Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الثانية ماستر1 تعليمية اللغات2022
المحاضرة الثانية ماستر1 تعليمية اللغات2022
ُّ
Institut des lettres et des languesngues مع ــهد آلاداب واللــغات
ُّ www.centre-univ-mila.dz
املقياس :تعليمية اللغات الدكتور :سميرمعزوزن
َّ
املحاضرة الثانية
1
ُّ َّ
املحاضرة الثانية بعنوان :تعليمية اللغات( املفهوم و النشأة).
مما يجدر التنويه به –ههنا -أن التطور الهائل الذي شهده الغرب وال يزال يشهده في تعليمية اللغات
يدفعنا إلى التساؤل عن املكانة التي يحظى بها هذا العلم في البلدان العربية .إذ عرف البحث في ديداكتيك
اللغات عند الغرب تطورا كبيرا في نشأته ومفهومه وموضوعه ومنهجه انتهت نتائجه في النهاية بمعرفة
أفضل لعناصر العلمية التعليمية(املعلم ،املتعلم ،واملحتوى).
إذ تجلى أثر هذا التطور في تقيد املعلم واملتعلم وتمثلهما ملجموعة من املفاهيم والتصورات واملمارسات
التعليمية داخل ألاقسام التعليمية .وألامر أبعد من ذلك ،فقد استخدمت التعليمية في كثير من العلوم
التي لها عالقة صلة بها؛ وبذلك لم يعد يقتصر استخدام هذا املصطلح في حقل تعليمية اللغات فقط ،بل
تعداه إلى سائر العلوم واملعارف ألاخرى .غير أن املالحظ واملتجلى للعيان في البالد العربية ،أن هذا العلم لم
ينل املكانة التي يستحقها ،رغم أنه ظهرت مبادرات وآراء تنادي باإلصالح التربوي وتكوين املعلمين وإعادة
صياغة مناهج تعليمية جديدة تستجيب الحتياجات املتعلمين ومتطلبات العصر ،إال أنها بقيت مجرد
تصورات وآراء ال قيمة لها ما لم يتم فعال ترجمتها بصورة ممنهجة وفعالة في الواقع املمارسة التعليمية
داخل ألاقسام الدراسية.
ألامر الذي يتطلب منا -في ضوء ما تم عرضه آنفا -بعث مصطلح الديداكتيك في البلدان العربية كحقل
معرفي ومعرفة طبيعة موضوعه وعالقته بالعلوم ألاخرى ،وهو ما يسمح لنا بفتح ورشات إصالحية عميقة
في منظومتنا التربوية تستجيب وتتكيف مع ما يشهده العالم من تطور في هذا العلم.
ُّ
:1تعريف تعليمية اللغات(:)Didactique des langues
– 1 – 1لغة:
تجدر إلاشارة – ههنا -إلى أن مصطلح التعليمية من املصطلحات املستحدثة في اللغة العربية ،وقد أخذ
من املادة اللغوية للفعل" علم" والذي يعني "التعليم" .وقد ورد في لسان العرب في مادة "علم" ":علمت
الش يء أعلمه علما؛ عرفته ،وعلم العلم وأعلمه إياه فتعلمه ،ويقال تعلم في موضع اعلم .وفي حديث
2
الدجال(:تعلموا أن ربكم ليس بأعور) بمعنى اعلموا ."1وبعد التدقيق وإلامعان في تعريف ابن منظور
يمكننا أن نقف في مادة "علم" على ما يلي:
غني عن البيان ،أن مصطلح التعليمية يقابله في اللغة اليونانية مصطلح( )Didaktikosوالذي
يعني":دراسة طرق التدريس أوتقنيات التدريس ."2ومن هنا ،تحمل الكلمة معنى فلنتعلم أو يعلم بعضنا
بعضا أو أتعلم منك .ثم نزيد على ما تقدم ،فنقول :إن كلمة( )Didaktikosأخذت من كلمة()Didaskein
التي تعني درس أو علم( ،)Enseignerكما يعني مصطلح( )Didakhéالتعليم .ومن هذا املنطلق ،نفهم من
هذا املصطلح أنه ال يحمل معنى إلقاء املعارف على املتعلم من قبل املعلم ،إنما ألامر يتجاوز ذلك إلى
التفاعل وألاخذ والعطاء بين املعلم واملتعلم باملفهوم التربوي الحديث لعملية التعليم .وكانت الكلمة تطلق
عندهم على ضرب من الشعر الذي يعمل دراسة وشرح وتحليل املذاهب الفلسفية والعلمية لعامة الناس
وتبليغ وشرح وتبسيط داللتها املستعصية.
مما يجدر ذكره أن مصطلح ديداكتيك( )Didactiqueفي مجال العالج النفس ي يطلق عليه
مصطلح( )Didactogenieالذي يعني الاضطرابات النفسية أو النفس -جسدية التي يعمل على إثارتها
وخلقها في املتعلم .ويستعمل مصطلح( )Didacticielعلى قدرة الفرد على التعلم الذاتي بفضل استخدام
الحاسوب ،ويكون هذا التعليم مبرمجا .إذ يقول حبيب تلوين في هذا السياق ":ال يجب أن ننس ى بأنه من
العوامل التي شجعت على انتشار تيار الديداكتيك في الغرب – التي ال ينتبه الكثيرون لدينا -هو حاجة
مصممي برامج الكمبيوتر التعليمية التجارية ملا يسمى( )Les didacticielsإلى بعض التقنيات التربوية
السريعة والبسيطة من أجل بناء برامج توجه للجمهور لتعليم بعض املمارسات غير املتخصصة،
ككيفية تهيئة حديقة املنزل أو إعداد همبرغر ...ومن جاءت الديداكتيك لتقدم لغير املتخصص يد
العون في شكل دالئل مبسطة ومجهزة إلعداد برامج التعلم الذاتي لبعض املهمات البسيطة."3
1بن مكرم ابن منظور ألانصاري الافريقي املصري ،لسان العرب ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،مجلد ، 22:دت ،ص584- 584- 584
3حبيب تلوين ،مغالطات الديداكتيك والديداكتيكيين ،مجلة سلسلة منشورات مخبر العمليات التربوية والسياق الاجتماعي ،دار الغرب
للنشر و التوزيع ،الجزائر ،دت ،ص228
3
مما يجدر التنويه به أيضا في هذا السياق ،أن مصطلح الديداكتيك( )Didactiqueقد ورد في بعض
املعاجم اللغوية مرادفا ملصطلح بيداغوجيا( ،)Pédagogieإذ نلحظ للمصطلح مرادفات كثيرة –مثال -في
اللغة الفرنسية ،إذ نجد تربوي( )Educatifوثقافي( )Culturelووثائقي()Documentaire
وبيداغوجي( )Pédagogiqueومدرس ي(.4)Scolaire
– 2اصطالحا:
نود قبل الولوج إلى التعريف الاصطالحي ملصطلح التعليمية التأكيد على أن تعريف التعليمية في
الدراسات وألابحاث التربوية من املصطلحات التي كانت والتزال لم تعرف الاستقرار في البحث حول
مفهومها؛ فاملصطلح يكتنفه الكثير من الغموض والجدل باملقارنة مع املصطلحات ألاخرى املستخدمة في
التعليم .ويعزى السبب في كل هذه الاضطرابات الكثيرة التي يشهدها هذا العلم إلى عدم تحديد بعد معالم
استقاللية هذا العلم عن العلوم ألاخرى؛ أي بقي حبيس تجاذبات مجموعة من آلاراء والتصورات حول
الارتباط الوثيق بين علم تعليم اللغات والعلوم ألاخرى.
الغرو أن هذا العلم الذي عرف الكثير من الاختالفات عند الغرب في تحديد مفهومه ،فهو عند العرب
ظل في موضع جدال ونقاش حول املصطلح ألانسب املقابل ملصطلح( .)Didactiqueفمصطلح التعليميات
هو املصطلح ألاكثر شيوعا واستخداما عندنا في الجزائر ،ونراه –حست تصورنا -املصطلح ألاصح في
الاستعمال قياسا على "لسانيات ،وبصريات ،ورياضيات .وفي املغرب يستخدمون مصطلح الديداكتيك
تجنبا ألي لبس في مفهوم املصطلح ،وإن كان البعض يتحفظ عن هذا املصطلح ألنه ينأى عن قواعد اللغة
العربية .ولهذا تجد املغاربة قد فضلوا تعريب مصطلح" ديداكتيك" بدال من ترجمته تجنبا في هذا السياق
لكل لغط اصطالحي .ومن خالل إطالعنا على الكثير من الكتب املغربية في هذا السياق ،نجدهم
يستعملون بكثرة مصطلح" ديداكتيك" والاستثناء الوحيد الذي وجدناه هو عند (دمحم الدريج) 5الذي
استعمل مصطلح"علم التدريس مرادفا ملصطلح " ديداكتيك" .وفي تونس يستعملون مصطلح تعليمية
املواد ،و"علم التدريس" مصطلح يستخدمه بكثرة أهلنا في العراق ،في حين في مصر وألاردن يقابلون
مصطلح التعليمية بمصطلح تطوير التعليم .ولعل هذه الاختالفات -حسب رؤيتنا وتصورنا املتواضع -يعود
5دمحم الدريج ،مدخل إلى علم التدريس ،دار عالم الكتب ،الرياض، 2995 ،ص8 - 4
4
أساسا إلى تعدد مناهل الترجمة من جهة ،وإلى الترادف الذي تعرفه اللغة العربية من جهة أخرى .واملخطط
آلاتي الذي سنقدمه سيوضح الاختالفات التي ترجم بها مصطلح(:)Didactique
Didactique
نود أن نشير -في بداية هذه املحاضرة -إلى التعريف الذي قدمه ميالري( )G . Mialaretبقوله:
َّ َّ
" الديداكتيك موضوع يهتم بالتدريس مع تحديد وسائل العلمية التعليمية -التعليمة."6
بناء على هذا التعريف نخلص إلى أن الديداكتيك تهتم بالتدريس الذي يتجاوز ما يقدمه املعلم في
القسم إلى مساعدة املتعلمين على تحصيل العلوم واملعارف وتربيتهم وتنمية شخصياتهم في جميع جوانبها
النفسية والعقلية واملعرفية والاجتماعية .مع العلم أن التعليمية تستهدف دراسة عناصر العملية
التعليمية ،ومحالة إيجاد أفضل الطرائق لتطوير التعليم بما يستجيب الحتياجات العصر.
وقد عرفها كوست( )Costeعلى أنها ":مجموع الخطابات املكتوبة واملنطوقة املنتجة حول تعليم
وتعلم املعارف واملهارات املساهمة في معرفة واستعمال لغة غيرلغة املنشأ"7
ما تجدر إلاشارة إليه –ههنا -في التعريف الذي قدمه كوست هو أن اهتمام تعليمية اللغات يتجاوز
الخطابات الشفوية واملكتوبة املنتجة في اللغة ألاولى أو ما يعرف بلغة املنشأ داخل ألاقسام الدراسية إلى ما
ينتجه املتعلم من خطابات خارج جدران القسم.
6عبد العالي عارف ،الطرق الديداكتيكية ،محاولة في التصنيف ،مجلة الدرسات النفسية و التربوية ،املغرب،العدد، 22ديسمبر،2992ص
22
D . Coste , construction et évolution des discours de la didactique du FLE ,ELA ,N61,Didier édition, paris,1976 ,p53 7
5
ُّ
في سياق آخر يشير دانيال بايلي( )Danielle Baillezفي كتابه "مصطلحات تعليمية اللغات"( Les
)mots de la didactique des languesبقوله ":هذا العلم باملعنى الدقيق ،ذلك الشق التطبيقي ألي
تعليم نظري ،والذي يستند إلى علم(لسانيات ،وعلم وظائف ألاصوات) كما يعمل على إعداد أو تحضير
َّ
أجهزة تجريبية من أجل مالحظة ردود التالميذ ،واستراتيجياتهم التعليمية ،وأخطائهم والعمل على
معالجتها."8
بناء على هذا التعريف ،نرى أن تعليمية اللغات علم متداخل الاختصاصات مع علوم أخرى؛أي أنها في
الفكر التربوي املعاصر أصبحت جسرا يربط بين علوم وتخصصات كثيرة ،على اعتبار أنها علم إجرائي
ميداني يطبق نتائج أبحاث هذه العلوم ،ويستثمر فيها إليجاد حلول وطرائق تعليمية فعالة للمشاكل التي
تعترض العلمية التعليمية -التعليمية .خاصة أن الواقع التعليمي في منظومتنا التعليمية يكشف لنا عدم
جدوى املناهج التعليمية املطبقة آلان ،وعدم استجابتها ملا يتطلبه واقع استعمالنا الطبيعي والعفوي
للغتنا في استعمالنا اليومي لها ،من حيث التنويع في التعابير املوظفة بحسب ما تفرضه علينا أحوال
الخطابات الحقيقية العفوية غير املصطنعة.
عليه ،تتوخى التعليمية تقويم إنتاجات التالميذ الشفوية والكتابية واستراتيجياتهم التعليمية املتبعة مع
العمل على معالجة أخطائهم وتقويمها بما يسمح لهم بتجنبها .وبذلك يستطيع املتعلم التعبير عن مختلف
أغراضه الخطابية والتواصلية بلغة فصيحة خالية من مختلف ألاخطاء الصوتية والتركيبية والداللية،
وهو ما يسمح له باالستعمال الجيد للغة في مختلف املواقف وألاغراض التواصلية.
جدير بالذكر ،أن تعليمية اللغات( )Didactique des languesترتبط أساسا في جوهرها بتغطية
مجموعة املقاربات العلمية لتعليم اللغات ،وتلتقي بذلك بين علوم كثيرة أهمها اللسانيات وعلم الاجتماع
وعلم النفس وعلم التربية .9إن ما سقناه سابقا وبإيجاز يحلينا إلى طرح التساؤل التالي :ماذا تجني
التعليمية من وراء مفاهيم العلوم السالفة الذكر؟ وهل يمكننا حقيقة تجسيد مفاهيم هذه العلوم في
واقع ممارستنا التربوية والتعليمية؟.
يرى كثير من أهل الاختصاص -في هذا السياق -أن البحث في مجال اللسانيات وعلم النفس وعلم
الاجتماع وعلم التربية يختلف عن البحث في مجال تعليمية اللغات ،غير أنه ال يمكننا إنكار عالقة
Danielle Baillez , Les mots de la didactique des langues(le cas de l’anglais- lexique)édition , ophrys, France ,1998,p688
9ينظر :فتحي فارس ومجيد الشارني ،مداخل إلى تعليمية اللغة العربية ،دار دمحم علي للنشر ،تونس ،ط ، 2222 ، 2ص22
6
التعليمية بهذه العلوم؛إذ تعمل التعليمية على استثمار النتائج النظرية لهذه العلوم في معالجة املشاكل
التي تعترض العملية التعليمية -التعلمية في واقع املمارسة التعليمية اليومية.
أضف إلى كل ما سبق ذكره ،أن تعليم اللغات ال يهم الباحث املتخصص في اللسانيات فقط ،بل
الباحثين في علوم التربية ،وعلم النفس ،وعلم الاجتماع ،وحتى ألاطباء املتخصصين في ألاعصاب
والتبليل(علم أمراض الكالم) ،ألنه اليمكننا استثمار نظريات اللساني في ميدان تعليم اللغات إال إذا تم
الاستثمار في الوقت نفسه نظريات الباحث في العلوم ألاخرى.10
ثم نزيد على ما تقدم ،فنقول :إنه إذا كان الهدف الذي تصبو إليه التعليمية هو إيجاد حلول تعليمية
ملشاكل تعليمية مطروحة آلان في التعلم في حد ذاته ،إال أن التعلم ليس من صلب اهتمامات التعليمية ،بل
هو من اهتمامات علم النفس التربوي .ألامر الذي جعل البعض يميل الى اعتباره علما تطبيقيا موضوعه
تحليل العملية التعليمية التعلمية ،وتحضير وتجريب وتقويم الاستراتيجيات التربوية وإعداد نماذج
معيارية.11
تتركز الدراسات الديداكتيكية كل اهتماماتها وجهودها -في دراساتها الحالية آلان -على كل ما يخدم
الوضعيات التعلمية؛أي ما يخدم املتعلم بالدرجة ألاولى .إذ أصبح دور املعلم يتجلى فقط في مرافقة
املتعلم وتوجيه وإرشاده ،وفي اختيار له املادة التعليمية على وفق معايير علمية دقيقة تستجيب مليوالته
ورغباته وحاجاته النفسية والاجتماعية ،مع تحديد في ذلك للطريقة التعليمية املناسبة لتعلماته وتسخير
كل ألادوات والوسائل التعليمية املناسبة إليصال ذلك املحتوى التعليمي إلى ذهن املتعلم حتى يتجسد في
سلوكاته وأداءاته املعرفية واللغوية والعقلية والاجتماعية.
ُّ
-2نشأة علم تعليم اللغات وتطوره:
مما الشك فيه عند أهل الاختصاص ،أن علم تعليم اللغات أثار الكثير من الغلط والجدال الكبير في
نشأته وحدوده وموضوعه؛ وذلك بحكم أنه كان في بداية نشأته متصال باللسانيات التطبيقية ،فهو فرع
من فروعها ،ثم بعد ذلك أصبح علما قائما بذاته له منهجه وموضوعه وحدوده .ومن هذا املنطلق ،ال
10ينظر :هشام صويلح ،توظيف النظريات اللسانية والتعليمية في تدريس اللغة العربية ،مجلة املمارسات اللغوية ،جامعة تيزي وزو،
العدد،2222 ، 25:ص42
11ينظر :طالب عيس ى ،في سؤال الديداكتيك ،مجلة دراسات ،العدد السابع ،الجزائر ،جوان ، 2224ص242
7
يمكننا بأي حال من ألاحوال التعرف على حدود علم تعليم اللغات ومنهجه إال من خالل تتبعنا للجذور
الابستيمولوجية ألاصلية لهذا العلم ،ومعرفة ألاشواط والتطورات التي قطعها في الزمان واملكان مع مرور
الوقت.
تشير الكثير من الدراسات وألابحاث أن مصطلح ديداكتيك( )Didactiqueدخل إلى اللغة الفرنسية
سنة 2445واستخدمت أيضا كلمة ديداكتيك في علم التربية سنة 2422من قبل كشوف كل من
هيلنج( )K.Helwigويواخيم جانج( )J .Jangمن خالل تحليلهما ألعمال املربي فولف كانج رايتش( Wulf
)2424 - 2442( )Gang Raticheفي بحثهم في نشاطات رايتش التعليمية ،والذي ظهر تحت عنوان ":تقرير
مختصر في الديداكتيك؛ أي فن التعليم( التدريس) عند رايتش.12
بناء على ما سبق ذكره ،يتضح لنا أن ما يعنيه مصطلح التعليمية يبقى مرادفا ملعنى فن التعليم ،ويرتبط
أيضا هذا املصطلح بنوع من الخبرات واملعارف التطبيقية ،وهو ما استخدمه بن أموس
كومينوس( " J . A . Comminius ")2444في كتابه الديداكتيك الكبرى( ،)Didactique Magnaإذ يقول
عنه ":إنه يعرفنا بالفن العام لتعليم الجميع كل ش يء ،أي أنه فن لتعليم الجميع مختلف املواد
التعليمية."13
ما يجدر التنويه به – ههنا -أن البعض من الباحثين يرون أن إلارهاصات ألاولى في البحث الديداكتيكي
تعود إلى سنة 2944تاريخ إرسال أول مركبة روسية إلى عالم الفضاء التي كانت تسمى
" سبوتنيك "( )SPOTNIKوهو ألامر الواقع الذي وضع العالم الغربي أما تحدي تكنولوجي ترتبت عنه
قناعة بأن الاستثمارات املالية الضخمة وحدها ال تكفي ،بل يقتض ي ألامر توفير الكفاءة العلمية ،ألامر
الذي أسرع في تكوين لجان إلاصالح التربوي ،ومنها لجنة الدراسات في العلوم الفيزيائية سنة 2944ولجنة
نيفيلد 2942 – 2942ولجنة الغاريغ بفرنسا ،ومنهامختبر LIRESTالذي أشرف عليه دوالكوت ،وكذلك
LDPESللعلوم الفيزيائية.14
12ينظر:حريزي موس ى ،علم التدريس(الديداكتيك) ،مجلة دراسات نفسية وتربوية ،العدد ، 24ورقلة 4 ،ديسمبر، 2222ص54
13لورس ي عبد القادر ،التعليمية ومفاهيمها ألاساسية ،محاضرة ألقيت في ملتقى الشيخ عمي السعيد،غرداية ،الجزائرن 29جوان 2222
،ص2
14ينظر :عبد الجليل معروف ،ديداكتيك العلوم :النشأة والتطور ،إلاتحاد الاشتراكي ،املغرب ، 2222 ،ص24
8
هكذا في هذا املسار تدرج مفهوم مصطلح الديداكتيك من كونه فنا إلى مفهوم كنظرية للتعليم تستهدف
الفرد .إذ يرى العالم والفيلسوف ألاملاني هاربرت( )Herbertمؤسس القواعد العلمية لهذه النظرية
وأنصاره" أن الوظيفة الرئيسية للتعليمية هي تحليل لنشاط املعلم في املدرسة ،بينما يرى
ديوي( )Deweyأن التعليمية نظرية للتعلم ال للتعليم ."15ومن هذا املنطلق ،فقد عمل هاربرت على وضع
القواعد وألاسس العامة للتعليمية ،والتي تستهدف تربية الفرد وتوجيهه؛ أي نظرية هاربرت تهتم بكل ماهو
تعليمي ومختلف ألانشطة التعليمية التي يقوم بها املعلم داخل القسم ،والهدف املتوخى من التربية هو
تنمية شخصية املتعلم من جميع جوانبها وليس جمع املعارف واملعلومات.
في سياق آخر ،يرى ديوي ضرورة املشاركة الفعالة وإلايجابية للمتعلم في العملية التعليمية -التعلمية بما
يملكه من قدرات ومؤهالت وكفاءات تؤهله لهذه املشاركة .وزد على ذلك ،يرى أن الوظيفة ألاسمى
للتعليمية تتجلى وتظهر في التعلم ال في التعليم.
توجهت الدراسات الحديثة -فيما توجهت إليه -إلى التأكيد على مصطلح التعليمية يعود تاريخ ظهوره في
الفكر اللساني الحديث إلى مكاي( )M.F.Makeyالذي بعث من جديد املصطلح القديم()Didactique
للحديث عن املنوال التعليمية .وفي هذا إلاطار ،تساءل أحد الدارسين قائال ":ملاذا ال نتحدث أيضا عن
تعليمية اللغات()Didactique des languesبدال من اللسانيات التطبيقية( La linguistiques
ُّ
)appliquéeفهذا العمل سيزيل الكثير من الغموض واللبس ،ويعطي لتعليمية اللغات املكانة التي
تستحقها."16
بناء على ما سبق ذكره،ومن خالل رصدنا وتتبعنا ملصطلح الديداكتيك من تاريخ ظهوره حتى وقتنا
الراهن ،يتبين لنا أنه هدفه يتوخى وضع طرائق ومناهج تعليمية على وفق ضوابط وأسس علمية ونفسية
واجتماعية مدروسة ،وتستجيب الحتياجات املتعلم وميوالته ورغباته وحاجاته وخصائصه العمرية .ورغم
التطورات التي عرفها مصطلح التعليمية ،إال أنه -حتى آلان -يعرف الكثير من الاختالالت في الضبط
وحدود مجاله وعلميته أو فنيته.
Colin Denis Gérard, Linguistiques appliquée et didactique des langues , Armand colin 16
paris,1972 ,p09
9
– 3أقطاب املثلث الديداكتيكي(:)Le triangle didactique
تتضمن العالقة التفاعلية الترابطية التالزمية بين ألاقطاب الثالث( املعلم ،املتعلم ،املحتوى)إذ تشكل
الرؤوس الثالث املثلث التعليمي .وزد على ذلك ،تربط بين رؤوس املثلث مفاهيم تحددها العالقة القائمة
بين عناصر العملية التعليمية الثالث(املعلم ،املتعلم ،املحتوى).
ما تجدر إلاشارة إليه –ههنا -أن العالقة الجامعة بين املعلم واملتعلم هي عالقة العقد الديداكتيكي( Le
)contrat didactiqueالتي " تمثل مجمل العالقات التي تحدد بصفة صريحة في بعض الحاالت وضمنية
في أغلبها .ماهي الواجيات التي يقوم بها املعلم واملتعلم خالل حصة تعليمية -تعلمية ."17إذ إن التعاقد
الديداكتيكي مجموعة من القواعد التي تحدد ما يتوجب على كل من طرفي العملية التعلمية( املعلم،
املتعلم) القيام به؛أي بعبارة أخرى مجموعة من السلوكيات املنتظرة من الطرفين أثناء عرض الدرس
وهو ما سيكون موضوع املحاسبة أمام الطرف آلاخر.
من هنا ،يبقى العقد الديداكتيكي عبارة عن ميثاق يبرم في القسم يتم وضعه في بداية السنة الدراسية،
وتتحدد بموجبه حقوق وواجيات كل طرف من أطراف العملية التعليمية قصد تحقيق مجموعة من
ألاهداف السلوكية واملعرفية واللغوية .ويتضمن العقد الديداكتيكي طرفين أساسيين هما :املعلم
واملتعلم ،ومجموعة من ألاطراف غير املباشرة ،نذكر منها :مفتش املادة ،ألاسرة ،إلادارة التربوية .وسنوضح
في الشكل التوضيحي آلاتي أطراف العقد الديداكتيكي:
الطرفان ألاساسيان:
المعلم والمتعلم
17بعلي الشريف حفصة ،التعليمية ،مجلة الباحث ،العدد ، 22الوادي ،يونيو، 2222ص22
10
في حين ترتبط عالقة املعلم باملحتوى فيما يعرف بالنقل الديداكتيكي( )Le transfert didactiqueالذي
يعمل على نقل املحتوى أو املعرفة من طابعها النظري إلى طابعها العملي التعليمي ،وهي من أصعب ألامور
نظرا للمراحل وألاطوار التي تقطعها هذه العملية حتى تصل إلى طابعها التعليمي؛ أي بعبارة أخرى يقصد
بالنقل الديداكتيكي الانتقال من املعرفة النظرية( )Le contenu théoriqueإلى معرفة علمية عملية قابلة
للتعليم(.)Un savoir enseigne
عليه ،نقوم في البداية بضبط املعرفة الذي نريد تعليمها للمتعلم ،لتنتقل بعد ذلك إلى وضع مناهج
تعليمية وصياغتها على وفق الخصوصية املعرفية لكل تخصص ،إذ يجب أن يشتمل الكتاب املدرس ي على
حد أدنى من املعرفة في التخصص املوضوع حتى نغرس في املتعلمين ما يسمى باملعرفة املدرسية( Savoir
)scolaireلتختتم في النهاية بضبط كل معايير التقييم والتقويم املختلفة للمناهج التربوية .وتعتبر عملية
النقل الديداكتيكي من أهم العمليات املهمة والشاملة لكل التخصصات العلمية وألادبية التي تستهدف
تحويل املعرفة من طابعها الابستيمولوجي النظري وتجزئتها إلى أطر معرفية محددة وعملية تظهر في
املمارسات التعليمية – التعلمية .وسنوضح عملية النقل الديداكتيكي على وفق املخطط التوضحي آلاتي:
النقل الديداكتكي
املعرفة النظرية
املعرفة املدرسية
ُ
املعرفة املدرسة
املعرفة املكتسبة
غني عن البيان ،أن العالقة التي تربط املتعلم باملحتوى التعليمي هي عالقة التمثل الديداكتيكي( Le
)représentation didactiqueالتي ترتبط أساسا بقدرة املتعلم على تمثل املعارف املقدم له وتجسيدها في
سلوكياته وأداءاته اليومية .ومن هذا املنطلق ،وجب على املعلم أن يطور ويغير في سلوكيات املتعلم بما
يستهدف التكوين الجيد للمتعلم من النواحي ألاخالقية والنفسية والاجتماعية والتربوية .ويمكننا إجمال
كل ما سبق ذكره على وفق املخطط التوضيحي آلاتي:
11
الشكل التوضيحي رقم( )14يوضح أقطاب املثلث الديداكتيكي
– 4موضوع التعليمية:
مما الشك فيه ،أن تعليمية اللغات في بداية نشأتها ارتبطت كثيرا باللسانيات التطبيقية ،فهي فرع من
فروعها ،خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار في هذا السياق ،أنها ترتبط بمجموعة من العلوم من مثل(علم
النفس ،علم الاجتماع ،علم اللسان ،علم التربية) وتدرس النشاط اللغوي إلانساني .ثم بعد انفصلت
تعليمية اللغات عن اللسانيات التطبيقية وأصحبت علما قائما بذاته له أسسه وقواعده ومبادئه،
واستعانت هي أيضا بالعلوم السالفة الذكر في تعليم اللغة للناطقين بها وبغيرها ،وأصبحت بعد ذلك تهتم
بمتغيرات كثيرة من متغيرات العملية التعليمية ،نذكر منها:18
– 2املتعلم من حيث الاستراتيجيات التي يكتسب بها اللغة ،وألاخطاء التي يرتكبها،وآليات استيعاب وفهم
اللغة وإنتاجها.
– 2املحيط الاجتماعي ،وباألخص عالقة اللغة بالجماعات وأساليب استعمالها في املجتمع ،ووصفها
ضمن لغات أخرى.
– 2املادة التعليمية ،وقد اتجه البحث في هذا الصدد إلى النظريات واملقاربات اللسانية ،ومحالة
استثمارها في بناء وضعيات ديداكتيكية لتدريس اللغات.
18عبد اللطيف الفارابي وآخرون ،معجم علوم التربية ،سلسلة علوم التربية ،مطبعة النجاح الجيدة ،العدد 29و ،22املغرب، 2995 ،ص49
12
– 5التدريس وما يرتبط به من تكوين املدرسين وطرائق تعليمية ،واستعمال الوسائط وأساليب التقويم.
بناء ما كل سبق ذكره ،تسعى التعليمية إلى إلاجابة على جملة من التساؤالت من قبيل :من يعلم؟( املعلم)
وملن يعلم؟( املتعلم) وكيف يعلم؟ ( الطريقة) وبماذا يعلم؟( املحتوى التعليمي)وملاذا يعلم؟ ( ألاهداف
التربوية).
13