You are on page 1of 13

‫التواصــل‬

‫تقديــم‬

‫يعد علم التواصل من العلوم التي تحظى بأهمية بالغة عند الدارسين‪ ،‬مهما اختلفت‬
‫وتنوعت تخصصاتهم‪ .‬ولهذا نجد مجموعة من الباحثين قد اهتموا بتقديم سلسلة من األبحاث‬
‫والدراسات التي تسعى لبلورة رؤية متكاملة‪ ،‬تأخذ بعين االعتبار السياق الثقافي واالجتماعي‬
‫لكل جوانب التواصل اإلنساني‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬إذن‪ ،‬أصبحنا في عصرنا الحاضر في حاجة ملحة إلى دراسات نظرية وتطبيقية‬
‫تهم مجال التواصل اإلنساني؛ سواء في عالقته باللغة (منطوقة أو مكتوبة)‪ ،‬أو في عالقته‬
‫باأليقونات المصاحبة للرسالة اللغوية (رموزـ إشارات ـ حركات‪ ،)...‬أو في عالقته بالثقافة‪،‬‬
‫أو بالنظر في كل هذه المكونات من أجل االرتقاء بالتواصل اإلنساني‪ ،‬واستثماره في مختلف‬
‫مناحي السلوك البشري‪ ،‬من مثل‪ :‬التواصل والحياة المهنية‪ ،‬والتواصل والحياة العامة‪،‬‬
‫والتواصل وفهم اآلخر‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ مفهوم التواصل لغة واصطالحا‬
‫أ ـ لغة‪:‬‬
‫من خصائص اإلنسان أنه كائن اجتماعي ال يمكن أن يعيش في عزلة‪ ،‬يقول ابن خلدون‬
‫في مقدمته‪ ":‬إن االجتماع اإلنساني ضروري‪ ”.‬بمعنى أن حياة اإلنسان ال تستقيم إال بتعاونه‬
‫مع أبناء جنسه لتوفير الغذاء والملبس والمأوى ولدفع األعداء‪ .‬فوجود الجماعة أساسي في حياة‬
‫اإلنسان‪ ،‬ألنه خلق ليمد جسور التواصل مع اآلخر‪ ،‬خلق لكي يفعل ويتفاعل‪.‬‬
‫يفيد التواصل في اللغة العربية االقتران واالتصال والصلة والترابط وااللتئام والجمع‬
‫واإلبالغ واالنتهاء واإلعالم‬
‫جاء في لسان العرب أن أصل (تواصل) من " وصل‪ :‬وصلت الشيء وصال وصلة‪ ،‬والوصل‬
‫ضد الهجران(‪ )...‬والوصل خالف الفصل(‪ )...‬وفي التنزيل العزيز‪ :‬ولقد وصلنا لهم القول‪،‬‬
‫أي وصلنا ذ كر األنبياء وأقاصيص من مضى بعضها ببعض‪ ،‬لعلهم يعتبرون‪ .‬واتصل الشيء‬
‫بالشيء‪ :‬لم ينقطع(‪ )...‬والوصل ضد الهجران‪ .‬التواصل ضد التصارم“‪.‬‬
‫يش ير ابن منظور إلى أن التواصل هو تلك الصلة القوية بين الناس والترابط المتين فيما‬
‫بينهم‪ .‬كما يحمل داللة نقل األخبار وربط الشيء بالشيء‪ .‬تتضمن لفظة " التواصل " في عمقها‬
‫تفاعال‪ ،‬فالمعنى الغالب لصيغتها الصرفية هو المطاوعة والمشاركة‪.‬‬
‫أما في اللغة الفرنسية فقد ظهر فعل تواصل‪communiquer‬‬
‫و“التواصل“‪ communication‬في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميالدي‪ ،‬ومعناه‬
‫األصلي الذي هو "شارك في " قريب من الالتينية وفعلها ‪ communicare‬وتعني الوضع‬
‫داخل وحدة والوجود في عالقة‪ .‬وهذا الوضع داخل وحدة ما يحمل ـ ظاهريا ـ وحدة األجسام‪.‬‬
‫عرف هذا المصطلح تطورات كثيرة عبر العصور‪ ،‬وعموما يمكن إجمال معانيه في‬
‫التعاريف األربعة اآلتية‪:‬‬
‫إرسال شيء ما لشخص ما‪.‬‬
‫التحدث عن شيء ما‪.‬‬
‫التحاور مع شخص ما‪.‬‬
‫االنتقال من مكان إلى آخر‪.‬‬
‫ب ـ اصطالحا‪:‬‬
‫يدل التواصل في االصطالح على عملية نقل األفكار والتجارب وتبادل المعارف‬
‫والمشاعر بين الذوات واألفراد والجماعات‪ .‬وقد يكون هذا التواصل ذاتيا شخصيا أو تواصال‬
‫غيريا‪ ،‬وقد ينبني على الموافقة أو على المعارضة واالختالف‪.‬‬
‫يعرف شارل كولي ‪1 charles cooley‬التواصل قائال‪« :‬هو الميكانزيم الذي بواسطته‬
‫توجد العالقات اإلنسانية وتتطور‪ .‬إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال‬
‫وتعزيزها في الزمان‪ .‬ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات الجسم والحركات ونبـــرة الصوت‬
‫والكلمات والكتابات والمطبوعات والقطارات والتلغراف والتلفون وكل ما يشمله آخر ما تم في‬
‫االكتشافات في المكان والزمان‪".‬‬
‫‪(charles cooley :« social organisation » ,cité in :J Lohisse : la‬‬
‫)‪communication anonyme :édition universitaire 1969 , P .42‬‬
‫‪ 2‬ـ أنواع التواصل‬

‫عند الحديث عن التواصل‪ ،‬أو أثناء استعمال هذا المفهوم بمثابة مقاربة تحليلية‪ ،‬أو‬
‫منهجية إجرائية في استقراء العالقات التفاعلية‪ ،‬أو قراءة النصوص والخطابات‪ ،‬أو فهم‬
‫الروابط الذهنية والوجدانية والحركية‪ ،‬ال بد من استحضار مجموعة من المفاهيم النظرية‪،‬‬
‫والعناصر األساسية التطبيقية باعتبارها مكونات جوهرية في عملية التبادل والتفاعل والتأثير‪.‬‬
‫وهذه العناصر هي‪:‬‬
‫‪1‬ـ زمنية التواصل‪.‬‬
‫‪2‬ـ المكانية أو المحلية‪.‬‬
‫‪3‬ـ السنن أو لغة التواصل (التشفير والتفكيك)‪.‬‬
‫‪4‬ـ السياق‪.‬‬
‫‪5‬ـ رهانات التواصل‪.‬‬
‫‪6‬ـ التواصل اللفظي ( اللغة المنطوقة والمكتوبة)‪ ،‬والتواصل غير اللفظي (اللغة الجسدية‬
‫والسيميائية)‪.‬‬
‫‪7‬ـ إرادة التواصل (بث اإلرسالية قد يكون إراديا أو غير إرادي)‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ الفيدباك أو التغذية الراجعة‪ ،‬وذلك بتصحيح التواصل‪ ،‬وتقويته‪ ،‬وتدعيمه‪ ،‬وإنهائه‪.‬‬
‫وقد دأب الباحثون والمهتمون بحقل التواصل اإلنساني عموما‪ ،‬على تقسيمه إلى قسمين كبيرين‬
‫هما‪ :‬التواصل اللفظي‪ ،‬والتواصل غير اللفظي؛ حيث يرتكز هذا التقسيم على اللغة المستعملة‬
‫في العمليات التواصلية المختلفة‪.‬‬

‫‪ 1‬تشارلز هورتون كولي )‪ 17( (Charles Cooley‬أغسطس ‪ 7 - 1864‬مايو ‪ )1929‬كان عالم اجتماع أمريكي وابن توماس كولي‪.‬‬
‫عضوا مؤسسًا ورئيسها الثامن لرابطة علم االجتماع‬
‫ً‬ ‫درس وقام بتدريس االقتصاد وعلم االجتماع في جامعة ميتشيغان‪ ،‬كما كان‬
‫األمريكية‪ .‬ول عله معروف أكثر بمفهومه عن الذات الزجاجية‪ ،‬وهو مفهوم أن الذات تنبثق من تفاعالت األفراد في المجتمع وتصورات‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫أ ـ التواصل اللفظي‪:‬‬
‫يعتمد التواصل اللفظي على أصوات‪ ،‬ومقاطع‪ ،‬وكلمات‪ ،‬وجمل‪ .‬ويتم عبر القناة الصوتية‬
‫السمعية‪ ،‬أي يقوم أساسا على اللغة اإلنسانية‪.‬‬
‫يؤكد األلسني الفرنسي أندريه مارتينيه أن اللغة اإلنسانية باعتبارها مؤسسة من‬
‫المؤسسات اإلنسانية «إنما تنتج عن الحياة في المجتمع‪ ،‬وهذا هو تماما حال اللغة اإلنسانية التي‬
‫تدرك بشكل أساسي كأداة للتواصل"‪.‬‬
‫وقد كانت الوظيفة التواصلية في اللغة معروفة عند النحاة وعلماء اللغة العربية القدامى‪،‬‬
‫فابن جني (‪392 – 302‬ه بالموصل) يقول في الباب الثاني من كتاب الخصائص‪" :‬القول على‬
‫‪2‬‬
‫اللغة وما هي" أما حدها‪ " :‬فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"‪.‬‬
‫وبما أن التواصل اللفظي يعتمد على اللغة المنطوقة وعلى اللغة المكتوبة‪ ،‬فإن مهارات‬
‫المحادثة واالستماع والكتابة تشكل عناصر مهمة في كل عملية تواصلية‪ .‬بل إن نجاح التواصل‬
‫أو فشله يرتبط بمدى قدرة كل من المرسل والمتلقي على استثمارها على أحسن وجه‪.‬‬

‫مهارة المحادثة‪:‬‬
‫تعد المحادثة أهم مهارة لدى المتكلم‪ ،‬نظرا للدور األساسي الذي تحققه أثناء عملية‬
‫التواصل‪ .‬ولهذا على المتكلم أن يراعي جملة من الشروط واألهداف في كالمه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ـ سالمة اللغة نحوا وصرفا‪.‬‬
‫ـ تجنب العبارات والجمل الطويلة المشتتة لذهن المتلقي وتركيزه‪.‬‬
‫ـ تجنب االستطراد والتفريع غير الضروري حرصا على محورية الفكرة‪.‬‬
‫ـ التعبير عن األفكار بأسلوب جميل غير ممل؛ أي أن يكون الكالم بينا وداال ولطيفا‪.‬‬
‫ـ استشعار الثقة بالنفس وامتالك الشجاعة األدبية في التعبير‪.‬‬
‫كما أن للصوت دورا مهما في العملية التواصلية القائمة أساسا على اإللقاء والتحدث أمام‬
‫الجمهور‪ .‬يتجلى ذلك فيما يتركه من تأثير في نفوس المستمعين‪ ،‬سلبا أو إيجابا‪ .‬فقد يساعد‬
‫المتلقي على الفهم الجيد لكالم صاحبه إذا كان يتناسب مع المعاني‪ ،‬والتراكيب اللغوية المختلفة‬
‫من تعجب‪ ،‬واستفهام‪ ،‬وإنكار‪ ...‬وقد يتسبب في ضياع المعنى وعدم إبالغه‪ ،‬إذا لم يعرف‬
‫المتكلم كيف يكيف صوته‪ ،‬بين الحين واآلخر‪ ،‬مع ما يريد إيصاله لمستمعيه‪ ،‬لذلك يحتاج كل‬
‫من يتولى القيادة أو اإلدارة إلى البراعة في فن اإللقاء والتعبير‪ ،‬ليتمكن من إيضاح وجهة نظره‬
‫بلغة بينة‪ ،‬وأساليب مقنعة‪ ،‬تحقق التفاعل بينه وبين جمهوره‪.‬‬
‫مهارة االستماع‪:‬‬
‫يشكل االستماع مهارة أساسية بالنسبة للمستمع‪ ،‬تحكمها عمليات ذهنية مختلفة أهمها‬
‫الفهم والتحليل‪ ،‬واالستنتاج‪ .‬لذلك تحتاج هذه المهارة إلى ذهن صاف قادر على الربط واإلدراك‪.‬‬
‫إن االستماع ليس إجراء لنقل فكرة من ذهن المتكلم إلى ذهن المستمع‪ ،‬بل هو إجراء لبلوغ فهم‬
‫مشترك لدى كل منهما‪.‬‬
‫ويمكن أن نحدد بعض أنواع االستماع بالنظر إلى الهدف منه‪:‬‬
‫‪ 2‬كتاب الخصائص هو أحد أشهر الكتب التي كتبت في فقه اللغة وفلسفتها‪ ،‬وأسرار العربية ووقائعها‪ .‬يناقش ابن جني في هذا الكتاب بنية اللغة وفقهها‬
‫وأصولها ‪ .‬يبدأ الكتاب بباب في مناقشة إلهامية اللغة واصطالحيتها‪ ،‬وعرض لقضايا من أصول اللغة‪ :‬كالقياس‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬والعلل‪ ...‬والحقيقة‬
‫والمجاز‪ ،‬والتقديم والتأخير‪ ،‬واألصول والفروع‪ ،‬واختتم بحديث عن أغالط العرب‪ ،‬وسقطات العلماء‪ .‬فتح ابن جني بهذا الكتاب في اللغة العربية‬
‫أبوابا جديدة لدراستها‪ .‬أهدي هذا الكتاب للسلطان بهاء الدولة البويهي‪ .‬تمت طباعة الكتابة ألول مرة في مصر في عام ‪ 1913‬م إال أن الكتاب وقتها‬
‫لم ينشر كامال‪ .‬بعدها طبع الكتاب كامال محققا على يد محمد علي النجار عام ‪1955.‬‬
‫ـ االستماع للفهم وجمع المعلومات‪.‬‬
‫ـ االستماع من أجل التقييم واالنتقاد‪.‬‬
‫ـ االستماع من أجل حل مشكل‪.‬‬
‫ـ االستماع من أجل تحقيق المتعة والسعادة‪.‬‬
‫مهارة الكتابة‪:‬‬
‫تستعمل مهارة الكتابة لتأدية عدة أغراض تواصلية متنوعة‪ ،‬كإعداد الكلمة التي سنلقيها‬
‫أمام جمهور معين‪ ،‬أو تدوين األفكار‪ ،‬وتلخيص المحاضرات‪ ،‬وأخذ النقط‪ .‬ونستعملها كذلك‬
‫إلعداد التقارير الصحفية أو اإلدارية‪ ...‬لذلك يجب استثمارها بشكل جيد‪ ،‬يضمن تحقيق تواصل‬
‫أفضل مع المتلقي‪ .‬ويمكن االستعانة بالنصائح اآلتية‪:‬‬
‫ـ استعمال المصطلحات الواضحة التي ال تحتمل أكثر من معنى واحد‪ ،‬تجنبا لسوء‬
‫الفهم‪ ،‬أو التأويل غير المناسب‪.‬‬
‫ـ الكتابة بأسلوب سهل خال من التعقيد‪.‬‬
‫ـ تحديد األفكار بدقة‪.‬‬
‫ب ـ التواصل غير اللفظي‪:‬‬
‫تقوم القناة البصرية بدور أساسي في التواصل؛ ألنه ال يوظف فقط نسقا لغويا منطوقا‬
‫فحسب‪ ،‬بل يستعمل‪ ،‬كذلك‪ ،‬نظاما من اإلشارات‪ ،‬والحركات‪ ،‬واإليماءات التي تندرج فيما‬
‫يسمى بالتواصل غير اللفظي‪ ،‬وهو يتجلى بشكل واضح في المسرح والميم والموضة‬
‫والرقص‪ ..‬إنه مجموع الوسائل االتصالية التي تقوم على الحركات وهيئات الجسم‪ ،‬وعلى كيفية‬
‫تنظيم األشياء‪ .‬يقول فرويد‪ " :‬من له عينان يرى بهما يعلم أن البشر ال يمكن أن يخفوا أي سر‪،‬‬
‫فالذي تصمت شفتاه يتكلم بأطراف أصابعه "‪.‬‬
‫من هنا يساعدنا التواصل المرئي على تحديد الجوانب اآلتية‪:‬‬
‫ـ تحديد المؤشرات الدالة على االنفعاالت والعالقات الوجدانية بين المتواصلين‪.‬‬
‫ـ تعزيز الخطاب اللغوي‪ ،‬وإغناء الرسالة وتدعيمها بالحركات لضمان استمرارية‬
‫التواصل‪.‬‬
‫ـ التعبير عن الهو ية الثقافية للمتواصلين من خالل نظام الحركات واإلشارات الجسدية‪.‬‬
‫وقد حدد هاريسون ‪ 3 Harrisson‬بعض العناصر التي تتصل بالتواصل غير اللفظي‬
‫وحصرها في‪:‬‬
‫التعابير المنجزة بواسطة الجسد ‪:‬‬
‫ـ أي كل اإلشارات والحركات الجسدية التي يستعملها الفرد في تواصله مع اآلخرين‪ ،‬إما في‬
‫ارتباط مع الكالم‪ ،‬أو مستقلة عنه؛ كأن يحرك رأسه تعبيرا عن الرفض‪ .‬أو يعطي انطباعا‬
‫بالحزن من خالل طأطأة الرأس ووضع اليدين في الجيب مثال‪.‬‬
‫‪3‬ـ اإلشارات اليدوية لها أدوار متعددة في العملية التواصلية؛ ألنها تحمل العديد من المعاني‪،‬‬
‫مثل إشارة اإلبهام نحو األعلى‪ ،‬الدالة على النجاح‪.‬‬
‫ـ الوجه كتاب يقرأ الناس من خالله معان قوية؛ أي إن الوجه مرآة عاكسة لكل العواطف‬
‫والمشاعر الداخلية التي تبرز بشكل عفوي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫راندال هاريسون‪ :‬أستاذ بجامعة والية ميتشيغن حاصل على دكتوراه في شعبة التواصل بنفس الجامعة عام ‪.1964‬‬
‫طريقة اللباس ‪:‬‬
‫ـ اللباس هو أول ما ينتبه إليه كل شخص في تواصله مع اآلخرين‪ .‬ويمكن أن يزيد من‬
‫احترام الشخص بين الناس‪ ،‬أو يقلل من شأنه‪.‬‬
‫استعمال المجال والديكور ‪:‬‬
‫ـ الطريقة التي نؤثث بها فضاءنا الخاص تتحدث عنا‪.‬‬
‫اآلثار التي تحدثها األلوان ‪:‬‬
‫ـ فاللون األبيض مثال يدل في اليابان والدول اآلسيوية األخرى على الموت والحداد‪ ،‬وفي‬
‫الثقافة اإلسالمية يدل على الطهارة والصفاء‪ ،‬كما قد يوحي بالسلم واالستسالم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ خصائص التواصل الفعال‪:‬‬
‫أ ـ خصائص مرتبطة بالمرسل والمتلقي والخطاب وقنوات التواصل وتقنياته‪:‬‬
‫وضوح الهدف من التواصل لدى األطراف واألفراد المعنيين به‪.‬‬
‫التركيز على الكيف بدل الكم في التواصل‪.‬‬
‫وضوح األسلوب واللغة ومناسبتهما ألهداف التواصل وللمعنيين به‪.‬‬
‫اعتماد أساليب االستمالة والتحبيب واإلقناع‪.‬‬
‫سيادة التفكير اإليجابي على التواصل بين األطراف واألفراد المعنيين بالتواصل‪ ،‬وعلى‬
‫المواقف من العمل والقضايا التي تكون موضوعا للتواصل‪.‬‬
‫استمرارية التواصل داخل المؤسسة ومع الشركاء بواسطة وسائط وقنوات معروفة لدى‬
‫المعنيين‪.‬‬
‫تكامل وسائط التواصل وتنوع قنواته بكيفية تعزز أدوار التواصل‪.‬‬

‫ب ـ اإلنصات الجيد للمتكلم وتجنب معيقات التواصل الشفهي التي من أهمها‪:‬‬


‫عدم النظر إلى المتكلم واالنشغال عنه بحركات غير مناسبة‪.‬‬
‫احتكار الكلمة واالستبداد بالرأي والجدل من أجل الجدل‪.‬‬
‫الرد على المتكلم قبل االستماع إلى وجهة نظره‪.‬‬
‫رفض م قترحات المحاور في مجملها بسبب اشتمالها على عيب بسيط ‪.‬‬
‫التأثر بنظرة سلبية مسبقة عن المحاور وإسقاطها على ما يقوله ‪.‬‬
‫التواصل بخشونة وبدون لباقة‪.‬‬
‫لوم اآلخرين أو التهكم عليهم أو على مواقفهم‪.‬‬
‫تغيير موضوع الحديث باستمرار وانعدام التركيز ‪.‬‬

‫ج ـ خصائص مرتبطة بالمواقف واالتجاهات المعززة للتواصل االجتماعي الفعال مع الشركاء‪:‬‬


‫التجاوب مع السكان والشركاء‪ ،‬واالستفسار عن أحوالهم وظروفهم وتفهمها‪ ،‬واتخاذ مواقف‬
‫إيجابية تجاههم ‪.‬‬
‫المشاركة في التظاهرات والمناسبات االجتماعية دون تأفف‪ ،‬واحترام العادات والتقاليد‬
‫المحلية ‪.‬‬
‫التعامل اإليجابي مع اآلباء واألمهات وجمعيتهم‪ ،‬والجماعات والسلطات المحلية والفاعلين‬
‫والجمعيات بما يفيد المؤسسة والشركاء‪.‬‬
‫االنضباط والجدية في العمل‪ ،‬وإعطاء القدوة والمثل بسلوك العاملين في المؤسسة ومواقفهم‬
‫االلتزام باإلنصاف والحياد اإليجابي في حال وجود صراعات‪.‬‬
‫تقديم خدمات للشركاء في المجاالت التي تهمهم‪ ،‬والمساهمة في برامج محو األمية وحمالت‬
‫التوعية وأنشطة الشركاء ومشاريع التنمية المحلية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وظائف التواصل وأدواره‪:‬‬

‫تتطلب جودة التواصل اعتماد خطة تواصلية هادفة تيسر اإلعالم والتفاعل داخليا‬
‫وخارجيا‪ ،‬وتقوي انخراط المتعلمين والعاملين بالمؤسسة والشركاء‪ .‬ويمكن االستئناس‬
‫بالمضامين المقترحة بعده إلعداد خطة لتفعيل أدوار التواصل بصفته دعامة أساسية له‪ .‬وعموما‬
‫يمكن حصر وظائف التواصل في اآلتي‪:‬‬
‫• نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغوية وغير لغوية‪.‬‬
‫• التأثير على اآلخر من حيث تمتين العالقات اإلنسانية‪ ،‬وتفعيلها على المستوى اللفظي‬
‫وغير اللفظي‪.‬‬
‫• يتيح تبادل األخبار واآلراء بين كافة المعنيين‪.‬‬
‫• يخلق تفاعال وتعاونا وتنسيقا بين مختلف مجالس المؤسسة وفرق العمل المحدثة بها‪.‬‬
‫• يخدم إشعاع المؤسسة والعالقات مع الشركاء واالنفتاح على المحيط‬
‫• ي تيح إرساء الشفافية وحسن تدبير الحياة المدرسية ومشاريعها‪.‬‬
‫• ي نمي التفاعل مع شركاء المدرسة من آباء وأمهات‪ ،‬وفاعلين اجتماعيين واقتصاديين‪.‬‬
‫• يضمن اإلخبار بالمراحل والعمليات المنجزة‪ ،‬ويمكن من تقويمها والحصول على تغذية‬
‫راجعة‪.‬‬
‫• يضمن إشراك األطراف المعنية في اتخاذ القرار وتوزيع األدوار‪.‬‬
‫• يخدم إشعاع المؤسسة إعالميا‪.‬‬
‫‪-‬نماذج من التواصل‬
‫هناك كثير من نظريات التواصل التي حاولت مقاربة وفهم نظام التواصل؛ لذلك من الصعب‬
‫استقراء كل النظريات التي تحدثت عن التواصل‪ ،‬بل سنكتفي ببعض النماذج التواصلية‬
‫المعروفة قصد معرفة التطورات التي لحقت هذه النظريات والعالقات الموجودة بينها‪:‬‬
‫‪ 1-‬النموذج السلوكي‪:‬‬
‫وضعه المحلل النفسي األمريكي الزويل‪ Lasswell D. Harold‬سنة ‪ 1948‬ويتضمن مايلي‪:‬‬
‫من؟ (المرسل) يقول ماذا؟ (الرسالة) بأية وسيلة؟ (وسيط) لمن؟ (المتلقي) وألية غاية (التأثير)‬
‫يرتكز هذا النموذج على خمسة عناصر‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫المرسل ـ الرسالة‪ -‬القناة‪ -‬المتلقي‪ -‬األثر‪.‬‬
‫ويمكن إدراج هذا النموذج ضمن المنظور السلوكي الذي انتشر كثيرا في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬ويقوم على ثنائية المثير واالستجابة‪ .‬ويتمظهر هذا المنظور عندما يركز الزويل‬
‫على الوظيفة التأثيرية‪ ،‬أي التأثير على المرسل إليه من أجل تغيير سلوكه إيجابا وسلبا‪ .‬ومن‬
‫سلبيات هذا النظام أنه يجعل المتقبل سلبيا في استهالكه‪ ،‬ومنظوره سلطوي في استعمال وسائل‬
‫التأثير اإلشهاري في جذب المتلقي والتأثير عليه في صالح المرسل‪.‬‬
‫و للتمثيل‪ :‬فالمدرس هو المرسل‪ ،‬والتلميذ هو المتلقي‪ ،‬والرسالة ما يقوله المدرس من معرفة‬
‫وتجربة‪ ،‬ثم الوسيط الذي يتمثل في القنوات اللغوية وغير اللغوية‪ ،‬واألثر هو تلك األهداف التي‬
‫ينوي المدرس تحقيقها عبر تأثيره في التلميذ‪.‬‬
‫‪ 2-‬النموذج الرياضي‬
‫وضعه المهندس كلود شانون ‪ Claude Shannon‬سنة ‪ 1949‬والفيلسوف وارين ‪Waren‬‬
‫‪Weaver.‬ويركز على المكونات التالية‪:‬‬
‫مرسل ــــ ترميز ــــ رسالة ــــ فك الترميز ــــ متلقي‬
‫يعتمد هذا النظام التواصلي على عملية الترميز أو التشفير‪ ،‬فالمرسل هو الذي يمكن أن يتقمص‬
‫دوره المدرس حيث يرسل رس الة معرفية وتربوية مسننة بلغة وقواعد ذات معايير قياسية أو‬
‫سماعية يتفق عليها المرسل والمرسل إليه الذي يتمثل في التلميذ أو الطالب‪ .‬فالمدرس يرسل‬
‫خطابه التربوي عبر قناة لغوية أو شبه لغوية أو غير لغوية نحو التلميذ‪ /‬الطالب الذي يتلقى‬
‫الرسالة ثم يفك شفرتها ليفهم رموزها عن طريق تأويلها واستظهار قواعدها‪.‬‬
‫يهدف هذا النموذج إلى فهم اإلرسال التلغرافي وذلك بفهم عملية اإلرسال من نقطة‪ A‬إلى ‪B‬‬
‫بوضوح دقيق دون إحداث أي انقطاع أو خلل في اإلرسال بسبب التشويش‪ .‬ويتلخص مبدأ هذا‬
‫النظام بكل بساطة في‪ ":‬يرسل مرسل شفرته المسننة إلى متلق يفك تلك الشفرة"‪ .‬ومن ثغرات‬
‫هذا النظام الخطي أنه ال يطبق في كل وضعيات التواصل‪ ،‬خاصة إذا تعدد المستقبلون‪ ،‬وانعدم‬
‫الفهم االجت ماعي والسيكولوجي أثناء التفاعل التواصلي بين الذوات المفكرة‪ .‬كما يبقى المستقبل‬
‫سلبيا في تسلمه للرسائل المشفرة‪.‬‬
‫‪ 3-‬النموذج االجتماعي ‪:‬‬
‫هو نموذج ريلي وريلي ‪ Riley &Riley‬الذي يعتمد على فهم طريقة انتماء األفراد إلى‬
‫الجماعات‪ .‬فالمرسل هو المعتمد والمستقبل هم الذ ين يودعون في جماعات أولية اجتماعية مثل‬
‫العائالت والتجمعات والجماعات الصغيرة‪...‬‬
‫وهؤالء األفراد يتأثرون ويفكرون ويحكمون ويرون األشياء بمنظار الجماعات التي ينتمون‬
‫إليها والتي بدورها تتطور في حضن السياق االجتماعي الذي أفرزها‪ .‬ويالحظ أن هذا النموذج‬
‫ينتمي إلى عل م االجتماع والسيما إلى علم النفس االجتماعي حيث يرصد مختلف العالقات‬
‫النفسية واالجتماعية بين المتواصلين داخل السياق االجتماعي‪ .‬وهذا ما يجعل هذا النظام يساهم‬
‫في تأسيس علم تواصل الجماعة ‪la communication de groupe.‬‬
‫ومن المفاهيم التواصلية المهمة داخل هذا النظام نجد مفهوم السياق االجتماعي واالنتماء إلى‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫‪ 4-‬النموذج اللساني‬
‫يعد رومان جاكبسون ‪ Roman Jackobson‬واضع هذا النموذج سنة ‪ ,1964‬إذ اعتبر أن‬
‫اللغة وظيفتها األساسية هي التواصل‪ ،‬وارتأى أن للغة ستة عناصر وهي‪ :‬المرسل والرسالة‬
‫والمرسل إليه والقناة والمرجع واللغة‪ .‬ولكل عنصر وظيفة خاصة‪ :‬فالمرسل وظيفته انفعالية‬
‫تعبيرية‪ ،‬والرسالة وظيفتها جمالية من خالل إسقاط محور االستبدال على محور التركيب‪،‬‬
‫والمرسل إليه وظيفته تأثيرية وانتباهية‪ ،‬والقناة وظيفتها حفاظية‪ ،‬والمرجع وظيفته مرجعية أو‬
‫موضوعية‪ ،‬واللغة أو السنن وظيفتها(ه) لغوية أو وصفية‪.‬‬
‫وهناك من يظيف الوظيفة السابعة للخطاب اللساني وهي الوظيفة األيقونية بعد ظهور كتابات‬
‫جاك دريدا ‪ J. Derrida‬والسيميوطيقا‪.‬‬
‫ولتوضيح مفاهيم جاكبسون أكثر نعود إلى المجال التربوي والديداكتيكي للتمثيل والشرح‪:‬‬
‫قلنا سابقا أن من وظائف التواصل لدى رومان جاكبسون‪:‬‬
‫‪1-‬الوظيفة المرجعية ‪ :‬يلجأ المدرس هنا إلى الواقع أو المرجع لينقل للتلميذ أو الطالب معلومات‬
‫وأخبارا تحيل على الواقع‪ ،‬أي تهيمن هنا المعارف الخارجية والمعارف التقريرية المرتبطة‬
‫بمراجع وسجالت كالمرجع التاريخي والمرجع األدبي والمرجع اللساني والمرجع الجغرافي‪...‬‬
‫‪2-‬الوظيفة التعبيرية ‪ :‬تتدخل في هذه الوظيفة ذات المرسل وذلك من خالل انفعاالته وتعابيره‬
‫الذاتية ومواقفه وميوالته الشخصية واإليديولوجية‪.‬‬
‫‪3-‬الوظيفة التأثيرية ‪ :‬تنصب على المتلقي‪ ،‬ويهدف المرسل من ورائها إلى التأثير على مواقف‬
‫أو سلوكات وأفكار المرسل إليه؛ لذلك يستعمل المدرس لغة الترغيب والترهيب والترشيد من‬
‫أجل تغيير سلوك المتعلم‪.‬‬
‫‪4-‬الوظيفة الشعرية أو الجمالية ‪ :‬إن الهدف من عملية التواصل هو البحث عما يجعل من‬
‫الرسالة رسالة شعرية أو أجناسية جمالية‪ ،‬وذلك بالبحث عن الخصائص الشعرية والجمالية‬
‫مثل التركيز على جمالية القصيدة الشعرية ومكوناتها وسماتها البالغية‪.‬‬
‫‪5-‬الوظيفة الحفاظية ‪ :‬التركيز على القناة وذلك لوظيفة حفاظية و إفهامية كأن يستعمل المدرس‬
‫خطابا شبه لغوي أو لغوي أو حركي من أجل تمديد التواصل واستمراره بين المدرس والتالميذ‪/‬‬
‫الطلبة‪ ،‬وذلك باستعمال بعض المركبات التعبيرية التالية ‪( :‬أرجوكم أن تنتبهوا إلى الدرس)‪( ،‬‬
‫انظروا هل فهمتم؟)‪ ( ،‬اسمع أنت!) الخ‬
‫‪6-‬الوظيفة الميتالغوية أو الوصفية ‪ :‬يركز المدرس عبر هذه الوظيفة على شرح المصطلحات‬
‫والمفاهيم الصعبة والشفرة المستعملة مثل شرح قواعد اللغة والكلمات الغامضة الموجودة في‬
‫النص والمفاهيم النقدية الموظفة أثناء الشرح‪.‬‬
‫وقد تأثر جاكبسون في هذه الخطاطة التواصلية بأعمال فرديناند دوسوسير ‪Ferdinand. De‬‬
‫‪Saussure‬والفيلسوف المنطقي اللغوي جون أوسطين‪John L. Austin.‬‬
‫‪ -5‬النموذج اإلعالمي‪:‬‬
‫هذا النموذج اإلعالمي قائم على توظيف التقنيات اإلعالمية الجديدة كالحاسوب واإلنترنت‬
‫والذاكرة المنطقية المركزية في الحاسوب‪ .‬ومن مرتكزات هذا النموذج‪:‬‬
‫‪-‬خطوة االتصال وخلق العالقة الترابطية‪phase de mise en contact/connexion‬‬
‫‪-‬خطوة إرسال الرسائل‬
‫‪ -‬خطوة اإلغالق‪phase de clôture/déconnexion.‬‬
‫العلوم المرتبطة بالتواصل‬
‫يرتبط التواصل بعدة علوم ومعارف يمكن حصرها في المسالك المعرفية التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬علم التدبير والتسيير‬
‫ب‪ -‬العالقات العامة‬
‫ت‪ -‬التربية العامة والخاصة‬
‫ث‪ -‬علم التسويق أو الماركتينغ‬
‫ج‪ -‬الشبكة اإلعالمية وتقنيات التواصل‬
‫ح‪ -‬تواصل األزمة في ميدان تسيير التواصل أثناء األزمة‬
‫خ‪ -‬نظريات اإلخبار واإلعالم‬
‫د‪-‬السيميولوجيا‪.‬‬
‫مظاهر التواصــــــــل‬
‫أ‪ -‬التواصل الوجداني‪:‬‬
‫إن من بين وظائف التواصل التأثير على المتلقي سلبا أو إيجابا‪ ،‬فهناك تواصل كلما أمكن لجهاز‬
‫معين وباألخص جهاز حي أن يؤثر على جهاز آخر بتغيير فعله انطالقا من تبليغ إرسالية‪.‬‬
‫وبهذا المفهوم‪ ،‬يفيد التواصل كل التأثيرات التي يمارسها نظام على آخر مثل تلك العالقة التي‬
‫تنبني على تطبيق أوامر وتعليمات أو ترديد إحداث تغيير في سلوك اآلخر‪ .‬وتعتبر السلوكية‬
‫من أهم التيارات السيكولسانية التي ركزت على الوظيفة التأثيرية؛ ألن التواصل حسب‬
‫المنظور السلوكي يرتكز على مفهومي المثير واالستجابة‪ .‬لذلك يؤثر السلوك اللفظي أو غير‬
‫اللفظي على المتلقي تأثيرات وجدانية تكون لها انعكاسات إيجابية مثل التعاون والتماثل‬
‫واالندماج‪ ،‬وانعكاسات سلبية مثل التعارض والصراع والتنافس‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالعمليات اإليجابية‬
‫أقوى أثرا وأبقى من العمليات السلبية‪ ،‬وإال لما بقيت المجتمعات اإلنسانية أو تقدمت نحو الرقي‬
‫والنهوض‪ ،‬فالصراع والعمليات السالبة عموما مجالها محدود‪ ،‬وكذلك أسلوبها؛ ذلك ألن الحياة‬
‫تضطر األفراد بمختلف مصالحهم أو مواقفهم إلى أن يوافقوا أنفسهم باآلخرين وأن يتخلصوا‬
‫من الصراع إلى االندماج أو التكيف مع البيئة‪ .‬يقصد بالتواصل الوجداني في مجال البيداغوجيا‬
‫اكتساب الميول واالتجاهات والقيم وتقدير جهود اآلخرين وذلك من خالل تفاعله مع المادة‬
‫المدروسة واكتسابه الخبرات بأنواعها المباشرة وغير المباشرة‪ .‬ولقد خصص للمجال الوجداني‬
‫صنافات بيداغوجية‪ ،‬ومن بين المهتمين بهذا المجال " كراتهول ‪ Krathwol‬الذي خصص‬
‫صنافة تتكون من خمسة مستويات ذات صلة وثيقة بالمواقف والقيم واالهتمامات واالنفعاالت‬
‫واألحاسيس والتوافق والمعتقدات واالتجاهات‪ :‬فكرية كانت أو خلقية‪ .‬وهذه المستويات هي‪:‬‬
‫‪1-‬التقبل‬
‫‪2-‬االستجابة‬
‫‪3-‬الحكم القيمي‬
‫‪4-‬التنظيم‬
‫‪5-‬التمييز بواسطة قيمة أو بواسطة منظومة من القيم‪.‬‬
‫ب‪ -‬التواصل المعرفي‪:‬‬
‫التواصل المعرفي هو الذي يهدف إلى نقل واستقبال المعلومات‪ ،‬وهو تواصل يركز على‬
‫الجوانب المعرفية ومراقيها‪ ،‬أو بتعبير آخر إنه يركز على اإلنتاجية والمردودية‪ .‬ويهدف هذا‬
‫التواصل إلى نقل الخبرات والتجارب إلى المتلقي وتعليمه طرائق التركيب والتطبيق والفهم‬
‫والتحليل والتقويم بصفة عامة‪ .‬إنه يهدف إلى تزويد المتلقي بالمعرفة والمعلومات الهادفة‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬يقوم هذا التواصل على تبادل اآلراء ونقل المعارف وتجارب السلف إلى الخلف‪.‬‬
‫ويساهم السلوك اللفظي وغير اللفظي في التواصل المعرفي إذا تم احترام شروط السيكولوجيا‬
‫التي تحيط بالمتلقي أو يعيشها‪ .‬فالرفع من اإلنتاجية المعرفية ال يتم إال عبر سلوكات لفظية‬
‫ديموقراطية تعتمد على روح المشاركة والتسيير الذاتي والتفاعل الديناميكي البناء‪ ،‬وعبر‬
‫سلوكات لفظية وغير لفظية مثل حركات التنظيم والحركات الديداكتيكية وحركات التقويم‬
‫والتمجيد‪ .‬وهكذا ال يمكن عزل التواصل المعرفي عن التواصل الوجداني إال من باب المنهجية‬
‫ليس إال‪ .‬وثمة صنافات بيداغوجية في مجال التواصل المعرفي كصنافة بلوم ‪ Bloom‬التي‬
‫تتمثل في المراقي التالية‪:‬‬
‫‪1-‬المعرفة‬
‫‪2-‬الفهم‬
‫‪3-‬التطبيق‬
‫‪4-‬التحليل‬
‫‪5-‬التركيب‬
‫‪6-‬التقييم‪.‬‬
‫ج ‪-‬الجانب الحركي‪:‬‬
‫يمكن الحديث عن التواصل الحركي والحسي الذي يتناول ما هو غير معرفي ووجداني‪.‬‬
‫ويتمظهر هذا التواصل في إطار اآللية والمسرح الميمي والرياضة الحركية‪...‬‬
‫ويتضمن هذا التواصل في المجال التربوي" مجموعة متسلسلة من األهداف تعمل على تنمية‬
‫المهارات الحركية‪ ،‬واستعمال العضالت والحركات الجسمية‪ .7".‬ومن أهم صنافات هذا‬
‫التواصل الحركي نجد صنافة هارو ‪ Harrow‬التي وضعها صاحبها سنة ‪ .1972‬وتتكون هذه‬
‫الصنافة من ست مراق أساسية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1-‬الحركات االرتكاسية‬
‫‪2-‬الحركات الطبيعية األساسية‬
‫‪3-‬االستعدادات اإلدراكية‬
‫‪4-‬الصفات البدنية‬
‫‪5-‬المهارات الحركية لليد‬
‫‪6-‬التعابير الجسدية‪.‬‬
‫التواصل من المنظور اللساني والفلسفي‪:‬‬
‫يذهب مجموعة من اللسانيين إلى أن اللغة وظيفتها التواصل كفرديناند دو سوسير الذي يرى‬
‫في كتابه " محاضرات في اللسانيات العامة" (‪ )1916‬أن اللغة نسق من العالمات واإلشارات‬
‫هدفها التواصل خاصة أثناء اتحاد الدال مع المدلول بنيويا أو تقاطع الصورة السمعية مع‬
‫المفهوم الذهني‪ .‬وهو نفس المفهوم الذي كان يرمي إليه تقريبا ابن جني في كتابه " الخصائص"‬
‫عندما عرف اللغة بأنها " أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم"‪ .‬ويعرف أندري مارتيني‬
‫‪André Martinet‬اللغة بأنها عبارة عن تمفصل مزدوج وظيفتها التواصل‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫اللغة يمكن تقسيمها إلى تمفصل أول وهو المونيمات (الكلمات)‪ ،‬وبدورها تنقسم إلى فونيمات‬
‫(أصوات)‪ ،‬ومورفيمات (مقاطع صرفية)‪ ،‬وهي تشكل التمفصل الثاني‪ .‬لكن األصوات اليمكن‬
‫تقسيمها إلى وحدات أخرى ألن الصوت مقطع ال يتجزأ‪ .‬وإذا جمعنا الفونيمات بعضها البعض‬
‫كونا مونيمات‪ ،‬وإذا جمعنا الكلمات كونا جمال‪ ،‬والجمل تكون الفقرات والمتواليات‪ ،‬والفقرات‬
‫تكون النص‪ ،‬ويكون النص‪ -‬تأليفا واستبداال‪ -‬ما يسمى باللغة التي من أهدافها األساسية‬
‫التواصل‪.‬‬
‫ويذهب رومان جاكبسون إلى أن اللغة ذات بعد وظيفي‪ ،‬وأن لها ستة عناصر وست وظائف‪:‬‬
‫المرسل وظيفته انفعالية‪ ،‬المرسل إليه وظيفته تأثيرية‪ ،‬والرسالة وظيفتها جمالية‪ ،‬والمرجع‬
‫وظيفته مرجعية‪ ،‬والقناة وظيفتها حفاظية‪ ،‬واللغة وظيفتها وصفية‪.‬‬
‫إذا كان الوظيفيون يرون أن اللغة واضحة تؤدي وظيفة التواصل الشفاف بين المتكلم والمستمع‬
‫فإن أزوالد دوكرو ‪ Ducrot‬يرى أن اللغة ليست دائما لغة تواصل واضح وشفاف‪ ،‬بل هي لغة‬
‫إضمار وغموض وإخفاء‪ .‬ويعني هذا أن الفرد قد يوظف اللغة كلعبة اجتماعية للتمويه والتخفية‬
‫وإضمار النوايا والمقاصد‪ .‬ويكون اإلضمار اللغوي ألسباب دينية واجتماعية ونفسية وسياسية‬
‫وأخالقية‪ .‬فمهرب المخدرات قد ال يستعمل اسم مهرباته بطريقة مباشرة بل يستعمل الرموز‬
‫لإلخفاء كأن يقول لصديقه‪ :‬هل وصلت الحناء ؟ كما أن أسلوب الخطاب الديني قد يحتاج إلى‬
‫تفسير وشرح وتأويل‪ ،‬وهذا يعني أن اللغة فيها أوجه داللية عدة مما يزيد من غموضها وعدم‬
‫شفافيتها التواصلية‪.‬‬
‫ويذهب روالن بارت‪ Roland Barthes‬بعيدا عندما اعتبر أن اللغة هي بعيدة عن التواصل‪،‬‬
‫وجعلها لغة سلطة مصدرها السلطة‪ .‬ويعني هذا أن اإلنسان عبد للغة وحر في نفس الوقت‪.‬‬
‫فالمتكلم عندما يتحدث لغة أجنبية فهو خاضع لقواعدها وتراكيبها ولمنظومتها الثقافية‪ ،‬ولكنه‬
‫في نفس الوقت يوظف هذه اللغة كيفما يشاء ويطوعها جماليا وفنيا‪ ،‬فاللغة الفرنسية استبدت‬
‫كثيرا بالشعب الجزائري لمدة طويلة مما أخضعته لقواعدها وسننها اللساني؛ وعلى الرغم من‬
‫ذلك نجد األدباء الجزائريين بقدر ما هم خاضعين لهذه اللغة األجنبية يتخذونها سالحا لهم بكل‬
‫حرية للتنديد باالس تعمار الفرنسي ونقده والهجوم عليه وتطويع تلك اللغة وتعريبها‪ .‬كما أن‬
‫السلطة الحاكمة قد تفرض اللغة التي تناسبها لفرض سيطرتها السياسية واإليديولوجية إذ بالقوة‬
‫قد نفرض اللغة‪ ،‬كما أن اللغة هي التي تمنح السلطة السياسية للفئة الحاكمة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬نستنتج أن اللغة قد تكو ن أداة للتواصل الشفاف كما يمكنها أن تكون لغة لإلضمار‬
‫والتمويه واإلخفاء كما يمكن أن تكون أداة للسلطة وسلطة في نفس الوقت‪.‬‬
‫وقد طرح مفهوم األنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من اإلشكاليات التي تنصب كلها في‬
‫كيفية التعامل مع الغير وكيف يمكن لألنا النظر إلى الغير؟!‬
‫يذهب الفيلسوف األلماني هيجل على أن العالقة بين األنا والغير هي عالقة سلبية قائمة على‬
‫الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته جدلية السيد والعبد‪ .‬أما جان بول سارتر فيرى أن‬
‫الغير ممر ووسيط ضروري لألنا إال أن الغير جحيم ال يطاق ألنه يشيىء الذات أو األنا‪ .‬لهذا‬
‫ي دعو سارتر إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان‪ ،‬وأنه يستحيل التعايش بين األنا‬
‫والغير أو التواصل بينهما مادام الغير يستلب حرية األنا ويجمد إرادته‪ .‬لذلك قال‪ " :‬أنا‬
‫واآلخرون إلى الجحيم‪".‬‬
‫بيد أن ميرلوبونتي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقالنية‪ ،‬واعتبر أن العالقة بين األنا والغير‬
‫إيجابية قائمة على االحترام والتكامل والتعاون والتواصل‪ .‬وأساس هذا التواصل هو اللغة‪.‬‬
‫أما شيلر فيرى أن العالقة بين األنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية‬
‫الكلية مع الغير وال تقوم على التنافر أو البغض والكراهية‪ .‬ويرى جيل دولوز أن العالقة‬
‫التواصلية بين األنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على التكامل اإلدراكي‪.‬‬
‫التواصل من المنظور السيميائي‪:‬‬
‫تندرج تحت إطار سيميولوجيا التواصل أبحاث كل من برييطو ‪ Prieto‬وجورج مونان‬
‫‪ Mounin‬وبويسنس ‪ Buyssens‬ومارتينيه ‪ Martinet‬وغيرهم‪ .‬وهؤالء جميعا يتفقون‬
‫على أن العالمة السوسيرية تتشكل من وحدة ثالثية وهي‪ :‬الدال والمدلول والقصد‪ .‬وهم يركزون‬
‫كثيرا في أعمالهم على الوظيفة التواصلية‪ .‬وال تختص هذه الوظيفة التواصلية بالرسالة اللسانية‬
‫المنطوقة فحسب‪ ،‬بل توجد في أنظمة غير لسانية أخرى كاإلعالنات والشعارات والخرائط‬
‫والالفتات والمجالت والنصوص المكتوبة وكل البيانات التي أنتجت لهدف التواصل‪ .‬وتشكل‬
‫كل األنماط المذكورة عالمات‪ ،‬ومضامينها رسائل أو مرسالت‪MESSAGES.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫خالصة القول‪ ،‬يعد التواصل عملية تبادل للمعلومات واألفكار والتوجيهات من شخص‬
‫آلخر ومن مجموعة ألخرى‪ ،‬وهي عملية تحدث التفاعل بين األفراد والمجموعات داخل‬
‫المؤسسة وبين المدرسة وشركائها‪ .‬إنه دعامة لمختلف مكونات الحياة المدرسية ومشاريعها‪،‬‬
‫وركيزة لعمليات التدبير من تخطيط وتنظيم وتوجيه وتنسيق ومراقبة وتنشيط وتقويم وتتبع‪،‬‬
‫بهدف اإلعالم والتعبئة والتأثير واإلقناع واالقتناع واتخاذ القرار الذي يتطلب توافر كافة‬
‫المعلومات الممكنة عن االحتماالت المختلفة وآثارها ليكون قرارا رشيدا‪.‬‬

You might also like