You are on page 1of 290

‫أحكام ميسرة وتوضيحات شرعية مهمة للمسلمين‬

‫في جميع مجاالت الحياة‬

‫فهد بن �سامل باهمام‬


‫ح فهد �سامل عمر باهمام ‪1434 ،‬هـ‬
‫فهر�سة مكتبة امللك فهد الوطنية �أثناء الن�شر‬
‫باهمام ‪ ،‬فهد �سامل عمر‬
‫دليل امل�سلم املي�سر ‪ /‬فهد �سامل عمر باهمام ‪ -‬الريا�ض ‪،‬‬
‫‪1434‬هـ‬
‫‪�288‬ص ‪� 24 × 18.5 ،‬سم‬
‫ردمك‪978-603-01-1387-3 :‬‬

‫‪ -1‬الإ�سالم ‪ -‬تعليم �أ‪ .‬العنوان‬


‫‪1434/781‬‬ ‫ديوي ‪210.7‬‬
‫رقم الإيداع ‪1434/781 :‬‬
‫ردمك‪978-603-01-1387-3 :‬‬

‫الطبعة الأوىل‬
‫‪2014 / 1436‬‬
‫جميع حقوق الطبع والرتجمة والن�شر االلكرتوين‬
‫حمفوظة ل�شركة الدليل املعا�صر‬

‫اململكة العربية ال�سعودية ‪ -‬الريا�ض‬


‫هاتف‪+9 6 6 1 1 4 4 8 6 0 0 0 :‬‬
‫فاك�س‪+9 6 6 1 1 4 4 8 2 1 8 1 :‬‬

‫بريطانيا ‪ -‬برمنجهام‬
‫هاتف‪+4 4 1 2 1 4 3 9 9 1 4 4 :‬‬
‫فهـــد بن �سامل باهمــام‬ ‫تأليف‬
‫خالد بن �أحمد الأحمدي‬ ‫مدير المشروع‬

‫مواقع وا�ستديوهات متخ�ص�صة حول العامل‬ ‫تصوير‬

‫جميل مبارك‬ ‫باحث مساعد‬

‫عبدالرحمن بن �سامل الأهدل‬ ‫مراجعة إمالئية‬

‫�شركة الدليل املعا�صر‬ ‫تصميم وإخراج‬

‫�شركة الدليل املعا�صر‬ ‫نشر إلكتروني‬


‫مقدمة الكتاب‬
‫إن�سان عبوديت ُه هلل وطاعت ُه لأوامره‪ ،‬فيها �صالح الدنيا والآخرة‪ ،‬فالدين ُي�س ٌر‬ ‫مقامات ال ِ‬
‫ِ‬ ‫أعظم‬
‫� ُ‬
‫كله‪ ،‬وخي ٌر كله‪ ،‬و�صال ٌح كله‪.‬‬
‫وهذه العبودية التي ت�شمل جميع جوانب الحياة‪ ،‬يجب �أن تكون على علمٍ وب�صيرة‪ ،‬ليكتمل‬
‫بها الأجر وينجو بها من الزلل والزيغ‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬ف َمن َكانَ َي ْر ُجو ِل َقا َء َر ِّب ِه َف ْل َي ْع َم ْل َع َملاً َ�صا ِل ًحا‬
‫َو اَل ُي ْ�شرِ ْك ِب ِع َبا َد ِة َر ِّب ِه �أَ َحدًا{ (الكهف‪ )110 :‬و�صالح العمل �أن يكون على الطريقة ال�صائبة‪ ،‬كما �أمر‬
‫اهلل في كتابه‪ ،‬وعلمنا ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فكل خير في اتباعه وال�سير على �سنته وهديه‪.‬‬
‫ومن هنا فتعلم الم�سلم لأحكام دينه يعد من �أعظم النعم والهبات الربانية‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل‬
‫"من ُيرد اهلل به َخي ًرا ُيفقهه في الدّين" (البخاري ‪ ،71‬م�سلم ‪.)1037‬‬ ‫عليه و�سلم‪َ :‬‬
‫وقد حر�صنا في هذا الكتاب �أن نعر�ض لجميع مهمات الإ�سالم من ت�صورات واعتقادات و�شرائع‬
‫و�أخالقيات ب�أ�سلوب مي�سر وا�ضح المق�صود‪ ،‬محدد الإجراءات والخطوات‪ ،‬مع عدد من ال�صور‬
‫التي تزيد الإدراك والت�أمل في المعاني‪ ،‬ليكون مرج ًعا ودليلاً تعليم ًيا م�شو ًقا للم�سلمين باختالف‬
‫تخ�ص�صاتهم‪.‬‬
‫و�ستجد بعون اهلل �أن الكتاب بين يديك يحر�ص على ا�ستلهام الأ�سلوب القر�آني في ذكر‬
‫�أحكام الدين و�شرائعه‪ ،‬فلم يركز على ما يجب فعله �أو تركه فقط‪ ،‬ولكنه فوق ذلك ُي َع ِّرج على روح‬
‫تلك العبادات ومقا�صدها و�آثارها‪ ،‬ويجيب عن �أ�سئلة غاية في الأهمية لتعلم الدين ‪ -‬ال �سيما في هذا‬
‫علي �إن تغيرت الأحوال؟‬ ‫الع�صر �سريع التغيرات ‪ -‬مثل‪ :‬لماذا؟ كيف؟ وماذا َّ‬
‫ن�س�أل اهلل تبارك وتعالى �أن يخل�ص نياتنا‪ ،‬وي�صلح �أعمالنا‪ ،‬ويهدينا لأح�سن الأخالق والأقوال‬
‫والأفعال‪ ،‬ال يهدي لأح�سنها �إال هو‪ ،‬و�أن ي�صرف عنا �سيئها‪ ،‬ال ي�صرف عنا �سيئها �إال هو‪.‬‬

‫الم�ؤلف‬ ‫ ‬
‫محتوى الدليل‬

‫مقدمات‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪30‬‬ ‫العقل‬ ‫‪24‬‬ ‫األحكام الشرعية‬ ‫‪18‬‬ ‫أعظم نعمة في الوجود‬


‫‪30‬‬ ‫الن�سل‬ ‫الواج���ب ‪ -‬احل���رام ‪ -‬ال�سن���ة‬ ‫‪18‬‬ ‫كيف يكون �شكر هذه النعمة؟‬
‫‪30‬‬ ‫املـــــــال‬ ‫‪24‬‬ ‫وامل�ستحب ‪ -‬املكروه ‪ -‬املباح‬ ‫‪19‬‬ ‫الغاية من وجودنا‬
‫مصادر التشريع في‬ ‫‪25‬‬ ‫�أركان الإ�سالم اخلم�سة‬
‫‪31‬‬ ‫‪20‬‬ ‫اإلسالم دين عالمي‬
‫اإلسالم‬ ‫‪26‬‬ ‫كيف أعرف أحكام الدين؟‬
‫الإ�س�ل�ام يح�ت�رم ع ��ادات جمي ��ع‬
‫‪31‬‬ ‫القر�آن الكرمي‬ ‫‪26‬‬ ‫مواقع الإنرتنت املوثوقة‬ ‫‪20‬‬ ‫الأقوام وتقاليدهم‬
‫‪32‬‬ ‫ال�سنة النبوية‬ ‫‪27‬‬ ‫اإلسالم هو دين االعتدال‬ ‫‪20‬‬ ‫جميع الأر�ض مكان لعبادة اهلل‬
‫‪32‬‬ ‫الإجماع‬ ‫‪27‬‬ ‫الت�أكيد الرباين باالعتدال‬
‫‪21‬‬ ‫ال واسطة في اإلسالم‬
‫‪32‬‬ ‫القيا�س‬
‫‪28‬‬ ‫الدين يشمل جميع‬ ‫بين العبد وربه‬
‫‪33‬‬ ‫لماذا يختلف العلماء؟‬ ‫جوانب الحياة‬ ‫‪21‬‬ ‫الإ�سالم كرم الإن�سان و�أعلى قدره‬
‫‪34‬‬ ‫الأئمة الأربعة‬ ‫الدين منهج متكامل جلميع‬ ‫‪21‬‬ ‫حرر الإ�سالم عقل امل�سلم‬
‫ما الواجب على امل�سلم جتاه‬ ‫‪28‬‬ ‫جوانب احلياة‬ ‫‪22‬‬
‫‪35‬‬ ‫اإلسالم دين الحياة‬
‫اخلالف الفقهي؟‬ ‫العبرة بحقيقة اإلسالم ال‬
‫‪28‬‬ ‫‪22‬‬ ‫عمارة الأر�ض‬
‫بواقع بعض المسلمين‬ ‫‪22‬‬ ‫خمالطة النا�س‬
‫‪29‬‬ ‫الضرورات الخمس‬ ‫‪23‬‬ ‫دين العلم‬
‫‪29‬‬ ‫الدين‬ ‫‪24‬‬ ‫تعلم أحكام اإلسالم‬
‫‪29‬‬ ‫البدن‬
‫إيمان المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪60‬‬ ‫ماذا يت�ضمن الإميان باملالئكة؟‬ ‫الإميان بالربوبية يطمئن‬ ‫الشهادتان معناهما‬
‫‪46‬‬ ‫‪38‬‬
‫‪61‬‬ ‫ثمرات الإميان باملالئكة‬ ‫القلوب‬ ‫ومقتضاهما‬
‫‪62‬‬ ‫اإليمان بالكتب‬ ‫‪47‬‬ ‫حماربة اخلرافة يف النفو�س‬ ‫‪38‬‬ ‫شهادة أن ال إله إال اهلل‬
‫‪62‬‬ ‫معنى الإميان بالكتب‬ ‫‪47‬‬ ‫حماربة ال�سحر وال�شعوذة‬ ‫‪38‬‬ ‫ملاذا ال �إله �إال اهلل؟‬
‫‪62‬‬ ‫ما الذي يت�ضمنه الإميان بالكتب؟‬ ‫‪47‬‬ ‫النفع وال�ضر بيد اهلل �سبحانه‬ ‫‪38‬‬ ‫معنى ال �إله �إال اهلل‬
‫‪63‬‬ ‫ما موقفنا مما يف الكتب ال�سابقة؟‬ ‫ال يعل ��م الغي ��ب وامل�ستقب ��ل �إال‬ ‫‪39‬‬ ‫�أركان ال �إله �إال اهلل‬
‫‪47‬‬
‫‪64‬‬ ‫ما واجبنا نحو القر�آن الكرمي؟‬ ‫اهلل‬
‫‪40‬‬ ‫محمدا رسول‬
‫ً‬ ‫شهادة أن‬
‫‪65‬‬ ‫مزايا وخ�صائ�ص القر�آن الكرمي‬ ‫‪48‬‬ ‫حترمي الطرية والت�شا�ؤم‬
‫اهلل‬
‫‪65‬‬ ‫ثمرات الإميان بالكتب‬ ‫‪48‬‬ ‫ثمرات الإميان بربوبية اهلل‬
‫‪40‬‬ ‫معرفة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫‪66‬‬ ‫اإليمان بالرسل‬ ‫‪49‬‬ ‫الإميان ب�ألوهية اهلل تعاىل‬
‫‪40‬‬ ‫والدته‬
‫‪66‬‬ ‫حاجة النا�س �إىل الر�سالة‬ ‫‪49‬‬ ‫�أهمية الإميان بالألوهية‬
‫‪40‬‬ ‫حياته ون�ش�أته‬
‫‪66‬‬ ‫�أحد �أركان الإميان‬ ‫‪50‬‬ ‫ما حقيقة العبادة؟‬ ‫‪40‬‬ ‫بعثته‬
‫‪67‬‬ ‫معنى الإميان بالر�سل‬ ‫‪50‬‬ ‫تنوع العبادات‬ ‫‪40‬‬ ‫بداية دعوته‬
‫‪67‬‬ ‫�آيات الر�سل ومعجزاتهم‬ ‫‪51‬‬ ‫العبادة يف جميع جماالت احلياة‬ ‫‪41‬‬ ‫هجرته‬
‫‪67‬‬ ‫ماذا يت�ضمن الإميان بالر�سل؟‬ ‫‪51‬‬ ‫العبادة هي احلكمة من اخللق‬ ‫‪41‬‬ ‫ن�شره للإ�سالم‬
‫‪68‬‬ ‫من �صفات الر�سل‬ ‫‪52‬‬ ‫�أركان العبادة‬ ‫‪41‬‬ ‫وفاته‬
‫‪69‬‬ ‫ثمرات الإميان بالر�سل‬ ‫‪53‬‬ ‫�أنواع العبادة‬ ‫‪42‬‬ ‫معنى �شهادة �أن حممدًا ر�سول اهلل‬
‫عقيدة المسلم في‬ ‫‪54‬‬ ‫الشرك‬ ‫‪42‬‬ ‫ت�صديق الأخبار التي �أخرب بها‬
‫‪70‬‬ ‫عيسى بن مريم عليه‬ ‫‪54‬‬ ‫ال�شرك الأكرب‬ ‫‪42‬‬ ‫امتثال �أوامره ونواهيه‬
‫السالم‬ ‫‪55‬‬ ‫ال�شرك الأ�صغر‬ ‫‪43‬‬ ‫�أن ال نعبد �إال اهلل وفق �شرعه‬
‫‪70‬‬ ‫واحد من �أعظم الر�سل‬ ‫‪55‬‬ ‫هل يعت�ب�ر �س�ؤال النا� ��س والطلب‬ ‫‪43‬‬ ‫حمبته �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫‪70‬‬ ‫�أنه ب�شر من بني �آدم‬ ‫منهم يعترب �شركا؟‬
‫‪44‬‬ ‫اإليمان باهلل‬
‫‪70‬‬ ‫�أمه امر�أة �صاحلة‬ ‫‪56‬‬ ‫اإليمان بأسماء اهلل‬ ‫‪44‬‬ ‫معنى الإميان باهلل عز وجل‬
‫لي�س بينه وبني الر�سول حممد‬ ‫وصفاته‬ ‫‪44‬‬ ‫الإميان بوجود اهلل تعاىل‬
‫‪70‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ر�سول‬ ‫‪56‬‬ ‫معنى الإميان ب�أ�سماء اهلل و�صفاته‬ ‫‪44‬‬ ‫فطرة اهلل‬
‫‪71‬‬ ‫ن�ؤمن مبعجزاته‬ ‫‪56‬‬ ‫من �أ�سماء اهلل تعاىل‬
‫ال يت ��م �إميان �أحد م ��ن النا�س‬ ‫‪44‬‬ ‫�أدل ��ة وج ��ود اهلل �أو�ضح من �أن‬
‫‪59‬‬ ‫ثمرات الإميان ب�أ�سماء اهلل و�صفاته‬ ‫تذكر وحت�صر‬
‫‪71‬‬ ‫حتى ي�ؤمن ب�أن عي�سى عبداهلل‬
‫ور�سوله‬ ‫‪59‬‬ ‫�أعلى درجات الإميان‬ ‫‪45‬‬ ‫الإميان بربوبية اهلل تعاىل‬
‫‪71‬‬ ‫�أنه مل ُيقتل ومل ُي�صلب‬ ‫‪60‬‬ ‫اإليمان بالمالئكة‬ ‫‪46‬‬ ‫م�شرك ��و العرب كان ��وا م�ؤمنني‬
‫‪60‬‬ ‫معنى الإميان بهم‬ ‫بربوبية اهلل‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪82‬‬ ‫معنى الإميان بالقدر‬ ‫‪77‬‬ ‫معنى الإميان باليوم الآخر‬ ‫اإليمان بمحمد صلى اهلل‬
‫‪83‬‬ ‫ماذا يت�ضمن الإميان بالقدر؟‬ ‫مل ��اذا �أك ��د الق ��ر�آن عل ��ى الإمي ��ان‬ ‫‪72‬‬
‫‪77‬‬ ‫عليه وسلم نبيا ورسوال‬
‫‪84‬‬ ‫للإن�سان اختيار وقدرة و�إرادة‬ ‫باليوم الآخر؟‬
‫‪73‬‬ ‫خ�صائ�ص الر�سالة املحمدية‬
‫‪84‬‬ ‫االعتذار بالقدر‬ ‫‪78‬‬ ‫ماذا يت�ضمن الإميان باليوم الآخر؟‬
‫‪73‬‬ ‫خامتة للر�ساالت‬
‫‪85‬‬ ‫ثمرات الإميان بالقدر‬ ‫‪78‬‬ ‫الإميان بالبعث بعد املوت‬
‫‪73‬‬ ‫نا�سخة للر�ساالت‬
‫‪79‬‬ ‫الإميان باحل�ساب وامليزان‬
‫‪86‬‬ ‫اإلسالم والفرق الضالة‬ ‫‪73‬‬ ‫عامة �إىل الثقلني‬
‫‪79‬‬ ‫الإميان باجلنة والنار‬
‫‪86‬‬ ‫الت�شيع‬ ‫صحابة رسول اهلل وآل‬
‫‪79‬‬ ‫عذاب القرب ونعيمه‬ ‫‪74‬‬
‫‪81‬‬ ‫ثمرات الإميان باليوم الآخر‬ ‫بيته الكرام‬
‫‪82‬‬ ‫‪75‬‬ ‫مكانة ال�صحابة‬
‫اإليمان بالقدر‬
‫‪76‬‬ ‫�آل بيت النبوة‬
‫‪77‬‬ ‫اإليمان باليوم اآلخر‬

‫طهارة المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪98‬‬ ‫�صفة التيمم‬ ‫‪93‬‬ ‫الحدث‬ ‫‪90‬‬ ‫معنى الطهارة‬


‫‪99‬‬ ‫سنن الفطرة‬ ‫‪93‬‬ ‫احلدث الأ�صغر و الو�ضوء منه‬ ‫‪90‬‬ ‫الطهارة املطلوبة لل�صالة‬
‫‪99‬‬ ‫ما املق�صود ب�سنن الفطرة؟‬ ‫‪94‬‬ ‫كيف أتوضأ؟‬ ‫ما الطهارة المطلوبة‬
‫‪90‬‬
‫‪96‬‬ ‫الحدث األكبر والغسل‬ ‫لل�صالة؟‬
‫‪96‬‬ ‫موجبات الغ�سل‬ ‫‪91‬‬ ‫الطهارة من النجاسة‬
‫‪97‬‬ ‫كيف يتطهر امل�سلم من اجلنابة؟‬ ‫‪91‬‬ ‫الأ�صل يف الأ�شياء الطهارة‬
‫‪97‬‬ ‫حاالت خا�صة يف الطهارة‬ ‫‪91‬‬ ‫ما هي الأ�شياء النج�سة؟‬
‫‪97‬‬ ‫امل�سح على اجلوارب‬ ‫‪91‬‬ ‫كيفية تطهري النجا�سة؟‬
‫‪97‬‬ ‫امل�سح على اجلبرية‬ ‫�آداب اال�ستنجاء وق�ضاء‬
‫‪98‬‬ ‫من عجز عن ا�ستعمال املاء‬ ‫‪92‬‬
‫الحاجة‬
‫صالة المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪128‬‬ ‫األذان‬ ‫‪111‬‬ ‫الت�شهد‬ ‫‪102‬‬ ‫معنى الصالة‬


‫‪128‬‬ ‫�صفة الأذان والإقامة‬ ‫‪112‬‬ ‫ال�سالم‬ ‫‪102‬‬ ‫منزلة ال�صالة وف�ضلها‬
‫‪129‬‬ ‫الرتديد خلف امل�ؤذن‬ ‫‪112‬‬ ‫الأذكار امل�ستحبة بعد ال�صالة‬ ‫‪103‬‬ ‫فضائل الصالة‬
‫‪130‬‬ ‫الخشوع في الصالة‬ ‫‪113‬‬ ‫معنى سورة الفاتحة‬ ‫‪103‬‬ ‫تكفر الذنوب‬
‫‪130‬‬ ‫ف�ضل اخل�شوع‬ ‫‪114‬‬ ‫كيف أصلي؟‬ ‫‪103‬‬ ‫نور م�ضيء للم�سلم‬
‫‪130‬‬ ‫الو�سائل املعينة على اخل�شوع‬ ‫‪118‬‬ ‫أركان الصالة وواجباتها‬ ‫القيامةيحا�سب عليه العبد يوم ‪103‬‬ ‫�أول ما‬
‫اال�ستعداد لل�صالة والتهي�ؤ لها ‪130‬‬ ‫‪118‬‬ ‫�سنن ال�صالة‬
‫�إبعاد كل امل�شغالت واملنغ�صات ‪130‬‬ ‫‪119‬‬ ‫�سجود ال�سهو‬ ‫‪104‬‬ ‫شروط الصالة‬
‫‪131‬‬ ‫الطم�أنينة يف ال�صالة‬ ‫‪119‬‬ ‫متى ي�شرع �سجود ال�سهو؟‬ ‫‪104‬‬ ‫الطهارة‬
‫ا�ستح�ض���ار عظمة من �سيقف ‪131‬‬
‫بني يديه‬ ‫‪120‬‬ ‫مفسدات الصالة‬
‫‪104‬‬ ‫�سرت العورة‬
‫‪104‬‬ ‫ا�ستقبال القبلة‬
‫‪131‬‬ ‫تدبر الآيات املقروءة‬ ‫‪120‬‬ ‫مكروهات الصالة‬ ‫‪105‬‬ ‫دخول الوقت‬
‫‪132‬‬ ‫صالة الجمعة‬ ‫‪121‬‬ ‫ما هي الصلوات‬ ‫‪106‬‬ ‫وجوب الصالة‬
‫‪132‬‬ ‫ما هي �صالة اجلمعة؟‬ ‫المستحبة؟‬ ‫ال�صلوات اخلم�س املفرو�ضة‬
‫‪132‬‬ ‫ف�ضل يوم اجلمعة‬ ‫‪121‬‬ ‫ال�سنن الرواتب‬ ‫‪106‬‬
‫و�أوقاتها‬
‫‪132‬‬ ‫على من جتب اجلمعة؟‬ ‫‪121‬‬ ‫الوتر‬ ‫‪106‬‬ ‫�صالة الفجر‬
‫‪133‬‬ ‫�صفة و�أحكام �صالة اجلمعة‬ ‫‪122‬‬ ‫صالة االستسقاء‬ ‫‪106‬‬ ‫�صالة الظهر‬
‫‪133‬‬ ‫من يعذر يف ح�ضور اجلمعة؟‬ ‫‪123‬‬ ‫صالة االستخارة‬ ‫‪106‬‬ ‫�صالة الع�صر‬
‫ه ��ل دوام العمل والوظيفة عذر يف‬ ‫‪106‬‬ ‫�صالة املغرب‬
‫‪134‬‬ ‫‪123‬‬ ‫صالة الضحى‬
‫التخلف عن �صالة اجلمعة؟‬ ‫‪106‬‬ ‫�صالة الع�شاء‬
‫متى يكون العمل عذ ًرا يف‬ ‫‪124‬‬ ‫صالة الكسوف‬
‫‪134‬‬ ‫‪107‬‬ ‫مكان الصالة‬
‫التخلف عن �صالة اجلمعة؟‬ ‫أوقات النهي عن صالة‬
‫‪125‬‬ ‫‪107‬‬ ‫�ضوابط مكان ال�صالة‬
‫‪135‬‬ ‫صالة المسافر‬ ‫التطوع‬
‫‪126‬‬ ‫‪108‬‬ ‫صفة الصالة‬
‫‪135‬‬ ‫صالة المريض‬ ‫صالة الجماعة‬
‫‪126‬‬ ‫معنى االئتمام‬ ‫‪108‬‬ ‫النية‬
‫‪126‬‬ ‫من يقدم للإمامة؟‬ ‫‪108‬‬ ‫التكبري والقيام‬
‫‪127‬‬ ‫�أين يقف الإمام وامل�أمومون؟‬ ‫‪108‬‬ ‫دعاء اال�ستفتاح‬
‫‪127‬‬ ‫كيف يتم ما فاته مع الإمام؟‬ ‫‪109‬‬ ‫قراءة الفاحتة‬
‫‪127‬‬ ‫مباذا تدرك الركعة؟‬ ‫‪109‬‬ ‫���ظ‬ ‫ف‬ ‫يح‬ ‫ال‬ ‫���ن‬ ‫م‬ ‫���ل‬ ‫م���اذا يفع‬
‫الفاحتة؟‬
‫�أمثل ��ة االئتم ��ام مل ��ن فات ��ه �أول‬ ‫‪110‬‬ ‫الركوع والرفع منه‬
‫‪127‬‬
‫ال�صالة مه الإمام‬ ‫ال�سجود واجللو�س بني ال�سجدتني ‪110‬‬
‫صيام المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪143‬‬ ‫�صيام ثالثة �أيام من كل �شهر‬ ‫من عذرهم اهلل في‬ ‫‪138‬‬ ‫صيام رمضان‬
‫‪142‬‬
‫‪144‬‬ ‫العيد‬ ‫الصيام‬ ‫‪138‬‬ ‫معنى ال�صيام‬
‫‪144‬‬ ‫العيد يف الإ�سالم‬ ‫‪142‬‬ ‫املري�ض‬ ‫‪138‬‬ ‫فضل شهر رمضان‬
‫‪144‬‬ ‫�أعياد امل�سلمني‬ ‫‪142‬‬ ‫العاجز عن ال�صوم‬ ‫‪138‬‬ ‫ما هو �شهر رم�ضان؟‬
‫‪145‬‬ ‫عيد الفطر‬ ‫‪142‬‬ ‫امل�سافر‬ ‫‪139‬‬ ‫ف�ضل ال�صيام‬
‫‪145‬‬ ‫ماذا ي�شرع يوم عيد الفطر؟‬ ‫‪142‬‬ ‫احلائ�ض والنف�ساء‬ ‫‪140‬‬ ‫الحكمة من الصيام‬
‫‪145‬‬ ‫�صالة العيد‬ ‫‪142‬‬ ‫احلامل واملر�ضع‬ ‫‪141‬‬ ‫المفطرات‬
‫‪145‬‬ ‫زكاة الفطر‬ ‫‪142‬‬ ‫امل�سافر‬ ‫‪141‬‬ ‫الأكل وال�شرب‬
‫‪146‬‬ ‫‪142‬‬ ‫حكم من �أفطر يف رم�ضان‬ ‫‪141‬‬ ‫ما كان يف معنى الأكل وال�شرب‬
‫عيد األضحى‬
‫‪143‬‬ ‫صيام التطوع‬ ‫‪141‬‬ ‫اجلماع‬
‫‪147‬‬ ‫ماذا ي�شرع يوم عيد الأ�ضحى؟‬
‫‪143‬‬ ‫يوم عا�شوراء‬ ‫‪141‬‬ ‫�إنزال املني‬
‫‪147‬‬ ‫�شروط احليوان امل�ضحى به‬ ‫‪141‬‬ ‫التقي�ؤ عمدًا‬
‫‪147‬‬ ‫ماذا يفعل بالأ�ضحية؟‬ ‫‪143‬‬ ‫يوم عرفة‬
‫‪141‬‬ ‫خروج دم احلي�ض والنفا�س‬
‫‪143‬‬ ‫�ستة �أيام من �شوال‬

‫زكاة المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪155‬‬ ‫كيفية زكاة المواشي‬ ‫‪152‬‬ ‫النقود والأموال‬ ‫‪150‬‬ ‫مقاصد الزكاة‬
‫‪157‬‬ ‫‪153‬‬ ‫عرو�ض التجارة‬
‫لمن تصرف الزكاة؟‬ ‫‪152‬‬ ‫ما األموال التي تجب فيها‬
‫‪153‬‬ ‫املزروعات‬ ‫الزكاة؟‬
‫‪157‬‬ ‫�أ�صناف امل�ستحقني للزكاة‬
‫‪154‬‬ ‫الرثوة احليوانية‬ ‫‪152‬‬ ‫الذهب والف�ضة‬
‫حج المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪172‬‬ ‫ال�صالة يف الرو�ضة ال�شريفة‬ ‫‪163‬‬ ‫فضائل الحج‬ ‫فضائل مكة والمسجد‬
‫ال�سالم على الر�سول �صلى اهلل‬ ‫‪160‬‬
‫‪172‬‬ ‫‪164‬‬ ‫صفة الحج‬ ‫الحرام‬
‫عليه و�سلم‬
‫‪165‬‬ ‫حمظورات الإحرام‬ ‫‪162‬‬ ‫معنى الحج‬
‫‪172‬‬ ‫زيارة م�سجد قباء‬
‫‪173‬‬ ‫زيارة مقربة البقيع‬ ‫‪167‬‬ ‫العمرة‬ ‫‪162‬‬ ‫وقت احلج‬
‫‪173‬‬ ‫زيارة مقربة �شهداء �أحد‬ ‫‪168‬‬ ‫‪162‬‬ ‫على من يجب احلج؟‬
‫مقاصد الحج‬
‫‪170‬‬ ‫‪162‬‬ ‫أحوال استطاعة المسلم‬
‫زيارة المدينة النبوية‬
‫للحج‬
‫‪170‬‬ ‫ف�ضائل املدينة‬
‫ما ال ��ذي ي�شرع زيارت ��ه يف املدينة‬ ‫‪163‬‬ ‫اشتراط وجود المحرم‬
‫‪172‬‬ ‫لحج المرأة‬
‫النبوية؟‬

‫الموت والجنازة‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪187‬‬ ‫زيارة المقابر‬ ‫‪182‬‬ ‫�صفة �صالة اجلنازة‬ ‫‪176‬‬ ‫حقيقة الموت والحياة‬
‫‪187‬‬ ‫الزيارة امل�ستحبة‬ ‫‪183‬‬ ‫مكان �صالة اجلنازة‬ ‫‪177‬‬ ‫عند االحت�ضار‬
‫‪187‬‬ ‫الزيارة املباحة‬ ‫‪184‬‬ ‫دفن الميت‬ ‫‪178‬‬ ‫بعد الموت‬
‫‪187‬‬ ‫الزيارة املحرمة‬ ‫‪185‬‬ ‫ما بعد الدفن‬ ‫‪179‬‬ ‫غسل الميت‬
‫‪188‬‬ ‫الوصية‬ ‫‪186‬‬ ‫العزاء‬ ‫‪180‬‬ ‫من يقوم بالتغ�سيل؟‬
‫‪188‬‬ ‫الو�صية الواجبة‬ ‫‪186‬‬ ‫احلزن والإحداد على امليت‬ ‫‪181‬‬ ‫تكفين الميت‬
‫‪188‬‬ ‫الو�صية امل�ستحبة‬ ‫ما الذي على املر�أة يف عدة وفاة‬
‫‪186‬‬ ‫‪181‬‬ ‫�صفة الكفن‬
‫‪189‬‬ ‫الميراث‬ ‫زوجها؟‬
‫‪182‬‬ ‫صالة الجنازة‬
‫أخالق المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪200‬‬ ‫الرحمة بالأطفال‬ ‫‪196‬‬ ‫الأ�سرة‬ ‫مكانة األخالق في‬


‫‪192‬‬
‫‪201‬‬ ‫الرحمة بالن�ساء‬ ‫‪196‬‬ ‫التجارة‬ ‫اإلسالم‬
‫‪201‬‬ ‫الرحمة بال�ضعفاء‬ ‫‪196‬‬ ‫ال�صناعة‬ ‫‪194‬‬ ‫مزايا األخالق في اإلسالم‬
‫‪202‬‬ ‫الرحمة بالبهائم‬ ‫‪197‬‬ ‫في جميع الحاالت‬ ‫‪194‬‬ ‫لي�ست خا�صة بنوع من النا�س‬
‫‪202‬‬ ‫العدل‬ ‫‪197‬‬ ‫من �أخالق الإ�سالم يف احلرب‬ ‫‪194‬‬ ‫الأخالق مع غري امل�سلمني‬
‫‪203‬‬ ‫الإح�سان والكرم‬ ‫صور من حياة النبي صلى‬ ‫‪195‬‬ ‫لي�ست خا�صة بالإن�سان‬
‫‪198‬‬
‫اهلل عليه وسلم وأخالقه‬ ‫‪195‬‬ ‫الأخالق مع احليوان‬
‫‪198‬‬ ‫التوا�ضع‬ ‫‪195‬‬ ‫الأخالق للمحافظة على البيئة‬
‫‪200‬‬ ‫الرحمة‬ ‫‪196‬‬ ‫�شاملة جلميع جوانب احلياة‬

‫المعامالت المالية‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪214‬‬ ‫القمار والميسر‬ ‫‪210‬‬ ‫خطورة الربا على الفرد واملجتمع‬ ‫‪207‬‬ ‫األصل في المعامالت‬
‫‪215‬‬ ‫�أنواع املي�سر‬ ‫‪211‬‬ ‫كيفية التوبة من الربا؟‬ ‫‪207‬‬ ‫املحرم لذاته‬
‫أخالق اإلسالم في‬ ‫‪212‬‬ ‫الغـــــــرر والجهالة‬ ‫‪207‬‬ ‫�أمثله ملا حرمه الإ�سالم لذاته‬
‫‪216‬‬ ‫‪207‬‬ ‫املحرم لك�سبه‬
‫المعامالت‬ ‫‪212‬‬ ‫معنى الغرر واجلهالة‬
‫‪216‬‬ ‫الأمانة‬ ‫‪212‬‬ ‫�أمثلة بيع الغرر‬ ‫‪208‬‬ ‫الربــــــا‬
‫‪217‬‬ ‫ال�صدق‬ ‫‪212‬‬ ‫متى تكون اجلهالة م�ؤثرة؟‬ ‫‪208‬‬ ‫ربا الدين‬
‫‪217‬‬ ‫الإتقان‬ ‫الظلم وأخذ أموال الناس‬ ‫‪208‬‬ ‫ربا القر�ض‬
‫‪213‬‬ ‫‪209‬‬ ‫حكم الربا‬
‫بالباطل‬
‫‪213‬‬ ‫من �أمثلة الظلم يف املعامالت‬ ‫‪209‬‬ ‫عقوبة الربا‬
‫طعام المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫النهي عن الأكل وال�شرب يف‬ ‫‪223‬‬ ‫احلمار الأهلي‬ ‫‪220‬‬ ‫الأ�صل يف الأطعمة‬
‫‪228‬‬ ‫�آنية الذهب‬ ‫‪223‬‬ ‫�أنواع احليوانات املباحة‬ ‫‪220‬‬ ‫المزروعات والثمار‬
‫‪228‬‬ ‫غ�سل اليدين‬ ‫‪224‬‬ ‫الذكاة ال�شرعية‬ ‫‪221‬‬ ‫المأكوالت البحرية‬
‫‪228‬‬ ‫قول (ب�سم اهلل) قبل البدء‬ ‫‪224‬‬ ‫�شروط الذكاة ال�شرعية‬ ‫‪221‬‬ ‫حيوانات البر‬
‫‪229‬‬ ‫الأكل وال�شرب باليد اليمنى‬ ‫‪224‬‬ ‫�أنواع اللحوم يف املطاعم واملحالت‬ ‫�شروط جواز الأكل من حيوانات‬
‫‪229‬‬ ‫ا�ستحباب عدم الأكل واق ًفا‬ ‫‪225‬‬
‫‪221‬‬ ‫الرب‬
‫الصيد الشرعي‬
‫‪229‬‬ ‫الأكل من الطعام القريب‬ ‫‪222‬‬ ‫ما هي احليوانات املحرمة؟‬
‫‪225‬‬ ‫�شروط ال�صيد‬
‫ا�ستحباب رفع اللقمة �إذا‬ ‫‪222‬‬ ‫كل ذي ناب من ال�سباع‬
‫‪229‬‬ ‫‪226‬‬ ‫الخمور والكحول‬
‫�سقطت‬
‫‪229‬‬ ‫عدم عيب الطعام‬ ‫‪226‬‬ ‫حكم اخلمر‬ ‫‪222‬‬ ‫كل ذي خملب من الطيور‬
‫‪229‬‬ ‫عدم الإكثار من الطعام‬ ‫‪227‬‬ ‫المخدرات‬
‫‪222‬‬ ‫الثعابني والفئران‬
‫‪229‬‬ ‫قول (احلمدهلل) عند االنتهاء‬ ‫‪228‬‬ ‫‪223‬‬ ‫احل�شرات‬
‫آداب الطعام والشراب‬
‫‪223‬‬ ‫اخلنزير‬

‫لباس المسلم‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪234‬‬ ‫�إذا كان فيه حرير �أو ذهب للرجال‬ ‫‪234‬‬ ‫األلبسة المحرمة‬ ‫‪232‬‬ ‫اللباس في اإلسالم‬
‫‪235‬‬ ‫ما فيه ت�شبه بالكفار‬ ‫‪234‬‬ ‫ما يك�شف العورة‬ ‫‪232‬‬ ‫اللبا�س يحقق عددًا من احلاجات‬
‫‪235‬‬ ‫ما ي�صاحبه كرب وخيالء‬ ‫‪234‬‬ ‫حدود العورة‬ ‫األصل في اللباس الزينة‬
‫‪233‬‬
‫‪235‬‬ ‫ما فيه �إ�سراف وتبذير‬ ‫‪234‬‬ ‫ما فيه ت�شبه بني اجلن�سني‬ ‫واإلباحة‬
‫األسرة المسلمة‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪258‬‬ ‫�أحكام الطالق‬ ‫‪250‬‬ ‫عقد النكاح‬ ‫‪238‬‬ ‫مكانة األسرة المسلمة‬
‫‪259‬‬ ‫عدة املر�أة املطلقة‬ ‫‪250‬‬ ‫�شروط عقد النكاح‬ ‫‪238‬‬ ‫�أهمية الزواج والت�أكيد عليه‬
‫من تزوجها بعقد ومل يدخل‬ ‫‪250‬‬ ‫ر�ضا الزوجني‬ ‫‪239‬‬ ‫االحرتام جلميع �أفراد الأ�سرة‬
‫‪259‬‬ ‫‪251‬‬ ‫وجود الويل‬
‫عليها‬ ‫‪239‬‬ ‫الأمر ب�صلة الرحم والأقارب‬
‫‪259‬‬ ‫عدة احلامل‬ ‫‪251‬‬ ‫الإعالن ووجود ال�شاهدين‬ ‫‪239‬‬ ‫التقدير للآباء والأمهات‬
‫‪259‬‬ ‫من مل تكن حامل‬ ‫توفر ال�شروط يف الرجل‬ ‫‪239‬‬ ‫الأمر بحفظ حقوق الأبناء والبنات‬
‫‪252‬‬
‫‪259‬‬ ‫التي ال حتي�ض‬ ‫واملر�أة‬ ‫‪240‬‬ ‫مكانة المرأة في اإلسالم‬
‫‪260‬‬ ‫�أق�سام املر�أة املطلقة يف فرتة العدة‬ ‫‪253‬‬ ‫حقوق الزوج والزوجة‬ ‫‪240‬‬ ‫�أمثلة من تكرمي الإ�سالم للمر�أة‬
‫‪260‬‬ ‫املطلقة الرجعية‬ ‫‪253‬‬ ‫حقوق الزوجة‬ ‫‪241‬‬ ‫ن�ساء �أكد الإ�سالم العناية بهن‬
‫‪261‬‬ ‫املطلقة البائن‬ ‫‪253‬‬ ‫النفقة وال�سكنى‬ ‫‪241‬‬ ‫الأم‬
‫‪261‬‬ ‫عدة املر�أة املتوفى عنها زوجها‬ ‫‪253‬‬ ‫الع�شرة احل�سنة‬ ‫‪241‬‬ ‫البنت‬
‫ما يجب على املر�أة املعتدة لوفاة‬ ‫‪254‬‬ ‫املداراة والتحمل‬ ‫‪241‬‬ ‫الزوجة‬
‫‪261‬‬
‫زوجها‬ ‫‪254‬‬ ‫ال يف�شي �أ�سرارها‬
‫‪242‬‬ ‫ال مكان للصراع بين‬
‫‪262‬‬ ‫حقوق الوالدين‬ ‫‪255‬‬ ‫الدفاع عنها‬ ‫الجنسين‬
‫الرب بالوالدين من �أعظم‬ ‫‪255‬‬ ‫املبيت‬
‫‪262‬‬ ‫أقسام المرأة بالنسبة‬
‫الأعمال‬ ‫‪255‬‬ ‫ال يجوز التعدي على املر�أة‬ ‫‪243‬‬
‫للرجل‬
‫‪262‬‬ ‫خطورة العقوق‬ ‫‪255‬‬ ‫وجوب تعليمها ون�صحها‬
‫‪243‬‬ ‫�أن تكون زوجته‬
‫‪262‬‬ ‫طاعتهما يف غري مع�صية اهلل‬ ‫‪255‬‬ ‫االلتزام ب�شروطها عند العقد‬
‫‪243‬‬ ‫�أن تكون املر�أة �أجنبية عنه‬
‫‪262‬‬ ‫الإح�سان �إليهما عند الكرب‬ ‫‪256‬‬ ‫حقوق الزوج‬
‫‪244‬‬ ‫�أن تكون من حمارمه‬
‫‪262‬‬ ‫الوالدان غري امل�سلمني‬ ‫‪256‬‬ ‫وجوب الطاعة باملعروف‬
‫‪245‬‬ ‫تف�صيل املحارم وتو�ضيحها‬
‫‪263‬‬ ‫حقوق األبناء‬
‫‪256‬‬ ‫متكني الزوج من اال�ستمتاع‬
‫‪256‬‬ ‫عدم الإذن ملن يكره بدخول البيت‬ ‫‪246‬‬ ‫ضوابط العالقة بين الرجل‬
‫‪263‬‬ ‫اختيار الزوجة ال�صاحلة‬ ‫والمرأة األجنبية‬
‫‪263‬‬ ‫ت�سمية الأوالد ب�أ�سماء ح�سنة‬ ‫‪256‬‬ ‫عدم اخلروج من املنزل �إال ب�إذن‬
‫‪256‬‬ ‫ا�ستحباب خدمة املر�أة لزوجها‬ ‫‪246‬‬ ‫غ�ض الب�صر‬
‫�إح�سان تربيتهم وتعليمهم‬ ‫‪246‬‬ ‫التعامل ب�أدب وخلق‬
‫‪263‬‬ ‫‪257‬‬ ‫تعدد الزوجات‬
‫للدين‬ ‫‪247‬‬ ‫حترمي اخللوة‬
‫‪263‬‬ ‫النفقة عليهم باملعروف‬ ‫‪257‬‬ ‫�شروط تعدد الزوجات‬
‫‪247‬‬ ‫احلجاب‬
‫‪263‬‬ ‫العدل بني الأوالد‬ ‫‪257‬‬ ‫العدل‬
‫‪247‬‬ ‫حدود احلجاب‬
‫‪257‬‬ ‫القدرة على النفقة‬
‫‪247‬‬ ‫�ضوابط احلجاب ال�ساتر‬
‫‪257‬‬ ‫�أال يزيد التعدد عن �أربع‬
‫‪257‬‬ ‫مينع اجلمع بني بع�ض الن�ساء‬ ‫‪248‬‬ ‫الزواج في اإلسالم‬
‫‪258‬‬ ‫‪248‬‬ ‫اخلطبة‬
‫الطالق‬
‫‪249‬‬ ‫�أحكام اخلطبة‬
‫األدعية واألذكار‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬ ‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪279‬‬ ‫الت�أدب واخل�ضوع والتذلل‬ ‫‪275‬‬ ‫�آية الكر�سي‬ ‫‪266‬‬ ‫مكانة الذكر‬
‫‪279‬‬ ‫الإحلاح يف الدعاء‬ ‫‪275‬‬ ‫املعوذات‬ ‫‪267‬‬ ‫مكان الذكر‬
‫‪279‬‬ ‫عدم اال�ستعجال يف الإجابة‬ ‫‪275‬‬ ‫ب�سم اهلل الذي ال ي�ضر مع ا�سمه‬ ‫هل يلزم �أن تقال الأذكار باللغة‬
‫‪279‬‬ ‫رفع اليدين يف الدعاء‬ ‫‪275‬‬ ‫ر�ضيت باهلل ر ًبا‬ ‫‪268‬‬
‫العربية؟‬
‫‪279‬‬ ‫التخل�ص من املال احلرام‬ ‫‪275‬‬ ‫اللهم �أنت ربي ال �إله �إال �أنت‬ ‫‪268‬‬ ‫�أعظم الأذكار‬
‫‪280‬‬ ‫من مواطن ا�ستجابة الدعاء‬ ‫‪275‬‬ ‫�أ�صبحنا و�أ�صبح امللك هلل‬ ‫‪268‬‬ ‫آية الكرسي‬
‫‪280‬‬ ‫يوم اجلمعة‬ ‫‪276‬‬ ‫الدعاء عند الطعام‬ ‫‪270‬‬ ‫املعوذات‬
‫‪280‬‬ ‫يف �آخر الليل‬ ‫‪276‬‬ ‫قبل الطعام‬
‫‪280‬‬ ‫بني الأذان والإقامة‬ ‫‪270‬‬ ‫سورة اإلخالص‬
‫‪276‬‬ ‫عند الفراغ من الطعام‬
‫‪280‬‬ ‫بعد ال�صالة املفرو�ضة‬ ‫‪270‬‬ ‫تف�سري �سورة الإخال�ص‬
‫‪276‬‬ ‫الدعاء في المنزل‬
‫‪280‬‬ ‫ال�سجود‬ ‫‪270‬‬ ‫سورة الفلق‬
‫‪276‬‬ ‫عند دخول املنزل‬
‫‪280‬‬ ‫يف ال�سفر‬ ‫‪270‬‬ ‫تف�سري �سورة الفلق‬
‫‪276‬‬ ‫عند اخلروج من املنزل‬
‫هل يكون الدعاء باللغة‬ ‫‪271‬‬ ‫سورة الناس‬
‫‪281‬‬ ‫‪276‬‬ ‫الدعاء عند النوم‬
‫العربية فقط؟‬ ‫‪271‬‬ ‫تف�سري �سورة النا�س‬
‫‪276‬‬ ‫دعاء اال�ستيقاظ من النوم‬
‫‪281‬‬ ‫�أدعية م�أثورة‬ ‫‪271‬‬ ‫وقت قراءة املعوذات‬
‫‪281‬‬ ‫من �أدعية القر�آن‬ ‫‪277‬‬ ‫اآلذان والمسجد‬ ‫‪272‬‬ ‫أذكار مهمة‬
‫‪282‬‬ ‫من الأدعية النبوية‬ ‫‪277‬‬ ‫الرتديد مع امل�ؤذن‬
‫‪272‬‬ ‫ال �إله �إال اهلل‬
‫‪277‬‬ ‫ما يقال بعد االنتهاء من الأذان‬
‫‪272‬‬ ‫�سبحان اهلل‬
‫‪277‬‬ ‫عند دخول امل�سجد‬
‫‪272‬‬ ‫احلمد هلل‬
‫‪277‬‬ ‫بعد الصالة المكتوبة‬ ‫‪273‬‬ ‫�سبحان اهلل وبحمده‬
‫‪277‬‬ ‫�أ�ستغفر اهلل ثال ًثا‬ ‫�سبحان اهلل وبحمده �سبحان اهلل‬
‫‪277‬‬ ‫اللهم �أنت ال�سالم‬ ‫‪273‬‬
‫العظيم‬
‫الت�سبيح والتحميد والتكبري‬ ‫‪273‬‬ ‫اهلل �أكرب‬
‫‪277‬‬
‫ثال ًثا وثالثني مرة‬ ‫‪273‬‬ ‫�أ�ستغفر اهلل‬
‫‪277‬‬ ‫قراءة �أية الكر�سي‬ ‫‪273‬‬ ‫ال حول وال قوة �إال باهلل‬
‫‪277‬‬ ‫قراءة املعوذات‬ ‫‪273‬‬ ‫ب�سم اهلل‬
‫‪278‬‬ ‫حقيقة الدعاء‬ ‫‪274‬‬ ‫�أعوذ باهلل من ال�شيطان الرجيم‬
‫‪278‬‬ ‫هل يجيب اهلل كل الداعني؟‬ ‫‪274‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫‪279‬‬ ‫�آداب الدعاء‬ ‫األذكار في األحوال‬
‫‪279‬‬ ‫الإخال�ص هلل‬ ‫‪275‬‬
‫المختلفة‬
‫‪279‬‬ ‫�أن يعزم الداعي يف امل�س�ألة‬ ‫‪275‬‬ ‫أذكار الصباح والمساء‬
‫‪ 16‬مقدمات‬
‫‪17‬‬

‫مقدمات‬

‫ال وا�سطة بني العبد وربه‬ ‫�أعظم نعمة يف الوجود‬


‫الإ�سالم دين احلياة‬ ‫الغاية من وجودنا‬
‫تعلم �أحكام الإ�سالم‬ ‫الإ�سالم دين عاملي‬
‫جميع الأر�ض مكان لعبادة اهلل الأحكام ال�شرعية‬
‫‪ 18‬مقدمات‬

‫مقدمات‬
‫أعظم نعمة في الوجود‬

‫�أنعم اهلل تعالى على الإن�سان بنعم ال ح�صر لها‪ ،‬فما زال كل واحد‬
‫منا يتقلب في نعم اهلل وف�ضائله‪ ،‬فهو �سبحانه من �أنعم علينا‬
‫بال�سمع و الب�صر حين ُحرمها كثير من النا�س‪ ،‬و�أنعم علينا‬
‫بالعقل وال�صحة والمال والأهل‪ ،‬بل �سخر لنا الكون كله‬
‫ب�شم�سه و�سمائه و�أر�ضه ومخلوقاته } َو�إِنْ َت ُع ُّدوا ِن ْع َم َة ا ِ‬
‫هلل‬
‫اَل ت ُْح ُ�صوهَ ا{(النحل‪.)18 :‬‬
‫ولكن كل هذه النعم تنتهي بانتهاء حياتنا الق�صيرة‪..‬‬
‫�أما النعمة الوحيدة التي تثمر ال�سعادة والطم�أنينة‬
‫في الدنيا ويمتد �أثرها �إلى الآخرة‪ ،‬فهي نعمة الهداية‬
‫للإ�سالم‪ ،‬وهي �أكبر نعمة �أنعم اهلل بها على عباده‪.‬‬
‫ولهذا �أ�ضاف اهلل هذه النعمة �إليه �سبحانه ت�شري ًفا لها عن‬
‫غيرها من النعم‪ ،‬فقال �سبحانه‪} :‬ا ْل َي ْو َم �أَ ْك َم ْلتُ َل ُك ْم ِدي َن ُك ْم َو�أَ ْت َم ْمتُ َع َل ْي ُك ْم ِن ْع َم ِتي َو َر ِ�ضيتُ‬
‫ال ْ�سلاَ َم ِدي ًنا{ (المائدة‪.)3 :‬‬ ‫َل ُك ُم ْ ِإ‬
‫وما �أعظم نعمة اهلل على الإن�سان حين يخرجه من الظلمات �إلى النور ويهديه للدين الذي ارت�ضاه له‪ ،‬ليحقق‬
‫المق�صد والوظيفة التي خلق من �أجلها وهي عبادة اهلل‪ ،‬فينال �سعادة الدنيا وح�سن ثواب الآخرة‪.‬‬
‫وما �أعظم منة اهلل وف�ضله علينا حين ي�صطفينا ويختارنا لنكون من خير �أمة �أخرجت للنا�س لنحمل كلمة ال �إله‬
‫�إال اهلل‪ ،‬التي بعث اهلل بها كل الأنبياء عليهم ال�صالة وال�سالم‪.‬‬
‫ولما ظن بع�ض الجهلة �أن الف�ضل لهم في �إ�سالمهم‪ ،‬وجعلوا يمتنون بذلك على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬
‫نبههم اهلل تعالى على �أن الف�ضل والمنة كلها هلل ب�أن ي�سر لهم الهداية لهذا الدين‪ ،‬فقال اهلل تبارك وتعالى‪َ } :‬ي ُم ُّنونَ‬
‫لي َمانِ �إِنْ ُك ْنت ُْم َ�صا ِد ِقينَ { (الحجرات‪.)17 :‬‬ ‫هلل َي ُمنُّ َع َل ْي ُك ْم �أَنْ هَ دَ ا ُك ْم ِل ْ ِإ‬
‫َع َل ْي َك �أَنْ �أَ ْ�س َل ُموا ُق ْل اَل َت ُم ُّنوا َع َل َّي ِ�إ ْ�سلاَ َم ُك ْم َب ِل ا ُ‬
‫فنعم اهلل تعالى كثيرة‪ ،‬ومع هذا فالنعمة الوحيدة التي ذكر اهلل م َّنه بها علينا هي نعمة الإ�سالم والهداية لعبادته‬
‫وتوحيده‪.‬‬
‫ولكن هذه النعمة بحاجة �إلى ال�شكر لتبقى وتثبت وتزيد‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬لئِنْ َ�ش َك ْرت ُْم َ ألَزِيدَ َّن ُك ْم{ (�إبراهيم‪.)7 :‬‬
‫‪19‬‬

‫الغاية من وجودنا‬
‫يحتار كثير من المفكرين والب�سطاء على حد �سواء‬
‫في �إجابة ال�س�ؤال الأهم في حياتنا‪:‬‬
‫لماذا نحن موجودون ؟‬
‫ما الهدف من حياتنا ؟‬
‫وقد حدد القر�آن الغاية والهدف من وجود الإن�سان في‬
‫هذه الحياة بكل و�ضوح ودقة في قول اهلل تعالى‪َ }:‬و َما‬
‫ُون{ (الذاريات‪)56 :‬‬ ‫ال ْن َ�س �إِ اَّل ِل َي ْع ُبد ِ‬
‫َخ َل ْقتُ ا ْل ِجنَّ َو ْ إِ‬
‫فالعبادة هي الغاية من وجودنا في هذه الأر�ض وما‬
‫�سواها و�سائل وتوابع ومكمالت‪.‬‬
‫ولكن العبادة في المفهوم الإ�سالمي لي�ست رهبنة‬
‫وانقطاعا عن الحياة وملذاتها ومتعها‪ ،‬بل هي ت�شمل‬ ‫ً‬
‫كل �أفعال الإن�سان و�أقواله‬ ‫مع ال�صالة وال�صوم والزكاة َّ‬
‫واختراعاته وعالقاته‪ ،‬بل وحتى لعبه وا�ستمتاعه‪ ،‬متى‬
‫ما �صاحب ذلك النية ال�صالحة والق�صد الح�سن‪ ،‬ولهذا‬
‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬في ب�ضع �أحدكم‬
‫�صدقة " (م�سلم‪ )1006 :‬يعني بذلك �أن الأجر والثواب‬
‫ينال الم�سلم حتى با�ستمتاعه بزوجته‪.‬‬
‫وبذلك ت�صير العبادة مع كونها هدف الحياة‪:‬‬
‫حقيقة الحياة‪ ،‬فالم�سلم يتقلب بين �أنواع من العبادات‪،‬‬
‫كما قال اهلل تعالى‪ُ }:‬ق ْل �إِ َّن َ�ص َال ِتي َو ُن ُ�س ِكي َو َم ْح َي َاي‬
‫َو َم َما ِتي لهلِ ِ َر ِّب ا ْل َعا َلمِ ينَ {(الأنعام‪.)162 :‬‬
‫‪ 20‬مقدمات‬

‫اإلسالم دين عالمي‬

‫جاء ديــن الإ�ســالم رحمـة وهداية لكـل ال�شعـــوب باختالف ثقافــاتها و�أعراقها وعاداتها وبلدانها‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪َ }:‬و َما �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬
‫اك ِ�إ َاّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعا َلمِ ينَ {( الأنبياء ‪.)107‬‬
‫ولهذا فالإ�سالم يحترم جميع عادات الأقوام وتقاليدهم وال ُي ْل ِزم الم�سلمين بتغييرها �إال �إن خالفت �شي ًئا من‬
‫�شرائع الإ�سالم‪ ،‬فما خالف الإ�سالم من العادات وجب تغييره بما يتوافق معه‪ ،‬لأن اهلل الذي �أمر و نهى هو العليم‬
‫الخبير �سبحانه وتعالى‪ ،‬ومقت�ضى �إيماننا باهلل امتثالنا ل�شرعه‪.‬‬
‫و ُي َن َّبه �إلى �أن عادات الم�سلمين التي ال عالقة لها بالإ�سالم وت�شريعاته ال ي�شرع للم�سلم التم�سك �أو االلتزام بها‬
‫و�إنما هي نوع من عادات النا�س وتعامالتهم المباحة‪.‬‬

‫جميع األرض مكان لعبادة اهلل‪:‬‬


‫�صالحا للعي�ش وعبادة اهلل ولي�س هناك بلد �أو مكان محدد يجب على‬ ‫ً‬ ‫والإ�سالم يعتبر جميع الأر�ض مكا ًنا‬
‫الم�سلمين الهجرة �إليه وال�سكن فيه‪ ،‬و�إنما العبرة ب�إمكانية عبادة اهلل‪.‬‬
‫وال يلزم الم�سلم االنتقال والهجرة �إلى مكان �آخر �إال �إذا منع من عبادة اهلل‪ ،‬فينتقل لمكان ي�ستطيع فيه عبادة‬
‫اهلل كما قال تعالى ‪َ }:‬يا ِع َباد َِي ا َّلذِ ينَ � َآم ُنوا ِ�إ َّن �أَ ْر ِ�ضي َوا�سِ َع ٌة َف ِ�إ َّي َاي َف ْاع ُبد ِ‬
‫ُون{(العنكبوت‪.)56 :‬‬

‫هلل �أَ ْت َقا ُك ْم{‬


‫}�إ َّنا َخلَ ْق َنا ُكم مِّن َذ َك ٍر َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َب�آ ِئ َل ِل َت َعا َر ُفواْ �إِ َّن َ�أ ْك َر َم ُك ْم عَن َد ا ِ‬
‫‪21‬‬

‫ال واسطة في اإلسالم بين العبد وربه‬

‫اهلل عليه وغفر له‪ ،‬ولي�س لأحد قوى خارقة وال ت�أثير في‬ ‫�أعطت كثير من الديانات لبع�ض الأفراد مزية‬
‫الكون‪ ،‬بل الأمر كله بيد اهلل‪.‬‬ ‫دينية على غيرهم‪ ،‬وربطت عبادات النا�س و�إيمانهم‬
‫كما حرر الإ�سالم عقل الم�سلم‪ ،‬ودعاه �إلى الت َف ُّكر‬ ‫بر�ضى �أولئك الأفراد وموافقتهم‪ ،‬فهم ‪-‬بح�سب تلك‬
‫والتع ُّقل‪ ،‬واالحتكام �إلى القر�آن‪ ،‬وما ثبت من �أقوال‬ ‫الديانات‪ -‬الو�سطاء بينهم وبين الإله‪ ،‬وهم من يمنح‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�أفعاله عند االختالف‪ ،‬وال‬ ‫المغفرة‪ ،‬وربما يعلم الغيب ‪-‬كما هي دعواهم الباطلة‪-‬‬
‫�أحد من النا�س يملك الحق المطلق ويجب االن�صياع‬ ‫ويجعلون مخالفتهم �سبب الخ�سران المبين‪.‬‬
‫لأمره في كل ما يقوله �إال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫فجاء الإ�سالم وكرم الإن�سان و�أعلى قدره‪ ،‬و�أبطل‬
‫و�سلم؛ لأنه ال ينطق عن هواه و�إنما بوحـــي وتوجيـــه من‬ ‫�أن تكون �سعادة الب�شرية �أو توبتها �أو عبادتها مربوطة‬
‫نطقُ َع ِن ا ْل َه َوى‬
‫اهلل عز وجـــل‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬و َما َي ِ‬ ‫ب�أ�شخا�ص معينين مهما بلغوا من الف�ضل وال�صالح‪.‬‬
‫وحى{(النجم‪.)4-3 :‬‬ ‫• �إِنْ هُ َو �إِ َاّل َو ْح ٌي ُي َ‬ ‫فعبادات الم�سلم بينه وبين اهلل لي�س لأحد من‬
‫فما �أعظم نعمة اهلل علينا بهذا الدين الذي يوافق‬ ‫النا�س فيها ف�ضل وال و�ساطة‪ ،‬فاهلل �سبحانه قريب من‬
‫الفطرة في النفو�س‪ ،‬ويكرم الإن�سان‪ ،‬ويجعله �سيد‬ ‫عباده ي�سمع دعاء العبد ويجيبه ويرى عبادته و�صالته‬
‫نف�سه‪ ،‬ويحرره من العبودية والخ�ضوع لغير اهلل عز‬ ‫فيثيبه عليها‪ ،‬وال �أحد من الب�شر يملك حق �إ�صدار‬
‫وجل‪.‬‬ ‫الغفران والتوبة‪ ،‬فمتى ما تاب العبد و�أخل�ص هلل تاب‬

‫تزداد حرية الإن�سان وكرامته بقدر عبوديته لربه ومواله‪.‬‬


‫‪ 22‬مقدمات‬

‫اإلسالم دين الحياة‬

‫الإ�سالم دين يوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة‪ ،‬فالدنيا هي مزرعة يغر�س فيها الم�سلم الخيرات في‬
‫جميع جوانب الحياة ليجني جزاء ذلك في الدنيا والآخرة‪ ،‬وهذا الغر�س والزرع يحتاج �إلى �إقبال على الحياة بنف�س‬
‫متفائلة مل�ؤها الجدية والعزم‪ ،‬ويظهر ذلك في التالي‪:‬‬

‫عمارة األرض ‪:‬‬


‫ن�ش�أَ ُك ْم ِمنَ الأَ ْر ِ�ض َو ْا�س َت ْع َم َر ُك ْم ِفي َها{(هود‪ )61 :‬فقد خلقنا اهلل في هذه الأر�ض و�أمرنا بعمارتها‬
‫قال تعالى‪} :‬هُ َو �أَ َ‬
‫وتطويرها بالح�ضارة والبناء بما يخدم الب�شرية وال يتعار�ض مع �شريعة الإ�سالم ال�سمحة‪ ،‬بل جعل عمارتها وتطويرها‬
‫من المقا�صد والعبادات حتى في �أحلك الظروف و�أ�شدها‪ ،‬ولهذا ينبه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إلى �أن الم�سلم �إذا‬
‫زرعا وقامت القيامة فعليه �أن يبادر �إلى غر�سه �إن ا�ستطاع ذلك لتكون له �صدقة (�أحمد ‪.)2712‬‬ ‫كان على و�شك �أن يغر�س ً‬

‫مخالطة الناس ‪:‬‬


‫يدعو الإ�سالم لم�شاركة النا�س‬
‫في البناء والح�ضارة والإ�صالح‬
‫ومخالطتهم والتوا�صل معهم ب�أعلى‬
‫درجات الأخالق وال�سلوكيات الرفيعة‬
‫على اختالف ثقافاتهم و�أديانهم‪،‬‬
‫وينبه �إلى �أن العزلة والبعد عن النا�س‬
‫لي�س طريق الدعاة والم�صلحين‪ ،‬ولهذا‬
‫جعل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫الذي يخالط النا�س وي�صبر على ما‬
‫ي�صيبه من �إيذائهم و�أخطائهم خي ًرا‬
‫من الذي يعتزلهم ويبتعد عنهم (ابن‬
‫ماجه ‪.)4032‬‬

‫الذي يخالط النا�س وي�صبر على �أذاهم خي ٌر ممن ال يخالطهم‬


‫وال ي�صبر على �أذاهم‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫دين العلم ‪:‬‬


‫لم يكن م�صادفة �أن �أول كلمة من القر�آن نزلت على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم هي }ا ْق َر�أْ{(العلق‪.)1 :‬‬
‫فقد تم الت�أكيد على دعم الإ�سالم‬
‫لجميع �أنواع العلوم النافعة للب�شرية‬
‫حتى �صار الطريق الذي ي�سلكه‬
‫الم�سلم طل ًبا للعلم والمعرفة هو‬
‫طريقه و�سبيله �إلى الجنة كما قال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪":‬من �سلك‬
‫طري ًقا يلتم�س فيه عل ًما �سهل اهلل‬
‫له به طريقا من طرق الجنة"(م�سلم‬
‫‪ ، 2699‬ابن حبان‪.)84‬‬
‫ولم يعرف الإ�سالم حر ًبا بين‬
‫الدين والعلم كما في ديانات �أخرى‪،‬‬
‫تماما كان الدين هو‬
‫بل على العك�س ً‬
‫نبرا�س العلم وهو الداعم له والداعي‬
‫�إليه تعل ًما وتعلي ًما ما دام فيه الخير‬
‫للب�شرية‪.‬‬
‫ولذا كرم اهلل قدر العالم المعلم‬
‫للنا�س الخير و َت َّو َجه ب�أرقى درجات‬
‫التتويج‪ ،‬ف�أخبر �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫�أن جميع المخلوقات تدعو لمعلم‬
‫النا�س الخير (الترمذي ‪.)2685‬‬

‫�أعظم علماء الطبيعة في التاريخ الإ�سالمي ابتد�ؤوا حياتهم بالقر�آن‬


‫الذي دعاهم لالكت�شاف والبحث و�إعمال العقل‪.‬‬
‫‪ 24‬مقدمات‬

‫تعلم أحكام اإلسالم‬


‫ينبغي للم�سلم الحر�ص على تعلم‬
‫�أحكام ال�شرع في جميع مجاالت حياته‪ ،‬في‬
‫عباداته ومعامالته وعالقاته؛ لي�ؤدي العبادة‬
‫على ب�صيرة وعلم‪ ،‬كما قال ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪" :‬من يرد اهلل به خي ًرا‬
‫يفقهه في الدين" (البخاري ‪ ،71‬م�سلم ‪.)1037‬‬
‫فيجب عليه تعلم الأحكام الواجبة عليه‬
‫ك�صفة ال�صالة والطهارة والمباح والمحرم‬
‫من المطعومات والم�شروبات ونحو ذلك‪،‬‬
‫كما ي�ستحب له معرفة الأحكام المرغب‬
‫"من يرد اهلل به خي ًرا يفقهه في الدين"‬ ‫فيها في ال�شرع لكنها لي�ست واجبة عليه‪.‬‬

‫األحكام الشرعية‬

‫جميع �أفعال الإن�سان و�أقواله وت�صرفاته ال تخرج في ال�شرع عن خم�سة �أحوال‪:‬‬

‫وهو ما �أمر اهلل به بحيث يثاب فاعله ويعاقب تاركه‪ ،‬مثل ال�صلوات‬
‫الواجب‬
‫الخم�س‪ ،‬و�صيام رم�ضان‪.‬‬

‫الحرام‬ ‫ما نهى اهلل عنه بحيث يثاب تاركه ويعاقب فاعله‪ ،‬كالزنى‪ ،‬و�شرب الخمر‪.‬‬

‫وهو ما رغب الإ�سالم في فعله بحيث يثاب فاعله وال يعاقب تاركه‪ ،‬مثل‬ ‫السنة‬
‫االبت�سامة في وجوه النا�س‪ ،‬وابتدائهم بال�سالم‪ ،‬و�إزالة القاذورات عن الطريق‪.‬‬ ‫والمستحب‬

‫هو ما رغب الإ�سالم في تركه بحيث يثاب تاركه وال يعاقب فاعله‪ ،‬مثل العبث‬
‫المكروه‬
‫بالأ�صابع �أثناء ال�صالة‪.‬‬

‫وهو الذي ِفع ُله وتر ُكه ال يتعلق به �أمر وال نهي‪ ،‬مثل �أ�صل الأكل وال�شرب والكالم‪.‬‬ ‫المباح‬
‫‪25‬‬

‫أركان اإلسالم الخمسة‬


‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬بني الإ�سالم على خم�س‪� :‬شهادة �أن ال �إله �إال اهلل‪ ،‬و�أن محمدً ا ر�سول اهلل‪،‬‬
‫و�إقام ال�صالة‪ ،‬و�إيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬و�صوم رم�ضان" (البخاري ‪ ،8‬م�سلم ‪.)16‬‬
‫وهذه الأركان الخم�سة هي �أ�سا�سات الدين ودعائمه العظام‪ ،‬و�سنقوم بتو�ضيحها‪ ،‬و�شرح �أحكامها في الف�صول‬
‫القادمة‪.‬‬
‫ف�أولها الإيمان والتوحيد‪ ،‬وهو الباب القادم بعنوان (�إيمان الم�سلم)‪.‬‬
‫وي�أتي بعده ال�صالة التي هي �أعظم العبادات و�أ�شرفها‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬وعموده ال�صالة" (الترمذي‬
‫‪� )2749‬أي �إن عمود الإ�سالم الذي يقوم عليه وينبني عليه وال �إ�سالم بدونه هو ال�صالة‪.‬‬
‫ولكن ال�صالة ي�شترط ل�صحتها �أن ي�ؤديها الم�سلم وهو على طهارة‪ ،‬ولهذا �سيتبع باب (�إيمان الم�سلم) باب‬
‫(طهارة الم�سلم) ثم (�صالة الم�سلم) وهكذا‪.‬‬

‫أركان اإلسالم‪:‬‬
‫‪� 1‬شهادة �أن ال �إله �إال اهلل ‪ ،‬و�أن محمدًا ر�سول اهلل‪.‬‬

‫‪� 3‬إيتاء الزكاة‪.‬‬ ‫‪� 2‬إقامة ال�صالة‪.‬‬

‫‪ 5‬حج البيت‪.‬‬ ‫‪� 4‬صوم رم�ضان‪.‬‬


‫‪ 26‬مقدمات‬

‫كيف أعرف أحكام الدين؟‬


‫من �أ�صيب بمر�ض و�أراد العالج منه ف�سيبحث‬
‫عن �أمهر الأطباء و�أعلمهم لي�أخذ منه العالج‬
‫الناجع‪ ،‬ولن يت�ساهل في �أخذ �أي و�صفة من �أي‬
‫طبيب لأن حياته غالية نفي�سة لديه‪.‬‬
‫ودين الم�سلم �أغلى ما يملك‪ ،‬وعليه �أن يجتهد‬
‫في معرفة دينه وال�س�ؤال عما يجهله من �أهل العلم‬
‫والمعرفة والثقة‪.‬‬
‫وقراءتك لهذا الكتاب هي خطوة على الطريق‬
‫ا�س�أَ ُلو ْا �أَ ْه َل ِّ‬
‫الذ ْك ِر‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬ف ْ‬
‫�إِن ُكنت ُْم َال َت ْع َل ُمونَ {(النحل‪ )43:‬وعليك �أن تتبعها‬
‫بخطوات �أخرى �إذا �أ�شكل عليك �شيء من الأمور‬
‫عبر المراكز الإ�سالمية والم�ساجد القريبة منك‪.‬‬

‫كما ينبغي عليك الرجوع لمواقع الإنترنت‬


‫مع تعدد الو�سائل على الم�سلم العناية بالم�صادر الموثوقة‬ ‫الموثوقة والتي تو�ضح حقائق الدين‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫التي تقدم �أحكام الإ�سالم‪.‬‬

‫‪w w w. i m u s l i m g u i d e . c o m‬‬

‫‪w w w. n e w m u s l i m g u i d e . c o m‬‬

‫‪w w w. a l - i s l a m . c o m‬‬

‫‪w w w. i s l a m w e b . n e t‬‬
‫‪27‬‬

‫اإلسالم هو دين االعتدال‬

‫الإ�سالم هو دين االعتدال بدون ت�ساهل وتفريط �أو ت�شدد‬


‫وغلو‪ ،‬ويتجلى ذلك في كل �شعائر الدين وعباداته‪.‬‬
‫ولما كان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ُيع ِّلم‬ ‫ولهذا جاء الت�أكيد الرباني للر�سول �صلى اهلل عليه‬
‫�صحابته �أحد �أفعال الحج حذرهم من الغلو ونبههم �إلى‬ ‫و�سلم و�صحابته والم�ؤمنين باالعتدال ويكون ذلك‬
‫�أنه �سبب هالك الأمم ال�سابقة‪ ،‬فقال‪�" :‬إياكم والغلو في‬ ‫برعاية �أمرين‪:‬‬
‫الدين ف�إنما �أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"(ابن‬
‫ماجه ‪.)3029‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬عليكم من الأعمال ما‬ ‫االستقامة على‬
‫النهي عن‬
‫تطيقون " (البخاري ‪.)1100‬‬ ‫الدين ‪ ،‬وتعظيم‬
‫الغلو والتجاوز‬
‫شعائر اهلل في‬
‫ولهذا �أبان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم حقيقة‬ ‫والطغيان‪.‬‬
‫القلوب‪.‬‬
‫الر�سالة التي بعث بها و�أنها لم ت�أت لتكليف النا�س‬
‫فوق طاقتهم‪ ،‬و�إنما جاءت بالتعليم والحكمة والي�سر‪،‬‬
‫فقال‪�":‬إن اهلل لم يبعثني معنتًا وال متعنتًا ولكن بعثني‬ ‫ا�س َت ِق ْم َك َما �أُ ِم ْرتَ َو َمن ت َ‬
‫َاب َم َع َك َوال‬ ‫فقال تعالى‪َ } :‬ف ْ‬
‫معل ًما مي�سرا"(م�سلم ‪.)1478‬‬ ‫ت َْط َغ ْوا �إ َّن ُه ِب َما َت ْع َم ُلونَ َب ِ�صي ٌر{(هود ‪.)112‬‬
‫�أي الزم اال�ستقامة على الحق واجتهد في ذلك‬
‫بدون مبالغة وتجاوز بزيادة �أو تكلف‪.‬‬
‫‪ 28‬مقدمات‬

‫الدين يشمل جميع جوانب الحياة‬


‫الإ�سالم لي�س حاجة روحية يمار�سها الم�سلمون في الم�ساجد بالدعاء وال�صالة فقط‪..‬‬
‫أي�ضا مجرد �آراء ومعتقدات ي�ؤمن بها �أتباعه فقط‪..‬‬ ‫ولي�س � ً‬
‫كما �أنه لي�س مجرد نظام اقت�صادي متكامل‪..‬‬
‫ولي�س قواعد ونظريات لبناء النظام والمجتمع فقط‪..‬‬
‫ولي�س كذلك مجرد حزمة من الأخالقيات وال�سلوكيات في التعامل مع الآخرين‪..‬‬
‫ولكنه منهج متكامل لجميع جوانب الحياة بكل �أبعادها و�آفاقها في�شمل ذلك كله وغيره‪.‬‬
‫وقد تمم اهلل على الم�سلمين هذه النعمة ور�ضي لنا هذا الدين الكامل‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ا ْل َي ْو َم �أَ ْك َم ْلتُ َل ُك ْم‬
‫ِدي َن ُك ْم َو�أَ ْت َم ْمتُ َع َل ْي ُك ْم ِن ْع َم ِتي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم ا ِلإ ْ�س َال َم ِدي ًنا{ (المائدة‪.)3 :‬‬
‫ولما قال �أحد الم�شركين �ساخ ًرا‪ ،‬لل�صحابي الجليل �سلمان الفار�سي ‪�:‬إن �صاحبكم (يعني ر�سول اهلل) يعلمكم‬
‫كل �شيء حتى �آداب البول والغائط؟ �أجابه ال�صحابي الجليل‪ :‬نعم قد علمنا‪ ،‬ثم ذكر له �أحكام الإ�سالم و�آدابه في‬
‫هذا الأمر (م�سلم‪.)262 :‬‬

‫العبرة بحقيقة اإلسالم ال بواقع بعض المسلمين‬


‫�إذا وجدت طبي ًبا يمار�س عادة �صحية‬
‫�ضارة‪� ،‬أو معل ًما يتعامل ب�أخالق �سيئة؛ ف�إنك مع‬
‫‪-‬ا�ستغرابك وا�ستهجانك لممار�سته التي تخالف‬
‫معرفته ومعلوماته ومكانته‪ -‬لن تغير ر�أيك في‬
‫�أهمية علم الطب للب�شرية �أو مكانة التعليم‬
‫للمجتمع والح�ضارة‪.‬‬
‫و�سترى �أن ذلك الطبيب �أو المعلم ما هو‬
‫�إال نموذج غير م�شرف للتخ�ص�ص والمهنة التي‬
‫ينتمي �إليها‪.‬‬
‫و�إذا وجدنا ممار�سات �سيئة لبعـ�ض الم�سلمين‪،‬‬
‫ف�إن ذلك ال يعبر عن حقيقة الإ�سالم ال�صافي‪ ،‬بل‬
‫هو مظهر لل�ضعف الب�شري والثقافات والعادات‬
‫ال�سيئة التي ال تمت �إلى الإ�سالم ب�صلة‪ ،‬كما �أن‬
‫عادات ذلك الطبيب �أو المعلم و�أخالقياته ال‬
‫تن�سب �إلى الطب والتعليم‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫الضرورات الخمس‬

‫وهي الم�صالح الكبرى التي البد منها للإن�سان‬


‫ليعي�ش حياة كريمة‪ ،‬وجاءت كل ال�شرائع بالأمر‬
‫بحفظها والنهي عما ي�ضادها‪.‬‬
‫وقد جاء الإ�سالم بالحفاظ عليها ومراعاتها ليعي�ش‬
‫الم�سلم في هذه الدنيا �آمنا مطمئنا يعمل لدنياه و�آخرته‪.‬‬
‫ويعي�ش المجتمع الم�سلم �أمة واحدة متما�سكة‬
‫كالبنيان ي�شد بع�ضه ً‬
‫بع�ضا‪ ،‬وكالج�ســــد الواحـــــد �إذا‬
‫ا�شتكــــى منه ع�ضو تداعى له �سائر الج�سد بالحمى‬
‫وال�سهر‪ ،‬ويكون حفظها ب�أمرين‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫صيانتها من‬
‫إقامتها ورعايتها‪.‬‬
‫العبث والخلل‪.‬‬

‫وال�ضرورات الخم�س كالتالي‪:‬‬

‫‪ 1‬الدين ‪:‬‬
‫وهي الق�ضية الكبرى التي خلق اهلل النا�س من �أجلها‪ ،‬و�أر�سل الر�سل لتبليغها والمحافظة عليها‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫} َو َل َق ْد َب َع ْث َنا ِفي ُك ِّل �أُ َّم ٍة َر ُ�س اًول �أَ ِن ْاع ُبدُوا ا َ‬
‫هلل َو ْاج َت ِن ُبوا َّ‬
‫الط ُاغوتَ {(النحل‪.)36 :‬‬
‫وقد راعى الإ�سالم حفظ الدين و�صيانته من كل ما يخد�شه وي�ؤثر على �صفوه من ال�شرك والخرافات والمحدثات‪،‬‬
‫�أو المعا�صي والمحرمات‪.‬‬

‫‪ 2‬البدن‪:‬‬
‫وقد �أمر اهلل بالمحافظة على النف�س الب�شرية ولو �أدى ذلك الرتكاب محرم‪ ،‬ف�إنه حين اال�ضطرار يكون معف ًوا‬
‫هلل َغ ُفو ٌر َر ِحي ٌم{ (البقرة‪.)173 :‬‬ ‫ا�ض ُط َّر َغ ْي َر َبا ٍغ َو اَل َع ٍاد َفلاَ ِ�إ ْث َم َع َل ْي ِه �إِنَّ ا َ‬
‫عنه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ }:‬ف َم ِن ْ‬
‫فنهى عن قتل النف�س والإ�ضرار بها‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬و َال ُت ْل ُقو ْا ِب َ�أ ْيدِ ي ُك ْم ِ�إ َلى ال َّت ْه ُل َك ِة{(البقرة‪.)195 :‬‬
‫و�شرع العقوبات العادلة التي تمنع من االعتداء على النا�س بغير حق �أ ًيا كان دينهم فقال تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ‬
‫اب َل َع َّل ُك ْم‬
‫ال ْل َب ِ‬ ‫ا�ص َح َيا ٌة َيا أُ�و ِلي ْ َ أ‬
‫ا�ص ِفي ا ْل َق ْت َلى{(البقرة‪ ،)178 :‬وقال‪َ } :‬و َل ُك ْم ِفي ا ْل ِق َ�ص ِ‬ ‫� َآم ُنوا ُك ِت َب َع َل ْي ُك ُم ا ْل ِق َ�ص ُ‬
‫َت َّت ُقونَ {(البقرة‪)179 :‬‬
‫‪ 30‬مقدمات‬

‫‪ 3‬العقل ‪:‬‬
‫فقد نهى اهلل عز وجل عن كل ما ي�ؤثر في العقل والإدراك؛ لأن العقل �أحد �أعظم نعم اهلل علينا‪ ،‬وفيه قوام كرامة‬
‫الإن�سان وتميزه‪ ،‬وعليه مدار الم�ساءلة والح�ساب في الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫رج�سا من عمل ال�شيطان‪ ،‬فقال تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ‬ ‫ولهذا حرم اهلل الخمور والمخدرات ب�أنواعها وجعلها ً‬
‫اج َت ِن ُبو ُه َل َع َّل ُك ْم ُت ْف ِل ُحونَ {(المائدة‪.)90 :‬‬ ‫الَ ْز اَل ُم ر ِْج ٌ�س ِمنْ َع َم ِل َّ‬
‫ال�ش ْي َط ِان َف ْ‬ ‫الَ ْن َ�ص ُ‬
‫اب َو ْ أ‬ ‫� َآم ُنوا �إِ َّن َما ا ْل َخ ْم ُر َوا ْل َم ْي ِ�س ُر َو ْ أ‬

‫‪ 4‬النسل ‪:‬‬
‫محددة في الدنيا‪ ،‬ف�ضلاً عما يالقيه في الآخرة‬ ‫ويظهر ت�أكيد الإ�سالم واهتمامه بالحفاظ على‬
‫من العذاب‪.‬‬ ‫الن�سل وتكوين العائلة والأ�سرة التي يتربى فيها الن�شء‬
‫• �أمر بالحفاظ على ال�شرف للرجل والمر�أة‪ ،‬واعتبر‬ ‫على معالي الأمور في عدد من الأحكام‪ ،‬منها‪:‬‬
‫من ُقتل ليحافظ على عر�ضه وعر�ض �أهله �شهيدً ا‬ ‫• حث الإ�سالم على الزواج وتي�سيره وعدم المبالغة‬
‫في �سبيل اهلل (انظر‪�:‬ص‪.)240‬‬ ‫في تكاليفه‪ ،‬فقال تعالى‪َ }:‬و�أَ ْن ِك ُحوا َْ أ‬
‫ال َي َامى مِ ْن ُك ْم{‬
‫(النور‪.)32 :‬‬
‫‪ 5‬المال‪:‬‬ ‫• ح َّرم الإ�سالم جميع العالقات الآثمة و�سد جميع‬
‫ف�أوجب الإ�سالم للحفاظ على المال ال�سعي في‬ ‫الطرق المو�صلة �إليها فقال تعالى‪َ } :‬و اَل َت ْق َر ُبوا‬
‫طلب الرزق و�أباح المعامالت والمبادالت والتجارة‪.‬‬ ‫الزِّ َنا �إِ َّن ُه َكانَ َفاحِ َ�ش ًة َو َ�سا َء َ�س ِبيلاً {(الإ�سراء‪.)32 :‬‬
‫وللحفاظ عليه ح َّرم الربا وال�سرقة والغ�ش والخيانة‬ ‫• نهى عن اتهام النا�س في �أن�سابهم و�أعرا�ضهم‬
‫و�أكل �أموال النا�س بالباطل‪ ،‬وتوعد القر�آن من فعل ذلك‬ ‫وجعل ذلك من كبائر الذنوب وتوعد فاعله بعقوبة‬
‫ب�أ�شد العقوبات (انظر‪�:‬ص‪.)206‬‬

‫ين �آ َم ُنوا اَل َت�أْ ُك ُلوا �أَ ْم َوا َل ُك ْم َب ْي َن ُك ْم ِبا ْل َب ِ‬


‫اط ِل{‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّيهَا ا َّل ِذ َ‬
‫‪31‬‬

‫مصادر التشريع في اإلسالم‬

‫يعتمد الم�سلمون في معرفة �شرائع الإ�سالم و�أحكامه على �أ�صول و�أدلة كبرى‬
‫ي�ستمدون منها العلم ب�أحكام الوقائع هل هي حالل �أم حرام‪..‬‬
‫والأدلة الكلية لل�شريعة كالتالي‪:‬‬

‫القرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫وهو كتاب اهلل المنزل لعباده هدى وبيا ًنا وفرقا ًنا بين الحق والباطل‪ ،‬وهو المحفوظ من التبديل والتغيير‪ ،‬ف�إذا‬
‫�أمر اهلل في كتابه �أو نهى وجب على جميع الم�سلمين االنقياد لمقت�ضى الأمر والنهي‪ ،‬ف�إذا قال‪َ } :‬و�أَقِي ُموا َّ‬
‫ال�صلاَ َة{‬
‫(النور‪ )56 :‬علمنا يقينا وجوب ال�صالة‪ ،‬و�إذا قال‪َ } :‬و اَل َت ْق َر ُبوا الزِّ َنا ِ�إ َّن ُه َكانَ َف ِاح َ�ش ًة َو َ�سا َء َ�س ِبيلاً { (الإ�سراء‪ )32 :‬علمنا‬
‫يقينا حرمة الزنا‪ ..‬ول َّما كان اهلل قد تكفَّل بحفظ القر�آن عن التغيير والزيادة والنق�صان ف�إننا فقط نحتاج للت�أكد‬
‫من داللة الآية على المق�صود‪.‬‬

‫القر�آن �أعظم م�صدر لل�شريعة‪ ،‬وينظرالفقيه‬


‫لداللة �ألفاظه ومعانيه ال لثبوته‪ ،‬فقد‬
‫حفظه اهلل من التحريف والتبديل‪.‬‬
‫‪ 32‬مقدمات‬

‫السنة النبوية‪:‬‬ ‫‪2‬‬


‫وهي كل ما ثبت من �أقوال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�أفعاله وتقريراته و�أخالقه‪ ،‬ف�إذا علمنا ثبوت قول النبي‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال ُيجمع بين المر�أة وعمتها‪ ،‬وال بين المر�أة وخالتها" (البخاري ‪ )5109‬علمنا �أنه ال يجوز وال‬
‫ي�صح �أن يتزوج الرجل امر�أة ويتزوج معها عمة تلك المر�أة �أوخالتها‪.‬‬
‫وينظر في �سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ال�ستنباط الأحكام منها في جهتين‪:‬‬
‫• ثبوت ن�سبة الحديث للر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ,‬وقد قام علماء الإ�سالم بجهود جبارة‪ ,‬وب�أعلى معايير‬
‫الدقة والإتقان لدرا�سة ال�سنة النبوية ال�شريفة وتمييز الحديث ال�صحيح الذي ثبت برواية الثقات الحفاظ عن‬
‫الأحاديث التي تن�سب للر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ولي�ست من �سنته‪ ،‬و�إنما ن�ش�أت ب�سبب الخط�أ والوهم �أو‬
‫ب�سبب كذب بع�ض �أعداء الإ�سالم‪.‬‬
‫• داللة الحديث على المعنى المق�صود‪ ,‬وقد تكون الداللة �صريحة وا�ضحة ال يختلف في معناها‪ ,‬وقد تكون‬
‫محتملة �أكثر من معنى‪� ,‬أو ال تفهم �إال ب�ضمها �إلى حديث �آخر‪.‬‬
‫اإلجماع‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫وهو اتفاق علماء الإ�سالم قاطبة على �أمر من الأمور في �أي ع�صر من الع�صور‪ ،‬وغالب �أحكام الإ�سالم و�شرائعه‬
‫الكبرى اتفق عليها علماء الإ�سالم ولم يختلفوا فيها‪ ,‬ومن ذلك‪ :‬عدد ركعات ال�صالة‪ ،‬ووقت الإم�ساك والإفطار في‬
‫ال�صيام ووقت الإفطار‪ ,‬وقدر الزكاة في الذهب والف�ضة‪ ,‬وغير ذلك من الأحكام‪.‬‬
‫ف�إذا اتفق ال�صحابة �أو من جاء بعدهم على قول كان ذلك دليال على �صحته؛ لأن الأمة ال تجتمع كلها على خط�أ‪.‬‬
‫القياس‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫وهو الحكم على م�س�ألة لم ترد في الكتاب وال�سنة بحكم م�س�ألة �أخرى وردت التفاقهما في علة الحكم و�سببه‪،‬‬
‫مثل قولنا بتحريم �ضرب الوالدين قيا�سا على‬
‫تحريم الت�أفف ورفع ال�صوت عليهما‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪َ } :‬فلاَ َت ُق ْل َل ُه َما �أُ ٍّف َو اَل َت ْن َه ْرهُ َما{‬
‫(الإ�سراء‪ )23 :‬ف�إذا حرم اهلل رفع ال�صوت حتى ال‬
‫ن�ؤذي به الوالدين ف�إن تحريم ال�ضرب من باب‬
‫�أولى التفاقهما في علة الإيذاء‪ ..‬وهو باب دقيق‬
‫يخت�ص به �أهل العلم المتمكنون‪ ,‬وبه تعرف‬
‫�أحكام الم�سائل الحادثة‪.‬‬
‫كل الم�شروبات الم�سكرة باختالف �أنواعها‬
‫قيا�سا على الخمر الم�صنوع من‬
‫محرمة ً‬
‫العنب؛ لأن العلة في التحريم هي الإ�سكار‪.‬‬
‫‪33‬‬

‫لماذا يختلف العلماء مع اتفاقهم في مصادر التشريع؟‬


‫لمعرفة ذلك يجب �أن تتعرف على التالي ‪:‬‬
‫رواياته و�أحداثه‪ ،‬والأطباء والمهند�سون والخبراء‬ ‫‪ 1‬جميع �أهل العلم متفقون على م�سائل الإيمان‬
‫والفنيون يختلفون في المو�ضوع الواحد والنظر‬ ‫و�أ�صول ال�شرائع و�أركان الإ�سالم ومبانيه العظام‪,‬‬
‫�إليه وتحليله‪.‬‬ ‫و�إنما ينح�صر الخالف في بع�ض تفا�صيل الأحكام‬
‫فاالختالف في الأمور الفرعية والتف�صيلية �أمر‬ ‫الفقهية وتطبيقاتها‪.‬‬
‫طبعي تقت�ضيه الحياة العلمية والعملية‪.‬‬ ‫�أما القواعد العامة و�أ�صول الأحكام ف�أهل العلم‬
‫متفقون عليها بف�ضل اهلل على هذه ال�شريعة التي هي‬
‫‪ 3‬اهلل عز وجل قد عذر من طلب الحق‬ ‫خاتمة ال�شرائع والر�ساالت‪ ,‬والتي تكفل اهلل بحفظها‬
‫بالطريقة ال�صحيحة ف�أخط�أ الو�صول �إليه‪ ,‬وقد‬ ‫�إلى �أن يرث اهلل الأر�ض ومن عليها‪.‬‬
‫ب�شر الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم الباحث عن‬
‫الحق بالطريقة ال�صحيحة ب�أنه ال يخلو من الأجر‬ ‫‪ 2‬االختالف في الأمور الفرعية والتف�صيلية �أمر‬
‫في الحالين‪.‬‬ ‫طبعي‪ ،‬وال يوجد ت�شريع �سماوي �أو و�ضعي يخلو من‬
‫ف�إن �أ�صاب الحق كان له �أجران‪ ,‬و�إن �أخط�أ مع‬ ‫ذلك‪ ،‬بل ال يوجد علم من العلوم يخلو منه‪ ،‬فعلماء‬
‫حر�صه و�سلوكه للطريق ال�صحيح كان له �أجر واحد‪,‬‬ ‫القانون مختلفون في �شرحه وتف�سيره‪ ،‬والمحاكم‬
‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا حكم الحاكم‬ ‫مختلفة في تطبيقه‪ ،‬وعلماء التاريخ مختلفون في‬
‫‪ 34‬مقدمات‬

‫ • الإمام ال�شافعي‪ ,‬وا�سمه محمد بن �إدري�س‪,‬‬ ‫فاجتهد ثم �أ�صاب فله �أجران‪ ،‬و�إذا حكم فاجتهد ثم‬
‫عا�ش بين مكة والمدينة والعراق وم�صر‪,‬‬ ‫�أخط�أ فله �أجر" (البخاري ‪.)7352‬‬
‫وتوفي عام ‪ 204‬للهجرة‪ ,‬و�إليه ين�سب المذهب‬ ‫ولما حكى اهلل ق�صة �أنبياء اهلل داود و�سليمان عليهما‬
‫ال�شافعي‪.‬‬ ‫ال�سالم ل َّما عر�ضت عليهما ق�ضية للحكم فيها فاجتهدا‬
‫ •الإمام �أحمد بن حنبل‪ ,‬عا�ش غالب حياته‬ ‫جمي ًعا‪ ,‬وحكم �سليمان عليه ال�سالم بال�صواب ولم يوفق‬
‫في العراق‪ ,‬وتوفي عام ‪ 241‬للهجرة‪ ,‬و�إليه‬ ‫داود عليه ال�سالم لذلك الحكم‪ ,‬فق�ص اهلل ق�صتهما‪,‬‬
‫ين�سب المذهب الحنبلي‪.‬‬ ‫و�أثبت �صحة قول �سليمان وخط�أ داود عليهما ال�سالم‪,‬‬
‫وقد كان بين الأئمة الأربعة وطالبهم ثناء متبادل‪,‬‬ ‫ومع ذلك �أثنى على علمهما جمي ًعا‪ ،‬كما قال‪َ } :‬ف َف َّه ْم َناهَ ا‬
‫وتدار�س متنوع فالكل يحر�ص على اتباع الحق وال�صواب‪,‬‬ ‫ُ�س َل ْي َمانَ َو ُك اًّل �آ َت ْي َنا ُح ْك ًما َو ِع ْل ًما{ (الأنبياء‪.)79 :‬‬
‫حرجا من �أن يوافق فال ًنا في م�س�ألة‪ ,‬والآخر‬
‫وال يجد ً‬ ‫‪ 4‬جميع �أهل العلم المعتبرين و�أئمة المذاهب‬
‫في م�س�ألة �أخرى؛ اتباعا للحق والدليل‪ ,‬ولهذا نجد �أن‬ ‫الأربعة يعتمدون على الكتاب وال�سنة وال يتقدمون‬
‫بع�ضهم تتلمذ على الآخر‪ ,‬فالإمام �أحمد تتلمذ ودر�س‬ ‫عليها بر�أي �أو اعترا�ض‪ ،‬ولم يكن اختالفهم مبنيا‬
‫على يد ال�شافعي‪ ,‬وال�شافعي تتلمذ ودر�س عند الإمام‬ ‫على هوى �أو اندفاعا وراء �أغرا�ض وم�صالح‪ ،‬بل‬
‫مالك‪ ,‬وح�صلت بين مالك وتالميذ �أبي حنيفة لقاءات‬ ‫كان مبنيا على �أ�س�س علمية مو�ضوعية للو�صول‬
‫ومدار�سات علمية‪..‬‬ ‫�إلى الحق‪ ,‬فقد يبلغ الحديث �أحد �أهل العلم وال‬
‫وقد ثبت عن الأئمة الأربعة جميعا قولهم‪� :‬إذا �صح‬ ‫يبلغ الآخر‪� ,‬أو تختلف وجهات النظر العلمي في‬
‫الحديث فهو مذهبي‪ ,‬فمق�صودهم الأول ن�شر العلم‬ ‫تفهم الدليل من الكتاب وال�سنة وغير ذلك‪.‬‬
‫ورفع الجهل عن النا�س‪ ,‬فرحمهم اهلل رحمة وا�سعة‪.‬‬
‫‪ 5‬ا�شتهر �أربعة من �أعظم علماء وفقهاء الإ�سالم‬
‫اتفق النا�س على �إمامتهم في العلم والدين‪,‬‬
‫وبلغوا درجة عالية من الفقه والعلم والديانة‪،‬‬
‫وكثر طالبهم ون�شروا �أقوالهم وعلموها للنا�س‬
‫في �أنحاء الأر�ض‪ ,‬فتكونت لدينا المذاهب الأربعة‬
‫المنت�شرة في بالد الم�سلمين ن�سبة �إليهم‪ ,‬وهم‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫ •الإمام �أبو حنيفة‪ ,‬وا�سمه النعمان بن ثابت‪,‬‬
‫عا�ش في العراق‪ ,‬وتوفي عام ‪ 150‬للهجرة‪ ,‬و�إليه‬
‫ين�سب المذهب الحنفي‪.‬‬
‫ •الإمام مالك بن �أن�س الأ�صبحي‪� ,‬إمام‬
‫المدينة المنورة‪ ,‬توفي عام ‪ 179‬للهجرة‪,‬‬
‫و�إليه ين�سب المذهب المالكي‪.‬‬
‫‪35‬‬

‫ما الواجب على المسلم تجاه الخالف الفقهي؟‬


‫الواجب على الم�سلم االجتهاد في اتباع الحق والو�صول �إليه‪..‬‬

‫ •ف�إن كان من طالب العلم المتخ�ص�صين والمتمكنين من درا�سة الأدلة‪ ,‬فيلزمه اتباع ما و�صل �إليه‬
‫اجتهاده في فهم الأدلة وفق قواعد علم �أ�صول الفقه‪ ,‬ويحرم عليه التع�صب ل�شيخه �أو مذهبه �إذا ظهر‬
‫له �أن ال�صواب مع غيره‪.‬‬

‫ •�أما من كان من عامة الم�سلمين وهو غير متخ�ص�ص �أو متمكن من النظر في الأدلة فيلزمه‬
‫�أن يجتهد في تقليد الأوثق لديه في دينه وعلمه‪ ,‬وهو بذلك قد �أدى ما عليه‪ ,‬وامتثل قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ا�س َ�أ ُلوا �أَ ْه َل ِّ‬
‫الذ ْك ِر ِ�إنْ ُك ْنت ُْم اَل َت ْع َل ُمونَ { (الأنبياء‪.)7 :‬‬ ‫} َف ْ‬
‫قول موثو ًقا �أو �س�أل عال ًما معتب ًرا في م�س�ألة فال يلزمه �أن ي�س�أل بعده �أحدً ا‪ ,‬ف�إن علم بقول �آخر‬ ‫و�إذا علم اً‬
‫مخالف له فعليه �أن يتبع من يظن �أنه �أقرب �إلى ال�صواب والحق‪ ,‬كما يفعل المري�ض �إذا اختلف الأطباء في‬
‫و�صايا عالجه‪.‬‬
‫وعليه �أن ال يعيب وال ينكر على غيره من الم�سلمين �إذا خالفه الر�أي مادام قد اتبع مذه ًبا فقه ًيا �أو قلد‬
‫عال ًما معتب ًرا �أو كان من �أهل االجتهاد والفقه وقد كان ال�صحابة وال�سلف يختلفون في الم�سائل الفقهية مع‬
‫بقاء المحبة والأخوة ويتحاورون من غير �أن يعيب بع�ضهم ً‬
‫بع�ضا‪.‬‬
‫‪ 36‬إيمان المسلم‬
‫‪37‬‬

‫إيمان المسلم‬
‫اتفق ��ت جميع ر�س ��االت الأنبياء لأقوامه ��م على عبادة‬
‫اهلل وحده ال �شريك له والكفر مبا يعبد من دون اهلل‬ ‫‪1‬‬
‫وه ��ذا ه ��و حقيق ��ة معن ��ى ال �إله �إال اهلل حممد ر�س ��ول‬
‫اهلل‪ ،‬وهي الكلمة التي يدخل بها املرء يف دين اهلل‪.‬‬

‫الإميان بالر�سل‬ ‫الإميان باهلل‬ ‫ال�شهادتان‬


‫�شهادة �أن حممدً ا ر�سول اهلل الإميان باملالئكة الإميان باليوم الآخر‬
‫الإميان بالقدر‬ ‫الإميان بالكتب‬ ‫�أركان الإميان ال�ستة‬
‫‪ 38‬إيمان المسلم‬

‫الشهادتان معناهما ومقتضاهما‬


‫أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن محمدا رسول اهلل‬

‫م�آذن جامع الأزهر بالقاهرة‪.‬‬

‫شهادة أن الإله إال اهلل‬


‫مكانة ال �إله �إال اهلل‪:‬‬
‫جعل الإ�سالم لكلمة التوحيد ال �إله �إال اهلل �أعظم المكانة و�أجلها‪:‬‬
‫• فهي �أول واجب على الم�سلم فمن �أراد الدخول في الإ�سالم فعليه �أن يعتقدها ويتلفظ بها‪.‬‬
‫• ومن قالها موق ًنا بها يبتغي بذلك وجه اهلل كانت �سب ًبا في نجاته من النار كما قال النبي �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪" :‬ف�إن اهلل حرم على النار من قال ال �إله �إال اهلل يبتغي بذلك وجه اهلل" (البخاري ‪.)415‬‬
‫• ومن مات على هذه الكلمة م�ؤم ًنا بها فهو من �أهل الجنة‪ ،‬كما قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من مات‬
‫وهو يعلم �أن ال �إله �إال اهلل دخل الجنة"(�أحمد ‪.)464‬‬
‫ولذا ف�إن وجوب معرفة ال �إله �إال اهلل �أعظم الواجبات و�أهمها‪.‬‬
‫معنى ال إله إال اهلل‪:‬‬
‫�أي ال معبود بحق �إال اهلل وحده‪ ،‬فهو نفي الإله َّية عما �سوى اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬و�إثباتها كلها هلل وحده ال �شريك له‪.‬‬
‫والإله‪ :‬بمعنى المعبودالذي تخ�ضع له القلوب فتعظمه وتدعوه وتخافه وترجوه ‪ ،‬فمن خ�ضع ل�شيء وذل له و�أحبه‬
‫ورجاه فقد اتخذه �إل ًها ومعبودًا‪ ،‬وجميع تلك المعبودات باطلة �إال �إل ًها واحدً ا‪ ،‬وهو الرب الخالق تبارك وتعالى‪.‬‬
‫‪39‬‬

‫فهو �سبحانه وتعالى الم�ستحق للعبادة دون ما �سواه‪ ،‬وهو الذي تعبده القلوب‬
‫وخ�ضوعا وخو ًفا وتوكلاً عليه‪ ،‬ودعا ًء له‪ ،‬فال ُيدعى �إال‬ ‫ً‬ ‫محبة و�إجاللاً وتعظي ًما‪ ،‬وذلاً‬
‫اهلل‪ ،‬وال ي�ستغاث �إال به‪ ،‬وال يتوكل �إال عليه‪ ،‬وال ي�صلى �إال له‪ ،‬وال يذبح تقر ًبا �إال له‪ ،‬فيجب‬
‫�إخال�ص العبادة له �سبحانه وتعالى‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬و َما �أُمِ ُروا ِ�إلاَّ ِل َي ْع ُبدُوا اللهَّ َ ُم ْخل ِِ�صينَ‬
‫َل ُه الدِّينَ { (البينة‪.)4:‬‬
‫وان�شراحا‬
‫ً‬ ‫مخل�صا له محق ًقا معنى ال �إله �إال اهلل ف�سينال �سعادة عظيمة‬ ‫ومن عبد اهلل تعالى ً‬
‫و�سرو ًرا وحياة كريمة طيبة‪ ،‬فلي�س للقلوب �أن�س حقيقي وال اطمئنان وراحة بال �إال ب�إفراد اهلل‬
‫}منْ َع ِم َل َ�صا ِل ًحا ِمنْ َذ َكرٍ �أَ ْو ُ�أ ْن َثى َوهُ َو ُم�ؤْ ِمنٌ َف َل ُن ْح ِي َي َّن ُه َح َيا ًة َط ِّي َبة{(النحل‪.)97 :‬‬
‫تعالى بالعبادة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫أركان ال إله إال اهلل‪:‬‬
‫لهذه الكلمة العظيمة ركنان ال بد من معرفتهما لتت�ضح معانيها ومقت�ضياتها‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫الركن األول‪( :‬ال إله) وهو نفي العبادة عما‬
‫الركن الثاني‪( :‬إال اهلل) وهو إثبات العبادة‬
‫سوى اهلل تعالى‪ ،‬وإبطال الشرك‪ ،‬ووجوب‬
‫هلل وحـــــــده‪ ،‬وإفـــــــراده سبحانه بجميع‬
‫الكفر بكل ما يعبد من دون اهلل‪ ،‬سواء‬
‫أنواع العبــــــــــــادة كالصـــــالة والدعاء‬
‫صنما أو كوك ًبا أو‬
‫ً‬ ‫أكان إنسا ًنا أو حيوا ًنا أو‬
‫والتوكل‪.‬‬
‫غير ذلك‪.‬‬

‫وجميع �أنواع العبادة �إنما ت ُْ�ص َر ُف هلل وحده ال �شريك له‪ ،‬فمن �صرف منها �شي ًئا لغير اهلل فقد �أ�شرك باهلل ‪.‬‬
‫هلل �إِ َل ًها �آَ َخ َر لاَ ُب ْرهَ انَ َل ُه ِب ِه َف�إِ َّن َما حِ َ�سا ُب ُه عِ ْندَ َر ِّب ِه �إِ َّن ُه لاَ ُي ْف ِل ُح ا ْل َكا ِف ُرون{‬
‫كما قال تعالى‪َ } :‬و َمنْ َي ْد ُع َم َع ا ِ‬
‫(الم�ؤمنون‪.)117 :‬‬
‫ا�س َت ْم َ�س َك بِا ْل ُع ْر َو ِة‬
‫هلل َف َق ِد ْ‬
‫وت َو ُي�ؤْمِ نْ بِا ِ‬ ‫وقد جـاء معنـى ال �إله �إال اهلل و�أركانها في قوله تعالى‪َ } :‬ف َمنْ َي ْك ُف ْر ِب َّ‬
‫الط ُاغ ِ‬
‫ا ْل ُو ْث َقى{ (البقرة‪.)256 :‬‬
‫الط ُاغوت{‪ :‬هو معنى الركن الأول (ال �إله)‪ ،‬وقوله‪َ } :‬و ُي�ؤ ِْمنْ ِباهلل{‪ :‬هو معنى الركن الثاني‬ ‫فقوله‪َ } :‬ف َمنْ َي ْك ُف ْر ِب َّ‬
‫(�إال اهلل)‪.‬‬
‫‪ 40‬إيمان المسلم‬

‫محمدا رسول اهلل‬


‫ً‬ ‫شهادة أن‬
‫معرفة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬

‫حياته ونشأته‬ ‫‪2‬‬ ‫والدته‬ ‫‪1‬‬


‫عاما قبل‬
‫عا� ��ش يف قبيلته قري�ش �أربعني ً‬ ‫ولد يف مكة �سنة ‪ 570‬ميالدية يتيم الأب‪،‬‬
‫النبوة (‪610-570‬م) كان فيها اً‬
‫مثال للخلق‬ ‫وفقد �أمه يف �سن مبكرة فرتبى يف رعاية جده‬
‫وم�ضرب املثل يف اال�ستقامة والتميز‪ ،‬وكان‬ ‫عبد املطلب‪ ،‬ثم من بعده يف رعاية عمه‪� ‬أبي‬
‫لقبه امل�شتهر بينهم‪ :‬ال�صادق الأمني‪ ،‬وكان‬ ‫طالب الذي حماه ودافع عنه‪.‬‬
‫يعمل بالرعي ثم عمل بالتجارة‪.‬‬
‫وكان ر�سـ ��ول اهلل قبــل الإ�سالم حنيف ًيا‬
‫يعبد اهلل على ملة‪� ‬إبراهيم ويرف�ض عبادة‬
‫الأوثان واملمار�سات الوثنية‪.‬‬

‫ا�سم نب ِّينا‪:‬‬
‫ُ‬

‫حممد بن عبد اهلل بن عبد املطلب بن ها�شم القر�شي‪.‬‬


‫وهو �أف�ضل العرب ن�س ًبا‪� ,‬صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬

‫ر�سول اهلل �إىل النا�س جمي ًعا‪:‬‬

‫�أر�س��ل اهلل نبينا حممدا �صلى اهلل علي��ه و�سلم �إىل النا�س كافة بكل �أجنا�سهم و�أعراقهم‪ ,‬و�أوجب طاعته على‬
‫هلل �إِ َل ْيك ُْم َ‬
‫جمِي ًعا{ (الأعراف‪.)158 :‬‬ ‫}قلْ َيا �أَ ُّي َها الن ُ‬
‫َّا�س �إ يِِّن َر ُ�س ُ‬
‫ول ا ِ‬ ‫جميع النا�س‪ .‬قال اهلل تعاىل‪ُ :‬‬

‫بداية دعوته‬ ‫‪4‬‬ ‫بعثته‬ ‫‪3‬‬


‫بد�أ ر�سول اهلل بالدعوة لدين اهلل‬ ‫بعد �أن �أمت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫�س ًرا ثالث �سنين‪ ،‬ثم �أظهر الدعوة‬ ‫عاما من عمره‪ ،‬وكان يت�أمل ويتعبد هلل‬ ‫�أربعني ً‬
‫وجهر بها ع�شر �سنوات �أخرى القى‬ ‫يف غار حراء بجب��ل النور جاءه الوحي من‬
‫فيها ر�سول اهلل و�صحابته �أ�شد �أنواع‬ ‫اهلل‪ ،‬وب ��د�أ ن ��زول القر�آن علي ��ه‪ ،‬وكان �أول ما‬
‫اال�ضطهاد والظلم من قبيلته قري�ش‪،‬‬ ‫ن ��زل عليه من القر�آن ق ��ول اهلل تعاىل‪}:‬ا ْق َر�أْ‬
‫فعر�ض الإ�سالم على القبائل التي‬ ‫ا�س ِم َر ِّب � َ�ك ا َّل ِذي َخ َلقَ { (العل ��ق‪)1:‬؛ ليعلن �أن‬
‫ِب ْ‬
‫ترد �إلى الحج‪ ،‬فقبل بها �أهل المدينة‪،‬‬ ‫هذه البعثة من بدايتها ع�صر جديد من العلم‬
‫وبد�أت هجرة الم�سلمين �إليها �شي ًئا‬ ‫والق ��راءة والن ��ور والهداية للنا� ��س‪ ،‬ثم تتابع‬
‫ف�شي ًئا‪.‬‬ ‫نزول القر�آن عليه ثال ًثا وع�شرين �سنة‪.‬‬
‫‪41‬‬

‫‪ 6‬نشره لإلسالم‬ ‫هجرته‬ ‫‪5‬‬


‫�أ�س�س ر�سول اهلل نواة الح�ضارة الإ�سالمية‬ ‫هاجر �إلى المدينة المنورة‬
‫في المدينة بعد هجرته (‪632 -622‬م) و�أر�سى‬ ‫والم�سماة يثرب �آنذاك عام (‪622‬م)‬
‫معالم المجتمع الم�سلم‪ ،‬ف�ألغى الع�صبية للقبيلة‬ ‫وهو في الثالثة والخم�سين من عمره‪،‬‬
‫ون�شر العلم‪ ،‬و�أر�سى مبادئ العدل واال�ستقامة‬ ‫بعد �أن ت�آمر عليه �سادات قري�ش‬
‫والإخاء والتعاون والنظام‪ ،‬وحاولت بع�ض القبائل‬ ‫ممن عار�ض دعوته و�سعى �إلى قتله؛‬
‫الق�ضاء على الإ�سالم‪ ،‬فح�صل عدد من الحروب‬ ‫فعا�ش فيها ع�شر �سنين داع ًيا �إلى‬
‫والأحداث‪ ،‬ون�صر اهلل دينه ور�سوله‪ ،‬ثم تتابع‬ ‫الإ�سالم‪،‬و�أمر بال�صالة والزكاة وبقية‬
‫دخول النا�س �إلى الإ�سالم‪ ،‬فدخلت مكة و�أغلب‬ ‫�شرائع الإ�سالم‪.‬‬
‫المدن والقبائل في جزيرة العرب �إلى الإ�سالم‬
‫مختارين مقتنعين بهذا الدين العظيم‪.‬‬
‫�أنزل عليه القر�آن‬

‫�أن��زل اهلل عل��ى حمم��د �صلى اهلل علي��ه و�سلم �أعظم كتبه الق��ر�آن الذي ال ي�أتيه الباطل م��ن بني يديه وال من‬
‫خلفه‪.‬‬

‫خامت الأنبياء واملر�سلني‬

‫ول ا ِ‬
‫هلل‬ ‫�أر�سل اهلل حممدً ا �صلى اهلل عليه و�سلم خا ً‬
‫متا للأنبياء فال نبي ي�أتي بعده‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ } :‬و َلك ِْن َر ُ�س َ‬
‫َو َخ مَ َ‬
‫ات ال َّن ِب ِّيني{ (الأحزاب‪.)40 :‬‬

‫‪ 7‬وفاته‬
‫يف �صفر �سن ��ة ‪ 11‬للهجرة النبوية وبع ��د �أن بلغ ر�سول‬
‫اهلل الر�سال ��ة و�أدى الأمان ��ة و�أمت اهلل النعمة على النا�س‬
‫ب�إكم ��ال الدين‪�،‬أ�صي ��ب النب ��ي �صل ��ى اهلل علي ��ه و�سل ��م‬
‫باحلم ��ى‪ ،‬وثقل ب ��ه املر�ض‪ ،‬وتويف �صل ��ى اهلل عليه و�سلم‬
‫يف نه ��ار ي ��وم االثن�ي�ن‪ ،‬ربي ��ع الأول‪� ،‬سنة‪ 11‬ه� �ـ ويوافق‬
‫عاما ودفن ببيت‬ ‫(‪/6/8‬‏‪632‬م)‪ ،‬وقد مت له ثالثة و�ستون ً‬
‫عائ�شة بجانب امل�سجد النبوي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫‪ 42‬إيمان المسلم‬

‫محمدا رسول اهلل‬


‫ً‬ ‫معنى شهادة أن‬

‫ت�صديق �أخباره وامتثال �أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬و�أن نعبد اهلل‬


‫وفق ما �شرعه لنا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وعلمنا �إياه‪.‬‬

‫مالذي ي�شمله �إيماني ب�أن محمدً ا ر�سول اهلل؟‬


‫‪ 2‬امتثال �أوامره ونواهيه �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫‪ 1‬ت�صديق الأخبار التي �أخبر بها �صلى اهلل عليه‬
‫وت�شمل‪:‬‬ ‫و�سلم في جميع المجاالت ومنها‪:‬‬
‫• امتثال ما �أمرنا به �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ويقيننا‬ ‫• �أمور الغيب واليوم الآخر والجنة ونعيمها والنار‬
‫ب�أنه ال ينطق عن الهوى‪ ،‬بل هو وحي من اهلل عز‬ ‫وعذابها‪.‬‬
‫ول َف َق ْد �أَ َطا َع‬
‫}منْ ُي ِط ِع ال َّر ُ�س َ‬
‫وجل‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬ ‫• ما يكون من �أحداث يوم القيامة وعالماتها وما‬
‫اهلل{ (الن�ساء‪.)80 :‬‬
‫يكون في �آخر الزمان‪.‬‬
‫• اجتناب ما نهانا عنه من المحرمات‪ ،‬من الأخالق‬
‫• �أخبار الأولين وال�سابقين وما ح�صل بين الأنبياء‬
‫ال�سيئة وال�سلوكيات ال�ضارة‪ ،‬و�إيماننا �أن منعنا‬
‫عليهم ال�سالم و�أقوامهم‪.‬‬
‫من تلك المحرمات �إنما هو لحكمة �أرادها اهلل‪،‬‬
‫ولم�صلحتنا و�إن كانت الحكمة قد تخفى علينا‬
‫�أحيا ًنا‪.‬‬
‫‪43‬‬

‫• موافقة ال�سنة‪ :‬يلزم لقبول العبادات �إخال�ص‬ ‫• يقيننا �أن امتثال �أوامره ونواهيه يعود علينا‬
‫النية هلل تعالى و�أن تكون العبادة على وفق ما �شرعه‬ ‫بالخير وال�سعادة في الدنيا والآخرة‪ ،‬كما قال‬
‫لنا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كما ق ــال‬ ‫ول َل َع َّل ُك ْم ُت ْر َح ُمون{‬ ‫تعالى‪َ } :‬و�أَ ِطي ُعوا ا َ‬
‫هلل َوال َّر ُ�س َ‬
‫تعالى‪َ } :‬ف َمنْ َكانَ َي ْر ُجو ِل َقا َء َر ِّب ِه َف ْل َي ْع َم ْل َع َملاً‬ ‫(�آل عمران‪.)132 :‬‬
‫َ�صا ِل ًحا َولاَ ُي ْ�ش ِر ْك ِب ِع َبا َد ِة َر ِّب ِه �أَ َحدً ا{(الكهف‪.)110 :‬‬ ‫• �إيماننا �أن من خالف �أمر النبي �صلى اهلل عليه‬
‫(�صالحا)‪� :‬أي �صوا ًبا مواف ًقا ل�سنة النبي‬ ‫ً‬ ‫ومعنى‬ ‫و�سلم فهو م�ستحق للعذاب الأليم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫} َف ْل َي ْح َذ ِر ا َّل ِذينَ ُي َخا ِل ُفونَ َعنْ �أَ ْم ِر ِه �أَنْ ت ُِ�صي َب ُه ْم‬
‫• تحريم االبتداع في الدين‪ :‬من �أحدث عملاً‬ ‫اب َ�أ ِليم{ (النور‪.)63 :‬‬ ‫ِف ْت َن ٌة �أَ ْو ُي ِ�صي َب ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫وعبادة لي�ست من �سنة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫‪� 3‬أن ال نعبد اهلل �إال وفق ما �شرعه لنا النبي‬
‫ويريد �أن يتعبد اهلل بها‪ ،‬مثل من يحدث �صالة‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ويت�ضمن ذلك عددًا من‬
‫بغير الطريقة ال�شرعية؛ فهو مخالف لأمره �آثم‬
‫بذلك العمل وعمله مردود عليه‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫الأمور التي يجب الت�أكيد عليها‪:‬‬
‫} َف ْل َي ْح َذ ِر ا َّل ِذينَ ُي َخا ِل ُفونَ َعنْ �أَ ْم ِر ِه �أَنْ ت ُِ�صي َب ُه ْم‬ ‫• االقتداء به‪� :‬سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬
‫اب َ�أ ِليم{ (النور‪ ،)63 :‬وقال‬ ‫ِف ْت َن ٌة �أَ ْو ُي ِ�صي َب ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫و�سلم وهديه وحياته بكل ما فيها من �أقوال و�أفعال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من �أحدث في �أمرنا هذا ما‬ ‫وموافقة وتقرير هي القدوة لنا في جميع �أمور‬
‫لي�س منه فهو رد" (البخاري ‪ ،2550‬م�سلم ‪.)1718‬‬ ‫حياتنا‪ ،‬ويقترب العبد من ربه ويرتفع درجات‬
‫عند مواله كلما كان �أكثر اقتدا ًء ب�سنة النبي �صلى‬
‫‪ 4‬محبته �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫اهلل عليه و�سلم وهديه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ُ } :‬ق ْل �إِنْ‬
‫فمن الزم الإيمان به �صلى اهلل عليه و�سلم �أن‬ ‫اهلل َفا َّت ِب ُعو ِني ُي ْح ِب ْب ُك ُم ُ‬
‫اهلل َو َي ْغ ِف ْر َل ُك ْم‬ ‫ُك ْنت ُْم ت ُِح ُّبونَ َ‬
‫يكون اهلل ور�سوله �أحب �إليه من كل �شيء‪ ،‬كما قال‬ ‫هلل َغ ُفو ٌر َر ِحيم{ (�آل عمران‪.)31 :‬‬ ‫ُذ ُنو َب ُك ْم َوا ُ‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال ي�ؤمن �أحدكم حتى‬
‫• ال�شرع كامل‪ :‬بلغ ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫�أكون �أحب �إليه من والده وولده والنا�س �أجمعين"‪.‬‬
‫الدين وال�شرائع كاملة غير منقو�صة‪ ،‬فال يجوز‬
‫(البخاري ‪ ،15‬م�سلم ‪.)44‬‬ ‫لأحد �إحداث عبادة لم ي�شرعها لنا ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫• �شرع اهلل �صالح لكل زمان ومكان‪� :‬أحكام الدين‬
‫وال�شرائع التي جاءت في كتاب اهلل و�سنة ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم �صالحة لكل زمان ومكان‪ ،‬فال‬
‫�أحد �أعلم بم�صالح الب�شر ممن خلقهم و�أوجدهم‬
‫من العدم‪.‬‬
‫‪ 44‬إيمان المسلم‬

‫اإليمان باهلل‬

‫ال�سجود من �أعظم مظاهر الخ�ضوع للخالق �سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫معنى اإليمان باهلل عز وجل‪:‬‬


‫التدين التي ركبها اهلل في نف�س كل �إن�سان‪ ،‬و�إن حاول‬ ‫هو الت�صديق الجازم بوجود اهلل تعالى‪ ،‬والإقرار‬
‫بع�ض النا�س طم�سها والتغافل عنها‪.‬‬ ‫بربوبيته‪ ،‬و�أُلوهيته‪ ،‬و�أ�سمائه و�صفاته‪.‬‬
‫وها نحن ن�سمع ون�شاهد من �إجابة الداعين و�إعطاء‬ ‫و�سنتحدث عن هذه الأمور الأربعة تف�صيلاً على‬
‫ال�سائلين و�إجابة الم�ضطرين ما يد ُّل داللة يقينية على‬ ‫النحو الآتي‪:‬‬
‫وجوده تعالى‪.‬‬
‫‪ 1‬اإليمان بوجود اهلل تعالى‪:‬‬
‫�أدلة وجود اهلل �أو�ضح من �أن تذكر وتح�صر‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬ ‫فطرة اهلل‪:‬‬
‫• من المعلوم عند كل �شخ�ص �أن الحادث ال بد‬ ‫فطري في الإن�سان ال‬
‫ّ‬ ‫الإقرار بوجود اهلل تعالى �أم ٌر‬
‫له من ُم ْح ِدث‪ ،‬وهذه المخلوقات الكثيرة والتي‬ ‫يحتاج �إلى تكلف في اال�ستدالل عليه‪ ،‬ولهذا يعترف �أكثر‬
‫ن�شاهدها في كل وقت ال بد لها من خالقٍ �أوجدها‪،‬‬ ‫النا�س بوجود اهلل على اختالف �أديانهم ومذاهبهم‪.‬‬
‫وهو اهلل عز وجل‪ ،‬لأنه يمتنع �أن تكون مخلوقة من‬ ‫فنحن ن�شعر من �أعماق قلوبنا ب�أنه موجود‪ ،‬نلج�أ‬
‫غير خالقٍ خَ لقها‪ ،‬كما يمتنع �أن تخلق نف�سها؛ لأن‬ ‫�إليه في ال�شدائد والملمات‪ ،‬بفطرتنا الم�ؤمنة‪ ،‬وغريزة‬
‫‪45‬‬

‫ال�شيء ال يخلق نف�سه‪ .‬كما قال تعالى‪�} :‬أَ ْم خُ ِلقُوا ِم ْن غَ ْيرِ �شَ ْي ٍء �أَ ْم ُه ُم الْخَ ا ِلقُون{(الطور‪.)35 :‬ومعنى الآية‪� :‬أنهم‬
‫لم ُيخلقوا من غير خالق‪ ،‬وال هم الذين خلقوا �أنف�سهم‪ ،‬فيتع ّين �أن يكون خالقهم هو اهلل تبارك وتعالى‪.‬‬
‫• �إن انتظام هذا الكون ب�سمائه و�أر�ضه ونجومه و�أ�شجاره يدلّ داللة قطعية على �أن لهذا الكون خالقًا ً‬
‫واحدا‪،‬‬
‫هلل ال َِّذي �أَ ْتق ََن ُك َّل �شَ ْيء{(النمل‪.)88 :‬‬ ‫}�ص ْن َع ا ِ‬
‫وهو اهلل �سبحانه وتعالى‪ُ :‬‬
‫فهذه الكواكب والنجوم ‪-‬مثلاً ‪ -‬ت�سير على نظام ثابت ال يختل‪ ،‬وكل كوكب ي�سير في مدار ال يتعداه وال يتجاوزه‪.‬‬
‫يقول تعالى‪} :‬لاَ ال�شَّ ْم ُ�س َي ْن َب ِغي َل َها َ�أ ْن ت ُْدر َِك ا ْل َق َم َر َولاَ ال َّل ْي ُل َ�سابِقُ ال َّن َها ِر َو ُك ٌّل ِفي َف َل ٍك َي ْ�س َب ُحون{(ي�س‪.)40 :‬‬

‫‪ 2‬اإليمان بربوبية اهلل تعالى‪:‬‬


‫معنى الإيمان بربوبية اهلل تعالى‪:‬‬
‫هو الإقرار والت�صديق الجازم ب�أن اهلل تعالى رب كل �شيء ومالكه وخالقه ورازقه‪ ،‬و�أنه المحيي المميت النافع‬
‫ال�ضار‪ ،‬الذي له الأمر كله‪ ،‬وبيده الخير‪ ،‬وهو على كل �شيء قدير‪ ،‬لي�س له في ذلك �شريك‪.‬‬
‫فهو �إذن �إفراد اهلل ب�أفعاله‪ ،‬وذلك ب�أن يعتقد‪:‬‬
‫هلل َخا ِل ُق ُك ِّل َ�ش ْيء{(الزمر‪.)62 :‬‬
‫�أن اهلل وحده الخالق لكل ما في الكون وال خالق �سواه‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ا ُ‬
‫�أما �صنع الإن�سان فهو تحويل من �صفة لأخرى‪� ،‬أو تجميع وتركيب‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬ولي�س خل ًقا‬
‫حقيق ًيا‪ ،‬وال �إيجادًا من العدم‪ ،‬وال �إحياء بعد موت‪.‬‬

‫الَ ْر ِ�ض �إِ اَّل َعلَى‬


‫و�أنه الر ّزاق لجميع المخلوقات وال رازق �سواه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬ومَا ِمنْ دَا َّب ٍة ِفي ْ أ‬
‫ا ِ‬
‫هلل ِر ْز ُقهَا{(هود‪.)6 :‬‬

‫و�أنه المالك لكل �شيء‪ ،‬وال مالك على الحقيقة �سواه‪ ،‬حيث قال �سبحانه‪} :‬لهلِ ِ ُم ْل ُك َّ‬
‫ال�سموَاتِ‬
‫الَ ْر ِ�ض َومَا فِيهِن{(المائدة‪.)120 :‬‬
‫َو ْ أ‬

‫الَ ْم َر ِم َن َّ‬
‫ال�س َما ِء �إِ َلى‬ ‫و�أنه المدبر لكل �شيء وال مد ِّبر �إال اهلل‪ ،‬كما قال تعالى‪ُ } :‬ي َد ِّب ُر ْ أ‬
‫الَ ْر�ض{(ال�سجدة‪.)5 :‬‬ ‫ْأ‬
‫�أما تدبير الإن�سان ل�ش�ؤونه وحياته وترتيبها فمقيد قا�صر على ما تحت يده وما يملكه وي�ستطيعه‪،‬‬
‫وقد يثمر ذلك التدبير وقد يخفق‪ ،‬لكن تدبير الخالق �سبحانه وتعالى �شامل ال يخرج منه �شيء‪،‬‬
‫ونافذ ال يحول دونه �شيء وال يعار�ضه �شيء‪ ،‬كما قال تعالى‪�} :‬أَ اَل َل ُه ا ْل َخ ْل ُق َو َْ أ‬
‫ال ْم ُر َت َبا َر َك ا ُ‬
‫هلل َر ُّب‬
‫ا ْل َعا َل ِمين{(الأعراف‪.)54 :‬‬
‫‪ 46‬إيمان المسلم‬

‫م�شركو العرب على عهد ر�سول اهلل كانوا مقرين بربوبية اهلل‪:‬‬
‫�أقر الكفار في زمن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�أن اهلل هو الخالق المالك المدبر‪ ،‬ولم يدخلهم‬
‫الَ ْر َ�ض َل َي ُقو ُلنَّ اهلل{(لقمان‪.)25 :‬‬ ‫ذلك وحده في الإ�سالم‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬و َل ِئنْ َ�س َ�أ ْل َت ُه ْم َمنْ َخ َلقَ َّ‬
‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬
‫لأن من �أقر ب�أن اهلل رب العالمين �أي خالقهم ومالكهم ومربيهم بنعمه‪ :‬لزمه �أن يفرد اهلل بالعبادة‬
‫وي�صرفها له وحده ال �شريك له‪.‬‬
‫فكيف يعقل �أن يقر الإن�سان ب�أن اهلل تعالى خالق كل �شيء ومدبر الكون المحيي المميت ثم ي�صرف �شي ًئا من‬
‫�أنواع العبادة لغيره؟! هذا هو �أ�شنع الظلم و�أعظم الذنوب‪ ،‬ولهذا قال لقمان البنه وهو ين�صحه ويوجهه‪َ } :‬يا ُب َن َّي‬
‫ال�ش ْر َك َل ُظ ْل ٌم َع ِظيم{(لقمان‪.)13 :‬‬ ‫لاَ ُت ْ�ش ِر ْك بِا ِ‬
‫هلل �إِنَّ ِّ‬
‫ولما �سئل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪� :‬أي الذنب �أعظم عند اهلل؟ قال‪�" :‬أن تجعل هلل ندا وهو خلقك"‬
‫(البخاري ‪ ،4207‬م�سلم ‪.)86‬‬

‫اإليمان بالربوبية يطمئن القلوب‪:‬‬


‫�إذا علم العبد علم اليقين �أنه اليمكن لأحد من المخلوقات الخروج عن قدر اهلل تعالى؛ لأن اهلل تعالى هو‬
‫مليكهم ي�ص ِّرفهم كيف ي�شاء ِوفق حكمته‪ ،‬وهو خالقهم جمي ًعا‪ ،‬وكل ما �سوى اهلل م�صنوع فقير محتاج �إلى‬
‫خالقه تعالى‪ ،‬و�أن الأمر كله بيده �سبحانه‪ ،‬فال خالق �إال هو‪ ،‬وال رازق �إال هو‪ ،‬وال مدبر للكون �إال هو وحده‪،‬‬
‫وال تتحرك ذرة �إال ب�إذنه‪ ،‬وال ت�سكن �أخرى �إال ب�أمره‪� :‬أورث ذلك لقلبه التعلق باهلل وحده و�س�ؤاله واالفتقار‬
‫�إليه‪ ،‬واالعتماد عليه في جميع‬
‫�ش�ؤون حياته‪ ،‬والإقدام والمثابرة‬
‫في التعامل مع تقلبات الحياة بكل‬
‫طم�أنينة وعزم و�إ�صرار؛ لأنه ما دام‬
‫قد بذل الأ�سباب لتح�صيل ما �أراد‬
‫في �ش�ؤون حياته ودعا اهلل لتحقيق‬
‫مراده فقد �أدى ما عليه‪ ،‬وعندها‬
‫ت�سكن نف�سه عن التطلع لما في �أيدي‬
‫الآخرين‪ ،‬فالأمر في الحقيقة كله‬
‫بيد اهلل يخلق ما ي�شاء ويختار‪.‬‬
‫‪47‬‬

‫محاربة الخرافة في النفوس‪:‬‬


‫ •كان ��ت الع ��رب والأمم عام ��ة قبل الإ�سالم رهينة الأ�ساطير والخرافات والأوه ��ام حيث ع َّمت �أرجاء الأر�ض‬
‫ول ��م ي�سل ��م منه ��ا �شع ��ب م ��ن ال�شعوب‪ ،‬حت ��ى زعم العرب ‪ -‬ف ��ي بداي ��ة الأم ��ر ‪ّ � -‬أن القر�آن الكري ��م نوع من‬
‫الأ�ساطير �أو ال�سحر‪.‬‬
‫ •فلما جاء الإ�سالم بنوره وهداه ح ّرر العق َل من �سلطان الخرافة والأ�ساطير والأوهام بت�شريعات وقواعد‬
‫ت�ضمن �صفاء العقل والروح‪ ،‬وتوجه التعلق نحو اهلل وحده دون ما �سواه‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬

‫‪ 1‬محاربة ال�سحر وال�شعوذة‪:‬‬


‫حرم الإ�سالم ال�سحر وال�شعوذة والكهانة بكل �أنواعها وجعلها من �أنواع ال�شرك وال�ضالل و�أخبر �أن ال�ساحر ال‬
‫ال�س ِاح ُر َح ْيثُ �أَتَى{ (طه‪.)69 :‬‬
‫يفلح في الدنيا وال في الآخرة‪ ،‬فقال تعالى‪َ }:‬ولاَ ُي ْف ِل ُح َّ‬
‫كما حرم على الم�سلم الذهاب �إليهم و�س�ؤالهم وطلب ال�شفاء �أو العالج والحل منهم‪ ،‬وو�صف من فعل ذلك ب�أنه‬
‫كافر بما �أنزل على ر�سول اهلل؛ لأن النفع وال�ضر بيد اهلل‪ ،‬والغيب ال يعلمه �إال هو‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من‬
‫�أتى عرا ًفا ف�س�أله ف�ص َّدقه فقد كفر بما �أنزل على محمد" (الحاكم‪.)15 :‬‬

‫النفع وال�ضر بيد اهلل �سبحانه‪:‬‬ ‫‪2‬‬


‫بين �أن جميع المخلوقات من �إن�س وجن و�أ�شجار و�أحجار وكواكب و�إن عظمت ما هي �إال �آيات دالة على عظمة‬
‫خلقه �سبحانه‪ ،‬وال �أحد من الب�شر يمتلك قوىً خارقة م�ؤثرة في الكون‪ ،‬فالخلق والأمر والقدرة والتدبير ب�أمره‬
‫هلل َر ُّب ا ْل َعا َلمِ ينَ { (الأعراف‪.)54 :‬‬ ‫�سبحانه وتعالى‪ ،‬كما قال تعالى‪�}:‬أَلاَ َل ُه ا ْل َخ ْلقُ َو َْ أ‬
‫ال ْم ُر َت َبا َر َك ا ُ‬
‫ومن ت�أمل في عظمة تلك المخلوقات ودقيق �صنعها علم �أن خالقها هو الرب القادر المدبر الذي ت�صرف كل‬
‫�أنواع العبادة له دون ما �سواه ‪ ،‬فهو الخالق وما �سواه مخلوق ‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و ِمنْ �آ َيا ِت ِه ال َّل ْي ُل َوال َّن َها ُر َو َّ‬
‫ال�ش ْم ُ�س َوا ْل َق َم ُر‬
‫لاَ ت َْ�س ُجدُوا ِل َّل�ش ْم ِ�س َولاَ ِل ْل َق َم ِر َو ْ‬
‫ا�س ُجدُوا لهلِ ِ ا َّل ِذي َخ َل َقهُنَّ ِ�إنْ ُك ْنت ُْم ِ�إ َّيا ُه َت ْع ُبدُونَ { (ف�صلت‪.)37 :‬‬

‫‪ 3‬ال يعلم الغيب والم�ستقبل �إال اهلل ‪:‬‬


‫�أخبر �أن الغيب والم�ستقبل ال يعلمه �إال اهلل ‪ ،‬ومن زعم معرفته من الكهان والم�شعوذين فهو كاذب‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪َ } :‬و ِع ْندَ ُه َم َفا ِت ُح ا ْل َغ ْي ِب لاَ َي ْع َل ُم َها ِ�إلاَّ هُ َو{ (الأنعام‪ )59 :‬بل �إن �أف�ضل الخلق و�أ�شرفهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم لم يكن يملك لنف�سه �ض ًرا وال نف ًعا وال يعلم الغيب والم�ستقبل فكيف بمن هو دونه في ال�شرف والمكانــة‪،‬كما‬
‫هلل َو َل ْو ُك ْنتُ �أَ ْع َل ُم ا ْل َغ ْي َب لاَ ْ�س َت ْك َث ْرتُ ِمنَ ا ْل َخ ْي ِر َو َما َم َّ�س ِن َي‬
‫قال تعالى‪ُ }:‬ق ْل لاَ �أَ ْم ِل ُك ِل َنف ِْ�سي َن ْف ًعا َولاَ َ�ض ًّرا ِ�إلاَّ َما َ�شا َء ا ُ‬
‫ال�سو ُء �إِنْ �أَ َنا �إِلاَّ َن ِذي ٌر َو َب ِ�شي ٌر ِل َق ْو ٍم ُي�ؤ ِْم ُنونَ { (الأعراف‪.)188 :‬‬
‫ُّ‬
‫‪ 48‬إيمان المسلم‬

‫حرم الطيرة والت�شا�ؤم‪:‬‬ ‫‪4‬‬


‫ح َّرم الطيرة والت�شا�ؤم بالأ�شياء والألوان والأقوال‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬و�أمر بالف�أل والنظر الإيجابي للم�ستقبل‪.‬‬
‫مثال الطيرة‪ :‬من يت�شاءم من �سفره �أو رحلته‬
‫نوعا من الطيور �أو �سمع �صوته في بداية رحلته‬
‫�إذا ر�أى ً‬
‫وربما قطعها ولم يكملها‪ ،‬وقد و�صف الر�سول �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم ذلك ب�أنه �شرك فقال‪" :‬الطيرة �شرك" (�أبو‬
‫داود ‪ ،3912‬ابن ماجه ‪)3538‬؛ لأن ذلك يخالف الإيمان‬
‫الرا�سخ لدى الم�سلم ب�أن اهلل هو المدبر للكون العالم‬
‫بالغيب وحده دونما �سواه‪.‬‬
‫وفي المقابل فقد �أمر بالتفا�ؤل وتوقع الخير‬
‫و�إح�سان الظن باهلل واختيار الألفاظ الدالة عليه‪،‬‬
‫وقد كان �صلى اهلل عليه و�سلم ‪(:‬يحب الف�أل‪ ،‬الكلمة‬
‫الطيبة) (البخاري‪ ،5776 :‬م�سلم‪.)2224 :‬‬
‫حرم الإ�سالم الت�شا�ؤم وتوقع ال�شر لمجرد ر�ؤية‬
‫�أو �سماع نوع من الطيور �أو الحيوانات‬

‫ثمرات اإليمان بربوبية اهلل‪:‬‬


‫‪ 1‬يقوي العزيمة وال�شجاعة في القلب على الإقدام ومواجهة ال�شدائد والعقبات؛ لأن اهلل هو الخالق‬
‫المدبر المت�صرف فيعتمد ويتوكل عليه لتجاوز العقبات‪.‬‬
‫‪ 2‬الإيمان بربوبيته �سبحانه �أعظم دافع لعبادته ومحبته والتوكل والإقبال عليه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ }:‬ولهلِ ِ‬
‫الَ ْم ُر ُكلُّ ُه َف ْاع ُب ْد ُه َو َت َو َّك ْل َع َل ْي ِه{(هود‪.)123 :‬‬
‫الَ ْر ِ�ض َو ِ�إ َل ْي ِه ُي ْر َج ُع ْ أ‬
‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬
‫َغ ْي ُب َّ‬
‫‪� 3‬أن الإيمان يط ّهر النفو�س من الخرافات‪ ،‬فمن �آمن باهلل تعالى ح ًقا ف�إنه يع ِّلق �أمره باهلل تعالى وحده‪،‬‬
‫فهو رب العالمين‪ ،‬وهو الإله الحق ال �إله غيره‪ ،‬فال يخاف من مخلوق‪ ،‬وال يع ّلق قلبه ب�أحد من النا�س‪ ،‬ومن ثم‬
‫يتحرر من الخرافات والأوهام‪.‬‬
‫‪49‬‬

‫‪ 3‬اإليمان بألوه َّية اهلل تعالى‬


‫معنى الإيمان ب�أُلوه َّية اهلل تعالى‪:‬‬
‫الت�صديق الجازم ب�أن اهلل تعالى وحده الم�ستحق لجميع �أنواع العبادة الظاهرة والباطنة‪ ،‬فنفرد اهلل بجميع �أنواع‬
‫العبادة‪ ،‬مثل الدعاء والخوف والتوكل واال�ستعانة وال�صالة والزكاة وال�صيام‪ ،‬فال معبود بحق �إال اهلل تعالى‪ ،‬كما قال‬
‫�سبحانه‪َ } :‬و ِ�إ َل ُه ُك ْم ِ�إ َل ٌه َو ِاح ٌد لاَ ِ�إ َل َه �إِلاَّ هُ َو ال َّر ْح َمنُ ال َّر ِح ُيم{(البقرة‪.)163 :‬‬
‫ف�أخبر تعالى �أن الإله �إل ٌه واحد‪� ،‬أي معبود واحد‪ ،‬فال يجوز �أن ُيتّخذ �إله غيره‪ ،‬وال يعبد �سواه‪.‬‬
‫�أهميه الإيمان ب�ألوه َّية اهلل تعالى‪:‬‬
‫تظهر �أهمية الإيمان ب�ألوهية اهلل تعالى في جوانب عديدة‪:‬‬
‫‪� 1‬أنه الغاية من خلق الجن والإن�س‪ ،‬فما خلقوا �إال لعبادة اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬حيث قال �سبحانه‪َ } :‬و َما‬
‫ال ْن َ�س �إِلاَّ ِل َي ْع ُبد ِ‬
‫ُون{(الذاريات‪.)56 :‬‬ ‫َخ َل ْقتُ ا ْل ِجنَّ َو ْ إِ‬
‫‪� 2‬أنه المق�صود من �إر�سال الر�سل عليهم ال�سالم‪ ،‬و�إنزال الكتب ال�سماوية‪ ،‬فالمق�صد من ذلك الإقرار ب�أن‬
‫اهلل هو المعبود الحق‪ ،‬والكفر بما يعبد من دون اهلل‪ ،‬كما قال �سبحانه‪َ } :‬و َل َق ْد َب َع ْث َنا ِفي ُك ِّل �أُ َّم ٍة َر ُ�سولاً �أَ ِن‬
‫هلل َو ْاج َت ِن ُبوا َّ‬
‫الط ُاغوت{ (النحل‪.)36 :‬‬ ‫ْاع ُبدُوا ا َ‬
‫‪� 3‬أنه �أول واجب على الإن�سان‪ ،‬كما جاء في و�صية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لمعاذ بن جبل ر�ضي اهلل عنه‬
‫قوما من �أهل الكتاب فليكن �أول ما تدعوهم �إليه �شهادة �أن ال �إله �إال‬ ‫لما �أر�سله �إلى اليمن قائلاً له‪�" :‬إنك ت�أتي ً‬
‫اهلل" (البخاري ‪ ،1389‬م�سلم ‪� .)19‬أي‪ :‬ادعهم �إلى �إفراد اهلل بجميع �أنواع العبادة‪.‬‬
‫‪� 4‬أن الإيمان بالألوهية هو حقيقة معنى ال �إله �إال اهلل‪ ،‬فالإله بمعنى المعبود‪ ،‬فال معبود بحق �إال اهلل‪ ،‬وال‬
‫ن�صرف �شي ًئا من �أنواع العبادة لغيره‪.‬‬
‫‪� 5‬أن الإيمان بالألوهية هو النتيجة‬
‫المنطقية للإيمان ب�أن اهلل هو الخالق‬
‫المالك المت�صرف‪.‬‬

‫هلل ا َلّذِ ي ال �إِ َل َه �إِ َّال هُ َو َو�سِ َع‬


‫}�إِ َّن َما �إِ َل ُه ُك ُم ا ُ‬
‫ُك َّل َ�ش ْي ٍء ِع ْل ًما { (طه‪.)98 :‬‬
‫‪ 50‬إيمان المسلم‬

‫ما حقيقة العبادة؟‬

‫ْ�س �إِ اَّل ِل َي ْع ُبدُ ونِ‬ ‫} َو َما َخ َلقْتُ ال ِْجنَّ َو ْ إِ‬


‫الن َ‬
‫��ن ِرز ٍْق َو َما �أُرِي��دُ �أَنْ‬ ‫• َم��ا �أُرِي��دُ ِم ْن ُه ْ‬
‫��م ِم ْ‬
‫ُيطْ ِع ُم��ونِ �إِنَّ ا َ‬
‫هلل هُ َو ال�� َّرزَّاقُ ُذو ا ْل ُق َّو ِة‬
‫ا ْل َم ِتينُ { (الذاريات‪.)57-56 :‬‬

‫يخت�ص‬
‫ّ‬ ‫العبادة هي‪ :‬الطاعة المط َلقة مع المحبة والتعظيم والخ�ضوع‪ ،‬وهي حقّ اهلل على عباده‪،‬‬
‫بها وحده دون �سواه ‪ ،‬وت�شمل كل ما يح ّبه اهلل وير�ضاه من الأقوال والأعمال التي �أمر بها وندب النا�س‬
‫�إليها‪� ،‬سواء �أكانت من الأعمال الظاهرة كال�صالة والزكاة والحج‪� ،‬أم من الأعمال الباطنة مثل‬
‫ذكراهلل بالقلب والخوف منه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬واال�ستعانة به‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫تنوع العبادات‬

‫يتنوعون في ميولهم وقدراتهم‪ ،‬فمنهم من يجد ً‬


‫ن�شاطا‬ ‫من رحمة اهلل بعباده �أن ن ّوع لهم العبادات‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫وجدًّا في عبادة �أكثر من غيرها‪ ،‬فربما ُح ّبب لأحدهم‬
‫عبادات قلبية‪ :‬كحب اهلل‪ ،‬والخوف منه‪،‬‬
‫الإح�سان �إلى النا�س‪ ،‬و�آخر ُي ِّ�سر له االزدياد من �صيام‬
‫والتوكل عليه‪ ،‬وهي �أجل العبادات و�أف�ضلها‪.‬‬
‫النفل‪ ،‬وثالث تعلق قلبه بقراءة القر�آن وحفظه‪.‬‬
‫عبادات بدنية‪ :‬منها ما يخت�ص بالل�سان‪ ،‬كذكر‬
‫وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬فمن كان من �أهل‬
‫اهلل‪ ،‬وقراءة القر�آن‪ ،‬والقول الح�سن الجميل‪ .‬ومنها ما‬
‫ال�صالة دعي (�أي‪� :‬إلى دخول الجنة) من باب ال�صالة‪،‬‬
‫يخت�ص ببقية الجوارح‪ ،‬كالو�ضوء‪ ،‬وال�صوم‪ ،‬وال�صالة‪،‬‬
‫ومن كان من �أهل الجهاد دعي من باب الجهاد‪ ،‬ومن‬
‫و�إماطة الأذى عن الطريق‪.‬‬
‫كان من �أهل ال�صدقة دعي من باب ال�صدقة‪ ،‬ومن كان‬
‫من �أهل ال�صيام دعي من باب الريان"‪ .‬قال �أبو بكر‪ :‬يا‬ ‫عبادات مالية‪ :‬كالزكاة‪ ،‬وال�صدقة‪ ،‬والإنفاق في‬
‫ر�سول اهلل‪ ،‬هل يدعى �أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال‬ ‫مجاالت الخير‪.‬‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬نعم‪ ،‬و�أرجو �أن تكون‬ ‫ومنها ما يجمع ذلك كله‪ ،‬كالحج والعمرة‪.‬‬
‫منهم"‪( .‬البخاري‪ ، 1798 :‬م�سلم‪.)1027 :‬‬ ‫وكما تتنوع هذه العبادات فالنا�س � ً‬
‫أي�ضا‬
‫‪51‬‬

‫العبادة هي الحكمة من الخلق‪:‬‬ ‫العبادة في جميع مجاالت الحياة‪:‬‬


‫ُون •‬
‫ال ْن َ�س �إِلاَّ ِل َي ْع ُبد ِ‬
‫قال تعالى‪َ } :‬و َما َخ َل ْقتُ ا ْلجِ نَّ َو ْ إِ‬ ‫العبادة �شاملة لكل ت�صرفات الم�ؤمن �إذا نوى‬
‫َما �أُرِي ُد ِم ْن ُه ْم ِمنْ ِر ْزقٍ َو َما أ�ُرِي ُد َ�أنْ ُي ْط ِع ُم ِون • ِ�إنَّ اهللَ‬ ‫بها التقرب �إلى اهلل تعالى‪ ،‬فلي�ست العبادة في الإ�سالم‬
‫هُ َو ال َّر َّز ُاق ُذو ا ْل ُق َّو ِة ا ْل َمتِينُ {(الذاريات‪.)58-56 :‬‬ ‫قا�صرة على ال�شعائر المعروفة كال�صالة وال�صيام‬
‫ف�أخبر �سبحانه �أن الحكمة من خلق الجن والإن�س‬ ‫ونحوهما‪ ،‬بل جميع الأعمال النافعة مع النية ال�صالحة‬
‫هي قيامهم بعبادة اهلل‪ ،‬واهلل تعالى غني عن عبادتهم‪،‬‬ ‫والق�صد ال�صحيح ت�صير عبادات يثاب عليها‪ ،‬فلو �أكل‬
‫و�إنما هم المحتاجون �إلى عبادته‪ ،‬لفقرهم �إلى اهلل‬ ‫الم�سلم �أو �شرب �أو نام بق�صد التق ّوي على طاعة اهلل‬
‫تعالى‪.‬‬ ‫تعالى؛ ف�إنه يثاب على ذلك‪.‬‬
‫و�إذا �أهمل الإن�سان ذلك الهدف وانغم�س في‬ ‫ولهذا يعي�ش الم�سلم حياته كلها هلل‪ ،‬فهو ي�أكل ليتقوى‬
‫ملذات الدنيا بدون تذكر للحكمة الربانية من وجوده؛‬ ‫على طاعة اهلل فيكون �أكله بهذا الق�صد عبادة‪ ،‬وينكح‬
‫تحول لمخلوق ال مزية له عن بقية مخلوقات هذا‬ ‫ليعف نف�سه عن الحرام فيكون نكاحه عبادة‪ ،‬وبمثل‬
‫أي�ضا و�إن كانت ال‬ ‫الكوكب‪ ،‬فالحيوانات ت�أكل وتلهو � ً‬ ‫هذا الق�صد تكون تجارته ووظيفته وك�سبه للمال عبادة‪،‬‬
‫تحا�سب في الآخرة بخالف الإن�سان‪ ،‬وقد قال تعالى‪:‬‬ ‫وتح�صيله للعلم وال�شهادة وبحثه واكت�شافه واختراعه‬
‫الَ ْن َع ُام‬
‫} َوا َّل ِذينَ َك َف ُروا َي َت َم َّت ُعونَ َو َي�أْ ُك ُلونَ َك َما َت�أْ ُك ُل ْ أ‬ ‫عبادة‪ ،‬ورعاية المر�أة لزوجها و�أوالدها وبيتها عبادة‪،‬‬
‫َوال َّنا ُر َم ْث ًوى َل ُه ْم{(محمد‪ .)13 :‬فقد �شابهوا الحيوانات‬ ‫وهكذا كل مجاالت الحياة و�أعمالها و�ش�ؤونها النافعة‬
‫في �أفعالها و�أهدافها‪� ،‬إال �أنهم �سيلقون جزاءهم على‬ ‫مادام ذلك كله مقتر ًنا بالنية ال�صالحة والق�صد‬
‫ذلك؛ لأن لهم عقولاً يفهمون ويدركون بها بخالف تلك‬ ‫الح�سن‪.‬‬
‫الحيوانات التي ال تعقل‪.‬‬

‫من رحمة اهلل بعباده �أن نوع لهم في العبادات لي�ستغل‬


‫الجميع قدراتهم وميولهم في �أبواب الخير‪.‬‬
‫‪ 52‬إيمان المسلم‬

‫أركان العبادة‬

‫تقوم العبادة التي �أمر اهلل بها على ثالثة �أركان مهمة كل واحد منها مك ّمل للآخر‪:‬‬
‫الحب له �سبحانه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫الذل والخوف منه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪ 3‬الرجاء و�إح�سان الظن به‪.‬‬
‫فالعبادة التي فر�ضها اهلل على عباده ال ب ّد فيها من كمال ّ‬
‫الذل والخ�ضوع هلل والخوف منه‪ ،‬مع كمال الحب‬
‫وغايته والرغبة �إليه ورجائه‪.‬‬
‫وعلى هذا فالمح ّبة التي ال ي�صاحبها خوف وال تذلل ‪-‬كمحبة الطعام والمال‪ -‬لي�ست بعبادة‪ ،‬وكذلك الخوف‬
‫بدون محبة ‪-‬كالخوف من حيوان مفتر�س وحاكم ظالم‪ -‬ال يع ّد عباد ًة‪ ،‬ف�إذا اجتمع الخوف والحب والرجاء في العمل‬
‫كان عبادة‪ ،‬والعبادة ال تكون �إال هلل وحده‪.‬‬
‫ف�إذا �صلى الم�سلم �أو �صام وكان باعثه على ذلك محبة اهلل ورجاء ثوابه‪ ،‬وخوف عقابه‪ ،‬كان في عبادة‪ .‬قال اهلل‬
‫تعالى مثن ًيا على �أنبيائه‪�} :‬إِ َّن ُه ْم َكا ُنوا ُي َ�سار ُِعونَ ِفي ا ْل َخ ْي َر ِات َو َي ْد ُعو َن َنا َر َغ ًبا َو َر َه ًبا َو َكا ُنوا َل َنا َخ ِا�ش ِعينَ {(الأنبياء‪.)90 :‬‬

‫��م َكا ُن��وا ُي َ�سا ِر ُع��ونَ ِف��ي ال َْخ ْي َر ِ‬


‫ات‬ ‫}�إِ َّن ُه ْ‬
‫َو َي ْد ُعو َن َن��ا َر َغ ًب��ا َو َر َه ًب��ا َو َكا ُن��وا َل َن��ا‬
‫ا�ش ِعينَ { (الأنبياء‪.)90 :‬‬ ‫َخ ِ‬
‫‪53‬‬

‫أنواع العبادة‬

‫‪ 1‬عبادات مح�ضة‪ :‬وهي ما �أمر اهلل ور�سوله بها ل ُت�ؤ َّدى بطريقة محددة‪ ،‬وال يمكن �أن تكون �إال عبادة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ال�صالة وال�صيام‪ ،‬والحج والدعاء‪ ،‬والطواف‪ ،‬وال يجوز �صرفها لغير اهلل‪.‬‬
‫وي�شترط ل�صحتها وقبولها �شرطان‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫الموافقة والمتابعة لسنة رسول‬ ‫إخالص العبادة هلل وحده‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫ال شريك له‪.‬‬

‫كما قال تعالى‪َ } :‬ف َمن َكانَ َي ْر ُجو ِل َقاء َر ِّب ِه َف ْل َي ْع َم ْل َع َملاً َ�صا ِل ًحا َوال ُي ْ�ش ِر ْك ِب ِع َبا َد ِة َر ِّب ِه �أَ َحدً ا{(الكهف‪ .)110 :‬فمن‬
‫�أراد اهلل والدار الآخرة فعليه �أن يعبد اهلل وفق هذين ال�شرطين المذكورين في الآية‪.‬‬
‫فدل قوله‪َ }:‬وال ُي ْ�شرِ ْك ِب ِع َبا َد ِة َر ِّب ِه �أَ َحدً ا{ على �إخال�ص العبادة هلل وحده دون ما �سواه‪.‬‬
‫�صحيحا‪ ،‬ولن يكون كذلك �إال �إذا كان مواف ًقا لما جاء في كتاب اهلل و�سنة ر�سوله‬
‫ً‬ ‫قوله‪}:‬ع َملاً َ�صا ِل ًحا{ �أي‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ودل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫‪� 2‬أخالق فا�ضلة‪� :‬أمر اهلل بها �أو ندب النا�س‬
‫�إليها‪ ،‬مثل بر الوالدين والإح�سان �إلى النا�س‬
‫ون�صرة المظلوم‪ ،‬وغيرها من مكارم العادات‬
‫والأخالق التي �أمر اهلل بها على وجه العموم‬
‫وي�أثم الم�سلم بتركها‪.‬‬
‫وال يلزم في هذا النوع من العبادة المتابعة‬
‫التف�صيلية للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و�إنما يكفي فيها‬
‫عدم المخالفة والوقو ِع في المح َّرم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وهذه الأعمال �إذا �أح�سن فاعلها النية‪ ،‬وق�صد �أن‬
‫يتو�صل بها �إلى طاعة اهلل نال �صاحبها الأجر‪ ،‬و�إذا‬
‫فعلت ولم يق�صد بها وجه اهلل لم ي�ؤجر فاعلها‪ ،‬ولكنه‬
‫ال ي�أثم‪.‬‬
‫كل عمل نافع يق�صد به وجه اهلل‪ ،‬ينال �صاحبه الأجر‬ ‫ويلحق بذلك الأمور الحياتية الدنيوية كالنوم‪،‬‬
‫}�إِ َّنا اَل ُن ِ�ضي ُع �أَ ْج َر َمنْ �أَ ْح َ�س َن َع َملاً { (الكهف‪.)30 :‬‬ ‫والعمل‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والريا�ضة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ 54‬إيمان المسلم‬

‫الشرك‬

‫• ال�شرك يناق�ض الإيمان ب�ألوه َّية اهلل وحده‪ ،‬ف�إذا‬


‫كان الإيمان ب�ألوهية اهلل تعالى وحده و�إفراد اهلل‬
‫بالعبادة �أهم الواجبات و�أعظمها‪ ،‬ف�إن ال�شرك‬
‫�أكبر المعا�صي عند اهلل تعالى‪ ،‬فهو الذنب‬
‫الوحيد الذي ال يغفره اهلل‪� ،‬إال بالتوبة‪ ،‬كما قال‬
‫هلل لاَ َي ْغ ِف ُر �أَنْ ُي ْ�ش َر َك ِب ِه َو َي ْغ ِف ُر َما‬
‫تعالى‪�} :‬إِنَّ ا َ‬
‫دُونَ َذ ِل َك ِل َمنْ َي َ�شاء{(الن�ساء‪ .)48 :‬ول َّما ُ�سئل‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم عن �أي الذنب‬
‫�أعظم عند اهلل؟ قال‪�" :‬أن تجعل هلل ندً ا وهو‬
‫خلقك" (البخاري ‪ ،4207‬م�سلم ‪.)86‬‬
‫• وال�شرك يف�سد الطاعات ويبطلها‪ ،‬كما قال‬
‫�سبحانه‪َ } :‬و َل ْو �أَ ْ�ش َر ُكوا َل َح ِب َط َع ْن ُه ْم َما َكا ُنوا‬
‫َي ْع َم ُلون{(الأنعام‪.)88 :‬‬
‫ويوجب ال�شرك ل�صاحبه الخلود في نار جهنم‪،‬‬
‫حيث قال تعالى‪�} :‬إِ َّن ُه َمنْ ُي ْ�ش ِر ْك ِبا ِ‬
‫هلل َف َق ْد َح َّر َم‬
‫�أعظم الذنوب �أن تجعل هلل ندًا وهو خلقك‬ ‫هلل َع َل ْي ِه ا ْل َج َّن َة َو َم�أْ َوا ُه ال َّنار{(المائدة‪.)72 :‬‬
‫ا ُ‬

‫والشرك نوعان أكبر وأصغر‪:‬‬


‫يتوجه العبد بعبادة من العبادات لغير اهلل تعالى‪ ،‬فكل قول �أو عمل يحبه اهلل‬ ‫‪ 1‬ال�شرك الأكبر‪ :‬وهو �أن ّ‬
‫تعالى‪ ،‬و ُيت َو َّج ُه به �إلى اهلل توحيد و�إيمان‪ ،‬و توجيهه لغيره �شرك وكفر‪.‬‬
‫ومثال هذا ال�شرك‪� :‬أن ي�س�أل الإن�سان غ َري اهلل ويدعوه �أن ي�شفيه من مر�ضه‪� ،‬أو يو�س َع رزقه‪ ،‬وكذلك �إذا تو َّك َل‬
‫الإن�سان على غري اهلل‪� ،‬أو �سجدَ لغري اهلل‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ } :‬و َق َال َر ُّب ُك ُم ا ْد ُعو ِني �أَ ْ�ست َِج ْب َل ُك ْم{(غافر‪.)60 :‬‬
‫أي�ضا ‪َ } :‬و َع َلى ِ‬
‫اهلل َف َت َو َّك ُلوا �إِنْ ُك ْنت ُْم ُم�ؤ ِْمنِينَ {(المائدة‪.)23 :‬‬ ‫وقال � ً‬
‫ا�س ُجدُوا لهلِ ِ َو ْاع ُبدُوا{(النجم‪.)62 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ } :‬ف ْ‬
‫فالتوجه بهذه الدعوات والأعمال وما �أ�شبهها لغير اهلل ٌ‬
‫�شرك وكفر؛ لأن ال�شفاء والرزق من خ�صائ�ص الربوبية‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫والتو ّكل على اهلل وال�سجود له من حقائق توحيد الألوهية ‪.‬‬
‫‪55‬‬

‫‪ 2‬ال�شرك الأ�صغر‪ :‬هو كل قول �أو عمل يكون‬


‫و�سيلة �إلى ال�شرك الأكبر‪ ،‬وطري ًقا للوقوع‬
‫فيه‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫هل ال�س�ؤال والطلب من جماد �أو ميت؟‬ ‫‪ 1‬الرياء الي�سير‪ :‬ك�أن يطيل الم�سلم في ال�صالة‬
‫نعم‬ ‫ال‬
‫�أحيا ًنا ليراه النا�س‪� ،‬أو يرفع �صوته بالقراءة �أو‬
‫الذكر �أحيا ًنا لي�سمعه النا�س فيحمدوه‪ ،‬قال‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن �أخوف‬
‫ما �أخاف عليكم ال�شرك الأ�صغر" قالـوا‪ :‬وما‬
‫هذا �شرك يخالف الإ�سالم‬
‫ال�شرك الأ�صغر يا ر�سول اهلل؟ قال‪" :‬الرياء"‬
‫والإميان؛ لأن امليت واجلماد ال يقدر‬
‫(�أحمد ‪.)23630‬‬
‫على �سماع الطلب وال على �إجابته‪،‬‬
‫والدعاء عبادة و�صرفها لغري اهلل‬ ‫‪ 2‬الأقوال الممنوعة لمخالفتها َ‬
‫كمال التوحيد‪:‬‬
‫�شرك وقد كان �شرك العرب عند‬ ‫كالذي ُيق�سم و َيح ِلف بغير اهلل فيقول مثلاً ‪:‬‬
‫البعثة دعاء اجلمادات والأموات‪.‬‬ ‫(والنبي)‪ ،‬ور�سول اهلل �صلى‬
‫ِّ‬ ‫(وحيا ِتك)‪� ،‬أو‬
‫هلل فقد‬‫بغير ا ِ‬
‫اهلل عليه و�سلم يقول‪" :‬من َحلف ِ‬
‫َكفر �أو �أ�ش َرك"(الترمذي ‪.)1335‬‬
‫الدعاء والطلب من حي ي�سمع كالمك وطلبك‪.‬‬
‫فهل هو قادر على �إجابتك وتلبية �س�ؤالك ك�أن تطلب منه‬
‫�أن يعينك وي�ساعدك فيما ميلكه ويقدر عليه ؟‬ ‫هل يعتبر سؤال الناس والطلب‬
‫نعم‬ ‫ال‬ ‫ً‬
‫شركا؟‬ ‫منهم‬
‫لقد جاء الإ�سالم لتحرير عقل الإن�سان من‬
‫الخرافة والدجل وتحرير نف�سه من الخ�ضوع لغير‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬
‫هذا طلب �سائغ ال ب�أ�س به وهو جزء من‬
‫تعامالت النا�س وعالقاتهم اليومية‪.‬‬ ‫فال يجوز �س�ؤال الميت �أو الجماد والخ�ضوع‬
‫والتذلل له مطلقا‪ ،‬وهو من الخرافة و ال�شرك‪.‬‬
‫�أما �س�ؤال الحي الحا�ضر ما يقدر عليه ك�إعانته‬
‫�إن الطلب من احلي ما ال يقدر عليه وال ميلكه ك�أن يطلب‬ ‫�أو �إنقاذه من الغرق �أو �أن يطلب منه �أن يدعو اهلل له‬
‫العقيم من احلي �أن يرزقه الذرية ال�صاحلة فهذا �شرك‬
‫فهذا جائز‪.‬‬
‫�أكرب يخالف الإ�سالم لأنه دعاء لغري اهلل‪.‬‬
‫‪ 56‬إيمان المسلم‬

‫اإليمان بأسماء اهلل وصفاته‬

‫�أكد القر�آن على تعريف العباد‬


‫بربهم وخالقهم وكرر ذلك في‬
‫كثير من الآيات؛ لأنه ال بد للم�سلم‬
‫من معرفة ربه ب�أ�سمائه الح�سنى‬
‫و�صفات الكمال والجالل التي‬
‫يت�صف بها �سبحانه حتى يعبد اهلل‬
‫على ب�صيرة ويمتثل مقت�ضيات تلك‬
‫الأ�سماء وال�صفات و�آثارها في حياته‬
‫وعباداته‪.‬‬

‫الَ ْ�س َما ُء ا ْل ُح ْ�س َنى{‬


‫من �أَ ًّيا َّما َت ْدعُوا َفلَ ُه ْ أ‬
‫فالم�سلم ي�ؤمن بما �أثبته اهلل‬
‫هلل �أ َ ِو ا ْدعُوا ال َّر ْح َ‬
‫} ُق ِل ا ْدعُوا ا َ‬
‫لنف�سه في كتابه �أو �سنة ر�سوله �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم من الأ�سماء وال�صفات على الوجه الالئق باهلل تعالى‪.‬‬
‫وللهَّ �سبحانه �أح�سن الأ�سماء و�أكمل ال�صفات‪ ،‬ولي�س له مثيل في �أ�سمائه و�صفاته‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬ل ْي َ�س َك ِم ْث ِل ِه‬
‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�صير{(ال�شورى‪ .)11 :‬فاهلل تعالى منزّه عن مماثلة �أحد من مخلوقاته في جميع �أ�سمائه و�صفاته‪.‬‬ ‫َ�ش ْي ٌء َوهُ َو َّ‬

‫من أسماء اهلل تعالى‬

‫ال َّر ْح َم ِن ال َّر ِحيم‪:‬‬


‫ولما ر�أى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و�صحابته‬ ‫وهذان اال�سمان هما اللذان ابتد�أ اهلل بهما فاتحة‬
‫امر�أة تبحث عن ابن �صغير قد �أ�ضاعته ‪ -‬فلما وجدته‬ ‫كتابه و�أول ما ع َّرف به اهلل �سبحانه نف�سه �إلى عباده‬
‫�ضمته �إلى �صدرها و�أر�ضعته‪ ،-‬قال �صلى اهلل عليه‬ ‫وجعلهما العنوان البارز لبداية كل �سورة من الهدى‬
‫و�سلم‪�" :‬أترون هذه المر�أة طارحة ولدها في النار؟‬ ‫والبيان القر�آني في قولنا‪( :‬ب�سم اهلل الرحمن الرحيم)‬
‫قالوا‪ :‬ال‪ ،‬وهي قادرة على �أن ال تطرحه‪ ،‬فقال ر�سول‬ ‫وقد تف�ضل ربنا ب�أن كتب على نف�سه الرحمة‪ ،‬ورحمته‬
‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ :‬اهلل �أرحم بعباده من هذه‬ ‫�سبحانه و�سعت كل �شيء‪ ،‬حتى �أن رحمة المخلوقات‬
‫بوليدها" (البخاري ‪ ،5653‬وم�سلم ‪.)2754‬‬ ‫بع�ضها لبع�ض ورحمة الوالدة بولدها وتي�سير الطعام‬
‫فرحمة الخالق �سبحانه وتعالى �شيء �آخر �أعظم‬ ‫للمخلوقات ما هو �إال �أثر من �آثار رحمة اهلل بمخلوقاته‪،‬‬
‫و�أجل‪ ،‬وهي فوق كل تقدير �أو ظن �أو ت�صور‪ ،‬ولو علم‬ ‫كما قال تعالى‪َ } :‬فا ْن ُظ ْر �إِ َلى �آ َثا ِر َر ْح َم ِت ا ِ‬
‫هلل َك ْي َف ُي ْح ِي‬
‫العباد قدر رحمة اهلل عز وجل ما قنط من رحمته �أحد‪.‬‬ ‫الَ ْر َ�ض َب ْعدَ َم ْو ِت َها{ (الروم‪.)50 :‬‬
‫ْأ‬
‫‪57‬‬

‫ورحمة اهلل �سبحانه على نوعين‪:‬‬


‫‪ 1‬رحمة لجميع المخلوقات الإن�س‬
‫والحيوان والجماد يح�صل لهم بها‬
‫التي�سير الدنيوي‪ ،‬كما قال تعالى مخب ًرا‬
‫عن دعاء مالئكته‪َ } :‬ر َّب َنا َو ِ�س ْعتَ ُك َّل‬
‫َ�ش ْي ٍء َر ْح َم ًة َو ِع ْل ًما{ (غافر‪.)7 :‬‬
‫‪ 2‬رحمة خا�صة بعباده الم�ؤمنين‪،‬‬
‫فيوفقهم للطاعة ويي�سر لهم الخير‬
‫ويثبتهم عليه برحمته ويتمم رحمته‬
‫بهم بالعفو والغفران و�إدخالهم الجنة‬
‫ونجاتهم من النار‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫} َو َكانَ ِبا ْل ُم�ؤ ِْمنِينَ َر ِحي ًما • ت َِح َّي ُت ُه ْم‬
‫َي ْو َم َي ْل َق ْو َن ُه َ�سلاَ ٌم َو�أَ َع َّد َل ُه ْم �أَ ْج ًرا‬
‫من لطيف رحمة اهلل في هذا الكون رحمة الوحو�ش ب�أوالدها‪.‬‬
‫َك ِري ًما{ (الأحزاب‪.)44-43 :‬‬

‫وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬اعلموا �أنه لن يدخل الجنة �أحد منكم بعمله ‪ ،‬قالوا‪ :‬وال �أنت يا ر�سول اهلل؟ قال‪:‬‬
‫وال �أنا �إال �أن يتغمدني اهلل برحمته" (م�سلم ‪.)2816‬‬
‫والعبد كلما عظمت طاعاته وزاد قربه و�إخباته لربه زاد ن�صيبه من ا�ستحقاق هذه الرحمة‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫هلل َق ِر ٌ‬
‫يب ِمنَ ا ْل ُم ْح ِ�سنِينَ { (الأعراف‪.)56 :‬‬ ‫}�إِنَّ َر ْح َم َت ا ِ‬

‫يع ا ْل َب ِصير‪:‬‬
‫الس ِم ُ‬
‫َّ‬
‫فاهلل �سبحانه ي�سمع جميع الأ�صوات على اختالف اللغات وتغاير الحاجات‪� ،‬سواء عنده �سر القول وجهره‪،‬‬
‫ولما ظن بع�ض الجهلة �أن اهلل �سبحانه ال ي�سمع �أ�سرارهم وحديثهم الخفي نزل قول اهلل تبارك وتعالى ً‬
‫توبيخا‬
‫وتقري ًعا لهم‪�} :‬أَ ْم َي ْح َ�س ُبونَ َ�أ َّنا لاَ َن ْ�س َم ُع ِ�س َّرهُ ْم َو َن ْج َواهُ ْم َب َلى َو ُر ُ�س ُل َنا َل َد ْيهِ ْم َي ْك ُت ُبونَ { (الزخرف‪.)80 :‬‬
‫واهلل �سبحانه يب�صر كل �شيء و�إن دق و�صغر ال تخفى عليه خافية �سبحانه‪ ،‬وقد �أنكر �إبراهيم عليه‬
‫ال�سالم على �أبيه �أن يعبد �صن ًما ال ي�سمع وال يب�صر‪ ،‬فقال كما في القر�آن‪َ } :‬يا �أَ َب ِت ِل َم َت ْع ُب ُد َما لاَ َي ْ�س َم ُع َولاَ‬
‫ُي ْب ِ�ص ُر َولاَ ُي ْغ ِني َع ْن َك َ�ش ْي ًئا{ (مريم‪.)42 :‬‬
‫‪ 58‬إيمان المسلم‬

‫ف�إذا علم العبد �أن اهلل �سميع ب�صير ال يخفى عليه مثقال ذرة في ال�سماوات وال في الأر�ض و�أنه يعلم‬
‫ال�سر و�أخفى �أثمر ذلك مراقبة اهلل �سبحانه‪ ،‬فحفظ ل�سانه عن الوقوع في الكذب والوقيعة‪ ،‬وحفظ جوارحه‬
‫وتوجهات قلبه عن كل ما يغ�ضب اهلل‪ ،‬و�سخر تلك النعم والقدرات فيما يحبه اهلل وير�ضاه؛ لأنه المطلع على‬
‫�سره وعالنيته وظاهره وباطنه ولهذا قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬الإح�سان �أن تعبد اهلل ك�أنك تراه ف�إن لم‬
‫تكن تراه ف�إنه يراك" (البخاري ‪ ،50‬وم�سلم ‪.)9‬‬

‫ا ْل َح ُّي ا ْل َق ُّيوم‪:‬‬
‫فل َّله عز وجل الحياة الكاملة التي لم ت�سبق بعدم وال يلحقها زوال �أو فناء وال يعتريها نق�ص �أو عيب جل‬
‫ربنا وتقد�س عن ذلك‪ ،‬حياة ت�ستلزم كمال �صفاته من العلم وال�سمع والب�صر والقدرة والإرادة �إلى غير ذلك‬
‫من �صفاته �سبحانه‪ ،‬ومن كان هذا �ش�أنه ا�ستحق �أن يعبد ويركع له ويتوكل عليه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬و َت َو َّك ْل َع َلى‬
‫ا ْل َح ِّي ا َّل ِذي لاَ َي ُموت{(الفرقان‪.)58 :‬‬
‫ومعنى ا�سم اهلل الق ُّيوم يدل على �أمرين‪:‬‬
‫ا�س َ �أ ْنت ُُم ا ْل ُف َق َرا ُء‬
‫‪ 1‬كمال غناه �سبحانه فهو القائم بنف�سه الغني عن خلقه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ }:‬يا �أَ ُّي َها ال َّن ُ‬
‫هلل هُ َو ا ْل َغ ِن ُّي ا ْل َحمِ يدُ{ (فاطر‪ .)15 :‬فهو �سبحانه غني عن خلقه من كل وجه‪ ،‬فال تنفعه‬ ‫هلل َوا ُ‬ ‫ِ�إ َلى ا ِ‬
‫طاعة الطائع وال ت�ضره مع�صية العا�صي‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬و َمنْ َجاهَ َد َف ِ�إ َّن َما ُي َج ِاه ُد ِل َنف ِْ�س ِه ِ�إنَّ ا َ‬
‫هلل‬
‫َل َغ ِن ٌّي َع ِن ا ْل َعا َلمِ ينَ { (العنكبوت‪ ،)6 :‬وقال على ل�سان مو�سى عليه ال�سالم‪�} :‬إِنْ َت ْك ُف ُروا �أَ ْنت ُْم َو َمنْ ِفي‬
‫الَ ْر ِ�ض َجمِ ي ًعا َف ِ�إنَّ َ‬
‫اهلل َل َغ ِن ٌّي َحمِ يدٌ{ (�إبراهيم‪.)8 :‬‬ ‫ْأ‬

‫كتابة عربية بخط الثلث‬


‫ال�سم اهلل (الحي القيوم)‬
‫‪59‬‬

‫‪ 2‬كمال قدرته وتدبيره للمخلوقات‪ ،‬فهو المقيم لها بقدرته �سبحانه‪ ،‬وجميع المخلوقات فقيرة محتاجة‬
‫�إليه‪ ،‬ال غنى لها عنه طرفة عين‪ ،‬وما نراه من انتظام الكون و�سير الحياة ما هو �إال من �آثار قيوميته‬
‫�سبحانه‪ ،‬كما قال تعالى �إنكا ًرا على من ي�شرك باهلل غيره‪�} :‬أَ َف َمنْ هُ َو َقا ِئ ٌم َع َلى ُك ِّل َنف ٍْ�س ِب َما َك َ�س َب ْت{‬
‫الَ ْر َ�ض �أَنْ َت ُزولاَ َو َل ِئنْ َزا َلتَا �إِنْ �أَ ْم َ�س َك ُه َما ِمنْ �أَ َح ٍد‬
‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬
‫هلل ُي ْم ِ�س ُك َّ‬
‫(الرعد‪ )33 :‬وقال تعالى‪�} :‬إِنَّ ا َ‬
‫ِمنْ َب ْع ِد ِه{ (فاطر‪.)41 :‬‬
‫ولهذا كان اجتماع اال�سمين العظيمين له مكانة خا�صة في الدعاء‬
‫والت�ضرع‪ ،‬وكان من دعائه �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬يا حي ياقيوم برحمتك‬
‫�أ�ستغيث"(الترمذي ‪.)3524‬‬

‫ثمرات اإليمان بأسماء اهلل وصفاته‬

‫‪ 1‬التع ّرف على اهلل تعالى‪ ،‬فمن �آمن ب�أ�سماء اهلل و�صفاته ازداد معرفة باهلل تعالى‪ ،‬فيزداد �إيمانه باهلل يقينا‪،‬‬
‫وخ�ضوعا له‬
‫ً‬ ‫ويقوى توحيده هلل تعالى‪ ،‬وحق لمن عرف �أ�سماء اهلل و�صفاته �أن يمتلئ قلبه تعظيما ومحبة‬
‫�سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬الثناء على اهلل ب�أ�سمائه الح�سنى‪ ،‬وهذا من �أف�ضل �أنواع الذكر‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬يا َ�أ ُّي َها ال َِّذ َ‬
‫ين � َآمنُوا اذْ ُك ُروا ا َ‬
‫هلل‬
‫ِذ ْك ًرا َك ِثي ًرا{(الأحزاب‪.)41 :‬‬
‫الَ ْ�س َما ُء ال ُْح ْ�سنَى فَا ْد ُعو ُه ِب َها{(الأعراف‪،)180 :‬‬
‫‪� 3‬س�ؤال اهلل ودعا�ؤه ب�أ�سمائه و�صفاته‪ ،‬كما قال �سبحانه‪َ } :‬ولهلِ ِ ْ أ‬
‫ومثال ذلك �أن يقول‪ :‬يا رزاق ارزقني‪ ،‬ويا تواب تب علي‪ ،‬ويارحيم ارحمني‪.‬‬

‫أعلى درجات اإليمان‪:‬‬


‫ •الإيم ��ان درج ��ات‪ ،‬وينق� ��ص �إيمان الم�سل ��م بقدر غفلته وع�صيان ��ه‪ ،‬ويزيد �إيمانه كلم ��ا ازداد طاعة‬
‫وعبادة وخ�شية هلل‪.‬‬
‫ •و�أعل ��ى درج ��ات الإيم ��ان هو م ��ا �سماه ال�ش ��رع بالإح�س ��ان‪ ،‬وقد عرف ��ه النبي �صل ��ى اهلل عليه و�سلم‬
‫بقوله‪�" :‬أن تعبد اهلل ك�أنك تراه ف�إن لم تكن تراه ف�إنه يراك" (البخاري ‪ ،50‬م�سلم ‪.)8‬‬
‫ •فتتذكـ ��ر ف ��ي قيام ��ك وقعودك‪ ،‬وجدك وهزلك‪ ،‬وحاالتك كله ��ا؛ �أن اهلل مطلع عليك‪ ،‬ناظر �إليك‪،‬‬
‫فال تع�صه و�أنت تعلم �أنه يراك‪ ،‬وال تجعل الخوف والي�أ�س يتملكانك و�أنت تعلم �أنه معك‪ ،‬وكيف‬
‫ت�شعر بالوح�شة و�أنت تناجيه بالدعاء وال�صالة‪ ،‬وكيف ت�سول لك نف�سك المع�صية و�أنت توقن �أنه‬
‫يعلم �سرك وعالنيتك‪ ،‬ف�إن زللت �أو �أخط�أت رجعت وتبت وا�ستغفرت فيتوب اهلل عليك‪.‬‬
‫‪ 60‬إيمان المسلم‬

‫اإليمان بالمالئكة‬

‫معنى اإليمان بالمالئكة‪:‬‬


‫الت�صديق الجازم بوجود المالئكة‪ ،‬و�أنهم عالم غيبي غير عالم الإن�س وعالم الجن‪ ،‬وهم كرام �أتقياء‪ ،‬يعبدون‬
‫اهلل حق العبادة‪ ،‬ويقومون بتنفيذ ما ي�أمرهم به‪ ،‬وال يع�صون اهلل �أبدً ا‪.‬‬
‫كما قال تعالى‪َ } :‬ب ْل ِع َبا ٌد ُم ْك َر ُمونَ • لاَ َي ْ�س ِب ُقو َن ُه ِبا ْل َق ْو ِل َوهُ ْم ِب�أَ ْم ِر ِه َي ْع َم ُلون{ (الأنبياء‪.)27-26 :‬‬
‫ول ِب َما �أُ ْن ِز َل ِ�إ َل ْي ِه ِمنْ َر ِّب ِه َوا ْل ُم�ؤ ِْم ُنونَ ُك ٌّل �آَ َمنَ ِبا ِ‬
‫هلل‬ ‫والإيمان بهم �أحد �أركان الإيمان ال�ستة‪ ،‬قال تعالى‪َ �} :‬آمنَ ال َّر ُ�س ُ‬
‫َو َملاَ ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُ�س ِله{ (البقرة‪.)285 :‬‬
‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم عن الإيمان‪�" :‬أن ت�ؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ور�سله‪ ،‬واليوم الآخر‪ ،‬وت�ؤمن بالقدر‬
‫خيره و�شره" (م�سلم ‪.)8‬‬

‫�أخبر �صلى اهلل عليه و�سلم �أن ال�سماء ثقلت بمن فيها‪ ،‬فما فيها مو�ضع �شبر �إال وملك قائم �أو راكع �أو �ساجد‪.‬‬

‫ماذا يتضمن اإليمان بالمالئكة؟‬


‫‪ 3‬الإيمان بما علمناه من �صفاتهم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫‪ 1‬الإيمان بوجودهم‪ :‬فن�ؤمن �أنهم مخلوقات‬
‫• �أنهم عالم غيبي‪ ،‬مخلوقون عابدون هلل تعالى‪،‬‬ ‫هلل تعالى‪ ،‬موجودة على الحقيقة‪.‬‬
‫فلي�س لهم من �صفات الربوبية والألوهية �شيء‪ ،‬بل‬ ‫‪ 2‬الإيمان بمن علمنا ا�سمه منهم كجبريل‬
‫هم عباد اهلل منقادون تماما لطاعة اهلل‪ ،‬كما قال‬ ‫عليه ال�سالم‪ ،‬ومن لم نعلم ا�سمه ن�ؤمن بهم‬
‫هلل َما �أَ َم َرهُ ْم َو َي ْف َع ُلونَ‬
‫�سبحانه عنهم‪} :‬لاَ َي ْع ُ�صونَ ا َ‬ ‫�إجماال‪.‬‬
‫َما ُي�ؤ َْم ُرون{ (التحريم‪.)6 :‬‬
‫‪61‬‬

‫‪ 4‬الإيمـــان بما علمنا من �أعمالهـــم التي‬ ‫• �أنهم خلقوا من نور‪ ،‬قال عليه ال�صالة وال�سالم‪:‬‬
‫يقومون بها ب�أمر اهلل تعالى ومن ذلك‪:‬‬ ‫"خلقت المالئكة من نور" (م�سلم ‪.)2996‬‬
‫ُ‬
‫• تبليغ الوحي من اهلل تعالى �إلى ر�سله عليهم‬ ‫• �أن لهم �أجنحة‪ ،‬فقد �أخبر اهلل تعالى �أنه جعل‬
‫ال�سالم‪ ،‬والموكل به هو جبريل‪.‬‬ ‫للمالئكة �أجنحة يتفاوتون في �أعدادها‪ ،‬فقال‬
‫الَ ْر ِ�ض‬ ‫�سبحانه‪} :‬ا ْل َح ْم ُد لهلِ ِ َفاطِ رِ َّ‬
‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬
‫• قب�ض الأرواح‪ ،‬والموكل به ملك الموت و�أعوانه‪.‬‬
‫َج ِاع ِل ا ْل َملاَ ِئ َك ِة ُر ُ�سلاً �أُو ِلي �أَ ْج ِن َح ٍة َم ْث َنى َوثُلاَ َث‬
‫• حفظ �أعمال العبد وكتابتها �سوا ًء كانت خي ًرا‬ ‫هلل َع َلى ُك ِّل َ�ش ْيءٍ‬
‫َو ُر َبا َع َي ِزي ُد ِفي ا ْل َخ ْل ِق َما َي َ�شا ُء ِ�إنَّ ا َ‬
‫�أو �ش ًرا‪ ،‬والموكلون بها هم الكرام الكاتبون‪.‬‬ ‫َق ِدير{ (فاطر‪.)1 :‬‬

‫ثمرات اإليمان بالمالئكة‪:‬‬


‫للإيمان بالمالئكة ثمرات عظيمة في حياة الم�ؤمن‪ ،‬نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ 3‬ال�صبر على طاعة اهلل‪ ،‬وال�شعور بالأن�س‬ ‫‪ 1‬العلم بعظمة اهلل وقوته وكمال قدرته‪،‬‬
‫والطم�أنينة‪ ،‬عندما يوقن الم�ؤمن �أن معه في‬ ‫ف�إن عظمة المخلوق من عظمة الخالق‪ ،‬فيزيد‬
‫هذا الكون الف�سيح �أُلوفا من المالئكة تقوم‬ ‫الم�ؤمن تقديرا هلل وتعظيما له‪ ،‬حيث يخلق اهلل‬
‫بطاعة اهلل على �أح�سن حال و�أكمل �ش�أن‪.‬‬ ‫تعالى من النور مالئكة ذوي �أجنحة‪.‬‬
‫‪� 4‬شكر اهلل تعالى على عنايته ببني �آدم‪،‬‬ ‫‪ 2‬اال�ستقامة على طاعة اهلل تعالى‪ ،‬فمن‬
‫حيث جعل من المالئكة من يقوم بحفظهم‬ ‫�آمن ب�أن المالئكة تكتب �أعماله كلها ف�إن هذا‬
‫وحمايتهم‪.‬‬ ‫يوجب خوفه من اهلل تعالى‪ ،‬فال يع�صيه في‬
‫العالنية وال في ال�سر‪.‬‬

‫كثي ًرا ما نتعجب من نجاة امرئٍ من‬


‫حادثٍ محقق‪ ..‬وعلينا �أال نن�سى �أن‬
‫من �أعمال المالئكة حفظ بني �آدم‬
‫من المهلكات ب�أمر اهلل‬
‫‪ 62‬إيمان المسلم‬

‫اإليمان بالكتب‬

‫معنى اإليمان بالكتب‪:‬‬


‫الت�صديق الجازم ب�أن هلل تعالى كتبا‬
‫�أنزلها على ر�سله �إلى عباده‪ ،‬و�أن هذه الكتب‬
‫كالم اهلل تعالى تك ّلم بها حقيقة كما يليق به‬
‫�سبحانه‪ ،‬و�أن هذه الكتب فيها الحق والنور‬
‫والهدى للنا�س في الدارين‪.‬‬
‫والإيمــان بالكتب �أحد �أركان الإيمان‪،‬‬
‫كما قال �سبحانه‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آَ َم ُنوا �آَ ِم ُنوا‬
‫َاب ا َّل ِذي َنز ََّل َع َلى َر ُ�سو ِل ِه‬ ‫هلل َو َر ُ�سو ِل ِه َوا ْل ِكت ِ‬
‫ِبا ِ‬
‫َاب ا َّل ِذي �أَ ْنزَ َل ِمنْ َق ْبل{(الن�ساء‪.)136 :‬‬ ‫َوا ْل ِكت ِ‬
‫ف�أمر اهلل بالإيمان به وبر�سوله وبالكتاب‬
‫الذي نزّل على ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم وهو‬
‫القر�آن‪ ،‬كما �أمر بالإيمان بالكتب المنزلة قبل‬
‫القر�آن‪.‬‬
‫ال ي�صح �إيمان الم�سلم �إال‬ ‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم عن الإيمان‪�" :‬أن‬
‫بيقينه �أن اهلل �أنزل كت ًبا‬ ‫ت�ؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ور�سله‪ ،‬واليوم‬
‫على ر�سله ال�سابقين‪.‬‬ ‫الآخر‪ ،‬وت�ؤمن بالقدر خيره و�شره" (م�سلم ‪.)8‬‬

‫ما الذي يتضمنه اإليمان بالكتب؟‬


‫ •الإيمان ب�أن نزولها من عند اهلل حقا‪.‬‬
‫ •الإيمان ب�أنها كالم اهلل �سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ •الإيم ��ان بم ��ا �س ّم ��ى اهلل من كتب ��ه‪ ،‬كالقر�آن الكريم الذي نزل على نبينا محمد �صل ��ى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬والتورا ِة‬
‫التي �أنزلت على مو�سى عليه ال�سالم‪ ،‬والإنجيل الذي �أنزل على عي�سى عليه ال�سالم‪.‬‬
‫ •ت�صديق ما �صح من �أخبارها‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫ما موقفنا مما في الكتب السابقة؟‬


‫َاب‬ ‫َاب َو َما هُ َو ِمنَ ا ْل ِكت ِ‬ ‫َاب ِلت َْح َ�س ُبو ُه مِ نَ ا ْل ِكت ِ‬ ‫بِا ْل ِكت ِ‬ ‫الم�سلم ي�ؤمن ب�أن التوراة التي �أنزلت على مو�سى‬
‫هلل َو َما هُ َو ِمنْ ِع ْن ِد ا ِ‬
‫هلل َو َي ُقو ُلونَ‬ ‫َو َي ُقو ُلونَ هُ َو ِمنْ ِع ْن ِد ا ِ‬ ‫عليه ال�سالم‪ ،‬والإنجيل الذي �أنزل على عي�سى عليه‬
‫هلل ا ْل َكذِ َب َوهُ ْم َي ْع َل ُمون{ (�آل عمران‪.)78:‬‬ ‫َع َلى ا ِ‬ ‫ال�سالم حق من عند اهلل تعالى‪ ،‬وقد ا�شتمال على‬
‫} َو ِمنَ ا َّلذِ ينَ َقا ُلو ْا ِ�إ َّنا َن َ�صا َرى �أَ َخ ْذ َنا ِمي َثا َق ُه ْم‬ ‫الأحكام والمواعظ والأخبار التي فيها هدى ونور للنا�س‬
‫َف َن ُ�سو ْا َح ًّظا ِّم َّما ُذ ِّك ُرو ْا ِب ِه َف�أَ ْغ َر ْي َنا َب ْي َن ُه ُم ا ْل َعدَ ا َو َة‬ ‫في معا�شهم وحياتهم و�آخرتهم‪.‬‬
‫َوا ْل َبغ َْ�ضاء ِ�إ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َي َام ِة َو َ�س ْو َف ُي َن ِّب ُئ ُه ُم ا ُ‬
‫هلل ِب َما َكا ُنو ْا‬ ‫ولكن اهلل تعالى �أخبرنا في القر�آن الكريم �أن‬
‫َي ْ�ص َن ُعون{(المائدة‪.)14 :‬‬ ‫�أهل الكتاب من اليهود والن�صارى قد ح ّرفوا كتبهم‪،‬‬
‫ولهذا نجد �أن ما ي�سمى الكتاب المقد�س في �أيدي‬ ‫و�أ�ضافوا �إليها و�أنق�صوا منها‪ ،‬فلم تبق كما �أنزلها اهلل‬
‫�أهل الكتاب اليوم والمحتوي على التوراة والإنجيل‬ ‫تعالى‪.‬‬
‫ي�شتمل على كثير من العقائد الفا�سدة‪ ،‬والأخبار‬ ‫فالتوراة الموجودة الآن لي�ست هي التوراة التي‬
‫الباطلة‪ ،‬والحكايات الكاذبة‪ ،‬وال ن�صدِّ ق من �أخبار‬ ‫�أنزلت على مو�سى عليه ال�سالم‪ ،‬لأن اليهود حرفوا‬
‫هذه الكتب �إال ما �ص ّدقـه القر�آن الكريم‪� ،‬أو ال�سنة‬ ‫وب ّدلوا‪ ،‬وتالعبوا بكثير من �أحكامها‪ ،‬قال تعالى‪ِ :‬‬
‫}منَ‬
‫ال�صحيحـة‪ ،‬ونكـذب ما ك ّذبه القر�آن وال�سنة‪ ،‬ون�سكت‬ ‫ا�ض ِعه{ (الن�ساء‪.)46:‬‬
‫ا َّل ِذينَ هَ ادُوا ُي َح ِّر ُفونَ ا ْل َك ِل َم َعنْ َم َو ِ‬
‫ع ــن الباقي فال ن�صدقه وال نكذبه‪.‬‬ ‫وكذلك الإنجيل الموجود الآن لي�س هو الإنجيل‬
‫ومع ذلك فالم�سلم يحترم تلك الكتب وال يهينها‬ ‫الذي �أنزل على عي�سى عليه ال�سالم‪ ،‬فقد حرف‬
‫وال يدن�سها؛ لأنها قد تحتوي في طياتها على �شيء من‬ ‫الن�صارى الإنجيل‪ ،‬وب ّدلوا كثي ًرا من �أحكامه‪ ،‬قال تعالى‬
‫بقايا كالم اهلل الذي لم يحرف‪.‬‬ ‫عن الن�صارى‪َ } :‬و ِ�إنَّ ِم ْن ُه ْم َل َف ِري ًقا َي ْل ُوونَ �أَ ْل ِ�س َن َت ُه ْم‬

‫م ��ع �إيماننا ب�أن الت ��وراة والإنجيل الموجودة اليوم قد نالها التحريف والتبديل‬
‫كم ��ا �أخب ��ر الق ��ر�آن‪� ،‬إال �أن الم�سل ��م يحترم تلك الكت ��ب وال يهينه ��ا وال يدن�سها؛‬
‫لأنها قد تحتوي في طياتها على �شيء من بقايا كالم اهلل الذي لم يحرف‪.‬‬
‫‪ 64‬إيمان المسلم‬

‫ما واجبنا نحو القرآن الكريم؟‬

‫• يجب علينا محبة القر�آن‪ ،‬وتعظيم قدره واحترامه‪� ،‬إذ هو كالم الخالق عز وجل‪ ،‬فهو �أ�صدق الكالم‬
‫و�أف�ضله‪.‬‬
‫• يجب علينا تالوته وقراءته‪ ،‬مع تد ّبر �آياته و�سوره‪ ،‬فنتفكر في مواعظ القر�آن و�أخباره وق�ص�صه‪،‬‬
‫ونعر�ض عليه حياتنا لن�ستبين الحق من الباطل‪.‬‬
‫• ويجب علينا اتباع �أحكامه‪ ،‬واالمتثال لأوامره و�آدابه وجعلها منهاج حياتنا‪.‬‬
‫ولما �سئلت عائ�شة ر�ضي اهلل عنها عن ُخ ُلق النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قالت‪" :‬كان خلقه القر�آن"‬
‫(�أحمد ‪ ،24601‬م�سلم ‪.)746‬‬
‫ومعنى الحديث‪� :‬أن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم في حياته و�أعماله هو التطبيق العملي‬
‫لأحكام القر�آن و�شرائعه‪ ،‬فقد حقق �صلى اهلل عليه و�سلم كمال االتباع لهدي القر�آن‪ ،‬وهو القدوة‬
‫هلل �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة ِل َمنْ َكانَ َي ْر ُجو‬
‫الح�سنة لكل واحد منا‪ ،‬كما قال �سبحانه‪َ } :‬ل َق ْد َكانَ َل ُك ْم ِفي َر ُ�س ِول ا ِ‬
‫هلل َك ِثي ًرا{(الأحزاب‪.)21 :‬‬ ‫هلل َوا ْل َي ْو َم ْ أَ‬
‫ال ِخ َر َو َذ َك َر ا َ‬ ‫ا َ‬

‫تي�سير حفظ القر�آن وتالوته في �شتى بقاع العالم مع اختالف‬


‫اللغات والظروف �أعظم الأدلة على حفظ اهلل لهذا القر�آن‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫مزايا وخصائص القرآن الكريم‪:‬‬


‫�إن القر�آن الكريم هو كالم اهلل تعالى المنزل على نبينا وقدوتنا محمد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ومن ثم ف�إن‬
‫الم�ؤمن ّ‬
‫يعظم هذا الكتاب‪ ،‬وي�سعى �إلى التم�سك ب�أحكامه‪ ،‬وتالوته وتد ّبره‪.‬‬
‫وح�سبنا �أن هذا القر�آن هو هادينا في الدنيا‪ ،‬و�سبب فوزنا في الآخرة‪ .‬وللقر�آن الكريم مزايا كثيرة وخ�صائ�ص‬
‫متعددة ينفرد بها عن الكتب ال�سماوية ال�سابقة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫وم�صد ًقا لما جاء في الكتب‬ ‫‪� 1‬أن القر�آن الكريم قد ت�ض ّمن خال�صة الأحكام الإلهية‪ ،‬وجاء م�ؤيِّدً ا ِّ‬
‫ال�سابقة من الأمر بعبادة اهلل وحده‪.‬‬
‫َاب َو ُم َه ْي ِم ًنا َع َل ْيه{‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ } :‬و�أَ ْنزَ ْل َنا �إِ َل ْي َك ا ْل ِكت َ‬
‫َاب ِبا ْل َحقِّ ُم َ�صدِّ ًقا ِل َما َب ْينَ يَدَ ْي ِه ِمنَ ا ْل ِكت ِ‬
‫(المائدة‪ .)48 :‬ومعنى‪ُ } :‬م َ�صدِّ ًقا ِل َما َب ْينَ يَدَ ْي ِه ِمنَ ا ْل ِكتَاب{‪� :‬أي يوافق ما جاء في �أخبار الكتب‬
‫و�شاهدً ا على‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬وما جاء فيها من االعتقادات‪ ،‬ومعنى } َو ُم َه ْي ِم ًنا َع َل ْيه{‪� :‬أي ُم ْ�ؤ َتمِ ًنا ِ‬
‫ما قبله من الكتب‪.‬‬
‫‪� 2‬أنه يجب على جميع النا�س ب�شتى لغاتهم و�أعراقهم التم�سك به‪،‬‬
‫والعمل بمقت�ضاه‪ ،‬مهما ت�أخر زمانهم عن وقت نزول القر�آن‪ ،‬بخالف‬
‫الكتب ال�سابقة فهي لأقوام معينين في زمن محدد‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و ُ�أ ِ‬
‫وح َي ِ�إ َل َّي‬
‫هَ َذا ا ْل ُق ْر�آَنُ ِ ُ أل ْن ِذ َر ُك ْم ِب ِه َو َمنْ َب َل َغ{ (الأنعام‪.)19 :‬‬
‫‪� 3‬أن اهلل تعالى قد تكفّل بحفظ القر�آن الكريم‪ ،‬فلم تمتد �إليه يد‬
‫التحريف‪ ،‬وال تمتد �إليه �أبدً ا كما قال �سبحانه‪�} :‬إِ َّنا َن ْحنُ َن َّز ْل َنا ِّ‬
‫الذ ْك َر‬
‫َو ِ�إ َّنا َل ُه َل َحا ِف ُظونَ {(الحجر‪ )9 :‬ولذلك ف�إن جميع �أخباره �صحيحة واجبة‬
‫الت�صديق‪.‬‬

‫ثمرات اإليمان بالكتب‪:‬‬


‫للإيمان بالكتب ثمرات كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ 1‬العلم بعناية اهلل تعالى بعباده‪ ،‬وكمال رحمته‪ ،‬حيث �أر�سل لكل قوم كتا ًبا يهديهم به‪ ،‬ويحقق لهم‬
‫ال�سعادة في الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫‪ 2‬العلم بحكمة اهلل تعالى في �شرعه‪ ،‬حيث َ�ش َرع لكل قوم ما ينا�سب �أحوالهم ويالئم �أ�شخا�صهم‪ ،‬كما‬
‫قال اهلل تعالى‪ِ } :‬ل ُك ٍّل َج َع ْل َنا ِم ْن ُك ْم ِ�ش ْر َع ًة َو ِم ْن َه ً‬
‫اجا{ (المائدة‪.)48 :‬‬
‫‪� 3‬شكر نعمة اهلل في �إنزال تلك الكتب‪ ،‬فهذه الكتب نور وهدى في الدنيا والآخرة‪ ،‬ومن ثم يتع ّين �شكر‬
‫اهلل على هذه النعم العظيمة‪.‬‬
‫‪ 66‬إيمان المسلم‬

‫اإليمان بالرسل‬

‫حاجة الناس إلى الرسالة‪:‬‬


‫وجه الدقة �إال من طريقهم‪ ،‬ومن �أعر�ض عن الر�سالة‬ ‫ال بد للنا�س من ر�سالة ربانية تبين لهم ال�شرائع‬
‫ناله من اال�ضطراب والهم وال�شقاء بقدر مخالفته لها‬ ‫وتهديهم �إلى ال�صواب‪ ،‬والر�سالة روح العالم ونوره‬
‫و�إعرا�ضه عنها‪.‬‬ ‫وحياته‪ ،‬ف� ّأي �صالح للعالم �إذا عدم الروح والحياة‬
‫والنور؟‬
‫أحد أركان اإليمان‪:‬‬ ‫روحا‪ ،‬والروح �إذا عدمت‬ ‫ولهذا �سمى اهلل ر�سالته ً‬
‫الإيمان بالر�سل �أحد �أركان الإيمان ال�ستة‪،‬‬ ‫فقدت الحياة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ } :‬و َك َذ ِل َك �أَ ْو َح ْي َنا �إِ َل ْي َك‬
‫ول ِب َما �أُ ْن ِز َل ِ�إ َل ْي ِه ِمنْ َر ِّب ِه‬ ‫قال �سبحانه‪َ } :‬ء َامنَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫الي َمانُ‬ ‫َاب َولاَ ْ ِإ‬ ‫وحا ِمنْ �أَ ْم ِر َنا َما ُك ْن َت ت َْدرِي َما ا ْل ِكت ُ‬
‫ُر ً‬
‫هلل َو َملاَ ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُ�س ِل ِه لاَ‬
‫َوا ْل ُم�ؤ ِْم ُنونَ ُك ٌّل َء َامنَ ِبا ِ‬ ‫َو َل ِكنْ َج َع ْل َنا ُه ُنو ًرا َن ْه ِدي ِب ِه َمنْ َن َ�شا ُء ِمنْ ِع َبا ِد َنا{‬
‫ُن َف ِّر ُق َب ْينَ �أَ َح ٍد مِ نْ ُر ُ�س ِل ِه{ (البقرة‪.)285 :‬‬ ‫(ال�شورى‪.)52 :‬‬
‫فد ّلت الآية على وجوب الإيمان بجميع الر�سل عليهم‬ ‫وذلك �أن العقل و�إن كان يعرف الخير من ال�شر‬
‫ال�صالة وال�سالم دون تفريق‪ ،‬فال ن�ؤمن ببع�ض الر�سل‬ ‫على وجه العموم �إال �أنه ال يمكنه معرفة تف�صيل ذلك‬
‫ونكفر ببع�ض كحال اليهود والن�صارى‪.‬‬ ‫وجزئياته‪ ،‬و�أداء العبادات وكيفياتها �إال عن طريق‬
‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم عن الإيمان‪�" :‬أن ت�ؤمن‬ ‫الوحي والر�سالة‪.‬‬
‫باهلل ومالئكته وكتبه ور�سله واليوم الآخر وت�ؤمن بالقدر‬ ‫فال �سبيل �إلى ال�سعادة والفالح في الدارين �إال على‬
‫خيره و�شره" (م�سلم ‪.)8‬‬ ‫�أيدي الر�سل‪ ،‬وال �سبيل �إلى معرفة الط ِّيب والخبيث على‬

‫�أخبرنا اهلل تعالى �أنه ما من �أمة من الب�شر �إال بعث لها نب ًيا‪ ،‬و�أنه �سبحانه ال يعذب �أحدًا ما لم تبلغه الر�سالة‪.‬‬
‫‪67‬‬

‫معنى اإليمان بالرسل‪:‬‬


‫هو الت�صديق الجازم ب�أن اهلل بعث في كل �أمة ر�سولاً منهم يدعوهم �إلى عبادة اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬و�أن الر�سل‬
‫كلهم �صادقون م�صدّقون‪� ،‬أتقياء �أمناء‪ ،‬هداة مهتدون‪ ،‬و�أنهم ب ّلغوا جميع ما �أر�سلهم اهلل به‪ ،‬فلم يكتموا ولم يغ ّيروا‪ ،‬ولم‬
‫يزيدوا فيه من عند �أنف�سهم حرفا ولم ينق�صوه‪ ،‬كما قال �سبحانه‪َ } :‬ف َه ْل َع َلى ال ُّر ُ�س ِل ِ�إلاَّ ا ْل َبلاَ ُغ ا ْل ُم ِبين{(النحل‪.)35 :‬‬

‫آيات الرسل ومعجزاتهم‪:‬‬


‫�أ ّيد اهلل تعالى ر�سله عليهم ال�سالم بالدالئل والقرائن المتنوعة على �صدقهم ونبوتهم‪ ،‬ومن ذلك ت�أييدهم‬
‫بالمعجزات والآيات الظاهرة التي لي�ست في مقدور الب�شر؛ من �أجل تقرير �صدقهم و�إثبات نبوتهم‪.‬‬
‫والمراد بالمعجزات‪ :‬الأمور الخارقة للعادة التي يظهرها اهلل تعالى على �أيدي �أنبيائه ور�سله على وجه يعجز‬
‫الب�شر عن الإتيان بمثله‪.‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫• تحويل ع�صا مو�سى عليه ال�سالم �إلى حية‪.‬‬
‫• �إخبار عي�سى عليه ال�سالم َ‬
‫قوم ُه بما ي�أكلون وما ي ّدخرون في بيوتهم‪.‬‬
‫• ان�شقاق القمر لنبينا محمد �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬

‫ماذا يتضمن اإليمان بالرسل؟‬


‫حق من اهلل تعالى‪ ،‬و�أن الر�س ��االت اتفقت دعوتها �إلى عبادة اهلل وحده ال �شريك‬ ‫ •الإيم ��ان ب� ��أن ر�سالتهم ّ‬
‫الط ُاغوت{(النحل‪.)36 :‬‬ ‫ول �أَنِ ْاع ُبدُوا ا َ‬
‫هلل َو ْاج َت ِن ُبوا َّ‬ ‫له‪ ،‬كما قال �سبحانه } َو َل َق ْد َب َع ْث َنا فِي ُك ِّل �أُ َّم ٍة َر ُ�س اً‬
‫وق ��د تختل ��ف �شرائ ��ع الأنبي ��اء في الفروع من الح�ل�ال والحرام بم ��ا يتنا�سب مع تلك الأم ��م‪ ،‬كما قال اهلل‬
‫َاجا{(المائدة‪.)48 :‬‬ ‫تعالى‪ِ } :‬ل ُك ٍّل َج َع ْل َنا ِم ْن ُك ْم ِ�ش ْر َع ًة َومِ ْنه ً‬
‫ •الإيم ��ان بجمي ��ع الأنبي ��اء والمر�سلي ��ن‪ ،‬فن�ؤم ��ن بم ��ن �سم ��ى اهلل م ��ن الأنبياء‪ ،‬مث ��ل‪ :‬محم ��د و�إبراهيم‬
‫ومو�س ��ى وعي�س ��ى ونوح عليهم ال�صالة وال�سالم‪ ،‬و�أما من لم نعل ��م ا�سمه منهم فن�ؤمن به �إجماال‪ ،‬ومن‬
‫كفر بر�سال ِة واحد منهم فقد كفر بالجميع‪.‬‬
‫ •ت�صدي ��ق م ��ا �ص ��ح من �أخب ��ار الر�سل ومعجزاتهم ف ��ي القر�آن وال�سن ��ة‪ ،‬كق�صة فلق البح ��ر لمو�سى عليه‬
‫ال�سالم‪.‬‬
‫ •العمل ب�شريعة الر�سول الذي �أر�سل �إلينا‪ ،‬وهو �أف�ضلهم وخاتمهم‪ :‬محمد �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫‪ 68‬إيمان المسلم‬

‫من صفات الرسل‬

‫‪� 1‬أنهم ب�شر‪ ،‬والفرق بينهم وبين غيرهم �أن اهلل اخت�صهم بالوحي والر�سالة‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و َما‬
‫�أَ ْر َ�س ْلنَا ِم ْن َق ْب ِل َك ِ�إلاَّ ر َِجالاً ُن ِ‬
‫وحي �إِ َل ْيهِ ْم{(الأنبياء‪.)7 :‬‬
‫الخلقة‬ ‫فلي�س لهم من خ�صائ�ص الربوبية والألوهية �شيء‪ ،‬ولكنهم ب�شر بلغوا الكمال في ِ‬
‫الظاهرة‪ ،‬كما بلغوا الذروة في كمال الأخالق‪ ،‬كما �أنهم خير النا�س ن�سبا‪ ،‬ولهم من العقول‬
‫الراجحة والل�سان المبين ما يجعلهم �أهلاً لتحمل تبعات الر�سالة والقيام ب�أعباء ال ُنب َّوة‪.‬‬
‫و�إنما جعل اهلل الر�سل من الب�شر ليكون قدوتهم من جن�سهم‪ ،‬وحينئذ ف�إن اتباع الر�سول‬
‫واالقتداء به هو في مقدورهم وفي حدود طاقتهم‪.‬‬

‫‪ 2‬اخت�صهم اهلل بالر�سالة‪ ،‬فاهلل عز وجل قد خ�صهم بالوحي دون بقية النا�س‪ ،‬كما قال‬
‫وحى ِ�إ َل َّي �أَ َّن َما ِ�إ َل ُه ُك ْم ِ�إ َل ٌه َو ِاحد{(الكهف‪.)110 :‬‬
‫�سبحانه‪ُ } :‬ق ْل �إِ َّن َما �أَنَا َب�شَ ٌر ِم ْث ُل ُك ْم ُي َ‬
‫فلي�ست النبوة والر�سالة مكت�سبة بال�صفاء الروحي وال الذكاء والمنطق العقلي‪ ،‬و�إنما‬
‫اختيار وا�صطفاء رباني‪ ،‬فقد اختار اهلل الر�سل وا�صطفاهم من بين �سائر النا�س‪ ،‬كما قال‬
‫هلل �أَ ْع َل ُم َح ْيثُ َي ْج َع ُل ر َِ�سا َلتَه{(الأنعام‪.)124 :‬‬
‫تعالى‪} :‬ا ُ‬

‫‪� 3‬أنهم مع�صومون فيما يب ِّلغونه عن اهلل‪ ،‬فهم ال يخطئون في التبليغ عن اهلل‪ ،‬وال يخطئون في‬
‫تنفيذ ما �أوحى اهلل �إليهم‪.‬‬

‫}هذَ ا َما َو َع َد‬


‫‪ 4‬ال�صدق‪ ،‬فالر�سل عليهم ال�سالم �صادقون في �أقوالهم و�أعمالهم‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ال َّر ْح َم ُن َو َ�ص َدقَ ا ْل ُم ْر َ�س ُلون{(ي�س‪.)52 :‬‬

‫‪ 5‬ال�صبر‪ ،‬فقد دعوا �إلى دين اهلل تعالى مب�شرين ومنذرين‪ ،‬وقد �أ�صابتهم �صنوف الأذى و�أنواع‬
‫َا�ص ِب ْر َك َما َ�ص َب َر �أُو ُلو ا ْل َع ْز ِم‬
‫الم�شاق‪ ،‬ف�صبروا وتح ّملوا في �سبيل �إعالء كلمة اهلل‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ف ْ‬
‫ِم َن ال ُّر ُ�سل{(الأحقاف‪.)35 :‬‬
‫‪69‬‬

‫ثمرات اإليمان بالرسل‪:‬‬


‫للإيمان بالر�سل ثمرات عظيمة منها‪:‬‬
‫‪ 1‬العلم برحمة اهلل تعالى وعنايته بعباده‪ ،‬حيث �أر�سل الر�سل �إليهم ليهدوهم �إلى الطريق ال�صحيح‪،‬‬
‫ويبينوا لهم كيف يعبدون اهلل؛ لأن العقل الب�شري ال ي�ستقل بمعرفة ذلك‪ ،‬قال تعالى عن نبينا محمد �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪َ } :‬و َما �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬
‫اك �إِلاَّ َر ْح َم ًة ِل ْل َعا َلمِ ين{(الأنبياء ‪.)107 :‬‬
‫‪� 2‬شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى‪.‬‬
‫‪ 3‬محبة الر�سل عليهم ال�صالة وال�سالم وتعظيمهم والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم قاموا بعبادة اهلل‬
‫وتبليغ ر�سالته والن�صح لعباده‪.‬‬
‫‪ 4‬اتباع الر�سالة التي جاءت بها الر�سل من عند اهلل‪ ،‬وهي عبادة اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬والعمل بها‪،‬‬
‫فيتحقق للم�ؤمنين في حياتهم الخير والهداية وال�سعادة في الدارين‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ } :‬ف َم ِن ا َّت َب َع هُ دَ َاي َفلاَ َي ِ�ض ُّل َولاَ َي ْ�ش َقى• َو َمنْ �أَ ْع َر َ�ض َعنْ ِذ ْك ِري َف�إِنَّ َل ُه َم ِع َ‬
‫ي�ش ًة َ�ض ْن ًكا{(طه‪.)124 -123:‬‬

‫الجبل الذي ي�سمى جبل مو�سى في �شبه جزيرة �سيناء‪ ،‬ويقول بع�ض الباحثين �أنه الجبل الذي ك َّلم اهلل عز وجل‬
‫عنده مو�سى عليه ال�سالم‪.‬‬
‫‪ 70‬إيمان المسلم‬

‫عقيدة المسلم في عيسى عليه السالم‬

‫‪� 1‬أنه واحد من �أعظم الر�سل و�أجلهم �ش�أ ًنا وهم �أولو العزم من الر�سل‪ :‬محمد‪ ،‬و�إبراهيم‪ ،‬ونوح‪ ،‬ومو�سى‪،‬‬
‫وعي�سى عليهـم ال�صالة وال�سالم‪ .‬وقـد ذكرهم اهلل في قوله‪َ } :‬و�إ ِْذ �أَ َخ ْذ َنا ِمنَ ال َّن ِب ِّيينَ ِمي َثا َق ُه ْم َو ِم ْن َك َو ِمنْ‬
‫يظا{(الأحزاب‪.)7 :‬‬ ‫ي�سى ا ْب ِن َم ْر َي َم َو�أَ َخ ْذ َنا ِم ْن ُه ْم ِمي َثا ًقا َغ ِل ً‬ ‫ُن ٍوح َو�إِ ْب َر ِاه َيم َو ُم َ‬
‫و�سى َو ِع َ‬
‫‪� 2‬أن عي�سى عليه ال�صالة وال�سالم ب�شر من بني �آدم‪ ،‬تف�ضل اهلل عليه و�أر�سله لبني �إ�سرائيل و�أجرى على‬
‫يديه المعجزات‪ ،‬ولي�س له من خ�صائ�ص الربوبية والألوهية �شيء‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪�ِ } :‬إنْ هُ َو ِ�إلاَّ َع ْب ٌد‬
‫�أَ ْن َع ْم َنا َع َل ْي ِه َو َج َع ْل َنا ُه َمثَلاً ِل َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئيل{(الزخرف‪.)59 :‬‬
‫قوم ُه ب�أن يتخــذوه و�أ َّم ُه �إلهين من دون اهلل‪ ،‬و�إنما قال لهم ما �أمره اهلل به‬
‫و�أنه عليه ال�صــالة وال�سالم لم ي�أمر َ‬
‫}�أَ ِن ْاع ُبدُوا ا َ‬
‫هلل َر ِّبي َو َر َّب ُك ْم{(المائدة‪.)117 :‬‬
‫‪� 3‬أنه عي�سى بن مريم‪ ،‬و�أمه مريم امر�أة �صالحة �صديقة قانتة عابدة لربها عفيفة مح�صنة عذراء‪ ،‬وقد‬
‫حملت بعي�سى عليه ال�سالم من غير �أب بقدرة اهلل عز وجل‪ ،‬فخلقه بمعجزة باقية‪ ،‬مثل ما خلق �آدم من غير‬
‫هلل َك َم َث ِل �آد ََم َخ َل َق ُه ِمنْ ُت َر ٍاب ُث َّم َق َ‬
‫ال َل ُه ُكنْ َف َي ُكون{(�آل‬ ‫ي�سى ِع ْندَ ا ِ‬
‫�أب و�أم‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪�ِ } :‬إنَّ َم َث َل ِع َ‬
‫عمران‪.)59 :‬‬
‫‪� 4‬أنه لي�س بينه وبين محمد �صلى اهلل عليه و�سلم ر�سو ٌل‪ ،‬وقد ب�شر بنبينا محمد عليه ال�صالة وال�سالم كما‬
‫ول ِ‬
‫اهلل ِ�إ َل ْي ُك ْم ُم َ�صدِّ ًقا ِل َما َب ْينَ يَدَ َّي ِمنَ‬ ‫ي�سى ا ْبنُ َم ْر َي َم َيا َب ِني إ� ِْ�س َرا ِئ َيل ِ�إ ِّني َر ُ�س ُ‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ } :‬و ِ�إ ْذ َق َال ِع َ‬
‫ات َقا ُلوا هَ َذا ِ�س ْح ٌر ُم ِبين{(ال�صف‪.)6 :‬‬ ‫ا�س ُم ُه َ�أ ْح َم ُد َف َل َّما َجا َءهُ ْم ِبا ْل َب ِّي َن ِ‬
‫ال َّت ْو َرا ِة َو ُم َب ِّ�ش ًرا ِب َر ُ�س ٍول َي�أْ ِتي ِمنْ َب ْع ِدي ْ‬
‫‪71‬‬

‫‪ 5‬ن�ؤمن بالمعجزات التي �أجراها اهلل على يديه‪ ،‬كعالجه للأبر�ص والأعمى و�إحيائه للموتى و�إخباره بما‬
‫ي�أكل النا�س وما يدخرون في بيوتهم‪ ،‬وكل ذلك ب�إذن اهلل �سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد جعل اهلل ذلك داللة �صريحة‬
‫على �صدق نبوته ور�سالته‪.‬‬
‫‪ 6‬ال يتم �إيمان �أحد من النا�س حتى ي�ؤمن ب�أن عي�سى عبد اهلل ور�سوله‪ ،‬و�أنه مب َّر�أٌ ومن َّز ٌه ع َّما و�صفه به‬
‫اليهود من الأو�صاف ال�سيئة الباطلة‪.‬‬
‫كما �أننا نتبر�أ من عقيدة الن�صارى الذين �ضلُّوا في فهم حقيقة عي�سى بن مريم‪ ،‬حيث اتخذوه و�أمه �إلهين من‬
‫دون اهلل‪ ،‬وقال بع�ضهم‪� :‬إنه ابن اهلل‪ ،‬وقال بع�ضهم‪� :‬إنه ثالث ثالثة‪ ،‬تعالى اهلل عن ذلك عل ًوا كبيرا‪.‬‬
‫‪� 7‬أنه لم ُيقتل ولم ُي�صلب‪ ،‬بل رفعه اهلل �إلى ال�سماء لما �أراد اليهود قتله‪ ،‬و�ألقى اهلل ال�شبه على غيره فقتلوه‬
‫ول ا ِ‬
‫هلل‬ ‫و�صلبوه وظنوه عي�سى عليه ال�سالم‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬و َق ْو ِل ِه ْم ِ�إ َّنا َق َت ْل َنا ا ْلم َِ�س َيح ِع َ‬
‫ي�سى ا ْبنَ َم ْر َي َم َر ُ�س َ‬
‫َو َما َق َت ُلو ُه َو َما َ�ص َل ُبو ُه َو َل ِكنْ ُ�ش ِّب َه َل ُه ْم‬
‫َو ِ�إنَّ ا َّل ِذينَ اخْ َت َل ُفوا ِفي ِه َل ِفي َ�ش ٍّك ِم ْن ُه‬
‫الظنِّ َو َما‬ ‫َما َل ُه ْم ِب ِه ِمنْ ِع ْل ٍم �إِلاّ ا ِّت َبا َع َّ‬
‫َق َت ُلو ُه َي ِقي ًنا • َب ْل َر َف َع ُه ا ُ‬
‫هلل ِ�إ َل ْي ِه َو َكانَ‬
‫هلل َع ِزيزً ا َح ِكي ًما • َو�إِنْ ِمنْ �أَ ْه ِل‬ ‫ا ُ‬
‫َاب ِ�إلاَّ َل ُي�ؤ ِْم َننَّ ِب ِه َق ْب َل َم ْو ِت ِه َو َي ْو َم‬
‫ا ْل ِكت ِ‬
‫ام ِة َي ُكونُ َع َل ْيهِ ْم َ�شهِ يدً ا{(الن�ساء‪:‬‬ ‫ا ْل ِق َي َ‬
‫‪.)159-157‬‬
‫فقد حفظه اهلل �سبحانه ورفعه عنده �إلى‬
‫ال�سماء‪ ،‬و�سوف ينزل في �آخر الزمان �إلى‬
‫الأر�ض فيحكم ب�شريعة النبي محمد �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم‪َّ ،‬ثم يموت في الأر�ض ويدفن فيها‬
‫ويخرج منها كما يخـ ــرج �سائـ ــر بني �آدم‪ ،‬لقول‬
‫}م ْن َها َخ َل ْق َنا ُك ْم َو ِفي َها ُن ِعي ُد ُك ْم‬
‫اهلل تعالى‪ِ :‬‬
‫ُ‬
‫َو ِم ْن َها ُن ْخ ِر ُج ُك ْم تَا َر ًة �أ ْخ َرى{(طه‪.)55 :‬‬

‫ي�ؤمن الم�سلم �أن عي�سى عليه ال�سالم من �أعظم ر�سل اهلل‪ ،‬ولكنه لم‬
‫ُيقتل ولم ُي�صلب ولي�س �إلهًا‪.‬‬
‫‪ 72‬إيمان المسلم‬

‫اإليمان بمحمد صلى اهلل عليه وسلم نب ًيا ورسو ًال‬

‫• ن�ؤمن ب�أن محمدً ا �صلى اهلل عليه و�سلم هو عبد اهلل ور�سوله‪ ،‬و�أنه �س ّيد الأولين والآخرين‪ ،‬وهو خاتم‬
‫الأنبياء فال نبي بعده‪ ،‬وقد ب ّلغ الر�سالة‪ ،‬و�أدى الأمانة‪ ،‬ون�صح الأمة‪ ،‬وجاهد في اهلل حق جهاده‪.‬‬
‫• ون�صدقه فيما �أخبر به‪ ،‬ونطيعه فيما �أمر‪ ،‬ونبتعد عما نهى عنه وزجر‪ ،‬ونعبد اهلل على وفق �سنته �صلى اهلل‬
‫هلل �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة ِل َمنْ َكانَ َي ْر ُجو ا َ‬
‫هلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬ونقتدي به دون غيره‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬ل َق ْد َكانَ َل ُك ْم ِفي َر ُ�س ِول ا ِ‬
‫هلل َك ِثي ًرا{ (الأحزاب‪.)21 :‬‬ ‫َوا ْل َي ْو َم ْ آَ‬
‫ال ِخ َر َو َذ َك َر ا َ‬
‫• وعلينا تقديم محبة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم على محبة الوالد والولد وجميع النا�س‪ ،‬كما قال �صلى‬
‫أحب �إليه من والده وولده والنا�س �أجمعين" (البخاري ‪ ،15‬م�سلم ‪.)44‬‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال ي�ؤمن �أحدكم حتى �أكون � ّ‬
‫ومحبته ال�صادقة تكون باتباع �سنته واالقتداء بهديه‪ .‬وال�سعادة الحقيقية واالهتداء التام ال يتحقق �إال بطاعته‪،‬‬
‫كما قال �سبحانه‪َ } :‬و ِ�إنْ ت ُِطي ُعو ُه َت ْه َتدُوا َو َما َع َلى ال َّر ُ�س ِول ِ�إلاَّ ا ْل َبلاَ ُغ ا ْل ُم ِبين{ (النور‪.)54 :‬‬
‫• يجب علينا قبول ما جاء به النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و�أن ننقاد ل�سنته‪ ،‬و�أن نجعل هديه محل �إجالل‬
‫وك ِفي َما َ�ش َج َر َب ْي َن ُه ْم ُث َّم لاَ َي ِجدُوا ِفي �أَ ْن ُف ِ�سهِ ْم َح َر ًجا‬
‫وتعظيم‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬فلاَ َو َر ِّب َك لاَ ُي�ؤ ِْم ُنونَ َحتَّى ُي َح ِّك ُم َ‬
‫ِم َّما َق َ�ض ْي َت َو ُي َ�س ِّل ُموا ت َْ�س ِلي ًما{ (الن�ساء‪.)65 :‬‬
‫• علينا �أن نحذر من مخالفة �أمره �صلى اهلل عليه و�سلم؛ لأن مخالفة �أمره �سبب للفتنة وال�ضالل والعذاب‬
‫اب �أَ ِليم{(النور‪.)63 :‬‬
‫الأليم‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬ف ْل َي ْح َذ ِر ا َّل ِذينَ ُي َخا ِل ُفونَ َعنْ �أَ ْم ِر ِه �أَنْ ُت ِ�صي َبه ُْم ِف ْت َن ٌة َ�أ ْو ُي ِ�صي َبه ُْم َع َذ ٌ‬
‫‪73‬‬

‫�إحدى بوابات الم�سجد النبوي ال�شريف‬ ‫خصائص الرسالة المحمدية‪:‬‬


‫تخت�ص الر�سالة المحمدية عن الر�ساالت‬
‫ال�سابقة بعدد من الخ�صائ�ص والمزايا منها‪:‬‬
‫• الر�سالة المحمدية خاتمة للر�ساالت ال�سابقة‪،‬‬
‫}ما َكانَ ُم َح َّم ٌد �أَ َبا �أَ َح ٍد ِمنْ ر َِجا ِل ُك ْم‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫هلل َو َخات ََم ال َّن ِب ِّيين{(الأحزاب‪.)40 :‬‬ ‫ول ا ِ‬
‫َو َل ِكنْ َر ُ�س َ‬
‫• الر�سالة المحمدية نا�سخة للر�ساالت ال�سابقة‪،‬‬
‫فال يقبل اهلل من �أحد دي ًنا بعد بعثة النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم �إال باتباع محمد �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬
‫وال ي�صل �أحد �إلى نعيم الجنة �إال من طريقه‪ ،‬فهو‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم �أكرم الر�سل‪ ،‬و�أمته خير‬
‫الأمم‪ ،‬و�شريعته �أكمل ال�شرائع‪ .‬قال تعالى‪َ } :‬و َمنْ‬
‫ال ْ�سلاَ ِم ِدي ًنا َف َلنْ ُي ْق َب َل ِم ْن ُه َوهُ َو ِفي‬ ‫َي ْب َت ِغ َغ ْي َر ْ إِ‬
‫ْال ِآخ َر ِة ِمنَ ا ْل َخ ِا�س ِرينَ {(�آل عمران‪ .)85 :‬وقال �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪" :‬والذي نف�س محمد بيده‪ ،‬ال ي�سمع‬
‫بي �أحد من هذه الأمة يهودي �أو ن�صراني ثم يموت‬
‫ولم ي�ؤمن بالذي �أر�سلت به �إال كان من �أ�صحاب‬
‫النار" (م�سلم ‪� ،153‬أحمد ‪.)8609‬‬
‫• الر�سالة المحمدية عام ٌة �إلى الثقلين‪ :‬الجن‬
‫والإن�س‪ .‬قال تعالى حكاية عن قول الجن‪َ } :‬يا‬
‫َاع َي اهلل{(الأحقاف‪ .)31 :‬وقال‬ ‫َق ْو َم َنا �أَ ِجي ُبوا د ِ‬
‫تعالى‪َ } :‬و َما �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬
‫اك ِ�إلاَّ َكا َّف ًة ِلل َّن ِ‬
‫ا�س َب ِ�شي ًرا‬
‫َو َن ِذي ًرا{(�سب�أ‪ .)28 :‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫" ُف ِّ�ضلتُ على الأنبياء ب�ست‪� :‬أُعطيت جوامع الكلم‪،‬‬
‫و ُن�صرت بالرعب‪ ،‬و�أحلت لي الغنائم‪ ،‬وجعلت لي‬
‫الأر�ض طهورا وم�سجدا‪ ،‬و�أر�سلت �إلى الخلق كافة‪،‬‬
‫وختم بي النبيون" (البخاري ‪ ،2815‬م�سلم ‪.)523‬‬
‫‪ 74‬إيمان المسلم‬

‫صحابة رسول اهلل وآل بيته الكرام‬

‫ما بعث اهلل نب ًيا �إال كان �أ�صحابه وحواريوه �أف�ضل �أتباعه‪ ،‬وكان جيلهم �أعظم جيل من �أمته‪.‬‬
‫اختار اهلل ل�صحبة نبيه خيرة خلقه بعد الأنبياء والمر�سلين‪ ،‬ليحملوا هذا الدين ويبلغوه للنا�س‬
‫�صاف ًيا نق ًيا من ال�شوائب‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ":‬خير �أمتي القرن الذي بعثت فيهم‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم" (م�سلم‪.)2534 :‬‬
‫وقد جاء الثناء على �صحابة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وتعداد �صفاتهم وف�ضائلهم في‬
‫مواطن متعددة من كتاب اهلل و�سنة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫ويجب على الم�سلم تجاههم عدد من الأمور‪:‬‬

‫‪ 1‬محبتهم وتوقيرهم والدعاء لهم‪:‬‬


‫بعدهم �إلى يوم القيامة ممن يعرف لل�صحابة ف�ضلهم‬ ‫فقد �أثنى اهلل على المهاجرين الذين تركوا ديارهم‬
‫ومكانتهم ويحبهم‪ ،‬ويدعو لهم‪ ،‬وال يكون في قلبه بغ�ض‬ ‫حر�صا على‬
‫و�أموالهم في مكة وانتقلوا �إلى المدينة ً‬
‫�أو كره لأحد منهم‪.‬‬ ‫دينهم‪ ،‬وابتغاء مر�ضاة اهلل‪ ،‬و�أعقب ذلك بالثناء‬
‫فقال تعالى‪ِ }:‬ل ْل ُف َق َرا ِء ا ْل ُم َه ِاج ِرينَ ا َّل ِذينَ �أُخْ ِر ُجوا‬ ‫على الأن�صار �أهل المدينة‪ ،‬الذين نا�صروا �إخوانهم‪،‬‬
‫ِمنْ ِد َيار ِِه ْم َو�أَ ْم َوالِهِ ْم َي ْب َت ُغونَ َف ْ�ضلاً ِمنَ ا ِ‬
‫هلل َور ِْ�ض َوا ًنا‬ ‫و�شاركوهم ما في �أيديهم من الأموال والمتاع‪ ،‬بل‬
‫هلل َو َر ُ�سو َل ُه �أُو َل ِئ َك هُ ُم َّ‬
‫ال�صا ِد ُقونَ • وا َّل ِذينَ‬ ‫َو َي ْن ُ�ص ُرونَ ا َ‬ ‫قدموا �إخوانهم على �أنف�سهم‪ ،‬ثم �أثنى على من ي�أتي‬
‫‪75‬‬

‫مكانة الصحابة‪:‬‬ ‫اج َر‬ ‫الإي َمانَ ِمنْ َق ْبلِهِ ْم ُي ِح ُّبونَ َمنْ هَ َ‬ ‫َت َب َّو�أُوا ال َّدا َر َو ِ‬
‫اج ًة ِم َّما �أُوتُوا‬ ‫�إِ َل ْيهِ ْم َوال َي ِجدُونَ ِفي ُ�صدُور ِِه ْم َح َ‬
‫‪� 1‬صحابة ر�سول اهلل كلهم �أهل ف�ضل‬ ‫وق‬‫ا�ص ٌة َو َمنْ ُي َ‬ ‫َو ُي�ؤْ ِث ُرونَ َع َلى �أَ ْن ُف ِ�سهِ ْم َو َل ْو َكانَ بِهِ ْم َخ َ�ص َ‬
‫و�إح�سان‪ ،‬ولكن �أف�ضلهم الخلفاء‬ ‫ُ�ش َّح َنف ِْ�س ِه َف ُ�أو َل ِئ َك هُ ُم ا ْل ُم ْف ِل ُحونَ • وا َّل ِذينَ َجا ُءوا ِمنْ‬
‫الرا�شدون الأربعة‪ ،‬وهم على الترتيب‪� :‬أبو‬ ‫َب ْع ِد ِه ْم َي ُقو ُلونَ َر َّب َنا ْاغ ِف ْر َل َنا َولإخْ َوا ِن َنا ا َّل ِذينَ َ�س َب ُقو َنا‬
‫بكر ال�صديق‪ ،‬وعمر بن الخطاب‪ ،‬وعثمان‬ ‫ِبالإِي َم ِان َوال ت َْج َع ْل ِفي ُق ُلو ِب َنا ِغلاً ِل َّل ِذينَ � َآم ُنوا َر َّب َنا‬
‫بن عفان‪ ،‬وعلي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل‬ ‫وف َر ِحي ٌم{(الح�شر‪.)10-8 :‬‬ ‫ِ�إ َّن َك َر�ؤُ ٌ‬
‫عنهم �أجمعين‪.‬‬
‫‪� 2‬صحابة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫‪ 2‬التر�ضي عن جميع ال�صحابة‪:‬‬
‫و�سلم ب�شر غير مع�صومين ويقع منهم‬
‫ينبغي للم�سلم �إذا ذكر �أحدًا منهم �أن يقول‪:‬‬
‫الخط�أ‪ ،‬ولكن خط�أهم �أقل من خط�أ غيرهم‪،‬‬
‫(ر�ضي اهلل عنه)‪ ،‬فقد �أخبر اهلل تعالى ب�أنه ر�ضي‬
‫و�صوابهم �أكثر من �صواب غيرهم‪ ،‬فقد اختار‬
‫عنهم‪ ،‬وقبل طاعاتهم و�أعمالهم‪ ،‬و�أنهم ر�ضـوا عنه‬
‫اهلل ل�صحبة نبيه خير النا�س لحمل هذا‬
‫بما وهبهم مـن نع ــم الدي ــن والدنيـ ــا‪ ،‬فق ــال تعــالى‪:‬‬
‫الدين‪" :‬خير �أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم‬
‫ال�سا ِب ُقونَ الأَ َّو ُلونَ ِمنَ ا ْل ُم َه ِاجرِينَ َوالأَ َ‬
‫ن�صا ِر َوا َّل ِذينَ‬ ‫} َو َّ‬
‫الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" (م�سلم‪.)2534 :‬‬
‫هلل َع ْن ُه ْم َو َر ُ�ضوا َع ْن ُه َو َ�أ َع َّد‬
‫ا َّت َب ُعوهُ ْم ِب�إِ ْح َ�س ٍان َر ِ�ض َي ا ُ‬
‫‪ 3‬ن�شهد لجميع ال�����ص��ح��اب��ة ال��ك��رام‬ ‫َل ُه ْم َج َّن ٍات ت َْج ِري ت َْح َت َها الأَ ْن َها ُر َخا ِل ِدينَ ِفي َها �أَ َبدًا‬
‫بالعدالة والإح�سان‪ ،‬ونذكر محا�سنهم‬ ‫َذ ِل َك ا ْل َف ْو ُز ا ْل َع ِظ ُيم{ (التوبة‪.)100 :‬‬
‫وال نخو�ض فيما ح�صل منهم من �أخطاء‬
‫�أو اج��ت��ه��ادات مخالفة لل�صواب‪ ،‬فلديهم‬
‫من �صدق الإيمان وح�سن العمل واالتباع ما‬
‫يفوق ذلك‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"ال ت�سبوا �أ�صحابي فلو �أن �أحدكم �أنفق مثل‬
‫�أحد ذه ًبا ما بلغ ُم َّد �أحدهم وال ن�صيفه"‬
‫(البخاري ‪.)3470‬‬

‫مقبرة البقيع بجوار الم�سجد‬


‫النبوي وقد دفن فيها الكثير من‬
‫ال�صحابة الكرام ر�ضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫‪ 76‬إيمان المسلم‬

‫آل بيت النبوة‬


‫�آل بيت ر�سول اهلل هم زوجاته و�أوالده‬
‫علي‪ ،‬و�آل‬
‫وقرابته من �أبناء عمومته‪� :‬آل ٍّ‬
‫عقيل‪ ،‬و�آل جعفر‪ ،‬و�آل العبا�س وذرياتهم‪.‬‬
‫و�أف�ضلهم من لقي ر�سول اهلل �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم‪ ،‬كعلي بن �أبي طالب وفاطمة‬
‫بنت النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وكذلك‬
‫�أبنا�ؤهما‪ :‬الح�سن والح�سين �سيدا �شباب �أهل‬
‫الجنة‪ ،‬وزوجات ر�سول اهلل �أمهات الم�ؤمنين؛‬
‫كخديجة بنت خويلد‪ ،‬وعائ�شة ال�صديقة ر�ضي‬
‫اهلل عنهم �أجمعين‪.‬‬
‫وقد قال تعالى عن زوجات النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم بعد توجيههن �إلى �أرقى‬
‫الآداب و�أح�سن الأخالق ‪�ِ }:‬إ َّن َما ُي ِري ُد ا ُ‬
‫هلل‬
‫ِل ُي ْذ ِه َب َعن ُك ُم ال ِّر ْج َ�س �أَ ْه َل ا ْل َب ْي ِت َو ُي َط ِّه َر ُك ْم‬
‫ت َْطهِ ي ًرا{ (الأحزاب‪.)33 :‬‬

‫آل البيت غير معصومين‪:‬‬ ‫محبة آل البيت‪:‬‬


‫�أهل البيت مثل غيرهم من القبائل‪ ،‬فيهم الم�سلم‬ ‫الم�سلم يحب �أهل بيت النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫والكافر وال�صالح والعا�صي‪ ،‬فنحب الطائع منهم‬ ‫الم�ؤمنين المتبعين ل�سنته‪ ،‬ويجعل ذلك من محبة النبي‬
‫ونرجو له الثواب‪ ،‬ونخاف على العا�صي منهم وندعو‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬امتثالاً لحديث ر�سول اهلل في‬
‫له بالهداية‪.‬‬ ‫وح�سن‬
‫الو�صية والعناية ب�آل بيته �صلى اهلل عليه و�سلم ُ‬
‫وف�ضل �آل البيت ال يعني تف�ضيلهم في جميع‬ ‫الخلق معهم ‪ ":‬و�أهل بيتي‪� ،‬أذكركم اهلل في �أهل بيتي‪،‬‬
‫الأحوال‪ ،‬وعلى كل الأ�شخا�ص ب�أعيانهم‪ ،‬فالنا�س‬ ‫�أذكركم اهلل في �أهل بيتي"(م�سلم‪ .)2408 :‬كما يقول‬
‫يتفا�ضلون باعتبارات كثيرة‪ ،‬وقد يوجد في غيرهم من‬ ‫الأب الم�شفق‪ :‬اهلل اهلل في حق �أوالدي‪.‬‬
‫هو �أف�ضل و�أجل‪.‬‬ ‫ويتبر�أ الم�سلم من �صنفين‪:‬‬
‫‪� 1‬صنف يغلو في �آل البيت‪ ،‬ويرفعهم �إلى‬
‫مرتبة التقدي�س‪.‬‬
‫‪� 2‬صنف يجفو عنهم‪ ،‬ويعاديهم ويبغ�ضهم‪.‬‬
‫‪77‬‬

‫اإليمان باليوم اآلخر‬

‫معنى اإليمان باليوم اآلخر‪:‬‬


‫الت�صديق الجازم ب�أن اهلل تعالى يبعث النا�س من القبور‪ ،‬ثم يحا�سبهم ويجازيهم على �أعمالهم‪ ،‬حتى ي�ستقر‬
‫�أهل الجنة في منازلهم‪ ،‬و�أهل النار في منازلهم‪.‬‬
‫والإيمـ ــان باليوم الآخر �أحد �أرك ــان الإيم ــان‪ ،‬فال ي�صـح الإيمـ ــان �إال به‪ ،‬قـال تعال ــى‪َ } :‬و َل ِـك َّن ا ْل ِب َّر َمنْ � َآمنَ ِبا ِ‬
‫هلل‬
‫َوا ْل َي ْو ِم ال ِآخ ِر{(البقرة‪.)177 :‬‬

‫لماذا أكد القرآن على اإليمان باليوم اآلخر؟‬


‫�أكد القر�آن الكريم على الإيمان باليوم الآخر‪ ،‬ون ّبه �إليه في كل منا�سبة‪ ،‬و�أكد وقوعه ب�شتى �أ�ساليب العربية‪،‬‬
‫وربط الإيمان به بالإيمان باهلل عز وجل في �أكثر من مو�ضع‪.‬‬
‫وذلك لأن الإيمان باليوم الآخر نتيجة الزمة للإيمان باهلل وعدله �سبحانه وتعالى‪ ،‬وتو�ضيح ذلك‪:‬‬
‫�أن اهلل ال يقر الظلم وال يدع الظالم بغير عقاب‪ ،‬وال المظلوم بغير �إن�صاف‪ ،‬وال يترك المح�سن بغير ثواب‬
‫وجزاء‪ ،‬ويعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬ونحن نرى في الحياة الدنيا من يعي�ش ظال ًما ويموت ظال ًما ولم يعاقب‪ ،‬ومن يعي�ش‬
‫مظلوما ولم ي�أخذ حقه‪ ،‬فما معنى هذا واهلل ال يقبل الظلم؟ معناه �أنه ال بد من حياة �أخرى غير هذه‬
‫ً‬ ‫مظلوما ويموت‬
‫ً‬
‫الحياة التي نعي�شها‪ ،‬ال بد من ميعاد �آخر يكاف�أ فيه المح�سن ويعاقب فيه الم�سيء وي�أخذ كل ذي حق حقه‪.‬‬

‫ال�س َما َو ِات َو َْ أ‬


‫ال ْر َ�ض‬ ‫}�أَ َو َل ْي َ�س ا َّل ِذي َخ َلقَ َّ‬
‫ِب َقا ِد ٍر َع َلى �أَنْ َيخْ ُلقَ ِم ْث َل ُه ْم َب َلى َوهُ َو‬
‫ا ْل َخلاَّ قُ ا ْل َع ِليم{ (ي�س‪.)81 :‬‬
‫‪ 78‬إيمان المسلم‬

‫ماذا يتضمن اإليمان باليوم اآلخر؟‬


‫يت�ضمن �إيمان الم�سلم باليوم الآخر عددًا من الأمور‬
‫منها‪:‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ُ } :‬ث َّم �إِ َّن ُك ْم َب ْعدَ َذ ِل َك َل َم ِّيتُونَ • ُث َّم‬ ‫‪ 1‬الإيمان بالبعث والح�شر‪ :‬وهو �إحياء‬
‫�إِ َّن ُك ْم َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ُت ْب َع ُثون{(الم�ؤمنون‪.)16-15:‬‬ ‫الموتى من قبورهم‪ ،‬و�إعادة الأرواح �إلى‬
‫�أج�سادهم‪ ،‬فيقوم النا�س لرب العالمين‪ ،‬ثم‬
‫وقد اتفقت جميع الكتب ال�سماوية عليه‪ ،‬وذلك هو‬
‫يح�شرون ويجمعون في مكان واحد حفاة عراة‬
‫مقت�ضى الحكمة؛ حيث تقت�ضي �أن يجعل اهلل تعالى لهذه‬
‫كما خلقوا �أول مرة‪.‬‬
‫الخليقة معادا يجزيهم فيه على كل ما كلفهم به على‬
‫�أل�سنة ر�سله‪ ،‬قال اهلل تعالى‪�} :‬أَ َف َح ِ�س ْبت ُْم �أَ َّن َما َخ َل ْق َنا ُك ْم‬ ‫دل عليه الكتاب وال�سنة‪،‬‬ ‫والإيمان بالبعث مما ّ‬
‫َع َب ًثا َو�أَ َّن ُك ْم �إِ َل ْي َنا لاَ ُت ْر َج ُعون{ (الم�ؤمنون‪.)115 :‬‬ ‫والعقل والفطرة ال�سليمة‪ ،‬فن�ؤمن يقينا ب�أن اهلل يبعث‬
‫من في القبور‪ ،‬وتعاد الأرواح �إلى الأج�ساد‪ ،‬ويقوم‬
‫النا�س لرب العالمين‪.‬‬

‫من �أدلة القر�آن على �إثبات البعث‪:‬‬


‫• �أن اهلل تعالى خلق الب�شر ابتدا ًء‪ ،‬والقادر على ابتداء الخلق ال يعجز عن �إعادته‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ } :‬وهُ َو‬
‫ا َّل ِذي َي ْبدَ �أُ ا ْل َخ ْلقَ ُث َّم ُي ِعيدُه{(الروم‪.)27 :‬وقال تعالى �آمرا بالرد على من �أنكر �إحياء العظام وهي رميم‪ُ } :‬ق ْل‬
‫ُي ْح ِيي َها ا َّل ِذي �أَ ْن َ�ش َ�أهَ ا �أَ َّو َل َم َّر ٍة َوهُ َو ِب ُك ِّل َخ ْل ٍق َع ِلي ٌم{(ي�س‪.)79 :‬‬
‫• �أن الأر�ض تكون ميتة هامدة لي�س فيها �شجرة خ�ضراء‪ ،‬فينزل عليها المطر‪ ،‬فتهتز خ�ضرا َء ح َّي ًة فيها من‬
‫ال�س َما ِء َما ًء‬ ‫كل زوج بهيجٍ ‪ ،‬والقادر على �إحيائها بعد موتها قادر على �إحياء الموتى‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و َن َّز ْل َنا ِمنَ َّ‬
‫ُم َبا َر ًكا َف�أَ ْن َب ْت َنا ِب ِه َج َّن ٍات َو َح َّب ا ْل َح ِ�ص ِيد • َوالنَّخْ َل َب ِا�س َق ٍات َل َها َط ْل ٌع َن ِ�ضي ٌد • ِر ْز ًقا ِل ْل ِع َبا ِد َو َ�أ ْح َي ْي َنا ِب ِه َب ْلدَ ًة َم ْيتًا‬
‫وج{(ق‪.)11-9 :‬‬ ‫َك َذ ِل َك ا ْل ُخ ُر ُ‬
‫• كل عاقل يعلم �أن من َقدَر على العظيم الكبير فهو على ما دونه بكثير �أقد ُر و�أقدر‪ ،‬واهلل �سبحانه وتعالى‬
‫وعجيب خلقها‪ ،‬ومن َث ّم فهو �أقدر على‬ ‫ِ‬ ‫قد �أبدع ال�سماوات والأر�ض والأفالك على عظم �ش�أنها و�سعتها‪،‬‬
‫الَ ْر َ�ض ِب َقا ِد ٍر َع َلى �أَنْ َيخْ ُلقَ‬ ‫�أن يحيي عظاما قد �صارت رميما‪ ،‬قال تعالى‪�} :‬أَ َو َل ْي َ�س ا َّل ِذي َخ َلقَ َّ‬
‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬
‫ِم ْث َل ُه ْم َب َلى َوهُ َو ا ْل َخلاَّ ُق ا ْل َع ِليم{ (ي�س‪.)81 :‬‬
‫‪79‬‬

‫} َوهُ َو ا َّلذِ ي َي ْب َد�أُ ا ْل َخ ْل َق ُث َّم ُيعِي ُد ُه‬


‫َوهُ َو �أَهْ َو ُن َعلَ ْي ِه{ (الروم‪.)27 :‬‬

‫قال تعالى مرغ ًبا عباده للم�سارعة في الطاعات‬ ‫‪ 2‬الإيمان بالح�ساب والميزان‪ :‬يحا�سب اهلل‬
‫ودخول جنة عر�ضها كعر�ض ال�سماء والأر�ض‪:‬‬ ‫الخالئق على �أعمالهم التي عملوها في الحياة‬
‫} َو َ�سار ُِعوا ِ�إ َلى َم ْغ ِف َر ٍة ِمنْ َر ِّب ُك ْم َو َج َّن ٍة َع ْر ُ�ض َها‬ ‫الدنيا‪ ،‬فمن كان من �أهل التوحيد ومطيعا هلل‬
‫الَ ْر ُ�ض �أُ ِع َّد ْت ِل ْل ُم َّت ِقين{(�آل عمران‪.)133 :‬‬‫ال�س َم َواتُ َو ْ أ‬
‫َّ‬ ‫ور�سوله ف�إن ح�سابه ي�سير‪ ،‬ومن كان من �أهل‬
‫و�أما النار فهي دار العذاب المقيم‪� ،‬أعدها اهلل‬ ‫ال�شرك والع�صيان فح�سابه ع�سير‪.‬‬
‫وع َ�صوا ُر�سله‪ ،‬فيها من‬ ‫للكافرين الذين كفروا باهلل َ‬ ‫وتوزن الأعمال في ميزان عظيم‪ ،‬فتو�ضع الح�سنات‬
‫�أنواع العذاب والآالم والنكال ما ال يخطر على البال‪.‬‬ ‫في كفة‪ ،‬وال�سيئات في الكفة الأخرى‪ ،‬فمن رجحت‬
‫قال �سبحانه محذ ًرا عباده من النار التي �أعدها‬ ‫ح�سناته ب�سيئاته فهو من �أهل الجنة‪ ،‬ومن رجحت �سيئاته‬
‫للكافرين‪َ } :‬فا َّت ُقوا ال َّنا َر ا َّل ِتي َو ُقودُهَ ا ال َّن ُ‬
‫ا�س َوا ْل ِح َجا َر ُة‬ ‫بح�سناته فهو من �أهل النار‪ ،‬وال يظلم ربك �أحدًا‪.‬‬
‫�أُ ِع َّد ْت ِل ْل َكا ِف ِرين{(البقرة‪.)24 :‬‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬و َن َ�ض ُع ا ْل َم َوازِينَ ا ْل ِق ْ�س َط ِل َي ْو ِم ا ْل ِق َي َام ِة‬
‫اللهم �إنا ن�س�ألك الجنة وما ق ّرب �إليها من قول‬ ‫َفلاَ ت ُْظ َل ُم َنف ٌْ�س َ�ش ْي ًئا َو ِ�إنْ َكانَ ِم ْث َق َال َح َّب ٍة ِمنْ َخ ْرد ٍَل‬
‫وعمل‪ ،‬ونعوذ بك من النار وما ق ّرب �إليها من قول‬ ‫�أَ َت ْي َنا ِب َها َو َك َفى ِب َنا َح ِا�س ِبين{ (الأنبياء‪.)47 :‬‬
‫وعمل‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجنـة والنـار‪ :‬الجنة هي دار النعيم المقيم‪،‬‬
‫�أعدها اهلل للم�ؤمنين المتقين‪ ،‬المطيعين للهّ‬
‫‪ 4‬عذاب القبر ونعيمه‪ :‬ن�ؤمن ب�أن الموت حق‪،‬‬
‫قال تعالى‪ُ } :‬ق ْل َي َت َو َّفا ُك ْم َم َل ُك ا ْل َم ْو ِت ا َّل ِذي ُو ِّك َل‬ ‫ور�سوله‪ ،‬فيها جميع �أنواع النعيم الدائم مما‬
‫ِب ُك ْم ُث َّم �إِ َلى َر ِّب ُك ْم ُت ْر َج ُعون{(ال�سجدة‪.)11 :‬‬ ‫ت�شتهيه النفو�س وتقر به العيون من جميع �أنواع‬
‫المحبوبات‪.‬‬
‫‪ 80‬إيمان المسلم‬

‫• كما �أن �أحوال القبر من �أمور الغيب التي ال‬ ‫وهو �أمر م�شاهد ال �شك فيه‪ ،‬ون�ؤمن �أن كل من‬
‫يدركها الح�س‪ ،‬ولو كانت تدرك بالح�س لفاتت‬ ‫مات �أو قتل ب�أي �سبب كان حتفه‪� ،‬أنّ ذلك ب�أجله لم‬
‫فائدة الإيمان بالغيب‪ ،‬وزالت حكمة التكليف‪ ،‬ولما‬ ‫ينق�ص منه �شيئا‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ } :‬ف�إِ َذا َجا َء �أَ َج ُل ُه ْم لاَ‬
‫تَدافن النا�س‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬لوال‬ ‫َي ْ�س َت ْ�أ ِخ ُرونَ َ�س َاع ًة َولاَ َي ْ�س َتق ِْد ُمون{ (الأعراف‪.)34 :‬‬
‫�أن ال تَدا َفنوا لدعوت اهلل �أن ي�سمعكم من عذاب‬ ‫• و�أن من مات فقد قامت قيامته وانتقل �إلى الدار‬
‫القبر ما �أ�سمع" (م�سلم ‪ ،2868‬الن�سائي ‪ .)2058‬ول َّما‬ ‫الآخرة‪.‬‬
‫كانت هذه الحكمة منتفية في حق البهائم �سمعته‬
‫و�أدركته‪.‬‬ ‫• وقد ثبتت �أحاديث كثيرة عن ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم في ثبوت عذاب القبر للكفار‬
‫والع�صاة ونعيمه للم�ؤمنين و�أهل ال�صالح فن�ؤمن‬
‫به وال نخو�ض في كيفيته‪� ،‬إذ لي�س للعقل قدرة على‬
‫معرفة كيفيته وحقيقته‪ ،‬لكونه من عالم الغيب مثل‬
‫الجنة والنار ال من عالم ال�شهادة‪ ،‬وقدرة العقل على‬
‫القيا�س واال�ستنتاج والحكم تكون فيما يعرف نظيره‬
‫وقانونه في عالم الدنيا الم�شاهد‪.‬‬

‫الموت لي�س النهاية ولكنه بداية لمرحلة جديدة‬


‫‪81‬‬

‫ثمرات اإليمان باليوم اآلخر‪:‬‬


‫‪ 1‬الإيم ��ان بالي ��وم الآخ ��ر ل ��ه �أ�شد الأثر ف ��ي توجيه الم�سل ��م وان�ضباط ��ه والتزامه بالعم ��ل ال�صالح‬
‫وتقوى اهلل عز وجل وبعده عن الأنانية والرياء‪.‬‬
‫وله ��ذا يت ��م الربط بين الإيمان باليوم الآخر والعمل ال�صال ��ح في كثير من الأحيان‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫ين ُي�ؤْمِ ُنو َن ب ْ َ آ‬
‫ِالخِ َر ِة‬ ‫هلل َوا ْل َي� � ْو ِم ْ َ آ‬
‫الخِ ر{(التوبة‪ ،)18 :‬وقوله‪َ } :‬وا َّلذِ َ‬ ‫هلل َمنْ �آَم ََن بِا ِ‬
‫} ِ‪� ‬إ َّن َم ��ا َي ْع ُم� � ُر م ََ�ساجِ َد ا ِ‬
‫ُي�ؤْمِ ُنو َن ِب ِه َوهُ ْم َعلَى َ�صلاَ ِت ِه ْم ُي َحاف ُِظون{(الأنعام‪.)92 :‬‬

‫‪ 2‬تنبي ��ه الغافلي ��ن المن�شغلي ��ن ب�أم ��ور الحي ��اة ومتاعها ع ��ن التناف�س ف ��ي الطاعات واغتن ��ام الوقت‬
‫للتقرب �إلى اهلل بالطاعات �إلى حقيقة الحياة وق�صرها و�أن الآخرة هي دار القرار والخلد‪.‬‬
‫ولم ��ا �أثن ��ى اهلل عل ��ى الر�سل ف ��ي القر�آن وذك ��ر �أعمالهم مدحه ��م بال�سبب ال ��ذي كان يدفعهم لتلك‬
‫الأعمال والف�ضائل فقال‪�} :‬إِ َّنا �أَ ْخلَ ْ�ص َناهُ ْم ِب َخا ِل َ�ص ٍة ِذ ْك َرى الدَّار{(�ص‪.)46 :‬‬
‫�أي �إن �سبب تلك الأعمال الفا�ضلة �أنهم تميزوا بتذكر الدار الآخرة فدفعهم هذا التذكر لتلك الأعمال‬
‫والمواقف‪.‬‬
‫ولم ��ا تثاق ��ل بع� ��ض الم�سلمين ع ��ن االمتثال لأم ��ر اهلل ور�سوله قال تعال ��ى تنبيها له ��م‪�} :‬أَ َر ِ�ضي ُت ْم‬
‫الخِ َر ِة َف َما َم َتا ُع ا ْل َح َيا ِة الدُّ ْن َيا فِي ْ َآ‬
‫الخِ َر ِة ِ�إ اَّل َقلِيل{(التوبة‪.)38 :‬‬ ‫بِا ْل َح َيا ِة الدُّ ْن َيا مِ َن ْ َآ‬
‫فحين ي�ؤمن الإن�سان باليوم الآخر‪ ،‬ف�إنه �سيوقن ب�أن كل نعيم في الدنيا ال يقا�س �إلى نعيم الآخرة‪،‬‬
‫وال ي�س ��اوي م ��ن جهة �أخرى غم�سة واحدة من �أجله في العذاب‪ ،‬وكل عذاب في الدنيا ‪-‬في �سبيل اهلل‪-‬‬
‫ال يقا�س �إلى عذاب الآخرة‪ ،‬وال يوازي من جهة �أخرى غم�سة واحدة من �أجله في النعيم‪.‬‬

‫‪ 3‬الطم�أنين ��ة ب� ��أن الإن�س ��ان مالق ن�صيبه‪ ،‬ف� ��إذا فاته �شيء من متاع الحياة الدني ��ا فال يي�أ�س ويقتل‬
‫نف�س ��ه حز ًن ��ا‪ ،‬ب ��ل عليه �أن يجتهد ويوقن ب�أن اهلل ال ي�ضيع �أجر م ��ن �أح�سن العمل‪ ،‬و�إن كان قد �أُخِ َذ‬
‫ح�صلَها يوم القيامة في �أحوج ما يكون �إليها‪ ،‬فكيف يغتم من علم �أن‬ ‫منه مثقال ذرة بظلم �أو غ�ش َّ‬
‫ن�صيب ��ه �سي�أتي ��ه ال محالة في �أهم اللحظ ��ات و�أخطرها؟ وكيف يحزن من يعلم �أن من يق�ضي بينه‬
‫وبين خ�صومه هو �أحكم الأحكمين �سبحانه وتعالى؟‬
‫‪ 82‬إيمان المسلم‬

‫اإليمان بالقدر‬

‫معنى اإليمان بالقدر‪:‬‬


‫هو الت�صديق الجازم ب�أن كل خير و�شر فهو بق�ضاء اهلل وقدره‪ ،‬و�أنه الف ّعال لما يريد‪ ،‬ال يكون �شيء �إال ب�إرادته‪،‬‬
‫وال يخرج �شيء عن م�شيئته‪ ،‬ولي�س في العالم �شيء يخرج عن تقديره‪ ،‬وال ي�صدر �إال عن تدبيره‪ ،‬ومع ذلك فقد �أمر‬
‫العباد ونهاهم‪ ،‬وجعلهم مختارين لأفعالهم‪ ،‬غير مجبورين عليها‪ ،‬بل هي واقعة بح�سب قدرتهم و�إرادتهم‪ ،‬واهلل‬
‫خالقهم وخالق قدرتهم‪ ،‬يهدي من ي�شاء برحمته‪ ،‬وي�ضل من ي�شاء بحكمته‪ ،‬ال ُي�س�أل عما يفعل وهم ي�س�ألون‪.‬‬
‫والإيمان بقدر اهلل تعالى �أحد �أركان الإيمان‪ ،‬كما في جواب الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم حين �س�أله جبريل عليه‬
‫ال�سالم عن الإيمان فقال‪�" :‬أن ت�ؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ور�سله واليوم الآخر وت�ؤمن بالقدر خيره و�شره" (م�سلم ‪.)8‬‬

‫مع �أن اهلل قدَّر جميع ما يح�صل في هذا الكون �إال �أنه �أبقى لنا حرية االختيار بين الهداية وال�ضالل } ِ�إ َّنا َه َد ْي َنا ُه‬
‫ال�س ِبي َل �إِ َّما َ�شا ِك ًرا َو ِ�إ َّما َك ُفو ًرا{ (الإن�سان‪.)3 :‬‬
‫َّ‬
‫‪83‬‬

‫ماذا يتضمن اإليمان بالقدر‪:‬‬


‫الإيمان بالقدر يت�ضمن �أربعة �أمور‪:‬‬
‫العلم‪:‬‬
‫• الإيمان ب�أن اهلل تعالى َع ِلم بكل ب�شيء جمل ًة وتف�ص َيلاً ‪ ،‬و�أنه تعالى قد َع ِلم‬
‫جميع خلقه قبل �أن يخلقهم وعلم �أرزاقهم و�آجالهم و�أقوالهم و�أعمالهم‪ ،‬وجميع‬
‫حركاتهم و�سكناتهم‪ ،‬و�أ�سرارهم وعالن َّياتهم‪ ،‬ومن هو منهم من �أهل الجنة‪ ،‬ومن‬
‫هلل ا َّل ِذي لاَ ِ�إ َل َه ِ�إلاَّ هُ َو َعا ِل ُم ا ْل َغ ْي ِب‬
‫هو منهم من �أهل النار‪ .‬قال اهلل تعالى‪} :‬هُ َو ا ُ‬
‫َو َّ‬
‫ال�ش َهادَة{(الح�شر‪.)22 :‬‬
‫الكتابة‪:‬‬
‫• الإيمان ب�أنه �سبحانه قد كتب جميع ما �سبق به ِع ْل ُمه في اللوح المحفوظ‪ .‬ودلي ُله قوله‬
‫َاب ِمنْ َق ْب ِل َ�أنْ‬
‫الَ ْر ِ�ض َولاَ ِفي َ�أ ْن ُف ِ�س ُك ْم �إِلاَّ ِفي ِكت ٍ‬ ‫تعالى‪َ } :‬ما �أَ َ�ص َ‬
‫اب ِمنْ ُم ِ�صي َب ٍة ِفي ْ أ‬
‫َن ْب َر�أَهَ ا{(الحديد‪ .)23 :‬وقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬كتب اهلل مقادير الخالئق‬
‫قبل �أن يخلق ال�سماوات والأر�ض بخم�سين �ألف �سنة" (م�سلم ‪.)2653‬‬
‫الم�شيئة‪:‬‬
‫• الإيمان بم�شيئة اهلل النافذة التي ال ير ُّدها �شيء‪ ،‬وقدرته التي ال يعجزها �شيء‪،‬‬
‫فجميع الحوادث وقعت بم�شيئة اهلل وقدرته‪ ،‬ما �شاء كان‪ ،‬وما لم ي�ش�أ لم يكن‪ .‬قال‬
‫تعالى‪َ } :‬و َما ت ََ�شا ُءونَ �إِلاَّ �أَنْ َي َ�شا َء ا ُ‬
‫هلل{(التكوير‪.)29 :‬‬
‫الخلق‪:‬‬
‫• الإيمان ب�أنه �سبحانه هو الموجد للأ�شياء كلها‪ ،‬و�أنه الخالق وحده‪ ،‬وكل ما‬
‫�سواه مخلوق له‪ ،‬و�أنه على كل �شيء قدير‪ .‬قال �سبحانه وتعالى‪َ } :‬و َخ َلقَ ُك َّل‬
‫َ�ش ْي ٍء َف َق َّد َر ُه َتقْدِ ي ًرا{(الفرقان‪.)2 :‬‬
‫‪ 84‬إيمان المسلم‬

‫لإلنسان اختيار وقدرة وإرادة‪:‬‬


‫الإيمان بالقدر ال ينافي �أن يكون للعبد م�شيئة في �أفعاله االختيارية‪ ،‬وقدرة عليها؛ لأن ال�شرع والواقع‬
‫داالن على �إثبات ذلك له‪.‬‬
‫}ذ ِل َك ا ْل َي ْو ُم ا ْل َح ُّق َف َمنْ َ�شا َء ات ََّخ َذ ِ�إ َلى َر ِّب ِه َم�آَ ًبا{ (النب�أ‪.)39 :‬‬
‫�أما ال�شرع‪ ،‬فقد قال اهلل تعالى في الم�شيئة‪َ :‬‬
‫وقال تعالى في القدرة‪} :‬لاَ ُي َك ِّل ُف ا ُ‬
‫هلل َنف ًْ�سا �إِلاَّ ُو ْ�س َع َها َل َها َما َك َ�س َب ْت َو َع َل ْي َها َما ا ْكت ََ�س َب ْت{ (البقرة‪ )286 :‬والو�سع‬
‫بمعنى القدرة‪.‬‬
‫و�أما الواقع ف�إن كل �إن�سان يعلم �أن له م�شيئة وقدرة بهما يفعل‪ ،‬وبهما يترك‪ ،‬ويف ِّرق بين ما يقع ب�إرادته‬
‫كالم�شي وبين ما يقع بغير �إرادته كاالرتعا�ش وال�سقوط المفاجئ‪ ،‬لكن م�شيئة العبد وقدرته واقعتان بم�شيئة اهلل‬
‫يم • َو َما ت ََ�شا ُءونَ ِ�إلاَّ �أَنْ َي َ�شا َء اهلل َر ُّب ا ْل َعا َل ِمينَ {(التكوير‪:‬‬
‫تعالى وقدرته‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ } :‬ل َمنْ َ�شا َء ِم ْن ُك ْم �أَنْ َي ْ�س َت ِق َ‬
‫‪ .)29-28‬ف�أثبت الم�شيئة للإن�سان ثم �أكد على �أنها داخلة في م�شيئته �سبحانه وتعالى؛ ولأن الكون كله ُملك هلل تعالى‬
‫فال يكون في ملكه �شيء بدون علمه وم�شيئته‪.‬‬

‫االعتذار بالقدر‪:‬‬
‫قدرة الإن�سان واختياره هي التي يتعلق بها التكليف‬
‫والأمر والنهي‪ ،‬فيثاب المح�سن الختياره طريق الهداية‬
‫ويعاقب الم�سيء الختياره طريق ال�ضالل‪.‬‬
‫فاهلل �سبحانه لم يكلفنا �إال بما نطيق وال يقبل من‬
‫�أحد ترك عبادته بحجة القدر‪.‬‬
‫ثم �إن الإن�سان قبل المع�صية ال يدري ما علم اهلل‬
‫تعالى وقدره؟ واهلل قد �أعطاه قدرة واختيا ًرا‪ ،‬وو�ضح‬
‫له ُط ُرق الخير وال�شر‪ ،‬ف�إذا ع�صى حينئذ فهو المختار‬
‫للمع�صية‪ ،‬المف�ضل لها على الطاعة‪ ،‬فيتحمل عقوبة‬
‫مع�صيته‪.‬‬

‫لو اعتدى عليك �إن�سان و�أخذ مالك و�آذاك واعتذر بحجة‬


‫�أن ذلك مقدر عليه‪ ،‬لما قبلت منه عذره التافه‪ ،‬ولعاقبته‬
‫و�أخذت حقك منه؛ لأنه فعل ذلك باختياره و�إرادته‪..‬‬
‫‪85‬‬

‫ثمرات اإليمان بالقدر‪:‬‬


‫ثمرات الإيمان بالق�ضاء والقدر عظيمة في حياة الم�سلم ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ 1‬القدر من �أكبر الحوافز للعمل والن�شاط وال�سعي بما ير�ضي اهلل في هذه الحياة‪.‬‬
‫فالم�ؤمن ��ون م�أم ��ورون بالأخ ��ذ بالأ�سباب مع الت ��وكل على اهلل تعالى‪ ،‬والإيمان ب� ��أن الأ�سباب ال‬
‫تعطي النتائج �إال ب�إذن اهلل‪ ،‬لأن اهلل هو الذي خلق الأ�سباب‪ ،‬وهو الذي خلق النتائج‪.‬‬
‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬احر�ص على ما ينفعك‪ ،‬وا�ستعن باهلل‪ ،‬وال تعجز‪ ،‬و�إن �أ�صابك‬
‫�ش ��يء ف�ل�ا تق ��ل لو �أني فعل ��ت كان كذا وكذا‪ ،‬ولكن ق ��ل‪ :‬قدر اهلل وما �شاء فعل‪ ،‬ف� ��إن لو تفتح عمل‬
‫ال�شيطان" (م�سلم ‪.)2664‬‬
‫‪� 2‬أن َي ْعرِف الإن�سان َقدْر نف�سه‪ ،‬فال يتكبر وال َي ْب ُطر؛ لأنه عاجز عن معرفة المقدورِ‪ ،‬وم�ستقبل ما‬
‫هو حادث‪ ،‬ومن ثم يق ّر الإن�سان بعجزه وحاجته �إلى ربه تعالى دائما‪.‬‬
‫فالإن�س ��ان �إذا �أ�صاب ��ه الخير َب َط ��ر واغتر به‪ ،‬و�إذا �أ�صابه ال�شر والم�صيبة جزع وحزن‪ ،‬وال يع�صم‬
‫الإن�س ��ان م ��ن البطر والطغيان �إذا �أ�صابه الخير‪ ،‬والحزن �إذا �أ�صابه ال�شر‪� ،‬إال الإيمان بالقدر‪ ،‬و�أن‬
‫ما وقع فقد جرت به المقادير‪ ،‬و�سبق به علم اهلل‪.‬‬
‫‪� 3‬أنه يق�ضي على رذيلة الح�سد‪ ،‬فالم�ؤمن ال يح�سد النا�س على ما �آتاهم اهلل من ف�ضله؛ لأن اهلل هو‬
‫الذي رزقهم وقدّر لهم ذلك‪ ،‬وهو يعلم �أنه حين يح�سد غيره �إنما يعتر�ض على قدر اهلل وق�ضائه‪.‬‬
‫‪ 4‬الإيم ��ان بالق ��در يبع ��ث في القلوب ال�شجاعة عل ��ى مواجهة ال�شدائد‪ ،‬ويقوي فيه ��ا العزائم‪ ،‬لأنها‬
‫توقن �أن الآجال والأرزاق مقدرة و�أنه لن ي�صيب الإن�سان �إال ما كتب له‪.‬‬
‫‪ 5‬الإيم ��ان بالق ��در يغر� ��س في نف� ��س الم�ؤمن حقائ ��ق الإيمان المتع ��ددة‪ ،‬فهو دائ ��م اال�ستعانة باهلل‪،‬‬
‫يعتم ��د عل ��ى اهلل ويت ��وكل عليه مع فعل الأ�سباب‪ ،‬وه ��و �أي�ضا دائم االفتقار �إلى رب ��ه تعالى ي�ستمد‬
‫منه العون على الثبات‪.‬‬
‫‪ 6‬الإيم ��ان بالق ��در يبع ��ث االطمئنان في النف�س‪ ،‬فيعل ��م الم�ؤمن �أن ما �أ�صابه ل ��م يكن ليخطئه وما‬
‫�أخط�أه لم يكن لي�صيبه‪.‬‬
‫‪ 86‬إيمان المسلم‬

‫اإلسالم والفرق الضالة‬

‫الإ�سالم مثل غيره من المبادئ والطرق التي ي�سلكها النا�س ي�ضل عنها بع�ضهم بق�صد �أو بدون‬
‫ق�صد‪ ،‬ويزداد الأمر خطورة بقدر ابتعاد الإن�سان عن حقيقة الإ�سالم ومخالفته لعقائده وثوابته‪.‬‬

‫خ ��ط ر�س ��ول اهلل �صل ��ى اهلل علي ��ه‬


‫خط ��ا وق ��ال‪ :‬ه ��ذا �سبي ��ل‬ ‫و�سل ��م ً‬
‫خطوطا ع ��ن يمينه‬ ‫ً‬ ‫اهلل‪ ،‬ث ��م خ ��ط‬
‫و�شماله‪ ،‬وقال هذه ال�سبل‪ ،‬على كل‬
‫�سبيل منها �شيطان يدعو �إليه‪ ،‬ثم‬
‫قر�أ‪َ } :‬و َ�أ َّن َه َذا ِ�ص َراطِ ي م ُْ�س َتقِي ًما‬
‫َفا َّت ِب ُع ��و ُه َو اَل َت َّت ِب ُع ��وا ُّ‬
‫ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق‬
‫ِب ُك� � ْم َع ��نْ َ�س ِبي ِل ِه{(الأنع ��ام‪)153 :‬‬
‫(الحاكم ‪.)3241‬‬

‫ومن تلك العقائد ال�ضالة الت�شيع‪ :‬وال�شيعة‬ ‫وغالبية النا�س بحمد اهلل ت�أخذ بحقيقة الإ�سالم‬
‫فرقة �ضالة ال يمثلون �إال �أقل من ‪ %9‬من الم�سلمين‬ ‫ال�صافية التي نزلت على محمد �صلى اهلل عليه و�سلم‪,‬‬
‫اليوم‪ ,‬وتعمل بع�ض الجهات الم�شبوهة على ن�شر‬ ‫وربما وقعوا مع ذلك في بع�ض االنحرافات الي�سيرة‪ ..‬ومع‬
‫عقائدهم بين النا�س بعدد من الو�سائل والطرق‪ ،‬ومن‬ ‫هذا فيوجد ق�سم �آخر ي�ضل ويزيغ في اعتقاداته البتداعه‬
‫عقائدهم ال�ضالة‪:‬‬ ‫ما لم ي�أت به اهلل �أو تع�صبه لطريقته �أو قومه في�أتي بما‬
‫ •اعتقاد �أن �أحدً ا يعلم الغيب غير اهلل‪,‬‬ ‫يخالف وربما يناق�ض حقيقة الإ�سالم ال�صافية‪.‬‬
‫�أو القول بجواز �صرف �شيء من �أنواع العبادة‬ ‫ومع �إيماننا ب�أن كل ما خالف عقيدة ر�سول اهلل �صلى‬
‫لغير اهلل‪ ,‬كالطواف واال�ستغاثة بقبور الأولياء‬ ‫اهلل عليه و�سلم و�أ�صحابه �ضاللة يجب الرجوع عنها‪� ,‬إال‬
‫قوما ب�أعيانهم غير ر�سول‬
‫وال�صالحين‪� ،‬أو �أن ً‬ ‫�أن تلك ال�ضالالت في االعتقاد والإيمان لي�ست بدرجة‬
‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يجب طاعتهم‬ ‫واحدة في الخطورة وال�ضالل‪ ,‬فمنها ما هو خط�أ وبدعة‬
‫والوالء لهم وهم مع�صومون ‪-‬في اعتقادهم‪-‬‬ ‫يجب الرجوع عنه ويبقى �صاحبه م�سلما‪ ،‬ومنها ما هو‬
‫عن الوقوع في الخط�أ والزلل‪.‬‬ ‫مناق�ض لأ�صل الإيمان ومخرج من �أ�صل الإ�سالم و�إن‬
‫ •القدح في ال�صحابة الكرام الذين‬ ‫انت�سب �صاحبه له‪..‬‬
‫حملوا لنا هذا الدين‪ ,‬وعلى ر�أ�سهم �أبو‬ ‫ونجد اليوم عددا من الفرق التي تنت�سب �إلى‬
‫بكر �أف�ضل ال�صحابة وعمر وعثمان و�أمهات‬ ‫الإ�سالم وهي ت�ؤمن بعقائد و�أفكار تخالف العقيدة‬
‫الم�ؤمنين ر�ضي اهلل عنهم‪ ,‬واتهامهم بما لي�س‬ ‫ال�صحيحة ال�صافية كما جاء بها ر�سول اهلل �صلى اهلل‬
‫فيهم‪ ,‬مع �أن اهلل قد ر�ضي عنهم و�أثنى عليهم‬ ‫عليه و�سلم وكان عليها �صحابته الكرام‪.‬‬
‫‪87‬‬

‫في كتابه‪ ،‬وربما تجر�أ بع�ضهم على القول ب�أن القر�آن الذي بين �أيدينا محرف وناق�ص ‪-‬عياذا باهلل‪,-‬‬
‫الذ ْك َر َو�إِ َّنا َل ُه َل َحا ِف ُظونَ { (الحجر‪.)9 :‬‬
‫مناق�ضا لقول اهلل تعالى‪�} :‬إِ َّنا َن ْحنُ َن َّز ْل َنا ِّ‬
‫ومما ينبغي للم�سلم التنبه له �أنهم قد ال يظهرون في بداية دعوتهم غير محبة �آل البيت وتقديرهم ‪-‬وهو ما‬
‫ي�ؤمن به جميع الم�سلمين‪ -‬ويخفون بقية عقائدهم الباطلة‪ ,‬حتى يتعاطف معهم الم�سلم‪ ,‬وتنطلي عليه �أفكارهم بعد‬
‫ذلك �شيئا ف�شيئا‪.‬‬
‫وعلى الم�سلم الحر�ص على دينه و�إيمانه‪ ,‬بالرجوع لكتاب اهلل و�سنة ر�سوله الكريم‪ ,‬ومتابعة �أهل العلم‬
‫الموثوقين‪ ,‬والبعد عن جميع الدعوات الم�شبوهة وال�ضالة‪ ,‬و�إذا عر�ضت عليه �شبهة في دينه ال يعرف جوابها فليرجع‬
‫�إلى �أهل العلم المعتبرين‪ ,‬وليطمئن بدينه و�إيمانه وما لديه من الحق‪ ،‬ويرد الم�شكوك فيه �إلى ما هو متيقن منه من‬
‫حقائق الدين‪..‬‬
‫والخير والهدى فيما كان عليه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و�صحابته الكرام الذين اختارهم اهلل ل�صحبة‬
‫نبيه‪ ,‬وكانوا خير من حمل هذا الدين �صافيا نقيا من الخرافة وال�ضالل‪.‬‬

‫لقطة من (�آيا�صوفيا) في �إ�سطنبول‬

‫الهدى في اتباع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و�صحابته الكرام‬
‫‪ 88‬طهارة المسلم‬
‫طهارة المسلم‬
‫�أمر اهلل امل�سلم بتطهري باطنه وقلبه من ال�شرك و�أمرا�ض‬
‫القل ��وب كاحل�س ��د والك�ب�ر واحلق ��د‪ ،‬وتطه�ي�ر ظاهره من‬ ‫‪2‬‬
‫النجا�س ��ات والق ��اذورات‪ ،‬ف� ��إذا فع ��ل ذل ��ك ا�ستح ��ق حمب ��ة‬
‫هلل ي ُِح � ُّ�ب ال َّت َّوا ِب�ي� َ‬
‫ن َوي ُِح � ُّ�ب‬ ‫اهلل كم ��ا ق ��ال تع ��اىل‪�} :‬إِ َّن ا َ‬
‫ا مْل ُ َت َط ِّهرِين{ (البقرة‪.)222 :‬‬
‫احلـــــدث‬ ‫معنى الطهارة‬
‫كيف �أتو�ضا؟‬ ‫الطهارة من النجا�سة‬
‫‪ 90‬طهارة المسلم‬

‫طهارة المسلم‬
‫معنى الطهارة‬

‫�أ�صل معنى الطهارة النزاهة والنظافة والنقاء‪.‬‬


‫وقد �أمر اهلل عز وجل الم�سلم بتطهير ظاهره وباطنه‪ ،‬فـيطهر ظاهره من المحرمات الظاهرة والخبائث والقاذورات‪،‬‬
‫ويطهر باطنه بتنقية قلبه من ال�شرك و�أمرا�ض القلوب كالح�سد والكبر والغل‪ ،‬ف�إذا فعل ذلك ا�ستحق محبة اهلل كما‬
‫قال تعال ��ى‪�} :‬إِنَّ ا َ‬
‫هلل ُي ِح � ُّ�ب ال َّت َّوا ِبينَ‬
‫َو ُي ِح ُّب ا ْل ُمت ََط ِّه ِرين{ (البقرة‪.)222 :‬‬
‫و�أمر اهلل بالطه ��ارة لل�صالة؛ لأنها‬
‫مالقاة ومناجاة ل ��ه �سبحانه‪ ،‬ومعلوم‬
‫�أن الإن�سان يتنظف ويلب�س �أجمل ثيابه‬
‫�إذا كان �سيلقى مل� � ًكا �أو ً‬
‫رئي�سا فكيف‬
‫بم ��ن يالق ��ي مل ��ك المل ��وك �سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫ما الطهارة المطلوبة للصالة؟‬


‫�أمر اهلل الم�سلم بالطهارة ال�شرعية بمعنى خا�ص �أم ًرا فـيلزم الم�سلم �إذا �أراد ال�صالة التطهر من �أمرين‪:‬‬
‫واج ًب ��ا �إذا �أراد ال�ص�ل�اة �أو م�س الم�صح ��ف �أو الطواف‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫بالكعب ��ة الم�شرفة‪ ،‬ورغ ��ب فـيها ا�ستحبا ًب ��ا فـي موا�ضع‬
‫كثي ��رة‪ ،‬منه ��ا‪ :‬ق ��راءة الق ��ر�آن ب ��دون م� ��س الم�صحف‪،‬‬
‫الحـــــــــدث‬ ‫النجاســــة‬ ‫والدعاء‪ ،‬والنوم‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫‪91‬‬

‫الطهارة من النجاسة‬

‫•النجا�س��ة‪ :‬هي الأ�شياء الح�سية التي حكم عليها‬


‫ال�شرع بالقذارة و�أمرنا بالتطهر منها لأداء العبادة‪.‬‬
‫•والأ�ص��ل فـي كل الأ�شياء الإباحة والطهارة‪,‬‬
‫والنجا�سة طارئة‪ ,‬ف�إذا �شككنا فـي طهارة ثوب مثلاً‬
‫ولم نت�أكد من وجود النجا�سة فالأ�صل �أنه طاهر‪.‬‬
‫•و�إذا �أردن��ا ال�ص�لاة فـيج ��ب علين ��ا التطه ��ر من‬
‫النجا�س ��ات فـ ��ي الب ��دن والمالب� ��س والبقع ��ة التي‬
‫ن�صلي عليها‪.‬‬

‫التطهر من النجاسة‪:‬‬ ‫واألشياء النجسة‪:‬‬


‫يكفـ ��ي فـي غ�س ��ل النجا�س ��ات ‪-‬على الب ��دن‪� ,‬أو‬ ‫بول الإن�سان وغائطه‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الث ��وب‪� ,‬أو البقع ��ة‪� ,‬أو غيره ��ا‪� -‬أن ت ��زول عينه ��ا‬
‫وحقيقتها عن المو�ض ��ع المتنج�س؛ ب�أي و�سيلة كان‬ ‫الدم ويعفى عن الدم الي�سري‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ذل ��ك با�ستخ ��دام الم ��اء �أو غيره‪ ,‬لأن ال�ش ��ارع �أمر‬ ‫بـ ـ ــول وروث كل حيـوان حم ــرم �أكله (انظر �ص ‪.)222‬‬ ‫‪3‬‬
‫ب�إزالتها ولم ي�شترط فـي غ�سل النجا�سة عددا معي ًنا‬ ‫الكلب و اخلنزير‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫�إال فـ ��ي نجا�سة الكلب (وهي لعابه وبوله وغائطه)‪,‬‬
‫فا�شترط فـيها �سب ��ع غ�سالت �إحداها بالتراب‪� ,‬أما‬
‫امليتات من احليوانات (واملراد كل احليوانات امليتة‬ ‫‪5‬‬
‫�إال ما يجوز �أكله �إذا ذبح بالطريقة ال�شرعية‪ ،‬انظر‬
‫بقي ��ة النجا�سات فـيكفـ ��ي زوال عينها وحقيقتها وال‬
‫�ص ‪� ,)158‬أما ميتة الآدمي والأ�سماك واحل�شرات‬
‫ي�ضر بق ��اء الل ��ون والرائحة‪ ,‬كما ق ��ال النبي �صلى‬ ‫ف�إنها طاهرة‪.‬‬
‫اهلل علي ��ه و�سلم لإح ��دى ال�صحابيات فـي غ�سل دم‬
‫الحي�ض‪":‬يكفـي ��ك غ�سل الدم وال ي�ضرك �أثره" (�أبو‬
‫داود ‪.)365‬‬
‫‪ 92‬طهارة المسلم‬

‫آداب االستنجاء وقضاء الحاجة‬

‫• ي�ستحب �إذا دخل الحمام �أن يقدم رجله الي�سرى‪ ،‬ويقول‪" :‬ب�سم اهلل‪ ،‬اللهم �إني �أعوذ بك من الخبث والخبائث"‪.‬‬
‫• و�إذا خرج منه قدم رجله اليمنى‪ ،‬وقال‪" :‬غفرانك"‪.‬‬
‫• يجب عليه �ستر عورته عن نظر النا�س حال ق�ضاء حاجته‪.‬‬
‫• ويحرم عليه �أن يق�ضي حاجته في محل ي�ؤذي به النا�س‪.‬‬
‫• يح ��رم علي ��ه �إن كان ف ��ي البري ��ة �أن يق�ضي حاجته في جح ��ر ب�سبب ما قد يكون فيه م ��ن الدواب التي قد‬
‫ي�ؤذيها وت�ؤذيه‪.‬‬
‫• ينبغ ��ي ل ��ه �أن ال ي�ستقب ��ل القبل ��ة وال ي�ستدبرها حال ق�ضاء حاجته‪� ،‬أم ��ا �إن كان في البرية وال جدار ي�ستره‬
‫فيج ��ب علي ��ه ذلك‪ ،‬لقوله �صلى اهلل علي ��ه و�سلم‪�" :‬إذا �أتيتم الغائ ��ط فال ت�ستقبلوا القبل ��ة وال ت�ستدبروها ببول‬
‫وال غائط" (البخاري ‪ ،386‬م�سلم ‪.)264‬‬
‫• يج ��ب علي ��ه االحت ��راز من �أن ي�صيب مالب�سه وبدنه �شيء من النجا�س ��ات المتطايرة وعليه غ�سل ما �أ�صابه‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫• ف�إذا ق�ضـــى حاجتـــه كان عليــه �أحــــد �أمرين‪:‬‬

‫أو‬ ‫إما‬
‫أن ينظفه بثالثة أو أكثر من‬
‫المناديل أو األحجار ونحوها‬ ‫أن ينظف محل البول والغائط من‬
‫مما يطهر البدن وينظفه من‬ ‫بدنه بالماء (االستنجاء)‪.‬‬
‫النجاسة (االستجمار)‪.‬‬
‫‪93‬‬

‫الحدث‬

‫• الحدث‪ :‬و�صف معنوي في الإن�سان يمنعه من �أداء ال�صالة‬


‫مح�سو�سا كالنجا�سة‪.‬‬
‫ً‬ ‫قبل �أن يتطهر‪ ،‬ولي�س �شي ًئا‬
‫• ويرتف��ع الح ��دث عن الم�سلم �إذا تو�ض� ��أ �أو اغت�سل بالماء‬
‫الطهور‪ ،‬والماء الطهور‪ :‬هو الماء الذي لم تخالطه النجا�سة‬
‫فت�ؤثر في لونه �أو طعمه �أو ريحه‪.‬‬
‫وينق�سم الحدث �إلى ق�سمين‪:‬‬

‫حدث يلزم المسلم أن يتوضأ‬


‫‪ 1‬ليرفعه عن نفسه‪ ،‬ونسميه‬
‫(الحدث األصغر)‪.‬‬

‫حدث يلزم المسلم أن يغتسل‬


‫‪ 2‬ويعمم بدنه بالماء ليرفعه عن‬
‫نفسه‪ ،‬ونسميه (الحدث األكبر)‪.‬‬

‫الحدث األصغر والوضوء منه‪:‬‬


‫تنتق�ض طه ��ارة الم�سلم ويلزمه الو�ض ��وء لل�صالة �إذا‬
‫ح�صل له �أحد النواق�ض التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬الب��ول والغائ��ط وكل ما خرج م ��ن مخرجهما‬
‫‪� 3‬أكل لح��م الجم��ل‪ ،‬وقد �سئل النب ��ي �صلى اهلل‬
‫كالريح‪ ،‬قال اهلل تعالى في ذكر نواق�ض الطهارة‪:‬‬
‫علي ��ه و�سل ��م‪� :‬أنتو�ض�أ م ��ن لحوم الإب ��ل؟ فقال‪:‬‬
‫}�أَ ْو َجا َء �أَ َح ٌد ِم ْن ُك ْم ِمنَ ا ْل َغا ِئ ِط{(الن�ساء‪.)43 :‬‬
‫"نعم" (م�سلم ‪.)360‬‬
‫وق ��ال �صل ��ى اهلل عليه و�سلم فيم ��ن ي�شك �أنه قد‬
‫‪ 4‬زوال العقل بنوم �أو جنون �أو �إغماء �أو ُ�س ْكر‪.‬‬ ‫�أحدث ف ��ي ال�ص�ل�اة‪" :‬ال ين�صرف حت ��ى ي�سمع‬
‫ريحا" (البخاري ‪ ،175‬م�سلم ‪.)361‬‬ ‫�صوتًا �أو يجد ً‬
‫‪ 2‬م�س الفرج ب�ش��هوة بدون حائل‪ ،‬وقد قال �صلى‬
‫اهلل علي ��ه و�سلم‪" :‬من م� � ّ�س ذكره فليتو�ض�أ" (�أبو‬
‫داود ‪.)181‬‬
‫‪ 94‬طهارة المسلم‬

‫الوضوء‬

‫الو�ضوء والطهارة من �أف�ضل الأعمال و�أجلها‪ ,‬فاهلل يكفر به الذنوب والخطايا متى ما �أخل�ص العبد النية ابتغاء‬
‫الأجر من اهلل‪ ,‬وقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا تو�ض�أ العبد الم�سلم فغ�سل وجهه خرج من وجهه كل‬
‫خطيئة نظر �إليها بعينيه مع الماء‪ ,‬ف�إذا غ�سل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بط�شتها يداه مع الماء‪ ,‬ف�إذا غ�سل‬
‫رجليه خرجت كل خطيئة م�شتها رجاله مع الماء‪ ,‬حتى يخرج نقيا من الذنوب" (م�سلم ‪.)244‬‬

‫كيف أتوضأ وأرفع الحدث األصغر؟‬


‫�إذا �أراد الم�سل ��م �أن يتو�ض� ��أ فعليه �أن ين ��وي ذلك‪ ،‬بمعنى �أن يق�صد ق�صدً ا قلب ًيا ذهن ًي ��ا بفعله رفع الحدث‪ ،‬والنية‬
‫�ش ��رط ف ��ي جميع الأعمال‪ ،‬كما قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إنما الأعم ��ال بالنيات" (البخاري ‪ ،1‬م�سلم ‪ ،)1907‬ثم‬
‫يبد�أ في الو�ضوء بالترتيب التالي متوال ًيا بدون ف�صل طويل بين الأفعال‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫يغ�سل كفيه باملاء ثالث‬ ‫يقول (ب�سم اهلل)‪.‬‬
‫مرات ا�ستحبا ًبا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫يتم�ضم�ض بالماء‪ ،‬مبعنى �أن يدخل‬
‫امل��اء يف فمه ويحركـ ــه بالداخـل ثم‬
‫يخرجه‪ ،‬وي�ستحب ل��ه �أن يفعل ذلك‬
‫ث�لاث م���رات‪ ،‬وال��واج��ب م��رة واح���دة‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ي�ستن�شق‪ ،‬مبعنى �أن يجذب املاء ب�أنفه ثم يخرجه باال�ستنثار‪� ،‬أي‪ :‬دفع املاء �إىل‬
‫اخلارج بفعل الهواء اخلارج من الأنف‪ ،‬وي�ستحب له املبالغة �إال �إن كان ذلك ي�سبب‬
‫ال�ضرر له �أو كان �صائ ًما‪ ،‬وي�ستحب له تكرار ذلك ثالث مرات‪ ،‬والواجب مرة واحدة‪.‬‬
‫‪95‬‬

‫‪5‬‬
‫يغ�سل وجهه‪ ،‬وهو من �أعلى اجلبهة من منابت‬
‫ال�شعر �إىل �أ�سفل الذقن ومن الأذن �إىل الأذن‪،‬‬
‫والأذن��ان لي�ستا داخلتني يف الوجه‪ ،‬وي�ستحب له‬
‫�أن يفعل ذلك ثالث مرات‪ ،‬والواجب مرة واحدة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫يغ�سل ي��دي��ه م��ن �أط����راف �أ���ص��اب��ع��ـ��ه �إىل‬
‫املرفقـني‪ ،‬وامل��رف��ق��ان داخ�ل�ان يف الغ�سل‪،‬‬
‫وي�ستح ـ ـ ــب له البدء باليمني وتكرار الغ�سل‬
‫ثالثـ ـًا‪ ،‬والواج ـ ــب مــرة واحدة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫يم�سح ر�أ�سه ب�أن يبلل يديه باملاء ثم مي�سح على ر�أ�سه من‬
‫مقدمة الر�أ�س �إىل �آخر الر�أ�س مما يلي الرقبة‪ ،‬وي�سن‬
‫ما�سحا �إىل مقدمة الر�أ�س مرة �أخرى‪،‬‬
‫ً‬ ‫له �أن يعيد يديه‬
‫وال ي�ستحب تكرار ذلك ثال ًثا كما يف الأع�ضاء الأخرى‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫يم�سح �أذنيه ب���أن يدخل بعد م�سح ر�أ�سه‬
‫�أ���ص��ب��ع��ي��ه ال�����س��ب��اب��ت�ين يف �أذن���ي���ه ومي�����س��ح‬
‫بالإبهامني ظاهر الأذنني‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫يغ�سل قدميه من الكعبين وي�ستحب البدء باليمني‬


‫وتكرار الغ�سل ثالث مرات‪ ،‬والواجب مرة واحدة‪ .‬و�إن كان‬
‫يلب�س جور ًبا فيجوز له امل�سح عليه ب�شروط (انظر �ص‪.)97‬‬
‫‪ 96‬طهارة المسلم‬

‫الحدث األكبر والغسل‬


‫موجبات الغسل‪:‬‬
‫وه ��ي الأم ��ور التي �إذا حدثت للم�سلم لزمه ال ُغ ْ�سل قبل �أداء ال�ص�ل�اة والطواف‪ ،‬ويو�صف قبل ُغ ْ�سله ب�أن عليه حد ًثا‬
‫�أكبر‪.‬‬
‫وهذه الأمور كالتالي‪:‬‬
‫ً‬
‫م�ستيقظا �أو نائ ًما‪.‬‬ ‫‪ 1‬نزول المني دف ًقا بلذة ب�أي و�سيلة كانت‪ ,‬وفي كل الأحوال‬
‫والمني هو ال�سائل الأبي�ض الثخين الذي يخرج عند ذروة ال�شهوة واللذة‪.‬‬
‫‪ 2‬الجم��اع والم ��راد �إيالج الذكر في فرج المر�أة‪ ,‬ولو كان ب ��دون �إنزال وقذف للمني‪ ،‬ويكفي في وجوب الغ�سل‬
‫�إيالج ر�أ�س الذكر‪ ،‬قال اهلل تعالى‪}:‬و�إِنْ ُك ْنت ُْم ُج ُن ًبا َف َّ‬
‫اط َّه ُروا{ (المائدة‪.)6 :‬‬
‫‪ 3‬خروج دم الحي�ض والنفا�س‪:‬‬
‫والحي�ض هو ال ��دم الطبيعي الذي يخرج من المر�أة‬
‫�شهر ًي ��ا‪ ,‬وي�ستمر �سبعة �أيام تزي ��د �أو تنق�ص باختالف‬
‫طبيعة الن�ساء‪.‬‬
‫والنفا� ��س هو الدم الخارج من المر�أة ب�سبب والدتها‬
‫وي�ستمر عددًا من الأيام‪.‬‬
‫ويخف ��ف عن الحائ�ض والنف�س ��اء فترة خروج الدم‪,‬‬
‫فت�سقط عنه ��ن ال�ص�ل�اة وال�صيام‪ ,‬وتق�ض ��ي ال�صيام‬
‫وال تق�ض ��ي ال�ص�ل�اة بع ��د طهره ��ا‪ ،‬وال يجوز ل�ل��أزواج‬
‫جماعه ��ن في تلك الفترة‪ ,‬ولكن يج ��وز اال�ستمتاع ب�أقل‬
‫من ذلك‪ ,‬ويلزمهن ال ُغ ْ�سل عند انقطاع الدم‪.‬‬
‫ق ��ال تعال ��ى‪َ } :‬ف ْاعتَزِ ُل ��وا ال ِّن َ�س ��ا َء ِف ��ي ا ْل َم ِح ِ‬
‫ي�ض َو اَل‬
‫َت ْق َر ُبوهُ نَّ َحتَّى َي ْط ُه ْرنَ َف� ��إِ َذا ت ََط َّه ْرنَ َف ْ�أ ُتوهُ نَّ ِمنْ َح ْيثُ‬
‫هلل{ (البق ��رة‪ )222 :‬ومعن ��ى تطه ��رن �أي‪� :‬إذا‬ ‫�أَ َم َر ُك � ُ�م ا ُ‬
‫اغت�سلن‪.‬‬

‫يلزم الم�سلم �إذا �أ�صابه حدث �أكبر �أن يغت�سل‪ ،‬وذلك‬


‫ب�أن يعمم ج�سده بالماء الطهور ب�أي طريقة كانت‪.‬‬
‫كيف يتطهر المسلم من الجنابة أو الحدث األكبر؟‬
‫•يكفي الم�سلم �أن يق�صد التطهر ويغ�سل جميع بدنه بالماء‪.‬‬
‫•ولكن الأكمل �أن ي�ستنجي كما يفعل بعد ق�ضاء الحاجة ثم يتو�ض�أ ثم يفي�ض الماء على بقية بدنه فذلك‬
‫�أعظم لأجره؛ لموافقته ل�سنة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫•و�إذا اغت�س���ل الم�سل���م م���ن الجناب���ة ف����إن ذل���ك يكفيه ع���ن الو�ض���وء‪ ,‬وال يلزم���ه الو�ضوء مع الغ�س���ل‪ ،‬ولكن‬
‫الأف�ضل هو االغت�سال الم�شتمل على الو�ضوء كما هي �سنة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬

‫حاالت خاصة في الطهارة‬

‫المسح على الجوارب‪:‬‬


‫م ��ن �سماح ��ة الإ�س�ل�ام �أن با�ستطاع ��ة الم�سلم �أن‬
‫يم�س ��ح بيده المبتلة بالماء على �أعلى جوربه �أو حذائه‬
‫المغط ��ي لجميع القدم بدل غ�س ��ل رجله في الو�ضوء‪،‬‬
‫ب�ش ��رط �أن يكون قد لب�سها وهو متو�ضئ‪ ،‬وذلك لفترة‬
‫ال تزيد عن ‪� 24‬ساعة للمقيم‪ ،‬و‪� 72‬ساعة للم�سافر‪.‬‬
‫�أما ف ��ي الغ�سل من الجنابة فيج ��ب غ�سل القدمين‬
‫على كل حال‪.‬‬

‫المسح على الجبيرة ‪:‬‬


‫ي�شرع الم�سح على الخفين والجوربين عند الو�ضوء‬ ‫وه ��ي ما يو�ضع على �أع�ض ��اء الو�ضوء عند الإ�صابة‬
‫�إذا لب�سهما الم�سلم على طهارة‪.‬‬ ‫بك�س ��ر �أو ج ��رح لي�ساعد في �سرع ��ة ال�شفاء وتخفيف‬
‫الآالم‪ ،‬وي�ؤكد فيها على �أمور‪:‬‬
‫• ي�ستمر في الم�سح على الجبيرة ولو طالت المدة‬ ‫• يج��زئ الم�سح باليد المبتلة على الجبيرة‬
‫محتاج ��ا لها‪ ،‬ويج ��ب عليه �إزال ��ة الجبيرة‬
‫ً‬ ‫م ��ا دام‬ ‫عن ��د الحاج ��ة �إليه ��ا �س ��واء كان ذل ��ك في‬
‫وغ�سل الع�ضو متى ما انتهت الحاجة‪.‬‬ ‫الو�ضوء �أو الغ�سل من الجنابة‪.‬‬
‫• علي��ه �أن يغ�س��ل م ��ا يظه ��ر م ��ن الع�ضو‬
‫ويم�س ��ح بيده المبتلة بالم ��اء على ما تغطيه‬
‫الجبيرة‪.‬‬
‫من عجز عن استعمال الماء‪:‬‬
‫و�إذا عج���ز الم�سل���م ع���ن ا�ستعم���ال الم���اء ف���ي الو�ض���وء �أو الغ�س���ل‬
‫ب�سبب المر�ض �أو انعدام الماء �أو �أنه ال يوجد من الماء �إال ما يكفي‬
‫لل�ش���رب فق���ط‪ :‬في�شرع له التيمم بالتراب �إل���ى �أن يتمكن من �إيجاد‬
‫الماء ويتمكن من ا�ستخدامه‪.‬‬

‫صفة التيمم‪:‬‬
‫ي�ضرب الم�سلم بيديه التراب �ضربة واحدة‪.‬‬
‫يم�سح بما علق من التراب في يديه على وجهه‪.‬‬
‫يم�سح ظاهر كفه الأيمن بكفه الأي�سر والعك�س‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪99‬‬

‫سنن الفطرة‬

‫بسنن الفطرة ؟‬
‫ما المقصود ُ‬
‫�سنن الفطرة هي الخ�صال التي فطر اهلل النا�س عليها‪ ،‬والتي يك ُمل الم�سلم بفعلها‪ ،‬فيكون على �أف�ضل ال�صفات‬
‫و�أجمل الهيئات‪ ،‬ذلك �أن الإ�سالم راعى الجوانب الجمالية والتكميلية للم�سلم حتى يجتمع له �صالح الظاهر والباطن‪.‬‬
‫ــ�ص ال�شــــارب‪ ،‬وتقلي ��م الأظفــــار‪،‬‬
‫قـــ ��ال �صلى اهلل علي ��ه و�سلم‪" :‬الفطـــرة خـم� � ٌ�س‪ :‬الختانُ ‪ ،‬واال�ستحـــــ ��دادُ‪ ،‬وق ُّ‬
‫آباط" (البخاري ‪ ،5552‬م�سلم ‪.)257‬‬
‫ونتــــف ال ِ‬
‫والختان‪ :‬هو �إزالة جلد مقدمة الق�ضيب (القلفة)‪ ،‬وعادة ما يكون ذلك في الأيام الأولى من الوالدة‪.‬‬
‫وهو من الم�ستحبات المت�أكدة و�سنن الفطرة للرجل‪ ،‬وله العديد من الفوائد ال�صحية‪.‬‬
‫اال�ستحداد‪ :‬وهو �إزالة ال�شعر الخ�شن في العانة بحلقه �أو ب�أي طريقة �أخرى‪.‬‬
‫ق���ص ال�ش��ارب‪ :‬و�إبقاء ال�شــــ ��ارب من المباحـــ ��ات ولي�س م�ستح ًبا‪ ،‬و لك ��ن الم�سلم �إن �أبقاه فعلي ��ه عدم �إطالته‬
‫بطريقة زائدة ومعاهدته بالق�ص والتق�صير‪.‬‬
‫توفير اللحية‪ :‬يحث الإ�سالم على توفير اللحية وهي ال�شعر النابت على اللحيين والذقن‪.‬‬
‫ومعنى توفيرها �إبقا�ؤها وعدم حلقها اقتدا ًء ب�سنة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫تقلي��م الأظافر‪ :‬فينبغ ��ي للم�سلم متابعـــة �أظفـــ ��اره بالتق�صير حتى ال تكون‬
‫محلاً للأو�ساخ والقاذورات‪.‬‬
‫نت��ف الإب��ط‪ :‬وينبغي للم�سلم �إزالة �شعر الإب ��ط بنتفه �أو ب�أي مزيل �آخر‬
‫للحر�ص على عدم خروج رائحة كريهة منه‪.‬‬
‫‪ 100‬صالة المسلم‬
‫صالة المسلم‬
‫ال�ص�ل�اة ه ��ي عم ��ود الدي ��ن و�صل ��ة العب ��د برب ��ه وم ��واله‪،‬‬
‫ولذل ��ك كان ��ت �أعظم العب ��ادات و�أجلها �ش� ��أ ًنا‪ ،‬وقد �أمر اهلل‬ ‫‪3‬‬
‫امل�سل ��م باملحافظة عليها يف كل �أحواله يف احل�ضر وال�سفر‬
‫وال�صحة واملر�ض‪.‬‬
‫الأذان‬ ‫�صفة ال�صالة‬ ‫معنى ال�صالة‬
‫�صالة اجلمعة‬ ‫كيف �أ�صلي؟‬ ‫منزلة ال�صالة وف�ضلها‬
‫�صالة امل�سافر‬ ‫ال�صلوات اخلم�س املفرو�ضة �أركان ال�صالة وواجباتها‬
‫�صالة املري�ض‬ ‫�صالة اجلماعة‬ ‫مكان ال�صالة‬
‫‪ 102‬صالة المسلم‬

‫الصالة‬
‫معنى الصالة‬

‫ومعنى ال�صالة في الأ�صل‪ :‬الدعاء وهي �صلة العبد بربه وخالقه‪ ،‬ت�شتمل على �أ�سمى معاني العبودية وااللتجاء‬
‫�إلى اهلل واال�ستعانـ ــة ب ـ ــه‪ ،‬فيدع ـ ــوه فيها ويناجيه ويذكره‪ ،‬فت�صفو نف�سه‪ ،‬ويتذكر حقيقته وحقيقة الدنيا التي يعي�ش‬
‫فيها‪ ،‬وي�ست�شعر عظمة مواله ورحمته به‪ ،‬وحينه ــا توجه ــه ه ــذه ال�ص ــالة لال�ستقامة على �ش ـ ــرع اهلل والبعـ ـ ــد عن‬
‫ال�صلاَ َة‬
‫الظلم والفح�ش والع�صيان‪ ،‬كما قال تعالى‪�ِ } :‬إنَّ َّ‬
‫َت ْن َهى َع ِن ا ْل َف ْح َ�شا ِء َوا ْل ُم ْن َكر{ (العنكبوت‪.)45 :‬‬

‫منزلة الصالة وفضلها‬


‫ال�صالة �أعظم العبادات البدنية و�أجلها �ش�أ ًنا‪ ،‬وهي‬
‫عبادة �شاملة للقلب والعقل والل�سان‪ ،‬وتظهر �أهمية‬
‫ال�صالة في �أمور كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫لل�صالة �أعلى المنازل‪:‬‬
‫‪ 1‬فهي الركن الثاني من �أركان الإ�سالم‪ ،‬كما‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪":‬بني الإ�سالم على‬
‫خم�س‪� :‬شهادة �أن ال �إله �إال اهلل و�أن محمدً ا‬
‫ر�سول اهلل‪ ،‬و�إقام ال�صالة‪( "...‬البخاري ‪ ،8‬م�سلم‬
‫‪ ،)16‬وركن البناء هو الأ�صل الذي يعتمد عليه‬
‫وال يقوم بدونه‪.‬‬
‫‪ 2‬وهي الفارق بين الم�سلمين والكفار‪ ،‬كما‬
‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن بين الرجل‬
‫وبين ال�شرك والكفر ترك ال�صالة" (م�سلم ‪.)82‬‬
‫وقال‪" :‬العهد الذي بيننا وبينهم ال�صالة؛ فمن‬
‫تركها فقد كفر" (الترمذي ‪ ،2621‬الن�سائي ‪.)463‬‬
‫ال�ص اَل َة َت ْنهَى َعنِ ا ْل َف ْح َ�شا ِء َوا ْل ُم ْن َكر{‬
‫}�إِ َّن َّ‬
‫‪103‬‬

‫‪� 3‬أمر اهلل عـز وجـل بالمحافظة عليها في كل‬


‫الأحوال‪ ،‬في ال�سفر‪ ،‬والح�ضر‪ ،‬وال�سلم‪ ،‬والحرب‪ ،‬وفي‬
‫حال ال�صحة والمر�ض‪ ،‬وت�ؤدى بقدر اال�ستطاعة‪ ،‬كما‬
‫ال�ص َل َوات{ (البقرة‪،)238 :‬‬ ‫}حا ِف ُظوا َع َلى َّ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫وو�صف عباده الم�ؤمنين بقوله‪َ } :‬وا َّل ِذينَ هُ ْم َع َلى‬
‫َ�ص َل َوات ِِه ْم ُي َحاف ُِظونَ { (الم�ؤمنون‪.)9 :‬‬

‫فضائل الصالة‬
‫ورد في ف�ضل ال�صالة الكثير من الأدلة من الكتاب وال�سنة ومن ذلك‪:‬‬
‫‪� 1‬أنه��ا تكفر الذن��وب‪ ،‬كما قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال�صلوات الخم�س والجمعة �إلى الجمعة‬
‫كفارات لما بينهن ما لم ُتغ َْ�ش الكبائر" (م�سلم ‪ ،233‬الترمذي ‪.)214‬‬
‫ال�صلاَ َة‬
‫‪� 2‬أنها نور م�ضيء للم�سلم في حياته كلها تدعمه للخير وتبعده عن ال�شر‪ ،‬كما قال تعالى‪�ِ } :‬إنَّ َّ‬
‫َت ْن َهى َعنِ ا ْل َف ْح َ�شا ِء َوا ْل ُم ْن َكر{ (العنكبوت‪ ،)45 :‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال�صالة نور" (م�سلم ‪.)223‬‬
‫‪� 3‬أنه��ا �أول م��ا يحا�سب عليه العبد يوم القيامة؛ ف�إن �صلحت و ُقبل���ت ُقبل �سائر العمل‪ ،‬و�إن ُر َّدت‬
‫ردت بقي���ة الأعمال‪ ،‬كما قال �صلى اهلل علي���ه و�سلم‪�":‬أول مايحا�سب عليه العبد يوم القيامة ال�صالة‪،‬‬
‫ف�إن �صلحت �صلح �سائر عمله و�إن ف�سدت ف�سد �سائر عمله " (المعجم الأو�سط للطبراني ‪.)1859‬‬

‫ال�صالة �ألذ لحظات الم�ؤمن حين يناجي ربه فيها‪ ،‬فيج ــد الراح ــة والطم�أنينــة والأن�س باهلل عز وجل‪:‬‬
‫• وهي �أعظم لذة للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم كما قال‪" :‬وجعلت قرة عيني في ال�صالة" (الن�سائي ‪.)3940‬‬
‫• وكان يقول لم�ؤذنه الداعي �إلى ال�صالة بالل ر�ضي اهلل عنه‪�" :‬أرحنا بها يا بالل" (�أبو داود ‪.)4985‬‬
‫• وكان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إذا �أهمه �أمر �أو �شغله لج�أ �إلى ال�صالة (�أبو داود‪.)1319 :‬‬
‫‪ 104‬صالة المسلم‬

‫شروط الصالة‬

‫‪ 1‬الطهارة من الحدث والنجا�سة‪ :‬وقد �سبق بيانها وتف�صيلها (�ص‪.)93‬‬


‫‪� 2‬ستر العورة‪:‬‬
‫في�شترط �ستر العورة بثوب ال يو�ضح تفا�صيل الأع�ضاء ب�سبب ق�صره �أو �شفافيته‪.‬‬
‫وعورة الرجل‪ :‬من ال�سرة �إلى الركبة‪.‬‬
‫وعورة المر�أة في ال�صالة‪ :‬جميع بدنها �إال وجهها وكفيها‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ }:‬يا َب ِني �آد ََم ُخ ُذوا زِي َن َت ُك ْم ِع ْندَ ُك ِّل َم ْ�س ِجد{ (الأعراف‪ ،)31:‬و�ستر العورة هو �أقل قدر للزينة‪ ،‬ومعنى‬
‫كل م�سجد‪� :‬أي كل �صالة‪.‬‬
‫‪ 3‬ا�ستقبال القبلة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ } :‬و ِمنْ َح ْيثُ َخ َر ْج َت َف َولِّ َو ْج َه َك َ�ش ْط َر ا ْل َم ْ�سجِ دِ ا ْل َح َر ِام{ (البقرة‪.)149 :‬‬
‫• وقبلة الم�سلمين هي الكعبة الم�شرفة‬
‫التي بناها �أبو الأنبياء �إبراهيم عليه‬
‫ال�سالم‪ ،‬وحج �إليها الأنبياء عليهم‬
‫ال�سالم‪ ،‬ونحن نعلم �أنها �أحجار‬
‫ال ت�ضر وال تنفع‪ ،‬ولكن اهلل تعالى‬
‫�أمرنا بالتوجه �إليها في ال�صالة‬
‫ليتوحد الم�سلمون جمي ًعا �إلى جهة‬
‫واحدة فنتعبد هلل بهذا التوجه‪.‬‬
‫• الواجب على الم�سلم التوجه �إلى‬
‫الكعبة �إن كان يراها �أمامه‪� ،‬أما‬
‫من كان بعيدً ا فيكفيه التوجه �إلى‬
‫جهة مكة‪ ،‬واالنحراف الي�سير في‬
‫التوجه ال ي�ضر‪ ،‬كما قال النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما بين الم�شرق‬
‫} َومِ نْ َح ْي ُث َخ َر ْجتَ َف َو ِّل َو ْجه ََك َ�ش ْط َر ا ْل َم ْ�سجِ دِ ا ْل َح َرا ِم{(البقرة‪.)149 :‬‬
‫والمغرب قبلة" (الترمذي‪.)342 :‬‬
‫• ف�إن عج ــز عن ا�ستقبالها لمــر�ض �أو غيره �سقط الوجوب‪ ،‬كما ت�سقـ ــط جميـع الواجبــات بالعج ــز عنها‪ ،‬قال‬
‫ا�ست ََط ْعت ُْم{ (التغابن‪.)16 :‬‬ ‫تعال ــى‪َ }:‬فا َّت ُقوا ا َ‬
‫هلل َما ْ‬
‫‪105‬‬

‫‪ 4‬دخول وقت ال�صالة‪:‬‬


‫وهو �شرط ل�صحــة ال�ص ــالة‪ ،‬وال ت�ص ــح ال�صالة قبل دخول وقتها‪ ،‬ويحرم ت�أخيرها عن وقتها‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ال�صلاَ َة َكا َن ْت َع َلى ا ْل ُم�ؤْمِ ِنينَ ِكتَا ًبا َم ْو ُقوتًا{ (الن�ساء‪.)103 :‬‬
‫}�إِنَّ َّ‬
‫وينبغي الت�أكيد في دخول الوقت على �أمور‪:‬‬
‫• الأف�ضل �أداء ال�صالة في �أول وقتها‪.‬‬
‫• يجب �أداء ال�صالة في وقتها‪ ،‬ويحرم ت�أخيرها �إال في الحاالت التي يرخ�ص فيها في الجمع بين‬
‫ال�صالتين‪( .‬انظر �ص‪)106‬‬
‫• من فاتته ال�صالة ب�سبب نوم �أو ن�سيان وجب عليه المبادرة �إلى ق�ضائها متى ما ذكرها‪.‬‬

‫شروط الصالة‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫الطهارة من الحدث‬
‫ستر العورة‬
‫والنجاسة‬

‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫دخول وقت الصالة‬ ‫استقبال القبلة‬
‫‪ 106‬صالة المسلم‬

‫وجوب الصالة‬

‫تجب ال�صالة على كل م�سلم عاقل بالغ غير الحائ�ض والنف�ساء فال ت�صلي فترة حي�ضها �أو نفا�سها‪ ،‬وال تق�ضي بعد‬
‫طهرها وانق�ضاء الدم عنها (انظر �ص‪.)96‬‬
‫ويحكم بالبلوغ عند توفر أحد العالمات التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬بلوغ خم�س ع�شرة �سنة‪.‬‬
‫‪� 2‬إنبات ال�شعر الخ�شن حول القبل �أو الدبر‪.‬‬
‫‪� 3‬إنزال المني في المنام �أو اليقظة‪.‬‬
‫‪� 4‬أن تحي�ض المر�أة �أو تحمل‪.‬‬

‫الصلوات الخمس المفروضة وأوقاتها‬


‫فر�ض اهلل على الم�سلم خم�س �صلوات في اليوم والليلة هي عمود دينه و�آكد الفرائ�ض عليه وجعل لها �أوقا ًتا ظاهرة‬
‫كالتالي‪:‬‬

‫�ص�ل�اة الفج ��ر‪ :‬وهي ركعت����ان‪ ،‬ويبد�أ وقتها من طلوع الفج����ر وهو بداية النور في‬
‫الأفق من جهة الم�شرق‪ ،‬وينتهي ب�شروق ال�شم�س‪.‬‬

‫�ص�ل�اة الظهر‪ :‬وهي �أربع ركعات‪ ،‬ويبد�أ وقتها من زوال ال�شم�س ـ ميالن ال�شم�س‬
‫�إل����ى جهة المغرب بعد تو�سطها في ال�سماء ـ ‪ ،‬وينتهي عندما ي�صير ظل كل �شيء‬
‫م�ساو ًيا لطوله‪.‬‬
‫�ص�ل�اة الع�ص ��ر‪ :‬وهي �أربع ركعات‪ ،‬ويبد�أ وقتها من خ����روج وقت الظهر �إذا �صار‬
‫ظل كل �شيء مثله‪ ،‬وينته����ي بغروب ال�شم�س‪ ،‬وينبغي للم�سلم تعجيل ال�صالة قبل‬
‫�أن ت�ضعف �أ�شعة ال�شم�س وي�صفر لونها‪.‬‬
‫�ص�ل�اة المغ ��رب‪ :‬وه����ي ثالث ركعات‪ ،‬ويب����د�أ وقتها من غ����روب ال�شم�س واختفاء‬
‫قر�صها في الأفق‪ ،‬وينتهي بمغيب ال�شفق الأحمر الذي يظهر بعد الغروب‪.‬‬

‫�ص�ل�اة الع�ش ��اء‪ :‬وهي �أربع ركعات‪ ،‬ويبد�أ وقتها من مغيب ال�شفق الأحمر‪ ،‬وينتهي‬
‫بمنت�صف الليل‪ ،‬ويمكن �أدا�ؤها عند اال�ضطرار �إلى طلوع الفجر‪.‬‬
‫‪107‬‬

‫مكان الصالة‬
‫�أمر الإ�سالم ب�أداء ال�صالة‬
‫مع الجماعة‪ ،‬ورغب في �أن يكون‬
‫ذلك في الم�سجد؛ لتكون منتدى‬
‫واجتماعا للم�سلمين‪ ،‬فتزداد‬
‫ً‬
‫�أوا�صر الأخوة والمحبة بينهم‪،‬‬
‫وجعل ذلك �أف�ضل من �صالة‬
‫الرجل لوحده بدرجات كثيرة‪،‬‬
‫كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"�صالة الرجل في الجماعة‬
‫تف�ضل عن �صالة الفذ ب�سبع‬
‫وع�شرين درجة" (البخاري ‪" ،619‬جعلت لي الأر�ض م�سجدًا وطهورا‪ ،‬ف�أيما رجل من �أمتي �أدركته ال�صالة فلي�ص ِّل"‬
‫م�سلم‪� ،650‬أحمد ‪.)5921‬‬
‫ولكن ال�صالة ت�صح في كل الأماكن‪ ،‬وهذا من رحمة اهلل بنا‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬وجعلت لي الأر�ض‬
‫فلي�صل" (البخاري ‪ ،328‬م�سلم ‪.)521‬‬
‫ِّ‬ ‫م�سجدً ا وطهو ًرا‪ ،‬ف�أيما رجل من �أمتي �أدركته ال�صالة‬

‫ضوابط مكان الصالة‪:‬‬


‫ا�شت���رط الإ�س�ل�ام لمكان ال�صالة �أن تكون الأر�ض طاهرة‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪َ } :‬و َعهِ ْد َن���ا ِ�إ َلى �إِ ْب َر ِاه َيم َو ِ�إ ْ�س َم ِاع َيل �أَنْ‬
‫ال�س ُجود{ (البقرة‪ .)125 :‬والأ�صل هو الطه���ارة‪ ،‬والنجا�سة طارئة‪ ،‬فما لم‬ ‫َط ِّه��� َرا َب ْي ِت َ‬
‫���ي ِل َّلطا ِئفِينَ َوا ْل َع ِاكفِينَ َوال ُّر َّك��� ِع ُّ‬
‫تعلم بوجود النجا�سة فاحكم بالطهارة‪ ،‬وتجوز ال�صالة على كل �سطح طاهر‪ ،‬وال ينبغي التكلف في اتخاذ �سجادة �أو‬
‫قما�ش ال ي�صلي �إال عليه‪.‬‬
‫وهنـاك ع ــدد من ال�ضوابــط العامــة التي على الم�صلي مراعاتها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪� 1‬أن ال ي���ؤذي النا���س في مكان �صالته‪ ،‬كمن ي�صلي في الطرق الم�سلوكة والممرات وما ُي ْمن ُع الوقوف فيه‬
‫مم���ا ي�سبب الإزعاج والزحام للنا�س‪ ،‬ور�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ينهى عن الإيذاء وال�ضرر فيقول‪" :‬ال‬
‫�ضرر وال �ضرار" (ابن ماجه ‪� ،2340‬أحمد ‪.)2865‬‬
‫‪� 2‬أن ال يكون فيه ما ي�شغل الم�صلي‪ ،‬كالت�صاوير �أو الأ�صوات العالية والمو�سيقى‪.‬‬
‫‪� 3‬أن ال يكون المكان معدً ا �أ�صالة لمع�صية اهلل كالمراق�ص والمالهي الليلية فيكره ال�صالة فيها‪.‬‬
‫‪ 108‬صالة المسلم‬

‫صفة الصالة‬

‫‪ 1‬النية‪:‬‬
‫النية �شرط ل�صحة ال�صالة‪ ،‬بمعنى �أن يق�صد بقلبه التعبد هلل بال�صالة وهو‬
‫يعلم �أنها �صالة المغرب مثلاً �أو الع�شاء‪ ،‬وال ي�شرع التلفظ بهذه النية بل الق�صد‬
‫القلبي والذهني هو المطلوب‪ ،‬والتلفظ بذلك خط�أ؛ لأنه لم يرد عن النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم وال �صحابته الكرام‪.‬‬
‫‪ 2‬يقوم واق ًفا �إلى ال�صالة ويقول‪( :‬اهلل �أكبر) ويرفع يديه �إلى قدر منكبيه �أو‬
‫�أعلى‪ ،‬مادًّا �أ�صابعه جاعلاً بطن اليد جهة القبلة‪.‬‬
‫وال ي�صح التكبير �إال بهذا اللفظ (اهلل �أكبر) ومعناه التعظيم والتمجيد هلل‪ ،‬فاهلل‬
‫فلنرم كل ذلك‬
‫�أكبر من كل ما �سواه‪� ،‬أكبر من الدنيا بكل ما فيها من �شهوات وملذات‪ِ ،‬‬
‫المتاع جان ًبا ونقبل على اهلل الكبير المتعال في ال�صالة بقلوبنا وعقولنا خا�شعين‪.‬‬

‫‪ 3‬ي�ضع بعد التكبير يده اليمنى على الي�سرى‬


‫على �صدره ويفعل ذلك دائ ًما في قيامه‪.‬‬
‫‪ 4‬يقول دعــاء اال�ستفتاح ا�ستحبا ًبا‪�(:‬سبحانك‬
‫اللهم وبحمدك‪ ،‬وتبارك ا�سمك‪ ،‬وتعالى‬
‫جدك‪ ،‬وال �إله غيرك) ‪.‬‬
‫‪ 5‬يقول‪�( :‬أعـوذ باهلل من ال�شيطان الرجيم) وهذه هي‬
‫اال�ستعاذة‪ ،‬ومعناها‪� :‬ألتجئ و�أعت�صـم باهلل من �شـ ـ ــر ال�شيطان‪.‬‬
‫‪ 6‬يقول‪( :‬ب�سم اهلل الرحمن الرحيم)‪ ،‬ومعنى الب�سملة‪� :‬أبتدئ‬
‫م�ستعي ًنا متبر ًكا با�سم اهلل‪.‬‬
‫‪109‬‬

‫‪ 7‬يقر�أ �سورة الفاتحة‪ ،‬والفاتحة �أعظم �سورة في كتاب اهلل‪.‬‬


‫اك َ�س ْب ًعا ِمنَ‬ ‫• وقد امتن اهلل على ر�سوله ب�إنزالها فقال‪َ }:‬و َل َق ْد �آ َت ْي َن َ‬
‫ا ْل َم َثا ِني َوا ْل ُق ْر�آنَ ا ْل َع ِظ َيم{(الحجر‪ .)87 :‬وال�سبع المثاني هي الفاتحة‪،‬‬
‫و�سميت بذلك لأنها �سبع �آيات يكررها النا�س عدة مرات يوم ًّيا‪.‬‬
‫• يجب على الم�سلم تعلمها؛ لأن قراءتها ركن في ال�صالة لمن ي�صلي منفردًا‬
‫أموما في �صالة ال يجهر الإمام فيها بالقراءة‪.‬‬
‫�أو م� ً‬
‫‪ 8‬ي�شرع له بعد قراءة الفاتحة �أو اال�ستماع �إليها في قراءة الإمام �أن‬
‫يقول‪�(:‬آمين)‪ ،‬ومعناها‪ :‬اللهم ا�ستجب‪.‬‬
‫‪ 9‬يقر�أ بعد الفاتحة في الركعتين الأُوليين �سورة �أخرى �أو �آيات من �سورة‪� ،‬أما‬
‫الركعة الثالثة والرابعة فيقت�صر فيها على الفاتحة‪.‬‬
‫• وقراءة الفاتحة وما بعدها تكون جه ًرا في �صالة الفجر وفي الركعتين‬
‫الأوليين من المغرب والع�شاء‪ ،‬وتكون �س ًرا في الظهر والع�صر‪.‬‬
‫• �أما بقية �أذكار ال�صالة فتقال �س ًرا‪.‬‬

‫ماذا يفعل من لم يحفظ الفاتحة و�أذكار ال�صالة؟‬


‫• عليه �أن يجتهد في حفظ الأذكار الواجبة في ال�صالة فهي ال ت�صح �إال باللغة العربية وهي ‪:‬‬
‫الفاتحة والتكبير‪ ،‬و�سبحان ربي العظيم‪ ،‬و�سمع اهلل لمن حمده‪ ،‬ربنا لك الحمد‪ ،‬و�سبحان ربي الأعلى‪،‬‬
‫ربي اغفرلي‪ ،‬الت�شهد وال�صالة على النبي‪ ،‬ال�سالم عليكم ورحمة اهلل‪.‬‬
‫• يجب على الم�سلم في �صلواته قبل �أن يتم الحفظ �أن يكرر ما يعرفه من الت�سبيح والتحميد والتكبير‬
‫ا�ست ََط ْعت ُْم{‬
‫في �أثناء ال�صالة �أو يعيد الآية التي يحفظها �أثناء القيام‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬فا َّت ُقوا اهلل َما ْ‬
‫(التغابن‪.)16 :‬‬
‫• ينبغي له في هذه الفترة الحر�ص التام على ال�صالة مع الجماعة لي�ضبط �صالته ولأن الإمام يتحمل‬
‫قد ًرا من تق�صير الم�أموم‪.‬‬
‫‪ 110‬صالة المسلم‬

‫ثم يكبر للركوع راف ًعا يديه �إلى منكبيه �أو �أعلى‪ ،‬جاعلاً بطن‬
‫‪ّ 10‬‬
‫كفيه جهة القبلة كما فعل في التكبيرة الأولى‪.‬‬
‫‪ 11‬يركع ب�أن يحني ظهره جهة القبلة‪ ،‬ويكون ظهره ور�أ�سه م�ستو ًيا‪ ،‬وي�ضع‬
‫يديه على ركبتيه‪ ،‬ويقول‪�( :‬سبحان ربي العظيم) وي�ستحب تكرار الت�سبيح‬
‫ثال ًثا‪ ،‬والواجب مرة واحدة فقط‪ ،‬والركوع مو�ضع تعظيم وتمجيد هلل تعالى‪.‬‬
‫معنى (�سبحان ربي العظيم)‪� :‬أي �أنزه اهلل العظيم و�أقد�سه عن النقائ�ص‪� ،‬أقولها و�أنا راكع‬
‫منحن خا�ضع هلل عز وجل‪.‬‬
‫‪ 12‬يرفع من الركوع �إلى و�ضع القيام وهو راف ٌع يديه حذو منكبيه وبطونهما �إلى‬
‫جهة القبلة كما �سبق قائال‪�( :‬سمع اهلل لمن حمده) �إن كان �إماما �أو منفردًا‬
‫ثم يقول الجميـ ـ ــع‪( :‬ربن ــا ولك الحمـ ــد)‪ ،‬وي�ستح ــب له �أن يزي ــد فيقـ ــول بعدها‪...( :‬حمدً ا‬
‫كثي ًرا طي ًبا مبار ًكا فيه‪ ،‬مل َء ال�سماء وملء الأر�ض وملء ما �شئت من �شيء بعد)‪.‬‬
‫‪ 13‬يخر بعد ذلك على الأر�ض مكب ًرا و�ساجدً ا على �أع�ضائه ال�سبعة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الجبهة مع الأنف‪ ،‬واليدان‪ ،‬والركبتان‪ ،‬والقدمان‪ ،‬وي�ستحب له �أن يباعد اليدين عن‬
‫الجنبين‪ ،‬ويباعد البطن عن الفخذين‪ ،‬ويباعد الفخذين عن الرجلين في �سجوده‪،‬‬
‫ويرفع �ساعديه عن الأر�ض‪.‬‬
‫‪ 14‬ويقول في �سجوده‪�( :‬سبحان ربي الأعلى) مرة واحدة على الوجوب‪ ،‬وي�ستحب‬
‫تكرارها ثال ًثا‪.‬‬
‫ومعنى (�سبحان ربي الأعلى)‪� :‬أُقدِّ �س اهلل الأعلى في عظمته وقدره والأعلى فوق �سماواته‬
‫خ�ضوعا اً‬
‫وذل‪ ،‬ليتذكر‬ ‫ً‬ ‫عن جميع النقائ�ص والعيوب‪ ،‬وفيها تنبيه لل�ساجد المال�صق للأر�ض‬
‫الفارق بينه وبين خالقه الأعلى فيخبت لربه ويخ�ضع لمواله‪.‬‬
‫وال�سجود من �أعظم مواطن الدعاء هلل عز وجل‪ ،‬فيدعو‬
‫الم�سلم فيه بعد الذكر الواجب بما �أراد من خيري‬
‫الدنيا والآخرة‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"�أقرب ما يكون العبد من ربه وهو �ساجد‪،‬‬
‫ف�أكثروا الدعاء" (م�سلم ‪.)482‬‬
‫‪111‬‬

‫ثم يقول‪( :‬اهلل �أكبر)‪ ،‬ويجل�س بين ال�سجدتين‪ ،‬وي�ستحب له �أن يجل�س‬‫‪ّ 15‬‬
‫على رجله الي�سرى وين�صب اليمنى‪ ،‬وي�ضع يديه على مقدمة فخذيه مما‬
‫يلي الركبتين‪.‬‬
‫• وجميع جل�سات ال�صالة ي�ستحب فيها هذه الطريقة في الجلو�س‪� ،‬إال في‬
‫الت�شهد الأخير في�ستحب له �أن ين�صب اليمنى كذلك ولكنه يخرج الي�سرى‬
‫من تحتها ومقعدته على الأر�ض‪.‬‬
‫‪ 16‬يقول في جلو�سه بين ال�سجدتين‪( :‬ربي اغفر لي) وي�ستحب‬
‫تكرارها ثال ًثا‪.‬‬
‫ثم ي�سجد مرة ثانية ك�سجوده الأول‪.‬‬
‫‪ّ 17‬‬

‫‪ 18‬ثم ينه�ض من ال�سجود الثاني �إلى و�ضع القيام قائلاً (اهلل �أكبر)‪.‬‬

‫‪ 19‬وي�صلي الركعة الثانية كالأولى ً‬


‫تماما‪.‬‬
‫‪ 20‬بعد �سجوده الثاني في الركعة الثانية يجل�س للت�شهد الأول ويقول‪( :‬التحيات‬
‫هلل وال�صلوات والطيبات‪ ،‬ال�سالم عليك �أيها النبي ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬ال�سالم‬
‫علينا وعلى عباد اهلل ال�صالحين‪� ،‬أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل‪ ،‬و�أ�شهد �أن محمدا‬
‫عبده ور�سوله)‪.‬‬
‫ثم يقوم لبقية �صالته �إن كانت ال�صالة ثال ًثا �أو �أربع ركعات‪� ،‬إال �أنه يقت�صر‬
‫‪ّ 21‬‬
‫في قراءته في الركعة الثالثة والرابعة على الفاتحة فقط‪.‬‬
‫• �أما �إن كانت ال�صالة ركعتين كالفجر ف�إنه ي�أتي بالت�شهد الأخير كما �سي�أتي‪.‬‬
‫‪ 112‬صالة المسلم‬

‫ثم في الركعة الأخيرة بعد ال�سجود الثاني يجل�س للت�شهد الأخير‪،‬‬ ‫‪ّ 22‬‬
‫و�صفته كالت�شهد الأول مع زيادة ال�صالة على النبي بال�صفة التالية‪:‬‬
‫(اللهم �ص ّل على محمد وعلى �آل محمد كما �صليت على �إبراهيم وعلى‬
‫�آل �إبراهيم �إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى �آل محمد كما‬
‫باركت على �إبراهيم وعلى �آل �إبراهيم �إنك حميد مجيد)‪.‬‬
‫• وي�ستحب له �أن يقول بعد ذلك‪�( :‬أعوذ باهلل من عذاب جهنم‪ ،‬ومن‬
‫عذاب القبر‪ ،‬ومن فتنة المحيا والممات‪ ،‬ومن فتنة الم�سيح الدجال)‬
‫و�أن يدعو بما �أحب‪.‬‬
‫ثم يلتفت �إلى جهة اليمين قائلاً ‪( :‬ال�سالم عليكم ورحمة اهلل) ثم‬
‫ّ‬ ‫‪23‬‬
‫�إلى جهة ال�شمال مثلها‪.‬‬
‫وبالت�سليم يكون الم�سلم قد انتهـ ــى من �صالتـ ــه كما قـ ــال �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪" :‬تحريمه ــا التكبي ــر وتحليلها الت�سليم" (�أبو داود‪ ، 61 :‬الترمذي‪� )3 :‬أي‪� :‬أن ال�صالة‬
‫يدخل فيها بالتكبيرة الأولى ويخرج منها بالت�سليم‪.‬‬
‫‪ 24‬ي�ستحب بعد ال�سالم من �صالة الفري�ضة �أن يقول‪:‬‬
‫‪�( 1‬أ�ستغفر اهلل) ثالث مرات‪.‬‬
‫‪ 2‬ويقول‪( :‬اللهم �أنت ال�سالم ومنك ال�سالم تباركت يا ذا الجالل‬
‫والإكرام)‪( ،‬اللهم ال مانع لما �أعطيت وال معطي لما منعت‪ ،‬وال ينفع‬
‫ذا الجد منك الجد)‪.‬‬
‫‪ 3‬ثم يقول (�سبحان اهلل) يكررها ‪ 33‬مرة و(الحمد هلل) ‪33‬‬
‫مرة و (اهلل �أكبر) ‪ 33‬مرة ويكمل المائة بقول‪( :‬ال �إله‬
‫�إال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو‬
‫على كل �شيء قدير)‪.‬‬
‫ومعنى سورة الفاتحة كالتالي‪:‬‬
‫ •}ا ْل َح ْم� � ُد لهلِ ِ َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي � َ�ن{‪� :‬أُثن ��ي عل ��ى اهلل بجمي ��ع �صفات ��ه و�أفعال ��ه ونعم ��ه الظاه ��رة والباطن ��ة مع‬
‫المحب ��ة والتعظي ��م له‪ ،‬والرب هو الخالق المالك المت�صرف المنعم‪ ،‬و(العالمين) هو كل ما �سوى اهلل‬
‫عز وجل من عوالم الإن�س والجن والمالئكة والحيوانات وغير ذلك‪.‬‬
‫يم{‪:‬ا�سمان من �أ�سماء اهلل‪ ،‬فالرحمن بمعنى ذي الرحمة العامة التي و�سعت كل �شيء‪،‬‬‫ •}ال َّر ْح َم ِن ال َّر ِح ِ‬
‫والرحيم الذي ت�صل رحمته �إلى عباده الم�ؤمنين‪.‬‬
‫ •}مَا ِل ِك َي ْو ِم الد ِ‬
‫ِّين{‪� :‬أي المالك المت�صرف في يوم الجزاء والح�ساب‪ ،‬وفي ذلك تذكير للم�سلم باليوم‬
‫الآخر وحث له على العمل ال�صالح‪.‬‬
‫ِين{‪ :‬نحن نخ�صك وحدك ياربن ��ا بالعبادة‪ ،‬ال ن�شرك معك غيرك في �أي نوع‬ ‫اك َن ْ�س َتع ُ‬ ‫ •}�إِ َّي � َ‬
‫�اك َن ْع ُب� � ُد َو�إِ َّي َ‬
‫م ��ن �أن ��واع العب ��ادة‪ ،‬ونطلب العون من ��ك وحدك في جميع �أمورنا‪ ،‬فالأمر كله بي ��دك ال يملك �أحد منه‬
‫مثقال ذرة‪.‬‬
‫اط ا ْل ُم ْ�س َت ِقي� � َم{‪ :‬دلنا و�أر�شدنا ووفقنا �إلى الطريق الم�ستقي ��م وثبتنا عليه حتى نلقاك‪،‬‬
‫ال�ص� � َر َ‬ ‫}اهد َن ��ا ِّ‬‫ • ِ‬
‫وال�ص ��راط الم�ستقي ��م ه ��و دي ��ن الإ�س�ل�ام الوا�ض ��ح المو�صل �إل ��ى ر�ض ��وان اهلل وجنته‪ ،‬وال ��ذي دل عليه‬
‫خات ��م الأنبياء والمر�سلي ��ن محمد �صلى اهلل‬
‫علي ��ه و�سل ��م‪ ،‬وال �سبي ��ل �إلى �سع ��ادة العبد �إال‬
‫باال�ستقامة عليه‪.‬‬
‫اط ا َّل ِذي � َ�ن َ�أ ْن َع ْمتَ َعلَ ْي ِه� � ْم{‪� :‬أي طريق‬ ‫ • ِ‬
‫}�ص� � َر َ‬
‫من �أنعمت عليه ��م بالهداية واال�ستقامة من‬
‫النبيي ��ن وال�صالحي ��ن الذي ��ن عرف ��وا الح ��ق‬
‫واتبعوه‪.‬‬
‫ين{‪� :‬أي‬ ‫ •} َغ ْي� � ِر ا ْل َم ْغ ُ�ضوبِ َعلَ ْي ِه� � ْم َو َال َّ‬
‫ال�ضا ِّل َ‬
‫�أبعدن ��ا ونجنا من طريق م ��ن غ�ضبت عليهم‬
‫و�سخطت‪ ،‬لأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به‪،‬‬
‫و�أبعدن ��ا عن طري ��ق ال�ضالين وهم الذين لم‬
‫يهتدوا �إلى الحق لجهلهم‪.‬‬
‫‪ 114‬صالة المسلم‬

‫كيف أصلي؟ (القيام ـ الركوع ـ السجود)‬

‫ي�ضع ي��ده اليمنى ع�ل��ى ال�ي���س��رى على‬


‫�صدره ويقر�أ �سورة الفاتحة ويقر�أ معها‬ ‫‪2‬‬ ‫يقوم واق ًفا ويقول (اهلل �أكبر) وهو رافع‬
‫يديه �إلى ما بين منكبيه و�أذنيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ما تي�سر من القر�آن �إن كان في الركعة‬
‫الأولى �أو الثانية‪.‬‬

‫يكبر راف ًعا يديه ثم يحني ظهره جهة‬


‫القبلة وي�ضع يديه على ركبتيه ويقول‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫(�سبحان ربي العظيم) ثال ًثا‪.‬‬
‫‪115‬‬

‫يرفع من الركوع وينت�صب قائ ًما وهو رافع يديه‬


‫على هيئة التكبير ويقول �إن كان �إما ًما �أو منفردًا‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫(�سمع اهلل لمن حمده)‪ ،‬ويقول الجميع بعد ذلك‪:‬‬
‫(ربنا ولك الحمد)‪.‬‬

‫يهوي لل�سجود مكب ًرا بدون رفع يديه وي�سجد على �أع�ضائه‬
‫ال�سبعة‪ :‬الجبهة والأن ��ف‪ ،‬ال �ي��دان‪ ،‬ال��رك�ب�ت��ان‪ ،‬ال��رج�لان‪،‬‬ ‫‪5‬‬
‫ويقول‪�( :‬سبحان ربي الأعلى) ثال ًثا‪.‬‬

‫يجل�س ب�ي��ن ال�سجدتين ن��ا��ص� ًب��ا رجله‬


‫ال�ي�م�ن��ى ج��ال��� ً�س��ا ع�ل��ى ال�ي���س��رى وا��ض� ًع��ا‬ ‫‪6‬‬
‫يديه على مقدمة فخذيه ويقول‪( :‬رب‬
‫اغفرلي) ثم ي�سجد مرة �أخرى كما فعل‬
‫�ساب ًقا‪.‬‬
‫‪ 116‬صالة المسلم‬

‫كيف أصلي؟ (الركعة الثانية ـ التشهد ـ السالم)‬

‫ي��رف��ع م��ن ال �� �س �ج��ود وي �ق��وم للركعــــة‬


‫ال�ث��ان�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ة وي�ف�ع�ـ�ـ�ـ��ل ف�ي�ه��ا م��ا ف�ع�ل��ه في‬ ‫‪7‬‬
‫ال��رك�ع�ـ�ـ�ـ��ة الأول� � ��ى ت �م��ا ًم��ا م��ن ال�ق�ي�ـ�ـ�ـ��ام‬
‫والقراءة والركوع والرفع منه وال�سجود‪.‬‬

‫بعد �أن ي�سجد ال�سجود الثاني م��ن الركعة‬


‫الثانية يجل�س للت�شهد الأول كجلو�سه بين‬ ‫‪8‬‬
‫ال�سجدتين ويقول‪( :‬التحيات هلل وال�صلوات‬
‫والطيبات ال�سالم عليك �أيها النبي ورحمة‬
‫اهلل وب��رك��ات��ه ال���س�لام علينا وع�ل��ى ع�ب��اد اهلل‬
‫ال�صالحين �أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل و�أ�شهد �أن‬
‫محمدًا عبده ور�سوله)‪.‬‬

‫�إن ك��ان��ت ال���ص�لاة ث�لاث رك�ع��ات �أو �أرب ��ع رك�ع��ات ق��ام للركعة‬
‫الثالثة ويفعل فيها فعله في الركعة الأولى والثانية ولكنه ال‬ ‫‪9‬‬
‫يقر�أ �سورة بعد الفاتحة‪ ،‬وبقية الأفعال والأقوال كما �سبق‪.‬‬
‫‪117‬‬

‫في الركعة الأخيرة يجل�س بعد ال�سجود‬


‫وي�ق��ول الت�شهد الأول ث��م ال���ص�لاة على‬ ‫‪10‬‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�صفتها‪:‬‬
‫(اللهم �ص ّل على محمد وعلى �آل محمد‬
‫كما �صليت على �إبراهيم وعلى �آل �إبراهيم‬
‫�إن ��ك حميد م�ج�ي��د‪ ،‬وب ��ارك ع�ل��ى محمد‬
‫وعلى �آل محمد كما باركت على �إبراهيم‬
‫وعلى �آل �إبراهيم �إنك حميد مجيد)‪.‬‬

‫ث��م ي�سلم ب ��أن يلتفت �إل��ى جهة اليمين‬


‫قائل‪( :‬ال�سالم عليكم ورحمة اهلل)‪ ،‬ثم‬‫اً‬ ‫‪11‬‬
‫�إلى جهة الي�سار اً‬
‫قائل‪( :‬ال�سالم عليكم‬
‫ورحمة اهلل)‪.‬‬
‫‪ 118‬صالة المسلم‬

‫أركان الصالة وواجباتها‬


‫�أركان ال�صالة‪ :‬هي �أجزاء ال�صالة الرئي�سة التي تبطل ال�صالة بتركها عمدً ا �أو �سه ًوا‪.‬‬
‫وهي كالتالي‪:‬‬
‫تكبيرة الإحرام‪ ،‬القيام مع القدرة‪ ،‬قراءة الفاتحة على غير الم�أموم‪ ،‬الركوع‪ ،‬الرفع منه‪ ،‬ال�سجود‪ ،‬الجلو�س بين‬
‫ال�سجدتين‪ ،‬الت�شهد الأخير والجلو�س له ‪ ،‬الطم�أنينة‪ ،‬ال�سالم‪.‬‬
‫واجبات ال�صالة‪ :‬وهي الأجزاء الواجبة في ال�صالة والتي تبطل ال�صالة بتركها عمدً ا‪ ،‬ولكنه �إن ن�سيها �أو‬
‫غفل عنها في�شرع له ما يكمل ذلك النق�ص ب�سجود ال�سهو‪ ،‬كما �سي�أتي‪.‬‬
‫وواجبات ال�صالة كالتالي‪:‬‬
‫جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام‪ ،‬قول‪�( :‬سبحان ربي العظيم) مرة واحدة‪ ،‬قول‪�( :‬سمع اهلل لمن حمده) للمنفرد‬
‫والإمام‪ ،‬قول‪( :‬ربنا ولك الحمد) للجميع‪ ،‬قول‪�( :‬سبحان ربي الأعلى) مرة في ال�سجود‪ ،‬قول‪( :‬رب اغفر لي) مرة في‬
‫الجلو�س بين ال�سجدتين‪ ،‬الت�شهد الأول والجلو�س له‪ .‬فهذه الواجبات ت�سقط بال�سهو‪ ،‬ويجبرها �سجود ال�سهو‪.‬‬
‫�سنن ال�صالة‪ :‬كل ما لي�س من �أركان ال�صالة وواجباتها من �أقوال و�أفعال واردة في �صفة ال�صالة فهي �سنة‬
‫مكملة لل�صالة ينبغي المحافظة عليها‪ ،‬ولكن ال�صالة ال تبطل بتركها‪.‬‬
‫‪119‬‬

‫�شرع اهلل �سجود ال�سهو لجبر النق�ص والخلل في ال�صالة‪.‬‬


‫سجود السهو‪:‬‬
‫وهو �سجدتان �شرعها اهلل لجبر النق�ص والخلل في ال�صالة‪.‬‬
‫متى يشرع؟‬
‫ي�شرع �سجود ال�سهو في الحاالت التالية‪:‬‬
‫قياما �أو قعودًا ب�سبب الن�سيان والخط�أ في�سجد لل�سهو‪.‬‬ ‫‪� 1‬إذا زاد في ال�صالة ً‬
‫ركوعا �أو �سجودًا �أو ً‬
‫‪� 2‬إذا نق�ص �شي ًئا من الأركان فعليه �أن ي�أتي بالركن الناق�ص وي�سجد لل�سهو في �آخر �صالته‪.‬‬
‫‪� 3‬إذا ترك واج ًبا من واجبات ال�صالة كالت�شهد الأول �سه ًوا ون�سيا ًنا ف�إنه ي�سجد لل�سهو‪.‬‬
‫‪� 4‬إذا �شك في عدد الركعات ف�إنه يبني على اليقين وهو الأقل وي�سجد لل�سهو‪.‬‬
‫�صفة ال�سجود‪ :‬ي�سجد �سجدتين يجل�س بينهما كما في ال�سجود والجلو�س بين ال�سجدتين في ال�صالة‪.‬‬
‫وقت ال�سجود‪ :‬ل�سجود ال�سهو وقتان له �أن يفعله في �أيهما �شاء‪:‬‬
‫• قبل ال�سالم وبعد الت�شهد الأخير ي�سجد ثم ي�سلم‪.‬‬
‫• بعد �أن ي�سلم من ال�صالة ي�سجد �سجدتي ال�سهو ثم ي�سلم مرة �أخرى‪.‬‬
‫‪ 120‬صالة المسلم‬

‫مفسدات الصالة‪:‬‬
‫تبطل ال�صالة‪:‬‬
‫بترك ركن �أو �شرط وهو يقدر عليه عمدً ا �أو �سه ًوا‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ 2‬بترك واجب من واجبات ال�صالة عمدً ا‪.‬‬
‫‪ 3‬بالكالم عمدً ا‪.‬‬
‫‪ 4‬بالقهقهــة‪ ،‬وهـي ال�ضحك ب�صوت‪.‬‬
‫‪ 5‬بالحركة �إذا كانت كثيرة متوالية لغير �ضرورة‪.‬‬

‫مكروهات الصالة‪:‬‬
‫وهي الأعمال التي تنق�ص من �أجر ال�صالة وتذهب خ�شوعها وهيبتها‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬يكـره االلتفات في ال�صالة؛ لأن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ُ�سئل عن االلتفات في ال�صالة؟ فقال‪" :‬هو‬
‫اختال�س يختل�سه ال�شيطان من �صالة العبد" (البخاري ‪.)718‬‬
‫‪ 2‬يكـره العبث باليد والوجـه‪ ،‬وو�ضع اليد على الخا�صرة‪ ،‬وت�شبيك �أ�صابعه وفرقعتها‪.‬‬
‫‪ 3‬يكره �أن يدخل ال�صالة وقلبه م�شتغل عنها بحاجته للحمام �أو حاجته للطعام عند ح�ضوره‪ ،‬كما قال النبي‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال �صالة بح�ضرة طعام‪ ،‬وال وهو يدافعه الأخبثان" (م�سلم‪.)560‬‬

‫يكره العبث باليد‪ ،‬وت�شبيك الأ�صابع وفرقعتها في ال�صالة‪.‬‬


‫‪121‬‬

‫ما هي الصلوات المستحبة؟‬

‫يجب على الم�سلم في كل يوم وليلة خم�س‬


‫�صلوات فقط‪.‬‬
‫ومع ذلك فال�شرع يحث الم�سلم � ً‬
‫أي�ضا على �أن ي�صل ــي‬
‫�صلوات م�ستحبة فهي �سبب لمحبة اهلل للعبــد‪ ،‬وتُكمل ما‬
‫نق ـ ــ�ص م ـ ــن الفرائ�ض‪.‬‬
‫والنوافل كثيرة‪ ،‬و�أهمها‪:‬‬
‫‪ 1‬ال�سنن الرواتب‪ :‬و�سميت بذلك لأنها تكون مالزمة‬
‫للفرائ�ض مقارنة لها؛ ولأن الم�سلم يواظب عليها ‪.‬‬
‫وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما من عبد م�سلم ي�صلي‬
‫تطوعا غير فري�ضة �إال بنى اهلل‬
‫هلل كل يوم ثنتي ع�شرة ركعة ً‬
‫التقرب �إلى اهلل بالنوافل �سبب لمحبة اهلل‪.‬‬ ‫له بيتًا في الجنة" (م�سلم ‪.)728‬‬
‫وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬ركعتان قبل �صالة الفجر‪.‬‬
‫‪� 2‬أربع ركعات قبل �صالة الظهر‪ ،‬ي�سلم بعد كل ركعتين‪ ،‬ثم ركعتان بعدها‪.‬‬
‫‪ 3‬ركعتان بعد �صالة المغرب‪.‬‬
‫‪ 4‬ركعتان بعد �صالة الع�شاء‪.‬‬
‫‪ 2‬الوتــــــر‪ :‬و�سميت بذلك لأن عدد ركعاتها فردي‪ ،‬وهي من �أف�ضل النوافل‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"�أوتروا يا �أهل القر�آن" (الترمذي ‪ ،453‬ابن ماجه ‪.)1170‬‬
‫و�أف�ضل وقتها في �آخر الليل‪ ،‬وللم�سلم �أن ي�صليها في �أي وقت من بعد �صالة الع�شاء وحتى طلوع الفجر‪.‬‬
‫عدد ركعاتها ال حد له‪ ،‬ف�أقلها ركعة واحدة‪ ،‬والأف�ضل ثالث ركعات‪ ،‬ويمكن له �أن يزيد ما �شاء‪ ،‬وكان ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم ي�صليها �إحدى ع�شرة ركعة‪.‬‬
‫والأ�صل في �صالة النافلة �أن تكون بركعات ثنائية في�صلي ركعتين ثم ي�سلم وهكذا‪ ،‬و�صالة الوتر كذلك ولكنه‬
‫�إذا �أراد �أن يختم �صالته ي�صلي ركعة واحدة في النهاية‪ ،‬ي�شرع له فيها بعد رفعه من الركوع وقبل ال�سجود‪� :‬أن ي�أتي‬
‫بالذكر الوارد ثم يرفع يديه ويدعو اهلل تعالى بما �أراد وهو ما ي�سمى بدعاء القنوت‪.‬‬
‫‪ 122‬صالة المسلم‬

‫صالة االستسقاء‬

‫وهي �صالة �شرعها اهلل �إذا �أجدبت الأر�ض و�أ�صاب النا�س ال�ضر ب�سبب قلة الأمطار‪ ،‬وي�شرع �أن تفعل في ال�ساحات‬
‫والأماكن المفتوحة �إن �أمكن‪ ،‬ويجوز فعلها في الم�سجد‪.‬‬
‫وي�شرع �أن يخرج �إليها الم�صلون خا�شعين مت�ضرعين �إلى اهلل تائبين وقد فعلوا الأ�سباب التي ت�ستجلب رحمة‬
‫اهلل؛ كاال�ستغفار ورد المظالم وال�صدقة والإح�سان للنا�س ونحو ذلك‪.‬‬
‫صفتها‪:‬‬
‫�صالة اال�ست�سقاء ك�صالة العيد ركعتان يجهر فيهما الإمام بالقراءة‪ ،‬وي�شرع فيها الزيادة في التكبير في بداية‬
‫كل ركعة‪ ،‬فيكبر في الركعة الأولى قبل القراءة �ست تكبيرات غير تكبيرة الإحرام‪ ،‬ويكبر في الثانية خم�س تكبيرات‬
‫غير تكبيرة القيام من ال�سجود‪.‬‬
‫يخطب بعدها خطبتين يكثر فيهما من اال�ستغفار والإلحاح �إلى اهلل بالدعاء‪.‬‬

‫�صالة اال�ست�سقاء في �ساحات الم�سجد النبوي ال�شريف‪.‬‬


‫‪123‬‬

‫صالة االستخارة‬

‫ما �أجمل �أن يطلب الإن�سان من ربه �أن يوفقه الختيار ما فيه الخير في دنياه و�أخراه‪.‬‬

‫وهي ال�صالة التي ت�شرع للم�سلم �إذا هم ب�أمر وال يدري هل فيه الخير له �أو ال‪ ،‬في�ستحب له حينئذ �أن ي�صلي‬
‫ركعتين يدعو بعدهما بالدعاء الوارد الذي علمه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ل�صحابته وهو "اللهم �إني �أ�ستخيرك‬
‫بعلمك‪ ،‬وا�ستقدرك بقدرتك‪ ،‬و�أ�س�ألك من ف�ضلك العظيم‪ ،‬ف�إنك تقدر وال �أقدر‪ ،‬وتعلم وال �أعلم‪ ،‬و�أنت عالم الغيوب‪.‬‬
‫اللهم �إن كنت تعلم �أن هذا الأمر ‪ -‬وي�سمي حاجته ‪ -‬خير لي في ديني ومعا�شي وعاقبة �أمري فاقدره لي‪ ،‬وي�سره لي‪،‬‬
‫ثم بارك لي فيه‪ .‬و�إن كنت تعلم �أن هذا الأمر �شر لي في ديني ومعا�شي وعاقبة �أمري فا�صرفه عني وا�صرفني عنه ‪،‬‬
‫واقدر لي الخير حيث كان ثم �أر�ضني به" (البخاري ‪.)1162‬‬

‫صالة الضحى‬

‫وهي من ال�صلوات الم�ستحبة التي ورد في ف�ضلها الأجر العظيم‪ ،‬و�أقلها ركعتان‪ ،‬ووقتها من ارتفاع ال�شم�س بعد‬
‫�شروقها قيد رمح �إلى قبيل زوال ال�شم�س ودخول وقت الظهر‪.‬‬
‫صالة العيد ( انظر ص‪.)144‬‬
‫‪ 124‬صالة المسلم‬

‫صالة الكسوف‬

‫الك�سوف حالة كونية غير اعتيادية يختفي فيها �ضوء ال�شم�س والقمر كل ًيا �أو جزئ ًيا‪ ،‬وهي �آية من �آيات اهلل الدالة‬
‫على قدرته وملكوته‪ ،‬وتنبه الإن�سان وتوقظه من غفلته ليخاف عذاب اهلل ويرجو ثوابه‪.‬‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن ال�شم�س والقمر ال ينك�سفان لموت �أحد من النا�س ولكنهما �آيتان من �آيات اهلل ف�إذا‬
‫ر�أيتموهما فقوموا ف�صلوا" (البخاري ‪.)993‬‬

‫معرفة علماء الفلك لموعد الخ�سوف‪،‬‬


‫وتف�سيرهم الظاهرة علم ًيا يزيد الم�ؤمن‬
‫خو ًفا وتعظي ًما هلل الذي خلق هذا النظام‬
‫الدقيق‪ ،‬وك�أن �إذهاب �ضوء ال�شم�س �أو‬
‫القمر للحظات في الدنيا تذكير من اهلل‬
‫عز وجل بيوم القيامة حينما تتغير تلك‬
‫القوانين بالكلية فتخرج ال�شم�س من‬
‫مغربها ثم يذهب نورها‪.‬‬

‫صفتها‪:‬‬
‫�صالة الك�سوف ركعتان �إال �أنه ي�شرع فيها تكرار الركوع‪ ,‬وذلك ب�أن الم�صلي بعد �أن يرفع من الركوع في الركعة‬
‫الأولى يعيد قراءة الفاتحة وما تي�سر من القر�آن‪ ،‬ثم يركع ويرفع من الركوع ثم ي�سجد ويجل�س بين ال�سجدتين فهذه‬
‫ركعة كاملة‪ ،‬وبعد �أن يقوم من ال�سجود يفعل في الركعة الثانية كما فعل في الأولى‪.‬‬
‫‪125‬‬

‫أوقات النهي عن صالة التطوع‬

‫كل الأوقات يجوز للم�سلم �أن ي�صلي فيها �صالة النافلة مطل ًقا �إال �أوقات النهي التي نهى الإ�سالم عن ال�صالة‬
‫فيها؛ لأنها وقت لعبادات الكفار فال ي�صلي فيها �إال ق�ضاء الفرائ�ض الفائتة �أو النوافل التي لها �سبب كتحية الم�سجد‪،‬‬
‫وهذا في ال�صالة وحدها‪� ،‬أما ذكر اهلل تعالى ودعا�ؤه ففي كل وقت وحين‪.‬‬
‫و�أوقات النهي كالتالي‪:‬‬
‫ارتفاعا ي�سي ًرا محددًا في ال�شرع بقدر رمح‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ 1‬من بعد �صالة الفجر �إلى �أن ت�شرق ال�شم�س وترتفع في ال�سماء‬
‫وفي البالد المعتدلة يح�صل هذا االرتفاع بعد ال�شروق بـ (‪ )20‬دقيقة تقري ًبا‪.‬‬
‫‪� 2‬إذا تعامدت ال�شم�س في ال�سماء �إلى �أن تزول‪ ،‬وهو زمن ي�سير ي�سبق دخول وقت الظهر‪.‬‬
‫‪ 3‬من بعد �صالة الع�صر حتى تغرب ال�شم�س‪.‬‬

‫نهى الإ�سالم عن ال�صالة من بعد الع�صر حتى تغرب ال�شم�س‬


‫‪ 126‬صالة المسلم‬

‫صالة الجماعة‬
‫�أمر اهلل الرجال بالجماعة لل�صلوات الخم�س‪ ،‬وقد ورد في ف�ضلها الأجر العظيم‪ ،‬وقال �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم‪�" :‬صالة الجماعة �أف�ضل من �صالة الفذ ب�سبع وع�شرين درجة" (البخاري ‪ ،619‬م�سلم‪.)650‬‬
‫و�أقلها‪� :‬إمام وم�أموم‪ ،‬وكلما كانت الجماعة �أكثر فهو �أحب �إلى اهلل‪.‬‬

‫كان ال�صحابة يحر�صون على الجماعة حتى �إنهم ليعدون دوام التخلف عنها خ�صلة من النفاق‪.‬‬

‫معنى االئتمام‬

‫أموم �صالتَه ب�إمامه‪ ،‬فيتابعه في ركوعه و�سجوده وي�ستمع �إلى قراءته‪ ،‬وال ي�سبقه �أو يخالفه‬
‫�أن يربط الم�صلي الم� ُ‬
‫في �شيء من ذلك بل يفعل الفعل بعد �إمامه مبا�شرة‪.‬‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إنما جعل الإمام لي�ؤتم به‪ ،‬ف�إذا كبر فكبروا وال تكبروا حتى يكبر‪ ،‬و�إذا ركع فاركعوا‪،‬‬
‫وال تركعوا حتى يركع‪ ،‬و�إذا قال‪� :‬سمع اهلل لمن حمده فقولوا‪ :‬ربنا ولك الحمد‪ .‬و�إذا �سجد فا�سجدوا وال ت�سجدوا حتى‬
‫ي�سجد‪( "..‬البخاري ‪ ،701‬م�سلم ‪� ،414‬أبو داود ‪.)603‬‬
‫من يقدم لإلمامة؟‬
‫ويقدم للإمامة الأحفظ لكتاب اهلل والأح�سن قراءة‪ ،‬ثم الأَ ْو َلى فالأَ ْو َلى‪ ،‬كما ق ـ ــال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ي ـ ـ�ؤم‬
‫القوم �أقر�ؤهم لكتاب اهلل‪ ،‬ف�إن كانوا في القراءة �سواء ف�أعلمهم بال�سنة‪( "..‬م�سلم ‪.)673‬‬
‫‪127‬‬

‫أين يقف اإلمام والمأمومون؟‬


‫ينبغي �أن يتقدم الإمام‪ ،‬و�أن يترا�ص الم�أمومون‬
‫�ص ًفا خلفه‪ ،‬ويكملوا ال�صف الأول فالأول‪ ،‬و�إن كان‬
‫الم�أموم واحدً ا وقف عن يمين الإمام‪.‬‬
‫كيف يتم ما فاته مع اإلمام؟‬
‫من دخل مع الإمام بعد �أن فاته �شيء من ال�صالة‬
‫ف�إنه يدخل معه حتى ي�سلم الإمام ثم يتم ما بقي من‬
‫�صالته‪.‬‬
‫ويح�سب ما �أدركه مع الإمام �أول �صالته‪ ،‬وما‬
‫يفعله بعد ذلك �آخر �صالته‪.‬‬
‫بماذا تدرك الركعة؟‬
‫نح�سب ال�صالة بعدد الركعات‪ ،‬ومن �أدرك‬
‫الركوع مع الإمام فقد �أدرك الركعة كاملة‪ ،‬ومن فاته‬
‫الركوع فيدخل مع الإمام‪ ،‬ولكن ما بقي من �أفعال‬
‫و�أقوال تلك الركعة التي فاتته ال تح�سب من ركعاته‪.‬‬

‫أمثلة لمن فاته أول الصالة مع اإلمام ‪:‬‬


‫م ��ن �أدرك م ��ع الإمام في �صالة الفجر الركعة الثانية فيلزم ��ه بعد �سالم الإمام �أن يقوم ليتم الركعة الباقية‬
‫عليه وال ي�سلم حتى ينتهي منها؛ لأن �صالة الفجر ركعتان وهو لم يدرك �إال واحدة‪.‬‬
‫م ��ن �أدرك الإم ��ام وه ��و في الت�شهد الأخير في �صالة المغرب فيلزمه بعد �سالم الإمام �أن ي�صلي ثالث ركعات‬
‫كامالت؛ لأنه �أدرك الإمام في الت�شهد الأخير و�إنما تدرك الركعة ب�إدراك الركوع مع الإمام‪.‬‬
‫من �أدرك الإمام وهو في ركوع الركعة الثالثة من �صالة الظهر فقد �أدرك ركعتين مع الإمام (وهي بالن�سبة‬
‫للم�أموم الركعتان الأوليان من الظهر) ف�إذا �سلم الإمام فعليه �أن يقوم ويتم ما بقي عليه‪ ،‬وهو هنا الركعتان‬
‫الثالثة والرابعة لأن الظهر �صالة رباعية‪.‬‬
‫‪ 128‬صالة المسلم‬

‫األذان‬

‫�شرع اهلل للم�سلمين الأذان لنداء النا�س لل�صالة‬


‫و�إعالمهم بدخول وقتها و�شرع الإقامة لإعالمهم بوقت‬
‫ال�شروع في ال�صالة وبدايتها‪ .‬وقد كان الم�سلمون‬
‫يجتمعون فيتحينون ال�صالة ولي�س ينادي بها �أحد‪،‬‬
‫ناقو�سا‬
‫ً‬ ‫يوما في ذلك‪ ،‬فقال بع�ضهم‪ :‬اتخذوا‬ ‫فتكلموا ً‬
‫مثل ناقو�س الن�صارى‪ ،‬وقال بع�ضهم‪ :‬بل قر ًنا مثل قرن‬
‫اليهود‪ ،‬فقال عمر‪� :‬أو ال تبعثون رجلاً ينادي بال�صالة‪،‬‬
‫فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬يا بالل قم فناد‬
‫بال�صالة" (البخاري ‪ ،579‬م�سلم ‪.)377‬‬

‫صفة األذان واإلقامة‬

‫• يجب الأذان والإقامة على الجماعة دون الفرد الواحد‪ ،‬و�إذا تركوه عمدً ا �صحت �صالتهم مع الإثم‪.‬‬
‫• وي�شرع �إلقاء الأذان ب�صوت جهوري ح�سن حتى ي�سمع النا�س في�أتوا لل�صالة‪.‬‬
‫• وقد ورد للأذان والإقامة عدة �صفات ثابتة عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�شهرها ما يلي‪:‬‬

‫األذان‬
‫اهلل �أكرب‪ ،‬اهلل �أكرب‪ ،‬اهلل �أكرب‪ ،‬اهلل �أكرب‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل‪� ،‬أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫�أ�شهد �أن حممدًا ر�سول اهلل‪� ،‬أ�شهد �أن حممدًا ر�سول اهلل‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫حي على ال�صالة‪ ،‬حي على ال�صالة‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫حي على الفالح‪ ،‬حي على الفالح‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫اهلل �أكرب‪ ،‬اهلل �أكرب‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫ال �إله �إال اهلل‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫• ويزيد في �آذان الفجر‪( :‬ال�صالة خير من النوم‪ ،‬ال�صالة خير من النوم) بعد (حي على الفالح)‪.‬‬
‫‪129‬‬

‫اإلقامة‬
‫اهلل �أكرب‪ ،‬اهلل �أكرب‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫�أ�شهد �أن حممدًا ر�سول اهلل‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫حي على ال�صالة‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫حي على الفالح‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫قد قامت ال�صالة‪ ،‬قد قامت ال�صالة‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫اهلل �أكرب‪ ،‬اهلل �أكرب‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ال �إله �إال اهلل‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫الترديد خلف المؤذن‬


‫وي�ستحب لمن �سمع الأذان �أن يردد خلف‬
‫تماما‪،‬‬
‫الم�ؤذن فيقول مثل مايقول الم�ؤذن ً‬
‫�إال �إذا قال الم�ؤذن‪( :‬حي على ال�صالة) �أو‬
‫(حي على الفالح) فيقول‪( :‬ال حول وال قوة‬
‫�إال باهلل)‪.‬‬
‫ثم يقول من ا�ستمع الأذان بعد ترديده‬
‫(اللهم رب هذه الدعوة التامة وال�صالة‬
‫القائمة �آت محمدً ا الو�سيلة والف�ضيلة وابعثه‬
‫المقام المحمود الذي وعدته)‪.‬‬

‫(ال حول وال قوة �إال باهلل)‪� :‬أي ال طاقة لنا‬


‫على العبادة‪ ،‬وال قدرة لنا على �أدائها �إال‬
‫بتوفيق اهلل وتي�سيره‪.‬‬
‫‪ 130‬صالة المسلم‬

‫الخشوع في الصالة‬

‫الخ�شوع في ال�صالة هو حقيقة ال�صالة‬


‫وجوهرها‪ ،‬ومعناه ح�ضور قلبي بين يدي اهلل‬
‫في ال�صالة بالخ�ضوع والذل م�ست�شع ًرا لما‬
‫�أقول من الآيات والأدعية والأذكار‪.‬‬
‫وهو من �أف�ضل العبادات و�أجل‬
‫الطاعات؛ ولهذا �أكد اهلل في كتابه �أنه من‬
‫�صفات الم�ؤمنين‪ ،‬كما قال جل وعال‪َ } :‬ق ْد‬
‫�أَ ْف َل َح ا ْل ُم�ؤ ِْم ُنونَ • ا َّل ِذينَ هُ ْم ِفي َ�صلاَ تِهِ ْم‬
‫َخ ِا�ش ُعونَ { (الم�ؤمنون‪.)2-1 :‬‬
‫ومن عا�ش الخ�شوع في ال�صالة ذاق لذة‬
‫العبادة والإيمان‪ ،‬ولهذا كان ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم يقول‪" :‬وجعلت قرة عيني في‬
‫ال�صالة" (الن�سائي ‪ .)3940‬قرة العين بمعنى‬
‫بالغ ال�سرور وال�سعادة والأن�س واللذة‪.‬‬
‫الأجر في ال�صالة يكون بقدر الخ�شوع فيها‪.‬‬

‫الوسائل المعينة على الخشوع في الصالة‬

‫هناك و�سائل كثيرة تعين على الخ�شوع في ال�صالة منها‪:‬‬


‫‪ 1‬اال�ستعداد لل�صالة والتهي�ؤ لها‪:‬‬
‫ويكون ذلك بالتبكير �إليها في الم�سجد للرجال والإتيان بال�سنن التي ت�سبق ال�صالة‪ ،‬ولب�س اللبا�س الح�سن‬
‫المنا�سب والم�شي �إليها بالوقار وال�سكينة‪.‬‬
‫‪� 2‬إبعاد كل الم�شغالت والمنغ�صات‪:‬‬
‫فال ي�صلي و�أمامه ما ي�شغله من ال�صور والملهيات‪�،‬أو وهو ي�سمع ما ي�شغله من الأ�صوات‪ ،‬وال يقدم لل�صالة وهو‬
‫محتاج لدورة المياه‪ ،‬وال وهو جائع �أو ظم�آن بح�ضرة الطعام وال�شراب‪ ،‬وكل ذلك لي�صفو ذهن الم�صلي وين�شغل‬
‫بالأمر العظيم الذي �سيقبل عليه وهو �صالته ومناجاته لربه‪.‬‬
‫‪131‬‬

‫‪ 3‬الطم�أنينة في ال�صالة‪:‬‬
‫وقد كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يطمئن في ركوعه و�سجوده‬
‫حتى يرجع كل عظم �إلى مو�ضعه‪ ،‬و�أمر من لم يح�سن ال�صالة‬
‫ب�أن يطمئن في �أفعال ال�صالة كلها‪ ،‬ونهى عن ال�سرعة و�ش َّب َهها‬
‫بنقر الغراب‪.‬‬
‫وقال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أ�سو�أ النا�س �سرقة الذي‬
‫ي�سرق من �صالته"‪ ،‬قالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل وكيف ي�سرق من �صالته؟‬
‫قال‪" :‬ال يتم ركوعها وال �سجودها" (�أحمد ‪.)22642‬‬
‫والذي ال يطمئن في �صالته ال يمكن �أن يخ�شع؛ لأن ال�سرعة تذهب‬
‫بالخ�شوع‪ ،‬ونقر الغراب يذهب بالثواب‪.‬‬
‫‪ 4‬ا�ستح�ضار عظمة من �سيقف بين يديه‪:‬‬
‫فيتذكر عظمة الخالق وجالله و�ضعف نف�سه وذلها و�أنه يقف بين‬
‫خ�ضوعا اً‬
‫وذل وانك�سا ًرا‪ ،‬ويتذكر ما �أعده اهلل‬ ‫ً‬ ‫يدي ربه يناجيه ويدعوه‬
‫في الآخرة للم�ؤمنين من الثواب وما �أعده للم�شركين من العقاب‪،‬‬
‫ويتذكر موقفه بين يدي اهلل في الآخرة‪.‬‬
‫ف�إذا ا�ستح�ضر الم�ؤمن ذلك في �صالته كان كمن و�صفهم اهلل‬
‫في كتابه‪ :‬من الذين يظنون �أنهم مالقو ربهم‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و�إِ َّن َها‬
‫َل َك ِبي َر ٌة ِ�إ اَّل َع َلى ا ْل َخ ِا�ش ِعينَ • ا َّل ِذينَ َي ُظ ُّنونَ �أَ َّن ُه ْم ُملاَ ُقو َربِّهِ ْم َو�أَ َّن ُه ْم‬
‫�إِ َل ْي ِه َر ِاج ُعونَ { (البقرة‪.)46-45 :‬‬
‫ف�إذا ا�ستح�ضر الم�صلي �أن اهلل �سبحانه ي�سمعه ويعطيه ويجيبه‬
‫ح�صل له الخ�شوع بقدر ا�ستح�ضاره‪.‬‬
‫‪ 5‬تدبر الآيات المقروءة وبقية �أذكار ال�صالة والتفاعل معها‪:‬‬
‫اب{ (�ص‪ )29 :‬وال يح�صل التدبر‬ ‫َاب �أَ ْنزَ ْل َنا ُه ِ�إ َل ْي َك ُم َبا َر ٌك ِل َي َّد َّب ُروا �آَ َيا ِت ِه َو ِل َيت ََذ َّك َر �أُو ُلو ْ أ‬
‫الَ ْل َب ِ‬ ‫}كت ٌ‬
‫القر�آن نزل للتدبر ِ‬
‫�إال بالعلم بمعنى ما يقر�أ من الآيات والأذكار والأدعية‪ ،‬فيمكنه حينها التف ّكر في حاله وواقعه من جهة‪ ،‬ومعاني تلك‬
‫الآيات والأذكار من جهة‪ ،‬فينتج الخ�شوع والخ�ضوع والت�أثر وربما ذرفت عيناه بالدموع‪ ،‬ولم تمر عليه الآيات بدون‬
‫ات َربِّهِ ْم َل ْم َي ِخ ُّروا َع َل ْي َها ُ�ص ًّما َو ُع ْم َيا ًنا{‬‫ت�أثر وك�أنه ال ي�سمع وال يرى‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪َ } :‬وا َّل ِذينَ �إ َِذا ُذ ِّك ُروا ِب�آ َي ِ‬
‫(الفرقان‪.)73 :‬‬
‫‪ 132‬صالة المسلم‬

‫صالة الجمعة‬

‫فر�ض اهلل يوم الجمعة في‬


‫وقت �صالة الظهر �صال ًة هي من‬
‫�أعظم �شعائر الإ�سالم و�آكـــــد‬
‫فرائ�ضه يجتمع فيها الم�سلمون‬
‫مرة في الأ�سبوع‪ ،‬وي�ستمعون فيها‬
‫للمواعـظ والتوجيه ــات التي يقدمها‬
‫له ــم �إم ــام الجمعـ ــة‪ ،‬ثـ ــم ي�صلون‬
‫�صالة الجمعة‪.‬‬
‫بقدر التبكير �إلى �صالة الجمعة يكون الأجر عليها‪.‬‬

‫فضل يوم الجمعة‬

‫يوم الجمعة �أعظم �أيام الأ�سبوع و�أجلها �شر ًفا‪ ،‬فقد ا�صطفاه اهلل تعالى على غيره من الأيام‪ّ ،‬‬
‫وف�ضله على ما �سواه‬
‫من الأوقات بعدد من المزايا منها‪:‬‬
‫• �أن اهلل خ�ص �أمة محمد به دون غيرها من الأمم‪ ،‬كما قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أ�ضل اهلل‬
‫عن الجمعة من كان قبلنا‪ ،‬فكان لليهود يوم ال�سبت‪ ،‬وكان للن�صارى يوم الأحد‪ ،‬فجاء اهلل بنا‪ ،‬فهدانا ليوم‬
‫الجمعة" (م�سلم ‪.)856‬‬
‫• �أنه فيه خلق �آدم وفيه تقوم ال�ساعة‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬خير يوم طلعت عليه ال�شم�س يوم الجمعة‪،‬‬
‫فيه خلق �آدم‪ ،‬وفيه �أدخل الجنة‪ ،‬وفيه �أخرج منها‪ ،‬وال تقوم ال�ساعة �إال في يوم الجمعة" (م�سلم ‪.)854‬‬

‫على من تجب الجمعة؟‬


‫تجب �صالة الجمعة على من ات�صف بالتالي‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬


‫مستوطن‬ ‫مكلف‬ ‫رجل‬
‫فال تجب على الم�سافر‬ ‫فال تجب على المجنون‬
‫فال تجب على المر�أة‪.‬‬
‫وال من ي�سكن في البوادي‬ ‫وال ال�صغير الذي لم يبلغ‪.‬‬
‫خارج المدن والقرى‪.‬‬
‫‪133‬‬

‫صفة وأحكام صالة الجمعة‪:‬‬

‫‪ 1‬ي�ستحب للم�سلم االغت�سال قبل �صالة الجمعة‪ ،‬والتبكير �إلى الم�سجد قبل بداية الخطبة‪ ،‬ولب�س �أح�سن‬
‫الثياب‪.‬‬
‫‪ 2‬يجتمع الم�سلمون في الجامع‪ ،‬ويتقدمهم‬
‫الإمام‪ ،‬فيرقى على المنبر‪ ،‬فيواجه الم�صلين‬
‫ويلقي عليهم خطبتين‪ ،‬يف�صل بينهما بجلو�س‬
‫ي�سير‪ ،‬يذ ِّكرهم فيها بتقوى اهلل‪ ،‬ويقدم لهم‬
‫التوجيهات والمواعظ والآيات‪.‬‬
‫‪ 3‬يجب على الم�صلين اال�ستماع للخطبة‪ ،‬ويحرم‬
‫عليهم الكالم �أو االن�شغال عن اال�ستفادة منها حتى ولو كان ذلك بالعبث بال�سجاد �أو الح�صى والتراب‪.‬‬
‫ثم ينزل الإمام من المنبر وتقام ال�صالة في�صلي بالنا�س ركعتين يجهر فيهما بالقراءة‪.‬‬
‫‪� 4‬صالة الجمعة �إنما ت�شرع باجتماع عدد من النا�س فمن فاتته �أو تخلف عنها لعذر ف�إنه ي�صلي الظهر اً‬
‫بدل‬
‫عنها‪ ،‬وال ت�صح منه الجمعة‪.‬‬
‫‪ 5‬من ت�أخر عن �صالة الجمعة فلم يدرك مع الإمام �إال �أقل من ركعة ف�إنه يتم ال�صالة ظه ًرا‪.‬‬
‫‪ 6‬كل من ال تجب عليه الجمعة كالمر�أة والم�سافر ف�إنها ت�صح منه �إذا �صالها مع جماعة الم�سلمين‪ ،‬وت�سقط‬
‫عنه بها �صالة الظهر‪.‬‬

‫من يعذر في حضور الجمعة‪:‬‬


‫�أكد ال�شرع على وجوب ح�ضور �صالة الجمعة لمن تجب عليهم‪ ،‬وحذر من االن�شغال عنها بمتاع الدنيا‪ ،‬فقال‬
‫هلل َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع َذ ِل ُك ْم َخ ْي ٌر َل ُك ْم �إِنْ‬ ‫تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا �إِ َذا ُنو ِد َي ِل َّ‬
‫ل�صلاَ ِة ِمنْ َي ْو ِم ا ْل ُج ُم َع ِة َف ْ‬
‫ا�س َع ْوا �إِ َلى ِذ ْكرِ ا ِ‬
‫ُك ْنت ُْم َت ْع َل ُمون{ (الجمعة ‪.)9‬‬
‫وتوعد من يتخلف عنها بدون عذر �شرعي بالختم على قلبه‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من ترك ثالث‬ ‫َّ‬
‫جمع تهاو ًنا من غير عذر طبع اهلل على قلبه" (�أبو داود ‪� ،1052‬أحمد ‪ ،)15498‬معنى طبع اهلل على قلبه‪� :‬أي ختم عليه‬
‫وغطاه وجعل فيه الجهل والجفاء كقلوب المنافقين والع�صاة‪.‬‬
‫والعذر المبيح للتخلف عن الجمعة‪ :‬كل ما يح�صل لك منه م�شقة �شديدة غير معتادة‪� ،‬أو يخاف منه‬
‫ال�ضرر البالغ على معي�شتك و�صحتك‪.‬‬
‫‪ 134‬صالة المسلم‬

‫هل دوام العمل والوظيفة عذر في‬


‫التخلف عن الجمعة؟‬
‫الأ�صل �أن الأعمال والأ�شغال الدائمة لي�ست عذ ًرا‬
‫للم�سلم في التخلف عن �صالة الجمعة‪ ،‬واهلل تعالى‬
‫ي�أمرنا ب�أن نترك �أعمالنا ونتفرغ لل�صالة‪ ،‬فيقول‪َ }:‬يا‬
‫ل�صلاَ ِة ِمنْ َي ْو ِم ا ْل ُج ُم َع ِة‬ ‫�أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا �إ َِذا ُنو ِد َي ِل َّ‬
‫هلل َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع{ (الجمعة‪ .)9 :‬وينبغي‬ ‫ا�س َع ْوا �إِ َلى ِذ ْك ِر ا ِ‬ ‫َف ْ‬
‫للم�سلم اختيار الأعمال والوظائف التي يتمكن معها من‬
‫�أداء �شعائر اهلل ولو كان عائدها المادي �أقل من غيرها‪.‬‬
‫هلل َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخ َر ًجا‬ ‫واهلل تعالى يقول‪َ } :‬و َمنْ َيتَّقِ ا َ‬
‫• َو َي ْر ُز ْق ُه ِمنْ َح ْي ُث اَل َي ْحت َِ�س ُب َو َمنْ َي َت َو َّك ْل َع َلى ا ِ‬
‫هلل َف ُه َو‬
‫َح ْ�س ُبه{ (الطالق‪.)3-2 :‬‬
‫ل�ص اَل ِة ِمنْ َي ْو ِم‬ ‫ين �آ َم ُنوا �إِ َذا ُنو ِديَ ِل َّ‬ ‫} َيا ‪� ‬أَ ُّيهَا ا َّل ِذ َ‬
‫ا�س َع ْوا �إِ َلى ِذ ْك ِر ا ِ‬
‫هلل َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع{‬ ‫ا ْل ُج ُم َع ِة َف ْ‬

‫متى يكون العمل عذ ًرا في التخلف عن الجمعة؟‬


‫ال يعتبر العمل الدائم والمتكرر عذ ًرا للتخلف عن �صالة الجمعة لمن وجبت عليه �إال في حالتين‪:‬‬
‫‪� 1‬أن يكون في العمل م�صلحة عظيمة ال تتحقق �إال ببقائه في العمل وتركه للجمعة‪ ،‬وبتركه لعمله‬
‫تح�صل مف�سدة عظيمة‪ ،‬وال يوجد من ينوبه على ذلك العمل‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫• الطبيب في الإ�سعاف الذي يعالج الحاالت والإ�صابات العاجلة‪.‬‬
‫• الحار�س وال�شرطي الذي يحفظ �أموال النا�س ودورهم من ال�سرقة والأعمال الإجرامية‪.‬‬
‫• من يقوم على متابعة �أعمال الم�صانع الكبيرة ونحوها والتي يلزم متابعتها لحظ ًيا‪.‬‬

‫‪� 2‬إذا كان العمل هو الم�صدر الوحيد لرزقه ولي�س لديه ما يغطي نفقته ال�ضرورية من الطعام وال�شراب‬
‫والأمور ال�ضرورية له ولعائلته �سوى ذلك العمل‪ ،‬فيجوز له البقاء في العمل وتركه ل�صالة الجمعة‬
‫�ضرورة حتى يجد اً‬
‫عمل �آخر‪� ،‬أو يجد ما يغنيه من الطعام وال�شراب والأمور ال�ضرورية الكافية له‬
‫ولمن يعول‪ ،‬ومع ذلك فيجب عليه البحث المتوا�صل عن عمل وم�صدر رزق �آخر‪.‬‬
‫‪135‬‬

‫صالة المسافر‬

‫• ي�سن للم�سافر حال انتقاله �أو �إقامته الم�ؤقتة التي تقل عن �أربعة �أيام �أن يق�صر ال�صالة ذات الأربع ركعات �إلى‬
‫ركعتين‪ .‬في�صلي الظهر والع�صر والع�شاء ركعتين بدل �أربع ركعات �إال �إذا �صالها مع �إمام مقيم فيتابعه في‬
‫�صالته وي�صلي �أربع ركعات مثله‪.‬‬
‫• ي�شـــــرع له ترك ال�سنن الراتبة‬
‫�إال راتبة الفجر‪.‬‬
‫• يجــــــوز له الجمع بين الظهر‬
‫والع�صر‪ ،‬وبين المغرب والع�شاء‬
‫في وقت �إحداهما‪ ،‬ال�سيما �إن كان‬
‫ذلك حال انتقاله و�سفره تخفي ًفا‬
‫ورحمة ورف ًعا للحرج‪.‬‬

‫�أمرنا اهلل بالمحافظة على ال�صالة في كل �أحوالنا‪.‬‬

‫صالة المريض‬

‫ال�صالة واجبة على الم�سلم في كل �أحواله ما دام بعقله ووعيه‪� ،‬إال �أن الإ�سالم راعى �أمر اختالف ظروف‬
‫النا�س وحاجاتهم‪ ،‬ومن ذلك المري�ض‪.‬‬
‫ولتو�ضيح ذلك يقال‪:‬‬
‫• ي�سقـــط القيـام في ال�صالة عن المري�ض الذي ال ي�ستطيع القيام‪� ،‬أو كان القيام ي�شق عليه �أو يبطئ في‬
‫جال�سا‪ ،‬ف�إن لم ي�ستطع فعلى جنبه‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬صل قائما‪ ،‬ف�إن لم ت�ستطع‬
‫عالجه‪ .‬وي�صلي ً‬
‫فقاعدا‪ ،‬ف�إن لم ت�ستطع فعلى جنب" (البخاري ‪.)1066‬‬
‫• من لم ي�ستطع الركوع �أو ال�سجود ف�إنه يومئ به قدر الم�ستطاع‪.‬‬
‫• من �صعب عليه الجلو�س على الأر�ض جل�س على الكر�سي ونحو ذلك‪.‬‬
‫• من �شق عليه التطهر لكل �صالة ب�سبب مر�ضه فيجوز له الجمع بين الظهر والع�صر وبين المغرب والع�شاء‪.‬‬
‫• من ي�شق عليه ا�ستعمال الماء ب�سبب المر�ض يجوز له التيمم لأداء ال�صالة‪.‬‬
‫‪ 136‬صيام المسلم‬
‫‪137‬‬

‫صيام المسلم‬
‫فر�ض اهلل على امل�س ��لمني ال�ص ��يام �ش ��ه ًرا واحدًا يف ال�سنة‪،‬‬
‫هو �ش ��هر رم�ض ��ان املبارك‪ ،‬وجعله الركن الرابع من �أركان‬ ‫‪4‬‬
‫ين‬‫الإ�س�ل�ام ومبانيه العظام‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ } :‬يَا �أَ ُّيهَا ا َّل ِذ َ‬
‫ين ِمنْ َق ْب ِل ُك ْم‬ ‫�آ َم ُنوا ُك ِت َب َعلَ ْي ُك ُم ِّ‬
‫ال�ص� � َيا ُم َك َما ُك ِت َب َعلَى ا َّل ِذ َ‬
‫َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقون{ (البقرة‪.)183 :‬‬
‫�صيام التطوع‬ ‫ف�ضل ال�صيام‬ ‫معنى ال�صيام‬
‫عيد الفطر املبارك‬ ‫املفطرات‬ ‫ف�ضل �شهر رم�ضان‬
‫من عذرهم اهلل يف ال�صيام‬ ‫احلكمة من ال�صيام‬
‫‪ 138‬صيام المسلم‬

‫صيام رمضان‬
‫معنى الصيام‬

‫معنى ال�صيام في الإ�سالم‪:‬‬


‫التعبد هلل بالإم�ساك واالمتناع عن الأكل‬
‫وال�شرب والجماع وبقية المفطرات من‬
‫طلوع الفجر ‪ -‬وهو موعد �أذان الفجر‪-‬‬
‫�إلى غروب ال�شم�س‪ -‬وهو موعد �أذان‬
‫المغرب‪.-‬‬
‫ال�ش ْه َر َف ْل َي ُ�ص ْمهُ{‬
‫} َف َمنْ َ�ش ِه َد مِ ْن ُك ُم َّ‬

‫فضل شهر رمضان‬


‫�شهر رم�ضان هو ال�شهر التا�سع من الأ�شهر القمرية في التقويم الإ�سالمي‪ ،‬وهو �أف�ضل‬
‫�أ�شهر ال�سنة‪ ،‬اخت�صه اهلل بالعديد من الف�ضائل عن غيره من الأ�شهر‪ ،‬ومن تلك الف�ضائل‪:‬‬
‫‪� 3‬أن من �صام نهاره وقام ليله غفر له ما تقدم‬ ‫‪� 1‬أنه ال�شهر الذي اخت�صه اهلل بنزول �أعظم‬
‫من ذنبه‪ ،‬قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من‬ ‫الكتب و�أ�شرفها‪ :‬القر�آن الكريم‪ ،‬قال اهلل‬
‫�صام رم�ضان �إيما ًنا واحت�سا ًبا غفر له ما تقدم‬ ‫}�ش ْه ُر َر َم َ�ضانَ ا َّل ِذي �أُن ِْز َل ِفي ِه ا ْل ُق ْر�آنُ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫من ذنبه" (البخاري ‪ ،1910‬م�سلم ‪ ،)760‬وقال‪" :‬من‬ ‫ا�س َو َب ِّي َن ٍات ِمنَ ا ْلهُدَ ى َوا ْل ُف ْر َق ِان َف َمنْ‬
‫هُ دً ى ِلل َّن ِ‬
‫قام رم�ضان �إيما ًنا واحت�سا ًبا غفر له ما تقدم من‬ ‫ال�ش ْه َر َف ْل َي ُ�ص ْمهُ{ (البقرة‪.)185:‬‬ ‫َ�شهِ دَ ِم ْن ُك ُم َّ‬
‫ذنبه" (البخاري ‪ ،1905‬م�سلم ‪.)759‬‬ ‫‪� 2‬أنه �شهر تفتح فيه �أبواب الجنة‪ :‬قال‬
‫‪� 4‬أن فيه �أعظم ليالي العام‪ :‬ليلة القدر‪ ،‬التي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا دخل رم�ضان فتحت‬
‫�أخبر اهلل في كتابه �أن العمل ال�صالح فيها خير‬ ‫�أبواب الجنة‪ ،‬وغلقت �أبواب جهنم‪ ،‬و�سل�سلت‬
‫من العمل في �أزمان كثيرة‪ ،‬فقال‪َ } :‬ل ْي َل ُة ا ْل َق ْد ِر‬ ‫ال�شياطين" (البخاري ‪ ،3103‬م�سلم ‪ ،)1079‬فقد‬
‫َخ ْي ٌر ِمنْ �أَ ْل ِف َ�ش ْه ٍر{ (القدر‪ ،)3 :‬ومن قامها‬ ‫هي�أه اهلل لعباده للإقبال عليه بفعل الطاعات‬
‫�إيما ًنا واحت�سا ًبا غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬وهي‬ ‫وترك المنكرات‪.‬‬
‫ليلة من الليالي الع�شر الأخيرة من رم�ضان‪ ،‬وال‬
‫يعلم �أحد موعدها على التحديد‪.‬‬
‫‪139‬‬

‫فضل الصيام‬

‫لل�صيام ف�ضائل كثيرة وردت في ال�شرع منها ما يلي‪:‬‬


‫اً‬
‫وامتثال لأوامره‪ ،‬وت�صدي ًقا لما ورد في ف�ضله‪ ،‬محت�س ًبا الأجر عند اهلل‪،‬‬ ‫‪� 1‬أن من �صام رم�ضان �إيما ًنا باهلل‬
‫غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من �صام رم�ضان �إيما ًنا واحت�سا ًبا غفر له ما تقدم‬
‫من ذنبه" (البخاري ‪ ،1910‬م�سلم ‪.)760‬‬
‫‪� 2‬أن ال�صائم يفرح بما يالقي من الأجر والنعيم عند مالقاة اهلل ب�سبب �صيامه‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪" :‬لل�صائم فرحتان‪ :‬فرحة عند فطره‪ ،‬وفرحة عند لقاء ربه" (البخاري ‪ ،1805‬م�سلم ‪.)1151‬‬
‫‪� 3‬أن في الجنة با ًبا يقال له الريان ال يدخل منه �إال ال�صائمون‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن في الجنة‬
‫با ًبا يقال له ال َّر َّيان يدخل منه ال�صائمون يوم القيامة‪ ،‬ال يدخل منه �أحد غيرهم‪ ،‬يقال‪� :‬أين ال�صائمون؟‪،‬‬
‫فيقومون‪ ،‬ال يدخل منه �أحد غيرهم‪ ،‬ف�إذا دخلوا �أغلق فلم يدخل منه �أحد" (البخاري ‪ ،1797‬م�سلم ‪.)1152‬‬
‫‪� 4‬أن اهلل ن�سـب جزاء ال�صيـام والمثوبة عليه �إليه �سبحانه‪ ،‬ومن كانت مثوبته وجزا�ؤه على كريم عظيم‬
‫جواد رحيم فليب�شر بما �أعده اهلل له‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم في الحديث القد�سي الذي يرويه عن ربه‪:‬‬
‫"كل عمل ابن �آدم له �إال ال�صيام ف�إنه لي و�أنا �أجزي به" (البخاري ‪ ،1805‬م�سلم ‪.)1151‬‬
‫‪ 140‬صيام المسلم‬

‫الحكمة من الصيام‬
‫فر�ض اهلل ال�صيام لحكم كثيرة ولطائف متعددة في الدين والدنيا‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ 1‬تحقيق تقوى اهلل عز وجل‪:‬‬
‫وذلك لأ َّنه عبادة يتقرب بها العبد لر ِّبه بترك محبوباته‪ ،‬وقمع �شهواته‪ ،‬في�ضبط نف�سه بالتقوى ومراقبة اهلل‬
‫�سبحانه وتعالى في كل مكان وزمان‪ ،‬في �سره وعالنيته‪ ،‬ولهذا يقول اهلل �سبحانه‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا ُك ِت َب َع َل ْي ُك ُم‬
‫ال�ص َي ُام َك َما ُك ِت َب َع َلى ا َّلذِ ينَ ِمنْ َق ْب ِل ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقونَ { (البقرة‪.)183 :‬‬
‫ِّ‬

‫‪ 2‬تدريب على الإقالع عن المعا�صي والذنوب‪:‬‬


‫ف�إذا امتنع ال�صائم عن المباحات اً‬
‫امتثال لأمر اهلل ف�سيكون �أقدر على لجم �شهواته للمعا�صي والذنوب والوقوف عند‬
‫حدود اهلل وعدم التمادي في الباطل‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من لم يدع قول الزور والعمل به فلي�س هلل حاجة في‬
‫�أن يدع طعامه و�شرابه" (البخاري ‪� )1804‬أي‪� :‬إنَّ من لم ينته عن الكذب والفجور في القول والعمل ف�إنه لم يحقق مق�صود‬
‫ال�صيام‪.‬‬

‫‪ 3‬تذكر المحرومين وموا�ساتهم‪:‬‬


‫وذلك لأنَّ فيه تجربة لمقا�ساة الحرمان والجوع‪ ،‬وتذ ُّكر الفقراء الذين يقا�سون الحرمان �أبد الدهر‪ ،‬فيتذكر‬
‫العبد �إخوانه الفقراء وكيف �أ َّنهم يعانون الأم َّرين من الجوع والعط�ش فيجتهد في تقديم يد العون والم�ساعدة لهم‪.‬‬

‫من لم يدع قول الزور والعمل به فلي�س هلل‬


‫حاجة في �أن يدع طعامه و�شرابه‪.‬‬
‫‪141‬‬

‫المفطرات‬

‫وهي الأمور التي يجب على ال�صائم االمتناع‬


‫عنها لأنها تف�سد ال�صيام‪ .‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ 5‬التقي�ؤ عمدً ا‪� ،‬أما من خرج منه القيء بدون‬ ‫‪ 1‬الأكل وال�شرب قال تعالى‪َ } :‬و ُك ُلوا َو ْا�ش َر ُبوا‬
‫اختياره فال �شيء عليه‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه‬ ‫الَ ْب َي ُ�ض ِمنَ ا ْل َخ ْي ِط‬
‫َحتَّى َي َت َب َّينَ َل ُك ُم ا ْل َخ ْي ُط ْ أ‬
‫و�سلم‪" :‬من ذرعه القيء وهو �صائم فلي�س عليه‬ ‫الَ ْ�س َو ِد ِمنَ ا ْل َف ْج ِر ُث َّم �أَ ِت ُّموا ِّ‬
‫ال�ص َي َام �إِ َلى ال َّل ْيل{‬ ‫ْأ‬
‫ق�ضاء‪ ،‬ومن ا�ستقاء فليق�ض" (الترمذي ‪� ،720‬أبو‬ ‫(البقرة‪.)187 :‬‬
‫داود ‪.)2380‬‬ ‫ومن �أكل �أو �شرب نا�س ًيا؛ ف�صيامه �صحيح وال �إثم‬
‫‪ 6‬خروج دم الحي�ض والنفا�س‪ ،‬فمتى ما ُوجد‬ ‫عليه‪ ،‬كما قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من ن�سي‬
‫دم الحي�ض �أو النفا�س في �آخر جزء من النهار‬ ‫وهو �صائم ف�أكل �أو �شرب فليتم �صومه ف�إنما �أطعمه اهلل‬
‫فقد �أفطرت المر�أة‪� ،‬أو كانت ً‬
‫حائ�ضا فطهرت‬ ‫و�سقاه" (البخاري ‪ ،1831‬م�سلم ‪.)1155‬‬
‫بعد طلوع الفجر لم ي�صح �صومها‪ ،‬و تكون‬ ‫‪ 2‬ما كان في معنى الأكل وال�شرب‪ ،‬و�أمثلته‪:‬‬
‫مفطرة ذلك اليوم‪ ،‬لقول النبي �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪�" :‬ألي�س �إذا حا�ضت لم ت�صل ولم ت�صم"‬ ‫• المحاليل والإبر المغذية التي ت�صل �إلى الج�سم‬
‫(البخاري ‪.)1850‬‬ ‫لتمده بما ينق�صه من الأمالح والغذاء‪ ،‬ف�إنها تقوم‬
‫مقام الأكل وال�شرب فت�أخذ حكمها‪.‬‬
‫�أما الدم الذي يخرج من المر�أة ب�سبب مر�ض‪ ،‬وهو‬
‫أياما محددة في ال�شهر وغير دم‬ ‫• َحقن الدم للمري�ض؛ لأن الدم ٍ‬
‫مغذ للج�سم‪ ،‬فله‬
‫غير الحي�ض المعتاد � ً‬
‫حكم الطعام وال�شراب‪.‬‬
‫النفا�س الذي يخرج بعد الوالدة‪ ،‬فال يمنع من ال�صيام‪.‬‬
‫• التدخين ب�أنواعه ف�إنه مفطر؛ لأنه يمد الج�سم‬
‫بال�سموم عن طريق ا�ستن�شاق الدخان‪.‬‬
‫‪ 3‬الجماع ب�إيالج ر�أ�س الذكر في فرج المر�أة‪،‬‬
‫�سواء �أنزل الرجل المني �أم لم ينزل‪.‬‬
‫‪� 4‬إنزال المني باختياره بمبا�شرة‪� ،‬أو ا�ستمناء‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫�أما االحتالم الذي يح�صل في النوم فلي�س بمفطر‪.‬‬
‫يعتبر المغذي الذي يعطى للمري�ض بدل الأكل‬ ‫ويجوز للرجل تقبيل زوجته �إذا كان قاد ًرا على‬
‫وال�شرب من مف�سدات ال�صيام‬ ‫�ضبط نف�سه حتى ال يقع في الإفطار‪.‬‬
‫‪ 142‬صيام المسلم‬

‫من عذرهم اهلل في الصيام‬


‫أ�صناف من النا�س في الفطر في رم�ضان تخفي ًفا ورحمة وتي�سي ًرا لهم‪ ،‬وهم كالتالي‪:‬‬
‫رخ�ص اهلل ل ٍ‬
‫‪ 1‬المريــ�ض الذي يت�ضرر بال�صوم‪ ،‬فيجوز له الفطر ويق�ضي ذلك بعد رم�ضان‪.‬‬
‫‪ 2‬العاجز عن ال�صوم لكبر �أو مر�ض ال يرجى �شفا�ؤه‪ ،‬فيجوز له الفطر و ُيطعم عن كل يوم م�سكي ًنا يعطيه ما‬
‫مقداره كيلو ون�صف من قوت البلد‪.‬‬
‫‪ 3‬الحائ�ض والنف�ساء‪ ،‬يحرم عليهما ال�صيام وال ي�صح منهما‪ ،‬وعليهما الق�ضاء بعد رم�ضان (انظر �ص‪.)96‬‬
‫‪ 4‬الحامــل والمر�ضع‪� ،‬إذا خافتا ال�ضرر على النف�س �أو على الولد �أفطرتا وق�ضتا ذلك اليوم‪.‬‬
‫‪ 5‬الم�سافر �أثناء �سفره و�إقامته الم�ؤقتة لأقل من �أربعة �أيام‪ ،‬فيجوز له الفطر ويق�ضي ذلك بعد رم�ضان‪.‬‬
‫ي�ضا �أَ ْو َع َلى َ�س َف ٍر َف ِع َّد ٌة مِ نْ َ�أ َّيام �أُ َخ َر ُي ِري ُد ا ُ‬
‫هلل ِب ُك ُم ا ْل ُي ْ�س َر َو اَل ُي ِري ُد ِب ُك ُم ا ْل ُع ْ�س َر{‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬و َمنْ َكانَ َم ِر ً‬
‫(البقرة‪.)185 :‬‬

‫�أباح اهلل للم�سافر الفطر في رم�ضان وعليه �إذا �أفطر �أن يق�ضي ذلك اليوم‬

‫ما حكم من أفطر فـي رمضان؟‬


‫كل من �أفطر بغير عذر فعليه التوبة �إلى اهلل الرتكابه �إث ًما عظي ًما وع�صيانه لأمر الخالق �سبحانه وتعالى‪ ،‬ويلزمه‬
‫ق�ضاء ذلك اليوم فقط‪� ،‬إال من �أفطر بالجماع‪ ،‬ف�إنه يق�ضي ذلك اليوم‪ ،‬وعليه مع ذلك كفارة لتلك المع�صية ب�إعتاق‬
‫رقبة‪� ،‬أي ب�شراء رقيق م�سلم و�إعتاقه‪ ،‬والإ�سالم ي�ؤكد على �أهمية تحرير الإن�سان من الرق والعبودية في كل منا�سبة‪،‬‬
‫و�إذا لم يوجد ذلك كما هو الحال اليوم في�صوم �شهرين متتابعين‪ ،‬ف�إن لم ي�ستطع فيطعم �ستين م�سكي ًنا‪.‬‬
‫‪143‬‬

‫صيام التطوع‬
‫فر�ض اهلل �صيام �شهر واحد في ال�سنة‪ ،‬ولكنه رغب ب�صيام �أيام‬
‫�أخرى لمن وجد في نف�سه القدرة والرغبة في ذلك ابتغاء زيادة الأجر‬
‫والمثوبة‪،‬ومن تلك الأيام‪:‬‬
‫‪ 1‬يوم عا�شوراء ويوم قبله �أو بعده‪ ،‬ويوم‬
‫عا�شوراء هو اليوم العا�شر من �شهر‬
‫محرم ال�شهر الأول في التقويم‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬وهو اليوم الذي‬
‫نجى اهلل فيه نبي اهلل مو�سى‬ ‫َّ‬
‫من فرعون و�أغرق فرعون ومن‬
‫معه‪ ،‬في�صومه الم�سلم �شك ًرا هلل‬
‫واتباعا لر�سولنا‬
‫ً‬ ‫على نجاة مو�سى‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم لما �صامه‬
‫يوما"‬
‫يوما �أو بعده ً‬ ‫وقال‪�" :‬صوموا قبله ً‬
‫(�أحمد ‪ ،)2154‬ولما �سئل �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم عن �صيامه قال‪" :‬يكفر ال�سنة الما�ضية" (م�سلم ‪.)1162‬‬
‫‪ 2‬يوم عرفة‪ ،‬وهو اليوم التا�سع من �شهر ذي الحجة‪ ،‬ال�شهر الثاني ع�شر من التقويم الإ�سالمي‪ ،‬وهذا‬
‫اليوم يجتمع فيه حجاج بيت اهلل في عرفة فيدعون اهلل عز وجل ويبتهلون �إليه‪ ،‬وهو من �أف�ضل �أيام‬
‫العام‪،‬وي�شرع لغير الحجاج �صيامه‪ ،‬ولما ُ�سئل �صلى اهلل عليه و�سلم عن �صوم يوم عرفة قال‪" :‬يكفر‬
‫ال�سنة الما�ضية والباقية" (م�سلم ‪.)1162‬‬
‫‪� 3‬ستة �أيام من �شوال‪ ،‬و�شوال هو ال�شهر العا�شر‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من �صام رم�ضان ثم �أتبعه �ستًا‬
‫من �شوال كان ك�صيام الدهر" (م�سلم ‪.)1164‬‬
‫‪� 4‬صيام ثالثة �أيام من كل �شهر‪ ،‬عن �أبي هريرة ر�ضي اهلل عنه قال‪�" :‬أو�صاني خليلي بثالث ال �أدعهن حتى‬
‫�أموت‪� :‬صوم ثالثة �أيام من كل �شهر‪ ،‬و�صالة ال�ضحى‪ ،‬ونوم على وتر" (البخاري ‪ ،1178‬م�سلم ‪.)721‬‬
‫‪ 144‬صيام المسلم‬

‫العيد‬
‫الأعياد من �شعائر الدين‬
‫الظاهرة‪ ،‬ولما قدم النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم المدينة ووجد‬
‫الأن�صار ‪-‬وهم الم�سلمون من‬
‫�أهل المدينة‪ -‬يلعبون ويفرحون‬
‫في يومين من ال�سنة فقال‪" :‬ما‬
‫هذان اليومان"؟ قالوا‪ :‬كنا نلعب‬
‫فيهما في الجاهلية‪ ،‬فقال ر�سول‬
‫اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم‪�" :‬إن‬
‫اهلل قد �أبدلكم بهما خي ًرا منهما‪:‬‬
‫يوم الأ�ضحى‪ ،‬ويوم الفطر" (�أبو‬
‫داود ‪ ،)1134‬وقال �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم مبي ًنا �أن الأعياد هي �شعار‬
‫الأديان‪�" :‬إن لكل قوم عيدً ا‪ ،‬وهذا‬
‫الم�سلمون في الهند ي�ؤدون �صالة العيد‬ ‫عيدنا" (البخاري ‪ ،909‬م�سلم ‪.)892‬‬

‫العيد في اإلسالم‪:‬‬
‫العيد في الإ�سالم هو يوم يظهر فيه الفرح ب�إتمام العبادة �شك ًرا هلل تعالى على هدايته وتوفيقه للعبادة‪ ،‬وي�شرع‬
‫عموما‪ ،‬ولب�س �أجمل الثياب‪ ،‬والإح�سان للمحتاجين‪ ،‬وبكل الو�سائل المباحة‬ ‫فيه �إدخال ال�سرور على قلوب النا�س ً‬
‫كاالحتفاالت والفعاليات التي تدخل ال�سرور على قلوب الجميع‪ ،‬وتذكرهم بنعمة اهلل عليهم‪.‬‬

‫أعياد المسلمين‪:‬‬
‫للم�سلمين عيدان في ال�سنة يحتفلون فيهما‪ ،‬وال يجوز تخ�صي�ص يوم من الأيام يتخذه النا�س عيدً ا غيرهما‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬

‫عيد األضحى‬ ‫عيد الفطر‬


‫وهو اليوم العا�شر من �شهر ذي الحجة‬ ‫وهو اليوم الأول من �شهر �شوال‬
‫‪145‬‬

‫عيد الفطر‬

‫وهو اليوم الأول من �شهر �شوال ال�شهر العا�شر‪ ،‬وي�أتي بعد انتهاء �آخر يوم من �شهر رم�ضان‪ ،‬ولهذا �سمي عيد‬
‫الفطر‪ ،‬وذلك لأن النا�س يتعبدون هلل ب�إفطار هذا اليوم كما تعبدوا هلل ب�صيام رم�ضان‪ ،‬فهم يحتفلون بالعيد �شك ًرا‬
‫على تمام نعمة اهلل وف�ضله ب�أن ي�سر لهم �إكمال �صيــام �شهر رم�ض ــان المبارك‪ ،‬قال تعالــى‪َ } :‬و ِل ُت ْكمِ ُلوا ا ْل ِع َّد َة‬
‫َو ِل ُت َك ِّب ُروا َ‬
‫اهلل َع َلى َما هَ دَ ا ُك ْم َو َل َع َّل ُك ْم ت َْ�ش ُك ُرون{ (البقرة‪.)185 :‬‬
‫ماذا يشرع يوم عيد الفطر؟‬
‫‪� 1‬صالة العيد‪ :‬وهي �صالة �أكد الإ�سالم عليها وحث الم�سلمين على الخروج لأدائها مع الن�ساء والأطفال‪،‬‬
‫وقتها من ارتفاع ال�شم�س قيد رمح عن الأفق بعد ال�شروق �إلى زوال ال�شم�س‪.‬‬
‫�صفتها‪� :‬صالة العيد ركعتان يجهر فيهما الإمام بالقراءة‪ ،‬ويخطب بعد ال�صالة خطبتين‪ ،‬وي�شرع في �صالة‬
‫العيد الزيادة في التكبير في بداية كل ركعة‪ ،‬فيكبر في الركعة الأولى قبل القراءة �ست تكبيرات غير تكبيرة الإحرام‪،‬‬
‫ويكبر في الثانية خم�س تكبيرات غير تكبيرة القيام من ال�سجود‪.‬‬
‫وقد فر�ضها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫‪ 2‬زكاة الفطر‪ :‬فقد �أوجب اهلل على من يملك‬
‫"طهرة لل�صائم (�أي‪ :‬تطهي ًرا لل�صائم من الخط�أ‬ ‫ُ‬ ‫زيادة عما يحتاجه في يوم العيد وليلته من‬
‫وطعمة‬ ‫والزلل و� اً‬
‫إكمال للنق�ص) من اللغو والرفث‪ُ ،‬‬ ‫الطعام �أن يخرج قدر �صاع من طعام �أهل البلد‬
‫للم�ساكين‪ ،‬فمن �أداها قبل ال�صالة فهي زكاة مقبولة‪،‬‬ ‫من الرز �أو القمح �أو التمر للفقراء والم�ساكين‬
‫ومن �أداها بعد ال�صالة فهي �صدقة من ال�صدقات" (�أبو‬ ‫من الم�سلمين‪ ،‬حتى ال يبقى في يوم العيد‬
‫داود ‪.)1609‬‬ ‫محتاج‪.‬‬
‫ووقتها‪ :‬من مغرب �آخر يوم من رم�ضان �إلى‬
‫�صالة العيد‪ ،‬ويجوز تقديمها قبل العيد بليلة �أو ليلتين‪.‬‬
‫ومقدارها �صاع من قوت �أهل البلد من القمح �أو‬
‫الأرز �أو التمر ونحو ذلك‪ ،‬وال�صاع مقدار كيل‪ ،‬لكن‬
‫تقديره بالوزن �أي�سر لل�ضبط بالمقايي�س الحديثة‪ ،‬وهو‬
‫ي�ساوي وز ًنا ‪ 3‬كيلو غرام تقري ًبا‪.‬‬
‫وتجب عليه عن نف�سه وعمن تلزمه نفقته كزوجته‬
‫و�أوالده‪ ،‬وي�ستحب �إخراجها عن الجنين في بطن الأم‪،‬‬
‫�شرع اهلل زكاة الفطر حتى ي�ستغني الجميع عن‬ ‫�صاعا من طعام البلد �أي ‪ 3‬كيلو‬
‫فيخرج عن كل نف�س ً‬
‫الحاجة وال�س�ؤال يوم العيد‬ ‫غرام تقري ًبا‪.‬‬
‫‪ 146‬صيام المسلم‬

‫‪ 3‬ي�شـرع ن�شر الفرحة وال�سرور في العائلة من ال�صغار والكبار والرجال والن�ساء بكل و�سيلة مباحة‪ ،‬ولب�س‬
‫�أجمل الثياب و�أح�سنها‪ ،‬والتعبد هلل بالإفطار والأكل نهار ذلك اليوم‪ ،‬ولذلك يحرم �صيام العيد‪.‬‬
‫‪ 4‬ي�شرع التكبير هلل عز وجل ليلة العيد وعند الخروج �إلى �صالة العيد‪ ،‬وينتهي وقت التكبير ب�صالة العيد‪،‬‬
‫وذلك �إظها ًرا للفرح ب�إتمام �صوم رم�ضـ ــان المبارك و�شك ـ ًرا لنعمة اهلل علينا وهدايته لنا لل�صيام‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪َ } :‬و ِل ُت ْكمِ ُلوا ا ْل ِع َّد َة َو ِل ُت َك ِّب ُروا اللهَّ َ َع َلى َما هَ دَ ا ُك ْم َو َل َع َّل ُك ْم ت َْ�ش ُك ُرون{ (البقرة‪.)185 :‬‬
‫و�صفة التكبير‪ :‬اهلل �أكبر اهلل �أكبر‪ ،‬ال �إله �إال اهلل‪ ،‬اهلل �أكبر اهلل �أكبر وهلل الحمد‪.‬‬
‫أي�ضا‪ :‬اهلل �أكبر كبي ًرا‪ ،‬والحمد هلل كثي ًرا‪ ،‬و�سبحان اهلل بكرة و�أ�صيلاً ‪.‬‬‫ويقول � ً‬
‫وي�شرع �أن يرفع الرجال بها �أ�صواتهــم بالطريقة التي ال ت�ؤذي النا�س �أو ت�شو�ش عليهم‪ ،‬ويخف�ض الن�ساء‬
‫�أ�صواتهن بها‪.‬‬

‫عيد األضحى‬

‫وهو العيد الثاني للم�سلمين وي�أتي في اليوم العا�شر‬


‫من �شهر ذي الحجة (ال�شهر الثاني ع�شر في التقويم‬
‫الإ�سالمي)‪ ،‬وقد ُجمعت فيه ف�ضائل كثيرة‪،‬منها‪:‬‬
‫‪� 1‬أنه من �أف�ضل �أيام ال�سنة‪ :‬ف�أف�ضل �أيام العام‬
‫هي الع�شر الأوائل من �شهر ذي الحجة‪ ،‬كما قال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما من �أيام العمل ال�صالح‬
‫فيهن �أحب �إلى اهلل من هذه الع�شر" قالوا‪ :‬وال‬
‫الجهاد في �سبيل اهلل؟ قال‪" :‬وال الجهاد في‬
‫�سبيل اهلل �إال رجل خرج بنف�سه وماله ثم لم يرجع‬
‫من ذلك ب�شيء" (البخاري ‪ ،926‬الترمذي ‪.)757‬‬
‫‪� 2‬أنه يوم الحج الأكبر‪ :‬ففيه �أعظم �أفعال‬
‫الحج و�أهمها و�أ�شرفها‪،‬كالطواف بالكعبة‪،‬‬
‫وذبح الهدي‪ ،‬ورمي جمرة العقبة‪.‬‬

‫ُف ِّ�سر قول اهلل تعالى‪َ } :‬ف َ�ص ِّل ِل َر ِّب َك َوا ْن َح ْر{ (الكوثر‪)2 :‬‬
‫ب�صالة العيد والأ�ضحية‪.‬‬
‫‪147‬‬

‫ماذا يشرع يوم عيد األضحى؟‬


‫ي�شرع في يوم عيد الأ�ضحى لغير الحاج جميع ما ي�شرع في عيد الفطر المبارك‪ ،‬وقد �سبق (�ص ‪� ،)145‬إال زكاة‬
‫الفطر فهي خا�صة بعيد الفطر فقط‪.‬‬
‫ويتميز عيد الأ�ضحى با�ستحباب الأ�ضحية تقر ًبا �إلى اهلل‪.‬‬
‫الأ�ضحية‪ :‬وهي ما يذبح من الإبل �أو البقر �أو الغنم تقر ًبا �إلى اهلل يوم عيد الأ�ضحى من بعد �صالة العيد حتى‬
‫مغرب اليوم الثالث ع�شــر من �شهر ذي الحجة‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬ف َ�ص ِّل ِل َر ِّب َك َوا ْن َح ْر{ (الكوثر‪ )2 :‬وقد ف�سرت ب�صالة‬
‫العيد والأ�ضحية‪.‬‬
‫حكمها‪� :‬سنة م�ؤكدة للقادر عليها‪ ،‬في�ضحي الم�سلم عن نف�سه و�أهل بيته‪.‬‬
‫وي�شرع له �إذا �أراد الأ�ضحية �أن ال ي�أخذ �شي ًئا من �شعره وال �أظفاره وب�شرته �شي ًئا من �أول يوم في �شهر ذي الحجة‬
‫وحتى ذبح الأ�ضحية‪.‬‬

‫شروط الحيوان المضحى به‪:‬‬


‫‪ 1‬ي�شترط �أن يكون من بهيمة الأنعام‪ ،‬وهي الغنم �أو البقر �أو الإبل‪ ،‬وال ت�صح الأ�ضحية بغيرها من‬
‫الحيوانات �أو الطيور‪.‬‬
‫وتكفي ال�شاة �أو الماعز عن الرجل و�أهل بيته‪ ،‬ويجوز �أن ي�شترك ال�سبعة في البقرة الواحدة �أو الجمل الواحد‪.‬‬
‫‪ 2‬بلوغها ال�سن المطلوبة‪ ،‬وال�سن المطلوبة‪:‬في ال�ض�أن �ستة �أ�شهر‪ ،‬وفي المعز �سنة‪ ،‬وفي البقر �سنتان‪ ،‬وفي‬
‫الإبل خم�س �سنين‪.‬‬
‫‪� 3‬سالمة الحيوان من العيوب الظاهرة‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أربع ال يجزين في الأ�ضاحي‪ :‬العوراء‬
‫البين عورها‪ ،‬والمري�ضة البين مر�ضها‪ ،‬والعرجاء البين ظلعها‪ ،‬والعجفاء التي ال تنقي (وهي الهزيلة جدً ا)"‬
‫(الن�سائي ‪ ،4371‬الترمذي ‪.)1497‬‬

‫ماذا يفعل باألضحية؟‬

‫• يحرم بيع �شيء من الأ�ضحية‪ ،‬وال يعطى الجزار �أجرته منها‪.‬‬


‫• ي�ستحب تق�سيم لحمها �أثال ًثا‪ ،‬في�أكل ثلثها‪ ،‬ويهدي ثلثها‪ ،‬ويت�صدق على الفقراء بالثلث الباقي‪.‬‬
‫• يجوز للإن�سان توكيل غيره و�إعطاء المال للجهات الخيرية الموثوقة التي تقوم بذبح الأ�ضحية وتوزيعها على‬
‫المحتاجين‪.‬‬
‫‪ 148‬زكاة المسلم‬
‫‪149‬‬

‫الزكاة‬
‫فر� ��ض اهلل ال ��زكاة‪ ،‬وجعله ��ا الرك ��ن الثال ��ث م ��ن �أركان‬
‫الإ�س�ل�ام‪ ،‬وتوع ��د م ��ن تركه ��ا بالعقوب ��ة ال�ش ��ديدة‪ ،‬وربط‬ ‫‪5‬‬
‫الأخ ��وة مع امل�سلمني بالتوبة و�إق ��ام ال�صالة و�إيتاء الزكاة‪،‬‬
‫كم ��ا قال تعاىل‪َ }:‬ف� ��إِ ْن َتابُوا َو�أَ َقامُوا َّ‬
‫ال�ص�َلَاَ َة َو�آ َتوُا ال َّز َكا َة‬
‫ِّين{ (التوبة‪.)11 :‬‬ ‫َف�إِ ْخوَا ُن ُك ْم يِف الد ِ‬
‫وق ��ال �صل ��ى اهلل عليه و�سلم‪" :‬بني الإ�س�ل�ام على خم�س‪..‬‬
‫و�إقام ال�صالة و�إيتاء الزكاة" (البخاري ‪ ،8‬م�سلم ‪.)16‬‬
‫ملن ت�صرف الزكاة؟‬ ‫مقا�صد الزكاة‬
‫الأموال التي جتب فيها الزكاة‬
‫‪ 150‬زكاة المسلم‬

‫الزكاة‬
‫مقاصد الزكاة‬

‫الزكاة واجب مالي فر�ضه اهلل على الأغنياء ليعطوا الفقراء والمحتاجين وغيرهم من الم�ستحقين‬
‫ما يرفع معاناتهم وال ي�ضر بالغني‪ ،‬ولها مقا�صد عظيمة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪� 2‬أداء الزكاة يتحقق به مبد�أ الترابط‬ ‫‪� 1‬أن حب المال غريزة �إن�سانية تحمل‬
‫والألفة‪ ،‬ذلك لأن النف�س الب�شرية جبلت على‬ ‫الإن�سان على �أن يحر�ص كل الحر�ص على‬
‫حب من �أح�سن �إليها‪ ،‬وبذلك يعي�ش �أفراد‬ ‫المحافظة والتم�سك به‪ ،‬ف�أوجب ال�شرع �أداء‬
‫المجتمع الم�سلم متحابين متما�سكين كالبنيان‬ ‫الزكاة تطهي ًرا للنف�س من رذيلة البخل والطمع‪،‬‬
‫المر�صو�ص ي�شد بع�ضه بع�ضا‪ ،‬وتقل حوادث‬ ‫ومعالجة لحب الدنيا والتم�سك ب�أهدابها‪ ،‬قال‬
‫ال�سرقة والنهب واالختال�س‪.‬‬ ‫}خ ْذ ِمنْ �أَ ْم َوا ِله ِْم َ�صدَ َق ًة ُت َط ِّه ُرهُ ْم‬
‫اهلل تعالى‪ُ :‬‬
‫َوتُزَ ِّكيه ِْم ِب َها{ (التوبة‪.)103 :‬‬

‫جبلت النفو�س على محبة من �أح�سن �إليها‬


‫‪151‬‬

‫‪ 3‬يتحقــــق بها معنى العبوديـة‬


‫والخ�ض ــوع المطلق واال�ست�سالم‬
‫التام هلل رب العالمين‪ ،‬عندما‬
‫يخرج الغني زكاة ماله فهو مطبق‬
‫ل�شرع اهلل‪ ،‬منفذ لأمره‪ ،‬وفي‬
‫�إخراجها �شكر المنعم على تلك‬
‫النعم ــة‪َ }،‬ل ِئنْ َ�ش َك ْر ُت ْم َ ألزِيدَ َّن ُك ْم{‬
‫(�إبراهيم‪.)7 :‬‬

‫‪ 4‬يتحقـــق ب�أدائها مفهــوم ال�ضمــان االجتماعــي‪ ،‬والتوازن الن�سبي بين فئات المجتمع‪ ،‬فب�إخراجها‬
‫�إلى م�ستحقيها ال تبقى الثروة المالية مكد�سة في �أيدي فئات مح�صورة من المجتمع ومحتكرة لديهم‪.‬‬
‫الَ ْغ ِن َيا ِء ِم ْن ُك ْم{ (الح�شر‪.)7 :‬‬
‫يقول اهلل تعالى‪َ }:‬ك ْي اَل َي ُكونَ دُو َل ًة َب ْينَ ْ أ‬
‫‪ 152‬زكاة المسلم‬

‫ما األموال التي تجب فيها الزكاة؟‬

‫ال تجب الزكاة فيما يملكه الم�سلم لالنتفاع بذاته كمنزله الذي ي�سكن فيه مهما غال‬
‫ثمنه‪ ،‬وال في �سيارته التي ي�ستخدمها و�إن كانت فارهة‪ ،‬وهكذا مالب�سه و�أكله وم�شربه‪.‬‬
‫و�إنما �أوجب اهلل الزكاة في �أنواع من الأموال تت�صف ب�أنها لي�ست من حاجاته‬
‫الم�ستخدمة‪ ،‬ومن طبيعتها النماء والزيادة كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬الذهب والفضة الذي ال يستخدم في اللباس والتحلي‪:‬‬

‫وال تجب الزكاة فيه �إال �إذا بلغ المقدار ال�شرعي‬


‫(الن�صاب) ومرت عليه �سنة قمرية كاملة ومقدارها ‪354‬‬
‫يو ًما‪.‬‬
‫ون�صاب الزكاة فيهما كالتالي‪:‬‬
‫جراما‪.‬‬
‫جراما تقري ًبا‪ ،‬الف�ضة ‪ً 595‬‬‫الذهب ‪ً 85‬‬
‫ف�إذا كان في ملك الم�سلم هذا المقدار ومرت �سنة‬
‫فيخرج زكاتها ‪.%2.5‬‬

‫‪ 2‬األموال والسيولة من العمالت باختالف أنواعها سواء كانت تحت يده أو‬
‫أرصدة في البنوك‪:‬‬

‫�إخراج زكاتها‪ :‬يح�سب ن�صاب الأموال والعمالت بما يقابله من‬


‫الذهب‪ ،‬ف�إن كان ي�ساوي ن�صاب الذهب �أو �أكثر منه‪ ،‬وهو ‪ 85‬جرام‬
‫تقري ًبا في وقت وجوب الزكاة‪،‬ومر على المال �سنة قمرية وهو في ملكه‪،‬‬
‫فيخرج منه ‪.%2،5‬‬
‫مثال‪� :‬سعر الذهب متغير ولو افتر�ضنا �أن �سعر جرام الذهب حال‬
‫وجوب الزكاة ي�ساوي (‪ )25‬دوال ًرا فيكون ن�صاب المال كالتالي‪:‬‬

‫‪�( 25‬سعر جرام الذهب وهو متغير) × ‪( 85‬عدد الجرامات وهو ثابت) = ‪ 2125‬دوالر هو ن�صاب المال‪.‬‬
‫‪153‬‬

‫‪ 3‬عروض التجارة‪:‬‬
‫والمراد بها‪ :‬كل ما �أعد للتجارة من �أ�صول كالعقار والمباني‬
‫والعمارات‪� ،‬أو عرو�ض كالمواد الغذائية واال�ستهالكية‪.‬‬
‫ال�شخ�ص قيمة جميع ما‬
‫ُ‬ ‫كيفية �إخراج زكاتها‪:‬يح�سب‬
‫اتخذه للتجارة �إذا مر عليه عام كامل‪ ،‬ويكون التقويم ب�سعر‬
‫ال�سوق في ذلك اليوم الذي �أراد �أن ِّ‬
‫يزكي فيه‪ ،‬ف�إذا بلغ ذلك‬
‫ن�صاب المال �أخرج عنه ربع الع�شر ‪.%2،5‬‬

‫‪ 4‬الخارج من األرض من الزروع والثمار والحبوب‪:‬‬

‫قال اهلل تعالى‪َ }:‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا �أَ ْن ِف ُقوا ِمنْ َط ِّي َب ِات َما َك َ�س ْب ُت ْم‬
‫الَ ْر�ض{ (البقرة‪.)267 :‬‬ ‫َو ِم َّما �أَ ْخ َر ْج َنا َل ُك ْم ِمنَ ْ أ‬
‫وتجب الزكاة في �أنواع محددة من المزروعات ولي�س فيها كلها‪،‬‬
‫�شرعا‪.‬‬
‫ب�شرط �أن تبلغ قد ًرا محددًا ً‬
‫ويفرق بين ما ي�سقى بالأمطار والأنهار وما ي�سقى بالم�ؤونة والعمل‬
‫في مقدار الواجب من الزكاة مراعاة لأحوال النا�س‪.‬‬
‫شروط وجوب زكاة الزروع والثمار‪:‬‬
‫‪� .1‬أن يبلغ الناتج ن�صا ًبا‪:‬‬
‫وقد حدد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الن�صاب الذي تجب فيه‬
‫الزكاة وال تجب في �أقل منه فقال‪" :‬لي�س فيما دون خم�سة �أو�سق‬
‫من التمر �صدقة" (البخاري ‪ ،1447‬م�سلم ‪.)979‬‬
‫وهو مقيا�س كيل ولكنه يقدر وز ًنا من القمح والأرز الثقيل مابين ‪ 600 -580‬كيلوجرام ‪ ،‬ولي�س في �أقل من ذلك‬
‫زكاة‪.‬‬
‫‪� .2‬أن تكون المزروعات من الأ�صناف التي تجب فيها الزكاة‪:‬‬
‫وال تجب الزكاة �إال في المحا�صيل الزراعية التي يمكن ادخارها وتخزينها من غير �أن تف�سد كالقمح وال�شعير‬
‫والزبيب والتمر والأرز والذرة‪� ،‬أما �أ�صناف الفواكه والخ�ضروات التي ال يمكن ادخارها فال تجب فيها الزكاة‪،‬‬
‫كالبطيخ والرمان والخ�س والبطاطا و نحو ذلك‪.‬‬
‫‪� .3‬أن يتم ح�صاده‪:‬‬
‫فتجب الزكاة في الزروع والثمار �إذا ح�صدت وقطفت ‪ ،‬وال تعلق بمرور ال�سنة ف�إذا كان المح�صول يجنى مرتين‬
‫في ال�سنة‪ ،‬ف�إن الزكاة تجب في كل ح�صاد وهكذا‪ ،‬و�إذا زكاه ثم خزنه وادخره ل�سنوات فال زكاة عليه فيه في تلك‬
‫ال�سنوات‪.‬‬
‫‪ 154‬زكاة المسلم‬

‫‪ 5‬الثروة الحيوانية ‪:‬‬


‫المق�صود بالثروة الحيوانية ما ينتفع به الإن�سان من الأنعام‪ ،‬وهي خا�صة ‪ :‬بالإبل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم‪.‬‬
‫وقد امتن اهلل بها على عباده بخلقه تلك الأنعام لي�أكل النا�س من لحمها ويلب�سوا من �صوفها وتحملهم وتحمل‬
‫ال ْن َع َام َخ َل َق َها َل ُك ْم ِفي َها ِد ْف ٌء َو َم َنا ِف ُع َو ِم ْن َها َت ْ�أ ُك ُلونَ • َو َل ُك ْم ِفي َها‬ ‫�أثقالهم في ال�سفر واالرتحال‪ ،‬فقال تعالى‪َ } :‬و َْ أ‬
‫وف‬ ‫يحونَ َو ِحينَ ت َْ�س َر ُحونَ • َوت َْحمِ ُل �أَ ْث َقا َل ُك ْم ِ�إ َلى َب َل ٍد َل ْم َت ُكو ُنوا َبا ِل ِغي ِه �إ اَِّل ِب ِ�شقِّ ْ أ‬
‫الَ ْن ُف ِ�س �إِنَّ َر َّب ُك ْم َل َر ُء ٌ‬ ‫َج َما ٌل ِحينَ ت ُِر ُ‬
‫َر ِحي ٌم{ (النحل‪.)7-5 :‬‬
‫الشروط العامة لزكاة األنعام‪:‬‬

‫‪� 1‬أن تبلغ الأنعام الن�صاب ال�شرعي؛ لأنها ال تجب �إال على الأغنياء‪ ،‬و�أما من يملكون �أعدادًا‬
‫ي�سيرة منها لحاجتهم فال زكاة فيها؛ والن�صاب في الإبل خم�س‪ ،‬وفي الغنم �أربعون �شاة‪،‬‬
‫وفي البقر ثالثون بقرة‪ ،‬وما دون ذلك فال زكاة فيه‪.‬‬

‫‪� 2‬أن يحول على الأنعام �سنة قمرية كاملة عند مالكها‪.‬‬

‫‪� 3‬أن تكون الأنعام �سائمة‪ ،‬وهي التي ترعى الأع�شاب وال يتكلف لها �صاحبها م�ؤونة العلف‬
‫�أكثر العام‪.‬‬

‫‪� 4‬أال تكون عاملة‪ ،‬وهي التي ي�ستخدمها �صاحبها في حرث الأر�ض‪� ،‬أو نقل المتاع‪� ،‬أو حمل‬
‫الأثقال وال زكاة فيها‪.‬‬

‫�أوجب اهلل الزكاة في الإبل والبقر والغنم �إذا كانت ترعى الأع�شاب وال يتكلف لها �صاحبها م�ؤونة‬
‫‪155‬‬

‫كيفية زكاة الماشية‬


‫أو ًال‪ :‬اإلبل‪:‬‬
‫وتجب في جميع �أنواعها‪� ،‬سواء �أكانت ب�سنام واحد �أم ب�سنامين �إذا زاد عددها عن خم�سة كالتالي‪:‬‬
‫العدد‬ ‫العدد‬
‫الواجب‬ ‫الواجب‬
‫من �إىل‬ ‫من �إىل‬
‫ناقة‬ ‫‪45‬‬ ‫‪36‬‬ ‫�شاة‬ ‫‪9‬‬ ‫‪5‬‬
‫(تم لها �سنتان ودخلت في الثالثة)‬
‫ناقة‬ ‫‪60‬‬ ‫‪46‬‬ ‫�شاتان‬ ‫‪14‬‬ ‫‪10‬‬
‫(تم لها ثالث �سنين ودخلت في الرابعة)‬
‫ناقة‬ ‫‪75‬‬ ‫‪61‬‬ ‫ثالث �شياه‬ ‫‪19‬‬ ‫‪15‬‬
‫(تم لها �أربع �سنين ودخلت في الخام�سة)‬
‫ناقتان‬ ‫‪90‬‬ ‫‪76‬‬ ‫�أربع �شياه‬ ‫‪24‬‬ ‫‪20‬‬
‫(تم لهما �سنتان ودخلتا في الثالثة)‬
‫ناقتان‬ ‫‪120 91‬‬
‫ناقة‬ ‫‪35‬‬ ‫‪25‬‬
‫(تم لهما ثالث �سنين ودخلتا في الرابعة)‬ ‫(تم لها �سنة ودخلت في الثانية)‬
‫ف�إذا زادت عن مائة وع�شرين فالواجب في كل �أربعين من الإبل ناقة تم لها �سنتان ودخلت في الثالثة‪ ،‬وفي كل‬
‫خم�سين من الإبل ناقة تم لها ثالث �سنين ودخلت في الرابعة‪ .‬وهكذا مهما زادت‪.‬‬
‫‪ 156‬زكاة المسلم‬

‫ثان ًيا‪ :‬البقر‪:‬‬


‫وتجب في كل �أنواع البقر كالجوامي�س وغيرها �إذا زاد عددها عن ثالثين كالتالي‪:‬‬
‫العدد‬
‫الواجب‬
‫من �إىل‬
‫عجل‬ ‫‪39‬‬ ‫‪30‬‬
‫(تم له �سنة كاملة)‬
‫بقرة‬ ‫‪59‬‬ ‫‪40‬‬
‫(تمت لها �سنتان كاملتان)‬
‫ِعجالن‬ ‫‪69‬‬ ‫‪60‬‬
‫(تم لكل واحد منهما �سنة كاملة)‬
‫بقرة(تمت لها �سنتان كاملتان) ‪ +‬عجل (تم له �سنة كاملة)‬ ‫‪79‬‬ ‫‪70‬‬
‫�إذا بلغت ‪ 80‬فما فوق‪ ،‬ففي كل ‪ 30‬من البقر (عجل تم له �سنة‬
‫‪...‬‬ ‫‪80‬‬
‫كاملة)‪ ،‬وفي كل �أربعين (بقرة تمت لها �سنتان كاملتان)‪.‬‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬الغنم‪:‬‬
‫تجب الزكاة في الأغنام بكل �أنواعها من ال�ض�أن والمعز �إذا زاد عددها عن �أربعين كالتالي‪:‬‬
‫العدد‬
‫الواجب‬
‫من �إىل‬
‫�شاة‬ ‫‪120‬‬ ‫‪40‬‬
‫�شاتان‬ ‫‪200 121‬‬
‫ثالث �شياه‬ ‫‪399 201‬‬
‫�إذا بلغت ‪ 400‬فالزكاة يف كل مائة �شاة = �شاة واحدة‬
‫‪000 400‬‬
‫ففي ‪� 400‬شاة ‪� 4‬شياه‪ ،‬وفي ‪� 500‬شاة ‪� 5‬شياه وهكذا‬
‫‪157‬‬

‫لمن تصرف الزكاة؟‬


‫حدد الإ�سالم الم�صارف التي ت�صرف فيها الزكاة‪ .‬ويجوز للم�سلم �أن ي�ضعها في �صنف واحد �أو �أكثر من هذه‬
‫الأ�صناف‪� ،‬أو يعطيها للم�ؤ�س�سات والهيئات الخيرية التي تقوم بتوزيعها على م�ستحقيها من الم�سلمين‪ ،‬والأولى �أن‬
‫توزع في داخل البلد‪.‬‬
‫وأصناف المستحقين للزكاة كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬الفقراء والم�ساكين وهم من ال يجدون‬
‫كفايتهم من الأمور ال�ضرورية واالحتياجات‬
‫الأ�سا�سية‪.‬‬
‫‪ 2‬من يعملون على جباية الزكاة وتوزيعها‪.‬‬
‫‪ 3‬الرقيق الذي ي�شتري نف�سه من �سيده‬
‫فيعان ويعطى من الزكاة ليكون ح ًرا‪.‬‬
‫‪ 4‬من تحمل دي ًنا وال ي�ستطيع �سداده �سواء‬
‫كان الدين لم�صلحة عامة وعمل الخير للنا�س �أو‬
‫لم�صلحته الخا�صة‪.‬‬
‫‪ 5‬المجاهدون في �سبيل اهلل‪ ،‬وهم الذين‬
‫دفاعا عن دينهم و�أوطانهم ويدخل فيه‬ ‫يقاتلون ً‬
‫كل عمل فيه ن�شر للإ�سالم و�إعزاز لكلمة اهلل‪.‬‬
‫‪ 6‬الم�ؤلفة قلوبهم‪ ،‬وهم الكفار الذين �أ�سلموا‬
‫حدي ًثا �أو من يرجى �إ�سالمه من الكفار‪ ،‬وهذا‬
‫ال�صنف ال يعطى من قبل الأفراد و�إنما هي‬
‫وظيفة ولي �أمر الم�سلمين والم�ؤ�س�سات الخيرية‬
‫التي تق ّدر الم�صلحة في ذلك‪.‬‬
‫‪ 7‬الم�سافر الغريب الذي انقطعت به ال�سبل‬
‫الفقراء والم�ساكين �أول �صنف ذكرهم القر�آن‬ ‫واحتاج للمال حتى ولو كان يملك في بلده اً‬
‫مال‬
‫من الم�ستحقين للزكاة‬
‫كثي ًرا‪.‬‬
‫ال�صدَ َقاتُ ِل ْل ُف َق َرا ِء َوا ْل َم َ�ساكِ ينِ َوا ْل َعامِ لِينَ َع َل ْي َها َوا ْل ُم�ؤَ َّل َف ِة‬
‫قال اهلل تعالى مبي ًنا م�صارف الزكاة الواجبة‪� } :‬إ َّن َما َّ‬
‫ال�س ِب ِيل{ (التوبة ‪.) 60 :‬‬ ‫هلل َوا ْب ِن َّ‬ ‫ُق ُلو ُب ُه ْم َو ِفي ال ِّر َق ِ‬
‫اب َوا ْل َغا ِر ِمينَ َو ِفي َ�س ِب ِيل ا ِ‬
‫‪ 158‬حج المسلم‬
‫حج المسلم‬
‫احل ��ج �إىل مك ��ة ه ��و الرك ��ن اخلام�س م ��ن �أركان الإ�س�ل�ام‪،‬‬
‫وه ��و عبادة جتتم ��ع فيها �أنواع العب ��ادات البدنية والقلبية‬ ‫‪6‬‬
‫واملالي ��ة‪ ،‬ويجب �أدا�ؤه على القادر بدن ًيا ومال ًيا مرة واحدة‬
‫ا�س ِح � ُّ�ج ا ْل َب ْيتِ م َِن‬
‫ل َعلَ ��ى ال َّن ِ‬ ‫يف العم ��ر‪ .‬ق ��ال تعاىل‪َ } :‬و هلِ ِ‬
‫ْا�س� � َت َطا َع �إليه َ�س ِبيلاً َو َمنْ َك َف َر َف ِ�إ َّن ا َ‬
‫هلل َغ ِن ٌّي ع َِن ا ْل َعالمَ ِني{‬
‫(�آل عمران‪.)97 :‬‬
‫مقا�صد احلج‬ ‫ف�ضائل احلج‬ ‫ف�ضائل مكة‬
‫زيارة املدينة النبوية‬ ‫�صفة احلج‬ ‫معنى احلج‬
‫العمرة‬ ‫�أحوال اال�ستطاعة‬
‫‪ 160‬حج المسلم‬

‫الحـــج‬
‫فضائل مكة والمسجد الحرام‬

‫يقع الم�سجد الحرام في مكة المكرمة غرب الجزيرة العربية‪،‬‬


‫وله في الإ�سالم ف�ضائل كثيرة منها‪:‬‬

‫وقد ا�شترك ال ّنبي محمد �صلى اهلل عليه و�سلم مع‬ ‫‪� 1‬أن فيه الكعبة الم�شرفة‪:‬‬
‫قبائل مكة المكرمة في و�ضع الحجر الأ�سود في مكانه‬ ‫والكعبة هي بنا ٌء ُم َر َّب ٌع و ُم َك َّع ٌب تقري ًبا‪ ،‬وتقع في‬
‫حينما �أعادوا بناءها‪.‬‬ ‫و�سط الم�سجد الحرام بمكة المكرمة‪.‬‬
‫‪� 2‬أنه �أول م�سجد على وجه الأر�ض‪:‬‬ ‫يتوجه �إليها الم�سلمون حال‬ ‫وهي ال ِق ْب َل ُة التي َّ‬
‫ال�صالة وغيرها من العبادات التي �أمر اهلل بها‪.‬‬
‫ولما �س�أل ال�صحابي الجليل �أبو ذر ر�ضي اهلل عنه‬
‫َ‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬يا ر�سول اهلل �أي م�سجد‬ ‫وقد بناها �إبراهيم الخليل وابنه �إ�سماعيل عليهما‬
‫و�ضع في الأر�ض �أول؟ قال‪" :‬الم�سجد الحرام" قال‪:‬‬ ‫وج َّل‪ ،‬ثم ُجدِّ َد‬ ‫ال�صالة وال�سالم ب�أمر من اهلل َع َّز َ‬
‫قلت‪ :‬ثم �أي؟ قال‪" :‬الم�سجد الأق�صى" قلت‪ :‬كم كان‬ ‫بنا�ؤها مرا ًرا‪.‬‬
‫بينهما؟ قال‪�" :‬أربعون �سنة‪ ،‬ثم �أينما �أدركتك ال�صالة‬ ‫وج ّل‪َ } :‬و�إ ِْذ َي ْر َف ُع �إِ ْب َر ِاه ُيم ا ْل َق َو ِاعدَ‬ ‫قال اهلل َع َّز َ‬
‫ف�ص ِّله‪ ،‬ف�إن الف�ضل فيه" (البخاري ‪ ،3186‬م�سلم ‪.)520‬‬
‫بعد َ‬ ‫ال�س ِمي ُع‬
‫نت َّ‬ ‫ِمنَ ا ْل َب ْي ِت َو�إ ِْ�س َم ِاع ُيل َر َّب َنا َت َق َّب ْل ِم َّنا �إِ َّن َك �أَ َ‬
‫ا ْل َع ِليم{ (البقرة‪.)127 :‬‬
‫‪161‬‬

‫‪ 3‬م�ضاعفة �أجر ال�صلوات فيه‪:‬‬


‫فقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬صالة‬
‫في م�سجدي هذا ‪-‬يعني م�سجد المدينة‪� -‬أف�ضل‬
‫من �ألف �صالة فيما �سواه من الم�ساجد �إال الم�سجد‬
‫الحرام‪ ،‬و�صالة في الم�سجد الحرام �أف�ضل من �ألف‬
‫�صالة فيما �سواه" (ابن ماجه ‪� ،1406‬أحمد ‪.)14694‬‬
‫‪� 4‬أنها حرم اهلل ور�سوله‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى‪�} :‬إِ َّن َما �أُ ِم ْرتُ �أَنْ �أَ ْع ُبدَ َر َّب هَ ِذ ِه‬
‫ا ْل َب ْلدَ ِة ا َّل ِذي َح َّر َم َها َو َل ُه ُك ُّل َ�ش ْيءٍ َو�أُ ِم ْرتُ �أَنْ �أَ ُكونَ ِمنَ‬
‫ا ْل ُم ْ�س ِل ِمين{ (النمل‪.)91 :‬‬
‫دما‪� ،‬أو‬ ‫فمكة حرمها اهلل على خلقه �أن ي�سفكوا فيها ً‬
‫يظلموا فيها �أحدً ا‪� ،‬أو ي�صاد �صيدها‪� ،‬أو يقطع �شيء من‬
‫�أ�شجارها وح�شائ�شها‪.‬‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن مكة حرمها اهلل‪،‬‬
‫ولم يحرمها النا�س‪ ،‬فال يحل المرئ ي�ؤمن باهلل واليوم‬
‫الآخر �أن ي�سفك فيها دما‪ ،‬وال يع�ضد فيها �شجرة"‬
‫(البخاري ‪ ،104‬م�سلم ‪.)1354‬‬
‫‪� 6‬أن اهلل فر�ض الحج لبيته الحرام لمن ا�ستطاع‬ ‫‪� 5‬أنها �أحب البالد �إلى اهلل و�إلى ر�سوله محمد‬
‫�إليه �سبيال‪:‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫النا�س ب�أن يحجوا‪،‬‬ ‫فقد نادى �إبراهيم عليه ال�سالم َ‬ ‫قال �أحد ال�صحابة‪ :‬ر�أيت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬
‫فتوافد النا�س عليه من كل مكان‪ ،‬وحج �إليه الأنبياء‬ ‫و�سلم وهو على راحلته واق ًفا بالحزورة (وهو حي بمكة)‬
‫عليهم ال�سالم‪ ،‬كما �أخبر بذلك الر�سول �صلى اهلل‬ ‫يقول‪" :‬واهلل �إنك لخير �أر�ض اهلل و�أحب �أر�ض اهلل �إلى‬
‫عليه و�سلم‪ ،‬قال اهلل تعالى �إخبا ًرا عن �أمره لإبراهيم‪:‬‬ ‫خرجت منك ما خرجت" (الترمذي ‪،3925‬‬ ‫اهلل‪ ،‬ولوال �أني �أُ ِ‬
‫ُوك ر َِج اًال َو َع َلى ُك ِّل َ�ض ِام ٍر‬ ‫} َو�أَ ِّذنْ ِفي ال َّن ِ‬
‫ا�س ِبا ْل َح ِّج َي�أْت َ‬ ‫الن�سائي في الكبرى ‪.)4252‬‬
‫َي�أْتِينَ ِمنْ ُك ِّل َف ٍّج َعمِ يق{ (الحج‪.)27 :‬‬
‫‪ 162‬حج المسلم‬

‫معنى الحج‬
‫والحج هو ق�صد بيت اهلل الحرام لأداء المنا�سك‪ ،‬وهي �أفعال‬
‫و�أقوال جاءت عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كالإحرام والطواف‬
‫ال�صفا والمروة‬
‫بالبيت الحرام �سبع مرات وال�سعي �سبعا بين جبلي ّ‬
‫والوقوف في عرفة ورمي الجمرات بمنى وغير ذلك‪.‬‬
‫وفيه منافع عظيمة للعباد من �إعالن التوحيد هلل‪ ،‬والمغفرة‬
‫العظيمة التي تح�صل للحجاج‪ ،‬والتعارف بين الم�سلمين‪ ،‬وتع ّلم‬
‫�أحكام ال ّدين‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وقت الحج‪:‬‬
‫ترتكز �أعمال الحج بين اليوم الثامن والثالث ع�شر من �شهر‬
‫ذي الحجة‪ ،‬وهو ال�شهر الثاني ع�شر من الأ�شهر القمرية في التقويم الإ�سالمي‪.‬‬
‫على من يجب الحج؟‬
‫ي�شترط لوجوب الحج �أن يكون الم�سلم المكلف م�ستطي ًعا (ومعنى المكلف ‪ -‬كما �سبق ‪ -‬العاقل البالغ)‪.‬‬
‫ومعنى اال�ستطاعة‪:‬‬
‫�إمكان الو�صول �إلى البيت الحرام بالطرق ال�صحيحة والقانونية‪ ،‬و�أداء منا�سك الحج بال م�شقة عظيمة‬
‫زائدة على م�شقة ال�سفر العادية‪ ،‬مع الأمن على النف�س والمال‪ ،‬و�أن يكون ما يحتاجه لحجه من النفقة زائدً ا عن‬
‫حوائجه الأ�صلية ونفقات من يلزمه نفقتهم‪.‬‬

‫أحوال استطاعة المسلم للحج‬

‫‪� 1‬أن ي�ستطيع الحج بنف�سه‪ ،‬بمعنى �أن يكون قاد ًرا على الو�صول �إلى البيت بنف�سه دون م�شقة زائدة على‬
‫المعتاد‪ ،‬ولديه المال الكافي لذلك‪ ،‬فيجب عليه �أداء فري�ضة الحج بنف�سه‪.‬‬

‫‪� 2‬أن ي�ستطيع بغيره ال بنف�سه‪ ،‬وهو من ال يقدر الحج بنف�سه لمر�ض وكبر‪ ،‬ولكنه يجد من يحج عنه‪،‬‬
‫وي�ستطيع بذل المال له ليحج عنه‪ ،‬فيلزمه �أن يبذل المال لمن يحج عنه‪.‬‬

‫‪ 3‬من ال ي�ستطيع الحج بنف�سه وال بغيره فهذا ال يجب عليه الحج ما دام غير م�ستطيع‪ .‬مثل من لي�س‬
‫لديه المال الزائد عن احتياجاته ونفقته على �أهله الذي يكفيه لأداء الحج‪ ،‬وال يلزمه �أن يجمع المال‬
‫لي�ستطيع الحج‪ ،‬ولكن متى ما ح�صلت اال�ستطاعة وجب الحج‪.‬‬
‫‪163‬‬

‫اشتراط المحرم لحج المرأة‬


‫ي�شترط لوجوب الحج على المر�أة وجود ال َم ْح َرم‪ ،‬فال يجب الحج على المر�أة �إال �إن كان مراف ًقا لها في الحج‬
‫�أحد محارمها‪ ،‬وهم‪ :‬زوجها �أو من يحرم زواجه منها دائ ًما كالأب والجد واالبن وابن االبن والإخوة و�أبنائهم والعم‬
‫والخال‪( .‬انظر �ص‪)244‬‬
‫ف�إن حجت المر�أة بدون محرم بطريقة ت�أمن فيها على نف�سها �صح حجها و�أجز�أها ذلك‪.‬‬

‫فضائل الحج‬
‫ورد في الحج الكثير من الف�ضائل والخيرات‪،‬‬
‫هل لديك املال الكايف والقدرة البدنية على احلج ؟‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫نعم‬ ‫ال‬ ‫‪� 1‬أنه من �أف�ضل الأعمال‪ ،‬لما ُ�سئل النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪� :‬أي الأعمال �أف�ضل؟ قال‪�" :‬إيمان‬
‫باهلل ور�سوله" قيل‪ :‬ثم ماذا؟ قال‪" :‬جهاد في‬
‫يجب عليك احلج بنف�سك‪.‬‬ ‫�سبيل اهلل"‪ .‬قيل‪ :‬ثم ماذا؟ قال‪" :‬حج مبرور"‬
‫(البخاري ‪ ،1447‬م�سلم ‪.)83‬‬
‫‪ 2‬مو�سم عظيم للمغفرة‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪" :‬من حج فلم يرفث‪ ،‬ولم يف�سق‪ ،‬رجع‬
‫هل لديك املال الكايف ولكنك ال متلك القدرة البدنية‬
‫كيوم ولدته �أمه" (البخاري ‪ ،1449‬م�سلم ‪� ،)1350‬أي‬
‫على احلج ب�سبب مر�ضك الذي ال يتوقع �شفا�ؤه‬
‫رجع خال ًيا من الذنوب ك�أنه ولد لتوه‪.‬‬
‫�أو كرب �سنك؟‬
‫‪ 3‬فر�صة كبيرة للعتق من النار‪ ،‬قال الر�سول �صلى‬
‫نعم‬ ‫ال‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما من يوم �أكثر من �أن يعتق اهلل‬
‫فيه عبدًا من النار من يوم عرفة" (م�سلم ‪.)1348‬‬
‫‪� 4‬أن جزاءه الجنة‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"الحج المبرور لي�س له جزاء �إال الجنة" (البخاري‬
‫يجب عليك �أن تبذل املال‬
‫ملن يحج عنك‪.‬‬ ‫‪ ،1683‬م�سلم ‪.)1349‬‬
‫وهذه الف�ضائل وغيرها �إنما تكون لمن �صدقت‬
‫و�صلحت نيته‪ ،‬وطهرت �سريرته‪ ،‬و�صحت متابعته‬
‫�إذا كنت ال متلك املال الكايف للحج الزائد عن حاجاتك‬ ‫لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫وحاجات من تلزمك نفقتهم فال يجب عليك احلج وال‬
‫يلزمك �أن جتمع املال لت�ؤدي احلج‪.‬‬
‫‪ 164‬حج المسلم‬

‫صفة الحج‬

‫‪ 1‬يحرم الحاج يوم الثامن من ذي الحجة وهو بمكة فينوي الحج بقلبه‪� ،‬أي‪ :‬الدخول في عبادة الحج‪،‬‬
‫حجا" ويلبي بعدها معلنا العبودية والت�سليم واال�ستجابة للخالق �سبحانه دون‬
‫ويقول بل�سانه‪" :‬لبيك اللهم ًّ‬
‫ما �سواه قائلاً ‪" :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال �شريك لك لبيك‪�،‬إن الحمد والنعمة لك والملك‪ ،‬ال �شريك لك"‪.‬‬
‫ويلب�س ثياب الإحرام ‪ ،‬ويمتنع عن المحظورات التي ُيمنع المحرم من فعلها حتى يحل وينتهي كما في ال�صفحة‬
‫المقابلة‪.‬‬
‫‪ 2‬وي�شرع له بعد �أن يحرم يوم الثامن من �شهر ذي الحجة �أن يذهب �إلى منى ً‬
‫�ضحى‪ ،‬ويمكث ويبيت فيها‪،‬‬
‫وي�صلي بها الظهر والع�صر والمغرب والع�شاء والفجر‪ ،‬كل �صالة في وقتها بال جمع مع ق�صر الرباعية �إلى‬
‫ركعتين‪.‬‬
‫‪ 3‬في اليوم التا�سع من ذي الحجة يذهب �إلى عرفة بعد ال�شروق وي�صلي الظهر والع�صر جم ًعا وق�ص ًرا‬
‫ب�أذان واحد و�إقامتين‪ ،‬ثم يلهج النا�س بالدعاء واالنك�سار بين يدي اهلل‪ ،‬وهو �أعظم مواقف الحج حتى �أن‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أخبر �أن اهلل يباهي ب�أهل عرفات مالئكته لماهم عليه من دعاء وت�ضرع‬
‫و�إقبال على اهلل فيقول‪( :‬ه�ؤالء عبادي �أتوني �شع ًثا غب ًرا‪� ،‬أ�شهدكم �أني قد غفرت لهم) (�أحمد ‪.)7089‬‬
‫محظورات اإلحرام‪:‬‬
‫‪ 1‬حلق ال�شعر �أو تق�صيره ‪ ،‬ومثله ق�ص الأظافر ‪.‬‬
‫‪ 2‬ا�ستعمال الطيب والعطور �سواء في‬
‫ثوبه �أو بدنه ‪.‬‬
‫‪ 3‬الجماع و�إتيان الرجل لزوجته وكذلك‬
‫اللم�س والمبا�شرة �إذا كانت ل�شهوة‪.‬‬
‫‪ 4‬عقد النكاح �سواء كان المحرم رجال �أو‬
‫امر�أة ‪.‬‬
‫‪ 5‬يمنع المحرم من ال�صيد فال يجوز له‬
‫�صيد الطيور والحيوانات البرية‪.‬‬
‫‪ 6‬من المحظورات الخا�صة بالرجال‪:‬‬
‫• لب�س ما يف�صل الأع�ضاء على البدن‬
‫بحيث يكون لكل ع�ضو ما يحيط به‬
‫ويف�صله‪ ،‬كالقمي�ص والثوب وال�سراويل والبنطال ونحو ذلك‪.‬‬
‫• تغطية الر�أ�س ب�شيء مال�صق‪� ,‬أما ما يغطي الر�أ�س من �أ�سقف البنايات والمراكب والمظالت‬
‫فال ب�أ�س به‪.‬‬
‫‪ 7‬ومن المحظورات الخا�صة بالمر�أة ‪:‬‬
‫• النقاب وتغطية الوجه والم�شروع �أن تك�شف وجهها �إال �إذا م ّر الرجال غير المحارم بها ‪،‬‬
‫فيمكن لها �أن ت�ستر وجهها وال ي�ضرها �إذا م�س وجهها هذا الغطاء‪.‬‬
‫• لب�س القفازين‪.‬‬
‫ومن فعل �شي ًئا من هذه المحظورات نا�س ًيا �أو جاهلاً �أو مكرهًا ‪ ،‬فال �شيء عليه ‪ ،‬لقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫} َو َل ْي َ�س َعلَ ْي ُك ْم ُج َنا ٌح فِي َما �أَ ْخ َط�أْ ُت ْم ِب ِه َو َلكِنْ َما َت َع َّم َدتْ ُق ُلو ُب ُك ْم{ (الأحزاب‪ ، )5 :‬ولكن �إذا تذكر �أو علم‬
‫وجب عليه التخلي عن المحظور فو ًرا‪.‬‬
‫‪ 166‬حج المسلم‬

‫م�سجد الخيف ‪ ،‬وتظهر خيام الحجاج بمنى‪.‬‬

‫‪ 4‬ين�صرف من عرفة بعد غروب ال�شم�س بهدوء �إلى مزدلفة‪ ،‬في�صلي المغرب والع�شاء جم ًعا‪ ،‬ويبيت‬
‫بمزدلفة وي�صلي بها الفجر‪ ،‬وي�سن له �أن يذكر اهلل ويدعوه حتى يظهر النور قبل الإ�شراق‪ ،‬ويجوز الخروج‬
‫من مزدلفة بعد منت�صف الليل للن�ساء وال�ضعفاء وكبار ال�سن ومن في رفقتهم‪.‬‬
‫‪ 5‬ين�صرف من مزدلفة قبل ال�شروق �إلى منى وهذا يوم العيد‪ ،‬وي�شرع للحاج يوم العيد عدد من �أفعال‬
‫الحج‪:‬‬
‫• �أن يرمي الجمرة الكبرى ب�سبع ح�صيات مكب ًرا مع كل ح�صاة‪ ،‬والجمار هي الموا�ضع التي تعر�ض فيها‬
‫ال�شيطان لأبي الأنبياء �إبراهيم عليه ال�سالم فرماه �إبراهيم عليه ال�سالم ب�سبع ح�صيات‪ ،‬وقد �شرع اهلل‬
‫لنا ذلك فنفعله تعبدً ا هلل عز وجل وت�سلي ًما لما �أمرنا به‪ ،‬واقتداء بر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الذي‬
‫فعلها‪ ،‬ولنعطي نفو�سنا دع ًما لمواجهة ال�شيطان واالنحراف في نفو�سنا واختياراتنا‪.‬‬
‫• يذبح هديه بمنى �أو بمكة يوم العيد ويمتد الوقت ثالثة �أيام بعده وي�أكل ويهدي ويت�صدق‪ ،‬ويجب الهدي‬
‫على من �أتى بعمرة �أثناء الحج �أو قبله في �أ�شهر الحج‪ ،‬ف�إن لم يمتلك ثمن الهدي �صام ثالثة �أيام في الحج‬
‫و�سبعة �إذا رجع �إلى �أهله‪ ،‬ويمكن للحاج �أن يو ِّكل جهة موثوقة بذبح هديه وتوزيعه للمحتاجين‪.‬‬
‫• يحلق �شعره �أو يق�صره وبهذا يتحلل التحلل الأول‪ ،‬فيجوز له كل �شيء حرم عليه بالإحرام �إال زوجته‪.‬‬
‫• يتوجه �إلى مكة ليطوف طواف الإفا�ضة �سبع مرات حول الكعبة الم�شرفة‪ ،‬وهو �أحد �أركان الحج‪ ،‬ثم‬
‫ي�سعى بعده �سعي الحج‪ ،‬وبالطواف يكون قد تحلل من كل محظورات الإحرام فيحل له كل �شيء حرم عليه‬
‫ب�سبب الإحرام حتى زوجته‪ ،‬ويمكن له ت�أخير الطواف عن يوم العيد �إذا �شق عليه‪.‬‬
‫‪167‬‬

‫‪ 6‬ثم يرجع �إلى منى فيبيت بها ليلتين‬


‫للمتعجل �أو ثالث ليال للمت�أخر ي�شرع له‬
‫فيها كل يوم بعد زوال ال�شم�س �أن يرمي‬
‫الجمرات الثالث‪ :‬ال�صغرى (الأقرب �إلى‬
‫م�سجد الخيف) ثم الو�سطى ثم الكبرى‬
‫(التي كان قد رماها يوم العيد)‪.‬‬
‫‪ 7‬و�إذا �أراد الخروج من مكة لزمه قبل‬
‫�سفره �أن يطوف للوداع ليكون �آخر عهده‬
‫بالبيت الطواف بالكعبة الم�شرفة‪.‬‬
‫وي�سقط هذا الطواف عن المر�أة �إذا كانت‬
‫ً‬
‫حائ�ضا‪.‬‬

‫العمرة‬
‫وهي التعبد هلل بالإحرام والطواف‬
‫بالكعبة �سبع مرات وال�سعي بين ال�صفا‬
‫والمروة �سبع مرات ثم الحلق �أو التق�صير‪.‬‬
‫حكمها‪ :‬هي واجبة على الم�ستطيعين‬
‫مرة في العمر‪ ،‬وي�ستحب تكرارها‪.‬‬
‫وقتها‪ :‬يجوز �أدا�ؤها طوال العام‪ ،‬ولكنها‬
‫في �شهر رم�ضان لها �أجر م�ضاعف كما قال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬عمرة في رم�ضان‬
‫تق�ضي حجة معي" (البخاري ‪.)1863‬‬
‫‪ 168‬حج المسلم‬

‫مقاصد الحج‬
‫للحج مقا�ص ـ ــد وغايات عظيمة في النف ــ�س والمجتم ــع‪ ،‬ولهذا قال تعالى بعد �أن ذكر ما يجب على الحاج من‬
‫هلل ُل ُحو ُم َها َو اَل ِد َما�ؤُهَ ا َو َل ِكنْ َي َنا ُل ُه ال َّت ْق َوى ِم ْن ُك ْم{‬
‫الهدي الذي يذبحه الحاج تقر ًبا �إلى اهلل يوم النحر‪َ } :‬لنْ َي َن َال ا َ‬
‫(الحج‪ .)37 :‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إنما جعل الطواف بالبيت وبين ال�صفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر‬
‫اهلل" (�أبو داود ‪.)1888‬‬
‫ومن هذه الغايات والمقا�صد‪:‬‬
‫‪� 1‬إظهار التذلل والخ�ضوع هلل‪:‬‬
‫وذلك لأن الحاج يرف�ض �أ�سباب الترف والتزين‪ ،‬ويلب�س ثياب الإحرام مظه ًرا فقره لربه‪ ،‬ويتجرد عن الدنيا‬
‫�ضارعا لربه حامدً ا‬
‫ً‬ ‫و�شواغلها التي ت�صرفه عن الخلو�ص لمواله‪ ،‬فيتعر�ض بذلك لمغفرته ورحماه‪ ،‬ثم يقف في عرفة‬
‫�شاك ًرا نعماءه وف�ضله‪ ،‬وم�ستغف ًرا لذنوبه وعثراته‪.‬‬
‫‪� 2‬شكر النعمة‪:‬‬
‫يتمثل ال�شكر في �أداء فري�ضة الحج من جهتين‪� :‬شكر على نعمة المال‪ ،‬و�شكر على �سالمة البدن‪ ،‬وهما �أعظم ما‬
‫يتمتع به الإن�سان من نعم الدنيا‪ ،‬ففي الحج �شكر هاتين النعمتين العظيمتين‪ ،‬حيث يجهد الم�سلم نف�سه وينفق ماله‬
‫في طاعة ربه والتقرب �إليه �سبحانه‪ ،‬وال �شك �أن �شكر النعمة واجب تقرره بداهة العقول وتفر�ضه �شريعة الدين‪.‬‬

‫الحج رحلة �إيمانية ُيظهر فيها العبد ت�ضرعه وافتقاره �إلى اهلل ويحقق فيها معاني التقوى والعبودية‪ ،‬وتعلم �أحكام‬
‫الحج يجنب الم�سلم كثي ًرا من الم�شاق التي لم يكلفنا اهلل بها‪.‬‬
‫‪169‬‬

‫‪ 3‬اجتماع الم�سلمين‪:‬‬
‫يجتمع الم�سلمون من �أقطار الأر�ض‬
‫في الحج‪ ،‬فيتعرف بع�ضهم على بع�ض‪،‬‬
‫بع�ضا‪ ،‬هناك تذوب الفوارق‬‫وي�ألف بع�ضهم ً‬
‫بين النا�س‪ ،‬فوارق الغنى والفقر‪ ،‬فوارق‬
‫الجن�س واللون‪ ،‬فوارق الل�سان واللغة‪ ،‬تتحد كلمة‬
‫الم�سلمين في �أعظم م�ؤتمر ب�شري اجتمعت كلمة‬
‫�أ�صحابه على البر والتقوى وعلى التوا�صي بالحق‬
‫والتوا�صي بال�صبر‪ ،‬هدفه العظيم ربط �أ�سباب الحياة‬
‫ب�أ�سباب ال�سماء‪.‬‬
‫‪ 4‬تذكير باليوم الآخر‪:‬‬
‫فالحج يذ ّكر الم�سلم بيوم اللقاء وذلك �إذا تجرد‬
‫محرما ووقف ب�صعيد عرفات‬ ‫ً‬ ‫الحاج من ثيابه ولبى‬
‫ور�أى كثرة النا�س ولبا�سهم واحد ي�شبه الأكفان‪ ،‬فهنا‬
‫يجول بخاطره مواقف �سيتعر�ض لها الم�سلم بعد‬
‫وفاته فيدعوه ذلك لال�ستعداد لها و�أخذ الزاد قبل‬
‫لقاء اهلل‪.‬‬
‫‪� 5‬إظهار توحيد اهلل عز وجل‬
‫و�إفراده بالعبادة بالقول والفعل‪:‬‬
‫ف�شعار الحجاج هو التلبية (لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال �شريك لك لبيك‪�،‬إن الحمد والنعمة لك والملك‪ ،‬ال �شريك‬
‫لك)‪ ،‬ولهذا قال �أحد ال�صحابة في و�صف تلبية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪":‬ف�أهل بالتوحيد" (م�سلم ‪ ،)1218‬ويظهر‬
‫التوحيد جل ًيا في كل �شعائر الحج و�أفعاله و�أقواله‪.‬‬
‫‪ 170‬حج المسلم‬

‫زيارة المدينة النبوية‬


‫عظم �شرف المدينة المنورة المباركة بهجرة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إليها‪ ،‬حتى ف�ضلت‬ ‫لقد ُ‬
‫على �سائر بقاع الأر�ض بعد مكة المكرمة وزيارتها م�شروعة في كل وقت ولي�ست مرتبطة بفري�ضة الحج‪ ،‬قال‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال ت�شد الرحال �إال �إلى ثالثة م�ساجد‪ :‬الم�سجد الحرام‪ ،‬وم�سجدي هذا‪ ،‬والم�سجد‬
‫الأق�صى" (البخاري ‪ ،1139‬م�سلم ‪�،1397‬أبو داود ‪.)2033‬‬

‫فضائل المدينة‬
‫للمدينة ف�ضائل كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ 1‬وجود الم�سجد النبوي فيها‪:‬‬
‫وقد كان �أول ما فعله النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ل َّما قدم المدينة بناء الم�سجد النبوي ال�شريف الذي �صار‬
‫مركزً ا للعلم والدعوة ون�شر الخير بين النا�س‪ .‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬صالة في م�سجدي هذا خير من‬
‫�ألف �صالة فيما �سواه �إال الم�سجد الحرام" (البخاري ‪ ،1133‬م�سلم ‪.)1394‬‬
‫‪� 2‬أنها حرم �آمن‪:‬‬
‫فقد حرمها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بوحي من اهلل فال يراق فيها دم‪ ،‬وال يحمل فيها �سالح‪ ،‬وال يروع فيها‬
‫�أحد‪ ،‬وال يقطع فيها �شجر وغير ذلك مما يدخل في تحريمها‪،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يختلى خالها‪ ،‬وال‬
‫ينفر �صيدها‪ ،‬وال تلتقط لقطتها �إال لمن �أ�شار بها‪ ،‬وال تقطع منها �شجرة �إال �أن يعلف رجل بعيره‪ ،‬وال يحمل فيها‬
‫ال�سالح لقتال" (البخاري ‪� ,1736‬أبو داود ‪� ,2035‬أحمد ‪.)959‬‬
‫‪171‬‬

‫‪ 3‬المباركة في الرزق والثمار وطيب العي�ش‪:‬‬


‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪" :‬اللهم بارك لنا في ثمرنا‪ ،‬وبارك لنا في مدينتنا‪ ،‬وبارك لنا في �صاعنا‪ ،‬وبارك لنا‬
‫في ُمدنا‪ ،‬اللهم �إن �إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك و�إني عبدك ونبيك‪ ،‬و�إنه دعاك لمكة‪ ،‬و�إني �أدعوك للمدينة‬
‫بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه" (م�سلم ‪.)1373‬‬
‫‪ 4‬حفظ اهلل لها من الطاعون والدجال‪:‬‬
‫قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬على �أنقاب المدينة مالئكة ال يدخلها الطاعون وال الدجال" (البخاري‬
‫‪ ,1781‬م�سلم ‪.)1379‬‬
‫‪ 5‬ف�ضيلة �سكناها والعي�ش والموت فيها‪:‬‬
‫فقد وعد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم من �صبر على‬
‫�شدة المدينة و�ضيق عي�شها بال�شفاعة يوم القيامة‪،‬‬
‫فعن �سعد بن �أبي وقا�ص ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬قال‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬المدينة خير‬
‫لهم لو كانوا يعلمون ال يدعها �أحد رغبة عنها �إال‬
‫�أبدل اهلل فيها من هو خير منه‪ ،‬وال يثبت �أحد على‬
‫لأوائها وجهدها �إال كنت له �شفيعا �أو �شهيدا يوم‬
‫القيامة" (م�سلم ‪.)1363‬‬
‫توفي النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بالمدينة‪ ،‬ودفن‬ ‫وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من‬
‫في بيت عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫ا�ستطاع �أن يموت بالمدينة فليمت بها‪ ،‬ف�إني �أ�شفع‬
‫لمن يموت بها" (الترمذي ‪ ,3917‬ابن ماجه ‪.)3112‬‬
‫‪ 6‬المدينة كهف الإيمان وتنفي ال�سوء والخبث عنها‪:‬‬
‫فالإيمان يلج�أ �إليها مهما �ضاقت به البالد‪ ،‬والأخباث والأ�شرار ال مقام لهم فيها وال ا�ستمرار‪ ،‬قال ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن الإيمان لي�أرِز �إلى المدينة كما ت�أرِز الحية �إلى جحرها" (البخاري ‪ ,1777‬م�سلم ‪،)147‬‬
‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪..." :‬والذي نف�سي بيده ال يخرج منهم �أحد رغبة عنها �إال �أخلف اهلل فيها خي ًرا‬
‫منه‪� ،‬أال �إن المدينة كالكير‪ ،‬تخرج الخبث ال تقوم ال�ساعة حتى تنفي المدينة �شرارها كما ينفي الكير خبث‬
‫الحديد"(م�سلم ‪.)1382‬‬
‫‪ 7‬تنفي الذنوب والأوزار‪:‬‬
‫عن زيد بن ثابت ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إنها ‪�-‬أي المدينة‪ -‬طيبة تنفي‬
‫الذنوب كما تنفي النار خبث الف�ضة" (البخاري ‪.)3824‬‬
‫‪ 172‬حج المسلم‬

‫ما الذي يشرع زيارته في المدينة النبوية؟‬


‫ينبغي �أن يكون مق�صد الم�سلم من زيارة المدينة زيارة م�سجد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وال�صالة فيه‪،‬‬
‫ف�إذا جاء المدينة �شرع له ق�صد �أمور منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ال�صــــالة في الرو�ضــــة ال�شريفــــــة‪ :‬وهي منطقة محددة في مقدمة الم�سجد بين بيت النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم ومنبره‪ ،‬فلل�صالة هنالك ف�ضل عظيم‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما بين بيتي ومنبري‬
‫رو�ضة من ريا�ض الجنة" (البخاري ‪ ،1137‬م�سلم ‪.)1390‬‬
‫‪ 2‬ال�سالم على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬فيذهب �إلى قبر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فيقف �أمام‬
‫قبره م�ستقبال له والقبلة خلفه‪ ،‬ويقول ب�أدب وخف�ض �صوت‪ :‬ال�سالم عليك يا ر�سول اهلل ورحمة اهلل وبركاته‪،‬‬
‫�أ�شهد �أنك قد بلغت الر�سالة‪ ،‬و�أديت الأمانة‪ ،‬ون�صحت الأمة‪ ،‬وجاهدت في اهلل حق جهاده‪ ،‬فجزاك اهلل عن‬
‫�أمتك �أف�ضل ما جزى نب ًيا عن �أمته‪ .‬وقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما من �أحد ي�سلم علي �إال رد‬
‫اهلل علي روحي حتى �أرد عليه ال�سالم" (�أبو داود ‪.)2041‬‬
‫ثم يتجه نحو اليمين لي�سلم على �أبي بكر ال�صديق ر�ضي اهلل عنه خليفة ر�سول اهلل و�أف�ضل ال�صحابة بعده‪.‬‬
‫ثم يتنحى يمي ًنا لي�سلم على عمر ر�ضي اهلل عنه وهو الخليفة الثاني بعد ر�سول اهلل و�أف�ضل �صحابته بعد �أبي بكر‪.‬‬
‫ور�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وهو �أف�ضل الب�شر ال يملك لأحد نف ًعا وال �ض ًرا‪ ،‬فال يجوز دعا�ؤه �أو اال�ستغاثة به‬
‫بل الدعاء وجميع �أنواع العبادة هلل وحده ال �شريك له‪.‬‬

‫‪ 3‬زيارة م�سجد قباء‪ :‬وهو �أول‬


‫م�سجد بني في الإ�سالم قبل‬
‫�أن يبني النبي �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم م�سجده‪ ،‬وي�ستحب لمن‬
‫كان بالمدينة �أن يزور م�سجد‬
‫قباء‪ ،‬وقد كان ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم يزوره‪ ،‬وقال‬
‫أي�ضا‪" :‬من تطهر في بيته ثم‬‫� ً‬
‫�أتى م�سجد قباء ف�صلى فيه‬
‫�صالة كان له ك�أجر عمرة"‬
‫(ابن ماجه ‪.)1412‬‬
‫‪173‬‬

‫‪ 4‬زيارة مقربة البقيع‪ :‬وهي املقربة التي دفن فيها �أغلب ال�صحابة الكرام‪ ،‬وكان ر�سول اهلل يزورها ويدعو‬
‫لأهلها‪ ،‬وي�شرع للم�سلم �إذا قدم املدينة �أن يزورها‪ ،‬وي�سلم على املوتى‪ ،‬ويدعو لهم مبا ورد عن النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وملَّا �س�ألت عائ�شة ر�ضي اهلل عنها ر�سول اهلل عن امل�شروع لها عند زيارتهم‪ ،‬قال‪" :‬قويل‪:‬‬
‫ال�سالم على �أهل الديار من امل�ؤمنني وامل�سلمني ويرحم اهلل امل�ستقدمني منا وامل�ست�أخرين و�إنا �إن �شاء اهلل‬
‫بكم لالحقون" (م�سلم ‪.)974‬‬
‫بالتم�سح بالقبور �أو التربك بها‪ ،‬ولو كان يف ذلك خري ل�سبقنا �إليه ال�صحابة‬ ‫ُّ‬ ‫ويحذر امل�سلم من االنحراف واالبتداع‬
‫والتابعون‪ ،‬واملوتى ال ميلكون لأحد نف ًعا وال �ض ًرا فال يجوز دعا�ؤهم �أو اال�ستغاثة بهم فجميع �أنواع الدعاء توجه ملن‬
‫بيده ملكوت ال�سماوات والأر�ض } َو�إ َِذا َ�س�أَ َل َك ِع َبا ِدي َع ِّني َف ِ�إ يِّن َق ِر ٌ‬
‫يب �أُ ِج ُ‬
‫يب د َْع َو َة ال َّدا ِع ِ�إ َذا د ََع ِان َف ْل َي ْ�ست َِجي ُبوا يِل‬
‫َو ْل ُي�ؤ ِْم ُنوا ِبي َل َع َّل ُه ْم َي ْر ُ�شدُونَ { (البقرة‪.)186 :‬‬
‫‪ 5‬زيارة مقبرة �شهداء �أحد‪ :‬وهي المقبرة التي دفن فيها ال�شهداء عند جبل �أحد‪ ،‬وقد ا�ست�شهد عدد من‬
‫ال�صحابة ودفن فيها‪ ،‬منهم حمزة بن عبد المطلب وم�صعب بن عمير ر�ضي اهلل عنهم‪ ،‬وكان ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم يزورهم ويدعو لهم‪.‬‬
‫وي�شرع لزائر املدينة �أن يزور املقربة وي�سلم على �أ�صحابها ويدعو لهم‪ ،‬وال ي�شرع التعبد ب�صعود جبل �أحد �أو جبل‬
‫الرماة‪ ،‬وال مانع من تذاكر غزوة �أحد وما َّمت فيها من �أحداث‪ ،‬و�شرح الغزوة على �أر�ض الواقع‪.‬‬

‫مقبرة ال�شهداء حيث دُفن �سبعون من‬


‫ال�صحابة‪ ،‬ويظهر خلفها جبل �أحد‪.‬‬
‫‪ 174‬الموت والجنازة‬
‫‪175‬‬

‫الموت والجنازة‬
‫امل ��وت لي� ��س نهاية الأمر ولكنه مرحلة جديدة للإن�س ��ان‬
‫وبداي ��ة للحياة الكاملة يف الآخ ��رة وكما حر�ص الإ�سالم‬
‫‪7‬‬
‫عل ��ى رعاية احلق ��وق منذ الوالدة فقد �أك ��د على الأحكام‬
‫التي حتفظ حقوق امليت وتراعي حال �أهله و�أقاربه‪.‬‬

‫زيارة املقابر‬ ‫من يقوم بالتغ�سيل‬ ‫حقيقة املوت واحلياة‬


‫الو�صية‬ ‫�صالة اجلنازة‬ ‫عند االحت�ضار‬
‫املرياث‬ ‫مكان �صالة اجلنازة‬ ‫غ�سل امليت‬
‫‪ 176‬الموت والجنازة‬

‫الموت والجنازة‬
‫حقيقة الموت والحياة‬

‫خلقنا اهلل عز وجل و�أوجدنا في هذه الحياة الدنيا ليبلونا ويختبرنا‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ا َّل ِذي‬
‫َخ َلقَ ا ْل َم ْوتَ َوا ْل َح َيا َة ِل َي ْب ُل َو ُك ْم �أَ ُّي ُك ْم �أَ ْح َ�سنُ َع َم اًل{ (الملك‪ )2 :‬فمن �آمن واتقى دخل الجنة ‪ ،‬ومن اختار ال�ضالل‬
‫واالنحراف دخل النار‪.‬‬
‫وحياة المرء في هذه الحياة مهما‬
‫طالت فهي منتهية زائلة‪ ،‬والبقاء والخلود‬
‫والحياة الأبدية في الآخرة‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪َ } :‬و ِ�إنَّ ال َّدا َر ْال ِآخ َر َة َلهِ َي ا ْل َح َي َوانُ َل ْو‬
‫َكا ُنوا َي ْع َل ُمونَ { (العنكبوت‪.)64 :‬‬
‫و�أف�ضل الخلق عند اهلل‪ :‬ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬قال له اهلل عز وجل‬
‫�إنك �ستموت كما يموت النا�س والجميع‬
‫يوم القيامة بين يدي اهلل ليف�صل بينهم‬
‫}�إِ َّن َك َميِّتٌ َو�إِ َّن ُهم َّم ِّيتُونَ ُث َّم ِ�إ َّن ُك ْم َي ْو َم‬
‫َ�ص ُمونَ { (الزمر‪:‬‬ ‫ا ْل ِق َي َام ِة ِعندَ َر ِّب ُك ْم تَخْ ت ِ‬
‫‪.)31-30‬‬
‫وقد و�صف لنا ر�سول اهلل �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم حال الدنيا وق�صرها مقارنة‬
‫بالآخرة ب�أنه كم�سافر ا�ستراح ونام‬
‫قليال تحت ظل �شجرة ثم ذهب وتركها‪.‬‬
‫(الترمذي ‪ ،2377‬ابن ماجه ‪.)4109‬‬
‫كما ق�ص اهلل لنا و�صية يعقوب عليه‬
‫ال�سالم لأبنائه حينما قال‪�} :‬إِنَّ ا َ‬
‫هلل‬
‫ا�ص َط َفى َل ُك ُم الدِّ ينَ َفلاَ َت ُمو ُتنَّ �إِلاَّ َو�أَنتُم‬ ‫ْ‬
‫ُّم ْ�س ِل ُمونَ { (البقرة‪.)132 :‬‬
‫ما الدنيا �إال رحلة ق�صيرة �إلى الدار الآخرة‬
‫‪177‬‬

‫و�إذا كان �أحد ال يعلم متى يحين �أجله الذي قدره له اهلل عز وجل‬
‫و�أين يكون ذلك وال يملك �أحد تغييره فعلى العاقل �أن يملأ �أيامه‬
‫و�ساعاته بالخير وال�صالح والديانة؛ لأنه كما قال تعالى‪َ } :‬و ِل ُك ِّل �أُ َّم ٍة‬
‫�أَ َج ٌل َف�إ َِذا َجا َء �أ َ َج ُل ُه ْم لاَ َي ْ�س َت ْ�أ ِخ ُرونَ َ�س َاع ًة َولاَ َي ْ�س َتق ِْد ُمونَ { (الأعراف‪.)34 :‬‬
‫وكل من مات بخروج روحه عن ج�سده فقد قامت قيامته وابتد�أ رحلته‬
‫في الدار الآخرة والتي هي من علم الغيب فال يمكن للعقل الب�شري معرفة‬
‫كيفياتها على التف�صيل (انظر‪.)77‬‬
‫وكما �أن ال�شرع قد راعى الأحكام والآداب للإن�سان منذ والدته ثم ن�ش�أته‬
‫وطفولته‪ ،‬ف�إنه قد �شرع لنا من الأحكام والآداب ما يحفظ حقوق الميت‪ ،‬ويراعي حال �أهله و�أقاربه‪ ،‬فالحمد هلل‬
‫الذي �أكمل الدين‪ ،‬و�أتم النعمة‪ ،‬وهدانا لهذا الدين العظيم‪.‬‬

‫عند االحتضار‬
‫ينبغي لمن زار ً‬
‫مري�ضا �أن يدعو له بال�شفاء والعافية و�أن يكون ذلك المر�ض تطهي ًرا للذنوب وتكفي ًرا للخطايا كما‬
‫كان �صلى اهلل عليه و�سلم يقول للمري�ض‪" :‬ال ب�أ�س‪ ،‬طهور �إن �شاء اهلل" (البخاري ‪.)3616‬‬
‫وعليه اختيار الألفاظ والعبارات التي تدعم المري�ض لمقاومة الداء والتماثل لل�شفاء‪ ،‬وا�ستغالل المواقف‬
‫المنا�سبة للدعوة �إلى اهلل‪ ،‬وتذكير المري�ض باهلل واليوم الآخر بالحكمة والموعظة الح�سنة‪ ،‬وقد �ضرب ر�سول اهلل‬
‫�أعظم الأمثلة لذلك‪ ،‬كما يروي لنا �أحد ال�صحابة الكرام‪" :‬كان غالم يهودي يخدم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬
‫فمر�ض ف�أتاه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يعوده فقعد عند ر�أ�سه‪ ،‬فقال له‪� " :‬أ�سلم" فنظر �إلى �أبيه وهو عنده‪ ،‬فقال‬
‫َ‬
‫له‪ِ � :‬أطع �أبا القا�سم‪ ،‬ف�أ�سلم‪ ،‬فخرج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وهو يقول‪ " :‬الحمد هلل الذي �أنقذه من النار"‬
‫(البخاري ‪.)1260‬‬
‫ف�إن بدت �أمارات قرب الأجل والموت على المري�ض في�ستحب تلقينه وت�شجيعه لقول كلمة التوحيد ومفتاح الجنة‬
‫(ال �إله �إال اهلل) بحكمة و�أ�سلوب منا�سب‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬لقنوا موتاكم ال �إله �إال اهلل" (م�سلم ‪.)916‬‬
‫وهي �أعظم ما يقوله المرء في حياته وعند مماته‪ ،‬ومن وفق لتكون �آخر كالمه فقد نال �شر ًفا عظي ًما‪ ،‬كما قال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من كان �آخر كالمه من الدنيا "ال �إله �إال اهلل" دخل الجنة" (�أبو داود ‪.)3118‬‬
‫‪ 178‬الموت والجنازة‬

‫بعد الموت‬

‫�إذا ثبت الموت وفارقت الروح الج�سد في�ستحب فعل عدد من الأمور‪:‬‬
‫‪� 1‬إغما�ض عينـــي الميـــــــت برفق‬
‫إكراما له‪.‬‬
‫� ً‬
‫‪ 2‬ال�صبر وتمالك النف�س وعدم‬
‫االن�سياق لرفع ال�صوت بالبكاء‬
‫والنياحة‪ ،‬وت�صبير �أهل الميت و�أقاربه‪،‬‬
‫وقد �أمر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫�أحد بناته لما مات وليدها بال�صبر‬
‫واالحت�ساب (البخاري ‪ ،1284‬م�سلم ‪.)923‬‬
‫‪ 3‬الدعاء له بالرحمة والمغفرة‬
‫ولأهله بال�صبر وال�سلوان‪.‬‬
‫ي�سن �إغما�ض عيني الميت عند وفاته‬
‫كما فعل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مع‬
‫�أبي �سلمة ‪-‬وهو �أحد ال�صحابة الكرام‪ -‬عندما توفي‪ ،‬فقال‪�" :‬إن الروح �إذا ُقب�ض تبعه الب�صر" ثم قال‪" :‬اللهم‬
‫اغفر لأبي �سلمة‪ ،‬وارفع درجته في المهديين‪ ،‬واخلفه في عقبه في الغابرين‪ ،‬واغفر لنا وله يا رب العالمين‪،‬‬
‫واف�سح له في قبره‪ ،‬ونور له فيه"(م�سلم ‪.)920‬‬
‫‪ 4‬الإ�سراع في تجهيز الميت وتغ�سيله وال�صالة عليه ودفنه‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أ�سرعوا‬
‫بالجنازة‪ ،‬ف�إن تك �صالحة فخير تقدمونها �إليه‪ ،‬و�إن تكن غير ذلك ف�شر ت�ضعونه عن رقابكم" (البخاري‬
‫‪ ،1315‬م�سلم ‪.)944‬‬
‫‪� 5‬إعانة �أهل الميت وم�ساعدتهم بالقيام ببع�ض �أعبائهم‪ ،‬وقد �أمر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أن ُي�صنع‬
‫الطعام لأهل ابن عمه جعفر بن �أبي طالب لما قتل ر�ضي اهلل عنه فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ا�صنعوا‬
‫لآل جعفر طعاما ف�إنه قد �أتاهم �أمر �شغلهم" (�أبو داود ‪ ،3132‬الترمذي ‪ 998‬و�صححه‪ ،‬ابن ماجه ‪.)1610‬‬
‫‪179‬‬

‫غسل الميت‬
‫يجب غ�سل الميت قبل تكفينه ودفنه‪ ،‬ويقوم بالغ�سل �أحد �أهله �أو �أقاربه �أو غيرهم من‬
‫الم�سلمين‪ ،‬وقد ُغ ِّ�سل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لما مات وهو الطاهر المطهر‪.‬‬

‫طريقة الغسل‪:‬‬
‫يكفي في غ�سل الميت �أن يعمم جميع الج�سد بالماء‪،‬‬
‫وتزال منه النجا�سة �إن وجدت‪ ،‬مع العناية ب�ستر عورته‬
‫عند الغ�سل‪.‬‬
‫وي�ستحب �أن تراعى الأمور التالية‪:‬‬
‫‪� 1‬أن ت�ستر عورته ما بين �سرته وركبته‪ ،‬وذلك‬
‫بعد تجريده من مالب�سه‪.‬‬
‫‪� 2‬أن ي�ضع الغا�سل قفا ًزا �أو خرقة على‬
‫يده‪ ،‬وهو يغ�سل عورة الميت‪.‬‬
‫‪ 3‬يبتدئ ب�إزالة الأذى والنجا�سة عن الميت‪.‬‬
‫‪ 4‬ثم يغ�سل �أع�ضاء الو�ضوء بالترتيب‬
‫الم�شهور‪.‬‬
‫‪ 5‬ثم يغ�سل الر�أ�س وبقية الج�سد‪ ،‬وي�ستحب‬
‫�أن يغ�سله بال�سدر (وهو ورق النبق)‪� ،‬أو بال�صابون‬
‫ثم يفي�ض عليه الماء بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ 6‬ي�ستحب �أن يغ�سل ال�شق الأيمن‪ ،‬ثم الأي�سر‪.‬‬
‫‪ 7‬ي�ستحب تكرار الغ�سل ثال ًثا �أو �أكثر �إن‬
‫احتيج �إلى ذلك‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫للن�ساء الالتي كن يغ�سلن ابنته زينب ر�ضي اهلل‬
‫يعمم ج�سد الميت بالماء مع العناية ب�ستر عورته‬
‫عنها‪" :‬اغ�سلنها ثال ًثا �أو خم�سً ا �أو �أكثر من ذلك‬
‫�إن ر�أيتن ذلك" (البخاري ‪.)1195‬‬
‫‪ 180‬الموت والجنازة‬

‫‪ 8‬يمكن و�ضع قما�ش وقطن ونحو ذلك في الدبر والقبل والأذنين والأنف والفم؛ حتى ال يخرج منه �شيء من‬
‫نجا�سة �أو دم‪.‬‬
‫‪ 9‬ي�ستحب تطييب الميت �أثناء غ�سله وبعد غ�سله‪ ،‬وقد �أمر ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الالتي كن‬
‫يغ�سلن ابنته زينب �أن يجعلن في �آخر غ�سلة كافو ًرا (وهو نوع من الطيب) (البخاري ‪ ، 1195‬م�سلم ‪.)939‬‬

‫ي�ستحب غ�سل الميت بورق ال�سدر المجفف والمخلوط بالماء‪� ،‬أو ب�أي �صابون �أو منظف ال ي�ؤذي‬

‫من يقوم بالتغسيل‬

‫‪� 1‬إذا و�صى الميت �أن يغ�سله فالن ُنفذت و�صيته ‪.‬‬
‫‪ 2‬الذكور والإناث دون ال�سابعة‪ ،‬يجوز �أن يغ�سل اً‬
‫كل منهما الرجال �أو الن�ساء‪ ،‬و�إن كان الأف�ضل �أن يغ�سل‬
‫الغالم الرجال‪ ،‬والجارية الن�ساء‪.‬‬
‫َ‬
‫الرجل �إال رجال وال المر�أة �إال ن�ساء‪.‬‬ ‫‪� 3‬إن كان الميت فوق ال�سابعة فال ُي َغ ِّ�سل‬
‫‪ 4‬يجوز للزوج �أن يغ�سل زوجته وللزوجة �أن تغ�سل زوجها‪ ،‬وقد غ�سل علي بن �أبي طالب فاطمة ر�ضي اهلل‬
‫عنهما‪.‬‬
‫وقالت عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪" :‬لو ا�ستقبلتُ من �أمري ما ا�ستدبرتُ ما غ�سل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �إال‬
‫ن�سا�ؤه" (�أبو داود ‪ ،3141‬ابن ماجه ‪.)1464‬‬
‫‪181‬‬

‫تكفين الميت‬

‫تكفين الميت من الحقوق الواجبة له‪ ،‬على �أهله والم�سلمين ‪.‬‬


‫مال فتجب تكاليف الكفن على من تلزمهم‬‫وت�ؤخذ نفقات التكفين من تركته �إن كان له مال‪ ،‬ف�إن لم يكن قد ترك اً‬
‫نفقته في حال الحياة ك�أبيه وجده وابنه وابن ابنه‪ ،‬ف�إن لم يتي�سر فعلى جماعة الم�سلمين الأغنياء‪.‬‬

‫صفة الكفن‪:‬‬
‫يكفي في الكفن الواجب ما ي�ستر بدن الميت من الثياب الطاهرة اً‬
‫رجل كان الميت �أو امر�أة‪.‬‬
‫وي�ستحب ما يلي‪:‬‬
‫‪� 1‬أن يكفن الرجل في ثالثة �أثواب بي�ض‪ ،‬كما كفن ر�سول اهلل‪ ،‬وي�ستحب للمر�أة �أن تكفن في خم�سة‬
‫�أثواب زيادة في ال�ستر لها‪.‬‬
‫‪ 2‬ي�ستحب �أن يكون لون الكفن �أبي�ض‬
‫�إن تي�سر‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"الب�سوا من ثيابكم البيا�ض‪ ،‬ف�إنها من‬
‫خير ثيابكم‪ ،‬وكفنوا فيها موتاكم" (�أبو داود‬
‫‪ ،4061‬الترمذي ‪ 994‬و�صححه‪ ،‬ابن ماجه ‪.)3566‬‬
‫‪ 3‬ي�ستحب تطييب الكفن ب�أنواع الطيب‬
‫المباحة‪.‬‬
‫‪ 4‬ينبغي العناية ب�إتقان التكفين‬
‫ولف الثياب على الميت عند ر�أ�سه‬
‫وقدميه‪ ،‬وقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم‪�" :‬إذا كفن �أحدكم �أخاه‬
‫فليح�سن كفنه" (م�سلم ‪.)943‬‬

‫تنبغي العناية ب�إتقان الكفن و�إحكامه‬


‫‪ 182‬الموت والجنازة‬

‫صالة الجنازة‬

‫تجب �صالة الجنازة على مجموع الم�سلمين الحا�ضرين ال على كل فرد منهم‪ ،‬بحيث �إذا �صلى عليه بع�ضهم‬
‫�سقط الإثم عن الباقين‪ ،‬وقد ّ‬
‫ب�شر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الم�صلي على الجنازة ب�أن له قدر جبل عظيم من الأجر‬
‫فقال‪" :‬من �شهد الجنازة حتى �صلى فله قيراط‪ ،‬ومن �شهد حتى تدفن كان له قيراطان ‪ -‬قيل‪ :‬وما القيراطان؟‪-‬‬
‫قال‪ :‬مثل الجبلين العظيمين" (البخاري ‪ ،1325‬م�سلم ‪.)945‬‬

‫صفة صالة الجنازة‪:‬‬


‫‪� 1‬صفتها �أن يجعل الميت بين الم�صلي والقبلة ويقف الإمام عند ر�أ�س الرجل‪ ،‬وعند و�سط المر�أة‪،‬‬
‫كما ورد عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (�أبو داود ‪.)3196‬‬
‫‪ 2‬ي�ستحب �أن ت�ؤدى �صالة الجنازة جماعة‪ ،‬و�أن يتقدم الإمام على الم�أمومين كما في �صالة‬
‫الجماعة‪.‬‬

‫َّ‬
‫ب�شر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الم�صلي على الجنازة بالأجر العظيم‬
‫‪183‬‬

‫‪ 3‬يكبر الم�صلي على الجنازة �أربع تكبيرات‪ ،‬كالتالي‪:‬‬


‫التكبيرة الأولى‪ :‬ويقر�أ بعدها �سورة الفاتحة‪.‬‬
‫التكبيرة الثانية‪ :‬وي�صلي بعدها على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ب�أي �صيغة ك�أن يقول‪ :‬اللهم �صل و�سلم‬
‫على نبينا محمد‪ ،‬و�إن �أتى بال�صالة الأتم وهي ما يقوله الم�صلي في الت�شهد الأخير فهو �أكمل‪ ،‬و�صفتها‪:‬‬
‫إبراهيم � َ‬
‫إنك َحمي ٌد َمجيد‪ ،‬ال ّل َّ‬
‫هم‬ ‫َ‬ ‫براهيم وعلى � ِآل �‬
‫َ‬ ‫�صليت على ِ�إ‬
‫محمد كما َ‬
‫ٍ‬ ‫وع َلى � ِآل‬ ‫هم �ص ّل على ٍ‬
‫محمد َ‬ ‫(ال ّل َّ‬
‫إبراهيم �إِ َّن َك َحمي ٌد َمجيد)‪.‬‬
‫َ‬ ‫باركت على �إِبراهيم وعلى � ِآل �‬
‫محمد كما َ‬
‫محمد وعلى � ِآل ٍ‬ ‫بارك على ٍ‬
‫التكبيرة الثالثة‪ :‬ويدعو بعدها للميت بالرحمة والمغفرة والجنة‬
‫والرفعة بما يفتحه اهلل على قلبه ول�سانه ‪ ،‬و�إن كان يحفظ بع�ض‬
‫الأدعية التي وردت عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم في ذلك‬
‫فهي �أولى‪ ،‬ومن تلك الأدعية الواردة‪" :‬اللهم اغفر‬
‫وو�سع‬
‫له وارحمه‪ ،‬وعافه واعف عنه‪ ،‬و�أكرم نزله‪ِّ ،‬‬
‫مدخله‪ ،‬واغ�سله بالماء والثلج والبرد‪ ،‬ونقه من‬
‫الخطايا كما نقَّيت ال َّثوب الأبي�ض من ال َّدن�س‪،‬‬
‫أهل خي ًرا من‬ ‫و�أبدله دا ًرا خي ًرا من داره‪ ،‬و� اً‬
‫وزوجا خي ًرا من زوجه‪ ،‬و�أدخله الج َّنة‪،‬‬
‫�أهله‪ً ،‬‬
‫و�أعذ ُه من عذاب ال َّنار" (م�سلم ‪. )963‬‬
‫قليل ثم‬‫التكبيرة الرابعة‪ :‬ويمكث بعدها اً‬
‫ي�سلم عن يمينه فقط‪� ،‬أو عن يمينه وي�ساره‪ ،‬كل‬
‫ذلك ورد عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬

‫مكان صالة الجنازة‪:‬‬


‫يجوز �أن ت�ؤدى �صالة الجنازة في الم�سجد‪� ،‬أو في مكان خا�ص معد لذلك خارج الم�سجد‪� ،‬أو �أن ت�ؤدى في‬
‫المقبرة‪ ،‬كل ذلك ورد عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫‪ 184‬الموت والجنازة‬

‫دفن الميت‬

‫ي�شرع دفن الميت في الأر�ض كما هي عادة �أغلب �شعوب الأر�ض من لدن ابني �آدم عليه ال�سالم‪ ،‬وفيها �إكرام‬
‫للميت من ناحية و�إبعاد للأذى عن الأحياء من ناحية �أخرى‪.‬‬
‫ويكفي في الدفن القدر الذي يحمي الجثة من ال�سباع وجرف ال�سيول ويمنع من الرائحة‪.‬‬
‫وينبغي مراعاة عدد من الأمور‪:‬‬
‫‪ 1‬ي�ستحب التعجيل بدفن الميت بعد تغ�سيله وتكفينه وال�صالة عليه ‪.‬‬
‫‪ 2‬يندب �إعماق القبر وتو�سعته على قدر الحاجة ويجزئ من ذلك ما يمنع الرائحة‪ ،‬ويحفظ من نب�ش‬
‫ال�سباع وجرف ال�سيل للقبر والجثة‪.‬‬
‫‪ 3‬يجوز �أن يكون القبر على هيئة اللحد �أو على هيئة ال�شق‪ ،‬ولكل بلد ما ينا�سبه بح�سب طبيعة الأر�ض‬
‫وق�ساوتها‪.‬‬
‫‪ 4‬ي�ستحب و�ضع الميت على �شقه الأيمن وتوجيهه �إلى القبلة‪.‬‬
‫‪ 5‬ي�ستحب �أن يقول الدافن عند و�ضع الميت‪" :‬با�سم اهلل وعلى ملة ر�سول اهلل" (الترمذي ‪ ،1046‬ابن ماجه ‪.)1550‬‬

‫القبر �إما رو�ضة من ريا�ض الجنة �أو حفرة من حفر النار‬


‫‪185‬‬

‫‪ 6‬ينبغي تغطية مكان الجثة ـ �سواء كان القبر لحدً ا �أو �ش ًّقا ـ باللبن (وهو الطوب ي�صنع من الطين والق�ش‬
‫ويترك حتى ين�شف) �أو الق�صب �أو الحجر �أو غير ذلك قبل البدء بحثو التراب على الميت‪.‬‬
‫‪ 7‬ي�ستحب لمن ح�ضر �أن ي�شارك في و�ضع التراب على الميت‪ ،‬وقد حثى �صلى اهلل عليه و�سلم على �أحد‬
‫الموتى ثالث حثيات بيده (الدارقطني ‪.)1565‬‬
‫‪ 8‬ي�ستحب رفع القبر قدر �شبر ليعرف‪ ،‬فيبتعد النا�س عن �إيذائه �أو الم�شي عليه‪ ،‬ويحرم المبالغة في ذلك‬
‫بالبناء على القبر ‪ ،‬وقد ورد النهي عن ذلك؛ لأنه ذريعة لتعظيم الميت والإ�شراك باهلل عز وجل‪.‬‬
‫‪ 9‬يكره الدفن في التابوت (وهو ال�صندوق الذي تو�ضع فيه الجنازة) ويجوز ذلك عند ال�ضرورة‪.‬‬

‫ي�شرع الدعاء للميت بالمغفرة والرحمة والتثبيت بعد دفنه‬

‫ما بعد الدفن‬

‫ي�ستحب بعد الدفن مبا�شرة لمن ح�ضر �أن يدعو للميت بالثبات والمغفرة كل على حدة‪ ،‬وقد قال النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم بعد دفن �أحد ال�صحابة‪" :‬ا�ستغفروا لأخيكم‪ ،‬وا�س�ألوا له التثبيت ف�إنه الآن ي�س�أل" (�أبو داود ‪.)3223‬‬
‫‪ 186‬الموت والجنازة‬

‫العزاء‬
‫• ي�ستحب تعزية �أهل الميت وت�سلية �أقاربه‪ ،‬وتقويتهم على ما �أ�صابهم ب�أي كالم ح�سن‪ ،‬فيه دعاء للميت وتثبيت‬
‫وت�صبير لأهله وذويه‪ ،‬وتذكيرهم باحت�ساب الأجر عند اهلل‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم تعزية لقريب الميت‪�" :‬إن‬
‫هلل ما �أخذ ‪ ،‬وله ما �أعطى ‪ ،‬وكل �شيء عنده ب�أجل م�سمى" (البخاري ‪ ،1284‬م�سلم ‪.)923‬‬
‫• يمكن �أن يعزى �أقارب الميت قبل الدفن وبعده‪ ،‬في �أي مكان كان‪� ،‬سواء كان ذلك في الم�سجد‪� ،‬أو المقبرة‪،‬‬
‫�أو البيت‪� ،‬أو في العمل‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫• ال ينبغي المبالغة في مرا�سم العزاء بن�صب الخيام‪� ،‬أو عمل الوالئم واجتماع النا�س لها‪ ،‬فلي�س من �سنة‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و�صحابته الكرام‪ ،‬ثم �إنها لي�ست منا�سبة فرح و�سرور حتى يعمل لها مثل ذلك‪.‬‬

‫الحزن واإلحداد على الميت‬

‫البكاء رحمة طبعية وتعبير عن �شعور بالفقد والحزن‪ ،‬وقد ذرفت عين النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لوفاة ابنه‬
‫�إبراهيم (البخاري ‪ ،1303‬م�سلم ‪.)2315‬‬
‫ولكن الإ�سالم و�ضع لذلك عددا من ال�ضوابط‪:‬‬
‫‪ 1‬حرم الإ�سالم تكلف البكاء ورفع ال�صوت به و�إتباعه ب�أعمال مخالفة لل�شرع كاللطم و�ضرب النف�س و�شق‬
‫المالب�س ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪ 2‬منع المر�أة �أن تترك الزينة ب�سبب موت �أحد �أقاربها �أكثر من ثالثة �أيام �إال �إن كان ً‬
‫زوجا لها‪.‬‬
‫‪� 3‬إحداد الزوجة‪:‬‬
‫يجب على المر�أة التي توفي عنها زوجها �أن تلتزم عددًا من الأمور فترة عدة الوفاة‪.‬‬
‫وفترة عدة الوفاة‪ :‬هي �أربعة �أ�شهر وع�شرة �أيام‪� ،‬أو �أن ت�ضع حملها �إن كانت اً‬
‫حامل‪.‬‬

‫ما الذي على المرأة في عدة وفاة زوجها؟‬


‫‪ 1‬عليها اجتناب الطيب والعطورات والحلي ومالب�س الزينة والحناء وجميع الأ�صباغ التجميلية‪.‬‬
‫‪ 2‬ويجوز لها �أن تلب�س الثياب المعتادة ب�أي لون �أو �شكل كانت ما لم تكن ثياب تجمل وزينة‪ ،‬كما �أنها ال‬
‫تُمنع من االغت�سال وت�سريح �شعرها‪ ،‬ويجوز لها �أن تخرج للحاجة نها ًرا ال اً‬
‫ليل‪ ،‬و�أن تكلم الرجال الأجانب‬
‫من غير ريبة ‪.‬‬
‫‪187‬‬

‫زيارة المقابر‬

‫تنق�سم زيارة القبور �إلى ثالثة �أق�سام‪:‬‬

‫‪ 1‬زيارة م�ستحبة وهي زيارة القبور لتذكر الموت والقبر والدار الآخرة‪ ,‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬ف�إنها تذكر الآخرة" (م�سلم ‪ ,977‬الترمذي ‪ .)1054‬وهي‬
‫زيارة للقبور في ذات البلد‪ ,‬ولي�س فيها �سفر و�شد للرحال‪ ,‬والذي ال يكون قربة �إال للم�ساجد الثالثة‪.‬‬
‫‪ 2‬زيارة مباحة وهي الزيارة لمق�صد مباح ولي�س لتذكر الموت‪ ،‬وال ت�شتمل على محرم‪ ،‬مثل �أن يزور قبر‬
‫قريب له �أو �صديق‪ ،‬ولي�س في نيته وق�صده تذكر الدار الآخرة‪.‬‬
‫‪ 3‬زيارة محرمة وهي الزيارة التي ي�صاحبها �شيء من المحرمات والبدع وال�شركيات كالجلو�س على القبر‬
‫والم�شي عليه‪ ,‬واللطم والعويل ورفع ال�صوت بالبكاء‪� ,‬أو �أن ي�صاحبها �شيء من البدع وال�شركيات كالتبرك‬
‫بالقبر والتم�سح به‪� ،‬أو �س�ؤال �صاحب القبر واال�ستغاثة به‪� ،‬أو التو�سل به‪.‬‬

‫احتراما للميت‪ ،‬وتكري ًما له‪ ،‬ولهذا ب َّين‬


‫ً‬ ‫ينبغي عند زيارة القبور االنتباه لعدم الجلو�س �أو الم�شي على القبر‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عقوبة ذلك فقال‪" :‬لأن يجل�س �أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخل�ص �إلى‬
‫جلده‪ ،‬خي ٌر له من �أن يجل�س على قبر" (م�سلم ‪.)971‬‬
‫‪ 188‬الموت والجنازة‬

‫الوصية‬
‫ي�شرع للم�سلم �أن يو�صي قبل وفاته فيما يتعلق ب�أموره المالية‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما حق‬
‫علي ليلة منذ �سمعت‬ ‫امرئ م�سلم له �شيء يو�صي فيه يبيت ليلتين �إال وو�صيته مكتوبة عنده" قال ابن عمر‪ :‬ما مرت ّ‬
‫ر�سول اهلل‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬يقول ذلك �إال وعندي و�صيتي‪( .‬البخاري ‪ ،2738‬م�سلم ‪.)1627‬‬
‫وقد ق َّدم اهلل في كتابه تنفيذ الو�صية ووفاء الديون على ق�سمة المواريث‪ ،‬فقال عن المواريث‪} :‬مِ نْ َب ْع ِد َو ِ�ص َّي ٍة‬
‫و�صى ِب َها �أَ ْو َد ْي ٍن{ (الن�ساء‪.)11 :‬‬
‫ُي َ‬
‫ولهذه الو�صية عدة �أحوال‪:‬‬

‫‪ 1‬و�صية واجبة‪� :‬إذا كان على الم�سلم ديون �أو حقوق مالية وال بينة �أو وثائق تظهر ذلك‪ ،‬فتجب الو�صية‬
‫لتوثيق تلك الحقوق؛ وذلك لأن وفاء الدين واجب‪ ،‬وما ال يتم الواجب �إال به فهو واجب‪.‬‬

‫‪ 2‬و�صية م�ستحبة‪ :‬وهي تبرع الم�سلم بعد موته بجزء من ماله في �شيء من مجاالت الخير؛ كال�صدقة على‬
‫بع�ض الأقارب الفقراء ونحو ذلك‪ ،‬وي�شترط لها عدد من الأمور‪:‬‬
‫• �أن ال تكون الو�صية لأحد الورثة‪،‬‬
‫ق�سم لهم ن�صيبهم‪ ،‬وقال‬‫فاهلل قد ّ‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال و�صية‬
‫لوارث" (�أبو داود ‪ ،3565‬الترمذي‬
‫‪ ،2120‬ابن ماجه ‪.)2713‬‬
‫• ينبغي �أن تكون الو�صية ب�أقل من‬
‫ثلث المال‪ ،‬ويجوز �أن تكون بثلث‬
‫المال‪ ،‬ويحرم �أكثر من ذلك‪،‬‬
‫ول َّما �أراد �أحد ال�صحابة الكرام‬
‫�أن يو�صي ب�أكثر من ثلث ماله نهاه‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وقال‪:‬‬
‫"الثلث والثلث كثير" (البخاري ‪،2744‬‬
‫م�سلم ‪.)1628‬‬
‫• �أن يكون المو�صي غن ًّيا وما يتبقى‬
‫من المال يكفي الورثة‪� ،‬أما �إن‬
‫كان المو�صي فقي ًرا �أو كان الورثة‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أف�ضل ال�صدقة �سقي الماء"‪.‬‬ ‫محتاجين لذلك المال‪ ،‬فتكره‬
‫‪189‬‬

‫الو�صية؛ لأن في ذلك ت�ضيي ًقا على الورثة‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم لل�صحابي �سعد بن �أبي وقا�ص‬
‫ر�ضي اهلل عنه ل َّما �أراد �أن يو�صي‪�" :‬إنك �إن تذر ورثتك �أغنياء خير من �أن تذرهم عالة يتكففون النا�س"‬
‫(البخاري ‪ ،2744‬م�سلم ‪.)1628‬‬

‫الميراث‬
‫�إذا مات الإن�سان لم يعد يملك �أمواله التي ك�سبها في حياته‪ ،‬وقد �شرع لنا الإ�سالم ق�سمة الميراث و�إعطاء كل‬
‫ذي حق حقه‪ ،‬وذلك بعد �سداد الديون التي على الميت و�إنفاذ و�صاياه‪.‬‬
‫وقد و�ضح لنا القر�آن و�سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم طريقة ق�سمة المواريث‪ ،‬حتى ال يح�صل خالف بين‬
‫الورثة‪ ،‬فالحاكم في الإرث هو �أحكم الحاكمين �سبحانه ‪ ،‬فال يجوز لأحد تغييرها �أو تبديلها بحجة مخالفة ذلك‬
‫هلل َو َر ُ�سو َل ُه ُي ْد ِخ ْل ُه َج َّن ٍ‬
‫ات‬ ‫لعادات البلد والنا�س‪ ،‬ولهذا قال عز وجل بعد �آية المواريث‪ِ } :‬ت ْل َك ُحدُو ُد ا ِ‬
‫هلل َو َمنْ ُي ِط ِع ا َ‬
‫الَ ْن َها ُر َخا ِل ِدينَ ِفي َها َو َذ ِل َك ا ْل َف ْو ُز ا ْل َع ِظ ُيم{ (الن�ساء‪.)13 :‬‬
‫ت َْج ِري ِمنْ ت َْح ِت َها ْ أ‬
‫وينبغي لأوالد الميت و�أقاربه بعد وفاة قريبهم الرجوع لأهل العلم والق�ضاء ليعرفوا كيفية ق�سمة الميراث‬
‫ال�شرعية على التف�صيل‪ ،‬والبعد عن المنازعات المالية والمخا�صمات‪.‬‬

‫�أموال الإرث مهما بلغت �أحقر من �أن تف�سد عالقة الم�سلم ب�إخوته وعائلته‪.‬‬
‫‪ 190‬أخالق المسلم‬
‫‪191‬‬

‫أخالق المسلم‬
‫الأخ�ل�اق يف الإ�س�ل�ام لي�س ��ت تر ًف ��ا وال تكمي�ًل اً ‪ ،‬ولكنه ��ا‬
‫ج ��زء را�س ��خ مرتب ��ط بالدين م ��ن كل جوانب ��ه‪ ،‬ف ِللأخالق‬ ‫‪8‬‬
‫يف الإ�س�ل�ام �أعظ ��م املراتب و�أعلى املن ��ازل‪ .‬ويظهر ذلك يف‬
‫جمي ��ع �أحكام الإ�س�ل�ام وت�شريعاته‪ ،‬وقد ُبع ��ث النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم ليتمم مكارم الأخالق‪.‬‬
‫�صور من حياة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫مكانة الأخالق يف الإ�سالم‬
‫مزايا الأخالق يف الإ�سالم‬
‫‪ 192‬أخالق المسلم‬

‫أخالق المسلم‬
‫مكانة األخالق في اإلسالم‬
‫�أن الأخالق من �أهم مقا�صد بعثة النبي‬
‫‪1‬‬
‫محمد �صلى اهلل عليه و�سلم للنا�س‪:‬‬
‫الُ ِّم ِّيينَ َر ُ�سولاً‬
‫قال تعالى‪} :‬هُ َو ا َّل ِذي َب َعثَ ِفي ْ أ‬
‫ِم ْن ُه ْم َي ْت ُلو َع َل ْيهِ ْم �آ َيا ِت ِه َو ُيزَ ِّكيهِ ْم{ (الجمعة‪ ،)2 :‬فيمتن‬
‫اهلل على الم�ؤمنين ب�أنه �أر�سل ر�سوله لتعليمهم القر�آن‬
‫وتزكيتهم‪ ،‬والتزكية بمعنى تطهير القلب من ال�شرك‬
‫والأخالق الرديئة كالغل والح�سد وتطهير الأقوال‬
‫والأفعال من الأخالق والعادات ال�سيئة‪ ،‬وقد قال عليه‬
‫ال�صالة وال�سالم بكل و�ضوح‪�" :‬إنما بعثت لأتمم مكارم‬
‫الأخالق" (البيهقي ‪ )21301‬ف�أحد �أهم �أ�سباب البعثة هو‬
‫الرقي وال�سمو ب�أخالق الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫�أن الأخالق جزء وثيق من الإيمان‬
‫‪2‬‬
‫واالعتقاد‪:‬‬
‫(�إنما بعثت لأتمم مكارم الأخالق)‬ ‫ولما ُ�سئل الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪� :‬أي‬
‫الم�ؤمنين �أف�ضل �إيما ًنا؟ قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"�أح�سنهم �أخال ًقا" (الترمذي ‪� ،1162‬أبو داود ‪.)4682‬‬
‫‪� 3‬أن الأخالق مرتبطة بكل �أنواع العبادة‪:‬‬
‫وقد �سمى اهلل الإيمان ب ًرا‪ ،‬فقال تعالى‪َ } :‬ل ْي َ�س ا ْل ِب َّر‬
‫فال تجد اهلل ي�أمر بعبادة �إال وينبه �إلى مق�صدها‬
‫�أَنْ ُت َولُّوا ُو ُجوهَ ُك ْم ِق َب َل ا ْل َم ْ�ش ِر ِق َوا ْل َمغ ِْر ِب َو َل ِكنَّ ا ْل ِب َّر َمنْ‬
‫الأخالقي �أو �أثرها على النف�س والمجتمع‪ ،‬و�أمثلة هذا‬
‫َاب َوال َّن ِب ِّيينَ {‬ ‫هلل َوا ْل َي ْو ِم ْال ِآخ ِر َوا ْل َملاَ ِئ َك ِة َوا ْل ِكت ِ‬
‫� َآمنَ ِبا ِ‬
‫كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫(البقرة‪ ،)177 :‬والبر ا�سم جامع لأنواع الخير من‬
‫ال�صلاَ َة َت ْن َهى َعنِ‬ ‫ال�صلاَ َة �إِنَّ َّ‬ ‫ال�صالة‪َ }:‬و�أَ ِق ِم َّ‬ ‫الأخالق والأقوال والأفعال‪ ،‬ولهذا قال النبي �صلى اهلل‬
‫ا ْل َف ْح َ�شا ِء َوا ْل ُم ْن َك ِر{ (العنكبوت‪.)45 :‬‬ ‫عليه و�سلم‪" :‬البر ح�سن الخلق" (م�سلم ‪.)2553‬‬
‫الزكاة‪}:‬خ ْذ ِمنْ �أَ ْم َوا ِل ِه ْم َ�صدَ َق ًة ت َُط ِّه ُرهُ ْم َوتُزَ ِّكيهِ ْم‬
‫ُ‬ ‫ويظهر الأمر بجالء في قول النبي �صلى اهلل عليه‬
‫ِب َها{ (التوبة‪ ،)103 :‬فمع �أن حقيقة الزكاة �إح�سان للنا�س‬ ‫و�سلم‪" :‬الإيمان ب�ضع و�ستون �شعبة‪ ،‬ف�أف�ضلها قول ال‬
‫وموا�ساتهم فهي كذلك تهذب النف�س وتزكيها من‬ ‫�إله �إال اهلل‪ ،‬و�أدناها �إماطة الأذى عن الطريق‪ ،‬والحياء‬
‫الأخالق ال�سيئة‪.‬‬ ‫�شعبة من الإيمان" (م�سلم ‪.)35‬‬
‫‪193‬‬

‫ال�ص َي ُام َك َما ُك ِت َب َع َلى ا َّل ِذينَ ِمنْ َق ْب ِل ُك ْم‬


‫ال�صيام‪ُ }:‬ك ِت َب َع َل ْي ُك ُم ِّ‬
‫َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقونَ { (البقرة‪ )183 :‬فالمق�صد هو تقوى اهلل بفعل �أوامره‬
‫واجتناب نواهيه‪ ،‬ولذلك يقول �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من لم‬
‫يدع قول الزور والعمل‬
‫به فلي�س هلل حاجة في‬
‫�أن يدع طعامه و�شرابه"‬
‫(البخاري ‪ )1804‬فمن لم ي�ؤثر �صيامه‬
‫في نف�سه و�أخال ِقه مع النا�س لم يحقق هدف ال�صوم‪.‬‬

‫الف�ضائل العظيمة والأجر الكبيـر الذي �أعده اهلل لح�سن‬


‫‪ 4‬الخلق‪:‬‬
‫والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب وال�سنة ومن ذلك‪:‬‬
‫• �أنه �أثقل الأعمال ال�صالحة في الميزان يوم القيامة‪:‬‬
‫يقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما من �شيء يو�ضع في الميزان �أثقل من ح�سن الخلق‪ ،‬و�إن‬
‫�صاحب ح�سن الخلق ليبلغ به درجة �صاحب ال�صوم وال�صالة" (الترمذي ‪.)2003‬‬
‫• �أنه �أكبر الأ�سباب لدخول الجنة‪:‬‬
‫يقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أكثر ما يدخل النا�س الجنة تقوى اهلل وح�سن الخلق"‬
‫(الترمذي ‪ ،2004‬ابن ماجه ‪.)4246‬‬
‫• �أن َح َ�سن الخلق �أقرب النا�س منزلة من ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يوم القيامة‪:‬‬
‫كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن من �أحبكم �إلي و�أقربكم مني ً‬
‫مجل�سا يوم القيامة �أحا�سنكم‬
‫�أخال ًقا" (الترمذي ‪.)2018‬‬
‫• �أن منزلته في �أعلى الجنة ب�ضمان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وت�أكيده‪:‬‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أنا زعيم ببيت في رب�ض الجنة لمن ترك المراء و�إن كان محقا‪،‬‬
‫وببيت في و�سط الجنة لمن ترك الكذب و�إن كان مازحا‪ ،‬وببيت في �أعلى الجنة لمن ح�سن خلقه"‬
‫(�أبو داود ‪ )4800‬ومعنى زعيم �أي‪� :‬ضامن‪.‬‬
‫‪ 194‬أخالق المسلم‬

‫مزايا األخالق في اإلسالم‬


‫تتميـز الأخالق في الإ�ســالم بعدد من المزايا والخ�صائ�ص التي ينفرد بها هذا الدين العظيم ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ 1‬الأخالق الفا�ضلة لي�ست خا�صة بنوع من النا�س‪:‬‬
‫فاهلل خلق النا�س �أ�شكالاً و�ألوا ًنا وبلغات �شتى‪ ،‬وجعلهم في ميزان اهلل �سوا�سية ال ف�ضل لواحد منهم على الآخر‬
‫�إال بقدر �إيمانه وتقواه و�صالحه‪ ،‬كما قال جل وعال‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ال َّن ُ‬
‫ا�س ِ�إ َّنا َخ َل ْق َنا ُك ْم ِمنْ َذ َك ٍر َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعو ًبا‬
‫هلل �أَ ْت َقا ُك ْم{(الحجرات‪.)13 :‬‬
‫َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ �أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْندَ ا ِ‬
‫والأخالق الح�سنة تميز عالقة الم�سلم بجميع النا�س ال فرق بين غني وفقير‪� ،‬أو رفيع �أو و�ضيع‪ ،‬وال �أ�سود وال‬
‫�أبي�ض‪ ،‬وال عربي وال عجمي‪.‬‬
‫الأخالق مع غير الم�سلمين‪:‬‬
‫ي�أمرنا اهلل عز وجل ب�إح�سان الخلق مع الجميع‪ ،‬فالعدل والإح�سان والرحمة خلق الم�سلم الذي يتمثله في �سلوكه‬
‫و�أقواله مع الم�سلم والكافر‪ ،‬ويحر�ص �أن يكون ذلك الخلق الح�سن هو طريقه لدعوة غير الم�سلمين لهذا الدين‬
‫العظيم‪.‬‬
‫هلل َع ِن ا َّل ِذينَ َل ْم ُي َقا ِت ُلو ُك ْم ِفي الدِّ ِين َو َل ْم ُيخْ ِر ُجو ُك ْم ِمنْ ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َت َب ُّروهُ ْم َو ُتق ِْ�س ُطوا‬ ‫قال تعالى‪} :‬لاَ َي ْن َها ُك ُم ا ُ‬
‫هلل ُي ِح ُّب ا ْل ُمق ِْ�س ِطينَ {(الممتحنة‪.)8 :‬‬ ‫ِ�إ َل ْيهِ ْم �إِنَّ ا َ‬
‫و�إنما حرم اهلل علينا مواالة الكفار ومحبة ما هم عليه من الكفر وال�شرك‪ ،‬كما قال تعالى‪�ِ } :‬إ َّن َما َي ْن َها ُك ُم ا ُ‬
‫هلل‬
‫َع ِن ا َّل ِذينَ َقا َت ُلو ُك ْم ِفي الدِّ ِين َو�أَخْ َر ُجو ُك ْم ِمنْ ِد َيا ِر ُك ْم َو َظاهَ ُروا َع َلى ِ�إخْ َر ِاج ُك ْم �أَنْ َت َو َّل ْوهُ ْم َو َمنْ َي َت َو َّل ُه ْم َف�أُو َل ِئ َك هُ ُم‬
‫الظا ِل ُمونَ { (الحجرات‪.)9 :‬‬ ‫َّ‬
‫‪195‬‬

‫‪ 2‬الأخالق الفا�ضلة لي�ست خا�صة بالإن�سان‪:‬‬

‫الأخالق مع الحيوانات‪:‬‬
‫فالر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يخبرنا عن امر�أة‬
‫دخلت النار ب�سبب حب�سها لهرة فماتت من الجوع‪ ،‬كما‬
‫يخبرنا في المقابل عن رجل غفر اهلل له ذنوبه ب�سبب �سقيه‬
‫لكلب ا�شتد به العط�ش‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬دخلت‬
‫امر�أ ٌة النا َر في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها ت�أكل‬
‫من خ�شا�ش الأر�ض" (البخاري ‪ ،3140‬م�سلم ‪.)2619‬‬
‫وقال عليه ال�صالة وال�سالم‪" :‬بينما رجل يم�شي‬
‫بطريق ا�شتد عليه العط�ش‪ ،‬فوجد بئ ًرا فنزل فيها‬
‫ف�شرب‪ ،‬ثم خرج ف�إذا كلب يلهث ي�أكل الثرى من العط�ش‪،‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬لقد بلغ هذا الكلب من العط�ش مثل الذي‬
‫كان بلغ مني‪ ،‬فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم �أم�سكه بفيه‬
‫حتى رقي ف�سقى الكلب‪ ،‬ف�شكر اهلل له فغفر له" قالوا‪:‬‬
‫يا ر�سول اهلل و�إن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال‪" :‬في‬
‫كل كبد رطبة �أجر" (البخاري ‪ ،5663‬م�سلم ‪.)2244‬‬

‫الأخالق للمحافظة على البيئة‪:‬‬


‫في�أمرنا الإ�سالم بعمارة الأر�ض بمعنى العمل فيها‬
‫والتطوير والإنتاج وت�شييد الح�ضارة مع المحافظة على‬
‫هذه النعمة والنهي عن �إف�سادها والإ�سراف في ا�ستغالل‬
‫مواردها‪� ،‬سواء �أكان ذلك الإف�ساد يعود على الإن�سان �أو‬
‫الحيوان �أو النبات‪ ،‬ف�إنه عمل يرده الإ�سالم ويبغ�ضه‪،‬‬
‫فاهلل �سبحانه ال يحب الف�ساد في جميع جوانب الحيــاة‪،‬‬
‫(في كل كبد رطبة �أجر)‬ ‫هلل لاَ ُي ِح ُّب ا ْل َف َ�سادَ{ (البقرة‪.)205 :‬‬
‫كما قــال تعالى‪َ } :‬وا ُ‬
‫وي�صل هذا االهتمام �إلى حد �أن يو�صي النبي �صلى‬
‫قامت ال�ساعة وبيد �أحدكم ف�سيلة ف�إن ا�ستطاع �أن ال‬ ‫اهلل عليه و�سلم الم�سلمين بفعل الخير وزراعة الأر�ض‬
‫تقوم حتى يغر�سها فليفعل" (�أحمد ‪.)12981‬‬ ‫حتى في �أ�صعب الظروف و�أحرج اللحظات فيقول‪�" :‬إن‬
‫‪ 196‬أخالق المسلم‬

‫‪ 3‬الأخالق الفا�ضلة في جميع مجاالت الحياة‪:‬‬

‫الأ�سرة‪:‬‬
‫ي�ؤكد الإ�سالم على �أهمية الأخالق في مجال الأ�سرة بين جميع �أفراد العائلة‪ :‬فيقول‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬خيركم خيركم لأهله‪ ،‬و�أنا خيركم لأهلي" (الترمذي ‪.)3895‬‬
‫وكان �صلى اهلل عليه و�سلم وهو �أف�ضل الب�شر يقوم ب�أعمال المنزل‬
‫وي�ساعد �أهله في كل �صغيرة وكبيرة‪ ،‬كما تروي زوجتـ ــه عائ�ش ـ ــة‬
‫ر�ضي اهلل عنها فتقول‪" :‬كان يكون في مهنة �أهله" (البخاري ‪� )5048‬أي‬
‫ي�ساعدهم ويقوم بما يقومون به من �أعمال البيت‪.‬‬
‫وكان يمازح �أهله ويالعبهم‪ ،‬فتروي زوجته عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‬
‫فتقول‪" :‬خرجت مع النبي �صلى اهلل عليه و�سلم في بع�ض �أ�سفاره و�أنا‬
‫جارية لم �أحمل اللحم ولم �أبدن‪ ،‬فقال للنا�س‪" :‬تقدموا"‪ ،‬فتقدموا‪ ،‬ثم‬
‫قال لي‪" :‬تعالي حتى �أ�سابقـك"‪ ،‬ف�سابقتــه ف�سبقته‪ ،‬ف�سكت عني حتى �إذا‬
‫حملت اللحم وبدنت ون�سيت خرجت معه في بع�ض �أ�سفاره‪ ،‬فقال للنا�س‪:‬‬
‫"تقدموا"‪ ،‬فتقدموا‪ ،‬ثم قال‪" :‬تعالي حتى �أ�سابقك"‪ ،‬ف�سابقته‪ ،‬ف�سبقني‪ ،‬فجعل‬
‫ي�ضحك وهو يقول‪" :‬هذه بتلك" (�أحمد ‪.)26277‬‬

‫التجارة‪:‬‬
‫فربما طغى حب المال على الإن�سان فتجاوز الحد ووقع في المحرم‪ ،‬في�أتي الإ�سالم للت�أكيد على �أهمية �ضبط‬
‫ذلك بالأخالق الفا�ضلة‪ ،‬ومن هذه الت�أكيدات‪:‬‬
‫ •ينهى الإ�سالم عن التجاوز والظلم في الموازين ويتوعد من فعل ذلك ب�أ�شـد العقوبـات‪ ،‬كما قال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫ا�س َي ْ�س َت ْو ُفونَ • َو ِ�إ َذا َكا ُلوهُ ْم �أَ ْو َو َز ُنوهُ ْم ُي ْخ ِ�س ُرونَ {(المطففين‪.)3-1 :‬‬
‫} َو ْي ٌل ِل ْل ُم َط ِّف ِفينَ • ا َّل ِذينَ �إ َِذا ا ْكتَا ُلوا َع َلى ال َّن ِ‬
‫�سمحا �إذا باع‬
‫ً‬ ‫ •يحث على ال�سماحة واللين في البيع وال�شراء‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬رحم اهلل رجلاً‬
‫و�إذا ا�شترى و�إذا اقت�ضى" (البخاري ‪.)1970‬‬

‫ال�صناعة‪:‬‬
‫ال�ص َّناع عددًا من الأخالق والمعايير‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ي�ؤكد الإ�سالم على ُ‬
‫ •�إتقان العمل و�إخراجه في �أح�سن �صورة‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن اهلل يحب �إذا عمل �أحدكم عملاً‬
‫�أن يتقنه" (�أبو يعلى ‪ ،4386‬البيهقي في �شعب الإيمان ‪.)5313‬‬
‫ •االلتزام بالمواعيد المبرمة مع النا�س‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬آية المنافق ثالث" وذكر منها‪" :‬و�إذا‬
‫وعد �أخلف" (البخاري ‪.)33‬‬
‫‪197‬‬

‫‪ 4‬الأخالق الفا�ضلة في جميع الحاالت‪:‬‬


‫فال يوجد في الإ�سالم ا�ستثناءات في باب الأخالق‪ ،‬والم�سلم محكوم بتطبيق �شرع اهلل وامتثال الأخالق الح�سنة‬
‫حتى في الحروب و�أ�شد الظروف‪ ،‬فنبل الهدف والغاية ال يبرر الو�سيلة ال�سيئة وال يغطي خط�أها و�ضاللها‪.‬‬
‫ولهذا و�ضع الإ�سالم القواعد التي تحكم الم�سلم وت�ضبط ت�صرفاته حتى عند العداوة والحرب‪ ،‬حتى ال يكون‬
‫إ�شباعا لنوازع الحقد والق�سوة والأنانية‪.‬‬
‫خ�ضوعا لغرائز الغ�ضب والتع�صب‪ ،‬و� ً‬
‫ً‬ ‫الأمر‬

‫من أخالق اإلسالم في الحرب‬

‫‪ 1‬الأمر بالعدل والإن�صاف مع الأعداء والنهي عن ظلمهم واالعتداء عليهم‪:‬‬


‫كما قال تعالى‪َ } :‬ولاَ َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن�آنُ َق ْو ٍم َع َلى �أَلاَّ َت ْع ِد ُلوا ْاع ِد ُلوا هُ َو �أَ ْق َر ُب ِلل َّت ْق َوى{ (المائدة‪� )8 :‬أي‪ :‬ال يحملكم‬
‫بغ�ضكم لأعدائكم �أن تتجاوزوا وتظلموا‪ ،‬بل التزموا بالعدل في �أقوالكم و�أفعالكم‪.‬‬
‫‪ 2‬النهي عن الغدر والخيانة مع الأعداء‪:‬‬
‫فالغـدر والخيانة محرمة حتى مع الأعداء‪ ،‬كما‬
‫هلل لاَ ُي ِح ُّب ا ْل َخا ِئ ِنينَ { (الأنفال‪.)58 :‬‬
‫قال تعالى‪�}:‬إِنَّ ا َ‬
‫‪ 3‬النهي عن التعذيب والتمثيل بالجثث‪:‬‬
‫فيحرم التمثيل بالموتى‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪" :‬وال تمثلوا" (م�سلم ‪.)1731‬‬
‫‪ 4‬النهي عن قتل المدنيين الذي ال ي�شاركون‬
‫في الحروب وعن �إف�ساد الأر�ض والبيئة‪:‬‬
‫وهذا �أبو بكر ال�صديق ر�ضي اهلل عنه خليفة‬
‫الم�سلمين و�أف�ضل ال�صحابة يو�صي �أ�سامة بن زيد‬
‫حين بعثه قائدً ا لجي�ش �إلى ال�شام‪.." :‬ال تقتلوا طفلاً‬
‫�شيخا كبي ًرا‪ ،‬وال امر�أة‪ ،‬وال تعقروا نخلاً‬
‫�صغي ًرا‪ ،‬وال ً‬
‫وتحرقوه‪ ،‬وال تقطعوا �شجرة مثمرة‪ ،‬وال تذبحوا �شاة‪،‬‬
‫وال بقرة‪ ،‬وال بعي ًرا �إال لم�أكلة‪ ،‬و�سوف تمرون ب�أقوام‬
‫قد فرغوا �أنف�سهم في ال�صوامع فدعوهم وما فرغوا‬
‫�أنف�سهم له" (ابن ع�ساكر ‪.)50/2‬‬

‫الم�سلم ملتزم ب�أخالقه حتى في �أحلك الظروف‬


‫‪ 198‬أخالق المسلم‬

‫صور من حياة النبي صلى اهلل عليه وسلم وأخالقه‬

‫�صفات وف�ضائل للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم منقو�شة على قبلة الم�سجد النبوي‪.‬‬

‫كان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم اً‬


‫مثال لأرقى الأخالق الإن�سانية‪،‬‬
‫ولهذا و�صف القر�آن خلقه بالعظمة‪ ،‬ولم تجد زوجته عائ�شة ر�ضي اهلل‬
‫عنها و�ص ًفا �أدق في التعبير عن خلقه فقالت‪" :‬كان خلقه القر�آن" �أي‪ :‬كان‬
‫نموذجا عمل ًيا لتطبيق تعاليم القر�آن و�أخالقه‪.‬‬
‫ً‬

‫التواضع‬
‫• لم يكن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ير�ضى من �أحد �أن يقوم له تعظي ًما ل�شخ�صه‪ ،‬بل كان ينهى‬
‫�أ�صحابه عن فعل ذلك؛ حتى �إن ال�صحابة ر�ضوان اهلل عنهم‪ ،‬مع �شدة حبهم له‪ ،‬لم يكونوا يقومون له‬
‫قادما‪ ،‬وما ذلك �إال لعلمهم �أنه كان يكره ذلك‪�( .‬أحمد ‪ ،12345‬البزّار ‪.)6637‬‬
‫�إذا ر�أوه ً‬
‫• جاءه عدي بن حاتم ر�ضي اهلل عنه قبل �أن ي�سلم وكان من وجهاء العرب‪ ،‬يريد معرفة حقيقة دعوته‪،‬‬
‫قال عدي‪" :‬ف�أتيته ف�إذا عنده امر�أة و�صبيان �أو �صبي ‪-‬فذكر قربهم من النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬
‫فعرفت �أنه لي�س ملك ك�سرى وال قي�صر" (�أحمد ‪ )19381‬فالتوا�ضع خلق الأنبياء جمي ًعا‪.‬‬
‫‪199‬‬

‫• كان يجل�س مع �أ�صحابه كواحد منهم‪ ،‬ولم يكن يجل�س ً‬


‫مجل�سا يميزه عمن حوله‪ ،‬حتى �إن الغريب الذي‬
‫مجل�سا هو فيه‪ ،‬لم ي�ستطع �أن يفرق بينه وبين �أ�صحابه‪ ،‬فكان ي�س�أل‪� :‬أيكم محمد؟‬
‫ال يعرفه‪� ،‬إذا دخل ً‬
‫(البخاري ‪.)63‬‬
‫• عن �أن�س بن مالك ر�ضي اهلل عنه قال‪" :‬كانت الأمة من �إماء �أهل المدينة لت�أخذ بيد ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم فتنطلق به حيث �شاءت"(البخاري ‪ )5724‬والمق�صود من الأخذ باليد‪ :‬الرفق واالنقياد‬
‫لل�صغير وال�ضعيف‪ ،‬وقد ا�شتمل على �أنواع من المبالغة في توا�ضعه �صلى اهلل عليه و�سلم؛ لذكره المر�أة دون‬
‫الرجل‪ ،‬والأمة دون الحرة‪ ،‬و�أنها ت�أخذه حيث �شاءت لق�ضاء حوائجها‪.‬‬
‫• قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" (م�سلم ‪.)91‬‬

‫ي�سجد الم�سلم على الأر�ض في كل �صالة ليتذكر �أنه مخلوق من‬


‫تراب فيمحو كل �أثر للكبر من قلبه‪.‬‬
‫‪ 200‬أخالق المسلم‬

‫الرحمة‬
‫وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬الراحمون يرحمهم الرحم ــن‪ ،‬ارحمـ ــوا من في الأر�ض يرحمك ــم من في‬
‫ال�سماء" (الترمذي ‪� ،1924‬أبو داود ‪.)4941‬‬
‫وتتمثل رحمة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم في جوانب عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫رحمته بالأطفال‪:‬‬
‫• جاء �أعرابي �إلى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فقال متعج ًبا‪ُ :‬ت َق ِّبلون �صبيانكم؟! فما نقبلهم‪ ،‬فرد عليه‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قائلاً ‪�" :‬أ َو �أملك �أن نزع اهلل من قلبك الرحمة؟" (البخاري ‪ ،5652‬م�سلم ‪.)2317‬‬
‫ور�آه �آخر يقبل الح�سن بن علي فقال‪� :‬إن لي ع�شرة من الولد ما قبلت واحدً ا منهم‪ ،‬فقال النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم‪�" :‬إنه من ال يرحم ال ُيرحم" (م�سلم ‪.)2318‬‬
‫• �صلى عليه ال�صالة وال�سالم م ّرة وهو حامل حفيدته �أمامة بنت زينب‪ ،‬فكان �إذا �سجد و�ضعها‪ ،‬و�إذا‬
‫قام حملها‪( .‬البخاري ‪ ،494‬م�سلم ‪.)543‬‬
‫ال�صبي‪� ،‬أ�سرع في �أدائها وخ ّففها‪ ،‬فعن �أبي قتادة عن النبي �صلى‬
‫ّ‬ ‫• كان �إذا دخل في ال�صالة ف�سمع بكاء‬
‫اهلل عليه و�سلم �أنه قال‪�" :‬إني لأقوم في ال�صالة �أريد �أن �أطول فيها‪ ،‬ف�أ�سمع بكاء ال�صبي‪ ،‬ف�أتجوز في‬
‫�صالتي‪ ،‬كراهية �أن �أ�شقّ على �أ ّمه" (البخاري ‪ ،675‬م�سلم ‪.)470‬‬

‫كان ر�س���ول اهلل �صلى اهلل عليه‬


‫و�س���لم يتعج���ل في ال�ص�ل�اة �إذا‬
‫�سمع بكاء طفل‪.‬‬
‫‪201‬‬

‫رحمته بالن�ساء‪:‬‬
‫فقد حثّ �صلى اهلل عليه و�سلم على رعاية البنات والإح�سان �إليهنّ ‪ ،‬وكان يقول‪" :‬من يلي من هذه البنات �شي ًئا‬
‫ف�أح�سن �إليهن كن له �ست ًرا من النار" (البخاري ‪ ،5649‬م�سلم ‪.)2629‬‬
‫بل �إنه �ش ّدد في الو�صية بحق الزوجة واالهتمام ب�ش�ؤونها ومراعاة ظروفها‪ ،‬و�أمر الم�سلمين �أن يو�صي بع�ضهم‬
‫بع�ضا في ذلك فقال‪" :‬ا�ستو�صوا بالن�ساء خيرا" (البخاري ‪.)4890‬‬ ‫ً‬
‫التلطف مع �أهل بيته‪ ،‬حتى �إنه كان يجل�س عند بعيره في�ضع ركبته وت�ضع‬‫و�ضرب �صلى اهلل عليه و�سلم �أروع الأمثلة في ّ‬
‫�صفية ر�ضي اهلل عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير (البخاري ‪ ،)2120‬وكان عندما ت�أتيه ابنته فاطمة ر�ضي اهلل عنها‬
‫ي�أخذ بيدها ويقبلها‪ ،‬ويجل�سها في مكانه الذي يجل�س فيه (�أبو داود ‪.)5217‬‬

‫ال�ساعي على الأرملة والم�سكين كالمجاهد في �سبيل اهلل‪ ،‬وكالذي ي�صوم النهار ويقوم الليل‬

‫رحمته بال�ضعفاء‪:‬‬
‫• ولهذا حثّ النبي �صلى اهلل عليه و�سلم النا�س على كفالة اليتيم‪ ،‬وكان يقول‪�" :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة‬
‫هكذا" و�أ�شار بال�سبابة والو�سطى وفرج بينهما �شيئا‪( .‬البخاري ‪.)4998‬‬
‫• جعل ال�ساعي على الأرملة والم�سكين كالمجاهد في �سبيل اهلل‪ ،‬وكالذي ي�صوم النهار ويقوم الليل‪.‬‬
‫(البخاري ‪ ،5661‬م�سلم ‪.)2982‬‬
‫• جعل العطف على ال�ضعفاء‪ ،‬و�إعطاءهم حقوقهم �سب ًبا للرزق والن�صـر على الأعداء‪ ،‬فقال �صلى اهلل‬
‫عليـه و�سلم‪�" :‬أبغوني ال�ضعفـاء؛ ف�إنمـا تن�صرون وتُرزقون ب�ضعفائكم" (�أبو دود ‪.)2594‬‬
‫‪ 202‬أخالق المسلم‬

‫رحمته بالبهائم‪:‬‬
‫• وكان يحثّ النا�س على الرفق بها‪ ،‬وعدم تحميلها ما ال تطيق‪ ،‬وعدم �إيذائها‪ ،‬وقال ر�سول‬
‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن اهلل كتب الإح�سان على كل �شيء‪ ،‬ف�إذا قتلتم ف�أح�سنوا القتلة‪،‬‬
‫و�إذا ذبحتم ف�أح�سنوا الذبح‪،‬‬
‫وليحد �أحدكم �شفرته‪ ،‬فليرح‬
‫ذبيحته" (م�سلم ‪.)1955‬‬
‫• قال �أحد ال�صحابة‪ :‬ور�أى‬
‫قرية نمل قد حرقناها فقال‪:‬‬
‫"من حرق هذه؟" قلنا‪ :‬نحن‪،‬‬
‫قال‪�" :‬إنه ال ينبغي �أن يعذب‬
‫بالنار �إال رب النار" (�أبو داود‬
‫‪.)2675‬‬

‫العدل‬

‫• وقد كان �صلى اهلل عليه و�سلم عادلاً يقيم �شرع اهلل تعالى ولو على �أقرب‬
‫الأقربين امتثالاً لأمره تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا ُكو ُنوا َق َّو ِامينَ ِبا ْل ِق ْ�س ِط‬
‫الَ ْق َر ِبينَ { (الن�ساء‪.)135 :‬‬ ‫ُ�شهَدَ ا َء لهلِ ِ َو َل ْو َع َلى �أَ ْن ُف ِ�س ُك ْم �أَ ِو ا ْل َوالِدَ ْي ِن َو ْ أ‬
‫• قال عليه ال�صالة وال�سالم ل َّما �أتى بع�ض ال�صحابة ي�شفع عند النبي‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم حتى ال تقام العقوبة على امر�أة لها مكانة في‬
‫القبيلة قد �سرقت‪" :‬والذي نف�س محمد بيده لو �أن فاطمة بنت‬
‫محمد �سرقت لقطعت يدها" (البخاري ‪ ،4053‬م�سلم ‪.)1688‬‬
‫• ل َّما حرم الربا على النا�س‪ ،‬بد�أ ب�أقرب النا�س �إليه‪ ،‬فمنعه‬
‫من الربا وهو عمه العبا�س‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"و�أول ربا �أ�ضع ربانا‪ ،‬ربا عبا�س بن عبد المطلب‪ ،‬ف�إنه‬
‫مو�ضوع كله" (م�سلم ‪.)1218‬‬
‫• جعل مقيا�س ح�ضارة الأمم ورقيها �أن ي�أخذ ال�ضعيف فيها حقه من القوي غير خائف وال متردد‪ ،‬فقال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال قد�ست �أمة ال ي�أخذ ال�ضعيف فيها حقه غير متعتع" (ابن ماجه ‪.)2426‬‬
‫‪203‬‬

‫اإلحسان والكرم‬

‫• كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أجود النا�س بالخير وكان �أجود ما يكون في رم�ضان حين يلقاه جبريل‪،‬‬
‫وكان جبريل عليه ال�سالم يلقاه كل ليلة في رم�ضان حتى ين�سلخ‪ ،‬يعر�ض عليه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫القر�آن‪ ،‬ف�إذا لقيه جبريل عليه ال�سالم كان �أجود بالخير من الريح المر�سلة‪( .‬البخاري ‪ ،1803‬م�سلم ‪.)2308‬‬
‫• ما ُ�سئل �شي ًئا قط �إال �أعطاه‪ ،‬وجاءه رجل ف�أعطاه غن ًما بين جبلين فرجع �إلى قومه فقال‪ :‬يا قوم �أ�سلموا ف�إن‬
‫محمدًا يعطي عطاء ال يخ�شى الفاقة‪( .‬م�سلم ‪.)2312‬‬
‫• ُ‬
‫وحمِ ل �إليه ثمانون �ألف درهم فو�ضعها على ح�صير‪ ،‬ثم مال �إليها فق�سمها‪ ،‬فما رد �سائلاً حتى فرغ‬
‫منها‪( .‬الحاكم ‪.)5423‬‬
‫• وجاءه رجل ف�س�أله فقال‪" :‬ما عندي �شيء ولكن ابتع علي ف�إذا جاءنا �شيء ق�ضيناه"(�أي ا�شتر ما تريد‬
‫ويكون ال�سداد علي)‪ ،‬فقال عمر‪" :‬يا ر�سول اهلل ما كلفك اهلل ما ال تقدر عليه" فكره النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم ذلك‪ ،‬فقال الرجل‪� " :‬أنفق وال تخ�ش من ذي العر�ش �إقالال "‪ .‬فتب�سم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫وعرف ال�سرور في وجهه (الأحاديث المختارة ‪.)88‬‬

‫• ل َّما رجع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من غزوة حنين‪ ،‬جاء �أهل البوادي وحديثو الإ�سالم يطلبون‬
‫منه �أعطيات من الغنائم‪ ،‬فزحموه حتى ا�ضطروه �إلى �شجرة فخطفت رداءه‪ ،‬فوقف ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم وقال‪�" :‬أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه الع�ضاة (�أي الأ�شجار) نع ًما لق�سمته بينكم‬
‫ثم ال تجدوني بخيلاً وال كذو ًبا وال جبا ًنا"(البخاري ‪.)2979‬‬
‫‪ 204‬المعامالت المالية‬
‫‪205‬‬

‫المعامالت المالية‬
‫و�ض ��ع الإ�س�ل�ام جميع الأحكام والت�ش ��ريعات الت ��ي تراعي‬
‫الإن�س ��ان وحتف ��ظ حقوقه املالي ��ة واملهنية �س ��واء كان غن ًيا‬ ‫‪9‬‬
‫ريا‪ ،‬وت�س ��اهم يف متا�س ��ك املجتمع وتطوره ورقيه يف‬ ‫�أو فق ً‬
‫جميع جماالت احلياة‪.‬‬

‫الظل��م و�أخ��ذ �أموال‬ ‫الأ�صل يف املعامالت احلل املحرم لك�سبه‬


‫النا�س بالباطل‬
‫الربـــــا‬ ‫املحرم لذاته‬
‫القمار واملي�سر‬
‫الغرر واجلهالة‬
‫‪ 206‬المعامالت المالية‬

‫المعامالت المالية‬
‫معامالتك المالية‬

‫كل المهن المباحة �أعمال م�شرفة ي�ؤجر عليها الم�سلم �إذا �أح�سن النية‪.‬‬

‫�أمر اهلل بال�سعي في الأر�ض لطلب الرزق َّ‬


‫ورغب في‬
‫ذلك‪ .‬ويت�ضح ذلك في �أمور‪:‬‬
‫فقد نهى عن �س�ؤال النا�س المال ما دام الإن�سان قاد ًرا على العمل والك�سب بجهده وعمله‪ ،‬و�أخبر �أن من �س�أل‬
‫النا�س المال وهو قادر على العمل والك�سب ف�إنه يخ�سر مكانته عند اهلل وعند النا�س‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"ال تزال الم�س�ألة ب�أحدكم حتى يلقى اهلل تعالى ولي�س في وجهه مزعة لحم" (البخاري ‪ ،1405‬م�سلم ‪.)1040‬‬
‫وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من �أ�صابته فاقة ف�أنزلها بالنا�س لم ت�سد فاقته‪ ،‬ومن �أنزلها باهلل عز‬
‫وجل �أو�شك اهلل له بالغنى" (�أحمد ‪� ،3869‬أبو داود ‪.)1645‬‬
‫كل المهن ال�صناعية والخدمية واال�ستثمارية �أعمال م�شرفة ال عيب فيها ما دامت في نطاق المباحات‪ ،‬وقد‬
‫جاء في ال�شرع �أن الأنبياء كانوا يعملون في مهن �أقوامهم المباحة‪ ،‬كما قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما‬
‫بعث اهلل نبيا �إال رعى الغنم" (البخاري ‪ ،)2143‬وكان زكريا عليه ال�سالم نجا ًرا (م�سلم ‪ ،)2379‬وهكذا بقية الأنبياء‬
‫كانوا يعملون في �أمثال تلك المهن‪.‬‬
‫�أن من �أح�سن نيته في عمله يريد الإنفاق على نف�سه وعائلته‪ ،‬وكفهم عن االحتياج للنا�س‪ ،‬ونفع المحتاجين‪ ،‬كان‬
‫م�أجو ًرا على عمله واجتهاده‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪�" :‬إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اهلل حتى اللقمة‬
‫ت�ضعها في في امر�أتك ‪( "...‬البخاري ‪ ،56‬م�سلم ‪.)1628‬‬
‫‪207‬‬

‫األصل في المعامالت‬

‫الأ�صل في جميع التعامالت المالية من بيع و�شراء وا�ستئجار وغير ذلك مما يتعامل به النا�س ويحتاجون �إليه‪:‬‬
‫الإباحة والجواز‪� ،‬إال ما ا�ستثني من المحرمات لذاته �أو لطريقة ك�سبه‪.‬‬

‫المحرم لذاته‪:‬‬
‫وهي المحرمات التي نهى اهلل عنها لذاتها‪ ،‬فال يجوز االتجار بها وال بيعها وال �شرا�ؤها وال �إيجارها �أو العمل في‬
‫�إنتاجها ون�شرها بين النا�س‪.‬‬
‫�أمثلة لما حرمه الإ�سالم لذاته‪:‬‬

‫المخدرات وكل‬
‫الكلب والخنزير‬
‫ما ي�ضر بال�صحة‬

‫�أدوات �إ�شاعة‬
‫الفاح�شة بين النا�س‬ ‫الحيوانات الميتة‬
‫كالأ�شرطة والمواقع‬ ‫�أو جزء منها‬
‫والمجالت الإباحية‬

‫الأ�صنام وكل ما يعبد‬ ‫الخمور والم�شروبات‬


‫من دون اهلل‬ ‫الكحولية‬

‫المحرم لكسبه‪:‬‬
‫وهو المال المباح في �أ�صله ولكن التحريم دخل عليه ب�سبب طريقة ك�سبه التي ت�ضر بالفرد والمجتمع‪ ،‬فحرمت‬
‫لذلك ال�سبب‪ ،‬و�أ�سباب التحريم في المعامالت هي‪:‬‬
‫‪ .4‬القمار والمي�سر‬ ‫‪ .3‬الظلم‬ ‫‪ .2‬الغرر والجهالة‬ ‫‪ .1‬الربا‬
‫و�سنقوم بتو�ضيحها كالتالي‪:‬‬
‫‪ 208‬المعامالت المالية‬

‫‪ 1‬الربــــــــــــا‬

‫توعد اهلل المتعامل بالربا بحرب من اهلل ور�سوله‪.‬‬

‫�شرعا؛ لما فيها من الظلم وال�ضرر‪.‬‬


‫الربا هو الزيادة المحرمة ً‬
‫وهو عدة �أنواع‪� ،‬أ�شهرها و�أ�شدها تحري ًما‪ :‬الربا في القرو�ض والديون‪ ،‬وهي‪ :‬الزيادة على �أ�صل‬
‫المال من غير بيع �أو �سلعة بين الطرفين‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬

‫ربا القـــرض‪:‬‬ ‫ربا الديــــــن‪:‬‬


‫ومعناه �أن يقتر�ض من �شخ�ص �أو من بنك قد ًرا‬ ‫وهو الزيادة على الدين عند حلول �أجل ال�سداد‬
‫من المال ب�شرط �أن ي�سدده بفائدة يتفقون على‬ ‫�إذا لم ي�ستطع المدين الوفاء‪.‬‬
‫قدرها ‪� %5‬سنو ًيا �أو �أقل �أو �أكثر‪.‬‬ ‫مثاله‪� :‬إذا اقتر�ض (�سعيد) من (خالد) ‪1000‬‬
‫مثاله‪� :‬أن يريد �شراء منزل بقيمة (مائة �ألف)‬ ‫دوالر لي�سددها بعد �شهر‪ ،‬فلما انتهى ال�شهر وجاء‬
‫ولي�س لديه المال الكافي‪ ،‬فيذهب �إلى البنك ويقتر�ض‬ ‫وقت ال�سداد لم ي�ستطع (�سعيد) �أن يفي وي�سدد المال‬
‫منه المال (مائة �ألف) ل�شراء المنزل على �أن ي�سدده‬ ‫فا�شترط عليه الدائن (خالد) �أن ي�سددها الآن بدون‬
‫للبنك مائة وخم�سين �أل ًفا على �أق�ساط �شهرية لمدة‬ ‫زيادة �أو ي�سددها بعد �شهر ‪ 1100‬دوالر ف�إن لم ي�ستطع‬
‫خم�س �سنوات‪.‬‬ ‫فبعد �شهرين ‪ 1200‬دوالر وهكذا‪.‬‬
‫‪209‬‬

‫والربا محرم من كبائر الذنوب ما دام القر�ض بفائدة‪� ،‬سواء كان‬


‫القر�ض ا�ستثمار ًيا لتمويل تجارة �أو �صناعة‪� ،‬أو ل�شراء �أ�صول مهمة ك�شراء‬
‫منزل وعقار �أو كان ا�ستهالك ًيا في كماليات‪.‬‬
‫�أما �شراء ال�سلعة بالأق�ساط �أعلى من �سعرها نقدً ا فلي�س من الربا‪.‬‬
‫مثل من ي�شتري الجهاز ب�ألف دوالر نقدً ا �أو ب�ألف ومائتين ب�أق�ساط‬
‫�شهرية لمدة �سنة في كل �شهر مائة دوالر يدفعها للمتجر المالك لل�سلعة‪.‬‬

‫حكم الربا‬

‫الربا محرم �أ�شد التحريم ب�صريح القر�آن و�أحاديث النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وهو من كبائر الذنوب‪ ،‬ولم‬
‫يتوعد اهلل �أحدً ا من الع�صاة بالحرب �إال �آكل الربا والمتعامل به‪ ،‬وتحريم الربا جاء في ال�شرائع ال�سماوية ال�سابقة‬
‫ولي�س في الإ�سالم فقط‪ ،‬ولكن ناله التحريف والع�صيان كما نال غيره من الأحكام‪ ،‬قال تعالى مبي ًنا �سبب عذابه‬
‫ومقته لأقوام من �أهل الكتاب‪َ } :‬و َ�أخْ ِذ ِه ُم ال ِّر َبا َو َق ْد ُن ُهوا َع ْنه{ (الن�ساء‪.)161 :‬‬
‫عقوبة الربا‪:‬‬
‫‪� 3‬أن �آكل الربا يبعث يوم القيامة على �أ�شنع �صورة‬ ‫‪ 1‬المتعامل بالربا يعر�ض نف�سه لحرب اهلل‬
‫كالمترنح ب�سبب �صرع وجنون‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫ور�سوله‪ ،‬في�صير عد ًوا هلل و�سوله‪ ،‬قال اهلل‬
‫}‪ ‬ا َّل ِذينَ َي ْ�أ ُك ُلونَ ال ِّر َبا اَل َي ُقو ُمونَ �إِ اَّل َك َما َي ُق ُ‬
‫وم‬ ‫تعالى‪َ } :‬ف�إِنْ َل ْم َت ْف َع ُلوا َف�أْ َذ ُنوا ِب َح ْر ٍب ِمنَ‬
‫ا َّل ِذي َيت ََخ َّب ُط ُه ال�شَّ ْي َطانُ ِمنَ ا ْل َم ّ�س{ (البقرة‪:‬‬ ‫و�س �أَ ْم َوا ِل ُك ْم‬ ‫ا ِ‬
‫هلل َو َر ُ�سو ِل ِه َو ِ�إنْ ُت ْبت ُْم َف َل ُك ْم ُر ُء ُ‬
‫‪.)275‬‬ ‫اَل ت َْظ ِل ُمونَ َو اَل ت ُْظ َل ُمون { (البقرة‪ ،)279 :‬وهي‬
‫‪� 4‬أن المال الربوي و�إن كثر فهو ممحوق البركة‪ ،‬ال‬ ‫حرب لها �آثارها النف�سية والج�سدية‪ ،‬وما �أ�صاب‬
‫يجد فيه راحة وال �سعادة وال اطمئنا ًنا‪ ،‬كما قال‬ ‫النا�س الآن من قلق واكتئاب وغم وحزن �إال من‬
‫هلل ال ِّر َبا َو ُي ْر ِبي ال�صَّ دَ َقات{‬
‫تعالى‪َ }:‬ي ْم َحقُ ا ُ‬ ‫نتاج هذه الحرب المعلنة لكل من خالف �أمر اهلل‬
‫(البقرة‪.)276 :‬‬ ‫و�أكل الربا �أو �ساعد عليه‪ ...‬فكيف ب�أثر الحرب‬
‫في الآخرة‪.‬‬
‫‪� 2‬آكل الربا المتعامل به ملعون ومطرود من رحمة‬
‫اهلل‪ ،‬هو ومن �أعانه على ذلك‪ ،‬عن جابر قال‪:‬‬
‫"لعن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم �آكل‬
‫الربا وموكله وكاتبه و�شاهديه" وقال‪" :‬هم‬
‫�سواء"(م�سلم ‪.)1598‬‬
‫‪ 210‬المعامالت المالية‬

‫�إذا تاب من ي�أخذ الزيادة الربوية ف�إنه‬


‫ي�أخذ �أ�صل ماله ويترك الباقي‪.‬‬

‫خطورة الربا على الفرد والمجتمع‬


‫�شدد الإ�سالم في �ش�أن الربا لما له من �آثار مدمرة على الفرد والمجتمع‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ 3‬الربـــا �سبب لإحجـــام الأغنيـــــاء عـــن‬ ‫‪ 1‬اختالل توزيع الثروة ون�شوء التفاوت‬
‫اال�ستثمارات النافعة للبالد‪:‬‬ ‫الكبير بين الأغنياء والفقراء‪:‬‬
‫فيجد �صاحب المال في النظام الربوي فر�صة‬ ‫فالربا يركز المال في �أيدي فئة قليلة من �أفراد‬
‫للح�صول على ن�سبة معينة من الربا على ماله‪ ،‬وهذا‬ ‫المجتمع الواحد‪ ،‬ويحرم منه الجموع الكثيرة‪ ،‬وهذا‬
‫ي�صرفه عن ا�ستثمار ماله في م�شروعات �صناعية‬ ‫خلل في توزيع المال‪ ،‬فيتحول المجتمع �إلى فئة قليلة‬
‫وزراعية وتجارية مهما كانت مفيدة للمجتمع‪ ،‬لأنها‬ ‫من الأثرياء ثراء ً‬
‫فاح�شا‪ ،‬وبقية من الكادحين والفقراء‬
‫تحتوي على قدر من المخاطرة وبحاجة لنوع من الجهد‬ ‫�أو المعدمين‪ ،‬وهذه هي البيئة الخ�صبة النت�شار الأحقاد‬
‫والعمل‪.‬‬ ‫والجرائم في المجتمع‪.‬‬
‫‪ 4‬الربا �سبب لمحـــق بركـة المال وح�صـول‬ ‫‪ 2‬اعتياد الإ�سراف وعدم االدخار‪:‬‬
‫االنهيــارات االقت�صادية‪:‬‬ ‫فت�سهيل القرو�ض بفائدة �شجع الكثيرين على‬
‫وكل االنهيارات االقت�صادية والإفال�س الكبير‬ ‫الإ�سراف وعدم االدخار؛ لأنه يجد من يقر�ضه ك َّلما‬
‫لم�ؤ�س�سات �أو �أ�شخا�ص كان ب�سبب التمادي في الربا‬ ‫احتاج‪ ،‬فال يح�سب لحا�ضره وم�ستقبله وي�سرف في‬
‫المحرم‪ ،‬وهو �أحد �آثار المحق الذي �أخبر اهلل به‪،‬‬ ‫الكماليات حتى تجتمع عليه الديون وت�ضيق عليه الحياة‪،‬‬
‫بخالف ال�صدقة والإح�سان �إلى النا�س فهي تبارك‬ ‫ويبقى طوال عمره مثقلاً بتلك الديون والقرو�ض‪.‬‬
‫المال وتزيده‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬ي ْم َحقُ ا ُ‬
‫هلل ال ِّر َبا َو ُي ْر ِبي‬
‫ال�صَّ دَ َقات{ (البقرة‪.)276 :‬‬
‫‪211‬‬

‫هل �أنت الدائن ومن ي�أخذ الزيادة (�آكل الربا)؟‬ ‫كيفية التوبة من الربا؟‬
‫نعم‬ ‫ال‬
‫من تاب �إلى اهلل و�سبق له االلتزام بعقد ربوي فله‬
‫حالتان‪:‬‬
‫يجب عليك �أخذ �أ�صل مالك بدون زيادة‪.‬‬ ‫�إذا كان هو من ي�أخذ الزيادة والفائدة‬ ‫‪1‬‬
‫(�آكل الربا) ف�إنه ي�أخذ �أ�صل ماله وال ي�أخذ‬
‫�شي ًئا من الزيادة بمجرد توبته‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫�إذا كنت من يدفع الزيادة فهل ت�ستطيع ف�سخ العقد‬ ‫و�س َ �أ ْم َوا ِل ُك ْم اَل ت َْظ ِل ُمونَ َو اَل‬
‫} َو ِ�إنْ ُت ْبت ُْم َف َل ُك ْم ُر ُء ُ‬
‫بدون �ضرر كبري؟‬
‫ت ُْظ َل ُمون{ (البقرة‪.)279 :‬‬
‫نعم‬ ‫ال‬
‫�إذا كان هو من يدفع الزيادة فله حالتان‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫• �إن ا�ستطاع �أن يف�سخ العقد ويخرج منه بدون‬
‫�ضرر كبير فيجب عليه ذلك‪.‬‬
‫يجب عليك ف�سخ العقد �إن كنت قاد ًرا‬
‫وال �ضرر عليك يف ذلك‪.‬‬ ‫• �أما �إن كان ال ي�ستطيع ف�سخ العقد �إال ب�ضرر بالغ ف�إنه‬
‫يتم العقد وهو عازم على �أن ال يعود لمثله‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪َ } :‬ف َمنْ َجا َء ُه َم ْو ِع َظ ٌة ِمنْ َر ِّب ِه َفا ْن َت َهى َف َل ُه َما‬
‫�إن كنت ال ت�ستطيع ف�سخ العقد �أو يح�صل لك ب�سبب‬ ‫اب النَّا ِر‬ ‫َ�س َل َف َو َ�أ ْم ُر ُه ِ�إ َلى ا ِ‬
‫هلل َو َمنْ َعا َد َف�أُو َل ِئ َك َ�أ ْ�ص َح ُ‬
‫الف�سخ �ضرر كبري ف�إنك تتم العقد و�أنت عازم على �أن ال‬
‫تعود ملثله يف امل�ستقبل‪.‬‬ ‫هُ ْم ِفي َها َخا ِلدُون{(البقرة‪.)275 :‬‬

‫كما ح َّرم اهلل الربا فقد �أباح لنا �أنواعًا من المعامالت تغني الم�سلم عن الوقوع في المحرم‪ ،‬وقد تفننت كثير من‬
‫الم�صارف والبنوك في تقديم �أنواع من المعامالت ال�شرعية‪.‬‬
‫‪ 212‬المعامالت المالية‬

‫الغرر والجهالة‬ ‫‪2‬‬

‫والمراد‪ :‬كل عقد فيه قدر مجهول وثغرة ربما تكون �سب ًبا للتنازع‬
‫والخ�صومة بين الطرفين �أو ظلم �أحدهما للآخر‪.‬‬
‫وقد حرمه الإ�سالم �سدً ا لذريعة الخ�صام �أو الظلم والغبن‪ ،‬فيحرم حتى ولو ترا�ضى النا�س عليه‪ ،‬فقد نهى النبي‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم عن بيع الغرر (م�سلم‪.)1513 :‬‬

‫يحرم كل عقد ت�ضمن قد ًرا مجهولاً قد يف�ضي للنزاع والخ�صومة م�ستقبل‬

‫أمثلة لبيع الغرر والجهالة‪:‬‬


‫‪ 1‬بيع الثمار قبل �أن يظهر �صالحها وتكون جاهزة للقطف‪ ،‬فقد نهى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عن ذلك الحتمال‬
‫ف�سادها قبل الن�ضج‪.‬‬
‫‪� 2‬أن يدفع مبل ًغا من المال ل�شراء �صندوق ال ُيد َرى ما فيه‪ ،‬فقد يكون �شي ًئا ثمي ًنا �أو �شي ًئا تاف ًها‪.‬‬

‫متى تكون الجهالة مؤثرة؟‬


‫ال يكون الغرر والجهالة م�ؤثرة في تحريم العقد �إال �إذا كانت كثيرة وكانت في �أ�صل العقد ولي�ست في توابعه‪.‬‬
‫فيجوز للم�سلم �أن ي�شتري البيت مثلاً و�إن لم يعلم نوع المواد التي ا�ستخدمت في البناء والطالء ونحو ذلك‪ ،‬لأن هذه‬
‫الجهالة ي�سيرة‪ ،‬ثم هي في توابع العقد ال في �أ�صله‪.‬‬
‫‪213‬‬

‫‪ 3‬الظلم وأخذ أموال الناس بالباطل‬

‫الظلم من �أ�شنع الأفعال التي حذر منها الإ�سالم‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬الظلم ظلمات يوم القيامة"‬
‫(البخاري ‪ ،2315‬م�سلم ‪ ،)2579‬و�أخذ �أموال النا�س بدون حق ولو كان قليلاً من �أعظم الآثام والجرائم التي توعد مرتكبها‬
‫�شبر من الأر�ض ُط ّوقه من �سبع �أر�ضين يوم‬
‫ب�أ�شد العقوبات في الآخرة‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من ظلم قيد ٍ‬
‫القيامة" (البخاري ‪ ،2321‬م�سلم ‪.)1610‬‬

‫من أمثلة الظلم في المعامالت‪:‬‬


‫‪ 3‬الإكراه‪ :‬فال يجوز الإكراه على التعامل ب�أي‬ ‫‪ 1‬الغ�ش ومخادعة النا�س‪ :‬لأكل �أموالهم‬
‫نوع من �أنواع الإكراه والقهر‪ ،‬وال ت�صح العقود‬ ‫بالباطل‪ ،‬وهي من الآثام العظيمة‪ ،‬كما قال‬
‫�إال بالترا�ضي‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من غ�شنا فلي�س منا"‬
‫"�إنما البيع عن ترا�ض" (ابن ماجه ‪.)2185‬‬ ‫(م�سلم ‪ ،)101‬و�سبب الحديث �أن ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم خرج �إلى ال�سوق فوجد �صبرة‬
‫‪ 4‬الر�شــــوة‪ :‬وهي �أن يدفع الإن�سان اً‬
‫مال �أو‬ ‫من طعام (�أي كومة من الحبوب) ف�أدخل يده‬
‫خدمة ليح�صل على حق لي�س له‪ ،‬وهي من‬ ‫في ال�صبرة فوجد فيها بللاً ‪ ،‬فقال للبائع‪" :‬يا‬
‫�أ�شنع �أنواع الظلم و�أ�شد الذنوب‪ ،‬فقد لعن‬ ‫�صاحب الطعام ما هذا؟" قال‪� :‬أ�صابته ال�سماء‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الرا�شي‬ ‫(�أي المطر) يا ر�سول اهلل‪ ،‬فقال‪�" :‬أفال جعلته‬
‫(وهو دافع الر�شوة) والمرت�شي (وهو‬ ‫فوق الطعام حتى يراه النا�س؟" ثم قال‪" :‬من‬
‫�آخذها)‪( .‬الترمذي ‪)1337‬‬ ‫غ�ش فلي�س منا" (الترمذي ‪.)1315‬‬
‫وما انت�شرت الر�شوة في مجتمع �إال ف�سد وتفكك‪،‬‬ ‫‪ 2‬التالعب على القانون‪ :‬لأخذ المال ظل ًما‬
‫وتوقف ازدهاره ونموه‪.‬‬ ‫بغير حق‪ ،‬وذلك �أن الإن�سان قد يكون لديه‬
‫من الذكاء والفطنة ما يمكنه من �أخذ مال‬
‫لي�س له عن طريق القانون والمحاكم‪ ،‬لكن‬
‫ق�ضاء القا�ضي ال يح ّول الباطل ح ًقا‪ ،‬كما قال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إنما �أنا ب�شر و�إنكم‬
‫تخت�صمون �إلي‪ ،‬ولعل بع�ضكم �أن يكون �ألحن‬
‫بحجته من بع�ض ف�أق�ضي له على نحو ما �أ�سمع‪،‬‬
‫فمن ق�ضيت له بحق �أخيه �شي ًئا فال ي�أخذه ف�إنما‬
‫�أقطع له قطعة من النار" (البخاري ‪ ،6748‬م�سلم‬
‫‪.)1713‬‬
‫‪ 214‬المعامالت المالية‬

‫‪ 4‬القمار والميسر‬

‫ما هو الميسر أو القمار؟‬


‫القمار يكون في ال�سباقات واللعب الذي ي�شترط فيه الالعبان �أو المت�سابقان �أو المتراهنان �إن ربح �أحدهما �أن‬
‫يك�سب المال من الخا�سر‪ ،‬فكل م�شارك دائر بين �أن يك�سب المال من غيره �أو �أن يخ�سره ليك�سبه غي ُره‪.‬‬

‫حكمه‪:‬‬
‫القمار محرم ورد الت�شديد في �أمره في القر�آن وال�سنة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫جعل اهلل �إثم المي�سر و�ضرره �أعظـم من فائـدتــه ومنفعتـه‪ ،‬فقال تعالـى‪َ } :‬ي ْ�س َ�أ ُلو َن َك َع ِن ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْي ِ�س ِر ُق ْل‬ ‫‪1‬‬
‫َّا�س َو ِ�إ ْث ُم ُه َما �أَ ْك َب ُر ِمن َّن ْف ِع ِه َما{ (البقرة‪.)219 :‬‬
‫ِفيهِ َما ِ�إ ْث ٌم َك ِبي ٌر َو َم َنا ِف ُع ِللن ِ‬

‫َح َك َم اهلل على المي�سر والقمار‬ ‫‪2‬‬


‫بالنجا�سة المعنوية لأ�ضراره الخبيثة‬
‫على الفرد والمجتمع‪ ،‬و�أمر باجتنابه‪،‬‬
‫وجعله �سب ًبا للفرقة والبغ�ضاء‪ ،‬و�سب ًبا‬
‫لترك ال�صالة والذكر‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫} َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا ِ�إ َّن َما ا ْل َخ ْم ُر‬
‫الَ ْز اَل ُم ِر ْج ٌ�س ِمنْ‬ ‫اب َو ْ أ‬ ‫َوا ْل َم ْي ِ�س ُر َو َْ أ‬
‫ال ْن َ�ص ُ‬
‫َع َم ِل ال�شَّ ْي َط ِان َف ْ‬
‫اج َت ِن ُبو ُه َل َع َّل ُك ْم ُت ْف ِل ُحونَ‬
‫• ِ�إ َّن َما ُي ِري ُد ال�شَّ ْي َطانُ �أَنْ ُيو ِق َع َب ْي َن ُك ُم‬
‫ا ْل َعدَ ا َو َة َوا ْل َبغ َْ�ضا َء ِفي ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْي ِ�س ِر‬
‫هلل َو َع ِن ال�صَّلاَ ِة‬ ‫َو َي ُ�ص َّد ُك ْم َعنْ ِذ ْك ِر ا ِ‬
‫َف َه ْل �أَ ْنت ُْم ُم ْن َت ُهون{(المائدة‪.)91-90 :‬‬

‫نهاية القمار وخيمة و�إن بدت لأول مرة‬


‫غير ذلك‬
‫‪215‬‬

‫أضرار القمار والميسر على الفرد‬


‫والمجتمع‪:‬‬
‫�أ�ضرار القمار عظيمة وكثيرة على الفرد والمجتمع‪،‬‬
‫من �أهمها‪:‬‬
‫‪� 1‬أنه يوقع العداوة والبغ�ضاء بين النا�س‪،‬‬
‫ف�إن الالعبين يغلب عليهم �أنهم �أ�صدقاء‬
‫و�أحباب‪ ،‬فمتى فاز �أحدهم و�أخذ �أموالهم فال‬
‫�شك �أنهم �سيبغ�ضونه ويحقدون عليه‪ ،‬ويحملون‬
‫في �أنف�سهم له العداوة والح�سد‪ ،‬ويعملون‬
‫الحيل للإيقاع به و�إ�ضراره جزاء ما �أوقع‬
‫بهم من الخ�سارة‪ ،‬وهذا واقع م�شاهد يعلمه‬
‫‪ 2‬المي�سر ممحق للأموال ومبدد للثروات‪.‬‬
‫الجميع‪ ،‬وهو م�صداق لقوله تعالى‪�ِ } :‬إ َّن َما ُي ِري ُد‬
‫‪ 3‬ي�صيب ممار�سه بالإدمان فهو �إن ك�سب وفاز‬ ‫ال�شَّ ْي َطانُ �أَنْ ُيو ِق َع َب ْي َن ُك ُم ا ْل َعدَ ا َو َة َوا ْل َبغ َْ�ضا َء ِفي‬
‫ازداد ج�ش ًعا وطم ًعا في المقامرة‪ ،‬وا�ستر�سل‬ ‫ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْي ِ�سر{ (المائدة‪ ،)91 :‬ثم �إنه يلهي عن‬
‫في ك�سب المال الحرام‪ ،‬و�إن خ�سر الزم القمار‬ ‫الفرائ�ض وال�صلوات وذكر اهلل‪ ،‬كما قال جل‬
‫لعله ي�سترد ما فقده‪ ،‬وكالهما عائق عن العمل‬ ‫وعال في ذكر دوافع ال�شيطان في تزيين القمار‬
‫ومف�ض �إلى دمار المجتمع‪.‬‬ ‫والمي�سر للإن�سان‪َ } :‬و َي ُ�ص َّد ُك ْم َعنْ ِذ ْك ِر ا ِ‬
‫هلل‬
‫َو َعنِ ال�صَّلاَ ة{ (المائدة‪.)91 :‬‬
‫أنواع الميسر‬
‫تتعدد �صور و�أنواع المي�سر قدي ًما وحدي ًثا‪ ،‬فمن �أنواعه المعا�صرة‪:‬‬
‫‪ 1‬كل لعـــــب ي�شترط فيه الغالب على المغلوب �أخذ �شيء من المال‪ ،‬مثل �أن يلعب جماعة من النا�س‬
‫بالورقة (الكوت�شينة)‪ ،‬وي�ضع كل واحد منهم قد ًرا من المال‪ ،‬فمن ك�سب منهم �أخذ جميع المال‪.‬‬
‫‪ 2‬المراهنات على فوز فريق �أو العب ونحو ذلك‪ ،‬في�ضع المراهنون المال‪ ،‬وكل واحد يراهن على فوز‬
‫فريقه �أو العبه‪ ،‬ف�إن فاز فريقه ك�سب المال‪ ،‬و�إن خ�سر الفريق خ�سر هو المال‪.‬‬
‫‪ 3‬اليان�صيب والحظ‪ ،‬مثل �أن ي�شتري بطاقة بدوالر لي�شارك في احتمال فوزه ب�ألف دوالر عند ال�سحب‪.‬‬
‫‪ 4‬جميع �ألعاب القمار الحركية والكهربائية وااللكترونية �أو عبر مواقع الإنترنت‪ ،‬والتي يكون الالعب فيها‬
‫�أمام احتمالين‪� :‬أن يك�سب المال �أو يخ�سره‪.‬‬
‫‪ 216‬المعامالت المالية‬

‫أخالق أكد عليها اإلسالم في التعامالت المالية‬


‫كما و�ضح الإ�سالم �أحكام المعامالت المالية فقد �أكد على المتعاملين‬
‫عد ًدا من الأخالق والآداب منها‪:‬‬

‫األمانة‪:‬‬
‫الأمانة في التعامالت التجارية مع الآخرين‪� ،‬سواء كانوا م�سلمين �أو كفا ًرا من �أهم �أخالق الم�سلم المتبع‬
‫ل�شرع اهلل‪ ،‬ويظهر الت�أكيد عليها فيما يلي‪:‬‬
‫الَ َما َن ِ‬
‫ات ِ�إ َلى �أَ ْه ِل َها{ (الن�ساء‪.)58 :‬‬ ‫هلل َي�أْ ُم ُر ُك ْم �أَنْ ُت�ؤَ ُّدوا ْ أ‬
‫ •قال تعالى‪�ِ } :‬إنَّ ا َ‬
‫ •عد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �ضياع الأمانة وخيانتها من عالمات النفاق‪ ،‬حيث قال‪�" :‬آية‬
‫المنافق ثالث‪� :‬إذا حدث كذب و�إذا وعد �أخلف و�إذا ا�ؤتمن خان" (البخاري ‪ ،33‬م�سلم ‪.)59‬‬
‫ •الأمانة من �أهم �صفات الم�ؤمنين‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬ق ْد �أَ ْف َل َح ا ْل ُم�ؤْ ِم ُنون{ �إلى قوله‪َ } :‬وا َّل ِذينَ هُ ْم‬
‫ِ ألَ َما َنا ِت ِه ْم َو َع ْه ِد ِه ْم َر ُاعون{ (الم�ؤمنون‪ ،)8 ،1 :‬ولهذا نفى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الإيمان عن‬
‫من يخون الأمانة‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال �إيمان لمن ال �أمانة له" (�أحمد ‪.)12567‬‬
‫ •وقد كان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ملق ًبا في مكة قبل البعثة بال�صادق الأمين؛ لأنه كان رمزًا‬
‫للأمانة في عالقاته وتعامالته‪.‬‬
‫‪217‬‬

‫الصدق‪:‬‬
‫وال�صدق والو�ضوح من �أهم المزايا التي �أكد عليها الإ�سالم‪:‬‬
‫ •قال �صلى اهلل عليه و�سلم عن البائع والم�شتري‪" :‬ف�إن �صدقا‬
‫وبينا بورك لهما في بيعهما‪ ،‬و�إن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما"‬
‫(البخاري ‪ ،1973‬م�سلم ‪.)1532‬‬
‫ •قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬عليكم بال�صدق‪ ،‬ف�إن ال�صدق‬
‫يهدي �إلى البر‪ ،‬و�إن البر يهدي �إلى الجنة‪ ،‬وال يزال الرجل ي�صدق‬
‫ويتحرى ال�صدق حتى يكتب عند اهلل �صديقا"(م�سلم ‪.)2607‬‬
‫ •جعل الإ�سالم من يحلف كذ ًبا في الثناء على �سلعته ليبيعها قد‬
‫ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"ثالثة ال يكلمهم اهلل يوم القيامة‪ ،‬وال ينظر �إليهم‪ ،‬وال يزكيهم‪،‬‬
‫ولهم عذاب �أليم"‪ .‬وذكر منهم‪" :‬والمنفق �سلعته بالحلف‬
‫الكاذب" (م�سلم ‪.)106‬‬

‫فاهلل �سبحانه كتب الإح�سان على كل �شيء‪،‬‬


‫و�أمر به في كل مناحي الحياة‪ ،‬حتى في الأمور التي‬
‫قد يظهر لأول وهلة تعذر الإح�سان والإتقان فيها‪،‬‬
‫كال�صيد والذبح‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن اهلل‬
‫كتب الإح�سان على كل �شيء‪ ،‬ف�إذا قتلتم ف�أح�سنوا‬
‫القتلة‪ ،‬و�إذا ذبحتم ف�أح�سنوا الذبح‪ ،‬وليحد �أحدكم‬
‫�شفرته فليرح ذبيحته" (م�سلم ‪.)1955‬‬
‫ح�ضر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم جنازة �أحد‬
‫النا�س‪ ،‬فكان يوجه ال�صحابة في ت�سوية اللحد‬
‫و�إح�سان الدفن‪ ،‬ثم التفت �إليهم‪ ،‬وقال‪�" :‬أما �إن هذا‬
‫ال ينفع الميت وال ي�ضره‪ ،‬ولكن اهلل يحب من العامل‬
‫اإلتقان وإحسان العمل‪:‬‬
‫�إذا عمل �أن يح�سن" (البيهقي في �شعب الإيمان ‪،)5315‬‬
‫فيجب على كل �صانع �أو عامل م�سلم �أن يجعل وفي لفظ‪�" :‬إن اهلل يحب �إذا عمل �أحدكم عملاً �أن‬
‫الإتقان و�إتمام العمل على �أح�سن وجه مبد�أه ومزيته يتقنه" (�أبو يعلى ‪� ،4386‬شعب الإيمان ‪( .)5312‬وانظر لبقية‬
‫الأخالق �ص‪.)191‬‬ ‫التي ال يتنازل عنها‪.‬‬
‫‪ 218‬طعام المسلم‬
‫‪219‬‬

‫طعام المسلم‬
‫للطع ��ام احل�ل�ال مكان ��ة كب�ي�رة يف الإ�س�ل�ام فه ��و �س ��بب‬
‫لإجابة الدعاء والربكة يف املال والأهل‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫مباحا ومت ك�س ��به‬
‫وي ��راد بالطع ��ام احلالل م ��ا كان طعا ًما ً‬
‫بطريق ��ة مباح ��ة ومب ��ال مباح بدون ظل ��م وال اعتداء على‬
‫حقوق الآخرين‪.‬‬
‫ال�صيد ال�شرعي‬ ‫املخــــدرات‬ ‫الأ�صل يف الأطعمة‬
‫امل�أكوالت البحرية �آداب الطعام وال�شراب‬ ‫املزروعات والثمار‬
‫حيوانـات البـر‬ ‫اخلمور والكحول‬
‫‪ 220‬طعام المسلم‬

‫األطعمة‬
‫األصل في األطعمة‬

‫الأ�صل في جميع المطعومات والم�شروبات الإباحة والحل �إال ما ا�ستثني من المحرمات مما ي�ضر الإن�سان في‬
‫�صحته وخلقه ودينه‪ ،‬وقد امتن اهلل على النا�س ب�أن خلق لهم جميع ما في الأر�ض لينتفعوا به �إال ما حرمه عليهم‪،‬‬
‫الَ ْر ِ�ض َج ِمي ًعا{(البقرة‪.)29 :‬‬
‫فقال‪} :‬هُ َو ا َّل ِذي َخ َلقَ َل ُك ْم َما ِفي ْ أ‬

‫المزروعات والثمار‬
‫جميع النباتات مما يزرعها النا�س �أو ي�أخذونه من �أ�شجار البراري والغابات والح�شائ�ش والفطر بجميع‬
‫الأنواع مبا ٌح جائز الأكل‪� ،‬إال ما كان �ضا ًرا بالبدن وال�صحة‪� ،‬أو مغط ًيا للعقل كالخمور �أو المخدرات‪ ،‬ف�إنها‬
‫محرمة ب�سبب ال�ضرر و�إزالة العقل‪.‬‬
‫‪221‬‬

‫المأكوالت البحرية‬
‫والمراد بالم�أكوالت البحرية ما ال يعي�ش �إال في‬
‫الماء‪ ،‬وحياته في البر ا�ستثناء‪.‬‬
‫والمراد بالبحر هنا الماء الكثير‪ ،‬فيدخل في ذلك‬
‫الأنهار والبحيرات وغيرها مما هو ماء كثير‪.‬‬
‫وجميع تلك الم�أكوالت البحرية �سواء كانت حيوانية‬
‫�أو نباتية تم �صيدها �أم وجدت ميتة‪ ،‬ف�إن �أكلها جائز‬
‫مباح ما لم تكن م�ضرة بال�صحة‪.‬‬
‫قال تعالى‪�} :‬أُ ِح َّل َل ُك ْم َ�ص ْي ُد ا ْل َب ْح ِر َو َط َعا ُمه{‬
‫(المائدة‪.)96 :‬‬
‫وال�صيد هو ما �أخذ ح ًيا‪ ،‬والطعام ما �ألقاه البحر‬
‫بعد موته‪.‬‬

‫}�أ ُ ِح َّل َل ُك ْم َ�ص ْي ُد ا ْل َب ْح ِر َو َط َعامُه{‬ ‫حيوانات البر‬


‫ي�شترط لجواز الأكل من حيوانات البر �شرطان‪:‬‬
‫‪� 1‬أن تكون حيوانات مباحة الأكل‪.‬‬
‫‪� 2‬أن يتم ا�صطيادها �أو ذبحها بالطريقة ال�شرعية‪.‬‬
‫‪ 222‬طعام المسلم‬

‫ما هي الحيوانات المحرمة؟‬


‫الأ�صل حل جميع الحيوانات �إال ما دل الدليل من القر�آن وال�سنة على تحريمه‪.‬‬
‫والمحرمات من الحيوانات كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬كل ذي ناب من السباع‪:‬‬
‫والمراد بها جميع الحيوانات الآكلة للحوم‪� ،‬سواء كانت كبيرة كالأ�سد والنمر‪� ،‬أو �صغيرة كالقطة‬
‫ونحوها‪ ،‬ومن ذلك الكلب‪.‬‬
‫‪ 2‬كل ذي مخلب من الطيور‪:‬‬
‫وهي جميع الطيور الآكلة للحوم‪ ،‬كال�صقر‪ ،‬والن�سر‪ ،‬والبومة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬الثعابين والفئران‪:‬‬
‫فيحرم �أكلها‪ ،‬و�أمرنا بقتلها‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬خم�س فوا�سق يقتلن في الحل والحرم‪:‬‬
‫والح َد َّيا" (البخاري ‪ ،3136‬م�سلم ‪.)1198‬‬
‫الحية‪ ،‬والغراب الأبقع‪ ،‬والف�أرة‪ ،‬والكلب العقور‪ُ ،‬‬

‫على الم�سلم تحري الطعام الحالل عند �شرائه‬


‫‪223‬‬

‫‪ 4‬الحشرات‪:‬‬
‫وجميع الح�شرات في البر ال يجوز �أكلها لأنه ال يمكن تذكيتها‪ ،‬وي�ستثنى من ذلك الجراد ف�إنه‬
‫يجوز �أكله‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أحلت لنا ميتتان‪ :‬الحوت‪ ،‬والجراد" (ابن ماجه ‪.)3218‬‬
‫‪ 5‬الخنزير‪:‬‬
‫وهو حيوان محرم نج�س في الإ�سالم بكل �أجزائه و�أع�ضائه وما ي�ستخرج منه‪ ،‬كما قال �سبحانه‬
‫}ح ِّرمَتْ َعلَ ْي ُك ُم ا ْل َم ْي َت ُة َوال َّد ُم َو َل ْح ُم ا ْل ِخ ْنزِيرِ{(�سورة المائدة‪ ،)3:‬وقال تعالى‪� } :‬أَ ْو َل ْح َم‬
‫وتعالى‪ُ :‬‬
‫ير َف ِ�إ َّن ُه ِر ْج�س{(الأنعام‪ )145 :‬والرج�س يعني النج�س‪.‬‬ ‫ِخ ْن ِز ٍ‬
‫‪ 6‬الحمار األهلي‪:‬‬
‫وهو الحمار الذي ي�ستخدم في القرى للركوب وحمل الأغرا�ض عليه‪.‬‬

‫أنواع الحيوانات المباحة‪:‬‬


‫ما �أحله اهلل من هذه الحيوانات على ق�سمين‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫نوع يعي�ش في البراري ويهرب من الإن�سان وال‬


‫نوع م�ست�أن�س يمكن الإم�ساك به‪ :‬فال يحل �إال‬
‫يمكن الإم�ساك به لتذكيته‪ :‬فيحل لنا عن طريق‬
‫بالذكاة ال�شرعية‪.‬‬
‫�صيده بالطريقة ال�شرعية‪.‬‬
‫‪ 224‬طعام المسلم‬

‫الذكاة الشرعية‬
‫الذكاة ال�شرعية هي الذبح �أو النحر الم�ستوفي لل�شروط التالية‪:‬‬
‫‪� 1‬أن يكون الذابح م�سل ًما �أو يهود ًيا �أو ن�صران ًيا يميز ويق�صد الذكاة‪.‬‬
‫‪� 2‬أن تكون الآلة �صالحة للذبح وتُجري الدم وتقطع بحدها كال�سكين‪ ،‬ويحرم ا�ستخدام ما يقتلها‬
‫بثقله وا�صطدامه بر�أ�س الحيوان‪� ،‬أو بحرقه كال�صعق الكهربائي‪.‬‬
‫‪� 3‬أن يذكر ا�سم اهلل فيقول‪( :‬ب�سم اهلل) عند تحريك يده للذبح‪.‬‬
‫‪ 4‬قطع ما يجب قطعه في الذكاة‪ ،‬وهو‪ :‬المريء‪ ،‬والحلقوم‪ ،‬والودجان وهما العرقان الكبيران في‬
‫الرقبة‪� ،‬أو قطع ثالثة من هذه الأربعة‪.‬‬

‫أنواع اللحوم في المطاعم والمحالت‬

‫‪ 1‬ما ذبحه غير الم�سلم والكتابي كالبوذيين والهندو�س والالدينيين فهذا محرم‪ ،‬ويدخل فيه ما يوجد‬
‫في مطاعم ومحالت البالد التي غالب �أهلها من غير الم�سلمين و�أهل الكتاب‪ ،‬فحكمه التحريم حتى يثبت‬
‫خالف ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ما ذبحه الم�سلم �أو الكتابي بالطريقة ال�شرعية فهذا جائز بن�ص القر�آن‪.‬‬
‫‪ 3‬ما ذبحه الم�سلم �أو الكتابي بطريقة غير �شرعية كال�صعق والإغراق‪ :‬فهذا محرم قط ًعا‪.‬‬
‫‪ 4‬ما ذبحه الكتابي ولم يعلم حال الذبح وكذلك ما يوجد في مطاعمهم ومحالتهم‪ ،‬فالأ�صل‪� :‬أنه من‬
‫ذبائحهم‪ ،‬ويجوز الأكل منها مع الحر�ص على الت�سمية عند الأكل‪ ،‬و�إن كان الأولى البحث عن اللحوم الحالل‬
‫وا�ضحة الإباحة‪.‬‬

‫�أب ��اح اهلل لن ��ا ذبائ ��ح‬


‫اليه ��ود والن�ص ��ارى م ��ا‬
‫ل ��م نعل ��م �أن ��ه مذب ��وح‬
‫بطريق ��ة غي ��ر �ش ��رعية‬
‫كال�صعق والإغراق‬
‫‪225‬‬

‫الصيد الشرعي‬

‫ال�صيد مباح للحيوانات والطيور التي يباح �أكلها وال يمكن ال�سيطرة‬
‫عليها لتذكيتها وذبحها‪ ،‬مثل �أنواع الطيور في الأرياف والبراري من غير‬
‫�آكالت اللحوم‪ ،‬وكذلك الغزالن والأرانب البرية ونحو ذلك‪.‬‬

‫يحرم ال�صيد �إذا كان لمجرد الت�سلية بدون ق�صد الأكل‬


‫وي�شترط لل�صيد �شروط منها‪:‬‬
‫‪� 1‬أن يكون ال�صائد عاقل قا�صدً ا لل�صيد م�سل ًما �أو كتاب ًيا‪ ،‬فال يحل �صيد الوثني وال المجنون‪.‬‬
‫‪� 2‬أن يكون الحيوان غير مقدور على تذكيته لنفرته وابتعاده‪ ،‬ف�إن كان مقدو ًرا على تذكيته كالدجاج والغنم‬
‫والبقر فال يحل �صيده‪.‬‬
‫‪� 3‬أن تكون الآلة تقتل بحدها كال�سهم والر�صا�صة ونحو ذلك‪� ،‬أما ما يقتل بثقله كالح�صى ونحوه فال يجوز‬
‫�أكله �إال �إن �أدركه قبل موته وذكاه وذبحه‪.‬‬
‫‪� 4‬أن يذكر ا�سم اهلل عليه فيقول‪( :‬ب�سم اهلل) قبل �إر�سال الآلة‪.‬‬
‫‪� 5‬إذا �أدرك الحيوان �أو الطير بعد �صيده ووجده ح ًيا لم يمت وجب عليه تذكيته بذبحه‪.‬‬
‫‪ 6‬يحرم �صيد الحيوان لغير ق�صد الأكل‪ ،‬كمن ي�صيد الحيوان للت�سلية والمتعة ثم ال ي�أكل ما �صاده‪.‬‬
‫‪ 226‬طعام المسلم‬

‫الخمر والكحول‬
‫هو كل ما خامر العقل �أي خالطه وغالبه �أو غطاه و�أثر فيه‪ ،‬كما قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬كل‬
‫م�صنوعا من الفواكه كالعنب والرطب والتين والزبيب‪� ،‬أو‬
‫ً‬ ‫م�سكر خمر وكل خمر حرام" (م�سلم ‪� ،)2003‬سواء كان‬
‫من الحبوب كالحنطة �أو ال�شعير �أو الذرة �أو الأرز‪� ،‬أو من الحلويات كالع�سل‪ ،‬فكل ما غطى العقل فهو خمر محرم‬
‫ب�أي ا�سم �أو �شكل‪ ،‬حتى ولو كان م�ضا ًفا على الع�صير الطبيعي �أو في الحلويات وال�شوكوالته‪.‬‬

‫حكم الخمر‪:‬‬
‫الخمر من كبائر الذنوب و�أعظمها وقد ثبت تحريم الخمر والت�شديد في �أمرها في الكتاب وال�سنة‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫اب َوالأَ ْز َال ُم ر ِْج ٌ�س‬ ‫• قال تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا ِ�إ َّن َما ا ْل َخ ْم ُر َوا ْل َم ْي ِ�س ُر َوالأَ َ‬
‫ن�ص ُ‬
‫اج َت ِن ُبو ُه َل َع َّل ُك ْم ُت ْف ِل ُحون{ (المائدة‪ )90 :‬فو�صفها بالنجا�سة‬ ‫ال�ش ْي َط ِان َف ْ‬ ‫ِّمنْ َع َم ِل َّ‬
‫و�أنها من �أعمال ال�شيطان و�أمرنا باجتنابها �إن‬
‫�أردنا النجاة والفالح‪.‬‬
‫• قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"كل م�سكر خمر‪ ،‬وكل م�سكر حرام‪ ،‬ومن‬
‫�شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها‬
‫لم ي�شربها في الآخرة" (م�سلم ‪.)2003‬‬

‫حفظ العقل‪:‬‬
‫لقد �أتى هذا الدين العظيم لتحقيق م�صالح‬
‫العباد في دنياهم و�أخراهم‪ ،‬وعلى ر�أ�س ذلك‬
‫حفظ ال�ضروريات الخم�س‪ :‬الدين‪ ،‬والنف�س‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬والمال‪ ،‬والن�سل‪.‬‬
‫فالعقل هو مناط التكليف‪ ،‬ومحور التكريم‬
‫واال�صطفاء الرباني للإن�سان‪ ،‬فحفظه ال�شرع‬
‫و�صانه من كل ما من �ش�أنه �إذهابه �أو �إ�ضعافه‪.‬‬
‫‪227‬‬

‫• قال �صلى اهلل عليه و�سلم في معار�ضة �شرب الخمر للإيمان و�إنقا�صه له‪" :‬وال ي�شرب الخمر حين ي�شربها‬
‫وهو م�ؤمن" (البخاري ‪ ،5256‬م�سلم ‪.)57‬‬
‫• �أوجب الإ�سالم على �شاربها العقوبة‪ ،‬فتمتهن كرامته‪ ،‬وت�سقط في مجتمعه عدالته‪.‬‬
‫• توعد من تمادى في تعاطي الخمر وما في حكمها حتى مات ولم يتب بالعذاب الأليم‪ ،‬يقول ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن على اهلل عز وجل عهدً ا لمن ي�شرب الم�سكر �أن ي�سقيه من طينة الخبال"(م�سلم‬
‫‪ )2002‬وهي ع�صارة �أهل النار‪ ،‬وقذارتهم‪ ،‬وقيحهم‪ ،‬و�صديدهم‪.‬‬
‫• وكل من �شارك �أو �أعان على �شرب الخمر من قريب �أو بعيد داخل في الوعيد‪ ،‬فقد "لعن ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم في الخمر ع�شرة‪ :‬عا�صرها ومعت�صرها و�شاربها وحاملها والمحمولة �إليه و�ساقيها‬
‫وبائعها و�آكل ثمنها والم�شتري لها والم�شتراة له" (الترمذي ‪.)1295‬‬

‫المخدرات‬
‫تناول المخدرات ‪�-‬سواء كان �أ�صلها نباتيا �أو �صناع ًيا‪،‬‬
‫و�سواء كان تناولها باال�ستن�شاق �أو البلع �أو الحقن‪ -‬من‬
‫�أعظم الذنوب والمعا�صي‪.‬‬
‫فهي مع كونها تخامر العقل فهي تدمر الجهاز‬
‫الع�صبي للإن�سان‪ ،‬وت�صيب المتناول ب�شتى الأمرا�ض‬
‫الع�صبية والنف�سية‪ ،‬وربما �أدت �إلى وفاته‪ ،‬واهلل تعالى‬
‫يقول وهو الرحيم بعباده‪َ } :‬ولاَ َت ْق ُت ُلوا �أَ ْن ُف َ�س ُك ْم ِ�إنَّ ا َ‬
‫هلل‬
‫َكانَ ِب ُك ْم َر ِحي ًما{ (الن�ساء‪.)29 :‬‬

‫كل ما ثبت �ضرره ال�صحي فهو محرم �شرعًا‬


‫‪ 228‬طعام المسلم‬

‫آداب الطعام والشراب‬

‫�شــرع اهلل عـــد ًدا مــن الآداب في الطعام وال�شراب تحقق مقا�صد وحكم ربانية‬
‫كالتذكير بنعمـة اهلل على الإن�سان‪ ،‬والوقايـة من الأمرا�ض‪ ،‬وعدم الإ�سراف‬
‫والغرور‪.‬‬
‫ومن هذه الآداب‪:‬‬
‫‪ 1‬النهي عن الأكل وال�شرب في �آنية الذهب والف�ضة �أو المطلي بهما‪ ،‬لما في ذلك من الإ�سراف والتعدي‪،‬‬
‫وك�سر قلوب الفقراء‪ ،‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال ت�شربوا في �آنية الذهب والف�ضة وال ت�أكلوا في‬
‫�صحافها‪ ،‬ف�إنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" (البخاري ‪ ،5110‬م�سلم ‪.)2067‬‬
‫‪ 2‬غ�سل اليدين قبل الطعام وبعده‪ ،‬ويت�أكد ذلك �إن كان فيهما قذر �أو بقايا من الطعام‪.‬‬
‫‪ 3‬قول (ب�سم اهلل) قب ــل البدء بالطعام �أو ال�شراب‪ ،‬ومعناها‪� :‬أتبرك و�أ�ستعين با�سم اهلل‪ ،‬ف�إن ن�سي وتذكر‬
‫�أثناء �أكله فيقول‪" :‬ب�سم اهلل �أَ َّو ِل ِه َو� ِآخ ِره"‪.‬‬
‫غالما �صغي ًرا ال يح�سن �آداب الأكل‪ ،‬فقال له معل ًما‪" :‬يا غالم �سم اهلل‪ ،‬وكل‬ ‫وقد ر�أى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ً‬
‫بيمينك‪ ،‬وكل مما يليك" (البخاري ‪ ،5061‬م�سلم ‪.)2022‬‬

‫يعلمنا الإ�سالم �أن نكون غاية في‬


‫الأدب واحترام النعمة عند الأكل‪،‬‬
‫والحر�ص على النظافة‪.‬‬
‫‪229‬‬

‫‪ 4‬الأكل وال�شرب باليد اليمنى‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال ت�أكلوا بال�شمال ف�إن ال�شيطان ي�أكل بال�شمال"‬
‫(م�سلم ‪.)2019‬‬
‫‪ 5‬ي�ستحب له �أن ال ي�شرب �أو ي�أكل واق ًفا‪.‬‬
‫‪ 6‬الأكل من الطعام القريب منه وال ي�أكل من مو�ضع الآخرين؛ لأن الأكل من مو�ضع‬
‫الآخرين فيه �سوء �أدب‪ ،‬وقد قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم للغالم‪" :‬وكل مما‬
‫يليك" (البخاري ‪.)5061‬‬
‫‪ 7‬ي�ستحب رفع اللقمة �إذا �سقطت وم�سح ما علق بها و�أكلها‪ ،‬متى ما‬
‫�أمكن رفع الأذى عنها‪ ،‬وفي ذلك محافظة على النعمة والطعام‪.‬‬
‫‪ 8‬عدم عيب الطعام وذمه واحتقاره‪ ،‬ف�إما �أن يثني عليه �أو يدعه‬
‫طعاما قط �إن‬
‫وي�سكت‪ ،‬ور�سولنا �صلى اهلل عليه و�سلم ما عاب ً‬
‫ا�شتهاه �أكله‪ ،‬و�إن كرهه تركه (البخاري ‪ ،5093‬م�سلم ‪.)2064‬‬
‫‪ 9‬عـدم الإكثـار من الطعــام والتخمة منه‪ ،‬فذلك هو طريق‬
‫المر�ض والك�سل‪ ،‬والتو�سط هو خير الأمور‪ ،‬كما قال �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما ملأ �آدمي وعاء �ش ًرا من بطن‪ ،‬بح�سب‬
‫ابن �آدم لقيمات يقمن �صلبه‪ ،‬ف�إن كان ال محالة‪ :‬فثلث‬
‫لطعامه‪ ،‬وثلث ل�شرابه‪ ،‬وثلث ل َن َف ِ�سه"(الترمذي‬
‫‪ ،2380‬ابن ماجه ‪.)3349‬‬
‫‪ 10‬يقول �إذا انتهى‪( :‬الحمد هلل)‪ ،‬فيحمد‬
‫اهلل على هذه النعمة التي �أنعم بها عليه وحرم‬
‫كثي ًرا من النا�س منها‪ ،‬ويمكن �أن يزيد فيقول‪:‬‬
‫(الحمد هلل الذي �أطعمني هذا ورزقنيه من غير‬
‫حول مني وال قوة)‪.‬‬
‫‪ 230‬لباس المسلم‬
‫‪231‬‬

‫لباس المسلم‬
‫اللبا�س نعمة من نعم اهلل على النا�س‪ ،‬كما قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ا�س ��ا ُي� �وَا ِري َ�س� � ْوءَا ِت ُك ْم‬
‫} َي ��ا َب ِن ��ي �آ َد َم َق� � ْد �أَن َز ْل َن ��ا َعلَ ْي ُك� � ْم ِل َب ً‬
‫ي َذ ِل َك ِمنْ �آي َِات ا ِ‬
‫‪11‬‬
‫هلل َل َع َّل ُه ْم‬ ‫ا�س ال َّت ْقوَىَ َذ ِل َك َخ رْ ٌ‬ ‫ي�ش ��ا َو ِل َب ُ‬ ‫َو ِر ً‬
‫َي َّذ َّك ُرون{ (الأعراف‪.)26 :‬‬

‫الألب�سة املحرمة‬ ‫اللبا�س يف الإ�سالم‬


‫‪ 232‬لباس المسلم‬

‫لباس المسلم‬
‫اللباس في اإلسالم‬

‫لبا�س الم�ؤمن ينبغـي �أن يكون جميلاً ونظي ًفا‪ ،‬خا�صة في عالقته مع النا�س و�أدائه لل�صالة‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫} َيا َب ِني �آد ََم ُخ ُذو ْا زِي َن َت ُك ْم ِعندَ ُك ِّل َم ْ�س ِجد{(الأعراف‪.)31 :‬‬
‫وقد �شرع اهلل للإن�سان �أن يتجمل في لبا�سه ومظهره؛ لأن ذلك من التحديث بنعم اهلل‪ ،‬قال تعالى‪ُ } :‬ق ْل َمنْ َح َّر َم‬
‫هلل ا َّل ِت َي �أَخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َوا ْل َّط ِّي َب ِ‬
‫ات ِمنَ ال ِّر ْز ِق ُق ْل ِهي ِل َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا ِفي ا ْل َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا َخا ِل َ�ص ًة َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َك َذ ِل َك‬ ‫زِي َن َة ا ِ‬
‫ات ِل َق ْو ٍم َي ْع َل ُمونَ { (الأعراف‪.)32 :‬‬ ‫ُن َف ِّ�ص ُل الآ َي ِ‬

‫يحقق اللباس عددا من الحاجات‪:‬‬


‫‪ 1‬ي�ستر عن الأنظار �أع�ضاء مخ�صو�صة في ج�سم الإن�سان بمقت�ضى عاطفة الحياء الفطرية عند‬
‫النا�س‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬يا َب ِني �آد ََم َق ْد َ�أنزَ ْل َنا َع َل ْي ُك ْم ِل َب ً‬
‫ا�سا ُي َوارِي َ�س ْو َءا ِت ُك ْم{ (الأعراف‪.)26 :‬‬
‫‪233‬‬

‫‪ 2‬يحفظ ج�سم الإن�سان من الحر‬


‫والبرد وال�ضرر‪ ،‬فالبرد والحر من‬
‫تقلبات الجو‪ ،‬وال�ضرر من االعتداء على‬
‫ج�سم الإن�سان‪ ،‬قال تعالى في �صفة اللبا�س‪:‬‬
‫} َو َج َع َل َل ُك ْم َ�س َرا ِب َيل َت ِقي ُك ُم ا ْل َح َّر َو َ�س َرا ِب َيل‬
‫َت ِقي ُكم َب�أْ َ�س ُك ْم َك َذ ِل َك ُي ِت ُّم ِن ْع َم َت ُه َع َل ْي ُك ْم َل َع َّل ُك ْم ت ُْ�س ِل ُمون{(النحل‪.)81 :‬‬
‫‪ 3‬التجمل به و�إظهار نعمة اهلل على الإن�سان‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ( :‬إن اهلل جميل يحب‬
‫الجمال)‬

‫األصل في اللباس‬
‫خا�صا من اللبا�س‪ ،‬والأولى موافقة لبا�س �أهل البلد في لبا�سهم المباح‪.‬‬
‫نوعا ً‬
‫لم يحدد الإ�سالم ً‬
‫الإ�سالم دين الفطرة‪ ،‬ولم ي�شرع للنا�س في �ش�ؤون حياتهم �إال ما يتفق مع الفطرة ال�سليمة و�صريح المعقول‬
‫والمنطق العام‪.‬‬
‫واألصل في لباس المسلم وزينته اإلباحة‪:‬‬
‫خا�صا من اللبا�س‪ ،‬بل �أقر �شرعية كل لبا�س ما دام ي�ؤدي الدور المطلوب منه بدون‬
‫نوعا ً‬‫فالإ�سالم لم يقرر للنا�س ً‬
‫اعتداء وال تجاوز‪.‬‬
‫ور�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم لب�س الألب�سة التي كانت موجودة في زمانه‪ ،‬و لم ي�أمر بلبا�س محدد ولم ينه عن‬
‫لبا�س محدد‪ ،‬و�إنما نهى عن �صفات محددة في اللبا�س‪ ،‬فالأ�صل في المعامالت ومنها اللبا�س هو الإباحة فال تحريم‬
‫�إال بدليل‪ ،‬وهذا بعك�س العبادات التي الأ�صل فيها هو التوقيف فال �شرع �إال بن�ص‪.‬‬
‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬كلوا وت�صدقوا والب�سوا في غير �إ�سراف وال مخيلة" (الن�سائي ‪.)2559‬‬
‫‪ 234‬لباس المسلم‬

‫األلبسة المحرمة‬

‫ما يك�شف العورة‪ :‬فيجب على الم�سلم �ستر عورته باللبا�س‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪َ } :‬ق ْد �أَنزَ ْل َنا َع َل ْي ُك ْم ِل َب ً‬
‫ا�سا ُي َوارِي َ�س ْو َءا ِت ُك ْم{ (الأعراف‪.)26 :‬‬
‫وقرر الإ�سالم حدود �ستر ا لعورة بالن�سبة للرجال والن�ساء‪ ،‬فعورة الرجل من‬
‫�سرته �إلى ركبته‪ ،‬وعورة المر�أة �أمام الرجال الأجانب كل ج�سمها‬

‫وال يجوز ال�ستر باللبا�س ال�ضيق المحدد لأع�ضاء الج�سم‪ ،‬وال‬


‫عدا الوجه والكفين‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ال�شفاف الذي يظهر البدن تحته‪ ،‬ولهذا توعد اهلل من يلب�س من‬
‫اللبا�س ما ي�شف عورته فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬صنفان من �أهل النار"‬
‫وذكر‪" :‬ون�ساء كا�سيات عاريات" (م�سلم ‪.)2128‬‬

‫ما يكون فيه ت�شبه بين الجن�سين‪� :‬أي ت�شبه الرجال بالن�ساء بلب�س ما‬
‫يخت�ص بالن�ساء من الألب�سة‪ ،‬ومثله ت�شبه الن�ساء بالرجال‪ ،‬فهذا محرم من‬
‫كبائر الذنوب‪ ،‬ويدخل فيه م�شابهتهم في طريقة الكالم والم�شي والحركة‪،‬‬
‫فقد لعن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الرجل يلب�س لب�سة المر�أة‪،‬‬

‫‪2‬‬ ‫والمر�أة تلب�س لب�سة الرجل (�أبو داود ‪ ،)4098‬وكذلك لعن ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم المت�شبهين من الرجال بالن�ساء‪ ،‬والمت�شبهات‬
‫من الن�ساء بالرجال (البخاري ‪( ،)5546‬ومعنى اللعن‪ :‬الطرد والإبعاد‬
‫عن رحمة اهلل)‪ .‬ف�أراد الإ�سالم �أن تكون طبيعة الرجل ومظهره متميزًا‪،‬‬
‫وكذلك �أراد للمر�أة‪ ،‬فذلك هو مقت�ضى الفطرة ال�سليمة والمنطق ال�صحيح‪.‬‬

‫�إذا كان فيه حرير �أو ذهب للرجال‪ ،‬ف�إن الإ�سالم‬


‫حرمهما على الرجال‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم في الذهب والحرير‪�" :‬إن هذين حرام على‬
‫ذكور �أمتي‪ ،‬حل لإناثهم" (ابن ماجه ‪� ،3595‬أبو داود‬ ‫‪3‬‬
‫‪.)4057‬‬
‫والمراد بالحرير المحرم على الرجال‪ :‬الحرير الطبيعي‬
‫الذي تنتجه دودة القز‪.‬‬
‫‪235‬‬

‫ما فيه ت�شبه بالكفار مما هو من خ�صائ�صهم في اللبا�س‪ ،‬كلبا�س‬


‫الرهبان والكهنة ولب�س ال�صليب وما كان عالمة خا�صة على دين ما‪،‬‬
‫فيحرم لب�سه‪ ،‬حيث قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من ت�شبه بقوم‬
‫فهو منهم" (�أبو داود ‪ ،)4031‬ويدخل في الم�شابهة اللبا�س المحتوي‬

‫‪4‬‬ ‫على رموز خا�صة بديانة ومذاهب �ضالة‪ ،‬فهذا الت�شبه دليل على‬
‫�ضعف ال�سلوك وعدم الثقة بالنف�س بما لدى الإن�سان من الحق‪.‬‬
‫ولي�س من الت�شبه �أن يلب�س الم�سلم اللبا�س المنت�شر في بلده ولو‬
‫كان غالب الب�سيه من غير الم�سلمين؛ ف�إن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫كان يلب�س كما يلب�س م�شركو قري�ش‪� ،‬إال ما ورد فيه نهي خا�ص‪.‬‬

‫ما ي�صاحبه كبر وخيالء‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من‬
‫كبر" (م�سلم ‪.)91‬‬
‫ولهذا نهى الإ�سالم عن جر الثياب و�إ�سبالها تحت‬
‫الكعبين للرجال �إذا كان ذلك ي�سبب الكبر والخيالء‪،‬‬
‫فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من جر ثوبه خيالء‬
‫لم ينظر اهلل �إليه يوم القيامة" (البخاري ‪،3465‬‬
‫م�سلم ‪.)2085‬‬
‫‪5‬‬
‫ونهى عن ثوب ال�شهرة‪ ،‬وهو اللبا�س الذي �إذا لب�سه الإن�سان ا�ستغربه النا�س وتحدثوا عنه فا�شتهر‬
‫به �صاحبه؛ وذلك لغرابته‪� ،‬أو ال�شمئزاز النا�س منه ب�سبب �شكله �أو لونه الن�شاز‪� ،‬أو لما ي�صاحب الب�سه من‬
‫الغرور والكبر‪ ،‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من لب�س ثوب �شهرة في الدنيا �ألب�سه اهلل ثوب مذلة يوم‬
‫القيامة" (�أحمد ‪ ، 5664‬ابن ماجه ‪.)3607‬‬
‫ما فيه �إ�سراف وتبذير‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬كلوا وت�صدقوا‬
‫والب�سوا في غير �إ�سراف وال مخيلة" (الن�سائي ‪.)2559‬‬
‫وهذا يختلف باختالف الحال‪ ،‬فمن كان غن ًيا فله �أن ي�شتري‬

‫‪6‬‬ ‫من الثياب ما ال ينا�سب �أن ي�شتريه الفقير مقارنة بماله‬


‫ودخله ال�شهري وو�ضعه االقت�صادي وحقوقه الأخرى التي‬
‫عليه مراعاتها‪ ،‬فالثوب الواحد قد يكون �سر ًفا في حق الفقير‬
‫ولي�س �سر ًفا في حق الغني‪.‬‬
‫‪ 236‬األسرة المسلمة‬
‫‪237‬‬

‫األسرة المسلمة‬
‫حر� ��ص الإ�س�ل�ام كل احلر� ��ص عل ��ى �إر�س ��اء وتثبي ��ت‬
‫الأ�س ��رة‪ ،‬واملحافظة عليها مما ي�ؤذيها ويهدد بنيانها‪،‬‬ ‫‪12‬‬
‫لأنه ب�صالح الأ�سرة واجتماعها ن�ضمن �صالح الأفراد‬
‫واملجتمع ب�شكل عام‪.‬‬

‫حقوق الوالدين‬ ‫تعدد الزوجات‬ ‫الزواج يف الإ�سالم‬


‫حقوق الأبناء‬ ‫الطــــــــــــــالق‬ ‫حقوق الزوج والزوجة‬
‫‪ 238‬األسرة المسلمة‬

‫األسرة المسلمة‬
‫مكانة األسرة المسلمة‬
‫تظهر عناية الإ�سالم بالأ�سرة فيما يلي‪:‬‬
‫‪� 1‬أكد الإ�سالم على مبدء الزواج وتكوين الأ�سرة‪ ،‬وجعلها من �أجل الأعمال ومن �سنن المر�سلين‪،‬‬
‫كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬لكني �أ�صوم و�أفطر‪ ،‬و�أ�صلي و�أرقد‪ ،‬و�أتزوج الن�ساء‪ ،‬فمن رغب عن‬
‫�سنتي فلي�س مني" (البخاري ‪ ،4776‬م�سلم ‪.)1401‬‬
‫•عد القر�آن من �أعظم المنن والآيات ما خلقه اهلل من ال�سكن والم ــودة والرحمة والأن�س بين الرجل‬
‫وزوجته‪ ،‬فقال تعالى‪َ } :‬و ِمنْ �آ َيا ِت ِه �أَنْ َخ َلقَ َل ُك ْم ِمنْ َ�أ ْن ُف ِ�س ُك ْم َ�أ ْز َو ًاجا ِلت َْ�س ُكنُوا ِ�إ َل ْي َها َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة‬
‫َو َر ْح َم ًة{ (الروم‪)21 :‬‬
‫•و�أمر بتي�سير الزواج و�إعانة من يريد النكاح ليعف نف�سه‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ثالثة حق على‬
‫اهلل عونهم" وذكر منهم‪" :‬والناكح الذي يريد العفاف" (الترمذي ‪.)1655‬‬
‫•�أمر ال�شباب في �شدة عنفوانهم وقوتهم بالزواج‪ ،‬لما فيه من ال�سكن واالطمئنان لهم‪ ،‬و�إيجاد الحل‬
‫ال�شرعي لقوة �شهوتهم ورغبتهم‪.‬‬

‫عد الإ�سالم الزواج وتكوين الأ�سرة من �سنن المر�سلين و�أمر بتي�سيره و�إعانة ال�شباب عليه‬
‫‪239‬‬

‫‪� 2‬أعطى الإ�سالم كل فرد من �أفراد‬


‫الأ�سرة كامل االحترام‪� ،‬سواء �أكان‬
‫ذكرا �أم �أنثى‪:‬‬
‫ً‬
‫فجعل الإ�سالم على الأب والأم م�س�ؤولية عظيمة في تربية‬
‫�أبنائهم‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمر ر�ضي اهلل تعالى عنهما �أنه �سمع ر�سول اهلل‬
‫راع وهو م�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل في �أهله‬
‫راع وم�س�ؤول عن رعيته‪ :‬فالإمام ٍ‬‫�صلى اهلل عليه و�سلم يقول‪" :‬كلكم ٍ‬
‫راع وهو م�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬والمر�أة في بيت زوجها راعي ٌة وهي م�س�ؤولة عن رعيتها‪ ،‬والخادم في مال �سيده ٍ‬
‫راع وهو‬ ‫ٍ‬
‫م�س�ؤول عن رعيته" (البخاري ‪ ،853‬م�سلم ‪.)1829‬‬
‫‪ 3‬فر�ض على الم�سلم �صلة الرحم‪ ،‬ومعنى ذلك‪ :‬توا�صل الم�سلم و�إح�سانه �إلى �أقاربه من جهة‬
‫�أبيه و�أمه‪:‬‬
‫ك�إخوانه و�أخواته و�أعمامه وعماته و�أبنائهم‪ ،‬و�أخواله وخاالته و�أبنائهم‪ ،‬وع َّد ذلك من �أعظم القربات والطاعات‪،‬‬
‫وحذر من قطيعتهم �أو الإ�ساءة �إليهم‪ ،‬وع َّد ذلك من الكبائر‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يدخل الجنة قاطع رحم"‬
‫(البخاري ‪ ،5638‬م�سلم ‪.)2556‬‬
‫‪ 4‬حر�ص الإ�سـالم على غر�س مبد�أ التقدير واالحترام للآباء والأمهات‪ ،‬والقيام برعايتهم وطاعة‬
‫�أمرهم �إلى الممات‪:‬‬
‫فمهما كبر االبن �أو البنت فيجب عليهم طاعة والديهم والإح�سان �إليهم‪ ،‬وقد قرن ذلك بعبادته �سبحانه‪ ،‬ونهى‬
‫عن التجاوز في اللفظ والفعل معهما حتى ولو كان ذلك ب�إظهار كلمة �أو �صوت يدل على الت�ضجر منهما‪ ،‬قال اهلل‬
‫�سبحانه وتعالى‪َ } :‬و َق َ�ضى َر ُّب َك �أَ اَّل َت ْع ُبدُوا ِ�إ اَّل ِ�إ َّيا ُه َو ِبا ْل َوا ِلدَ ْي ِن �إ ِْح َ�سا ًنا ِ�إ َّما َي ْب ُل َغنَّ ِع ْندَ َك ا ْل ِك َب َر �أَ َحدُهُ َما �أَ ْو ِكلاَ هُ َما َفلاَ‬
‫َت ُق ْل َل ُه َما �أُ ٍّف َو اَل َت ْن َه ْرهُ َما َو ُق ْل َل ُه َما َق ْو اًل َك ِري ًما{ (الإ�سراء‪.)23 :‬‬

‫‪ 5‬العدل بين الأبناء‬


‫�أمر الإ�سالم بحفظ حقوق الأبناء والبنات ووجوب العدل بينهم في النفقة والأمور الظاهرة‪ .‬قال �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪" :‬اتقوا اهلل واعدلوا بين �أوالدكم" (البخاري‪.)2650:‬‬
‫‪ 240‬األسرة المسلمة‬

‫مكانة المرأة في اإلسالم‬

‫�أكرم الإ�سالم المر�أة وحررها من العبودية للرجل‪ ،‬وحررها‬


‫كذلك من �أن تكون �سلعة رخي�صة ال �شرف لها وال احترام‪ ،‬ومن �أمثلة‬
‫الأحكام المتعلقة باحترام المر�أة‪:‬‬
‫�أعطى الإ�سالم المر�أة حقها من الميراث في ق�سمة عادلة كريمة‪ ،‬ت�ساوي الرجل بالمر�أة في موا�ضع‪،‬‬
‫ويختلف ن�صيبها عنه في موا�ضع‪ ،‬بح�سب قرابتها وتكاليف النفقة المناطة بها‪.‬‬
‫�ساوى بين الرجل والمر�أة في �ش�ؤون كثيرة مختلفة ومن ذلك جميع التعامالت المالية‪ ،‬حتى قال عليه‬
‫ال�صالة وال�سالم‪" :‬الن�ساء �شقائق الرجال" (�أبو داود ‪.)236‬‬
‫�أعطـــى المر�أة حريــــة اختيـــــار الزوج‪ ،‬وجعل عليها جز ًءا كبي ًرا من الم�س�ؤولية في تربية الأبناء‪ ،‬قال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬والمر�أة راعية في‬
‫بيت زوجها وم�س�ؤولة عن رعيتها" (البخاري‬
‫‪ ،853‬م�سلم ‪.)1829‬‬
‫�أبقـــى لها ا�سمهــا و�شـرف انت�سابها‬
‫لأبيها‪ ،‬فال تتغير ن�سبتها بعد الزواج‪ ،‬بل‬
‫تبقى منت�سبة لأبيها وعائلتها‪.‬‬
‫�أوجب على الرجــــل رعايتهـــا‬
‫والإنفاق عليها بدون م ّنة �إن كانت ممن‬
‫تجب نفقته كالزوجة والأم والبنت‪.‬‬
‫�أكد على �شرف وف�ضل خدمـة المر�أة‬
‫ال�ضعيفة التي لي�س لها �أحد‪ ،‬ولو لم تكن‬
‫من الأقارب‪ ،‬ورغب في ال�سعي لخدمتها‬
‫وجعل ذلك من �أف�ضل الأعمال عند اهلل‪،‬‬
‫فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال�ساعي على‬
‫الأرملة والم�سكين كالمجاهد في �سبيل‬
‫اهلل‪ ،‬وكالقائم ال يفتر‪ ،‬وكال�صائم ال‬
‫يفطر" (البخاري ‪ ،5661‬م�سلم ‪.)2982‬‬

‫كرم اهلل المر�أة ف�أوجب على الرجل الإنفاق على الزوجة‬


‫والأم والبنت بدون منة �أو تف�ضل‬
‫‪241‬‬

‫نساء أكد اإلسالم العناية بهن‬

‫الأم‪ :‬فعن �أبي هريرة ر�ضي اهلل تعالى عنه قال‪ :‬جاء رجل �إلى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فقال‪ :‬يا ر�سول‬
‫اهلل من �أحق النا�س بح�سن �صحابتي؟ قال‪�" :‬أمك"‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪" :‬ثم �أمك"‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪" :‬ثم �أمك"‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثم من؟ قال‪" :‬ثم �أبوك" (البخاري ‪ ،5626‬م�سلم ‪.)2548‬‬

‫الزوجة‪ :‬فعن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪،‬‬ ‫البنت‪ :‬فعن عقبة بن عامر ر�ضي اهلل عنه‬
‫قالت‪ :‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫قال‪� :‬سمعت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫"خيركم خيركم لأهله‪ ،‬و�أنا خيركم لأهلي"‬ ‫يقول‪" :‬من كان له ثالث بنات ف�صبر عليهن‬
‫(الترمذي ‪.)3895‬‬ ‫و�أطعمهن و�سقاهن وك�ساهن من جدته‬
‫(ماله) كن له حجا ًبا من النار يوم القيامة"‬
‫(ابن ماجه ‪.)3669‬‬
‫‪ 242‬األسرة المسلمة‬

‫ال مكان للصراع بين الجنسين‬

‫فكرة ال�صراع بين الرجل والمر�أة‬


‫انتهت بت�سلط الرجل على المر�أة كما في‬
‫بع�ض المجتمعات الجاهلية‪� ،‬أو بتمرد المر�أة‬
‫وخروجها عن �سجيتها وطبيعتها التي خلقت‬
‫من �أجلها كما في مجتمعات �أخرى بعيدة عن‬
‫�شرع اهلل‪.‬‬
‫ولم يكن ذلك ليح�صل لوال البعد عن‬
‫�شرع اهلل الحكيم‪ ،‬حيث يقول اهلل تبارك‬
‫وتعالى‪َ } :‬و اَل َت َت َم َّن ْوا َما َف َّ�ضلَ ا ُ‬
‫هلل ِب ِه َب ْع َ�ضك ُْم‬
‫يب ِم َّما ا ْكت ََ�س ُبوا‬ ‫َع َلى َب ْع ٍ�ض ِلل ِّر َج ِال َن ِ�ص ٌ‬
‫ا�س َ�ألُوا ا َ‬
‫هلل ِمنْ‬ ‫َو ِللن َِّ�سا ِء َن ِ�ص ٌ‬
‫يب ِم َّما ا ْكت ََ�س ْبنَ َو ْ‬
‫َف ْ�ض ِل ِه{(�سورة الن�ساء‪ ،)32 :‬فلكل خ�صائ�صه‬
‫ووظائفه وتكريمه‪ ،‬والكل ي�سعى لف�ضل اهلل‬
‫ور�ضوانه‪ ،‬فال�شرع لم ي�أت لح�ساب الرجال‪،‬‬
‫وال لح�ساب الن�ساء‪ ،‬ولكن لح�ساب الإن�سان‬
‫ولح�ساب المجتمع الم�سلم‪.‬‬
‫ففي المنهج الإ�سالمي ال مكان لمعركة‬
‫و�صراع بين الجن�سين‪ ،‬وال معنى للتناف�س‬
‫على �أعرا�ض الدنيا‪ ،‬وال طعم للحملة على‬
‫المر�أة �أو الحملة على الرجل؛ ومحاولة النيل‬
‫من �أحدهما‪ ،‬وثلبه‪ ،‬وتتبع نقائ�صه!‬
‫فكل ذلك عبث من ناحية‪ ،‬و�سوء فهم‬
‫للإ�سالم ولحقيقة وظيفة الجن�سين من‬
‫ناحية �أخرى‪ ،‬وعلى الجميع �أن ي�س�ألوا اهلل‬
‫العالقة بين الرجل والمر�أة في ال�شرع عالقة تكاملية‪ ،‬ي�سد كل‬ ‫من ف�ضله‪.‬‬
‫واحد منهما نق�ص الآخر في بناء المجتمع الم�سلم‬
‫‪243‬‬

‫أقسام المرأة بالنسبة للرجل‬

‫المر�أة بالن�سبة للرجل تنق�سم �إلى �أق�سام‪:‬‬

‫‪� 1‬أن تكون المر�أة هي زوجته‪:‬‬


‫ويجوز للرجل النظر واال�ستمتاع بزوجته‬
‫كما �أراد‪ ،‬ويجوز ذلك للمر�أة مع زوجها‪ ،‬وقد‬
‫لبا�سا‬
‫لبا�سا للزوجة والزوجة ً‬‫�س ّمى اهلل الزوج ً‬
‫للزوج‪ ،‬ك�صورة رائعة من االت�صال النف�سي‬
‫والعاطفي والج�سدي بينهما‪ ،‬فقال‪} :‬هُ نَّ‬
‫ا�س َل ُك ْم َو َ�أ ْنت ُْم ِل َب ٌ‬
‫ا�س َلهُنَّ { (البقرة‪)187 :‬‬ ‫ِل َب ٌ‬
‫(انظر �ص‪)248‬‬

‫‪� 2‬أن تكون المر�أة �أجنبية عنه‪:‬‬


‫المر�أة الأجنبية هي كل امر�أة لي�ست من‬
‫محارمه‪� ،‬سواء كانت من �أقاربه كبنت عمه‬
‫وبنت عمته‪� ،‬أو بنت خاله وبنت خالته‪ ،‬وزوجة‬
‫�أخيه وقريبات العائلة‪� ،‬أو كانت من غير �أقاربه‬
‫وال تربطه بها عالقة قرابة �أو م�صاهرة عائلية‪.‬‬
‫وقد و�ضع الإ�سالم ال�ضوابط والقوانين‬
‫التي تحكم عالقة الم�سلم بالمر�أة الأجنبية‬
‫عنه‪ ،‬حماي ًة للأعرا�ض و�سدً ا لأبواب ال�شيطان‬
‫على الإن�سان‪ ،‬فمن خلق الإن�سان �أعلم بما‬
‫ي�صلح له‪ ،‬كما قال تعالى‪�} :‬أَ اَل َي ْع َل ُم َمنْ َخ َلقَ‬
‫َوهُ َو ال َّل ِط ُ‬
‫يف ا ْل َخبِي ُر{ (الملك‪.)14 :‬‬

‫و�ضع الإ�سالم عددًا من ال�ضوابط التي تحكم عالقة الرجل‬


‫بالمر�أة الأجنبية عنه‬
‫‪ 244‬األسرة المسلمة‬

‫‪� 3‬أن تكون من محارمه‪:‬‬


‫والمق�صود بالمحارم كل من يحرم على الرجل الزواج بها تحري ًما م�ؤبدً ا‪ ،‬والمحارم كالتالي‪:‬‬

‫الأم املبا�شرة �أو اجلدة من قبل الأب �أو الأم‪ ،‬ك�أم الأم و�أم الأب و�إن علت‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫البنت املبا�شرة �أو بنت االبن �أو بنت البنت و�إن نزلت‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الأخت ال�شقيقة �أو الأخت لأب �أو الأخت لأم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫العمة املبا�شرة وهي �أخت الأب ال�شقيقة �أو لأب �أو لأم‪ ،‬ويدخل فيها عمة الأب وعمة الأم و�إن علت‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫الن�سب‬
‫اخلال��ة املبا�ش��رة وهي �أخت الأم ال�ش��قيقة �أو �أخته��ا لأب �أو لأم‪ ،‬ويدخل فيها خال��ة الأب وخالة الأم‬
‫‪5‬‬
‫و�إن علت‪.‬‬

‫بنت الأخ ال�شقيق �أو لأب �أو لأم‪ ،‬و�إن نزلت كبنت ابن الأخ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫بنت الأخت ال�شقيقة �أو لأب �أو لأم‪ ،‬و�إن نزلت كبنت بنت الأخت‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫�أم الزوجة �سواء كانت الزوجة معه �أو طلقها‪ ،‬ف�أمها من املحارم مطل ًقا‪ ،‬وكذلك �أم �أم الزوجة‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫بنت الزوجة التي لي�ست من �صلبه �إذا دخل ب�أمها‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ال�صهر‬
‫‪ 10‬زوجة االبن و�إن نزل كزوجة ابن االبن ‪ ،‬وابن البنت‪.‬‬

‫‪ 11‬زوجة الأب و�إن عال كزوجة �أب الأب و�أب الأم‪.‬‬

‫الأم من الر�ضاعة‪ ،‬وهي املر�أة التي �أر�ضعته يف ال�سنتني الأوليني من والدته خم�س مرات م�شبعات‪ ،‬فقد‬
‫‪12‬‬
‫جعل لها الإ�سالم ح ًقا ب�سبب �إر�ضاعها له‪.‬‬
‫الر�ضاع‬

‫الأخت من الر�ض��اعة‪ ،‬وهي بنت املر�أة التي �أر�ض��عته �أثناء �ص��غره كما �س��بق‪ ،‬وكذلك كل القرابات من‬
‫‪13‬‬
‫الر�ضاع يحرمن كحرمة القرابات من الن�سب‪ ،‬كالعمة واخلالة وبنت الأخ وبنت الأخت من الر�ضاعة‪.‬‬
‫‪245‬‬

‫عمة الأب‬ ‫�أم الأب‬ ‫خالة الأب‬ ‫عمة الأم‬ ‫�أم الأم‬ ‫خالة الأم‬

‫العمة‬ ‫الأب‬ ‫زوجة الأب‬ ‫الأم‬ ‫اخلالة‬

‫�أم الزوجة‬

‫الأخت‬ ‫الأخ‬ ‫الرجـــــــــــل‬ ‫الزوجة‬

‫ابن الأخت‬ ‫بنت الأخت‬ ‫ابن الأخ‬ ‫بنت الأخ‬ ‫بنت الزوجة‬

‫بنت ابن الأخت‬ ‫بنت ابن الأخ‬

‫البنت‬ ‫زوجة االبن‬ ‫االبن‬


‫مفاتيح ال�شكل‬

‫و�إن عال‬ ‫ابن البنت‬ ‫بنت البنت‬ ‫زوجته‬ ‫ابن االبن‬ ‫بنت االبن‬
‫و�إن نزل‬
‫بنت ابن البنت‬
‫حمرم للرجل‬

‫فه�ؤالء املحارم يجوز �أن يخرجن �أمامه مبا جرت العادة بظهوره �أمام الأقارب‪ ،‬كالذراعني والرقبة وال�شعر‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬بدون �إ�سفاف �أو جتاوز يف احلد‪.‬‬
‫‪ 246‬األسرة المسلمة‬

‫ضوابط العالقة بين الرجل والمرأة األجنبية‬

‫امل�سلمات وهن ي�ؤدين �صالة العيد يف �أثيوبيا‬

‫‪ 2‬التعامل ب�أدب وخلق‪:‬‬ ‫‪ 1‬غ�ض الب�صر‪:‬‬


‫فيكلم المر�أة الأجنبية وتكلمه ويتعامالن ب�أدب‬ ‫فيجب على الم�سلم �أن ال ينظر �إلى العورات‪ ،‬وال‬
‫وخلق مع البعد عن كل ما فيه تحريك للغرائز ب�أي‬ ‫ينظر �إلى ما يهيج ال�شهوة في النف�س‪ ،‬وال يطيل النظر‬
‫طريقة كانت‪ ،‬ولهذا‪:‬‬ ‫�إلى المر�أة من غير حاجة‪.‬‬
‫•نهى اهلل الن�ساء عن الخ�ضوع بالقول‬ ‫وقد �أمر اهلل الجن�سين جمي ًعا بغ�ض الب�صر؛ لأنه‬
‫والتك�سر فيه مع الرجـ ــال الأجانب و�أمـ ــر‬ ‫طريق للعفاف وحفظ الأعرا�ض‪ ،‬كما �أن �إطالق الب�صر‬
‫بالقـ ــول الوا�ضح‪ ،‬فقال تعال ــى‪َ } :‬فلاَ تَخْ َ�ض ْعنَ‬ ‫بال حدود طريق الآثام والفواح�ش‪ ،‬فقال تعالى‪ُ } :‬ق ْل‬
‫ِبا ْل َق ْولِ َف َي ْط َم َع ا َّل ِذي ِفي َق ْل ِب ِه َم َر ٌ�ض َو ُق ْلنَ َق ْو اًل‬ ‫وج ُه ْم َذ ِل َك‬ ‫ِل ْل ُم�ؤ ِْم ِنينَ َي ُغ ُّ�ضوا ِمنْ �أَ ْب َ�صا ِر ِه ْم َو َي ْح َف ُظوا ُف ُر َ‬
‫َم ْع ُرو ًفا{ (الأحزاب‪.)32 :‬‬ ‫ات‬‫هلل َخ ِبي ٌر ِب َما َي ْ�ص َن ُعونَ • َو ُق ْل ِل ْل ُم�ؤ ِْم َن ِ‬‫�أَ ْز َكى َل ُه ْم �إِنَّ ا َ‬
‫وجهُنّ { (النور‪:‬‬ ‫َيغ ُْ�ض ْ�ضنَ ِمنْ �أَ ْب َ�صا ِر ِهنَّ َو َي ْح َف ْظنَ ُف ُر َ‬
‫•نهى عن الحركات المثيرة في الم�شي‬
‫‪.)31-30‬‬
‫والحركة و�إظهار بع�ض �أنواع الزينة‪ ،‬فقال‬
‫تعالى‪َ } :‬و اَل َي ْ�ض ِر ْبنَ ِب�أَ ْر ُج ِل ِهنَّ ِل ُي ْع َل َم َما ُيخْ ِفينَ‬ ‫و�إذا ح�صل ونظر الم�سلم م�صادفة فيجب عليه‬
‫ِمنْ ِزي َن ِت ِهنّ { (النور‪.)31 :‬‬ ‫�صرف نظره عن الحرام‪ ،‬وغ�ض الب�صر ي�شمل جميع‬
‫و�سائل الإعالم والإنترنت‪ ،‬فيحرم النظر �إلى ما يثير‬
‫ال�شهوات ويهيج الغرائز فيها‪.‬‬
‫‪247‬‬

‫‪ 3‬تحريم الخلوة‪:‬‬
‫ومعنى الخلوة �أن ينفرد الرجل بالمر�أة‬
‫الأجنبية في مكان ال يراهما فيه �أحد‪ ،‬وقد حرم‬
‫الإ�سالم الخلوة لأنها من مداخل ال�شيطان‬
‫للفاح�شة‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أال ال‬
‫يخلون رجل بامر�أة �إال كان ال�شيطان ثالثهما"‬
‫(الترمذي ‪.)2165‬‬

‫‪ 4‬الحجاب‪:‬‬
‫فر�ض اهلل الحجاب على المر�أة دون‬
‫الرجل لما �أودع فيها من مظاهر الجمال‬
‫(ال يخلون رجل ب�إمر�أة �إال كان ال�شيطان ثالثهما)‬ ‫وعوامل الإغراء‪ ،‬مما يجعلها فتنة للرجل �أكثر‬
‫من �أن يكون الرجل فتنة لها‪.‬‬
‫حدود الحجاب‪:‬‬ ‫وقد �شرع اهلل الحجاب لعدد من الحكم‬
‫فر�ض اهلل على المر�أة �أمام الرجال الأجانب تغطية‬ ‫منها‪:‬‬
‫جميع بدنها �إال وجهها وكفيها‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬و اَل‬ ‫•حتى تتمكن المر�أة من �أداء ر�سالتها في الحياة‬
‫ُي ْب ِدينَ ِزي َن َتهُنَّ ِ�إ اَّل َما َظ َه َر ِم ْن َها{ (النور‪ ،)31 :‬وما ظهر‬ ‫والمجتمع في المجاالت العلمية والعملية على‬
‫منها‪ :‬هو الوجه والكفان‪ ،‬ومتى ما وجدت فتنة بظهور‬ ‫خير وجه مع الحفاظ على كرامتها وعفتها‪.‬‬
‫حينئذ تغطيتهما‪.‬‬
‫الوجه والكفين فيجب ٍ‬ ‫•تقليل وتخفيف فر�ص الغواية والإثارة ل�ضمان‬
‫ضوابط الحجاب الساتر‪:‬‬ ‫طهارة المجتمع من جهة‪ ،‬ولحفظ كرامة‬
‫المر�أة من جهة ثانية‪.‬‬
‫يجوز للمر�أة �أن تلب�س ما �شاءت من الأ�شكال‬
‫والألوان في الحجاب بال�شروط التالية‪:‬‬ ‫•�إعانة الرجال الناظرين �إلى المر�أة على العفة‬
‫واالن�ضباط‪ ،‬فيتعاملون معها ك�إن�سان يتمتع‬
‫‪� 1‬أن يكون الحجاب �سات ًرا لما يجب تغطيته‪.‬‬ ‫بمثل ما يتمتعون به من المقومات الثقافية‬
‫ً‬
‫ف�ضفا�ضا وا�س ًعا ولي�س �ضي ًقا يحدد‬ ‫‪� 2‬أن يكون‬ ‫والعلمية‪ ،‬ال على �أنها كتلة من المهيجات‬
‫�أع�ضاء الج�سم‪.‬‬ ‫الغريزية و�أداة للهو والمتعة فح�سب‪.‬‬
‫‪� 3‬أن ال يكون �شفا ًفا يظهر �أع�ضاء البدن تحته‪.‬‬
‫‪ 248‬األسرة المسلمة‬

‫الزواج في اإلسالم‬

‫الزواج من �أعظم العالقات التي �أكد عليها الإ�سالم ورغب فيها وجعلها �سنة‬
‫املر�سلني (انظر �ص ‪.)240‬‬
‫وقد اعتنى الإ�سالم بتف�صيل �أحكام الزواج و�آدابه وحقوق الزوجين بما يحفظ‬
‫لهذه العالقة اال�ستمرار واال�ستقرار وتكوين الأ�سرة الناجحة التي ين�ش�أ فيها الأطفال‬
‫با�ستقرار نف�سي وا�ستقامة على الدين وتفوق في جميع مجاالت الحياة‪.‬‬
‫ومن تلك الأحكام ما يلي‪:‬‬

‫الخطبة‬
‫ِ‬
‫كما ينبغي لأهل المر�أة قبول الرجل �إن كان من‬ ‫ينبغي للم�سلم الحر�ص على اختيار المر�أة‬
‫�أهل الدين والخلق‪ ،‬وتي�سير زواجه قدر الم�ستطاع‪،‬‬ ‫ال�صالحة الخلوقة ذات الدين مع حر�صه على‬
‫كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا جاءكم من‬ ‫الموا�صفات الأخرى؛ لأن المر�أة �ستكون � ًأما لأوالده‬
‫تر�ضون دينه وخلقه فزوجوه‪� ،‬إال تفعلوا تكن فتنة في‬ ‫و�شري ًكا في بناء الأ�سرة‪ ،‬وقد قال النبي �صلى اهلل‬
‫الأر�ض وف�ساد كبير" ( الترمذي ‪ ،1084‬ابن ماجه ‪.)1967‬‬ ‫عليه و�سلم حا ًثا على الزواج بالمر�أة ال�صالحة‬
‫والخطبة هي �أن يتقدم الرجل لأهل المر�أة‬ ‫م�شي ًرا �إلى العاقبة الح�سنة لهذا االختيار‪" :‬تنكح‬
‫ويطلب الزواج منها ‪ ،‬فهي اتفاق مبدئي عليه‪ ،‬ووعد‬ ‫المر�أة لأربع‪ :‬لمالها‪ ،‬ولح�سبها‪ ،‬ولجمالها‪ ،‬ولدينها‪،‬‬
‫بالزواج‪ ،‬وتعتبر الخطبة �أولى خطوات الزواج‪.‬‬ ‫فاظفر بذات الدين تربت يداك" (البخاري ‪)4802‬‬
‫‪249‬‬

‫اً‬
‫م�ستقبل‬ ‫ف�إذا وافق �أهل المر�أة ووعدوا الرجل بتزويجه ابنتهم‬
‫فقد تمت الخطوبة‪ ،‬وترتب على ذلك عدد من الأحكام‪:‬‬
‫وقد �أ�شار النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إلى‬ ‫الخطبة مرحلة ت�سبق الزواج وتمهد له‪،‬‬ ‫• ِ‬
‫ال�سبب في م�شروعية الر�ؤية ب�أنه �إذا ر�آها على‬ ‫وتبقى المر�أة في فترة الخطبة �أجنبية على‬
‫طبيعتها ف�أعجبته كان ذلك �أوثق ال�ستمرار العالقة‬ ‫الرجل‪ ،‬فيحرم عليه الخلوة بها وم�سها‪ ،‬ونحو‬
‫بينهما بعد الزواج‪ ،‬ول َّما �س�أل النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫ذلك مما يحرم فعله بين الرجل والمر�أة‬
‫و�سلم �أحد ال�صحابة بعد خطبته‪�" :‬أنظرت �إلى‬ ‫الأجنبية‪.‬‬
‫المخطوبة؟ قال‪ :‬ال ‪ ،‬فقال‪ :‬انظر �إليها ف�إنه �أحرى‬ ‫•ي�شرع للخاطب �أن ينظر �إلى مخطوبته كما‬
‫�أن ُي�ؤد ََم بينكما" ( الترمذي ‪.)1087‬‬ ‫تظهر هي في العادة بين محارمها‪ ،‬ف ُتظهِ ر‪:‬‬
‫•يحرم على من علم ب�أن امر�أة ما مخطوبة‬ ‫الوجه وال�شعر والكفين والذراعين والقدمين‬
‫�أن يتقدم لخطبتها حتى يعلم �أنهم قد ردوا‬ ‫و�أطراف ال�ساقين وما �أ�شبه ذلك‪ ،‬ويكون‬
‫الخاطب ولم يوافقوا عليه �أو تم ف�سخ الخطبة‪،‬‬ ‫النظر بق�صد التعرف على طبيعتها وجمالها‬
‫لقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يخطب‬ ‫قبل عقد الزواج‪ ،‬فال يتكرر وال يكون معه‬
‫الرجل على خطبة �أخيه" (البخاري‪.)4848‬‬ ‫م�س لبدنها‪.‬‬
‫خلوة بالمخطوبة‪ ،‬وال ٌّ‬

‫هدايا الرجل للمر�أة زمن الخطبة ال تعتبر جزءًا من المهر �إال �إذا اتفقوا على ذلك‪ ،‬ف�إذا ف�سخت الخطبة‬
‫لأي �سبب فال ترجع تلك الهدايا‬
‫‪ 250‬األسرة المسلمة‬

‫عقد النكاح (الزواج)‬


‫وهو العقد واالتفاق الذي ت�صير المر�أة بموجبه زوجة للرجل‪ ،‬وتترتب عليه جميع �أحكام‬
‫الزواج‪ ،‬وقد �سماه اهلل في كتابه الميثاق الغليظ لأهميته ووجوب �صيانته والحر�ص عليه‪.‬‬

‫�سمى اهلل الزواج ميثا ًقا ً‬


‫غليظا تعظي ًما لمكانته و�صيانة له‬

‫وي�شترط ل�صحة الزواج ما يلي‪:‬‬


‫‪ 1‬ر�ضا الزوجين‪:‬‬
‫فيلزم ر�ضا الزوج وعدم �إكراهه‪ ،‬ور�ضا الزوجة وعدم �إكراهها‪ ،‬ويعرف ر�ضا املر�أة بنطقها باملوافقة �إن كانت‬
‫قد �سبق لها الزواج (الثيب)‪ ،‬ويكفي �سكوتها وعدم اعرتا�ضها �إن كانت بك ًرا‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال تنكح‬
‫الأمي حتى ت�ست�أمر‪ ،‬وال تنكح البكر حتى ت�ست�أذن‪ ،‬قالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬وكيف �إذنها؟ قال‪� :‬أن ت�سكت" (البخاري ‪،)4843‬‬
‫وملا ز َّوج �أحد ال�صحابة ابنته بدون ر�ضاها ذهبت ت�شتكي �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ف�أبطل ذلك النكاح‬
‫(البخاري ‪.)4845‬‬
‫‪251‬‬

‫‪ 2‬وجود الولي‪:‬‬
‫والولي هو الرجل الأقرب من قرابات المر�أة ك�أبيها و�أخيها في�شترط وجوده وموافقته‪ ،‬وفي ذلك تقوية لجانبها‬
‫�أمام زوجها حيث يراها م�سنودة الظهر ب�أب �أو �أخ قادر على حمايتها ورد الظلم عنها �إن وقع‪ ،‬ولأن وليها �أعرف منها‬
‫بالرجال‪ ،‬فيكون في �إ�شراكه في الأمر خير لها‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال نكاح �إال بولي" ( �أبو داود ‪،2085‬‬
‫الترمذي ‪.)1102‬‬
‫وهذه الوالية �أمانة وينبغي تي�سير الزواج �إذا تقدم الرجل المنا�سب المت�صف بـ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫حسن الخلق‬ ‫االستقامة على الدين‬

‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا خطب �إليكم من‬


‫تر�ضون دينه وخلقه فزوجوه" (الترمذي ‪ ،1084‬ابن ماجه‬
‫‪.)1967‬‬
‫ومن �أ�شد �أنواع الظلم منع المر�أة من الزواج‬
‫وع�ضلها و�إذا ح�صل ذلك انتقلت الوالية للولي الأبعد‪.‬‬
‫وملّا ز َّوج �أحد ال�صحابة �أختًا له لرجل و�أكرمه‬
‫و�أح�سن �إليه‪ ،‬قدر اهلل �أن ال ي�ستمر ذلك الزواج‬
‫وطلقها الرجل‪ ،‬ثم �أراد العودة �إليها فرف�ض‬
‫ال�صحابي �أن يزوجه �أخته مرة �أخرى‪ ،‬وكانت املر�أة‬
‫تريده‪ ،‬وال عيب فيه‪ ،‬ف�أنزل اهلل قوله تعاىل‪َ } :‬ف اَل‬
‫َت ْع ُ�ض ُلوهُ نَّ �أَنْ َي ْن ِك ْحنَ �أَ ْزو َ‬
‫َاجهُنَّ �إِذَا َتر َ‬
‫َا�ض ْوا َب ْي َن ُه ْم‬
‫وف{ (البقرة‪ )232 :‬فقال ال�صحابي‪" :‬الآن � ُ‬
‫أفعل‬ ‫ِبالمَْ ْع ُر ِ‬
‫يا ر�سول اهلل‪ .‬قال‪ :‬فز ّوجها �إياه" (البخاري ‪.)4837‬‬
‫ف�إن مل يوجد ويل قريب ‪� ،‬أو كان �أقاربها الذكور من‬
‫غري امل�سلمني فيكون القا�ضي �أو �إمام اجلامع ومن له‬
‫�ش�أن وحمل ثقة بني امل�سلمني ول ًيا لها‪.‬‬

‫‪ 3‬الإعالن ووجود ال�شاهدين‪:‬‬


‫ي�شترط الإ�سالم لإبعاد التهمة عن الزوجين �إعالن‬
‫من �أ�شد �أنواع الظلم �أن مينع الويل املر�أة من الزواج‬ ‫النكاح بين النا�س و�إظهاره‪ ،‬و�أقل حد يح�صل به الإعالن‬
‫و�إذا ح�صل ذلك انتقلت الوالية للويل الأبعد‪.‬‬ ‫ح�ضور ال�شاهدين لعقد النكاح‪.‬‬
‫‪ 252‬األسرة المسلمة‬

‫‪ 4‬توفر ال�شروط في الرجل والمر�أة‪:‬‬


‫ً‬
‫�شروطا واجبة لكل من الزوج والزوجة حتى ي�صح النكاح والزواج‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬ ‫و�ضع الإ�سالم‬

‫�أن تكون المر�أة م�سلمة �أو كتابية (مبعنى �أنها يهودية �أو ن�صرانية) ت�ؤمن بدينها‪ ،‬ولكن‬
‫الإ�سالم يحثنا على اختيار امل�سلمة ذات الدين؛ لأنها �ستكون �أُ ًما مربية لأبنائك معينة لك على‬
‫اخلري واال�ستقامة‪ ،‬كما قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬فاظفر بذات الدين تربت يداك"‬ ‫‪1‬‬
‫(البخاري ‪ ،4802‬م�سلم ‪.)1466‬‬

‫�أن تكون عفيفــة مح�صنة‪ ،‬فيحرم الزواج من التي عرفت بالفح�ش والزنى‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫}وَالمْ ُ ْح�صَ َناتُ ِمنَ المْ ُ�ؤ ِْم َن ِات وَالمْ ُ ْح�صَ َناتُ ِمنَ ا َّل ِذينَ �أُوتُوا ا ْل ِكتَاب{ (المائدة‪.)5 :‬‬

‫�أن ال تكون من محارمه الالتي يحرم عليه الزواج منهن على الت�أبيد‪ ،‬كما �سبق بيانه (�ص‪،)244‬‬
‫وال يجمع يف زواجه بني املر�أة و�أختها �أو عمتها �أو خالتها‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ي�شترط في الرجل �أن يكون م�سل ًما‪ ،‬ويحرم يف الإ�سالم زواج امل�سلمة من الكافر �أ ًيا كان‬
‫دينه‪ ،‬كتاب ًيا كان �أو غري كتابي‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ويح�صل العقد ب�أن يقول الولي للرجل‪ :‬زوجتك �أو �أنكحتك ابنتي �أو �أختي وي�سميها‪ ،‬ويقول‬
‫الرجل‪ :‬قبلت �أو وافقت‪ ،‬و�سواء كانت بهذه الألفاظ �أو ما يف معناها ب�أي لغة يفهمونها فقد مت‬ ‫‪5‬‬
‫العقد‪.‬‬

‫�صالح الذرية من �أعظم �أمنيات امل�سلم‪ ،‬ولهذا كان ال�صالح‬


‫والدين من �أهم معايري اختيار الزوجة‪.‬‬
‫‪253‬‬

‫حقوق الزوج والزوجة‬

‫�أوجب اهلل على كل من الزوج والزوجة حقو ًقا‪ ،‬ورغبهم في كل ما من �ش�أنه‬


‫تطوير العالقة الزوجية والحفاظ عليها‪ ،‬فالم�س�ؤولية على الطرفين‪ ،‬وعلى كل من‬
‫الزوج والزوجة �أن ال يطالب الآخر بما ال يقدر عليه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬و َلهُنَّ ِم ْث ُل‬
‫ا َّل ِذي َع َل ْيهِ نَّ ِبا ْل َم ْع ُروف{ (البقرة‪ ،)228 :‬فالبد من الت�سامح والعطاء لت�سير‬
‫دورة الحياة وتقوم العائلة الكريمة‪.‬‬

‫حقوق الزوجة‪:‬‬
‫النفقة وال�سكن‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫•فيجب على الزوج �أن ينفق على زوجته في طعامها و�شرابها ولبا�سها‬
‫و�ش�ؤونها‪ ،‬ويوفر لها ال�سكن المنا�سب لتعي�ش فيه‪ ،‬حتى ولو كانت غنية‪.‬‬
‫•مقـدار النفقة‪ :‬تقدر النفقة بالمعروف ح�سب دخل الزوج بدون �إ�سراف وال تقتير‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ } :‬ل ُي ْن ِفقْ‬
‫ُذو َ�س َع ٍة ِمنْ َ�س َع ِت ِه َو َمنْ ُق ِد َر َع َل ْي ِه ِر ْز ُق ُه َف ْل ُي ْن ِفقْ ِم َّما �آَتَا ُه اهلل{ (الطالق‪.)7 :‬‬
‫•ينبغي �أن تكون تلك النفقة بدون منٍّ و�إذالل‪ ،‬بل كما و�صفها اهلل عز وجل بالمعروف‪� ،‬أي بالح�سنى‪،‬‬
‫ف�إنها لي�ست تف�ضلاً ‪ ،‬بل حق للزوجة على زوجها �أن يعطيها حقها بالمعروف‪.‬‬
‫•النفقة على الزوجة والأهل في الإ�سالم لها �أجر عظيم‪ ،‬قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا �أنفق‬
‫الم�سلم نفقة على �أهله وهو يحت�سبها كانت له �صدقة" (البخاري ‪ ،5036‬م�سلم ‪ ،)1002‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫في امر�أتك" (البخاري ‪،56‬‬‫"و�إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اهلل �إال �أُجرت عليها حتى اللقمة تجعلها في ّ‬
‫ق�صر فيها مع قدرته فقد ارتكب �إث ًما عظي ًما‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه‬‫م�سلم ‪ .)1628‬ومن امتنع عن النفقة �أو َّ‬
‫و�سلم‪" :‬كفى بالمرء �إث ًما �أن ي�ضيع من يقوت" (�أبو داود ‪.)1692‬‬

‫‪ 2‬الع�شرة الح�سنة‪:‬‬
‫والمراد بالع�شرة الح�سنة‪ :‬ح�سن الخلق‪ ،‬والتلطف‪ ،‬ولين الكالم‪ ،‬وتحمل الأخطاء والتق�صير الذي ال‬
‫وف َف�إِنْ َك ِر ْه ُت ُموهُ نَّ َف َع َ�سى َ�أنْ َت ْك َرهُ وا َ�ش ْي ًئا َو َي ْج َع َل ا ُ‬
‫هلل ِفي ِه َخ ْي ًرا‬ ‫ي�سلم منه �أحد‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و َع ِا�ش ُروهُ نَّ ِبا ْل َم ْع ُر ِ‬
‫َك ِثي ًرا{(الن�ساء‪.)19 :‬‬
‫قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أكمل الم�ؤمنين �إيما ًنا �أح�سنهم خل ًقا‪ ،‬وخياركم خياركم لن�سائهم خل ًقا"‬
‫(الترمذي ‪.)1162‬‬
‫وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن �أكمل الم�ؤمنين �إيما ًنا �أح�سنهم خل ًقا و�ألطفهم ب�أهله" (الترمذي ‪،2612‬‬
‫�أحمد ‪.)24677‬‬
‫‪ 254‬األسرة المسلمة‬

‫وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬خيركم خيركم لأهله و�أنا خيركم لأهلي" (الترمذي ‪.)3895‬‬
‫و�س�أل �أحد ال�صحابة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل ما حق زوجة �أحدنا عليه؟ قال‪�" :‬أن‬
‫تطعمها �إذا طعمت‪ ،‬وتك�سوها �إذا اكت�سيت‪ ،‬وال ت�ضرب الوجه‪ ،‬وال تقبح‪ ،‬وال تهجر �إال في البيت" (�أبو داود ‪.)2142‬‬

‫‪ 3‬المداراة والتحمل‪:‬‬
‫فالبد من مراعاة طبيعة المر�أة التي تختلف عن طبيعة الرجل‪ ،‬وال�سعي للنظر �إلى الحياة من كل جوانبها‪ ،‬فال‬
‫�أحد ي�سلم من الأخطاء‪ ،‬فعلينا ال�صبر والنظر بطريقة �إيجابية‪ ،‬واهلل تعالى ينبه الزوجين للنظر �إلى الجوانب‬
‫الإيجابية فيقول‪َ } :‬و اَل َت ْن َ�س ُوا ا ْل َف ْ�ض َل َب ْي َن ُك ْم{ (البقرة‪ ،)237 :‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يفرك ـ �أي ال يبغ�ض ـ‬
‫م�ؤمن م�ؤمنة‪� ،‬إن كره منها خل ًقا ر�ضي منها �آخر" (م�سلم ‪.)1469‬‬
‫وي�ؤكد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم على العناية بالن�ساء ومعا�شرتهن بالخير والمعروف مع التنبيه �إلى �أن طبيعة‬
‫المر�أة النف�سية والعاطفية تختلف عن الرجل‪ ،‬و�أن هذا االختالف تكاملي للعائلة‪ ،‬وينبغي �أن ال يكون ذلك االختالف‬
‫�سب ًبا للفرقة والطالق‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ا�ستو�صوا بالن�ساء‪� ،‬إن المر�أة خلقت من �ضلع لن ت�ستقيم‬
‫لك على طريقة‪ ،‬ف�إن ا�ستمتعت بها ا�ستمتعت بها وبها عوج‪ ،‬و�إن ذهبت تقيمها ك�سرتها‪ ،‬وك�سرها طالقها" (البخاري‬
‫‪ ،3153‬م�سلم ‪.)1468‬‬

‫‪ 4‬ال يف�شي �أ�سرار الزوجية‪:‬‬


‫فال يجوز للرجل الحديث عن خ�صو�صيات امر�أته وما يح�صل بين الزوجين ون�شرها بين النا�س‪ ،‬كما قال‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن من �أ�شر النا�س عند اهلل منزلة يوم القيامة الرجل يف�ضي �إلى امر�أته‬
‫وتف�ضي �إليه ثم ين�شر �سرها" (م�سلم ‪.)1437‬‬
‫‪255‬‬

‫‪ 5‬الدفاع عنها لأنها عر�ضك و�شرفك‪:‬‬


‫�إذا تزوج الرجل المر�أة �أ�صبحت عر�ضه فيجب عليه الدفاع عن هذا العر�ض وال�شرف ولو �أدى �إلى قتله‪ ،‬لقوله‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من ُقتل دون �أهله فهو �شهيد" (الترمذي ‪� ،1421‬أبو داود ‪.)4772‬‬

‫‪ 6‬المبيت‪:‬‬
‫ينبغي على الرجل �أن يبيت عند امر�أته‪ ،‬ويجب عليه ذلك ما ال يقل عن يوم كل �أربعة �أيام‪ ،‬كما يجب عليه �أن يق�سم‬
‫متزوجا �أكثر من واحدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫بين ن�سائه بالعدل �إن كان‬

‫‪ 7‬ال يجوز التعدي والتجاوز على المر�أة‪:‬‬


‫وقد و�ضع الإ�سالم لعالج الم�شاكل عددًا من ال�ضوابط‪ ،‬منها‪:‬‬
‫•ينبغي العالج بالحوار والن�صح والوعظ لت�صحيح الأخطاء‪.‬‬
‫•يجوز له الهجر بالكالم على �أن ال يزيد عن ثالثة �أيام‪ ،‬ثم الهجر في الم�ضجع والمنام بدون خروج من البيت‪.‬‬
‫•قالت عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪" :‬ما �ضرب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �شي ًئا قط بيده‪ ،‬وال امر�أ ًة‪ ،‬وال‬
‫خادما‪� ،‬إال �أن يجاهد في �سبيل اهلل" (م�سلم ‪.)2328‬‬
‫ً‬
‫‪ 8‬تعليمها ون�صحها‪:‬‬
‫على الرجل �أن ي�أمر �أهله وينهاهم‪ ،‬و�أن يحر�ص على ما يو�صلهم لنعيم الجنة ويقيهم من النار عبر تي�سير فعل‬
‫الأوامر والحث عليها‪ ،‬ومنع المحرمات والتنفير منها‪ ،‬وعلى المر�أة كذلك �أن تعتني بن�صح زوجها وتوجيهه لما فيه‬
‫الخير‪ ،‬وتربية الأبناء التربية ال�صالحة‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا ُقوا �أَ ْن ُف َ�س ُك ْم َو�أَ ْه ِلي ُك ْم َنا ًرا{ (التحريم‪،)6 :‬‬
‫راع في �أهله وم�س�ؤول عن رعيته" (البخاري ‪ ،2416‬م�سلم ‪.)1829‬‬ ‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬والرجل ٍ‬
‫‪ 9‬االلتزام ب�شروط الزوجة‪:‬‬
‫مباحا �أثناء العقد كنوع خا�ص من ال�سكن والنفقة وقبله الزوج فيجب عليه الوفاء‬
‫�إذا ا�شترطت المر�أة لنف�سها �أم ًرا ً‬
‫به‪ ،‬وهذا من �آكد ال�شروط في وجوب الوفاء وااللتزام به‪ ،‬وذلك لأن عقد الزوجية من �أعظم العهود والمواثيق‪ ،‬كما‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أحق ما �أوفيتم به من ال�شروط ما ا�ستحللتم به الفروج" (البخاري‪ ،4856 :‬م�سلم ‪.)1418‬‬
‫‪ 256‬األسرة المسلمة‬

‫حقوق الزوج‪:‬‬
‫‪ 1‬وجوب الطاعة بالمعروف‪:‬‬

‫جعل اهلل الرجل ق َّو ًاما على المر�أة‪ ،‬بمعنى م�س� اًؤول عن‬
‫�أمرها وتوجيهها ورعايتها‪ ،‬كما يقوم الوالة على الرعية‪ ،‬بما‬
‫خ�ص اهلل به الرجل من خ�صائ�ص ومميزات‪ ،‬وبما �أوجب‬ ‫َّ‬
‫عليه من واجبات ماليـ ــة‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ال ِّر َج ُال َق َّوا ُمونَ َع َلى‬
‫هلل َب ْع َ�ض ُه ْم َع َلى َب ْع ٍ�ض َو ِب َما �أَ ْن َفقُوا ِمنْ‬
‫ال ِّن َ�سا ِء ِب َما َف َّ�ض َل ا ُ‬
‫�أَ ْم َوالِهِ ْم{ (الن�ساء‪.)34 :‬‬
‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا �صلت المر�أة خم�سها‪،‬‬
‫و�صامت �شهرها‪ ،‬وحفظت فرجها‪ ،‬و�أطاعت زوجها‪ ،‬قيل لها‪:‬‬
‫ادخلي من �أي �أبواب الجنة �شئت" (�أحمد ‪.)1661‬‬

‫‪ 2‬تمكين الزوج من اال�ستمتاع‪:‬‬

‫ِمن حق الزوج على زوجته تمكينه من اال�ستمتاع والجماع‪،‬‬


‫وي�ستحب لها التزين والتجهز له‪ ،‬و�إذا امتنعت الزوجة من‬
‫‪ 4‬عدم الخروج من المنزل �إال ب�إذن‬ ‫�إجابة زوجها في الجماع وقعت في محذور وارتكبت كبيرة‪،‬‬
‫الزوج‪:‬‬ ‫�إال �أن تكون معذورة بعذر �شرعي؛ كالحي�ض و�صوم الفر�ض‬
‫والمر�ض وما �شابه ذلك‪.‬‬
‫من حق الزوج على زوجته �أال تخرج من البيت‬
‫�إال ب�إذنه‪� ،‬سواء كان �إذ ًنا ً‬
‫خا�صا لخروج معين‪� ،‬أو‬ ‫قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا دعا الرجل‬
‫بالإذن العام بالخروج من المنزل لعملها وحاجتها‪.‬‬ ‫امر�أته �إلى فرا�شه ف�أبت‪ ،‬فبات غ�ضبان عليها‪ ،‬لعنتها‬
‫المالئكة حتى ت�صبح" (البخاري ‪ ،3065‬م�سلم ‪.)1436‬‬
‫‪ 5‬خدمة الزوجة لزوجها‪:‬‬
‫‪ 3‬عدم الإذن لمن يكره بالدخول �إلى المنزل‪:‬‬
‫ي�ستحب للزوجة خدمة زوجها بالمعروف في‬
‫�صنع الطعام وجميع �ش�ؤون المنزل‪.‬‬ ‫فمن حق الزوج على زوجته �أال تدخل بيته �أحدً ا يكرهه‪.‬‬
‫قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يحل للمر�أة �أن‬
‫ت�صوم وزوجها �شاهد �إال ب�إذنه‪ ،‬وال ت�أذن في بيته �إال ب�إذنه"‬
‫(البخاري ‪.)4899‬‬
‫‪257‬‬

‫تعدد الزوجات‬
‫الأ�صل في الإ�سالم �أن يتزوج الرجل امر�أة واحدة ويكونا �أ�سرة متحابة مت�آلفة‪،‬‬
‫ولكن الإ�سالم �أباح تعدد الزوجات ‪-‬كما هو الحال في �شرائع �سماوية �سابقة‪ِ -‬لح َكم وم�صالح‬
‫تعود على الفرد والمجتمع‪ ،‬ومع ذلك لم يترك الأمر بدون �ضوابط وقيود‪ ،‬بل و�ضع من القواعد‬
‫وال�شروط ما يمنع الإجحاف والظلم بالمر�أة ويحفظ لها حقوقها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪� 3‬أال يزيد التعدد عن �أربع زوجات‪:‬‬ ‫‪ 1‬العدل‪:‬‬


‫فهذا هو الحد الأق�صى للتعدد في الإ�سالم‪ ،‬كما قال‬ ‫فيجب العدل بين الن�ساء في الأمور المادية الظاهرة‪،‬‬
‫تعالى‪} :‬فا ْن ِك ُحوا َما َط َ‬
‫اب َل ُك ْم ِمنَ ال ِّن َ�سا ِء َم ْث َنى َوثُلاَ َث‬ ‫كالنفقة والمبيت ونحو ذلك‪ ،‬ومن لم ي�ستطع العدل‬
‫َو ُر َبا َع َف ِ�إنْ ِخ ْفت ُْم �أَ اَّل َت ْع ِد ُلوا َف َو ِاحدَ ة{ (الن�ساء‪ ،)3 :‬ومن‬ ‫بينهن حرم عليه التعدد؛ لقوله تعالى‪َ } :‬ف ِ�إنْ ِخ ْفت ُْم �أَ اَّل‬
‫�أ�سلم وهو متزوج �أكثر من �أربعة ن�سوة لزمه �أن يختار‬ ‫َت ْع ِد ُلوا َف َو ِاحدَ ة{ (الن�ساء‪ ،)3 :‬وكان فعله ذلك من �أقبح‬
‫منهن �أرب ًعا ويفارق البقية‪.‬‬ ‫الذنوب و�أ�شنعها‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من‬
‫كانت له امر�أتان فمال �إلى �إحداهما جاء يوم القيامة‬
‫‪ 4‬يمنع الجمع بين بع�ض الن�ساء مراعاة‬ ‫و�شقه مائل" (�أبو داود ‪.)2133‬‬
‫لعدم �إف�ساد العالقة بين الأقارب‪،‬‬
‫كالتالي‪:‬‬ ‫و�أما العدل في المحبة القلبية فلي�س بواجب‪ ،‬لأنه ال‬
‫ي�ستطيعه‪ ،‬وهذا هو المراد بقوله تعالى‪َ } :‬و َلنْ ت َْ�ست َِطي ُعوا‬
‫•يحرم الجمع بين المر�أة و�أختها‪.‬‬
‫�أَنْ َت ْع ِد ُلوا َب ْينَ ال ِّن َ�سا ِء َو َل ْو َح َر ْ�صت ُْم{ (الن�ساء‪.)129 :‬‬
‫•يحرم الجمع بين المر�أة وخالتها‪.‬‬
‫•يحرم الجمع بين المر�أة وعمتها‪.‬‬ ‫‪ 2‬القدرة على الإنفاق على الزوجات‪:‬‬
‫فيجب عليه �أن يكون قاد ًرا على الإنفاق على جميع‬
‫زوجاته؛ لأن ذلك �شرط لجواز زواجه الأول فهو في‬
‫الزواج الثاني من باب �أولى‪.‬‬
‫‪ 258‬األسرة المسلمة‬

‫الطالق‬
‫يحـث الإ�سالم على �أن يكون عقد الزواج دائ ًما‪ ،‬و�أن ت�ستمر العالقة الزوجية‬
‫ً‬
‫ميثاقا‬ ‫قائمة بين الزوجين‪ ،‬حتى يفرق الموت بينهما‪ ،‬وقد �سمى اهلل الزواج‬
‫غليظا‪ ،‬وال يجوز في الإ�سالم تحديد وقت ينتهي به الزواج‪.‬‬ ‫ً‬

‫يحث الإ�سالم على ا�ستدامة الزواج ولكنه ي�ضع الكثير من القوانين التي تحكم الطالق عند اال�ضطرار �إليه‬

‫افتقده مع الأول‪ ،‬فيتحقق قول اهلل تعالى‪َ } :‬و�إِنْ َي َت َف َّر َقا‬ ‫لكن الإ�سالم وهو يحث على ذلك يعلم �أنه �إنما‬
‫ا�س ًعا َح ِكي ًما{ (الن�ساء‪:‬‬ ‫هلل ُك اًّل ِمنْ َ�س َع ِت ِه َو َكانَ ا ُ‬
‫هلل َو ِ‬ ‫ُيغ ِْن ا ُ‬ ‫ُي�ش ِّرع لأنا�س يعي�شون على الأر�ض‪ ،‬لهم خ�صائ�صهم‪،‬‬
‫‪.)130‬‬ ‫وطباعهم الب�شرية‪ ،‬لذا �شرع لهم كيفية الخال�ص من‬
‫ولكنه و�ضع له الكثير من الأحكام والقوانين التي‬ ‫هذا العقد‪� ،‬إذا تعثر العي�ش‪ ،‬و�ضاقت ال�سبل‪ ،‬وف�شلت‬
‫ت�ضبطه‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫الو�سائل للإ�صالح‪ ،‬وهو في هذا يتعامل بواقعية‬
‫و�إن�صاف لكل من الرجل والمر�أة‪ ،‬فكثي ًرا ما يحدث‬
‫•الأ�صل �أن الطالق بيد الرجل ولي�س بيد المر�أة‪.‬‬ ‫بين الزوجين من الأ�سباب والنفرة والم�شاكل‪ ،‬ما يجعل‬
‫•يمكن للمر�أة �إذا لم ت�ستطع العي�ش مع زوجها ولم‬ ‫الطالق �ضرورة الزمة‪ ،‬وو�سيلة متعينة لتحقيق الخير‪،‬‬
‫ر�ض �أن يطلقها �أن تطلب الطالق من القا�ضي‪،‬‬ ‫َي َ‬ ‫واال�ستقرار العائلي واالجتماعي لكل منهما؛ لأن ذلك‬
‫ويمكن للقا�ضي تطليقها �إن كان ال�سبب مقن ًعا‪.‬‬ ‫الزواج لم يعد يحقق المق�صود منه‪ ،‬و�صار الفراق بين‬
‫•يجوز �إرجاع المر�أة بعد طالقها مرتين‪� ،‬أما �إذا‬ ‫الزوجين �أقل مف�سدة من بقائهما �سو ًيا‪.‬‬
‫طلقها مرة ثالثة‪ ،‬ف�إنه ال يمكن له الزواج منها‬ ‫لهذا �أباح الطالق و�سيلة للخروج من هذه الحالة‪،‬‬
‫زواجا كاملاً ‪.‬‬
‫�شخ�صا �آخر ً‬
‫ً‬ ‫حتى تتزوج‬ ‫زوجا �آخر‪ ،‬قد يجد معه ما‬
‫ولي�ستبدل كل منهما بزوجه ً‬
‫‪259‬‬

‫يح�صل الطالق �إذا‪:‬‬

‫أنت طالق) قا�صدًا ما يقول �أو ب�أي لفظ دال على ذلك في اللغات الأخرى داللة �صريحة‪.‬‬
‫‪ 1‬تلفظ الرجل بقوله‪ِ �( :‬‬
‫‪� 2‬إذا تلفظ بكلمة تحتمل معنى الطالق ب�أي لغة كانت‪� ،‬إذا كان قد ق�صد به الطالق‪ ،‬مثل �أن يقول‪:‬‬
‫"فارقتك" ويعني �أنها طالق‪ ،‬ف�إن لم يق�صد الطالق لم يقع الطالق‪.‬‬
‫•الطالق ال�شرعي هو الذي يح�صل والمر�أة طاه ٌر (بمعنى غير حائ�ض) ولم يكن قد جامعها في ذلك الطهر‪.‬‬
‫•الطالق لي�س لعبة بيد الرجل‪ ،‬وال و�سيلة للمقاي�ضة وال�ضغط على الطرف الآخر‪.‬‬

‫عدة المرأة المطلقة‬

‫�شرع اهلل العدة للمر�أة المطلقة �صيانة للأن�ساب ‪ ،‬وفترة للزوجين للت�أمل والتفكير في الم�ستقبل‪ ،‬وفر�صة لتدارك‬
‫الأمر‪ ،‬وت�صحيح الأخطاء‪ ،‬وعودة العالقة بينهما لما كانت عليه‪ ،‬وتختلف فترة العدة على �أنواع‪:‬‬

‫‪ 1‬من تزوجها بالعقد ولم يدخل عليها (�أي‪ :‬لم يجامعها �أو يختلي بها‪ ،‬بل مجرد عقد‬
‫الزوجية)‪ :‬فهذه تفارقه وتنقطع عالقتها به بمجرد الطـالق‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا‬
‫ات ُث َّم َط َّل ْق ُت ُموهُ نَّ ِمنْ َق ْب ِل �أَنْ َت َم ُّ�سوهُ نَّ َف َما َل ُك ْم َع َل ْيهِ نَّ ِمنْ ِع َّد ٍة َت ْع َت ُّدو َن َها{‬
‫�إ َِذا َن َك ْحت ُُم ا ْل ُم�ؤ ِْم َن ِ‬
‫(الأحزاب‪ ،)49 :‬ولها حينئذ ن�صف المهر الذي اتفقوا عليه‪ ،‬وال ترجع �إليه �إال بعقد ومهر جديد‪.‬‬

‫‪ 2‬عدة الحامل‪ :‬تنتهي بو�ضع حملها �سواء طال ذلك �أو ق�صر‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ } :‬و�أُوالتُ‬
‫الأَ ْح َم ِال �أَ َج ُلهُنَّ �أَنْ َي َ�ض ْعنَ َح ْم َلهُنَّ { (الطالق‪.)4 :‬‬

‫ثالث حي�ضات كاملة بعد‬‫‪ 3‬من لم تكن حامل وت�أتيها الدورة ال�شهرية (الحي�ض)‪ :‬ف ِع َّدتُها ُ‬
‫الطالق؛ بمعنى �أن ي�أتيها الحي�ض وتطهر‪ ،‬ثم َي�أْ ِتيها وتطهر‪ ،‬ثم ي�أتيها وتطهر‪ ،‬فهذه ثالث‬
‫حي�ضات كاملة‪� ،‬سوا ٌء طالت المدة بينهن �أم لم تطل‪ ،‬ف�إذا اغت�سلت بعد طهرها الثالث فقد‬
‫انتهت عدتها؛ ل َق ْو ِل ِه تعالى‪َ } :‬وا ْل ُم َط َّل َقاتُ َي َت َر َّب ْ�صنَ ِب�أَ ْن ُف ِ�سهِ نَّ َثال َث َة ُق ُروء{ (البقرة‪.)228 :‬‬

‫‪ 4‬التي ال تحي�ض �سواء كان ذلك ب�سبب �صغر �سنها �أو كبر �سنها وانتهاء الطمث لديها‪� ،‬أو‬
‫كان ذلك ب�سبب مر�ض مزمن وعلة دائمة‪ :‬فعدتها ثال َث ُة �أَ ْ�ش ُه ٍر من �أن يطلقها؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫ي�ض ِمنْ ِن َ�سا ِئ ُك ْم �إ ِِن ا ْر َت ْبت ُْم َف ِع َّد ُتهُنَّ َثال َث ُة �أَ ْ�ش ُه ٍر َوالال ِئي َل ْم َي ِح ْ�ضن{‬
‫ْ} َوال َّال ِئي َي ِئ ْ�سنَ ِمنَ ا ْل َم ِح ِ‬
‫(الطالق‪.)4 :‬‬
‫‪ 260‬األسرة المسلمة‬

‫والمرأة في فترة العدة على قسمين‪:‬‬


‫المطلقة الرجعية‪:‬‬
‫وهي عدة المر�أة التي طلقها زوجها لأول مرة �أو ثاني مرة ويمكن لزوجها �إرجاعها‪ ،‬وتعتبر المطلقة الرجعية‬
‫زوجة فتجب لها وعليها حقوق‪ ،‬كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬عليها �أن تبقى فترة العدة في بيت زوجها‪ ،‬ويحرم عليه �إخراجها‪ ،‬وهذا من و�سائل رجوعه �إليها‪،‬‬
‫وجمع ال�شمل بها‪ ،‬وترك اال�ستمرار في طالقها‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ال َّنب ُِّي �إ َِذا َط َّل ْقت ُُم ال ِّن َ�ساء‬
‫هلل َر َّب ُك ْم اَل تُخْ ِر ُجوهُ نَّ ِمن ُب ُيو ِت ِهنَّ َو اَل َيخْ ُر ْجنَ �إِ اَّل �أَن‬
‫َف َط ِّل ُقوهُ نَّ ِل ِع َّد ِت ِهنَّ َو�أَ ْح ُ�صوا ا ْل ِع َّد َة َوا َّت ُقوا ا َ‬
‫هلل ُي ْح ِد ُث‬‫اهلل َف َق ْد َظ َل َم َنف َْ�س ُه اَل ت َْدرِي َل َع َّل ا َ‬ ‫َي�أْ ِتينَ ِب َف ِاح َ�ش ٍة ُّم َب ِّي َن ٍة َو ِت ْل َك ُحدُو ُد ا ِ‬
‫هلل َو َمن َي َت َع َّد ُحدُو َد ِ‬
‫َب ْع َد َذ ِل َك �أَ ْم ًرا{ (الطالق‪)1 :‬‬

‫‪ 2‬يجب على الرجل الإنفاق على المطلقة الرجعية لأنها ما زالت زوجة له‪.‬‬
‫‪ 3‬تبقى في البيت على �أح�سن حال و�صورة وال تحتجب عنه ‪ ،‬بل ي�شرع �أن تتزين وتتجمل له‪.‬‬
‫‪ 4‬يحق للزوج �إرجاع المر�أة كزوجة وعدم اال�ستمرار في الطالق ما دامت في زمن العدة‪،‬‬
‫ويكون ذلك‪:‬‬

‫�أو يجامع امر�أته‪.‬‬ ‫ب�أن ي�صرح بذلك بكل ما يدل عليه‪.‬‬

‫يجب على الرجل الإنفاق وال�سكن لمطلقته الرجعية في زمن عدتها‬


‫‪261‬‬

‫المطلقة البائن‪:‬‬
‫الطالق البائن‪ :‬هو الذي ال يملك الزوج معه الرجعة‪ ،‬وهو ثالثة �أنواع‪:‬‬
‫‪ 1‬الطالق قبل الدخول على المر�أة‪ ،‬وال ترجع �إال بعقد جديد‪.‬‬
‫‪ 2‬الخلع والطالق بعو�ض مالي‪ ،‬وذلك �إذا طلبت المر�أة من القا�ضي �أن تنف�صل عن زوجها فحكم‬
‫القا�ضي بذلك مقابل قدر من المال تعطيه لزوجها‪.‬‬
‫زوجا غيره فطلقها‪ ،‬ثم عقد عليها الأول‬
‫‪ 3‬الطالق في المرة الثالثة وال تحل له �إال �إن نكحت الزوجة ً‬
‫مرة �أخرى‪.‬‬
‫والمطلقة البائن تحرم على الزوج بمجرد الطالق وعليها العدة وال تبقى مع الرجل في المنزل‪ ،‬وال‬
‫نفقة لها‪� ،‬إال �أن تكون حاملاً فينفق عليها حتى ت�ضع حملها‪ ،‬ثم ينفق على المولود‪.‬‬

‫عدة المرأة المتوفى عنها زوجها‬


‫�شرع اهلل للمر�أة عند وفاة زوجها ِعدَّ ًة وزم ًنا احترا ًما للحياة الزوجية وتقديرها وعدم ن�سيان‬
‫الف�ضل بين الزوجين ‪ ،‬فهي جزء من الحزن والحداد بعد �أن انف�صلت عراها بموت رب الأ�سرة‪.‬‬
‫ف�إذا توفي زوج المر�أة فعليها �أن تعتد عدة الوفاة‪ ،‬ومدتها‪� :‬أربعة �أ�شهر وع�شرة �أيام لجميع الن�ساء‪� ،‬إال الحامل‬
‫فعدتها �أن ت�ضع حملها‪.‬‬

‫(الحداد)‪:‬‬
‫ما يجب على المرأة المعتدة لوفاة زوجها ِ‬
‫الحداد خالل فترة العدة‪ ،‬ويعني ِ‬
‫الحداد ترك كل ما يعتبر ح�سب‬ ‫يجب على المتوفى عنها زوجها ِ‬
‫العرف والعادة زينة‪� ،‬سواء كان في البدن �أو في اللبا�س‪:‬‬
‫•فتمتنع عن الطيب والعطور ب�أنواعها‪.‬‬
‫خ�صو�صا‪ ،‬بل ترك كل لبا�س يعتبره العرف‬
‫ً‬ ‫•وتمتنع عن لبا�س الزينة والتجمل ‪ ،‬وال يلزم من ذلك لب�س ال�سواد‬
‫زينة‪ ،‬فيجوز ارتداء المالب�س العادية التي ال تعتبر زينة ملفتة و�إن كانت مل َّونة‪.‬‬
‫•وال ُيعتبر من الزينة تنظيف البدن‪ ،‬واللبا�س‪ ،‬وتم�شيط ال�شعر‪ ،‬وتقليم الأظافر‪ ،‬واال�ستحمام‪ ،‬فيجوز لها‬
‫ذلك‪ ،‬كما يجوز لها �أن تخرج من بيتها في فترة عدة الوفاة لق�ضاء حاجاتها‪ ،‬على �أن تبيت ليلها في بيت‬
‫الزوجية‪.‬‬
‫‪ 262‬األسرة المسلمة‬

‫حقوق الوالدين‬

‫اك ِلت ُْ�ش ِر َك ِبي َما َل ْي َ�س‬ ‫ن�سانَ ِب َوالِدَ ْي ِه ُح ْ�س ًنا َو�إِن َجاهَ دَ َ‬‫ال َ‬ ‫ْ ِإ‬ ‫يعتبــر بر الوالديــن والإح�ســان �إليهما من �أعظم‬
‫َل َك ِب ِه ِع ْل ٌم َفلاَ ت ُِط ْع ُه َما{ (العنكبوت‪.)8 :‬‬ ‫الأعمال ال�صالحة و�أكثرها ثوا ًبا عند اهلل تعالى‪ ،‬وقد‬
‫الإح�سان �إليهما ال �سيما عند كبرهما‪:‬‬ ‫قرنه اهلل بعبادته وتوحيده‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪َ } :‬و َق َ�ضى َر ُّب َك �أَ َّال َت ْع ُبدُو ْا ِ�إ َّال ِ�إ َّيا ُه‬ ‫وجعل برهما والإح�سان �إليهما من �أعظم �أ�سباب‬
‫َو ِبا ْل َوالِدَ ْي ِن ِ�إ ْح َ�سا ًنا ِ�إ َّما َي ْب ُل َغنَّ ِعندَ َك ا ْل ِك َب َر �أَ َحدُهُ َما �أَ ْو‬ ‫دخول الجنة‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه �سلم‪" :‬الوالد‬
‫ِك َالهُ َما َف َال َت ُقل َّل ُه َم�آ �أُ ٍّف َو َال َت ْن َه ْرهُ َما َو ُقل َّل ُه َما َق ْو اًل‬ ‫�أو�سط �أبواب الجنة‪ ،‬ف�إن �شئت ف�أ�ضـع ذلك الب ــاب �أو‬
‫َك ِري ًما{ (الإ�سراء‪.)23 :‬‬ ‫احفظـ ــه" (الترمذي ‪.)1900‬‬
‫فاهلل تعالى يخبر �أنه فر�ض و�أوجب على الإن�سان‬ ‫خطورة عقوق الوالدين والإ�ساءة �إليهما‪:‬‬
‫طاعة والديه وعدم نهرهما �أو الت�ضجر منهما‪ ،‬ال �سيما‬ ‫من �أعظم الكبائر التي اتفقت ال�شرائع على منعها‬
‫بعد كبرهما و�ضعفهما‪ ،‬ولو كان ذلك بمجرد الت�أفف‬ ‫والتحذير منها‪ :‬الإ�ساءة �إلى الوالدين‪ ،‬كما قال النبي‬
‫بدون كالم‪.‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم لل�صحابة‪�" :‬أال �أخبركم ب�أكبر‬
‫المس ِل َمين‪:‬‬ ‫الكبائر؟" قالوا‪ :‬بلى يا ر�سول اهلل‪ .‬قال‪" :‬الإ�شراك‬
‫الوالدان غير ُ‬
‫باهلل وعقوق الوالدين" (البخاري ‪.)5918‬‬
‫يجب على الم�سلم البر بوالديه وطاعتهما والإح�سان‬
‫�إليهما ولو كانا كافرين‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و ِ�إنْ َجاهَ دَ َ‬
‫اك‬ ‫طاعتهما في غير مع�صية اهلل‪:‬‬
‫َعلى �أَنْ ت ُْ�ش ِر َك ِبي َما َل ْي َ�س َل َك ِب ِه ِع ْل ٌم َفال ت ُِط ْع ُه َما‬ ‫تجب طاعة الوالدين في جميع ما ي�أمران به �إال �إن‬
‫َو َ�ص ِاح ْب ُه َما ِفي ال ُّد ْن َيا َم ْع ُرو ًفا{ (لقمان‪ )15 :‬و�أولى البر‬ ‫�أمرا بمع�صية اهلل فال يطيعهما في ذلك؛ لأنه ال طاعة‬
‫و�أعظمه دعوتهم وتحبيبهم للإ�سالم بالحكمة واللطف‪.‬‬ ‫لمخلوق في مع�صية الخالق‪ ،‬قال اهلل تعالى‪} :‬و َو َّ�ص ْي َنا‬
‫‪263‬‬

‫حقوق األبناء‬
‫•اختيار الزوجة ال�صالحة لتكون �أ ًما �صالحة وهي �أعظم هدية يقدمها الأب لأبنائه‪.‬‬
‫•ت�سميتهم بالأ�سماء الح�سنة الجميلة لأنها �ستكون عالمة الزمة لالبن‪.‬‬
‫•�أن يح�سن تربيتهم ويعلمهم مبادئ الدين ويحببهم فيه‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم "كلكم ٍ‬
‫راع وم�س�ؤول‬
‫راع وهو م�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬والمر�أة في‬
‫راع وهو م�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل في �أهله ٍ‬ ‫عن رعيته‪ :‬فالإمام ٍ‬
‫راع وهو م�س�ؤول عن رعيته" (البخاري ‪،853‬‬
‫بيت زوجها راعي ٌة وهي م�س�ؤولة عن رعيتها‪ ،‬والخادم في مال �سيده ٍ‬
‫م�سلم ‪ ،)1829‬فيبد�أ الوالدان بتربية �أبنائهما على الأهم فالمهم‪ ،‬فيبد�أ بتربيتهم على العقيدة ال�صحيحة‬
‫الخالية من ال�شــرك والبدع‪ ،‬ثم بالعبادات ال�سيما ال�صالة‪ ،‬ثم يعلمهم ويربيهم على الأخالق والآداب‬
‫الحميدة‪ ،‬وعلى كل ف�ضيلة وخير‪ ،‬وهذا من �أجل الأعمال عند اهلل‪.‬‬

‫•النفقة‪ :‬فيجب على الأب �أن ينفق على �أوالده‬


‫الذكور والإناث‪ ،‬وال يجوز له التق�صير فيها‬
‫وال ت�ضييعها‪ ،‬بل يلزمه القيام بها على الوجه‬
‫الأكمل ح�سب ا�ستطاعته وقدرته‪ ،‬قال ر�سول‬
‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬كفى بالمرء �إث ًما‬
‫�أن ي�ضيع من يقوت" (�أبو داود ‪ ،)1692‬وقال �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم في �ش�أن الرعاية والإنفاق على‬
‫البنات خا�صة‪" :‬من يلي من هذه البنات �شي ًئا‬
‫ف�أح�سن �إليهن كنَّ له �ست ًرا من النار" (البخاري‬
‫‪ ،5649‬م�سلم ‪.)2629‬‬
‫•العدل بين الأوالد‪ ،‬ذكو ًرا و�إنا ًثا‪ ،‬كما قال‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬اتقوا اهلل واعدلوا‬
‫بين �أوالدكم" (البخاري ‪ ،2447‬م�سلم ‪ )1623‬فال‬
‫يجوز تف�ضيل الإناث على الذكور‪ ،‬كما ال يجوز‬
‫تف�ضيل الذكور على الإناث؛ لأن ذلك يحدث من‬
‫المفا�سد ما اهلل به عليم‪.‬‬

‫علىالأب �أن ي�ست�شعر �أن �إنفاقه على �أوالده و�إدخال‬


‫ال�سرور في قلوبهم عبادة ي�ؤجر عليها‬
‫‪ 264‬األدعية واألذكار‬
‫‪265‬‬

‫األدعية واألذكار‬
‫أجرا و�أنفعها للعبد في‬
‫ذكر اهلل �أحد �أعظم العبادات � ً‬
‫الدنيا والآخرة ويزداد بها الم�سلم �شر ًفا وقر ًبا من‬ ‫‪13‬‬
‫خالقه الكريم‪.‬‬

‫حقيقة الدعاء‬ ‫مكانة الذكر‬


‫�آداب الدعاء‬ ‫�أعظم الأذكار‬
‫‪ 266‬األدعية واألذكار‬

‫ذكر اهلل‬
‫مكانة الذكر‬

‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم يف احلديث القد�سي ‪" :‬يقول اهلل تبارك وتعاىل‪� :‬أنا عند ظن عبدي بي‪ ،‬و�أنا معه �إذا ذكرين‪،‬‬
‫ف�إن ذكرين يف نف�سه ذكرته يف نف�سي‪ ،‬و�إن ذكرين يف ملأ ذكرته يف ملأ خري منهم" (البخاري ‪ ,6970‬م�سلم ‪.)2675‬‬
‫وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أال �أنبئكم بخري �أعمالكم‪ ،‬و�أزكاها عند مليككم‪ ،‬و�أرفعها يف درجاتكم‬
‫وخري لكم من �إنفاق الذهب والورق‪ ،‬وخري لكم من �أن تلقوا عدوكم فت�ضربوا �أعناقهم وي�ضربوا �أعناقكم"؟ قالوا‪:‬‬
‫بلى‪ .‬قال‪" :‬ذكر اهلل تعاىل" (الرتمذي ‪.)3377‬‬
‫والإن�سان متى ما �أحب �شي ًئا �أكرث من ذكره‪ ،‬وعلى قدر حمبتنا هلل وتعظيمنا له يكون ذكره بقلوبنا و�أل�سنتنا‪ ،‬قال‬
‫هلل ِذ ْك ًرا َك ِث ًريا • َو َ�س ِّب ُحو ُه ُب ْك َر ًة َو�أَ ِ�ص اًيل{ (الأحزاب‪ ،)42-41 :‬وع َّد ذكر اهلل من‬
‫تعاىل‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا ْاذ ُك ُروا ا َ‬
‫ا�ش ُك ُروا يِل َولاَ َت ْك ُف ُر ِ‬
‫ون{ (البقرة‪.)152 :‬‬ ‫�أعظم ال�شكر على نعمه فقال‪َ } :‬ف ْاذ ُك ُرونيِ �أَ ْذ ُك ْر ُك ْم َو ْ‬
‫وذكر اهلل هو التلفظ بذكره بالل�سان مع ا�ستح�ضار عظمته وحمبته ورجاءه بالقلب‪ ،‬ويح�صل الأجر للذاكر بقدر‬
‫ا�ستح�ضار تلك املعاين يف القلب‪ ،‬وبذلك يحيا القلب وين�شرح ال�صدر‪ ،‬حتى �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�ضح ذلك‬
‫لنا بقوله‪" :‬مثل الذي يذكر ربه‪ ،‬والذي اليذكر ربه مثل احلي وامليت" (البخاري ‪ )6044‬فحياة القلوب و�صفاء النفو�س‬
‫بدوام ذكر اهلل ومناجاته‪.‬‬

‫على قدر محبتنا هلل وتعظيمنا له يكون ذكره بقلوبنا و�أل�سنتنا‬


‫‪267‬‬

‫ومن نعمة اهلل على عباده �أن �شرع لهم‬


‫حلظات حتيا بها القلوب‪ ،‬فع َّلمنا ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم �أذكا ًرا تقال يف كل‬
‫وقت‪ ،‬و�أخرى تقال ل�سبب حمدد‪ ،‬و�أخرى‬
‫تتكرر يوم ًيا‪ ،‬حتى يبقى قلب امل�سلم متعل ًقا‬
‫باهلل بعيدً ا عن �أهل الغفلة الذين يتبعون‬
‫�أهواءهم‪ ،‬كما و�صفهم اهلل بقوله ‪َ }:‬ولاَ ت ُِط ْع‬
‫َمنْ �أَ ْغ َف ْل َنا َق ْل َب ُه َعنْ ِذ ْك ِر َنا َوا َّت َب َع هَ َوا ُه َو َكانَ‬
‫�أَ ْم ُر ُه ُف ُر ًطا{ (الكهف‪.)28 :‬‬

‫مكان الذكر‬
‫ذكر اهلل عز وجل يكون يف كل مكان وعلى‬
‫�أي �صفة كان عليها الإن�سان‪ ،‬وقد مدح اهلل‬
‫امل�ؤمنني بقوله‪} :‬ا َّل ِذينَ َي ْذ ُك ُرونَ ا َ‬
‫هلل ِق َي ًاما‬
‫َو ُق ُعودًا َو َع َلى ُجنُوبِهِ ْم{ (�آل عمران‪،)191 :‬‬
‫وي�ستثنى من ذلك �إذا كان امل�سلم يف مكان‬
‫ق�ضاء احلاجة‪.‬‬
‫وقد مدح اهلل امل�ؤمنني الذاكرين هلل يف‬
‫وت‬‫�صباحا وم�سا ًء‪ ،‬فقال‪} :‬فيِ ُب ُي ٍ‬ ‫ً‬ ‫امل�سجد‬
‫َ‬ ‫�أَ ِذنَ ا ُ‬
‫هلل �أنْ ُت ْر َف َع َو ُي ْذ َك َر فِي َها ْ‬
‫ا�س ُم ُه ُي َ�س ِّب ُح‬
‫َل ُه ِفي َها ِبا ْل ُغ ُد ِّو َو ْال َآ�صالِ • ر َِجا ٌل لاَ ُت ْلهِ يهِ ْم‬
‫هلل{ (النور‪.)37-36 :‬‬ ‫جِتَا َر ٌة َولاَ َب ْي ٌع َعنْ ِذ ْك ِر ا ِ‬

‫}فاذكروين �أذكركم وا�شكروا يل وال تكفرون{‬


‫‪ 268‬األدعية واألذكار‬

‫هل يلزم أن تقال األذكار باللغة العربية؟‬


‫املق�صد الأول للذكر هو ذكر القلب هلل وخ�شيته وتعظيمه مع التلفظ بعبارات ت�صدق تلك املعاين وت�ؤكدها يف‬
‫النف�س‪ ،‬وهذا يح�صل بكل لغات العامل؛ �إذ املق�صد الأول تواط�ؤ القلب والل�سان‪.‬‬
‫ولكن بع�ض الأذكار ال ي�ؤتى بها �إال بالعربية‪ ،‬وهي الآيات القر�آنية‪ ،‬فال يتلى القر�آن �إال بالعربية مع معرفة معناه‬
‫بلغات �أخرى‪ ،‬وميكن �أن يلحق بذلك بع�ض الأذكار الق�صرية التي تتكرر يف �صالتنا وعباداتنا‪ ،‬وينبغي للم�سلم‬
‫حفظها بلفظها العربي مع معرفة معناها‪ ،‬مثل قول‪( :‬ال �إله �إال اهلل) و(�سبحان اهلل) و(اهلل �أكرب)‪.‬‬
‫وما عدا ذلك فيذكر امل�سلم اهلل بالأقرب لقلبه �سواء كان بالعربية �أو بلغته‪.‬‬

‫أعظم األذكار‪:‬‬
‫القر�آن هو كالم اهلل و�أعظم ما ذكر به‪ ،‬فمتى ما تال امل�سلم القر�آن وتدبر معناه كان من الذاكرين‪.‬‬
‫ومن �أعظم �آياته و�سوره‪:‬‬

‫آية الكرسي‬

‫وهي �أعظم �آية يف القر�آن‪ ،‬كما �أخرب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ملا فيها من تعظيم اهلل و�صفات كماله وقدرته‪.‬‬
‫وي�شرع قراءتها يف ال�صباح وامل�ساء‪ ,‬وقبل النوم‪ ,‬ويف احلديث �أن من قر�أها قبل نومه ال يزال عليه من اهلل حافظ‬
‫وال يقربه �شيطان حتى ي�صبح (البخاري ‪.)2187‬‬
‫وتقر�أ بعد ال�صالة‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من قر�أ �آية الكر�سي يف دبر كل �صالة مكتوبة مل مينعه من دخول‬
‫اجلنة �إال �أن ميوت" (الن�سائي يف الكربى ‪.)9848‬‬
‫‪269‬‬

‫ال�س َما َو ِات َو َما فيِ الأَ ْر ِ�ض َمن َذا ا َّل ِذي‬ ‫وم َال َت�أْ ُخ ُذ ُه ِ�س َن ٌة َو َال َن ْو ٌم َّل ُه َما فيِ َّ‬‫هلل َال ِ�إ َل َه ِ�إ َّال هُ َو الحْ َ ُّي ا ْل َق ُّي ُ‬
‫}ا ُ‬
‫ون ِب�شَ ْي ٍء ِّمنْ ِعل ِْم ِه �إِ َّال مِ َبا �شَ اء َو�سِ َع‬ ‫َي ْ�ش َف ُع ِع ْندَ ُه �إِ َّال ِب�إِ ْذ ِن ِه َي ْع َل ُم َما َبينْ َ �أَ ْي ِد ِيه ْم َو َما خَ ْل َف ُه ْم َو َال ُي ِح ُ‬
‫يط َ‬
‫ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر َ�ض َو َال َي�ؤُو ُد ُه ِحف ُْظ ُه َما َوهُ َو ا ْل َع ِل ُّي ا ْل َع ِظ ُيم{(البقرة‪.)255 :‬‬ ‫ُك ْر ِ�س ُّي ُه َّ‬
‫ال هُ َو {‬ ‫هلل َ‬
‫ال �إِ َلهَ �إِ َّ‬ ‫}ا ُ‬
‫اهلل الذي ال ي�ستحق العبادة �إال هو‪.‬‬
‫حْ َ‬
‫}ال ُّي ا ْل َق ُّيو ُم{‬
‫احلي الذي له جميع معاين احلياة الكاملة كما يليق بجالله‪ ،‬القائم على كل �شيء تدب ًريا و�إتقا ًنا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ال َت�أْ ُخ ُذ ُه ِ�س َن ٌة َو َ‬
‫ال َن ْو ٌم{‬ ‫} َ‬
‫ال ي�صيبه نعا�س وال نوم‪.‬‬

‫ات َو َما يِف الأَ ْر ِ‬


‫�ض{‬ ‫ال�س َما َو ِ‬
‫} َّلهُ َما يِف َّ‬
‫له جميع ما يف الكون يف ال�سماوات و الأر�ض فهو املالك اخلالق له‪.‬‬

‫ال ِب�إِ ْذ ِن ِه{‬


‫} َمن َذا ا َّل ِذي َي ْ�ش َف ُع ِعنْدَ ُه �إِ َّ‬
‫ال يتجا�سر �أحد �أن ي�شفع عنده �إال ب�إذنه‪.‬‬

‫ي �أَ ْي ِديه ِْم َو َما َخ ْل َف ُه ْم{‬


‫} َي ْع َل ُم َما َب نْ َ‬
‫يعلم ما ي�ستقبلون من �أمورهم وما�ضيهم الذي تركوه خلفهم‪.‬‬

‫با َ�شاء{‬ ‫يطونَ ِب َ�ش ْيءٍ ِّم ْن ِع ْل ِم ِه �إِ َّ‬


‫ال مِ َ‬ ‫ال ُي ِح ُ‬
‫} َو َ‬
‫وال َي َّطل ُع �أحد من اخللق على �شيء من علمه �إال مبا �أعلمه اهلل و�أطلعه عليه‪.‬‬

‫ات َوالأَ ْر َ‬
‫�ض{‬ ‫} َو ِ�س َع ُك ْر ِ�س ُّيهُ َّ‬
‫ال�س َما َو ِ‬
‫ف�سر بع�ض ال�صحابة الكر�سي ب�أنه مو�ضع قدمي اهلل �سبحانه على ما يليق بجالله وعظمته وهو من‬
‫خملوقات اهلل العظيمة التي تفوق ال�سماوات والأر�ض عظمة وات�ساعا‪.‬‬

‫ال َي�ؤُو ُد ُه ِحف ُْظ ُه َما{‬


‫} َو َ‬
‫وال يثقله �سبحانه حفظ ال�سماوات والأر�ض وما فيها‪.‬‬

‫} َوهُ َو ا ْل َع ِل ُّي ا ْل َع ِظ ُ‬
‫يم{‬
‫وهو العلي بذاته و�صفاته على جميع خملوقاته‪ ،‬اجلامع جلميع �صفات العظمة والكربياء‪.‬‬
‫‪ 270‬األدعية واألذكار‬

‫المعوذات‬
‫وهي ثالث �سور ق�صرية من �أعظم �سور القر�آن‪.‬‬
‫�سورة الإخال�ص وهي �أحد �أعظم �سور القر�آن وتعدل ثلثه كما قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (البخاري ‪,6267‬‬ ‫‪1‬‬
‫م�سلم ‪.)811‬‬
‫ل َي ُكن َّلهُ ُكفُ ًوا �أَ َحدٌ {‬
‫ل ُيو َل ْد • َو مَ ْ‬ ‫ال�ص َمدُ • مَ ْ‬
‫ل َي ِل ْد َو مَ ْ‬ ‫هلل �أَ َحدٌ • ا ُ‬
‫هلل َّ‬ ‫ُ‬
‫}قلْ هُ َو ا ُ‬

‫هلل �أَ َحدٌ {‬ ‫ُ‬


‫}قلْ هُ َو ا ُ‬
‫�أمر من اهلل �أن يقول الر�سول الكرمي‪� :‬إن اهلل واحد ال �شريك له يف العبادة‪.‬‬
‫ال�ص َمدُ {‬ ‫}ا ُ‬
‫هلل َّ‬
‫اهلل هو الذي تعتمد عليه وتلج�أ له جميع اخلالئق لطلب احتياجاتها‪.‬‬
‫ل ُيو َل ْد{‬
‫}ل َي ِل ْد َو مَ ْ‬
‫مَ ْ‬
‫منزه �أن يكون له ولد �أو �أن يكون قد ُو ِلد فهو الأول الذي لي�س قبله �شيء‪.‬‬
‫ل َي ُكن َّلهُ ُك ُف ًوا �أَ َحدٌ {‬
‫} َو مَ ْ‬
‫ولي�س له نظري �أو �شبيه يف ذاته و�صفاته �إذ هو اخلالق وما عداه خملوق‪.‬‬
‫‪271‬‬

‫�سورة الفلق‪:‬‬ ‫‪2‬‬


‫ات يِف ا ْل ُع َق ِد •‬ ‫}قلْ �أَ ُعو ُذ ِب َر ِّب ا ْل َف َل ِق • ِمن َ�ش ِّر َما َخ َل َق • َو ِمن َ�ش ِّر َغ ِ‬
‫ا�س ٍق �إِ َذا َو َق َب • َو ِمن َ�ش ِّر ال َّنفَّا َث ِ‬ ‫ُ‬
‫َو ِمن َ�ش ِّر َح ِ‬
‫ا�س ٍد �إِ َذا َح َ�سدَ {‬

‫}قلْ �أَ ُعو ُذ ِب َر ِّب ا ْل َف َل ِق{‬


‫ُ‬
‫قل (�أيها الر�سول)‪� :‬أعوذ و�أعت�صم برب الفلق‪ ,‬وهو ال�صبح‪.‬‬
‫} ِمن َ�ش ِّر َما َخ َل َق{‬
‫من �شر جميع املخلوقات و�أذاها‪.‬‬
‫} َو ِمن َ�ش ِّر َغ ِ‬
‫ا�س ٍق ِ�إ َذا َو َق َب{‬
‫ومن �شر ليل �شديد الظلمة �إذا دخل وتغلغل‪ ,‬وما فيه من ال�شرور وامل�ؤذيات‪.‬‬
‫} َو ِمن َ�ش ِّر ال َّنفَّا َث ِ‬
‫ات يِف ا ْل ُع َق ِد{‬
‫ومن �شر ال�ساحرات الالتي ينفخن فيما يعقدن من ُع َقد بق�صد ال�سحر‪.‬‬
‫} َو ِمن َ�ش ِّر َح ِ‬
‫ا�س ٍد �إِ َذا َح َ�سدَ {‬
‫ومن �شر حا�سد مبغ�ض للنا�س �إذا ح�سدهم على ما وهبهم اهلل من نعم‪ ,‬و�أراد زوالها‬
‫عنهم‪ ،‬و�إيقاع الأذى بهم‪.‬‬
‫�سورة النا�س‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫َّا�س •‬
‫الن ِ‬ ‫َّا�س • ِمن َ�ش ِّر ا ْل َو ْ�س َو ِ‬
‫ا�س خْ َ‬ ‫َّا�س • �إِ َل ِه الن ِ‬ ‫}قلْ �أَ ُعو ُذ ِب َر ِّب الن ِ‬
‫َّا�س • َم ِل ِك الن ِ‬ ‫ُ‬
‫َّا�س{‬
‫الن َِّة َوالن ِ‬ ‫َّا�س • مِنَ جْ ِ‬
‫ا َّل ِذي ُي َو ْ�س ِو ُ�س يِف ُ�صدُ و ِر الن ِ‬

‫}قلْ �أَ ُعو ُذ ِب َر ِّب الن ِ‬


‫َّا�س{‬ ‫ُ‬
‫قل (�أيها الر�سول)‪� :‬أعوذ و�أعت�صم برب النا�س‪ ,‬القادر وحده على ر ِّد �شر الو�سوا�س‪.‬‬
‫} َم ِل ِك الن ِ‬
‫َّا�س{‬
‫الغني عنهم‪.‬‬
‫ملك النا�س املت�صرف يف كل �ش�ؤونهم‪ِّ ,‬‬
‫}�إِ َلهِ الن ِ‬
‫َّا�س{‬
‫�إله النا�س الذي ال معبود بحق �سواه‪.‬‬
‫َّا�س{‬
‫الن ِ‬ ‫} ِمن َ�ش ِّر ا ْل َو ْ�س َو ِ‬
‫ا�س خْ َ‬
‫من �أذى ال�شيطان الذي يو�سو�س عند الغفلة‪ ,‬ويختفي عند ذكر اهلل‪.‬‬
‫‪ 272‬األدعية واألذكار‬

‫}ا َّل ِذي ُي َو ْ�س ِو ُ�س يِف ُ�صدُ و ِر الن ِ‬


‫َّا�س{‬
‫الذي يبثُّ ال�شر وال�شكوك يف �صدور النا�س‪.‬‬
‫النَّةِ َوالن ِ‬
‫َّا�س{‬ ‫}مِنَ جْ ِ‬
‫من �شياطني اجلن والإن�س‪.‬‬

‫وقت قراءة المعوذات‪:‬‬


‫ي�شرع قراءة المعوذات في كل �صباح وم�ساء ويف احلديث‪" :‬قل‪ :‬قل هو اهلل �أحد‪ ،‬واملعوذتني حني مت�سي‬
‫وت�صبح ثالث مرات تكفيك من كل �شيء" (الرتمذي ‪.)3575‬‬
‫وبعد كل �صالة مكتوبة كما علمها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لأحد ال�صحابة (�أبو داود ‪.)1523‬‬
‫وقبل النوم وكان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إذا �أوى �إىل فرا�شه كل ليلة جمع كفيه‪ ،‬ثم نفث فيهما فقر�أ فيهما‪:‬‬
‫ا�س{ ‪ ،‬ثم مي�سح بهما ما ا�ستطاع من ج�سده‪ ،‬يبد�أ‬ ‫وذ ِب َر ِّب ا ْل َف َل ِق{ و} ُق ْل �أَ ُع ُ‬
‫وذ ِب َر ِّب ال َّن ِ‬ ‫هلل �أَ َحدٌ{ و} ُق ْل �أَ ُع ُ‬
‫} ُق ْل هُ َو ا ُ‬
‫بهما على ر�أ�سه ووجهه وما �أقبل من ج�سده يفعل ذلك ثالث مرات" (البخاري ‪.)4729‬‬
‫وهي �أعظم ما يحفظ الإن�سان من ال�سحر وال�شرور‪" ،‬وقد كان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يتعوذ من‬
‫اجلان وعني الإن�سان حتى نزلت املعوذات‪ ،‬ف�أخذ بها وترك ما �سواها" (الرتمذي ‪.)2058‬‬
‫‪273‬‬

‫أذكار مهمة‬

‫ال �إله �إال اهلل‬


‫وهي قوام الدين‪ ،‬و�أعظم الأذكار يف كل وقت‪ ،‬وخري ما قاله نبي‪ ،‬كما قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬خري ما قلت‬
‫�أنا والنبيون من قبلي ال �إله �إال اهلل" (الرتمذي ‪ )3585‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أ�سعد النا�س ب�شفاعتي يوم‬
‫خال�صا من قلبه" (البخاري ‪ )99‬ومعناها ال �أحد ي�ستحق العبادة �إال اهلل‪.‬‬
‫القيامة من قال‪ :‬ال �إله �إال اهلل ً‬

‫�سبحان اهلل‬
‫�أي �أنزه اهلل و�أقد�سه عن كل عيب ونق�ص‬

‫احلمد هلل‬
‫�أي‪� :‬أثني على اهلل مبا ي�ستحقه من �صفات الكمال والإح�سان مع حمبته وتعظيمه‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬
‫"واحلمد هلل متلأ امليزان‪ ،‬و�سبحان اهلل والحمد هلل متلآن ما بني ال�سماوات والأر�ض" (م�سلم ‪ )223‬يعني‬
‫بالأجر‪.‬‬
‫‪ 274‬األدعية واألذكار‬

‫�سبحان اهلل وبحمده‬


‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬من قال‪� :‬سبحان اهلل وبحمده‪ ،‬يف يوم مائة مرة‪ ،‬حطت خطاياه و�إن كانت مثل زبد‬
‫البحر" (البخاري ‪ ,6042‬م�سلم ‪. )2691‬‬

‫�سبحان اهلل وبحمده �سبحان اهلل العظيم‬


‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬كلمتان خفيفتان على الل�سان‪ ،‬ثقيلتان يف امليزان‪ ،‬حبيبتان �إىل الرحمن‪:‬‬
‫�سبحان اهلل وبحمده‪� ،‬سبحان اهلل العظيم" (البخاري ‪ ,6304‬م�سلم ‪.)2694‬‬

‫اهلل �أكرب‬
‫�أي‪ :‬اهلل �أكرب من كل ما�سواه‪ ،‬وتقال يف انتقاالت ال�صالة‪ ،‬وعند �صعود املرتفعات يف ال�سفر‪ ،‬وعند الفرح‪ ،‬كما ت�شرع‬
‫قبل العيدين �إظها ًرا ملنة اهلل علينا ب�إمتام العبادات‪ ،‬قال تعاىل‪َ } :‬و ِل ُت َكبرِّ ُ وا ا َ‬
‫هلل َع َلى َما هَ دَا ُك ْم{(البقرة‪.)185 :‬‬

‫�أ�ستغفر اهلل‬
‫ومعناها‪� :‬أ�س�أل اهلل �أن يغفر يل ‪ ،‬ور�سول اهلل الذي قد ُغ ِف َر له ما تقدم من ذنبه وما ت�أخر كان يقول‪�" :‬إين‬
‫لأ�ستغفر اهلل و�أتوب �إليه يف اليوم �أكرث من �سبعني مرة" (البخاري ‪.)5948‬‬

‫ال حول وال قوة �إال باهلل‬


‫�أي‪ :‬ال تغري وحتول من حال لآخر وال قوة على ذلك �إال بتوفيق و�إعانة من اهلل‪.‬‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أال �أدلك على كلمة هي كنز من كنوز اجلنة‪ :‬ال حول وال قوة �إال باهلل" (البخاري ‪,6021‬‬
‫م�سلم‪ ،)2704‬كما تقال عند �سماع امل�ؤذن يقول‪( :‬حي على ال�صالة) �أو (حي على الفالح)‪.‬‬

‫ب�سم اهلل‬
‫�أي‪� :‬أت�شرف و�أ�ستعني و�أبتدئ با�سم اهلل‪ ،‬وقد ابتد�أ القر�آن بـ (ب�سم اهلل الرحمن الرحيم)‪ ،‬وابتد�أ ر�سول اهلل‬
‫كتاباته بها ت�شر ًفا باالبتداء با�سم اهلل‪ ..‬وهي تقال يف كثري من املوا�ضع‪ ،‬فتقال عند الأكل‪ ،‬وعند كل ابتداء بعمل‬
‫�أو قول �أو فتح �أو �إغالق‪ ،‬فما �أ�شرفها و�أعظمها من بداية �أن تبد�أ م�ستعي ًنا مترب ًكا با�سم اهلل‪.‬‬
‫‪275‬‬

‫�أعوذ باهلل من ال�شيطان الرجيم‬


‫�أي‪� :‬ألتجئ و�أعت�صم باهلل من �شر ال�شيطان املطرود من رحمة اهلل‪ ،‬وت�شرع قبل قراءة القر�آن‪ ،‬وعند الغ�ضب‪،‬‬
‫ولإبعاد و�ساو�س ال�شيطان يف كل وقت وحني‪.‬‬

‫�صلى اهلل عليه و�سلم‬


‫ومعناها الدعاء للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم بالرحمة واملنزلة الرفيعة‪ ،‬وال�سالمة يف الدنيا والآخرة‪ .‬قال �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪" :‬من �صلى علي �صالة واحدة �صلى اهلل عليه بها ع�ش ًرا" (م�سلم‪ ،)384‬وقال‪�" :‬أوىل النا�س بي يوم‬
‫علي �صالة" (الرتمذي‪ ،)484‬وجتب عند ذكر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وت�شرع يف كل حني‪،‬‬ ‫القيامة �أكرثهم َّ‬
‫هلل َو َم اَل ِئ َك َت ُه ُي َ�صلُّونَ َع َلى ال َّن ِب ِّي َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َ�صلُّوا َع َل ْي ِه‬
‫وتت�أكد يوم اجلمعة وبعد الأذان‪ .‬قال تعاىل‪�} :‬إنَّ ا َ‬
‫َو َ�س ِّل ُموا ت َْ�س ِلي ًما{ (الأحزاب‪.)56 :‬‬

‫كان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يعد الأذكار‬


‫ب�إ�صبعه‪ ،‬ويجوز ا�ستخدام �أي �أداة ت�ساعد على‬
‫العد �إن احتاج �إىل ذلك‪.‬‬
‫‪ 276‬األدعية واألذكار‬

‫األذكار في األحوال المختلفة‬

‫أذكار الصباح والمساء‬

‫�آية الكر�سي انظر (�ص‪)269‬‬

‫المعوذات انظر (�ص‪)270‬‬

‫ب�سم اهلل الذي ال ي�ضر مع ا�سمه �شيء في الأر�ض وال في ال�سماء وهو ال�سميع العليم‬
‫وقد �أخرب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ب�أنه ما من عبد يقولها يف �صباح كل يوم وم�ساء كل ليلة‪ :‬ثالث مرات‬
‫في�ضره �شيء (الرتمذي ‪.)3388‬‬

‫ر�ضيت باهلل ر ًبا‪ ،‬وبالإ�سالم دي ًنا‪ ،‬وبمحمد �صلى اهلل عليه و�سلم نب ًيا‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما من عبد م�سلم يقول حني ي�صبح وحني مي�سي ثالث مرات‪ :‬ر�ضيت باهلل ر ًبا‬
‫وبالإ�سالم دي ًنا ومبحمد �صلى اهلل عليه و�سلم نب ًيا‪� ،‬إال كان ح ًقا على اهلل �أن ير�ضيه يوم القيامة" (�أحمد ‪.)18967‬‬

‫اللهم �أنت ربي ال �إله �إال �أنت‪ ،‬خلقتني و�أنا عبدك‪ ،‬و�أنا على عهدك ووعدك ما ا�ستطعت‪� ،‬أعوذ‬
‫بك من �شر ما �صنعت‪� ،‬أبوء لك بنعمتك علي‪ ،‬و�أبوء لك بذنبي فاغفر لي‪ ،‬ف�إنه ال يغفر الذنوب‬
‫�إال �أنت‪.‬‬
‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ومن قالها من النهار موق ًنا بها‪ ،‬فمات من يومه قبل �أن مي�سي‪ ،‬فهو من �أهل‬
‫اجلنة‪ ،‬ومن قالها من الليل وهو موقن بها‪ ،‬فمات قبل �أن ي�صبح‪ ،‬فهو من �أهل اجلنة" (البخاري ‪.)5947‬‬

‫�أ�صبحنا و�أ�صبح الملك هلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬له الملك‪ ،‬وله‬
‫الحمد‪ ،‬وهو على كل �شيء قدير‪ ،‬رب �أ�س�ألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده‪ ،‬و�أعوذ بك من‬
‫�شر ما في هذا اليوم و�شر ما بعده‪ ،‬رب �أعوذ بك من الك�سل‪ ،‬و�سوء الكبر‪ ،‬رب �أعوذ بك من عذاب‬
‫في النار وعذاب في القبر (م�سلم ‪)2723‬‬
‫و�إذا �أم�سى ب َّدل �ألفاظ ال�صباح بامل�ساء‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫الدعاء عند الطعام‬

‫قبل الطعام‬
‫طعاما فليقل‪ :‬ب�سم اهلل‪ ،‬ف�إن ن�سي يف �أوله فليقل‪ :‬ب�سم اهلل في �أوله و�آخره" (الرتمذي‬
‫"�إذا �أكل �أحدكم ً‬
‫‪.)3264 ,1858‬‬
‫عند الفراغ من الطعام‬
‫طعاما فقال‪ :‬الحمد هلل الذي �أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني وال قوة‪ ،‬غفر له ما‬
‫"من �أكل ً‬
‫تقدم من ذنبه" (الرتمذي ‪� ,3458‬أبو داود ‪.)4023‬‬

‫الدعاء في المنزل‬

‫عند دخول المنزل‬


‫"�إذا ولج الرجل بيته‪ ،‬فليقل‪ :‬اللهم �إني �أ�س�ألك خير المولج‪ ،‬وخير المخرج‪ ،‬ب�سم اهلل ولجنا‪ ،‬وب�سم‬
‫اهلل خرجنا‪ ،‬وعلى اهلل ربنا توكلنا‪ ،‬ثم لي�سلم على �أهله" (�أبو داود ‪.)5096‬‬
‫عند الخروج من المنزل‬
‫"ب�سم اهلل توكلت على اهلل‪ ،‬ال حول وال قوة �إال باهلل‪ ،‬اللهم �أعوذ بك �أن �أ�ضل‪� ،‬أو �أ�ضل‪� ،‬أو �أزل‪،‬‬
‫�أو �أزل‪� ،‬أو �أظ ِلم‪� ،‬أو �أُظلم‪� ،‬أو �أجهل‪� ،‬أو يجهل علي" (�أبو داود ‪.)5095- 5094‬‬

‫الدعاء عند النوم‬

‫دعاء االستيقاظ من النوم‬


‫"الحمد هلل الذي �أحيانا بعد ما �أماتنا و�إليه الن�شور" (البخاري ‪ ,5953‬م�سلم ‪.)2711‬‬
‫‪ 278‬األدعية واألذكار‬

‫اآلذان والمسجد‬

‫ي�شرع �أن يردد الم�سلم ما يقوله الم�ؤذن �إال �إذا قال‪( :‬حي على ال�صالة) �أو (حي على الفالح)‬
‫فيقول‪( :‬ال حول وال قوة �إال باهلل)‬

‫ثم بعد انتهاء الأذان ي�صلي على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ثم يقول‪( :‬اللهم رب هذه الدعوة التامة‬
‫وال�صالة القائمة‪� ،‬آت محمدً ا الو�سيلة والف�ضيلة‪ ،‬وابعثه مقا ًما محمو ًدا الذي وعدته) وقد َّ‬
‫ب�شر‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم من قال ذلك بقوله‪" :‬حلت له �شفاعتي" (البخاري ‪.)589‬‬

‫عند دخول المسجد‬


‫ب�سم اهلل‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل‪ ،‬اللهم اغفر لي ذنوبي‪ ،‬وافتح لي �أبواب رحمتك‪.‬‬
‫و�إذا خرج قال‪ :‬ب�سم اهلل‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل‪ ،‬اللهم افتح لي �أبواب ف�ضلك‪.‬‬

‫بعد الصالة المكتوبة‬

‫�أ�ستغفر اهلل ثال ًثا‬

‫اللهم �أنت ال�سالم ومنك ال�سالم تباركت يا ذا اجلالل والإكرام (م�سلم ‪.)591‬‬
‫قائل‪�(:‬سبحان اهلل)‪ ،‬ويحمد اهلل ‪ ٣٣‬مرة‪ ،‬اً‬
‫قائل‪(:‬احلمد هلل)‪،‬‬ ‫ثم ي�سبح اهلل ‪ ٣٣‬مرة‪ ،‬اً‬
‫ويكرب اهلل ‪ ٣٣‬مرة‪ ،‬اً‬
‫قائل‪( :‬اهلل �أكرب)‪ ،‬ويختم املائة بقوله‪ :‬ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬له‬
‫امللك وله احلمد وهو على كل �شيء قدير (م�سلم ‪.)597‬‬
‫وقد َّ‬
‫ب�شر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم من قالها مبغفرة خطاياه و�إن كانت مثل زبد البحر (م�سلم ‪.)597‬‬
‫قراءة �آية الكر�سي (انظر‪� :‬ص‪)269‬‬

‫قراءة المعوذات (انظر‪� :‬ص‪)270‬‬


‫‪279‬‬

‫حقيقة الدعاء‬

‫الدعاء هو حقيقة العبادة و�إظهار لأخ�ص معالمها لما فيه من اللجوء‬


‫واالنك�سار بين يدي اهلل عز وجل‪ ،‬قال تعاىل‪َ } :‬و َق َال َر ُّب ُك ُم ا ْد ُعونيِ �أَ ْ�ست َِج ْب‬
‫َاخ ِرينَ { (غافر‪.)60 :‬‬ ‫َل ُك ْم �إِنَّ ا َّل ِذينَ َي ْ�س َت ْكبرِ ُ ونَ َعنْ ِع َبا َد ِتي َ�س َي ْد ُخ ُلونَ َج َه َّن َم د ِ‬
‫واهلل تعاىل �أكرم الأكرمني ف�إذا انطرح العبد بني يديه �أجاب �س�ؤاله و�أثابه على انك�ساره‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪�" :‬إن ربكم حيي كرمي ي�ستحيي من عبده �إذا رفع يديه �إليه �أن يردهما �صف ًرا" (�أبو داود ‪.)١٤٨٨‬‬

‫هل يجيب اهلل كل الداعين؟‬


‫وعد اهلل من دعى بالطريقة ال�صحيحة بدون ظلم �أو تعدي على الآخرين بالإجابة‪ ،‬فقال‪َ } :‬و�إِ َذا َ�س�أَ َل َك ِع َبا ِدي‬
‫يب �أُ ِج ُ‬
‫يب د َْع َو َة ال َّدا ِع ِ�إ َذا د ََع ِان{ (البقرة‪.)186 :‬‬ ‫َع ِّني َف ِ�إنيِّ َق ِر ٌ‬
‫ولكن هذه الإجابة لها �أحوال ذكرها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فقال‪" :‬ما من م�سلم يدعو بدعوة لي�س فيها �إثم‪،‬‬
‫وال قطيعة رحم‪� ،‬إال �أعطاه اهلل بها �إحدى ثالث‪� :‬إما �أن تعجل له دعوته‪ ،‬و�إما �أن يدخرها له يف الآخرة‪ ،‬و�إما �أن‬
‫ي�صرف عنه من ال�سوء مثلها" (�أحمد ‪.)11133‬‬

‫"يا عبادي لو �أن �أولكم و�آخركم و�إن�سكم وجنكم‬


‫أفجر قلب واحد منكم ما نق�ص من ملكي‬ ‫كانوا على � ِ‬
‫�شيئا ‪ ،‬يا عبادي لو �أن �أولكم و�آخركم و�إن�سكم‬
‫وجنكم قاموا يف �صعيد واحد ف�س�ألوين ‪ ،‬ف�أعطيت‬
‫كل واحد م�س�ألته ما نق�ص ذلك مما عندي �إال كما‬
‫ينق�ص املخيط �إذا �أدخل البحر" (م�سلم ‪.)2577‬‬
‫‪ 280‬األدعية واألذكار‬

‫ي�ؤجر الداعي بقدر انك�ساره وتذللـه بني يدي اهلل‬

‫آداب الدعاء‬

‫‪ 5‬عدم اال�ستعجال في الإجابة‪ ,‬قال النبي‬ ‫‪ 1‬الإخال�ص هلل‪ ،‬فالدعاء عبادة‪ ،‬ودعاء غري‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ي�ستجاب لأحدكم ما مل‬ ‫اهلل عبادة لغري اهلل‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪} :‬هُ َو الحْ َ ُّي‬
‫يعجل‪ ،‬يقول‪ :‬دعوت فلم ي�ستجب يل" (البخاري‬ ‫لاَ �إِ َل َه �إِلاَّ هُ َو َفا ْد ُعو ُه مخُ ْ ِل ِ�ص َني َل ُه الدِّ ينَ الحْ َ ْم ُد‬
‫‪ ,5981‬م�سلم ‪.)2735‬‬ ‫لهلِ ِ َر ِّب ا ْل َعالمَ ِنيَ{ (غافر‪.)65 :‬‬
‫‪ 6‬رفع اليدين في الدعاء وقد كان ر�سول اهلل‬ ‫‪� 2‬أن يعزم الداعي في الم�س�ألة وال يقول فيه �إن‬
‫يرفع يديه عند دعاء اهلل عز وجل �إظها ًرا‬ ‫�شاء اهلل ويتيقن الإجابة مع ح�ضور القلب‪ ,‬قال‬
‫لالنك�سار والتذلل بني يدي اهلل‪.‬‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�":‬إذا دعا �أحدكم‬
‫‪ 7‬التخل�ص من المال الحرام ف�إنه مما مينع من‬ ‫فليعزم امل�س�ألة وال يقولن‪ :‬اللهم �إن �شئت ف�أعطني‪،‬‬
‫�إجابة الدعاء قال �صلى اهلل عليه و�سلم عن الرجل‬ ‫ف�إنه ال م�ستكره له"(البخاري ‪ ,5979‬م�سلم ‪.)2679‬‬
‫الذي ا�ستجمع كل �أ�سباب الإجابة ولكن طعامه‬ ‫‪ 3‬الت�أدب والخ�ضوع والتذلل والخ�شوع مع‬
‫وغ ِّذي باحلرام فقال‪�":‬أنى‬
‫حرام و�شرابه حرام ُ‬ ‫خف�ض ال�صوت‪ ,‬قال تعاىل‪} :‬اد ُْعوا َر َّب ُك ْم َت َ�ض ُّر ًعا‬
‫ي�ستجاب له" (م�سلم ‪� )1015‬أي ا�ستبعادًا لذلك‪.‬‬ ‫َو ُخ ْف َي ًة ِ�إ َّن ُه لاَ ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِدينَ {(الأعراف‪.)55 :‬‬
‫‪ 4‬الإلحاح في الدعاء‪ ,‬قال ابن م�سعود‪" :‬وكان‬
‫‪�-‬أي النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪� -‬إذا دعا دعا‬
‫ثال ًثا‪ ،‬و�إذا �س�أل �س�أل ثال ًثا" (م�سلم ‪.)1794‬‬
‫‪281‬‬

‫من مواطن استجابة الدعاء‬

‫‪ 1‬يوم الجمعة وليلتها‪ ,‬عن �أبي هريرة‪� :‬أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ذكر يوم اجلمعة‪ ،‬فقال‪" :‬فيه‬
‫�ساعة‪ ،‬ال يوافقها عبد م�سلم‪ ،‬وهو قائم ي�صلي‪ ،‬ي�س�أل اهلل تعاىل �شيئا‪� ،‬إال �أعطاه �إياه" و�أ�شار بيده يقللها‪.‬‬
‫(البخاري ‪ ,893‬م�سلم ‪.)853‬‬
‫‪ 2‬في �آخر الليل‪ ,‬قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أقرب ما يكون الرب من العبد يف جوف الليل الآخر‪ ،‬ف�إن‬
‫ا�ستطعت �أن تكون ممن يذكر اهلل يف تلك ال�ساعة فكن" (الرتمذي ‪ ,3579‬الن�سائي ‪.)572‬‬
‫‪ 3‬بين الأذان والإقامة‪ ,‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يرد الدعاء بني الأذان والإقامة" (�أبو داود‬
‫‪.)521‬‬
‫‪ 4‬بعد ال�صالة المفرو�ضة‪ ,‬عن �أبي �أمامة قال‪ :‬قيل يا ر�سول اهلل‪� :‬أي الدعاء �أ�سمع؟ قال‪" :‬جوف الليل‬
‫الآخر‪ ،‬ودبر ال�صلوات املكتوبات" (الرتمذي ‪ )3499‬والأوىل �أن يكون ذلك قبل ال�سالم‪.‬‬
‫‪ 5‬ال�سجود‪ ,‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬أقرب ما يكون العبد من ربه‪ ،‬وهو �ساجد‪ ،‬ف�أكرثوا الدعاء"‬
‫(م�سلم ‪.)482‬‬
‫‪ 6‬في ال�سفر‪ :‬عن �أبي هريرة قال‪ :‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ثالث دعوات م�ستجابات ال �شك‬
‫فيهن‪ :‬دعوة املظلوم‪ ،‬ودعوة امل�سافر‪ ،‬ودعوة الوالد على ولده" (الرتمذي ‪� ,1905‬أبو داود ‪.)1536‬‬

‫على امل�سلم حتري �أوقات الف�ضل و�ساعات الإجابة‬


‫‪ 282‬األدعية واألذكار‬

‫هل يكون الدعاء باللغة العربية فقط؟‬

‫ينبغي للم�سلم �أن يدعو بلغته التي يفهمها وي�ست�شعر معانيها‪ ،‬فحقيقة الدعاء طلب و�س�ؤال من العبد لربه الذي‬
‫يعلم ال�سر و�أخفى‪ ،‬وال ت�شتبه عليه اللغات وال تختلط عليه الأ�صوات‪ ،‬ولو �أراد امل�سلم الدعاء بدعاء م�أثو ٍر يف القر�آن �أو‬
‫ال�سنة فلينظر الأقرب �إىل قلبه‪ ،‬ف�إما �أن يحفظ الدعاء باللغة العربية ويعرف معناه �أو يدعو مبعناه بلغته وهو الأي�سر‪.‬‬

‫أدعية مأثورة‪:‬‬
‫يدعو امل�سلم بكل ما يريد من خريي الدنيا والآخرة بدون جتاوز وظلم واعتداء‪ ،‬وهذه بع�ض جوامع الأدعية التي‬
‫وردت يف القر�آن �أو دعا بها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫من �أدعية القر�آن‪:‬‬
‫اب ال َّنارِ{ (البقرة‪.)201:‬‬ ‫ •} َر َّب َنا �آ ِت َنا فيِ ال ُّد ْن َيا َح َ�س َن ًة َوفيِ ْال ِآخ َر ِة َح َ�س َن ًة َو ِق َنا َع َذ َ‬
‫ •} َر َّب َنا لاَ ُت�ؤَ ِاخ ْذ َنا �إِنْ َن ِ�سي َنا �أَ ْو َ�أخْ َط ْ�أ َنا{ (البقرة‪.)286:‬‬
‫اب{ (�آل عمران‪.)8 :‬‬ ‫ •} َر َّب َنا لاَ ت ُِز ْغ ُق ُلو َب َنا َب ْعدَ ِ�إ ْذ هَ دَ ْي َت َنا َوهَ ْب َل َنا ِمنْ َل ُد ْن َك َر ْح َم ًة ِ�إ َّن َك �أَ ْن َت ا ْل َو َّه ُ‬
‫ •} َر َّب َنا هَ ْب َل َنا ِمنْ �أَ ْز َو ِاج َنا َو ُذ ِّر َّيا ِت َنا ُق َّر َة �أَ ْعينُ ٍ َو ْاج َع ْل َنا ِل ْل ُم َّت ِق َني �إ َِم ًاما{ (الفرقان‪.)74:‬‬
‫ت َع ْل فيِ ُق ُلو ِب َنا ِغ اًّل ِل َّل ِذينَ � َآم ُنوا{ (احل�شر‪.)10:‬‬ ‫ •} َر َّب َنا ْاغ ِف ْر َل َنا َو ِ إلِخْ َوا ِن َنا ا َّل ِذينَ َ�س َب ُقو َنا ِب ْ ِ‬
‫الإ َمي ِان َولاَ جَ ْ‬
‫ •} َر َّب َنا َظ َل ْم َنا �أَن ُف َ�س َنا َو ِ�إن لمَّ ْ َت ْغ ِف ْر َل َنا َو َت ْر َح ْم َنا َل َن ُكو َننَّ ِمنَ الخْ َ ِا�س ِرينَ { (الأعراف‪.)23:‬‬
‫‪283‬‬

‫ومن الأدعية النبوية‪:‬‬


‫ •يا مقلب القلوب والأب�صار ثبت قلوبنا على دينك (الرتمذي ‪� ,2140‬أحمد ‪.)12107‬‬
‫ •اللهم �آت نف�سي تقواها‪ ،‬وزكها �أنت خري من زكاها‪� ،‬أنت وليها وموالها (م�سلم ‪.)2722‬‬
‫ •اللهم �إين �أ�س�ألك من اخلري كله‪ ،‬عاجله و�آجله‪ ،‬ما علمت منه وما مل �أعلم‪ ،‬و�أعوذ بك من ال�شر كله‪ ،‬عاجله‬
‫و�آجله‪ ،‬ما علمت منه وما مل �أعلم (ابن ماجه ‪� ,3846‬أحمد ‪.)25137‬‬
‫ •اللهم �إين �أعوذ بك من العجز والك�سل‪ ،‬واجلنب والهرم والبخل‪ ،‬و�أعوذ بك من عذاب القرب ومن فتنة املحيا‬
‫واملمات (البخاري ‪ ,6006‬م�سلم ‪.)2706‬‬
‫ •اللهم �إين �أ�س�ألك الهدى والتقى والعفاف والغنى (م�سلم ‪.)2721‬‬
‫ •اللهم �أعني على ذكرك و�شكرك وح�سن عبادتك (�أبو داود ‪ ,1522‬الن�سائي ‪.)1303‬‬
‫ •اللهم اغفر يل ما قدمت وما �أخرت‪ ،‬وما �أ�سررت وما �أعلنت‪ ،‬وما �أ�سرفت‪ ،‬وما �أنت �أعلم به مني‪� ،‬أنت املقدم‬
‫و�أنت امل�ؤخر‪ ،‬ال �إله �إال �أنت (البخاري ‪ ,6035‬م�سلم ‪.)771‬‬
‫ •اللهم �أعوذ بر�ضاك من �سخطك‪ ،‬ومبعافاتك من عقوبتك‪ ،‬و�أعوذ بك منك‪ ،‬ال �أح�صي ثنا ًء عليك‪� ،‬أنت كما‬
‫�أثنيت على نف�سك (م�سلم ‪.)486‬‬

‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال يرد الدعاء بين الأذان والإقامة" (�أبو داود ‪)521‬‬
‫‪ 284‬األدعية واألذكار‬
‫‪285‬‬

‫خاتمة الكتاب‬

‫بعد قراءتك لهذا الكتاب تكون قد تعرفت على قدر مهم من �أحكام الإ�سالم و�أخالقياته وت�صوراته‪،‬‬
‫واكت�سبت عل ًما يخولك للتعامل مع �أحداث احلياة من حولك وفق �شرع اهلل ودينه‬
‫فهني ًئا لك ذلك‪ ،‬فالعلم �أعظم غنيمة ونعمة‪ .‬وتذكر �أن اهلل �إمنا �أثنى على العلم �إذا تبعه عمل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َاب َي ْت ُلو َن ُه َحقَّ ِت اَل َو ِت ِه �أُو َل ِئ َك ُي�ؤ ِْم ُنونَ بِه{(البقرة‪.)121 :‬‬
‫}ا َّل ِذينَ �آ َت ْي َناهُ ُم ا ْل ِكت َ‬
‫فاعقد النية على العمل وااللتزام ب�شرع اهلل ودينه على قدر ا�ستطاعتك وقدرتك‪ ،‬وكلما ق�صرت فتب‬
‫ا�ست ََط ْعت ُْم{ (التغابن‪.)16 :‬‬ ‫وا�ستغفر واعزم على الرجوع والإنابة‪ ،‬واهلل الرحيم بعباده يقول‪َ } :‬فا َّت ُقوا ا َ‬
‫هلل َما ْ‬
‫واحر�ص على ن�شر العلم الذي تعلمته‪ ،‬فبذلك يزكو العلم ويثمر‪ ،‬ور�سولنا �صلى اهلل عليه و�سلم ي�شجعنا‬
‫على ن�شر العلم والدعوة �إىل اهلل مهما بلغ قدر العلم الذي نحمله‪ ،‬فيقول‪" :‬بلغوا عني ولو �آية" (البخاري ‪.)3274‬‬
‫اللهم �آت نفو�سنا تقواها‪ ،‬وزكها �أنت خري من زكاها‪� ،‬أنت وليها وموالها‪.‬‬
‫‪ 286‬األدعية واألذكار‬
‫‪287‬‬

‫مكتبــــة دليـــل امل�سلم‬


‫للتطبيقات التفاعلية‬
‫تعمل على أجهزة‬ ‫(بعدة لغات)‬
‫تعد هذه �أ�شمل مكتبة للم�سلم وحتوي ‪ 10‬تطبيقات‬
‫تفاعلية لكل لغة هي‪ :‬تطبيق دليل امل�سلم اجلديد ـ‬
‫تطبيق �إميان امل�سلم ـ تطبيق �صالة امل�سلم ـ تطبيق زكاة‬
‫امل�سلم ـ تطبيق �صيام امل�سلم ـ تطبيق معامالت امل�سلم‬
‫املالية ـ تطبيق الأخالق يف الإ�سالم ـ تطبيق الأ�سرة يف‬
‫الإ�سالم ـ تطبيق اللبا�س يف الإ�سالم ـ تطبيق الطعام‬
‫وال�شراب يف الإ�سالم‪.‬‬

‫مميزات املكتبة‪:‬‬
‫• �إخراج فني عايل امل�ستوى‪.‬‬
‫• مدعمة ب�صور �إي�ضاحية‪.‬‬

‫لتحميل املكتبة‬ ‫لتحميل املكتبة‬


‫ األدعية واألذكار‬288

K . S . A - R i y a d h
Tel :+966114486000
Fax:+966114482181

U.K -Birmingham
B11 1AR
Tel : +441214399144

w w w . n e w m u s l i m g u i d e . c o m
w w w . i m u s l i m g u i d e . c o m
i n f o @ m o d e r n - g u i d e . c o m

You might also like