You are on page 1of 39

‫(البردة) للبوصيري‬

‫قراءة في ُبردة اإلمام‬


‫البوصيرّي‬
‫معانيها وظروف إنشادها وشخصية مبدعها‬
‫دراسة وتحليل‬

‫إعداد‬
‫حليمة بنت عبد هللا‬ ‫صبيحة بنت عبد الغني‬
‫إبراهيم أحمد الفارسي‬

‫إشراف‬
‫األستاذ الدكتور ‪ /‬أحمد محّم د حسين حسوبة‬
‫األستاذ بكلية التربية‬
‫الجامعة اإلسالمية العالمية ماليزيا‬
‫‪1425‬ﻫ ‪2004 /‬م‬

‫المقدمة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحم‪88‬د هلل تع‪88‬الى رب الع‪88‬المين ال‪88‬ذي أظه‪88‬ر من الع‪88‬دم‬


‫الموجودات‪ ،‬وأرسل سّيدنا محّم دًا سّيدًا للكائن‪88‬ات‪ ،‬ف‪88‬أَلَهَم‬
‫بُخ ُلِق ِه الك‪888‬ريِم الّش عراَء والُكّت اَب وغ‪888‬يَر هم لمدح‪888‬ه‪،‬‬
‫وتعظيمه‪ ،‬والتغني بسيرته العطرة أبد الحي‪88‬اة والمم‪88‬ات‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫فعليه وعلى آله وصحبه من هّللا تب‪88‬ارك وتع‪88‬الى أش‪88‬رف‬


‫الصلوات والتسليمات وأزكى التحيات وأتم البركات‪.‬‬
‫وبعد ‪. .‬‬

‫لم يحَظ نٌّص شعرّي ‪ ،‬أو نثرّي في تاريخ األدب الع‪88‬ربي‬


‫على م‪ّ88‬ر عص‪88‬وره الممت‪88‬دة من العه‪88‬د الج‪88‬اهلّي ‪ ،‬وح‪88‬تى‬
‫العص‪888‬ر الح‪888‬ديث باالهتم‪888‬ام على جمي‪888‬ع المس‪888‬تويات‪:‬‬
‫الّرس‪88‬مي‪ ،‬والّش عبي‪ ،‬واألك‪88‬اديمّي ‪ ،‬بمث‪88‬ل م‪88‬ا حظيت ب‪88‬ه‬
‫ُب ردة اإلم‪88‬ام البوص‪88‬يري‪ ،‬حيُث به‪88‬ا تغّنى المنشدون‪،‬‬
‫وعارضها الشعراء‪ ،‬وتفنن في شرحها الُكّتاب‪ ،‬وتبارى‬
‫الخطاطون في كتابتها بجميع الخط‪8‬وط‪ ،‬والُقص‪8‬اص في‬
‫روايتها‪ ،‬والطالب والباحثون تسابقوا لدراستها‪ ،‬وكذا لم‬
‫تس‪88‬لْم من نق‪88‬د النق‪88‬اد‪ ،‬وتق ‪ّ8‬و ل المعرض‪88‬ين والمنك‪88‬رين‪،‬‬
‫ولكنها ما زالت بسحرها تس‪8‬تولي على القل‪8‬وب واألفئ‪8‬دة‬
‫وتخلُب لَّب العارفين وأهل الوجد والذوق‪ ،‬ومن هنا جاء‬
‫اهتمامنا بهذا النص الشعرّي لتقديم‪88‬ه لكم‪َ ،‬و َه ا نحن في‬
‫ه‪888‬ذه الدراس‪888‬ة العجلى نح‪888‬اول ِق راَء َة ُب ردةِ اإلم‪888‬ام‬
‫ِالُبوص‪88‬يري وبي‪88‬ان بعض معانيه‪88‬ا‪ ،‬وظ‪88‬روف إنشادها‪،‬‬
‫وشخص‪88‬ية مب‪88‬دعها‪ ،‬في دراس‪88‬ة م‪88‬وجزة يشرف عليه‪88‬ا‬
‫أس‪888‬تاذنا ال‪888‬دكتور‪ /‬أحم‪888‬د حس‪888‬وبة‪ ،‬ويق‪ّ888‬د مها الطالب‪:‬‬
‫صبيحة بنت عبد الغني‪ ،‬وحليمة بنت عبد هللا‪ ،‬وإبراهيم‬
‫الفارسي‪.‬‬

‫وتأتي هذه الدراسة المتواضعة في ثالثة أقسام‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬سوف يتناول الّش اعر وحياته‪ ،‬وقد أعدت‪88‬ه‬
‫األخت الفضلى حليمة بنت عبد هللا مع شرح نموذج من‬
‫أشعاره في التحذير من هوى النفس‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫والقسم الثاني‪ :‬سوف يتناول ظروف إنشاد وإنشاء ه‪88‬ذه‬


‫القصيدة‪ ,‬ومناسبتها‪ ،‬وشرح بعض األبيات ال‪88‬تي تتن‪88‬اول‬
‫النسيب النبوي‪ ،‬وقد أعدته األخت الفضلى ص‪88‬بيحة بنت‬
‫عبد الغني‪.‬‬
‫والقسم الثالث‪ :‬سوف يتناول بالتحلي‪8‬ل شخص‪8‬ية مب‪8‬دعها‬
‫وظ‪88‬روف عص‪88‬ره ومالمح األدب في‪88‬ه‪ ،‬وم‪88‬ا دار ح‪88‬ول‬
‫البردة من جدل عقدي‪ ،‬وشعر المديح‪ ،‬وقد أعده إبراهيم‬
‫الفارسي‪.‬‬
‫وكان المنهج ال‪88‬ذي اتبعت‪88‬ه الدراس‪88‬ة ه‪88‬و المنهج التحليلّي‬
‫الوصفي‪ .‬والهدف الذي ت‪88‬رمي إلي‪88‬ه ه‪88‬ذه الدراس‪88‬ة؛ ه‪88‬و‬
‫تأس‪88‬يس رؤي‪88‬ة معرفّي ة واض‪88‬حة كاش‪88‬فة ح‪88‬ول ه‪88‬ذه‬
‫القصيدة‪ ،‬وما أثارته في النفوس من كوامن الوجد‪ ،‬وما‬
‫أثارته من ج‪88‬دل عق‪88‬دي م‪88‬ع االس‪88‬تفادة من تط‪88‬بيق منهج‬
‫التحليل النق‪88‬دّي والعلمي بموض‪88‬وعية‪ ,‬والتعام‪88‬ل النق‪88‬دي‬
‫الواعي م‪88‬ع معطي‪88‬ات ال‪88‬تراث اإلس‪88‬المي ش‪88‬عرًا‪ ،‬ون‪88‬ثرًا‬
‫إلقامة عالقة وثيقة بين األمة وتراثها‪ ،‬ولتحقيق التكام‪88‬ل‬
‫بين الدراسات المتخصصة والقيم اإلسالمّية لقبول الجّيد‬
‫منه ورفض غير ذلك‪.‬‬
‫وأخ‪88‬يرًا نتمّنى أن نوف‪88‬ق في ع‪88‬رض ص‪88‬ورة طّيب‪88‬ة عن‬
‫اإلم‪8‬ام البوص‪8‬يري وقص‪8‬يدته‪ ،‬وأن تن‪8‬ال ه‪8‬ذه الدراس‪8‬ة‬
‫المبسطة الرضا والقبول وباهلّل التوفيق والهداية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫القسم األول‬
‫عن الشاعر وحياته‬
‫من إعداد‪:‬‬
‫حليمة بنت عبد هللا‬

‫سوف نتناول يف هذه النبذة اآليت‪:‬‬


‫‪ .1‬من هو اإلمام البوصريي؟‬
‫‪ .2‬كيف كانت نشأته؟‬
‫‪ .3‬منوذج من أشعاره األخرى؟‬
‫‪ .4‬ماذا قال عنه اآلخرون‬
‫‪ .5‬مىت تويف اإلمام البوصريي؟‬

‫(أ ) حول سيرة اإلمام البوصيري‬


‫أوًال‪ :‬اسمه‬
‫‪ -‬ه; ;;و حمم; ;;د بن س; ;;عيد بن محاد بن حتس; ;;ن بن أيب س; ;;رور بن‬
‫حي; ;;ان بن عب; ;;د الل ; ;ه بن مالك الص; ;;نهاجي‪ ،‬البوص ;;ريي املص ;;ري‬
‫املكين بأيب عبد الله‪ ،‬وامللقب بشرف الدين‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬نْش أِته وثقافِته‬


‫‪ 208‬بقري ; ;;ة دالص ‪ ،‬وك; ;;انت أم ; ;;ه من‬ ‫ول ; ;;د ي ; ;;وم الثالث ; ;;اء س ; ;;نة‬
‫دالص وأب ; ;;وه من بوص ; ;;ري‪ ،‬ول ; ;;ذلك‪ ،‬اش ; ;;تهر بالبوص ; ;;ريي نس ; ;;بة‬
‫ملكان والدته‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫‪ -‬لق ;;د نش ;;أ يف أس ;;رة فق ;;رية‪ ،‬ل ;;ذلك اض ;;طر إىل الس ;;عي لطلب‬
‫الرزق منذ صغره‪.‬‬
‫‪ -‬وك ;;ان البوص ;;ريي جيي ;;د فن اخلط‪ ،‬ف ;;زاول كتاب ;;ة األل ;;واح ال ;;يت‬
‫توض; ;;ع على ش; ;;واهد القب; ;;ور‪ ،‬وملوهبت; ;;ه الش; ;;عرية م; ;;دح ال; ;;وزراء‬
‫واألمراء بأش;;عاره وذل;ك يف مرحل;ة متقدم;;ة من حيات;ه ون;ال من‬
‫عطاياهم‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬ب ;;دأ حيات ;;ه كم ;;ا ك ;;ان يب ;;دؤها معاص ;;روه حبف ;;ظ الق ;;رآن‪ ،‬فق ;;د‬
‫افتتح كّتاب ; ;;ا لتعليم الص ; ;;بيان الق ; ;;رآن‪ ،‬مث درس العل ; ;;وم الديني ; ;;ة‬
‫عندما رح;ل إىل الق;;اهرة‪ ،‬وك;ان تعلم;;ه يف مس;جد الش;يخ عب;د‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫‪ -‬وقد عرضت عليه وظيفة احلسبة‪ ،‬وهذه الوظيفة ال تس;;ند إال‬
‫ملن أمل مببادئ الفقه‪.‬‬
‫‪ -‬واش ;;تعل كاتب; ;ًا ببل ;;بيس (حمافظ ;;ة الش ;;رقية ‪ /‬مص ;;ر) فينبغي أن‬
‫يكون قد أمل باألعمال احلسابية‪.‬‬
‫‪ -‬م;;دح الن;;يب ص;;لى اهلل علي;;ه وس;;لم بقص;;ائد كث;;رية من أش;;هرها‬
‫قصيدة (الربدة)‪ ،‬اليت عارض فيها قصيدة كعب بن زهري‪:‬‬

‫بانْت ُس عاُد فقلبي اليوَم متبوُل *** ُمتيٌم إثرها‪ْ ،‬لم ُيفَد‬
‫مكُبوُل‬

‫‪ . 1‬البردة‪ ،‬د أحمد عبد التواب عوض‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪10‬‬

‫‪5‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫‪ -‬كانت صوفيًا تلقى ذلك عن أيب العباس املرسي الذي خل;;ف‬


‫أب; ;;ا احلس; ;;ن الش; ;;اذيل يف طريقت; ;;ه‪ ،‬وق; ;;د درس التص; ;;وف وآداب; ;;ه‬
‫وأس;;راره على ش;;يخه أيب العب;;اس ال;;ذي ك;;انت تربط;;ه ب;;ه عالق;;ة‬
‫احلب‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬وفاته‬
‫‪ -‬قال المقري‪88‬زي في ترجمت‪88‬ه للبوص‪88‬يري في المقفى‪:‬‬
‫وم‪88‬ات في س‪88‬نة خمس وتس‪88‬عين وس‪88‬تمائة بالمارس‪88‬تان "‬
‫المستشفى" المنصوري من القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬وذك;ر ال;زركلي في األعالم‪ :‬أن;ه ت;وفي باإلس;كندرية‪ .‬وك;ذلك‬
‫كان الخالف في سنة الوفاة‪.‬‬
‫‪ 696‬ه‪،‬‬ ‫‪ -‬فق;;ال املقري;;زي س;;نة ‪ 695‬ه‪ ،‬وذك;;ر ال;;زركلي أهنا س;;نة‬
‫وقيل‪ :‬سنة ‪ 694‬ه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫(ب) دراسة النص وتحليله‬


‫النص المختار‪ :‬التحذير من هوى النفس‬

‫ِمن جهِلَه ا بنذير الَّش ْي ِب‬ ‫‪ 13‬فَِإَّن أَّماَر ِتي بالسُّوِء ما اَّت َع َظ ت‬
‫والهَر ِم‬
‫ِ‬
‫ُمحتِش‬ ‫َر‬ ‫غي‬ ‫برأسي‬ ‫َّم‬ ‫َل‬‫َض يٍف َأ‬ ‫‪ 14‬وال أَع َّد ْت ِم َن الِفعِل الجميِل ِقَر ى‬
‫ِم‬
‫كتمُت ِس َّر ا َب َد ا لي منه بالَكَت ِم‬ ‫‪ 15‬لو كنُت أعلُم أِّن ي ما ُأَو ِّقُرُه‬
‫ُّلُل‬
‫كما ُيَر ُّد ِج َم َاُح الخيِل با ُج ِم‬ ‫‪َ 16‬م ن لي ِبَر ِّد ِج َم اح ِمن َغ َو ايِتَه ا‬
‫إَِّن الطعاَم ُيقِّو ي شهوَة الَّن ِه ِم‬ ‫‪ 17‬فال َت ُر ْم بالمعاصي َك ْس َر شهَو تَه‬
‫ُحِّب الّر َض اع َو ْن َت ْف ِط ْم ُه‬ ‫‪ 18‬والَّن فُس َك الّط فِل ِإْن ُتهِم ْلهُ َش َّب‬
‫ِِِإ‬
‫َي نَفِط ِم‬ ‫َع َلى‬
‫إَِّن الهوى ما َت َو َّلى ُيْص ِم أو‬ ‫‪ 19‬فاْص ِر ف هواها وحاِذر َأن ُتَو ِّلَي ُه‬
‫َي ِص ِم‬
‫وِإْن ِه َي اسَت ْح َلِت الَم رعى فال‬ ‫‪ 20‬وراِع َه ا وْه َي في األعمال ساِئَم ٌة‬
‫ُتِس ِم‬
‫ِمن حيُث لم َي ْد ِر َأَّن الُّس َّم في‬ ‫‪َ 21‬ك م حَّس َنْت َلَّذ ًة للمرِء قاِتَلًة‬
‫الَّد َس ِم‬
‫َفُرَّب مخَمَص ٍة َش ٌّر ِم َن الُّت َخ ِم‬ ‫‪ 22‬واْخ َش الَّد َس اِئَس ِمن جوٍع وِمن‬
‫ِش َب ٍع‬

‫أوًال‪ :‬معاني المفردات‪:‬‬


‫‪ )1‬اتعظت‪ :‬اعتربت وتعلمت‪ .‬اِهلَر م‪ِ :‬كرب الِّس ن‪.‬‬
‫‪ِ )2‬قَر ى‪ :‬طعام يقدم إكرامًا للضيف‪.‬‬
‫‪ )15‬كتمُت ‪ :‬أخفيُت ‪ .‬الَك َتم‪ :‬نبات مثل احلناء‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫‪َ )16‬مِجاح اخليل‪ :‬عدم خضوعه‪ .‬اللجم‪ :‬مجع جلام وهو م;;ا يق;;اد‬
‫به الفرس‪.‬‬
‫‪َ )17‬تُر م‪ :‬تطلب‪ .‬الَّنِه م‪ :‬شديد اجلوع‪ ،‬حريص على األكل‪.‬‬
‫‪َ )18‬ش َّب ‪ :‬نشأ وكرب‪.‬‬
‫‪ُ )19‬تَو ِّلَيُه‪ :‬يكون وليًا عليك‪ُ .‬يْص م‪ :‬يقتل‪َ .‬يصم‪ُ :‬يصيب‬
‫‪ )20‬س; ;;ائمة‪ :‬ت; ;;رعى الكأل وه; ;;و نب; ;;ات ص; ;;حراوي‪ .‬ال ُتس; ;;م‪ :‬ال‬
‫تدعها ترعى‬
‫‪)21‬الدس; ; ;;ائس‪ :‬الفنت واملكائ; ; ;;د‪ .‬ا ْخ َم َص ة‪ :‬ش; ; ;;دة اجلوع‪ .‬الُّتَخ م‪:‬‬
‫َمل‬
‫فساد الطعام يف املعدة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬شرح إجمالي لألبيات‬


‫‪ 16 13‬حيذر اإلمام البوص;;ريي يف ه;;ذا الفص;;ل من النفس األم;;ارة‬
‫بالس;;وء وأهنا من جهله;;ا ال تتع;;ظ بن;;ذير الش;;يب والك;;رب‪ ،‬وك;;ان‬
‫ال ;;واجب عليه ;;ا أن تعت ;;رب‪ ،‬فم ;;ا أع ;;دت ه ;;ذه النفس‪ ،‬من مجي ;;ل‬
‫الفع; ;;ال‪ ،‬وك; ;;رمي اخلص; ;;ال‪ ،‬م; ;;ا يتناس; ;;ب م; ;;ع الض; ;;يف ال; ;;ذي أّمل‬
‫ب ;;الرأس‪ ،‬وه ;;و غ ;;ري خفي أال وه ;;و الش ;;يب‪ ،‬وك ;;ان املناس ;;ب أْن‬
‫ت ;;زداَد تقّر ب; ;ًا‪ ،‬وطاع; ;ًة‪ ،‬وعب ;;ادًة!! ول ;;و كنت أعلم أين لن أن ;;زل‬
‫هذا الشيب منزلته اليت يستحقها من حس;;ن الفع;;ال لعم;;دت إىل‬
‫إخفائ ;;ه باألص ;;باغ كاحلن ;;اء‪ ،‬فمن يس ;;اعدين على رد نفس ;;ي عن‬
‫‪2‬‬
‫غوايتها كما يكبح اللجام مجاح اخليل‪.‬‬

‫بردة المديح المباركة‪ ،‬د‪ .‬أحمد عمر هاشم‪ ،‬دار المقطم‪ ،‬القاهرة ‪1995‬م‪ ،‬ص ‪65‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪8‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫مث يلفت نظ;;ر ك;;ل إنس;;ان إىل حقيق;;ة مهم;;ة وهي أن كس;;ر‬ ‫‪17‬‬

‫ش;;هوة النفس ال يك;;ون ب;;اإلفراط يف املعاص;;ي‪ ،‬فكم;;ا أن الطع;;ام‬


‫يق ;;وي ش ;;هوة النهم‪ ،‬ف ;;إن فع ;;ل املعاص ;;ي يزي ;;د يف ش ;;هوة النفس‬
‫األمارة بالسوء‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -18‬مث يش; ;;به النفس بالطف; ;;ل‪ ،‬فكم; ;;ا أن الطف; ;;ل إذا تركت; ;;ه أم; ;;ه‬
‫ويك ;;رب ويش ;;يب على حب الرض ;;اع‪ ،‬أم ;;ا إذا فطمت ;;ه ومنعت ;;ه من‬
‫الرضاع فإنه ينفطم وميتنع‪ ،‬فكذلك النفس من تركه;;ا ُتعُّب من‬
‫الش; ; ; ;;هوات ت; ; ; ;;زداد يف تغياهنا‪ .‬ومن كبح مجاحه; ; ; ;;ا ومنعه; ; ; ;;ا عن‬
‫‪4‬‬
‫املعاصي امتنعت وأنابت إىل رهبا سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪ _19‬وي;;أمر اإلنس;;ان أن جيته;;د يف أن يص;;رف ه;;وى النفس‪ ،‬وأن‬


‫حيذر من اس ; ;;تيالئها علي ; ;;ه؛ ألن ه ; ;;وى النفس إذا اس ; ;;توىل على‬
‫اإلنسان يقتله أو يعيبه على األقل‪.‬‬
‫‪ 21 -20‬ويوج ;;ه إىل م ;;ا ينبغي على اإلنس ;;ان من مالحظ ;;ة النفس‬
‫وهي يف أعماهلا كاألنع; ; ; ; ;;ام ال; ; ; ; ;;يت ت; ; ; ; ;;رعى يف كأل مب; ; ; ; ;;اح‪ ،‬وإن‬
‫اس ; ;;تحلت املرعى فال ترتكه ; ;;ا ت ; ;;رعى وتفع ; ;;ل م ; ;;ا تش ; ;;اء‪ .‬فطاملا‬
‫حّس نت النفس متع; ;;ة لإلنس ;;ان هي يف حقيقته ;;ا قاتل ;;ة ل ;;ه‪ ،‬ومل‬
‫ي ;;دِر املس ;;كني أن الس ;;م خمب ;;أ يف ش ;;هوته ال ;;يت يراه ;;ا كأهنا دس ;;م‬
‫وشيء مثني‪.‬‬

‫‪ 3‬بردة المديح المباركة‪ ،‬د‪ .‬أحمد عمر هاشم‪ ،‬دار المقطم‪ ،‬القاهرة ‪1995‬م‪ ،‬ص ‪66‬‬
‫‪ 4‬بردة المديح المباركة‪ ،‬د‪ .‬أحمد عمر هاشم‪ ،‬دار المقطم‪ ،‬القاهرة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪66‬‬

‫‪9‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫وحيّذ ر من فنت اجلوع والش; ;;بع‪ ،‬فال يك; ;;ون اجلوع س; ;;ببًا يف‬ ‫‪-22‬‬

‫القن ;;وط‪ ،‬وال يك ;;ون الش ;;بع س ;;ببًا يف البط ;;ر‪ ،‬ف ;ُر َّب ج ;;وع ش ;;ديد‬
‫ي ;;ورث القن ;;وط‪ ،‬يك ;;ون ش ;;رًا من ش ;;بع مف ;;رط‪ .‬وكال األم ;;رين‪:‬‬
‫ش; ; ;;دة اجلوع‪ ،‬وك; ; ;;ثرة الش; ; ;;بع تص; ; ;;رف اإلنس; ; ;;ان عن العب; ; ;;ادة‬
‫والطاعة‪.‬‬

‫القسم الثاني‬
‫ظروف إنشاد وإنشاء هذه القصيدة‬
‫ومناسبتها‬
‫إعداد‪ :‬صبيحة بنت عبد الغني‬

‫تمهيد‬
‫م; ;;ا املقص; ;;ود باملدح والرث; ;;اء؟ املدح ه; ;;و‪ :‬م; ;;ا يق; ;;ال أثن; ;;اء حي; ;;اة‬
‫الشخص‪ ،‬والرثاء‪ :‬ما يقال بعد الوفاة‪.‬‬
‫ملاذا تعد هذه القصيدة ((الربدة)) مدًح ا وليس رثاًء؟‬
‫ألن الرث ;;اء يظه ;;ر التح ;;زن والتفج ;;ع (البك ;;اء على امليت)‪ .‬وألن‬
‫املدح يظه; ; ; ;;ر حماس; ; ; ;;ن ال; ; ; ;;دين‪ ،‬والثن; ; ; ;;اء على مشائل الرس; ; ; ;;ول‪،‬‬
‫ويقصد به التقّر ب إىل اهلل تعاىل‪ .‬والّش اعر قد مدح الّر س;;ول‪، ‬‬
‫وهو ي;;رى أّن الرس;;ول‪ ‬موص;;ول احلي;;اة وأن;;ه خياطب;;ه كأن;;ه حي‬
‫يرزق‪ .‬وهذا فيه تقدير عظيم واحرتام للّر سول‪. ‬‬
‫‪5‬‬

‫البردة‪ ،‬د أحمد عبد التواب عوض‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪16‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪10‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫أوًال‪ :‬تسمية القصيدة بالُبردة‬


‫هناك عدة أقوال لتسميتها "الربدة" منها‪- :‬‬

‫‪ -1‬قيل‪ :‬إنه مساها "ال;;ربدة" ُك ني;;ة ل;;ه‪ ،‬الش;;تماهلا على من;;اقب‬


‫الرسول‪ ، ‬وهبذا قد قصد املع;;ىن اجملازي ‪ ،6‬مثال ًكم;;ا يف‬
‫قوله‪:‬‬
‫َح اَك ِم ْن ُصْنَعِة اْلَق ِر ْيِض ُبُر ْو ًد ا *** َلَك َلْم ُتَح ْك َو ِش ْيًه ا‬
‫َص ْنَعاُء‬

‫‪ -2‬قيل‪ :‬كأنه شبه نفسه بكعب بن زه;;ري‪ ،‬ولكعب قص;;يدة‬


‫(الربدة) واليت مطلعها‪:‬‬

‫بانْت ُس عاُد فقلبي اليوَم متبوُل *** ُمتيٌم إثرها‪ْ ،‬لم ُيفَد‬
‫مكُبوُل‬

‫حيث أراد البوص ;;ريي أن تك ;;ون ل ;;ه قص ;;يدة حتم ;;ل اس ;;م قص ;;يدة‬
‫كعب وذلك من باب التربك هبا‪.‬‬

‫‪ -3‬قيل‪ :‬للربدة اسم آخر وهو (الربأة) = الشفاء‪،‬‬


‫‪ -‬مرض البوصريي مرضًا شديدًا ‪ -‬قد أصابه الشلل‪،‬‬
‫‪-‬مث دعا اهلل وتوسل أن يشفيه‪،‬‬
‫‪ 6‬البردة‪ ،‬د أحمد عبد التواب عوض‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪14‬‬

‫‪11‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫‪ -‬رأى أحس ;;ن طريق ;;ة أن ميدح الرس ;;ول‪ ‬بقص ;;يدة ي ;;ذكر فيه ;;ا‬
‫حماسن الرسول‪.‬‬
‫‪-‬فأنشأ هذه القصيدة‪،‬‬
‫‪-‬ن ;;ام‪ ،‬مث رأى يف املن ;;ام أن رس ;;ول اهلل‪ ‬ميس ;;ح بي ;;ده املبارك ;;ة‬
‫على وجهه‪.‬‬
‫‪-‬ألقى عليه الرسول‪ ‬الربدة يف املنام‪،‬‬
‫‪-‬فقام سليمًا ومعاىًف وُش في من مرضه‪.‬‬
‫‪-‬مل يعرف أحد هذه القصيدة‪.‬‬
‫‪-‬مش ; ; ;;ى يف الش ; ; ;;ارع‪ ،‬فقاب ; ; ;;ل رجاًل مس ; ; ;;كينًا‪ ،‬مث س ; ; ;;أله‪ :‬أين‬
‫القصيدة اليت مدحت هبا رسول اهلل ‪‬؟‬
‫‪-‬فق ;;ال‪ :‬أيته ;;ا؟ مث ق ;;ال‪ :‬ال ;;يت أنش ;;أهتا يف مرض ;;ك‪ ،‬وذك ;;ر أوهلا‪،‬‬
‫وقال‪ :‬واهلل لقد مسعتها البارحة وهي تنشد بني يدي رسول اهلل‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أقسام قصيدة البردة‬


‫تشمل أقسام قص‪8‬يدة ال‪8‬بردة عشرة أج‪8‬زاء رئيس‪8‬ة‪ ،‬وقد‬
‫قسمها الدارسون إلى فصول أساسية تتن‪88‬اول م‪88‬ا يلي من‬
‫موضوعات‪:‬‬
‫‪12-1‬‬
‫‪ -1‬الّنسيب النبوّي‬
‫‪28-13‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من هوى النفس‬
‫‪29-58‬‬ ‫‪ -3‬مدح الرسول الكرمي‪‬‬
‫‪ )7‬هذا النص لم تثبت نسبته إلى البوصيري نفسه‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫(البردة) للبوصيري‬

‫‪59-72‬‬ ‫‪ -4‬مولده‪‬‬
‫‪73-88‬‬ ‫‪ -5‬معجزاته‪‬‬
‫‪105-89‬‬ ‫‪ -6‬القرآن الكرمي‬
‫‪118-105‬‬ ‫‪ -7‬اإلسراء واملعراج‬
‫‪140-119‬‬ ‫‪ -8‬جهاد الرسول‪ ‬وغزواته‬
‫‪152-141‬‬ ‫‪ -9‬التوسل والتشفع‬
‫‪161-153‬‬ ‫‪ -10‬املناجاة والتضرع‬

‫وعدد أبيات ال‪88‬بردة مائ‪88‬ة واثن‪88‬ان وس‪88‬تون بيت ‪ً8‬ا ‪ ,‬قد زاد‬
‫بعضهم بعض األبيات في المقدمة وفي الخاتمة‪.‬‬

‫******‬

‫‪13‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫ثالثًا‪ :‬تحليل وشرح الفصل األول من البردة‬

‫النسيب النبوي والغزل وشكوى الغرام‬


‫َذ‬
‫َم َز ْج َت َد معاً جرى ِمن ُمقَلٍة ِبَد ِم‬ ‫‪ .1‬أِم ْن َت ِّك ِر جيراٍن بذي َس َلِم‬
‫وأوَمَض البرُق في الَّظ لماِء ِمن‬ ‫‪َ .2‬أم َه َّبِت الريُح ِمن تلقاِء كاِظ َم ٍة‬
‫ِاَض ِم‬
‫ن قلَت اسَت ِفْق َي ِه ِم‬ ‫وما لقلِبَك ِإ ْ‬ ‫ِن ُقلَت اْك ُفَفا َهَم َت ا‬
‫‪ .3‬فما ِلَع ينيك إ ْ‬
‫َط‬ ‫‪ .4‬أيَح سب الَص ُّب أَّن الحَّب ُمنَك ِتٌم‬
‫ما بيَن منَس ِج ٍم منه وُمْض ِر ِم‬
‫َأ‬
‫وال ِر ْق َت ِلِذ ْك ِر الباِن والَع َلِم‬ ‫‪ .5‬ولوال الهوى لم ُتِر ْق دمعاً على‬
‫َط ِلِل‬
‫به عليك ُعدوُل الدمِع والَّس َقِم‬ ‫‪ .6‬فكيَف ُتْن ِكُر حباً بعدما َش ِه َد ت‬
‫مثَل الَبَه اِر على َخ َّد يك والَع َن ِم‬ ‫‪ .7‬وأثَب َت الَو ْج ُد َخ َّط ي َع ْب َر ٍة وَض َن ى‬
‫َأل‬ ‫‪َ .8‬ن َع م سرى طيُف َم ن أهوى فَأَّر َقِني‬
‫والُحُّب يعَت ِر ُض اللذاِت با َلِم‬
‫ُل‬
‫ِم ِّن ي ِإليك وَلو أْن َص ْف َت َلم َت ِم‬ ‫‪ .9‬يا الِئمي في الهوى الُع ْذ ِر ِّي‬
‫َم عذَر ًة‬
‫عن الُو شاِة وال دائي بُمنَح ِس ِم‬ ‫‪َ . 11‬ع َد ْت َك حالي ال ِس ِّر ي بُمْس َت ِتٍر‬
‫َّذ‬ ‫‪َ .12‬م َّح ْض َت ِني الُّن ْص َح لِك ْن َلسُت‬
‫ِإَّن الُمِحَّب َع ِن الُع اِل في َص َم ِم‬
‫أسَم ُعُه‬
‫والَّش ْيُب أبَع ُد في ُنْص ٍح َع ِن الُّت َه ِم‬ ‫‪ .13‬إني اَّت َه ْم ُت نصيَح الَّش ْي ِب ِفي‬
‫َع َذ ِلي‬

‫[ أ ] معاني المفردات‪:‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫‪ -1‬ذو س; ;;لم‪ :‬موض; ;;ع بني مك; ;;ة واملدين; ;;ة – املقل; ;;ة‪ :‬العني س; ;;وادها‬
‫وبياضها‪.‬‬
‫‪ -2‬كاظمة‪ :‬اسم طريق إىل مكة _ إضم‪ :‬واد أسفل املدينة‪.‬‬
‫‪ -3‬مهت ; ; ; ;;ا‪ :‬مهت العني احندر دمعه ; ; ; ;;ا على اخلد _ يهم‪ :‬ه ; ; ; ;;ام على‬
‫وجهه مل يدِر أين هو‪.‬‬
‫‪ -5‬البان‪ :‬نوع من الشجر واملراد به موضع باحلجاز‪.‬‬
‫‪ -6‬العلم‪ :‬اسم جبل واملراد موضع باحلجاز‪.‬‬
‫‪ -7‬الوجد‪ :‬احلزن _ البهار ورد أص;;فر طيب الرائح;;ة _ العنم‪ :‬ورد‬
‫أمحر‪.‬‬
‫‪ -8‬أرقين‪ :‬أسهرين‪ .‬مل ميكنه من النوم والراحة‪.‬‬
‫‪ -9‬اهلوى الع;;ذري‪ :‬احلب العفي;;ف‪ ،‬نس;;بة إىل ب;;ين ع;;ذرة وهي قبيل;;ة‬
‫عرفت بالعفاف‪.‬‬

‫[ ب ] المعنى العام‬
‫‪ 1-2‬اس ;;تهل اإلم ;;ام البوص ;;ريي (بردت ;;ه) على ع ;;ادة الّش عراء ب ;;الغزل‬
‫وشكوى الغرام‪ ،‬فيق;;ول‪ :‬أبس;بب ت;ذكر ج;ريان ب;ذي س;;لم انس;كَب‬
‫دم ;;ع العي ;;ون جاري; ;ًا من مقل ;;ة ب ;;دم‪ ،‬أم بس ;;بب هب ;;وب ال ;;ريح من‬
‫طري; ;;ق مك; ;;ة‪ ،‬أو ملع; ;;ان ال; ;;ربق من واٍد أس; ;;فل املدين; ;;ة املن; ;;ورة على‬
‫‪8‬‬
‫ساكنها أفضل الصالة وأمت السالم؟‬
‫بردة المديح المباركة‪ ،‬د‪ .‬أحمد عمر هاشم‪ ،‬دار المقطم‪ ،‬القاهرة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪64‬‬ ‫‪8‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫وه ;;ا مها عين ;;اه هتمي ;;ان بال ;;دموع والقلب يهيم يف احملب ;;وب‪،‬‬ ‫‪3-6‬‬

‫فليس احلب منكتم ; ;ًا وال خفي ; ;ًا‪ ،‬فل; ;;واله م ;;ا أراق ال ;;دموع على‬
‫اآلثار‪ ،‬وال أرق لذكر املعامل من األشجار واجلبال‪ ،‬ومل يع;;د ممكن;ًا‬
‫إنك ;;ار ه ;;ذا احلب‪ ،‬أو إخف ;;اؤه بع ;;د أن ش ;;هدْت ب ;;ه ه ;;ذه ال ;;دموع‬
‫وهذا اهلزال والضعف‪.‬‬
‫‪ 7-9‬وأثبت احلزن والوجد الدليل على ذلك بالبكاء واهلزال‪ ،‬يتبدى‬
‫هذا ك;الورد األص;فر على خدي;ه وال;ورد األمحر‪ ،‬مث يعلن أن خي;ال‬
‫من حيب سرى وجاءه ليال فأّر َقه‪ ،‬وللحب اعرتاضه للذات ب;;األمل‪.‬‬
‫مث خياطب الئمه يف اهلوى العفيف قائال‪ :‬ل;و أنص;فت م;ا ملت;ين‪ ،‬أي‬
‫لو كنت عادال ملا ألقيت اللوم علّي حليب للرسول ‪‬‬
‫‪ 10-12‬مث ي ; ;;دعو لص ; ;;احبه‪ :‬ال أراك اهلل م ; ;;ا أن ; ;;ا في ; ;;ه‪ ،‬فليس س ; ;ّر ي‬
‫مسترتا عن الوشاة املفسدين ولق;;د أخلص;َت يف نص;;حِك يل ولك;;ىن‬
‫ال استجيب له‪ ،‬ألن احملب ال يسمع كالم الالئمني‪ .‬وحىت الشيب‬
‫ال ;;ذي ه ;;و أبع ;;د م ;;ا يك ;;ون عن التهم‪ ،‬ف ;;إين أهتم نص ;;حه يل وأظن ;;ه‬
‫غ;ري خملص فيم;ا وجه;ه إّيل من ل;وم‪ ،‬ولع;ل املع;امل واآلث;ار ال;يت ن;ّو ه‬
‫هبا يف ه;;ذا االس;;تهالل من حنو "ذي س;;لٍم " وهي مك;;ان بني مك;;ة‬
‫واملدين; ;;ة املن; ;;ورة و"كاظم; ;;ة" طري; ;;ق إىل مك; ;;ة و"إض; ;;م" واٍد أس; ;;فل‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫املدين ;;ة املن ;;ورة‪ ،‬وهي تش ;;ري إىل أن رائ ;;د احملبني "البوص ;;ريي" طريق ;;ه‬
‫‪9‬‬
‫هي ‪ :‬حمبة الرسول‪‬‬

‫القسم الثالث‪:‬‬
‫شخصية مبدعها‪ ،‬وظروف عصره ومالمح األدب فيه‪،‬‬
‫وما دار حول البردة وشعر المديح‪.‬‬
‫أعده إبراهيم الفارسي‬

‫أوًال‪ :‬مفتتح الكالم‬


‫إّن الّشعر باعتباره إب\داعًا‪ ،‬فإن\ه ينطلق من التجرب\ة الذاتّي ة‬
‫والّشخصّية للّشاعر األديب‪ ،‬وال يك\ون الشعر الحقيقي إال‬
‫صادرًا من الوجدان ومفضيًا إليه س\واء تن\اول الّش اعر فيه‬
‫موضوعات عامة أو موضوعات خاص\\ة فك\\ل ما يقول\\ه‬
‫الشاعر البَّد أْن يكوَن مرتبطًا بذات الشاعر‪.‬‬
‫والمديح النب\\\وي فن ازده\\\ر في الشعر العربي من\\\ذ‬
‫األعشى‪ ،‬وكعب بن زه\\ير‪ ،‬وحس\\ان بن ث\\ابت‪ ،‬ويعُّد في‬
‫طليعة الشعر اإلس\\المي وزاد اإلقب\\ال عليه في العص\\ر‬
‫المملوكي‪ ،‬وفيه نجد صورة للدعوة اإلس\\المية وتزكيتها‬
‫واالهتمام برس\\ول هللا‪ ‬وس\\يرته وخلق\\ه العظيم‪ ،‬وبيان‬
‫معجزاته‪.‬‬
‫ولقد ارتبط المديح بالتص\\وف والروحانيات والوج\\دانيات‪،‬‬
‫وذل\\ك ألن للص\\وفية وعيهم المتمّي ز‪ ،‬ولهم أيضًا وس\\ائل‬

‫‪ 9‬بردة المديح المباركة‪ ،‬د‪ .‬أحمد عمر هاشم‪ ،‬دار المقطم‪ ،‬القاهرة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪65‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫تعبيرّية خاّصة‪ ،‬وأفكار وموضوعات حساس\\ة في العقيدة‪،‬‬


‫مما أثار عليهم حفيظة بعض رج\ال ال\دين فاعترضوا على‬
‫ما عبر عنه شعراء الصوفية‪ ،‬والبوصيري منهم‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬شخصية اإلمام البوصيري‬

‫(أ) ثقافته وصفاته‬


‫لقد كان للنشأة التي عاشها اإلمام البوصيري أثرها الكب\ير‬
‫في شخصيته‪ ،‬فهو قد حفظ القرآن الك\\ريم‪ ،‬ودرس العلوم‬
‫الدينية‪ ،‬واللغوية والس\\يرة النبوية وتنق\\ل دارس\ًا ومدرس\ًا‬
‫في المساجد‪ ،‬وتتلمذ على شيوخ الص\\وفية األجالء‪ ،‬حيث‬
‫درس التص\\وف وآداب\\ه وأس\\راره‪ ،‬وتلقى ذل\\ك عن أبي‬
‫العباس المرس\\ي تلميذ أبي الحس\\ن الشاذلي وك\\ان محب\ًا‬
‫لشيخه وظهر ذلك في شعره‪.‬‬
‫وهو أح\د العارفين باهلل تعالى المح\بين لرس\ول هللا ك\ان‬
‫جّياش العاطفة في محبته للرس\\ول‪ 10 ،‬ص\\ادق اإليمان‪،‬‬
‫قوي اليقين؛ فهو الفن\\ان الشاعر األديب الص\\وفي ال\\ذي‬
‫تغنى بجمال الن\\بي وبحب\\ه في خشوع وتوس\\ل‪ .‬وفضًال‬
‫عن ه\\ذا كله فق\\د تعّم ق في دراس\\ة مؤلفات اليهود‬
‫والنص\\ارى وكتبهم المقدس\\ة للرد على إنك\\ارهم النب\\وة‬
‫وبيان فساد معتق\دهم‪ .‬ومع ه\\ذا ب\رع في كتاب\ة الخط\وط‬
‫العربية‪ .‬وتلقى عن\\ه العلم أب\\و حيان األندلس\\ي (ت ‪)725‬‬
‫وعز ال\\دين بن جماعة (ت ‪ )735‬وك\\ان ينشد أشعاره‬
‫ومدائحه على الحاضرين في المجالس‪.‬‬
‫‪ 10‬بردة المديح المباركة‪ ،‬د‪ .‬أحمد عمر هاشم‪ ،‬دار المقطم‪ ،‬القاهرة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪7‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫(ب) موضوعات شعره‬


‫ينقسم شعر البوصيري إلى قسمين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬الّش عر االجتماعي والمديح والهج\\اء وشكوى الح\\ال‬
‫وأمور الحياة‪.‬‬
‫‪ -2‬شعر المدائح النبوية حيث أجاده\\ا وب\\رع فيها بال‬
‫منازع‪.‬‬
‫وكان شعره فيهما قويًا رصينًا يميل فيه إلى تقليد القدماء‪،‬‬
‫وُتعُّد الُبردة أشهر مدائحه‪ ،‬وله أيضًا في المديح‪:‬‬

‫القصيدة المضرية‪:‬‬
‫يا رب صّل على المختار من مضر *** واألنبياء وجميع‬
‫الرسل ما ذكروا‬

‫والقصيدة المحمدية‪:‬‬
‫محمد أشرف األعراب والعجم *** محمد خير من يمشي‬
‫على قدم‬
‫والهمزية‪:‬‬
‫كيف ترقى ُر قيك األنبيـاُء *** يا سماًء ما طاولتها‬
‫سمـاُء‬
‫لم يساوك في عالك وقد حا *** ل سنا فيك دونهم‬
‫وسناُء‬

‫وللبوصيري أشعار في أغراض أخري بجانب المديح فله‬


‫في هج\\\اء المعان\\\دين والكفار‪ ،‬ول\\\ه مديح في الحك\\\ام‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫والسالطين واألمراء والوزراء‪ .‬وله قص\ائد شارك فيها‬


‫في المناسبات المختلفة في عصره‪ ،‬ولق\\د أشاد ب\\ه وأث\\نى‬
‫على شعره وشاعريته كث\\ير من العلماء واألدب\\اء‪ ،‬ك\\ابن‬
‫تغ\\ري ب\\ردي وابن العماد‪ ،‬وغ\\يرهم من النق\\اد قديما‬
‫وحديثًا‪ ،‬ولم يسلْم ِمن نقِد بعضهم لشعره وّفه‪.‬‬

‫(ج) عصر البوصيري (العصر المملوكي)‬


‫لقد عاش البوصيري في العصر المملوكي وتأثر به كثيرًا‪،‬‬
‫حيث تمّيز هذا العصر بعدة سمات منها‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬سمات األدب وخصائصه في عهده‬


‫‪ -1‬تغُّلب الصناعة اللفظية وشيوعها ل\\دى جميع الشعراء‬
‫والكتاب‪.‬‬
‫‪ -2‬ازدهار فن المديح النبوي وتسابق شعراء العصر فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬انتشار األغ\\راض األخ\\رى ‪ :‬الوص\\ف‪ ،‬والفخ\\ر‪،‬‬
‫والحماسة‪.‬‬
‫‪ -4‬نمو العصبيات مما ساعد على اتساع نطاق الهجاء‪.‬‬
‫‪ -5‬ضعف الشعر عمومًا وانتشار التقليد للقدماء‪.‬‬
‫‪ -6‬انشغال الشعراء في الوظائف الحكومية (ديوان‬
‫اإلنشاء)‬
‫‪ -7‬شيوع الجهل والفقر لدى عموم طبقات الشعب‪.‬‬
‫‪ -8‬كثرة الفتن والتقلبات السياسية وتغّير الحكام واألمراء‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الحركة العلمية في هذا العصر‬


‫(البردة)للبوصيري‬

‫لق\\د شهد ه\\ذا العص\\ر كث\\يرًا من أل\\وان النشاط العلمي‬


‫والفني‪ ،‬حيث قد تميزت الحركة الثقافية والعلمية في ه\\ذا‬
‫العصر بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ظهور الموسوعات العلمية والمعاجم في جميع الفن\\ون‬
‫مثل‪:‬‬
‫اللغة‬ ‫لسان العرب ابن منظور‬ ‫‪‬‬
‫العربية‬
‫األدب العربي‬ ‫صبح األعشى للقلقشندي‬ ‫‪‬‬
‫التاريخ‬ ‫وفيات األعيان للصفدي‬ ‫‪‬‬
‫التاريخ‬ ‫خطط المقريزي‬ ‫‪‬‬
‫علوم‬ ‫فتح البارئ ابن حجر العسقالني‬ ‫‪‬‬
‫الحديث‬
‫تلخيص المفتاح الخطيب القزويني البالغة‬ ‫‪‬‬
‫النحو‬ ‫ألفية ابن مالك والكافية والشافية‬ ‫‪‬‬

‫خمود األدب العباسي في بغداد‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫هجره العلماء والمفكرين إلى مصر‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫نشأة المكتبات‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫اهتمام األمراء بإنشاء المدارس‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫االهتمام باللغة العربية والعلوم الشرعية‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫ديوان اإلنشاء والتنافس للعمل فيه‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫االهتمام بالتعليم والحياة الفكرية‪.‬‬ ‫‪-8‬‬

‫تعليق إجمالي‪:‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫أّو ًال‪ :‬آثار البردة في الفكرين األدبّي والدينّي‬


‫‪ ‬لقد أسهمت البردة في خلق فن جديد في مدح الرس\\ول‪‬‬
‫حيث ظهر ما يس\\ّمى بالب\\ديعيات‪ ،‬وهي قص\\ائد غرضها‬
‫مدح الرسول‪ ‬وكان من شروطها أن تك\\ون قافيتها على‬
‫ح\\رف الميم وأن تحتوي على أك\\بر قدر من فن الب\\ديع‬
‫والزخرفة اللفظية فتشمل جميع فن\\ون الب\\ديع من جن\\اس‬
‫وس\\جع ول\\ف ونشر وطب\\اق ومقابلة وتورية وترص\\يع‬
‫وتص\\ريع وبراعة اس\\تهالل‪ ،‬وحس\\ن مقط\\ع‪ ،‬والتك\\رار‬
‫واختيار األلفاظ القوية الجزلة‪.‬‬
‫‪ ‬ه\\اجم بعض الفقهاء قص\\يدة ال\\بردة من وجهة نظر‬
‫عقائدية حيث اتهموا اإلمام البوص\\يري ب\\الغلو في مدح‬
‫الرسول‪ ‬واعتبروا أن بعض األبيات فيها غلٌو وشطٌح‬
‫صوفي وكانت أشد األبيات غلوًا من وجهة نظرهم ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫قوله‪:‬‬

‫ِس َو اَك ِع نَد ُح لوِل الحاِدِث‬ ‫يا أكَر َم الخلِق ما لي َم ن ألوُذ‬


‫الَع ِم ِم‬ ‫به‬
‫إذا الكريُم َت َج َّلى باسِم ُم نَت ِقِم‬ ‫وَلن َي ِض يَق رسوَل ِهللا جاُه َك‬
‫بي‬

‫وقوله‪:‬‬

‫طوبى لُم نَت ِش ٍق منه وملَت ِثِم‬ ‫ال طيَب َي عِد ُل ُتْر َب ا َض َّم‬
‫أعُظ َم ُه‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫وقوله‪:‬‬
‫أحيا اسُم ُه حين ُيدَع ى داِر َس‬ ‫لو ناَس َب ْت َقْد َر ُه آياُتُه ِع َظ َم ًا‬
‫الِّر َم ِم‬

‫وال ;;ذي يب ;;دو لمن يتّم عن في ه ;;ذه األبي ;;ات أنه ;;ا ال ت ;;دّل على أي‬
‫غل ;ٍو ؛ فهي من ب;;اب ش;;دة محب;;ة الرس;;ول‪ ‬وتوق;;يره‪ ،‬والش;;عراء لهم‬
‫أن يبالغوا إظهارًا للحب والوالء‪ ،‬وال يعقل أْن يمدح ش;;اعر مس;;لم‬
‫الن ;;بي‪ ‬وه ;;و م ;;ؤمن موح ;;د يحف ;;ظ الق ;;رآن ويتخل ;;ق بخل ;;ق الن ;;بي‪‬‬
‫وفي ذهن;ه وفك;ره أن يؤله;ه‪ ،‬وه;و ال;ذي يق;ول في القص;يدة نفس;ها‬
‫منكرًا على النصارى إطراء سيدنا عيسى عليه السالم‪:‬‬

‫واحُك م بما شئَت َم دَح ًا فيه‬ ‫َد ع ما اَّد َع تُه النصارى في‬
‫واحَت ِك ِم‬ ‫َن ِبِّي ِه ِم‬

‫ثانيًا‪ :‬تحليل أدبي عام للبردة‪:‬‬


‫‪ ‬أفك;;ار القص;;يدة مس;;تمدة من مع;;ارف الّش اعر ومن ثقافت;;ه وبيئت;;ه‬
‫العربّية واإلسالمية وبعض األفكار تقليدية كالغزل والوق;;وف على‬
‫األطالل‪.‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫‪ ‬املوسيقى الداخلية واخلارجية كانت ناجحة يف دوره;;ا مما س;;اعد‬


‫على تن ;;اغم اجلم ;;ل واملف ;;ردات‪ ،‬وهي موس ;;يقى هادئ ;;ة ت ;;وحي مبدى‬
‫ما يفيض على قلبه من حب واحرتام للرسول‪‬‬
‫‪ ‬املف;;ردات س;;هلة ج;;دًا ماع;;دا بعض األلف;;اظ الص;;عبة مث;;ل‪ :‬العنم‪،‬‬
‫الكتم‪ ،‬يصمي‪ ،‬يصم‪ ،‬البهار‪ ،‬مضطرم‪ ،‬النهم‪. . . .‬‬
‫‪ ‬األس ;;لوب لق ;;د ن ;ّو ع البوص ;;ريي األس ;;لوب م ;;ا بني خ ;;رب وإنش ;;اء‪،‬‬
‫وتق; ; ;;دمي وت ; ;;أخري‪ ،‬وأك ; ;;ثر من اجلم ; ;;ل الفعلي ; ;;ة وابتع ; ;;د عن اجلم ; ;;ل‬
‫االعرتاض ;;ية‪ ،‬مطبق; ;ًا مبه ;;ارة عالي ;;ة ُح ْس َن تن ;;وع األس ;;لوب املم ;;تزج‬
‫بالعاطفة اجلّياشة املعربة عن شدة اّحلب واالحرتام للرسول‪.‬‬
‫لق;;د امت;;از البوص;;ريي يف مدائح;;ه بق;;وة األس;;لوب وحس;;ن الص;;ياغة‪،‬‬
‫وجودة املعاين‪ ،‬ومجال التشبيهات‪ ،‬وروعة الصور ‪ ،‬انظر إىل قوله‪:‬‬
‫‪11‬‬

‫ِش‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬


‫َح اَك ْن ُصْنَع اْلَق ِر ْيِض ُبُر ْو ًد ا *** َلَك َلْم ُتَح ْك َو ْيًه ا َص ْنَعاُء‬

‫األفكار الصوفية التي تعبر عنها أبيات البردة‪:‬‬

‫لقد عرّب ت بعض أبيات الرُب دة عن بعض املعاين الّصوفّية مثل‪:‬‬

‫‪ )1‬إّن الّر سول ‪ ‬إنسان كامل بالمعني الّصوفي‪:‬‬

‫‪ 11‬البوصيري‪ ،‬شاعر المدائح النبوية وعلمها‪ ،‬د‪ .‬على نجيب العطوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1995‬م‪،‬ص‪186‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫والفريقين ِمن ُع رٍب وِمن‬ ‫سيُد الكونيِن‬ ‫محمٌّد ّ‬


‫َعَج ِم‬ ‫والثَقَلْي ِن‬

‫‪ )2‬بيان حقيقة الّن ور المحمدّي األزلي‪:‬‬


‫فإنما اتَص َلْت ِمن نوِر ِه ِبِه ِم‬ ‫وُك ُّل آٍي أَت ى الُّر ْس ُل الِك َر اُم‬
‫ِبَه ا‬
‫ُيظِه ْر َن أنواَر َها للناِس في‬ ‫ف ِإَّن ُه شمُس َفْض ٍل ُهم‬
‫الُّظ َلِم‬ ‫كواِك ُبَه ا‬

‫‪ )3‬سّي دنا محّم د ‪ ‬هو صاحب الّش فاعة وسّي د الكونين‪:‬‬


‫لُك ِّل َه ْو ٍل ِمن األهواِل ُم قَت َح ِم‬ ‫ُهو الحبيُب الذي ُترَج ى‬
‫شفاَع ُتُه‬

‫‪ )4‬ما واكب مولد الرسول‪ ‬من معجزات وخوارق‪:‬‬


‫يا ِط يَب ُم بَت َد ٍا منه‬ ‫أباَن موِلُد ُه عن ِط يِب عنُص ِر ِه‬
‫وُم خَتَت ِم‬

‫‪ )5‬معجزات النبي‪ ‬تأييد للدعوة اإلسالمّي ة‪:‬‬


‫تمِش ي إِليــه على ســاٍق‬ ‫جاءت ِلَد عَو ِتِه األشجاُر ساِجَد ًة‬
‫بال َقَد ِم‬
‫‪ )6‬احلقيقة الروحّية احملّم دّية فهو‪ ‬حي ال ميوت وِم ن حيُث احلقيق;;ة‬
‫اجلسمان ة حادث ميكن أّن يض الرّت ب أعظمه ‪:‬‬
‫ّم‬ ‫ّي‬
‫‪12‬‬

‫‪ 12‬الخطاب الشعري‪ ،‬مجلة التراث العربي‪ ،‬دمشق‪،‬العدد ‪، 89‬س ‪ ،33‬مارس ‪2003‬م موقع‬
‫المجلة على اإلنترنيت‪.‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫طـــوبى لُم نَت ِش ٍق منـــه‬ ‫ال طيَب َي عِد ُل ُتْر َب ا َض َّم أعُظ َم ُه‬
‫وملَت ِثِم‬
‫‪ )7‬تفّوق النيب‪ ‬على غريه من اَخللق والّرسل َخ ْلقًا‪ ،‬وُخ ُلقًا‪ ،‬وِعِلمًا‪،‬‬
‫وكرمًا‪:‬‬

‫ولم ُي َد اُنوُه في ِع لٍم وال‬ ‫فاَق الَّن بييَن في َخ ْلٍق وفي ُخ ُلٍق‬
‫َك َر ِم‬

‫ويف ه ;;ذا ي ;;ذكر د‪ .‬حمم ;;د زغل ;;ول س ;;الم‪ :‬وظه ;;رت الّص وفّية ظه ;;ورًا‬
‫قويًا يف اجلزء األخري من الرّب دة حيث يتوسل بالّرسول‪‬‬
‫‪13‬‬

‫ِس َو اَك ِع نَد ُح لوِل الحاِدِث الَع ِم ِم‬ ‫يا أكَر َم الخلِق ما لي َم ن ألوُذ به‬
‫إذا الكريُم َت َج َّلى باسِم ُم نَت ِقِم‬ ‫وَلن َي ِض يَق رسوَل ِهللا جاُه َك بي‬
‫إَِّن الَك َب اِئَر في الُغ فَر اِن كاَّللَم ِم‬ ‫يا َن ْف ُس ال َت قَن ِط ي ِمن َز َّلٍة‬
‫َع ُظ َم ْت‬
‫َت أِتي على َح َس ِب الِعصَي اِن في‬ ‫لَع َّل َر حَم َة َر ِّب ي حيَن َي قِس ُمَه ا‬
‫الِقَس ِم‬
‫َلَد ْي َك واجعْل ِحَس اِبي غيَر‬ ‫يا َر ِّب واجَع ْل رجاِئي غيَر‬
‫ُم نَخ ِر ِم‬ ‫ُم نَع ِك ٍس‬

‫معارضات الّش عراء لقصيدِة ُ‬


‫الب ِ‬
‫ردة‬
‫يقول الدكتور أمحد عمر هاشم يف ذلك‪:‬‬

‫انظر‪ :‬محمد زغلول سالم‪ ،‬األدب في العصر المملوكي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.273‬‬ ‫‪13‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫"وك; ;;انت أعظم قص; ;;ائده‪ ،‬وأروع فرائ; ;;ده‪ ،‬درة الّش عر الفص; ;;يح ُب ردة‬
‫املديح‪ ،‬اليت مل يش;بهها س;ابق‪ ،‬ومل يق;رتب منه;ا الح;ق‪ ،‬وكم قص;ائد‬
‫ُأِّلفْت على غراره ;;ا وهنجت طريقه ;;ا‪ ،‬ونس ;;جت على منواهلا‪ ،‬ولكنه ;;ا‬
‫مل تصل إىل رتب;;ة ب;;ردة البوص;;ريي" وِم ن اجلدير بال;ّذكر اإلش;;ارة إىل‬
‫‪14‬‬

‫معارض;;ات الّش عراء لل;;ربدة؛ فلق;;د ع;;ارَض الرُب دة‪ ،‬وّمخس;;ها‪ ،‬وش ;ّطرها‪،‬‬
‫وش;;رحها‪ ،‬ونس;;ج على منواهلا الكث;;ري من الّش عراء ال;;ذين ج;;اءوا بع;;د‬
‫البوص;;ريّي يف العص;;ور املختلف;;ة ح;;ىت العص;;ر احلديث اقت;;داًء ب;;ه نظ ;رًا‬
‫لس;;مو عاطفته;;ا‪ ،‬وروع;;ة معانيه;;ا؛ فهي مبثاب;;ة نغم عل;;وي يش;;دو ب;;ه‬
‫احملب ;;ون األتقي ;;اء تعب ;ريًا عن ش ;;دة احلّب للّرس ;;ول العظيم حيث بلغْت‬
‫ختميس ;;ات الرُب دة ح ;وايل ‪ 92‬ختميس ;ًا‪َ ،‬و ُش ِرَح ْت أك ;;ثر من ‪ 20‬ش ;;رحًا‬
‫وهلا عدة معارضات أشهرها معارضة أمري الّش عراء أمحد ش;وقي يف "‬
‫هنج الرُب دة" حيُث قال‪:‬‬

‫َأَح َّل سْف ك دمي في األشهِر‬ ‫‪ ‬ريٌم على القاع بين البان‬
‫الُح رِم‬ ‫والعَلِم‬

‫ومنها أيضًا معارضة البارودي يف قصيدته‪:‬‬

‫واحد الركاب إلى حي بذي‬ ‫‪ ‬يا رائد البرق يمم دارة العَلِم‬
‫َس َلِم‬
‫بردة المديح المباركة‪ ،‬د‪ .‬أحمد عمر هاشم‪ ،‬دار المقطم‪ ،‬القاهرة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪7‬‬ ‫‪14‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫ومن ختميس الربدة للشيخ مشس الدين حممد الفيومي حيث قال‪:‬‬

‫ُم ْذ باَن أهل الِحَم ى والباَن‬ ‫‪ ‬ما باُل قلبَك ال ينفُّك ذا‬
‫والعلِم‬ ‫ألِم‬
‫أِمْن َت َذ ِّك ِر جيراٍن بذي َس َلِم‬ ‫‪ ‬وانهَّل مدمعك القاني‬
‫بُم نسجِم‬

‫‪ َ ‬مَز ْج َت َد معا جرى ِمن ُم قَلٍة ِبَد ِم‬


‫(البردة)للبوصيري‬

‫وه ;;ذا االهتم ;;ام ب ;;الربدة ي ;;دلنا على أن البوص ;;ريّي ك ;;ان متفوق ;ًا على‬
‫غ ;;ريه من الّش عراء من حيث الّش اعرّية واالس ;;تعداد الط ;;بيعّي لق ;;ول‬
‫الّش عر فه ; ;;و لدي ; ;;ه طب ; ;;ع مت ; ;;دفق لإلب ; ;;داع الّش عرّي يتقن الص ; ;;نعة‬
‫والص; ;;ناعة الش; ;;عرّية ليص; ;;ل إىل أعلى درج; ;;ات اإلتق; ;;ان والكم; ;;ال مما‬
‫حدا باآلخرين اتباعه وتقليده‪. .‬‬

‫مالمح تربوية من الربدة‬

‫إن الطعاَم ُيقِّو ي شهوَة الَّن ِه ِم‬ ‫فال َت ُر ْم بالمعاصي َك ْس َر شهَو تَه‬
‫ُحِّب الّر َض اع َو ْن َت ْف ِط ْم ُه‬ ‫والَّن فُس َك الّط ف ـِل ِإْن ُتهِم ْل هُ َش َّب‬
‫ِِِإ‬
‫َي نَفِط ِم‬ ‫َع َلى‬

‫لق ;;د فطن اإلم ;;ام البوص ;;ريي إىل مالمح وأص ;;ول تربوي ;;ة تتمّّث ل‬
‫يف ض ;;رورة ت ;;رويض وهتذيب النفس وتربيته ;;ا على الفض ;;ائل من ;;ذ‬
‫الصغر وكسر شهوهتا حيُث يف تش;;بيه رائ;;ع ص;ّو ر لن;;ا أن النفس‬
‫كالطفل متامّا حتتاج إىل ترويض تربوّي وعناية كاملة من;;ذ الص;;غر‬
‫ف;;النفس مث;;ل الطف;;ل‪ ،‬إن ترتك;ه ب;;دون رعاي;;ة وتوجي;;ه ص;;حيح ينش;;أ‬
‫فاسدًا فالبّد من الرعاية والتوجيه واإلرشاد وهذه حقيق;;ة تربوي;;ة‬
‫‪.‬‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫مت حبمد اهلل تعاىل واهلل تعاىل ويل اهلدى والتوفيق‬

‫القسم الرابع‬
‫نص البردة للبوصيري كامًال‬

‫كة كاملًة‬
‫ردة المبار ِ‬ ‫قصيدِة ُ‬
‫الب ِ‬
‫لإلمام شرف الدين أيب عبد اهلل حممد بن سعيد البوصريي‬
‫َم َز ْج َت َد معا جرى ِمن ُم قَلٍة ِبَد ِم‬ ‫أِمْن َت َذ ِّك ِر جيراٍن بذي َس َلِم‬
‫وأوَمَض البرُق في الَّظ لماِء ِمن‬ ‫َأم َه َّب ِت الريُح ِمن تلقاِء كاِظ َم ٍة‬
‫ِاَض ِم‬
‫وما لقلِبَك إن قلَت اسَت ِفْق َي ِه ِم‬ ‫فما ِلَع ينيك إن ُقلَت اْك ُفَفا َه َم َت ا‬
‫ما بيَن منَس ِجٍم منه وُمْض َط ِر ِم‬ ‫أيَح سب الَصُّب أَّن الحَّب ُم نَك ِتٌم‬
‫َأ‬
‫وال ِر ْق َت ِلِذ ْك ِر الباِن والَع َلِم‬ ‫لوال الهوى لم ُتِر ْق دمعا على‬
‫َط ِلِل‬
‫به عليك ُع دوُل الدمِع والَّس َقِم‬ ‫فكيَف ُتْن ِك ُر حبا بعدما َش ِه َد ت‬
‫مثَل الَبَه اِر على َخ َّد يك والَع َن ِم‬ ‫وأثَب َت الَو ْج ُد َخ َّط ي َع ْبَر ٍة وَض َن ى‬
‫َأل‬
‫والُحُّب يعَت ِر ُض اللذاِت با َلِم‬ ‫َن َع م سرى طيُف َم ن أهوى‬
‫فَأَّر َقِني‬
‫ِم ِّن ي إليك وَلو أْن َص ْف َت َلم َت ُلِم‬ ‫يا الِئمي في الهوى الُع ْذ ِر ِّي‬
‫َم عذَر ًة‬
‫عن الُو شاِة وال دائي بُم نَح ِس ِم‬ ‫َع َد ْت َك حالي ال ِس ِّر ي بُمْس َت ِتٍر‬
‫إن الُم ِح َّب َع ِن الُع َّذ اِل في َصَم ِم‬ ‫َمَّح ْض َت ِني الُّن ْص َح لِكْن َلسُت‬
‫أسَمُع ُه‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫والَّش ْيُب أبَع ُد في ُنْص ٍح َع ِن الُّت َه ِم‬ ‫إني اَّت َهْم ُت نصيَح الَّش ْي ِب ِفي‬
‫َع َذ ِلي‬
‫ِمن جهِلَه ا بنذير الَّش ْي ِب والَهَر ِم‬ ‫فاَّن أَّم اَر ِتي بالسوِء ما اَّت َع َظ ت‬
‫َأ‬
‫َض يٍف َلَّم برأسي غيَر ُم حتِش ِم‬ ‫وال أَع َّد ْت ِمَن الِفعِل الجميِل‬
‫ِقَر ى‬
‫كتمُت ِس َّر ا َب َد ا لي منه بالَكَت ِم‬ ‫لو كنُت أعلُم أِّن ي ما ُأَو ِّقُرُه‬
‫كما ُيَر ُّد ِجَم َاُح الخيِل باُّلُلُج ِم‬ ‫َم ن لي ِبَر ِّد ِجَم اح ِمن َغ َو ايِتَه ا‬
‫إن الطعاَم ُيقِّو ي شهوَة الَّن ِه ِم‬ ‫فال َت ُر ْم بالمعاصي َك ْس َر شهَو تَه ا‬
‫ُحِّب الّر َض اع َو ِِِإْن َت ْف ِط ْم ُه َي نَفِط ِم‬ ‫والَّن فُس َك الّط فِل ِإْن ُتهِم ْلهُ َش َّب‬
‫َع َلى‬
‫إن الهوى ما َت َو َّلى ُيْص ِم أو َي ِص ِم‬ ‫فاْص ِر ف هواها وحاِذر َأن ُتَو ِّلَي ُه‬
‫وِاْن ِه َي اسَت ْح َلِت الَم رعى فال ُتِس ِم‬ ‫وراِع َه ا وْه َي في األعمال‬
‫ساِئَم ٌة‬
‫َأ‬ ‫َك م حَّس َن ْت َلَّذ ًة للمرِء قاِتَلًة‬
‫ِمن حيُث لم َي ْد ِر َّن الُّس َّم في الَّد َس ِم‬
‫َفُرَّب مخَمَص ٍة َش ٌّر ِمَن الُّتَخ ِم‬ ‫واْخ َش الَّد َس اِئَس ِمن جوٍع وِمن‬
‫ِش َب ٍع‬
‫َة‬ ‫واسَت فِر ِغ الدمَع ِمن عيٍن َقِد‬
‫ِمن الَمَح اِر ِم واْلَز ْم ِحمَي َالَّن َد ِم‬
‫اْم َت ألْت‬
‫وِاْن هما َمَّح َض اَك الُّن صَح فاَّت ِه ِم‬ ‫وخاِلِف النفَس والشيطاَن‬
‫واعِص ِه َم ا‬
‫فأنت تعرُف كيَد الَخ صِم والَح َك ِم‬ ‫وال ُتِط ْع منهما خصَم ا وال حَك َم ا‬
‫أِن اشَتَك ْت قدَم اُه الُّضَّر ِمن َو َر ِم‬ ‫َظ لمُت ُس َّن َة َم ن أحيا الظالَم إلى‬
‫َأل‬ ‫وَش َّد ِمن َس َغ ٍب أحشاَءُه وَط َو ى‬
‫تحَت الحجارِة َكْش َح َاً ُم ْت َر َف ا َد ِم‬
‫عن نفِس ه فأراها أَّيَم ا َش َم ِم‬ ‫وراَو َد ْت ُه الجباُل الُّش ُّم ِمن َذ َهٍب‬
‫إن الضرورَة ال تعُدو على الِع َص ِم‬ ‫وأَّك َد ت ُز هَد ُه فيها ضروَر ُتُه‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫والفريقين ِمن ُع رٍب وِمن َعَج ِم‬ ‫محمٌّد سيُد الكونيِن والثَقَلْي ِن‬
‫أَبُّر في َقوِل ال منه وال َن َع ِم‬ ‫َن ِبُّي َن ا اآلِم ُر الَّن اِهي فال َأَح ٌد‬
‫لُك ِّل َه ْو ٍل ِمن األهواِل ُم قَت َح ِم‬ ‫ُهو الحبيُب الذي ُترَج ى شفاَع ُتُه‬
‫ُم سَت مِس ُك وَن ِبحبٍل غيِر ُم نَف ِص ِم‬ ‫َد َع ا إلى ِهللا فالُم سَت مِس ُك ون ِبِه‬
‫ولم ُيَد اُنوُه في ِع لٍم وال َك َر ِم‬ ‫فاَق الَّن بييَن في َخ ْلٍق وفي ُخ ُلٍق‬
‫َغ ْر َفا ِمَن البحِر أو َر شَف ًا ِمَن الِّد َي ِم‬ ‫وُك ُّلُهم ِمن رسوِل ِهللا ُم لَت ِم ٌس‬
‫ِمن ُنقَط ِة العلِم أو ِمن َشْك َلِة الِحَك ِم‬ ‫وواِقُفوَن َلَد يِه عنَد َح ِّد ِه ِم‬
‫ثم اصطفاُه حبيبًا باِر يُء الَّن َس ِم‬ ‫َفْهَو الذي َت َّم معناُه وصوَر ُتُه‬
‫فَج وَه ُر الُح سِن فيه غيُر منَق ِس ِم‬ ‫ُم َنَّز ٌه عن شريٍك في محاِس ِنِه‬
‫واحُك م بما شئَت َم دَح ًا فيه واحَت ِك ِم‬ ‫َد ع ما اَّد َع تُه النصارى في َن ِبِّي ِه ِم‬
‫وانُس ب إلى َقْد ِر ِه ما شئَت ِمن ِع َظ ِم‬ ‫وانُسْب إلى ذاِتِه ما شئَت ِمن‬
‫َش َر ٍف‬
‫َح ٌّد َفُيعِر َب عنُه ناِط ٌق ِبَفِم‬ ‫َفِاَّن َفضَل رسوِل ِهللا ليس له‬
‫أحيا اسُم ُه حين ُيدَع ى داِر َس الِّر َم ِم‬ ‫لو ناَس َب ْت َقْد َر ُه آياُتُه ِع َظ َم ًا‬
‫ِحرَص ًا علينا فلم نرَت ْب ولم َن ِه ِم‬ ‫لم يمَت ِحَّن ا بما َت عَي ا العقوُل به‬
‫في الُقْر ِب والُبعِد فيه غيُر ُم نَفِحِم‬ ‫أعيا الورى َفْه ُم معناُه فليَس‬
‫ُيَر ى‬
‫َأ‬
‫صغيرًة وُتِك ُّل الَّط ْر َف ِمن َم ِم‬ ‫كالشمِس تظَهُر للعيَن ْي ِن ِمن ُبُع ٍد‬
‫َقْو ٌم ِنَي اٌم َت َس َّلوا عنه بالُح ُلِم‬ ‫وكيَف ُيدِر ُك في الدنيا حقيَق َت ُه‬
‫َأ‬
‫و َّن ُه خيُر خْلِق هللا ُك ِّلِه ِم‬ ‫فَمْب َلُغ الِعلِم فيه أنه َب َش ٌر‬
‫فإنما اتَص َلْت ِمن نوِر ِه ِبِه ِم‬ ‫وُك ُّل آٍي أَت ى الُّر ْس ُل الِك َر اُم ِبَه ا‬
‫ُيظِه ْر َن أنواَر َها للناِس في الُّظ َلِم‬ ‫فِاَّن ُه شمُس َفْض ٍل ُهم كواِك ُبَه ا‬
‫بالُح سِن مشَت ِم ٌل بالِبْش ِر ُم َّت ِس ِم‬ ‫أكِر ْم بَخ ْلِق نبٍّي زاَن ُه ُخ ُلٌق‬
‫والبحِر في َك َر ٍم والدهِر في ِه َم ِم‬ ‫كالَّز هِر في َت َر ٍف والبدِر في‬
‫َش َر ٍف‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫في عسَك ٍر حيَن تلقاُه وفي َح َش ِم‬ ‫كأَّن ُه وْه َو َفْر ٌد ِمن جالَلِتِه‬
‫ِمن َمْع ِد َن ْي َم ْن ِط ٍق منه ومبَت َس ِم‬ ‫كأَّن َم ا اللؤُلُؤ الَم كُنوُن في َص َد ٍف‬
‫طوبى لُم نَت ِش ٍق منه وملَت ِثِم‬ ‫ال طيَب َي عِد ُل ُتْر َب ا َض َّم أعُظ َم ُه‬
‫يا ِط يَب ُم بَت َد ٍا منه وُم خَتَت ِم‬ ‫أباَن موِلُد ُه عن ِط يِب عنُص ِر ِه‬
‫ُأ‬
‫َقد نِذ ُر وا ِبُح ُلوِل الُبؤِس والِّن َقِم‬ ‫َي وٌم َت َفَّر َس فيه الُفرُس أَّن ُهُم‬
‫َكَش مِل أصحاِب ِكسَر ى غيَر ُم لَت ِئِم‬ ‫وباَت إيواُن ِكسَر ى َو ْه َو‬
‫ُم ْن َص ِد ٌع‬
‫عليه والنهُر ساهي الَع ْي ِن ِمن َس َد ِم‬ ‫والناُر خاِمَد ُة األنفاِس ِمن َأَس ٍف‬
‫َو ُر َّد واِر ُدَها بالَغ ْي ِظ حيَن َظ ِمي‬ ‫وساَء ساَو َة أْن غاَض ْت ُبَح يَر ُتَه ا‬
‫ُح ْز َنًا وبالماِء ما بالنار ِمن َضَر ِم‬ ‫كَأَّن بالناِر ما بالماِء ِمن َب َلٍل‬
‫والِجُّن َت هِتُف واألنواُر ساِط َع ٌة‬
‫والحُّق يظَهُر ِمن معنًى وِمن َك ِلِم‬
‫ُة‬
‫ُتسَمْع وباِر َق اإلنذار لم ُتَش ِم‬ ‫َعُم وا وَصُّم وا فِاعالُن البشاِئِر لم‬
‫بأَّن ديَن ُهُم الُم عَو َّج لم َي ُقِم‬ ‫ِمن بعِد ما أخَبَر األقواَم كاِه ُنُهم‬
‫ُم نَق َّض ٍة َو فَق ما في األرِض ِمن‬ ‫وبعد ما عايُنوا في اُألفِِق ِمن‬
‫َص َن ِم‬ ‫ُشُهٍب‬
‫ِمن الشياطيِن يقُفو ِاْث َر ُم نَه ِز ِم‬ ‫حتى َغ دا عن طريِق الَو حِي‬
‫ُم نَه ِز ٌم‬
‫أو َع سَك ٌر بالَح َص ى ِمن راَح َت ْي ِه‬ ‫كأَّن ُهم َه َر َب ا أبطاُل أْبَر َهٍة‬
‫ُر ِمي‬
‫َن ْب َذ الُمَس ِّب ِح ِمن أحشاِء ملَت ِقِم‬ ‫َن ْب َذ ا به َب عَد تسبيٍح ِبَب طِنِه َم ا‬
‫تمِش ي إليه على ساٍق بال َقَد ِم‬ ‫جاءت ِلَد عَو ِتِه األشجاُر ساِجَد ًة‬
‫ُفُر وُعَه ا ِمن بديِع الَخ ِّط في اَّللَقِم‬ ‫كأَّن َم ا َس َط َر ْت سطرا ِلَم ا َكَت َب ْت‬
‫َت ِقيِه َح َّر َو ِط يٍس للَه ِج يِر َح ِمي‬ ‫مثَل الغماَم ِة َأَّن ى ساَر ساِئَر ًة‬
‫وُك ُّل َط ْر ٍف ِمَن الكفاِر عنه َع ِمي‬ ‫وما حوى الغاُر ِمن خيٍر وِمن‬
‫َك َر ِم‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫َأ‬ ‫فالصدُق في الغاِر والصِّد يُق لم‬


‫وُهم يقولون ما بالغاِر ِمن ِر ِم‬
‫َي ِر َم ا‬
‫خيِر الَبِّر َّي ِة لم َت نُسْج ولم َت ُح ِم‬ ‫ظُّن وا الحماَم َة وظُّن وا العنكبوَت‬
‫على‬
‫ُأل‬ ‫ِو َقاَي ُة ِهللا أغَن ْت َع ن ُمَض اَع َفٍة‬
‫ِمَن الُّد ُر وِع وعن عاٍل ِمَن ا ُط ِم‬
‫إال وِنلُت ِجَو اَر ًا منه لم ُيَض ِم‬ ‫ما ساَم ِني الَّد هُر ضيَم ًا‬
‫واسَت َج رُت ِبِه‬
‫إال اسَت َلمُت الَّن َد ى ِمن خيِر ُم سَت َلِم‬ ‫وال الَت مسُت ِغ َن ى الَّد اَر ْي ِن ِمن‬
‫َي ِدِه‬
‫َقْلَب ًا إذا ناَم ِت العيناِن لم َي َن ِم‬ ‫ال ُتنِك ِر الَو ْح َي ِمن ُر ؤَي اُه إن َلُه‬
‫فليَس ُينَك ُر فيِه حاُل ُم حَت ِلِم‬ ‫وذاَك حيَن ُبُلوٍغ ِمن ُنُبَّو ِتِه‬
‫وال نبٌّي على غيٍب بُم َّت َه ِم‬ ‫تباَر َك ُهللا ما َو حٌي بُم كَت َس ٍب‬
‫َأ‬ ‫َك م أْبَر َأْت َو ِص َب ًا باللمِس راَح ُتُه‬
‫وأطَلَق ْت ِر َب ًا ِمن ِر بَقِة اللَم ِم‬
‫َأل‬ ‫وَأْح يت الَس َن َة الَّش هباَء َد عَو ُتُه‬
‫حتى َح َك ْت ُغ َّر ًة في ا عُص ِر الُّدُه ِم‬
‫َس ْيٌب ِمَن اليِّم أو َس ْي ٌل ِمَن الَع ِر ِم‬ ‫بعاِر ٍض جاَد أو ِخْلَت الِبَط اَح بها‬
‫ظُهوَر ناِر الِقَر ى ليال على َع َلِم‬ ‫َد عِني َو َو صِفَي آياٍت له ظَهَر ْت‬
‫وليس َي نُقُص َقدَر ًا غيَر ُم نَت ِظ ِم‬ ‫فالُّد ُر يزداُد ُح سنًا َو ْه َو ُم نَت ِظ ُم‬
‫ما فيه ِمن َك َر ِم األخالِق والِّش َي ِم‬ ‫فَم ا َت َط اُو ُل آماِل المِديِح إلى‬
‫ٌة ُة‬ ‫آياُت َح ٍّق ِمَن الرحمِن ُم حَد َث ٌة‬
‫قديَم ِص َف الموصوِف بالِقَد ِم‬
‫َع ِن الَمَع اِد وَع ن عاٍد وَع ن ِاَر ِم‬ ‫لم َت قَت ِر ن بزماٍن َو ْه َي ُتخِبُر نا‬
‫ِمَن الَّن بييَن إذ جاَء ْت وَلم َت ُد ِم‬ ‫داَم ْت لدينا ففاَقْت ُك َّل ُم عِجَز ٍة‬
‫لذي ِش َقاٍق وما َت بِغيَن ِمن ِحَك ِم‬ ‫ُمَح َّك َم اٌت فما ُتبِقيَن ِمن ُشَب ٍه‬
‫َأ‬ ‫ما ُح وِر َب ت َقُّط إال عاَد ِمن َح َر ٍب‬
‫عَد ى األعاِدي إليها ُم لِقَي الَّس َلِم‬
‫َر َّد الَغ ُيوِر َي َد الجاِني َع ن الُحَر ِم‬ ‫َر َّد ْت بالَغ ُتَه ا َد عوى ُم عاِر ِض َه ا‬
‫وَفوَق َج وَه ِر ِه في الُح سِن والِقَي ِم‬ ‫لها َمَع اٍن َك مْو ِج البحِر في َم َد ٍد‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫َأ‬ ‫َفَم ا ُتَع ُّد وال ُتحَص ى عجاِئُبَه ا‬


‫وال ُتَس اُم على اإلكثار بالَّس ِم‬
‫لقد َظ ِفرَت بَح ْب ِل هللا فاعَت ِص ِم‬ ‫َقَّر ْت بَها عيُن قاِر يها فُقلُت له‬
‫ِمَن الُعَص اِة وَقد جاُؤ وُه كالُحَم ِم‬ ‫كأَّن ها الحوُض َت بَيُّض الُو ُج وُه ِبِه‬
‫فالِقسُط ِمن غيِر َها في الناِس لم‬ ‫وكالِّص راِط وكالميزاِن َم عَد َلًة‬
‫َي ُقِم‬
‫تجاُهال َو ْه َو عيُن الحاِذ ِق الَفِه ِم‬ ‫ال َت عَج َب ْن ِلَح ُس وٍد راَح ُينِك ُر َها‬
‫وُينِك ُر الَفَم طعَم الماِء ِمن َس َقِم‬ ‫قد ُتنِك ُر العيُن َضْو َء الشمِس ِمن‬
‫َر َم ٍد‬
‫َأل‬
‫سعَي ا وَفوَق ُم ُتوِن ا ْي ُنِق الُّر ُس ِم‬ ‫يا خيَر َم ن َيَّم َم العاُفوَن ساَح َت ُه‬
‫ُة‬ ‫وَم ن ُه َو اآليُة الُك بَر ى لُم عَت ِبٍر‬
‫وَم ن ُه َو الِّن عَم الُع ظَم ى ِلُم غَت ِنِم‬
‫كما َسَر ى الَب دُر في داٍج ِمَن الُّظ َلِم‬ ‫َسَر يَت ِمن َح َر ٍم ليال إلى َح َر ِم‬
‫وِبَّت ترَقى إلى أن ِنلَت َم نِز َلًة‬
‫ِمن قاَب قوَسْي ِن لم ُتدَر ْك وَلم ُتَر ِم‬
‫والُّر ْس ِل تقديَم مخدوٍم على َخ َد ِم‬ ‫وَقَّد َم ْت َك جميُع األنبياِء بها‬
‫في َم وِكٍب ُك نَت فيه صاِحَب الَع َلِم‬ ‫وأنَت َت خَت ِر ُق السبَع الِّط َب اَق بهم‬
‫ِمَن الُّد ُنِّو وال َم رَقًى لُم سَت ِنِم‬ ‫حتى إذا لم تَد ْع َش ْأَو ًا لُم سَت ِبٍق‬
‫ُنوِديَت بالَّر فِع مثَل الُم فَر ِد الَع َلِم‬ ‫َخ َف ْض َت ُك َّل َم َق اٍم باإلضافة إذ‬
‫َع ِن الُع يون وِس ٍّر أِّي ُم كَت ِتِم‬ ‫كيما َت ُفوَز ِبَو ْص ٍل أِّي ُم سَت ِتِر‬
‫وُج ْز َت ُك َّل َم َق اٍم غيَر ُم زَد َح ِم‬ ‫َفُح زَت ُك َّل َفَخ اٍر غيَر ُم شَت َر ٍك‬
‫ُأ‬ ‫وَج َّل ِمقَد اُر ما ُو ِّليَت ِمن ُر َت ٍب‬
‫وَع َّز إدراك ما وِليَت ِمن ِنَع ِم‬
‫ِمَن الِع َن اَي ِة ُر كَنًا غيَر منَه ِد ِم‬ ‫ُبشَر ى لنا َم عَش َر اإلسالم إن لنا‬
‫ُأل‬
‫بأكرِم الُّر ْس ِل ُكَّن ا أكَر َم ا َم ِم‬ ‫لَّم ا َد َع ى ُهللا داعينا لطاَع ِتِه‬
‫َأ َأ‬
‫َكَن ب ٍة ْج َف َلْت ُغ ْف ال ِمَن الَغ َن ِم‬ ‫راَع ْت قلوَب الِعَد ا أنباُء ِبعَث ِتِه‬
‫حتى َح َك ْو ا بالَقَن ا َلحَم ا على َو َض ِم‬ ‫ما زاَل يلقاُه ُم في ُك ِّل ُم عَت َر ٍك‬
‫أشالَء شاَلْت َمَع الُع قَب اِن والَّر َخ ِم‬ ‫َو ُّدوا الِفَر اَر فكاُدوا َي غِبُط وَن به‬
‫ُأل‬
‫ما لم َتُك ن ِمن لياِلي ا شُهِر الُحُر ِم‬ ‫َت مِض ي الليالي وال َي دُر وَن ِعَّد َت َه ا‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫بُك ِّل َقْر ٍم إلى َلحِم الِعَد ا َقِر ِم‬ ‫كأَّن َم ا الِّد يُن َض ْيٌف َح َّل ساَح َت ُهم‬
‫يرمي بَم وٍج من األبطاِل ملَت ِط ِم‬ ‫َيُجُّر بحَر خميٍس َفوَق ساِبَح ٍة‬
‫َي سُط و بُم سَت أِص ٍل للُك فِر ُم صَط ِلِم‬ ‫ِمن ُك ِّل منَت ِدٍب هلل ُم حَت ِس ٍب‬
‫َة‬ ‫حتى َغ َد ْت ِم َّلُة اإلسالم َو ْه َي‬
‫ِمن َب عِد ُغ رَب ِتَه ا موصوَل الَّر ِحِم‬
‫بهم‬
‫وخيِر َب عٍل فلم َت ْي َت ْم ولم َت ِئِم‬ ‫َم كفوَلًة أبَد ًا منهم ِبَخ يِر َأٍب‬
‫ماذا َلِقي منهم في ُك ِّل ُم صَط َد ِم‬ ‫ُه ُم الجباُل َفَس ْل عنُهم ُمَص اِد َمُهم‬
‫ُفصوُل َح ْت ٍف َلهم أدهى ِمَن الَو َخ ِم‬ ‫َو َس ْل ُح َن ْي َنًا َو َس ْل َب ْد َر ًا َو َس ْل ُأُح َد ا‬
‫ِمَن الِعَد ا ُك َّل ُمْس َو ٍّد ِمن اِّللَم ِم‬ ‫الُم صِد ِر ي الِبيِض ُح مَر ًا بعد ما‬
‫َو َر َد ْت‬
‫أقالُمُهْم َح ْر َف ِج سٍم غيَر ُم نَع ِجِم‬ ‫والكاِتبيَن ِبُس مِر الَخ ِّط ما َت َر َك ْت‬
‫والَو ْر ُد يمتاُز بالسيما َع ِن الَّس َلِم‬ ‫شاِكي السالِح لهم سيما ُتَمِّي ُز ُهم‬
‫فَت حِس ُب الَّز هَر في األكماِم ُك َّل َك ِمي‬ ‫ُتهِدي إليك رياُح الَّن صِر َنْش َر ُه ُم‬
‫ِمن َش َّدِة الَح ْز ِم ال ِمن شَّد ِة الُح ُز ِم‬ ‫كأَّن ُهم في ُظ هوِر الَخ ْي ِل َن ْب ُت ُرَب ًا‬
‫فما ُتَفِّر ُق بين الَبْه ِم والُبَه ِم‬ ‫طاَر ْت قلوُب الِعَد ا ِمن بأِس ِه م‬
‫َفَر َقًا‬
‫ُأل‬
‫إن َت ْلَقُه ا ْس ُد في آجاِم َه ا َت ِجِم‬ ‫وَم ن َتُك ن برسوِل ِهللا ُنصَر ُتُه‬
‫ِبِه وال ِمن َع ُد ٍّو غيَر ُم نَع ِجِم‬ ‫وَلن َت رى ِمن َو ِلٍّي غيَر منَت ِص ٍر‬
‫َأ‬ ‫َأَح َّل ُأَّم َت ُه في ِحْر ِز ِم َّلِتِه‬
‫كاللْي ِث َح َّل َمَع األشباِل ِفي َج ِم‬
‫فيه وكم َخ َص َم الُبرهاُن ِمن َخ ِص ِم‬ ‫َك م َج َّد َلْت َك ِلَم اُت هللا ِمن َج َد ٍل‬
‫في الجاهليِة والتأديَب في الُيُتِم‬ ‫كفاَك بالعلِم في اُألِّمِّي ُم عَج َز ًة‬
‫ُذ نوَب ُعْم ر َمَض ى في الِّش عِر‬ ‫َخ َد ْم ُتُه بمديٍح أسَت ِقيِل ِبِه‬
‫والِخَد ِم‬
‫كأنني ِبِه َم ا َهْد ٌي ِمَن الَّن َع ِم‬ ‫إذ َقَّلَد اِنَي ما ُتخَش ى عواِقُبُه‬
‫َح َص لُت إال على اآلثاِم والَّن َد ِم‬ ‫َأَط عُت َغ َّي الِّص َب ا في الحاَلَت ْي ِن‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫وما‬
‫َلم َت شَت ِر الِّد يَن بالدنيا ولم َت ُس ِم‬ ‫فيا َخ َس اَر َة َن ْف ٍس في ِتَج اَر ِتَه ا‬
‫ِبيَن له الَغ ْب ُن في َبْي ٍع وفي َس َلِم‬ ‫وَم ن َي ِبْع آِجال منه بعاِج ِلِه‬
‫ِمَن الَّن ِبِّي وال َح بِلي بُم نَص ِر ِم‬ ‫إن آِت َذ ْن َب ًا فما َع هِدي بُم نَت ِقٍض‬
‫ُم حَّم َد ًا وُه َو أوَفى الخلِق بالِّذ َم ِم‬ ‫فِاَّن لي ِذ َّم ًة منه بَت سِم َي ِتي‬
‫َة‬
‫َفْض ال وإال َفُقْل يا َز َّل الَقَد ِم‬ ‫إن لم يُك ن في َمَع اِدي آِخَذ ًا ِبَي ِدي‬
‫أو َي رِجَع الجاُر منه غيَر ُم حَت َر ِم‬ ‫حاشاُه أْن َيْح ِر َم الَّر اِجي َم َك اِر َم ُه‬
‫وَج ْد ُتُه لَخ الِص ي خيَر ُم لَت ِز ِم‬ ‫وُم نُذ َألَز ْم ُت أفَك اِر ي َم َد اِئَح ُه‬
‫َأل‬ ‫وَلن َي ُفوَت الِغ َن ى منه َي َد ًا َت ِر َب ْت‬
‫إن الَح َي ا ُيْن ِبُت األزهاَر في ا َك ِم‬
‫َي َد ا ُز َه ْي ٍر بما أثَن ى على َه ِر ِم‬ ‫وَلم ُأِر ْد َز هَر َة الدنيا التي‬
‫اقَت َطَف ْت‬
‫ِس َو اَك ِع نَد ُح لوِل الحاِدِث الَع ِم ِم‬ ‫يا أكَر َم الخلِق ما لي َم ن ألوُذ به‬
‫إذا الكريُم َت َج َّلى باسِم ُم نَت ِقِم‬ ‫وَلن َي ِض يَق رسوَل ِهللا جاُه َك بي‬
‫إن الَك َب اِئَر في الُغ فَر اِن كاَّللَم ِم‬ ‫يا َن ْف ُس ال َت قَن ِط ي ِمن َز َّلٍة‬
‫َع ُظ َم ْت‬
‫َت أِتي على َح َس ِب الِعصَي اِن في‬ ‫لَع َّل َر حَم َة َر ِّب ي حيَن َي قِس ُمَه ا‬
‫الِقَس ِم‬
‫َلَد ْي َك واجعْل ِحَس اِبي غيَر ُم نَخ ِر ِم‬ ‫يا َر ِّب واجَع ْل رجاِئي غيَر‬
‫ُم نَع ِك ٍس‬
‫َص بَر ًا َم َت ى َت دُع ُه األهواُل ينَه ِز ِم‬ ‫والُط ْف بَع بِد َك في الَّد اَر يِن إن َلُه‬
‫على النِبِّي ِبُم ْن َه ٍّل وُم نَس ِجم‬ ‫وائَذ ْن ِلُسْح ِب صالٍة منك داِئَم ٍة‬
‫َأ‬ ‫ما َر َّن َح ْت َع َذ َب اِت الَب اِن َر يُح َص َب ا‬
‫و طَر َب الِعيَس حاِدي الِعيِس بالَّن َغ ِم‬
‫وَع ن َع ِلٍّي وَع ن عثماَن ِذي الَك َر ِم‬ ‫ُثَّم الِّر َض ا َع ن أبي َب كٍر وَع ن‬
‫ُعَمَر‬
‫أهُل الُّت َق ى والَّن َق ى والِح ْلِم والَك َر ِم‬ ‫واآلِل والَّص حِب ُثَّم الَّت اِبِعيَن َفُهْم‬
‫(البردة)للبوصيري‬
‫(البردة)للبوصيري‬

‫أهم املصادر واملراجع‬

‫‪ .1‬البردة للبوصيري ق;ّد م له;;ا وعّل ق عليه;;ا‪ :‬أحم;;د عب;;د الت;;واب‬


‫عوض‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة ‪1996‬م‬
‫‪ .2‬ب;;ردة الم;;ديح المبارك;;ة‪ ،‬ش;;رح ال;;دكتور أحم;;د عم;;ر هاش;;م‪،‬‬
‫دار المقطم للنشر والتوزيع القاهرة‪1995 ،‬م‬
‫‪ .3‬البوص; ;;يري ش; ;;اعر الم; ;;دائح النبوّي ة وعلمه ;;ا‪ ،‬د‪ .‬على نجيب‬
‫عطوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬م‬
‫‪ .4‬مجل; ;;ة ال; ;;تراث الع; ;;ربي‪ ،‬دمش; ;;ق‪ ،‬الع; ;;دد ‪ ،89‬س ‪ ،33‬م ;;ارس‬
‫‪2003‬م موقع المجلة على اإلنترنيت‪.‬‬
‫‪ .5‬محم ;;د زغل ;;ول س ;;الم‪ ،‬األدب في العص ;;ر الممل ;;وكي‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪.273‬‬
‫‪ .6‬خط سير األدب‪ .‬عبد العزيز قليقلة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

You might also like