة هنا تعمل عمrrل النبrrه لوجrrود خلrrل في البنrrاء االجتمrrاعي او في
وظائفه ،واهتمت نظرية التوتر المنبثقة عن التيrrارات الماركسrrية الجديrrدة
بعملية الصراع بين الذين يملكون كل شيء والذين ال يملكrrون أي شrrيء،
وهذا الوضع غير المتكافئ يخلق توترا وصراعا من اجrrل السrrلطة والقوة
ويدفع باتجاه االنحراف .ثم يأتي دور النظريات النسوية التي حّم لت النظام
االبوي الذكوري مسؤولية تrrدني مكانrrة المrrرأة واحrrداث انحرافrrات نتيجrrة
استغالل المرأة اقتصrrاديا وجنسrrيا .اتجاهrrات مrrا بعrrد الحداثrrة وجهت نقدا
الذعا للتيارات الفكرية التقليدية التي ازدهرت في مرحلة الحداثrrة وع ّrد تها
قاصرة عن تفسير أسrrباب الجريمrrة ودوافعهrrا في المجتمrrع الحrrديث الrrذي
شهد تبدالت ليس فقط على مسrrتوى الrrتركيب البrrنيوي للمجتمعrrات وانمrrا
على نوع الجريمrrة وشrrكلها ومعrrدالتها ،وانكrrرت عليهrrا عrزو االنحrrراف
والجريمة لذوي الياقات الزرقاء ،واعتبرت جrrرائم ذوي الياقrrات البيضrrاء
أكثر خطرا على الرغم من انها محاطة بالسلطة والقوة.
294
وبعد هذا فrrان االنحrراف والجريمrة يبقيrان مسrالة نسrبية ذلrك ان معrايير
المجتمع تتبدل وتتطور بتطور المجتمعات فما يبدو انحرافا قبل ربrrع قrrرن
قد ال يكون كذلك اليوم ،كما ان إيجاد نظرية تفسيرية شاملة يصعب تحققها
عمليrrا حrrتى مrrع العولمrrة بسrrبب التنrrوع الثقافي وغيrrاب الوحrrدة البنيويrrة
والمعيارية للمجتمع البشري.
الفصل العاشر
التعليم
Education
295
الطفل الذي اقتصر تعليمه على المدرسة هو طفل لم يتعلم
جورج سانتيانا (فيلسوف امريكي من أصل اسباني)
توماس ذو التسعة أعوام تلميذ فاشل ،فهو غير قادر على القراءة والكتابrة،
وغrrير قrrادر على التعrrايش مrrع اقرانrrه ،وبسrrبب االحباطrrات كrrان يسrrيء
التصرف أحيانا .لقد كان فاشال منذ ان كان عمره ثالث سنوات ،لكن فشله
بدأ قبل ذلك كما يقول ابواه .لقد قالوا له مرارا وتكrرارا انrه ال يصrلح ألي
شيء .الحظ معلموه انه بطيء التعلم وليس له أصدقاء ولهذا فانهم وصفوه
بانrrه فاشrrل .تومrrاس ص ّrد ق ابويrrه ومعلميrrه ألنrrه لم يكن يملrrك أيrrة حجrrة
يعارض فيها احكامهم .الضربة الموجعة االولى تلقاهrrا من ابويrrه والثانيrrة
من معلميه والضربة الثالثة قبوله فكرة توصrrيفه بانrه فاشrل .كrان تومrاس
الطفل في خطر ،ذلrrك انrrه كrrان يملrrك الخصrrائص الrrتي تجعلrrه فاشrrال في
المدرسة وفي المجتمع .ربما لم يكن يصلح ألي شيء ،وربما يrrدخل نفسrrه
في مشكالت مع القانون ما لم يتدخل أحد للعناية بrrه وتشrrجيعه ليrrدرك انrrه
يمتلrrك قابليrrات وان قابلياتrrه ذات قيمrrة .االف ربمrrا ماليين مثrrل تومrrاس
تسربوا من المrrدارس ودخلrrوا عrrالم الجريمrrة او ظلrrوا على الهrrامش ،الن
296
أحدا لم يكترث بهم .توماس اديسون مثrrل تومrrاس هrrذا كrrان أبكمrrا (سrrمعه
ثقيل) بطيء التعلم وقليل األصدقاء لدرجrrة ان المدرسrrة طردتrrه وارسrrلت
معه رسrrالة الى امrrه تقول فيهrrا ان تومrrاس بطيء التعلم وان المدرسrrة ال
تستطيع االحتفاظ به مع التالميذ .كانت امه معلمة وعلى درجة من الفطنة،
وعندما قرأت الرسالة امامه الحrظ تومrاس دموعهrا تrنزل بهrدوء ،سrألها
توماس بانكسار :ماذا تقول المدرسة؟ قالت تقول المدرسة إنك ولد عبقري
والمدرسrrة ليس لrrديها معلمrrون لتrrدريس العبrrاقرة .سrrحبته بسrrرعة من
المدرسة وتولت تعليمه في البيت .تذكرها فيما بعrrد وقrrال " امي هي الrrتي
صنعتني كانت مؤمنة بي" لم يحصل على أي تعليم رسrrمي ،وعمrrل بائعrrا
متجوال يبيع الصحف في القطارات .عندما مات اديسون في عمر الرابعrrة
والثمانين كان قد اخترع 1093اختراعا من اهمها المصrrباح الrrذي أضrrاء
العالم ،والبطارية التي تحتفظ بالطاقة وغيرها كثrrير .المدرسrrة األولى هي
االم والمدرسrrة ال يمكن ان تعطيrrك المعرفrrة ولكنهrrا تعمrrل على توجيهrrك
وتدلك على الطريق.
في هذا الفصrrل سrrنتناول حالrrة التعليم في العrrالم ،األطrrر النظريrrة للتربيrrة
والتعليم والبيئة االجتماعية للمدرسة.
حالة التعليم في العالم State of the World’s Education
كل المجتمعات الحديثة تهتم بتعليم األطفال عبر نظام التعليم الوطني ،وفي
اغلبها يكون التعليم مجانيا وإلزاميا لسن معينة ،المنظمات العالمية المهتمة
بrrالتعليم صrrار لهrrا مسrrاهمات مهمrrة في هrrذا المجrrال ،مثrrل اليونيسrrكو
( UNESCOمنظمrrrة األمم المتحrrrدة للثقافrrrة والتربيrrrة والعلrrrوم) الrrrتي
297
أصrrبحت المركrrز العrrالمي لمناقشrrة األفكrrار التربويrrة وتطبيقهrrا ،وصrrار
بمقدورها تزويد الدول ببرامج تrrدريب المعلمين ،ودليrrل المنrrاهج ،والكتب
المقررة ،كمrrا انهrrا تقوم بجمrrع المعلومrrات اإلحصrrائية عن اإلنجrrازات
التربوية في كل انحاء العالم .العديد من الدول تبنت معrrايير اليونيسrrكو في
مؤسساتها التربوية مثل نموذج السنوات الست في التعليم االبتدائي ونظrrام
السنوات الثالث للتعليم المتوسط ومثلهrrا للتعليم الثrrانوي .والتعليم الرسrrمي
هو المعتمد في كل دول العالم.
التعليم الرسمي Formal Educationيشمل المدارس الممولة حكوميrrا
ويهدف الى تعليم المناهج المعّrد ة سrrلفا والrrذي توسrrع بشrrكل مضrrطرد في
العقود القليلة الماضية ليشمل غالبيrة السrكان في معظم بلrدان العrالم ،على
الrrرغم من ان الفجrrوة مrrازالت واسrrعة نسrrبيا بين النخبrrة والفقراء وبين
الrrذكور واالنrrاث ،ولكن هrrذه الفجrrوة بrrدأت تتقلص تrrدريجيا ،فاإلنrrاث
المسجالت في المرحلة االبتدائية في الوقت الrrراهن تقريبrrا مسrrاوية لنسrrبة
الذكور في اغلب بلدان العالم.
في المدرسrrة الثانويrrة ،عالميrrا ارتفعت نسrrبة االنrrاث من %32في عrrام
1950الى %45عام ))Boli 2002:311 1990واالناث دخلن التعليم
العالي بنسب تفوق نسب الذكور في عrrدد كبrrير من البلrrدان .التعليم أصrrبح
قضية عالمية ،ومrrا اعتrrبر معرفrrة جوهريrrة يتعين تدريسrrها في المrrدارس
يعتمrrrد بالدرجrrrة األسrrrاس على درجrrrة تطrrrور البلrrrدان والقيم الثقافيrrrة
وااليديولوجيا السياسية الى جانب دليل المعrrايير العالميrrة .القادة يعتقدون
ان التعليم ضروري للتنمية االقتصادية والزدهار النظام السياسي ورفاهية
298
المواطنين .المعيار العالمي للتعليم أثر تأثيرا بالغا في النظم التربوية لrrدول
افريقيا ،اسيا ،وأمريكا الالتينية والشرق األوسrrط بغض النظrrر عن النظrrام
السياسrrي او مسrrتوى الrrثراء .وفي ذلrrك كتب بrrولي )Boli (2002:312
يقول "أصrrبح التعليم عمليrrة اجتماعيrrة عالميrrة ،يعكس ويسrrاعد في خلrrق
المجتمع العالمي الذي يعيش مرحلة التشكل"
299
)source: UNESCO institute for Statistic (2006:126
جودة التعليم يتم الحكم عليها جزئيا عن طريق نسrrبة المعلمين الى الطالب
ومعدالت المتعلمين .نسrrبة المعلمين الى الطالب تختلrrف بrrاختالف تطrrور
البلrدان ،فهي معلم واحrد لكrل 13طالبrا في اغلب اقطrار اوربrا الغربيrة،
معلم واحد لكل 15.8طالبا ،في أمريكا الشمالية ،واحد لكrrل 60طالبrrا في
كل من تشاد ،الكونغو ،ماالوي ،موزمبيق وراوندا ،واحrrد لكrrل 72طالبrrا
في اثيوبيا .وبيانات الجدول 10.1توضح ان أضrrعف نسrrب التعلم هي في
البلدان العربية ،والسيما االناث ،واعلى النسrrب هي للrrدول المتحولrrة مثrrل
سنغافورة وماليزيrrا وتrrايوان وكوريrrا .العrrرب في اخrrر الrrركب في التعليم
وسنبقى اخر الركب في كل مجrrاالت الحيrrاة مrrا لم نعrrط التعليم أولويrrة في
التمويل واإلدارة والنوعية .التعليم الواسع انتشر بسرعة عبر العالم ،بتأثير
سهولة االتصاالت والنقل .والعولمrrة تسrrتمر في جعrrل بلrrدان العrrالم أكrrثر
انفتاحا بعضها على بعض ،واالقطار المتطrrورة اقتصrrاديا لهrrا تrrأثير بrrالغ
األثrrر على مسrrتويات واشrrكال التعليم في العrrالم كلrrه .فالمنrrاهج التربويrrة
الوطنية في البلدان الفقيرة تشبه النمrrوذج االسrrتعماري التقليrrدي في التعليم
الواسع ،شكال ومضمونا مع تغييرات طفيفة تتناسب مع الثقافrات المحليrة،
فالرياضيات والعلrrوم مثال تrrدّرس في المrrدارس في كrrل انحrrاء العrrالم منrrذ
الحrrرب العالميrrة الثانيrrة حrrتى االن ،على الrrرغم من ان الrrدول المتقدمrrة
300
أدخلت العلوم بجودة اعلى ونوعية قابلة لمواكبة التطورات مقارنة بالبلدان
األخرى التي ماتزال في مرحلة المحاولة والخطأ.
نظريات المستوى الصغير في التعليم Micro-level theories
على مسrrتوى التحليrrل الصrrغير اهتم علم االجتمrrاع بrrالبحث عن التفاعrrل
داخrrل البيئrrة المدرسrrية على المسrrتويات كافrrة ،بمrrا في ذلrrك التفاعrrل بين
الطالب داخل الفصل وخارجه ،وبين الطالب والمعلمين
التفاع==ل االجتم==اعي داخ==ل الفص==ل :التفاعrrل داخrrل الفصrrل يقع ضrrمن
االهتمامات النظرية للتفاعليrrة -الرمزيrrة الrrتي تأخrrذ في الحسrrبان الرمrrوز
التي تؤثر على اإلحسrاس بالrذات او شrكل الrتراتب االجتمrاعي .األطفrال
لديهم القدرة على خلق الفوارق بين االفrrراد والجماعrrات في درجrrة التrrأثر
والتأثير .الشخصيات والجماعات األكrrثر شrrعبية بين الطالب هي القضrrية
الرئيسrrrة ألغلب الطالب السrrrيما في الدراسrrrة المتوسrrrطة والى حrrrد مrrrا
الثانوية .والشخصية الشعبية هي الشخصية المحبوبة التي يعرفهrrا الجميrrع
ولها تأثير مباشrrر على االقrrران .والطrrالب ربمrrا يزيrrد شrrعبيته بrrان يكrrون
جذابا او يمثrrل المدرسrrة في المنافسrrات الرياضrrية او يأخrrذ دور القائrrد في
مجموعrrة او عrrدة مجموعrrات .الصrrعوبة هي ان هrrذه المواقrrع قليلrrة جrrدا
وغالبrrا تقود الى التنrrافس ممrrا تسrrتلزم خسrrارة بعض االفrrراد في هrrذه
المنافسrrrات ،في أمريكrrrا الخاسrrrرون في المنافسrrrات هم المنحrrrدرون من
الخلفيات المتدنيrة اقتصrاديا ،الrذين ال يسrتطيعون مجrاراة المنحrدرين من
خلفيrrات غنيrrة في شrrراء األلبسrrة الممrrيزة غاليrrة الثمن او التrrدريب في
المراكrrrز الرياضrrrية والترفيهيrrrة او المشrrrاركة في الفعاليrrrات الكشrrrفية.
301
الرابحrrون في هrrذه المنافسrrات يمتلكrrون القدرة على الrrدخول الى عrrالم
الماديrrات والمصrrادر الرمزيrrة (مثrrل المالبس واالحذيrrة ذات الماركrrات
العالميrrة) الrrتي تجعلهم أوضrrح ظهrrورا وارفrrع مكانrrة بين نظrrرائهم في
المدرسrrة وربمrrا تيسrrر لهم الحصrrول على موقrrع الصrrدارة وتنّم ي لrrديهم
مهارات القيادة التي تشعرهم بتقدير عالي للrذاتEder et al (1995) .
األبحاث وجدت ان االناث أكثر معاناة من الrذكور في تقدير الrذات self-
.esteemوالشعور بالذات مسrالة شخصrية بالمقام األول ،ولكنهrا مسrالة
مهمة جدا ،فالطالب بين سن السادسة والثامنrrة عشrrر الrrذين ينفقون اغلب
وقتهم في المدرسة ،صورة الذات لديهم تتأثر بشدة بمكانrrة أي منهم داخrrل
جماعة االقران والrrتي تنعكس في النهايrrة على مسrrتوى األداء والتحصrrيل
العلمي والذكاء والمقبولية.
نظرية االختيار العقالني Rational Choice Theory
هrrrذه النظريrrrة تركrrrز على تحليrrrل ثنائيrrrة الفائrrrدة/التكلفrrrة في العالقrrrات
االجتماعية ،والطالب مثل غيرهم من فئات المجتمع يأخذون في الحسrrبان
التكلفة ،باي معنى من المعاني ،المال ،العالقات ،تقدير الذات او أي عامل
اخر ،يأخذون في االعتبار الفائدة أيضrrا ،فrrاذا كrrانت الفائrrدة تفrrوق التكلفrrة
فانهم سrrيقررون التصrrرف بطريقة معينrrة ،ولكن إذا كrrانت التكلفrrة تفrrوق
الفائدة فعلى االغلب يبحثون عن اتجاه اخر للفعل .والسؤال هو كيف تrrؤثر
معادلة الفائrrدة /التكلفrrة على القرارات في التعليم .الطالب الrrذين يفكrrرون
بترك المدرسة يrrذهبون نحrrو تحليrrل التكلفrrة الrrتي سrrيتحملونها نتيجrrة هrrذا
الفعل ،فالقرار هنا يمكن ان يبنى على تقدير الذات المتدني ،وينطبق االمر
302
على المعلم الذي يختار البقاء او االنسحاب من مهنة التعليم بقرار عقالني
يأخrrذ في االعتبrrار الrrربح والخسrrارة .طبعrrا لrrدينا الوضrrع مختلrrف بعض
الشrrيء فrrالمعلم ال يسrrتقيل وال يrrترك العمrrل اال بrrالموت او التقاعrrد ،الن
الفرص المتاحة امامه معدومة ،لكن معلم في أمريكا او إنكلترا لديrrه بrrدائل
كثيرة وبمقدوره الحصول على عمل اخر في أي وقت يشاء .ولrrو تrrوفرت
الخيارات نفسها لمعلمينا لهجر نصفهم هذه المهنة الrrتي لم يعrrد المعلم فيهrrا
يحظى باالحترام ال من الطالب وال من ذويهم كما ان الدخل الذي يحصrrل
عليه ليس مغريا.
303
االنسان .والتعليم في القرى الهندية بهذه الصورة له مrrا يماثلrrه في العrrراق
وفي اغلب بلدان العالم الثالث.
التعليم األساسrrي هrrدف ولكنrrه ليس من السrrهل تحقيقه حrrتى في كثrrير من
المناطق الحضرية في العالم النامي .والتعليم الواسع لم يكن متاحا ولم يكن
هدفا حتى بداية القرن العشرين ،حيث أدرك أصحاب القرار في حينهrrا ان
التعليم ضروري من اجل التنمية االقتصادية والمشاركة السياسية.
اهداف التعليم :المنظ=ور ال=وظيفي The Purposes of Education:
Functionalist Perspective
أصrrحاب النظريrrة الوظيفيrrة يعتقدون ان التعليم الرسrrمي وغrrير الرسrrمي
يخدم أهدافا معينة في المجتمع ،السيما في المجتمعrrات الحديثrrة .الوظrrائف
االجتماعية للتعليم تتمثل في:
ـ تنشئة األطفال ليكونوا أعضاء منتجين في المجتمع،
ـ اختيار االفراد وتدريبهم ليحتلوا مواقع في المجتمع
ـ تشجيع االدراك االجتماعي لالختراع والتغيير
ـ تعزيز االستقاللية الشخصية والتطور الجتماعي.
كمrrا يقوم التعليم بوظrrائف غrrير صrrريحة او كامنrrة مثrrل اعrrداد األطفrrال
ليكونوا مواطنين صالحين ،اضعاف سrrيطرة اإلبrrاء على الشrrباب ،وتقديم
الفrrرص لتنميrrة ثقافrrة االقrrران ،الى جrrانب توفrrير المنrrاخ المالئم الختيrrار
األصrrدقاء وشrrركاء الحيrrاة ) ،Boli (2002والمالحrrظ ان بعض هrrذه
الوظrrائف مبرمجrrة ومخطrrط لهrrا وبعضrrها االخrrر غrrير مقصrrودة وغrrير
مبرمجة .والوظائف غير المبرمجة لها أهمية الوظائف المبرمجة للمجتمع
304
نفسها ،فمثال ،تعطي المدرسة االبوين فرصة للتحrrرر من مسrrؤولية تربيrrة
األطفrrال لكي يقومrrوا بrrأدوار أخrrرى ،وتحافrrظ على األطفrrال من الشrrارع
حتى يصبح بمقدورهم استيعاب الrrدور اإلنتrrاجي في المجتمrrع ،الى جrrانب
توفrrير الفرصrrة للتفاعrrل الحrrر فيمrrا بينهم ،ثم دعم ثقافrrة الشrrباب ورعايrrة
المواهب في الموسيقى ،والرقص ،والمواعيد واالزياء والعمل الجمrrاعي،
وتنمية االستقاللية في اتخاذ القرارات بعيدا عن تأثيرات االبوين.
من وجهة نظر المدرسة الوظيفية تبقى التركيبة البنيوية للمؤسسة التعليمية
والعمليات المصrrاحبة لهrrا مسrrتقرة طالمrrا تحقق وظيفتهrrا األسrrاس ،ولكن
عندما ال تستطيع المؤسسة المدرسية من تحقيق األهداف المحددة لها مثrrل
تخلفهrrا عن مسrrتويات التعليم ومعrrاييره في العrrالم او قصrrورها في اعrrداد
قوى عاملة مؤهلة ،يصبح النظام التربوي جاهزا للتغيير ،وفي هذه الحالrrة
تقوم الحكومrrات بتقديم مقترحrrات إلصrrالح التعليم مسrrتندة الى محفrrزات
المعارف والتكنولوجيا الجديدة للحصول على نتائج أفضل.
تعليم األطفال ليكون=وا منتجين في المجتم=ع Teaching Children to
be Productive Members
المجتمعات تستخدم التعليم لتمرير معلومات ثقافيrrة جوهريrrة ،السrrيما القيم
والمهارات والمعارف الضرورية للبقاء .بعض األحيان تحدث هذه العملية
داخل الفصل الدراسي ،وفي أحيان أخرى تحدث في أمrrاكن غrrير رسrrمية.
في بعض القرى االفريقيrrة ،قrrد يقضrrي األطفrrال عrrدة سrrنوات في التعليم
الرسمي في مدرسة القرية ،ولكنهم يتعلمون ما هو صحيح وما هو خrrاطئ
ويتعلمrrون القيم ،وادوارهم المسrrتقبلية بشrrكل غrrير رسrrمي عن طريrrق
305
مالحظrrة من هم أكrrبر منهم سrrنا ،او عن طريrrق تقليrrد أدوار الكبrrار في
العrrrابهم ،حيث تتظrrrاهر االنrrrاث بالمسrrrاعدة في اعrrrداد الطعrrrام وغسrrrل
الصrrحون ،فيمrrا يتظrrاهر الrrذكور ببنrrاء قrrوارب وشrrبكات صrrيد األسrrماك
ومناقشة االنواء الجوية وحركة الموج .في العراق واغلب الrrدول العربيrrة
مازال األطفال يتعلمون من كبار السrrن اغلب مكونrrات الثقافrrة ومعاييرهrrا
العامة على الرغم من انتمائهم للمrدارس الرسrمية ،ذلrك الن الrوقت الrذي
يقضيه األطفال في المدرسة قصrrير جrدا وغrير كrاف لتعليم األطفrال ألقيم
الثقافية األساس .في البلrrدان األقrrل رخrrاء التعليم فيمrrا بعrrد التعليم األسrrاس
خاص بالنخبrrة أي أبنrrاء ذوي السrrلطة واالغنيrrاء .وفي مجتمعrrات مrrا بعrrد
الصناعة كلها ،ال يتولى كبار السن وافراد االسرة تعليم األطفال المهارات
الالزمrrة للبقاء ،الن المدرسrrة الرسrrمية هي الrrتي تتrrولى مهمrrة التrrدريب
واالعrrداد الضrrرورية للتطrrور والتغrrير التكنولrrوجي السrrريع ،والمدرسrrة
الرسمية تتولى أيضا تعليم األطفال الثقافة بطريقة ابعد غورا ممrrا تسrrتطيع
االسرة فعله في مجتمع غير متجانس ويتطلب االنصياع للنظام االجتماعي
العامBallantine and Roberts (2009) .
اختيار االف==راد وت==دريبهم لألدوار المس==تقبلية Selection and Training
Individuals for Future Roles
التالميذ يخضعون المتحانات معيارية ،ويحصلون على درجات في نهايrrة
الموسم الدراسي او في نهاية السنة ،هذا االنشطة جrrزء من عمليrrة اختيrrار
االفrrراد في التعليم الرسrrمي ضrrمن المجتمعrrات ذات الطبيعrrة التنافسrrية.
االفراد الذين يحصلون على معدالت تقرر مستقبلهم في القبول في الكليات
306
والجامعrrrات ،هي في الواقrrrع تقوم باختيrrrارهم بمrrrا يالئم قrrrدراتهم لمهن
مسrrتقبلية .في بعض المجتمعrrات نظrrام التعليم يقوم بتفعيrrل هrrذه الوظيفrrة
االجتماعية عن طريق المتابعة وتجميع القابليات ،تحفيز المتفrrوقين ،تقليrrل
المنافسة وزيادة الفرص عبر برامج التربية المهنية والتعليم المستمر .لهذا
فان مستوى التعليم يزود الناس بوسائل العيش ويساهم في تنشيط االقتصاد
بما ينعكس على الفرد واالسرة والدولة ومستوى المعيشة العامEder et .
)al (1995
تحفيز التغير واالبتكار Promoting Change & Innovation
المrrواطن يتوقrrع ان تسrrتجيب المدرسrrة للتغrrير االجتمrrاعي المسrrتمر ،في
المجتمعات متعددة األعراق مثل فرنسا ،انكلترا فان المدرسة تقوم بمهمrrة
دمج المهاجرين وابنائهم مع المجتمrrع عن طريrrق تعليمهم اللغrrة والعrrادات
الى جrrrانب اسrrrتراتيجيات تقليrrrل التrrrوتر داخrrrل الجماعrrrات .ان تزويrrrد
الجماعrrات كلهrrا بفrrرص التعليم من شrrانها ان تقلrrل التمrrايز االجتمrrاعي.
وحيث يحصrrrل التالميrrrذ على فrrrرص متسrrrاوية في اكتسrrrاب المعrrrارف
والتكنولوجيا فانهم يساهمون ولrrو بطريقة غrير متسrrاوية في حفrز التغrrير
واالبتكار بحسب قدرات التالميذ ودوافعهم ،وعلى الrrرغم من التفrrاوت في
القدرات العقلية للتالميذ اال ان مناخrrات الفصrrل الدراسrrي وثقافrrة االقrrران
ونوع المنهج الدراسي كلها تعمل على إعطrrاء التالميrrذ فرصrrا ال تعrrوض
في تنمية القدرات العقليrrة الrrتي تقدم للمجتمrrع أفكrrارا إبداعيrrة في مختلrrف
ميادين المعرفة ،من شانها ان تقود حركrrة التغrrير االجتمrrاعي الى االمrrام.
)Boli (2002
307
ماذا يحدث في المدارس الرس==ميةً What happen inside Formal
School
إذا كنت في اول يوم من االلتحاق بالمدرسة وسال المعلم سؤاال ،هل يتعين
عليك ان تجيب عن السؤال ام تترك اإلجابة لشrrخص اخrrر؟ إذا اجبت انت
فربما سيكون المعلم مسرورا ،ولكن الطالب االخرين ربمrrا يعتقدون إنrrك
تستعرض عليهم ،وماذا سيكون الحال لو كانت اجابتrك خاطئrة وأصrبحت
موضع سخرية المعلم والتالميذ؟ النظrrام المدرسrrي الرسrrمي ينطrrوي على
معايير للسrrلوك غrير المكتrrوب وغrير المنطrrوق ،هrrذا السrrلوك يحrrدث في
رياض األطفال كما يحدث في الجامعة ،يفرضrrه المعلم او ثقافrrة االقrrران.
النظrrام الرسrrمي ال يظهrrر في النظrrام المدرسrrي المكتrrوب وال يظهrrر في
المنهج المدرسي ،ولكنه يؤثر بقوة على خبراتنا المدرسية ،ذلك ان النظrrام
المدرسي ينطوي على منهج خفي او غrrير منظrrور ينطrrوي على منظومrrة
قيم وديناميكية للقوة واستراتيجية للتعليم واخرى للتحكم بالفصل الدراسrrي.
والمنهج الخفي يعني قواعrrد اللعبrrة الrrتي يتعلمهrrا التلميrrذ في المدرسrrة من
دون ان تكrrrون ضrrrمن المقرر الدراسrrrي ،مثrrrل المعrrrايير االجتماعيrrrة
واالكاديمية التي يتعلمها التلميذ او يستجيب لها وتكون مقبولrrة اجتماعيrrا،
ومنها القيم التي تrrدخل في عمليrrة التعلم من دون اإلشrrارة الصrrريحة لهrrا،
فالتالميذ في كل انحاء العالم يتعلمون في السrrنوات الrrتي تسrrبق المدرسrrة،
وفي رياض األطفال األساس الذي يجعلهم قrrادرين لالنتظrrام في المدرسrrة
بدون عوائق ،فمثال التنشئة المبكرة التي تقوم بهrrا ريrrاض األطفrال ،يتعلم
فيها األطفال اتباع القواعد المعمrول بهrا ،وقبrول األوامrر والنrواهي الrتي
308
يفرضها المعلم وكيفيrة قضrrاء الrوقت ،كrل هrذه جrزء ممrا يتعلمrه الطفrل
باكرا ،وعن طريقها تغrrرس الrrدروس في عقليrrة الطفrrل قبrrل ان يبrrدأ بتعلم
القراءة والكتابة والعمليات الحسابية.
وفقا للنظريات الوظيفية فانهم يتعلمون عن طريق المنهج الخفي التوقعrrات
والسلوك والقيم الضرورية للنجاح في المدرسة والمجتمع ،والمنهج الخفي
بالنسrrبة لنظريrrات الصrrراع ،هrrو البرنrrامج االجتمrrاعي االقتصrrادي الrrذي
يحافظ على االختالف الطبقي ،حيث يتوقrrع من الصrrفوة أكrrثر من غrrيرهم
وبمقتضى هذه التوقعات يمنحون فرصا أكبر للمسؤولية ولحrrل المشrrكالت
والتي ينتج عنها إنجازا اعلى .واغلب مrrدارس الطبقة العاملrrة تشrrدد على
االمتثrrال للنظrrام واطاعrة القواعrد وقبrrول المسrrؤولية ليكونrrوا عمrrاال على
درجة من الدقة في المواعيد )Ballantine and Roberts (2009
المناخ التربوي للمدرسة Educational Climate of the School
المنrrrاخ المدرسrrrي يمكن ان يبعث على االرتيrrrاح ويخلrrrق الدافعيrrrة للتعلم
ويمكن ان يكrrون باهتrrا وطrrاردا وعrrدائيا ،البعض يجrrد فيrrه متعrrة للتعلم،
والبعض االخر يشعر بالحصrrار الrrذي تفرضrrه قواعrrد الضrrبط والتحrrذير.
البناء المعمrrاري للمدرسrrة ،وتوقعrrات المعلمين ،وتجميrrع الطالب بحسrrب
العمر والقابلية تrؤثر هي األخrرى على المنrاخ المدرسrي ،والمدرسrة لهrا
احتفاليrrrات وطقوس مثrrrل شrrrعار المدرسrrrة ،ورموزهrrrا ،والمناسrrrبات
الرياضية ،واالحتفال بتكريم المتفوقين ومثلها كثير ،تساهم كلها في تشكيل
المناخ االجتماعي للمدرسrة ،في بعض البلrدان مثrل اليابrان هنrاك أنشrطة
إضافية تقام خارج الوقت الرسمي للمدرسة.
309
مناخ الفصل الدراسي يتأثر كثيرا بالمعلم الذي يمrrارس عمليrrة التهrrذيب او
التشجيع ،توزيrrع الواجبrrات وفrrرص التفاعrrل بين الطالب ،تrrوزيعهم على
المقاعrrد وأسrrلوب االسrrتجابة لهم تعطي للمنrrاخ المدرسrrي داخrrل الفصrrل
الدراسي نكهة خاصة يمكن ان تجعلهم اكثر قدرة على اإلنجاز او العكس،
فrrاذا كrrان المعلم صrrارما وقاسrrيا وعصrrبي المrrزاج فrrان اغلب الطالب
سيشعرون بثقل المناخ المدرسي وقد يدفع بعضهم للتسrrرب من المدرسrrة،
ولكن اذا كان المعلم هادئا ،سمحا ومتفائال وُيشعر التالميذ بالحب والقرب
منrrه ،واسrrتجاباته يغلب عليهrrا االستحسrrان فrrان ذلrrك من شrrانه ان يخلrrق
الدافعية لالستمرار واالنجاز ،فضrrال عن ان أسrrلوب المعلم في التنظيم من
شانه ان يخلق صداقات بين الطالب يكون لها اثrrر إيجrrابي على التحصrrيل
العلمي والنمrrrو االجتمrrrاعي .التفريrrrق بين الطالب على أسrrrاس الجنrrrدر
(الجنس) او العrrrرق او الطبقة او اللrrrون من شrrrانه ان يخلrrrق نزعrrrات
متعارضrrة لrrدى التالميrrذ وقrrد يقود الى كراهيrrة المنrrاخ المدرسrrي لrrدى
البعض ،السيما من ذوي الدخل المنخفض والملونين والى حrrد مrrا بطيrrئي
التعلم .وعليrrه فrrان االنجrrاز المتواضrrع او المنخفض للتالميrrذ يعتمrrد على
التوقعات المنخفضة للمعلم ،وعلى درجrrة انحيrrازه ،ولكن التوزيrrع العrrادل
الهتمام المعلم بالتالميذ يخلrrق مناخrrا انجازيrrا مبهrrراBallantine and .
Roberts (2009
المناخ القيمي للمدرسة Value Climate of the School
المناخ القيمي يشير الى دوافع التالميذ وطموحrrاتهم وانجrrازاتهم .ومن هنrrا
نسأل لماذا تحقق بعض المدارس نسبا عالية من النجاح فيما تخفق أخرى؟
310
وكم يrؤثر اإلبrاء والمعلمrون واالقrران على مسrتوى األداء وعلى النتrائج
المترتبة عليه .علماء االجتماع يعرفون ان مكان السكن (البيت) هrrو الrrذي
يحدد الدافعية ،ولو اعدنا للذاكرة قصة توماس الrrذي بrrدئنا بrrه هrrذا الفصrrل
لعلمنا ان تشrrجيع االبrrوين او تقريعهم يعطي النتrrائج المطلوبrrة ،وتومrrاس
نفسrrه آمن انrrه ال يصrrلح لشrrيء ألن ابويrrه قrrالوا ذلrrك والّح وا فيrrه فكrrانت
النتيجة ان توماس اصبح عrrاجزا عن أداء أي شrrيء ولكن التعليم الحrrديث
يrrرى في الطفrrل البليrrد االبكم والبطيء التعلم جrrوانب اخrrرى غrrير مرئيrrة
يمكن تحفيزها لكي يكون مبدعا فيها ،قد يكون ثقيrrل السrrمع او اصrrم ولكن
لدية قابلية في الرسم او الموسيقي تفوق كل التوقعات ،كل الذي يحتاجه ان
ال ُيركن جانبا ويوصف بأوصاف ُتعيقه عن المساهمة في اثrrراء جrrانب او
اكثر من جوانب الحياة .الدراسات اثبتت ان التكامل داخل الفصل الدراسي
بتفاعrrل القيم الثقافيrrة السrrائدة للعائلrrة والجrrيرة والعrrرق واالنتمrrاء الrrديني
والسياسي والطبقي مع اتجاهات المعلم والمناخ التربوي العام من شانه ان
يرفع مستوى الدافعية لألداء المدرسrي .ان صrrورة الطالب والمعلمين عن
أنفسهم وعن بيئة التعليم تساعد على تشكيل منrrاخ قيمي يrrؤثر إيجابيrrا على
عمليrrة األداء واالنجrrاز ،كمrrا ان توقعrrات المعلم عن أداء التالميrrذ ينعكس
بالضرورة على مستوياتهم ،فاذا كrrان المعلم ال يrrؤمن بقدرات تالميrrذه او
مهتم أكثر بالتربية (فرض النظام وليس التعليم) ولديه توقعات سلبية عنهم
فان مستوى الطموح سيكون ضعيفا وسينخفض األداء حتماEder et al .
(1995
ديناميكيات القوة داخل الفصل Power Dynamics in the Classroom
311
بالنسبة للمعلم الذي يفrrرض ارادتrrه على الطالب بrrالقوة ،او يجrrبرهم على
التعrrاون او تحمrrل المسrrؤولية فrrان ذلrrك ُيعrrد من أخطrrر الضrrغوط الrrتي
يتعرض لها التالميذ .بالنسrبة للتالميrذ يبrدو ان الحصrrول على هrامش من
الحرية وقليل من الضوابط الصارمة داخل الفصrrل يمثrrل هrrدفا بحrrد ذاتrrه.
المعلم والتالميrrذ معrrا يمكنهمrrا تطrrوير اسrrتراتيجية للتعامrrل مrrع الضrrغوط
وربما التناحرات دخل الفصrrل الدراسrrي .اسrrتراتيجية التعامrrل المrrرن هي
جrrزء من المنهج المتخفي (غrrير الظrrاهر) تتrrدرج من االنrrدماج التrrام الى
التمرد التام ،فمثال طالب الثانوية يضعون أولوياتهم في دراسة المواضrrيع
المختلفrrة (طبعrrا طالبنrrا ليس لrrديهم أولويrrات فيمrrا عrrدا تجrrاوز دروس
الرياضة البدنية والتربية الفنية) ويقررون بأنفسهم أي امتحان لrrه األهميrrة
على غrrيره ،ومrrتى تكrrون التوقيتrrات مالئمrrة وبrrالطبع ضrrمن التوقيتrrات
المحددة في اللوائح .ميرتون ) Merton (1968aفي نظريته عن التrrوتر
Strain Theoryحدد خمس استراتيجيات يستخدمها التالميذ للتعامل مع
ضغوط المدرسة.
ـ االمتثال :حيث يتم قبول األهداف والغايات ،مما يجعrrل العمrrل المدرسrrي
متوقعا.
ـ االبتكار :إيجاد البrrدائل او الطrrرق غrير المعrrترف بهrrا لتحقيrrق األهrrداف
التقليدية ،مثل الغش ،او سرقة األسئلة او االنتحال Plagiarizingلتحقيق
النجاح.
ـ الrrتراجع :وفي ذلrrك يتم رفض األهrداف والغايrrات ،بrrالتمرد على النظrrام
المدرسي وعدم االمتثال او التعاون معه.
312
ـ الطقوسrrية :وتعrrني عrrدم الخrrروج على القواعrrد واالهrrداف ولكن بrrدون
حماس وبما يشبه الالمباالة.
ـ الرفض مع االستبدال :وهي عملية رفض لألهrrداف والغايrrات المدرسrrية
بتفضيل استراتيجية بديلة ،مثrrل مقاومrrة اآلداب المدرسrrية او التسrrرب من
المدرسة وااللتحاق بأنشطة أخرى ،كrترك الدراسrة االكاديميrة وااللتحrاق
بدورات لتعلم مهن أخرى ككهربائي او سباك او حالق او ما شاكل.
والمعلم يسrrrتطيع التغلب على مشrrrكلة عrrrدم التعrrrاون او المشاكسrrrة او
المشاركة الصفية باتباع استراتيجية التناسrrب بين الفائrrدة والثمن ،او اتبrrاع
اسrrتراتيجية تقسrrيم الصrrف الدراسrrي الى مجموعrrات ،وابعrrاد األصrrدقاء
المشاكسين عن بعضهم ،او يقود المناقشات وهrrو على مقربrrة من التالميrrذ
المشاكسين .واالهم ان يحب المعلم مهنته ويكrrون على درجrrة من الrrوعي
والفهم لمتطلبrrات العمrrل ،وعلى درجrrة من الخلrrق الrrذي يقوده للمسrrاواة
والعدالة داخل الفصل الدراسي.
التعليم والحداثة Education and Modernity
التعليم في المجتمrrع المعاصrrر يبrrدو أكrrثر تعقيrrدا ممrrا هrrو عليrrه في أيrrام
االجتماعيين األوائل ،دوركهايم مثال كان ينظر للتعليم على انه قوة توحيrrد
أخالقية ،بإمكانrrه مواجهrrة االثrrار السrrلبية لتقسrrيم العمrrل االجتمrrاعي ،لكن
السؤال الي أي حد تنطبق رؤية دوركهايم على التعليم في مجتمrrع مrrا بعrrد
الحداثة الذي أصrrبح منقسrrما على نفسrrه في تجمعrrات ثقافيrrة مختلفrrة ،ممrrا
جعل هدف التربية كمصدر للوحدة االجتماعية ابعد ما يكون عن التحقيrrق.
نقول ذلrrك لكي ننظrrر للتعليم في مجتمrrع مrrا بعrrد الحداثrrة بمنظrrار التنrrوع
313
الهائل في الخيارات التربوية ،فrrالواقع ان المؤسسrrات التعليميrrة فقدت الى
حد ما سلطتها التقليدية ،وتحولت الى مrrا يشrrبه الشrrركة االسrrتهالكية الrrتي
تعرض بضاعتها في السوق بحساسية مفرطة إلرضrrاء رغبrrات الزبrrائن،
وفي نفس الrrrوقت أصrrrبح التالميrrrذ وابrrrاءهم يتصrrrرفون على طريقة
المسrrتهلكين ،حrrتى المعرفrrة ذاتهrrا تبrrدلت ،حيث يمكن مالحظrrة وسrrائل
اإلعالن التي تعد بتحويل استهالك المعلومات الى متعة وتسلية في قضrrاء
الوقت .فهل أصبح كrrل هrrذا العمrrل الشrrاق والعمrrل المنضrrبط للتعليم اشrrبه
شيء بلعبة على الكومبيوتر ،وان المؤسسة التربويrrة سrrتتبدل بهrrذا الشrrكل
المتطrrرف؟ الحrrق ان عالمrrات التبrrدل بrrدأت تظهrrر بالفعrrل فقد يسrrرت
تكنولوجيrrا المعلومrrات هrrذا التبrrدل عن طريrrق الrrدورات التعليميrrة على
االنترنيت التي كسrrرت مجموعrrة القيrrود الrrتي خلقتهrrا المؤسسrrة التربويrrة
التقليدية ،وخلقت مrrدارس افتراضrrية Virtual Schoolsوكليrrات للتعلم
مدى الحياة ،لهذا صار من المؤكد ان األهداف السابقة للنظrrام الrrتربوي ـــ
في اعداد مواطنين وفي تدريب وتأهيل التالميذ ليأخrrذوا مكrrانهم في سrrوق
العمل في المستقبل ويتنافسون من اجrل المواقrrع أصrrبح بحاجrة الى إعrادة
تقييم وإعادة تحديد في مجتمع ما بعد الحداثة.
الواقع ان المؤسسات التعليمية غالبا تتناسى ان أكثر عمليrrات التعلم تحrrدث
خارج جدران المدارس والكليات (ليس فقط في شrrكل الواجبrrات البيتيrrة)،
فعمليrrات التعلم غrrير الرسrrمية ،في الrrبيت وبين األصrrدقاء ُتعrrد المصrrادر
الرئيسة للمعلومات وللتدريب على المهrrارات الحياتيrrة وتتrrدرج من كيفيrrة
التصرف الى تشrrغيل األجهrrزة المنزليrrة .في المجتمعrrات التقليديrrة الجrrزء
314
األعظم من عمليrrات التعلم تحrrدث عن طريrrق هrrذه العمليrrات في غيrrاب
المؤسسات المكرسة للتعليم .االشكال المختلفة للمدارس المألوفة لدينا اليوم
ظهrrrرت للوجrrrود في فrrrترات زمنيrrrة مختلفrrrة لعrrrدد من األسrrrباب ،ففي
المجتمعات الغربية استحدثت المدرسrrة االبتدائيrrة في أوائrrل القرن الثrrامن
عشrrر ،اثنrrاء تبrrني الملrrوك واالبrrاطرة عمليrrات التحrrديث ،وتعليم االتبrrاع
القراءة والكتابة لكسب الrوالء وللتخلص من سrلطة الكنيسrة وبنrاء الهويrة
القوميrrة ،واالهم حاجrrة الصrrناعة الrrتي كrrانت في بrrداياتها لعمrrال متعلمين
وقادرين على اكتساب المهارات بسrrرعة تتناسrrب مrrع سrrرعة التطrrور في
االدارة الصناعيةAlexander & Thompson (2008) .
Education & التعليم وث=====ورة الع=====الم االفتراض=====ي Virtual
Revolution
عالمrrات الrrدخول الى مرحلrrة مrrا بعrrد الحداثrrة في التعليم ال تحتrrاج جهrrدا
للعثور عليها ،ففي كل يوم نجد تصrrريحا لوجrrود بrrرامج ودورات تعليميrrة
على االنترنيت في كليات افتراضية Virtual Collegesبعضها تتضمن
اتحادات جامعية ومكتبات تتمتع بسمعة عالمية رفيعة ،وهذه من شrrانها ان
تمنحنrrا تصrrورا عن المrrدى الrrذي تقوده تكنولوجيrrا المعلومrrات في جلب
المعلومات الثقافية ذات الطابع العالمي للمجتمعrrات المحليrrة في كrrل مكrrان
على ظهrrر كوكبنrrا هrrذا .ومن أوضrrح األمثلrrة على ذلrrك هrrو االعالن عن
انشrrاء كليrrة افتراضrrية في عrrام 2000مزاملrrة لجامعrrات اوكسrrفورد،
برنستون ،ييل وسrrتانفورد وهي من أعrrرق الجامعrrات االمريكيrrة ،سrrميت
"التحالف الجrrامعي للتعلم مrrدى الحيrrاة" The University Alliance
315
for Lifelong Learningوكrrانت تهrrدف الى تزويrrد الطلبrrة بrrبرامج
ودورات عبر االنترنيت للتعلم عن بعد في مجال اآلداب والعلrrوم لتخrrريج
500.000طالب سنويا على امل ان تجعل دوراتها وبرامجها متاحة لكrrل
البشر.
على الرغم من الفوائد الكبيرة للعولمة وثورة المعلومات واالتصrrاالت في
اتاحrrة الفrrرص للتعليم الحrrر عrrبر القنrrوات غrrير التقليديrrة ،فrrان هنrrاك من
الزالوا متخلفين عن الركب ،السيما النساء وطلبة البلrrدان النائمrrة ،فrrالتعلم
وفق المقياس العالمي يعد مفتاحا مهما من مفاتيح التقدم االجتمrrاعي ،وفي
ذلك تقول المنظمrrة العالميrrة للتربيrrة والثقافrrة والعلrrوم (( UNESCOان
"النقص في مهارات التعليم األساسية تحّج م الطاقة الكامنة للمجتمعrrات في
التعامrل مrع قضrrايا مثrل التميrيز العنصrrري ،الظrروف الصrrحية السrيئة،
االْبعrrاد االجتمrrاعي والتهميش .التعليم األسrrاس هrrو في قلب قضrrية الرفrrاه
االجتماعي واالقتصادي والسياسي والثقافي لألفrrراد والمجتمعrrات ولألمم
وللعالم كله" )UNESCO (2004:8
مستقبل التعليم في النظام الع==المي The Future of Education in
the Global system
البحث عن النمrrوذج المثrrالي في التعليم لم يتوقrrف ابrrدا ،والنظم المدرسrrية
حrrول العrrالم تخضrrع لضrrغوط شrrديدة من اجrrل تلبيrrة الحاجrrات المتزايrrدة
للمجتمع واالقتصاد الrrذي ينrrدفع بقوة نحrrو عصrrر المعلومrrات ،والمشrrكلة
االن في التالميrrذ الrrذين لم يحصrrلوا على تعليم كrrاف من أجrrل االنضrrمام
لسوق العمل في مجتمع القرن الحrrادي والعشrrرين .في اغلب بلrrدان العrrالم
316
كانت المدرسة الثانوية تعمل على تهيئrrة الشrrباب لسrrوق العمrrل والrrزواج،
ولكن بحلول التسعينات من القرن الماضrrي ،أصrrبحت المrrدارس الثانويrrة
تهيأ التالميذ للكليات والجامعات الrrتي أصrrبحت ضrrرورية جrrدا للحصrrول
على وظيفrrة ذات مrrردود اجتمrrاعي-اقتصrrادي كبrrير في النظrrام العrrالمي
الجديد.
وعلى الrrرغم من ان الفجrrوة في مجrrال التكنولوجيrrا الذكيrrة بrrدأت تتقلص
ببطء بين الشrrrمال المتقدم والجنrrrوب األقrrrل تقدما ،اال ان االختالف في
تطبيقات االبتكrارات التكنولوجيrة الجديrدة يrزداد اتسrاعا بينهمrا .المنrاهج
االلكترونية والمواد الدراسية تملك القدرة الكامنrrة إلعطrrاء الشrrمال الغrrني
والجنrrوب الفقير نفس االمكانيrrة للrrدخول الى عrrالم المعلومrrات واألفكrrار
الجديدة والتي يتم تحrrديثها دوريrrا عrrبر المنهج االلكrrتروني ،كمrrا تسrrتعمل
الشrrركات والحكومrrات والجيrrوش أفالم الفيrrديو للتعليم ،ولهrrذا فrrان اغلب
عمليات التعلم تحدث خارج الجدران ،من دون تقسrrيم عمrrري او اخضrrاع
لتوقيتات الساعة .انها تحدث عن بعد عبر التكنولوجيrrا الرقميrrة في الrrوقت
الrrrذي يتم اختيارهrrrا .الفصrrrل الدراسrrrي في المسrrrتقبل سrrrيكون مجهrrrزا
باالبتكrrارات التكنولوجيrrة السrrتخدامها في الحصrrول على معلومrrات من
الشبكة العنكبوتيrrة الrrتي سrrيكون لهrrا تrrأثيرا هrrائال في المسrrتقبل ليس على
التعليم وحده وانما على الحياة االجتماعية بمجملها.
االعتمrrاد على التعليم خrrارج جrrدران المدرسrrة ،الrrذي تrrروج لrrه بعض
الشركات التي تسعى لتقليل التكاليف ،سيبقى ولو لحين موضrrع قلrق ،ذلrك
ان مكان عمل الكليات او الجامعات االفتراضية سيكون داخل الكومبيوتر،
317
حيث يتجمهrrر االف الطالب الكترونيrrا في صrrف دراسrrي امrrام شاشrrات
الكومrrبيوتر ،فهrrل تسrrتطيع المrrدارس والجامعrrات الrrتي تسrrوق برامجهrrا
التعليمية عبر االنترنت تحقيق النتrrائج الrrتي يحققهrrا التعليم التقليrrدي داخrrل
جدران المدرسة ،وماذا يحدث عندما تتحرك الشركات نحو االسrrتغناء عن
المدرسة لصالح التعليم االلكتروني ،وتستخدم أشخاصا ليست لrrديهم خrrبرة
التدريس في الفصول الدراسية ،وكيrrف سrrيكون شrrكل الشrrهادة الrrتي تrrأتي
عبر )دوت كوم )Dot- comال نملك إجابات عن مثل هذه التسrrاؤالت،
ولكن التعليم عبر االنترنيت مستمر في غزو عالمنا بهدوء وثقة.
Conclusion خالصة
هل أصبح التعليم التقليدي في خطر فعال ام ان مثل هrrذه المخrrاوف موجrrة
عابرة ستزول حتما في المستقبل مثل كثير من الموجات المؤقتrrة؟ في هrrذا
الفصrrrل نrrrوقش التعليم من منظrrrور علم االجتمrrrاع فقط ،وربمrrrا يكrrrون
للتربويون والفالسفة واهل علم النفس راي اخر .المدرسة تؤدي جملrrة من
الوظrائف الrتي ُتعrد االنسrان للحيrاة الى جrانب االسrرة وجماعrة االقrران
والجيرة والمجتمع المحلي ،ولكن التعليم داخل جدران المدرسrrة والجامعrrة
أصبح في خطر ،والتهديد الذي يواجهrrه ليس تهديrrدا وهميrrا او غامضrrا او
مجهول المصدر ،لقد غزت البرامج التعليمية كل جrrوانب الحيrrاة اليوميrrة،
فاذا اردت ان تعرف سبب الصrrداع النصrrفي الrrذي يأتيrrك بين حين واخrrر
فليس عليrrك اال ان تضrrغط زر البحث فيأتيrrك التشrrخيص وحrrتى العالج،
وربما يؤدي ذلك في المستقبل المنظور الى االسrrتغناء عن الطrrبيب اال في
الحrrاالت الجراحيrrة او الحrrاالت الملتبسrrة .وإذا اردت معرفrrة اسrrتبدال
318
ماسحات الزجrrاج لسrrيارتك او معالجrrة الصrrدأ فيهrrا او اسrrتبدال جrrزء من
اجزاءها فمن السهل إيجاد اإلجابة عrrبر ماكينrrة البحث search engine
في YouTubeاو Goggleوإذا اردت ان تأخrrrذ درسrrrا في اإلحصrrrاء
وتطبيقاتrrrrه ،سrrrrتجد المعلومrrrrات جrrrrاهزة بالصrrrrوت والصrrrrورة على
،YouTubeفما حاجتنا للمدرسة والجامعة إذا كان االنrrترنيت يغنينrrا عن
الجلوس ساعات طويلة امام بعض المعلمين الذين ال يحسنون تعليمنا العلم
او المعرفة التي نحب ،بينما يrrوفر لنrrا االنrrترنيت أكفrrأ المعلمين واألسrrاتذة
وبدون مقابrrل .الواقrrع ان التعليم التقليrrدي في خطrrر حقيقي ،والمدرسrrة او
الجامعة االفتراضية قد تعمل على استالب قوة التعليم المدرسي والجامعي
لصالح التعليم في العالم االفتراضي ،السيما وان الشrrركات العمالقrrة الrrتي
أصبحت تهيمن على اغلب اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على السواء
تعمل على تشجيع االنتساب للعrrالم االفتراضrrي للتrrدريب والتعلم ليس فقط
من اجrrل تقليrrل التكrrاليف وانمrrا أيضrrا السrrتثمار الrrوقت ،وتخطى عتبrrة
الrrروتين البrrيروقراطي في المؤسسrrات التعليميrrة ،ثم الحصrrول على تعليم
عrrالي المسrrتوى بrrإدارة اكفrrأ األسrrاتذة وفي كrrل االختصاصrrات العلميrrة
والمعرفية .التعليم التقليدي قد ينقرض في المسrتقبل ،فrrاذا حrدث ذلrك فrrان
شكل وتركيب ووظائف المجتمrrع كلهrrا سrrتتبدل ،وال أحrrد يسrrتطيع التكهن
بنوع او شكل او هيئة مجتمع المستقبل .فهل سيتحول النrrاس الى مrrا يشrrبه
اآلالت التي تتحرك بأجهزة التحكم عن بعد؟
319
الفصل الحادي عشر
التحضر والحضرية
Urbanization & Urbanism
320
يبدأ التحضر مع انتقال االنسان من الكهف والغابة
الى القرميد والخزف
322
قrrد ال يبrrدو االختالف كبrrيرا بين التحضrrر والحضrrرية والنمrrو الحضrrري
ولكن التمييز بينها ضرورٌي من اجrrل إدراك المعrrنى المrrراد من كrrل منهم
في السrrياق .فrrالنمو الحضrrري urban growthيعrrني الrrرقم المطلrrق
للسكان الذين يسكنون المناطق الحضرية ويrrدخل ضrrمن ذلrrك التحrrول من
الريف الى المدينة ،وازدياد حجم سكان المدينة الى جانب الزيادة الطبيعية
التي تحدث بفعrل التrوازن بين عrدد الrوالدات وعrدد الوفيrات .والتحضrrر
urbanizationيعrrني نسrrبة سrrاكني المrrدن الى عrrدد السrrكان .وعلى ايrrة
حال ،فان التحضر والنمو الحضري يسrrتخدمان بشrrكل مrrترادف وكالهمrrا
متعلق بالجrrانب االيكولrrوجي ،بمعrrني ادق كالهمrrا يرتبrrط بالسrrكنى داخrrل
المدينrrة ،أي بالمكrrان .وفي عrrالم اليrrوم أصrrبحت الحلrrول الرقميrrة والبنrrاء
التحrrrrتي الrrrrذكي من سrrrrمات الحيrrrrاة الحضrrrrرية .امrrrrا الحضrrrrرية
urbanismفإنهrrا تعrrني طريقة حيrrاة ،أي انهrrا تتحrrول من مجrrرد مكrrان
للسrrكنى الى مكrrان للهويrrة ،فينتسrrب لهrrا االفrrراد كمrrا كrrانوا ينتسrrبون
لعشائرهم ،فيقال "سمير بغدادي ،وسامي الموصلي ،واحسان كركrrوكلي"
وهكذا تكون المدينة هويrrة لقاطنيهrrا .لrrويس ويrrرث ( )1938كتب يقول
من الالزم التوقف عن اعتبار الحضرية مجرد هويrrة ،وال بrrد من الrrذهاب
ابعد من خط الحدود االعتباطي للحضرية وان يؤخذ في االعتبrrار التطrrور
التكنولوجي في النقل واالتصاالت ،الى جانب العالقات بين سكان المدينrrة
االصليون والمهاجرون الrrتي أصrrبحت مrrيزة خاصrrة لهrrا كمrrا سrrنرى في
السياق.
الفرد والمجتمع Individual & Society
323
وفقا لسجالت مكتب اإلحصاء الفدرالي األمريكي للعام ،2000فrrان نسrrبة
النسrrاء في عمrrر من 20الى 24سrrنة اللrrواتي لم يrrتزوجن تضrrاعفت من
%36الى %73في العقود الثالثrrة األخrrيرة ،ولألعمrrار من 30الى 34
تضاعفت ثالث مrrرات من %6الى %22بعض هrrذه النسrrوة وليس كلهم
أمهات وحيدات Single Parentsوهrrؤالء يشrrكلن مجموعrrة ذات نسrrبة
نمو عالية جدا .الحقبة نفسها شهدت ارتفاعا كبيرا في نسبة سrrكان المrrنزل
،Householdsوهي ان يعيش األشrrخاص في مrrنزل ال يرتبطrrون فيrrه
برابطrrة عائليrrة (ال رابطrrة دم وال مصrrاهرة)Hobbs & Stoops .
) .(2002الواقع ان السبب الرئيس لهذا التغير الrrديموغرافي في الrrتركيب
العائلي يعزى بالدرجrة األولى الرتفrاع مسrتوى التعليم والطمrوح المهrني
للمرأة الشابة في المجتمعات الغنية ،فالمرأة اليوم قادرة أكrrثر من أي وقت
مضrrى على اعالrrة نفسrrها ،وعrrدد كبrrير من النسrrاء الشrrابات يبتعrrدن عن
الزواج واالنجاب المبكر ،او يعملن على تأجيلهrrا لفrrترات الحقة في دورة
الحياة .وبما ان دورة الحياة قد تمتrد لعمrر الثمrانين فrان المrرأة يمكنهrا ان
تrrتزوج في عمrrر مبكrrر وتسrrتمر لفrrترات طويلrrة لكن الغالبيrrة يعملن على
تأجيل الزواج لالستمتاع بحقبrrة الشrrباب من دون التزامrrات عائليrrة ،وهrrذا
الخيار ال يوفر ظروفا مثالية لتكوين اسرة.
المالمح المميزة لمrدن مrا بعrد الحداثrة تعكس التكrدس الجغrرافي لألفrrراد
المتماثلين نوعيا في منrاطق معينrة داخrل المدينrة ،مثrل تجمعrات الشrباب
العزاب في مراكز المrrدن .مثrrل هrrذه التجمعrrات كrrانت في المrrدن المبكrrرة
تشمل األشخاص المتماثلين مهنيا او طبقيا او عرقيrrا ،وهrrذه النزعrrة يمكن
324
مالحظتها في مدن اليوم أيضrrا ،السrrيما بالنسrrبة للجماعrrات العرقيrrة الrrتي
تضخمت بالمهاجرين الجدد .مدينة ما بعد الحداثة السيما المدينة المليونيrrة
العمالقة غنية بالتباينات ،فالضrrواحي ربمrrا ال تrrزال متمrrيزة بقاطنيهrrا من
ذوي الrrدخول العاليrrة ،ولكن المنrrاطق الحضrrرية مختلفrrة بدرجrrة عاليrrة.
)Watters (2001
القبلية الجديدة Neotribalism
القبلية (العشائرية) الجديدة Neotribalismتعد اهم سمات مrدن مrا بعrد
الحداثة حيث يتجمع السكان في مجموعrات ثقافيrة متمrايزة ،يقوم بعضrها
على العرق او اللغة او الrrدين ،السrrيما المنrrاطق الحضrrرية الrrتي يقصrrدها
المهrrاجرون الجrrدد ،والفئrrات ذات المسrrتوى االقتصrrادي المنخفض الrrتي
تشكل احياء الغيتو ( Ghettoاحياء اليهود) ذات األعراق المتشابهة ،ومع
ذلك فهناك فئات ثقافية أخرى تتشكل بشكل متزايد .والشباب العزاب الذين
ال يحضون بدعم عائلي مع أولئك الذين لديهم دعم من جماعات مماثلة لهم
في االتجاهات يرتبطون تقريبrا بعالقrrات قبليrة في طبيعتهrا ،وهrؤالء وان
كانوا مختلفين في خلفيrrاتهم االجتماعيrrة والعرقيrrة والثقافيrrة فrrانهم بالتقادم
يتماسكون ،عن طريق التشارك في الطعام والسفر والعمل وتبrrادل الهrrدايا
والخدمات ومساعدة بعضrrهم في نقل األثrrاث وتجديrrد السrrكن ممrrا يجعلهم
متقاربين أكثر وكأنهم من قبيلrrة واحrrدة .وتعبrrير القبيلrrة هنrrا يطلrrق مجrrازا
للتعبrrير عن االنتمrrاء الثقافي للجماعrrة وأسrrلوب حياتهrrا بغض النظrrر عن
الخلفيات االجتماعية والعرقية لألفراد.
325
القبليrrة الجديrrدة بمنظrrور علمrrاء االجتمrrاع هي الخصrrائص الrrتي تشrrكل
العالقrrات االجتماعيrrة في مرحلrrة مrrا بعrrد الحداثrrة ،ومن امثلتهrrا األخrrرى
تجمعات جماعات الجنسية المثليrrة ،حيث انهم يجrrدون في مrrدن مثrrل سrrان
فرانسيسكو ،نيويورك ولنrrدن هrrويتهم الثقافيrrة الrrتي يمكنهم اإلعالن عنهrrا
بدون تحفظات ،وتأكيدهم على اختيrrار طريقة الحيrrاة المناسrrبة لهم ،ولكن
التعايش بين مختلrrف الجماعrrات الثقافيrrة ال يخلrrو من بعض التrrوترات في
مدن مrا بعrد الحداثrة ،ذلrك ان الrرأي العrام مثال ينظrر للمثلrيين على انهم
السبب في انتشrrار وبrrاء االيrrدز AIDSوذلrrك من شrrانه ان يقدح شrrرارة
العدائيrrة ضrrدهم ،كمrrا ان الهجمrrات اإلرهابيrrة الrrتي تنسrrب للمسrrلمين هي
األخرى جعلت كل مسلم موضع شبهة.
عبر التاريخ كانت المدينة وجهة االفrراد البrاحثين عن حيrاة أفضrrل ،وهي
موضع احالمهم وكوابيسهم في ان واحد ،فيها امrل وخrوف ،مكrان مثrالي
ومصدر للبؤس .المrrدن القديمrrة نشrrأت كمراكrrز دينيrrة ،حيث كrrان الكهنrrة
وذوي السلطة يهيمنون على الفالحين في القرى المحيطrrة ويأخrrذون منهم
الفrrائض الrrزراعي بrrالترهيب او الrrترغيب ،وعنrrدما بrrدأوا ببنrrاء المراقrrد
المقدسrrة البسrrيطة وجrrدوا فيهrrا سrrلطة غrير محrrدودة سrrرعان ممrrا دفعتهم
للتوسrrع في بنrrاء مراكrrز عبrrادة أكrrثر تعقيrrدا من النrrواحي المورفولوجيrrة
والوظيفية ،فبنوا المعابد واالهرامات والقصrrور والمحrrاكم .هrrذه األصrrول
المقدسة مازالت شاخصrrة في مدينrrة مثrrل القدس ،وهي مدينrrة كrrانت منrrذ
القدم مكانا مقدسا لليهود والنصارى والمسلمين .والواقrrع ان القدس ليسrrت
المدينة المقدسة الوحيدة هناك مrدن أخrرى كثrيرة لهrا قدسrية خاصrrة عنrد
326
مؤيديها ،كما ان مدن ما بعد الحداثة تنطوي في داخلها على شواهد رمزية
مقدسrrة ،وهي حrrتى قبrrل بناءهrrا كrrانت تبrrنى أوال في عقل المخططين
والمعماريين والمستثمرين الذين يقومون بتجسيد أفكارهم التي ال تخلو من
القداسة او الرمزية التي تعني كثيرا للسكان والزائرين ،وكانوا يسrتطيعون
اشrrعال الخيrrال الشrrعبي العrrدائي عنrrدما يرمrrزون لالنقسrrام ،والالمسrrاواة
والمهددات العقائدية ،وفي ذلك تصبح المدينة كابوسا للناس ،فالمسrrاجد في
نيوزيلندا وبعض المدن الغربية كانت هدفا لهجمات إرهابيrrة ألنهrrا كrrانت
تمثل رمزا من رموز "اإلرهاب اإلسالمي" على حد زعمهم .االرهrrابيون
الذين هاجموا المراكز اإلسالمية ليسrrوا فقراء وال ينقصrrهم التعليم ولكنهم
يسrrrتجيبون لألعالم المضrrrلل الrrrذي خلrrrق من اإلسrrrالم عrrrدوا وهميrrrا.
)Friedland & Hecht (1996
نمو المدن The Growth of Cities
أهمية المدينrrة لعلم االجتمrrاع تكمن في حقيقة انهrrا تrrوفر مختrrبرا لدراسrrة
الثقافات والعالقات االجتماعية المتنوعة ،فمثال دراسات نمو المدن قrrدمت
لنrا صrورة نظيفrة عن العوامrل الماديrة المفضrrلة لطrرز البنrاء والتوزيrع
السrrكاني للمكrrان والتنrrوع الثقافي والمهrrني .والواقrrع ان لعمليrrة التحضrrر
تاريخ طويل ،وكل مرحلة لها صلة وثيقة بالعوامل االقتصادية والسياسrrية
والجغرافية ،العامل األول المهم هو زيادة اإلنتrrاج الrrزراعي ،الrrذي حrrرر
سrrكان الحواضrrر من البقاء في الحقول ،وبحلrrول القرن الرابrrع 4000
.B.C.Eقبل الميالد كان الهالل الخصيب بين دجلrrة والفrrرات قrrادرا على
انتاج فائض غذائي إلطعام اوائل المrrدن الكبrrيرة ،ومثلهrrا في حrrوض نهrrر
327
الهند Indus Riverالذي يعرف اليوم بباكستان ،وكذلك في حوض النيل
بحلrrول منتصrrف القرن الثrrاني قبrrل الميالد .B.C.E 1500-2500وفي
اوربا بدأت الحياة الحضرية في اليونان القديمة بحدود النصrrف الثrrاني من
القرن األول قبل الميالد .B.C.E 1800وفي الحقبة B.C.E 400-500
بدا العصر الذهبي لدويالت المدن ،مثل أثينا ،التي أصrrبحت على قrrدر من
الشrrهرة كمكrrان إلنتrrاج الفلسrrفة والفن .وفي مطلrrع القرن األول الميالدي
نهضت رومrrا كإمبراطوريrrة لتكrrون أعظم مكrrان لنمrrو الحيrrاة الحضrrرية،
وهي حقبة امتدت ألربعrrة قrrرون الحقة ،اعقبتهrrا حقبrrة مظلمrrة اسrrتمرت
600سنة ،ولم تستعد المدن االوربية مكانتهrrا حrrتى القرن الحrrادي عشrrر
الميالدي ،حيث بدأت الحياة تدب فيها من جديد وتدخل في ميrrدان التجrrارة
العالمية ،فقامت مدن تجارية مهمة مثل لندن وباريس وفلورنسrrا وفينيسrrيا.
والى جانب الطبقة التجاريrrة كrrانت المrrدن المزدهrrرة حrrديثا تنطrrوي على
عمالة واسعة في قطاعات مهنية حيويrrة مثrrل صrrناعة الجلrrود ،والنجrrارة،
والحدادة والمجوهرات ،فيما عملت هrrذه المrrدن على تهميش بعض النrrاس
مثل اليهود الذين حصروا في احياء خاصة .Ghettos
في النصrrف الثrاني من القرن الثrامن عشrر ُأولى المrدن الصrrناعية بrدأت
بالنمو في بريطانيا ثم تبعتهrا اوربrا وامريكrا .مدينrة مانشسrتر البريطانيrة
يمكن اعتبارها اول مدينة صrrناعية رئيسrrية ،حيث ازداد عrrدد سrrكانها من
عشرة االف نسمة الى أكثر من مئة ألف في عام ،1840وفي عrrام 1844
كتب فردريrrك انجلrrز وصrrفا دقيقا لظrrروف العمrrل القاسrrية الrrتي كrrانت
تواجهها الطبقة العاملة في مانشستر ،بقوله "ان المائتي بيت في مانشسrrتر
328
القديمة كان قrrد هجرهrrا سrrكانها منrrذ زمن ،لتكrrون مالذا ألسrrراب العمrrال
الذين قدموا اليها من الريف اإلنكليزي والريف األيرلندي .ولقد تم بناء كل
سنتيمتر بين هذه البيوت لتكون سrrقفا لألكrrداس الهائلrrة من العمrrال الفقراء
الذين كانوا يدفعون بدالت ايجار باهظة في مساكن ال تصلح لسكنى البشر
والذين استغلوا استغالال بشعا ،فيما أصبح مالكي هذه المساكن اثرياء على
حساب صحة وجوع العمال" ) .Tucker (1978:584في أمريكا كrrانت
ظrروف النمrو الحضrري مشrابهة لمrا حrدث في اوربrا في القرن التاسrع
عشر .اول مدينة مستعمرة كانت أمستردام الجديrدة الrتي أصrبحت تعrرف
فيما بعد نيويورك كانت قد أنشئت في عام 1630وكانت تختلrrف قليال عن
قرى القرون الوسطى االوربية .في النصف األول من القرن التاسع عشrrر
اسُrتحدث فيهrا نظامrا جديrدا للنقل والصrrناعة قrاد الى التوسrع الحضrrري
وظهرت للوجود مrrدنا صrrناعية مثrrل بفلrrو ،كليفالنrrد وديrrترويت .النصrrف
الثاني من القرن التاسع عشر شهد نشوء المrدن المليونيrة الرئيسrة كنتيجrة
لموجات الهجرة الواسعة باتجاه المدن الصناعية مثل نيويrrورك وشrrيكاغو
اللتين تجاوز عدد سكانهما المليون نسمة في نهاية القرن .وبالتrrدريج نrrزح
األغنياء من مراكز المدن الى الضواحي ،لهذا اتسعت المدن باتجاه الحزام
المحيط .وبمنتصف القرن العشrrرين حركrrة الالمركزيrrة الحضrrرية كrrانت
تمضي قدما .الطبقة الوسطى نزحت نحو الضواحي وصrrارت الضrrواحي
تتمتrrع بخrrدماتها المسrrتقلة مثrrل المحالت التجاريrrة الكrrبرى والمراكrrز
الصحية ،وشبكة المواصالت ،لذلك انتفت حاجة سكان الضواحي لمراكrrز
المدن .اما مراكز المدن فقد أصrrبحت تعج بالمشrrكالت االجتماعيrrة ،مثrrل
329
الفقر ،واالزدحrrام والتكrrدس البشrrري ،والمrrدارس السrrيئة والجrrرائم .في
السrrبعينات من القرن الماضrrي ،صrrار اغلب األمريكيrrون يعيشrrون في
الضrrواحي والسrrيما األغنيrrاء تrrاركين مراكrrز المrrدن تعrrاني من نقص في
المrrوارد .وبسrrبب ذلrrك حrrاولت الحكومrrة الفدراليrrة تطrrوير اليrrات تجديrrد
المراكز الحضرية لوقف التدهور والتآكrrل الحضrrري ،لكن النتrrائج لم تكن
متوازنة ،حيث ان المساعدة في بناء منازل قليلة الكلفة لم تكن الحل األمثل
من دون توفير فرص عمل مناسبة .المدن في شrمال شrرق ووسrط غrرب
الواليات المتحدة والتي كانت تسمى "الحزام األبيض" Snowbeltفقدت
بريقها الصناعي التقليدي وبدأت تنحط وتحولت من حزام ابيض الى حزام
صrrدئ ،وتحrولت القوى العاملrة الى الجنrوب والغrرب حيث كrانت مrدن
"الحزام الشمسي" Sun-beltتجدد نفسrrها .التحrrول من عصrrر الصrrناعة
الى عصر المعلومات غّير مالمح التطور االقتصrrادي ،ولكن المrrدن الrrتي
اكلها الصدأ لم تتغير كثيرا ،وبrدال من ذلrك ازدهrرت مrدننا أخrرى كrانت
قادرة على التكيف مع عصر ما بعد الصناعة والعولمةAlexander & .
)Thompson (2008
علم االجتم==اع الحض==ري في الق==رن العش==رين Urban Sociology in
the Twentieth Century
منذ البrrدايات األولى كrrان علم االجتمrrاع الحضrrري شrrديد االهتمrrام بثقافrrة
المدينة الrrتي انتجت نوعrrا جديrrدا من الrrوعي الrrذي يختلrrف كليrrا عن وعي
العقلية الريفية ،ففي النصف الثاني من القرن التاسrrع عشrrر ومعظم القرن
العشrrرين ،كrrرس علمrrاء االجتمrrاع أنفسrrهم لتحليrrل الحداثrrة ونشrrوئها،
330
ومشكالتها ،وقد وجدت األبحاث النظريrrة والتطبيقيrrة ان الحضrrرية كrrانت
محورا مركزيا من محاور اهتمامات علم االجتماع .التغيرات الrrتي رافقت
التصrrنيع والتحضrrر جلبت فوائrrد كثrrيرة ،ولكنهrrا جلبت مشrrكالت كثrrيرة
أيضا ،ففي بداية القرن الماضrي الحrظ دوركهrايم ان المدينrة الحديثrة هي
مكان للعالقات االجتماعية غير الشخصية وتتطلب التزامات محدودة ،انها
بتعبrيره تشrبه العالقrات بين أعضrاء الجسrم المتخصصrة ،هrذه العالقrات
(العضوية) تختلف كليrrا عن العالقrrات االجتماعيrrة التقليديrrة (الميكانيكيrrة)
التي تقوم على العالقات الشخصية وااللتزامات االجتماعية الواسrrعة الrrتي
تحدث بطريقة آلية ،كما الحظ دوركهايم ان الفرد في المrrدن الكبrrيرة اكrrثر
تحrrررا من االلتزامrrات الجمعيrrة ) ، Durkheim (1893:297-9والن
االفراد في المدن الكبيرة اكثر تحررا ،فانهم االقrrدر على احrrداث ابrrداعات
ثقافيrrة ال تبrrدو ممكنrrة في القرى والمrrدن الصrrغيرة ،ولكنهم اقrrل عرضrrة
لضغوط المعايير االجتماعية للسلوك ،وهذا يعّرضهم لما سrrماه دوركهrrايم
"الالمعيارية" ،Anomieالتي تقود بدورها الى ظهور اعراض مرضrrية
خطيرة ،مثل القلق واالكتئاب وزيادة معدالت االنتحار.
عالم االجتماع األلماني فردينانrد تونrيز ) Tonnies (1887عقد مقارنrة
مشابهة للعالقات بين المجتمع المحلي (( Gemeinschaftالمتمثل بسكان
القرى والمrrدن الصrrغيرة ،وبين العالقrrات في المجتمrrع التعاقrrدي الكبrrير (
)Gesellschaftالمألوفة في المدن والحواضر الكبيرة ،هrrذه االختالفrrات
في العالقrrات االجتماعيrrة تمثrrل االختالفrrات في الخصrrائص الثقافيrrة لهrrذه
العالقrrrات .فعالقrrrات ال Gemeinschaftتبrrrدو طبيعيrrrة وتقوم على
331
المعتقدات والعواطrrrف ولهrrrا خصrrrائص تسrrrاندية مشrrrتركة ،امrrrا ال
Gesellschaftفإنهrrا تقوم على الحسrrابات العقالنيrrة لتحقيrrق االهrrداف
المطلوب تحقيقها .في نفس الحقبة كان لمقالة العالم االلماني االخر جrrورج
زمل “المدينrrة العمالقrrة والحيrrاة العقليrrة” Metropolis and Mental
Lifeاثرا بالغا في تحليل ثقافة المدينة .لقد ركز زمل )Simmel (1903
على الخصائص العصبية لوجود المدينrrة ،المدينrrة الrrتي تسrrودها عالقrrات
قلrrق وتrrوتر عصrrبي تتسrrلل بrrدون مقدمات الى طريقة الحيrrاة الحضrrرية
وتفسدها ،كما تحدث زمل عن المسافة االجتماعية والالمبrrاالة الrrتي تسrrود
الحياة الحضرية ،حيث يتفاعل الناس داخل المدينrrة على طريقة الغربrrاء،
وكrrان لمقاالت زمrrل الالحقة اثrrرا بالغrrا على مدرسrrة شrrيكاغو في علم
االجتمrrاع ،ومن بين المتrrأثرين بالعrrالم األلمrrاني زمrrل ،روبrrرت بrrارك
) Robert Park (1864-1944الrrذي كrrان قrrد تتلمrrذ على يrrد زمrrل في
مطلع القرن العشرين في المانيا ،وكتب في اكrrثر من حقل من حقول علم
االجتماع الحضري ،وكان مشروع بحثrrه للrrدكتوراه التجمrrع والحشrrد the
"”mass & the crowedوهrrو موضrrوع ذو قيمrrة عاليrrة عنrrد علمrrاء
االجتماع بوصفه يتناول موضوع العالقات غrrير الشخصrrية والخصrrائص
التجزيئية في المدينة الحديثة .ولعل اهم خصائص مدرسة شيكاغو في علم
االجتمrrاع هي تعاملهrrا مrrع المدينrrة على انهrrا نrrوع من أنrrواع المختrrبرات
االجتماعية ،وكان بارك يقول لتالميrrذه ابحثrrوا عن مواضrrيع ابحrrاثكم في
زوايا الشوارع ،في صاالت الرقص وفي المالهي والحانrات وفي منrاطق
المتشردين ،وهي اهم مالمح المدن الصناعية الكبيرة ،وقد انتجت مدرسrrة
332
شيكاغو التي كان بارك احد اقطابها اعماال مهمة مثل الهوبو (المشrrردين)
Hoboلrrنيلز اندرسrrون Nels Andersenوالعصrrابة The Gang
لفردريك ثراشrrر Frederic Thrasherالrrتي تنrrاولت وظيفrة عصrrابات
شباب الشوارع بوصفها مجتمعrrا محليrrا ألعضrrائها .وكrrان من اهم اعمrrال
مدرسrrة شrrيكاغو الrrتي تحrrولت الى نظريrrة مسrrتقلة في علم االجتمrrاع
الحضري هي مقالة لويس ويرث Louis Wirthالتي كانت تحت عنوان
الحضرية كطريقة حياة Urbanism as a Way of Lifeعام 1938
وقد اعطى ويرث اقصر تعريrrف سوسrrيولوجي للمدينrrة ،بوصrrفها تتمrrيز
بحجم لكبrrير وكثافrrة سrrكانية عاليrrة وافrrرادا غrrير متجانسrrين اجتماعيrrا
يسrrتقرون بشrrكل دائم( ،طبعrrا االن تغrrير مفهrrوم المدينrrة بسrrبب الحrrراك
االجتماعي السريع واالنتقال من مدينة الي أخرى كما يفعrrل البrrدو الرحrrل
بحثا عن مصادر العيش) ومن هذا المنطلق حrrدد ويrrرث المالمح الرئيسrrة
لنظريته "الحضرية كطريقة حياة" على أساس العدد والكثافة والالتجrrانس
الذي يخلق بنrrاء اجتماعيrrا تحrrل فيrrه الجماعrات الثانويrrة محrrل الجماعrات
األوليrrة ،الrrتي تتمrrيز بالعالقrrات الالشخصrrية ،والتجزيئيrrة ،والعالقrrات
السطحية ،واالنتقالية وغالبا مفترسة (جشrrعة ،سrrلبية وشrrرهة) ،وبالنتيجrrة
فان سكان المدينة يصبحون مجهولين ،ومعزولين ،وعلمrrانيين ،ونسrrبيين،
وعقالنيين وعلى درجة من التعقيrد .ومن اجrل القيrام بالعمrل في المجتمrع
الحضري يتعين على سكان المدينة االتحاد مع بعضهم لتشكيل شركات او
نقابات او جمعيات تطوعية كأشكال تنظيمية تمثلهم في الحكومrrة ووسrrائل
333
االتصال غير الشخصية ،وهذه المنظمrات أصrبحت بrديال للعائلrة الكبrيرة
والقبيلة ولكل اشكال التجمعات التي سبقت المجتمع الصناعي.
نظريrrة ويrrرث واجهت انتقادات حrrادة بخصrrوص تعميماتrrه حrrول نزعrrة
المدينrrة الrrتي كrrانت برايrrه قrrد خلقت خصrrائص ثقافيrrة وعقليrrة خاصrrة
لساكنيها .أكبر المنتقدين كان هrrيربرت كrrانز )Herbert Gans (1962
في مقالة مشrrهورة تحت عنrrوان "الحضrrرية والضrrواحي كطrrرق للحيrrاة"
Urbanism & Sub-urbanism as Ways of Lifeانتقد فيها بشدة
تأكيد ويرث على العوامل االيكولوجية في تعريفه للمدينة (العrrدد والكثافrrة
والالتجrrانس) والrrتي بمقتضrrاها جعrrل كrrل سrrكان المدينrrة يبrrدون وكrrأنهم
يشتركون في عقلية واحدة .ويرث لم يتناول توزيع السrrكان داخrrل المدينrrة
وال هويrاتهم الفرعيrة ،وكrل مrا فعلrه انrه قrrارن بينهrا وبين مrدن مrا قبrل
الصناعة ،ووفقا لكانز فانه على الرغم من امتالك الجماعات االنتقاليrrة في
مراكز المدن خصائص وصفها ويرث على انها الشكل النمrrوذجي لسrrكان
المدن اال ان العوامل التي تقود الى االختالف في أسrrلوب الحيrrاة والثقافrrة
يعود لالنتماء الطبقي والموقع االجتماعي في دورة الحياة .هذه الخصائص
ربما كانت تتمثل في األغنياء والشباب العrrزاب الrrذين اختrrاروا العيش في
مراكز المدن ،ولكن الجماعات األخrrرى لrrديهم ثقافrrات فرعيrrة تحميهم من
هذه النزعة ،وهذه تظهر بوضوح لدى القرويين من األقليات.
لقد كرس كانز جل اهتمامrrه على االنتشrrار السrrريع للسrrكن في الضrrواحي
بعد الحرب العالمية الثانية ،ودراسته عن القرويين االيطاليين-األمريكrrيين
الذين يقطنrون المراكrز الحضrرية ولسrكان الضrواحي في قريrة ليفتrاون
334
على اطراف نيويrrورك قادتrrه الى االسrrتنتاج بrrان النrrاس الrrذين انتقلrrوا من
مركز المدينة الى الضواحي لم يشهدوا تبدال او تحrrوال في قيمهم وأسrrلوب
حياتهم كما كان يزعم ويرث ،ووجد كانز ان العالقات في الضواحي ظلت
قوية لحد ما السيما بين الجيران الذين كانوا يشكلون جماعrrات شrrبه أوليrrة
،quasi-primary groupsوبينمrrا كتب كrrانز عن حقبrrة تحrrول سrrكان
المراكز الحضرية نحو الضواحي كان علماء االجتماع األوائل في مدرسة
شيكاغو وفي اوربا منشغلين بدراسة النزوح الواسrrع لسrrكان األريrrاف الى
المدن الصناعية التي كانت تتوسع بشكل سريعGans (1967) .
في كل حقبة من حقب التطور تتأثر تعميمات علماء االجتماع حول المدينة
وثقافrrة المدينrrة وعقليrrة قاطنيهrrا بحركrrة السrrكان السrrائدة في ذلrrك الrrوقت.
علماء االجتماع األوائل كrrانوا يؤكrrدون على زيrrادة التحضrrر السrrيما فيمrrا
يتعلق باالستقاللية والعالقات الالشخصية ،وعلماء االجتماع في مرحلة ما
بعد الحرب اهتموا بتأثير حركة السكان من مراكrrز المrrدن الى الضrrواحي
متمثلrrة باالمتثrrال الثقافي ،واالنقسrrام الطبقي والجماعrrات العرقيrrة ،وفي
الفترات الالحقة كrrان االهتمrrام منصrrبا على التحrrول من مركrrز حضrrري
واحrrد شrrديد الكثافrrة الى مراكrrز حضrrرية متعrrددة فيهrrا كامrrل المؤسسrrات
الصناعية والخrrدمات والrrتي من شrrانها التخفيrrف من الrrتركز السrrكاني في
المركز الواحد.
الحضرية في مرحلة ما بعد الحداثة Post-modernity Urbanism
تبدو المدن العمالقة اليوم مليئة بالتناقضات التي تنطrrوي عليهrrا وبالتوسrrع
الذي لم يسبق له مثيrrل ،ومن المحتمrrل ان تسrrتمر المدينrrة بهrrذا الشrrكل في
335
المستقبل المنظور .مراكز المدن يقطنها الفقراء والفئrrات األكrrثر انحطاطrrا
في المجتمع ،بمrا في ذلrك المهrاجرون الجrدد من المنrاطق المحيطrة ومن
الخارج ،ولكن مراكز المدن هي أيضا مكانrrا للعrrزاب األغنيrrاء ولألثريrrاء
الrrذين فrrرغت اعشاشrrهم من الطيrrور empty nestersوهي كنايrrة عن
الrrذين َك ُب ر أوالدهم واسrrتقلوا بعيrrدا عنهم .الشrrباب العrrزاب بشrrكل خrrاص
الذين يطلق عليهم "كتائب الصدمة لألبداع والثقافة" Shock troops of
creativity and Cultureهم الذين يقودون عملية التجديد في المساكن
والعالقات ،وهم مrrادة التجديrrد أيضrrا ،ألنهم يكتفrون بrrالعيش على سrrطوح
المنازل في مراكز المrrدن ويمارسrrون حيrrاة الليrrل .وليس غريبrrا ان تكrrون
المدينة بنية لإلنتاج الثقافي الrذي يrوفر متعrة االسrتهالك .مخططrو المrدن
على درجrrة من الشrrغف إلعrrادة تطrrوير مراكrrز المrrدن كأمrrاكن للجrrذب
والمتعة لتكون قادرة على المنافسة مع المrrدن الرئيسrrة األخrrرى ليس فقط
لجذب السياحة وانما لجذب الشباب األثرياء معرفيا ومهنيrrا وكrrذلك لجrrذب
االستثمارات الخاصة ،وباعة المفرد ومراكز اللهو .احدى ميزات الشrrباب
األغنياء الذين يختارون العيش في مراكز المدن هrrو الrrوقت والمrrال الrrذي
ينفق ببساطة من اجل اللهو .مراكز المدن تستهوي بنفس الدرجة األقليrrات
الذين يجدون تنوعا في أساليب الحيrاة وقrدرا من التسrامح ،وفي كrل حrال
هنrrاك تعrrايش غrrريب بين صrrورتين للحيrrاة الحضrrرية ،صrrورة إيجابيrrة
وأخرى سrrلبية ،هrrاتين الصrrورتين تتمثالن في المدينrrة المزدوجrrة المليئrrة
باألغنياء والتعساء في آن واحد.
336
من الخصائص المثيرة للجدل في طبيعة المدينة الحديثة هو وجrrود ثقافrrات
عرقية متنوعة .علماء االجتمrrاع ينظrrرون للمدينrrة على انهrrا ملتقى طrrرق
عالمية ،عن طريق انتشrrار ثقافrrات اثنيrrة متنوعrrة ،والمالحrrظ ان الطبيعrrة
التقليدية للمدينة التي تقوم بمهمة صهر الجماعات العرقية في الثقافة الكلية
لم تعد صالحة في مدن ما بعد الحداثة ،ذلك ان الجماعات العرقية أصبحت
قادرة على مقاومة التمثيل واالندماج بإدامة الصrلة مrع ثقافrاتهم االصrلية،
وتلك ميزة تحسب لصالح وسائل االتصال الحديثة الrrتي كrrانت غائبrrة قبrrل
عقد التسrrعينات من القرن الماضrrي ،وغيابهrrا كrrان سrrببا في انrrدماج
الجماعrrات العرقيrrة مrrع المجتمrrع الrrذي تعيش فيrrه .نزعrrة المقاومrrة هrrذه
افrrرغت العولمrrة من محتواهrrا بسrrبب تمسrrك الجماعrrات العرقيrrة بثقافتهrrا
االصلية باندماج جزئي مع الثقافة الكلية للمجتمrrع الجديrrد الrrذي تعيش فيrrه
وتمّس ك قrrوى بقيمهrrا االصrrلية بعrrد ان كrrانت طريrrق واحrrد one way
.processالواقع ان تعدد األعراق في المدن المليونية في اوربrrا وامريكrrا
على وجه الخصوص ال تنطبق كثيرا او قليال على المدن العربيrrة الكبrrيرة
ذلrrك ان وجهrrة الهجrrرة العالميrrة في الغrrالب نحrrو الغrrرب ،الrrذي منح
المهrrاجرين فرصrrة اإلقامrrة وحريrrة العقيrrدة وقrrدرا من التسrrامح شrrجعت
المهاجرين على تكوين ابنية ثقافية داخل الثقافة الغربية ،فيمrا تخلrو المrدن
العربية من الهجرة العالمية ،وبالتالي فrrان المrrدن العربيrrة تبrrدو حrrتى االن
خالية من التعدد االثني ،اما االثنيات القديمrrة المتعايشrrة مrrع بعضrrها فإنهrrا
ماعدا تمسكها باللغة تملك نفس المقومات الثقافية عبر مئات السنين وحrrتى
مع وجود التوترات بين الثقافات الفرعية والثقافة الكلية فان ذلrrك ال يحrrول
337
دون االنrrدماج الكلي لهrrا ،فrrاألكراد في العrrراق يملكrrون نفس المكونrrات
الثقافية للعراقيين جميعا بسبب التعrrايش طويrrل األمrrد ،وكrrذلك االقبrrاط في
مصrrر والrrدروز في لبنrrان والrrبربر في الجزائrrر ،امrrا التrrوترات فأسrrبابها
سياسية وليست ثقافيةAlexander & Thompson (2008) . .
خالصةConclusion :
اعطى علم االجتماع المعاصrrر أهميrrة قصrrوى لرمrrوز وثقافrrة المدينrrة في
مجتمع ما بعد الحداثrrة ،ولم يهمrrل الحقيقة المتعلقة بحركrrة السrrكان ،تلrrك
الحقيقة التي كانت تضع موضوع السكان في قلب اهتمامات علم االجتماع
والزالت ومن المحتمrrل ان تبقى كrrذلك في المسrrتقبل ،فمن دوركهrrايم الى
لويس ويرث ،ظلت الكثافة النسبية لسكان المدن العامل األكrrثر حيويrrة في
المدن الحديثة الى جانب العدد والالتجrrانس .وإذا كrrانت المدينrrة قrrد نشrrأت
ألغrrراض دينيrrة وتجاريrrة فrrان الرمrrوز الثقافيrrة والعالقrrات االجتماعيrrة
ومستوى الخrrدمات الrrتي خلقتهrrا كفيلrrة بالحفrrاظ عليهrrا من التآكrrل كمكrrان
ألحالم وامrrاني البشrrر المحيطين بهrrا ،السrrاعين لتحسrrن ظrrروف حيrrاتهم
المادية والخدمية .مدن اليوم مازالت كما كانت منذ نشأتها جاذبrة لهجrرات
واسعة من األرياف .لقد أدت عمليrrات الrrنزوح المتواصrrلة الى خلrrق مrrدن
مليونيrrة عمالقrrة تسrrتوعب اكداسrrا هائلrrة من البشrrر .وعلى الrrرغم من ان
المدينة كانت الى وقت قريب تعمل على صهر المهاجرين الجدد في ثقافrrة
المدينة ،اال ان مدنا مليونية كبيرة مثل بغداد والقاهرة ومكسrيكو أصrبحت
متّر يفة بسبب طغيان المهاجرين الريفيين عليها .وبسبب ذلك نقل الريفيون
قيمهم وعrrاداتهم الى قلب المrrدن وقلبrrوا المعادلrrة راسrrا على عقب ،حيث
338
أصrrبحت القيم والعrrادات الريفيrrة هي السrrائدة بعrrد ان هجرهrrا سrrكانها
الحضrrريون االصrrليون واتجهrrوا نحrrو الضrrواحي .حrrتى المrrدن االوربيrrة
واألمريكية المتعددة االجناس الrتي لهrا تrاريخ حضrrري طويrل ،أصrrبحت
مراكزها تعج بالمهاجرين فيما اتجه األغنياء صوب الضrrواحي .وإذا كrrان
نصف سكان العrrالم يعيشrrون في مراكrrز حضrrرية فrrان المrrدن الrrتي بrrدأت
تتضخم بشكل غير مسبوق تعrrاني من ضrrعف قrrدرتها على توفrrير السrrكن
والعمrrل والخrrدمات لألعrrداد المتزايrrدة للوافrrدين الجrrدد .المrrدن الحديثrrة
المتعددة األعراق التي دخلت مرحلة العولمة خسرت وظيفتها التقليديrrة في
االندماج االجتماعي ألفرادها بسrبب التطrور التكنولrوجي الrذي سrاهم في
خلق ثقافات متعددة غير قابلة لإلذابة في ثقافة المدينrrة ،فاألقليrrات العرقيrrة
والدينيrrة واللغويrrة صrrار بمقدورها ادامrrة الصrrلة مrrع ثقافاتهrrا االصrrلية،
وبالتالي أصبحت قادرة على التجمع في احيrrاء ومrrدن خاصrrة بهrrا لتشrrكل
تعددية ثقافية غير مسبوقة في ثقافة المدينة من شrrانها ان تقاوم االذابrrة في
الثقافة الكليrة .والخالصrrة ان مrدن المسrتقبل سrتبقى خrارج لعبrة العولمrة
تحتمي بأسوارها الثقافية التقليدية.
339
الفصل الثاني عشر
التغير االجتماعي ،السلوك الجمعي والحركات االجتماعية
340
& Social Change, collective behaviour
Social Movement
التغير االجتماعي يحدث دائما ،في كل مكان وزمان بتدخل االنسان أحيانrrا
وبدونrrه أحيانrrا أخrrرى .كrrل شrrيء يتغrrير من أكrrبر المجrrرات الى أصrrغر
الفايروسات ،بrrدون تغrrير يسrrتحيل الوجrrود ،والعrrالم يتحrrول الى نrrوع من
العدميrrة ،شrrكل من اشrrكال الrrوهم .وسrrواء كrrان التغrrير ملموسrrا او خفيrrا،
سريعا او بطيئا ،كارثيا او هادئا ،فانه يوثر على االنسrrان ،ويعrrدل سrrلوكه
ونظمrrrه وعالقاتrrrه .يقول رالrrrف دارنrrrدروف Ralph Dahrendorf
341
)" (1959:162كل عناصر المجتمع معرضة لالنقسام والتغير ...في كل
لحظة يتعرض المجتمع للتناشز والصراع .والصrrراع االجتمrrاعي يحrrدث
في كل مكان وزمان" دارندروف مثل كارل ماركس ينظر للتغير منظrrور
الصراع ،فيما ينظر مفكرون اخرون للتغير منظrور الوظيفيrة البنائيrة ،او
الرمزية او الظاهراتية ،ومهما كrان االتجrاه النظrري الrذي يفسrر التغrير،
فان الحيrاة ال تبrدو ممكنrة من دون تغrير .والتغrير الطrبيعي الrذي يحrدث
خالل تفاعالتنا اليومية ،يتبع الخط التطrrوري الrrذي ال يمكن تجنبrrه والrrذي
نتrrأقلم معrrه تلقائيrrا ،المشrrكلة تكمن في التغrrير المفrrاجئ الrrذي يقود الي
الفوضى ،التغير الذي يعبث بالبناء االجتماعي المستقر والمتماسك ويحوله
الى بناء ممسوخ بال معايير ،هذا النrوع من التغrير يسrتثير الخrوف وعrدم
الثقة ويقود الى الخراب .ومن امثلة هذا النوع من التغير ما حrrدث للعrrراق
بعد الغزو االمريكي في ،2003والذي أدى الى الفوضى وحّف ز الغوغrrاء
للخروج الى الشارع والعبث بممتلكات النrrاس ومؤسسrrات الدولrrة ،فنهبrrوا
واحرقrrوا وقتلrrوا ولم يسrrلم منهم البشrrر وال الحجrrر وال الrrدواب فضrrاعت
المعايير والضrrوابط القيميrrة او اختفت او تبrrدلت .ثم صrrار النهب والسrrلب
وسرقة المال العام والعبث باألمن حصة األحزاب الدينية والسياسrrية الrrتي
نهضrrت فجrrأة من الرمrrاد ،وتغrrولت وقّوضrrت هيبrrة الدولrrة فالذ النrrاس
بالعشيرة والطائفة والعرق من اجل الحماية ،وتحولت الدولة العراقيrrة الى
ما يشبه بقايا دولة من ازمrrان العصrrر الحجrrري ،واختفى مفهrrوم الوطنيrrة
وتحول الوالء للوطن الى والءات محلية هزيلةAlwan (2019) .
342
كان التغrير يرتبrط تقليrديا بrاالختراع ،واالبتكrار واالنتشrار والتبrني ،الى
جانب الحrrروب والكrrوارث الطبيعيrrة ،ولكن التغrrير الrrذي يحدثrrه االنسrrان
بفعل التطور التكنولrrوجي أخطrrر واهم بكثrrير من التغيrrيرات الrrتي تحrrدث
نتيجة العالقة مع الطبيعة ،فالتغير الطبيعي كان االنسان فيه سلبيا ويتعامل
مع نتائجه فقط ،اما التغيير المخطط فانه من صنع االنسان وانrrه يقود الى
مrrا اسrrماه عrrالم االجتمrrاع األلمrrاني دورشrrميدت Dürrschmidt and
)" Tylor (2007مجتمع المخاطر" .والواقع ان التغير االجتماعي الrrذي
يحrدث في المجتمعrات المتقدمrة تكنولوجيrا يحrدث بشrكل منظم ،مقصrrود
ومسيطر عليه الى حد ما ولكن نتائجه بعيدة المدى غير قابلة للتنبؤ.
تحليل التغير االجتماعي Analysing Social Change
يمكن النظر للتغير االجتماعي بإحدى طريقتين او كالهمrrا ،التحrrول الrrذي
يحدث نتيجrة ث==ورة ش==املة ،يrدخل ضrمنها التغrير الrذي تحدثrه الحrروب
واألزمات والكrrوارث والحركrrات االجتماعيrrة والسrrلوك الجمعي والثrrورة
السياسية التي تطيح بنظام سياسي وتضع اخrrر بrrدال عنrrه ،ثم الثrrورة الrrتي
تحدث نتيجrة للتط==ور الت==دريجي الrذي يحrدث بسrبب التفrاعالت اليوميrة،
وتراكم التغييرات التي تؤدي في النتيجة الى التحول بما يشبه الثورة الrrتي
تعمrrل على تبrrديل النظrrام االجتمrrاعي بنظrrام آخrrر ،تحrrول هrrادئ ربمrrا ال
يحتrrrاج الى العنrrrف .وعلمrrrاء االجتمrrrاع الrrrذين يتحrrrدثون عن الثrrrورة
االجتماعيrrة ،يشrrيرون الى ظrrاهرة تختلrrف عن تلrrك الrrتي تطيح باألنظمrrة
السياسية وتستبدلها بأخرى ،الثورة االجتماعية تعني التغيرات الجذرية في
الممارسة االجتماعية مثل تحول المجتمع من مجتمrrع الحداثrrة (الصrrناعة)
343
الى مجتمrrrع المعلومrrrات او المجتمrrrع الrrrرقمي .بعض علمrrrاء االجتمrrrاع
المحدثين يمزجون بين رؤية اسالفهم من علماء القرن التاسع عشrrر الrrذين
تحدثوا عن مراحل التغير طويل األمد والتغير الثوري الذي ينقل المجتمrrع
سريعا من حالة الى أخرى بrrدون مراحrrل .الفين تrrوفلر Alvin Toffler
) (1970قال ان المراحrrل التطوريrrة الrrتي تحrrدث عنهrrا علمrrاء االجتمrrاع
األوائل تم تجاوزها بسبب تعّقد التغيرات المعاصرة ،ولكنrrه هrrو االخrrر لم
يسrrتطع التخلص من عقدة المراحrrل فقسrrم التغrrيرات الشrrاملة للمجتمعrrات
البشرية الى ثالث مراحل:
ـ موجة التحول األولى :بدأت منذ عشrrرة االف سrrنة ،عنrrدما زرع أحrrدهم
اول بذرة ليبدأ عصر الزراعة ،حيث هجrrر االنسrrان البrrداوة واسrrتقر على
هيئة تجمعات قروية وخلق قاعدة ثقافية واسعة ،واألرض كrrانت المصrrدر
الوحيد للثروة
ـ الموجة الثانية :عصر االلة او عصrrر الصrrناعة الrrذي بrrدأ بعrrد منتصrrف
القرن الثامن عشر ،وفيه هجر عدد كبير من السكان ثقافة القرى الزراعية
من اجل العمل في مصانع المدن ،هrذه المرحلrة تrوجت بrالحرب العالميrة
الثانية ،وتخللها طغيان االلة واستخدام السrrالح النrrووي ،ومصrrادر الrrثروة
فيها ،األرض ،قوة العمل ورأس المال.
ـ الموجrrة الثالثrrة :عصrrر المعلومrrات او عصrrر المعرفrrة ،وهrrذه المرحلrrة
تغطى عصrrرنا الحrrالي ،وتقوم على العقل أكrrثر من العضrrالت ،قوتهrrا
مستمدة من تكنولوجيا المعلومات ،ومصادر الثروة فيها ،مشrrروطة بشrrكل
متزايد بامتالك المعرفة /المعلومات.
344
نموذج المراحل الثالث للتطور التاريخي ،له تاريخ طويل ،فعلماء اجتماع
القرن التاسrrع عشrrر ،لم يكن يخطrrر ببrrالهم اخrrتراع الكومrrبيوتر ،ولكن
رؤيتهم المستقبلية كانت تنطوي على اهتمام متزايد بالمعرفrrة العلميrrة ومrrا
يرافقها من التغيرات االجتماعية ،والمحللين المعاصرين مثل توفلر كrrانت
لهم القدرة على مقارنrrة خصrrائص عصrrر الكومrrبيوتر مrrع بعض وجrrوه
العصر الصناعي المبكrر .الخصrrائص المركزيrة لعصrrر الصrrناعة كrانت
تتمثل في المركزية والمعيارية ،في ضrrوئها كrrل شrrيء كrrان يمضrrي نحrrو
الكتلة (المقادير الكبيرة) ،من اإلنتاج الواسع الى التrrدمير الواسrrع .وكrrانت
مهمة عمال المصانع تحويل خط اإلنتاج الى أطول ما يمكن من اجل انتاج
منتجات متماثلة ،وكان ذلك بمثابة نقطrrة االلتقاء ربمrrا الوحيrrدة بين نظrrام
الحزام الناقل لإلنتاج الرأسrrمالي الغrrربي واإلنتrrاج االشrrتراكي في عصrrر
االتحاد السوفيتي ،وكانت البيروقراطية وبناء السrrلطة الهرميrrة في عصrrر
الصناعة تنطوي على أخطاء مميتة ،ولكنهrrا في كrrل األحrrوال كrrانت على
درجة من الكفايrة إلنتrاج كميrات كبrيرة جrدا من البضrائع عاليrة الجrودة،
وكان الجانب السيء فيها انها كانت متماثلة .ثم اندفع المنتجين الكبار تحت
ضغط المنافسة الى تنويع اإلنتاج إلرضاء االذواق المختلفrrة .وحين دخلت
تكنولوجيا الكومبيوتر أحrrدثت نقلrrة نوعيrrة في عمليrrات التنrrوع اإلنتrrاجي،
فصrrناع السrrيارات مثال زادوا من أنrrواع السrrيارات واشrrكالها واحجامهrrا
والوانها لتناسب مختلف شرائح المجتمrrع ومسrrتويات الrrدخل ،حrrتى اقrrداح
القهوة الرتيبة كrrانت قrrد عrrرفت التنrrوع الهائrrل منrrذ مطلrrع التسrrعينات من
القرن الماضي إلرضاء اذواق الزبائن ،حتى أصبح الزبائن اليrrوم يشrrكون
345
من كثرة الخيارات .ليست السيارات او اقداح القهوة او األثاث او البضائع
المنزلية او االف البضائع األخرى التي كانت ُتنتج وفق معايير محrrددة في
عصر الصناعة ولكن حتى كثير من وسائل الترفيrrه والثقافrrة كrrان انتاجهrrا
واسrعا ومتمrاثال في األسrواق الكبrيرة .علمrاء االجتمrاع الماركسrيون من
مدرسrrة فرانكفrrورت األلمانيrrة وجهrrوا نقدا الذعrrا لنمrrط إنتrrاج الثقافrrة
الرأسrrمالي المعيrrاري ،حيث اعتrrبروا ذلrrك محولrrة لتنميrrط السrrلوك وفrrق
األيديولوجيا الرأسمالية.
بعض علمrrاء االجتمrrاع غrrير الماركسrrيين كrrانوا متشrrائمين من التغrrيرات
االجتماعية المرافقة لعصر المعلومات مثل تزايrrد أنمrrاط االسrrرة واختفrrاء
الشكل التقليدي لألسرة النووية التي رافقت عصر الصrrناعة (انظrrر فصrrل
االسrrرة) الrrتي فيهrrا يعمrrل االب فيمrrا تبقى االم في الrrبيت إلدارة شrrؤون
االسرة ورعايrة األطفrال ،وظهrور اشrكال جديrدة للعائلrة بمrا فيهrا عائلrة
الزواج ثانية ،وعائلة المعاشرة خارج مؤسسة الزواج ،واالسرة المختلطrrة
،Blended Familyواالسrrرة أحاديrrة االبrrوين ،واالسrrرة االفتراضrrية.
)Alexander & Thompson (2008
التغ====ير االجتم====اعي في ادبي====ات علم االجتم====اع Social Change
Literature
ربما لن يكون مفيدا جدا ان نضrrع تعريفrrا محrrددا للتغrrير االجتمrrاعي ،الن
المفهrrوم يشrrير الى عrrدد كبrrير من الظrrواهر المختلفrrة ،لrrذا فrrان التعريrrف
المحدد قد يكون فضفاضا او يهمل أشrrياء على درجrrة من األهميrrة ،وعلى
ايrrrة حrrrال يمكن اعتمrrrاد تعريrrrف ولrrrبرت مrrrور Wilbert Moore
346
) (1967:3أحrrد اهم منّظ ري التغrrير االجتمrrاعي الrrذي يقول " التغrrير
االجتماعي هrrو التبrrدل الهrrام في البنrrاء االجتمrrاعي" ،والبنrrاء االجتمrrاعي
يعني أنماط الفعل ورد الفعل االجتماعي .تعريrrف مrrور لrrه مrrيزة التركrrيز
على أنماط الفعل االجتماعي القابلrrة للمالحظrrة ،مثrrل التغrrيرات في أنمrrاط
االسرة والعمل ،ولكنه ال يعطي اهتماما خاصا للعوامrrل الثقافيrrة المتنوعrrة
مثل القيم والمعايير والمعتقدات والتي ليس من السهل مالحظتهrrا .وهrrذا ال
يعني ان الثقافة اقل ارتباطا بالتغير من البrrنى االجتماعيrrة ،ولكن من المهم
التrrذكير بrrان الثقافrrة يجب ان ال ينظrrر لهrrا على انهrrا مجموعrrة ثابتrrة من
المعايير والقيم والمعتقدات ،او انها تتعارض مع الطبيعة الديناميكية للبrrنى
االجتماعية .الثقافة هي البعد الديناميكي (المتحرك) للممارسrrة االجتماعيrrة
او األفعrrrال االجتماعيrrrة ،فالعضrrrوية في الثقافrrrة تسrrrتلزم االنخrrrراط في
ممارسات متنوعة يمكن تمييزها عن ممارسات ثقافة أخrrرى وزمن اخrrر،
وتمتrrد من عrrادات الطعrrام الى المعتقدات والحيrrاة العائليrrة .صrrحيح ان
عناصر الثقافة تتأخر أحيانا عن التغيرات الrrتي تحrrدث في بنيrrة المجتمrrع،
وان القيم المعتقدات والطقوس الدينية تتغير ابطأ من االختراعrrات العلميrrة
والتكنولوجيrrة وهي الظrrاهرة الrrتي اطلrrق عليهrrا وليم اوكrrبرن William
) Ogburn (1964الفجوة الثقافية ،لكن أحيانا العكس هو الصحيح ،حيث
يقود التغrrrير الثقافي الى تغيrrrيرات في البrrrنى السياسrrrية واالقتصrrrادية
والتكنولوجية ،فمثال التغير الذي حدث في الدين كما ذكر ذلك ماكس فيrrبر
( )Max Weber 1904في كتابrrrrه "االخالق البروتسrrrrتنتية وروح
347
الرأسrrمالية" بعrrد صrrعود نجم الكالفينيrrة Calvinismفي القرن السrrادس
عشر الذي اثر تأثيرا بالغا في تطور الرأسمالية.
األسrrئلة حrrول التغrrير االجتمrrاعي كrrانت دائمrrا محrrورا في ادبيrrات علم
االجتماع ،فالمفكرون األوائل الذين أرسوا قواعد علم االجتمrrاع في القرن
التاسع عشrrر اهتمrrوا اهتمامrrا مبالغrrا فيrrه بتrrأثير التصrrنيع والتحضrrر على
الحياة االجتماعية ،وانهم لم يكتفوا بrrالنظر لالنقالب االجتمrrاعي في اوربrrا
وامريكrrا وانمrrا انشrrغلوا أيضrrا بدراسrrة المجتمعrrات البدائيrrة في افريقيrrا
والسكان االصليين في امريكا وأستراليا ،وتحدثوا عن الطوطمية والسrrحر
وتعrrrدد األزواج واكلrrrة لحrrrوم البشrrrر .Cannibalismكمrrrا ان تزايrrrد
المعلومات وحب االستطالع حول المجتمعات األقrrل تطrrورا رفعت سrrقف
األسrrئلة حrrول طبيعrrة الحداثrrة واتجاهrrات التطrrور اإلنسrrاني ،والنظريrrات
المتعلقة بالتغير االجتماعي المبكرة ركrrزت على مراحrrل التطrrور لفrrترات
زمنية طويلة عن طريrrق المجتمعrrات والحضrrارات كلهrrا ،وكrrانت مفrrاهيم
الحداثة والتطور قد استخدمت كمفrrاتيح ألغلب هrrذه النظريrrات ،وقrrد كrrان
االهتمrrام بrrالتغير كمrrا أسrrلفنا من منظrrور التطrrور التrrدريجي او التغrrير
الثوريCastells (1996) .
348
التراتبية في البناء االجتمrrاعي ومؤسسrrاته ارتبطت بقوة بدولrrة الرفاهيrrة،
وان المؤسسات البيروقراطية كشrrكل مؤسسrrي قrrديم تحrrولت عrبر الشrrبكة
العنكبوتية الي مؤسسات عالمية تخطت الحrrدود اإلقليميrrة للدولrrة القوميrrة،
والفضrrل فيهrrا يعrrود للكومrrبيوتر الrrذي أدى الى تسrrهيل الحصrrول على
المعلومات واالتصاالت للجميع ،والخطrrر الrrذي تفرضrrه هrrذه المؤسسrrات
الجديدة ،انها مبرمجة لتحقيrrق اهrrداف محrrددة ،انهrrا تفrrرض منطقهrrا على
اتباعهrrا ،وان كrrل نظم المعلومrrات في الكومrrبيوتر تعمrrل بمنطrrق الثنائيrrة
(الموجود ضمنا او المستبعد Inclusive/exclusiveوان االشrrياء الrrتي
ال توجد في الشبكة هي غير موجودة من وجهrrة نظrrر الشrrبكة ،كمrrا يقول
كاسrrلز ) Castells (2002فهي امrrا ان تكrrون قrrد اهملت ( ان لم تكن
مناسبة ألهrrداف الشrrبكة) او حrrذفت (ألنهrrا غrrير قrrادرة على المنافسrrة في
األداء واالهداف) ،عدد من علماء االجتمrrاع اعترضrrوا على هrrذه النظrrرة
واعتبروها متشائمة وأشاروا الى انه من الصعب احداث تغيrrيرات داخليrrة
لتفسير األهداف المؤسسية ،ولكنها في الواقع صحيحة جدا ذلك ان شبكات
المعلومات تسعى لتوصيل رسالة لها اهrداف محrددة ،فrrان كrانت ال تعمrل
بكامل طاقتها استبدلوها بسرعة او حرفوها باالتجاه الrrذي يخrrدم األهrrداف
المرسrrومة ،وهrrذا بالضrrبط مrrا يحrrدث إلصrrالح المؤسسrrات في المجتمrrع
كجماعrrات او أحrrزاب في معركrrة تحديrrد األهrrداف والوسrrائل المسrrتخدمة
لتوصيل هذه األهداف ،وعلى كrrل حrrال فrrان تحليrrل كاسrrلز يبrrدو منطقيrrا،
فكاسلز يرى انه حيثما تكون أنظمة الكومrrبيوتر في حالrrة خدمrrة فعليrrة في
اجrrrراء التعrrrامالت المصrrrرفية واألنظمrrrة الماليrrrة ،او في نظم اإلنتrrrاج
349
االقتصادي والتي تكون مبرمجة لتحويل اإلنتاج او الحصول على المrrواد
األولية باقل كلفة ،فإنه من الصعب في مثل هrrذه الحrrاالت تعrrيين االهrداف
للشrrrبكة العنكبوتيrrrة ،ولكنهrrrا تجrrrد نفسrrrها فيمrrrا بعrrrد ملزمrrrة باسrrrتخدام
استراتيجياتها بما يتناسrrب مrrع قواعrrد اللعبrrة في الشrrبكة العنكبوتيrrة ،ومن
اجل ادخال األهداف المختلفة للشrrبكة ،يتعين على الفrrاعلين تحrrدي الشrrبكة
من الخارج ،او تدميرها عن طريق بنrrاء شrrبكة برمجيrrة بديلrrة بقيم بديلrrة.
الخيار االخر هو محاولة االنسrحاب من الشrبكة وبنrاء دفاعrات او بrنى ال
عالقة لها بالشبكة العنكبوتية كاللجان الثورية او عامة الشعب وهي ما تقع
ضrrمن تسrrمية الحركrrات االجتماعيrrة ،وهrrذه ال تسrrمح بالعالقrrة خrrارج
مجموعتها القيمية ،ذلك الن الشبكة العالمية تسعى الستبعاد إمكانيrrة تغيrrير
األهrrداف عنrrدما تكrrون متعارضrrة مrrع الحركrrات االجتماعيrrة (الحركrrات
المضادة للعولمة ،والمتعصبون الذين تسrrعى الحركrrات االجتماعيrrة للنrrأي
بنفسrrها عنهrrا ،وحركrrات مقاومrrة التrrدخين في األمrrاكن العامrrة وحركrrات
"الربيع" العربي) لكن في الواقع ان الفrاعلين يضrrعون أهrrدافهم والطريrrق
المؤدية لتحقيق هذه األهداف عن طريق البرمجrrة القْبليrrة أي قبrrل الrrدخول
الى الشبكة .أي ان اغلب الحركات االجتماعية تتحرك بفعل فrrاعلين وليس
كما يعتقد انها حركات تلقائية تناضل من اجل تحقيق اهداف عامة .ومهمrrا
يكن فrrrان الحركrrrات االجتماعيrrrة تلعب دورا مهمrrrا في عمليrrrات التغrrrير
االجتماعي ألنها تعبر عن اتجاهات الراي العام ،وقادرة على تعبئة اعrrداد
هائلة من الناس على المستويات المحلية والدولية والعالمية.
350
كاسrrلز نrrاقش ثالثrrة أنrrواع من الحركrrات االجتماعيrrة الrrتي يمكن توليrrدها
وصrrناعتها عrrبر تrrدفق المعلومrrات خالل الشrrبكة العنكبوتيrrة :الحركrrات
المشrrرعنة Legitimizingحركrrات المقاومrrة resistanceوحركrrات
المشروع (لrrديها مشrrروع للتغيrrير السrrلمي) Project Movementامrrا
الحركrrات المشrrرعنة فإنهrrا تتشrrكل عن طريrrق المؤسسrrات النافrrذة في
المجتمrrع ،انهrrا تولrrد داخrrل الكنيسrrة ،او اتحrrادات العمrrال او األحrrزاب
السياسية والجمعيات المدنية ،هذه الكيانات تؤلف النشاط السياسي للمجتمع
المدني وتأثيرها يقع خrrارج الدولrrة ولكنهrrا تمتلrrك مrrداخل شrrرعية لسrrلطة
الدولة .مرة أخrrرى كاسrrلز يبrrدو متشrrائما أكrrثر من بقيrrة علمrrاء االجتمrrاع
بقدرة هذا النوع من الحركات االجتماعية على تحقيق تحrrول جrrوهري في
مجتمع المعلومات بطريقة الضغط على الدولة للقيام بفعل مناسب ،وسrrبْب
تشاؤمه ان الدولة نفسها اضعفتها العولمة (الشركات العالميrrة ،تrrدفق راس
المال العالمي ،تدفق المعلومات العالمية التي تدفع الدولة للمراوغrrة) ،كمrrا
ان سrrلطتها تrrآكلت بسrrبب انحطrrاط بيروقراطيrrة دولrrة الرفاهيrrة .دولrrة
الرفاهية التي انتعشت في البلrrدان الصrrناعية ،والrrتي فقدت البيروقراطيrrة
الصارمة فيها قوتها في زمن العولمة ،فمثال يقول كاسلز ،حركات العمrrال
الوطنية اليوم تمتلك رؤية ضعيفة السrrتخدام تأثيرهrrا في إعrrادة بنrrاء دولrrة
الرفاهية التي تrrوفر لكrrل المواطrrنين شrrكال موحrrدا لألمن االجتمrrاعي .في
أمريكrrا الحركrrة العماليrrة أضrrعف من أي وقت مضrrى ،وان نمrrو دولrrة
الرفاهيrrة القويrrة يمكن معارضrrتها باأليrrديولوجيا الفرديrrة ،الrrتي تفضrrل
الشrrروط الخاصrrة لمنrrافع الحمايrrة االجتماعيrrة (تrrأمين صrrحي خrrاص،
351
تخصيصات تقاعديrrة خاصrrة) حrrتى في اوربrrا حيث تملrrك دولrrة الرفاهيrrة
قيمة أكبر فان تأثير الحركة العمالية قد ُأضrrعف الى أدنى حrrد وبrrدأ النrrاس
يتجهون نحو التأمينات االجتماعية الخاصة.
النوع الثاني الذي وصفه كاسلز هو حركات المقاومrrة ،ومن ابrrرز األمثلrrة
عليهrrا الحركrrات الدينيrrة األصrrولية ،الحركrrات العرقيrrة واالثنيrrة ،وبعض
الجماعات المستبعدة اجتماعيا ،وهذه الجماعات تعمل على خلق تشrrكيالت
اجتماعيrrrة-ثقافيrrrة دفاعيrrrة ،نتيجrrrة لالغrrrتراب واالسrrrتياء من عالقتهrrrا
بالمؤسسات المهيمنة وايديولوجيات المجتمع ،وقrrد اسrrتبعد كاسrrلز إمكانيrrة
هذه الجماعات على تحقيق تغيرات مؤسسية ،مشيرا الى انها تملrrك تrrأثيرا
ضعيفا على السلطة المركزية للدولة ،بعض علماء االجتمrrاع يزعمrrون ان
هrrذه الجماعrrات يمكنهrrا في وقت من األوقrrات النجrrاح في الحصrrول على
االعتراف بوجودها ومطالبها .لقد حققت بعض الحركrrات األصrrولية مثrrل
داعش واالخوان المسلمين وبعض الفصائل الدينية المتطرفة نجاحا جزئيrrا
في االعتراف بها كقوة على األرض.
اما النوع الثrالث ،فهrو حركrات المشrروع Project Movementالrتي
تتشكل عندما تتوفر الظروف االجتماعية-الثقافية المالئمة لها لتبني لنفسها
هويrrة جديrrدة تعيrrد تحديrrد موقعهrrا في المجتمrrع من اجrrل تحقيrrق تحrrول
اجتمrrاعي شrrامل .كاسrrلز ) Castells (1997حrrدد حركrrات البيئrrة
والحركات النسوية كأمثلة على هذه الحركات .وعلى النقيض من حركrrات
المقاومrrة ،حركrrات المشrrروع تتحrrرك بrrدعوى االسrrتبعاد وتسrrعى لتغيrrير
المؤسسrrات القائمrrة او اسrrتبدالها ،فالحركrrات النسrrوية مثال ،قrrدمت نفسrrها
352
للمجتمع بقوة مطالبة بتقويض هيمنة الرجل (السلطة االبوية) وإعrrادة بنrrاء
االسrrرة على أسrrاس المسrrاواة ،وكrrذلك إزالrrة التمrrايز بين الجنسrrين في
المؤسسrrات الرئيسrrة ،كالعمrrل والسياسrrة .كاسrrلز اسrrتبعد ان تكrrون كrrل
الحركات الدينية حركات مقاومrة ،فبعضrrها ال تميrل للعنrف ،ولrذلك يمكن
تصنيفها على انها حركات ناتئة ذات مشروع تغييري سلمي تستهدف بناء
مجتمrrع يتمتrrع بrrأخالق وقيم ومعrrايير من شrrانها إشrrاعة االمن والسrrلم في
العالم كله او على األقل في المجتمعات المحليrrة الْتباعهrrا ،وبالتrrالي إيجrrاد
مجتمع جديد.
الحركrrات االجتماعيrrة أعطيت اهتمامrrا كبrrيرا من قبrrل علمrrاء االجتمrrاع،
السيما أولئك الذين يعتقدون باننا دخلنا عصرا جديدا من عصrrور التطrrور
االجتماعي مثrل مجتمrع المعلومrات وشrبكات التواصrل االجتمrاعي الrتي
وصrrفها كاسrrلز .مrrاريو ديrrاني ) Mario Diani (1992:13عّrrرف
الحركrrات االجتماعيrrة بانهrrا “شrrبكة تفrrاعالت غrrير رسrrمية بين االفrrراد،
والجماعrrات والمنظمrrات المتورطrrة في صrrراع سياسrrي او ثقافي ،على
اساس الهوية الجمعية المشتركة" وفي ضوء هذا التعريف يمكن اختصrrار
الخصائص الرئيسة للحركات االجتماعية بما يلي:
ـ انها شبكة رسمية للعالقة بين الجماعات النشطة ،االفراد والمنظمات
ـ ُتعرف عن طريق مشاعر الهوية الجمعية لمنتسبيها.
ـ انها تنخرط في صراع ثقافي او سياسي يقود الى التغير االجتماعي.
تعريrrف ديrrاني مفيrrد ألنrrه يمrrيز بين الحركrrات االجتماعيrrة والمنظمrrات
السياسية المستقرة من جهrrة واالشrrكال الموقتrrة للسrrلوك الجمعي من جهrrة
353
أخرى ،فمثال ،الرعب الذي يسببه تسrrريب للمrrواد المشrrعة من المفrrاعالت
النووية ،كظاهرة مؤقتة ال تستثير بrrذاتها مفهrrوم الهويrrة ،ولكنهrrا يمكن ان
تتطور الى حركة اجتماعية مناصرة للبيئة ،تكrrرس جهودهrrا للrrدفع باتجrrاه
إيقاف العمل بمحطات الطاقة النووية او تحول دون انتشrrارها ،ولكن يجب
ان نتذكر ان الحركات االجتماعية يمكن ان تصبح حركات منظمrrة وربمrrا
تجلب معها حركات أخرى تناصرها من اجل تحقيق أهدافها ،ولكن بناؤها
الحrrر والواسrrع يجعلهrrا اقrrل فاعليrrة من الحركrrات االجتماعيrrة ذات البنrrاء
المتماسك.
تحليل الحركات االجتماعية في األصل يقع ضrrمن دراسrrة المrrدى االوسrrع
للظrrاهرة ،وهrrو الس==لوك الجمعي .عrrالم االجتمrrاع نيrrل سميلسrrر Neil
) Smelser (1962:8عرف السلوك الجمعي بانrrه "التعبئrrة على أسrrاس
المعتقد الذي يعيد تحديد الفعrل االجتمrاعي" سميلسrر وضrrع عrدة مراحrل
لتطور السلوك الجمعي:
ـ نمو وانتشار المعتقد العام :حيث ان المعتقد المشترك ُيعد مصدرا للتوتر،
ويحدد استجابة مناسبة.
ـ عوامل المشاركة :حادثة مrا قrrد تسrتثير السrلوك الجمعي ،مثrل االشrعاع
النووي
ـ تعبئة المشاركين للقيام بفعل :المعلومات من مصrrدر مrrؤثر تجمrrع النrrاس
للقيام بفعل.
ـ عملية الضبط االجتماعي :السلوك الجمعي يحدث نتيجة تراخي أصحاب
القرار في اتخاذ اجراء يعالج الموقف ،وهو ما يستثير السلوك الجمعي.
354
هذا االتجاه له أهمية كبيرة في فهم قيام اشrrكال معينrrة من السrrلوك الجمعي
مثل الرعب ،ولكن الن مفهوم السلوك الجمعي واسعا ويمتrrد من الحrrوادث
الفردية الى الحركات االجتماعيrrة طويلrrة المrrدى فانrrه دفrrع علمrrاء اخrrرين
لتحليله من زوايا نظرية أخرى بما في ذلك نظرية تعبئة الموارد ،ونظرية
الحركات االجتماعية الجديدة ).Storr (2002
نظرية تعبئة الموارد Resource Mobilization Theory
هrrذه النظريrrة طورهrrا كrrل من مكrrارثي وزلrrد McCarthy & Zald
) (1987وقrrد بrrدأت بوضrrع السrrؤال التrrالي :لمrrاذا ينخrrرط النrrاس في
الحركات االجتماعية؟ ويبدو ان اإلجابrrة االوليrrة ،هي انهم يريrrدون تغrrيرا
اجتماعيrrا كنتيجrrة لخrrبراتهم في مسrrاوئ وقمrrع النظrrام االجتمrrاعي او
السياسي ،ولهذا من المتوقع ان يشارك السود مثال في الحركات المناهضة
للعنصرية النهم يعانون من التمييز العنصري ،وهذه اإلجابة مبسطة اكrrثر
مما يجب ،ذلك ان بعض الناس يعانون من القمrrع ولكنهم ال يشrrاركون في
الحركات االجتماعية ،ويعتقدون ان هذا الخيار خيارا عقالنيrrا ،مثال افrrراد
الجنسية المثلية الذين ال يشrrاركون بفعاليrrة في حركrrات المنحrrرفين جنسrrيا
النهم يعتقدون ان المشrrاركة ليسrrت ذات نفrrع اذا كrrان من نتائجهrrا فقدان
عملهم ،او لعلهم يأملون ان معاداة الجنسية المثليrrة سrrتنتهي ذات يrrوم .من
جهrrة أخrrرى بعض المشrrاركين ربمrrا لم يتعرضrrوا للقمrrع او التميrrيز او
اإلساءة ،اذن لماذا يشارك بعض الناس ويحجم اخرون؟ او لنضrع السrؤال
بصيغة أخرى :كيف تعبئ الحركات االجتماعية النrrاس للمشrrاركة .النقطrrة
الجوهرية في نظرية تعبئة الموارد ،هي ان الحركrrات االجتماعيrrة تحتrrاج
355
موارد ،أموال ومتطوعين ،ونجاحها مرهون بمقدار مrrا تحصrrل عليrrه من
موارد ،باختصار الواجب الرئيس للحركات االجتماعية وفقا لهذه النظرية
هو زيادة حجم الموارد الممكنة ،ويمكنهrا ان تفعrل ذلrك عن طريrق اقنrاع
االفراد باالنضمام اليها كأعضrrاء فrrاعلين ووضrrع جrrزء من مrrواردهم في
خدمة الحركة ،ولكي تحصل على الموارد فأنها ال تقتصrrر في بحثهrrا على
أولئك الrذين ينتفعrون مباشrرة من التغrير االجتمrاعي .والواقrع ان نظريrة
تعبئة الموارد تفrترض ان الحركrrات االجتماعيrrة تعمrrل دائمrrا على أسrrاس
عقالني وتتخذ خيارات عقالنية ،لهذا تعمrل الحركrات االجتماعيrة وكأنهrا
شركة تبحث عن مستثمرين .النقد الذي تعرضت له هذه النظريrrة هي انهrrا
تأخذ في االعتبار العامrrل االقتصrrادي وحrrده ،وال تعطي اهتمامrrا ألهrrداف
الحركات االجتماعية وال للتغيير االجتماعي الذي تسrعى للحصrrول عليrه،
كما انها لم تسلط الضوء على ثقافة الحركات االجتماعيrrة وال األسrrلوب او
الرموز التي تستخدمها.
نظرية الحركات االجتماعية الجديدة New Social Movement Theory
356
االجتماعيrة الجديrدة تهتم أكrثر بالقضrايا غrير الماديrة ،كالهويrة وأسrلوب
الحيrrاة والالمسrrاواة الrrتي تتعrrارض مrrع توجهاتهrrا أكrrثر من الالمسrrاواة
االقتصrrادية ،كمrrا هrrو حrrال الحركrrات االجتماعيrrة في عصrrر الصrrناعة
كالحركات العمالية.
أحد اهم قادة الفكر في دراسة الحركات االجتماعية الجديدة هrrو اإليطrrالي
الrrبرتو ملوسrrي ) Alberto Melucci (1995الrrذي حrrدد خصrrائص
الحركات االجتماعية الجديدة في مجتمع المعلومات كما يلي:
ـ انهrا تتمحrور حrول المعلومrات :الناشrطون في هrذه الحركrات مهتمrون
بدرجة كبيرة بإنتاج المعلومات وتدويرها
ـ االنعكاس الذاتي للفعل :بسبب ان الحركrات االجتماعيrة الجديrدة تناضrل
من اجrrل اهrrداف معينrrة فأنهrrا تأخrrذ في الحسrrبان األهrrداف الrrتي فرزتهrrا
افعالها ،األفعال التي ينظر لها على انها رسالة يتعين توصيلها ألكبر عrrدد
من الناس
ـ البعد العالمي :الحركات الجديدة قادرة ان تستجيب وتتفاعل مع االحrrداث
العالمية باستخدام وسائل االتصال الحديثة والسيما االنترنيت.
ـ وقت االستجابة والظهور :هناك أوقات تظهر فيها الحركrrات االجتماعيrrة
بقوة ،واوقات أخرى تختفي ،من هنا يتحدث علماء االجتمrاع عن موجrات
مختلفة للحركات االجتماعية ،مثل الموجة األولى للحركات النسوية تعقبها
موجة ثانية وثالثة .موجة النشطاء يقول ملوسي يجب ان ال تفهم على انهrrا
قوة جديدة قادمة يعقبها اختفاء ،انها في الواقع موجات تعقب بعضها دوريا
357
اعتمrrادا على قrrدرتها في تعبئrrة مؤيrrديها واالحrrداث الrrتي تسrrتثير النrrاس
وتستلزم القيام بفعل احتجاجيStorr (2002) .
النقطة األخيرة التي ركز عليهrrا ملوسrrي هي ان نجrrاح او فشrrل الحركrrات
االجتماعية ال ينبغي الحكم عليها عن طريق إنجازاتها السياسية فقط وانمrrا
عن طريق النتrائج الثقافيrة الrتي تحققهrا على مسrتوى االتصrrال والتعبئrة.
وبما ان الحركات االجتماعية تناضل من اجل تغيير األوضاع القائمة فrrان
الفعل االحتجاجي الذي تقوم به قد يكون مسؤوال عن تغيير االوضاع الrrتي
احتجت عليهrrا واسrrتبدالها بrrأخرى جديrrدة .واالحتجrrاج هنrrا يمكن ان يقدم
للناس فرصة للتعرف على بناء القوة واختالالت القوة.
احدى الحركات االجتماعية التي اجتذبت دعما واسعا من الشباب النشطين
في اغلب البلدان المتقدمة اقتصاديا هي الحركة المضادة للعولمة (وتسrrمى
أحيانrrrا الحركrrrة المضrrrادة للرأسrrrمالية) وهي حركrrrة كrrrانت تمrrrزج بين
خصائص الحركrrات االجتماعيrrة القديمrrة الrrتي كrrانت تناضrrل بالنيابrrة عن
المحrرومين ضrد أصrحاب القوة ،وبين خصrائص الحركrات االجتماعيrة
الجديrrدة ،مثrrل أسrrلوب الحيrrاة ،وحمايrrة البيئrrة ،كمrrا انهrrا تسrrتخدم رمrrوز
وتكتيكات الحركات االجتماعية الجديدة من اجل الحصrول على أكrبر دعم
ممكن من الرأي العام وتشجيع النrrاس للتفكrrير بطريقة مختلفrrة .واي كrrان
النجاح الذي يعزى ألسلوب ورموز الحركات المضادة للعولمة فإنها توجه
انتباه الناس في البلدان األقل تقدما نحو نشاطها الذي ينظrrر لrrه على انrrه ال
يحظى بالrrدعم الالزم شrrعبيا واعالميrrاAlexander & Thompson .
)(2008
358
الحركات االجتماعية الجديدة بكل اشrكالها وتوجهاتهrا ورموزهrا لهrا دور
مهم في التغrrير االجتمrrاعي عن طريrrق الضrrغط على أصrrحاب القرار
وصناع السياسات االجتماعية في الدول المتقدمrrة على وجrrه الخصrrوص،
امrrا في البلrrدان الناميrrة فrrان الحركrrات االجتماعيrrة لهrrا دور ضrrعيف في
عمليات التغير ألسباب تتعلق بحجم الفجوة بين رجال السياسrrة والمجتمrrع.
الفجوة التي تجعل الضغط الذي تمارسه الحركات السياسrrية غrrير ذي نفrrع
او يواجه بالرصاص الحي وخراطيم المياه والسجون.
خالصة Conclusion
هل نحن بالفعل نواجه ثورة اجتماعية ،يتحول فيها النظrrام االجتمrrاعي من
شكل الى اخر .المؤشرات كلها توحي ان شكل المجتمعrات البشrرية تشrهد
تغيرا غير مسبوق في سرعته وايقاعه وثقافته .النظريات التقليديrrة للتغrrير
االجتماعي لم تأخrrذ في الحسrrبان القفrزة النوعيrrة الrrتي تسrrببتها تكنولوجيrrا
المعلومات على الrرغم من تفrاؤلهم بrان المعرفrة العلميrة يمكن ان تحrدث
تغيrrيرات جوهريrrة في بنيrrة المجتمعrrات وتrrؤثر بشrrكل مباشrrر على البrrنى
االجتماعية ،ولكن الخيال االجتماعي لم يصل الى حد التكهن بنوع االسرة
في عصر المعلومات وال في شكل التواصل االجتماعي الrrذي عrrبر حrrدود
الدولrrة القوميrrة ليجعrrل من كrrوكب األرض كلrrه رقعrrة واحrrدة تسrrمح لكrrل
الالعبين العبث بالبيئة والثقافة واالسrrرة .التغrrير الrrذي تحrrدث عنrrه علمrrاء
االجتماع األوائل كان أساسه الصراع بين الطبقة العاملrrة وأصrrحاب راس
المال ،وكانت الحركrrات االجتماعيrrة تنحصrrر في المطrrالب الماديrrة ،فيمrrا
تبrrدل شrrكل هrrذه الحركrrات وتغrrيرت أهrrدافها ورموزهrrا وحrrتى زخمهrrا
359
البشrrري .الحركrrات االجتماعيrrة في زمن المعلومrrات أصrrبحت تبحث عن
مطالب غير مادية ،مثل تغيير دور المرأة ومكانتها ،والحركات المناهضة
للعنصرية والحركات المناهضة للعولمة ،ومناصرة البيئة .واالهم ان هrrذه
الحركات أصبحت قادرة على جمع اعrrداد هائلrrة من المناصrrرين في زمن
قياسي يحسب بالدقائق والساعات وليس باأليام واالشrهر كمrا كrان يحrدث
في الماضي ،ذلrrك كلrrه بفضrrل وسrrائل التواصrrل االجتمrrاعي الrrتي غrrزت
العقول قبل البيوت ،وعلى الرغم من انها اثرت بشrrكل مباشrrر على أنمrrاط
السلوك والعادات وأسلوب الحياة ،فrrان مخاطرهrا لم تتضrrح بعrد ،ذلrك ان
االستخدام غير العقالني للتكنولوجيا الحديثة ربما على رأي ،بعض علمrrاء
االجتمrrاع يحمrrل لنrrا مخrrاطر غrrير منظrrورة سrrتظهر نتائجهrrا في المrrدى
الطويrrل .ولكنهrrا في كrrل األحrrوال أصrrبحت قrrادرة على احrrداث تغيrrيرات
بنيوية وثقافية شاملة ليس فقط بسبب تنامي الحركات االجتماعية والسلوك
الجمعي وانمrrا بسrrبب سrrوء اسrrتخدام التكنولوجيrrا الرقميrrة الrrتي خلقت لنrrا
مجتمعات افتراضrية عملت على تغيrير منظومrات القيم الrتي تحافrظ على
الحد األدنى من إنسانية الفرد والمجتمع .الحrrق اننrrا نحيrrا في قلب عاصrrفة
من التغيرات االجتماعية الrrتي ال أحrrد يrrدري مrrدياتها او وجهتهrrا ،ولكنهrrا
تستثير كثيرا من المخاوف على مستقبل الجنس البشري.
360
Bibliography
Adam B, (1995) Timewatch: The Social Analysis of Time,
Cambridge, Polity Press.
Alwan FJ, (2019) Social change: the case of Patriotism in
Contemporary Iraq, Paper Accepted for Publication in Periodical
Journal (Hawliat) of EinShams University, Egypt.
Alexander J and Thompson k, (2008) A Contemporary
Introduction to Sociology: Culture and Society in Transition.
London, Paradigm Publishers.
Anderson E, (2000) Code of the Street: Decency, Violence and
the Moral Life of the Inner-city, New York. W. W. Norton.
Ballantine G H, and Roberts K A (2009) Our Social World:
Introduction to Sociology, Los
Angeles and London, Pine Forge Press.
Bauman Z, (1992) Intimations of Postmodernity, London,
Routledge.
Ballantine J H, and Roberts K A, (2009) Our Social World:
Introduction to Sociology, London, Pine Forge Press.
Beattie J, (1985) Other Cultures: Aims, Methods and
Achievements in Social Anthropology, London, Routledge ang
Kegan-Paul.
Beck U, (1992) Risk Society, London, SAGE.
Beck, U, (2000), What is Globalization, Cambridge, Polity Press.
Beker D, et al (1987), Post-Imperialism, Boulder, CO, Lynne
Reiner.
361
Berger P and Luckmann T, (1969) “Sociology of Religion and
Sociology of Knowledge”, in Robertson R (ed) Sociology of
Religion, |Harmondsworth, Penguin
Berger P, (1973) The social Reality of Religion, London, Penguin
Book Ltd
Bettelheim B, (1969) The Children of the Dream, London,
Thames & Hudson.
Bilton T, Bonnett K, Jones P, Lawson T, Skinner D, Stanworth
M and Webster A, (2002) Introductory sociology, New York,
Palgrave, Macmillan.
Boli J, (2002) “Globalization” in Levinson D, Cookson P &
Sadovnik A (eds) Education and Sociology: An Encyclopaedia.
New York, Routledge- Falmer. PP. 307-13
Broom L, Selznick Ph, and Darroch D B, (1981) Sociology: A
Text with Adapted Readings, 7th ed, New York, Harper & Row
Publishers.
Brown A, (1986) “Family Circumstances of Young Children”.
Population Trends, Vo. 43
Browne K, (2010) An Introduction to Sociology, 3rd ed,
Cambridge, Polity Press.
Carrington Ch, (1999) No Place Like Home: Relationships and
Family among Lesbians and Gay Men, Chicago, University of
Chicago Press.
Castells M, (1996) The Information Age: The rise of the Network
Society, Malden, MA, Blackwell, Vol. 1,
Castells M, (1997) The Information Age: The rise of the Network
Society, Malden, MA, Blackwell, Vol. 2.
Castells M, (2002) “Material for an Exploratory Theory of the
Network Society” in Tim Jordan & S. Pile (eds) Social Change,
PP. 123-128, Oxford, UK: Blackwell
Cheal D, (1991) Family and the State of Theory, Hemel
Hempstead, Harvester Wheatsheaf.
Chinoy E, (1971) Society: An Introduction to Sociology, New
York, The Book Press.
Curtiss S, (1977) Genie; a Psycholinguistic Study of a Modern-
Day “Wild Child”, New York, Academic Press.
362
Dahl R A, (1989) Democracy and its Critics, New haven, Yale
University Press.
Davis K, (1940) “A Final Note on a Case Extreme Isolation”
American Journal of Sociology, 52 PP. 432-37
Delphy C, (1977) The main Enemy, London Women’s Research
and Resources Centre.
Diani M (1992) “The Concept of Social Movement”
Sociological Review, 40, 1-25
Domhoff G W, (1998) Who Rules America? Power and Politics
in the Year 2000, 3rd ed Mountain View, CA: Mayfield.
Durkheim E, (1893) The Division of Labour in Society, Glencoe,
IL, The Free Press. Reprinted 1964
Durkheim E, (1897) Suicide, Glencoe, IL, The Free Press.
Reprinted 1951
Dürrschmidt J and Taylor G. (2007) Globalization, Modernity
and Social Change, Hampshire, Palgrave, Macmillan.
Eder D, Evans C and Parker S, (1995) School Talk: Gender and
Adolescent Culture. NJ, Rutgers University Press.
Edwards S, (1984) Women on Trial, Manchester, Manchester
University Press.
Elliot F R, (1996) Gender, Family and Society, Basingstoke,
Macmillan.
Featherstone M, (1998) “City Cultures and Postmodern
Lifestyle” in Marsh, Campbell R and Keating M, (eds) Classic
and Contemporary Readings in Sociology, Essex, Pearson
Education Ltd.
Foucault, M, (1979) Discipline and Punish: The Birth of the
Prison, New York, Vintage
Freese J, Powell B, and Steelman, (1999) Rebel Without a Cause
or Effect: Birth Order and Social Attitudes, Washington, DC,
American Sociological Association.
Friedland R and Hecht R, (1996) To Rule Jerusalem. Cambridge,
Cambridge University Press.
Fukuyama F, (1992) The End of History and the Last Man, New
York, Free Press.
363
Fulcher J and Scott J, (1999), Sociology. New York, Oxford
University Press.
Gans H, (1962) Urbanism and Sub-urbanism as Ways of Life: A
Re-evaluation of Definitions, in Arnold Marshal Rose (ed)
Human Behaviour and Social Process, 625-648, Boston,
Houghton, Mifflin.
Gans H (1967) The Levittowners, New York, Pantheon.
Geertz H & Clifford G, (1975) Kinship in Bali, Chicago,
University of Chicago Press.
Gergen K J, (1991) The Saturated Self: dilemmas of Identity in
Contemporary Life, New York, Basic Book.
Giddens A, (1984) The Constitution of the Society, Cambridge,
Polity Press.
Giddens A, (1989) Sociology, Cambridge, Polity Press.
Giddens A, (1990) The Consequences of Modernity, Cambridge,
Polity Press.
Giddens A, (1999) Runaway World: How Globalization is
Reshaping Our Lives, London, Profile Books.
Giddens A, (2007) Europe in the Global Age, Cambridge, Polity
Press.
Gittins D, (1993) The Family in Question: Changing Households
and Familiar Ideologies,2nd ed, London, Macmillan.
Gomm R, (1989) “Deviance and Social Problems” in McNeill P
and Townley Ch (eds) Fundamental of Sociology,2nd ed,
Cheltenham, Stanley Thornes Publishers.
Gomm R, (1989) “Development, Underdevelopment and
Migration” in McNeill P and Townley Ch (eds) Fundamental of
Sociology,2nd ed, Cheltenham, Stanley Thornes Publishers.
Goody J, (1968) “Time: Social Organization” in International
Encyclopaedia of the Social Sciences, Vol. 16, PP. 30-42, New
York, Macmillan.
Gouldner A, (1971) The Coming Crisis of Western Sociology,
London, Heinemann.
Gottfredson M R and Hirschi T, (1990) A General Theory of
Crime, Palo Alto, CA: Stanford University Press.
364
Hall E, (1959) The Silent Language, New York, Doubleday &
Company.
Hall E, (1984) The Dance of Life: The Other Dimension of Time,
New York, Doubleday & Company Inc.
Hall E, (1987) Hidden Differences, New York, Doubleday &
Company Inc.
Hall E, (1989) Beyond Culture, New York, Anchor Books.
Doubleday & Company Inc.
Haralambos M, Smith F, O’Gorman J and Heald R, (1991)
Sociology a New Approach, Oxford, Causeway Books.
Haralambos M, (1993) Sociology: Themes and Perspectives,
London, Collins Educational.
Harris J R, (1998) The Nature Assumption: Why Children Turn
Out the way They Do, New York, The Free Press.
Held D, (1995) Democracy and the Global Order, Cambridge,
Polity Press.
Hirschi T, |(2002) Causes of Delinquency, New Brunswick, NJ,
Transaction Publishers.
Hobbs F, and Stoops N (2002) Demographic Trends in the 20th
Century. U.S. Census Bureau, Available online at
http://www.census.gov/prod/2002pubs/censr-4.pdf
Hurd G, Ashton D N, Brown R K, Duncan P, Dunning E,
Holloway S W, Johnson T J, McIntosh M, and Zubaida S, (1978)
Human Societies: An Introduction to Sociology, London,
Routledge and Kegan Paul.
Hofstede G, (1991) Cultures and Organizations: Intercultural
Cooperation and Its Importance for Survival, London, Harper
Collins Publishers.
Hofstede G, (2001) Culture’s Consequences: Comparing Values,
Behaviours, Institutions and Organizations Across Nations,
London, SAGE Publications.
Hurd G, Ashton D, Brown R, Duncan P, Dunning E, Holloway
S, Johnson T, McIntosh M and Zubaida S, (1978) Human
Societies: An Introduction to Sociology, London, Routledge &
Kegan Paul.
365
Jewson N, (1994) “Family Values and Relationships”, Sociology
Review. Vol. 3 No 3.
Kanter R M, (1989) When the Giants Learn to Dance: Mastering
the Challenges Strategy. Managements and Careers in the
1990’s. New York, Simon & Schuster.
Kaplan H B and Johnson R J, (1991) “Negative Social Sanctions
and Juvenile Delinquency: Effects of Labelling in a Model of
Deviant Behaviour” social Science Quarterly. 72 (1) 117.
Krug E, Mercy D J, Zwi A, and Lozano R, (2002) World Report
on Violence and Health. Geneva, Switzerland, World Health
Organization.
Lawson A, (1988) Adultery: An Analysis of Love and Betrayal,
New York, Basic Books.
Levine R V, (1988) “The Pace of Life Across-Cultures” in
McGrath (ed) The Social psychology of Time: New Perspectives,
California, SAGE Publication Ltd.
Macionis J, and Plummer K, (2002) Sociology: A Global
Introduction, Essex, Pearson Education Ltd.
Malinowski, B, (1954) Magic, Science and Religion and other
Essays, New York, Anchor Books.
Mann M, (1986) The Source of Social Power, Vol,1, Cambridge,
Cambridge University Press.
Marx K, (1976) (1843-44) “contribution to the Critique of
Hegel’s Philosophy of Law” in K. Marx and F Engels, Collected
Works, Vol.3, London, Lawrence & Wishart, PP. 174-75.
Marx K and Angels F, (1967) The Communist Manifesto,
Harmondsworth, Penguin.
Matza D, (1964) Delinquency and Drift, New York, Wiley.
McCarthy, J. D, & M Zald, (1978) (eds) Social Movement in an
Organizational Society: Collected Essays. New Brunswick, NJ:
Transaction.
McEvoy A and Brookings J B, (2008) If she is Raped: A
Guidebook for the Men in Her Life, 4th ed, Abridged, Tampa, FL:
Teal Ribbon Books.
366
McGrew A, (1992) “A Global Society” in Hall D, Held D &
McGrew T, (eds) Modernity and its Future, Cambridge, Polity
Press.
Mead M, (1963) Sex and Temperament in Three Primitive
Societies, 3rd ed, New York, Morrow.
Mead M, (1970) Culture and Component, Garden City, New
York, Natural History Press.
Merton R, (1968a) “Social Structure and Anomie” American
Sociological Review. 3 (October) 672-82.
Merton R, (1968b) Social Theory and Social Structure, 2nd ed.
New York. The Free Press.
Moor W, (1963a) Man, Time and Society, New York, Wiley.
Moore W, (1967) Order and Change: Essays in Comparative
Sociology, New York, Wiley.
Middleton Ch, (1986) “Sociology and Social Sciences” in
McNeill P and Townley Ch, Fundamental of Sociology, 2nd ed,
Cheltenham, Stanley Thorne Publishers Ltd.
Naisbitt, J and Aburdene P, (1990) Megatrends 2000: The New
Directions for the 1990’s, New York, William Morrow.
Nelken D, (1994) “White-Collar Crime” in Maguire et
al (eds), The Oxford Handbook of Criminology, Oxford,
Clarendon Press.
Nolan P, and Lenski G, (2008) Human Societies, Boulder, CO,
Paradigm.
Ogburn, W, (1964) On Culture and Social Change, Chicago,
University of Chicago Press.
Peoples J, and Bailey G, (2003) Humanity: An Introduction to
Cultural Anthropology, USA, Thomson Wadsworth.
Poggi G, (1978) The Development of the Modern State, London,
Hutchinson.
Pollert A, (1996) “Gender and Class Revisited, or the Poverty of
Patriarchy” Sociology, Vol. 30. No. 4.
Quinney R, (2002) Critique of Legal Order: Crime Control in
Capitalist Society, New Brunswick, NJ, Transaction Publishers.
367
Robins K, (1994) “Global Local Time” in Anderson J and Ricci
M (eds) Society and Social Science: A reader, Milton Keynes,
The Open University Press.
Robertson R, (1992) Globalization: Social Theory and Global
Culture, London, SAGE.
Rodger J. J, (1996) Family Life and Social Control, Hound mills,
Macmillan.
Rostow W, (1960) The Stages of Economic Growth: A Non-
communist Manifesto, Cambridge, Cambridge University Press
(2nd ed. 1971)
Schaefer R, and Kunz J, (2007) Racial and Ethnic Groups,
Upper Saddle River, NJ, Pearson/ Prentice Hall.
Scott, J (1982) The Upper Class, London, Palgrave, Macmillan.
Smart C, (1990) “Feminist Approaches to Criminology, or Post-
Modern Women Meets Attractive Man” in Gelsthorpe L and
Morris A |(eds) Feminist Perspectives in Criminology, Milton
Keynes, Open University Press.
Smelser N, (1962) Theory of Collective Behaviour, N Y, Free
Press.
Storr M, (2002) “Sociology of Social Movements: Theories,
Analysis and Educational Dilemmas” in K. Thompson and P.
Hamilton (eds) The Uses of Sociology, Cambridge, Blackwell
PP. 175-220
Sutherland E H, Cressey D R, and Luckenbil D, (1992)
Criminology, New York, General Hall.
Sztompka, P, (1998) The Sociology of Social Change. Oxford,
Blackwell
Taylor P, Richardson J, Yeo A, Marsh I, Trobe K and Pilkington
A, (2004) Sociology in Focus, London, CPL, Causeway Press.
Toffler A, (1971) Future Shock, London, Pan Book.
Tucker, R (1978) The Marx-Angels Reader. New York, Norton
Turner B, (1991) Religion and Social Theory, London, Sage
Ulrich Beck (1992) Risk society, London. SAGE Publication, in
association with Theory, Culture and Society.
UNESCO, (2006) Education for All Global Monitoring Report
2006: The Quality Imperative. Paris: UNESCO.
368
UNESCO, (2004) “The Literacy Decade: Getting Started 2003-
2004.” Part of the United Nations Literacy Decade (2003-2012)
Report. Paris: UNESCO, Available on line at http://unesco.
unesco.org/images/0013/001354/135400e.pdf
Walby S, (1986) Patriarchy at Work, Cambridge, Polity Press.
Watters E, (2001) “The Way We Live Now” New York Times,
14, 25.
Weber M, (1930) The Protestant Ethic and the Spirt of
Capitalism, Translated by Talcott Parsons, London, George
Allen & Unwin Ltd. (2nd ed 1976)
Weber M, (1947) The Theory of Social and Economic
Organization, Translated and edited by Henderson A, M &
Talcott Parsons. NY, Oxford University Press.
Weeks J, (1991) sex, Politics and Society, 2nd ed, London
Longman
Wolf E, (1966) Peasants, Englewood- Cliffs, NJ, Prentice-Hall
Worsley, P. “The distribution of Power in Industrial Societies” in
P. Halmos (ed) The Development of Industrial Societies,
Sociological Review Monograph 8, Keele University Press.
369
هذا الكتاب
اريrrد لrrه ان يكrrون مقررا دراسrrيا ...فكrrان ،ولكن لم يكتب لrrه الجلrrوس طrrويال على
الطاولة الموحدة للكتب المنهجية ليشrrاطرها المكrrان والزمrrان والمنهج ،ألنrrه في بعض
جوانبه متمرد على المنهج وعلى القارئ وحتى على الكاتب نفسه.
هrrذا الكتrrاب يمكن ان يكrrون صrrديقا ،ويمكن ان يكrrون جثrrة في كفن ويمكن ان يكrrون
جلبابا اخرس بال اكمام ...انه في الواقع يعتمد على قياسrrاتك ،وااللrrوان الrrتي تحب ...
وحاسة الذوق التي تأخذك ابعد من المطبخ ومن الطبيخ.
ليس فيrrه وصrrايا وال خبايrrا وليس فيrrه مrrا يتعrrارض مrrع مقص الrrرقيب وال حساسrrية
الحسيب انه خلطrة جديrrدة من رمrrاد علم االجتمrrاع العجrوز ،وألنrrه كrrذلك ....ثم ألنrrه
كتاب مقرر فليس امام القارئ اال ان يعلن اين ومتى يبدأ
370
371
372