Professional Documents
Culture Documents
مجلة الباحث - العدد 31 يونيو 2021 - المدير المسؤول ذ. محمد القاسمي
مجلة الباحث - العدد 31 يونيو 2021 - المدير المسؤول ذ. محمد القاسمي
مجلة الباحث
للدراسات واألحباث القانونية والقضائية
Researcher's journal
of Legal and Judicial Researches and Studies
جملة قانونية علمية حمكمة تعىن بنشر املقاالت واألحباث القانونية والقضائية
رئيس التحري ر :األستاذ جعفر القاسمي *** المدير المسؤول :األستاذ محمد القاسمي
المسؤولية الشخصية والمسؤولية المرفقية للمحافظ العقاري في النظام القانوني المغربي .............................الدكتور عمامو عبد الرحمان
أي دور للمحكمة الدستورية في تحقيق األمنين القانوني والقضائي؟ ..................................................................الدكتور محمد مرحوم
التعويض الجنائي كعقوبة بديلة عينية على ضوء بعض التشريعات المقارنة ..........................................................الدكتور أنوار بوهالل
ضوابط سلطات الضبط اإلداري -ضمانة فعالة للحقوق والحريات......................................................................الدكتور وديع البقالي
إصالح السلطة القضائية بالمغرب من منظور هيئة اإلنصاف والمصالحة ...............................................................الدكتور مبارك هيا
السلطات اخملولة لرجال الضبط العدلي في النظام القانوني األردني ..............................................الدكتور هتاف جمعه صبحي أبو راشد
مآل عقود الشغل بعد تجاوز ازمة كورونا ...................................................................................... ..األستاذ موالي حفيظ حفيضي
مشروع القانون رقم 95.17الخاص بالتحكيم والوساطة االتفاقية أية مستجدات؟ ...............................................األستاذ حمزة التريد
التحكيم كآلية لحل نزاعات الشغل الفردية .......................................................................................األستاذ محمد أمين اسماعيلي
دراسات وأبحاث قانونية وقضائية باللغة الفرنسية
Le crowdfunding : analyse à la lumière de l’arsenal juridique Marocain………….…Docteur Hamza Moumen
LA FORMALITE D’ENREGISTREMENT ET LA PRESERVATION DE SECURITE CONTRACTUELLE…………… PR GHANIMI SARA
مجلة الباحث
للدراسات واألحباث القانونية والقضائية
تصدر كمبدأ عام كل شهر أو شهرين على املوقع اإللكرتوني (موقع الباحث اإللكرتوني)
وكذا العديد من المواقع القانونية والمنصات األخرى المغربية والعربية المشهود لها بالكفاءة
والصدق واألمانة العلمية
* كل املواقف واآلراء الواردة يف اجمللة ال تعرب سوى عن آراء كاتبيها وال تعرب عن رأي اجمللة *
-11يرفض كل مقال ال يتوفر على احلد األدنى من الشروط السالفة الذكر ،أو مل حيرتم اإلجراءات املبينة سلفا....... .
.
-12تعمل اجمللة على إخبار كاتب كل مقال بالعدد الذي سينشر فيه مقاله..............................................
-13ال تسلم شهادة النشر والوعد بالنشر إال للضرورة ،وهما مؤدى عنهما...............................................
. . .
- 14يبقى نشر املقاالت جماني وبدون أية رسوم كمقابل؛ وتنشر اجمللة على أوسع نطاق.............................
- 15تعمل اجمللة على إصدار مؤلفات مجاعية ورقية بشكل دوري استنادا ألجود املقاالت املتوصل بها.....................
-16للمزيد من املعلومات ،ميكن التواصل عرب الوتساب 0771394949أو بالربيد اإللكرتوني املبني أعاله......
.
124 التعويض الجنائي كعقوبة بديلة عينية على ضوء بعض التشريعات املقارنة.........
الدكتور أنوار بوهالل
مقاالت وأبحاث
قانونية وقضائية
باللغة العربية
وأخذت عدة أشكال وصور متعددة ،كبيع العبيد يف أسواق النخاسة واعتبارهم سلعة
تباع وتشترى ،وخيتلف مثنها حبسب مقومات كل شخص وأوصافه وقوته البدنية
وسنه .كما كانت النساء البضاعة األكثر تداوال وحظا ،إما هبدف ممارسة الدعارة،
ويف العصر احلديث عاد الرق وعادت العبودية بصورة جديدة وهو ما يعرف
باإلجتار بالبشر ،كما شهدت هذه اجلرمية الشنعاء و احلاطة من كرامة اإلنسان
تطورا وازدهارا كبريا على مستوى العامل بأكمله ،األمر الذي دفع اجملتمع الدويل إىل
P 11 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
التوجه حنو التعاون يف سبيل مكافحة هذه اجلرمية اخلطرية و التصدي ألعمال الذين
ينشطون يف هذه التجارة من مافيات وعصابات إجرامية ،وأمام هذا اإلنتشار جلرمية
اإلجتار بالبشر ،واتساع رقعتها ونطاقها الذي وازاه اتساع يف اآلثار السلبية اقتصاديا
واجتماعيا وحقوقيا ،وأمام دعوة اجملتمع الدويل لتكاثف اجلهود ،وتظافرها من أجل
مكافحة جرمية اإلجتار بالبشر السيما وأهنا تعد ثالث أكرب نشاط إجرامي يف العامل.
جاء املشرع املغريب بقانون رقم 27.14يتعلق جبرمية اإلجتار بالبشر ومكافحتها
لسد الفراغ التشريعي الذي ظل قائما بتعزيز اإلطار التشريعي والقانوين .وتعبريا عن
حرض اململكة املغربية على محاية حقوق اإلنسان ،واخنراطها الدائم وعملها املتواصل
يف سبيل صد كل األخطار احملدقة اليت هتدد كيان األفراد واجلماعة ،والسعي حنو
على العهد وسيبقى أكثر حرصا على األمن الداخلي ،والتعاون مع باقي الدول يف
ونظرا لألمهية اليت يضطلع هبا موضوع اإلجتار بالبشر يف كل ربوع األرض ويف
املغرب ،سنسعى من خالل هذه الدراسة على إبراز مدى اهتمام مملكتنا مبكافحة
خيصص للحديث عن اإلطار املفاهيمي جلرمية اإلجتار بالبشر ،أما الثاين سيعىن بآليات
اإلجتار بالبشر.
إذا كانت جرمية اإلجتار بالبشر شكال من أشكال الرق املعاصر ،واملنظم تقومه
به عصابات ومافيات يتعدد أعضاءها واملستفيدين من هذه التجارة ،وأهنا تشكل
كذلك انتهاكا جسيما وسافرا حلقوق ضحاياها ،فإن هذه اجلرمية توصف بأهنا من
اجلرائم املستحدثة بوسائلها كما أهنا مل تعرف تنظيما قانونيا من ذي قبل كاجلرائم
التقليدية .وأمام هذا الوجه املشني جلرائم اإلجتار بالبشر واألخطار واالنعكاسات
السلبية اليت ختلفها ،سعى املشرع املغريب إىل االخنراط مع املنتظم الدويل للتصدي
هلذه اجلرائم البشعة ،وعمل على التوقيع واملصادقة على اتفاقيات مناهضة ومكافحة
اإلجتار بالبشر ،كما عمل بعد ذلك على مالئمة هذه االتفاقيات مع التشريع اجلنائي
الداخلي ،وهو ما نتج عنه إصدار قانون 27.14املتعلق مبكافحة اإلجتار بالبشر.
وترتيبا على تقدم وقبل اخلوض يف موضوع انعكاسات جرمية اإلجتار بالبشر
وصورها ،جيب علينا واحلالة هذه أن نلقى الضوء على مفهوم اجلرمية بتعريفها
إن اإلجتار با لبشر نشاط إجرامي آمث بلغ حدا كبريا من االنتشار ،إذ ال توجد
دولة مبنأى عنه ،أو حمصنة ضده ،وبات يشكل حتديا صارخا للعدالة اجلنائية ومؤرقا
لكل أجهزهتا سواء على املستوى الداخلي أو املستوى الدويل ،حيث أن جرمية اإلجتار
بالبشر ليست وطنية عنيت هبا التشريعات الداخلية للدول فحسب ،بل تعترب جرمية
عاملية بامتياز ،حظيت باهتمام دويل ،تاله اهتمام داخلي عن طريق إصدار وتعديل
وألجل ذلك يقتضي األمر حتديد مفهوم اإلجتار بالبشر ،من خالل تعريفه يف
االتفاقيات الدولية والقانون الداخلي ،أو داخل أوساط الفقه مع الوقوف على خصائص
سنعمل على تعريف جرمية اإلجتار بالبشر يف أوساط الفقه (أوال) ،مث بعد ذلك
لقد تناولت تعريفات الفقه جرمية اإلجتار بالبشر من عدة زوايا ومناحي خمتلفة،
إذ عرف البعض جرمية اإلجتار بالبشر بأهنا "كافة التصرفات املشروعة وغري املشروعة
اليت حتول اإلنسان إىل جمرد سلعة أو ضحية يتم التصرف فيه بواسطة وسطاء
وحمترفني عرب احلدود الوطنية ،بقصد استغالله يف أعمال ذات أجر متدين ،أو يف
أعمال جنسية ،أو ما شابه ذلك .سواء مت هذا التصرف بإرادة الضحية أو قسرا عنه،
- 1عوض محمد عوض :جرائم األشخاص واألموال ،دار المطبوعات الجامعية السنة .2005ص.7
كما عرفها آخرون بأهنا "جتنيد أشخاص أو نقلهم باإلكراه أو اخلداع ألغراض
االستغالل بشىت صوره ،من ذلك االستغالل اجلنسي ،العمل اجلربي ،اخلدمة القسرية،
كما عرف اإلجتار بالبشر بأنه "استدراج األشخاص من خالل التهديد أو استخدام
وعرف كذلك اإلجتار بالبشر بأنه "كل عملية تتم بغرض بيع أو شراء أو
أو غريها من املنتجات مثل املواد اإلعالنية اإلباحية والزواج حسب الطلب أو أي عمل
ويعرف اإلجتار بالبشر بأنه "أي فعل أو تعامل يتم مبقتضاه نقل أي شخص أو
جمموعة من األشخاص ،سواء كان طفال أو رجال أو سيدة إىل أشخاص آخرين نظري
الصناعة أو الزراعة على حنو يعرض حياهتم للخطر ،أو استغالهلم يف اهلجرة غري
الشرعية ،والتسفري الومهي ،سواء حتت هذه األفعال مبقابل أو بدون مقابل ،سواء متت
منيز هنا بني التعارف يف االتفاقيات الدولية ،وبني تعريف القانون املغريب.
● يف االتفاقيات الدولية:
عرف بروتوكول األمم املتحدة اخلاص مبنع وقمع ومعاقبة اإلجتار بالبشر وخاصة
النساء واألطفال 6يف مادته الثالثة اإلجتار بالبشر بأنه "جتنيد أشخاص أو نقليهم أو
تنقيلهم أو إدائهم أو استقباهلم بواسطة التهديد بالقوة أو استعماهلا أو غري ذلك من
استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على
ويشمل االستغالل كحد أدىن ،استغالل دعارة الغري أو سائر أشكال االستغالل
وقبل هذا التعريف كانت االتفاقية التكميلية إلبطال الرق وجتارة الرقيق
واألعراف واملمارسات الشبيهة بالرق ،7قد عرفت جتارة البشر بأهنا "مجيع األفعال
- 5عبد هللا عبد المنعم حسن عل :السياسة الجنائية ف مواجهة جرائم اإلتجار ر
بالبش-دراسة تحليلية مقارنة. ي ي
دار النهضة العربية .الطبعة األوىل 2017ص.23
- 6لقد تم عقد هذه االتفاقية يف مدينة باليمو اإليطالية ولهذا يعرف ب بروتوكول باليمو ،تم المصادقة عليه
بنش بروتوكول منع وقمعبموجب ظهي رشيف تم 1.09.112صادر ف فاتح رمضان 2 ،1432أغسطس .2011ر
ي
ومعاقبة اإلتجار باألشخاص وبخاصة النساء واألطفال المكمل التفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة
نوفمي .2000
ر عي الوطنية بنيويورك يف 15
ر
شتني .1956
ر - 7االتفاقية صدرت وقع عليها يف جنيف بسويشا 7
اليت ينطوي عليها أسر شخص ما أو حيازته أو التخلي عنه للغري قصد حتويله إىل رقيق
ومجيع األفعال اليت ينطوي عليها حيازة رقيق ما بغية بيعه أو مبادلته ،ومجيع أفعال
التخلي بيعا أو مبادلة عن رقيق مت احتجازه بقصد بيعه ،وأي اجتار باألرقاء ،أو نقلهم
أما االتفاقية جملس أوربا اخلاصة بالعمل ضد اإلجتار بالبشر فقد عمدت إىل
تعريف جرمية اإلجتار بالبشر بأهنا "جتنيد أو نقل أو إيواء أو استالم األشخاص عن
طريق التهديد باستعمال القوة أو استعماهلا أو غري ذلك من أشكال القسر أو االختطاف
أو االحتيال أو اخلداع أو إساءة استخدام السلطة أو استغالل موقف الضعف أو بإعطاء
أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر ،فإن
الغرض من االستغالل يشمل وكحد أدىن باستغالل دعارة الغري أو سائر أشكال
ر
- 8أسس مجلس أوربا بسياسبورغ بفرنسا سنة 1949للدفاع عن حقوق اإلنسان والديمقراطية ر
اليلمانية وسيادة
القانون ،وأنشأت بعد ذلك هيئات مراقبة بما فيها المحكمة األوربية لحقوق اإلنسان.
يرج االطالع عل: للتفصل ر
أكي ر
بالبش يف ضوء القانون رقم 64لسنة 2010 -خالد فهم مصطف :النظام القانون لمكافحة جرائم اإلتجار ر
ي ي
الجامع ،اإلسكندرية .السنة 2012ص.18 الفكر دار العربية، يعات ر
والتش الدولية واالتفاقيات
ي
-ولم يتم التعرض لتعريف جريمة اإلتجار ر
بالبش يف االتفاقيات الدولية واألوربية بل كان لالتفاقيات العربية
عي الحدود الوطنية لتعريف نصيب من ذلك حيث عمدت االتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة ر
الجريمة يف نص المادة 10منها المعنونة باإلتجار باألشخاص وبخاصة النساء واألطفال ،وهذا التعريف
األمم جاء يف بروتوكول باليمو.
ي الذي أوردته االتفاقية العربية المذكورة يتشابه إىل حد كبي مع التعريف
وقد دخلت االتفاقية العربية حيا لتنفيذ يف 2013بعد تم التوقيع عليها والمصادقة بمدينة القاهرة بمرص
بتاري خ .21/12/21
مل يتم التعرض لتعريف جرمية اإلجتار بالبشر يف االتفاقيات الدولية فقط،
بل كذلك التشريعات الداخلية اليت تعرف تنظيما جلرمية اإلجتار بالبشر كان هلا
وقد درج املشرع املغريب على تعريف جرمية اإلجتار بالبشر يف الفصل 4481.1
من جمموعة القانون اجلنائي الذي متم مبوجب املادة االوىل من القانون 27.14بأهنا
"جتنيد شخص أو است دراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله أو الوساطة يف
ذلك ،بواسطة التهديد بالقوة أو باستعماهلا أو باستعمال خمتلف أشكال القسر أو
استغالل حالة الضيق أو احلاجة أو اهلشاشة ،أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع
او مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض االستغالل.
ال يشترط استعمال أي وسيلة من الوسائل املنصوص عليها يف الفقرة األوىل أعاله
لقيام جرمية اإلجتار بالبشر اجتاه األطفال الذين تقل سنهم عن مثان عشرة سنة جملرد
يشمل االستغالل مجيع أشكال االستغالل اجلنسي ،السيما استغالل دعارة الغري
واالستغالل عن طريق املواد اإلباحية مبا يف ذلك وسائل االتصال والتواصل املعلومايت،
أو عن طريق إجراء التجارب واألحباث الطبية على األحياء أو استغالل شخص للقيام
ال يتحقق هذا االستغالل إال إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من
حرية تغيري وصفه وإهدار كرامته اإلنسانية بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابال بال
يقصد بالسخرة يف هذا القانون مجيع األعمال أو اخلدمات اليت تفرض قسرا على
أي شخص حتت التهديد واليت ال يكون هذا الشخص قد تطوع ألدائها مبحض اختياره،
وال يدخل يف مفهوم السخرة األعمال املفروضة ألداء خدمة عسكرية إلزامية أو نتيجة
9
إدانته قضائية أو أي عمل أو خدمة أخرى تفرض يف حالة الطوارئ.
ويالحظ على هذا التعاريف سواء الذي وضعه املشرع املغريب أو اليت وردت يف
االتفاقيات الدولية وكذا اليت تعرضت هلا باقي التشريعات الداخلية األخرى ،10أهنا
جاءت مشتملة على نفس عناصر اجلرمية اإلجتار بالبشر ،وإن اختلفت من حيث
املبىن لكن املعىن واحد ،ولعل العناصر اليت تقوم عليها ثالث وهي:
- 9الفصل 448.1من الفرع السادس الذي تمم بموجب القانون 2714المتعلق بمكافحة اإلتجار ر
بالبش صادر
الشيف رقم 1.16.127صادر يف 21من ذي القعدة 1437الموافق 25أغسطس 2016منشور بتقييده لظهي ر
شتني )2016ص.6644 ر بالجريدة الرسمية عدد 6501بتاري خ 11ذي الحجة 19( 1437
الت عرفت جريمة اإلتجار ر
بالبش نذكر: ر 10
-من الدول ي
اللبنان عرفها بأنها" :اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له بواسطة التهديد ي -القانون
بالقوة أو باستعمالها أو االختطاف أو الخداع أو استغالل السلطة بهدف استغالله أو تسهيل استغالله للغي".
المادة السادسة من القانون 164المتعلق بجريمة اإلتجار باألشخاص الصادر يف .2011
ر
بالبش يف المادة الثانية من القانون 64المتعلق بشأن المشع المرصي تعرض لتعريف جريمة اإلتجار -وكذا ر
بالبش الصادر يف 19ماي .2010مكافحة اإلتجار ر
األساس العدد 61لسنة 2016المؤرخ يف 3غشت 2016المتعلق التونس يف المادة 1من القانون ر
والمشع -
ي ي
بمنع اإلتجار باألشخاص ومكافحته.
األمريك يف قانون حماية ضحايا العنف واإلتجار باألشخاص لسنة 2000يف مادته األوىل والذي يتطابق مشع -وال ر
ي
مع صياغة المادة الثالثة من بروتوكول باليمو.
يرج االطالع عل: أكي رللتفصيل ر
-وجدان سليمان أرتميه :األحكام العامة لجرائم اإلتجار ر
بالبش – دراسة مقارنة ،الطبعة األوىل ،دار الثقافة
والنش والتوزي ع .األردن 2014ص.119 ر
أو استقباهلم.
استعمال السلطة أو استغالل حالة الضعف أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو
انطالقا من التعاريف اليت أعطيت جلرمية اإلجتار بالبشر فإهنا تنفرد بعدة
خصائص متيزها عن غريها من اجلرائم األخرى ،كما تشترك معها يف عدة نقاط ،وهو
تدخل جرمية اإلجتار بالبشر حتت لواء اجلرمية املنظمة ،حيث متارس وتقترف
من طرف مافيات وعصابات حتترف للجرمية ،وجتعل من اإلجرام حمورا وجماال
12
كما هتدف كذلك جرمية اإلجتار بالبشر لنشاطها ومصدرا لدخلها وعائدها،
البش لجريمة منظمة عابرة للحدود الوطنية بي األسباب والتداعيات - 11حامد سيد محمد حامد :اإلتجار ف ر
ي ر
القوم لإلصدارات القانونية ،القاهرة ،الطبعة األوىل ،السنة .2001ص.17
ي االسياتيجية المركز والرؤى
فهم :م س ،ص101ي مصطف خالد - 12
باعتبارها جرمية منظمة إىل مراكمة األموال الطائلة بشكل سريع وعرب وسائط
متعددة.
وترتكز جرمية اإلجتار بالبشر أساسا على عنصر التنظيم املتناسق عرب تقسيم
13
باستخدام السلطة األدوار بني األعضاء ،ونفاذ النشاط اجملرم عرب احلدود الوطنية،
واالحتيال والقوة والعنف لتحقيق أغراضها غري املشروعة 14،على حساب شرف األفراد
15
وكرامتهم وحرياهتم ،إذ أن جتارة البشر هنا فاقت كل أنواع التجارة غري املشروعة.
ويقصد باجلرمية املركبة هي تلك اجلرمية اليت تقع من عدة أفعال مادية ذات
املقترن باالغتصاب 16،وهذا األمر يصدق على جرمية اإلجتار بالبشر فهي تتكون من
وتتوهلا حلقات أخرة بنقل الشخص أو تنقيله سواء بالتهديد بالقوة أو باستعماهلا ،إذن
فاجلرمية تتابع أفعاهلا لتكون جرمية اإلجتار بالبشر ،ويف ذات الوقت كل واحد من
أما متيز جرمية اإلجتار بالبشر خباصية اجلرمية املستمرة ،فإن تنفيذها قابل
بطبيعته لالمتداد يف الزمن ،بل إن جرمية اإلجتار بالبشر ال بد هلا من استغراق وقت
وزمن معني قد يطول وقد يقصر ،لتحقيق األهداف اجلرمية غري املشروعة ،مبعىن أن
17
الزمن ميثل عنصرا جوهريا يف ارتكاب جرائم اإلجتار بالبشر.
من أهم خصائص جرمية اإلجتار بالبشر هو أن األفعال اجلرمية املكونة هلا تقع
على األشخاص مبا فيهم الرجال والنساء واألطفال ،فهم البضاعة والسلعة حمل
18
التجارة.
فاالعتداء يقع على اإلنسان دون غريه يف بدنه وشرفه كاستغالله جنسيا أو يف
كرامته وحريته كاالستبعاد أو يف سالمة جسمه كزنع أحد أعضاءه وأنسجة جسمه.
كما توصف كذلك جرمية اإلجتار بالبشر بأهنا من اجلرائم العمدية ،ومعناه
أنه يشترط فيها توافر القصد اجلنائي لدى الفاعل ،وهذا واضح ألنه من الصعب بل
من املستحيل تصور ارتكاب جرمية اإلجتار بالبشر من طرف شخص ما عن طريق
اخلطأ أو اإلمهال أو عدم التبصر .19السيما إذا ما مت األخذ بعني االعتبار أن أفعال
النقل أو التجنيد أو اإليواء أو االستقبال نتتم بواسطة القوة أو التهديد باستعماهلا أو
االحتيال أو االختطاف ،وأن مجيع هذه الوسائل واألدوات املستعملة يتوفر فيها القصد
اجلنائي والعمد ،كما أهنا كذلك هذه األفعال املشكلة للنشاط اإلجرامي تشكل يف
20
حد ذاهتا جرائم عمدية.
ال أحد خيتلف يف كون جرمية اإلجتار بالبشر من أخطر اجلرائم املستحدثة
واليت متس حبقوق اإلنسان ،وبكرامته وحريته وآدميته ،مما يتولد عنها عدة
انعكاسات سلبية وآثار وخيمة نفسية واجتماعية وجسدية (الفقرة الثانية) .كما
تظهر كذلك خطورة هذه اجلرمية يف تشعبها وتعدد أنواعها وأشكاهلا ،إال أن أغلب
املشرعني حاولوا حصر هذه األشكال والصور ونفسه املشرع املغريب عمل على ذلك،
ومل خيرج عن الصور اليت حددهتا األمم املتحدة يف بروتوكول بالريمو (الفقرة األوىل).
الت ترتكب خطأ وعن غي قصد ،بسبب إهمال الفاعل أو عدم احتياطه الذي يؤدي إىل ر
ضمن مجموعة الجرائم ي
حدوث نشاط مادي يخلف ضرا.
يرج االطالع عل: أكي يف الفروقات بي الجرائم العمدية وغي العمدية ر للتفصيل ر
المغرن القسم العام ،الطبعة الخامسة ،السنة 2013مطبعة النجاح ري الجنان
ي العلم :رشح القانون
ي -عبد الواحد
الجديدة الدار البيضاء ص 296وما بعدها.
الجنان العام وتطبيقاته ،مطبعة الجسور ،وجدة .2004 .ص .146وما بعدها. ي -محمد بنجلون :رشح القانون
يرج االطالع عل: وللتفصيل ف خاصية الجريمة العمدية ف جريمة اإلتجار ر
بالبش ر ي ي
الوطت لدولة اإلمارات العربية والقانون الدولية االتفاقيات ف بالبش -ماجد عادل :مكافحة جرائم اإلتجار ر
ي ي
المتحدة .تخت عنوان الجهود الدولية ف مكافحة اإلتجار ر
بالبش ،الطبعة األوىل ،الجزء األول الرياض. ي
.2010ص.70
- 20وجدان سليمان أرتميه :م س .ص.155
بالرجوع إىل الفصل 488-1من قانون مكافحة اإلجتار بالبشر والسيما الفقرة
الثالثة منه يتضح أن املشرع قسم وعدد صور جرمية اإلجتار بالبشر إىل أنواع حبسب
لقد أطلق مشرع قانون مكافحة اإلجتار بالبشر مصطلح االستغالل اجلنسي
ليشمل كافة أشكاله ،وعرب عن ذلك بشكل صريح ،كما ركز باألساس على
استغالل دعارة الغري ،واالستغالل عن طريق املواد اإلباحية ،مبا يف ذلك وسائل االتصال
والتواصل املعلومايت.
والنساء:
إلشباع اجلنسية لدى اآلخرين ،وقد زاد استفحال هذه الصورة كثريا مع
ذات اجملال ،وتستغل األطفال والقاصرات يف البغاء ،ويف املواد اإلباحية أو
تقدميهم إىل زبناء على حسب الطلب ،ويتم ذلك باستخدام اإلكراه ،أو
21
عن طريق االحتيال لعدم اكتمال املدارك العقلية للطفل.
● أما استغالل النساء يف أعمال اجلنس يقصد به بيعهن أو عرضهن لبيع ،أو
ويعترب هذا األكثر انتشار يف العامل وأخطره على اإلطالق ألنه حيط من
وهذا االستغالل الذي تتعرض له النساء يبقى من أبشع االستغالل ،ألنه يف
وقد عرب املشرع عن هذه الصورة من صور اإلجتار بالبشر بقوله..." :ويشمل أيضا
الشبيهة بالرق"...
وينصرف مفهوم السخرة إىل كل عمل أو خدمة تؤخذ عنوة من أي شخص حتت
التهديد بأي عقوبة ،واليت يتطوع الشخص بأدائه مبحض إرادته واختياره".
ووضح ذلك بقوله "يقصد بالسخرة يف مفهوم هذا القانون مجيع األعمال أو اخلدمات
اليت تعرض قسرا على أي شخص حتت التهديد واليت ال يكون هذا الشخص قد تطوع
ألدائها مبحض اختياره ،وال يدخل يف مفهوم السخرة األعمال املفروضة ألداء خدمة
عسكرية إلزامية أو نتيجة إدانة قضائية ،أو أي عمل أو خدمة أخرى تفرض يف حالة
الطوارئ".
ويعد كذلك االسترقاق 22من أبشع صور جرمية اإلجتار بالبشر ،ملا ينطوي عليه
من عدوان صارخ للقيم اإلنسانية ،خصوصا وأن ديننا احلنيف ما جاء إال حملاربة هذا
االسترقاق ،وكل أنواع العبودية لينعم اإلنسان باحلرية ،وينفصل من قيود األسر اليت
اعتبارا أن اإلنسان خلق حرا ومكرما من عند اهلل ،وأن سالمة جسم اإلنسان من
بني أهم احلقوق األساسية .عمل املشرع على إضفاء صفة التجرمي على استغالل
األعضاء واألنسجة البشرية ،واعترب ذلك من أخطر ما يكون من اجلرائم اليت متس
االستغالل...أو نزع األعضاء أو نزع البشرية أو بيعها ،أو االستغالل عن طريق إجراء
ويقصد هبذه الصورة من صور اإلجتار بالبشر هو نزع األعضاء أو األنسجة من جسم
الفرد لغاية بيعها مبقابل ،إذ ال يكون قصد الشخص صاحب العضو أو الشخص الوسيط
حتقيق العالج وإنقاد شخص مريض ،وإمنا الغاية احلصول على الربح ،أي أنه يتم نزع
هذه األعضاء البشرية يف غالب األحيان بعد االختطاف وحتت اإلكراه ،وبدون رضا
23
املعين باألمر الضحية.
وتظهر خطورة هذه اجلرمية يف استغالل حالة الفقر ،واألوضاع االقتصادية اهلشة
واملزرية للشخص الضحية حلمله على نزع أعضاء أو أحد أنسجة جسمه ،أي أنه يغر
من طرف شبكات إجرامية تنشط يف مثل هذه التجارة ،وكأمنا يبيعون ويشترون
قطع الغيار.
نظرا للخطورة الكبرية اليت عليها جرمية اإلجتار بالبشر ،فهي ختلف جمموعة من
اآلثار السلبية واالنعكاسات الوخيمة على كافة املستويات ،وهو ما سوف نتناول يف
النقطتني أسفله:
باتت جرمية اإلجتار بالبشر بصورها وأشكاهلا املختلفة متثل النشاط األبرز
لعصابات اجلرمية املنظمة داخل البلد الواحد أو خارجه ،وأصبحت بذلك ختلف آثارها
واستعماهلم يف اجلنس بكل صورة ،أو عن طريق نزع األعضاء واألنسجة وبيعها ،أو
استغالل هؤالء األطفال والنساء يف أعمال السخرة ،مما حيط من كرامتهم وإنسانيتهم
- 23لقد عمل المغرب عل إصدار مرسوم رقم 2.01.1643يف 2شعبان 9( 1423أكتوبر )2002بتطبيق القانون
بالمتيع باألعضاء واألنسجة ر
البشية وأخذها وزرعها. ر رقم 16/98المتعلق
الت يمكن أخدها وزرعها ،وحدد نفس القانون طريقة ر ر
كما بي المشع يف هذا القانون أنواع األعضاء واألنسجة ي
الت تجري عمليات األخذ والزرع ر
والشوط واإلجراءات المتطلبة والواجب ر
االستفادة منها وكذا المستشفيات ي
سلوكها.
اليت ما فتئت خمتلف قوانني حقوق اإلنسان تقر هبا ،وتكرسها القوانني الداخلية
للدول الدميقراطية.
تظهر االنعكاسات النفسية واالجتماعية اليت ختلفها جرمية اإلجتار بالبشر يف
اإليذاء اجلسدي والنفسي الذي يصاب به األفراد ضحايا اجلرمية من جراء األعمال
الوحشية ،واإلنسانية اليت يتعرضون هلا ،كضرهبم وتعذيبهم واحتجازهم ،وغريها من
وسائل العنف والقوة اليت تؤدي إىل تشويه أجسادهم ،وتضر هبم ،كذلك ملا يلقوه
هؤالء الضحايا من أمراض اليت تصيبهم نتيجة املمارسات اجلنسية ،وما ينتج عنها من
24
اهنيارات نفسية ،وصحية كاإلجبار على تعاطي املخدرات.
االجتماعي ،أذ تدمر جرمية اإلجتار بالبشر البنية االجتماعية لألسر ،كزنع األطفال
من أهاليهم ،وأقارهبم أو اختطافهم ،مما يعمق جراح العائلة بفراق أطفاهلا وبعدهم
عنها .وكل هذا يؤدي إىل إفساد القيم األخالقية واإلنسانية داخل اجملتمع ،وإعاقة
زرع قيم اآلداب من جيل آلخر .إذا ما سلمنا أن األطفال هم عمود اجملتمع
وتوجيههم بدل ذلك صوب البغاء ،وأعمال السخرة وإرغامهم على ذلك.
إميانا منها خبطورة جرمية اإلجتار بالبشر ،وما تشكله من مساس صارخ بكرامة
اإلنسان ،واعتداء على حرمة حياته وحقوقه األساسية ،عملت املنظمات احلقوقية
الدولية واإلقليمية وباقي الدول األخرة اليت تؤمن بثقافة حقوق اإلنسان على التصدي
هلذه اجلرمية ،ومواجهة آثارها السلبية ،اليت مست كل مناحي حياة أفراد اجملتمع،
بإبرام اتفاقيات وإصدار قوانني ترمي اىل كبح مجاح املافيات والعصابات اإلجرامية
26
اليت تشتغل يف جتارة البشر عرب العامل.
واململكة املغربية بدورها مل تقف مكتوفة األيدي ،أو ظلت بعيدة .بل كانت
أكثر الدول حرصا على التصدي اجلرمية اإلجتار بالبشر ،وقد واكبت املوجة الدولية
االتفاقيات ذات الصلة حبقوق اإلنسان بشكل عام ،وتلك املتصلة مبوضوع اإلجتار
املتعلق مبكافحة اإلجتار بالبشر ،كدليل على أن اململكة جادة يف التعامل مع جرمية
اإلجتار بالبشر حبزم محاية الضحايا ،وتنسيق التعاون مع دول العامل .كما تلى هذا
القانون إصدار مرسوم قانون ينظم عمل اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة
ولتسليط الضوء على كيفية تعامل املشرع املغريب مع جرمية اإلجتار بالبشر
ومكافحتها ،سوف نعمل على بسط احلديث عن اإلطار القانوين للجرمية وفق
مطلبني ،خيصص األول لألحكام املوضوعية جلرمية اإلجتار بالبشر ،أما الثاين فنتطرق
نظرا ملخاطر اإلجتار بالبشر ،واالنعكاسات السلبية اليت ختلفها هذه اجلرمية فقد
سارع املشرع إىل إخراج قانون مكافحة اإلجتار بالبشر يتوافق مع ما صادق عليه من
وعمل املشرع املغريب هبذه املناسبة من خالل قانون 27.14على إيالء اهتمام
خاص بالنساء واألطفال ،وأفرد لكل ذلك قواعد موضوعية تتضمن جترمي األطفال اليت
تكون جرمية اإلجتار بالبشر والعقوبات املقررة هلذه األفعال ،وهو ما سوف نفصل
لقيام جرمية اإلجتار بالبشر ال بد هلا من توافرها على أركاهنا العامة مثل باقي
اجلرائم األخرى .باإلضافة إىل بعض امليزات اليت متيز أركان جرمية اإلجتار بالبشر،
وهي تعدد صور الركن املادي أو السلوك اإلجرامي ،كما أن الركن املعنوي يتطلب
قصد جنائي خاص من غري القصد اجلنائي العام وسيتم التطرق هلذه األركان كالتايل:
يقصد عموما بالركن الشرعي أو القانوين هو النص الذي جيرم الفعل سواء سليب
أو إجيايب ويعاقب عليه ،ويكون هذا النص اجلنائي صريح .27أي أن يوجد نص جيرم
الفعل وقرر بشأنه العقوبة املناسبة واليت تكون حمددة سلفا .فالقانون الذي حيددا
اجلرائم هو الذي حيدد العقوبات املقررة وهو ما يعرف مببدأ شرعية التجرمي
28
والعقاب.
المغرن الجريمة يف الفصل 110من ق ج بقوله "الجريمة فعل أو امتناع مخالف للقانون - 27عرف ر
المشع
ري
سلت، ر
الجنان ومعاقب عليه بمقتضاه" والمشع ال يقدم عل تجريم فعل أو ترك معي إال إذا كان لهذا األخي أثر ر ي ي
اجتماع يوجب زجر الفاعل بعقوبات أو تدابي وقائية.ي ويحدث اضطراب
للتفصيل راجع:
العلم :م س .ص.83
ي -عبد الواحد
يعت مبدأ رشعية التجريم والعقاب ضورة خضوع الفعل أو االمتناع لنص من نصوص التجريم ،ر
ويعي عنه -ي
28
كذلك بشعية الجرائم وعقوباتها أو مبدأ ال جريمة وال عقوبة وال تدبي إال بنص أو بمبدأ النصية ،وهذا المبدأ ر
يع وحده ر ر
الجنان لييتب عن هذا حرص القاعدة الجنائية يف النص التش ي ي يحرص مصادر التجريم والعقاب يف النص
الماض أي عدم رجعتيها ،وعدم التوسيع يف التفسي ي دون غي من المصادر األخرى ،وعدم اسناد أثر القاعدة إىل
واألخذ بالتفسي الضيق.
وتبعا ملبدأ الشرعية اجلنائية عمل املشرع بتحديد األفعال اليت تكون جرمية
اإلجتار بالبشر والعقوبات املقررة هلا حني إتباعها .وقد نظم املشرع املغريب ذلك يف
إطار القانون 27.14املتعلق مبكافحة اإلجتار بالبشر والذي هتم أحكام الباب السابع
من اجلزء األول من الكتاب الثالث من جمموعة القانون اجلنائية املصادق عليه بالظهري
بالفرع السادس.
يعرف الركن املادي للجرمية بأنه النشاط املادي الذي يصدر عن الشخص ويؤدي
إىل املساس حبقوق الناس فرادي أو مجاعات ،إذ ال يتصور قيام جرمية ما بدون إتيان
هذا الركن املادي ،ألن القانون اجلنائي يعاقب على األفعال املادية ،أما جمرد النوايا
واألحاسيس أو األفكار الشاذة ما دامت حبيسة يف نفسية صاحبها فال عقاب عليها،
ويقوم الركن املادي جلرمية اإلجتار بالبشر كما يف كل اجلرائم األخرى على
ثالث عناصر أساسية ،وهي النشاط اإلجرامي ،ونتيجة هذا النشاط والعالقة السببية
29
وبالرجوع إىل القانون رقم 27.14جند أن املشرع قد جرم بني النشاط والنتيجة،
جمموعة من األفعال اليت تكون الركن املادي ،ولذلك سوف نعرض يف التايل:
● النشاط اإلجرامي:
إذا كان النشاط اإلجرامي كعنصر أساسي ينبين عليه الركن املادي ألي جرمية،
فإن هذا النشاط يف جرمية اإلجتار بالبشر له خصوصيته اليت تكمن يف أن املشرع وسع
نطاقه ليشمل جمموعة من احلاالت ،كما مل يشترط املشرع أن يأيت اجلاين مجيع
األفعال املذكورة يف نص التجرمي ،بل يكفي أن يأيت بفعل واحد من االفعال اجملرمة
وهي:
إلعدادهم عسكريا ،أما يف املفهوم الواسع الذي يرمي إليه املشرع هو
-النقل :هو ذلك النشاط الذي يقوم به اجلاين ليغري مبوجبه مكان إقامة
وحمل الضحية ،سواء كان هذا النقل من مكان آلخر داخل املغرب أو خارجه
بقصد استغالهلم ،31وقد يتم النقل بواسطة أي وسيلة للنقل برية أو
32
حبرية أو جوية.
-اإليواء :ويعين وضع الضحية يف مكان آمن مع توفري بعض مقومات احلياة
33
من أكل وشرب ،على أمل استغالله مستقبال كمرحلة أخرية.
إن هذه األنشطة اإلجرامية تتحقق بوجود وسائلها اليت نص عليها املشرع يف
فالتهديد بالقوة صورة وشكل معنوي من أشكال اإلكراه ،أما عند استعمال هذه
أما استعمال أشكال القسر فهو إلحباط حماولة مقاومة الضحية ،أو اعتراضه على
وذلك بتمام السيطرة عليه دون الفصل بني الفعل وبني اجلرائم الالحقة
34
له بغض النظر عن كافة الدوافع.
وهذه اجلرائم تتحدد أساسا يف استغالل الضحية ،أما إذا مل يكون هناك أي
استغالل فإن جرمية اإلجتار بالبشر ال تتحقق ،وإمنا فقط جرمية االختطاف اليت هلا
35
تنظيمها اخلاص وعقوبتها اخلاصة.
ويقصد هبذه الوسيلة أن تكون السلطة قانونية أو فعلية كسلطة الويل أو الوصي،
ورب العمل على عماله ،أو سلطة املوظف السامي على موظفيه أو العاملني حتت
إمرته.
يراد هبذه الوسيلة الضعف اجلسدي أو العقلي ،أو االجتماعي أو االقتصادي الذي
-تلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على
● النتيجة اإلجرامية:
النتيجة اإلجرامية هي األثر الذي حيدثه النشاط اإلجرامي بصوره اليت تطرقنا
هلا سابقا .وقد عرب عنها املشرع يف القانون 27.14يف الفصل 448-1بقوله "...لفرض
االستغالل "...ويشمل هذا االستغالل مجيع أشكال االستغالل اجلنسي السيما دعارة
الغري ،وعن طريق املواد اإلباحية ،مبا يف ذلك وسائل االتصال والتواصل املعلومايت،
واجلاين عندما يبدأ يف تنفيذ اجلرمية إما أن حيقق وجها من أوجه االستغالل،
وعندها نكون امام اجلرمية التامة ،أو تنتفي النتيجة ألي سبب أجنيب ،لكن يف
هذه احلالة املشرع كان صرحيا وعاقب على احملاولة يف جرمية اإلجتار بالبشر ،كما
37
لو أن اجلاين أمت جرميته وحقق نتيجته اإلجرامية.
املادي للجرمية ،وال يتصور قيام هذه األخرية قانونا أذا انعدمت أو انتفت رابطة
السببية ،اليت تتوافر إذا كان األثر الذي حيدثه السلوك اإلجرامي متصل به وصادر
عن اجلاين.
وتتمثل العالقة السببية يف جرمية اإلجتار بالبشر يف قيام اجلاين بأحد األفعال
اليت تعرضنا هلا أعاله كالتجنيد أو النقل أو التنقيل ...كنتيجة لسلوكه اإلجرامي،
باإلضافة إىل الركن الشرعي والركن املادي بإتيان اجلاين إلحدى صور السلوك املادي،
إىل الركن املعنوي ،الذي يأخذ شكل القصد اجلنائي يف اجلرائم العمدية ،أو اخلطأ
ومادام أن جرمية اإلجتار بالبشر من اجلرائم العمدية ،فال بد واحلالة هاته من
توافر القصد اجلنائي العام واخلاص .أما األول فيتكون من عنصرين ،العلم بتوافر
أركان اجلرمية ،وانصراف إرادة اجلاين حنو إحداث وحتقيق الواقعة اجملرمة .وهذا
أما القصد اجلنائي اخلاص يف جرمية اإلجتار بالبشر ،فيتمثل يف استغالل الضحايا
بأحد الصور اليت حددها املشرع يف نص الفصل 448-1من القانون ،2714وهي العمل
بالسخرة أو العمل القسري ،أو االسترقاق ،أو نزع األعضاء واألنسجة البشرية أو
إذن فالركن املعنوي مها ال بد من أن يتوافر متكونا من العلم وإرادة الفاعل يف
توجيهها إلتيان أفعال االستغالل ،أي توافر باعث خاص وهو نية االستغالل ،فإذا
انتفى هذا األخري فال قيام جلرمية اإلجتار بالبشر ،وإمنا يصلح عليها وصف آخر
38
حبسب الفعل املرتكب كاالختطاف والنقل.
بالرجوع إىل القانون 27.14املتعلق مبكافحة اإلجتار بالبشر ،جند أن املشرع قد
أورد جمموعة من العقوبات الزجرية لردع مرتكب جرمية اإلجتار بالبشر ،سواء
أشخاص عاديني أو معنويني ،وهذه العقوبات تنقسم إىل أصلية وأخرى إضافية كما
قسم املشرع العقوبات املقررة جلرمية اإلجتار بالبشر إىل أصلية وإضافية.
● العقوبات األصلية.
العقوبات األصلية حسب ما ذهب إليه الفصل 14من جمموعة القانون اجلنائي
هي اليت يسوغ احلكم هبا وحدها دون أن تضاف إىل عقوبة أخرى وبالرجوع إىل القانون
وبسيطة أو كانت اجلرمية مشددة ومرتبطة بظرف أو ظروف حددها املشرع حصرا.
2-448الذي يقول إنه “دون اإلخالل باملقتضيات اجلنائية األشد يعاقب بالسجن من
سنوات إىل عشرين سنة وغرامة من 100000إىل 1000000درهم عند حتقق بعض
االنتحار أو التشهري.
كما رفع املشرع العقوبة إىل السجن من عشرين سنة إىل 30سنة وغرامة من
عابر للحدود الوطنية .أو إذا نتج عن اجلرمية وفاة الضحية أو إذا ارتكبت ضد قاصر
دون 18سنة أو من يعاين إعاقة كيفما كانت أو كان املرتكب زوجا للضحية.
وترفع العقوبة إىل السجن املؤبد إذا ارتكبت اجلرمية بواسطة التعذيب أو
األعمال الوحشية.
التهديد باستعماله ،أو وعد مبنفعة ملنع شخص باإلدالء بشهادته ،أو تقدمي أدلة
بالكشف عن هويته ،أو مكان إقامته أو عرقلة إلجراءات احلماية املتخذة لفائدته.
● العقوبات اإلضافية:
زيادة على العقوبات األصلية اليت حتدثنا عنها أعاله عاقب املشرع بعقوبات
إذا ارتكب جرمية اإلجتار بالبشر دون اإلخالل بالعقوبات املطبقة على الشخص الذايت
باإلضافة إىل أنه جيب على احملكمة احلكم حبل الشخص االعتباري او احلكم
امتالكها.
بادر من اجلناة بإبالغ السلطات املختصة هبا يعلمه عن جرمية اإلجتار بالبشر قبل
وإذا حصل التبليغ عن اجلرمية فإنه جيوز إعفاء اجلاين من العقوبة أو ختفيفها
حسب ظروف التبليغ إذا مكن السلطات أثناء التحقيق من القبض على باقي اجلناة،
وتستثىن من ذلك اجلرائم املؤدية إىل وفاة الضحية أو إصابتها بعاهة أو مرض.
إن اخنراط املغرب يف املسلسل الدويل الرامي إىل حماربة ومكافحة معضلة اإلجتار
بالبشر ،مل يتوقف فقط عند حدود إفراد قواعد موضوعية لتنظيم جرمية اإلجتار
بالبشر ،وبتحديد األفعال اليت تشكل نشاطا إجراميا وبسط العقوبات املقررة هلا .بل
تعداه اهتمام املشرع املغريب إىل تسيطر قواعد ذات طبيعة شكلية كآلية وأسلوب
آخر ملكافحة جرمية اإلجتار بالبشر ،وتتمثل أساسا هذه األحكام اإلجرائية يف
خصوصية التحري والبحث عن اجلرمية ،نوعية التدابري الوقائية ،باإلضافة إىل النص
على تشكيل جلنة وطنية تعين مبناهضة وتنسيق إجراءات مكافحة جرمية اإلجتار
بالبشر.
حيال ضحايا اإلجتار بالبشر يف املادة الثانية منه إىل غاية املادة السابعة ،حيث نصت
املادة الثانية أن املواد اليت تليها هي تتميم لقانون املسطرة اجلنائية رقم 22.01
السيما املواد املتعلقة بتقنيات البحث اخلاصة ،ومحاية الضحايا والشهود واخلرباء
واملبلغني ،وهلذا سوف نتعرض لإلجراءات والتدابري املهمة الواجب القيام هبا اجتاه
الضحايا.
يقتضي الكشف عن جرائم اإلجتار بالبشر ضرورة اختاذ تدابري إجرائية خاصة
ال سيما يف مرحلة البحث والتحري ،وكذا التحقيق هبدف اإلطاحة بالعصابات
والتنصت على املكاملات اهلاتفية ،وتسجيل الصور بعد اإلذن من طرف الوكيل العام
للملك مبحكمة االستئناف اليت جيري البحث فيها ،كما ألزم املشرع بإشعار الضحية
املتضرر من اجلرمية حبقه يف االنتصاب كمطالب باحلق املدين أمام قاضي التحقيق،
أو أمام هيئة احلكم ،كما جيب إشعاره باحلقوق اليت خيوهلا له القانون ،مع اإلشارة
إىل هذا اإلجراء باحملضر املنجز من طرف الشرطة القضائية أو من طرف النيابة العامة
40
اليت ميثل الضحية أمامها.
باحلق املدين للضحية أنه يعفى من الرسوم القضائية املرتبطة بالدعوى املدنية،
نصت املادة 5-82من ق م ج على أن يقوم وكيل امللك أو الوكيل العام أو
قاضي التحقيق كل فيما خيصه باختاذ التدابري احلمائية الكفيلة بتأمني سالمة
املتاحة إىل توفري احلماية والرعاية الصحية والدعم النفسي واالجتماعي لفائدة ضحايا
اإلجتار بالبشر ،والعمل على توفري أماكن إليزائهم بصفة مؤقتة ،وتقدمي املساعدة
القانونية الالزمة هلم ،وتيسري سبل اندماجهم يف احلياة االجتماعية أو تيسري عودهتم
كما منحت سلطات البحث والتحري والتحقيق إمكانية بل وجوب منع املشتبه
41
فيهم أو املتهمني من االتصال أو االقتراب من ضحية اإلجتار بالبشر.
وإعطاء احلق للسلطة القضائية املختصة باألمر بالترخيص للضحية األجنيب بالبقاء
الفقرة الثانية :إحداث جلنة وطنية لتنسيق إجراءات مكافحة اإلجتار بالبشر
والوقاية منه.
لقد نصت على إحداث جلنة وطنية لتنسيق إجراءات مكافحة اإلجتار بالبشر
والوقاية منه ،املادة السادسة من القانون .27.14وينظم عملها مرسوم صادر يف
.2018
وقد مت تنصيب اللجنة الوطنية من طرف رئيس احلكومة يوم 23ماي .2019
ويعد هذا تتوجيا جلهود اململكة الشريفة من أجل التصدي لظاهرة اإلجتار بالبشر،
هذا ،وتتلخص أهم االختصاصات املنوطة باللجنة املدخورة فيما ذهبت إليه املادة
-تقدمي كل مقترح تراه مفيدا إىل احلكومة من أجل وضع سياسة عمومية
وخط عمل وطنية ملكافحة اإلجتار بالبشر ،ورصد مستجداته ،والوقاية منه
املعنية.
-إعداد تقرير وطين سنوي حول اجملهودات املبذولة يف جمال مكافحة اإلجتار
خامتة:
ويف ختام هذه الدراسة ،وبعد عرض أهم جوانب جرمية اإلجتار بالبشر خنلص
إىل أن هذه األخرية أصبح يعاين منها كل سكان وبلدان املعمور ،ومل يسلم منها أحد،
وبات هتديدها واضحا ،ونتائجها الوخيمة وانعكاساهتا السلبية بادية ،مست كل
جماالت احلياة داخل الدولة وخارجها ،وهو ما دفع الدول واملنظمات والدولية ومن
ملكافحة جرمية اإلجتار بالبشر يف إخراج وإصدار قانون داخلي يعين مبكافحة اإلجتار
بالبشر ،ويتوافق إىل حد كبري مع القوانني الدولية ذات االرتباط باملوضوع ،حيث
بالتجرمي والعقاب .بل كذلك أفرد جلرمية اإلجتار بالبشر مقتضيات قانونية جد
مهمة تتعلق بنوعية اإلجراءات املسطرية املتبعة ،مع النص كذلك على جمموعة
من التدابري اإلجرامية والوقائية الضرورية هبدف إسعاف الضحية ،وتقدمي العون له
من رعاية اجتماعية وقانونية ،باإلضافة إىل إحداث جلنة وطنية لتنسيق إجراءات
ونظمتها مبقتضيات قانونية نظرا العتبارها دعامة أساسية يف ضبط واستقرار امللكية
الئحة املراجع:
حممد عوض :جرائم األشخاص واألموال ،دار املطبوعات اجلامعية السنة
.2005
حممد علي العريان :عمليات اإلجتار بالبشر وآليات مكافحتها – دراسة
سعيد أمحد علي قاسم :شرح قانون اإلجتار بالبشر العماين – دراسة مقارنة
عبد احلافظ عبد اهلادي عبد احلميد :اآلثار االقتصادية واالجتماعية لظاهرة
اإلجتار باألشخاص حبيث ضمن سلسلة أعمال ،مكافحة اإلجتار باألشخاص واألعضاء
البشرية ،جامعة نايف العربية للعلوم األمنية ،مركز الدراسات والبحوث الرياض
.2005
عبد اهلل عبد املنعم حسن علي :السياسة اجلنائية يف مواجهة جرائم اإلجتار
خالد فهمي مصطفى :النظام القانوين ملكافحة جرائم اإلجتار بالبشر يف
وجدان سليمان أرمتيه :األحكام العامة جلرائم اإلجتار بالبشر – دراسة
حامد سيد حممد حامد :اإلجتار يف البشر جلرمية منظمة عابرة للحدود
عبد الفتاح مصطفى الصيفي وآخرون :اجلرمية املنظمة التعريف واألمناط
واالجتاهات ،جامعة نايف للعلوم األمنية ،مركز الدراسة والبحوث ،الرياض .1999
عمر دمهان أكرم :جرمية اإلجتار بالبشر -دراسة مقارنة ،الطبعة األوىل. -
عبد اهلادي هاشم حممد :اإلجتار بالبشر يف الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي
عبد الواحد العلمي :شرح القانون اجلنائي املغريب القسم العام ،الطبعة
حممد بنجلون :شرح القانون اجلنائي العام وتطبيقاته ،مطبعة اجلسور،
وجدة.2004 .
ماجد عادل :مكافحة جرائم اإلجتار بالبشر يف االتفاقيات الدولية والقانون
الوطين لدولة اإلمارات العربية املتحدة .ختت عنوان اجلهود الدولية يف مكافحة
األخرية إىل مسؤولية عن العمل الشخصي املنصوص عليها ضمن مقتضيات القانون املدين
وإىل مسؤولية إدارية يتوالها بالتنظيم القانوين اإلداري ،هذا باإلضافة إىل املسؤولية
اجلنائية واملسؤولية التأديبية واملسؤولية املالية ،فإذا كان أساس املسؤولية املرفقية
يعود باألساس إىل ركن اخلطأ كقاعدة عامة واستثناءا على أساس املخاطر .حبيث
جيب التمييز هنا بني خطأ املرفق وهو خطأ ينسب ملرفق احملافظة العقارية واخلطأ
الشخصي الذي ينسب إىل احملافظ العقاري ،وال تقوم املسؤولية املرفقية إال إذا تعلق
P 49 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
األمر خبطأ مرفقي لذلك قيل أن اخلطأ املرفقي هو الذي يرتكبه احملافظ بقصد
ومن هنا فإن مناقشة هذا املطلب سيتم من خالل دعاوى املسؤولية املمكنة
ضد احملافظ العقاري (الفقرة األوىل) مث نعاجل دعوى التعويض (الفقرة الثانية).
والرهون.
تتميز مسؤولية احملافظ العقاري خبصوصية هاته وذلك بالنظر إىل تشتتها ما
وبالعودة إىل مقتضيات الفصول 80ق.ل.ع و 97و 72و 73من القانون العقاري
14/07فإهنا تنظم املسؤولية املدنية الشخصية للمحافظ العقاري أما الفصل 79من
ق.ل.ع فإنه يؤطر املسؤولية املرفقية للدولة عن خطأ احملافظ العقاري (ثانيا).
ينص الفصل 64من القانون العقاري 14/07على ما يلي" 42ال ميكن إقامة
أي دعوى يف العقار بسبب حق وقع اإلضرار به من جراء حتفيظ ميكن للمتضررين
يف حالة التدليس فقط أن يقيموا على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء
فمن خالل االطالع على هذا الفصل جنده يتحدث عن مسؤولية احملافظ
العقاري عن األخطاء اليت حيدثها .فبعد أن منع الفصل 64موضوع الدراسة مساع أي
دعوى عينية عقارية ضد قرارات احملافظ ،نص يف فقرته األخرية على مراعاة تطبيق
القواعد اخلاصة مبسؤولية الدولة وموظفيها ،كما هو منصوص عليه يف الفصول من
يتضح من خالل هذا النص أنه ميكن للمتضرر من التحفيظ أن يقوم برفع
43
دعوى شخصية على املستفيد من التحفيظ يف حالة ارتكاب تدليسا.
العقاري مسؤولية تقصريية أم أهنا مسؤولية تتميز خبصوصية خاصة بالنظر إىل
ومما جتب اإلشارة إليه هو التمييز بني مسؤولية احملافظ عن مجيع العمليات
اليت يقوم هبا خالل مرحلة التحفيظ اليت يؤطرها الفصل 80ق.ل.ع وبني املسؤولية
الشخصية املنصوص عليها بصفة استثنائية ضمن مقتضيات الفصل 97من القانون
45
العقاري 14/07واليت تتعلق مبرحلة التقييدات والتسجيالت يف الرسوم العقارية.
.43عبد الكريم شهبون ،م .الشافي في شرح قانون التحفيظ العقاري الجديد رقم ،14/07مكتبة الرشاد ،سطات،
الطبعة األولى ،2004/1435 ،ص.172 :
.44عبد اإلله المرابط ،إلغاء مطلب التحفيظ لعدم متابعة المسطرة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في
القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد الخامس ،الرباط ،السنة الجامعية
،2006/2005ص.102 :
.45فاطمة الحروف ،دور المحافظ بشأن التعرضات على مطلب التحفيظ ،المجلة المغربية للقانون واالقتصاد ،العدد
،19سنة ،2002ص.60 :
التقصريية هي القيام بعمل غري مشروع وخمالف للقانون ويصيب األفراد عن طريق
46
العمد أو عن طريق اخلطأ سواء كان هذا العمل غري املشروع عمديا أو غري عمدي.
كما أن متابعة احملافظ العقاري عند ارتكابه خطأ نتيجة استعمال وسائل تدليسية
47
ميكن أن تتم يف إطار املبادئ العامة للمسؤولية التقصريية.
ويف هذه احلالة جيب على املتضرر من إجراءات التحفيظ الذي ينوي احلصول
على التعويض من جراء الضرر الذي أصابه أن يتوفر على حجتني ومها:
-أن يثبت توفره على ملكية عقار أو أي حق عيين من احلقوق العينية الواردة
على العقار قبل حتفيظه واليت مل تنعدم إال بسبب عملية التحفيظ ،ويف هذا الصدد
فقد ذهبت حمكمة االستئناف بالرباط يف قرار هلا بتاريخ 10دجنرب 1953نصت
فيه على أنه ميكن للمحكمة اليت تعرض عليها دعوى تعويض أن تأمر بإجراء حبث
يف املوضوع هدفه البحث عن حقوق كل من األطراف على العقار الذي ادعى بأنه
املستفيد ،وهو ما ذهبت إليه حمكمة االستئناف بالرباط يف قرار هلا بتاريخ 13
.46وردة غزال :دور االجتهاد القضائي في مسطرة التحفيظ العقاري ،اطروحة لنيل الدكتوراة في القانون الخاص ،جامعة محمد
األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة ،السنة الجامعية.2011/2010 :ص.259 :
.47عمر موسى ،الدعاوى الكيدية أثناء مسطرة التحفيظ العقاري ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في
القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد الخامس ،الرباط ،السنة الجامعية:
،2007/2006ص.100 :
مسؤولية مدنية تقصريية شخصية أساسها التدليس طبقا ملقتضيات الفصل 80ق.ل.ع
كما جاءت النصوص العقارية اخلاصة والالحقة لتؤكد على هذا املقتضى من خالل
اإلحالة على هذا املبدأ على مقتضيات قانون االلتزامات والعقود 49والتدليس الصادر
عن احملافظ العقاري يتضمن كل تصرف يصدر عنه أثناء أدائه ملهامه أو بسببها ويكون
ومن بني صور التدليس الصادر عن احملافظ العقاري مثال تسليم رسوم عقارية
ـ عدم اللجوء إىل اختاذ إجراءات مسطرية معينة يوجبها القانون بغية اإلضرار
50
بالغري.
ويف هذا الصدد فقد جاء يف قرار حملكمة النقض ما يلي" 51:لكن فمن جهة
أن حمكمة االستئناف حيث عللت قرارها بأنه ثبت هلا من وثائق امللف أن مطليب
.48محمد بن الحاج السلمي ،سياسة التحفيظ العقاري بالمغرب بين اإلشهار العقاري والتحفيظ االجتماعي
واالقتصادي ،منشورات عكاظ الرباط يونيو ،2002ص 135 :و.136
.49أنظر الفصل 97من القانون العقاري .14/07
.50صالح لمزوغي :المسؤولية المدنية الشخصية للموظف ،أطروحة لنيل الدكتوراة ،جامعة محمد الخامس أكدال ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الرباط ،السنة الجامعية ،2012/2011 :ص.287 :
.51قرار لمحكمة النقض عدد ،4731المؤرخ في 26أبريل ،2006ملف مدني عدد ،2004/2/11854أورده
عمر أزوكار في كتابه :مستجدات التحفيظ العقاري في ضوء قانون 14/07ومدونة الحقوق العينية ،م.س .ص:
336وما بعدها.
التحفيظ حمل الزناع حتوال إىل رمسني عقارين يف اسم الطاعن وحده دون سواه .واحلال
أنه التزم يف اإلشهاد الصادر عنه بتسليم املطلوبني نصف املطلبني عندما يصبحان
رمسني عقارين .وأن إخالله بالتزامه املذكور ينم عن سوء نية وعن حرمان املطلوبني
من نصيبهما يف املطلبني ،تكون قد ثبت يف الدعوى يف إطار الفصل 64احملتج به
ومل خترقه ،ومن جهة أن دعوى التعويض املقررة يف الفصل 64من ظهري 13-8-12
تقام إما على املستفيد من التحفيظ إذا كان هو املرتكب للتدليس وإما على احملافظ
يف حالة اخلطأ اجلسيم أو اخلطأ املهين ،ولذلك فإنه توجيه املطلوبني لدعوى التعويض
ضد الطاعن باعتباره املستفيد من التحفيظ واملنسوب إليه التدليس يعترب توجيها
صحيحا مما مل يقع معه أي خرق للفصل احملتج به .والوسيلة يف الوجهني معا على غري
أساس".
هذا ويقع على مدعى التدليس إثباته جبميع وسائل اإلثبات ألن التدليس
واقعة مادية ختضع لقاعدة حرية اإلثبات وتستأثر حمكمة املوضوع بتقديرها 52كما
أن التعويض احملكوم لفائدة املتضرر من التحفيظ يؤدي يف حالة إعسار احملافظ من
طرف صندوق التأمني املنصوص عليه يف الفصلني 64و 100من القانون العقاري
هذا وجتب اإلشارة إىل أن املطالبة بالتعويض نتيجة التدليس تتقادم مبرور 5
سنوات ابتداء من اليوم الذي بلغ فيه إىل علم املدلس عليه بوقوع التحفيظ أو
التدليس وبعشرين سنة يف مجيع احلاالت ابتداء من تاريخ اختاذ قرار التحفيظ،
54
وذلك تطبيقا ملقتضيات الفصل 106ق.ل.ع.
اإلثراء بال سبب هو حصول شخص على مال أو شيء مملوك لشخص آخر أو
منفعة من فعل قام به الغري ،وذلك بدون سبب قانوين يربر حصوله على هذا املال
أو هذا الشيء أو هذه املنفعة 55.وجدير بالذكر أن دعوى اإلثراء بال سبب تقوم على
ثالث أركان وهي إثراء املدين وافتقار الدائن املترتب على اإلثراء وانعدام السبب
56
القانوين لإلثراء.
وبالتايل فإن اإلشكال الذي ميكن طرحه هو هل ميكن للمتضرر اللجوء إىل
ويف نظرنا فإنه ما دام السبب القانوين لإلثراء يكمن يف صدور قرار من جهة
57
وعالوة على حق املضرور يف املطالبة باسترداد ما دفع مع التعويض عند اإلدارة
االقتضاء تطبيقا للفصل 79ق.ل.ع وعلى حقه يف متابعة مرتكب التدليس أو مقاضاة
الدولة أو احملافظة على األمالك العقارية عمال مبقتضيات الفصل 64من القانون
العقاري ، 14/07ميكن للشخص الذي جرد من حقه العيين بسبب التحفيظ أن يلجأ
.54ينص الفصل 106ق.ل.ع" :إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات
تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه وتتقادم في جميع األحوال
وبمضي عشرين سنة تتبدئ من وقت حدوث الضرر".
.55عبد الرحمان أسامة ،القانون المدني لسنة ،1996دون اإلشارة إلى المطبعة ،ص.184 :
.56عبد القادر لشقر ،محاضرات في قانون التحفيظ العقاري ،وراقة الرقيم ،السنة ،2008/2007ص.64 :
.57عبد اإلله المرابط ،مرجع سابق ،ص.104 :
إىل دعوى اإلثراء بال سبب فيقاضي املستفيد من التحفيظ بوصفه مثريا دون حق على
58
حسابه ويطالبه بالتعويض عليه عن الضرر الذي أصابه.
وبالرجوع إىل الفصل 66ق.ل.ع جنده ينص على ما يلي" :من تسلم أو حاز
شيئا أو أية قيمة أخرى مما هو مملوك للغري بدون سبب يربر هذا اإلثراء ،التزام
كما نص الفصل 67ق.ل.ع على ما يلي" :أن من استخلص حبسن نية نفعا
من شغل الغري أو شيئه بدون سبب يربر هذا النفع التزام بتعويض من أثرى على
ويتضح من هنا أن من أثرى على حساب غريه دون سبب قانوين ،يلتزم برد
ملن افتقر قدر ما أثرى به يف حدود ما حلق املفتقر من خسارة شريطة حتقق شروط
اإلثراء بال سبب ليس حال ناجحا ،بالنظر إىل أن هذه الدعوى ال تستعمل يف حاالت
التدليس باعتبار أن شروطها ليست حمددة بكيفية واضحة ،فهي عبارة عن طعن ال
يستعمل إال بعد استنفاذ كافة الطعون املنصوص عليها يف الفصل 64من القانون
هذا وميكن لكل من تضرر من مسطرة التحفيظ أن يلتجئ إىل رفع دعوى
اإلثراء بال سبب يف مواجهة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية باعتبارها الطرف
الذي اغتىن بدون وجه حق ،وهو ما أكدت عليه دوريات احملافظة العقارية59،حيث
ـ األوىل :تتعلق بدفع غري مستحق والثانية تتعلق بعدم قيام احملافظ العقاري
وعالوة على هذا فقد مسح القانون العقاري اجلديد يف الفصل 64منه لصاحب
احلق املتضرر من التحفيظ رفع دعوى اإلثراء بال سبب ،هذا وتعترب هذه الدعوى دعوى
60
التعويض ال دعوى تنفيذ االلتزام.
وال تتصرف هذه الدعوى إال على التقييدات الالحقة على تأسيس الرسم
61
العقاري.
و يف األخري فإن حق املطالبة باسترداد الدفع غري املستحق يسقط مبرور مدة
التقادم احملددة يف سنتني ابتداء من يوم األداء إذا تعلق األمر بقرار التحفيظ أو من
يعترب هذا األخري أساس مسؤولية اإلدارة ،أو خطأ شخصيا يؤسس ملسؤوليته الشخصية
ومسؤولية الدولة على سبيل االحتياط يف حال إعساره وذلك وفقا للفصل 80ق.ل.ع
إضافة إىل األخطاء اليت نص عليها الفصل 97من القانون العقاري رقم 14/07اليت
تندرج ضمن األخطاء الشخصية للمحافظ العقاري 64.أما عداها من األخطاء فتدخل ضمن
األخطاء املرفقية اليت تسأل عنها اإلدارة طبقا للفصل 79ق.ل.ع وذلك عن طريق
فانطالقا مما سبق تكون الدولة مسؤولة عن أعمال حمافظيها واألعوان الذين
هم حتت إشرافه حيث ذهب البعض إىل أن أساس مساءلة الدولة عن األخطاء
املرفقية إمنا يكون على أساس اختيار ومراقبة موظفيها إذ أن األصل هو مراعاة معايري
معينة وثابتة ومدروسة يف العملية اإلدارية برمتها تعيينا ومراقبة لذلك على الدولة
أن تتحمل وزر سوء االختيار وعدم املراقبة اإلدارية .واحملافظ على األمالك العقارية
باعتباره موظفا عموميا وساهرا على تنفيذ مقتضيات القانون العقاري يدخل ضمن زمرة
موظفي الدولة الذي تعترب الدولة مسؤولة عن أخطائهم انطالقا من املادة 79من قانون
65
االلتزامات والعقود.
هذا وتعترب اإلدارة مسؤولة مبدئيا عن األخطاء اليت يرتكبها احملافظ وال يسأل
هذا األخري إال استثناءا يف احلاالت املشار إليها مبقتضى نصوص خاصة باخلطأ الشخصي،
وبرجوعنا إىل الفصل 79ق.ل.ع يتبني لنا أنه يف حالة تضرر أحد األشخاص
من عملية التحفيظ وثبت هذا الضرر نتيجة السري املعيب ملرفق احملافظة العقارية أو
نتيجة أخطاء ارتكبها موظفوها واليت تندرج ضمن األخطاء املرفقية أمكن للمتضرر
66
يف هذه احلالة مساءلة الدولة عن الضرر الذي حلق به.
ويف هذا اإلطار ذهب جانب من الفقه إىل اعتبار أن مسؤولية الدولة يف إطار
الفصل 79ق.ل.ع مسؤولية مفترضة مبنية على فكرة املسؤولية املوضوعية اإلدارية،
حبيث أن الضرر كاف للقول مبسؤولية الدولة عن التعويض ويف هذا الصدد ذهب
67
ما يلي" :مسؤولية اجمللس األعلى سابقا يف اجتاه مغاير حيث جاء يف أحد قرارته
الدولة ال تفترض بل البد من إثبات اخلطأ املصلحي املنسوب إىل موظفيها ألهنا
مسؤولية تقصريية".
ومن بني التطبيقات على مسؤولية اإلدارة هناك مسؤولية اإلدارة عن عدم
تنفيذ األحكام والقرارات اإلدارية .وحلمل مرفق احملافظة على تفعيل ذلك فإنه
.66محمد الكشبور ،التطهير الناتج عن تحفيظ العقار ،قراءة في قرار المجلس األعلى الصادر بتاريخ 29دجنبر
،1999مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة األولى ،2005 ،ص.50 :
.67قرار المجلس األعلى عدد ،239ملف مدني عدد ،3804بتاريخ 26ماي ،1994منشور بمجلة قضاء المجلس
األعلى ،عدد ،48ص.97 :
البد من اعتماد الغرامة التهديدية كوسيلة إلجبار مرفق احملافظة على التنفيذ مث
إن عدم احترام مرفق احملافظة العقارية لألحكام والقرارات القضائية يعد
إخالال من طرفها وخمالفة اللتزام قانوين مفروض عليها يترتب عنه خمالفة قانونية
تعرض عملها لعدم املشروعية ،وعلى هذا األساس فإن القانون أوجد نظاما ملسؤولية
ختتلف أمناطها بدرجة نوع اخلطأ املرتكب من طرف مرفق احملافظة أو احملافظ
العقاري القائم بالتنفيذ ويتفق الفقه على أن هذا اإلخالل يرتب مسؤوليتني إحدامها
األحكام القضائية من طرف اإلدارة يعرف تعنتا كبريا .فمن خالل اإلحصائيات
الرمسية لسنة 2003جند من بني 7379حكم يتعلق جبميع القضايا احملكومة من
طرف جمموع احملاكم اإلدارية للمملكة الدعاوى ألجل الشطط يف استعمال السلطة
68
تستوعب فقط 5576مث تنفيذها ،فبما الزال 1802حكما يعاين من عدم التنفيذ.
وأمام هذا التعنت جلأ القضاء اإلداري املغريب إىل خلق أساليب جديدة حلث
اإلدارة على التنفيذ .كما أن القضاء اإلداري ما وجد إال حلماية احلقوق واحلريات ضد
تعسف اإلدارة وذلك من خالل بسط رقابته على هذه األخرية من أجل محلها على
69
احترام مبدأ املسؤولية.
وبالتايل فإن امتناع احملافظ العقاري عن تنفيذ حكم قضائي قد يكون مما
يدخل ضمن إطار أعمال احملافظ العقاري اليت تعد الدولة مسؤولة عنها إال أنه إذا كان
االمتناع مقرونا بتدليس أو خبطأ جسيم ،فإن احملافظ العقاري يعد مسؤوال عن أخطائه
وبالتايل فإن مسؤولية الدولة تستبعد .70وهكذا فإن األخطاء الصادرة عن احملافظ
العقاري واليت تندرج ضمن األخطاء املرفقية تتحمل الدولة تبعات األضرار الناجتة
عنها ،ولذلك فإن القرارات الصادرة عن احملافظ باعتباره موظفا عموميا تكون قابلة
للطعن باإللغاء .أما القضاء اإلداري كقاعدة عامة على اعتبار أهنا صادرة من سلطة
71
إدارية واستثناءا خصها املشرع بدعوى موازية لدعوى اإللغاء.
ويف هذا اإلطار جاء يف قرار حملكمة النقض ما يلي" 72امتناع احملافظ العقاري
عن تقييد حكم هنائي حائز لقوة الشيء املقضي به يعترب شططا يف استعمال السلطة".
.69بدر العزيزي ،المحافظ بين المسؤولية الشخصية والمرفقية ،بحث لنيل دبلوم الماستر من جامعة سيدي محمد
بن عبد هللا ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،فاس السنة الجامعية ،2008/2007ص.72 :
.70إلياس الطاوس ،دور المحافظ في تنفيذ األحكام العقارية بين متطلبات االختصاص والصعوبات القانونية ،رسالة
لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة ،السنة الجامعية
،2012/2011ص.73 :
.71أنوارالبكوري ،دور المحافظ العقاري في تحقيق الملكية العقارية على ضوء مستجدات قانون ،14/07رسالة لنيل
دبلوم الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واقتصادية واالجتماعية السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية
،2012ص.66 :
.72قرار صادر عن محكمة النقض عدد ،874الصادر بتاريخ 28يونيو ،2001منشور بالمجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،سلسلة دالئل السير ،عدد ،2004/16ص.333 :
كما جاء يف قرار آخر لنفس احملكمة يف غرفتها اإلدارية ما مضمونه "إن
امتناع احملافظ عن تسجيل قرار اجمللس األعلى على الرسم العقاري ،يعد جتاهال لقرار
اكتسب قوة الشيء املقضي به ،ويشكل شططا يف استعمال السلطة ،وخرقا للقوانني
األساسية للمسطرة والتنظيم القضائي ،مما يفتح اجملال لتقدمي دعوى اإللغاء أمام
أما فيما خيص الوسائل الكفيلة بإلزام مرفق احملافظة على التنفيذ فإنين
سوف أخصصه إىل كل من الغرامة التهديدية واحلجز كوسيلتني إلجبار اإلدارة على
التنفيذ.
ـ الغرامة التهديدية:
مل يعرف املشرع املغريب الغرامة التهديدية وإمنا ترك ذلك إىل كل من
الفقه والقضاء .وهكذا فقد عرفها جانب من الفقه" :على أهنا وسيلة هتديدية وإجبار
منحها املشرع للدائن عن طريق القضاء للتغلب على تعنت املدين احملكوم عليه
73
وإخضاعه لتنفيذ التزام يقتضي تدخال شخصيا -سلبيا أو إجيابيا -من طرف املدين".
له املشرع كافة الوسائل الكفيلة بتمكني أصحاب احلقوق من اقتضاء حقوقهم
الواردة باحلكم أو القرار فإن األمر على خالف ذلك بالنسبة لتنفيذ األحكام
.73محمد محجوبي ،الغرامة التهديدية وتصنيفها في ضوء اجتهاد المحاكم القضائية واإلدارية ،مطبعة األمنية،
الرباط ،الطبعة الثانية ،2002 ،ص.15 :
وهو ما يدفعنا إىل طرح تساؤالت حول إمكانية تطبيق الغرامة التهديدية
يف مواجهة مرفق احملافظة العقارية أما أن األمر يتطلب هتديدها لتشمل حىت احملافظ
العقاري؟
الفقهاء جيمعون على جواز فرض الغرامة التهديدية على أشخاص القانون العام ونظرا
لكون مرفق احملافظة جزء ال يتجزأ من املرافق العامة فإن إمكانية فرض الغرامة
على هذا املرفق تظل واردة وال أساس الستبعادها وإن كان هناك من ال يزال يرفض
74
ذلك.
ومن خالل اطالعنا على القانون 41/90احملدث للمحاكم اإلدارية اتضح خلوه
من أي نص يسمح مبواجهة امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام الصادرة ضدها .فقد
75
حاول الفقه حلل هذه اإلشكالية االستعانة مبقتضيات املادة 7منه.
على قانون املسطرة املدنية عمال بنظام وحدة القضاء ووحدة املسطرة.
76
ما ويف هذا االجتاه فقد جاء يف قرار حملكمة االستئناف اإلدارية بالرباط
يلي" :وحيث إنه استنادا إىل قاعدة نسبية األحكام اليت تقتضي بأن احلكم ينفذ يف
.74الجاللي أمزيد ،إشكالية تطبيق قانون المسطرة المدنية في مجال المنازعات اإلدارية ،المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،عدد 36فبراير ،2001ص.24 :
.75تنص المادة 7من القانون 41/90على ما يلي" :تطبق أمام المحاكم اإلدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة
المدنية ما لم ينص قانون على خالف ذلك".
.76قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ،32ملف عدد ،2/07/105بتاريخ 7يناير ،2008أورده صالح
لمزوغي ،ص.204 :
موضوع التنفيذ .فإنه بالتايل يكون املخاطب مبقتضيات املادة 448من ق.م.م هو
السيد قائد قيادة تاغرامت باعتباره املصدر للقرار املطعون فيه وبالتايل فإن مواجهة
وزارة الداخلية بالغرامة التهديدية ليس يف حمله ما دام القرار اإلداري موضوع
وبالنظر إىل أن مرفق احملافظة العقارية شخص معنوي عام وال ميكنه القيام باألعمال
املادية واألعمال القانونية إال عن طريق موظفيها بامسها وحلساهبا .وأمام صعوبة اللجوء
إىل وسا ئل التنفيذ اجلربي إللزام مرفق احملافظة بأداء الغرامات التهديدية احملكوم
هبا عليها على إثر حتميلها املسؤولية اإلدارية عن الضرر الذي حلق باملتضررين من
77
جراء االمتناع عن تنفيذ األحكام الصادرة ملصلحتهم وحائزة لقوة الشيء املقضي به.
فإنه ميكن حتميل احملافظني العقاريني املسؤولية على أساس أن اإلدارة تتصرف
صدرت يف حقها.
ويف هذا السياق فقد جاء يف حكم للمحكمة االبتدائية بالرباط ،78حيث
جاء يف مضمون األمر االستعجايل ما يلي "وحيث إنه من جهة أخرى فإن وجود الصعوبة
.77عائشة سلمان ،إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة في القانون العام ،وحدة التكوين والبحث في اإلدارة والتنمية ،كلية العلوم القانونية االقتصادية واالجتماعية
بجامعة عبد المالك السعدي ،طنجة ،السنة الجامعية ،2006/2005ص.79 :
.78األمر الصادر عن رئيس المحكمة االبتدائية بالرباط في الملف رقم ،6/8/1190أمر رقم ،175بتاريخ
،2009/3/2ورغم استئناف الحكم أمام محكمة االستئناف بالرباط والتي قضت بتاريخ 22يونيو 2009القرارقم
القانونية املشار إليها يف جواب احملافظ على األمالك العقارية جيب إقرارها مبقتضى
أمر أو حكم قضائي .وال يكفي جمرد الدفع هنا لتربير قرار رفض تنفيذ حكم
قضائي اكتسب قوة الشيء املقضي به ،كما أن احملافظ على األمالك العقارية بصفته
حكم قضائي للقانون لريتب بنفسه األمر القانوين على ذلك .بل يبقى على الطرف
الذي قد يتأثر مركزه القانوين نتيجة التنفيذ سلوك املساطر املنصوص عليها قانونا
وحيث إنه أمام هذه املعطيات واعتبارا للضرر احلاصل للمدعية من جراء
حرماهنا من التصرف يف عقارها نتيجة التقييد االحتياطي الذي سجل برمسها العقاري
منذ مدة تناهز 60سنة ،وهي مدة تقترب من متوسط عمر اإلنسان وهو ما جعل
قاضي املستعجالت يأمر بالتشطيب عليه ،رفعا للضرر الالحق باملدعية وأن جتاهل
احملافظ العقاري املدعى عليه هلذا املعطى رغم وجود حكم قضائي اكتسب قوة
الشيء املقضي به جيعل امتناعه عن تنفيذ هذا احلكم ذي طابع شخصي إذ ال عالقة
له بتسيري املرفق العمومي الذي يرأسه وهو ما يربر تقدمي طلب أداء الغرامة
204ملف عدد 4/2009/139بعدم قبول االستئناف مؤيدا بذلك التوجه الذي أقره األمر الصادر عن رئيس
المحكمة ،أورده صالح المزوغي ،ص.206 :
ومن اإلشكاليات اليت تطرحها تطبيق الغرامة التهديدية أهنا ال تفرق بالقدر
الكايف بني مسؤولية احملافظ العقاري ومسؤولية مرفق احملافظة العقارية ،وهو األمر
الذي يطرح صعوبات عند التنفيذ قد تصل إىل حد اللجوء إىل مسطرة تفسري احلكم.
يعد احلجز من صور التنفيذ اجلربي لألحكام القضائية وبالتايل انفرد هو اآلخر
مبرجعية الغرامة التمهيدية ممثلة يف قانون املسطرة املدنية احملال عليها مبقتضى
ومن هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل ميكن اللجوء إىل مسطرة احلجز
إذا كانت القاعدة العامة هي عدم جواز احلجز على أموال الدولة العمومية
وذلك بالنظر إىل أن املبادئ اليت حتكم املرفق هو سريه بانتظام وإطراد.
ومن مثة فمسألة احلجز على أمواله تظهر غري جائز ،إال أن التطبيقات
القضائية اإلدارية مل متنع القضاء اإلداري املغريب من إعمال مسطرة احلجز على أموال
الدولة اخلاصة وإن اتسم موقف احملاكم اإلدارية بعدم االستقرار يف ذلك 79.فجل
احملاكم اإلدارية جتيز احلجز على منقوالت املرفق العمومي إذا مل تكن تلك
.79محمد األعرج ،إشكالية تنفيذ األحكام القضائية على المؤسسات العمومية ،مجلة الدراسات اإلدارية ،العدد الثاني،
،1994ص.54 :
هبا لدى البعض هي أن سكوت املشرع يعد مبثابة قبول ضمين جلواز تطبيق هذه
التعويض هو جزاء املسؤولية إذ يعين جرب الضرر الذي حلق باملتضرر سواء كان
الضرر ماديا أو معنويا ،ومهما كان أساس املسؤولية سواء كانت مبنية عل اخلطأ
كآلية جلرب الضرر (أوال) مث ننتقل إىل مناقشة دعوى الرجوع كآلية حلماية أموال
الدولة (ثانيا).
احملافظ املتسبب يف الضرر ،ويف حالة اإلعسار تتحمل الدولة هذا التعويض يف إطار
دعوى احللول ،وتعويض عن اخلطأ املرفقي وتتحمل الدولة يف هذا األخري مسؤولية
التعويض عن أخطاء موظفيها مع إمكانية الرجوع على هذا األخري يف إطار دعوى
الرجوع.
فبالنسبة ألطراف دعوى التعويض فإهنا تشتمل على أطراف أصلية وأطراف
مدخلة يف الدعوى ،ففيما خيص األطراف األصلية فإنه ال جمال للشك بأهنم ال
خيرجون عن اثنني ومها املدعي واملدعي عليه ،املدعي هو املتضرر من أعمال احملافظ
العقاري أو نائبه أو ذوي حقوقه .أما املدعى عليه فهو احملافظ املرتكب للفعل الضار.
ومما جتب اإلشارة إليه أن أهم ما مييز دعوى املسؤولية اإلدارية هو إدخال
أشخاص آخرين يف الدعوى ال عالقة هلم باخلطأ الصادر عن احملافظ العقاري ،ويتعلق
األمر بالسيد رئيس احلكومة ،80وكذلك العون القضائي للمملكة طبقا ملقتضيات
81
كما أن مقاضاة احملافظ أو احملافظ العام الفصل 514من قانون املسطرة املدنية
يقتضي إدخال الوكالة الوطنية باعتبارها املشرفة على أعمال التحفيظ وإشهار احلقوق
العينية ،لذلك كان لزاما إدخاهلا يف الدعوى يف شخص مديرها الذي له صالحيات
متثيلها أمام القضاء كما جاء يف املادة الرابعة من املرسوم رقم 913.00.2القاضي
82
والذي جاء فيه" :ميثل الوكالة أمام بتطبيق القانون احملدث للوكالة الوطنية
احملاكم وجيوز له أن يقيم مجيع الدعاوى القضائية الرامية إىل الدفاع عن مصاحل
الوكالة ،غري أنه ملزم باطالع رئيس جملس اإلدارة على ذلك يف احلال".
العقاري فيعود للمحاكم االبتدائية اليت يوجد هبا مقر عمله سواء وجهت ضده شخصيا
أو لذوي حقوقه وذلك وفق الفصلني 514و 515من قانون املسطرة املدنية وذلك
بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من طرف املدعي أو وكيله والذي جيب أن يتضمن
83
وذلك بعد مجيع البيانات واملعلومات طبقا للفصل 32من قانون املسطرة املدنية
دون زيادة أو نقصان فال تفصل يف أمور مل تطلب منها ،أو تقضي بأكثر من ذلك،
ويقدر التعويض هنا على أساس جسامة الضرر وليس على أساس اخلطأ ألن ما يظهر
84
أما ما يتعلق بدعوى خالل مراحل الدعوى هو الضرر املادي وليس الضرر املعنوي.
التعويض املرتبطة باألخطاء املرفقية ترفع أمام احملاكم اإلدارية طبقا ملقتضيات املادة
85
ويف هذا الصدد قضت احملكمة 8من قانون إحداث احملاكم اإلدارية .41/90
اإلدارية بوجدة ما يلي" :وبعد املناقشة صرحت احملكمة بعدم اختصاصها نوعيا يف
الطلب بعلة أن مناط اختصاصها نوعيا للبث يف الطلب بعلة أن مناط اختصاص القضاء
اإلداري يف جمال املسؤولية حددته املادة الثامنة من القانون 41/90يف األضرار الناشئة
86
عن أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام".
ويتم التحقيق يف الدعوى باتباع كافة وسائل اإلثبات املنصوص عليها يف
87
وكذا الفصل 404من قانون االلتزامات الفصل 50من قانون املسطرة املدنية
والعقود املغريب.
أما فيما خيص تقادم الدعوى ،فقد ثار جدل فقهي كبري حول اآلجال اليت
يتعني التقيد هبا عند رفع دعوى التعويض سواء تعلق األمر بالدعوى املدنية أو
اإلدارية ،ومرد ذلك باألساس إىل كون النصوص التشريعية املتعلقة مبسؤولية
احملافظ العقاري مل تتضمن حال سهال هلذه املسألة .ولقد وقع خالف بني قائل بتطبيق
اآلجال املنصوص عليها يف املادة 371ق.ل.ع وآخر يتمسك بآجال الفصل 8من القرار
88
الوزيري 4يونيو .1915
ويف هذا الصدد يرى األستاذ عبد احلفيظ أبو الصرب أن التقادم الواجب االعتداد
به يف مجيع احلاالت سواء كانت الدعوى مبنية على الفصل 80ق.ل.ع أم فصول
ظ.ت.ع هو التقادم املنصوص عليه يف الفصل 106ق.ل.ع ذلك أن الفصل حيدد مدة
89
تقادم مجيع الدعاوى املتعلقة باملسؤولية التقصريية.
أما القضاء فقد دأب على اعتماد أجل الفصل 106ق.ل.ع واحملدد يف مخس
سنوات من تاريخ علم املتضرر ويف مجيع األحوال مبضي 20سنة تبتدئ من تاريخ
حدوث الضرر .ويف هذا االجتاه فقد جاء يف قرار حملكمة النقض 90ما مضمونه "ما دام
أن الدعوى موجهة ضد احملافظ على األمالك العقارية على أساس أنه مسؤول عن
الضرر احلاصل للطرف الطاعن يف إطار الفصل 64من ظ.ت.ع الذي جييز ملن يهمه
األمر ويف حالة التدليس فقط أن يقيم على مرتكبه دعوى شخصية بأداء التعويض...
فإهنا تتقادم مبضي مخس سنوات حسبما هو منصوص عليه يف الفصل 106من
ق.ل.ع وبالتايل فالقرار املطعون فيه حيث ذهب يف تعليله عكس ذلك يكون معلال
من خالل اطالعنا على املقتضيات القانونية املتعلقة بدعوى الرجوع جند أن
املشرع املغريب مل يتعرض صراحة ملسألة االختصاص يف احلالة اليت تلجأ فيها الدولة
إىل رفع الدعوى ضد احملافظ العقاري املرتكب للخطأ الشخصي والذي تسبب يف
احلكم عليها بالتعويض وهو ما يدفعنا إىل القول أن مسألة االختصاص بني القضاء
العادي والقضاء اإلداري مل تكن مطروحة قبل إحداث احملاكم اإلدارية باملغرب.
إال أنه جتب اإلشارة إىل أن العمل القضائي باملغرب يف عالقته بدعوى الرجوع
على احملافظ املسؤول شخصيا شبه منعدم .حبيث مل يسبق أن عرضت على القضاء
.90قرار صادر عن المجلس األعلى عدد ،4ملف ،2002/1/1/3262بتاريخ ،2005/1/5أوردته نوال بوهرو
في رسالتها :رقابة القضاء اإلداري على ق اررات المحافظ العقاري ،جامعة محمد األول ،وجدة ،السنة الجامعية
،2011/2010ص.38 :
و يتضح من هذا جتاهل اإلدارة اللجوء إىل حتريك هذا النوع من الدعاوى ضد
احملافظني العقاريني الذين يتسببون خبطئهم الشخصي يف أداء مبالغ مالية ضخمة من
مالية الدولة .وهو ما يفوت على الدولة مبالغ مالية جد ضخمة ويثقل كاهل خزينة
الدولة بتحمالت مالية كان من املفروض أن يتحملها احملافظ العقاري باعتباره املسؤول
املباشر عن وقوع الضرر وهو ما يفسر وجود صعوبات قانونية تؤدي إىل عدم تفعيل
ويف هذا اإلطار ميكن التمييز بني دعوى الرجوع اليت تقيمها الدولة ضد احملافظ
ففيما خيص الرجوع على احملافظ العقاري يف حالة احللول القانوين للدولة
حمله يف املسؤولية وكما هو معلوم فإن الدولة حتل حمل احملافظ يف املسؤولية
املدنية،وتقوم بدفع مبالغ التعويض احملكوم هبا للمتضرر .إال أهنا حتتفظ لنفسها
وجتب اإلشارة إىل أن املشرع املغريب فيما خيص هذه املسألة فقد سن هذه
الطريقة لفئتني من املوظفني اليت تقام ضدهم هذه الدعوى ومها القاضي واملعلم.
بوظائفهم ومحايتهم من املتابعات الشخصية بعلة عدم التأثري على العمل داخل
اإلدارة وحتفيزهم على أداء نشاطهم بكل أرحيية وهي مربرات هتدف إىل محاية فئة
ـ أما فيما خيص الرجوع على احملافظ يف حالة حتميل الدولة املسؤولية االحتياطية
عند ثبوت عسر احملافظ املسؤول عن الضرر ،فإن املشرع املغريب مل ينص يف الفصل
80من قانون االلتزامات والعقود صراحة على كيفية رجوع الدولة على احملافظ بعد
أدائها مبالغ التعويض احملكوم هبا يف إطار مسؤوليتها االحتياطية .وذلك من أجل
وذلك من أجل تأمني حصول املتضررين على حقوقهم املادية وهلذا السبب مت إنشاء
صندوق التأمني الذي خصص نفقاته لتعويض املالكني وأصحاب احلقوق العينية الذين
املالية املوجبة للتعويض اليت حيكم هبا ضد احملافظ املعسر .وهذا يعترب مبثابة ضامن
احتياط ال يتدخل إال بعد إثبات إعسار احملافظ ،والدعوى اليت تقام ضده تعترب دعوى
احتياطية ال دعوى أصلية ألن الصندوق املذكور مل ينشأ لتغطية مسؤولية احملافظ
91
وإمنا لتغطية عسره .حيث حيل حمله يف األداء مع إمكانية الرجوع عليه.
.91إدريس الفاخوري ،نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون ،14/07دار النشر المعرفة ،الرباط طبعة
،2013ص.118 :
92
يرى أن الدولة بعد أدائها ملبالغ التعويض لذا جند بعض الفقه املغريب
املترتب على الذمة املالية اخلاصة للمحافظ املسؤول شخصيا عن الضرر ال متلك أي
ويف اعتقادنا فإذا كانت مسألة إدخال صندوق التأمني مسألة ممكنة فإن
االدعاء بعسر احملافظ العقاري مسألة ليست بالسهلة ،وهو ما يتطلب إتباع مسطرة
جتريد احملافظ من أمواله وممتلكاته أوال قبل مراجعة صندوق التأمينات فال جيوز
للمتضرر أن يطالب صندوق التأمني باألداء إال بعد جتريد احملافظ العقاري أوال وإثبات
93
أن ليس لديه ما حيجز.
كما أن عدم تنصيص املشرع املغريب على كيفية استرجاع املبالغ املدفوعة
ال مينع اإلدارة من استرجاع مبالغها وذلك لعدم وجود أي نص قانوين مينع اإلدارة
من حقها يف الرجوع على احملافظ يف حدود ما دفعته من مبالغ نيابة عنه.
كما نرى أنه ال فائدة من رفع دعوى الرجوع على احملافظ عند ثبوت عسره
وحلول الدولة حمله ألداء مبلغ التعويض بل ميكن االكتفاء باقتطاع اإلدارة ملبالغ
ويف األخري فإنه ميكن للمحافظ املتضرر من قرار االقتطاع اللجوء إىل القضاء
اإلداري قصد التعرض عليه وإلغائه يف حالة وجود األسباب الداعية لذلك.
أما فيما يتعلق باجلهة املختصة بالبت يف دعوى الرجوع على احملافظ الذي
تسبب خبطأه الشخصي يف احلكم مبسؤولية الدولة ،فإننا نرى ونؤيد االجتاه الداعي
إىل جعل االختصاص للنظر يف هذه القضايا للقضاء اإلداري نظرا لكونه اإلطار الطبيعي
ملعاجلة كل قضية تكون الدولة طرفا فيها وتتعلق بسري مرافقها ،حيث جيب على
هذا األخري تكييف طبيعة اخلطأ املرتكب ومتييز اخلطأ الشخصي عن اخلطأ املرفقي
كما أن أداء الدولة للتعويض نيابة عن احملافظ مينع املتضرر من مطالبة هذا
األخري بالتعويض أمام القضاء املدين حىت ال ميكن تعويضه مرتني عن نفس اخلطأ.
خامتة
يتضح لنا مما سبق أن إشكالية احملافظ العقاري بني املسؤولية الشخصية
واملسؤولية املرفقية تقوم على جمموعة من العناصر وهي اخلطأ والضرر والعالقة
السببية من أجل حتقق مسؤولية هذا األخري .كما تترتب عن هذه املسؤوليات
اإلدارة عن عدم تنفيذ األحكام والقرارات القضائية واليت ترتكز على آليات إلجبار
كما يترتب على ذلك دعوى الرجوع كآلية حلماية األموال العامة ،واليت
يعود االختصاص فيها إىل القضاء اإلداري بالنظر لكونه اإلطار الطبيعي للنظر يف هذا
النوع من القضايا.
كما خلصنا إىل أن عملية حتديث مرفق احملافظة العقارية يعترب مطلبا أساسيا
يف الوقت الراهن .وذلك بالنظر للمستجدات والتحوالت اليت يعرفها النظام العقاري
على مجيع املستويات .األمر الذي يتطلب من املشرع واملؤسسات الوصية على القطاع
أن ختطو خطوات جريئة إىل األمام يف مجيع امليادين املرتبطة بالسياسة العقارية من
أجل املساعدة على حتديث مرفق احملافظة العقارية وتطويره .لكن ذلك يتطلب
وجود إرادة سياسية واضحة من خالل التعبري عن الرغبة يف اإلصالح وإعادة النظر يف
الطرق التدبري ية السابقة واليت أصبحت متجاوزة ،وبالتايل فإن األمر يتطلب وضع
احملافظ العقاري والتأثري على مردوديته وفعاليته .كما جيب العمل على جتاوز مجيع
املايل الذي مت احلديث عنها سلفا خصوصا وأن معظمها مرتبط بالتدبري والعنصر
البشري.
الئحة املراجع:
ـ
عبد الكرمي شهبون ،م .الشايف يف شرح قانون التحفيظ العقاري اجلديد رقم
إدريس الفاخوري :نظام التحفيظ العقاري باملغرب ،دار النشر اجلسور ،وجدة،
ـ حممد الكشبور ،التطهري الناتج عن حتفيظ العقار ،قراءة يف قرار اجمللس األعلى
الصادر
ـ عبد الرمحان أسامة ،القانون املدين لسنة ،1996دون اإلشارة إىل املطبعة.
ـ
عبد القادر لشقر ،حماضرات يف قانون التحفيظ العقاري ،وراقة الرقيم ،السنة
.2008/2007
ـ
اجلاليل أمزيد ،إشكالية تطبيق قانون املسطرة املدنية يف جمال املنازعات
ـ وردة غزال :دور االجتهاد القضائي يف مسطرة التحفيظ العقاري ،اطروحة لنيل
الدكتوراة يف القانون اخلاص ،جامعة حممد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف القانون اخلاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
ـ
بدر العزيزي :احملافظ العقاري بني املسؤولية الشخصية واملرفقية ،حبث لنيل
دبلوم املاستر جامعة سيدي حممد بن عبد اهلل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف القانون العام ،وحدة التكوين والبحث
يف اإلدارة والتنمية ،كلية العلوم القانونية االقتصادية واالجتماعية جبامعة عبد
االختصاص والصعوبات القانونية ،رسالة لنيل دبلوم املاستر يف قانون العقود والعقار،
.2012/2011
ـ أنوارالبكوري ،دور احملافظ العقاري يف حتقيق امللكية العقارية على ضوء مستجدات
قانون ،14/07رسالة لنيل دبلوم املاستر يف القانون اخلاص ،كلية العلوم القانونية
ـ عمر موسى ،الدعاوى الكيدية أثناء مسطرة التحفيظ العقاري ،رسالة لنيل دبلوم
ـ قرار اجمللس األعلى عدد ،239ملف مدين عدد ،3804بتاريخ 26ماي ،1994
منشور باجمللة املغربية لإلدارة احمللية والتنمية ،سلسلة دالئل السري ،عدد .2004/16
ـ
قرار حمكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ،32ملف عدد ،2/07/105
ـ
الدورية رقم 25بتاريخ 14يناير 1928صادرة عن رئيس مصلحة احملافظة
العقارية.
بعدم قبول االستئناف مؤيدا بذلك التوجه الذي أقره األمر الصادر عن رئيس
عدد ،175حكم أوردته نادية برحو يف رسالتها بعنوان :رقابة القضاء على أعمال
احملافظ العقاري يف جمال التقييدات ،جامعة حممد األول ،وجدة ،السنة اجلامعية
.2010/2009
القوانني واملدونات:
الطبيعة ،واليت وإن اختلفت حوهلا نظريات فالسفة الفكر السياسي ،فإهنا كلها
أمجعت حول غاية واحدة ،تتمثل يف حتقيق األمن واخلروج من حالة الفوضى اليت
وإذا كان اإلنسان يف بداية األمر قد عرف مفهوم األمن يف جتنب القتل واالعتداء
ومحاية احلقوق الطبيعية ،فإنه سيعرف اليوم توسعا كبريا ليشمل مجيع مناحي
P 84 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
على املستوى الدويل بإحداث مؤسسة دولية ترعى حتقيق األمن اإلنساين وصيانته من
أي انتهاك ،وحتت الدول األطراف على العمل وبذل اجملهودات من أجل حتقيق شروط
األمن وعناصره.
وتتعدد جماالت األمن اإلنساين ومظاهره ،وتشمل األمن القانوين واألمن القضائي،
فاإلنسان وهو يعيش يف جمتمع حيتاج إىل قواعد قانونية تنظم سلوك األفراد
واجلماعات وتضبطه ،وهو ما يضع مشروعية هذه القواعد واحترامها حلقوق اإلنسان
وحرياته موضع املساءلة ،كما جيب أن ختضع لقواعد أعلى منها درجة ،كما يقتضي
حتقيق األمن اإلنساين إجياد ضمانات قضائية متنح احلق للمواطنني يف اللجوء إىل
ويف هذا السياق؛ يعترب القضاء الدستوري ضمانة أساسية حلماية احلقوق
واحلريات ،حني ينهض القاضي الدستوري مبهمة مراقبة مجيع التصرفات والقرارات
الدستورية ،95وحراسة الدستور واحلفاظ على مسوه أثناء الرقابة على دستورية
القوانني ،على اعتبار أنه ميتلك سلطة واسعة تتمثل يف التأويل واحتكار آلية تفسري
9494
-Guillaume Drago, Contentieux constitutionnelle Français, PUF, 2 ème éd, Paris, 2006, p31.
95
-Louis Favoreu, Cours constitutionnelles, in dictionnaire constitutionnel, PUF, Paris, 1992, p 30.
يعد القضاء الدستوري جهازا قضائيا متميزا من بني األجهزة القضائية ،أنيطت
به محاية القوانني الدستورية ،96وميكن تعريفه بالنظر إىل بعده الوظيفي ،بكونه
جمموعة من الوسائل والتقنيات اليت تضمن مسو الوثيقة الدستورية .97أما على املستوى
املكلفة بالعدالة الدستورية ،سواء تعلق األمر مبحاكم أو جمالس دستورية ،أو
تزويدها مبختلف االختصاصات من أجل بسط الرقابة على القوانني ،وفحص مدى
مطابقتها ملنطوق وروح الدستور وفلسفته ،سواء تعلق األمر برقابة قبلية قبل صدور
القانون ودخوله حيز النفاذ ،أو بعد صدوره وتطبيقه ،أو فيما يتعلق بالرقابة على سري
العملية االنتخابية وممارسة خمتلف االختصاصات املسندة إليه مبوجب الدستور ،من
أجل تقييد سلطات الدولة بأحكام الوثيقة الدستورية ،وعدم جواز صدور أي عمل
القانوين للمجتمع.
96
-Charles Eisenman, La justice constitutionnelle et la haute cour constitutionnelle d’Autriche, LGDJ,
paris, 1928, p 10.
97
- Guillaume Drago, Contentieux constitutionnelle Français, op.cit, p 31.
98
-Louis Favoreu, Cours constitutionnelles, in dictionnaire constitutionnel, op.cit, p 547.
- 99مصطفى قلوش ،المبادئ العامة للقانون الدستوري ،شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الرابعة ،الرباط ،1994 ،ص .36
من أجل مقاربة عالقة العدالة الدستورية بتحقيق األمنني القانوين والقضائي
ودورها يف حتقيق األمن القانوين من جهة (املبحث األول) والقضائي من جهة ثانية
(املبحث الثاين)
تعترب العدالة الدستورية ركنا أساسيا من أركان بناء النظام الدميقراطي ،والذي
مت تطوير أساليبه وأشكاله من خالل تكريس مبدإ مسو الدستور وحتقيق األمن
القانوين ،ومراقبة أعمال السلطات مبا يضمن مطابقة تصرفاهتا للدستور .فإذا كانت
أن حتظى بالقدر الكايف من احلماية حىت يستطيع املواطن التمتع حبقوقه ،فإن ذلك
يتطلب منها إقرار منظومة متكاملة من القواعد الدستورية من أجل محايتها ،مع
الدستورية ،حسب السياقات اليت متيز كل نظام دستوري .فرغم اختالف أشكال
وإجراءات الرقابة على دستورية القوانني اليت متارسها أجهزة العدالة الدستورية ،فإن
اهلدف من إحداثها هو التوفيق بني متطلبات األمن القانوين اهلادف إىل استقرار
األوضاع الدستورية والقانونية ،وبني ضمان محاية فعالة للحقوق واحلريات باعتبارها
ويف هذا السياق؛ عرفت مؤسسة القضاء الدستوري يف املغرب تطورا مهما ،حيث
100
سنة ،1962ليتم أحدثت الغرفة الدستورية كهيئة تابعة للمجلس األعلى
السياسية ،وحبكم ضعف اختصاصاهتا ،بقي نشاط الغرفة الدستورية ضعيفا ،نتيجة
ارتباط وتبعية ملؤسسة أخرى ،كما توسعت اختصاصاته حيث سيصبح من اختصاص
اجمللس الدستوري فحص دستورية القوانني العادية ،كما مت تدارك جمموعة من
ظل املشرع الدستوري املغريب واعيا باألمهية احليوية جلهاز العدالة الدستورية
يف بناء دولة معاصرة ودميقراطية ،106لتخطو العدالة الدستورية باملغرب خطوة هامة
على اجملتمع ،إىل مؤسسة قائمة بذاهتا تتوفر على ضمانات أكرب لالستقالل ،107مقارنة
مع الغرفة الدستورية .وحىت حنيط باإلشكالية ،فإننا سنتعرض ملبادئ األمن القانوين
( مطلب أول) على أن ننتقل لدور احملمة يف حتقيق األمن القانوين ( مطلب ثان).
- 100تم إحداث الغرفة الدستورية بمقتضى الفصل 100من دستور ،1962الصادر بتنفيذه األمر بتاريخ 4نونبر .1962
- 101الفصل 93من دستور ،1970الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.70.177بتاريخ 31يوليوز .1970
- 102الفصل 94من دستور 1972الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.72.061بتاريخ 10مارس .1972
- 103عبد العزيز النويضي ،المحكمة الدستورية ومسألة الدفع بعدم دستورية القوانين ،مطبعة النجاح الجديدة ،2019 ،الدار البيضاء،
ص.34
-104أنظر الفصل 76من دستور المملكة المغربية لسنة ،1992الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.92.155 ،صادر في 11من ربيع
اآلخر 9( 1413أكتوبر .)1992
- 105أنظر الفصل 78من دستور المملكة المغربية لسنة ،1996الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.96.157بتاريخ 23جمادى األولى
7( 1417أكتوبر .)1996
106
-Mohammed Achargui, Le conseil constitutionnel du royaume du Maroc, NCCC, n° 30, Dalloz, Paris,
2011, p 213.
- 107عبد العزيز النويضي ،المحكمة الدستورية ومسألة الدفع بعدم دستورية القوانين ،مرجع سابق ،ص.40
يقوم األمن القانوين على ركن أساسي مؤداه خضوع تصرفات الدولة ومؤسساهتا
ملبادئ دستورية ،تتقيد هبا (الفقرة األوىل) ،كما يعترب مبدأ الفصل بني السلط شرطا
إذا كان مسو الدستور يشكل مبدأ حيكم تدرج القواعد القانونية داخل النظام
القانوين للدولة ،فإنه من الضروري أن تكون القواعد القانونية األخرى مطابقة له ويف
نطاقه ،باعتباره حيدد قواعد ذات قيمة دستورية ،ترسم معامل أمن قانوين
مستقبلي ،ويفرض على تصرفات الدولة وقرارات السلطات والتشريعات مطابقة هلا،
فاملشرع الدستوري وهو يصوغ مضمون الوثيقة الدستورية ،إمنا يكون بصدد وضع
ويف هذا اإلطار ،نص دستور اململكة املغربية لسنة 2011على أن " القانون هو
أمسى تعبري ع ن إرادة األمة ،واجلميع أشخاصا ذاتيني واعتباريني ،مبا فيهم السلطات
العمومية ،متساوون أمامه وملزمون باالمتثال له" ،108ليؤكد على رغبة حنو ترسيخ
دولة احلق والقانون ،هذا املفهوم يتضمن إقرارا ملبدأ الفصل بني السلط ،واحترام حقوق
وحريات األفراد وسلطة القضاء ،فالدولة قانونية هي اليت ختضع تصرفاهتا لقواعد
قانونية داخلية هلا قيمة دستورية ،باعتبارها أمسى من قواعد قانونية أخرى داخلية
متدرجة يف الترتيب ،واليت هي بدورها مرتبطة بقواعد هلا قيمة فوق وطنية.109
وتنبع فكرة دولة احلق والقانون من وجود مقتضيات وأحكام يف منت الوثيقة
الد ستورية ،حتظى مبكانة سامقة يف هرم القوانني ،باإلضافة إىل توفر قدر من
التوازن بني السلطتني التشريعية والتنفيذية ،وترسيخ ثقافة دولة احلق والقانون يف
مؤسسات الدولة ويف وعي اجملتمع ،110وهو ما جيعل اجتهادات القاضي الدستوري يف
رحاب دولة القانون ،حبيث جيسد عند إصدار قراراته جغرافية دستورية جديدة،
تفرق بني احلاكم واحملكومني ،فإفساح اجملال أمام املواطنني بالطعن بعدم
تعترب تراتبية القوانني مبدأ أساسيا لدولة القانون ،ويتم تكريسه على مستوى
مراقبة دستورية القوانني ،باإلضافة إىل الرقابة القضائية على أنشطة اإلدارة،112
فبإحالة القوانني على أنظار احملكمة الدستورية من أجل فحص دستوريتها ،نكون
بصدد محاية مبدأ تراتبية القوانني ،بتنبيه السلطات إىل وجود قانون ينتهك مبدأ
دستوريا ،وهو ما حيمي مبدأ مشروعية التصرفات القانونية ،كما ميكن ألطراف
الزناع إحالة النصوص املطبقة أمام احملكمة ،على أنظار احملكمة الدستورية ،وهو ما
يقوي مبدأ احملاكمة العادلة واملساواة أمام القضاء ،وكذا حقه يف املعاملة على أساس
املساواة التامة مع الغري أمام احملكمة ،113مبا يف ذلك من إمكانية اللجوء إىل
109
-Denis Touret, droit constitutionnel, T2, les grands systèmes étrangers, Dalloz, Paris, 1994, p 69.
-110األمن القضائي وجودة األحكام دراسة من إعداد جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة ،بشراكة مع مؤسسة فريدريش ايبرت،
الرباط ،2013 ،ص .17
-111طه لحميداني ،القضاء الدستوري وضمان الحريات والحقوق ضمن مؤلف جماعي دستور حقوق اإلنسان ،المجلة المغربية للسياسات
العمومية ،الرباط ،2013 ،ص .32
-112عبد الصمد عفيفي ،سعيد الحيان ،األسس النظرية لدولة القانون ودستور ،2011ضمن الدستور الجديد 2011وثيقة جوهرية لالنتقال
الديمقراطي في المغرب ،أشغال الندوة الوطنية بمراكش بتاريخ 29نوفمبر ،2012ص .247
-113األمن القضائي وجودة األحكام ،دراسة جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة ،مرجع سابق ،ص .20
التشكيك والطعن يف شرعية القانون الذي سيطبق عليه يف الزناع ،وهو ما سيساهم
وبالتايل احترام قاعدة مسو الدستور الذي يقتضي أن تكون وفق معايري واضحة ،من
أجل إرساء سياسة قضائية متينة ومستقلة ،114وذلك حني يضطلع مبهمة املراقب
للدستورية يف ضوء قانون أمسى ،115ويف ظل تراتبية قانونية حتكمها هرمية القواعد
منسجمة مع املواثيق الدولية حلقوق اإلنسان اليت صادق عليها املغرب ،116فالدستور
يتجاوز تنظيم السلط إىل التعبري عن منظومة من القيم اعتمدها الشعب صاحب
السيادة.117
يعترب مبدأ الفصل بني السلط أحد املبادئ الدستورية األساسية اليت تقوم عليها
األنظمة الدميقراطية ،كمبدأ أساسي لتنظيم العالقة بني السلطات العامة يف الدول،
وللتخلص من احلكومات املطلقة ،فوجود رقابة متبادلة بني السلطات الثالث مبا
- 114محمد الغالي ،التدخل البرلماني في مجال السياسات ( ،)2002-1984المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،2006 ،ص .65
115
-Mohammed amine benabdallah , Le juge constitutionnel, protecteur des droits et libertés?, revue
Marocaine d’administration et de développement, N° 84/85, janvier- avril 2009, p 9.
- 116عبد اإلله فونتير ،العمل التشريعي بالمغرب أصوله التاريخية ومرجعياته الدستورية دراسة تـأصيلية وتطبيقية ،الجزء الثاني ،مطبعة
المعارف الجديدة ،2002 ،الرباط ،ص .59
117
-Wagdi Sabète, pouvoir de révision constitutionnelle et droits fandamentaux épistémologiques,
constitutionnels et européens de la limitation matérielle du pouvoir constituant dérivé, Presses
universitaires de Rennes, 2006, p 113.
حيقق محاية حلقوق وحريات األفراد ،هي إحدى ركائز أنظمة احلكم الدميقراطية
وإذا كان القانون يقصد به جمموعة من القواعد اليت تنظم سلوك أفراد اجملتمع،
واليت تكفل الدولة احترامها جبزاء يوقع على املخالف عند االقتضاء ،119فإن ذلك
يقتضي وجود سلطة قضائية مستقلة تفصل يف خمالفة القانون ،وهو ما يفرض على
األنظمة والقوانني أن تكون عادلة وتنفيذها نزيها ،سيما فيما يتعلق حبقوق اإلنسان
لضمان مستوى عال من األمن والسالمة العامة ،120وذلك لن يتأتى إال خبضوع القواعد
حبدودها وقيودها ،فإن خالفتها شاب عملها عيب املخالفة ،121حتقيقا لألمن القانوين
بواسطة تشريعات معقلنة خالية من عيب عدم الدستورية ،تبعث على االطمئنان
مبا يضمن احترام حقوق وحريات األفراد .واحلقيقة أن مبدأ الفصل بني السلطات
وحده مبدأ سليب ووقائي ،ال تنتظم به حياة دستورية منتجة ما مل يكمله املبدأ
اإلجيايب الفاعل ،أي مبدأ الفحص واملوازنة الذي يزود كال من السلطات الثالث،
بالوسائل اليت تصلها بالسلطات األخرى ،ومتكنها يف الوقت نفسه من رد عدوان تلك
السلطات عليها.122
حدود كل سلطة على حدة ،وهو مبدأ أقره مونتسكيو ،حيث اعترب أن "السلطة
-118المختار مطيع ،إصالح العدالة إصالح للمجتمع ،دراسات ووقائع دستورية وسياسية ،العدد ،2001/3ص .11
-119دنيا مباركة ،الوجيز في النظرية العامة للقانون والحق ،بدون ذكر المطبعة ،2003/2002 ،ص .5
-120محمد البكوري ،حكم القانون والمنظومة الحقوقية "المتطورة" ،مقال منشور على الرابط:
/ www.marocdroit.comحكم-القانون-والمنظومة-الحقوقية-المتطورة-بقلم-د-محمد -البكوري_a5810.html
-121عصام سعيد عبد أحمد ،الرقابة على دستورية القوانين دراسة مقارنة ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،بيروت ،2013،ص .194
-122المرجع نفسه ،ص .209
توقف السلطة" ،كمبدأ أساسي لتحقيق األمن القانوين ،الذي جيعل من السلطة مقيدة
وليس مطلقة ،و أن تصرفاهتا وقراراهتا ينبغي أال خترج عن مبدأ املشروعية ،وإال
انقسمت يف األخذ هبذا املبدأ ،بني أنظمة أقرت بالفصل اجلامد بني السلط ،وأخرى
تأخذ مببدأ التعاون وتبادل التأثري ،فإهنا تتفق مجيعا يف عدم تركيز السلطة يف يد
تعديل ال يدخل يف جمال القانون ،لتبت فيه احملكمة يف ظرف مثانية 08أيام،
إشعار اجلهات األخرى اليت هلا صالحية اختاذ نفس اإلجراء ،من أجل إبداء مالحظاهتا
يف املوضوع داخل أجل حتدده احملكمة الدستورية .124فقد يبادر أحد أعضاء الربملان
إىل التقدم مبقترح قانون يتضمن مقتضيات يف جزء منها أو يف كلها ال تدخل يف
جمال القانون ،أو أن تتقدم احلكومة مبشروع قانون ويبادر أحد أعضاء الربملان بإدخال
تعديالت عليه ال تدخل يف جمال القانون ،125فال يستطيع الربملان أن يصوت إال على
القوانني احملددة على سيبل احلصر ،جراء توزيع الوظيفة التشريعية بني جمايل القانون
والتنظيم.126
أعطيت للحكومة إمكانية أخرى باإلضافة إىل الدفع بعدم القبول ،من أجل
أنه ميكن تغيري النصوص التشريعية من حيث الشكل مبرسوم بعد موافقة
احملكمة الدستورية ،إذا كان مضموهنا يدخل يف جمال السلطة التنظيمية ،127ومعىن
ذلك أن القاعدة القانونية املتخذة يف شكل قانون ،واليت يبني واقع احلال أهنا مل تكن
مدرجة يف اجملال املخصص للقانون ،فإن للحكومة احلق يف تغيريها مبرسوم بعد
تدخل القاضي الدستوري ،128الذي يقوم بعملية فرز النصوص اليت تدخل يف جمال
كون النصوص املعنية ال تدخل يف أي مادة من املواد اليت جعلها الدستور من اختصاص
الربملان ،130فهي إمكانية تتيح للقاضي الدستوري تصحيح طبيعة النصوص اليت يسنها
- 126مصطفى قلوش ،رقابة دستورية القوانين على ضوء مقتضيات الفصل 26من الدستور المغربي ،المجلة المغربة لإلدارة
المحلية والتنمية ،عدد مزدوج ،39-38ماي-غشت ،2001ص .56
- 127الفصل 73من دستور المملكة المغربية لسنة .2011
- 128مصطفى قلوش ،رقابة دستورية القوانين على ضوء مقتضيات الفصل 26من الدستور المغربي ،مرجع سابق ،ص .56
- 129يحيى حلوي ،المجلس الدستوري المغربي دراسات وتعاليق ،2017-1994مرجع سابق ،ص .524-523
- 130عبد العزيز النويضي ،المجلس الدستوري بالمغرب ، ،منشورات المجلة المغربية إلدارة المحلية والتنمية ،عدد ،29
،.2001ص .58
131
-Jean Louis Pezant, Loi/ règlement la constitution d’un nouvel équilibre, RFSP, n° 4/5, vol 34,1984, p
937.
السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ،إعماال ملبادئ الفصل بني السلط كقاعدة
دستورية تنبين عليها األنظمة الدميقراطية ،132لتقرر فيما إذا كانت النصوص
املعروضة عليها هلا صبغة تشريعية أو تنظيمية .133وبالرجوع إىل دساتري ما قبل
،2011فقد نصت مجيعها على إمكانية تغيري النصوص من حيث الشكل من
التشريعية إىل التنظيمية مبرسوم ،بعد موافقة القاضي الدستوري ،134أو ميكن
تغيريها بظهري شريف بعد رأي مطابق من الغرفة الدستورية باجمللس األعلى ،كما
واليت ختالف القواعد الدستورية املتضمنة حلدود التشريع عندما متارسه احلكومة أو
الربملان ،سواء عند مما تعلق بالرقابة على دستورية القوانني يف إطار الرقابة االختيارية
أو الوجوبية ،أو مبناسبة ممارسة اختصاص البت يف دستورية القوانني مبقتضى الفص
133من دستور 2011يف إطار الرقابة الالحقة (الفقرة األوىل) .كما نص دستور
- 132عبد المولى المسعيد ،المحكمة الدستورية في ظل دستور ،2011مجلة مسارات في األبحاث والدراسات القانونية،
العدد ،.2016 ،1ص .34
- 133المادة 29من القانون التنظيمي 066.13المتعلق بالمحكمة الدستورية.
- 134الفصل 50من دستور المملكة المغربية لسنة ،1962الفصل 47من دستور المملكة المغربية لسنة ،1972الفصل 47
من دستور المملكة المغربية لسنة ،1992الفصل 48من دستور المملكة المغربية لسنة .1996
- 135الفصل 47من دستور المملكة المغربية لسنة .1970
املعاهدات الدولية ،سيساهم بشكل كبري يف حتقيق األمن القانوين (الفقرة الثانية).
التنظيمية والرقابة االختيارية بالنسبة للقوانني العادية ،باإلضافة إىل الرقابة الالحقة
مبناسبة إحالة أطراف الزناع املعروض أمام احملكمة والتشكيك يف دستورية القانون
الواجب التطبيق ،ويرتبط هذا االختصاص ارتباطا وثيقا بتحقيق األمن القانوين
للمواطنني ،من خالل فحص مشروعية قوانني قد يزيغ املشرع أثناء وضعها عن بواعث
التشريع وغاياته.
تعترب القوانني التنظيمية تلك القوانني احملددة على سبيل احلصر يف
ممارسة وظيفتها .137ورغم أن هذا التعريف قد يبدو قاصرا على استيعاب مجيع
موضوعات القوانني التنظيمية اليت ال تنظم سلطات الدولة فقط ،بل تنظم موضوعات
- 136نص دستور 2011على القوانين التنظيمية في الفصول :الفصل :5تحديد مراحل وكيفيات تفعلي الطابع الرسمي لألمازيغية ،الفصل
:05قانون تنظيمي متعلق بالمجلس الوطني للغات ،الفصل 7قانون تنظيمي متعلق باألحزاب السياسية ،الفصل :14قانون تنظيمي متعلق
بتقديم ملتمسات التشريع ،الفصل :15قانون تنظيمي متعلق بالعرائض ،الفصل :29قانون تنظيمي متعلق باإلضراب ،الفصل :44قانون
تنظيمي متعلق بمجلس الوصاية ،الفصل :49قانون تنظيمي متعلق بالتعيين في المناصب العليا ،الفصل :62قانون تنظيمي متعلق بمجلس
النواب ،الفصل :63قانون تنظيمي متعلق بمجلس المستشارين ،الفصل :67القانون التنظيمي المتعلق بلجان تقصي الحقائق ،الفصل :75
قانون تنظيمي للمالية ،الفصل :87قانون تنظيمي متعلق بالحكومة ،الفصل :112قانون تنظيمي متعلق بالنظام األساسي للقضاة ،الفصل
: 116القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس األعلى للسلطة القضائية ،الفصل :131القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية ،الفصل
:133القانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية قانون ،الفصل :146قانون تنظيمي متعلق بالجهات والجماعات الترابية ،الفصل :153
القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي.
- 137مصطفى قلوش ،المبادئ العامة للقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص .97
أخرى كاحلق يف اإلضراب وتقدمي امللتمسات والعرائض وغريها ،ورغم ذلك فإن
وال ميكن بأي حال من األحوال أن يصدر األمر بتنفيذ القوانني التنظيمية قبل
صدور قرار احملكمة الدستورية يقضي بعدم خمالفة مقتضياهتا ألحكام الدستور ،أن
حتل احلكومة حمل الربملان يف جمال القوانني التنظيمية ،كما هو احلال بالنسبة
للتفويض التشريعي ومراسيم الضرورة ،ألن ذلك سيجعلها متحررة من رقابة القاضي
الدستوري ،حيث أن الفصل 70من دستور 2011جاء واضحا بنصه على أن احلكومة
وبناء على إذن الربملان ،أن تتخذ يف ظرف زمين حمدد ولغاية معينة ،تدابري خيتص هبا
القانون عادة ،139احملدد يف قائمة على سبيل احلصر يف الفصل 71من دستور ،2011
كما ال ميكن أن تشمل املراسيم اليت تصدرها احلكومة خالل الفترة الفاصلة بني
140
القوانني التنظيمية ،واملانع من ذلك مرتبط بالرقابة الدورات باتفاق مع اللجان
الوجوبية على دستوريتها ،141فال ميكن إصدار األمر بتنفيذ القوانني التنظيمية إال
على ضمان صدور قوانني تنظيمية خالية من عيوب الدستورية ،سواء تعلق األمر
جب انب اإلجراءات والقواعد الدستورية ،أو مبا يرتبط مبضمون القانون ومواده اليت
- 138مصطفى قلوش ،اإلطار القانوني والفقهي للقوانين التنظيمية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،46نونبر دجنبر،
،2002ص .12
- 139انظر الفصل 70من دستور المملكة المغربية لسنة .2011
- 140الفصل 81من دستور المملكة المغربية لسنة .2011
- 141مصطفى قلوش ،اإلطار القانوني والفقهي للقوانين التنظيمية ، ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،46نونبر دجنبر،
،2002ص .17
- 142الفقرة الثالثة من الفصل 85من دستور المملكة المغربية لسنة .2011
جيب أن تنسجم مع ما ينص عليه الدستور من قواعد دستورية تأيت يف قمة هرم
القواعد القانونية ،باعتبارها حتدد أسس وقواعد احلكم يف الدولة ،وحتتل الصدارة يف
تعترب القوانني التنظيمية مكملة للدستور الذي حيددها على سبيل احلصر ،وعادة
ما يرتبط موضوعها بتنظيم مؤسسات دستورية ذات أمهية بالغة يف احلياة العامة،
فهو يفصل يف اختصاصاهتا وحيدد طرق وآليات ممارستها ،كما يضبط عالقاهتا ضمن
باإلضافة إىل تناوهلا حقوق نص عليها الدستور ،وأوكل اختصاص تنظيمها للقوانني
التنظيمية ،مما جيعل إحالتها الفورية بعد املصادقة عليها على أنظار احملكمة
الدستورية ،إجراء مهما لفحص دستوريتها ،والتصدي لكل احنراف أو انتقاص منها،
فيكون القاضي الدستوري أمام حلظة دقيقة تتمثل يف محاية احلقوق الدستورية
ومن األمثلة اليت نوردها يف هذا الباب ،ما ذهب إليه اجمللس الدستوري عندما
أحيل عليه القانون التنظيمي رقم 106.13املتعلق بالنظام األساسي للقضاة ،حيث
املخولة للمواطنني ،وضمانة رئيسية إلعمال مبدا سيادة القانون ،حيث ذهب اجمللس
الدستوري إىل التوفيق بني املبدأ الدستوري القاضي بعدم قابلية قضاة األحكام للنقل
إال مبقتضى قانون ،واملبدأ الدستوري الذي يكفل للمواطنني حق التقاضي واملساواة يف
- 143ز كرياء أقنوش ،موقع القوانين التنظيمية من المنظومة التشريعية بالمغرب ،بين موقف الفقه واجتهاد القضاء الدستوري ،المجلة
المغربية للمنازعات القانونية عدد ،2008/8-7ص .87
ولوج مرفق القضاء ،ليخلص لعدم جواز نقل اجمللس األعلى للسلطة القضائية لقضاة
للمواطنني ،144إذ ربط القاضي الدستوري بني مبدأين دستوريني ،مها احلق يف التقاضي
وانتظام املرفق القضائي ،يف مقابل حق خاص يتعلق بالوضعية اإلدارية للقضاة،145
كما أثار القرار واجبات التجرد واستقالل القضاء ،مما جيعل إنشاء القاضي جلمعيات
غري مهنية وتويل مهام تسيريها ،ميس من استقالله ملا يترتب عنها من مسؤولية
ومساءلة.
تكمن أمهية ختويل القاضي الدستوري الرقابة على دستورية القوانني العادية،
يف التصدي للنصوص اليت ختالف املبادئ ذات القيمة الدستورية ،أو تلك اليت تنتهك
حقوق اإلنسان وتشكل هتديدا للكرامة اإلنسانية ،خاصة وأن القوانني العادية ترتبط
ارتباطا وثيقا حبقوق املواطنات واملواطنني ،رغم أن الرقابة عليها اختيارية ،وتتوقف
على إحالة أعضاء الربملان الطلب بفحص الدستورية ،وهو ما يعين أن احملكمة
الدستورية لن تتاح هلا فرصة الرقابة ،إال بناء على ممارسة أصحاب الصفة يف اإلحالة
حقهم الدستوري ،من أجل استبعاد املواد والفقرات املخالفة للدستور ،ليحول ذلك إما
إىل عدم إصدار األمر بتنفيذ القانون ،أو إصداره مع استبعاد املقتضى الذي مت التصريح
بعدم دستوريته.146
- 144قرار المجلس الدستوري رقم ،2016/992بتاريخ ،2016/03/15ج-ر عدد ،6452بتاريخ .2016/03/31
- 145محمد نويري ،دور القضاء الدستوري في حماية الحقوق والحريات األساسية بالمغرب :دراسة تحليلية مقارنة ،أطروحة لنيل
شهادة الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد األول وجدة ،السنة الجامعية
،2018/2017ص .177
- 146عبد المولى المسعيد ،المحكمة الدستورية في ظل دستور ،2011مرجع سابق ص.22
ميتلك حق اقتراح القوانني رئيس احلكومة وأعضاء الربملان على السواء ،147فهي
وظيفة تقتسمها احلكومة مع الربملان ،يف إطار الربملانية املعقلنة املقتبسة من املشرع
الدستوري الفرنسي ،واليت جتعل من الربملان مشرعا استثنائيا ،وحتول احلكومة إىل
يف الئحة ،149ويف هذا السياق يرى األستاذ حممد أشركي أن مواضيع القانون
واسعة وتشمل عدة جماالت ،مما ال يسمح معه بالقول أن جمال القانون ضيق.150
إن الدستور هو مصدر احلقوق ،والتشريع ينظم ممارستها ،مما جعل القضاء
الدستوري يضطلع بدور حاسم يف تطوير معىن ونطاق احلقوق واحلريات ،151كموضوع
يدخل يف جمال القانون ،152وال ميكن التشريع فيها مبقتضى مراسيم ،وتتجلى أمهية
هذا الشرط يف كون القوانني الصادرة عن الربملان ختضع للرقابة على دستوريتها ،كما
فحماية القاضي الدستوري للحقوق واحلريات ال يتم إال بشكل غري مباشر ،أي عندما
يكون بصدد التأكد من مطابقة القانون للدستور ،هذا الدستور الذي من ضمن
مشموالته احلقوق اليت تستشف من تصدير ،أو من بابه األول أو ما تنص عليه فصول
أخرى.154
ضمانة أساسية حلماية حقوق املواطنني ،كما سيوفر آلية جديدة يف يد الربملانيني من
أجل حتريكها محاية لألمن القانوين ،وهو ما ستعترب معه املراجعة الدستورية ل 4
األول أو رئيس جملس النواب ،أو ربع أعضاء جملس النواب ،أن حييلوا القوانني قبل
إصدار األمر بتنفيذها إىل اجمللس الدستوري ،ليبت يف مطابقتها للدستور ،158وهذا ما
مت احلفاظ عليه مع دستور 1996مع إضافة رئيس جملس املستشارين وربع أعضاء
جملس املستشارين إىل أصحاب الصفة يف اإلحالة ،يف إطار الثنائية الربملانية.
يكون اشتراط النصاب يف اإلحالة إما عامال مشجعا على اإلحالة ،لسهولة توفره
وإمكانية اللجوء السلس إىل القضاء الدستوري ،أو عامال معرقال هلذا الولوج مقيدا له
يف حال اشتراط نسبة عالية .وإذا كان دستور 2011قد حافظ على أصحاب الصفة
- 154نور الدين أشحشاح ،المجلس الدستوري المغربي أهمية الدور الحقوقي ومعوقاته ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية،
عدد ،74ماي-يونيو ،2007ص.47
- 155الفصل 79من دستور المملكة المغربية لسنة .1992
- 156الفصل 81من دستور المملكة المغربية لسنة .1996
157
-Nadia Bernoussi, la justice constitutionnelle au MAROC à travers la révision constitutionnelle de 4
septembre 1992, in représentation, médiation, participation dans le système politique marocain, ouvrage
collectif, Imp najah el Jadida, Casa blanca, 1997, p 88.
- 158الفصل 79من دستور المملكة المغربية لسنة .1992
يف إحالة القوانني كما أوردهم املشرع الدستوري يف دستور ،1996فإن النسبة
املتطلبة إلحالة القوانني عرفت جتديدا ،حيث مت ختفيضها بالنسبة ألعضاء جملس
النواب من الربع إىل اخلمس ،يف املقابل فقد أصبح النصاب بالنسبة جمللس املستشارين
أربعني مستشارا بعدما كان الربع ،وهو ما نستنتج معه أن الزيادة أو التقليص يف
عدد مقاعد أعضاء جملس املستشارين ال يؤثر يف العدد ،مادام حمددا بدقة يف أربعني
مستشارا ،استحضار لعدد املستشارين احملدد بني تسعني ( )90مستشارا ومائة وعشرين
( )120مستشارا .159وبالعودة إىل القانون التنظيمي املتعلق مبجلس املستشارين ،فقد
نص على أن هذا اجمللس يتكون من مئة وعشرين ()120عضوا ،160وهو ما يفيد سهولة
احلصول على النصاب ،161ورغم ذلك فإن نصاب أربعني ( )40مستشارا يشكل الثلث
بالنسبة ألعضاء اجمللس ،وهي نسبة مازالت مرتفعة ،فتخفيض النسبة املطلوبة
على سبيل احلصر ،وقد راعى يف هذا التحديد إحداث توازن بني السلطة التنفيذية
بتمتيع امللك ورئيس احلكومة هذا احلق ،والسلطة التشريعية بتخويل الربملان
إن محاية احلقوق الدستورية من طرف القاضي الدستوري وصيانة األمن القانوين
للمواطنني ،يتوقف أوال على مدى تشبع أعضاء الربملان بثقافة حقوق اإلنسان ومدى
حضورها يف صلب اهتماماهتم ،والوعي بالوسيلة املهمة اليت خيوهلا هلم الدستور
واملتمثلة يف إحالة القوانني ،كما تتوقف على قدرة القاضي الدستوري على إنتاج
اجتهاد قضائي يتصدى ألي خرق أو انتهاك للحقوق الدستورية واألمن القانوين ،خاصة
وأن احملكمة الدستورية بشكلها احلايل ،قد قطعت مع التجارب السابقة ،واليت
ومن األمثلة اليت نوردها يف سياق احلديث عن األمن القانوين ،ما ذهب إليه
القاضي الدستوري بإثارة حق الدفاع املكفول دستوريا عند فحص القانون رقم 129.01
القاضي بتغيري املادة 139من القانون 22.01املتعلق باملسطرة اجلنائية ،والذي نص
على أن القاضي التحقيق تلقائيا أو بناء على ملتمسات النيابة العامة أن يأمر بعدم
تسليم نسخة من احملضر ،أو باقي وثائق امللف كليا أو جزئيا إذا اقتضت مصلحة
التحقيق ذلك ،على أن يسلم امللف يف أجل أقصاه عشرة أيام من بدء االستنطاق
التفصيلي ،وذهب اجمللس إىل أن املشرع مطالب باحترام املبادئ الرامية إىل صيانة
احلريات واحلقوق ،وأي استثناء جيب أن حياط بأكرب قدر من الضمانات ،وهو ما اعتربه
اجمللس إجراء يتناىف مع حق الدفاع املكفول دستوريا ،والذي ينشأ للمتهم منذ توجيهه
التهمة األوىل.162
ثالثا :الدفع بعدم دستورية القوانني وسيلة إجرائية لتحقيق األمن القانوين
يف كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون ،أثري أثناء النظر يف قضية ،وذلك إذا دفع
أحد األطراف بأن القانون الذي سيطبق يف الزناع ميس باحلقوق واحلريات اليت يضمنها
الدستور" ،163وتتجلى أمهية التنصيص على آلية الدفع بعدم دستورية القوانني يف
جتاوز عيوب الرقابة السياسية ،واليت أبانت عن ضعف جلوء أصحاب الصفة يف إحالة
القوانني على أنظار القاضي الدستوري إىل حتريكها ،من أجل حتقيق األمن القانوين
والقضائي ،والتصدي للقوانني املعيبة دستوريا اليت صدر األمر بتنفيذها ،وحىت ال يتم
تطبيق قوانني خرقت مبدأ مسو الدستور ،لتشكل بذلك محاية إجرائية وواقعية
وضع املشرع الدستوري شروطا دستورية آللية الدفع بعدم دستورية القوانني،
حددت طبيعة الرقابة الالحقة يف املغرب ،فهي ليست رقابة امتناع ألن اجلهة
إلغاء ألهنا تشترط دعوى جارية .تندرج الرقابة الالحقة على دستورية القوانني ضمن
الرقابة القضائية ،واليت متارس من طرف هيئة قضائية مشكلة من قضاة متصفني
الدستوري ،164فأضحت الرقابة القضائية مبدأ متعارفا عليه ،إلعمال الرقابة على
نشاط السلطات العامة وتصرفاهتا .165جتعل مراقبة القاضي الدستوري للقوانني من
الدستوري مطابقة القانون للدستور أو إلغاء القانون أو بعض مقتضياته ،فإن وظيفته
جتعل من القانون غري معرب عن اإلرادة العامة إال بعد مراقبته وموافقته ،166حبيث
تضطلع مؤسسة القضاء الدستوري مبهمة محاية اإلرادة العامة من مقتضيات وقوانني
ختالف الدستور ،وهو ما سيتم ختويله للمواطن بوصفه جزءا من اإلرادة العامة ،عرب
إمكانية ولوجه إىل القضاء الدستوري من أجل محايتها ،فالعدالة الدستورية يف
جوهرها تتضمن بعدا مواطنيا ،وبولوج املواطن إليها ،سيتم جتاوز التقاعس اإلرادي
لدى الفاعلني يف املؤسسات عن اللجوء إىل العدالة الدستورية ،والتصدي ملخاطر ال
دستورية التشريعات.167
إن القضاء الدستوري ميكن أن حيل يف معظم األحيان مشكل خضوع املواطن
لقوانني غري عادلة وغري دستورية ،لتستجيب قراراته للبعد احلقوقي ،168وتنتج آثارا
تتجاوز الطابع الفردي للدعوى احملالة على احملكمة الدستورية ،لتشمل ليس فقط
أطراف الزناع يف الدعوى ،وإمنا يتجاوز أثرها ليشمل كل الذين ميكن أن يطبق عليهم
وبذلك تكون الرقابة الالحقة قد أسست ملفهوم جديد للمواطنة ،يعترف فيه
الدستور للمواطن حبقه يف الولوج إىل القضاء الدستوري ،للدفاع مباشرة عن حقوقه
ودون وساطة ،جتاوزا لعيوب رقابة سابقة ختضع أساسا خللفيات سياسية وإيديولوجية
وحزبية ضيقة ،قد تضيع معها حقوق املواطنني وتعصف بأمنهم القانوين ،عند
-166نجيب جبري ،تطبيقات القضاء الدستوري المقارن وضمانات احترام مبدأ سمو الدستور :أي نموذج مغربي على ضوء التجارب
المقارنة ،ضمن المحكمة الدستورية بالمغرب نحو رؤية استشرافية ،مجلة الحقوق ،دار النشر المعرفة ،الطبعة األولى.2014 ،ص .35
-167عثمان الزياني ،المواطن والعدالة الدستورية ،ضمن المحكمة الدستورية في المغرب نحو رؤية استشرافية ،مجلة الحقوق ،الطبعة
األولى ،دار النشر المعرفة ،2014 ،ص .75
-168محمد فاضل ،قراءة أولية في القانون 66.13المتعلق بالحكمة الدستورية ،ضمن بناء دولة المؤسسات وتكريس سمو الدستور ،مجلة
العلوم القانونية ،سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية ، 5 ،مطبعة األمنية ،الرباط ،2016 ،ص .71
الفقرة الثانية :الرقابة على دستورية املعاهدات مدخل لتحقيق األمن القانوين
املعاهدات ،وهي رقابة سابقة على املصادقة ودخول املعاهدة للنظام القانوين الوطين،
وهو ما يعين معه عدم إمكانية بسط احملكمة الدستورية رقابتها على املعاهدات
الدولية ،اليت متت املصادقة عليها ودخلت حيز النفاذ ،فهي رقابة سابقة على تصديق
ال متارس الرقابة على دستورية االلتزامات الدولية ،إال بناء على طلب جهات
حمددة تتمثل يف امللك أو رئيسي جملسي الربملان ،أو سدس أعضاء جملس النواب أو
ربع أعضاء جملس املستشارين ،170فهي إحالة اختيارية وليست إجبارية ،مع العلم أن
هذا قد يطرح إشكاال يتمثل يف إمكانية املصادقة على التزام دويل خمالف للدستور،
دون حتريك اآللية الدستورية يف الرقابة عليه ،يف حال عدم إحالة األمر من طرف
أصحاب الصفة يف اإلحالة ،فاحملكمة الدستورية ال متارس هذا االختصاص إال بناء
على الطلب ،كما هو احلال بالنسبة للقوانني العادية ،اليت قد تنفذ إىل النظام القانوين
للدولة وهي متسمة بعيب عدم الدستورية ،لعدم إحالتها على أنظار احملكمة
الدستورية ،مما قد يطرح من جديد النقاش الدستوري حول األولوية يف تطبيق نصني
متعارضني.
للملك ،أما الربملان فدوره هو املوافقة بقانون على املعاهدة ،وهو ما ذهب إليه اجمللس
- 169عصام سعيد عبد أحمد ،الرقابة على دستورية القوانين دراسة مقارنة ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،بيروت ،2013،ص.344
- 170الفصل 55من دستور المملكة المغربية لسنة .2011
الدستوري أثناء رقابته على النظام الداخلي جمللس النواب ،حيث جاء يف حيثيات
قراره يف شأن املادة ،140واليت تضمنت فقرهتا األوىل من أنه "إذا أحيل على اجمللس
مشروع قانون باإلذن يف املصادقة على معاهدة أو اتفاقية دولية" وما أشارت إليه
فقرهتا األخرية ،من أنه وقبل املصادقة ميكن لرئيس جملس النواب أو لسدس أعضاء
اجمللس ،أن حييلوا على احملكمة الدستورية أي معاهدة أو اتفاقية أو التزام دويل،
قصد البت يف مطابقة بنودها للدستور ،مل يتم فيه التقيد السليم باملصطلحات
الواردة يف الفصل 55من الدستور ،الذي يستفاد منه أن جملس النواب يوافق بقانون
على املعاهدة ،وأن املصادقة تعود للملك ،مما تكون معه هذه املادة يف صياغتها احلالية
مالءمة القوانني الوطنية مع املواثيق الدولية ،وهو ما يثري عدة صعوبات وخماطر
الرتباطه الوثيق بالعمل القضائي ،وبالتايل حبقوق وحريات األفراد واجلماعات ،172أما
أمهية التنصيص على هذا املقتضى من الناحية احلقوقية ،فإنه يتيح إمكانية إدماج
حقوق تنص عليها االلتزامات الدولية ،خاصة إذا كان الدستور ال ينص عليها أو
خيالفها ،فمراقبة احملكمة الدستورية اللتزام دويل يضمن حقوقا غري معترف هبا يف
الدستور ،يؤدي بالضرورة إىل عدم املصادقة عليه إال بعد مراجعة الدستور ،وإدماج
هذه احلقوق ضمن احلقوق الدستورية ،وهو ما يتيح إمكانية توسيع جماهلا ،وإبعاد
-171قرار المجلس الدستوري رقم ،2012/829ملف عدد 12/1356 :بتاريخ ،2012/02/04ج-ر عدد 6021بتاريخ .2012/02/13
-172عادلة الوردي ،مكانة االتفاقيات الدولية في الدستور المغربي ،ضمن دستور 2011مقاربات متعددة ،مجلة الحقوق ،2012 ،ص199
وما بعدها.
كل مقتضى خيالف احلقوق اإلنسانية ،باعتبارها حقوقا مشتركة لإلنسانية تتمظهر
ومن األمثلة اليت نوردها يف سياق احلديث عن انعدام األمن القانوين ،اجلدل
الواسع حول موقع اتفاقيات حقوق اإلنسان يف النظام القانوين املغريب ،فإىل حدود
املراجعة الدستورية لسنة ،1996مل ينص املشرع صراحة على مكانة االتفاقيات
دستوري 1992و1996على كونية حقوق اإلنسان ،مما سينتج عنه تضارب االجتهاد
القضائي ،وهو ما دفع باملشرع إىل تبين مدخل املالءمة للحد من التباعد املرجعي
والقانوين ،بني التشريعني الداخلي والدويل يف جمال تبين الفلسفة العامة حلقوق
ومن أجل جتاوز هذا الوضع ،مت التنصيص يف تصدير دستور 2011على جعل
االتفاقيات الدولية كما صادق عليها املغرب ،ويف نطاق أحكام الدستور وقوانني
اململكة ،وهويتها الراسخة ،تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ،والعمل على
مالءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك املصادقة ،173مع التنصيص على أن
التصدير جزء ال يتجزأ من الدستور ،لوضع حد لإلشكاالت اليت الزمت ديباجة دستور
1996وقيمتها القانونية.
إذا كان األمن القانوين يتوقف على مدى وعي املشرع عند صياغة النصوص
التشريعية ،ومدى حرصه على إصدار قوانني حتمي احلقوق واحلريات ،فقد مت
تكريسه عند إخضاع أعماله للرقابة الدستورية ،حرصا على تصفية النظام القانوين
من النصوص املعيبة دستوريا ،وهو ما سيتوىل املشرع الدستوري حتقيقه أيضا ،عند
منح األفراد احلق يف الطعن يف القوانني ،خاصة وأن األمن القضائي يرتبط باملمارسة
وتطبيق القوانني أمام احملاكم عن طريق جودة أحكامها ،والتأسيس الجتهاد قضائي
إن القاضي يطبق التشريع وال ينشئه ،فاجتهاده عند الفصل يف الزناع ال ينبغي أن
يتج اوز نية املشرع ،ويف املقابل فوجود نص صريح ييسر على القاضي التعامل مع
النازلة ،علما بأنه موكول إليه محاية حقوق وحريات املواطنني ،174وهو ما سينعدم
إذا كان القاضي جمربا على تطبيق قانون خمالف للدستور ،ومنتهك حلقوق املتقاضني،
مما ينتهك معه األمن القضائي .ومن أجل اإلحاطة بتدخل احملكمة الدستورية من
أجل حتقيق األمن القضائي ،سنسلط الضوء على مفهوم القانون القضائي وأمهيته
(مطلب أول) على أن ننتقل إىل اختصاصات احملكمة الدستورية ودورها يف حتقيق
-174المصطفى قاسمي ،القانون الدستوري الحديث دولة القانون وقانون الدولة واألفراد ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،2004 ،
ص 76وما بعدها.
إن األمن القضائ ي هو ذلك الضمان الذي يعطى لكل فرد من أجل تصريف
مفهومني متقابلني ،بل مفهومان متالزمان ومتكامالن ،فال ميكن أن ينهض اجملتمع
املدين ويؤدي رسالته يف التقدم بدون دولة قوية تعمل على فرض القانون ،كما أنه
من الصعب تصور دولة وطنية من دون جمتمع يسندها ،وإال حتولت إىل دولة معزولة
تؤدي دورها من خالل أجهزهتا البريوقراطية ،ولكنها تنهار يف هناية املطاف ،فالدولة
احلديثة هي اليت يستطيع اجملتمع أن يلجمها حني حتاول اخلروج عن مسار القانون
الرقابة السابقة الوقائية ،تبىن سنة 2011نظام الدفع بعدم الدستورية من أجل أن
يسود داخل اجملتمع أمن ،وذلك بتعزيز ثقة املواطن يف مؤسسة القضاء الدستوري،
إن مفهوم األمن القانوين له عالقة وطيدة باألمن القضائي ،فإذا كان األول يعرف
بأنه عملية وليس جمرد فكرة ،تستهدف توفري حالة من االستقرار يف العالقات
مع مبادئ القانون الدويل ،فإن األمن القضائي يعين جودة األداء واخلدمة القضائية اليت
تنطلق من حاجة اإلنسان الضرورية وامللحة إىل العدل ،والقضاء الزنيه املستقل ،الذي
يأمن معه على حقوقه ،ويطمئن إىل أنه ال ميكن املساس هبا يف ظل هذا القضاء.177
-175األمن القضائي وجودة األحكام ،دراسة لجمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة ،مرجع سابق ،ص .6
-176الحبيب الجنحاني ،المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي ،منشورات جريدة الزمن ،الرباط ،2006 ،ص .32
-177األمن القضائي وجودة األحكام ،دراسة لجمعية عدالة ،مرجع سابق ،ص .6
القضائية املغربية ،178فمن أهم املكتسبات اليت جاء هبا دستور ،2011هو االرتقاء
بالقضاء إىل سلطة ،فالقاضي ال يقف دوره عند البت يف املنازعات فحسب ،بل يبسط
رقابته على باقي السلط ،وحيمل اجلميع حاكما وحمكوما على االمتثال للقانون.179
هذا االستقالل من حرية يف الفصل يف القضايا املعروضة على القاضي حبسب الوقائع
والقانون ،دون قيود أو تأثري أو تدخل ،أو هتديد أو ضغط من أي طرف كان.181
إن حتقيق األمن القضائي ليس حكرا على القضاء الدستوري فقط ،بل هو
موكول أيضا للقضاء اإلداري عندما يضطلع حبماية حقوق املرتفقني يف مواجهة اإلدارة،
ويف هذا السياق مت إنشاء احملاكم اإلدارية للتصدي لتجاوزات السلطة واإلدارة،
ولصيانة حقوق وحريات األفراد واجلماعات ،182ويف إطار تدعيمها ،انصب اهتمام
القائمني على إصالح جهاز القضاء ال سيما اإلداري منه ،على اعتبار أن القاضي اإلداري
هو احلامي الطبيعي للحقوق ،واملالذ األخري لألفراد يف مواجهة طغيان السلطة،183
فالقاضي اإلداري باعتباره قاضي املشروعية ،يتفحص القرارات اإلدارية املتخذة من
-178عبد السالم العماني ،دور المقتضيات الدستورية الجديدة في دعم استقالل السلطة القضائية ،مجلة نادي قضاة المغرب،
عدد ،2016/ 1مطبعة األمنية ،الرباط ،ص.203
- 179رشيد نعناعي ،إصالح العدالة بين الطموح النظري للنص الدستوري والمعيقات السياسية والثقافية واإلدارية ،مجلة المناظرة ،عدد
،16-17ماي ،2014ص.371
- 180الفصل 107من دستور المملكة المغربية لسنة .2011
- 181فيليب تكسييه ،استقالل السلطة القضائية من خالل إصالح المجلس األعلى للقضاء والنظام األساسي للقضاة ،ندوة علمية حول:
إصالح السلطة القضائية في ضوء الدستور الجديد والمعايير الدولية ،أيام 2-1مارس ،2012الرباط ،منشورات المجلس الوطني
لحقوق اإلنسان ،سلسلة الندوات مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،2014 ،ص.43
- 182سلوى الفاسي الفهري ،االتجاهات الحديثة للقضاء اإلداري المغربي ،مجلة ديوان المظالم ،عدد ،3دجنبر ،2005ص .87
- 183حميد الربيعي ،تطور القضاء اإلداري بالمغرب على ضوء إحداث محاكم االستئناف اإلدارية ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،الطبعة األولى ،2007ص .111
طرف اإلدارة ،184فال يكفي التنصيص على حقوق املرتفقني يف نصوص وقواعد
قانونية عامة ،بل أصبح اإلشكال ينصب حول ضمانات التمتع هبذه احلقوق ،185وقد
املختلفة ،186كما يعترب االجتهاد القضائي اجلنائي ضمانة أساسية وسندا قويا حلماية
احلقوق املضمونة دستوريا ،أو بواسطة قوانني عادية أو تنظيمية ،187إال أن هذا التدخل
اجلنائي ال جيب أن يؤخذ على أنه مدخل للمساس جبوهر حقوق اإلنسان ،فالتوازن
يتطلب وضع احلدود ملمارستها ،دون أن يسمح بتقييدها مبا ينال من جوهرها أو
حمتواها.188
األخرى إىل حتقيق األمن القضائي حني متارس االختصاصات املسندة إليها بفصول
الدستور ،وسنستعرض فيما يلي تدخل احملكمة الدستورية حتقيقا لألمن القضائي.
تسعى احملكمة الدستورية إىل ضمان احترام القانون ،واحلرص على سالمة
تنفيذه وتطبيقه ،مبناسبة رقابتها سواء على أعمال املشرع ومدى تقيده السليم
اال ستفتاء ،فاألمن القضائي هو ذلك الضمان الذي يوضع يف يد كل متضرر ،من أجل
إثارة مآخذ ومالحظات قد تثار عند ترمجة النصوص القانونية إىل ممارسات
وسلوكيات على أرض الواقع ،فيتدخل القاضي الدستوري من أجل إعادة األمور إىل
إن تقدم النصوص القانونية وجودهتا ،ليس كافيا لوحده لسالمة التطبيق
والتزنيل ،فهي نصوص نظرية صماء ،تبقى روحها حبيسة السطور ،مامل حيسن
تطبيقها وااللتزام هبا ،وضمان تنفيذها وإذعان اجلميع هلا ،سواء أفرادا أو سلطات
عمومية.
تعترب املنازعات االنتخابية مناسبة يضطلع فيها القاضي الدستوري بتحقيق األمن
القضائي ،أثناء بسطه رقابته على العمليات االنتخابية ،باحلرص على نزاهتها
وصدقيتها .ويكاد يكون القاضي الدستوري باملغرب قاضيا لالنتخابات بامتياز ،من
خالل تدخله أثناء النظر يف الطعون االنتخابية مقارنة مع جماالت تدخله األخرى،189
وإذا كان االنتخاب يعين االختيار ،فصحة االنتخابات تعين مطابقة إجراءات وعمليات
بينهم ،وهي املهمة اليت أنيطت بالقاضي الدستوري املغريب منذ الغرفة الدستورية
التابعة للمجلس األعلى ،191واستمر هذا االختصاص مع اجمللس الدستوري ،192وهو ما
نص عليه دستور 2011ببت احملكمة الدستورية يف الطعون املتعلقة بانتخاب أعضاء
- 189ح ميد اربيعي ،قراءة في قرارات المجلس الدستوري الصادرة في ظل الدستور الجديد ،منشورات المجلة المغربية اإلدارية المحلية
والتنمية ،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ،98الطبعة األولى ،2013 ،ص .75
- 190يحيى حلوي ،المجلس الدستوري المغربي دراسات وتعاليق ( ،)2017-1994مرجع سابق ،ص .180
- 191انظر الفصل 103من دستور المملكة المغربية لسنة .1962
- 192الفصل 79من دستور المملكة المغربية لسنة ،1992الفصل 81من دستور المملكة المغربية لسنة .1996
الربملان ،193كما أحال تنظيم املنازعات االنتخابية على القانون التنظيمي جمللس
يعترب الطعن يف املادة االنتخابية أمام احملكمة الدستورية مبثابة دعوى إلغاء،
ليتسىن للمحكمة إلغاء نتائج االنتخاب يف الدائرة املطعون يف نتائجها ،أو تقضي برفض
الطعن إذا تبني هلا أن الوسائل املدىل هبا مل تؤثر على نتيجة االقتراع .196وتنظر
احملكمة الدستورية يف الطعون االنتخابية داخل أجل سنة كلما تعلق األمر بانتخابات
عامة ،ابتداء من تاريخ انقضاء أجل تقدمي الطعون ،غري أن احملكمة جتاوز هذا األجل
مبوجب قرار معلل ،197وقد حدد القانون التنظيمي املتعلق باحملكمة الدستورية أجل
االنتخابية ،198بعدما كان حمددا يف مخسة عشر ( )15يوما املوالية لإلعالن عن نتيجة
حدد املشرع الدستوري ألول مرة يف دستور 2011سقفا زمنيا للفصل يف
املنازعات االنتخابية متمثال يف سنة ،وميكن أن ميدد هذا األجل استثناء وبقرار
معلل .وعلى العكس من ذلك ،مل ينص دستور 1996على أجل حمدد ،مما يطرح
معه مسألة شرعية االنتخاب بالنسبة للمدة اليت قضاها العضو املطعون يف انتخابه،
إذا تبني أنه استعمل وسائل غري مشروعة ومتت إعادة االنتخاب ،200فهذه املقتضيات
غري املسبوقة من شأهنا ترشيد املشهد السياسي ،وضمان استقرار املؤسسة التشريعية
أهلية الترشيح للمشاركة يف االستحقاقات االنتخابية ،ويف هذا الصدد اعتربت أن
الطعن يف ترشيح مترشح بدعوى أنه ينتمي حلزب سياسي غري الذي ترشح بامسه
لالنتخابات دون أن يقدم استقالته ،ادعاء مل يدعم بأي حجة تثبته ،مما يكون معه
غري جدير باالعتبار ،202وقد قدم املطعون يف انتخابه رسالة االستقالة من مجيع املهام
يف احلزب واليت تتضمن خامت توصل األمانة العامة للحزب .203كما جلأ طاعن آخر إىل
استعمال وسيلة تنطوي على مناورات ،كدليل من أجل إثبات واقعة الترشح باسم
حزب غري الذي ينتمي إليه املطعون يف انتخابه ،حيث تتلخص يف حصول الطاعن على
رسالة من األمني العام حلزب املطعون يف انتخابه ،كجواب على رسالته "طلب
املطعون هذا الدفع باإلدالء بأصل وصل الفاكس املرسل إىل احلزب لتقضي احملكمة
بصحة ترشيحه.204
تربط احملكمة الدستورية يف ترتيب جزاء إلغاء االنتخاب بسبب عدم التمتع
باألهلية ،باجلرائم اليت قد يرتكبها املترشحون ،واليت تكون موضوع متابعات أمام
القضاء ،حيث ذهبت احملكمة إىل أن ارتكاب جرمية النصب واالحتيال وعلى فرض
- 201ح ميد اربيعي ،قراءة في قرارات المجلس الدستوري الصادرة في ظل الدستور الجديد ،مرجع سابق ،ص .76
- 202قرار المحكمة الدستورية رقم 29/17م إ ،بتاريخ .2017/07/25
- 203قرار المحكمة الدستورية رقم 19/17م إ ،بتاريخ .2017/06/20
-204قرار المحكمة الدستورية رقم 79/ 18م إ ،بتاريخ ،2018/06/12ج-ر عدد ،6685بتاريخ .2018/06/25
صحته ،فإن املطعون يف انتخابه يتمتع بقرينة الرباءة ،مادام مل يصدر يف حقه حكم
هنائي ،205كما اعتربت احملكمة صدور قرار حمكمة النقض بقبول إعادة النظر يف
قرار اجمللس األعلى ،ونقض وإبطال القرار الصادر عن حمكمة االستئناف حبرمان
املعين باألمر من حق الترشيح ملدتني انتخابيتني ،يكون معه املآخذ املتعلق باألهلية
غري قائم على أساس قانوين ،206يف املقابل فقد قضت احملكمة بإلغاء انتخاب مرشح
سبق إدانته بسنة واحدة حبسا نافذا ،من أجل ارتكاب جناية ،ورأت احملكمة أن
استعادة املعين باألمر األهلية االنتخابية ال ينتج عنها اكتسابه ألهلية الترشيح،207
كما ألغت انتخاب مترشح صدر يف حقه قرار بالعزل من مهام رئاسة اجمللس
خاصة فيما يتعلق بترتيب وتقدمي صور املرشحني .209أما فيما يتعلق مبضمون املنشور
تتضمن بيانات غري صحيحة بشأن مؤهالته العلمية واملهنية ،يشكل تضليال للناخبني
ومناورة تدليسية ،يتناىف مع مبدإ الزناهة وشفافية االنتخابات ،مما يتعني معه إبطال
لنفس الالئحة ،وتغيري وكيل الالئحة حسب منطقة توزيع املنشور ،هو عمل تدليسي
-205قرار المجلس الدستوري رقم 77/18م إ ،بتاريخ ،2018/06/05ج-ر عدد ،6684بتاريخ .2018/06/21
- 206قرار المحكمة الدستورية رقم 28/17م إ ،بتاريخ .2017/07/20
- 207قرار المحكمة الدستورية رقم 23/17م إ ،بتاريخ.2017/07/06
-208قرار المحكمة الدستورية رقم 39/17م إ ،بتاريخ ،2017/09/18ج-ر عدد ،6608بتاريخ .2017/09/28
- 209قرار المجلس الدستوري رقم ،2012/869بتاريخ ،2012/08/10ج-ر عدد ،6080بتاريخ .2012/09/06
- 210قرار المجلس الدستوري رقم ،2012/888بتاريخ ،2012/09/29ج-ر عدد ،6092بتاريخ .2012/10/18
يروم تغليط الناخبني من أجل التصويت لالئحة الترشيح ،مما يستلزم معه خصم
األصوات اليت حصلت عليها الالئحة يف املنطقة ،اليت عرفت توزيع املنشور املضلل.211
كما حيدد القانون األماكن املخصصة إللصاق املنشورات االنتخابية ،ويعترب عدم
احترامها خمالفة للقانون ،ويف هذا السياق اعترب اجمللس أن قيام املطعون يف انتخابه
بتعليق مخس عشرة ()15الفتة انتخابية خارج األماكن املعينة من طرف السلطة،
يشكل خمالفة صرحية يتعني معها إبطال انتخاب املطعون يف انتخابه ،212وعمال من
شأنه املساس مببدأي املساواة وتكافؤ الفرص بني املترشحني ،مما يتعني معه خصم ما
نالته الئحة الترشيح يف املكاتب اليت يقع هبا مقر الدعاية ،والذي ألصق يف بابه
املنشور.213
الدستوري بصيانة األمن القانوين للمواطنني ،حينما يسهر على صدقية االنتخابات
أن السيادة لألمة متارسها مباشرة باالستفتاء ،214ومبقتضى الفصل 132من دستور
االستفتاء ،كحام لسيادة األمة من أي مس أو تغيري أو تالعب ،قد يلحق هبا أثناء
ممارسة حقها السياسي ،حيث تعرض مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور مبقتضى
ونظرا ألمهية موضوع االستفتاء ،فقد أناط دستور 2011البت يف صحة عملياته
من قبل القاضي الدستوري ،وهو اختصاص تلقائي ختتص احملكمة الدستورية وجوبا
بالبت فيه ،216من خالل مراقبة صحة اإلحصاء العام لألصوات املدىل هبا يف االستفتاء،
والنظر يف مجيع املطالبات املضمنة يف احملاضر والبت فيها يف حالة وجود خمالفات.217
إن االستفتاء الشعيب هو أخذ رأي الشعب يف مسألة معينة تعرض عليه ،ويكون
إما باملوافقة والقبول أو الرفض .وإذا كان االستفتاء يتطلب التعبري عن الرأي عن طريق
اإلدالء بالصوت ،فإنه قد يشبه االنتخابات ،إال أنه يتميز عنها بكونه يرتبط مبوضوع
معني ،يعرب من خالله املستفىت بـ "نعم" أو "ال" ،يف حني فإن االنتخابات ترتبط
االستفتاء ،يف أن املشرع الدستوري قد منحها مهمة محاية وصيانة اختيار املواطنني،
منذ الوهلة األوىل يتضح لنا الفرق بني االنتخابات واالستفتاء ،فإذا كان القاضي
الدستوري بوصفه قاضي انتخابات ،ال يفصل يف املنازعات االنتخابية إال أثناء نظره يف
الطعون االنتخابية ،واليت يقدمها أصحاب الصفة يف إحالتها كما بينا سابقا ،فإنه يكون
ملزما مبراقبة صحة اإلحصاء العام ،رغم أنه ال ميارس أي مراقبة على العمليات اليت
حيق هلم االطالع على حماضر مكاتب التصويت ،وكذلك قوائم التوقيعات يف مقر
اجلماعة احلضرية أو القروية ،220أو يف مبىن السفارة أو القنصلية بالدولة اليت أجري
فيها االستفتاء ،خالل أربعة أيام كاملة على حمضر عملية التصويت ،221ليقتصر
تقدمي املطالبات على املصوتني فقط وليس املسجلني يف اللوائح ،خالفا ملا هو معمول
به يف الطعون االنتخابية ،اليت تعطي احلق للناخبني ،سواء الذين صوتوا أو الذين مل
يصوتوا.
قابلية املقتضيات الدستورية املرتبطة باحلقوق واحلريات للمراجعة ،بل ذهب أبعد
من ذلك حني ألزم السلطات العامة على احترام هذه املقتضيات وعدم خرقها،222
بتعزيزها وتقويتها وجعلها أكثر فعالية ،فإذا كان املشرع الدستوري قد حرص على
تشييد مؤسسات دستورية من أجل تعزيز مكتسبات حقوق اإلنسان ومحايتها من
- 219نور الدين أشحشاح ،الرقابة على دستورية القوانين في المغرب-دراسة مقارنة ،-أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال ،جامعة محمد الخامس الرباط ،السنة الجامعية ،2001-2000
ص .229
- 220المادة 71من القانون 51.11المتعلق باللوائح االنتخابية العامة وعمليات االستفتاء واستعمال وسائل السمعي البصري العمومية
خالل العمليات االنتخابية واالستفتائية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.11.171بتاريخ 23ذي الحجة 1432الموافق ل
28أكتوبر ،2011ج-ر عدد 5991بتاريخ 31أكتوبر .2011
- 221المادة 139من القانون ،9.97نفس المرجع.
-222الفصل 175من دستور المملكة المغربية لسنة .2011
االنتهاك ،فإنه قد وضع رهن إشارة املواطن آلية دستورية يلجأ إليها مىت سلب منه
الرمسية وعلى أمهيتها ،وهو ما سيحقق األمن القضائي للمتقاضني ،حني يلجؤون إىل إثارة
دستورية القواعد القانونية اليت يعتزم القاضي تطبيقها يف الزناع املعروض عليه.
املطالبة حبقوقهم الدستورية مباشرة أمام جهاز قضائي ،ليكون قرار القاضي
الدستوري يف مرحلة دخول القانون حيز التنفيذ غري مبىن على العنصر النظري ،بل
على العنصر العملي املرتبط باآلثار السلبية للقانون على حقوق املواطنني ،223وذلك
حني تصبح احلقوق حممية أمام السلطات العمومية ،بفعل سلطة قضائية تستقل
نظرية ،إىل حقوق دستورية فعلية ومطبقة حقيقة ال ومها .225ومن هذا املنطلق تعترب
الدولة العصرية دولة دستورية ،أي دولة مقيدة بأحكام الدستور الذي ختضع له
التشريعات وتتالءم معه ،226مما يبعث يف نفوس األفراد الرضا واإلحساس املطمئن
وختاما؛ لقد خضعت مؤسسة القضاء الدستوري لتمرين متواصل من أجل التطوير،
لتمكني هذه املؤسسة باآلليات القانونية اليت تضمن هلا االضطالع بدورها الفعال يف
-223محمد فاضل ،قراءة أولية في القانون 66.13المتعلق بالحكمة الدستورية ،مرجع سابق ،ص.68
-224الذهبي بدر ،حق الدفع بعدم الدستورية بين الدستور المغربي والنموذج األلماني ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة
واالقتصاد ،العدد ،37/38ص .88
-225عصام سعيد عبد أحمد ،الرقابة على دستورية القوانين دراسة مقارنة ،مرجع سابق ،ص .218
-226عبد الحق بلفقيه ،القضاء الدستوري بالمغرب دراسة مقارنة ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد ،العدد
،38/37ص ،26ص .79
-227عثمان الزياني ،المواطن والعدالة الدستورية ،مرجع سابق ،ص .77
حتقيق األمنني القانوين والقضائي ،وال شك أن املتتبع ملختلف املراحل اليت مرت هبا
العدالة الدستورية باملغرب ،سيجزم بأهنا عرفت تطورا كبريا خاصة بعد أن أسند
هلا الرقابة على دستورية القوانني العادية ،واليت يرتبط مضموهنا حبقوق األفراد
املنتهكة حلقوقهم وحرياهتم واليت ستطبق يف الزناع ،جتاوزا ملا قد ينفذ للمنظومة
األمن القانوين والقضائي للمواطنني .هذا املقتضى اجلديد ينتظر التفعيل لعدم صدور
القانون التنظيمي املتعلق بتحديد إجراءات الدفع بعدم الدستورية ،بعد قرار
.86.15
الئحة املراجع:
حممد بودايل" ،محاية املستهلك يف القانون املقارن" ،دار الكتاب احلديثة،
القاهرة.2006 ،
حممد عايل حيداس" ،جرمية اإلشهار املضلل يف القروض العقارية" ،رسالة
لنيل دبلوم املاستر يف العلوم اجلنائية ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية
املختار العبالوي" ،اخلطاب اإلشهاري ،التلقي واالقناع" ،حبث لنيل دبلوم
أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه يف علم السياسة والقانون الدستوري ،جامعة احلسن
.2010/2009
حممد النويظي" ،اهليأة العليا لالتصال السمعي البصري -دراسة يف النشأة
جامعة احلسن األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،سطات ،بتاريخ
20مارس .2010
السمعي -البصري ،كما مت تغيريه وتتميمه مبقتضى الظهري الشريف رقم -03-302
من جهة إىل جتنيب اجملرم املبتدئ اإليداع يف السجون مع ما يترتب عن ذلك من
آثار سلبية خصوصا مع األزمة اليت تعيشها العقوبة السالبة للحرية قصرية املدة لفشلها
يف حتقيق اإلصالح والتأهيل املرجو منها للسجناء ،ومن جهة ثانية إىل جرب الضرر
الالحق باجملين عليه مبراضاته عن طريق دفع مبلغ مايل يصلح أضرار اجلرمية ويساهم
يف استباب األمن يف اجملتمع مبا يساهم يف دفع اجملين عليه إىل العدول عن االنتقام
P 124 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
الكلمات املفتاحية:
أزمة العقوبة احلبسية قصرية املدة -بدائل العقوبات السالبة للحرية قصرية املدة
مقدمة:
أدت االنتقادات املوجهة إىل العقوبات السالبة للحرية قصرية املدة بسبب فشلها
يف جماهبة السلوك اإلجرامي قليل اخلطورة 228إىل وتقوية الشعور بضرورة التفكري
يف حصر تفعيلها ضمن احلاالت ذات اخلطورة الواضحة على النظام اجملتمعي،
وتعويضها يف احلاالت اليت تقل خطورهتا اإلجرامية ،بأساليب عقابية بديلة غري سالبة
للحرية تتبىن أجنع اخليارات للحد من انتشار اجلرمية وتداعياهتا مبا حتمله يف طياهتا
من تدابري إصالحية وتأهيلية تساعد احملكوم عليه على االندماج من جديد يف
اجملتمع .
- 228بدليل أن اجلرمية ظلت يف تزايد مستمر ومعها ظاهرة العود الشيء الذي يربز وجبالء وجود خلل على مستوى السياسة العقابية والذي
يبدوا واضحا من خالل جتلياهتا على واقع اسجون ابعتبارها مرآة تعكس حقيقة هذه السياسة ،وهذا ما ميكن معه القول أن السجون مثلما
أهنا أماكن إصالح وهتذيب فهي أيضا أماكن ينشط فيها تعلم وتعليم اجلرمية والسلوكيات املنحرفة على اختالف أنواعها ،حبيث يتم تفشي
سلوكيات كثرية بني النزالء داخل املؤسسة السجنية ذاهتا ،ومنها تلك اليت تعد إجرامية أو مؤدية إىل اجلرمية .أمام هذا الوضع مل يعد من مناص
لتجريب خيارات جديدة ملعاجلة أزمة السياسة اجلنائية ابلنسبة هلذه العينة من اجلرائم ،عن طريق تطوير سبل التصدي هلا فالرتكيز على العقوبة
لوحدها غري كاف للوصول إىل اإلصالح املنشود بل البد من البحث يف مصدر الداء الذي هو اجملرم ألن احلد من اإلجرام والعود للجرمية غري
ممكن إال بتبين منظور حداثي ملفهوم العقوبة بشكل يضمن أنسنتها من خالل وضع حد لنظرة التهميش واإلقصاء املوجهة إليه كفرد منبوذ وغري
مرغوب فيه داخل اجملتمع ،وحتسيسه بكينونته وآدميته ،والتعامل معه على أساس أنه شخص مريض يتيعن معاجلته ،وذلك بفسح اجملال أمامه
إلصالح وتقومي سلوكه يف سبيل إعادة إدماجه بشكل إجيايب ومنتج داخل اجملتمع.
راجع :زايين عبد هللا " ،العقوابت البديلة يف القانون اجلزائري دراسة مقارنة " ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه يف القانون العام ،جامعة وهران-
،2كلية احلقوق والعلوم السياسية ،س.ج ،2020/2019 .ص 3؛
مجال جماطي" ،بدائل العقوابت السالبة للحرية قصرية املدة يف ضوء التشريع املغريب واملقارن دراسة حتليلية وعلمية" ،ط ،1 .مكتبة الرشاد
سطات اململكة املغربية ،السنة ،2015ص 25؛
فاتن الوزاين الشاهدي" ،بدائل العقوابت السالبة للحرية القصرية املدة" ،أطروحة لنيل الدكتوراه يف القانون اخلاص من كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية بفاس ،س.ج ،2015\2014ص .6
والواقع أن هذا التغيري يف النظرة إىل العقوبة اجلنائية والدعوة إىل تبين مقاربة
حديثة مل يكن وليد اللحظة بل نتاج خماض طويل من التنظريات الفكرية من
طرف التيارات الفقهية املهتمة بالقانون اجلنائي من جهة ،ومن جهة أخرى اجلهود
فكرة مفادها ،أنه إذا كانت العقوبات السالبة للحرية ضرورية لتحقيق أمن اجملتمع،
فإن استبداهلا كلما أمكن ذلك ببدائل بدون اللجوء لسلب احلرية يشكل مطلبا
مستعجال ،229خاصة وأن هذه البدائل من شأهنا أن حتقق الغاية املطلوبة من كل
عقوبة جنائية طبقا للتوجه اجلديد يف جمال اجلزاء اجلنائي الذي يدعو إىل جعل
العقوبة وسيلة إلصالح اجلاين وتقوميه وإعادة إدماجه يف اجملتمع وهو ميارس فيه
حياته العادية ولو حبرية مشروطة ،كما أهنا يف ذات الوقت حتمي اجملتمع من
من خالل هذه الدراسة املتواضعة ،اليت تأيت يف سياق وجود مشروع قانون جنائي
باملغرب حيمل رقم 23110.16معروض حاليا على الربملان املغريب -أدرج ألول مرة
بدائل للعقوبات يف الباب األول مكرر منه ضمن الفصول 35-1إىل ،-35-14
- 229ب شرى رضا راضي سعد" ،بدائل العقوابت السالبة للحرية وأثرها يف احلد من اخلطورة اإلجرامية" ،ط ،1.دار النشر وائل عمان األردن،
السنة 2013ص .13
- 230العلمي املشيشي" ،بدائل التدابري السالبة للحرية" ،مقال منشور مبوقع مج .مغ.ق ، www.maroclaw.comاتريخ وضع
املقال 7أبريل ،2019اتريخ االطالع على املقال 15غشت .2019
- 231مت عرض مشروع القانون اجلنائي على جملس احلكومة للمرة األوىل بتاريخ 26ماي ،2016إال أنه مت أتجيل املصادقة عليه حيث تقرر
يف هذا االجت ماع املذكور مواصلة النقاش يف مشروع القانون اجلنائي ،مث عرض للمرة الثانية على جملس احلكومة املنعقد بتاريخ 9يونيو 2016
حيث متت املصادقة عليه ،وبتاريخ 24يونيو 2016متت إحالته على جملس النواب ،وبتاريخ 27يونيو 2016أحيل على جلنة العدل
والتشريع هبذا اجمللس الستكمال مسطرة املصادقة ،مت استيقاء هذه املعلومات من موقع رائسة احلكومة املغربية www.pm.gov.maوموقع
جملس النواب املغريب ، www.chambredesrepresentants.maآخر اطالع على املوقعني للتأكد من املعطيات املذكورة كان
بتاريخ 14أكتوبر .2020
سيتم تناول بديل عقايب بالتحليل والدراسة ،حياول أن يأخذ بعني االعتبار مركز
الضحية ،حبيث يتم تعويضه جراء األضرار اليت حلقته بفعل اجلرمية املقترفة يف
حقه.
هذا ،و إن فكرة تعويض اجملين عليه ليست باجلديدة ،بل ترجع يف أساسها إىل
نظام الدية ،فرد الفعل العقايب يف اجملتمعات القدمية كان يأخذ صورة انتقام من
اجملرم ،مث تطور إىل نظام الدية ،وهذا النظام معروف يف الفقه اإلسالمي حيث أنه
يعد صورة من صور العقوبة التعويضية اهلادفة إىل إصالح ما ميكن إصالحه من أضرار
اجلرمية ،واختلفت املذاهب الفقهية يف تعريفها ،فبينما يعرفها احلنفية بأهنا املال
املالكية إىل أهنا مال جيب بقتل آدمي حر عن دمه أو جرحه ،مقدر شرعا ال
باالجتهاد ،233وظهر التوجه حنو تبين العقوبات التعويضية كجزاء جنائي بديل عن
عقوبة احلبس يف العصر احلديث من خالل توصيات املؤمتر الدويل احلادي عشر
للقانون اجلنائي املنعقد يف بودابست ،إذ تضمنت إحدى توصياته أن تعويض اجملين
عليه يعد وسيلة ذات فعالية للجزاء اجلنائي على اخلصوص بإعادة التكييف
- 232فاحل حممد فاحل" ،أحكام الدية يف الشريعة اإلسالمية" ،املركز العريب للدراسات األمنية والتدريب ،ب.ط ،الرايض السعودية ،السنة
1412هـ ،ص .50
- 233حممد مصباح القاضي" ،العقوابت البديلة يف الفقه اإلسالمي" ،ب.ط ،دار النهضة العربية القاهرة ،السنة ،1996ص 57وما يليها.
- 234مجال احلفيان" ،كفالة حقوق اجملين عليه يف الدعوى اجلنائية" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف القانون اخلاص ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة احلسن الثاين ،الدار البيضاء ،س.ج ،1997/1996ص .207
وقد ورد النص على هذا األسلوب العقايب يف مشروع القانون املذكور ضمن
الباب األول مكرر يف الفصل 35-13يف البند اخلامس منه" :العقوبات املقيدة لبعض
احلقوق أو فرض تدابري رقابية أو عالجية أو تأهيلية واليت ميكن احلكم بواحدة أو
وميتاز التعويض كعقوبة بديلة بكوهنا ذات طابع خمتلط وهذا ما جيعل من
أمر تعريفها صعبا ،ألهنا ذات طابع مدين وجنائي يف نفس الوقت ،فاألسلوب العقايب
املذكور يتضمن يف خصائصه من جهة معىن الزجر ،وحيمل أيضا فكرة جتد أساسها
يف القانون املدين ويتعلق األمر بالتعويض ،235كما أنه خيتلف عن عقوبة الغرامة،
فبينما هتدف الغرامة إىل التأثري على إرادة احملكوم عليه ومنعه من ارتكاب املزيد
من اجلرائم مستقبال ،غاية العقوبة التعويضية فضال عن منع احملكوم عليه من
ارتكاب جرائم مستقبلية هي تعويض ضرر أصاب ضحيته بسبب اجلرمية اليت
اقترفها.236
وحىت يكون باإلمكان التحليل والدراسة خبصوص هذا املوضوع ،سيتم طرح
اإلشكالية التالية:
- 235يعترب التعويض جزاء مدنيا له وظيفة جرب الضرر الذي أصاب املضرور و حمو آاثره أو على األقل التخفيف من آاثره إذا توفرت أركان
املسؤولية املدنية .وقد نضمه قانون االلتزامات والعقود يف الفصول من 77إىل 100فيما خيص التعويض املتعلق ابملسؤولية التقصريية والفصول
263و 264فيما خيص التعويض املرتتب عن اإلخالل ابلتزام عقدي ،وهذا التعويض قد يدفعه املسؤول عن الضرر رضاء أو قضاء ،راجع
أيضا هبذا اخلصوص :أمحد نوسي" ،العقوبة التعويضية" ،مقال منشور يف مج .الد .الق ،ع 3 .السنة ،2008ص .131
- 236أمين رمضان الزيين" ،العقوابت السالبة للحرية قصرية املدة وبدائلها" ،ط ،2.دار النهضة العربية ،القاهرة ،السنة ،2005ص .383
هل كان مشروع القانون اجلنائي املغريب موفقا يف تنصيصه على التعويض -
اجلنائي كعقوبة بديلة تساير التوجهات التشريعية املقارنة؟ وما مدى فعالية هذا
املدة؟
كما يلي:
احملور األول :حملة عن التنظيم القانوين للتعويض اجلنائي بني بعض التشريعات
احملور األول :حملة عن التنظيم القانوين للتعويض اجلنائي بني بعض التشريعات
العقابية املعاصرة للحلول حمل العقوبات القصرية املدة ،وإعادة التوازن للخلل احلاصل
بسبب اجلرمية قليلة اخلطورة املقترفة ،وذلك بواسطة كفالة حقوق ضحايا
اجلرمية بالشكل الذي يستجيب والتوجهات الكربى للسياسة اجلنائية املعاصرة اليت
باتت حترص على ضمان حصول اجملين عليه على حقه يف التعويض ،يف نفس مستوى
- 237حمي الدين أمزازي" ،جدوى إجياد بدائل للعقوابت احلبسية قصرية املدى" ،مقال منشور يف مج.دف.اجت ،ع ،17 .يناير ،1984
ص .72
حرضها على ضمان معاملة عقابية للجاين هتدف إىل إصالحه وتأهيله ليتمكن من
وفيما يلي سيتم التطرق للتنظيم القانوين للتعويض اجلنائي على مستوى
بعض التشريعات املقارنة (أوال) ،ويف إطار مشروع القانون اجلنائي املغريب (ثانيا).
وقع االختيار على جمموعة من التشريعات املقارنة ،اليت هلا توجهات خمتلفة
ألخذ حملة شاملة عن التنظيم القانوين هلذا األسلوب العقايب البديل يف سياقها،
األمريكي واألملاين.
القانون املذكور ،فالعقوبة التعويضية يتم النطق هبا جمتمعة مع عقوبة احلبس أو
الغرامة ،كما ميكن أن حيكم هبا منفردة باعتبارها بديال لعقوبة احلبس ،حيث
يلزم احملكوم عليه بأدائه ملن كان ضحية للجرمية تعويضا على أال تتجاوز مدة
وفيما يلي سيتم التعرض جملموعة من النقط املندرجة ضمن التنظيم القانوين
التعويضية ،واجلهات املشرفة على هذا التطبيق ،وآثار تنفيذ أو عدم تنفيذ العقوبة
التعويضية.
ميكن تقسيم هذه الشروط إىل ثالث أنواع ،منها ما يتصل بالعقوبة يف حد
بالضحية.
131-15-1يف اجلنح املعاقب عليها باحلبس الذي ال يتجاوز ستة أشهر أو الغرامة،
أو املخالفات من الدرجة اخلامسة واملعاقب عليها بالغرامة ،239وذلك يعين أن عقوبة
1من القانون اجلنائي الفرنسي فإن العقوبة التعويضية وكما أهنا تطبق على
األشخاص الذاتيني فإهنا تطبق كذلك على األشخاص املعنويني 240فيما يتعلق جبرائم
, Thèse pour obtenir le " L’effectivité de la sanction pénale "-Catherine Tzuztzuiano, 239
doctorat en droit privé, Unvers. de Toulon. Facult. de droit, 2015, P 82.
- 240مبا أن عقوبة التعويض ذات طابع مايل ،فإهنا ال تتعارض مع طبيعة الشخص االعتباري الذي له ذمته املالية وتطبق عليه العقوابت من
هذا الصنف.
حيث يتعني أن يصرح مبوافقته على تطبيق هذه العقوبة البديلة يف حقه ،وحسب
موافقة احملكوم عليه جيب أن تصدر بشكل حضوري أمام القاضي يف جلسة
احملاكمة.
الشروط املتصلة بالضحية :متتاز هذه العقوبة بكوهنا تأخذ بعني االعتبار
موقف الضحية ،حيث ال حيكم هبا القاضي إال بعد أخذ موافقتها ،ويتضح من خالل
ذلك أن هذا النمط العقايب قد منح للضحية دورا رئيسيا يف تفعيل العدالة اجلنائية
يشرف على تنفيذ العقوبة التعويضية جهات قضائية خمتلفة بني ممثل النيابة
العامة ،والقاضي املنتدب لفائدة الضحايا ،وقاضي تطبيق العقوبات ،وتتلخص أدوارهم
القاضي املنتدب لفائدة الضحايا :وهو مبثابة مدافع عن حقوق الضحية،
يتدخل بعد إخطار من أي شخص تكون له صفة ضحية يف جرمية ما ،يتيح له
القانون أن يقدم طلبا إىل ممثل النيابة العامة أو القاضي املختص يف القضية من أجل
- 241الطيب مسايت" ،محاية حقوق ضحااي اجلرمية خالل الدعوى اجلزائية يف التشريع اجلزائري" ،ب.ط ،مؤسسة البديع للنشر واخلدمات
اإلعالمية اجلزائر ،السنة 2008ص .22
املامه بوقائع القضية ،كما يقوم بالتواصل مع الضحية أو حماميها ،242وفيما يتعلق
بالعقوبة التعويضية يتمثل دور هذا القاضي يف تلقي طلبات الضحية أو دفاعه يف
حال عدم تنفيذ احملكوم عليه ألداء التعويض اجلنائي احملكوم به يف اآلجال
وبالكيفية الواردة يف منطوق احلكم ،وميكن للقاضي املكلف بشؤون الضحايا أن
التعويضية ،ويتعلق األمر بتقريره إصدار احلكم بعقوبة احلبس أو الغرامة حسب
النيابة العامة :إن دور النيابة العامة يف جمال العقوبة التعويضية يتجلى
يف أن وكيل اجلمهورية الفرنسي يتدخل عند وجود تأخر يف تنفيذ منطوق احلكم
القضائي القاضي بالتعويض كعقوبة ،حيث يقوم هذا األخري مبحاولة إجياد حلول
للتسوية بني الضحية واحملكوم عليه باستدعائهما واستقباهلما جمتمعني هبدف رفع
- 242كشيدة عمر وادار عبد الغاين" ،بدائل عقوبة احلبس قصرية املدة" ،رسالة لنيل شهادة املاسرت يف القانون اخلاص ،جامعة عبد الرمحان
مرية-جباية ،كلية احلقوق والعلوم السياسية ،س.ج ،2017\2016ص .114
- 243املادة 5-6-47من املرسوم 1605الصادر بتاريخ 2008/1/12املتعلق ابلقاضي املنتدب لفائدة الضحااي مع إخطار النيابة العامة
مبا اختذه.
راجع:
كشيدة عمر وادار عبد الغاين " ،نفسه" ،ص .114
- 244أمحد نوسي" ،العقوبة التعويضية" ،م.س ،ص .134
العيين.
واألصل هو أن احملكوم عليه ينفذ ما صدر ضده يف احلكم القضائي ،ويف حال
وفيما يلي سيتم التفصيل يف حاالت تنفيذ العقوبة التعويضية ،مث ننتقل
يأخذ تنفيذ العقوبة التعويضية كما سبقت اإلشارة إىل ذلك ثالث صور ،هي
التعويض النقدي :يعد التعويض النقدي األسلوب األكثر شيوعًا جلرب، -
واألصل يف التعويض النقدي أن يكون يف مستوى الضرر ،وحتديد مقداره شأن قضائي
يف حدود طلب الضحية ،246وهناك من يذهب إىل أن استيفاء الضحية للعقوبة
التعويضية ال ينفي حقه يف املطالبة بالتعويض أمام احملاكم املدنية إذا ثبت أن
التعويض العيين :اهلدف من التعويض العيين هو القضاء على آثار اجلرمية -
وإصالح األضرار النامجة عنها ،وإعادة لألوضاع إىل ما كانت عليه قبل حدوثها،248
, Dalloz, 3ème éd, 2005, P 10 et s." Pénologie " - Bouloc Bernard 245
- 246ا لطيب مسايت" ،محاية حقوق ضحااي اجلرمية خالل الدعوى اجلزائية يف التشريع اجلزائري" ،م.س ،ص .273
- 247كشيدة عمر وادار عبد الغاين " ،بدائل عقوبة احلبس قصرية املدة" ،م.س ،ص .115
- 248احلسني زين اإلسم " ،إشكالية العقوبة السالبة للحرية قصرية املدة والبدائل املقرتحة" ،م.س ،ص .117
حرمانه من املغامن اليت حصل عليها أو حاول احلصول عليها من اجلرم املرتكب.249
إصالح الضرر الناتج عن اجلرمية :ميكن للقاضي أن يصدر حكمه بإصالح -
األضرار الناجتة عن اجلرمية املقترفة ،إذا اقتنع بأنه ال حاجة للحكم بالتعويض،
فمثال يف احلالة اليت يقوم فيها اجلاين بتخريب شيء يدخل يف ملكية الضحية وهذا
الشيء قابل لإلصالح ،فهنا ميكن للقاضي عوض أن حيكم بالتعويض حيكم بالزام
احملكوم عليه بإصالح ما مت ختريبه على نفقته ،وحسب ما هو منصوص عليه يف
للقيام بإصالح الضرر الناجم على اجلرمية على نفقة احملكوم عليه.250
نكون أمام حالة فشل يف تنفيذ العقوبة التعويضية ،باعتبارها بديلة للعقوبة
األصلية املتمثلة يف عقوبة احلبس قصري املدة يف حالة اإلخالل بااللتزامات احملكوم
هبا على مقترف اجلرمية ،واليت إما أن تكون تعويضا نقديا أو عينيا أو إصالحا ألضرار
يف هذه احلالة ومبوجب املادة 8-6-47من املرسوم رقم 1605الصادر يف
بطلب إىل القاضي املذكور ،الذي خيطر قاضي تطبيق العقوبة مبا حصل ويقرر هذا
- 249ا حلسني زين اإلسم" ،إشكالية العقوبة السالبة للحرية قصرية املدة والبدائل املقرتحة" ،م.س ،ص .118
- 250كشيدة عمر وادار عبد الغاين" ،نفسه" ،ص .116
األخري ما إذا كان هناك من داع لتطبيق العقوبة احلبسية أو الغرامة يف حق احملكوم
من جهتها فإن النيابة العامة تتحرك يف حال فشل تنفيذ العقوبة التعويضية،
وتقوم بإعالم قاضي تطبيق العقوبة حسب ما هو منصوص عليه يف املادة 6-712
من قانون اإلجراءات اجلنائية الفرنسي ،حيث يكون هلذا األخري الصالحية ليصدر
قرارا بإلغاء العقوبة البديلة التعويضية وتفعيل العقوبة األصلية الورادة يف احلكم
األول الذي إما أن يكون غرامة أو حبسا قصري املدة على أال تتجاوز الغرامة 1500
الفرنسي.252
الصيين الصادر سنة ،1979حيث نصت املادة 32من القانون املذكور على إمكانية
احلكم يف اجلرائم القليلة اخلطورة بعقوبة بديلة ومن مجلة العقوبات البديلة اليت
Décret n° 2007-1605 du 13 novembre 2007 instituant le juge délégué aux victimes. - 251
مشار إليه يف مرجع كشيدة عمر وادار عبد الغاين" ،نفسه" ،هامش ص .117
- 252كشيدة عمر وادار عبد الغاين" ،نفسه" ،ص .117
- 253أمين رمضان الزيين" ،العقوابت السالبة للحرية قصرية املدة وبدائلها" ،م.س ،ص .392
ب-التشريع النمساوي:
عاجل املشرع النمساوي هذا األسلوب العقايب بطريقة خمتلفة نسبيا ،ذلك أنه
254
على الزام القاضي بإصدار حكم خمفف نص يف املادة 34من القانون اجلنائي
على اجلاين الذي يقوم بإصالح أضرار اجلرمية اليت اقترفها وأعاد األوضاع إىل ما كانت
عليه قبل اقدامه على اقترافها .كما أجاز ذات املشرع يف املادة 410من قانون
255
بإعادة النظر يف احلكم اجلنائي املتضمن للعقوبة السالبة اإلجراءات اجلنائية
للحرية ،إذا قام اجلاين بإعادة األوضاع إىل ما كانت عليه قبل اقتراف جرميته.256
القانون اجلنائي األملاين بالتنصيص على منح القاضي االمكانية لتخفيف العقوبة
الصادرة يف حق اجلاين ،إىل درجة صرف النظر كلية عن توقيعها وذلك يف حالة
كانت العقوبة املقرر احلكم هبا ال تتجاوز سنة هذا من جهة ،ومن جهة ثانية إذا
بذل اجلاين جهد من أجل إصالح أضرار جرميته بشكل كامل أو شبه كامل أو أبدى
استعداده لذلك.257
القانون الفدرايل يف الثمانينيات على اكتفاء القاضي بإلزام اجلاين بالتعويض أو إصالح
أضرار اجلرمية خبصوص اجلرائم البسيطة بدال من توقيع العقوبة السالبة للحرية
مع شرط تربير أسباب إصدار هذه العقوبة البديلة ،وترتبط فكرة العقوبة
ظهرت بسبب السلبيات العديدة الناجتة عن تطبيق عقوبات سلب احلرية ،وبفكرة
ثانيا :التعويض اجلنائي كعقوبة بديلة يف إطار مشروع القانون اجلنائي املغريب
ورد النص يف مشروع القانون اجلنائي على التعويض اجلنائي باعتبارها عقوبة
بديلة يف الفرع الرابع ضمن الباب األول مكرر املتعلق بالعقوبات البديلة.
واملالحظ أن الفرع املذكور ليس خمصصا بالكامل للتعويض اجلنائي وإمنا هذا
األخري معنون ب تقييد بعض احلقوق أو فرض تدابري رقابية أو عالجية أو تأهيلية،
وجاء التنصيص على العقوبة التعويضية يف إطار البند اخلامس من الفصل 35-13
, P 32 ." Reparation and Restoration " Gitana Scifoni and Kathleen Daly, - 258
هذا املقال منشور على املوقع اإللكرتوين التايل ،www.researchgate.net :اتريخ نشر املقال يناير ،2012اتريخ االطالع على
املقال 10شتنرب .2020
وعليه فإن اجلرائم البسيطة اليت ال تتجاوز العقوبة احملكوم هبا من أجلها سنتني
واليت ميكن استبداهلا ببدائل عقابية ،يقوم التعويض أو إصالح الضرر أو األضرار
الناجتة عنها كبديل قائم الذات عن قضاء عقوبة سالبة للحرية خبصوصها.
وتكمن أمهية عقوبة إصالح الضرر أو التعويض يف كوهنا منط عقايب غري
مكلف وخيفف عن الدولة األعباء املالية الضخمة اليت تقع على عاتقها لتنفيذ
العقوبات السالبة للحرية ،حتفظ كرامة اجلاين واجملين عليه مبا يشبه اإلهناء
الرضائي للدعوى اجلزائية حتت اإلشراف القضائي عن طريق أداء تعويض عن األضرار
احلاصلة للمجين عليه فيتحقق إرضاء نفسي هلذا األخري عن طريق شعوره بإعادة
االعتبار له ،وجتنيب اجلاين الدخول إىل السجن مع ما يترتب عن ذلك من مساوئ
وآثار نفسية واجتماعية ،ونعتقد أن هذا النمط العقايب مبقارنته مع عنوان الفرع
"تقييد بعض احلقوق أو فرض تدابري رقابية أو عالجية أو تأهيلية" يتضح أنه ال
يندرج ضمنه ألنه ذو طابع تعويضي ،وكان من األفضل أن يعاد النظر يف العنوان
ويف اعتقادنا إدراج املشرع املغريب ألمناط عقابية بديلة أخرى بالفرع الرابع
حتت عنوان "تقييد بعض احلقوق أو فرض تدابري رقابية أو عالجية أو تأهيلية "،
يدفع إىل التساؤل عن ماذا يريد واضعي مشروع القانون اجلنائي من هذا التنصيص؟
هل يريدون توسيع وعاء العقوبات البديلة؟ فإذا كانت رغبتهم هي هذه فإن املكان
األنسب إلدراج هذه األمناط العقابية هو الفصل .35-2دافعنا إىل هذا التحليل ،هو
أن من بني هذه العقوبات البديلة التقييدية أو الرقابية أو العالجية ،من قبيل:
هي عقوبات بديلة متكاملة يف بعض التشريعات املقارنة ،لذلك كان من
األجدى أن يتم اإلعالن عن هذه األمناط يف الفصل املتعلق حبصر أمناط العقوبات
احملور الثاين :تقدير التعويض العقايب كنظام بديل للعقوبة احلبسية قصرية
املدة
من خالل هذا احملور سنربز مزايا وسلبيات هذه العقوبة كما يلي:
أول انتقاد يوجه إىل هذه العقوبة هو أهنا تتعارض مع أغراض العقوبة -
وفلسفتها ،فإذا كانت هذه األخرية ترمي إىل منع اجملرم من الوقوع يف حالة العود
اجلرمي عن طريق إصالحه وتأهيله ،فإن العقوبة التعويضية هدفها الرئيسي هو جرب
الضرر الالحق بالضحية وبالتايل فهي تقترب أكثر يف أغراضها من التعويض املدين،
هذا من جهة ،ومن جهة أخرى هل هذا التعويض هو كايف جلرب حق الضحية .259
هناك من ينتقد هذه العقوبة ألهنا تضرب يف املبدأ املعروف بشخصية -
العقوبة ،فانتزاع املبلغ احملكوم به من ذمة احملكوم عليه ينجم عنه نتائج سلبية
على القدرة املالية ألسرته وهو ما يفتح اجملال لوقوعهم يف خماطر عديدة.260
هناك انتقاد آخر يتمثل يف أن هذه العقوبة تكرس عدم املساواة أمام -
القانون ألهنا ال تضر األغنياء بنفس الطريقة اليت تصيب هبا الفقراء ،كما أن متابعة
تنفيذها قد ينجر عنه الزج يف السجن باحملكوم عليه هبذه العقوبة التعويضية يف
أول جانب إجيايب هلذا النمط العقايب أنه يساهم يف استتباب األمن يف -
اجملتمع ،فالتعويض احملكوم به يعد وسيلة مهمة لترضية الضحية فيدفعه إىل
تأثريها اإلجيايب على اقتصاد الدول ذلك أهنا عقوبة غري مكلفة وختفف -
األعباء املالية الضخمة اليت حتتاجها الدول يف العادة لتنفيذ العقوبات السالبة
للحرية.263
- 260أ محد عبد اللطيف الفقي" ،سلسلة حقوق ضحااي اجلرمية ،اجلاين واجملين عليه وحقوق ضحااي اجلرمية" ،ط ،1.دار الفجر للنشر والتوزيع،
السنة ،2003ص .88
- 261كشيدة عمر وادار عبد الغاين " ،بدائل عقوبة احلبس قصرية املدة" ،م.س ،ص .119
- 262أمحد عبد اللطيف الفقي" ،سلسلة حقوق ضحااي اجلرمية ،اجلاين واجملين عليه وحقوق ضحااي اجلرمية" ،م.س ،ص .89
- 263كشيدة عمر وادار عبد الغاين" ،بدائل عقوبة احلبس قصرية املدة" ،م.س ،ص .119
مسامهة هذه العقوبة يف احترام انسانية احملكوم عليه بابقائه يف -
جمتمعه وبني أفراد أسرته ،وبالتايل ال تلحقه الوصمة االجرامية مع ما يترتب عنها
حفظ احملكوم عليه من ولوج عامل السجن واالختالط باجملرمني القابعني -
فيه ،مع ما ينتج عن ذلك من آثار اجتماعية وخيمة من جهة ،ومن جهة أخرى
خامتة:
االنتقادات املوجهة إىل العقوبات السالبة للحرية قصرية املدة نتج عنها توجه
التشريعات املقارنة إىل التفكري يف بدائل عقابية يستعاض هبا عن عقوبات سلب
احلرية يف مواجهة اإلجرام البسيط ،وعلى مستوى التشريعات املقارنة هناك أمناط
متعددة من هذه البدائل ومنها التعويض اجلنائي الذي يتميز بكونه حياول إعادة
وقد ظهر لنا أن التنظيم القانوين يف إطار مشروع القانون اجلنائي لعقوبة
التعويض اجلنائي هو تنظيم حمتشم ال يتعدى بندا واحدا ،على خالف بعض
التشريعات املقارنة اليت أتت هلذا النمط بتنظيم قانوين حمكم موضوعيا وإجرائيا.
الئحة املراجع:
-1كتب
فاحل حممد فاحل" ،أحكام الدية يف الشريعة اإلسالمية" ،املركز العريب
أمحد عبد اللطيف الفقي" ،سلسلة حقوق ضحايا اجلرمية ،اجلاين واجملين
عليه وحقوق ضحايا اجلرمية" ،ط ،1.دار الفجر للنشر والتوزيع ،السنة 2003؛
أمين رمضان الزيين" ،العقوبات السالبة للحرية قصرية املدة وبدائلها" ،ط،2.
الطيب مسايت" ،محاية حقوق ضحايا اجلرمية خالل الدعوى اجلزائية يف
السنة 2008؛
مجال جماطي" ،بدائل العقوبات السالبة للحرية قصرية املدة يف ضوء
التشريع املغريب واملقارن دراسة حتليلية وعلمية" ،ط ،1 .مكتبة الرشاد سطات
حممد مصباح القاضي" ،العقوبات البديلة يف الفقه اإلسالمي" ،ب.ط ،دار
حممود حممد مصطفى" ،حقوق اجملين عليه يف القانون املقارن" ،ط،1.
بشرى رضا راضي سعد" ،بدائل العقوبات السالبة للحرية وأثرها يف احلد
من اخلطورة اإلجرامية" ،ط ،1.دار النشر وائل عمان األردن ،السنة .2013
كشيدة عمر وادار عبد الغاين" ،بدائل عقوبة احلبس قصرية املدة" ،رسالة
لنيل شهادة املاستر يف القانون اخلاص ،جامعة عبد الرمحان مرية-جباية ،كلية
احلسني زين اإلسم" ،إشكالية العقوبة السالبة للحرية قصرية املدة
والبدائل املقترحة" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف القانون اخلاص
مجال احلفيان" ،كفالة حقوق اجملين عليه يف الدعوى اجلنائية" ،رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف القانون اخلاص ،كلية العلوم القانونية
1997/1996؛
زياين عبد اهلل " ،العقوبات البديلة يف القانون اجلزائري دراسة مقارنة
" ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه يف القانون العام ،جامعة وهران ،2-كلية
فاتن الوزاين الشاهدي" ،بدائل العقوبات السالبة للحرية القصرية املدة"،
مقاالت-3
؛2008 السنة
،" "جدوى إجياد بدائل للعقوبات احلبسية قصرية املدى،حمي الدين أمزازي
Gitana Scifoni and Kathleen Daly, " Reparation and Restoration".
تاريخ نشر املقال www.researchgate.netهذا املقال منشور على املوقع اإللكتروين التايل:
ينبغي أن تكون خالية من كل الشوائب اليت متس مبصداقيتها ،غري أنه مهما بلغ
احلرص على إجراء انتخابات نزيهة وتطبيق النصوص التشريعية املنظمة هلا ،فإن
العملية االنتخ ابية البد وأن تتخللها العديد من اخلروقات وهو ما أبانت عنه العديد
من التجارب.
لذلك حرص املشرع على إجياد محاية جنائية للعملية االنتخابية الربملانية يف
مراحلها املختلفة كافة ،بدءًا من مرحلة إعداد للوائح الناخبني ،ومرورا مبرحلة
االقتراع ،وانتهاء مبرحلة الفرز ،وإعالن النتائج .ويف هذا اجملال ،جرم وعاقب عددًا
كبريًا من األفعال اليت يترتب على وقوعها اإلخالل بالعملية االنتخابية ،اليت تندرج
P 147 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
حتت جرائم االقتراع ،أو جرائم الدعاية االنتخابية أو اجلرائم املاسة بزناهة العملية
االنتخابية وحيادها.
وتتمحور هذه الدراسة حول تسليط الضوء على مجيع املمارسات غري املشروعة
املاسة بالعملية االنتخابية ،خاصة أمام تنوع أساليب ارتكاب هذه اجلرائم
العامة وعمليات االستفتاء واستعمال وسائل االتصال السمعي البصري العمومية خالل
حيث التصدي ملاهية اجلرائم االنتخابية ،وخصائصها ،وطبيعتها ،وسرب أغوار مجيع
اجلرائم املاسة بزناهة وحياد االنتخابات الربملانية ،وعملية االقتراع ،باإلضافة إىل
اجلرائم املتعلقة بالدعاية االنتخابية يف سبيل كشف مدى كفاية هذا القانون
مقدمة:
واحلريات السياسية بصفة عامة ،والتمتع حبقي االنتخاب والترشح من بينها بصفة
خاصة ،فقد وجد املشرع نفسه ملزما ،حبصر وحتديد طائفيت اجلرائم والعقوبات
االنتخابية على اختالف أنواعها ،إعالءا ملبدأ املشروعية وسيادة القانون ،وتقريرا
و للوصول إىل حتقيق هدف احلماية اجلنائية الكاملة ملمارسة حقي االنتخاب
والترشيح ،بات من املتعني على املشرع أن يبذل عنايته الفائقة ملنع كافة مظاهر
اإلخالل حبسن سري وانتظام العملية االنتخابية أو التحايل وإدخال الغش عليها ،وذلك
من خالل قيامه بتقنني كامل للجرائم االنتخابية ،مدعمة بترسانة قوية من
العقوبات اجلنائية املقترنة هبا ،وهو ما يعين بالتحديد ،إقامة نظام قانوين خاص
استثنائية واردة على قواعد املسئولية اجلنائية العادية املقررة يف إطار القانون اجلنائي
العام.
تشريعي يعلن ميالد الضبط القانوين للجرائم االنتخابية وبعد ذلك كرس القانون
اجلنائي املغريب إثر صدوره سنة 1962هذا التجرمي مبقتضى الفصل 219السالف
الذكر ،والذي كان حييل على ظهري فاتح شتنرب 1959وبعد ذلك سيتم تغيري هذا
االنتخابية.
وقد أوىل املشرع اهتماما بالغا لتنظيم العملية االنتخابية ،وذلك بسن القوانني
الرامية لذلك ،وفرض الرقابة على القائمني على العملية ،ولكن ورغم هذا إال أن
واجلرمية االنتخابية هبذا التوصيف مل يعرفها املشرع املغريب بشكل دقيق رغم
إدراجه هلا ضمن اجلرائم املتعلقة مبمارسة احلقوق الوطنية حسب املادة 219من
القانون اجلنائي ،فهي حسب الدكتور عبد اهلل الكندري " كل عمل أو امتناع يترتب
عليه اعتداء على العملية االنتخابية ويقرر القانون على ارتكاهبا عقابا " ،بينما عرفها
األس تاذ يوسف الوهايب" :بأهنا كل فعل اجيايب أو سليب يعاقب عليه القانون ويرمي
إىل االعتداء على حق سياسي من خالل استهداف املس حبرية أو شرعية أو سالمة أو
ولقد ارتأينا لتناول موضوع اجلرائم االنتخابية ،أن تتم معاجلته من خالل البحث
باألعمال التمهيدية ،مث نتطرق يف نقطة ثانية إىل رصد وحتليل اجلرائم االنتخابية
إن التحضري للعمليات االنتخابية يتكون من مرحلتني أساسيتني ،أوىل هذه املراحل
تتمثل يف عمليات التسجيل يف اللوائح االنتخابية ،ومرحلة الحقة هلا تتمثل يف
تسمح بالتحقق مما إذا كان الناخب تتوفر فيه الشروط املطلوبة الكتساب حق
266يوسف وهابي" :الجرائم االنتخابية في التشريع الجنائي المغربي" ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،2007 ،ص.6:
التصويت ،ولضمان سالمة التقييد يف اللوائح االنتخابية العامة ،حدد القانون رقم
املرتكبة مبناسبة التقييد يف اللوائح االنتخابية والعقوبات املقررة هلا ،وذلك ضمن
مقتضيات املادتني 86و 87منه ،إذ جرم احلصول على قيد بصفة غري قانونية
كانتحال الناخب السم غري امسه أو صفة غري صفته ،أو إخفاء أي مانع قانوين حيول
بينه وبني أن يكون ناخبا ،أو التقييد يف الئحتني أو أكثر من اللوائح االنتخابية ،أو
وإذا كان القانون التنظيمي رقم 27.11املغري واملتمم بالقانون التنظيمي رقم
04.21املتعلق مبجلس النواب ،269مل حيدد األفعال اجملرمة مبناسبة التقييد يف
اللوائح االنتخابية خبالف القانون رقم ،57.11فإن املقتضيات الزجرية الواردة يف
هذا األخري تبقى هي املطبقة على اجلرائم املرتكبة مبناسبة التقييد يف اللوائح
267المغير والمتمم بالقانون رقم 10.21الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.28بتاريخ 9شعبان 23( 1442مارس ،)2021
الجريدة الرسمية عدد 6975بتاريخ 22شعبان 5( 1442أبريل ،)2021ص 2182وبالقانون رقم 02.16الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.16.100بتاريخ 29رمضان 5( 1437يوليو )2016؛ الجريدة الرسمية عدد 6480بتاريخ 2شوال 7( 1437يوليو
،)2016ص .5186
268القضاء الزجري والجرائم ذات الصلة بانتخابات أعضاء مجلس النواب -دليل تطبيقي -مركز الدراسات واألبحاث الجنائية بمديرية الشؤون
الجنائية والعفو -وزارة العدل -بمناسبة االنتخابات التشريعية لسنة ،2011ص.6 :
269تجدر اإلشارة إلى أن كل من القانون التنظيمي رقم 27.11المتعلق بمجلس النواب والقانون التنظيمي رقم 28.11المتعلق بمجلس
المستشارين تطرقا إلى العقوبات المقررة للجرائم االنتخابية من خالل نفس الباب وهو الباب السادس :تحديد المخالفات المرتكبة بمناسبة
االنتخابات والعقوبات المقررة لها ،وذلك من المادة 38إلى المادة . 69حيث اعتمدا نفس الصيغة ونفس الترتيب ونفس العقوبات .ذلك أن
ما ينطبق على الجرائم المتعلقة بانتخابات مجلس النواب ينطبق تماما على الجرائم المتعلقة بانتخابات مجلس المستشارين.
ويهدف املشرع من ذلك ،أن يتم القيد يف اجلداول االنتخابية دون غش ،وعلى
حنو ال يسمح لكل مواطن إال بالقيد يف مكان واحد وبالتايل ال يصوت إال مرة واحدة.
من:
أخفى حني طلب قيده أن به مانعا قانونيا حيول بينه وبني أن يكون
ناخبا.
-1انتحال االسم :خالفا للتشريع الفرنسي الذي اختار استعمال عبارة "التقييد
املغريب عبارة "القيد باسم غري امسه" ،فطالب التقييد ميكن أن يستعمل امسا غري امسه
ولكنه اسم حقيقي وذلك يف احلالة اليت يطلب فيها قيد شخص غريه يف الئحة
انتخابية ،لذلك تبدو العبارة اليت استخدمها املشرع الفرنسي أنسب وأسلم ،و تنطبق
على مجيع احلاالت ،سواء تعلق األمر بطلب التقييد الشخصي أو بطلب تقييد الغري،
فإذا كانت القاعدة (املادة 4من القانون " )57.11جيب أن يقدم أصحاب الشأن طلبات
قيدهم شخصيا'' ،إال أن املشرع وخروجا عن هذه القاعدة العامة اعترب أنه "جيوز لكل
ناخب مقيد أن يطلب قيد شخص غري مقيد يف الالئحة االنتخابية جلماعة اإلقامة...
-2انتحال الصفة :انتحال الصفة يكون بادعاء االنتساب إىل مهنة ،أو محل صفة
دون التوفر على الشروط القانونية الكتساب الصفة أو االنتماء إىل مهنة معينة
وجرمية التقييد االنتحايل يف الئحة انتخابية ،هي من اجلرائم العمدية اليت جيب أن
الشروع يف ارتكاهبا ،بل البد أن تتحقق النتيجة اإلجرامية ،املتمثلة يف حصول التقييد
فاإلخفاء يتضمن امتناع طالب التقييد عن التصريح مبوانع قانونية ،يعلم أن
التصريح هبا يترتب عنه عدم قبول تقييده يف اللوائح االنتخابية وتستدعي جرمية
األهلية االنتخابية.
-4القيد املتعدد:
على خالف بعض التشريعات العربية اليت مل تعاقب فعل القيد يف أكثر من
وتعد جرمية القيد املتكرر يف قانون االنتخابات الفرنسي جرمية عمدية يلزم
لقيامها تو افر القصد اجلنائي ،إذ تقتضي هذه اجلرمية نية الغش لدى فاعلها ،أي أنه
يعلم أنه مقيد يف أحد اجلداول ،ومع ذلك يطلب القيد للمرة الثانية يف جدول
انتخايب آخر .وبالتايل فإنه ال تقوم هذه اجلرمية قبل معرفة الشخص أنه مت قيده
ونظم املشرع اجلزائري األحكام اجلزائية املرتبطة بعملية القيد والتسجيل يف
لسنة ،2021حتت عنوان اجلرائم االنتخابية ،فلم يفرق يف معاجلته ملخالفات القيد
يف اجلداول ،بني القيد الوحيد والقيد املتكرر بل فضل العقاب على اجلرائم املتعلقة
-271رغم أن المشرع المصري نص على منع قيد الناخب في أكثر من جدول انتخاب واحد فإنه لم يقرر أية عقوبة على ارتكاب تلك المخالفة،
انظر في ذلك مصطفى عفيفي ،نظامنا االنتخابي في الميزان ،مكتبة سعيد رأفت ،جامعة عين شمس ،1984ص 60وما يليها.
-272حظر المشرع الكويتي قيد الناخب في أكثر من جدول انتخاب واحد ولكنه لم ينص على أية عقوبة في حالة خرق هذا الحظر ،انظر فيصل
عبد هللا الكندري" ،أحكام الجرائم االنتخابية" :دراسة في ضوء أحكام العقاب الواردة في القانون رقم 35لسنة 1962وتعديالته بشأن انتخاب
أعضاء مجلس األمة الكويتي وفي القانونين المصري والفرنسي ،مجلس النشر العلمي – جامعة الكويت – الطبعة األولى ،2000 ،ص 89وما
يليها.
-273نص المشرع الفرنسي على جريمة القيد المتعدد في اللوائح االنتخابية في المادة 86من مدونة االنتخابات الفرنسية التي جاء فيها:
Art.L.86 « toute personne qui…aura réclamé et obtenue une inscription sur deux ou plusieurs listes،
sera punie d’un emprisonnement d’un an et d’une amende de 15.000 Euros ».
وقد نص املشرع املغريب على عدة احتياطات إدارية تباشرها اللجنة اإلدارية
املكلفة بتلقي طلبات القيد ومراجعة وضبط اللوائح االنتخابية لتفادي عملية القيد
املتعدد لناخب معني يف أكثر من الئحة انتخابية واحدة ،فإذا كان أحد الناخبني
مسجال يف الالئحة االنتخابية للجماعة التابع هلا حمل إقامته وأيضا يف الئحة اجلماعة
اليت ولد فيها ،فإن التقييد الذي يعترب صحيحا ويتم اإلبقاء عليه هو الذي مت يف آخر
الئحة انتخابية قيد فيها يف حني يشطب على امسه من اللوائح األخرى بقرار من
اللجان اإلدارية املختصة ما مل يصرح هو نفسه برغبته يف إبقاء امسه مسجال يف إحداها
ويف هذه احلالة جيب أن يقدم طلبا بشطب امسه من باقي اللوائح األخرى.
وإذا تعلق األمر بطلب يهدف إىل نقل قيد من اللوائح االنتخابية جلماعة إىل
لوائح مجاعة أخرى أو من دائرة انتخابية إىل دائرة أخرى بنفس اجلماعة ،فإن الطلب
جيب أن يشفع مبا يثبت أن املعين باألمر ،طلب شطب امسه من اللوائح االنتخابية
املقيد فيها.
املعاجلة املعلوماتية لضبط اللوائح االنتخابية ،274من فرص للوقوف على حاالت
تكرار القيد أو التقييد املتعدد لشخص واحد يف عدة لوائح انتخابية ،من خالل
عمليات الرصد الدقيق اليت يقوم هبا احلاسوب ،فيمكن القول أن جرمية القيد املتعدد
مع ضرورة التنبيه إىل أن هذه اجلرمية هي من اجلرائم العمدية اليت تستلزم
-2القصد اجلنائي املتمثل يف علم الفاعل بأنه ما زال مقيدا يف الئحة أو
لذلك جيب التمييز بني القيد املتعدد عن طريق اخلطأ ،والقيد املتعدد الذي
يرتكب عمدا ،وهكذا ينتفي القصد اجلنائي يف حالة الناخب الذي يتقدم بطلب
قيده يف الئحة انتخابية ،مشفوعا بطلب شطب امسه من الئحة أخرى ،فيبقى امسه
مقيدا يف هذه الالئحة وال يشطب عليه بسبب خطأ وقعت فيه اإلدارة ،نتج عنه
وجوده يف حالة تقييد مزدوج عن طريق اخلطأ ،كما أنه ال قيام جلرمية القيد املتعدد
يف حالة الشخص الذي يقدم طلبا لقيده يف الئحة انتخابية رغم أنه مقيد يف الئحة
يعاقب طبقا للمادة 87من القانون رقم 57.11املتعلق باللوائح االنتخابية العامة
انتخابية.
انتخابية.
-قام بواسطة تصرحيات مدلسة أو شهادات مزورة بقيد مواطن أو حماولة قيده
ويعترب جمال ارتكاب هذه اجلرمية واسعا بالنظر إىل الوسائل اليت ميكن
استعماهلا ،سواء تعلق األمر بالشهادات املزورة اليت ميكن اإلدالء هبا أثناء طلب
التقييد ،واليت تشمل مجيع الوثائق الرمسية أو اإلدارية ،أو تعلق األمر بالتصرحيات
املدلسة اليت قد يرتكبها طالب التقييد نفسه ،من خالل إخفاء معلومات حتول بينه
وبني التقييد.
وتتحقق هذه اجلرمية سواء استعملت الوسائل أعاله بغرض تقييد شخصي يف
من جهة أخرى وفيما خيص الشطب غري املشروع من الئحة انتخابية ،فقد حددت
القوانني األشخاص الذين جيوز هلم تقدمي طلبات الشطب من اللوائح االنتخابية كما
أهنا حددت موجباته القانونية ،وهكذا ميكن للناخب نفسه أن يتقدم بطلب رامي
إىل شطب امسه من الئحة انتخابية معينة بسبب انتقاله إىل دائرة انتخابية اخرى،
كما ميكن لكل شخص مقيد يف اللوائح االنتخابية أن يطلب شطب اسم شخص
يرى أنه مقيد بصفة غري قانونية وخيول نفس احلق للعامل أو اخلليفة األول للعامل
ويف هذه احلالة جيب إرفاق طلبات الشطب بالبيانات واإلثبات الضرورية ،كما
ان اللجنة اإلدارية املختصة ،تقوم خالل مراجعتها للوائح االنتخابية بالشطب التلقائي
على األشخاص الذين فقدوا األهلية واألشخاص الدين انتفت عالقتهم باجلماعة او
املقاطعة بفعل تغيري حمل إقامتهم الفعلية إىل مجاعة أو مقاطعة أخرى ،وكذا
وجرمية الشطب غري املشروع من الئحة انتخابية ،تنصرف يف تطبيقها إىل أعضاء
اللجنة اإلدارية ،الذين منحهم املشرع صالحيات البت يف طلبات الشطب اليت يتقدم
هبا من يع نيهم األمر من الناخبني أو ممثلي السلطة احمللية احملددين قانونا ،أما
الناخب الذي يتقدم بطلب الشطب دون موجب قانوين ،فال يتصور يف حقه إال فعل
املشاركة ،لعدم إمكانية قيامه بالفعل األصلي أي الشطب ألن ذلك خمول جلهة
التالية:
فيه.
أنظر الباب الثالث" :مراجعة اللوائح االنتخابية العامة" من القانون .57.11 275
وهكذا ميكن تصور حتقق جرمية الشطب غري املشروع من الئحة انتخابية ،يف
حق من يعتمد يف قيامه بالشطب على شهادة وفاة مزورة أو على شهادة مهنية مزورة
تتضمن ما يفيد انتماء املشطب عليه إىل أسالك القوات امللكية املسلحة ،أو على
شهادة مزورة تفيد عدم الطعن يف قرار قضائي رغم أنه مل حيز بعد حجية لشيء
املقضي به.277
يف حني أن املشرع اجلزائري يعاقب مرتكب هذه املخالفة يف املادة 279من
احلقوق املدنية من سنتني إىل 5سنوات ،كما يعاقب على حماولة كل تسجيل أو
حماولة تسجيل أو شطب اسم شخص من القائمة االنتخابية بدون وجه حق وباستعمال
حدد املشرع أحكاما عامة ومشتركة لتنظيم مرحلة الترشيح ،كما أفرد
أحكاما خاصة لشروط أهلية الترشيح وموانعه ،وكيفية إيداع وتسجيل الترشيح
ضمن مقتضيات املواد 21إىل 30من القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس
النواب.
غري أن املشرع مل حيدد األفعال اجملرمة والعقوبات املقررة هلا خالل مرحلة
الترشيح بالنسبة النتخابات أعضاء جملس النواب ،مما تبقى معه املتابعات املمكن
تصورها يف هذه املرحلة مرتبطة بوقوع جرائم احلق العام املنصوص عليها وعلى
تعد احلملة االنتخابية ضرورة تفرضها طبيعة مباشرة احلقوق السياسية عن
طريق االستفتاء أو االنتخاب ،إذ يستعني املرشح بوسائل دعاية خاصة ،تسمح له بنشر
ولتكون احلملة االنتخابية مبنية على التنافس الشريف وتكافؤ الفرص ،حدد
طائلة جزاءات يف حالة خمالفتها ،إذ مت التنصيص ضمن املواد من 31إىل 37من هدا
تطبيق أحكام التشريع اجلاري به العمل يف شأن الصحافة والنشر على الدعاية
279
والتقيد أثناء تعليق اإلعالنات االنتخابية باألماكن احملددة من لدن االنتخابية،
ميكن أن تعرفها احلياة السياسية ،وتستمد أمهيتها من كوهنا فترة حامسة ،غالبا ما
تتشكل خالهلا اختيارات الناخبني وترتسم توجهاهتم على مستوى التصويت ،لذلك
حيرص فيها املرشحون على حشد كل إمكانياهتم املادية واملعنوية ،رغم أن هناك
العديد من التشريعات اليت أصبحت متيل إىل جعلها أقل كلفة من خالل حتديد سقف
أعلى للنفقات االنتخابية ،يف إطار السعي حنو ختليق احلياة العامة ،281إال أن ذلك مل
من األصوات.
وإذا كانت احلملة االنتخابية فترة زمنية حيتدم خالهلا التنافس بني املرشحني
على أصوات الناخبني ،فإن الفقه االنتخايب يعترب أن احلمالت االنتخابية ،كي تؤدي
دورها على أكمل وجه ،جيب أن حتكمها ثالثة مبادئ أساسية هي:
281
- Michel GUENAIRE، DAVID BIZIOU et BRUNO GUENTIN، le cadre Juridique des campagnes
électorales،deuxième édition، le Moniteur Edition, 2000، P : 9.
-282راجع محمد شقير ،خصائص الحمالت االنتخابية بالمغرب ،المجلة المغربية لعلم االجتماع السياسي ،مارس يونيو ،1993ص 57وما
يليها.
283
-Jean Claude Masclet : Droit électoral, PUF, Paris, 1ère édition 1989، p : 215.
ولعل خرق هذه املبادئ يشكل مادة أساسية جلرائم احلملة االنتخابية اليت
نتناوهلا يف هاته الفقرة ،من خالل معاجلة أبرز جتلياهتا يف االجتماعات والدعاية
االنتخابية.
( 15نوفمرب )1958بشأن التجمعات العمومية ،285ذلك أن املشرع املغريب ال مييز بني
االجتماع االنتخايب واالجتماع العمومي ،وجيعل هلما تعريفا واحدا ،ورد يف الفصل األول
منه ،كما أنه مل يربط مفهوم االجتماع االنتخايب بفترة احلملة االنتخابية ،ونفس
املقتضى تقرره مدونة االنتخابات الفرنسية ،اليت جعلت االجتماعات االنتخابية ختضع
لنفس املقتضيات اليت ختضع هلا االجتماعات العمومية ،286وهذا ما كرسه القضاء
الفرنسي الذي اعترب أن االجتماعات االنتخابية ميكن أن تعقد قبل االفتتاح الرمسي
حلملة االنتخابية وطيلة زمن احلملة إىل غاية الليلة السابقة لالقتراع 287وذلك خالفا
لبعض التشريعات األخرى كالتشريع الكوييت ،الذي مييز بني االجتماعات العامة
-285وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 31من القانون التنظيمي رقم 27.11المتعلق بمجلس النواب.
286
- l’article 47 du code électoral français dispose que : « les conditions dans lesquelles peuvent être
tenues les réunions électorales sont fixées par la loi du 30 juin 1881 sur la liberté de réunion et par
la loi du 28 mars 1907 relatives aux réunions publiques ».
287
- C.C.8 Juin 1967، AN haute savoiue 3ème rec 109 et C.C 24 sept 1981، AN corré 3è، Rec 151،cités
par Joëlle ADDA، op. cit p :50.
-288انظر فيصل عبد هللا الكندري ،م س ،ص .120
املتعلقني مبجلس النواب وجملس املستشارين وإمنا اكتفى باإلحالة على التشريع
اجلاري به العمل يف شأن التجمعات العمومية .وبالرجوع إىل مقتضيات القانون رقم
بتصريح بذلك ،يسلم إىل السلطة اإلدارية التابع هلا مكان االجتماع.
ولكن كيف ميكن التمييز بني االجتماع االنتخايب العام الذي خيضع لواجب
التصريح املسبق واالجتماع االنتخايب اخلاص الذي ال خيضع ألي تصريح إداري مسبق؟
عادة ما يتم الركون إىل طبيعة املكان الذي يعقد فيه االجتماع ،فإذا كان املكان
عموميا قيل أن االجتماع يكتسي طابعا عموميا ،وإذا كان املكان خاصا قيل إن االجتماع
هو اجتماع خاص .ولكن هذا املعيار ليس حامسا ،لذلك يعترب بعض الفقه ،أن ما يعطي
لالجتماع طبيعة خاصة هو الطابع الشخصي واالمسي للمدعوين له ،أي حينما تكون
املشاركة يف االجتماع متوقفة على اإلدالء ببطاقة دعوة ،289وعلى العكس من ذلك
فإن االجتماع العمومي ميكن أن يشارك فيه أي شخص دون حاجة إىل اإلدالء ببطاقة
دعوة أو ببطاقة اخنراط ،كما ميكن أن يعقد االجتماع االنتخايب العمومي يف مكان
289
Renaud BERTHON، le régime des cortèges et des manifestations en France،thèse، Paris، 1938،
p : 157.
290
- Gilles LEBERTON، Libertés publiques et droits de l’homme، Arnaud Collin،édition 1995، p : 422.
ويشكل عقد اجتماع انتخايب عمومي دون تصريح مسبق جرمية يعاقب عليها
بغرامة يتراوح قدرها بني 2000و 5000درهم ويف حالة العود يعاقب املخالف
حببس ملدة تتراوح بني شهر واحد وشهرين وبغرامة تتراوح بني 2000و10000
عمومي متضمنا بيان اليوم والساعة واملكان الذي ينعقد فيه وموضوعه ،وجيب أن
يكون موقعا عليه من طرف ثالثة أشخاص يقطنون يف العمالة أو اإلقليم الذي ينعقد
فيه ،مع بيان أمسائهم وصفاهتم وعناوينهم ،مع نسخ مصادق عليها من بطائق تعريفهم
الوطنية.
وإذا كان التصريح كامال ومستوفيا للمعطيات أعاله تسلم عنه السلطة اإلدارية
احمللية وصال خمتوما يثبت تارخيه وساعة تقدميه ،ويف حالة عدم احلصول على الوصل
املذكور يرسل التصريح إىل السلطة املذكورة برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل.
العمومي ،فيما يتعلق بالوقت الذي سيعقد فيه واملوضوع الذي سيتناوله (سياسي،
اقتصادي ،نقايب ،حزيب )...والشكل الذي سيتخذه (ندوة ،حماضرة ،مائدة مستديرة،
وباملقابل فإن التصريح الناقص جيعل االجتماع االنتخايب العمومي غري نظامي،
ويلقي ظالال من الشك حول مقاصد منظميه الذين ال يتعاملون بشفافية ووضوح،
إىل السلطات اإلدارية ال تشمل مجيع البيانات املتطلبة قانونا ،يشكل جرمية معاقب
ال شك أن الوقت عنصر حاسم بالنسبة للسلطات اإلدارية ،ألنه ميكنها من
تقدير مدى مالءمة منع أو عدم منع اجتماع انتخايب معني ،ونظرا ألمهية عنصر
الوقت ،أوجب القانون ليس فقط بيان اليوم ،ولكن أيضا الساعة اليت يبدأ فيها
االجتماع االنتخايب والساعة اليت ينتهي فيها ،وميكن اإلشارة هنا إىل جرميتني هلما
حيث يوجب ظهري التجمعات العمومية ،أال ينعقد أي اجتماع انتخايب عمومي
قبل أربع وعشرين ساعة من تاريخ تسلم وصل إيداع التصريح ،ويف حالة عدم تسلم
الوصل جيب أال يعقد االجتماع االنتخايب قبل 48ساعة من تاريخ توجيه الرسالة
املضمونة املتضمنة للتصريح إىل السلطة اإلدارية احمللية ،ويشكل عدم احترام هذه
اآلجال وعقد االجتماع االنتخايب العمومي قبل انصرامها جرمية معاقب عليها مبقتضى
الفصل 9من القانون رقم ،76.00والغرض من التنصيص على هذه اجلرمية هو منح
بعض الوقت للسلطات اإلدارية حىت تتمكن من اختاذ االحتياطات األمنية الالزمة
كما انه عادة ما حيدد التصريح السابق لالجتماع االنتخايب العمومي ،الساعة اليت
ينتهي فيها ،وإذا مل حيدد التصريح هذه الساعة ،فإن االجتماع االنتخايب العمومي ال
ميكن أن ميتد إىل ما بعد الساعة الثانية عشر ليال ،وإذا جتاوز ذلك ومل حيترم
الوقت احملدد يف التصريح أو الوقت القانوين (منتصف الليل) ،فإنه يعترب اجتماعا
انتخابيا غري نظامي ويشكل جرمية معاقب عليها طبقا للفصل 9من نفس القانون.
للمكان الذي سيعقد فيه ،حيث ان منظمي هذا االجتماع ال جيوز هلم أن يعقدوه يف
أي مكان أخر ،لذلك منع املشرع عقد االجتماعات يف الطرق العمومية ،دون أن حيدد
مفهوم الطريق العمومية ،وهو تعريف ال ينبغي أن يستمد يف مجيع األحوال من
مقتضيات الفصل 516من القانون اجلنائي الذي يعطي للطريق العمومية تعريفا
احلريات العامة.
عمومي مكتب مسري ،وهكذا نص الفصل اخلامس على أنه ":جيب أن يكون لكل
اجتماع مكتب يتكون من رئيس ومستشارين على األقل من بني املوقعني على
وعدم وجود مكتب مسري لالجتماعي االنتخايب العمومي ،جيعله اجتماعا غري
نظامي ،ما دام أن طبيعة االجتماع العمومي تقتضي أن يكون مدبرا ومنظما ،ولن
يتأتى ذلك إال بوجود مكتب يسهر على ذلك ،ويف حالة غياب هذا املكتب فإن
عقد االجتماع االنتخايب العمومي يشكل جرمية معاقبا عليها مبقتضى الفصل التاسع
- 6جرمية عدم التدخل ملنع اخلروج عن موضوع االجتماع االنتخايب العمومي أو
الواجبات اليت تدخل يف إطار مسؤوليات الشرطة اإلدارية ،وعلى رأسها احملافظة على
النظام واحليلولة دون خمالفة القوانني ،ونص الفصل السادس من القانون رقم
76.00باإلضافة إىل ذلك ،أنه ":يعهد إىل املكتب...منع كل خطاب يتناىف مع
النظام العام أو اآلداب العامة أو يتضمن حتريضا على ارتكاب جرمية ،وال يسمح
ويشكل عدم تدخل املكتب ملنع اخلطاب املنايف للقانون أو اخلطاب اخلارج عن
موضوع االجتماع جرمية معاقب عليها مبقتضى الفصل التاسع من القانون رقم ،76.00
وتتحقق هذه اجلرمية بتراخي املكتب أو مساحه خبطاب مناف للقانون أو خارج عن
موضوع االجتماع دون تنبيه املتدخل إىل ذلك ودون اختاذ اإلجراءات الالزمة لثنيه
يشكل محل السالح يف اجتماع انتخايب عمومي سلوكا جمرما ومعاقبا عليه ،إذ
مينع على كل شخص حامل ألسلحة ظاهرة أو خفية أو أي أدوات خطرية على األمن
العمومي أن يدخل إىل املكان املنعقد فيه االجتماع ،292ويندرج يف مفهوم السالح،
مجيع األسلحة النارية واملتفجرات ومجيع األجهزة واألدوات أو األشياء الواخزة أو
ضمان الطابع السلمي هلذه االجتماعات وقطع الطريق أمام أصحاب النيات اإلجرامية
وبراجمهم ،عرب كافة وسائل االتصال واإلعالم املتاحة قانونا ،وحترص التشريعات على
خالهلا ،وترتبط ممارسة الدعاية االنتخابية ارتباطا وثيقا حبرية الرأي والتعبري
وختضعان بصفة عامة لنفس األحكام والقيود ،وهذا ما تفيده الفقرة الثالثة من املادة
31من القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب اليت تنص على
''...تطبق على الدعاية االنتخابية أحكام التشريع اجلاري به العمل يف شأن الصحافة
294
والنشر'' ،و هو القانون رقم 77.00بشأن قانون الصحافة والنشر.
وسنتناول فيما يلي اجلرائم املرتبطة بالدعاية االنتخابية املنصوص عليها يف
املتعلق باملراقبة املالية للدولة على املنشآت العامة وهيئات أخرى ،يف احلملة
االنتخابية.
وحرص على ضبط طرق التمويل العمومي للحملة االنتخابية وتدبري اإلنفاق
االنتخايب ،296لذلك منع املشرع القيام بتسخري الوسائل واألدوات اململوكة للدولة
وهو نفس املنحى الذي سار عليه املشرع اجلزائري حيث تعاقب املادة 289من
بينهما:
إىل 50.000درهم كل مرشح قام بتضمني إعالنات غري رمسية يكون هلا غرض أو
غري رمسية يكون هلا غرض أو طابع انتخايب يف ورق يتضمن لونا أمحرا أو أخضرا أو
اجلمع بينهما .وختصيص اللونني احلمر واألخضر باملنع من االستعمال االنتخايب من
طرف املرشحني يعزى إىل كوهنما لوين علم اململكة املغربية طبقا ملا ينص عليه
الدستور.
-296لمزيد من التفاصيل انظر ،عبد هللا حارسي" ،تنظيم وتمويل ومراقبة الحملة االنتخابية التشريعية" ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية،
سلسلة مواضيع الساعة ،العدد 38لسنة 149 ،2002وما يليها.
Michel GUENAIRE، David BIZIOU et Bruno QUENTIN، op. cit، p : 11 et suivant.
-297مع اإلشارة إلى أن المشرع استثنى من ذلك أماكن التجمعات التي تضعها الدولة والجماعات المحلية رهم إشارة المرشحين واألحزاب
السياسية على قدم المساواة (المادة 54من مدونة االنتخابات والمادة 33من القانون التنظيمي لمجلس النواب).
واحلالة هذه ليست فريدة أو خاصة بالتشريع املغريب فلقد سارت على نفس
املنهج جمموعة من التشريعات ،وعلى سبيل املثال ال احلصر ،فإنه وحسب القانون
86و 307تنصان على أنه كل من أساء استعمال رموز الدولة يف احلملة االنتخابية
يعاقب بالسجن املؤقت من مخس إىل عشر سنوات وبغرامة مالية من 100.00إىل
500.00دينار جزائري.
اإلعالنات االنتخابية للمرشحني أو لوائح املرشحني وجيب أال يتعدى عدد هذه
القيام بتعليق إعالنات انتخابية خارج هذه األماكن أو مبكان يكون خمصصا ملرشح
آخر أو الئحة أخرى خرقا للقواعد املنظمة لإلعالنات االنتخابية وجرمية معاقب عليها
ونفس العقوبة فرضتها املادة 43من ذات القانون يف حالة استعمال وكيل الئحة
أو مترشح أو السماح باستعمال املساحة املخصصة إلعالناته االنتخابية لغرض غري
التعريف بت رشيحه وبربناجمه أو الدفاع عنهما ،أو يف حالة ختلي املترشح لغريه عن
املساحة املخصصة له لتعليق إعالناته االنتخابية هبا ،أو يف حالة استعمال املترشح
وجتدر اإلشارة إىل انه يشترط لتحقق خمالفة استعمال املرشح للمساحة غري
املخصصة له لتعليق إعالناته االنتخابية ،ضبطه يف حالة تلبس ،سواء قام بذلك
298
شخصيا أو بواسطة الغري طبقا للحاالت احملددة قانونا.
هذا ،وترتفع العقوبة إىل احلبس من شهر إىل ستة أشهر وبغرامة من 10.000
إىل 50.000درهم إذا كان مرتكب املخالفة املشار إليها أعاله موظفا عموميا أو مأمورا
هذا وقد نصت الفقرة الثانية من املادة 36من نفس القانون على أنه ":ال جيوز
ألي موظف عمومي أم مأمور من مأموري اإلدارة أو مجاعة ترابية أن يقوم خالل
احلملة االنتخابية ،أثناء مزاولة عمله ،بتوزيع منشورات املترشحني أو براجمهم أو غري
-5ت قدمي هدايا أو تربعات أو وعود هبا أو هببات إدارية خالل احلملة االنتخابية:
اإلدارية هو االمتيازات اإلدارية ذات الطابع التفضيلي اليت قد متنح جلماعة حملية
أو جملموعة من املواطنني كمنح رخص إدارية معينة أو تفويت عقارات بأمثنة
تفضيلية أو منح صفقات عمومية دون سلوك املسطرة الواجبة قانونا ..إخل.
هذا ويعاقب طبقا ملقتضيات املادة 64من القانون التنظيمي رقم 27.11باحلبس
من سنة إىل مخس سنوات وبغرامة من 50.000إىل 100.000درهم ،كل من قام
خالل احلم لة االنتخابية بتقدمي هدايا أو تربعات أو وعود هبا أو هببات إدارية إما
جلماعة ترابية وإما جملموعة من املواطنني بقصد التأثري يف تصويت الناخبني أو بعض
منهم.
ويترتب على العقوبات املقررة أعاله بقوة القانون طبقا ملقتضيات املادة 66من
لالنتخابات ملدتني انتدابيتني متواليتني .وهو ما سبق وأن أكده القضاء املغريب يف عدة
مناسبات ،إذ ورد يف قرار للمجلس األعلى (الغرفة اجلنائية) حتت عدد 3/1825
احملكمة ملا أدانت الطاعن من أجل األفعال املنسوبة إليه وحرمته من حق التصويت
-299قضت المحكمة االبتدائية بالقنيطرة أن "زمن الفعل وهو أثناء الحملة االنتخابية هو عنصر مهم من عناصر تكوين الجريمة "...حكم بتاريخ
2006/11/27في الملف الجنحي عدد 06/5379غير منشور.
والترشيح ،واحلال أن القانون يرتب احلرمان املذكور بعد أن يصدر حكم هنائي بدون
التنصيص عليه يف القرار ،إمنا طبقت املادة 60من القانون التنظيمي جمللس النواب
احملال عليه مبقتضى املادة 55من القانون التنظيمي جمللس املستشارين األمر الذي
هذا ،وإذا كان الشخص الذي قام خالل احلملة االنتخابية بتقدمي هدايا أو
تربعات أو وعود هبا أو هببات إدارية إما جلماعة ترابية وإما جملموعة من املواطنني ،أيا
كانت ،بقصد التأثري يف تصويت هيئة من الناخبني أو بعض منهم يتمتع بصفة
إن العقوبة تضاعف يف هذه احلالة تطبيقا ملقتضيات املادة 65من القانون
300
التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب .
مينع طبقا ملقتضيات املادة 20من القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس
النواب على كل نائب أن يستعمل امسه أو يسمح باستعماله مشفوعا ببيان صفته يف
ويف هذا اإلطار تنص املادة املذكورة على أنه يعاقب باحلبس ملدة تتراوح بني
300الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بأزيالل بتاريخ 5سبتمبر 2012تحت عدد 2012/243القاضي بإدانة المتهمين السيد ابراهيم
تكونت من أجل جنحة قبول شيك على وجه الضمان والنصب وتقديم تبرعات نقدية قصد التأثير على تصويت الناخبين واستعمال التدليس لتحويل
أصوات الناخبين ،والسيد محمد أروي من أجل جنحة عدم توفـير مـؤونة شـيك حـين تـقديمه لألداء والتوسط في تـقديم تبرعات نقـدية قصد
التصويت على ناخبين واستعمال التدليس لتحويل أصوات الناخبين ،والحكم على كل واحد منهما بسنتين حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها خمسون
ألف درهم وحرمانهما من التصويت لمدة سنتين ومن حق الترشح لالنتخابات لفترتين نيابيتين متتاليتين.
أو مالية ذكروا أو مسحوا بذكر اسم نائب ،مع بيان صفته يف كل إشهار ،بوشر
لفائدة املقاولة اليت يشرفون عليها أو يعتزمون تأسيسها ،مع رفع العقوبة يف حالة
تنص مقتضيات الفقرة األوىل من املادة 36من القانون التنظيمي رقم 27.11
املتعلق مبجلس النواب على أنه " :مينع القيام باحلملة االنتخابية يف أماكن العبادة
العمومية".
من املادة 42من نفس القانون السالف اإلشارة ،باحلبس من شهر إىل ستة أشهر
تساهم الدولة يف متويل احلمالت االنتخابية اليت تقوم هبا األحزاب السياسية
ومن الناحية القانونية ،فإن هذه األموال اليت تعترب أمواال عامة ختضع للحماية
القانونية اليت وفرها املشرع حلماية املال العام ،ومن بينها مراقبة اجمللس األعلى
منحت من اجلها .كما ختضع ملقتضيات القانون اجلنائي إذا كانت عرضة لالختالس
أو التبديد .ويعاقب القانون عن ذلك باحلبس من سنتني إىل مخس سنوات وغرامة
من 2.000إىل 50.000درهم إذا كان املبلغ املختلس أو املبدد يقل عن 100.000
درهم .وترتفع العقوبة إىل السجن من مخس إىل عشرين سنة وغرامة من 5.000إىل
تفاديا للمزايدات املالية بني املرشحني ،ومن أجل عقلنة مصاريفهم أثناء محالهتم
االنتخابية وعدم تبذيرها ،فإن املشرع حدد هلم سقفا معينا يتعني عليهم االلتزام به
ويف هذا اإلطار ،فإنه يتعني على كل حزب سياسي يعنيه األمر أن يوجه
مستندات اإلثبات إىل الرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات داخل أجل ال يزيد
عن ثالثة أشهر من تاريخ صرف مسامهة الدولة وفقا للمرسوم رقم 2.11.608
تأثريات جد سلبية على نزاهة وشفافية االقتراع .وهذه املخالفات منها ما هو مرتبط
بسري عملية التصويت ومنها ما هو مرتبط بفرز وإحصاء األصوات وإعالن النتائج.
يعد التصويت أهم مراحل العملية االنتخابية ،فبواسطته يعرب كلن اخب عن
موقف معني بشأن انتخاب مرشح حمدد أو إبداء رأي يتعلق مبوضوع ما ،وهكذا ميثل
التصويت الوسيلة املادية اليت من خالهلا ميارس الناخب حقه وواجبه يف املشاركة
السياسية.
ونظرا ألمهية عملية التصويت وما يترتب عليها من آثار ،فقد أحاطها املشرع
بضمانات عديدة للحفاظ على سالمتها وانتظامها ،وتوفر هذه الضمانات محاية خاصة
لكل من الناخبني واملرشحني وحىت للقائمني على سري العملية االنتخابية .وتتمثل هذه
تتعدد مظاهر وأنواع املخالفات املتعلقة بسري عملية التصويت ،فهي ميكن أن
ترتبط بعملية التصويت يف ذاهتا كما ميكن أن ترتبط خبرق النظام العام وخلق
الفوضى داخل مكاتب التصويت أو بتحويل التصويت لصاحل مرشح معني أو الئحة
هذا ،وقد حدد القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب جزاءات
يف حالة خمالفة شروط وضوابط سري عملية التصويت وفق ما يلي:
مبجلس النواب ،بغرامة من 10.000إىل 50.000درهم كل شخص قام بنفسه أو
بواسطة غريه يف يوم االقتراع بتوزيع إعالنات أو منشورات انتخابية أو غري ذلك من
الوثائق االنتخابية .يف حني إذا كان مرتكب األفعال املشار إليه أعاله موظفا عموميا
أو مأمورا من مأموري اإلدارة أو مجاعة ترابية ،فإن العقوبة تصل طبقا ملقتضيات املادة
39من القانون املذكور إىل احلبس من شهر إىل ستة أشهر وغرامة من 10.000إىل
50.000درهم.
واملثري يف هذه املادة أهنا تقرر املسؤولية اجلنائية عن فعل الغري وذلك حيادا على
مبدأ املسؤولية اجلنائية الشخصية املعمول هبا يف التشريعات اجلنائية ،وقد أشارت
املادة 39املذكورة أعاله إىل هذا املنع من خالل تنصيصها على أنه ال جيوز ألي شخص
أن يقوم يوم االقتراع بنفسه أو بواسطة غريه بتوزيع برامج أو منشورات أو غري ذلك
مبجلس النواب باحلبس من ستة أيام إىل شهر وبغرامة من 1.200إىل 5.000درهم
أو بإحدى هاتني العقوبتني فقط ،كل شخص صوت بعد أن فقد حق التصويت لسبب
من األسباب إما حبكم قيده يف لوائح انتخابية وضعت قبل فقده حق التصويت أو
هذا ،ويعترب التقييد يف اللوائح االنتخابية من الناحية املبدئية دليال على التمتع
باألهلية االنتخابية ،303ولكن العيوب اليت قد ال تسلم منها اللوائح االنتخابية تؤدي
أحيانا إىل اإلبقاء على من فقد األهلية االنتخابية مسجال هبا ،أو ميكن أن يسجل هبا
من ال يتوفر على أهلية االنتخاب ،وهناك من يستغل هذه الثغرات للقيام بتصويت
غري مشروع رغم علمه أال حق له يف ذلك .ويشكل هذا التصويت غري املشروع جرمية،
سواء بناء على تقييد يف اللوائح االنتخابية سابق لفقدان األهلية االنتخابية أو الحق
له مت دون طلب من املعين به .واملالحظ أن املشرع املغريب جرم فعل التصويت رغم
فقدان األهلية االنتخابية ألي سبب من األسباب دون ختصيص ،304على خالف املشرع
الفرنسي الذي اقتصر على جترمي التصويت الصادر عن فاقد األهلية االنتخابية
بسبب صدور حكم قضائي باإلدانة أو بسبب إفالس غري متبوع برد االعتبار فقط
أو شرطيا أو دركيا ،فيفقد بذلك األهلية االنتخابية ،فإذا قام بالتصويت رغم ذلك
فإنه يعترب مرتكبا جلرمية التصويت غري املشروع ،ونفس الشيء ميكن أن يقال عن
الشخص الذي يكون مقيدا بالئحة انتخابية مث يقوم بالتصويت رغم صدور حكم
النواب على أنه يعاقب باحلبس من ستة أشهر إىل ثالث سنوات وبغرامة من
االنتخ ابية ،أو صوت بانتحاله اسم وصفة ناخب مسجل ،أو صوت باستعمال حقه يف
-304تجدر اإلشارة إلى أن الفصل 12من ظهير فاتح شتنبر 1959الذي كان ينظم االنتخابات أنداك بالمغرب كان يحدد هذه األسباب من خالل
تنصيصه أن كل شخص كان مجردا من حق التصويت سواء على إثر عقوبة قضائية أو على إثر إفالس لم يعقبه إرجاع األهلية ،فصوت إما
بحكم تقييده في لوائح محررة قبل تجريده من حق التصويت أو بحكم تقييد وقع بعد التجريد بدون مشاركته فيه يعاقب بسجن تتراوح مدته بين
ستة أيام وشهر واحد "...
305
- Jean-Claude MASCLET، op. cit، p : 387.
االنتخاب أكثر من مرة واحدة .كما يعاقب بنفس العقوبة كل من صوت أكثر من
مرة واحدة حبكم تقييده يف لوائح انتخابية متعددة (املادة 47من القانون التنظيمي
وال ينبغي اخللط بني التصويت باسم الغري الذي يعترب جرمية انتخابية ،وبني
-3القصد اجلنائي املتمثل يف العلم بكون االسم الذي وقع التصويت به
من جهة أخرى جتمع التشريعات االنتخابية على منع قيام الناخبني بالتصويت
ألكثر من مرة يف االنتخاب الواحد ،وإذا كان التشريع االنتخايب الفرنسي يشترط
- 306تنص المادة 72من القانون التنظيمي رقم 27.11المتعلق بمجلس النواب ،على انه '' يجوز للناخبات والناخبين المقيدين في اللوائح
االنتخابية العامة المقيمين خارج تراب المملكة أن يصوتوا في االقتراع عن طريق الوكالة.
ولهذه الغاية ،يتعين على كل ناخب يعنيه األمر أن يمأل مطبوعا خاصا يوضع رهن إشارته بمقر السفارة أو القنصلية التابع لها مكان إقامته ويوقع
عليه ،ويصادق على إمضائه ،في عين المكان ،بعد تضمينه البيانات المتعلقة باسميه الشخصي والعائلي ورقم بطاقته الوطنية للتعريف أو جواز
سفره والجماعة أو المقاطعة المقيد في الئحتها االنتخابية بالتراب الوطني والعنوان المدلى به للتقييد في الالئحة االنتخابية المذكورة وكذا االسم
الشخصي والعائلي للشخص الممنوحة له الوكالة ورقم بطاقته الوطنية للتعريف وعنوانه الشخصي.
يتولى المعني باألمر بنفسه توجيه أو تسليم الوكالة إلى الشخص الذي تم توكيله.
يقوم الوكيل بالتصويت نيابة عن المعني باألمر وفقا للكيفيات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي.
ال يجوز لشخص أن يكون وكيال ألكثر من ناخب واحد مقيم خارج تراب المملكة''.
307
- Jean-Claude MASCLET، op. cit، p : 387.
ويالحظ أن التشريع االنتخابي الجزائري (القانون العضوي رقم 01-21المتعلق باالنتخابات لسنة ،)2021الصادر بتاريخ مارس 2021أجاز
هو اآلخر التصويت بالوكالة ونظم أحكامها في المواد من 175إلى 168وتهم حاالت المرض أو العجزة أو بعض العمال أو أفراد الجيش
الوطني الشعبي وأسالك األمن في حين حظرت بعض التشريعات األخرى التصويت بالوكالة كالمجلة االنتخابية التونسية لسنة ( 2014المادة
)118وقانون االنتخابات اللبناني الصادر بتاريخ ( 2017/06/17المادة .)95
للقيام جبرمية التصويت املتعدد أن يكون ناجتا عن حصول قيد متكرر يف اللوائح
االنتخابية ،وهو ما جيعل التصويت ألكثر من مرة واحدة بناء على قيد واحد خارج
دائرة التجرمي والعقاب .إال أن املشرع املغريب نص على جترمي فعل التصويت املتكرر
سواء حصل استنادا إىل قيد متكرر يف اللوائح االنتخابية أو استنادا فقط إىل قيد
واحد.
وعلى كل حال فإن جرمية التصويت املتعدد تستلزم العناصر التكوينية التالية:
االنتخابات.
-2ا لقصد اجلنائي املتمثل يف العلم بكون التصويت الذي قام به هو تصويت
مكرر.
ال جيوز لشخص حيمل أسلحة ظاهرة أو خمفية أو أدوات تشكل خطر على األمن
308
وإال تعرض للعقوبات املنصوص عليها يف الفصلني العام أن يدخل قاعة التصويت
9و 10من القانون رقم 76.00بشأن التجمعات العمومية ،وذلك بصرف النظر عن
وهكذا يعاقب كل شخص دخل إىل قاعة التصويت وهو حيمل أسلحة ظاهرة أو
أو بإحدى هاتني العقوبتني فقط ،إذا كان حيمل أسلحة ظاهرة أو خمفية أو أدوات
بإحدى هاتني العقوبتني فقط ،إذا ضبط يف ظروف تشكل هتديدا لألمن العام أو
لسالمة األشخاص أو األموال وهو حيمل جهازا أو أداة أو شيئا واخزا أو راضا أو قاطعا أو
-بالسجن ملدة تتراوح بني مخس سنوات وعشرين سنة وبغرامة يتراوح مبلغها
والتنظيمية اجلاري هبا العامل – بأسلحة وعتاد وآالت وأدوات قاتلة أو حمرقة أو
مفرقعة أو يكون منها مدخرات أو يصنعها أو يعمل بأي وجه كان على املتاجرة فيها
واملالحظ أن املشرع جرم فعل الدخول املسلح إىل قاعة التصويت دون أن يربطه
وإمنا الغرض هو محاية العمليات االنتخابية اليت تتم داخل هذه القاعة واليت تكون
يوم االقتراع بالضبط وليس قبله أو بعده ،فدخول شخص مسلح قاعة تصويت فارغة
لن تكون يف جترميه أية فائدة تذكر ،ألن احلكمة من هذه اجلرمية هي محاية
الناخبني وعدم إرباك ممارستهم حلقهم يف التصويت ألن رؤية الناخبني لشخص
مسلح يدخل قاعة التصويت سيخلق نوعا من االضطراب يف نفوسهم ،لذلك حرصت
بعض التشريعات االنتخابية على ربط جترمي الدخول املسلح إىل قاعة التصويت
بضرورة أن حيصل ذلك يوم االنتخاب أو أثناءه كما هو الشأن بالنسبة للتشريعني
األردين واملصري .312ومل يفرق املشرع املغريب بني محل السالح لسبب مشروع أو
لسبب غري مشروع مما جعل النص التشريعي ذا صياغة عامة عكس بعض التشريعات
.313
االنتخابية املقارنة كالتشريع اجلزائري مثال
درهم كل من أقد م باستعمال أخبار زائفة أو إشاعات كاذبة أو غري ذلك من طرق
التدليس على حتويل أصوات الناخبني ،وكذا كل من أقدم باستعمال أخبار زائفة أو
إشاعات كاذبة أو غري ذلك من طرق التدليس على دفع ناخب أو أكثر إىل اإلمساك
عن التصويت (املادة 51من القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب).
فإذا كانت أصوات الناخبني تشكل جماال للتنافس بني املرشحني فإن هذا
التنافس جيب أن يتم بوسائل مشروعة ،لذلك منع املشرع العمل على حتويل أصوات
الناخبني عن طريق استعمال أخبار زائفة أو إشاعات كاذبة أو غري ذلك من طرق
-312تجرم المادة 56من قانون انتخاب مجلس النواب األردني حمل سالح ناري أو أداة يشكل حمله خطرا على األمن والسالمة العامة في أي
مركز من مراكز االقتراع والفرز يوم االنتخاب حتى ولو كان مرخصا ،كما تعاقب المادة 42من قانون مباشرة الحقوق السياسية المصري لسنة
... ":2020ويحضر حضور الناخب إلى جمعية االقتراع حامال سالحا وإن كان مرخصا."...
-313تنص المادة 217من التشريع االنتخابي الجزائري على معاقبة "كل من دخل قاعة االقتراع وهو يحمل سالحا بينا أو مخفيا باستثناء أعضاء
القوة العمومية المسخرين قانونا.
التدليس .ويدخل يف إطار هذه اجلرمية قيام أحد املرشحني بترويج إشاعة كاذبة
كما أن املشرع عمد إىل جترمي استعمال األخبار الزائفة أو اإلشاعات الكاذبة أو
غري ذلك من طرق التدليس لدفع ناخب أو أكثر إىل اإلمساك عن التصويت رغبة
منه يف محاية التصويت وتوفري ضمانات قانونية ملمارسته بعيدا عن أي تضليل أو
خداع أو تدليس ،314فقد يعمد البعض إىل ترويج خرب زائف عن تأجيل االنتخابات
لدفع ناخب أو عدة ناخبني إىل عدم التوجه إىل مكتب التصويت ،أو قد يقوم أحد
املرشحني بإطالق إشاعة كاذبة تفيد موت مرشح آخر منافس له ،وذلك لدفع أنصاره
فكل هذه األفعال وغريها من طرق التضليل والتدليس املشاهبة تقع حتت طائلة
املادة 51أعاله.
يعاقب طبقا ملقتضيات الفقرة األوىل من املادة 52من القانون التنظيمي رقم
27.11املتعلق مبجلس النواب باحلبس من شهر إىل ستة أشهر وبغرامة من 10.000
إىل 50.000درهم كل من استأجر أو سخر أشخاصا على وجه يهدد به الناخبني أو
خيل بالنظام العام ،غري أنه إذا كان هؤالء األشخاص ناخبون فإن العقوبة تضاعف.
وهكذا ميكن أن يقع حتت طائلة تطبيق هذه املادة املرشح الذي يعمد إىل
استئجار جمموعة من األشخاص مقابل مبالغ مالية أو تسخريهم ولو بدون مقابل لتهديد
-314نفس المنحى نجده في المادة 287من القانون العضوي 01-21المتعلق باالنتخابات لسنة 2021الجزائري.
كتلة من الناخبني يرى أهنا مناصرة ملرشح آخر منافس له ،ومل يشترط املشرع أن
يقع التهديد يف شكل حمدد ،إذ ميكن أن يكون شفويا عن طريق الشعارات أو
اخلطب أو الصياح ،وقد يكون عن طريق منشورات ،أو قد يتم عن طريق اإلشارات
واإلمياءات.
منع املشرع املغريب املس مبمارسة التصويت عن طريق القيام بتنظيم جتمعات
أو مظاهرات هتديدية أو الصياح ،واعترب ذلك جرمية نظرا ملا حتدثه هذه الوسائل
األذى .وتتحقق هذه اجلرمية مبجرد ثبوت املس مبمارسة حق االنتخاب ،بغض النظر
عن كون تلك التجمعات مصرح هبا قانونا أم ال أو ذلك الصياح مشروع أم ال.
يعاقب طبقا ملقتضيات الفقرة األوىل من املادة 54من القانون التنظيمي 27.11
-حاول اقتحام قاعة التصويت بعنف ملنع الناخبني من اختيار الئحة أو مرشح.
غري أنه إذا كان املقتحمون أو حماولو االقتحام حيملون سالحا فإن العقوبة تصل
طبقا ملا تنص عليه مقتضيات الفقرة الثانية من املادة 54من نفس القانون ،إىل احلبس
من سنة إىل ثالث سنوات ،وتكيف كجناية معاقب عليها بالسجن من عشر سنوات
إىل عشرين سنة يف حالة اقتحام قاعة التصويت بناء على خطة مدبرة اتفق على
تنفيذها إما يف مجيع أرجاء اململكة وإما يف عمالة أو إقليم أو عدة عماالت أو أقاليم
أو يف دائرة أو عدة دوائر انتخابية متاشيا مع مقتضيات املادة 55من القانون املذكور.
وقد اعترب القضاء اإلداري املغريب أن اهلجوم على مكتب التصويت يشكل واقعة
من شأهنا التأثري على نتائج االقتراع وتربر إلغاء العملية االنتخابية.316
مبجلس النواب باحلبس من ستة أشهر إىل سنة وبغرامة من 15.000إىل 50.000
درهم:
-316حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 1287بتاريخ 2003/10/30الذي جاء فيه أن "ثبوت واقعة الهجوم على مكتب التصويت وتعرض
أعضائه للضغط والتهديد أثناء عملية الفرز وإحصاء األصوات يجعل النتيجة التي حصل عليها كل مرشح يعتريها الشك والريبة وتشكل مناورة
تدليسية أفسدت العملية االنتخابية وموجبة إلبطال االنتخاب ...نعم" منشور بالدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية ،أحمد بوعشيق،
الجزء الثاني الطبعة األولى ،2006ص .311
والتهديد؛
-ا لناخبون الذين حياولون أثناء اجتماعهم لالقتراع دون إجراء العمليات
وإذا كان القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب ال ينص على
جترمي واقعة إهانة مكتب التصويت أو عضو من أعضائه ،فإن أحكام املادة 95من
القانون رقم 9.97املتعلق مبدونة االنتخابات كانت تعترب فعل إهانة مكتب
التصويت أو عضو من أعضائه جنحة معاقب عليها باحلبس من ستة أشهر إىل سنة
وطبقا هلذه املادة نشري إىل أنه واعتبارا للدور الذي يقوم به مكتب التصويت
وأعضائه ،فقد كان من الطبيعي أن يوفر هلم املشرع محاية جنائية تضمن هلم مزاولة
مهامهم يف أحسن الظروف ،ونظرا لالرتباط الوثيق بني مهام أعضاء مكتب التصويت
وبني عمليات التصويت على وجه اخلصوص ،واعتبارا لكون مكتب التصويت
يواكب عمليه إدالء الناخبني بأصواهتم من أوهلا إىل آخرها ،ونظرا حليوية هذا الدور
-317كانت مقتضيات المادة 95من القانون رقم 9.97المتعلق مدونة االنتخابات كما وقع تغييره وتتميمه تنص على ما يلي:
" يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وبغرامة من 2.000إلى 10.000درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط الناخبون الذين يقومون أثناء
اجتماعهم لالقتراع بإهانة مكتب التصويت أو عضو من أعضائه أو يرتكبون نحوهم عمال من أعمال العنف أو يؤخرون العمليات االنتخابية أو
يحولون دون إجرائها باستعمال االعتداء والتهديد".
مباشر على سري عمليات التصويت وسيؤدي ال حمالة إىل إرباك ممارسة الناخبني
حلقهم يف االنتخاب.
ومن جهة أخرى فالوقت املخصص إلجراء االقتراع يكون حمددا ،وأي تأخري
للعمليات االنتخابية يؤدي دون شك إىل اضطراب على مستوى التصويت ،ولكن
املقصود هنا ليس التأخري الناجم أحيانا عن أسباب تقنية أو عن أسباب قاهرة ،وإمنا
التأخري الذي يكون مقترنا باستعمال االعتداء والتهديد ،وقد جرم املشرع هذا السلوك
ولقد اعترب املشرع وضمن نفس املادة حماولة بعض الناخبني دون إجراء العمليات
ناخبا ،واستعمال االعتداء يقتضي اللجوء إىل القوة املادية أو العنف ملنع الناخبني من
ممارسة حقهم يف التصويت واحليلولة دون إجراء االنتخاب ويتحقق ذلك مثال بإغالق
قاعة التصويت ومنع الناخبني من ولوجها أو إخراج الناخبني منها بالقوة أو االعتداء
يف إطار ضمان تصويت شفاف ،بعيدا عن أي إكراه أو إجبار ،جاءت املادة 63من
القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب مبقتضيات زجرية هامة نصت
على املعاقبة باحلبس من سنة إىل مخس سنوات وبغرامة من 50.000إىل 100.000
درهم كل من:
إىل ضرر؛
أو ختويفه من فقد وظيفته أو تعرض شخصه أو أسرته أو ممتلكاته إىل ضرر؛
هذا ،وتضاعف العقوبة املنصوص عليها أعاله طبقا ملا تنص عليه مقتضيات املادة
65من القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب ،إذا كان مرتكب
اجلنحة موظفا عموميا أو مأمورا من مأموري اإلدارة أو مجاعة ترابية .كما أنه يترتب
متتاليتني واحلرمان من التصويت ملدة سنتني (املادة 66من نفس القانون التنظيمي).
فقد يكون الناخب أحيانا ضحية إلكراه يسلط عليه لثنيه عن ممارسة حقه يف
وظيفته أو تعرض شخصه أو أسرته أو ممتلكاته إىل ضرر إذا مل يقاطع االنتخابات
ومل ميتنع عن التصويت ،فهذا اإلكراه املعنوي ممنوع وجمرم ومعاقب عليه.
يف إطار السهر على احترام الضمانات القانونية الرامية إىل ختليق املسلسل
االنتخايب ،من خالل محاية التنافس الشريف والتصدي لكل املخالفات اليت من شاهنا
فيها ،جاء القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب مبقتضيات زجرية
صارمة يف هذا اإلطار ،إذ جرمت مقتضيات املادة 62و 63منه جمموعة من األفعال
100.000درهم كل من:
-ح صل أو حاول احلصول على صوت ناخب أو أصوات عدة ناخبني بفضل هدايا
أو تربعات نقدية أو عينية أو وعد هبا أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى قصد
هبا التأثري على تصويتهم سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغري؛
-محل أو حاول محل ناخب أو عدة ناخبني على اإلمساك عن التصويت باستعمال
هدايا أو تربعات نقدية أو عينية أو وعد هبا أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى
قصد هبا التأثري على تصويتهم سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغري؛
-قب ل هدايا أو تربعات نقدية أو عينية أو وعد هبا أو بوظائف عامة أو خاصة أو
-ا لتمس هدايا أو تربعات نقدية أو عينية أو وعد هبا أو بوظائف عامة أو خاصة
-توسط يف تقدمي هدايا أو تربعات نقدية أو عينية أو وعد هبا أو بوظائف عامة
318قضت استئنافية فاس في الحكم عدد 8154بتاريخ 2006/12/29على أن جنحة محاولة الحصول على أصوات الناخبين بمقابل مادي أو
الوعد بها تتحقق بمجرد الوعد بمبالغ مالية قصد الحصول على أصوات الناخبين.
هذا ،ويترتب على العقوبات املقررة أعاله طبقا ملقتضيات املادة 66من القانون
ومن خالل هذه املادة ميكن تصنيف جرائم الرشوة االنتخابية إىل ثالثة أصناف
حسب أدوار املتدخلني فيها أي الراشي واملرتشي والوسيط .وهذا ما سنتناوله فيما
يلي:
يطلق بعض الفقه على جرمية استعمال اهلدايا أو التربعات أو الوعود للتأثري على
تصويت الناخبني اسم الرشوة االجيابية ،319وقد اختار املشرع املغريب على غرار املشرع
الفرنسي أن يوسع جماالت تطبيق هذه اجلرمية من خالل توسيع دائرة وسائل اإلغراء
اليت قد يلجأ إليها املرشحون الستمالة أصوات الناخبني وإضفاء عدم املشروعية على
استعماهلا ،رغم ما يثريه هذا التوجه من انتقادات فقهية ألن طابعه الفضفاض ينذر
بإدخال ما ال يعد وال حيصى من األفعال يف دائرة التجرمي .والوسائل اليت أتى املشرع
-بني اهلدايا أي العطايا أو اهلبات كيفما كان شكلها سواء كانت هدية مادية
كتوزيع مبالغ مالية أو تقدمي ألبسة أو جتهيزات مزنلية أو كانت هدية معنوية
-319فيصل عبد هللا الكندري" ،أحكام الجرائم االنتخابية" :دراسة في ضوء أحكام العقاب الواردة في القانون رقم 35لسنة 1962وتعديالته
بشأن انتخاب أعضاء مجلس األمة الكويتي وفي القانونين المصري والفرنسي ،مجلس النشر العلمي – جامعة الكويت – الطبعة األولى،2000 ،
ص.150 :
أصواهتم.
-و بني التربعات سواء كانت نقدية كتقدمي مبالغ مالية أو فتح حسابات
بنكية لغري أو تسليم شيكات أو كانت عينية كتوزيع مواد غذائية أو تقدمي
حمالت للسكن.
-وبني الوعد باهلدايا أو التربعات املذكورة أعاله أو تقدمي وعود بشأن توفري
وختم املشرع سلسلة الوسائل غري املشروعة بوسيلة الوعد "مبنافع أخرى" دون
واستعمال هذه العبارة املفتوحة من طرف املشرع يلقي باملسؤولية على القضاء
الذي جيب أن يستعمل سلطته التقديرية لتحديد الوسائل اإلغرائية اليت تشكل تأثريا
حقيقيا على تصويت الناخبني وتلك اليت ال تشكل ذلك ،وقد أتيحت للقضاء الفرنسي
عدة فرض حدد من خالهلا مواقفه من الرشوة االنتخابية اإلجيابية ،وهي مواقف
أما القضاء املغريب فيعترب أن اللجوء إىل اإلغراء الستمالة أصوات الناخبني والتأثري
عليهم ميكن أن يثبت جبميع وسائل اإلثبات مبا فيها القرائن سواء كان باستعمال
-320اعتبرت محكمة االستئناف بطنجة في قرارها الصادر بتاريخ 2007/01/14أن" :الوعود التي يقدمها المشرح لناخبيه يجب أن بقى
مقتصرة على تلك التي تدخل في مهام المنصب النيابي الذي يقع التباري بشأنه ،وأن تنأى عن الوعود الشخصية التي قد يحصل عليها الناخب
قبل اإلدالء بصوته أو على إثر اإلدالء به" .كما أدانت المحكمة االبتدائية ببني مالل أحد المرشحين لقيامه بتقديم وعد ألحد الناخبين بالسهر على
مساعدته للحصول على تأشيرة ألحد أقاربه قصد الهجرة خارج أرض الوطن"..
-321استعمل كل من التشريع المصري والكويتي عبارة "الفائدة".
-322مﺼﻄفى مﺤﻤﻮد عفﻴفي :الﻤﺴﺌﻮلﻴة الﺠﻨائﻴة عﻦ الﺠﺮائﻢ االنﺘﺨابﻴة ،دار الﻨهﻀة العﺮبﻴة ،2002،ص.95 :
323
أو عن طريق وجود شيكات أو كمبياالت أو املال مباشرة أو الوعد مببالغ مالية
اعترافات بدين 324أو القيام بالسفر خارج الدائرة االنتخابية لعقد اجتماعات أو لقاءات
وجرمية استعمال اهلدايا أو التربعات أو الوعود للتأثري على تصويت الناخبني قد
ترتكب بطريقة مباشرة ،وقد ترتكب بواسطة الغري وهو ما يسميه البعض الرشوة
غري املباشرة ،326ويستوي أن يكون املقابل اإلغرائي الذي يقدم إىل الناخب للتأثري يف
تصويته مشروعا أو غري مشروع ،إذ تتحقق اجلرمية ولو كان املقابل اإلغرائي خارج
ارتأى املشرع املغريب أن يساوي على مستوى العقوبات بني من يعطي الرشوة
االنتخابية وبني من يقبلها أو يلتمسها ،328ونقل حرفيا نفس صيغة التجرمي املنصوص
-323قضت الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى في قرارها عدد 362بتاريخ 18غشت 1978أن ثبوت حضور المرشح بمركز التصويت يوم
االقتراع وقيامه وأنصاره بالتأثير على حرية الناخبين في االختيار بعرض مبالغ مالية للتصويت عليه يؤدي على إلغاء االنتخاب ،انظر محمد
عامري :الطعون االنتخابية بالغرب ،افريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،الطبعة االولى ،1993 ،ص 272 :و.334
-324قضت المحكمة اإلدارية بالرباط في حكمها عدد 73بتاريخ 96/4/11أن "المحكمة بعد اطالعها على االعتراف بالدين المستدل به اتضح
لها أنه يشكل في ظاهرة دينا عاديا إال أن ظروف تلقي اإلشهاد العدلي سواء من حيث تاريخ تلقيه الذي جاء قبيل انعقاد عملية انتخاب مكتب
مجلس الجماعة بأيام قليلة أو من حيث األطراف الداعمة لرئيسه المنتخب التي هي نفسها المكونة المكتب المجلس أو من حيث أجل استرداد
القرض ال ذي حدد خالل ثالث سنوات ،وهي في الحقيقة المدة المتبقية النتهاء انتخاب المجلس ...وحيث إن المحكمة بعد إحاطتها بظروف القضية
ومالبساتها ،وانطالقا من القرائن المشار إليها أعاله اقتنعت بأن األمر يتعلق فعال برشوة ال بقرض ،مما يجعل عملية االنتخاب قد شابتها مناورات
تدليسية أثرت بشكل واضح ومباشر في السير العادي للعملية االنتخابية وفي نتيجتها".
-325اعتبرت المحكمة اإلدارية بالرباط في حكمها عدد 1312بتاريخ 2003/11/4أن انتقال مجموعة من المستشارين الجماعيين الذين ينتمون
إلى حزب واحد إلى خارج الجماعة التي انتخبوا فيها ال يمكن أن يشكل قرينة على رغبة في التأثير على حرية التصويت لوحدة انتمائهم السياسي،
انظر محمد ولد البالد ،الطعون المتعلقة بانتخاب مكاتب المجالس الجماعية في ضوء اجتهاد القضاء اإلداري المغربي ،الطبعة األولى ،2007
ص 171وما يليها و 270وما يليها.
326قضت استئنافية الجديدة في قرارها رقم 352السابق ،حيث جاء منطوقه على النحو التالي" العبارات التي سجلت في مكالمات المتهمين والتي
دارت بينهم وبين المتهم المرشح تتمحور كلها حول سير العمليات االنتخابية وجلب الناخبين وشراء ذممهم بواسطة تبرعات نقدية من جهة والوعد
بها من جهة أخرى ،ي فيد بالقطع بأن المتهمين قدموا مساعدة في تنفيذ جريمة لفائدة المتهم الرئيسي وسهلوا عليه عملية ارتكابها مع علمهم أن
".
الهدف من عملية شراء األصوات .....هو فوز المعني باألمر
-327فيصل عبد هللا الكندري ،م س ،ص .156 :
328وهو نفس التوجه الذي تبناه المشرع بخصوص رشوة الموظف العمومي انظر الفصل 248والفصل 251من ق ج .
عليها يف الفقرة الثانية من املادة 106من مدونة االنتخابات الفرنسية ،ويطلق بعض
االنتخابية .330ومل يتم التنصيص على هذه اجلرمية إال يف السنوات األخرية مع
التعديالت التشريعية اليت أدخلت على املنظومة االنتخابية املغربية وذلك بعد أن
ويظلون يف منأى عن املتابعة بفعل الفراغ القانوين ،لذلك تدخل املشرع ليضيف فقرة
إىل جانب الراشني واملرتشني وهم الوسطاء الذين يتوسطون يف تقدمي اهلدايا أو
التربعات أو الوعود االنتخابية ،ويشكلون صلة الوصل بني طائفة املرشحني وطائفة
الناخبني.331
وجيب التمييز بني جرمية التوسط يف تقدمي الرشوة االنتخابية اليت يعد
مرتكبها فاعال أصليا جلرمية قائمة بذاهتا ،وبني فعل املشاركة يف تقدمي الرشوة
االنتخابية الذي يعد مرتكبه مشاركا فقط ،فالشخص الذي اكتفى بتقدمي مكان
اجتمع فيه املرشح الراشي بالناخبني املرتشني مع علمه بذلك إمنا يعد مشاركا يف
جرمية الرشوة االنتخابية وليس وسيطا وكذلك الشخص الذي يقوم بسحب مبالغ
مالية من البنك ويسلمها للمرشح الراشي مع علمه بأهنا ستستعمل إلرشاء الناخبني،
أو الشخص الذي حيرض املرشح على توزيع الرشوة على الناخبني بدعوى أن منافسيه
أما الوساطة فإهنا تتطلب من الوسيط أن يقوم بأفعال يغلب عليها طابع املبادرة
ال طابع التسخري ،كأن يبادر إىل االتصال باملرشح ويعرض عليه خدماته ،ويبادر إىل
واملالحظ أن املشرع ويف إطار تقديره خلطورة هذه اجلرمية شدد العقوبة فيها
وجرم الشروع يف تنفيذها .وبالنظر إىل الوسائل املستعملة الرتكاهبا فإن هذه اجلرمية
وإذا كان هناك شبه إمجاع تشريعي حول جترمي الرشوة االنتخابية فإن هناك تفاوتا
التشريعية احلديثة يف جترمي الرشوة االنتخابية ومن بينها القانون الفرنسي الذي
جرمها للمرة األوىل بقانون 31مارس 1914حيث اهتم املشرع الفرنسي بتجرمي
-332ا عتبرت محكمة االستئناف بتازة في قرارها المشار إليه أعاله أن العنصر المادي في جريمة التوسط يتمثل في التفاوض وتقديم الوعود بأداء
مبالغ مالية ،والعنصر المعنوي هو نية استمالة األصوات لفائدة أحد المرشحين وبالتالي التأثير على الحملة االنتخابية برمتها" ،كما قضت استئنافية
الجديدة في قرارها رقم 352بتاريخ 02-2007-01بمناسبة انتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين ،حيث اعتبرت المحكمة أن المشاركة
تقتضي توفر عنصر نفسي يتمثل في العلم بالطابع اإلجرامي للفعل األصلي ،وهذا ما أكدته استئنافية مكناس في قرارها عدد 843بنفس التاريخ
ولنفس العملية االنتخابية.
-333تتفاوت تقديرات القضاء في هذا الصدد تبعا لعادات وتقاليد كل بلد ،ونفس الشيء يالحظ بشأن نطاق التجريم فهناك من يجرم الرشوة
االنتخابية بكل مظاهرها واألطراف المتدخلة فيها وهناك من ال يعاقب على طلب الرشوة أو على الوساطة في ذلك.
كافة صور التأثري املادي أو املعنوي على إرادة الناخبني بغرض التصويت على حنو
معني.334
من يقدم هبات أو تربعات نقدية أو عينية أو يقدم وعدا بتربعات أو فوائد أو وظائف
عامة أو خاصة أو أية مزايا خاصة أخرى بقصد التأثري على تصويت واحد أو أكثر من
الناخبني للحصول أو حماولة احلصول على أصواهتم سواء بصورة مباشرة أو بواسطة
الغري ،و كذلك عقاب كل من يستعمل نفس هذه الوسائل لكي حيمل أو حياول أن
حيمل واحدا أو أكثر من الناخبني على االمتناع عن التصويت ،كما تفرض الفقرة
الثانية من نفس املادة ،نفس العقوبات على كل من يقبل أو يطلب نفس اهلبات أو
التربعات أو الوعود.
االنتخابية ،نص املشرع الفرنسي على ظرف لتشديد العقاب باملادة L.109من قانون
االنتخاب الفرنسي و اليت تقضي مبضاعفة العقوبات املقررة للجرائم املنصوص عليها
بعد اختتام عمليات التصويت وانتهاء الوقت القانوين احملدد لالقتراع ،تبدأ
مرحلة جديدة يف عمر العمليات االنتخابية وهي مرحلة فرز وإحصاء األصوات وإعالن
النتائج ،وهنا تأخذ احلماية التشريعية منحى جديدا ،إذ أن األطماع اإلجرامية تتجه
334
- Art L.106 du code électoral.
حنو النتيجة اليت سيتم اإلعالن عنها ،وهي نتيجة ال خترج إال من جوف صناديق
االقتراع.
وتتميز اجلرائم االنتخابية اليت قد ترتكب بعد االقتراع مبحدوديتها إذا ما
قورنت بتلك ال يت قد ترتكب قبل أو أثناء االقتراع ،سواء تعلق األمر بزمان
االرتكاب أو مكانه ،مع اإلشارة إىل أن طبيعة هذه اجلرائم جتعل جانبا مهما منها
يرتكب من طرف اإلدارة وموظفيها وأعواهنا وأعضاء مكتب التصويت ،وذلك حبكم
املسؤوليات اليت يتحملوهنا والصالحيات املسندة إليهم ،وسنتناول فيما يلي صنفني من
اجلرائم اليت قد ترتكب بعد االقتراع وهي جرائم انتهاك سر التصويت وجرائم
100.000درهم ،كل شخص مكلف يف عمليات اقتراع ،بتلقي األوراق املصوت هبا
وإحصائها وفرزها ،قام باختالس أوراق منها أو أضاف إليها ما ليس منها أو أفسد
األوراق املصوت هبا أو قام بقراءة اسم غري االسم املقيد فيه األوراق املصوت هبا.
ويعاقب بنفس العقوبة املقررة لألفعال املذكورة ،كل شخص ضبط متلبسا
بتسريب أوراق التصويت إىل خارج مكتب التصويت سواء قبل البدء يف عملية
335الفقرة الثانية من المادة 48من القانون التنظيمي رقم 27.11المتعلق بمجلس النواب.
تتخذ جرمية اختالس أوراق التصويت إحدى صورتني ،فهي إما ان ترتكب من
طرف شخص له صفة انتخابية حددها القانون فتكون من جرائم الصفة ،وهذا ما
نصت عليه املادة 97منن القانون رقم 57.11بشأن االختالس الذي يرتكب من
طرف كل شخص مكلف يف عمليات االقتراع بتلقي األوراق املصوت هبا وإحصائها
وفرزها ،وهذا يشمل بطبيعة احلال رئيس وأعضاء مكتب التصويت والفاحصني
أما الصورة الثانية جلرمية اختالس أوراق التصويت فهي اليت يقع فيها ارتكاب
اجلرمية من طرف أي شخص دون اشتراط أن يكون مكلفا مبهمة انتخابية ،وهي
اليت أشارت إليها املادة 58من القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس النواب،
ويف الصورتني معا ال تتحقق اجلرمية إال إذا كانت ورقة التصويت متضمنة
لالختيار االنتخايب ،أي جيب أن تكون حاملة لعالمة التصويت ،أما إذا كانت ورقة
التصويت فارغة ومل تستعمل بعد من طرف الناخبني فإن اجلرمية ال تتحقق.
تعترب جرمية إضافة أوراق تصويت زائدة إىل أوراق التصويت املصوت هبا رغم
أهنا ليست منها ،تعترب من جرائم الصفة أيضا ،إذ يشترط القانون ارتكاهبا من طرف
شخص مكلف يف عمليات االقتراع بتلقي األوراق املصوت هبا وإحصائها وفرزها ،وهي
ويقتضي حتقق اجلرمية أن تكون أوراق التصويت املضافة إىل أوراق التصويت
األصلية ،أوراقا حتمل عالمات تصويت ،أما إذا كانت ال حتمل عالمة تصويت معينة
فإن هذه اجلرمية ال تتحقق ،ألن هذه األوراق تكون ملغاة ودون أية قيمة انتخابية،
وألن هدف التجرمي هو منع كل سلوك يكون من شأنه إحداث الضرر أو تشكيل
اخلطر وهو ما ال يتحقق بإضافة أوراق تصويت ال تعتد هبا وتبقى خارج احلساب
االنتخايب.
متثل القراءة العلنية ألمساء وكالء اللوائح أو املرشحني أثناء عمليات الفرز واإلحصاء
ممارسة معمول هبا يف أغلب التشريعات االنتخابية ،وهي حتمل دالالت على شفافية
عمليات االقتراع .ففي النظام االنتخايب املغريب ومبجرد بداية عمليات الفرز وتوزيع
أوراق التصويت على جمموعة من الطاوالت ،يأخذ أحد فاحصي أوراق التصويت ورقة
ويفتحها ويسلمها غري مطوية إىل فاحص آخر يقرأ بصوت عال اسم وكيل الالئحة أو
اسم املرشح الذي وضعت عالمة التصويت يف املكان املخصص له .وهذه العملية قد
تتخللها أحيانا أفعال غش وتدليس عن طريق حتريف االسم املصوت عليه يف ورقة
التصويت عن طريق إبداله باسم آخر ،وجيب التشديد على أن جرمية قراءة غري االسم
املقيد يف ورقة التصويت هي جرمية عمدية ،336أما إذا حصلت قراءة غري االسم املقيد
عن طريق اخلطأ فإن اجلرمية ال تتحقق ،مع ضرورة التشدد خبصوص ادعاءات اخلطأ
-336نصت بعض التشريعات االنتخابية صراحة على ضرورة توفر عنصر العمد كالمادة 286من التشريع االنتخابي من القانون العضوي -21
01المتعلق باالنتخابات لسنة ،2021الجزائري ،التي عاقبت على "تعمد تالوة غير االسم المسجل".
اليت جيب أال تقبل إال إذا توافرت قرائن تدل عليها ،ألن أي تساهل يف هذا الشأن
سيتم استغالله للتالعب يف عمليات الفرز بدعوى اخلطأ وعدم توفر عنصر العمد.
التصويت األصلية اليت صوت هبا الناخبون املقيدون بالالئحة ،بأوراق تصويت أجنبية
حتمل عالمات تصويت معينة .وهذا يفترض أال ترتكب اجلرمية إال بعد فتح
صندوق االقتراع وإفراغ أوراق التصويت املوجودة فيه وتوزيعها على طاوالت الفرز
وهو ما نصت عليه املادة 58من القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق مبجلس
النواب.
نصت على هذه اجلرمية املادة 58من القانون التنظيمي رقم 27.11املتعلق
مبجلس النواب ،وعاقبت عليها باحلبس من سنة إىل سنتني وبغرامة من 10.000إىل
20.000درهم ،إذ اعتربها املشرع من األفعال اليت تؤدي إىل انتهاك العمليات
االنتخابية ،ويتحقق إتالف ورقة التصويت بأي فعل من شأنه أن جيعلها غري صاحلة
للفرز واإلحصاء ،ما دام أن أوراق التصويت غري املتنازع بشأهنا يتم إحراقها مباشرة
ب :خرق سرية التصويت واملس بزناهة التصويت واحليلولة دون إجراء االقتراع:
درهم كل من:
اإلدارية احمللية أو خارج ذلك خبرق أو حماولة خرق سر التصويت ،سواء كان ذلك
بتعمد اإلخالل بالنصوص اجلاري هبا العمل أو بأي عمل آخر من أعمال التدليس ،وسواء
اإلدارية احمللية أو خارج ذلك باملس أو حماولة املس بزناهة التصويت ،سواء كان
ذلك بتعمد اإلخالل بالنصوص اجلاري هبا العمل أو بأي عمل آخر من أعمال التدليس،
اإلدارية احمللية أو خارج ذلك باحليلولة أو حماولة احليلولة دون إجراء عمليات
االقتراع ،سواء كان ذلك بتعمد اإلخالل بالنصوص اجلاري هبا العمل أو بأي عمل أخر
من أعمال التدليس ،وسواء جرى ذلك قبل االقتراع أو أثناءه أو بعده.
337تضاعف العقوبة طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 67من القانون التنظيمي لمجلس النواب ،إذا كان مرتكب المخالفة موظفا عموميا
أو مأمورا من مأموري اإلدارة أو جماعة ترابية ويمكن الحكم على مرتكب جنحة من الجنح أعاله طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 67
من القانون التنظيمي لمجلس النواب ،بالحرمان من ممارسة حقوقه الوطنية لمدة ال تقل عن سنتين وال تتعدى خمس سنوات.
ألنه يشكل ضمانة للتعبري احلر عن إرادة الناخب الذي يشعر بأنه مقيد يف احلالة
اليت يكون فيها من املمكن معرفة اجتاه تصويته دون رضاه ،ولعل ذلك ما جيعل
علنية التصويت ممارسة تؤثر على حرية التصويت وتشكل عيبا من عيوب اإلرادة
االنتخابية نظرا ملا تنطوي عليه من تواجهية من شاهنا أن حتدث حرجا كبريا للناخبني
وجتدر اإلشارة إىل أن صور جرمية انتهاك سر التصويت كثرية وال تكاد تقع
حتت حصر ،فقد تتحقق بفتح ورقة التصويت ،أو كسر الصندوق واالطالع على
مضمون أوراق التصويت ،أو التجسس على الناخب أثناء التصويت باملعزل سواء مباشرة
أو بطريقة غري مباشرة باستعمال كامريات أو آليات التصوير ،أو االحتيال عليه للبوح
النواب على أن كل امتناع من طرف رئيس مكتب التصويت عن تسليم نسخة من
حمضر العمليات االنتخابية ملمثل الئحة ترشيح أو مترشح منتدب طبقا ألحكام املادة
74من نفس القانون كان حاضرا بقاعة التصويت ساعة إعداد نسخ احملضر وتسليمها،
-338نصت المادة الثانية من قانون االنتخابات الجزائري (القانون العضوي 01-12المتعلق باالنتخابات لسنة )،2012أن "االقتراع عام ،مباشر
وسري" وأوضحت المادة 31من نفس القانون أن "التصويت شخصي وسري" ونفس المقتضى أوردته المادة 88.1من القانون االنتخابي
اإلسباني التي جاء فيها أن "التصويت يكون سريا" وأكدت المادة 27من قانون انتخاب مجلس النواب األردني لسنة 2016بأن "االقتراع يكون
عاما وسريا ومباشرا" ونفس السرية نصت عليها المادة 55من قانون االنتخابات العامة واالستفتاء اليمني لسنة 2001والمادة 33من قانون
انتخاب مجلس األمة الكويتي.
يشكل فعال جرميا يعاقب عليها باحلبس من شهر إىل ستة أشهر وبغرامة من 1.200
إىل 5.000درهم.
د :املخالفات املتعلقة بكسر واالستيالء على صندوق االقتراع وفتح أوراق
التصويت:
أو القيام بإبدال أوراق التصويت بأخرى أو بأية مناورات أخرى يراد هبا تغيري أو حماولة
أو القيام بإبدال أوراق التصويت بأخرى أو بأية مناورات أخرى يراد هبا انتهاك سرية
التصويت.
املوجودة بداخله.
وجتدر اإلشارة إىل أن أي انتهاك لعمليات االقتراع أو فرز األصوات أو إحصائها أو
إعالن النتائج إذا ارتكبه األشخاص املعهود إليهم بإجناز العمليات املذكورة ،يعاقب
عليه طبقا للمادة 60من القانون التنظيمي رقم 27.11بالسجن من مخس سنوات
مل خيصص املشرع مقتضيات قانونية كثرية للحديث عن صندوق االقتراع ،إذ
اكتفى بالتركيز على ضرورة التأكد من خلو الصندوق من أي ورقة وإغالقه بقفلني
خمتلفني حيتفظ بأحد مفاتيحهما رئيس مكتب التصويت بينما حيتفظ باآلخر عضو
مكتب التصويت األكرب سنا .وال جيوز فتح الصندوق قبل اختتام االقتراع الرتباط
ذلك مبقتضيات النظام العام االنتخايب .ومل حيدد املشرع املغريب شكل صندوق
االقتراع وال نوعه أو حجمه ،ولكنه أفرد له محاية جنائية خاصة لزجر كل مساس
به ،وهذا ما يتضح من خالل جترمي كسر صندوق االقتراع أو االستيالء عليه.
غري املشروعة لصندوق االقتراع ،إذ استعمل بعضها لفظ االستيالء ،339بينما استعمل
وهكذا يتضح أن هذه اجلرمية ال تتحقق إال إذا كان صندوق االقتراع حمتويا على
أوراق التصويت ،وأن يقع االستيالء عليه قبل عملية فرز هذه األوراق .ويتحقق
االستيالء على صندوق االقتراع بكل فعل يؤدي إىل إخراجه من حيازة أعضاء مكتب
التصويت وانتقاله إىل حيازة الغري ،ولو كانت مدة احليازة قصرية زمنيا.
وقد قضت الغرفة اإلدارية باجمللس األعلى بتاريخ 6يوليوز 1979أن "اختطاف
الصندوق وإخراجه من مكان االقتراع يعترب خرقا سافرا للقانون الذي يوجب بقاء
-339المادة 60من قانون انتخاب مجلس النواب األردني والمادة 133من قانون االنتخابات العامة واالستفتاء اليمني.
-340المادة 45من قانون االنتخاب الكويتي والمادة 67من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية المصري لسنة 2020والمادة 103من مدونة
االنتخابات الفرنسية.
الصندوق يف مكان االقتراع ، ...ليبقى طيلة هذه املدة رهن إشارة الناخبني وحتت
التالية:
أما بالنسبة للمشرع اجلزائري فقد شدد العقوبة يف هذه النقطة بنص املادة 222
املؤقت من مخس إىل عشر سنوات كل من قام باختطاف صندوق االقتراع احملتوي
على األصوات املعرب عنها واليت مل يتم فرزها ،وإذا وقع هذا االختطاف من قبل
جمموعة من األشخاص وبعنف تكون العقوبة السجن املؤقت من عشر إىل عشرين
سنة.
خـاتـمــة:
بالرغم من السياسة اجلنائية اليت هنجها املشرع واليت رام من خالهلا الوقوف على
اخلروقات اليت من شأهنا أن تضر حبسن سري العملية االنتخابية يف خمتلف مراحلها
وقرهنا بعقوبات جنائية متفاوتة يف املقدار ويف املدة ،حسب خطورة الفعل اإلجرامي
املرتكب ،غري أن هذه التدابري الزجرية اليت اعتمدها مل ترق إىل مستوى ربح رهان
ضمان تنظيم انتخابات نزيهة وسليمة خالية من كل الشوائب بسبب قصور تقنيات
التجرمي وقابلية جرائم االنتخاب للربوز وإمكانية إحالتها على القاضي اجلنائي وغياب
املشرع أن يبذل عنايته الفائقة ملنع كافة مظاهر اإلخالل حبسن سري وانتظام العملية
االنتخابية أو التحايل وإدخال الغش عليها ،وذلك من خالل قيامه بتقنني كامل
للجرائم االنتخابية ،مدعمة بترسانة قوية من العقوبات اجلنائية املقترنة هبا ،وهو
ما يعين بالتحديد ،إقامة نظام قانوين خاص ومتفرد للمسؤولية اجلنائية عن تلك
اجلرائم بصورة منفصلة مستقلة أو حىت استثنائية واردة على قواعد املسؤولية
ومن هنا فإن الوصول إىل حتديد التنظيم اجلنائي األمثل للجرائم والعقوبات
االنتخابية أمر متوقف بالضرورة ويف املقام األول على حتقيق التنظيم األمثل للعملية
االنتخابية بأكملها.
وهذا حيملنا على االعتقاد أن أي قانون لالنتخابات مهما بلغت دقة مقتضياته
وحجم الضمانات اليت حييط هبا العملية االنتخابية مبا يف ذلك هنجه لسياسة جنائية
صارمة وجازمة ،ال يستطيع ضمان انتخابات نزيهة وذات مصداقية ،إذا مل يقترن
كل ذلك بإرادة سياسية واضحة تروم جتاوز سلبيات االستحقاقات السابقة.
ورغم ذلك فال يكفي التدخل التشريعي وحده ملواجهة ظاهرة الغش االنتخايب
فاملطلوب أيضا أن يتالزم هذا النوع من التدخل مع تطوير املفاهيم السياسية املختلفة
الئحة املراجع:
راجع حممد شقري ،خصائص احلمالت االنتخابية باملغرب ،اجمللة املغربية
عبد اهلل حارسي" ،تنظيم ومتويل ومراقبة احلملة االنتخابية التشريعية"،
اجمللة املغربية لإلدارة احمللية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،العدد 38لسنة
،2002
بالدليل العملي لالجتهاد القضائي يف املادة اإلدارية ،أمحد بوعشيق ،اجلزء
فيصل عبد اهلل الكندري" ،أحكام اجلرائم االنتخابية" :دراسة يف ضوء
أحكام العقاب الواردة يف القانون رقم 35لسنة 1962وتعديالته بشأن انتخاب أعضاء
جملس األمة الكوييت ويف القانونني املصري والفرنسي ،جملس النشر العلمي – جامعة
النهضة العربية.2002،
حممد عامري :الطعون االنتخابية بالغرب ،افريقيا الشرق ،الدار البيضاء،
حممد ولد البالد ،الطعون املتعلقة بانتخاب مكاتب اجملالس اجلماعية يف
املختصة حلماية األمن والنظام يف اجملتمع ،يشكل جماال مناسبا وخصبا لتقييد حريات
األفراد وذلك حتت ذريعة احلفاظ على النظام العام ،حيث متلك إدارة الضبط
سلطة تقديرية لتحقيق ذلك اهلدف ،والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو هل ختضع
اإلدارة يف تدخالهتا لضوابط وقيود حتد من سلطاهتا وتضمن عدم تعسفها واحنرافها
P 210 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
إذا كانت اإلدارة بإصدارها لقرارات الضبط اإلداري هتدف إىل محاية النظام
العام ،وذلك بتقنني وتنظيم ممارسة األفراد حلرياهتم ،فهي ملزمة مبراعاة احلدود
والضوابط املرسومة هلا م ن طرف القانون .فإذا كان مفهوم النظام العام واسع وغري
حمدد من الناحية القانونية ،فإن ذلك ال جيب أن يكون وباال على حريات وحقوق
األفراد ،لذلك فإن كل تدبري ضبطي من شأنه املساس حبرية فردية جيب أن يندرج
ضمن األعمال املخالفة للقانون .ويشكل تقيد إدارة الضبط مببدأ املشروعية ضمانة
مهمة للحقوق واحل ريات ،ذلك أن املبدأ ميثل يف الدولة املعاصرة أهم الضمانات
اجلدية لألفراد يف مواجهة السلطة العامة ،فهو يساهم يف إخضاع الدولة للقانون من
خالل وجود مبادئ عليا تسمو على الدستور وتشريعات الدولة وتسبق يف وجودها
وجود الدولة نفسها ،كما تظهر قيمته وأمهيته أيضا يف جمال محاية احلريات
واحلقوق ،فالتأكيد على مبدأ املشروعية وضمان تطبيقه يعد أحد الضمانات الالزمة
الحترام احلريات وكفالتها ويتحقق ذلك بالتصدي ألي جتاوز يقوم على إهدار مبدأ
باإلضافة ملبدأ املشروعية ،تعد فكرة النظام العام من الضوابط األساسية اليت
تقيد من سلطات الضبط اإلداري ،باعتبارها اهلدف الرئيسي لكل القرارات املرتبطة
مبجال الشرطة اإلدارية ،إال أن غياب التحديد الدقيق ملفهوم النظام العام من الناحية
القانونية ،وكذا ما مييزه من مرونة وتطور ،مينح لسلطات الضبط اإلداري هامشا مهما
من حرية التصرف مما يعرض حقوق وحريات األفراد للخطر واالنتهاك يف أية حلظة،
الشيء الذي يتطلب ضرورة تقييد السلطة التقديرية لإلدارة بصدد تكييفها للحاالت
املهددة للنظام العام والوسائل الكفيلة مبواجهتها ،كما يستدعي االمر تقييد
اإلجراءات والق رارات الضبطية بقيود أخرى ال تقل أمهية مرتبطة أساسا بطبيعة
احلرية والظروف احمليطة هبا .وهذا ما سنعاجله ضمن حماور هذه الدراسة.
املبحث األول :فكرة النظام العام وانعكاساهتا على سلطات الضبط اإلداري
أوال :املفهوم
ولذلك جند أن السلطات العمومية حتظى هبامش واسع من السلطة التقديرية بصدد
حتديد حاالت املساس به 341.وقد أمجع أغلب الفقهاء على صعوبة وضع تعريف جامع
مانع للنظام العام ،نظرا لتغريه ومرونته وارتباطه بتغري ظروف املكان والزمان.
وذهب البعض إىل إضفاء طابع سليب على فكرة النظام العام من خالل تعريفه على
342
وذهب أنه حالة واقعية تعارض حالة واقعية أخرى هي الفوضى واالضطرابات.
الفقيه هوريو يف نفس االجتاه من خالل ربطه للنظام العام باحلالة الواقعية املناهضة
للفوضى 343.فلم يعطي االهتمام إال للمظهر املادي للنظام العام ،دون مظهره املعنوي
أو األديب.
مفهوم موسع يشمل كافة صور النظام العام ،املادي واألديب واالقتصادي ،بل ميتد
341
YELLES CHAOUCHE (B) : "La liberté de communication et l'ordre public", Université d'Alger, Revue
Algérienne des sciences juridiques économiques et politiques, Vol. 36, n°1, 1998 p : 28.
342عادل أبو الخير " :الضبط اإلداري وحدوده" ،مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب ،ص .151 :
343محمد شريف إسماعيل عبد المجيد " :سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية" ،دراسة مقارنة ،رسالة الحصول على الدكتوراه
في الحقوق ،جامعة عين شمس ،1979ص .56 :
344
وجند أن الفقيه ،Bernardقد خرج عن ليغطي كافة صور النشاط االجتماعي.
اتفاق أغلب الفقهاء حول فكرة أن النظام العام مفهوم واسع وغري حمدد ،واعترب أن
ذلك يؤدي إىل التشكيك يف جدوى دراسة املفهوم يف أساسه 345.وقد اعترب البعض
أن فكرة النظام العام هي فكرة قانونية حمايدة وثابتة ال تتغري بتغري غايات اجملتمع،
وبالتايل فهي ختتلف عن فكرة اخلري املشترك اليت ختتلف من دولة ألخرى حسب
346
الفلسفة السائدة يف اجملتمع واالعتبارات السياسية املتدخلة فيها.
القضاء اإلداري بدوره مل حيدد تعريفا دقيقا للنظام العام وأحال يف ذلك إىل
التعريف الفقهي ،فقد قررت اجلمعية العمومية للفتوى والتشريع مبجلس الدولة
الفرنسي أن النظام العام –كما يعرفه الفقهاء -هو األساس السياسي واالجتماعي
واالقتصادي واخللقي الذي يقوم عليه كيان الدولة ،أو بعبارة أخرى هو جمموعة
347
القواعد القانونية اليت تنظم املصاحل اليت هتم اجملتمع مباشرة أكثر مما هتم الفرد.
يكون النظام العام ماديا ،بيد أنه ما لبث أن عدل عن هذا املوقف ،واجته يف حتول
كبري إىل التوسع يف حتديد مدلول النظام العام ،حبيث يتسع ليشمل األخالق واآلداب
اليت تتماشى وتقاليد وأعراف اجملتمع 348.وسار االجتهاد القضائي يف املغرب على نفس
349
املنوال.
344منيب محمد ربيع " :ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط اإلداري" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة عين
شمس ،ص .62 :
345
BERNARD (P) : "La notion d'ordre public en droit administratif", éd. 1962, p:230.
346صبري محمد السنوسي " :االعتقال اإلداري بين الحرية الشخصية ومقتضيات النظام العام" ،1996 ،ص .94 :
347وديع البقالي :النظام العام والحريات ،مجلة القانون المغربي ،عدد 2016 ،31ص .172 :
348عبد المنعم محفوظ " :عالقة الفرد بالسلطة :الحريات العامة وضمانات ممارستها ،دراسة مقارنة" ،المجلد الثالث ،الطبعة األولى،
ص .927 :
349ويتضح ذلك من خالل اجتهادات الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى التي تأخذ بالمفهوم المادي واألدبي للنظام العام.
وعموما ،ميكن القول أن فكرة النظام العام هتدف أساسا إىل احملافظة على
األسس والقيم السائدة يف اجملتمع ،فهي ختتلف باختالف اجملتمعات كما ختتلف
داخل اجملتمع الواحد وذلك باختالف ظروف الزمان واملكان أيضا .وهلذا جند أن
ثانيا :اخلصائص
يستهدف النظام العام احملافظة على القيم واملثل العليا يف اجملتمع ،فهو ميثل
جمموعة من القواعد والنظم اليت تقوم على ضبط السلوك االجتماعي وبالتايل ال جيوز
350
وما يضفي أكثر الصفة اآلمرة على النظام العام أنه يهدف لألفراد انتهاكها.
احلفاظ على كيان اجملتمع ،وذلك من خالل التوفيق بني ممارسة احلريات وضرورات
351
فحماية هذا احلياة االجتماعية .خاصة وأن محاية احلريات تتبع للنظام العام.
352
األخري يعد ضرورة لضمان ممارسة األفراد حلقوقهم وحرياهتم.
الشك أن املشرع يقوم بدور هام يف التعبري عن النظام العام وإرساء قواعده،
لكن ال يعين ذلك أنه يستطيع فرض النظام العام الذي يريده بالقوة ،ذلك أن األخري
ليس نتاج النصوص القانونية وحدها .وإمنا املصدر املباشر للنظام العام يتمثل يف
350
BERNARD (P) : op.cit, p : 42.
351
Ibid, p : 75.
352
LUCHAIRE (F) : "La sûreté : Droit de l'homme ou sabre de M. Prud'homme ?", RDP, LGDJ, 1989, p :
630.
ولذلك كان للتقاليد واألعراف احمللية قيمتها الكربى يف تكوين قواعد النظام
353
العام.
كما أن القضاء يلعب دورا مهما يف حتديد مضمون النظام العام مستمدا إياه من
واقع القضية املطروحة عليه .فنظرا ألن النظام العام مفهوم غري حمدد بشكل دقيق
ويتسم بالعمومية والغموض ،فإن القاضي اإلداري باعتباره منشئا للقواعد ومفسرا هلا،
فإنه يتكفل بتحديد مضمون معني هلذا املفهوم ،بصدد النظر يف املنازعات اليت يكون
فيها النظام العام مبثابة إشكالية يف القضية .والقاضي هنا ال يضع تعريفا حمددا
ودقيقا للمفهوم حىت ال يقيد نفسه مستقبال فيما يعرض عليه من منازعات.
إن النظام العام فكرة مرنة ومتطورة ،فهي تتغري باختالف ظروف الزمان
واملكان ،ولذلك فهي ال تتفق مع النصوص القانونية اجلامدة ،فطبيعة النظام العام
القانونية قدرة على التكيف والتأقلم مع واقع احلياة 354.فما يعترب من النظام العام
يف دولة ال يعترب كذلك يف دولة أخرى ،وكذلك ختتلف مكونات النظام العام
من جمتمع آلخر وأحيانا داخل نفس اجملتمع ،فما كان يعترب من النظام العام يف وقت
معني يف جمتمع ما قد ال يكون كذلك يف الوقت احلاضر داخل نفس اجملتمع .كما
أن نطاق النظام العام خيتلف باختالف النظام واملذهب السائدين يف الدولة ،فمضمون
النظام العام يف دولة ذات نظام مشويل حيث تقيد احلريات ليس هو يف دولة
دميقراطية حتترم حقوق وحريات أفرادها .هذا دون إغفال تأثري تزايد تدخل الدولة
يف خمتلف األنشطة االقتصادية واالجتماعية على نطاق النظام العام ،حبيث يتسع
هذا األخري ليشمل أمورا كانت ال تعترب من النظام العام يف إطار الدولة احلارسة اليت
ثالثا :العناصر
اتفق أغلب الفقه على أن النظام العام مبفهومه املادي يتضمن ثالثة عناصر
األمن العام :ويقصـد به اطمئنان األفراد واجلماعات على أنفسهم وأمواهلم من
ويعد مصطلح األمن العام األقرب إىل مفهوم النظام العام ،حيث يتم استعماله
يف أحيان كثرية للداللة على هذا األخري ،باعتباره مرادفا له .فباإلضافة إىل األمن
العام يتم استعمال مفاهيم شبيهة به للداللة على النظام العام مبفهومه الواسع
كاألمن الوطين والوحدة الترابية والنظام الدستوري 356.فاألمن العام يعد تعبريا واضحا
عن املفهوم األمين للنظام العام ،فهذا األخري متلك إدارة الضبط اإلداري بصدده
355ثورية لعيوني " :القانون اإلداري المغربي" ،دار النشر الجسور ،وجدة ،الطبعة الثانية ،1999ص.185:
356
YELLES CHAOUCHE (B) : op.cit, p : 39.
للنظام العام الذي يعمل أكثر على خلق التوازن بني متطلبات األمن والنظام وممارسة
357
احلريات
الصحة العامة :ويقصد حبماية الصحة العامة ،اختاذ اإلجراءات الكفيلة والالزمة
واملطاعم ومجيع احملالت اليت يرتادها األفراد واليت ميكن أن تشكل خطرا على
صحتهم ،ويندرج يف نطاق محاية الصحة العامة أيضا احلمالت العمومية لإلرشاد
السكينة العامة :يقصد حبماية السكينة العامة احملافظة على اهلدوء والطمأنينة
يف الطرق واألماكن العامة ،ويتحقق ذلك مبنع كل ما من شأنه أن يؤدي إىل إقالق
راحة املواطنني كالضوضاء الناتج عن أبواق السيارات ومكربات الصوت وخاصة يف
358
الليل ،وكذا تصرفات الباعة املتجولون واملتسولون يف األماكن العمومية...إخل.
وهكذا ،فإن األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة تدخل ضمن
العناصر التقليد ية للنظام العام ،لكن هناك من يضيف عناصر أخرى إىل هذه
العناصر ،فنظرا للتطور الذي تعرفه اجملتمعات احلديثة وازدياد تدخل الدولة يف
خمتلف جماالت احلياة ،أصبحت العناصر التقليدية غري كافية ملواجهة خمتلف صور
اإلخالل بالنظام العام ،لذا فإن عناصر جديدة تنضاف إىل فكرة النظام العام.
357
BURDEAU (G) : "Les libertés publiques", 4 ème éd., LGDJ, Paris, 1972, p : 32.
358عبد المنعم محفوظ :م.س ،ص .923 :
إن امتداد فكرة النظام العام ،جاء نتيجة ملرونته وقابليته للتطور والتغري
النظام العام يقتصر كما قلنا على عناصره التقليدية املتمثلة يف األمن العام
والسكينة العامة والصحة العامة ،ومل يعد حييل فقط إىل انعدام الفوضى ،فانتقل
من املفهوم التقليدي الذي حيكمه اهلاجس األمين الضيق إىل مفهوم أكثر اتساعا
يغطي جماالت مل تكن تندرج ضمن العناصر التقليدية السابقة .وقد كان التساع
دور الدولة كما سبق وأن أشرنا ،وتدخلها يف جماالت أوسع من األمن والدفاع
إن النظام العام اخللقي هو مكون آخر للنظام العام مبفهومه الواسع 359،وليس
النظام العام املادي واحملسوس ،املناقض للفوضى واالضطرابات ،وذلك كون النظام
ويفرض النظام العام اخللقي ،محاية اآلداب العامة واألخالق احلميدة من
اإلخالل هبا ،واملالحظ أنه ال يوجد مفهوم دقيق وحمدد لآلداب أو األخالقيات أو ما
شاهبهما .حيث خيتلف مفهومها حبسب العادات والتقاليد املتعارف عليها يف اجملتمع،
360
وكذا مدى تقبل هذا األخري للتصرفات الفردية.
359
YELLES CHAOUCHE (B) : op.cit, p : 41.
360ربيع محمد منيب :م.س ،ص .75 :
كان هناك يف السابق شبه إمجاع على أن هتديد النظام العام الذي يبيح لإلدارة
التدخل وفقا لسلطات الضبط اإلداري ينبغي أن يكون هتديدا ماديا .ولذلك مل يكن
من اجلائز استعمال هذه السلطات حلماية املشاعر أو األخالق أو األمور األدبية
361
وقد واملعنوية عموما إال إذا تبني أن األمر يؤدي إىل املساس املادي بالنظام العام.
كرس االجتهاد القضائي ذلك التوسع يف فكرة النظام العام ليشمل النواحي املعنوية
كاألخالق واآلداب ،وقد اعترب القضاء الفرنسي العديد من احلاالت منافية للنظام
العام األديب كعرض املطبوعات املخلة باآلداب العامة عالنية ،وارتياد القاصرين
362
لبعض احملالت واملالهي...إخل.
إن اآلداب العامة أو حسن اآلداب يقصد هبا جمموعة األسس األخالقية اليت يقوم
عليها نظام اجملتمع واليت يعتربها األفراد أهنا واجبة االتباع يف عالقاهتم ولذلك ال
يباح اخلروج عليها عن طريق االتفاقات اخلاصة املخالفة .وملا كانت فكرة اآلداب
العامة تشمل جمموع املصاحل والقواعد األخالقية اليت يقوم عليها نظام اجلماعة ،فهي
تتصل بنظام اجملتمع ومتس كيانه ولذلك فإن هذه الفكرة تندرج ضمن فكرة أوسع
ميكن أن نعرف النظام العام االقتصادي بشكل عام على أنه تدخل الدولة يف
وذلك من خالل شرطة الضبط االقتصادي اليت تقوم بتنظيم األنشطة االقتصادية.
361محمد مرغيني خيري ":الوجيز في القانون اإلداري المغربي" ،الجزء الثاني ،مطبوعات دار المغرب .1978ص .237 :
362
Voir : WALINE (M) : "Précis de droit administratif", éd. Montchristien, Paris, 1969., p : 440.
واملالحظ أن النظام العام االقتصادي يعترب مفهوما واسعا ،فهو يرتبط بالنظريات
االقتصادية واالجتماعية يف حلظة معينة ،الشيء الذي يشكل خطرا على حريات
363
األفراد ،خاصة مع توظيف القانون واملفاهيم القانونية ملصاحل سياسية.
من التدابري ما تراه مناسبا حلماية النظام العام االقتصادي األمر الذي يشكل يف كثري
364
من األحوال مساسا حبرية املبادرة وما تكفله لألفراد من حرية التجارة والصناعة.
فاملساس باحلريات ال يستدعيه محاية النظام العام التقليدي فقط ،وإمنا أيضا يقتضيه
365
محاية النظام العام االقتصادي.
لقد أثريت مشكلة احملافظة على مجالية املدن من طرف الفقه الفرنسي ومدى
اعتباره من عناصر النظام العام اليت تربر تدخل سلطات الضبط اإلداري للمحافظة
عليها .فاعترب جانب من الفقه أن مسألة احملافظة على مجال الرونق والرواء ال تربر
ذلك التدخل إال إذا تالقت بصورة ما مع أحد عناصر النظام العام التقليدية،
كاحملافظة على الصحة العامة مثال وما يستتبعه من العناية بالبيئة وحماربة التلوث.
يف حني جند جانب من الفقه ال يشترط ذلك التالقي معتربا احملافظة على مجالية
366
املدن عنصرا من عناصر النظام العام اليت تربر تدخل سلطات الضبط اإلداري.
363
BERNARD (P) : op.cit, p : 40.
364
YAHYA (M) : "La notion d'autorité entre le droit et la politique au Maroc", Thèse, Université
Mohamed V, Rabat, 1998, p : 101.
365
LEMASURIER (J) : "Vers un nouveau principe général du droit", Le principe "Bilan-Caut-Avantages",
Mélanges WALINE (M) : "Le juge et le droit public", Tome II, Paris, LGDJ, Juillet 1974, p : 551.
366عادل أبو الخير :م.س ،ص .206 :
وكان جملس الدولة الفرنسي يشترط وجود نصوص قانونية صرحية العتبار
احملافظة على مجال الرونق من النظام العام ويربر تدخل السلطات حلمايته 367.لكن
368
وبالتايل أضحت اإلجراءات اليت تتخذها سلطة الضبط بعد ذلك عدل من موقفه.
369
اإلداري العتبارات اجلمال ال يشوهبا احنراف يف استعمال السلطة.
كثرية على جمال ممارسة احلقوق واحلريات الفردية ،ألن ذلك التوسع واكبه تشديد
وامتداد للقيود والعراقيل املفروضة على تلك املمارسة مما جيرد األفراد من الكثري
من حقوقهم وحرياهتم بدعوى هتديدها للنظام العام مبفهومه الواسع سواء املادي أو
املعنوي .فعندما تصبح األخالق واآلداب مندرجة ضمن مفهوم النظام العام ،فإن كل
ما من شأنه املساس هبا يشكل إخالال هبذا األخري .ومع أن مفهوم اآلداب العامة أو
األخالق احلميدة أو ما شاهبهما تعترب أفكارا عامة ونسبية ختتلف من جمتمع آلخر،
فإن مسألة تقدير حاالت املساس هبا يعود للسلطات اإلدارية املعنية ،الشيء الذي
سيوسع من نطاق السلطة التقديرية لإلدارة يف هذه احلالة ،وقد كانت هذه األخرية
حتظى أصال هبامش كبري من احلرية يف تقدير مفهوم النظام العام التقليدي .وهكذا
ففي الوقت الذي ينتظر فيه الفرد التقليص من نطاق السلطة التقديرية لإلدارة يف
اجملال الضبطي أساسا ،جيد نفسه أمام إدارة ضبطية تتسع سلطاهتا أكثر فأكثر مع
التطور الذي طرأ على النظام العام ،ويف مثل هذا الوضع ليس بوسعنا إال التشكيك
367
CE 4 Mai 1828, Leroy, Rec. 178.
368
CE 23 octobre 1936, Union parisienne des syndicats de l'imprimerie, Rec. 966.
369
CE 2 Août 1924 Leroux, Rec 780.
CE Mars 1941, Cie nouvelle des chalets de commodités, Rec. 44.
يف كل ما يقال حول الرغبة يف حتسني العالقة بني السلطة والفرد وحتقيق التوازن
والتوافق من خالهلا.
لكن باملقابل جند أن هناك جانب إجيايب لتوسع وتطور فكرة النظام العام
يتمثل يف تعزيز وتقوية احلماية الفعالة للنظام العام واملصلحة العامة على حد سواء،
من خالل ردع كل من سولت له نفسه املساس باألخالق واآلداب السائدة يف اجملتمع
مما يضمن احترام تقاليده وأعرافه وعقيدته .فالنظام العام مبفهومه املعنوي يفرض
مح اية كيان اجملتمع من كل ما ميس مشاعره وأخالقه ومعتقداته .الشيء الذي
سيساهم يف القضاء على الكثري من املمارسات والظواهر الدخيلة على اجملتمع ،واليت
يف غياب تدخل فعال من قبل السلطات الضبطية سيشجع من التصرفات الشاذة
لبعض األفراد بدعوى ممارستهم حلرياهتم وحقوقهم القانونية .ألن الفهم اخلاطئ
لتلك احلرية أو ذلك احلق سيؤدي إىل اإلضرار حبقوق وحريات اآلخرين .ولذا فإن
مشول النظام العام للجانب األخالقي سيساهم يف التصدي لكل من يستغل احلقوق
واحلريات بشكل خاطئ لتمرير أفكار وممارسات ال عالقة للمجتمع والدين هبا.
املبحث الثاين :الضوابط املقيدة لسلطات الضبط اإلداري ودورها يف محاية احلريات
املطلب األول :دور مبدأ املشروعية واملصلحة العامة يف ترشيد قرارات الشرطة
االدارية
ال تكون متمتعة إزاءها بسلطة مطلقة يف اختاذ ما تشاء من قرارات حىت ولو كانت
متمتعة بسلطة تقديرية يف التصرف بشأن مسألة معينة ،حبيث تكون خاضعة ملبدأ
املشروعية الذي حيدد إطار وحدود حتركات السلطات اإلدارية يف خمتلف اجملاالت
فإذا كانت اإلدارة بإصدارها لقرارات الضبط اإلداري هتدف إىل محاية النظام
العام ،وذلك بتقنني وتنظيم ممارسة األفراد حلرياهتم ،فهي ملزمة مبراعاة احلدود
والضوابط املرسومة هلا من طرف القانون ،370.لذلك فإن كل تدبري ضبطي من شأنه
املساس حبرية فردية جيب أن يندرج ضمن األعمال املخالفة للقانون ،فسلطات اإلدارة
يف اجملال الضبطي جيب أن تتقيد بضرورة احترام احلريات األساسية لألفراد واليت
371
تضمنها خمتلف القوانني.
إن الضبط اإلداري يعد امليدان الذي يربز فيه الصراع بني السلطة واحلرية بشكل
جلي 372،األمر الذي يتطلب البحث عن كيفية حتقيق التوافق بني الطرفني املتعارضني
أي بني متطلبات النظام العام وممارسة احلريات 373.وهنا يلعب مبدأ املشروعية دورا
حموريا يف إحداث ذلك التوافق من خالل الضمانات اليت يوفرها لألفراد يف ممارسة
حقوقهم وحرياهتم ،وما يضعه من ضوابط وحدود يتوجب على السلطات اإلدارية
مراعاهتا واخلضوع هلا فيما تتخذه من تدابري وإجراءات للمحافظة على النظام العام
بصوره املختلفة .حيث أن تلك اإلجراءات ال تكون مشروعة إال إذا كانت تستهدف
374
محاية النظام العام فعال وكان هذا األخري يواجه هتديدا واقعيا.
370الحسن سيمو " :الرقابة القضائية على قرارات الضبط اإلداري" ،م.م.إ.م.ت ،عدد ،24يوليوز-شتنبر ،1998ص .25 :
371حسن صحيب " :القضاء اإلداري المغربي" ،م.م.إ.م.ت ،سلسلة "مؤلفات وأعمال جامعية" ،عدد ،2008-80ص .330 :
372
OUAZZANI CHAHDI (H) : "Le juge administratif et les droits de l'homme", Remald, série "Thèmes
actuels", n°47, 2007, p : 11.
373
EL YAAGOUBI (M) : "Le droit administratif marocain", Tome 1, 1987, p: 177.
374
DE LAUBADERE (A), VENEZIA (J.C), GAUDMET (Y) : "Traité de droit administratif", Tome 1, 14 ème
édition, 1994, p : 800.
إن اخلضوع ملبدأ املشروعية أمر ضروري يف ميدان الضبط اإلداري الذي تكون
القرارات اإلدارية املتخذة يف صدده األكثر مساسا باحلقوق واحلريات واألشد قساوة
عليها بالنظر لطبيعة عمل الشرطة اإلدارية اليت تلتزم حبماية النظام العام الذي
مينح هلا حرية التصرف الختاذ كافة اإلجراءات والتدابري املمكنة والكفيلة مبواجهة
وبفضل قواعد وضوابط املشروعية ،فإن السلطات الضبطية حترص على ضمان
يف صاحل املصلحة العامة واحلريات على حد سواء ،من خالل احلرص على محاية النظام
العام واحملافظة عليه دون التفريط يف حقوق وحريات األفراد من خالل توفري شروط
إن احترام مبدأ املشروعية ،يفرض على سلطات الضبط اإلداري ضرورة استهداف
املصلحة العامة من وراء قراراهتا واملتمثلة يف هذه احلالة يف محاية النظام العام وكل
ما من شأنه املساس واإلخالل به ،وبالتايل مينع عليها استغالل صالحياهتا يف حتقيق
أهداف أخرى غري اليت حددها املشرع .فاإلدارة تكون أحيانا ملزمة بتحقيق هدف
حمدد من وراء إجراءاهتا الضبطية كحماية الصحة العامة ،فإذا ما استهدفت حتقيق
هدف آخر ولو كان مندرجا ضمن إطار املصلحة العامة كحماية عنصر آخر للنظام
العام كالسكينة العامة أو األخالق احلميدة ،فإن قراراهتا تكون مفتقدة للمشروعية
وتكون معرضة لإللغاء ،وذلك وفقا لقاعدة ختصيص األهداف .أما يف حالة عدم
التخصيص فإن اإلدارة تلتزم حبماية النظام العام ،وكل خروج عليه لتحقيق أغراض
شخصية أو حزبية أو فئوية ...إخل ،يكون معها اإلجراء املتخذ غري مشروع.
اجملاالت ومنها ميدان الضبط اإلداري ،جند أن استهداف املصلحة العامة من وراء تلك
التصرفات يعترب يف احلد ذاته قيدا فعاال لسلطة اإلدارة التقديرية .فبالرغم من
عمومية وشساعة مفهوم املصلحة العامة ،إال أنه يبقى عنصرا مؤثرا يف حتديد نطاق
اختصاصات اإلدارة وتوجيه اختياراهتا .كل قرار من قراراهتا إال ويكون هدفه وغايته
الوحيدة هو حتقيق املصلحة العامة سواء بتخصيصها أم بدون ذلك .واألمر ينطبق
بالتايل على قرارات الضبط اإلداري اليت ال تغيب املصلحة العامة عن هدفها ،وإن
كانت هذه األخرية يعرب عنها بصيغ خمتلفة حبسب اختالف جماالت تواجدها .وهكذا
فإن حتقيق املصلحة العامة يف جمال الضبط اإلداري يتحقق باحملافظة على النظام العام
مبختلف صوره .وبالتايل نصل إىل خالصة مفادها أن مبدأ املشروعية يرتبط بشكل
وثيق بفكرة املصلحة العامة ،فكل عمل إداري لن يتسم باملشروعية ما مل يستهدف
375
وقياسا على ذلك فإن إجراءات الضبط اإلداري ال تكون حتقيق املصلحة العامة.
مشروعة إال إذا كانت هتدف محاية النظام العام الذي يعترب بدوره جزءا من فكرة
لكن بالرغم من تلك القيود والضوابط اليت تؤطر حتركات السلطات الضبطية
حلماية النظام العام ،إال أن ذلك ال يعين حبال من األحوال عدم املساس باحلريات
375
TRUCHET (D) : "Les fonctions de la notion d'intérêt général dans la jurisprudence du conseil d'Etat",
LGDJ, Paris, 1977, p : 87.
الفردية وتقييدها إن استدعت الظروف ذلك .ومعىن ذلك أن مبدأ املشروعية ال
يهدف فقط محاية حريات وحقوق األفراد ،وإمنا أيضا وجد حلماية مصاحل اجملتمع
والدول ومتطلباهتما املتمثلة يف النظام العام واملصلحة العامة .وبالتايل فإن البحث عن
حتقيق التوافق بني السلطة والفرد ليس معناه إطالق احلريات دون قيد أو رادع وعلى
حساب محاية النظام العام الذي هو يف األخري أحد الضمانات اليت متكن األفراد من
ممارسة حرياهتم بالشكل املطلوب ويف أحسن الظروف واألحوال ،وهنا نتساءل هل
ميكن االنتقال من إلزامية التصرف حلماية النظام العام من طرف سلطة الضبط إىل
احلق يف األمن للمواطنني ،علما أن هذا األخري يضمن من طرف السلطة واختياراهتا
التقديرية ؟ 376فاألمن باعتباره عنصرا من عناصر النظام العام املادية ،يعد حقا طبيعيا
للفرد ،فهو عنصر مالزم للحرية اليت ال ميكن تصور ممارستها يف غياب األمن ويف
ظل شيوع الفوضى واالضطرابات 377.وحالة الالأمن هذه تعد النتيجة احلتمية إلطالق
ممارسة احلريات دون قيود ويف غياب تدخل من املشرع واإلدارة لتقنينها
378
وتنظيمها.
هلذا ،فالتوافق الذي نتغياه يف هذا الصدد ،هو ذلك الذي يكفل محاية النظام
العام دون املساس حبق األفراد يف ممارسة حرياهتم يف نطاق ما يسمح به القانون
ودون املساس حبريات اآلخرين وبالنظام العام .فصحيح أن السلطة ليس من السهل
376
REDOR (M-J) : "L'ordre public : Ordre public ou ordres publics, ordre public et droits fondamentaux",
Actes du colloque de Caen des 11 et 12 mai 2000. Droit et justice : Collection dirigée par Pierre Lambert,
2001, p : 309.
377حيث غياب الظروف المواتية لممارسة الحريات األساسية :فكيف يمكن ممارسة حرية التجول مثال في ظل االنفالت األمني وغياب
االستقرار.
378
DREVELLE (D) : "Du besoin de sécurité à la doctrine de la sécurité in : Variation autour de l'idéologie
de l'intérêt général", Vol. 1, PUF, 1978 p : 80.
أن تتخلى عن قساوهتا واستعالئها ونظرهتا احلذرة اجتاه ممارسة بعض احلريات ذات
الطابع السياسي .ويف نفس الوقت ليس من السهل تغيري النظرة السلبية لألفراد اجتاه
السلطة واليت يشوهبا الشك واخلوف وعدم الثقة .هذه الصورة يلخصها لنا األستاذ
بارتالند راصل بقوله" :379يف عامل يف منتهى التعقيد واخلطورة تصبح كل فضائل
ومع ذلك فهذه الفضائل –من وجهة نظر الفرد الذي حيتاج إىل التلقائية والتمجيد-
إن املصلحة العامة تشكل قيدا فعاال على التصرفات اإلدارية وإطارا لتحركاهتا،
ففي اجملال الضبطي ،جند أنه بالرغم من السلطات التقديرية الواسعة اليت حتظى هبا
الشرطة اإلدارية بالنظر حلساسية وأمهية جمال الضبط اإلداري ،إال أن هدف املصلحة
العامة يقلص من نطاق تلك السلطات ويلزم اإلدارة بتفادي االحنراف يف قراراهتا
واالعتداء على احلقوق واحلريات ،مما جينب األفراد الكثري من حاالت االعتداء الناجتة
عن استهداف اإلدارة من وراء قراراهتا للمصاحل اخلاصة والفئوية البعيدة عن املصلحة
العامة .أما حاالت املساس باحلقوق واحلريات الفردية الناجتة عن اإلجراءات الضبطية
اليت تستهدف محاية النظام العام ،فهي بدورها كثرية وإن مل تكن باخلطورة اليت
متيز اإلجراءات الضبطية التعسفية والغري املشروعة .فاإلدارة املواطنة واحلريصة فعال
على املصلحة العامة لن تفرط يف املصاحل اخلاصة لألفراد ،بل ستعمل على البحث عن
379بارتراند راصل " :السلطة والفرد" ،ترجمة لطيفة عاشور ،1994 ،ص .11 :
كيفية محاية النظام العام واحملافظة عليه مع السماح مبمارسة احلقوق واحلريات
الفردية.
إن مسألة انتهاك اإلدارة للحقوق واحلريات الفردية ،جندها مرتبطة بنوعية
تلك اإلدارة وعالقتها باحمليط ومدى رغبتها يف حتسني تلك العالقة وردم اهلوة
املوجودة من خالهلا ،فإذا كانت اإلدارة مواطنة وتشاركية ودميقراطية وتسعى فعال
وراء املصلحة العامة ،فإهنا لن تعمد إىل استغالل سلطاهتا التقديرية لإلضرار مبصاحل
مجهورها ،وإمنا على العكس من ذلك ستحرص على تلك املصاحل وحتافظ عليها قدر
املستطاع وهي بصدد اختاذ قرار يف مسألة معينة .ففي موضوعنا املرتبط بالضبط
اإلداري فإن السلطات املعنية جيب أن حترص على احلقوق واحلريات الفردية مثل
حرصها على النظام العام من خالل محايته واحملافظة عليه .أما إذا كانت اإلدارة
خبالف ذلك ،وتفتقد لروح املواطنة وااالنفتاح والتشاور ،فإهنا ستتخذ من املصلحة
العامة والنظام العام املربر والذريعة للتغطية على تصرفاهتا التعسفية يف حق األفراد،
وسوف تستغل كل فرصة أمامها لتوسيع سلطتها التقديرية وتوظيفها للتضييق على
ممارسة احلقوق واحلريات وليس هبدف محاية النظام العام وحتقيق املصلحة العامة.
متثل احلرية مصدرا للكثري من احلدود والقيود اليت تفرض على سلطات الضبط
أمهها :
يف تنظيمها إىل حد التحرمي املطلق ،فاإلدارة ال متلك تعطيل ممارسة احلرية إال إذا
كانت الوسيلة الوحيدة الكفيلة حبماية النظام العام ،ويكون ذلك اإلجراء بصفة
مؤقتة .فاهلدف الذي جيب أن يشغل السلطة الضبطية ليس هو كيف حتافظ على
النظام العام ،بل كيف تسمح مبمارسة احلرية دون املساس بالنظام العام ،فهي
يقوم جوهر هذه القاعدة على حمورين متالزمني ،األول مقتضاه أن اإلدارة تترخص
يف حتديد مضمون اخللل أو االضطراب الذي قد يلحق النظام العام .والثاين مفاده
التزام جهة الضبط بترك احلرية لألفراد يف اختيار وسائل تفادي هذا اخللل .وقد
تفرض مقتضيات املصلحة العامة عدم تطبيق القاعدة يف بعض احلاالت اخلاصة
380
كاالستعجال مثال.
-3اختالف موقف السلطة باختالف قيمة احلرية والظروف املرتبطة هبا :
ومعىن ذلك أنه كلما كانت قيمة احلرية بالنسبة للفرد هامشية ،كلما
توسعت سلطة اإلدارة إزاءها ،والعكس صحيح .فاحلريات ليست بنفس الدرجة من
األمهية والقيمة ،فهناك حريات أساسية وأخرى ثانوية ،أو لنقل حريات من الدرجة
األوىل وهي األكثر محاية وأخرى من الدرجة الثانية وهي األقل محاية ،فمثال حرية
التمثيل والعروض املسرحية أقل أمهية ومحاية من حرية التجمع381.وقد حيدث أن
تتعارض احلريات فيما بينها ،ومن مث جيب على اإلدارة املفاضلة بينها لتغليب أوالها
بالرعاية واحلماية ولذا فإن التضييق من نطاق حرية معينة يصبح مشروعا مىت كان
382
من أجل توفري حرية أخرى أكثر أمهية.
وعموما ،فإن سلطات إدارة الضبط اإلداري يف تعاملها مع احلريات ختتلف حبسب
ما إذا كانت احلرية اليت بصدد التنظيم منصوص عليها تشريعيا أم ال ،كما ختتلف
باختالف الظروف املكانية والزمانية وكذلك درجة أمهية احلرية وما إذا كانت
أساسية أم ثانوية.
يف حالة وجود نصوص تشريعية خاصة يف شأن تنظيم حرية ما فإن السلطات
العمومية جيب أن تلتزم مبا ورد فيها من قيود ،وبالتايل فإن كل إجراء تتخذه اإلدارة
متجاوزة به تلك النصوص ينطوي على جتاوز للسلطة ،كما يتعني تفسري القيود الواردة
381
PHILIPPE (X) : "Droit administratif général", Presse universitaire d'Aix-Marseille, 1993, p : 301.
382عادل أبو الخير :م.س ،ص .356 :
يف حالة غياب نصوص تشريعية خاصة بتنظيم ممارسة احلريات ،فإن ذلك ال
يعين أن اإلدارة متلك سلطة مطلقة يف التصرف كما تشاء وحسب رغباهتا وأهوائها.
وإمنا تكون هلا سلطة تقديرية ختتلف ضيقا واتساعا حبسب اختالف ظروف املكان
والزمان احمليطة مبمارسة احلرية .وتكون مقيدة يف ذلك بقيود مرتبطة بعضها
واملالحظ أن سلطة اإلدارة يف حالة غياب نص تشريعي تكون أوسع نطاقا منها
يف حالة وجود النص ،ينطبق األمر على احلريات املنصوص عليها دستوريا يف غياب
383
قوانني تنظيمية تتناوهلا بالتفصيل كما هو الشأن بالنسبة حلق اإلضراب.
بتغري ظروف املكان والزمان احمليطة مبمارسة احلرية .وهنا يتوجب التفريق بني ما
إذا كانت القيود اليت تفرضها اإلدارة بصدد ممارسة األفراد حلرية ما مؤقتة وحمددة
بفترة زمنية ،أو قيود أبدية وغري حمددة زمنيا .حيث يتوجب أن تكون سلطة اإلدارة
يف احلالة األخرية أضيق وأخف وطأة من سلطتها يف احلالة األوىل .وكذلك جيب
384
التمييز بني ما إذا كانت القيود اليت تفرضها إدارة الضبط ستطبق ليال أم هنارا.
ونالحظ ذلك من خالل اختالف تعامل اإلدارة مع احلريات فيما إذا كانت متارس
يف امللك اخلاص أو الطريق العام أو املرفق العام .ويتضح ذلك من مدى سلطة اإلدارة
383
EL YAAGOUBI (M) : "Le droit administratif marocain", Tome 1, 1987, p : 178.
384عادل أبو الخير :م.س ،ص .374 :
إزاء االجتماعات اخلاصة ،واالجتماعات العامة مبعناه الضيق وإزاء التظاهر يف الطريق
العمومي ،حيث تتسع تلك السلطة يف مواجهة احلالتني األخريتني وتضيق يف مواجهة
385
احلالة األوىل.
إضافة إىل القيود املرتبطة بطبيعة احلرية ،هناك قيود متعلقة باإلجراءات
ومعىن ذلك أن يكون ذلك اإلجراء هو األكثر ضرورة وفعالية وتأثريا ،وأن
يستهدف القضاء على املخاطر احلقيقية اليت قد تلحق بالنظام العام ،وليس جمرد
التهديد البسيط الذي ال يرخص لإلدارة مشروعية اختاذ اإلجراء ،كما يفترض يف هذا
-2وجوب التناسب بني اإلجراء الضبطي وجسامة اخللل واالضطراب املراد تفاديه
:
ومفاد هذه القاعدة أنه إذا كان االضطراب قليل األمهية فال جيب التضحية
بكامل احلرية أو التشديد يف تقييدها .كما ال جيوز التضحية حبرية أساسية خشية
اإلخالل مبمارسة حرية ثانوية أو أدىن منها .وتعد فكرة التناسب من بني العناصر
األكثر حساسية يف حتديد مدى توسع سلطات الضبط وقسوهتا ،كما تتجلى أمهيتها
كوهنا حتقق نوعا من التوازن بني متطلبات احلفاظ على النظام العام وممارسة
386
احلريات.
ومفاده أنه إذا كان القيد الوارد على ممارسة احلرية ضروريا ،فإن اإلجراء
الضبطي جيب أن يطبق على كافة األفراد املتماثلني يف األوضاع واملراكز القانونية.
فمبدأ املساواة جيب أن يكون أساس كل تنظيم قانوين ملمارسة احلقوق واحلريات.
ومبراعاة هذه الضوابط والقيود من طرف سلطات الضبط اإلداري فإنه سيتم
التخفيف من حدة الصراع بني احلرية والسلطة ،خاصة إذا التزمت هذه األخرية مبراعاة
قاعدة أن احلرية هي األصل والقيد هو االستثناء ،وهكذا يتوجب على سلطات الضبط
عند الشك تغليب احلرية وإيثارها 387،كما جيب عليها أال تستغل الفراغ التشريعي
بصدد تنظيم ممارسة حريات معينة لتوسع من سلطاهتا ،ويف حالة وجود نصوص
تشريعية مقيدة ملمارسة حرية ما ،وجب تفسري تلك النصوص تفسريا ضيقا.
وهكذا ،يتضح أن عالقة السلطة باحلرية تتأثر بعوامل وظروف ،فأحيانا تتسم
بالصراع والصدام مما يوسع من نطاق اهلوة القائمة بينهما ،وأحيانا أخرى تكون
األقرب إىل التوافق .وتعد سلطة اإلدارة التقديرية العنصر الذي حيدد نوعية العالقة
وطبيعتها ،فكلما اتسع نطاقها بصدد مسألة معينة وإال كان لذلك انعكاسا سلبيا
على عالقة السلطة باحلرية بالنظر لالستغالل السيء من طرف اإلدارة لتلك السلطة
يف الغالب .ويف املقابل ،كلما كان االختصاص املقيد هو الغالب على صالحيات اإلدارة
وسلطاهتا إال وقلت حاالت احنرافها وتعسفها على حقوق وحريات األفراد .وبالتايل
فتحقيق التوافق بني السلطة والفرد وحتسني العالقة بينهما مير عرب ضرورة التقليص
إن ميدان الضبط اإلداري يشهد احتكاكا دائما بني السلطة واالفراد ،وجند أن
ظروف كثرية تتدخل يف حتديد طبيعة العالقة بينهما من خالل دورها يف توسيع
سلطة اإلدارة التقديرية أو التقليص منها ،هذه السلطة اليت تتأثر كما أشرنا بظروف
الزمان واملكان ،كما ختتلف يف مداها بني حالة وجود النص أو غيابه .وهكذا جند
أن ممارسة األفراد حلقوقهم وحرياهتم يف أوقات وأماكن حمددة تتم يف ظروف
أفضل بكثري من ممارستهم هلا يف أوقات وأماكن أخرى .كما أن وجود نص قانوين
ينظم تلك املمارسة يوفر لألفراد ضمانات أقوى وحرية أكرب من حالة عدم وجود
النص.
لكن ،ومع ذلك ،فإن تقدير املصلحة العامة وحاالت هتديد النظام العام ودرجة
اخلطورة احملتملة ،جيعل إدارة الضبط حتتفظ حبرية التصرف واختاذ اإلجراء املناسب
ملواجهة ذلك التهديد .وهذا ما يتيح هلا اختيارات كثرية وذلك يف مجيع األحوال
حىت اليت تبدو فيها اإلدارة مقيدة كحالة وجود النص املنظم للحرية أو ممارستها يف
أماكن خاصة مثال .فمادام أن األمر يتعلق بالنظام العام فإن التضحية باحلرية يكون
الكتب:
عادل أبو اخلري" :الضبط اإلداري وحدوده" ،مطابع اهليئة املصرية العامة
للكتاب.
ثورية لعيوين " :القانون اإلداري املغريب" ،دار النشر اجلسور ،وجدة ،الطبعة
الثانية .1999
االطروحات:
منيب حممد ربيع " :ضمانات احلرية يف مواجهة سلطات الضبط اإلداري"،
املقاالت:
احلسن سيمو " :الرقابة القضائية على قرارات الضبط اإلداري" ،اجمللة
وديع البقايل :النظام العام واحلريات ،جملة القانون املغريب ،عدد ،31
.2016
Ouvrages
- BERNARD (P) : "La notion d'ordre public en droit administratif", éd.
1962 .
- TRUCHET (D) : "Les fonctions de la notion d'intérêt général dans la
Paris, 1972.
Paris, 1969.
1987.
d'Aix-Marseille, 1993.
Articles
2001.
Thèses
او غري قضائية ،تعمل على تبنيها جمموعة من الدولة بغيت معاجلة ماضي االنتهاكات
اجلسيمة حلقوق االنسان ،عرب احداث جلان للحقيقة واإلنصاف واملصاحلة ،غايتها
االساسية اصالح املؤسسات ،وحتقيق مصاحلة وطنية ملنع تكرار االنتهاكات اجلسيمة
حلقوق االنسان ،واالنتقال حنو حكم دميقراطي يضمن اعادة احلقوق اىل اصحاهبا،
P 239 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
حلقوق االنسان ،عن طريق تلك املؤسسات بشكل مباشر او غري مباشر ،أو عن طريق
القائمني عليها ،عرب اعادة هيكلة االجهزة واملؤسسات اليت يتهم منتسبني هلا بارتكاب
انتهاكات جسيمة حلقوق االنسان ،او اساءة استعمال السلطة ،مبا يضمن تعديل امناط
ممارسة السلطة ومراعاة حقوق االنسان ،وتعد مؤسسة القضاء من مؤسسات الدولة
بضمان استقالل هذه السلطة عن باقي السلطة ،باعتبارها الضامن للحقوق واحلريات
شكل موضوع إصالح العدالة أبرز املواضيع اليت استأثرت باهتمام التجربة
والظواهر السلبية اليت ارتبطت باجلهاز القضائي ،خالل الفترة اليت كانت موضوع
اشتغال اهليأة.
القضاة واستقالل القضاء وتأهيل العدالة ،بغية إصالح شامل جلهاز القضاء اعتبارا لكون
تكريس دولة احلق والقانون ،واحترام حقوق اإلنسان ال ميكن أن يتم يف غياب
إصالح السلطة القضائية ،اليت اسهمت يف االنتهاكات اجلسيمة حلقوق اإلنسان يف
املاضي ،مما يعين أن من سبل عدم التكرار التعزيز الدستوري ملبدأ استقالل السلطة
ضمانات قوية للقضاة ،من أجل أداء مهامهم على أكمل وجه يف اجتاه تأهيل العدالة
(الفرع األول) ،كما قدمت اهليأة جمموعة من التوصيات مهت تقوية الضمانات
الدستورية الستقالل اجمللس األعلى لسلطة القضائية يف دستور ،2011ملا يلعبه من
دور رئيسي يف عمل السلطة القضائية ،والذي كان يف ظل الدستور السابق جمال
أو مالية ،ألن هدف هذا األخري هو العدالة وفقا للقانون ،وال ميكن تصور الدميقراطية،
دون فصل السلطة التشريعية والتنفيذية عن القضائية ،حيث أن هذا الفصل هو أفضل
الضمانات للنظام الدميقراطي ،وقد عرب عنها مونتسكيو بالقول لكي ال حيصل الشطط
يف استعمال السلطة ،جيب حسب مقتضيات األشياء ،أن توقف السلطة السلطة،388
لذلك وجب التنصيص الدستوري الصريح على منع أي تدخل يف سري أشغال السلطة
رؤيتها لتعزيز دور القضاء انطالقا من الوثيقة الدستورية ،عرب الدعوى إىل استقالله ملا
يقوم به من أدوار مهمة حلماية حقوق وحريات املواطنني (الفقرة األوىل) ،كما
)388عبد الصمد عفيفي :سعيد الحيان :األسس النظرية لدولة القانون في دستور ،2011أعمال الندوة الوطنية
حول الدستور الجديد ،2011وثيقة جوهرية لالنتقال الديمقراطي في المغرب 29 ،نونبر ،2012منشورات كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة القاضي عياض ،سلسلة المؤتمرات والندوات ،العدد ،2013 ،40
ص.262 :
العدالة ،وما يتعلق بالضمانات املقدمة للقضاة ،وتوفري املوارد البشرية واملادية لتحقيق
ذلك.
رغم أن تقرير اخلمسينة مل يعمل على تشخيص وضعية وواقع العدالة بشكل
كايف ،389إال أن تقرير هيئة اإلنصاف واملصاحلة ،حاول استجالء واقع العدالة ودورها
والتشريعية.
فقد جاء ضمن توصيات اهليئة العمل على تعزيز املبدأ الدستوري من حيث
الفصل بني السلط ،وخاصة فيما يتعلق باستقالل العدالة والنظام األساسي للقضاء ،مع
املنع الصريح ألي تدخل للسلطة التنفيذية يف تنظيم العدالة وسري السلطة
القضائية ،391وذلك بقصد احليلولة دون تكرار الدور السليب الذي لعبته مؤسسة
القضاء خالل سنوات اجلمر والرصاص ،وما صاحبها من اعتقاالت تعسفية واختطافات
وحماكمات ،392وقد واكب صدور هاته التوصيات إرادة سياسية ملكية خبصوص
اإلصالح القضائي ،أعلن عنها يف سنة 2007مبناسبة خطاب العرش ،واخلطاب امللكي
)389خصص تقرير الخمسينية للكشف عن واقع العدالة صفحتين إلصالح القضاء الصفحة 84و 85أنظر قرير
الخمسينية.
)390التقرير الختامي لهيأة اإلنصاف والمصالحة ،الكتاب الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،2006 ،
ص .139- 121
)391التقرير الختامي لهيئة اإلنصاف والمصالحة ،الكتاب الرابع ،مقومات اإلنصاف والمصالحة ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،2006 ،ص .85
)392أحمد حضرن ي :العدالة االنتقالية واإلصالح القضائي بالمغرب ،المجلة المغربية للعلوم السياسية ،العدد 1
الجزء 2011 ،2010 . 1ص .78
غشت 2009بشأن اإلصالح الشامل والعميق ملنظومة العدالة ،املرتكز على اخلطاب
املواطن".394
ويف نفس اإلطار ،مت تنصيب اهليئة العليا للحوار الوطين حول إصالح العدالة،
من طرف امللك حممد السادس يف 8ماي ،2012واليت كان هدفها الرئيسي صياغة
مشروع إصالح منظومة العدالة بناء على مقاربة تشاركية تشمل مجيع املعنيني هبذا
املوضوع ،مما سيمكن من تبلور "ميثاق منظومة العدالة" ،الذي مت اإلعالن عنه يف
يوليوز ،3952013حيث جاء يف اخلطاب امللكي مبناسبة تنصيب هاته اهليئة "قد
أبينا إال أن نضفي رعايتنا السامية على هذا احلوار ،اعتبارا للعناية الفائقة اليت ما فتئنا
نوليها هلذا اإلصالح اجلوهري ،الذي جعلناه يف صدارة األوراش اإلصالحية الكربى اليت
نقودها ،إميانا بأن العدل هو قوام دولة احلق واملؤسسات وسيادة القانون ،اليت حنن هلا
ضامنون وحتفيز االستثمار والتنمية اليت حنن على حتقيقها عاملون" ،396ويضيف يف
أخر اخلطاب "كما ندعو مجيع الفاعلني للتعبئة واالخنراط يف هذا احلوار الذي
سنتعهده بالرعاية واملتابعة ،غايتنا اجلماعية بلورة ميثاق وطين واضح يف أهدافه
)393عبد السالم العماني :إصالح القضاء مقترحات أولية ،في ندوة حول إصالح منظومة العدالة في ضوء توصيات
هيئة اإلنصاف والمصالحة ،منشورات المجلس الوطني لحقوق اإلنسان ،سلسلة الندوات ،مطبعة المعارف الجديدة،
بدون طبعة ،الرباط 2013ص .10
)394إدريس بالمحجوب :مستلزمات تأهيل العدالة وتقوية استقاللها ،مجلة الحقوق سلسلة األعداد الخاصة ،العدد
2012 ،5ص.31 :
) 395جمعية عدالة :الحق في الولوج الى العدالة ومعايير المحاكمة العادلة ،مطبعة Marodisiacبدون طبعة
2013ص.6 :
)396نص الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة تنصيب الهيأة العليا للحوار الوطني حول إصالح العدالة.
وتقوميه".397
إن هذا التوجه يشكل إعادة االعتبار ملوقع مؤسسة القضاء ،يف هيكلة الدولة
لتوجه حنوا دولة عصرية دميقراطية ،ألن إشكالية استقالل السلطة القضائية بصفة
عامة ،ليست هلا حلول دائمة وإمنا هو راجع إىل دينامية التجديد والتطوير ،الذي
اجلواب عليها عدة متغريات وحتكمها عدة منطلقات ،ومن شأن عدم اعتمادها البقاء
يف نفس املكان ،398وتكرار نفس املمارسات اليت قد تؤدي إىل تدخل السلطتني
حلقوق اإلنسان ،اليت كان باإلمكان عدم حدوثها يف حالة وجود قضاء مستقل ،يرجح
كفة االجتهاد الذي من شأنه أن يسهم يف توسيع فضاء احلقوق واحلريات ،399وضمان
عدم انتهاكها ،باعتبار أن القضاء هو الضامن ملمارسة هذه احلقوق والساهر على التمتع
هبا.
هبا يف خطبها ورسائلها ،يعد مبثابة إعالنا منها عن توجه جديد يعطي موقع مهم
للمؤسسة القضائية ،لكن عدم إدراج إصالح املنظومة الدستورية ضمن األولويات
يف الشق اخلاص بالتعزيز الدستوري معلقة ،واليت من ضمنها تعزيز استقالل القضاء،
وظلت هاته التوصيات حمصورة يف جمموعة من اخلطب والرسائل امللكية ،دون أن
جتد هلا سبيل إىل النص الدستوري ،نظرا لغياب مسألة اإلصالح الدستوري ضمن
أجندة الفاعلني ،إىل ما بعد حترك الشارع املغريب يف احتجاجات مطالبة بعدة
اصالحات كان من ضمنها تعديل الوثيقة الدستورية ،اليت متت املوافقة عليها يف
بتوصيات هيئ ة اإلنصاف واملصاحلة ،املرتبطة باستقالل العدالة ،فقد نصت الوثيقة
القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية" ،400كما اعترب نفس
الدستور على السلطة القضائية ،بدل القضاء تعزيزا ملبدأ فصل السلط وحرص على
استقاللية هاته السلطة ،خطوة هامة يف جسر بناء الدميقراطية ،ميكن من خالهلا
كما نص الفصل 109ويف إطار تعزيز القضاء كسلطة وتعزيز استقالليتها على
"مينع كل تدخل يف القضايا املعروضة على القضاء ،وال يتلقى القاضي بشأن مهمته
القضائية أي أوامر أو تعليمات وال خيضع ألي ضغط ،وجيب على القاضي كلما اعترب
أن استقالله مهدد ،أن حييل األمر إىل اجمللس األعلى للسلطة القضائية ،402"..كما
نص نفس الفصل على معاقبة كل من حاول التأثري على القاضي ،حيث جاء فيه
"يعاقب القانون كل من حاول التأثري على القاضي بكيفية غري مشروعة" ،403وبتايل
ميكن القول أننا أمام خروج عن الفكر الذي كان يؤطر العالقة بني السلطة القضائية
والسلطة التنفيذية ،واليت غالبا ما تكون هاته األخرية هي سيدة القرار فيها ،نظرا ألن
وزير العدل هو نائب عن امللك يف اجمللس األعلى للقضاء 404حبسب دستور ،4051996
مما ميكن القول معه أن هناك تدخل كبري للسلطة التنفيذية يف اختصاصات السلطة
القضائية ،والالفت لالنتباه يف دستور 2011وعلى وجه اخلصوص الفصول اليت مت
ذكرها ،هناك نية صرحية للمشروع يف الرقي بالقضاء إىل سلطة مستقلة عن باقي
السلط ،إضافة إىل التركيز على استقاللية القاضي الذي نظرا لدوره الكبري يف عملية
التقاضي ،وما جيب أن يتوفر فيه ويتوفر عليه من شروط تضمن للقضاء استقالليته
من خالل ذلك نالحظ أن النص الدستوري ،قد استوعب توصيات هيئة اإلنصاف
واملصاحلة املتعلقة بالسلطة القضائية ،خصوصا تلك املرتبطة بتعزيز استقالل العدالة
والرقي هبا إ ىل سلطة قائمة الذات ال ختضع ألية سلطة آخرى ،كما عمل املشرع
الدستوري على التنصيص على استقاللية القاضي ،وهو الشيء الذي تضمنته توصية
كما أن هذا اإلصالح جاء نتيجة الصريورة اليت عرفتها العدالة يف بالدنا من
البدايات األوىل لالستقالل ،406واليت كانت السنوات األوىل بعد هناية هيئة اإلنصاف
واملصاحلة من أمهها ،بداية إعادة التفكري يف إصالح هذا الورش األساسي ،وهو ما
يتجلى من خالل اخلطب اليت أسلفنا ذكرها وكذا الرسائل امللكية ،ويف التنصيص
الدستوري على استقالليتها ،كما يتضح من خالل تنصيب امللك للهيئة العليا للحوار
الوطين حول إصالح العدالة ،واليت تبلور على أساسها ميثاق منظومة العدالة ،وجود
وتبعا لذلك فإن إصالح القضاء مل يعد فقط كآلية لتفعيل توصيات ومقترحات
هيأة اإلنصاف واملصاحلة يف إطار التجربة املغربية للعدالة االنتقالية ،أو جمرد سياسة
عمومية معرب عنها من طرف الفاعلني الرئيسيني يف احلقل السياسي املغريب ،بل يف
نظرنا أولوية األولويات بالنظر ألمهية القطاع كعماد لسلطة الدولة ،ونظرا كذلك
ألن العدل أساس امللك واعتبارا لكون القضاء سلطة أساسية لتوطيد دولة احلق
الدميقراطية ،الشيء الذي يدفعنا إىل طرح السؤال حول مدى تفعيل توصيات هيئة
)406صرح محمد الخامس في خطاب العرش الذي ألقاه يوم 18نونبر ،1955أي بعد عودته من المنفى بيومين
بأنه سيتم تأسيس حكومة مغربية سيكون من جملة المهام المسندة إليها " مهمة وضع أنظمة ديمقراطية على أساس
االنتخاب وفصل السلط في إطار ملكية دستورية"
يشكل تأهيل القضاء والعدالة مسألة بالغة األمهية ،نظرا ملا يستند إليها بقوة
القانون والواقع من دور جوهري ،يف ضمان احلقوق واحلريات وصوهنا ويف تطبيق
للمنظومة القضائية حبكم طبيعة مهامها ،وجماالت اشتغاهلا يف سعيها إىل تشخيص
ويف هذا اإلطار ،قدمت هيئة اإلنصاف واملصاحلة جمموعة من التوصيات اهلدف
املنتظم ألدائهم؛
وألجل ذلك قدم اجمللس الوطين حلقوق اإلنسان مذكرة للملك ،تتضمن
مقترحاته لتفعيل توصيات هيئة اإلنصاف واملصاحلة يف جمال تأهيل العدالة وتقوية
) 407التقرير الختامي لهيئة اإلنصاف والمصالحة ،الكتاب الرابع مرجع سابق ،ص .89 – 88
استقالهلا ،أنيطت أساسا بالعمل على تقوية الضمانات الدستورية الستقالل القضاء،
الثقة ،409كما جند أن تقرير اخلمسينية ويف تشخيصه للوضعية القضائية ،بني أن من
أسباب اليت أدت إىل تدين مستوى القضاء ،يتمثل يف إصالح 1974الذي أضر
بالضمانات املخولة للمتقاضني ،واملس بشروط احملاكمة العادلة على املستوى اجلنائي،
كما أشار إىل أن نقص مستوى كفاءة بعض القضاة واحملامني وكتاب الضبط ،وتدين
وضعيتهم املادية كان من أهم مواطن القصور اليت أضرت باستقاللية القضاء،410
الشيء الذي وجب معه التفكري لتأهيل هذه املؤسسة ،خصوصا القضاة وكتاب الضبط
من خالل تكوينهم بشكل مستمر ،وإعادة هيكلة خمتلف املهن القضائية كما دعت
يف هذا اإلطار ،جند أن املذكرة اليت قدمها اجمللس االستشاري حلقوق اإلنسان من
) 408النظام األساسي للقضاء ،التنظيم القضائي ،المرسوم المنظم الختصاصات وزارة العدل ،القانون المنظم
للمعهد العالي للقضاء.
) 409تقرير حول متابعة تفعيل توصيات هيئة اإلنصاف والمصالحة ،الملحق 4حصيلة العمل في مجال اإلصالحات
القانونية والمؤسساتية منشورات المجلس االستشاري لحقوق اإلنسان ،2010ص .25-24
) 410تقرير الخمسينية مرجع سابق ،ص .85-84
التكوين؛
وخبصوص توصية اهليئة مبواصلة حتديث احملاكم ،قدم اجمللس جمموعة من
رصد ميزانية للتجهيز والتسيري لكل حمكمة على أن يكون رئيسها هو
األمر بالصرف؛
الزيادة يف عدد القضاة واملوظفني واألطر التقنية باحملاكم ،على حنو يناسب
كما جند أن النسيج املدين للدفاع عن استقالل السلطة القضائية ،قدم هو األخر
جمموعة من املقترحات الرامية إىل تأهيل العدالة ،وذلك من خالل اإلعالن اخلتامي
)411تقرير حول متابعة تفعيل توصيات هيأة اإلنصاف والمصالحة ،مرجع سابق ،ص .26
)412نفس المرجع السابق ص .26
للقضاة والقاضيات؛
يضاف إىل ذلك ،العمل على تكوين األطر العليا ،السيما باملعهد العايل للقضاء أو
املعلومايت النتقاء الكفاءات املتميزة لتحمل املسؤوليات ،خصوصا تلك املتعلقة بكتابة
الضبط ،إىل جانب حتسني الوضعية املادية للموظفني ،والرفع من رواتبهم وسن مكافأة
تشجيعية وحوافز لفائدة األطر النشيطة ذات املردوية ،متاشيا مع توصية هيئة
إضافة إىل ذلك ،فقد شكل دستور ،2011مرجعية أساسية للمبادئ العامة
لتأهيل العدالة واحلق يف حماكمة عادلة ،وذلك من خالل جمموعة من الفصول اليت
عمل من خالهلا املشرع الدستوري إعطاء دفعة جديدة هلذه املؤسسة ،خصوصا فيما
يتعلق بالضمانات الدستورية للقضاة ،حيث نص الفصل 108على "ال يعزل قضاة
األحكام وال ينقلون إال مبقتضى القانون" ،414كما نص الدستور اجلديد على حق
)413
Mémorandum sur le conseil supérieur du pouvoir judiciaire et le statut des
magistrats. P4
)414دستور 2011الفصل .108
احلق يف حرية التعبري ،مبا يتالءم مع واجب التحفظ واألخالقيات القضائية ،ميكن
واستقالل القضاء ،طبقا للشروط املنصوص عليها يف القانون ،مينع على القضاة االخنراط
يف األحزاب السياسية واملنظمات النقابية" ،415هذا باإلضافة إىل تنصيص الفصل 109
على استقالل القاضي ،416لكن هذه االستقاللية ال جيب أن تفهم على أن القاضي ال
خيضع يف عمله ألي رقابة أو مساءلة ،حبيث أن هذه االستقاللية ليس معناها متتعيه
حبرية النظر يف أعراض الناس وأمواهلم وحياهتم بدون رقيب ،417بل يتجلى استقالل
القضاء يف كونه الضامن الذي يكفل حسن سري العدالة على حنو حيمي حقوق
املتقاضني من خالل قضاء مستقل ونزيه ،418هذه النقطة األخرية تدفعنا إىل الوقوف
على توصيات هيئة اإلنصاف واملصاحلة خبصوص احلق يف حماكمة عادلة يف دستور
،2011حيت جاء يف توصيات اهليأة اإلقرار دستوريا مببدأ براءة كل متهم إىل أن
تثبت إدانته ،419وقد جاء يف نص الوثيقة الدستورية "يعترب كل مشتبه فيه أو متهم
بارتكاب جرمية بريئا إىل أن تثبت إدانته مبقرر قضائي ،مكتسب لقوة الشيء
املقضي به" ،420وخبصوص توصية هيأة اإلنصاف واملصاحلة حبق املتهم يف حماكمة
عادلة ،421نص الفصل 120من دستور 2011على أن "لكل شخص احلق يف حماكمة
عادلة ،وحكم يصدر داخل أجل معقول ،حقوق الدفاع مضمونة أمام مجيع احملاكم"،
وهو ما نصت عليه الفقرة الرابعة من الفصل 23من الدستور ،2011واليت جاء فيها
إىل جانب كل هذا فقد تضمن الدستور جمموعة من الفصول إضافة إىل الفصول
الفصل " 118حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصاحله
اليت حيميها القانون ،كل قرار اختذ يف اجملال اإلداري سواء كان تنظيما أو
الفصل " 121يكون التقاضي جمانيا يف احلاالت املنصوص عليها قانونا ملن ال
الفصل " 123تكون اجللسات علنية ما عد يف احلاالت اليت يقرر فيها القانون
خالف ذلك".
الفصل " 125تكون األحكام معللة وتصدر يف جلسة علنية وفقا لشروط
الفصل " 126األحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع ،جيب على
سلطات العمومية تقدمي املساعدة الالزمة أثناء احملاكمة ،إذ صدر األمر إليها
ميكن القول ،أن الفصول السالفة الذكر ذهب املشروع من خالهلا إىل تفعيل
توصيات هيئة اإلنصاف واملصاحلة ،فيما خيص سبل اللجوء للعدالة لصاحل املواطنني
كما أن النهوض باملهن القضائية يشكل مسألة بالغة األمهية ،يقتضي العمل
على تنظيمها وجعلها قادرة على ضبط شؤوهنا من حيث احلقوق والوجبات
واألخالقيات ،حبسب توصية هيأة اإلنصاف واملصاحلة اليت أوردهنا يف بداية هاته
الفقرة.
ويف هذا اإلطار فقد وضعت وزارة العدل واحلريات برنامج وخمطط اإلصالح
الشامل ملنظومة العدالة على مدى ،2016 - 2012بشأن النهوض باملهن القضائية
ذهبت من خالله إىل إعداد مشروع مرسوم لتطبيق املادة 6من قانون احملاماة املتعلقة
بإحداث مؤسسة لتكوين احملامني ،425ونظرا لكون مسألة استقالل السلطة القضائية
) 423دستور .2011
) 424التقرير الختامي لهيئة اإلنصاف والمصالحة ،الكتاب الرابع ،مرجع سابق ،ص .84
) 425إدريس بلمحجوب :مستلزمات تأهيل العدالة وتقوية استقاللها ،مرجع سابق ،ص.54 :
أولويات احلكومة يف خمططها التشريعي ،وحددت مدة إعداده وعرضه للمصادقة يف
سنة .2013
انطالقا مما متت اإلشارة إليه ،من تعزيز دستوري لتأهيل العدالة واستقالهلا
إضافة إىل اإلجراءات واملخططات اليت مت اعتمادها للغاية ذاهتا ،تعد مسألة بالغة
األمهية وضرورة حتمية لسري وتأهيل املنظومة القضائية ،إال أن ذلك يبقى رهني
اجملال ،إذ ال يكفي لذالك وجود وثيقة دستورية تتضمن جمموعة من البنود
والضمانات الستقالل وتأهيل منظومة العدالة من أجل محاية حقوق وحريات األفراد،
ولكن جيب أن يتوفر إىل جانب ذلك ،إرادة سياسية حقيقة تشمل مجيع الفاعلني
يف اجملال ،مفتوحة على مشاركة اجلميع من أجل التزنيل السليم لبنود الوثيقة
عملت هيئة اإلنصاف واملصاحلة إىل تقدمي جمموعة من التوصيات السيما يف
القطاعات األكثر التصاقا مبجال حقوق اإلنسان ،فانطالقا من توصياهتا بالعمل على
ذهبت اهليئة إىل الدعوة الستقالل اجمللس األعلى للقضاء ،والذي أطلق عليه يف دستور
يعترب مبدأ استقالل القضاء ،من املبادئ األساسية اليت كرسها الدستور اجلديد،
فاألمل معقود على اجمللس األعلى للسلطة القضائية يف صيانة وضمان املبدأ الدستوري،
لكن هناك جمموعة من العوائق اليت حتول دون االستقالل التام للسلطة
القضائية ،واليت رافقت العمل القضائي مند بداياته األوىل ،جند من ضمنها تأليف
العدالة ببالدنا ،على أن عضوية وزير العدل يف جملس األعلى للقضاء باعتباره نائب
عن امللك ،متنحه سلطة أخرى معنوية على القضاة ،تعترب وحدها كافية إلفراغ مبدأ
إضافة إىل أن ولوج مهنة القضاء ،يتم بناء على إجراءات ومقاييس االنتقاء األويل
للمترشحني املقبولني للمشاركة يف مباراة الولوج إىل املعهد ،حتدد بنص تنظيمي
يصدره وزير العدل ،ويعني املرشحون الناجحون يف املباراة كملحقني قضائيني بقرار من
وزير العدل ،وحيدد بنص تنظيمي لوزير العدل أيضا نظام وكيفية ومدة ودورة
الدارسات واالنتقاالت التطبيقية باملعهد العايل للقضاء ،428الشيء الذي ميكن القول
من خالله ،أن دور وزير العدل دور تقريري يف أشواط ولوج مهنة القضاء.
) 426مصطفى التراب :استقالل القضاء من خالل تفعيل دور المجلس األعلى للقضاء ،ص .62
) 427نفس المرجع السابق ،ص .63
) 428نفس المرجع السابق ،ص 65 - 64
األساسي لرجال القضاء ،خصوصا منها ما يتعلق مبسطرة تأديب القضاة واليت متنح لوزير
العدل سلطة واسعة يف هذا اجملال ،مما يؤدي إىل عدم استقاللية القاضي الذي يظل
متوجس من السلطة التنفيذية اليت تترصد أعماله وتصرفاته ،مما قد يؤثر على حتقيق
هذا باإلضافة إ ىل أن لوزير العدل احلق يف انتداب قاضي سواء من قضاة احلكم
أو التحقيق أو النيابة العامة ،ملدة 3أشهر مللء فراغ تعاين منه حمكمة من حماكم
اململكة ،وهو ما يشكل عدم االطمئنان بالنسبة للقاضي ،إذ يتوقع يف أية حلظة
قيام وزير العدل بإصدار قرار االنتداب يف حقه ،مما قد يشعر القاضي باإلحباط
وبتايل قد تضيع العدالة ،هذا باإلضافة إىل الصالحيات املوكولة لوزير العدل فيما
ولتحصني استقاللية القضاء وعلى اخلصوص يف جمال إحالة القضاة إىل التقاعد
وانتداهبم وتوقيفهم عن العمل نتيجة ارتكاب خمالفات منسوبة إليهم وإحالتهم يف
إطار املتابعات التأديبية ،وإصدار عقوبات من الدرجة األوىل يف حقهم ،ينبغي أن ال
يتخذ أي مقرر هبذا الشأن إال من طرف اجمللس األعلى للسلطة القضائية ،431وهبذا
اخلصوص عملت هيئة اإلنصاف واملصاحلة إىل تقدمي جمموعة من التوصيات يف هذا
اإلطار ،من أجل النهوض مبهام مؤسسة اجمللس األعلى للقضاء ،واستقالله عن وزارة
العدل ومن بينها :فصل وظيفة وزير العدل عن اجمللس األعلى للقضاء .432وقد عمل
اجمللس االستشاري حلقوق اإلنسان إىل تقدمي مذكرة حول موضوع تأهيل العدالة
وتقوية استقالهلا ،يف إطار تفعيل توصيات هيئة اإلنصاف واملصاحلة وبناءا على
تكليفه من طرف امللك ،وقد جاءت املقترحات املرتبطة بتنظيم اجمللس األعلى
إصدار قانون تنظيمي حيدد مهام اجمللس األعلى للقضاء ،وطريقة عمله
استقالهلم؛
النص على تكليف اجمللس األعلى للقضاء برفع تقرير سنوي عن سري العدالة
إىل امللك؛
النص يف الدستور على أن اجمللس األعلى للقضاء ،وحده دون غريه له صالحية
تتماشي وتوصيات هيئة اإلنصاف واملصاحلة هبذا اخلصوص ،واليت جاء فيها
إضافة إىل التوصيات املشار إليها أعاله ،واملتعلقة بفصل وظيفة وزير العدل
) 432التقرير الختامي لهيئة اإلنصاف والمصالحة ،الكتاب الرابع ،مرجع سابق ،ص.84 :
) 433تقرير حول متابعة تفعيل توصيات هيئة اإلنصاف والمصالحة ،مرجع سابق ،ص.24 :
مراجعة تنظيم واختصاصات وزارة العدل بشكل حيول دون تدخل أو تأثري
متثيلية أطراف آخرى غري قضائية داخله ،مع اإلقرار له باستقالله الذايت
سنوي عن سري العدالة ،435وقد عمل املشرع الدستوري على دسترة جمموعة
السابقة،
للقضاء ،وجعل نظامه األساسي حيدد بقانون تنظيمي ،جند أن املشرع الدستوري يف
الفقرة الرابعة من الفصل 116نص على "حيدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسري
اجمللس األعلى للسلطة القضائية ،واملعايري املتعلقة بتدبري الوضعية املهنية للقضاة،
ومسطرة التأديب" ،436وفيما خيص توصية اهليأة بفصل اجمللس األعلى لسلطة
)434التقرير الختامي لهيئة اإلنصاف والمصالحة ،الكتاب الرابع ،مرجع سابق ،ص.89-88 :
)435نفس المرجع السابق ص.85 :
)436الفصل 116من دستور .2011
القضائية عن السلطة التنفيدية ،وجعل تشكيلته تتضمن أطراف أخرى غري قضائية
داخله ،فقد نص الفصل 115من دستور 2011على "يرأس امللك اجمللس األعلى
للسل طة القضائية ،ويتألف هذا اجمللس من الرئيس األول حملكمة النقض ،رئيسا
منتدبا ،وكيل العام للملك لدى حمكمة النقض ،رئيس الغرفة األوىل مبحكمة
النقض ،أربعة ممثلني لقضاة حماكم االستئناف ،ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم،
وجيب ضمان متثلية النساء القاضيات من بني أألعضاء العشرة املنتخبني مبا يتناسب
مع حضورهن داخل السلك القضائي؛ الوسيط؛ رئيس اجمللس والوطين حلقوق اإلنسان؛
مخس شخصيات يعينها امللك ،مشهود هلا بالكفاءة والتجرد والزناهة ،والعطاء املتميز
يف سبيل استقالل القضاء وسيادة القانون ،من بينهم عضو يقترحه األمني العام
للمجلس األعلى" ،437وبذلك يكون املشرع الدستوري قد عمل على دسترة توصيات
هيئة اإلنصاف واملصاحلة من خالل التنصيص الدستوري على وجود ممثلني ال ينتمون
لسلك القضاء ،من قبيل وسيط اململكة ورئيس اجمللس الوطين حلقوق اإلنسان ،إضافة
إىل شخصيات آخرى يعينهم امللك ،كما يالحظ من خالل النص الدستوري عدم
وجود ممثل وزارة العدل داخل تشكيلة اجمللس ،والذي كان ينص عليه الفصل 86
من دستور ،4381996وفيما خيص توصية اهليأة خبصوص االستقالل املايل والبشري
للمجلس ،فقد نص الفصل 116يف فقرته الثانية على "يتوفر اجمللس األعلى للسلطة
القضائية على االستقالل اإلداري واملايل" ،439وفيما خيص توصية اهليأة املرتبطة بتمتع
اجمللس بسلطات واسعة يف جمال تنظيم املهنة ،ووضع ضوابطها وأخالقياهتا وتقييم
عمل القضاة ،وتأديبهم وختويله إعداد تقرير سنوي عن سري العدالة ،فقد نص الفصل
113على "يسهر اجمللس األعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات املمنوحة
للقضاة ،والسيما فيما خيص استقالهلم وتعينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم ،يضع
اجمللس األعلى للسلطة القضائية مببادرة منه ،تقارير حول وظيفة القضاء ومنظومة
العدالة ،ويصدر التوصيات املالءمة بشأهنا ،يصدر اجمللس األعلى للسلطة القضائية
بطلب من امللك أو احلكومة أو الربملان أراء مفصلة حول مسألة تتعلق بالعدالة مع
الدميقراطية دون فصل حقيقي لسلطة القضائية عن باقي السلط ،وانطالقا من ما
قدمته هيئة اإلنصاف واملصاحلة من توصيات خبصوص إصالح القضاء وتأهيله ،فقد
ذهب املشرع الدستوري ،إىل التنصيص على القضاء كسلطة ،وستعاب الوثيقة
والرقي هبا إىل سلطة قائمة الذات ال ختضع ألي سلطة آخرى ،والتنصيص على
استقالل القاضي ،وذلك راجع لكون القضاء الضامنة األساسية للحقوق واحلريات،
واستقالله شرطا أساسيا لتحقيق الدمقرطة ،وهو ما ذهبت الدولة إىل اعتماده يف إطار
ونتيجة لكون استقالل السلطة القضائية ،احد أهم احملاور الكربى لإلصالح
الفصول الدستورية املشار إليها أعاله ،أن جل التوصيات املرتبطة باجمللس األعلى
للسلطة القضائية قد مت تفعيلها ،لكن تبقى عملية تطبيق هاته البنود واملقتضيات
الدستورية أمر بالغ األمهية ،ألن التوفر على دستور يتضمن مجلة من العناصر
الكفيلة بتحقيق دولة احلق والقانون ،ال يعين التفعيل والتطبيق السليم هلاته
الئحة املراجع:
عبد الصمد عفيفي :سعيد احليان :األسس النظرية لدولة القانون يف دستور
.2013 ،40
عبد السالم العماين :إصالح القضاء مقترحات أولية ،يف ندوة حول إصالح
منظومة العدالة يف ضوء توصيات هيئة اإلنصاف واملصاحلة ،منشورات اجمللس الوطين
حلقوق اإلنسان ،سلسلة الندوات ،مطبعة املعارف اجلديدة ،بدون طبعة ،الرباط
.2013
عبد الكبري طبيح :نظرة حول النقاش الدائر خبصوص مفهوم استقالل
القضاء يف بعض الدول الدميقراطية ،يف ندوة حول إصالح منظومة العدالة يف ضوء
مصطفى التراب :استقالل القضاء من خالل تفعيل دور اجمللس األعلى للقضاء
يف ندوة حول إصالح منظومة العدالة يف ضوء توصيات هيئة اإلنصاف واملصاحلة،
منشورات اجمللس الوطين حلقوق اإلنسان سلسلة الندوات ،مطبعة املعارف اجلديدة،
البحث وال تحري والقبض والتحقيق واحملاكمة واإلثبات وتنفيذ األحكام يطلق عليها
اصطالح قانون اإلجراءات اجلزائية فهو آذن القانون الذي ينشئ أدارت العدالة
الواجب اتباعها أمامها لذا فان قانون اإلجراءات اجلزائية ميثل اجلانب الشكلي من
القانون اجلنائي مبعناه الواسع بينما يعترب قانون العقوبات مبثابة اجلسم آو اهليكل
P 265 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
وإذا كان حق اجملتمع يف معاقبة اجملرم يتولد مبجرد وقوع اجلرمية فإن
ارتكاب اجملرم جلرميته ال يستلزم توقيع العقوبة علية بصفة تلقائية أو آلية ،بل
جيب أن تسبق ذلك حتديد الطريق اليت تكفل للمجتمع حقه يف االقتصاص من
اجملرم ،مع إعطاء اجملرم كافة الضمانات اجلوهرية للدفاع عن نفسه ،ولقد خول
قانون أصول اإلجراءات اجلزائية األردين على غرار باقي التشريعات النيابة العامة
بإقامة دعوى احلق العام ومباشرهتا وال تقام من غريها إال يف األحوال املبينة يف القانون
وجترب النيابة العامة على إقامة دعوى احلق العام إذا أقام املتضرر من اجلرمية نفسه
مدعيًا شخصيا ،وهبذا تصبح دعوى احلق العام وسيلة اجملتمع يف استيفاء حقه ،ومتر
ولكن تسبق هاتان املرحلتان عملية مجع االستدالالت اليت هتدف إىل جتميع
القضائي ،لذا عمد قانون اإلجراءات اجلزائية األردين إىل تنظيم الوسائل واإلجراءات
أعطى النيابة العامة والضبط القضائي اختصاصات لكل منهما علما أن مرحلة التحقيق
تناط أصال بالنيابة العامة حسب ما هو مقرر يف قانون اإلجراءات اجلزائية األردين،
إال أنه استثناء من هذا األصل حبيث يعطي القانون أحيانا ملأموري الضبط العديل
ويتبني من ذلك أن الدور الذي يلعبه مأموري الضبط العديل خيتلف ،حيث مرة
يضيق ومرة يتسع ،وذلك ناتح عن مدى تعلق األمر مبرحلة التحقيق أو بعملية
االستدالالت.
ونظرا ألمهية اإلجراءات اليت يباشرها مأموري الضبط العديل ،سواء منها
تلك املتعلقة باالستدالل ،أو بتلك املتعلقة بالتحقيق االببتدائي فقد اهتمت قوانني
اإلجراءات اجلنائية هبا وأحاطتها بالعديد من الضوابط والضمانات القانونية حفاظا على
حقوق اإلنسان وحرياته يف عدم التعدي عليها واختراها دون وجه قانوين ،ومن هذه
لسنة 2011؛ حيث وضع املشرع األردين الضوابط اخلاصة بكل إجراء على حدى واليت
-1تعترب مرحلة االستدالل نقطة البداية لعمل رجال الضبط العديل يف
هبا فأي خلل فيها أو انتهاك هلا يؤدي اىل فسادها وبطالهنا وبالتايل بطالن اآلثار املترتبة
حمضر مجع االستدالالت واألدلة والقرائن اليت مت مجعها وحتليها إىل احملكمة خاصة
وذلك مينع احلاضرين من ملسها أو االقتراب منها وأن تأخريها قد يؤدي اىل ضياع
األدلة.
إن هذا املوضوع باعتباره موضوع إجرائي حمض يطرح العديد من
اإلشكاالت ،ولعل أبرزها تلك املرتبطة إال أن اإلشكالية الرئيسة اليت يطرحها هنا
فهي تلك املتعلقة حبدود اختصاصات رجال الضبط العديل يف اإلجراءات اجلزائية
ال يكفي جمرد علم احملكمة بوقوع اجلرمية لكي متلك االختصاص
بتحديد مرتكبها وتوقيع اجلزاء املالئم عليه .بل جيب حتريك الدعوى اجلنائية
ودخوهلا يف حوزة احملكمة وفقا إلجراءات رمسها النظام ،وهتدف هذه اإلجراءات إىل
حتريك الدعوى اجلنائية وتوفري األدلة الكافية لوضعها حتت يد احملكمة .وهو ما
يقتضي السرعة ومرونة التحرك جلمع هذه األدلة دون تأخري .إذا فقبل اخلوض يف
الصالحيات اليت ينفرد هبا رجال الضبط العديل أثناء قيامهم بالبحث عن اجلرمية
ومرتكبيها ،فالبد من إبراز املقصود بالضبط اجلنائي (املطلب األول) ،مث الفرق بني
تعين كلمة الضبط باملعين الواسع "جمموعة القواعد اليت تفرضها السلطة
العامة على املواطنني ،فسلطة الضبط إذن هي سلطة فرض تلك القواعد .ولقد جرى
استعمال كلمة "ضبط" لتعين مجيع املوظفني اللذين يضطلعون بكفالة تنفيذ
التعليمات العامة أو الفردية أو التدابري املالئمة اليت تقررها هيئات معينة من اجل
وذلك بتحريك الدعوى اجلنائية ،وجتري بعد وقوع اجلرمية ،بغية مجع الدالئل اليت
تدل على وقوعها وعلى مرتكبيها ،ويباشر مجع االستدالالت رجال الضبط اجلنائي،
وال جيوز القول بالطابع الشرطي هلذه املرحلة ،حبسب أهنا عادة ما تكون من عمل
الشرطة ،ذلك أن صفة الضبط اجلنائي تتمتع هبا فئات أخرى جبانب فئات حمددة
من الشرطة .كما أن القائمني عليها من رجال الشرطة يتولوهنا حبكم صفة الضبط
القضائي اليت يتحلون هبا جبانب الضبط اإلداري اليت ينهضون هبا للمحافظة على األمن
وقد حددت املادة 8من قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين األعمال
اليت يباشرها رجال الضبط القضائي بأهنا "استقصاء اجلرائم ومجع أدلتها والقبض على
فاعليها وإحالتهم على احملاكم املوكول إليها أمر معاقبتهم" .ومما تقدم يتضح أن
الضبط اجلنائي يباشر مهمته خالل املرحلة السابقة على نشوء اخلصومة اجلنائية،
441أحمد فتحي سرور" ،الوسيط في قانون اإلجراءات الجنائية" الكتاب األول ،الطبعة العاشرة ،دار النهضة العربية،
،2016ص.683 :
وعلى ضوئها يتم حتريك الدعوى اجلنائية سواء بالتحقيق أو برفعها مباشرة إىل
احملكمة ،وكل عمل يقوم به يف هذا السبيل يعد صحيحا منتجا آلثاره مادام مل
يتدخل بفعله يف خلق اجلرمية أو التحريض على ارتكاهبا ومادامت إرادة املشتبه فيه
كما عرفه القضاء السعودي بأنه –الضبط اجلنائي" -تلك اإلجراءات اليت
تتخذها سلطة الضبط اجلنائي مثل تلقي البالغات والشكاوى ومجع األدلة واملعلومات
عن اجلرائم وضبط مرتكبيها ،من أجل القبض عليهم وتقدميهم إىل التحقيق واالدعاء
ضدهم أمام احملاكم وكل إجراء يقوم به مأمور الضبط يف سبيل الكشف عن
وبالرجوع للمادة 8من قانون أصول احملاكمات اجلزائية جند املشرع األردين
444
ويطلق على أعضائها حدد السلطة املختصة بأعمال االستدالل يف الضابطة العدلية
442بالل محمود مرهج الهيتي" ،الجرم المشهود وأثره في توسيع سلطات الضابطة العدلية دراسة مقارنة بين القانونين األردني والعراقي"،
رسالة لنيل دبلوم الماجيستر ،جامعة الشرق األوسط للدراسات العليا ،2011-2010 ،ص.49 :
443طعن رقم 3679لسنة 56في جلسة ،1986/11/2أشارت له رشيدة محمود سيد أحمد" ،االختصاص اإلستثنائي
لسلطة الضبط القضائي" ،بحث منشور بالمجلة العربية للنشر العلمي ،العدد السادس عشر ،2020 ،ص.140 :
444يقابل هذه المادة ،المادة 26من نظام اإلجراءات الجزائية حيث ورد في نصها ما يلي" :يقوم بأعمال الضبط الجنائي -
بحسب المهمات الموكلة إليه -كل من:
-أعضاء هيئة التحقيق واالدعاء العام ،في مجال اختصاصهم؛
-مديري الشرط ومعاونيهم في المدن والمحافظات والمراكز؛
-الضباط في جميع القطاعات العسكرية -كل بحسب المهمات الموكلة إليه -في الجرائم التي تقع ضمن اختصاص كل
منهم؛
-محافظي المحافظات ورؤساء المراكز؛
أيضا مأموري الضبط القضائي ،445فيملك رجال الضابطة العدلية يف األردن سلطة
التحقيق األويل أو مايسمى بالبحث التمهيدي وهو مجع األدلة ،وتبدأ مهمتها عند
ارتكاب جرمية معينة فتجمع املعلومات وتقبض على فاعليها وذلك حسب املادة 8
وقد قسم فقهاء القانون اجلزائي الضابطة العدلية أو الضابطة القضائية إىل
يقوم بوظائف الضابطة العدلية املدعي العام ومساعدوه ،ويقوم هبا أيضا
قضاة الصلح يف املراكز اليت ال يوجد فيها مدعي عام ،حيث جاء يف الفقرة الثانية من
نص املادة 8من قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين ما يلي" :يقوم بوظائف
الضابطة العدلية املدعي العام ومساعدوه ويقوم هبا أيضا قضاة الصلح يف املراكز اليت
ال يوجد فيها مدعي عام ،كل ذلك ضمن القواعد احملددة يف القانون".
وعليه ،يتضح من النص السابق بأن املدعي العام أو النيابة العامة هي
املختصة يف مباشرة الدعوى اجلنائية ،وتعترب جزءا من اجلهاز القضائي واملتمثل يف
متثيل اجملتمع ،وتعترب طرفا شريفا يف اخلصومة ،وهي اليت تبدأ الدعوى اجلنائية
-رؤساء المراكب السعودية البحرية والجوية ،في الجرائم التي ترتكب على متنها؛
-رؤساء مراكز هيئة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،في حدود اختصاصهم؛
-الموظفين واألشخاص الذين خولوا صالحيات الضبط الجنائي ،بموجب أنظمة خاصة؛
-الجهات واللجان واألشخاص الذين يكلفون بالتحقيق ،بحسب ما تقضي به األنظمة.
445من التشريعات التي أخذت بذلك اإلسم المشرع المصري؛ وسماها المشرع السعودي برجال الضبط الجنائي ،وبالرجوع
للقوانين المؤطرة لإلجراءات الجنائية في التشريعات الثالث يتبين جليا بأن رغم اختالف في التسميات إال أنهم يشتركون مع
بعضهم في األعمال التي يباشرونها وكذا في الهدف المنشوذ من االستدالل.
446جاء في المادة 8من ق.أ.م.ج .ما يلي :موظفو الضابطة العدلية مكلفون بإستقصاء الجرائم وجمع أدلتها والقبض على
فاعليها وإحالتهم على المحاكم الموكول إليها أمر معاقبتهم".
447السبكي ممدوح" ،سلطات مأمور الضبط القضائي" دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،ص.12 :
وخصم األشقياء العتاة ،وسند املصلحة العامة ،مث إهنا خري ممثل جلهاز اجملتمع بأسره.
مبساعدة النيابة العامة يف إجراء وظائف الضابطة العدلية طبقا للمادة 9من قانون
أصول احملاكمات اجلزائية األردين ،حيث جاء فيها ما يلي" :يساعد املدعي العام يف
إجراء وظائف الضابطة العدلية- :احلكام اإلداريني؛ -مدير األمن العام؛ -مديرو
ومجيع املوظفني الذين خولو صالحيات الضابطة العدلية مبوجب هذا القانون
أما أصحاب االختصاص اخلاص فهم املوظفون غري القضائيني حيث خيتصون
بالبحث يف جرائم معينة بذاهتا مبوجب قوانني خاصة ،ومبا أهنم ال يقومون بالبحث
إال فجرائم حمددة فإهنم يباشرون نفس أعمال أصحاب االختصاص العام ،وهو األمر
الذي أشار إليه املشرع األردين يف املادة 10من ق.اال.ج .حيث جاء فيها مايلي..." :
واجلدير بالذكر ،إن مأموري الضبط العديل ذوي اإلختصاص العام ال
يتدخلون فيما هو من اختصاص مأموري الضبط العديل ذوي االختصاص اخلاص ،كما
أن إضفاء صفة الضبط القضائي على موظف معني بصدد جرائم معينة ال يسلب هذه
من املعروف أن العمل اإلداري ،أو النشاط اإلداري كما يسميه البعض،450
هو أقدم مظهر لنشاط الدولة وهو أقدم من التشريع ومن القضاء ،حيث ميكن تصور
دولة بال تشريع وبال قضاء ،ولكن ال ميكن تصور دولة بال إدارة ،ألن اإلدارة هي
املظهر احلي املكمل حلياة الدولة ،وهذا يربز أمهية أعمال اإلدارة ودليل ذلك ما ساد
فترة طويلة من الزمن من حترمي الرقابة القضائية على أعمال السلطة التنفيذية
وبناء على ذلك ،ميكن القول بأن املقصود بالضبط اإلداري منع اجلرائم
قبل وقوعها ،والضبط اإلداري هذا يتعلق نشاطه يف غالبية صوره بالسلطة التنفيذية،
ومن مث جند أن مجيع املنازعات اليت تدور يف شأنه خيتص هبا القضاء اإلداري ،مما
يترتب عليه أن أعمال الضبط اإلداري ختضع لرقابة القضاء اإلداري كأعمال صادرة عن
448السعيد كامل" ،شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية األردني" ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الطبعة الثالثة،2010 ،
ص.352 :
449مصطفى محمود" ،شرح قانون اإلجراءات الجنائية" ،الطبعة الثالثة ،اإلسكندرية ،مصر ،ص.201 :
450صباح المومني" ،حدود مسئولية الدولة عن أعمال الضبط اإلداري والقضاء في األردن" ،ملحق العدد الحادي والثالثين
ص.916 :
جهة السلطة التنفيذية ،وقد تعددت تعريفات الضبط اإلداري ،فالبعض يعرفه بأنه
حماولة للتوفيق بني احلريات العامة والنظام العام .451واجتاه ثاين يعترب الضبط
اإلداري صورة من صور تدخل السلطات اإلدارية بقصد فرض قيود على احلرية
الفردية بغية احلفاظ على النظام العام ومحايته .ويذهب فريق ثالث يف تعريفه إىل
أنه قيد تستلزمه وتقتضيه املصلحة العامة ومن مث تفرضه السلطة العامة على نشاط
اليت تتخذها السلطة املختصة بالتحري عن اجلرائم بعد وقوعها والبحث عن مرتكبها
متهيدًا للقبض عليه ،ومجع األدلة الالزمة للتحقيق معه وحماكمته وإنزال العقوبة
به ،من مث فإن الضبط اجلنائي أو القضائي يتفق مع الضبط اإلداري يف أهنما يستهدفان
احملافظ ة على النظام العام ،إال أهنما خيتلفان يف بعض اجلزئيات وذلك حسب كل
بلد.
وهذا ،فقد اشتد اخلالف بني الفقهاء يف وضع معيار حمدد وثابت للتفرقة
بني الضبط اإلداري والضبط القضائي ،وهذا التداخل يكون أكثر ما حباجة إىل حتديد
يف أعمال الشرطة اليت هلا صفتني ،صفة األعمال اإلدارية يف حني؛ وصفة األعمال
القضائية يف حني آخر .وهناك شبه كبري فيما بينهما من حيث إن كل منهما ينقل
أبو الخير عادل السعيد "،الضبط اإلداري وحدود" ،الهيئة المصرية العامة للكاتب ،القاهرة ،1995 ،ص.61 : 452
حكم القانون من حالة العمومية والتجريد إىل حالة اخلصوصية والتفرد وذلك أثناء
-االجتاه اإلجرائي :يلتزم هذا االجتاه الفقيه الفرنسي مالربج ومفاده أن
وظائف الدولة ال ختتلف من حيث طبيعتها املوضوعية فقط ،وإمنا من حيث شكلها
أيضا ،والفرق الصحيح برأي هذا الفقيه يتمثل يف أن القضاء يتسم بنظم وأشكال
مستقلة ومنفصلة متاما عن السلطة اإلدارية تسمى السلطة القضائية وتتمتع هذه
السلطة مبجموعة من القواعد القانونية اخلاصة هبا كضمانات حتمي حماكمها من
وبناء على هذا املعيار ،نستطيع القول بأن معيار التمييز بني العمل القضائي
والعمل اإلداري ليس باملضمون املادي له ولكن بشكله ،ويترتب على ذلك أن السلطة
القضائية عندما ال تستعمل الشكل القضائي فهي ال تقوم إال بأعمال إدارية.454
-اجتاه االستقالل العضوي :وقد تزعم هذا االجتاه الفقيه الفرنسي كلسن،
حيث يقول إن النظام القانوين يف الدولة يتدرج طبقا ملدى عمومية وجتريد القواعد
القانونية وعلى هذا األساس تتم التفرقة بني الوظيفة القضائية والوظيفة اإلدارية
اليت هي أيضا تنشئ قرارات فردية ،وعليه فإن التمييز بينهما يتمثل يف املركز
القانوين لألعضاء الذين يسنون تلك القواعد الفردية ،ويتمثل هذا املركز يف استقالل
453عادل بن عبدهللا" ،مسؤولية الدولة عن أعمال مرفق الشرطة" ،مذكرة لنيل درجة الماجستير في القانون العام ،جامعة
محمد خيضر بسكرة ،2003 ،ص.43 :
454الغويري نايف ،الضبطية القضائية في المملكة السعودية ،اختصاصها في مرحلتي االستدالل والتحقيق ،رسالة دكتوراه،
جامعة القاهرة ،2003 ،ص.155 :
القضاة بوظائفهم بعكس السلطات اإلدارية اليت يباشر أعضاؤها وظائفهم على أساس
التبعية الرئاسية.455
-اجتاه قوة احلقيقة القانونية :وهذا االجتاه نادى به الفقيه الفرنسي جيز،
ويذهب هذا األخري إىل أن العمل القضائي هو التعبري عن اإلرادة مبمارسة سلطة
قانونية ،موضوعة تقرير مركز قانوين ،فاملعيار لدى جيز هو تقرير مركز قانوين
فردي أو عام ،فالعمل القضائي نوع من األعمال القانونية ،وميكن ترتيب هذه األعمال
حسب مضموهنا؛ فهناك أعمال تنشئ مركز قانوين عام وأعمال تنشئ مركز قانوين
فردي؛ وأعمال متنح الفرد مركز قانوين عام أو فردي ،وأعمال تقرر مركز قانوين
والضبط اإلداري يظهر من حيث الطبيعة القانونية والتبعية واإلشراف والرقابة وكل
فالضبط اإلداري وظيفته وقائية غرضها منع اجلرمية قبل وقوعها؛ بينما
الضبط القضائي وظيفته عقابية اهلدف منها إثبات وقوع اجلرمية وضبط معاملها وهي
أما من حيث الرقابة واإلشراف والتبعية ،فإن وظيفة الضبط اإلداري تنفذ
حتت إشراف السلطة اإلدارية بينما تنفذ وظيفة الضبط القضائي بإشراف املدعي
العام ،وهذا ما نصت عليه الفقرة 1من املادة 15من قانون أصول احملاكمات اجلزائية
اليت جاء فيها أن املدعي العام هو رئيس الضبطية العدلية يف منطقته وخيضع ملراقبته
مجيع موظفي الضبطية العدلية ،كما نصت املادة 22من قانون أصول احملاكمات
اجلزائية على أنه إذا تواىن موظفو الضبطية العدلية يف األمور العائدة إليهم يوجه
املدعي العام تنبيه ،وله أن يقترح على املرجع املختص ما يقتضيه احلال من التدابري
التأديبية.457
قد تتعدد صالحيات أو التدابري املتخذة من قبل الضابطة العدلية ،فمنها ما
عنها والبحث عن مرتكبها هي قواعد ال ختص جرمية معينة دون األخرى بل هي
قواعد عامة ميكنها أن تنطبق على كافة األفعال املخالفة للقانون اجلنائي.
هذا املبحث إىل مطلبني ،خنصص األول لصالحيات رجال الضبط العديل املتعلقة
باالستدالل ،مث خنصص املطلب الثاين لصالحيات رجال الضبط العديل يف احلاالت
االستثنائية.
اإلستدالل يقتضي معرفة الغرض الذي يستفاد من اإلجراءات اليت يتم اختاذها خالل
457قدري عبد الفتاح الشهاوي" ،السلطة الشرطية ومناط شرعيتها جنائيا وإداريا" ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية،1983 ،
ص.77 :
هذه املرحلة ،واهلدف املرجو من إجرائها ،حيث تبدأ هذه املرحلة بوقوع اجلرمية
وقيام رجال الضابطة العدلية باجراءات االستدالل (التحري ومجع األدلة) واحلصول
على املعلومات اليت تفيد يف الكشف عن احلقيقة ،ومساعدة سلطة التحقيق يف عملها
(اإلدعاء العام).
يرى أن هذه املرحلة تشكل اخلطوة األوىل مراحل الدعوى اجلزائية ،458يف حني أن
معظم الفقهاء يرون أهنا ال تدخل مرحلة اخلصومة وال خترج عن كوهنا إطارا يعطي
صورة واضحة عن وقوع اجلرمية وكيفية حدوثها والظروف اليت أدت إىل وقوعها وأهنا
مرحلة متهيدية ملساعدة سلطة التحقيق يف عملها وأهنا ليست املرحلة األوىل من
مراحل اإلجراءات اجلنائية ،ألن مراحل اإلجراءات اجلنائية تبدأ منذ وقوع اجلرمية
وعلم سلطات الضبط القضائي هبا ،ويطلق عليها الفقه مرحلة التحري واإلستدالل وهي
اجلنائية وإمنا هي مرحلة متهيدية كوهنا تسبق مرحلة التحقيق اإلبتدائي واملرحلة
النهائية وتعترب مرحلة ممهدة هلاتني املرحلتني ،وأيضا قد يكون هلا أثر فاعل يف
كشف اجلرمية ويف تكوين قناعة النيابة العامة وتقرير ما إذا كان هناك حمال
للمحاكمة ،لذا جيب أن نبني الوظائف اليت تقوم هبا الضابطة العدلية يف مرحلة مجع
وكشفها ومجع األدلة والبحث عن فاعليها سندا لنصوص املواد 8و 44من قانون أصول
احملاكمات اجلزائية االردين ،فقد قضت املادة 8من ذات القانون بأن موظفو الضابطة
العدلية مكلفون باستقصاء اجلرائم ومجع أدلتها والقبض على فاعليها وإحالتهم إىل
احملاكم املوكول إليها آمر معاقبتهم وأشارت املادة 44من ذات القانون أنه يف املراكز
اليت ال يوجد فيها مدعي عام على رؤساء املراكز األمنية وضباط الشرطة أن يتلقوا
اإلخبارات املتعلقة باجلرائم املرتكبت يف األماكن اليت ميارسون فيها وظائفهم وأن
وتطبيقا هلذا املعىن قضت حمكمة التمييز األردنية على أنه ":إن االستقصاء
والتحري ومجع األدلة يف اجلرائم يعد من املهام اليت تدخل ضمن اختصاص رجال
460
الضابطة العدلية وعملهم سندا لنص املادة 8من قانون اصول احملاكمات اجلزائية".
ونرى بأن املشرع األردين مل ينظم التحريات بشكل كاف ،حيث أشار هلا
إشارة عابرة ضمن نصوص املواد السابقة ،وقد جاء يف قرار حملكمة التمييز على أنه
"...ليست هناك وسائل حمددة للتحري عن اجلرائم ميكن اختاذها كما أن احلدود
املوضوعية للتحري ال تقف عند حدود البحث عن أدلة اإلسناد أو اإلثبات أو املعلومات
460قرار محكمة التمييز الجزائية األردنية ،رقم 2011/1828تاريخ ،2011/12/5أشار إليه حسن حسين الرفاعي،
"حقوق وضمانات المقبوض عليه –دراسة مقارنة بين التشريع األردني والمصري "-رسالة ماجستير في القانون العام ،جامعة
الشرق األوسط ،كلية الحقوق ،األردن ،2015 ،ص51 :
461قرار محكمة التمييز الجزائية األردنية ،رقم ،2004/725تاريخ .2004/6/1
من خالل املواد ( )21،26،8،44من قانون أصول احملاكمات اجلزائية ،كما نصت املادة
( )26من ذات القانون على أنه " كل من شاهد إعتداء على األمن العام أو على حياة
أحد الناس أو على ماله يلزمه أن يعلم بذلك املدعي العام املختص -وكل من علم
يف األحوال األخرى بوقوع جرمية يلزمه أن خيرب عنها املدعي العام".
وهذا ما قضت به حمكمة التمييز األردنية ،حيث جاء يف قرار هلا" :إن
املاده 17من قانون أصول احملاكمات اجلزائية نصت على أن املدعي العام مكلف
باستقصاء اجلرائم وتعقب مرتكبيها كما أن املواد 21و 23و 26من القانون ذاته
توجب على موظفي الضابطة العدلية اإلخبار عن اجلرائم اليت تصل اىل علمهم ،وبناء
عليه فإن قيام رجال الضابطة العدليه بتحريك الدعوى العامه بناء على املعلومات
ال شك أن القبض يعترب من اإلجراءات اخلطرية اليت تؤدي إىل حرمان الشخص
اجملتمع .األمر الذي يدفع لطرح سؤال مفاده هل ميكن اعتباره إجراء من أعمال
جوابا عن السؤال املطروح ،يرى معظم الفقهاء 463بأن القبض ليس عمال من
أعمال اإلستدالل العامة اليت جيوز ملأمور الضبط القضائي القيام هبا ،وإمنا هو من أعمال
التحقيق اإلبتدائي يف حالة التلبس واألحوال األخرى املنصوص عليها يف املادة 99من
التحقيق وأن اإلدعاء العام بوصفه السلطة املختصة بالتحقيق هو الذي ميلك احلق يف
كما استندو يف قوهلم إىل أن القبض الذي جيريه مأمور الضبط القضائي
بناء على توافر حالة التلبس يعد من إجراءات التحقيق إعماال للمعيار املوضوعي املتمثل
يف املساس باحلرية الفردية ،كما يعللون ذلك بأن القبض يف حالة التلبس يدرج
بسلطة مأمور الضبط القضائي يف التحقيق اليت خيول له القانون على سبيل االستثناء
كما يربهن أصحاب هذا املذهب بأن اإلجراء الذي يباشره مأمور الضبط
القضائي ،يتضمن ذات السمات اليت تتسم هبا اإلجراءات اليت تتخذها سلطة التحقيق
463أحمد عبد الرحمان" ،شرح اإلجراءات الجزائية" ،الطبعة األولى ،دار الثقافة للنشر ،2011ص.239 :
464وقد أكدت محكمة التمييز ذلك في إحدى قراراتها بقولها" :إن أعضاء دائرة المخابرات العامة يعتبرون من مأموري
الضابطة العدلية ذوي االختصاص الخاص ،وإن القاء القبض على متهم واالحتفاظ به في دائرة المخابرات العامة -بغض
النظر عن صحته من عدمه -ال يشكل توقيفا ،ألن التوقيف إجراء من إجراءات التحقيق االبتدائي مرهون حصرا بأعضاء
النيابة العامة ،وعليه فإن االحتفاظ ةإن كان صحيحا من الناحية القانونية إال أن ال سند له من الواقع كونه من صالحية النيابة
العامة" – .الفقرة األولى من تمييز جزاء رقم ،1998/380تاريخ ،1998/9/9أشار إليه :محمد شلبي العتوم" ،بطالن
التوقيف في قانون أصول المحاكمات الجزائية األردني المعدل رقم 9لسنة ،1961بحث منشوف بأبحاث اليرموك سلسلة
العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،ص.1301 :
465رمضان عمر سعيد" ،قانون اإلجراءات الجنائية" ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،الجزء األول ،الطبعة األولى.1993 ،
ص.60 :
واليت تتمثل يف التفتيش؛ والضبط؛ والزام شهود اإلثبات باحلضور إلبداء معلوماهتم
أما اإلجتاه اآلخر ،فإنه يرى بأن اإلجراءات اليت يباشرها مأمور الضبط
القضائي تعد من قبيل إجراءات مجع االستدالالت ومن مث فإن إجراء القبض بعد
إجراء إستدالل وليس إجراء حتقيق ،وذلك ألن هذه اإلجراءات ال هتدف التنقيب عن
األدلة ،إمنا للضرورة اليت حولت مأمور الضبط القضائي القبض على املتهم املسند إليه
وترى الباحثة خبالف ذلك بأن القبض هو إجراء جيمع بني إجراءات أعمال
اإلستدالل وبني إجراءات أعمال التحقيق ،سندا لنص املادة 8من قانون أصول
احملاكمات اجلزائية واليت نصت على أن موظفو الضابطة العالية مكلفون بإستقصاء
اجلرائم ومجع أدلتها والقبض على فاعليها وإحالتهم على احملاكم املوكول إليها أمر
معاقبتهم فقد ربط املشرع مهمة مجع األدلة واإلستقصاء عن اجلرائم بالقبض على
فاعلي هذه اجلرائم ،ففي حالة اجلرم املشهود يتم القبض على فاعل اجلرمية دون
أمر من السلطات املختصة بتنفيذ هذا األمر .وبالتايل اعتباره إجراء جيمع بني مرحليت
اإلبتدائي والفرق بينهما ال يرجع إىل إختالف السلطة اليت تباشر كل منهما فقد تقوم
-األصل يف إجراءات مجع اإلستدالالت أهنا تقتصر على األعمال اليت ال
تنطوي على املساس حبقوق األفراد وحرياهتم وال تلزمهم بأي إلتزام ،بعكس ماهو
إجراءات مجع اإلستدالالت فاملبدأ الذي حيكم هذه اإلجراءات هو السرية املطلقة
بالنسبة لألفراد أما بالنسبة لإلجراءات املتعلقة بالتحقيق اإلبتدائي فإن القانون قد
أعطى للخصوم احلق يف احلضور ما عدا مساع الشهود ،وهذا مانصت عليه املادة 64من
قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين ولكنها أجازت للمدعي العام أن يقرر إجراء
احلقيقه ،وتقابلها املادة 77من قانون اإلجراءات اجلنائية املصري ،حيث إن اإلختالف
بني النصني أن املشرع األردين قد أعطى احلق حبضور مجيع إجراءات التحقيق عدا
مساع الشهود ،خالفا للقانون املصري الذي مل ينص على هذا املنع.
-ال تتولد عن أعمال اإلستدالل أدلة يف مدلوهلا القانوين ،وال جيوز أن يكون
حكم القاضي مستند إىل حماضر اإلستدالل ،ولكن جيوز أن يكون اإلستدالل أساسا
للتحقيق اإلبتدائي وعلة إستيعاد نشوء الدليل عن أعمال اإلستدالل أنه ال تتوفر فيه
ضمانات الدفاع املتطلبة لنشوء الدليل ،وبذلك ألعمال اإلستدالل طبيعة إدارية يف
وترى الباحثة أن أعمال اإلستدالل بطبيعتها تعتمد على تنفيذ القبض على
مرتكيب اجلرائم بيد الضابطة العدلية (أفراد األمن العام) ،يف حني أن التحقيق
اليت أقترفت.
األصل أن املتهم بريء حىت تثبت إدانته حبكم هنائي ،فيجب تطبيق هذه
القاعدة على مجيع مراحل الدعوى اجلزائية ،ابتداءا من إجراء القبض على فاعل
اجلرمية وحىت إصدار احلكم النهائي ففي مرحلة مجع اإلستدالالت ال تعترب مرحلة
مقيدة للحرية الشخصية ولكن إستثناء على ذلك ،وجيوز للضابطة العدلية يف حاالت
حمددة ضمن القانون أن يقوم بإجراء القبض وحجز احلرية دون أمر من سلطة خمتصة
بذلك ،فيجب أن تكون هنالك قواعد وإجراءات قانونية جيب إتباعها يف هذه
املرحلة ،كما أن حق األمن هو عدم جواز إلقاء القبض على أحد األشخاص أو إعتقاله
أو حبسه إال يف احلاالت اليت نص عليها القانون ويعد إختاذ مجيع الضمانات واإلجراءات
احملددة لذلك.
جيب أن نشري إىل ماهية اجلرم املشهود (التلبس باجلرمية) ،وذلك لكي
نقف على املعىن احلقيقي للجرم املشهود ،الذي يربر القبض على األشخاص من قبل
فقد عرف قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين اجلرم املشهود يف املادة
28بأنه" :اجلرم الذي يشاهد حال إرتكابه أو عند اإلنتهاء منه" ،وقد أطلق عليه
التشريع املصري حالة التلبس باجلرمية ،واجلرم املشهود والتلبس تعبريان متعددان
ملعىن واحد ،وان كان القانون األردين قد اختار التعبريين .كما نصت الفقرة الثانية
من ذات املادة على أنه" :وتلحق به أيضا اجلرائم اليت يقبض على مرتكبيها بناء على
صراخ الناس إثر وقوعها أو يضبط معهم أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها أهنم
فاعلوا اجلرم وذلك يف خالل األربع والعشرين ساعة من وقوع اجلرم إذا وجدت هبم
أما يف قانون اإلجراءات اجلنائية املصري ،فقد نصت املادة ( )30منه على
أنه" :تكون اجلرمية متلبسا هبا حال إرتكاهبا أو عقب إرتكاهبا بربهة يسريه .وتعترب
اجلرمية متلبسا هبا إذا إتبع اجمللی عليه مرتكبها أو تبعته العامة مع الصياح أثر
وقوعها ،أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حامال آالت أو أوراقا أو أشياء
أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها ،أو إذا وجدت به يف هذا الوقت
ويتضح من خالل النصني السابقني أهنا تضمنت نفس األحكام وإن إختلفت
يف التعبري بوصف اجلرائم ،كما يتضح بأن اجلرم املشهود أو التلبس كما هو
466
أنه اجلرم الذي يشاهد حال وقوعه اإلصطالح يف بعض تشريعات الدول العربية
أو بعد اإلنتهاء منه بفترة قصرية ،واجلرمية مشهودة أو غري مشهودة ال ختتلف من
466وعلى رأسهم المشرع المغربي حيث هو اآلخر يوظف تعبير التلبس ،حيث نظم قواعد الجرم المشهود أو الجريمة المتلبس
بها في المادة 56من قانون المسطرة الجنائية المغربي.
حيث تكوينها وأركاهنا أو العقاب عليها ،فهي واحدة يف احلالتني فاألمر ال يتعلق
بقانون العقوبات ولكن يكمن الفرق يف كيفية ضبط اجلاين ومن حيث تطبيق
كما عرف التلبس بأنه " املشاهدة الفعلية للجرمية من قبل مامور الضبط
القضائي ،مبعىن أن يشاهد املتهم وهو يقترف أفعاال تشكل يف طياهتا ركنا ماديا
لكي يكون اجلرم املشهود أو التلبس منتجا آلثاره القانونية وصحيح من ناحية
حتويل الضابطة العدلية السلطات اإلستثنائية يف التحقيق ،وما يتفرع عنه من
إجراءات صحيحة كالقبض والتفتيش ،فالبد أن تكون هناك عدة ضوابط وشروط
حىت ال تكون خمالفة ألحكام القانون ويترتب عليها البطالن ،وأهم هاته الضوابط:
فقد حدد املشرع األردين حاالت اجلرم املشهود على سبيل احلصر وهي
مشاهدة اجلرمية حال ارتكاهبا؛ مشاهدة اجلرمية حال اإلنتهاء منها؛ مث أن يقبض
على مرتكب ها بناء على صراخ الناس إثر وقوعها أو أن يقيض مع مرتكبها على أشياء
يستدل منها أنه فاعل اجلرمية وذلك يف األربع والعشرين ساعة من وقوع اجلرم.
وهنا على سبيل املثال إذا قبض على شخص بعد األربع والعشرين ساعة
احملددة يف القانون فال يكون جرما مشهودا وهذا اإلختالف بني القانون االردين
واملصري ،467ويف إعتقاد الباحثة أن املشرع األردين قد وضع مدة زمنية حمددة
فيستدل به على فعل اجلرمية خالل األربع والعشرين ساعة األوىل ملنع التعسف يف
مشاهدته قد متت مبعرفة أفراد الضابطة العدلية ،وتطبيقا لذلك قضت حمكمة
النقض املصرية بأن" :حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من
ولكن املشرع األردين قد أعطى حق القاء القبض على املتلبس باجلرمية ألي
فرد حىت ولو مل يكن فرد من أفراد الضابطة العدلية إعماال لنص املادة ( )101من
قانون أصول احملاكمات اجلزائية ،حيث نصت على مايلي" :لكل من شاهد اجلاين
متلبسا جبناية أو جنحة جيوز فيها قانونا التوقيف أن يقبض عليه ويسلمه إىل أقرب
ونرى بأن هذا النص يعد إستثناء على األصل وهو أن رجال الضابطة العدلية
مكلفون بإستقصاء اجلرمية ،ويستطيع كل شخص آخر شاهد اجلائي متلبسا أن يقبض
عليه ويسلمه ألقر ب رجال الشرطة ،ووضع هذا النص لكي مينع املشرع اجلاين من
467نفس األمر ينطبق على الشرع المغربي ،حيث هو اآلخر لم يحدد المدة الزمنية ،بل ترك األمر للسلطة التقديرية للقاضي،
ألن المسألة هنا مسألة واقع ال قانون تخضع للسلطة التقديرية للقاضي .وقد جاء في قرار لمحكمة النقض المغربية قضت فيه
بأنه ..." :إن مدلول مدة الوقت القصير المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 56من قانون المسطرة الجنائية ال تعني
في الجرائم المعلوماتية بضع دقائق أو ساعات ،طالما أن المجرم المعلوماتي يمكنه أن يرتكب جريمته من خارج الحدود على
بعد آالف الكلمترات".
قرار رقم 1/681في 2011/08/03منشور في قانون المسطرة الجنائية والعمل القضائي ،محمد فقير ،ص .92
468نقض ،1993/12/20مجموعة أحكام النقض س 4رقم ،184ص.108 :
اهلروب والفرار من وجه العدالة ،لذا فإن حالة اجلرم املشهود أو التلبس تتوفر ولو
العاديني القبض على اجلاين املتلبس باجلرمية ولكن ال حيق ألي فرد القبض على أي
شخص يستدل منه على أنه فاعل اجلرمية إال يف أحوال التلبس املنصوص عليها يف
املادة 99من قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين ،أما يف مصر فقد حدد املشرع
املصري يف املادة 30من قانون اإلجراءات اجلنائية املصري حاالت التلبس على سبيل
احلصر بأنه :تكون اجلرمية متلبسا هبا حال ارتكاهبا أو عقب ارتكاهبا بربهة يسريه.
وتعترب اجلرمية متلبسا هبا إذا إتبع اجملىن عليه مرتكبها أو تبعته العامة مع الصياح
أثر وقوعها ،أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قریب حامال أالت أو أوراقا أو
أشياء أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها ،أو إذا وجدت به يف هذا
وبإستقراء النص السابق جند بأن املشرع املصري قد حصر التلبس يف اجلرمية
-مشاهدة اجلرمية حال إرتكاهبا :وقد أطلق بعض الفقهاء على هذه احلالة
التلبس احلقيقي للجرمية متييزا عن حاالت التلبس األخرى وتتوافر هذه احلالة
باملالحظة الشخصية املياشرة للجرمية أثناء تنفيذ األفعال املكونة الركن املادي هلا،
يلزم أن يتم إكتشاف التلبس عرب وسائل مشروعة مطابقة للقانون ،وأن يكون سلوك
مأمور الضبط غري خمالف للقانون وأن ال ينطوي على التعسف يف إستعمال السلطة.469
مبشاهدة اآلثار اليت نتجت عن اجلرمية أو األدلة اليت تؤكد على أن اجلرمية مل ميضي
على وقوعها إال فترة وجيزة ،وختتلف عن احلالة األوىل يف أن املشاهدة ال تنصب على
العناصر املكونة للركن املادي للجرمية ومنها النتيجة ،فاجلرمية قد وقعت والنتيجة
قد حدثت ولكن مشاهدة مأمور الضبط هلا يأيت عقب ارتكاهبا وليس حال ارتكاهبا.
ويشترط لتوافر هذه احلالة بأن يتم مشاهدهتا عقب إرتكاهبا بربهه يسرية حىت تكون
-تتبع اجلاين بعد وقوع اجلرمية :وتتحقق حالة التلبس يف هذه احلالة
بتتبع اجملين عليه مرتكبها أو بتتبع صياح العامة إثر وقوعها ،ويفترض بذلك أن
حامال أشياء يستدل منها على أنه فاعل اجلرمية أو شريك فيها أو توجد به عالمات
يستدل منها أنه فاعل اجلرمية أو إذا وجدت يف فاعل اجلرمية أثار أو عالمات تفيد
وعليه ،فإن سلطة الضبطية العدلية تتغري يف هاته اجلرائم حيث متنح هلا
سلطات أوسع من تلك املتعلقة باالستدالل يف اجلرائم غري املشهودة أو غري املتلبس
هبا ،وتتمثل السلطات اليت يتمتع هبا موظفو الضبطية العدلية عند وقوع جرم مشهود
ما يف ما يلي:
أ -االنتقال إىل حمل الواقعة ،وهذا ما نصت عليه املادة 46من قانون أصول
احملاكمات اجلزائية ،حيث ألزمت موظفي الضبطية العدلية باالنتقال إىل حمل
الواقعة ومعاينة وعدم االنتقال يستوجب املسئولية التأديبية وليس بطالن باقي
اإلجراءات.
يسمع أقوال املشتكي عليه حال القبض عليهم ،ولكن ليس له صالحية استجوابه.
ج -االستماع ألقوال الشهود ،ويكون ذلك وفقا للقواعد اليت تتبعها سلطة
التحقيق وبعد حتليف الشهود القسم القانوين حيث إن هذه اإلجراءات تعترب وكأهنا
الشرطة ممارستها يف أحوال اجلرم املشهود ،مثل إجراء التحريات والقبض والتفتيش
ومنع احلاضرين مغادرة مسرح اجلرمية .ويشترط لصحة ممارسة موظفي الضبطية
العدلية اإلجراءات اليت خوهلا هلم القانون يف أحوال اجلرم املشهود ،ومعيار املشروعية
471
املتمثلة يف عدم خمالفة القانون ،وكذا اعتماد أو ما يسمى بالشرعية اإلجرائية
471يقصد بالشرعية اإلجرائية أن يعترف المشرع اإلجرائي بإجراء معين بنصوص قانونية واضحة ويدرجه ضمن قائمة
اإلجراءات التي يجوز للضبطية العدلية أن تجريه ،إذ ال يسوغ لهذا األخير أن يساشر إجراء لم ينص عليه القانون صراحة.
والتفتيش يف غري احلاالت احملددة قانونا ،وكذلك عدم املساس بالقيم واآلداب العامة
ومن ذلك ضبط اجلرم املشهود بأساليب متس القيم واآلداب مثل التجسس واستراق
السمع والنظر.
وهذا ما يذهب إليه العديد من الفقهاء ومنهم الدكتور أمحد فتحي سرور
والدكتور رهوف عبيد ،حيث يذهب هؤالء الفقهاء إىل أنه ال يصح أن يكون اكتشاف
التلبس نتيجة مشاهدات بطريقة تتناىف مع اآلداب أو متس حرمة املساكن ،كالنظر
من خالل ثقب األبواب أو استراق السمع املتعمد ،لذا حكم بأنه إذا كان الثابت هو
أن مشاهدة املتهمني وهم يتعاطون األفيون كانت وسيلة التجسس من ثقب الباب
وأن أحد الشهود احتال عليهم لفتح الغرفة اليت كانوا فيها على هذه احلالة حىت
اقتحمها اخلفري وضبط املتهمني وفتشهم فعثر معهم على املخدر فإن حالة التلبس ال
مرحلة التحقيق اإلبتدائي ،فاألصل أن يقومو مبهامهم وال يباشرو أي عمل من أعمال
التحقيق ألنه من إختصاص النيابة العامة ،وتسهيال ألعمال التحقيق وحتقيقا للسرعة
فيها أجيز للمدعي العام أن يكلف أحد رؤساء خمافر الشرطة أو الدرك بقسم من
األعمال الداخلة يف وظائفه إذا رأى ضرورة لذلك ماعدا استجواب املشتكي عليه.
حيث نصت هبذا اخلصوص املادة 47392من قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين
على أنه" :جيوز للمدعي العام أن ينيب أحد قضاة الصلح يف منطقته أو مدعي عام
آخر إلجراء معاملة من معامالت التحقيق يف األمكنة التابعة للقاضي املستناب وله
أن ينيب أحد موظفي الضابطة العدلية ألي معاملة حتقيقية عدا إستجواب املشتكى
عليه.474
وتطبيقا لذلك قضت حمكمة التمييز األردنية بأنه" :إذا تبني حملكمة
اجل نايات الكربى أن األقوال ضبطت من قبل أحد أفراد الضابطة العدلية وأخذت
بطريق االستجواب خالف األحكام املادة 48من قانون أصول احملاكمات اجلزائية
اليت ال جتيز استجواب املتهم ،فقد أصابت باستبعاد هذه األقوال من عداد البينة".475
ومن الواضح أنه يف مجيع األحوال اليت يوكل فيها املدعي العام غريه بإجراء
بعض التحقيقات أن يبني األعمال املطلوبة على أنه جيب أن ال يؤدي ذلك إىل اإلضرار
بالتحقيق ،ويف االنتداب البد من قيود هامة تتمثل يف عدم جواز االنتداب للتحقيق
يف قضية بكاملها ،كما أنه ال جيوز االنتداب لالستجواب ،وهذا ما هو واضح من
ظاهر النص وملا كان التوقيف ال جيوز إال بعد استجواب فإن التوقيف يعترب االنتداب
له حمظور ،كما ال جيوز االنتداب للتصرف بالتحقيق ،حيث إن هذا التصرف غري
473في تحديد نطاق المادة 92جاء في قرار محكمة التمييز األردنية رقم ( ) 91/1987مايلي" :إن حكم المادة ( ) 92
من قانون أصول المحاكمات الجزائية ينحصر في الحاالت التي ينيب فيها المدعي العام أحد موظفي الضابطة العدلية إلجراء
معامالت تحقيقية باستثناء استجواب المشتکی عليه ،كما يتعين في هذه الحالة أن تكون اإلنابة مكتوبة ومبينا فيها اإلجراءات
التحقيقية المناطة بموظف الضابطة العدلية التي يجب أن يقوم بها ،وأن تكون موقعة من المدعي العام ومؤرخة؛ وذلك لتغطية
الحاالت التي تحرر فيها اإلنابة ،وتحفظ في ملف القضية؛ ويبلغ المدعي العام موظف الضابطة العدلية بها هاتفيا أو برقيا؛
ويطلب إليه العمل بما جاء فيها؛ إذا ما تذرع بأن موظف الضابطة العدلية لم يكن منابا من المدعي العام وقت قيامه بالعملية،
فإن اإلنابة الخطية المؤرخة هي التي يعول عليها في حسم النزاع" .تمييز جزء رقم 1987/91هيئة خماسية ،تاريخ
،1987/4/25منشورات مركز العدالة.
474تقابلها المادة 70من قانون اإلجراءات الجنائية المصري.
475تمييز جزاء أردني رقم 1984 / 16مجلة نقابة المحامين األردنين ،تاريخ ،1984/1/1ص .790
قابل للنقل أو التفويض ،وعليه نشاهد أن رجال الشرطة تتسع اختصاصاهتم يف
ومن الشروط الواجب توافرها يف أمر الندب حتی یكون منتجا ألثاره وغري قابل
للبطالن :أن يصدر أمر الندب له ممن ميلك إصداره ،من حيث االختصاص اإلقليمي؛
أن يصدر أمر الندب إىل رجال الشرطة املختصني؛ و أن يكون أمر الندب ثابتا
بالكتابة؛ أن يكون أمر الندب حمددا باإلجراءات املراد تفويضها؛ مث يلزم مشول أمر
الندب بيانات معينة أمهها اسم من أصدره وإسم املتهم أو املتهمني املقصودين
باإلجراء.
إىل حتقيق ابتدائي إذا ما متت وفق األوضاع املنصوص عليها يف القانون مع ضرورة
األخذ بعني االعتبار أن املندوب ال جيوز له ندب غريه فيما ندب إليه ،حيث إن القاعدة
وبالرجوع لقانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين ،جند املشرع ينص يف
املادة 46على أن" :موظفو الضابطة العدلية املذكورين يف املادة 44ملزمون يف حال
وقوع جرم مشهود أو حاملا يطلبهم صاحب البيت أن ينظموا ورقة الضبط ويستمعوا
إلفادات الشهود وأن جيرو التحريات وتقتيش املنازل وسائر املعامالت اليت هي يف مثل
جوخدار حسن" ،شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية األردني –دراسة مقارنة ،1993 "-ص.73 : 476
ملزمون يف حال مت إلقاء القبض على شخص متلبس يف جرمية معينة بأن يقومو
بتنظيم ورقة ضبط وأن يستمعوا إلفادات الشهود وأن جيرو التحريات الالزمة ولكن
-1أن ال يكون هناك مدع عام يف املركز الذي قامت الضابطة العدلية
بإجراء التحقيقات فيه سندا لنص املادة ( ) 44من قانون أصول احملاكمات اجلزائية
األردين؛
-3أن يقوموا بتنظيم ورقة ضبط وأن يستمعوا إلفادات الشهود وأن جيرو
التحريات الالزمة.
ومجع اإلستدالالت سوی سؤال املقبوض عليه عن اإلهتام املنسوب إليه ،ألنه حيظر
عليه إستجوابه ،كوهنا تعترب وسيلة دفاع املقبوض عليه ،فضال عن ذلك يعد
كما توجد حالة أخرى متنح موظفي الضابطة العدلية سلطات استثنائية
للقبض على فاعلي اجلرائم يف غري حاالت اجلرم املشهود ،وذلك يف حالة اجلرائم
478وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز األردنية بأنه" :ال تعد أقوال المتهم في دائرة المخابرات العامة استجواب قانوني،
وإنما هي مجرد إجابات عن أسئلة وجهها المحقق للمتهم دون دخول في تفاصيل هذه اإلجابات أو مناقشة لمضمونها أو
مواجهتها بأدلة ،وهو أمر تملکه سلطات الضابطة العدلية .تمييز جزاء أردني رقم 1998 / 380هيئة خماسية ،تاريخ 9/9
،1998منشورات مركز عدالة .أشار إليه لورنس سعيد الحوامدة" ،دور النيابة العامة في استجواب المشتكى عليه في التشريع
األردني –دراسة مقارنة "-بحث منشور بمجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية ،المجلد 12العدد ،2015 ،1ص:
.193
الواقعة داخل املساكن .فقد نصت املادة 42/1من قانون أصول احملاكمات اجلزائية
األردين على أنه "يتوىل املدعي العام التحقيق وفقا لألصول املعينة للجرائم املشهودة،
إذا حدثت جناية أو جنحة ومل تكن مشهودة داخل بيت وطلب صاحب البيت إىل
املدعي العام التحقيق بشأهنا" فإذا كان هذا النص يقرر للمدعي العام التحقيق يف
اجلرمية غري املشهودة واليت يطلب صاحب البيت التحقيق بشأهنا فإن موظفي الضابطة
هلم احلق مبباشرة سلطاهتم مبوجب نص املادة 46املذكورة سابقا يف حالة اجلرم
املشهود الواقعة داخل املساكن ،أو أن يتم إستدعائهم من قبل صاحب البيت.479
وعليه ،ميكن أن نسنتج من خالل النص السابق الذكر عدة أمور يف حالة
-أن تكون اجل رمية اليت وقعت إمسا جناية أو جنحة؛ وجيب أن تكون
اجلرمية قد وقعت داخل مزنل إن كان هناك ساكنني يف املزنل أم ال؛ أو أن يطلب
صاحب البيت إىل املدعي العام أو أحد موظفي الضابطة العدلية التحقيق بشأن جرمية
قد أرتكبت داخل مزنله ،والسؤال الذي يثور هنا ماذا لو أن أحد املارة قد شاهد جرمية
ترتكب يف مزنل معني وقام بالتبليغ عن هذه اجلرمية ،فهل تكون هذه احلالة جرما
مشهودة أم ال؟
بقوهلا " جيوز ألي مأمور شرطة أو درك أن يدخل إىل أي مزنل أو مكان دون مذكرة
وأن يقوم بالتحري فيه -1 :إذا كان لديه ما حيمله على اإلعتقاد بأن جناية ترتكب
محمد تمور ،أصول إجراءات الجزائية ،دار الثقافة للنشر -المطبعة الثانية – 2011 -ص.103 : 479
يف ذلك املكان أو أهنا ارتكبت فيه منذ أمد قریب - 2اذا إستنجد الساكن يف
ذلك املكان بالشرطة أو الدرك -3 .إذا إستنجد أحد املوجودين يف ذلك املكان
بالشرطة أو الدرك وكان مثة ما يدعو لإلعتقاد بأن جرما يرتكب فيه -4 .إذا كان
يتعقب شخصا فر من املكان املوقوف فيه بوجه مشروع ودخل ذلك املكان.
نرى هنا بأن وصول أنباء إىل الضابطة العدلية عن وقوع جرمية مشهودة،
توجب عليه االنتقال فورا إىل مسرح اجلرمية ،ومعاينتها ،والتحقق من وقوع إحدى
حاالت اجلرم املشهود اليت نص عليها القانون .فإذا تيقن موظف الضابطة العدلية
بشكل أكيد من توافر إحدى احلاالت األربعة املذكورة سابقا ،تصبح اجلرمية
فمن خالل النص السابق الذكر ،يتبني أن املشرع أعطى املدعي العام سلطة
التحقيق يف جناية أو جنحة ولو مل تكن مشهودة داخل بيت ،وبناء عليه إذا قام أحد
األشخاص بالتبليغ عن هذه اجلرمية وانتقل املدعي العام أو أحد موظفي الضابطة
كما جاءت املادة 99من قانون أصول احملاكمات اجلزائية لتبني السلطات
اإلستثنائية للضابطة العدلية واليت نصت بأنه" :ألي موظف من موظفي الضابطة
العدلية أن يأمر بالقبض على املشتكى عليه احلاضر الذي توجد دالئل كافية على
إهتامه" والسؤال الذي يثور هنا كيف يتم حتديد الدالئل الكافية إلجراء القبض على
جوابا عن السؤال املطروح قضت حمكمة التمييز األردنية بأنه" :جتيز املادة
99ألي موظف من موظفي الضابطة العدلية أن يقبض على املشتكى عليه احلاضر
يف اجلنايات اذا وجدت دالئل كافية على إهتامه ،وحيث أن الدالئل اليت استند إليها
رجال الضابطة العدلية ،وهي مشاهدهتم مواد مشتبهة يف صندوق السيارة اليت كانت
متوقفة يف منطقة مشبوهة برواج املواد املخدرة فيها تعترب كافية للقبض على املتهم
اجلزائية ،وهو املوسوم بسلطات رجال الضبط العديل يف النظام األردين ،وقد تناول
هذا البحث مناقشة إشكالية مفادها حدود اختصاصات رجال الضبط العديل يف
اإلجراءات اجلزائية أثناء البحث يف اجلرائم وذلك عن طريق تقسيم ثنائي ووفق
منهجية الثينية ،حيث مت تقسيم املوضوع إىل مبحثني ،حتدث يف املبحث األول عن
األحكام العامة للضبط اجلنائي ،وذلك من خالل مطلبني ،حيث تناول يف املطلب
األول من مفهوم الضبط اجلنائي وكطا تبيان األشخاص الذي يقومون مبهام الضبط
العديل وألي ج هة خيضعون ،مث تناول الفرق بني الضبط العديل والضبط اإلداري يف
املطلب الثاين ،ويف املبحث الثاين ناقشت الدراسة السلطات املمنوحة لرجال الضبط
العديل ،حيث تطرق هذا املبحث إىل صالحيات رجال الضبط العديل يف مرحلة
اإلستدالل ،هذه املرحلة اليت تعد من املراحل األولية اليت تسبق مرحلة التحقيق
قرار محكمة التميز جزاء األردنية رقم ،815/200سنة 2011أشار إليه :حسن حسين الرفاعي ،مرجع سابق ،ص: 480
65
ومرحلة احملاكمة ،وهي تعد من أبرز املراحل اليت يتخذ فيها رجال الضبط العديل
الئحة املراجع:
-أمحد فتحي سرور" ،الوسيط يف قانون اإلجراءات اجلنائية" الكتاب األول ،الطبعة
-بالل حممود مرهج اهلييت" ،اجلرم املشهود وأثره يف توسيع سلطات الضابطة
العدلية دراسة مقارنة بني القانونني األردين والعراقي" ،رسالة لنيل دبلوم املاجيستر،
-رشيدة حممود سيد أمحد" ،االختصاص اإلستثنائي لسلطة الضبط القضائي" ،حبث
-السبكي ممدوح" ،سلطات مأمور الضبط القضائي" دار النهضة العربية ،القاهرة،
مصر.
-السعيد كامل" ،شرح قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين" ،دار الثقافة للنشر
مصر.
-صباح املومين" ،حدود مسئولية الدولة عن أعمال الضبط اإلداري والقضاء يف األردن"،
-أبو اخلري عادل السعيد"،الضبط اإلداري وحدود" ،اهليئة املصرية العامة للكاتب،
القاهرة.1995 ،
-عادل بن عبداهلل" ،مسؤولية الدولة عن أعمال مرفق الشرطة" ،مذكرة لنيل درجة
-قدري عبد الفتاح الشهاوي" ،السلطة الشرطية ومناط شرعيتها جنائيا وإداريا"،
-حسن حسني الرفاعي" ،حقوق وضمانات املقبوض عليه –دراسة مقارنة بني التشريع
األردين واملصري "-رسالة ماجستري يف القانون العام ،جامعة الشرق األوسط ،كلية
احلقوق ،األردن.2015 ،
-أمحد عبدالرمحان" ،شرح اإلجراءات اجلزائية" ،الطبعة األوىل ،دار الثقافة للنشر
.2011
-رمضان عمر سعيد" ،قانون اإلجراءات اجلنائية" ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
اجلزء األول ،الطبعة األوىل.1993 ،
-جوخدار حسن" ،شرح قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين –دراسة مقارنة-
" .1993
وحري علماء الطب واألوبئة ،ومل يوجد له اىل غاية كتابة هذه االسطر أي دواء او لقاح
حيد منه ليبقى السبيل الوحيد ملواجهة تفشيه وسرعة انتشاره هو االلتزام بقواعد
وقد افادت صحيفة foreige affaireأن االقتصاد العاملي دخل يف حالة من
الركود الشديد ،وأن االنكماش سيكون مفاجئا وحادا بسبب تفشي فريوس كوفيذ
وقد أقدمت بالدنا على اختاذ عدة تدابري احترازية ملواجهة تفشي هدا الوباء بل
أن اجلميع اعترف باخلطوات الرائدة اليت اختذهتا حتت القيادة الرشيدة جلاللة
P 301 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
امللك حممد السادس ،ولعل أمهها اعالن حالة الطوارئ الصحية ،481ومت احداث
صندوق خاص بتدبري هذه اجلائحة تنفيذا للتعليمات امللكية السامية ،ومت احداث
جلنة اليقظة االقتصادية من اجل تتبع وتقييم وضعية االقتصاد الوطين ودراسة
التدابري اليت يتعني اختادها هبدف التخفيف من حدة االزمة ،كما تلتها قرارات
وزارية بتحديد القطاعات اليت ال يعترب املشغل فيها يف وضعية صعبة جراء تفشي
كورونا ومن هذه القرارات تلك املنشورة باجلريدة الرمسية عدد 6878بتاريخ
ومما ال شك فيه ان هذه التدابري االحترازية ستؤدي اىل انكماش كبري على
سترخي بظالهلا على املقاوالت خاصة الصغرية واملتوسطة ،مما سيؤثر سلبا على
حتما تسريح اليد العاملة واهناء عقود الشغل ،األمر الذي سيطرح عدة إشكاالت
قانونية ملا بعد جتاوز جائحة كوفيد وتأثريها على استقرار عالقات الشغل ،لذلك
سنحاول التطرق اىل بعض اإلشكاالت اخلاصة ملآل عقود الشغل بعد رفع حالة
الطوارئ وإعادة فتح املقاوالت (احملور األول) مت نعرج بعد ذلك على تكييف األثر
احملور االول :مآل عقود الشغل بني توقف املقاولة ومغادرة االجري.
أدت جائحة كورونا اىل اغالق بعض املقاوالت يف حني مت السماح ملقاوالت أخرى
باالستمرار يف ممارسة أنشطتها ،مما جيعل احلكم على أثر هذه اجلائحة على إهناء
عقود الشغل خمتلف من مقاولة مسموح هلا باالستمرار يف العمل وأخرى ملزمة
باإلغالق ،مما يعين ان سبب اهناء عقود الشغل بعد جتاوز هذه اجلائحة لن خيرج على
سببني إثنني ،إما بسبب توقف عقد الشغل مؤقتا نتيجة االغالق (أوال) وإما بسبب
إذا كان للدائن يف القواعد العامة ان يتمسك بعدم تنفيذ العقد لالنسالخ
طبقا للفصل 235من قانون االلتزامات والعقود ،482فان هذه القاعدة ليست مطلقة
يف عقد الشغل ملا له من خصوصيات على مستوى اجناز العمل وأداء االجر كمحل
لعقد الشغل ،حيث يبقى التوقف عن تنفيذ االلتزامات املتبادلة بني طريف عقد
لشغل ملدة مؤقتة قد تطول وقد تقصر حسب سبب التوقف ،وقد احسن املشرع
املغريب فعال عندما بادر اىل حتديد حاالت توقف عقد الشغل يف املادة 32من
مدونة الشغل ،483وهي حاالت منها ما يعزى إىل احلالة الصحية لألجري كاملرض
مهنيا كان او غري مهين او تعرضه حلادثة شغل او خالل فترة الوالد بالنسبة لألجرية
- 482قانون االلتزامات والعقود هو تدوين لقانون العقود في المغرب ،بناء على ظهير 9رمضان ( 1331الصادر في 12أغسطس
)1913في عهد موالي يوسف ،خالل الحماية الفرنسية على المغرب بصيغتها المعدلة والمستكملة من 1917إلى . 2016
- 483ظهير شريف رقم 1.03.194صادر في 14من رجب 11( 1424سبتمبر )2003بتنفيذ القانون رقم 65.99المتعلق بمدونة
الشغل -الجريدة الرسمية عدد 5167بتاريخ 2003/12/08الصفحة .3969
قبل التاريخ املتوقع احلامل حيث يتوقف سريان عقد الشغل بسبعة أسابيع
للوضع املثبت بشهادة طبية وبسبعة أسابيع من بعد الوضع بل قد تطول اىل مدة
عشرون أسبوعا بثمانية أسابيع قبل الوضع و أربعة عشر اشهر أسبوعا بعد الوضع إدا
ترتب عن احلمل او النفاس مرض لألجرية ،كما يتوقف عقد الشغل بسبب مناسبات
عائلية كالوالدة واخلتان والزواج او بوفاة أحد أصول األجري أو أحد أبنائه او
زوجته ،او خالل فترة االضراب املشروع كما يتوقف عقد الشغل خالل أداء اداء فترة
املهام التمثيلية من قبل مندويب االجراء يف حدود مخسة عشرة ساعة يف الشهر
وقد يكون التوقف بسبب مهام نيابية كما هو حال األجري الربملاين او مستشار
األجراء املشاركني يف اندية رياضية ،أو قد يكون التوقف بسبب املناداة على
ومما ال شك فيه أن جائحة كورونا ستكون هلا أثار وخيمة على عقود الشغل
مما يدفعنا اىل التساؤل عن مآل عقود الشغل خالل فترة احلجر الصحي هل ستؤدي
هذه اجلائحة اىل توقف عقد الشغل ام اهنا ستنهي العقد وتعفي أطراف العالقة
جتدر اإلشارة بداية اىل ان املشرع املغريب ميز بني حاالت توقف عقد الشغل
وحددها يف املادة 32من املدونة يف حني أورد يف املادة 33القوة القاهرة واليت ختول
ألطراف عالقات الشغل اهناء العقد دون ان يترتب عن ذلك أي تعويض للطرف
األخر ،و نعتقد ان جائحة كورونا ال ميكن اعتبارها قوة قاهرة ختول للمقاولة اهناء
عقود الشغل وتسريح عماهلا ،طاملا ان هذه اجلائحة لن تؤدي اىل استحالة تنفيذ عقد
كوفيد 19القط اعات املعنية باإلغالق ملدة قد تطول او تقصر امال ان تعود اىل
ممارسة نشاطها بشكل عادي بعد االنتصار على الفريوس اللعني ،من جهة أخرى،
وهو ما اكدته عليه املادة الثالثة من القانون رقم 25.20من أنه " تعترب الفترة
املنصوص عليها يف املادة األوىل أعاله (،أي الفترة املمتدة من 15ماري اىل غاية 30
يونيو )2020بالنسبة للعاملني املشار إليهم يف املادة املذكورة ،يف حكم فترة توقف
مؤقت لعقد الشغل بالنسبة لألجراء وفق أحكام املادة 32من القانون 65.99املتعلق
مبدونة الشغل ،وفترة توقف مؤقت لعقود التكوين بالنسبة للمتدربني قصد
وحتتسب الفترة املذكورة كمدد تأمني لتخويل احلق لألجراء املشار إليهم يف الفقرة
وحتول هده املدد إىل أيام باعتبار الشهر ستة وعشرين يوما.
مما يعين ان املقاوالت غري املعنية باإلغالق ال ميكن اعتبار فريوس جائحة كورونا
خبصوصها قوة قاهرة ،و بالتايل أي فصل لألجري ناتج عن ذلك سيعترب فصال تعسفيا
كتلك املتعلقة باملقاهي وقاعات األلعاب الرياضية واحلالقة و دور السينما وانشطة
النقل العمومي وغريها ،فتعترب تلك القرارات قوة قاهرة ( بفعل األمري) لكنها ال
ميكن ان ترتب اهناء عالقات الشغل وفسخ عقود الشغل وامنا يتوقف عقد الشغل
خالل فترة االغالق احملددة مبوجب قرار املنع على ان يستأنف العمل و يعود
االجري اىل عمله بعد رفع احلجر واملنع املفروض على هذه األنشطة وتعود احلياة
وادا كانت تلك املقاوالت الغري املشمولة بوقف أنشطتها جمربة على االستمرار
يف ممارسة أنشطتها ،اال انه قد تظهر بعض حاالت اإلصابة بفريوس كوفيد 19
يف حميطها كإصابة احد االجراء فتكون املقاولة بإيقاف العقد مع االجري املصاب او
املكتشف من حاالت املختلطني ويتوقف العقد مؤقتا اىل حني متاثل االجري للشفاء
او انتهاء مدة احلجر الصحي احملدد من قبل وزارة الصحة على ان يعود اىل عمله
بعدما يتبني خلوه من الفريوس او بشفائه على ان تتخذ املقاولة كل تدابري حفظ
ال صحة والسالمة ،وميكن للمقاولة جتنبا ملخاطر تفشي فريوس كورونا داخل
حميطها التعجيل باستفادة االجراء من عطلتهم السنوية املؤدى عنها بعد استشارة
مندويب االجراء واملمثل النقايب عند وجودهم وحصول توافق على ذلك.
ان و اقعة املغادرة التلقائية غالبا ما تثار كدفع من قبل املشغل و يتمسك هبا
مىت تغيب االجري عن عمله بدون مربر او خارج احلاالت احملددة قانونا واليت متكن
االجري من التغيب ملدد حمددة ختتلف من حالة ألخرى ،ويقع على املشغل اثبات
واقعة املغادرة التلقائية لألجري طبقا للمادة 63من مدونة الشغل وهي واقعة مادية
ميكن اثباهتا بكافة وسائل االثبات لتبقى شهادة الشهود واالنذار بالرجوع اىل العمل
ومما ال شكى فيه انه ستكون جلائحة كورونا اثارا سلبية على عالقات
الشغل الفردية سواء خالل فترة احلجر الصحي او بعد رفعه ،حيث أنه قد تؤدي
الحمالة اىل توقيف عقود الشغل او اهنائها وما سيترتب عنه من فصل وتسريح لعدد
من األجراء ،كما قد تكون سببا ملغادرهتم او فرصة للمقاولة للتخلص من األجراء
الغري املرغوب فيهم ،وهي صور من الفصل عن العمل تفرزها اجلائحة بعد انتهائها
و سيكون للقضاء كلمة للحسم يف تكييف صور اهناء عقود الشغل الناجتة عنها
واعطائها الوصف القانوين و ترتيب األثر القانونية عنها محاية ألطراف العالقة
الشغل.
ان مغادرة االجري لعمله خبصوص املقاوالت اليت مل تشملها القرارات السلطة
املغادر تلقائيا لعمله وحيق ملشغله االستغناء عنه و ال ميكن له بعد رفع احلجر
الصحي التمسك بالفصل التعسفي طاملا انه قد اختار مغادرة عمله طوعا و يف وقت
تكون فيه املقاولة يف حاجة ماسة ألجرائها لتجاوز االثار السلبية للجائحة ،ويكفي
للمشغل يف هذه احلالة اثبات مغادرة االجري لعمله خالل فترة احلجر الصحي بالرغم
من استمرار املقاولة يف ممارسة أنشطتها بواسطة شهادة الشهود دون حاجة اىل
توجيه انذار للرجوع اىل العمل طاملا انه قد يتعذر عليها ذلك بسبب ما تعرفه
والقضايا اجلنحية التلبسية وقد أكدت جلنة اليقضة االقتصادية على احلرمان من
االجر بالنسبة لألجري الذي ؽاغدر عمله دون أن تكون املقاولة متوقفة كليا او جزئيا
عن العمل ،أما يف حالة مبادرة املقاولة خوفا من تفشي فريوس كورونا داخل حميطها
اىل االغالق دون ان يشملها قرار السلطة احلكومية فإهنا تظل مسؤولة عن هذا
االغالق و حيق لألجري تقاضي أجرته طيلة مدة االغالق طاملا انه يظل مستعدا ألداء
عمله و يضع نفسه رهن إشارة مشغله ،وهو املوقف الذي نص عليه املشرع املصري
يف املادة 41من قانون العمل حيث نصت على انه ":اذا حضر العامل اىل مقر عمله
يف الوقت احملدد ،وكدان مستعدا ملباشرة عمله وحالت دون ذلك أسباب ترجع
اىل صاحب العمل اعترب كأنه أدى العمل فعال واستحق اجره كامال ،اما إدا حضر
وحالت بينه و بني مباشرة عمله أسباب قهرية خارجة عن إرادة صاحب العمل
ويترتب على اغالق املقاولة وتسريح العمال من تلقاء نفسها فصال تعسفيا إال إدا
اختارت املقاولة االستمرار يف صرف أجور العمال بالرغم من توقفها عن العمل و يبقى
طرح هذا االحتمال بعيدا ان مل يكن مستحيال ،وهو ما سيولد خالفات بني املقاوالت
وعماهلا بعد انتهاء فترة احلجر وحالة الطوارئ ورفع القيود عن املمارسة االعتيادية
لكل األنشطة.
داخل املقاولة ،ويف هذه احلالة ستكون املقاولة ملزمة باتباع و إختاد التدابري
االحترازية املعلن عنها من قبل وزارة الصحة و يتعني عليها اغالق املقاولة و يكون
اغالقها مشروعا وال حيتاج اىل ادن عامل العمالة او اإلقليم ويتعني عليها التصريح
يف مبلغ 2000درهم يصرف من قبل الصندوق احملدث ملواجهة تدابري كورونا
من خالل الصندوق الوطين للضمان االجتماعي عن الفترة املمتدة من 15مارس اىل
هذا كل ما يتعلق ببعض التصورات ملآل عقد الشغل بعد جتاوز جائحة كورونا
وحماولة تكييفه بني حاالت التوقف وحاالت املغادرة ،فماذا عن أثر اجلائحة عن
احملور الثاين :أثر انتهاء عقد الشغل بني اغالق املقاولة وفصل االجراء
مما ال شكى فيه انه ستكون جلائحة كورونا اثار وخيمة ليس فقط على
اىل نشوب نزاعات اجتماعية بني الطبقة الشغيلة وارباب العمل وهو نزاع سيعرض
على احملاكم بدون شك ،االمر الذي يفرض على القضاة املكلفني بالبت يف هذه
القضايا االملام بكل هذه الظروف واألثار السلبية هلذه اجلائحة على عقود الشغل
وعلى املقاولة أيضا حىت يتسىن هلم املسامهة يف التخفيف من تداعياهتا ودلك من
خالل إعطاء التكييف القانوين الصحيح وترتيب األثر القانونية على ذلك صونا
للحقوق.
إن إهناء عقد الشغل بسبب مرض كورونا املستجد لن خيرج عن سببني أساسيني،
األول وقد يكون بسبب اغالق املقاولة (أوال) و الثاين بسبب فصل تعسفي غري مربر
حدد املشرع املغريب حاالت اغالق املقاولة وجعل أسباهبا منها ما يرجع ألسباب
على املقاولة سلوكها قبل االقدام على تسريح االجراء وحثها على استشارة مندوب
الضرورية املتعلقة مبوضوع االغالق ودلك وفق ما تنص عليه املادة 66من مدونة
الشغل.
اليت ادخلتها املقاولة على منط أداء نشاطها وكدا التقنيات احلديثة املدخلة على
فان الفصل ألسباب اقتصادية يتعلق بالصعوبات املالية طريقة ممارسة األنشطة
واالقتصادية اليت متر منها املقاولة واملرتبطة عموما بالسوق و التسويق والعرض
والطلب وتأثريهم على مردودية املقاولة ،ويترتب عن مرور املقاولة هبذه الصعوبات
(فصل مجاعي لألجراء) اغالق املقاولة و تسريح األجراء ،وقد يكون االغالق كليا
أو إغالق جزئي حيث ينحصر الفصل على عدد معني من االجراء ،يف حني تبقى اثر
الفصل بالنسبة لألجراء خيتلف حسب ما اذا كانت املقاولة قد احترمت اإلجراءات
املسطرية الواردة يف املادة 66من املدونة حيث يستحق األجراء تعويضا عن هذا
الفصل يشمل التعويض عن االخطار و التعويض عن الفصل طبقا للمادة 51و 52من
املدونة ،أما يف حالة عدم احترام املقاولة ملسطرة االغالق فان األجري يستفيد
باإلضافة اىل التعويضات املذكورة أعاله التعويض عن الضرر .وادا كانت األسباب
ينهض مرض كورونا وتداعياته سببا اخر ميكن للمقاولة بسببه اللجوء اىل مسطرة
االغالق ؟
جتدر اإلشارة أوال ان كورونا مرض ناتج عن فريوس كوفيد 19ال عالقة له
مما يعين انه ال ميكن إدخاله يف زمرة االمراض املهنية حىت وان مت نقل العدوى
اىل االجراء داخل املقاولة طاملا ان مجيع األحباث العلمية مل تثبت اية عالقة بني
هذا الفريوس و أنشطة معينة ،يف حني تظل حالة اعتباره حادثة شغل واردة طاملا
يف احلالة اليت يقوم فيها اجري مصاب بنقل العدوى اىل رفاقه داخل املقاولة اذ يف
هذه احلالة تظل شروط حادثة شغل متوفرة طاملا ان اإلصابة وقعت لألجري اثناء العمل
ومبناسبته طبقا للمادة الثالثة من القانون املتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل اليت
تنص تعترب حادثة شغل كل حادثة ،كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر ،للمستفيد
من أحكام هذا القانون ،سواء كان أجريا أو يعمل بأية صفة تبعية كانت ويف أي
حمل كان إما حلساب مشغل واحد أو عدة مشغلني ،وذلك مبناسبة أو بسبب الشغل
أو عند القيام به ،ولو كانت هذه احلادثة ناجتة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف
الشغل قد تسببت يف مفعول هذه القوة أو زادت يف خطورهتا إال إذا أثبت املشغل أو
مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض املصاب كان سببا مباشرا يف وقوع
احلادثة .ويقصد بالضرر يف مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت
فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز جزئي أو كلي ،مؤقت أو دائم ،للمستفيد من
أحكامه .وما داما ان املشرع اعترب احلادثة اليت يتعرض هلا االجري يف الطريق بني مزنله
ومقر عمله حادثة شغل فكان باألحرى ان تعترب املرض الذي يصيب االجري داخل
اال انه باملقابل ميكن ادخال مرض كوفيذ 19يف زمرة األسباب االقتصادية
ملا له من تداعيات اقتصادية وخيمة على املقاوالت خاصة تلك املرتبطة أنشطتها
بالتصدير واالسترياد بفعل اغالق احلدود ،نفس الشيء بالنسبة للمقاوالت اليت
مشلتها قرارات السلطة احلكومية باإلغالق فهذه املقاوالت تكون مضطرة اىل
االغالق و تسريح عماهلا مؤقتا طاملا ان فترة احلجر واغالق احلدود و املنع يفعل
السلطة ( بفعل األمري كما يقال) هو أمر مؤقت ،وبالتايل سيكون تسريح األجراء
خالل هذه الفترة تسريح مؤقت ،وقد بادرت السلطة احلكومة بتخصيص مبلغ
2000.00درهم لكل اجري منخرط يف الصندوق الوطين للضمان االجتماعي يؤدى من
ملكية ،مما يعين انه بعد رفع احلجر الصحي وحالة الطوارئ على بالدنا ستعود
األمور اىل طبيعتها وال ميكن منع األجراء من استئناف عملهم بدريعة ان تسرحيهم
خالل فترة احلجر الصحي كان قانونا ،بل وقد يبادر بعض املشغلني اىل مباشرة
مسطرة الفصل التأدييب واستدعاء االجري املتوقف عن العمل لالستماع اليه على
ان تغيبه عن العمل اكتر وجتاوز املدة املسموح هبا يعترب خطأ جسيما يؤذي اىل الفصل
عن الشغل.
أما بالنسبة للمقاوالت اليت مل تشملها القرارات احلكومية باإلغالق فإهنا تبقى
ملزمة باالستمرار يف مزاولة نشاطها واستقبال أجرائها وال ميكن تسرحيهم كليا او
جزئيا مع العلم انه ميكن هلذه املقاوالت التخفيض من ساعات العمل و اإلشتغال عن
بعد ويف منازهلم وهذا العمل األخري منظم يف املادة الثامنة من مدونة الشغل.
قد يلجأ املشغل اىل فصل األجري أو عدة أجراء لسبب او لعدة أسباب ،وقد يكون
الفصل مشروعا يف حالة ارتكاب االجري للخطأ اجلسيم ومت احترام مسطرة الفصل
املنصوص عليها يف املواد 62و 63و 64من مدونة الشغل ويبقى هذا الفصل يف مجيع
األحوال خاضعا لرقابة القضاء سواء من حيث جسامة اخلطأ املوجب للفصل او من
حيث سالمة مسطرة الفصل ،ودلك للحد و التصدي ألي تعسف من قبل اطراف
واألكيد ان تأثريات مرض كورونا على عقد الشغل و اطرافه ستمتد اىل ما
بعد بعد كورونا بعد اإلعالن عن السيطرة عنها ،ومن تأثرياهتا جلوء بعد املقاوالت
اىل اهناء عقود الشغل و فصل االجراء بسبب التدابري االحترازية اليت تكون قد اختدهتا
خالل فترة تفشي الفريوس ،وهو ما سيؤدي اىل نزاعات عمالية داخل املقاولة قد
تنتهي بالفصل عن العمل لعدة أجراء وهو ما يستوجب اعطاء تكييف قانوين
هلذا الفصل ودلك عن طريق حتديد احلاالت اليت يعترب الفصل بسبب التدابري
االحترازية فصال مشروعا مت احلاالت اليت يعترب فيها فصال تعسفيا يستحق عنه
األجري التعويض.
من بني التدابري االستثنائية اليت قد تتخذها املقاولة ملواجهة جائحة كورونا
ومتديد مدة الشغل العادية ،وهو ا ختاذ املشغل قرار جتاوز مدة الشغل العادية
ما حيتم على االجري االمتثال ملثل هذه القرارات طاملا اهنا مل تتجاوز احلد القانون
املسموح به مقابل استفادته من أجرته تعادل األجرة املؤدى عن مدة الشغل العادية
،مما يعين ان اهن اء عقد بسبب هذه التدابري ال يعترب فصال تعسفيا،كما قد تلجأ
املقاولة اىل استدراك ساعات الشغل الضائعة بعد استشارة مدونب االجراء واملمثلني
النقابيني يف حالة وجودهم شريطة عدم جتاوز مدة االستدراك املدة القانونية
احملددة يف املادة 189من مدونة الشغل نفس االمر خبصوص التقليص من ساعات
العمل مىت االتفاق مع مندوب االجراء و املمثل النقايب على اال يتجاوز التقليص
من ساعات العمل جتاوز احلد القانوين املسموح به ودون املساس باحلد القانوين
لألجر ،على ان يؤدى هذا األخري عن مدة الشغل الفعلية واال يقل يف مجيع احلاالت
عن % 50من االجر العادي ،هذا يعين ان كل التدابري املتعلقة مبدة العمل واالجر
حمددة قانونا و بالتايل ال جيب استغالل جائحة كورونا لتجاوز احلد املسموح به
سواء خبصوص مدة العمل او استدراك أوقات العمل الضائعة او توقيف األجرة واملس
بأجرهتم بالنسبة ألجراء املقاوالت اليت مل يشملها قرار االغالق ،كما انه للمشغل
خبصوص بعض املقاوالت اليت عرفت بسبب كورونا ازديادا غري عادي يف أنشطتها
أجرائها اإلشتغال أيا م الراحة األسبوعية كما ميكنها ان تفرض عطل سنوية
سابقة على أواهنا بعد االتفاق مع مندوب االجراء و املمثل النقايب يف حالة وجوده
شريطة حصول االجري على تعويض يساوي ما كان سيتقاضاه لو بقي يف عمله ،
على أنه يعترب أي إهناء لعقد الشغل بسبب جتاوز هذه التدابري أيا كانت دوافعها
هذه اذن بعض التدابري االستثنائية اليت ميكن للمقاولة اختاذها ملواجهة تداعيات
مرض كورونا و اليت يترتب عن عدم احترام شروطها املوضوعية و املسطرية فصال
خالصة القول ان هذه اآلراء ستكون حمل نقاش واسع وستثري كثريا من اجلدل
اجتاهات خمتلفة مما سيثقل كاهل القضاء املطالب بتوحيد اإلجتاه والتطبيق السليم
للنص القانوين ،و لن يتأتى له ذلك اال من خالل القراءة املتأنية لواقع الزناعات الناجتة
الئحة املراجع:
مدونة الشغل.
وتشجيعه من خالل العمل على توفري بنية قانونية قادرة على االستجابة لرهان
لذا فمجرد احلديث عن مشروع قانون خاص بالتحكيم ،فهو بدوره جيسد قفزة
األساسية اليت سامهت باألساس يف رسم واغناء األبعاد القانونية هلذا املشروع ،بدءا
من الشكل النظامي الذي كان عليه أول مرة يف ظل قانون املسطرة املدنية لسنة
P 317 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
اىل النقد بسبب عدم انفتاح أحكامه مبا فيه الكفاية على التحكيم الدويل ،لذا
ضرورة ملحة استلزمت معها اصالحا تشريعيا عجل بصدور قانون رقم 08-05املغري
مبوجبه الباب الثامن من القسم اخلامس من قانون املسطرة املدنية ،والذي أتى هبدف
لكن نظرا للتطور االقتصادي الكبري والسريع الذي أصبحت تعرفه بالدنا يف
السنوات األخرية بشكل أضحت معه ضرورة مالئمة املقتضيات القانونية للتحكيم
مع املستجدات اليت أصبحت تعرفها التجارة الدولية أمرا ملحا ،وكذا بالنظر للعديد
من املرجعيات األساسية اليت تشكل خريطة الطريق ونقطة انطالق من بينها
أكد فيه جاللته على ضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم
والصلح ،أضف اىل ذلك التوصيات اليت خلص اليها ميثاق اصالح منظومة العدالة
خبصوص تشجيع اللجوء اىل الوساطة والتحكيم والصلح حلل الزناعات ،من أجل
االنفتاح على مشروع قادر على حتقيق طموحات املستثمر األجنيب وكذا تشجيع
االستثمار األجنيب.
لذا فصدور مشروع قانون التحكيم والوساطة االتفاقية هبذا الزخم التشريعي،
الذي حاول من خالله املشرع استدراك جممل النواقص والشوائب اليت ختللت ثنايا
فصول القانون املنظم للتحكيم والوساطة االتفاقية رقم ،08-05واالنفتاح على رؤية
جديدة وفق منظور جديد ،سنحاول من خالل هذه القراءة املتواضعة الوقوف على أهم
املستجدات اليت محلها هذا القانون يف طياته ،من خالل قراءة ثنائية مهت باألساس
املشروع ،هو انفصال املقتضيات القانونية املنظمة للتحكيم والوساطة االتفاقية عن
قانون املسطرة املدنية ،وهو ما يشكل بدوره استجابة والتفاتة تشريعية للنقاش
الفقهي الذي لطاملا حث على ضرورة تنظيم وجتميع النصوص القانونية لنظام
التحكيم سواء التحكيم الوطين أو الدويل وكذا الوساطة االتفاقية يف قانون موحد
شامل وجامع.
-ويف اطار املالحظات الشكلية أيضا ،ينبغي االشارة اىل تضخم عدد الفصول
من 91فصال يف ظل قانون التحكيم والوساطة االتفاقية احلايل اىل 104مادة يف ظل
املشروع ،وهو باملقابل تضخم أتى لرياعي خصوصية األقسام الثالث اليت محلها املشروع
يف طياته ،بني قس م احتل العتبات األوىل ليخصه أعضاء جلنة املشروع ( للتحكيم )
وبني أخر (للوساطة االتفاقية ) ،وأخر ثالث تضمن أحكاما اتفاقية مت االحتفاظ يف
ظلها على الطرح الذي تضمنه الفصل 70-327فيما خيص عدم تنايف مقتضيات هذا
بتسوية بعض الزناعات اليت جاءت يف قوانني خاصة ،باإلضافة اىل زيادة يف عدد فصول
هذا القسم بثالث مواد منها ما هو خمصص للحديث عن كون اآلجال الواردة يف هذا
القانون هي أجال كاملة ،ومنها ما هو متعلق حباالت تطبيق القانون احلايل بشكل
انتقايل ،وكذا ما خصص منها لتحديد اجملاالت القانونية حمل نسخ هذا القانون.
إذا كانت من بني أوىل املستجدات اليت أبان عنها أعضاء جلنة املشروع يف ظل
التوجه حنو اضفاء طابع االستقاللية واخلصوصية على ألية التحكيم من -
خالل تبين خيار عدم اخضاع احملكم لرقابة جهاز النيابة العامة ،واليت
الراغبني يف ممارسة املهام التحكيمية باملغرب ،من خالل التوجه الذي أبان
لطاملا اثارهتا مقتضيات الفصل 321لكن ليس باإللغاء التام للرقابة القبلية
بالدرجة األوىل من هذا التصريح أال وهو الرئيس األول حملكمة االستئناف
اجلدير باملالحظة خبصوص هذا املستجد ،أن تبين أعضاء اللجنة هلذا التوجه يعترب
صائبا ،ألنه حسم باملقابل يف النقاش الفقهي الكبري الذي أبان عن معارضني كثر هلذا
الفصل نظرا لكونه جيعل رقابة القيام بوظيفة التحكيم جلهاز النيابة العامة البعيدة
كل البعد عن وظيفة التحكيم االختيارية ،مما يشكل بدوره ضربا صارخا حلرية
إ ذا كان املوقف التشريعي خبصوص اجلهة اليت أناط هبا املشرع يف ظل
بالصيغة التنفيذية يتخلله نوع من الغموض واللبس ،حبيث جنده تارة يتحدث عن
رئيس احملكمة التجارية هو املقصود يف هذا القانون (الفصل ، )312بينما جنده تارة
أخرى يتحدث عن رئيس احملكمة املختصة ،فانه باملقابل قد أبان املشروع عن رؤية
واضحة املعامل خبصوص هذه اجلهة من خالل اسناده االختصاص إلضفاء الصيغة
التنفيذية على األحكام التحكيمية بناء على معيار موضوعي يتعلق مبوضوع الزناع
(رئيس احملكمة االبتدائية أو رئيس احملكمة االدارية أو رئيس القسم املتخصص يف
القضاء االداري باحملكمة االبتدائية ،أو رئيس احملكمة التجارية ،أو رئيس القسم
املتخصص يف القضاء التجاري باحملكمة االبتدائية ) ،مما سيؤدي بدوره اىل احلسم
بشكل ال رجعة فيه يف االشكال الذي كان يثري مفهوم "رئيس احملكمة" .
ليس هذا فقط ،بل من أجل ايضاح الرؤية التشريعية خبصوص الغموض والبس
الذي ختلل بعض املقتضيات القانونية للتحكيم يف ظل القانون احلايل ،قد استطاع
املشرع يف ظل املشروع احلسم يف االشكال الذي لطاملا أثارته مقتضيات الفقرة األخرية
من الفصل 310من خالل منح صالحية التذييل بالصيغة التنفيذية لرئيس احملكمة
االدارية أو رئيس القسم املختص يف القضاء االداري باحملكمة االبتدائية الذي سيتم
تنفيذ احلكم التحكيمي الوطين يف دائرهتا وذلك بدل مصطلح "احملكمة االدارية"،
أو لرئيس احملكمة االدارية بالرباط عوض مصطلح "احملكمة االدارية بالرباط " عندما
يكون تنفيذ احلكم التحكيمي يشمل جمموع التراب الوطين ،وهذا حبسب ما أبانت
عنه مذكرة التقدمي قد أتى هبدف توحيد جهة االختصاص املاحنة للصيغة التنفيذية
ويف إطار احلرص على تعزيز الضمانات القضائية على مستوى أحد أوجه الرقابة
اليت ميارسها القضاء على التحكيم من خالل البث يف طلب منح الصيغة التنفيذية
لألحكام التحكيمية ،كان من بني أهم املستجدات اليت أتاه املشروع النص على اجراء
منح الصيغة التنفيذية يف اطار "مسطرة تواجهية" يف مجيع األحوال سواء كان
التحكيم وطنيا أو دوليا ،وذلك من خالل ما أتته مقتضيات الفقرة األوىل من املادة
65من مشروع قانون التحكيم والوساطة االتفاقية بنصها على أنه " :ال ينفذ احلكم
التحكيمي جربيا.......يف اطار مسطرة تواجهية " ،وكذا مقتضيات الفقرة األخرية
منها .
-أما فيما خيص الشق املتعلق بالتحكيم الدويل ،فقد استهلته جلنة املشروع
مبستجد يروم اىل التراجع عن التعددية على مستوى املعايري املعتمدة لتحديد دولية
التحكيم ،واليت قد حددها املشرع املغريب وفقا للمادة األوىل من القانون النموذجي
الذي وضعته جلنة القانون التجاري الدويل التابعة لألمم املتحدة ) ، (unistralيف مقابل
انفتاح املشروع على املعيار املوضوعي كأساس لتحديد دولية التحكيم ،وهذا ما
كرسته مقتضيات املادة 70من املشروع بنصها على أنه ":يعترب دوليا ،حسب مدلول
هذا الباب ،التحكيم الذي يتعلق مبصاحل التجارة الدولية والذي يكون ألحد أطرافه
ويف اطار التحكيم الدويل أيضا ،ومن أجل استكمال مشوار توحيد جهة
التنفيذية بالنسبة لألحكام التحكيمية الدولية سواء الصادرة يف املغرب واليت يتم
انعقاد االختصاص للبث فيها لرئيس احملكمة التجارية أو لرئيس القسم املتخصص
يف القضاء التجاري باحملكمة االبتدائية اليت صدرت يف دائرة نفوذمها تلك األحكام
(الفقرة الثانية من املادة ،) 77أو تلك الصادرة خارج املغرب حبيث ينعقد االختصاص
لنفس األشخاص لكن باختصاص مكاين أخر (التابع هلما مكان التنفيذ) (الفقرة
الثالثة من نفس املادة ) ،لكن اذا صدرت هذه األخرية يف مادة ادارية فاالختصاص
املكاين يبقى نفسه لكن األشخاص ختتلف فتصبح رئيس احملكمة االدارية أو رئيس
هذا وجتدر االشارة هنا ،اال أن استقرائنا ملضامني النصوص املؤطرة هلذا املشروع
-أوال :أن وعي املشرع بكون التحكيم ليس مبسطرة خاصة فقط ،كما هو
عليه األن يف ظل قانون املسطرة املدنية ضمن القسم اخلامس املخصص للمساطر
اخلاصة ،وامنا هو ببديل عن القضاء الرمسي وعن املسطرة القضائية قد بات واضحا
-ثانيا :أن املنظور الذي أعد وفقه هذا القانون بعيد كل البعد عن الطرح الذي
هي عليه األن نصوص القانون رقم 08-05ال سواء فيما خيص التعديالت اجلوهرية
اليت أبانت عنها مذكرة التقدمي بشكل مفصل وال سواء من ناحية الصياغة البناءة
اليت طالت العديد من املواد القانونية منها ما هو خمصص إليضاح الرؤية التشريعية
خبصوص بعض املفاهيم اليت كان يشوهبا الغموض واللبس (رئيس احملكمة – احملكمة
االدارية )..وكذا بعض الصياغات املعيبة للنصوص اليت كانت ختالف روح مؤسسة
التحكيم ،كلها أبعاد تعكس يف طياهتا عمق هذا البعد التشريعي ورهان مالئمته
الئحة املراجع:
النظام القبلي ،إذ أن شيخ القبيلة كان ميثل السلطة ويقوم بدور احلكم بني
أفردها 484،وبظهور اإلسالم يف شبه اجلزيرة العربية حصل حتول جذري رفع اجملتمع
العريب من النظام القبلي الذي متيز بالعشوائية إىل دولة ذات كيان وسيادة و
485
حبيث مل تكن هناك قواعد قانونية باملعىن احلديث يف ظل القرون سلطة،
الوسطى إذ كان احملكم يطبق إجراءاته بسماع لألطراف وفحص أدلتهم واالستماع
486
وظلت هذه املؤسسة للشهود يف جو من املساواة ويتمسك باحلياد واالستقاللية،
484يوسف الزوجال :التحكيم في القانون املغربي بين املاض ي ،الحاضر واملستقبل .مجلة امللف .العدد 18أكتوبر .2011ص81:
485مصطفى التراب :أي دور للتحكيم في فض املنازعات من خالل التشريع املغربي؟ منشورات مجلة الحقوق املغربية 6الوسائل
الودية لفض املنازعات .الوساطة ـ التحكيم ـ الصلح ،مقاربات وتجارب متعددة .أشغال الندوة الدولية التي نظمتها الكلية املتعددة
التخصصات بالناظور .سلسلة األعداد الخاصة .العدد .4ماي .2012ص.13:
486يوسف الزوجال :مرجع سابق .ص.81:
P 326 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
حىت بعد تطور القضاء الرمسي حمتفظة بدورها كأفضل ألية خاصة حلل الزناعات
والسيما أن احلاجة إىل التحكيم يف وقتنا احلاضر ترجع إىل رغبة األطراف يف ربح
487
الوقت والفعالية.
وقد عر ف املغرب بدوره التحكيم الذي كان يرجع البث فيه إىل مؤسسة
احلسبة ،مث ما لبث أن اخنرط يف مرحلة الحقة بنظام التحكيم يف شكله العصري
487أسماء عبيد :التحكيم في التشريع املغربي .رسالة في دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص .وحدة التكوين والبحث
"أنظمة التحكيم" كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية ـ جامعة محمد الخامس السويس ي .السنة الجامعية2008 :ـ2009
ص.5:
488لقد كان من املتوقع قبل صدور القانون رقم 05ـ 08أن يخرج التنظيم العام للتحكيم على شكل مدونة جامعة لكل القواعد
القانونية املنظمة للتحكيم ،إال أنه تقرر في األخير تنظيم هذه املقتضيات في إطار قانون املسطرة املدنية الذي ظل املصدر األول
املنظم لقواعد التحكيم سواء الداخلي أو الدولي ،كما هو الشأن بالنسبة ملجموعة من التشريعات العربية التي أدخلت القواعد
القانونية املتعلقة بالتحكيم في قانون املرافعات ،منها قانون التحكيم الكويتي ،وكدا قانون التحكيم السوري الوارد في قانون أصول
املحاكمات املدنية ،باإلضافة إلى قانون التحكيم الجزائري ...وغيرها ،على غرار ما هو عليه الحال في التشريع املصري والقانون
التحكيم التونس ي الذي جاء مستقال عن قانون املرافعات املدنية.
بالرجوع للتشريع املغربي نجد أن أحكام الفصول من 306إلى ،327-70حلت محل أحكام الباب الثامن بالقسم الخامس (الفصول
من 306إلى )327من قانون املسطرة املدنية املصادق عليه بالظهير الشريف املعتبر بمثابة قانون رقم 1.74.447بتاريخ 11من
رمضان 28( 1394سبتمبر ،)1974والتي تم نسخها بمقتض ى املادة األولى من القانون رقم 08.05الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم
1.07.169بتاريخ 19من ذي الحجة 30( 1428نوفمبر ،)2007الجريدة الرسمية عدد 5584بتاريخ 25ذو القعدة 6( 1428ديسمبر
،)2007ص.3894 :
وبمقتض ى املادة الثانية من نفس القانون ،08.05ظلت مقتضيات الباب الثامن من القسم الخامس من قانون املسطرة املدنية
املشار إليه أعاله مطبقة ،بصورة انتقالية ،على:
-اتفاقات التحكيم املبرمة قبل تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ؛
-الدعاوى التحكيمية الجارية أمام الهيئات التحكيمية أو املعلقة أمام املحاكم في التاريخ املذكور إلى حين تسويتها النهائية واستنفاذ
جميع طرق الطعن.
مصطفى التراب :مرجع سابق .ص 18:ـ 19وما بعدها.
489مصطفى التراب :مرجع سابق .ص 13:ـ .14
وتتجلى أمهية التحكيم كوسيلة لتسوية املنازعات كونه أداة قانونية حتسم
الزناع بعيد عن البطء و التعقيد يف املساطر ،على االعتبار أن جلوء األطراف للتحكيم
يتيح هلم فرصة املشاركة ويساهم على إشاعة ثقافة وإجياد حل للزناع ،وجتدر اإلشارة
أن هذه املؤسسة ليست مقصورة على جمال معني ،بل يشمل خمتلف اجملاالت سواء
تعلق باجملال التجاري أو األسري أو الضرييب أو االجتماعي ...وغريها ،وإذا كان اجملال
التجاري تظهر به معامل وفرص اللجوء للتحكيم أكثر من غريه من اجملاالت األخرى،
فإن ذلك راجع باألساس لطبيعة االنسجام بني خصوصيات اجملال التجاري الذي يتسم
إىل جانب ذلك ،جند أن القضايا االجتماعية وإن كانت ختضع إىل اإلجراءات
العامة املنصوص عليها يف قانون املسطرة املدنية ،إال أن املشرع أوجد هلا إجراءات
اخلارجة عن دائرة الشغل 490،ونظرا لألمهية البالغة اليت تكتسيها قضايا الشغل ،وما
ترتبه من آثار على احلياة االجتماعية واالقتصادية فقد خصص هلا املشرع الفصول من
269إىل 294من قانون املسطرة املدنية ،إال أنه رغم هذه املميزات اليت خصها املشرع
بشأن الزناعات املتعلقة بالشغل أو اخلالفات الناشئة بني املشغل واألجري جند أن القضاء
مازال يعاين من عدة مشاكل وتعقيدات مما يتسبب يف التأخري يف إصدار األحكام
والبطء يف معاجلة القضايا والسيما تراكم القضايا بشكل ال حيقق الغاية من املسطرة
املتبعة يف اجملال االجتماعي ،األمر الذي يفتح أمام األطراف اللجوء إىل وسائل بديلة
490عبد الكريم الطالب :الشرح العملي لقانون املسطرة املدنية ،مطبوعات املعرفة – مراكش .طبعة أبريل .2013ص 348 :وما بعدها.
عن القضاء من ضمنها التحكيم نظرا ملا حتققه من نتائج مذهلة متتاز بالفعالية
491
والسرية والسرعة وقلة التكاليف والرضا بني األطراف املتنازعة.
إن كانت نزاعا ت الشغل اجلماعية ال تثري أن إشكال من حيث جلوء األطراف
إىل جهاز التحكيم حسب مقتضيات املادة 550اليت نصت على أن نزاعات الشغل
اجلماعية تسوى وفق مسطرة التصاحل والتحكيم ،فإن متت خالف بشأن جلوء أطراف
الزناع على مستوى نزاعات الشغل الفردية إىل جهاز التحكيم ،هذا اإلشكال هو الذي
سيكون موضوع دراستنا وذلك وفق التقسيم التايل :احملور األول :مرتكزات الزناع
الشغل الفردي .احملور الثاين :أحقية اللجوء للتحكيم حلل نزاع الشغل الفردي.
التحكيم إىل صنفني ،منها ما هو فردي ويطلق عليه بزناعات الشغل الفردية ،وهناك
صنف ذات طبيعة مجاعية ،ويطلق عليه نزعات الشغل اجلماعية ،وإذا كانت هذه
األخرية ال تثري أي إشكال من حيث حتديدها على اعتبار أن املشرع عرفها من خالل
املادة 549من مدونة الشغل ،فإن نزعات الشغل الفردية تظل حمل نظر بني الفقه
يتأسس قيام الزناع يف عالقات الشغل بني املشغل من جهة وبني األجري من جهة
ثانية على العقد الذي ينظم عالقتهما ،غري الواقع العملي أثبت أن أغلب عقود الشغل
491محمد معزوز :خصوصيات التقاض ي في املادة االجتماعية .رسالة لنيل دبلوم املاستر وحدة التكوين والبحث ماستر قوانين التجارة
واألعمال .كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ـ جامعة محمد األول .السنة الجامعية 2009 :ـ .2010ص.6:
492
مما جيعل مسألة إثبات عقد الشغل وانتماء االجري اليت تربم تتخذ شكال شفويا،
هلذه املؤسسة من عدمه أمرا صعبا للغاية ،خبالف ما إذا كان عقد الشغل حمررا
يف نفس السياق ،تفيد املادة 15من مدونة الشغل أنه هناك إمكانية إبرام
عقد الشغل بصورة شفويا من خالل حتقق التراضي بني األطراف وبأهليتهما للتعاقد،
493
حبيث جند أن ومبحل العقد ،وبسببه ،كما حددها قانون االلتزامات والعقود،.
املشرع املغريب خول لألجري الذي يربم العقد بصورة شفويا إثبات العقد مبختلف وسائل
اإلثبات وهو ما تؤكده املاد 18من نفس القانون أعاله 494،سواء أبرم عقد الشغل سواء
عقد الشغل ملدة غري حمددة ،أو ملدة حمددة ،أو إلجناز شغل معني.
وبالرجوع للتشريع املغريب ،ويف حالة نشوب نزاع بني األجري ومشغله أو بني
جمموعة من األجراء ترتبط بينهم مصاحل مترابطة ،جند أن املشرع املغريب مل يعرف
نزاع الشغل الفردي على خالف بعض التشريعات العربية واليت عرفت نزاع الشغل
492محمد سعيد بناني :قانون الشغل باملغرب ب في ضوء مدونة الشغل ،عالقات الشغل الفردية ،املجلد االول ،الجزء الثاني،
مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء طبعة يناير 2007ص.85 :
493املادة " 15تتوقف صحة عقد الشغل على الشروط املتعلقة بتراض ي الطرفين ،وبأهليتهما للتعاقد ،وبمحل العقد ،وبسببه ،كما
حددها قانون االلتزامات والعقود.
في حالة إبرام عقد الشغل كتابة ،وجب تحريره في نظيرين موقع عليهما من طرف األجير واملشغل ومصادق على صحة إمضائهما من
قبل الجهة املختصة ،ويحتفظ األجير بأحد النظيرين ".ظهير شريف رقم 1.03.194صادر في 14من رجب 11( 1424سبتمبر )2003
بتنفيذ القانون رقم 65.99املتعلق بمدونة الشغل .الجريدة الرسمية عدد 5167بتاريخ 13شوال 8( 1424ديسمبر ،)2003ص
.3969
494املادة " 18يمكن إثبات عقد الشغل بجميع وسائل اإلثبات.
إذا كان عقد الشغل ثابتا بالكتابة أعفي من رسوم التسجيل".
الزناعات الفردية يف العمل يف املادة الثانية منه واليت حددت املنازعات الفردية كما
يلي:
" يعد نزاعا فرديا يف العمل حبكم هذا القانون ،كل خالف يف العمل قائم بني
عامل أجري ومستخدم بشأن تنفيذ عالقة العمل اليت تربط بني الطرفني إذا مل يتم
495
حله يف إطار عمليات تسوية داخل اهليئات املستخدمة" .
ويستنتج من ذلك أنه لكي يعترب الزناع القائم يدخل ضمن نطاق الزناع الفردي
أن تتوفر فيه جمموعة من الشروط واملتمثلة يف كون أن يكون الزناع قائما بني عامل
واملشغل ،وأن يكون الزناع مبناسبة يتعلق بتنفيذ عالقة الشغل ،ويعرض للتسوية
496
على مستوى اهليئة املستخدمة.
أمام هذا الفارغ التشريعي احلاصل على مستوى النظام القانوين املغريب ،ذهب
بعض الفقه إىل تعريف الزناع الفردي أنه" عبارة عن خالفات بني أحد العمال وصاحب
عمله على حقوق تكون موجودة يف الغالب ،وقد تنطوي أيضا على حاالت خيتلف
فيها عدة عمال مع صاحب العمل على ذات القضية ،حبيث يتصرف كل واحد منهم
497
كما يقصد به " كل خالف ال يتوفر فيه عنصران بشكل منفرد قائم بذاته"
متمثالن يف كل من تعدد أطرافه وعدم توفر موضوع الزناع على جوانب ذات طبيعة
495قانون رقم 04 – 90مؤرخ في 10رجب عام 1410املوافق 6نوفمبر 1990يتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل .العدد.6:
السنة السابعة والعشرون .ص.240:
496عشاش عبد هللا :تسوية نزاعات العمل الفردية في القانون الجزائري .كلية الحقوق – جامعة بن يوسف بن خدة .السنة الجامعية:
.2010ص.12:
497املركز الدولي للتدريب التابع ملنظمة العمل الدولية :أنظمة منازعات العمل .دليل بشأن تحسين األداء .جميع الحقوق محفوظة
– الطبعة األولى .2013 :ص.17:
مجاعية" 498،فيما ذهب البعض منه إىل القول أن مصطلح الزناع الفردي يرجع إىل أنه
نزاع يتعلق بفرد معني أو جمموعة من األفراد املعنيني بذواهتم سواء كان هذ الفرد
499
شخصا طبيعيا أو معنويا.
تبعا لذلك ميكن تعريف نزاع الشغل الفردي ،هو كل خالف يقع بني األجري
واملشغل أو ممثله ،مبناسبة تنفيذ شغل حمدد ،بشأن إخالل أحدمها بالتزامه احملددة
يف العقد أو عدم امتثاله لنص قانوين أو تنظيمي أو اتفاقي ،مما يسبب ضررا للطرف
اآلخر.
الفقرة الثانية :ضابط التميز بني نزاع الشغل الفردي ونزاع الشغل اجلماعي
ختتلف اآلثار املترتبة عن نزاع الشغل الفردي عن تلك الزناعات املرتبط بالشغل
اجلماعي ،ويف ذلك جند أن املشرع أوجد مقتضيات قانونية لتسوية نزاعات الشغل
اجلماعية بشكل خيتلف عن تلك الزناعات الناجتة عن الشغل الفردي ،وإن كان من
الصعب إجاد فرق بينهما جند أن املشرع املغريب تدخل بنص صريح يف تعريفه للزناع
اجلماعــي من خالل املادة 549واليت عرفت " -نزاعات الشغل اجلماعية ، -هي كل
اخلالفات الناشئة بسبب الشغــل ،واليت يكــون أحد أطرافها منظمة نقابية لألجراء
أو مجاعة من األجراء ،ويكون هدفها الدفاع عن مصاحل مجاعية ،مهنية ،هلؤالء األجراء.
498حفيظ صافي :التحكيم في نزاعات الشغل الفردية .املجلة املغربية للدراسات القانونية والقضائية .العدد 7يناير .2012ص.81:
499ويذهب جانب آخر من الفقه أن النزاع الفردي في ظل املجتمع املنظم في العصر الحديث يتعلق بالحقوق ومن ثمة يمكن القول
بأنه نزاع ذو طبيعة حقوقية ،ألنه ال يمكن أن ينشأ بصورة قانونية إال إذا كان هناك حق ثابت مستحق يحميه القانون وهناك زعم
أو ادعاء باالعتداء عليه أمال أزداد :التحكيم في نزاعات الشغل .رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص .وحدة
التكوين والبحث في قانون األعمال واالستثمار .كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية -جامعة محمد األول .السنة
الجامعية 2008 – 2007 :ص.52 – 51:
كما تعد نزاعات الشغل اجلماعية كل اخلالفات الناشئة بسبب الشغل واليت
يكون أحد أطرافها مشغل واحد ،أو عدة مشغلني ،أو منظمة مهنية للمشغلني ،ويكون
500
هدفها الدفاع عن مصاحل املشغل أو املشغلني أو املنظمة املهنية للمشغلني املعنيني".
ويف نفس النطاق ،جاء يف قرار صادر عن حمكمة النقض حيدد الزناع اجلماعي يف
امللف عدد 9750بتاريخ 1990/09/24قائال ... " :و انه ال يهم اجملموعة عمال
منظوين يف اطار نقابة او مجعية مهنية أو بفعل الواقع ،كما ال توجد مصلحة مجاعية
يسعون اىل حتقيقها ،واحملكمة حني ردت الدفع بقوهلا :حيث أنه من املتفق عليه أن
أوال :أن يكون أحد أطراف الزناع جمموعة من العمال مؤطرة تأطريا قانونيا كنقابة
ثانيا :أن ميثل الزناع مصلحة مجاعية هلؤالء العمال يستهدف تعديل ما هو متفق
501
عليه أو منصوص عليه يف القانون تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليما …." .
إذا كان ضابط التمييز بني الزناع الفردي والزناع اجلماعي ،يقوم بناء على املادة
549من مدونة الشغل أعاله اليت حددت املعايري اليت يقوم عليها الزناع اجلماعي
للشغل ،على اعتبار أن كل نزاع خيرج من نطاق الزناع اجلماعي هو مبثابة نزاع الفردي
فإن ذلك غري كايف ،ألن ذلك سيخرج العديد من الزناعات من نطاق الزناع اجلماعي
هذا من جهة ،ويؤدي إىل تقليص تطبيق مقتضيات املادة 549من مدونة الشغل
والسيما أ ن عالقات الشغل تعرف تطورا يف جمال العالقة التعاقدية ومن احملتمل أن
يف هذا اإلطار تعرض الفقه إىل بعض املعايري اليت من شأهنا التمييز بني الزناع
الفردي للشغل وبني الزناع اجلماعي للشغل ،ومن ضمن هذه املعايري جند:
يكون نزاع مجاعيا إذا نشأت خالفات بشأن الشغل واليت يكون أحد أطرافها
مشغل واحد ،أو عدة مشغلني ،أو منظمة مهنية للمشغلني ،كما يكون مجاعيا إذا
502
وخيرج عن نطاق كان أحد أطرافها منظمة نقابية لألجراء أو مجاعة من األجراء،
الزناع اجلماعي أي جمموعة من األجراء غري منضوية يف نقابة حىت ولو كان هؤالء
503
األجراء ميثلون النسبة الكبري من أجراء املقاولة طرف يف الزناع.
إال أن االستناد إىل عدد العمال ال يعترب معيارا دقيقا ألن الزناع ميكن أن يشمل
عددا من األجراء دون أن يفقد صبغته الفردية ،على اعتبار إذا كانت الدعوى هتدف
إىل محاي ة مصلحة فردية لكل عامل .فال جيب التقيد بعدد العمال لوصف الزناع
باجلماعي قصد حتديد طريقة تسويته ،بل جيب البحث يف موضوع الزناع عن املصلحة
وقد أصدرت حمكمة التعقيب التونسية بدوائرها اجملتمعة قرار تعقييب مدين
عدد 23002صادر عن الدوائر اجملتمعة بتاريخ 17يناير ،2005جاء فيه ما يلي :
“وأما إذا كان الزناع بني املؤجر الواحد وأحد عملته وكان موضوعه ال يتعلق إال
مبصلحة أو حق هذا العامل ،فهو نزاع فردي ومن اختصاص دوائر الشغل ولو تعددت
حاالت الزناع بتعدد اإلجراء إذ العربة يف نزاعات الشغل اجلماعية باحتاد احلق أو
املصلحة مثار الزناع وليس بتعدد اإلجراء ما دام كل واحد منهم يطالب حبق أو
504
مصلحة فردية ال ختص إال شخصه".
يتجه جانب من الفقه على اعتماد على تعداد مواضيع اليت ميكن أن يتسبب
فيها باعتباره معيارا للتمييز بني نزاع الشغل الفردي ونزاع الشغل اجلماعي ،غري أن
جانب أخر منه اعترب أن هذا املعيار ال يؤدي إىل أي نتيجة مادام كل من الزناعات
تنصب يف جمال واحد وهو عالقات الشغل ،إىل جانب ذلك قد يعترض األخذ هبذا
505
من هناك كان من األجدر املعيار صعوبة حصر املواضيع اليت تعترب حمال للزناع،
يربط بعض الفقه الزناع اجلماعي مبعيار املصلحة ،فإذا كان موضوع املطالبة يهم
مصلحة مجاعية اعترب الزناع مجاعيا ،يف حني يعترب الزناع فرديا إذا كان موضوعه ال
يتعلق سوى مبصلحة فردية 506،غري أنه جيب التمييز بني نوعية املصلحة اليت يستند
إليها لتصنيف الزناع ضمن الشغل اجلماعي من عدمه ،حبيث ختتلف املصلحة
504آمنة خذري :اإلضراب في مجلة الشغل .أشغال الندوة الدولية " :خمسينية مجلة الشغل " -تونس يومي 27و 28أبريل 2016في
موضوع :مجلة الشغل بعد 50سنة – .2016-1966السنة .2016 :ص.112 :
505أحمد بوهرو :نزاعات الشغل الجماعية وفق مدونة الشغل الجديدة .مطبعة القلم – السنة .2004 :ص23 - 22:
506أمال أزداد :مرجع سابق .ص.55:
االجراء.
على اعتبار أن تسريح أحد العمال بسبب اخلطأ املهين أو أي خطأ أخر يتعلق
نزاعا فرديا والذي جيب أن تطبق فيه املساطر اخلاصة بالزناع الفردي ،وينطبق نفس
املبدأ إذا تعلق األمر بتزامن عدد من الزناعات الفردية يف نفس الوقت ،وكيفما كان
الزناع الفردي فإنه ال يتحول بشكل من أشكال إىل نزاع مجاعي على إثر أحدا
مستقبلة ،وعليه فإن املصلحة اجلماعية تعين مصلحة اجلميع بشكل خيص مجيع
األجراء أو فئة معينة منهم ،كأن يتعلق األمر بأجورهم أو بتحسني ظروف عملهم
أو يتعلق بضرورة تطبيق قانون ما أو اتفاقية أو تغيري بعض بنود العقد مبا يف ذلك
النظام الداخلي للمؤسسة ،أضف إىل هذا خمتلف الزناعات اليت خترق فيها االمتيازات
508
واحلقوق املخولة قانونا أو اتفاقا.
ويف هذا اإلطار ،يظهر الفرق بني املصلحة املشتركة اليت متس باملصاحل كل
األجراء أو فئة معينة منهم بشكل تستوى فيه الزناعات ،واليت قد تشمل أشخاص
غري معرفني حاال وال مستقبال ،وبني املصلحة اليت متس بعض األجراء واليت قد تأيت يف
صورة مجاعية أو نتيجة تراكم عدد من الزناعات ،وبالتايل حتتفظ بالشكل الذي عليه
معايري التصنيف ،فهو من حيث مدى حرية أطراف الزناع يف اللجوء إليه قد يكون
اختياريا إذا مت اللجوء إليه بناء على اتفاق األطراف ،وقد يكون حتكيما إجباريا
حبيث يكون ملزما على األطراف الزناع اللجوء إليه حلل نزاعاهتم ،وهذا النوع يأخذ
شكلني ،إما أن يترك لألطراف الزناع حرية اختيار هيئة التحكيم وإجراءاته ،أو
510
ينص على اللجوء إليه دون أن يترك لألطراف حرية ذلك.
وإذا كان املشرع املغريب كما سبقت إليه اإلشارة قد أفرد لزناعات الشغل
اجلماعية قواعد خاصة فيما خيص تسويتها واملتمثلة يف اللجوء إىل التصاحل والتحكيم
حبسب املادة 550من مدونة الشغل " ،تسوى نزاعات الشغل اجلماعية وفق مسطرة
التصاحل والتحكيم املنصوص عليها يف هذا الشأن ".فإنه نص على إجراء الصلح يف إطار
نزاعات الشغل الفردية أمام مفتش الشغل يف مقابل ذلك سكت عن إمكانية اللجوء
إىل التحكيم.
من خالل هذا احملور سنتطرق مواقف الفقهاء والقضاء من مدى إمكانية اللجوء
إىل التحكيم ،كفقرة أوىل ،لنقتبس اجملاالت اليت خيتص فيه يف حاالت اللجوء إليه
كفقرة ثانية.
الفقرة األوىل :مواقف الفقهاء والقضاء من إمكانية اللجوء للتحكيم حلل نزاع
الشغل الفردي
قسم املشرع املغريب اتفاق التحكيم إىل نوعني ،حبيث نكون أمام عقد التحكيم
إذا التزم أطراف الزناع بعرض هذا الزناع على هيئة حتكيمية ،وميكن إبرام العقد
املذكور ولو خالل دعوى جارية أمام احملكمة 511،فيما أن شرط التحكيم فهو االتفاق
الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم الزناعات اليت قد تنشأ عن
512
وكالمها ميثالن اتفاقا للتحكيم والذي يرجع فيه االختصاص العقد املذكور،
513
للهيئة التحكيمية ويزنع فيه االختصاص من القضاء العادي.
بالرجوع للتشريع والقضاء املقارن ،جند أنه أجاز اللجوء للتحكيم يف ما يتعلق
بالزناعات الشغل الفردية ،إال أن الوضع ليس كذلك خبصوص تضمني شرط التحكيم
ضمن بنود العقد ،إذ يعترب هذا الشرط باطال وغري مشروع ،هذا األمر الذي مت
التنصيص عليه بالقانون املوحد األوريب ما دفع العديد من التشريعات األوربية تتبىن
511الفصل " 314عقد اتحكيم هو االتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية.
يمكن إبرام العقد املذكور ولو خالل دعوى جارية أمام املحكمة.
إذا تم االتفاق على التحكيم أثناء نظر النزاع من قبل املحكمة ،فعلى املحكمة أن تقرر إحالة األطراف على التحكيم .ويعد هذا القرار
بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب" .
512الفصل " 316شرط التحكيم هو االتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد
املذكور".
513ذ .محمد رافع :اتفاق التحكيم في ظل القانون املغربي واالتفاقيات الدولية .مجلة املحاكم املغربية .نونبر – دجنبر – 2008العدد:
.117ص.43 – 42 – 41 – 40 – 39 :
هذا التوجه ،من ضمنها املشرع الفرنسي من خالل الفصل 2061من القانون املدين
514
ونفس األمر بالنسبة للتشريع البلجيكي من خالل الفصل 1678من الفرنسي،
515
الذي يعترب كل اتفاق على التحكيم قبل إهناء عقد القانون القضائي البلجيكي،
516
الشغل يعد باطال.
على االعتبار أن العقد يتحول من عقد رضائي إىل عقد إذعان ،من خالل أن شرط
التحكيم الذي سيدونه املشغل بعقد الشغل يعترب ضمنيا شرطا مفروضا على األجري
إذ أن تزعزع مبدأ سلطان اإلرادة والسيما يف عالقات الشغل اليت تربط بني األجري
واملشغل ،تأكد أنه من واجب الدولة التدخل بشكل تتحقق معه املصلحة العامة،
ومن توفري قدر من احلماية لألجري يف هذا النوع من العالقات التعاقدية الذي تستأثر
517
فيها سلطة املشغل بسلطات أوفر على مصلحة األجري.
514 Article 2061 - Modifié par LOI n°2016-1547 du 18 novembre 2016 - art. 11 Titre XVI : De la convention
d'arbitrage
" La clause compromissoire doit avoir été acceptée par la partie à laquelle on l'oppose, à moins que celle-ci n'ait
succédé aux droits et obligations de la partie qui l'a initialement acceptée.
Lorsque l'une des parties n'a pas contracté dans le cadre de son activité professionnelle, la clause ne peut lui être
"opposée.
www.legifrance.gouv.fr Mercredi 24 Mai 2017 – 11H 38 MIN
515 " Art. 1678. 1. La convention d'arbitrage n'est pas valable si elle confère à une partie une situation privilégiée en
518
،ويف هذا الصدد صدرت جمموعة من القرارات عن حمكمة النقض الفرنسية
96- يف قرار عدد،1999 فرباير16 من ضمنها قرار عن الغرفة االجتماعية بتاريخ
مت، حيث جاء فيه " من خالل حكم حمكمة االستئناف الوطنية بالسويد،40643
تعاقد مبوجب عقد عمل مكتوب يف السويد ومت تضمني شرط التحكيم يف عقد
إال أن مقتضيات املواد... الشغل الذي يعهد االختصاص التحكيم فيه لدولة السويد
تفيد أنه ال ميكن لألطراف التنصيص على شرط،من القانون املدين الفرنسي
وجعل االختصاص حملكمة أخرى غري اليت عينت،التحكيم ضمن بنود عقد الشغل
519
"...من طرف احلكم الفرنسي
إىل جانب ذلك جند املشرع السعودي بدوره نص بنص صريح على إمكانية جلوء
وذلك من،أطراف العالقة الشغل يف حالة نشوب نزاع بينهم إىل مؤسسة التحكيم
518 - Cour de Cassation, Chambre sociale, du 4 mai 1999, 97-41.860, Publié au bulletin
- Cour de Cassation, Chambre sociale, du 6 février 1997, 93-46.395, Inédit
www.legifrance.gouv.fr Mercredi 24 Mai 2017 – 16H 25 MIN
519 " alors, d'autre part, qu'il était relevé par la cour d'appel que M. X..., de nationalité suédoise, avait été engagé par
contrat de travail rédigé en suédois, signé en Suède et comportant une clause compromissoire visant la compétence
d'une juridiction arbitrale sise en Suède ainsi que le bénéfice au profit du salarié d'un plan de retraite suédois
(SKANDIA) ; qu'il s'ensuit que ledit contrat de travail ayant un caractère international indiscutable, fait une fausse
application à l'espèce des articles L. 517-1, L. 121-3 et L. 511-1 du Code du travail, et 14 et 2061 du Code civil, l'arrêt
qui, sur le fondement de ces textes, retient que les parties n'avaient pu stipuler une clause attributive de juridiction
ou une clause compromissoire visant une juridiction autre que celle désignée par la règle française de compétence
interne ; alors, de plus, subsidiairement, que viole l'article 455 du nouveau Code de procédure civile, l'arrêt qui
retient que le contrat de travail de M. X... aurait été soumis à la loi française parce que celui-ci aurait été embauché
pour travailler en France, sans s'expliquer sur le moyen des conclusions d'appel de la société faisant valoir que
l'intéressé avait conclu son contrat de travail avec le groupe suédois, à partir d'une annonce parue en anglais dans
un journal suédois visant un poste de " vendeur " en ces termes :"
Cour de Cassation, Chambre sociale, du 16 février 1999, 96-40.643, Publié au bulletin
www.legifrance.gouv.fr Mercredi 24 Mai 2017 – 11H 55 MIN
خالل مقتضيات املادة 224من القانون العمل السعودي حبيث جاء يف نص املادة "
جيوز لطريف عقد العمل تضمينه نصا يقضي بتسوية اخلالفات بطريقة التحكيم.
كما ميكن هبما االتفاق على ذلك بعد نشوء الزناع ،ويف مجيع األحوال تطبق
وارد ضمن بنود عقد الشغل يكون باطل كما متت اإلشارة إليه أعاله حبسب املادة
1678من القانون القضائي البلجيكي ،وكنتيجة لذلك جند أن املشرع السعودي مل
خيصص أي محاية إضافية لألجري والسيما إذا خسر الدعوى ،حبيث تشري املادة 227
من نفس القانون السعودي أعاله على أنه جيوز للهيئة أن حتكم على من خسر الدعوى
باإلضافة إىل ذلك تقر املادة 238قانون العمل السعودي على أنه " يعاقب
بغرامة ال تقل عن 10000ريال وال تزيد على 30000ريال كل صاحب عمل أو
رئيس مشروع وكل عامل رفض أو أرجأ تنفيذ قرار حتكيم أو أي قرار هنائي صادر
عن إحدى هيئات نسوية اخلالفات العمالية 520".مبعىن أن األطراف عالقة الشغل من
األجري أو املشغل يبقى ملزمني باتفاق التحكيم .سواء اختذ صورة عقد التحكيم والذي
من املرجح أن يربم عند قيام العقد أو أثناء سريانه أو عند اهناء عالقة الشغل ،أو اختذ
520نظام العمل السعودي ،مرسوم ملكي رقم( :م )51/وتاريخ 1426/8/23هـ .قرار مجلس الوزراء رقم 219 :بتاريخ 1426/8/22هـ.
منشور باملوقع اململكة العربية السعودية .هيئة الخبراء بمجلس الوزراء.
www.boe.gov.saاألربعاء 24ماي 17:25 .2017
وبالرجوع إىل بعض الفقه يرى بعدم جواز التحكيم يف نزاعات الشغل الفردية
الرتباطها بالنظام العام 521،يف حني يؤكد البعض أن فكرة النظام العام ال جيب أن
تكون عائقا على التحكيم وال جيوز اخللط بني القواعد اآلمرة وبني النظام العام ،على
اعتبار أنه بالرجوع إىل جمموعة من املقتضيات القانونية سواء املنظمة جملال التحكيم
أو جمال الشغل ال جند إىل ما ميكن االستناد عليه من أجل إقصاء خمتلف نزاعات
522
الشغل الفردية من أحقية األطراف للجوء إىل اتفاق التحكيم.
أفرد املشرع املغريب مسطرة خاصة حلل نزاعات الشغل الفردية ،حيث أناط
هليئات ذات طبيعة إدارية مهمة إجراء الصلح بني األجري واملشغل خبصوص الزناع
املرتبط بالشغل ،حبيث يعترب حسب الفقرة اخلامسة من املادة 41من مدونة الشغل
االتفاق الذي مت التوصل إليه يف إطار الصلح التمهيدي هنائيا وغري قابل للطعن أمام
احملاكم ،إال أنه مبجرد فشل حماولة الصلح اليت تتم أمام مفتش الشغل سلوك
املسطرة القضائية اليت تتم أمام احملكمة االبتدائية ،حبيث هلا أن حتكم يف حالة
ثبوت فصل األجري تعسفيا ،إما بإرجاع األجري إىل شغله أو حصوله على تعويض عن
521نجد أن الفقيه " G.Lyon Gaenيرى أن هذا الحق مرتبط بالنظام العام االجتماعي ،ألنه يهدف إلى حماية األجير الذي ال ينبغي
أن يجد نفسه خارج اختصاص القضاء الرسمي "...وفيما يرى الفقيه J.Savatierيرى" أن األمر هنا يتعلق بالنظام العام املطلق الذي
يهدف إلى حماية املتقاض ي وذلك بأن يضمن لح حق اللجوء إلى املحاكم الرسمية ،بحيث إنه إذا كان تنازل الدولة عن حقها في تنظيم
عالقة الشغل وإسنادها لإلرادة األطراف ناتج عن تغليب الديمقراطية االجتماعية على الديمقراطية السياسية ،فإن هذا التنازل ال
ينبغي أن يكون مطلقا "...باملقابل يرى الفقيه " H. Motulskyأن نزاعات الشغل الفردية ال تتعارض مع التحكيم ،فالخصومة الشغلية
واختصاص قاض ي العرف ال يتعلقان بالنظام العام بدرجة تمنع عرض نزاع الشغل الفردي على التحكيم - ".أمال أزداد :مرجع سابق.
ص.67 – 66:
522محمد معزوز :مرجع سابق .ص.70:
فاحملكمة االبتدائية يعود هلا االختصاص للنظر يف نزاعات الشغل الفردية ،بناء
على االختصاص النوعي للمحاكم االبتدائية املنصوص عليه بالفرع األول من الباب
الثاين من القسم الثاين وذلك من خالل مقتضيات الفقرة األوىل املادة 18من قانون
املسطرة املدنية واليت نصت "ختتص احملاكم االبتدائية -مع مراعاة االختصاصات
523
-بالنظر يف مجيع القضايا املدنية وقضايا اخلاصة املخولة إىل أقسام قضاء القرب
حق االستيناف".
أكد الفصل 20من نفس القانون أعاله على حتديد نوعية الزناعات اليت يعود
االختصاص فيها للمحاكم العادية حبيث " ختتص احملاكم االبتدائية يف القضايا
أ) الزناعات الفردية املتعلقة بعقود الشغل أو التدريب املهين واخلالفات الفردية
523تم تغييروتتميم الفصل 18أعاله بموجب القانون رقم 35.10بتغييروتتميم قانون املسطرة املدنية كما صادق عليه الظهيرالشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447الصادرفي 11من رمضان
28( 1394سبتمبر ،)1974الصادربتنفيذه ظهيرشريف رقم 1.11.149بتاريخ 16من رمضان 17 (1432أغسطس ،)2011الجريدة الرسمية عدد 5975بتاريخ 6شوال 5( 1432سبتمبر،)2011
ص.4387 :
524تم تغيير وتتميم وتعويض الفصل 18أعاله بموجب القانون رقم ،72.03سالف الذكر.
525بخصوص االختصاص النوعي للمحاكم التجارية ،انظر املواد من 5إلى 9من القانون رقم 53.95القاض ي بإحداث محاكم تجارية ،الصادر
األمر بتنفيذه بمقتض ى الظهير الشريف رقم 1-97-65بتاريخ 4شوال 12( 1417فبراير )1997؛ الجريدة الرسمية عدد 4482بتاريخ 8محرم 15( 1418ماي
،)1997ص .1141مع اإلشارة إلى أن املحاكم االبتدائية تبقى مختصة بالنظر في الطلبات األصلية التي ال تتجاوز قيمتها 20.000درهم.
526بخصوص االختصاص النوعي للمحاكم اإلدارية ،انظر املواد 8و 9ومن 20إلى 44من القانون رقم 41.90املحدث بموجبه محاكم إدارية ،الصادر
األمر بتنفيذه بمقتض ى الظهير الشريف رقم 1-91-225بتاريخ 22من ربيع األول 10( 1414شتنبر )1993؛ الجريدة الرسمية عدد 4227بتاريخ 18جمادى األولى 3( 1414نوفمبر )1993ص .2168
وموازاة مع ذلك ،باستقرائنا لفصول املنظمة للتحكيم ضمن قانون رقم -05
،08ومن خالل الفصل 308منه ،جند أن القاعدة العامة مفادها أنه جيوز جلميع
األشخاص من ذوي األهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيني أو معنويني أن يربموا اتفاق
حتكيم يف احلقوق اليت ميلكون حرية التصرف فيها ضمن احلدود ووفق اإلجراءات
واملساطر املنصوص عليها يف هذا الباب وذلك مع التقيد مبقتضيات الظهري الشريف
كما وقع تغيريه وتتميمه وال سيما الفصل 62منه ،وكاستثناء من القاعدة أعاله ،أنه
مع مراعاة مقتضيات الفصل 308أعاله ،ال جيوز أن يربم اتفاق التحكيم بشأن تسوية
الزناعات اليت هتم حالة األشخاص وأهليتهم أو احلقوق الشخصية اليت ال تكون موضوع
527
جتارة.
اخلصب لألمن القانوين والقضائي ،ما جعله يتبوأ مكانة أمسى حلل الزناعات ،ويؤسس
530
ألسس احلكامة القانونية والقضائية.
اعتراف ببند التحكيم دومنا أن يثري أي معارضة اجتاه األطراف ،بعدم أحقتهم اللجوء
إىل التحكيم ،ومن ضمن األحكام نريد ما جاء يف حكم ابتدائية وجدة ،رقم
" وحيث إن حماولة الصلح مل يؤد إىل نتيجة نظرا لتمسك كل طرف مبوقفه،
وحيث دفعت جهة املدعى عليها برد الطلب ملخالفته مقتضيات الفصل 319من
قانون املسطرة املدنية واحتياطيا برده لعدم ارتكازه على أساس ولكون الفصل كان
مربرا ...وحيث إنه طبقا ملقتضيات الفصل 319من قانون املسطرة املدنية يقابله
الطعن يف آية حالة ،وحيث إن الطلب احلايل املقدم من طرف املدعي يعد مبثابة
طعن يف وصل تصفية احلساب وبالتايل فإنه ال يقبل الطعن خاصة وأن اللجوء إىل
مسطرة التحكيم كان برضى الطرفني وبعد موافقة املدعى مبغادرة الشركة بعد
531
حصوله على مستحقاته املتفق عليها واليت توصل هبا فعال"...
530إبراهيم العسري :التحكيم ومستلزمات األمن القانوني والقضائي – دراسة على ضوء القانون .08-05مجلة امللف .العدد– 21 :
أكتوبر .2013ص.161 :
531أمال أزداد :مرجع سابق .ص.63:
ولإلشارة وعلى خالف األحكام القضائية ،ال تكون أحكام احملكمني قابلة
"ال ينفذ احلكم التحكيمي جربيا إال مبقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية
إىل اللغة العربية لدى كتابة ضبط احملكمة من لدن أحد احملكمني أو الطرف األكثر
إذا تعلق التحكيم باستئناف حكم ،وجب إيداع احلكم التحكيمي لدى كتابة
وتبعا لذلك وقبل تذييله بالصيغة التنفيذية مير احلكم التحكيم مبجموعة
من املراحل انطالقا من معرفة اجلهة املختصة ملنحه هذه الصيغة مرورا بطلب
532
استصدار األمر وانتهاء بصدور هذا األخري.
532ذ .رضوان الحسوس ي :الحكم التحكيمي مشتمالته وتقنياته .مجلة املحاكم املغربية .نونبر – دجنبر - 2008العدد .117 :ص:
.119
خامتة
من هناك ميكن القول ،أنه ليس هناك مانع من القول جبواز التحكيم يف كل
ما يتعلق بزناعات الشغل الفردية 533،إال أن هذا األمر ويف غياب نصوص قانونية اليت
تقر بذلك ،سنكون أمام فرضيات متعددة من ضمنها جواز تضمني شرط التحكيم
ضمن بنود عقد الشغل ،بإضافة لفرضية مدى إلزامية اتفاق التحكيم على فئة من
األجراء والسيما يف ظل عقود الشغل املربمة يف شكل غري كتايب ،بإضافة مدى
إذ بالرجوع فيما سبق جند من التشريعات اعترفت بشرط التحكيم سواء عند
قيام العالقة الشغل أو بعد انتهاء عقد الشغل كما ذهب عليه املشرع السعودي من
خالل قانون العمل املشار إليه أعاله ،على عكس بعض التشريعات األوربية من قبيل
التشريع الفرنسي والبلجيكي اليت ربطت اللجوء إىل جهاز التحكيم عند انتهاء عقد
الشغل ومتنع اتفاق األطراف اللجوء إىل التحكيم أثناء ابرام عقد الشغل أو أثناء
سريانه.
533عبد هللا درميش :التحكيم في نزاعات الشغل .مجلة املحاكم املغربية .شتنبر – أكتوبر – 2000العدد .84:ص.44:
الكتب:
،عالقات الشغل الفردية ،اجمللد االول ،اجلزء الثاين ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار
عشاش عبد اهلل :تسوية نزاعات العمل الفردية يف القانون اجلزائري .كلية
العمل .دليل بشأن حتسني األداء .مجيع احلقوق حمفوظة – الطبعة األوىل.2013 :
الرسائل واألطروحات:
املعمقة يف القانون اخلاص .وحدة التكوين والبحث "أنظمة التحكيم" كلية العلوم
.2009 ،2008
املاستر وحدة التكوين والبحث ماستر قوانني التجارة واألعمال .كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ـ جامعة حممد األول .السنة اجلامعية 2009 :ـ .2010
أمال أزداد :التحكيم يف نزاعات الشغل .رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
املعمقة يف القانون اخلاص .وحدة التكوين والبحث يف قانون األعمال واالستثمار .كلية
2008 – 2007
درجة املاجستر يف القانون لكلية الدراسات العليا يف جامعة النجاح الوطنية يف نابلس،
ازهور هيباوي :قانون الشغل اجلنائي عالقات الشغل الفردية .رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف القانون اخلاص .وحدة التكوين والبحث يف قانون
املقاالت واجملاالت:
الندوات
املغريب؟ منشورات جملة احلقوق املغربية 6الوسائل الودية لفض املنازعات .الوساطة ـ
التحكيم ـ الصلح ،مقاربات وجتارب متعددة .أشغال الندوة الدولية اليت نظمتها الكلية
آمنة خذري :اإلضراب يف جملة الشغل .أشغال الندوة الدولية " :مخسينية
جملة الشغل " -تونس يومي 27و 28أبريل 2016يف موضوع :جملة الشغل بعد 50
أحكام قضائية
41.860.
46.395, Inédit.
القوانني
)2003بتنفيذ القانون رقم 65.99املتعلق مبدونة الشغل .اجلريدة الرمسية عدد 5167
بتاريخ 13شوال
القانون رقم 35.10بتغيري وتتميم قانون املسطرة املدنية كما صادق عليه
الظهري الشريف مبثابة قانون رقم 1.74.447الصادر يف 11من رمضان 28( 1394
سبتمرب ).2011
مبقتضى الظهري الشريف رقم 1-91-225بتاريخ 22من ربيع األول 10( 1414شتنرب
هـ .منشور باملوقع اململكة العربية السعودية .هيئة اخلرباء مبجلس الوزراء.
la convention d'arbitrage
BITRAGE.
مقاالت وأبحاث
قانونية وقضائية
باللغة العربية
DR Hamza Moumen
Doctorant en Droit des affaires - Avocat - Stagiaire
au Barreau des avocats d'El Jadida
Le crowdfunding : analyse à la lumière
de l’arsenal juridique Marocain
"the crowdfunding: analysis based on the moroccan legal arsenal"
intelligence » : c’est par ces mots de Dawhens Débot que nous devons
une positivité que doivent impliquer les réflexions que nous sommes dans
Parmi ces réflexions, celle qui doit être orientée vers les répercussions
P 355 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
prend conscience que les TPE et les PME (les très petites entreprises, les
produire.
financements.
Il est vrai que ces obstacles ont toujours existé, mais se sont vus
financement, une formule qui doit jouer le rôle d’une véritable bouée de
sauvetage pour ces entreprises. C’est ainsi que les diverses réflexions
banques récalcitrantes quant au fait d’assumer leur rôle auprès des petites et
qui s’est développée en France en 2008, et dont les plateformes ont connu
534
C. BERREBI et S. VATINE, « le crowdfunding en paritque : opportunités et limites » La semines juridique
édition générale, n°49, 1er décembre 2014, 1266
dollars en 2022.
de son émergence au Maroc présente un intérêt des plus certains, surtout que
le Maroc vient tout juste de rejoindre la liste des pays qui ont décidé
535
T. HEMDANE, « Le crowdfunding : une innovation pour financer le développement du Maroc »,
Techniques financières et développement, 2016/3, p.26
536
D.-M. TAMBAKAM, « Crowdfunding et construction d’un écosystème d’affaires : quelles options
stratégiques par les leaders », Revue de contrôle, de la comptabilité et de l’audit, 2020.
loi 15-18 ?
sur le fait qu’elle implique une volonté accrue de vouloir profiter des
processus.
prendre.
qui repose sur la levée de fonds auprès du public via une plateforme internet
dédiée à cet effet en vue de financer des projets ou des sociétés à travers
l’investissement dans des valeurs mobilières, des prêts, des dons ou des
libéralités.537
étant une opération de collecte de fonds du public, menée par une société de
537
Article 2 de la Loi n° 2020-37 du 6 aout 2020, relative au « crowdfunding » (Tunisie)
538
L 15-18, art 1
En effet, les sociétés faisant appel public à l’épargne au sens de la loi 44.12
cas aspirer à faire financer leurs projets dans ce cadre. De plus, toutes les
personnes figurant dans une liste « noire », dont les modalités de mise en
539
L 15-18, Art 17
540
L 15-18, Art 18
modulable. En effet, il peut prendre la forme d’un don, d’un prêt ou d’un
investissement
parfois symbolique.541
financement qui prend la forme d’un prêt, avec ou sans intérêts, non
541
Par exemple, l’épargnant peut demander au porteur du projet qu’il désire financer, d’organiser
une opération de préachat, si le projet consiste à commercialiser un produit, et ce pour mesurer le
véritable potentiel du projet.
avec intérêts. Il est à savoir que le taux d’intérêt, dans le cadre du financement
collaboratif en prêt avec intérêt, ne peut dépasser un taux de base que Bank
se déroule d’une manière assez spécifique sur laquelle il faut se rabattre, tout
conditionné
marocaine des marchés de capitaux est attendue quant à elle pour la mise en
dépôt des fonds obtenus auprès des épargnants pour son financement.
opération.
encadrées par la loi 15-18 quant à leur constitution, leur gestion, leur
sociétés.
financement.
certaine visibilité.
intérêts des porteurs de projets d’une part, et ceux des épargnants d’autre
part. Parmi les points reflétant cette volonté le législateur, l’obligation, pesant
qu’elles gèrent, un quotient d’échec sous forme d’un pourcentage d’échec des
542
L 15-18, Art 29
encadrés par la loi, ont vu leur encadrement être reporté et confié à la voie
risque pour les porteurs de projets également, car tous les projets ne sont
PR GHANIMI SARA
Chercheur au doctorat au département de français –
Université Ibn TOfail - Kénitra
la ForMaliTe d’enreGisTREMENT ET LA
PRESERVATION DE SECURITE CONTRACTUELLE
INTRODUCTION
543
Même si on parle de la perception des droits d’enregistrement sur les mutations orales, ses dernières sont
rare sur la plan pratique.
P 371 رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي مجلة قانونية علمية محكمة
2021 – 31
loi.
L’enregistrement est ancré dans les systèmes fiscaux depuis les temps
avaient le droit de lever des impôts. Soit sur les vassaux, soit sur les
dépendance.
Parmi les droits perçus par les seigneurs, nous pouvons citer : le droit
« Quint » est payé par le vassal à son suzerain lors de la cession à titre
onéreux une terre noble, et le droit « Relief »ou de rachat est perçu lors de
la transmission par décès d’un fief sur la base de son revenu annuel.544
certains écrits tels les jugements et les actes notariés matérialisé par la
544
Les droits d’enregistrement au Maroc, El Mostafa Charafeddine, ed afrique orient ,2005
délai déterminé, suivi de paiement du centime du prix des biens objets des
d’enregistrement ».
actes sous seings privés produit en justice ou faisant usage par acte
public.545
545
Les droits d’enregistrement, Mustapha Charafeddine, Remald, ed 1997 ,page 12
546
Les droit d’enregistrement au Maroc, ed Afrique orient, 2005 page 17
publié au B.O n 125 du 15 Mars 1915.son application fut prise par l’arrêté
547
Décret royal n° 2.58.1151 du 12 joumada II1378(24/12/1958)-B.O24.16 du 13/12/1959 page 478
548
Instruction generale relative aux droit d’enregistrement,2004, page 2.
de l’article 489 du DOC qui stipule « Lorsque la vente a pour objet des
d'hypothèque, elle doit être faite par écriture ayant date certaine et elle n'a
d'effet au regard des tiers que si elle est enregistrée en la forme déterminée
par la loi »
certaine dans les actes de mutations des immeubles et droits réels qui y
l’enregistrement des actes par les inspecteurs des impôts(I) ensuite nous
FORMALITE DE L’ENREGISTREMENT
l’enregistrement avant le paiement des droits :« Il est fait défense aux cadis
compétent ».
1- inviter les parties aux actes à régler les droits exigibles dans le délai
les villes, centres et localités ne disposant pas de ces bureaux ; soit par
l’un des deux adouls rédacteurs, mandaté à cet effet par les parties
moharrem 1427 (14 février 2006). Lorsque le paiement des droits est
justice, ceux-ci sont tenus de déposer les actes et verser les droits
législatifs en vigueur ;
la formalité d’enregistrement.
139-I du C.G.I550.
25-90
549
Note circulaire 717 tome 2, page
550
toutes dispositions contraires, il ne peut être reçu par le conservateur de la propriété foncière et
des hypothèques, aux fins d’immatriculation ou d’inscription sur les livres fonciers, aucun acte
obligatoirement soumis à l’enregistrement en application du I de l’article 127 ci-dessus, si cet acte n’a
pas été préalablement enregistré.
des propriétés agricoles rurales ou par le dahir de même date fixant les
des actes ci-dessus ne peut être effectué que sur production d’une
location ou partage visées à l'article premier ci-dessus s'il n'est pas fourni:
législateur prévoyait déjà dans le cadre de loi 25-90 des sanctions lourdes,
pas été autorisé ou n'a pas encore fait l'objet du procès verbal de réception
édicte désormais des peines de prison, en effet: «Est puni d’une peine de
groupement d’habitation n’ont pas été autorisés ou n'ont pas encore fait l
futur d’achèvement».
droits exigibles à raison d’une opération imposable. Ces droits étant fixes
ou proportionnels.il faut ajouter que l’acte à enregistrer doit être établi sur
L’ENREGISTREMENT
effets civil dont certains sont loin d’être négligéables.l’effet civil essentiel
est de conférer une date certaine aux actes sous seing privé conformément
de l’origine de la propriété(C).
Selon REFALO, «En droit, le mot acte désigne soit un écrit rédigé en
vue de faire la preuve d’un fait juridique (instrimentum) soit «une opération
d’obligations. Pour qu’un écrit soit considéré comme un acte, il faut qu’il
L’acte SSP ou acte sous signature privée est rédigé par ou pour le
elles.
L’enregistrement donne date certaine aux actes SSP, contre les tiers
obligations et contrats qui stipule « Les actes sous seing privé font foi de
leur date, entre les parties, leurs héritiers et leurs ayants cause à titre
551
Op. cit, page 3
552
Certains actes doivent néanmoins être obligatoirement signés avec légalisation de signature.
particulier, agissant au nom de leur débiteur. Ils n'ont de date contre les
tiers que :
date dans les rapports entre les parties et ce suivant les dispositions de
l’article 126 du code général des impôts qui stipule « …La formalité de
sous seing privé au moyen de leur inscription sur un registre dit "registre
553
Aricle 126 du code géneral des impots marocain paragraphe 2.
-son existence
- sa date
-son contenu
l’enregistrement, il doit être établi sur papier timbré revêtu les mêmes
554
Article 447 du DOC.
555
El mostafa charafeddine, les droits d’enregistrement, edition remald, 1997, page 21
Si le double requis n’a pas été ou n’a pu être établi, il est suppléé par
des impôts chargé de l’enregistrement dans les trente (30) jours de l’entrée
suppléé par une copie certifiée conforme à l’original par l’inspecteur des
paragraphe… »
notaires sont dans l’obligation de déposer les copies d’actes suivant les
l’inspecteur les registres minutes pour visa. Ils sont tenus en outre de lui
transmettre une copie des actes par procédés électroniques d’acquitter les
que les droits, tels qu’ils ont été liquidés, leur ont été versés. Ils peuvent
dans le cas contraire, retenir les actes sous-seing privé ou les brevets
l’enregistrement n’est donnée qu’une seule fois. Un seul d’entre eux est
des droits est apposée en original sur l’un des exemplaires et par duplicata
l’enregistrement.
556
Les droits d’enregistrement, el mostafa charafeddine, ed afrique orient 2005, page 29
l’original.
préalablement.
de l’acte (ou des actes) par lequel (ou lesquels) le vendeur est devenu
propriétaire.
adouls sont tenus d'en faire mention dans l’acte soumis à l’enregistrement
de l’enregistrement compétent. »
CONCLUSION
l’égard des tiers. Il constitue une mesure préventive contre les faux en
finalités qui sont les siennes, au premier rang desquelles figure la nécessité
رابط تحميل جميع أعداد مجلة الباحث 30على الموقع الرسمي (موقع الباحث)
https://www.allbahit.com/search/label/%D8%A3%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AF%20%D9%85%D8%A
C%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%AD%D8%AB