Professional Documents
Culture Documents
في علاقة اللغة بالمجتمع
في علاقة اللغة بالمجتمع
مقدمة:
إن البحث في قضية اللغة ،مهما كان منهجه وغاياته ،يحيلنا مباشرة إلى عالقة اإلنسان "الفاعل االجتماعي" بالظاهرة اللغوية ,فاإلنسان مخلوق اجتماعي بطبعه ال
يستطيع العيش بشكل مفرد ،كونه في حالة تفاعل مستمرة و دائمة مع أقرانه ،هذا التفاعل الذي يكون دائما مبني على ضرورة توفر وسيلة و آلية واحدة و مهمة و
هي اللغة ،التي ال يمكن فصلها عن اإلنسان كونها ظاهرة فكرية مرتبطة به دون غيره من الكائنات الحية.
على اثر ذلك باتت اللغة واحدة من اشد الظواهر اإلنسانية تشعبا و تعقدا باعتبارها نظاما معقدا من الرموز التي تحمل في طياتها معاني مختلفة ،فهي من أهم المنافذ
المستخدمة من اجل الولوج إلى عمق الثقافة و البنية االجتماعية للناس بل و صياغتها و توريثها لتكون بذلك واحدة من أهم العوامل األساسية في تكوين و بناء
المجتمع ،لتشارك و بشكل أساسي و فعال في تحديد الهوية الجماعية للمجموعة البشرية التي تتحدث بها ،هذا الذي يؤكد على وجود عالقة بين كل من اللغة و
المجتمع ،فهما وجهان لعملة واحدة ال يوجد مجتمع دون لغة و ال لغة دون مجتمع.
و على هذا األساس يعتبر موضوع اللغة و عالقتها بالمجتمع من القضايا المهمة و الشيقة في الدراسة و البحث ،حتى ان هذه العالقة كانت وراء بلورة ما يعرف بعلم
اللغة االجتماعي الذي يهدف إلى دراسة عالقة اللغة بالمجتمع ،و اعتبارها عالقة تأثير و تأثر ،بمعنى اخر هو البحث في كيفية تأثير اللغة في المجتمع و كيف يوثر
هو فيها ،على هذا األساس يعرف علم اللغة االجتماعي على انه دراسة للغة في عالقاتها بالمجتمع.
اصطالحا:
تعريف ابن جني :يعرف ابن جني اللغة على انها األصوات التي يعبر بها كل قوم عن اغراضهم ،و يشير من خالل تعريفه هذا الذي يعتبر من اقدم التعاريف
المقدمة للغة([ ،)]2الىجانبين اساسيين في اللغة :الجانب االجتماعية المرتبط بلغة افراد مجتمع واحد ،اما الجانب االخر فهو المتعلق بصلة اللغة بالتفكير.
تعريف فرديناند دي سوسير :يعرف السويسري سوسير اللغة في اطار مقارنتها بالكالم فيعتبر اللغة la langueمرتبط بالمجتمع و العرف االجتماعي ،بينما
الكالم la paroleفهو يرتبط باألفراد و الحدث الكالمي ،فبالنسبة له اللغة هي ظاهرة اجتماعية كونها نظام من االشارات و الرموز التي يستخدمها االنسان
للتعبير عن مجمل افكاره([.)]3
تعريف المدرسة الفرنسية :تنظر المدرسة الفرنسية للغة على انها نظام اجتماعي و موروث مشترك ،و استعمال اللغة في عملية التواصل هو من يحدد وظيفتها
االدراكية في التمييز بين المعاني و تعبير عنها([.)]4
كما يمكن ان نعرف اللغة على انها نظام يتواصل به االفراد داخل المجتمع ،و فقا التفاق عرفي اصطالحي يسهل من عملية االتصال و التواصل بين افراد
المجتمع الواحد.
([ )]5
و تعرف اللغة كذلك على انها مجموعة من التقاليد الصوتية التي ورثتها الجماعة اللغوية عن اسالفها و التزمت بها .
و في االخير نستنتج ان اللغة هي وسيلة االتصال الوحيدة التي لديها القدرة على التعامل مع مطالب المجتمع([ ،)]6كما يمكن القول بانه تشارك و بشكل اساسي في
عملية تحديد عناصر الهوية الجماعية لمن يتحدث بها ،ألنها تشكل رفقة الجنس و الثقافة اهم المقومات التي تحدد هوية المجتمعات االنسانية.
من هذا المنطلق نالحظ و على الرغم من اختالف التعاريف المقدمة للمفهوم ،اال ان كلها بلورة تعريفها للغة من منطلق ضرورة توفر ثالثة عناصر اساسية ،تتمثل
فيما يلي:
و بعد تحليلينا لمفهوم اللغة باعتبارها الوحدة االولى في موضوع الدراسة ،ارتأينا كذلك ضرورة التطرق الى مفهوم المجتمع كونه يشكل الحلقة الثانية في دراستنا لعالقة اللغة بالمجتمع ،و قد
:قدمت تعاريف مختلفة متنوعة حول المقصود بالمجتمع ،يبرز بعضها فيما يلي
التعريفات الكالسيكية:
تعريفروبرت ما كيفر :عرف هذا االخير المجتمع على انه وحدة تجمع بين اعضائها مجموعة من المصالح المشتركة ،و تسود بينهم قيم عامة و شعور
باالنتماء ،من خالل هذا التعريف يتضح لنا بان المجتمع هو عبارة عن مجموعة من الناس التي تترابط فيما بينها من اجل تحقيق اغراض معينة([.)]13
تعريف لويس ويرث :عرف لويس المجتمع على اعتبار توفر مجموعة من العناصر ،فاكد على ان المجتمع هو مكان اقليمي يتوزع من خالله االفراد و
الجماعات و االنشطة ،و بما يسوده من معيشة مشتركة تقوم على اساس االعتماد المتبادل بين افراد المكان الواحد ،خاصة فيما يتعلق بتبادل المصلحة.
من خالل التعاريف الكالسيكية المقدمة لمفهوم المجتمع نستنتج بانها ركزت على تعريف المجتمع من خالل الحيز الجغرافي ،و القيم المشتركة ،في اطار تبادل
المنفعة ،هذا ما ادى الى انتقادها و بروز تعاريف اكثر حداثة.
التعريفات الحديثة:
بالنظر الى تعدد هذه التعاريف ،حاولنا اختيار تعريف يكون هو النموذج االمثل في دراسة و تحليل المجتمع ،ليكون اختيارنا منصب على ما قدمهرونالد
وارن في تعريفه للمجتمع ،الذي يعتبر من احدث التعريفات المقدمة لهذا المفهوم ،فقد قام بتعريفه من خالل ثالثة ابعاد رئيسية تتمثل في ما يلي:
البعد السيكولوجي :يتضمن المصالح المشتركة والخصائص المميزة لألفراد ،والروابط المشتركة بينهم كماهو الحال بالنسبة لمجتمع المصلحة.
البعد الجغرافي :يشير إلى منطقة بعينها يقطن فيها جماعات من اإلفراد.
البعد السوسيولوجي :و يرتبط بالبعدين االولين معا ليشير المصطلح الى المصالح المشتركة و الى انماط متميز من السلوك ،يختص بها جماعات بعينها نظرا
الشتراكهم في نفس المنطق([.)]14
انطالقا من تحليل تشومسكي للغة على اعتبار انها واحدة من خصائص النوع االنساني في مكوناته االساسية ،فاللغة تدخل بطريقة جوهرية و سلسة في كل من الفكر و الفعل ،و العالقات
االجتماعية ،على ضوء هذا سنقوم بتحليل عالقة اللغة بالمجتمع من خالل التطرق الى مجموعة من النقاط الجوهرية التي تمس كل من اللغة و المجتمع في عالقاتهما ،و تتمثل هذه النقاط فيما يلي:
الكالم أو الموت هو تعبير كاشف في فهم جدلية العالقة بين اللغة والوجود اإلنساني