You are on page 1of 372

‫مقدمة في علم االجتماع المعاصر‬

‫نحو فهم أفضل لطبيعة المجتمع البشري‬


‫‪Toward Better Understanding of Human Society‬‬

‫الدكتور فجر جودة النعيمي‬


‫‪Fajir J Alwan Alneamy‬‬
‫بغداد ‪2019‬‬
2
‫اهداء‬

‫الى الذين تحملوا اخطائي وحماقاتي نصف قرن‬


‫والذين سيتحملون ما تبّقى‬
‫زوجتي‪ ...‬واوالدي ‪ ...‬وتالميذي‬
‫اما أصدقائي فقد مات بعضهم ودفن ‪ ...‬ومات بعضهم ولم يدفن بعد‬
‫والباقي ‪ ...‬سأكون بدونهم مثل يتيم تائه في ملكوت هللا‬

‫‪3‬‬
4
‫محتويات الكتاب‬
‫تمهيد‬
‫‪31-13‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬ما علم االجتماع‬
‫‪19-14‬‬ ‫دراسة علم االجتماع‬
‫‪22-19‬‬ ‫لغز الحياة‬
‫‪23-22‬‬ ‫علم االجتماع والتفسيرات الطبيعية‬
‫‪25-23‬‬ ‫علم االجتماع والعلم‬
‫‪27-26‬‬ ‫لماذا ندرس علم االجتماع‬
‫‪30-27‬‬ ‫بعض المفاهيم األساسية في علم االجتماع‬
‫‪31-30‬‬ ‫خالصة‬
‫‪71-32‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬المجتمع المعاصر‬
‫‪34-33‬‬ ‫جنون التطور‬
‫‪39-35‬‬ ‫اإلحساس بالمجتمع‬
‫‪44-39‬‬ ‫علم االجتماع االنعكاسي‬
‫‪51-44‬‬ ‫الحداثة‬
‫‪65-51‬‬ ‫ما بعد الحداثة‬
‫‪63-56‬‬ ‫العولمة‬
‫‪69-63‬‬ ‫العولمة واألسواق‬
‫‪72-69‬‬ ‫عولمة الثقافة‬
‫‪74-72‬‬ ‫خالصة‬

‫‪5‬‬
‫‪105-73‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬الثقافة والتنشئة‬
‫‪79-74‬‬ ‫ماهية الثقافة‬
‫‪80-79‬‬ ‫الثقافة المادية والثقافة الالمادية‬
‫‪84-81‬‬ ‫الثقافة والشخصية‬
‫‪88-84‬‬ ‫النسبية الثقافية‬
‫‪90-88‬‬ ‫الثقافة الفرعية‬
‫‪92-90‬‬ ‫التغير الثقافي‬
‫‪92-92‬‬ ‫الثقافة والتنشئة‬
‫‪95-93‬‬ ‫الطبيعة والتطبع‬
‫‪99-95‬‬ ‫أهمية التنشئة االجتماعية‬
‫‪101-99‬‬ ‫التنوع في أنماط التنشئة‬
‫‪103-101‬‬ ‫التنشئة والتغير االجتماعي‬
‫‪105-103‬‬ ‫خالصة‬
‫‪124-106‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬الثقافة والزمن االجتماعي‬
‫‪108-107‬‬ ‫الزمن كثقافة‬
‫‪110-108‬‬ ‫الزمن احادي البعد والزمن متعدد االبعاد‬
‫‪112-110‬‬ ‫الدقة في المواعيد‬
‫‪114-112‬‬ ‫العالقة بين الزمان والمكان‬
‫‪118-114‬‬ ‫وظائف الزمن االجتماعي‬
‫‪119-118‬‬ ‫إيقاع الزمن‬
‫‪120-119‬‬ ‫التوجهات الزمنية‬

‫‪6‬‬
‫‪122-120‬‬ ‫الزمن والتغير االجتماعي‬
‫‪124-122‬‬ ‫خالصة‬
‫‪153-125‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬اشكال الجماعات االجتماعية‬
‫‪129-126‬‬ ‫اشكال الجماعات االجتماعية‬
‫‪131-129‬‬ ‫الجماعات‪ ،‬الفئات والتجمعات اإلحصائية‬
‫‪132-113‬‬ ‫الالمعيارية واالنتحار‬
‫‪132-132‬‬ ‫أنواع الجماعات‬
‫‪133-132‬‬ ‫الجماعات األولية‬
‫‪135-133‬‬ ‫الجماعات الثانوية‬
‫‪136-135‬‬ ‫الجماعات المرجعية‬
‫‪138-136‬‬ ‫داخل الجماعة وخارج الجماعة‬
‫‪138-138‬‬ ‫التنوع االجتماعي وديناميكيات الجماعة‬
‫‪138-138‬‬ ‫المؤسسات والبيروقراطية‬
‫‪141-138‬‬ ‫تطور المؤسسات الحديثة‬
‫‪142-141‬‬ ‫خصائص المؤسسات الحديثة‬
‫‪145-142‬‬ ‫خصائص البيروقراطية‬
‫‪146-145‬‬ ‫تغير اشكال المؤسسات‬
‫‪147-146‬‬ ‫انسنة البيروقراطية‬
‫‪152-147‬‬ ‫مجتمع شبكات االتصال‬
‫‪153-152‬‬ ‫خالصة‬
‫‪191-154‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬االسرة‬

‫‪7‬‬
‫‪158-155‬‬ ‫ماهي االسرة‬
‫‪158-158‬‬ ‫النظريات المفسرة للعائلة‬
‫‪161-158‬‬ ‫نظرية تالكوت بارسونز‬
‫‪164-161‬‬ ‫نظرية ميشيل فوكو‬
‫‪166-165‬‬ ‫النظرية الماركسية‬
‫‪168-166‬‬ ‫النظرية االبوية‬
‫‪170-168‬‬ ‫انطفاء االسرة‬
‫‪171-170‬‬ ‫تراجع االسرة النووية‬
‫‪174-171‬‬ ‫الثورة الجنسية‬
‫‪176-174‬‬ ‫الزواج والمعاشرة‬
‫‪178-176‬‬ ‫الطالق والزواج للمرة الثانية‬
‫‪181-178‬‬ ‫االبوين والطفل‬
‫‪182-181‬‬ ‫االسرة أحادية الوالد‬
‫‪183-182‬‬ ‫العنف االسري وسوء التعامل‬
‫‪185-183‬‬ ‫االعتداء على األطفال‬
‫‪189-185‬‬ ‫بدائل االسرة‬
‫‪191-189‬‬ ‫خالصة‬
‫‪221-192‬‬ ‫الفصل السابع‪ :‬الدين والمعتقدات‬
‫‪197-193‬‬ ‫الدين والمجتمع‬
‫‪201-197‬‬ ‫طبيعة الدين‬
‫‪206-201‬‬ ‫أصل وتطور األديان‬

‫‪8‬‬
‫‪207-206‬‬ ‫الدين وازمات الحياة‬
‫‪209-207‬‬ ‫الدين واالجماع القيمي‬
‫‪212-210‬‬ ‫المنظور الماركسي‬
‫‪215-212‬‬ ‫المنظور الفينومينولوجي (الظاهراتي)‬
‫‪219-215‬‬ ‫اديان العالم والنظام االبوي‬
‫‪221-220‬‬ ‫خالصة‬
‫‪247-222‬‬ ‫الفصل الثامن‪ :‬القوة والسلطة والدولة‬
‫‪227-223‬‬ ‫طبيعة القوة والسلطة‬
‫‪229-227‬‬ ‫السياسة والسلطة‬
‫‪231-229‬‬ ‫الطبقة والسلطة‬
‫‪233-231‬‬ ‫الحسابات الكالسيكية للسلطة‬
‫‪235-233‬‬ ‫االتجاه التعددي‬
‫‪239-235‬‬ ‫االتجاه الماركسي‬
‫‪242-239‬‬ ‫السياسة فيما وراء الطبقة‬
‫‪243-242‬‬ ‫الدولة الحديثة‬
‫‪246-243‬‬ ‫العولمة والدولة القومية‬
‫‪247-246‬‬ ‫خالصة‬
‫‪283-248‬‬ ‫الفصل التاسع‪ :‬االنحراف والجريمة‬
‫‪252-250‬‬ ‫ما هو االنحراف‬
‫‪253-252‬‬ ‫منظور االنحراف‬
‫‪256-253‬‬ ‫االنحراف الجيني‬

‫‪9‬‬
‫‪258-256‬‬ ‫السلوك المنحرف والبناء االجتماعي‬
‫‪262-258‬‬ ‫االختيار العقالني والنظريات التفاعلية‬
‫‪263-262‬‬ ‫نظرية التعزيز‬
‫‪265-263‬‬ ‫نظرية التوصيف‬
‫‪266-265‬‬ ‫نظريات البنائية الوظيفية والصراع‬
‫‪268-266‬‬ ‫الالمعيارية والتفكك االجتماعي‬
‫‪271-269‬‬ ‫نظرية التوتر‬
‫‪273-271‬‬ ‫نظرية الصراع‬
‫‪276-273‬‬ ‫النظرية النسوية‬
‫‪277-276‬‬ ‫المرأة والجريمة‬
‫‪279-277‬‬ ‫جرائم ذوي الياقات البيضاء‬
‫‪281-279‬‬ ‫علم االجرام ونقد ما بعد الحداثة‬
‫‪283-281‬‬ ‫خالصة‬
‫‪307-284‬‬ ‫الفصل العاشر‪ :‬التعليم‬
‫‪289-286‬‬ ‫حالة التعليم‬
‫‪291-289‬‬ ‫نظريات المستوى الصغير في التعليم‬
‫‪291-291‬‬ ‫نظرية االختيار العقالني‬
‫‪292-291‬‬ ‫النظريات الواسعة‬
‫‪296-292‬‬ ‫اهداف التعليم‬
‫‪297-296‬‬ ‫ماذا يحدث في المدارس الرسمية‬
‫‪299-297‬‬ ‫المناخ التربوي والمناخ القيمي للمدرسة‬

‫‪10‬‬
‫‪300-299‬‬ ‫ديناميكيات القوة داخل الفصل‬
‫‪301-300‬‬ ‫التعليم والحداثة‬
‫‪303-301‬‬ ‫التعليم وثورة العالم االفتراضي‬
‫‪305-303‬‬ ‫مستقبل التعليم في النظام العالمي‬
‫‪307-306‬‬ ‫خالصة‬
‫‪327-308‬‬ ‫الفصل الحادي عشر‪ :‬التحضر والحضرية‬
‫‪311-310‬‬ ‫التحضر والحضرية والنمو الحضري‬
‫‪313-311‬‬ ‫الفرد والمجتمع‬
‫‪315-313‬‬ ‫القبلية الجديدة‬
‫‪318-315‬‬ ‫نمو المدن‬
‫‪321-318‬‬ ‫علم االجتماع الحضري في القرن العشرين‬
‫‪325-322‬‬ ‫الحضرية في مرحلة ما بعد الحداثة‬
‫‪327-325‬‬ ‫خالصة‬
‫‪347-328‬‬ ‫الفصل الثاني عشر‪ :‬التغير االجتماعي والحركات االجتماعية‬

‫‪335-331‬‬ ‫تحليل التغير االجتماعي‬


‫‪337-335‬‬ ‫التغير االجتماعي في ادبيات علم االجتماع‬
‫‪342-337‬‬ ‫الحركات االجتماعية‬
‫‪343-342‬‬ ‫نظرية تعبئة الموارد‬
‫‪345-343‬‬ ‫نظرية الحركات االجتماعية‬
‫‪347-346‬‬ ‫خالصة‬
‫‪355-348‬‬ ‫المصادر‬

‫‪11‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫تمهيد ‪Preface‬‬
‫كتاب‪rr‬ة مقدم‪rr‬ة في علم االجتم‪rr‬اع ليس‪rr‬ت عمال س‪rr‬هال في ع‪rr‬الم تتب‪rr‬دل في‪rr‬ه‬
‫المفاهيم والقواعد االجتماعية تبدال سريعا يصعب معه اإلمساك بخي‪rr‬ط من‬
‫خيوط المجتم‪rr‬ع ال‪rr‬ذي اعت‪rr‬دنا علي‪rr‬ه‪ .‬ولكنه‪rr‬ا في ال‪rr‬وقت نفس‪rr‬ه ليس‪rr‬ت عمال‬
‫خارقا يرقى الى فتوحات طارق بن زياد او ن‪r‬ابليون بون‪r‬ابرت‪ ،‬الكتاب‪r‬ة في‬
‫علم االجتم‪rr‬اع ليس‪rr‬ت وجه‪rr‬ة نظ‪rr‬ر يمكن تب‪rr‬ديلها او تحويره‪rr‬ا او ح‪rr‬تى‬
‫االستغناء عنها‪ ،‬انها بفهمنا‪ ،‬ص‪rr‬ناعة عقلي‪rr‬ة ص‪rr‬الحة لالس‪rr‬تهالك المع‪rr‬رفي‬
‫ولكنه‪rr‬ا غ‪rr‬ير ص‪rr‬الحة لل‪rr‬ترويج في عرب‪rr‬ات الباع‪rr‬ة المتج‪rr‬ولين او تج‪rr‬ار‬
‫الش‪rr‬وارع الخلفي‪rr‬ة وهي من وجه‪rr‬ة نظ‪rr‬ر فيزيولوجي‪rr‬ة تش‪rr‬به والدة طبيعي‪rr‬ة‬
‫بدون مشرط جراح ولكن البد لها من أساس مع‪rr‬رفي يعم‪rr‬ل بمثاب‪rr‬ة مطه‪rr‬ر‬
‫من اجل ان ال تصبح الوالدة ناقصة‪ ،‬ويصاب الج‪rr‬نين بفيروس‪rr‬ات م‪rr‬ا بع‪rr‬د‬
‫الوالدة‪ .‬هذه الوالدة تحتاج عقول مدرب‪rr‬ة واي‪rr‬دي م‪rr‬اهرة واال ألص‪rr‬بح ك‪rr‬ل‬
‫الناس قابالت مأذون‪rr‬ة او طبيب‪rr‬ات تولي‪rr‬د او علم‪rr‬اء اجتم‪rr‬اع‪ .‬المه‪rr‬ارة يمكن‬
‫تخزينها ويمكن تطويرها ويمكن نقلها الى اخرين ع‪rr‬بر عملي‪rr‬ة ت‪rr‬دريب ق‪rr‬د‬
‫تطول لسنوات‪ ،‬وك‪rr‬ذلك نفع‪rr‬ل في حقول المعرف‪rr‬ة كله‪rr‬ا‪ ،‬ول‪rr‬ذلك اخ‪rr‬ذنا في‬
‫االعتبار‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أنه من بين الكم الهائل من المعلومات التي تنطوي عليها ادبي‪rr‬ات علم‬
‫االجتماع‪ ،‬قمنا بانتقاء موضوعات ذات أهمية للع‪rr‬الم والمتعلم وال‪rr‬تي يمكن‬

‫‪12‬‬
‫ان تعطي صورة شاملة للعلم‪ ،‬اذ ال يمكن ألي ب‪rr‬احث مهم‪rr‬ا اجته‪rr‬د تغطي‪rr‬ة‬
‫حقل المعرفة االجتماعية بالكامل‪.‬‬
‫ثاني‪rr‬ا‪ :‬ل‪rr‬دينا يقين ب‪rr‬ان ه‪rr‬ذا الكت‪rr‬اب من ش‪rr‬انه ان ي‪rr‬رقى بالوظيف‪rr‬ة التربوي‪rr‬ة‬
‫المزدوج‪rr‬ة لعلم االجتم‪rr‬اع‪ ،‬فمن جه‪rr‬ة ن‪rr‬رى ان‪rr‬ه ذو قيم‪rr‬ة لحقل المعرف‪rr‬ة‬
‫االجتماعية‪ ،‬حيث يمكنه ان يبرز الطبيعة المم‪rr‬يزة للعلم والمالمح الرئيس‪rr‬ة‬
‫للتحليل االجتماعي‪ ،‬وسيكون أداة معرفية مهمة للثقافة العامة حتى ألولئ‪rr‬ك‬
‫الذين لم يتسن لهم دراسة هذا الحقل المعرفي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬عمدنا قدر المستطاع الى تحديد مفاهيم العلم بمه‪rr‬ارة احترافي‪rr‬ة وعلى‬
‫درجة من الوضوح والشفافية‬
‫رابعا‪ :‬ان الكتاب في األصل ألهل االختصاص‪ ،‬ولذلك ابتعدنا عن تبس‪rr‬يط‬
‫المفاهيم لدرجة تفقد الكتاب المنهجي محتواه األكاديمي‪ ،‬وتقدم طعاما بائت‪rr‬ا‬
‫يسبب عسر هضم للمتعلمين‪.‬‬
‫هذه االعتبارات نظن انها ستكون مفتاحا ألكثر المغاليق صعوبة‪ ،‬فهي من‬
‫جه‪rr‬ة تفتح ب‪rr‬اب المعرف‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة للط‪rr‬الب والمعلم في ان واح‪rr‬د‪ ،‬وفي‬
‫الوقت ذاته تقدم مفاهيم العلم دون اخالل بطبيعتها التربوية والثقافي‪rr‬ة‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخ‪rr‬رى من ش‪rr‬انها ان تفتح عين المتعلم على كيفي‪rr‬ة النظ‪rr‬ر للظ‪rr‬اهرات‬
‫االجتماعية التي تحدث في ك‪r‬ل لحظ‪r‬ة حولن‪r‬ا ليال ونه‪r‬ارا وق‪rr‬د ال نج‪r‬د له‪r‬ا‬
‫تفس‪rr‬يرا واض‪rr‬حا من دون اساس‪rr‬يات الفك‪rr‬ر االجتم‪rr‬اعي بنظريات‪rr‬ه وأدبيات‪rr‬ه‬
‫ومناهجه‪.‬‬
‫وف‪rr‬وق ك‪rr‬ل ه‪rr‬ذا ف‪rr‬ان ادراكن‪rr‬ا للع‪rr‬الم ال‪rr‬ذي يحي‪rr‬ط بن‪rr‬ا بعين مفتوح‪rr‬ة بك‪rr‬ل‬
‫االتجاه‪rrr‬ات ال بنص‪rrr‬ف عين‪ ،‬من ش‪rrr‬انه ان يغ‪rrr‬ير س‪rrr‬لوكنا تج‪rrr‬اه الن‪rrr‬اس‬

‫‪13‬‬
‫واالح‪rr‬داث‪ ،‬فل‪rr‬و نظرن‪rr‬ا لظ‪rr‬اهرة الطالق مثال فإنن‪rr‬ا ال نس‪rr‬تطيع ان نعطي‬
‫احكاما حول المرأة التي ال ترغب بالعيش مع رجل لمج‪rr‬رد انه‪rr‬ا ت‪rr‬زعم ان‬
‫الرج‪rr‬ل ال ينف‪rr‬ق عليه‪rr‬ا‪ ،‬كم‪rr‬ا ال نس‪rr‬تطيع ان نص‪rr‬دق الرج‪rr‬ل ال‪rr‬ذي ال يري‪rr‬د‬
‫العيش مع امرأة لمجرد زعمه انها ال تجيد الطبخ‪ ،‬كالهما يسوق أس‪rr‬بابا ال‬
‫تشبه األسباب‪ ،‬وعالم االجتماع ال يتكهن وال يتنبأ كم‪r‬ا يفع‪r‬ل ال‪r‬دراويش او‬
‫خبراء االن‪rr‬واء الجوي‪rr‬ة‪ ،‬وال يحب األس‪rr‬باب ال‪rr‬تي تخ‪rr‬رج من فم الزوج‪rr‬ات‬
‫اللواتي تزوجن بفرمان وال الرجال الذين تزوجوا إرضاء للعشيرة ال‪rr‬تي ال‬
‫تؤمن بالذرية من غير ال‪rr‬ذكور‪ .‬ع‪rr‬الم االجتم‪rr‬اع لدي‪rr‬ه مه‪rr‬ارة مئ‪rr‬ة ع‪rr‬ام من‬
‫البحث واالستقصاء‪ ،‬مائة عام من الفكر ال‪rr‬ذي يتج‪rr‬اوز األس‪rr‬باب المباش‪rr‬رة‬
‫ال‪rr‬تي يخترعه‪rr‬ا النس‪rr‬اء والرج‪rr‬ال للتخلص من الش‪rr‬ريك بأق‪rr‬ل الخس‪rr‬ائر‬
‫االجتماعية واألخالقية والمادية أيضا‪.‬‬
‫الظواهر المحبطة‪ ،‬والظواهر المؤلمة والظواهر التي تص‪rr‬ادر من‪rr‬ا هويتن‪rr‬ا‬
‫وتحتج‪rr‬ز ج‪rr‬وازات س‪rr‬فرنا في نقاط تف‪rr‬تيش وهمي‪rr‬ة كث‪rr‬يرة وكث‪rr‬يرة‪ ،‬نل‪rr‬وك‬
‫بعضها بكال الفكين ثم نلفظه‪rr‬ا‪ ،‬ونبقي بعض‪rr‬ها تحت النظ‪rr‬ر ح‪rr‬تى نج‪rr‬د له‪rr‬ا‬
‫تفسيرا عند ابن خلدون او ميرتون او كارل ماركس‪.‬‬
‫الس‪rr‬الح ال‪rr‬ذي يقدم‪rr‬ه علم االجتم‪rr‬اع لتالمي‪rr‬ذه ومؤيدي‪rr‬ه‪ ،‬يف‪rr‬وق الس‪rr‬كاكين‬
‫واألسلحة النارية والعبوات الناسفة المخبأة تحت الثياب‪ ،‬الن لعبة األسلحة‬
‫في فن الحرب قد تفشل فش‪r‬ال ذريع‪r‬ا في مقاوم‪r‬ة ش‪r‬ائعة‪ ،‬وق‪r‬د تفش‪r‬ل فش‪r‬ال‬
‫ذريعا في تغيير اتجاهات الناس حول الموائد العبثية لتجار السياسة وتجار‬
‫الدين وتجار االفيون‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫البعض يقول انن‪rrr‬ا ال نحت‪rrr‬اج الى علم االجتم‪rrr‬اع كم‪rrr‬ا نحت‪rrr‬اج الى الطب‬
‫والهندسة والكيمياء والفيزي‪rr‬اء والرياض‪rr‬يات‪ ،‬ألنن‪rr‬ا جميع‪rr‬ا يمكن ان نك‪rr‬ون‬
‫علم‪rr‬اء اجتم‪rr‬اع طالم‪rr‬ا انن‪rr‬ا نحي‪rr‬ا في بيئ‪rr‬ة اجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬ونع‪rr‬رف ح‪rr‬دودها‬
‫وتركيبها الفيزيائي ومكوناتها من القيم والعادات والتفاعالت التي نختارها‬
‫والتي ال نختارها‪ ،‬وه‪rr‬ذه النظ‪rr‬رة المحّد ب‪rr‬ة هي ال‪rr‬تي ت‪rr‬أتي بخ‪rr‬راب البل‪rr‬دان‬
‫وخراب العمران ألنها نظرية واحدية الجانب‪ .‬الطبيب ال يستطيع ان يكون‬
‫مهندسا‪ ،‬كما ان المهن‪rr‬دس ال يس‪rr‬تطيع ان يك‪rr‬ون طبيب‪rr‬ا‪ ،‬الن المع‪rr‬ايش كم‪rr‬ا‬
‫يقول الجاحظ تستلزم تنوعا مهنيا ولو كان الناس جميعا على مهن‪rr‬ة واح‪rr‬دة‬
‫لفسدت األرض وعندها كما يقول ابن خلدون ال أحد يعمل نجارا او ح‪rr‬دادا‬
‫او مزارعا‪ .‬وفي ذلك يقول االمام علي (ع) ان الرعاع إذا اجتمعوا خّربوا‬
‫وإذا تفرقوا نفعوا‪ ،‬قيل له قد علمنا الخراب في اجتماعهم فكيف ينفعون في‬
‫تفرقهم‪ ،‬قال كٌل يذهب الي مهنته‪ ،‬النجار الى نجارته والخب‪rr‬از الى مخ‪rr‬بزه‬
‫والتاجر الى تجارت‪r‬ه والص‪r‬انع الى مص‪rr‬نعه‪ ،‬فينتف‪r‬ع الن‪r‬اس منهم‪ .‬الت‪r‬وازن‬
‫المهني غاية لكل تقدم وحاجة لكل مجتمع‪.‬‬
‫وبعد هذا ال نحتاج الى علم اجتم‪rr‬اع لكي نحص‪rr‬ل على وظيف‪rr‬ة تع‪rr‬ود علين‪rr‬ا‬
‫بمردود مالي فقط‪ ،‬ألنن‪rr‬ا نس‪rr‬تطيع ان نحص‪rr‬ل على ثالث‪rr‬ة اض‪rr‬عاف العائ‪rr‬د‬
‫المادي من تجارة السمك او البص‪rr‬ل او بي‪rr‬ع الفالف‪rr‬ل على ناص‪rr‬ية الش‪rr‬ارع‪.‬‬
‫الذي يدرس علم االجتماع ينبغي ان يؤدي رسالة مفادها‪ :‬ان لم تكن ق‪rr‬ادرا‬
‫على استخدام المعرفة من اجل حياة أفضل للمجتمع‪ ،‬علي‪rr‬ك ان ت‪rr‬ترك ه‪rr‬ذا‬
‫الميدان وتبحث عن عمل اخر‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الفصل األول‬

‫ما علم االجتماع؟‬


‫?‪What is Sociology‬‬

‫‪16‬‬
‫العجائز والصبيان‪ ،‬الحالمون وفاقدو االحالم‪ ،‬المحرومون والمتخمون‪،‬‬
‫هم المادة األولية لعلم االجتماع‬
‫دراسة علم االجتماع ‪The Study of Sociology‬‬
‫ب‪rr‬دانا نقض‪rr‬م الرب‪rr‬ع األول من القرن الح‪rr‬ادي والعش‪rr‬رين‪ ،‬وس‪rr‬ط ع‪rr‬الم من‬
‫التحديات التي تهدد مستقبل االنس‪r‬ان في ك‪r‬ل مك‪r‬ان‪ ،‬ليس‪r‬ت أس‪r‬لحة ال‪r‬دمار‬
‫الشامل وحدها‪ ،‬وال تقنيات المعلومات‪ ،‬وال التفك‪rr‬ك الع‪rr‬ائلي‪ ،‬وال الجريم‪rr‬ة‬
‫المنظمة وال الفساد السياسي وال البطالة وال التعليم وال الصحة وال الفقر‪،‬‬
‫وال غي‪rr‬اب العدال‪rr‬ة‪ ،‬وال الطم‪rr‬ع وال س‪rr‬وء اإلدارة وال التغ‪rr‬ير المن‪rr‬اخي وال‬
‫التلوث البيئي‪ ،‬وانما كل هذه التحديات مجتمعة‪ .‬االن مازالت ل‪r‬دينا فرص‪rr‬ة‬
‫الن نتحكم في مصائرنا عبر العمل من اجل حياة أفض‪rr‬ل‪ ،‬ه‪rr‬ل ه‪rr‬ذا مج‪rr‬رد‬
‫ض‪rr‬رب من االم‪rr‬اني ام بمقدورنا فعال ان نس‪rr‬اهم في إع‪rr‬ادة تش‪rr‬كيل حياتن‪rr‬ا‬
‫وزرع االمل في عقول اجيالنا القادمة‪.‬‬
‫علم االجتماع والمشتغلون به ال يستطيعون مواجهة التح‪rr‬ديات وح‪rr‬دهم وال‬
‫يستطيعون حمل العبء الذي خلقته شرور الناس واطماعهم‪ ،‬ولكن جه‪rr‬ود‬
‫اه‪rr‬ل العلم والمعرف‪rr‬ة م‪rr‬ع بعض‪rr‬ها يمكن ان تنقذ المجتم‪rr‬ع اإلنس‪rr‬اني من‬

‫‪17‬‬
‫االخطار التي سببها االنسان نفسه‪ .‬الموض‪rr‬وعات االكاديمي‪rr‬ة ع‪r‬ادة تع‪rr‬رف‬
‫من ن‪rr‬وع األس‪rr‬ئلة ال‪rr‬تي تطرحه‪rr‬ا وبالطريقة ال‪rr‬تي تجيب فيه‪rr‬ا على ه‪rr‬ذه‬
‫األسئلة‪ ،‬كل ما يحدث يس‪rr‬تثير اس‪rr‬تجابات علمي‪rr‬ة مختلف‪rr‬ة‪ ،‬فعلم‪rr‬اء الطبيع‪rr‬ة‬
‫يستجيبون للكوارث الطبيعية بطريقة تختلف جوهريا عن اس‪rr‬تجابة العل‪rr‬وم‬
‫اإلنسانية‪ .‬يقول بروم واخرين (‪ )1981‬ان حادثة التسرب االش‪rr‬عاعي في‬
‫جزيرة االميال الثالثة في بنسلفانيا عام ‪1979‬طرحت س‪rr‬ؤاال ج‪rr‬ديا ح‪rr‬ول‬
‫مستقبل الطاقة النووية‪ ،‬ولدراسة المسالة انت‪r‬دبت الحكوم‪r‬ة الفدرالي‪r‬ة لجن‪r‬ة‬
‫اغلب أعضاءها فنيين وخبراء بالعلوم الطبيعية وفي وقت الح‪rr‬ق اع‪rr‬ترفت‬
‫الحكوم‪rr‬ة بخط‪rr‬أ انت‪rr‬داب فري‪rr‬ق من الفن‪rr‬يين فقط فاس‪rr‬تجابت لن‪rr‬داء مجلس‬
‫أبحاث العلوم االجتماعية فشكلت فريقا مشتركا تأييدا لوجهة نظ‪rr‬ر المجلس‬
‫باعتبار ان مشكلة الطاقة مشكلة اجتماعية كما هي مشكلة طبيعية‪.‬‬
‫االستجابة لهذه الحادثة الطارئة‪ ،‬أظهرت كيف ان عدة علوم مختلفة جندت‬
‫مهارات منتسبيها نحو دراسة المشكلة من زوايا مختلفة‪ .‬في تقويم س‪rr‬المة‬
‫اس‪rr‬تخدام الطاق‪rr‬ة النووي‪rr‬ة‪ ،‬رك‪rr‬ز المهندس‪rr‬ون‪ ،‬والمتخصص‪rr‬ون بالفيزي‪rr‬اء‬
‫النووية في البداية على مشكلة التصميم‪ ،‬ثم أجهزة اإلنذار الفاشلة ال‪rr‬تي من‬
‫المفترض ان تعمل في حال حصول عطب‪ .‬خبراء الصحة العام‪rr‬ة رك‪rr‬زوا‬
‫على قي‪rrr‬اس مخ‪rrr‬اطر االش‪rrr‬عاع‪ ،‬بوض‪rrr‬ع تقديرات لحجم الس‪rrr‬كان ال‪rrr‬ذين‬
‫يتعرضون للخطر والعمل على إيج‪rr‬اد طريقة لتقلي‪rr‬ل آث‪rr‬اره‪ .‬علم‪rr‬اء النفس‬
‫اهتموا بأخطاء االنسان‪ ،‬مثل ضعف التدريب والتأهيل‪ ،‬والفشل في وض‪rr‬ع‬
‫فريق تحذير على وفق مبادئ علم النفس‪ ،‬وكذلك الض‪rr‬غوط ال‪rr‬تي يتع‪rr‬رض‬
‫لها االف‪rr‬راد وتأثيره‪r‬ا على مس‪r‬توى األداء اثن‪r‬اء االزم‪r‬ة‪ .‬علم‪r‬اء االجتم‪r‬اع‬

‫‪18‬‬
‫انشغلوا بدراسة الشائعات التي انتشرت‪ ،‬وال‪rr‬تي من ش‪rr‬انها ان تث‪rr‬ير الف‪rr‬زع‬
‫لدى الناس‪ ،‬ودراسة االختالف بين من يسعى للف‪rr‬رار من األم‪rr‬اكن القريب‪rr‬ة‬
‫وبين الذين يصرون على البقاء في مواجهة الخطر‪.‬‬
‫في حقب‪rr‬ة الح‪rr‬رب العراقي‪rr‬ة‪-‬اإليراني‪rr‬ة (‪ )1988-1980‬أدركت الحكوم‪rr‬ة‬
‫العراقية آنذاك ول‪rr‬و بش‪rr‬كل مت‪rr‬أخر بعض الش‪rr‬يء أهمي‪rr‬ة ادخ‪rr‬ال علم النفس‬
‫وعلم االجتم‪rrrr‬اع واالعالم والت‪rrrr‬اريخ واالقتص‪rrrr‬اد الى ج‪rrrr‬انب الم‪rrrr‬دافع‬
‫والطائرات‪ ،‬وذلك بعد تدني مستوى المعنويات‪.‬‬
‫هذه القائمة القصيرة من االختصاصات العلمية التي استخدمت في مواجهة‬
‫مشكلة واحدة تؤكد الخاصية االنتقائية للعل‪rr‬وم‪ .‬والواق‪rr‬ع ان االنتقائي‪rr‬ة ج‪rr‬زء‬
‫من الحي‪rr‬اة اليومي‪rr‬ة‪ ،‬فالس‪rr‬ائق مثال يرك‪rr‬ز بالدرج‪rr‬ة األولى على الطري‪rr‬ق‪،‬‬
‫وربما يهتم بتشغيل الم‪r‬ذياع‪ .‬لمعرف‪r‬ة اخب‪r‬ار الح‪r‬وادث او زحم‪r‬ة الم‪r‬رور‪،‬‬
‫كما ان قراءة كتاب للمتعة غير قراءة الكتاب نفسه بوصفه مقررا دراس‪rr‬يا‪،‬‬
‫وركوب الدراجة الهوائية تختل‪r‬ف عن ركوبه‪r‬ا في س‪r‬باق‪ ،‬وهك‪r‬ذا ينس‪r‬حب‬
‫االم‪rr‬ر على الموض‪rr‬وعات االكاديمي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تعطي اهتمام‪rr‬ا ألش‪rr‬ياء معين‪rr‬ة‬
‫وتهمل أخرى‪.‬‬
‫والسؤال االن هو الى أي مدى يمكن لعلم االجتماع ان يساهم في تخفي‪rr‬ف‬
‫االلم والج‪rr‬وع والم‪rr‬رض والخ‪rr‬وف من المجه‪rr‬ول‪ ،‬س‪rr‬ؤال ق‪rr‬د تجيب عن‪rr‬ه‬
‫الصفحات القادمة‪.‬‬
‫نعود الى السؤال الذي ابتدأنا به ما علم االجتماع؟ علم االجتماع هو واح‪rr‬د‬
‫من عائلة العلوم اإلنس‪rr‬انية ال‪rr‬تي تهتم بدراس‪rr‬ة الس‪rr‬لوك اإلنس‪rr‬اني وانتاج‪rr‬ه‪،‬‬
‫وهي‪ :‬االنثروبولوجي‪rr‬ا‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلم النفس االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬والسياس‪rr‬ة‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫واالقتصاد‪ ،‬والت‪rr‬اريخ‪ ،‬والجغرافي‪rr‬ة واالعالم‪ ،‬وال‪rr‬تي ال تج‪rr‬د بينه‪rr‬ا ح‪rr‬دودا‬
‫فاصلة واضحة المعالم‪ .‬وعلم االجتم==اع بش‪rr‬كل أك‪rr‬ثر تحدي‪rr‬دا ه‪rr‬و الدراس‪rr‬ة‬
‫العلمي‪rrr‬ة المنظم‪rrr‬ة للجماع‪rrr‬ات اإلنس‪rrr‬انية‪ ،‬التغ‪rrr‬ير االجتم‪rrr‬اعي والحي‪rrr‬اة‬
‫االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬الى ج‪rr‬انب مس‪rr‬ببات ونت‪rr‬ائج الس‪rr‬لوك اإلنس‪rr‬اني‪Browne( ،‬‬
‫‪)2010 Middleton 1986‬‬
‫وبما انه يهتم بالسلوك اإلنساني فانه يعم‪rr‬ل على تحلي‪rr‬ل الحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة‬
‫بثالثة مستويات‪:‬‬
‫المس===توى األول‪ :‬دراس‪rrr‬ة العالق‪rrr‬ات بين األش‪rrr‬خاص ‪interpersonal‬‬
‫‪ relations‬وهذا التحليل ال يع‪r‬ني بالض‪r‬رورة دراس‪r‬ة العالق‪r‬ات الحميم‪r‬ة‪،‬‬
‫ولكن يهتم بالعالقات الحميمة والعدائية أيضا‪ ،‬العالق‪rr‬ات القريب‪rr‬ة والبعي‪rr‬دة‪،‬‬
‫العميقة والسطحية‪ ،‬المنفعية والخالية من المنفعة‪.‬‬
‫المس===توى الث===اني‪ :‬دراس‪rrr‬ة العالق‪rrr‬ة على مس‪rrr‬توى الجماع‪rrr‬ة ‪Group‬‬
‫‪ ،relation‬والجماعة مفهوم واسع المعنى يضيق ويتسع بحسب فهمنا ل‪rr‬ه‪،‬‬
‫تماما مثل مفهوم المجتمع المحلي‪ ،‬فقد يضيق ليش‪rr‬مل االس‪rr‬رة او مجموع‪rr‬ة‬
‫اصدقاء في حارة او زقاق‪ ،‬وقد يتسع ليشمل مدينة او ام‪r‬ة‪ ،‬ف‪rr‬اذا ج‪r‬اء اح‪r‬د‬
‫من قرية "ساحل الذهب" مثال الى مدينة الكوت‪ ،‬فانه سيقول ان‪rr‬ا من قري‪rr‬ة‬
‫الذهب‪ ،‬فتكون القرية هي الجماعة التي ينتمي لها؛ ف‪rr‬اذا غ‪rr‬ادر الك‪rr‬وت الى‬
‫بغداد سيقول انا من الكوت‪ ،‬عندها تصبح الجماع‪rr‬ة ال‪rr‬تي ينتمي له‪rr‬ا مدين‪rr‬ة‬
‫الك‪rr‬وت بك‪rr‬ل مكوناته‪rr‬ا اإلداري‪rr‬ة والس‪rr‬كانية‪ ،‬ف‪rr‬اذا غادره‪rr‬ا الى القاهرة او‬
‫بيروت سيقول ان‪rr‬ا من الع‪rr‬راق‪ ،‬عن‪rr‬دها يك‪rr‬ون الع‪rr‬راق كل‪rr‬ه الجماع‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫ينتمي لها فاذا غادر الى لندن سيقول اني عربي فيكون العرب على ال‪r‬رغم‬

‫‪20‬‬
‫من تن‪rr‬وعهم ال‪rr‬ديني والع‪rr‬رقي والم‪rr‬ذهبي وح‪rr‬دودهم الوهمي‪rr‬ة وج‪rr‬وازات‬
‫سفرهم ونقاط تفتيشهم هم الجماعة التي ينتمي اليها‪ .‬اما الفئات االجتماعية‬
‫المتماثل‪rr‬ة عمري‪rr‬ا او مهني‪rr‬ا او ل‪rr‬ديهم دخ‪rr‬ل اقتص‪rr‬ادي متش‪rr‬ابه فال يش‪rr‬كلون‬
‫بالضرورة جماع‪r‬ة اجتماعي‪r‬ة‪ ،‬ألنهم س‪r‬يكونون مج‪r‬رد فئ‪r‬ات اجتماعي‪r‬ة او‬
‫تجمع‪rrr‬ات إحص‪rrr‬ائية اال إذا ك‪rrr‬انت منظم‪rrr‬ة وتمل‪rrr‬ك ق‪rrr‬درا من الديموم‪rrr‬ة‬
‫واالستقرار‪ .‬وفي ذلك تختلف الجماعة عن التجمع‪ ،‬فالجماع‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة‬
‫منظمة والتجمع سائب ومؤقت‪ ،‬مثل التظاهرة السياسية‪ ،‬والتجمع عند بائع‬
‫الخبز او في موقف الباص او في عيادة الط‪r‬بيب‪ ،‬بي‪r‬د ان بعض التجمع‪r‬ات‬
‫يمكن ان تتحول الى جماعات اجتماعي‪r‬ة عن‪r‬دما تنتظم في س‪r‬ياق اجتم‪r‬اعي‬
‫واض‪rr‬ح المع‪rr‬الم‪ ،‬مث‪rr‬ل نقاب‪rr‬ة البن‪rr‬اء ونقاب‪rr‬ة المعلمين ‪ ...‬وهك‪rr‬ذا‪ .‬وتح‪rr‬ول‬
‫التجمعات الى جماعات ذات أهمية كبيرة لعلم االجتماع‪.‬‬
‫المس==توى الث==الث‪ :‬العالق‪rr‬ات المجتمعي‪rr‬ة‪ ،Societal relations :‬وه‪rr‬ذا‬
‫المستوى من التحليل يشمل المجتمع كله‪ ،‬والمجتمع الذي يمتلك خص‪rr‬ائص‬
‫ثابتة نسبيا وانماطا مح‪r‬ددة يس‪r‬مى نظام‪r‬ا اجتماعي‪r‬ا‪ ،‬ف‪rr‬المجتمع ال‪r‬ذي يقوم‬
‫على نظ‪rrr‬ام العش‪rrr‬يرة او القراب‪rrr‬ة مثال ه‪rrr‬و نظ‪rrr‬ام اجتم‪rrr‬اعي‪ ،‬والمجتم‪rrr‬ع‬
‫االقط‪rr‬اعي ال‪rr‬ذي يقوم على العبودي‪rr‬ة واالس‪rr‬تغالل وامتالك األرض وم‪rr‬ا‬
‫عليها‪ ،‬وكذلك المجتمع الرأسمالي والمجتمع االش‪rr‬تراكي ومجتم‪rr‬ع دويالت‬
‫المدن هي أنماط اخرى من أنماط النظم االجتماعية‪ .‬ولكل مجتمع من ه‪rr‬ذه‬
‫المجتمعات خصائص ثابتة نسبيا‪ .‬وهذه المجتمعات ومؤسساتها الكب‪rr‬يرة ال‬
‫تدرس منفصلة عن مكوناتها او مجموعة اجزائها التي ي‪rr‬ؤثر بعض‪rr‬ها على‬
‫بعض‪ ،‬فالمجتمع الذي يقوم على نظ‪rr‬ام القراب‪rr‬ة مثال تك‪rr‬ون في‪rr‬ه االواص‪rr‬ر‬

‫‪21‬‬
‫القرابي‪rr‬ة على درج‪rr‬ة عالي‪rr‬ة من األهمي‪rr‬ة‪ ،‬وتك‪rr‬ون االس‪rr‬رة قاع‪rr‬دة النظ‪rr‬ام‬
‫االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬فالمعم‪rr‬ل االس‪rr‬ري والمزرع‪rr‬ة اُألس‪rr‬رية هي امثل‪rr‬ة للنش‪rr‬اط‬
‫االقتصادي الذي ي‪r‬دار بوس‪r‬اطة االقرب‪r‬اء‪ ،‬والمجتم‪r‬ع به‪r‬ذا المع‪r‬نى ُأس‪r‬رّي‬
‫بامتي‪rr‬از‪ ،‬حيث تقوم االس‪rr‬رة بمس‪rr‬ؤولية حف‪rr‬ظ النظ‪rr‬ام بين أعض‪rr‬اءها‪ ،‬تنتج‬
‫الطعام وتحدد الواجبات الدينية والدنيوية‪ ،‬وفي هذا النظ‪rr‬ام يعتم‪rr‬د االقرب‪rr‬اء‬
‫على بعض‪rr‬هم‪ ،‬يس‪rr‬اعدون بعض‪rr‬هم مادي‪rr‬ا ومعنوي‪rr‬ا ويش‪rr‬تركون في تقاس‪rr‬م‬
‫االفراح واالحزان‪ ،‬كما ان ل‪r‬ديهم منظوم‪r‬ة قيم تح‪r‬دد العالق‪r‬ة بين الص‪rr‬غار‬
‫والكبار والنساء والرجال واالقارب واالباعد ضمن النسق القرابي‪ .‬وعلى‬
‫النقيض فان المجتمع الحديث يقوم على الفردي‪rr‬ة اك‪rr‬ثر من االس‪rr‬رة الممت‪rr‬دة‬
‫التي بدأت تختفي‪ ،‬ولكنه هو االخر يمتلك مؤسسات وأنساق ونظما فرعي‪rr‬ة‬
‫تؤثر بعضها على بعض؛ فالمؤسس‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة للطب الح‪rr‬ديث مثال‪ ،‬يتم‬
‫تناوله‪rr‬ا عن طري‪rr‬ق المخت‪rr‬برات‪ ،‬وص‪rr‬ناعة االدوي‪rr‬ة‪ ،‬ورده‪rr‬ات المش‪rr‬افي‬
‫وعي‪rr‬ادات األطب‪rr‬اء‪ ،‬ومن ه‪rr‬ذه المكون‪rr‬ات يمكن اس‪rr‬تطالع تأثيره‪rr‬ا على‬
‫العالق‪rrr‬ات بين األطب‪rrr‬اء‪ ،‬والممرض‪rrr‬ات‪ ،‬والفن‪rrr‬يين واالداريين كم‪rrr‬ا يمكن‬
‫استقصاء تأثيرها على العالقات بين الصيادلة واألطباء‪ ،‬ووكاالت الرقاب‪rr‬ة‬
‫الحكومي‪rr‬ة‪ ،‬ونم‪rr‬ط العالق‪rr‬ات ه‪rr‬ذا ي‪rr‬ؤثر ب‪rr‬دوره على نم‪rr‬ط النش‪rr‬اطات في‬
‫المشافي‪ ،‬كما ان قبول او رفض األطباء استخدام عقاقير جدي‪rr‬دة له‪rr‬ا ت‪rr‬أثير‬
‫على شركات صناعة االدوية‪ ،‬وهك‪rr‬ذا يمكن دراس‪rr‬ة المجتم‪rr‬ع الط‪rr‬بي ع‪r‬بر‬
‫اجزائه التي ترتبط ببعض‪rr‬ها بطريقة االعتم‪rr‬اد المتب‪rr‬ادل‪ ،‬وه‪rr‬و في ذل‪rr‬ك ال‬
‫يختلف كثيرا عن المجتم‪r‬ع القرابي اال من ناحي‪r‬ة تع‪r‬دد األج‪r‬زاء وتنوعه‪r‬ا‬

‫‪22‬‬
‫ودرج‪rr‬ة تقس‪rr‬يم العم‪rr‬ل وطبيع‪rr‬ة النش‪rr‬اط‪Ballantine & Roberts ( .‬‬
‫‪.)2009, Broom et al 198l‬‬
‫لغز الحياة االجتماعية ‪Puzzle of Social Life‬‬
‫م‪rr‬ازال االنس‪rr‬ان اك‪rr‬بر لغ‪rr‬ز على ه‪rr‬ذا الك‪rr‬وكب‪ ،‬اكتش‪rr‬ف القارات وق‪rr‬اع‬
‫المحيطات وتوغل بعيدا في الفضاء؛ اخترع أجهزة وأدوات قياس وأدوات‬
‫تواصل تفوق الخيال‪ ،‬صنع وسائل تدمير يمكن ان تقض‪rr‬ي على الحي‪rr‬اة في‬
‫دق‪rr‬ائق‪ ،‬ب‪rr‬نى م‪rr‬دنا عمالق‪rr‬ة وط‪rr‬ائرات اس‪rr‬رع من الص‪rr‬وت وس‪rr‬فنا تج‪rr‬وب‬
‫المحيطات‪ ،‬لكنه حتى اللحظة ال يعرف لماذا يتصرف عندما يكون منفردا‬
‫بطريقة تختلف عن تصرفه عندما يكون في حش‪rr‬د‪ ،‬ولم‪rr‬اذا يختل‪rr‬ف س‪rr‬لوكه‬
‫في حفل راقص عن سلوكه في مكان عبادة‪ ،‬ولماذا يس‪rr‬لك س‪rr‬لوكا متحفظ‪rr‬ا‬
‫مع والديه وال يفعل ذلك مع اصدقائه‪ ،‬ولماذا يكون تصرفه م‪rr‬ع رئيس‪rr‬ه في‬
‫العمل مغايرا لسلوكه مع مرؤوسه‪ .‬علماء االجتماع يحاولون منذ أكثر من‬
‫مائة سنة معرفة األس‪r‬باب ال‪r‬تي تجع‪r‬ل الجماع‪r‬ة تتص‪rr‬رف بوص‪rr‬فها وح‪r‬دة‬
‫اجتماعية متعاونة أحيانا ومتصارعة أحيان‪rr‬ا أخ‪rr‬رى‪ ،‬تح‪rr‬اول معرف‪rr‬ة لم‪rr‬اذا‬
‫يع‪rr‬اقب االنس‪rr‬ان بش‪rr‬دة عن‪rr‬دما ي‪rr‬رتكب عمال اجرامي‪rr‬ا ولكن‪rr‬ه يك‪rr‬ون خ‪rr‬ارج‬
‫المس‪rr‬اءلة القانوني‪rr‬ة عن‪rr‬دما يمتل‪rr‬ك القوة والس‪rr‬لطة ويقت‪rr‬ل االالف او يس‪rr‬لب‬
‫حريتهم‪ ،‬ولماذا يقتل االنسان انس‪rr‬انا اخ‪rr‬ر ال يعرف‪rr‬ه اثن‪rr‬اء الح‪rr‬رب ويك‪rr‬ون‬
‫القاتل بطال وتعلق على صدره االوس‪rr‬مة والنياش‪rr‬ين‪ .‬ولم‪rr‬اذا يحتك‪rr‬ر بعض‬
‫الن‪rr‬اس الس‪rr‬لطة وال‪rr‬ثروة فيم‪rr‬ا يعيش اخ‪rr‬رون على اله‪rr‬امش‪ ،‬لم‪rr‬اذا تعم‪rr‬ل‬
‫الش‪rr‬ائعات عم‪rr‬ل البن‪rr‬ادق او تتف‪rr‬وق عليه‪rr‬ا أحيان‪rr‬ا‪ .‬ه‪rr‬ل تع‪rr‬د ه‪rr‬ذه الظ‪rr‬واهر‬
‫االجتماعية الغازا تحتاج رموزها الى تفكيك؟ الناس العاديون لديهم معرفة‬

‫‪23‬‬
‫وفهم للحي‪rr‬اة العائلي‪rr‬ة‪ ،‬والنظ‪rr‬ام ال‪rr‬تربوي‪ ،‬والعم‪rr‬ل‪ ،‬االعالم وال‪rr‬دين‪ ،‬ألنهم‬
‫ببساطة يعيشون أعضاًء في مجتمع‪ ،‬وهذا يقود بعض الن‪rr‬اس الى االعتقاد‬
‫بان الموضوعات التي يدرسها علم االجتماع هي في الحقيقة من البديهيات‬
‫التي يعرفه‪rr‬ا الجمي‪rr‬ع‪ .‬وه‪rr‬ذا اعتقاد خ‪rr‬اطئ‪ .‬علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع اثبت‪rr‬وا ع‪rr‬بر‬
‫ابح‪rr‬اثهم ان فك‪rr‬رة الب‪rr‬ديهيات فك‪rr‬رة باطل‪rr‬ة‪ .‬فمثال فك‪rr‬رة‪ ،‬ال يوج‪rr‬د فقر في‬
‫المجتمع‪rr‬ات االوربي‪rr‬ة الحديث‪rr‬ة‪ ،‬الن الفقراء والع‪rr‬اطلين عن العم‪rr‬ل هم‬
‫كسالى‪ ،‬وان هناك فرص متس‪rr‬اوية في الحي‪rr‬اة‪ ،‬وان األغني‪rr‬اء اغني‪rr‬اء ألنهم‬
‫مث‪rr‬ابرون في العم‪rr‬ل‪ ،‬وان الرج‪rr‬ال طبيعي‪rr‬ا متفوق‪rr‬ون على النس‪rr‬اء‪ ،‬وان‬
‫الرجال والنساء يحبون بعضهم ولهذا يعيشون مع بعضهم‪ ،‬ه‪r‬ذه الب‪r‬ديهيات‬
‫تأكد بطالنها بأدلة ميدانية‪ .‬المش‪rr‬كلة األخ‪rr‬رى للب‪rr‬ديهيات انه‪rr‬ا ترتب‪rr‬ط بقوة‬
‫بمعتقدات شعب من الشعوب في زم‪r‬ان ومك‪r‬ان معي‪r‬نين وال يمكن تعميمه‪r‬ا‬
‫على باقي الشعوب‪ ،‬فمثال ما ي‪rr‬راه ش‪rr‬عب "اله‪rr‬وبي " أح‪rr‬د مكون‪rr‬ات ش‪rr‬عب‬
‫الهنود الحمر عن أس‪rr‬باب ن‪rr‬زول المط‪rr‬ر يختل‪rr‬ف كلي‪rr‬ا عم‪rr‬ا يعتقده م‪rr‬درس‬
‫فيزياء او ربة بيت امية او رجل دين‪ .‬ش‪rr‬عب اله‪rr‬وبي لدي‪rr‬ه رقص‪rr‬ة المط‪rr‬ر‬
‫التي تستحث الهة المطر النزال الغيث‪ ،‬ولكن مدرس الفيزياء لدي‪rr‬ه تفس‪rr‬ير‬
‫علمي يقوم على أساس اصطدام بخار الماء بطبقات باردة في أعالي الج‪rr‬و‬
‫تتسبب في احداث المطر‪ .‬البديهيات ذاتها تتغ‪r‬ير ع‪r‬بر ال‪r‬زمن في المجتم‪r‬ع‬
‫الواحد نفسه‪ .‬في بريطانيا مثال تبدلت عادة اح‪rr‬راق الس‪rr‬احرات في مواس‪rr‬م‬
‫نقص المحاصيل وصاروا يتلمسون أسبابا علمية لهذه الظاهرة‪.‬‬
‫نتائج أبحاث علم االجتماع لم تقوض طبعا كل الب‪r‬ديهيات‪ ،‬ولكنه‪r‬ا أس‪r‬همت‬
‫بشكل فعال في فهم أفض‪r‬ل له‪r‬ذه الب‪r‬ديهيات‪ ،‬فمثال يع‪r‬رف بعض الن‪r‬اس ان‬

‫‪24‬‬
‫معدالت الطالق في العراق تتزايد بسبب تدخل االه‪rr‬ل او الفقر او الف‪rr‬ارق‬
‫الثقافي بين ال‪rr‬زوجين‪ ،‬لكن علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع ي‪rr‬ذهبون ابع‪rr‬د بكث‪rr‬ير من‬
‫افتراضات عامة الناس‪ ،‬وينظرون للظاهرة من زوايا مختلفة قد ال تخط‪rr‬ر‬
‫في ب‪r‬ال الن‪r‬اس‪ ،‬وله‪r‬ذا يختل‪r‬ف علم االجتم‪r‬اع عن الب‪r‬ديهيات ال‪r‬تي يعرفه‪r‬ا‬
‫الناس اختالفا ظاهرا ذلك ألن‪:‬‬
‫ـ علماء االجتماع لديهم أدوات ومناهج بحث لدراسة الظواهر االجتماعي‪rr‬ة‬
‫دراسة منظمة ونتائجها تقوم على شواهد وادلة دقيقة‬
‫‪ -‬يس‪rr‬تخدم علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع الخي‪rr‬ال االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬وه‪rr‬ذا يع‪rr‬ني انهم عن‪rr‬دما‬
‫يدرسون الرتابة المألوفة للحياة اليومية‪ ،‬فانهم ينظرون اليها بطرائق غ‪rr‬ير‬
‫تقليدي‪rr‬ة ومن زواي‪rr‬ا مختلف‪rr‬ة‪ .‬ق‪rr‬د يس‪rr‬ألون أنفس‪rr‬هم ه‪rr‬ل فعال الب‪rr‬ديهيات هي‬
‫ك‪rr‬ذلك‪ ،‬ثم يقوم‪rr‬ون بإع‪rr‬ادة اخض‪rr‬اعها للبحث‪ ،‬فيدرس‪rr‬ون ماض‪rr‬يها وكي‪rr‬ف‬
‫تغيرت‪ ،‬وكي‪r‬ف ولم‪r‬اذا تختل‪r‬ف من مجتم‪r‬ع ألخ‪r‬ر واحتم‪r‬االت تغيره‪r‬ا في‬
‫المستقبل‬
‫‪ -‬االس‪rr‬تنتاجات ال‪rr‬تي يتوص‪rr‬ل له‪rr‬ا علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع من ابح‪rr‬اثهم تقود الى‬
‫إيجاد نظريات مفسرة يمكن اس‪rr‬تخدامها دلي‪rr‬ل عم‪rr‬ل عن‪rr‬د دراس‪rr‬ة الظ‪rr‬واهر‬
‫المماثلة‪)Browne 2010, Giddens 1989, Chinoy 1971( .‬‬
‫علم االجتماع والتفسيرات الطبيعي==ة ‪Sociology and Naturalistic‬‬
‫‪Explanation‬‬
‫التفسيرات الطبيعية هي االفتراض بأن السلوك اإلنساني بك‪rr‬ل اش‪rr‬كاله ه‪rr‬و‬
‫س‪rr‬لوك ط‪rr‬بيعي يقوم على الفط‪rr‬رة (‪ )innate‬أي ب‪rr‬الوالدة مثلم‪rr‬ا يح‪rr‬دث‬
‫ألفراخ البط عندما تولد وتدخل الماء من دون حاجة للتدريب على السباحة‬

‫‪25‬‬
‫حتى لو تم عزله‪r‬ا من‪r‬ذ ال‪r‬والدة في بيئ‪r‬ة دج‪r‬اج فأنه‪r‬ا حالم‪r‬ا تلقى في الم‪r‬اء‬
‫يمكنه‪rr‬ا ان تس‪rr‬بح بس‪rr‬بب اس‪rr‬تعداداتها او خصائص‪rr‬ها البيولوجي‪rr‬ة‪ .‬إذا ك‪rr‬ان‬
‫االمر كذلك فان المتوقع ان يكون سلوك الناس متشابها في كل المجتمع‪rr‬ات‬
‫البشرية باعتبار ان الخصائص البيولوجية للمجتمعات لم تتغير‪ .‬في الواقع‬
‫انه بمقارنة المجتمعات المختلفة اكتشف علماء االجتماع تنوعا هائال بينه‪rr‬ا‬
‫في العادات والقيم واألعراف والمعتقدات وبمع‪rr‬ايير الس‪rr‬لوك أيض‪rr‬ا‪ .‬فمثال‬
‫هناك اختالف هائل بين المجتمع‪rr‬ات في أدوار ال‪rr‬ذكور واالن‪rr‬اث‪ ،‬فال‪rr‬ذكور‬
‫في مجتمعنا يستطيعون الخروج والدخول متى ش‪rr‬اءوا ومث‪rr‬ل ه‪rr‬ذا الس‪rr‬لوك‬
‫يعد شاذا لدى االناث‪ ،‬ال‪rr‬ذكور لهم ح‪rr‬ق التحكم في االن‪rr‬اث ح‪rr‬تى ل‪rr‬و ك‪rr‬انت‬
‫االن‪rr‬اث أك‪rr‬بر منهم س‪rr‬نا‪ ،‬وأحس‪rr‬ن منهم تعليم‪rr‬ا وال‪rr‬ذكور يمكن ان يتخ‪rr‬ذوا‬
‫القرارات نيابة عن االناث حتى لو كانت هذه القرارات ضد رغبتهم‪ ،‬مث‪rr‬ل‬
‫هذا السلوك مستهجن وغ‪r‬ير مقب‪r‬ول في مجتم‪r‬ع مث‪r‬ل المجتم‪r‬ع اإلنكل‪r‬يزي‪.‬‬
‫وكال الن‪rrr‬وعين من الس‪rrr‬لوك يع‪rrr‬ود الى عملي‪rrr‬ة التعلم االجتم‪rrr‬اعي اذ ان‬
‫الخصائص البيولوجية للبشر متشابهة‪ ،‬حيث ال يوجد مجتم‪rr‬ع بعين واح‪rr‬دة‬
‫واخر بثالث عيون وليس هناك مجتمع برئة واحدة واخر برئتين‪ .‬التفس‪rr‬ير‬
‫االجتماعي يؤكد ان اغلب أنماط السلوك اإلنساني يتعلمه االفراد بوص‪rr‬فهم‬
‫أعضاء في مجتمع وليس ألنهم ولدوا هك‪rr‬ذا‪ ،‬ه‪rr‬ذه العملي‪rr‬ة ال‪rr‬تي يتعلم فيه‪rr‬ا‬
‫االفراد انماط معينة من السلوك المشابه لحد ما لسلوك بقية افراد المجتم‪rr‬ع‬
‫تسمى التنشئة االجتماعية ‪ Socialization‬والتنشئة االجتماعية موض‪rr‬وع‬
‫مهم للغاية لذلك سنعود اليه في الفصول القادمة‪Browne (2010) .‬‬
‫علم االجتماع والعلم ‪Sociology and Science‬‬

‫‪26‬‬
‫اعتاد الناس ربط العلم بدراسة موضوعات العلوم الطبيعية‪ ،‬مث‪rr‬ل الفيزي‪rr‬اء‬
‫والكيمي‪rr‬اء والرياض‪rr‬يات وعلم الحي‪rr‬اة‪ .‬وعلم االجتم‪rr‬اع ليس ض‪rr‬من ه‪rr‬ذه‬
‫المجموعة من العلوم‪ ،‬والفارق بينها موض‪rr‬ع تس‪rr‬اؤالت‪ ،‬ف‪rr‬العلوم الطبيعي‪rr‬ة‬
‫يمكن تجريبها في المختبر ويمكن عزل اسبابها مختبريا‪ ،‬كم‪rr‬ا يمكن التنب‪rr‬ؤ‬
‫بنتائجها عندما تحدث في المستقبل في ظروف مشابهة‪ ،‬ففي الكيمي‪rr‬اء مثال‬
‫يمكن التنب‪rr‬ؤ بدق‪rr‬ة نتيج‪rr‬ة للتج‪rr‬ارب المختبري‪rr‬ة ان خل‪rr‬ط عنص‪rr‬رين س‪rr‬يولد‬
‫انفجارا فاذا تم استحضار الخلطة نفسها االن او في المس‪rr‬تقبل فأنه‪rr‬ا س‪rr‬تولد‬
‫انفجارا‪ ،‬وال يستطيع عالم الطبيعيات التدخل في سلوك العناصر الكيميائية‬
‫وأخ‪r‬يرا ال يحت‪r‬اج ع‪r‬الم الطبيع‪r‬ة اقن‪r‬اع العناص‪rr‬ر الكيميائي‪r‬ة او الحيوان‪r‬ات‬
‫للتع‪rr‬اون مع‪rr‬ه‪ .‬بينم‪rr‬ا في علم االجتم‪rr‬اع حقوق االنس‪rr‬ان تح‪rr‬ول بينن‪rr‬ا وبين‬
‫اخض‪rr‬اعه للتج‪r‬ارب دون موافقت‪r‬ه‪ ،‬فمثال ل‪r‬و أردن‪r‬ا فص‪rr‬ل طف‪r‬ل عن ابوي‪r‬ه‬
‫وعزله تماما لمعرفة تأثير البيئة االجتماعية عليه فان ذل‪rr‬ك س‪rr‬يثير غض‪rr‬ب‬
‫اغلب الن‪rr‬اس‪ .‬كم‪rr‬ا ان الس‪rr‬لوك اإلنس‪rr‬اني ال يمكن التنب‪rr‬ؤ ب‪rr‬ه اال في ح‪rr‬دود‬
‫ضيقة جدا‪ ،‬ألنه حتى في الظروف المتش‪rr‬ابهة يمكن ان تك‪rr‬ون ردود أفع‪rr‬ال‬
‫الناس مختلفة‪ ،‬ويمكن ان يغيروا اراءهم على وفق المواقف المختلفة‪ .‬اثناء‬
‫الدراسة ق‪rr‬د يش‪r‬عر الن‪r‬اس ب‪r‬األحراج ألنهم تحت التج‪r‬ريب وربم‪r‬ا يجيب‪r‬ون‬
‫إجابات تختلف جوهريا حينما يكونون خارج حدود التجربة فاذا حدث ذلك‬
‫فان التجربة ال تعكس حقيقة س‪rr‬لوكهم الط‪rr‬بيعي فتفقد النت‪rr‬ائج مص‪rr‬داقيتها‪.‬‬
‫فضال عن ان كثيرا من الن‪rr‬اس يرفض‪rr‬ون اإلجاب‪rr‬ة عن األس‪rr‬ئلة او التع‪rr‬اون‬
‫مع الباحثين فتصبح البحوث صعبة وربم‪rr‬ا مس‪rr‬تحيلة‪ ،‬ف‪rr‬اذا اش‪rr‬تركوا ربم‪rr‬ا‬
‫يكذبون وربما يزيفون اجاباتهم فتكون نتائج األبحاث موضع ش‪rr‬كوك‪ .‬ه‪rr‬ذه‬

‫‪27‬‬
‫االختالفات ال تصادر الخصائص العلمية األخ‪rr‬رى ال‪rr‬تي يش‪rr‬ترك فيه‪rr‬ا علم‬
‫االجتماع مع العلوم الطبيعي‪r‬ة وال تنقص من علميت‪r‬ه ش‪r‬يئا‪ .‬فمن خص‪r‬ائص‬
‫أي علم ان يكون محايدا وموضوعيا وان يمتلك منهجا ونظري‪rr‬ات مفس‪rr‬رة‪،‬‬
‫وعلم االجتماع بوصفه محاي‪rr‬دا ال يمل‪rr‬ك اتباع‪rr‬ه الح‪rr‬ق في إعط‪rr‬اء االحك‪rr‬ام‬
‫الجاهزة حول معتقدات الناس او عاداتهم او مؤسساتهم‪ ،‬وليس من واجبهم‬
‫اعتب‪rr‬ار انم‪rr‬اط الس‪rr‬لوك خاطئ‪rr‬ة او ص‪rr‬حيحة‪ ،‬جي‪rr‬دة او رديئ‪rr‬ة‪ ،‬ولكن من‬
‫واجبهم فقط تفس‪rr‬ير لم‪rr‬اذا وكي‪rr‬ف يح‪rr‬دث الس‪rr‬لوك بوص‪rr‬فه نتائج‪rr‬ه‪ ،‬وه‪rr‬ذه‬
‫الخاص‪rr‬ية وح‪rr‬دها تبع‪rr‬د علم االجتم‪rr‬اع عن اآلراء االعتباطي‪rr‬ة للن‪rr‬اس‪ .‬علم‬
‫االجتماع يفترض (والنظريات بعام‪rr‬ة تب‪rr‬دأ بافتراض‪rr‬ات) ان العالق‪rr‬ات بين‬
‫االفراد والجماعات والمجتمعات والمؤسسات ال تحدث عش‪rr‬وائيا‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان‬
‫هناك قواعد للحياة االجتماعية‪ ،‬والبحث في معرفة ه‪rr‬ذه القواع‪rr‬د ووص‪rr‬فها‬
‫وتحليلها وتفسيرها هو واح‪r‬د من أك‪r‬ثر اهتمام‪r‬ات علم‪r‬اء االجتم‪r‬اع‪ ،‬ثم ان‬
‫الطريق الذي يسلكه علم االجتماع في البحث ال يختلف عن الطري‪rr‬ق ال‪rr‬ذي‬
‫تس‪rr‬لكه العل‪rr‬وم الطبيعي‪rr‬ة‪ ،‬فكال الحقلين يب‪rr‬دءا عملهم‪rr‬ا بالمالحظ‪rr‬ة وينتهي‬
‫بتشكيل النظرية‪ ،‬بتعبير ادق‪ ،‬حتى في العلوم الطبيعية فإن مناهج الفيزي‪rr‬اء‬
‫مثال تختل‪rr‬ف ج‪rr‬ذريا عن من‪rr‬اهج عل‪rr‬وم الحي‪rr‬اة‪ .‬وبس‪rr‬بب اختالف الم‪rr‬ادة‬
‫موضوع الدراسة‪ ،‬فان علم االجتماع ال يمكن‪rr‬ه اخض‪rr‬اع المجتم‪rr‬ع واف‪rr‬راده‬
‫ومؤسساته للتجارب المختبرية‪ .‬في المختبر يمكن الس‪rr‬يطرة على العوام‪rr‬ل‬
‫المؤثرة على الظواهر او المواقف‪ ،‬مثال يمكن تحويل الم‪rr‬اء الى جلي‪rr‬د عن‬
‫طريق تقلي‪rr‬ل درج‪rr‬ة الح‪rr‬رارة او زي‪rr‬ادة الض‪rr‬غط او تحويل‪rr‬ه الى بخ‪rr‬ار عن‬
‫طريق رفع درجات الحرارة او تقليل الضغط‪ ،‬فمتغ‪rr‬ير الح‪rr‬رارة والض‪rr‬غط‬

‫‪28‬‬
‫يمكن التحكم بهم‪rr‬ا مختبري‪rr‬ا والتالعب بتش‪rr‬كيل الم‪rr‬ادة ب‪rr‬اختالف درج‪rr‬ات‬
‫الحرارة والضغط‪ .‬وبسبب مستوى التحكم يمكن فحص النظري‪rr‬ة مختبري‪rr‬ا‪.‬‬
‫مثل هذه التجارب ال يمكن اجراؤها في العلوم االجتماعية ذلك الن الوجوه‬
‫المختلفة للظاهرة االجتماعية ال يمكن عزلها تجريبيا كما يحدث للم‪rr‬اء‪ .‬فال‬
‫أحد يستطيع ان يجرب كيف ستكون أمريكا مع حكومة اش‪rr‬تراكية او كي‪rr‬ف‬
‫س‪rr‬يكون ش‪rr‬كل المجتم‪rr‬ع األلم‪rr‬اني م‪rr‬ع اغلبي‪rr‬ة مس‪rr‬لمة او هندوس‪rr‬ية‪ .‬علم‪rr‬اء‬
‫االجتماع عليهم إيجاد طريقة أخ‪rr‬رى للس‪rr‬يطرة على الظ‪rr‬واهر عن طري‪rr‬ق‬
‫المنهج المقارن بين المجتمعات المختلفة او بين أجزاء المجتم‪rr‬ع الواح‪rr‬د‪( .‬‬
‫‪ )Hurd et al 1978, Browne 2010‬في ضوء ذلك فان علم االجتماع‬
‫يمتلك كل خصائص العلم التي تؤهله لدراسة الظواهر االجتماعي‪rr‬ة دراس‪rr‬ة‬
‫منظمة‪ ،‬ومنهجية وموضوعية‪.‬‬
‫لماذا ندرس علم االجتماع؟ ‪?Why studying Sociology‬‬
‫ه‪rr‬ل خط‪rr‬ر في بال‪rr‬ك يوم‪rr‬ا لم‪rr‬اذا تب‪rr‬دو بعض الع‪rr‬ائالت متماس‪rr‬كة وبعض‪rr‬ها‬
‫االخ‪rr‬ر مفكك‪rr‬ة؟ لم‪rr‬اذا تك‪rr‬ون بعض المجتمع‪rr‬ات منتج‪rr‬ة وبعض‪rr‬ها ض‪rr‬عيفة‬
‫انتاجيا؟ لماذا يصبح بعض الناس اغنياء فيما يبقى بعض‪rr‬هم االخ‪rr‬ر فقراء؟‬
‫لماذا يرتكب بعض الناس اعماال إجرامية فيما يتعفف بعضهم عن االجرام‬
‫ويل‪rr‬تزمون ب‪rr‬القوانين؟ على ال‪rr‬رغم من ان علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع ال يملك‪rr‬ون‬
‫إجابات جاهزة عن ك‪rr‬ل ه‪rr‬ذه التس‪rr‬اؤالت‪ ،‬لكنهم يملك‪rr‬ون الرؤي‪rr‬ة والوس‪rr‬يلة‬
‫لفهم عميق ألنماط التفاعالت اإلنسانية كلها‪.‬‬
‫هناك اثنان من المكونات الضرورية لدراسة عالم المجتمع‪ :‬القدرة العالي‪r‬ة‬
‫لمالحظة ما يحدث ولماذا يحدث‪ ،‬والرغبة في إيجاد أجوبة عما يحدث‪ .‬ان‬

‫‪29‬‬
‫قيمة علم االجتماع تكمن في قدرته الفريدة على اختبار المجتمع عبر منهج‬
‫منظم لدراس‪rr‬ة األس‪rr‬ئلة ال‪rr‬تي ال يمكن اإلجاب‪rr‬ة عنه‪rr‬ا ب‪rr‬دون منهج علمي‪.‬‬
‫والقيم‪rrr‬ة العملي‪rrr‬ة لعلم االجتم‪rrr‬اع‪ ،‬كم‪rrr‬ا اوجزه‪rrr‬ا بالن‪rrr‬تين وروب‪rrr‬رتس‬
‫)‪ Ballantine & Roberts (2009‬هي‪:‬‬
‫ـ تعزيز الوعي الذاتي‪ ،‬الذي يقود الى تحسين حياة الفرد‬
‫ـ تشجيع الفهم الشامل للظروف االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬عن طري‪rr‬ق النظ‪rr‬ر لم‪rr‬ا وراء‬
‫التفسيرات الفردية لهذه الظروف لتشمل تحليل سلوك الفرد داخل الجماعة‬
‫ـ مساعدة الناس على فهم المش‪rr‬كالت االجتماعي‪rr‬ة وتقويمه‪rr‬ا بش‪rr‬كل منهجي‬
‫منظم بدل التفسيرات العاطفية والشخصية‬
‫ـ التع‪rr‬رف على التن‪rr‬وع الثقافي الهائ‪rr‬ل للمجتم‪rr‬ع الواح‪rr‬د والمجتمع‪rr‬ات‬
‫األخرى‪ ،‬وكيف تؤثر ثقافة المجتمع على أنماط السلوك‬
‫ـ تقديم الوسائل الالزمة لتقويم تأثير السياسات االجتماعية‬
‫ـ تكشف تعقيدات الحياة االجتماعية وتقدم المنهج المناسب لدراستها‪ .‬ثم‬
‫ـ تزوي‪rr‬د المهتمين بمه‪rr‬ارات ض‪rr‬رورية لفهم العالق‪rr‬ات البيشخص‪rr‬ية (بين‬
‫األش‪rrr‬خاص) ‪ ،interpersonal relations‬والتفك‪rrr‬ير النقدي‪ ،‬وجم‪rrr‬ع‬
‫البيانات وتحليلها‪ ،‬حل المشكالت واتخاذ القرارات‪.‬‬
‫هذا المنظور الفريد يمتلك قيمة عملية للناس عندما يقومون ب‪rr‬أدوارهم‪ ،‬في‬
‫العمل‪ ،‬مع االصدقاء‪ ،‬مع االسرة او مواطنين‪ ،‬فمثال رئيس الدائرة او رب‬
‫العمل الذي لديه خبرة منهجية في علم االجتم‪rr‬اع‪ ،‬من المحتم‪rr‬ل ب‪rr‬ل األكي‪rr‬د‬
‫يملك فهما أفضل للعم‪rr‬ل الجم‪rr‬اعي‪ ،‬وكي‪rr‬ف ان ظ‪rr‬روف العم‪rr‬ل ت‪rr‬ؤثر على‬
‫سلوك العام‪r‬ل او الموظ‪r‬ف‪ ،‬وكي‪r‬ف يواج‪r‬ه المش‪r‬كالت ويعم‪r‬ل على إيج‪r‬اد‬

‫‪30‬‬
‫الحلول له‪r‬ا‪ .‬ومث‪r‬ل ذل‪r‬ك ينطب‪r‬ق على معلم المدرس‪r‬ة ال‪r‬ذي س‪r‬ينجح بفض‪rr‬ل‬
‫درايته بعلم االجتم‪r‬اع في كيفي‪r‬ة إدارة الفص‪rr‬ل الدراس‪r‬ي‪ ،‬ودافعي‪r‬ة الطلب‪r‬ة‪،‬‬
‫وأس‪rr‬باب بطء التعلم ال‪rr‬تي تمت‪rr‬د ج‪rr‬ذورها خ‪rr‬ارج المدرس‪rr‬ة‪ ،‬والمتغ‪rr‬يرات‬
‫األخ‪rr‬رى ال‪rr‬تي تغطي الحي‪rr‬اة المهني‪rr‬ة للمعلم وت‪rr‬ؤدي الى نج‪rr‬اح الط‪rr‬الب‬
‫اجتماعيا ومدرسيا‪.‬‬
‫بعض المفاهيم األساسية في علم ال اجتماع ‪Sociological Concepts‬‬

‫التنشئة االجتماعية‪ ،‬الثقافة‪ ،‬والهوية ‪Socialization, Culture and‬‬


‫‪Identity‬‬
‫التنشئة االجتماعية هي عملية تعلم مستمرة مدى الحياة لثقافة المجتمع‪ ،‬اما‬
‫الثقاف‪rrrrrr‬ة ‪ Culture‬فهي البرمج‪rrrrrr‬ة الجمعي‪rrrrrr‬ة لعقولن‪rrrrrr‬ا ‪collective‬‬
‫‪ ،,Programming of our Mind‬وتلعب الثقاف‪rrr‬ة دورا حاس‪rr‬ما في‬
‫تشكيل الهوية‪ .‬والهوية هي كيف نرى او نحدد أنفسنا‪ ،‬شخص‪rr‬ياتنا‪ ،‬وكي‪rr‬ف‬
‫يران‪rr‬ا االخ‪rr‬رون‪ ،‬فمثال نحن ن‪rr‬رى أنفس‪rr‬نا بواح‪rr‬دة او أك‪rr‬ثر من المح‪rr‬ددات‬
‫االتية‪ :‬مسلم‪ ،‬عربي إنكليزي‪ ،‬هندي‪ ،‬ام‪rr‬رأة‪ ،‬ط‪rr‬الب‪ ،‬اب‪ .‬ه‪rr‬ذا وان معظم‬
‫أوجه هوياتنا الفردي‪rr‬ة تتش‪rr‬كل ع‪rr‬بر وس‪rr‬ائل التنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تب‪rr‬دأ‬
‫باألسرة‪ ،‬والمدرسة واألصدقاء ووسائل االعالم انته‪rr‬اء بجماع‪rr‬ة العم‪rr‬ل‪( .‬‬
‫‪Browne 2010, (Hofstede 1994‬‬
‫األدوار وصراع األدوار ‪Roles and Role Conflict‬‬
‫الدور مفهوم يشير الى نمط السلوك المتوقع والمقبول عندما يشغل االنسان‬
‫موق‪rr‬ع او مكان‪rr‬ة معين‪rr‬ة‪ ،‬انه‪rr‬ا تمام‪rr‬ا تش‪rr‬به أدوار الممثلين في المس‪rr‬رح او‬
‫التلفاز‪ .‬واالنسان عادة يشغل أدوارا مختلفة في حياته‪ ،‬كما يشغل أك‪rr‬ثر من‬

‫‪31‬‬
‫دور في ان واحد‪ ،‬فهو يؤدي دور طفل وشاب وبالغ وشيخ‪ ،‬وطالب ورب‬
‫اسرة وسائق س‪rr‬يارة اج‪rr‬رة (بع‪rr‬د انته‪rr‬اء عمل‪rr‬ه الص‪rr‬باحي)‪ .‬القائمون به‪rr‬ذه‬
‫األدوار يتوقع منهم المجتمع ان يسلكوا سلوكا معينا‪ .‬ويشغل االنس‪rr‬ان ع‪rr‬دة‬
‫أدوار في ان واحد‪ ،‬فمثال المرأة قد تؤدي دور ام واخت وعامل‪rr‬ة في مقهى‬
‫وزوج‪r‬ة وربم‪r‬ا ت‪r‬ؤدي دور االب واالم في وقت واح‪r‬د عن‪r‬دما يك‪r‬ون االب‬
‫غائبا او مطرودا او ميتا‪ .‬بعض ه‪rr‬ذه األدوار يمكن اش‪rr‬غالها بتن‪rr‬اغم‪ ،‬ولكن‬
‫بعضها ق‪rr‬د ي‪rr‬ؤدي الى "ص‪rr‬راع األدوار" حيث تعج‪rr‬ز الم‪rr‬رأة عن التوفي‪rr‬ق‬
‫مثال بين دورها أما ودورها عاملة بدوام كامل‪ ،‬او عن‪rr‬دما تأخ‪rr‬ذ دور االب‬
‫واالم في وقت واحد‪)Haralambos 1991( .‬‬

‫القيم والمعايير ‪Values and Norms‬‬


‫القيم‪ :‬أفكار ومعتقدات ح‪rr‬ول أش‪rr‬ياء ج‪rr‬ديرة باالهتم‪rr‬ام‪ ،‬وهي نزع‪rr‬ة عام‪rr‬ة‬
‫لتفضيل مجموع‪r‬ة من القض‪rr‬ايا على حس‪rr‬اب مجموع‪r‬ة أخ‪rr‬رى ول‪rr‬ذلك فهي‬
‫دلي‪rr‬ل ع‪rr‬ام للس‪rr‬لوك‪ ،‬فمثال في الع‪rr‬راق ل‪rr‬دينا قيم مث‪rr‬ل الش‪rr‬رف واألمان‪rr‬ة‬
‫والص‪rr‬دق واإلخالص في العم‪rr‬ل واح‪rr‬ترام ال‪rr‬زمن (طبع‪rr‬ا اغلب ه‪rr‬ذه القيم‬
‫نتداولها قوال ونهجرها فعال) وفي المجتمع اإلنكل‪rr‬يزي مثال ل‪rr‬ديهم قيم مث‪rr‬ل‬
‫اح‪rr‬ترام حي‪rr‬اة االنس‪rr‬ان‪ ،‬والخصوص‪rr‬ية‪ ،‬وال‪rr‬زواج‪ ،‬والم‪rr‬ال والنج‪rr‬اح‪ .‬وفي‬
‫العادة هناك ضغط اجتماعي كبير على االفراد لالمتثال لقيم المجتم‪rr‬ع‪ .‬ام‪rr‬ا‬
‫المع==ايير فأنه‪rr‬ا وح‪rr‬دة قي‪rr‬اس القيم ال‪rr‬تي بمقتض‪rr‬اها تح‪rr‬ول القيم الى قواع‪rr‬د‬
‫اجتماعية تحدد الصحيح والمقبول من السلوك‪ .‬بمعنى أدق المعايير ت‪rr‬ترجم‬
‫القيم (بوصفها مثال عليا) الى سلوك‪ ،‬مثال " الخصوصية" قيمة اما معي‪rr‬ار‬

‫‪32‬‬
‫السلوك المرتبط بها فيكون ان تطرق الباب قبل الدخول‪ ،‬او مثال "اح‪rr‬ترام‬
‫حياة االنسان " قيمة والسلوك المرتبط بها ان ال تشرب الكحول وانت تقود‬
‫سيارتك‪ .‬وفي بالدنا العربية بعام‪rr‬ة ل‪rr‬دينا مع‪rr‬ايير قيمي‪rr‬ة مختلف‪r‬ة نوع‪r‬ا م‪rr‬ا‪،‬‬
‫فمثال‪ ،‬ال يج‪rr‬وز الغن‪rr‬اء في المس‪rr‬جد او الض‪rr‬حك اثن‪rr‬اء تش‪rr‬ييع الجن‪rr‬ازة‪ ،‬او‬
‫التعري في الشارع او ال‪rr‬دخول الى مجلس من دون القاء التحي‪rr‬ة‪ ،‬الن ه‪rr‬ذ‬
‫الس‪rr‬لوك م‪rr‬زعج‪ ،‬ووقح‪ ،‬وش‪rr‬اذة وخ‪rr‬ارج عن الم‪rr‬ألوف‪Taylor et al( .‬‬
‫‪)2004, Hofstede 1994‬‬
‫الضبط االجتماعي ‪Social Control‬‬
‫الض‪rr‬بط االجتم‪rr‬اعي مفه‪rr‬وم يرتب‪rr‬ط بع‪rr‬دة ط‪rr‬رق ألقن‪rr‬اع او اجب‪rr‬ار االف‪rr‬راد‬
‫لالمتثال لقيم المجتمع ومعاييره التي يتعلمها الف‪rr‬رد خالل عملي‪rr‬ات التنش‪rr‬ئة‬
‫االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬للحيلول‪rr‬ة دون ح‪rr‬دوث خ‪rr‬دش في ج‪rr‬دار االمن االجتم‪rr‬اعي‪.‬‬
‫والمجتمع أي مجتمع‪ ،‬متقدم او متخلف متحضر او متوحش يمتل‪rr‬ك روادع‬
‫‪ ،Sanctions‬وه‪rr‬ذه ال‪rr‬روادع تمث‪rr‬ل المكاف‪rr‬أة والعقوب‪rr‬ة ال‪rr‬تي عن طريقه‪rr‬ا‬
‫يمكن لوسائل الضبط االجتماعي تحقي‪rr‬ق االمتث‪rr‬ال للمع‪rr‬ايير وتعزي‪rr‬ز القيم‪.‬‬
‫وال‪r‬روادع يمكن ان تك‪r‬ون إيجابي‪r‬ة (تش‪r‬جيعية) او س‪r‬لبية (عقابي‪r‬ة)‪ ،‬ونم‪r‬ط‬
‫الردع يعتمد على جدية المعيار‪ ،‬فالروادع اإليجابية تتدرج من الم‪rr‬ديح الى‬
‫الهدايا العينية كالحلوى لألطفال‪ ،‬او ش‪rr‬ارة التم‪rr‬يز المدرس‪rr‬ية‪ ،‬الى األلقاب‬
‫الفخمة وانواط الشجاعة وامتيازات أخ‪rr‬رى‪ .‬ام‪rr‬ا ال‪rr‬روادع الس‪rr‬لبية فتت‪rr‬درج‬
‫أيضا من االستهجان الى النبذ والغرامة ثم السجن‪ .‬وتنقسم وس‪rr‬ائل الض‪rr‬بط‬
‫االجتماعي الى وسائل رسمية ووسائل غير رسمية‪ .‬س‪rr‬ناتي على تفص‪rr‬يلها‬
‫الحقا‪)Browne 2010, Giddens 1989( .‬‬

‫‪33‬‬
‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫الحصيلة التي نخرج بها في هذا الفصل هي ان الظاهرة االجتماعي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫تحدث لها ما وراءها‪ ،‬أي ان الظواهر ليست كما تبدو‪ ،‬هناك دائم‪rr‬ا الوج‪rr‬ه‬
‫غير المرئي والذي يحتاج الى مجهود وخبرة علمية للكشف عنه‪ .‬الت‪rr‬دريب‬
‫األكاديمي الناقص يمكن ان يقدم لنا ب‪rr‬احثين ينظ‪rr‬رون في األش‪rr‬ياء بنص‪rr‬ف‬
‫عين‪ ،‬باحثين يتوقفون في منتصف الطريق يتلفتون الى ال‪rr‬وراء بحث‪rr‬ا عمن‬
‫ينقذهم من الورطة‪ ،‬الن تأهيلهم ناقص‪ ،‬وتدريبهم ناقص وتفكيرهم ناقص‪.‬‬
‫المعرفة العلمية لإلنسان والثقافة والمجتمع تحتاج الى تواصل مع‪rr‬رفي م‪rr‬ع‬
‫االخ‪rr‬رين في حقول المعرف‪rr‬ة األخ‪rr‬رى‪ ،‬في البل‪rr‬دان األخ‪rr‬رى وربم‪rr‬ا في‬
‫الك‪rr‬واكب األخ‪rr‬رى‪ ،‬واال س‪rr‬يبقى الب‪rr‬احث في ح‪rr‬دود الرطان‪rr‬ة ال‪rr‬تي لم يفهم‬
‫نصفها في سني التحصيل األكاديمي‪.‬‬
‫التعريف بعلم االجتماع الذي قدمناه ال يكفي لرحلة طويلة األمد‪ ،‬انه مجرد‬
‫تعريف ضمن مئات التعريفات التي كتبه‪r‬ا مفك‪r‬رون في ه‪r‬ذا الحقل‪ ،‬ولكن‬
‫ربما تكون الخطوة األولى سببا ليس فقط في التعرف على خصائص العلم‬
‫ولكن في انشاء عالقة عاطفية معه‪ .‬كثيرون س‪rr‬يقرؤون نص‪rr‬ف المقدم‪rr‬ة ثم‬
‫يرمون الكتاب بأكمل‪rr‬ه خل‪rr‬ف ظه‪rr‬ورهم‪ .‬والقراءة المج‪rr‬زأة لن ت‪rr‬ترك ل‪rr‬دى‬
‫القارئ اثرا عندما يدخل الميدان‪ .‬وكث‪rr‬يرون أيض‪rr‬ا يكتف‪rr‬ون بقراءة عن‪rr‬وان‬
‫الكت‪rr‬اب ثم يدخلون‪rr‬ه ع‪rr‬الم الرف‪rr‬وف‪ ،‬وعن‪rr‬دما يحت‪rr‬اجون الي‪rr‬ه في ابح‪rr‬اثهم‬
‫ودراساتهم ومحاضراتهم سيجدون صعوبة بالغة في العثور على المعلومة‬
‫التي تنقذهم من الرطانة التي تعايشوا معها عمرا‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ليس عبثا ترديد البعض ق‪rr‬ول المتن‪rr‬بي "وخ‪rr‬ير ص‪rr‬ديق في الزم‪rr‬ان كت‪rr‬اب"‬
‫واني ألشفق على الجيل الرقمي الذي تعرض لغزو الشبكة العنكبوتية التي‬
‫اخذت منهم الكتاب واستبدلته بمقوالت وخزعبالت والغاز‪ ،‬حتى اص‪rr‬بحت‬
‫قراءة كتاب ع‪rr‬ادة قديم‪rr‬ة بالي‪rr‬ة يجب نس‪rr‬يانها‪ ،‬وج‪rr‬ل م‪rr‬ا اخش‪rr‬اه ان يتح‪rr‬ول‬
‫قارئ الكتاب الى فارس من فرسان العصور الوسطى في ندرته ومثابرت‪rr‬ه‬
‫وشجاعته‪.‬‬
‫فاذا افترضنا ان أحدا سيقرأ هذا الفصل فانه سيكون قادرا على‪:‬‬
‫ـ معرف‪rr‬ة الف‪rr‬رق بين علم االجتم‪rr‬اع وأص‪rr‬حاب نظري‪rr‬ة "الب‪rr‬ديهيات؛‪ ،‬كم‪rr‬ا‬
‫يمكنه التفريق بينه وبين التفسيرات الطبيعية للظواهر‬
‫ـ فهم المشكالت التي تواجه علم االجتماع عند مقارنته مع العلوم الطبيعية‬
‫ـ لماذا يعد علم االجتماع علما وليس ضربا من الرطانة‬
‫ـ ان يتع‪rr‬رف بش‪rr‬كل م‪rr‬وجز على التنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬والثقاف‪rr‬ة‪ ،‬والهوي‪rr‬ة‪،‬‬
‫واألدوار وصراع األدوار‪ ،‬القيم والمعايير والضبط االجتماعي‪.‬‬
‫هذه هي رسالة هذا الفصل فاذا احكمنا السيطرة عليه سيكون بمقدورنا ان‬
‫نجد اقداما وارضا جديدة تُدب عليه‪rr‬ا ه‪rr‬ذه االق‪rr‬دام في رحل‪rr‬ة التع‪rr‬رف على‬
‫المجتمع المعاصر بكل اشكالياته وتناقضاته وتحدياته‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المجتمع المعاصر‬
‫‪Contemporary Society‬‬

‫‪36‬‬
‫المجتمع المعاصر مجاميع تهر بعضها على بعض‬

‫جنون التطور ‪Madness of Development‬‬


‫بعد منتصف العقد التاسع من القرن العشرين‪ ،‬حدثت تطورات تكنولوجي‪rr‬ة‬
‫ساهمت في تغيير شكل المجتمع‪r‬ات البش‪r‬رية تغي‪r‬يرا ش‪r‬امال‪ .‬على مس‪r‬توى‬
‫المجتمع الواح‪rr‬د تب‪rr‬دلت العالق‪rr‬ات الشخص‪rr‬ية‪ ،‬ومنظوم‪rr‬ات القيم واألخالق‬
‫العامة والعالقات المؤسسية ووسائل االتصال والضبط االجتم‪rr‬اعي‪ .‬وعلى‬
‫المستوى االوسع صار العالم أصغر من علبة كبريت‪ ،‬وص‪rr‬ار بمقدور أي‬

‫‪37‬‬
‫ش‪rr‬خص معرف‪rr‬ة ع‪rr‬ادات الش‪rr‬عوب وطبائعه‪rr‬ا بض‪rr‬غطة زر وفي دق‪rr‬ائق‪.‬‬
‫والمؤسف في ه‪rr‬ذا التط‪rr‬ور ان الفج‪rr‬وة بين الع‪rr‬الم األول (ال‪rr‬دول المتقدم‪rr‬ة)‬
‫والع‪rr‬الم الث‪rr‬الث (ال‪rr‬دول النامي‪rr‬ة) ازدادت اتس‪rr‬اعا‪ .‬وبفض‪rr‬ل ه‪rr‬ذا االتس‪rr‬اع‬
‫صارت الهيمنة على الدول اقل كلفة وأكثر فعالية‪ ،‬فانكف‪rr‬أت ال‪rr‬دول الفقيرة‬
‫وتحولت الى كانتونات مستهلكة تتلقى األوامر ع‪rr‬بر اجه‪rr‬زة استش‪rr‬عار عن‬
‫بعد‪ ،‬فاذا عزمت على التصرف باس‪r‬تقاللية مورس‪r‬ت عليه‪r‬ا ض‪r‬غوط اقله‪r‬ا‬
‫التجويع وأشدها التشريد كما ح‪rr‬دث ل‪rr‬دول مث‪rr‬ل الع‪rr‬راق وأفغانس‪rr‬تان وليبي‪rr‬ا‬
‫وسوريا واليمن وقبلها الصومال ودول البلقان واوغن‪rr‬دا وكوري‪rr‬ا الش‪rr‬مالية‬
‫وغيره‪rr‬ا‪ .‬ومن ت‪rr‬أثيرات التط‪rr‬ور الس‪rr‬ريع تب‪rr‬ني المجتمع‪rr‬ات األق‪rr‬ل تط‪rr‬ورا‬
‫بعض مف‪rrr‬اهيم المجتمع‪rrr‬ات األك‪rrr‬ثر تط‪rrr‬ورا وعاداته‪rrr‬ا وقيمه‪rrr‬ا‪ ،‬فمثال‬
‫المجتمعات العربية ال‪rr‬تي نكص‪rr‬ت الى ال‪rr‬وراء بع‪rr‬د ان استش‪rr‬عرت التح‪rr‬دي‬
‫القيمي والذت بالمظاهر الدينية الشكلية زي‪rr‬ا وش‪rr‬عارا وليس س‪rr‬لوكا وفعال‪،‬‬
‫لم تستطع مقاومة عملية التالقح الثقافي التي كانت تتغلغ‪rr‬ل س‪rr‬را لتقويض‬
‫المع‪rr‬ايير القيمي‪rr‬ة العربي‪rr‬ة بص‪rr‬مت‪ ،‬فالعالق‪rr‬ة بين االن‪rr‬اث وال‪rr‬ذكور في‬
‫المجتمعات المتطورة تحدث خارج مؤسس‪rr‬ة ال‪rr‬زواج كم‪rr‬ا يح‪rr‬دث في ع‪rr‬الم‬
‫الحيوان‪ ،‬فحيثما يلتقي اثنان ويعجب احدهما باآلخر فانهما يذهبان لتك‪rr‬وين‬
‫عالقة تشبه الزواج ولكنها سرعان ما تنفلت ويذهب كل منهم‪rr‬ا للبحث عن‬
‫ش‪rr‬ريك جدي‪rr‬د وتتك‪rr‬رر العملي‪rr‬ة فتص‪rr‬بح االس‪rr‬رة المس‪rr‬تقرة نس‪rr‬بيا في حكم‬
‫الالغي‪rrrr‬ة‪ ،‬في البالد العربي‪rrrr‬ة ب‪rrrr‬دأ الن‪rrrr‬اس يحت‪rrrr‬الون على القيم الديني‪rrrr‬ة‬
‫واالجتماعية وصاروا يمارسون السلوك نفسه عبر مس‪rr‬ميات مث‪rr‬ل ال‪rr‬زواج‬
‫الع‪rrr‬رفي وزواج المتع‪rrr‬ة وزواج المس‪rrr‬يار‪ ،‬وهي تمام‪rrr‬ا تش‪rrr‬به عالق‪rrr‬ة (‬

‫‪38‬‬
‫‪ )Boyfriend & girlfriend‬ولكن بحيل‪rr‬ة ش‪rr‬رعية‪ .‬التغلغ‪rr‬ل الثقافي لم‬
‫يقتصر على تسميم المؤسسة العائلية وانم‪rr‬ا تس‪rr‬رب نح‪rr‬و تس‪rr‬ميم المؤسس‪rr‬ة‬
‫السياسية والمؤسسة التربوية والمؤسسة الديني‪rr‬ة ومنظوم‪rr‬ة القيم األخالقي‪rr‬ة‬
‫بكامل عدتها وعديدها‪ .‬في النهاي‪r‬ة س‪r‬يتم تغ‪r‬ييب االس‪r‬رة تمام‪r‬ا‪ ،‬واض‪r‬عاف‬
‫الدين الى اقصى حد ممكن وتقليل كفاءة التعليم الى حد التجهي‪rr‬ل‪ ،‬والعملي‪rr‬ة‬
‫ماضية بهذا االتجاه ليتشكل مجتمع قائم على الفردية المطلقة فال االب وال‬
‫االم وال المدرسة وال المسجد بمقدورهم إيقاف العجلة التي يركبها الش‪rr‬باب‬
‫متأثرا بما يرى من انحالل في المجتمع‪rr‬ات المتط‪rr‬ورة‪ .‬وبالنتيج‪rr‬ة س‪rr‬تظهر‬
‫اث‪rr‬ار ام‪rr‬راض المجتمع‪rr‬ات المتط‪rr‬ورة علين‪rr‬ا‪ ،‬وان ك‪rr‬ان بعض‪rr‬ها ب‪rr‬دء فعال‬
‫بالظهور‪ ،‬مثل انتشار المخ‪rr‬درات وزي‪rr‬ادة اع‪rr‬داد ال‪rr‬والدات غ‪rr‬ير الش‪rr‬رعية‬
‫وتجارة الجسد والجريمة المنظمة واالعتداء على الحقوق العامة‪ ،‬ه‪rr‬ذا الى‬
‫جانب االم‪rr‬راض النفس‪rr‬ية ل‪rr‬دى األطف‪rr‬ال غ‪rr‬ير الش‪rr‬رعيين واألطف‪rr‬ال ال‪rr‬ذين‬
‫يعانون من الحرمان العاطفي بس‪rr‬بب التفك‪rr‬ك الع‪rr‬ائلي‪ .‬ه‪rr‬ذه هي "العولم‪rr‬ة"‬
‫التي ستقودنا الى الالمكان‪.‬‬
‫اإلحساس بالمجتمع ‪ Making Sense of Society‬بغض النظر عن‬
‫درجة تطور المجتمعات ودرجة تعقي‪rr‬دها‪ ،‬ف‪rr‬ان االنس‪rr‬ان س‪rr‬وف لن يتح‪rr‬ول‬
‫الى كائن فضائي يتحرك بطريقة مبرمج‪rr‬ة الكتروني‪rr‬ا‪ ،‬س‪rr‬يبقى بحاج‪rr‬ة الى‬
‫المجتمع‪ .‬ربما تتغير درجة االمتثال للمعايير‪ ،‬وربما تتغ‪rr‬ير انم‪rr‬اط االس‪rr‬رة‬
‫وربما تتبدل العادات والتقاليد ولكن يبقى االنسان كائنا اجتماعي‪rr‬ا كم‪rr‬ا ك‪rr‬ان‬
‫منذ االزل‪ ،‬ال يستطيع ان يحي‪rr‬ا في ف‪rr‬راغ وال في فوض‪rr‬ى تام‪rr‬ة‪ .‬لقد أدرك‬
‫دوركه‪rr‬ايم مبك‪rr‬را اول لغ‪rr‬ز حقيقي للحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة ف‪rr‬األفراد يموت‪rr‬ون‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫ويولد غ‪rr‬يرهم والمجتم‪rr‬ع يس‪rr‬تمر‪ ،‬ان‪rr‬ه تمام‪rr‬ا مث‪rr‬ل الن‪rr‬ادي الرياض‪rr‬ي ال‪rr‬ذي‬
‫يحتفظ فريقه بخصائصه واسلوبه في اللعب ع‪rr‬بر ال‪rr‬زمن‪ ،‬على ال‪rr‬رغم من‬
‫ان العبيه ومدربيه يذهبون او يس‪r‬تبدلون بغ‪r‬يرهم‪ .‬ربم‪r‬ا يح‪r‬دث م‪r‬درب او‬
‫العب تغييرا جوهريا على مستوى أداء الفريق وأسلوب لعب‪rr‬ه ويقوده الى‬
‫نجاح او اخفاق‪ .‬بالطريقة نفسها يعم‪r‬ل المجتم‪r‬ع‪ ،‬اف‪rr‬راد ي‪r‬ذهبون واخ‪r‬رون‬
‫يأتون‪ ،‬أش‪r‬ياء كث‪r‬يرة تس‪r‬تمر ع‪r‬بر ال‪r‬زمن‪ ،‬مث‪r‬ل اللغ‪r‬ة‪ ،‬والكتاب‪r‬ة‪ ،‬وال‪r‬دين‪،‬‬
‫واالس‪rr‬رة‪ ،‬والملكي‪rr‬ة الخاص‪rr‬ة‪ ،‬واالدب‪ ،‬والط‪rr‬رز المعماري‪rr‬ة واالحس‪rr‬اس‬
‫بالتاريخ والهوية‪ ،‬وهذه أيضا قابلة للتغير والتب‪rr‬دل والتح‪rr‬ول‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا تبقى‬
‫تحت العنوان نفسه‪ ،‬لذلك من الخطأ التفكير ب‪rr‬ان مؤسس‪rr‬ات المجتم‪rr‬ع يمكن‬
‫ان تكون قيدا على الفعل الفردي‪ ،‬ربما تكون المعادلة معكوسة فمؤسس‪rr‬ات‬
‫المجتمع تعمل على جعل الحياة االجتماعية ممكنة‪ ،‬وت‪rr‬زود االف‪rr‬راد باللغ‪rr‬ة‬
‫التي تمنحهم القدرة على االتص‪rr‬ال والتفاع‪rr‬ل‪ ،‬ق‪rr‬د تتغ‪rr‬ير اللغ‪rr‬ة أيض‪rr‬ا ولكن‬
‫االتصال والتفاعل عبر اللغة سيبقى ابديا‪ ،‬واللغ‪rr‬ة اح‪rr‬دى مكون‪rr‬ات الثقاف‪rr‬ة‪،‬‬
‫ل‪rrr‬ذلك ف‪rrr‬ان الثقاف‪rrr‬ة س‪rrr‬تبقى بك‪rrr‬ل مكوناته‪rrr‬ا وستس‪rrr‬تمر بتزوي‪rrr‬د االف‪rrr‬راد‬
‫بالمشتركات‪ .‬ابعاد المجتمع وإحالل الفرد محله لن يجع‪rr‬ل الف‪rr‬رد ح‪rr‬را الن‬
‫الفرد بحاج‪rr‬ة الى المجتم‪rr‬ع لكي يبقى انس‪rr‬انا او كم‪rr‬ا ق‪rr‬ال ك‪rr‬ارل م‪rr‬اركس (‬
‫‪ )Marx 1976:174‬االنس‪rr‬ان ليس كائن‪rr‬ا مج‪rr‬ردا يعيش خ‪rr‬ارج الع‪rr‬الم‪،‬‬
‫االنس‪rr‬ان عالم‪rr‬ه االنس‪rr‬ان والدول‪rr‬ة والمجتم‪rr‬ع ‪Man is the world of‬‬
‫‪ .man, the state, and society‬لهذا ال يؤيد اغلب علماء االجتم‪rr‬اع‬
‫حياة الفوضى‪ ،‬ولكنهم يدفعون باتجاه تغيير مؤسسات المجتمع واصالحها‪.‬‬
‫لنأخذ مثال العالقة بين اإلباء واالبناء والتي تمث‪rr‬ل حج‪rr‬ر األس‪rr‬اس في بن‪rr‬اء‬

‫‪40‬‬
‫المجتمع‪ ،‬قد ال يكون القارئ أب‪rr‬ا‪ ،‬ولكن‪rr‬ه حتم‪rr‬ا ابن‪rr‬ا او بنت‪rr‬ا ألب‪rr‬وين‪ ،‬وهم‪rr‬ا‬
‫اللذان يعلمان األبناء القيام بأدوارهم‪ .‬والس‪rr‬ؤال ه‪rr‬و م‪rr‬ا ال‪rr‬ذي يجع‪rr‬ل بعض‬
‫األبناء جيدين وبعضهم سيئين؟ على اف‪rr‬تراض ان االب‪rr‬وين تعّرض‪rr‬ا الزم‪rr‬ة‬
‫مالي‪rr‬ة او ص‪rr‬حية وأص‪rr‬بحا بحاج‪rr‬ة الى مس‪rr‬اعدة األبن‪rr‬اء‪ .‬ه‪rr‬ل هم ملزم‪rr‬ون‬
‫بتقديمها لهما؟ في المجتمع الصناعي المتقدم ربما يتعرض األبناء لضغوط‬
‫من موظفي الخدمة االجتماعي‪rr‬ة إلعان‪rr‬ة االب‪rr‬وين‪ ،‬ف‪rr‬ان لم يفعل‪rr‬وا وغالب‪rr‬ا ال‬
‫يفعلون فان السلطات المحلي‪r‬ة ق‪rr‬د تقدم بعض الع‪r‬ون او تس‪r‬تخدم م‪r‬دخرات‬
‫االبوين لمساعدتهما‪ .‬ق‪r‬د يش‪r‬عر بعض األبن‪r‬اء ب‪r‬ان عليهم التزام‪r‬ا لمس‪r‬اعدة‬
‫االب‪rr‬وين‪ ،‬لكن ذل‪rr‬ك ال يح‪rr‬دث بفع‪rr‬ل ض‪rr‬غط اجتم‪rr‬اعي وانم‪rr‬ا بفع‪rr‬ل ض‪rr‬غط‬
‫أخالقي‪ .‬الموقف ربما يكون مختلفا جدا في المجتمعات األقل تقدما وال‪rr‬تي‬
‫ليس لديها نظام رعاية اجتماعية فعّال الس‪ّrr‬يما في البالد العربي‪rr‬ة‪ ،‬حيث ان‬
‫سمعة االسرة تعتمد كليا على التوقعات االجتماعية‪ ،‬فان ت‪rr‬ردد األبن‪rr‬اء عن‬
‫مساعدة الوالدين فانهم والش‪rr‬ك سيتعرض‪rr‬ون لعقوب‪rr‬ات اجتماعي‪rr‬ة (وليس‪rr‬ت‬
‫عقوبات رسمية)‪ ،‬عقوبات قد تأخذ شكل اإلدان‪rr‬ة‪ ،‬او االس‪rr‬تهجان او النظ‪rr‬ر‬
‫اليهم بنظرة دونية‪ ،‬وقد تصل العقوبات الى اإلهان‪rr‬ة المباش‪rr‬رة على م‪rr‬رأى‬
‫ومس‪rr‬مع اف‪rr‬راد المجتم‪rr‬ع المحلي‪ ،‬ثم تض‪rr‬رب بهم االمث‪rr‬ال للتن‪rr‬در ولت‪rr‬ذكير‬
‫األبن‪rr‬اء ب‪rr‬التزامهم األخالقي إزاء االب‪rr‬وين "ه‪rr‬ل تري‪rr‬د ان تك‪rr‬ون مث‪rr‬ل فالن‬
‫الذي ترك امه في المشفى وهو يملك ما يكفي لعالجها" او "مث‪rr‬ل ابن فالن‬
‫الذي ارسل ابوه لدار العجزة إرضاء لزوجته" مثل هذه العقوب‪rr‬ات س‪rr‬تكون‬
‫روادع لآلخرين‪ .‬ولكن في مجتمع يتجه بقوة نح‪rr‬و االس‪rr‬رة النووي‪rr‬ة ونح‪rr‬و‬
‫الفردية‪ ،‬من المتوقع ان تضعف الروادع األخالقية‪ ،‬السيما وان خصائص‬

‫‪41‬‬
‫المجتمع المحلي في المدن الكبيرة بدأت تتالشى وتتحول االسرة الى وحدة‬
‫مستقلة وبالتالي س‪rr‬تتولد انم‪rr‬اط قيمي‪rr‬ة جدي‪rr‬دة وتوقع‪rr‬ات جدي‪rr‬دة يك‪rr‬ون فيه‪rr‬ا‬
‫األبن‪rr‬اء في من‪rr‬أى عن الض‪rr‬غوط االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬ويك‪rr‬ون على اإلب‪rr‬اء ت‪rr‬امين‬
‫حياتهم عند الك‪rr‬بر او الحاج‪rr‬ة بعي‪rr‬دا عن التوقع‪rr‬ات‪ .‬في س‪rr‬ياق ذل‪rr‬ك يقترح‬
‫علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع (‪ )Bilton et al 2002‬ان تقوم الهي‪rr‬أة االجتماعي‪rr‬ة‬
‫وأص‪rr‬حاب القرار ب‪rr‬إجراءات ص‪rr‬ارمة لتعزي‪rr‬ز قيم اجتماعي‪rr‬ة مرغوب‪rr‬ة‬
‫للوقوف بوجه التغي‪rr‬ير الن‪rr‬اتج عن الحري‪rr‬ات الفردي‪rr‬ة الس‪rr‬ائبة‪ ،‬لكيال تظه‪rr‬ر‬
‫حركات مثل "طالب‪r‬ان والقاع‪r‬دة" والحرك‪r‬ات المتطرف‪rr‬ة األخ‪r‬رى لتف‪r‬رض‬
‫أنظمة بطريركية ظالمة تعود بنا قرون الى الوراء بحجة مواجه‪rr‬ة األفك‪rr‬ار‬
‫الغربي‪rr‬ة او تعم‪rr‬ل كأنه‪rr‬ا رد فع‪rr‬ل على غي‪rr‬اب منظوم‪rr‬ات القيم ال‪rr‬تي تحمي‬
‫االنسان وتحمي المجتمع من االنحالل والتفكك‪.‬‬
‫وفي ضوء ذلك فان السلطة االجتماعية وسلطة الدولة يمكن ان ت‪rr‬ؤثر على‬
‫المجتمع تأثيرا بالغ‪rr‬ا‪ .‬أحيان‪rr‬ا تفس‪rr‬ر بعض األش‪rr‬ياء خط‪rr‬أ‪ ،‬حيث تع‪rr‬د بعض‬
‫القض‪rr‬ايا الكب‪rr‬يرة وكأنه‪rr‬ا خ‪rr‬ارج الس‪rr‬يطرة‪ ،‬او هي ق‪rr‬در ُك تب علين‪rr‬ا‪ ،‬مث‪rr‬ل‬
‫ظهور داعش ‪ ISIS‬او الفقر او الجهل او المرض‪ ،‬ولكن عند النظر اليه‪rr‬ا‬
‫بإمعان نجد انها ليس‪rr‬ت ظ‪rr‬واهر طبيعي‪rr‬ة ال يمكن الس‪rr‬يطرة عليه‪rr‬ا‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا‬
‫مش‪rr‬كالت من ص‪rr‬ناعة البش‪rr‬ر له‪rr‬ا عالق‪rr‬ة بالفس‪rr‬اد االقتص‪rr‬ادي‪ ،‬والسياس‪rr‬ي‬
‫والثقافي‪ .‬وامثلة ذلك كثيرة في الغرب وفي الشرق‪ .‬ففي البالد المتط‪rr‬ورة‪،‬‬
‫ظهر جنون البقر ‪ mad cow diseases‬وانفل‪r‬ونزا الخن‪r‬ازير (‪Swine‬‬
‫‪ )flue‬وانفلونزا الطي‪rr‬ور (‪ )Avian Flue‬وف‪rr‬يروس االيب‪rr‬والِ (‪،)Ebola‬‬

‫‪42‬‬
‫يقابه‪rr‬ا الفقر والم‪rr‬رض وتخل‪rr‬ف الب‪rr‬نى التحتي‪rr‬ة‪ ،‬وس‪rr‬وء التعليم والخ‪rr‬دمات‬
‫العامة‪ ،‬في البلدان النائمة‪ ،‬وكال منهما سببه الفساد السياسي واالقتصادي‪.‬‬
‫ع‪rr‬دد كب‪rr‬ير من علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع (‪Dürrschmidt &Taylor 2007,‬‬
‫‪ )Giddens 1990‬بدأوا يقرعون أجراس الخطر‪ ،‬الى اننا نشهد مرحل‪rr‬ة‬
‫انعدام الثقة بالسياسيين‪ ،‬والعلماء وأدوات الس‪rr‬لطة‪ ،‬فالحقب‪rr‬ة الحالي‪rr‬ة دخلت‬
‫مرحل‪rr‬ة العلماني‪rr‬ة التام‪rr‬ة‪ ،‬وانحس‪rr‬ار الس‪rr‬لطة الديني‪rr‬ة‪ ،‬فيم‪rr‬ا ع‪rr‬دا المس‪rr‬اهمة‬
‫الشكلية في ممارسة الطقوس او المناس‪rr‬بات الديني‪rr‬ة‪ ،‬كم‪rr‬ا ان هن‪rr‬اك تنامي‪rr‬ا‬
‫ملحوظ‪rr‬ا في تآك‪rr‬ل الثقة في قواع‪rr‬د اجتماعي‪rr‬ة تقليدي‪rr‬ة كمؤسس‪rr‬ات الدول‪rr‬ة‪،‬‬
‫والعلوم‪ ،‬والمهنيين ‪ .Professionals‬في بالدنا العربية سار أغلب رجال‬
‫الدين فيها على نهج نظرائهم في البالد المتط‪rr‬ورة فحول‪rr‬وا ال‪rr‬دين الى لعب‪rr‬ة‬
‫خادعة عن طريقها تم تدمير المجتمع وافساد مؤسس‪rr‬اته وذل‪rr‬ك عن‪rr‬دما لبس‬
‫اللص‪rr‬وص عم‪rr‬ائم واس‪rr‬تخدموها لته‪rr‬ريب المخ‪rr‬درات؛ او عن‪rr‬دما ي‪rr‬ؤدون‬
‫الصالة والصيام والحج حفاة عراة وتحت جلودهم سكاكين ح‪rr‬ادة يطعن‪rr‬ون‬
‫بها المجتمع والدين وأصحاب اليقين من الخلف‪ .‬ان انعدام الثقة بالسياسيين‬
‫ورجال السلطة مسالة تقليدية يمكن لحد ما قبولها ولكن انعدام الثقة برج‪r‬ال‬
‫الدين في مجتمع متدين بالعادة خطير جدا‪ ،‬ذل‪rr‬ك الن ال‪rr‬دين هوي‪rr‬ة االنس‪rr‬ان‬
‫والمجتمع وإذا فقد المجتمع هويت‪r‬ه تح‪r‬ول الى م‪r‬ا يش‪r‬به القطع‪r‬ان الش‪r‬اردة‪.‬‬
‫علم‪rr‬اء اجتم‪rr‬اع مث‪rr‬ل ع‪rr‬الم االجتم‪rr‬اع األلم‪rr‬اني )‪Ulrich Beck (1992‬‬
‫حذروا من ان المجتمع المعاصر مجتمع معبأ بالش‪rr‬كوك‪ ،‬م‪rr‬تزعزع وغ‪rr‬ير‬
‫آمن وهو على ح‪rr‬د تعب‪rr‬ير الع‪rr‬الم ‪ Beck‬مجتم‪rr‬ع خط‪rr‬ر ‪،Risk Society‬‬
‫فعندما يّسوق لنا لحم فاس‪r‬د وبيض منتهي الص‪rr‬الحية وفاكه‪r‬ة معدل‪r‬ة جيني‪r‬ا‬

‫‪43‬‬
‫ومنتجات مسرطنة عن‪rr‬دها يك‪rr‬ون الخط‪rr‬ر وانع‪rr‬دام الثقة في قلب الص‪rr‬ناعة‬
‫والزراعة والسياسة والدين وعندها أيضا يكون المجتمع البش‪rr‬ري بال ش‪rr‬ك‬
‫على حافة الهاوية‪Bilton et al (2002) .‬‬
‫هذه صورة المجتمع الحديث‪ ،‬فهل ارتبط الخطر بالحداثة وما بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة‬
‫ثم العولمة؟ لنقف أوال عند مفهوم علم االجتم‪rr‬اع االنعكاس‪rr‬ي قب‪rr‬ل الوق‪rr‬وف‬
‫عند اشكالية الحداثة والعولمة‪.‬‬
‫علم االجتماع االنعكاسي ‪Reflexive Sociology‬‬
‫علماء االجتماع األوائل كانوا يظنون ان علم االجتماع سيمكنهم من التنب‪rr‬ؤ‬
‫بما سيحدث للمجتمع‪ ،‬ولكن ثبت ان ذلك مجرد طموح‪ ،‬بيد ان ه‪rr‬ذا الف‪rr‬رع‬
‫من فروع المعرفة يمكنه المساعدة في فهم لماذا تتجه األشياء ه‪rr‬ذا االتج‪rr‬اه‬
‫وليس باتجاه اخ‪r‬ر‪ ،‬كم‪r‬ا يمكن‪r‬ه المس‪r‬اعدة في التفك‪r‬ير بب‪r‬دائل خّالق‪r‬ة‪ ،‬له‪r‬ذا‬
‫الس‪rr‬بب أراد علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع المعاص‪rr‬ر ان يك‪rr‬ون علم االجتم‪rr‬اع علم‪rr‬ا‬
‫انعكاس‪rr‬يا‪ .‬لقد ح‪rr‬اولوا فهم المجتم‪rr‬ع‪ ،‬ثم عمل‪rr‬وا على ض‪rr‬خ المعرف‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫اكتسبوها للحياة االجتماعية‪.‬‬
‫يقول جدنز (‪“ )Giddens 1991: 38‬االنعكاسية في الحياة االجتماعية‬
‫الحديثة تتجسد في حقيقة الممارسة االجتماعية‪ ،‬التي تتعرض لالمتحان‬
‫بشكل دائم وتعيد تشكيل نفسها في ضوء المعلومات عن اولئك الذين‬
‫يقومون بالفعل االجتماعي‪ ،‬ولذلك فأنها تعمل على تبديل خصائصها‬
‫مؤسسيا مما يستلزم ان نكون على درجة من الوضوح بشأن هذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬فكل اشكال الحياة االجتماعية جزئيا تتشكل بوساطة المعرفة‬
‫التي يمتلكها الفاعلون ‪ ،Actors‬معرفة كيف تمضي األشياء قدما‪ ...‬في‬
‫‪44‬‬
‫كل الثقافات الممارسة االجتماعية تتبدل بشكل تلقائي في ضوء‬
‫االكتشافات المتسارعة" وعلى هذا فان التأثير الفعلي للعلوم اإلنسانية‬
‫س‪rr‬يكون عميقا وال يس‪rr‬تغنى عن‪rr‬ه‪ ،‬المجتمع‪rr‬ات الحديث‪rr‬ة ومؤسس‪rr‬اتها تش‪rr‬به‬
‫مكائن عاقلة تجمع المعلومات من اجل الوصول الى الفهم الش‪rr‬امل لنفس‪rr‬ها‪.‬‬
‫المجتمع‪rr‬ات القادرة على الفع‪rr‬ل االنعكاس‪rr‬ي وح‪rr‬دها القادرة على تع‪rr‬ديل‬
‫مؤسساتها في وجه التغير المتس‪rr‬ارع‪ ،‬وهي وح‪rr‬دها القادرة على مواجه‪rr‬ة‬
‫المستقبل بثقة‪ ،‬وسيكون علم االجتماع الوسيط الرئيس في هذه االنعكاسية‪.‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬ان مفهوم علم االجتماع االنعكاس‪rr‬ي ليس اكتش‪rr‬افا عبقري‪rr‬ا‪،‬‬
‫ولكنه يمكن ان يساعد على إدراك اهمية الفهم االجتماعي في ع‪rr‬الم الي‪rr‬وم‪.‬‬
‫ولم يقل جدنز فيما تقدم ان علماء االجتم‪rr‬اع يعرف‪rr‬ون االحس‪rr‬ن وفي ال‪rr‬وقت‬
‫نفسه لم يقل انهم ال يستطيعون التخطيط للتنمية االجتماعية‪ .‬ولكنه أراد ان‬
‫يقول ان الناس الذين يقومون بتغيير المجتمع ليس علماء االجتم‪rr‬اع‪ ،‬وانم‪rr‬ا‬
‫أعضاء المجتم‪rr‬ع ال‪rr‬ذين يملك‪rr‬ون نوع‪rr‬ا من الس‪rr‬لطة واالدارة والقدرة على‬
‫التنفيذ‪ .‬المعرفة العلمية للمجتمع مصدر يمكن لهؤالء االعتماد عليها عندما‬
‫يري‪rr‬دون القي‪rr‬ام بإح‪rr‬داث تغي‪rr‬ير اجتم‪rr‬اعي‪ .‬وفي ك‪rr‬ل األح‪rr‬وال ف‪rr‬ان ب‪rr‬رامج‬
‫اإلصالح او الثورة ليست الوحيدة التي تستخدم المعرفة االجتماعية‪ ،‬وانما‬
‫كلنا نحتاج إطار عمل معرفي لتفسير عالمنا والعمل من اجله‪ ،‬لذا ف‪rr‬ان علم‬
‫المجتمع هو مصدر مهم واحد من بين العديد من مص‪rr‬ادر المعرف‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬ذا‬
‫يعني ان علم االجتماع ال يقوم بدور الناقد بالنيابة عن اف‪rr‬راد المجتم‪rr‬ع‪ ،‬وال‬
‫يحدد لهم مسار مستقبلهم‪ .‬ومع ذلك فان علم االجتماع ل‪rr‬ه بع‪rr‬د نقدي يمكن‬

‫‪45‬‬
‫ان يقدم للناس فهما أفضل لموقعهم االجتم‪r‬اعي‪ ،‬الس‪r‬يما إلص‪r‬حاب القرار‬
‫الذين يملكون السلطة والثروة وإمكانيات التغيير‪.‬‬
‫من‪rr‬ذ نص‪rr‬ف ق‪rr‬رن أك‪rr‬د كول‪rr‬دنر ((‪ Gouldner 1971‬على ازم‪rr‬ة علم‬
‫االجتم‪rrr‬اع الغ‪rrr‬ربي‪ ،‬معارض‪rrr‬ا بش‪rrr‬دة الترك‪rrr‬يز على النظ‪rrr‬ام االجتم‪rrr‬اعي‬
‫واستمراريته لص‪rr‬الح دراس‪rr‬ة التغ‪rr‬ير والص‪rr‬راع والتجدي‪rr‬د االجتم‪rr‬اعي عن‬
‫طريق الفعل‪ ،‬وكان الحل ال‪rr‬ذي قدم‪rr‬ه إيج‪rr‬اد علم اجتم‪rr‬اع انعكاس‪rr‬ي‪ ،‬وه‪rr‬و‬
‫المناسب لعالم اليوم‪ .‬ومنذ ذلك التاريخ أصبح اغلب علماء االجتم‪rr‬اع أك‪rr‬ثر‬
‫حذرا في التعامل مع فكرة دور علم االجتماع الرائد في التغي‪rr‬ير الج‪rr‬ذري‪،‬‬
‫وبدال من ذلك اتجهوا لتبني ما قاله انتوني جدنز (‪ )Giddens 1984‬عن‬
‫فك‪rr‬رة إع‪rr‬ادة ت‪rr‬دوير ‪ Recursiveness‬المعرف‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان‬
‫المعرفة االجتماعية قطعا ليست محايدة كليا او مستقلة بسبب انه‪rr‬ا تس‪rr‬تخدم‬
‫بوس‪rr‬اطة أن‪rr‬اس يعمل‪rr‬ون على تفس‪rr‬ير مجتمعهم وإع‪rr‬ادة تش‪rr‬كيله‪ ،‬وه‪rr‬ذا ه‪rr‬و‬
‫المجتمع الذي يقوم علم االجتم‪r‬اع بدراس‪r‬ته‪ ،‬له‪r‬ذا ف‪r‬ان دراس‪r‬ته تحت‪r‬اج الى‬
‫تجدي‪rr‬د‪ ،‬والمعرف‪rr‬ة الجدي‪rr‬دة ينبغي ان يع‪rr‬اد ت‪rr‬دويرها للحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة‪..‬‬
‫التفاعل الحلقي او ال‪rr‬دائري ‪Looping interaction‬بين علم االجتم‪rr‬اع‬
‫والحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة ل‪rr‬ه نت‪rr‬ائج غاي‪rr‬ة في األهمي‪rr‬ة‪ ،‬ل‪rr‬ذا يتعين على علم‪rr‬اء‬
‫االجتماع العمل من اجل تزويد الحياة االجتماعي‪rr‬ة بالمعرف‪rr‬ة المتج‪rr‬ددة عن‬
‫مجتمع مؤقت وسريع التغيير‪ ،‬وهذا التغ‪rr‬ير الس‪rr‬ريع ال تنف‪rr‬ع مع‪rr‬ه القوالب‬
‫الج‪rrr‬اهزة‪ ،‬وعلي‪rrr‬ه ف‪rrr‬ان علم االجتم‪rrr‬اع كم‪rrr‬ا يقول بوم‪rrr‬ان (‪Bauman‬‬
‫‪ )1992:213‬ينبغي ان يك‪rr‬ون “اش‪rr‬به بدوام‪rr‬ة في نه‪rr‬ر س‪rr‬ريع الجري‪rr‬ان‪،‬‬
‫دوامة تعيد تشكيل نفس‪r‬ها باس‪r‬تمرار وتب‪r‬دل محتواه‪r‬ا ط‪r‬وال ال‪r‬وقت‪ ،‬وعلم‬

‫‪46‬‬
‫االجتماع بهذا المعنى يقوم بتسجيل االحداث‪ ،‬وتفسيرها واعادتها للمجتم‪rr‬ع‬
‫نفسه"‪.‬‬
‫لكل ذل‪rr‬ك‪ ،‬علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع ال يكتب‪rr‬ون مخطوط‪rr‬ات على هيئ‪rr‬ة طالس‪rr‬م او‬
‫تكهنات تكشف اسرار المستقبل‪ ،‬وال يملكون القدرة الن يقول‪r‬وا للن‪r‬اس أي‬
‫القيم يجب ان يؤمنوا بها‪ ،‬وال يستطيعون القول أي األهداف او الطموحات‬
‫او أي االحالم تك‪rr‬ون في ص‪rrr‬الحهم‪ ،‬ص‪rrr‬ناعة المس‪rr‬تقبل بأي‪rr‬دي أعض‪rrr‬اء‬
‫المجتمع‪ ،‬وفي كل األحوال‪ ،‬نحن لسنا احرارا لنعمل كما نحب‪ ،‬الن الحياة‬
‫االجتماعية تتشكل بت‪rr‬أثير عوام‪rr‬ل عدي‪rr‬دة بعض‪rr‬ها مقدور عليه‪rr‬ا وبعض‪rr‬ها‬
‫االخر خ‪rr‬ارج الس‪rr‬يطرة‪ ،‬وه‪rr‬ذه هي مش‪rr‬كلة انن‪rr‬ا نحي‪rr‬ا في مجتم‪rr‬ع متح‪rr‬رك‬
‫متبدل تتداخل فيه عوامل كثيرة التن‪rr‬وع لتش‪rr‬كل س‪rr‬لوكنا ال‪rr‬ذي يتناس‪rr‬ب م‪rr‬ع‬
‫سرعة التبدالت‪ .‬لنأخذ مثال العالقة العاطفي‪rr‬ة بين اث‪rr‬نين‪ .‬فقب‪rr‬ل ثالثين س‪rr‬نة‬
‫من االن لم يكن مس‪rr‬موحا للفت‪rr‬اة ان تخت‪rr‬ار ش‪rr‬ريكها او تقيم مع‪rr‬ه عالق‪rr‬ة‬
‫عاطفية خارج سلطة التقالي‪rr‬د العائلي‪rr‬ة‪( ،‬م‪rr‬اتزال طبع‪rr‬ا كث‪rr‬ير من الع‪rr‬ائالت‬
‫تعارض أية عالقة خارج مؤسسة الزواج في مجتمع تقليدي مثل مجتمعنا)‬
‫كان الشاب يبحث عن شريكته عن طريق امه او اخته‪ ،‬او انه يرى ط‪rr‬رف‬
‫ثوب واحدة من بنات الجيران او االقرباء او األص‪rr‬دقاء فيتمس‪rr‬ك به‪rr‬ا‪ ،‬ولن‬
‫يصل اليها قبل ان يجتاز سلس‪rr‬لة إج‪rr‬راءات معروف‪rr‬ة‪ .‬االن وبس‪rr‬بب دخ‪rr‬ول‬
‫المرأة الواسع ميدان العمل اغلب الزواجات تحدث نتيجة عالقة اعجاب او‬
‫حب‪ .‬عالق‪rr‬ة الحب او االعج‪rr‬اب ه‪rr‬ذه مس‪rr‬ألة شخص‪rr‬ية فري‪rr‬دة‪ ،‬تقوم على‬
‫الكيمياء الشخصية للمتح‪rr‬ابين‪ ،‬ق‪rr‬د تح‪rr‬دث عش‪rr‬وائيا من غ‪r‬ير تخطي‪rr‬ط ومن‬
‫دون سابق معرفة‪ ،‬وقد تحدث في غرفة مزحومة بالفتيان والفتيات كما في‬

‫‪47‬‬
‫دوائ‪rr‬ر الحكوم‪rr‬ة او الجامع‪rr‬ات‪ ،‬ولكن االختي‪rr‬ار يقع على اح‪rr‬داهن او على‬
‫أحدهم‪ .‬في عالقة شخصية من هذا النوع ال عالقة لعلم االجتماع بها‪ .‬االن‬
‫كم‪rr‬ا في الماض‪rr‬ي يتم اختي‪rr‬ار الش‪rr‬ريك من المس‪rr‬توى االجتم‪rr‬اعي والثقافي‬
‫والديني والعرقي والتعليمي نفسه‪ ،‬م‪rr‬ع قلي‪rr‬ل من االس‪rr‬تثناءات‪ ،‬ف‪rr‬اذا فش‪rr‬لت‬
‫هذه العالقات وأدت الى الطالق‪ ،‬فهي مسألة شخصية أيضا ال عالق‪rr‬ة لعلم‬
‫االجتماع بها‪ ،‬ولكن عند اخضاع هذه العالقة لمستوى التحليل االجتم‪rr‬اعي‬
‫فإننا نقف عند حقيقة ان‪rr‬ه ح‪rr‬تى المس‪rr‬ائل العاطفي‪rr‬ة بين اث‪rr‬نين تتش‪rr‬كل غالب‪rr‬ا‬
‫بت‪rr‬أثير ظ‪rr‬روف اجتماعي‪rr‬ة فمثال الش‪rr‬خص ال‪rr‬ذي‪/‬ال‪rr‬تي تقع في حب‪rr‬ه على‬
‫االرجح يتم الحصول على معلومات عنه عن طريق الحلقات القريبة ال‪rr‬تي‬
‫نش‪r‬أ فيه‪r‬ا‪ ،‬وهي بدرج‪r‬ة م‪r‬ا تت‪r‬أثر ب‪r‬المجتمع المحلي ال‪r‬ذي يعيش‪r‬ان في‪r‬ه او‬
‫المؤسسات التي يعمالن بها ( الدائرة الوظيفية‪ ،‬المؤسسة الدينية‪ ،‬الجامعة‪،‬‬
‫الجيرة‪...‬الخ) وهذا يعني ان العالقة العاطفية بين اثنين خرجت من اطارها‬
‫الفردي وتحولت الى ظاهرة‪ ،‬والن ظاهرة من هذا النوع تتبدل بسرعة مع‬
‫تبدل الفعل االجتماعي فان البحث عنها يصبح الزما‪ ،‬ذلك ان زواج المتعة‬
‫او المسيار او الزواج العرفي لم يكن مألوفا قبل اقل من عقدين من ال‪rr‬زمن‬
‫ولما صار مألوفا فان علم االجتماع ال يقف الى جانب الع‪rr‬رف االجتم‪rr‬اعي‬
‫إلدانة هذه الظاهرة ولكن مس‪rr‬ؤوليته تفس‪rr‬يرها والبحث عن أس‪rr‬بابها وب‪rr‬ذلك‬
‫يكون علم االجتماع انعكاسيا وليس َح كم‪rr‬ا بين الن‪rr‬اس والمع‪rr‬ايير‪ .‬انعكاس‪rr‬يا‬
‫بمعنى انه يحص‪rr‬ل على معلوم‪r‬ات عم‪r‬ا وراء الظ‪r‬اهرة ثم يعي‪r‬د ض‪rr‬خ ه‪r‬ذه‬
‫المعلومات للمجتمع بوسائل معروفة‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫مشكلة علم االجتماع الحديث تكمن في قدرته على تحص‪rr‬يل المعلوم‪rr‬ات ثم‬
‫تدويرها‪ ،‬ولكن السؤال من المسؤول أوال عن التبدل السريع؟ وكيف يمكن‬
‫لعلم‪rr‬اء وطالب علم االجتم‪rr‬اع اللح‪rr‬اق ب‪rr‬ه؟ الب‪rr‬د اذن من تس‪rr‬ليط األض‪rr‬واء‬
‫على الحداثة‪ ،‬وما بعد الحداثة والعولمة وعالقتهما ب‪rr‬التغييرات المتس‪rr‬ارعة‬
‫في الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫الحداثة ‪Modernity‬‬
‫في لغتنا اليومية نعني بالحداثة‪ ،‬ال‪rr‬وقت الحاض‪rr‬ر ‪ Up-to-date‬او ال‪rr‬وقت‬
‫المعاص‪rr‬ر‪ ،‬لكن علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع يس‪rr‬تخدمونها بمع‪rr‬نى مختل‪rr‬ف تمام‪rr‬ا‪ ،‬هم‬
‫يرون ان له‪rr‬ا تاريخ‪rr‬ا ط‪rr‬ويال‪ ،‬فالمجتمع‪rr‬ات الحديث‪rr‬ة وعلم االجتم‪rr‬اع نفس‪rr‬ه‬
‫نش‪rrrr‬أوا في حقب‪rrrr‬ة تع‪rrrr‬رف بحقب‪rrrr‬ة التح‪rrrr‬والت العظيم‪rrrr‬ة ‪the great‬‬
‫‪ transformation‬وهذا المصطلح يشير الى حجم التغيرات ال‪rr‬تي ح‪rr‬دثت‬
‫في هذا الوقت‪ ،‬وهذه التحوالت التي انطوت على خلق عمليات اجتماعية‪،‬‬
‫اقتص‪rr‬ادية‪ ،‬سياس‪rr‬ية وثقافي‪rr‬ة معقدة أدت الى إيج‪rr‬اد أش‪rr‬كال جدي‪rr‬دة للحي‪rr‬اة‬
‫االجتماعية‪ .‬طبيعة هذه التحوالت تجع‪rr‬ل من الص‪rr‬عب ج‪rr‬دا إعط‪rr‬اء ت‪rr‬اريخ‬
‫مح‪rr‬دد لمفه‪rr‬وم الحداث‪rr‬ة‪ ،‬وك‪rr‬ل م‪rr‬ا يمكن ان يقال انه‪rr‬ا ارتبطت بمجتمع‪rr‬ات‬
‫اورب‪rr‬ا الغربي‪rr‬ة‪ ،‬وعلى ال‪rr‬رغم من ان ب‪rr‬دايات الحداث‪rr‬ة يمكن تتبعه‪rr‬ا لمئ‪rr‬ات‬
‫السنين اال انها ظهرت بشكل واضح في القرن التاسع عشر وبدايات القرن‬
‫العشرين‪Bilton et al (2002) .‬‬
‫نظرية الحداثة هي مزيج من النظرية الوظيفية في علم االجتماع واألفك‪rr‬ار‬
‫االقتصادية التقليدية‪ .‬من وجهة نظر بعض منظ‪rr‬ري الحداث‪rr‬ة‪ ،‬ان المجتم‪rr‬ع‬
‫الحديث هو المجتمع الرأس‪rr‬مالي على الطريقة االمريكي‪rr‬ة‪ ،‬وي‪rr‬راه اخ‪rr‬رون‬

‫‪49‬‬
‫على الطريقة السويدية التي تعطي للملكية الخاص‪rr‬ة دورا وللملكي‪rr‬ة العام‪rr‬ة‬
‫دورا اخر م‪rr‬ع إنف‪rr‬اق كب‪rr‬ير على المراف‪rr‬ق العام‪rr‬ة‪ .‬ه‪rr‬ذه اذن هي مجتمع‪rr‬ات‬
‫الحداثة‪ ،‬التي تكون قد اجتازت حاجز التنمي‪rr‬ة نح‪rr‬و الرفاهي‪rr‬ة‪ .‬االم‪rr‬ر يب‪rr‬دو‬
‫اقتصاديا بالدرج‪rr‬ة األولى يتبعه‪rr‬ا بالض‪rr‬رورة تغ‪rr‬يرا في وظ‪rr‬ائف المجتم‪rr‬ع‬
‫وانس‪r‬اقه وطبيع‪r‬ة العالق‪r‬ات والتف‪r‬اعالت ال‪r‬تي ت‪r‬ؤدي الى خل‪r‬ق منظوم‪r‬ات‬
‫قيمية استهالكية خارج حدود المألوف‪، )Gomm 1989( .‬‬
‫لقد ك‪rr‬ان لع‪rr‬الم االقتص‪rr‬اد األم‪rr‬ريكي وال‪rr‬تر روس‪rr‬تاو‪Walter Rostow‬‬
‫)‪ (1971‬تأثير كبير في توض‪rr‬يح مفه‪rr‬وم التغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي ال‪rr‬ذي ق‪rr‬اد الي‬
‫مرحلة ما يس‪rr‬مى (الحداث‪rr‬ة)‪ ،‬بتأكي‪rr‬ده على ان المجتمع‪rr‬ات ال‪rr‬تي اس‪rr‬تثمرت‬
‫راس المال واس‪rr‬تخدمت المكنن‪rr‬ة وم‪rr‬ا رافقه‪rr‬ا من تط‪rr‬ور في الب‪rr‬نى التحتي‪rr‬ة‬
‫أوصلها الى نقطة معينة من التطور الصناعي‪ ،‬بحيث ص‪rr‬ار بمقدورها ان‬
‫تنطلق وتديم نفسها‪ .‬وعندما حدث ذلك كان البد ان تستجيب كل مؤسس‪rr‬ات‬
‫المجتمع لعمليات التحديث‪ .‬م‪r‬اكس في‪r‬بر‪ Weber ))1930‬يع‪r‬د من اوائ‪r‬ل‬
‫المس‪rr‬اهمين في تحدي‪rr‬د مفه‪rr‬وم الحداث‪rr‬ة اذ ان‪rr‬ه أش‪rr‬ار الى أن ص‪rr‬عود نجم‬
‫الرأسمالية في غ‪r‬رب اورب‪r‬ا وانكل‪r‬ترا وليس في الع‪r‬الم اإلس‪r‬المي او الهن‪r‬د‬
‫والص‪rr‬ين يع‪rr‬ود الى ان الثقاف‪rr‬ة الغربي‪rr‬ة تنط‪rr‬وي على مالمح تت‪rr‬واءم م‪rr‬ع‬
‫التطور الرأسمالي؛ فالدين المسيحي البروتستانتي على وجه التحديد يؤك‪rr‬د‬
‫على المسؤولية الشخصية والمبادرة الفردية‪ ،‬ويس‪r‬مح للف‪r‬رد بخدم‪r‬ة ال‪r‬رب‬
‫عن طري‪rr‬ق انش‪rr‬طته اليومي‪rr‬ة اك‪rr‬ثر من انقي‪rr‬اده للنظ‪rr‬ام ال‪rr‬ديني‪ ،‬بمع‪rr‬نى ان‬
‫األنشطة الدنيوية ‪ mundane activities‬التي يتم فيها كسب المال ينبغي‬
‫ان يحتفى بها على إنها خدمة للرب االله‪ ،‬وال ُيكترث للدوافع الدينية ال‪rr‬تي‬

‫‪50‬‬
‫كانت تقف ضد المشاريع االقتصادية‪ .‬الواقع ان م‪rr‬اكس في‪rr‬بر في انتص‪rr‬اره‬
‫للنظام الرأسمالي القائم على العقيدة البروتستانتية يبرر السلوك النفعي أي‪rr‬ا‬
‫ك‪rr‬ان مص‪rr‬در تحص‪rr‬يله وبأي‪rr‬ة وس‪rr‬يلة‪ ،‬كم‪rr‬ا ان‪rr‬ه يش‪rr‬دد على أهمي‪rr‬ة التعام‪rr‬ل‬
‫الربوي الذي يؤدي الى االس‪rr‬تغالل وفي ال‪rr‬وقت نفس‪rr‬ه ت‪rr‬راكم راس الم‪rr‬ال‪،‬‬
‫وه‪rrr‬و م‪rrr‬ا يتع‪rrr‬ارض م‪rrr‬ع العقي‪rrr‬دة اإلس‪rrr‬المية‪ ،‬والهندوس‪rrr‬ية والبوذي‪rrr‬ة‬
‫والكونفوشيوسية في الهند والصين‪ ،‬ولهذا كان ماكس فيبر موض‪rr‬ع اهتم‪rr‬ام‬
‫النظ‪rr‬ام الرأس‪rr‬مالي‪ ،‬ح‪rr‬تى ُع ّد ن‪rr‬بي الرأس‪rr‬مالية األول نكاي‪rr‬ة برفيقة ك‪rr‬ارل‬
‫م‪rr‬اركس ال‪rr‬ذي انتقد النظ‪rr‬ام الرأس‪rr‬مالي بش‪rr‬دة وع ‪ّr‬د ه مرحل‪rr‬ة من مراح‪rr‬ل‬
‫التط‪rr‬ور ال‪rr‬تي تنتهي بث‪rr‬ورة البروليتاري‪rr‬ة وتغ‪rr‬ير ملكي‪rr‬ة وس‪rr‬ائل اإلنت‪rr‬اج‬
‫وادواته‪ .‬طبعا أدرك الع‪rr‬الم الرأس‪rr‬مالي الح‪rr‬ديث خط‪rr‬ورة م‪rr‬ا اس‪rr‬ماه ك‪rr‬ارل‬
‫ماركس "صراع االضداد" وادخلوا تعديالت جوهرية على قواع‪rr‬د العم‪rr‬ل‬
‫الرأسمالي مما اطال في عمره حتى الي‪rr‬وم‪ ،‬ولكن‪rr‬ه في النتيج‪rr‬ة س‪rr‬يتآكل من‬
‫ال‪rr‬داخل لك‪rr‬ثرة التناقض‪rr‬ات واالس‪rr‬تغالل الطبقي‪ ،‬وال‪rr‬دليل ان اغلب النظم‬
‫الرأسمالية الحديثة ب‪rr‬دأت ت‪rr‬تراجع بس‪rr‬رعة ام‪rr‬ام الزح‪rr‬ف الص‪rr‬يني األق‪rr‬رب‬
‫لالشتراكية الماركس‪rr‬ية‪ ،‬وليس من ش‪rr‬ك ل‪rr‬دي في ان القرن القادم س‪rr‬يكون‬
‫قرنا صينيا بامتياز‪.‬‬
‫نظرية الحداثة اذن تعتقد ان المجتمعات التي تمتلك الخصائص التي تعم‪rr‬ل‬
‫على انسيابية راس المال بسهولة ويس‪rr‬ر‪ ،‬بينم‪rr‬ا المجتمع‪rr‬ات األق‪rr‬ل تط‪rr‬ورا‬
‫تمتلك خصائص من شانها ان تعيق التغير نحو الرأس‪rr‬مالية وتجعل‪rr‬ه ص‪rr‬عبا‬
‫للغاية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫نظري‪rr‬ة الحداث‪rr‬ة من وجه‪rr‬ة نظ‪rr‬ر أخ‪rr‬رى هي ولي‪rr‬دة مدرس‪rr‬ة علم االجتم‪rr‬اع‬
‫التطورية في القرن التاسع عشر وال‪rr‬تي تزعمه‪rr‬ا ك‪rr‬ل من اوكس‪rr‬ت ك‪rr‬ونت‪،‬‬
‫وهيربرت سبنسر‪ ،‬وفرديناند تونيز واميل دوركهايم‪ ،‬وهذه المدرسة تعتقد‬
‫ان المجتمع‪r‬ات البش‪r‬رية تط‪r‬ورت باالتج‪r‬اه نفس‪r‬ه ع‪r‬بر ال‪r‬زمن في مراح‪r‬ل‬
‫متعاقب‪rr‬ة‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من ان ه‪rr‬ؤالء العلم‪rr‬اء يختلف‪rr‬ون في فهمهم له‪rr‬ذه‬
‫المراح‪rr‬ل اال انهم يتفقون على ان المجتمع‪rr‬ات األك‪rr‬ثر تقدما تنح‪rr‬در من‬
‫مجتمعات بس‪rr‬يطة‪ ،‬وان المجتمع‪rr‬ات األق‪rr‬ل تقدما ربم‪rr‬ا تع‪rr‬ثرت لس‪rr‬بب من‬
‫األسباب ولكنها ستتبع في تطورها خط سير المجتمعات التي سبقتها نفسه‪.‬‬
‫منّظرو الحداثة يعتقدون مثلم‪rr‬ا ك‪rr‬ان اس‪rr‬الفهم التطوري‪rr‬ون‪ ،‬ان المجتمع‪rr‬ات‬
‫الغربية هي النموذج الذي سيتخذه نظرائهم في المجتمعات األخ‪rr‬رى األق‪rr‬ل‬
‫تطورا‪ ،‬ولكي يتحقق ذل‪r‬ك الب‪r‬د له‪r‬ذه المجتمع‪r‬ات من ال‪r‬دخول في مرحل‪r‬ة‬
‫التصنيع التي ُتعد القوة المحركة للتحرر والتقدم‪ ،‬ومنافع التص‪rr‬نيع س‪rr‬تكون‬
‫اكبر بكثير من مس‪rr‬اوئها‪ ،‬وس‪rr‬يكون الص‪rr‬راع والمعان‪rr‬اة ال‪rr‬تي تواجهه‪rr‬ا في‬
‫مرحلة التحول من النظام ال‪rr‬زراعي الى النظ‪rr‬ام الص‪rr‬ناعي ام‪rr‬را الب‪rr‬د من‪rr‬ه‬
‫ولكن النت‪rr‬ائج تس‪rr‬تحق الص‪rr‬بر والتض‪rr‬حية‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان ال‪rr‬ثروة ال‪rr‬تي س‪rr‬تتولد‬
‫ستصيب جميع أعضاء الهيأة االجتماعية في النهاية‪ ،‬ولكن المش‪rr‬كلة تبقى‪،‬‬
‫الى حد ما‪ ،‬قائمة طالما ان التطور التكنولوجي يحدث في الدول الصناعية‬
‫ثم يتم نقل ه‪rr‬ذه التكنولوجي‪rr‬ا للمجتمع‪rr‬ات األق‪rr‬ل تط‪rr‬ورا‪ ،‬بمع‪rr‬نى ان ه‪rr‬ذه‬
‫المجتمع‪rr‬ات س‪rr‬تظل تفتقر للقاع‪rr‬دة االجتماعي‪rr‬ة للتط‪rr‬ور التكنول‪rr‬وجي وان‬
‫التغير الذي حدث هو باألصل حدث من خارج هذه المجتمعات‪ ،‬ول‪rr‬ذلك لن‬
‫يكون التغير جوهريا كما هو شانه في دول المنشأ‪ ،‬مما يحول دون حدوث‬

‫‪52‬‬
‫تقدم حقيقي على الصعيد االجتماعي‪ ،‬وسيكون للقوى المعيقة للتقدم دوٌر‬
‫في تخريب عملية التغير ما لم يحدث تبدل حقيقي في المجال االقتص‪rr‬ادي‪،‬‬
‫الثقافي والسياسي‪ ،‬وهي من اهم مقومات التصنيع والحداثة‪.‬‬
‫في المجال الثقافي تحتاج المجتمعات األقل تطورا الى تبني قيم واتجاهات‬
‫وممارس‪rrr‬ات س‪rrr‬لوكية حديث‪rrr‬ة من الن‪rrr‬وع التح‪rrr‬رري نفس‪rrr‬ه ال‪rrr‬ذي ش‪rrr‬جع‬
‫المجتمعات الغربية‪ .،‬وفي المج‪rr‬ال االقتص‪rr‬ادي يتعين تط‪rr‬وير نظ‪rr‬ام التعليم‬
‫من اجل تهذيب وتدريب القوى العاملة‪ ،‬كم‪rr‬ا يتعين قب‪rr‬ول الس‪rr‬كان لألفك‪rr‬ار‬
‫االقتصادية الحديثة‪ ،‬بما في ذلك اعتماد مبادئ العمل مدفوع الثمن‪ ،‬والدقة‬
‫في استخدام الزمن‪ ،‬بساعات عمل محددة والتزام بقواعد العمل الذي يتلقى‬
‫علي‪rr‬ه االف‪rr‬راد اج‪rr‬را‪ ،‬وفي ال‪rr‬وقت نفس‪rr‬ه ال ب‪rr‬د من وض‪rr‬ع مع‪rr‬ايير لتقدير‬
‫اإلنجاز‪ ،‬والمشاريع الفردية والعائد المادي‪ ،‬كم‪rr‬ا ينبغي تعلم ادخ‪rr‬ار الم‪rr‬ال‬
‫واستثماره في المش‪rr‬اريع االقتص‪rr‬ادية والمص‪rr‬ارف‪ ،‬والب‪rr‬د من قب‪rr‬ول فك‪rr‬رة‬
‫الح‪rr‬راك االجتم‪rr‬اعي الواس‪rr‬عة وتغي‪rr‬ير نم‪rr‬ط الس‪rr‬كن التقلي‪rr‬دي الى نم‪rr‬ط‬
‫حضري‪Taylor et al (2004) .‬‬
‫ان أصل "الحداثة" كان ق‪rr‬د اس‪rr‬تلزم ع‪rr‬ددا من العملي‪rr‬ات المتداخل‪rr‬ة‪ ،‬ن‪rr‬وجز‬
‫فيما يأتي أهمها‪:‬‬
‫‪1-‬س‪rr‬رعة القدرات اإلنتاجي‪rr‬ة واس‪rr‬تمراريتها عن طري‪rr‬ق األنش‪rr‬طة‬
‫االقتص‪rr‬ادية وطرائ‪rr‬ق العم‪rr‬ل الجدي‪rr‬دة‪ .‬ان العوام‪rr‬ل الحاس‪rr‬مة للمجتمع‪rr‬ات‬
‫الحديثة هو تبنيها انماطا من انتاج الغذاء على درجة من الكفاءة‪ ،‬واستبدال‬
‫الزراعة بنمط انتاج صناعي هيمن على مجمل النشاط االقتصادي‪ .‬الواق‪rr‬ع‬
‫ان اإلنتاج الصناعي يعود الى عدة مئات من السنين‪ ،‬والجدي‪rr‬د في‪rr‬ه ه‪rr‬و ان‬

‫‪53‬‬
‫الثورة الصناعية ك‪rr‬انت ق‪rr‬د وض‪rr‬عت اسس‪rr‬ا جدي‪rr‬دة للتنظيم والس‪rr‬يطرة على‬
‫اإلنت‪r‬اج‪ ،‬ونظ‪r‬ام المعم‪r‬ل مثال احكم س‪r‬يطرته على العم‪r‬ال‪ ،‬وس‪r‬مح بتقس‪r‬يم‬
‫معقد للعمل عبر تجزئ الواجب الى أجزاء صغيرة ج‪rr‬دا باس‪rr‬تخدام الح‪rr‬زام‬
‫الناقل ال‪r‬ذي ق‪r‬اد الي نم‪r‬ط اإلنت‪r‬اج الواس‪r‬ع ال‪r‬ذي ادي ب‪r‬دوره الي انخف‪r‬اض‬
‫أسعار السلع (على وفق نظرية العرض والطلب)‬
‫‪ 2-‬بش‪rrr‬ائر التص‪rrr‬نيع‪ ،‬هي تط‪rrr‬وير اش‪rrr‬كال ديناميكي‪rrr‬ة جدي‪rrr‬دة للنش‪rrr‬اط‬
‫االقتص‪r‬ادي‪ ،‬تتمح‪r‬ور ح‪r‬ول راس الم‪r‬ال والفائ‪r‬دة‪ ،‬وال‪r‬تي ك‪r‬ان له‪r‬ا ال‪r‬دور‬
‫الحاسم في نمو االنتاج الصناعي‪ ،‬وقد استحدث النظام الرأسمالي اتجاهات‬
‫ومؤسسات جديدة غايتها األولى الحصول على الربح‪ ،‬وكان السوق يعم‪rr‬ل‬
‫محركا أساس‪rr‬يا للحي‪rr‬اة اإلنتاجي‪rr‬ة‪ ،‬وأص‪rr‬بحت البض‪rr‬ائع والخ‪rr‬دمات والعم‪rr‬ل‬
‫سلعا تخضع لحسابات عقالنية‪.‬‬
‫‪ 3-‬أصبح هناك تغيرا جوهريا في نمو السكان والحراك االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬وق‪rr‬د‬
‫ازداد معدل الوالدات وانخفض معدل الوفيات‪ ،‬وفي ذلك تش‪rr‬ير التقديرات‬
‫االحصائية لنمو الس‪rr‬كان في اورب‪rr‬ا الى انه‪rr‬ا تس‪rr‬ارعت بش‪rr‬كل كب‪rr‬ير‪ ،‬حيث‬
‫كان سكان اوربا كلها عام ‪ 1750‬ال يزيد عن ‪ 120‬مليون نس‪rr‬مة ثم ص‪rr‬ار‬
‫‪ 468‬مليون‪rr‬ا في ع‪rr‬ام ‪ ،1913‬وش‪rr‬هدت ه‪rr‬ذه الحقب‪rr‬ة ازدي‪rr‬اد حجم الحي‪rr‬اة‬
‫الحضرية عبر عملية نزوح واسعة من الريف الى المدينة‪.‬‬
‫‪ 4-‬شهدت الحداثة ش‪r‬كال جدي‪r‬دا من اش‪r‬كال النظ‪r‬ام الحك‪r‬ومي‪ ،‬ونش‪r‬ات في‬
‫هذه الحقبة الدولة الوطنية التي لها كامل السيطرة على حدودها الجغرافية‪-‬‬
‫السكانية‪ ،‬وصار لها سلطة موحدة‪ ،‬كما أدت الحداثة دورا رئيس‪rr‬ا في نش‪rr‬أة‬
‫النظم السياسية عالية الطور‪ ،‬والتي أص‪rr‬بح له‪rr‬ا دور مهم في حي‪rr‬اة الن‪rr‬اس‪،‬‬

‫‪54‬‬
‫تراف‪rr‬ق ذل‪rr‬ك م‪rr‬ع ب‪rr‬زوغ أفك‪rr‬ار سياس‪rr‬ية جدي‪rr‬دة مث‪rr‬ل القومي‪rr‬ة‪ ،‬والمواطن‪rr‬ة‪،‬‬
‫والديمقراطية‪ ،‬والمحافظة‪ ،‬واللبرالية واالشتراكية‪.‬‬
‫‪ 5-‬وأخ‪rrr‬يرا التم‪rrr‬دد األوربي في الع‪rrr‬الم ك‪rrr‬ان ع‪rrr‬امال حاس‪rrr‬ما في نش‪rrr‬وء‬
‫المجتمعات الحديثة‪ ،‬فمنذ القرن الخامس عشر بدأت الهيمنة االوربية على‬
‫المحيطات ومن ثم على منافذ الحياة البرية والبحرية لدول الع‪rr‬الم‪ ،‬وص‪rr‬ار‬
‫االتص‪rr‬ال ببقي‪rr‬ة ش‪rr‬عوب األرض أوال عن طري‪rr‬ق التج‪rr‬ارة‪ ،‬ثم النهب ثم‬
‫االستعمار‪ ،‬هذا التمدد جلب الثروة‪ ،‬والم‪rr‬واد األولي‪rr‬ة ثم الس‪rr‬وق ال‪rr‬ذي أدى‬
‫الى نم‪rr‬و االقتص‪rr‬اد األوربي‪ ،‬وفي ال‪rr‬وقت ذات‪rr‬ه دم‪rr‬رت القوة االوربي‪rr‬ة‬
‫مجتمع‪rr‬ات الش‪rr‬عوب المس‪rr‬تَع مرة (بفتح الميم) وثقافاته‪rr‬ا‪Bilton et al‬‬
‫)‪.(2004‬‬
‫في ضوء ذلك‪ ،‬يبدو انه ليس من باب الصدفة والدة علم االجتماع بوص‪rr‬فه‬
‫فرعا من فروع المعرفة العلمية خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬لقد كانت نشأته‬
‫استجابة لحقبة طويلة من التغير االجتماعي غ‪rr‬ير المس‪rr‬بوق‪ .‬حيث أص‪rr‬بح‬
‫النظام القديم‪ ،‬والطريقة القديمة للحياة والثوابت القديمة تمضي سريعا نحو‬
‫االن‪rr‬دثار‪ .‬لقد ك‪rr‬ان التغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي ال‪rr‬ذي س‪rr‬لط علي‪rr‬ه علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع‬
‫األوائل االضواء‪ ،‬سريعا جدا‪ ،‬وبعيد المدى لدرجة انهم ك‪rr‬انوا على قناع‪rr‬ة‬
‫من انهم يشهدون مجتمعا مختلفا كلي‪rr‬ا‪ .‬له‪rr‬ذا س‪rr‬وف لن نفاج‪rr‬أ إذا عرفن‪rr‬ا ان‬
‫المنظ‪rr‬رين األوائ‪rr‬ل ك‪rr‬انوا يفترض‪rr‬ون ان ديناميكي‪rr‬ات الحداث‪rr‬ة س‪rr‬تقود الى‬
‫تش‪rr‬كيل المجتمع‪rr‬ات كله‪rr‬ا وبنائه‪rr‬ا ب‪rr‬الطريق اإليج‪rr‬ابي نفس‪rr‬ه‪ ،‬بي‪rr‬د ان ه‪rr‬ذه‬
‫االفتراضات لم تعد صالحة وان الحداثة الغربي‪rr‬ة لم تع‪rr‬د النم‪rr‬وذج األمث‪rr‬ل‪،‬‬
‫ومع ذلك يقول ما كج‪rr‬رو)‪ McGrew (1992‬ان‪rr‬ه على ال‪rr‬رغم من ك‪rr‬ثرة‬

‫‪55‬‬
‫المجتمعات الحديثة التي دخلت مرحل‪rr‬ة التص‪rr‬نيع والتحض‪rr‬ر اال ان ذل‪rr‬ك لم‬
‫يحدث بمعزل عن تأثيرات القوى العالمي‪rr‬ة‪ ،‬أي المجتمع‪rr‬ات الغربي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫دخلت أوال سباق التصنيع والتحضر‪.‬‬
‫الواقع ان المجتمعات الصناعية تجاوزت مرحلة الحداثة وتجاوزت مرحلة‬
‫ما بعد الحداثة ودخلت وادخلت معها باقي سكان الكوكب لمرحل‪rr‬ة العولم‪rr‬ة‬
‫كما سنرى ولكننا سنتوقف قليال امام مرحلة ما بعد الحداثة‪.‬‬
‫ما بعد الحداثة ‪Beyond Modernity‬‬
‫إذا كانت الحداثة منتجا منتجات الث‪rr‬ورة الص‪rr‬ناعية‪ ،‬ف‪rr‬ان ث‪rr‬ورة المعلوم‪rr‬ات‬
‫دفعتن‪rr‬ا نح‪rr‬و مرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة‪ .‬وه‪rr‬ذه المرحل‪rr‬ة تش‪rr‬ير الى األنم‪rr‬اط‬
‫والخصائص االجتماعية لمجتمع‪rr‬ات م‪rr‬ا بع‪rr‬د الص‪rr‬ناعة‪ ،‬والواق‪rr‬ع ان هن‪rr‬اك‬
‫عدم اتفاق على محتوى وش‪r‬كل م‪r‬ا بع‪r‬د الحداث‪r‬ة‪ ،‬فه‪r‬ذا المص‪r‬طلح ك‪r‬ان ق‪r‬د‬
‫استخدم لحقبة طويلة في االدب‪ ،‬والفلسفة وحتى في فنون العم‪rr‬ارة‪ ،‬ودخ‪rr‬ل‬
‫ميدان علم االجتماع مع موج‪rr‬ة النقد االجتم‪rr‬اعي ال‪rr‬تي رافقت ص‪rr‬عود نجم‬
‫اليسار السياسي في ستينات القرن الماضي‪Macionis & Plummer( .‬‬
‫‪ )2002‬بيد ان المتعارف عليه ان مرحلة ما بعد الحداث‪rr‬ة تش‪rr‬ير الى تح‪rr‬ول‬
‫النشاط االقتص‪r‬ادي من نش‪r‬اط ق‪r‬ائم على انت‪r‬اج البض‪r‬ائع الى نش‪r‬اط إلنت‪r‬اج‬
‫الخدمات‪ ،‬فالعم‪rr‬ل الي‪rr‬دوي أوش‪rr‬ك على االنقراض والمكنن‪rr‬ة ال‪rr‬تي يش‪rr‬رف‬
‫عليها ويديرها العام‪rr‬ل اس‪rr‬تبدلت ب‪rr‬االت اوتوماتيكي‪rr‬ة‪ ،‬بينم‪rr‬ا مهن الخ‪rr‬دمات‬
‫غير اليدوية اتسعت وارتف‪r‬ع نطاقه‪r‬ا‪ .‬مهن الخ‪r‬دمات ه‪r‬ذه ص‪r‬ارت مهمته‪r‬ا‬
‫انت‪rr‬اج المعرف‪rr‬ة والمعلوم‪rr‬ات‪ ،‬فمثال المهن المتعلقة ب‪rr‬األموال‪ ،‬والمعلمين‪،‬‬
‫الب‪rr‬احثين في مج‪rr‬ال الس‪rr‬وق‪ ،‬والعلم‪rr‬اء‪ ،‬األخص‪rr‬ائيين االجتم‪rr‬اعيين‪ ،‬كلهم‬

‫‪56‬‬
‫يعملون في أنواع المعرفة والمعلومات المختلف‪r‬ة‪ ،‬وعلي‪rr‬ه ف‪rr‬ان االقتص‪rr‬اد لم‬
‫يعد يبحث عن أفضل الوس‪rr‬ائل إلنت‪rr‬اج البض‪rr‬ائع‪ ،‬وانم‪rr‬ا عن أفض‪rr‬ل الس‪rr‬بل‬
‫إلنت‪rr‬اج المعرف‪rr‬ة وجم‪rr‬ع المعلوم‪rr‬ات وتحليله‪rr‬ا ح‪rr‬تى ص‪rr‬ارت المعرف‪rr‬ة هي‬
‫المصدر األول لإلنتاج‪ .‬لقد وصف دانيال بيل ( )‪ D. Bell (1973‬التحول‬
‫في العمل والمعلومات واالتصاالت بانه "الثورة التكنولوجية الثالث‪rr‬ة" بع‪rr‬د‬
‫الثورة الص‪rr‬ناعية االولى ال‪rr‬تي اعتم‪rr‬دت على البخ‪rr‬ار‪ ،‬والث‪rr‬ورة الص‪rr‬ناعية‬
‫الثانية التي ُأسست على اكتشاف الكهرباء‪ ،‬ثم الثورة الصناعية الثالثة التي‬
‫قامت على الحاسوب (الكومبيوتر) ثم أخيرا الثورة الرابعة ال‪rr‬تي س‪rr‬نتحدث‬
‫عنها مع العولمة‪ .‬وفي كل األحوال مرحلة ما بعد الحداث‪rr‬ة‪ ،‬ش‪rr‬هدت تح‪rr‬وال‬
‫بنائيا مهما‪ ،‬فمثال مجتمع ما بعد الحداثة اس‪rr‬تلزم عم‪rr‬اال على درج‪rr‬ة عالي‪rr‬ة‬
‫من التأهيل التقني والتربية المهنية‪ ،‬وأولئك ال‪rr‬ذين ليس ل‪rr‬ديهم تأهي‪rr‬ل تقني‬
‫عالي المستوى‪ ،‬من المستبعد حصولهم على عمل ضمن مفاصل المجتم‪rr‬ع‬
‫التكنولوجي‪ .‬مجتم‪r‬ع م‪r‬ا بع‪r‬د الحداث‪r‬ة يعتم‪r‬د على مص‪r‬ادر جدي‪r‬دة للطاق‪r‬ة‪،‬‬
‫الطاقة النووي‪rr‬ة‪ ،‬طاق‪rr‬ة الري‪rr‬اح‪ ،‬الطاق‪rr‬ة الشمس‪rr‬ية‪ ،‬م‪rr‬ع اس‪rr‬تخدامات جدي‪rr‬دة‬
‫للكومبيوتر‪ ،‬مثل الروبوت الذي يتم التحكم به بوساطة الكومبيوتر‪ ،‬وال‪rr‬ذي‬
‫أضعف الحاجة لعمل االنسان فيم‪rr‬ا ع‪rr‬دا الم‪rr‬ؤهلين ت‪rr‬أهيال عالي‪rr‬ا في مج‪rr‬ال‬
‫التقنية‪ .‬ومهما قيل فإن هذا التحول من انتاج البضائع الى انتاج المعرف‪rr‬ة ال‬
‫يمكن بمفرده ان يرس‪rr‬م مالمح مرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة او مرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د‬
‫الصناعة‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان اإلنت‪rr‬اج الص‪rr‬ناعي ك‪rr‬ان دائم‪rr‬ا يقوم على تط‪rr‬بيق نت‪rr‬ائج‬
‫المعرفة لخلق وس‪rr‬ائل وأدوات عم‪rr‬ل أك‪rr‬ثر فاعلي‪rr‬ة وأك‪rr‬ثر انتاجي‪rr‬ة‪ .‬التغ‪rr‬ير‬
‫التكنولوجي بالتأكيد أضعف الحاجة للعمل اليدوي‪ ،‬ولكن ليس في ذل‪rr‬ك من‬

‫‪57‬‬
‫جديد‪ .‬والتحول التدريجي من اإلنتاج للخدمات كان منذ البداية من مقومات‬
‫المجتمعات الصناعية‪ ،‬ولهذا فان تزايد العمل في مجال الخ‪rr‬دمات وتراج‪rr‬ع‬
‫اإلنتاج اليدوي ال يمكن ان يخلق مجتمع ما بعد الحداثة او ما بعد الصناعة‬
‫‪)Fulcher & Scott 1999‬‬
‫الواقع ان السمة األساس لمجتمع ما بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة هي تم‪rr‬يزه بغلب‪rr‬ة الط‪rr‬ابع‬
‫االس‪rr‬تهالكي للمجتم‪rr‬ع "أي مجتم‪rr‬ع رفاهي‪rr‬ة" بحس‪rr‬ب بوم‪rr‬ان (‪Bauman‬‬
‫‪ )1992‬بمعنى ان التحول الثقافي عم‪rr‬ل على تهميش العقالني‪rr‬ة في العم‪rr‬ل‬
‫واإلنتاج‪ ،‬وتحول االقتصاد الى ثقافة‪ ،‬والثقافة الى عالم زائل من البض‪rr‬ائع‬
‫التي تستخدم لمرة واحدة‪ .‬العقالني‪rr‬ة المثلج‪rr‬ة (الب‪rr‬اردة) اس‪rr‬تبدلت بعواط‪rr‬ف‬
‫دافئة (تصوف‪ ،‬سحر‪ ،‬اسطورة‪ ،‬وديانة)‪.‬‬
‫التبادل العقالني ‪ rational exchange‬للبض‪rr‬ائع اس‪rr‬تبدل بتب‪rr‬ادل رم‪rr‬زي‬
‫‪ ،symbolic exchange‬تب‪r‬ادل ينط‪r‬وي على الالانتاجي‪r‬ة والالمحدودي‪r‬ة‬
‫في ان واحد‪ .‬في عالم م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة الص‪rr‬ناعي‪ ،‬الواقعي‪rr‬ة المفرط‪rr‬ة في‪rr‬ه‬
‫تتجلى في االغ‪rr‬واء ‪ seduction‬ال‪rr‬ذي عم‪rr‬ل على ت‪rr‬دعيم القوة ‪.power‬‬
‫القوة االقتصادية والتجارية والمالي‪rr‬ة ال‪rr‬تي ص‪rr‬ارت تلعب ب‪rr‬الوهم وتض‪rr‬في‬
‫الطابع السحري على األشياء من اجل التحكم بالذوق العام في حي‪r‬اة الن‪r‬اس‬
‫عبر فنون اإلعالن والدعاي‪rr‬ة‪ .‬ان حقيقة االغ‪rr‬واء وااليه‪rr‬ام مه‪rr‬دت إلع‪rr‬ادة‬
‫الحياة الى الالعقالنية‪ ،‬والعودة الى تعلم احترام الغموض والعواطف ال‪rr‬تي‬
‫ك‪rr‬انت تراف‪rr‬ق االنس‪rr‬ان في عص‪rr‬ور م‪rr‬ا قب‪rr‬ل الص‪rr‬ناعة‪ ،‬او على ح‪rr‬د تعب‪rr‬ير‬
‫دورشميدت وتايلور ()‪" Dürrschmidt & Taylor (2007:103‬م‪rr‬ا‬
‫بعد الحداثة هي القرون الوسطى الجديدة‪ .‬ما بعد الحداثة االستهالكية تمثل‬

‫‪58‬‬
‫شكال حديا ‪ liminal form‬من اشكال مجتمع ما قبل الحداث‪rr‬ة "‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان‬
‫ثقافات ما قبل الحداثة لم تندمج كليا مع عملية التس‪rr‬ليع‪ ،‬والعقلن‪rr‬ة والمدني‪rr‬ة‪.‬‬
‫وفي ذلك إشارة الى ان مرحلة ما بعد الحداثة في هلعها االس‪rr‬تهالكي تش‪rr‬به‬
‫في وجه من الوجوه ثقافة العصور الوسطى التي كان ه‪rr‬دف االنس‪rr‬ان فيه‪rr‬ا‬
‫البحث عن مصادر اللذة باي ثمن خارج حدود العقل والمنطق‪ .‬ففي القرن‬
‫العشرين اصبحت النظرة المتعلقة ب "التمرد على النظام "مصدرا رئيس‪rr‬ا‬
‫من مص‪rrr‬ادر الفتن‪rrr‬ة‪ ،‬والش‪rrr‬غف والح‪rrr‬نين ‪ nostalgia‬وانتقلت الى االدب‬
‫والفن‪ ،‬ووسائل المتعة وأصبحت أروقة المتاجر عالم أحالم للسلع الوهمية‬
‫القّيم‪rr‬ة‪ ،‬ال‪rr‬تي اس‪rr‬تلزمت المزامل‪rr‬ة والمجالس‪rr‬ة والمعاش‪rr‬رة م‪rr‬ع المبالغ‪rr‬ة في‬
‫التنافس على المظاهر الخادعة او الرمزية لألش‪r‬ياء ال‪r‬تي تس‪r‬تنزف الطاق‪r‬ة‬
‫النفس‪rr‬ية والمادي‪rr‬ة لألس‪rr‬رة والمجتم‪rr‬ع‪Ballantine and Roberts .‬‬
‫)‪(2009), Featherstone (1998‬‬
‫وعلى الرغم من وجود اختالف‪rr‬ات وتباين‪rr‬ات في وجه‪rr‬ات نظ‪rr‬ر العلم‪rr‬اء في‬
‫الفكر االجتماعي لمرحلة ما بعد الحداث‪rr‬ة اال انهم يتفقون على الخص‪rr‬ائص‬
‫االتية‪:‬‬
‫‪ .1‬في المي‪rr‬دان االقتص‪rr‬ادي‪ ,‬هن‪rr‬اك تح‪rr‬ول مس‪rr‬تمر للقطاع‪rr‬ات المهيمن‪rr‬ة‪،‬‬
‫فاالنتقال من اإلنتاج الزراعي الى اإلنتاج الص‪rr‬ناعي ال‪rr‬ذي اوج‪rr‬د الحداث‪rr‬ة‪،‬‬
‫اعقبه تح‪rr‬ول من الص‪rr‬ناعة الى الخ‪rr‬دمات‪ ،‬ال‪rr‬تي خلقت تنوع‪rr‬ا مهني‪rr‬ا ه‪rr‬ائال‬
‫ليست مرتبطة مباشرة بالعملي‪rr‬ة اإلنتاجي‪rr‬ة مث‪rr‬ل التج‪rr‬ارة‪ ،‬والم‪rr‬ال‪ ،‬والنقل‪،‬‬
‫والعناي‪rrrr‬ة الص‪rrrr‬حية‪ ،‬واالس‪rrrr‬تجمام‪ ،‬والبحث العلمي‪ ،‬والتعليم‪ ،‬واإلدارة‪،‬‬
‫والحكومة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ .2‬في البن‪rr‬اء الطبقي وال‪rr‬تراتب االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬هن‪rr‬اك نم‪rr‬و كب‪rr‬ير في طبقة‬
‫العاملين في مجال الخدمات‪ ،‬الس‪rr‬يما الجماع‪rr‬ات ال‪rr‬تي تجي‪rr‬د العم‪rr‬ل التقني‬
‫والمهنيون من ذوي االختصاص‪rr‬ات عالي‪rr‬ة الكف‪rr‬اءة‪ ،‬والع‪rr‬املون في حقول‬
‫المعرف‪rr‬ة العلمي‪rr‬ة‪ ،‬واألبح‪rr‬اث‪ ،‬والخ‪rr‬دمات اإلنس‪rr‬انية‪ ،‬ك‪rr‬التعليم والص‪rr‬حة‬
‫والثقافة والرعاية االجتماعية واالستجمام‪.‬‬
‫‪ .3‬في التكنولوجيا‪ ،‬ارتف‪rr‬اع كب‪rr‬ير في التكنولوجي‪rr‬ا الذكي‪rr‬ة الجدي‪rr‬دة ‪High-‬‬
‫‪ Tec‬التي تقوم على جمع المعلومات وتحليلها‪ ،‬أكثر من اهتمامه‪rr‬ا ب‪rr‬المواد‬
‫الخام والطاقة‪.‬‬
‫‪ .4‬في مج‪rr‬ال ديناميكي‪rr‬ات المجتم‪rr‬ع‪ ،‬نم‪rr‬و التكنولوجي‪rr‬ا ال‪rr‬تي ت‪rr‬ديم نفس‪rr‬ها‬
‫ب‪rr‬التطوير المس‪rr‬تمر مث‪rr‬ل اله‪rr‬اتف النقال والتلف‪rr‬از ال‪rr‬تي تتج‪rr‬دد بس‪rr‬رعة‬
‫وباستمرارية‪ ،‬اكتسبت أهمية قصوى‪.‬‬
‫‪ .5‬في ميدان القيم والعادات اليومية‪ ،‬التركيز ينحو نحو المعرف‪rr‬ة وطرائ‪rr‬ق‬
‫اكتس‪rr‬ابها ع‪rr‬بر اش‪rr‬كال مختلف‪rr‬ة من التعليم المس‪rr‬تمر‪Naisbitt, J and .‬‬
‫)‪Aburdene P, (1990) Sztompka (1998‬‬
‫من المالح‪rr‬ظ ان خص‪rr‬ائص مرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة توك‪rr‬د على تك‪rr‬ثيف‬
‫الظاهرات والعمليات التي كانت موج‪rr‬ودة أص‪rr‬ال في مرحل‪rr‬ة الحداث‪rr‬ة من‪rr‬ذ‬
‫بدايتها‪ ،‬كل الذي حدث ان النظريات التي تناولت مرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة‬
‫كانت تنظر للمرحلة التي سبقتها من الزاوية الكئيبة‪ ،‬وتنتقد الظروف غ‪rr‬ير‬
‫اإلنسانية التي رافقتها‪ ،‬وكأن احدهم يقول ان المجتمع الح‪r‬ديث ال ينبغي ان‬
‫يستمر في هذا الطريق‪ ،‬والنظ‪rr‬رة البديل‪rr‬ة تتج‪rr‬ذر في الح‪rr‬نين الى الج‪rr‬وانب‬
‫المضيئة للمجتمع التقليدي الذي اعيد اكتشافه فقف‪rr‬ز فج‪rr‬أة للواجه‪rr‬ة‪ ،‬ول‪rr‬ذلك‬

‫‪60‬‬
‫يقول جدنز )‪" Giddens (1990:51‬من السابق ألوانه الحديث عن‬
‫مرحلة ما بعد الحداثة‪ ،‬اننا لم نتخطى بعد مرحلة الحداثة‪ ،‬إننا في الواقع‬
‫نعيش ضمن احدى وجوهها الراديكالية (المتطرفة) اكثر من دخولنا في‬
‫مرحلة ما بعد الحداثة‪ ،‬اننا نمضي باتجاه احدى الوجوه األكثر تطورا‬
‫للحداثة ‪." .high modernity‬‬
‫يب‪rr‬دو ان االختالف في وجه‪rr‬ات نظ‪rr‬ر علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع ال تتع‪rr‬دى ح‪rr‬دود‬
‫المواصفات الش‪rr‬كلية‪ ،‬ام‪rr‬ا المحت‪rr‬وى ف‪rr‬انهم على درج‪rr‬ة عالي‪rr‬ة من التواف‪rr‬ق‬
‫حوله‪ ،‬فاذا كان جدنز يسمي المرحلة اعلى مراحل تط‪rr‬ور الحداث‪rr‬ة فان‪rr‬ه ال‬
‫يختلف عن االخرين الذين اسموها مرحلة ما بعد الحداثة‪ ،‬ذلك انهم جميع‪rr‬ا‬
‫يتفقون على التح‪r‬ول الج‪r‬ذري من اقتص‪rr‬اد البض‪rr‬ائع الى اقتص‪rr‬اد المعرف‪rr‬ة‬
‫والمعلومات‪ ،‬وهي مرحلة وال شك أكثر تطورا وأك‪rr‬ثر تعقي‪rr‬دا من س‪rr‬ابقتها‬
‫من الناحيتين البنائية والوظيفية‪ .‬اما الجوانب السيئة التي ركز عليها بعض‬
‫العلماء في سياق ما تقدم فإنها ليست من باب الحنين الى المجتمع التقلي‪rr‬دي‬
‫وانما من باب ان لكل مرحلة من مراح‪rr‬ل التط‪rr‬ور البش‪rr‬ري ج‪rr‬وانب قاتم‪rr‬ة‬
‫واخرى مضيئة‪ .‬وعلى الرغم من كل م‪rr‬ا قي‪rr‬ل عن مس‪rr‬اوئ الحاض‪rr‬ر فان‪rr‬ه‬
‫يبقى اعم فائدة من الماضي‪ ،‬ولو عاد الماضي الذي يتب‪r‬اكى علي‪r‬ه كث‪r‬يرون‬
‫لرفضوه‪.‬‬
‫العولمة ‪Globalization‬‬
‫ندخل االن الى أكثر المفاهيم الحديثة تعقيدا‪" ،‬العولمة" والعولم‪rr‬ة بالدرج‪rr‬ة‬
‫األس‪rr‬اس ليس‪rr‬ت مفهوم‪rr‬ا سيس‪rr‬يولوجيًا‪ ،‬انه‪rr‬ا مفه‪rr‬وم اخترع‪rr‬ه السياس‪rr‬يون‪،‬‬
‫مباشرة بعد انهيار االتحاد السوفيتي ‪ ))1991‬وتفككه الى دويالت صغيرة‬

‫‪61‬‬
‫ضعيفة اقتصاديا وسياسيا‪ ،‬وتفرد الوالي‪rr‬ات المتح‪rr‬دة بالهيمن‪rr‬ة على الع‪rr‬الم‪،‬‬
‫بعد ان كان االتح‪rr‬اد الس‪rr‬وفيتي قطب‪rr‬ا مهم‪rr‬ا في التوازن‪rr‬ات الدولي‪rr‬ة‪ .‬سياس‪rr‬ة‬
‫القطب الواح‪rr‬د ارادت ان تقول لش‪rr‬عوب األرض ان أح‪rr‬دا ال يس‪rr‬تطيع ان‬
‫يوفر لكم الحماية م‪rr‬الم ت‪rr‬دخلوا تحت مظل‪rr‬ة القطب الواح‪rr‬د‪ ،‬وه‪rr‬ذا ال‪rr‬دخول‬
‫مشروط بتغيير شامل ليس فقط في نمط التبادل االقتصادي وانما أيضا في‬
‫المحرك‪rr‬ات الثقافي‪rr‬ة والنفس‪rr‬ية للمجتمع‪rr‬ات البش‪rr‬رية‪ ،‬وبس‪rr‬بب التف‪rr‬رد خل‪rr‬ق‬
‫القطب الواحد عالما من الرعب‪ ،‬وأشعل الحرائق في وسط اوربا والشرق‬
‫األوس‪rr‬ط وش‪rr‬مال افريقي‪rr‬ا‪ ،‬وح‪rr‬اول خن‪rr‬ق الص‪rr‬ين وروس‪rr‬يا وتحجيم اورب‪rr‬ا‬
‫واليابان‪ .‬وهذا بالضبط عكس ما يشاع في ادبيات علم االجتماع والسياس‪rr‬ة‬
‫من ان أمريك‪rr‬ا وأروب‪rr‬ا الرأس‪rr‬مالية ق‪rr‬د انتص‪rr‬رت وإنه‪rr‬ا س‪rr‬تكون النم‪rr‬وذج‬
‫المثالي الذي ستتبعه الشعوب طوعا او كرها‪.‬‬
‫عالم واحد بلسان واحد وثقافة واحدة على الطريقة االمريكي‪r‬ة‪-‬االوربي‪r‬ة لم‬
‫يكن سهال جدا ولم يكن مخططا له لذلك لم يحقق كث‪rr‬يرا من أهداف‪rr‬ه اال ان‪rr‬ه‬
‫نجح في اح‪rr‬داث ع‪rr‬الم مض‪rr‬طرب‪ ،‬وش‪rr‬ديد الخط‪rr‬ورة‪ ،‬يقول پيپ‪rr‬ل وبيلي‬
‫)‪ Peoples & Bailey (2003:160‬في كتابهم‪rrrr‬ا المعن‪rrrr‬ون "”‬
‫‪" Humanity‬انه في الحادي والعشرين من تموز ‪ 2001‬وعلى الص‪rr‬فحة‬
‫االولى لصحيفة سان فرانسيسكو كرونك‪rr‬ل ظه‪rr‬ر عن‪rr‬وان بالخ‪rr‬ط الع‪rr‬ريض‬
‫يقول "شغب القمة المميت" وهذا العنوان كان يحكي قص‪rr‬ة الش‪rr‬غب ال‪rr‬ذي‬
‫حصل في قمة الثمانية ‪( G8‬وهي قمة دوري‪rr‬ة لل‪rr‬دول الس‪rr‬بع الغني‪rr‬ة زائ‪rr‬دا‬
‫روس‪rrr‬يا) المنعقد في جن‪rrr‬وة بإيطالي‪rrr‬ا لمناقش‪rrr‬ة االهتمام‪rrr‬ات المش‪rrr‬تركة‪.‬‬
‫"المش‪rr‬اغبون" ك‪rr‬انوا يحتج‪rr‬ون على العولم‪rr‬ة‪ ،‬وك‪rr‬انت ش‪rr‬عاراتهم تقول ان‬

‫‪62‬‬
‫الفجوة بين األغنياء والفقراء ت‪r‬زداد اتس‪r‬اعا‪ ،‬وان حقوق العم‪r‬ال س‪r‬حقت‪،‬‬
‫والبيئة الطبيعية فسدت" والسؤال هو م‪rr‬اهي العولم‪rr‬ة؟ ولم‪rr‬اذا يحتج الن‪rr‬اس‬
‫ضدها؟‬
‫منذ مطلع التسعينات من القرن الماض‪rr‬ي دخ‪r‬ل مص‪rr‬طلح العولم‪r‬ة الى ك‪r‬ل‬
‫لغات العالم‪ ،‬ومنذ ذل‪r‬ك الحين أيض‪r‬ا دخ‪r‬ل المفه‪r‬وم ق‪r‬اموس علم االجتم‪r‬اع‬
‫وادبياته‪ ،‬ومع ان المصطلح م‪rr‬ازال يتمت‪rr‬ع بش‪rr‬يء من الغم‪rr‬وض‪ ،‬ويتناول‪rr‬ه‬
‫المختص‪rr‬ون بمع‪rr‬ان مختلف‪rr‬ة‪ ،‬اال ان التعري‪rr‬ف األبس‪rr‬ط ه‪rr‬و تعري‪rr‬ف ج‪rr‬دنز‬
‫)‪ Giddens (1999‬الذي يقول ان العولم‪rr‬ة هي ش‪rr‬يء يتعل‪rr‬ق بفك‪rr‬رة انن‪rr‬ا‬
‫جميعا نحيا في ع‪rr‬الم واح‪rr‬د‪ ،‬وبمع‪rr‬نى ادق هي تس‪rr‬ارع عملي‪rr‬ة التراب‪rr‬ط بين‬
‫المجتمع‪rr‬ات البش‪rr‬رية في ك‪rr‬ل وج‪rr‬وه الحي‪rr‬اة المعاص‪rr‬رة‪ ،‬من الثقاف‪rr‬ة الى‬
‫الجريمة ثم المال حتى الحي‪r‬اة الروحي‪r‬ة‪ ،‬وذل‪r‬ك يع‪r‬ني بحس‪r‬ب ال‪r‬رج بي‪r‬ك‬
‫)‪ Ulrich Beck (2000‬ان الدولة القومية التقليدية بحدودها الجغرافي‪rr‬ة‬
‫وهويتها الثقافية تم تقويضها تماما عبر العبي التحول الماهرين‪ .‬ويض‪rr‬يف‬
‫روبرتس‪rr‬ون )‪ Robertson (1992‬ان العولم‪rr‬ة ببس‪rr‬اطة ليس‪rr‬ت عملي‪rr‬ة‬
‫ترابط بين األمم فقط‪ ،‬انها تتعدى ذلك الى الثقافات واألشخاص‪ ،‬انها مجال‬
‫للوعي بان العالم أصبح مكانا واحدا بهوية كونية واحدة‪.‬‬
‫وبقدر ما تكون العولمة اختراعا سياسيا‪ ،‬فان أه‪rr‬دافها المعلن‪rr‬ة ‘اقتص‪rr‬ادية’‬
‫بالدرجة األولى‪ ،‬فهي كما يقول ج‪r‬دنز )‪ Giddens (2007:7-9‬ظ‪r‬اهرة‬
‫اقتصادية فقط من وجهة نظر أكثر المختصين في العل‪rr‬وم اإلنس‪rr‬انية‪ ،‬غ‪rr‬ير‬
‫ان هذه النظرة ليست خاطئة كلي‪rr‬ا ولكنه‪rr‬ا أحادي‪rr‬ة الج‪rr‬انب‪ ،‬العولم‪rr‬ة ليس‪rr‬ت‬
‫اقتص‪rr‬ادية فقط‪ ،‬ف‪rr‬اذا اخ‪rr‬ذنا في االعتب‪rr‬ار مثال‪ ،‬دور وس‪rr‬ائل التواص‪rr‬ل‬

‫‪63‬‬
‫االجتم‪rr‬اعي ‪ Social communication Media‬ف‪rr‬ان الع‪rr‬الم أص‪rr‬بح‬
‫متشابك الكترونيا بطريقة لم يكن باإلمكان حتى مج‪rr‬رد تخيله‪rr‬ا ع‪rr‬دة عقود‬
‫مض‪rr‬ت‪ .‬وت‪rr‬اريخ ب‪rr‬دايات العولم‪rr‬ة يمكن تحدي‪rr‬دها بنهاي‪rr‬ة الس‪rr‬تينات وبداي‪rr‬ة‬
‫الس‪r‬بعينات من القرن الماض‪r‬ي‪ ،‬عن‪r‬دما ب‪r‬دأ غ‪r‬زو الفض‪r‬اء‪ ،‬بتث‪r‬بيت أقم‪r‬ار‬
‫ص‪rr‬ناعية خ‪rr‬ارج م‪rr‬دار الك‪rr‬رة األرض‪rr‬ية‪ ،‬وال‪rr‬تي س‪rr‬هلت عملي‪rr‬ة االتص‪rr‬ال‬
‫الفوري بين الناس في كل انحاء العالم‪ ،‬كما ان استحداث الشبكة العنكبوتية‬
‫"االنترنيت" في نهاية التسعينات‪ ،‬غيرت الحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة واالقتص‪rr‬ادية‬
‫في ك‪rr‬ل مك‪rr‬ان‪ ،‬الهج‪rr‬رة مثال تغ‪rr‬يرت طبيعته‪rr‬ا‪ ،‬وص‪rr‬ار بمقدور المه‪rr‬اجر‬
‫التواصل مع موطنه األصلي متى شاء‪ .‬العولمة لم ت‪rr‬أت من الخ‪rr‬ارج‪ ،‬ذل‪rr‬ك‬
‫انه كلما فتحنا الحاسوب "الكومبيوتر" وارسلنا رسالة الكتروني‪rr‬ة "ايمي‪rr‬ل"‬
‫‪ e-mail‬وكلما بحثنا عن معلوم‪rr‬ات ع‪rr‬بر االن‪rr‬ترنيت‪ ،‬وكلم‪rr‬ا فتحن‪rr‬ا جه‪rr‬از‬
‫التلفزة او المذياع‪ ،‬فأننا نساهم في العولم‪rr‬ة في اللحظ‪rr‬ة ال‪rr‬تي نس‪rr‬تخدم فيه‪rr‬ا‬
‫هذه األدوات‪ .‬ويتعين‪ ،‬في أي حال‪ ،‬ان نأخذ في االعتبار تأثيرات العولم‪rr‬ة‬
‫من ج‪rr‬وانب مختلف‪rr‬ة‪ ،‬ذل‪rr‬ك انه‪rr‬ا لم تع‪rr‬د كم‪rr‬ا روج له‪rr‬ا بع‪rr‬د س‪rr‬قوط االتح‪rr‬اد‬
‫السوفيتي‪ ،‬في ان أمريكا وأروبا ستهيمن على بقي‪rr‬ة بل‪rr‬دان الع‪rr‬الم اقتص‪rr‬اديا‬
‫وسياسيا‪ ،‬ذلك ان دخول الصين والهند وروسيا والياب‪r‬ان وكوري‪r‬ا منافس‪r‬ين‬
‫اقتص‪rrr‬اديين‪ ،‬يملك‪rrr‬ون القدرة على اح‪rrr‬داث تغ‪rrr‬يرات جي‪rrr‬و‪ -‬سياس‪rrr‬ية‬
‫‪ geopolitics‬مباشرة على العالم أحدث ق‪rr‬درا من ال‪r‬تراجع ل‪r‬دى م‪r‬روجي‬
‫القطب الواحد والعالم الواحد تحت الهيمنة االمريكية‪ .‬ومع ان التكنولوجي‪rr‬ا‬
‫الحديثة عملت على تقزيم الع‪rr‬الم ليب‪rr‬دو وكأن‪rr‬ه قري‪rr‬ة كوني‪rr‬ة ص‪rr‬غيرة‪ ،‬لكن‬
‫يجب االعتراف بانه مازال كل شعب يحتفظ بهويته وثقافته ولغته‪ ،‬صحيح‬

‫‪64‬‬
‫ان الف‪rr‬وارق الثقافي‪rr‬ة ب‪rr‬دأت تتقلص نس‪rr‬بيا ولكنه‪rr‬ا س‪rr‬تبقى فاعل‪rr‬ة الى اخ‪rr‬ر‬
‫الزمان‪ ،‬والقول بوحدة العالم شيء مبالغ فيه‪ ،‬اال إذا استثنينا العالم الع‪rr‬ربي‬
‫وشعوب اسيا وافريقيا وامريكا الالتينية‪ ،‬عندها تبقى أمريك‪rr‬ا وأروب‪rr‬ا ال‪rr‬تي‬
‫تشترك فعال بخصائص متشابهة ثقافيا واقتصاديا ونفسيا‪.‬‬
‫على اي‪rr‬ة ح‪rr‬ال‪ ،‬بعض علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع يعتقدون ان العولم‪rr‬ة هي أح‪rr‬دث‬
‫نس‪rr‬خة للحداث‪rr‬ة‪ ،‬بمع‪rr‬نى ان مرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د الص‪rr‬ناعة وص‪rr‬لت الى اقص‪rr‬ى‬
‫درجات تطورها فيما يسمى االن "العولمة"‪ ،‬والعولمة بحسب تعبير بلتون‬
‫واخرين )‪ Bilton et al (2002:48‬هي "خاصية فريدة للحداثة وتعبير‬
‫عنها"‪ .‬وسواء كانت العولمة جزء من الحداثة او مرحلة متطورة عنها‬
‫فان خصائصها الملموسة تتضح فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬تحول في حدود التع‪rr‬امالت االقتص‪rr‬ادية‪ :‬فقد اح‪rr‬دثت تغ‪rr‬يرا واض‪rr‬حا في‬
‫س‪rr‬رعة التط‪rr‬ور االقتص‪rr‬ادي في الع‪rr‬الم؛ فش‪rr‬ركات االعم‪rr‬ال‪ ،‬والتع‪rr‬امالت‬
‫المص‪rr‬رفية‪ ،‬واالس‪rr‬تثمارات ع‪rr‬برت الح‪rr‬دود اإلقليمي‪rr‬ة لل‪rr‬دول أك‪rr‬ثر من أي‬
‫وقت مضى‪ .‬بعض الشركات العمالقة لديها استثمارات ونفقات أكبر ح‪rr‬تى‬
‫من الدخل القومي للدول التي تعمل فيها‪.‬‬
‫‪ -‬تمدد االتصاالت في الشبكات العالمية‪ :‬تلفزة األقمار الصناعية‪ ،‬ووسائل‬
‫االعالم الرقمية‪ ،‬والحاسبات الشخصية‪ ،‬والهاتف النقال‪ ،‬وك‪rr‬ل تكنولوجي‪rr‬ا‬
‫المعلومات التي ساهمت في تقزيم العالم‪ ،‬وهذه كلها أدت الى إعادة النظ‪rr‬ر‬
‫في فكرة الزمان والمكان‪ ،‬فلم يعد بإمكانن‪rr‬ا التفك‪rr‬ير بش‪rr‬كل رئيس باألم‪rr‬اكن‬
‫المحلية‪ ،‬فالهاتف النقال‪ ،‬والط‪rr‬ائرات فائقة الس‪rr‬رعة‪ ،‬والش‪rr‬بكة العنكبوتي‪rr‬ة‬
‫(االنترنيت)‪ ،‬سهلت االتصال الفوري بكل أجزاء الكوكب‪ ،‬ل‪rr‬و فكرن‪rr‬ا فقط‬

‫‪65‬‬
‫بخدمة الهاتف النقال وكيف انه رفع القيود عن العالقات وجها لوجه سنجد‬
‫انها اشبه بمعج‪rr‬زة بش‪rr‬رية لم تكن تخط‪rr‬ر في ب‪rr‬ال اح‪rr‬د في ي‪rr‬وم من االي‪rr‬ام‪.‬‬
‫اله‪rr‬اتف ليس اختراع‪rr‬ا جدي‪rr‬دا‪ ،‬ولكن فك‪rr‬رة ان يك‪rr‬ون اله‪rr‬اتف مع‪rr‬ك اينم‪rr‬ا‬
‫تذهب‪ ،‬فكرة عبقري‪rr‬ة غ‪rr‬يرت نم‪rr‬ط االتص‪rr‬االت تغي‪rr‬يرا م‪rr‬ذهال‪ ،‬لقد ص‪rr‬ار‬
‫بمقدور االنسان ان يعرف ما يحدث في الطرف االخر من الكرة األرضية‬
‫في نصف دقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬بناء ثقافة عالمية جدي‪rr‬دة واس‪rr‬عة االنتش‪rr‬ار‪ :‬المن‪rr‬اطق الحض‪rr‬رية ص‪rr‬ارت‬
‫تشبه بعضها البعض في طرز البناء وفي محتوى األسواق وترتيبه‪rr‬ا‪ ،‬كم‪rr‬ا‬
‫ص‪rr‬ارت ال‪rr‬برامج التلفزيوني‪rr‬ة‪ ،‬والموس‪rr‬يقى واألفالم وم‪rr‬ا ش‪rr‬اكل تستنس‪rr‬خ‬
‫بعضها في كل االرجاء‪.‬‬
‫‪ -‬تطوير اشكال جديدة ألنظمة الحكم العالمية‪ :‬البعض‪ ،‬كم‪rr‬ا أش‪rr‬رنا‪ ،‬س‪rr‬ابقا‬
‫يعتقد ان العولم‪rr‬ة هي اض‪rr‬عاف الدول‪rr‬ة القومي‪rr‬ة‪ ،‬على ال‪rr‬رغم من ان ه‪rr‬ذا‬
‫االعتقاد مثير للجدل‪ ،‬ولكن الذي ال شك فيه هو تط‪rr‬ور الوك‪rr‬االت العالمي‪rr‬ة‬
‫ال‪rr‬تي تض‪rr‬عف األنظم‪rr‬ة القومي‪rr‬ة‪ ،‬مث‪rr‬ل األمم المتح‪rr‬دة‪ ،‬ومنظم‪rr‬ة الص‪rr‬حة‬
‫العالمية‪ ،‬والمحكمة االوربية لحقوق االنس‪r‬ان‪ .‬ه‪r‬ذه الوك‪r‬االت تقوم بتنفي‪r‬ذ‬
‫ب‪rr‬رامج تعلنه‪rr‬ا على المأل وتل‪rr‬تزم بتنفي‪rr‬ذها عم‪rr‬ا يس‪rr‬مى "مقرط‪rr‬ة الع‪rr‬الم"‬
‫‪ ،Democratization of the World‬مع اعتقاد متزايد من ان النظام‬
‫الديمقراطي سوف يهيمن على النظم السياسية في العالم‪.‬‬
‫‪ -‬خل‪rr‬ق وعي متن‪rr‬امي عن مش‪rr‬كالت الع‪rr‬الم المش‪rr‬تركة‪ :‬من الص‪rr‬عب ج‪rr‬دا‬
‫التفكير بمشكالت العالم على انها فقط مشكالت تعود لبلد واحد من البلدان‪،‬‬
‫فمثال الجريمة‪ ،‬التي أصبحت عالمية بشكل متزايد‪ ،‬تجارة المخدرات ال‪rr‬تي‬

‫‪66‬‬
‫بدأت تنتشر عبر القارات‪ ،‬والجرائم االلكتروني‪rr‬ة ال‪rr‬تي تتع‪rr‬ارض بقوة م‪rr‬ع‬
‫قوانين كل دول العالم‪ ،‬مع المحكم‪r‬ة الدولي‪r‬ة وم‪r‬ع ق‪rr‬وانين العدال‪r‬ة الدولي‪r‬ة‪.‬‬
‫وعلى هذه الشاكلة تأتي مشكلة التلوث البيئي التي تحدثها الص‪rr‬ناعة وال‪rr‬تي‬
‫باتت تهدد كل بلدان العالم‪ ،‬كما تحتل مشكالت‪ ،‬مثل الفقر‪ ،‬وعدم المساواة‬
‫واإلرهاب والالجئين والهجرة مستوى األولويات نفس‪rr‬ه ل‪rr‬دى ال‪rr‬دول بغ‪rr‬ير‬
‫استثناء‪.‬‬
‫‪ -‬تزايد اإلحساس بالخطر‪ :‬عالم االجتماع األلم‪rr‬اني بي‪rr‬ك )‪Beck (1992‬‬
‫س‪rr‬مى المجتم‪rr‬ع الع‪rr‬المي الجدي‪rr‬د بمجتم‪rr‬ع المخ‪rr‬اطر‪ ،‬فالتكنولوجي‪rr‬ا الجدي‪rr‬دة‬
‫خلقت مخاطر تختلف كليا عن كل ما نعرفه في ت‪rr‬اريخ المجتم‪rr‬ع البش‪rr‬ري‪.‬‬
‫بالطبع المجتمعات القديمة عرفت المخاطر‪ ،‬وكانت األم‪rr‬اكن فيه‪rr‬ا خط‪rr‬يرة‬
‫أيضا‪ ،‬فزلزال واحد كان كافيا لمسح كامل السكان من أي بلد‪ .‬الفيضانات‪،‬‬
‫واألوبئة‪ ،‬والمجاعات‪ ،‬كلها نماذج للمخاطر‪ ،‬فالحياة اإلنس‪rr‬انية على ط‪rr‬ول‬
‫التاريخ كانت بغيضة ومؤلمة‪ ،‬وقاسية‪ ،‬والطبيعة كانت دائم‪rr‬ا تحم‪rr‬ل معه‪rr‬ا‬
‫المخاطر‪ ،‬لكن المخاطر التي جلبتها الصناعة تختل‪rr‬ف في قس‪rr‬وتها وش‪rr‬دتها‬
‫ووحشيتها ألنها ليست طبيعية وانما من صنع االنسان نفسه‪ .‬هذه المخاطر‬
‫ت‪rr‬رافقت م‪rr‬ع أن‪rr‬واع من التكنولوجي‪rr‬ا الجدي‪rr‬دة ال‪rr‬تي ته‪rr‬دد الحي‪rr‬اة على ه‪rr‬ذا‬
‫الكوكب‪ ،‬وه‪rr‬ذه التكنولوجي‪rr‬ا من انت‪rr‬اج االنس‪rr‬ان‪ ،‬وهي تنط‪rr‬وي على نت‪rr‬ائج‬
‫وخيمة غير منظ‪rr‬ورة‪ ،‬وق‪rr‬د ال نستش‪rr‬عر خطره‪rr‬ا في ال‪rr‬وقت ال‪rr‬راهن ولكن‬
‫انعكاساتها قد تأخذ عدة مئات من السنين قبل ان تظهر على الناس والبيئة‪.‬‬
‫هذه المخاطر الصناعية تدفعنا نحو حافة الهاوية‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان خطره‪rr‬ا يتع‪rr‬دى‬
‫االنسان ليشمل كافة اشكال الحياة على األرض‪ .‬ومع نمو ج‪rr‬ذر المخ‪rr‬اطر‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫وصعوبة الخالص مما ستؤول اليه‪ ،‬أص‪rr‬بح ل‪r‬دينا يقين ب‪r‬ان ه‪r‬ذه المخ‪r‬اطر‬
‫هي قرين العولمة التي تدفعنا للقطيعة مع الماضي واالنفصال عن التقاليد‪.‬‬
‫كل التغييرات ال‪rr‬تي ج‪rr‬اءت به‪rr‬ا العولم‪rr‬ة‪ ،‬من القط‪rr‬ار الى الكوم‪rr‬بيوتر الى‬
‫الهندسة الوراثية الى األسلحة النووي‪rr‬ة له‪rr‬ا نت‪rr‬ائج غ‪rr‬ير محس‪rr‬وبة ويص‪rr‬عب‬
‫التنبؤ بها‪.‬‬
‫‪ .7‬ظهور شبكة الممثلين العالميين المتنقلين‪ :‬الذين ليس لديهم موطن محدد‬
‫على الجغرافية انهم ممثلون يتسلقون كل مكان عبر الشبكة العنكبوتي‪rr‬ة من‬
‫أمثال ‪ ,amazon, Pay pal, E-Bay‬االحزاب الخضر‪ ،‬دي‪r‬زني ويل‪r‬د‪،‬‬
‫الحرك‪rr‬ات النس‪rr‬وية‪ ،‬الحرك‪rr‬ات الديني‪rr‬ة‪ ،‬ه‪rr‬ؤالء يع ‪ّr‬د ون أنفس‪rr‬هم مواط‪rr‬نين‬
‫عالميين‪Macionis & Plummer (2002) .‬‬
‫لو نظرنا للمستقبل على وفق ما ذكرناه من مخ‪rr‬اطر‪ ،‬وأص‪rr‬بحنا نعيش في‬
‫مجتمع انساني واحد باقتصاد وثقافة عالمية واحدة‪ ،‬فهل نرض‪rr‬ى ان يعيش‬
‫أطفالنا واحفادنا في مثل هذا العالم؟‪.‬‬
‫العولمة واألسواق ‪Globalization & Markets‬‬
‫أكثر مظاهر العولمة وضوحا هو التشابك االقتصادي بين ش‪rr‬عوب الع‪rr‬الم‪.‬‬
‫وعولمة السوق تعني ان العالم كله يمضي نحو التكامل في نظام اقتصادي‬
‫واح‪rr‬د يقوم على التب‪rr‬ادل الح‪rr‬ر‪ :‬العم‪rr‬ل‪ ،‬وراس الم‪rr‬ال‪ ،‬والتكنولوجي‪rr‬ا‪،‬‬
‫والمنتج‪rr‬ات االس‪rr‬تهالكية والخ‪rr‬دمات تمض‪rr‬ي روي‪rr‬دا روي‪rr‬دا ع‪rr‬بر الح‪rr‬دود‬
‫القومية للبلدان مع التخلي التدريجي عن التحفظات الوطنية‪ .‬نظري‪rr‬ا الع‪rr‬الم‬
‫يمضي نحو نظام الس‪rr‬وق التك‪rr‬املي الواح‪rr‬د‪ ،‬الس‪rr‬وق العمالق‪ ،‬بحيث مثال‪،‬‬
‫ان مزارعي القطن في مصر سيتنافسون مع نظرائهم األمريك‪rr‬يين في بي‪rr‬ع‬

‫‪68‬‬
‫محاصيلهم في كل من القاهرة وشيكاغو‪ ،‬وطبعا تطبيقات الس‪rr‬وق الع‪rr‬المي‬
‫س‪rr‬وف تتعم‪rr‬ق لتتج‪rr‬اوز القاهرة وش‪rr‬يكاغو لتش‪rr‬مل بقي‪rr‬ة بل‪rr‬دان الع‪rr‬الم‪.‬‬
‫)‪ .Peoples & Bailey (2003‬عملي‪rr‬ا ه‪rr‬ذه الرؤي‪rr‬ة تب‪rr‬دو ض‪rr‬ربا من‬
‫الخيال‪ ،‬ذلك ان ردود األفعال الرافضة للعولمة تتزاي‪rr‬د‪ ،‬ففي ك‪rr‬انون األول‬
‫‪ 1995‬ت‪rr‬دفق أك‪rr‬ثر من مئ‪rr‬تي أل‪rr‬ف متظ‪rr‬اهر في ش‪rr‬وارع ب‪rr‬اريس‪ ،‬ودخلت‬
‫فرنسا في اضراب شامل احتجاجا على قطع معونات الرعاية االجتماعية‪،‬‬
‫وإص‪rr‬الح ظ‪rr‬روف العم‪rr‬ل‪ ،‬وفي أيل‪rr‬ول ‪ 2001‬تظ‪rr‬اهر أك‪rr‬ثر من ملي‪rr‬وني‬
‫شخص في انحاء العالم احتجاجا على غزو العراق واحتالل‪rr‬ه‪ .‬وفي ‪2003‬‬
‫تجمع أكثر من مائة ألف متظاهر في شوارع بورتو أليغ‪rr‬ري في البرازي‪rr‬ل‬
‫احتجاجا على العولمة‪.‬‬
‫لقد اثبتت هذه االحداث‪ ،‬االحكام المريضة والرؤية المظلل‪rr‬ة إلعالن فوك‪rr‬و‬
‫يام‪rr‬ا *‪ Fukuyama’s declaration‬في مقالت‪rr‬ه الش‪rr‬هيرة عن "نهاي‪rr‬ة‬
‫التاريخ" والتي طورها الحقا في كت‪rr‬اب اس‪rr‬ماه " نهاي‪rr‬ة الت‪rr‬اريخ واالنس‪rr‬ان‬
‫األخير" ‪ 1992‬والتي تحدث فيها عن االنتصار األيديولوجي للديمقراطي‪rr‬ة‬
‫اللبرالية‪ .‬وفوق هذا فان التعبئة الجماهيرية ليست األغلبي‪rr‬ة الص‪rr‬امتة ال‪rr‬تي‬
‫المح له‪rrr‬ا ب‪rrr‬ودريالرد )‪ Baudrillard (1994b‬في تص‪rrr‬ويره لنهاي‪rrr‬ة‬
‫المجتمع‪ ،‬وهذا طبعا ال يعني انه ليس هناك تغييرات مهمة تتعل‪rr‬ق بسياس‪rr‬ة‬
‫ما وراء الدولة والهوية الى جانب التغييرات االقتصادية الجوهرية‪.‬‬
‫وعلى اف‪rr‬تراض ان عولم‪rr‬ة الس‪rr‬وق ستمض‪rr‬ي ق‪rr‬دما‪ ،‬فإنه‪rr‬ا س‪rr‬تأخذ االبع‪rr‬اد‬
‫االتية‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ .1‬عولمة راس المال وقوة العمل‪ :‬الشركات الك‪rr‬برى في ال‪rr‬دول المتقدم‪rr‬ة‬
‫نقلت خدماتها اإلنتاجية ل‪rr‬دول فقيرة‪ .‬ان تحوي‪rr‬ل مك‪rr‬ان ه‪rr‬ذه الش‪rr‬ركات من‬
‫مواطنها االصلية الى مواطن أخرى بعيدة عنها جغرافيا تعود عليها بفوائد‬
‫عديدة‪ ،‬أهمها استغالل قوة العمل الرخيصة‪ ،‬واستغالل إجراءات الس‪rr‬المة‬
‫االقل تشددا فيها‪ .‬هذا الى جانب التكلفة الضئيلة ألجور األرض‪ ،‬والقوانين‬
‫البيئة المتراخية او غير الملزمة للحفاظ على البيئة‪ ،‬كم‪rr‬ا ان النقاب‪rr‬ات غ‪rr‬ير‬
‫موجودة او فقيرة تنظيميا‪ .‬كل هذه الفوائد تقلل من كلفة اإلنت‪rr‬اج وتزي‪rr‬د من‬
‫عائد األرباح‬
‫‪ .2‬عولمة البضائع االستهالكية‪ :‬مع جهود التسويق‪ ،‬فان البضائع المنتج‪rr‬ة‬
‫في بلد ما تباع في بلد اخر مع اقل ما يمكن من القيود او من دون قيود‪ .‬في‬
‫*سياسي امريكي من أصل ياباني‬
‫اوربا رفع االتحاد األوربي في التس‪rr‬عينات من القرن الماض‪rr‬ي ك‪rr‬ل أن‪rr‬واع‬
‫القي‪rr‬ود عن البض‪rr‬ائع االس‪rr‬تهالكية بين أعض‪rr‬اء االتح‪rr‬اد‪ ،‬أمريك‪rr‬ا وكن‪rr‬دا‬
‫والمكسيك هي األخرى لديها سوق موحدة‪ .‬وحديثا ترتيبات مماثل‪rr‬ة ح‪rr‬دثت‬
‫في جن‪rr‬وب ش‪rr‬رق اس‪rr‬يا‪ ،‬المحي‪rr‬ط اله‪rr‬ادي‪ ،‬منطقة البح‪rr‬ر الك‪rr‬اريبي ودول‬
‫افريقي‪rr‬ا‪ .‬األس‪rr‬واق العالمي‪rr‬ة ليس‪rr‬ت ظ‪rr‬اهرة جدي‪rr‬دة‪ ،‬ولكن حجم التج‪rr‬ارة‬
‫وحريتها تبدلت تبدال دراماتيكيا‪ .‬والسؤال لماذا تمددت األس‪rr‬واق العالمي‪rr‬ة؟‬
‫ُيعد التقدم التكنولوجي واحدا من اهم األسباب‪ ،‬ف‪rr‬الحموالت العمالق‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫تحمل االف الصناديق الكبيرة قللت بشكل كبير من كلفة نقل المنتج‪rr‬ات من‬
‫أماكن انتاجها الى أماكن بيعها او استهالكها‪ ،‬كما ان االلكترونيات يج‪rr‬ري‬
‫تجميعها‪ ،‬والمالبس تتم خياطتها في جنوب شرق اسيا وفي افريقي‪rr‬ا‪ ،‬ثم يتم‬

‫‪70‬‬
‫نقله‪rr‬ا ألمريك‪rr‬ا الش‪rr‬مالية واروب‪rr‬ا‪ ،‬م‪rr‬ع المحافظ‪rr‬ة على ه‪rr‬امش أرب‪rr‬اح كب‪rr‬ير‬
‫للمنتجين وباع‪rr‬ة التجزئ‪rrr‬ة‪ ،‬التقدم في تكنولوجي‪rrr‬ا التع‪rrr‬دين واس‪rrr‬تخالص‬
‫الخشب‪ ،‬فتح االفاق للحصول على المعادن واالخشاب بتك‪rr‬اليف اقتص‪rr‬ادية‬
‫واطئ‪r‬ة‪ ،‬حيث ك‪r‬انت لع‪r‬دة عقود مض‪rr‬ت مكلف‪r‬ة ج‪r‬دا‪ .‬تكنولوجي‪r‬ا الزراع‪r‬ة‬
‫الحديثة مع األسمدة والمكننة أدت الى استغالل األرض لدرجة انه‪rr‬ا ق‪rr‬ادرة‬
‫على انت‪rr‬اج المحاص‪rr‬يل الش‪rr‬توية والص‪rr‬يفية مع‪rr‬ا في وقت واح‪rr‬د وتزوي‪rr‬د‬
‫المستهلكين بها على مدار السنة‪.‬‬
‫العولم‪rr‬ة هن‪rr‬ا وج‪rr‬دت لكي تبقى ولكي تح‪rr‬ول دون انهي‪rr‬ار ش‪rr‬امل لالقتص‪rr‬اد‬
‫الع‪rr‬المي‪ .‬أس‪rr‬بابها ونتائجه‪rr‬ا م‪rr‬اتزال موض‪rr‬ع ج‪rr‬دل ل‪rr‬دى وس‪rr‬ائل االعالم‪،‬‬
‫والمس‪rr‬ؤولين الحكوم‪rr‬يين‪ ،‬ونقاب‪rr‬ات العم‪rr‬ال‪ ،‬والش‪rr‬ركات والمس‪rr‬تهلكين‪،‬‬
‫واالسئلة المطروحة لها عالقة بالتكاليف واالرباح‪ ،‬بيد ان الكل يتف‪rr‬ق على‬
‫ان الشركات العمالقة عابرة القارات هي الرابح األكبر من العولمة بس‪rr‬بب‬
‫تقلي‪rr‬ل كلف‪rr‬ة العم‪rr‬ل‪ ،‬وض‪rr‬عف القي‪rr‬ود على التل‪rr‬وث البي‪rr‬ئي‪ ،‬وعلى ش‪rr‬روط‬
‫اإلنتاج‪ .‬المستهلكون في الدول الغنية ربما يكونون ضمن ال‪rr‬رابحين بس‪rr‬بب‬
‫ان المنتجات‪ ،‬من الحذاء الى الكوم‪rr‬بيوتر‪ ،‬يمكن الحص‪rr‬ول عليه‪rr‬ا بأس‪rr‬عار‬
‫مناس‪rrr‬بة‪ ،‬ويحس‪rrr‬ب للعولم‪rrr‬ة ق‪rrr‬درتها على تقلي‪rrr‬ل مع‪rrr‬دالت التض‪rrr‬خم في‬
‫االقتصادات االوربية في التسعينيات‪.‬‬
‫أخيرا‪ ،‬ماذا بشأن تأثيرات العولمة على اإلرث الثقافي للشعوب‪ ،‬هل هناك‬
‫محاولة إلذاب‪rr‬ة التن‪rr‬وع الثقافي في ان‪rr‬اء ع‪rr‬المي واح‪rr‬د؟ إذا ك‪rr‬ان الن‪rr‬اس ق‪rr‬د‬
‫تحولت ميولهم نح‪r‬و ال‪r‬بيع والش‪r‬راء من س‪r‬وق ع‪r‬المي عمالق موح‪r‬د فه‪r‬ل‬
‫ستنش‪r‬أ ثقاف‪r‬ة عالمي‪r‬ة عمالق‪r‬ة واح‪r‬دة على غ‪r‬رار الس‪r‬وق؟ المتخوف‪r‬ون من‬

‫‪71‬‬
‫العولم‪r‬ة يقول‪r‬ون ان وس‪r‬ائل اإلعالن وص‪rr‬لت الى ك‪r‬ل مك‪r‬ان ح‪r‬تى الجب‪r‬ال‬
‫المقف‪r‬رة في غيني‪rr‬ا‪ .‬ام‪rr‬ا ال‪rr‬ذين يؤي‪rr‬دون العولم‪rr‬ة ف‪rr‬انهم يعتقدون ان البل‪rr‬دان‬
‫والشعوب بإمكانها ان تأخذ ما تري‪r‬د من العولم‪r‬ة وت‪r‬ترك الب‪r‬اقي‪ ،‬كم‪r‬ا انهم‬
‫يرون ان الشركات الكبرى التي تبيع بض‪rr‬ائعها في بل‪rr‬دان معين‪rr‬ة عليه‪rr‬ا ان‬
‫تكي‪rr‬ف منجاته‪rr‬ا وطريقته‪rr‬ا في اإلعالن عن ه‪rr‬ذه المنتج‪rr‬ات بش‪rr‬كل يناس‪rr‬ب‬
‫الثقافة المحلية لتلك البلدان‪ ,‬لهذا يقوم مكدونالد بتحض‪rr‬ير وجبات‪rr‬ه الس‪rr‬ريعة‬
‫من غ‪rr‬ير لح‪rr‬وم االبقار في الهن‪rr‬د‪ ،‬ومن غ‪rr‬ير لح‪rr‬وم الخن‪rr‬ازير في البل‪rr‬دان‬
‫)‪Peoples & Bailey (2003‬‬ ‫االسالمية‪.‬‬
‫عولمة الثقافة ‪The Globalization of Culture‬‬
‫التمدد العالمي للرأسمالية استلزم تم‪rr‬ددا مم‪rr‬اثال في البض‪rr‬ائع المص‪rr‬نعة في‬
‫البلدان الرأسمالية‪ .‬ان دخول البضائع لألسواق المحلية ليس‪rr‬ت مج‪rr‬رد س‪rr‬لع‬
‫تباع وتشترى‪ ،‬انها تنقل رسائل وشعارات ثقافية تهدف الى زعزع‪rr‬ة الثقة‬
‫بمكونات الثقافات االص‪rr‬لية للش‪rr‬عوب لتح‪rr‬ل محله‪rr‬ا مكون‪rr‬ات ثقافي‪rr‬ة جدي‪rr‬دة‬
‫بشكل غير مباشر‪ ،‬لنتذكر فقط انتشار بعض الماركات العالمية (رأس‪rr‬مالية‬
‫كله‪rrr‬ا) مث‪rrr‬ل ‪Nike, Adidas, Coca Cola, Sony, Levis,‬‬
‫‪،Marlboro, Armani, Microsoft, Apple, Gucci, Nikon‬‬
‫ومثلها كثير‪ .‬يتساءل توني بلتون )‪ ،Bilton et al (2002‬هل ان انتشار‬
‫هذه البضائع العالمية يقتضي ضمنا عولمة الثقافة‪ ،‬الس‪rr‬يما الثقاف‪rr‬ة الغربي‪rr‬ة‬
‫واألمريكي‪rr‬ة تحدي‪rr‬دا‪ ،‬بوص‪rr‬فها القطب المهيمن؟ لإلجاب‪rr‬ة عن ه‪rr‬ذا الس‪rr‬ؤال‬
‫يقول بيكر )‪ Becker et al (1987‬ان قوة العالم الرأسمالي ال تكمن فقط‬
‫في قدرته على بيع بضائع‪ ،‬وانما ب‪r‬بيع أفك‪r‬ار مؤدلج‪r‬ة‪ ،‬من ش‪r‬انها ان ت‪r‬ديم‬

‫‪72‬‬
‫مس‪rr‬تويات االس‪rr‬تهالك‪ .‬وثقاف‪rr‬ة االس‪rr‬تهالك ق‪rr‬ادرة ان تحكم قبض‪rr‬تها على‬
‫المجتمعات في كل انحاء العالم‪ ،‬بضمنها الدول النامية والدول ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت‬
‫ضمن المنظومة االشتراكية في ش‪rr‬رق ووس‪rr‬ط أوروب‪rr‬ا‪ .‬من أولى المحالت‬
‫ال‪rr‬تي فتحت أبوابه‪rr‬ا في ال‪rr‬دول االوربي‪rr‬ة ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت تنض‪rr‬وي تحت ل‪rr‬واء‬
‫المعسكر االشتراكي هي (‪ )Nike & Reebok‬لأللبس‪rr‬ة واالحذي‪rr‬ة وهي‬
‫ذات ربحي‪rr‬ة عالي‪rr‬ة ج‪rr‬دا‪ ،‬وطبيع‪rr‬ة عرض‪rr‬ها والدعاي‪rr‬ة المرافقة له‪rr‬ا تعطي‬
‫انطباع ان الشخص الذي يرتديها شخص عصري ‪ ,Modern‬ولذلك تج‪rr‬د‬
‫الشباب ينفقون مبالغ طائلة لشراء هذه المنتجات التي ال تختلف عن غيرها‬
‫في النوعية فيما عدا العالمة التجارية‪ ،‬ودخلت ه‪rr‬ذه الموج‪rr‬ة التجاري‪rr‬ة الى‬
‫كل بلدان العالم الفقيرة والغنية‪ ،‬بضمنها البالد العربية‪.‬‬
‫ان نمو النزعة االستهالكية ترافقت بقوة مع وسائل االتص‪rr‬ال‪ ،‬ال‪rr‬تي تهيمن‬
‫عليه‪rr‬ا ش‪rr‬ركات معروف‪rr‬ة في توجهاته‪rr‬ا األيدولوجي‪rr‬ة مث‪rr‬ل (‪Sony, Sky‬‬
‫‪ )TV, CBS, MBC and so on‬الى ج‪rr‬انب ش‪rr‬بكات االن‪rr‬ترنيت‪،‬‬
‫والتلفون المحمول‪ ،‬هذه الشبكات تس‪rr‬تعمل اإلعالن‪rr‬ات المغري‪rr‬ة الس‪rr‬يما في‬
‫األسواق الجائعة للبضائع‪ ،.‬كما ان تع‪rr‬ريض المش‪rr‬اهدين لمنتج‪rr‬ات االعالم‬
‫االستهالكية أصبحت ظاهرة مالزمة للحياة اليومية لكل اف‪rr‬راد المجتمع‪r‬ات‬
‫المعاصرة‪ .‬والن التلف‪rr‬از واله‪rr‬اتف النقال واالن‪rr‬ترنيت أص‪rr‬بحت من المت‪rr‬ع‬
‫التي ال يستغني عنها الشباب واألطفال‪ ،‬فإنها من أكثر الوسائل تأثيرا على‬
‫االتجاهات‪ ،‬السيما فيما يتعلق بالثقافة االستهالكية‪ .‬اغلب معلومات الن‪rr‬اس‬
‫االن عن طري‪rr‬ق وس‪rr‬ائل االتص‪rr‬ال الحديث‪rr‬ة‪ ،‬الس‪rr‬يما فيم‪rr‬ا يتعل‪rr‬ق بالن‪rr‬اس‪،‬‬
‫واألماكن‪ ،‬واالحداث‪ .‬وسائل التواصل جعلت الناس يسافرون من دون ان‬

‫‪73‬‬
‫يركب‪rr‬وا الط‪rr‬ائرات والقط‪rr‬ارات والس‪rr‬فن‪ ،‬يس‪rr‬افرون الى ك‪rr‬ل االنح‪rr‬اء ع‪rr‬بر‬
‫التلفاز والهاتف والكوم‪rr‬بيوتر‪ ،‬من دون ان يتحرك‪rr‬وا من كراس‪rr‬يهم‪ ،‬وع‪r‬بر‬
‫الس‪rr‬فر المجم‪rr‬د (غ‪rr‬ير المتح‪rr‬رك) تعم‪rr‬ل ه‪rr‬ذه الوس‪rr‬ائل على تطعيم ب‪rr‬رامج‬
‫االمت‪rr‬اع بم‪rr‬ديات واس‪rr‬عة من المع‪rr‬ايير والقيم‪ .‬وله‪rr‬ذا ع‪ّrr‬د بعض علم‪rr‬اء‬
‫االجتماع اغراق شركات التواصل االجتم‪rr‬اعي ب‪rr‬البرامج المؤدلج‪rr‬ة نوع‪rr‬ا‬
‫من االستعمار الثقافي ‪ Cultural Imperialism‬حيث انه‪rr‬ا تعم‪rr‬ل على‬
‫توصيل رسائل من شانها ان تفرض مجموعة من القيم ال‪rr‬تي تنط‪rr‬وي على‬
‫م‪rr‬ا يع‪rr‬د‪ ،‬جي‪rr‬دا‪ ،‬وانيقا‪ ،‬وص‪rr‬حيحا او خط‪rr‬أ‪ ،‬وفي ذل‪rr‬ك تقويض للثقاف‪rr‬ات‬
‫المحلية‪ ،‬ومن امثلة ذلك هو تدعيم اللغ‪rr‬ة اإلنكليزي‪rr‬ة على انه‪rr‬ا لغ‪rr‬ة الع‪rr‬الم‪،‬‬
‫وبس‪rr‬بب الض‪rr‬خ المتواص‪rr‬ل به‪rr‬ذا االتج‪rr‬اه ص‪rr‬ار الن‪rr‬اس يؤمن‪rr‬ون ان اللغ‪rr‬ة‬
‫‪Giddens‬‬ ‫‪(1990),‬‬ ‫اإلنكليزي‪rrrrr‬ة هي مفت‪rrrrr‬اح الثقاف‪rrrrr‬ة ‪Bilton‬‬
‫)‪(2002‬واالن اذهب الى دبي‪ ،‬او س‪rr‬نغافورة او الهن‪rr‬د او كولومبي‪rr‬ا او أي‬
‫بل‪rr‬د اخ‪rr‬ر س‪rr‬تجد ان اغلب س‪rr‬كانها يتكلم‪rr‬ون اإلنكليزي‪rr‬ة ويهمل‪rr‬ون لغ‪rr‬اتهم‬
‫االصلية‪ ،‬وبالتقادم ستض‪rr‬مر ه‪rr‬ذه اللغ‪rr‬ات‪ ،‬وه‪rr‬ذه هي اح‪rr‬دى اك‪rr‬ثر مالمح‬
‫االمبريالي‪rr‬ة الثقافي‪rr‬ة وض‪rr‬وحا‪ ،‬وبن‪rr‬اء على ذل‪rr‬ك يعتقد روب‪rr‬نز ‪Robins‬‬
‫)‪ (1994‬ان‪rr‬ه من ال‪rr‬واجب ايقاظ الثقاف‪rr‬ة المحلي‪rr‬ة والسياس‪rr‬ة المحلي‪rr‬ة على‬
‫مس‪rr‬توى الش‪rr‬عوب واالق‪rr‬اليم بع‪rr‬دم االس‪rr‬تجابة لض‪rr‬غوط العولم‪rr‬ة‪ ،‬وان ك‪rr‬ان‬
‫يس‪rr‬اوره الش‪rr‬ك في ق‪rr‬درة الثقاف‪rr‬ات المحلي‪rr‬ة على الوق‪rr‬وف بوج‪rr‬ه الطغي‪rr‬ان‬
‫اإلعالمي المتغول‪.‬‬
‫خالصة ‪Conclusion‬‬

‫‪74‬‬
‫المجتم‪rr‬ع المعاص‪rr‬ر وص‪rr‬ل الى نقط‪rr‬ة الالع‪rr‬ودة‪ ،‬فمن الحداث‪rr‬ة ال‪rr‬تي ب‪rr‬دأت‬
‫أص‪rr‬ال م‪rr‬ع بداي‪rr‬ة الث‪rr‬ورة الص‪rr‬ناعية األولى الى م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة او الث‪rr‬ورة‬
‫الصناعية الثانية وصوال الى العولمة‪ ،‬هذه المراحل المتعاقبة كانت بمثاب‪rr‬ة‬
‫حرب‪rr‬ة في خاص‪rr‬رة االنس‪rr‬ان والبيئ‪rr‬ة‪ .‬والتط‪rr‬ور المجن‪rr‬ون في تس‪rr‬ارعه‬
‫واندفاع‪rr‬ه وانتش‪rr‬اره‪ ،‬س‪rr‬حق ماليين الن‪rr‬اس في طريقه وم‪rr‬ازال يس‪rr‬حق‬
‫الماليين وستستمر عجلة التطور في سحق كل أنواع الحي‪rr‬اة على األرض‪.‬‬
‫لقد دف‪rr‬ع ‪ 150‬مليون‪rr‬ا من ش‪rr‬عب الهن‪rr‬ود الحم‪rr‬ر ثمن التط‪rr‬ور ال‪rr‬ذي قادت‪rr‬ه‬
‫الرأسمالية‪ ،‬التي انتص‪rr‬رت في النهاي‪rr‬ة على االتح‪rr‬اد الس‪rr‬وفيتي‪ ،‬ووض‪rr‬عت‬
‫أفكار كارل ماركس في ثالجة حتى اشعار اخر كما يقول فوكو ياما‪ .‬يجب‬
‫ان نعترف ان التطور امر الزم وحتمي الستمرار الحي‪rr‬اة‪ ،‬المش‪rr‬كلة ليس‪rr‬ت‬
‫في التط‪rr‬ور ذات‪rr‬ه المش‪rr‬كلة في االنس‪rr‬ان ال‪rr‬ذي يقود عجل‪rr‬ة التط‪rr‬ور‪ ،‬ليس‬
‫االنسان االلي ال‪rr‬ذي خلقت‪rr‬ه التكنولوجي‪rr‬ا وليس االنس‪rr‬ان القادم من ك‪rr‬واكب‬
‫أخرى‪ ،‬انما االنسان الذي يتقن فن الص‪rr‬راع ويتفنن في ابتكارات‪rr‬ه من اج‪rr‬ل‬
‫التف‪rr‬وق والغلب‪rr‬ة‪ ،‬االنس‪rr‬ان ال‪rr‬ذي يعم‪rr‬ل على اس‪rr‬تخدام اس‪rr‬نانه الحديدي‪rr‬ة‪،‬‬
‫ومخالبه ومكائده من اجل الحصول على السلطة وال‪rr‬ثروة‪ ،‬وه‪rr‬ذه األخ‪rr‬يرة‬
‫سبب كل الشرور التي خلقها التط‪rr‬ور‪ .‬وإذا ك‪rr‬ان الع‪rr‬الم منقس‪rr‬ما الى فقراء‬
‫واغنياء‪ ،‬حكام ومحكومين‪ ،‬رؤس‪rr‬اء ومرؤوس‪rr‬ين ف‪rr‬ان العدال‪rr‬ة ظلت غائب‪rr‬ة‬
‫ابدا‪ .‬لقد قامت الثورة الص‪rr‬ناعية على ع‪rr‬رق العبي‪rr‬د ودم‪rr‬وعهم‪ ،‬واس‪rr‬تمرت‬
‫عملية االستعباد حتى بعد تحرر العبيد‪ ،‬وح‪rr‬تى بع‪rr‬د حص‪rr‬ولهم على ت‪rr‬امين‬
‫صحي ومع‪r‬اش وس‪r‬رير للن‪r‬وم‪ ،‬فقد ك‪r‬ان عليهم ان يحمل‪r‬وا وح‪r‬دهم اوزار‬
‫التط‪rr‬ور‪ .‬العبودي‪rr‬ة ال‪rr‬تي رافقت الث‪rr‬ورة الص‪rr‬ناعية االولى بش‪rr‬كلها الفض‪،‬‬

‫‪75‬‬
‫انتفضت على نفسها بعد ح‪rr‬ربين ع‪rr‬الميتين م‪rr‬دمرتين وش‪ْrr‬ر عت تش‪rr‬ريعات‬
‫حماية إنسانية‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا س‪rr‬رعان م‪rr‬ا ع‪rr‬ادت الى س‪rr‬يرتها األولى م‪rr‬ع ت‪rr‬راكم‬
‫راس المال الذي زاد من ّح دة االسنان الفوالذي‪rr‬ة ألص‪rr‬حابها‪ ،‬ال‪rr‬ذين عمل‪rr‬وا‬
‫على نهش األرض وما عليها من اجل مصالحهم‪ ،‬وليذهب الجنس البشري‬
‫كله الى الفناء‪ .‬لقد ك‪rr‬ان الع‪rr‬الم األلم‪rr‬اني دورش‪rr‬ميدت محقا عن‪rr‬دما وص‪rr‬ف‬
‫مجتمع ما بعد الحداث‪rr‬ة على ان‪rr‬ه مجتم‪rr‬ع القرون الوس‪rr‬طى‪ ،‬في إش‪rr‬ارة الى‬
‫درجة وحشيته واندفاع‪rr‬ه االه‪rr‬وج نح‪rr‬و تحقي‪rr‬ق ال‪rr‬ربح ب‪rr‬اي ثمن‪ .‬الش‪rr‬عوب‬
‫الفقيرة في اسيا وافريقيا وامريك‪rr‬ا الالتيني‪rr‬ة‪ ،‬تقاوم اإلب‪rr‬ادة بأس‪rr‬لحة بدائي‪rr‬ة‪،‬‬
‫والعولم‪rr‬ة اخ‪rr‬ر مراح‪rr‬ل الجن‪rr‬ون التط‪rr‬وري‪ ،‬أرس‪rr‬ل اص‪rr‬حابها مص‪rr‬انعهم‬
‫العمالقة لهذه الدول الجائعة برفقة اس‪rr‬اطيل مجه‪rr‬زة بك‪rr‬ل أن‪rr‬واع األس‪rr‬لحة‪،‬‬
‫وعادوا الى استغالل األرض وما عليه‪r‬ا بمنط‪r‬ق العبودي‪r‬ة التقلي‪r‬دي نفس‪r‬ه‪،‬‬
‫ساعات عمل طويلة‪ ،‬أجور عمل زهيدة‪ ،‬ومن دون تشريعات ضد التل‪rr‬وث‬
‫البيئي‪ ،‬وال الرعاية الصحية‪ ،‬حتى ص‪rr‬ارت دول بكامله‪rr‬ا مقابر للنفاي‪rr‬ات‪،‬‬
‫ومنه‪r‬ا الع‪r‬راق وبل‪r‬دان عربي‪r‬ة وأفريقي‪r‬ة والتيني‪r‬ة اخ‪r‬رى‪ ،‬ه‪r‬ذا الى ج‪r‬انب‬
‫الهيمن‪rr‬ة المباش‪rr‬رة وغ‪rr‬ير المباش‪rr‬رة‪ ،‬ونش‪rr‬ر ال‪rr‬رعب الن‪rr‬ووي والفيروس‪rr‬ات‬
‫الصناعية المعدلة في المختبرات‪ .‬واالن السوق العالمي‪r‬ة الموح‪r‬دة والثقاف‪rr‬ة‬
‫العالمية الموحدة التي تقوض اإلرث الثقافي للش‪r‬عوب وت‪r‬دمجها بم‪r‬ا يش‪r‬به‬
‫الماشية في نظام عالمي جديد‪ ...‬اظن ان العولمة وم‪r‬ا يرافقه‪r‬ا من مخ‪r‬اطر‬
‫ستقود المجتمع اإلنساني كله وليس الفقراء فقط الي الهالك الحتمي‪.‬‬
‫لقد تعرفنا في هذا الفصل على مالمح التطور الذي اوصلنا الى م‪rr‬ا اس‪rr‬ماه‬
‫عالم االجتماع األلماني ‪ Beck‬بمجتمع المخاطر‪ ،‬الذي ب‪rr‬دأ يقحم المجتم‪rr‬ع‬

‫‪76‬‬
‫البشري في المجهول‪ ،‬والذي بدأ يبذر بذور موته المؤج‪rr‬ل الى حين‪ ،‬ولكن‬
‫اليس هذا نتيجة حتمية ألسباب ثقافية وايديولوجية ونفس‪rr‬ية‪ .‬إذا ك‪rr‬ان االم‪rr‬ر‬
‫ك‪rr‬ذلك ف‪rr‬ان الحكم‪rr‬ة تس‪rr‬تدعي البحث في أص‪rr‬ل الثقاف‪rr‬ة ومص‪rr‬ادر قوته‪rr‬ا‬
‫وضعفها وهو ما سيكون موضوع الفصل القادم‬

‫الفصل الثالث‬

‫الثقافة والتنشئة‬

‫‪77‬‬
‫‪Culture and Socialization‬‬

‫البرمجة الجمعية للعقل‬


‫هوفستيد‬

‫‪78‬‬
‫ماهية الثقافة ‪What is Culture‬‬
‫يصل سكان العالم اليوم الى س‪rr‬بعة ملي‪rr‬ارات انس‪rr‬ان‪ ،‬كلهم بحس‪rr‬ب الرواي‪rr‬ة‬
‫الديني‪r‬ة من ادم‪ ،‬وكلهم بحس‪r‬ب نظري‪r‬ة التط‪r‬ور من أص‪rr‬ل بيول‪r‬وجي واح‪r‬د‬
‫يس‪rr‬مي ‪ Homo sapiens‬او الث‪rr‬دييات العلي‪rr‬ا‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من األص‪rr‬ل‬
‫الواح‪rr‬د تج‪rr‬د بينهم اختالف‪rr‬ات هائل‪rr‬ة‪ .‬بعض ه‪rr‬ذه االختالف‪rr‬ات له‪rr‬ا عالق‪rr‬ة‬
‫بالتقاليد‪ ،‬فمثال‪ ،‬يلبس الصينيون المالبس البيضاء في المآتم‪ ،‬بينم‪rr‬ا يفض‪rr‬ل‬
‫االوربيون والعرب الل‪rr‬ون األس‪rr‬ود‪ ،‬الص‪rr‬ينيون يع‪ّr‬د ون ال‪rr‬رقم أربع‪rr‬ة رقم‪rr‬ا‬
‫مشؤوما‪ ،‬بينم‪rr‬ا يتش‪rr‬اءم االوربي‪rr‬ون والع‪rr‬رب من ال‪rr‬رقم ثالث‪rr‬ة عش‪rr‬ر‪ ،‬وفي‬
‫الس‪rr‬ياق نفس‪rr‬ه‪ ،‬يم‪rr‬ارس االنكل‪rr‬يز ع‪rr‬ادة تقبي‪rr‬ل النس‪rr‬اء في األم‪rr‬اكن العام‪rr‬ة‪،‬‬
‫العرب ال‪rr‬ذكور يقّبل‪rr‬ون ال‪rr‬ذكور في األم‪rr‬اكن العام‪rr‬ة‪ ،‬وليس النس‪rr‬اء‪ ،‬تقبي‪rr‬ل‬
‫النساء بالنسبة للع‪rr‬رب والص‪rr‬ينيين في األم‪rr‬اكن الخاص‪rr‬ة فقط‪ ،‬الفرنس‪rr‬يون‬
‫يقّبلون النساء في األماكن العامة على الخد من الجانبين (قبل‪rr‬ة واح‪rr‬دة على‬
‫ك‪rrr‬ل خ‪rrr‬د) البلجيكي‪rrr‬ون يقّبل‪rrr‬ون ثالث قبالت على أي من الخ‪rrr‬دين‪ ،‬اغلب‬
‫النيجيريين ال يقّبلون‪ ،‬ب‪rr‬ل بعض‪rr‬هم يع‪rr‬د القبل‪rr‬ة ش‪rr‬يئا مث‪rr‬يرا لالش‪rr‬مئزاز‪ .‬في‬
‫حفالت الزف‪rr‬اف‪ ،‬في الع‪rr‬ادة يتب‪rr‬ادل العروس‪rr‬ان االمريك‪rr‬ان قبل‪rr‬ة طويل‪rr‬ة‪،‬‬
‫الكوري‪rrr‬ون يعطي العروس‪rrr‬ان بعض‪rrr‬هما البعض انحن‪rrr‬اءة قص‪rrr‬يرة‪ ،‬وفي‬
‫كمبودي‪rr‬ا يض‪rr‬ع الع‪rr‬ريس انف‪rr‬ه على خ‪rr‬د الع‪rr‬روس‪ ،‬واذا س‪rr‬افرنا الى أم‪rr‬اكن‬
‫أخ‪rr‬رى س‪rr‬ندرك حجم االختالف العمي‪rr‬ق في أش‪rr‬ياء مث‪rr‬ل ع‪rr‬ادات الطع‪rr‬ام‬
‫وانواعها‪ ،‬المالبس القليلة التي تغطي العورة فقط او المالبس ال‪rr‬تي تغطي‬
‫حتى االظافر‪ ،‬انجاب عدد قليل او كبير من األطفال‪ ،‬توقير كبار السن او‬

‫‪79‬‬
‫ابعادهم‪ ،‬مسالمين او عدائيين‪ ،‬اعتناق معتقدات دينية متعددة االله‪rr‬ة او ال‪rr‬ه‬
‫واح‪rr‬د‪ ،‬االس‪rr‬تمتاع ب‪rr‬أنواع مختلف‪rr‬ة من الموس‪rr‬يقى‪ ،‬والطع‪rr‬ام والرياض‪rr‬ة‪.‬‬
‫باختص‪rr‬ار على ال‪rr‬رغم من ان الن‪rr‬اس من أص‪rr‬ل بيول‪rr‬وجي واح‪rr‬د اال انهم‬
‫استطاعوا تطوير أفكار مختلف‪r‬ة بعض‪rr‬ها جذاب‪rr‬ة وبعض‪rr‬ها كريه‪rr‬ة‪ ،‬بعض‪rr‬ها‬
‫مهذبة وبعضها غير مهذبة‪ ،‬جميلة او قبيح‪r‬ة‪ ،‬ص‪r‬حيحة او غ‪r‬ير ص‪rr‬حيحة‪.‬‬
‫ه‪rr‬ذه الس‪rr‬عة من االختالف هي مالمح الجنس البش‪rr‬ري وهي ال‪rr‬تي نس‪rr‬ميها‬
‫الثقاف‪rr‬ة اإلنس‪rr‬انية ‪ .Human Culture‬فم==ا الثقاف==ة‪ ،‬يقول هوفس‪rr‬تيد‬
‫)‪ Hofstede (1991‬كلنا يحمل في داخله انماطا من األفكار‪ ،‬والمش‪rr‬اعر‬
‫واالفعال الكامنة‪ ،‬التي تعلمناها خالل رحلة الحياة الطويلة‪ ،‬اغلبها تكتس‪rr‬ب‬
‫اثناء الطفولة‪ ،‬حيث يكون االنسان في ه‪rr‬ذه المرحل‪rr‬ة أك‪rr‬ثر اس‪rr‬تعدادا للتعلم‬
‫والتمثيل (االستيعاب)‪ ،‬وحالما تستقر هذه األفكار والمش‪rr‬اعر واالفع‪rr‬ال في‬
‫عقل الفرد فإنها تخزن وتدخل عالم الالوعي (النسيان) قب‪rr‬ل الش‪rr‬روع بتعلم‬
‫أش‪rr‬ياء مختلف‪rr‬ة اخ‪rr‬رى‪ .‬وباس‪rr‬تخدام المقارب‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة ‪sociological‬‬
‫‪ analogy‬م‪rr‬ع الطريقة ال‪rr‬تي تتم فيه‪rr‬ا برمج‪rr‬ة الكوم‪rr‬بيوتر‪ ،‬ف‪rr‬ان دخ‪rr‬ول‬
‫األفك‪rr‬ار والمش‪rr‬اعر واالفع‪rr‬ال الى العقل‪ ،‬تك‪rr‬ون بمثاب‪rr‬ة برمج‪rr‬ة للعقل‬
‫‪ software of the mind‬وه‪rr‬ذه ال تع‪rr‬ني ب‪rr‬الطبع ان االنس‪rr‬ان يمكن‬
‫برمجت‪rr‬ه كم‪rr‬ا ي‪rr‬برمج الكوم‪rr‬بيوتر‪ ،‬ولكن س‪rr‬لوك الف‪r‬رد يص‪rr‬بح قاب‪rr‬ل للتنب‪rr‬ؤ‬
‫بسبب دخول البرمجة العقلية التي ح‪rr‬دثت بع‪rr‬د رس‪rr‬وخ األفك‪rr‬ار والمش‪rr‬اعر‬
‫واالفعال‪ .‬وعلى الرغم من ن الفرد لديه قابلية لتعديل البرامج العقلية التي‬
‫اكتسبها فان مصدر البرمجة العقلية الوحيد هو البيئة االجتماعية التي ينمو‬
‫فيه‪rr‬ا الف‪rr‬رد ويكتس‪rr‬ب مكوناته‪rr‬ا عن طري‪rr‬ق الخ‪rr‬برات المتراكم‪rr‬ة للحي‪rr‬اة‬
‫‪80‬‬
‫اليومية‪ .‬البرمجة تبدا أوال داخل االسرة‪ ،‬وتستمر ض‪rr‬من ح‪rr‬دود الج‪rr‬يرة ثم‬
‫تت‪rr‬ولى المدرس‪rr‬ة المس‪rr‬ؤولية م‪rr‬ع جماع‪rr‬ة اللعب واألص‪rr‬دقاء ‪the peer‬‬
‫‪ group‬وأخيرا جماعة العمل‪ .‬هذه السلس‪rr‬لة من مؤسس‪rr‬ات المجتم‪rr‬ع تحقن‬
‫كل منا بافيون الثقافة على شكل جرعات متوازنة ومتدرجة وتس‪rr‬تمر معن‪rr‬ا‬
‫حتى ندخل في الغيبوبة األبدية‪ .‬اول جرعة ثقافة ناخذها مع الحليب عن‪rr‬دما‬
‫نخلق قائم‪r‬ة من الرم‪r‬وز تفهمه‪r‬ا االم وتس‪r‬تجيب له‪r‬ا‪ ،‬من نغم‪r‬ة الص‪rr‬رخة‬
‫التي نطلقها تعرف االم ‪ -‬بعملية تواصل عجيبة – اذا كنا نشكو من الجوع‬
‫او العطش او الح‪rr‬ر او ال‪rr‬برد او نحت‪rr‬اج اس‪rr‬تبدال اثوابن‪rr‬ا الداخلي‪rr‬ة او نري‪rr‬د‬
‫بعض الحنان بااللتصاق بصدر االم او الن‪rr‬وم على كتفه‪rr‬ا او تمري‪rr‬رة ي‪rr‬دها‬
‫على شعورنا او قبلة تطبعه‪rr‬ا على جبينن‪rr‬ا‪ ،‬عملي‪rr‬ة التواص‪rr‬ل الرمزي‪rr‬ة ه‪rr‬ذه‬
‫تعطينا اول تابو ‪ Taboo‬في حياتنا وأول مكافأة ومنها نعرف قيمة الحالل‬
‫والحرام ومنها ايضا نتعلم التمييز بين الحب والالحب مثلما نميز بين الليل‬
‫والنه‪rr‬ار‪ ،‬وحين نص‪rr‬ل س‪rr‬ن العاش‪rr‬رة نك‪rr‬ون ق‪rr‬د ش‪rr‬ربنا الثقاف‪rr‬ة كله‪rr‬ا بحيث‬
‫يصبح من الصعب جدا انتزاعه‪rr‬ا من‪rr‬ا او نس‪rr‬يانها‪ ،‬تص‪rr‬بح موجه‪rr‬ا ال غ‪rr‬نى‬
‫عنه لسلوكنا اليومي ولك‪r‬ل حياتن‪r‬ا‪ .‬المدرس‪r‬ة والج‪r‬يرة وجماع‪r‬ة األص‪rr‬دقاء‬
‫وأخيرا جماعة العمل كلها مجتمعة تعزز األفيون الذي شربناه م‪rr‬ع الحليب‬
‫م‪rr‬ع اول كلم‪rr‬ات النفي وأول كلم‪rr‬ات االستحس‪rr‬ان ال‪rr‬تي تنطقه‪rr‬ا االم وهي‬
‫تغطين‪rr‬ا بي‪rr‬د وت‪rr‬ربت على اكتافن‪rr‬ا بالي‪rr‬د األخ‪rr‬رى‪ ،‬وهي تض‪rr‬ع ي‪rr‬دها تحت‬
‫الغطاء لتبديد مخاوفنا وتغنين‪r‬ا لكي نن‪r‬ام من‪r‬ذ ذل‪r‬ك ال‪r‬وقت نتعلم م‪r‬تى يتعين‬
‫علين‪rr‬ا ان نحص‪rr‬ل على االهتم‪rr‬ام ونتجنب الن‪rr‬واهي والزواج‪rr‬ر‪ ،‬ومن نغم‪rr‬ة‬
‫صوتها نعرف الجمال ونميزه عن القبح ومن نظرة عينيها نعرف الرض‪rr‬ى‬

‫‪81‬‬
‫من الغض‪rr‬ب‪ ،‬ونم‪rr‬يز الرحم‪rr‬ة من الطغي‪rr‬ان‪ ،‬ك‪rr‬ل ال‪rr‬ذين ي‪rr‬أتون بع‪rr‬دها ال‬
‫يزيدون كثيرا وال ينقصون كثيرا‪ ،‬مهمتهم األولى مباركة ما قامت ب‪rr‬ه االم‬
‫اوالتحذير مما نهت عن‪rr‬ه‪ ،‬باختص‪rr‬ار االس‪rr‬رة تب‪rr‬دا وب‪rr‬اقي هيئ‪rr‬ات المجتم‪rr‬ع‬
‫تعزز وتقوي األساس الذي بنت‪rr‬ه االس‪rr‬رة‪ ،‬هك‪rr‬ذا تتس‪rr‬رب الثقاف‪rr‬ة الين‪rr‬ا مث‪rr‬ل‬
‫الهواء الذي نتنفسه بدون وعي وبدون قصد وبدون الحاجة الن ت‪rr‬ذهب الى‬
‫البقال لتشتري منه نصف كيلو ثقافة او نصف كيل‪r‬و ه‪r‬واء‪ ،‬ال تحت‪r‬اج ذل‪r‬ك‬
‫النها ت‪r‬أتي الي‪r‬ك ال ش‪r‬عوريا وانت تأك‪r‬ل على المائ‪r‬دة وانت ت‪r‬راقب أبوي‪r‬ك‬
‫وهم‪rr‬ا يص‪rr‬ليان وهم يتش‪rr‬اجران او يتب‪rr‬ادالن كلم‪rr‬ات ال‪rr‬ود‪ ،‬تتعلم الس‪rr‬لوك‬
‫الثقافي عندما تضع قدمك الصغيرة في حذاء ابيك رغبة منك في ان تك‪rr‬ون‬
‫مثله‪ ،‬او عندما تقوم ألبنت الصغيرة بوضع قلم الحمرة على شفتيها لتماث‪rr‬ل‬
‫امها‪ .‬والبرمج‪rr‬ة العقلي‪rr‬ة تختل‪rr‬ف ب‪rr‬اختالف البيئ‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة ح‪rr‬تى داخ‪rr‬ل‬
‫المجتم‪rr‬ع الواح‪rr‬د‪ ،‬فال‪rr‬ذي ينش‪rr‬أ في بيئ‪rr‬ة قروي‪rr‬ة او في حي ش‪rr‬عبي يكتس‪rr‬ب‬
‫برمجة عقلية مختلفة كليا عن البرمج‪rr‬ة العقلي‪rr‬ة إلنس‪rr‬ان اخ‪rr‬ر نش‪rr‬أ في بيئ‪rr‬ة‬
‫مرفهة او بيئة موبوءة او بيئ‪rr‬ة ديني‪rr‬ة‪ .‬عملي==ات البرمج==ة العقلي==ة ه==ذه هي‬
‫الثقافة‪ .‬والبرمجة العقلية تتقرر فيزيولوجيا عن طري‪rr‬ق الخالي‪rr‬ا الدماغي‪rr‬ة‪.‬‬
‫طبعا ال نستطيع ان نلحظ البرمجة العقلية بشكل مباش‪rr‬ر‪ ،‬ك‪rr‬ل ال‪rr‬ذي يمكنن‪rr‬ا‬
‫مالحظته هو السلوك‪ :‬الكلمات واالفعال التي نقوم بها والتي تعكس الثقاف‪rr‬ة‬
‫ال‪rrrr‬تي اكتس‪rrrr‬بناها )‪ Hofstede (2001‬وفي الس‪rrrr‬ياق نفس‪rrrr‬ه يقول‬
‫)‪ Ballantine & Roberts (2009‬ك‪rr‬ل المجتمع‪rr‬ات ل‪rr‬ديها ح‪rr‬دود‬
‫جغرافي‪rr‬ة‪ ،‬وفيه‪rr‬ا يعيش االف‪rr‬راد ض‪rr‬من جماع‪rr‬ات او مجتمع‪rr‬ات محلي‪rr‬ة‬
‫ويش‪rr‬تركون في برمج‪rr‬ة عقلي‪rr‬ة جماعي‪rr‬ة "ثقاف‪rr‬ة"‪ .‬ه‪rr‬ذا المجتم‪rr‬ع بمكونات‪rr‬ه‬

‫‪82‬‬
‫المختلف‪rrr‬ة بم‪rrr‬ا فيه‪rrr‬ا االس‪rrr‬رة والمدرس‪rrr‬ة وجماع‪rrr‬ة األص‪rrr‬دقاء والعم‪rrr‬ل‬
‫والمؤسسات والذي يزود االفراد بالبرامج العقلية نطلق علي‪r‬ه مج‪r‬ازا االل‪r‬ة‬
‫او الماكن‪rr‬ة ‪ Hardware‬ال‪rr‬تي تش‪rr‬به جه‪rr‬از الكوم‪rr‬بيوتر‪ .‬وعملي‪rr‬ة تزوي‪rr‬د‬
‫االف‪rr‬راد ب‪rr‬البرامج العقلي‪rr‬ة ‪ software‬تتم بوس‪rr‬اطة التنش‪rr‬ئة حيث تنتقل‬
‫األفك‪rr‬ار والمش‪rr‬اعر واالفع‪rr‬ال من جي‪rr‬ل ألخ‪rr‬ر بم‪rr‬ا في ذل‪rr‬ك المع‪rr‬ارف‬
‫والمعتقدات والقيم والقواعد والقانون واللغة والعادات والرموز والمنتجات‬
‫المادية‪ .‬والبرمج‪rr‬ة العقلي‪rr‬ة او الثقاف‪rr‬ة هي ال‪rr‬تي ت‪rr‬زود االف‪rr‬راد والجماع‪r‬ات‬
‫بدليل لألفعال والتف‪r‬اعالت بين األش‪r‬خاص ض‪r‬من المجتم‪r‬ع‪ ،‬ودلي‪r‬ل العم‪r‬ل‬
‫الثقافي الذي يتبع‪rr‬ه الن‪rr‬اس يمكن مالحظت‪rr‬ه في طريقة التخ‪rr‬اطب‪ ،‬وعن‪rr‬دما‬
‫يلقي أح‪rr‬دهم التحي‪rr‬ة على االخ‪rr‬ر وفي الع‪rr‬ادات المتعلقة باألك‪rr‬ل والش‪rr‬رب‬
‫والملبس‪ .‬والثقافة بهذا المعنى أوسع بكثير من المفه‪rr‬وم الش‪rr‬ائع عن الثقاف‪rr‬ة‬
‫التي تطلق على الفن واالدب والموسيقى والمسرح وما شاكل‪ .‬وبعي‪rr‬دا عن‬
‫التعريفات التقليدي‪rr‬ة للثقاف‪rr‬ة يقول )‪ Geertz (1995:5‬االنس‪rr‬ان حي‪rr‬وان‬
‫معلق في شبكة من االهتمامات ه‪rr‬و ال‪rr‬ذي ق‪rr‬ام بنس‪rr‬جها‪ ،‬وه‪rr‬ذه الش‪rr‬بكة هي‬
‫الثقافة‪ ،‬وتحليلها ال يكون بالتجربة العلمية التي تبحث عن ق‪rr‬انون يحكمه‪rr‬ا‪،‬‬
‫انها ال تستلزم أكثر من طريقة تفسيرية للمع‪rr‬نى والوظيف‪r‬ة ال‪rr‬تي تقوم به‪rr‬ا‪.‬‬
‫وبتعبير )‪ Macionis & Plummer (2002‬انها تصميم للحياة‪ ،‬تنطوي‬
‫على القيم والمعتقدات والسلوك والممارسات واالشياء المادية ال‪rr‬تي تش‪rr‬كل‬
‫طريقة حي‪rr‬اة الن‪rr‬اس‪ ،‬انه‪rr‬ا تش‪rr‬به علب‪rr‬ة أدوات ‪ toolbox‬تس‪rr‬تطيع ان ت‪rr‬وفر‬
‫الحل لمشكالت الناس اليومية‪ .‬انها جسر للماضي ودليل للمستقبل‪.‬‬
‫الثقافة المادية والثقافة الالمادية ‪Material & Non-material Culture‬‬

‫‪83‬‬
‫لكي نفهم الثقافة فهما شموليا‪ ،‬من المفيد التمييز بين الثقافة المادية والثقاف‪rr‬ة‬
‫الالمادية‪ .‬علماء االجتماع يطلقون اس‪rr‬م الثقاف‪rr‬ة الالمادي‪rr‬ة على الع‪rr‬الم غ‪r‬ير‬
‫الملموس لألفكار التي هي صنيعة اعض‪r‬اء المجتم‪r‬ع وال‪r‬تي تغطي مس‪r‬احة‬
‫واس‪rrr‬عة من األفك‪rrr‬ار تمت‪rrr‬د من االي‪rrr‬ديولوجيا الى العقائ‪rrr‬د م‪rrr‬رورا ب‪rrr‬القيم‬
‫واألعراف والمعايير واألخالق‪ .‬اما الثقافة المادية فهي األش‪rr‬ياء الملموس‪rr‬ة‬
‫التي خلقها الناس بوصفهم أعض‪rr‬اء في مجتم‪rr‬ع‪ .‬وه‪rr‬ذه األخ‪rr‬رى تمت‪rr‬د على‬
‫مساحة واسعة‪ ،‬من التسلح بالسكاكين والخناجر الى الرم‪r‬ز البري‪r‬دي‪ ،‬ومن‬
‫اله‪rrr‬اتف المحم‪rrr‬ول الى قص‪rrr‬يدة الش‪rrr‬عر ومن أدوات الطبخ الى ناطح‪rrr‬ات‬
‫السحاب‪ ،‬وكالهما يتطلب ممارسات على مستوى الفعل االجتماعي‪.‬‬
‫الن‪rr‬اس هم ال‪rr‬ذين خلقوا الثقاف‪rr‬ة وبالمقاب‪rr‬ل منحوه‪rr‬ا س‪rr‬لطة فخض‪rr‬عوا له‪rr‬ا‬
‫وص‪rrr‬ارت هي ال‪rrr‬تي تتحكم فيهم‪ ،‬وألنه‪rrr‬ا ك‪rrr‬ذلك يقول & ‪Macionis‬‬
‫)‪ Plummer (2002‬أصبح فهمن‪rr‬ا للطبيع‪rr‬ة البش‪rr‬رية يع‪rr‬ني انه‪rr‬ا ص‪rr‬نيعة‬
‫الثقاف‪rr‬ة‪ ،‬والواق‪rr‬ع ان ماش‪rr‬يونز لدي‪rr‬ه خل‪rr‬ط بين الطبيع‪rr‬ة البش‪rr‬رية والطبيع‪rr‬ة‬
‫االجتماعية‪ .‬الطبيعة االجتماعية هي وح‪rr‬دها ص‪rr‬نيعة الثقاف‪rr‬ة‪ ،‬ام‪rr‬ا الطبيع‪rr‬ة‬
‫البشرية فهي المش‪rr‬تركات بين ك‪rr‬ل البش‪rr‬ر من االس‪rr‬تاذ الروس‪rr‬ي الى الفالح‬
‫البولندي الى قاطع الطري‪rr‬ق الص‪rr‬ومالي‪ ،‬انه‪rr‬ا تمث‪rr‬ل المس‪rr‬توى الك‪rr‬وني في‬
‫البرنامج العقلي لإلنس‪rr‬ان‪ ،‬انه‪rr‬ا موروث‪rr‬ة جيني‪rr‬ا‪ ،‬وإنه‪rr‬ا تش‪rr‬به نظ‪rr‬ام تش‪rr‬غيل‬
‫الكومبيوتر الذي يقرر وظ‪rr‬ائف الف‪rr‬رد الفيزيائي‪rr‬ة والنفس‪rr‬ية‪ ،‬ق‪rr‬درة االنس‪rr‬ان‬
‫على تلمس الخ‪r‬وف‪ ،‬والغض‪rr‬ب‪ ،‬والحب ايض‪rr‬ا‪ ،‬المتع‪r‬ة والح‪r‬زن والحاج‪r‬ة‬
‫لآلخ‪rr‬رين‪ .‬القدرة على مالحظ‪rr‬ة البيئ‪rr‬ة بك‪rr‬ل تناغماته‪rr‬ا واض‪rr‬دادها وبك‪rr‬ل‬
‫عوالمها الصاخبة المعربدة وه‪rr‬دوئها الح‪rr‬الم الجمي‪rr‬ل‪ ،‬كله‪rr‬ا تع‪rr‬ود الى ه‪rr‬ذا‬

‫‪84‬‬
‫المستوى من البرمجة العقلية‪ .‬الطبيعة البشرية في بعضها نتماثل بيولوجيا‬
‫‪ ....‬كلنا بقامة مستقيمة وعينين ولسان (مع استثناء ان بعضنا له ال‪rr‬ف عين‬
‫والف لسان وربما الف وجه) ولكننا طبعا ال نؤسس على االس‪rr‬تثناءات وال‬
‫على التورية التي نعني بها ابعد من محتواها المورفول‪r‬وجي ( ش‪r‬كل كتاب‪r‬ة‬
‫الكلمات ومعناها الظاهر)‪ .‬نتوقف هن‪rr‬ا بعض ال‪rr‬وقت‪ ،‬ألنن‪rr‬ا ام‪rr‬ام منعط‪rr‬ف‬
‫فك‪rr‬ري خط‪rr‬ير ومهم بنفس القدر‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان إحساس‪rr‬نا ب‪rr‬الخوف واس‪rr‬تجابتنا‬
‫لب‪rr‬اعث الخ‪rr‬وف او الح‪rr‬زن او المتع‪rr‬ة او المالحظ‪rr‬ة تقوم الثقاف‪rr‬ة بتعديل‪rr‬ه‪،‬‬
‫فالطبيعة البشرية ال تعني ان االنس‪r‬ان اجتم‪r‬اعي خ‪r‬الص الن‪r‬ه يش‪r‬ترك م‪r‬ع‬
‫المملكة الحيوانية في كثير من المالمح البيولوجية والسلوكية‪ ،‬ولوال ت‪rr‬دخل‬
‫الثقافة في تعديل سلوكنا لما ك‪rr‬ان لن‪rr‬ا أي امتي‪rr‬از على نظرائن‪rr‬ا في المملك‪rr‬ة‬
‫الحيواني‪rr‬ة‪ ،‬وق‪rr‬ديما ق‪rr‬الت الع‪rr‬رب ان اح‪rr‬دنا ال يخل‪rr‬و من اخالق البه‪rr‬ائم‪.‬‬
‫وخالصة القول يمكننا الحصول على أداة غير متعبة للتمي‪rr‬يز بين الطبيع‪rr‬ة‬
‫البشرية والطبيعة االجتماعية عن طري‪rr‬ق اختي‪rr‬ار الثقاف‪rr‬ة بوص‪rr‬فها معي‪rr‬ارا‬
‫للتعب‪rr‬ير عن مظ‪rr‬اهر الس‪rr‬لوك المح‪rr‬دد س‪rr‬لفا وال‪rr‬ذي يوص‪rr‬لنا به‪rr‬دوء ودون‬
‫الحاج‪rr‬ة الى البحث عن نظري‪rr‬ات او مف‪rr‬اهيم كوني‪rr‬ة الكتش‪rr‬اف الطبيع‪rr‬ة‬
‫االجتماعية مقابل الطبيعة البشرية التي تبدو من س‪rr‬ياق الع‪rr‬رض له‪rr‬ا ص‪rr‬لة‬
‫مباشرة بالتكوين البيولوجي ووظائفه الفيزيولوجية‪ .‬والنتيجة األكثر أهمي‪rr‬ة‬
‫التي نص‪rr‬ل اليه‪rr‬ا على أس‪rr‬اس التعميم هي ان االنس‪rr‬ان يش‪rr‬به الن‪rr‬اس جميع‪rr‬ا‬
‫(طبيعة بشرية) ويشبه بعضهم (طبيعة اجتماعية)‪ .‬وال يشبه أح‪rr‬دا (طبيع‪rr‬ة‬
‫نفسية)‪.‬‬
‫الثقافة والشخصية ‪Culture & Personality‬‬

‫‪85‬‬
‫يرى االنسان نفسه في مرآة الثقافة عبر سلسلة من عمليات التعلم المستمر‬
‫عبر التفاعل مع البيئة االجتماعية‪ ،‬وصورة االنسان عن نفسه تتشكل عبر‬
‫الخارطة العقلية ال‪rr‬تي يكّونه‪rr‬ا الف‪r‬رد عن االخ‪rr‬رين وردود أفع‪rr‬ال االخ‪rr‬رين‬
‫على تفكيره وسلوكه‪ .‬االخرون هنا يؤدون دور المرآة التي تعكس ص‪rr‬ورة‬
‫الف‪r‬رد‪ ،‬وطريقة تفك‪r‬يره ومش‪r‬اعره وتص‪r‬رفه‪ ،‬وهي الخارط‪r‬ة ال‪r‬تي يفس‪r‬ر‬
‫الفرد عن طريقها لعبة الحي‪rr‬اة‪ .‬ه‪rr‬ذه الخارط‪rr‬ة االدراكي‪rr‬ة عب‪rr‬ارة عن نظ‪rr‬ام‬
‫دين‪rr‬اميكي متكام‪rr‬ل من التص‪rr‬ورات المتراكم‪rr‬ة‪ ،‬تتض‪rr‬من ال‪rr‬ذات وبيئته‪rr‬ا‬
‫السلوكية‪ ،‬وعندما نتحدث عن الشخصية الفردية‪ ،‬فإننا نعني به‪rr‬ا الخارط‪rr‬ة‬
‫العقلية للفرد عبر الزمن‪ ،‬من هنا فان الشخصية هي نت‪rr‬اج عملي‪rr‬ات الثقفن‪rr‬ة‬
‫‪ enculturation‬ال‪rrr‬تي يكتس‪rrr‬بها ك‪rrr‬ل ف‪rrr‬رد بمكونات‪rrr‬ه الجيني‪rrr‬ة الفري‪rrr‬دة‪.‬‬
‫والشخصية الفردية تتأثر بقوة بمراحل التنش‪rr‬ئة المبك‪rr‬رة‪ .‬علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع‬
‫وعلم‪rr‬اء النفس واالن‪rr‬ثروبولوجيون يعط‪rr‬ون اهتمام‪rr‬ا مبالغ‪rr‬ا في‪rr‬ه للطفول‪rr‬ة‬
‫المبك‪rr‬رة وتأثيره‪rr‬ا على بن‪rr‬اء الشخص‪rr‬ية‪ ،‬فمثال النم‪rr‬ط المث‪rr‬الي التقلي‪rr‬دي‬
‫لشخصية االناث والذكور في المجتمعات الغربي‪rr‬ة‪ ،‬والعربي‪rr‬ة وربم‪rr‬ا اغلب‬
‫المجتمع‪rr‬ات في الع‪rr‬الم ع‪rr‬دا بعض االس‪rr‬تثناءات‪ ،‬ه‪rr‬و ان الرج‪rr‬ل ينبغي ان‬
‫يكون صارما‪ ،‬حاد الطباع‪ ،‬عنيفا ومهيمنا ويمارس دور المعي‪rr‬ل او عم‪rr‬ود‬
‫ال‪rr‬بيت وح‪rr‬امي االس‪rr‬رة‪ ،‬بينم‪rr‬ا المتوق‪rr‬ع ان تك‪rr‬ون الم‪rr‬رأة وديع‪rr‬ة مس‪rr‬المة‪،‬‬
‫وطائعة مستجيبة لمتطلبات الذكور ومخلصة وراعية لشؤون االسرة‪ .‬ه‪rr‬ذه‬
‫االختالفات في الشخصية بين الجنس‪rr‬ين‪ ،‬ينظ‪rr‬ر له‪rr‬ا على انه‪rr‬ا طبيعي‪rr‬ة له‪rr‬ا‬
‫عالق‪rr‬ة ب‪rr‬التكوين ال‪rr‬بيولوجي‪ ،‬ول‪rr‬ذلك ال يمكن تجاوزه‪rr‬ا او القف‪r‬ز عليه‪rr‬ا او‬
‫تغييرها‪ .‬والسؤال الذي يسأله علماء االجتم‪rr‬اع واالنثروبولوجي‪rr‬ا‪ ،‬ه‪rr‬ل هي‬

‫‪86‬‬
‫كذلك فعال؟ وهل وجد العلماء اختالفات شخصية شاملة للتمييز بين االناث‬
‫وال‪rr‬ذكور‪ .‬م‪rr‬ارغريت مي‪rr‬د )‪ Mead (1963,1970‬من األوائ‪rr‬ل ال‪rr‬ذين‬
‫انشغلوا بدراسة الفروق بين الجنس‪rr‬ين ع‪rr‬بر الثقاف‪rr‬ات وفي ابحاثه‪rr‬ا العدي‪rr‬دة‬
‫اك‪rr‬دت ان‪rr‬ه ال توج‪rr‬د اختالف‪rr‬ات شخص‪rr‬ية مطلقة بين الجنس‪rr‬ين‪ ،‬وان ه‪rr‬ذه‬
‫االختالفات هي اختراع كهن‪rr‬وتي الغاي‪rr‬ة من‪rr‬ه هيمن‪rr‬ة ال‪rr‬ذكور على االن‪rr‬اث‪،‬‬
‫وأشارت الى ان هناك اثنين من التنظيمات االجتماعية المتجاورة في غينيا‬
‫الجديدة‪ ،‬األولى تكون فيها شخصيات الرجال والنس‪rr‬اء مع‪rr‬ا وليس الرج‪rr‬ال‬
‫فقط شخصيات على درجة عالية من اللياقة وغير عدوانية‪ ،‬اما الثاني فكال‬
‫الجنسين فيه‪ ،‬شخصياتهم ذات نزعة عصبية وعدوانية‪ .‬ووجدت في غيني‪rr‬ا‬
‫الجديدة أيضا ان هناك مجتمعات يقوم الذكور فيها بتجميل انفسهم ويعتنون‬
‫باألطفال ويقومون بإدارة شؤون المنزل‪ ،‬بينما ال تفع‪r‬ل النس‪r‬اء ذل‪r‬ك وانم‪r‬ا‬
‫تخرج للصيد والتسوق فيما يبقى الرج‪rr‬ال في ت‪rr‬رقب لع‪rr‬ودة النس‪rr‬اء‪ ،‬وه‪rr‬ذه‬
‫المقارنة تعطي انطباعا بان العام‪rr‬ل الثقافي واالقتص‪rr‬ادي ه‪rr‬و ال‪rr‬ذي يح‪rr‬دد‬
‫األدوار بين الجنس‪rr‬ين وليس العام‪rr‬ل الط‪rr‬بيعي ال‪rr‬بيولوجي‪ ،‬كم‪rr‬ا ان ه‪rr‬ذه‬
‫النماذج االجتماعية‪-‬الثقافية توحي بان هناك بدائل لتربي‪rr‬ة األطف‪rr‬ال تختل‪rr‬ف‬
‫نوعي‪rr‬ا عن النظ‪rr‬رة التقليدي‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬و م‪rr‬ا الت الي‪rr‬ه األم‪rr‬ور في المجتمع‪rr‬ات‬
‫الغربي‪rr‬ة من وج‪rr‬ود مس‪rr‬اواة بين ال‪rr‬ذكور واالن‪rr‬اث‪ .‬والح‪rr‬ق ان االن‪rr‬اث في‬
‫الغرب صارت لهن في االغلب اليد الطولى‪ .‬وباختصار شديد‪ ،‬الشخص‪rr‬ية‬
‫الفردية هي مجموعة فريدة من البرامج العقلية التي ال يش‪rr‬ترك فيه‪rr‬ا الف‪rr‬رد‬
‫م‪rr‬ع أي ش‪rr‬خص اخ‪rr‬ر‪ ،‬انه‪rr‬ا تقوم على س‪rr‬مات موروث‪rr‬ة جزئي‪rr‬ا من ض‪rr‬من‬
‫المجموعة الجينية الفريدة للشخص وجزئيا تكتس‪rr‬ب ب‪rr‬التعلم‪ ،‬والتعلم يع‪rr‬ني‬

‫‪87‬‬
‫التعديل ال‪r‬ذي يح‪r‬دث بت‪r‬أثير البرمج‪r‬ة الجمعي‪r‬ة للعقل (الثقاف‪r‬ة) الى ج‪r‬انب‬
‫الخ‪rr‬برات الشخص‪rr‬ية الفري‪rr‬دة‪ Haviland (1996) .‬وبم‪rr‬ا ان الشخص‪rr‬ية‬
‫بعام‪rr‬ة هي ص‪rr‬نيعة الثقاف‪rr‬ة وبالت‪rr‬الي تع‪rr‬ني ان اغلب س‪rr‬ماتها قابل‪rr‬ة للتعلم‬
‫والت‪rr‬وارث الثقافي وليس ال‪rr‬بيولوجي فانه‪rr‬ا تعتم‪rr‬د على طريقة الثقفن‪rr‬ة‬
‫‪ ،enculturation‬وفي ذل‪rrr‬ك ي‪rrr‬ذكر وول‪rrr‬ف )‪ Wolf (1966‬ان هن‪rrr‬اك‬
‫ن‪rrrrr‬وعين مختلفين من تنش‪rrrrr‬ئة األطف‪rrrrr‬ال األول الت‪rrrrr‬دريب االعتم‪rrrrr‬ادي‬
‫‪ Dependent training‬ال‪rr‬ذي يخل‪rr‬ق شخص‪rr‬يات مذعن‪rr‬ة ومعتم‪rr‬دة على‬
‫أعضاء االسرة االخرين‪ ،‬والنوع الثاني‪ ،‬التدريب ذو الطبيع‪rr‬ة االس‪rr‬تقاللية‬
‫‪ ,Independent training‬وهذا النوع من الت‪rr‬دريب يقود الى االعتم‪rr‬اد‬
‫على النفس واالس‪rr‬تقاللية واالنج‪rr‬از ل‪rr‬دى األطف‪rr‬ال‪ ،‬وه‪rr‬ذا ه‪rr‬و م‪rr‬ا يح‪rr‬دث‬
‫بالض‪rr‬بط في مجتمعن‪rr‬ا الع‪rr‬ربي حيث يم‪rr‬يز ال‪rr‬ذكر من‪rr‬ذ يوم‪rr‬ه األول ب‪rr‬الوان‬
‫اثوابه‪ ،‬وطريقة االحتفاء به‪ ،‬ثم خروجه مع ابيه ونظرائ‪rr‬ه في ب‪rr‬اكر حيات‪rr‬ه‬
‫فيما تحتجز االنثى خلف اسوار عالية وال يس‪rr‬مح له‪rr‬ا بمرافقة االب اال في‬
‫مناسبات نادرة‪ ،‬وحالما تبلغ سن العاشرة ال يس‪rr‬مح له‪rr‬ا برؤي‪rr‬ة ال‪rr‬ذكور من‬
‫غير قرابة الدم‪ ،‬وتبقى تحت رقابة مشددة حتى يأتيها "نصيبها" فتدخل في‬
‫غيبوبة جديدة في بيت زوجها حتى تس‪rr‬قط اس‪rr‬نانها‪ .‬وإذا ألقين‪rr‬ا نظ‪rr‬رة على‬
‫المثلث في الشكل ادناه نجد ان الشخصية تمثل الجزء العل‪rr‬وي من الطبيع‪rr‬ة‬
‫البشرية وصنيعة من صنائع الثقافة‪ .‬وتبدو الثقافة محورا مركزي‪rr‬ا في بن‪rr‬اء‬
‫المجتمع‪ ،‬اذ انها تعمل باتجاهين‪ ،‬تؤثر في الطبيع‪rr‬ة البش‪rr‬رية وته‪rr‬ذب فيه‪rr‬ا‬
‫الجزء ال‪rr‬بيولوجي الم‪rr‬وروث وال‪rr‬ذي نش‪rr‬ترك في‪rr‬ه م‪rr‬ع المملك‪rr‬ة الحيواني‪rr‬ة‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫وتعمل في الوقت ذاته على صقل الشخصية وتدريبها لكي تتماشى باتس‪rr‬اق‬
‫مع قواعد المجتمع‪.‬‬
‫شكل ‪ 3 -1‬يوضح البرمجة العقلية الفريدة لإلنسان‬

‫الشخصية‪personality‬‬

‫الثقافة‪culture‬‬

‫الطبيعة البشوية‪human nature‬‬

‫‪89‬‬
‫‪Hofstede: Culture and Organization P. 9‬‬ ‫‪:‬المصدر‬

‫النسبية الثقافية ‪Cultural Relativism‬‬


‫دارس‪rr‬و الثقاف‪rr‬ة يعرف‪rr‬ون ان الجماع‪rr‬ات والفئ‪rr‬ات اإلنس‪rr‬انية تفك‪rr‬ر وتش‪rr‬عر‬
‫وتتصرف بطرائق مختلف‪rr‬ة‪ ،‬ولكن ليس هن‪rr‬اك مع‪rr‬ايير علمي‪rr‬ة لع‪rr‬د بعض‪rr‬ها‬
‫افض‪rr‬ل من بعض‪ .‬دراس‪rr‬ة االختالف‪rr‬ات الثقافي‪rr‬ة للجماع‪rr‬ات والمجتمع‪rr‬ات‬
‫يقتضي ضمنا االعتراف بالنسبية الثقافية‪ ،‬والنس‪rr‬بية الثقافي‪rr‬ة تؤك‪rr‬د على ان‬
‫الثقافة المعين‪r‬ة التمل‪r‬ك محك‪r‬ات او مع‪r‬ايير ج‪r‬اهزة لتطبيقه‪r‬ا على الثقاف‪r‬ات‬
‫األخرى على انها اعلى او ادنى في المستوى‪ ،‬ذلك ان لكل ثقافة معاييره‪rr‬ا‬
‫االخاصة ال‪rr‬تي بواس‪rr‬طتها يمكن الحكم على أنش‪rr‬طتها‪ .‬االختالف‪rr‬ات الثقافي‪rr‬ة‬
‫تعبر عن نفسها بطرائق مختلفة‪ ،‬ولعل اكثر المفاهيم ال‪rr‬تي توض‪rr‬ح الثقاف‪rr‬ة‬
‫وتنوعه‪rr‬ا يمكن ان تغطى بالمف‪rr‬اهيم األربع‪rr‬ة االتي‪rr‬ة‪ :‬الرم‪rr‬وز‪ ،‬األبط‪rr‬ال‪،‬‬
‫الطقوس‪ ،‬والقيم كم‪rr‬ا تظه‪rr‬ر في الش‪rr‬كل (‪ ،)3-2‬ال‪rr‬ذي يب‪rr‬دو وكان‪rr‬ه مقط‪rr‬ع‬
‫عرض‪rr‬ي ل‪rr‬رأس بص‪rr‬لة ‪ ، ,skins of onion‬حيث يش‪rr‬ير الش‪rr‬كل الى ان‬
‫الرموز تقف عند الحافة البعيدة او عن‪rr‬د الس‪rr‬طح‪ ،‬وتك‪rr‬ون القيم في المنطقة‬
‫األكثر عمقا في الثقاف‪r‬ة‪ ،‬بينم‪r‬ا الطقوس واالبط‪r‬ال يحتل‪r‬ون موقع‪r‬ا وس‪r‬طا‬
‫بينهما‬
‫الرموز ‪Symbol‬‬
‫كلمات‪ ،‬إشارات‪ ،‬صور او أش‪rr‬ياء تحم‪rr‬ل مع‪rr‬اني معين‪rr‬ة وال‪rr‬تي ال يمكن ان‬
‫يفهمها اال افراد او جماعات يشتركون في قاعدة ثقافية واحدة‪ .‬الكلمات في‬
‫لغة من اللغات تقع ضمن هذه الفصيلة تماما مثل المالبس وقصات الشعر‬
‫‪90‬‬
‫والكوك‪rr‬ا ك‪rr‬وال‪ ،‬والراي‪rr‬ات او اإلعالم ‪ Flags‬ورم‪rr‬وز المكان‪rr‬ة‪ .‬والرم‪rr‬وز‬
‫الثقافية من السهل اقتباسها وتبنيه‪r‬ا من قب‪r‬ل ثقاف‪r‬ات أخ‪r‬رى‪ ،‬وألن الرم‪r‬وز‬
‫يمكن تبديلها او اقتباسها وتبنيها ‪ ،‬لهذا السبب وحده وض‪rr‬عت على الس‪rr‬طح‬
‫الخارجي لقشرة البصل ‪.‬‬
‫ألبطال ‪Heroes‬‬
‫أش‪rrr‬خاص احي‪rrr‬اء او أم‪rrr‬وات‪ ،‬حقيقي‪rrr‬ون او من ص‪rrr‬نع الخي‪rrr‬ال‪ ،‬يملك‪rrr‬ون‬
‫خصائص ذات قيمة كبيرة بمنظور اعضاء الثقافة‪ ،‬والذين يتخ‪rr‬ذون كقدوة‬
‫او نموذج للس‪r‬لوك من قب‪r‬ل أعض‪rr‬اء الثقاف‪rr‬ة‪ ،‬ح‪r‬تى الشخص‪rr‬يات الفنطازي‪r‬ة‬
‫وشخصيات أفالم الكرتون ‪ ،‬مثل باتمان‬
‫‪ Batman‬او س‪rrr‬وبرمان ‪ Superman‬او النحل‪rrr‬ة ‪ Bumblebees‬او‬
‫ك‪rr‬رين داي‪rr‬زر ‪Green Dizzier‬يمكن تعم‪rr‬ل كابط‪rr‬ال ثقافي‪rr‬ة في عص‪rr‬ر‬
‫التلفزيون واالنترنيت اكثر من أي ابطال من الماضي البعيد‬

‫الشكل (‪ )3-2‬نموذج قشر البصل يوضح مستويات الثقافة‬

‫الرموز‪symbols‬‬

‫االبطال‪Heroes‬‬

‫الطقوس‪rituals‬‬

‫القيم‪value‬‬

‫‪91‬‬
‫المصدر‪Hofstede: Culture and Organization P.9 :‬‬

‫الطقوس ‪Rituals‬‬
‫هي أنش‪rr‬طة جمعي‪rr‬ة‪ ،‬تقني‪rr‬ا تب‪rr‬دو غ‪rr‬ير الزم‪rr‬ة وغ‪rr‬ير ض‪rr‬رورية للوص‪rr‬ول‬
‫لأله‪rr‬داف المرغوب‪rr‬ة‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا ض‪rr‬من الثقاف‪rr‬ة تب‪rr‬دو ض‪rr‬رورة اجتماعي‪rr‬ة‪،‬‬
‫يعملون جميعا من أجل ممارس‪rr‬تها لحاج‪rr‬ة نفس‪rr‬ية اك‪rr‬ثر منه‪rr‬ا عقائدي‪rr‬ة‪ ،‬من‬
‫امثلته‪rr‬ا المعروف‪rr‬ة ط‪rr‬رق القاء التحي‪rr‬ة واح‪rr‬ترام اآلخ‪rr‬رين‪ ،‬االحتف‪rr‬االت‬
‫االجتماعي‪rr‬ة والديني‪rr‬ة‪ .‬تنظيم عم‪rr‬ل اللقاءات السياس‪rr‬ية ال‪rr‬تي تب‪rr‬دو أس‪rr‬بابها‬
‫عقالنية تحسب هي األخرى على األنشطة الطقوسية‪ ،‬مثل الس‪rr‬ماح للقادة‬
‫بتسويق انفسهم امام مؤسساتهم او جماهيرهم‪.‬‬
‫القيم ‪Values‬‬
‫القيم نزعات واسعة لتفضيل جملة من القضايا على حس‪r‬اب أخ‪r‬رى ‪ ،‬وله‪r‬ا‬
‫جانب سلبي واخر إيجابي مثل خير‪ -‬شر‪ ،‬نضيف – وسخ‪ ،‬جميل‪ -‬قبيح‪،‬‬
‫طبيعي‪ -‬غير طبيعي‪ ،‬سليم – مريض منطقي – متناقض‪ ،‬عقالني – غ‪rr‬ير‬
‫عقالني‪ .‬القيم من اول األشياء التي يتعلمها األطف‪rr‬ال بطرائ‪rr‬ق ال ش‪rr‬عورية‪،‬‬
‫وحين يص‪rr‬لون س‪rr‬ن العاش‪rr‬رة يك‪rr‬ون النظ‪rr‬ام القيمي ق‪rr‬د اس‪rr‬تقر الى االب‪rr‬د‪،‬‬
‫فيصبح كما يقول اهل علم النفس من الصعب تغييره بعد ه‪rr‬ذه الس‪rr‬ن‪ .‬والن‬
‫النظ‪rr‬ام القيمي نظ‪rr‬ام مج‪rr‬رد ال يمكن رؤيت‪rr‬ه او مالحظت‪rr‬ه مباش‪rr‬رة من قب‪rr‬ل‬
‫الفرد من خ‪rr‬ارج المجموع‪rr‬ة الثقافي‪rr‬ة فان‪rr‬ه يمكن فقط االس‪rr‬تدالل علي‪rr‬ه عن‬
‫طريق بعض أنواع السلوك في ظروف معينة‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫لتفسير مايردده الناس حول قيمهم نحت‪rr‬اج الى التمي‪rr‬يز بين م‪rr‬اهو مرغ‪rr‬وب‬
‫‪ Desired‬وم‪r‬ا ه‪r‬و مرغ‪r‬وب في‪r‬ه ‪ Desirable‬بمع‪r‬نى بين "كي‪r‬ف يحب‬
‫الناس ان يكون عليه العالم مقابل ماذا يريد الن‪rr‬اس ألنفس‪rr‬هم" ‪ .‬المرغ‪rr‬وب‬
‫فيه ‪ Desirable‬يشير الى رغبة الناس عامة على نحو "صحيح‪/‬خاطئ ‪،‬‬
‫مواف‪rr‬ق‪ /‬غ‪rr‬ير مواف‪rr‬ق او م‪rr‬ا يماث‪rr‬ل ذل‪rr‬ك‪ ،‬بش‪rr‬كل مج‪rr‬رد‪ ،‬ك‪rr‬ل انس‪rr‬ان يحب‬
‫الفضيلة ويعادي االثم او الخطيئة‪ ،‬واالجوبة التي تع‪rr‬بر عن وجه‪rr‬ات نظ‪rr‬ر‬
‫الناس حول المرغوب فيه تمثل المثل العليا ال‪r‬تي ق‪rr‬د ال تج‪r‬د لنفس‪r‬ها س‪r‬بيال‬
‫للتطبيق عندما يتعلق االمر برغبة االنسان الذاتية ‪ ،‬فقد يقول االنسان ش‪rr‬يئا‬
‫ويفعل غيره‪.‬‬
‫ال‪rr‬ذي يم‪rr‬يز المرغ‪rr‬وب عن المرغ‪rr‬وب في‪rr‬ه ه‪rr‬و المع‪rr‬ايير ‪the norms‬‬
‫والمع‪rr‬ايير هي القاع‪rr‬دة ال‪rr‬تي تس‪rr‬تخدم للتعري‪rr‬ف ب‪rr‬القيم الموج‪rr‬ودة داخ‪rr‬ل‬
‫الجماع‪rrr‬ة االجتماعي‪rrr‬ة‪ .‬في حال‪rrr‬ة القيم المرغ‪rrr‬وب فيه‪rrr‬ا المعي‪rrr‬ار مطل‪rrr‬ق‬
‫‪ absolute‬ويتعلق بما هو صحيح أخالقيا‪ ،‬ولكن في حالة المرغ‪rr‬وب فان‪rr‬ه‬
‫عملية إحصائية تشير الى االختيارات التي يقوم به‪rr‬ا أغلبي‪rr‬ة الن‪rr‬اس فعلي‪rr‬ا‪.‬‬
‫باختص‪rr‬ار المرغ‪rr‬وب في‪rr‬ه يتعل‪rr‬ق بالمث‪rr‬ل العلي‪rr‬ا‪ ،‬ام‪rr‬ا المرغ‪rr‬وب فيتعل‪rr‬ق‬
‫بالممارسة السلوكية على ارض الواقع‪Hofstede (2001, 1992) .‬‬
‫الثقافة الفرعية ‪Subculture‬‬
‫الثقاف‪rr‬ة الفرعي‪rr‬ة هي نم‪rr‬ط ثقافي منقط‪rr‬ع جزئي‪rr‬ا ونس‪rr‬بيا عن بقي‪rr‬ة س‪rr‬كان‬
‫المجتمع‪ ،‬المجموعات المثلية‪ ،‬الجماع‪rr‬ات الديني‪rr‬ة المتش‪rr‬ددة او ال‪rr‬تي ل‪rr‬ديها‬
‫طقوس السيما جماعات موسيقى الجاز‪ ،‬وكبار الس‪rr‬ن في مس‪rr‬اكن الرعاي‪rr‬ة‬
‫االجتماعية‪ ،‬الى ج‪r‬انب جماع‪r‬ة االدب او الش‪r‬عر‪ ،‬والمش‪r‬ردون‪ ،‬واالك‪r‬راد‬

‫‪93‬‬
‫في بغ‪rr‬داد‪ ،‬واالقب‪rr‬اط في القاهرة‪ ،‬وال‪rr‬دروز في دمش‪rr‬ق وب‪rr‬يروت‪ ،‬الع‪rr‬رب‬
‫والهنود في إنكلترا‪ ،‬االيطاليون والسود في نيوي‪r‬ورك‪ ،‬ك‪r‬ل ه‪r‬ؤالء يمثل‪r‬ون‬
‫ثقاف‪r‬ات فرعي‪r‬ة داخ‪r‬ل الثقاف‪r‬ة الكلي‪r‬ة‪ .‬من الس‪r‬هل (ولكن غالب‪r‬ا بش‪r‬كل غ‪r‬ير‬
‫دقيق) وضع الناس ض‪rr‬من فئ‪rr‬ات الثقاف‪rr‬ة الفرعي‪rr‬ة‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان ك‪rr‬ل واح‪rr‬د من‪rr‬ا‬
‫يساهم عفويا في عدد من الثقافات الفرعية‪ ،‬ولكن من دون إل‪rr‬زام او ال‪rr‬تزام‬
‫تلقائي مع كثير منها‪ ،‬مثال يمكن لإلنسان ان يكون عضوا في اتحاد االدباء‬
‫ومشاركا في جماعة اثنية‪ ،‬ويحضر حفالت الج‪rr‬از وين‪rr‬ام م‪rr‬ع المس‪rr‬نين في‬
‫دور العجزة‪ ،‬مثل هؤالء الناس ال يحس‪rr‬بون على الثقاف‪rr‬ة الفرعي‪rr‬ة ألي من‬
‫هذه التجمعات ألنهم يفتقدون ش‪rr‬رطا او أك‪rr‬ثر من ش‪rr‬روط االنتم‪rr‬اء للثقاف‪rr‬ة‬
‫الفرعية‪ .‬في بعض الحاالت‪ ،‬السمات الثقافية ذات األهمية القص‪rr‬وى‪ ،‬مث‪rr‬ل‬
‫الِع رق او الدين تبعد الناس بعضهم من بعض‪ ،‬وأحيانا لها نت‪rr‬ائج مأس‪rr‬اوية‪.‬‬
‫خذ مثال الع‪rr‬راق بع‪rr‬د الغ‪rr‬زو األم‪rr‬ريكي ع‪r‬ام ‪ ،2003‬الوض‪rr‬ع المض‪rr‬طرب‬
‫والفراغ السياسي الذي اوجده الغزاة‪ ،‬في المجتمع العراقي متعدد االثني‪rr‬ات‬
‫والطوائ‪rr‬ف واألدي‪rr‬ان (ثقاف‪rr‬ات فرعي‪rr‬ة)‪ .‬وك‪rr‬ل من ه‪rr‬ذه المكون‪rr‬ات الثقافي‪rr‬ة‬
‫تختل‪rr‬ف لغوي‪rr‬ا او م‪rr‬ذهبيا او ديني‪rr‬ا او عرقي‪rr‬ا او حزبي‪rr‬ا‪ ،‬ق‪rr‬امت (بتح‪rr‬ريض‬
‫وتمويل من جهات معروفة‪ ،‬وغير معروفة) بالتصادم المميت مع بعضها‪،‬‬
‫حتى صار القت‪r‬ل على الهوي‪r‬ة فمن ك‪r‬ان اس‪r‬مه علي‪r‬ا يقتل‪r‬ه عم‪َr‬ر ومن ك‪r‬ان‬
‫اسمه عمَر يقتله علي‪ ،‬ومن ك‪rr‬ان اس‪rr‬مه ش‪rr‬يرزاد يقت‪rr‬ل علي‪rr‬ا وعم‪َr‬ر ويقتل‪rr‬ه‬
‫علي وعمر‪ .‬النسبية الثقافية ال تنطوي على التنوع فقط وانما على التراتب‬
‫ايضا ‪ ،hierarchy‬فما يعرف باألنماط الثقافية الراقية والمهيمن‪rr‬ة‪ ،‬هي في‬
‫العادة ثقافة الفئة المتنفذة من أصحاب رؤوس األموال والمهن‪rr‬يين من ذوي‬

‫‪94‬‬
‫ال‪rr‬دخول العالي‪rr‬ة والتج‪rr‬ار وص‪rr‬ناع القرار السياس‪rr‬ي‪ ،‬فيم‪rr‬ا تلص‪rr‬ق الثقاف‪rr‬ة‬
‫الهابطة بفئ‪rr‬ات الثقاف‪rr‬ات الفرعي‪rr‬ة‪ ،‬ألنهم ح‪rr‬تى ل‪rr‬و ك‪rr‬انوا من األثري‪rr‬اء ف‪rr‬ان‬
‫انماطهم السلوكية المستمدة من ثقافتهم الفرعية تبعدهم عن اللغة المشتركة‬
‫للثقافة المهيمنة‪ .‬والتنوع الثقافي يتضمن أيضا رفض افراد الثقافة الفرعية‬
‫لألفكار او السلوكيات التقليدية للثقافة المهيمن‪rr‬ة‪ ،‬وهم ل‪rr‬ذلك يميل‪rr‬ون لتقوي‪rr‬ة‬
‫كينونة واواصر العالقات فيما بينهم وبطريقة ش‪rr‬به مغلقة‪ ،‬فهم ي‪rr‬تزاوجون‬
‫ويتب‪rr‬ادلون المن‪rr‬افع وااللتزام‪rr‬ات االقتص‪rr‬ادية فيم‪rr‬ا بينهم‪ ،‬م‪rr‬ع اإلبقاء على‬
‫هامش للعالقة السطحية مع الثقافة المهيمن‪r‬ة ‪Macionis & Plummer‬‬
‫)‪ .(2002‬في المجتم‪rrr‬ع الرأس‪rrr‬مالي المعاص‪rrr‬ر يقول فلج‪rrr‬ر وس‪rrr‬كوت‬
‫)‪ Fulcher & Scott (1999‬وفقا لنظري‪rr‬ة المجتم‪rr‬ع الواس‪rr‬ع ‪Mass-‬‬
‫‪ society Theory‬فان الثقافة المألوف‪rr‬ة هي ثقاف‪rr‬ة المجتم‪rr‬ع الواس‪rr‬ع‪ ،‬ام‪rr‬ا‬
‫الثقافة التقليدية الحقيقية فإنها تعرضت لعملية ابادة مبرمجة من قبل الثقاف‪rr‬ة‬
‫الواسعة ذات النزع‪r‬ة التجاري‪r‬ة عالي‪r‬ة التنظيم‪ ،‬وال‪r‬تي اجه‪r‬زت أيض‪r‬ا على‬
‫الثقافة الراقية‪ .‬ادرنو وهورخيمر ‪ Adorno & Horkheimer‬من أبرز‬
‫اعضاء مدرسة فرانكف‪rr‬ورت الحديث‪rr‬ة لعلم االجتم‪rr‬اع‪ ،‬اس‪rr‬تخدموا مص‪rr‬طلح‬
‫"صناعة الثقافة" في إشارة الى ان الثقاف‪rr‬ة ص‪rr‬ارت تص‪rr‬نع وتب‪r‬اع مث‪r‬ل أي‬
‫منتج صناعي من اجل الحصول على الربح‪ ،‬انها وفقا لوجهة النظر ه‪rr‬ذه‪،‬‬
‫تفرض على المجتمع الواسع الثقافة المصنعة في الغ‪rr‬رف الخلفي‪rr‬ة للمت‪rr‬اجر‬
‫العمالقة لكي تجعل من الناس مج‪rr‬رد مس‪rr‬تهلكين خ‪rr‬املين لبض‪rr‬ائع ال تل‪rr‬بي‬
‫حاج‪rr‬اتهم الحقيقي‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬ذه الثقاف‪rr‬ة أص‪rr‬بحت ض‪rr‬رورية إلدام‪rr‬ة المجتم‪rr‬ع‬
‫الرأسمالي‪ ،‬العمال يقبلون الضجر واالستغالل في العم‪rr‬ل ألن‪rr‬ه ليس ل‪rr‬ديهم‬

‫‪95‬‬
‫خيار اال الحصول على أجور توفر لهم فرص الهروب في أوقات ف‪rr‬راغهم‬
‫لالنض‪rr‬مام الى أولئ‪rr‬ك ال‪rr‬ذين يبحث‪rr‬ون عن مت‪rr‬ع الثقاف‪rr‬ة الواس‪rr‬عة لمش‪rr‬اهدة‬
‫األفالم او االس‪rr‬تماع للموس‪rr‬يقى المفض‪rr‬لة‪ .‬والواق‪rr‬ع ان هن‪rr‬اك تعارض‪rr‬ا بين‬
‫وجهة نظر النخبة ووجهة نظر عامة الناس‪ ،‬فالنخبة تميل الى الثقافة الفنية‬
‫وتعد الثقافة العامة مجرد ثقافة تجارية رخيصة وان ج‪rr‬ذورها على عالق‪rr‬ة‬
‫بالثقافات الفرعي‪rr‬ة ألقلي‪rr‬ات الع‪rr‬رق او الطبقة‪ .‬وخالص‪rr‬ة القول ان الثقاف‪rr‬ة‬
‫الفرعية هي جماع‪r‬ات معين‪r‬ة داخ‪r‬ل المجتم‪r‬ع‪ ،‬ومص‪rr‬طلح الثقاف‪rr‬ة الفرعي‪r‬ة‬
‫أص‪rr‬ال ك‪rr‬ان يس‪rr‬تخدم لإلش‪rr‬ارة الى ثقاف‪rr‬ات الش‪rr‬باب والطبقات االجتماعي‪rr‬ة‬
‫الدنيا‪ ،‬وأصل معنى الثقافة الفرعية هو “الثقافة التحتية" ‪under-culture‬‬
‫ليدل على وجود الثقاف‪rr‬ة المهيمن‪r‬ة او الثقاف‪rr‬ة الراقي‪r‬ة‪ ،‬وينظ‪r‬ر الماركس‪r‬يون‬
‫للمصطلح من وجهة مغ‪rr‬ايرة اذ يع‪rr‬دون الثقاف‪rr‬ة الفرعي‪rr‬ة نوع‪rr‬ا من مقاوم‪rr‬ة‬
‫الطبقات ال‪rr‬دنيا للطبقات العلي‪rr‬ا‪ ،‬وهي ض‪rr‬منا تع‪rr‬ني الوق‪rr‬وف بوج‪rr‬ه النظ‪rr‬ام‬
‫االجتماعي الذي يفتقر للعدالة‪.‬‬
‫التغير الثقافي ‪Cultural Change‬‬
‫التغير سمة الزمة للوجود‪ ،‬كل يوم‪ ،‬يوم جديد‪ ،‬وكل ساعة او دقيقة تمر ال‬
‫تشبه التي قبلها وال تش‪r‬به ال‪r‬تي بع‪r‬دها‪ ،‬وق‪r‬ديما قاله‪r‬ا الفيلس‪r‬وف االغ‪r‬ريقي‬
‫هرقليدس (‪ )BC 480-540‬ان‪r‬ك ال تس‪r‬تطيع ان تع‪r‬بر النه‪r‬ر م‪r‬رتين‪ ،‬فال‬
‫الماء يبقى على حاله وال االنسان الذي يعبر النه‪rr‬ر يبقى كم‪rr‬ا ه‪rr‬و‪ ،‬كالهم‪rr‬ا‬
‫يتغير‪ ،‬للوهلة األولى تبدو هذه الرؤية غير منطقية ذلك ان شكل النه‪rr‬ر في‬
‫جريانه لن يتغير واالنسان ال شيء يحدث له عدا انه ستبتل ق‪rr‬دماه‪ ،‬بي‪rr‬د ان‬
‫ذرات الماء ليست هي في حالة العبور للمرة الثانية‪ ،‬كما ان تفكير االنسان‬

‫‪96‬‬
‫وطريقة عبوره ال يمكن ان تكون بالطريقة ذاتها‪ ،‬والعبرة ان التغير يحدث‬
‫في البنية األساسية ‪ underlying structure‬لألشياء ع‪rr‬بر ال‪rr‬زمن‪ ،‬وفي‬
‫حال‪rr‬ة المجتم‪rr‬ع ف‪rr‬ان التغ‪rr‬ير يح‪rr‬دث أحيان‪rr‬ا به‪rr‬دوء ومن دون ان نالحظ‪rr‬ه‪،‬‬
‫واحيان‪rr‬ا يح‪rr‬دث بطريقة كارثي‪rr‬ة‪ ،‬كم‪rr‬ا ه‪rr‬و الح‪rr‬ال عن‪rr‬دما تتع‪rr‬رض مدين‪rr‬ة‬
‫إلعصار مدمر‪ ،‬او غ‪rr‬زو ك‪rr‬الغزو األم‪rr‬ريكي للع‪rr‬راق او ث‪rr‬ورة تقلب كي‪rr‬ان‬
‫النظام االجتماعي‪.‬‬
‫التغير في أحد ابعاد الثقافة يترافق‪ ،‬في العادة‪ ،‬م‪rr‬ع تح‪rr‬والت أخ‪rr‬رى‪ ،‬فمثال‬
‫دخول المرأة لميدان العمل يتزامن مع تبدل في أنماط االسرة‪ ،‬بما في ذل‪rr‬ك‬
‫تأخير سن ال‪rr‬زواج‪ ،‬وارتف‪rr‬اع نس‪rr‬ب الطالق‪ ،‬وتزاي‪rr‬د ع‪rr‬دد األطف‪rr‬ال ال‪rr‬ذين‬
‫ينشؤون في بيوت من غير اباء‪ ،‬وهذا الترابط يوضح مبدأ التكامل الثقافي‬
‫‪ Cultural integration‬ال‪rrr‬ذي يع‪rrr‬ني التراب‪rrr‬ط الوثي‪rrr‬ق بين العناص‪rrr‬ر‬
‫المختلفة للنظام الثقافي‪ ،‬ولكن طبعا عناصر النظام الثقافي ال تتبدل جميع‪rr‬ا‬
‫بالسرعة نفسها‪ .‬وليم اوك‪rr‬برن )‪ Ogburn (1964‬الح‪rr‬ظ ان التكنولوجي‪rr‬ا‬
‫تتبدل وتولد عناصر جدي‪r‬دة للثقاف‪rr‬ة المادي‪r‬ة أس‪r‬رع بكث‪r‬ير من التب‪r‬دل ال‪r‬ذي‬
‫يحصل لعناصر الثقافة غير المادية‪ ،‬اوكبرن س‪rr‬مى ه‪rr‬ذه العملي‪rr‬ة المتن‪rr‬افرة‬
‫الفجوة الثقافية ‪ ،Cultural Lag‬وهي تعني ان مستوى التغير المتباين في‬
‫عناصر الثقافة يؤدي الى ارباك النظام الثقافي كله‪ .‬فمثال قدرة التكنولوجيا‬
‫على تمكين المرأة من األنجاب عن طريق تخصيب البويض‪rr‬ة في المخت‪rr‬بر‬
‫بحيمن شخص اخر غير الزوج‪ ،‬من ثم نقل البويضة المخصبة الى الرحم‪،‬‬
‫من شانه ان يساعدنا على استبعاد الفكرة التقليدية لألمومة واالبوة‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫التغير الثقافي يحدث في العادة بواحدة من ثالث طرائق‪ .‬أوال‪ .‬االختراع‬
‫‪ :invention‬وهو عملية ابتكار عناصر ثقافية جديدة‪ ،‬واالختراع ق‪rr‬دم لن‪rr‬ا‬
‫الهاتف في عام ‪ 1876‬والسيارة عام ‪ 1885‬والط‪rr‬ائرة ع‪rr‬ام ‪ ،1903‬ك‪rr‬ل‬
‫هذه المخترعات كان لها تأثير هائل على حياتنا‪ .‬عملي‪rr‬ة االخ‪rr‬تراع تمض‪rr‬ي‬
‫ق‪rr‬دما‪ ،‬لكن النظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي يحت‪rr‬اج بعض ال‪rr‬وقت لتع‪rr‬ديل مؤسس‪rr‬اته‬
‫ومنظومته القيمي‪r‬ة‪ ،‬والتغي‪r‬ير ال‪r‬ذي تحدث‪r‬ه االبتك‪r‬ارات س‪r‬وف يتبع‪r‬ه حتم‪r‬ا‬
‫شكال اجتماعيا جديدا ال يشبه ابدا ما كان عليه قبل وجود االخ‪rr‬تراع‪ .‬ثاني‪rr‬ا‪.‬‬
‫االكتشاف ‪ discovery‬وهو اننا ندرك ونفهم أشياء لم نكن نعرفها من‬
‫قبل‪ ،‬من النجوم البعيدة الى وجبات الطع‪rr‬ام ال‪rr‬تي يتناوله‪rr‬ا الن‪rr‬اس في ثقاف‪rr‬ة‬
‫أخ‪rr‬رى‪ ،‬ومن المخلوق‪rr‬ات في أعم‪rr‬اق المحيط‪rr‬ات الى فيروس‪rr‬ات انفل‪rr‬ونزا‬
‫الخن‪rr‬ازير‪ ،‬اغلب االكتش‪rr‬افات ج‪rr‬اءت نتيج‪rr‬ة األبح‪rr‬اث العلمي‪rr‬ة‪ ،‬وبعض‪rr‬ها‬
‫بالصدفة‪ ،‬فمثال عندما تركت السيدة ماري ك‪rr‬وري قطع‪rr‬ة من الحج‪rr‬ر على‬
‫ورقة فوتوغرافية عام ‪ 1898‬كان ذلك ايذانا باكتشاف االش‪rr‬عاع بالص‪rr‬دفة‪.‬‬
‫وثالثا‪ .‬االنتشار ‪ diffusion‬وهو عملية تدفق السمات الثقافية من مجتمع‬
‫آلخر‪ .‬قدرة التكنولوجيا على نشر المعلومات حول العالم في نص‪rr‬ف دقيقة‬
‫عبر المذياع‪ ،‬التلفاز‪ ،‬الكومبيوتر‪ ،‬الهاتف النقال‪ ،‬تعني ان عملية االنتش‪rr‬ار‬
‫ليس فقط للمعلومات وانما لكل مكونات الثقاف‪rr‬ات اإلنس‪rr‬انية المادي‪rr‬ة وغ‪rr‬ير‬
‫المادي‪rr‬ة هي الي‪rr‬وم أعظم من أي وقت مض‪rr‬ى‪ .‬وال ش‪rr‬ك ان الثقاف‪rr‬ة العربي‪rr‬ة‬
‫ساهمت في وقت من األوقات في نش‪rr‬ر كث‪rr‬ير من الس‪rr‬مات الثقافي‪rr‬ة في ك‪rr‬ل‬
‫انح‪rrr‬اء الع‪rrr‬الم‪ ،‬ولكن بالمقاب‪rrr‬ل كث‪rrr‬ير من الع‪rrr‬ادات والمالبس واالث‪rrr‬اث‬
‫والتكنولوجي‪rr‬ا‪ ،‬والص‪rr‬حافة مس‪rr‬تمدة من ثقاف‪rr‬ات أخ‪rr‬رى‪ .‬واالنتش‪rr‬ار بش‪rr‬كل‬

‫‪98‬‬
‫خاص له دور فعال في نقل األفكار واألدوات من مجموعة بشرية ألخرى‬
‫عن طريق االتصال الثقافي الشخصي او ع‪rr‬بر وس‪rr‬ائل االتص‪rr‬ال الحديث‪rr‬ة‪،‬‬
‫وهي بالتالي عملية متبادلة التأثير‪ ،‬فاإلنكليز مثال نقلوا للهند اثناء االحتالل‬
‫عناص‪rr‬ر ثقافي‪rr‬ة كث‪rr‬يرة واخ‪rr‬ذو عنهم الكث‪rr‬ير أيض‪rr‬ا‪Giddens 1989, .‬‬
‫‪))Beattie 1985, Macionis & Plummer 2002‬‬
‫الثقافة والتنشئة ‪Culture & Socialization‬‬
‫عند الوالدة يكون الطفل عاجزا تماما ومعتمدا بشكل مطلق على االخرين‪.‬‬
‫الطفل الرضيع في الواقع ليس كائنا بشريا ب‪rr‬المعنى الكام‪rr‬ل ان‪rr‬ه ليس أك‪rr‬ثر‬
‫من حي‪rr‬وان ص‪rr‬غير‪ ،‬فه‪rr‬و ال يس‪rr‬تطيع ان يتكلم وال يس‪rr‬تطيع الس‪rr‬يطرة على‬
‫نفسه‪ ،‬وهذان العنصران هما األك‪r‬ثر أهمي‪r‬ة في إعط‪r‬اء االنس‪r‬ان العض‪r‬وية‬
‫الكامل‪rr‬ة في اي مجتم‪rr‬ع بش‪rr‬ري‪ .‬ومص‪rr‬طلح التنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة يش‪rr‬ير الى‬
‫الطريقة العام‪rr‬ة للنم‪rr‬و بوص‪rr‬فه كائن‪rr‬ا بش‪rr‬ريا‪ ،‬وخالل ه‪rr‬ذه العملي‪rr‬ة يكتس‪rr‬ب‬
‫الطفل اللغة والمهارات التي تؤهله لالنضمام للمجموعة البشرية ال‪rr‬تي ول‪rr‬د‬
‫فيه‪rr‬ا‪ ،‬وهي عملي‪rr‬ة تعلم م‪rr‬دى الحي‪rr‬اة من اج‪rr‬ل الحص‪rr‬ول على عض‪rr‬وية‬
‫المجتمع البشري‪ .‬الطفل الرضيع لدي‪rr‬ه اس‪rr‬تعداد للتفاع‪rr‬ل‪ ،‬وه‪rr‬ذا االس‪rr‬تعداد‬
‫يس‪rr‬اعده للنم‪rr‬و االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬وبالت‪rr‬دريج يتعلم ان س‪rr‬لوكه يلقى اس‪rr‬تجابة من‬
‫االخرين‪ ،‬فعندما يبتس‪rr‬م او يبكي او ين‪rr‬اغي فان‪rr‬ه يرس‪rr‬ل رس‪rr‬الة الى االم او‬
‫االب فيلقى ردا مناس‪rr‬با ومقنع‪rr‬ا‪ ،‬عملي‪rr‬ة تب‪rr‬ادل الرس‪rr‬ائل ه‪rr‬ذه تع‪rr‬د اللبن‪rr‬ة‬
‫األس‪rr‬اس في عملي‪rr‬ة التنش‪rr‬ئة‪ ،‬وعملي‪rr‬ة التفاع‪rr‬ل تقوم بمهم‪rr‬ة بن‪rr‬اء ال‪rr‬ذات‬
‫االجتماعي‪rrrr‬ة ال‪rrrr‬تي تع‪rrrr‬ني إدراك من نحن‪ .‬والمؤك‪rrrr‬د ان االس‪rrrr‬تعدادات‬
‫البيولوجية‪ ،‬مع الثقافة ومع الخبرات الشخصية تعم‪rr‬ل جميع‪rr‬ا إط‪rr‬ارا عام‪rr‬ا‬

‫‪99‬‬
‫للتنشئة‪ ،‬وعلى الرغم من ان الرضيع يولد بال حول وال ق‪rr‬وة اال ان‪rr‬ه يمل‪rr‬ك‬
‫القوة الكامن‪rr‬ة لتعلم اللغ‪rr‬ة‪ ،‬والمع‪rr‬ايير والقيم والمه‪rr‬ارات ال‪rr‬تي يحتاجه‪rr‬ا في‬
‫مجتمعه‪ .‬والتنشئة ليست ضرورية لبقاء الفرد وانما ضرورية أيض‪rr‬ا لبقاء‬
‫الجماعة والمجتمع‪ .‬وهي لذلك عملية مستمرة بأشكال متنوعة عبر دخ‪rr‬ول‬
‫االنسان وخروجه من المواقف المتعددة‪ ،‬من المدرسة الى العمل ثم التقاعد‬
‫الى الموت‪.‬‬
‫الطبيعة والتطبع ‪Nature & Nurture‬‬
‫ما الذي يجعلنا ما نحن عليه؟ هل هو تكويننا البيولوجي ام البيئة التي نشأنا‬
‫فيها وعملت عمله‪rr‬ا في توجي‪rr‬ه س‪rr‬لوكنا؟ أح‪rr‬د ط‪rr‬رفي ال‪rr‬نزاع بين الطبيع‪rr‬ة‬
‫والتطبع المعاص‪rr‬رين ي‪rr‬زعم ان تط‪rr‬ور ال‪rr‬ذات والس‪rr‬لوك االجتم‪rr‬اعي ال‪rr‬ذي‬
‫يتخلله العنف‪ ،‬والجريمة‪ ،‬واألداء األكاديمي‪ ،‬واختي‪rr‬ار الش‪rr‬ريك‪ ،‬والنج‪rr‬اح‬
‫االقتصادي‪ ،‬واألدوار الجنسية ‪ Gender Roles‬وم‪r‬ا ش‪r‬اكل‪ ،‬له‪r‬ا عالق‪r‬ة‬
‫بتركيبن‪rrr‬ا ال‪rrr‬بيولوجي او العوام‪rrr‬ل الجيني‪rrr‬ة ‪ Genetic Factors‬فمثال‪،‬‬
‫الس‪rr‬لوك االيث‪rr‬اري ‪ Altruism‬ال‪rr‬ذي يش‪rr‬ير الى المش‪rr‬اركة والتع‪rr‬اون‪ ،‬ه‪rr‬و‬
‫سلوك مقرر جينيا‪ ،‬او جزء منه على األقل )‪ Harris (1998‬فنحن نعمل‬
‫على ديمومة ساللتنا العائلية ونحاف‪rr‬ظ على امت‪rr‬دادنا البش‪rr‬ري ع‪rr‬بر س‪rr‬لوكنا‬
‫االجتم‪rr‬اعي المتن‪rr‬وع‪ .‬الجماع‪rr‬ات االنس‪rr‬انية عملت على تط‪rr‬وير الس‪rr‬لطة‬
‫وحماية األقارب‪ ،‬االم تضحي بسالمتها من اجل س‪rr‬المة طفله‪rr‬ا‪ ،‬والجن‪rr‬دي‬
‫يموت في المعركة من اج‪rr‬ل رفاق‪rr‬ه ووطن‪rr‬ه‪ ،‬والمجتمع‪rr‬ات المحلي‪rr‬ة تظه‪rr‬ر‬
‫نوعا من العداء نحو الدخالء والغرباء‪ ،‬والجار يحمي ممتلك‪rr‬ات ج‪rr‬اره من‬
‫المتطفلين واللصوص‪ ،‬كل هذه األمثلة يسوقها بعض علماء االجتماع على‬

‫‪100‬‬
‫انها متجذرة في تكويننا البيولوجي‪ ،‬وهذه األنم‪rr‬اط الس‪rr‬لوكية‪ ،‬يقول ل‪rr‬يرنر‬
‫)‪ Lerner (1992‬س‪rr‬وف لن ت‪rr‬زول الن نتائجه‪rr‬ا س‪rr‬تمنح الجنس البش‪rr‬ري‬
‫فرص‪rr‬ا أفض‪rr‬ل للبقاء‪ .‬الط‪rr‬رف المع‪rr‬ارض من علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع ي‪rr‬زعم ان‬
‫نظرية "األصل البيولوجي" لسلوكنا هي نظرية اختزالية ‪Reductionist‬‬
‫‪ Theory‬مليئ‪rr‬ة ب‪rr‬العيوب‪ ،‬ذل‪rr‬ك انه‪rr‬ا تخ‪rr‬تزل الس‪rr‬لوك االجتم‪rr‬اعي المعقد‬
‫وتنسبه لعامل واحد هو الس‪rr‬مات الموروث‪rr‬ة‪ ،‬لم يثبت علمي‪rr‬ا ان هن‪rr‬اك جين‪rr‬ا‬
‫‪ gene‬خاصا بالسلوك االيثاري او للعدوانية‪ ،‬او أي جين لمظاهر الس‪rr‬لوك‬
‫األخرى‪ ،‬فهن‪rr‬اك تن‪rr‬وع هائ‪rr‬ل في س‪rr‬لوك أعض‪rr‬اء الجماع‪rr‬ات والمجتمع‪rr‬ات‬
‫المختلف‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬األفراد ال‪rr‬ذين يول‪rr‬دون وينش‪rr‬ؤون في ثقاف‪rr‬ة معين‪rr‬ة ثم ينتقل‪rr‬ون‬
‫للعيش في ثقافة أخرى‪ ،‬فانهم اكثر التص‪rr‬اقا بثقافتهم االص‪rr‬لية ال‪rr‬تي ول‪rr‬دوا‬
‫فيها‪ .‬والحقيقة كما يقول بالن‪rr‬تين وروب‪rr‬رتس ‪Ballantine & Roberts‬‬
‫)‪ (2009‬ان ما يجعلنا ننفرد عن سائر االحياء ليس موروثاتن‪rr‬ا البيولوجي‪rr‬ة‬
‫وانم‪rr‬ا ق‪rr‬درتنا على تعلم الترتيب‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة المعقدة للثقاف‪rr‬ة ال‪rr‬تي نعيش‬
‫فيها‪ .‬نتعلم ماذا يعني ان نكون بشرا‪ ،‬ونتعلم كي‪rr‬ف نتص‪rr‬رف اثن‪rr‬اء تفاعلن‪rr‬ا‬
‫مع االخرين‪ .‬واليزال الجدل قائما بين الفريقين‪ ،‬ولكن دخول ط‪r‬رف ث‪r‬الث‬
‫أضعف من حجة الفريقين‪ ،‬والفري‪r‬ق الث‪r‬الث يقول ان العوام‪r‬ل البيولوجي‪r‬ة‬
‫تشترك مع العوامل البيئي‪rr‬ة في تش‪rr‬كيل س‪rr‬لوكنا‪ ،‬ذل‪rr‬ك م‪rr‬ع اف‪rr‬تراض وج‪rr‬ود‬
‫دوافع بيولوجية محركة للسلوك فإن البيئة االجتماعية تعم‪rr‬ل ق‪rr‬وة مركزي‪rr‬ة‬
‫في تع‪rr‬ديل الس‪rr‬لوك وتوجيه‪rr‬ه وتش‪rr‬كيله ع‪rr‬بر عملي‪rr‬ات التنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة‬
‫)‪Freese et al (1999‬‬
‫أهمية التنشئة االجتماعية ‪The Importance of Socialization‬‬

‫‪101‬‬
‫إذا كنت تعيش في حقل او مزرع‪rr‬ة ورأيت الحيوان‪rr‬ات على الطبيع‪rr‬ة او‬
‫كنت من هواة مشاهدة برامج الحي‪r‬اة البري‪r‬ة او ع‪r‬الم الحي‪r‬وان‪ ،‬فإن‪r‬ك ربم‪r‬ا‬
‫تكون قد‬

‫جدول ‪ 1-3‬االعتماد على البالغين لدى الثدييات العليا‬

‫االعتماد االجتماعي‬ ‫االعتماد الغذائي‬ ‫مدة الرعاية‬ ‫مدة الحمل‬ ‫الثدييات‬

‫‪ 6-8‬سنة‬ ‫‪ 1-2‬سنه‬ ‫‪ 1‬سنه فاكثر‬ ‫‪266‬‬ ‫االنسان‬


‫يوم‬
‫‪ 12-28‬شهر‬ ‫‪ 2-3‬شهر‬ ‫‪3-6‬اشهر‬ ‫‪235‬‬ ‫الشمبانزي‬
‫يوم‬
‫‪ 2-4‬شهر‬ ‫‪ 2-4‬اسبوع‬ ‫‪ 1-3‬اسبوع‬ ‫‪166‬‬ ‫النسناس‬
‫يوم‬
‫‪ 2-3‬اسبوع‬ ‫‪ 2-14‬يوم‬ ‫‪ 1-3‬يوم‬ ‫‪111-145‬‬ ‫الليمور‬
‫يوم‬
‫المصدر‪Ballantine & Roberts (2009) P. 102 :‬‬

‫الحظت ان الحيوان المولود حديثا يعتمد على نفسه من اللحظة ال‪rr‬تي ي‪rr‬رى‬
‫فيها النور‪ ،‬الثور او الحصان او الغ‪rr‬زال يقف على قوائم‪rr‬ه بع‪rr‬د ان يتع‪rr‬ثر‬
‫لعدة دقائق ثم ينهض من جديد ويم‪rr‬ارس حي‪rr‬اة الحيوان‪rr‬ات األخ‪rr‬رى بش‪rr‬كل‬
‫تلقائي‪ ،‬وكذلك السالحف وبعض الطيور والحشرات التي تخرج من قشرة‬
‫البيض الى الماء مباشرة من دون الحاجة لالتصال م‪rr‬ع الحيوان‪rr‬ات األك‪rr‬بر‬
‫سنا من اج‪rr‬ل التعليم او الت‪rr‬دريب‪ ،‬وه‪rr‬و في ذل‪rr‬ك م‪rr‬برمج بيولوجي‪rr‬ا‪ .‬وعلى‬

‫‪102‬‬
‫العموم‪ ،‬كلما كان الكائن الحي أكثر ذكاء كلما احت‪rr‬اج الى م‪rr‬دة حم‪rr‬ل وم‪rr‬دة‬
‫اعتماد غذائي واجتماعي أطول من نظرائه األقل ذكاء‪ ،‬حتى مع الث‪rr‬دييات‬
‫العليا يأخذ الطفل االنساني الرضيع أط‪rr‬ول م‪rr‬دة حم‪rr‬ل واط‪rr‬ول م‪rr‬دة انس‪rr‬نة‬
‫‪ .Socialize‬والجدول (‪ )1-3‬يوضح مدة اعتم‪rr‬اد الرض‪rr‬يع ل‪rr‬دى الث‪rr‬دييات‬
‫العليا‪ ،‬حيث يظهر الفارق هائال في درج‪rr‬ة االعتمادي‪rr‬ة‪ ،‬واالنس‪rr‬ان اطوله‪rr‬ا‬
‫طفولة‪ .‬وهذا الزمن الطوي‪rr‬ل يحتاج‪rr‬ه الرض‪rr‬يع من اج‪rr‬ل ان يتعلم تعقي‪rr‬دات‬
‫الثقافة‪ ،‬ومن هنا ندرك ان العوامل البيولوجية وعوامل البيئة االجتماعي‪rr‬ة‪-‬‬
‫الثقافي‪rr‬ة يعمالن م‪rr‬ع بعض في تش‪rr‬كيل الس‪rr‬لوك اإلنس‪rr‬اني والنم‪rr‬و الط‪rr‬بيعي‬
‫لإلنسان يتض‪rr‬من تعلم الجل‪rr‬وس‪ ،‬والحب‪rr‬و‪ ،‬والوق‪rr‬وف‪ ،‬والمش‪rr‬ي‪ ،‬والتفك‪rr‬ير‪،‬‬
‫والكالم ثم التفاعل االجتم‪r‬اعي‪ ،‬وبط‪r‬ول م‪r‬دة الطفول‪r‬ة االعتمادي‪r‬ة يحص‪rr‬ل‬
‫الطفل على فرصة اك‪rr‬بر لتعلم المه‪rr‬ارات الض‪rr‬رورية‪ ،‬والمعرف‪rr‬ة واالدوار‬
‫عن طري‪rr‬ق الحب والتس‪rr‬امح االب‪rr‬وي‪ ،‬ام‪rr‬ا في حال‪rr‬ة الحرم‪rr‬ان الم‪rr‬ادي او‬
‫الع‪rr‬اطفي ف‪rr‬ان التنش‪rr‬ئة س‪rr‬تكون ناقص‪rr‬ة وت‪rr‬ؤثر ت‪rr‬أثيرا بالغ‪rr‬ا على ال‪rr‬ذات‬
‫االجتماعية كما سنرى‬
‫تأثير العزلة وسوء المعاملة ‪The Effect of Isolation & Abuse‬‬

‫‪103‬‬
‫هل بإمكانك ان تتخيل طفال يعيش من دون تفاعل اجتم‪r‬اعي؟ من الواض‪rr‬ح‬
‫ان الطف‪rr‬ل يحت‪rr‬اج الى ح‪rr‬د أدنى من التفاع‪rr‬ل الض‪rr‬روري لكي ينم‪rr‬و نم‪rr‬وا‬
‫طبيعي‪rrrrrr‬ا‪ ،‬واال‬
‫فان‪rrrrrr‬ه يبقى في‬
‫ح‪rrr‬دود تكوين‪rrr‬ه‬
‫ال‪rrrrrrrr‬بيولوجي‪،‬‬
‫الذي ال يس‪rr‬اعده‬
‫كثيرا في العيش‬
‫انس‪rr‬انا‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان‬
‫االشباع المادي والعاطفي يعطي مردود ايجابي على بناء الشخصية في‬
‫الثقاف‪rr‬ة هي ال‪rr‬تي‬ ‫الفترات الالحقة‬
‫اخرجتنا من السجن البيولوجي الى الفض‪rr‬اء االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬ومن بين األمثل‪rr‬ة‬
‫التي كشفت عن تأثير البيئ‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة على تح‪rr‬ول الك‪rr‬ائن البش‪rr‬ري من‬
‫كائن شبيه بالحيوان الى انسان هو حالة الطفل المسمى ‪ Wild boy‬ال‪r‬ذي‬
‫وجد هائما في احدى الغابات الفرنس‪rr‬ية في ع‪rr‬ام ‪ ،1799‬وك‪rr‬ان يعيش على‬
‫ما كان يج‪r‬ده بين األش‪r‬جار‪ ،‬وعلى ال‪r‬رغم من ان أح‪r‬دا لم يكن يس‪r‬تطيع ان‬
‫يقدر كم كان قد بقي على تلك الحالة اال ان‪r‬ه ك‪r‬ان يب‪r‬دو ابن الحادي‪r‬ة عش‪r‬رة‬
‫من عمره‪ ،‬لم يكن يتكلم‪ ،‬ولكنه يصدر أص‪r‬واتا تش‪r‬به أص‪r‬وات الحيوان‪r‬ات‪.‬‬
‫كان عاريا تماما‪ ،‬وسخا وخائفا‪ ،‬نقل الى باريس وتبناه طبيب ش‪rr‬اب ك‪rr‬رس‬
‫خمس سنين من حياته لتعليمه‪ ،‬تقدم كب‪r‬ير حص‪r‬ل في أنس‪r‬نته‪ ،‬فبع‪r‬د م‪r‬رور‬
‫عامين أصبح الطفل نظيف‪rr‬ا‪ ،‬حنون‪rr‬ا وق‪rr‬ادرا على تعلم ع‪rr‬دة كلم‪rr‬ات وق‪rr‬ادرا‬
‫على استيعاب اغلب ما يقال ل‪rr‬ه‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من جه‪rr‬ود الط‪rr‬بيب الش‪rr‬اب‬

‫‪104‬‬
‫كلها‪ ،‬فان الطفل لم يستطع ان يتكلم بأكثر من كلمتين ولذلك فشلت محاول‪rr‬ة‬
‫أنسنته )‪ Hurd et al (1978‬ومن األمثلة المثيرة لالهتمام حالة األطفال‬
‫الذين أساء االب‪r‬وين مع‪r‬املتهم وعزل‪r‬وهم واهمل‪r‬وهم اهم‪r‬اال ش‪r‬ديدا‪ .‬ه‪r‬ؤالء‬
‫األطفال تركوا في عزلة تامة في غرفة في الطابق العلوي لس‪rr‬نين من دون‬
‫أي اهتمام او تطبيع‪ ،‬وعندما كشف امر هؤالء األطفال المعزولين‪ ،‬لوح‪rr‬ظ‬
‫انهم كانوا يعانون من اضطراب عميق في النمو االجتماعي رافقهم ط‪rr‬وال‬
‫حياتهم )‪ .Curtiss (1977‬وفي دراس‪r‬ة "حال‪r‬ة" ق‪r‬ام به‪r‬ا ع‪r‬الم االجتم‪r‬اع‬
‫ك‪rr‬نزلي ديف‪rr‬ز )‪ Kingsley Davis (1947‬ق‪rr‬ارن فيه‪rr‬ا الفت‪rr‬اتين آن‪rr‬ا‬
‫وايزابيل اللتين عانتا من عزلة مبالغ فيها في طفولتهما المبكرة‪ ،‬ووج‪rr‬د ان‬
‫قليال من االتصال يحدث فرقا في التنشئة‪ .‬كانت الفتاتان ثمرة عالق‪rr‬ة غ‪rr‬ير‬
‫شرعية وحاول االهل إخفاء الفتاتين وإبقاء وجودهما سريا بحبس الفت‪rr‬اتين‬
‫وعزلهما‪ .‬وعندما كشف امرهما كانتا في سن السادسة‪ ،‬ونقلتا الى مؤسسة‬
‫لرعاية االيت‪r‬ام‪ ،‬وهن‪r‬اك تلقت‪r‬ا عناي‪r‬ة خاص‪rr‬ة ع‪r‬بر برن‪r‬امج ت‪r‬أهيلي مكث‪r‬ف‪.‬‬
‫الحالت‪rr‬ان مختلفت‪rr‬ان بعض الش‪rr‬يء‪ ،‬فالفت‪rr‬اة األولى "أن‪rr‬ا" قب‪rr‬ل اكتش‪rr‬افها لم‬
‫يحدث ان اتصلت بأحد من البشر‪ ،‬وكانت ترى الناس عن‪rr‬دما ي‪rr‬تركون له‪rr‬ا‬
‫الطعام من دون أي كالم‪ ،‬اما "ايزابيل" فقد كانت تعيش في غرف‪rr‬ة مظلم‪rr‬ة‬
‫م‪rr‬ع أمه‪rr‬ا الص‪rr‬ماء‪-‬البكم‪rr‬اء وهي ل‪rr‬ذلك تع‪rr‬رف قليال عن االتص‪rr‬ال ول‪rr‬و‬
‫باإلشارات‪" .‬ان‪rr‬ا" لم تكن تع‪rr‬رف الجل‪rr‬وس‪ ،‬او المش‪rr‬ي ولم تس‪rr‬تطع التكلم‪،‬‬
‫وتعلمت قليال جدا في المدرسة التي وضعت فيها ض‪rr‬من مؤسس‪rr‬ة الرعاي‪rr‬ة‬
‫الخاصة‪ ،‬عندما م‪rr‬اتت في س‪rr‬ن الحادي‪rr‬ة عش‪rr‬رة ك‪rr‬انت ق‪rr‬د تعلمت مه‪rr‬ارات‬
‫لغوية تشبه ما يتعلمه الطفل في سن الثانية او الثالثة‪ .‬ايزابيل كانت أفضل‬

‫‪105‬‬
‫ح‪rr‬اال فقد تقدمت تقدما ملموس‪rr‬ا‪ ،‬تعلمت الكالم واللعب م‪rr‬ع اقرانه‪rr‬ا وبع‪rr‬د‬
‫سنتين استطاعت ان تلحق بمس‪rr‬توى نظرائه‪rr‬ا في مس‪rr‬توى ال‪rr‬ذكاء‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا‬
‫ظلت متأخرة عنهم بمعدل سنتين في مستوى األداء المدرسي‪.‬‬
‫في الحاالت األقل تطرفا من العزل‪rr‬ة ولكنه‪rr‬ا تتماث‪rr‬ل معه‪rr‬ا في الت‪rr‬أثير‪ ،‬هي‬
‫حالة األطفال الذين جاءوا من البلدان التي مزقتها الحروب‪ ،‬والذين عاشوا‬
‫في دور االيتام او أهملوا او تم االعتداء عليهم جنسيا‪ ،‬هؤالء لم يتعرض‪rr‬وا‬
‫للع‪rr‬زل الكلي ولكنهم يع‪rr‬انون من ص‪rr‬عوبات بالغ‪rr‬ة في عملي‪rr‬ة االن‪rr‬دماج‬
‫االجتماعي‪ .‬والرسالة من هذه األمثل‪rr‬ة ان األطف‪rr‬ال المع‪rr‬زولين او المعت‪rr‬دى‬
‫عليهم جنسيا او المهملين في مراحل حياتهم المبك‪rr‬رة يواجه‪rr‬ون ص‪rr‬عوبات‬
‫بالغة في عمليات التنشئة االجتماعية الطبيعية‪ ،‬والناس في العادة يحتاجون‬
‫من ب‪rrr‬يئتهم أك‪rrr‬ثر من الطع‪rrr‬ام والس‪rrr‬كن‪ ،‬يحت‪rrr‬اجون الى عالق‪rrr‬ات طيب‪rrr‬ة‪،‬‬
‫وإحساس باالنتماء‪ ،‬وتلمس الحنان‪ ،‬والشعور باألمن‪ ،‬الى ج‪rr‬انب المعرف‪rr‬ة‬
‫والمهارات االجتماعية األخرى‪.‬‬
‫التنوع في أنماط التنشئة ‪Variations in Patterns of Socialization‬‬

‫في الحاالت الطبيعية ينمو الطفل في مجتمعه عن طريق العالقة المباش‪rr‬رة‬


‫مع أناس قريبين منه‪ ،‬وبالتدريج يلتقط خصائص‪rr‬هم ويص‪rr‬بح واح‪rr‬دا منهم‪،‬‬
‫يتعلم منهم اللغة التي يتكلمون به‪r‬ا‪ ،‬وطريقة التفك‪r‬ير‪ ،‬واس‪r‬تبطان المع‪r‬ايير‬
‫التي تحدد ما هو جيد او رديء‪ ،‬وخطأ او صحيح‪ ،‬ومرغوب في‪rr‬ه او غ‪rr‬ير‬
‫مرغوب فيه‪ ،‬وهناك‪ ،‬على أي حال‪ ،‬تنوع هائل في أنماط التنشئة تختل‪rr‬ف‬
‫ب‪rr‬اختالف المجتمع‪rr‬ات‪ ،‬فال‪rr‬ذي ينم‪rr‬و في قبيل‪rr‬ة افريقي‪rr‬ة يختل‪rr‬ف كلي‪rr‬ا عمن‬
‫يترعرع في مدينة او قرية انكليزية‪ ،‬وح‪r‬تى داخ‪r‬ل المجتم‪r‬ع الواح‪r‬د هن‪r‬اك‬

‫‪106‬‬
‫اختالف في أنماط التنش‪rr‬ئة‪ ،‬فال‪rr‬ذي ينش‪rr‬أ في بغ‪rr‬داد مثال يختل‪rr‬ف كلي‪rr‬ا عمن‬
‫يترعرع في قرية من قرى الكوت او العمارة في جن‪rr‬وب الع‪rr‬راق‪ ،‬كم‪rr‬ا ان‬
‫الذي يترعرع في حي راٍق مثل المنصور او االعظمي‪rr‬ة في بغ‪rr‬داد يختل‪rr‬ف‬
‫كليا عمن ينمو في حي فقير مثل بغداد الجديدة او الثورة او الشعلة‪ .‬التنوع‬
‫في أنماط التنشئة يوضح المرونة التي تتميز بها الطبيع‪rr‬ة البش‪rr‬رية‪ ،‬وف‪rr‬وق‬
‫هذا فان معرفتنا بس‪rr‬لوك االخ‪rr‬رين في المجتمع‪rr‬ات األخ‪rr‬رى يس‪rr‬اعدنا على‬
‫النظر لسلوكنا بمنظور جديد وبالنتيجة يزيد من فهمنا ألنفس‪rr‬نا ولآلخ‪rr‬رين‪.‬‬
‫عدة معتقدات وافعال نأخ‪rr‬ذها نحن مس‪rr‬لمات ونظن انه‪rr‬ا عام‪rr‬ة ل‪rr‬دى جمي‪rr‬ع‬
‫الناس‪ ،‬ثم نكتشف انها جزء من نسيجنا االجتماعي وإنها غير مألوفة ل‪rr‬دى‬
‫مجتمعات أخرى‪ ،‬فمثال كلنا يحمل تصورات عن االختالف الجوهري بين‬
‫خصائص الرجولة وخصائص االنوثة‪ ،‬فنحن نعتقد ان االن‪rr‬اث بط‪rr‬بيعتهن‬
‫مطيعات‪ ،‬خاض‪r‬عات‪ ،‬وغ‪r‬ير عملي‪r‬ات‪ ،‬وعلى ال‪r‬رغم من ان اغلب االن‪r‬اث‬
‫في مجتمع‪rr‬ات معين‪rr‬ة هن ك‪rr‬ذلك‪ ،‬لكن ه‪rr‬ذه الس‪rr‬مات ال‪rr‬تي ربطت باإلن‪rr‬اث‬
‫ليست والدية وال عامة‪ ،‬الواقع ان مفه‪r‬وم االنوث‪r‬ة وال‪r‬ذكورة ربم‪r‬ا يختل‪r‬ف‬
‫كثيرا من مجتمع ألخر‪ ،‬ففي دراس‪r‬ة مس‪r‬حية عن الس‪r‬كان األص‪r‬ليين ل‪r‬دول‬
‫وسط افريقيا وجد ان الغزل بالمغزل‪ ،‬والحياك‪rr‬ة والخياط‪rr‬ة تع‪rr‬د من اص‪rr‬ل‬
‫اعمال الرج‪r‬ال‪ ،‬وهي في مجتمع‪r‬ات أخ‪r‬رى من اعم‪r‬ال النس‪r‬اء‪ ،‬في بعض‬
‫المجتمع‪rr‬ات تقوم الم‪rr‬رأة بأعم‪rr‬ال عض‪rr‬لية‪ ،‬ويقوم الرج‪rr‬ل في مجتمع‪rr‬ات‬
‫أخرى بالطبخ‪ ،‬ورعاية المنزل‪ ،‬وتربية األطف‪rr‬ال‪ .‬الص‪rr‬يد يع‪rr‬د على نط‪rr‬اق‬
‫واسع من مهام الرج‪rr‬ل‪ ،‬لكن ل‪rr‬دى س‪rr‬كان تازميني‪rr‬ا ‪ Tasmania‬األص‪rr‬ليين‬
‫في الساحل الجنوبي ألستراليا‪ ،‬تسبح النس‪rr‬اء مس‪rr‬افات طويل‪rr‬ة ح‪rr‬تى تص‪rr‬ل‬

‫‪107‬‬
‫منطقة الصخور الصماء‪ ،‬منطقة تواجد الحيوانات البرية ليقمن بمطاردتها‬
‫وقتلها بعصا غليظة تشبه ه‪r‬راوات الش‪r‬رطة‪ ،‬ثم يع‪r‬دن بفرائس‪r‬هن س‪r‬باحة‪،‬‬
‫ويكون الرج‪r‬ال بانتظ‪r‬ار غن‪r‬ائم الص‪r‬ائدات الم‪r‬اهرات‪ ،‬وه‪r‬ذا ي‪r‬دل على ان‬
‫الفكرة التقليدية عن ان الرجال طبيعيا أكثر قوة وأكثر عدواني‪rr‬ة من النس‪rr‬اء‬
‫وانهم يول‪rr‬دون مح‪rr‬اربين هي فك‪rr‬رة باطل‪rr‬ة‪ .‬ولك‪rr‬ل مجتم‪rr‬ع من المجتمع‪rr‬ات‬
‫تص‪rr‬ورات مش‪rr‬تركة عن كيفي‪rr‬ة تص‪rr‬رف ك‪rr‬ل من الرج‪rr‬ال والنس‪rr‬اء‪ ،‬ه‪rr‬ذه‬
‫التص‪rr‬ورات تعم‪r‬ل بمثاب‪r‬ة موجه‪r‬ات لم‪r‬ا ه‪r‬و متوق‪rr‬ع من األطف‪r‬ال ‪-‬من كال‬
‫الجنسين‪ -‬ان يفعلوه ليتماثلوا م‪rr‬ع االخ‪rr‬رين‪ ،‬وف‪rr‬وق ه‪rr‬ذا فإنن‪rr‬ا على العم‪rr‬وم‬
‫نميل الى اعطاء نماذج السلوك الس‪rr‬ائدة في مجتمعن‪rr‬ا س‪rr‬مة األفض‪rr‬لية عمن‬
‫سواها من الناحية األخالقية‪ ،‬وهذه تجعلن‪rr‬ا نستص‪rr‬عب فهم غيرن‪rr‬ا واح‪rr‬ترام‬
‫س‪r‬لوكه‪ .‬ك‪r‬أفراد ل‪r‬دينا دائم‪r‬ا مش‪r‬اعر طبيعي‪r‬ة في ان طريقة حياتن‪r‬ا وقيمن‪r‬ا‬
‫وعاداتنا هي األفضل‪ ،‬ولكن االخرين هم أيض‪rr‬ا ينظ‪rr‬رون لطريقة حي‪rr‬اتهم‬
‫على انه‪rr‬ا األفض‪rr‬ل‪ .‬ل‪rr‬ذلك يعتقد علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع ان ك‪rr‬ل نم‪rr‬اذج الس‪rr‬لوك‬
‫اإلنساني في كل مكان تستحق الدراس‪rr‬ة دون ان يك‪rr‬ون من واجبهم كعلم‪rr‬اء‬
‫وضع معايير للمفاضلة بينها‪Hurd et al (1978) .‬‬
‫التنشئة والتغير االجتماعي ‪Socialization and Social Change‬‬
‫الص‪rr‬ورة النمطي‪rr‬ة للتنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة هي انه‪rr‬ا عملي‪rr‬ة مس‪rr‬تمرة تمت‪rr‬د الى‬
‫مرحل‪rr‬ة البل‪rr‬وغ وم‪rr‬ا بع‪rr‬دها وتنط‪rr‬وي على تفاع‪rr‬ل دائم م‪rr‬ع نم‪rr‬اذج إنس‪rr‬انية‬
‫متنوعة تساعدنا في التغلب على مشكالت عالقة في كل ما قيل ضمنا حتى‬
‫االن‪ .‬فهناك افراط في التأكيد على الطريق الذي تسلكه التنش‪rr‬ئة في تحقي‪rr‬ق‬
‫التماثل االجتماعي‪ ،‬وإذ افترض‪rr‬نا ان األطف‪rr‬ال ينش‪rr‬ؤون‪ ،‬بش‪rr‬كل مث‪rr‬الي في‬

‫‪108‬‬
‫قبول معايير االبوين‪ ،‬فكيف اذن يحدث التغ‪rr‬ير؟ هن‪rr‬اك نزع‪rr‬ة للتفك‪rr‬ير ب‪rr‬ان‬
‫التنشئة االجتماعية تتوارث بتحفظ ش‪rr‬ديد وانه‪rr‬ا لص‪rr‬يقة الص‪rr‬لة بالماض‪rr‬ي‪،‬‬
‫وان الفرد ليس اكثر من كائن سلبي او وع‪rr‬اء الس‪rr‬تقبال الم‪rr‬وروث الثقافي‬
‫كم‪rr‬ا ه‪rr‬و‪ ،‬لكي يص‪rr‬بح ج‪rr‬زءا من المجتم‪rr‬ع‪ ،‬من وجه‪rr‬ة النظ‪rr‬ر ه‪rr‬ذه ُيع‪rr‬د‬
‫االنحراف عن المعايير االجتماعية السائدة ام‪rr‬را غ‪rr‬ير مرغ‪rr‬وب في‪rr‬ه‪ ،‬لكن‬
‫كما نعلم ان االنسان لديه القدرة الن يكون مختلفا‪ ،‬ومخترعا‪ ،‬وق‪rr‬ادرا على‬
‫خلق أشياء جدي‪rr‬دة‪ ،‬واالخ‪rr‬تراع بش‪rr‬كل مت‪rr‬واتر ينط‪rr‬وي على انح‪rr‬راف عن‬
‫الممارس‪rr‬ات المعياري‪rr‬ة الس‪rr‬ائدة‪ ،‬وك‪rr‬ل المخ‪rr‬ترعين العظ‪rr‬ام ك‪rr‬انوا يج‪rr‬دون‬
‫انفسهم في حالة تصادم مع التقالي‪rr‬د االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬فمثال غ‪rr‬اليليو‪ ،‬ودارون و‬
‫فرويد‪ ،‬كانت أفك‪r‬ارهم ق‪rr‬د وض‪rr‬عتهم في مواجه‪r‬ة ح‪r‬ادة م‪r‬ع األفك‪r‬ار والقيم‬
‫التقليدية‪ ،‬وسقراط اسقي السم ألنه خرج عن المألوف‪ ،‬لهذا فان االنح‪rr‬راف‬
‫عن السائد قد يكون إيجابيا على الرغم من انه يس‪rr‬بب ألص‪rr‬حابه كث‪rr‬يرا من‬
‫األلم‪ .‬والن‪rr‬اس يكون‪rr‬ون مج‪rr‬برين على كس‪rr‬ر التقالي‪rr‬د عن‪rr‬دما يج‪rr‬برون على‬
‫التكيف مع الظروف المتغيرة‪ ،‬وهنا ت‪r‬أتي اإلجاب‪r‬ة عن ج‪r‬زء من مش‪r‬كلتنا‪،‬‬
‫فاذا كان الع‪rr‬الم ال‪rr‬ذي ينش‪rr‬أ في‪rr‬ه األطف‪rr‬ال متغ‪rr‬يرا‪ ،‬ف‪rr‬انهم س‪rr‬يتعلمون أش‪rr‬ياء‬
‫تختل‪r‬ف نوعي‪r‬ا عم‪r‬ا ك‪r‬ان ي‪r‬ؤمن به‪r‬ا اب‪r‬اؤهم‪ .‬والنتيج‪r‬ة تباع‪r‬د بين األجي‪r‬ال‬
‫يوضحه ما يحدث للدول النامية التي يهجر فيها عدد كبير من جيل الشباب‬
‫المناطق الريفية الفقيرة ويتجهون نحو المراكز الحضرية‪ .‬ه‪rr‬ؤالء الش‪rr‬باب‬
‫ينتقلون لعالم جديد غريب تماما في قيمه ومعاييره عن قيم ابائهم واقربائهم‬
‫ومع‪rr‬اييرهم في القرى او الب‪rr‬وادي ال‪rr‬تي هجروه‪rr‬ا‪ .‬وعملي‪rr‬ة تكي‪rr‬ف ه‪rr‬ؤالء‬
‫المهاجرين لقيم البيئة الحضرية ومعاييرها التي تبدو للجي‪rr‬ل القديم غريب‪rr‬ة‬

‫‪109‬‬
‫بعض الشيء عن طريقة الحياة التي اِلفوها في قراهم وبواديهم‪ ،‬وحتى ل‪rr‬و‬
‫رافقوا ابناءهم الى المدن وسكنوا فيها فان العالقة بين األجيال تتبدل‪ .‬والن‬
‫اإلباء غرباء عن البيئة الحضرية فانهم ال يس‪rr‬تطيعون اع‪rr‬داد أوالدهم على‬
‫وف‪rr‬ق تقالي‪rr‬دهم القروي‪rr‬ة التقليدي‪rr‬ة‪ ،‬ولكن األوالد أس‪rr‬رع في تب‪rr‬ني المواق‪rr‬ف‬
‫الجدي‪rr‬دة في البيئ‪rr‬ة الجدي‪rr‬دة مم‪rr‬ا ي‪rr‬ؤدي الى فقدان اح‪rr‬ترام حكم‪rr‬ة التقالي‪rr‬د‬
‫وبالت‪rr‬الي تض‪rr‬عف س‪rr‬لطة اإلب‪rr‬اء‪ .‬وق‪rr‬د يتخل‪rr‬ل الص‪rr‬راع بين األجي‪rr‬ال بعض‬
‫االالم السيما اثناء فترات التغير االجتماعي السريع‪.‬‬
‫ه‪rr‬ذه المالحظ‪rr‬ات على طريقة التنش‪rr‬ئة ال‪rr‬تي ربم‪rr‬ا ت‪rr‬ؤدي الى ص‪rr‬راع بين‬
‫األجي‪rr‬ال تقودن‪rr‬ا مباش‪rr‬رة الى االس‪rr‬تنتاج االتي‪ :‬التنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة عملي‪rr‬ة‬
‫مس‪rr‬تمرة ومنقطع‪rr‬ة في ان واح‪rr‬د‪ .‬االس‪rr‬تمرارية تتمث‪rr‬ل في اس‪rr‬تبطان القيم‬
‫التقليدية التي تمثل الماضي‪ .‬االنقطاعية تتمثل في ان كل جي‪rr‬ل جدي‪rr‬د ربم‪rr‬ا‬
‫يرفض مكونات موروثات الماضي من اجل التكيف مع تغ‪rr‬يرات الحاض‪rr‬ر‬
‫المع‪rr‬اش والمس‪rr‬تقبل المنظ‪rr‬ور‪ .‬تط‪rr‬ور األف‪rr‬راد والمجتمع‪rr‬ات يعتم‪rr‬د على‬
‫التوازن بين الموروثات الثقافية والمتغ‪rr‬يرات الجدي‪rr‬دة ال‪rr‬تي تعم‪rr‬ل بطريقة‬
‫االعتماد المتبادل‪)Chinoy 1971, Hurd 19780( .‬‬
‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫الثقاف‪rr‬ة مفه‪rr‬وم مج‪rr‬رد‪ ،‬ال نس‪rr‬تطيع لمس‪rr‬ها باألص‪rr‬ابع‪ ،‬وال نراه‪rr‬ا ب‪rr‬العين‬
‫المجردة وال بالمايكروسكوب وال حتى بمنظ‪rr‬ار غ‪rr‬اليليو‪ ،‬هي مث‪rr‬ل اله‪rr‬واء‬
‫الذي نتنفس تدخل الينا ال شعوريا من دون مجهود‪ ،‬نتعلمها ب‪rr‬اكرا بطريقة‬
‫الية‪ ،‬ونحن نراقب المحيطين بنا كيف يتن‪r‬اولون طع‪r‬امهم‪ ،‬كي‪r‬ف يخت‪r‬ارون‬
‫اث‪rr‬وابهم‪ ،‬كي‪rr‬ف يتح‪rr‬دثون الى اب‪rr‬ائهم وامه‪rr‬اتهم واخ‪rr‬وانهم واخ‪rr‬واتهم‪ ،‬م‪rr‬اذا‬

‫‪110‬‬
‫يفعلون عندما ي‪rr‬دخلون المس‪rr‬اجد او الكن‪rr‬ائس‪ ،‬وكي‪rr‬ف يتص‪rr‬رفون في حف‪rr‬ل‬
‫زف‪rr‬اف او في م‪rr‬أتم‪ ،‬م‪rr‬تى يرفع‪rr‬ون أص‪rr‬واتهم وم‪rr‬تى يخفض‪rr‬ونها‪ .‬م‪rr‬تى‬
‫يستحسنون ومتى يسخطون‪ .‬ولم يخطر في بال أحدنا ان يسأل لم‪rr‬اذا يأك‪rr‬ل‬
‫غيرنا الكالب والضفادع والحي‪rr‬ات والخن‪rr‬ازير ونحن ال نفع‪rr‬ل مثلهم‪ ،‬نتعلم‬
‫من دون تفكير ان ال نقترب من لحم الخ‪rr‬نزير وال من لحم الض‪rr‬فادع هك‪rr‬ذا‬
‫وجدنا الناس في مجتمعنا يفعلون فصرنا نفعل كما يفعلون‪ .‬وكل مجموع‪rr‬ة‬
‫بشرية تتصرف وكأنها مبرمجة في جهاز كوم‪rr‬بيوتر‪ ،‬فعن‪rr‬دما ُتقدم حب‪rr‬ات‬
‫من التمر لطفل او شاب إنكليزي تراه يعتذر منك بطريقة تش‪rr‬عر معه‪rr‬ا ان‪rr‬ه‬
‫ال يستطيع حتى النظر اليها‪ ،‬وحتى لو تذوقها فانه يلفظها قبل ان تصل الى‬
‫البلعوم‪ .‬وإذا قّد م لك فرنسي حساء م‪rr‬ع قطع‪rr‬ة من لحم الض‪rr‬فادع فس‪rr‬ينتابك‬
‫نوع من الغثيان وربما القيء قبل ان تذوقها‪ .‬هذه هي الثقافة سلوك نمارسه‬
‫كما يفعل الناس في مجتمعنا‪ ،‬ونعتقد بانحياز تام ان ما نفعل‪rr‬ه ه‪rr‬و األفض‪rr‬ل‬
‫بينما يرى االخرون في مجتمع اخر انهم االحسن وان ط‪r‬ريقتهم في الحي‪r‬اة‬
‫هي الطريقة المثلى‪ .‬والن الثقاف‪rr‬ة تأتين‪rr‬ا تلقائي‪rr‬ا من دون مجه‪rr‬ود ومن دون‬
‫درس خصوصي يقوم به معلم محترف‪ ،‬فإنن‪rr‬ا نأخ‪rr‬ذها من دون فحص وال‬
‫تمحيص وال استجواب ألنها في نظرنا األمثل واالكمل‪ ،‬تخيل إن‪rr‬ك ت‪rr‬ركب‬
‫وسيلة نقل عامة او تجلس في مقهى او مطعم فتجد ص‪rr‬ديقا او قريب‪rr‬ا يجلس‬
‫قبلك فيدفع عنك ثمن الطعام او اجرة الحافلة فإنك ستراه امرا عاديا‪ ،‬ولكن‬
‫لو فعلته مع إنكليزي لعّد ك مسرفا او معتوها‪ ،‬ألنه لم يتعود ذل‪rr‬ك‪ .‬والثقاف‪rr‬ة‬
‫بعد هذا تعمل بمثابة دليل عمل في حياتنا‪ ،‬حيث نتعلم بالتنشئة االجتماعي‪rr‬ة‬
‫كيف نجلس وكيف نأكل وكيف نتح‪rr‬دث لمن ه‪rr‬و أص‪rr‬غر او أك‪rr‬بر من‪rr‬ا س‪rr‬نا‬

‫‪111‬‬
‫ولماذا نضع القيود على سلوك المرأة‪ ،‬ولماذا يأخ‪rr‬ذ ال‪rr‬ذكور الوص‪rr‬اية على‬
‫االناث حتى عندما تكون االن‪rr‬اث أك‪rr‬بر س‪rr‬نا وارف‪rr‬ع تعليم‪rr‬ا وأكم‪rr‬ل أخالق‪rr‬ا‪.‬‬
‫التنشئة المبكرة تنقل لنا الثقافة بكل ما تحمله من محاسن او مس‪rr‬اوئ وليس‬
‫لنا اال ان نمتثل ونتصرف كما هو مقرر ثقافي‪rr‬ا‪ .‬وباختص‪rr‬ار ف‪rr‬ان ثقاف‪rr‬ة أي‬
‫مجتمع هي خالصة تجارب االولين واالخ‪rr‬رين‪ ،‬طريقة تفك‪rr‬ير‪ ،‬ومش‪rr‬اعر‬
‫وافعال‪ ،‬نكتس‪r‬بها ال ش‪r‬عوريا بوص‪rr‬فنا أعض‪rr‬اء في مجتم‪r‬ع‪ ،‬نمتث‪r‬ل له‪r‬ا‪ ،‬ثم‬
‫نتناقلها من جيل الى اخر‪ ،‬انها طريقة حياة‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫الثقافة والزمن االجتماعي‬
‫‪Culture and Social Time‬‬

‫‪112‬‬
‫ال ش‪rr‬يء ه‪rr‬و االنس‪rr‬ان‪ ،‬ان‪rr‬ه في أحس‪rr‬ن األح‪rr‬وال‪ ،‬الم‪rr‬ادة األساس‪rr‬ية‬
‫للزمن‬
‫كارل ماركس*‬
‫الزمن كثقافة ‪Time as Culture‬‬
‫بعض األشياء ليس من السهل تعديلها لتكون مستقيمة في الشكل واالتج‪rr‬اه‪،‬‬
‫والزمن أحد هذه األشياء‪ .‬والواقع هناك س‪r‬وء فهم ج‪r‬دي لل‪r‬زمن‪ ،‬فه‪r‬و ليس‬
‫ص‪rr‬يغة ثابت‪rr‬ة غ‪rr‬ير قابل‪rr‬ة للتغي‪rr‬ير كم‪rr‬ا يف‪rr‬ترض ني‪rr‬وتن‪ ،‬ان‪rr‬ه مجموع‪rr‬ة من‬
‫المفاهيم‪ ،‬االحداث وااليقاع‪r‬ات ال‪rr‬تي تغطي مس‪rr‬احة واس‪rr‬عة من الظ‪rr‬واهر‪،‬‬
‫فعلى المستوى الضيق هناك أنواع مختلفة للزمن تتنوع بتنوع البش‪rr‬ر على‬
‫هذه األرض‪ ،‬ولكن في الغرب يقول أ‪ .‬ه‪rr‬ول )‪" E. Hall (1984: 13‬‬
‫ينظرون لل‪rr‬زمن على ان‪rr‬ه كينون‪rr‬ة أحادي‪rr‬ة ‪ ،Single Entity‬وه‪rr‬ذه نظ‪rr‬رة‬
‫قاصرة ولكنهم هكذا يرونه"‬
‫باإلمكان فلسفة طبيعة الزمن قدر م‪rr‬ا نش‪rr‬اء‪ ،‬وعلى ال‪rr‬رغم من ان ممارس‪rr‬ة‬
‫التفكير الفلسفي تضيء لنا بعض الجوانب اال ان االتجاه األك‪r‬ثر أهمي‪r‬ة من‬

‫‪113‬‬
‫الفلسفة هو االتجاه البراغماتي (الواقعي) الذي يقوم على أساس ان السلوك‬
‫يأتي أوال والكلمات تتبع‪ .‬انظر الى ما يفعله الناس وقارن ذلك بما يقولون‪،‬‬
‫اذ سرعان ما تكتشف الفرق بين الزمن المعاش والزمن الذي نتحدث عنه‪،‬‬
‫فلدينا في المجتمع العربي‪ ،‬مثال‪ ،‬صورة نمطية للزمن‪ ،‬نقول في مناقش‪rr‬اتنا‬
‫وأحاديثن‪rr‬ا ومناظراتن‪rr‬ا ان "ال‪rr‬وقت من ذهب‪ ،‬وان ال‪rr‬وقت كالس‪rr‬يف ان لم‬
‫تقطعه قطعك‪ ،‬واضاعة دقيقة من العمل إض‪rr‬اعة لفرص‪rr‬ة من التقدم" انه‪rr‬ا‬
‫في الواقع‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫* ‪in Marx & Angels 1967:P.127‬‬

‫مج‪rr‬رد كالم ال يج‪rr‬د طريقه للتط‪rr‬بيق ال على المس‪rr‬توى الف‪rr‬ردي وال على‬
‫المستوى االجتماعي‪ ،‬الزمن ل‪rr‬دينا دق‪rr‬ائق وس‪rr‬اعات واي‪rr‬ام ض‪rr‬ائعة‪ .‬الن‪rr‬اس‬
‫يقومون بأعمال كثيرة ومتنوع‪rr‬ة‪ ،‬فمنهم من يكتب كتاب‪rr‬ا‪ ،‬ومنهم من يس‪rr‬افر‬
‫او يضع جدوال لنشاطاته او يلعب او ينام او يحلم‪ ،‬او يكون وسيطا تجاري‪r‬ا‬
‫او يم‪rr‬ارس طقس‪rr‬ا من الطقوس‪ ،‬ه‪rr‬ؤالء جميع‪rr‬ا يعّب رون او يمارس‪rr‬ون ال‬
‫شعوريا‪ ،‬وأحيانا شعوريا عن أنماط مختلف‪rr‬ة من ال‪rr‬زمن‪ ،‬فمثال هن‪rr‬اك زمن‬
‫مقدس مثل توقيتات الص‪rr‬يام في ش‪rr‬هر رمض‪rr‬ان‪ ،‬ومث‪rr‬ل زي‪rr‬ارة المعاب‪rr‬د في‬
‫أوق‪rr‬ات مح‪rr‬ددة من الس‪rr‬نة في الديان‪rr‬ة البوذي‪rr‬ة‪ ،‬او أعي‪rr‬اد الميالد في الديان‪rr‬ة‬
‫المسيحية‪ .‬وهن‪rr‬اك زمن غ‪rr‬ير مقدس‪ ،‬كم‪rr‬ا ان هن‪rr‬اك زمن‪rr‬ا فيزيائي‪rr‬ا واخ‪rr‬ر‬
‫ميت‪rr‬افيزيقي‪ ،‬الى ج‪rr‬انب الس‪rr‬اعة البيولوجي‪rr‬ة والس‪rr‬اعة الميكانيكي‪rr‬ة‪ .‬بمع‪rr‬نى‬
‫أكثر تحديدا يمكننا ان نثبت ان الزمن على مستوى الثقافة المركزي‪rr‬ة يمث‪rr‬ل‬
‫ثقافة المجتمع‪ ،‬ففي المجتمع الح‪rr‬ديث يمكن للن‪rr‬اس ان يس‪rr‬تخدموا ويم‪rr‬يزوا‬

‫‪114‬‬
‫بين الس‪rr‬اعة السادس‪rr‬ة والثامن‪rr‬ة عن الس‪rr‬اعة التاس‪rr‬عة‪ ،‬على عكس الثقاف‪rr‬ة‬
‫البدوية او الريفي‪rr‬ة التقليدي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تقيس ال‪rr‬زمن بحرك‪rr‬ة الش‪rr‬مس او القم‪rr‬ر‪،‬‬
‫فيقول أحدهم‪ ،‬قبل الظهر او بعد الظهر‪ ،‬قبل صالة المغرب او بع‪r‬د ص‪r‬الة‬
‫العشاء وهذه ال تميز السادسة عن التاسعة مساء‪ ،‬كما ان قبل الظهر او بعد‬
‫الظهر قد تعني أربع دقائق وقد تعني أربعين دقيقة أو ربما ساعتين قب‪r‬ل او‬
‫بعد‪Hall (1984) .‬‬
‫ال==زمن اح==ادي البع==د وال==زمن متع==دد االبع==اد ‪Monochronic and‬‬
‫هناك أنظمة توقيتات شديدة التنوع في العالم‪،‬‬ ‫‪Polychronic Time‬‬
‫من بينها الزمن األحادي وال‪rr‬زمن المتع‪rr‬دد االبع‪rr‬اد‪ .‬ال‪rr‬زمن األح‪rr‬ادي البع‪rr‬د‬
‫‪ monochronic time‬إعطاء االهتمام والعمل لش‪rr‬يء واح‪rr‬د في ال‪rr‬وقت‬
‫المعين‪ ،‬اما الزمن متعدد االبعاد فانه االنشغال بعدة أشياء في وقت واح‪rr‬د‪،‬‬
‫والنظام‪rr‬ان مختلف‪rr‬ان كلي‪rr‬ا‪ ،‬مث‪rr‬ل خطين مت‪rr‬وازيين ال يلتقي‪rr‬ان‪ .‬في الثقاف‪rr‬ات‬
‫أحادية البعد‪ ،‬الزمن يمضي على شكل خط مس‪rr‬تقيم‪ ،‬مث‪rr‬ل طري‪rr‬ق يمت‪rr‬د من‬
‫الماض‪rr‬ي الى المس‪rr‬تقبل‪ ،‬وه‪rr‬و ينقس‪rr‬م طبيعي‪rr‬ا الى أج‪rr‬زاء‪ ،‬يمكن جدولت‪rr‬ه‬
‫ويمكن تقطيعه وجعله ممكنا للشخص الذي يقوم بمهمة واح‪rr‬دة‪ .‬في النظ‪rr‬ام‬
‫ذي البعد الواحد‪ ،‬جدولة الزمن تعطي أولوية لشيء ما على ب‪rr‬اقي األش‪rr‬ياء‬
‫لدرجة التقديس مع ص‪rr‬عوبة في التب‪rr‬ديل او التع‪rr‬ديل‪ ،‬وه‪rr‬ذا الن‪rr‬وع يم‪rr‬ارس‬
‫بوصفه شيئا محسوسا‪ ،‬والناس يتحدثون عنه مثلما يتحدثون عن قطعة من‬
‫ال‪rrr‬ذهب ‪ ،piece of gold‬او الم‪rrr‬ال ‪ ،money‬يمكن انفاق‪rrr‬ه‪ ،‬ويمكن‬
‫اضاعته او فقده‪ ،‬كما ان‪rr‬ه يس‪rr‬تخدم وس‪rr‬يلة لتص‪rr‬نيف نظ‪rr‬ام الحي‪rr‬اة‪ ،‬وتحدي‪rr‬د‬
‫األولويات فيقول قائلهم " ليس ل‪r‬دي وقت لرؤيت‪r‬ه" والن‪r‬اس في ه‪r‬ذا الن‪r‬وع‬

‫‪115‬‬
‫من النظام الزمني ال يحبون الت‪r‬داخل ألنهم يرك‪r‬زون على ش‪r‬يء واح‪r‬د في‬
‫وقت واحد‪ .‬وهذا النوع من النظام الزمني يهيمن على كل قطاعات العم‪rr‬ل‬
‫في اوربا وامريكا‪ ،‬حتى أصبح لشدة تنظيم‪rr‬ه مث‪rr‬ل اله‪rr‬واء ال‪rr‬ذي يتنفس‪rr‬ون‪.‬‬
‫وعلى الرغم من انه يرتبط بالتعلم‪ ،‬اال انه يبدو وكأنه طبيعي ومنطقي ألنه‬
‫باألصل نشأ في أحضان المكننة التي تستلزم دق‪rr‬ة في الحض‪rr‬ور والخ‪rr‬روج‬
‫واإلنت‪rr‬اج‪ .‬دول مث‪rr‬ل ال‪rr‬دول االس‪rr‬كندنافية‪ ،‬الماني‪rr‬ا‪ ،‬إنكل‪rr‬ترا‪ ،‬سويس‪rr‬را‪،‬‬
‫والواليات المتحدة‪ ،‬تخضع لقبض‪rr‬ة ال‪rr‬زمن األح‪rr‬ادي البع‪rr‬د‪ ،‬حيث ان نس‪rr‬بة‬
‫االفراد الذين تتواءم شخصياتهم مع هذا النمط تفوق بكثير الناس االخ‪rr‬رين‬
‫في العالم‪ .‬نظام االبع‪r‬اد المتع‪r‬ددة ‪ polychronic time‬ه‪r‬و تمام‪r‬ا نقيض‬
‫نظام البعد الواحد‪ ،‬وهو يتميز بإعطاء االهتمام والقيام بأعم‪rr‬ال متع‪rr‬ددة في‬
‫وقت واحد‪ ،‬ويهتم بإنجاز معامالت الن‪rr‬اس على حس‪rr‬اب االل‪rr‬تزام بالج‪rr‬دول‬
‫الزمني (طبعا ال البعد الواح‪rr‬د وال االبع‪rr‬اد المتع‪rr‬ددة لل‪rr‬زمن ينطب‪rr‬ق علين‪rr‬ا‪،‬‬
‫فليس لدينا جداول زمنية وليس هناك أدنى اهتمام بإنجاز معامالت الناس‪..‬‬
‫نحن حالة خاصة في تعاملنا مع الزمن)‪ .‬النظام المتع‪rr‬دد االبع‪rr‬اد محس‪rr‬وس‬
‫بدرج‪rr‬ة اق‪rr‬ل من نظ‪rr‬ام البع‪rr‬د الواح‪rr‬د‪ ،‬ويمكن وص‪rr‬فه بان‪rr‬ه نظ‪rr‬ام نقط‪rr‬وي‬
‫(متقطع) أكثر منه طريق مفتوح من الماضي الى المس‪rr‬تقبل‪ .‬نظ‪rr‬ام ال‪rr‬زمن‬
‫الياباني يمكن وصفه بانه خليط من نظام البع‪rr‬د الواح‪rr‬د واالبع‪rr‬اد المتع‪rr‬ددة‪.‬‬
‫في التعامل مع األج‪r‬انب وم‪r‬ع التكنولوجي‪r‬ا‪ ،‬ف‪r‬انهم يس‪r‬تخدمون نظ‪r‬ام البع‪r‬د‬
‫الواحد‪ ،‬بينما يستخدمون النظ‪rr‬ام متع‪rr‬دد االبع‪rr‬اد في تع‪rr‬امالتهم البيشخص‪rr‬ية‬
‫(بين األشخاص) )‪Hall & Hall (1987‬‬
‫الدقة في المواعيد ‪Punctuality‬‬

‫‪116‬‬
‫الدقة في المواعي‪rr‬د في العالق‪rr‬ات غ‪r‬ير الرس‪rr‬مية بين األش‪rr‬خاص له‪rr‬ا مع‪rr‬ان‬
‫مختلف‪r‬ة في الثقاف‪r‬ة االوربي‪r‬ة واألمريكي‪r‬ة‪ .‬الت‪r‬أخر عن الموع‪r‬د لم‪r‬دة خمس‬
‫دقائق تجعل الشخص الذي ينتظر يغمغم وتس‪rr‬تلزم اعت‪rr‬ذارا خفيف‪rr‬ا‪ ،‬الت‪rr‬أخر‬
‫لمدة عشر دقائق يعد إهانة متوسطة‪ ،‬خمسة عشر دقيقة تستلزم اعت‪rr‬ذارا‬
‫كامال‪ ،‬عش‪rr‬رين دقيقة تع‪rr‬د قل‪rr‬ة ادب‪ ،‬ثالثين دقيقة تع‪rr‬د احتقارا‪ ،‬خمس‬
‫واربعين دقيقة الى ساعة تعد إهان‪rr‬ة ال تغتف‪rr‬ر مهم‪rr‬ا ك‪rr‬ان الس‪rr‬بب ومهم‪rr‬ا‬
‫ك‪rr‬ان الع‪rr‬ذر‪ ،‬ولن يقب‪rr‬ل أي اعت‪rr‬ذار ‪Broom et al (1981) Hall‬‬
‫)‪ ،(1959‬اما في مجتمعنا فيمكن وض‪rr‬ع التص‪rr‬نيف االتي‪ :‬خمس عش‪rr‬رة‬
‫دقيقة متوقع‪rr‬ة وال تحت‪rr‬اج اعت‪rr‬ذار ألنه‪rr‬ا أق‪rr‬رب الى الدق‪rr‬ة في االل‪rr‬تزام‬
‫بالموعد‪ ،‬ثالثون دقيقة تستلزم اعتذارا خفيفا‪ ،‬ساعة كاملة تحتاج تبريرا‬
‫والتبريرات جاهزة وكثيرة‪ ،‬واغلبها غير صحيحة مثل‬
‫مرض مفاجئ‪ ،‬زحام‪ ،‬حادث مروري‪ ،‬ساعة ونصف الى ساعتين تحت‪rr‬اج‬
‫الى اعتذار كامل‪ ،‬ثالث س‪r‬اعات او نس‪r‬يان الموع‪r‬د اش‪r‬به باإلهان‪r‬ة ولكنه‪r‬ا‬
‫مقبولة الن الطرفين يفعالن ذلك في أوقات مختلفة‪.‬‬
‫ومهما يكن فان التباين الثقافي يس‪rr‬تلزم تباين‪rr‬ا في فهم‬
‫قيمة ال‪r‬زمن وادراك‪r‬ه‪ .‬ليفين )‪ Levine (1988‬ذك‪r‬ر‬
‫قص‪rr‬ة طريف‪r‬ة عن أخ‪r‬وين افغ‪r‬انيين اتفقا ان يلتقي‪r‬ا في‬
‫كابول‪ ،‬ولكنهما لم يحددا السنة او اليوم الذي سيلتقيان‬
‫فيه‪ ،‬تقول القصة ان رجال ظهر في ك‪rr‬ابول يس‪rr‬ال عن‬
‫أخيه‪ ،‬سال كل التجار في السوق ان كان أح‪r‬د يعرف‪rr‬ه‪،‬‬
‫وأخ‪rr‬برهم عن مك‪rr‬ان اقامت‪rr‬ه في ح‪rr‬ال ان ع‪rr‬اد اخ‪rr‬وه‬
‫‪117‬‬
‫واراد ان يلتقي ب‪r‬ه‪ ،‬في الس‪r‬نة الالحقة ع‪r‬اد م‪r‬رة أخ‪r‬رى يس‪r‬ال عن‪r‬ه‪ .‬أح‪r‬د‬
‫أعضاء السفارة االمريكية سمع بقصته فسأله ان كان قد وج‪rr‬د أخي‪rr‬ه‪ ،‬فقال‬
‫المشكلة اننا اتفقنا ان نلتقي في كابول ولكن نسينا ان نحدد الس‪rr‬نة او الي‪rr‬وم‪.‬‬
‫واس‪rr‬تنتج ان ض‪rr‬عف االهتم‪rr‬ام ب‪rr‬الزمن ه‪rr‬و س‪rr‬مة من س‪rr‬مات المجتمع‪rr‬ات‬
‫التقليدية‪ .‬ويذكر ادوارد هول قصة أخرى عن مرافقه اإلي‪rr‬راني ان ص‪rr‬ديقا‬
‫له اقسم اغلظ االيمان ان يأتي في الموعد المحدد للقائه‪ ،‬ولكنه لم يأت وبعد‬
‫انتظ‪r‬ار خمس واربعين دقيقة اتص‪rr‬ل بص‪rr‬ديقه هاتفي‪r‬ا فوج‪r‬ده م‪r‬ا ي‪r‬زال في‬
‫البيت‪ ،‬قال له لماذا لم تأت؟ انت اقس‪rr‬مت اغل‪rr‬ظ االيم‪rr‬ان إن‪rr‬ك س‪rr‬تاتي مهم‪rr‬ا‬
‫كانت الظروف‪ ،‬ق‪rr‬ال الص‪rr‬ديق على الط‪rr‬رف االخ‪rr‬ر لله‪rr‬اتف‪ ،‬اوه‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا‬
‫تمطر االن‪ ،‬فالتفت الّي ‪ ،‬يقول هول ‪ Hall‬وقال بحزن هذا طبيعي في بالد‬
‫فارس‪ .‬وفي دراسة للباحث الحالي عن قيمة الزمن في العراق‪ ،‬وج‪rr‬د ان (‬
‫‪ )%30‬من العمال والموظفين يتأخرون عن وقت العمل المحدد ‪ 15‬دقيقة‬
‫على األق‪rrr‬ل‪ .‬وفي دراس‪rrr‬ة حديث‪rrr‬ة وج‪rrr‬د ان أك‪rrr‬ثر من ‪ %80‬من الطالب‬
‫يت‪rr‬أخرون أك‪rr‬ثر من ‪ 15‬دقيقة عن الس‪rr‬اعة األولى للمحاض‪rr‬رات ‪Alwan‬‬
‫)‪ .(2019‬والواق‪rrr‬ع ان االهتم‪rrr‬ام ب‪rrr‬الزمن كقيم‪rrr‬ة في المواعي‪rrr‬د والعم‪rrr‬ل‬
‫واألنش‪rr‬طة االجتماعي‪rr‬ة األخ‪rr‬رى في ال‪rr‬وطن الع‪rr‬ربي عام‪rr‬ة وفي الع‪rr‬راق‬
‫خاص‪rr‬ة ال ي‪rr‬رقى الى مس‪rr‬توى أدنى دول‪rr‬ة ص‪rr‬ناعية‪ ،‬ح‪rr‬تى بين المتعلمين‬
‫تعليما عاليا‪ .‬وفي أمريكا الالتينية يقول إدوارد هول (‪ )Hall 1959‬غالبا‬
‫يتعاملون مع الزمن بمرونة عالية‪.‬‬
‫العالقة بين الزمان والمكان ‪The Relation Between Time & Space‬‬

‫‪118‬‬
‫العالقة بين المكان والزمان عالقة ترابطية غير قابل‪rr‬ة لالنفص‪rr‬ال‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان‬
‫كل األنشطة والتفاعالت االجتماعية لها حدود في الزمان والمكان‪ ،‬طبيع‪rr‬ة‬
‫المكان ودرجة تطوره تكنولوجيا وتنظيميا تح‪rr‬دد طبيع‪rr‬ة الزم‪rr‬ان وطرائ‪rr‬ق‬
‫استخداماته وقيمته االقتص‪rr‬ادية واالجتماعي‪rr‬ة ففي المجتم‪rr‬ع الص‪rr‬ناعي مثال‬
‫المكاتب الخاصة تغل‪rr‬ف بم‪rr‬واد عازل‪rr‬ة للص‪rr‬وت ال ي‪rr‬دخلها أح‪rr‬د اال بموع‪r‬د‬
‫مسبق‪ ،‬في ثقافة مجتمعات شمال وش‪rr‬رق البح‪rr‬ر المتوس‪rr‬ط‪ ،‬مك‪rr‬اتب العم‪rr‬ل‬
‫في دوائر الدول‪rr‬ة والقط‪rr‬اع الخ‪rr‬اص على الس‪rr‬واء‪ ،‬في الغ‪rr‬الب ل‪rr‬ديها مك‪rr‬ان‬
‫اس‪rr‬تعالمات واس‪rr‬ع لالنتظ‪rr‬ار‪ .‬الش‪rr‬ركات والمك‪rr‬اتب الحكومي‪rr‬ة تقوم ب‪rr‬أداء‬
‫عملها بغير تنظيم في منطقة االس‪rr‬تقبال وفي المك‪rr‬اتب المج‪rr‬اورة بطواب‪rr‬ير‬
‫وب‪rrr‬دون انتظ‪rrr‬ام‪ ،‬وتعطى األولوي‪rrr‬ة لألقرب‪rrr‬اء واألص‪rrr‬دقاء والمع‪rrr‬ارف‬
‫والوسطاء‪ ،‬ويترك عامة الناس في االنتظار ساعات وايام‪ .‬وفي ذلك يقول‬
‫إدوارد ه‪rrrr‬ول )‪“ Hall (1987:19‬في المجتمع‪rrrr‬ات التقليدي‪rrrr‬ة (غ‪rrrr‬ير‬
‫الص‪rr‬ناعية) المواعي‪rr‬د ‪ appointments‬ال تع‪rr‬ني كث‪rr‬يرا وربم‪rr‬ا تتغ‪rr‬ير او‬
‫تستبدل في الدقيقة األخيرة لصالح شخص أكثر أهمية‪ ،‬او الح‪rr‬د االقرب‪rr‬اء‪،‬‬
‫او األصدقاء او المعارف‪ .‬بعض الناس (كما في أمريكا الالتينية والعرب)‬
‫يعطون االسبقية للدائرة الكب‪rr‬يرة ألعض‪rr‬اء االس‪rr‬رة على حس‪rr‬اب أي ال‪rr‬تزام‬
‫اخ‪rr‬ر في العم‪rr‬ل" والمس‪rr‬ؤولون في الغ‪rr‬الب ل‪rr‬ديهم ع‪rr‬دد كب‪rr‬ير من االقرب‪rr‬اء‬
‫واألصدقاء الذين يجعلون من مكاتبهم مضافة تقدم فيها أن‪rr‬واع المش‪rr‬روبات‬
‫واالطعم‪rr‬ة والحل‪rr‬وى ويقض‪rr‬ون معهم أوق‪rr‬ات ممتع‪rr‬ة على حس‪rr‬اب العم‪rr‬ل‬
‫وعلى حساب مصالح الناس الذين ينتظرون أياما وايام‪ .‬اليس عجيبا ‪-‬يقول‬
‫إدوارد ه‪rr‬ول‪ -‬ان الن‪rr‬اس في المجتمع‪rr‬ات ذات ال‪rr‬زمن المتع‪rr‬ددة االبع‪rr‬اد ال‬

‫‪119‬‬
‫يعطون اهتماما ألشياء مثل جدول المواعيد‪ ،‬وبرمجة ال‪rr‬وقت؟ ثم ي‪rr‬تركون‬
‫الن‪rrr‬اس في االنتظ‪rrr‬ار ط‪rrr‬ويال‪ ..‬ال ش‪rrr‬ك ان ذل‪rrr‬ك يعكس م‪rrr‬دى االس‪rrr‬تهانة‬
‫ب‪rr‬األخرين كم‪rr‬ا يعكس س‪rr‬وء التنظيم‪ ،‬وه‪rr‬و أس‪rr‬اس الفس‪rr‬اد اإلداري ال‪rr‬ذي‬
‫توص‪rr‬ف ب‪rr‬ه ثقاف‪rr‬ات الش‪rr‬رق األوس‪rr‬ط على وج‪rr‬ه الخص‪rr‬وص‪ ،‬ففي زمن‬
‫العولمة واالنترنيت ووسائل االتصال المتقدمة م‪rr‬ازالت أطن‪rr‬ان من ال‪rr‬ورق‬
‫تستخدم في مكاتبات بيروقراطية عقيمة‪ ،‬وم‪r‬ازالت دوائ‪r‬ر الحكوم‪r‬ة تعم‪r‬ل‬
‫بقوانين الدولة العثمانية ال‪rr‬تي تس‪rr‬تخدم ع‪rr‬ددا ه‪rr‬ائال من الم‪rr‬وظفين ال‪rr‬ذين ال‬
‫عمل لهم وال انجاز‪ .‬اله‪rr‬اتف النقال ال‪rr‬ذي يف‪rr‬ترض ان‪rr‬ه يس‪rr‬اعد في تقليص‬
‫مشكالت العمل وتسريع اإلنجاز أص‪rr‬بح وس‪rr‬يلة لقض‪rr‬اء أوق‪rr‬ات ممتع‪rr‬ة في‬
‫العم‪rr‬ل والبحث عن الع‪rr‬اب وب‪rr‬رامج تس‪rr‬وق وتس‪rr‬لية لقض‪rr‬اء ال‪rr‬وقت وت‪rr‬رك‬
‫الناس كالمتسولين على األبواب‪ .‬وفي كل األحوال يختلف استخدام ال‪rr‬زمن‬
‫وفقا للمعايير الثقافية ففي اليابان يستخدم الزمن مقياس والء للمؤسسة وفي‬
‫أمريكا يستخدم زمن العمل مقياسا للكفاءة والجهد واالنج‪rr‬از‪ ،‬وفي الع‪rr‬راق‬
‫يستخدم زمن العمل والء للذات واالقرباء واألصدقاء والمعارف‪.‬‬
‫وظائف الزمن االجتماعي ‪Functions of Time‬‬
‫هناك وظائف عامة للزمن في كل المجتمعات البش‪rr‬رية‪ ،‬وهن‪rr‬اك اختالف‪rr‬ات‬
‫تاريخي‪rr‬ة مهم‪rr‬ة بين المجتمع‪rr‬ات التقليدي‪rr‬ة (قب‪rr‬ل الص‪rr‬ناعية) والمجتمع‪rr‬ات‬
‫الصناعية الحديثة في إدراك قيمة الزمن‪ .‬ولبرت مور )‪Moore (1963a‬‬
‫اقترح ثالث وظائف رئيسة للزمن ذات أهمي‪rr‬ة لثالث‪rr‬ة وج‪rr‬وه عام‪rr‬ة للحي‪rr‬اة‬
‫اليومية‪ .1:‬األفعال المتزامنة في وقت واحد ‪ .2‬تسلس‪rr‬ل األفع‪rr‬ال المتتابع‪rr‬ة‬
‫‪ .3‬وتحديد معدل األفعال في وحدة زمنية‪ .‬هذه النقاط يمكن ان تكون أساسا‬

‫‪120‬‬
‫لتوضيح وظائف ال‪r‬زمن في الحي‪r‬اة االجتماعي‪r‬ة‪ .‬ف‪r‬أولى المتطلب‪r‬ات العام‪r‬ة‬
‫للحياة االجتماعي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تواج‪rr‬ه الجمي‪rr‬ع هي ان النش‪rr‬اطات اإلنس‪rr‬انية ال‪rr‬تي‬
‫تحدث بشكل متزامن ‪ ،Synchronization of Activities‬أي في وقت‬
‫واحد‪ ،‬ذلك ان جزءا كبيرا من حياتنا االجتماعية مليء باألفعال التي يقوم‬
‫بها الناس بشكل جماعي‪ ،‬ولكي يحدث الفع‪rr‬ل الجم‪rr‬اعي يتعين على الن‪rr‬اس‬
‫ان يجدوا أنفسهم في المكان نفس‪rr‬ه‪ ،‬وفي اللحظ‪rr‬ة نفس‪rr‬ها‪ ،‬مثال ان مش‪rr‬جعي‬
‫كرة القدم الذين يقومون بأفعال معينة في الوقت نفسه‪ .‬ول‪rr‬و وض‪rr‬عنا شاش‪rr‬ة‬
‫تلفزيونية كب‪rr‬يرة في مك‪rr‬ان ع‪rr‬ام وفتحناه‪rr‬ا على برن‪rr‬امج مث‪rr‬ل ‪Arab got‬‬
‫‪ talent‬او مسلس‪rr‬ل "تحت م‪rr‬وس الحالق" ف‪rr‬ان ردود األفع‪rr‬ال المتش‪rr‬ابهة‬
‫ستكون متزامن‪r‬ة‪ ،‬أي ان الك‪r‬ل يبتس‪r‬م او يض‪rr‬حك او يعل‪r‬ق في وقت واح‪r‬د‪.‬‬
‫المتطلب الثاني هو التنسيق ‪ ،Co-ordination‬األفعال الفردية ال تح‪rr‬دث‬
‫في فراغ‪ ،‬عدد كبير من هذه األفعال مرتبط‪rr‬ة ببعض‪rr‬ها وتقود الى اه‪rr‬داف‬
‫مشتركة‪ ،‬تقسيم العمل االجتماعي الذي شغل علماء االجتماع م‪rr‬دة طويل‪rr‬ة‪،‬‬
‫أوضح مثال على ذلك‪ ،‬فعندما يستخدم مجهود الفرد في أنتاج جزء صغير‬
‫من س‪rr‬يارة مثال في نظ‪rr‬ام اإلنت‪rr‬اج الواس‪rr‬ع‪ ،‬ويقوم اخ‪rr‬رون بإنت‪rr‬اج أج‪rr‬زاء‬
‫أخرى فان عمل الفرد يحدث اما بشكل متزامن مع أفعال االخ‪rr‬رين‪ ،‬او في‬
‫فواصل زمني‪rr‬ة مح‪rr‬ددة او في سلس‪rr‬لة زمني‪rr‬ة متص‪rr‬لة‪ ،‬واذا أردت ان تب‪rr‬ني‬
‫بيتا مثال ‪ ،‬فان عمل البّناء والسباك ومالحظ العمل يحدث في وقت واح‪rr‬د‪،‬‬
‫وينظم‪rr‬ون عملهم بالس‪rr‬اعة‪ ،‬وس‪rr‬تكون واجب‪rr‬اتهم قائم‪rr‬ة منطقي‪rr‬ا على مب‪rr‬دأ‬
‫االعتماد المتبادل‪ .‬لكي تربح معركة ينبغي ان يت‪rr‬دخل الط‪rr‬يران في ال‪rr‬وقت‬
‫المناسب (قبل او بعد او اثن‪r‬اء المعرك‪r‬ة) بحس‪r‬ب االس‪r‬تراتيجية العس‪r‬كرية‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫المتطلب الث‪rrrr‬الث ه‪rrrr‬و التت‪rrrr‬ابع او التع‪rrrr‬اقب ‪ Sequencing‬العملي‪rrrr‬ات‬
‫االجتماعية تحدث على مراحل‪ ،‬االحداث تتب‪rr‬ع بعض‪rr‬ها في تسلس‪rr‬ل معين‪،‬‬
‫ومعظم العمليات متالزمة منطقيا‪ ،‬وهناك أفع‪rr‬ال تعطي مع‪rr‬نى فقط عن‪rr‬دما‬
‫ت‪rr‬دخل في اللحظ‪rr‬ة المناس‪rr‬بة في العملي‪rr‬ة‪ ،‬أي ال يمكن القي‪rr‬ام به‪rr‬ا في وقت‬
‫مبك‪rr‬ر او في وقت مت‪rr‬أخر‪ ،‬الن‪rr‬اس عليهم االنتظ‪rr‬ار إذا ك‪rr‬انوا مبك‪rr‬رين او‬
‫اإلسراع إذا كانوا متأخرين‪ ،‬وأحسن مث‪r‬ال على ذل‪r‬ك ه‪r‬و تجمي‪r‬ع األج‪r‬زاء‬
‫في المعمل‪ ،‬ولكن الموقف اكثر عمومية في األمثلة االتية‪ :‬الطف‪rr‬ل يجب ان‬
‫يدخل المدرسة في عمر معين‪ ،‬الحقل يجب ان يحرث قبل ب‪rr‬ذر الب‪rr‬ذور في‬
‫موسم معين‪ ،‬ويحصد في فصل اخر‪ ،‬العدو يجب ان يقصف بالطيران قبل‬
‫دخول المشاة المعركة‪ ،‬بطاقة التهنئة بأعياد الميالد ترسل في ش‪rr‬هر معين‪،‬‬
‫وهدية الزواج او ال‪rr‬والدة ال ترس‪rr‬ل قب‪rr‬ل ال‪rr‬زواج او ال‪rr‬والدة‪ ،‬له‪rr‬ذا كل‪rr‬ه ال‬
‫يمكن االستغناء عن الزمن‪ .‬المتطلب الرابع ه‪rr‬و الت‪rr‬وقيت ‪ Timing‬بعض‬
‫األنشطة يمكن القيام بها فقط عندما تكون الموارد او التس‪rr‬هيالت مت‪rr‬وافرة‪،‬‬
‫وربما ال تكون متوفرة طوال الوقت‪ ،‬وقد تت‪rr‬وفر في بعض الف‪rr‬ترات فقط‪،‬‬
‫ففي بعض أي‪rrr‬ام األس‪rrr‬بوع يمكن ال‪rrr‬ذهاب للمص‪rrr‬رف‪ ،‬للس‪rrr‬وق‪ ،‬للمطعم‪،‬‬
‫للس‪rrr‬ينما‪ ،‬للمس‪rrr‬رح الن الس‪rrr‬اعات ال‪rrr‬تي تفتح فيه‪rrr‬ا تختل‪rrr‬ف ب‪rrr‬اختالف‬
‫المجتمعات‪ ،‬وضبط مواعي‪rr‬د الفتح واالغالق ج‪rr‬زء ض‪rr‬روري من الثقاف‪rr‬ة‪.‬‬
‫وهناك توقيتات دقيقة للقطارات والطائرات‪ ،‬والباصات العامة والس‪rr‬فن في‬
‫المغ‪rr‬ادرة والوص‪rr‬ول‪ ،‬واس‪rr‬تخدام وس‪rr‬ائل النقل الع‪rr‬ام غ‪rr‬ير ممكن من دون‬
‫معرفة جداول التوقيتات‪ .‬المتطلب الخ‪rr‬امس ه‪rr‬و القي‪rr‬اس ‪ Measuring‬ان‬
‫المدة الزمنية لألنشطة المختلفة لها أهمية بالغة على المستوى االجتم‪r‬اعي‪،‬‬

‫‪122‬‬
‫فمثال تحديد ط‪rr‬ول الجه‪rr‬د المتوق‪rr‬ع‪( :‬س‪rr‬اعات المدرس‪rr‬ة‪ ،‬س‪rr‬اعات العم‪rr‬ل)‪،‬‬
‫االجر الذي يدفع (باليوم‪ ،‬باألسبوع بالشهر) األداء المتميز (في المنافسات‬
‫الرياض‪rr‬ية‪ ،‬االختب‪rr‬ارات االكاديمي‪rr‬ة) ثمن الخ‪rr‬دمات (المكالم‪rr‬ات الهاتفي‪rr‬ة‪،‬‬
‫الكهرباء‪ ،‬او تأجير سيارة) كل هذه األنشطة من الصعب تحديدها من دون‬
‫مقاييس زمني‪rrrr‬ة عام‪rrrr‬ة ومقبول‪rrrr‬ة‪ .‬والمتطلب األخ‪rrrr‬ير ه‪rrrr‬و التمي‪rrrr‬يز‬
‫‪ Differentiating‬من المهم ج‪rr‬دا كس‪rr‬ر الرتاب‪rr‬ة وروتين الحي‪rr‬اة بتوزي‪rr‬ع‬
‫الف‪rr‬ترات الزمني‪rr‬ة على األنش‪rr‬طة المختلف‪rr‬ة‪ ،‬فاألي‪rr‬ام مثال تك‪rr‬رس للمتع‪rr‬ة او‬
‫العبادة‪ ،‬للرياضة او العيد‪ ،‬للتسوق‪ ،‬او لجم‪r‬ع اف‪r‬راد االس‪r‬رة‪ ،‬لالحتف‪r‬االت‪،‬‬
‫او تكرس لحمالت انتخابية‪ .‬كل هذه التوزيعات االستثنائية‪ ،‬من العم‪rr‬ل الى‬
‫االهتمامات الدنيوية تتعل‪rr‬ق بالن‪rr‬اس في ك‪rr‬ل المجتمع‪rr‬ات‪ ،‬وإح‪rr‬دى وظ‪rr‬ائف‬
‫ال‪rr‬زمن هن‪rr‬ا ه‪rr‬و تحدي‪rr‬د اللحظ‪rr‬ات المناس‪rr‬بة لهم وعزله‪rr‬ا‪Sztompka .‬‬
‫)‪(1998‬‬
‫ان ه‪rr‬ذه الوظ‪rr‬ائف على أهميته‪rr‬ا ربم‪rr‬ا تتغ‪rr‬ير م‪rr‬ع التعقي‪rr‬دات المتزاي‪rr‬دة‬
‫للمجتمعات البش‪rr‬رية بمؤسس‪rr‬اتها ومنظماته‪rr‬ا وواجباته‪rr‬ا وبالتح‪rr‬ديات ال‪rr‬تي‬
‫تواجه أعضاءها‪ .‬فقط تذّك ر القبائل التي تعيش على الصيد او جمع الطع‪rr‬ام‬
‫وضعها في مقارنة مع مدينة صناعية حديثة‪ ،‬في المجتم‪rr‬ع الب‪rr‬دائي ال‪rr‬زمن‬
‫ينبثق من األنش‪rr‬طة االيقاعي‪rr‬ة للطبيع‪rr‬ة‪ ،‬من إع‪rr‬ادة أنم‪rr‬اط األفع‪rr‬ال‪ ،‬تع‪rr‬اقب‬
‫الفصول‪ ،‬دورة الحياة‪ ،‬االحتف‪r‬االت الديني‪r‬ة او الس‪r‬حرية‪ ،‬ومن ه‪r‬ذه جميع‪r‬ا‬
‫يحص‪rr‬لون على ال‪rr‬وعي ب‪rr‬الزمن‪ ,‬واذا اخ‪rr‬ذنا الط‪rr‬رف النقيض أي المجتم‪rr‬ع‬
‫الصناعي الحديث فان الوض‪rr‬ع س‪rr‬يكون معكوس‪rr‬ا‪ ،‬ال‪rr‬زمن يص‪rr‬بح الض‪rr‬ابط‬
‫المرك‪rr‬زي‪ ،‬المنس‪rr‬ق‪ ،‬والمنظم لألنش‪rr‬طة اإلنس‪rr‬انية‪ ،‬بس‪rr‬بب ذل‪rr‬ك يكتس‪rr‬ب‬

‫‪123‬‬
‫الزمن نوع‪rr‬ا من االس‪rr‬تقاللية العمي‪rr‬اء‪ ،‬فه‪rr‬و لم يع‪rr‬د أداة او ال‪rr‬ة وانم‪rr‬ا قيم‪rr‬ة‬
‫بذاته‪ ،‬يصبح متغيرا مستقال‪ ،‬وع‪rr‬امال أساس‪rr‬ا ومح‪rr‬ددا للحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة‪،‬‬
‫وبتعبير ادق هناك طغيان لل‪rr‬زمن في الم‪rr‬دنيات الحديث‪rr‬ة‪ ،‬التقويم والس‪rr‬اعة‬
‫اص‪rr‬بحت هي القوى الحاكم‪rr‬ة‪ .‬ج‪rr‬اك ج‪rr‬ودي )‪ Goody (1968‬اعت‪rr‬بر‬
‫الساعة االلة الرئيسة في العالم الحديث تفوق في أهميته‪rr‬ا اخ‪rr‬تراع الماكن‪rr‬ة‬
‫البخارية‪ ،‬والناس أصبحوا يتوجه‪r‬ون كالعمي‪r‬ان نح‪r‬و الت‪r‬واريخ والس‪r‬اعات‬
‫والمواعيد النهائية‪ ،‬واخذ الزمن شكل الثروة ال‪r‬تي يمكن انفاقه‪r‬ا‪ ،‬االحتف‪r‬اظ‬
‫بها او خسارتها‪ ،‬او شكل السلعة ال‪rr‬تي يمكن ش‪rr‬راؤها‪ ،‬بيعه‪rr‬ا او تبادله‪rr‬ا او‬
‫كما تقول باربرا ادم )‪ Adam (1995:52‬بات الزمن ذا شخصية خاصة‬
‫في المجتمعات الصناعية الحديثة اذ انه ثروة يمكن وضعها في الميزاني‪rr‬ة‪،‬‬
‫تض‪rrr‬ييعها‪ ،‬بيعه‪rrr‬ا او الس‪rrr‬يطرة عليه‪rrr‬ا‪ .‬في الحض‪rrr‬ارة الص‪rrr‬ناعية يقول‬
‫)‪ ،Sztompka (1998‬ت‪rr‬دفع األج‪rr‬ور بالس‪rr‬اعة‪ ،‬وت‪rr‬برم العقود ب‪rr‬الزمن‪،‬‬
‫ويحس‪rr‬ب العم‪rr‬ل ب‪rr‬الوقت‪ ،‬واالك‪rr‬ل ح‪rr‬تى االك‪rr‬ل يحس‪rr‬ب ب‪rr‬الوقت‪ ،‬من ه‪rr‬ذه‬
‫المرحل‪rr‬ة فص‪rr‬اعدا لم يع‪rr‬د هن‪rr‬اك ش‪rr‬يء خ‪rr‬ارج ختم التقويم او الس‪rr‬اعة‪.‬‬
‫واضاعة الوقت من أك‪rr‬بر اآلث‪rr‬ام‪ ،‬وأص‪rr‬بحت الدق‪rr‬ة في المواعي‪rr‬د من أك‪rr‬بر‬
‫الفضائل‪.‬‬
‫من اجل التحديث قامت الحكومة المكسيكية في ع‪rr‬ام ‪ 1983‬بحمل‪rr‬ة توعي‪rr‬ة‬
‫من اجل استخدام عقالني للزمن‪ ،‬وفي ش‪rr‬وارع مكس‪rr‬يكو العاص‪rr‬مة‪ ،‬ص‪rr‬ار‬
‫باإلمك‪rr‬ان رؤي‪rr‬ة إعالن‪rr‬ات كب‪rr‬يرة ت‪rr‬ذكر الن‪rr‬اس بمقول‪rr‬ة بنج‪rr‬امين ف‪rr‬رانكلين‬
‫الشهيرة ‪ Time is Money‬هذه الظاهرة التي حولت الزمن الى آلة واداة‬

‫‪124‬‬
‫قياس وعامل مستقل هي ظاهرة نوعية في الحياة االجتماعية‪ ،‬وخصيص‪rr‬ة‬
‫من خصائص الحداثة‪.‬‬
‫إيقاع الزمن ‪Rhythm of Time‬‬
‫الجانب االخر للزمن هو الجانب غير المحسوس بدرجة كافي‪rr‬ة ولكن‪rr‬ه على‬
‫درجة من األهمية‪ ،‬ذل‪rr‬ك ه‪rr‬و إيقاع الحي‪rr‬اة‪ .‬والن دورات الطبيع‪rr‬ة ايقاعي‪rr‬ة‬
‫‪ Rhythmic‬فإننا نفهم ان اإليقاع او الرتابة هي مالمح تعكس نمط الثقافة‬
‫الس‪rr‬ائد‪ .‬واإليقاع يرب‪rr‬ط الن‪rr‬اس م‪rr‬ع ثقافتهم‪ ،‬ويم‪rr‬يزهم عن أعض‪rr‬اء ثقاف‪rr‬ة‬
‫أخرى‪ .‬في بعض الثقافات يتح‪r‬رك الن‪r‬اس ببطء ش‪r‬ديد‪ ،‬في أخ‪r‬رى يتح‪r‬رك‬
‫الناس بسرعة كبيرة‪ ،‬عندما تلتقي الثقافتان تنشأ ص‪rr‬عوبة بالغ‪rr‬ة في لقائهم‪rr‬ا‬
‫النهما ليستا متزامنتين‪ ،‬وهذه على درجة من األهمية الن التزامن يقتض‪rr‬ي‬
‫القدرة على الحرك‪rr‬ة مع‪rr‬ا باإليقاع نفس‪rr‬ه‪ ،‬وذل‪rr‬ك مهم للتع‪rr‬اون‪ ،‬والتش‪rr‬اور‪،‬‬
‫واإلدارة والعمل مع بعض على اآلالت والمكائن او ح‪rr‬تى ال‪rr‬بيع والش‪rr‬راء‪.‬‬
‫الناس الذين يتحركون بإيقاع سريع يطلق عليهم ذيل العربة ‪.Tailgating‬‬
‫ال‪r‬ذين يتحرك‪r‬ون ببطء ش‪r‬ديد وال‪r‬ذين يتحرك‪r‬ون بس‪r‬رعة ليس بينهم تفاع‪r‬ل‬
‫منس‪rr‬جم ‪ harmonious interaction‬ألن‪rr‬ك ال تس‪rr‬تطيع ان تج‪rr‬بر ال‪rr‬ذين‬
‫يتحركون بسرعة على االبطاء‪ ،‬وال الذين يتحرك‪rr‬ون ببطء على اإلس‪rr‬راع‪.‬‬
‫االمريكي‪rr‬ون يش‪rr‬كون من بطء الياب‪rr‬انيين في اتخ‪rr‬اذ القرارات‪ ،‬والياب‪rr‬انيين‬
‫يشكون من االمريكان في انهم ال يعطون اليابانيون الفرصة للوص‪rr‬ول الى‬
‫االجماع في اتخاذ القرارات والذي يتطلب مزي‪rr‬دا من ال‪rr‬وقت‪ .‬يمكن أيض‪rr‬ا‬
‫مالحظة الفارق بين العرب واالوربيين في الحركة‪ ،‬االوربي‪rr‬ون س‪rr‬ريعون‬

‫‪125‬‬
‫ج‪rr‬دا والع‪rr‬رب في منتهى البطء‪ ،‬ليس فقط في الش‪rr‬وارع واألم‪rr‬اكن العام‪rr‬ة‬
‫ومحطات القطارات ولكن أيضا في كل مناشط الحياة‪Hall (1987) .‬‬
‫التوجهات الزمنية ‪Time Orientation‬‬
‫من المهم جدا معرفة الجزء الذي يوكد عليه الناس في توجه‪rr‬اتهم الزمني‪rr‬ة‪،‬‬
‫ففي ثقاف‪rr‬ة الش‪rr‬رق عموم‪rr‬ا‪ ،‬والع‪rr‬رب والف‪rr‬رس وال‪rr‬ترك والهن‪rr‬ود خاص‪rr‬ة‬
‫يتوجه‪rr‬ون نح‪rr‬و الماض‪rr‬ي ‪ ،Past-oriented‬ام‪rr‬ا االخ‪rr‬رون مث‪rr‬ل اورب‪rr‬ا‬
‫والواليات المتح‪rr‬دة االمريكي‪rr‬ة ف‪rr‬انهم يتوجه‪rr‬ون نح‪rr‬و الحاض‪rr‬ر والمس‪rr‬تقبل‬
‫‪ "Present & future” - oriented‬ويتركون الماضي خلف ظهورهم‪.‬‬
‫في كتابات الكّتاب العرب والفرس والهنود ال بد من خلفي‪rr‬ة تاريخي‪rr‬ة تنبش‬
‫الماض‪rr‬ي التلي‪rr‬د‪ ،‬وفي األح‪rr‬اديث العام‪rr‬ة ال يس‪rr‬تقيم الكالم اال ب‪rr‬العودة الى‬
‫"ي‪rr‬روى ان" و"يقال في س‪rr‬الف العه‪rr‬د"‪ .‬الماض‪rr‬ي المجي‪rr‬د ه‪rr‬و أح‪rr‬د اهم‬
‫مرتكزاتنا الثقافية التي ال يستغنى عنها في سلوكنا‪ .‬والماض‪rr‬ي ال‪rr‬ذي ينبغي‬
‫ان يك‪rr‬ون محف‪rr‬زا الس‪rr‬تلهام الع‪rr‬بر واالنطالق نح‪rr‬و المس‪rr‬تقبل تح‪rr‬ول الى‬
‫كابوس يهيمن على حياتنا وافعالن‪rr‬ا ويش‪rr‬دنا ش‪rr‬دا الى ال‪rr‬وراء‪ .‬يقول إدوارد‬
‫هول )‪ E. Hall (1987, 1959‬الماضي في إيران يأخذ اهتماما مبالغ‪rr‬ا‬
‫فيه‪ .‬الناس ينظرون الى الوراء ويستشعرون عج‪rr‬ائب الماض‪rr‬ي والعص‪rr‬ور‬
‫العظيمة للثقافة الفارسية‪ ،‬والمستقبل يبدو تافها بالنسبة له‪ ،‬رج‪r‬ال االعم‪r‬ال‬
‫ينفقون ماليين ال‪rr‬دوالرات في ش‪rr‬راء مص‪rr‬انع من ك‪rr‬ل ن‪rr‬وع من دون ان‬
‫يضعوا أية خطة في كيفية تشغيلها‪ .‬مصنع كامل للغزل والنسيج تم ش‪rr‬راؤه‬
‫وشحنه الى طه‪rr‬ران قب‪rr‬ل ان يقوم المس‪rr‬تثمر ال‪rr‬ذي اش‪rr‬تراه بتوف‪rr‬ير المب‪rr‬الغ‬
‫الالزم‪r‬ة لنص‪r‬به وتش‪r‬غيله‪ ،‬وقب‪r‬ل تجه‪r‬يز ش‪r‬راء الم‪r‬واد األولي‪r‬ة او ت‪r‬دريب‬

‫‪126‬‬
‫الع‪rr‬املين‪ ،‬وعن‪rr‬دما ج‪rr‬اء الفري‪rr‬ق التقني األم‪rr‬ريكي لمس‪rr‬اعدة االقتص‪rr‬اد‬
‫اإليراني‪ ،‬كان عليهم التماشي مع االنعدام التام للتخطيط‪ .‬ويبدو ان ذلك هو‬
‫حال كل الثقافات المشدودة الى الوراء والمتمس‪rr‬كة بالماض‪rr‬ي ال‪rr‬ذي أص‪rr‬بح‬
‫عبئ‪rr‬ا ثقيال ب‪rr‬دل ان يك‪rr‬ون ح‪rr‬افزا للتقدم‪ .‬وفي الع‪rr‬راق مص‪rr‬انع كامل‪rr‬ة تم‬
‫شراؤها وشحنها واركنت في المخازن ح‪rr‬تى اك‪rr‬ل الص‪rr‬دأ نص‪rr‬فها ثم بيعت‬
‫بالمزاد العل‪rr‬ني لتج‪rr‬ار الخ‪rr‬ردة وسماس‪rr‬رة السياس‪rr‬ة ال‪rr‬ذين يعمل‪rr‬ون لص‪rr‬الح‬
‫اجندات خارجية‪ .‬طبعا كثير من الثقافات تغ‪rr‬يرت بم‪rr‬ا فيه‪rr‬ا إي‪rr‬ران وتركي‪rr‬ا‬
‫وأصبحت قادرة على التخطيط للمس‪rr‬تقبل وهم أفض‪rr‬ل ح‪rr‬اال من اغلب دول‬
‫المنطقة‪ ،‬ولكنهم أيضا لم يلحقوا بالثقاف‪rr‬ات الص‪rr‬ناعية‪ ،‬وم‪rr‬ازالت كث‪rr‬ير من‬
‫رواسب الماضي تشدهم بقوة الى الخلف‪.‬‬
‫الزمن والتغير االجتماعي ‪time and Social Change‬‬
‫كيف لنا ان نعرف ان التغيير يتسارع‪ ،‬انه بعد ك‪rr‬ل ش‪rr‬يء ال يوج‪rr‬د مقي‪rr‬اس‬
‫مطل‪rr‬ق للتغ‪rr‬ير‪ ،‬عملي‪rr‬ا وفي ظ‪rr‬ل التعقي‪rr‬دات الكوني‪rr‬ة المتزاي‪rr‬دة في ك‪rr‬ل‬
‫المجتمعات فقيرها وغنيها‪ ،‬كبيرها وصغيرها‪ ،‬هناك سيل غير محدود من‬
‫التغيرات التي تحدث في وقت واحد‪ ،‬كل األشياء من أص‪rr‬غر ف‪rr‬ايروس الى‬
‫أعظم مجرة هي في الواق‪rr‬ع ليس‪rr‬ت أش‪rr‬ياء انه‪rr‬ا عملي‪rr‬ات ‪ Processes‬ليس‬
‫هناك نقط‪r‬ة ثابت‪r‬ة‪ ،‬ليس هن‪r‬اك م‪r‬ا يش‪r‬به النيرفان‪r‬ا* ال‪r‬تي تعم‪r‬ل بالض‪r‬د من‬
‫ق‪rr‬وانين التغ‪rr‬ير‪ ،‬وألن التغ‪rr‬ير ك‪rr‬ذلك فه‪rr‬و ال ب‪rr‬د من‪rr‬ه‪ .‬وه‪rr‬و ل‪rr‬ذلك ال يعم‪rr‬ل‬
‫بمستوى واحد‪ ،‬فهن‪r‬اك أش‪r‬ياء تتغ‪r‬ير أس‪r‬رع من غيره‪r‬ا وهن‪r‬اك مجتمع‪r‬ات‬
‫تتغير أيضا أس‪rr‬رع او ابط‪rr‬أ من غيره‪rr‬ا‪ ،‬ف‪rr‬اذا ك‪rr‬انت ك‪rr‬ل العملي‪rr‬ات تح‪rr‬دث‬
‫بالسرعة نفسها وبالمستوى نفسه وتتسارع او تتباطأ بانس‪rr‬جام فس‪rr‬يكون من‬

‫‪127‬‬
‫المستحيل مالحظة التغير‪ .‬المستقبل يغزو الحاضر بسرعات مختلفة‪ ،‬له‪rr‬ذا‬
‫أص‪rr‬بح ممكن‪rr‬ا مقارن‪rr‬ة س‪rr‬رعة العملي‪rr‬ات المختلف‪rr‬ة بوض‪rr‬وح‪ .‬نحن نع‪rr‬رف‪،‬‬
‫مثال‪ ،‬بالمقارنة مع التطور البيولوجي للجنس البشري‪ ،‬التطور االجتماعي‬
‫والثقافي في الواق‪rr‬ع أس‪rr‬رع بكث‪rr‬ير‪ ،‬ونع‪rr‬رف أيض‪rr‬ا ان بعض المجتمع‪rr‬ات‬
‫تطورت اقتص‪rr‬اديا وتكنولوجي‪rr‬ا أس‪rr‬رع من األخ‪rr‬رى‪ ،‬وان بعض المفاص‪rr‬ل‬
‫في المجتمع الواحد تتطور بمعدالت أس‪rr‬رع من غيره‪rr‬ا وهي ال‪rr‬تي س‪rr‬ماها‬
‫وليم اوكبرن الفجوة الثقافي‪rr‬ة ‪ Cultural lag‬وهي تع‪rr‬ني بالض‪rr‬بط التغ‪rr‬ير‬
‫غير المتوازن الذي يمكن قياس‪rr‬ه‪ .‬والواق‪rr‬ع نحن نحت‪rr‬اج الى مقي‪rr‬اس معتم‪rr‬د‬
‫‪ yardstick‬يجعل باإلمكان مقارنة عملي‪rr‬ات التغ‪rr‬ير ش‪rr‬ديدة التن‪rr‬وع‪ ،‬وه‪rr‬ذا‬
‫المقياس هو الزمن‪ .‬من غير الزمن يص‪r‬بح التغ‪r‬ير ال مع‪r‬نى ل‪r‬ه‪ ،‬ومن دون‬
‫التغ‪rr‬ير يتوق‪rr‬ف ال‪rr‬زمن‪ .‬ال‪rr‬زمن يمكن ادراك‪rr‬ه عن طري‪rr‬ق ف‪rr‬ترات وق‪rr‬وع‬
‫االح‪rr‬داث‪ ،‬تمام‪rr‬ا مثلم‪rr‬ا تس‪rr‬مح لن‪rr‬ا النقود بتحدي‪rr‬د قيم‪rr‬ة البطيخ والبرتقال‪،‬‬
‫الزمن يسمح لنا بمقارنة عمليات التغير المختلفة‪ ،‬فلو قلنا اننا نحت‪rr‬اج ثالث‬
‫سنين لبناء سد من السدود‪ ،‬فكأنما نقول اننا نحتاج ما يعادل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫*النيرفانا‪ :‬حالة االنطفاء الكامل التي يصل اليها االنسان بعد مدة من التأمل العميق في‬
‫الديانة البوذية‪ .‬وهي طريقة مهمة لتفريغ الشحنات العاطفية الضاغطة‬
‫دوران األرض حول الشمس ثالث مرات‪ .‬الزمن ه‪rr‬و عمل‪rr‬ة التب‪rr‬ادل ال‪rr‬تي‬
‫تجع‪rr‬ل باإلمك‪rr‬ان مقارن‪rr‬ة مع‪rr‬دالت التغ‪rr‬ير المختلف‪rr‬ة‪ ،‬وم‪rr‬ع التس‪rr‬لح ب‪rr‬الزمن‬
‫بوصفه مقياس‪rr‬ا معتم‪rr‬دا للتغ‪rr‬يرات غ‪rr‬ير المتس‪rr‬اوية‪ ،‬فإنن‪rr‬ا م‪rr‬ا ن‪rr‬زال نواج‪rr‬ه‬
‫صعوبة بالغة في قياس التغير‪ ،‬فعندما نتحدث عن معدل التغير فإننا نش‪rr‬ير‬

‫‪128‬‬
‫الى عدد االحداث التي تتجم‪rr‬ع خالل حقب زمني‪rr‬ة نح‪rr‬ددها اعتباطي‪rr‬ا‪ ،‬له‪rr‬ذا‬
‫نحتاج الى تعريف "االحداث" وهذ يستلزم اختيار الف‪rr‬ترات الزمني‪rr‬ة بدق‪rr‬ة‪،‬‬
‫ونحت‪rr‬اج الح‪rr‬ذر في االس‪rr‬تنتاجات ال‪rr‬تي نص‪rr‬ل اليه‪rr‬ا بس‪rr‬بب اختالفاتن‪rr‬ا في‬
‫المالحظة‪ .‬وعلى الرغم من اننا أكثر تقدما في قياس التغ‪r‬ير الط‪r‬بيعي عم‪r‬ا‬
‫هو عليه الحال في التغير االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬فإنن‪rr‬ا نع‪rr‬رف بطريقة أفض‪rr‬ل مثال‪،‬‬
‫كي‪rr‬ف نقيس مع‪rr‬دل جري‪rr‬ان ال‪rr‬دم في الجس‪rr‬م‪ ،‬أك‪rr‬ثر مم‪rr‬ا نع‪rr‬رف عن مع‪rr‬دل‬
‫انتشار الشائعة في المجتمع‪ .‬ومع كل هذه المؤهالت‪ ،‬على كل حال‪ ،‬هناك‬
‫اتفاق واسع بين المؤرخين وعلماء االثار وعلماء االجتماع واالقتص‪rr‬اد في‬
‫ان معدالت التغير تتسارع بشكل غير مسبوق وغير مسيطر عليه‪ ،‬وربم‪rr‬ا‬
‫يصعب قياسه مع كل التقدم التكنولوجي الذي وصلنا اليه‪ .‬وق‪rr‬د يك‪rr‬ون ذل‪rr‬ك‬
‫مدعاة إلعادة النظر ليس في المقياس المعتمد وانم‪rr‬ا في طريقة المالحظ‪rr‬ة‬
‫وإجراءات القياس طالم‪rr‬ا انن‪rr‬ا ال نمل‪rr‬ك وس‪rr‬يلة قي‪rr‬اس أخ‪rr‬رى غ‪rr‬ير ال‪rr‬زمن‪.‬‬
‫)‪Toffler (1971‬‬
‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫إذا كنا نعتقد اننا نعيش في مجتمع وإننا نستبطن معايير هذا المجتمع وقيمه‬
‫وعاداته شعوريا او ال شعوريا ونتماثل مع أعضاء المجتمع االخرين فإنن‪rr‬ا‬
‫ندخل ضمن دائرة البرمج‪r‬ة العقلي‪r‬ة للثقاف‪rr‬ة‪ ،‬بمع‪r‬نى انن‪r‬ا نتص‪rr‬رف ونعم‪r‬ل‬
‫ونشعر بطريقة غير قابلة للتجزئة‪ .‬يمكننا التكيف مع ثقاف‪rr‬ة أخ‪rr‬رى بعملي‪rr‬ة‬
‫تث‪rr‬اقف او اس‪rr‬تعارة او استحس‪rr‬ان‪ ،‬ولكنن‪rr‬ا ال نس‪rr‬تطيع تحت أي ظ‪rr‬رف ان‬
‫نتخلى عن القواعد الثقافية التي شربناها مع اول قطرة لبن ومع اول كلم‪rr‬ة‬
‫استحسان او استهجان‪ ،‬م‪rr‬ع اول كلم‪rr‬ة عيب او ح‪rr‬رام‪ ،‬ثم م‪rr‬ع دار دور في‬

‫‪129‬‬
‫القراءة الخلدونية‪ .‬الثقافة اذن وعاء عمالق يستوعب طريقة حي‪rr‬اة أعض‪rr‬اء‬
‫كل مجتمع من المجتمعات‪ ،‬ويمنحهم هوية ال تش‪rr‬به ب‪rr‬اقي الهوي‪rr‬ات‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من الغزو الثقافي الذي حملته الينا وسائل التواص‪rr‬ل الحديث‪rr‬ة‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من التقارب الشديد بين سكان الكوكب‪ ،‬اال ان التنوع الثقافي س‪rr‬يبقى‬
‫ابدا ألنه يورث عبر األجيال بطريقة تشبه الموروثات الجينية‪.‬‬
‫لقد تفاءل بعض السياسيين وعلماء االجتماع كثيرا عندما ظنوا ان العولم‪rr‬ة‬
‫يمكن ان تعمل على حص‪r‬ر الثقاف‪r‬ات المتنوع‪r‬ة تحت خيم‪r‬ة ثقافي‪r‬ة واح‪r‬دة‪،‬‬
‫فوجدوا بعد حين ان تفاؤلهم لم يكن في محله وان العولمة ذاتها ليست أكثر‬
‫من حلم من االحالم وان الثقافات على تنوعها تزداد تمس‪r‬كا بتقالي‪r‬دها كلم‪r‬ا‬
‫ازداد عليها الضغط‪.‬‬
‫اعترف ان الثقاف‪rr‬ة يمكن ان تتح‪rr‬ول وتتب‪rr‬دل وتتط‪rr‬ور ولكن يبقى ك‪rr‬ل ذل‪rr‬ك‬
‫ض‪rr‬من حرك‪rr‬ة التغ‪rr‬ير الط‪rr‬بيعي ال‪rr‬ذي يس‪rr‬تلزمه التب‪rr‬دل في نم‪rr‬ط اإلنت‪rr‬اج‬
‫واالستهالك‪ .‬وبسبب التنوع الثقافي ومعدالت التط‪rr‬ور ف‪rr‬ان مفه‪rr‬وم ال‪rr‬زمن‬
‫ظل احد اهم مكونات الثقافة‪ ،‬وفي ذلك مازالت ك‪rr‬ل ثقاف‪rr‬ة تحتف‪rr‬ظ بحس‪rr‬ابها‬
‫وادراكها للزمن‪ ،‬فالثقافات التي حولت ال‪rr‬وقت الى بض‪rr‬اعة يمكن بيعه‪rr‬ا او‬
‫شراؤها او االحتفاظ بها تنظر للزمن بمنظور مادي على ان‪rr‬ه س‪rr‬لعة غالي‪rr‬ة‬
‫الثمن‪ ،‬وهذا يحس‪rr‬ب للث‪rr‬ورة الص‪rr‬ناعية ال‪rr‬تي ح‪rr‬ولت إيقاع ال‪rr‬زمن البطيء‬
‫المرتبط بأحداث الطبيعة الى إيقاع سريع يتناسب مع المكننة واالتمتة‪ ،‬ام‪rr‬ا‬
‫المجتمعات التقليدية التي ُنصنف نحن ضمن دائرتها المغلقة فإنه‪rr‬ا م‪rr‬اتزال‬
‫تتعام‪rr‬ل م‪rr‬ع ال‪rr‬زمن على ان‪rr‬ه بض‪rr‬اعة كاس‪rr‬دة ال قيم‪rr‬ة له‪rr‬ا‪ ،‬يمكن تض‪rr‬ييعه‬
‫ويمكن التعام‪rr‬ل مع‪rr‬ه ب‪rr‬تراخ ويمكن اهمال‪rr‬ه‪ ،‬والس‪rr‬اعات غالي‪rr‬ة الثمن ال‪rr‬تي‬

‫‪130‬‬
‫نعلقها على الحوائط أو التي نرتديها في المعاص‪rr‬م نس‪r‬تخدمها للزين‪r‬ة وليس‬
‫لجدولة انشطتنا اليومية‪.‬‬
‫الزمن واستخداماته يحدد موقعن‪r‬ا على خرائ‪r‬ط الط‪r‬ول والع‪r‬رض الثقافي‪r‬ة‪،‬‬
‫ومع اننا في زمن سريع التبدل في كل الميادين مازلنا نتأخر عن المواعي‪rr‬د‬
‫بمع‪rr‬دالت تف‪r‬وق أج‪rr‬زاء الس‪rr‬اعة وال نك‪rr‬ترث‪ ،‬وم‪rr‬ا ت‪rr‬زال مؤسس‪rr‬اتنا تعم‪rr‬ل‬
‫بقوانين المواسم والفصول‪ ،‬وما زلنا نستخدم النظام الب‪r‬يروقراطي ال‪r‬ورقي‬
‫الذي انقرض منذ ربع قرن في ك‪rr‬ل تعامالتن‪rr‬ا اليومي‪rr‬ة‪ .‬وف‪rr‬وق ه‪rr‬ذا م‪rr‬ازال‬
‫الماضي يجرنا بقوة الى الخلف‪ .‬التغير الذي يقاس ب‪rr‬الزمن لم ي‪rr‬دفعنا ول‪rr‬و‬
‫لمرة نحو حسابه بمنطق المتأخر في السباق‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫أشكال الجماعات االجتماعية‬
‫‪Forms of Social Groups‬‬

‫في الجماعة تتربى الميول‬

‫‪132‬‬
‫الجماعات‪ ،‬الفئات والتجمعات اإلحصائية ‪Groups, Categories and‬‬
‫‪Statistical Aggregations‬‬
‫مفه‪rr‬وم الجماع‪rr‬ة يطل‪rr‬ق من غ‪rr‬ير تمي‪rr‬يز على ع‪rr‬دد كب‪rr‬ير من التجمع‪rr‬ات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬عصبة من المراهقين في حارة‪ ،‬حفنة من القرويين في ع‪rr‬رس‪،‬‬
‫أربعين أل‪rr‬ف عام‪rr‬ل في معم‪rr‬ل لألدوي‪rr‬ة‪ ،‬ملي‪rr‬ون معلم أعض‪rr‬اء في نقاب‪rr‬ة‬
‫المعلمين‪ ،‬اثنين مليون حاج لبيت هللا الح‪rr‬رام‪ ،‬االس‪rr‬رة‪ ،‬والقبيل‪rr‬ة والعش‪rr‬يرة‬
‫والفخ‪rr‬ذ‪ ،‬م‪rr‬وظفي الحكوم‪rr‬ة‪ ،‬مش‪rr‬اهدي الس‪rr‬ينما‪ ،‬الوجودي‪rr‬ون ‪beatniks‬‬
‫والماركسيون والمتدينون‪ .‬هذا الفيلق من الجماعات ‪legion of groups‬‬
‫متنوع لدرجة يصعب وضعها تحت مسمى واحد‪ .‬االسرة بالع‪rr‬دد المح‪rr‬دود‬
‫ألعضائها‪ ،‬دورها‪ ،‬ومكانتها واحساسها باالنتماء‪ ،‬هي بالتأكيد تختل‪rr‬ف في‬
‫أهميتها عن الكنيسة الكاثوليكية مع اتساعها الترات‪rr‬بي وم‪rr‬ع ماليين االتب‪rr‬اع‬
‫ال‪rr‬ذين يش‪rr‬تركون في االعتقاد نفس‪rr‬ه‪ ،‬من الع‪rr‬املين في حقل الكهرب‪rr‬اء الى‬
‫العاملين في البن‪rr‬وك وال‪rr‬ذين يتمتع‪rr‬ون بمكان‪rr‬ة اجتماعي‪rr‬ة متش‪rr‬ابهة من دون‬
‫وعي بالهوية الجمعية‪ .‬كل هذه التجمعات اإلنسانية تضع علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع‬
‫امام مسؤولية تصنيفها فئويا وتبويبها وظيفيا وتحليلها منهجيا‪.‬‬
‫ان تص‪rr‬نيف الجماع‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة ال‪rr‬تي ح‪rr‬ددناها في ه‪rr‬ذا الس‪rr‬ياق او‬
‫الجماعات األخرى التي لم نشر اليها والتي تتضمن فئات‪ ،‬العمر‪ ،‬ال‪rr‬دخل‪،‬‬
‫المهن‪rr‬ة‪ ،‬المك‪rr‬ان او الحقب‪rr‬ة الزمني‪rr‬ة لبقائه‪rr‬ا هي مس‪rr‬ميات اعتباطي‪rr‬ة‪ ،‬وان‬
‫وض‪rr‬عها تحت ه‪rr‬ذا التص‪rr‬نيف ليس مج‪rr‬ديا‪ ،‬الن الجماع‪rr‬ة ترتب‪rr‬ط بالمكان‪rr‬ة‬
‫والمكان‪rr‬ة تتغ‪rr‬ير ع‪rr‬بر ال‪rr‬زمن‪ ،‬له‪rr‬ذا ك‪rr‬ان علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع ال‪rr‬ذين ترك‪rr‬وا‬
‫بصماتهم على هذا النوع من البحث العلمي يبحث‪rr‬ون عن محك‪rr‬ات تص‪rr‬نيف‬

‫‪133‬‬
‫منطقية‪ .‬وعلى الرغم من صعوبة الوصول الى تصنيف منطقي للجماعات‬
‫المختلفة بسبب ان بعضها يقع خارج التصنيف‪ ،‬مثل مشجعي كرة القدم او‬
‫المش‪rr‬اركين في تظ‪rr‬اهرة او المتجمعين ام‪rr‬ام ف‪rr‬رن ل‪rr‬بيع الخ‪rr‬بز ذل‪rr‬ك ألنه‪rr‬ا‬
‫تجمع‪rr‬ات مؤقت‪rr‬ة فيم‪rr‬ا تمتل‪rr‬ك الجماع‪rr‬ة ق‪rr‬درا من الديموم‪rr‬ة والثب‪rr‬ات‪ ،‬مث‪rr‬ل‬
‫االسرة واألصدقاء والجيرة‪ .‬يقول شينوي )‪ Chinoy (1971‬ان المشكلة‬
‫المركزي‪rr‬ة في تص‪rr‬نيف الجماع‪rr‬ات وتحليله‪rr‬ا‪ ،‬هي طبيع‪rr‬ة العالق‪rr‬ات بين‬
‫أعضائها‪ ،‬وان احدى اهم التمايزات تكمن في فصل الجماعات التي ترتبط‬
‫بعالقات قريبة وحميمة (الجماعات األولية) وتلك التي ليس بينها مثل ه‪rr‬ذه‬
‫العالقات (الجماعة الثانوية)‪ .‬الجماعة االولية تتضمن االسرة‪ ،‬جماعة‬
‫اللعب‪ ،‬األص‪rr‬دقاء‪ ،‬الج‪rr‬يرة وأحيان‪rr‬ا المجتم‪rr‬ع المحلي‪ .‬العالق‪rr‬ات داخ‪rr‬ل‬
‫الجماعة األولية شخصية‪ ،‬عفوي‪r‬ة‪ ،‬وتس‪r‬تلزم م‪r‬دة طويل‪r‬ة نس‪r‬بيا في بقائه‪r‬ا‪.‬‬
‫االس‪rr‬رة اهم الجماع‪rr‬ات األولي‪rr‬ة على االطالق‪ .‬الجماع‪rr‬ات االولي‪rr‬ة ربم‪rr‬ا‬
‫وجدت أيضا ضمن الجماعات األكبر حجما التي يطلق عليها الجماعات‬
‫الثانوية ‪ ،‬مثل اتحاد التجار‪ ،‬والمؤسسات المالية‪ ،‬والمصانع‪ ،‬والجامعات‪،‬‬
‫والدوائر الحكومية‪ ،‬والجماعات الديني‪rr‬ة‪ ،‬ولكن ه‪rr‬ذه الجماع‪rr‬ات ليس‪rr‬ت في‬
‫حقيقتها أولية الن أعضاءها ال يرتبطون بروابط حميمة او شخص‪rr‬ية‪ .‬ه‪rr‬ذه‬
‫التصنيفات ترتب‪rr‬ط ب‪rr‬رواد علم االجتم‪rr‬اع األوائ‪rr‬ل مث‪rr‬ل دوركه‪rr‬ايم ج‪rr‬ارلس‬
‫كولي وماكيفر‪ ،‬هؤالء الرواد هم الذين وض‪rr‬عوا األس‪rr‬اس لك‪rr‬ل التص‪rr‬نيفات‬
‫الالحقة‪ ،‬على ال‪r‬رغم من تط‪r‬ور المجتمع‪r‬ات وتب‪r‬دل عالقاته‪r‬ا وتفاعالته‪r‬ا‪.‬‬
‫باالنتاين وروبرتس )‪ Ballantine & Roberts (2009‬ص‪rr‬نفوها الى‬

‫‪134‬‬
‫ثالث مجموعات‪ ،‬مجموعات صغيرة ‪ ،Micro‬متوس‪rr‬طة ‪ Meso‬وكب‪rr‬يرة‬
‫‪Macro‬‬
‫الحقيقة ان ك‪rr‬ل من‪rr‬ا يول‪rr‬د في اس‪rr‬رة‪ ،‬عملي‪rr‬ات التنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة تتم في‬
‫جماع‪rr‬ات‪ ،‬ونحن نعتم‪rr‬د في بقائن‪rr‬ا على جماع‪rr‬ة‪ ،‬ح‪rr‬تى الناس‪rr‬ك ‪hermit‬‬
‫يحت‪rr‬اج الى جماع‪rr‬ة لتلبي‪rr‬ة كث‪rr‬ير من احتياجات‪rr‬ه للبقاء‪ ،‬ليس هن‪rr‬اك ناس‪rr‬ك‬
‫معزول تماما‪ .‬الجماعات مهمة للحماية‪ ،‬والحصول على الطعام‪ ،‬وصناعة‬
‫البضائع‪ ،‬للحصول على عم‪rr‬ل‪ ،‬لل‪rr‬دعم واالس‪rr‬ناد‪ ،‬والجماع‪rr‬ة تل‪rr‬بي حاجتن‪rr‬ا‬
‫االجتماعية لالنتماء والقب‪rr‬ول‪ .‬ويمكن ان تك‪rr‬ون ص‪rr‬غيرة ذات بيئ‪rr‬ة حميم‪rr‬ة‬
‫على مستوى ‪ micro level‬مثل األصدقاء ويمكن ان تتحول الى منظم‪rr‬ة‬
‫متوسطة الحجم ‪ ،Meso level‬وفي كل األحوال عن طريق العضوية في‬
‫كال الجماعتين يحدث الترابط بينهما‪.‬‬
‫وبعد هذا فان الجماعة تمثل شخصين او أكثر يتف‪rr‬اعلون م‪rr‬ع بعض‪rr‬هم بن‪rr‬اء‬
‫على مص‪rr‬الح واه‪rr‬داف وحاج‪rr‬ات مش‪rr‬تركة‪ .‬األعض‪rr‬اء يش‪rr‬عرون باالنتم‪rr‬اء‬
‫للجماع‪rr‬ة واألعض‪rr‬اء االخ‪rr‬رون ينظ‪rr‬رون لهم بالمنظ‪rr‬ار نفس‪rr‬ه كم‪rr‬ا ي‪rr‬راهم‬
‫االخرون من خ‪rr‬ارج الجماع‪rr‬ة على انهم يفك‪rr‬رون ويش‪rr‬عرون ويتص‪rr‬رفون‬
‫على وف‪rr‬ق األه‪rr‬داف المش‪rr‬تركة للجماع‪rr‬ة األخ‪rr‬رى‪ .‬والجماع‪rr‬ات تض‪rr‬ع‬
‫محددات للعضوية وطرائق انتماء االعضاء الجدد‪ ،‬كم‪rr‬ا تض‪rr‬ع قواع‪rr‬د من‬
‫شانها ان تعمل دليال لسلوك األعضاء‪.‬‬
‫وفي كل األحوال ليس كل تجمع لعدد من االفراد ه‪rr‬و جماع‪rr‬ة‪ ،‬كم‪rr‬ا ذكرن‪rr‬ا‬
‫سابقا‪ ،‬فاألسرة جماعة ولكن المتسوقين من المجمع‪rr‬ات التجاري‪rr‬ة او ال‪rr‬ذين‬
‫ينتظرون الباص ليسوا جماعات‪ ،‬انها تجمعات عشوائية ألنهم ال يتفاعلون‬

‫‪135‬‬
‫وليست لهم اهداف او مص‪rr‬الح مش‪rr‬تركة‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من ك‪rr‬ل التح‪rr‬والت‬
‫االجتماعية تبقى الجماعة جزءا أساسيا للحياة اإلنسانية‪ ،‬انها تح‪rr‬دد موقعن‪rr‬ا‬
‫على خرائط المحيط االجتماعي وتزودنا بالدعم واالنتماء‪ .‬اعداد قليلة فقط‬
‫يمكنها المحافظة على البقاء خارج الجماعة كما سيتض‪rr‬ح عن‪rr‬د اس‪rr‬تعراض‬
‫الالمعيارية واالنتحار‪.‬‬
‫الالمعيارية واالنتحار ‪Anomie & Suicide‬‬
‫مع التبدالت السريعة وم‪rr‬ع تش‪rr‬ظي البن‪rr‬اء المؤسس‪rr‬ي في أفغانس‪rr‬تان بس‪rr‬بب‬
‫زعماء الحرب المتنافسين من اج‪rr‬ل الس‪rr‬لطة‪ ،‬وفي الع‪rr‬راق حيث تتص‪rr‬ارع‬
‫الجماعات الدينية والعرقية‪ ،‬على أثر الغزو األم‪rr‬ريكي وبتش‪rr‬جيع من‪rr‬ه‪ ،‬من‬
‫اجل الس‪r‬لطة االقتص‪rr‬ادية والسياس‪r‬ية‪ ،‬ظه‪r‬رت للوج‪r‬ود مش‪r‬كالت مرعب‪r‬ة‪،‬‬
‫تفكك المجتمع المدني‪ ،‬صراع من اجل السلطة‪ ،‬تفج‪rr‬يرات انتحاري‪rr‬ة‪ ،‬قت‪rr‬ل‬
‫منظم‪ ،‬فرهود‪ .‬هذه المشكالت كانت تحدث بش‪rr‬كل متك‪rr‬رر ألك‪rr‬ثر من عقد‬
‫كامل من الزمان‪ .‬وسائل الضبط الرسمية (قوى االمن ال‪rr‬داخلي) أص‪rr‬بحت‬
‫غائب‪rr‬ة او مغيب‪rr‬ة‪ ،‬والقي‪rr‬ادات تع‪rr‬اني من ع‪rr‬دم ق‪rr‬درتها على ض‪rr‬بط األم‪rr‬ور‪،‬‬
‫نتيج‪rr‬ة ه‪rr‬ذا التش‪rr‬ظي في المع‪rr‬ايير تول‪rr‬د ‪ Anomie‬ال‪rr‬ذي يع‪rr‬ني حال‪rr‬ة‬
‫الالمعيارية‪ ،‬حيث ان قواع‪rr‬د الس‪rr‬لوك في المجتم‪rr‬ع تتهش‪rr‬م تحت الض‪rr‬غوط‬
‫الشديدة للتغير االجتماعي السريع او الصراع )‪ .Merton (1968a‬لنأخذ‬
‫مثال ظاهرة االنتحار‪ .‬واالنتحار فعل فردي يقوم به الفرد بس‪r‬بب مش‪r‬كالت‬
‫شخصية‪ .‬مبكرا عالم االجتماع الفرنسي اميل دوركهايم اتجه اتجاها فري‪rr‬دا‬
‫في دراسة ظ‪rr‬اهرة االنتح‪rr‬ار‪ .‬ن‪rr‬اقش فيه‪rr‬ا ت‪rr‬أثير العوام‪rr‬ل االجتماعي‪rr‬ة على‬
‫االنتح‪rr‬ار اعتم‪rr‬ادا على اإلحص‪rr‬اءات المت‪rr‬وفرة عن مع‪rr‬دالت االنتح‪rr‬ار في‬

‫‪136‬‬
‫اورب‪rr‬ا‪ ،‬واس‪rr‬تخدم ل‪rr‬ذلك متغ‪rr‬يرات مث‪rr‬ل الجنس والعم‪rr‬ر وال‪rr‬دين والقومي‪rr‬ة‬
‫والموسم الذي يحدث فيه االنتحار‪ ،‬وكانت نتائجه مفاجِئ ة للكث‪rr‬يرين‪ ،‬حيث‬
‫اثبت ان المش‪rr‬كالت الفردي‪rr‬ة ال يمكن ان تفهم من دون فهم نم‪rr‬ط الجماع‪rr‬ة‬
‫التي حدثت فيها‪ ،‬مستوى التفاعل‪ ،‬واالحداث والقوى المؤثرة األخ‪rr‬رى في‬
‫النظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي‪ .‬دوركه‪rr‬ايم وج‪rr‬د ان البروتس‪rr‬تانت أك‪rr‬ثر انتح‪rr‬ارا من‬
‫الكاثولي‪rrr‬ك‪ ،‬أعض‪rrr‬اء المراك‪rrr‬ز الحض‪rrr‬رية أك‪rrr‬ثر انتح‪rrr‬ارا من أعض‪rrr‬اء‬
‫المجتمعات المحلي‪rr‬ة الص‪rr‬غيرة‪ ،‬في المجتمع‪rr‬ات المتط‪rr‬ورة والمعقدة أك‪rr‬ثر‬
‫تكرارا من المجتمعات البس‪rr‬يطة‪ ،‬ال‪rr‬ذين يعيش‪rr‬ون وحي‪rr‬دين أك‪rr‬ثر من ال‪rr‬ذين‬
‫يعيشون داخل عوائل‪ .‬العامل الرئيس الذي يرب‪rr‬ط ه‪rr‬ذه النت‪rr‬ائج ه‪rr‬و درج‪rr‬ة‬
‫تكام‪rr‬ل الف‪rr‬رد م‪rr‬ع الجماع‪rr‬ة‪ ،‬أو العالق‪rr‬ة الوثيقة م‪rr‬ع االخ‪rr‬رين‪ .‬ففي اثن‪rr‬اء‬
‫الحرب يشعر الناس بالس‪rr‬بب واالنتم‪rr‬اء المش‪rr‬ترك ال‪rr‬ذي ي‪rr‬دفعهم للتماس‪rr‬ك‪،‬‬
‫لهذا فان االنتحار يزداد في السلم عنه في الحرب ألنهم اثناء السلم يضعف‬
‫لديهم الرابط القوي ال‪r‬ذي ي‪r‬دفعهم للتقارب والتض‪r‬امن‪ .‬ثم ذهب دوركه‪r‬ايم‬
‫لوصف ثالث أنواع مختلفة من االنتحار‪:‬‬
‫االنتحار االناني او األنوي ‪( Egoistic Suicide‬نسبة الى االنا) أي‬
‫عندما يحدث تضخم في االنا او الذات ويض‪rr‬عف الراب‪rr‬ط االجتم‪rr‬اعي ل‪rr‬دى‬
‫الفرد‪ ،‬ويفتقد الجو االسري وج‪rr‬و االص‪rr‬دقاء‪ ،‬يتول‪rr‬د ش‪rr‬عور بالي‪rr‬أس يدفع‪rr‬ه‬
‫للتخلص من نفسه تحت دافع العزلة وغياب الشعور باالنتماء وعدم جدوى‬
‫الحياة‪.‬‬
‫االنتحار الالمعياري ‪ Anomic Suicide‬وهذا النوع من االنتحار يحدث‬
‫عندما يكون المجتمع او أحد اجزائه في حال‪r‬ة اض‪r‬طراب او تفك‪r‬ك وتك‪r‬ون‬

‫‪137‬‬
‫المع‪rr‬ايير الض‪rr‬ابطة للس‪rr‬لوك في حال‪rr‬ة من الغم‪rr‬وض او الت‪rr‬دهور‪ ،‬وه‪rr‬ذا‬
‫الوض‪rr‬ع يراف‪rr‬ق التغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي الس‪rr‬ريع او المف‪rr‬اجئ او المش‪rr‬كالت‬
‫االقتصادية التي تقود الى االكتئاب‪.‬‬
‫االنتحار االيثاري ‪Altruistic Suicide‬‬
‫وهذا النوع يختلف عن سابقيه في ان الفرد‬
‫يشعر برابط وانتم‪rr‬اء ق‪rr‬وي ج‪rr‬دا للجماع‪rr‬ة‪،‬‬
‫ولديه استعداد للتضحية بنفس‪rr‬ه في س‪rr‬بيلها‪،‬‬
‫وبقاء الجماع‪r‬ة لدي‪r‬ة أك‪r‬ثر اهمي‪r‬ة من بقاء‬
‫الف‪r‬رد )‪ Durkheim (1897/1964‬ومن‬ ‫االنتحار االنوي‬

‫األمثل‪rrr‬ة على االنتح‪rrr‬ار االيث‪rrr‬اري‪ ،‬المتأس‪rrr‬لمين من اتب‪rrr‬اع تنظيم الدول‪rrr‬ة‬


‫اإلسالمية الع‪rr‬راق والش‪rr‬ام (داعش) ال‪rr‬ذين دفع‪rr‬وا المغ‪rr‬رر بهم الى تفج‪rr‬ير‬
‫انفسهم على احي‪r‬اء س‪r‬كنية وأس‪r‬واق وم‪r‬آتم واف‪rr‬راح ونقاط تف‪r‬تيش عراقي‪r‬ة‬
‫وامريكي‪rr‬ة‪ ،‬الفلس‪rr‬طينيون م‪rr‬ع إس‪rr‬رائيل‪ ،‬الرهب‪rr‬ان البوذي‪rr‬ون ال‪rr‬ذين احرق‪rr‬وا‬
‫انفسهم احتجاج‪rr‬ا على الح‪rr‬رب ض‪rr‬د فيتن‪rr‬ام‪ ،‬والطي‪rr‬ارون الياب‪rr‬انيون ال‪rr‬ذين‬
‫قادوا عمليات انتحاري‪rr‬ة ض‪rr‬د االمريك‪rr‬ان في الح‪rr‬رب الكوني‪rr‬ة الثاني‪rr‬ة‪ .‬ه‪rr‬ذا‬
‫النوع من االنتحار يتجذر في عملية التكامل فوق العادة مع الجماعة‬
‫أنواع الجماعات ‪Type of Groups‬‬
‫كلن‪rrr‬ا ينتمي لجماع‪rrr‬ة او ع‪rrr‬دد من الجماع‪rrr‬ات‪ ،‬وكلم‪rrr‬ا ازدادت عالقاتن‪rrr‬ا‬
‫وانتماءاتنا للجماعات كلما ازدادت حياتنا تعقيدا وازدادت معها مش‪rr‬كالتنا‪،‬‬
‫بعض الجماعات تمنحنا االلفة والعالقة الحميمة‪ ،‬وبعضها االخر ال تفع‪rr‬ل‪،‬‬
‫بعضها تستلزم الشعور باالنتماء وبعضها تطوعية‪ ،‬بعضها تمنحنا القناع‪rr‬ة‬

‫‪138‬‬
‫وبعض‪rr‬ها تتطلب التزام‪rr‬ا واحساس‪rr‬ا ب‪rr‬الوجود والبقاء‪ .‬علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع‬
‫وض‪rr‬عوا التص‪rr‬نيف االتي للجماع‪rr‬ات‪ ،‬بعض‪rr‬ها أش‪rr‬رنا اليه‪rr‬ا في الس‪rr‬ياق‬
‫وبعضها سناتي عليها‪:‬‬
‫الجماعات األولية‪Primary Groups :‬‬
‫الجماعة األولية هي جماعة اجتماعية صغيرة يشترك أعض‪rr‬اؤها بعالق‪rr‬ات‬
‫شخصية طويلة األمد نسبيا‪ ،‬يقضي الفرد معظم وقته في داخلها‪ ،‬وينخ‪rr‬رط‬
‫في اغلب أنشطتها المشتركة‪ ،‬ويشعر أعضاؤها بان كل واحد منهم يع‪rr‬رف‬
‫االخر‪ ،‬وعلى الرغم من انها ال تخلو من بعض أنواع الصراع‪ ،‬اال ان ك‪rr‬ل‬
‫عضو فيها يحرص كل الحرص على سعادة االخ‪rr‬رين ورف‪rr‬اهيتهم‪ ،‬أفض‪rr‬ل‬
‫ممثل لهذه الجماع‪rr‬ة هي االس‪rr‬رة واألص‪rr‬دقاء‪ .‬ق‪rr‬وة العالق‪rr‬ات األولي‪rr‬ة تمنح‬
‫الفرد الراحة والشعور باألمن‪ ،‬وفيها ال يحتاج الفرد ان يقلق لتعبير ص‪rr‬در‬
‫عن‪rr‬ه‪ .‬اعض‪rr‬اء الجماع‪rr‬ة األولي‪rr‬ة يقوم‪rr‬ون بمس‪rr‬اعدة بعض‪rr‬هم اقتص‪rr‬اديا‬
‫وي‪rr‬دعمون بعض‪rr‬هم معنوي‪rr‬ا‪ ،‬ويقف‪rr‬ون الى ج‪rr‬انبهم في االف‪rr‬راح واألزم‪rr‬ات‬
‫والنزاعات‪ ،‬وهم لهذا يرون ان الجماعة وبقاءها وسعادتها هي غاي‪rr‬ة ف‪rr‬وق‬
‫كل الغايات‪ ،‬وان كل عضو فيها ي‪rr‬رى أعض‪rr‬اءها االخ‪rr‬رين ش‪rr‬يئا فري‪rr‬دا ال‬
‫يع‪rr‬وض‪ ،‬ويرتبط‪rr‬ون بعواط‪rr‬ف ووالءات غ‪rr‬ير مح‪rr‬دودة‪Macionis & .‬‬
‫)‪Plummer (2002‬‬
‫الجماعات الثانوية ‪Secondary Groups‬‬
‫على النقيض من الجماعة األولية‪ ،‬الجماعة الثانوية هي جماع‪rr‬ة اجتماعي‪rr‬ة‬
‫كبيرة وعالقاتها غير شخصية‪ ،‬ويشترك أعضاؤها في اهتمامات ومصالح‬
‫مح‪rr‬ددة‪ ،‬وتتم‪rr‬يز بض‪rr‬عف الرواب‪rr‬ط العاطفي‪rr‬ة‪ ،‬ومعرف‪rr‬ة أعض‪rr‬ائها بعض‪rr‬هم‬

‫‪139‬‬
‫البعض محدودة جدا ان لم تكن معدومة‪ ،‬وال يدوم بقاؤها طويال‪ ،‬فهي تب‪rr‬دأ‬
‫وتنتهي من دون أهمية الس‪rr‬يما‪ ،‬الطالب في الجامع‪rr‬ة ال‪rr‬ذين ربم‪rr‬ا ال ي‪rr‬رى‬
‫أح‪rr‬دهم االخ‪rr‬ر بع‪rr‬د التخ‪rr‬رج اب‪rr‬دا‪ ،‬هم نم‪rr‬وذج للجماع‪rr‬ة الثانوي‪rr‬ة‪ .‬الرواب‪rr‬ط‬
‫االجتماعي‪rr‬ة الض‪rr‬عيفة تس‪rr‬مح للجماع‪rr‬ة الثانوي‪rr‬ة من ض‪rr‬م ع‪rr‬دد كب‪rr‬ير من‬
‫االفراد‪ ،‬عشرات وربما مئات من األشخاص الذين يعملون في مكان واحد‬
‫وال يعير بعضهم االنتباه لبعض اال بشكل س‪rr‬طحي للغاي‪rr‬ة مث‪rr‬ل القاء تحي‪rr‬ة‬
‫الصباح‪ ،‬لكن بمرور الوقت قد تتحول الجماعة الثانوية الى جماعة أولي‪rr‬ة‪،‬‬
‫مثل الزمالء الذين يعملون في مكان واح‪rr‬د لع‪rr‬دة س‪rr‬نوات ق‪rr‬د يتحول‪rr‬ون الى‬
‫أصدقاء‪ ،‬ومع ذلك فتلك حاالت استثنائية لعدد مح‪rr‬دود من االعض‪rr‬اء‪ ،‬وفي‬
‫ك‪rr‬ل األح‪rr‬وال الح‪rr‬دود الفاص‪rr‬لة بين أعض‪rr‬اء الجماع‪rr‬ات الثانوي‪rr‬ة عن غ‪rr‬ير‬
‫األعضاء أوضح بكثير منها ل‪rr‬دى الجماع‪rr‬ات األولي‪rr‬ة‪ .‬الجماع‪rr‬ات الثانوي‪rr‬ة‬
‫ينقص‪rr‬ها ال‪rr‬والء القوي للجماع‪rr‬ة‪ ،‬ويتعين على األعض‪rr‬اء التص‪rr‬رف م‪rr‬ع‬
‫نظرائهم باحترافية وحذر‪Ballantine & Roberts (2009) .‬‬
‫الجماعات المرجعية ‪Reference groups‬‬
‫تتألف هذه الجماعة من أعضاء يتصرفون بطريقة النموذج المثالي لتمثي‪rr‬ل‬
‫الدور‪ ،‬وتضع معايير ضد الخروج على المثل العليا للدور المقرر‪ ،‬لدرجة‬
‫ان األتباع يقيسون افعالهم وسلوكهم في ضوء ه‪rr‬ذه المع‪rr‬ايير‪ ،‬وفي ال‪rr‬وقت‬
‫ذات‪rr‬ه يع‪rr‬دون مع‪rr‬ايير الجماع‪rr‬ة المرجعي‪rr‬ة بمثاب‪rr‬ة دلي‪rr‬ل عم‪rr‬ل لس‪rr‬لوكهم‬
‫وق‪rr‬راراتهم‪ .‬ه‪rr‬ذا التعري‪rr‬ف يب‪rr‬دو اش‪rr‬به بالرطان‪rr‬ة لكن عن‪rr‬دما نع‪rr‬رف ان‬
‫المص‪rr‬طلح في الع‪rr‬ادة يس‪rr‬تخدم لإلش‪rr‬ارة الى النم‪rr‬وذج المخت‪rr‬ار في الحقل‬
‫المهني يظهر المع‪r‬نى‪ ،‬فالتلمي‪r‬ذ قب‪r‬ل دخ‪r‬ول كلي‪r‬ة الطب‪ ،‬وال‪r‬ذين يدرس‪r‬ون‬

‫‪140‬‬
‫التمريض‪ ،‬علم الحاسبات‪ ،‬الم‪rr‬ال واالعم‪rr‬ال‪ ،‬علم النفس‪ ،‬القانون‪ ،‬ه‪rr‬ؤالء‬
‫وامثالهم يراقبون من سبقوهم مهنيا لكي يحتذوا بس‪r‬لوكهم‪ .‬وعن‪r‬دما يتح‪r‬ول‬
‫الفرد من طالب الى مه‪rr‬ني ‪ Professional‬فان‪rr‬ه يتب‪rr‬نى‪ ،‬المالبس‪ ،‬ج‪rr‬دول‬
‫التوقيتات‪ ،‬المردود المالي المتوقع‪ ،‬والخصائص األخرى ال‪rr‬تي يتمت‪rr‬ع به‪rr‬ا‬
‫من سبقه ويمارسها في دوره الجديد‪ .‬انهم يقومون ب‪rr‬دور المحاك‪rr‬اة ألولئ‪rr‬ك‬
‫ال‪rr‬ذين يمثل‪rr‬ون النم‪rr‬وذج المص‪rr‬غر للنج‪rr‬اح في المي‪rr‬دان المعين‪ .‬المؤسس‪rr‬ات‬
‫المهنية مثل جمعية علم االجتماع االمريكية‪ ،‬او نقاب‪rr‬ة الص‪rr‬يادلة العراقي‪rr‬ة‪،‬‬
‫او الجمعي‪rr‬ة الملكي‪rr‬ة البريطاني‪rr‬ة ألطب‪rr‬اء االس‪rr‬نان‪ ،‬تض‪rr‬ع مع‪rr‬ايير للس‪rr‬لوك‬
‫والعم‪rr‬ل‪ ،‬والن‪rr‬اس ال‪rr‬ذين ينتم‪rr‬ون للجماع‪rr‬ة المرجعي‪rr‬ة‪ ،‬مث‪rr‬ل المح‪rr‬امين‬
‫الممارسين يعملون على تقليد القادة ومحاكاتهم في حقل اختصاصهم‪ ،‬ومن‬
‫الممكن ان يصبح احدهم مّد عي عام او طبيبا استشاريا او رياض‪rr‬يا المع‪rr‬ا‪،‬‬
‫وال يتوق لمحاكاة احد في الجماعة المرجعي‪r‬ة‪ ،‬النهم هم انفس‪r‬هم س‪r‬يكونون‬
‫جماعة مرجعية اال اذا كانوا ال يملكون اخالقا مهني‪rr‬ة او يس‪rr‬يئون اس‪rr‬تخدام‬
‫المكانة التي حصلوا عليها ف‪rr‬انهم ال مرجعي‪rr‬ة لهم‪ ،‬والف‪rr‬رد ال يك‪rr‬ون ض‪rr‬من‬
‫الجماع‪rr‬ة المرجعي‪rr‬ة اال اذا ك‪rr‬ان يس‪rr‬لك س‪rr‬لوكا ال يتع‪rr‬ارض م‪rr‬ع اخالقي‪rr‬ات‬
‫الجماعة التي ينتمي اليها‪.‬‬
‫الجماع‪rr‬ات العرقي‪rr‬ة ت‪rr‬زود بعض الم‪rr‬راهقين “‪ "Adolescents‬بمع‪rr‬ايير‬
‫الجماعة المرجعية التي يمتثلون لها بقوة‪ ،‬ويع‪rr‬دونها حكم‪rr‬ا على س‪rr‬لوكهم‪.‬‬
‫وكلما كان ش‪rr‬عور الف‪rr‬رد باالنتم‪rr‬اء للجماع‪rr‬ة العرقي‪rr‬ة قوي‪rr‬ا كلم‪rr‬ا ابتع‪rr‬د عن‬
‫التواصل مع أعضاء الجماعات العرقية األخرى ( ‪Schaefer & Kunz‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ )2007‬وهذه قد تحمل طابعا إيجابيا او طابعا مرضيا للمراهق كما سنرى‬
‫في مفصل داخل الجماعة‪ /‬خارج الجماعة‪.‬‬
‫الجماعة الواح‪rr‬دة يمكن ان تخ‪rr‬دم الف‪rr‬رد في مج‪rr‬االت عدي‪rr‬دة‪ ،‬اذ يمكنه‪rr‬ا ان‬
‫تكون جماع‪r‬ة أولي‪r‬ة‪ ،‬وجماع‪r‬ة عمري‪r‬ة‪ ،‬وجماع‪r‬ة مرجعي‪r‬ة‪ ،‬ه‪r‬ذه التع‪r‬ابير‬
‫تنط‪rr‬وي على مالمح مختلف‪rr‬ة للجماع‪rr‬ة‪ ،‬فمثال الجماع‪rr‬ة العمري‪rr‬ة هي ال‪rr‬تي‬
‫يك‪rr‬ون أعض‪rr‬اؤها من ذوي االعم‪rr‬ار المتقارب‪rr‬ة او لهم مكان‪rr‬ة اجتماعي‪rr‬ة‬
‫متشابهة‪ ،‬وهذه يمكن ان تك‪r‬ون جماع‪r‬ة مرجعي‪r‬ة أيض‪r‬ا‪ .‬ومن المالح‪r‬ظ ان‬
‫هناك افرادا لديهم جماع‪rr‬ات مرجعي‪rr‬ة من دون الحص‪rr‬ول على عض‪rr‬ويتها‪،‬‬
‫فمثال الط‪rr‬بيب المم‪rr‬ارس ال‪rr‬ذي لم يس‪rr‬جل في نقاب‪rr‬ة األطب‪rr‬اء وال في ن‪rr‬ادي‬
‫الزوراء الرياضي ولكنه يمتث‪rr‬ل للمع‪rr‬ايير الطبي‪rr‬ة لنقاب‪rr‬ة األطب‪rr‬اء ويم‪rr‬ارس‬
‫ك‪rr‬رة القدم على وف‪rr‬ق ض‪rr‬وابط ن‪rr‬ادي ال‪rr‬زوراء فانهم‪rr‬ا س‪rr‬يكونان جماعت‪rr‬ه‬
‫المرجعية‪ ،‬وينطبق الح‪rr‬ال على الجماع‪r‬ات العرقي‪rr‬ة او الديني‪rr‬ة ال‪rr‬تي يل‪rr‬تزم‬
‫بعض افرادها بمعايير الجماعة وه‪rr‬و بعي‪rr‬د عنه‪rr‬ا مكاني‪rr‬ا مث‪rr‬ل االت‪rr‬راك في‬
‫المانيا واالكراد في بريطانيا والمسلمون في فرنسا‪.‬‬
‫داخل الجماعة وخارج الجماعة ‪In-group & Out-group‬‬
‫داخل الجماعة ‪ :‬هو ان الفرد يشعر بالوالء واالنتماء للجماعة التي يمكن‬
‫ان تكون أيضا جماعة مرجعية له‪ .‬خارج الجماعة‪ :‬وهو ان الفرد ال‬
‫يشعر بالوالء وال باالنتماء لها‪ ،‬انها في الغالب جماعة منافس‪rr‬ة او معادي‪rr‬ة‪.‬‬
‫العض‪rr‬وية في "داخ‪rr‬ل الجماع‪rr‬ة" يمكن ان تقوم على الجنس‪ ،‬والع‪rr‬رق‪،‬‬
‫واألقلي‪rr‬ة االثني‪rr‬ة‪ ،‬والطبقة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬وال‪rr‬دين‪ ،‬وال‪rr‬والء السياس‪rr‬ي‪ .‬في‬
‫الجامعة‪ ،‬مثال‪ ،‬ينتمي البعض لجماعة االخوة (جماعة ذكورية) او لجماعة‬

‫‪142‬‬
‫الفتاة (جماعة انثوية)‪ ،‬في المحلة او المنطقة التي يعيش فيها الفرد‪ ،‬الن‪rr‬اس‬
‫هناك غالب‪rr‬ا يطلقون احكام‪rr‬ا عن الجماع‪rr‬ات األخ‪rr‬رى عن طري‪rr‬ق ه‪rr‬ويتهم‬
‫داخل الجماعة‪ .‬مشجعو فريق المدرسة (داخ‪rr‬ل الجماع‪rr‬ة) غالب‪rr‬ا يتع‪rr‬املون‬
‫مع مشجعي الفريق المنافس بن‪rr‬وع من العدائي‪rr‬ة‪ .‬تهدي‪rr‬د او عدائي‪rr‬ة "خ‪rr‬ارج‬
‫الجماعة" على األرجح مبالغ فيه‪ ،‬ولكنه يعمل على تعزيز تماسك اعضاء‬
‫"داخل الجماع‪rr‬ة"‪ ،‬وفي ك‪rr‬ل األح‪rr‬وال يعكس ال‪rr‬والء ل "داخ‪rr‬ل الجماع‪rr‬ة"‬
‫نوعا من االنحياز الذي يرقى الى الوثني‪rr‬ة أحيان‪rr‬ا‪ ،‬ومن األمثل‪rr‬ة ال‪rr‬تي يمكن‬
‫اإلش‪rrr‬ارة اليه‪rrr‬ا في العالق‪rrr‬ة العدائي‪rrr‬ة بين "داخ‪rrr‬ل الجماع‪rrr‬ة" و "خ‪rrr‬ارج‬
‫الجماعة" المس‪rr‬لمون والص‪rr‬رب في البلقان‪ ،‬الكاثولي‪rr‬ك والبروتس‪rr‬تانت في‬
‫ايرلندا‪ ،‬والعرب واليه‪rr‬ود في فلس‪rr‬طين‪" ،‬الهوت‪rr‬وس" ‪Hutus‬و"الت‪rr‬وتس"‬
‫‪ Tutsis‬في راوندا والصراع بين الشيعة والسنة في العراق الذي اخذ بعدا‬
‫تطهيريا عنيفا في السنوات ‪ 2012-2006‬انقسم المجتم‪rr‬ع خالله‪rr‬ا انقس‪rr‬اما‬
‫خطيرا أدى الى ازهاق أرواح بريئ‪r‬ة من الط‪r‬رفين‪ .‬في ك‪r‬ل حال‪r‬ة من ه‪r‬ذه‬
‫الحاالت الوالء للجماعة يع‪r‬زز بالس‪r‬لوك الع‪r‬دائي نح‪r‬و "خ‪r‬ارج الجماع‪r‬ة"‬
‫ينتج عنه ان‪rr‬دفاع الجهل‪rr‬ة من الط‪rr‬رفين في ص‪rr‬راع ي‪rr‬ؤدي الى ح‪rr‬رب ت‪rr‬أتي‬
‫على الكل‪ ،‬ال تترك مذنبا وال بريئا‪Ballantine & Roberts (2009) .‬‬
‫التن==وع االجتم==اعي وديناميكي==ات الجماع==ة & ‪Social Diversity‬‬
‫‪Group Dynamics‬‬
‫التنوع االجتماعي يؤثر تأثيرا بالغا على حرك‪rr‬ة الجماع‪rr‬ات الس‪rr‬يما عن‪rr‬دما‬
‫يتفاعل اعضاء الجماعات م‪rr‬ع بعض‪rr‬هم‪ .‬ماس‪rr‬يونز وبلم‪rr‬ر & ‪Macionis‬‬

‫‪143‬‬
‫)‪ Blumer (2002‬ح‪rr‬ددا أرب‪rr‬ع طرائ‪rr‬ق لت‪rr‬أثير ال‪rr‬تركيب االجتم‪rr‬اعي‬
‫للجماعات على العالقات بينها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الجماعات الكبيرة تندفع للداخل‪ :‬الجماعات الكبيرة في الغالب تحتفظ‬
‫بعالق‪rr‬ات حص‪rr‬را بين أعض‪rr‬اؤها‪ ،‬الجماع‪rr‬ات األص‪rr‬غر بالمقارن‪rr‬ة اغلب‬
‫أعض‪rr‬ائها ين‪rr‬دفعون ابع‪rr‬د من ال‪rr‬دائرة الض‪rr‬يقة والمباش‪rr‬رة للجماع‪rr‬ة‪ ،‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك الجهود ال‪rr‬تي تب‪rr‬ذلها الجامع‪rr‬ات الس‪rr‬تيعاب أك‪rr‬بر ع‪rr‬دد من‬
‫الطالب األجانب‪ ،‬وزيادة عدد الطالب األجانب ربما يعطي الجامع‪rr‬ة بع‪rr‬دا‬
‫مهما عدا المردود المالي‪ ،‬ولكن كلم‪rr‬ا ازداد ع‪rr‬ددهم كلم‪rr‬ا اس‪rr‬تطاعوا خل‪rr‬ق‬
‫جماع‪rr‬ة خاص‪rr‬ة بهم‪ ،‬له‪rr‬ذا ف‪rr‬ان الرغب‪rr‬ة في زي‪rr‬ادة التن‪rr‬وع االجتم‪rr‬اعي في‬
‫الجامعة قد يأتي بمردود غير مرغوب فيه لما يترتب عليه من االنقسام‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجماعات غير المتجانسة تندفع الي الخارج‪ :‬كلما كانت الجماعة‬
‫غير متجانسة من ال‪rr‬داخل‪ ،‬كلم‪rr‬ا ت‪rr‬زداد احتم‪rr‬االت ان‪rr‬دفاع أعض‪rr‬اءها نح‪rr‬و‬
‫التفاعل مع أعضاء الجماع‪rr‬ات األخ‪rr‬رى‪ ،‬فمثال إذا ق‪rr‬امت جماع‪rr‬ة المجم‪rr‬ع‬
‫الج‪rr‬امعي بتش‪rr‬غيل اف‪rr‬راد من كال الجنس‪rr‬ين ومن أص‪rr‬ول مختلف‪rr‬ة عرقي‪rr‬ا‬
‫وجغرافيا فإنها تشجع االتصال بين الجماعات أكثر منها لو ك‪rr‬ان الع‪rr‬املون‬
‫من أصل اجتماعي واحد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التكافؤ االجتماعي يشجع االتصال‪ :‬اذا كان أعضاء الجماعات في‬
‫البيئة يقفون على قدم المساواة‪ ،‬فان ذل‪rr‬ك من ش‪rr‬انه ان ي‪rr‬دفع االعض‪rr‬اء من‬
‫مختلف الخلفي‪r‬ات االجتماعي‪r‬ة لالختالط وتك‪r‬وين رواب‪r‬ط اجتماعي‪r‬ة‪ ،‬له‪r‬ذا‬
‫سواء كانت الجماعة تع‪rr‬زل أعض‪rr‬اءها ام ال‪ ،‬ف‪rr‬ان ذل‪rr‬ك يعتم‪rr‬د على درج‪rr‬ة‬
‫التراتب الهرمي للجماعة نفسها‪ ،‬بمعنى ان تركيب الجماعة وسلطتها على‬

‫‪144‬‬
‫أعض‪rr‬ائها يح‪rr‬دد درج‪rr‬ة ان‪rr‬دفاع األعض‪rr‬اء لتك‪rr‬وين رواب‪rr‬ط م‪rr‬ع أعض‪rr‬اء‬
‫الجماعات األخ‪r‬رى‪ ،‬فكلم‪r‬ا ك‪r‬ان ت‪r‬ركيب الجماع‪r‬ة وس‪r‬لطتها ض‪rr‬عيفة على‬
‫األعضاء كلم‪rr‬ا ك‪rr‬ان ذل‪rr‬ك دافع‪rr‬ا للتفاع‪r‬ل المفت‪rr‬وح م‪rr‬ع أعض‪rr‬اء الجماع‪r‬ات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫رابع‪rr‬ا‪ :‬الفواص‪rr‬ل البدني‪rr‬ة تش‪rr‬جع الفواص‪rr‬ل االجتماعي‪rr‬ة‪ :‬التباع‪rr‬د المك‪rr‬اني‬
‫يض‪rr‬عف التواص‪rr‬ل االجتم‪rr‬اعي بين الجماع‪rr‬ات‪ ،‬فكلم‪rr‬ا ك‪rr‬انت الجماع‪rr‬ات‬
‫متباعدة مكانيا كلما كان ذلك مدعاة لتجنب االنخراط في روابط اجتماعية‪،‬‬
‫مثال في السكن الطالبي تكون العالقة أقرب مع الذين يش‪rr‬تركون في س‪rr‬كن‬
‫واحد او يأكلون في مطبخ مشترك أو غرفة جلوس مشتركة عمن هم ابع‪rr‬د‬
‫مكاني‪rr‬ا في الس‪rr‬كن المج‪rr‬اور ال‪rr‬ذي ال ي‪rr‬تيح فرص‪rr‬ة االق‪rr‬تراب الب‪rr‬دني بين‬
‫األعضاء‪.‬‬
‫المؤسسات والبيروقراطية‪ :‬العالقة بين الجماعات المتوسطة والكبيرة‬
‫‪Organizations‬‬ ‫‪and‬‬ ‫‪Bureaucracy:‬‬ ‫‪Meso-Macro‬‬
‫‪*Connection‬‬
‫عالمن‪rr‬ا المعاص‪rr‬ر مليء باألنش‪rr‬طة المؤسس‪rr‬ية العمالق‪rr‬ة والمعقدة‪ ،‬فمن‬
‫مواعيد األطباء الى فصول الجامعة‪ ،‬الى أيام العبادة في الكنائس والمعاب‪rr‬د‬
‫والمساجد‪ ،‬الى دفع الضرائب عن بيع معجون االسنان الى وجب‪rr‬ات االك‪rr‬ل‬
‫السريعة‪ ،‬كله‪rr‬ا تظه‪rr‬ر ان مؤسس‪rr‬ات المجتم‪rr‬ع مكون‪rr‬ة من االف المنظم‪rr‬ات‬
‫والجمعيات والهيئات‪( ،‬الجمعيات الطبية‪ ،‬والمؤسسات التربوية‪ ،‬والدينية‪،‬‬
‫واالقتصادية‪ ،‬والسياسية‪ )...‬وكلها تتبع المعايير الثقافية لمجتمعاتنا‪ ،‬ولك‪rr‬ل‬
‫منها دور يربطنا بوساطة شبكات معقدة بالعالم االجتم‪rr‬اعي الكب‪rr‬ير‪ .‬فكي‪rr‬ف‬

‫‪145‬‬
‫نشأت وتط‪rr‬ورت ه‪rr‬ذه المنظم‪rr‬ات وكي‪rr‬ف اخ‪rr‬ذت خصائص‪rr‬ها المتوس‪rr‬طة "‬
‫‪ "Characteristics of Meso-level‬والكبيرة "‪ "Macro-level‬في‬
‫عالم اليوم؟‬
‫تطور المؤسسات الحديثة ‪The Evolution of Modern Organization‬‬

‫عبر الت‪r‬اريخ‪ ،‬ق‪r‬امت امبراطوري‪r‬ات وازده‪r‬رت ثم خبت وان‪r‬دثرت‪ ،‬بعض‬


‫النظم السياس‪rr‬ية واالقتص‪rr‬ادية والديني‪rr‬ة ازده‪rr‬رت‪ ،‬أخ‪rr‬رى مث‪rr‬ل الملكي‪rr‬ة‬
‫والفاشية والنازية تالشت‪ .‬ال يمكننا فهم عالمنا االجتم‪rr‬اعي ق‪rr‬ديما او ح‪rr‬ديثا‬
‫من دون فهم شامل للبناء المؤسسي والعمليات المرافقة ل‪rr‬ه في ه‪rr‬ذا ال‪rr‬وقت‬
‫او ذاك‪ ،‬فكل مجتمع يستلزم بناءا مؤسس‪r‬يا مختلف‪r‬ا بحس‪r‬ب موقع‪r‬ه في س‪r‬لم‬
‫التط‪rr‬ور‪ ،‬من‪rr‬ذ نش‪rr‬أت دويالت الم‪rr‬دن المبك‪rr‬رة الى عص‪rr‬ر االقط‪rr‬اع ح‪rr‬تى‬
‫‪.Nolan‬‬ ‫الشركات عابرة القارات‪& Lenski (2008) .‬‬
‫ان تط‪rr‬ور البيروقراطي‪rr‬ة والمؤسس‪rr‬ات الحديث‪rr‬ة يع‪rr‬ود الى ب‪rr‬دايات الث‪rr‬ورة‬
‫الص‪rrr‬ناعية في القرن الث‪rr‬امن عش‪rr‬ر‪ ،‬ثم أص‪rrr‬بحت الش‪rr‬كل المهيمن على‬
‫المؤسس‪rr‬ات الص‪rr‬ناعية في القرن التاس‪rr‬ع عش‪rr‬ر بتب‪rr‬ني المنهج العقالني في‬
‫التنظيم واإلدارة واإلنت‪rr‬اج‪ .‬والعقالني‪rr‬ة ال‪rr‬تي تع‪rr‬ني الوص‪rr‬ول الى اقص‪rr‬ى‬
‫درج‪rrrr‬ات الكفاي‪rrrr‬ة ‪ efficiency‬أص‪rrrr‬بحت االتج‪rrrr‬اه الش‪rrrr‬ائع في إدارة‬
‫المؤسسات‪ ،‬وكان يعتقد انها أفضل طريقة إلدارة المؤسس‪rr‬ات بكف‪rr‬اءة وفقا‬
‫للمنهج العقالني المص‪rr‬مم لتحقي‪rr‬ق األه‪rr‬داف‪ ،‬والن‪rr‬اس ك‪rr‬ان متوقع‪rr‬ا منهم‬
‫التصرف بعزيمة العارف بما يري‪rr‬د‪ .‬القرارات التقليدي‪rr‬ة وتل‪rr‬ك ال‪rr‬تي تتخ‪rr‬ذ‬
‫بطريقة استبدادية لم يعد لها مكان‪ ،‬حيث استبدلت بقادة م‪rr‬دربين على وف‪rr‬ق‬
‫سياسات مخططة إلداء الواجب‪r‬ات المؤسس‪r‬ية بكف‪r‬اءة وإنجازي‪r‬ة‪ .‬الواجب‪r‬ات‬

‫‪146‬‬
‫أصبحت متخصصة وبعض االعمال اليدوية تولتها المكائن‪ ،‬وقامت وح‪rr‬دة‬
‫القي‪rr‬اس الن‪rr‬وعي بتحس‪rr‬ين مس‪rr‬توى االنت‪rr‬اج حجم‪rr‬ا ودق‪rr‬ة وس‪rr‬رعة‪ ،‬ه‪rr‬ذه‬
‫المؤسس‪rrr‬ات العقالني‪rrr‬ة الحديث‪rrr‬ة تس‪rrr‬مى المؤسس‪rrr‬ات الرس‪rrr‬مية ‪Formal‬‬
‫‪ Organization‬وهي مجموعات ثانوي‪rr‬ة مركب‪rr‬ة تش‪rr‬كلت قص‪rr‬ديا لتحقي‪rr‬ق‬
‫اهداف معينة‪ ،‬الصليب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اس‪rr‬تخدمنا المؤسس‪rr‬ات ‪ Institutions‬والمنظم‪rr‬ات ‪ Organizations‬بنفس المع‪rr‬نى‬
‫مرادف‪r‬ات‪ ،‬على ال‪r‬رغم من انهم‪r‬ا مفهوم‪r‬ان مختلف‪r‬ان بعض الش‪r‬يء‪ ،‬ولكنن‪r‬ا وج‪r‬دناهما‬
‫يستخدمان بالمعنى نفسه في اغلب ادبيات علم االجتماع‬

‫األحمر‪ ،‬جنرال موتور‪ ،‬وش‪rr‬ركات الت‪rr‬أمين‪ ،‬والجامع‪rr‬ات‪ ،‬كله‪rr‬ا مؤسس‪rr‬ات‬


‫رس‪rr‬مية‪ .‬والبيروقراطي‪rr‬ة ش‪rr‬كل خ‪rr‬اص للمؤسس‪rr‬ات العمالق‪rr‬ة ته‪rr‬دف الى‬
‫تحقيق اقصى درجات الكفاية‪ ،‬وتتم‪r‬يز بعالق‪r‬ات رس‪r‬مية بين منتس‪r‬بيها عن‬
‫طريق إجراءات وقواعد واضحة هدفها متابعة األهداف المرس‪rr‬ومة‪ .‬وبم‪rr‬ا‬
‫ان المجتمعات أصبحت تحت هيمنة المؤسسات الكبرى‪ ،‬فان اع‪rr‬دادا قليل‪rr‬ة‬
‫تعم‪rr‬ل في الم‪rr‬زارع العائلي‪rr‬ة او في ورش‪rr‬ات العم‪rr‬ل المنزلي‪rr‬ة‪ ،‬واع‪rr‬داد‬
‫المحالت الص‪rr‬غيرة ب‪rr‬دأت تختفي من االزق‪rr‬ة والح‪rr‬ارات (طبع‪rr‬ا ه‪rr‬ذا في‬
‫الغ‪rr‬رب‪ ،‬ام‪rr‬ا في مجتمعن‪rr‬ا فم‪rr‬ا زالت الح‪rr‬وانيت الص‪rr‬غيرة تمأل الش‪rr‬وارع‪،‬‬
‫ولكن م‪rr‬ع اس‪rr‬تمرار انتش‪rr‬ار محالت التس‪rr‬وق الكب‪rr‬يرة ‪ Malls‬ف‪rr‬ان ه‪rr‬ذه‬
‫الحوانيت ستتقلص بالتدريج)‪ .‬المجتمعات االنتقالية لديها النم‪rr‬وذجين مع‪rr‬ا‪،‬‬
‫وفي بعض البلدان الصناعية مازالت التقاليد البيروقراطية تعم‪rr‬ل جنب‪rr‬ا الي‬

‫‪147‬‬
‫جنب مع التطور الحديث في إدارة المؤسسات‪ .‬مجتمعات ما بعد الص‪rr‬ناعة‬
‫وتسمى أحيانا مجتمعات ما بعد الحداثة تعتمد كليا على التكنولوجيا الحديثة‬
‫التي استغنت عن العمل اليدوي الى اقصي الحدود بحيث اص‪rr‬بح (‪)%2.5‬‬
‫فقط من القوى العامل‪rr‬ة في الوالي‪rr‬ات المتح‪rr‬دة االمريكي‪rr‬ة يعمل‪rr‬ون في‬
‫الزراعة‪ ،‬وهو ما يعادل ‪ ) )3.5‬مليون من مجموع ‪ 141‬مليون من القوى‬
‫العاملة بالمقارن‪rr‬ة م‪rr‬ع (‪ )%11.6‬يعمل‪rr‬ون في الزراع‪rr‬ة ع‪rr‬ام (‪ )1950‬و (‬
‫‪ )%63.7‬في ع‪rrr‬ام (‪Fulcher 1999, Ballantine &( .)1850‬‬
‫‪)Roberts 2009‬‬

‫‪Characteristics‬‬ ‫‪of‬‬ ‫خص=====ائص المؤسس=====ات الحديث=====ة ‪Modern‬‬


‫‪Organization‬‬
‫المؤسسات بشكلها المتطور ترتبط ارتباطا وثيقا بمرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة‬
‫والعولمة‪ .‬تّذ كر فقط المؤسسات العديدة التي تؤثر على حيات‪rr‬ك‪ ،‬وس‪rr‬تعرف‬
‫من بينها النظام الشرعي الذي أنتج القوانين‪ ،‬الجامعة والكلية ال‪rr‬تي ت‪rr‬درس‬
‫فيه‪rr‬ا‪ ،‬االم‪rr‬اكن ال‪rr‬تي يعم‪rr‬ل فيه‪rr‬ا الن‪rr‬اس‪ ،‬المنظم‪rr‬ات والجمعي‪rr‬ات الخيري‪rr‬ة‬
‫الطوعي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تنتمي له‪rr‬ا‪ .‬االف‪rr‬راد بحاج‪rr‬ة للمؤسس‪rr‬ات من اج‪rr‬ل التفاع‪rr‬ل‬
‫وتحقيق الحاجات الالزمة للبقاء‪ ،‬والمؤسسات تحتاج الناس من اجل تسيير‬
‫عجلته‪rr‬ا وتأدي‪rr‬ة واجباته‪rr‬ا وادواره‪rr‬ا‪ ،‬بعض المؤسس‪rr‬ات مث‪rr‬ل الجمعي‪rr‬ات‬
‫النس‪rr‬وية او اتح‪rr‬ادات العم‪rr‬ال المحلي‪rr‬ة‪ ،‬تعم‪rr‬ل على المس‪rr‬توى الص‪rr‬غير‬
‫‪ Micro-level‬والعالقات بينهم مباشرة وجه‪rr‬ا لوج‪rr‬ه م‪rr‬ع ك‪rr‬ل األعض‪rr‬اء‪،‬‬

‫‪148‬‬
‫ولكنها جزء من مؤسسات كبيرة على مس‪rr‬توى البل‪rr‬د كل‪rr‬ه وهي في الحقيقة‬
‫مؤسس‪rr‬ات متوس‪rr‬طة الحجم ‪ .Meso-level‬في مس‪rr‬توى اخ‪rr‬ر ل‪rr‬ه عالق‪rr‬ة‬
‫بالحجم‪ ،‬الحكومة االتحادية هي مؤسسة معقدة ج‪rr‬دا وت‪rr‬ؤثر على حي‪rr‬اة ك‪rr‬ل‬
‫مواطن‪ ،‬وبعض الشركات ع‪rr‬ابرة القارات‪ ،‬كالهم‪rr‬ا يعم‪rr‬ل على المس‪rr‬توى‬
‫الكب‪rr‬ير ‪ .Macro-level‬بعض المؤسس‪rr‬ات ت‪rr‬وفر لن‪rr‬ا عمال ض‪rr‬روريا من‬
‫اجل البقاء وهذه المؤسسات يطلق عليها ‪،Utilitarian Organization‬‬
‫وأخرى مفروضة علينا‪ ،‬مثل السجن‪ ،‬ومشفى االمراض النفسية والعقلي‪rr‬ة‪،‬‬
‫أنظمة الكتائب العسكرية‪ ،‬وح‪rr‬تى المدرس‪rr‬ة لعم‪rr‬ر معين وه‪rr‬ذه المؤسس‪rr‬ات‬
‫يطلق عليها ‪ Coercive Organization‬وهناك ن‪rr‬وع ث‪rr‬الث ال تزودن‪rr‬ا‬
‫بعائد مادي وانما لها دور معن‪rr‬وي يس‪rr‬تحق الجه‪rr‬د وال‪rr‬وقت ال‪rr‬ذي ينف‪rr‬ق في‬
‫االنضمام اليه‪rr‬ا مث‪rr‬ل المنظم‪rr‬ات التطوعي‪rr‬ة كالص‪rr‬ليب األحم‪rr‬ر واألح‪rr‬زاب‬
‫السياسية والمنظمات الدينية ويطلق عليها ‪Normative Organization‬‬
‫وهذه المنظم‪rr‬ات تعم‪rr‬ل من اج‪rr‬ل المص‪rr‬الح العام‪rr‬ة وال ت‪rr‬أتي بم‪rr‬ردود على‬
‫المس‪rr‬توى الشخص‪rr‬ي غ‪rr‬ير الم‪rr‬ردود االعتب‪rr‬اري‪Nolan & lenski .‬‬
‫)‪(2008‬‬
‫خصائص البيروقراطية ‪Characteristics of Bureaucracy‬‬
‫البيروقراطية شكل خاص للمؤسسات الحديثة تتميز بت‪rr‬دريب الك‪rr‬وادر من‬
‫اجل القيام باإلجراءات والواجبات بكفاءة عالية‪ ،‬ربما تحتاج سلعة فت‪rr‬ذهب‬
‫الى الدكان فتجد السعر مثبت عليها‪ ،‬ثم تذهب الى مكان الدفع وت‪rr‬دفع الثمن‬
‫المثبت ال‪rr‬ذي ق‪rr‬رره النظ‪rr‬ام الب‪rr‬يروقراطي‪ ،‬لكن اذا ذهبت الى الس‪rr‬وق في‬
‫بلدان البحر الكاريبي‪ ،‬افريقيا‪ ،‬اسيا او الشرق األوسط فان عليك ان تساوم‬

‫‪149‬‬
‫حتي تصل الى تسوية مقبولة من الطرفين عن السعر الذي س‪rr‬تدفعه‪ ،‬نظ‪rr‬ام‬
‫السوق في هذه البلدان شخص‪rr‬ي وينط‪rr‬وي على احتك‪rr‬اك مباش‪rr‬ر بين الب‪rr‬ائع‬
‫والمشتري‪ ،‬وعملية الشراء تستغرق وقت‪r‬ا أط‪r‬ول‪ ،‬وكف‪r‬اءة اق‪r‬ل‪ ،‬ويمكن ان‬
‫تؤدي الى احباط الزائ‪r‬ر ال‪r‬ذي ال يع‪r‬رف المن‪r‬اورة في الس‪r‬وق وي‪r‬دفع ثمن‪r‬ا‬
‫باهظا لسلعة ال تساوي ربع ثمنها‪ ،‬كما ان السلعة التي تباع ال تسترجع وال‬
‫تستبدل حتي لو كانت اصال معطوب‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬ذه المجتمع‪rr‬ات في حال‪rr‬ة تح‪rr‬ول‬
‫وال بد لها ان تتبع النظام البيروقراطي‪.‬‬
‫لكي تحصل على إجازة سوق او تدفع أج‪rr‬ور مدرس‪rr‬ية‪ ،‬او تش‪rr‬تري ت‪rr‬ذكرة‬
‫لمشاهدة لعبة كرة قدم او حفل موسيقي‪ ،‬علي‪r‬ك ان تقف في ط‪r‬ابور طوي‪r‬ل‬
‫وتنتظر حتى يأتي دورك (طبعا في مجتمعنا ال ننتظر بل نهب جميعا على‬
‫بائع التذاكر من كل الجهات ونتدافع الى ح‪rr‬د التقات‪rr‬ل‪ ،‬والش‪rr‬اطر من يص‪rr‬ل‬
‫أوال‪ ،‬واولوية البيع للذي يصل أوال) فاذا نسيت رقمك الوطني ‪National‬‬
‫‪ insurance number‬او الب‪rr‬ائع ال يقب‪rr‬ل ال‪rr‬دفع اال نقدا‪- ،‬ه‪rr‬ذا ن‪rr‬ادرا م‪rr‬ا‬
‫يحدث فالدفع كله بوساطة ‪ -Visa or Credit card‬فان الروتين سيكون‬
‫ممال‪ .‬بعض المؤسسات تبنت الدفع بالتلفون او التس‪rr‬جيل ع‪rr‬بر االن‪rr‬ترنيت‪،‬‬
‫لكن على الرغم من هذا النظام االوتوماتيكي الفعال فان أخطاء قد تح‪rr‬دث‪.‬‬
‫اإلحباط الذي تسببه البيروقراطية هو جزء من الحياة الحديثة‪ ،‬لكن الب‪rr‬ديل‬
‫"كالمقايض‪rr‬ة" اق‪rr‬ل كف‪rr‬اءة وأك‪rr‬ثر احباط‪rr‬ا‪ .‬معظم المؤسس‪rr‬ات في المجتم‪rr‬ع‬
‫الحديث‪ ،‬مثل المشافي‪ ،‬الكنائس‪ ،‬الم‪rr‬دارس‪ ،‬الوك‪rr‬االت الحكومي‪rr‬ة البن‪rr‬وك‪،‬‬
‫الصناعات وحتى النوادي الليلية كلها مبرمجة بيروقراطي‪rr‬ا‪ ،‬له‪rr‬ذا ف‪rr‬ان فهم‬

‫‪150‬‬
‫المؤسسات الحديثة ض‪rr‬روري من اج‪r‬ل فهم المجتم‪r‬ع الح‪r‬ديث ال‪r‬ذي نعيش‬
‫فيه‪.‬‬
‫في مطلع القرن العشرين بحث ماكس فيبر (‪ )1920-1864‬عن األس‪rr‬باب‬
‫ال‪rr‬تي تقف وراء تح‪rr‬ول المجتمع‪rr‬ات من النظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي التقلي‪rr‬دي الى‬
‫النظام البيروقراطي الرأسمالي‪ .‬اراد ان يعرف لماذا مع‪rr‬دالت التح‪rr‬ول في‬
‫بعض أجزاء اوربا أسرع من البعض االخر‪ ،‬ولماذا هيمنت البيروقراطي‪rr‬ة‬
‫على بعض المؤسس‪rr‬ات دون غيره‪rr‬ا‪ .‬فبينم‪rr‬ا تنظ‪rr‬ر المجتمع‪rr‬ات التقليدي‪rr‬ة‬
‫للماضي بوصفه دليل عمل‪ ،‬كان المجتم‪rr‬ع الص‪rr‬ناعي الب‪rr‬يروقراطي يتب‪rr‬نى‬
‫ش‪rr‬كال جدي‪rr‬دا للتفك‪rr‬ير والس‪rr‬لوك‪ ،‬ويعم‪rr‬ل على تغي‪rr‬ير االتجاه‪rr‬ات نح‪rr‬و‬
‫العقالنية‪ ،‬ماكس فيبر الحظ ان القي‪rr‬ادة في االعم‪rr‬ال وفي الحكوم‪rr‬ة‪ ،‬تتخلى‬
‫عن االشكال التقليدية للع‪rr‬ائالت المتنف‪rr‬ذة والقي‪rr‬ادة الكاريزمي‪rr‬ة وتتج‪rr‬ه نح‪rr‬و‬
‫البيروقراطية الالشخصية (العالقات غير مباشرة)‪ ،‬االكثر كفاءة‪.‬‬
‫ان مص‪rr‬طلح في==بر (‪ )1947‬النم‪rr‬ط الب‪rr‬يروقراطي المث‪rr‬الي ‪Ideal-type‬‬
‫‪ bureaucracy‬يشير الى الخصائص الجوهرية المهيمنة ذات الموثوقية‬
‫والكفاءة العالية للمؤسسات‪ ،‬انه ال يعني المؤسسات الجيدة او عالية الكفاءة‬
‫بقدر م‪r‬ا يع‪r‬ني المؤسس‪r‬ات ذات الس‪r‬مات المعين‪r‬ة‪ .‬ومن غ‪r‬ير المحتم‪r‬ل ان‬
‫تحمل المؤسسات البيروقراطية كل خصائص النموذج المثالي‪ .‬والعناص‪rr‬ر‬
‫الستة التي وضعها فيبر للنمط المثالي هي‪:‬‬
‫‪ .1‬التخص‪rr‬ص‪ :‬ع‪rr‬بر ت‪rr‬اريخ الجنس البش‪rr‬ري‪ ،‬ك‪rr‬ل واح‪rr‬د يس‪rr‬عى لتحقي‪rr‬ق‬
‫األهداف األساسية للحص‪r‬ول على الطع‪r‬ام والس‪r‬كن‪ ،‬البيروقراطي‪r‬ة ح‪r‬ددت‬
‫للفرد واجبات على درجة عالية من التخصص‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫‪ .2‬التراتب اإلداري‪ :‬البيروقراطية وضعت سلما هرميا لإلدارة‪ .‬ك‪rr‬ل ف‪rr‬رد‬
‫يأتمر بأمر من هو اعلى منه في التسلس‪rr‬ل اإلداري للمؤسس‪rr‬ة‪ ،‬والواجب‪rr‬ات‬
‫تتقرر من األعلى ويقوم األدنى بتنفيذها‪.‬‬
‫‪ .3‬القواعد والتعليمات الرسمية‪ :‬التقالي‪rr‬د الثقافي‪rr‬ة في النظ‪rr‬ام الب‪rr‬يروقراطي‬
‫وضعت جانبا ‪ ،‬وبدال عنها وضعت قواعد وتعليمات عقالنية‪ .‬هذه القواعد‬
‫ال تسيطر على عمل المؤسسات فقط وانما من المحتمل ان يكون لها ت‪rr‬أثير‬
‫على كامل البيئة األكبر‪.‬‬
‫‪ .4‬المهارة التقنية‪ :‬المؤسس‪rr‬ة البيروقراطي‪rr‬ة تقوم بتش‪rr‬غيل ذوي المه‪rr‬ارات‬
‫الفنية الذين يس‪rr‬تطيعون تنفي‪rr‬ذ العم‪rr‬ل بمه‪rr‬ارة احترافي‪rr‬ة‪ ،‬وتض‪rr‬ع مس‪rr‬تويات‬
‫األداء تحت الرقابة الدائمة‬
‫‪ .5‬الالشخصية‪ :‬المؤسسات البيروقراطي‪rr‬ة تتجنب ال‪rr‬نزوات الشخص‪rr‬ية في‬
‫العمل عبر قواعد صارمة ليس فيه‪rr‬ا للعام‪rr‬ل الشخص‪rr‬ي أي ت‪rr‬أثير‪ .‬كم‪rr‬ا ان‬
‫القواعد تضع في الحسبان معاملة الزب‪rr‬ائن وح‪rr‬تى الع‪rr‬املين بش‪rr‬كل موح‪rr‬د‪،‬‬
‫ب‪rrr‬دون تفري‪rrr‬ق وال امتي‪rrr‬از الح‪rrr‬د على اخ‪rrr‬ر لتع‪rrr‬زز فك‪rrr‬رة ‪Faceless‬‬
‫‪ Bureaucrat‬البيروقراطي مجهول الهوية‪.‬‬
‫‪ .6‬االتص‪rr‬االت الرس‪rr‬مية المكتوب‪rr‬ة‪ :‬القول الم‪rr‬أثور القديم يقول ان روح‬
‫البيروقراطية هو ليس الناس وانم‪rr‬ا ال‪rr‬ورق‪ ،‬فب‪rr‬دل االتص‪rr‬االت الش‪rr‬فهية او‬
‫التي تحدث بالصدفة‪ ،‬البيروقراطية تعتمد على المذكرة والتقرير الرس‪rr‬مي‬
‫المكتوب في عملية االتصال‪ .‬وعبر ال‪rr‬زمن ت‪rr‬تراكم المعلوم‪rr‬ات في ملف‪rr‬ات‬
‫يمكن الع‪rr‬ودة اليه‪rr‬ا في أي وقت لتك‪rr‬ون دليال لإلج‪rr‬راءات الالحقة‪ ،‬مثال‬
‫الط‪rr‬بيب يكتب حال‪rr‬ة الم‪rr‬ريض من‪rr‬ذ اول مراجع‪rr‬ة الى اخ‪rr‬ر مراجع‪rr‬ة وفي‬

‫‪152‬‬
‫ضوء الحالة المرضية وتطورها عبر الزمن "المثبت في الملف" يس‪rr‬تطيع‬
‫وصف العالج المناسب‪.‬‬
‫هذه السمات تتعارض تماما مع الخاصية الشخصية للجماع‪rr‬ات الص‪rr‬غيرة‪،‬‬
‫فالمؤسس‪rr‬ات البيروقراطي‪rr‬ة تش‪rr‬جع الكف‪rr‬اءة عن طري‪rr‬ق تش‪rr‬غيل الك‪rr‬وادر‬
‫المؤهلة وتقلي‪rr‬ل الت‪rr‬أثيرات غ‪r‬ير المتوقع‪rr‬ة لألذواق واألراء الشخص‪rr‬ية‪ .‬في‬
‫الجماعات الرسمية الصغيرة‪ ،‬يسمح االعضاء لبعض‪rr‬هم البعض التص‪rr‬رف‬
‫ك‪r‬ل على ه‪r‬واه‪ ،‬ويس‪r‬تجيبون لبعض‪rr‬هم بطريقة شخص‪rr‬ية ويع‪r‬دون أنفس‪r‬هم‬
‫متس‪rr‬اوين في ُس لْم المس‪rr‬ؤولية‪Bilton et al 2002, Macionis & .‬‬
‫‪,Plummer 2002‬‬
‫تغير اشكال المؤسسات ‪Changing Organizational Forms‬‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية كانت معظم المؤسسات في اوربا بيروقراطيات‬
‫تقليدي‪rrr‬ة‪ ،‬ت‪rrr‬دار من األعلى الى األس‪rrr‬فل على وف‪rrr‬ق سلس‪rrr‬لة من األوام‪rrr‬ر‬
‫الصارمة‪ .‬الي‪rr‬وم م‪rr‬ع تن‪rr‬امي التن‪rr‬افس الع‪rr‬المي بين الش‪rr‬ركات والمؤسس‪rr‬ات‬
‫الكبرى‪ ،‬فان البناء المتحجر لهذه المؤسسات بدأ يتفتت‪ ،‬فمن بين العناص‪rr‬ر‬
‫المهمة ألساليب إدارة المؤسسات الجديدة هو اإلدارة الذاتي‪rr‬ة لفري‪rr‬ق العم‪rr‬ل‬
‫‪ . self-managed work team‬أعضاء الفريق الصغير هؤالء يمكنهم‬
‫إدارة العمل بمهارة مع الحد األدنى من االشراف‪ .‬بإعطاء العاملين فرصة‬
‫للعمل على شكل مجموعات مستقلة‪ ،‬تعزز المؤسسة انغماس الع‪rr‬املين في‬
‫أداء واجباتهم بصورة فعالة‪ ،‬توفير فهم أوسع لطبيعة العمل ورف‪rr‬ع ال‪rr‬روح‬
‫المعنوي‪rr‬ة للع‪rr‬املين‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من ك‪rr‬ل ه‪rr‬ذه المن‪rr‬افع‪ ،‬م‪rr‬اتزال بعض‬

‫‪153‬‬
‫المشكالت تواج‪rr‬ه العم‪rr‬ل في ه‪rr‬ذه المؤسس‪rr‬ات أبرزه‪rr‬ا "االغ‪rr‬تراب" وه‪rr‬و‬
‫االنموذج التقليدي للبيروقراطية‪Macionis and Plummer (2002) .‬‬
‫أنسنة البيروقراطية ‪Humanising Bureaucracies‬‬
‫انسنة البيروقراطية تع‪rr‬ني تعزي‪rr‬ز المناخ‪rr‬ات المؤسس‪rr‬ية الديمقراطي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫تّقدر وتشجع مساهمات الجميع‪ ،‬انه‪rr‬ا كم‪rr‬ا يقول كن‪rr‬تر )‪Kanter (1989‬‬
‫تنتج ع‪rr‬املين س‪rr‬عداء وعائ‪rr‬دات س‪rr‬خية‪ ،‬واألنس‪rr‬نة يمكن النظ‪rr‬ر اليه‪rr‬ا عن‬
‫طريق‪:‬‬
‫‪ .1‬الشمولية االجتماعية‪ :‬التركيب االجتم‪rr‬اعي المث‪rr‬الي للمؤسس‪rr‬ة ال يش‪rr‬عر‬
‫أح‪rr‬دا ان‪rr‬ه خ‪rr‬ارج ال‪rr‬دائرة بس‪rr‬بب الجنس او العنص‪rr‬ر او الع‪rr‬رق‪ ،‬وعن‪rr‬دها‬
‫سيتحسن مستوى أداء العاملين ليص‪rr‬ل الى الح‪rr‬د ال‪rr‬ذي ال يش‪rr‬عر مع‪rr‬ه اح‪rr‬د‬
‫باالستبعاد‪.‬‬
‫‪ .2‬المشاركة في المسؤولية‪ :‬عندما تتخلص المؤسسة من البن‪rr‬اء المؤسس‪rr‬ي‬
‫الصارم‪ ،‬وتوزع الس‪rr‬لطة والمس‪rr‬ؤولية بش‪rr‬كل واس‪rr‬ع‪ ،‬ف‪rr‬ان الم‪rr‬دراء س‪rr‬وف‬
‫يعمل‪rr‬ون على االس‪rr‬تفادة من أفك‪rr‬ار الع‪rr‬املين ال‪rr‬ذين ال يج‪rr‬دون قن‪rr‬اة أخ‪rr‬رى‬
‫للتعبير عن أفكارهم‪ ،‬ومعرفة الرؤساء ذلك سوف يدفعهم لفتح الب‪rr‬اب على‬
‫مصراعيه للمقترحات واألفكار الخالقة التي من ش‪rr‬انها ان ت‪rr‬دفع المؤسس‪rr‬ة‬
‫بقوة الى االمام‪.‬‬
‫‪ .3‬توسيع فرص التقدم‪ :‬توسيع الفرص من شأنه ان يقلل من عدد العاملين‬
‫العالقين في ال‪rr‬روتين ويض‪rr‬عف الش‪rr‬عور بع‪rr‬دم وج‪rr‬ود وظ‪rr‬ائف جدي‪rr‬دة مم‪rr‬ا‬
‫يعمل على تحفيز الذين ليس لديهم دافعية لألداء الجي‪rr‬د لتحس‪rr‬ين ادائهم لكي‬
‫ال يخس‪rr‬روا وظ‪rr‬ائفهم‪ .‬والمؤسس‪rr‬ة تقوم بإعط‪rr‬اء الع‪rr‬املين في مختل‪rr‬ف‬

‫‪154‬‬
‫المس‪rr‬تويات الفرص‪rr‬ة للمش‪rr‬اركة بأفك‪rr‬ارهم‪ ،‬وتج‪rr‬ريب اتجاه‪rr‬ات جدي‪rr‬دة‪،‬‬
‫واعتب‪rr‬ار الوظيف‪rr‬ة الحالي‪rr‬ة م‪rr‬دخال لع‪rr‬الم أرحب من المس‪rr‬ؤوليات والمن‪rr‬افع‬
‫للمؤسس‪rr‬ات وللع‪rr‬املين‪ .‬كن‪rr‬تر ‪ Kanter‬ي‪rr‬رى ان المؤسس‪rr‬ات ذات البن‪rr‬اء‬
‫الصارم ربما تكون ذات مع‪r‬نى في الماض‪rr‬ي عن‪r‬دما ك‪r‬انت تس‪r‬تأجر عم‪r‬اال‬
‫غير ماهرين ألداء اعمال بدنية‪ ،‬لكن القوى العاملة المؤهل‪rr‬ة الي‪rr‬وم يمكنه‪rr‬ا‬
‫ان تساهم بثروة من األفكار اإلبداعية الخالقة التي تدعم كف‪rr‬اءة المؤسس‪rr‬ة‪،‬‬
‫كم‪rr‬ا ان التعام‪rr‬ل م‪rr‬ع الع‪rr‬املين على انهم م‪rr‬ورد يجب تط‪rr‬ويره أك‪rr‬ثر من‪rr‬ه‬
‫كجماعة تحت السيطرة س‪rr‬يعود على المؤسس‪rr‬ة بنف‪rr‬ع عظيم ليس فقط على‬
‫المدى القصير وانما على مديات ابعد‪..‬‬
‫مجتمع شبكات االتصال‪ :‬المستوى الكبير للجماعات ‪The Macro Level‬‬

‫الجماع‪rr‬ات والمؤسس‪rr‬ات اثبتت انه‪rr‬ا ذات قيم‪rr‬ة لعلم االجتم‪rr‬اع‪ ،‬وحيث ان‬
‫العالقات تغيرت‪ ،‬من الجماعة األولية الى الجماعة الثانوية‪ ،‬ومن الجماعة‬
‫الثانوية الى المؤسسات الرسمية‪ ،‬ومن المؤسسات الرس‪rr‬مية الى مؤسس‪rr‬ات‬
‫ما بعد الحداثة‪ ،‬فان علماء االجتماع يالحقون هذه التطورات باهتم‪rr‬ام ب‪rr‬الغ‬
‫من اج‪rrr‬ل فهم التح‪rrr‬ول االجتم‪rrr‬اعي ال‪rrr‬ذي لعبت في‪rrr‬ه ش‪rrr‬بكات التواص‪rrr‬ل‬
‫االجتماعي دورا اساسيا‪ .‬والشبكة اجرائيا‪ ،‬تعني نسيج من العالقات‬
‫االجتماعية التي تربط الناس بعظهم مع بعض‪ .‬تخيل ان شبكة االتصاالت‬
‫تقوم بمهمة دفع الناس لالتصال بمشاعر وحدود وهويات افراد من خ‪rr‬ارج‬
‫الجماعة‪ ،‬ف‪rr‬اذا اعتبرن‪rr‬ا الجماع‪rr‬ة "حلقة أص‪rr‬دقاء" فإنن‪rr‬ا سنص‪rr‬ف ش‪rr‬بكات‬
‫االتصال على انها نسيج اجتماعي يمتد خارجها ويصل الى مسافات بعي‪rr‬دة‬
‫ويغطي اعداد هائلة من الناس‪ .‬شبكات االتصال اذن تذهب ابعد بكث‪rr‬ير من‬

‫‪155‬‬
‫فكرة الجماعات او حتى المؤسسات‪ ،‬الن الجماعات والمؤسسات تف‪rr‬ترض‬
‫وجود حدود‪ ،‬وغالبا ترافقها عالقات مباشرة وجها لوجه‪ ،‬بالمقابل ش‪rr‬بكات‬
‫االتصال تصور حقل االتص‪r‬االت والعالق‪r‬ات على نط‪r‬اق واس‪r‬ع‪ ،‬فأنظم‪r‬ة‬
‫االتصاالت الحديثة والقدرة على نقل األفكار واألموال بض‪rr‬غطة على ل‪r‬وح‬
‫االزرار تك‪rrr‬ون ب‪rrr‬ذلك ق‪rrr‬د تخطت الح‪rrr‬دود الوطني‪rrr‬ة‪ .‬الش‪rrr‬ركات متع‪rrr‬ددة‬
‫الجنسيات تس‪rr‬تخدم االن ك‪rr‬وادر من ك‪rr‬ل مك‪rr‬ان في الع‪rr‬الم وتض‪rr‬ع قواع‪rr‬دها‬
‫الخاصة دون رقيب‪.‬‬
‫أحد التطبيقات المعقدة لشبكات االتصال على المستوى الوطني والمس‪r‬توى‬
‫العالمي هو استخدام اللغات المتعددة‪ ،‬فبالعلى الرغم من ان اللغة االس‪rr‬بانية‬
‫والصينية والعربية تستخدم بشكل واسع في ال‪rr‬بيوت في ك‪rr‬ل انح‪rr‬اء الع‪rr‬الم‪،‬‬
‫اال ان اإلنكليزي‪rr‬ة وح‪rr‬دها ظلت لغ‪rr‬ة التج‪rr‬ارة العالمي‪rr‬ة‪ ،‬ذل‪rr‬ك الن القوة‬
‫االقتص‪rrr‬ادية والسياس‪rrr‬ية الى ج‪rrr‬انب الس‪rrr‬يطرة على التم‪rrr‬دد التكنول‪rrr‬وجي‬
‫متمركزة في البلدان الناطقة باإلنكليزية‪ .‬وللتكنولوجيا اليوم تطبيقات مثيرة‬
‫في ميدان التفاعل االجتماعي‪ ،‬گوگل األيميل‪ ،‬الفيس بوك‪ ،‬الفايبر‪ ،‬غ‪rr‬رف‬
‫الدردشة والمدونات ‪ ،blogs‬سهلت إمكانية التواصل االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬وص‪rr‬ار‬
‫بمقدورنا ان نتح‪rr‬دث م‪rr‬ع أي ش‪rr‬خص في أي مك‪rr‬ان في الك‪rr‬رة األرض‪rr‬ية‪،‬‬
‫ونتبادل األفكار وربما االرتباط بعالقات صداقة حقيقية او وهمي‪rr‬ة‪ .‬الحك‪rr‬ام‬
‫الطغاة لم يعد بوسعهم اقفال األب‪rr‬واب على مواط‪rr‬نيهم ليعرف‪rr‬وا كي‪rr‬ف يفك‪rr‬ر‬
‫الن‪rr‬اس من ح‪rr‬ولهم في البل‪rr‬دان األخ‪rr‬رى‪ .‬في الص‪rr‬ين حيث تقوم الس‪rr‬لطات‬
‫بتصفية المعلومات‪ ،‬وجد خبراء الكومبيوتر طرق‪rr‬ا التفافي‪rr‬ة ح‪rr‬ول التص‪rr‬فية‬
‫(الفل‪rr‬ترة)‪ .‬في ماينم‪rr‬ار ح‪rr‬اولت الس‪rr‬لطات اغالق االتص‪rr‬ال ع‪rr‬بر األقم‪rr‬ار‬

‫‪156‬‬
‫الصناعية لمنع الحصول على المعلوم‪rr‬ات‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من جه‪rr‬ود بعض‬
‫الدول لتضييق مساحة التواصل مع الع‪rr‬الم الخ‪rr‬ارجي ف‪rr‬ان عملي‪rr‬ات التغ‪rr‬ير‬
‫أصبحت سريعة جدا لدرجة يصعب معها حصر الناس في زجاجة‪.‬‬
‫شبكة االنترنيت التي انتشرت عالميا لم تر النور اال في نهايات ‪ 1989‬ولم‬
‫تستخدم استخداما واسعا على نطاق الع‪rr‬الم اال في منتص‪rr‬ف التس‪rr‬عينات من‬
‫القرن الماض‪rr‬ي‪ ،‬تراف‪rr‬ق ذل‪rr‬ك م‪rr‬ع اس‪rr‬تخدام ال ‪ e-mail‬ثم اعقبته‪rr‬ا بقي‪rr‬ة‬
‫التفاصيل‪ .‬لقد واجه االنترنت في بدايته عزوف‪rr‬ا ومقاوم‪rr‬ة ح‪rr‬تى في البل‪rr‬دان‬
‫التي اخترعته‪ ،‬ولكنه في غضون سنوات قليلة صار جزءا من حياة الناس‬
‫لدرجة يصعب معها االستغناء عن‪rr‬ه‪ ،‬وه‪rr‬و مث‪rr‬ل أي م‪rr‬دخل جدي‪rr‬د ال ب‪rr‬د ان‬
‫يلقى مقاومة قبل تبني‪rr‬ه‪ .‬المهم ان الش‪rr‬بكة العنكبوتي‪rr‬ة دخلت لك‪rr‬ل المي‪rr‬ادين‪،‬‬
‫وصار بمقدور الن‪rr‬اس االتص‪rr‬ال بغ‪rr‬يرهم في ك‪rr‬ل مك‪rr‬ان‪ .‬ومن نتيج‪rr‬ة ذل‪rr‬ك‬
‫عملت وس‪rr‬ائل االتص‪rr‬ال على تغي‪rr‬ير الع‪rr‬الم‪ .‬والح‪rr‬ق ان االن‪rr‬ترنيت أص‪rr‬بح‬
‫وسيلة تسويق ثقافية قبل ان يكون س‪rr‬لعة تجاري‪rr‬ة مربح‪rr‬ة‪ .‬يقول باالنت‪rr‬اين‬
‫‪ Ballantine‬وبلم‪rr‬ر & ‪ Plummer‬لقد اص‪rr‬بح اإلمك‪rr‬ان معرف‪rr‬ة س‪rr‬لوك‬
‫األمم الغربية وعاداته‪rr‬ا وتقالي‪rr‬دها‪ ،‬وق‪rr‬د أدى ذل‪rr‬ك الى ردود فع‪rr‬ل مختلف‪rr‬ة‪،‬‬
‫فمثال اص‪rr‬طدمت القيم الغربي‪rr‬ة م‪rr‬ع ثقاف‪rr‬ة ع‪rr‬دة بل‪rr‬دان إس‪rr‬المية في الش‪rr‬رق‬
‫األوس‪rr‬ط ‪ ،‬والنتيج‪rr‬ة اس‪rr‬تثارة درج‪rr‬ة عالي‪rr‬ة من الغض‪rr‬ب والعدائي‪rr‬ة ض‪rr‬د‬
‫الواليات المتحدة االمريكية وبلدان اورب‪rr‬ا الغربي‪rr‬ة ليس بس‪rr‬بب معارض‪rr‬تها‬
‫للحرية والديمقراطية‪ ،‬كما يزعم بعض السياسيين الغرب‪rr‬يين‪ ،‬وانم‪rr‬ا بس‪rr‬بب‬
‫القيم النفعية والمؤسسات الالشخصية التي تص‪rr‬در من الغ‪rr‬رب الى الش‪rr‬رق‬
‫لتغزوا نسيج الجماع‪r‬ات الص‪rr‬غيرة والمتوس‪r‬طة‪ ،‬انهم يش‪r‬عرون ان ثقافتهم‬

‫‪157‬‬
‫تحت التهدي‪rr‬د‪ ،‬والحقيقة ان ض‪rr‬غوط األوض‪rr‬اع االجتماعي‪rr‬ة واالقتص‪rr‬ادية‬
‫والسياسية المتردية هناك اشعلت الجماعات والحركات األص‪rr‬ولية ل‪rr‬رفض‬
‫الحداثة قبل ان تتحول الى حركات مسلحة خارج القانون‪.‬‬
‫السؤال االن ما مستقبل العالقات العنكبوتي‪rr‬ة ‪ syber- relations‬فبم‪rr‬ا ان‬
‫عالقات الوجه لوجه في الجماعات األولي‪rr‬ة ق‪rr‬د تش‪rr‬ظت‪ ،‬وانن‪rr‬ا اعت‪rr‬دنا من‪rr‬ذ‬
‫وقت طويل على العالقات غير المباش‪rr‬رة واالنتقالي‪rr‬ة للجماع‪rr‬ات الثانوي‪rr‬ة‪،‬‬
‫فان اغلبنا اصبح يتقبل هذا الحال‪ ،‬وبينما م‪rr‬ازال ج‪rr‬زء من حياتن‪rr‬ا مرتبط‪rr‬ا‬
‫لح‪rr‬د م‪rr‬ا بالجماع‪rr‬ة األولي‪rr‬ة‪ ،‬وان اغلب انش‪rr‬طتنا اليومي‪rr‬ة‪ ،‬من العم‪rr‬ل الى‬
‫التسوق‪ ،‬الى الترفيه‪ ،‬تعتمد اكثر فاكثر على العالقات الثانوية‪ ،‬فان الطرق‬
‫التي تربطنا بالعالم قد تغيرت‪ ،‬لكن هذه في طريقه‪rr‬ا للتح‪rr‬ول م‪rr‬رة أخ‪rr‬رى‪،‬‬
‫فكم‪rr‬ا الحظن‪rr‬ا في الس‪rr‬ياق‪ ،‬مجموع‪rr‬ة من العالق‪rr‬ات في طريقه‪rr‬ا للتش‪rr‬كل‪،‬‬
‫بعضها يمكن ان نطل‪r‬ق عليه‪r‬ا عالق‪r‬ات م‪r‬ا بع‪r‬د االن‪r‬ترنيت‪ .‬فع‪r‬بر األدوات‬
‫التكنولوجي‪r‬ة عالي‪r‬ة التقني‪r‬ة يمكن توجي‪r‬ه النظ‪r‬ر الى العالق‪r‬ات الجدي‪r‬دة عن‬
‫طريق الفيديو‪ ،‬الوسائط المتعددة ‪ multimedia‬الهاتف الخل‪rr‬وي‪ ،‬ش‪rr‬بكات‬
‫االتص‪rr‬ال‪ ،‬األلع‪rr‬اب االلكتروني‪rr‬ة‪ ،‬والحاس‪rr‬وب الشخص‪rr‬ي‪ ،‬وعلين‪rr‬ا هن‪rr‬ا ان‬
‫نتذكر كم من الوقت ننف‪r‬ق للقي‪r‬ام بأش‪r‬ياء ال حص‪rr‬ر له‪r‬ا بعي‪r‬دة عن عالق‪rr‬ات‬
‫الوجه لوجه‪ .‬اعداد كبيرة من الناس ينفقون وقتا طويال جدا على الحاسوب‬
‫او الهواتف الذكية‪ ،‬وهناك طلبة ينفقون أربع‪rr‬ا وعش‪rr‬رين س‪rr‬اعة في الي‪rr‬وم‬
‫امام حواسبهم او هواتفهم الذكية‪ ،‬التي ال يمكن انتزاعها منهم‪ ،‬انها تمارس‬
‫على طريقة الم‪rr‬دمنين‪ ،‬فهم يعمل‪rr‬ون واجب‪rr‬اتهم المدرس‪rr‬ية او االكاديمي‪rr‬ة‬
‫عليه‪r‬ا‪ ،‬يس‪r‬تخدمونها في الع‪r‬اب التس‪r‬لية‪ ،‬يتس‪r‬وقون به‪r‬ا ويقيم‪r‬ون عالق‪r‬ات‬

‫‪158‬‬
‫أيضا‪ .‬واالن لو فكرنا لدقيقة واحدة كيف غ‪rr‬يرت ه‪rr‬ذه التكنولوجي‪rr‬ا العالق‪rr‬ة‬
‫مع الجماعات التي ينتمون اليها‪ .‬جيرجين )‪ Gergen (1991‬في دراستها‬
‫لتغير العالقات االجتماعية في عصر ال ‪ Hi-Tec‬وجدت‪:‬‬
‫‪ .1‬ان عالقات التحدث وجها لوجه استبدلت بعالقات كتابة عبر المس‪rr‬افات‬
‫عن طريق شاشة الحاسب او التلفون‬
‫‪ .2‬الجماع‪rr‬ات األولي‪rr‬ة القريب‪rr‬ة وح‪rr‬تى الثانوي‪rr‬ة اخلت الطري‪rr‬ق للجماع‪rr‬ات‬
‫الكونية‪ ،‬والعالقات الحميم‪rr‬ة انتش‪rr‬رت عن طري‪rr‬ق الشاش‪rr‬ة ع‪rr‬بر القارات‪،‬‬
‫والسيما القنوات الجنسية او الجنس عبر النت‪.‬‬
‫‪ .3‬االتصال االن ال يحتاج إظه‪r‬ار الهوي‪r‬ة (رج‪r‬ل او ام‪r‬رأة مثال) كم‪r‬ا ه‪r‬و‬
‫الحال في العالقات االولية‬
‫هذه مجرد قائمة ويمكنك إضافة الكثير من هذه العالقات الع‪rr‬ابرة للقارات‪.‬‬
‫لكن السؤال األهم هو ان بعض‪r‬نا يفع‪r‬ل ذل‪r‬ك االن م‪r‬اذا ل‪r‬و أص‪r‬بحنا جميع‪r‬ا‬
‫نفعل ذلك‪ ،‬والواقع اننا جميعا أصبحنا بالفع‪r‬ل نفع‪r‬ل ذل‪r‬ك‪ ،‬فيم‪r‬ا ع‪r‬دا من ال‬
‫يستطيعون ش‪rr‬راء حاس‪rr‬ب او تلف‪rr‬ون متط‪rr‬ور‪ ،‬عن‪rr‬دها سنقس‪rr‬م المجتم‪rr‬ع الى‬
‫طبقتين‪ ،‬طبقة ‪ syber-class‬وطبقة ‪ non-syber-class‬ثم م‪rr‬اذا يح‪rr‬دث‬
‫إذا أصبحنا جميعا نملك ثمن الهاتف ال‪rr‬ذكي او الحاس‪rr‬ب المتط‪rr‬ور‪ .‬البعض‬
‫يعتقد ان الش‪rr‬عور بالخج‪rr‬ل الت‪rr‬دني في مس‪rr‬توى الج‪rr‬رأة في التح‪rr‬دث ام‪rr‬ام‬
‫الغرباء سيزداد لديهم وسيكتفون بأرسال الرسائل عبر الشاشات ويبتعدون‬
‫عن التفاعل المباشر الذي يستلزم القدرة على تبادل الكالم‪ .‬وهذه العالق‪rr‬ات‬
‫ربما هي األخرى معرضة للتغير في المستقبل طالما ان التكنولوجيا تندفع‬
‫بقوة نحو المجاهيل‪ ،‬فالسيارة مثال ستكون ذاتي‪rr‬ة القي‪rr‬ادة‪ ،‬وتج‪rr‬ارب تج‪rr‬رى‬

‫‪159‬‬
‫االن لتحويلها الى سيارة طائرة‪ .‬الحاسب والتلف‪r‬ون ربم‪r‬ا يس‪r‬تبدالن بقطع‪r‬ة‬
‫الكترونية تزرع في المخ او أي شيء ال يمكننا تصوره االن‪.‬‬
‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫المجتم‪rr‬ع الح‪rr‬ديث تب‪rr‬دل في رب‪rr‬ع القرن الماض‪rr‬ي تب‪rr‬دال مخيف‪rr‬ا‪ ،‬ولم تع‪rr‬د‬
‫الجماعة االولية التي ننتمي لها تش‪rr‬بع فض‪rr‬ولنا‪ ،‬فوض‪rr‬عناها على اله‪rr‬امش‪،‬‬
‫واس‪rr‬تبدلناها بجماع‪rr‬ات ثانوي‪rr‬ة ال تربطن‪rr‬ا معه‪rr‬ا رابط‪rr‬ة دم وال ج‪rr‬يرة وال‬
‫مجتم‪rr‬ع محلي‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا ت‪rr‬وفر لن‪rr‬ا اغلب حاجاتن‪rr‬ا الض‪rr‬رورية للبقاء‪ .‬ك‪rr‬ان‬
‫االنسان بحاجة الى شهرين لكي يص‪rr‬ل من بغ‪r‬داد الى طنج‪r‬ة في المغ‪r‬رب‪،‬‬
‫هذا إذا لم تمت دابته في الطريق او يختطفه اللصوص وقط‪rr‬اع الط‪rr‬رق‪ .‬ثم‬
‫صار بوسعنا ان نقط‪rr‬ع المس‪rr‬افة بس‪rr‬اعة ونص‪rr‬ف‪ .‬االن فقط ب‪rr‬دأت اتلمس‬
‫اإلجابة عن تساؤل قديم "كي‪rr‬ف يس‪rr‬تطيع ال‪rr‬ذي عن‪rr‬ده علم الكت‪rr‬اب ان ي‪rr‬أتي‬
‫بع‪rr‬رش بلقيس قب‪rr‬ل ان يرت‪rr‬د بص‪rr‬ر المل‪rr‬ك الن‪rr‬بي س‪rr‬ليمان الي‪rr‬ه‪ ،‬أي قب‪rr‬ل ان‬
‫ت‪rr‬رمش عين‪rr‬اه‪ ،‬والمس‪rr‬افة بين ص‪rr‬نعاء والقدس تحت‪rr‬اج س‪rr‬بعة أي‪rr‬ام بلياليه‪rr‬ا‬
‫لراكب ال يتوقف اال لقض‪rr‬اء حاجت‪rr‬ه‪ .‬بع‪rr‬د عص‪rr‬ر االن‪rr‬ترنيت ص‪rr‬ار لن‪rr‬ا ان‬
‫نذهب الى ابعد من صنعاء بكثير قبل ارتداد البصر‪ .‬بلمس‪rr‬ة زر من ازرار‬
‫الهاتف الذكي او الحاسب االلكتروني يمكن نقل رسالة الى ابعد نقطة على‬
‫هذا الكوكب‪ ،‬ليس رسالة فقط‪ ،‬مكتب‪rr‬ة من ملي‪rr‬ون كت‪rr‬اب ك‪rr‬انت تحت‪rr‬اج الى‬
‫مئة ألف بعير لحملها وثالثة أشهر لنقلها من لندن الى بغداد‪ ،‬االن تس‪rr‬تطيع‬
‫تحميلها على قطعة سليكون بحجم انف البعير وارس‪rr‬الها بنص‪rr‬ف ثاني‪rr‬ة الى‬
‫المكتبة المركزي‪rr‬ة في بغ‪rr‬داد‪ .‬في ظ‪rr‬ل ه‪rr‬ذا التط‪rr‬ور المخي‪rr‬ف ال‪rr‬ذي ال أح‪rr‬د‬
‫ي‪rr‬دري الى اي اتج‪rr‬اه يتج‪rr‬ه‪ ،‬لم تع‪rr‬د جماع‪rr‬ات الوج‪rr‬ه لوج‪rr‬ه الزم‪rr‬ة‪ ،‬ح‪rr‬تى‬

‫‪160‬‬
‫الجماعة الثانوية التي تعودن‪r‬ا على كث‪r‬ير من مالمحه‪r‬ا في القرن الماض‪rr‬ي‬
‫أصبحت بحكم الالغية بع‪rr‬د ان تح‪rr‬ول المجتم‪rr‬ع البش‪rr‬ري بك‪rr‬ل اتس‪rr‬اعه الى‬
‫قري‪rr‬ة كوني‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬دخلت الجماع‪rr‬ات الكب‪rr‬يرة ‪ Macro Group‬الى المي‪rr‬دان‬
‫وازاحت ك‪rr‬ل م‪rr‬ا قبله‪rr‬ا من الجماع‪rr‬ات التقليدي‪rr‬ة المعروف‪rr‬ة‪ .‬الدراس‪rr‬ات‬
‫االجتماعي‪rr‬ة م‪rr‬ا ع‪rr‬ادت تعطي اهتمام‪rr‬ا للجماع‪rr‬ات الص‪rr‬غيرة وعالقاته‪rr‬ا‬
‫الحميمة وتفاعالتها المباشرة الن وجودها صار هالميا ولم تعد ت‪rr‬درس اال‬
‫من باب التذكير في ان‪rr‬ه فيم‪rr‬ا مض‪rr‬ى ك‪rr‬انت هن‪rr‬اك اس‪rr‬رة وك‪rr‬ان أعض‪rr‬اؤها‬
‫يتعاونون ويتفاعلون في كل لحظ‪rr‬ة‪ ،‬االن يعيش‪rr‬ون في بيت واح‪rr‬د وال أح‪rr‬د‬
‫يرى االخر االمرة كل شهرين‪ ،‬وإذا اجتمعوا انشغل كل منهم بهاتفه النقال‬
‫او حاسوبه االلكتروني‪ .‬هناك اخوة واخوات يعيش‪rr‬ون في مدين‪rr‬ة واح‪rr‬دة لم‬
‫ير أحدهم االخر منذ خمس سنوات‪ .‬هذا الرقم ليس مبالغ‪rr‬ا في‪rr‬ه‪ ،‬فهن‪rr‬اك ابن‬
‫يعيش في شمال بريطانيا وابوه يعيش في جنوبها ولم ير أحدهم االخر من‪rr‬ذ‬
‫عشرين سنة‪ ،‬وامثلة كثيرة حتى في مجتمعنا الذي مازال في طور االنتقال‬
‫الى القرية الكونية‪.‬‬
‫ماذا بعد الجماعات الكونية التي بدأت توفر لن‪rr‬ا حاجاتن‪rr‬ا دون ان ننتقل من‬
‫غ‪rr‬رف نومن‪rr‬ا؟ لقد وف‪rr‬رت لن‪rr‬ا ال ‪ Hi-Tec‬ف‪rr‬رص التخ‪rr‬اطب وتك‪rr‬وين‬
‫الصداقات والتسوق ومعرفة اخر اخبار الموضة‪ ،‬وإنتاج المعرفة وكل م‪rr‬ا‬
‫نحتاجه‪ ،‬حتى الحب والجنس والزواج أصبحت في متناول الي‪rr‬د‪ .‬م‪rr‬اذا بع‪rr‬د‬
‫الجماعة العنكبوتية الكونية؟ سؤال يبقى مفتوحا‪.‬‬

‫‪161‬‬
162
‫الفصل السادس‬

‫االسرة ‪Family‬‬

‫االسرة هي دار كل الشرور االجتماعية وجحيم كل االطفال‬


‫اوغست ستريندبرغ‬
‫كاتب وشاعر سويدي‬
‫ماهي االسرة؟ * ‪What is a Family‬‬

‫‪163‬‬
‫سؤال س‪rr‬اذج ينبغي ان ال ُيس‪rr‬أل‪ ،‬فمن المؤك‪rr‬د انن‪rr‬ا جميع‪rr‬ا نع‪rr‬رف م‪rr‬ا هي‬
‫االسرة‪ ،‬فعندما نقول عائلتي او عائلتك فأننا نعرف بالضبط ماذا نعني بها‪،‬‬
‫لكن في ه‪rr‬ذا الفهم إش‪rr‬كالية بعي‪rr‬دة ك‪rr‬ل البع‪rr‬د عن الوض‪rr‬وح‪ ،‬فعن‪rr‬دما نقول‬
‫عائلتي‪ ،‬قد نعني بها االسرة المباشرة التي نعيش ونشترك فيها مع ازواجنا‬
‫واوالدنا في سكن موحد‪ ،‬وقد نعني بها الجماعة االوسع ‪ ،‬االبوين واالخوة‬
‫واالخوات‪ ،‬سواء كانوا يعيشون معنا او يعيشون في سكن منفصل‪ ،‬ويمكن‬
‫ان تمتد لتشمل جماعات اكبر لتش‪rr‬مل األق‪rr‬ارب ال‪rr‬ذين يتم االتص‪rr‬ال بهم في‬
‫مناسبات معينة‪ ،‬وقد نعني بها أقارب الدم مثل االعمام واالخوال وابنائهم‪،‬‬
‫العمات والخاالت واالجداد‪ ،‬وقد تعنى أشخاص‪rr‬ا ليس لن‪rr‬ا اتص‪rr‬ال بهم على‬
‫االطالق ننتسب لهم باالس‪rr‬م فقط ‪ .‬فتعري‪rr‬ف االس‪rr‬رة ليس‪rr‬ت بالبس‪rr‬اطة كم‪rr‬ا‬
‫تب‪rr‬دو‪ .‬التعري‪rr‬ف ينبغي مناقش‪rr‬ته عن طري‪rr‬ق المف‪rr‬اهيم المرتبط‪rr‬ة بالمنزل‪rr‬ة‬
‫والقرابة‪ .‬والتعريف التقلي‪r‬دي لألس‪r‬رة مرتب‪r‬ط ب‪r‬الزواج وتقس‪r‬يم العم‪r‬ل بين‬
‫كاسب القوت وربة البيت التي تقوم بتربية األطفال‪ ،‬وهذا التعريف يستبعد‬
‫االس‪rr‬رة ال‪rr‬تي ت‪rr‬دار بوس‪rr‬اطة االب وح‪rr‬ده او االم وح‪rr‬دها "االس‪rr‬رة أحادي‪rr‬ة‬
‫الوالد" ‪ Single Parent‬كم‪rr‬ا يس‪rr‬تبعد المعاش‪rr‬رة بين اث‪rr‬نين من دون عقد‬
‫زواج‪ ،‬ويس‪rr‬تبعد ال‪rr‬زواج المثلي (ال‪rr‬ذي أص‪rr‬بح ش‪rr‬رعيا في اغلب بل‪rr‬دان‬
‫اوربا)‪ .‬لتجنب اإلشكالية يقول جت‪rr‬نز)‪ Gittins (1993‬يجب ان نتح‪rr‬دث‬
‫عن األس‪rr‬ر او العوائ‪rr‬ل بص‪rr‬يغة الجم‪rr‬ع لكي تش‪rr‬مل ك‪rr‬ل أن‪rr‬واع االس‪rr‬رة‪،‬‬
‫ونتخلص من إعط‪rr‬اء امتي‪rr‬از لش‪rr‬كل معين لألس‪rr‬رة على حس‪rr‬اب االش‪rr‬كال‬
‫األخرى‪ .‬ومع هذا االتجاه ال‪rr‬ذي لقي رواج‪rr‬ا عن‪rr‬د بعض علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع‪،‬‬
‫مازالت اإلشكالية قائمة‪ .‬وعلى كل حال وحسما للجدل فان االسرة تش‪rr‬ترك‬

‫‪164‬‬
‫في خاصيتين‪ :‬أولها العالقات القريب‪rr‬ة مكاني‪rr‬ا والحميم‪rr‬ة عاطفي‪rr‬ا‪ ،‬حيث ان‬
‫العالقة العائلية قريبة داخل االسرة عنها مع الن‪rr‬اس خارجه‪rr‬ا‪ ،‬وألعض‪rr‬ائها‬
‫شعور باالنتم‪r‬اء‪ ،‬وثانيه‪r‬ا اإلحس‪r‬اس ب‪r‬الوالء والمس‪r‬ؤولية‪ ،‬ف‪rr‬أفراد االس‪r‬رة‬
‫يعطون أولوية قصوى لحاجات األعض‪rr‬اء االخ‪rr‬رين‪ ،‬والمس‪rr‬ؤوليات غالب‪rr‬ا‬
‫مقررة سلفا فاألب يعرف مسؤولياته تجاه أعضاء االسرة كم‪rr‬ا تع‪rr‬رف االم‬
‫واألوالد ح‪rr‬دودهم في المس‪rr‬ؤولية‪ .‬وفي ض‪rrr‬وء ذل‪rr‬ك يمكن االن تعري‪rr‬ف‬
‫االسرة على انها أصغر وحدة اجتماعية يرتبط أعض‪rr‬اؤها برواب‪rr‬ط الهوي‪rr‬ة‬
‫واالنتماء والمسؤولية‪ ،‬وهذه الوح‪rr‬دة االجتماعي‪rr‬ة ال تقوم بالض‪rr‬رورة على‬
‫الزواج‪ ،‬او االنحدار البيولوجي او التبني‪.‬‬
‫لحقبة طويلة مض‪rr‬ت ك‪rr‬ان علم االجتم‪rr‬اع ينظ‪rr‬ر للعائل‪rr‬ة على انه‪rr‬ا مؤسس‪rr‬ة‬
‫اجتماعي‪rr‬ة تعم‪rr‬ل على توحي‪rr‬د االف‪rr‬راد في جماع‪rr‬ات متعاون‪rr‬ة تش‪rr‬رف على‬
‫تربية‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫*استخدمنا مفه‪rr‬وم العائل‪rr‬ة بنفس مع‪rr‬نى االس‪rr‬رة تماش‪rr‬يا م‪rr‬ع أص‪rr‬لها اإلنكل‪rr‬يزي ‪ Family‬ربم‪rr‬ا‬
‫تعطي معنى مقارب او مختلف بعض الشيء في اللغة العربية‪ .‬بعض اللغويين الع‪rr‬رب يع‪rr‬دون‬
‫العائل‪r‬ة من األخط‪r‬اء الش‪r‬ائعة‪ ،‬فهي م‪r‬ؤنث "عائ‪r‬ل" والعائ‪r‬ل‪ :‬الفقير‪ ،‬ويحتج‪r‬ون بقول‪r‬ه تع‪r‬الى‬
‫"ووجدك عائال فأغنى" الضحى ‪ 8,‬ولكننا آثرنا استخدامها بنفس المعنى لشيوع استخدامها في‬
‫علم االجتماع‪ .‬وفي اللغة اإلنكليزية هن‪rr‬اك مص‪rr‬طلح ‪ Household‬ال‪rr‬ذي يع‪rr‬ني س‪rr‬كان ال‪rr‬بيت‬
‫وذلك ال يش‪rr‬كل اس‪rr‬رة وال عائل‪r‬ة‪ ،‬فربم‪rr‬ا يك‪rr‬ون في ال‪r‬بيت أك‪rr‬ثر من عائل‪r‬ة او نص‪rr‬ف عائل‪r‬ة او‬
‫شخص واحد بمفرده‪ .‬فه‪rr‬و اذن ال يص‪rr‬لح الس‪rr‬تخدامه كمع‪rr‬نى مقارب لألس‪rr‬رة او االس‪rr‬رة كم‪rr‬ا‬
‫نفهمها في اللغة العربية‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫األطفال‪ ،‬واغلب العائالت مبنية على القرابة‪ ،‬أي انها رابط اجتماعي يقوم‬
‫على ال‪rr‬دم‪ ،‬ال‪r‬زواج او التب‪rr‬ني‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من ان ك‪rr‬ل المجتمع‪rr‬ات ل‪rr‬ديها‬
‫نظام عائلي لكنها تختلف تاريخيا في تحديد من ي‪rr‬دخل تحت مظل‪rr‬ة االس‪rr‬رة‬
‫ومن يكون خارجها‪ ،‬واليوم أيضا شكل وتركيب االسرة يختل‪rr‬ف ب‪rr‬اختالف‬
‫الثقافات‪ .‬في القرن العشرين كان الناس ينظرون لألس‪rr‬رة على انه‪rr‬ا وح‪rr‬دة‬
‫اجتماعية تتألف من شخصين او أكثر يرتبط‪rr‬ون برابط‪rr‬ة ال‪rr‬دم‪ ،‬ال‪rr‬زواج او‬
‫التبني ويعيشون م‪rr‬ع بعض في س‪rr‬كن موح‪rr‬د‪ .‬في ك‪rr‬ل انح‪rr‬اء الع‪rr‬الم الش‪rr‬كل‬
‫األكثر شيوعا للعائلة يقوم على الزواج المقبول شرعيا ويقتضي الديموم‪rr‬ة‬
‫والتعاون االقتصادي والعالقات الجنسية المعيارية ورعاية األطفال‪ ،‬وه‪rr‬و‬
‫ال‪rr‬زواج ال‪rr‬ذي ينتج عن‪rr‬ه ال‪rr‬والدات الش‪rr‬رعية‪ ،‬وك‪rr‬ان الن‪rr‬اس يطلقون على‬
‫األطفال المولودين خارج العالقة الزواجية بأنهم غير شرعيين‪ .‬طبع‪rr‬ا ه‪rr‬ذا‬
‫الربط بين ال‪r‬زواج وش‪r‬رعية األطف‪r‬ال أص‪r‬بح ض‪r‬عيفا ج‪r‬دا في المجتمع‪r‬ات‬
‫الغربية ح‪rr‬تى يقول ماس‪rr‬يونز )‪ Macionis & Plummer (2002‬ان‬
‫واحدا من كل أربع والدات يولدون من اباء غير معروفين‪ ،‬ولكنه ما يزال‬
‫فعاال جدا في مجتمعنا الع‪rr‬ربي حيث يحم‪rr‬ل الولي‪rr‬د غ‪rr‬ير الش‪rr‬رعي وص‪rr‬مة‬
‫اجتماعية طول حيات‪rr‬ه ويس‪rr‬تبعد حص‪rr‬وله على عم‪rr‬ل او عالق‪rr‬ة عاطفي‪rr‬ة او‬
‫زواج طبيعي مثل سائر الناس‪.‬‬
‫عدد كبير من علماء االجتماع الغربيين يرفض‪rr‬ون رب‪rr‬ط االس‪rr‬رة ب‪rr‬الزواج‬
‫وإنجاب األطفال الن ذلك سيجعل كل عضو من أعضاء المجتم‪rr‬ع يخض‪rr‬ع‬
‫لمعي‪rr‬ار واح‪rr‬د‪ ،‬حيث ان اع‪rr‬دادا متزاي‪rr‬دة من الن‪rr‬اس (في المجتم‪rr‬ع الغ‪rr‬ربي‬
‫طبع‪rr‬ا) يتم‪rr‬ردون على الش‪rr‬كل التقلي‪rr‬دي للرواب‪rr‬ط العائلي‪rr‬ة‪ ،‬الغالبي‪rr‬ة الي‪rr‬وم‬

‫‪166‬‬
‫يرك‪rr‬زون على االس‪rr‬رة ال‪rr‬تي ترتب‪rr‬ط بالتج‪rr‬اذب الع‪rr‬اطفي القائم على الحب‬
‫المتب‪rr‬ادل من دون قي‪rr‬ود اجتماعي‪rr‬ة او ش‪rr‬رعية‪ .‬ع‪r‬الم االجتم‪rr‬اع كريس‪rr‬توفر‬
‫كارنتون )‪ Christopher Carrington (1999:5‬يقول " ان‪rr‬ا افهم ان‬
‫االسرة تتألف من أناس يحبون ويعتنون ببعضهم البعض"‪.‬‬
‫النظريات المفسرة للعائلة ‪Theories Explaining Family‬‬
‫بسبب وجود اشكال متعددة لألسرة‪ ،‬فإننا نحتاج ان نع‪rr‬رف لم‪rr‬اذا أص‪rr‬بحت‬
‫االسرة النووية معيارا للمجتمع الصناعي الرأسمالي‪ .‬بعد الحرب العالمي‪rr‬ة‬
‫الثاني‪rr‬ة النظري‪rr‬ة التفس‪rr‬يرية األك‪rr‬ثر ش‪rr‬يوعيا ك‪rr‬انت البنائي‪rr‬ة الوظيفي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫طوره‪rr‬ا ت‪rr‬الكوت بارس‪rr‬ونز (‪ .)79-1902‬ش‪rr‬يل )‪Cheal (1991:3-4‬‬
‫أطل‪rr‬ق على ه‪rr‬ذا االتج‪rr‬اه النظ‪rr‬ري "علم االجتم‪rr‬اع األم‪rr‬ريكي األساس‪rr‬ي"‬
‫‪ Standard American Sociology‬بسبب هيمنته على كل فروع علم‬
‫االجتماع األمريكي ونظرياته األخرى واستمراره في التأثير طوال الحقبة‬
‫الحرجة من نموه‪ .‬ثم تمدد تأثيره خ‪rr‬ارج الوالي‪rr‬ات المتح‪rr‬دة االمريكي‪rr‬ة م‪rr‬ع‬
‫صعود نجم الواليات المتحدة كإحدى القوى العالمية المهيمنة بعد الحرب‪.‬‬
‫نظرية تالكوت بارسونز ‪Talcott Parsons Theory‬‬
‫النظري‪rr‬ة ال‪rr‬تي يش‪rr‬ار له‪rr‬ا غالب‪rr‬ا في تفس‪rr‬يرها لعالق‪rr‬ة الموائم‪rr‬ة بين االس‪rr‬رة‬
‫النووية والمجتمع الصناعي هي نظري‪r‬ة ت‪r‬الكوت بارس‪r‬ونز‪ ،‬وتفي‪r‬د نظري‪r‬ة‬
‫بارسونز بان نظام االسرة النووية تكيف بشكل فريد مع حاج‪rr‬ات المجتم‪rr‬ع‬
‫الص‪rr‬ناعي لس‪rr‬ببين‪ ،‬األول‪ :‬التن‪rr‬وع االقتص‪rr‬ادي (ع‪rr‬دة مهن مختلف‪rr‬ة‪ ،‬م‪rr‬ع‬
‫عائدات مادية وأسلوب حياة مختلف) الذي يش‪rr‬كل روح الحي‪rr‬اة الص‪rr‬ناعية‪،‬‬
‫وهو ما ال ينس‪rr‬جم م‪rr‬ع طبيع‪rr‬ة االس‪rr‬رة الممت‪rr‬دة‪ ،‬ولكن‪rr‬ه مث‪rr‬الي م‪rr‬ع االس‪rr‬رة‬

‫‪167‬‬
‫النووي‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬اذا ك‪rr‬انت االس‪rr‬رة مقي‪rr‬دة بجماع‪rr‬ة نووي‪rr‬ة ص‪rr‬غيرة م‪rr‬ع عائ‪rr‬ل‬
‫‪ Breadwinner‬رئيسي واحد الذي هو رب االسرة‪ ،‬فان الص‪rr‬راع الخفي‬
‫بين أعضاء االسرة الممتدة العاملين في مهن مختلف‪rr‬ة يمكن تجنب‪rr‬ه‪ ،‬بمع‪rr‬نى‬
‫انه لو عمل احد افراد االسرة في مهن‪rr‬ة ب‪rr‬أجر اعلى من أخي‪rr‬ه او ابي‪rr‬ه ف‪rr‬ان‬
‫ذلك يثير حسد وسخط األخ واألب الذين يبذلون نفس المجهود ب‪rr‬أجور اق‪rr‬ل‬
‫في مهنة أخرى‪ ،‬وبسبب ذلك قد ينشأ بينهم صراع كامن ويضعف ق‪rr‬درتهم‬
‫على التركيز في أداء الواجب الدقيق والس‪rr‬ريع والمنض‪rr‬بط ال‪rr‬ذي يس‪rr‬تلزمه‬
‫العم‪rr‬ل الص‪rr‬ناعي‪ .‬له‪rr‬ذا يعتقد بارس‪rr‬ونز ان االس‪rr‬رة النووي‪rr‬ة هي الوحي‪rr‬دة‬
‫القادرة على إزال‪rr‬ة االختالف االقتص‪rr‬ادي ال‪rr‬ذي ق‪rr‬د يح‪rr‬دث داخ‪rr‬ل االس‪rr‬رة‬
‫الكبيرة ويحول دون حدوث التنافس على أجور العمل الص‪rr‬ناعي ال‪rr‬ذي ق‪rr‬د‬
‫يعمل على تقويض التماس‪rr‬ك الع‪rr‬ائلي‪ ،‬وفي ال‪rr‬وقت نفس‪rr‬ه تس‪rr‬تطيع االس‪rr‬رة‬
‫النووية بوصفها وحدة صغيرة االنتقال جغرافيا واقتص‪rr‬اديا بس‪rr‬هولة لتل‪rr‬بي‬
‫حاجات االقتصاد الصناعي‪ .‬وثانيا‪ :‬الحاج‪rr‬ة لح‪rr‬ل الص‪rr‬راع بين القيم ال‪rr‬تي‬
‫ت‪rr‬دعم االقتص‪rr‬اد واألنش‪rr‬طة العام‪rr‬ة للمجتم‪rr‬ع الص‪rr‬ناعي وتل‪rr‬ك ال‪rr‬تي تم‪rr‬يز‬
‫العالقات العائلية التقليدية‪ ،‬وفقا لرأي بارسونز‪ ،‬العائالت تتميز بقيم العزو‬
‫‪ Ascription‬التي تميل الى نسبة األشياء لسبب‪ ،‬مثل " الترك‪rr‬يز على من‬
‫هم الن‪rrr‬اس ال‪rr‬ذين مع‪rrr‬ك‪ ،‬من أي عائل‪rrr‬ة او قبيل‪rr‬ة او دين او ع‪rr‬رق" وقيم‬
‫المحسوبية ‪( Particularism‬تعطي األولوي‪rr‬ة للعالق‪rr‬ات الخاص‪rr‬ة)‪ ،‬فمثال‬
‫متوقع من االبوين إعطاء كل الحب والرعاية ألوالدهم أك‪rr‬ثر مم‪rr‬ا يفعلون‪rr‬ه‬
‫مع االخرين‪ ،‬بغض النظر عن درجة نج‪rr‬احهم او ج‪rr‬اذبيتهم وفقا للمع‪rr‬ايير‬
‫العامة‪ .‬بارسونز يرى ان هذا السلوك مؤذي وغير مقبول في المناخ العام‪،‬‬

‫‪168‬‬
‫فمثال في العم‪r‬ل‪ ،‬االس‪r‬تخدام والط‪r‬رد والترقي‪r‬ة من المف‪r‬ترض انه‪r‬ا تح‪r‬دث‬
‫كامتياز فردي فقط‪ ،‬بمعنى اخر‪ ،‬يقول بارسونز‪ ،‬العمل الكفوء ال‪rr‬ذي يل‪rr‬بي‬
‫حاج‪rr‬ات المص‪rrr‬لحة العام‪rr‬ة للمجتم‪rr‬ع الص‪rrr‬ناعي يس‪rr‬تلزم قيم تقوم على‬
‫االنجازي‪rr‬ة والمص‪rr‬لحة العام‪rr‬ة وه‪rr‬و م‪rr‬ا يتع‪rr‬ارض كلي‪rr‬ا م‪rr‬ع القيم القرابي‪rr‬ة‪،‬‬
‫ويحدث ارباك في العمل عندما تت‪rr‬داخل االلتزام‪rr‬ات المهني‪rr‬ة م‪rr‬ع العالق‪rr‬ات‬
‫القرابية‪ ،‬فمثال اذا كان احد اف‪rr‬راد االس‪rr‬رة مش‪rr‬رفا واألخ‪rr‬ر ع‪rr‬امال في نفس‬
‫حقل العمل فان الص‪rr‬راع بينهم‪rr‬ا يمكن تجنب‪rr‬ه أوال بفص‪rr‬ل االس‪rr‬رة النووي‪rr‬ة‬
‫عن االقرب‪rr‬اء‪ ،‬وثاني‪rr‬ا فص‪rr‬ل االس‪rr‬رة النووي‪rr‬ة عن المي‪rr‬دان الع‪rr‬ام من اج‪rr‬ل‬
‫االبتع‪rr‬اد عن ادخ‪rr‬ال القيم العائلي‪rr‬ة في العم‪rr‬ل‪ ،‬وفي ذل‪rr‬ك ال يحت‪rr‬اج الن‪rr‬اس‬
‫االختيار بين الوالء القرابي والمعايير الالشخصية المطلوبة في اداء الدور‬
‫المه‪rr‬ني‪ .‬باإلض‪rr‬افة لم‪rr‬ا تقدم بارس‪rr‬ونز ي‪rr‬زعم ان االس‪rr‬رة النووي‪rr‬ة تقوم‬
‫بوظيف‪rr‬تين ه‪rr‬امتين ألعض‪rr‬ائها‪ ،‬تنش‪rr‬ئة األطف‪rr‬ال واالس‪rr‬تقرار الشخص‪rr‬ي‬
‫للبالغين‪.‬‬
‫اما بشأن تقسيم العمل االسري فقد أشار الى ان المورد المادي يتواله االب‬
‫او ال‪rr‬زوج‪ ،‬والم‪rr‬رأة تهتم بش‪rr‬ؤون الم‪rr‬نزل والحاج‪rr‬ات العاطفي‪rr‬ة ألعض‪rr‬اء‬
‫االس‪rrr‬رة‪ .‬بارس‪rrr‬ونز وص‪rrr‬ف وظيف‪rrr‬ة ال‪rrr‬ذكر على ان‪rrr‬ه أداة او وس‪rrr‬يلة‬
‫‪ instrumental‬فعالة فيما اعطى للمرأة وظيفة تعبيري‪rr‬ة ‪ expressive‬او‬
‫عاطفية‪ ،‬هذا التقسيم الجنس‪r‬ي ‪ Gendered Division‬وض‪rr‬عه بارس‪r‬ونز‬
‫على افتراض القابليات الطبيعية للمرأة‪ .‬وأضاف ان الوظائف االجتماعية‬
‫الخاصة بالجنسين تتحدد وفقا للعالقة الرئيس‪rr‬ة بين الطف‪rr‬ل الص‪rr‬غير وأم‪rr‬ه‪،‬‬
‫وان الطبيعة الخاص‪rr‬ة له‪rr‬ذه العالق‪rr‬ة‪ ،‬بزعم‪rr‬ه‪ ،‬ت‪rr‬أتي نتيج‪rr‬ة للقدرة الفري‪rr‬دة‬

‫‪169‬‬
‫للم‪rr‬رأة على حم‪rr‬ل ورعاي‪rr‬ة األطف‪rr‬ال )‪ .Cheal (1991‬أفك‪rr‬ار بارس‪rr‬ونز‬
‫بمنظور علم االجتماع المعاصر تبدو متخلف‪rr‬ة ج‪rr‬دا‪ ،‬ولكن يجب اخ‪rr‬ذها في‬
‫سياقها االجتماعي والتاريخي‪ .‬اذ ان المرأة في عصره لم تكن ق‪rr‬د حص‪rr‬لت‬
‫على التعليم والمكانة والحرية التي تتمتع بها النساء اليوم‪ .‬ومع ان النموذج‬
‫العائلي لبارسونز كان يعد ممهدا لعص‪rr‬ر الحداث‪rr‬ة اال ان ع‪rr‬الم المجتم‪rr‬ع ق‪rr‬د‬
‫تبدل بشكل تجاوز منظور بارسونز بكثير‪،‬‬
‫نظرية ميشيل فوكو ‪* Michel Foucault‬‬
‫ميش‪r‬يل فوك‪r‬و الم‪r‬ؤرخ والفيلس‪r‬وف الفرنس‪r‬ي (‪ )84-1926‬ك‪r‬ان معاص‪rr‬را‬
‫لبارس‪rr‬ونز‪ ،‬ولكن‪rr‬ه يختل‪rr‬ف عن‪rr‬ه كلي‪rr‬ا في النهج وفي طريقة التفك‪rr‬ير وفي‬
‫النظر للعائلة‪ .‬فوكو يعتقد ان أفض‪rr‬ل وس‪rr‬يلة لفهم المجتمع‪rr‬ات البش‪rr‬رية تتم‬
‫عن طري‪rr‬ق الخطاب‪rr‬ات (لغ‪rr‬ة التخ‪rr‬اطب بين الن‪rr‬اس) ‪ ،discourses‬وهي‬
‫ش‪rr‬كل من اش‪rr‬كال المعرف‪rr‬ة المتداول‪rr‬ة بين الن‪rr‬اس اثن‪rr‬اء تف‪rr‬اعالتهم‪( ،‬وهي‬
‫رديف للقيم الثقافية) مثال في المناقش‪rr‬ات العائلي‪rr‬ة يميل‪rr‬ون لتفض‪rr‬يل االس‪rr‬رة‬
‫النووية نموذجا مثاليا للحياة العائلية‪ .‬المجتمعات البشرية تعم‪rr‬ل دائم‪rr‬ا على‬
‫تطوير أجهزة الشرطة ووسائل الضبط األخرى من اجل امتث‪rr‬ال أعض‪rr‬ائها‬
‫لنمط الخطاب السائد‪ ،‬فمثال الجنسية المثلية يعدها النظام القض‪rr‬ائي جريم‪rr‬ة‬
‫ألنها تشكل تهديدا لوجود االسرة النووي‪rr‬ة‪ ،‬بالنس‪rr‬بة لفوك‪rr‬و ف‪rr‬ان الخطاب‪rr‬ات‬
‫األكثر أهمي‪rr‬ة في المجتمع‪rr‬ات الحديث‪rr‬ة هي تل‪rr‬ك ال‪rr‬تي تهتم بتش‪rr‬كيل وتنظيم‬
‫وتحديد الجس‪rr‬د بط‪rr‬رق منظ‪rr‬ورة‪ ،‬كم‪rr‬ا في تح‪rr‬ريم او ع‪rr‬دم تح‪rr‬ريم التع‪rr‬ابير‬
‫الجنسية‪ .‬مادية فوكو تركز على جانبين مهمين‪ :‬األول‪ ،‬ان‪rr‬ه ح‪rr‬اول اختب‪rr‬ار‬
‫أنماط الخطابات التي تحدث في الزمن المعاص‪rr‬ر وال‪rr‬تي تهيمن على جس‪rr‬د‬

‫‪170‬‬
‫الفرد‪ ،‬هذه الخطابات تهتم بما يسمى قوة التش‪rr‬ريح السياس‪rr‬ي ‪Anatomo-‬‬
‫‪ politics‬لجسد الف‪r‬رد‪ .‬والث‪r‬اني رؤيت‪r‬ه للخطاب‪r‬ات ال‪r‬تي تمارس‪r‬ها الس‪r‬لطة‬
‫على أجس‪rrr‬اد الجماع‪rrr‬ة‪ ،‬حيث تحت‪rrr‬ل أجس‪rrr‬اد الجم‪rrr‬وع مس‪rrr‬احة طبيعي‪rrr‬ة‬
‫واجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬ه‪rr‬ذه الخطاب‪rr‬ات تهتم بالسياس‪rr‬ة البيولوجي‪rr‬ة ‪bio-politics‬‬
‫للسكان‪ ،‬وتهيمن على أكبر عدد من االفراد‪Turner (1987) .‬‬
‫منظ‪rr‬ور فوك‪rr‬و للحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة اذن يرك‪rr‬ز بش‪rr‬كل أساس‪rr‬ي على الس‪rr‬لطة‬
‫فأش‪rr‬كال انتش‪rr‬ار المعرف‪rr‬ة او الخط‪rr‬اب تم‪rr‬ارس علين‪rr‬ا س‪rr‬لطة واس‪rr‬عة ألنه‪rr‬ا‬
‫تزودن‪rr‬ا بلغ‪rr‬ة نس‪rr‬تخدمها للتفك‪rr‬ير بالع‪rr‬الم من حولن‪rr‬ا فنع‪rr‬رف عن‪rr‬ه م‪rr‬ا نري‪rr‬د‬
‫معرفته‪ .‬هذه الخطابات تدخل في تكويننا االجتماعي وفي طريقة تفكيرن‪rr‬ا‪،‬‬
‫ألنن‪rr‬ا س‪rr‬نكون مض‪rr‬طرين الس‪rr‬تخدام المف‪rr‬ردات اللغوي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تعطي مع‪rr‬نى‬
‫لألحداث والظاهرات‪ .‬وفوكو يزعم اننا نعرف ما تسمح به اللغة فقط ألنن‪rr‬ا‬
‫قطعا ال نس‪rr‬تطيع إدراك او معرف‪rr‬ة الحقيقة خ‪rr‬ارج اللغ‪rr‬ة‪ ،‬ال ش‪rr‬يء يح‪rr‬دث‬
‫خارج اللغة‪ ،‬وباختالف الحقب التاريخية واختالف المجتمعات هناك لغات‬
‫مختلف‪rr‬ة ومن ثم حقائق مختلف‪rr‬ة‪ .‬ه‪rr‬ذه الخطاب‪rr‬ات تمنحن‪rr‬ا هويتن‪rr‬ا وتش‪rr‬كل‬
‫سلوكنا‪ ،‬ذلك انه‪r‬ا تعّرفن‪r‬ا بأنفس‪r‬نا‪ ،‬وبطريقة الحي‪r‬اة ال‪r‬تي نحياه‪r‬ا‪ ،‬كم‪r‬ا ان‬
‫افعالنا تخضع لتأثيراته‪rr‬ا المقررة س‪rr‬لفا‪ ،‬وينبغي ان نعلم‪ ،‬يقول فوك‪rr‬و‪ ،‬ان‬
‫الخطابات ال تفرض علينا بالقوة‪ ،‬او تنكر علينا طريقة حياتن‪rr‬ا‪ ،‬وان أدوات‬
‫الضبط مثل التربية والتعليم تعزز الخطابات وتدعم كيفية تش‪rr‬كيلها لهويتن‪rr‬ا‬
‫وسلوكنا وتعكس سلطة وقوة هذه األجهزة المستمدة من الخطاب‪rr‬ات نفس‪rr‬ها‪،‬‬
‫والنتيجة فان هويتنا وسلوكنا يعطي سلطة لجماعات معينة في المجتمع‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬

‫‪171‬‬
‫*الواقع ان فوكو يستخدم مفهوم الخطاب بمع‪rr‬نى ق‪rr‬ريب من مع‪rr‬نى الثقاف‪rr‬ة‪ ،‬فالخط‪rr‬اب بمكونات‪rr‬ه اللغوي‪rr‬ة‬
‫والتربوي‪r‬ة والس‪r‬لطوية هي مكون‪r‬ات ثقافي‪r‬ة بلغ‪r‬ة بارس‪r‬ونز وهي ال‪r‬تي تمنحن‪r‬ا هويتن‪r‬ا وتح‪r‬دد لن‪r‬ا أنم‪r‬اط‬
‫سلوكنا‪ ،‬ولو استبدلنا كلمة خطاب بكلمة ثقافة الستقام المعنى أكثر ولكن ال سلطة لنا على الفالس‪rr‬فة فيم‪rr‬ا‬
‫يكتبون‬

‫وتكون هذه الجماعات حارسا على السلطة الممنوحة لها اجتماعي‪rr‬ا‪ .‬وعلي‪rr‬ه‬
‫يمكن النظر لتطور خصائص االسرة الحديث‪rr‬ة عن طري‪rr‬ق األس‪rr‬ئلة االتي‪rr‬ة‪:‬‬
‫ماهي اشكال المعرفة التي تشكل االسرة الحديثة وتك‪ّr‬ون الس‪r‬لوك الع‪r‬ائلي؟‬
‫ماهي أدوات الض‪rr‬بط ال‪rr‬تي تس‪rr‬تخدم لتعزي‪rr‬ز ه‪rr‬ذه الخطاب‪rr‬ات؟ ثم من ال‪rr‬ذي‬
‫يستفيد من تأثيرها وسلطتها في المجتمع يقول بلتون واخ‪rr‬رين ‪Bilton et‬‬
‫)‪ al (2002‬ان اإلجابة عن ه‪rr‬ذه األس‪rr‬ئلة تس‪rr‬تلزم تحدي‪rr‬د مع‪rr‬نى االس‪rr‬رة‬
‫الطبيعية ‪ Normal Family‬التي تقرها ثقافة المجتم‪rr‬ع (الخطاب‪rr‬ات بلغ‪rr‬ة‬
‫فوكو) في أي وقت‪ ،‬وكيف تم فرض هذه النسخ العائلية‪ ،‬ومن المستفيد من‬
‫الخط‪r‬اب ح‪r‬ول االس‪r‬رة الطبيعي‪r‬ة‪ .‬في المملك‪r‬ة المتح‪r‬دة يقول بلت‪r‬ون‪ ،‬من‪r‬ذ‬
‫الحرب العالمي‪r‬ة الثاني‪r‬ة ظه‪r‬ر ن‪r‬وعين من الخطاب‪r‬ات ال‪r‬تي ع‪r‬ززت بش‪r‬كل‬
‫خ‪rr‬اص هيمن‪rr‬ة االس‪rr‬رة النووي‪rr‬ة في الحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬األول‪ ،‬ان االس‪rr‬رة‬
‫أص‪rr‬بحت موض‪rr‬ع ت‪rr‬دخل الطب والممارس‪rr‬ات الطبي‪rr‬ة‪ ،‬بمع‪rr‬نى ان االس‪rr‬رة‬
‫دستوريا وقانونيا يجب ان تنتظم في تسجيل أعضاؤها لدى ط‪rr‬بيب االس‪rr‬رة‬
‫الذي يحتفظ بس‪r‬جل مرض‪r‬ي كام‪r‬ل ألف‪r‬راد االس‪r‬رة م‪r‬دى الحي‪r‬اة‪ .‬والث‪r‬اني‪،‬‬
‫السياسة العائلية التي تعني الممارسة الدستورية للدولة كجهاز مسؤول عن‬
‫بناء الحياة العائلية عن طريق تشريعات مهمتها الحفاظ على شكل ووظيفة‬
‫االسرة التقليدي‪rr‬ة‪ ،‬حيث اس‪rr‬تحدثت وكال‪rr‬ة رعاي‪rr‬ة الطف‪rr‬ل ال‪rr‬تي اخ‪rr‬ذت على‬
‫عاتقها تقديم العون المادي لألطفال من دون تمييز (كل طفل يولد ل‪rr‬ه مبل‪rr‬غ‬

‫‪172‬‬
‫معين) ويزداد المبلغ في حال انفصال االبوين عن بعضهما من اج‪rr‬ل ان ال‬
‫يشعر الطفل بالحرم‪rr‬ان الم‪rr‬ادي بع‪rr‬د االنفص‪rr‬ال‪ ،‬وله‪rr‬ذا عملت التش‪rr‬ريعات‬
‫على معاملة االسرة وكأنها مازالت وحدة واح‪rr‬دة‪ ،‬ووفقا للتش‪rr‬ريعات يبقى‬
‫الرجل ملزم بأداء دوره التقليدي كممول لألسرة (الحقا حلت الدول‪rr‬ة مح‪rr‬ل‬
‫الزوج في التمويل)‪ ،‬وتبقى المرأة تمارس دورها التقليدي كأم‪ .‬في محاولة‬
‫إلع‪rr‬ادة عقارب الس‪rr‬اعة الى ال‪rr‬وراء‪ ،‬بخلقه‪rr‬ا سياس‪rr‬ة تقوم على اف‪rr‬تراض‬
‫اس‪rr‬تمرارية تقس‪rr‬يم العم‪rr‬ل التقلي‪rr‬دي بين الجنس‪rr‬ين ح‪rr‬تى م‪rr‬ع اختف‪rr‬اء بعض‬
‫الوجوه التقليدية للعائلة مثل الزواج‪.‬‬
‫على اية حال‪ ،‬نظرية فوكو اهتمت بالخطاب الديني الذي كان ي‪rr‬ؤدي دورا‬
‫مهما في استمرارية االسرة تاريخيا‪ ،‬والسيما في مرحلة ما قبل الصناعة‪،‬‬
‫حيث كان ينظر للم‪rr‬رأة على انه‪rr‬ا غ‪rr‬ير عقالني‪rr‬ة وغ‪rr‬ير ق‪rr‬ادرة على ض‪rr‬بط‬
‫النفس‪ ،‬وانه‪rr‬ا معرض‪rr‬ة إلغ‪rr‬واء الش‪rr‬يطان وك‪rr‬ان اله‪rr‬دف من نعته‪rr‬ا به‪rr‬ذه‬
‫النع‪rr‬وت واتهامه‪rr‬ا الى ج‪rr‬انب ذل‪rr‬ك بالس‪rr‬حر والش‪rr‬عوذة‪ ،‬ه‪rr‬و التحكم بجس‪rr‬د‬
‫الم‪rr‬رأة‪ ،‬الن الس‪rr‬يطرة على الجس‪rr‬د بحس‪rr‬ب فوك‪rr‬و يع‪rr‬ني تنظيم العالق‪rr‬ة‬
‫الجنسية‪ ،‬وتنظيم العالقة الجنسية عمليا تعني السيطرة على عالقات المرأة‬
‫الجنس‪rr‬ية وطريقته‪rr‬ا في اإلغ‪rr‬واء وال‪rr‬تي من ش‪rr‬أنها ان تض‪rr‬عف ديموم‪rr‬ة‬
‫واس‪rr‬تمرار االس‪rr‬رة بوظائفه‪rr‬ا التقليدي‪rr‬ة‪ .‬كم‪rr‬ا اس‪rr‬تخدم فوك‪rr‬و فك‪rr‬رة الم‪rr‬رأة‬
‫الهستيرية في القرن التاسع عشر دليال على هيمنة الخطاب الطبي في ذلك‬
‫ال‪rr‬وقت‪ ،‬حيث ك‪rr‬انت ظ‪rr‬روف الع‪rr‬وز ت‪rr‬دفع الم‪rr‬رأة‪ ،‬للبك‪rr‬اء‪ ،‬والص‪rr‬راخ‪،‬‬
‫واالغماء وفقدان السيطرة على الم‪rr‬زاج‪ .‬ووفقا لطب القرن التاس‪rr‬ع عش‪rr‬ر‬
‫فقد كانت هذه "االمراض" حسب تسمية فوك‪rr‬و س‪rr‬ببها معان‪rr‬اة النس‪rr‬اء غ‪rr‬ير‬

‫‪173‬‬
‫المتزوج‪rr‬ات والمطلقات‪ ،‬واالرام‪rr‬ل‪ ،‬الل‪rr‬واتي كن يبحثن عن عم‪rr‬ل ب‪rr‬دل‬
‫ممارس‪rrr‬تهن حي‪rrr‬اة جنس‪rrr‬ية طبيعي‪rrr‬ة في زواج مس‪rrr‬تقر‪ ،‬وتطبيقات ه‪rrr‬ذه‬
‫االعراض المرضية بحسب الطب آنذاك ان الم‪rr‬رأة يمكنه‪rr‬ا ان تعيش حي‪rr‬اة‬
‫صحية فقط في حال حصولها على حي‪rr‬اة عائلي‪rr‬ة تقوم على عالق‪rr‬ة جنس‪rr‬ية‬
‫طبيعية مع زوج هدفه االستقرار وإنجاب األطفال‪.‬‬
‫النظرية الماركسية ‪Marxism Theory‬‬
‫اح‪rr‬دى الب‪rr‬دائل النظري‪rr‬ة لتفس‪rr‬ير االس‪rr‬رة هي ال‪rr‬تي تقدم به‪rr‬ا مجموع‪rr‬ة من‬
‫الكّت اب الماركس‪rr‬يين في الس‪rr‬بعينيات من القرن العش‪rr‬رين‪ .‬ول‪rr‬بي ‪Walby‬‬
‫)‪ (1986‬تولى مهمة ع‪rr‬رض ونقد ه‪rr‬ذا االتج‪rr‬اه النظ‪rr‬ري‪ ،‬يقول ول‪rr‬بي ان‬
‫االتج‪rr‬اه الماركس‪rr‬ي فس‪rr‬ر تط‪rr‬ور االس‪rr‬رة في ض‪rr‬وء حاج‪rr‬ات االقتص‪rr‬اد‬
‫الرأسمالي‪ ،‬وكانت النقطة المركزية لتفسيراتهم تقول ان النظام الرأس‪rr‬مالي‬
‫كان يستغل العمل المنزلي المجاني لربات البيوت‪ .‬العمل الم‪rr‬نزلي وتربي‪rr‬ة‬
‫األطفال ليست أنشطة عائلية خ‪rr‬ارج عملي‪rr‬ة االقتص‪rr‬اد الرأس‪rr‬مالي‪ ،‬ب‪rr‬ل هي‬
‫جزء جوهري من اجزائه‪ ،‬فالعام‪rr‬ل ال‪rr‬ذي يكس‪rr‬ب لقم‪rr‬ة العيش يس‪rr‬تطيع ان‬
‫يعمل ساعات طويلة لرب العمل فقط بسبب ان المرأة تقوم بمهمات العم‪rr‬ل‬
‫المنزلي وتربية األطفال‪ ،‬ولوال ذلك ألعطى العام‪rr‬ل نص‪rr‬ف وقت‪rr‬ه لش‪rr‬ؤون‬
‫المنزل‪ ،‬واالسرة بدأت في الوقت ذاته انت‪rr‬اج عم‪rr‬ال خ‪rr‬انعين‪ ،‬وتع‪rr‬زز ه‪rr‬ذا‬
‫الخن‪r‬وع ب‪r‬التعليم‪ .‬والمس‪r‬ألة المهم‪r‬ة هي ان‪r‬ه على ال‪r‬رغم من أهمي‪r‬ة العم‪r‬ل‬
‫المنزلي لالقتص‪rr‬اد الرأس‪rr‬مالي ف‪rr‬ان ارب‪rr‬اب العم‪rr‬ل ال ي‪rr‬دفعون غ‪rr‬ير أج‪rr‬ور‬
‫الرجل الذي يعم‪rr‬ل لكس‪rr‬ب ق‪rr‬وت عيال‪rr‬ه‪ ،‬ول‪rr‬و دف‪rr‬ع رب العم‪rr‬ل اج‪rr‬ورا عن‬
‫اعمال النساء المنزلية لتضاعف حجم االجور على رب العم‪rr‬ل ولكن ذل‪rr‬ك‬

‫‪174‬‬
‫ك‪rr‬ان س‪rr‬يؤدي الى تحس‪rr‬ين الظ‪rr‬روف االقتص‪rr‬ادية للعائل‪rr‬ة‪ ،‬كم‪rr‬ا ان وج‪rr‬ود‬
‫االسرة من شانه ان يخفف التوتر واإلحب‪r‬اط واالغ‪r‬تراب ال‪r‬ذي يع‪r‬اني من‪r‬ه‬
‫الرجال بسبب ساعات العم‪rr‬ل الطويل‪rr‬ة في االقتص‪rr‬اد الرأس‪rr‬مالي‪ ،‬والعم‪rr‬ال‬
‫الذين يشعرون انهم تحت ضغط مستمر من ارباب العم‪rr‬ل ال‪rr‬ذين ي‪rr‬دفعونهم‬
‫للعمل بقوة وسرعة غالب‪rr‬ا يش‪rr‬عرون بالمل‪rr‬ل من تك‪rr‬رار العم‪rr‬ل في ظ‪rr‬روف‬
‫بالغة السوء‪ ،‬واالس‪rr‬رة تمث‪rr‬ل متنفس م‪rr‬ؤقت لله‪rr‬روب من ت‪rr‬وترات العم‪rr‬ل‪،‬‬
‫وذل‪rr‬ك أيض‪rr‬ا على حس‪rr‬اب الزوج‪rr‬ة واألطف‪rr‬ال‪ ،‬له‪rr‬ذا ف‪rr‬ان ش‪rr‬عور العام‪rr‬ل‬
‫باالنسحاق ربما يدفعه لتعكير صفاء االسرة الستعادة الشعور بتقدير الذات‬
‫‪ . self-esteem‬ان تراكم االس‪rr‬تياء القاب‪rr‬ل لالنفج‪rr‬ار في العم‪rr‬ل يتم تجنب‪rr‬ه‬
‫عن طريق صمام األمان الذي توفره االسرة والجهد العاطفي الذي تقوم به‬
‫الزوجة‪ .‬عدد كبير من الزوجات‪ ،‬على كل حال‪ ،‬يعملن باجر مدفوع‪ ،‬ومع‬
‫ذل‪rr‬ك يملكن القدرة على اإلدارة العاطفي‪rr‬ة لألزواج‪ ،‬أليم‪rr‬انهن ان العم‪rr‬ل‬
‫األساسي للزوجة في االسرة النووية هو رعاية االسرة‪ ،‬والمرأة العاملة لم‬
‫تكن تحصل اال على إجور متدنية‪ ،‬وارباب العم‪r‬ل يع‪r‬املونهن على اس‪r‬اس‬
‫انهن جيش احتي‪rr‬اطي يمكن اس‪rr‬تخدامهن فقط عن‪rr‬د الض‪rr‬رورة‪ .‬واالس‪rr‬رة‬
‫النووي‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬وق ذل‪rr‬ك‪ ،‬ت‪rr‬وفر ألرب‪rr‬اب العم‪rr‬ل اي‪rr‬دي عامل‪rr‬ة إض‪rr‬افية مفي‪rr‬دة‬
‫ورخيصة‪.‬‬
‫هذا التحليل يشبه الى حد كب‪rr‬ير رؤي‪rr‬ة االتج‪rr‬اه ال‪rr‬وظيفي ال‪rr‬ذي يف‪rr‬ترض ان‬
‫االسرة النووية تناسب تماما نمط اإلنتاج في االقتصاد الرأس‪rr‬مالي‪ ،‬وينظ‪rr‬ر‬
‫للعائلة النووية على انها النموذج المثالي للعائلة‪ ،‬تماما كم‪r‬ا يراه‪r‬ا ت‪r‬الكوت‬

‫‪175‬‬
‫بارس‪rr‬ونز‪ .‬والخالص‪rr‬ة ان المفك‪rr‬رين الماركس‪rr‬يين يعتقدون ان ديناميكي‪rr‬ة‬
‫النظام الرأسمالي هي السبب الرئيس في تدني مكانة المرأة‪.‬‬
‫االتجاه االبوي ‪Patriarchy Approach‬‬
‫هذا االتجاه النظري يتف‪r‬ق م‪rr‬ع االتجاه‪rr‬ات الس‪rr‬ابقة في ترك‪rr‬يزه على تقس‪rr‬يم‬
‫العمل المنزلي‪ ،‬ولكن أصحابه يرفضون االعتقاد ب‪r‬ان ذل‪r‬ك يع‪r‬زى للنظ‪r‬ام‬
‫الرأسمالي‪ .‬ويقول‪rr‬ون ان تقس‪rr‬يم العم‪rr‬ل الم‪rr‬نزلي ك‪rr‬ان موج‪rr‬ودا قب‪rr‬ل النظ‪rr‬ام‬
‫الرأسمالي‪ ،‬وهو نتيجة قرون من هيمنة الرج‪rr‬ل على الم‪rr‬رأة‪ .‬ه‪rr‬ذا االتج‪rr‬اه‬
‫الذي تبناه مجموعة من المفكرين الراديكاليين‪ ،‬يرى ان المشكلة ليس‪rr‬ت في‬
‫النظام الرأسمالي وانما بالنظام البطريركي (االبوي)‪ .‬ان مصطلح "ابوي"‬
‫يستخدم دائم‪r‬ا لإلش‪r‬ارة الى هيمن‪r‬ة ال‪r‬ذكور على االن‪r‬اث‪ .‬واالبوي‪r‬ة بالنس‪r‬بة‬
‫له‪rr‬ؤالء المفك‪rr‬رين يع‪rr‬ني بن‪rr‬اء ش‪rr‬امل لس‪rr‬لطة ال‪rr‬ذكور في ك‪rr‬ل المجتمع‪rr‬ات‬
‫البشرية (عدا بعض االستثناءات) وبطرائق مؤسسية او دستورية مختلف‪rr‬ة‪.‬‬
‫دلفي )‪ Delphy (1977‬ت‪r‬رى ان هيمن‪r‬ة ال‪r‬ذكور تع‪r‬ود الى نم‪r‬ط اإلنت‪r‬اج‬
‫الع‪rr‬ائلي‪ ،‬وليس نم‪rr‬ط اإلنت‪rr‬اج الرأس‪rr‬مالي‪ ،‬وذهبت للتأكي‪rr‬د على ان العم‪rr‬ل‬
‫اإلنت‪rr‬اجي داخ‪rr‬ل الم‪rr‬نزل‪ ،‬ال يختل‪rr‬ف عن العم‪rr‬ل في المص‪rr‬نع‪ ،‬فالعم‪rr‬ل‬
‫الم‪rr‬نزلي‪ ،‬من وجه‪rr‬ة نظره‪rr‬ا‪ ،‬ه‪rr‬و عم‪rr‬ل منتج ك‪rr‬أي عم‪rr‬ل اخ‪rr‬ر‪ ،‬وض‪rr‬من‬
‫أس‪rr‬لوب اإلنت‪rr‬اج الم‪rr‬نزلي اس‪rr‬تطاع الرج‪rr‬ل التحكم في توزي‪rr‬ع األم‪rr‬وال‬
‫والبضائع داخل االسرة واستخدمها لصالحه‪ .‬وعن طري‪rr‬ق ال‪rr‬زواج اس‪rr‬تغل‬
‫الرجل عمل المرأة‪ ،‬واالسرة لهذا أصبحت مؤسسة الستغالل المرأة‪ .‬دلفي‬
‫رفضت بشدة االعتقاد الس‪r‬ائد ب‪r‬ان الم‪r‬رأة تحم‪r‬ل نفس الطبقة االجتماعي‪r‬ة‬
‫لزوجها‪ ،‬وترى انها يجب ان تحمل ص‪rr‬فة طبقي‪rr‬ة أخ‪rr‬رى م‪rr‬ادامت مس‪rr‬تغلة‬

‫‪176‬‬
‫من زوجها‪ .‬دلبي )‪ Dalby (1986‬هي األخرى رفضت فكرة الحس‪rr‬ابات‬
‫الرأسمالية لهيمنة الذكور‪ ،‬مؤكدة ان هناك هيكلة ابوية لألسرة‪ ،‬بمع‪rr‬نى ان‬
‫ابقاء المرأة داخل المنزل وابعادها عن العمل المدفوع الثمن خارج المنزل‬
‫هو الذي أفقدها االس‪r‬تقاللية وبالت‪r‬الي اعتماده‪r‬ا اقتص‪rr‬اديا على الرج‪r‬ل ه‪r‬و‬
‫بالض‪rr‬بط ال‪rr‬ذي اعطى الرج‪rr‬ل المكان‪rr‬ة االرف‪rr‬ع وت‪rr‬رك الم‪rr‬رأة في المكان‪rr‬ة‬
‫االوطأ‪ .‬النظام الرأس‪rr‬مالي س‪rr‬عى إلعط‪rr‬اء الم‪rr‬رأة عمال ب‪rr‬أجور قليل‪rr‬ة‪ ،‬لكن‬
‫اتحاد التجار والحكومة هي السبب في منع المرأة من العم‪rr‬ل المنتج ول‪rr‬ذلك‬
‫لم يكن امامها خيار غير العمل المنزلي‪ .‬االتجاه االبوي في تفسير االس‪rr‬رة‬
‫تعرض لنقد شديد‪ ،‬حيث ذكر ب‪rr‬ولرت )‪ Pollert (1996‬ان االدع‪r‬اء ب‪rr‬ان‬
‫مكان‪rr‬ة الم‪rr‬رأة المتدني‪rr‬ة ك‪rr‬انت نتيج‪rr‬ة ق‪rr‬رون من هيمن‪rr‬ة النظ‪rr‬ام االب‪rr‬وي‬
‫الذكوري‪ ،‬ليست اال تفسير ضيق األفق‪ ،‬وللخروج من ه‪rr‬ذا النف‪rr‬ق الض‪rr‬يق‬
‫هو عزو الهيمنة الذكوري‪rr‬ة للحتمي‪rr‬ة البيولوجي‪rr‬ة‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان‪rr‬ه إذا ك‪rr‬ان النظ‪rr‬ام‬
‫االبوي عاما فال بد ان تكون ج‪rr‬ذوره بيولوجي‪rr‬ة‪ ،‬وإذا ك‪rr‬ان النظ‪rr‬ام االب‪rr‬وي‬
‫عاما فكيف نفسر التغير في العالق‪rr‬ة بين الجنس‪rr‬ين؟ وعلى ال‪rr‬رغم من ذل‪rr‬ك‬
‫فان مفهوم النظام االبوي لعب دورا مهما في جلب االنتباه للهيمن‪rr‬ة االبوي‪rr‬ة‬
‫الذكورية ولكنه لم يصمد طويال ام النقد‪.‬‬
‫انطفاء االسرة ‪The Decline of the Family‬‬
‫هل فقدت االسرة أهميتها التقليدية بوص‪rr‬فها أص‪rr‬غر وح‪rr‬دة اجتماعي‪rr‬ة؟ من‪rr‬ذ‬
‫مطلع الستينيات من القرن الماضي تزايد الخوف من تدهور مكانة االسرة‬
‫ووظيفتها في المجتمع‪ ،‬وبالطبع المقصود من ذلك التب‪rr‬دل ال‪rr‬ذي ط‪rr‬رأ على‬
‫"القيم العائلي‪rr‬ة"‪ .‬ثم تزاي‪rr‬د الخ‪rr‬وف بع‪rr‬د ذل‪rr‬ك عن‪rr‬دما فقدت االس‪rr‬رة ش‪rr‬كلها‬

‫‪177‬‬
‫وتركيبها ودورها االجتماعي التقليدي في عص‪rr‬ر م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة‪ .‬ال‪rr‬رأي‬
‫الراجح الذي يتفق عليه بعض علماء االجتماع يقول ان االس‪rr‬رة الزواجي‪rr‬ة‬
‫هي الشكل الطبيعي لألسرة اما االشكال المستحدثة مثل االسرة ذات الوالد‬
‫الوحي‪rr‬د ‪ single-parent‬فأنه‪rr‬ا غ‪rr‬ير طبيعي‪rr‬ة‪ ،‬واالس‪rr‬رة الطبيعي‪rr‬ة كم‪rr‬ا‬
‫يفترض جوسون )‪ Jewson (1994‬هي التي تتمتع بتقسيم عم‪rr‬ل جنس‪rr‬ي‬
‫‪ Gender‬يكون فيه االب هو العائل واالم تت‪rr‬ولى ش‪rr‬ؤون الم‪rr‬نزل‪ ،‬كم‪rr‬ا ان‬
‫العالقة الجنسية التي تتم خ‪rr‬ارج ال‪rr‬زواج هي عالق‪rr‬ة فاس‪rr‬دة‪ ،‬وان مس‪rr‬ؤولية‬
‫رفاه االسرة تقع على عاتق االسرة وليس الدولة‪ .‬الزواج وفقا لوجهة نظ‪rr‬ر‬
‫جوسون هو مح‪rr‬ور الحي‪rr‬اة العائلي‪rr‬ة‪ ،‬وان ارتف‪rr‬اع مع‪rr‬دالت الطالق مؤش‪rr‬ر‬
‫على انطفاء ش‪r‬علة االس‪r‬رة‪ ،‬وله‪r‬ذا تع‪r‬الت بعض األص‪r‬وات لجع‪r‬ل الطالق‬
‫أصعب مما هو عليه االن‪ .‬ذلك انه حتى في الشرائع السماوية التي اجازت‬
‫الطالق فأنها اجازته للض‪rr‬رورات القص‪rr‬وى وليس ألج‪rr‬ل التالعب بالحي‪rr‬اة‬
‫العائلي‪rr‬ة تحت ت‪rr‬أثير ال‪rr‬نزوات‪ .‬كم‪rr‬ا ان المعاش‪rr‬رة الجنس‪rr‬ية الب‪rr‬ديل الش‪rr‬ائع‬
‫للزواج في الغرب مؤشر اخر على انحدار االسرة‪ ،‬وهو بحس‪rr‬ب جوس‪rr‬ون‬
‫غير مقبول البتة‪ .‬وه‪rr‬اجم جوس‪rr‬ون االس‪rr‬رة أحادي‪rr‬ة الوال‪rr‬د ق‪rr‬ائال ان غي‪rr‬اب‬
‫االب من شأنه ان يضعف سيطرة االسرة على األوالد ويح‪r‬رم ال‪r‬ذكور من‬
‫النموذج االبوي الذي يقتدى به‪ ،‬والع‪r‬ائالت ال‪r‬تي بال اب تلص‪rr‬ق به‪r‬ا تهم‪r‬ة‬
‫ارتف‪rr‬اع مع‪rr‬دالت الجريم‪rr‬ة‪ ،‬والتخل‪rr‬ف الدراس‪rr‬ي وع‪rr‬دم الرغب‪rr‬ة في العم‪rr‬ل‬
‫واالعتماد على المعون‪rr‬ات العائلي‪rr‬ة او على معون‪rr‬ات الدول‪rr‬ة‪ .‬المعترض‪rr‬ون‬
‫على وجهة النظر هذه يقولون ليس االس‪r‬رة األحادي‪r‬ة الوال‪r‬د هي المس‪r‬ؤولة‬
‫عن المشكالت وانما الفقر وض‪rr‬عف ال‪rr‬دعم الحك‪rr‬ومي له‪rr‬ا‪ .‬البعض ال يؤي‪rr‬د‬

‫‪178‬‬
‫فكرة انطفاء االسرة كسبب في احداث المش‪rr‬كالت ب‪rr‬ل على العكس‪ .‬ب‪rr‬رات‬
‫وم‪rr‬اكنتوش )‪ Barrett & McIntosh (1991‬يقول‪rr‬ون ان قيم االس‪rr‬رة‬
‫القوية هي السبب‪ ،‬ذلك الن االسرة هي االلية المركزية ال‪rr‬تي عن طريقه‪rr‬ا‬
‫تنتقل فكرة الالمس‪rr‬اواة من جي‪rr‬ل ألخ‪rr‬ر ع‪rr‬بر ت‪rr‬وارث ال‪rr‬ثروة بين األغني‪rr‬اء‬
‫وتوارث العوز بين الفقراء وهذا هو الجانب المظلم للحياة العائلية‪ .‬االس‪rr‬رة‬
‫ليست الجئ فر من ضغوط العالم لكي يوضع في سجن‪ ،‬تعزل فيه المرأة‪،‬‬
‫وتصادر حريتها‪ ،‬وت‪rr‬ترك تحت س‪rr‬ياط ال‪rr‬زوج (العن‪rr‬ف االس‪rr‬ري) وت‪rr‬دفعها‬
‫نحو مستشفيات االمراض العقلية‪ .‬الزواج ه‪rr‬و ال‪rr‬ذي يخض‪rr‬ع النس‪rr‬اء مادي‪rr‬ا‬
‫وجنسيا للرجال‪ .‬واالسرة لذلك هي المصدر الرئيس للقمع ضد الم‪rr‬رأة عن‬
‫طريق الزواج وتقسيم العمل المنزلي التقليدي‪ .‬ومش‪rr‬كلة االس‪rr‬رة ليس فقط‬
‫فيما تفعله للناس‪ ،‬وانما هي "كمؤسسة متم‪rr‬يزة" ال تعطي أي‪rr‬ة قيم‪rr‬ة للحي‪rr‬اة‬
‫خارجه‪rr‬ا‪ ،‬وفي ذل‪rr‬ك يقول )‪ Barrett & McIntosh (1991:77‬ان‬
‫"النم‪rr‬وذج المث‪rr‬الي للعائل‪rr‬ة يجع‪rr‬ل ك‪rr‬ل ش‪rr‬يء ش‪rr‬احب وغ‪rr‬ير مقن‪rr‬ع‪ ،‬وان‬
‫المؤسسات غير العائلي‪r‬ة مث‪r‬ل بي‪r‬وت العج‪r‬زة‪ ،‬وري‪r‬اض األطف‪r‬ال‪ ،‬وبي‪r‬وت‬
‫رعاية األطفال‪ ،‬ربم‪rr‬ا ك‪rr‬انت أق‪rr‬در من االس‪rr‬رة في توف‪rr‬ير الرعاي‪rr‬ة والبيئ‪rr‬ة‬
‫المريحة على الرغم من انها توصف بأوص‪rr‬اف س‪rr‬يئة ألنه‪rr‬ا تتع‪rr‬ارض من‬
‫النموذج المثالي للعائلة‪ .‬وفوق هذا يصبح الناس مث‪rr‬ل العلب المغّلف‪rr‬ة داخ‪rr‬ل‬
‫االس‪rr‬رة ألنهم ليس ل‪rr‬ديهم ال‪rr‬وقت وال القدرة على تج‪rr‬ريب مؤسس‪rr‬ات او‬
‫عالق‪rr‬ات أخ‪rr‬رى"‪ .‬ه‪rr‬ذا الهج‪rr‬وم الش‪rr‬ديد اللهج‪rr‬ة على االس‪rr‬رة يجع‪rr‬ل منه‪rr‬ا‬
‫مؤسسة خانقة‪ .‬وعلى الرغم من ذلك ف‪rr‬ان ه‪rr‬ذه الرؤي‪rr‬ة تعم‪rr‬ل على اح‪rr‬داث‬
‫توازن بين مؤيدي القيم العائلية ومعارضيها‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫تراجع االسرة النووية ‪Decline of the Nuclear Family‬‬
‫من‪rr‬ذ منتص‪rr‬ف القرن العش‪rr‬رين أص‪rr‬بحت االس‪rr‬رة النووي‪rr‬ة الش‪rr‬كل ال‪rr‬رئيس‬
‫للعائلة في المجتمعات الغربية الصناعية‪ ،‬هذا ال يع‪rr‬ني ان االس‪rr‬رة الممت‪rr‬دة‬
‫قد فقدت أهميتها نهائيا‪ .‬االسرة النووية وح‪rr‬دة منفص‪rr‬لة تقوم على ال‪rr‬زواج‬
‫واألطفال‪ ،‬وعلى تقس‪rr‬يم العم‪rr‬ل بين الجنس‪rr‬ين‪ .‬ه‪rr‬ذا الش‪rr‬كل الع‪rr‬ائلي أص‪rr‬بح‬
‫مهيمنا أيديولوجيا‪ ،‬وتم تنصيبها نموذجا مثاليا للعائلة الحديثة بالمقارنة م‪rr‬ع‬
‫االشكال األخرى للعائلة‪ .‬وفي مطلع الس‪rr‬تينات من القرن الماض‪rr‬ي أص‪rr‬بح‬
‫هذا الشكل النموذجي للعائلة مشلوال لألسباب االتية‪:‬‬
‫ـ مؤسس‪rr‬ة ال‪rr‬زواج واجهت تح‪rr‬ديا ج‪rr‬ديا بس‪rr‬بب التس‪rr‬اهل في العالق‪rr‬ات‬
‫الجنسية‪ ،‬وارتفعت نتيجة لذلك معدالت الطالق‪.‬‬
‫ـ االنفص‪rr‬ال‪ ،‬والطالق وال‪rr‬زواج‪ ،‬أدت الى نش‪rr‬وء االس‪rr‬رة أحادي‪rr‬ة الوال‪rr‬د‬
‫‪ Single-parent‬وإعادة هيكلة معقدة للبناء العائلي‪.‬‬
‫ـ تقسيم العم‪r‬ل الم‪r‬نزلي تعط‪r‬ل العم‪r‬ل ب‪r‬ه بت‪r‬أثير النش‪r‬اط النس‪r‬وي ودخ‪r‬ول‬
‫المرأة الواسع لسوق العمل‪.‬‬
‫ـ وعي الم‪rr‬رأة المتزاي‪rr‬د بالج‪rr‬انب المظلم للحي‪rr‬اة العائلي‪rr‬ة وم‪rr‬ا يص‪rr‬احبه من‬
‫تعنيف للنساء وسوء معاملتهن‬
‫ـ حص‪rr‬ول الم‪rr‬رأة على س‪rr‬كن مس‪rr‬تقل‪ ،‬الى ج‪rr‬انب التغ‪rr‬يرات االجتماعي‪rr‬ة‬
‫األخرى أدى الى ضمور االسرة النووية‪.‬‬
‫هذه األسباب مجتمعة قسمت علماء االجتماع بين مؤي‪rr‬د ومع‪rr‬ارض‪ ،‬فمنهم‬
‫من يرى ان القيم العائلية تدافع عن نفسها إزاء التغيرات التي تحدث والتي‬

‫‪180‬‬
‫تسببت في تقويض االسرة النووية‪ ،‬ومنهم من يدفع باتج‪rr‬اه قب‪rr‬ول االش‪rr‬كال‬
‫الجديدة للعائلة بوصفها مرحلة من مراحل التطور االجتماعي‪.‬‬
‫الثورة الجنسية ‪Sexual Revolution‬‬
‫على الرغم من ان الثورة الجنسية لها بدايات غير معلنة قبل وبعد الحربين‬
‫العالميتين اال انه‪rr‬ا اخ‪rr‬ذت ش‪rr‬كال ص‪rr‬ريحا وتم‪rr‬ردا في مطل‪rr‬ع الس‪rr‬تينات من‬
‫القرن الماضي‪ .‬ويكس )‪ Weeks (1991‬اعتبر الثورة الجنسية من نتائج‬
‫الح‪rr‬رب في المجتم‪rr‬ع الرأس‪rr‬مالي وتأثيراته‪rr‬ا على الطبقة العامل‪rr‬ة بش‪rr‬كل‬
‫خاص‪ .‬فالنمو االقتصادي بعد الح‪rr‬رب العالمي‪rr‬ة الثاني‪rr‬ة تأس‪rr‬س على قاع‪rr‬دة‬
‫االس‪rr‬تهالك الواس‪rr‬ع ال‪rr‬ذي ت‪rr‬اجر بك‪rr‬ل أوج‪rr‬ه الحي‪rr‬اة وانتهى بكس‪rr‬ر العزل‪rr‬ة‬
‫االجتماعية للطبقة العاملة‪ .‬الحواجز االجتماعية انهارت‪ ،‬واالتجاهات نحو‬
‫السلوك الجنسي تغيرت‪ ،‬وتحولت القيم البرجوازية التقليدية لنكران ال‪rr‬ذات‬
‫واالنفاق المحسوب بدقة الى إنفاق مفت‪rr‬وح‪ .‬ه‪rr‬ذه التوجه‪rr‬ات في البحث عن‬
‫المتع‪rr‬ة ان‪rr‬زلقت نح‪rr‬و الس‪rr‬لوك الجنس‪rr‬ي‪ ،‬وص‪rr‬ارت االث‪rr‬ارة الجنس‪rr‬ية في‬
‫اإلعالن احدى وسائل التسويق التج‪rr‬اري والجنس‪rr‬ي في ان واح‪rr‬د‪ .‬واعت‪rr‬بر‬
‫ويكس ‪ Weeks‬ممارسة المرآة للجنس بشكل أك‪rr‬ثر وض‪rr‬وحا‪ ،‬ه‪rr‬و الس‪rr‬بب‬
‫في تحول الممارسة الجنسية الى وسيلة من وسائل االمتاع واالستمتاع بدل‬
‫وظيفتها التقليدي‪rr‬ة في إنج‪rr‬اب األطف‪rr‬ال‪ ،‬وبحس‪rr‬ب ويكس ف‪rr‬ان الم‪rr‬رأة ب‪rr‬اتت‬
‫تدرك حاجته‪rr‬ا الجنس‪rr‬ية أك‪rr‬ثر من أي وقت مض‪rr‬ى‪ ،‬وتمارس‪rr‬ها علن‪rr‬ا ب‪rr‬دون‬
‫خوف او ت‪rr‬ردد او ش‪rr‬عور بال‪rr‬ذنب بتش‪rr‬جيع ومبارك‪rr‬ة العقلي‪rr‬ة التجاري‪rr‬ة‪ .‬ان‬
‫تأكي‪rr‬د ويكس على "إدراك الم‪rr‬رأة لحاجته‪rr‬ا الجنس‪rr‬ية" لم ي‪rr‬رق للمنظم‪rr‬ات‬
‫النسوية والمدافعين عن تحرير المرأة‪ ،‬اذ اعتبروا ذلك ليس تحريرا للمرأة‬

‫‪181‬‬
‫وانما استعبادها بطريقة جديدة‪ ،‬بجعل الجنس سلعة تعرض للبيع والشراء‪.‬‬
‫لذا فان الثورة الجنسية قد تورطت في استغالل المرأة جنس‪rr‬يا‪ ،‬واخض‪rr‬عتها‬
‫لعالق‪rr‬ات غ‪rr‬ير مح‪rr‬دودة م‪rr‬ع رج‪rr‬ال ال على التع‪rr‬يين لدرج‪rr‬ة انه‪rr‬ا في حال‪rr‬ة‬
‫الحمل ال تدري ألي من الرج‪rr‬ال ال‪rr‬ذين عاش‪rr‬رتهم يمكن ان ينس‪rr‬ب الولي‪rr‬د‪.‬‬
‫الث‪rr‬ورة الجنس‪rr‬ية غ‪rr‬يرت االتجاه‪rr‬ات نح‪rr‬و الجنس من غ‪rr‬ير زواج وليس‬
‫الخيانة الزوجية‪ .‬بمعنى ان المرأة يمكنها ال‪rr‬دخول في معاش‪rr‬رة جنس‪rr‬ية من‬
‫دون زواج ش‪rr‬رعي‪ .‬ف‪rr‬اذا ت‪rr‬زوجت فمن غ‪rr‬ير المقب‪rr‬ول اخالقي‪rr‬ا ممارس‪rr‬ة‬
‫الجنس خارج عش الزوجية‪ ،‬هذا طبعا ال يعني ان ممارسة الجنس خ‪rr‬ارج‬
‫ال‪rr‬زواج (الخيان‪rr‬ة) ليس مألوف‪rr‬ا‪ ،‬ففي دراس‪rr‬ة عن الم‪rr‬تزوجين في إنكل‪rr‬ترا‬
‫وامريكا وجدت انيتا الوسون )‪ Annette Lawson (1988‬ان ربع الى‬
‫نص‪rr‬ف المتزوج‪r‬ات وعلى األق‪rr‬ل نص‪rr‬ف الم‪r‬تزوجين من ال‪r‬ذكور مارس‪r‬وا‬
‫الخيان‪rr‬ة الزوجي‪rr‬ة م‪rr‬رة واح‪rr‬دة او أك‪rr‬ثر‪ .‬وعلى ك‪rr‬ل ح‪rr‬ال أص‪rr‬بح االتص‪rr‬ال‬
‫الجنسي جزءا مكمال للعالقة مع الذكور خارج مؤسسة الزواج‪ .‬وفوق هذا‬
‫فان الثورة الجنسية لم تغ‪rr‬ير االتجاه‪rr‬ات نح‪rr‬و الجنس من دون زواج فقط‪،‬‬
‫وانما مع الزواج أيضا‪ .‬العالقة الجنسية في ال‪rr‬زواج مهم‪rr‬ة ج‪rr‬دا الس‪rr‬تمرار‬
‫الزواج‪ ،‬ف‪rr‬ان لم تكن قائم‪rr‬ة على االش‪rr‬باع واالمت‪rr‬اع واالقتن‪rr‬اع فإنه‪rr‬ا غالب‪rr‬ا‬
‫تؤول الى التباعد واالنفصال‪ ،‬له‪r‬ذا ف‪rr‬ان ال‪r‬زواج نفس‪r‬ه تغ‪r‬ير بفع‪r‬ل الث‪r‬ورة‬
‫الجنس‪rr‬ية‪ .‬وص‪rr‬ورة ال‪rr‬زواج هن‪rr‬ا يمكن النظ‪rr‬ر اليه‪rr‬ا بوص‪rr‬فها اس‪rr‬تمرارية‬
‫للتطور من األساس االقتصادي الى االساس العاطفي‪.‬‬
‫وبينم‪rr‬ا أص‪rr‬بحت العالق‪rr‬ة الجنس‪rr‬ية بين االن‪rr‬اث وال‪rr‬ذكور ‪Heterosexual‬‬
‫غ‪rr‬ير الم‪rr‬تزوجين ش‪rr‬يئا مقب‪rr‬وال وش‪rr‬ائعا‪ ،‬ف‪rr‬ان ذل‪rr‬ك ال ينطب‪rr‬ق على العالق‪rr‬ة‬

‫‪182‬‬
‫الجنسية المثلية ‪ Homosexual‬وهناك‪ ،‬على كل حال‪ ،‬تغيرات مهم‪r‬ة في‬
‫االتجاهات نحو الجنسية المثلية‪ ،‬فبع‪rr‬د ان ك‪rr‬انت مس‪rr‬تهجنة وغ‪rr‬ير مس‪rr‬موح‬
‫بها صارت اليوم مسموح بها وبكفالة القانون‪ .‬الرأي العام مازال ينظر لها‬
‫بمنظار أدنى ولكنها تحت حماية القانون وتمتل‪rr‬ك ش‪rr‬رعية مماثل‪rr‬ة لش‪rr‬رعية‬
‫ال‪rr‬زواج االعتي‪rr‬ادي بين رج‪rr‬ل وام‪rr‬رأة‪ .‬ويكس ي‪rr‬زعم ان ش‪rr‬رعنة الجنس‪rr‬ية‬
‫المثلي‪rr‬ة هي اس‪rr‬تفزاز لألخالق‪ ،‬كم‪rr‬ا ان الجنس‪rr‬ية المثلي‪rr‬ة ليس‪rr‬ت فقط ض‪rr‬د‬
‫العالقة الجنسية الطبيعة‪ ،‬وليست فقط ضد الشرائع السماوية ولكنه‪rr‬ا س‪rr‬بب‬
‫لبعض االم‪rr‬راض المستعص‪rr‬ية مث‪rr‬ل االي‪rr‬دز ‪ .AIDS‬القص‪rr‬ة االتي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫يرويها )‪ Fulcher & Scott (1999‬قد تثير اشمئزاز القارئ الع‪rr‬ربي‬
‫ألنها تتعارض كلي‪rr‬ا م‪rr‬ع ال‪rr‬دين والتقالي‪rr‬د واالع‪r‬راف المألوف‪rr‬ة في مجتمعن‪rr‬ا‬
‫نذكرها فقط لمعرفة اتجاهات التطور في المجتمعات الرأسمالية‪.‬‬
‫"اثنان من الذكور المثليين المعوقين أعلن==وا ع==زمهم على الحص==ول على‬
‫طف===ل ألنفس===هم‪ ،‬على ال===رغم من اع===تراض األطب===اء‪ ،‬واالخص===ائيين‬
‫االجتماعيين ومدراء الصحة‪ ،‬روسل كولن ‪ 39‬سنة‪ ،‬وزوجه س==تيفن ‪32‬‬
‫سنة‪ ،‬يبحث==ون عن زوج من االن=اث المثلي==ات لكي يتم التنس==يق معهم من‬
‫اجل الحصول على طفل عن طريق االخصاب الخارجي‪ ،‬لكن قسم الخدمة‬
‫االجتماعية المحلي رفض الفكرة‪ .‬وكان كولن وزوجه قد تزوجا منذ ع==ام‬
‫في احتفال باركه قس من الكنيسة بعد عالق==ة دامت عش==ر س==نين‪ .‬وعّب ر‬
‫ك==ولن لص==حيفة ‪ independent‬اللندني==ة عن رغبت==ه الملح==ة للحص==ول‬
‫على طفل بقوله ان الحصول على طفل يساوي عندي أفض==ل من ان اربح‬
‫عشرة ماليين جني==ه إس==ترليني في اليانص==يب‪ ،‬نس==تطيع ان نمنح==ه الحب‬
‫والرعاية ال=تي يمكن ان يحص=ل عليه=ا في عائل=ة زواجي=ة طبيعي=ة‪ .‬نحن‬
‫تزوجنا تحت رعاية هللا‪ ،‬ول==دينا ش==هادة زواج رس==مية‪ ،‬وزواجن==ا باركت==ه‬
‫الكنيسة‪ ،‬ولنا الحق في الحصول على طفل‪ .‬وأخيرا تق=دم الزوج=ان بطلب‬
‫‪183‬‬
‫لقسم الخدمة االجتماعية في مدينة مانشس=تر لتب=ني طف=ل‪ ،‬ولكن طلبهم=ا‬
‫تم رفضه"‪.‬‬
‫على الرغم من شرعية الزواج المثلي اال ان‪r‬ه غ‪r‬ير مقب‪r‬ول اجتماعي‪r‬ا وم‪r‬ا‬
‫زال الن‪rr‬اس ينظ‪rr‬رون للمثل‪rr‬يين على انهم تهدي‪rr‬د للقيم واألخالق وللس‪rr‬لوك‬
‫البشري السوي ولذلك اغلبهم ال يفصحون عن هويتهم المثلي‪r‬ة في األم‪r‬اكن‬
‫العامة ولكنهم يفعلون في نوادي خاصة بهم ال يدخلها االسوياء‪.‬‬
‫الزواج والمعاشرة ‪Marriage & Cohabitation‬‬
‫التساهل الذي حصل في الستينات‪ ،‬كان ينظر ل‪rr‬ه على ان‪rr‬ه تهدي‪rr‬د لمؤسس‪rr‬ة‬
‫ال‪rr‬زواج‪ ،‬والواق‪rr‬ع ان ال‪rr‬زواج ب‪rr‬دأ يتن‪rr‬اقص بش‪rr‬كل ملفت للنظ‪rr‬ر‪ .‬احص‪rr‬ائيا‬
‫الزواج يتقلص سنة بعد سنة منذ الستينات حتى الي‪rr‬وم‪ .‬أك‪rr‬ثر من ‪ %60‬من‬
‫اإلنكل‪rr‬يز خ‪rr‬ارج مؤسس‪rr‬ة ال‪rr‬زواج في ع‪rr‬ام ‪ 2016‬والس‪rr‬بب ان الغالبي‪rr‬ة‬
‫يتعاش‪rrrr‬رون معاش‪rrrr‬رة األزواج وينجب‪rrrr‬ون أطف‪rrrr‬اال ولكن ب‪rrrr‬دون زواج‪.‬‬
‫والمعاشرة تأخذ عدة اشكال‪:‬‬

‫‪ -‬معاش‪rr‬رة طويل‪rr‬ة األم‪rr‬د تش‪rr‬به ال‪rr‬زواج ويطل‪rr‬ق علي‪rr‬ه اتح‪rr‬اد بالتراض‪rr‬ي‬


‫‪Consensual union‬‬
‫‪ -‬عالقة قصيرة األمد مع حد أدنى من االلتزامات‪.‬‬
‫عالق‪rrrrr‬ة تس‪rrrrr‬بق‬ ‫‪-‬‬
‫ال‪rrrrr‬زواج‪ ،‬وق‪rrrrr‬د‬
‫تتط‪rr‬ور فتقود الى‬
‫الزواج‬

‫‪184‬‬
‫المعاشرة بديال للزواج أصبحت مستقرة في اغلب دول اوربا السيما‬
‫الدول االسكندنافية واخص األخص منها السويد التي تسود فيه‪rr‬ا المعاش‪rr‬رة‬
‫أكثر من أي بلد اخر في العالم‪ ،‬لدرجة ان‪rr‬ه أص‪rr‬بح ش‪rr‬كال مؤسس‪rr‬يا مش‪rr‬ابها‬
‫لل‪rr‬زواج‪ .‬وعلى‬
‫الزواج المسيحي التقليدي الذي بدأ ينقرض‬
‫المسيحي التقليدي الذي بدأ ينقرضال‪rrrr‬رغم من تزاي‪rrrr‬د‬
‫ينقرض‬
‫ينقرض‬ ‫الزواج‬
‫بدأ بدأ‬ ‫الذي‬
‫الذي‬ ‫المسيحي ‪4‬‬
‫التقليدي‬
‫التقليدي‬ ‫المسيحي‬ ‫‪13 2‬‬
‫الزواج‬
‫الزواج‬

‫المعاشرة بديال للزواج فانه يؤدي الوظيفة التي يؤديها الزواج‪.‬‬


‫ان انخفاض معدالت الزواج يمكن ان يفهم على ان الناس يفض‪rr‬لون العيش‬
‫على طريقة المعاش‪rrr‬رة‪ ،‬وهي طريقة س‪rrr‬هلة كفيل‪rrr‬ة بتحقي‪rrr‬ق حاج‪rrr‬اتهم‬
‫البيولوجية ويمكنهم الخالص منها من دون تبعات وباقل التك‪rr‬اليف ب‪rr‬دل ان‬
‫يربطوا انفسهم في زواج دائم قد ينجح وقد ال ينجح‪ ،‬وعواقبه مكلف‪rr‬ة مادي‪rr‬ا‬
‫ونفسيا‪ ،‬ومع ان ع‪r‬زوف الش‪r‬باب عن ال‪r‬زواج لألس‪r‬باب اتي ذكرناه‪r‬ا ف‪r‬ان‬
‫الرجال والنس‪rr‬اء بع‪rr‬د رحل‪rr‬ة التنقل من ش‪rr‬ريك الى اخ‪rr‬ر وفي س‪rr‬ن معين‪rr‬ة‬
‫يبدئون البحث عن شريك دائم لمرحل‪rr‬ة الش‪rr‬يخوخة قب‪rr‬ل ان تتح‪rr‬ول حي‪rr‬اتهم‬
‫الى عزلة قاتلة بين الجدران‪ ،‬السيما وان األطفال بعد س‪rr‬ن الثامن‪rr‬ة عش‪rr‬رة‬
‫يتبخ‪rr‬رون مث‪rr‬ل اف‪rr‬راخ العص‪rr‬افير ويخت‪rr‬ارون ألنفس‪rr‬هم حي‪rr‬اة مس‪rr‬تقلة وال‬
‫يذكرون اباءهم وامهاتهم اال في مناسبات متباعدة جدا‪.‬‬
‫وعلى العموم فان السلوك الجنسي يقول ايليوت )‪Elliot (1996:16-17‬‬
‫ال شك انه قد تغير منذ الث‪rr‬ورة الجنس‪rr‬ية‪ ،‬لكن من الواض‪rr‬ح ان ال‪rr‬زواج بقي‬
‫مؤسسة مهم‪rr‬ة في حي‪rr‬اة الن‪rr‬اس‪ ،‬ربم‪rr‬ا يعم‪rr‬دون الى ت‪rr‬أخيره بعض الش‪rr‬يء‬
‫ويتعاش‪rr‬رون معاش‪rr‬رة األزواج لحقب‪rr‬ة من ال‪rr‬زمن‪ ،‬اال أنهم م‪rr‬ا زال‪rr‬وا غ‪rr‬ير‬
‫موافقين على الخيانة لهذا يقول ايليوت "فان الزواج لم يتغير كث‪rr‬يرا"‪ ،‬ففي‬

‫‪185‬‬
‫دراس‪rr‬ة مس‪rr‬حية حديث‪rr‬ة‪ ،‬يض‪rr‬يف ايلي‪rr‬وت‪ ،‬وج‪rr‬دت ان الش‪rr‬باب البريط‪rr‬اني‬
‫مازالوا يفكرون بالزواج ال‪r‬دائم م‪r‬ع توق‪rr‬ع اإلخالص الجنس‪r‬ي‪ ،‬ف‪rr‬التغير في‬
‫ممارسة الزواج يجب ان ال يفسر على انه انهيار الزواج بوصفه مؤسسة‪.‬‬
‫الطالق والزواج للمرة الثانية ‪Divorce & remarriage‬‬
‫في الوقت الذي ال يزال الناس يرغبون بالزواج‪ ،‬فان مع‪rr‬دالت الطالق في‬
‫تزايد مستمر‪ ،‬ليس في اوربا فقط وانم‪rr‬ا في المجتم‪rr‬ع الع‪rr‬ربي أيض‪rr‬ا‪ ،‬على‬
‫الرغم من صرامة الضوابط الدينية واالجتماعية‪ ،‬فهل يعطي هذا االرتفاع‬
‫في معدالت الطالق مؤشرا على تدهور مؤسسة الزواج؟‬
‫الواقع ان التقارير اإلحصائية تشير الى ارتفاع مخيف في معدالت الطالق‬
‫في الدول العربية‪ ،‬ففي المغرب أشار تقرير وزارة العدل الى حدوث اكثر‬
‫من ‪ 100‬الف حالة طالق في عام ‪ 2017‬وفي األردن ذكر تقري‪rr‬ر قاض‪rr‬ي‬
‫القضاة عن حدوث‪ 60‬حالة طالق يوميا في ‪2018‬وهي اكثر من ضعف‬
‫الح‪rr‬االت في الع‪rr‬ام ال‪rr‬ذي س‪rr‬بقه‪ ،‬وفي الجزائ‪rr‬ر ذك‪rr‬ر ال‪rr‬ديوان الوط‪rr‬ني‬
‫لإلحص‪rr‬اء عن ح‪rr‬دوث اك‪rr‬ثر من ‪ 62‬ال‪rr‬ف حال‪rr‬ة طالق في الع‪rr‬ام ‪2015‬‬
‫يض‪r‬اف له‪r‬ا ‪ %4‬ع‪r‬ام ‪ ،2016‬وفي الع‪r‬راق أش‪r‬ار تقري‪r‬ر لمجلس القض‪r‬اء‬
‫األعلى عن حدوث اكثر من ‪ 70‬الف حال‪rr‬ة طالق في الع‪rr‬ام ‪ 2017‬ام‪rr‬ا في‬
‫مصر فقد بلغت األرقام معدالت مخيفة بلغت ‪ 250‬حالة يوميا أي ما يزي‪rr‬د‬
‫عن ‪ 90‬الف حالة سنويا في عام ‪ 2015‬كما ذكرت صحيفة اليوم الس‪rr‬ابع‬
‫في عدد الخامس من سبتمبر‪ ،‬وفي السعودية اشارت صحيفة عكاظ الى ان‬
‫اكثر من ‪ %40‬من الزواجات انتهت بالطالق‪ ،‬وبلغ معدل الطالق في عام‬
‫‪ 2018‬الى اكثر من ‪ 53‬ال‪rr‬ف حال‪rr‬ة طالق‪ .‬ومع‪rr‬دالت الطالق في الك‪rr‬ويت‬

‫‪186‬‬
‫بلغت ‪ %62‬من مجم‪rr‬وع الزواج‪rr‬ات في ع‪rr‬ام ‪ 2018‬وهي اعلى من نس‪rr‬بة‬
‫الطالق في بريطانيا على قلة حاالت ال‪rr‬زواج وال‪rr‬تي بلغت أك‪rr‬ثر بقلي‪rr‬ل من‬
‫‪ %51‬من مجموع الزواجات في العام ‪ 2016‬وهذا يؤكد ان نس‪rr‬ب الطالق‬
‫تتزايد عالميا وإنه‪r‬ا تع‪r‬د مؤش‪r‬را على ت‪r‬دهور مؤسس‪r‬ة ال‪r‬زواج ذل‪r‬ك ألنه‪r‬ا‬
‫اصبحت اقل استقرارا وأكثر عرضة للتش‪rr‬ظي‪ .‬وفي ك‪rr‬ل ح‪rr‬ال هن‪rr‬اك على‬
‫االقل س‪rr‬ببين له‪rr‬ذا الت‪rr‬دهور‪ .‬أوال‪ :‬مع‪rr‬دالت الطالق ال تعكس فقط ض‪rr‬عف‬
‫العالقة الزواجية وانم‪rr‬ا س‪rr‬هولة الحص‪rr‬ول على االنفص‪rr‬ال‪ .‬وثاني‪rr‬ا‪ :‬ارتف‪rr‬اع‬
‫معدالت الزواج للمرة الثانية بعد الطالق (طبعا الزواج الث‪rr‬اني في الغ‪rr‬رب‬
‫أسهل منه ل‪r‬دينا بس‪r‬بب ان المطلقة ل‪r‬ديهم ال توص‪r‬م اجتماعي‪r‬ا‪ ،‬ولكن ل‪r‬دينا‬
‫تبقى الوص‪rr‬مة االجتماعي‪rr‬ة مالزم‪rr‬ة له‪rr‬ا م‪rr‬دى الحي‪rr‬اة فتض‪rr‬عف مع‪rr‬دالت‬
‫الزواج للمرة الثانية لدى النساء خاصة اما الرجال فبمقدورهم الزواج مرة‬
‫أخرى ومرات)‪.‬‬
‫ان الحص‪rr‬ول على االنفص‪rr‬ال في مجتمعن‪rr‬ا الع‪rr‬ربي يح‪rr‬دث بس‪rr‬بب س‪rr‬هولة‬
‫اإلجراءات وااللتزامات الالحقة‪ ،‬وإذا كانت االسرة الزواجية غ‪rr‬ير س‪rr‬عيدة‬
‫فان أحد الطرفين او كالهما يسعى للخالص ب‪rr‬اي ثمن‪ ،‬وغالب‪rr‬ا يقع العبء‬
‫على الزوج‪rr‬ة ال‪rr‬تي تس‪rr‬عى لني‪rr‬ل حريته‪rr‬ا بتنازله‪rr‬ا عن كام‪rr‬ل او ج‪rr‬زء من‬
‫حقوقها‪ ،‬او تبقى حبيسة البيت‪ ،‬والمحاكم التي تتباطأ في إجراءاتها لفترات‬
‫قد تطول لسنين‪ .‬وبينما يذهب الرجل ليتزوج مرة أخ‪rr‬رى ويؤس‪rr‬س عائل‪rr‬ة‬
‫جديدة تبقى المرأة موضع اتهام ويتع‪rr‬ذر عليه‪rr‬ا الحص‪rr‬ول على زوج جدي‪rr‬د‬
‫السيما إذا كان لديها أطفال من زواجها األول‪ .‬وإذا لم تكن قد دخلت س‪rr‬وق‬
‫العمل فإنها ستعيش على النفقة التي ال تك‪rr‬اد تس‪rr‬د تك‪rr‬اليف المعيش‪rr‬ة ويتعين‬

‫‪187‬‬
‫عليها اما ان تبحث عن عمل او تتعايش مع الفقر والعوز او تدفع بأوالده‪rr‬ا‬
‫الى العمل فيتخلفوا دراسيا‪ ،‬وربما يتحول بعض‪rr‬هم الى مج‪rr‬رمين‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان‬
‫بيئة الحرمان تشجع على االنحراف والجريمة في ظل غي‪rr‬اب س‪rr‬لطة االب‬
‫وتراخي سلطة الدولة‪.‬‬
‫االبوين والطفولة ‪Parents and Childhood‬‬
‫القيم العائلية تع‪rr‬د ال‪rr‬زواج مص‪rr‬درا أساس‪rr‬يا لألب‪rr‬وة واألموم‪rr‬ة‪ ،‬وان وج‪rr‬ود‬
‫االبوين معا في االسرة هو الطريق الوحيد الصحيح لتربي‪rr‬ة األطف‪rr‬ال وف‪rr‬ق‬
‫قيم االسرة النموذجية‪ .‬وبما ان الزواج أصبح معرض‪rr‬ا النفع‪rr‬االت االب‪rr‬وين‬
‫وامزجتهم فانه لم يعد الحاضن الموعود للطفولة‪ .‬والطفولة نفسها أصبحت‬
‫موضع تساؤل‪ ،‬لألسباب االتية‪:‬‬
‫‪ -‬تزاي‪rr‬د ع‪rr‬دد األزواج ال‪rr‬ذين ال يرغب‪rr‬ون في الحص‪rr‬ول على أطف‪rr‬ال (ه‪rr‬ذا‬
‫سبب ال ينطبق على مجتمعنا العربي ال‪rr‬ذي يس‪rr‬عى في‪rr‬ه األزواج للحص‪rr‬ول‬
‫على طفل باي ثمن‪ ،‬ولكن المتعلمون منهم يعملون على تحديد النسل بطفل‬
‫واحد او طفلين)‬
‫‪ -‬األطفال الذين يولدون خارج مؤسس‪rr‬ة ال‪rr‬زواج أك‪rr‬ثر منهم داخله‪rr‬ا (وه‪rr‬ذا‬
‫السبب ال ينطب‪rr‬ق أيض‪rr‬ا على المجتم‪rr‬ع الع‪rr‬ربي بس‪rr‬بب ان أي والدة خ‪rr‬ارج‬
‫مؤسسة الزواج تعد غير شرعية ويوص‪rr‬م الطف‪rr‬ل بمجهولي‪rr‬ة النس‪rr‬ب وه‪rr‬ذه‬
‫عقوبة قاسية جدا ألي طفل‪ .‬هذه الوصمة تبقى مصدر عذاب للطفل ترافقه‬
‫طول حياته‪ ،‬ولكن ذلك ال يعني ‪ -‬ع‪rr‬دم وج‪rr‬ود والدات من دون زواج وان‬
‫كانت نسبتها ال تقارن مع ما يحدث في الغرب‪ .‬في الغرب ال يوصم الطفل‬
‫باي وصمة من هذا النوع الن ثقافة المجتمع ال تعد العالقة الجنسية خ‪rr‬ارج‬

‫‪188‬‬
‫الزواج عالقة زنا بل بالعكس الفتاة التي ليست لها عالق‪rr‬ات جنس‪rr‬ية س‪rr‬ابقة‬
‫تعد ساذجة وشاذة وال يقترب منها أحد في زواج او غيره‪.‬‬
‫ارتفاع معدالت االنفص‪rr‬ال او الطالق يبع‪rr‬د األطف‪rr‬ال عن حض‪rr‬انة ورعاي‪rr‬ة‬
‫أح‪rr‬د االب‪rr‬وين او كالهم‪rr‬ا‪ .‬والقص‪rr‬ة االتي‪rr‬ة ال‪rr‬تي يرويه‪rr‬ا فلج‪rr‬ر وس‪rr‬كوت‬
‫)‪ Fulcher & Scott (1999:380‬في كتابهم‪rrrr‬ا علم االجتم‪rrrr‬اع‬
‫‪ Sociology‬تلخص حياة اغلب نساء الطبقة الوسطى ودون الوس‪rr‬طى في‬
‫المجتمع الغربي‪:‬‬
‫في الس==ابعة عش==رة من عمره==ا ب==دأت ش==ارون ‪ Sharon‬اول عالق==ة‬
‫جنسية‪ ،‬وقبل التاسعة عشرة كان لها عالقات جنسية عدي==دة من دون أي‬
‫التزامات او تعهدات عائلية‪ ،‬في هذا الوقت كانت ماتزال تعيش في م==نزل‬
‫ابويها‪ .‬في التاسعة عشرة استأجرت ش==قة م==ع ص==ديقاتها‪ ،‬ثم انتقلت الى‬
‫سكن مستقل مع صديقها سيمون ‪ Simon‬ال==ذي ك==انت ق==د تع==رفت علي==ه‬
‫حديثا‪ .‬شارون صار له==ا طف==ل‪ ،‬فتخلت عن وظيفته==ا الص==باحية‪ ،‬واخ==ذت‬
‫تعمل في المساء تمأل الرف==وف في أح==د المت==اجر‪ .‬في الحادي==ة والعش==رين‬
‫انفصلت عن صديقها وعادت لتعيش مع ابويها مع طفلها بش==كل م==ؤقت‪،‬‬
‫فوج==دت ان الحي==اة م==ع ابويه==ا غ==ير مقنع==ة‪ ،‬ولكن الحص==ول على س==كن‬
‫مستقل لم يكن ممكنا في ظروفها‪ ،‬وأثر مشادة كالمي=ة م=ع ابويه=ا ت=ركت‬
‫شارون بيت ابويها واعتبرها قسم الشؤون المنزلي=ة في المجلس البل=دي‬
‫المحلي مشردة فوفروا له==ا س==كنا مؤقت==ا من غرف=ة واح==دة ومطبخ‪ ،‬وفي‬
‫ه===ذا ال===وقت ك===ان مورده===ا الوحي===د المعون===ات الحكومي===ة “‪Income‬‬
‫‪ ”Support‬في سن الثالثة والعشرين بدأت ش==ارون عالق==ة جدي==دة م==ع‬
‫وليم ‪ ،William‬الذي كان مطلقا من س==نتين ولدي==ه طفلين يعيش==ان م==ع‬
‫طليقته‪ .‬شارون ووليم قررا العيش مع بعضهما‪ .‬ام شارون كانت في هذا‬
‫ال==وقت ق==د احيلت على المع==اش فتعه==دت برعاي==ة ابن ش==ارون‪ .‬فع==ادت‬
‫شارون الى الوظيفة بدوام جزئي ‪ Part-time Job‬سكرتيرة في شركة‬
‫‪189‬‬
‫ت==امين‪ ،‬وفي ه==ذا ال==وقت اس==تطاعت م==ع وليم الحص==ول على ق==رض من‬
‫البنك لشراء منزل‪ .‬في سن الخامسة والعشرين تزوجا‪ ،‬وانجبت ش==ارون‬
‫طفلين اخرين فقررت التخلي عن العمل مؤقتا‪ .‬في سن الحادية والثالثين‬
‫انفص==لت ش==ارون عن وليم‪ .‬في س==ن الثاني==ة والثالثين وبع==د مح==اوالت‬
‫تصالح ناجحة قررا االنفصال عن تراٍض‪ .‬البيت تم بيع=ه واخ=ذ ك=ل واح=د‬
‫منهم حصته وعادت شارون لتستأجر سكنا مع أوالده==ا الثالث==ة‪ .‬في س==ن‬
‫الرابعة والثالثين تعرفت ش=ارون على م=ارك ‪ Mark‬ال=ذي انتق=ل أخ=يرا‬
‫الى بيت شارون لكي يعيش معها‪ .‬في سن األربعين ت==زوجت ش==ارون من‬
‫مارك‪ .‬في سن الثانية والستين مات مارك فأصبحت شارون ارملة‪.‬‬
‫ه‪r‬ذه القص‪r‬ة ليس‪r‬ت من نس‪r‬ج الخي‪r‬ال‪ ،‬ع‪r‬دد مخي‪r‬ف من النس‪r‬اء في الغ‪r‬رب‬
‫يعشن قصصا مماثل‪r‬ة م‪r‬ع اختالف بس‪r‬يط في التفاص‪r‬يل‪ ،‬ونس‪r‬تدل منه‪r‬ا ان‬
‫الحرية الجنسية ليست النموذج األمثل لحي‪rr‬اة مليئ‪rr‬ة ب‪rr‬التحوالت‪ ،‬واألطف‪rr‬ال‬
‫يدفعون ثمنا باهظا‪ ،‬ذلك ان العيش مع زوج االم او صديقها‪ ،‬او مع زوجة‬
‫االب او صديقته‪ ،‬يعرض األطفال لخبرات نفسية صعبة للغاي‪rr‬ة اقله‪rr‬ا ع‪rr‬دم‬
‫الشعور باألمان وأكثرها قسوة عندما يرى الطفل رجال غريبا ينام مع ام‪rr‬ه‬
‫في فراش واحد وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره بعد‪ .‬وقد انتجت الحرية‬
‫الجنسية والمعاشرة بدون زواج امراضا وعلال نفسية وعقلية ال حصر لها‬
‫كم‪rr‬ا انتجت م‪rr‬ا يس‪rr‬مى "االس‪rr‬رة أحادي‪rr‬ة الوال‪rr‬د" ال‪rr‬تي حلت مح‪rr‬ل االس‪rr‬رة‬
‫النووية‪.‬‬
‫االسرة أحادية الوالد ‪Single-Parent Family‬‬
‫في بريطاني‪rr‬ا يقول ب‪rr‬راون )‪ Brown (1986‬ان نس‪rr‬بة الع‪rr‬ائالت احادي‪rr‬ة‬
‫الوالد التي لديها أطف‪rr‬ال دون س‪rr‬ن البل‪rr‬وغ تض‪rr‬اعفت ثالث‪rr‬ة اض‪rr‬عاف خالل‬
‫عشرين سنة (‪ ،)1990-1970‬وان سبب وجود االسرة أحادية الوالد يعود‬

‫‪190‬‬
‫الى إنجاب األطفال خارج الزواج‪ ،‬او بسبب الطالق‪ .‬ان نس‪rr‬بة المول‪rr‬ودين‬
‫خ‪rr‬ارج مؤسس‪rr‬ة ال‪rr‬زواج ارتف‪rr‬ع من ‪ %5‬في ع‪rr‬ام ‪ 1961‬الى ‪ %33‬ع‪rr‬ام‬
‫‪ ،1995‬وفي فرنس‪rrr‬ا والوالي‪rrr‬ات المتح‪rrr‬دة األرق‪rrr‬ام مقارب‪rrr‬ة‪ ،‬ام‪rrr‬ا ال‪rrr‬دول‬
‫االسكندنافية فالنسبة اعلى من ذلك بكثير‪ .‬ع‪rr‬دد من ه‪rr‬ؤالء األطف‪rr‬ال ول‪rr‬دوا‬
‫في عائالت فيها االبوان معا‪ ،‬قد يكون بعضم ولد نتيجة معاشرة وهي اق‪rr‬ل‬
‫اس‪rr‬تقرارا من االس‪rr‬رة الزواجي‪rr‬ة ولكن وج‪rr‬ود االب‪rr‬وين ح‪rr‬تى وان لم يكون‪rr‬ا‬
‫م‪rr‬تزوجين أفض‪rr‬ل من وج‪rr‬ود أح‪rr‬دهم وغي‪rr‬اب االخ‪rr‬ر‪ .‬االنفص‪rr‬ال والطالق‬
‫سبب اخر يقود الى نشوء االسرة أحادية الوالد‪ .‬في عالمنا الع‪rr‬ربي اس‪rr‬باب‬
‫وجود االسرة أحادية الوالد يختلف نوعيا عنه في بريطانيا والدول الغربي‪rr‬ة‬
‫عامة‪ ،‬ذلك ان مجتمعنا ال يسمح ديني‪rr‬ا وال ثقافي‪rr‬ا بالمعاش‪rr‬رة‪ ،‬ول‪rr‬ذلك يمكن‬
‫اس‪rr‬تبعاد ه‪rr‬ذا العام‪rr‬ل تمام‪rr‬ا في تك‪rr‬وين االس‪rr‬رة أحادي‪rr‬ة الوال‪rr‬د‪ ،‬بقي عام‪rr‬ل‬
‫الطالق وهو عامل مهم للغاية ويترتب علي‪r‬ه دخ‪r‬ول األطف‪r‬ال في تجاذب‪r‬ات‬
‫غ‪rrr‬ير محس‪rrr‬وبة النت‪rrr‬ائج بين االب‪rrr‬وين تعم‪rrr‬ل على تحطيم البن‪rrr‬اء النفس‪rrr‬ي‬
‫واالجتماعي لألطفال‪ .‬ول‪r‬دينا عام‪r‬ل اخ‪r‬ر غ‪r‬ير موج‪r‬ود في الغ‪r‬رب‪ ،‬وه‪r‬و‬
‫غياب االب ب‪rr‬الموت اثن‪rr‬اء الح‪rr‬روب العبثي‪rr‬ة ال‪rr‬تي عش‪rr‬ناها وبطش الحك‪rr‬ام‬
‫للمعارضين الى ج‪r‬انب االعم‪r‬ال اإلرهابي‪r‬ة ال‪r‬تي حص‪rr‬دت مجتمع‪r‬ة مئ‪r‬ات‬
‫االالف وربم‪rr‬ا الماليين من الش‪rr‬باب ال‪rr‬ذين ترك‪rr‬وا خلفهم أطف‪rr‬اال تع‪rr‬ولهم‬
‫امهاتهم االرامل‪ .‬والعوائل احادية الوالد التي سببتها الحروب اقل كلف‪r‬ة من‬
‫عوائل الطالق بالنسبة لألطفال‪ ،‬ذلك ان تخريب الروح المعنوي‪rr‬ة لألطف‪rr‬ال‬
‫ليس س‪rr‬ببها غي‪rr‬اب االب على أهميت‪rr‬ه ولكن بس‪rr‬بب الص‪rr‬راع والتن‪rr‬احر بين‬
‫االبوين قبل الطالق واثنائه كما يقول روجر )‪Rodger (1996‬‬

‫‪191‬‬
‫العنف االسري وسوء التعامل ‪Domestic Violence and Abuse‬‬
‫الشكل المس‪rr‬تقر للعائل‪rr‬ة النووي‪rr‬ة أص‪rr‬بح موض‪rr‬ع تس‪rr‬اؤل‪ ،‬ليس فقط بس‪rr‬بب‬
‫تقسيم العمل الم‪rr‬نزلي وثب‪rr‬ات األدوار الجنس‪rr‬ية ال‪rr‬تي تعرض‪rr‬ت لالخ‪rr‬تزال‪،‬‬
‫وانما أيضا بسبب ال‪rr‬وعي المتن‪rr‬امي لم‪rr‬ا يس‪rr‬مى "الج‪rr‬انب المظلم للعائل‪rr‬ة"‪.‬‬
‫فالمنزل العائلي ليس مكانا للراحة والمش‪rr‬اعر الحميم‪rr‬ة فقط‪ ،‬ولكن‪rr‬ه أيض‪rr‬ا‬
‫مك‪rr‬ان للعن‪rr‬ف الجس‪rr‬دي واالعت‪rr‬داء الجنس‪rr‬ي‪ .‬والعن‪rr‬ف االس‪rr‬ري واالعت‪rr‬داء‬
‫الجنسي يمكن عزوه الى‪:‬‬
‫‪ -‬تغيرات في السلوك‪ :‬السلوك المتوق‪rr‬ع‪ ،‬وس‪rr‬لوك االهتم‪rr‬ام بالش‪rr‬ريك ال‪rr‬ذي‬
‫يس‪rr‬بق المعاش‪rr‬رة او ال‪rr‬زواج مع‪ّrr‬رض للتغ‪rr‬ير بس‪rr‬بب الش‪rr‬عور ب‪rr‬االمتالك‬
‫واكتشاف معايب الشريك‬
‫‪ -‬إع‪rr‬ادة تعري‪rr‬ف الس‪rr‬لوك‪ :‬بمع‪rr‬نى ان الس‪rr‬لوك ال‪rr‬ذي ك‪rr‬ان مقب‪rr‬وال او ال‪rr‬ذي‬
‫يصنف بشكل بسيط على انه أقرب لالنحراف ويتم التغاضي عنه في بداية‬
‫العالقة‪ ،‬يصبح غير مقبول ومثيرا لالشمئزاز‪ ،‬مثل معاقبة األطفال جسديا‬
‫او لفظيا‪ ،‬ومثل االتصال الجنسي الذي يشبه االغتصاب‪.‬‬
‫‪ -‬تنامي الوعي‪ :‬السلوك غير المقبول الذي ك‪rr‬ان مس‪rr‬تورا ب‪rr‬دأ يظه‪rr‬ر للعلن‬
‫بشكل واضح‪ .‬اغلب ما يحدث داخل المن‪rr‬ازل ال يعرف‪rr‬ه أح‪rr‬د‪ ،‬ولكن بس‪rr‬بب‬
‫تزاي‪rr‬د ال‪rr‬وعي ب‪rr‬دأ المس‪rr‬تور يتكش‪rr‬ف والس‪rr‬كوت علي‪rr‬ه ب‪rr‬دافع الحف‪rr‬اظ على‬
‫التماس‪rr‬ك االس‪rr‬ري لم يع‪rr‬د مناس‪rr‬با‪ .‬وألج‪rr‬ل ذل‪rr‬ك ت‪rr‬ولت مؤسس‪rr‬ات بحثي‪rr‬ة‬
‫وأجهزة حماية المعّنفين مسؤولية الكشف عن الجانب غير المرئي للعائلة‪.‬‬
‫االعتداء على األطفال ‪Child Abuse‬‬

‫‪192‬‬
‫مش‪rr‬كالت االنفص‪rr‬ال تغ‪rr‬يرت وتغ‪rr‬يرت معه‪rr‬ا اتجاه‪rr‬ات الن‪rr‬اس نح‪rr‬و ابالغ‬
‫السلطات عن االعتداء الجسدي واالعت‪r‬داء الجنس‪r‬ي على األطف‪r‬ال‪ ،‬العن‪r‬ف‬
‫الجسدي ليس جديدا‪ ،‬فالعقوبة البدنية كانت تمارس منذ زمن طوي‪rr‬ل ش‪rr‬كال‬
‫من اش‪rr‬كال الت‪rr‬أديب الص‪rr‬ارم للحف‪rr‬اظ على النظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬ولكن من‪rr‬ذ‬
‫الس‪rr‬بعينات بع‪rr‬د اكتش‪rr‬اف ح‪rr‬االت عن‪rr‬ف ش‪rr‬ديدة القس‪rr‬وة يمارس‪rr‬ها ازواج‬
‫األمه‪rr‬ات او زوج‪rr‬ات اإلب‪rr‬اء وال‪rr‬تي س‪rr‬ميت "متالزم‪rr‬ة الطف‪rr‬ل المعن‪rr‬ف"‬
‫‪ Battered-baby syndrome‬ظه‪rr‬رت للعلن بع‪rr‬د حادث‪rr‬ة وف‪rr‬اة الطفل‪rr‬ة‬
‫ماريا كالوي‪rr‬ل على ي‪rr‬د زوج أمه‪rr‬ا ع‪rr‬ام ‪ .1973‬ومن‪rr‬ذ ذل‪rr‬ك الت‪rr‬اريخ اعت‪rr‬بر‬
‫االعتداء على الطفل مشكلة اجتماعية‪ .‬والواقع ان العمل المه‪rr‬ني للمؤسس‪rr‬ة‬
‫الطبية ومؤسسة العناية بالطفل اّد ي‪rr‬ا دورا مهم‪rr‬ا في جلب مش‪rr‬كلة االعت‪rr‬داء‬
‫على األطفال الى دائ‪rr‬رة الض‪rr‬وء‪ .‬ثم ازدادت مع‪rr‬دالت اإلبالغ عن ح‪rr‬االت‬
‫ايذاء األطفال بدنيا ازديادا ملحوظا في بريطانيا بعد حادثة كالوي‪rr‬ل‪ ،‬وتبنت‬
‫وسائل االعالم حملة واسعة ضد تعنيف األطفال مشيرة الى حاالت كث‪rr‬يرة‬
‫مشابهة لحالة كالويل‪ .‬اكتش‪rr‬اف االي‪rr‬ذاء الب‪rr‬دني س‪rr‬رعان م‪rr‬ا تبع‪rr‬ه اكتش‪rr‬اف‬
‫االعتداء الجنسي على األطف‪r‬ال‪ ،‬في الوالي‪rr‬ات المتح‪rr‬دة االمريكي‪rr‬ة اكتش‪rr‬ف‬
‫في الس‪rrr‬بعينيات وفي بريطاني‪rrr‬ا في الثمانيني‪rrr‬ات من القرن الماض‪rrr‬ي‪ .‬في‬
‫بريطاني‪rr‬ا تب‪rr‬نى األخص‪rr‬ائيون االجتم‪rr‬اعيون تقني‪rr‬ة طبي‪rr‬ة جدي‪rr‬دة لتش‪rr‬خيص‬
‫االعتداء على األطف‪rr‬ال‪ ،‬وك‪rr‬انت تقني‪rr‬ة فعال‪rr‬ة أدت الى س‪rr‬حب األطف‪rr‬ال من‬
‫العوائل المتهمة بإيذاء األطف‪rr‬ال ونقلهم الى أم‪rr‬اكن خاص‪rr‬ة إلع‪rr‬ادة ت‪rr‬أهيلهم‬
‫وتوف‪rr‬ير بيئ‪r‬ة امن‪r‬ة لهم‪ .‬وعلى اث‪r‬ر ن‪r‬زاع بين الش‪r‬رطة من جه‪r‬ة واألطب‪r‬اء‬
‫واالخصائيين االجتماعيين حول التقني‪rr‬ة الطبي‪rr‬ة لتش‪rr‬خيص المعت‪rr‬دى عليهم‬

‫‪193‬‬
‫من األطفال‪ ،‬رفضت الشرطة التقنية الجديدة متهمة األطباء واالخص‪rr‬ائيين‬
‫االجتم‪rr‬اعيين بالتعس‪rr‬ف في س‪rr‬حب األطف‪rr‬ال من ع‪rr‬ائالتهم ورفض‪rr‬وا تنفي‪rr‬ذ‬
‫األوامر‪ ،‬فيما اتهم االخصائيون االجتماعيون الشرطة بانه‪rr‬ا تمث‪rr‬ل الس‪rr‬لطة‬
‫االبوي‪rrr‬ة الغاش‪rrr‬مة‪ ،‬ووقفت الص‪rrr‬حافة الى ج‪rrr‬انب الش‪rrr‬رطة‪ ،‬فتع‪rrr‬رض‬
‫األخصائيون االجتماعيون لألحراج الشديد بسبب هجوم الش‪rr‬رطة ورج‪rr‬ال‬
‫السياس‪rr‬ة والص‪rr‬حافة‪ ،‬واس‪rr‬هم ع‪rr‬دم استس‪rr‬الم االخص‪rr‬ائيين االجتم‪rr‬اعيين‬
‫لهجمات المن‪rr‬اوئين الى بن‪rr‬اء قاع‪r‬دة بيروقراطي‪rr‬ة متين‪rr‬ة للعم‪rr‬ل االجتم‪rr‬اعي‬
‫تعتم‪rr‬د على إج‪rr‬راءات وقواع‪rr‬د دفاعي‪rr‬ة تقوم على الش‪rr‬واهد الملموس‪rr‬ة‬
‫والتصوير بالفي‪r‬ديو لتجنب االنتقادات‪ ،‬ثم اثم‪r‬رت مجه‪r‬وداتهم عن تش‪r‬ريع‬
‫قوانين وأنظمة لحماية الطفولة‪,Gittins (1993), Rodger (1996).‬‬
‫بدائل االسرة ‪Alternatives to the Family‬‬
‫االسرة النووية في المجتمع الغربي اليوم أك‪rr‬ثر عزل‪rr‬ة من أي وقت مض‪rr‬ى‬
‫في التاريخ‪ ،‬ووحدة االسرة الممتدة أصبحت ذكرى من ذكريات الماض‪rr‬ي‪،‬‬
‫والنسيج المغلق للمجتمع المحلي يتج‪r‬ه نح‪r‬و التفك‪r‬ك‪ ،‬وه‪r‬ذا الوض‪r‬ع يجع‪r‬ل‬
‫االسرة النووية تعاني من ض‪rr‬غوط ش‪rr‬ديدة‪ ،‬وان ش‪rr‬كال ب‪rr‬ديال لبن‪rr‬اء االس‪rr‬رة‬
‫النووية التقليدية أصبح ضروريا‪ .‬ه‪r‬اراالمبوس واخ‪r‬رين ‪Haralambos‬‬
‫)‪ et al (1991‬تبنوا الفكرة التي تقول ان السيكولوجيين واألطباء ومدراء‬
‫المدارس والموظفين الحكوميين يقدمون دعاية رخيصة عن فضائل الحياة‬
‫العائلية‪ ،‬واغلبنا أيضا ربما يعتقد ان االسرة هي مؤسس‪rr‬ة ش‪rr‬املة له‪rr‬ا ج‪rr‬ذر‬
‫في ك‪rr‬ل المجتمع‪rr‬ات البش‪rr‬رية‪ ،‬او أص‪rr‬غر وح‪rr‬دة أساس‪rr‬ية للمجتم‪rr‬ع المنظم‪.‬‬
‫ولكنها ليست كذلك‪ ،‬الكائنات البشرية من وقت آلخر استطاعت ان تخترع‬

‫‪194‬‬
‫اش‪r‬كال مختلف‪r‬ة للحي‪r‬اة المنزلي‪r‬ة‪ ،‬وعلين‪r‬ا ان نخ‪r‬ترع المزي‪r‬د في المس‪r‬تقبل‪،‬‬
‫الع‪rr‬ائالت الص‪rr‬غيرة مرتبط‪rr‬ة بالع‪rr‬الم الخ‪rr‬ارجي بطرائ‪rr‬ق عدي‪rr‬دة مختلف‪rr‬ة‪،‬‬
‫والعالق‪rr‬ات الخارجي‪rr‬ة لألس‪rr‬رة يمكن ان تقوم على أي ش‪rr‬كل من اش‪rr‬كال‬
‫المصالح المشتركة‪ ،‬السياس‪rr‬ة‪ ،‬الرياض‪rr‬ة‪ ،‬أوق‪rr‬ات الف‪rr‬راغ‪ ،‬أنش‪rr‬طة من ك‪rr‬ل‬
‫نوع‪ ،‬ولكن كقاعدة‪ ،‬فان الرابط األق‪rr‬وى هم األق‪rr‬ارب‪ ،‬الج‪rr‬يران‪ ،‬أص‪rr‬حاب‬
‫المهن‪rr‬ة الواح‪rr‬دة‪ ،‬وه‪rr‬ذه األن‪rr‬واع هي األك‪rr‬ثر أهمي‪rr‬ة الي‪rr‬وم في ك‪rr‬ل مفاص‪rr‬ل‬
‫المجتمع الحديث‪ .‬مالكي المنازل في أي شارع ال يعمل‪rr‬ون جميع‪rr‬ا في نفس‬
‫المهن‪rr‬ة وليس‪rr‬وا جميع‪rr‬ا م‪rr‬رتبطين قرابي‪rr‬ا‪ ،‬ه‪rr‬ذه االختالف‪rr‬ات تعكس تمام‪rr‬ا‬
‫التغ‪rr‬يرات العظيم‪rr‬ة في المجتم‪rr‬ع‪ ،‬وهي بش‪rr‬كل رئيس‪rr‬ي نتيج‪rr‬ة للتط‪rr‬ور‬
‫االقتصادي عبر الخمسين سنة الماضية‪ .‬في الماضي وص‪rr‬وال الى الح‪r‬رب‬
‫العالمي‪rr‬ة األولى‪ ،‬ك‪rr‬ان الج‪rr‬زء األك‪rr‬بر من الس‪rr‬كان في الم‪rr‬دن او األري‪rr‬اف‬
‫مستقرون في سكن دائم‪ .‬التنوع المهني المتاح للطبقة العاملة ك‪r‬ان مح‪r‬دودا‬
‫جدا‪ ،‬وحتى الهجرة من الريف الى المدينة وبين المدن ك‪rr‬انت تح‪rr‬دث ببطء‬
‫لغياب المحفزات‪ .‬اما اليوم ف‪rr‬ان الش‪rr‬باب يتنقل‪rr‬ون من مك‪rr‬ان الى اخ‪rr‬ر على‬
‫عجل من اجل الكسب األكثر واالسرع‪ .‬هذا التغير كان له نت‪rr‬ائج جوهري‪rr‬ة‬
‫على البناء األساسي للمجتمع‪ .‬في األيام الخالية كانت الروابط مع االقرب‪rr‬اء‬
‫والجيران وزمالء المهنة تميل الى التطابق‪ ،‬فاغلب الن‪rr‬اس ك‪rr‬انوا يقض‪rr‬ون‬
‫حي‪rr‬اتهم كله‪rr‬ا قريب‪rr‬ا من المك‪rr‬ان ال‪rr‬ذي ول‪rr‬دوا في‪rr‬ه له‪rr‬ذا ك‪rr‬انوا على ال‪rr‬دوام‬
‫مح‪rr‬اطين باأله‪rr‬ل واألص‪rr‬دقاء‪ ،‬وف‪rr‬وق ه‪rr‬ذا ف‪rr‬ان ال‪rr‬زواج ك‪rr‬ان يح‪rr‬دث بين‬
‫العوائل الذين يعرفون بعضهم البعض في محيط الجيرة واالق‪rr‬ارب‪ ،‬وك‪rr‬ان‬
‫االه‪rr‬ل يعط‪rr‬ون األبن‪rr‬اء دعم‪rr‬ا مس‪rr‬تمرا م‪rr‬دى الحي‪rr‬اة‪ ،‬ولكن االس‪rr‬رة الي‪rr‬وم‬

‫‪195‬‬
‫معزولة تماما وتهتم بش‪rr‬ؤونها فقط وتتخلله‪rr‬ا ت‪rr‬وترات عاطفي‪rr‬ة ش‪rr‬ديدة بين‬
‫الزوج والزوجة وبين االبوين واألطفال‪ ،‬توترات يصعب احتمالها احيانا‪،‬‬
‫وه‪rr‬ذا الح‪rr‬ال بعي‪rr‬د ك‪rr‬ل البع‪rr‬د عن االعتقاد بانن‪rr‬ا نعيش في مجتم‪rr‬ع مث‪rr‬الي‪،‬‬
‫فاألسرة بخصوصيتها الضيقة واسرارها التافهة هي مصدر س‪rr‬خطنا كل‪rr‬ه‪.‬‬
‫نحتاج الى تغ‪rr‬ير قيمي‪ ،‬لكن ليس واض‪rr‬حا اب‪rr‬دا كي‪rr‬ف ينبغي ان يك‪rr‬ون ه‪rr‬ذا‬
‫التغير‪ .‬التاريخ واألثنوجرافيا تزودنا بأمثلة قليلة عن مجتمعات تكونت بما‬
‫يشبه التجمعات السائبة‪ ،‬الوحدة العائلية فيها أكبر وتقوم على أسس قرابية‪،‬‬
‫ولكن الجماع‪r‬ة القرابي‪rr‬ة تم‪rr‬ارس وظائفه‪rr‬ا بش‪rr‬كل فع‪rr‬ال فقط عن‪rr‬دما تك‪rr‬ون‬
‫ملتص‪rr‬قة ببعض‪rr‬ها مكاني‪rr‬ا‪ ،‬وه‪rr‬ذا المطلب يتع‪rr‬ارض م‪rr‬ع العقائ‪rr‬د الرئيس‪rr‬ة‬
‫للشركات الرأسمالية الحرة التي ال تمنح أكثر من حرية التنقل من اجل بيع‬
‫قوة العم‪r‬ل في أحس‪r‬ن األس‪r‬واق‪ .‬مجتمعن‪r‬ا المعاص‪r‬ر غ‪r‬ير م‪r‬ريح عاطفي‪r‬ا‪،‬‬
‫االبوان يحتشدون مع أطفالهم في عزلة خانقة تأخذ منهم كل مأخذ‪ .‬االبوان‬
‫في عراك مستمر واألطفال يتم‪rr‬ردون ألنهم يري‪rr‬دون العيش في بيئ‪rr‬ة أك‪rr‬بر‬
‫حجم‪rr‬ا‪ ،‬في جماع‪r‬ة عائلي‪rr‬ة خالي‪rr‬ة من الت‪rr‬وترات العص‪rr‬بية تتوس‪rr‬ط مجتم‪rr‬ع‬
‫محلي يعرف في‪rr‬ه الن‪rr‬اس بعض‪rr‬هم ويس‪rr‬اندون بعض‪rr‬هم م‪rr‬دى الحي‪rr‬اة‪ ،‬وليس‬
‫داخل زنزانة تكون الحركة فيها محصورة بين االم والمطبخ‪ ،‬نحتاج شيء‬
‫يشبه االكيبوتز ‪ Kibbutz‬اإلسرائيلي او الشعب الصيني‪ ،‬لكن حش‪rr‬ر مث‪rr‬ل‬
‫ه‪rr‬ذ ا النم‪rr‬وذج في االقتص‪rr‬اد الرأس‪rr‬مالي لن يك‪rr‬ون س‪rr‬هال على االطالق‪.‬‬
‫سنعرض نموذج الكيبوتز اإلسرائيلي ليس من باب االيم‪rr‬ان بان‪rr‬ه النم‪rr‬وذج‬
‫المثالي‪ ،‬على ال‪rr‬رغم من ان ه‪rr‬اراالمبوس يع‪rr‬ده انجح ب‪rr‬ديل للعائل‪rr‬ة‪ ،‬ولكن‬

‫‪196‬‬
‫الن اغلب الناس في ال‪rr‬وطن الع‪rr‬ربي فيم‪rr‬ا ع‪rr‬دا المتخصص‪rr‬ون ال يعرف‪rr‬ون‬
‫تركيب المجتمع اإلسرائيلي‪.‬‬
‫يقول ه‪rr‬اراالمبوس ان نظ‪rr‬ام االكيب‪rr‬وتز ه‪rr‬و نظ‪rr‬ام مس‪rr‬توطنات اقتص‪rr‬ادية‬
‫جماعية تعاونية‪ ،‬يمزج بين االشتراكية والصهيونية وهو تجمع شبه عائلي‬
‫ال يستلزم تعاون الزوجين من اجل الحصول على منافع اقتصادية لهم‪rr‬ا او‬
‫لعائلتهم‪rr‬ا‪ ،‬انهم يعمل‪rr‬ون من اج‪rr‬ل المس‪rr‬توطنة (الكيب‪rr‬وتز) كك‪rr‬ل‪ .‬يش‪rr‬كل‬
‫الكيبوتز ح‪rr‬والي ‪ %4‬من مجم‪rr‬وع الس‪rr‬كان ويعيش‪rr‬ون في ‪ 270‬مس‪rr‬توطنة‬
‫حسب إحصاء ‪ ،2010‬تختل‪rr‬ف ه‪rr‬ذه المس‪rr‬توطنات في الحجم اذ انه‪rr‬ا تض‪rr‬م‬
‫بين ‪ 100-2000‬مس‪rrrr‬توطن اغلبهم يعمل‪rrrr‬ون في الزراع‪rrrr‬ة م‪rrrr‬ع بعض‬
‫الص‪rr‬ناعات الخفيف‪r‬ة‪ ،‬ملكي‪r‬ة البناي‪r‬ات‪ ،‬والمك‪r‬ائن واإلنت‪r‬اج ال‪r‬زراعي تع‪r‬ود‬
‫ألعضاء المستوطنة جميعا‪ .‬البض‪rr‬ائع مث‪rr‬ل المالبس واالحذي‪rr‬ة والخ‪rr‬دمات‪،‬‬
‫مث‪rr‬ل الطبخ وكي المالبس والخ‪rr‬دمات األخ‪rr‬رى لهم وألوالدهم تقوم به‪rr‬ا‬
‫المستوطنة‪ .‬االسرة تصطبغ بعدد من العوامل األيديولوجي‪rr‬ة واالقتص‪rr‬ادية‪،‬‬
‫الس‪rr‬يما في ب‪rr‬داياتها األولى‪ .‬ك‪rr‬ل االص‪rr‬حاء ب‪rr‬دنيا من الب‪rr‬الغين يتعين عليهم‬
‫اخالء ارضية المكان من اجل إعطاء وقت قليل للعالقات الحميمة بين االم‬
‫واطفاله‪rrr‬ا‪ .‬أيديولوجي‪rrr‬ة المس‪rrr‬توطنة تؤك‪rrr‬د وتعم‪rrr‬ل بنظ‪rrr‬ام المس‪rrr‬اواة بين‬
‫الجنسين‪ ،‬وترفض النمط الغربي في أدوار االبوين‪ ،‬الس‪r‬يما دور االم‪ ،‬م‪r‬ع‬
‫التخلي عن الدور التقليدي المعروف لالم اليهودية التي تتمتع بنظام حماي‪rr‬ة‬
‫ف‪rrr‬وق الع‪rrr‬ادة ‪ ،‬نم‪rrr‬ط النظ‪rrr‬ام الع‪rrr‬ائلي يقوم على ال‪rrr‬زواج األح‪rrr‬ادي‬
‫‪ monogamous‬الزوجان يشتركان في غرفة نوم واح‪r‬دة ول‪r‬ديهما غرف‪rr‬ة‬
‫معيش‪rrr‬ة‪ ،‬الم‪rrr‬نزل ال يش‪rrr‬مل األطف‪rrr‬ال النهم في مه‪rrr‬اجع مس‪rrr‬تقلة يت‪rrr‬ولى‬

‫‪197‬‬
‫مسؤوليتها مربون ومعلمون محترفون‪ ،‬فيها يأكلون وفيها يتعلم‪rr‬ون وفيه‪rr‬ا‬
‫ينامون‪ ،‬ويقضون اغلب ساعات اللي‪rr‬ل والنه‪rr‬ار بعي‪rr‬دين عن االب‪rr‬وين‪ ،‬انهم‬
‫يرون اباءهم وامهاتهم لمدة ساعة او ساعتين في الي‪rr‬وم على األك‪rr‬ثر‪ ،‬حيث‬
‫يقومون بزيارتهم في أم‪rr‬اكن س‪rr‬كنهم‪ ،‬ه‪rr‬ذه الزي‪rr‬ارات ينظ‪rr‬ر له‪rr‬ا على انه‪rr‬ا‬
‫وقت مرح ‪ fun time‬اكثر منها أوق‪rr‬ات للتنش‪rr‬ئة والت‪rr‬دريب‪ ،‬الن التنش‪rr‬ئة‬
‫تقوم بها مؤسسة مس‪r‬تقلة ومتخصص‪rr‬ة لنقل التقالي‪r‬د والعقي‪r‬دة اليهودي‪r‬ة لهم‬
‫بشكل جم‪rr‬اعي‪ ،‬وفي ذل‪rr‬ك يقول برون‪rr‬و بتله‪rr‬ايم )‪Bettelheim (1969‬‬
‫ان االسرة تنقل س‪rr‬لطتها على األطف‪rr‬ال للمجتم‪rr‬ع المحلي للمس‪rr‬توطنة‪ ،‬ك‪rr‬ل‬
‫األطف‪rr‬ال ينظ‪rr‬ر لهم ويعت‪rr‬نى بهم على انهم أوالد المس‪rr‬توطنة‪ ،‬وفي ذل‪rr‬ك‬
‫يعتقدون ان التنش‪rrr‬ئة الجماعي‪rrr‬ة لألطف‪rrr‬ال تجنبهم االموم‪rrr‬ة الس‪rrr‬يئة‪ ،‬وان‬
‫الطريقة الجمعية في التنشئة تمثل رفضا صريحا للعائلة مع إشارة خاص‪rr‬ة‬
‫ألدوار االبوين‪ ،‬اي رفض ألدوار االبوين في التنشئة‪ .‬انتاج المس‪rr‬توطنات‬
‫يشكل ما قيمته ‪ %9‬من الناتج القومي او ما يع‪rr‬ادل ثماني‪rr‬ة ملي‪rr‬ارات دوالر‬
‫امريكي سنويا ويغطي ‪ %40‬من اإلنتاج ال‪rr‬زراعي الكلي‪ .‬تش‪rr‬كيل غ‪rr‬ريب‬
‫لألسرة وبسبب غرابته وكفايته اعت‪rr‬بره ه‪rr‬اراالمبوس انجح ش‪rr‬كل وأفض‪rr‬ل‬
‫بديل لألسرة النووية التي بدأت باألفول‪Haralambos (1991,1993) .‬‬

‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫في هذا الفص‪rr‬ل ق‪rr‬دمنا تفس‪rr‬يرات متع‪rr‬ددة لتط‪rr‬ور االس‪rr‬رة ابت‪rr‬داء بالمدرس‪rr‬ة‬
‫البنائية الوظيفية التي طورها ووضع قواعدها النظرية تالكوت بارس‪rr‬ونز‪،‬‬
‫ثم المدرسة الفرنسية متمثلة بميشيل فوكو‪ ،‬والماركسية واالتجاه التفسيري‬

‫‪198‬‬
‫االبوي‪ .‬وبطبيعة الحال فان أيا من هذه المدارس لم تنكر األهمية القصوى‬
‫للعائلة‪ ،‬التي اعتبرت وح‪r‬دة ش‪r‬املة عام‪r‬ة في ك‪r‬ل المجتمع‪r‬ات‪ ،‬لكن هن‪r‬اك‬
‫اتجاهات اثنوجرافي‪rr‬ة وتاريخي‪rr‬ة اعت‪rr‬برت االس‪rr‬رة وح‪rr‬دة ش‪rr‬املة م‪rr‬ع بعض‬
‫االستثناءات‪.‬‬
‫وعلى العموم ما زال علماء االجتماع ينظ‪rr‬رون للعائل‪rr‬ة بوص‪rr‬فها أص‪rr‬غر‬
‫وحدة اجتماعية عليها يقوم المجتمع‪ ،‬ومنها يستمد تماس‪rr‬كه او تفكك‪rr‬ه‪ ،‬وق‪rr‬د‬
‫مرت االسرة بمراحل متعددة‪ ،‬فاألسرة في مرحلة ما قب‪r‬ل الص‪rr‬ناعة ك‪r‬انت‬
‫ممتدة‪ ،‬ومتماسكة ووظائفها تعم‪rr‬ل وف‪rr‬ق تقس‪rr‬يم العم‪rr‬ل على أس‪rr‬اس الجنس‬
‫والعم‪rr‬ر‪ ،‬ونش‪rr‬اطها االقتص‪rr‬ادي في االعم يغلب علي‪rr‬ه الط‪rr‬ابع ال‪rr‬زراعي‪.‬‬
‫التطور ادخل االسرة في نفق غ‪rr‬ير مع‪rr‬روف النهاي‪rr‬ات‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان الص‪rr‬ناعة‬
‫بدلت شكل وتركيب االسرة لكي تخ‪rr‬دم االقتص‪rr‬اد الص‪rr‬ناعي‪ ،‬فتح‪rr‬ولت من‬
‫ممتدة الى نووية‪ .‬في مجتمع ما بعد الصناعة او ما بعد الحداثة كما تس‪rr‬مى‬
‫أحيان‪rr‬ا تعرض‪rr‬ت االس‪rr‬رة النووي‪rr‬ة الب‪rr‬ديل الص‪rr‬ناعي لألس‪rr‬رة الممت‪rr‬دة‪ ،‬هي‬
‫األخرى للتشظي والتفك‪rr‬ك والتم‪rr‬زق‪ ،‬وب‪rr‬اتت االس‪rr‬رة عبئ‪rr‬ا على أعض‪rr‬ائها‬
‫وسببا من أسباب سخطهم وتوتراتهم وحماق‪rr‬اتهم كم‪rr‬ا يقول ه‪rr‬اراالمبوس‪.‬‬
‫المشكالت التي تعاني منه االسرة الحديثة باتت تهدد وجوده‪rr‬ا الفعلي‪ ،‬ففي‬
‫عصر ما بعد الحداثة والعولم‪r‬ة أص‪r‬بحت االس‪r‬رة ال‪r‬تي تقوم على ال‪r‬زواج‬
‫شبه مشلولة‪ ،‬ذلك ان اغلب االفراد ذكورا واناثا يقيمون عالق‪rr‬ات معاش‪rr‬رة‬
‫وينجبون أطف‪rr‬اال خ‪rr‬ارج مؤسس‪rr‬ة ال‪rr‬زواج‪ ،‬وح‪rr‬تى ال‪rr‬ذين ي‪rr‬تزوجون ف‪rr‬انهم‬
‫سرعان ما ينفصلون حتى بلغت نس‪r‬ب الطالق في ك‪r‬ل انح‪r‬اء الع‪r‬الم وليس‬
‫في المجتم‪rr‬ع الغ‪rr‬ربي وح‪rr‬ده أك‪rr‬ثر من نص‪rr‬ف ع‪rr‬دد الزواج‪rr‬ات‪ .‬المعاش‪rr‬رة‬

‫‪199‬‬
‫المشرعنة أصبحت البديل الواقعي لألسرة النووية‪ ،‬ويبدو ان‪rr‬ه عم‪rr‬ا ق‪rr‬ريب‬
‫ستلحق االسرة النووية باألسرة الممتدة التي ص‪rr‬ار ينظ‪rr‬ر له‪rr‬ا ك‪rr‬ذكرى من‬
‫ذكري‪rr‬ات الماض‪rr‬ي‪ .‬الى ج‪rr‬انب المعاش‪rr‬رة ول‪rr‬دت ع‪rr‬ائالت هامش‪rr‬ية م‪rr‬ازال‬
‫الراي العام ينظر لها باستهجان تلك هي االسرة ال‪rr‬تي تقوم على العالق‪rr‬ات‬
‫المثلية‪ ،‬وعلى الرغم من ان هذا النوع من التركيب العائلي كسب الشرعية‬
‫القانونية في اغلب المجتمعات االوربية وان اعداده في تزايد اال ان‪rr‬ه يفتقد‬
‫الش‪rr‬رعية االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬ولكن ربم‪rr‬ا لن يط‪rr‬ول ال‪rr‬وقت ح‪rr‬تى تص‪rr‬بح المثلي‪rr‬ة‬
‫احدى البدائل إذا تم قبولها اجتماعيا‪ .‬وفي هذا الوقت تعالت أصوات كثيرة‬
‫تدعو للبحث عن بدائل للعائلة النووية التي لم تعد مناسبة في ظ‪rr‬ل عملي‪rr‬ات‬
‫التمرد واالنقالب التي تمارس ضدها باعتبار ان الزواج ال‪rr‬ذي يع‪rr‬د الحلقة‬
‫األهم في بناء االسرة خرج عن السيطرة‪ ،‬وحلت المعاشرة بديال معترفا به‬
‫قانونيا واجتماعيا وثقافيا‪ .‬وأصبح األطف‪r‬ال ال‪r‬ذين يول‪r‬دون خ‪r‬ارج مؤسس‪r‬ة‬
‫الزواج أكثر بكثير من األطفال الذين يولدون في عائالت زواجية‪ ،‬ولم يعد‬
‫ينظر لهؤالء على انهم ثمرات زنا غير شرعية‪ ،‬ولم يع‪rr‬د المجتم‪rr‬ع يلص‪rr‬ق‬
‫بهم وص‪rr‬مة اجتماعي‪rr‬ة تلح‪rr‬ق بهم الع‪rr‬ار‪ ،‬اال في المجتم‪rr‬ع الع‪rr‬ربي ال‪rr‬ذي‬
‫مازالت االسرة النووية والى حد م‪rr‬ا الممت‪rr‬دة تعم‪rr‬ل بنص‪rr‬ف طاقته‪rr‬ا‪ ،‬اذ ان‬
‫هناك محاوالت للتمرد على االسرة الزواجي‪rr‬ة عن طري‪rr‬ق اش‪rr‬كال مبتدع‪rr‬ة‬
‫مثل الزواج العرفي وزواج المس‪rr‬يار وزواج المتع‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬ذه تش‪rr‬به الى ح‪rr‬د‬
‫كبير المعاشرة خارج الزواج التقليدي‪.‬‬
‫الواقع ان االسرة النووية في ازمة وهذه االزم‪r‬ة ت‪r‬زداد عمقا م‪r‬ع عملي‪r‬ات‬
‫دخول المرأة الواسع لسوق العمل ومع تطور عمليات التثاقف التي خلقته‪rr‬ا‬

‫‪200‬‬
‫وسائل االتص‪rr‬ال الحديث‪rr‬ة وال‪rr‬تي س‪rr‬هلت العالق‪rr‬ات العاطفي‪rr‬ة والجنس‪rr‬ية في‬
‫العالم االفتراضي وانتقالها بالتدريج الى الحياة االجتماعية‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫الفصل السابع‬

‫الدين والمعتقدات‬
‫‪Religion & Belief‬‬

‫الدين هو ما يمنع الفقراء من اغتيال األغنياء‬


‫نابليون‬

‫الدين والمجتمع ‪Religion and Society‬‬


‫في مطلع القرن الحادي والعشرين ع‪r‬اد موض‪rr‬وع ال‪r‬دين الى الواجه‪r‬ة بع‪r‬د‬
‫ق‪rr‬رن من تكهن‪rr‬ات علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع ب‪rr‬ان ال‪rr‬دين يمض‪rr‬ي نح‪rr‬و االنح‪rr‬دار‬
‫‪202‬‬
‫والتالش‪rr‬ي الن المجتمع‪rr‬ات دخلت مرحل‪rr‬ة العلمن‪rr‬ة‪ ،‬لكن اتض‪rr‬ح ان ه‪rr‬ذه‬
‫التكهنات كانت ضربا من الوهم فقد اض‪rr‬حى جلي‪rr‬ا ان ال‪rr‬دين ال يم‪rr‬وت كم‪rr‬ا‬
‫اريد له‪ ،‬صحيح ان العلمانية هيمنت على المجتمع الغربي وأبع‪rr‬دت الن‪rr‬اس‬
‫عن التص‪rr‬رف وفقا للعقي‪rr‬دة المس‪rr‬يحية لدرج‪rr‬ة ان غلب الكن‪rr‬ائس معطل‪rr‬ة‬
‫وظيفيا‪ ،‬وال يدخلها اال بضعة عج‪rr‬ائز في مواس‪rr‬م معين‪rr‬ة‪ ،‬وبعض‪rr‬ها أغلقت‬
‫أبوابها او بيعت ب‪r‬المزاد العل‪r‬ني‪ .‬اال ان ال‪r‬دين ق‪rr‬ائم بقوة في س‪r‬لوك الن‪r‬اس‬
‫حتى أولئك الذين يزعمون انهم بال دين او ال يؤمنون ب‪rr‬دين‪ .‬دعون‪rr‬ا نتأم‪rr‬ل‬
‫هذه الصور قبل ان ندخل في التحليل االجتماعي‪:‬‬
‫قب‪rr‬ل ان ي‪rr‬ذهب للن‪rr‬وم احض‪rr‬ر النيج‪rr‬يري نان‪rr‬دي نونك‪rr‬او ص‪rr‬حنا من اللبن‬
‫وبعض الطعام وتركه امام المنزل من اجل االج‪rr‬داد‪ ،‬ظن‪rr‬ا من‪rr‬ه ان اح‪rr‬ترام‬
‫األج‪rr‬داد ال‪rr‬ذين م‪rr‬اتوا من‪rr‬ذ زمن طوي‪rr‬ل به‪rr‬ذه الطريقة من ش‪rr‬انه ان يحمي‬
‫االسرة‪ ،‬ذلك ألنهم يملكون قوة غامضة ومخيفة‪ ،‬واألوالد يتعلمون احترام‬
‫الموتى لكيال يتعرضوا لسخطهم وعقوبتهم‪.‬‬
‫أب‪rr‬و س‪rr‬لمان اب مس‪rr‬لم وص‪rr‬احب مح‪rr‬ل تج‪rr‬اري في س‪rr‬وريا‪ ،‬ي‪rr‬واظب على‬
‫الصالة في مواعيدها تمسكا بتعاليم القران‪ ،‬وحالما يسمع االذان يهرع الى‬
‫مكان الصالة ويحني قامته راكع‪rr‬ا س‪rr‬اجدا هلل‪ .‬يفع‪rr‬ل ذل‪rr‬ك خمس م‪rr‬رات في‬
‫الي‪rr‬وم معلن‪rr‬ا والءه الت‪rr‬ام هلل‪ .‬اب‪rr‬و س‪rr‬لمان ك‪rr‬رس حيات‪rr‬ه هلل ويعام‪rr‬ل اس‪rr‬رته‬
‫بإحسان كما امره هللا ويتصدق بسخاء ويقوم بعمل‪rr‬ه التج‪rr‬اري بم‪rr‬ا يرض‪rr‬ي‬
‫هللا‪.‬‬
‫شارخ خان نصف متعلم هندي يذهب في مناس‪rr‬بات معين‪rr‬ة خاص‪rr‬ة بالديان‪rr‬ة‬
‫البوذية عاريا تماما ليسجد امام قدمي تمثال بوذا‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫عبد السادة يذهب ماشيا من البصرة الى كربالء تقديسا لولي من اولياء هللا‬
‫الذي يتعين احترامه وزيارته بناء على منزلته الكبيرة وجزءا من ال‪rr‬واجب‬
‫الديني االعتقادي تقربا هلل‪.‬‬
‫مارشال ابلوايت من كاليفورنيا قاد تس‪rr‬عا وثالثين من اتباع‪rr‬ه الى االنتح‪rr‬ار‬
‫كجزء من اعتقاد طائفته بان ذل‪r‬ك يقود الى أب‪r‬واب الجن‪r‬ة‪ ،‬لقد أقنعهم ب‪r‬ان‬
‫وقت الذهاب الى الجن‪rr‬ة ق‪rr‬د ح‪rr‬ان‪ ،‬وان عليهم ان يحتس‪rr‬وا قليال من الفودك‪rr‬ا‬
‫ممزوجة مع مخدر يؤثر بشدة على الجه‪r‬از العص‪rr‬بي المرك‪r‬زي‪ ،‬من اج‪r‬ل‬
‫ان تصعد بهم مركبتهم األرضية الى السماء‪.‬‬
‫سلمان رشدي كتب كتاب‪r‬ا مس‪r‬يئا للن‪r‬بي محم‪r‬د (ص) ج‪r‬زءا من لعب‪r‬ة ق‪rr‬ذرة‬
‫ألعداء اإلسالم وافتى المس‪r‬لمون بقتل‪r‬ه‪ ،‬غّي ر اس‪r‬مه الى جوزي‪r‬ف أنط‪r‬وان‬
‫وظ‪rr‬ل مختفي‪rr‬ا عن الوج‪rr‬ود‪ ،‬ح‪rr‬تى نف‪rr‬ذ في‪rr‬ه حكم هللا فلقي حتف‪rr‬ه مخنوق‪rr‬ا او‬
‫مشنوقا في مكان ال يعرفه أحد‪.‬‬
‫دوكم داني ‪ Dugum Dani‬شعب يعيش في مرتفعات غينيا الجديدة‪ ،‬ليس‬
‫لهم إل‪rr‬ه‪ ،‬لكن ع‪rr‬المهم مس‪rr‬كون بكائن‪rr‬ات خارق‪rr‬ة للع‪rr‬ادة ‪Supernatural‬‬
‫‪ beings‬ت‪rr‬دعى موج‪rr‬ات ‪ ،Mogat‬ه‪rr‬ذه الكائن‪rr‬ات (الموج‪rr‬ات) هي أرواح‬
‫الم‪rr‬وتى‪ ،‬وهي تتس‪rr‬بب في االم‪rr‬راض والم‪rr‬وت وتتحكم في حرك‪rr‬ة الري‪rr‬اح‬
‫والمطر‪ .‬دوكم داني ليسوا اتقياء وال يؤدون الصالة‪ ،‬وطقوسهم ال تس‪rr‬تلزم‬
‫التبجي‪rr‬ل او عب‪rr‬ادة الموج‪rr‬ات وانم‪rr‬ا التلط‪rr‬ف معهم واسترض‪rr‬اءهم بطرائ‪rr‬ق‬
‫طقوسية بدائي‪r‬ة (( & ‪Ballantine & Roberts 2009, Macionis‬‬
‫‪Plummer 2002‬‬

‫‪204‬‬
‫هذه األمثلة‬
‫تعكس‬
‫بوض‪rrrrr‬وح‬
‫القوة‬
‫الهائلة التي‬
‫يتمت‪rr‬ع به‪rr‬ا‬
‫ال‪rrrr‬دين في‬
‫هيمنت‪rrrrrrrr‬ه‬
‫على‬ ‫شعب الدوكم داني في غينيا الجديدة (اندونيسيا) شعب بال دين‬

‫الناس‪ ،‬ألنه يحقق لهم حاجات أساسية جدا‪ .‬األسئلة اإلنس‪rr‬انية التقليدي‪rr‬ة عن‬
‫معنى الحياة التي تنتهي بالموت‪ ،‬غياب العدال‪rr‬ة‪ ،‬والوحش‪rr‬ية ال‪rr‬تي ال تنتهي‬
‫ابدا‪ ،‬ال أحد يستطيع اإلجابة عنه‪rr‬ا علمي‪rr‬ا وال عن طري‪rr‬ق الخ‪rr‬برة اليومي‪rr‬ة‪.‬‬
‫الدين فقط هو الذي يوض‪rr‬ح لن‪rr‬ا مع‪rr‬نى الم‪rr‬وت والحي‪rr‬اة‪ ،‬والمعان‪rr‬اة‪ ،‬واالالم‬
‫وغياب العدالة واالحداث التي تقع خارج حدود قدرتنا المعرفية‪ .‬دوركهايم‬
‫(‪ )Durkheim {1915}2002‬أكد ان الناس عموم‪rr‬ا يعتقدون ان ه‪rr‬ذ ه‬
‫التساؤالت عن عالم الوجود تعزى للعالم المقدس ‪ Sacred Realm‬أك‪r‬ثر‬
‫منها لخبرات العالم الدنيوي ‪ Mundane‬المدنس‪ ،‬هذا العالم المقدس يبعث‬
‫على الخ‪rr‬وف وال‪rr‬رعب والتبجي‪rr‬ل‪ ،‬ألن‪rr‬ه ف‪rr‬وق ق‪rr‬درة االنس‪rr‬ان على فهم‪rr‬ه‬
‫وادراكه‪ .‬الدين يحدد لنا ما هو صحيح وما ه‪r‬و خط‪r‬أ‪ ،‬يزودن‪r‬ا بأجوب‪r‬ة عن‬
‫األس‪rr‬ئلة الكب‪rr‬يرة للحي‪rr‬اة ويغ‪rr‬رس ل‪rr‬دينا قواع‪rr‬د أخالقي‪rr‬ة وأفك‪rr‬ار عن الع‪rr‬الم‬
‫المحيط بنا‪ ،‬انه بكلمات دوركهايم نظام موحد للمعتقدات والممارسات التي‬

‫‪205‬‬
‫تهدف الى التقرب من شيء مقدس‪ .‬الدين‪ ،‬في الواق‪rr‬ع‪ ،‬أك‪rr‬ثر من مجموع‪rr‬ة‬
‫معتقدات عن القوة الغيبية الخارقة‪ ،‬انه يعمل على جعل الثقافة ال‪rr‬تي نعيش‬
‫فيه‪rr‬ا‪ ،‬الطبقة ال‪rr‬تي ننتمي له‪rr‬ا والمكان‪rr‬ة ال‪rr‬تي نمتلكه‪rr‬ا واالتجاه‪rr‬ات نح‪rr‬و‬
‫االخرين واألخالق التي نتمسك بها كلها موض‪rr‬ع قدس‪rr‬ية‪ ،‬فال‪rr‬دين ج‪rr‬زء من‬
‫حياتنا اليومية‪ ،‬من ادوارنا الجنسية ‪ Gender Role‬ومكاننا في المجتم‪rr‬ع‬
‫الذي نعيش فيه‪ ،‬ودوره في تحفيزنا للدفاع عنه بحياتنا ان لزم االمر‪ .‬ع‪rr‬دد‬
‫كبير من الناس في أماكن متباعدة يؤمنون كما نؤمن ويظن‪rr‬ون انهم وج‪rr‬دوا‬
‫الحقيقة واالجابات النهائية في دينهم‪ ،‬وهم ايض‪rr‬ا على اس‪rr‬تعداد للم‪rr‬وت من‬
‫اجل دينهم الذي يرونه الطريق الوحيد الص‪rr‬حيح‪ .‬الح‪rr‬ظ ان حروب‪rr‬ا عدي‪rr‬دة‬
‫نش‪rr‬أت بين المس‪rr‬لمين والهن‪rr‬دوس في الهن‪rr‬د‪ ،‬البروتس‪rr‬تانت والكاثولي‪rr‬ك في‬
‫ايرلن‪rr‬دا‪ ،‬الش‪rr‬يعة والس‪rr‬نة في الع‪rr‬راق‪ ،‬ب‪rr‬العلى ال‪rr‬رغم من ان دواف‪rr‬ع ه‪rr‬ذه‬
‫الصراعات اقتص‪rr‬ادية وسياس‪rr‬ية اال ان ال‪rr‬دين يس‪rr‬تخدم الس‪rr‬تقطاب االتب‪rr‬اع‬
‫فتتحول الصراعات كأنها دينية وهي في الواق‪rr‬ع ليس‪rr‬ت ك‪rr‬ذلك‪ .‬الغ‪rr‬ريب ان‬
‫اشتعال الصراعات على أسس دينية او طائفية تعزز اعتقاد كل طرف بان‬
‫هللا الى ج‪rr‬انبهم‪ ،‬والص‪rr‬راعات الديني‪rr‬ة أك‪rr‬ثر الص‪rr‬راعات دموي‪rr‬ة على م‪rr‬ر‬
‫التاريخ فما تزال الحروب الصليبية مس‪rr‬تمرة من‪rr‬ذ أك‪rr‬ثر من خمس‪rr‬مئة س‪rr‬نة‬
‫على ال‪rr‬رغم من ان الغ‪rr‬رب ابتع‪rr‬د عن ال‪rr‬دين‪ ،‬لكن تص‪rr‬ريحات المس‪rr‬ؤولين‬
‫مثل تصريح جون ميجر رئيس وزراء بريطانيا اثناء حرب البلقان الثالث‪rr‬ة‬
‫‪ ،1992‬عندما قال ان اورب‪rr‬ا مس‪rr‬يحية وس‪rr‬تبقى مس‪rr‬يحية في إش‪rr‬ارة الى ان‬
‫المسلمين ال مكان لهم في اوربا وهذا م‪rr‬ا دفعهم لتش‪rr‬جيع يوغس‪rr‬الفيا للقي‪rr‬ام‬
‫بتطهير عرقي ضد المسلمين في البوسنة والهرس‪rr‬ك‪ .‬ج‪rr‬ورج ب‪rr‬وش االبن‬

‫‪206‬‬
‫في الحرب االمريكية ضد العراق قال ان حربه هي حرب صليبية جدي‪rr‬دة‪،‬‬
‫وكان مسرورا جدا لجاذبية الكلمة التي خطرت على باله‪ ،‬لكنه سرعان م‪rr‬ا‬
‫استدرك بإشارة من مستشاريه الذين قالوا له ان للكلمة مدلوالت سيئة ل‪rr‬دى‬
‫العالم اإلسالمي‪ ،‬مما جعله ال يذكرها ابدا في خطاباته الالحقة‪.‬‬
‫طبيعة الدين ‪The Nature of Religion‬‬
‫االعتقاد بال‪rr‬دين والقوى الغيبي‪rr‬ة الخارق‪rr‬ة له‪rr‬ا أس‪rr‬اس في ك‪rr‬ل المجتمع‪rr‬ات‬
‫البشرية‪ ،‬وتنوعها وطريقة التعبير عنها تبدو ال نهاية لها‪ ،‬وتعري‪rr‬ف ال‪rr‬دين‬
‫يجب ان يأخذ في االعتبار هذا التنوع‪ .‬وابسط تعري‪r‬ف لل‪r‬دين ه‪r‬و االعتقاد‬
‫بقوى غيبية خارقة للع‪r‬ادة‪ .‬يقول ه‪r‬اراالمبوس ان ال‪r‬دين ش‪r‬كل من اش‪r‬كال‬
‫االعتقاد بقوة خارقة لها ت‪r‬أثير على البش‪r‬ر والحج‪r‬ر وال‪r‬دواب وك‪r‬ل م‪r‬ا في‬
‫الك‪rrr‬ون من موج‪rrr‬ودات‪ ،‬وه‪rrr‬و ينط‪rrr‬وي على اإلط‪rrr‬ار الرس‪rrr‬مي للعقي‪rrr‬دة‬
‫‪ ،theology‬والطقوس‪ ،‬ومجموعة من القيم األخالقية‪ ،‬كم‪rr‬ا ينط‪rr‬وي على‬
‫مؤسس‪rr‬ات للعب‪rr‬ادة مث‪rr‬ل الكن‪rr‬ائس والمس‪rr‬اجد والمعاب‪rr‬د‪ ،‬وب‪rr‬اختالف العقائ‪rr‬د‬
‫تختلف الطقوس والممارسات وتتنوع كما الحظن‪r‬ا في األمثل‪r‬ة الس‪r‬ابقة‪ .‬في‬
‫الغ‪rr‬رب مثال فك‪rr‬رة هللا تهيمن على التفك‪rr‬ير ال‪rr‬ديني‪ ،‬من دون إل‪rr‬ه ال يوج‪rr‬د‬
‫دين‪ ،‬لذلك فانهم يّعرفون الدين بانه عالق‪r‬ة الف‪r‬رد بالس‪r‬ماء‪ .‬البوذي‪r‬ة ُتع‪r‬رف‬
‫بانها ممر الخالص من االالم وفقا لتعاليم بوذا في الكتاب المسمى "طريق‬
‫الثمانية اضعاف النبيل" ‪ .the noble eight-fold Path‬ديانة الشنتو (‬
‫‪ )Shinto‬الياباني‪rr‬ة ُتع‪rr‬رف بانه‪rr‬ا المم‪rr‬ر الى االله‪rr‬ة وبتعب‪rr‬ير كونفوش‪rr‬يوس‬
‫الطريق الى االله‪rr‬ة‪ .‬فك‪rr‬رة هللا في ه‪rr‬ذه ال‪rr‬ديانات فك‪rr‬رة غامض‪rr‬ة او مفقودة‬
‫تماما‪ ،‬والتركيز يكون حول الطقوس واألفك‪rr‬ار المج‪rr‬ردة‪ ،‬بعض المف‪rr‬اهيم‬

‫‪207‬‬
‫المتعلقة باإلنسان فائق القوة‪ ،‬توجد أيضا في كل األدي‪r‬ان‪ ،‬ولكن ه‪r‬ذه القوة‬
‫تأخذ عدة اش‪rr‬كال‪ ،‬االله‪rr‬ة المتع‪rr‬ددة االش‪rr‬كال‪ ،‬عب‪rr‬اد اعط‪rr‬اهم هللا كرام‪rr‬ات‪،‬‬
‫أرواح واشباح او قوى مج‪rr‬ردة ومجهول‪rr‬ة‪ .‬في ميالنيزي‪rr‬ا جن‪rr‬وب الباس‪rr‬فيك‬
‫يعتقدون ان هناك قوة غيبية خارقة هي قوة "المانا" ‪ Mana Power‬التي‬
‫تتواجد في أماكن غير مرئية‪ ،‬وطالما يستمر الناس في طقوس تمجيد ه‪rr‬ذه‬
‫القوة فإنها ستعمل لصالحهم بدل ان تتسبب في ايذائهم‪.‬‬
‫المفكرون الغربيون‪ ،‬يقول شينوي )‪ Chinoy (1971‬اعط‪rr‬وا المعتقدات‬
‫والم‪rr‬ذاهب مكان‪rr‬ا مركزي‪rr‬ا في ال‪rr‬دين انطالق‪rr‬ا من فهمهم لل‪rr‬دين المس‪rr‬يحي‪،‬‬
‫لكنهما معا (أي العقائ‪rr‬د والم‪rr‬ذاهب) في وقت اخ‪rr‬ر وفي أج‪rr‬زاء أخ‪rr‬رى من‬
‫العالم‪ ،‬اقل أهمية من الطقوس‪ .‬في الوقت الحاضر كل األديان بال اس‪rr‬تثناء‬
‫تهتم بالطقوس أكثر من اهتمامها بجوهر العقيدة‪ ،‬المسيحيون يحتفلون بعيد‬
‫الميالد وعيد الفصح احتفاال مبالغا فيه والغالبي‪rr‬ة العظمى منهم ال دين لهم‪،‬‬
‫المسلمون يهتمون بطقوس العبادة فيركعون ويسجدون وافعالهم وافك‪rr‬ارهم‬
‫تسرح وتمرح خارج حدود العقيدة‪ ،‬واليهود يه‪rr‬زون رؤوس‪rr‬هم ام‪rr‬ام حائ‪rr‬ط‬
‫المبكى وافعالهم ال تشبه العقيدة الموسوية‪ ،‬اما األديان والمعتقدات األخرى‬
‫فهي أصال ال أساس سماوي لها والطقوس لديهم اهم من العقيدة نفسها‪.‬‬
‫األشياء التي تكتسب أهمية دينية‪ ،‬بوصفها رموزا مقدسة او أشياء محّرم‪rr‬ة‬
‫تتنوع بشكل واسع‪ ،‬في الهند مثال الهندوس يقدسون البقرة‪ ،‬ومن الش‪rr‬عوب‬
‫البدائية من يقدس الطيور‪ ،‬واألشجار‪ ،‬والنباتات وربم‪r‬ا يعب‪r‬دونها‪ .‬الش‪r‬مس‬
‫والقمر‪ ،‬والشالالت‪ ،‬والج‪rr‬داول‪ ،‬والص‪rr‬خور‪ .‬وتحت‪rr‬ل المج‪rr‬وهرات الثمين‪rr‬ة‬
‫مكان‪rr‬ة مرموق‪rr‬ة في العقائ‪rr‬د الديني‪rr‬ة والممارس‪rr‬ات الطقوس‪rr‬ية ل‪rr‬دى بعض‬

‫‪208‬‬
‫الشعوب‪ .‬بعض الطعام ال‪rr‬ذي نأكل‪rr‬ه ربم‪rr‬ا ينظ‪rr‬ر ل‪rr‬ه على ان‪rr‬ه غ‪r‬ير نظي‪rr‬ف‬
‫ومدنس‪ ،‬وغير مناسب لالستهالك البشري‪ ،‬مثل لحم الخنزير والس‪rr‬مك ذو‬
‫االصداف لدى اليهود المتشددين‪ ،‬المشروبات الكحولية ولحم الخنزير لدى‬
‫المسلمين‪ ،‬من جهة أخرى بعض األطعمة ربما تكون مطلوبة في مناسبات‬
‫ديني‪r‬ة معين‪r‬ة‪ ،‬مث‪r‬ل النبي‪r‬ذ ‪ Wine‬والرق‪r‬ائق في الطقوس الكاثوليكي‪r‬ة‪ ،‬لحم‬
‫الطوطم او الحي‪rr‬وان المقدس ل‪rr‬دى بعض الش‪rr‬عوب البدائي‪rr‬ة‪ ،‬اعش‪rr‬اب م‪rr‬رة‬
‫وخبز غير مخمر في وجبة الفص‪rr‬ح اليه‪rr‬ودي ‪ .Pass over meal‬وه‪rr‬ذا‬
‫التنوع في األشياء ربما يكتسب أهمية ديني‪rr‬ة‪ ،‬لكن العقي‪rr‬دة الديني‪rr‬ة لإلنس‪rr‬ان‬
‫والطقوس التي يمارسها ليس لها ما يمنحها المعنى الديني‪ ،‬فالمسيح لم يقل‬
‫اش‪rr‬ربوا الخم‪rr‬ر‪ ،‬ولم يقل موس‪rr‬ى كل‪rr‬وا األعش‪rr‬اب الم‪rr‬رة ومحم‪rr‬د لم ي‪rr‬أذن‬
‫بتعذيب الذات‪ ،‬وبوذا لم يقل اركعوا تحت قدمي التماثيل عراة‪،‬‬
‫وهكذا تبدو الطقوس ال عالقة لها بجوهر العقائد واغلبها مخترعات ثقافية‪.‬‬
‫األشياء والطقوس تب‪r‬دو مقدس‪r‬ة ألنه‪r‬ا تمل‪r‬ك مع‪r‬نى للمعِتقد وليس‪r‬ت ديني‪r‬ة‬
‫ب‪rr‬ذاتها‪ .‬الممارس‪rr‬ات الديني‪rr‬ة تقيم االحتف‪rr‬االت الدوري‪rr‬ة‬
‫لألح‪rr‬داث والرم‪rr‬وز المهم‪rr‬ة‪ ،‬مث‪rr‬ل ص‪rr‬لب المس‪rr‬يح ثم‬
‫عودت‪rr‬ه‪ ،‬المول‪rr‬د النب‪rr‬وي الش‪rr‬ريف‪ ،‬ه‪rr‬روب اليه‪rr‬ود من‬
‫مص‪rr‬ر‪ ،‬مول‪rr‬د ب‪rr‬وذا‪ .‬وأحيان‪rr‬ا تس‪rr‬تخدم الطقوس رمزي‪rr‬ا‬
‫لتعزي‪rrr‬ز بعض القيم المهم‪rrr‬ة‪ ،‬فمثال عن‪rrr‬دما‬ ‫السجود تحت قدمي تمثال بوذا‬
‫‪Macionis‬‬ ‫‪&Plummer‬‬
‫‪Macionis‬‬ ‫‪&Plummer‬‬ ‫‪2002‬‬
‫‪2002‬‬
‫آلمصدر‪:‬‬
‫آلمصدر‪:‬‬
‫يحتفل اليه‪rr‬ود بطع‪rr‬ام الفص‪rr‬ح ف‪rr‬انهم ي‪rr‬تركون‬
‫األبواب مفتوحة لكي يسمح للنبي إيليا بال‪rr‬دخول من اج‪rr‬ل ان يش‪rr‬رب معهم‬
‫قدحا من النبيذ المعّتق ال‪r‬ذي ُأع‪r‬د ل‪r‬ه خصيص‪rr‬ا‪ .‬وتقاس‪r‬م الخ‪r‬بز والنبي‪r‬ذ في‬

‫‪209‬‬
‫القرب‪rr‬ان المقدس ‪ Eucharist‬يقرب المش‪rr‬اركين من المس‪rr‬يح في التقالي‪rr‬د‬
‫المسيحية‪ ،‬ويدفعهم لالعتراف امام القس ب‪rr‬ذنوبهم من اج‪rr‬ل التكف‪rr‬ير عنه‪rr‬ا‪.‬‬
‫ومن بين الطقوس الهندوسية يغطس االتب‪rr‬اع في الم‪rr‬اء للتطه‪rr‬ر من ال‪rr‬دنس‬
‫واآلث‪rr‬ام ال‪rr‬تي ارتكبوه‪rr‬ا في حي‪rr‬اتهم اليومي‪rr‬ة‪ .‬بعض الطقوس تم‪rr‬ارس في‬
‫مناس‪rr‬بات غ‪rr‬ير ديني‪rr‬ة ولكنه‪rr‬ا تأخ‪rr‬ذ طابع‪rr‬ا ديني‪rr‬ا‪ ،‬مث‪rr‬ل ال‪rr‬والدة وال‪rr‬زواج‬
‫والموت‪ ،‬في موسم زراعة الحب‪rr‬وب‪ ،‬او في مواس‪rr‬م الحص‪rr‬اد‪ ،‬عن‪rr‬د ن‪rr‬زول‬
‫المطر او احتباس المطر‪ ،‬عند البدء بحملة عسكرية او عند االنتص‪rr‬ار‪ .‬في‬
‫مث‪rr‬ل ه‪rr‬ذه المناس‪rr‬بات يع‪rr‬برون عن ام‪rr‬الهم بمس‪rr‬تقبل أك‪rr‬ثر نجاح‪rr‬ا‪ .‬بعض‬
‫الطقوس الديني‪rr‬ة ال‪rr‬تي يقوم به‪rr‬ا اغلب المش‪rr‬اركين‪ ،‬على ك‪rr‬ل ح‪rr‬ال‪ ،‬من‬
‫الص‪rr‬عب فهم معناه‪rr‬ا الرم‪rr‬زي او األس‪rr‬طوري‪ ،‬فم‪rr‬ا ه‪rr‬و مع‪rr‬نى تع‪rr‬ريض‬
‫المشارك نفسه للجل‪r‬د ح‪r‬تى ي‪r‬نزف ال‪r‬دم من ك‪r‬ل جس‪r‬مه ل‪r‬دى بعض الف‪r‬رق‬
‫الدينية المسيحية شبه الوثنية‪ ،‬وما معنى ان ي‪rr‬أتي االب بابن‪rr‬ه ال‪rr‬ذي لم يبل‪rr‬غ‬
‫السادسة من عمره ليضرب بسكين كبيرة وحادة على راسه ويبقى يص‪rr‬رخ‬
‫طول الليل‪ ،‬او يمش‪rr‬ي على الجم‪rr‬ر او يزح‪rr‬ف مث‪rr‬ل الكلب‪ .‬لس‪rr‬نا في ص‪rr‬دد‬
‫إعطاء احكام عن صحة او شرعية مثل هذه الممارسات ولكن من الصعب‬
‫على أي مراقب من خارج الجماعة إدراك المع‪rr‬نى الرم‪rr‬زي له‪rr‬ذا الس‪rr‬لوك‬
‫الجن‪rr‬وني‪ .‬انهم في الواق‪rr‬ع يتبع‪rr‬ون تقالي‪rr‬د تع‪rr‬د ج‪rr‬زءا من العقي‪rr‬دة‪ ،‬وهي في‬
‫جوهره‪rr‬ا ليس‪rr‬ت ك‪rr‬ذلك‪ ،‬انه‪rr‬ا تلبس عب‪rr‬اءة ال‪rr‬دين وفي حقيقته‪rr‬ا تعب‪rr‬ير عن‬
‫احباط مزمن‪ ،‬كما انها تمثل نوعا من التمرد الس‪rr‬لبي على الس‪rr‬لطة ال‪rr‬تي ال‬
‫يستطيع الفرد مواجهتها مباشرة خوفا من الشرطة السرية التي ترافقه مثل‬
‫ظله‪ ،‬فيمعن في تعذيب ذاته بطريقة مازوشية مصحوبة بالل‪rr‬ذة وكأن‪rr‬ه ينتقم‬

‫‪210‬‬
‫عن طري‪rrr‬ق دم‪rrr‬ه المس‪rrr‬فوح على ع‪rrr‬دوه متخ‪rrr‬ذا من دم المقدس ذريع‪rrr‬ة‬
‫لالنتص‪rr‬ار على س‪rr‬وط الجالد وس‪rr‬يف الس‪rr‬ياف‪ .‬وفي ذل‪rr‬ك يقول ش‪rr‬ينوي‬
‫)‪ Chinoy (12971: 271‬عندما يضفي الفرد طابعا مقدس‪rr‬ا على ش‪rr‬يء‬
‫يعده االخرون دنيوي‪rr‬ا محض‪rr‬ا‪ ،‬فان‪rr‬ه يب‪rr‬دو في عي‪rr‬ون االخ‪rr‬رين مريض‪rr‬ا او‬
‫معتوها‪ ،‬والناس الذين يكتسبون االفكار الدينية يكتسبونها بوصفهم أعضاء‬
‫في جماع‪rr‬ة وليس‪rr‬وا أف‪rr‬رادا‪ ،‬كم‪rr‬ا ان بعض أن‪rr‬واع الس‪rr‬لوك ال‪rr‬ديني ال‪rr‬تي‬
‫يمارسها الفرد وحيدا فانه ال يقوم بها اال ألنه يتبع الوصفة الثقافية‪.‬‬
‫أصل األديان وتطورها ‪The Origin & Evolution of Religion‬‬
‫النظرية التطورية ‪Evolution Theory‬‬
‫في القرن التاس‪rr‬ع عش‪rr‬ر ك‪rr‬ان اهتم‪rr‬ام علم االجتم‪rr‬اع بال‪rr‬دين منص‪rr‬با على‬
‫سؤالين‪ :‬كيف بدأ الدين؟ وكيف تطور؟ هذا االتجاه ك‪r‬ان واقع‪r‬ا تحت ت‪r‬أثير‬
‫نظرية دارون المسماة أصل االن‪r‬واع ‪ The Origin of Species‬ال‪r‬تي‬
‫نشرت عام ‪ ،1859‬ومثلما حاول دارون تفسير تطور االنواع‪ ،‬حذا علماء‬
‫االجتماع حذوه في تفسير تطور المؤسسات االجتماعية والمجتم‪rr‬ع‪ ،‬وفيم‪rr‬ا‬
‫يتعلق بأصل الدين فقد قدموا لنا النظرية األرواحي‪r‬ة (االحيائي‪r‬ة) والنظري‪r‬ة‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫األرواحية والطبيعية & ‪Naturalism Animism‬‬
‫األرواحية تعني االعتقاد باألرواح‪ .‬وبحسب إدوارد تايلور فان األرواحي‪rr‬ة‬
‫هي الش‪rr‬كل المبك‪rr‬ر لل‪rr‬دين‪ ،‬وهي مس‪rr‬تمدة من محاول‪rr‬ة الن‪rr‬اس اإلجاب‪rr‬ة عن‬
‫سؤالين‪ :‬ما الشيء الذي يحدث فرقا بين الجسد الحي والجسد الميت؟‬

‫‪211‬‬
‫ثم ما تلك االشكال البشرية ال‪rr‬تي تظه‪rr‬ر في ال‪rr‬رؤى واالحالم؟ لكي تعطى‬
‫ه‪rr‬ذه االح‪rr‬داث مع‪rr‬نى‪ ،‬الفالس‪rr‬فة األوائ‪rr‬ل اخ‪rr‬ترعوا فك‪rr‬رة ال‪rr‬روح ‪،soul‬‬
‫وال‪rr‬روح تع‪rr‬ني النفس ‪ spirit‬ال‪rr‬تي تغ‪rr‬ادر الجس‪rr‬د مؤقت‪rr‬ا اثن‪rr‬اء االحالم‬
‫والرؤى‪ ،‬وتغادر الجسد بشكل دائم اثناء الم‪rr‬وت‪ ،‬وحالم‪rr‬ا اخ‪rr‬ترعت فك‪rr‬رة‬
‫ال‪rr‬روح فإنه‪rr‬ا اخ‪rr‬ذت تطبيقاته‪rr‬ا ليس على الن‪rr‬اس فحس‪rr‬ب وانم‪rr‬ا على ك‪rr‬ل‬
‫الموج‪rr‬ودات في الطبيع‪rr‬ة والمجتم‪rr‬ع‪ ،‬فالحيوان‪rr‬ات‬
‫م‪rr‬زودة ب‪rr‬أرواح‪ ،‬وح‪rr‬تى األش‪rr‬ياء ال‪rr‬تي يص‪rr‬نعها‬
‫االنسان مثل االيقونة المس‪rr‬ماة ‪ Bullroarer‬ال‪rr‬تي‬
‫يص‪rr‬نعها س‪rr‬كان اس‪rr‬تراليا االص‪rr‬ليون له‪rr‬ا أرواح‬
‫وي‪rr‬رى ت‪rr‬ايلور ان اخ‪rr‬تراع ال‪rr‬روح ك‪rr‬ان غرض‪rr‬ه‬
‫ارض‪rrr‬اء الطبيع‪rrr‬ة العقلي‪rrr‬ة لإلنس‪rrr‬ان في حاجت‪rrr‬ه‬
‫المتزاي‪rrrr‬دة إلعط‪rrrr‬اء مع‪rrrr‬نى للم‪rrrr‬وت واالحالم‬
‫والرؤى‪ .‬النظرية الثانية هي النظري‪rr‬ة الطبيعي‪rr‬ة‬ ‫شكل يوضح احدى ايقونات سكان‬
‫استراليا االصليون المقدسة‬
‫التي تقدم بها ماكس مولر ‪ Max Müller‬عالم‬
‫اللغويات القديم‪r‬ة ال‪r‬ذي ي‪r‬زعم ان الش‪r‬كل المبك‪r‬ر لل‪r‬دين مس‪r‬تمد من اعتقاد‬
‫الناس بان قوى الطبيعة تمل‪rr‬ك ق‪rr‬وة خارق‪rr‬ة‪ ،‬وله‪rr‬ا ت‪rr‬أثير غ‪r‬ير مح‪rr‬دود على‬
‫ع‪rr‬واطفهم‪ ،‬وه‪rr‬ذه القوة الخارق‪rr‬ة غ‪rr‬ير المنظ‪rr‬ورة تعم‪rr‬ل بطريقة مباغت‪rr‬ة‪،‬‬
‫وتبعث على ال‪rr‬رعب واالع‪rr‬اجيب‪ ،‬مث‪rr‬ل األعاص‪rr‬ير والفيض‪rr‬انات والرع‪rr‬د‬
‫والبرق‪ ،‬وكان الن‪rr‬اس األوائ‪rr‬ل بزعم‪rr‬ه ق‪rr‬د نقل‪rr‬وا ه‪rr‬ذه القوى المج‪rr‬ردة الى‬
‫وكالء شخص‪rr‬يين‪ ،‬أي شخص‪rr‬نوا الطبيع‪rr‬ة ‪ Personified Nature‬فقوة‬
‫الرياح أصبحت روح الرياح‪ ،‬وقوة الشمس صارت روح الش‪rr‬مس‪ .‬وبينم‪rr‬ا‬

‫‪212‬‬
‫ك‪rr‬انت األرواحي‪rr‬ة تل‪rr‬بي حاج‪rr‬ة عقلي‪rr‬ة ك‪rr‬انت ق‪rr‬وى الطبيع‪rr‬ة تحقق حاج‪rr‬ة‬
‫عاطفية‪ ،‬فالطبيعية هي استجابة الناس لتأثيرات القوة المدهشة للطبيعة‪.‬‬
‫علماء االجتماع التطوريون في القرن التاسع عشر وضعوا خمس مراح‪rr‬ل‬
‫لتطور الدين بالتالزم م‪rr‬ع تط‪rr‬ور المجتم‪rr‬ع‪ ،‬ابت‪rr‬داء باألحيائي‪rr‬ة‪ ،‬ثم االعتقاد‬
‫باألرواح المتعددة تليها مرحل‪rr‬ة تع‪rr‬دد االله‪rr‬ة وص‪rr‬وال الى مرحل‪rr‬ة التوحي‪rr‬د‬
‫‪ ،Monotheism‬تايلور يعتقد ان كل مرحلة من مراحل تطور الدين تقوم‬
‫على س‪rr‬ابقتها‪ ،‬وان األدي‪rr‬ان الحالي‪rr‬ة المعقدة تمت‪rr‬د في ج‪rr‬ذورها لألش‪rr‬كال‬
‫البدائية األولى‪Haralambos & Holborn (1992) .‬‬
‫نقد االتجاه التطوري ‪Criticism of Evolutionary Approach‬‬
‫تعرض االتجاه التطوري لموجة من النقد الشديد‪ ،‬فاألص‪rr‬ول األولى لل‪rr‬دين‬
‫مفقودة تماما‪ ،‬وأول إشارة عن الدين جاءتنا من حفري‪rr‬ات اآلث‪rr‬اريين ال‪rr‬ذين‬
‫كشفوا النقاب عن المالمح األولى للدين منذ ستين ألف س‪rr‬نة‪ ،‬حيث وج‪rr‬دوا‬
‫في الرواسب ان انسان النيان‪rr‬درتال ‪ Neanderthal‬ك‪rr‬ان ي‪rr‬دفن موت‪rr‬اه م‪rr‬ع‬
‫الزهور واألدوات الحجرية والمجوهرات‪ ،‬وطبعا هذا ال يعطي أي انطباع‬
‫عن شكل الدين ووظيفته في ذل‪rr‬ك ال‪rr‬وقت‪ ،‬وال ال‪rr‬دوافع ال‪rr‬تي ت‪rr‬دفعهم ل‪rr‬دفن‬
‫المقتنيات مع الموتى‪ ،‬ولهذا فان البحث عن أصل ال‪rr‬دين مج‪rr‬رد تخمين‪rr‬ات‪.‬‬
‫تخمينات تايلور ومولر معقول‪rr‬ة نوع‪rr‬ا م‪rr‬ا ولكنه‪rr‬ا لم تع‪rr‬ط أي تفس‪rr‬ير لم‪rr‬اذا‬
‫اخذت هذه االشكال هذا االتجاه‪ ،‬كما انها ال تع‪rr‬ني بالض‪rr‬رورة بداي‪rr‬ة لنش‪rr‬أة‬
‫األديان‪ ،‬كما ال يعقل ان تكون األدي‪rr‬ان كله‪rr‬ا نش‪rr‬أت بالطريقة نفس‪rr‬ها‪ ،‬وإذا‬
‫افترضنا جدال انها ب‪rr‬دأت هك‪rr‬ذا فلم‪rr‬اذا تن‪rr‬وعت به‪rr‬ذا الش‪rr‬كل ب‪rr‬دون رواب‪rr‬ط‬
‫مش‪rr‬تركة‪ ،‬ه‪rr‬ذا الى ج‪rr‬انب ان المراح‪rr‬ل ال‪rr‬تي وض‪rr‬عوها لتط‪rr‬ور ال‪rr‬دين ال‬

‫‪213‬‬
‫تتناسب مع الحقيقة‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان بعض المجتمع‪rr‬ات البس‪rr‬يطة ل‪rr‬ديها دين يقوم‬
‫على التوحيد‪ ،‬والتوحيد بزعم تايلور يرتبط بالمجتمعات الحديثة‪.‬‬
‫االتجاه الوظيفي ‪Functional Approach‬‬
‫إذا ك‪rr‬ان االتج‪rr‬اه التط‪rr‬وري ق‪rr‬د ش‪rr‬دد على الحاج‪rr‬ات العقلي‪rr‬ة‪ ،‬والحاج‪rr‬ات‬
‫العاطفية للمجتمع في تفسير نشأة األديان وتطورها فان االفتراض‪rr‬ات ال‪rr‬تي‬
‫قدموها لم تكن مقنعة بما يكفي ألخذها مأخذا جديا ألنها أصال كانت مجرد‬
‫تخمينات‪ .‬االتجاه ال‪rr‬وظيفي اتج‪rr‬ه اتجاه‪rr‬ا أك‪rr‬ثر توازن‪rr‬ا ألن‪rr‬ه لم يت‪rr‬ورط في‬
‫تخمينات عن أصل وتطور الدين‪ ،‬وانم‪r‬ا اتج‪r‬ه نح‪r‬و الوظيف‪r‬ة ال‪r‬تي يؤديه‪r‬ا‬
‫الدين للتضامن والتماسك االجتماعي‪ .‬فالمجتمع بزعمهم يحتاج الى درج‪rr‬ة‬
‫معينة من التض‪rr‬امن‪ ،‬واالجم‪rr‬اع القيمي‪ ،‬واالنس‪rr‬جام والتكام‪rr‬ل بين اجزائ‪rr‬ه‬
‫لكي يبقى ويستمر في الوجود‪ ،‬والدين يساهم في تحقيق ه‪rr‬ذه المهم‪rr‬ة‪ ،‬فه‪rr‬و‬
‫يستطيع ان يوحد الجماعات والمجتمع‪rr‬ات في نظ‪rr‬ام قيمي ش‪rr‬امل‪ ،‬كم‪rr‬ا ان‪rr‬ه‬
‫يسهل عملية االنسجام التي تحافظ على البن‪rr‬اء االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬ويعم‪rr‬ل بمثاب‪rr‬ة‬
‫سد منيع ضد التفكك واالنحراف‪.‬‬
‫الطوطمية ‪Totemism‬‬
‫يع‪rr‬د دوركه‪rr‬ايم األك‪rr‬ثر ت‪rr‬أثيرا على االطالق بين ال‪rr‬ذين فس‪rr‬روا ال‪rr‬دين من‬
‫وجهة نظر المدرسة الوظيفية‪ ،‬وكان قد استخدم ع‪rr‬دة ادي‪rr‬ان لجماع‪rr‬ات من‬
‫سكان استراليا األصليين‪ .‬هذه األديان ال‪rr‬تي س‪rr‬ماها "الطوطمي‪rr‬ة" اعتبره‪rr‬ا‬
‫ابسط اشكال الدين‪ .‬مجتمع استراليا األصلي كان منقسما الى عش‪rr‬ائر وك‪rr‬ل‬
‫عش‪rrr‬يرة عب‪rrr‬ارة عن عائل‪rrr‬ة ممت‪rrr‬دة بأعض‪rrr‬اء يش‪rrr‬تركون في الواجب‪rrr‬ات‬
‫وااللتزام‪rrr‬ات نفس‪rrr‬ها‪ ،‬مثال العش‪rrr‬يرة ل‪rrr‬ديها نظ‪rrr‬ام ال‪rrr‬زواج الخ‪rrr‬ارجي‬

‫‪214‬‬
‫‪ exogamy‬أعض‪rrr‬اء العش‪rrr‬يرة عليهم واجب مس‪rrr‬اعدة بعض‪rrr‬هم البعض‪،‬‬
‫يجتمع‪rrr‬ون في الح‪rrr‬زن على الميت‪ ،‬ويش‪rrr‬اركون في االنتقام من عض‪rrr‬و‬
‫العش‪rr‬يرة األخ‪rr‬رى إذا تع‪rr‬رض عض‪rr‬و من أعض‪rr‬اء عش‪rr‬يرتهم للظلم‪ .‬ك‪rr‬ل‬
‫عشيرة لها طوطم‪ .‬والطوطم رمز‪ ،‬شعار للعشيرة مثل العلم الوط‪rr‬ني‪ ،‬ان‪rr‬ه‬
‫عالمة تميز كل عشيرة عن سواها من العش‪rr‬ائر‪ ،‬والط‪rr‬وطم أك‪rr‬ثر من ذل‪rr‬ك‬
‫انه رمز مقدس ينحت على االيقونات‪ ،‬وهو اهم مقدس في ش‪rr‬عائرهم‪ ،‬ان‪rr‬ه‬
‫الش‪rr‬كل األك‪rr‬ثر حض‪rr‬ورا في المب‪rr‬ادئ الطوطمي‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬و بمثاب‪rr‬ة إل‪rr‬ه‪ .‬يقول‬
‫دوركهايم إذا كان الطوطم رمزا لإلله‪ ،‬فانه يعني ان االله والمجتمع ش‪rr‬يء‬
‫واحد ولذلك فانهم حين يعبدون االل‪rr‬ه ف‪rr‬انهم في الحقيقة يعب‪rr‬دون المجتم‪rr‬ع‪،‬‬
‫فالمجتمع هو الشيء الحقيقي للتبجيل الديني‪.‬‬
‫كيف يقوم الناس بعبادة المجتمع؟ األشياء المقدسة تعد ارفع مقام‪rr‬ا وس‪rr‬لطة‬
‫من األشياء الدنيوية والسيما االنسان‪ ،‬فاإلنسان في عالقته بالمقدس يك‪rr‬ون‬
‫أدنى منزل‪rr‬ة وأك‪rr‬ثر اعتمادي‪rr‬ة على المقدس‪ ،‬ه‪rr‬ذه العالق‪rr‬ة بين االنس‪rr‬ان‬
‫والمقدس هي بالضبط نفس عالقته بالمجتمع‪ ،‬والمجتمع اهم وأك‪rr‬ثر س‪rr‬لطة‬
‫من الفرد‪ ،‬وفي ذل‪rr‬ك يقول دوركه‪rr‬ايم ان االنس‪rr‬ان الب‪rr‬دائي ينظ‪rr‬ر للمجتم‪rr‬ع‬
‫على انه مقدس ألنه يعتمد عليه اعتم‪rr‬ادا كلي‪rr‬ا‪ .‬والس‪rr‬ؤال لم‪rr‬اذا اذن ال يعب‪rr‬د‬
‫االنس‪rr‬ان المجتم‪rr‬ع نفس‪rr‬ه؟ لم‪rr‬اذا اخ‪rr‬ترع ط‪rr‬وطم مقدس ليعب‪rr‬د عن طريقه‬
‫المجتم‪rr‬ع؟ يجيب دوركه‪rr‬ايم‪ ،‬انه‪rr‬ا طريقة أس‪rr‬هل للش‪rr‬خص عن‪rr‬دما يتوج‪rr‬ه‬
‫بمشاعره نحو الرمز من ان يتوجه لشيء معقد مثل العشيرة‪.‬‬
‫دوركه‪rr‬ايم يؤك‪rr‬د ان الحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة تس‪rr‬تحيل من دون قيم ومعتقدات‬
‫أخالقي‪rr‬ة مش‪rr‬تركة وال‪rr‬تي تش‪rr‬كل م‪rr‬ا يس‪rr‬مى ال‪rr‬وعي الجمعي ‪collective‬‬

‫‪215‬‬
‫‪ conscious‬وفي حال‪rr‬ة غيابه‪rr‬ا ليس هن‪rr‬اك نظ‪rr‬ام اجتم‪rr‬اعي‪ ،‬وال ض‪rr‬بط‬
‫اجتماعي وال تضامن او تعاون اجتماعي وال حتى مجتم‪rr‬ع‪ ،‬وال‪rr‬دين يعم‪rr‬ل‬
‫على تعزيز ال‪r‬وعي الجمعي‪ .‬ه‪r‬ذا وان عب‪r‬ادة المجتم‪r‬ع من ش‪r‬انه ان يقوي‬
‫القيم والمعتقدات األخالقية الي تشكل القاعدة األساسية للمجتمع‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أهمية أفك‪r‬ار دوركه‪r‬ايم في تفس‪r‬ير ال‪r‬دين اال ان‪r‬ه تع‪r‬رض‬
‫لنقد شديد من علماء اجتم‪rr‬اع وليس من رج‪rr‬ال دين‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان رج‪rr‬ال ال‪rr‬دين‬
‫يعدون دوركه‪r‬ايم ملح‪r‬دا ال دين ل‪r‬ه‪ ،‬ام‪r‬ا علم‪r‬اء االجتم‪r‬اع ف‪rr‬انهم لم يج‪r‬دوا‬
‫رابط‪rr‬ا حقيقي‪rr‬ا بين الطوطمي‪rr‬ة وال‪rr‬دين‪ ،‬وان‪rr‬ه ب‪rr‬الغ كث‪rr‬يرا في رب‪rr‬ط عب‪rr‬ادة‬
‫الطوطم بعبادة المجتم‪rr‬ع ذل‪rr‬ك ان رؤيت‪rr‬ه لل‪rr‬دين ق‪rr‬د تنطب‪rr‬ق على مجتمع‪rr‬ات‬
‫بسيطة وغير متعلمة حيث تكون العالقات والمؤسسات االجتماعية‪-‬الثقافية‬
‫متماسكة بدين او بدون دين وان رؤيته ال عالقة له‪rr‬ا بالمجتمع‪rr‬ات الحديث‪rr‬ة‬
‫التي تنط‪rr‬وي على ثقاف‪rr‬ات وجماع‪rr‬ات فرعي‪rr‬ة ومؤسس‪rr‬ات متخصص‪rr‬ة الى‬
‫جانب نسق من الممارسات والمعتقدات‪ ،‬والمؤسسات الدينية‪ .‬ولكن علماء‬
‫االجتم‪rr‬اع يؤي‪rr‬دون دوركه‪rr‬ايم في اعتقاده ب‪rr‬ان ال‪rr‬دين يع‪rr‬زز الرواب‪rr‬ط‬
‫االجتماعية والتضامن االجتماعي والمعتقدات األخالقية‪.‬‬
‫الدين وازمات الحياة ‪Religion & Life Crises‬‬
‫من اهم الذين س‪rr‬لطوا األض‪rr‬واء على أزم‪rr‬ات الحي‪rr‬اة وعالقته‪rr‬ا بال‪rr‬دين ه‪rr‬و‬
‫االن‪rrr‬ثروبولوجي مالينوفس‪rrr‬كي )‪ ،Malinowski (1954‬ومثلم‪rrr‬ا فع‪rrr‬ل‬
‫دوركه‪rr‬ايم درس مالينوفس‪rr‬كي مجتمع‪rr‬ات امي‪rr‬ة وص‪rr‬غيرة الحجم لتط‪rr‬وير‬
‫فرضيته عن الدين‪ ،‬واغلب امثلت‪rr‬ه مس‪rr‬تمدة من دراس‪rr‬ته الميداني‪rr‬ة لمجتم‪rr‬ع‬
‫التروبرياند بالقرب من س‪rr‬واحل غيني‪rr‬ا الجدي‪rr‬دة وكم‪rr‬ا فع‪rr‬ل دوركه‪rr‬ايم أك‪rr‬د‬

‫‪216‬‬
‫مالينوفسكي ان الدين يعزز القيم والمعايير االجتماعية ويقود الى التماس‪rr‬ك‬
‫االجتماعي‪ ،‬ولكنه يختلف مع دوركهايم في ان الدين ال يمثل المجتمع كل‪rr‬ه‬
‫والشعائر الدينية ال تقدس المجتمع‪ .‬واختار مالينوفسكي من‪rr‬اطق معين‪rr‬ة في‬
‫الحياة االجتماعية تهتم بالدين‪ ،‬وعليها ب‪rr‬نى افتراض‪rr‬اته‪ ،‬ه‪rr‬ذه المن‪rr‬اطق هي‬
‫المواق‪rr‬ف ال‪rr‬تي تبعث على الض‪rr‬غوط العاطفي‪rr‬ة مث‪rr‬ل الت‪rr‬وتر والقل‪rr‬ق الل‪rr‬ذين‬
‫يمألن الحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬والمواق‪rr‬ف ال‪rr‬تي تنتج ه‪rr‬ذه المش‪rr‬اعر بم‪rr‬ا فيه‪rr‬ا‬
‫أزمات الحياة‪ ،‬مثل الوالدة والبلوغ وال‪rr‬زواج والم‪rr‬وت‪ .‬يقول مالينوفس‪rr‬كي‬
‫)‪ Malinowski (1954‬في ك‪rr‬ل المجتمع‪rr‬ات أزم‪rr‬ات الحي‪rr‬اة ه‪rr‬ذه تح‪rr‬اط‬
‫بطقوس دينية‪ ،‬ووجد ان الموت من أكثر االحداث التي تبعث على الح‪rr‬زن‬
‫واالض‪rr‬طراب‪ ،‬واكثره‪rr‬ا تشويش‪rr‬ا‪ ،‬وهي ل‪rr‬ذلك ربم‪rr‬ا تك‪rr‬ون اهم مص‪rr‬در‬
‫للمعتقدات الدينية‪ .‬والدين يتعامل مع الم‪rr‬وت عن طري‪rr‬ق الحف‪rr‬ل الجن‪rr‬ائزي‬
‫ال‪rr‬ذي يع‪rr‬بر عن االعتقاد بالأخالقي‪rr‬ة الم‪rr‬وت‪ ،‬وهي عقي‪rr‬دة تتنك‪rr‬ر لحقيقة‬
‫لم‪rr‬وت‪ .‬وفي الحف‪r‬ل الجن‪rr‬ائزي يخف‪r‬ف المع‪rr‬زون عن الثك‪rr‬الى بوق‪rr‬وفهم الى‬
‫جانبهم‪ .‬هذا السلوك التضامني يخفف الحزن واألسى ويقلل القل‪rr‬ق والت‪rr‬وتر‬
‫الذي يسببه الموت‪ .‬والموت يبعث على االضطراب االجتماعي ألنه يزي‪rr‬ل‬
‫عضوا من أعضاء المجتمع‪ ،‬والدعم ال‪r‬ذي تحص‪rr‬ل علي‪r‬ه ع‪r‬ائالت الم‪r‬وتى‬
‫يؤدي الى التماسك االجتم‪rr‬اعي‪ .‬والح‪rr‬ظ مالينوفس‪rr‬كي ان الطقوس الديني‪rr‬ة‬
‫المرافقة لبعض النش‪r‬اطات االقتص‪rr‬ادية مث‪r‬ل الص‪r‬يد‪ ،‬من ش‪r‬انها ان تخف‪r‬ف‬
‫القلق وتبعث على الطمأنينة والشعور بالسيطرة‪.‬‬
‫الدين واالجماع القيمي ‪Religion & Value Consensus‬‬

‫‪217‬‬
‫رائد هذا االتجاه تالكوت بارسونز الذي يقول ان الفعل االجتماعي موّج ه‪،‬‬
‫ومسيطر عليه بوساطة المعايير االجتماعية‪ .‬فالنظام الثقافي يزودن‪rr‬ا ب‪rr‬دليل‬
‫ع‪rr‬ام للفع‪rr‬ل على ش‪rr‬كل معتقدات وقيم وانظم‪rr‬ة مع‪rr‬اني ‪Systems of‬‬
‫‪ ،Meaning‬والمعايير التي توجه الفعل ليس‪rr‬ت قواع‪rr‬د للس‪rr‬لوك المعي‪rr‬اري‬
‫فقط انها تتكامل وتنّم ط بوساطة القيم والمعتقدات التي تزودن‪rr‬ا به‪rr‬ا الثقاف‪rr‬ة‪،‬‬
‫فمثال‪ ،‬عدة معايير في المجتمع العربي هي في الواقع اش‪rr‬كال تعبيري‪rr‬ة عن‬
‫القيم الدينية‪ ،‬مثل بر الوالدين واحترام الجيران وحسن الخل‪rr‬ق‪ .‬وألن ال‪rr‬دين‬
‫جزء من النظام الثقافي‪ ،‬فان المعتقدات الدينية تزود الفعل االنس‪rr‬اني ب‪rr‬دليل‬
‫عمل من شانه ان يحدد ما ينبغي وما ال ينبغي من األفع‪rr‬ال ال‪rr‬تي يقوم به‪rr‬ا‬
‫الناس والتي تخضع للتقويم‪ ،‬بمعنى ان األفعال المستمدة من العقائد الديني‪rr‬ة‬
‫تمنح الناس فرصة لتقويمها وفقا لمعايير العقائد‪ ،‬فيقال ه‪rr‬ذا الفع‪rr‬ل محم‪rr‬ود‬
‫وذاك الفعل م‪rr‬رذول‪ ،‬فال‪rr‬ذي يك‪rr‬ذب يك‪rr‬ون س‪rr‬لوكه موض‪rr‬ع اس‪rr‬تهجان وفقا‬
‫لمعايير العقيدة الدينية‪ ،‬ومن يكون امينا او صادقا او يس‪rr‬لك س‪rr‬لوكا ايثاري‪rr‬ا‬
‫فان سلوكه يكون موضع استحسان‪ ،‬ومثال يحرم ال‪rr‬دين القت‪rr‬ل‪ ،‬او الزن‪rr‬ا او‬
‫الغش‪ ،‬وهذا ينعكس على السلوك‪ ،‬حيث يعمل المعيار الديني بمثابة موّج ه‬
‫للسلوك‪ ،‬فيتجنب اغلب الناس اللج‪rr‬وء للقت‪rr‬ل او ارتك‪rr‬اب الفاحش‪rr‬ة او الغش‬
‫(م‪rr‬ع بعض االس‪rr‬تثناءات)‪ ،‬وبتأس‪rr‬يس مب‪rr‬ادئ عام‪rr‬ة ومرتك‪rr‬زات أخالقي‪rr‬ة‪،‬‬
‫يساهم الدين في الوصول الى اجماع‪ ،‬من شانه بحسب بارس‪rr‬ونز ان يك‪rr‬ون‬
‫ض‪rr‬امنا الس‪rr‬تقرار وتنظيم المجتم‪rr‬ع‪ .‬وأنظم‪rr‬ة المع‪rr‬اني ال‪rr‬تي أش‪rr‬ار اليه‪rr‬ا‬
‫بارسونز تع‪rr‬ني األفك‪rr‬ار والرم‪rr‬وز ال‪rr‬تي تس‪rr‬تعمل لتعطي مع‪rr‬نى له‪rr‬دف من‬
‫اه‪rr‬داف الحي‪rr‬اة‪ ،‬وتس‪rr‬اعد في تفس‪rr‬ير المعان‪rr‬اة‪ ،‬وغي‪rr‬اب العدال‪rr‬ة‪ ،‬ووس‪rr‬اوس‬

‫‪218‬‬
‫الشيطان‪ ،‬انها باختصار تزودنا بصورة كبيرة لألحداث التي تبدو من دون‬
‫ال‪rr‬دين وكأنه‪rr‬ا ن‪rr‬وع من الفوض‪rr‬ى والعبث والالعقالني‪rr‬ة‪Ballantine & .‬‬
‫)‪Roberts (2009‬‬
‫المدرسة الوظيفة التي يعد بارسونز اح‪rr‬د اب‪rr‬رز اقطابه‪rr‬ا‪ ،‬تؤك‪rr‬د كم‪rr‬ا يقول‬
‫"هاراالمبوس" على الجوانب اإليجابي‪rr‬ة لل‪rr‬دين فقط ويتج‪rr‬اهلون الج‪rr‬وانب‬
‫الس‪rr‬لبية‪ ،‬والواق‪rr‬ع ان ال‪rr‬دين الحقيقي ليس في‪rr‬ه ج‪rr‬وانب س‪rr‬لبية‪ ،‬ولكن في‪rr‬ه‬
‫ممارسات سلبية تعزى للدين وهي ليست منه‪ ،‬فمثال عندما يعت‪rr‬دي قس من‬
‫القساوسة جنسيا على طفل او يقوم رج‪r‬ل دين باالس‪r‬تحواذ على الممتلك‪r‬ات‬
‫العامة بحجة انه يأخذ حصته الدينية فان ذلك ليس من الدين في شيء‪ ،‬كما‬
‫ان النقد الموجه للوظيفية يشير الى انها اهملت عم‪rr‬دا االنقس‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي‬
‫الداخلي الذي يقوم به ال‪rr‬دين وال‪rr‬ذي ي‪rr‬ؤدي الى ص‪rr‬راعات مميت‪rr‬ة كم‪rr‬ا ه‪rr‬و‬
‫الحال بين الكاثوليك والبروتستانت او الهندوس والمس‪rr‬لمين او بين الش‪rr‬يعة‬
‫والسنة‪ ،‬ومرة أخرى ال يبدو ان الدين او جوهر العقيدة ه‪rr‬و المس‪rr‬ؤول عن‬
‫االنقسامات‪ ،‬االنقسامات من صنع االطماع‪ ،‬فاإلسالم لم يقل ال في الكت‪rr‬اب‬
‫وال في الس‪rr‬نة ان المس‪rr‬لمين ينبغي ان يتبع‪rr‬وا الم‪rr‬ذهب الفالني او الش‪rr‬خص‬
‫الفالني‪ ،‬او يكونوا شيعة او سنة‪ ،‬هذه مسميات وتقسيمات جاءت إض‪rr‬افات‬
‫ثقافية من رجال كان هدفهم الحصول على السلطة والثروة وربما الشهرة‪،‬‬
‫والحال ينطبق على باقي األديان والمعتقدات‪ ،‬وجوهر ال‪rr‬دين في ك‪rr‬ل ح‪rr‬ال‬
‫يؤكد على االنسجام والتراحم والتضامن والتكامل وليس االنقسام والتباع‪rr‬د‬
‫والتب‪rr‬اغض‪ ،‬وق‪rr‬ول منتقدي المدرس‪rr‬ة الوظيفي‪rr‬ة بانه‪rr‬ا تج‪rr‬اهلت موض‪rr‬وع‬
‫االنقسام الذي يسببه الدين هو نوع من الهرطقة الكالمي‪rr‬ة‪ ،‬ي‪rr‬راد من‪rr‬ه إبع‪rr‬اد‬

‫‪219‬‬
‫التهمة عن المسبب لالنقسام والص‪rr‬اقها بال‪rr‬دين ألغ‪rr‬راض بعض‪rr‬ها سياس‪rr‬ية‬
‫وبعضها فكرية وبعضها ال دينية‪.‬‬

‫المنظور الماركسي ‪Marxist Perspective‬‬


‫الدين من وجه‪rr‬ة نظ‪rr‬ر ك‪rr‬ارل م‪rr‬اركس عب‪rr‬ارة عن وهم او ص‪rr‬ورة خادع‪rr‬ة‬
‫‪ illusion‬تخف‪rr‬ف االالم ال‪rr‬تي ينتجه‪rr‬ا االس‪rr‬تغالل والقه‪rr‬ر‪ .‬ان‪rr‬ه جمل‪rr‬ة من‬
‫االساطير التي تبرر شرعيا خضوع طبقة الشغيلة لهيمنة الطبقة الحاكم‪rr‬ة‪.‬‬
‫ان‪rr‬ه تش‪rr‬ويه للحقيقة ال‪rr‬تي تعم‪rr‬ل بطريقة "الخدع‪rr‬ة" ال‪rr‬تي تش‪rr‬كل األس‪rr‬اس‬
‫األي‪r‬ديولوجي للطبقة الحاكم‪r‬ة وال‪r‬تي تعم‪r‬ل على اض‪rr‬عاف ال‪r‬وعي الطبقي‬
‫للشغيلة‪ .‬وب‪rr‬زعم م‪rr‬اركس ف‪rr‬ان ال‪rr‬دين ه‪rr‬و تأوه‪rr‬ات االنس‪rr‬ان المقه‪rr‬ور‪ ،‬ان‪rr‬ه‬
‫وجدان عالم بال قلب‪ ،‬وروح لظروف ال روح لها‪ ،‬انه افيون الشعب ‪The‬‬
‫‪ Opium of the People‬انه يعمل كمخدر آلالم الجياع والمقهورين‪،‬‬
‫انه ال يح‪rr‬ل المش‪rr‬كلة ولكن‪rr‬ه يض‪rr‬لل الن‪rr‬اس في محاول‪rr‬ة لجع‪rr‬ل الحي‪rr‬اة أك‪rr‬ثر‬
‫احتماال‪ .‬انه يعمل على استغباء االتب‪rr‬اع ب‪rr‬دل ان ي‪rr‬وفر لهم س‪rr‬عادة حقيقي‪rr‬ة‪،‬‬
‫وبتعب‪rr‬ير لي‪rr‬نين‪ ،‬ه‪rr‬و فخ روحي هدف‪rr‬ه دف‪rr‬ع عبي‪rr‬د راس الم‪rr‬ال للتخلي عن‬
‫المطالبة بحي‪rr‬اة أفض‪rr‬ل‪ .‬وي‪rr‬رى م‪rr‬اركس ان أص‪rr‬ل اغلب الحرك‪rr‬ات الديني‪rr‬ة‬
‫مرتب‪r‬ط بالطبقات المظلوم‪r‬ة‪ ،‬ذل‪r‬ك ان ظ‪r‬روفهم االجتماعي‪r‬ة ك‪r‬انت ارض‪rr‬ا‬
‫خصبة لنمو األديان الجديدة‪ ،‬وفي ذلك يقول انجل‪rr‬ز ان المس‪rr‬يحية باألص‪rr‬ل‬
‫كانت حركة للمضطهدين‪ .‬في البداية كان دين العبيد والعبي‪r‬د ال‪r‬ذين أعتقوا‬
‫والفقراء الذين حرم‪rr‬وا من حقوقهم والمنب‪rr‬وذون والمط‪rr‬رودون من روم‪rr‬ا‪.‬‬
‫الدين يمكن ان يخفف اآلم القهر الطبقي عن طريق الطرق االتية‪:‬‬

‫‪220‬‬
‫الوعود المسيحية بإنقاذ العبيد من العبودية الطبقية والبؤس في حياة ما بعد‬
‫الم‪rr‬وت هي كذب‪rr‬ة ه‪rr‬دفها اإلبقاء على امتي‪rr‬ازات الطبقة الحاكم‪rr‬ة وزرع‬
‫اآلمال في نفوس المقهورين‪.‬‬
‫ـ بعض األدي‪rr‬ان تجع‪rr‬ل من الفقر والع‪rr‬وز والحرم‪rr‬ان م‪rr‬ع الكرام‪rr‬ة فض‪rr‬يلة‬
‫سيكافئون عليها مما يعطي للحياة امل في تحمل الفقر والحرمان‪.‬‬
‫ـ الدين يعطي وعودا بتدخل قوى غيبية إلنقاذ الفقراء وحل مشكالتهم على‬
‫األرض‪.‬‬
‫ـ الدين يبرر النظام االجتماعي التراتبي وموق‪rr‬ع الف‪rr‬رد في‪rr‬ه‪ ،‬ويحاف‪rr‬ظ على‬
‫نظام االستغالل الطبقي القائم‬
‫ومما يؤي‪rr‬د أفك‪rr‬ار م‪rr‬اركس عن ال‪rr‬دين م‪rr‬ا ذك‪rr‬ره "ه‪rr‬اراالمبوس" (‪)1993‬‬
‫‪ Haralambos & Holborn‬من ان نظام الطبقة المغلقة الهندي تبرره‬
‫الديانة البوذية‪ ،‬وان ملوك وملكات اوربا القرون الوسطى ك‪rr‬انوا يحكم‪rr‬ون‬
‫باسم الحق اإللهي‪ ،‬وان الفراعنة المص‪rr‬ريين ذهب‪rr‬وا ابع‪rr‬د من ذل‪rr‬ك بادع‪rr‬اء‬
‫االلوهية‪ ،‬وكان ارباب العم‪rr‬ل في بداي‪rr‬ة الث‪rr‬ورة الص‪rr‬ناعية ي‪rr‬دعمون ال‪rr‬دين‬
‫بوص‪rr‬فه وس‪rr‬يلة الس‪rr‬تعباد العم‪rr‬ال وحثهم على الص‪rr‬بر والعم‪rr‬ل‪ ،‬وم‪rr‬ازالت‬
‫الحكومة البرازيلية تتهم فقراء مدن الصفيح ب‪rr‬ان فقرهم س‪rr‬ببه اآلث‪rr‬ام ال‪rr‬تي‬
‫يرتكبونها‪.‬‬
‫المؤك‪rr‬د ان أفك‪rr‬ار ك‪rr‬ارل م‪rr‬اركس تنطب‪rr‬ق على األدي‪rr‬ان ال‪rr‬تي انح‪rr‬رفت عن‬
‫ملك‪rr‬وت هللا ورس‪rr‬االته‪ .‬م‪rr‬اركس وانجل‪rr‬ز وح‪rr‬تى لي‪rr‬نين لم يتح‪rr‬دثوا عن‬
‫اإلس‪rr‬الم‪ ،‬ج‪rr‬اءوا بش‪rr‬واهد عن المس‪rr‬يحية وعن العقائ‪rr‬د الوثني‪rr‬ة ال‪rr‬تي ت‪rr‬برر‬
‫االس‪rr‬تعباد واالس‪rr‬تغالل الطبقي‪ ،‬ألنهم ام‪rr‬ا انهم لم يتعرف‪rr‬وا على اإلس‪rr‬الم‬

‫‪221‬‬
‫الحقيقي واما انهم وجدوا اإلسالم مختلفا في تعامله م‪rr‬ع االس‪rr‬تغالل الطبقي‬
‫فتجنبوا اإلشارة اليه‪ ،‬ومع ذلك فان ماركس والذين اتبع‪r‬وا منهج‪r‬ه الفك‪r‬ري‬
‫في النيل من الدين كانوا قد اغفلوا ان البش‪rr‬ر ال‪rr‬ذين تول‪rr‬وا مس‪rr‬ؤولية التحكم‬
‫بالعقائد هم الذين انحرفوا وجعلوا من الدين وسيلة لتبرير القهر والحرم‪rr‬ان‬
‫والتمايز الطبقي الح‪r‬اد‪ .‬في االس‪r‬الم الحقيقي ال ت‪r‬برير اطالق‪r‬ا لالس‪r‬تغالل‪،‬‬
‫وليس ثمة اية او حديث يعطي امتيازا للغني على حساب الفقير‪ ،‬ول‪rr‬و اتب‪rr‬ع‬
‫الناس أصل العقيدة لما وجدت جائعا في بالد المسلمين وهن‪rr‬اك ش‪rr‬واهد من‬
‫التاريخ تقول ان الص‪rr‬دقات في عه‪rr‬د االم‪rr‬ام علي (ع) وفي عه‪rr‬د عم‪rr‬ر بن‬
‫عبد العزيز كانت تعرض على الناس وال يقربها أحد بس‪rr‬بب نظ‪rr‬ام العدال‪rr‬ة‬
‫في توزي‪rr‬ع ال‪rr‬ثروة‪ ،‬بمع‪rr‬نى ان‪rr‬ه لم يكن هن‪rr‬اك ج‪rr‬ائع او مح‪rr‬روم‪ .‬ولكن في‬
‫عصرنا‪ ،‬مع العوائ‪rr‬د الض‪rr‬خمة للبالد تج‪rr‬د ع‪rr‬دد ال‪rr‬ذين يعيش‪rr‬ون تحت خ‪rr‬ط‬
‫الفقر أكثر من نصف عدد الس‪rr‬كان بس‪rr‬بب جش‪rr‬ع وطم‪rr‬ع وانح‪rr‬راف رج‪rr‬ال‬
‫الدين السياسي الذين يدعون الت‪rr‬دين واغلبهم لص‪rr‬وص فاس‪rr‬دين ومفس‪rr‬دين‪،‬‬
‫ألنهم ال يعبدون هللا وانما يعبدون شهواتهم ومناصبهم وامتيازاتهم‪ .‬نخلص‬
‫من ذلك ان الدين ال عالقة له باالستغالل وال باالنحراف وال بالفساد ال‪rr‬ذي‬
‫يقوم ب‪rr‬ه اف‪rr‬راد يزعم‪rr‬ون انهم يمثل‪rr‬ون ال‪rr‬دين‪ .‬ال‪rr‬دين الحقيقي ال‪rr‬ذي اكتم‪rr‬ل‬
‫باإلس‪rr‬الم ك‪rr‬ان غاي‪rr‬ة في الدق‪rr‬ة في تنظيم الحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة على أس‪rr‬اس‬
‫العدالة‪ .‬اليس اإلسالم من يقول " م‪rr‬ا افتقر فقير اال ببخ‪rr‬ل غ‪rr‬ني" ويقول‬
‫ايضا " ان هللا سبحانه فرض في أموال األغنياء اق‪rr‬وات الفقراء فم‪rr‬ا ج‪rr‬اع‬
‫فقير اال بما متع به غ‪rr‬ني‪ ،‬وم‪rr‬ا رأيت نعم‪rr‬ة موف‪rr‬ورة اال والى جانبه‪rr‬ا ح‪rr‬ق‬

‫‪222‬‬
‫مضيع" ولو عرف كارل ماركس ه‪rr‬ذا الكالم ألع‪rr‬اد النظ‪rr‬ر فيم‪rr‬ا قال‪rr‬ه عن‬
‫الدين ولكنه انشغل بأرباب الكفر في عصره فكان محقا‪.‬‬
‫المنظ=======ور الفينومينول=======وجي (الظ=======اهراتي) ‪Phenomenological‬‬
‫‪Perspective‬‬
‫اهم المنظرين في هذا الميدان هم بيتر بيركر وتوم‪rr‬اس لوكم‪rr‬ان ‪Berger‬‬
‫)‪ & Luckmann (1969‬هذان العالمان لهما بص‪rr‬مة نوعي‪rr‬ة في تط‪rr‬ور‬
‫علم االجتماع الديني‪ ،‬فمن وجهة نظرهم‪rr‬ا ان ال‪rr‬دين منتج اجتم‪rr‬اعي هدف‪rr‬ه‬
‫إعطاء معنى وتفسير للعالم االجتماعي والف‪r‬يزيقي (الط‪r‬بيعي) ال‪r‬ذي يحي‪r‬ط‬
‫ب‪rr‬الفرد‪ .‬وهم ي‪rr‬رون ان علم االجتم‪rr‬اع ال‪rr‬ديني ه‪rr‬و ج‪rr‬زء من علم اجتم‪rr‬اع‬
‫المعرفة الذي يهتم بالمع‪rr‬اني الك‪rr‬برى للحي‪rr‬اة‪ ،‬وان ك‪rr‬ل مجتم‪rr‬ع لدي‪rr‬ه وع‪r‬اء‬
‫خاص للمعرفة‪ ،‬فمثال مجتمع االسكيمو التقليدي لديه معارف مش‪r‬تركة عن‬
‫الحي‪rr‬اة والع‪rr‬الم تختل‪rr‬ف عن أي مجتم‪rr‬ع اخ‪rr‬ر‪ ،‬ه‪rr‬ذه الش‪rr‬مولية في المع‪rr‬اني‬
‫لمجتم‪rr‬ع االس‪rr‬كيمو ال‪rr‬تي ينف‪rr‬رد به‪rr‬ا‪ ،‬يراه‪rr‬ا "ب‪rr‬يركر ولوكم‪rr‬ان" مس‪rr‬تمدة‬
‫اجتماعي‪rr‬ا‪ ،‬والمع‪rr‬اني الش‪rr‬املة (العام‪rr‬ة) ال تتض‪rr‬من المس‪rr‬تويات الرفيع‪rr‬ة‬
‫لألفكار الفلسفية حول معنى الحياة فقط‪ ،‬وانما أيضا المعارف التي تكتسب‬
‫كل يوم وتعد من األم‪rr‬ور المف‪rr‬روغ منه‪rr‬ا‪ .‬والعمومي‪rr‬ة في المع‪rr‬اني تس‪rr‬تلزم‬
‫شرعية مستمرة‪ ،‬تحتاج إعادة تعزيز وتبرير‪ ،‬فأعض‪rr‬اء المجتم‪rr‬ع يجب ان‬
‫يقال لهم ويعاد القول عليهم ان المع‪r‬اني الش‪r‬املة للحي‪r‬اة حقيقي‪r‬ة‪ ،‬ص‪rr‬حيحة‬
‫وشرعية‪ ،‬ومن دون هذا التدعيم تتدهور المعاني الشاملة وتصبح الحي‪r‬اة ال‬
‫مع‪r‬نى له‪r‬ا‪ ،‬واس‪r‬تقرار المجتم‪r‬ع يص‪r‬بح مه‪r‬ددا‪ .‬وهن‪r‬ا ي‪r‬أتي دور ال‪r‬دين في‬
‫المحافظة على شرعية المعاني العامة‪ ،‬وفي ذلك يقول “بيركر ولوكمان"‪،‬‬

‫‪223‬‬
‫ادي ال‪rr‬دين على ط‪rr‬ول الزم‪rr‬ان دورا حاس‪rr‬ما في بن‪rr‬اء الكوني‪rr‬ات وحفظه‪rr‬ا‪،‬‬
‫وكان الدين يقوم بهذه الوظيفة عن طري‪rr‬ق محاولت‪rr‬ه الجريئ‪rr‬ة ‪audacious‬‬
‫‪ attempt‬لفهم الكون بوصفه ذا أهمية لإلنس‪r‬ان‪ ،‬وفي ه‪r‬ذا الطري‪r‬ق ابتك‪r‬ر‬
‫اإلنسان المعارف ووضع المع‪rr‬اني لظ‪rr‬واهر الك‪rr‬ون بأجمع‪rr‬ه وح‪rr‬دد موقع‪rr‬ه‬
‫فيها‪ ،‬كما ان الشرائع الدينية كانت فعالة بسبب انها ربطت الحقائق العابرة‬
‫للتجارب االجتماعية بالحقائق الكوني‪r‬ة المطلقة‪ .‬ال‪r‬دين يقدم أجوب‪r‬ة نهائي‪r‬ة‬
‫للمعتقدين يصعب اخض‪r‬اعها للتس‪r‬اؤالت‪ ،‬فمثال يالح‪r‬ظ الن‪r‬اس ان الش‪r‬مس‬
‫تشرق كل صباح‪ ،‬والتفسير الديني له‪rr‬ا‪ ،‬انه‪rr‬ا محكوم‪rr‬ة بقوة غ‪rr‬ير طبيعي‪rr‬ة‬
‫خارقة للعادة‪ ،‬والمؤمنون بالدين ال يسألون في العادة عن ه‪rr‬ذه القوة ألنهم‬
‫يؤمن‪rr‬ون به‪rr‬ا ويقف‪rr‬ون عن‪rr‬د ه‪rr‬ذا الح‪rr‬د‪ .‬كم‪rr‬ا ان ال‪rr‬دين يعطي الش‪rr‬رعية‬
‫للمؤسسات االجتماعية بوضعها ضمن مرجعية اإلط‪rr‬ار الك‪rr‬وني المقدس‪،‬‬
‫وفي هذا المعنى فان القانون يدخل في الدين عن‪rr‬دما يع‪rr‬د العم‪rr‬ل االج‪rr‬رامي‬
‫خطيئ‪rr‬ة ض‪rr‬د إرادة هللا‪ .‬وك‪rr‬ل مع‪rr‬نى ك‪rr‬وني يقوم على قاع‪rr‬دة اجتماعي‪rr‬ة‪،‬‬
‫والقاعدة االجتماعي‪r‬ة ال‪r‬تي تمث‪r‬ل البن‪r‬اء االجتم‪r‬اعي للمجتم‪r‬ع يطل‪r‬ق عليه‪r‬ا‬
‫البنية العقلية ‪ Plausibility Structure‬فاذا تهدمت البنية العقلي‪rr‬ة تته‪rr‬دم‬
‫المع‪rr‬اني الكوني‪rr‬ة كله‪rr‬ا‪ ،‬ووج‪rr‬ود أي منهم‪rr‬ا مره‪rr‬ون بوج‪rr‬ود االخ‪rr‬ر‪ .‬فمثال‬
‫عندما دمرت امبراطورية االنكا‪* Inca Empire‬على يد االسبان في عام‬
‫( (‪1572‬فان القاعدة االجتماعية للدين تبعثرت‪ ،‬فصارت بدون بنية عقلية‬
‫ومن دون البنية العقلية مات دين االنكا‪ .‬بيركر ولوكمان اك‪rr‬دا على ان ك‪rr‬ل‬
‫حقيقة هي موضع ش‪rr‬ك‪ ،‬وليس هن‪rr‬اك حقيقة ثابت‪rr‬ة‪ ،‬فاألش‪rr‬ياء تب‪rr‬دو حقيقي‪rr‬ة‬
‫عندما يعتقد الناس انه‪rr‬ا حقيقي‪rr‬ة‪ ،‬الحي‪rr‬اة مليئ‪rr‬ة بالمع‪rr‬اني الن الن‪rr‬اس هم من‬

‫‪224‬‬
‫يعطيه‪rr‬ا ه‪rr‬ذه المع‪rr‬اني‪ ،‬األش‪rr‬ياء يمكن اإلحس‪rr‬اس به‪rr‬ا ألنه‪rr‬ا مألوف‪rr‬ة ل‪rr‬دى‬
‫الجميع‪ ،‬وعلى كل حال فان الحقيقة‪ ،‬والمع‪rr‬اني والمش‪rr‬اعر هي تص‪rr‬نيفات‬
‫اعتباطي‪rr‬ة‪ ،‬فليس هن‪rr‬اك قاع‪rr‬دة عام‪rr‬ة او مقي‪rr‬اس نس‪rr‬تطيع بواس‪rr‬طته قي‪rr‬اس‬
‫الحقيقة ومشاهدتها‪ ،‬والمعنى العام هو تركيب اجتماعي للحقيقة‪ ،‬فم‪rr‬ا يب‪rr‬دو‬
‫حقيقة في مجتمع من المجتمعات قد ال يب‪rr‬دو ك‪rr‬ذلك في مجتم‪rr‬ع اخ‪rr‬ر او في‬
‫زمن اخر‪ ،‬والشيء المليء بالمعاني‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫*أقدم حضارة في أمريكا قبل وصول كريس‪r‬توفر ك‪r‬ولمبس‪ ،‬ويعتقد انه‪r‬ا ك‪r‬انت متط‪r‬ورة تقني‪r‬ا‬
‫واجتماعيا قبل ان يقوم االسبان بتدميرها‬

‫في مجتمع قد يكون ال معنى له في مجتمع اخر‪ ،‬والمش‪rr‬اعر المش‪rr‬تركة في‬


‫مجتم‪rr‬ع من المجتمع‪rr‬ات تب‪rr‬دو كالم‪rr‬ا فارغ‪r‬ا في مجتم‪rr‬ع اخ‪rr‬ر وه‪rr‬ذه ت‪rr‬دخل‬
‫ض‪r‬من مفه‪r‬وم النس‪r‬بية الثقافي‪r‬ة ال‪r‬تي أش‪r‬رنا له‪r‬ا في فص‪r‬ل س‪r‬ابق‪ .‬وبس‪r‬بب‬
‫الطبيعة االعتباطية للمعاني العامة فإنها نسبية‪ ،‬وغير موثوقة‪ ،‬ومن السهل‬
‫شرذمتها‪ ،‬لهذا فهي تحتاج الى شرعية مستمرة‪ .‬ب‪rr‬يركر ولوكم‪rr‬ان يؤك‪rr‬دان‬
‫ان الدين ربما يكون أكثر الميكانزمات (االليات) ق‪rr‬درة على منح الش‪rr‬رعية‬
‫للمعاني العام‪rr‬ة او الش‪rr‬املة‪ ،‬وال‪rr‬دين وح‪rr‬ده من يس‪rr‬تطيع ان يرب‪rr‬ط المع‪rr‬اني‬
‫بالحقيقة المطلقة‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫الماركسيون والتطوريون هاجموا بيركر ولوكمان باعتبار انهما عّد ا الدين‬
‫عامل توحيد وتماسكا أكثر منه عامل انقسام ومبررا لالستعباد واالستغالل‬
‫الطبقي‬
‫ادي==ان الع==الم والنظ==ام البطري==ركي (االب==وي) ‪World Religion and‬‬
‫‪Patriarchy‬‬
‫يتساءل ماسيونز وبلمر )‪ Macionis &Plummer (2002:465‬فيم‪rr‬ا‬
‫إذا كانت االلهة تفضل الذكور‪ ،‬ذلك الن اديان العالم كله‪rr‬ا ابوي‪rr‬ة ذكوري‪rr‬ة‪،‬‬
‫لها الهة ذكورية تعطي الرج‪rr‬ال المس‪rr‬ؤولية في األرض وتبع‪rr‬د النس‪rr‬اء عن‬
‫المعبد والكنيسة والمجتمع‪ .‬كما ان عددا كب‪rr‬يرا من الحرك‪rr‬ات والمنض‪rr‬مات‬
‫الدينية التي نشأت حديثا هي االخرى تحافظ على النظام االبوي الذكوري‪.‬‬
‫وعلى ال‪rr‬رغم من ان المس‪rr‬يحية تش‪rr‬ير دائم‪rr‬ا الى ان م‪rr‬ريم الع‪rr‬ذراء هي ام‬
‫السيد المسيح اال ان كتاب العهد الجديد (االنجيل) يص‪r‬ور الرج‪r‬ل على ان‪r‬ه‬
‫خلق بهيئة وبهاء االله‪ ،‬فيم‪rr‬ا خلقت الم‪rr‬رأة على هيئ‪rr‬ة وبه‪rr‬اء الرج‪rr‬ل‪ ،‬وان‬
‫الرجل لم يخلق من المرأة ولكن المرأة خلقت من الرجل‪ ،‬كما ان الرجل لم‬
‫يخلق للمرأة ولكن المرأة خلقت للرجل‪ ،‬كما يشير االنجيل في موضع اخر‬
‫الى ان المرأة تتبع زوجها وهو بمثاب‪r‬ة ال‪r‬رأس للزوج‪r‬ة‪ ،‬كم‪r‬ا يري‪r‬د ال‪r‬رب‪.‬‬
‫وفي كتابات القديس ثوم‪r‬اس‪ ،‬ال‪r‬تي اخ‪r‬ذها عن القديس ب‪r‬ولس في الكت‪r‬اب‬
‫الثاني من االنجيل ما نصه " ليس مسموحا للمرأة ان تعطي درس‪rr‬ا للرج‪rr‬ل‬
‫او توضع في موضع مسؤولية فوق الرجل"‪ .‬واليهود المتش‪rr‬ددون ي‪rr‬دخلون‬
‫في صالتهم اليومية‪:‬‬
‫شكرا هلل أني لم اولد ناعما‬ ‫‪-‬‬
‫‪226‬‬
‫شكرا هلل أني لم اولد عبدا‬ ‫‪-‬‬
‫شكرا هلل أني لم اولد امرأة‬ ‫‪-‬‬
‫تاريخيا‪ ،‬في كل األديان الرئيسة ليس مس‪rr‬موحا للم‪rr‬رأة ان تك‪rr‬ون كاهن‪rr‬ا او‬
‫قسا او اماما‪ ،‬ومازالت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية‪ ،‬واليهود المتش‪rr‬ددون‬
‫يستبعدون المرأة من التدرج الكهنوتي‪ ،‬لكن الكنيسة البروتس‪rr‬تانتية خ‪rr‬رقت‬
‫العادة وسمحت للمرأة ال‪rr‬دخول لع‪rr‬الم الكهن‪rr‬وت على ال‪rr‬رغم من الكث‪rr‬ير من‬
‫االعتراضات‪ .‬الحركات النسوية رفعت صوتها ضد ه‪rr‬ذا التمي‪rr‬يز الجنس‪rr‬ي‬
‫في الممارسة الدينية‪ ،‬وبعض النشطاء في الحركات النس‪rr‬وية من الجنس‪rr‬ين‬
‫يزعم‪rr‬ون ان‪rr‬ه م‪rr‬ا لم تلغى الفك‪rr‬رة التقليدي‪rr‬ة للتم‪rr‬ايز الجنس‪rr‬ي ‪ gender‬ف‪rr‬ان‬
‫المرأة لن تحصل ابدا على المساواة مع الرجل‪.‬‬

‫تراج==ع ال==دين في الغ==رب وتعاظم==ه في الش==رق ‪Decline of Religion in the‬‬


‫‪West‬‬
‫هن‪rr‬اك اعتقاد متزاي‪rr‬د ب‪rr‬ان ال‪rr‬دين في اورب‪rr‬ا وامريك‪rr‬ا في تراج‪rr‬ع وان ع‪rr‬دد‬
‫المؤم‪rr‬نين في تن‪rr‬اقص‪ ،‬ويع‪rr‬زو بعض المختص‪rr‬ين الس‪rr‬بب الى دخ‪rr‬ول ه‪rr‬ذه‬
‫المجتمعات مرحلة العلمنة التامة‪ ،‬وه‪rr‬ذه ك‪rr‬انت اح‪rr‬دى طروح‪rr‬ات اوكس‪rr‬ت‬
‫ك‪rr‬ونت‪ ،‬عن‪rr‬دما ق‪rr‬ال ان المعرف‪rr‬ة الوض‪rr‬عية العقالني‪rr‬ة س‪rr‬تحرر الن‪rr‬اس من‬
‫االلتزامات التقليدية للمعتقدات الدينية‪ .‬الملحدون ‪Atheists‬يرون االتجاه‬
‫العلم‪rrr‬اني (ال‪rrr‬دنيوي) على ان‪rrr‬ه فرص‪rrr‬ة لتحري‪rrr‬ر الن‪rrr‬اس من الخراف‪rrr‬ات‬
‫‪ superstitious‬والعقائد الالعقالنية‪ ،‬ام‪rr‬ا ال‪rr‬ذين م‪rr‬ا زال‪rr‬وا على اعتقادهم‬
‫القديم فانهم صاروا ينظ‪rr‬رون للعلمن‪rr‬ة بص‪rr‬يغتها االلحادي‪rr‬ة على انه‪rr‬ا نقط‪rr‬ة‬

‫‪227‬‬
‫سوداء في جبين التطور ألنها عملت على تقويض االخالق وتدمير اآلداب‬
‫العام‪rrr‬ة‪ .‬اغلب علم‪rrr‬اء االجتم‪rrr‬اع يفض‪rrr‬لون البقاء على الحي‪rrr‬اد‪ ،‬أي ال‬
‫ينتصرون لطرف على حس‪rr‬اب الط‪rr‬رف االخ‪rr‬ر لكيال يفقدوا الموض‪rr‬وعية‬
‫والمص‪rr‬داقية ال‪rr‬تي تع‪rr‬د من م‪rr‬يزات علم االجتم‪rr‬اع‪ ،‬والعتقادهم ان مس‪rr‬الة‬
‫االيمان او عدمه هي مسالة شخصية‪ ،‬ال‪rr‬ذي يس‪rr‬ترعي انتب‪rr‬اههم في الواق‪rr‬ع‬
‫هو السؤال عما إذا كان الدين في تراجع فعال‪ ،‬وإذا كان التراجع يحدث في‬
‫الغرب فلماذا يتعاظم شانه في الشرق‪.‬‬
‫المفه‪rr‬وم االجتم‪rr‬اعي للعلماني‪rr‬ة‪ ،‬ك‪rr‬ان يع‪rr‬ني في األص‪rr‬ل فص‪rr‬ل ال‪rr‬دين عن‬
‫مؤسسات المجتمع األخرى السيما السياسية (أي فصل الدين عن الدول‪rr‬ة)‪،‬‬
‫وه‪rr‬ذا يع‪rr‬ني ان المعتقدات والممارس‪rr‬ات الديني‪rr‬ة ابع‪rr‬دت عن المؤسس‪rr‬ات‬
‫الرئيسة في المجتمع وأص‪r‬بحت ممارس‪r‬تها واالعتقاد به‪r‬ا مس‪r‬اءلة خاص‪rr‬ة‬
‫واختيارا شخصيا محضا‪ .‬والواقع كانت العلمانية في ب‪rr‬داياتها تع‪rr‬ني إزال‪rr‬ة‬
‫حدود الهيمنة الشرعية للكنيسة‪ ،‬وهذا االجراء لم يضعف دور الكنيسة فقط‬
‫بل أضعف االعتقاد الديني نفسه‪ ،‬ولمفهوم العلمانية تطبيق اخر هو تحرير‬
‫الحياة االجتماعية من األوهام ‪ disenchantment‬والمجتم‪rr‬ع يتح‪rr‬رر من‬
‫األوهام عندما ال يصبح للمقدس عالقة تأثير على الن‪rr‬اس‪ ،‬وبالت‪rr‬الي اف‪rr‬راغ‬
‫أية أهمية للمؤثرات الروحية‬
‫واإلْبع‪rrr‬اد ‪ disengagement‬يع‪rrr‬ني إزال‪rrr‬ة هيمن‪rrr‬ة المؤسس‪rrr‬ات الديني‪rrr‬ة‬
‫ورموزه‪rr‬ا على المؤسس‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‪ .‬مث‪rr‬ل إزال‪rr‬ة هيمن‪rr‬ة الكنيس‪rr‬ة على‬
‫التعليم والرعاي‪rrr‬ة االجتماعي‪rrr‬ة‪ ،‬وانس‪rrr‬حابها من محاول‪rrr‬ة تنظيم الس‪rrr‬لوك‬
‫االقتصادي والس‪rr‬يطرة على قض‪rr‬ايا االخالق‪ ،‬وق‪rr‬د أدى ذل‪rr‬ك الى اض‪rr‬عاف‬

‫‪228‬‬
‫االل‪rr‬تزام ال‪rr‬ديني وال‪rr‬دخول الواس‪rr‬ع الى الع‪rr‬الم الم‪rr‬ادي ال‪rr‬ذي اس‪rr‬تبدل ال‪rr‬دين‬
‫بالدنيا ومغرياتها حتى صار كل انسان يعبد اه‪rr‬واءه وش‪rr‬هواته ال‪rr‬تي خلقه‪rr‬ا‬
‫اقتصاد الوفرة‪ ،‬وبينم‪rr‬ا خلت الكن‪rr‬ائس من رواده‪rr‬ا امتألت مح‪rr‬اريب ثقاف‪rr‬ة‬
‫االستهالك بالمتعبدين‪Berger (1973) .‬‬
‫وحيث تفرغ مقاعد الكنيسة وتعلن افالسها وتباع بالمزاد العلني في الغرب‬
‫ويتزايد عدد الذين ال دين لهم فيما عدا قلة قليلة من العج‪rr‬ائز‪ ،‬يقوى ال‪rr‬دين‬
‫في الشرق ويتعاظم نفوذه‪ ،‬السيما في بالدن‪r‬ا العربي‪r‬ة واإلس‪r‬المية‪ ،‬وبعض‬
‫الدول النامية األخرى التي تدين باإلسالم او بغ‪rr‬ير اإلس‪rr‬الم‪ .‬ولع‪rr‬ل من اهم‬
‫أسباب تعاظم نفوذ الدين في بالدنا هو‪ :‬أوال‪ :‬التحدي الثقافي ال‪rr‬ذي ج‪rr‬اءت‬
‫ب‪rr‬ه العولم‪rr‬ة ومؤسس‪rr‬اتها الدعائي‪rr‬ة العمالق‪rr‬ة حيث ان ال‪rr‬دين يمث‪rr‬ل الهوي‪rr‬ة‬
‫ومحاول‪rr‬ة مؤسس‪rr‬ات العولم‪rr‬ة س‪rr‬لخنا من هويتن‪rr‬ا جع‪rr‬ل اغلب الن‪rr‬اس في‬
‫مجتمعاتن‪rr‬ا يلتص‪rr‬ق أك‪rr‬ثر بال‪rr‬دين على األق‪rr‬ل في وجه‪rr‬ه الش‪rr‬كلي مث‪rr‬ل اداء‬
‫الطقوس الدينية والتمس‪rr‬ك بغط‪rr‬اء ال‪rr‬راس (الحج‪rr‬اب) والس‪rr‬لوك اللفظي في‬
‫التع‪r‬امالت اليومي‪r‬ة‪ .‬ثاني‪r‬ا‪ :‬الش‪r‬عوب اإلس‪r‬المية ي‪r‬زداد فيه‪r‬ا الفقر والجه‪r‬ل‬
‫واالمية‪ ،‬وكلما ك‪r‬ان المجتم‪r‬ع فقيرا وج‪r‬اهال وامي‪r‬ا كلم‪r‬ا ص‪rr‬ار يبحث عن‬
‫منقذ من الب‪r‬ؤس ال‪r‬ذي يعيش‪r‬ه وال‪r‬دين يعم‪r‬ل بمثاب‪r‬ة ص‪r‬مام ام‪r‬ان للت‪r‬وازن‬
‫النفسي لألفراد والجماعات‪ .‬ثالثا‪ :‬عملت القوى الدولية على زي‪rr‬ادة الش‪rr‬رخ‬
‫واالنقسام بين المسلمين أنفسهم طائفيا وم‪r‬ذهبيا‪ ،‬وص‪r‬ار التمس‪r‬ك بالم‪r‬ذهب‬
‫محورا مهما من محاو الشعور بالبقاء‪ .‬رابعا‪ :‬هامش الحري‪rr‬ة ال‪rr‬ذي حص‪rr‬ل‬
‫عليه المواطن بعد مدة طويلة من محاربة انظمتنا السياسية المتعاقبة لل‪rr‬دين‬
‫والممارسات العقائدية‪ ،‬أعاد الن‪rr‬اس الى ال‪rr‬دين بقوة تحت مس‪rr‬ميات كث‪rr‬يرة‬

‫‪229‬‬
‫اغلبها شعائرية‪ .‬خامسا‪ :‬أصبح واض‪rr‬حا ان تش‪rr‬جيع اإلس‪rr‬الم السياس‪rr‬ي من‬
‫قبل القوى الدولية هدفه زعزعة الثقة بالدين وبالتالي اض‪rr‬عاف ت‪r‬أثيره على‬
‫الناس وان ظلوا يمارسون الشعائر الشكلية‪ ،‬ذلك ان رجال الدين السياس‪rr‬ي‬
‫في اغلب بالدن‪rr‬ا العربي‪rr‬ة اسس‪rr‬وا عص‪rr‬ابات للنهب والس‪rr‬لب والقت‪rr‬ل وفي‬
‫الوقت نفسه يؤدون الطقوس والشعائر الدينية مما جعل الناس على مختلف‬
‫مستوياتهم الصاق التهمة بالدين وليس برجال الدين السياسي الذين شوهوا‬
‫ص‪rrr‬ورة ال‪rrr‬دين ال‪rrr‬ذي ك‪rrr‬ان وم‪rrr‬ازال اهم عوام‪rrr‬ل التماس‪rrr‬ك والتض‪rrr‬امن‬
‫االجتماعي‪ ،‬وبسبب هؤالء راينا عدد غير قليل من الش‪rr‬باب يتجه‪rr‬ون نح‪rr‬و‬
‫االلحاد‪ ،‬كما راينا بعض حاالت التحول الديني‪ ،‬ومثل ه‪rr‬ذه االتجاه‪rr‬ات من‬
‫شانها زعزعة امن واستقرار المجتمع‪ .‬ولعل هذه المجتمع‪rr‬ات ستش‪rr‬هد ردة‬
‫قوية ضد الدين إذا استمر الدين السياسي في افقار الناس وع‪rr‬دم االك‪rr‬تراث‬
‫بالمصالح العامة للمجتمع‪.‬‬

‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫لقد تبين ح‪rr‬تى االن ان ال‪r‬دين يعم‪rr‬ل على اس‪rr‬تقرار وتكام‪rr‬ل المجتم‪rr‬ع‪ ،‬وفي‬
‫الوقت نفسه يكون مصدرا للتباغض والتنافس واالنقسام والص‪rr‬راع‪ .‬م‪rr‬رة‬
‫أخرى أقول ان الدين بذاته ال يعمل على تفريق الن‪rr‬اس او وض‪rr‬ع الح‪rr‬واجز‬
‫والتم‪rr‬ايزات بينهم‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان ال‪rr‬دين في ج‪rr‬وهره ج‪rr‬اء لخالص الن‪rr‬اس من‬
‫الخرافة والتعسف واالستعباد‪ ،‬ولكن القائمين عليه انقسموا بت‪rr‬أثير االه‪rr‬واء‬
‫والمص‪rr‬الح فص‪rr‬اروا ش‪rr‬يعا وطوائ‪rr‬ف وأحزاب‪rr‬ا متن‪rr‬احرة لم تكن في أص‪rr‬ل‬
‫العقي‪rr‬دة‪ ،‬ال في اإلس‪rr‬الم وال في المس‪rr‬حية وال في اليهودي‪rr‬ة وال ح‪rr‬تى في‬

‫‪230‬‬
‫البوذية والكونفوشيوسية‪ .‬لقد وجد كارل م‪rr‬اركس ان الكنيس‪rr‬ة ك‪rr‬انت ت‪rr‬برر‬
‫السلطة القاهرة ألصحاب راس المال‪ ،‬وكانت تعم‪rr‬ل على تخ‪rr‬دير الفقراء‬
‫الذين كان عليهم ان يص‪rr‬بروا لكي ين‪rr‬الوا الجن‪rr‬ة‪ ،‬وق‪rr‬د ك‪rr‬ان م‪rr‬اركس محقا‬
‫عندما وصف الدين المسيحي الذي تقوده الكنيسة على وجه التحديد‪ ،‬بمثابة‬
‫افيون للشعوب المسحوقة فيما تتنعم فئة قليلة من ضمنها فئ‪rr‬ة رج‪rr‬ال ال‪rr‬دين‬
‫بكل االمتيازات‪ ،‬تماما مثلما يحدث معنا في العراق واغلب الدول العربي‪rr‬ة‬
‫االن حيث يستحوذ رجال ال‪rr‬دين السياس‪rr‬ي على ك‪rr‬ل ش‪rr‬يء فيم‪rr‬ا ال يحص‪rr‬ل‬
‫المواطن على أي شيء‪ ،‬فال تجد شارعا يص‪rr‬لح للمش‪rr‬اة وال مش‪rr‬فى يص‪rr‬لح‬
‫لعالج المرضى وال مدرسة تصلح لتعليم األوالد‪ ،‬وال كهرباء في الص‪rr‬يف‬
‫وال ماء صالحا للشرب بينما يدخل العراق من موارد النفط وحده ما يعادل‬
‫دخول عشر دول من دول الجوار‪ ،‬ولكن هذه الثروة كلها تذهب في بطون‬
‫اللصوص والسماسرة وتجار الليل بتأييد ومبارك‪rr‬ة رج‪rr‬ال ال‪rr‬دين السياس‪rr‬ي‬
‫الذين يتحص‪rr‬نون في مس‪rr‬توطنات خاص‪rr‬ة تحت حماي‪rr‬ة االتب‪rr‬اع والجن‪rr‬ازير‬
‫والكالب المدرب‪rr‬ة على اك‪rr‬ل لح‪rr‬وم البش‪rr‬ر‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من ان المدرس‪rr‬ة‬
‫التطورية والمدرس‪r‬ة الص‪r‬راعية ت‪r‬رى ان ال‪r‬دين ول‪r‬د في أحض‪r‬ان الخ‪r‬وف‬
‫وان‪rr‬ه ش‪rr‬كل من اش‪rr‬كال ال‪rr‬وهم او االس‪rr‬اطير‪ ،‬اال ان الحقيقة ال‪rr‬تي ال تقب‪rr‬ل‬
‫الجدل ان الدين كان على امتداد التاريخ‪ ،‬كما تقول المدرس‪rr‬ة الوظيفي‪rr‬ة في‬
‫علم االجتماع‪ ،‬قوة تعمل على توحيد المجتمع وتماسكه عبر منظومة قيمية‬
‫واخالقية متكاملة‪ .‬وقد كان للدين كم‪rr‬ا يقول ب‪rr‬راوني )‪Browne (2010‬‬
‫دور فاعل في احداث التغ‪rr‬يرات االجتماعي‪rr‬ة اإليجابي‪rr‬ة‪ ،‬وفي ال‪rr‬وقت نفس‪rr‬ه‬
‫اّد ى دورا في نشوء الجماع‪rr‬ات المتطرف‪rr‬ة‪ ،‬في ك‪rr‬ل األدي‪rr‬ان‪ ،‬ولكن ترك‪rr‬يز‬

‫‪231‬‬
‫المفكرين الغربيين كان على التطرف اإلس‪rr‬المي فقط‪ ،‬على ال‪rr‬رغم من ان‬
‫الحركات اإلسالمية المتطرفة نش‪rr‬أت في مخت‪rr‬بر المخ‪rr‬ابرات األجنبي‪rr‬ة عن‬
‫طريق جذب المحرومين‪ ،‬غير المتعلمين وغير االسوياء مع المرتزق‪rr‬ة من‬
‫غير المس‪rr‬لمين ال‪rr‬ذين ك‪rr‬انت تم‪rr‬دهم المخ‪rr‬ابرات األجنبي‪rr‬ة بالم‪rr‬ال والس‪rr‬الح‬
‫والمعلومات‪ .‬التطرف اإلسالمي في الواقع لعبة خطيرة نجح الغ‪rr‬رب فيه‪rr‬ا‬
‫بتخ‪rr‬ريب البل‪rr‬دان العربي‪rr‬ة ب‪rr‬دون ان يخس‪rr‬ر جن‪rr‬ديا ومن دون ان ي‪rr‬دخل في‬
‫ح‪rr‬رب ترهقه اقتص‪rr‬اديا‪ .‬اإلره‪rr‬اب ص‪rr‬ناعة غربي‪rr‬ة جن‪rr‬دت ل‪rr‬ه االجن‪rr‬اد‬
‫المخابراتية واموال ودماء وعقائد الع‪rr‬رب ال‪rr‬ذين ان‪rr‬دفعوا لتخ‪rr‬ريب بل‪rr‬دانهم‬
‫بسبب سعة الفجوة بين الحاكم والمحكوم‪.‬‬

‫الفصل الثامن‬

‫‪232‬‬
‫القوة والسلطة والسياسة والدولة‬
‫‪Power, Authority, Politics & State‬‬

‫أسوأ أنواع السلطة هي التي تفرض عليك ان تذكرها ليال ونهارا‬


‫ارنست هيمنجواي‬

‫السلطة السياسية في الغرب الرأسمالي غيرها في المجتمعات األقل تقدما‪،‬‬


‫وغيرها في ال‪r‬دول النائم‪r‬ة‪ ،‬الس‪r‬لطة السياس‪r‬ية في الغ‪r‬رب طبقي‪r‬ة بامتي‪r‬از‪،‬‬
‫يقول فولتشر وسكوت )‪ Fulcher& Scott (1999‬ان الشركات الكبرى‬
‫بمقدورها ان تت‪rr‬آمر لتقويض سياس‪rr‬ة الحكوم‪rr‬ة‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان اغلب أعض‪rr‬اء‬
‫‪233‬‬
‫البرلمانات لهم صالت عمل او مصالح مع هذه الشركات‪ ،‬ولذلك فان ه‪rr‬ذه‬
‫الشركات تملك القدرة المالية والسلطة داخل البرلم‪r‬ان تمنحه‪r‬ا القدرة على‬
‫التالعب بسياسة الحكوم‪rr‬ة‪ ،‬وعلي‪rr‬ه ف‪rr‬ان اغلب الحكوم‪rr‬ات الرأس‪rr‬مالية تقع‬
‫تحت هيمنة جماع‪r‬ات الض‪rr‬غط‪ .‬بعض الن‪r‬اس يعتقدون ان الحكوم‪r‬ة تعم‪r‬ل‬
‫كأداة لتحقيق المصالح الخاصة التي تعمل من وراء ستار‪ ،‬والبعض االخر‬
‫يعتقد ان الحكومة الديمقراطية تعمل بمثابة حكم محايد يعمل إلحداث ن‪rr‬وع‬
‫من التوازن بين أصحاب المصالح‪ .‬لمعرفة حقيقة ما يج‪rr‬ري يتعين معرف‪rr‬ة‬
‫حقيقة وماهية القوة والسلطة‪.‬‬
‫طبيعة القوة والسلطة ‪The Nature of Power and Authority‬‬
‫األص‪rr‬ل في العالق‪rr‬ة بين الجماع‪rr‬ات واالف‪rr‬راد م‪rr‬ع بعض‪rr‬هم البعض هي في‬
‫الواقع القوة والسلطة ‪ * Power &Authority‬فالقوة االجتماعي‪rr‬ة تع‪rr‬ني‬
‫القدرة في الس‪rr‬يطرة على أفع‪rr‬ال االخ‪rr‬رين وتظه‪rr‬ر في ك‪rr‬ل ج‪rr‬وانب الحي‪rr‬اة‬
‫االجتماعية‪ ،‬كاألسرة‪ ،‬والدين والمدرسة والنشاط االقتص‪rr‬ادي وب‪rr‬الطبع في‬
‫الحكومة والسياسة‪ .‬القوة ليست الممارسة التي يقوم بها مجلس الن‪rr‬واب في‬
‫تشريع القوانين فقط‪ ،‬او عن‪rr‬دما يع‪rr‬ترض عليه‪rr‬ا رئيس ال‪rr‬وزراء او رئيس‬
‫الجمهوري‪r‬ة‪ ،‬وانم‪r‬ا أيض‪rr‬ا عن‪r‬دما ي‪r‬ؤدب االب‪r‬وين الطف‪r‬ل‪ ،‬وعن‪r‬دما يف‪r‬رض‬
‫المعلم الواجب البيتي على التالميذ‪ ،‬وعندما يحدد المدير التنفي‪rr‬ذي للش‪rr‬ركة‬
‫األس‪rr‬عار‪ ،‬وعن‪rr‬دما يخت‪rr‬ار المنتج التلفزي‪rr‬وني البرن‪rr‬امج‪ .‬القوة تكش‪rr‬ف عن‬
‫نفس‪rr‬ها عن‪rr‬دما يعلن رئيس ال‪rr‬وزراء او رئيس الجمهوري‪rr‬ة السياس‪rr‬ة العام‪rr‬ة‬
‫للبالد‪ ،‬وعن‪rrr‬دما يطيح الجيش ب‪rrr‬الرئيس في الس‪rrr‬ودان‪ ،‬وعن‪rrr‬دما تتظ‪rrr‬اهر‬
‫الجماهير الغاضبة في الشرق األوس‪rr‬ط ض‪rr‬د السياس‪rr‬ة االمريكي‪rr‬ة (في ه‪rr‬ذه‬

‫‪234‬‬
‫المرحلة خنع الحكام واسكتوا أص‪rr‬وات الجم‪rr‬اهير الغاض‪rr‬بة ولم تع‪rr‬د هن‪rr‬اك‬
‫أصوات ترتفع حتى مع اعالن الرئيس األمريكي ترامب تأييد إسرائيل في‬
‫ض‪rr‬م الج‪rr‬والن المحت‪rr‬ل‪ ،‬ولم تظه‪rr‬ر الجم‪rr‬اهير الغاض‪rr‬بة م‪rr‬ع نقل الس‪rr‬فارة‬
‫االمريكية للقدس‪ ...‬الجماهير الغاضبة هدأت مع ه‪rr‬دوء الحك‪rr‬ام وأص‪rr‬بحت‬
‫ذكرى من الماضي)‪ .‬القوة تنط‪rr‬وي على إمكاني‪rr‬ة اص‪rr‬دار األوام‪rr‬ر واتخ‪rr‬اذ‬
‫القرارات ال‪rr‬تي ت‪rr‬ؤثر بش‪rr‬كل مباش‪rr‬ر او غ‪rr‬ير مباش‪rr‬ر على حي‪rr‬اة وافع‪rr‬ال‬
‫االخرين‪ .‬القوة قد تستند الى أيديولوجيا خادعة قد تعمد الى انكار وجوده‪rr‬ا‬
‫او تقلل من أهميتها ولكنها تعمل في الظالم بقوة‪ ،‬مث‪rr‬ل الل‪rr‬وبي الص‪rr‬هيوني‬
‫في أمريكا وأروبا‪ ،‬ال‪rr‬ذي ال يظه‪rr‬ر للعلن ولكن‪rr‬ه يمل‪rr‬ك ت‪rr‬أثيرا خط‪rr‬يرا على‬
‫صّناع القرار في هذه البل‪rr‬دان‪ .‬والت‪rr‬اريخ يزودن‪rr‬ا بأمثل‪rr‬ة ال حص‪rr‬ر له‪rr‬ا عن‬
‫القوة التي تفرض نفسها بالسيف‪ ،‬وفي ذلك يقول بعضهم "ان‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫الف==رق بين الق==وة ‪ power‬والس‪rr‬لطة ‪ :authority‬ه‪rr‬و ان القوة تع‪rr‬ني ق‪rr‬درة الف‪rr‬رد او‬
‫الجماع‪rr‬ة في الت‪rr‬أثير على االخ‪rr‬رين والس‪rr‬يطرة على افع‪rr‬الهم‪ ،‬ام‪rr‬ا الس‪rr‬لطة فإنه‪rr‬ا الح‪rr‬ق‬
‫الش‪rrrr‬رعي والرس‪rrrr‬مي ال‪rrrr‬ذي يس‪rrrr‬مح بإعط‪rrrr‬اء األوام‪rrrr‬ر واتخ‪rrrr‬اذ القرارات‪.‬‬
‫‪ ،https://keydifferences.com‬وهما في الغالب يس‪rr‬تخدمان كمرادف‪rr‬ات الن القوة‬
‫مرتبطة بالسلطة والسلطة تحتاج قوة لكي تستمر في اصدار األوامر وتنفيذها‪.‬‬
‫القوة تصنع الحق" وهي بكلم‪rr‬اتِ ثراسيماش‪rr‬وس ‪ Thrasymachus‬ال‪rr‬ذي‬
‫يجادل س‪rr‬قراط في جمهوري‪rr‬ة افالط‪rr‬ون "العدال‪rr‬ة ليس‪rr‬ت أك‪rr‬ثر من مص‪rr‬الح‬
‫األقوياء" وفي رواية دانيال ديف‪rr‬وا "روبنس‪rr‬ون كروس‪rr‬و" يوك‪rr‬د الك‪rr‬اتب ان‬
‫من يملك القوة يملك السيادة وحالما يفقدها يتحول الى عبد‪ .‬لكن القوة ال‪rr‬تي‬
‫تعتمد على األيديولوجي‪rr‬ة المج‪rr‬ردة يقول ش‪rr‬ينوي ‪ Chinoy‬هي ق‪rr‬وة غ‪rr‬ير‬
‫مستقرة وانتقالية‪ ،‬ولن يكون االقوى قويا بما فيه الكفاي‪r‬ة م‪r‬الم يح‪r‬ول القوة‬

‫‪235‬‬
‫الى حق والطاعة الى واجب‪ ،‬كما يقول جان جاك روس‪rr‬و‪ .‬وأولئ‪rr‬ك ال‪rr‬ذين‬
‫يفرضون قوتهم ب‪rr‬القوة المس‪rr‬لحة فقط ق‪rr‬د يواجه‪rr‬ون في وقت من األوق‪rr‬ات‬
‫عصيان تنفيذ اوامرهم مالم يكونوا على درجة من التحوط في الحفاظ على‬
‫م‪rr‬واقعهم‪ .‬وق‪rr‬د يس‪rr‬تطيعون ت‪rr‬أمين ق‪rr‬وتهم بالض‪rr‬غط الش‪rr‬ديد على المن‪rr‬اوئين‬
‫ليكون‪rr‬وا بال ح‪rr‬ول وال ق‪rr‬وة‪ ،‬م‪rr‬ع اض‪rr‬عاف ش‪rr‬امل للنس‪rr‬يج االجتم‪rr‬اعي عن‬
‫طريق إعطاء امتيازات كبيرة لفئة قليلة ت‪rr‬دين لهم ب‪rr‬الوالء ومن ثم بتحوي‪rr‬ل‬
‫القوة ‪ power‬الى س‪rr‬لطة ‪ authority‬ت‪rr‬ديم س‪rr‬يطرتهم بوس‪rr‬اطة عقوب‪rr‬ات‬
‫مؤسسية واخالقية‪ .‬وهذا النوع من القوة هو المعم‪rr‬ول ب‪rr‬ه في الع‪rr‬راق من‪rr‬ذ‬
‫عهد االنقالبات وصوال الى "ديمقراطية" اللصوص الذين احاطوا أنفس‪rr‬هم‬
‫بأسالك ش‪rr‬ائكة وكالب مدرب‪rr‬ة على اك‪rr‬ل لح‪rr‬وم البش‪rr‬ر وبض‪rr‬عة مئ‪rr‬ات من‬
‫السماسرة والعصابات والمنتفعين والمنافقين الذين يأكلون معهم في صحن‬
‫واحد في اول النهار ويكيلون لهم التهم في اخر النهار‪ .‬لقد انتص‪rr‬ر النف‪rr‬اق‬
‫في العراق انتصارا ساحقا وهيمن على منظوم‪rr‬ة القيم االجتماعي‪rr‬ة لدرج‪rr‬ة‬
‫ان الذي ال ينافق ال يجد لنفسه مكانا في مؤسسات الدولة والمجتمع‪ ،‬بمعنى‬
‫ادق صار النفاق قيمة إيجابية وسلعة رابحة في س‪r‬وق السياس‪r‬ة واالقتص‪r‬اد‬
‫واالجتماع بعد ان كان قيمة مرذولة‪.‬‬
‫عملي‪rr‬ا يمكن الحص‪rr‬ول على القوة من ع‪rr‬دة مص‪rr‬ادر؛ القوة المس‪rr‬لحة‪،‬‬
‫المص‪rr‬الح الذاتي‪rr‬ة‪ ،‬األي‪rr‬ديولوجيا‪ ،‬والالمب‪rr‬االة ‪ apathy‬فنظ‪rr‬ام عب‪rr‬د الك‪rr‬ريم‬
‫قاسم او صدام حسين مثال حصال على القوة من ث‪r‬ورة او انقالب عس‪r‬كري‬
‫مصحوب بالعنف‪ ،‬واحكموا قبضتهم بالقوة المسلحة وإره‪rr‬اب الن‪rr‬اس وبث‬
‫الرعب‪ ،‬ولكنهم عملوا أيضا على اسكات الناس بتقديم خ‪rr‬دمات في التعليم‬

‫‪236‬‬
‫والصحة والزراعة والصناعة‪ ،‬وعملوا على تحقيق بعض وعودهم‪ .‬واالن‬
‫في عصر الديمقراطية الزائفة تعاقب حتى اللحظ‪rr‬ة خمس‪rr‬ة رؤس‪rr‬اء وزراء‬
‫أطل‪rr‬ق كلهم وع‪rr‬ودا بتقديم خ‪rr‬دمات في الص‪rr‬حة والتعليم والبني‪rr‬ة التحتي‪rr‬ة‬
‫ومحاربة الفساد ولم يحقق أي منهم ولو واحد في المائة من وعودهم‪ ،‬ذل‪rr‬ك‬
‫ان الذي يأتي مع جنازير المحت‪rr‬ل ال يك‪rr‬ترث اب‪rr‬دا بتحقي‪rr‬ق وع‪rr‬وده للش‪rr‬عب‬
‫ال‪rr‬ذي يحكم‪rr‬ه‪ ،‬واهتمام‪rr‬ه األول إرض‪rr‬اء المحت‪rr‬ل ال‪rr‬ذي وض‪rr‬عه على راس‬
‫الهرم وتكفل بحمايته‪.‬‬
‫التبرير االجتماعي للقوة بصيغتها الشرعية قد يأخذ عدة اشكال‪ ،‬منها القوة‬
‫المقبولة اجتماعيا التي ترتبط بتقاليد مثل االسرة المالكة في بريطاني‪rr‬ا ال‪rr‬تي‬
‫ما ت‪r‬زال على راس اله‪r‬رم من‪r‬ذ ع‪r‬دة ق‪rr‬رون‪ ،‬ومنه‪r‬ا ال‪r‬والء الح‪r‬زبي ال‪r‬ذي‬
‫يتج‪rr‬اوز األش‪rr‬خاص نح‪rr‬و أنظم‪rr‬ة وسياس‪rr‬ات تل‪rr‬تزم بقواع‪rr‬د يش‪rr‬ترك فيه‪rr‬ا‬
‫الجميع‪ ،‬مثال في الوالي‪r‬ات المتح‪r‬دة االمريكي‪r‬ة كم‪r‬ا يزعم‪r‬ون ان الحكوم‪r‬ة‬
‫هي حكوم‪rr‬ة ق‪rr‬وانين وليس‪rr‬ت حكوم‪rr‬ة اش‪rr‬خاص‪ .‬وليس مهّم ًا ان ال تحظى‬
‫القوانين بشعبية‪ ،‬المهم ان تط‪rr‬اع طالم‪rr‬ا انه‪rr‬ا دس‪rr‬تورية‪ .‬والمعارض‪rr‬ون ق‪rr‬د‬
‫يبذلون مجه‪rr‬ودا لتغي‪rr‬ير القوانين او الدس‪rr‬اتير من دون اعالن العص‪rr‬يان او‬
‫التمرد‪ .‬وقد تكون السلطة شرعية عندما يكون الشخص ذا مؤهالت قيادي‪rr‬ة‬
‫كاريزمية ‪ Charisma‬مثل شخصية نيلسون مانديال‪ ،‬او كاسترو او لي‪rr‬نين‬
‫او ماو تسيتونغ‪ .‬ومع ذلك فان بناء القوة لم ُيحدد بوض‪rr‬وح‪ ،‬ان‪rr‬ه في الواق‪rr‬ع‬
‫ال يملك أرضية مشتركة وهو مفهوم غير موث‪rr‬وق ب‪rr‬ه ألن‪rr‬ه موض‪rr‬ع خالف‬
‫حتى بين المتخصصين‪ .‬بعض المراقبين يعتقدون ان الم‪rr‬دير التنفي‪rr‬ذي في‬
‫الشركات العمالقة في المجتمعات الرأسمالية الحديثة يتمت‪rr‬ع بس‪rr‬لطة كب‪rr‬يرة‬

‫‪237‬‬
‫جدا مستمدة من الموقع الذي يشغله‪ .‬ولكن مثل هذا االعتقاد موضع تشكيك‬
‫مستمر‪ ،‬فالقوة او السلطة التي يتمتع بها المدير التنفيذي او السياس‪rr‬ي يمكن‬
‫انتزاعها بسرعة على طريقة مص‪rr‬باح عالء ال‪rr‬دين الس‪rr‬حري‪ .‬ومهم‪rr‬ا يكن‬
‫فان فهم القوة والسلطة يستلزم فهم السياسة‪.‬‬
‫السياسة والسلطة ‪Politics & Power‬‬
‫التحليل االجتماعي للسياسة يأخذ في االعتبار العالقة بين السلوك السياسي‬
‫والبناء االجتماعي‪ .‬علم االجتماع يقوم بتحليل السلطة والهيمنة في مواطن‬
‫مختلفة من المجتمع‪ ،‬من مكان العمل الى االسرة‪ ،‬وعلم االجتماع السياسي‬
‫يهتم بدراس‪rr‬ة الس‪rr‬لوك السياس‪rr‬ي المباش‪rr‬ر مث‪rr‬ل التص‪rr‬ويت في االنتخاب‪rr‬ات‬
‫وانش‪rr‬طة جماع‪rr‬ات الض‪rr‬غط‪ ،‬لكن علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع يعتقدون ان م‪rr‬ديات‬
‫الس‪rr‬لطة السياس‪rr‬ية ابع‪rr‬د من ذل‪rr‬ك بكث‪rr‬ير‪ ،‬فالسياس‪rr‬ة ت‪rr‬دخل في ك‪rr‬ل أن‪rr‬واع‬
‫التفاعالت االجتماعية‪ ،‬وكم‪rr‬ا يقول وزلي )‪Worsley (1966: 16-17‬‬
‫"يمكنن‪rr‬ا القول بانن‪rr‬ا نتص‪rr‬رف سياس‪rr‬يا عن‪rr‬دما نض‪rr‬ع ن‪rr‬وع من القي‪rr‬ود على‬
‫االخرين لكي يسلكوا السلوك الذي نريد‪ ...‬وضع القي‪rr‬ود على االخ‪rr‬رين في‬
‫أي عالقة اجتماعي‪rr‬ة ه‪rr‬و سياس‪rr‬ة"‪ .‬وفقا لوجه‪rr‬ة النظ‪rr‬ر ه‪rr‬ذه ف‪rr‬ان الس‪rr‬لوك‬
‫السياسي هو سلوك سلطوي‪ ،‬وهذا ال يقتص‪rr‬ر على المؤسس‪rr‬ات الحكومي‪rr‬ة‪،‬‬
‫ولكنه يمكن ان يظهر في أي موقف اجتماعي‪ .‬عندما يتخذ القرار السياسي‬
‫فانه يصبح موضع تنفيذ‪ ،‬والتنفيذ يستلزم القوة والس‪r‬لطة لكي يأخ‪r‬ذ طريقه‬
‫الملزم‪ .‬السياسة ببساطة ليست ما يفعله السياسي‪ ،‬انها أية ممارسة تس‪rr‬تلزم‬
‫ممارسة الضبط‪ ،‬ووضع القيود واالجب‪r‬ار في المجتم‪r‬ع‪ ،‬واي‪r‬ة عالق‪r‬ة غ‪r‬ير‬
‫متكافئ‪rr‬ة او ليس فيه‪rr‬ا مس‪rr‬اواة تمل‪rr‬ك ابع‪rr‬ادا سياس‪rr‬ية‪ ،‬والن ع‪rr‬دم المس‪rr‬اواة‬

‫‪238‬‬
‫موجود في الحياة االجتماعية‪ ،‬ف‪rr‬ان اي بحث في أنم‪rr‬اط الحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة‬
‫ينبغي ان يكون بحثا عن أنماط توزيع السلطة‪ .‬كما ان االتج‪rr‬اه االجتم‪rr‬اعي‬
‫للسياس‪rr‬ة يقوم دائم‪rr‬ا على تحلي‪rr‬ل عملي‪rr‬ات الس‪rr‬لطة في مج‪rr‬ال العالق‪rr‬ات‬
‫االجتماعي‪rrr‬ة‪ ،‬وعلى نت‪rrr‬ائج الس‪rrr‬لطة المرتبط‪rrr‬ة بالص‪rrr‬راع او االس‪rrr‬تقرار‬
‫االجتم‪rr‬اعي‪ .‬النظري‪rr‬ات الحديث‪rr‬ة للس‪rr‬لطة ذهبت بعي‪rr‬دا في تحليله‪rr‬ا بكال‬
‫االتج‪rr‬اهين‪ ،‬الض‪rr‬يق والواس‪rr‬ع ‪ .Micro & Macro‬ميش‪rr‬يل م‪rr‬ان ‪M.‬‬
‫)‪ Mann (1986‬أكد على ان هناك أربعة مصادر للقوة االجتماعي‪rr‬ة هي‪:‬‬
‫األيديولوجيا‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والعسكر والقوة السياسية‪ ،‬وبدل ان يكون هن‪rr‬اك‬
‫بناء مفرد للقوة لكل مجتمع من المجتمعات‪ ،‬أكد "م‪rr‬ان" ان هن‪rr‬اك ش‪rr‬بكات‬
‫متداخلة للقوة والس‪rr‬لطة‪ ،‬كم‪rr‬ا أش‪rr‬ار الى ان‪rr‬ه ال ينبغي االعتقاد ب‪rr‬ان اح‪rr‬دى‬
‫أنواع القوة او السلطة المش‪rr‬ار اليه‪rr‬ا يمكن ان تحص‪rr‬ل على الهيمن‪rr‬ة التام‪rr‬ة‬
‫كما وصفها كارل ماركس‪ .‬مان كان مشككا بنظريات بناء السلطة التقليدية‬
‫ولكن‪rr‬ه ه‪rr‬و االخ‪rr‬ر س‪rr‬قط في فخ التوص‪rr‬يفات االعتباطي‪rr‬ة في اعتم‪rr‬اده على‬
‫مفهوم المنظمات التي تمارس السلطة‪ .‬ميشيل فوكو ‪Michel Foucault‬‬
‫)‪ (1979‬هو االخر ك‪rr‬ان مرتاب‪rr‬ا من التعام‪rr‬ل م‪rr‬ع المجتمع‪rr‬ات المحص‪rr‬ورة‬
‫بأبنية منفصلة‪ ،‬ورفض بقوة أي تعميم بشأن التفسير االقتص‪rr‬ادي للس‪rr‬لطة‪،‬‬
‫فوكو ذهب ابعد من م‪r‬ان في رفض فك‪r‬رة البن‪r‬اء الواس‪r‬ع للس‪r‬لطة ‪Macro‬‬
‫‪ ،way‬وكان ينظر للسلطة منظار الباب الضيق ‪ ،Micro‬ويراها واضحة‬
‫في كل العالقات االجتماعي‪rr‬ة وفي عم‪rr‬ل مختل‪rr‬ف المؤسس‪rr‬ات بم‪rr‬ا في ذل‪rr‬ك‬
‫الس‪rr‬جون والعي‪rr‬ادات الطبي‪rr‬ة‪ .‬وه‪rr‬و في ذل‪rr‬ك يكتش‪rr‬ف العالق‪rr‬ة القريب‪rr‬ة بين‬
‫الس‪rr‬لطة والمعرف‪rr‬ة‪ ،‬ويقول ان‪rr‬ه حيث تس‪rr‬تقر األفك‪rr‬ار وتوض‪rr‬ع موض‪rr‬ع‬

‫‪239‬‬
‫الممارسة ويصبح الخطاب فع‪rr‬اال ف‪rr‬ان فك‪rr‬رة هيمن‪rr‬ة الس‪rr‬لطة الحاكم‪rr‬ة مثال‬
‫تبدد الغموض عن حقيقة الس‪rr‬لطة على المس‪rr‬توى الض‪rr‬يق ‪Micro level‬‬
‫بمع‪rr‬نى ان الس‪rr‬لطة ال يمكن النظ‪rr‬ر اليه‪rr‬ا من الب‪rr‬اب الواس‪rr‬ع ‪ Macro‬أي‬
‫باستحواذ طبقة بذاتها دون االخرين على السلطة‪ ،‬وهو ل‪rr‬ذلك يع‪rr‬د الس‪rr‬لطة‬
‫بناء يشبه الشبكة ينتشر عبر نسيج الحي‪rr‬اة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬ففي الحقل الط‪rr‬بي‬
‫مثال يقول فوكو ان طبيعة المعرفة لها سلطة مباش‪rr‬رة اذا وض‪rr‬عت موض‪rr‬ع‬
‫الممارسة في المؤسس‪rr‬ات الطبي‪rr‬ة‪ ،‬ويتخ‪rr‬ذ من ه‪rr‬ذه الس‪rr‬لطة على المس‪rr‬توى‬
‫المؤسسي انموذجا للسلطة على مس‪rr‬توى "‪ ،"Micro‬بينم‪rr‬ا ذهب اخ‪rr‬رون‬
‫في توجيه االتجاه نح‪rr‬و الس‪rr‬لطة على المس‪rr‬توى الع‪rr‬المي الواس‪rr‬ع ‪،Macro‬‬
‫مث‪r‬ل الش‪r‬ركات ع‪r‬ابرة القارات ال‪r‬تي ذهبت م‪r‬ع س‪r‬لطتها وقوته‪r‬ا ابع‪r‬د من‬
‫الحدود القومية ألي بلد‪Bilton et al (2002).‬‬
‫الطبقة والسلطة ‪Class & Power‬‬
‫العالقة بين الطبقة والسلطة السياسية كانت محور نظرية ك‪rr‬ارل م‪rr‬اركس‪،‬‬
‫وينضوي تحتها الطبقة التي تحكم والطبقة التي تعمل‪ ،‬وهذه الثنائي‪r‬ة ك‪r‬انت‬
‫موض‪rr‬ع نقاش مس‪rr‬تمر من ِقب‪rr‬ل المؤي‪rr‬دين والمعارض‪rr‬ين‪ .‬مناقش‪rr‬ة الطبقة‬
‫العاملة كانت تتمحور حول وعيها الطبقي وفعلها السياس‪rr‬ي‪ ،‬بينم‪rr‬ا رك‪rr‬زت‬
‫مناقش‪rr‬ة الطبقة الحاكم‪rr‬ة على ق‪rr‬درة ه‪rr‬ذه الطبقة على الهيمن‪rr‬ة على س‪rr‬لطة‬
‫الدولة‪ .‬لقد كان الماركسيون ينظرون للطبقة العاملة على انها اشكال نامي‪rr‬ة‬
‫للعمل السياسي الذي يعمل على تحدي النظام االجتماعي الرأسمالي القائم‪،‬‬
‫وإنها في النهاية ستنتصر على هذا النظام بالثورة‪ ،‬ومن جه‪rr‬ة أخ‪rr‬رى ف‪rr‬ان‬
‫الطبقة الحاكمة التي تتحكم في أدوات الدول‪rr‬ة س‪rr‬تؤول الى ال‪rr‬زوال‪ .‬منتقدو‬

‫‪240‬‬
‫م‪rr‬اركس ه‪rr‬اجموا نظريت‪rr‬ه السياس‪rr‬ية بوجهيه‪rr‬ا‪ ،‬وأك‪rr‬دوا ان الطبقة العامل‪rr‬ة‬
‫فشلت في ان تكون أداة ثورية فعالة كما أراد لها ماركس‪ ،‬ثم رفضوا فكرة‬
‫هيمن‪r‬ة الطبقة الرأس‪r‬مالية على الدول‪r‬ة‪ .‬المنتقدون ال‪r‬ذين ينتم‪r‬ون لمدرس‪r‬ة‬
‫الص‪rr‬فوة التقليدي‪rr‬ة‪ ،‬اس‪rr‬تبدلوا مفه‪rr‬وم م‪rr‬اركس عن الطبقة الحاكم‪rr‬ة بمفه‪rr‬وم‬
‫الصفوة السياسية او الصفوة الحاكمة‪ ،‬وقالوا ان ال‪rr‬ذين يحكم‪rr‬ون هم خلي‪rr‬ط‬
‫من كل الطبقات‪ ،‬والسلوك السياس‪r‬ي له‪r‬ذا ال يمكن ببس‪r‬اطة ع‪r‬زوه للعالق‪r‬ة‬
‫بين الطبقات او الصراع الطبقي‪ .‬ماركس كان ي‪rr‬رى الطبقات االجتماعي‪rr‬ة‬
‫على انها فئات من الن‪rr‬اس يش‪rr‬تركون في مص‪rr‬الح اقتص‪rr‬ادية معين‪rr‬ة‪ ،‬وك‪rr‬ان‬
‫يعتقد انه عن‪rr‬دما يص‪rr‬بح أعض‪rr‬اء الطبقة على وعي بمص‪rr‬الحهم المش‪rr‬تركة‬
‫فانهم سيقومون بتشكيل او االنضمام لحزب سياسي يمث‪rr‬ل مص‪rr‬الحهم‪ .‬كم‪rr‬ا‬
‫ان وعيهم الطبقي وتض‪rr‬امنهم س‪rr‬وف يع‪rr‬زز فعلهم الجمعي ويجع‪rr‬ل منهم‬
‫طبقة بذاتها على حد تعبير م‪rr‬اركس نفس‪rr‬ه‪ .‬ف‪rr‬اذا انتظم أعض‪rr‬اء الطبقة من‬
‫اج‪rr‬ل العم‪rr‬ل السياس‪rr‬ي فان‪rr‬ه س‪rr‬يكون بمقدورهم العم‪rr‬ل ألنفس‪rr‬هم من اج‪rr‬ل‬
‫مصالحهم الجمعية‪ ،‬ولن يعودوا يشكلون مجرد طبقة ب‪rr‬ذاتها‪ ،‬او تجم‪rr‬ع من‬
‫االف‪rr‬راد المتم‪rr‬اثلين‪ ،‬ألنهم يملك‪rr‬ون الوح‪rr‬دة والتماس‪rr‬ك والتنظيم من اج‪rr‬ل‬
‫برن‪rr‬امج عم‪rr‬ل مش‪rr‬ترك يم‪rr‬يزهم‪ .‬م‪rr‬اركس ك‪rr‬ان ي‪rr‬رى المجتم‪rr‬ع الرأس‪rr‬مالي‬
‫يمضي بقوة نحو القطبية‪ ،‬االنقسام االقتصادي بين الطبقة العامل‪rr‬ة والطبقة‬
‫المالكة لوسائل اإلنتاج الرأسمالي‪ ،‬أصبح ملحوظا أكثر وأكثر‪ ،‬كما أص‪rr‬بح‬
‫ينعكس على استقطاب الوعي الطبقي‪ .‬والطبقة العامل‪rr‬ة انتظمت في ش‪rr‬بكة‬
‫االتحادات العمالية‪ ،‬جماع‪r‬ات الض‪rr‬غط‪ ،‬واألح‪r‬زاب السياس‪r‬ية‪ ،‬وه‪r‬ذه كله‪r‬ا‬
‫مجتمعة تشكل حركة اجتماعية تقدمية فعالة‪ ،‬هي الحركة العمالي‪rr‬ة‪ ،‬وي‪rr‬رى‬

‫‪241‬‬
‫ماركس ان األحزاب الش‪rr‬يوعية تلعب دورا قيادي‪rr‬ا فيه‪rr‬ا‪ .‬من جه‪rr‬ة أخ‪rr‬رى‪،‬‬
‫الطبقة الرأس‪rr‬مالية متورط‪rr‬ة بش‪rr‬كل مباش‪rr‬ر في ممارس‪rr‬ة س‪rr‬لطة الدول‪rr‬ة‪،‬‬
‫واعضاؤها يمسكون بالمواقع القيادي‪rr‬ة في البرلم‪rr‬ان والحكوم‪rr‬ة والمفاص‪rr‬ل‬
‫األخرى للدولة‪ ،‬حيث يشكلون الطبقة الحاكمة‪ ،‬وسلطتها السياسية تنمو مع‬
‫نمو الدولة‪ ،‬والص‪r‬راع بين الطبقة العامل‪r‬ة والطبقة الحاكم‪r‬ة أص‪r‬بح منظم‬
‫سياس‪rr‬يا‪ .‬اغلب علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع الي‪rr‬وم يتفقون على ان رؤي‪rr‬ة م‪rr‬اركس‬
‫لالستقطاب الطبقي ليست بهذه الحدة‪ ،‬كما ان تطور المجتمعات الرأسمالية‬
‫لم يؤك‪rr‬د توقعات‪rr‬ه‪ ،‬ذل‪rr‬ك الن المجتمع‪rr‬ات الرأس‪rr‬مالية اس‪rr‬توعبت نظري‪rr‬ة‬
‫الصراع وعملت على تحييد العوامل التي تقود للصراع‪ ،‬مثل رفع األجور‬
‫وتوفير الض‪rr‬مان االجتم‪rr‬اعي والص‪rr‬حي وتحس‪rr‬ين ظ‪rr‬روف العم‪rr‬ل‪ ،‬واالهم‬
‫امتصاص الوعي الطبقي المحفز للكفاح ضد االس‪rr‬تغالل‪ .‬ومهم‪rr‬ا يكن ف‪rr‬ان‬
‫المفاهيم النظرية لكارل م‪rr‬اركس على ال‪rr‬رغم من اخفاقه‪rr‬ا في التط‪rr‬بيق في‬
‫اغلب البلدان الشيوعية‪ ،‬وانهي‪rr‬ار االتح‪rr‬اد الس‪rr‬وفيتي ال‪rr‬ذي ك‪rr‬ان يمث‪rr‬ل ام‪rr‬ل‬
‫العمال في التحرر‪ ،‬بقيت ذات قيمة عظيمة وقاعدة فعالة في فهم التوجهات‬
‫المركزية للمجتمعات الحديثة‪.‬‬
‫الحسابات الكالسيكية للسلطة ‪Classic Accounts of Power‬‬

‫علم االجتم‪rrr‬اع السياس‪rrr‬ي تمت‪rrr‬د ج‪rrr‬ذوره لمرحل‪rrr‬ة الحداث‪rrr‬ة‪ ،‬الس‪rrr‬يما في‬


‫المجتمعات الرأسمالية الغربية‪ ،‬وبالتالي كان اهتمام علم االجتم‪rr‬اع ينص‪rr‬ب‬
‫على الت‪rr‬وتر الك‪rr‬امن بين اث‪rr‬نين من األنظم‪rr‬ة المؤسس‪rr‬ية المنفص‪rr‬لة‪ ،‬دول‪rr‬ة‬
‫المؤسس‪rr‬ات الديمقراطي‪rr‬ة اللبرالي‪rr‬ة‪ ،‬واالقتص‪rr‬اد الرأس‪rr‬مالي‪ .‬الديمقراطي‪rr‬ة‬
‫اللبرالي‪rr‬ة ت‪rr‬زعم ان المواط‪rr‬نين لهم حقوق متس‪rr‬اوية‪ ،‬وك‪rr‬ل المواط‪rr‬نين‬

‫‪242‬‬
‫متس‪rr‬اوون ام‪rr‬ام القانون‪ .‬لكن الحقوق المتس‪rr‬اوية ال تع‪rr‬ني بالض‪rr‬رورة‬
‫الحص‪rr‬ول على المقدار نفس‪rr‬ه من الس‪rr‬لطة‪ .‬وإذا ك‪rr‬ان النظ‪rr‬ام االقتص‪rr‬ادي‬
‫الرأسمالي قد أنتج نظام عدم مساواة في القوة االقتص‪rr‬ادية‪ ،‬فه‪rr‬ل ك‪rr‬ان ذل‪rr‬ك‬
‫إيذانا بعدم المساواة السياسية‪ ،‬يتساءل بلت‪r‬ون واخ‪r‬رون؟ منظ‪r‬رو السياس‪r‬ة‬
‫الليبرالية لهم نظرة مختلفة كلي‪rr‬ا عن اتب‪rr‬اع السياس‪rr‬ة الش‪rr‬تراكية ح‪rr‬ول ه‪rr‬ذا‬
‫الس‪rr‬ؤال‪ .‬الل‪rr‬براليون ي‪rr‬رون ان الفوائ‪rr‬د االقتص‪rr‬ادية ليس‪rr‬ت مفتاح‪rr‬ا للفوائ‪rr‬د‬
‫السياس‪rr‬ية‪ ،‬فالنظ‪rr‬ام السياس‪rr‬ي يعطي الحقوق والحماي‪rr‬ة للجمي‪rr‬ع‪ .‬والعملي‪rr‬ة‬
‫الديمقراطية ينبغي ان تعكس المتطلبات السياسية لكل األط‪rr‬راف السياس‪rr‬ية‬
‫والمصالح االجتماعية ب‪rr‬دون تمي‪rr‬يز‪ .‬في الحس‪rr‬ابات الليبرالي‪rr‬ة الكالس‪rr‬يكية‪،‬‬
‫الطبقة البرجوازية هي التي تمتلك الحقوق السياسية‪ ،‬هذه الطبقة الوس‪rr‬طى‬
‫ك‪rr‬انت تقود النض‪rr‬ال من اج‪rr‬ل الحري‪rr‬ة االقتص‪rr‬ادية والسياس‪rr‬ية‪ ،‬وت‪rr‬رفض‬
‫الهيمن‪rr‬ة األرس‪rr‬تقراطية في الحكم‪ ،‬وعن‪rr‬دما تم تع‪rr‬ديل المواطن‪rr‬ة السياس‪rr‬ية‬
‫بإدخ‪rr‬ال الم‪rr‬رأة والفقراء في أواخ‪rr‬ر القرن التاس‪rr‬ع عش‪rr‬ر وب‪rr‬دايات القرن‬
‫العشرين‪ ،‬كان ذلك المطلب األساس للمبادئ الليبرالية في الحقوق الفردي‪rr‬ة‬
‫الش‪rr‬املة‪ .‬وفي المقاب‪rr‬ل ك‪rr‬ان المفك‪rr‬رون االش‪rr‬تراكيون ينتقدون الحقوق‬
‫البرجوازي‪rrr‬ة‪ ،‬وي‪rrr‬رون ان الليبرالي‪rrr‬ة الرأس‪rrr‬مالية أطلقت أي‪rrr‬دي الطبقة‬
‫البرجوازي‪rr‬ة في الهيمن‪rr‬ة السياس‪rr‬ية واالقتص‪rr‬ادية‪ ،‬فمب‪rr‬دأ حري‪rr‬ة األس‪rr‬ماك‬
‫الكبيرة يعني موت األس‪rr‬ماك الص‪rr‬غيرة‪ .‬وحقوق المس‪rr‬اواة الرس‪rr‬مية تخفي‬
‫وتبرر حقيقة ممارسة الالمساواة‪ ،‬ذلك الن الن‪rr‬اس ال يس‪rr‬تطيعون ممارس‪rr‬ة‬
‫الحقوق السياسية بفعالية إذا كان النظام االقتص‪rr‬ادي ينك‪rr‬ر عليهم الحص‪rr‬ول‬
‫على الثروة والقوة والت‪rr‬أثير‪ .‬له‪rr‬ذا ف‪rr‬ان المناقش‪rr‬ة ال‪rr‬تي دارت ح‪rr‬ول توزي‪rr‬ع‬

‫‪243‬‬
‫القوة‪ ،‬الس‪rr‬يما العالق‪rr‬ة بين القوة االقتص‪rr‬ادية والقوة السياس‪rr‬ية‪ ،‬يمكن‬
‫مالحظتها عبر االتجاه التعددي واالتجاه الماركسي الل‪rr‬ذين س‪rr‬نعرض لهم‪rr‬ا‬
‫في المفص‪rr‬ل الالح‪rr‬ق‪ .‬جماع‪rr‬ة االتج‪rr‬اه التع‪rr‬ددي ‪ Pluralism‬ي‪rr‬رون ان‬
‫المؤسسات الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬حقيقة تمنح الحقوق والف‪rr‬رص والفوائ‪rr‬د‬
‫السياس‪rr‬ية الض‪rr‬رورية للمواط‪rr‬نين والحيلول‪rr‬ة دون حص‪rr‬ول ترك‪rr‬ز للس‪rr‬لطة‬
‫والقوة في اي‪rr‬دي جماع‪rr‬ة اجتماعي‪rr‬ة واح‪rr‬دة‪ .‬وح‪rr‬تى في ح‪rr‬ال ان النخب‪rr‬ة‬
‫الصغيرة هي التي تقرر السياسة والحكومة‪ ،‬فأنها تخضع لت‪rr‬أثير جماع‪rr‬ات‬
‫الضغط االجتماعية وتستجيب لعامة المواط‪rr‬نين‪ .‬االتج‪rr‬اه الماركس‪rr‬ي ي‪rr‬رى‬
‫ان الترتيب‪rr‬ات السياس‪rr‬ية للديمقراطي‪rr‬ة الليبرالي‪rr‬ة هي ترتيب‪rr‬ات زائف‪rr‬ة‪ ،‬وهم‬
‫جميل‪ ،‬يخفي حقيقة تركز السلطة في ايدي طبقة صغيرة متنفذة اقتصاديا‪.‬‬
‫االتجاه التعددي ‪Pluralism Approach‬‬
‫االتجاه التعددي لتوزيع السلطة يرفض الفكرة القائلة ان المص‪rr‬الح الطبقي‪rr‬ة‬
‫هي البواب‪rr‬ة الرئيس‪rr‬ة للس‪rr‬لطة‪ ،‬وب‪rr‬دال من ذل‪rr‬ك يؤك‪rr‬د على ان المكون‪rr‬ات‬
‫االجتماعية العديدة‪ ،‬والحاجات السياس‪rr‬ية‪ ،‬والمرجعي‪rr‬ات ال‪rr‬تي يس‪rr‬تمد منه‪rr‬ا‬
‫المواطن قوته هي التي تؤخذ في االعتبار عند التمثيل السياس‪rr‬ي‪ .‬أص‪rr‬حاب‬
‫االتجاه التعددي ينكرون الص‪rr‬راع الطبقي وي‪rr‬رون الجماع‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‬
‫المتعددة والمتداخلة مع تنوع في المص‪rr‬الح السياس‪rr‬ية هي ص‪rr‬احبة الس‪rr‬لطة‬
‫في النظ‪rr‬ام ال‪rr‬ديمقراطي الل‪rr‬برالي‪ ،‬بمع‪rr‬نى ان بن‪rr‬اء الس‪rr‬لطة يت‪rr‬وزع على‬
‫جماع‪rr‬ات اجتماعي‪rr‬ة متنوع‪rr‬ة‪ ،‬م‪rr‬ادام السياس‪rr‬يون منفتحين على مختل‪rr‬ف‬
‫الجماعات ذات التأثير‪ ،‬وم‪rr‬ادام الن‪rr‬اس يمتلك‪rr‬ون األه‪rr‬داف ال‪rr‬تي من اجله‪rr‬ا‬
‫يمنح‪r‬ون أص‪r‬واتهم لممثلين من مختل‪r‬ف الجماع‪r‬ات‪ ،‬فان‪r‬ه عندئ‪r‬ذ باإلمك‪r‬ان‬

‫‪244‬‬
‫تحقيق ديمقراطية تعددية حقيقية كما يقول دال )‪ .Dahl (1989‬حص‪rr‬ول‬
‫الناس على هذا االمتياز‪ ،‬وفقا لالتجاه التعددي‪ ،‬جاء نتيجة توس‪r‬يع الحقوق‬
‫المدنية في االختيار الجمعي لممثلي الشعب عبر األحزاب السياس‪rr‬ية‪ ،‬مث‪rr‬ل‬
‫األحزاب االش‪rr‬تراكية‪ ،‬وعن طري‪rr‬ق المنض‪rr‬مات االجتماعي‪rr‬ة والص‪rr‬ناعية‪،‬‬
‫مثل جمعيات المستهلكين واتحادات العم‪r‬ال‪ .‬له‪r‬ذا ف‪rr‬ان االتج‪r‬اه التع‪r‬ددي لم‬
‫يكن بالدرجة األولى مهتما بالحقوق الفردية‪ ،‬ذلك الن القوى الفاعل‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫تقف وراء الديمقراطي‪rr‬ة الليبرالي‪rr‬ة هي النش‪rr‬اطات السياس‪rr‬ية للجماع‪rr‬ات‬
‫المنظمة‪ ،‬فسياسات القرن العش‪rr‬رين الحديث‪rr‬ة ك‪rr‬انت منقس‪rr‬مة بس‪rr‬بب تن‪rr‬وع‬
‫الجماعات االجتماعية التي ينتمي لها االفراد‪ ،‬مث‪rr‬ل الطبقات االجتماعي‪rr‬ة‪،‬‬
‫والجماعات المهنية‪ ،‬وجماعات النوع (الجندر) والجماعات الديني‪rr‬ة ‪...‬الخ‪.‬‬
‫والعامل األساس في القوة ه‪r‬و التعقي‪r‬دات المتزاي‪r‬دة للمجتمع‪r‬ات الص‪rr‬ناعية‬
‫الحديثة التي خلقت جماعات مصالح شديدة التنوع‪ .‬والمجتم‪rr‬ع له‪rr‬ذا أص‪rr‬بح‬
‫مرفأ لتنوع المصالح المتنافسة‪ ،‬ولكنه لم ينقسم اجتماعي‪rr‬ا لدرج‪rr‬ة التن‪rr‬احر‪،‬‬
‫الن هناك مصالح مشتركة من شانها ان تدفع كل األطراف للمحافظة على‬
‫اإلط‪rr‬ار الع‪rr‬ام ال‪rr‬ذي عن طريقه تتن‪rr‬افس الجماع‪rr‬ات المختلف‪rr‬ة من دون ان‬
‫تعم‪r‬ل على ت‪r‬دمير النس‪r‬يج االجتم‪r‬اعي‪ ،‬له‪r‬ذا ف‪rr‬ان الجماع‪r‬ات ال‪r‬تي تخط‪r‬و‬
‫خ‪rr‬ارج ح‪rr‬دود الديمقراطي‪rr‬ة الليبرالي‪rr‬ة توص‪rr‬ف بأنه‪rr‬ا تنته‪rr‬ك قواع‪rr‬د اللعب‪rr‬ة‬
‫الديمقراطي‪rr‬ة‪ ،‬وان الجماع‪rr‬ات السياس‪rr‬ية الراديكالي‪rr‬ة (المتطرف‪rr‬ة) توص‪rr‬ف‬
‫بانه‪rr‬ا تهدي‪rr‬د من ش‪rr‬انه ان يقوض التس‪rr‬امح المتب‪rr‬ادل والتن‪rr‬افس السياس‪rr‬ي‬
‫المعت‪rr‬دل‪ .‬النازي‪rr‬ة الجدي‪rr‬دة‪ ،‬حرك‪rr‬ة الراي‪rr‬ات الس‪rr‬وداء‪ ،‬التط‪rr‬رف الطالبي‪،‬‬
‫العم‪rr‬ال المض‪rr‬ربين عن العم‪rr‬ل‪ ،‬ك‪rr‬ل ه‪rr‬ؤالء ينظ‪rr‬ر لهم على انهم أع‪rr‬داء‬

‫‪245‬‬
‫ال‪rr‬داخل‪ ،‬ال‪rr‬ذين ينتهك‪rr‬ون االجم‪rr‬اع األساس‪rr‬ي ال‪rr‬ذي يع‪rr‬زز الديمقراطي‪rr‬ة‬
‫التعددية‪.‬‬
‫بالعلى الرغم من ان الحكومة تلعب دورا حاسما في حل مش‪rr‬كلة المص‪rr‬الح‬
‫المتعارضة للجماعات‪ ،‬فان االتجاه التعددي من الناحية الجوهرية يتمحور‬
‫اجتماعيا‪ ،‬وال يتمحور حول الدولة‪ ،‬ذلك الن الحكوم‪rr‬ة تقف بعي‪rr‬دا بمثاب‪rr‬ة‬
‫وس‪rr‬يط محاي‪rr‬د‪ ،‬او حكم بين مص‪rr‬الح الجماع‪rr‬ات المتنافس‪rr‬ة‪ ،‬ولكن‪rr‬ه وس‪rr‬يط‬
‫مستقل ال يخضع لسيطرة جماعة على حساب مصالح الجماعات األخرى‪،‬‬
‫والن كل جماعة لديها مصالح فان الحكومة تكون ملزمة في اخ‪rr‬ذ مص‪rr‬الح‬
‫الجماعات كلها بنظر االعتبار في رس‪rr‬م السياس‪rr‬ات‪ ،‬وليس هن‪rr‬اك جماع‪rr‬ة‬
‫مفضلة وال جماعة مس‪rr‬تبعدة في ع‪rr‬رف الحكوم‪rr‬ة المحاي‪rr‬دة‪ ،‬كم‪rr‬ا ان‪rr‬ه ليس‬
‫هناك جماعة بمقدورها التحكم في سياسة الدولة‪ ،‬لهذا فان بناء القوة م‪rr‬ائع‬
‫ومعقد في ان واح‪rr‬د‪ .‬واص‪rr‬حاب االتج‪rr‬اه التع‪rr‬ددي يرفض‪rr‬ون المس‪rr‬اواة بين‬
‫القوة االقتص‪rr‬ادية والقوة السياس‪rr‬ية‪ ،‬او القب‪rr‬ول بهيمن‪rr‬ة الطبقة االقتص‪rr‬ادية‬
‫على زمام القوة‪.‬‬
‫تع‪rr‬رض أص‪rr‬حاب ه‪rr‬ذا االتج‪rr‬اه لهج‪rr‬وم ش‪rr‬ديد من خص‪rr‬ومهم‪ ،‬أهمه‪rr‬ا ان‬
‫الجماعات تختلف في حجمها ومصادر تأثيرها‪ ،‬فالجماع‪rr‬ات الكب‪rr‬يرة مث‪rr‬ل‬
‫اتحادات العم‪rr‬ال او االغني‪rr‬اء من أص‪rr‬حاب المص‪rr‬انع والش‪rr‬ركات يمتلك‪rr‬ون‬
‫تأثيرا أكبر بكثير من االفراد الذين يعمل‪rr‬ون في ش‪rr‬ركات ص‪rr‬غيرة وبالت‪rr‬الي‬
‫حظ‪rr‬وظهم في الحص‪rr‬ول على القوة والس‪rr‬لطة أك‪rr‬بر من نظ‪rr‬رائهم‪ .‬عملي‪rr‬ا‬
‫الحكومة ليست محاي‪rr‬دة وهي على االغلب تمي‪rr‬ل لت‪rr‬أثيرات أص‪rr‬حاب القوة‬
‫االقتصادية‪ ،‬كما ان الجماعات والحركات السياسية التي تطالب بتغي‪rr‬يرات‬

‫‪246‬‬
‫جذرية في المجتمع توصف بانه‪rr‬ا غ‪rr‬ير ش‪rr‬رعية‪ ،‬وذل‪rr‬ك يفن‪rr‬د زعم االتج‪rr‬اه‬
‫التع‪rr‬ددي في تحقي‪rr‬ق العدال‪rr‬ة في توزي‪rr‬ع الس‪rr‬لطة وفي اخ‪rr‬ذ وجه‪rr‬ات نظ‪rr‬ر‬
‫الجميع في رسم السياسات االجتماعية‪.‬‬
‫االتجاه الماركس==ي في توزي==ع الس==لطة ‪Marxist Approach of the‬‬
‫‪Distribution of Power‬‬
‫االتج‪rr‬اه التع‪rr‬ددي للس‪rr‬لطة ال يقوم على الطبقة وح‪rr‬دها وانم‪rr‬ا على أج‪rr‬زاء‬
‫المجتم‪rr‬ع األخ‪rr‬رى‪ ،‬مث‪rr‬ل اإلقليم‪ ،‬والن‪rr‬وع (الجن‪rr‬در) والع‪rr‬رق‪ ،‬بينم‪rr‬ا يقوم‬
‫االتج‪rr‬اه الماركس‪rr‬ي على الطبقات االقتص‪rr‬ادية‪ ،‬والس‪rr‬بب ال‪rr‬رئيس في ذل‪rr‬ك‬
‫يعود الى زعم الماركسيين في ان‪:‬‬
‫ـ المالمح البنائية األكثر أهمية للحداثة هي رأس المال‬
‫ـ الرأس‪rr‬مالية تس‪rr‬تند الى العالق‪rr‬ات الطبقي‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬ذه بالض‪rr‬رورة تس‪rr‬تلزم‬
‫االستغالل والهيمنة‬
‫ـ هناك دائما صراع طبقي متجذر في جوهر المجتمعات الرأسمالية‬
‫ـ وفوق هذا فان العالقات االقتصادية تشكل العالقات االجتماعي‪r‬ة األخ‪r‬رى‬
‫في المجتم‪rr‬ع‪ ،‬له‪rr‬ذا ف‪rr‬ان الطبقة الرأس‪rr‬مالية هي األك‪rr‬ثر ت‪rr‬أثيرا من ب‪rr‬اقي‬
‫المكونات السياسية األساسية في المجتمع‪ .‬واالجزاء السياسية األخرى لحد‬
‫ما خاضعة للطبقة الرأسمالية‪ ،‬وعليه فإنها ال تملك القدرة الالزم‪rr‬ة لتقري‪rr‬ر‬
‫التطور السياسي في المجتمع‪ .‬كما ان م‪rr‬اركس وانجل‪rr‬ز أنفس‪rr‬هما ي‪rr‬رون ان‬
‫السياسة والتغير االجتماعي ال يمكن استبعادهما من المستوى االقتصادي‪،‬‬
‫انهم يعدون العامل االقتص‪rr‬ادي ع‪rr‬امال حاس‪rr‬ما في تحدي‪rr‬د مس‪rr‬ارات التغ‪rr‬ير‬
‫االجتماعي والسياسي‪ .‬والماركسيون الجدد أعط‪rr‬وا مس‪rr‬احة أك‪rr‬بر للسياس‪rr‬ة‬

‫‪247‬‬
‫واالي‪rr‬ديولوجيا‪ ،‬ولكنهم يع‪rr‬دون الهيمن‪rr‬ة المطلقة للبن‪rr‬اء االقتص‪rr‬ادي بحكم‬
‫المؤكدة‪.‬‬
‫م‪r‬اركس وانجل‪r‬ز اس‪r‬تخدما نموذج‪r‬ا مبس‪r‬طا للسياس‪r‬ة‪ ،‬اذ انهم يزعم‪r‬ون ان‬
‫الدولة أداة بيد الطبقة الحاكمة‪ ،‬وهي الطبقة االقتص‪r‬ادية المهيمن‪r‬ة مباش‪r‬رة‬
‫او بوساطة اخرين ي‪rr‬أتمرون بأوامره‪rr‬ا‪ ،‬فمثال في البي‪rr‬ان الش‪rr‬يوعي ‪1848‬‬
‫وصفا الدولة الرأسمالية بانه‪rr‬ا "لجن‪rr‬ة تنفيذي‪rr‬ة للمص‪rr‬الح البرجوازي‪rr‬ة" وفي‬
‫مك‪rr‬ان اخ‪rr‬ر وص‪rr‬فا الدول‪rr‬ة بانه‪rr‬ا تعم‪rr‬ل من اج‪rr‬ل المص‪rr‬الح االقتص‪rr‬ادية‬
‫والسياس‪rrrr‬ية للطبقة الرأس‪rrrr‬مالية )‪،Marx & Angels (1967‬‬
‫والماركس‪rrr‬يون ال‪rrr‬ذين يتبن‪rrr‬ون مب‪rrr‬دأ "الدول‪rrr‬ة أداة" يش‪rrr‬ككون في حقيقة‬
‫الديمقراطي‪rr‬ة في الدول‪rr‬ة الرأس‪rr‬مالية‪ ،‬فالبرلم‪rr‬ان والحكوم‪rr‬ة ليس‪rr‬ا المص‪rr‬در‬
‫األساس للقوة والسلطة‪ ،‬الن القوة الحقيقية بيد ال‪r‬ذين يمتلك‪r‬ون ويس‪r‬يطرون‬
‫على رأس المال‪ ،‬فالديمقراطية والمش‪rr‬اركة الش‪rr‬عبية تبقى مح‪rr‬دودة للغاي‪rr‬ة‪،‬‬
‫او وهمية‪ ،‬مادامت المجتمعات الغربية باقية مجتمعات رأس‪rr‬مالية وتخض‪rr‬ع‬
‫لهيمنة الطبقة االقتص‪rr‬ادية ال‪rr‬تي تمل‪rr‬ك القوة الحقيقي‪rr‬ة‪ .‬الطبقة االقتص‪rr‬ادية‬
‫المهيمنة تستمد قوتها ليس فقط من امتالكه‪rr‬ا وس‪rr‬ائل اإلنت‪rr‬اج‪ ،‬وانم‪rr‬ا أيض‪rr‬ا‬
‫بسبب امتالكها لوسائل االعالم‪ ،‬والجيش‪ ،‬والمؤسسات الدينية‪ ،‬فض‪rr‬ال عن‬
‫انها قريبة جدا من صناع القرار في الدول‪rr‬ة‪ ،‬له‪rr‬ذا ف‪rr‬ان الطبقة االقتص‪rr‬ادية‬
‫المهيمنة هي الطبقة الحاكمة‪ ،‬وهي في الواقع طبقة قليلة الع‪rr‬دد تهيمن على‬
‫رأس المال فيما يعج‪rr‬ز بقي‪rr‬ة أعض‪rr‬اء المجتم‪rr‬ع من الحص‪rr‬ول على اق‪rr‬ل م‪rr‬ا‬
‫يمكن من الثروة التي تتحكم بمف‪rr‬اتيح القوة والس‪rr‬لطة‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من ان‬
‫الطبقة المهيمن‪rr‬ة تغ‪rr‬يرت بعض الش‪rr‬يء في تركيبته‪rr‬ا االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬اال انه‪rr‬ا‬

‫‪248‬‬
‫مازالت مجموعة لها خصوص‪rr‬يتها‪ ،‬فهي طبقة مغلقة ومنفص‪rr‬لة كلي‪rr‬ا عن‬
‫البناء الطبقي للجماعات األخ‪rr‬رى‪ ،‬واس‪rr‬تمرارية خصوص‪rr‬يتها مس‪rr‬تمدة من‬
‫استراتيجيتها متعددة االبعاد في إعادة انتاج الطبقة وانغالقها عبر واحدة او‬
‫أكثر من الطرائق االتية‪:‬‬
‫ـ الزواج الداخلي‪ ،‬والعالقات القرابية‬
‫ـ المصالح االقتص‪rr‬ادية المترابط‪r‬ة‪ ،‬مث‪r‬ل اإلدارات المتش‪r‬ابكة‪ ،‬حيث تك‪r‬ون‬
‫نفس اإلدارة لعدة شركات‬
‫ـ خلفي‪rr‬ة تعليمي‪rr‬ة خاص‪rr‬ة‪ ،‬مث‪rr‬ل االلتح‪rr‬اق بم‪rr‬دارس معين‪rr‬ة‪ ،‬ثم االلتح‪rr‬اق‬
‫بجامعات مرموقة مثل هارفرد‪ ،‬أوكسفورد وكامبردج‪.‬‬
‫ـ االرتباط بعالقات المجال ‪ cross-sphere linkage‬حيث يشغل االفراد‬
‫موقع من مواقع النخبة او يرتبطون بالنخبة ارتباطا عض‪rr‬ويا‪ ،‬مث‪rr‬ل عض‪rr‬و‬
‫في البرلمان وفي الوقت نفسه يشغل موقعا قياديا او استشاريا في الش‪r‬ركة‪،‬‬
‫او لهم ص‪rr‬الت الس‪rr‬يما م‪rr‬ع أص‪rr‬حاب النف‪rr‬وذ من ال‪rr‬وزراء وكب‪rr‬ار م‪rr‬وظفي‬
‫الدولة‪.‬‬
‫على الرغم من ان النظام الرأسمالي حاول تعديل بعض القوانين التي تمنح‬
‫الطبقة العاملة بعض االمتيازات ‪ ،‬مثل تعديل األج‪rr‬ور والض‪rr‬مان الص‪rr‬حي‬
‫والضمان االجتماعي وتوفير الس‪rr‬كن‪ ،‬وع‪rr‬رض الش‪rr‬ركات للملكي‪rr‬ة العام‪rr‬ة‬
‫عن طري‪rrr‬ق االس‪rrr‬هم اال ان النظ‪rrr‬ام االجتم‪rrr‬اعي في حقيقت‪rrr‬ه لم يتغ‪rrr‬ير‪،‬‬
‫فالمشاركة في ملكية الشركات عن طريق األسهم هي مجرد ندب‪rr‬ة ص‪rr‬غيرة‬
‫في نمط حيازة الثروة كما يقول سكوت)‪ ، Scott (1982‬وبالنتيجة مهم‪rr‬ا‬
‫امتلك االفراد من اس‪rr‬هم ف‪rr‬ان عائ‪rr‬داتها النهائي‪rr‬ة س‪rr‬تبقى ض‪rr‬من دائ‪rr‬رة راس‬

‫‪249‬‬
‫المال‪ ،‬الن الذين بمقدورهم ان يشتروا اكبر ق‪rr‬در من األس‪rr‬هم هم أص‪rr‬حاب‬
‫راس المال وليس الفقراء والعمال‪ ،‬ولذلك فان حملة األسهم الذين يتمتعون‬
‫ب‪rr‬القوة الحقيقي‪rr‬ة ويتحكم‪rr‬ون في ه‪rr‬ذه الش‪rr‬ركات هم فقط ع‪rr‬دد مح‪rr‬دود من‬
‫أصحاب راس المال‪ ،‬ومن هنا يرى الماركسيون ان الطبقة الرأس‪rr‬مالية لم‬
‫تختِف بل بالعكس تزدهر وتزداد ث‪rr‬راء‪ ،‬وه‪rr‬ذه تعكس نظ‪rr‬ام القيم المهيمن‪rr‬ة‬
‫التي تساوي بين المصالح الرأسمالية والمصالح الوطنية وتدافع عن مبادئ‬
‫الملكية الخاصة وحرية الشركات والربحية‪ ،‬واقتصاد السوق الح‪rr‬ر‪ ،‬وك‪rr‬ل‬
‫ما يتبعها من اشكال الالمساواة االجتماعية‪.‬‬
‫السياسة فيما وراء الطبقة ‪Beyond Class Politics‬‬
‫تعيش المجتمعات الغنية اليوم تناقض‪rr‬ا واض‪rr‬حا‪ ،‬فعلى ال‪rr‬رغم من االرتف‪r‬اع‬
‫الكبير في مستويات المعيشة في العقود األخ‪rr‬يرة من القرن العش‪rr‬رين‪ ،‬اال‬
‫ان هذا االرتفاع لم يكن متساويا‪ .‬واالتج‪rr‬اه نح‪rr‬و تقلي‪rr‬ل الف‪r‬وارق في ال‪rr‬دخل‬
‫انقلب الى الض‪rr‬د في الثمانين‪rr‬ات والتس‪rr‬عينات من القرن الماض‪rr‬ي ونش‪rr‬ات‬
‫بسبب ذلك اقلية فقيرة نس‪rr‬بيا‪ ،‬وص‪rr‬نف بعض الكت‪rr‬اب المجتم‪rr‬ع الرأس‪rr‬مالي‬
‫بثالث فئات‪ ،‬فئة تملك وفئة تملك كثيرا وفئة ال تملك أي ش‪r‬يء‪ ،‬في إش‪r‬ارة‬
‫الى وجود اقلية أساسية مستبعدة تماما من تيار الرفاهية‪ .‬والتناقض ه‪rr‬و ان‬
‫الطبقة لم يع‪rr‬د ينظ‪rr‬ر له‪rr‬ا بتل‪rr‬ك األهمي‪rr‬ة ولكن في ال‪rr‬وقت نفس‪rr‬ه ت‪rr‬زداد‬
‫الالمس‪rr‬اواة عمقا‪ .‬وه‪rr‬ذه خلقت مش‪rr‬كلة ألولئ‪rr‬ك ال‪rr‬ذين يع‪rr‬دون السياس‪rr‬ة في‬
‫المجتمع الحديث ماتزال تخضع للهيمنة الطبقية‪ .‬وعلى الرغم من انه‪rr‬ا في‬
‫الواقع كذلك لكنها تعمل بطريقة غ‪rr‬ير مرئي‪rr‬ة‪ .‬وعلي‪rr‬ه فإنن‪rr‬ا ال نس‪rr‬تطيع ان‬
‫نضع افتراضات بس‪rr‬يطة ح‪rr‬ول العالق‪rr‬ة بين الطبقة‪ ،‬والمص‪rr‬لحة الطبقي‪rr‬ة‪،‬‬

‫‪250‬‬
‫والقيم واالفعال السياسية‪ ،‬فليس هناك رابط مباش‪rr‬ر بين البن‪rr‬اء االجتم‪rr‬اعي‬
‫للطبقة وال‪rr‬وعي الطبقي والفع‪rr‬ل السياس‪rr‬ي‪ .‬والواق‪rr‬ع ان الموق‪rr‬ع الطبقي‬
‫وال‪rrr‬وعي الطبقي والفع‪rrr‬ل السياس‪rrr‬ي هي فقط ثالث قواع‪rrr‬د للمكون‪rrr‬ات‬
‫االجتماعية من بين ع‪r‬دد كب‪r‬ير من القواع‪r‬د ال‪r‬تي تش‪r‬كل الهوي‪r‬ة السياس‪r‬ية‪،‬‬
‫فالن‪rrr‬اس يحص‪rrr‬لون على هوي‪rrr‬اتهم االجتماعي‪rrr‬ة‪ ،‬ووعيهم من خ‪rrr‬براتهم‬
‫االجتماعي‪rr‬ة المتع‪rr‬ددة‪ ،‬ول‪rr‬ذلك هن‪rr‬اك قواع‪rr‬د عدي‪rr‬دة بواس‪rr‬طتها يمكن ان‬
‫يتحشدوا او ُيحشدوا سياس‪rr‬يا‪ ،‬وتبقى الطبقة حاض‪rr‬رة بقوة في المجتمع‪rr‬ات‬
‫الصناعية على الرغم من محاوالت ابعاده‪rr‬ا عن الواجه‪rr‬ة‪ ،‬والطبقة‪ ،‬على‬
‫كل حال‪ ،‬لبن‪rr‬ة أساس‪rr‬ية عن‪rr‬دما نح‪rr‬اول ان نفهم موقعن‪rr‬ا في المجتم‪rr‬ع‪ ،‬ولكن‬
‫الطبقة يتم اغفالها في البحث عن الهوي‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة او الهوي‪rr‬ة السياس‪rr‬ية‪،‬‬
‫وله‪rr‬ذا فإنه‪rr‬ا لم تع‪rr‬د تمل‪rr‬ك ت‪rr‬أثيرا مباش‪rr‬را على ال‪rr‬وعي المتعل‪rr‬ق بالفع‪rr‬ل‬
‫السياسي‪.‬‬
‫المكونات والمصالح االجتماعية أكثر هيمنة على تفكير الن‪rr‬اس من الطبقة‬
‫االجتماعية او المصالح الطبقية او االنتماء الطبقي‪ ،‬فمثال التم‪rr‬ايز الطبقي‪،‬‬
‫والمصالح الطبقية‪ ،‬أصبحت تتقاطع مع متغيرات غير طبقية‪ .‬مثل االنتماء‬
‫الديني‪ ،‬االنتم‪rr‬اء العم‪rr‬ري‪ ،‬الن‪rr‬وع الجنس‪rr‬ي (الجن‪rr‬در) او االنتم‪rr‬اء الع‪rr‬رقي‪.‬‬
‫التم‪rrr‬ايز على أس‪rrr‬اس الجنس او الع‪rrr‬رق‪ ،‬مثال‪ ،‬م‪rrr‬ألوف في بيئ‪rrr‬ة العم‪rrr‬ل‬
‫وخارجها أيضا‪ .‬ثقافة العمل اليدوية التقليدية كانت وماتزال تعطي ال‪rr‬ذكور‬
‫أولوي‪rr‬ة في اإلدارة واألج‪rr‬ور والواجب‪rr‬ات م‪rr‬ع تم‪rr‬ايز واض‪rr‬ح ومعلن وش‪rr‬به‬
‫عدائي ضد المرأة‪ .‬قادة اتحادات العمال ال‪rr‬بيض غالب‪rr‬ا يتع‪rr‬املون بن‪rr‬وع من‬
‫التعالي على العمال غير المنتظمين كاإلناث واألقليات العرقية والناس من‬

‫‪251‬‬
‫ذوي األص‪rr‬ول االفريقي‪rr‬ة يع‪rr‬انون من تمي‪rr‬يز ال‪rr‬بيض لهم عنص‪rr‬ريا داخ‪rr‬ل‬
‫وخارج أماكن العمل‪ ،‬لذلك فان المنظمات ال‪rr‬تي ترتب‪rr‬ط بقوة م‪rr‬ع السياس‪rr‬ة‬
‫الطبقية‪ ،‬تتصرف غالبا بعدائية ضد الهويات والمصالح االخرى‪ .‬ان أهمية‬
‫معرفة ذلك تتجلى في الكيفية التي ينظر بها الن‪rr‬اس لم‪rr‬وقعهم الطبقي‪ ،‬فم‪rr‬ع‬
‫تعرض بعض الناس للتمايز وعدم المس‪rr‬اواة في الحي‪rr‬اة اليومي‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬ان ه‪rr‬ذه‬
‫الخبرة تحتاج الى تفسير عن طريق مجموعة من األفكار او االطر العام‪rr‬ة‬
‫التي يمكن تحديد اثنين منها‪ .‬أوال‪ :‬مجموع‪rr‬ة القيم واألفك‪rr‬ار الس‪rr‬ائدة وال‪rr‬تي‬
‫تمارس في التفاعالت اليومية‪ ،‬مثل الكلم‪r‬ات ال‪r‬تي تس‪r‬تخدم لوص‪rr‬ف رج‪r‬ل‬
‫اسود او رجل اسيوي‪ .‬فالرج‪rr‬ل األس‪rr‬ود في محادث‪rr‬ة بين اث‪rr‬نين من ال‪rr‬بيض‬
‫يوصف بانه األسود ذو الرائحة الكريهة “ ‪ ”Smelly Niger‬وهي كلمة‬
‫تنطوي على إهانة عنصرية‪ ،‬وك‪rr‬ذلك الح‪rr‬ال بالنس‪rr‬بة لألس‪rr‬يوي (أي ك‪rr‬انت‬
‫اصوله االثنية) الذي يطلق علي‪r‬ه الپ‪r‬اكي البخي‪r‬ل "‪ "Greedy Paki‬وهي‬
‫األخرى تنطوي على نوع من الدونية‪ ،‬وعلى الرغم من انها غير مس‪rr‬موح‬
‫بها قانونا اال انها تم‪rr‬ارس معي‪rr‬ارا ض‪rr‬من منظوم‪rr‬ة القيم ال‪rr‬تي تحكم س‪rr‬لوك‬
‫الرجل األبيض‪ ،‬ثانيا‪ :‬نطاق المؤسسات التي تزود االفراد بطريقة رؤيتهم‬
‫للعالم‪ ،‬فمؤسسات مثل االعالم والمدارس واألح‪rr‬زاب السياس‪rr‬ية واتح‪rr‬ادات‬
‫العمال كلها تنطلق منطلق طبقي‪ ،‬فاألحزاب المحافظة هي في الواق‪rr‬ع تح‪rr‬د‬
‫د االنتماء غالب‪r‬ا باألغني‪r‬اء وم‪r‬دارس األغني‪r‬اء تختل‪r‬ف نوعي‪r‬ا عن م‪r‬دارس‬
‫الفقراء‪ ،‬فالطبقة تدخل هنا حقيقة واقعة واطار عام لفهم الع‪rr‬الم‪ .‬وإذا فكرن‪rr‬ا‬
‫سيسيولوجيا حول تغير المجتمع‪r‬ات الغني‪r‬ة خالل العقود القليل‪r‬ة الماض‪rr‬ية‪،‬‬
‫فان‪r‬ه من الواض‪rr‬ح ان الطبقة لم تع‪r‬د محوري‪r‬ة في التف‪r‬اعالت اليومي‪r‬ة وفي‬

‫‪252‬‬
‫النظرة للعالم ألنها أصبحت تمارس نفوذها عن طريق التحكم بالمؤسس‪r‬ات‬
‫وليس الممارسة الطبقية المباشرة‪ .‬ومهما يكن فان اختفاء الوعي الطبقي ال‬
‫يعني بالضرورة اختفاء الطبقة ذلك الن الطبقة تعم‪rr‬ل بص‪rr‬مت من دون ان‬
‫تثير الغبار ال‪rr‬ذي من ش‪rr‬انه ان يعم‪rr‬ق التم‪rr‬ايز والص‪rr‬راع‪ ،‬وه‪rr‬و في الواق‪rr‬ع‬
‫التفاف عبقري على النظري‪rr‬ة الماركس‪rr‬ية ال‪rr‬تي تعتم‪rr‬د على ال‪rr‬وعي الطبقي‬
‫ال‪rrr‬ذي يقود بالض‪rrr‬رورة الى الص‪rrr‬راع الطبقي في تفس‪rrr‬يرها للعالق‪rrr‬ات‬
‫االجتماعية‪ .‬ومع ذلك فان االعالن عن موت السياس‪rr‬ة الطبقي‪rr‬ة ليس جدي‪rr‬دا‬
‫ذل‪rr‬ك ان‪rr‬ه في خمس‪rr‬ينات القرن الماض‪rr‬ي زعم بعض المعلقين ان السياس‪rr‬ة‬
‫الطبقية في طريقها لالنحسار‪ ،‬والواق‪rr‬ع ان تم‪rr‬دد دول‪rr‬ة الرفاهي‪rr‬ة‪ ،‬وارتف‪rr‬اع‬
‫مس‪rr‬توى المعيش‪rr‬ة وتحس‪rr‬ين ظ‪rr‬روف العم‪rr‬ل من المتوق‪rr‬ع ان تنهي السياس‪rr‬ة‬
‫الطبقية وتجعل من أفكار كارل ماركس "أفك‪rr‬ار مثلج‪rr‬ة"‪Bilton et al .‬‬
‫)‪(2002‬‬
‫الدولة الحديثة ‪The Modern State‬‬
‫فك‪rr‬رة تقس‪rr‬يم الع‪rr‬الم الى دول مس‪rr‬تقلة‪ ،‬بح‪rr‬دود جغرافي‪rr‬ة ونقاط تف‪rr‬تيش‬
‫وج‪rr‬وازات س‪rr‬فر‪ ،‬فك‪rr‬رة حديث‪rr‬ة‪ ،‬فمثال الماني‪rr‬ا وإيطالي‪rr‬ا لم تكن لهم‪rr‬ا ح‪rr‬دود‬
‫معروفة حتى أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬والواقع ان العالم المنقس‪rr‬م بح‪rr‬دود‬
‫جغرافي‪rr‬ة لم يكن موج‪rr‬ودا قب‪rr‬ل انحالل االمبراطوري‪rr‬ات االس‪rr‬تعمارية في‬
‫النصف الثاني من القرن العش‪rr‬رين‪ .‬والدول‪rr‬ة القومي‪rr‬ة الحديث‪rr‬ة ال‪rr‬تي تمل‪rr‬ك‬
‫نظم‪r‬ا وتش‪r‬ريعات قانوني‪r‬ة خاص‪rr‬ة ونظام‪r‬ا سياس‪r‬يا وجه‪r‬از ض‪rr‬بط رس‪r‬مي‬
‫وق‪rr‬وات مس‪rr‬لحة وإدارة مركزي‪rr‬ة ض‪rr‬من رقع‪rr‬ة جغرافي‪rr‬ة مح‪rr‬ددة هي به‪rr‬ذا‬
‫المعنى اختراع استعماري‪ .‬والدولة الحديثة تزعم انها تملك سلطة ش‪rr‬رعية‬

‫‪253‬‬
‫ليس الحد مش‪r‬اركتها فيه‪r‬ا ض‪rr‬من ح‪r‬دودها الجغرافي‪r‬ة‪ ،‬فمثال ليس‪r‬ت هن‪r‬اك‬
‫سلطة دينية يمكنها تجاوز قانون الدولة القومي‪rr‬ة‪ ،‬وليس هن‪rr‬اك جماع‪rr‬ة له‪rr‬ا‬
‫امتياز فوق القانون‪ ،‬لهذا فان مب‪rr‬دا المس‪rr‬اواة القانوني‪rr‬ة للمواط‪rr‬نين ع‪rr‬ززت‬
‫الدولة الحديثة‪ ،‬ثم امتدت المواطنة القانونية الى مواطنة سياس‪rr‬ية‪ ،‬ل‪rr‬ذا ف‪rr‬ان‬
‫الحكومة تزعم انها مسؤولة عن المواط‪rr‬نين وتحكم بم‪rr‬وافقتهم‪ ،‬ولهم الح‪rr‬ق‬
‫في االعتراض على القوانين والسياسات التي ال تحقق مص‪rr‬الحهم‪ ،‬ولكنهم‬
‫ملزمين بأداء واجباتهم وقبول القرارات الصادرة عنها واالمتثال لها‪ .‬وفي‬
‫الواقع هناك عدد قليل جدا من الدول التي تتمتع باستقالل ت‪rr‬ام عن ت‪rr‬أثيرات‬
‫قوى خارجية نافذة‪ .‬عدد كبير من الدول‪ ،‬الس‪rr‬يما ال‪rr‬دول ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت تحت‬
‫السيطرة األجنبية تتن‪rr‬ازل تلقائي‪rr‬ا عن ج‪rr‬زء من س‪rr‬يادتها لقوى عالمي‪rr‬ة من‬
‫اجل الحصول على منافع العمل بانس‪rr‬جام م‪rr‬ع ال‪rr‬دول األخ‪rr‬رى‪ .‬ومن امثل‪rr‬ة‬
‫الدول النافذة‪ ،‬االتحاد األوربي‪ ،‬حلف شمال األطلس‪rr‬ي "الن‪rr‬اتو" وص‪rr‬ندوق‬
‫النقد الدولي التي تهيمن عليهما الواليات المتحدة االمريكي‪rr‬ة‪ ،‬وهن‪rr‬اك ق‪rr‬وى‬
‫نافذة حتى في ال‪rr‬دول الك‪rr‬برى بمقدورها تحجيم ق‪rr‬درة الدول‪rr‬ة على العم‪rr‬ل‪،‬‬
‫فالقوة المالية التي تقف خل‪r‬ف محاول‪r‬ة ابع‪r‬اد الجني‪r‬ه اإلس‪r‬ترليني من س‪r‬وق‬
‫تبادل العمالت االوربي‪rr‬ة ع‪rr‬ام ‪ 1993‬ه‪rr‬و أح‪rr‬د األمثل‪rr‬ة على ذل‪rr‬ك‪ .‬وال‪rr‬دول‬
‫الصغيرة لم يعد بمقدورها العمل باستقاللية مع وجود القوى الكبرى‪ ،‬وهذا‬
‫يدفعنا للسؤال عما إذا كان للمواطن او المس‪rr‬ؤول أي مع‪rr‬نى في السياس‪rr‬ات‬
‫العالمية‪Poggi (1978) .‬‬
‫العولمة والدولة القومية ‪Globalization and Nation-State‬‬

‫‪254‬‬
‫السياسات الحديثة تنطوي على نوعين من االتجاهات المتعارضة‪ ،‬العولمة‬
‫وتقسيم الدول الى دويالت واقاليم صغيرة‪ .‬هذان االتجاهان يحمالن معهما‬
‫اشكاال متنوعة من المخاطر والتحديات‪ ،‬المخاطر تتمثل في نشوء ح‪rr‬روب‬
‫وصراعات محلية بسبب الحدود يقودها متعصبون قوميون كما حصل في‬
‫يوغسالفيا‪ ،‬وفي شمال العراق وفي السودان‪ ،‬وفي اسوأ الح‪rr‬االت تتش‪rr‬ظى‬
‫ال‪rr‬دول وت‪rr‬دخل في ص‪rr‬راعات يرافقه‪rr‬ا تح‪rr‬زب عنص‪rr‬ري وتطه‪rr‬ير ع‪rr‬رقي‬
‫وتش‪rr‬ريد لماليين الن‪rr‬اس‪ ،‬واألك‪rr‬ثر س‪rr‬وء عن‪rr‬دما تتح‪rr‬ول الح‪rr‬دود الى ب‪rr‬ؤرة‬
‫صراع دائم ومميت بين الدول كما هو الحال بين الهند وباكس‪rr‬تان‪ .‬الع‪rr‬راق‬
‫وإيران‪ ،‬العراق والكويت‪ .‬لقد عمد االس‪rr‬تعمار على ت‪r‬رك فج‪r‬وات خط‪r‬يرة‬
‫في عملي‪rr‬ات رس‪rr‬م الح‪rr‬دود هدف‪rr‬ه اش‪rr‬عال الحرائ‪rr‬ق بين ال‪rr‬دول لكي تبقى‬
‫مس‪rr‬تنفدة اقتص‪rr‬اديا وعس‪rr‬كريا وسياس‪rr‬يا وت‪rr‬ترك التنمي‪rr‬ة والتط‪rr‬ور جانب‪rr‬ا‪،‬‬
‫وتعتمد كليا في دعمها سياسيا واقتصاديا وعس‪rr‬كريا على المس‪rr‬تعمر القديم‬
‫الذي يظهر بمظهر المحب ال‪r‬ذي يقدم المس‪r‬اعدة بس‪r‬خاء ألط‪rr‬راف ال‪r‬نزاع‬
‫جميعا وبتوازن محسوب بدقة لكيال تميل الكفة لصالح طرف على حس‪rr‬اب‬
‫طرف ولكيال ينتصر طرف على اخر من اجل ادامة الع‪r‬داء ألط‪r‬ول حقب‪r‬ة‬
‫ممكنة‪.‬‬
‫ع‪rr‬دد من القوى االقتص‪rr‬ادية والعس‪rr‬كرية والسياس‪rr‬ية واأليديولوجي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫تهيمن على السياس‪rr‬ات واالقتص‪rr‬ادات العالمي‪rr‬ة تعم‪rr‬ل ض‪rr‬من نط‪rr‬اق ال‪rr‬دول‬
‫القومية وهذه القوى تعم‪rr‬ل بش‪rr‬كل متزاي‪rr‬د على ادام‪rr‬ة هيمنته‪rr‬ا على الع‪rr‬الم‬
‫بوس‪r‬ائل واس‪r‬تراتيجيات مختلف‪r‬ة‪ .‬والتح‪r‬دي ه‪r‬و كي‪r‬ف يمكن بن‪r‬اء سياس‪r‬ات‬
‫فعال‪rr‬ة م‪rr‬ؤثرة عالمي‪rr‬ا تتمكن عن طريقه‪rr‬ا الس‪rr‬يطرة على القوى اإلقليمي‪rr‬ة‬

‫‪255‬‬
‫والمحلي‪rr‬ة بن‪rr‬وع من المس‪rr‬ؤولية وفي ال‪rr‬وقت نفس‪rr‬ه تعم‪rr‬ل على تش‪rr‬جيع قيم‬
‫الديمقراطية اللبرالية وصوال الى العولمة؟ والعولم‪rr‬ة نفس‪rr‬ها ليس‪rr‬ت جدي‪rr‬دة‬
‫ولكنه‪rr‬ا تلبس اثواب‪rr‬ا جدي‪rr‬دة‪ ،‬فاإلمبراطوري‪rr‬ات ال‪rr‬تي ق‪rr‬امت على أش‪rr‬الء‬
‫الشعوب لها تاريخ طويل‪ ،‬والجديد فيها هو عملي‪rr‬ة تك‪rr‬ثيف الرب‪rr‬ط الع‪rr‬المي‬
‫لل‪r‬دول والش‪r‬عوب ب‪r‬القوى االس‪r‬تعمارية التقليدي‪r‬ة‪ ،‬وتقليص مفه‪r‬وم الزم‪r‬ان‬
‫والمك‪rr‬ان‪ ،‬بمع‪rr‬نى انتش‪rr‬ار االتص‪rr‬االت االلكتروني‪rr‬ة ذات الكلف‪rr‬ة الواطئ‪rr‬ة‪،‬‬
‫تقليص المسافات عبر النقل الجوي‪ ،‬ورفع الح‪rr‬واجز التقليدي‪rr‬ة ام‪rr‬ام حرك‪rr‬ة‬
‫الشركات عابرة القارات ومتع‪r‬ددة الجنس‪r‬يات لنقل اعماله‪r‬ا لل‪r‬دول الفقيرة‬
‫والنامي‪rr‬ة إلع‪r‬ادة الهيمن‪rr‬ة بوس‪rr‬ائل اك‪rr‬ثر تط‪rr‬ورا وب‪rr‬دون اس‪rr‬تثارة المش‪rr‬اعر‬
‫القومي‪rr‬ة ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت تس‪rr‬تثيرها عملي‪rr‬ة االحتالل التقليدي‪rr‬ة المباش‪rr‬رة ‪Held‬‬
‫)‪.(1995‬‬
‫القوى التي تقود العولمة لم تخلق عالما منسجما او متم‪rr‬اثال على المس‪rr‬توى‬
‫الوطني للدول‪ ،‬على العكس خلقت عالما مضطربا وشديد التفاوت ومنقسم‬
‫بشكل حاد‪ ،‬وفي ال‪rr‬وقت نفس‪rr‬ه ف‪rr‬ان العم‪rr‬ال ال‪rr‬ذين يعمل‪rr‬ون ل‪rr‬دى الش‪rr‬ركات‬
‫متعددة الجنسية ‪ Multi-national Firms‬أصبحوا اقل قدرة على الفعل‬
‫الجمعي للدفاع عن مصالحهم‪ ،‬الن أص‪rr‬حاب العم‪rr‬ل يمكنهم في أي‪rr‬ة لحظ‪rr‬ة‬
‫نقل أعمالهم الى اماكن أخرى‪ ،‬وق‪rr‬وى التغي‪rr‬ير بعي‪rr‬دة وتب‪rr‬دو غ‪r‬ير مس‪rr‬يطر‬
‫عليه‪rr‬ا‪ ،‬وعلي‪rr‬ه فال يب‪rr‬دو هن‪rr‬اك أي‪rr‬ة طريقة لمقاوم‪rr‬ة ق‪rr‬وة العولم‪rr‬ة‪ .‬وبينم‪rr‬ا‬
‫أص‪rr‬بحت المقاوم‪rr‬ة االقتص‪rr‬ادية ص‪rr‬عبة للغاي‪rr‬ة‪ ،‬على غ‪rr‬ير الع‪rr‬ادة س‪rr‬محت‬
‫القوى التي تقود العولمة للقوى المحلية والقومي‪r‬ة الص‪rr‬غيرة على االنتع‪r‬اش‬
‫المشروط‪ ،‬فمثال البلدان الص‪rr‬غيرة لم تع‪rr‬د ق‪rr‬ادرة على االكتف‪rr‬اء ال‪rr‬ذاتي وال‬

‫‪256‬‬
‫الدفاع عن نفسها‪ .‬في الماضي كانت الدول الص‪rr‬غيرة تعتم‪rr‬د على جيرانه‪rr‬ا‬
‫األقوياء‪ ،‬او تقبل حماية دول ك‪r‬برى قوي‪r‬ة‪ .‬دول مث‪r‬ل اورب‪r‬ا الش‪r‬رقية ال‪r‬تي‬
‫ك‪rr‬انت تنتج ك‪rr‬ل ش‪rr‬يء اعتم‪rr‬ادا على نفس‪rr‬ها‪ ،‬اض‪rr‬طرت بع‪rr‬د انهي‪rr‬ار النظم‬
‫االشتراكية الى خصخص‪r‬ة القط‪r‬اع الع‪r‬ام وتح‪r‬ولت ملكيت‪r‬ه الى مس‪r‬تثمرين‬
‫محليين وأجانب عملوا على افقار ه‪rr‬ذه البل‪rr‬دان ودخوله‪rr‬ا مرحل‪rr‬ة االعتم‪rr‬اد‬
‫على القوى المهيمنة ففقدت ق‪rr‬درتها على اتخ‪rr‬اذ القرارات المس‪rr‬تقلة بش‪rr‬أن‬
‫سياس‪rr‬اتها الداخلي‪rr‬ة والخارجي‪rr‬ة‪ ،‬وتح‪rr‬ولت الى دول تابع‪rr‬ة لقوى العولم‪rr‬ة‬
‫وليس لديها خيارات اال اإلذعان‪ .‬وكل الدول الصغيرة التي كانت تف‪rr‬ترض‬
‫ان العولمة ستوفر لها االمن أصيبت بخيبة ام‪rr‬ل‪ ،‬ذل‪rr‬ك الن العولم‪rr‬ة عملت‬
‫على تجزئ‪rr‬ة المجتم‪rr‬ع ومؤسس‪rr‬اته لدرج‪rr‬ة انه‪rr‬ا لم يع‪rr‬د بمقدورها مقاوم‪rr‬ة‬
‫الضغوط بسبب تحالفها عسكريا واقتصاديا مع قوى العولمة التي ال تفضل‬
‫اتباعا أقوياء او ولديهم القدرة في ال‪r‬دفاع عن مص‪r‬الحهم‪Bilton et al .‬‬
‫)‪(2002‬‬
‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫هذا الفصل كان مكرسا للتعريف بعالقة السلطة والقوة بالسياس‪rr‬ة والدول‪rr‬ة‪،‬‬
‫وق‪rr‬د ت‪rr‬بين ان علم االجتم‪rr‬اع ذهب بعي‪rr‬دا في مالحقة األفك‪rr‬ار واالتجاه‪rr‬ات‬
‫المختلفة في عالم سريع التغير اجتماعيا واقتصاديا وسياس‪rr‬يا‪ ،‬واتض‪rr‬ح ان‪rr‬ه‬
‫من المستحيل على علم االجتماع االلتزام بخط فكري واحد للسلطة والقوة‬
‫في المجتمع‪ ،‬ومن الخطأ الترك‪rr‬يز على السياس‪rr‬ة في بل‪rr‬د بعين‪rr‬ه دون االخ‪rr‬ذ‬
‫في االعتبار ابنية القوة االوسع فيما وراء حدود الدول‪rr‬ة القومي‪rr‬ة‪ .‬وإذا ك‪rr‬ان‬
‫االتج‪rr‬اه الماركس‪rr‬ي ق‪rr‬د ت‪rr‬رك اث‪rr‬را ح‪rr‬ادا في الفك‪rr‬ر السياس‪rr‬ي واالقتص‪rr‬ادي‬

‫‪257‬‬
‫المعادي للرأسمالية‪ ،‬فان النظام الرأسمالي الذي بلغ شأوا رفيع‪rr‬ا من التقدم‬
‫والذي استوعب فكرة الصراع الطبقي وتجاوزها‪ ،‬فانه أسس لعالقات ق‪rr‬وة‬
‫ابعد بكثير من أفكار كارل ماركس‪ .‬ومهما يكن فان طبيعة السياسة والقوة‬
‫في المجتم‪r‬ع ال تقتص‪r‬ر على الدول‪r‬ة ومؤسس‪r‬اتها‪ ،‬وانم‪r‬ا تش‪r‬مل أيض‪r‬ا ك‪r‬ل‬
‫العالقات ذات الطبيعة الملزمة بين الجماعات االجتماعية‪ ،‬من االس‪rr‬رة الى‬
‫المدرس‪rrr‬ة الى الش‪rrr‬ركات متع‪rrr‬ددة الجنس‪rrr‬ية والع‪rrr‬ابرة للقارات‪ .‬النظ‪rrr‬ام‬
‫الرأسمالي تخطى حدود الدولة القومية في السياسة واالقتصاد واالجتم‪rr‬اع‪،‬‬
‫والدولة الحديث‪rr‬ة بمقوماته‪rr‬ا الجغرافي‪rr‬ة والس‪rr‬كانية والثقافي‪rr‬ة والسياس‪rr‬ية هي‬
‫صنيعة االستعمار الذي بدأ ينحسر في النصف الثاني من القرن العش‪rr‬رين‪،‬‬
‫االستعمار الذي رسم الحدود والحواجز ونقاط التفتيش والهويات‪ ،‬ك‪rr‬ان ق‪rr‬د‬
‫فتح الباب واسعا لصراعات محلية وإقليمية من اجل حدود منتجة للحروب‬
‫واألزمات لكي تنشغل الدول الصغيرة بأزماتها وتعتمد اقتصاديا وعسكريا‬
‫على الدول العظمى التي كانت قد خططت لذلك قبل ان تصبح الدول دوال‪.‬‬
‫التطور التكنولوجي واالقتصادي للبلدان الصناعية وصل مرحلة العولم‪rr‬ة‪،‬‬
‫والعولم‪r‬ة لم تع‪r‬د تع‪r‬ني االن‪r‬دماج االقتص‪rr‬ادي لس‪r‬كان الك‪r‬وكب‪ ،‬وانم‪r‬ا هي‬
‫غ‪rr‬ول اف‪rr‬ترس ك‪rr‬ل البل‪rr‬دان الص‪rr‬غيرة واس‪rr‬تلب منه‪rr‬ا القدرة على اتخ‪rr‬اذ‬
‫القرارات المستقلة في السياسة او االقتصاد او حتى في المعاشرة الزوجي‪rr‬ة‬
‫بين السياسيين وأصحاب المص‪rr‬الح‪ .‬الدول‪rr‬ة القومي‪rr‬ة اس‪ُr‬تلبت وُأف‪rr‬رغت من‬
‫ك‪rr‬ل محتوياته‪rr‬ا األيديولوجي‪rr‬ة والسياس‪rr‬ية والنفس‪rr‬ية‪ ،‬وأص‪rr‬بحت تعتم‪rr‬د في‬
‫الحماية االقتصادية والسياسية على القوى ال‪r‬تي تقود العولم‪r‬ة‪ ...‬والعولم‪r‬ة‬
‫باختصار شديد اعادت انتاج االستعمار االقتصادي والسياسي والعس‪rr‬كري‬

‫‪258‬‬
‫بأساليب جديدة عبر تغلغل شركاتها العمالق‪rr‬ة في نس‪rr‬يج المجتمع‪rr‬ات األق‪rr‬ل‬
‫تط‪rr‬ورا‪ ،‬وفي تحالفاته‪rr‬ا السياس‪rr‬ية وفي هيمنته‪rr‬ا التكنولوجي‪rr‬ة‪ .‬وإذا ك‪rr‬انت‬
‫سياسة ما قبل العولمة تقوم على مبدا "الحق م‪r‬ع القوة"‪ ،‬ف‪r‬ان المب‪r‬دأ نفس‪r‬ه‬
‫عاد للواجه‪rr‬ة م‪rr‬رة أخ‪rr‬رى بوض‪rr‬وح أك‪rr‬بر م‪rr‬ع ارب‪rr‬اب العولم‪rr‬ة والمقرط‪rr‬ة‬
‫(الديمقراطية) الجديدة برفقة ش‪rr‬عارات زائف‪rr‬ة عن حقوق االنس‪rr‬ان وحري‪rr‬ة‬
‫الراي واالعتقاد‪.‬‬

‫الفصل التاسع‬

‫االنحراف والجريمة‬
‫‪Deviance & Crime‬‬

‫‪259‬‬
‫الجريمة هي نتاج الترف االجتماعي‬
‫فالديمير لينين‬

‫وف==اء ادريس نش==أت مث==ل غيره==ا من الفتي==ات‪ ،‬ولكن ق==درها ان تك==ون‬


‫العنوان الرئيس للصحف العالمي==ة في ‪ 27‬من ك==انون الث==اني ع==ام ‪2002‬‬
‫بوصفها أول انثى تفجر نفسها في الصراع الفلسطيني‪-‬اإلسرائيلي‪ ،‬كانت‬
‫في مقتبل الشباب ولو قدر لها ان تدخل الجامعة لك==انت من ض==من ال==ذين‬
‫يقرأون هذا الكتاب‪ .‬قصتها تبدو بسيطة‪ ،‬كان عليه==ا ان تحم==ل متفج==رات‬
‫للحدود مع إسرائيل‪ ،‬كما أراد لها مخطط العملية وه=و اخوه=ا‪ ،‬وب=دال من‬
‫ان تنفذ المطلوب فج==رت نفس==ها على اول جن==دي إس==رائيلي ص==ادفته‪ ،‬ثم‬
‫أعلنت قيادة مجموعة شهداء الق==دس عن استش==هادها‪ .‬عمله==ا ه==ذا ك==ان‬
‫بموافقة القيادة السياسية للمجموعة‪ .‬لم=اذا ح=دث ذل=ك؟ م=ا ال=ذي جعله=ا‬
‫‪260‬‬
‫تق==وم به==ذه العملي==ة "االنتحاري==ة" وتأخ==ذ معه==ا حي==اة اخ==رين؟ ه==ل هي‬
‫مندفعة أيديولوجيا لتشارك في الصراع الفلس==طيني‪ -‬اإلس==رائيلي؟ واالهم‬
‫هل هي منحرف==ة لتق==وم به==ذا الفع==ل؟ وإذا ك==انت ك==ذلك فم==ا ه==و المعي==ار؟‬
‫يتس==اءل باالنت==اين وروب==رتس )‪.Ballantine & Roberts (2009‬‬
‫وف==اء ادريس نش==أت في فلس==طين‪ ،‬وك==انت ق==د ت==زوجت في س==ن مبك==رة‬
‫ولكنه==ا ك==انت ع==اقر‪ ،‬وبس==بب ذل==ك ف==ان الم==رأة بال أطف==ال في المجتم==ع‬
‫الفلسطيني ليس لها دور تؤديه‪ ،‬وال مستقبل لها‪ ،‬ذل==ك ان أح==دا ال يفض==ل‬
‫االرتباط بعاقر مطّلقة‪ ،‬حيث ان قيمة المرأة في المجتمع ال=ذكوري ترتب=ط‬
‫بعفتها وقدرتها على االنجاب‪ ،‬فان لم تتوافر فيها هذه المواص==فات فإنه==ا‬
‫ستكون عبئا على عائلتها‪ .‬في ظل وضعها اليائس ه=ذا اخت==ارت ان تق==وم‬
‫بعمل انتحاري لكي تتخلص من احباطها وفي الوقت نفسه تجلب لعائلته=ا‬
‫الشرف والثروة‪ .‬االخريات اللواتي لحقن بها كانت لهن قصص مشابهة‪.‬‬
‫طبعا تحليل باالنتاين ال يخلو من انحياز او سوء فهم للثقافة العربي‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬اذا‬
‫ك‪rr‬انت وف‪rr‬اء تع‪rr‬اني من مش‪rr‬كالت واحباط‪rr‬ات‪ ،‬ف‪rr‬ان ذل‪rr‬ك ليس س‪rr‬ببا كافي‪rr‬ا‬
‫لالنتحار‪ ،‬ذلك ان الناس جميعا األغنياء والفقراء في الغرب او في الش‪rr‬رق‬
‫ال تخلو حياتهم من مشكالت واحباطات ربما أكثر بكثير من قص‪rr‬ة الطالق‬
‫او ع‪rr‬دم االنج‪rr‬اب ولم ي‪rr‬دفعهم ذل‪rr‬ك لالنتح‪rr‬ار‪ ،‬وق‪rr‬د أغف‪rr‬ل عم‪rr‬دا األس‪rr‬باب‬
‫العقائدية والقناعة بان حياة المجتمع اهم من حياة الفرد‪.‬‬
‫وس‪rr‬ؤالنا يقول باالنت‪rr‬اين‪ :‬ه‪rr‬ل ك‪rr‬انت ه‪rr‬ذه الم‪rr‬رأة منحرف‪rr‬ة؟ ام هي ش‪rr‬هيدة‬
‫وتستحق التمجيد االجتم‪rr‬اعي لفعله‪rr‬ا ه‪rr‬ذا‪ ،‬كال وجه‪rr‬تي النظ‪rr‬ر تعتم‪rr‬د على‬
‫ال‪r‬ذي يحكم في ه‪r‬ذا الموق‪r‬ف‪ .‬ه‪r‬ل هي ض‪r‬حية ظروفه‪r‬ا؟ ه‪r‬ل هي ع‪r‬اجزة‬
‫وتفتقر للمكانة االجتماعية في مجتمع ذكوري؟ هل هي مدركة تماما لعدالة‬
‫ما تقوم به؟ هل تتبنى موقفا فكريا او عقائديا يجعلها تسترخص حياته‪rr‬ا من‬
‫اجل الكرامة؟ من هذا المثال المفتوح نقف امام جملة من التعقي‪rr‬دات عن‪rr‬دما‬
‫‪261‬‬
‫نتحدث عن االنحراف‪ .‬في ه‪rr‬ذا الفص‪rr‬ل س‪rr‬نتعرف على المنح‪rr‬رف‪ ،‬وتحت‬
‫أي ظرف يحدث االنحراف‪ ،‬وبعيون َم ْن يعد الفعل منحرفا‪.‬‬
‫ما هو االنحراف ‪What is Deviance‬‬
‫االنحراف يعني تلك األفعال التي ال تتطابق مع المعايير والقيم الس‪rr‬ائدة في‬
‫مجتم‪rr‬ع معين‪ ،‬واالنح‪rr‬راف به‪rr‬ذا المع‪rr‬نى مح‪rr‬دد بمع‪rr‬ايير الثقاف‪rr‬ة وال‪rr‬زمن‪،‬‬
‫فالعالقة الجنسية بين اثنين خارج مؤسسة ال‪rr‬زواج يع‪rr‬د انحراف‪rr‬ا في الثقاف‪rr‬ة‬
‫العربية‪ ،‬وهو ليس ك‪rr‬ذلك في الثقاف‪rr‬ة الغربي‪rr‬ة‪ .‬وحيث تتغ‪rr‬ير الثقاف‪rr‬ة تتغ‪rr‬ير‬
‫معها معايير االنحراف‪ ،‬فمثال في المجتمع الغربي كانت المرأة التي تدخن‬
‫او تضع مساحيق التجمي‪rr‬ل او تتع‪rr‬اطى المش‪rr‬روبات الكحولي‪rr‬ة في األم‪rr‬اكن‬
‫العامة تعد منحرفة‪ ،‬في الوقت الحاضر لم تعد كذلك‪ .‬في المجتم‪rr‬ع الع‪rr‬ربي‬
‫الى وقت ق‪rr‬ريب ك‪rr‬ان وض‪rr‬ع مس‪rr‬احيق التجمي‪rr‬ل قب‪rr‬ل ال‪rr‬زواج نوع‪rr‬ا من‬
‫االنحراف واليوم لم يع‪r‬د االم‪r‬ر ك‪r‬ذلك‪.Haralambos et al (1991) .‬‬
‫اغلب الناس يرون االنحراف وكأنه تجاوز على األخالق والدين والمعايير‬
‫السياسية‪ ،‬ولكن مفهوم االنحراف في علم االجتماع أوسع من ذل‪rr‬ك بكث‪rr‬ير‪،‬‬
‫فإلى جانب السلوك الجنسي خ‪rr‬ارج مؤسس‪rr‬ة ال‪rr‬زواج‪ ،‬او االبتع‪rr‬اد عن القيم‬
‫الدينية‪ ،‬او التح‪rr‬زب السياس‪rr‬ي‪ ،‬هن‪rr‬اك االنحراف‪rr‬ات عن المع‪rr‬ايير المألوف‪rr‬ة‪،‬‬
‫مثل التناول المفرط للكحول‪ ،‬تعاطي المخدرات والجنس‪rr‬ية المثلي‪rr‬ة والبغ‪rr‬اء‬
‫واالنتحار والتطرف واللصوصية واالحتيال ومثلها كث‪rr‬ير‪ ،‬ك‪rr‬ل ه‪rr‬ذه تع‪rr‬ني‬
‫االنخ‪rr‬راط في س‪rr‬لوك غ‪rr‬ير ط‪rr‬بيعي بمقاييس المجتم‪rr‬ع‪ .‬ليس هن‪rr‬اك س‪rr‬لوك‬
‫منح‪rr‬رف بذات‪rr‬ه اال إذا وض‪rr‬ع ام‪rr‬ام مح‪rr‬ك مع‪rr‬ايير المجتم‪rr‬ع‪ .‬وكم‪rr‬ا قلن‪rr‬ا في‬
‫البداية فان المعايير قد تختلف من مجتم‪rr‬ع ألخ‪rr‬ر وق‪rr‬د تتغ‪rr‬ير ع‪rr‬بر ال‪rr‬زمن‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫وعلى هذا األساس فان التماثل مع توقعات مجتمع معين قد تعني انح‪rr‬راف‬
‫عن توقع‪rr‬ات مجتم‪rr‬ع اخ‪rr‬ر‪ ،‬فمثال اإلره‪rr‬اب الث‪rr‬وري ق‪rr‬د تع‪rr‬ده المجتمع‪rr‬ات‬
‫المستقرة انحراف‪r‬ا ولكن أعض‪r‬اء ومؤي‪r‬دي الحرك‪r‬ات الثوري‪r‬ة تع‪r‬ده س‪r‬لوكا‬
‫طبيعيا‪ .‬في كل هذه الحاالت يخضع االنحراف لوجهة نظر األكثري‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫لها قدرة على االنتشار وعلى جعل وجهة نظرها تؤخذ في الحسبان‪ ،‬وهذه‬
‫الرؤي‪rr‬ة تنس‪rr‬جم م‪rr‬ع نظري‪rr‬ة التوص‪rr‬يف ‪ labelling theory‬وهي قريب‪rr‬ة‬
‫الص‪rr‬لة بالتفاعلي‪rr‬ة الرمزي‪rr‬ة‪ .‬ووفقا لوجه‪rr‬ة النظ‪rr‬ر ه‪rr‬ذه ف‪rr‬ان التوص‪rr‬يف‬
‫باالنحراف يصدر عن الجماعة االجتماعي‪rr‬ة المهيمن‪rr‬ة او ال‪rr‬تي تتمت‪rr‬ع بقوة‬
‫معيارية ملزمة‪ ،‬وهذا يفسر لنا موقع األقليات العرقية في المجتمعات ال‪rr‬تي‬
‫تحتض‪rr‬نها‪ ،‬حيث تعام‪rr‬ل على انه‪rr‬ا منحرف‪rr‬ة وينظ‪rr‬ر له‪rr‬ا بارتي‪rr‬اب بس‪rr‬بب‬
‫انتهاكها معايير األغلبية العرقية‪.‬‬

‫منظور االنحراف ‪Deviance Perspective‬‬


‫مفهوم االنحراف في علم االجتماع قد يختلف نوعا م‪rr‬ا عن‪rr‬ه في علم النفس‬
‫على الرغم من ان تفسيراتهما تتداخل أحيان‪r‬ا‪ ،‬فعلم النفس ي‪r‬رى االنح‪r‬راف‬
‫من منظور التركيب النفسي للفرد‪ ،‬والمنحرف لذلك هو انس‪rr‬ان ش‪rr‬اذ‪ ،‬فيم‪rr‬ا‬
‫يرى علم االجتماع االنحراف مثل مخّلفات الطريق في مسيرة المجتم‪rr‬ع او‬
‫نتيجة لتعثر مسيرته‪ ،‬والتداخل مع علم النفس يحدث عندما يخلق المجتم‪rr‬ع‬
‫في مسيرته أناس ذوي شخصيات غريبة او ش‪rr‬اذة ‪People with Odd‬‬
‫‪ ،Personalities‬وفي كل حال نظريات علم االجتم‪rr‬اع تنظ‪rr‬ر لالنح‪rr‬راف‬
‫من زاوية‪:‬‬

‫‪263‬‬
‫ـ نماذج االجماع‪ :‬والتي تنظر للمجتمع على انه اما ان يكون قاعدة واس‪rr‬عة‬
‫االنتشار للتواف‪rr‬ق ح‪r‬ول م‪r‬ا ه‪r‬و ص‪rr‬حيح وم‪r‬ا ه‪r‬و غ‪r‬ير ص‪rr‬حيح (االجم‪r‬اع‬
‫القيمي) او يكون في حالة انحطاط عندما ال يحص‪r‬ل اجم‪r‬اع قيمي‪ .‬ص‪r‬ورة‬
‫المجتمع هذه تضع االنحراف شاهدا على ان المجتمع يعمل بش‪rr‬كل منس‪rr‬جم‬
‫ولكن في مس‪rr‬يرته تظه‪rr‬ر بعض اش‪rr‬كال االنح‪rr‬راف عن‪rr‬دما يعج‪rr‬ز بعض‬
‫االفراد عن مجاراة المعايير االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬او ان المجتم‪rr‬ع م‪rr‬ريض وتع‪rr‬اني‬
‫انساقه من خلل في أداء وظائفها‪ ،‬كما هو الح‪rr‬ال في الع‪rr‬راق بع‪rr‬د االحتالل‬
‫األمريكي الذي يعاني من اضطراب او تعارض في عمل مؤسساته‪.‬‬
‫ـ نماذج الص‪rr‬راع‪ :‬وال‪rr‬تي ت‪rr‬رى المجتم‪rr‬ع ينط‪rr‬وي على جماع‪r‬ات بمص‪rr‬الح‬
‫وقيم مختلف‪rrr‬ة‪ ،‬ويحتم‪rrr‬ل ذل‪rrr‬ك ان بعض الجماع‪rrr‬ات تس‪rrr‬تهدف مص‪rrr‬الح‬
‫الجماعات األخرى‪ ،‬وفي ذلك فان االنحراف ال يبدو مستغربا‪ ،‬ان‪rr‬ه يظه‪rr‬ر‬
‫وكأنه ج‪rr‬زء من الص‪rr‬راع المس‪rr‬تمر بين الجماع‪rr‬ات ال‪rr‬تي تس‪rr‬عى ك‪rr‬ل منه‪rr‬ا‬
‫للمضي في طريقها‪Gomm (1989) .‬‬
‫االنحراف الجيني ‪Genes & Deviance‬‬
‫في الماضي كانت المناقشات تميل الى اهمال البعد االجتماعي لالنحراف‪،‬‬
‫فالسلوك المنحرف ك‪rr‬ان ينظ‪rr‬ر ل‪rr‬ه على ان‪rr‬ه مس‪rr‬الة فردي‪rr‬ة خالص‪rr‬ة متعلقة‬
‫بالجينات‪ ،‬وفقا لوجهة النظ‪r‬ر ه‪r‬ذه ف‪rr‬ان االف‪r‬راد االعتي‪r‬اديين يتوافقون م‪r‬ع‬
‫التوقع‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬وال‪rr‬ذين ال يفعل‪rr‬ون ليس‪rr‬وا اس‪rr‬وياء‪ ،‬فالش‪rr‬كل غ‪rr‬ير‬
‫الطبيعي يعكس عقال وسلوكا منحرفا‪ .‬مثل هذا الزعم ينك‪rr‬ر الحقيقة ال‪rr‬تي‬
‫تقول ليس هناك سلوك مس‪rr‬تقل عن الت‪rr‬أثيرات االجتماعي‪rr‬ة‪ .‬ع‪rr‬دد كب‪rr‬ير من‬
‫الكتاب في القرن التاس‪r‬ع عش‪r‬ر وبعض‪r‬هم الى الي‪r‬وم يزعم‪r‬ون ان الس‪r‬لوك‬

‫‪264‬‬
‫يمكن تفسيره في ضود التركيب ال‪rr‬بيولوجي للف‪rr‬رد‪ .‬نظري‪rr‬ة التط‪rr‬ور ك‪rr‬انت‬
‫الرائدة في قبول فكرة التسلسل التطوري من الحيوانات الدنيا الى االنسان‪.‬‬
‫وهن‪rr‬اك من م‪rr‬ازال يعتقد ان االنس‪rr‬ان يحم‪rr‬ل ع‪rr‬ددا كب‪rr‬يرا من الموروث‪rr‬ات‬
‫الحيوانية في تركيبته الجينية‪ .‬فقد تط‪rr‬ور االنس‪rr‬ان األبيض بحس‪rr‬ب زعمهم‬
‫أسرع من االنسان األسود وان الطفل االبيض وصل مرحلة تطور األسود‬
‫البالغ نفسها‪ .‬بمعنى ان البالغ االسود لم يتطور ابعد من تطور طفل ابيض‬
‫في خصائص‪rr‬ه وانم‪rr‬اط س‪rr‬لوكه (نظري‪rr‬ة عنص‪rr‬رية م‪rr‬ا زالت قائم‪rr‬ة)‪ ،‬ه‪rr‬ذه‬
‫االفتراضات تعزز النظرة المعاصرة لالنحراف كما يّد عي فالشر وسكوت‬
‫)‪.Fulcher &Schott (1999‬‬
‫اح‪rr‬دى االتجاه‪rr‬ات س‪rr‬يئة الس‪rr‬معة لنظري‪rr‬ة التط‪rr‬ور المتعلقة بالس‪rr‬لوك‬
‫المنح‪rrr‬رف هي نظري‪rrr‬ة س‪rrr‬يزار لوم‪rrr‬بروزو (‪Cesare )1909-1836‬‬
‫‪ Lombroso‬ال‪rr‬ذي رب‪rr‬ط الجريم‪rr‬ة بخص‪rr‬ائص منحط‪rr‬ة ‪ Atavistic‬أي‬
‫يرجعها الى سلوك االنسان قبل تط‪r‬وره الح‪r‬الي‪ ،‬ف‪r‬المجرمون براي‪r‬ه ل‪r‬ديهم‬
‫فشل حتمي في التطور البيولوجي يحول بينهم وبين نموهم الكامل بش‪rr‬ريا‪،‬‬
‫انهم يظهرون خصائص أقرب الى خصائص القرود‪ ،‬وأحيانا لديهم مالمح‬
‫وحشية تعطيهم خصائص تشريحية مميزة‪ ،‬مثل التض‪rr‬خم في حجم الفكين‪،‬‬
‫أذرع طويل‪rr‬ة‪ ،‬جمجم‪rr‬ة س‪rr‬ميكة‪ ،‬ان‪rr‬ف مفلطح وهك‪rr‬ذا‪ .‬ه‪rr‬ذه الخص‪rr‬ائص‬
‫المنحطة يقول لومبروزو تقودهم لتفضيل أنماط من الس‪rr‬لوك تب‪rr‬دو طبيعي‪rr‬ة‬
‫بين القرود والوح‪rrrr‬وش‪ ،‬ولكنه‪rrrr‬ا‬
‫إجرامية في المجتمعات البشرية‪ .‬ه‪rr‬ذا‬
‫ال‪rrrrr‬نزوع االج‪rrrrr‬رامي واض‪rrrrr‬ح في‬

‫‪265‬‬
‫خصائصهم الشخصية المنحطة كما يزعم لومبروزو‪ ،‬والمجرم كم‪rr‬ا يعتقد‬
‫كسول‪ ،‬يحب وضع الوشم على جس‪rr‬ده ويمي‪rr‬ل الى العرب‪rr‬دة‪ .‬كم‪rr‬ا يعتقد ان‬
‫‪ %40‬من مجم‪rr‬وع المج‪rr‬رمين يول‪rr‬دون مج‪rr‬رمين من ه‪rr‬ذا الن‪rr‬وع‪ ،‬انهم‬
‫يندفعون للجريمة بدافع تركيبهم البيولوجي‪ ،‬اما بقية منتهكي القوانين ف‪rr‬ان‬
‫فعلهم االج‪rr‬رامي يح‪rr‬دث بالص‪rr‬دفة‪ ،‬او بس‪rr‬بب بعض الظ‪rr‬روف‪ ،‬ولكنهم ال‬
‫يملكون خصائص منحط‪rr‬ة تجعلهم مج‪rr‬رمين ب‪rr‬الوالدة‪ .‬نظري‪rr‬ة لوم‪rr‬بروزو‬
‫واالفتراضات العرقية المؤي‪rr‬دة له‪rr‬ا ك‪rr‬انت ق‪rr‬د اس‪ُr‬تبعدت من‪rr‬ذ زمن طوي‪rr‬ل‪،‬‬
‫وعلى ال‪rr‬رغم من ذل‪rr‬ك م‪rr‬ا ي‪rr‬زال بعض الن‪rr‬اس ي‪rr‬رون الجريم‪rr‬ة مالزم‪rr‬ة‬
‫للخص‪rr‬ائص الفطري‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬العنف او الع‪rr‬دوان مثال ال ينظ‪rr‬ر ل‪rr‬ه بوص‪rr‬فه من‬
‫خصائص الذكور فقط وانما هو شكل متطرف للخص‪rr‬ائص الجيني‪rr‬ة‪ ،‬حيث‬
‫ان المجرم العنيف في اجرامه ُيعتقد انه يمل‪rr‬ك جين ‪ Y‬إض‪rr‬افي‪ .‬وعلى ك‪rr‬ل‬
‫ح‪rr‬ال العالق‪rr‬ة بين ال‪rr‬تركيب ال‪rr‬بيولوجي والس‪rr‬لوك االجتم‪rr‬اعي ليس‪rr‬ت به‪rr‬ذا‬
‫الوضوح‪ ،‬على ال‪r‬رغم من وج‪r‬ود أس‪r‬اس بيول‪r‬وجي للس‪r‬لوك الع‪r‬نيف‪ .‬وم‪r‬ا‬
‫يزال الجدل قائما ح‪rr‬ول ت‪rr‬أثير العوام‪rr‬ل البيولوجي‪rr‬ة والمواق‪rr‬ف االجتماعي‪rr‬ة‬
‫ال‪rr‬تي تس‪rr‬تثير الس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف‪ ،‬فس‪rr‬لوك الجن‪rr‬دي اثن‪rr‬اء الح‪rr‬رب يس‪rr‬تلزم‬
‫العنف‪ ،‬وهذا السلوك يدخل ضمن إطار العمل المنضبط ضد الع‪rr‬دو‪ .‬وه‪rr‬ذا‬
‫العنف يتم التغاض‪rr‬ي عن‪rr‬ه او تش‪rr‬جيعه وربم‪rr‬ا يك‪rr‬افئ علي‪rr‬ه ويوص‪rr‬ف بان‪rr‬ه‬
‫بطولة وشجاعة‪ ،‬ولكن عندما يه‪rr‬اجم أح‪rr‬دهم مش‪rr‬جعي الفري‪rr‬ق الخص‪rr‬م في‬
‫لعبة كرة القدم‪ ،‬فان هذا السلوك يدان ويعد نوعا من التخ‪rr‬ريب ال‪rr‬ذي يتعين‬
‫إيقافه‪ .‬ليس هناك تفسير بيولوجي للعنف حيث ان‪r‬ه يك‪r‬ون في موق‪rr‬ف معين‬
‫عمل بطولي وفي موق‪rr‬ف اخ‪rr‬ر عم‪rr‬ل منح‪rr‬رف‪ .‬ه‪rr‬ذا طبع‪rr‬ا ال يع‪rr‬ني ان رد‬

‫‪266‬‬
‫الفعل االجتماعي المختلف في الموقفين هو االفتراض الراجح في اس‪rr‬تبعاد‬
‫التفس‪rr‬ير ال‪rr‬بيولوجي‪ .‬والحقيقة هي عن‪rr‬دما يمتل‪rr‬ك بعض الن‪rr‬اس ميال نح‪rr‬و‬
‫السلوك العنيف فان التفسير ال‪rr‬بيولوجي يص‪rr‬بح مقنع‪rr‬ا‪ ،‬وباإلمك‪rr‬ان إيض‪rr‬اح‬
‫متى وأين يمكن التعبير عن هذا الميل في السلوك االجتم‪rr‬اعي او االحج‪rr‬ام‬
‫عنه وفقا لردة فعل المجتمع إزاء العنف‪ .‬ومهما يكن فان تفسير االنح‪rr‬راف‬
‫يجب ان يفهم عن طريق عملي‪rr‬ات التنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬حيث يتعلم الن‪rr‬اس‬
‫إعطاء مع‪r‬نى لس‪r‬لوكهم‪ ،‬وخالل عملي‪r‬ة الت‪r‬أديب المبك‪r‬رة ال‪r‬تي يتمكن فيه‪r‬ا‬
‫االنس‪rr‬ان من التمي‪rr‬يز بين الس‪rr‬لوك المرغ‪rr‬وب في‪rr‬ه والس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف‪.‬‬
‫)‪Fulcher & Scott (1999‬‬
‫الس==لوك المنح==رف والبن==اء االجتم==اعي & ‪Deviant Behaviour‬‬
‫‪Social Structure‬‬
‫على الرغم من االلي‪rr‬ات العدي‪rr‬دة ال‪rr‬تي تع‪rr‬زز التماث‪rr‬ل ‪ conformity‬فليس‬
‫هناك مجتمع او جماعة في مجتمع يخلو تماما من بعض أن‪rr‬واع االنح‪rr‬راف‬
‫عن المعايير السائدة‪ .‬والسلوك المنحرف يتدرج من الهف‪r‬وات البس‪rr‬يطة الى‬
‫الجريمة والخيانة‪ .‬من وجهة النظر النفسية‪ ،‬أصل السلوك المنحرف يكمن‬
‫في الشخصية‪ ،‬في الحاجات غير المشبعة‪ ،‬والدوافع غ‪rr‬ير المس‪rr‬يطر عليه‪rr‬ا‬
‫او المش‪rrr‬كالت العاطفي‪rrr‬ة‪ .‬فروي‪rrr‬د وج‪rrr‬د ج‪rrr‬ذور االنح‪rrr‬راف في الغرائ‪rrr‬ز‬
‫البيولوجية‪ ،‬تلك التي تحاول االنفجار بوجه تحفظ‪rr‬ات الثقاف‪rr‬ة‪ ،‬على ال‪rr‬رغم‬
‫من ظهور الت‪r‬وترات اثن‪r‬اء التفاع‪r‬ل بين الحاج‪r‬ات او ال‪r‬دوافع وبين النظ‪r‬ام‬
‫االجتماعي‪ .‬النظريات التي توكد فقط على ق‪rr‬وة ه‪rr‬ذه ال‪rr‬دوافع من الواض‪rr‬ح‬
‫انها غير كافية لتفسير ما يحدث من خرق لوس‪r‬ائل الض‪r‬بط االجتم‪r‬اعي في‬

‫‪267‬‬
‫اوق‪rr‬ات معين‪rr‬ة‪ .‬التفس‪rr‬يرات النفس‪rr‬ية للس‪rr‬لوك غ‪rr‬ير التقلي‪rr‬دي او الس‪rr‬لوك‬
‫االجرامي ك‪r‬ان عليه‪r‬ا ان تتجنب االعتم‪r‬اد على ال‪r‬دوافع الفطري‪r‬ة وح‪r‬دها‪،‬‬
‫وعلى كل حال فرويد نفسه اقترح اثناء تحليله ل‪rr‬ديناميكيات الشخص‪rr‬ية‪ ،‬ان‬
‫االفراد يهملون االمالءات الثقافية بسبب خصوصية خبراتهم االجتماعي‪rr‬ة‪،‬‬
‫واهمال االبوين او المتطلبات المفرطة لهم ‪ ،‬او ممارس‪rr‬ة الس‪rr‬لطة الغاش‪rr‬مة‬
‫او الصراع المستمر بين االبوين امام األطفال قد يقود كل ذل‪rr‬ك الى ن‪rr‬زوع‬
‫سيكولوجي لرفض او عدم احترام االمالءات الثقافية الن السنوات المبكرة‬
‫ذات أهمي‪rr‬ة قص‪rr‬وى في تك‪rr‬وين الشخص‪rr‬ية‪ ،‬كم‪rr‬ا ان ع‪rr‬دم االنس‪rr‬جام م‪rr‬ع‬
‫المعايير الثقافية يعكس فش‪rr‬ل عملي‪rr‬ة التنش‪rr‬ئة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬مث‪rr‬ل ع‪rr‬دم زرع‬
‫اح‪rr‬ترام االخ‪rr‬رين او ع‪rr‬دم االل‪rr‬تزام ب‪rr‬القيم االجتماعي‪rr‬ة الس‪rr‬ائدة‪ ،‬او تش‪rr‬جيع‬
‫المشاعر العدائية‪ ،‬او حتى نقل السلوك المعادي للهيئة االجتماعية لألطفال‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫مصادر التحليل السيكولوجي لالنحراف وجذوره في سيرة الش‪rr‬خص تب‪rr‬دو‬
‫مناسبة وضرورية لفهم الحاالت الفردية‪ .‬فكل مجرم او منحرف او غريب‬
‫االط‪rr‬وار او مض‪rr‬اد للمجتم‪rr‬ع لدي‪rr‬ه ت‪rr‬اريخ خ‪rr‬اص ل‪rr‬ه عالق‪rr‬ة بأفعال‪rr‬ه‪ ،‬لكن‬
‫الحقائق حول شخصية الفرد او خبرات‪r‬ه ال ينبغي اخ‪r‬ذها في الحس‪r‬بان عن‪r‬د‬
‫تتبع االشكال الخاصة لالنح‪rr‬راف ل‪rr‬دى الجماع‪rr‬ات او الفئ‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‪،‬‬
‫ذلك الن الجريمة واالنحراف ومعدالت االنتحار متذبذبة من س‪r‬نة ألخ‪r‬رى‬
‫وح‪rr‬تى من موس‪rr‬م آلخ‪rr‬ر‪ ،‬فالمقامرة غ‪rr‬ير المش‪rr‬روعة‪ ،‬ع‪rr‬دم االك‪rr‬تراث‬
‫بالمعايير الجنسية‪ ،‬والفساد السياسي يزداد او يقل حس‪rr‬ب تغ‪rr‬ير الظ‪rr‬روف‪،‬‬
‫وان اغلب حاالت االنحراف نادرا ما تتوزع بشكل متساوي في كل أجزاء‬

‫‪268‬‬
‫المجتمع‪ ،‬السرقة والسطو واالعتداء تحدث بشكل متكرر غالبا لدى الطبقة‬
‫الدنيا‪ ،‬واالختالس واالحتيال ‪ embezzlement‬ل‪r‬دى الطبقتين الوس‪r‬طى‬
‫والعلي‪rr‬ا‪ .‬عص‪rr‬ابات االح‪rr‬داث المنح‪rr‬رفين تتواج‪rr‬د في الغ‪rr‬الب في االحي‪rr‬اء‬
‫الحض‪rr‬رية الفقيرة‪ .‬رج‪rr‬ال الطبقة ال‪rr‬دنيا يرع‪rr‬ون البغاي‪rr‬ا أك‪rr‬ثر من رج‪rr‬ال‬
‫الطبقة الوسطى‪ .‬حقائق مثل هذه يمكن فقط تفسيرها سيسيولوجيا ولحد م‪rr‬ا‬
‫وفق مبادئ علم النفس االجتماعي‪ ،‬فمنظور علم االجتماع انتهاك القوانين‬
‫واألعراف يتوق‪rr‬ف على خص‪rr‬ائص الثقاف‪rr‬ة والمؤسس‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫يحدث فيها‪ ،‬انه‪r‬ا العالق‪r‬ة بين انس‪r‬ان وانس‪r‬ان اخ‪r‬ر‪ ،‬ال‪r‬دور ال‪r‬ذي يؤدون‪r‬ه‪،‬‬
‫والمؤسس‪rrr‬ات والقيم ال‪rrr‬تي ت‪rrr‬ؤثر على ش‪rrr‬كل ومع‪rrr‬دل وتوزي‪rrr‬ع الس‪rrr‬لوك‬
‫المنحرف‪ ،‬والن الثقافة والمؤسسات االجتماعية ال يمكن ان تتكام‪rr‬ل كلي‪rr‬ا‪،‬‬
‫مع تعقيدات وتنوع العناصر ال‪rr‬تي تت‪rr‬داخل فيه‪rr‬ا‪ ،‬هن‪rr‬اك دائم‪rr‬ا ن‪rr‬زوع نح‪rr‬و‬
‫الالتماث‪r‬ل متأص‪rr‬ل في الحي‪r‬اة االجتماعي‪r‬ة نفس‪r‬ها‪ .‬وق‪rr‬وة ه‪r‬ذا ال‪r‬نزوع نح‪r‬و‬
‫االنح‪rr‬راف تختل‪rr‬ف ب‪rr‬اختالف المؤسس‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬وال‪rr‬تي تظه‪rr‬ر في‬
‫الغ‪rr‬الب جزئي‪rr‬ا وتك‪rr‬ون ح‪rr‬ادة أحيان‪rr‬ا في بعض أج‪rr‬زاء المجتم‪rr‬ع‪ .‬انهي‪rr‬ار‬
‫المؤسسات في العراق بعد الغ‪rr‬زو األم‪rr‬ريكي‪ ،‬وت‪rr‬دهور منظوم‪rr‬ة القيم أدت‬
‫الى ظه‪rr‬ور أن‪rr‬واع من االنحراف‪rr‬ات لم تكن مألوف‪rr‬ة اب‪rr‬دا‪ ،‬مث‪rr‬ل العص‪rr‬ابات‪،‬‬
‫والعشائر والجنسية المثلية والبغاء العقلي‪ ،‬وسرقة المال العام‪ ،‬كله‪rr‬ا امثل‪rr‬ة‬
‫على حدة االنحرافات في المجتمع‪ .‬المجتمع المفك‪rr‬ك ينط‪rr‬وي على ظ‪rr‬واهر‬
‫منحرفة شديدة التنوع‪ ،‬مثل ص‪rr‬راع ال‪rr‬دور والص‪rr‬راع الثقافي واالنفص‪rr‬ال‬
‫بين معاني العقوبات االجتماعي‪rr‬ة وأه‪rr‬دافها‪ ،‬واش‪rr‬كال أخ‪rr‬رى لع‪rr‬دم التماث‪rr‬ل‬
‫والتناقض‪ .‬الجماعات واالفراد الذين يتعرضون أكثر من غيرهم للضغوط‬

‫‪269‬‬
‫الناش‪rrr‬ئة عن التفك‪rrr‬ك المؤسس‪rrr‬ي‪ ،‬هم أك‪rrr‬ثر احتم‪rrr‬اال النته‪rrr‬اك المع‪rrr‬ايير‬
‫االجتماعي‪rrr‬ة‪ ،‬واس‪rrr‬تجاباتهم تعتم‪rrr‬د على ق‪rrr‬وة او ض‪rrr‬عف منظوم‪rrr‬ة القيم‪،‬‬
‫والتوقع‪rr‬ات والحاج‪rr‬ات ال‪rr‬تي تنبث‪rr‬ق من الص‪rr‬عوبات الناتج‪rr‬ة عن ظ‪rr‬روفهم‬
‫)‪Chinoy (1965‬‬
‫االختيار العقالني والنظريات التفاعلية ‪Rational Choice &Interaction‬‬
‫‪Theories‬‬
‫ال أحد يولد منحرفا يقول باالنتاين وروب‪r‬رتس ‪Ballantine &Roberts‬‬
‫)‪ (2009‬ف‪rr‬األفراد يتعلم‪rr‬ون االمتث‪rr‬ال للقوانين او انتهاكه‪rr‬ا خالل عملي‪rr‬ات‬
‫التنشئة االجتماعية‪ ،‬لهذا ف‪rr‬ان الس‪rr‬لوك يكتس‪rr‬ب اثن‪rr‬اء عملي‪rr‬ة التفاع‪rr‬ل ال‪rr‬تي‬
‫تح‪rr‬دث في مراح‪rr‬ل الحي‪rr‬اة المختلف‪rr‬ة‪ .‬والس‪rr‬ؤال لم‪rr‬اذا يتعلم بعض االف‪rr‬راد‬
‫ليص‪rr‬بحوا منح‪rr‬رفين فيم‪rr‬ا يتعلم اخ‪rr‬رون االمتث‪rr‬ال للمع‪rr‬ايير االجتماعي‪rr‬ة؟‬
‫االختي==ار العقالني يرك‪rr‬ز على تحلي‪rr‬ل "الفائ‪rr‬دة والثمن" لخي‪rr‬ارات الف‪rr‬رد‪،‬‬
‫بمعنى ان الفرد يملك حرية اختيار الفع‪rr‬ل ال‪rr‬ذي يع‪rr‬تزم القي‪rr‬ام ب‪rr‬ه ويحس‪rr‬ب‬
‫حساب الخسارة والربح عند شروعه بالعمل المنح‪rr‬رف‪ ،‬ف‪rr‬اذا رجحت كف‪rr‬ة‬
‫الربح في الفعل المنح‪rr‬رف انج‪rr‬رف خ‪rr‬ارج ح‪rr‬دود المس‪rr‬موح ب‪rr‬ه وإذا غلب‬
‫على تفك‪rr‬يره الخس‪rr‬ارة فان‪rr‬ه س‪rr‬وف يحجم عن‪rr‬ه ويل‪rr‬تزم بالمع‪rr‬ايير‪ ..‬االتج‪rr‬اه‬
‫االخر يس‪rr‬تند الى نظري‪rr‬ة "التفاعلي==ة الرمزي==ة" ال‪rr‬تي تف‪rr‬ترض ان االف‪rr‬راد‬
‫يتعرضون لفرص االنحراف فاذا انحرفوا ف‪rr‬انهم س‪rr‬يكونون ام‪rr‬ام عقوب‪rr‬ات‬
‫توص‪rr‬يف يوس‪rr‬مون به‪rr‬ا من قب‪rr‬ل نظ‪rr‬رائهم واف‪rr‬راد ع‪rr‬ائالتهم ورمزي‪rr‬ة‬
‫التوصيف (الوسم) س‪rr‬يكون له‪rr‬ا أث‪rr‬ر ب‪rr‬الغ الس‪rr‬وء على حي‪rr‬اتهم وعالق‪rr‬اتهم‪.‬‬
‫ف‪rr‬المجرم ال‪rr‬ذي ي‪rr‬دخل الس‪rr‬جن مثال يص‪rr‬عب علي‪rr‬ه الحص‪rr‬ول على عم‪rr‬ل‬

‫‪270‬‬
‫ويص‪rr‬عب علي‪rr‬ه الحص‪rr‬ول على زوج‪rr‬ة وعلى اح‪rr‬ترام وتقدير االخ‪rr‬رين‪.‬‬
‫وفقدان التقدير االجتماعي لوحده كفيل بردع اغلب الن‪rr‬اس عن االنح‪rr‬راف‪.‬‬
‫أصحاب االختيار العقالني والتفاعلية الرمزية يركزون على القض‪rr‬ايا ذات‬
‫المس‪r‬توى الص‪r‬غير ‪ Micro level‬ام‪r‬ا نظري‪r‬ة الض==بط االجتم==اعي فإنه‪r‬ا‬
‫تش‪rr‬دد على أهمي‪rr‬ة امتث‪rr‬ال الن‪rr‬اس ال‪rr‬دائم للمع‪rr‬ايير وتجنبهم ارتك‪rr‬اب اعم‪rr‬ال‬
‫منحرفة‪ ،‬فاذا ك‪rr‬ان الن‪rr‬اس أح‪rr‬رارا في ك‪rr‬ل م‪rr‬ا يفعل‪rr‬ون‪ ،‬فمن المحتم‪rr‬ل انهم‬
‫يرتكبون اعماال منحرف‪rr‬ة‪ ،‬له‪rr‬ذا ف‪rr‬ان العيش م‪rr‬ع االخ‪rr‬رين او ب‪rr‬القرب منهم‬
‫يستلزم مراقبة االفراد لسلوكهم للعيش بسالم ولتجنب العقوب‪rr‬ات والن‪rr‬واهي‬
‫االجتماعية‪ ،‬انها باختصار عملية ضبط اجتماعي‪.‬‬
‫والسؤال المتكرر في علم االجتماع هو‪ :‬كيف يمكن للنظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي ان‬
‫يأخذ مداه في ظل مجتمع سريع التغير‪ .‬والج‪rr‬واب األك‪rr‬ثر عمومي‪rr‬ة ه‪rr‬و ان‬
‫النظام ينتج عن المعايير االجتماعية التي تعزز النظام والتوقعات‪ ،‬وعندما‬
‫يفشل الناس في االلتزام بالمعايير‪ ،‬او عندما تكون المعايير ضعيفة او غير‬
‫واضحة ف‪rr‬ان اس‪rr‬تقرار وديموم‪rr‬ة النظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي كل‪rr‬ه س‪rr‬تكون مه‪rr‬ددة‪،‬‬
‫والناس في العادة يتواشجون مع بالمجتمع عبر أربعة عوامل أساس‪rr‬ية هي‪:‬‬
‫االرتب==اط ‪ Attachment‬م‪rr‬ع االخ‪rr‬رين ال‪rr‬ذين يح‪rr‬ترمون قواع‪rr‬د المجتم‪rr‬ع‬
‫وقيمه‪ ،‬ذلك ان االفراد ال يريدون ان يكونوا موضع رفض من قب‪rr‬ل الن‪rr‬اس‬
‫ال‪rr‬ذين يح‪rr‬ترمونهم او ال‪rr‬ذين يعيش‪rr‬ون معهم‪ .‬ـ االل==تزام ‪Commitment‬‬
‫باألنش‪rr‬طة التقليدي‪rr‬ة (كالمدرس‪rr‬ة ومك‪rr‬ان العم‪rr‬ل) تل‪rr‬ك ال‪rr‬تي ال يري‪rr‬دون‬
‫تعريض‪rr‬ها للخط‪rr‬ر االنغم==اس ‪ Involvement‬في األنش‪rr‬طة ال‪rr‬تي تجعلهم‬
‫منش‪rr‬غلين كلي‪rr‬ا ب‪rr‬األدوار والتوقع‪rr‬ات التقليدي‪rr‬ة ال‪rr‬تي ال تقب‪rr‬ل تعم‪rr‬د األذى‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫االعتقاد ‪ Belief‬بالقواعد االجتماعية للثقاف‪rr‬ة‪ ،‬وال‪rr‬تي يخض‪rr‬عون له‪rr‬ا ع‪r‬بر‬
‫عمليات التنشئة المبكرة والتي ُتلقن لهم مع المعتقدات التقليدية‬
‫فاذا ضعفت هذه المتغيرات فان هن‪rr‬اك احتم‪rr‬اال متزاي‪rr‬دا في ارتك‪rr‬اب الف‪rr‬رد‬
‫عمال منحرفا )‪ ،Hirschi (2002‬وهناك عامالن أساسان يحددان نزوعنا‬
‫نحو االمتثال‪ ،‬أوال‪ :‬التحكم الداخلي‪ ،‬ويتمث‪rr‬ل في األص‪rr‬وات ال‪rr‬تي نس‪rr‬معها‬
‫من داخل انفسنا والتي تعمل بمثابة منبهات لسلوكنا المرغوب فيه وسلوكنا‬
‫غ‪rr‬ير المرغ‪rr‬وب في‪rr‬ه (المنح‪rr‬رف)‪ ،‬وثاني‪rr‬ا‪ :‬التحكم الخ==ارجي‪ ،‬ويتمث‪rr‬ل في‬
‫وسائل الض‪rr‬بط الرس‪rr‬مية وغ‪rr‬ير الرس‪rr‬مية ال‪rr‬تي تح‪rr‬ول بينن‪rr‬ا وبين ارتكابن‪rr‬ا‬
‫االعمال المنحرفة‪ ،‬وسائل الضبط غير الرسمية مث‪r‬ل االبتس‪r‬امة الس‪r‬اخرة‪،‬‬
‫االس‪rr‬تهجان ‪ Frowns‬االبع‪rr‬اد او االس‪rr‬تخفاف من اق‪rr‬رب المقربين‪ ،‬ام‪rr‬ا‬
‫وسائل الضبط الرسمية فإنها تتمثل بالنظ‪rr‬ام الش‪rr‬رعي‪ ،‬عن طري‪rr‬ق أجه‪rr‬زة‬
‫االمن‪ ،‬والقضاء‪ ،‬وفي كال الحالين فان تفك‪rr‬ير األف‪rr‬راد بمب‪rr‬دأ الفائ‪rr‬دة‪ /‬الثمن‬
‫تتجه بهم نحو االمتثال او االنحراف‪.‬‬
‫الفكرة األساس لالختيار العقالني هي عندما يتخذ االفراد القرارات ف‪rr‬انهم‬
‫يحسبون المنافع واالضرار‪ ،‬وهم غالب‪rr‬ا يزي‪rr‬دون ص‪rr‬ورة المن‪rr‬افع ويقلل‪rr‬ون‬
‫صورة االضرار‪ ،‬والقرار الذي يصلون اليه باختيارهم سيدفعهم نحو أح‪rr‬د‬
‫االتجاهين‪ .‬ووسائل الض‪rr‬بط االجتم‪rr‬اعي تعم‪rr‬ل على تحوي‪rr‬ل الموازن‪rr‬ة بين‬
‫المنفعة والضرر لصالح الضرر الذي س‪rr‬يلحق ب‪rr‬المنحرفين ويقل‪rr‬ل المنفع‪rr‬ة‬
‫وذلك ربما يدفعهم لالمتثال للمعايير لتجنب األلم المحتمل فيما ل‪rr‬و ارتكب‪rr‬وا‬
‫عمال منحرفا‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫التحول في نسبة الفائدة‪/‬الثمن قد يعني التغير في الجزاءات ال‪rr‬تي يفرض‪rr‬ها‬
‫المجتم‪rr‬ع على أنم‪rr‬اط معين‪rr‬ة من الس‪rr‬لوك‪ ،‬ف‪rr‬الجزاءات اإليجابي‪rr‬ة تك‪rr‬افئ‬
‫السلوكيات ال‪rr‬تي يقره‪rr‬ا المجتم‪rr‬ع‪ ،‬مث‪rr‬ل احتف‪rr‬االت التش‪rr‬ريف في الم‪rr‬دارس‬
‫والجامع‪rr‬ات عن‪rr‬د التخ‪rr‬رج‪ ،‬الش‪rr‬ركات والمؤسس‪rr‬ات ال‪rr‬تي تقوم بتك‪rr‬ريم‬
‫المتميزين‪ ،‬تكريم االم المثالية‪ ،‬ومثلها كثير من أنماط السلوك ال‪rr‬ذي يع‪rr‬زز‬
‫االمتثال للمعايير التقليدية‪ .‬ام‪rr‬ا الج‪rr‬زاءات الس‪rr‬لبية (العقوب‪rr‬ات) فإنه‪rr‬ا تزي‪rr‬د‬
‫الكلفة على أولئك ال‪r‬ذين ينحرف‪r‬ون عن المعي‪r‬ار‪ ،‬وم‪r‬داها‪ ،‬يب‪r‬دا من غرام‪r‬ة‬
‫النتهاك قوانين المرور الى االحكام بالسجن لمرتكبي الجرائم الكبرى وق‪rr‬د‬
‫تصل الى الم‪rr‬وت عن‪rr‬دما تك‪rr‬ون مه‪rr‬ددة ألمن المجتم‪rr‬ع‪ .‬والعم‪rr‬ل على ردع‬
‫المنحرفين يكون بزيادة التكلفة‪ ،‬عبر زيادة ال‪r‬وعي بالتكلف‪r‬ة ال‪r‬تي ينتظره‪r‬ا‬
‫المنحرف مث‪rr‬ل زي‪rr‬ادة الغرام‪rr‬ة على انته‪rr‬اك ق‪rr‬وانين الم‪rr‬رور من ‪20.000‬‬
‫دينار الى ‪ 100.000‬دينار) بعملة الع‪rr‬راق الحالي‪rr‬ة) س‪rr‬تكون تكلف‪r‬ة باهظ‪rr‬ة‬
‫ورادع قوى لاللتزام بقوانين المرور‪ .‬وينطبق ذلك على كل االنحراف‪rr‬ات‪،.‬‬
‫أي زيادة التكلفة وتقليل الفائدة‪Gottfredson & Hirschi (1990) .‬‬
‫نظرية التعزيز ‪Reinforcement Theory‬‬
‫تشير نظرية التعزيز الى اثنين من العملي‪rr‬ات ال‪rr‬تي ينتج عنه‪rr‬ا تعلم االف‪rr‬راد‬
‫االنخ‪rr‬راط في العم‪rr‬ل االج‪rr‬رامي‪ .‬األولى‪ :‬االش‪rr‬تراك م‪rr‬ع اخ‪rr‬رين يؤمن‪rr‬ون‬
‫بالجريم‪rr‬ة كقيم‪rr‬ة ويمارس‪rr‬ون العم‪rr‬ل االج‪rr‬رامي ق‪rr‬وال وفعال‪ .‬وثاني‪rr‬ا التعلم‬
‫االجتماعي يقود الى تعزيز السلوك االج‪r‬رامي‪ ،‬ه‪r‬ذا االتج‪r‬اه يرب‪r‬ط عملي‪r‬ة‬
‫التعلم بالسلوك االجرامي‪ ،‬فالمنحرف يتعلم االجرام من االسرة او أصدقاء‬
‫الس‪rrr‬وء‪ ،‬او جماع‪rrr‬ة العم‪rrr‬ل‪ ،‬او المنظم‪rrr‬ات السياس‪rrr‬ية‪ ،‬او الج‪rrr‬يران او‬

‫‪273‬‬
‫العصابات او أي جماعة منحرفة في محيط االفراد‪ ،‬وهذه النظرية هي في‬
‫الواقع تفاعلية رمزية ذلك ألنه‪rr‬ا تؤك‪rr‬د على كيفي‪rr‬ة تش‪rr‬كيل اتجاه‪rr‬ات الف‪rr‬رد‬
‫وتعليمه ما هو طبيعي ومقبول اجتماعيا وما هو غير ذلك‪ .‬فاذا كان التلميذ‬
‫في المدرس‪rr‬ة‪ ،‬مثال‪ ،‬مح‪rr‬اط بتالمي‪rr‬ذ يتس‪rr‬ربون من المدرس‪rr‬ة ويب‪rr‬دو فعلهم‬
‫المنحرف طبيعيا وإذا كان اصدقاءه المقربين من هؤالء وانهم ي‪rr‬دخنون او‬
‫يتعاطون المخ‪r‬درات ف‪rr‬ان تدخين‪r‬ه او تعاطي‪r‬ه المخ‪r‬درات ق‪rr‬د ال يك‪r‬ون فعال‬
‫ش‪rr‬ائنا ب‪rr‬ل عمال رجولي‪rr‬ا‪ .‬ووفقا لنظري‪rr‬ة التعزي‪rr‬ز ف‪rr‬ان احتم‪rr‬االت ارتك‪rr‬اب‬
‫العمل المنح‪rr‬رف يعتم‪rr‬د على أربع‪rr‬ة عوام‪rr‬ل‪ :‬الحقب‪rr‬ة الزمني‪rr‬ة ‪،duration‬‬
‫الشدة ‪ intensity‬األولوية ‪ priority‬وتكرار الزمن المنف‪rr‬ق م‪rr‬ع الجماع‪rr‬ة‬
‫المنحرفة ‪ frequency of time spent‬فاذا ك‪rr‬ان الس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف‬
‫موجودا في النسيج االجتماعي لألف‪rr‬راد بش‪rr‬كل متك‪rr‬رر وعلى م‪rr‬دى طوي‪rr‬ل‬
‫نسبيا‪ ،‬السيما إذا كانوا على صلة وثيقة مع الجماع‪rr‬ات ال‪rr‬تي تس‪rr‬لك س‪rr‬لوكا‬
‫منحرفا‪ ،‬فانهم على االغلب يتعلمون السلوك المنح‪rr‬رف ‪Sutherland et‬‬
‫)‪al (1992‬‬
‫نظرية التوصيف ‪Labelling Theory‬‬
‫نظرية التوصيف او الوسم كما يسميها البعض‪ ،‬هي األخرى وثيقة الص‪rr‬لة‬
‫بالتفاعلية الرمزية‪ .‬فالتوصيف (مثل انح‪rr‬راف االح‪rr‬داث) ه‪rr‬و رم‪rr‬ز يمتل‪rr‬ك‬
‫معنى يؤثر على النفس تأثيرا بالغا‪ ،‬ولقد كان جل اهتمام نظرية التوصيف‬
‫ينصب حول كيفي‪rr‬ة تحدي‪rr‬د المجتم‪rr‬ع لالنح‪rr‬راف‪ ،‬وه‪rr‬و القض‪rr‬ية المحوري‪rr‬ة‬
‫للتفاعلية الرمزية‪ .‬االفتراض األساس لنظرية التوصيف هو انه ليس هناك‬
‫سلوك او فرد منحرف بطبيعته‪ ،‬السلوك منحرف الن افراد المجتمع ع‪ّr‬د وه‬

‫‪274‬‬
‫منحرفا‪ .‬والعملية األساسية لتوص‪rr‬يف ش‪rr‬خص م‪rr‬ا‪ ،‬ه‪rr‬و ان اف‪rr‬راد المجتم‪rr‬ع‬
‫خلقوا االنحراف وحددوا له ه‪rr‬ذه التس‪rr‬مية‪ ،‬وك‪rr‬ان يمكن ان يس‪rr‬مى أي اس‪rr‬م‬
‫اخر لو اتفقوا على التسمية‪ ،‬ولكنهم أطلقوا علي‪rr‬ه ه‪rr‬ذا التحدي‪rr‬د لتمي‪rr‬يزه عن‬
‫السلوك الطبيعي المتفق عليه اجتماعيا‪ ،‬فتطويل الشعر‪ ،‬وال‪rr‬ترافق ي‪rr‬دا بي‪rr‬د‬
‫بين الرجال في األماكن العام‪rr‬ة‪ ،‬او أي س‪rr‬لوك ينظ‪rr‬ر ل‪rr‬ه على ان‪rr‬ه مخ‪rr‬الف‬
‫وغير مناسب في الزمان والمك‪r‬ان المعي‪r‬نين يع‪r‬د س‪r‬لوكا ش‪r‬اذا عن القاع‪r‬دة‬
‫وبالت‪rrr‬الي حص‪rrr‬وله على رفض اجتم‪rrr‬اعي او قص‪rrr‬اص‪ .‬ح‪rrr‬ددت نظري‪rrr‬ة‬
‫التوص‪rr‬يف مرحل‪rr‬تين للس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف‪ ،‬االنح==راف االولي ‪Primary‬‬
‫‪ deviance‬وهو انتهاك المعيار بوصفه فعال منعزال‪ ،‬مثل س‪rr‬رقة مراه‪rr‬ق‬
‫من محل تجاري بتشجيع من اصدقائه‪ .‬والواق‪rr‬ع ان اغلب الن‪rr‬اس يع‪rr‬ترفون‬
‫بارتكابهم انحراف اولي من هذا النوع‪ ،‬وقليلون منا من يعد ذل‪rr‬ك انحراف‪rr‬ا‪.‬‬
‫فاذا استمر الفرد في انته‪rr‬اك المعي‪rr‬ار وحص‪rr‬ل على هوي‪rr‬ة منح‪rr‬رف عندئ‪rr‬ذ‬
‫يص‪rr‬بح االنح==راف ثانوي==ا ‪ Secondary deviance‬واالنح‪rr‬راف يص‪rr‬بح‬
‫ثانويا عندما يكون معّرفا اجتماعي‪rr‬ا ويوص‪rr‬ف الف‪rr‬رد بان‪rr‬ه منح‪rr‬رف عن‪rr‬دما‬
‫يمتهن االنح‪rr‬راف‪ ،‬فعن‪rr‬دما يمس‪rr‬ك المراه‪rr‬ق مثال متلبس‪rr‬ا ب‪rr‬بيع او تع‪rr‬اطي‬
‫االفي‪rr‬ون فان‪rr‬ه سيص‪rr‬بح معروف‪rr‬ا للهي‪rr‬أة االجتماعي‪rr‬ة وربم‪rr‬ا تفض‪rr‬ح وس‪rr‬ائل‬
‫االعالم امره‪ ،‬وق‪rr‬د يوض‪rr‬ع في س‪rr‬جن االح‪rr‬داث لحقب‪rr‬ة من ال‪rr‬زمن‪ ،‬وربم‪rr‬ا‬
‫يحذر اإلباء واالمهات أبناءهم من االختالط به‪ ،‬ثم ص‪rr‬عوبة حص‪rr‬وله على‬
‫عمل بعد ذلك‪ ،‬وهذا قد يقود الى استمرار المنحرف في انحرافه حتى بع‪rr‬د‬
‫تجاوزه سن المراهقة طالم‪rr‬ا ان الهي‪rr‬أة االجتماعي‪rr‬ة تغل‪rr‬ق ك‪rr‬ل األب‪rr‬واب في‬
‫وجه‪rr‬ه‪ .‬وإذا ك‪rr‬انت مع‪rr‬ايير المجتم‪rr‬ع ق‪rr‬د ح‪rr‬ددت الس‪rr‬لوك على ان‪rr‬ه س‪rr‬لوك‬

‫‪275‬‬
‫منحرف‪ ،‬فان االفراد سيص‪rr‬دقون ان‪rr‬ه منح‪rr‬رف‪ ،‬والعقوب‪rr‬ات ال‪rr‬تي تف‪rr‬رض‬
‫على االح‪rr‬داث المنح‪rr‬رفين من ش‪rr‬انها ان تع‪rr‬زز الس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف أوال‪:‬‬
‫بزيادة العزلة االجتماعية للمنحرف وثانيا‪ :‬بشعور المراهق المنح‪rr‬رف ان‪rr‬ه‬
‫مج‪rr‬بر لاللتص‪rr‬اق بنظرائ‪rr‬ه المنح‪rr‬رفين‪ ،‬وثالث‪rr‬ا‪ :‬ب‪rr‬دفع المراه‪rr‬ق المنح‪rr‬رف‬
‫لوصف االنحراف على انه قيمة إيجابية حتى مع توصيفه سلبيا‪.‬‬
‫بعض االفراد قد يجدون أنفسهم منحرفين بت‪rr‬أثير المض‪rr‬ايقة‪ ،‬واالس‪rr‬تهجان‪،‬‬
‫والرفض من قبل االهل واألصدقاء والج‪rr‬زاءات الس‪rr‬لبية‪ ،‬فمثال حم‪rr‬زة ابن‬
‫ثماني سنين يرى نفسه فاشال‪ ،‬الن ابويه ومدّر سيه وزمالئه يقولون له ان‪rr‬ه‬
‫"أبكم" وبالتكرار صار حمزة يتقبل هذا التوصيف ويتص‪rr‬رف على وفقه‪،‬‬
‫مالم يأتي أحدهم مثل معلم متنور ويعطيه توص‪rr‬يفا اخ‪r‬ر‪ ،‬وعلى ال‪r‬رغم من‬
‫ذلك فمن غير المحتمل ان يمحى التوصيف األول‪.‬‬
‫التفسير االخ‪rr‬ر لتوص‪rr‬يف بعض االف‪rr‬راد والجماع‪rr‬ات على انهم منحرف‪rr‬ون‬
‫يع‪rr‬ود الى مك‪rr‬انتهم وق‪rr‬وتهم في المجتم‪rr‬ع‪ ،‬فأولئ‪rr‬ك ال‪rr‬ذين على اله‪rr‬امش‪،‬‬
‫البعيدون عن السلطة او المشاركة في التيار العام في الغالب يتم توصيفيهم‬
‫على انهم منحرفون‪ ،‬كالفقراء واألقليات وأعضاء الحركات الدينية الجديدة‬
‫او أولئك الذين لم ينتظموا ضمن الجماعات المهيمنة‪ ،‬اما الجماع‪rr‬ات ال‪rr‬تي‬
‫بيدها القوة والسلطة فمن المستبعد توصيفها‪ ،‬الن مف‪rr‬اتيح التوص‪rr‬يف بي‪rr‬دها‬
‫او بيد من يمثلها‪Kaplan &Johnson (1991) .‬‬
‫نظري==ات البنائي==ة الوظيفي==ة والص==راع & ‪Structural-Functional‬‬
‫‪Conflict Theories‬‬

‫‪276‬‬
‫بينما تقود عمليات التفاعل بين االف‪rr‬راد الى االنح‪rr‬راف‪ ،‬ف‪rr‬ان معظم علم‪rr‬اء‬
‫االجتماع يعتقدون ان التحليل على المستوى المتوسط والكب‪rr‬ير & ‪Meso‬‬
‫‪ Macro Level‬يمنحنا قدرة أكبر على فهم العوامل االجتماعية التي تقود‬
‫لالنحراف‪ .‬مستوى التحليل المتوس‪rr‬ط ‪ Meso‬يرك‪rr‬ز على الثقاف‪rr‬ة الفرعي‪rr‬ة‬
‫لألقليات الى جانب المنظمات والمؤسسات الوطنية‪ ،‬ام‪rr‬ا المس‪rr‬توى الكب‪rr‬ير‬
‫‪ Macro‬فانه يهتم بالمجتمع‪rr‬ات المحلي‪rr‬ة وباألنظم‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة العالمي‪rr‬ة‪.‬‬
‫وعلى كل حال عن‪rr‬دما يتعل‪rr‬ق االم‪rr‬ر ب‪rr‬االنحراف والتماث‪rr‬ل ف‪rr‬ان النظري‪rr‬ات‬
‫نفسها تعمل على المس‪rr‬تويين المتوس‪rr‬ط والكب‪rr‬ير‪ .‬في ه‪rr‬ذا المفص‪rr‬ل سنس‪rr‬لط‬
‫االضواء على أوال على تفسير النظرية البنائية‪-‬الوظيفي‪rr‬ة لالنح‪rr‬راف وهي‬
‫االعرق واالطول تاريخا في علم االجتماع والتي س‪rr‬تناقش تحت معطي‪rr‬ات‬
‫اث‪rr‬نين من النظري‪rr‬ات هم‪rr‬ا الالمعياري‪rr‬ة ‪ Anomie‬ال‪rr‬تي تع‪rr‬ني انحالل او‬
‫ت‪rr‬دهور المع‪rr‬ايير ال‪rr‬تي تعم‪rr‬ل دليال للس‪rr‬لوك‪ ،‬وال‪rr‬تي تقود الى التفك‪rr‬ك‬
‫االجتم‪rr‬اعي‪ ،.‬ثم نظري‪rr‬ة الت‪rr‬وتر ‪ strain theory‬وهي معني‪rr‬ة بدراس‪rr‬ة‬
‫الضغوط التي يمارسها المجتمع على االف‪rr‬راد وال‪rr‬تي من ش‪rr‬انها ان ت‪rr‬دفعهم‬
‫الرتك‪rrr‬اب اعم‪rrr‬ال منحرف‪rrr‬ة‪ ،‬وهي كم‪rrr‬ا يقول باالنت‪rrr‬اين وروب‪rrr‬رتس‬
‫)‪ ،Ballantine & Roberts (2009‬الت‪rr‬وتر الن‪rr‬اتج من االختالف في‬
‫تحديد األهداف والوسائل المتاحة لتحقيق هذه األهداف‪.‬‬
‫الالمعيارية والتفكك االجتماعي ‪Anomie & Social Disorder‬‬
‫القرويون في البلدان الصناعية في اسيا وافريقيا وامريكا الالتيني‪rr‬ة هج‪rr‬روا‬
‫قراهم ذات اإلنتاجية الضعيفة والمستوى المعاشي المت‪rr‬دني واتجه‪rr‬وا تحت‬
‫تأثير اغراءات سحر المدينة نحو المراك‪rr‬ز الحض‪rr‬رية من اج‪rr‬ل الحص‪rr‬ول‬

‫‪277‬‬
‫على فرص عمل افضل‪ ،‬وتغيير مستوى المعيش‪rr‬ة‪ ،‬ولكنهم عن‪rr‬دما وص‪rr‬لوا‬
‫هناك أصيبوا بخيبة امل‪ ،‬فهم فقراء‪ ،‬وغير مؤهلين للعمل الصناعي ال‪rr‬ذي‬
‫يحتاج مهارات عالية‪ ،‬وشبه مشردين بسبب صعوبة الحص‪rr‬ول على س‪rr‬كن‬
‫مناسب‪ ،‬لذلك فانهم اتجهوا نحو المراك‪rr‬ز المزدحم‪rr‬ة وم‪rr‬دن الص‪rr‬فيح ال‪rr‬تي‬
‫ُز رعت عند اعتاب المدن الصناعية‪ ،‬وحاولوا التكي‪rr‬ف م‪rr‬ع أس‪rr‬لوب الحي‪rr‬اة‬
‫الجديدة بضمنها البطالة‪ ،‬هذا الوصف ينطبق على المهاجرين منذ مئة عام‬
‫حتى الي‪r‬وم‪ .‬ع‪r‬دد كب‪r‬ير من ال‪r‬دول الص‪r‬ناعية تواج‪r‬ه تغ‪r‬يرات بنيوي‪r‬ة‪ ،‬الن‬
‫اقتصاداتها تنتقل من الزراعة الى الصناعة والخدمات‪ .‬القروي‪rr‬ون الش‪rr‬باب‬
‫تركوا خلفهم رواب‪rr‬ط قوي‪rr‬ة ومنظوم‪rr‬ة قيم مش‪rr‬تركة‪ ،‬ووض‪rr‬عهم في المدين‪rr‬ة‬
‫مختل‪rr‬ف كلي‪rr‬ا ذل‪rr‬ك ألن‪rr‬ه في المدين‪rr‬ة ي‪rr‬ذوب االف‪rr‬راد في الحش‪rr‬ود ويتح‪rr‬ول‬
‫االنس‪rr‬ان فيه‪rr‬ا الى رقم مجه‪rr‬ول‪ .‬ومع‪rr‬ايير القري‪rr‬ة ال‪rr‬تي تعم‪rr‬ل بمثاب‪rr‬ة دلي‪rr‬ل‬
‫للسلوك تتدهور أحيانا على غير المتوقع وب‪r‬دون ب‪r‬دائل‪ ،‬ذل‪r‬ك الن اس‪r‬تبدال‬
‫المعايير او تبني معايير جديدة تحتاج حقبة طويلة من الزمن ق‪r‬د تص‪r‬ل الى‬
‫الجيل الثالث‪ .‬ان فقدان المع‪rr‬ايير الواض‪rr‬حة في البيئ‪rr‬ة الحض‪rr‬رية يقود الى‬
‫مس‪rr‬تويات عالي‪rr‬ة من التفك‪rr‬ك االجتم‪rr‬اعي والى الس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف‪ .‬علم‪rr‬اء‬
‫االجتم‪rrr‬اع يس‪rrr‬تخدمون مص‪rrr‬طلح االن‪rrr‬ومي ‪ Anomie‬لوص‪rrr‬ف حال‪rrr‬ة‬
‫الالمعيارية في المجتمع‪ ،‬اي تدهور المعايير الضابطة للسلوك التي تحدث‬
‫بسبب نقص األهداف المش‪rr‬تركة وض‪rr‬عف القدرة على تحقيقه‪rr‬ا كم‪rr‬ا يقول‬
‫م‪rrr‬يرتون )‪ Merton (1968a‬وعن‪rrr‬دما تغيب المع‪rrr‬ايير او تض‪rrr‬عف او‬
‫تتصادم فان االنحراف س‪rr‬يزداد‪ .‬وك‪rr‬ان دوركه‪rr‬ايم ‪Durkheim (1858-‬‬
‫)‪ 1917‬اول من وصف الالمعيارية في المجتمع بوصفها نتيج‪r‬ة لغي‪r‬اب او‬

‫‪278‬‬
‫ضعف او تصادم المعايير والقيم عندما يكون المجتمع مفككا‪ .‬هذه الصورة‬
‫تنطب‪rr‬ق تمام‪rr‬ا على المجتمع‪rr‬ات الص‪rr‬ناعية ال‪rr‬تي ش‪rr‬هدت تحض‪rr‬را س‪rr‬ريعا‪،‬‬
‫فالمجتمعات في أوقات التحول التكنولوجي السريع او االنحط‪rr‬اط المف‪rr‬اجئ‬
‫نتيج‪r‬ة االنقالب على نظ‪r‬ام الحكم بث‪r‬ورة او احتالل او ح‪r‬رب ش‪r‬املة فإنه‪r‬ا‬
‫تشهد غيابا او تصادما في المعايير التي تؤدي الى االنحرافات‪ ،‬كما ح‪rr‬دث‬
‫في الع‪rr‬راق بع‪rr‬د االحتالل األم‪rr‬ريكي‪ ،‬حيث غ‪rr‬ابت ال‪rr‬روادع األخالقي‪rr‬ة‬
‫(المع‪rr‬ايير) والقيم ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت تعم‪rr‬ل بمثاب‪rr‬ة موجه‪rr‬ات للس‪rr‬لوك وأدت الى‬
‫النهب والس‪rrr‬لب والقت‪rrr‬ل وانتش‪rrr‬ار العص‪rrr‬ابات واللص‪rrr‬وص وكث‪rrr‬ير من‬
‫االنحرافات األخرى مثل االتج‪rr‬ار بالبش‪rr‬ر والبغ‪rr‬اء والمخ‪rr‬درات والجنس‪rr‬ية‬
‫المثلية والغش والكذب والنفاق وسوء االدب‪ ،‬وظهور نظام العش‪rr‬يرة ال‪rr‬ذي‬
‫اندثر منذ زمن طويل ليت‪rr‬ولى مهم‪rr‬ة االمن ب‪rr‬دل وس‪rr‬ائل الض‪rr‬بط الرس‪rr‬مية‪.‬‬
‫الالمعيارية تصيب المجتم‪rr‬ع الحض‪rr‬ري أوال ثم ال تلبث ان تنتش‪rr‬ر في ك‪rr‬ل‬
‫مكونات المجتمع‪ ،‬لذا فان االحداث على المستوى الواسع ‪Macro-level‬‬
‫‪ Events‬مثل الرك‪rr‬ود االقتص‪rr‬ادي او الح‪rr‬روب‪ ،‬توض‪rr‬ح أهمي‪rr‬ة التض‪rr‬امن‬
‫االجتماعي المبني على القيم الراس‪rr‬خة في نف‪rr‬وس الن‪rr‬اس وال‪rr‬تي من دونه‪rr‬ا‬
‫يتحول المجتمع الى مجاميع هائجة متوحشة‪.‬‬
‫الفكرة الرئيس‪rr‬ة لالمعياري‪rr‬ة ق‪rr‬ادت مدرس‪rr‬ة ش‪rr‬يكاغو في علم االجتم‪rr‬اع الى‬
‫دراسة الظروف االجتماعية للمدينة واالنحراف الذي يرتب‪rr‬ط به‪rr‬ا‪ .‬مدرس‪rr‬ة‬
‫شيكاغو ربطت المناطق العشوائية بالجريم‪rr‬ة‪ ،‬احي‪rr‬اء معين‪rr‬ة في ش‪rr‬يكاغو‪،‬‬
‫وبالتحدي‪r‬د المنطقة المتحول‪r‬ة في وس‪r‬ط المدين‪r‬ة وال‪r‬تي تض‪r‬م ن‪r‬زالء ج‪r‬دد‪،‬‬
‫وج‪rr‬دوا انه‪rr‬ا تحت‪rr‬وي على اعلى مع‪rr‬دالت لالنح‪rr‬راف بغض النظ‪rr‬ر عن‬

‫‪279‬‬
‫الجماعات التي تسكنها‪ ،‬والتي تتمثل بجماع‪rr‬ات متدني‪rr‬ة اقتص‪rr‬اديا‪ ،‬اع‪rr‬راق‬
‫غ‪rr‬ير متجانس‪rr‬ة‪ ،‬ن‪rr‬زالء مؤقت‪rr‬ون‪ ،‬ع‪rr‬ائالت مض‪rr‬طربة‪ ،‬ومنظوم‪rr‬ات قيمي‪rr‬ة‬
‫متنافس‪rr‬ة‪ ،‬ك‪rr‬ل ه‪rr‬ذه المكون‪rr‬ات أدت الى درج‪rr‬ة عالي‪rr‬ة من ع‪rr‬دم االنس‪rr‬جام‬
‫والتفكك وغياب المعايير‪ ،‬وعلى الرغم من الح‪rr‬راك الس‪rr‬كاني الع‪rr‬الي حيث‬
‫تنتقل عائالت وتحل محلها أخ‪rr‬رى بش‪rr‬كل مس‪rr‬تمر بقيت مع‪rr‬دالت الجريم‪rr‬ة‬
‫عالي‪rrr‬ة‪ ،‬الن ك‪rrr‬ل جي‪rrr‬ل من القادمين تتش‪rrr‬كل لدي‪rrr‬ه خ‪rrr‬برة س‪rrr‬ريعة عن‬
‫الالمعيارية‪ ،‬عبر جماعات االقران ‪ Peer Group‬الى جانب ندرة نموذج‬
‫السلوك غير المنحرف لدى المراهقين والبالغين ايضا ‪ .‬ك‪rr‬ل ذل‪rr‬ك أدى الى‬
‫استمرار معدالت االنحراف عالية في وسط هذه االحياء في مدينة شيكاغو‬
‫)‪Anderson (2000‬‬
‫نظرية التوتر ‪Strain Theory‬‬
‫اغلب الناس في المجتم‪rr‬ع يش‪rr‬تركون في قيم واه‪rr‬داف متماثل‪rr‬ة‪ ،‬لكن أولئ‪rr‬ك‬
‫ال‪rr‬ذين ينقص‪rr‬هم التعليم وتنقص‪rr‬هم مص‪rr‬ادر العيش ل‪rr‬ديهم ف‪rr‬رص اق‪rr‬ل من‬
‫االخرين لتحقي‪rr‬ق األه‪rr‬داف المش‪rr‬تركة‪ .‬وعن‪rr‬دما تك‪rr‬ون الط‪rr‬رق المش‪rr‬روعة‬
‫للنجاح مقطوعة ف‪rr‬انهم يش‪rr‬عرون باإلحب‪rr‬اط والغض‪rr‬ب‪ ،‬وربم‪rr‬ا يس‪rr‬تخدمون‬
‫الطرق المنحرفة لتحقي‪rr‬ق أه‪rr‬دافهم‪ .‬نظري‪rr‬ة الت‪rr‬وتر ترك‪rr‬ز على التناقض‪rr‬ات‬
‫والت‪rr‬وترات بين القيم وااله‪rr‬داف المش‪rr‬تركة من جه‪rr‬ة‪ ،‬وبن‪rr‬اء الف‪rr‬رص في‬
‫المجتمع من جهة أخرى‪ .‬ميرتون )‪ Merton (1968b‬زعم ان االختالف‬
‫بين تحديد المجتمع لألهداف والط‪rr‬رق الش‪rr‬رعية في تحقي‪rr‬ق ه‪rr‬ذه األه‪rr‬داف‬
‫يخلق نوعا من التوتر داخل المجتمع‪ ،‬ف‪rr‬األفراد ربم‪rr‬ا يوافقون على تحدي‪rr‬د‬
‫المجتمع لألهداف التي تودي الى النجاح‪ ،‬ولكنهم غير قادرين على تحقي‪rr‬ق‬

‫‪280‬‬
‫هذه األهداف وفقا للمحددات االجتماعية‪ ،‬والتوتر الذي يتول‪rr‬د عن ذل‪rr‬ك ق‪rr‬د‬
‫يقود لالنحراف‪ .‬مثال المحددات االجتماعية لبناء جسر او مش‪rr‬فى‪ ،‬تس‪rr‬تلزم‬
‫ان تكون الشركة التي تقوم ببنائه امينة في البن‪rr‬اء لكيال يس‪rr‬قط الجس‪rr‬ر بع‪rr‬د‬
‫نصف ساعة من بنائه‪ ،‬ولكن لكي تكون الشركة امينة فان أرباحها ستكون‬
‫قليلة هنا ينش‪rr‬أ ت‪rr‬وتر بس‪rr‬بب التع‪rr‬ارض بين األمان‪rr‬ة ال‪rr‬تي يري‪rr‬دها المجتم‪rr‬ع‬
‫والربح الذي تبحث عنه الشركة‪ .‬وبسبب هذا التعارض يحدث االنح‪rr‬راف‪،‬‬
‫فتقوم الشركة بالغش في مواد البناء لكي تحقق ربحي‪rr‬ة اعلى فتنح‪rr‬رف عن‬
‫اهداف المجتمع وتدخل عالم الجريمة‪ .‬ميرتون حدد خمسة اهداف للتكي‪rr‬ف‬
‫مع التوتر الناتج عن التعارض بين األهداف االجتماعية ووسائل تحقيقه‪:‬‬
‫ـ االمتث‪rr‬ال‪ Conformity :‬أي االل‪rr‬تزام بمح‪rr‬ددات المجتم‪rr‬ع للنج‪rr‬اح في‬
‫تحقيق األهداف‪ .‬فالشركة التي تبني الجس‪r‬ر تل‪r‬تزم بالمح‪r‬ددات االجتماعي‪r‬ة‬
‫للنجاح في اإلنجاز مع الرضا به‪rr‬امش ال‪rr‬ربح القلي‪rr‬ل حفاض‪rr‬ا على س‪rr‬معتها‬
‫ومصداقيتها‪.‬‬
‫ـ االبتكار‪ Innovation :‬أي استعمال الوسائل غير المش‪rr‬روعة للوص‪rr‬ول‬
‫لألهداف المحددة اجتماعيا‪ ،‬فالشركة التي تبني الجسر قد تقوم بإطال‪r‬ة م‪r‬دة‬
‫اإلنجاز او الغش في مواد البناء فالنجاح في اكم‪rr‬ال بن‪rr‬اء الجس‪rr‬ر م‪rr‬ع اعلى‬
‫هامش للربح هو المهم باية طريقة كانت حتى لو سقط الجسر بعد س‪rr‬اعتين‬
‫من بنائه‪.‬‬
‫ـ الطقوسية ‪ :Ritualism‬وهو االلتزام الصارم بالقواعد المحددة في ثقاف‪rr‬ة‬
‫المجتمع‪ ،‬فالطالب مثال ال يغش في االمتحان ح‪rr‬تى ل‪rr‬و اض‪rr‬طر للتخلي عن‬
‫مشروع الحصول على شهادة جامعية‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫ـ التراجعية‪ :‬والمقصود بها التخلي عن المشروع وعن الوسائل التي تؤدي‬
‫الى انجاز هذا المشروع‪ ،‬فالشركة التي تبني الجسر قد تعيد حس‪rr‬اباتها قب‪rr‬ل‬
‫الشروع وتنسحب من بنائه لكيال تضطر للمناورة في الوسائل واالهداف‪.‬‬
‫ـ التمرد‪ Rebellion :‬وهو رفض األفكار والمحددات االجتماعية للنج‪rr‬اح‬
‫والوسائل المستخدمة في تحقيقه‪ ،‬فالش‪rr‬ركة ال‪rr‬تي ت‪rr‬رغب ببن‪rr‬اء الجس‪rr‬ر ق‪rr‬د‬
‫تضع أهدافا بديلة لألهداف المحددة اجتماعيا‪ ،‬وتع‪rr‬د االه‪rr‬داف االجتماعي‪rr‬ة‬
‫متخلفة او بيروقراطية او انه‪rr‬ا تعي‪rr‬ق العم‪rr‬ل او ال تحقق ال‪rr‬ربح المطل‪rr‬وب‬
‫فتتب‪rr‬نى اس‪rr‬تراتيجية بديل‪rr‬ة تحقق له‪rr‬ا م‪rr‬ا تري‪rr‬د على حس‪rr‬اب األه‪rr‬داف‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫الس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف يظه‪rr‬ر في التراجعي‪rr‬ة‪ ،‬واالبتك‪rr‬ار والتم‪rr‬رد‪ ،‬ووفقا ل‬
‫ميرتون فان السبب الذي يدفع االفراد الى اللج‪rr‬وء له‪rr‬ذا الس‪rr‬لوك يع‪rr‬ود الى‬
‫الظروف االجتماعية التي تضع مس‪rr‬تويات مختلف‪r‬ة لتحقي‪rr‬ق النج‪rr‬اح‪ ،‬وليس‬
‫الن االنحراف جزء من تركيبهم البيولوجي او تكوينهم النفسي‪.‬‬
‫نظرية الصراع ‪Conflict Theory‬‬
‫في ‪ 2011‬خ‪rr‬رج ماليين المص‪rr‬ريين الى الش‪rr‬وارع ض‪rr‬د إدارة ال‪rr‬رئيس‬
‫حسني مبارك فيما سمي في وقتها ثورة الربيع العربي (وهي في الواقع لم‬
‫تكن ربيعا وال عربيا) في العراق عام ‪ 1991‬خرج االف الناس ضد إدارة‬
‫الرئيس صدام حس‪rr‬ين فيم‪rr‬ا ع‪rr‬رف باالنتفاض‪rr‬ة الش‪rr‬عبانية وتع‪rr‬رض اغلبهم‬
‫للقتل المريع‪ ،‬فيما ف‪ّrr‬ر بض‪rr‬عة االف منهم ل‪rr‬دول الج‪rr‬وار‪ ،‬في ‪ 2008‬اح‪rr‬اط‬
‫مئ‪rr‬ات االف من الياب‪rr‬انيين بس‪rr‬فن الص‪rr‬يد احتجاج‪rr‬ا على ص‪rr‬يد الحيت‪rr‬ان في‬
‫المحي‪rr‬ط المتجم‪rr‬د الجن‪rr‬وبي‪ ،‬وفي ‪ 1991‬وق‪rr‬ف ع‪rr‬دد من رس‪rr‬ل الس‪rr‬الم‬

‫‪282‬‬
‫الكنديين واالمريكيين في بغداد دروع‪rr‬ا بش‪rr‬رية لمن‪rr‬ع إدارة ب‪rr‬وش االب من‬
‫ضرب العراق‪ .‬هل هؤالء المحتجون منحرفون ومجرم‪rr‬ون ام انهم ابط‪rr‬ال‬
‫شجعان؟ اإلجابة تعتمد على من يجيب عن هذه األس‪rr‬ئلة‪ .‬نظري‪rr‬ة الص‪rr‬راع‬
‫تفترض حتمية الصراع بين الجماعات‪ ،‬والن اغلب المجتمعات في الوقت‬
‫الحاضر عبارة عن تجمعات غير متجانسة‪ ،‬فان االختالفات بين جماع‪rr‬ات‬
‫المصالح وجماع‪r‬ات الس‪r‬لطة ت‪r‬ؤدي في الغ‪r‬الب الى ص‪r‬راع‪ .‬والن نظري‪r‬ة‬
‫الص‪rr‬راع تهتم بتحلي‪rr‬ل االنح‪rr‬راف على المس‪rr‬توى الواس‪rr‬ع ‪Macro-level‬‬
‫فإنها ترى االنحراف نتيجة لعدم المس‪rr‬اواة‪ ،‬او ص‪rr‬راعا بين الجماع‪r‬ات من‬
‫اجل السلطة‪ .‬واالنحراف مرتب‪rr‬ط بمكان‪rr‬ة الطبقة االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬وبجماع‪rr‬ات‬
‫المص‪rr‬لحة‪ ،‬وبالجماع‪rr‬ة المهيمن‪rr‬ة في ص‪rr‬راعها الثقافي م‪rr‬ع الجماع‪rr‬ات‬
‫األخ‪rrr‬رى‪ ،‬مث‪rrr‬ل االقلي‪rrr‬ات العرقي‪rrr‬ة‪ ،‬والجماع‪rrr‬ات الديني‪rrr‬ة‪ ،‬والسياس‪rrr‬ية‬
‫والمناطقية‪ ،‬وجماعات النوع (الجن‪rr‬در) وغيره‪rr‬ا كث‪rr‬ير‪ ،‬فالص‪rr‬فوة ص‪rr‬احبة‬
‫القوة والثروة تسعى للمحافظة على البقاء في مواقعه‪rr‬ا العلي‪rr‬ا‪ ،‬وهي تمل‪rr‬ك‬
‫السلطة لتمرير القوانين وتحدي‪rr‬د من هم المنحرف‪rr‬ون‪ ،‬وأحيان‪rr‬ا تقض‪rr‬ي على‬
‫الجماعات المعارضة قضاء تام‪rr‬ا‪ .‬وكلم‪rr‬ا ازدادت االختالف‪rr‬ات الثقافي‪rr‬ة بين‬
‫الجماعات المهيمنة والجماعات األخرى‪ ،‬كلما ازدادت احتماالت الصراع‬
‫بينهم‪ ،‬ذلك الن األقليات وجماعات الثقافات الفرعية والجماعات المهمش‪rr‬ة‬
‫غالبا ما تتحدى مع‪r‬ايير الجماع‪r‬ات المهيمن‪r‬ة وته‪r‬دد االجم‪r‬اع في المجتم‪r‬ع‬
‫)‪Domhoff (1998‬‬
‫بعض نظري‪rr‬ات الص‪rr‬راع تض‪rr‬ع الل‪rr‬وم على النظ‪rr‬ام الرأس‪rr‬مالي في اإلدارة‬
‫غير العادلة للقانون‪ ،‬وتقول ان الطبقة الحاكم‪rr‬ة تس‪rr‬تخدم النظ‪rr‬ام القض‪rr‬ائي‬

‫‪283‬‬
‫لتزي‪rr‬د من ق‪rr‬وة الش‪rr‬ركات الرأس‪rr‬مالية‪ ،‬والطبقة المهيمن‪rr‬ة هي ال‪rr‬تي تح‪rr‬دد‬
‫االنح‪rr‬راف وتطب‪rr‬ق القوانين لحماي‪rr‬ة مص‪rr‬الحها‪ ،‬وتس‪rr‬حق ك‪rr‬ل المن‪rr‬اوئين‬
‫والمحتجين‪ ،‬وفي الواقع انها تجبر الطبقات الخاض‪rr‬عة للقي‪rr‬ام بأفع‪rr‬ال ُتفس‪rr‬ر‬
‫على انه‪rr‬ا منحرف‪rr‬ة‪ ،‬وبالمقاب‪rr‬ل ت‪rr‬دعم األي‪rr‬ديولوجيا ال‪rr‬تي تج‪ّrr‬رم الطبقات‬
‫المسحوقة وتعم‪rr‬ل ض‪rr‬دها‪ ،‬حيث تص‪rr‬نف ك‪rr‬ل األنش‪rr‬طة المعادي‪rr‬ة لمص‪rr‬الح‬
‫ورفاهية وثروة الطبقة الرأسمالية على انها أنش‪rr‬طة منحرف‪rr‬ة‪ .‬والن الطبقة‬
‫المهيمنة في الغالب جماعة عرقية واحدة‪ ،‬وبقية األعراق وألقلي‪rr‬ات عليه‪rr‬ا‬
‫ان تكون خاضعة لها فان الصراع غالبا عرقي مثلما هو طبقي‪ .‬وعليه فان‬
‫ارتكاب الفعل المنحرف نفسه يحاسب عليه أبناء الطبقات المس‪rr‬حوقة أك‪rr‬ثر‬
‫مما يحاسب عليه أبناء الطبقة المهيمنة‪ .‬لتقليل االنحرافات والجرائم‪ ،‬تقول‬
‫نظري‪r‬ات الص‪r‬راع‪ ،‬يجب تغي‪r‬ير بني‪r‬ة المجتم‪r‬ع‪ ،‬فمثال‪ ،‬القوانين في بل‪r‬دان‬
‫عدي‪rr‬دة ت‪rr‬زعم انه‪rr‬ا ت‪rr‬دعم التعام‪rr‬ل الع‪rr‬ادل م‪rr‬ع الجمي‪rr‬ع‪ ،‬ولكن عن‪rr‬د النظ‪rr‬ر‬
‫للقوانين عمليا تجد الصورة مختلفة‪ ،‬فالطالب ال‪rr‬ذين ينح‪rr‬درون من الطبقة‬
‫الحاكمة يعاملون معاملة خاصة تختلف كليا عن التعام‪rr‬ل م‪rr‬ع نظ‪rr‬رائهم من‬
‫الطبقات المحكوم‪rrr‬ة‪ .‬ع‪rr‬دم المس‪rrr‬اواة تتج‪rrr‬ذر في قلب النظ‪rrr‬ام السياس‪rrr‬ي‬
‫والقانوني والمهني الرأسمالي‪ ،‬فاذا تغيرت بنية المجتم‪rr‬ع‪ ،‬واختفت الطبقة‬
‫المهيمنة التي تستغل الطبقات األخرى فان االنحراف ال يزول ولكنه يقل‬
‫بدرجة كبيرة‪ ،‬فمعدالت الجريمة في الص‪rr‬ين وكوب‪rr‬ا‪ ،‬مثال‪ ،‬اق‪rr‬ل بكث‪rr‬ير من‬
‫ال‪rr‬دول الرأس‪rr‬مالية الديمقراطي‪rr‬ة الغربي‪rr‬ة‪ ،‬في ج‪rr‬زء من‪rr‬ه بس‪rr‬بب الالتم‪rr‬ايز‬
‫النس‪rr‬بي‪ ،‬والض‪rr‬بط االجتم‪rr‬اعي الص‪rr‬ارم للس‪rr‬لوك‪ ،‬ومن جه‪rr‬ة أخ‪rr‬رى ف‪rr‬ان‬
‫الجريمة الت‪r‬زال موج‪r‬ودة في النظم غ‪r‬ير الرأس‪r‬مالية‪ ،‬ل‪r‬ذا ف‪r‬ان الالمس‪r‬اواة‬

‫‪284‬‬
‫الطبقي‪rr‬ة هي عام‪rr‬ل واح‪rr‬د من مجموع‪rr‬ة من العوام‪rr‬ل المس‪rr‬ببة لالنح‪rr‬راف‬
‫)‪Quinney (2002‬‬
‫النظرية النسوية ‪Feminist Theory‬‬
‫اغلب النظريات النسوية تهدف الى فهم مكان‪rr‬ة الم‪rr‬رأة وتحس‪rr‬ينها‪ ،‬بم‪rr‬ا في‬
‫ذلك طريقة تعامل الرجال وذوي السلطة معها‪ .‬النظرية النس‪rr‬وية تعتقد ان‬
‫النظريات التقليدية لم تعط صورة مالئمة لفهم مواقف المرأة‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من وجود عدة تفرعات للنظرية النسوية اال ان اغلبها يعزو س‪rr‬وء التعام‪rr‬ل‬
‫م‪rr‬ع الم‪rr‬رأة الى المنظ‪rr‬ور الواس‪rr‬ع للتحلي‪rr‬ل ‪ Macro-level‬ال‪rr‬ذي ينس‪rr‬ب‬
‫أس‪rr‬باب معان‪rr‬اة الم‪rr‬رأة للنظ‪rr‬ام الرأس‪rr‬مالي االب‪rr‬وي‪ ،‬متمثل‪rr‬ة أوال‪ :‬بمواجه‪rr‬ة‬
‫المرأة لتقسيم عم‪r‬ل جنس‪r‬ي ج‪r‬ائر‪ ،‬ثاني‪r‬ا‪ :‬فص‪r‬ل متعم‪r‬د بين الع‪r‬ام (العم‪r‬ل)‬
‫والخ‪r‬اص (ال‪r‬بيت) وه‪r‬ذا من ش‪r‬انه ان يخل‪r‬ق ج‪r‬وا من النش‪r‬اط االجتم‪r‬اعي‬
‫التمييزي على أساس “نحن" مقابل "هم" في إشارة الى الرج‪rr‬ال والنس‪rr‬اء‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تنشئة األطفال على أساس خصوصية النوع (الجندر) في إش‪rr‬ارة الى‬
‫التمييز بين الذكور واالناث في شكل العالقة الالحقة بينهما‪ .‬احدى النت‪rr‬ائج‬
‫المتعلقة بمكانة المرأة هي انهن في الغالب ضحايا الجرائم‪ ،‬ون‪r‬وع األفع‪r‬ال‬
‫التي تجعل من النس‪rr‬اء ض‪rr‬حايا يختل‪rr‬ف ب‪rr‬اختالف الثقاف‪rr‬ات‪ ،‬فمن المت‪rr‬اجرة‬
‫بهن أه‪r‬دافا جنس‪r‬ية الى االغتص‪r‬اب‪ ،‬والم‪r‬رأة في الغ‪r‬الب ليس‪r‬ت في موق‪r‬ع‬
‫يسمح لها بارتكاب فعل إجرامي قياسا بالرج‪rr‬ل‪ ،‬طبع‪rr‬ا ذل‪rr‬ك ال ينفي وج‪rr‬ود‬
‫نساء منحرفات‪ ،‬ولكن في االغلب انحراف النس‪rr‬اء يقع ض‪rr‬من فئ‪rr‬ة س‪rr‬رقة‬
‫بضائع من محالت‪ ،‬احتيال‪ ،‬بغاء‪ ،‬زنا‪ ،‬ونادرا م‪rr‬ا ت‪rr‬رتكب ج‪rr‬رائم قت‪rr‬ل او‬
‫الحاق اذى بممتلكات او اشخاص‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫إذا اخ‪rr‬ذنا في االعتب‪rr‬ار حال‪rr‬ة العن‪rr‬ف االس‪rr‬ري ض‪rr‬د الم‪rr‬رأة‪ ،‬بم‪rr‬ا في ذ ل‪rr‬ك‬
‫االغتصاب‪ ،‬فانه لح‪r‬د س‪r‬نوات قليل‪r‬ة ماض‪rr‬ية‪ ،‬لم تكن هن‪r‬اك ع‪r‬واقب جدي‪r‬ة‬
‫على مرتك‪rr‬بي العن‪rr‬ف ض‪rr‬د النس‪rr‬اء الس‪rr‬يما اثن‪rr‬اء االزم‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‬
‫والحروب‪ ،‬ومع انهن ضحايا اال انهن يتعرضن لّلوم او يلمن أنفسهن فيم‪rr‬ا‬
‫حدث لهن‪ .‬واالتجاهات الثقافية نحو عنف الزوج يختل‪rr‬ف ب‪rr‬اختالف مكان‪rr‬ة‬
‫المرأة في المجتمع‪ ،‬فمثال عندما تتمتع الم‪rr‬رأة بمكان‪rr‬ة رفيع‪rr‬ة وتك‪rr‬ون على‬
‫قدر كبير من العفة فان انحرافها يقابل بقس‪rr‬وة‪ ،‬ففي بعض الثقاف‪rr‬ات تخش‪rr‬ى‬
‫المرأة من اإلبالغ عن العنف الذي يمارس ضدها وربما تلوم نفسها عندما‬
‫تع‪rr‬اقب ب‪rr‬دنيا او تغتص‪rr‬ب‪ .‬ومن الدراس‪rr‬ات القليل‪rr‬ة عن الم‪rr‬رأة في الش‪rr‬رق‬
‫األوس‪rr‬ط ان ‪ %52- %16‬من النس‪rr‬اء المتزوج‪rr‬ات يتعرض‪rr‬ن لالعت‪rr‬داء‬
‫البدني سنويا بالمقارنة مع ‪ %12 - %1.3‬في اوربا وامريك‪rr‬ا ‪Krug et‬‬
‫)‪al (2002‬‬
‫النظري‪rrr‬ات النس‪rrr‬وية م‪rrr‬ازالت تبحث عن‬
‫تفسير للعنف والمكانة الثانوية للمرأة‬
‫عن طري‪rr‬ق العالق‪rr‬ة بين الجنس‪rr‬ين وعن‬
‫طريق األبني‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة وع‪rr‬بر التن‪rr‬وع‬
‫الثقافي‪ ،‬وت‪rr‬رى ان تعلم الم‪rr‬رأة ل‪rr‬دورها‬
‫الن‪rr‬وعي بوص‪rr‬فها ام‪rr‬رأة ه‪rr‬و ج‪rr‬زء من‬
‫الثقاف‪rr‬ة ال‪rr‬تي يتعلم فيه‪rr‬ا الرج‪rr‬ل ان يك‪rr‬ون‬
‫عدوانيا‪ ،‬ومكانة المرأة في المجتمع ت‪rr‬أتي‬
‫‪:‬امرأة تعرضت للعنف االسري‬
‫من طريقة التعام‪rr‬ل معه‪rr‬ا بوص‪rr‬فها ه‪rr‬دفا‬ ‫‪Source: Ballantine.P.176‬‬

‫‪286‬‬
‫جنسيا إلمتاع الرج‪rr‬ل‪ .‬عم‪rr‬ل الم‪rr‬رأة الم‪rr‬نزلي‪ ،‬وتربي‪rr‬ة األطف‪rr‬ال واالش‪rr‬باع‬
‫الجنس‪rr‬ي لل‪rr‬زوج ال يعطى القيم‪rr‬ة ال‪rr‬تي يس‪rr‬تحقها‪ ،‬ففي بعض المجتمع‪rr‬ات‬
‫ومنها المجتمع العربي تعد المرأة ملكية خاص‪rr‬ة لل‪rr‬زوج‪ ،‬له‪rr‬ذا ت‪rr‬رى بعض‬
‫فروع النظري‪r‬ة النس‪r‬وية ان الرج‪r‬ال يس‪r‬تغلون ق‪r‬وة عم‪r‬ل الم‪r‬رأة وعالقتهم‬
‫الجنسية معها من اجل استمرار اخضاعها ويتم ذل‪rr‬ك ع‪rr‬بر تنش‪rr‬ئة األجي‪rr‬ال‬
‫على المحافظة على النظ‪rr‬ام االب‪rr‬وي ال‪rr‬ذكوري والنظ‪rr‬ر لع‪rr‬دم المس‪rr‬اواة بين‬
‫الجنسين بوصفه امرا طبيعيا‪ ،‬والمرأة التي تنحرف عن التوقع‪rr‬ات الثقافي‪rr‬ة‬
‫"للسلوك الطبيعي" تدان بشدة‪.‬‬
‫وخالصة القول ليست هناك نظرية واحدة عن االنح‪rr‬راف ق‪rr‬ادرة ان تفس‪rr‬ر‬
‫كل االنحرافات‪ .‬بعض النظريات تأخذ في االعتبار العملية على المس‪rr‬توى‬
‫الض‪rrr‬يق ‪ Micro-level‬ه‪rrr‬ذا االتج‪rrr‬اه يخت‪rrr‬بر االنح‪rrr‬راف ونتائج‪rrr‬ه على‬
‫المستوى الفردي او على مستوى الجماعات الصغيرة‪ ،‬اما النظريات ال‪rr‬تي‬
‫تفسر االنحراف على المستويين المتوس‪rr‬ط والواس‪rr‬ع ‪Meso & Macro‬‬
‫‪ Level‬فإنه‪rr‬ا تأخ‪rr‬ذ في االعتب‪rr‬ار العوام‪rr‬ل البنائي‪rr‬ة على مس‪rr‬توى المجتم‪rr‬ع‬
‫المحلي والمجتم‪rrr‬ع الكب‪rrr‬ير او ح‪rrr‬تى على مس‪rrr‬توى المجتم‪rrr‬ع الع‪rrr‬المي‪.‬‬
‫)‪McEvoy & Brookings (2008‬‬
‫المرأة والجريمة ‪Women & crime‬‬
‫على ال‪rr‬رغم من ك‪rr‬ل الت‪rr‬بريرات ال‪rr‬تي ق‪rr‬دمتها النظري‪rr‬ات النس‪rr‬وية عن ان‬
‫النس‪rrr‬اء في االغلب ض‪rrr‬حايا النظ‪rrr‬ام االب‪rrr‬وي الرأس‪rrr‬مالي او االس‪rrr‬تغالل‬
‫الذكوري‪ ،‬اال ان النس‪rr‬اء مث‪rr‬ل الرج‪rr‬ال ينجرف‪rr‬ون نح‪rr‬و الس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف‬
‫حيثم‪r‬ا تس‪r‬تلزم الظ‪r‬روف‪ .‬المواق‪rr‬ف المعين‪r‬ة ال‪r‬تي تج‪r‬د فيه‪r‬ا الم‪r‬رأة نفس‪r‬ها‬

‫‪287‬‬
‫محددة بهويتها الجنس‪r‬ية (الجن‪r‬در) ت‪r‬دفعها للتص‪r‬رف وف‪r‬ق التوقع‪r‬ات ح‪r‬تى‬
‫انحرافاتها ليس لها نفس االبعاد ال‪r‬تي لل‪r‬ذكور‪ ،‬والص‪rr‬ورة النمطي‪r‬ة لإلن‪r‬اث‬
‫والذكور المقررة ثقافيا لها تأثير كبير على طبيعة ردود الفع‪rr‬ل االجتماعي‪rr‬ة‬
‫إزاء جرائم النساء‪ ،‬كما ان غياب ردة الفعل العقابية الص‪rr‬ارمة ض‪rr‬د اغلب‬
‫اش‪rr‬كال الج‪rr‬رائم النس‪rr‬وية تع‪rr‬ني ان تح‪rr‬ول ج‪rr‬رائم النس‪rr‬اء من االنحراف‪rr‬ات‬
‫االولية الى االنحرافات الثانوية في الواق‪rr‬ع ام‪rr‬ر قلي‪rr‬ل الح‪rr‬دوث‪ .‬الم‪rr‬رأة ق‪rr‬د‬
‫تنجرف نحو الجريمة ولكنها قطعا لن تس‪r‬تمر فيه‪r‬ا ولن تتخ‪r‬ذها مهن‪r‬ة كم‪r‬ا‬
‫هو الحال عند المجرمين من الرجال‪.‬‬
‫الجريم‪rr‬ة النس‪rr‬وية ال‪rr‬تي تب‪rr‬دو اس‪rr‬تثناء عن القاع‪rr‬دة هي البغ‪rr‬اء‪ ،‬والقانون‬
‫الغ‪r‬ربي على وج‪r‬ه الخص‪r‬وص يّج رم الم‪r‬رآة ال‪r‬تي تم‪r‬ارس الجنس مقاب‪r‬ل‬
‫ثمن‪ ،‬والمجتم‪rr‬ع أيض‪rr‬ا ال يستحس‪rr‬ن ه‪rr‬ذا الفع‪rr‬ل‪ ،‬ولكن ليس بنفس الطريقة‬
‫ال‪rr‬تي ينظ‪rr‬ر فيه‪rr‬ا المجتم‪rr‬ع الع‪rr‬ربي لبائع‪rr‬ات اله‪rr‬وى‪ .‬في الغ‪rr‬رب تتغاف‪rr‬ل‬
‫الشرطة عن سلوكهن في الشارع‪ ،‬كما ان الهيأة االجتماعية ال تنظر لبائعة‬
‫الهوى من منظور الشرف‪ ،‬الن الشرف ال عالق‪rr‬ة ل‪rr‬ه ب‪rr‬الجنس حيث يمكن‬
‫ألي امرأة ان تمارس الجنس مع أي رجل من دون ضوابط ش‪rr‬ريطة ان ال‬
‫تج‪rr‬بر على ذل‪rr‬ك‪ ،‬ول‪rr‬ذلك من الن‪rr‬ادر وج‪rr‬ود ام‪rr‬رأة تحتف‪rr‬ظ ببكارته‪rr‬ا قب‪rr‬ل‬
‫الزواج‪ ،‬ولكن المجتمع يستهجن بيع الجنس الن ذلك يعد بنظرهم نوعا من‬
‫النخاسة وتع‪rr‬ويم للحي‪rr‬اة العائلي‪rr‬ة وخ‪rr‬روج عن ال‪r‬دور التقلي‪rr‬دي للم‪rr‬رأة‪ .‬وال‬
‫يصح تطبيق مقاييس الثقاف‪r‬ة العربي‪r‬ة على الغ‪r‬رب ذل‪r‬ك الن ك‪r‬ل ثقاف‪r‬ة له‪r‬ا‬
‫مقاييسها الخاصة وعلم االجتماع ال يتورط في إعطاء احك‪rr‬ام عن الس‪rr‬لوك‬
‫طالما ان ثقافة المجتم‪rr‬ع هي ال‪rr‬تي تح‪rr‬دد المالئك‪rr‬ة والش‪rr‬ياطين‪ ،‬وهي ال‪rr‬تي‬

‫‪288‬‬
‫تحدد السلوك السوي المرغ‪rr‬وب في‪rr‬ه والس‪rr‬لوك المنح‪rr‬رف غ‪rr‬ير المرغ‪rr‬وب‬
‫في‪rr‬ه‪ .‬وعلى العم‪rr‬وم ف‪rr‬إن انحراف‪rr‬ات النس‪rr‬اء في ك‪rr‬ل الثقاف‪rr‬ات اق‪rr‬ل ح‪rr‬دة من‬
‫انحرافات الرجال وان انحرافات النساء غالبا بس‪rr‬يطة مث‪rr‬ل س‪rr‬رقة بض‪rr‬اعة‬
‫من متجر او احتيال او زنا‪ ،‬ولكن طبعا ذلك ال يعني خلو ع‪rr‬الم الم‪rr‬رأة من‬
‫الجرائم المروع‪rr‬ة كالقت‪rr‬ل‪ ،‬ولكن‪rr‬ه بالمقارن‪rr‬ة يب‪rr‬دو وكأن‪rr‬ه من الن‪rr‬درة بحيث‬
‫يحسب باألصابع ويحدث تحت ظروف قاهرة‪Edwards (1984) .‬‬
‫جرائم ذوي الياقات البيضاء ‪White Collar Crimes‬‬
‫نقط‪rr‬ة البداي‪rr‬ة في اغلب الدراس‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة عن االنح‪rr‬راف والجريم‪rr‬ة‬
‫تشير الى ان السلوك المنحرف يتركز عند شباب الطبقة العاملة الذكور او‬
‫ذوي الياق‪rr‬ات الزرق‪rr‬اء ‪ Blue Collar Crime‬م‪rr‬ع اغف‪rr‬ال (ربم‪rr‬ا غ‪rr‬ير‬
‫متعم‪rr‬د) لج‪rr‬رائم الطبقة الوس‪rr‬طى من ذوي الياق‪rr‬ات البيض‪rr‬اء‪ .‬س‪rr‬ذرالند‬
‫)‪ Sutherland (1949‬ه‪rrr‬و اول من اس‪rrr‬تخدم مص‪rrr‬طلح ذوي الياق‪rrr‬ات‬
‫البيضاء وأول من تحدى االفتراضات التي تلصق الج‪rr‬رائم ب‪rr‬ذوي الياق‪rr‬ات‬
‫الزرقاء‪ .‬لسوء الحظ لم يكن تعريف سذرالند لجرائم ذوي الياقات البيضاء‬
‫نافعا كما يقول نيلكن )‪ Nelken (1994‬ذلك ان س‪rr‬ذرالند رب‪rr‬ط الجريم‪rr‬ة‬
‫بأش‪rr‬خاص من ذوي المكان‪rr‬ة العالي‪rr‬ة في الش‪rr‬ركات والمؤسس‪rr‬ات الحكومي‪rr‬ة‬
‫وغ‪rr‬ير الحكومي‪rr‬ة دون ان يم‪rr‬يز بين ال‪rr‬ذين يرتكب‪rr‬ون الج‪rr‬رائم لمص‪rr‬لحة‬
‫مؤسساتهم وبين الذين يرتكبونه‪rr‬ا لمص‪rr‬لحتهم الشخص‪rr‬ية‪ ،‬ومهم‪rr‬ا يكن ف‪rr‬ان‬
‫ج‪rr‬رائم ذوي الياق‪rr‬ات البيض‪rr‬اء تش‪rr‬مل ذوى النف‪rr‬وذ في المؤسس‪rr‬ات العام‪rr‬ة‬
‫والشركات الخاصة وال تستثنى الحكوم‪rr‬ات من األنش‪rr‬طة االجرامي‪rr‬ة‪ ،‬مث‪rr‬ل‬

‫‪289‬‬
‫فضيحة ووترجيت في امريكا والعالقة بين السياسيين االيطاليين والمافيا‪،‬‬
‫وعالقة بعض السياسيين العراقيين مع عصابات الجريمة المنظمة‪.‬‬
‫والج‪rr‬رائم المهني‪rr‬ة تغطي مس‪rr‬احة واس‪rr‬عة من االنتهاك‪rr‬ات اغلبه‪rr‬ا س‪rr‬رقة‬
‫واحتيال وابتزاز واختالس‪ ،‬وعلى الرغم من ان ه‪r‬ذه الج‪r‬رائم ق‪rr‬د يرتكبه‪r‬ا‬
‫صغار الموظفين مثلما يرتكبها التنفيذيون الكب‪rr‬ار‪ ،‬ولكن ف‪rr‬رص الكب‪rr‬ار في‬
‫الحصول على الغنائم أكبر بكث‪rr‬ير من ف‪rr‬رص المس‪rr‬تويات األدنى‪ .‬وج‪rr‬رائم‬
‫ذوي الياقات البيضاء ربما أكبر عددا من الجرائم األخ‪rr‬رى ولكنه‪rr‬ا تح‪rr‬دث‬
‫بشكل غير مرئي وال تس‪rr‬لط عليه‪rr‬ا األض‪rr‬واء وال يتناوله‪rr‬ا االعالم ام ع‪rr‬دم‬
‫اكتشافها او بسبب تأثير ه‪rr‬ؤالء على األجه‪rr‬زة الرقابي‪rr‬ة‪Taylor et al .‬‬
‫)‪(2004‬‬
‫ج‪rr‬رائم ذوي الياق‪rr‬ات البيض‪rr‬اء يس‪rr‬ميها فولتش‪rr‬ر وس‪rr‬كوت & ‪Fulcher‬‬
‫)‪ ،Scott (1999‬جرائم االغني‪rr‬اء ‪ Crimes of Effluents‬وأص‪rr‬حاب‬
‫النفوذ‪ ،‬وهي ال تختلف في دوافعها المرضية عن دوافع الجرائم األخ‪rr‬رى‪،‬‬
‫والف‪rr‬ارق فقط في ردة الفع‪rr‬ل االجتم‪rr‬اعي‪ .‬فشخص‪rr‬ية المج‪rr‬رمين ودوافعهم‬
‫األغنياء ليست اقل وال أكثر من كل الذين ينجرف‪rr‬ون نح‪rr‬و ع‪rr‬الم الجريم‪rr‬ة‪،‬‬
‫ولكن هؤالء من غير المحتمل ان يتخذوا من الفعل االجرامي مهنة دائم‪rr‬ة‪،‬‬
‫كم‪rr‬ا ان طبيع‪rr‬ة ردة الفع‪rr‬ل االجتم‪rr‬اعي أخ‪rr‬ف بكث‪rr‬ير من ردة الفع‪rr‬ل على‬
‫الجرائم األخرى ألنها ترتبط بتأثيرات النفوذ‪ .‬وأكثر األمثل‪rr‬ة وض‪rr‬وحا عن‬
‫جرائم األغنياء وأصحاب النفوذ تتمثل في كبار موظفي الدولة في الع‪rr‬راق‬
‫وفي دول اورب‪rr‬ا الش‪rr‬رقية ال‪rr‬تي تمقرطت بع‪rr‬د انهي‪rr‬ار االتح‪rr‬اد الس‪rr‬وفيتي‪،‬‬
‫ولكنها في العراق بلغت ما لم تبلغه أية دولة في العالم من‪r‬ذ ان خل‪r‬ق هللا ادم‬

‫‪290‬‬
‫حتى يومنا هذا‪ .‬ولك ان تتخي‪rr‬ل ض‪rr‬ياع ‪ 800‬ملي‪rr‬ار دوالر في مش‪rr‬روعات‬
‫وهمية خالل األعوام ‪ ،2014-2003‬وان وزارة الكهرباء التي لم تس‪rr‬تطع‬
‫ح‪rr‬تى الي‪rr‬وم من ت‪rr‬أمين الكهرب‪rr‬اء للع‪rr‬راق على ال‪rr‬رغم من ان ميزانيته‪rr‬ا‬
‫التأسيس‪rr‬ية والتش‪rr‬غيلية الس‪rr‬نوية كافي‪rr‬ة إلض‪rr‬اءة الك‪rr‬رة األرض‪rr‬ية م‪rr‬رتين‪.‬‬
‫والغريب في ج‪rr‬رائم األغني‪rr‬اء في الع‪rr‬راق ان السياس‪rr‬يين يتهم‪rr‬ون بعض‪rr‬هم‬
‫بالسرقة واالحتيال يوميا وعلنا على الشاشات الفضائية وال تملك الحكوم‪rr‬ة‬
‫قوة ردع حقيقي‪r‬ة لكي تض‪rr‬ع األغني‪r‬اء المفس‪r‬دين خل‪r‬ف القض‪rr‬بان‪ ،‬الن ق‪rr‬وة‬
‫الردع الشرعية والقانونية بأيديهم او بأيدي اتباعهم‪.‬‬
‫علم االجرام ونقد ما بعد الحداثة ‪Criminology & Postmodernity‬‬
‫‪Critique‬‬
‫علم االج‪rrr‬رام والدراس‪rrr‬ات المرتبط‪rrr‬ة ب‪rrr‬االنحراف ارتبطت في ش‪rrr‬كلها‬
‫وخصائص‪rr‬ها بمرحل‪rr‬ة الحداث‪rr‬ة‪ ،‬وكم‪rr‬ا اش‪rr‬رنا في بداي‪rr‬ة ه‪rr‬ذا الفص‪rr‬ل ف‪rr‬ان‬
‫المدرسة الوضعية التي تزعمها دوركهايم وطورها م‪r‬يرتون ك‪r‬انت ش‪r‬ديدة‬
‫الحماس لما اسماه ديفيد ماتز )‪ Matza (1964‬البحث عن االختالف‪rr‬ات‪،‬‬
‫وك‪rr‬انت المدرس‪rr‬ة التطوري‪rr‬ة ال تقل حماس‪rr‬ة عن تب‪rr‬ني فك‪rr‬رة لوم‪rr‬بروزو‬
‫البيولوجية‪ ،‬بينما نظرية التوص‪rr‬يف والنظري‪rr‬ة الماركس‪rr‬ية‪ ،‬رفض‪rr‬ت بش‪rr‬دة‬
‫فكرة االختالفات واالرتداد البيولوجي‪ ،‬واعتبروها بسيطة اك‪rr‬ثر مم‪rr‬ا يجب‬
‫ومظللة‪ ،‬ولكنهما لم يبتعدا كث‪rr‬يرا عن منطلقات الحداث‪rr‬ة ال‪rr‬تي تض‪rr‬ع الل‪rr‬وم‬
‫على النظ‪rr‬ام الطبقي‪-‬االب‪rr‬وي في االنح‪rr‬راف والجريم‪rr‬ة‪ ،‬وم‪rr‬ع انهم‪rr‬ا من‬
‫النظريات الكالسيكية في تفسير الجريم‪rr‬ة ولكن تفس‪rr‬يراتهما م‪rr‬ازالت ح‪rr‬تى‬
‫اليوم تؤخذ مأخذا جديا النهما قّد ما ضربا من المعرف‪rr‬ة ال‪rr‬تي تف‪rr‬وق ك‪rr‬ل م‪rr‬ا‬

‫‪291‬‬
‫سبق من المعارف والحسابات التي تناولت التطبيقات الشرعية في التعامل‬
‫مع االنحراف والجريمة‪ .‬من جهة أخ‪rr‬رى ج‪rr‬ادت النظري‪rr‬ات النس‪rr‬وية بنقد‬
‫شديد للخط الذكوري لعلم االجرام‪ .‬وعّد ها بلتون واخرون ‪Bilton et al‬‬
‫)‪ ،(1997‬مسؤولة ولو جزئيا عن بداية نقد علم االج‪rr‬رام لمرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د‬
‫الحداثة‪ .‬فقد أعلن مفك‪rr‬رو م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة عن تح‪rr‬ديهم ورفض‪rr‬هم لمف‪rr‬اهيم‬
‫مفك‪rr‬ري مرحل‪rr‬ة الحداث‪rr‬ة عن ع‪rr‬الم المجتم‪rr‬ع ورؤيتهم عن التقدم ال‪rr‬ذي‬
‫اعتبروه محطة لمستقبل أفضل‪ ،‬كما رفض‪rr‬وا المقي‪rr‬اس الش‪rr‬امل للتفس‪rr‬يرات‬
‫النظرية التي ظنوا انها قابلة للتط‪rr‬بيق على مس‪rr‬توى الع‪rr‬الم‪ .‬وه‪rr‬ذا الت‪rr‬أطير‬
‫وضع األساس لمنظور جديد يأخذ في االعتبار البنى الثقافية المحلي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫ال يصلح معه‪rr‬ا م‪rr‬ا اص‪rr‬طلح علي‪rr‬ه الص‪rr‬ورة الكوني‪rr‬ة لالنح‪rr‬راف‪ .‬وبحس‪rr‬ب‬
‫ق‪rr‬ولهم طالم‪rr‬ا ان‪rr‬ه ال توج‪rr‬د ش‪rr‬مولية اجتماعي‪rr‬ة فال يمكن وض‪rr‬ع نظري‪rr‬ة‬
‫اجتماعية شاملة في عالم م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة‪ ،‬له‪rr‬ذا من االنف‪r‬ع تب‪rr‬ني نظري‪rr‬ات‬
‫تتناس‪rr‬ب م‪rr‬ع الخصوص‪rr‬يات الثقافي‪rr‬ة‪ .‬ولكنهم اع‪rr‬ترفوا بوج‪rr‬ود مش‪rr‬تركات‬
‫ثقافية‪ ،‬غير ان هذه المشتركات ال تسمح بالضرورة تجاوز الخصوص‪rr‬يات‬
‫المجتمعية‪ ،‬النظريات المحلية قد تتالقح او تتنافس ولكنه‪rr‬ا ال تمل‪rr‬ك امتي‪rr‬از‬
‫الدخول الى الحقيقة الشاملة‪ ،‬فاذا لم يكن هناك أساس للحقيقة الشاملة فإنه‪rr‬ا‬
‫أية النظري‪rr‬ة الش‪rr‬املة غ‪r‬ير مؤهل‪rr‬ة لتك‪rr‬ون دليال للعم‪rr‬ل اإلنس‪rr‬اني‪ .‬س‪rr‬مارت‬
‫)‪ Smart (1990‬تعتقد ان علم االجرام مكشوف تمام‪rr‬ا ام‪rr‬ام نقد مفك‪rr‬ري‬
‫مرحلة ما بعد الحداثة الن فكر علم االجرام التقليدي كان مقترن‪rr‬ا بالم‪rr‬ذهب‬
‫الوضعي للحداثة الذي كان يعتقد انه قادر على بناء معرف‪rr‬ة قابل‪rr‬ة للتط‪rr‬بيق‬
‫والتحقق للجريمة واسبابها من شانها ان تضع الحلول او تقدم اس‪rr‬تراتيجية‬

‫‪292‬‬
‫للتدخل قبل حدوث الجريمة‪ ،‬ولكن وفقا لرؤية سمارت فان الفك‪rr‬ر الح‪rr‬داثي‬
‫ارتكب خطأ فادحا عندما ظن انه ق‪rr‬ادر على تقديم اط‪rr‬ار نظ‪rr‬ري ش‪rr‬مولي‪،‬‬
‫الن زعمهم هذا يستلزم وحدة المجتمع البشري من اجل وضع حلول قابل‪rr‬ة‬
‫للتطبيق في كل مكان‪ ،‬لكن المجتمع البشري ال يشترك في أية وح‪rr‬دة اك‪rr‬ثر‬
‫من تورط المجرمين في انتهاك القوانين‪ ،‬والقوانين ذاتها تختلف ثقافي‪rr‬ا وال‬
‫تجّرم قوانين ثقافة بعض األفعال التي ُتعد جرائم في ثقافة أخ‪rr‬رى‪ ،‬ف‪rr‬زواج‬
‫القاص‪rr‬رات في المجتم‪rr‬ع الغ‪rr‬ربي مثال ُيع‪rr‬د جريم‪rr‬ة يع‪rr‬اقب عليه‪rr‬ا القانون‬
‫ولكنها ليست كذلك في المجتمع العربي‪.‬‬
‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫على ال‪rr‬رغم من ان موض‪rr‬وع االنح‪rr‬راف متع‪rr‬دد االبع‪rr‬اد وينط‪rr‬وي على‬
‫تعقيدات تفسيرية شديدة التنوع قد تصل الى التعارض‪ ،‬اال انها جميعا تتفق‬
‫على االطار العام لالنحراف الذي يعني الخروج على المعايير االجتماعية‬
‫السائدة‪ ،‬النظريات المبكرة التي يربطه‪rr‬ا بعض علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع بالحداث‪rr‬ة‬
‫اخذت اتجاهين مختلفين‪ ،‬اتجاه يهتم ب‪r‬ردود الفع‪r‬ل االجتماعي‪r‬ة ال‪r‬تي تعطى‬
‫مفه‪rr‬وم االنح‪rr‬راف مع‪rr‬نى معياري‪rr‬ا مس‪rr‬تمد من القواع‪rr‬د الثقافي‪rr‬ة للمجتم‪rr‬ع‪،‬‬
‫وتعزو الفعل المنحرف الي التنشئة االجتماعي‪rr‬ة واالض‪rr‬طراب االجتم‪rr‬اعي‬
‫الذي سماه دوركهايم االنومي او الالمعياري‪rr‬ة او التفك‪rr‬ك االجتم‪rr‬اعي ال‪rr‬ذي‬
‫يعطي فرص‪rr‬ة لبعض االف‪rr‬راد للتح‪rr‬رر من المع‪rr‬ايير الص‪rr‬ارمة او التم‪rr‬رد‬
‫عليها كما حدث في العراق بعد االحتالل األمريكي‪ .‬واالتجاه االخ‪rr‬ر تب‪rr‬نى‬
‫منطلقات المدرس‪rr‬ة التطوري‪rr‬ة ال‪rr‬تي من ض‪rr‬منها االتج‪rr‬اه ال‪rr‬بيولوجي ال‪rr‬ذي‬
‫تزعمه لومبروزو والذي يرى ان االنحراف والجريمة له عالقة بالتركيب‬

‫‪293‬‬
‫الجيني لألفراد وان المجرمين لديهم خص‪rr‬ائص بيولوجي‪rr‬ة مم‪rr‬يزة‪ ،‬وي‪rr‬دخل‬
‫ضمن ه‪rr‬ذا المنظ‪rr‬ور االتج‪rr‬اه النفس‪rr‬ي ال‪rr‬ذي يع‪rr‬زو االنح‪rr‬راف الى ال‪rr‬دوافع‬
‫الفطرية او الغرائز مثل غريزة العدوان التي تدفع بعض الناس الى التعبير‬
‫عن غرائ‪rr‬زهم حالم‪rr‬ا تت‪rr‬وفر الفرص‪rr‬ة او تض‪rr‬عف المع‪rr‬ايير االجتماعي‪rr‬ة‪.‬‬
‫الوظيفية البنائية والتفاعلية الرمزية كانت لهما وجهة نظر تفس‪rr‬يرية تنبث‪rr‬ق‬
‫من طبيعة المجتمع الذي ال يخل‪rr‬و في مس‪rr‬يرته من االنحراف‪rr‬ات ال‪rr‬تي تع‪rr‬ود‬
‫الى تنوع مكوناته وتعارضها والتي تقود الى عملي‪rr‬ة ت‪rr‬وازن‪ ،‬فل‪rr‬وال وج‪rr‬ود‬
‫االنحراف والجريمة بزعمهم لما استطعنا معرفة صحة وسالمة المجتم‪rr‬ع‪،‬‬
‫والجريمة هنا تعمل عم‪rr‬ل النب‪rr‬ه لوج‪rr‬ود خل‪rr‬ل في البن‪rr‬اء االجتم‪rr‬اعي او في‬
‫وظائفه‪ ،‬واهتمت نظرية التوتر المنبثقة عن التي‪rr‬ارات الماركس‪rr‬ية الجدي‪rr‬دة‬
‫بعملية الصراع بين الذين يملكون كل شيء والذين ال يملك‪rr‬ون أي ش‪rr‬يء‪،‬‬
‫وهذا الوضع غير المتكافئ يخلق توترا وصراعا من اج‪rr‬ل الس‪rr‬لطة والقوة‬
‫ويدفع باتجاه االنحراف‪ .‬ثم يأتي دور النظريات النسوية التي حّم لت النظام‬
‫االبوي الذكوري مسؤولية ت‪rr‬دني مكان‪rr‬ة الم‪rr‬رأة واح‪rr‬داث انحراف‪rr‬ات نتيج‪rr‬ة‬
‫استغالل المرأة اقتص‪rr‬اديا وجنس‪rr‬يا‪ .‬اتجاه‪rr‬ات م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة وجهت نقدا‬
‫الذعا للتيارات الفكرية التقليدية التي ازدهرت في مرحلة الحداث‪rr‬ة وع ‪ّr‬د تها‬
‫قاصرة عن تفسير أس‪rr‬باب الجريم‪rr‬ة ودوافعه‪rr‬ا في المجتم‪rr‬ع الح‪rr‬ديث ال‪rr‬ذي‬
‫شهد تبدالت ليس فقط على مس‪rr‬توى ال‪rr‬تركيب الب‪rr‬نيوي للمجتمع‪rr‬ات وانم‪rr‬ا‬
‫على نوع الجريم‪rr‬ة وش‪rr‬كلها ومع‪rr‬دالتها‪ ،‬وانك‪rr‬رت عليه‪rr‬ا ع‪r‬زو االنح‪rr‬راف‬
‫والجريمة لذوي الياقات الزرقاء‪ ،‬واعتبرت ج‪rr‬رائم ذوي الياق‪rr‬ات البيض‪rr‬اء‬
‫أكثر خطرا على الرغم من انها محاطة بالسلطة والقوة‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫وبعد هذا ف‪rr‬ان االنح‪r‬راف والجريم‪r‬ة يبقي‪r‬ان مس‪r‬الة نس‪r‬بية ذل‪r‬ك ان مع‪r‬ايير‬
‫المجتمع تتبدل وتتطور بتطور المجتمعات فما يبدو انحرافا قبل رب‪rr‬ع ق‪rr‬رن‬
‫قد ال يكون كذلك اليوم‪ ،‬كما ان إيجاد نظرية تفسيرية شاملة يصعب تحققها‬
‫عملي‪rr‬ا ح‪rr‬تى م‪rr‬ع العولم‪rr‬ة بس‪rr‬بب التن‪rr‬وع الثقافي وغي‪rr‬اب الوح‪rr‬دة البنيوي‪rr‬ة‬
‫والمعيارية للمجتمع البشري‪.‬‬

‫الفصل العاشر‬
‫التعليم‬
‫‪Education‬‬

‫‪295‬‬
‫الطفل الذي اقتصر تعليمه على المدرسة هو طفل لم يتعلم‬
‫جورج سانتيانا (فيلسوف امريكي من أصل اسباني)‬

‫توماس ذو التسعة أعوام تلميذ فاشل‪ ،‬فهو غير قادر على القراءة والكتاب‪r‬ة‪،‬‬
‫وغ‪rr‬ير ق‪rr‬ادر على التع‪rr‬ايش م‪rr‬ع اقران‪rr‬ه‪ ،‬وبس‪rr‬بب االحباط‪rr‬ات ك‪rr‬ان يس‪rr‬يء‬
‫التصرف أحيانا‪ .‬لقد كان فاشال منذ ان كان عمره ثالث سنوات‪ ،‬لكن فشله‬
‫بدأ قبل ذلك كما يقول ابواه‪ .‬لقد قالوا له مرارا وتك‪r‬رارا ان‪r‬ه ال يص‪r‬لح ألي‬
‫شيء‪ .‬الحظ معلموه انه بطيء التعلم وليس له أصدقاء ولهذا فانهم وصفوه‬
‫بان‪rr‬ه فاش‪rr‬ل‪ .‬توم‪rr‬اس ص ‪ّr‬د ق ابوي‪rr‬ه ومعلمي‪rr‬ه ألن‪rr‬ه لم يكن يمل‪rr‬ك أي‪rr‬ة حج‪rr‬ة‬
‫يعارض فيها احكامهم‪ .‬الضربة الموجعة االولى تلقاه‪rr‬ا من ابوي‪rr‬ه والثاني‪rr‬ة‬
‫من معلميه والضربة الثالثة قبوله فكرة توص‪rr‬يفه بان‪r‬ه فاش‪r‬ل‪ .‬ك‪r‬ان توم‪r‬اس‬
‫الطفل في خطر‪ ،‬ذل‪rr‬ك ان‪rr‬ه ك‪rr‬ان يمل‪rr‬ك الخص‪rr‬ائص ال‪rr‬تي تجعل‪rr‬ه فاش‪rr‬ال في‬
‫المدرسة وفي المجتمع‪ .‬ربما لم يكن يصلح ألي شيء‪ ،‬وربما ي‪rr‬دخل نفس‪rr‬ه‬
‫في مشكالت مع القانون ما لم يتدخل أحد للعناية ب‪rr‬ه وتش‪rr‬جيعه لي‪rr‬درك ان‪rr‬ه‬
‫يمتل‪rr‬ك قابلي‪rr‬ات وان قابليات‪rr‬ه ذات قيم‪rr‬ة‪ .‬االف ربم‪rr‬ا ماليين مث‪rr‬ل توم‪rr‬اس‬
‫تسربوا من الم‪rr‬دارس ودخل‪rr‬وا ع‪rr‬الم الجريم‪rr‬ة او ظل‪rr‬وا على اله‪rr‬امش‪ ،‬الن‬

‫‪296‬‬
‫أحدا لم يكترث بهم‪ .‬توماس اديسون مث‪rr‬ل توم‪rr‬اس ه‪rr‬ذا ك‪rr‬ان أبكم‪rr‬ا (س‪rr‬معه‬
‫ثقيل) بطيء التعلم وقليل األصدقاء لدرج‪rr‬ة ان المدرس‪rr‬ة طردت‪rr‬ه وارس‪rr‬لت‬
‫معه رس‪rr‬الة الى ام‪rr‬ه تقول فيه‪rr‬ا ان توم‪rr‬اس بطيء التعلم وان المدرس‪rr‬ة ال‬
‫تستطيع االحتفاظ به مع التالميذ‪ .‬كانت امه معلمة وعلى درجة من الفطنة‪،‬‬
‫وعندما قرأت الرسالة امامه الح‪r‬ظ توم‪r‬اس دموعه‪r‬ا ت‪r‬نزل به‪r‬دوء‪ ،‬س‪r‬ألها‬
‫توماس بانكسار‪ :‬ماذا تقول المدرسة؟ قالت تقول المدرسة إنك ولد عبقري‬
‫والمدرس‪rr‬ة ليس ل‪rr‬ديها معلم‪rr‬ون لت‪rr‬دريس العب‪rr‬اقرة‪ .‬س‪rr‬حبته بس‪rr‬رعة من‬
‫المدرسة وتولت تعليمه في البيت‪ .‬تذكرها فيما بع‪rr‬د وق‪rr‬ال " امي هي ال‪rr‬تي‬
‫صنعتني كانت مؤمنة بي" لم يحصل على أي تعليم رس‪rr‬مي‪ ،‬وعم‪rr‬ل بائع‪rr‬ا‬
‫متجوال يبيع الصحف في القطارات‪ .‬عندما مات اديسون في عمر الرابع‪rr‬ة‬
‫والثمانين كان قد اخترع ‪ 1093‬اختراعا من اهمها المص‪rr‬باح ال‪rr‬ذي أض‪rr‬اء‬
‫العالم‪ ،‬والبطارية التي تحتفظ بالطاقة وغيرها كث‪rr‬ير‪ .‬المدرس‪rr‬ة األولى هي‬
‫االم والمدرس‪rr‬ة ال يمكن ان تعطي‪rr‬ك المعرف‪rr‬ة ولكنه‪rr‬ا تعم‪rr‬ل على توجيه‪rr‬ك‬
‫وتدلك على الطريق‪.‬‬
‫في هذا الفص‪rr‬ل س‪rr‬نتناول حال‪rr‬ة التعليم في الع‪rr‬الم‪ ،‬األط‪rr‬ر النظري‪rr‬ة للتربي‪rr‬ة‬
‫والتعليم والبيئة االجتماعية للمدرسة‪.‬‬
‫حالة التعليم في العالم ‪State of the World’s Education‬‬
‫كل المجتمعات الحديثة تهتم بتعليم األطفال عبر نظام التعليم الوطني‪ ،‬وفي‬
‫اغلبها يكون التعليم مجانيا وإلزاميا لسن معينة‪ ،‬المنظمات العالمية المهتمة‬
‫ب‪rr‬التعليم ص‪rr‬ار له‪rr‬ا مس‪rr‬اهمات مهم‪rr‬ة في ه‪rr‬ذا المج‪rr‬ال‪ ،‬مث‪rr‬ل اليونيس‪rr‬كو‬
‫‪( UNESCO‬منظم‪rrr‬ة األمم المتح‪rrr‬دة للثقاف‪rrr‬ة والتربي‪rrr‬ة والعل‪rrr‬وم) ال‪rrr‬تي‬

‫‪297‬‬
‫أص‪rr‬بحت المرك‪rr‬ز الع‪rr‬المي لمناقش‪rr‬ة األفك‪rr‬ار التربوي‪rr‬ة وتطبيقه‪rr‬ا‪ ،‬وص‪rr‬ار‬
‫بمقدورها تزويد الدول ببرامج ت‪rr‬دريب المعلمين‪ ،‬ودلي‪rr‬ل المن‪rr‬اهج‪ ،‬والكتب‬
‫المقررة‪ ،‬كم‪rr‬ا انه‪rr‬ا تقوم بجم‪rr‬ع المعلوم‪rr‬ات اإلحص‪rr‬ائية عن اإلنج‪rr‬ازات‬
‫التربوية في كل انحاء العالم‪ .‬العديد من الدول تبنت مع‪rr‬ايير اليونيس‪rr‬كو في‬
‫مؤسساتها التربوية مثل نموذج السنوات الست في التعليم االبتدائي ونظ‪rr‬ام‬
‫السنوات الثالث للتعليم المتوسط ومثله‪rr‬ا للتعليم الث‪rr‬انوي‪ .‬والتعليم الرس‪rr‬مي‬
‫هو المعتمد في كل دول العالم‪.‬‬
‫التعليم الرسمي ‪ Formal Education‬يشمل المدارس الممولة حكومي‪rr‬ا‬
‫ويهدف الى تعليم المناهج المع‪ّr‬د ة س‪rr‬لفا وال‪rr‬ذي توس‪rr‬ع بش‪rr‬كل مض‪rr‬طرد في‬
‫العقود القليلة الماضية ليشمل غالبي‪r‬ة الس‪r‬كان في معظم بل‪r‬دان الع‪r‬الم‪ ،‬على‬
‫ال‪rr‬رغم من ان الفج‪rr‬وة م‪rr‬ازالت واس‪rr‬عة نس‪rr‬بيا بين النخب‪rr‬ة والفقراء وبين‬
‫ال‪rr‬ذكور واالن‪rr‬اث‪ ،‬ولكن ه‪rr‬ذه الفج‪rr‬وة ب‪rr‬دأت تتقلص ت‪rr‬دريجيا‪ ،‬فاإلن‪rr‬اث‬
‫المسجالت في المرحلة االبتدائية في الوقت ال‪rr‬راهن تقريب‪rr‬ا مس‪rr‬اوية لنس‪rr‬بة‬
‫الذكور في اغلب بلدان العالم‪.‬‬
‫في المدرس‪rr‬ة الثانوي‪rr‬ة‪ ،‬عالمي‪rr‬ا ارتفعت نس‪rr‬بة االن‪rr‬اث من‪ %32‬في ع‪rr‬ام‬
‫‪ 1950‬الى ‪ %45‬عام ‪ ))Boli 2002:311 1990‬واالناث دخلن التعليم‬
‫العالي بنسب تفوق نسب الذكور في ع‪rr‬دد كب‪rr‬ير من البل‪rr‬دان‪ .‬التعليم أص‪rr‬بح‬
‫قضية عالمية‪ ،‬وم‪rr‬ا اعت‪rr‬بر معرف‪rr‬ة جوهري‪rr‬ة يتعين تدريس‪rr‬ها في الم‪rr‬دارس‬
‫يعتم‪rrr‬د بالدرج‪rrr‬ة األس‪rrr‬اس على درج‪rrr‬ة تط‪rrr‬ور البل‪rrr‬دان والقيم الثقافي‪rrr‬ة‬
‫وااليديولوجيا السياسية الى جانب دليل المع‪rr‬ايير العالمي‪rr‬ة‪ .‬القادة يعتقدون‬
‫ان التعليم ضروري للتنمية االقتصادية والزدهار النظام السياسي ورفاهية‬

‫‪298‬‬
‫المواطنين‪ .‬المعيار العالمي للتعليم أثر تأثيرا بالغا في النظم التربوية ل‪rr‬دول‬
‫افريقيا‪ ،‬اسيا‪ ،‬وأمريكا الالتينية والشرق األوس‪rr‬ط بغض النظ‪rr‬ر عن النظ‪rr‬ام‬
‫السياس‪rr‬ي او مس‪rr‬توى ال‪rr‬ثراء‪ .‬وفي ذل‪rr‬ك كتب ب‪rr‬ولي )‪Boli (2002:312‬‬
‫يقول "أص‪rr‬بح التعليم عملي‪rr‬ة اجتماعي‪rr‬ة عالمي‪rr‬ة‪ ،‬يعكس ويس‪rr‬اعد في خل‪rr‬ق‬
‫المجتمع العالمي الذي يعيش مرحلة التشكل"‬

‫جدول ‪10.1‬معدالت تعلم البالغين (‪ 15‬فما فوق) من الجنسين ‪2004-2000‬‬


‫معدالت تعلم البالغين ‪%‬‬
‫المجموع‬ ‫االناث‬ ‫الذكور‬ ‫البلدان‬
‫‪82‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪87‬‬ ‫العالم‬
‫‪76‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪83‬‬ ‫بلدان شمال الكرة األرضية‬
‫‪99‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪99‬‬ ‫بلدان جنوب الكرة األرضية‬
‫‪100‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪100‬‬ ‫األقطار في مرحلة التحول‬
‫‪62‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪70‬‬ ‫الصحراء االفريقية‬
‫‪62‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪73‬‬ ‫الدول العربية‬
‫‪99‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪100‬‬ ‫وسط اسيا‬
‫‪91‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪95‬‬ ‫شرق اسيا ودول المحيط الهادي‬
‫‪58‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪71‬‬ ‫جنوب وغرب اسيا‬
‫‪89‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪90‬‬ ‫أمريكا الالتينية والبحر الكاريبي‬
‫‪99‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪99‬‬ ‫أمريكا الشمالية واربا الغربية‬
‫‪97‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪99‬‬ ‫وسط وشرق اوربا‬

‫‪299‬‬
‫)‪source: UNESCO institute for Statistic (2006:126‬‬

‫جودة التعليم يتم الحكم عليها جزئيا عن طريق نس‪rr‬بة المعلمين الى الطالب‬
‫ومعدالت المتعلمين‪ .‬نس‪rr‬بة المعلمين الى الطالب تختل‪rr‬ف ب‪rr‬اختالف تط‪rr‬ور‬
‫البل‪r‬دان‪ ،‬فهي معلم واح‪r‬د لك‪r‬ل ‪ 13‬طالب‪r‬ا في اغلب اقط‪r‬ار اورب‪r‬ا الغربي‪r‬ة‪،‬‬
‫معلم واحد لكل ‪ 15.8‬طالبا‪ ،‬في أمريكا الشمالية‪ ،‬واحد لك‪rr‬ل ‪ 60‬طالب‪rr‬ا في‬
‫كل من تشاد‪ ،‬الكونغو‪ ،‬ماالوي‪ ،‬موزمبيق وراوندا‪ ،‬واح‪rr‬د لك‪rr‬ل ‪ 72‬طالب‪rr‬ا‬
‫في اثيوبيا‪ .‬وبيانات الجدول ‪ 10.1‬توضح ان أض‪rr‬عف نس‪rr‬ب التعلم هي في‬
‫البلدان العربية‪ ،‬والسيما االناث‪ ،‬واعلى النس‪rr‬ب هي لل‪rr‬دول المتحول‪rr‬ة مث‪rr‬ل‬
‫سنغافورة وماليزي‪rr‬ا وت‪rr‬ايوان وكوري‪rr‬ا‪ .‬الع‪rr‬رب في اخ‪rr‬ر ال‪rr‬ركب في التعليم‬
‫وسنبقى اخر الركب في كل مج‪rr‬االت الحي‪rr‬اة م‪rr‬ا لم نع‪rr‬ط التعليم أولوي‪rr‬ة في‬
‫التمويل واإلدارة والنوعية‪ .‬التعليم الواسع انتشر بسرعة عبر العالم‪ ،‬بتأثير‬
‫سهولة االتصاالت والنقل‪ .‬والعولم‪rr‬ة تس‪rr‬تمر في جع‪rr‬ل بل‪rr‬دان الع‪rr‬الم أك‪rr‬ثر‬
‫انفتاحا بعضها على بعض‪ ،‬واالقطار المتط‪rr‬ورة اقتص‪rr‬اديا له‪rr‬ا ت‪rr‬أثير ب‪rr‬الغ‬
‫األث‪rr‬ر على مس‪rr‬تويات واش‪rr‬كال التعليم في الع‪rr‬الم كل‪rr‬ه‪ .‬فالمن‪rr‬اهج التربوي‪rr‬ة‬
‫الوطنية في البلدان الفقيرة تشبه النم‪rr‬وذج االس‪rr‬تعماري التقلي‪rr‬دي في التعليم‬
‫الواسع‪ ،‬شكال ومضمونا مع تغييرات طفيفة تتناسب مع الثقاف‪r‬ات المحلي‪r‬ة‪،‬‬
‫فالرياضيات والعل‪rr‬وم مثال ت‪rr‬دّرس في الم‪rr‬دارس في ك‪rr‬ل انح‪rr‬اء الع‪rr‬الم من‪rr‬ذ‬
‫الح‪rr‬رب العالمي‪rr‬ة الثاني‪rr‬ة ح‪rr‬تى االن‪ ،‬على ال‪rr‬رغم من ان ال‪rr‬دول المتقدم‪rr‬ة‬

‫‪300‬‬
‫أدخلت العلوم بجودة اعلى ونوعية قابلة لمواكبة التطورات مقارنة بالبلدان‬
‫األخرى التي ماتزال في مرحلة المحاولة والخطأ‪.‬‬
‫نظريات المستوى الصغير في التعليم ‪Micro-level theories‬‬
‫على مس‪rr‬توى التحلي‪rr‬ل الص‪rr‬غير اهتم علم االجتم‪rr‬اع ب‪rr‬البحث عن التفاع‪rr‬ل‬
‫داخ‪rr‬ل البيئ‪rr‬ة المدرس‪rr‬ية على المس‪rr‬تويات كاف‪rr‬ة‪ ،‬بم‪rr‬ا في ذل‪rr‬ك التفاع‪rr‬ل بين‬
‫الطالب داخل الفصل وخارجه‪ ،‬وبين الطالب والمعلمين‬
‫التفاع==ل االجتم==اعي داخ==ل الفص==ل‪ :‬التفاع‪rr‬ل داخ‪rr‬ل الفص‪rr‬ل يقع ض‪rr‬من‬
‫االهتمامات النظرية للتفاعلي‪rr‬ة ‪-‬الرمزي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تأخ‪rr‬ذ في الحس‪rr‬بان الرم‪rr‬وز‬
‫التي تؤثر على اإلحس‪r‬اس بال‪r‬ذات او ش‪r‬كل ال‪r‬تراتب االجتم‪r‬اعي‪ .‬األطف‪r‬ال‬
‫لديهم القدرة على خلق الفوارق بين االف‪rr‬راد والجماع‪rr‬ات في درج‪rr‬ة الت‪rr‬أثر‬
‫والتأثير‪ .‬الشخصيات والجماعات األك‪rr‬ثر ش‪rr‬عبية بين الطالب هي القض‪rr‬ية‬
‫الرئيس‪rrr‬ة ألغلب الطالب الس‪rrr‬يما في الدراس‪rrr‬ة المتوس‪rrr‬طة والى ح‪rrr‬د م‪rrr‬ا‬
‫الثانوية‪ .‬والشخصية الشعبية هي الشخصية المحبوبة التي يعرفه‪rr‬ا الجمي‪rr‬ع‬
‫ولها تأثير مباش‪rr‬ر على االق‪rr‬ران‪ .‬والط‪rr‬الب ربم‪rr‬ا يزي‪rr‬د ش‪rr‬عبيته ب‪rr‬ان يك‪rr‬ون‬
‫جذابا او يمث‪rr‬ل المدرس‪rr‬ة في المنافس‪rr‬ات الرياض‪rr‬ية او يأخ‪rr‬ذ دور القائ‪rr‬د في‬
‫مجموع‪rr‬ة او ع‪rr‬دة مجموع‪rr‬ات‪ .‬الص‪rr‬عوبة هي ان ه‪rr‬ذه المواق‪rr‬ع قليل‪rr‬ة ج‪rr‬دا‬
‫وغالب‪rr‬ا تقود الى التن‪rr‬افس مم‪rr‬ا تس‪rr‬تلزم خس‪rr‬ارة بعض االف‪rr‬راد في ه‪rr‬ذه‬
‫المنافس‪rrr‬ات‪ ،‬في أمريك‪rrr‬ا الخاس‪rrr‬رون في المنافس‪rrr‬ات هم المنح‪rrr‬درون من‬
‫الخلفيات المتدني‪r‬ة اقتص‪r‬اديا‪ ،‬ال‪r‬ذين ال يس‪r‬تطيعون مج‪r‬اراة المنح‪r‬درين من‬
‫خلفي‪rr‬ات غني‪rr‬ة في ش‪rr‬راء األلبس‪rr‬ة المم‪rr‬يزة غالي‪rr‬ة الثمن او الت‪rr‬دريب في‬
‫المراك‪rrr‬ز الرياض‪rrr‬ية والترفيهي‪rrr‬ة او المش‪rrr‬اركة في الفعالي‪rrr‬ات الكش‪rrr‬فية‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫الرابح‪rr‬ون في ه‪rr‬ذه المنافس‪rr‬ات يمتلك‪rr‬ون القدرة على ال‪rr‬دخول الى ع‪rr‬الم‬
‫المادي‪rr‬ات والمص‪rr‬ادر الرمزي‪rr‬ة (مث‪rr‬ل المالبس واالحذي‪rr‬ة ذات المارك‪rr‬ات‬
‫العالمي‪rr‬ة) ال‪rr‬تي تجعلهم أوض‪rr‬ح ظه‪rr‬ورا وارف‪rr‬ع مكان‪rr‬ة بين نظ‪rr‬رائهم في‬
‫المدرس‪rr‬ة وربم‪rr‬ا تيس‪rr‬ر لهم الحص‪rr‬ول على موق‪rr‬ع الص‪rr‬دارة وتنّم ي ل‪rr‬ديهم‬
‫مهارات القيادة التي تشعرهم بتقدير عالي لل‪r‬ذات‪Eder et al (1995) .‬‬
‫األبحاث وجدت ان االناث أكثر معاناة من ال‪r‬ذكور في تقدير ال‪r‬ذات ‪self-‬‬
‫‪ .esteem‬والشعور بالذات مس‪r‬الة شخص‪r‬ية بالمقام األول‪ ،‬ولكنه‪r‬ا مس‪r‬الة‬
‫مهمة جدا‪ ،‬فالطالب بين سن السادسة والثامن‪rr‬ة عش‪rr‬ر ال‪rr‬ذين ينفقون اغلب‬
‫وقتهم في المدرسة‪ ،‬صورة الذات لديهم تتأثر بشدة بمكان‪rr‬ة أي منهم داخ‪rr‬ل‬
‫جماعة االقران وال‪rr‬تي تنعكس في النهاي‪rr‬ة على مس‪rr‬توى األداء والتحص‪rr‬يل‬
‫العلمي والذكاء والمقبولية‪.‬‬
‫نظرية االختيار العقالني ‪Rational Choice Theory‬‬
‫ه‪rrr‬ذه النظري‪rrr‬ة ترك‪rrr‬ز على تحلي‪rrr‬ل ثنائي‪rrr‬ة الفائ‪rrr‬دة‪/‬التكلف‪rrr‬ة في العالق‪rrr‬ات‬
‫االجتماعية‪ ،‬والطالب مثل غيرهم من فئات المجتمع يأخذون في الحس‪rr‬بان‬
‫التكلفة‪ ،‬باي معنى من المعاني‪ ،‬المال‪ ،‬العالقات‪ ،‬تقدير الذات او أي عامل‬
‫اخر‪ ،‬يأخذون في االعتبار الفائدة أيض‪rr‬ا‪ ،‬ف‪rr‬اذا ك‪rr‬انت الفائ‪rr‬دة تف‪rr‬وق التكلف‪rr‬ة‬
‫فانهم س‪rr‬يقررون التص‪rr‬رف بطريقة معين‪rr‬ة‪ ،‬ولكن إذا ك‪rr‬انت التكلف‪rr‬ة تف‪rr‬وق‬
‫الفائدة فعلى االغلب يبحثون عن اتجاه اخر للفعل‪ .‬والسؤال هو كيف ت‪rr‬ؤثر‬
‫معادلة الفائ‪rr‬دة‪ /‬التكلف‪rr‬ة على القرارات في التعليم‪ .‬الطالب ال‪rr‬ذين يفك‪rr‬رون‬
‫بترك المدرسة ي‪rr‬ذهبون نح‪rr‬و تحلي‪rr‬ل التكلف‪rr‬ة ال‪rr‬تي س‪rr‬يتحملونها نتيج‪rr‬ة ه‪rr‬ذا‬
‫الفعل‪ ،‬فالقرار هنا يمكن ان يبنى على تقدير الذات المتدني‪ ،‬وينطبق االمر‬

‫‪302‬‬
‫على المعلم الذي يختار البقاء او االنسحاب من مهنة التعليم بقرار عقالني‬
‫يأخ‪rr‬ذ في االعتب‪rr‬ار ال‪rr‬ربح والخس‪rr‬ارة‪ .‬طبع‪rr‬ا ل‪rr‬دينا الوض‪rr‬ع مختل‪rr‬ف بعض‬
‫الش‪rr‬يء ف‪rr‬المعلم ال يس‪rr‬تقيل وال ي‪rr‬ترك العم‪rr‬ل اال ب‪rr‬الموت او التقاع‪rr‬د‪ ،‬الن‬
‫الفرص المتاحة امامه معدومة‪ ،‬لكن معلم في أمريكا او إنكلترا لدي‪rr‬ه ب‪rr‬دائل‬
‫كثيرة وبمقدوره الحصول على عمل اخر في أي وقت يشاء‪ .‬ول‪rr‬و ت‪rr‬وفرت‬
‫الخيارات نفسها لمعلمينا لهجر نصفهم هذه المهنة ال‪rr‬تي لم يع‪rr‬د المعلم فيه‪rr‬ا‬
‫يحظى باالحترام ال من الطالب وال من ذويهم كما ان الدخل الذي يحص‪rr‬ل‬
‫عليه ليس مغريا‪.‬‬

‫النظريات الواسعة ‪ Macro-level Theories‬أينما تحدث وحيثما تكون‬


‫المضامين فان التعليم ي‪rr‬زود االف‪rr‬راد بالمعلوم‪rr‬ات والمه‪rr‬ارات ال‪rr‬تي يع‪rr‬دها‬
‫المجتم‪rr‬ع مهم‪rr‬ة من اج‪rr‬ل ته‪rr‬يئتهم للعم‪rr‬ل والعيش في المجتم‪rr‬ع‪ .‬في بعض‬
‫القرى الهندية يتجم‪rr‬ع األطف‪rr‬ال في س‪rr‬قيفة لدرس‪rr‬هم الص‪rr‬باحي قب‪rr‬ل ذه‪rr‬ابهم‬
‫للحقول للمساعدة في رعي القطعان‪ ،‬معدل س‪rr‬نوات التعليم في الهن‪rr‬د ثم‪rr‬ان‬
‫سنوات (‪ )UNESCO 2005‬وفي بعض المناطق الريفي‪rr‬ة‪ ،‬تعلم القراءة‬
‫والكتاب‪rr‬ة يع‪rr‬د ض‪rr‬روريا او ممكن‪rr‬ا الس‪rr‬يما لإلن‪rr‬اث‪ .‬أطف‪r‬ال القري‪rr‬ة ي‪rr‬ذهبون‬
‫للمدرسة وال‪rr‬واحهم في أي‪rr‬ديهم‪ ،‬ولكن عن‪rr‬دما تحت‪rr‬اج اس‪rr‬رهم المس‪rr‬اعدة في‬
‫الحقول او في رعاية الصغار فان الولد األكبر غالب‪rr‬ا يبقى في ال‪rr‬بيت‪ ،‬على‬
‫ال‪rr‬رغم من ان الس‪rr‬نوات األولى في المدرس‪rr‬ة تع‪rr‬د الزامي‪rr‬ة بالقانون‪ ،‬ولكن‬
‫ليس ك‪rr‬ل الن‪rr‬اس يحص‪rr‬لون على التعليم‪ .‬تعُلم كي‪rr‬ف يبقى االنس‪rr‬ان على قي‪rr‬د‬
‫الحي‪rr‬اة‪ ،‬وكي‪rr‬ف ي‪rr‬زرع الحب‪rr‬وب‪ ،‬وكي‪rr‬ف يهتم باألس‪rr‬رة ويص‪rr‬نع المالبس‬
‫مه‪rr‬ارات أساس‪rr‬ية للبقاء ت‪rr‬أتي قب‪rr‬ل التعليم‪ ،‬وه‪rr‬ذه تأخ‪rr‬ذ ك‪rr‬ل جه‪rr‬د ووقت‬

‫‪303‬‬
‫االنسان‪ .‬والتعليم في القرى الهندية بهذه الصورة له م‪rr‬ا يماثل‪rr‬ه في الع‪rr‬راق‬
‫وفي اغلب بلدان العالم الثالث‪.‬‬
‫التعليم األساس‪rr‬ي ه‪rr‬دف ولكن‪rr‬ه ليس من الس‪rr‬هل تحقيقه ح‪rr‬تى في كث‪rr‬ير من‬
‫المناطق الحضرية في العالم النامي‪ .‬والتعليم الواسع لم يكن متاحا ولم يكن‬
‫هدفا حتى بداية القرن العشرين‪ ،‬حيث أدرك أصحاب القرار في حينه‪rr‬ا ان‬
‫التعليم ضروري من اجل التنمية االقتصادية والمشاركة السياسية‪.‬‬
‫اهداف التعليم‪ :‬المنظ=ور ال=وظيفي ‪The Purposes of Education:‬‬
‫‪Functionalist Perspective‬‬
‫أص‪rr‬حاب النظري‪rr‬ة الوظيفي‪rr‬ة يعتقدون ان التعليم الرس‪rr‬مي وغ‪rr‬ير الرس‪rr‬مي‬
‫يخدم أهدافا معينة في المجتمع‪ ،‬السيما في المجتمع‪rr‬ات الحديث‪rr‬ة‪ .‬الوظ‪rr‬ائف‬
‫االجتماعية للتعليم تتمثل في‪:‬‬
‫ـ تنشئة األطفال ليكونوا أعضاء منتجين في المجتمع‪،‬‬
‫ـ اختيار االفراد وتدريبهم ليحتلوا مواقع في المجتمع‬
‫ـ تشجيع االدراك االجتماعي لالختراع والتغيير‬
‫ـ تعزيز االستقاللية الشخصية والتطور الجتماعي‪.‬‬
‫كم‪rr‬ا يقوم التعليم بوظ‪rr‬ائف غ‪rr‬ير ص‪rr‬ريحة او كامن‪rr‬ة مث‪rr‬ل اع‪rr‬داد األطف‪rr‬ال‬
‫ليكونوا مواطنين صالحين‪ ،‬اضعاف س‪rr‬يطرة اإلب‪rr‬اء على الش‪rr‬باب‪ ،‬وتقديم‬
‫الف‪rr‬رص لتنمي‪rr‬ة ثقاف‪rr‬ة االق‪rr‬ران‪ ،‬الى ج‪rr‬انب توف‪rr‬ير المن‪rr‬اخ المالئم الختي‪rr‬ار‬
‫األص‪rr‬دقاء وش‪rr‬ركاء الحي‪rr‬اة )‪ ،Boli (2002‬والمالح‪rr‬ظ ان بعض ه‪rr‬ذه‬
‫الوظ‪rr‬ائف مبرمج‪rr‬ة ومخط‪rr‬ط له‪rr‬ا وبعض‪rr‬ها االخ‪rr‬ر غ‪rr‬ير مقص‪rr‬ودة وغ‪rr‬ير‬
‫مبرمجة‪ .‬والوظائف غير المبرمجة لها أهمية الوظائف المبرمجة للمجتمع‬

‫‪304‬‬
‫نفسها‪ ،‬فمثال‪ ،‬تعطي المدرسة االبوين فرصة للتح‪rr‬رر من مس‪rr‬ؤولية تربي‪rr‬ة‬
‫األطف‪rr‬ال لكي يقوم‪rr‬وا ب‪rr‬أدوار أخ‪rr‬رى‪ ،‬وتحاف‪rr‬ظ على األطف‪rr‬ال من الش‪rr‬ارع‬
‫حتى يصبح بمقدورهم استيعاب ال‪rr‬دور اإلنت‪rr‬اجي في المجتم‪rr‬ع‪ ،‬الى ج‪rr‬انب‬
‫توف‪rr‬ير الفرص‪rr‬ة للتفاع‪rr‬ل الح‪rr‬ر فيم‪rr‬ا بينهم‪ ،‬ثم دعم ثقاف‪rr‬ة الش‪rr‬باب ورعاي‪rr‬ة‬
‫المواهب في الموسيقى‪ ،‬والرقص‪ ،‬والمواعيد واالزياء والعمل الجم‪rr‬اعي‪،‬‬
‫وتنمية االستقاللية في اتخاذ القرارات بعيدا عن تأثيرات االبوين‪.‬‬
‫من وجهة نظر المدرسة الوظيفية تبقى التركيبة البنيوية للمؤسسة التعليمية‬
‫والعمليات المص‪rr‬احبة له‪rr‬ا مس‪rr‬تقرة طالم‪rr‬ا تحقق وظيفته‪rr‬ا األس‪rr‬اس‪ ،‬ولكن‬
‫عندما ال تستطيع المؤسسة المدرسية من تحقيق األهداف المحددة لها مث‪rr‬ل‬
‫تخلفه‪rr‬ا عن مس‪rr‬تويات التعليم ومع‪rr‬اييره في الع‪rr‬الم او قص‪rr‬ورها في اع‪rr‬داد‬
‫قوى عاملة مؤهلة‪ ،‬يصبح النظام التربوي جاهزا للتغيير‪ ،‬وفي هذه الحال‪rr‬ة‬
‫تقوم الحكوم‪rr‬ات بتقديم مقترح‪rr‬ات إلص‪rr‬الح التعليم مس‪rr‬تندة الى محف‪rr‬زات‬
‫المعارف والتكنولوجيا الجديدة للحصول على نتائج أفضل‪.‬‬
‫تعليم األطفال ليكون=وا منتجين في المجتم=ع ‪Teaching Children to‬‬
‫‪be Productive Members‬‬
‫المجتمعات تستخدم التعليم لتمرير معلومات ثقافي‪rr‬ة جوهري‪rr‬ة‪ ،‬الس‪rr‬يما القيم‬
‫والمهارات والمعارف الضرورية للبقاء‪ .‬بعض األحيان تحدث هذه العملية‬
‫داخل الفصل الدراسي‪ ،‬وفي أحيان أخرى تحدث في أم‪rr‬اكن غ‪rr‬ير رس‪rr‬مية‪.‬‬
‫في بعض القرى االفريقي‪rr‬ة‪ ،‬ق‪rr‬د يقض‪rr‬ي األطف‪rr‬ال ع‪rr‬دة س‪rr‬نوات في التعليم‬
‫الرسمي في مدرسة القرية‪ ،‬ولكنهم يتعلمون ما هو صحيح وما هو خ‪rr‬اطئ‬
‫ويتعلم‪rr‬ون القيم‪ ،‬وادوارهم المس‪rr‬تقبلية بش‪rr‬كل غ‪rr‬ير رس‪rr‬مي عن طري‪rr‬ق‬

‫‪305‬‬
‫مالحظ‪rr‬ة من هم أك‪rr‬بر منهم س‪rr‬نا‪ ،‬او عن طري‪rr‬ق تقلي‪rr‬د أدوار الكب‪rr‬ار في‬
‫الع‪rrr‬ابهم‪ ،‬حيث تتظ‪rrr‬اهر االن‪rrr‬اث بالمس‪rrr‬اعدة في اع‪rrr‬داد الطع‪rrr‬ام وغس‪rrr‬ل‬
‫الص‪rr‬حون‪ ،‬فيم‪rr‬ا يتظ‪rr‬اهر ال‪rr‬ذكور ببن‪rr‬اء ق‪rr‬وارب وش‪rr‬بكات ص‪rr‬يد األس‪rr‬ماك‬
‫ومناقشة االنواء الجوية وحركة الموج‪ .‬في العراق واغلب ال‪rr‬دول العربي‪rr‬ة‬
‫مازال األطفال يتعلمون من كبار الس‪rr‬ن اغلب مكون‪rr‬ات الثقاف‪rr‬ة ومعاييره‪rr‬ا‬
‫العامة على الرغم من انتمائهم للم‪r‬دارس الرس‪r‬مية‪ ،‬ذل‪r‬ك الن ال‪r‬وقت ال‪r‬ذي‬
‫يقضيه األطفال في المدرسة قص‪rr‬ير ج‪r‬دا وغ‪r‬ير ك‪r‬اف لتعليم األطف‪r‬ال ألقيم‬
‫الثقافية األساس‪ .‬في البل‪rr‬دان األق‪rr‬ل رخ‪rr‬اء التعليم فيم‪rr‬ا بع‪rr‬د التعليم األس‪rr‬اس‬
‫خاص بالنخب‪rr‬ة أي أبن‪rr‬اء ذوي الس‪rr‬لطة واالغني‪rr‬اء‪ .‬وفي مجتمع‪rr‬ات م‪rr‬ا بع‪rr‬د‬
‫الصناعة كلها‪ ،‬ال يتولى كبار السن وافراد االسرة تعليم األطفال المهارات‬
‫الالزم‪rr‬ة للبقاء‪ ،‬الن المدرس‪rr‬ة الرس‪rr‬مية هي ال‪rr‬تي تت‪rr‬ولى مهم‪rr‬ة الت‪rr‬دريب‬
‫واالع‪rr‬داد الض‪rr‬رورية للتط‪rr‬ور والتغ‪rr‬ير التكنول‪rr‬وجي الس‪rr‬ريع‪ ،‬والمدرس‪rr‬ة‬
‫الرسمية تتولى أيضا تعليم األطفال الثقافة بطريقة ابعد غورا مم‪rr‬ا تس‪rr‬تطيع‬
‫االسرة فعله في مجتمع غير متجانس ويتطلب االنصياع للنظام االجتماعي‬
‫العام‪Ballantine and Roberts (2009) .‬‬
‫اختيار االف==راد وت==دريبهم لألدوار المس==تقبلية ‪Selection and Training‬‬
‫‪Individuals for Future Roles‬‬
‫التالميذ يخضعون المتحانات معيارية‪ ،‬ويحصلون على درجات في نهاي‪rr‬ة‬
‫الموسم الدراسي او في نهاية السنة‪ ،‬هذا االنشطة ج‪rr‬زء من عملي‪rr‬ة اختي‪rr‬ار‬
‫االف‪rr‬راد في التعليم الرس‪rr‬مي ض‪rr‬من المجتمع‪rr‬ات ذات الطبيع‪rr‬ة التنافس‪rr‬ية‪.‬‬
‫االفراد الذين يحصلون على معدالت تقرر مستقبلهم في القبول في الكليات‬

‫‪306‬‬
‫والجامع‪rrr‬ات‪ ،‬هي في الواق‪rrr‬ع تقوم باختي‪rrr‬ارهم بم‪rrr‬ا يالئم ق‪rrr‬دراتهم لمهن‬
‫مس‪rr‬تقبلية‪ .‬في بعض المجتمع‪rr‬ات نظ‪rr‬ام التعليم يقوم بتفعي‪rr‬ل ه‪rr‬ذه الوظيف‪rr‬ة‬
‫االجتماعية عن طريق المتابعة وتجميع القابليات‪ ،‬تحفيز المتف‪rr‬وقين‪ ،‬تقلي‪rr‬ل‬
‫المنافسة وزيادة الفرص عبر برامج التربية المهنية والتعليم المستمر‪ .‬لهذا‬
‫فان مستوى التعليم يزود الناس بوسائل العيش ويساهم في تنشيط االقتصاد‬
‫بما ينعكس على الفرد واالسرة والدولة ومستوى المعيشة العام‪Eder et .‬‬
‫)‪al (1995‬‬
‫تحفيز التغير واالبتكار ‪Promoting Change & Innovation‬‬
‫الم‪rr‬واطن يتوق‪rr‬ع ان تس‪rr‬تجيب المدرس‪rr‬ة للتغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي المس‪rr‬تمر‪ ،‬في‬
‫المجتمعات متعددة األعراق مثل فرنسا‪ ،‬انكلترا فان المدرسة تقوم بمهم‪rr‬ة‬
‫دمج المهاجرين وابنائهم مع المجتم‪rr‬ع عن طري‪rr‬ق تعليمهم اللغ‪rr‬ة والع‪rr‬ادات‬
‫الى ج‪rrr‬انب اس‪rrr‬تراتيجيات تقلي‪rrr‬ل الت‪rrr‬وتر داخ‪rrr‬ل الجماع‪rrr‬ات‪ .‬ان تزوي‪rrr‬د‬
‫الجماع‪rr‬ات كله‪rr‬ا بف‪rr‬رص التعليم من ش‪rr‬انها ان تقل‪rr‬ل التم‪rr‬ايز االجتم‪rr‬اعي‪.‬‬
‫وحيث يحص‪rrr‬ل التالمي‪rrr‬ذ على ف‪rrr‬رص متس‪rrr‬اوية في اكتس‪rrr‬اب المع‪rrr‬ارف‬
‫والتكنولوجيا فانهم يساهمون ول‪rr‬و بطريقة غ‪r‬ير متس‪rr‬اوية في حف‪r‬ز التغ‪rr‬ير‬
‫واالبتكار بحسب قدرات التالميذ ودوافعهم‪ ،‬وعلى ال‪rr‬رغم من التف‪rr‬اوت في‬
‫القدرات العقلية للتالميذ اال ان مناخ‪rr‬ات الفص‪rr‬ل الدراس‪rr‬ي وثقاف‪rr‬ة االق‪rr‬ران‬
‫ونوع المنهج الدراسي كلها تعمل على إعط‪rr‬اء التالمي‪rr‬ذ فرص‪rr‬ا ال تع‪rr‬وض‬
‫في تنمية القدرات العقلي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تقدم للمجتم‪rr‬ع أفك‪rr‬ارا إبداعي‪rr‬ة في مختل‪rr‬ف‬
‫ميادين المعرفة‪ ،‬من شانها ان تقود حرك‪rr‬ة التغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي الى االم‪rr‬ام‪.‬‬
‫)‪Boli (2002‬‬

‫‪307‬‬
‫ماذا يحدث في المدارس الرس==ميةً ‪What happen inside Formal‬‬
‫‪School‬‬
‫إذا كنت في اول يوم من االلتحاق بالمدرسة وسال المعلم سؤاال‪ ،‬هل يتعين‬
‫عليك ان تجيب عن السؤال ام تترك اإلجابة لش‪rr‬خص اخ‪rr‬ر؟ إذا اجبت انت‬
‫فربما سيكون المعلم مسرورا‪ ،‬ولكن الطالب االخرين ربم‪rr‬ا يعتقدون إن‪rr‬ك‬
‫تستعرض عليهم‪ ،‬وماذا سيكون الحال لو كانت اجابت‪r‬ك خاطئ‪r‬ة وأص‪r‬بحت‬
‫موضع سخرية المعلم والتالميذ؟ النظ‪rr‬ام المدرس‪rr‬ي الرس‪rr‬مي ينط‪rr‬وي على‬
‫معايير للس‪rr‬لوك غ‪r‬ير المكت‪rr‬وب وغ‪r‬ير المنط‪rr‬وق‪ ،‬ه‪rr‬ذا الس‪rr‬لوك يح‪rr‬دث في‬
‫رياض األطفال كما يحدث في الجامعة‪ ،‬يفرض‪rr‬ه المعلم او ثقاف‪rr‬ة االق‪rr‬ران‪.‬‬
‫النظ‪rr‬ام الرس‪rr‬مي ال يظه‪rr‬ر في النظ‪rr‬ام المدرس‪rr‬ي المكت‪rr‬وب وال يظه‪rr‬ر في‬
‫المنهج المدرسي‪ ،‬ولكنه يؤثر بقوة على خبراتنا المدرسية‪ ،‬ذلك ان النظ‪rr‬ام‬
‫المدرسي ينطوي على منهج خفي او غ‪rr‬ير منظ‪rr‬ور ينط‪rr‬وي على منظوم‪rr‬ة‬
‫قيم وديناميكية للقوة واستراتيجية للتعليم واخرى للتحكم بالفصل الدراس‪rr‬ي‪.‬‬
‫والمنهج الخفي يعني قواع‪rr‬د اللعب‪rr‬ة ال‪rr‬تي يتعلمه‪rr‬ا التلمي‪rr‬ذ في المدرس‪rr‬ة من‬
‫دون ان تك‪rrr‬ون ض‪rrr‬من المقرر الدراس‪rrr‬ي‪ ،‬مث‪rrr‬ل المع‪rrr‬ايير االجتماعي‪rrr‬ة‬
‫واالكاديمية التي يتعلمها التلميذ او يستجيب لها وتكون مقبول‪rr‬ة اجتماعي‪rr‬ا‪،‬‬
‫ومنها القيم التي ت‪rr‬دخل في عملي‪rr‬ة التعلم من دون اإلش‪rr‬ارة الص‪rr‬ريحة له‪rr‬ا‪،‬‬
‫فالتالميذ في كل انحاء العالم يتعلمون في الس‪rr‬نوات ال‪rr‬تي تس‪rr‬بق المدرس‪rr‬ة‪،‬‬
‫وفي رياض األطفال األساس الذي يجعلهم ق‪rr‬ادرين لالنتظ‪rr‬ام في المدرس‪rr‬ة‬
‫بدون عوائق‪ ،‬فمثال التنشئة المبكرة التي تقوم به‪rr‬ا ري‪rr‬اض األطف‪r‬ال‪ ،‬يتعلم‬
‫فيها األطفال اتباع القواعد المعم‪r‬ول به‪r‬ا‪ ،‬وقب‪r‬ول األوام‪r‬ر والن‪r‬واهي ال‪r‬تي‬

‫‪308‬‬
‫يفرضها المعلم وكيفي‪r‬ة قض‪rr‬اء ال‪r‬وقت‪ ،‬ك‪r‬ل ه‪r‬ذه ج‪r‬زء مم‪r‬ا يتعلم‪r‬ه الطف‪r‬ل‬
‫باكرا‪ ،‬وعن طريقها تغ‪rr‬رس ال‪rr‬دروس في عقلي‪rr‬ة الطف‪rr‬ل قب‪rr‬ل ان يب‪rr‬دأ بتعلم‬
‫القراءة والكتابة والعمليات الحسابية‪.‬‬
‫وفقا للنظريات الوظيفية فانهم يتعلمون عن طريق المنهج الخفي التوقع‪rr‬ات‬
‫والسلوك والقيم الضرورية للنجاح في المدرسة والمجتمع‪ ،‬والمنهج الخفي‬
‫بالنس‪rr‬بة لنظري‪rr‬ات الص‪rr‬راع‪ ،‬ه‪rr‬و البرن‪rr‬امج االجتم‪rr‬اعي االقتص‪rr‬ادي ال‪rr‬ذي‬
‫يحافظ على االختالف الطبقي‪ ،‬حيث يتوق‪rr‬ع من الص‪rr‬فوة أك‪rr‬ثر من غ‪rr‬يرهم‬
‫وبمقتضى هذه التوقعات يمنحون فرصا أكبر للمسؤولية ولح‪rr‬ل المش‪rr‬كالت‬
‫والتي ينتج عنها إنجازا اعلى‪ .‬واغلب م‪rr‬دارس الطبقة العامل‪rr‬ة تش‪rr‬دد على‬
‫االمتث‪rr‬ال للنظ‪rr‬ام واطاع‪r‬ة القواع‪r‬د وقب‪rr‬ول المس‪rr‬ؤولية ليكون‪rr‬وا عم‪rr‬اال على‬
‫درجة من الدقة في المواعيد )‪Ballantine and Roberts (2009‬‬
‫المناخ التربوي للمدرسة ‪Educational Climate of the School‬‬
‫المن‪rrr‬اخ المدرس‪rrr‬ي يمكن ان يبعث على االرتي‪rrr‬اح ويخل‪rrr‬ق الدافعي‪rrr‬ة للتعلم‬
‫ويمكن ان يك‪rr‬ون باهت‪rr‬ا وط‪rr‬اردا وع‪rr‬دائيا‪ ،‬البعض يج‪rr‬د في‪rr‬ه متع‪rr‬ة للتعلم‪،‬‬
‫والبعض االخر يشعر بالحص‪rr‬ار ال‪rr‬ذي تفرض‪rr‬ه قواع‪rr‬د الض‪rr‬بط والتح‪rr‬ذير‪.‬‬
‫البناء المعم‪rr‬اري للمدرس‪rr‬ة‪ ،‬وتوقع‪rr‬ات المعلمين‪ ،‬وتجمي‪rr‬ع الطالب بحس‪rr‬ب‬
‫العمر والقابلية ت‪r‬ؤثر هي األخ‪r‬رى على المن‪r‬اخ المدرس‪r‬ي‪ ،‬والمدرس‪r‬ة له‪r‬ا‬
‫احتفالي‪rrr‬ات وطقوس مث‪rrr‬ل ش‪rrr‬عار المدرس‪rrr‬ة‪ ،‬ورموزه‪rrr‬ا‪ ،‬والمناس‪rrr‬بات‬
‫الرياضية‪ ،‬واالحتفال بتكريم المتفوقين ومثلها كثير‪ ،‬تساهم كلها في تشكيل‬
‫المناخ االجتماعي للمدرس‪r‬ة‪ ،‬في بعض البل‪r‬دان مث‪r‬ل الياب‪r‬ان هن‪r‬اك أنش‪r‬طة‬
‫إضافية تقام خارج الوقت الرسمي للمدرسة‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫مناخ الفصل الدراسي يتأثر كثيرا بالمعلم الذي يم‪rr‬ارس عملي‪rr‬ة الته‪rr‬ذيب او‬
‫التشجيع‪ ،‬توزي‪rr‬ع الواجب‪rr‬ات وف‪rr‬رص التفاع‪rr‬ل بين الطالب‪ ،‬ت‪rr‬وزيعهم على‬
‫المقاع‪rr‬د وأس‪rr‬لوب االس‪rr‬تجابة لهم تعطي للمن‪rr‬اخ المدرس‪rr‬ي داخ‪rr‬ل الفص‪rr‬ل‬
‫الدراسي نكهة خاصة يمكن ان تجعلهم اكثر قدرة على اإلنجاز او العكس‪،‬‬
‫ف‪rr‬اذا ك‪rr‬ان المعلم ص‪rr‬ارما وقاس‪rr‬يا وعص‪rr‬بي الم‪rr‬زاج ف‪rr‬ان اغلب الطالب‬
‫سيشعرون بثقل المناخ المدرسي وقد يدفع بعضهم للتس‪rr‬رب من المدرس‪rr‬ة‪،‬‬
‫ولكن اذا كان المعلم هادئا‪ ،‬سمحا ومتفائال وُيشعر التالميذ بالحب والقرب‬
‫من‪rr‬ه‪ ،‬واس‪rr‬تجاباته يغلب عليه‪rr‬ا االستحس‪rr‬ان ف‪rr‬ان ذل‪rr‬ك من ش‪rr‬انه ان يخل‪rr‬ق‬
‫الدافعية لالستمرار واالنجاز‪ ،‬فض‪rr‬ال عن ان أس‪rr‬لوب المعلم في التنظيم من‬
‫شانه ان يخلق صداقات بين الطالب يكون لها اث‪rr‬ر إيج‪rr‬ابي على التحص‪rr‬يل‬
‫العلمي والنم‪rrr‬و االجتم‪rrr‬اعي‪ .‬التفري‪rrr‬ق بين الطالب على أس‪rrr‬اس الجن‪rrr‬در‬
‫(الجنس) او الع‪rrr‬رق او الطبقة او الل‪rrr‬ون من ش‪rrr‬انه ان يخل‪rrr‬ق نزع‪rrr‬ات‬
‫متعارض‪rr‬ة ل‪rr‬دى التالمي‪rr‬ذ وق‪rr‬د يقود الى كراهي‪rr‬ة المن‪rr‬اخ المدرس‪rr‬ي ل‪rr‬دى‬
‫البعض‪ ،‬السيما من ذوي الدخل المنخفض والملونين والى ح‪rr‬د م‪rr‬ا بطي‪rr‬ئي‬
‫التعلم‪ .‬وعلي‪rr‬ه ف‪rr‬ان االنج‪rr‬از المتواض‪rr‬ع او المنخفض للتالمي‪rr‬ذ يعتم‪rr‬د على‬
‫التوقعات المنخفضة للمعلم‪ ،‬وعلى درج‪rr‬ة انحي‪rr‬ازه‪ ،‬ولكن التوزي‪rr‬ع الع‪rr‬ادل‬
‫الهتمام المعلم بالتالميذ يخل‪rr‬ق مناخ‪rr‬ا انجازي‪rr‬ا مبه‪rr‬را‪Ballantine and .‬‬
‫‪Roberts (2009‬‬
‫المناخ القيمي للمدرسة ‪Value Climate of the School‬‬
‫المناخ القيمي يشير الى دوافع التالميذ وطموح‪rr‬اتهم وانج‪rr‬ازاتهم‪ .‬ومن هن‪rr‬ا‬
‫نسأل لماذا تحقق بعض المدارس نسبا عالية من النجاح فيما تخفق أخرى؟‬

‫‪310‬‬
‫وكم ي‪r‬ؤثر اإلب‪r‬اء والمعلم‪r‬ون واالق‪r‬ران على مس‪r‬توى األداء وعلى النت‪r‬ائج‬
‫المترتبة عليه‪ .‬علماء االجتماع يعرفون ان مكان السكن (البيت) ه‪rr‬و ال‪rr‬ذي‬
‫يحدد الدافعية‪ ،‬ولو اعدنا للذاكرة قصة توماس ال‪rr‬ذي ب‪rr‬دئنا ب‪rr‬ه ه‪rr‬ذا الفص‪rr‬ل‬
‫لعلمنا ان تش‪rr‬جيع االب‪rr‬وين او تقريعهم يعطي النت‪rr‬ائج المطلوب‪rr‬ة‪ ،‬وتوم‪rr‬اس‬
‫نفس‪rr‬ه آمن ان‪rr‬ه ال يص‪rr‬لح لش‪rr‬يء ألن ابوي‪rr‬ه ق‪rr‬الوا ذل‪rr‬ك والّح وا في‪rr‬ه فك‪rr‬انت‬
‫النتيجة ان توماس اصبح ع‪rr‬اجزا عن أداء أي ش‪rr‬يء ولكن التعليم الح‪rr‬ديث‬
‫ي‪rr‬رى في الطف‪rr‬ل البلي‪rr‬د االبكم والبطيء التعلم ج‪rr‬وانب اخ‪rr‬رى غ‪rr‬ير مرئي‪rr‬ة‬
‫يمكن تحفيزها لكي يكون مبدعا فيها‪ ،‬قد يكون ثقي‪rr‬ل الس‪rr‬مع او اص‪rr‬م ولكن‬
‫لدية قابلية في الرسم او الموسيقي تفوق كل التوقعات‪ ،‬كل الذي يحتاجه ان‬
‫ال ُيركن جانبا ويوصف بأوصاف ُتعيقه عن المساهمة في اث‪rr‬راء ج‪rr‬انب او‬
‫اكثر من جوانب الحياة‪ .‬الدراسات اثبتت ان التكامل داخل الفصل الدراسي‬
‫بتفاع‪rr‬ل القيم الثقافي‪rr‬ة الس‪rr‬ائدة للعائل‪rr‬ة والج‪rr‬يرة والع‪rr‬رق واالنتم‪rr‬اء ال‪rr‬ديني‬
‫والسياسي والطبقي مع اتجاهات المعلم والمناخ التربوي العام من شانه ان‬
‫يرفع مستوى الدافعية لألداء المدرس‪r‬ي‪ .‬ان ص‪rr‬ورة الطالب والمعلمين عن‬
‫أنفسهم وعن بيئة التعليم تساعد على تشكيل من‪rr‬اخ قيمي ي‪rr‬ؤثر إيجابي‪rr‬ا على‬
‫عملي‪rr‬ة األداء واالنج‪rr‬از‪ ،‬كم‪rr‬ا ان توقع‪rr‬ات المعلم عن أداء التالمي‪rr‬ذ ينعكس‬
‫بالضرورة على مستوياتهم‪ ،‬فاذا ك‪rr‬ان المعلم ال ي‪rr‬ؤمن بقدرات تالمي‪rr‬ذه او‬
‫مهتم أكثر بالتربية (فرض النظام وليس التعليم) ولديه توقعات سلبية عنهم‬
‫فان مستوى الطموح سيكون ضعيفا وسينخفض األداء حتما‪Eder et al .‬‬
‫‪(1995‬‬
‫ديناميكيات القوة داخل الفصل ‪Power Dynamics in the Classroom‬‬

‫‪311‬‬
‫بالنسبة للمعلم الذي يف‪rr‬رض ارادت‪rr‬ه على الطالب ب‪rr‬القوة‪ ،‬او يج‪rr‬برهم على‬
‫التع‪rr‬اون او تحم‪rr‬ل المس‪rr‬ؤولية ف‪rr‬ان ذل‪rr‬ك ُيع‪rr‬د من أخط‪rr‬ر الض‪rr‬غوط ال‪rr‬تي‬
‫يتعرض لها التالميذ‪ .‬بالنس‪r‬بة للتالمي‪r‬ذ يب‪r‬دو ان الحص‪rr‬ول على ه‪r‬امش من‬
‫الحرية وقليل من الضوابط الصارمة داخل الفص‪rr‬ل يمث‪rr‬ل ه‪rr‬دفا بح‪rr‬د ذات‪rr‬ه‪.‬‬
‫المعلم والتالمي‪rr‬ذ مع‪rr‬ا يمكنهم‪rr‬ا تط‪rr‬وير اس‪rr‬تراتيجية للتعام‪rr‬ل م‪rr‬ع الض‪rr‬غوط‬
‫وربما التناحرات دخل الفص‪rr‬ل الدراس‪rr‬ي‪ .‬اس‪rr‬تراتيجية التعام‪rr‬ل الم‪rr‬رن هي‬
‫ج‪rr‬زء من المنهج المتخفي (غ‪rr‬ير الظ‪rr‬اهر) تت‪rr‬درج من االن‪rr‬دماج الت‪rr‬ام الى‬
‫التمرد التام‪ ،‬فمثال طالب الثانوية يضعون أولوياتهم في دراسة المواض‪rr‬يع‬
‫المختلف‪rr‬ة (طبع‪rr‬ا طالبن‪rr‬ا ليس ل‪rr‬ديهم أولوي‪rr‬ات فيم‪rr‬ا ع‪rr‬دا تج‪rr‬اوز دروس‬
‫الرياضة البدنية والتربية الفنية) ويقررون بأنفسهم أي امتحان ل‪rr‬ه األهمي‪rr‬ة‬
‫على غ‪rr‬يره‪ ،‬وم‪rr‬تى تك‪rr‬ون التوقيت‪rr‬ات مالئم‪rr‬ة وب‪rr‬الطبع ض‪rr‬من التوقيت‪rr‬ات‬
‫المحددة في اللوائح‪ .‬ميرتون )‪ Merton (1968a‬في نظريته عن الت‪rr‬وتر‬
‫‪ Strain Theory‬حدد خمس استراتيجيات يستخدمها التالميذ للتعامل مع‬
‫ضغوط المدرسة‪.‬‬
‫ـ االمتثال‪ :‬حيث يتم قبول األهداف والغايات‪ ،‬مما يجع‪rr‬ل العم‪rr‬ل المدرس‪rr‬ي‬
‫متوقعا‪.‬‬
‫ـ االبتكار‪ :‬إيجاد الب‪rr‬دائل او الط‪rr‬رق غ‪r‬ير المع‪rr‬ترف به‪rr‬ا لتحقي‪rr‬ق األه‪rr‬داف‬
‫التقليدية‪ ،‬مثل الغش‪ ،‬او سرقة األسئلة او االنتحال ‪ Plagiarizing‬لتحقيق‬
‫النجاح‪.‬‬
‫ـ ال‪rr‬تراجع‪ :‬وفي ذل‪rr‬ك يتم رفض األه‪r‬داف والغاي‪rr‬ات‪ ،‬ب‪rr‬التمرد على النظ‪rr‬ام‬
‫المدرسي وعدم االمتثال او التعاون معه‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫ـ الطقوس‪rr‬ية‪ :‬وتع‪rr‬ني ع‪rr‬دم الخ‪rr‬روج على القواع‪rr‬د وااله‪rr‬داف ولكن ب‪rr‬دون‬
‫حماس وبما يشبه الالمباالة‪.‬‬
‫ـ الرفض مع االستبدال‪ :‬وهي عملية رفض لأله‪rr‬داف والغاي‪rr‬ات المدرس‪rr‬ية‬
‫بتفضيل استراتيجية بديلة‪ ،‬مث‪rr‬ل مقاوم‪rr‬ة اآلداب المدرس‪rr‬ية او التس‪rr‬رب من‬
‫المدرسة وااللتحاق بأنشطة أخرى‪ ،‬ك‪r‬ترك الدراس‪r‬ة االكاديمي‪r‬ة وااللتح‪r‬اق‬
‫بدورات لتعلم مهن أخرى ككهربائي او سباك او حالق او ما شاكل‪.‬‬
‫والمعلم يس‪rrr‬تطيع التغلب على مش‪rrr‬كلة ع‪rrr‬دم التع‪rrr‬اون او المشاكس‪rrr‬ة او‬
‫المشاركة الصفية باتباع استراتيجية التناس‪rr‬ب بين الفائ‪rr‬دة والثمن‪ ،‬او اتب‪rr‬اع‬
‫اس‪rr‬تراتيجية تقس‪rr‬يم الص‪rr‬ف الدراس‪rr‬ي الى مجموع‪rr‬ات‪ ،‬وابع‪rr‬اد األص‪rr‬دقاء‬
‫المشاكسين عن بعضهم‪ ،‬او يقود المناقشات وه‪rr‬و على مقرب‪rr‬ة من التالمي‪rr‬ذ‬
‫المشاكسين‪ .‬واالهم ان يحب المعلم مهنته ويك‪rr‬ون على درج‪rr‬ة من ال‪rr‬وعي‬
‫والفهم لمتطلب‪rr‬ات العم‪rr‬ل‪ ،‬وعلى درج‪rr‬ة من الخل‪rr‬ق ال‪rr‬ذي يقوده للمس‪rr‬اواة‬
‫والعدالة داخل الفصل الدراسي‪.‬‬
‫التعليم والحداثة ‪Education and Modernity‬‬
‫التعليم في المجتم‪rr‬ع المعاص‪rr‬ر يب‪rr‬دو أك‪rr‬ثر تعقي‪rr‬دا مم‪rr‬ا ه‪rr‬و علي‪rr‬ه في أي‪rr‬ام‬
‫االجتماعيين األوائل‪ ،‬دوركهايم مثال كان ينظر للتعليم على انه قوة توحي‪rr‬د‬
‫أخالقية‪ ،‬بإمكان‪rr‬ه مواجه‪rr‬ة االث‪rr‬ار الس‪rr‬لبية لتقس‪rr‬يم العم‪rr‬ل االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬لكن‬
‫السؤال الي أي حد تنطبق رؤية دوركهايم على التعليم في مجتم‪rr‬ع م‪rr‬ا بع‪rr‬د‬
‫الحداثة الذي أص‪rr‬بح منقس‪rr‬ما على نفس‪rr‬ه في تجمع‪rr‬ات ثقافي‪rr‬ة مختلف‪rr‬ة‪ ،‬مم‪rr‬ا‬
‫جعل هدف التربية كمصدر للوحدة االجتماعية ابعد ما يكون عن التحقي‪rr‬ق‪.‬‬
‫نقول ذل‪rr‬ك لكي ننظ‪rr‬ر للتعليم في مجتم‪rr‬ع م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة بمنظ‪rr‬ار التن‪rr‬وع‬

‫‪313‬‬
‫الهائل في الخيارات التربوية‪ ،‬ف‪rr‬الواقع ان المؤسس‪rr‬ات التعليمي‪rr‬ة فقدت الى‬
‫حد ما سلطتها التقليدية‪ ،‬وتحولت الى م‪rr‬ا يش‪rr‬به الش‪rr‬ركة االس‪rr‬تهالكية ال‪rr‬تي‬
‫تعرض بضاعتها في السوق بحساسية مفرطة إلرض‪rr‬اء رغب‪rr‬ات الزب‪rr‬ائن‪،‬‬
‫وفي نفس ال‪rrr‬وقت أص‪rrr‬بح التالمي‪rrr‬ذ واب‪rrr‬اءهم يتص‪rrr‬رفون على طريقة‬
‫المس‪rr‬تهلكين‪ ،‬ح‪rr‬تى المعرف‪rr‬ة ذاته‪rr‬ا تب‪rr‬دلت‪ ،‬حيث يمكن مالحظ‪rr‬ة وس‪rr‬ائل‬
‫اإلعالن التي تعد بتحويل استهالك المعلومات الى متعة وتسلية في قض‪rr‬اء‬
‫الوقت‪ .‬فهل أصبح ك‪rr‬ل ه‪rr‬ذا العم‪rr‬ل الش‪rr‬اق والعم‪rr‬ل المنض‪rr‬بط للتعليم اش‪rr‬به‬
‫شيء بلعبة على الكومبيوتر‪ ،‬وان المؤسسة التربوي‪rr‬ة س‪rr‬تتبدل به‪rr‬ذا الش‪rr‬كل‬
‫المتط‪rr‬رف؟ الح‪rr‬ق ان عالم‪rr‬ات التب‪rr‬دل ب‪rr‬دأت تظه‪rr‬ر بالفع‪rr‬ل فقد يس‪rr‬رت‬
‫تكنولوجي‪rr‬ا المعلوم‪rr‬ات ه‪rr‬ذا التب‪rr‬دل عن طري‪rr‬ق ال‪rr‬دورات التعليمي‪rr‬ة على‬
‫االنترنيت التي كس‪rr‬رت مجموع‪rr‬ة القي‪rr‬ود ال‪rr‬تي خلقته‪rr‬ا المؤسس‪rr‬ة التربوي‪rr‬ة‬
‫التقليدية‪ ،‬وخلقت م‪rr‬دارس افتراض‪rr‬ية ‪ Virtual Schools‬وكلي‪rr‬ات للتعلم‬
‫مدى الحياة‪ ،‬لهذا صار من المؤكد ان األهداف السابقة للنظ‪rr‬ام ال‪rr‬تربوي ـــ‬
‫في اعداد مواطنين وفي تدريب وتأهيل التالميذ ليأخ‪rr‬ذوا مك‪rr‬انهم في س‪rr‬وق‬
‫العمل في المستقبل ويتنافسون من اج‪r‬ل المواق‪rr‬ع أص‪rr‬بح بحاج‪r‬ة الى إع‪r‬ادة‬
‫تقييم وإعادة تحديد في مجتمع ما بعد الحداثة‪.‬‬
‫الواقع ان المؤسسات التعليمية غالبا تتناسى ان أكثر عملي‪rr‬ات التعلم تح‪rr‬دث‬
‫خارج جدران المدارس والكليات (ليس فقط في ش‪rr‬كل الواجب‪rr‬ات البيتي‪rr‬ة)‪،‬‬
‫فعملي‪rr‬ات التعلم غ‪rr‬ير الرس‪rr‬مية‪ ،‬في ال‪rr‬بيت وبين األص‪rr‬دقاء ُتع‪rr‬د المص‪rr‬ادر‬
‫الرئيسة للمعلومات وللتدريب على المه‪rr‬ارات الحياتي‪rr‬ة وتت‪rr‬درج من كيفي‪rr‬ة‬
‫التصرف الى تش‪rr‬غيل األجه‪rr‬زة المنزلي‪rr‬ة‪ .‬في المجتمع‪rr‬ات التقليدي‪rr‬ة الج‪rr‬زء‬

‫‪314‬‬
‫األعظم من عملي‪rr‬ات التعلم تح‪rr‬دث عن طري‪rr‬ق ه‪rr‬ذه العملي‪rr‬ات في غي‪rr‬اب‬
‫المؤسسات المكرسة للتعليم‪ .‬االشكال المختلفة للمدارس المألوفة لدينا اليوم‬
‫ظه‪rrr‬رت للوج‪rrr‬ود في ف‪rrr‬ترات زمني‪rrr‬ة مختلف‪rrr‬ة لع‪rrr‬دد من األس‪rrr‬باب‪ ،‬ففي‬
‫المجتمعات الغربية استحدثت المدرس‪rr‬ة االبتدائي‪rr‬ة في أوائ‪rr‬ل القرن الث‪rr‬امن‬
‫عش‪rr‬ر‪ ،‬اثن‪rr‬اء تب‪rr‬ني المل‪rr‬وك واالب‪rr‬اطرة عملي‪rr‬ات التح‪rr‬ديث‪ ،‬وتعليم االتب‪rr‬اع‬
‫القراءة والكتابة لكسب ال‪r‬والء وللتخلص من س‪r‬لطة الكنيس‪r‬ة وبن‪r‬اء الهوي‪r‬ة‬
‫القومي‪rr‬ة‪ ،‬واالهم حاج‪rr‬ة الص‪rr‬ناعة ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت في ب‪rr‬داياتها لعم‪rr‬ال متعلمين‬
‫وقادرين على اكتساب المهارات بس‪rr‬رعة تتناس‪rr‬ب م‪rr‬ع س‪rr‬رعة التط‪rr‬ور في‬
‫االدارة الصناعية‪Alexander & Thompson (2008) .‬‬
‫‪Education‬‬ ‫&‬ ‫التعليم وث=====ورة الع=====الم االفتراض=====ي ‪Virtual‬‬
‫‪Revolution‬‬
‫عالم‪rr‬ات ال‪rr‬دخول الى مرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة في التعليم ال تحت‪rr‬اج جه‪rr‬دا‬
‫للعثور عليها‪ ،‬ففي كل يوم نجد تص‪rr‬ريحا لوج‪rr‬ود ب‪rr‬رامج ودورات تعليمي‪rr‬ة‬
‫على االنترنيت في كليات افتراضية ‪ Virtual Colleges‬بعضها تتضمن‬
‫اتحادات جامعية ومكتبات تتمتع بسمعة عالمية رفيعة‪ ،‬وهذه من ش‪rr‬انها ان‬
‫تمنحن‪rr‬ا تص‪rr‬ورا عن الم‪rr‬دى ال‪rr‬ذي تقوده تكنولوجي‪rr‬ا المعلوم‪rr‬ات في جلب‬
‫المعلومات الثقافية ذات الطابع العالمي للمجتمع‪rr‬ات المحلي‪rr‬ة في ك‪rr‬ل مك‪rr‬ان‬
‫على ظه‪rr‬ر كوكبن‪rr‬ا ه‪rr‬ذا‪ .‬ومن أوض‪rr‬ح األمثل‪rr‬ة على ذل‪rr‬ك ه‪rr‬و االعالن عن‬
‫انش‪rr‬اء كلي‪rr‬ة افتراض‪rr‬ية في ع‪rr‬ام ‪ 2000‬مزامل‪rr‬ة لجامع‪rr‬ات اوكس‪rr‬فورد‪،‬‬
‫برنستون‪ ،‬ييل وس‪rr‬تانفورد وهي من أع‪rr‬رق الجامع‪rr‬ات االمريكي‪rr‬ة‪ ،‬س‪rr‬ميت‬
‫"التحالف الج‪rr‬امعي للتعلم م‪rr‬دى الحي‪rr‬اة" ‪The University Alliance‬‬

‫‪315‬‬
‫‪ for Lifelong Learning‬وك‪rr‬انت ته‪rr‬دف الى تزوي‪rr‬د الطلب‪rr‬ة ب‪rr‬برامج‬
‫ودورات عبر االنترنيت للتعلم عن بعد في مجال اآلداب والعل‪rr‬وم لتخ‪rr‬ريج‬
‫‪ 500.000‬طالب سنويا على امل ان تجعل دوراتها وبرامجها متاحة لك‪rr‬ل‬
‫البشر‪.‬‬
‫على الرغم من الفوائد الكبيرة للعولمة وثورة المعلومات واالتص‪rr‬االت في‬
‫اتاح‪rr‬ة الف‪rr‬رص للتعليم الح‪rr‬ر ع‪rr‬بر القن‪rr‬وات غ‪rr‬ير التقليدي‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬ان هن‪rr‬اك من‬
‫الزالوا متخلفين عن الركب‪ ،‬السيما النساء وطلبة البل‪rr‬دان النائم‪rr‬ة‪ ،‬ف‪rr‬التعلم‬
‫وفق المقياس العالمي يعد مفتاحا مهما من مفاتيح التقدم االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬وفي‬
‫ذلك تقول المنظم‪rr‬ة العالمي‪rr‬ة للتربي‪rr‬ة والثقاف‪rr‬ة والعل‪rr‬وم ((‪ UNESCO‬ان‬
‫"النقص في مهارات التعليم األساسية تحّج م الطاقة الكامنة للمجتمع‪rr‬ات في‬
‫التعام‪r‬ل م‪r‬ع قض‪rr‬ايا مث‪r‬ل التمي‪r‬يز العنص‪rr‬ري‪ ،‬الظ‪r‬روف الص‪rr‬حية الس‪r‬يئة‪،‬‬
‫االْبع‪rr‬اد االجتم‪rr‬اعي والتهميش‪ .‬التعليم األس‪rr‬اس ه‪rr‬و في قلب قض‪rr‬ية الرف‪rr‬اه‬
‫االجتماعي واالقتصادي والسياسي والثقافي لألف‪rr‬راد والمجتمع‪rr‬ات ولألمم‬
‫وللعالم كله" )‪UNESCO (2004:8‬‬
‫مستقبل التعليم في النظام الع==المي ‪The Future of Education in‬‬
‫‪the Global system‬‬
‫البحث عن النم‪rr‬وذج المث‪rr‬الي في التعليم لم يتوق‪rr‬ف اب‪rr‬دا‪ ،‬والنظم المدرس‪rr‬ية‬
‫ح‪rr‬ول الع‪rr‬الم تخض‪rr‬ع لض‪rr‬غوط ش‪rr‬ديدة من اج‪rr‬ل تلبي‪rr‬ة الحاج‪rr‬ات المتزاي‪rr‬دة‬
‫للمجتمع واالقتصاد ال‪rr‬ذي ين‪rr‬دفع بقوة نح‪rr‬و عص‪rr‬ر المعلوم‪rr‬ات‪ ،‬والمش‪rr‬كلة‬
‫االن في التالمي‪rr‬ذ ال‪rr‬ذين لم يحص‪rr‬لوا على تعليم ك‪rr‬اف من أج‪rr‬ل االنض‪rr‬مام‬
‫لسوق العمل في مجتمع القرن الح‪rr‬ادي والعش‪rr‬رين‪ .‬في اغلب بل‪rr‬دان الع‪rr‬الم‬

‫‪316‬‬
‫كانت المدرسة الثانوية تعمل على تهيئ‪rr‬ة الش‪rr‬باب لس‪rr‬وق العم‪rr‬ل وال‪rr‬زواج‪،‬‬
‫ولكن بحلول التسعينات من القرن الماض‪rr‬ي‪ ،‬أص‪rr‬بحت الم‪rr‬دارس الثانوي‪rr‬ة‬
‫تهيأ التالميذ للكليات والجامعات ال‪rr‬تي أص‪rr‬بحت ض‪rr‬رورية ج‪rr‬دا للحص‪rr‬ول‬
‫على وظيف‪rr‬ة ذات م‪rr‬ردود اجتم‪rr‬اعي‪-‬اقتص‪rr‬ادي كب‪rr‬ير في النظ‪rr‬ام الع‪rr‬المي‬
‫الجديد‪.‬‬
‫وعلى ال‪rr‬رغم من ان الفج‪rr‬وة في مج‪rr‬ال التكنولوجي‪rr‬ا الذكي‪rr‬ة ب‪rr‬دأت تتقلص‬
‫ببطء بين الش‪rrr‬مال المتقدم والجن‪rrr‬وب األق‪rrr‬ل تقدما‪ ،‬اال ان االختالف في‬
‫تطبيقات االبتك‪r‬ارات التكنولوجي‪r‬ة الجدي‪r‬دة ي‪r‬زداد اتس‪r‬اعا بينهم‪r‬ا‪ .‬المن‪r‬اهج‬
‫االلكترونية والمواد الدراسية تملك القدرة الكامن‪rr‬ة إلعط‪rr‬اء الش‪rr‬مال الغ‪rr‬ني‬
‫والجن‪rr‬وب الفقير نفس االمكاني‪rr‬ة لل‪rr‬دخول الى ع‪rr‬الم المعلوم‪rr‬ات واألفك‪rr‬ار‬
‫الجديدة والتي يتم تح‪rr‬ديثها دوري‪rr‬ا ع‪rr‬بر المنهج االلك‪rr‬تروني‪ ،‬كم‪rr‬ا تس‪rr‬تعمل‬
‫الش‪rr‬ركات والحكوم‪rr‬ات والجي‪rr‬وش أفالم الفي‪rr‬ديو للتعليم‪ ،‬وله‪rr‬ذا ف‪rr‬ان اغلب‬
‫عمليات التعلم تحدث خارج الجدران‪ ،‬من دون تقس‪rr‬يم عم‪rr‬ري او اخض‪rr‬اع‬
‫لتوقيتات الساعة‪ .‬انها تحدث عن بعد عبر التكنولوجي‪rr‬ا الرقمي‪rr‬ة في ال‪rr‬وقت‬
‫ال‪rrr‬ذي يتم اختياره‪rrr‬ا‪ .‬الفص‪rrr‬ل الدراس‪rrr‬ي في المس‪rrr‬تقبل س‪rrr‬يكون مجه‪rrr‬زا‬
‫باالبتك‪rr‬ارات التكنولوجي‪rr‬ة الس‪rr‬تخدامها في الحص‪rr‬ول على معلوم‪rr‬ات من‬
‫الشبكة العنكبوتي‪rr‬ة ال‪rr‬تي س‪rr‬يكون له‪rr‬ا ت‪rr‬أثيرا ه‪rr‬ائال في المس‪rr‬تقبل ليس على‬
‫التعليم وحده وانما على الحياة االجتماعية بمجملها‪.‬‬
‫االعتم‪rr‬اد على التعليم خ‪rr‬ارج ج‪rr‬دران المدرس‪rr‬ة‪ ،‬ال‪rr‬ذي ت‪rr‬روج ل‪rr‬ه بعض‬
‫الشركات التي تسعى لتقليل التكاليف‪ ،‬سيبقى ولو لحين موض‪rr‬ع قل‪r‬ق‪ ،‬ذل‪r‬ك‬
‫ان مكان عمل الكليات او الجامعات االفتراضية سيكون داخل الكومبيوتر‪،‬‬

‫‪317‬‬
‫حيث يتجمه‪rr‬ر االف الطالب الكتروني‪rr‬ا في ص‪rr‬ف دراس‪rr‬ي ام‪rr‬ام شاش‪rr‬ات‬
‫الكوم‪rr‬بيوتر‪ ،‬فه‪rr‬ل تس‪rr‬تطيع الم‪rr‬دارس والجامع‪rr‬ات ال‪rr‬تي تس‪rr‬وق برامجه‪rr‬ا‬
‫التعليمية عبر االنترنت تحقيق النت‪rr‬ائج ال‪rr‬تي يحققه‪rr‬ا التعليم التقلي‪rr‬دي داخ‪rr‬ل‬
‫جدران المدرسة‪ ،‬وماذا يحدث عندما تتحرك الشركات نحو االس‪rr‬تغناء عن‬
‫المدرسة لصالح التعليم االلكتروني‪ ،‬وتستخدم أشخاصا ليست ل‪rr‬ديهم خ‪rr‬برة‬
‫التدريس في الفصول الدراسية‪ ،‬وكي‪rr‬ف س‪rr‬يكون ش‪rr‬كل الش‪rr‬هادة ال‪rr‬تي ت‪rr‬أتي‬
‫عبر )دوت كوم ‪ )Dot- com‬ال نملك إجابات عن مثل هذه التس‪rr‬اؤالت‪،‬‬
‫ولكن التعليم عبر االنترنيت مستمر في غزو عالمنا بهدوء وثقة‪.‬‬
‫‪Conclusion‬‬ ‫خالصة‬
‫هل أصبح التعليم التقليدي في خطر فعال ام ان مثل ه‪rr‬ذه المخ‪rr‬اوف موج‪rr‬ة‬
‫عابرة ستزول حتما في المستقبل مثل كثير من الموجات المؤقت‪rr‬ة؟ في ه‪rr‬ذا‬
‫الفص‪rrr‬ل ن‪rrr‬وقش التعليم من منظ‪rrr‬ور علم االجتم‪rrr‬اع فقط‪ ،‬وربم‪rrr‬ا يك‪rrr‬ون‬
‫للتربويون والفالسفة واهل علم النفس راي اخر‪ .‬المدرسة تؤدي جمل‪rr‬ة من‬
‫الوظ‪r‬ائف ال‪r‬تي ُتع‪r‬د االنس‪r‬ان للحي‪r‬اة الى ج‪r‬انب االس‪r‬رة وجماع‪r‬ة االق‪r‬ران‬
‫والجيرة والمجتمع المحلي‪ ،‬ولكن التعليم داخل جدران المدرس‪rr‬ة والجامع‪rr‬ة‬
‫أصبح في خطر‪ ،‬والتهديد الذي يواجه‪rr‬ه ليس تهدي‪rr‬دا وهمي‪rr‬ا او غامض‪rr‬ا او‬
‫مجهول المصدر‪ ،‬لقد غزت البرامج التعليمية كل ج‪rr‬وانب الحي‪rr‬اة اليومي‪rr‬ة‪،‬‬
‫فاذا اردت ان تعرف سبب الص‪rr‬داع النص‪rr‬في ال‪rr‬ذي يأتي‪rr‬ك بين حين واخ‪rr‬ر‬
‫فليس علي‪rr‬ك اال ان تض‪rr‬غط زر البحث فيأتي‪rr‬ك التش‪rr‬خيص وح‪rr‬تى العالج‪،‬‬
‫وربما يؤدي ذلك في المستقبل المنظور الى االس‪rr‬تغناء عن الط‪rr‬بيب اال في‬
‫الح‪rr‬االت الجراحي‪rr‬ة او الح‪rr‬االت الملتبس‪rr‬ة‪ .‬وإذا اردت معرف‪rr‬ة اس‪rr‬تبدال‬

‫‪318‬‬
‫ماسحات الزج‪rr‬اج لس‪rr‬يارتك او معالج‪rr‬ة الص‪rr‬دأ فيه‪rr‬ا او اس‪rr‬تبدال ج‪rr‬زء من‬
‫اجزاءها فمن السهل إيجاد اإلجابة ع‪rr‬بر ماكين‪rr‬ة البحث ‪search engine‬‬
‫في ‪ YouTube‬او ‪ Goggle‬وإذا اردت ان تأخ‪rrr‬ذ درس‪rrr‬ا في اإلحص‪rrr‬اء‬
‫وتطبيقات‪rrrr‬ه‪ ،‬س‪rrrr‬تجد المعلوم‪rrrr‬ات ج‪rrrr‬اهزة بالص‪rrrr‬وت والص‪rrrr‬ورة على‬
‫‪ ،YouTube‬فما حاجتنا للمدرسة والجامعة إذا كان االن‪rr‬ترنيت يغنين‪rr‬ا عن‬
‫الجلوس ساعات طويلة امام بعض المعلمين الذين ال يحسنون تعليمنا العلم‬
‫او المعرفة التي نحب‪ ،‬بينما ي‪rr‬وفر لن‪rr‬ا االن‪rr‬ترنيت أكف‪rr‬أ المعلمين واألس‪rr‬اتذة‬
‫وبدون مقاب‪rr‬ل‪ .‬الواق‪rr‬ع ان التعليم التقلي‪rr‬دي في خط‪rr‬ر حقيقي‪ ،‬والمدرس‪rr‬ة او‬
‫الجامعة االفتراضية قد تعمل على استالب قوة التعليم المدرسي والجامعي‬
‫لصالح التعليم في العالم االفتراضي‪ ،‬السيما وان الش‪rr‬ركات العمالق‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫أصبحت تهيمن على اغلب اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على السواء‬
‫تعمل على تشجيع االنتساب للع‪rr‬الم االفتراض‪rr‬ي للت‪rr‬دريب والتعلم ليس فقط‬
‫من اج‪rr‬ل تقلي‪rr‬ل التك‪rr‬اليف وانم‪rr‬ا أيض‪rr‬ا الس‪rr‬تثمار ال‪rr‬وقت‪ ،‬وتخطى عتب‪rr‬ة‬
‫ال‪rr‬روتين الب‪rr‬يروقراطي في المؤسس‪rr‬ات التعليمي‪rr‬ة‪ ،‬ثم الحص‪rr‬ول على تعليم‬
‫ع‪rr‬الي المس‪rr‬توى ب‪rr‬إدارة اكف‪rr‬أ األس‪rr‬اتذة وفي ك‪rr‬ل االختصاص‪rr‬ات العلمي‪rr‬ة‬
‫والمعرفية‪ .‬التعليم التقليدي قد ينقرض في المس‪r‬تقبل‪ ،‬ف‪rr‬اذا ح‪r‬دث ذل‪r‬ك ف‪rr‬ان‬
‫شكل وتركيب ووظائف المجتم‪rr‬ع كله‪rr‬ا س‪rr‬تتبدل‪ ،‬وال أح‪rr‬د يس‪rr‬تطيع التكهن‬
‫بنوع او شكل او هيئة مجتمع المستقبل‪ .‬فهل سيتحول الن‪rr‬اس الى م‪rr‬ا يش‪rr‬به‬
‫اآلالت التي تتحرك بأجهزة التحكم عن بعد؟‬

‫‪319‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬

‫التحضر والحضرية‬
‫‪Urbanization & Urbanism‬‬

‫‪320‬‬
‫يبدأ التحضر مع انتقال االنسان من الكهف والغابة‬
‫الى القرميد والخزف‬

‫صورة العالم في الرب‪rr‬ع األول من القرن الح‪rr‬ادي والعش‪rr‬رين تب‪rr‬دو قاتم‪rr‬ة‪،‬‬


‫بسبب التكدس الحضري‪ ،‬فألول مرة في التاريخ أك‪rr‬ثر من ثالث‪rr‬ة ملي‪rr‬ارات‬
‫انسان (نصف سكان العالم تقريبا) يعيش‪rr‬ون في الم‪rr‬دن‪ ،‬اغلبهم في تكتالت‬
‫حضرية عمالقة‪ ،‬ينطوي كل منها على عدة ماليين من البشر‪ .‬في كل سنة‬
‫‪ 30-20‬مليون انسان في كل انحاء الع‪rr‬الم ي‪rr‬تركون ق‪rr‬راهم ويتجه‪rr‬ون نح‪rr‬و‬
‫المدن‪ .‬هذه الحرك‪rr‬ة الس‪rr‬كانية ادت الى تك‪rr‬دس س‪rr‬كان الع‪rr‬الم بطريقة غ‪rr‬ير‬
‫مسبوقة‪ .‬اغلب هؤالء يعيشون في مدن مليوني‪rr‬ة عمالق‪rr‬ة‪ .‬الغالبي‪rr‬ة العظمى‬
‫لهذه المدن في البلدان األقل تطورا (البلدان النامية)‪ .‬المالحظ ان‪r‬ه ال توج‪r‬د‬
‫عالق‪r‬ة ذات دالل‪r‬ة إحص‪r‬ائية بين الحجم والقوة‪ ،‬ذل‪r‬ك ان س‪r‬او ب‪r‬اولو أك‪r‬بر‬
‫حجم‪r‬ا من نيوي‪r‬ورك ولكنه‪r‬ا ال تمل‪r‬ك ق‪r‬وة الت‪r‬أثير ال‪r‬تي تملكه‪r‬ا نيوي‪r‬ورك‪،‬‬
‫وبومبي أكبر حجما من لوس انجلس ولكنها ال تس‪rr‬اويها في القوة‪ ،‬كم‪rr‬ا ان‬
‫لندن وواشنطن أصغر حجما من طوكيو او مكسيكو ستي ولكنهم‪rr‬ا األك‪rr‬ثر‬
‫قوة سياسيا وماليا‪.‬‬
‫من الواضح ان النمو في حجم السكان ال يصلح اس‪rr‬تخدامه كمعي‪rr‬ار وحي‪rr‬د‪،‬‬
‫ذل‪rr‬ك ان التع‪rr‬اريف المتف‪rr‬ق عليه‪rr‬ا للمدين‪rr‬ة تأخ‪rr‬ذ في االعتب‪rr‬ار الحجم زائ‪rr‬دا‬
‫الكثافة السكانية‪ ،‬ولكن العوامل التي يأخذها علم‪r‬اء االجتم‪r‬اع في الحس‪r‬بان‬
‫اكثر من غيره‪r‬ا‪ ،‬هي الثقاف‪r‬ات والعقلي‪r‬ات ‪Cultures & Mentalities‬‬
‫ومع ذلك فان مش‪rr‬كلة النم‪rr‬و الس‪rr‬كاني ال يمكن اهماله‪rr‬ا‪ ،‬بعض الم‪rr‬دن تب‪rr‬دو‬
‫فعال مكتظة بالسكان ومحصورة في بقعة جغرافية صغيرة‪ ،‬والفقراء الذين‬
‫‪321‬‬
‫يتكدسون في مراكز المدن ويشكلون احي‪rr‬اء خاص‪rr‬ة ‪ Ghettos‬يتعرض‪rr‬ون‬
‫لمخاطر كبيرة تهدد حياتهم‪ ،‬وممتلكاتهم وراحتهم النفسية‪ ،‬من جهة أخرى‬
‫نمو المدن له جوانب إيجابية‪ ،‬وحتى في العالم القديم كانت المدن تع‪rr‬د قم‪rr‬ة‬
‫المدنية او الحضارة واهم مراكز التجارة‪ ،‬وفي الع‪rr‬الم الص‪rr‬ناعي الح‪rr‬ديث‪،‬‬
‫ت‪rr‬وفر الم‪rr‬دن الس‪rr‬كن المالئم ألع‪rr‬داد هائل‪rr‬ة من العم‪rr‬ال ال‪rr‬ذين تحت‪rr‬اجهم‬
‫المص‪rr‬انع‪ ،‬الى ج‪rr‬انب المحالت التجاري‪rr‬ة والخ‪rr‬دمات األخ‪rr‬رى ال‪rr‬تي ت‪rr‬ديم‬
‫بقاؤها‪ .‬واليوم ف‪rr‬ان م‪rr‬دن م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة مث‪rr‬ل نيوي‪rr‬ورك ولن‪rr‬دن وب‪rr‬اريس‬
‫وروما‪ ،‬توفر خدمات مالية وإعالمية واتصاالت وسياحة وترفي‪rr‬ه وتج‪rr‬ارة‬
‫تجزئة مزدهرة‪ ،‬تعد أكثر أهمي‪rr‬ة من الم‪rr‬دن ال‪rr‬تي نش‪rr‬أت بت‪rr‬أثير التص‪rr‬نيع‪،‬‬
‫فمدن ما بعد الحداثة تعلن عن نفسها كمدن استهالكية مبهرة وتعمل بش‪rr‬كل‬
‫دائم على تغيير عرض الفرص في التفكير والرؤي‪rr‬ة وتقديم الجدي‪rr‬د‪ .‬ل‪rr‬وس‬
‫انجلس مثال توصف بانها المدينة المثالية لم‪r‬دن م‪r‬ا بع‪r‬د الحداث‪r‬ة العمالق‪rr‬ة‪،‬‬
‫ولكنها ليست المدينة العالمي‪r‬ة الوحي‪r‬دة ال‪r‬تي تقدم نفس‪r‬ها على انه‪r‬ا مص‪rr‬نع‬
‫االحالم ‪ ،Dream Factory‬ومالمح الجاذبية التي تتمتع بها مدن ما بع‪rr‬د‬
‫الحداثة تظهر في قدرتها على تقديم خيارات أكثر ألس‪rr‬لوب حي‪rr‬اة االف‪rr‬راد‪،‬‬
‫وهذه في الواقع ليست قضية تهم الفرد وح‪r‬ده‪ ،‬انه‪r‬ا خي‪r‬ارات تخض‪r‬ع بقوة‬
‫التجاه الثقافة العام لسكان المدينة‪ ،‬وفي نفس الوقت تخلق مشكالت جديدة‪.‬‬
‫)‪Alexander & Thompson (2008‬‬

‫‪Urban‬‬ ‫التحض=====ر والحض=====رية والنم=====و الحض=====ري ‪Growth,‬‬


‫‪Urbanization & Urbanism‬‬

‫‪322‬‬
‫ق‪rr‬د ال يب‪rr‬دو االختالف كب‪rr‬يرا بين التحض‪rr‬ر والحض‪rr‬رية والنم‪rr‬و الحض‪rr‬ري‬
‫ولكن التمييز بينها ضرورٌي من اج‪rr‬ل إدراك المع‪rr‬نى الم‪rr‬راد من ك‪rr‬ل منهم‬
‫في الس‪rr‬ياق‪ .‬ف‪rr‬النمو الحض‪rr‬ري ‪urban growth‬يع‪rr‬ني ال‪rr‬رقم المطل‪rr‬ق‬
‫للسكان الذين يسكنون المناطق الحضرية وي‪rr‬دخل ض‪rr‬من ذل‪rr‬ك التح‪rr‬ول من‬
‫الريف الى المدينة‪ ،‬وازدياد حجم سكان المدينة الى جانب الزيادة الطبيعية‬
‫التي تحدث بفع‪r‬ل الت‪r‬وازن بين ع‪r‬دد ال‪r‬والدات وع‪r‬دد الوفي‪r‬ات‪ .‬والتحض‪rr‬ر‬
‫‪ urbanization‬يع‪rr‬ني نس‪rr‬بة س‪rr‬اكني الم‪rr‬دن الى ع‪rr‬دد الس‪rr‬كان‪ .‬وعلى اي‪rr‬ة‬
‫حال‪ ،‬فان التحضر والنمو الحضري يس‪rr‬تخدمان بش‪rr‬كل م‪rr‬ترادف وكالهم‪rr‬ا‬
‫متعلق بالج‪rr‬انب االيكول‪rr‬وجي‪ ،‬بمع‪rr‬ني ادق كالهم‪rr‬ا يرتب‪rr‬ط بالس‪rr‬كنى داخ‪rr‬ل‬
‫المدين‪rr‬ة‪ ،‬أي بالمك‪rr‬ان‪ .‬وفي ع‪rr‬الم الي‪rr‬وم أص‪rr‬بحت الحل‪rr‬ول الرقمي‪rr‬ة والبن‪rr‬اء‬
‫التح‪rrrr‬تي ال‪rrrr‬ذكي من س‪rrrr‬مات الحي‪rrrr‬اة الحض‪rrrr‬رية‪ .‬ام‪rrrr‬ا الحض‪rrrr‬رية‬
‫‪urbanism‬فإنه‪rr‬ا تع‪rr‬ني طريقة حي‪rr‬اة‪ ،‬أي انه‪rr‬ا تتح‪rr‬ول من مج‪rr‬رد مك‪rr‬ان‬
‫للس‪rr‬كنى الى مك‪rr‬ان للهوي‪rr‬ة‪ ،‬فينتس‪rr‬ب له‪rr‬ا االف‪rr‬راد كم‪rr‬ا ك‪rr‬انوا ينتس‪rr‬بون‬
‫لعشائرهم‪ ،‬فيقال "سمير بغدادي‪ ،‬وسامي الموصلي‪ ،‬واحسان كرك‪rr‬وكلي"‬
‫وهكذا تكون المدينة هوي‪rr‬ة لقاطنيه‪rr‬ا‪ .‬ل‪rr‬ويس وي‪rr‬رث (‪ )1938‬كتب يقول‬
‫من الالزم التوقف عن اعتبار الحضرية مجرد هوي‪rr‬ة‪ ،‬وال ب‪rr‬د من ال‪rr‬ذهاب‬
‫ابعد من خط الحدود االعتباطي للحضرية وان يؤخذ في االعتب‪rr‬ار التط‪rr‬ور‬
‫التكنولوجي في النقل واالتصاالت‪ ،‬الى جانب العالقات بين سكان المدين‪rr‬ة‬
‫االصليون والمهاجرون ال‪rr‬تي أص‪rr‬بحت م‪rr‬يزة خاص‪rr‬ة له‪rr‬ا كم‪rr‬ا س‪rr‬نرى في‬
‫السياق‪.‬‬
‫الفرد والمجتمع ‪Individual & Society‬‬

‫‪323‬‬
‫وفقا لسجالت مكتب اإلحصاء الفدرالي األمريكي للعام ‪ ،2000‬ف‪rr‬ان نس‪rr‬بة‬
‫النس‪rr‬اء في عم‪rr‬ر من ‪ 20‬الى ‪ 24‬س‪rr‬نة الل‪rr‬واتي لم ي‪rr‬تزوجن تض‪rr‬اعفت من‬
‫‪ %36‬الى ‪ %73‬في العقود الثالث‪rr‬ة األخ‪rr‬يرة‪ ،‬ولألعم‪rr‬ار من ‪ 30‬الى ‪34‬‬
‫تضاعفت ثالث م‪rr‬رات من ‪ %6‬الى ‪ %22‬بعض ه‪rr‬ذه النس‪rr‬وة وليس كلهم‬
‫أمهات وحيدات ‪ Single Parents‬وه‪rr‬ؤالء يش‪rr‬كلن مجموع‪rr‬ة ذات نس‪rr‬بة‬
‫نمو عالية جدا‪ .‬الحقبة نفسها شهدت ارتفاعا كبيرا في نسبة س‪rr‬كان الم‪rr‬نزل‬
‫‪ ،Households‬وهي ان يعيش األش‪rr‬خاص في م‪rr‬نزل ال يرتبط‪rr‬ون في‪rr‬ه‬
‫برابط‪rr‬ة عائلي‪rr‬ة (ال رابط‪rr‬ة دم وال مص‪rr‬اهرة)‪Hobbs & Stoops .‬‬
‫)‪ .(2002‬الواقع ان السبب الرئيس لهذا التغير ال‪rr‬ديموغرافي في ال‪rr‬تركيب‬
‫العائلي يعزى بالدرج‪r‬ة األولى الرتف‪r‬اع مس‪r‬توى التعليم والطم‪r‬وح المه‪r‬ني‬
‫للمرأة الشابة في المجتمعات الغنية‪ ،‬فالمرأة اليوم قادرة أك‪rr‬ثر من أي وقت‬
‫مض‪rr‬ى على اعال‪rr‬ة نفس‪rr‬ها‪ ،‬وع‪rr‬دد كب‪rr‬ير من النس‪rr‬اء الش‪rr‬ابات يبتع‪rr‬دن عن‬
‫الزواج واالنجاب المبكر‪ ،‬او يعملن على تأجيله‪rr‬ا لف‪rr‬ترات الحقة في دورة‬
‫الحياة‪ .‬وبما ان دورة الحياة قد تمت‪r‬د لعم‪r‬ر الثم‪r‬انين ف‪r‬ان الم‪r‬رأة يمكنه‪r‬ا ان‬
‫ت‪rr‬تزوج في عم‪rr‬ر مبك‪rr‬ر وتس‪rr‬تمر لف‪rr‬ترات طويل‪rr‬ة لكن الغالبي‪rr‬ة يعملن على‬
‫تأجيل الزواج لالستمتاع بحقب‪rr‬ة الش‪rr‬باب من دون التزام‪rr‬ات عائلي‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬ذا‬
‫الخيار ال يوفر ظروفا مثالية لتكوين اسرة‪.‬‬
‫المالمح المميزة لم‪r‬دن م‪r‬ا بع‪r‬د الحداث‪r‬ة تعكس التك‪r‬دس الجغ‪r‬رافي لألف‪rr‬راد‬
‫المتماثلين نوعيا في من‪r‬اطق معين‪r‬ة داخ‪r‬ل المدين‪r‬ة‪ ،‬مث‪r‬ل تجمع‪r‬ات الش‪r‬باب‬
‫العزاب في مراكز الم‪rr‬دن‪ .‬مث‪rr‬ل ه‪rr‬ذه التجمع‪rr‬ات ك‪rr‬انت في الم‪rr‬دن المبك‪rr‬رة‬
‫تشمل األشخاص المتماثلين مهنيا او طبقيا او عرقي‪rr‬ا‪ ،‬وه‪rr‬ذه النزع‪rr‬ة يمكن‬

‫‪324‬‬
‫مالحظتها في مدن اليوم أيض‪rr‬ا‪ ،‬الس‪rr‬يما بالنس‪rr‬بة للجماع‪rr‬ات العرقي‪rr‬ة ال‪rr‬تي‬
‫تضخمت بالمهاجرين الجدد‪ .‬مدينة ما بعد الحداثة السيما المدينة المليوني‪rr‬ة‬
‫العمالقة غنية بالتباينات‪ ،‬فالض‪rr‬واحي ربم‪rr‬ا ال ت‪rr‬زال متم‪rr‬يزة بقاطنيه‪rr‬ا من‬
‫ذوي ال‪rr‬دخول العالي‪rr‬ة‪ ،‬ولكن المن‪rr‬اطق الحض‪rr‬رية مختلف‪rr‬ة بدرج‪rr‬ة عالي‪rr‬ة‪.‬‬
‫)‪Watters (2001‬‬
‫القبلية الجديدة ‪Neotribalism‬‬
‫القبلية (العشائرية) الجديدة ‪ Neotribalism‬تعد اهم سمات م‪r‬دن م‪r‬ا بع‪r‬د‬
‫الحداثة حيث يتجمع السكان في مجموع‪r‬ات ثقافي‪r‬ة متم‪r‬ايزة‪ ،‬يقوم بعض‪r‬ها‬
‫على العرق او اللغة او ال‪rr‬دين‪ ،‬الس‪rr‬يما المن‪rr‬اطق الحض‪rr‬رية ال‪rr‬تي يقص‪rr‬دها‬
‫المه‪rr‬اجرون الج‪rr‬دد‪ ،‬والفئ‪rr‬ات ذات المس‪rr‬توى االقتص‪rr‬ادي المنخفض ال‪rr‬تي‬
‫تشكل احياء الغيتو ‪( Ghetto‬احياء اليهود) ذات األعراق المتشابهة‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فهناك فئات ثقافية أخرى تتشكل بشكل متزايد‪ .‬والشباب العزاب الذين‬
‫ال يحضون بدعم عائلي مع أولئك الذين لديهم دعم من جماعات مماثلة لهم‬
‫في االتجاهات يرتبطون تقريب‪r‬ا بعالق‪rr‬ات قبلي‪r‬ة في طبيعته‪r‬ا‪ ،‬وه‪r‬ؤالء وان‬
‫كانوا مختلفين في خلفي‪rr‬اتهم االجتماعي‪rr‬ة والعرقي‪rr‬ة والثقافي‪rr‬ة ف‪rr‬انهم بالتقادم‬
‫يتماسكون‪ ،‬عن طريق التشارك في الطعام والسفر والعمل وتب‪rr‬ادل اله‪rr‬دايا‬
‫والخدمات ومساعدة بعض‪rr‬هم في نقل األث‪rr‬اث وتجدي‪rr‬د الس‪rr‬كن مم‪rr‬ا يجعلهم‬
‫متقاربين أكثر وكأنهم من قبيل‪rr‬ة واح‪rr‬دة‪ .‬وتعب‪rr‬ير القبيل‪rr‬ة هن‪rr‬ا يطل‪rr‬ق مج‪rr‬ازا‬
‫للتعب‪rr‬ير عن االنتم‪rr‬اء الثقافي للجماع‪rr‬ة وأس‪rr‬لوب حياته‪rr‬ا بغض النظ‪rr‬ر عن‬
‫الخلفيات االجتماعية والعرقية لألفراد‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫القبلي‪rr‬ة الجدي‪rr‬دة بمنظ‪rr‬ور علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع هي الخص‪rr‬ائص ال‪rr‬تي تش‪rr‬كل‬
‫العالق‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة في مرحل‪rr‬ة م‪rr‬ا بع‪rr‬د الحداث‪rr‬ة‪ ،‬ومن امثلته‪rr‬ا األخ‪rr‬رى‬
‫تجمعات جماعات الجنسية المثلي‪rr‬ة‪ ،‬حيث انهم يج‪rr‬دون في م‪rr‬دن مث‪rr‬ل س‪rr‬ان‬
‫فرانسيسكو‪ ،‬نيويورك ولن‪rr‬دن ه‪rr‬ويتهم الثقافي‪rr‬ة ال‪rr‬تي يمكنهم اإلعالن عنه‪rr‬ا‬
‫بدون تحفظات‪ ،‬وتأكيدهم على اختي‪rr‬ار طريقة الحي‪rr‬اة المناس‪rr‬بة لهم‪ ،‬ولكن‬
‫التعايش بين مختل‪rr‬ف الجماع‪rr‬ات الثقافي‪rr‬ة ال يخل‪rr‬و من بعض الت‪rr‬وترات في‬
‫مدن م‪r‬ا بع‪r‬د الحداث‪r‬ة‪ ،‬ذل‪r‬ك ان ال‪r‬رأي الع‪r‬ام مثال ينظ‪r‬ر للمثل‪r‬يين على انهم‬
‫السبب في انتش‪rr‬ار وب‪rr‬اء االي‪rr‬دز ‪ AIDS‬وذل‪rr‬ك من ش‪rr‬انه ان يقدح ش‪rr‬رارة‬
‫العدائي‪rr‬ة ض‪rr‬دهم‪ ،‬كم‪rr‬ا ان الهجم‪rr‬ات اإلرهابي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تنس‪rr‬ب للمس‪rr‬لمين هي‬
‫األخرى جعلت كل مسلم موضع شبهة‪.‬‬
‫عبر التاريخ كانت المدينة وجهة االف‪r‬راد الب‪r‬احثين عن حي‪r‬اة أفض‪rr‬ل‪ ،‬وهي‬
‫موضع احالمهم وكوابيسهم في ان واحد‪ ،‬فيها ام‪r‬ل وخ‪r‬وف‪ ،‬مك‪r‬ان مث‪r‬الي‬
‫ومصدر للبؤس‪ .‬الم‪rr‬دن القديم‪rr‬ة نش‪rr‬أت كمراك‪rr‬ز ديني‪rr‬ة‪ ،‬حيث ك‪rr‬ان الكهن‪rr‬ة‬
‫وذوي السلطة يهيمنون على الفالحين في القرى المحيط‪rr‬ة ويأخ‪rr‬ذون منهم‬
‫الف‪rr‬ائض ال‪rr‬زراعي ب‪rr‬الترهيب او ال‪rr‬ترغيب‪ ،‬وعن‪rr‬دما ب‪rr‬دأوا ببن‪rr‬اء المراق‪rr‬د‬
‫المقدس‪rr‬ة البس‪rr‬يطة وج‪rr‬دوا فيه‪rr‬ا س‪rr‬لطة غ‪r‬ير مح‪rr‬دودة س‪rr‬رعان مم‪rr‬ا دفعتهم‬
‫للتوس‪rr‬ع في بن‪rr‬اء مراك‪rr‬ز عب‪rr‬ادة أك‪rr‬ثر تعقي‪rr‬دا من الن‪rr‬واحي المورفولوجي‪rr‬ة‬
‫والوظيفية‪ ،‬فبنوا المعابد واالهرامات والقص‪rr‬ور والمح‪rr‬اكم‪ .‬ه‪rr‬ذه األص‪rr‬ول‬
‫المقدسة مازالت شاخص‪rr‬ة في مدين‪rr‬ة مث‪rr‬ل القدس‪ ،‬وهي مدين‪rr‬ة ك‪rr‬انت من‪rr‬ذ‬
‫القدم مكانا مقدسا لليهود والنصارى والمسلمين‪ .‬والواق‪rr‬ع ان القدس ليس‪rr‬ت‬
‫المدينة المقدسة الوحيدة هناك م‪r‬دن أخ‪r‬رى كث‪r‬يرة له‪r‬ا قدس‪r‬ية خاص‪rr‬ة عن‪r‬د‬

‫‪326‬‬
‫مؤيديها‪ ،‬كما ان مدن ما بعد الحداثة تنطوي في داخلها على شواهد رمزية‬
‫مقدس‪rr‬ة‪ ،‬وهي ح‪rr‬تى قب‪rr‬ل بناءه‪rr‬ا ك‪rr‬انت تب‪rr‬نى أوال في عقل المخططين‬
‫والمعماريين والمستثمرين الذين يقومون بتجسيد أفكارهم التي ال تخلو من‬
‫القداسة او الرمزية التي تعني كثيرا للسكان والزائرين‪ ،‬وكانوا يس‪r‬تطيعون‬
‫اش‪rr‬عال الخي‪rr‬ال الش‪rr‬عبي الع‪rr‬دائي عن‪rr‬دما يرم‪rr‬زون لالنقس‪rr‬ام‪ ،‬والالمس‪rr‬اواة‬
‫والمهددات العقائدية‪ ،‬وفي ذلك تصبح المدينة كابوسا للناس‪ ،‬فالمس‪rr‬اجد في‬
‫نيوزيلندا وبعض المدن الغربية كانت هدفا لهجمات إرهابي‪rr‬ة ألنه‪rr‬ا ك‪rr‬انت‬
‫تمثل رمزا من رموز "اإلرهاب اإلسالمي" على حد زعمهم‪ .‬االره‪rr‬ابيون‬
‫الذين هاجموا المراكز اإلسالمية ليس‪rr‬وا فقراء وال ينقص‪rr‬هم التعليم ولكنهم‬
‫يس‪rrr‬تجيبون لألعالم المض‪rrr‬لل ال‪rrr‬ذي خل‪rrr‬ق من اإلس‪rrr‬الم ع‪rrr‬دوا وهمي‪rrr‬ا‪.‬‬
‫)‪Friedland & Hecht (1996‬‬
‫نمو المدن ‪The Growth of Cities‬‬
‫أهمية المدين‪rr‬ة لعلم االجتم‪rr‬اع تكمن في حقيقة انه‪rr‬ا ت‪rr‬وفر مخت‪rr‬برا لدراس‪rr‬ة‬
‫الثقافات والعالقات االجتماعية المتنوعة‪ ،‬فمثال دراسات نمو المدن ق‪rr‬دمت‬
‫لن‪r‬ا ص‪r‬ورة نظيف‪r‬ة عن العوام‪r‬ل المادي‪r‬ة المفض‪rr‬لة لط‪r‬رز البن‪r‬اء والتوزي‪r‬ع‬
‫الس‪rr‬كاني للمك‪rr‬ان والتن‪rr‬وع الثقافي والمه‪rr‬ني‪ .‬والواق‪rr‬ع ان لعملي‪rr‬ة التحض‪rr‬ر‬
‫تاريخ طويل‪ ،‬وكل مرحلة لها صلة وثيقة بالعوامل االقتصادية والسياس‪rr‬ية‬
‫والجغرافية‪ ،‬العامل األول المهم هو زيادة اإلنت‪rr‬اج ال‪rr‬زراعي‪ ،‬ال‪rr‬ذي ح‪rr‬رر‬
‫س‪rr‬كان الحواض‪rr‬ر من البقاء في الحقول‪ ،‬وبحل‪rr‬ول القرن الراب‪rr‬ع ‪4000‬‬
‫‪ .B.C.E‬قبل الميالد كان الهالل الخصيب بين دجل‪rr‬ة والف‪rr‬رات ق‪rr‬ادرا على‬
‫انتاج فائض غذائي إلطعام اوائل الم‪rr‬دن الكب‪rr‬يرة‪ ،‬ومثله‪rr‬ا في ح‪rr‬وض نه‪rr‬ر‬

‫‪327‬‬
‫الهند ‪ Indus River‬الذي يعرف اليوم بباكستان‪ ،‬وكذلك في حوض النيل‬
‫بحل‪rr‬ول منتص‪rr‬ف القرن الث‪rr‬اني قب‪rr‬ل الميالد ‪ .B.C.E 1500-2500‬وفي‬
‫اوربا بدأت الحياة الحضرية في اليونان القديمة بحدود النص‪rr‬ف الث‪rr‬اني من‬
‫القرن األول قبل الميالد ‪ .B.C.E 1800‬وفي الحقبة ‪B.C.E 400-500‬‬
‫بدا العصر الذهبي لدويالت المدن‪ ،‬مثل أثينا‪ ،‬التي أص‪rr‬بحت على ق‪rr‬در من‬
‫الش‪rr‬هرة كمك‪rr‬ان إلنت‪rr‬اج الفلس‪rr‬فة والفن‪ .‬وفي مطل‪rr‬ع القرن األول الميالدي‬
‫نهضت روم‪rr‬ا كإمبراطوري‪rr‬ة لتك‪rr‬ون أعظم مك‪rr‬ان لنم‪rr‬و الحي‪rr‬اة الحض‪rr‬رية‪،‬‬
‫وهي حقبة امتدت ألربع‪rr‬ة ق‪rr‬رون الحقة‪ ،‬اعقبته‪rr‬ا حقب‪rr‬ة مظلم‪rr‬ة اس‪rr‬تمرت‬
‫‪ 600‬سنة‪ ،‬ولم تستعد المدن االوربية مكانته‪rr‬ا ح‪rr‬تى القرن الح‪rr‬ادي عش‪rr‬ر‬
‫الميالدي‪ ،‬حيث بدأت الحياة تدب فيها من جديد وتدخل في مي‪rr‬دان التج‪rr‬ارة‬
‫العالمية‪ ،‬فقامت مدن تجارية مهمة مثل لندن وباريس وفلورنس‪rr‬ا وفينيس‪rr‬يا‪.‬‬
‫والى جانب الطبقة التجاري‪rr‬ة ك‪rr‬انت الم‪rr‬دن المزده‪rr‬رة ح‪rr‬ديثا تنط‪rr‬وي على‬
‫عمالة واسعة في قطاعات مهنية حيوي‪rr‬ة مث‪rr‬ل ص‪rr‬ناعة الجل‪rr‬ود‪ ،‬والنج‪rr‬ارة‪،‬‬
‫والحدادة والمجوهرات‪ ،‬فيما عملت ه‪rr‬ذه الم‪rr‬دن على تهميش بعض الن‪rr‬اس‬
‫مثل اليهود الذين حصروا في احياء خاصة ‪.Ghettos‬‬
‫في النص‪rr‬ف الث‪r‬اني من القرن الث‪r‬امن عش‪r‬ر ُأولى الم‪r‬دن الص‪rr‬ناعية ب‪r‬دأت‬
‫بالنمو في بريطانيا ثم تبعته‪r‬ا اورب‪r‬ا وامريك‪r‬ا‪ .‬مدين‪r‬ة مانشس‪r‬تر البريطاني‪r‬ة‬
‫يمكن اعتبارها اول مدينة ص‪rr‬ناعية رئيس‪rr‬ية‪ ،‬حيث ازداد ع‪rr‬دد س‪rr‬كانها من‬
‫عشرة االف نسمة الى أكثر من مئة ألف في عام ‪ ،1840‬وفي ع‪rr‬ام ‪1844‬‬
‫كتب فردري‪rr‬ك انجل‪rr‬ز وص‪rr‬فا دقيقا لظ‪rr‬روف العم‪rr‬ل القاس‪rr‬ية ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت‬
‫تواجهها الطبقة العاملة في مانشستر‪ ،‬بقوله "ان المائتي بيت في مانشس‪rr‬تر‬

‫‪328‬‬
‫القديمة كان ق‪rr‬د هجره‪rr‬ا س‪rr‬كانها من‪rr‬ذ زمن‪ ،‬لتك‪rr‬ون مالذا ألس‪rr‬راب العم‪rr‬ال‬
‫الذين قدموا اليها من الريف اإلنكليزي والريف األيرلندي‪ .‬ولقد تم بناء كل‬
‫سنتيمتر بين هذه البيوت لتكون س‪rr‬قفا لألك‪rr‬داس الهائل‪rr‬ة من العم‪rr‬ال الفقراء‬
‫الذين كانوا يدفعون بدالت ايجار باهظة في مساكن ال تصلح لسكنى البشر‬
‫والذين استغلوا استغالال بشعا‪ ،‬فيما أصبح مالكي هذه المساكن اثرياء على‬
‫حساب صحة وجوع العمال" )‪ .Tucker (1978:584‬في أمريكا ك‪rr‬انت‬
‫ظ‪r‬روف النم‪r‬و الحض‪r‬ري مش‪r‬ابهة لم‪r‬ا ح‪r‬دث في اورب‪r‬ا في القرن التاس‪r‬ع‬
‫عشر‪ .‬اول مدينة مستعمرة كانت أمستردام الجدي‪r‬دة ال‪r‬تي أص‪r‬بحت تع‪r‬رف‬
‫فيما بعد نيويورك كانت قد أنشئت في عام ‪ 1630‬وكانت تختل‪rr‬ف قليال عن‬
‫قرى القرون الوسطى االوربية‪ .‬في النصف األول من القرن التاسع عش‪rr‬ر‬
‫اس‪ُr‬تحدث فيه‪r‬ا نظام‪r‬ا جدي‪r‬دا للنقل والص‪rr‬ناعة ق‪r‬اد الى التوس‪r‬ع الحض‪rr‬ري‬
‫وظهرت للوجود م‪rr‬دنا ص‪rr‬ناعية مث‪rr‬ل بفل‪rr‬و‪ ،‬كليفالن‪rr‬د ودي‪rr‬ترويت‪ .‬النص‪rr‬ف‬
‫الثاني من القرن التاسع عشر شهد نشوء الم‪r‬دن المليوني‪r‬ة الرئيس‪r‬ة كنتيج‪r‬ة‬
‫لموجات الهجرة الواسعة باتجاه المدن الصناعية مثل نيوي‪rr‬ورك وش‪rr‬يكاغو‬
‫اللتين تجاوز عدد سكانهما المليون نسمة في نهاية القرن‪ .‬وبالت‪rr‬دريج ن‪rr‬زح‬
‫األغنياء من مراكز المدن الى الضواحي‪ ،‬لهذا اتسعت المدن باتجاه الحزام‬
‫المحيط‪ .‬وبمنتصف القرن العش‪rr‬رين حرك‪rr‬ة الالمركزي‪rr‬ة الحض‪rr‬رية ك‪rr‬انت‬
‫تمضي قدما‪ .‬الطبقة الوسطى نزحت نحو الضواحي وص‪rr‬ارت الض‪rr‬واحي‬
‫تتمت‪rr‬ع بخ‪rr‬دماتها المس‪rr‬تقلة مث‪rr‬ل المحالت التجاري‪rr‬ة الك‪rr‬برى والمراك‪rr‬ز‬
‫الصحية‪ ،‬وشبكة المواصالت‪ ،‬لذلك انتفت حاجة سكان الضواحي لمراك‪rr‬ز‬
‫المدن‪ .‬اما مراكز المدن فقد أص‪rr‬بحت تعج بالمش‪rr‬كالت االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬مث‪rr‬ل‬

‫‪329‬‬
‫الفقر‪ ،‬واالزدح‪rr‬ام والتك‪rr‬دس البش‪rr‬ري‪ ،‬والم‪rr‬دارس الس‪rr‬يئة والج‪rr‬رائم‪ .‬في‬
‫الس‪rr‬بعينات من القرن الماض‪rr‬ي‪ ،‬ص‪rr‬ار اغلب األمريكي‪rr‬ون يعيش‪rr‬ون في‬
‫الض‪rr‬واحي والس‪rr‬يما األغني‪rr‬اء ت‪rr‬اركين مراك‪rr‬ز الم‪rr‬دن تع‪rr‬اني من نقص في‬
‫الم‪rr‬وارد‪ .‬وبس‪rr‬بب ذل‪rr‬ك ح‪rr‬اولت الحكوم‪rr‬ة الفدرالي‪rr‬ة تط‪rr‬وير الي‪rr‬ات تجدي‪rr‬د‬
‫المراكز الحضرية لوقف التدهور والتآك‪rr‬ل الحض‪rr‬ري‪ ،‬لكن النت‪rr‬ائج لم تكن‬
‫متوازنة‪ ،‬حيث ان المساعدة في بناء منازل قليلة الكلفة لم تكن الحل األمثل‬
‫من دون توفير فرص عمل مناسبة‪ .‬المدن في ش‪r‬مال ش‪r‬رق ووس‪r‬ط غ‪r‬رب‬
‫الواليات المتحدة والتي كانت تسمى "الحزام األبيض" ‪ Snowbelt‬فقدت‬
‫بريقها الصناعي التقليدي وبدأت تنحط وتحولت من حزام ابيض الى حزام‬
‫ص‪rr‬دئ‪ ،‬وتح‪r‬ولت القوى العامل‪r‬ة الى الجن‪r‬وب والغ‪r‬رب حيث ك‪r‬انت م‪r‬دن‬
‫"الحزام الشمسي" ‪ Sun-belt‬تجدد نفس‪rr‬ها‪ .‬التح‪rr‬ول من عص‪rr‬ر الص‪rr‬ناعة‬
‫الى عصر المعلومات غّير مالمح التطور االقتص‪rr‬ادي‪ ،‬ولكن الم‪rr‬دن ال‪rr‬تي‬
‫اكلها الصدأ لم تتغير كثيرا‪ ،‬وب‪r‬دال من ذل‪r‬ك ازده‪r‬رت م‪r‬دننا أخ‪r‬رى ك‪r‬انت‬
‫قادرة على التكيف مع عصر ما بعد الصناعة والعولمة‪Alexander & .‬‬
‫)‪Thompson (2008‬‬
‫علم االجتم==اع الحض==ري في الق==رن العش==رين ‪Urban Sociology in‬‬
‫‪the Twentieth Century‬‬
‫منذ الب‪rr‬دايات األولى ك‪rr‬ان علم االجتم‪rr‬اع الحض‪rr‬ري ش‪rr‬ديد االهتم‪rr‬ام بثقاف‪rr‬ة‬
‫المدينة ال‪rr‬تي انتجت نوع‪rr‬ا جدي‪rr‬دا من ال‪rr‬وعي ال‪rr‬ذي يختل‪rr‬ف كلي‪rr‬ا عن وعي‬
‫العقلية الريفية‪ ،‬ففي النصف الثاني من القرن التاس‪rr‬ع عش‪rr‬ر ومعظم القرن‬
‫العش‪rr‬رين‪ ،‬ك‪rr‬رس علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع أنفس‪rr‬هم لتحلي‪rr‬ل الحداث‪rr‬ة ونش‪rr‬وئها‪،‬‬

‫‪330‬‬
‫ومشكالتها‪ ،‬وقد وجدت األبحاث النظري‪rr‬ة والتطبيقي‪rr‬ة ان الحض‪rr‬رية ك‪rr‬انت‬
‫محورا مركزيا من محاور اهتمامات علم االجتماع‪ .‬التغيرات ال‪rr‬تي رافقت‬
‫التص‪rr‬نيع والتحض‪rr‬ر جلبت فوائ‪rr‬د كث‪rr‬يرة‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا جلبت مش‪rr‬كالت كث‪rr‬يرة‬
‫أيضا‪ ،‬ففي بداية القرن الماض‪r‬ي الح‪r‬ظ دوركه‪r‬ايم ان المدين‪r‬ة الحديث‪r‬ة هي‬
‫مكان للعالقات االجتماعية غير الشخصية وتتطلب التزامات محدودة‪ ،‬انها‬
‫بتعب‪r‬يره تش‪r‬به العالق‪r‬ات بين أعض‪r‬اء الجس‪r‬م المتخصص‪r‬ة‪ ،‬ه‪r‬ذه العالق‪r‬ات‬
‫(العضوية) تختلف كلي‪rr‬ا عن العالق‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة التقليدي‪rr‬ة (الميكانيكي‪rr‬ة)‬
‫التي تقوم على العالقات الشخصية وااللتزامات االجتماعية الواس‪rr‬عة ال‪rr‬تي‬
‫تحدث بطريقة آلية‪ ،‬كما الحظ دوركهايم ان الفرد في الم‪rr‬دن الكب‪rr‬يرة اك‪rr‬ثر‬
‫تح‪rr‬ررا من االلتزام‪rr‬ات الجمعي‪rr‬ة )‪ ، Durkheim (1893:297-9‬والن‬
‫االفراد في المدن الكبيرة اكثر تحررا‪ ،‬فانهم االق‪rr‬در على اح‪rr‬داث اب‪rr‬داعات‬
‫ثقافي‪rr‬ة ال تب‪rr‬دو ممكن‪rr‬ة في القرى والم‪rr‬دن الص‪rr‬غيرة‪ ،‬ولكنهم اق‪rr‬ل عرض‪rr‬ة‬
‫لضغوط المعايير االجتماعية للسلوك‪ ،‬وهذا يعّرضهم لما س‪rr‬ماه دوركه‪rr‬ايم‬
‫"الالمعيارية" ‪ ،Anomie‬التي تقود بدورها الى ظهور اعراض مرض‪rr‬ية‬
‫خطيرة ‪ ،‬مثل القلق واالكتئاب وزيادة معدالت االنتحار‪.‬‬
‫عالم االجتماع األلماني فردينان‪r‬د تون‪r‬يز )‪ Tonnies (1887‬عقد مقارن‪r‬ة‬
‫مشابهة للعالقات بين المجتمع المحلي ((‪ Gemeinschaft‬المتمثل بسكان‬
‫القرى والم‪rr‬دن الص‪rr‬غيرة‪ ،‬وبين العالق‪rr‬ات في المجتم‪rr‬ع التعاق‪rr‬دي الكب‪rr‬ير (‬
‫‪ )Gesellschaft‬المألوفة في المدن والحواضر الكبيرة‪ ،‬ه‪rr‬ذه االختالف‪rr‬ات‬
‫في العالق‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة تمث‪rr‬ل االختالف‪rr‬ات في الخص‪rr‬ائص الثقافي‪rr‬ة له‪rr‬ذه‬
‫العالق‪rrr‬ات‪ .‬فعالق‪rrr‬ات ال ‪ Gemeinschaft‬تب‪rrr‬دو طبيعي‪rrr‬ة وتقوم على‬

‫‪331‬‬
‫المعتقدات والعواط‪rrr‬ف وله‪rrr‬ا خص‪rrr‬ائص تس‪rrr‬اندية مش‪rrr‬تركة‪ ،‬ام‪rrr‬ا ال‬
‫‪ Gesellschaft‬فإنه‪rr‬ا تقوم على الحس‪rr‬ابات العقالني‪rr‬ة لتحقي‪rr‬ق االه‪rr‬داف‬
‫المطلوب تحقيقها‪ .‬في نفس الحقبة كان لمقالة العالم االلماني االخر ج‪rr‬ورج‬
‫زمل “المدين‪rr‬ة العمالق‪rr‬ة والحي‪rr‬اة العقلي‪rr‬ة” ‪Metropolis and Mental‬‬
‫‪ Life‬اثرا بالغا في تحليل ثقافة المدينة‪ .‬لقد ركز زمل )‪Simmel (1903‬‬
‫على الخصائص العصبية لوجود المدين‪rr‬ة‪ ،‬المدين‪rr‬ة ال‪rr‬تي تس‪rr‬ودها عالق‪rr‬ات‬
‫قل‪rr‬ق وت‪rr‬وتر عص‪rr‬بي تتس‪rr‬لل ب‪rr‬دون مقدمات الى طريقة الحي‪rr‬اة الحض‪rr‬رية‬
‫وتفسدها‪ ،‬كما تحدث زمل عن المسافة االجتماعية والالمب‪rr‬االة ال‪rr‬تي تس‪rr‬ود‬
‫الحياة الحضرية‪ ،‬حيث يتفاعل الناس داخل المدين‪rr‬ة على طريقة الغرب‪rr‬اء‪،‬‬
‫وك‪rr‬ان لمقاالت زم‪rr‬ل الالحقة اث‪rr‬را بالغ‪rr‬ا على مدرس‪rr‬ة ش‪rr‬يكاغو في علم‬
‫االجتم‪rr‬اع‪ ،‬ومن بين المت‪rr‬أثرين بالع‪rr‬الم األلم‪rr‬اني زم‪rr‬ل ‪ ،‬روب‪rr‬رت ب‪rr‬ارك‬
‫)‪ Robert Park (1864-1944‬ال‪rr‬ذي ك‪rr‬ان ق‪rr‬د تتلم‪rr‬ذ على ي‪rr‬د زم‪rr‬ل في‬
‫مطلع القرن العشرين في المانيا‪ ،‬وكتب في اك‪rr‬ثر من حقل من حقول علم‬
‫االجتماع الحضري‪ ،‬وكان مشروع بحث‪rr‬ه لل‪rr‬دكتوراه التجم‪rr‬ع والحش‪rr‬د ‪the‬‬
‫‪"”mass & the crowed‬وه‪rr‬و موض‪rr‬وع ذو قيم‪rr‬ة عالي‪rr‬ة عن‪rr‬د علم‪rr‬اء‬
‫االجتماع بوصفه يتناول موضوع العالقات غ‪rr‬ير الشخص‪rr‬ية والخص‪rr‬ائص‬
‫التجزيئية في المدينة الحديثة‪ .‬ولعل اهم خصائص مدرسة شيكاغو في علم‬
‫االجتم‪rr‬اع هي تعامله‪rr‬ا م‪rr‬ع المدين‪rr‬ة على انه‪rr‬ا ن‪rr‬وع من أن‪rr‬واع المخت‪rr‬برات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وكان بارك يقول لتالمي‪rr‬ذه ابحث‪rr‬وا عن مواض‪rr‬يع ابح‪rr‬اثكم في‬
‫زوايا الشوارع‪ ،‬في صاالت الرقص وفي المالهي والحان‪r‬ات وفي من‪r‬اطق‬
‫المتشردين‪ ،‬وهي اهم مالمح المدن الصناعية الكبيرة‪ ،‬وقد انتجت مدرس‪rr‬ة‬

‫‪332‬‬
‫شيكاغو التي كان بارك احد اقطابها اعماال مهمة مثل الهوبو (المش‪rr‬ردين)‬
‫‪ Hobo‬ل‪rr‬نيلز اندرس‪rr‬ون ‪ Nels Andersen‬والعص‪rr‬ابة ‪The Gang‬‬
‫لفردريك ثراش‪rr‬ر ‪ Frederic Thrasher‬ال‪rr‬تي تن‪rr‬اولت وظيف‪r‬ة عص‪rr‬ابات‬
‫شباب الشوارع بوصفها مجتمع‪rr‬ا محلي‪rr‬ا ألعض‪rr‬ائها‪ .‬وك‪rr‬ان من اهم اعم‪rr‬ال‬
‫مدرس‪rr‬ة ش‪rr‬يكاغو ال‪rr‬تي تح‪rr‬ولت الى نظري‪rr‬ة مس‪rr‬تقلة في علم االجتم‪rr‬اع‬
‫الحضري هي مقالة لويس ويرث ‪ Louis Wirth‬التي كانت تحت عنوان‬
‫الحضرية كطريقة حياة ‪ Urbanism as a Way of Life‬عام ‪1938‬‬
‫وقد اعطى ويرث اقصر تعري‪rr‬ف سوس‪rr‬يولوجي للمدين‪rr‬ة ‪ ،‬بوص‪rr‬فها تتم‪rr‬يز‬
‫بحجم لكب‪rr‬ير وكثاف‪rr‬ة س‪rr‬كانية عالي‪rr‬ة واف‪rr‬رادا غ‪rr‬ير متجانس‪rr‬ين اجتماعي‪rr‬ا‬
‫يس‪rr‬تقرون بش‪rr‬كل دائم‪( ،‬طبع‪rr‬ا االن تغ‪rr‬ير مفه‪rr‬وم المدين‪rr‬ة بس‪rr‬بب الح‪rr‬راك‬
‫االجتماعي السريع واالنتقال من مدينة الي أخرى كما يفع‪rr‬ل الب‪rr‬دو الرح‪rr‬ل‬
‫بحثا عن مصادر العيش) ومن هذا المنطلق ح‪rr‬دد وي‪rr‬رث المالمح الرئيس‪rr‬ة‬
‫لنظريته "الحضرية كطريقة حياة" على أساس العدد والكثافة والالتج‪rr‬انس‬
‫الذي يخلق بن‪rr‬اء اجتماعي‪rr‬ا تح‪rr‬ل في‪rr‬ه الجماع‪r‬ات الثانوي‪rr‬ة مح‪rr‬ل الجماع‪r‬ات‬
‫األولي‪rr‬ة‪ ،‬ال‪rr‬تي تتم‪rr‬يز بالعالق‪rr‬ات الالشخص‪rr‬ية‪ ،‬والتجزيئي‪rr‬ة‪ ،‬والعالق‪rr‬ات‬
‫السطحية‪ ،‬واالنتقالية وغالبا مفترسة (جش‪rr‬عة‪ ،‬س‪rr‬لبية وش‪rr‬رهة)‪ ،‬وبالنتيج‪rr‬ة‬
‫فان سكان المدينة يصبحون مجهولين‪ ،‬ومعزولين‪ ،‬وعلم‪rr‬انيين‪ ،‬ونس‪rr‬بيين‪،‬‬
‫وعقالنيين وعلى درجة من التعقي‪r‬د‪ .‬ومن اج‪r‬ل القي‪r‬ام بالعم‪r‬ل في المجتم‪r‬ع‬
‫الحضري يتعين على سكان المدينة االتحاد مع بعضهم لتشكيل شركات او‬
‫نقابات او جمعيات تطوعية كأشكال تنظيمية تمثلهم في الحكوم‪rr‬ة ووس‪rr‬ائل‬

‫‪333‬‬
‫االتصال غير الشخصية‪ ،‬وهذه المنظم‪r‬ات أص‪r‬بحت ب‪r‬ديال للعائل‪r‬ة الكب‪r‬يرة‬
‫والقبيلة ولكل اشكال التجمعات التي سبقت المجتمع الصناعي‪.‬‬
‫نظري‪rr‬ة وي‪rr‬رث واجهت انتقادات ح‪rr‬ادة بخص‪rr‬وص تعميمات‪rr‬ه ح‪rr‬ول نزع‪rr‬ة‬
‫المدين‪rr‬ة ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت براي‪rr‬ه ق‪rr‬د خلقت خص‪rr‬ائص ثقافي‪rr‬ة وعقلي‪rr‬ة خاص‪rr‬ة‬
‫لساكنيها‪ .‬أكبر المنتقدين كان ه‪rr‬يربرت ك‪rr‬انز )‪Herbert Gans (1962‬‬
‫في مقالة مش‪rr‬هورة تحت عن‪rr‬وان "الحض‪rr‬رية والض‪rr‬واحي كط‪rr‬رق للحي‪rr‬اة"‬
‫‪ Urbanism & Sub-urbanism as Ways of Life‬انتقد فيها بشدة‬
‫تأكيد ويرث على العوامل االيكولوجية في تعريفه للمدينة (الع‪rr‬دد والكثاف‪rr‬ة‬
‫والالتج‪rr‬انس) وال‪rr‬تي بمقتض‪rr‬اها جع‪rr‬ل ك‪rr‬ل س‪rr‬كان المدين‪rr‬ة يب‪rr‬دون وك‪rr‬أنهم‬
‫يشتركون في عقلية واحدة‪ .‬ويرث لم يتناول توزيع الس‪rr‬كان داخ‪rr‬ل المدين‪rr‬ة‬
‫وال هوي‪r‬اتهم الفرعي‪r‬ة‪ ،‬وك‪r‬ل م‪r‬ا فعل‪r‬ه ان‪r‬ه ق‪rr‬ارن بينه‪r‬ا وبين م‪r‬دن م‪r‬ا قب‪r‬ل‬
‫الصناعة‪ ،‬ووفقا لكانز فانه على الرغم من امتالك الجماعات االنتقالي‪rr‬ة في‬
‫مراكز المدن خصائص وصفها ويرث على انها الشكل النم‪rr‬وذجي لس‪rr‬كان‬
‫المدن اال ان العوامل التي تقود الى االختالف في أس‪rr‬لوب الحي‪rr‬اة والثقاف‪rr‬ة‬
‫يعود لالنتماء الطبقي والموقع االجتماعي في دورة الحياة‪ .‬هذه الخصائص‬
‫ربما كانت تتمثل في األغنياء والشباب الع‪rr‬زاب ال‪rr‬ذين اخت‪rr‬اروا العيش في‬
‫مراكز المدن‪ ،‬ولكن الجماعات األخ‪rr‬رى ل‪rr‬ديهم ثقاف‪rr‬ات فرعي‪rr‬ة تحميهم من‬
‫هذه النزعة‪ ،‬وهذه تظهر بوضوح لدى القرويين من األقليات‪.‬‬
‫لقد كرس كانز جل اهتمام‪rr‬ه على االنتش‪rr‬ار الس‪rr‬ريع للس‪rr‬كن في الض‪rr‬واحي‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ودراسته عن القرويين االيطاليين‪-‬األمريك‪rr‬يين‬
‫الذين يقطن‪r‬ون المراك‪r‬ز الحض‪r‬رية ولس‪r‬كان الض‪r‬واحي في قري‪r‬ة ليفت‪r‬اون‬

‫‪334‬‬
‫على اطراف نيوي‪rr‬ورك قادت‪rr‬ه الى االس‪rr‬تنتاج ب‪rr‬ان الن‪rr‬اس ال‪rr‬ذين انتقل‪rr‬وا من‬
‫مركز المدينة الى الضواحي لم يشهدوا تبدال او تح‪rr‬وال في قيمهم وأس‪rr‬لوب‬
‫حياتهم كما كان يزعم ويرث‪ ،‬ووجد كانز ان العالقات في الضواحي ظلت‬
‫قوية لحد ما السيما بين الجيران الذين كانوا يشكلون جماع‪rr‬ات ش‪rr‬به أولي‪rr‬ة‬
‫‪ ،quasi-primary groups‬وبينم‪rr‬ا كتب ك‪rr‬انز عن حقب‪rr‬ة تح‪rr‬ول س‪rr‬كان‬
‫المراكز الحضرية نحو الضواحي كان علماء االجتماع األوائل في مدرسة‬
‫شيكاغو وفي اوربا منشغلين بدراسة النزوح الواس‪rr‬ع لس‪rr‬كان األري‪rr‬اف الى‬
‫المدن الصناعية التي كانت تتوسع بشكل سريع‪Gans (1967) .‬‬
‫في كل حقبة من حقب التطور تتأثر تعميمات علماء االجتماع حول المدينة‬
‫وثقاف‪rr‬ة المدين‪rr‬ة وعقلي‪rr‬ة قاطنيه‪rr‬ا بحرك‪rr‬ة الس‪rr‬كان الس‪rr‬ائدة في ذل‪rr‬ك ال‪rr‬وقت‪.‬‬
‫علماء االجتماع األوائل ك‪rr‬انوا يؤك‪rr‬دون على زي‪rr‬ادة التحض‪rr‬ر الس‪rr‬يما فيم‪rr‬ا‬
‫يتعلق باالستقاللية والعالقات الالشخصية‪ ،‬وعلماء االجتماع في مرحلة ما‬
‫بعد الحرب اهتموا بتأثير حركة السكان من مراك‪rr‬ز الم‪rr‬دن الى الض‪rr‬واحي‬
‫متمثل‪rr‬ة باالمتث‪rr‬ال الثقافي‪ ،‬واالنقس‪rr‬ام الطبقي والجماع‪rr‬ات العرقي‪rr‬ة‪ ،‬وفي‬
‫الفترات الالحقة ك‪rr‬ان االهتم‪rr‬ام منص‪rr‬با على التح‪rr‬ول من مرك‪rr‬ز حض‪rr‬ري‬
‫واح‪rr‬د ش‪rr‬ديد الكثاف‪rr‬ة الى مراك‪rr‬ز حض‪rr‬رية متع‪rr‬ددة فيه‪rr‬ا كام‪rr‬ل المؤسس‪rr‬ات‬
‫الصناعية والخ‪rr‬دمات وال‪rr‬تي من ش‪rr‬انها التخفي‪rr‬ف من ال‪rr‬تركز الس‪rr‬كاني في‬
‫المركز الواحد‪.‬‬
‫الحضرية في مرحلة ما بعد الحداثة ‪Post-modernity Urbanism‬‬
‫تبدو المدن العمالقة اليوم مليئة بالتناقضات التي تنط‪rr‬وي عليه‪rr‬ا وبالتوس‪rr‬ع‬
‫الذي لم يسبق له مثي‪rr‬ل‪ ،‬ومن المحتم‪rr‬ل ان تس‪rr‬تمر المدين‪rr‬ة به‪rr‬ذا الش‪rr‬كل في‬

‫‪335‬‬
‫المستقبل المنظور‪ .‬مراكز المدن يقطنها الفقراء والفئ‪rr‬ات األك‪rr‬ثر انحطاط‪rr‬ا‬
‫في المجتمع‪ ،‬بم‪r‬ا في ذل‪r‬ك المه‪r‬اجرون الج‪r‬دد من المن‪r‬اطق المحيط‪r‬ة ومن‬
‫الخارج‪ ،‬ولكن مراكز المدن هي أيضا مكان‪rr‬ا للع‪rr‬زاب األغني‪rr‬اء ولألثري‪rr‬اء‬
‫ال‪rr‬ذين ف‪rr‬رغت اعشاش‪rr‬هم من الطي‪rr‬ور ‪ empty nesters‬وهي كناي‪rr‬ة عن‬
‫ال‪rr‬ذين َك ُب ر أوالدهم واس‪rr‬تقلوا بعي‪rr‬دا عنهم‪ .‬الش‪rr‬باب الع‪rr‬زاب بش‪rr‬كل خ‪rr‬اص‬
‫الذين يطلق عليهم "كتائب الصدمة لألبداع والثقافة" ‪Shock troops of‬‬
‫‪ creativity and Culture‬هم الذين يقودون عملية التجديد في المساكن‬
‫والعالقات‪ ،‬وهم م‪rr‬ادة التجدي‪rr‬د أيض‪rr‬ا‪ ،‬ألنهم يكتف‪r‬ون ب‪rr‬العيش على س‪rr‬طوح‬
‫المنازل في مراكز الم‪rr‬دن ويمارس‪rr‬ون حي‪rr‬اة اللي‪rr‬ل‪ .‬وليس غريب‪rr‬ا ان تك‪rr‬ون‬
‫المدينة بنية لإلنتاج الثقافي ال‪r‬ذي ي‪r‬وفر متع‪r‬ة االس‪r‬تهالك‪ .‬مخطط‪r‬و الم‪r‬دن‬
‫على درج‪rr‬ة من الش‪rr‬غف إلع‪rr‬ادة تط‪rr‬وير مراك‪rr‬ز الم‪rr‬دن كأم‪rr‬اكن للج‪rr‬ذب‬
‫والمتعة لتكون قادرة على المنافسة مع الم‪rr‬دن الرئيس‪rr‬ة األخ‪rr‬رى ليس فقط‬
‫لجذب السياحة وانما لجذب الشباب األثرياء معرفيا ومهني‪rr‬ا وك‪rr‬ذلك لج‪rr‬ذب‬
‫االستثمارات الخاصة‪ ،‬وباعة المفرد ومراكز اللهو‪ .‬احدى ميزات الش‪rr‬باب‬
‫األغنياء الذين يختارون العيش في مراكز المدن ه‪rr‬و ال‪rr‬وقت والم‪rr‬ال ال‪rr‬ذي‬
‫ينفق ببساطة من اجل اللهو‪ .‬مراكز المدن تستهوي بنفس الدرجة األقلي‪rr‬ات‬
‫الذين يجدون تنوعا في أساليب الحي‪r‬اة وق‪r‬درا من التس‪r‬امح‪ ،‬وفي ك‪r‬ل ح‪r‬ال‬
‫هن‪rr‬اك تع‪rr‬ايش غ‪rr‬ريب بين ص‪rr‬ورتين للحي‪rr‬اة الحض‪rr‬رية‪ ،‬ص‪rr‬ورة إيجابي‪rr‬ة‬
‫وأخرى س‪rr‬لبية‪ ،‬ه‪rr‬اتين الص‪rr‬ورتين تتمثالن في المدين‪rr‬ة المزدوج‪rr‬ة المليئ‪rr‬ة‬
‫باألغنياء والتعساء في آن واحد‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫من الخصائص المثيرة للجدل في طبيعة المدينة الحديثة هو وج‪rr‬ود ثقاف‪rr‬ات‬
‫عرقية متنوعة‪ .‬علماء االجتم‪rr‬اع ينظ‪rr‬رون للمدين‪rr‬ة على انه‪rr‬ا ملتقى ط‪rr‬رق‬
‫عالمية‪ ،‬عن طريق انتش‪rr‬ار ثقاف‪rr‬ات اثني‪rr‬ة متنوع‪rr‬ة‪ ،‬والمالح‪rr‬ظ ان الطبيع‪rr‬ة‬
‫التقليدية للمدينة التي تقوم بمهمة صهر الجماعات العرقية في الثقافة الكلية‬
‫لم تعد صالحة في مدن ما بعد الحداثة‪ ،‬ذلك ان الجماعات العرقية أصبحت‬
‫قادرة على مقاومة التمثيل واالندماج بإدامة الص‪r‬لة م‪r‬ع ثقاف‪r‬اتهم االص‪r‬لية‪،‬‬
‫وتلك ميزة تحسب لصالح وسائل االتصال الحديثة ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت غائب‪rr‬ة قب‪rr‬ل‬
‫عقد التس‪rr‬عينات من القرن الماض‪rr‬ي‪ ،‬وغيابه‪rr‬ا ك‪rr‬ان س‪rr‬ببا في ان‪rr‬دماج‬
‫الجماع‪rr‬ات العرقي‪rr‬ة م‪rr‬ع المجتم‪rr‬ع ال‪rr‬ذي تعيش في‪rr‬ه‪ .‬نزع‪rr‬ة المقاوم‪rr‬ة ه‪rr‬ذه‬
‫اف‪rr‬رغت العولم‪rr‬ة من محتواه‪rr‬ا بس‪rr‬بب تمس‪rr‬ك الجماع‪rr‬ات العرقي‪rr‬ة بثقافته‪rr‬ا‬
‫االصلية باندماج جزئي مع الثقافة الكلية للمجتم‪rr‬ع الجدي‪rr‬د ال‪rr‬ذي تعيش في‪rr‬ه‬
‫وتمّس ك ق‪rr‬وى بقيمه‪rr‬ا االص‪rr‬لية بع‪rr‬د ان ك‪rr‬انت طري‪rr‬ق واح‪rr‬د ‪one way‬‬
‫‪ .process‬الواقع ان تعدد األعراق في المدن المليونية في اورب‪rr‬ا وامريك‪rr‬ا‬
‫على وجه الخصوص ال تنطبق كثيرا او قليال على المدن العربي‪rr‬ة الكب‪rr‬يرة‬
‫ذل‪rr‬ك ان وجه‪rr‬ة الهج‪rr‬رة العالمي‪rr‬ة في الغ‪rr‬الب نح‪rr‬و الغ‪rr‬رب‪ ،‬ال‪rr‬ذي منح‬
‫المه‪rr‬اجرين فرص‪rr‬ة اإلقام‪rr‬ة وحري‪rr‬ة العقي‪rr‬دة وق‪rr‬درا من التس‪rr‬امح ش‪rr‬جعت‬
‫المهاجرين على تكوين ابنية ثقافية داخل الثقافة الغربية‪ ،‬فيم‪r‬ا تخل‪r‬و الم‪r‬دن‬
‫العربية من الهجرة العالمية‪ ،‬وبالتالي ف‪rr‬ان الم‪rr‬دن العربي‪rr‬ة تب‪rr‬دو ح‪rr‬تى االن‬
‫خالية من التعدد االثني‪ ،‬اما االثنيات القديم‪rr‬ة المتعايش‪rr‬ة م‪rr‬ع بعض‪rr‬ها فإنه‪rr‬ا‬
‫ماعدا تمسكها باللغة تملك نفس المقومات الثقافية عبر مئات السنين وح‪rr‬تى‬
‫مع وجود التوترات بين الثقافات الفرعية والثقافة الكلية فان ذل‪rr‬ك ال يح‪rr‬ول‬

‫‪337‬‬
‫دون االن‪rr‬دماج الكلي له‪rr‬ا‪ ،‬ف‪rr‬األكراد في الع‪rr‬راق يملك‪rr‬ون نفس المكون‪rr‬ات‬
‫الثقافية للعراقيين جميعا بسبب التع‪rr‬ايش طوي‪rr‬ل األم‪rr‬د‪ ،‬وك‪rr‬ذلك االقب‪rr‬اط في‬
‫مص‪rr‬ر وال‪rr‬دروز في لبن‪rr‬ان وال‪rr‬بربر في الجزائ‪rr‬ر‪ ،‬ام‪rr‬ا الت‪rr‬وترات فأس‪rr‬بابها‬
‫سياسية وليست ثقافية‪Alexander & Thompson (2008) . .‬‬
‫خالصة‪Conclusion :‬‬
‫اعطى علم االجتماع المعاص‪rr‬ر أهمي‪rr‬ة قص‪rr‬وى لرم‪rr‬وز وثقاف‪rr‬ة المدين‪rr‬ة في‬
‫مجتمع ما بعد الحداث‪rr‬ة‪ ،‬ولم يهم‪rr‬ل الحقيقة المتعلقة بحرك‪rr‬ة الس‪rr‬كان‪ ،‬تل‪rr‬ك‬
‫الحقيقة التي كانت تضع موضوع السكان في قلب اهتمامات علم االجتماع‬
‫والزالت ومن المحتم‪rr‬ل ان تبقى ك‪rr‬ذلك في المس‪rr‬تقبل‪ ،‬فمن دوركه‪rr‬ايم الى‬
‫لويس ويرث‪ ،‬ظلت الكثافة النسبية لسكان المدن العامل األك‪rr‬ثر حيوي‪rr‬ة في‬
‫المدن الحديثة الى جانب العدد والالتج‪rr‬انس‪ .‬وإذا ك‪rr‬انت المدين‪rr‬ة ق‪rr‬د نش‪rr‬أت‬
‫ألغ‪rr‬راض ديني‪rr‬ة وتجاري‪rr‬ة ف‪rr‬ان الرم‪rr‬وز الثقافي‪rr‬ة والعالق‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‬
‫ومستوى الخ‪rr‬دمات ال‪rr‬تي خلقته‪rr‬ا كفيل‪rr‬ة بالحف‪rr‬اظ عليه‪rr‬ا من التآك‪rr‬ل كمك‪rr‬ان‬
‫ألحالم وام‪rr‬اني البش‪rr‬ر المحيطين به‪rr‬ا‪ ،‬الس‪rr‬اعين لتحس‪rr‬ن ظ‪rr‬روف حي‪rr‬اتهم‬
‫المادية والخدمية‪ .‬مدن اليوم مازالت كما كانت منذ نشأتها جاذب‪r‬ة لهج‪r‬رات‬
‫واسعة من األرياف‪ .‬لقد أدت عملي‪rr‬ات ال‪rr‬نزوح المتواص‪rr‬لة الى خل‪rr‬ق م‪rr‬دن‬
‫مليوني‪rr‬ة عمالق‪rr‬ة تس‪rr‬توعب اكداس‪rr‬ا هائل‪rr‬ة من البش‪rr‬ر‪ .‬وعلى ال‪rr‬رغم من ان‬
‫المدينة كانت الى وقت قريب تعمل على صهر المهاجرين الجدد في ثقاف‪rr‬ة‬
‫المدينة‪ ،‬اال ان مدنا مليونية كبيرة مثل بغداد والقاهرة ومكس‪r‬يكو أص‪r‬بحت‬
‫متّر يفة بسبب طغيان المهاجرين الريفيين عليها‪ .‬وبسبب ذلك نقل الريفيون‬
‫قيمهم وع‪rr‬اداتهم الى قلب الم‪rr‬دن وقلب‪rr‬وا المعادل‪rr‬ة راس‪rr‬ا على عقب‪ ،‬حيث‬

‫‪338‬‬
‫أص‪rr‬بحت القيم والع‪rr‬ادات الريفي‪rr‬ة هي الس‪rr‬ائدة بع‪rr‬د ان هجره‪rr‬ا س‪rr‬كانها‬
‫الحض‪rr‬ريون االص‪rr‬ليون واتجه‪rr‬وا نح‪rr‬و الض‪rr‬واحي‪ .‬ح‪rr‬تى الم‪rr‬دن االوربي‪rr‬ة‬
‫واألمريكية المتعددة االجناس ال‪r‬تي له‪r‬ا ت‪r‬اريخ حض‪rr‬ري طوي‪r‬ل‪ ،‬أص‪rr‬بحت‬
‫مراكزها تعج بالمهاجرين فيما اتجه األغنياء صوب الض‪rr‬واحي‪ .‬وإذا ك‪rr‬ان‬
‫نصف سكان الع‪rr‬الم يعيش‪rr‬ون في مراك‪rr‬ز حض‪rr‬رية ف‪rr‬ان الم‪rr‬دن ال‪rr‬تي ب‪rr‬دأت‬
‫تتضخم بشكل غير مسبوق تع‪rr‬اني من ض‪rr‬عف ق‪rr‬درتها على توف‪rr‬ير الس‪rr‬كن‬
‫والعم‪rr‬ل والخ‪rr‬دمات لألع‪rr‬داد المتزاي‪rr‬دة للواف‪rr‬دين الج‪rr‬دد‪ .‬الم‪rr‬دن الحديث‪rr‬ة‬
‫المتعددة األعراق التي دخلت مرحلة العولمة خسرت وظيفتها التقليدي‪rr‬ة في‬
‫االندماج االجتماعي ألفرادها بس‪r‬بب التط‪r‬ور التكنول‪r‬وجي ال‪r‬ذي س‪r‬اهم في‬
‫خلق ثقافات متعددة غير قابلة لإلذابة في ثقافة المدين‪rr‬ة‪ ،‬فاألقلي‪rr‬ات العرقي‪rr‬ة‬
‫والديني‪rr‬ة واللغوي‪rr‬ة ص‪rr‬ار بمقدورها ادام‪rr‬ة الص‪rr‬لة م‪rr‬ع ثقافاته‪rr‬ا االص‪rr‬لية‪،‬‬
‫وبالتالي أصبحت قادرة على التجمع في احي‪rr‬اء وم‪rr‬دن خاص‪rr‬ة به‪rr‬ا لتش‪rr‬كل‬
‫تعددية ثقافية غير مسبوقة في ثقافة المدينة من ش‪rr‬انها ان تقاوم االذاب‪rr‬ة في‬
‫الثقافة الكلي‪r‬ة‪ .‬والخالص‪rr‬ة ان م‪r‬دن المس‪r‬تقبل س‪r‬تبقى خ‪r‬ارج لعب‪r‬ة العولم‪r‬ة‬
‫تحتمي بأسوارها الثقافية التقليدية‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬
‫التغير االجتماعي‪ ،‬السلوك الجمعي والحركات االجتماعية‬

‫‪340‬‬
‫& ‪Social Change, collective behaviour‬‬
‫‪Social Movement‬‬

‫ان هللا ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‬


‫الرعد ‪11‬‬

‫التغير االجتماعي يحدث دائما‪ ،‬في كل مكان وزمان بتدخل االنسان أحيان‪rr‬ا‬
‫وبدون‪rr‬ه أحيان‪rr‬ا أخ‪rr‬رى‪ .‬ك‪rr‬ل ش‪rr‬يء يتغ‪rr‬ير من أك‪rr‬بر المج‪rr‬رات الى أص‪rr‬غر‬
‫الفايروسات‪ ،‬ب‪rr‬دون تغ‪rr‬ير يس‪rr‬تحيل الوج‪rr‬ود‪ ،‬والع‪rr‬الم يتح‪rr‬ول الى ن‪rr‬وع من‬
‫العدمي‪rr‬ة‪ ،‬ش‪rr‬كل من اش‪rr‬كال ال‪rr‬وهم‪ .‬وس‪rr‬واء ك‪rr‬ان التغ‪rr‬ير ملموس‪rr‬ا او خفي‪rr‬ا‪،‬‬
‫سريعا او بطيئا‪ ،‬كارثيا او هادئا‪ ،‬فانه يوثر على االنس‪rr‬ان‪ ،‬ويع‪rr‬دل س‪rr‬لوكه‬
‫ونظم‪rrr‬ه وعالقات‪rrr‬ه‪ .‬يقول رال‪rrr‬ف دارن‪rrr‬دروف ‪Ralph Dahrendorf‬‬
‫‪341‬‬
‫)‪" (1959:162‬كل عناصر المجتمع معرضة لالنقسام والتغير ‪ ...‬في كل‬
‫لحظة يتعرض المجتمع للتناشز والصراع‪ .‬والص‪rr‬راع االجتم‪rr‬اعي يح‪rr‬دث‬
‫في كل مكان وزمان" دارندروف مثل كارل ماركس ينظر للتغير منظ‪rr‬ور‬
‫الصراع‪ ،‬فيما ينظر مفكرون اخرون للتغير منظ‪r‬ور الوظيفي‪r‬ة البنائي‪r‬ة‪ ،‬او‬
‫الرمزية او الظاهراتية‪ ،‬ومهما ك‪r‬ان االتج‪r‬اه النظ‪r‬ري ال‪r‬ذي يفس‪r‬ر التغ‪r‬ير‪،‬‬
‫فان الحي‪r‬اة ال تب‪r‬دو ممكن‪r‬ة من دون تغ‪r‬ير‪ .‬والتغ‪r‬ير الط‪r‬بيعي ال‪r‬ذي يح‪r‬دث‬
‫خالل تفاعالتنا اليومية‪ ،‬يتبع الخط التط‪rr‬وري ال‪rr‬ذي ال يمكن تجنب‪rr‬ه وال‪rr‬ذي‬
‫نت‪rr‬أقلم مع‪rr‬ه تلقائي‪rr‬ا‪ ،‬المش‪rr‬كلة تكمن في التغ‪rr‬ير المف‪rr‬اجئ ال‪rr‬ذي يقود الي‬
‫الفوضى‪ ،‬التغير الذي يعبث بالبناء االجتماعي المستقر والمتماسك ويحوله‬
‫الى بناء ممسوخ بال معايير‪ ،‬هذا الن‪r‬وع من التغ‪r‬ير يس‪r‬تثير الخ‪r‬وف وع‪r‬دم‬
‫الثقة ويقود الى الخراب‪ .‬ومن امثلة هذا النوع من التغير ما ح‪rr‬دث للع‪rr‬راق‬
‫بعد الغزو االمريكي في ‪ ،2003‬والذي أدى الى الفوضى وحّف ز الغوغ‪rr‬اء‬
‫للخروج الى الشارع والعبث بممتلكات الن‪rr‬اس ومؤسس‪rr‬ات الدول‪rr‬ة‪ ،‬فنهب‪rr‬وا‬
‫واحرق‪rr‬وا وقتل‪rr‬وا ولم يس‪rr‬لم منهم البش‪rr‬ر وال الحج‪rr‬ر وال ال‪rr‬دواب فض‪rr‬اعت‬
‫المعايير والض‪rr‬وابط القيمي‪rr‬ة او اختفت او تب‪rr‬دلت‪ .‬ثم ص‪rr‬ار النهب والس‪rr‬لب‬
‫وسرقة المال العام والعبث باألمن حصة األحزاب الدينية والسياس‪rr‬ية ال‪rr‬تي‬
‫نهض‪rr‬ت فج‪rr‬أة من الرم‪rr‬اد‪ ،‬وتغ‪rr‬ولت وقّوض‪rr‬ت هيب‪rr‬ة الدول‪rr‬ة فالذ الن‪rr‬اس‬
‫بالعشيرة والطائفة والعرق من اجل الحماية‪ ،‬وتحولت الدولة العراقي‪rr‬ة الى‬
‫ما يشبه بقايا دولة من ازم‪rr‬ان العص‪rr‬ر الحج‪rr‬ري‪ ،‬واختفى مفه‪rr‬وم الوطني‪rr‬ة‬
‫وتحول الوالء للوطن الى والءات محلية هزيلة‪Alwan (2019) .‬‬

‫‪342‬‬
‫كان التغ‪r‬ير يرتب‪r‬ط تقلي‪r‬ديا ب‪r‬االختراع‪ ،‬واالبتك‪r‬ار واالنتش‪r‬ار والتب‪r‬ني‪ ،‬الى‬
‫جانب الح‪rr‬روب والك‪rr‬وارث الطبيعي‪rr‬ة‪ ،‬ولكن التغ‪rr‬ير ال‪rr‬ذي يحدث‪rr‬ه االنس‪rr‬ان‬
‫بفعل التطور التكنول‪rr‬وجي أخط‪rr‬ر واهم بكث‪rr‬ير من التغي‪rr‬يرات ال‪rr‬تي تح‪rr‬دث‬
‫نتيجة العالقة مع الطبيعة‪ ،‬فالتغير الطبيعي كان االنسان فيه سلبيا ويتعامل‬
‫مع نتائجه فقط‪ ،‬اما التغيير المخطط فانه من صنع االنسان وان‪rr‬ه يقود الى‬
‫م‪rr‬ا اس‪rr‬ماه ع‪rr‬الم االجتم‪rr‬اع األلم‪rr‬اني دورش‪rr‬ميدت ‪Dürrschmidt and‬‬
‫)‪" Tylor (2007‬مجتمع المخاطر"‪ .‬والواقع ان التغير االجتماعي ال‪rr‬ذي‬
‫يح‪r‬دث في المجتمع‪r‬ات المتقدم‪r‬ة تكنولوجي‪r‬ا يح‪r‬دث بش‪r‬كل منظم‪ ،‬مقص‪rr‬ود‬
‫ومسيطر عليه الى حد ما ولكن نتائجه بعيدة المدى غير قابلة للتنبؤ‪.‬‬
‫تحليل التغير االجتماعي ‪Analysing Social Change‬‬
‫يمكن النظر للتغير االجتماعي بإحدى طريقتين او كالهم‪rr‬ا‪ ،‬التح‪rr‬ول ال‪rr‬ذي‬
‫يحدث نتيج‪r‬ة ث==ورة ش==املة‪ ،‬ي‪r‬دخل ض‪r‬منها التغ‪r‬ير ال‪r‬ذي تحدث‪r‬ه الح‪r‬روب‬
‫واألزمات والك‪rr‬وارث والحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة والس‪rr‬لوك الجمعي والث‪rr‬ورة‬
‫السياسية التي تطيح بنظام سياسي وتضع اخ‪rr‬ر ب‪rr‬دال عن‪rr‬ه‪ ،‬ثم الث‪rr‬ورة ال‪rr‬تي‬
‫تحدث نتيج‪r‬ة للتط==ور الت==دريجي ال‪r‬ذي يح‪r‬دث بس‪r‬بب التف‪r‬اعالت اليومي‪r‬ة‪،‬‬
‫وتراكم التغييرات التي تؤدي في النتيجة الى التحول بما يشبه الثورة ال‪rr‬تي‬
‫تعم‪rr‬ل على تب‪rr‬ديل النظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي بنظ‪rr‬ام آخ‪rr‬ر‪ ،‬تح‪rr‬ول ه‪rr‬ادئ ربم‪rr‬ا ال‬
‫يحت‪rrr‬اج الى العن‪rrr‬ف‪ .‬وعلم‪rrr‬اء االجتم‪rrr‬اع ال‪rrr‬ذين يتح‪rrr‬دثون عن الث‪rrr‬ورة‬
‫االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬يش‪rr‬يرون الى ظ‪rr‬اهرة تختل‪rr‬ف عن تل‪rr‬ك ال‪rr‬تي تطيح باألنظم‪rr‬ة‬
‫السياسية وتستبدلها بأخرى‪ ،‬الثورة االجتماعية تعني التغيرات الجذرية في‬
‫الممارسة االجتماعية مثل تحول المجتمع من مجتم‪rr‬ع الحداث‪rr‬ة (الص‪rr‬ناعة)‬

‫‪343‬‬
‫الى مجتم‪rrr‬ع المعلوم‪rrr‬ات او المجتم‪rrr‬ع ال‪rrr‬رقمي‪ .‬بعض علم‪rrr‬اء االجتم‪rrr‬اع‬
‫المحدثين يمزجون بين رؤية اسالفهم من علماء القرن التاسع عش‪rr‬ر ال‪rr‬ذين‬
‫تحدثوا عن مراحل التغير طويل األمد والتغير الثوري الذي ينقل المجتم‪rr‬ع‬
‫سريعا من حالة الى أخرى ب‪rr‬دون مراح‪rr‬ل‪ .‬الفين ت‪rr‬وفلر ‪Alvin Toffler‬‬
‫)‪ (1970‬قال ان المراح‪rr‬ل التطوري‪rr‬ة ال‪rr‬تي تح‪rr‬دث عنه‪rr‬ا علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع‬
‫األوائل تم تجاوزها بسبب تعّقد التغيرات المعاصرة‪ ،‬ولكن‪rr‬ه ه‪rr‬و االخ‪rr‬ر لم‬
‫يس‪rr‬تطع التخلص من عقدة المراح‪rr‬ل فقس‪rr‬م التغ‪rr‬يرات الش‪rr‬املة للمجتمع‪rr‬ات‬
‫البشرية الى ثالث مراحل‪:‬‬
‫ـ موجة التحول األولى‪ :‬بدأت منذ عش‪rr‬رة االف س‪rr‬نة‪ ،‬عن‪rr‬دما زرع أح‪rr‬دهم‬
‫اول بذرة ليبدأ عصر الزراعة‪ ،‬حيث هج‪rr‬ر االنس‪rr‬ان الب‪rr‬داوة واس‪rr‬تقر على‬
‫هيئة تجمعات قروية وخلق قاعدة ثقافية واسعة‪ ،‬واألرض ك‪rr‬انت المص‪rr‬در‬
‫الوحيد للثروة‬
‫ـ الموجة الثانية‪ :‬عصر االلة او عص‪rr‬ر الص‪rr‬ناعة ال‪rr‬ذي ب‪rr‬دأ بع‪rr‬د منتص‪rr‬ف‬
‫القرن الثامن عشر‪ ،‬وفيه هجر عدد كبير من السكان ثقافة القرى الزراعية‬
‫من اجل العمل في مصانع المدن‪ ،‬ه‪r‬ذه المرحل‪r‬ة ت‪r‬وجت ب‪r‬الحرب العالمي‪r‬ة‬
‫الثانية‪ ،‬وتخللها طغيان االلة واستخدام الس‪rr‬الح الن‪rr‬ووي‪ ،‬ومص‪rr‬ادر ال‪rr‬ثروة‬
‫فيها‪ ،‬األرض‪ ،‬قوة العمل ورأس المال‪.‬‬
‫ـ الموج‪rr‬ة الثالث‪rr‬ة‪ :‬عص‪rr‬ر المعلوم‪rr‬ات او عص‪rr‬ر المعرف‪rr‬ة‪ ،‬وه‪rr‬ذه المرحل‪rr‬ة‬
‫تغطى عص‪rr‬رنا الح‪rr‬الي‪ ،‬وتقوم على العقل أك‪rr‬ثر من العض‪rr‬الت‪ ،‬قوته‪rr‬ا‬
‫مستمدة من تكنولوجيا المعلومات‪ ،‬ومصادر الثروة فيها‪ ،‬مش‪rr‬روطة بش‪rr‬كل‬
‫متزايد بامتالك المعرفة‪ /‬المعلومات‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫نموذج المراحل الثالث للتطور التاريخي‪ ،‬له تاريخ طويل‪ ،‬فعلماء اجتماع‬
‫القرن التاس‪rr‬ع عش‪rr‬ر‪ ،‬لم يكن يخط‪rr‬ر بب‪rr‬الهم اخ‪rr‬تراع الكوم‪rr‬بيوتر‪ ،‬ولكن‬
‫رؤيتهم المستقبلية كانت تنطوي على اهتمام متزايد بالمعرف‪rr‬ة العلمي‪rr‬ة وم‪rr‬ا‬
‫يرافقها من التغيرات االجتماعية‪ ،‬والمحللين المعاصرين مثل توفلر ك‪rr‬انت‬
‫لهم القدرة على مقارن‪rr‬ة خص‪rr‬ائص عص‪rr‬ر الكوم‪rr‬بيوتر م‪rr‬ع بعض وج‪rr‬وه‬
‫العصر الصناعي المبك‪r‬ر‪ .‬الخص‪rr‬ائص المركزي‪r‬ة لعص‪rr‬ر الص‪rr‬ناعة ك‪r‬انت‬
‫تتمثل في المركزية والمعيارية‪ ،‬في ض‪rr‬وئها ك‪rr‬ل ش‪rr‬يء ك‪rr‬ان يمض‪rr‬ي نح‪rr‬و‬
‫الكتلة (المقادير الكبيرة)‪ ،‬من اإلنتاج الواسع الى الت‪rr‬دمير الواس‪rr‬ع‪ .‬وك‪rr‬انت‬
‫مهمة عمال المصانع تحويل خط اإلنتاج الى أطول ما يمكن من اجل انتاج‬
‫منتجات متماثلة‪ ،‬وكان ذلك بمثابة نقط‪rr‬ة االلتقاء ربم‪rr‬ا الوحي‪rr‬دة بين نظ‪rr‬ام‬
‫الحزام الناقل لإلنتاج الرأس‪rr‬مالي الغ‪rr‬ربي واإلنت‪rr‬اج االش‪rr‬تراكي في عص‪rr‬ر‬
‫االتحاد السوفيتي‪ ،‬وكانت البيروقراطية وبناء الس‪rr‬لطة الهرمي‪rr‬ة في عص‪rr‬ر‬
‫الصناعة تنطوي على أخطاء مميتة‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا في ك‪rr‬ل األح‪rr‬وال ك‪rr‬انت على‬
‫درجة من الكفاي‪r‬ة إلنت‪r‬اج كمي‪r‬ات كب‪r‬يرة ج‪r‬دا من البض‪r‬ائع عالي‪r‬ة الج‪r‬ودة‪،‬‬
‫وكان الجانب السيء فيها انها كانت متماثلة‪ .‬ثم اندفع المنتجين الكبار تحت‬
‫ضغط المنافسة الى تنويع اإلنتاج إلرضاء االذواق المختلف‪rr‬ة‪ .‬وحين دخلت‬
‫تكنولوجيا الكومبيوتر أح‪rr‬دثت نقل‪rr‬ة نوعي‪rr‬ة في عملي‪rr‬ات التن‪rr‬وع اإلنت‪rr‬اجي‪،‬‬
‫فص‪rr‬ناع الس‪rr‬يارات مثال زادوا من أن‪rr‬واع الس‪rr‬يارات واش‪rr‬كالها واحجامه‪rr‬ا‬
‫والوانها لتناسب مختلف شرائح المجتم‪rr‬ع ومس‪rr‬تويات ال‪rr‬دخل‪ ،‬ح‪rr‬تى اق‪rr‬داح‬
‫القهوة الرتيبة ك‪rr‬انت ق‪rr‬د ع‪rr‬رفت التن‪rr‬وع الهائ‪rr‬ل من‪rr‬ذ مطل‪rr‬ع التس‪rr‬عينات من‬
‫القرن الماضي إلرضاء اذواق الزبائن‪ ،‬حتى أصبح الزبائن الي‪rr‬وم يش‪rr‬كون‬

‫‪345‬‬
‫من كثرة الخيارات‪ .‬ليست السيارات او اقداح القهوة او األثاث او البضائع‬
‫المنزلية او االف البضائع األخرى التي كانت ُتنتج وفق معايير مح‪rr‬ددة في‬
‫عصر الصناعة ولكن حتى كثير من وسائل الترفي‪rr‬ه والثقاف‪rr‬ة ك‪rr‬ان انتاجه‪rr‬ا‬
‫واس‪r‬عا ومتم‪r‬اثال في األس‪r‬واق الكب‪r‬يرة‪ .‬علم‪r‬اء االجتم‪r‬اع الماركس‪r‬يون من‬
‫مدرس‪rr‬ة فرانكف‪rr‬ورت األلماني‪rr‬ة وجه‪rr‬وا نقدا الذع‪rr‬ا لنم‪rr‬ط إنت‪rr‬اج الثقاف‪rr‬ة‬
‫الرأس‪rr‬مالي المعي‪rr‬اري‪ ،‬حيث اعت‪rr‬بروا ذل‪rr‬ك محول‪rr‬ة لتنمي‪rr‬ط الس‪rr‬لوك وف‪rr‬ق‬
‫األيديولوجيا الرأسمالية‪.‬‬
‫بعض علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع غ‪rr‬ير الماركس‪rr‬يين ك‪rr‬انوا متش‪rr‬ائمين من التغ‪rr‬يرات‬
‫االجتماعية المرافقة لعصر المعلومات مثل تزاي‪rr‬د أنم‪rr‬اط االس‪rr‬رة واختف‪rr‬اء‬
‫الشكل التقليدي لألسرة النووية التي رافقت عصر الص‪rr‬ناعة (انظ‪rr‬ر فص‪rr‬ل‬
‫االس‪rr‬رة) ال‪rr‬تي فيه‪rr‬ا يعم‪rr‬ل االب فيم‪rr‬ا تبقى االم في ال‪rr‬بيت إلدارة ش‪rr‬ؤون‬
‫االسرة ورعاي‪r‬ة األطف‪r‬ال‪ ،‬وظه‪r‬ور اش‪r‬كال جدي‪r‬دة للعائل‪r‬ة بم‪r‬ا فيه‪r‬ا عائل‪r‬ة‬
‫الزواج ثانية‪ ،‬وعائلة المعاشرة خارج مؤسسة الزواج‪ ،‬واالسرة المختلط‪rr‬ة‬
‫‪ ،Blended Family‬واالس‪rr‬رة أحادي‪rr‬ة االب‪rr‬وين‪ ،‬واالس‪rr‬رة االفتراض‪rr‬ية‪.‬‬
‫)‪Alexander & Thompson (2008‬‬
‫التغ====ير االجتم====اعي في ادبي====ات علم االجتم====اع ‪Social Change‬‬
‫‪Literature‬‬
‫ربما لن يكون مفيدا جدا ان نض‪rr‬ع تعريف‪rr‬ا مح‪rr‬ددا للتغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي‪ ،‬الن‬
‫المفه‪rr‬وم يش‪rr‬ير الى ع‪rr‬دد كب‪rr‬ير من الظ‪rr‬واهر المختلف‪rr‬ة‪ ،‬ل‪rr‬ذا ف‪rr‬ان التعري‪rr‬ف‬
‫المحدد قد يكون فضفاضا او يهمل أش‪rr‬ياء على درج‪rr‬ة من األهمي‪rr‬ة‪ ،‬وعلى‬
‫اي‪rrr‬ة ح‪rrr‬ال يمكن اعتم‪rrr‬اد تعري‪rrr‬ف ول‪rrr‬برت م‪rrr‬ور ‪Wilbert Moore‬‬

‫‪346‬‬
‫)‪ (1967:3‬أح‪rr‬د اهم منّظ ري التغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي ال‪rr‬ذي يقول " التغ‪rr‬ير‬
‫االجتماعي ه‪rr‬و التب‪rr‬دل اله‪rr‬ام في البن‪rr‬اء االجتم‪rr‬اعي"‪ ،‬والبن‪rr‬اء االجتم‪rr‬اعي‬
‫يعني أنماط الفعل ورد الفعل االجتماعي‪ .‬تعري‪rr‬ف م‪rr‬ور ل‪rr‬ه م‪rr‬يزة الترك‪rr‬يز‬
‫على أنماط الفعل االجتماعي القابل‪rr‬ة للمالحظ‪rr‬ة‪ ،‬مث‪rr‬ل التغ‪rr‬يرات في أنم‪rr‬اط‬
‫االسرة والعمل‪ ،‬ولكنه ال يعطي اهتماما خاصا للعوام‪rr‬ل الثقافي‪rr‬ة المتنوع‪rr‬ة‬
‫مثل القيم والمعايير والمعتقدات والتي ليس من السهل مالحظته‪rr‬ا‪ .‬وه‪rr‬ذا ال‬
‫يعني ان الثقافة اقل ارتباطا بالتغير من الب‪rr‬نى االجتماعي‪rr‬ة‪ ،‬ولكن من المهم‬
‫الت‪rr‬ذكير ب‪rr‬ان الثقاف‪rr‬ة يجب ان ال ينظ‪rr‬ر له‪rr‬ا على انه‪rr‬ا مجموع‪rr‬ة ثابت‪rr‬ة من‬
‫المعايير والقيم والمعتقدات‪ ،‬او انها تتعارض مع الطبيعة الديناميكية للب‪rr‬نى‬
‫االجتماعية‪ .‬الثقافة هي البعد الديناميكي (المتحرك) للممارس‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة‬
‫او األفع‪rrr‬ال االجتماعي‪rrr‬ة‪ ،‬فالعض‪rrr‬وية في الثقاف‪rrr‬ة تس‪rrr‬تلزم االنخ‪rrr‬راط في‬
‫ممارسات متنوعة يمكن تمييزها عن ممارسات ثقافة أخ‪rr‬رى وزمن اخ‪rr‬ر‪،‬‬
‫وتمت‪rr‬د من ع‪rr‬ادات الطع‪rr‬ام الى المعتقدات والحي‪rr‬اة العائلي‪rr‬ة‪ .‬ص‪rr‬حيح ان‬
‫عناصر الثقافة تتأخر أحيانا عن التغيرات ال‪rr‬تي تح‪rr‬دث في بني‪rr‬ة المجتم‪rr‬ع‪،‬‬
‫وان القيم المعتقدات والطقوس الدينية تتغير ابطأ من االختراع‪rr‬ات العلمي‪rr‬ة‬
‫والتكنولوجي‪rr‬ة وهي الظ‪rr‬اهرة ال‪rr‬تي اطل‪rr‬ق عليه‪rr‬ا وليم اوك‪rr‬برن ‪William‬‬
‫)‪ Ogburn (1964‬الفجوة الثقافية‪ ،‬لكن أحيانا العكس هو الصحيح‪ ،‬حيث‬
‫يقود التغ‪rrr‬ير الثقافي الى تغي‪rrr‬يرات في الب‪rrr‬نى السياس‪rrr‬ية واالقتص‪rrr‬ادية‬
‫والتكنولوجية‪ ،‬فمثال التغير الذي حدث في الدين كما ذكر ذلك ماكس في‪rr‬بر‬
‫(‪ )Max Weber 1904‬في كتاب‪rrrr‬ه "االخالق البروتس‪rrrr‬تنتية وروح‬

‫‪347‬‬
‫الرأس‪rr‬مالية" بع‪rr‬د ص‪rr‬عود نجم الكالفيني‪rr‬ة ‪ Calvinism‬في القرن الس‪rr‬ادس‬
‫عشر الذي اثر تأثيرا بالغا في تطور الرأسمالية‪.‬‬
‫األس‪rr‬ئلة ح‪rr‬ول التغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي ك‪rr‬انت دائم‪rr‬ا مح‪rr‬ورا في ادبي‪rr‬ات علم‬
‫االجتماع‪ ،‬فالمفكرون األوائل الذين أرسوا قواعد علم االجتم‪rr‬اع في القرن‬
‫التاسع عش‪rr‬ر اهتم‪rr‬وا اهتمام‪rr‬ا مبالغ‪rr‬ا في‪rr‬ه بت‪rr‬أثير التص‪rr‬نيع والتحض‪rr‬ر على‬
‫الحياة االجتماعية‪ ،‬وانهم لم يكتفوا ب‪rr‬النظر لالنقالب االجتم‪rr‬اعي في اورب‪rr‬ا‬
‫وامريك‪rr‬ا وانم‪rr‬ا انش‪rr‬غلوا أيض‪rr‬ا بدراس‪rr‬ة المجتمع‪rr‬ات البدائي‪rr‬ة في افريقي‪rr‬ا‬
‫والسكان االصليين في امريكا وأستراليا‪ ،‬وتحدثوا عن الطوطمية والس‪rr‬حر‬
‫وتع‪rrr‬دد األزواج واكل‪rrr‬ة لح‪rrr‬وم البش‪rrr‬ر ‪ .Cannibalism‬كم‪rrr‬ا ان تزاي‪rrr‬د‬
‫المعلومات وحب االستطالع حول المجتمعات األق‪rr‬ل تط‪rr‬ورا رفعت س‪rr‬قف‬
‫األس‪rr‬ئلة ح‪rr‬ول طبيع‪rr‬ة الحداث‪rr‬ة واتجاه‪rr‬ات التط‪rr‬ور اإلنس‪rr‬اني‪ ،‬والنظري‪rr‬ات‬
‫المتعلقة بالتغير االجتماعي المبكرة رك‪rr‬زت على مراح‪rr‬ل التط‪rr‬ور لف‪rr‬ترات‬
‫زمنية طويلة عن طري‪rr‬ق المجتمع‪rr‬ات والحض‪rr‬ارات كله‪rr‬ا‪ ،‬وك‪rr‬انت مف‪rr‬اهيم‬
‫الحداثة والتطور قد استخدمت كمف‪rr‬اتيح ألغلب ه‪rr‬ذه النظري‪rr‬ات‪ ،‬وق‪rr‬د ك‪rr‬ان‬
‫االهتم‪rr‬ام ب‪rr‬التغير كم‪rr‬ا أس‪rr‬لفنا من منظ‪rr‬ور التط‪rr‬ور الت‪rr‬دريجي او التغ‪rr‬ير‬
‫الثوري‪Castells (1996) .‬‬

‫الحركات االجتماعية ‪Social Movement‬‬


‫ذهب بعض مراق‪rr‬بي مجتم‪rr‬ع المعلوم‪rr‬ات بعي‪rr‬دا في تأكي‪rr‬داتهم ان التغ‪rr‬يرات‬
‫العميقة المست بقوة البناء االجتماعي ومؤسساته‪ ،‬وهم يزعم‪rr‬ون ان ش‪rr‬كل‬

‫‪348‬‬
‫التراتبية في البناء االجتم‪rr‬اعي ومؤسس‪rr‬اته ارتبطت بقوة بدول‪rr‬ة الرفاهي‪rr‬ة‪،‬‬
‫وان المؤسسات البيروقراطية كش‪rr‬كل مؤسس‪rr‬ي ق‪rr‬ديم تح‪rr‬ولت ع‪r‬بر الش‪rr‬بكة‬
‫العنكبوتية الي مؤسسات عالمية تخطت الح‪rr‬دود اإلقليمي‪rr‬ة للدول‪rr‬ة القومي‪rr‬ة‪،‬‬
‫والفض‪rr‬ل فيه‪rr‬ا يع‪rr‬ود للكوم‪rr‬بيوتر ال‪rr‬ذي أدى الى تس‪rr‬هيل الحص‪rr‬ول على‬
‫المعلومات واالتصاالت للجميع‪ ،‬والخط‪rr‬ر ال‪rr‬ذي تفرض‪rr‬ه ه‪rr‬ذه المؤسس‪rr‬ات‬
‫الجديدة‪ ،‬انها مبرمجة لتحقي‪rr‬ق اه‪rr‬داف مح‪rr‬ددة‪ ،‬انه‪rr‬ا تف‪rr‬رض منطقه‪rr‬ا على‬
‫اتباعه‪rr‬ا‪ ،‬وان ك‪rr‬ل نظم المعلوم‪rr‬ات في الكوم‪rr‬بيوتر تعم‪rr‬ل بمنط‪rr‬ق الثنائي‪rr‬ة‬
‫(الموجود ضمنا او المستبعد ‪ Inclusive/exclusive‬وان االش‪rr‬ياء ال‪rr‬تي‬
‫ال توجد في الشبكة هي غير موجودة من وجه‪rr‬ة نظ‪rr‬ر الش‪rr‬بكة‪ ،‬كم‪rr‬ا يقول‬
‫كاس‪rr‬لز )‪ Castells (2002‬فهي ام‪rr‬ا ان تك‪rr‬ون ق‪rr‬د اهملت ( ان لم تكن‬
‫مناسبة أله‪rr‬داف الش‪rr‬بكة) او ح‪rr‬ذفت (ألنه‪rr‬ا غ‪rr‬ير ق‪rr‬ادرة على المنافس‪rr‬ة في‬
‫األداء واالهداف)‪ ،‬عدد من علماء االجتم‪rr‬اع اعترض‪rr‬وا على ه‪rr‬ذه النظ‪rr‬رة‬
‫واعتبروها متشائمة وأشاروا الى انه من الصعب احداث تغي‪rr‬يرات داخلي‪rr‬ة‬
‫لتفسير األهداف المؤسسية‪ ،‬ولكنها في الواقع صحيحة جدا ذلك ان شبكات‬
‫المعلومات تسعى لتوصيل رسالة لها اه‪r‬داف مح‪r‬ددة‪ ،‬ف‪rr‬ان ك‪r‬انت ال تعم‪r‬ل‬
‫بكامل طاقتها استبدلوها بسرعة او حرفوها باالتجاه ال‪rr‬ذي يخ‪rr‬دم األه‪rr‬داف‬
‫المرس‪rr‬ومة‪ ،‬وه‪rr‬ذا بالض‪rr‬بط م‪rr‬ا يح‪rr‬دث إلص‪rr‬الح المؤسس‪rr‬ات في المجتم‪rr‬ع‬
‫كجماع‪rr‬ات او أح‪rr‬زاب في معرك‪rr‬ة تحدي‪rr‬د األه‪rr‬داف والوس‪rr‬ائل المس‪rr‬تخدمة‬
‫لتوصيل هذه األهداف‪ ،‬وعلى ك‪rr‬ل ح‪rr‬ال ف‪rr‬ان تحلي‪rr‬ل كاس‪rr‬لز يب‪rr‬دو منطقي‪rr‬ا‪،‬‬
‫فكاسلز يرى انه حيثما تكون أنظمة الكوم‪rr‬بيوتر في حال‪rr‬ة خدم‪rr‬ة فعلي‪rr‬ة في‬
‫اج‪rrr‬راء التع‪rrr‬امالت المص‪rrr‬رفية واألنظم‪rrr‬ة المالي‪rrr‬ة‪ ،‬او في نظم اإلنت‪rrr‬اج‬

‫‪349‬‬
‫االقتصادي والتي تكون مبرمجة لتحويل اإلنتاج او الحصول على الم‪rr‬واد‬
‫األولية باقل كلفة‪ ،‬فإنه من الصعب في مثل ه‪rr‬ذه الح‪rr‬االت تع‪rr‬يين االه‪r‬داف‬
‫للش‪rrr‬بكة العنكبوتي‪rrr‬ة‪ ،‬ولكنه‪rrr‬ا تج‪rrr‬د نفس‪rrr‬ها فيم‪rrr‬ا بع‪rrr‬د ملزم‪rrr‬ة باس‪rrr‬تخدام‬
‫استراتيجياتها بما يتناس‪rr‬ب م‪rr‬ع قواع‪rr‬د اللعب‪rr‬ة في الش‪rr‬بكة العنكبوتي‪rr‬ة‪ ،‬ومن‬
‫اجل ادخال األهداف المختلفة للش‪rr‬بكة‪ ،‬يتعين على الف‪rr‬اعلين تح‪rr‬دي الش‪rr‬بكة‬
‫من الخارج‪ ،‬او تدميرها عن طريق بن‪rr‬اء ش‪rr‬بكة برمجي‪rr‬ة بديل‪rr‬ة بقيم بديل‪rr‬ة‪.‬‬
‫الخيار االخر هو محاولة االنس‪r‬حاب من الش‪r‬بكة وبن‪r‬اء دفاع‪r‬ات او ب‪r‬نى ال‬
‫عالقة لها بالشبكة العنكبوتية كاللجان الثورية او عامة الشعب وهي ما تقع‬
‫ض‪rr‬من تس‪rr‬مية الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة ‪ ،‬وه‪rr‬ذه ال تس‪rr‬مح بالعالق‪rr‬ة خ‪rr‬ارج‬
‫مجموعتها القيمية‪ ،‬ذلك الن الشبكة العالمية تسعى الستبعاد إمكاني‪rr‬ة تغي‪rr‬ير‬
‫األه‪rr‬داف عن‪rr‬دما تك‪rr‬ون متعارض‪rr‬ة م‪rr‬ع الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة (الحرك‪rr‬ات‬
‫المضادة للعولمة‪ ،‬والمتعصبون الذين تس‪rr‬عى الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة للن‪rr‬أي‬
‫بنفس‪rr‬ها عنه‪rr‬ا‪ ،‬وحرك‪rr‬ات مقاوم‪rr‬ة الت‪rr‬دخين في األم‪rr‬اكن العام‪rr‬ة وحرك‪rr‬ات‬
‫"الربيع" العربي) لكن في الواقع ان الف‪r‬اعلين يض‪rr‬عون أه‪rr‬دافهم والطري‪rr‬ق‬
‫المؤدية لتحقيق هذه األهداف عن طريق البرمج‪rr‬ة القْبلي‪rr‬ة أي قب‪rr‬ل ال‪rr‬دخول‬
‫الى الشبكة‪ .‬أي ان اغلب الحركات االجتماعية تتحرك بفعل ف‪rr‬اعلين وليس‬
‫كما يعتقد انها حركات تلقائية تناضل من اجل تحقيق اهداف عامة‪ .‬ومهم‪rr‬ا‬
‫يكن ف‪rrr‬ان الحرك‪rrr‬ات االجتماعي‪rrr‬ة تلعب دورا مهم‪rrr‬ا في عملي‪rrr‬ات التغ‪rrr‬ير‬
‫االجتماعي ألنها تعبر عن اتجاهات الراي العام‪ ،‬وقادرة على تعبئة اع‪rr‬داد‬
‫هائلة من الناس على المستويات المحلية والدولية والعالمية‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫كاس‪rr‬لز ن‪rr‬اقش ثالث‪rr‬ة أن‪rr‬واع من الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة ال‪rr‬تي يمكن تولي‪rr‬دها‬
‫وص‪rr‬ناعتها ع‪rr‬بر ت‪rr‬دفق المعلوم‪rr‬ات خالل الش‪rr‬بكة العنكبوتي‪rr‬ة‪ :‬الحرك‪rr‬ات‬
‫المش‪rr‬رعنة ‪ Legitimizing‬حرك‪rr‬ات المقاوم‪rr‬ة ‪ resistance‬وحرك‪rr‬ات‬
‫المشروع (ل‪rr‬ديها مش‪rr‬روع للتغي‪rr‬ير الس‪rr‬لمي) ‪ Project Movement‬ام‪rr‬ا‬
‫الحرك‪rr‬ات المش‪rr‬رعنة فإنه‪rr‬ا تتش‪rr‬كل عن طري‪rr‬ق المؤسس‪rr‬ات الناف‪rr‬ذة في‬
‫المجتم‪rr‬ع‪ ،‬انه‪rr‬ا تول‪rr‬د داخ‪rr‬ل الكنيس‪rr‬ة‪ ،‬او اتح‪rr‬ادات العم‪rr‬ال او األح‪rr‬زاب‬
‫السياسية والجمعيات المدنية‪ ،‬هذه الكيانات تؤلف النشاط السياسي للمجتمع‬
‫المدني وتأثيرها يقع خ‪rr‬ارج الدول‪rr‬ة ولكنه‪rr‬ا تمتل‪rr‬ك م‪rr‬داخل ش‪rr‬رعية لس‪rr‬لطة‬
‫الدولة‪ .‬مرة أخ‪rr‬رى كاس‪rr‬لز يب‪rr‬دو متش‪rr‬ائما أك‪rr‬ثر من بقي‪rr‬ة علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع‬
‫بقدرة هذا النوع من الحركات االجتماعية على تحقيق تح‪rr‬ول ج‪rr‬وهري في‬
‫مجتمع المعلومات بطريقة الضغط على الدولة للقيام بفعل مناسب‪ ،‬وس‪rr‬بْب‬
‫تشاؤمه ان الدولة نفسها اضعفتها العولمة (الشركات العالمي‪rr‬ة‪ ،‬ت‪rr‬دفق راس‬
‫المال العالمي‪ ،‬تدفق المعلومات العالمية التي تدفع الدولة للمراوغ‪rr‬ة)‪ ،‬كم‪rr‬ا‬
‫ان س‪rr‬لطتها ت‪rr‬آكلت بس‪rr‬بب انحط‪rr‬اط بيروقراطي‪rr‬ة دول‪rr‬ة الرفاهي‪rr‬ة‪ .‬دول‪rr‬ة‬
‫الرفاهية التي انتعشت في البل‪rr‬دان الص‪rr‬ناعية‪ ،‬وال‪rr‬تي فقدت البيروقراطي‪rr‬ة‬
‫الصارمة فيها قوتها في زمن العولمة‪ ،‬فمثال يقول كاسلز‪ ،‬حركات العم‪rr‬ال‬
‫الوطنية اليوم تمتلك رؤية ضعيفة الس‪rr‬تخدام تأثيره‪rr‬ا في إع‪rr‬ادة بن‪rr‬اء دول‪rr‬ة‬
‫الرفاهية التي ت‪rr‬وفر لك‪rr‬ل المواط‪rr‬نين ش‪rr‬كال موح‪rr‬دا لألمن االجتم‪rr‬اعي‪ .‬في‬
‫أمريك‪rr‬ا الحرك‪rr‬ة العمالي‪rr‬ة أض‪rr‬عف من أي وقت مض‪rr‬ى‪ ،‬وان نم‪rr‬و دول‪rr‬ة‬
‫الرفاهي‪rr‬ة القوي‪rr‬ة يمكن معارض‪rr‬تها باألي‪rr‬ديولوجيا الفردي‪rr‬ة‪ ،‬ال‪rr‬تي تفض‪rr‬ل‬
‫الش‪rr‬روط الخاص‪rr‬ة لمن‪rr‬افع الحماي‪rr‬ة االجتماعي‪rr‬ة (ت‪rr‬أمين ص‪rr‬حي خ‪rr‬اص‪،‬‬

‫‪351‬‬
‫تخصيصات تقاعدي‪rr‬ة خاص‪rr‬ة) ح‪rr‬تى في اورب‪rr‬ا حيث تمل‪rr‬ك دول‪rr‬ة الرفاهي‪rr‬ة‬
‫قيمة أكبر فان تأثير الحركة العمالية قد ُأض‪rr‬عف الى أدنى ح‪rr‬د وب‪rr‬دأ الن‪rr‬اس‬
‫يتجهون نحو التأمينات االجتماعية الخاصة‪.‬‬
‫النوع الثاني الذي وصفه كاسلز هو حركات المقاوم‪rr‬ة‪ ،‬ومن اب‪rr‬رز األمثل‪rr‬ة‬
‫عليه‪rr‬ا الحرك‪rr‬ات الديني‪rr‬ة األص‪rr‬ولية‪ ،‬الحرك‪rr‬ات العرقي‪rr‬ة واالثني‪rr‬ة‪ ،‬وبعض‬
‫الجماعات المستبعدة اجتماعيا‪ ،‬وهذه الجماعات تعمل على خلق تش‪rr‬كيالت‬
‫اجتماعي‪rrr‬ة‪-‬ثقافي‪rrr‬ة دفاعي‪rrr‬ة‪ ،‬نتيج‪rrr‬ة لالغ‪rrr‬تراب واالس‪rrr‬تياء من عالقته‪rrr‬ا‬
‫بالمؤسسات المهيمنة وايديولوجيات المجتمع‪ ،‬وق‪rr‬د اس‪rr‬تبعد كاس‪rr‬لز إمكاني‪rr‬ة‬
‫هذه الجماعات على تحقيق تغيرات مؤسسية‪ ،‬مشيرا الى انها تمل‪rr‬ك ت‪rr‬أثيرا‬
‫ضعيفا على السلطة المركزية للدولة‪ ،‬بعض علماء االجتم‪rr‬اع يزعم‪rr‬ون ان‬
‫ه‪rr‬ذه الجماع‪rr‬ات يمكنه‪rr‬ا في وقت من األوق‪rr‬ات النج‪rr‬اح في الحص‪rr‬ول على‬
‫االعتراف بوجودها ومطالبها‪ .‬لقد حققت بعض الحرك‪rr‬ات األص‪rr‬ولية مث‪rr‬ل‬
‫داعش واالخوان المسلمين وبعض الفصائل الدينية المتطرفة نجاحا جزئي‪rr‬ا‬
‫في االعتراف بها كقوة على األرض‪.‬‬
‫اما النوع الث‪r‬الث‪ ،‬فه‪r‬و حرك‪r‬ات المش‪r‬روع ‪ Project Movement‬ال‪r‬تي‬
‫تتشكل عندما تتوفر الظروف االجتماعية‪-‬الثقافية المالئمة لها لتبني لنفسها‬
‫هوي‪rr‬ة جدي‪rr‬دة تعي‪rr‬د تحدي‪rr‬د موقعه‪rr‬ا في المجتم‪rr‬ع من اج‪rr‬ل تحقي‪rr‬ق تح‪rr‬ول‬
‫اجتم‪rr‬اعي ش‪rr‬امل‪ .‬كاس‪rr‬لز )‪ Castells (1997‬ح‪rr‬دد حرك‪rr‬ات البيئ‪rr‬ة‬
‫والحركات النسوية كأمثلة على هذه الحركات‪ .‬وعلى النقيض من حرك‪rr‬ات‬
‫المقاوم‪rr‬ة‪ ،‬حرك‪rr‬ات المش‪rr‬روع تتح‪rr‬رك ب‪rr‬دعوى االس‪rr‬تبعاد وتس‪rr‬عى لتغي‪rr‬ير‬
‫المؤسس‪rr‬ات القائم‪rr‬ة او اس‪rr‬تبدالها‪ ،‬فالحرك‪rr‬ات النس‪rr‬وية مثال‪ ،‬ق‪rr‬دمت نفس‪rr‬ها‬

‫‪352‬‬
‫للمجتمع بقوة مطالبة بتقويض هيمنة الرجل (السلطة االبوية) وإع‪rr‬ادة بن‪rr‬اء‬
‫االس‪rr‬رة على أس‪rr‬اس المس‪rr‬اواة‪ ،‬وك‪rr‬ذلك إزال‪rr‬ة التم‪rr‬ايز بين الجنس‪rr‬ين في‬
‫المؤسس‪rr‬ات الرئيس‪rr‬ة‪ ،‬كالعم‪rr‬ل والسياس‪rr‬ة‪ .‬كاس‪rr‬لز اس‪rr‬تبعد ان تك‪rr‬ون ك‪rr‬ل‬
‫الحركات الدينية حركات مقاوم‪r‬ة‪ ،‬فبعض‪rr‬ها ال تمي‪r‬ل للعن‪r‬ف‪ ،‬ول‪r‬ذلك يمكن‬
‫تصنيفها على انها حركات ناتئة ذات مشروع تغييري سلمي تستهدف بناء‬
‫مجتم‪rr‬ع يتمت‪rr‬ع ب‪rr‬أخالق وقيم ومع‪rr‬ايير من ش‪rr‬انها إش‪rr‬اعة االمن والس‪rr‬لم في‬
‫العالم كله او على األقل في المجتمعات المحلي‪rr‬ة الْتباعه‪rr‬ا‪ ،‬وبالت‪rr‬الي إيج‪rr‬اد‬
‫مجتمع جديد‪.‬‬
‫الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة أعطيت اهتمام‪rr‬ا كب‪rr‬يرا من قب‪rr‬ل علم‪rr‬اء االجتم‪rr‬اع‪،‬‬
‫السيما أولئك الذين يعتقدون باننا دخلنا عصرا جديدا من عص‪rr‬ور التط‪rr‬ور‬
‫االجتماعي مث‪r‬ل مجتم‪r‬ع المعلوم‪r‬ات وش‪r‬بكات التواص‪r‬ل االجتم‪r‬اعي ال‪r‬تي‬
‫وص‪rr‬فها كاس‪rr‬لز‪ .‬م‪rr‬اريو دي‪rr‬اني )‪ Mario Diani (1992:13‬ع‪ّrr‬رف‬
‫الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة بانه‪rr‬ا “ش‪rr‬بكة تف‪rr‬اعالت غ‪rr‬ير رس‪rr‬مية بين االف‪rr‬راد‪،‬‬
‫والجماع‪rr‬ات والمنظم‪rr‬ات المتورط‪rr‬ة في ص‪rr‬راع سياس‪rr‬ي او ثقافي‪ ،‬على‬
‫اساس الهوية الجمعية المشتركة" وفي ضوء هذا التعريف يمكن اختص‪rr‬ار‬
‫الخصائص الرئيسة للحركات االجتماعية بما يلي‪:‬‬
‫ـ انها شبكة رسمية للعالقة بين الجماعات النشطة‪ ،‬االفراد والمنظمات‬
‫ـ ُتعرف عن طريق مشاعر الهوية الجمعية لمنتسبيها‪.‬‬
‫ـ انها تنخرط في صراع ثقافي او سياسي يقود الى التغير االجتماعي‪.‬‬
‫تعري‪rr‬ف دي‪rr‬اني مفي‪rr‬د ألن‪rr‬ه يم‪rr‬يز بين الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة والمنظم‪rr‬ات‬
‫السياسية المستقرة من جه‪rr‬ة واالش‪rr‬كال الموقت‪rr‬ة للس‪rr‬لوك الجمعي من جه‪rr‬ة‬

‫‪353‬‬
‫أخرى‪ ،‬فمثال‪ ،‬الرعب الذي يسببه تس‪rr‬ريب للم‪rr‬واد المش‪rr‬عة من المف‪rr‬اعالت‬
‫النووية‪ ،‬كظاهرة مؤقتة ال تستثير ب‪rr‬ذاتها مفه‪rr‬وم الهوي‪rr‬ة‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا يمكن ان‬
‫تتطور الى حركة اجتماعية مناصرة للبيئة‪ ،‬تك‪rr‬رس جهوده‪rr‬ا لل‪rr‬دفع باتج‪rr‬اه‬
‫إيقاف العمل بمحطات الطاقة النووية او تحول دون انتش‪rr‬ارها‪ ،‬ولكن يجب‬
‫ان نتذكر ان الحركات االجتماعية يمكن ان تصبح حركات منظم‪rr‬ة وربم‪rr‬ا‬
‫تجلب معها حركات أخرى تناصرها من اجل تحقيق أهدافها‪ ،‬ولكن بناؤها‬
‫الح‪rr‬ر والواس‪rr‬ع يجعله‪rr‬ا اق‪rr‬ل فاعلي‪rr‬ة من الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة ذات البن‪rr‬اء‬
‫المتماسك‪.‬‬
‫تحليل الحركات االجتماعية في األصل يقع ض‪rr‬من دراس‪rr‬ة الم‪rr‬دى االوس‪rr‬ع‬
‫للظ‪rr‬اهرة‪ ،‬وه‪rr‬و الس==لوك الجمعي‪ .‬ع‪rr‬الم االجتم‪rr‬اع ني‪rr‬ل سميلس‪rr‬ر ‪Neil‬‬
‫)‪ Smelser (1962:8‬عرف السلوك الجمعي بان‪rr‬ه "التعبئ‪rr‬ة على أس‪rr‬اس‬
‫المعتقد الذي يعيد تحديد الفع‪r‬ل االجتم‪r‬اعي" سميلس‪r‬ر وض‪rr‬ع ع‪r‬دة مراح‪r‬ل‬
‫لتطور السلوك الجمعي‪:‬‬
‫ـ نمو وانتشار المعتقد العام‪ :‬حيث ان المعتقد المشترك ُيعد مصدرا للتوتر‪،‬‬
‫ويحدد استجابة مناسبة‪.‬‬
‫ـ عوامل المشاركة‪ :‬حادثة م‪r‬ا ق‪rr‬د تس‪r‬تثير الس‪r‬لوك الجمعي‪ ،‬مث‪r‬ل االش‪r‬عاع‬
‫النووي‬
‫ـ تعبئة المشاركين للقيام بفعل‪ :‬المعلومات من مص‪rr‬در م‪rr‬ؤثر تجم‪rr‬ع الن‪rr‬اس‬
‫للقيام بفعل‪.‬‬
‫ـ عملية الضبط االجتماعي‪ :‬السلوك الجمعي يحدث نتيجة تراخي أصحاب‬
‫القرار في اتخاذ اجراء يعالج الموقف‪ ،‬وهو ما يستثير السلوك الجمعي‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫هذا االتجاه له أهمية كبيرة في فهم قيام اش‪rr‬كال معين‪rr‬ة من الس‪rr‬لوك الجمعي‬
‫مثل الرعب‪ ،‬ولكن الن مفهوم السلوك الجمعي واسعا ويمت‪rr‬د من الح‪rr‬وادث‬
‫الفردية الى الحركات االجتماعي‪rr‬ة طويل‪rr‬ة الم‪rr‬دى فان‪rr‬ه دف‪rr‬ع علم‪rr‬اء اخ‪rr‬رين‬
‫لتحليله من زوايا نظرية أخرى بما في ذلك نظرية تعبئة الموارد‪ ،‬ونظرية‬
‫الحركات االجتماعية الجديدة )‪.Storr (2002‬‬
‫نظرية تعبئة الموارد ‪Resource Mobilization Theory‬‬
‫ه‪rr‬ذه النظري‪rr‬ة طوره‪rr‬ا ك‪rr‬ل من مك‪rr‬ارثي وزل‪rr‬د ‪McCarthy & Zald‬‬
‫)‪ (1987‬وق‪rr‬د ب‪rr‬دأت بوض‪rr‬ع الس‪rr‬ؤال الت‪rr‬الي‪ :‬لم‪rr‬اذا ينخ‪rr‬رط الن‪rr‬اس في‬
‫الحركات االجتماعية؟ ويبدو ان اإلجاب‪rr‬ة االولي‪rr‬ة‪ ،‬هي انهم يري‪rr‬دون تغ‪rr‬يرا‬
‫اجتماعي‪rr‬ا كنتيج‪rr‬ة لخ‪rr‬براتهم في مس‪rr‬اوئ وقم‪rr‬ع النظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي او‬
‫السياسي‪ ،‬ولهذا من المتوقع ان يشارك السود مثال في الحركات المناهضة‬
‫للعنصرية النهم يعانون من التمييز العنصري‪ ،‬وهذه اإلجابة مبسطة اك‪rr‬ثر‬
‫مما يجب‪ ،‬ذلك ان بعض الناس يعانون من القم‪rr‬ع ولكنهم ال يش‪rr‬اركون في‬
‫الحركات االجتماعية‪ ،‬ويعتقدون ان هذا الخيار خيارا عقالني‪rr‬ا‪ ،‬مثال اف‪rr‬راد‬
‫الجنسية المثلية الذين ال يش‪rr‬اركون بفعالي‪rr‬ة في حرك‪rr‬ات المنح‪rr‬رفين جنس‪rr‬يا‬
‫النهم يعتقدون ان المش‪rr‬اركة ليس‪rr‬ت ذات نف‪rr‬ع اذا ك‪rr‬ان من نتائجه‪rr‬ا فقدان‬
‫عملهم‪ ،‬او لعلهم يأملون ان معاداة الجنسية المثلي‪rr‬ة س‪rr‬تنتهي ذات ي‪rr‬وم‪ .‬من‬
‫جه‪rr‬ة أخ‪rr‬رى بعض المش‪rr‬اركين ربم‪rr‬ا لم يتعرض‪rr‬وا للقم‪rr‬ع او التمي‪rr‬يز او‬
‫اإلساءة‪ ،‬اذن لماذا يشارك بعض الناس ويحجم اخرون؟ او لنض‪r‬ع الس‪r‬ؤال‬
‫بصيغة أخرى‪ :‬كيف تعبئ الحركات االجتماعية الن‪rr‬اس للمش‪rr‬اركة‪ .‬النقط‪rr‬ة‬
‫الجوهرية في نظرية تعبئة الموارد‪ ،‬هي ان الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة تحت‪rr‬اج‬

‫‪355‬‬
‫موارد‪ ،‬أموال ومتطوعين‪ ،‬ونجاحها مرهون بمقدار م‪rr‬ا تحص‪rr‬ل علي‪rr‬ه من‬
‫موارد‪ ،‬باختصار الواجب الرئيس للحركات االجتماعية وفقا لهذه النظرية‬
‫هو زيادة حجم الموارد الممكنة‪ ،‬ويمكنه‪r‬ا ان تفع‪r‬ل ذل‪r‬ك عن طري‪r‬ق اقن‪r‬اع‬
‫االفراد باالنضمام اليها كأعض‪rr‬اء ف‪rr‬اعلين ووض‪rr‬ع ج‪rr‬زء من م‪rr‬واردهم في‬
‫خدمة الحركة‪ ،‬ولكي تحصل على الموارد فأنها ال تقتص‪rr‬ر في بحثه‪rr‬ا على‬
‫أولئك ال‪r‬ذين ينتفع‪r‬ون مباش‪r‬رة من التغ‪r‬ير االجتم‪r‬اعي‪ .‬والواق‪r‬ع ان نظري‪r‬ة‬
‫تعبئة الموارد تف‪r‬ترض ان الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة تعم‪rr‬ل دائم‪rr‬ا على أس‪rr‬اس‬
‫عقالني وتتخذ خيارات عقالنية‪ ،‬لهذا تعم‪r‬ل الحرك‪r‬ات االجتماعي‪r‬ة وكأنه‪r‬ا‬
‫شركة تبحث عن مستثمرين‪ .‬النقد الذي تعرضت له هذه النظري‪rr‬ة هي انه‪rr‬ا‬
‫تأخذ في االعتبار العام‪rr‬ل االقتص‪rr‬ادي وح‪rr‬ده‪ ،‬وال تعطي اهتمام‪rr‬ا أله‪rr‬داف‬
‫الحركات االجتماعية وال للتغيير االجتماعي الذي تس‪r‬عى للحص‪rr‬ول علي‪r‬ه‪،‬‬
‫كما انها لم تسلط الضوء على ثقافة الحركات االجتماعي‪rr‬ة وال األس‪rr‬لوب او‬
‫الرموز التي تستخدمها‪.‬‬
‫نظرية الحركات االجتماعية الجديدة ‪New Social Movement Theory‬‬

‫هذه النظرية أك‪rr‬ثر اهتمام‪rr‬ا بتحلي‪rr‬ل ثقاف‪rr‬ة ورم‪rr‬وز الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‪،‬‬


‫والجدي‪rr‬د في ه‪rr‬ذه النظري‪rr‬ة ه‪rr‬و ليس النظري‪rr‬ة بح‪rr‬د ذاته‪rr‬ا وليس الحرك‪rr‬ات‬
‫االجتماعية التي برزت للواجهة وانما شكل المجتمع الذي تح‪rr‬دث في‪rr‬ه ه‪rr‬ذه‬
‫الظاهرة‪ .‬الواقع ان الحركات االجتماعية نشأت في مجتمع المعلوم‪rr‬ات أي‬
‫في حقبة أصبح التواصل االجتم‪rr‬اعي فيه‪rr‬ا أس‪rr‬هل وأس‪rr‬رع وأوس‪rr‬ع من أي‬
‫وقت مضى‪ ،‬وهي تسعى في نض‪rr‬ال دؤوب ألح‪rr‬داث تغي‪rr‬ير اجتم‪rr‬اعي عن‬
‫طري‪rr‬ق الت‪rr‬أثير على ال‪rr‬راي الع‪rr‬ام لتأيي‪rr‬د الوجه‪rr‬ة ال‪rr‬تي تري‪rr‬د‪ .‬الحرك‪rr‬ات‬

‫‪356‬‬
‫االجتماعي‪r‬ة الجدي‪r‬دة تهتم أك‪r‬ثر بالقض‪r‬ايا غ‪r‬ير المادي‪r‬ة‪ ،‬كالهوي‪r‬ة وأس‪r‬لوب‬
‫الحي‪rr‬اة والالمس‪rr‬اواة ال‪rr‬تي تتع‪rr‬ارض م‪rr‬ع توجهاته‪rr‬ا أك‪rr‬ثر من الالمس‪rr‬اواة‬
‫االقتص‪rr‬ادية‪ ،‬كم‪rr‬ا ه‪rr‬و ح‪rr‬ال الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة في عص‪rr‬ر الص‪rr‬ناعة‬
‫كالحركات العمالية‪.‬‬
‫أحد اهم قادة الفكر في دراسة الحركات االجتماعية الجديدة ه‪rr‬و اإليط‪rr‬الي‬
‫ال‪rr‬برتو ملوس‪rr‬ي )‪ Alberto Melucci (1995‬ال‪rr‬ذي ح‪rr‬دد خص‪rr‬ائص‬
‫الحركات االجتماعية الجديدة في مجتمع المعلومات كما يلي‪:‬‬
‫ـ انه‪r‬ا تتمح‪r‬ور ح‪r‬ول المعلوم‪r‬ات‪ :‬الناش‪r‬طون في ه‪r‬ذه الحرك‪r‬ات مهتم‪r‬ون‬
‫بدرجة كبيرة بإنتاج المعلومات وتدويرها‬
‫ـ االنعكاس الذاتي للفعل‪ :‬بسبب ان الحرك‪r‬ات االجتماعي‪r‬ة الجدي‪r‬دة تناض‪r‬ل‬
‫من اج‪rr‬ل اه‪rr‬داف معين‪rr‬ة فأنه‪rr‬ا تأخ‪rr‬ذ في الحس‪rr‬بان األه‪rr‬داف ال‪rr‬تي فرزته‪rr‬ا‬
‫افعالها‪ ،‬األفعال التي ينظر لها على انها رسالة يتعين توصيلها ألكبر ع‪rr‬دد‬
‫من الناس‬
‫ـ البعد العالمي‪ :‬الحركات الجديدة قادرة ان تستجيب وتتفاعل مع االح‪rr‬داث‬
‫العالمية باستخدام وسائل االتصال الحديثة والسيما االنترنيت‪.‬‬
‫ـ وقت االستجابة والظهور‪ :‬هناك أوقات تظهر فيها الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة‬
‫بقوة‪ ،‬واوقات أخرى تختفي‪ ،‬من هنا يتحدث علماء االجتم‪r‬اع عن موج‪r‬ات‬
‫مختلفة للحركات االجتماعية‪ ،‬مثل الموجة األولى للحركات النسوية تعقبها‬
‫موجة ثانية وثالثة‪ .‬موجة النشطاء يقول ملوسي يجب ان ال تفهم على انه‪rr‬ا‬
‫قوة جديدة قادمة يعقبها اختفاء‪ ،‬انها في الواقع موجات تعقب بعضها دوريا‬

‫‪357‬‬
‫اعتم‪rr‬ادا على ق‪rr‬درتها في تعبئ‪rr‬ة مؤي‪rr‬ديها واالح‪rr‬داث ال‪rr‬تي تس‪rr‬تثير الن‪rr‬اس‬
‫وتستلزم القيام بفعل احتجاجي‪Storr (2002) .‬‬
‫النقطة األخيرة التي ركز عليه‪rr‬ا ملوس‪rr‬ي هي ان نج‪rr‬اح او فش‪rr‬ل الحرك‪rr‬ات‬
‫االجتماعية ال ينبغي الحكم عليها عن طريق إنجازاتها السياسية فقط وانم‪rr‬ا‬
‫عن طريق النت‪r‬ائج الثقافي‪r‬ة ال‪r‬تي تحققه‪r‬ا على مس‪r‬توى االتص‪rr‬ال والتعبئ‪r‬ة‪.‬‬
‫وبما ان الحركات االجتماعية تناضل من اجل تغيير األوضاع القائمة ف‪rr‬ان‬
‫الفعل االحتجاجي الذي تقوم به قد يكون مسؤوال عن تغيير االوضاع ال‪rr‬تي‬
‫احتجت عليه‪rr‬ا واس‪rr‬تبدالها ب‪rr‬أخرى جدي‪rr‬دة‪ .‬واالحتج‪rr‬اج هن‪rr‬ا يمكن ان يقدم‬
‫للناس فرصة للتعرف على بناء القوة واختالالت القوة‪.‬‬
‫احدى الحركات االجتماعية التي اجتذبت دعما واسعا من الشباب النشطين‬
‫في اغلب البلدان المتقدمة اقتصاديا هي الحركة المضادة للعولمة (وتس‪rr‬مى‬
‫أحيان‪rrr‬ا الحرك‪rrr‬ة المض‪rrr‬ادة للرأس‪rrr‬مالية) وهي حرك‪rrr‬ة ك‪rrr‬انت تم‪rrr‬زج بين‬
‫خصائص الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة القديم‪rr‬ة ال‪rr‬تي ك‪rr‬انت تناض‪rr‬ل بالنياب‪rr‬ة عن‬
‫المح‪r‬رومين ض‪r‬د أص‪r‬حاب القوة‪ ،‬وبين خص‪r‬ائص الحرك‪r‬ات االجتماعي‪r‬ة‬
‫الجدي‪rr‬دة‪ ،‬مث‪rr‬ل أس‪rr‬لوب الحي‪rr‬اة‪ ،‬وحماي‪rr‬ة البيئ‪rr‬ة‪ ،‬كم‪rr‬ا انه‪rr‬ا تس‪rr‬تخدم رم‪rr‬وز‬
‫وتكتيكات الحركات االجتماعية الجديدة من اجل الحص‪r‬ول على أك‪r‬بر دعم‬
‫ممكن من الرأي العام وتشجيع الن‪rr‬اس للتفك‪rr‬ير بطريقة مختلف‪rr‬ة‪ .‬واي ك‪rr‬ان‬
‫النجاح الذي يعزى ألسلوب ورموز الحركات المضادة للعولمة فإنها توجه‬
‫انتباه الناس في البلدان األقل تقدما نحو نشاطها الذي ينظ‪rr‬ر ل‪rr‬ه على ان‪rr‬ه ال‬
‫يحظى بال‪rr‬دعم الالزم ش‪rr‬عبيا واعالمي‪rr‬ا‪Alexander & Thompson .‬‬
‫)‪(2008‬‬

‫‪358‬‬
‫الحركات االجتماعية الجديدة بكل اش‪r‬كالها وتوجهاته‪r‬ا ورموزه‪r‬ا له‪r‬ا دور‬
‫مهم في التغ‪rr‬ير االجتم‪rr‬اعي عن طري‪rr‬ق الض‪rr‬غط على أص‪rr‬حاب القرار‬
‫وصناع السياسات االجتماعية في الدول المتقدم‪rr‬ة على وج‪rr‬ه الخص‪rr‬وص‪،‬‬
‫ام‪rr‬ا في البل‪rr‬دان النامي‪rr‬ة ف‪rr‬ان الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة له‪rr‬ا دور ض‪rr‬عيف في‬
‫عمليات التغير ألسباب تتعلق بحجم الفجوة بين رجال السياس‪rr‬ة والمجتم‪rr‬ع‪.‬‬
‫الفجوة التي تجعل الضغط الذي تمارسه الحركات السياس‪rr‬ية غ‪rr‬ير ذي نف‪rr‬ع‬
‫او يواجه بالرصاص الحي وخراطيم المياه والسجون‪.‬‬
‫خالصة ‪Conclusion‬‬
‫هل نحن بالفعل نواجه ثورة اجتماعية‪ ،‬يتحول فيها النظ‪rr‬ام االجتم‪rr‬اعي من‬
‫شكل الى اخر‪ .‬المؤشرات كلها توحي ان شكل المجتمع‪r‬ات البش‪r‬رية تش‪r‬هد‬
‫تغيرا غير مسبوق في سرعته وايقاعه وثقافته‪ .‬النظريات التقليدي‪rr‬ة للتغ‪rr‬ير‬
‫االجتماعي لم تأخ‪rr‬ذ في الحس‪rr‬بان القف‪r‬زة النوعي‪rr‬ة ال‪rr‬تي تس‪rr‬ببتها تكنولوجي‪rr‬ا‬
‫المعلومات على ال‪r‬رغم من تف‪r‬اؤلهم ب‪r‬ان المعرف‪r‬ة العلمي‪r‬ة يمكن ان تح‪r‬دث‬
‫تغي‪rr‬يرات جوهري‪rr‬ة في بني‪rr‬ة المجتمع‪rr‬ات وت‪rr‬ؤثر بش‪rr‬كل مباش‪rr‬ر على الب‪rr‬نى‬
‫االجتماعية‪ ،‬ولكن الخيال االجتماعي لم يصل الى حد التكهن بنوع االسرة‬
‫في عصر المعلومات وال في شكل التواصل االجتماعي ال‪rr‬ذي ع‪rr‬بر ح‪rr‬دود‬
‫الدول‪rr‬ة القومي‪rr‬ة ليجع‪rr‬ل من ك‪rr‬وكب األرض كل‪rr‬ه رقع‪rr‬ة واح‪rr‬دة تس‪rr‬مح لك‪rr‬ل‬
‫الالعبين العبث بالبيئة والثقافة واالس‪rr‬رة‪ .‬التغ‪rr‬ير ال‪rr‬ذي تح‪rr‬دث عن‪rr‬ه علم‪rr‬اء‬
‫االجتماع األوائل كان أساسه الصراع بين الطبقة العامل‪rr‬ة وأص‪rr‬حاب راس‬
‫المال‪ ،‬وكانت الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة تنحص‪rr‬ر في المط‪rr‬الب المادي‪rr‬ة‪ ،‬فيم‪rr‬ا‬
‫تب‪rr‬دل ش‪rr‬كل ه‪rr‬ذه الحرك‪rr‬ات وتغ‪rr‬يرت أه‪rr‬دافها ورموزه‪rr‬ا وح‪rr‬تى زخمه‪rr‬ا‬

‫‪359‬‬
‫البش‪rr‬ري‪ .‬الحرك‪rr‬ات االجتماعي‪rr‬ة في زمن المعلوم‪rr‬ات أص‪rr‬بحت تبحث عن‬
‫مطالب غير مادية‪ ،‬مثل تغيير دور المرأة ومكانتها‪ ،‬والحركات المناهضة‬
‫للعنصرية والحركات المناهضة للعولمة‪ ،‬ومناصرة البيئة‪ .‬واالهم ان ه‪rr‬ذه‬
‫الحركات أصبحت قادرة على جمع اع‪rr‬داد هائل‪rr‬ة من المناص‪rr‬رين في زمن‬
‫قياسي يحسب بالدقائق والساعات وليس باأليام واالش‪r‬هر كم‪r‬ا ك‪r‬ان يح‪r‬دث‬
‫في الماضي‪ ،‬ذل‪rr‬ك كل‪rr‬ه بفض‪rr‬ل وس‪rr‬ائل التواص‪rr‬ل االجتم‪rr‬اعي ال‪rr‬تي غ‪rr‬زت‬
‫العقول قبل البيوت‪ ،‬وعلى الرغم من انها اثرت بش‪rr‬كل مباش‪rr‬ر على أنم‪rr‬اط‬
‫السلوك والعادات وأسلوب الحياة‪ ،‬ف‪rr‬ان مخاطره‪r‬ا لم تتض‪rr‬ح بع‪r‬د‪ ،‬ذل‪r‬ك ان‬
‫االستخدام غير العقالني للتكنولوجيا الحديثة ربما على رأي‪ ،‬بعض علم‪rr‬اء‬
‫االجتم‪rr‬اع يحم‪rr‬ل لن‪rr‬ا مخ‪rr‬اطر غ‪rr‬ير منظ‪rr‬ورة س‪rr‬تظهر نتائجه‪rr‬ا في الم‪rr‬دى‬
‫الطوي‪rr‬ل‪ .‬ولكنه‪rr‬ا في ك‪rr‬ل األح‪rr‬وال أص‪rr‬بحت ق‪rr‬ادرة على اح‪rr‬داث تغي‪rr‬يرات‬
‫بنيوية وثقافية شاملة ليس فقط بسبب تنامي الحركات االجتماعية والسلوك‬
‫الجمعي وانم‪rr‬ا بس‪rr‬بب س‪rr‬وء اس‪rr‬تخدام التكنولوجي‪rr‬ا الرقمي‪rr‬ة ال‪rr‬تي خلقت لن‪rr‬ا‬
‫مجتمعات افتراض‪r‬ية عملت على تغي‪r‬ير منظوم‪r‬ات القيم ال‪r‬تي تحاف‪r‬ظ على‬
‫الحد األدنى من إنسانية الفرد والمجتمع‪ .‬الح‪rr‬ق انن‪rr‬ا نحي‪rr‬ا في قلب عاص‪rr‬فة‬
‫من التغيرات االجتماعية ال‪rr‬تي ال أح‪rr‬د ي‪rr‬دري م‪rr‬دياتها او وجهته‪rr‬ا‪ ،‬ولكنه‪rr‬ا‬
‫تستثير كثيرا من المخاوف على مستقبل الجنس البشري‪.‬‬

‫‪360‬‬
Bibliography
Adam B, (1995) Timewatch: The Social Analysis of Time,
Cambridge, Polity Press.
Alwan FJ, (2019) Social change: the case of Patriotism in
Contemporary Iraq, Paper Accepted for Publication in Periodical
Journal (Hawliat) of EinShams University, Egypt.
Alexander J and Thompson k, (2008) A Contemporary
Introduction to Sociology: Culture and Society in Transition.
London, Paradigm Publishers.
Anderson E, (2000) Code of the Street: Decency, Violence and
the Moral Life of the Inner-city, New York. W. W. Norton.
Ballantine G H, and Roberts K A (2009) Our Social World:
Introduction to Sociology, Los
Angeles and London, Pine Forge Press.
Bauman Z, (1992) Intimations of Postmodernity, London,
Routledge.
Ballantine J H, and Roberts K A, (2009) Our Social World:
Introduction to Sociology, London, Pine Forge Press.
Beattie J, (1985) Other Cultures: Aims, Methods and
Achievements in Social Anthropology, London, Routledge ang
Kegan-Paul.
Beck U, (1992) Risk Society, London, SAGE.
Beck, U, (2000), What is Globalization, Cambridge, Polity Press.
Beker D, et al (1987), Post-Imperialism, Boulder, CO, Lynne
Reiner.

361
Berger P and Luckmann T, (1969) “Sociology of Religion and
Sociology of Knowledge”, in Robertson R (ed) Sociology of
Religion, |Harmondsworth, Penguin
Berger P, (1973) The social Reality of Religion, London, Penguin
Book Ltd
Bettelheim B, (1969) The Children of the Dream, London,
Thames & Hudson.
Bilton T, Bonnett K, Jones P, Lawson T, Skinner D, Stanworth
M and Webster A, (2002) Introductory sociology, New York,
Palgrave, Macmillan.
Boli J, (2002) “Globalization” in Levinson D, Cookson P &
Sadovnik A (eds) Education and Sociology: An Encyclopaedia.
New York, Routledge- Falmer. PP. 307-13
Broom L, Selznick Ph, and Darroch D B, (1981) Sociology: A
Text with Adapted Readings, 7th ed, New York, Harper & Row
Publishers.
Brown A, (1986) “Family Circumstances of Young Children”.
Population Trends, Vo. 43
Browne K, (2010) An Introduction to Sociology, 3rd ed,
Cambridge, Polity Press.
Carrington Ch, (1999) No Place Like Home: Relationships and
Family among Lesbians and Gay Men, Chicago, University of
Chicago Press.
Castells M, (1996) The Information Age: The rise of the Network
Society, Malden, MA, Blackwell, Vol. 1,
Castells M, (1997) The Information Age: The rise of the Network
Society, Malden, MA, Blackwell, Vol. 2.
Castells M, (2002) “Material for an Exploratory Theory of the
Network Society” in Tim Jordan & S. Pile (eds) Social Change,
PP. 123-128, Oxford, UK: Blackwell
Cheal D, (1991) Family and the State of Theory, Hemel
Hempstead, Harvester Wheatsheaf.
Chinoy E, (1971) Society: An Introduction to Sociology, New
York, The Book Press.
Curtiss S, (1977) Genie; a Psycholinguistic Study of a Modern-
Day “Wild Child”, New York, Academic Press.

362
Dahl R A, (1989) Democracy and its Critics, New haven, Yale
University Press.
Davis K, (1940) “A Final Note on a Case Extreme Isolation”
American Journal of Sociology, 52 PP. 432-37
Delphy C, (1977) The main Enemy, London Women’s Research
and Resources Centre.
Diani M (1992) “The Concept of Social Movement”
Sociological Review, 40, 1-25
Domhoff G W, (1998) Who Rules America? Power and Politics
in the Year 2000, 3rd ed Mountain View, CA: Mayfield.
Durkheim E, (1893) The Division of Labour in Society, Glencoe,
IL, The Free Press. Reprinted 1964
Durkheim E, (1897) Suicide, Glencoe, IL, The Free Press.
Reprinted 1951
Dürrschmidt J and Taylor G. (2007) Globalization, Modernity
and Social Change, Hampshire, Palgrave, Macmillan.
Eder D, Evans C and Parker S, (1995) School Talk: Gender and
Adolescent Culture. NJ, Rutgers University Press.
Edwards S, (1984) Women on Trial, Manchester, Manchester
University Press.
Elliot F R, (1996) Gender, Family and Society, Basingstoke,
Macmillan.
Featherstone M, (1998) “City Cultures and Postmodern
Lifestyle” in Marsh, Campbell R and Keating M, (eds) Classic
and Contemporary Readings in Sociology, Essex, Pearson
Education Ltd.
Foucault, M, (1979) Discipline and Punish: The Birth of the
Prison, New York, Vintage
Freese J, Powell B, and Steelman, (1999) Rebel Without a Cause
or Effect: Birth Order and Social Attitudes, Washington, DC,
American Sociological Association.
Friedland R and Hecht R, (1996) To Rule Jerusalem. Cambridge,
Cambridge University Press.
Fukuyama F, (1992) The End of History and the Last Man, New
York, Free Press.

363
Fulcher J and Scott J, (1999), Sociology. New York, Oxford
University Press.
Gans H, (1962) Urbanism and Sub-urbanism as Ways of Life: A
Re-evaluation of Definitions, in Arnold Marshal Rose (ed)
Human Behaviour and Social Process, 625-648, Boston,
Houghton, Mifflin.
Gans H (1967) The Levittowners, New York, Pantheon.
Geertz H & Clifford G, (1975) Kinship in Bali, Chicago,
University of Chicago Press.
Gergen K J, (1991) The Saturated Self: dilemmas of Identity in
Contemporary Life, New York, Basic Book.
Giddens A, (1984) The Constitution of the Society, Cambridge,
Polity Press.
Giddens A, (1989) Sociology, Cambridge, Polity Press.
Giddens A, (1990) The Consequences of Modernity, Cambridge,
Polity Press.
Giddens A, (1999) Runaway World: How Globalization is
Reshaping Our Lives, London, Profile Books.
Giddens A, (2007) Europe in the Global Age, Cambridge, Polity
Press.
Gittins D, (1993) The Family in Question: Changing Households
and Familiar Ideologies,2nd ed, London, Macmillan.
Gomm R, (1989) “Deviance and Social Problems” in McNeill P
and Townley Ch (eds) Fundamental of Sociology,2nd ed,
Cheltenham, Stanley Thornes Publishers.
Gomm R, (1989) “Development, Underdevelopment and
Migration” in McNeill P and Townley Ch (eds) Fundamental of
Sociology,2nd ed, Cheltenham, Stanley Thornes Publishers.
Goody J, (1968) “Time: Social Organization” in International
Encyclopaedia of the Social Sciences, Vol. 16, PP. 30-42, New
York, Macmillan.
Gouldner A, (1971) The Coming Crisis of Western Sociology,
London, Heinemann.
Gottfredson M R and Hirschi T, (1990) A General Theory of
Crime, Palo Alto, CA: Stanford University Press.

364
Hall E, (1959) The Silent Language, New York, Doubleday &
Company.
Hall E, (1984) The Dance of Life: The Other Dimension of Time,
New York, Doubleday & Company Inc.
Hall E, (1987) Hidden Differences, New York, Doubleday &
Company Inc.
Hall E, (1989) Beyond Culture, New York, Anchor Books.
Doubleday & Company Inc.
Haralambos M, Smith F, O’Gorman J and Heald R, (1991)
Sociology a New Approach, Oxford, Causeway Books.
Haralambos M, (1993) Sociology: Themes and Perspectives,
London, Collins Educational.
Harris J R, (1998) The Nature Assumption: Why Children Turn
Out the way They Do, New York, The Free Press.
Held D, (1995) Democracy and the Global Order, Cambridge,
Polity Press.
Hirschi T, |(2002) Causes of Delinquency, New Brunswick, NJ,
Transaction Publishers.
Hobbs F, and Stoops N (2002) Demographic Trends in the 20th
Century. U.S. Census Bureau, Available online at
http://www.census.gov/prod/2002pubs/censr-4.pdf
Hurd G, Ashton D N, Brown R K, Duncan P, Dunning E,
Holloway S W, Johnson T J, McIntosh M, and Zubaida S, (1978)
Human Societies: An Introduction to Sociology, London,
Routledge and Kegan Paul.
Hofstede G, (1991) Cultures and Organizations: Intercultural
Cooperation and Its Importance for Survival, London, Harper
Collins Publishers.
Hofstede G, (2001) Culture’s Consequences: Comparing Values,
Behaviours, Institutions and Organizations Across Nations,
London, SAGE Publications.
Hurd G, Ashton D, Brown R, Duncan P, Dunning E, Holloway
S, Johnson T, McIntosh M and Zubaida S, (1978) Human
Societies: An Introduction to Sociology, London, Routledge &
Kegan Paul.

365
Jewson N, (1994) “Family Values and Relationships”, Sociology
Review. Vol. 3 No 3.
Kanter R M, (1989) When the Giants Learn to Dance: Mastering
the Challenges Strategy. Managements and Careers in the
1990’s. New York, Simon & Schuster.
Kaplan H B and Johnson R J, (1991) “Negative Social Sanctions
and Juvenile Delinquency: Effects of Labelling in a Model of
Deviant Behaviour” social Science Quarterly. 72 (1) 117.
Krug E, Mercy D J, Zwi A, and Lozano R, (2002) World Report
on Violence and Health. Geneva, Switzerland, World Health
Organization.
Lawson A, (1988) Adultery: An Analysis of Love and Betrayal,
New York, Basic Books.
Levine R V, (1988) “The Pace of Life Across-Cultures” in
McGrath (ed) The Social psychology of Time: New Perspectives,
California, SAGE Publication Ltd.
Macionis J, and Plummer K, (2002) Sociology: A Global
Introduction, Essex, Pearson Education Ltd.
Malinowski, B, (1954) Magic, Science and Religion and other
Essays, New York, Anchor Books.
Mann M, (1986) The Source of Social Power, Vol,1, Cambridge,
Cambridge University Press.
Marx K, (1976) (1843-44) “contribution to the Critique of
Hegel’s Philosophy of Law” in K. Marx and F Engels, Collected
Works, Vol.3, London, Lawrence & Wishart, PP. 174-75.
Marx K and Angels F, (1967) The Communist Manifesto,
Harmondsworth, Penguin.
Matza D, (1964) Delinquency and Drift, New York, Wiley.
McCarthy, J. D, & M Zald, (1978) (eds) Social Movement in an
Organizational Society: Collected Essays. New Brunswick, NJ:
Transaction.
McEvoy A and Brookings J B, (2008) If she is Raped: A
Guidebook for the Men in Her Life, 4th ed, Abridged, Tampa, FL:
Teal Ribbon Books.

366
McGrew A, (1992) “A Global Society” in Hall D, Held D &
McGrew T, (eds) Modernity and its Future, Cambridge, Polity
Press.
Mead M, (1963) Sex and Temperament in Three Primitive
Societies, 3rd ed, New York, Morrow.
Mead M, (1970) Culture and Component, Garden City, New
York, Natural History Press.
Merton R, (1968a) “Social Structure and Anomie” American
Sociological Review. 3 (October) 672-82.
Merton R, (1968b) Social Theory and Social Structure, 2nd ed.
New York. The Free Press.
Moor W, (1963a) Man, Time and Society, New York, Wiley.
Moore W, (1967) Order and Change: Essays in Comparative
Sociology, New York, Wiley.
Middleton Ch, (1986) “Sociology and Social Sciences” in
McNeill P and Townley Ch, Fundamental of Sociology, 2nd ed,
Cheltenham, Stanley Thorne Publishers Ltd.
Naisbitt, J and Aburdene P, (1990) Megatrends 2000: The New
Directions for the 1990’s, New York, William Morrow.
Nelken D, (1994) “White-Collar Crime” in Maguire et
al (eds), The Oxford Handbook of Criminology, Oxford,
Clarendon Press.
Nolan P, and Lenski G, (2008) Human Societies, Boulder, CO,
Paradigm.
Ogburn, W, (1964) On Culture and Social Change, Chicago,
University of Chicago Press.
Peoples J, and Bailey G, (2003) Humanity: An Introduction to
Cultural Anthropology, USA, Thomson Wadsworth.
Poggi G, (1978) The Development of the Modern State, London,
Hutchinson.
Pollert A, (1996) “Gender and Class Revisited, or the Poverty of
Patriarchy” Sociology, Vol. 30. No. 4.
Quinney R, (2002) Critique of Legal Order: Crime Control in
Capitalist Society, New Brunswick, NJ, Transaction Publishers.

367
Robins K, (1994) “Global Local Time” in Anderson J and Ricci
M (eds) Society and Social Science: A reader, Milton Keynes,
The Open University Press.
Robertson R, (1992) Globalization: Social Theory and Global
Culture, London, SAGE.
Rodger J. J, (1996) Family Life and Social Control, Hound mills,
Macmillan.
Rostow W, (1960) The Stages of Economic Growth: A Non-
communist Manifesto, Cambridge, Cambridge University Press
(2nd ed. 1971)
Schaefer R, and Kunz J, (2007) Racial and Ethnic Groups,
Upper Saddle River, NJ, Pearson/ Prentice Hall.
Scott, J (1982) The Upper Class, London, Palgrave, Macmillan.
Smart C, (1990) “Feminist Approaches to Criminology, or Post-
Modern Women Meets Attractive Man” in Gelsthorpe L and
Morris A |(eds) Feminist Perspectives in Criminology, Milton
Keynes, Open University Press.
Smelser N, (1962) Theory of Collective Behaviour, N Y, Free
Press.
Storr M, (2002) “Sociology of Social Movements: Theories,
Analysis and Educational Dilemmas” in K. Thompson and P.
Hamilton (eds) The Uses of Sociology, Cambridge, Blackwell
PP. 175-220
Sutherland E H, Cressey D R, and Luckenbil D, (1992)
Criminology, New York, General Hall.
Sztompka, P, (1998) The Sociology of Social Change. Oxford,
Blackwell
Taylor P, Richardson J, Yeo A, Marsh I, Trobe K and Pilkington
A, (2004) Sociology in Focus, London, CPL, Causeway Press.
Toffler A, (1971) Future Shock, London, Pan Book.
Tucker, R (1978) The Marx-Angels Reader. New York, Norton
Turner B, (1991) Religion and Social Theory, London, Sage
Ulrich Beck (1992) Risk society, London. SAGE Publication, in
association with Theory, Culture and Society.
UNESCO, (2006) Education for All Global Monitoring Report
2006: The Quality Imperative. Paris: UNESCO.

368
UNESCO, (2004) “The Literacy Decade: Getting Started 2003-
2004.” Part of the United Nations Literacy Decade (2003-2012)
Report. Paris: UNESCO, Available on line at http://unesco.
unesco.org/images/0013/001354/135400e.pdf
Walby S, (1986) Patriarchy at Work, Cambridge, Polity Press.
Watters E, (2001) “The Way We Live Now” New York Times,
14, 25.
Weber M, (1930) The Protestant Ethic and the Spirt of
Capitalism, Translated by Talcott Parsons, London, George
Allen & Unwin Ltd. (2nd ed 1976)
Weber M, (1947) The Theory of Social and Economic
Organization, Translated and edited by Henderson A, M &
Talcott Parsons. NY, Oxford University Press.
Weeks J, (1991) sex, Politics and Society, 2nd ed, London
Longman
Wolf E, (1966) Peasants, Englewood- Cliffs, NJ, Prentice-Hall
Worsley, P. “The distribution of Power in Industrial Societies” in
P. Halmos (ed) The Development of Industrial Societies,
Sociological Review Monograph 8, Keele University Press.

369
‫هذا الكتاب‬

‫اري‪rr‬د ل‪rr‬ه ان يك‪rr‬ون مقررا دراس‪rr‬يا ‪ ...‬فك‪rr‬ان‪ ،‬ولكن لم يكتب ل‪rr‬ه الجل‪rr‬وس ط‪rr‬ويال على‬
‫الطاولة الموحدة للكتب المنهجية ليش‪rr‬اطرها المك‪rr‬ان والزم‪rr‬ان والمنهج‪ ،‬ألن‪rr‬ه في بعض‬
‫جوانبه متمرد على المنهج وعلى القارئ وحتى على الكاتب نفسه‪.‬‬
‫ه‪rr‬ذا الكت‪rr‬اب يمكن ان يك‪rr‬ون ص‪rr‬ديقا‪ ،‬ويمكن ان يك‪rr‬ون جث‪rr‬ة في كفن ويمكن ان يك‪rr‬ون‬
‫جلبابا اخرس بال اكمام ‪ ...‬انه في الواقع يعتمد على قياس‪rr‬اتك‪ ،‬واالل‪rr‬وان ال‪rr‬تي تحب ‪...‬‬
‫وحاسة الذوق التي تأخذك ابعد من المطبخ ومن الطبيخ‪.‬‬
‫ليس في‪rr‬ه وص‪rr‬ايا وال خباي‪rr‬ا وليس في‪rr‬ه م‪rr‬ا يتع‪rr‬ارض م‪rr‬ع مقص ال‪rr‬رقيب وال حساس‪rr‬ية‬
‫الحسيب انه خلط‪r‬ة جدي‪rr‬دة من رم‪rr‬اد علم االجتم‪rr‬اع العج‪r‬وز‪ ،‬وألن‪rr‬ه ك‪rr‬ذلك ‪ ....‬ثم ألن‪rr‬ه‬
‫كتاب مقرر فليس امام القارئ اال ان يعلن اين ومتى يبدأ‬

‫‪370‬‬
371
372

You might also like