You are on page 1of 11

‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.

ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬


‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫االستعداد للظهور‪،‬‬
‫إصالح اإلدارة على مستوى األسرة والمجتمع (المحاضرة ‪)7‬‬
‫علي‌رضا بناهیان‬

‫الزمان‪ :‬محرم ‪1441‬‬


‫المكان‪ :‬طهران‪ ،‬جامعة اإلمام الصادق(ع)‬
‫الموضوع‪ :‬االستعداد للظهور‪،‬‬
‫إصالح اإلدارة على مستوى األسرة والمجتمع (المحاضرة ‪)7‬‬
‫التاريخ‪ /6 :‬محرم ‪2019 /9 /6 – 1441 /‬‬

‫‪1‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫من يعجز عن التحكم بأهوائه فسيفشل في إدارة المجتمع بالتأكيد‪ /‬وفقاً لما‬
‫جاء في اآلية القرآنية الكريمة‪ ،‬إن استقطاب المجتمع إلى فئات أسلوب فرعوني‬
‫للسيادة عليه‪ /‬انتهاك عزة الناس وكرامتهم هو أم المفاسد والمآسي الثقافية‬

‫إن المبدأ األول في إدارة الفرد والمجتمع هو احترام كرامة اإلنسان وعزته‪ ،‬وحسب اآلية‬
‫القرآنية الكريمة كان "فرعون"‪ ،‬باعتباره حاكماً فاسداً مفسداً‪ ،‬ينتهك هذا المبدأ بالذات‬
‫للتسلط على الناس‪ ،‬فكان يمتهن الناس ويحتقرهم كي يطيعوه! فانظروا اآلن ما هي نماذج‬
‫هذا "االستخفاف" في عصرنا؟‬

‫لم يصل مجتمعنا بعد إلى االستعداد والنضج الكافيين في موضوع "اإلدارة"‬
‫لقــد اخرتنــا موضــوع «اإلدارة» لهــذه السلســلة مــن املحــارضات ألننــا نــرى أن الفهــم الصحيــح لــإدارة‬
‫وتطبيقهــا عــى مســتوى الحيــاة الشــخصية والعائليــة واالجتامعيــة يُعـ ّدان آخــر متهيــد للظهــور؛ حيــث‬
‫إن باقــي املقدمــات الالزمــة للظهــور قــد ته ّيــأ أغلبهــا‪ ،‬وقــد تح ّقــق النضــج الفكــري الــكايف لقبــول دولــة‬
‫اإلمــام(ع) الحقــة؛ وال نقصــد بالطبــع مــن «النضــج الكايف» أن الجميع قــد نضج يف جميع املجــاالت‪ ،‬بل إن‬
‫املقصــود مــن ذلــك أن النضــج الــذي كان ميكن أن يبلغه النــاس يف املجاالت املختلفة يف حقبــة الغيبة‪ ،‬ومع‬
‫هــذه الظــروف واإلمكانيــات املتاحــة‪ ،‬قــد تح ّقــق نوعـاً مــا‪ .‬أما يف مجــال «اإلدارة» فــا زلنا مل نبلــغ النضج‬
‫الــكايف ومل نح ّقــق نتائــج جيــدة‪ ،‬ومــا زلنــا يف واقــع األمــر يف بدايــة الطريــق‪ .‬عىل الرغــم من أن لنــا الريادة‬
‫والتقـ ّدم عــى الكثــر مــن أقــوام العــامل‪ ،‬إال أنــه مثــة منكـرات تثري االســتغراب ما زالــت متــارس يف مجتمعنا‬
‫باســم املعــروف‪ ،‬وال يتجــرأ أحــد أن يــؤدي فريضــة األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر يف هــذا املجــال‪.‬‬

‫إن مبادئ اإلدارة في المجتمع هي نفسها مبادئ اإلدارة في الحياة الفردية واألسرية‬
‫لــي نســتعد لتهيئــة مقدمــات الفــرج يف موضــوع اإلدارة علينــا أن نفهــم معنــى اإلدارة عــى مســتوى‬
‫«الحيــاة الفرديــة» و»الحيــاة األرسيــة» و»الحيــاة االجتامعيــة» عــى الســواء‪ ،‬ونــدرك مبادئهــا وقواعدهــا‪.‬‬
‫ملــاذا ذكرنــا هــذه العناويــن اإلداريــة الثالثــة مــع بعــض؟ ألنــه قــد تــم الفصــل بــن السياســة والديــن‬
‫منــذ ســنوات عديــدة؛ أي إنهــم يعــ ّدون الديــن والروحانيــة واألخــاق أمــرا ً‪ ،‬والسياســة أمــرا ً آخــر!‬
‫يف حــن أن مبــادئ إدارة املجتمــع‪ ،‬وبنــا ًء عــى حكــم العقــل والعلــوم البرشيــة والتعاليــم الدينيــة‪،‬‬
‫هــي نفســها املتبعــة يف الحيــاة الفرديــة واألرسيــة‪ ،‬وإن باســتطاعة اإلنســان أن يســتلهم إدارة حياتــه‬
‫األرسيــة واملجتمعيــة مــن طريقــة اإلدارة الصحيحــة التــي ميارســها عــى مســتوى حياتــه الشــخصية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫من يعجز عن التحكم بأهوائه فسيفشل في إدارة المجتمع بالتأكيد‬


‫لهــذا التقــارن فوائــد وآثــار عديــدة‪ ،‬كأن يتمكــن األشــخاص مــن متييــز املديــر الصالــح عــن الفاســد‬
‫بشــكل أفضــل‪ .‬وال يقتــر الفســاد عــى املفاســد الظاهريــة فحســب‪ ،‬بــل إن أي مديــر يعجــز عــن‬
‫التحكــم بأهوائــه عــى مســتوى حياتــه الشــخصية والعائليــة فهــو غــر قــادر عــى إدارة املجتمــع دون‬
‫شــك‪ ،‬ويفتقــر إىل املوهبــة واإلدراك الالزمــن للتخطيــط واملنهجــة والتنظيــم والتوجيــه والســيطرة‪.‬‬
‫وليــس هــذا موضوع ـاً مبدئي ـاً‪ ،‬بــل هــو موضــوع علمــي وتخصــي متام ـاً! َمــن يعجــز عــن مامرســة‬
‫اإلدارة يف األرسة بشــكل صحيــح‪ ،‬أو مل يرتعــرع يف أرسة تُــدار عــى نحــو جيــد‪ ،‬فهــو بطبيعــة الحــال‬
‫لــن يســتطيع تــويل اإلدارة يف املجتمــع أيض ـاً‪ .‬يف مؤسســات كمجلــس صيانــة الدســتور‪ ،‬وعنــد دراســة‬
‫أهليــة األشــخاص املرشــحني لالنتخابــات‪ ،‬ال بــد مــن االهتــام بـ»املؤهــات اإلداريــة للفــرد» أكــر مــن‬
‫تقــي معتقــدات املرشــحني‪ ،‬وال التعويــل عــى املســائل املوهومــة التــي‬ ‫أي يشء آخــر؛ فــا ينبغــي ّ‬
‫ت ُطــرح باســم النزاعــات السياســية‪ ،‬بــل يجــب النظــر يف أنــه هــل هــذا الشــخص كفــوء لــإدارة أو ال؟‬

‫جميع الضربات التي تلقيناها بعد انتصار الثورة كانت بسبب الضعف في اإلدارة‬
‫جميــع الرضبــات التــي تلقيناهــا بعــد انتصــار الثــورة كانــت بســبب الضعــف يف اإلدارة وال غــر! وهــذا‬
‫الضعــف مــا زال مســتمرا ً وســيربز‪ ،‬بطبيعــة الحــال‪ ،‬يف دورات االنتخابــات القادمــة أيضــاً‪ ،‬ألننــا مــا‬
‫زلنــا نفتقــر إىل الوعــي العــام الســليم مببــادئ اإلدارة الصالحــة يف املجتمــع‪ .‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬ميتــاز‬
‫موضــوع إصــاح اإلدارة عــى مســتوى األرسة أيضــا بأهميــة كــرى‪ ،‬باعتبــاره أحــد مقدمــات الظهــور؛‬
‫والســبب هــو أنهــم (األعــداء) إذا أرادوا تدمــر املجتمــع‪ ،‬يحاولــون تدمــر األرسة أوالً‪ ،‬وهــو أمــر ســهل‬
‫يف مجتمعنــا؛ فــإن تحريــض النــاس عــى تــرك الصــاة ليــس يســرا ً‪ ،‬وإ ّن تجريدهــم مــن عقيدتهــم‬
‫ـهل كثـرا ً‪ ،‬لكــن معــدالت الطــاق مرتفعــة بــن العوائــل‪ ،‬وعــدد‬‫وإميانهــم وحبهــم للحســن(ع) ليــس سـ ً‬
‫األرس القليلــة األطفــال ‪ -‬والتــي تعتــر أحــد مــؤرشات غيــاب اإلدارة الســليمة يف األرسة – أيض ـاً مرتفــع‪.‬‬

‫يتم إصالح األسرة من خالل الدروس األخالقية‪ ،‬بل بااللتزام بمبادئ اإلدارة في المنزل‬
‫ال ّ‬
‫وإن لألعــداء أســبابهم لهــدم األرسة إذا أرادوا التســلط عــى املجتمعــات البرشيــة‪ .‬ال يتــم إصــاح األرسة‬
‫مــن خــال الــدروس األخالقيــة‪ ،‬بــل يتــم عــر االلتـزام مببــادئ اإلدارة‪ ،‬ســواء عــى مســتوى تربيــة األوالد‪،‬‬
‫أو عــى مســتوى عالقــة الزوجــن مــع بعضهــا البعــض‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫إذا كنــا نعتقــد بــأن مبــادئ اإلدارة مشــركة عــى مســتوى الــذات واألرسة واملجتمــع‪ ،‬فينبغــي أن‬
‫ننظــر مــا هــي املبــادئ الرضوريــة ل ُر ِقــي األرسة‪ ،‬وســمو املجتمــع‪ ،‬ومــا هــي املبــادئ الرضوريــة إلدارة‬
‫أنفســنا؟ فنــدرس هــذه املبــادئ الثالثــة مــع بعــض ونحــاول أن نتناقــش بعقالنيــة‪ ،‬ونســتفيد مــن‬
‫اآليــات والروايــات أيض ـاً لتقويــة عقولنــا؛ بعبــارة أخــرى ال نريــد أن نتنــاول اآليــات والروايــات تع ّبــدا ً‪.‬‬

‫أردت أن تحقق أمنياتك فعليك بإدارتها‬


‫َ‬ ‫إذا‬
‫كــا ذكــرت يف املحــارضة الســابقة أن املبــدأ األول الــذي يجــب مالحظتــه يف إدارة الــذات واألرسة‬
‫واملجتمــع هــو «مبــدأ الكرامــة والعــزة»! إذا أردتَ تحقيــق أمنياتــك ومطالبــك فعليــك بإدارتهــا‪،‬‬
‫واملبــدأ األول الــذي ينبغــي عليــك أن تأخــذه بعــن االعتبــار يف إدارة ذاتــك هــو صيانــة عــزة نفســك‪،‬‬
‫وإال لــن تســتطيع أن تعيــش حيــاة كرميــة يف األمــد الطويــل‪ ،‬ولــن تســتمتع بــأي يشء‪ ،‬ولــن تنــال‬
‫منافعــك‪ ،‬وســتكون قــد اتخــذت اللــ َه عــدوا ً لــك‪ .‬وحتــى لــو مل تكــن تؤمــن باللــه‪ ،‬فــإن مل تلتــزم‬
‫بهــذا املبــدأ فســرتبك بنيتــك العقليــة والروحيــة ولــن تســتمتع بعدهــا باللــذات الدنيويــة أيضــاً‪.‬‬

‫عزة يكون قد قلّل من مستوى استمتاعه‬ ‫من يرجو ّ‬


‫لذة من دون ّ‬
‫أحيانـاً تتجــى عـ ّزة النفــس هــذه يف مفــردة «الحيــاء»‪ .‬فــا معنــى أن أســتحيي؟ معنــاه «أين ال أريــد أن‬
‫أُهــان وأريــد أن أصــون كرامتــي!» الحيــاء هــو الحافــز الباطنــي والـرادع لحفــظ العــزة والكرامــة‪ ،‬وهــو‬
‫يف الحقيقــة الوجــه اآلخــر لعملــة العــزة‪ ،‬وهــو يف غايــة الروعــة‪ .‬إن مل يصــن اإلنســان عزتــه وكرامتــه‬
‫أمــام نفســه وانطلــق هامئ ـاً وراء لذّاتــه وأســاء إدارة رغباتــه‪ ،‬فســيبلغ شــيئاً فشــيئاً مرحل ـ ًة يغــدو فيهــا‬
‫ال يســتمتع بــأي يشء‪ .‬تخلــق العــ ّزة حاجــزا ً بــن اإلنســان واللــذّة‪ ،‬لكنــه حاجــز يجلــب املزيــد مــن‬
‫اللـذّة لصاحبــه‪ .‬وإن الــذي ينشــد لــذ ًة دون عــزة فهــو يف الحقيقــة يقلّــل مــن مســتوى اســتمتاعه! أنتــم‬
‫بوســعكم مناقشــة هــذا املوضــوع بعيــدا ً عــن الديــن أيضـاً‪ ،‬وباالعتــاد عــى علــم «إدارة الــذات» فقــط‪.‬‬

‫المبدأ األول في إدارة األسرة أيضاً هو صيانة العزة‬


‫ينبغــي مراعــاة مبــدأ العــزة باعتبــاره املبــدأ األول ســواء يف «إدارة الــذات» أو «إدارة األرسة» أو إدارة‬
‫املدرســة‪ .‬فعــى أف ـراد األرسة أوالً أن يحفظــوا عــزة بعضهــم البعــض‪ ،‬وأن يصونــوا الحرمــة ويراعــوا األدب‪.‬‬
‫املبــدأ األول يف إدارة البيــت أيضـاً هــو صيانــة عــزة وكرامــة أعضــاء األرسة‪ ،‬ســواء يف إدارة الرجــل زوجتَــه‪،‬‬
‫أو إدارة املــرأة زو َجهــا‪ ،‬إو إدارة الوالديــن أوال َدهــا‪ ،‬وحتــى عكــس ذلــك؛ إذ إ ّن األوالد أيضـاً قــد يضطرون‬
‫إىل إدارة عالقاتهــم بوالديهم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫إن الرجل يجب أن ُي ْحدث أصواتاً عند دخوله المنزل؟‬


‫لماذا قيل ّ‬
‫جــاء يف الروايــة أن األب يجــب أن يُ ْحــدث أصواتـاً عنــد دخوله املنزل ليشــعر أهل الدار مبجيئــه‪ ،‬وال يدخل‬
‫فجــأة ويأخذهــم عــى حــن ِغـ ّرة‪ .‬ملــاذا؟ ألن أهــل الــدار قــد يكونــون يف وضــع ال يحبــون أن يراهــم األب‬
‫عليــه؛ كأن يكــون الولَــد جالسـاً جِلسـ ًة مريحــة جــدا ً‪ ،‬بينــا عليــه أن يجلــس باحـرام أمــام والــده‪ ،‬مراعاة‬
‫ـح َویَ ْص َنـ ُع َذلِـ َـك َحتَّــى‬ ‫لحرمتــه؛ «یُ َسـلِّ ُم ال َّر ُجـ ُـل إِذَا َد َخـ َـل َعـ َـى أَ ْهلِـ ِه َوإِذَا َد َخـ َـل یَـ ْ ِ‬
‫ـر ُب ِب َن ْعلَ ْیـ ِه َویَتَ َن ْح َنـ ُ‬
‫یُ ْؤ ِذنَ ُهـ ْم أَنَّـ ُه قَـ ْد َجــا َء َحتَّــى َل یَـ َرى شَ ـ ْیئاً یَ ْک َر ُهـ ُه» (جامــع‌األخبــار‪ /‬ص‪ .)89‬ليــس من الصــواب أن يدخل‬
‫ـزل خفيـ ًة لينظــر مــاذا يصنــع أهــل بيتــه؟ وال تقــل‪« :‬يل هــدف تربــوي وأريــد أن أعــرف إن كان‬ ‫األب املنـ َ‬
‫أحــد يرتكــب خطـأً مــا ألقــوم بإصالحــه!» فهــذا أســلوب خاطــئ‪ .‬ينبغــي‪ ،‬بــادئ ذي بــدء‪ ،‬أن تُصــان عــزة‬
‫أعضــاء األرسة‪ ،‬وهــذا الســلوك ينــايف مبــدأ العــزة! إذا أردنــا أن ننصــح أحــدا ً يف البيــت يجــب أال نتامدى يف‬
‫نصحــه مبــا يثلــم كرامتــه‪ ،‬وال ننصحــه أمــام اآلخريــن أو نقارنه بغــره بحيث ت ُســحق عزته! ال بــد أن يكون‬
‫الشــخص الــذي يتخــرج مــن هــذه الــدار إنســاناً عزيـزا ً‪ ،‬إنســاناً مل تُثلــم أو تُســحق فيهــا عزتــه وكرامتــه‪.‬‬

‫عدم صيانة عزة الناس وكرامتهم هو منطلق جميع المفاسد والمآسي الثقافية‬
‫ومــاذا عــن إدارة املجتمــع؟ إن املبــدأ األول يف اإلدارة املجتمعيــة أيضـاً هــو صيانــة العــزة‪ ،‬مــن دون فــرق‬
‫بــن اإلدارة عــى مســتوى املؤسســات أو عــى مســتوى املناصــب اإلداريــة العليــا يف املجتمــع‪ .‬فينبغــي‬
‫صيانــة عــزة النــاس عــى كل حــال‪ .‬إن عــدم صيانــة عــزة النــاس وكرامتهــم هــو املنطلــق لجميــع املفاســد‬
‫والتحلّــات األخالقيــة واملــآيس الثقافيــة‪ .‬وإن رجــال السياســة هــم املســؤولون عــن صيانــة هــذه العــزة‪.‬‬
‫تحدثنــا يف املحــارضة الســابقة عــن أنــه ملــاذا جعلنــا املبــدأ األول [يف اإلدارة] هــو العــزة‬
‫والكرامــة؟ وذكرنــا ســببني لذلــك‪ :‬الســبب األول هــو أن اآلفــة األوىل التــي تصيــب اإلدارة‬
‫والســلطة عــى اآلخريــن هــي إهــال كرامــة النــاس؛ أمــا الســبب الثــاين فهــو أن صيانــة كرامــة‬
‫النــاس يجــب أن تكــون الغايــة األوىل يف اإلدارة؛ فــكل عمــل ننجــزه يف حقــل اإلدارة ال بــد‬
‫وأن يكــون مصحوبــاً بصيانــة كرامــة النــاس؛ ألن هــذا هــو أكــر األمــور قيمــة يف هــذا مجــال‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫تحدث القرآن عن فرعون هو لكي نعرف فراعنة عصرنا‬


‫سبب ُّ‬
‫واآلن نريــد أن نذكــر مثــاالً قرآني ـاً بــارزا ً فيــا يتعلــق مببــدأ كرامــة النــاس وعزتهــم يف اإلدارة‪ :‬إن كالم‬
‫اللــه ســبحانه يف القــرآن الكريــم هــو كالم خالــد ال يختــص بزمــن معــن‪ .‬فــإن تكلــم تعــاىل فيــه عــن‬
‫فرعــون فلــي تعرفــوا أنتــم فراعنــة زمانكــم‪ .‬فلــو مل تعرفــوا فرعــون زمانكــم وفق ـاً ملــا جــاء يف القــرآن‬
‫فــاذا نســتفيد مــن رسد قصــة فرعــون يف القــرآن؟! هنــاك مذهبــان فكريــان اليــوم؛ إذ يــرى البعــض‬
‫أنــه‪« :‬ال ميكــن إســقاط مواضيــع القــرآن عــى زماننــا أبــدا ً»‪ .‬فيقــول مثـاً‪« :‬ملــاذا ت ُسـ ِقط فرعــون الــذي‬
‫تقــرأ قصتــه يف القــرآن عــى زماننــا؟ فــا نعلــم إن كنــا نحــن قادريــن عــى مقارنتــه [مــع شــخص مــا]!»‬
‫حســناً لــو كان األمــر كذلــك فــا بــد أن نقــول‪ :‬إن الكثــر مــن اآليــات القرآنيــة هــي عبــث! فهــل القــرآن‬
‫كتــاب يف علــم اآلثــار؟! إن مــن اإلهانــة للقــرآن الكريــم أن يقــول أحدهــم‪« :‬أنــت ال تســتطيع أن‬
‫ت ُســقط فرعــون – الــذي جــاء ذكــره يف القــرآن – عــى زمانــك!» بــل عــى العكــس يجــب أن يســتطيع‬
‫جميــع النــاس فعــل ذلــك‪ .‬فالقــرآن ليــس بكتــاب تخصــي إىل أبعــد الحــدود‪ ،‬إذ يف وســع كل شــخص‬
‫يجلــس إىل مائــدة القــرآن أن ينتهــل مــن معينــه عــى قــدر حاجتــه وحاجــة زمانــه‪ .‬وبطبيعــة الحــال‪،‬‬
‫َمــن يأنــس بالقــرآن أكــر ينتفــع منــه أكــر أيض ـاً‪ ،‬لكــن مبــا أنــه غــر معصــوم فيجــب أن من ّيــز نحــن‬
‫إن كان يقــول الصــواب أم ال؟ إذا ً ينبغــي علينــا نحــن أيض ـاً باعتبارنــا مــن العــوام أن نفهــم شــيئاً مــا‬
‫عنــد الحضــور يف رحــاب القــرآن‪ .‬تقــول فئــة أخــرى‪« :‬هــذا كالم اللــه وهــو أشــد قداســة مــن أن تــدرك‬
‫أنــت مغــزاه! فــكالم اللــه عــى مســتوى رفيــع جــدا ً وأســمى مــن فهمنــا نحــن!» متامــاً كــا يقــول‬
‫البعــض‪« :‬يجــب أال نتحــدث اليــوم عــن ســلوك أمــر املؤمنــن(ع)‪ ،‬فأيــن نحــن مــن عــي(ع)؟! كان عــي‬
‫رج ـاً نــادرا ً فريــدا ً‪ ،‬وقــام بأعــال‪ ،‬وكانــت لــه غايــة معينــة ولكننــا نجهلهــا! عــي(ع) رفيــع الدرجــة‪،‬‬
‫وال تصلــه يــد أي إنســان‪ »!..‬لكــن لــو كان األمــر كذلــك فبــاذا ينفعنــا تاريــخ اإلســام والقــرآن إذا ً؟!‬

‫ّ‬
‫يستخف قومه ليتسلط عليهم‬ ‫كان فرعون‬
‫فلنتوجــه اآلن إىل القــرآن ولنتعــرف عــى ذلــك املثــال البــارز‪ .‬إن «فرعــون» يف القــرآن الكريــم مثــال‬
‫املتعســف‪ .‬وحســب مــا جــاء يف اآليــات القرآنيــة‬ ‫ّ‬ ‫واضــح للمديــر الفاســد واملفســد والحاكــم الظــامل‬
‫فــإن أول مبــدأ كان فرعــون يــدوس عليــه هــو العــزة‪ ،‬فــكان يســحق عــزة النــاس وكرامتهــم ليســودهم‪.‬‬
‫قــال تعــاىل يف كتابــه العزيــز حــول أســلوب فرعــون‪» :‬ف َْاسـتَ َخ َّف قَ ْو َمـ ُه فَأَطا ُعــو ُه» (الزخــرف‪ .)54/‬فمــن‬
‫أراد أن ينتهــج نهــج فرعــون فــاذا عليــه أن يفعــل؟ مــن الطبيعــي أن ال يصــون كرامــة قومــه وعزتــه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫اســتخف فرعــو ُن قو َمــه فأطاعــوه‪ .‬انظــروا اليــوم مــا هــي منــاذج هــذا االســتخفاف يف زماننــا؟ إن مل‬ ‫ّ‬
‫ينقــض عهــد القــرآن بعــد ومل يصبــح القــرآن قدميــاً – وال شــك أنــه كذلــك – فقولــوا أنتــم مــا هــي‬ ‫ِ‬
‫األســاليب الحديثــة «الســتخفاف القــوم» التــي يســتخدمها فراعنــة العــر؟ أليســت هــذه األمــور‬
‫هــي قضايــا عرصنــا؟! هــي كذلــك بالتأكيــد‪ .‬إذا ً قولــوا كيــف ترت َجــم »ف َْاســتَ َخ َّف قَ ْو َمــ ُه» يف عرصنــا‬
‫الراهــن؟ ومــا هــو مصداقهــا؟ ومــن هــم الذيــن ينتهجــون هــذا النهــج‪ ،‬ســواء يف العــامل أو يف مجتمعنــا؟‬

‫حذا ِر من أن يحطم السياسيون عزة "قوم" إيران وكرامتهم أمام الغربيين‬


‫حــذا ِر مــن أن يحطــم السياســيون عــزة وكرامــة املجتمــع اإليـراين و»قــوم» إيـران أمــام الغربيــن‪ .‬فهــذا‬
‫االســتخفاف متهيــد لطاعــة فراعنــة العــامل‪ .‬أنــا ال اتحــدث عــن ترصفــات املســؤولني السياســيني اليــوم‬
‫الذيــن يعملــون عــى اســتخفاف الشــعب‪ ،‬حتــى ال يتخــذ بحثن ـاً طابع ـاً سياســياً مــن خــال املصاديــق‬
‫الواقعيــة‪ .‬لكننــي ســأرضب مثــاالً واضحــاً عــن «العــزة»‪ :‬أنتــم رأيتــم بــأم العــن كيــف أثنــى العــامل‬
‫بأجمعــه عــى عزتنــا وفخرنــا بعــد رضبنــا الطائــرة األمريكيــة املسـ ّـرة‪ ،‬وإمســاكنا بالناقلــة الربيطانيــة!‬
‫ملــاذا يحاولــون أن يكونــوا ســبباً الســتخفاف هــذا الشــعب؟ ابحثــوا وانظــروا إىل أي مــدى ترتفــع معــدالت‬
‫الرسقــة واالرتشــاء والقســوة وانعــدام الحافــز للعمــل واإلنتــاج يف املجتمــع الــذي أصبــح حق ـرا ً مهين ـاً!‬

‫كل من يتسبب في إشاعة الفسق يقوم بذلك بدافع فرعوني ال ثقافي‬


‫يقــول تعــاىل يف تتمــة اآليــة املباركــة‪» :‬ف َْاسـتَ َخ َّف قَ ْو َم ُه فَأَطا ُعــو ُه إِنَّ ُه ْم کانُــوا قَ ْوماً ِ‬
‫فاســقی َن» (الزخرف‪)54/‬‬
‫ـت أنــت لذلــك؟ إن الفســق‬‫ـتخف بــك‪ ،‬فلــاذا رضخـ َ‬ ‫ـخص اسـ ّ‬ ‫ملــاذا رضخــوا هــم لالســتخفاف يــا تــرى؟ شـ ٌ‬
‫والتجاهــر بالذنــب يــؤدي بــك إىل قبــول االســتخفاف! ملــاذا تدعــم بعــض التيــارات السياســية إشــاعة‬
‫الفســق والفجــور يف املجتمــع؟ فقــد يحــر بعــض السياســيني الرفيعــي املســتوى يف مجالــس فيهــا فســق‬
‫ويــر ّوج لذلــك‪ ،‬ملــاذا يــا تــرى؟ كل مــن يتســبب يف إشــاعة الفســق والفجــور فهــو يقــوم بذلــك بدافــع‬
‫فرعــوين ال ثقــايف‪ .‬إنهــا تيــارات فرعونيــة‪ ،‬والقضيــة أساس ـاً ليســت قضيــة مبــادئ وقيــم‪ .‬هــذه هــي‬
‫األســاليب املت َبعــة يف اســتخفاف قــوم مــا‪ .‬اســمعوا مــاذا يقــول رئيــس الــوزراء الخبيــث لحكومــة الكيــان‬
‫الصهيــوين قاتــل األطفــال‪ ،‬يقــول‪« :‬ر ّوجــوا اإلباحيــة يف إي ـران لــي تدفعوهــا لالستســام للغــرب!» هــذا‬
‫ليــس موضوعـاً ثقافيـاً‪ ،‬بــل هــذه مواضيــع تخصصيــة وتقنيــة يف مجــال اإلدارة‪ ،‬والبعــض يتقن ذلــك جيدا ً‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫استناداً إلى اآلية القرآنية الكريمة إن استقطاب المجتمع إلى فئات هو أسلوب فرعوني‬
‫للسيادة عليه‬
‫فيــا يتعلــق بفرعــون واإلدارة الفرعونيــة‪ ،‬يقــول تعــاىل يف آيــة كرميــة أخــرى‪» :‬إِ َّن ِف ْر َع ـ ْو َن َعــا ِفــی‬
‫الْ َ ْر ِض» (القصــص‪ )4/‬أي أن فرعــون طلــب ال ُعــا يف األرض وكان حاكــاً فاســدا ً و ُمفســدا ً‪( .‬جــاء يف‬
‫نهايــة هــذه اآليــة‪» :‬إِنَّــ ُه کا َن ِمــ َن الْ ُمف ِْســدین»‪ ،‬أي كان فرعــون يعيــث يف األرض فســادا ً)‪ .‬مــاذا كان‬
‫أســلوب فرعــون؟ يقــول تعــاىل‪َ » :‬ج َعـ َـل أَ ْهلَهــا ِشـ َیعاً«؛ أي قــام بـ»اســتقطاب» القــوم الذين أراد الســيادة‬
‫عليهــم إىل ِشــ َيع وفئــات! إن اســتقطاب املجتمــع إىل فئــات هــو إحــدى أســاليب الفراعنــة للســيادة‬
‫عليــه‪ .‬إن بعــض سياســيينا لــن تســتمر حياتهــم السياســية أساسـاً دون «اســتقطاب أو تقســيم املجتمــع‬
‫إىل فئتــي اإلصالحيــن واألصوليــن»‪ .‬أنــا آســف حق ـاً لهاتــن الفئتــن لقبولهــا هــذا االســتقطاب! فمــن‬
‫كان موالي ـاً للثــورة ونعتــوه بالـ»أصــويل» وتق ّبــل هــو ذلــك فقــد أخطــأ بالتأكيــد‪ ،‬ألنــه قــد ســاعد يف‬
‫«ش ـ َیع» بقبولــه هــذا النعــت‪ ،‬وهــذا يعنــي إضعــاف املجتمــع وإمكانيــة ســيادة‬ ‫تقســيم املجتمــع إىل ِ‬
‫الفراعنــة عليــه‪ .‬اســتقطاب املجتمــع إىل فئتــن كان منــذ البدايــة إمــا فعــل صديــق جاهــل أو عــدو عالِــم‪.‬‬
‫الصهاينــة يديــرون العــامل بأجمعــه بهــذه الطريقــة؛ بعبــارة أخــرى قامــوا بتمزيــق املجتمــع واســتقطابه‬
‫إىل ِش ـ َيع وأح ـزاب‪ ،‬ثــم يخدعــون النــاس بقولهــم أن «انتخــب هــذا الحــزب مــرةً‪ ،‬وانتخــب ذاك مــرةً!»‬
‫واللطيــف أن األمــر يف كال الحزبــن ينتهــي يف نهايــة املطــاف إليهــم هــم! عــى أنهــم مل يتمكنــوا مــن‬
‫تنفيــذ هــذه الخطــة يف مجتمعنــا بشــكل جيــد حق ـاً‪ ،‬فقــد تاهــت هنــا يف متاهــات التنفيــذ‪ .‬فرئيــس‬
‫جمهوريتنــا الحــايل كان يومـاً مــن زعــاء التيــار األصــويل وكان اســمه يُــدرج دامئـاً يف قامئــات املرشَ ــحني‪،‬‬
‫لكنــه اليــوم انتقــل إىل الطــرف اآلخــر! أو ينتقــل ذاك إىل ذلــك الطــرف‪ ،‬وقــس عــى هــذا‪ .‬ملــاذا يعجــزون‬
‫عــن تنفيــذ االســتقطاب الثنــايئ يف بالدنــا كــا يريــدون؟ ألنــه مثــة يف بالدنــا عمليــة إداريــة ســليمة‬
‫باســم «اإلدارة الوالئيــة»‪ .‬لكــن مبجــرد أن تفشــل لعبتهــم يخلقــون اســتقطاباً ثنائي ـاً جديــدا ً‪ .‬وتســعى‬
‫يس» أيض ـاً إىل خلــق هــذا االســتقطاب الثنــايئ يف كل مجــال‪ ،‬متام ـاً كــا‬ ‫الصحــف ذات النهــج «البــي يب ّ‬
‫تفعــل محطــة الـــ»يب يب يس» الخبيثــة! إذا نشــب ن ـزاع بــن األم وزوجــة األب ســتتنازل األم عــن حقهــا‬
‫ليسـلَم الطفــل‪ ،‬لكــن مــاذا لــو كان طرفــا النـزاع زوجتَــي أب؟ س ُيقســم جســد الطفــل إىل نصفــن! هــذا‬
‫هــو املــروع الــذي يديــر بــه الصهاينــة أو ُربــا وأمريــكا‪ ،‬فلِـ َم ال يط ّبقونــه يف إيـران؟! أتظنــون أن رجــال‬
‫ـب مــن الفطنــة والدهــاء بحيــث ال ميكــن خداعهــم؟ واليــوم تأملــوا جيــدا ً هــل هنــاك‬ ‫سياســتنا عــى جانـ ٍ‬
‫فــرق بــن مواقــف األصوليــن واإلصالحيــن يف القضايــا املختلفــة؟ عــى ســبيل املثــال هــل مثــة فــرق‬
‫بــن موقفيهــا بالنســبة إىل املصــارف؟ أو بالنســبة إىل ريــادة األعــال؟ أو إىل نظــام الرتبيــة والتعليــم؟!‬

‫‪8‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫االعترافرسمياًباالستقطابالثنائيإلىإصالحيينوأصوليينبلغبالمجتمعإلىالكبتالنفسي‬
‫نحــن اعرتفنــا رســمياً بلعبــة الـ»األصوليــن واإلصالحيــن» القــذرة‪ ،‬وهــذا األمــر أدى إىل الكبــت النفــي‬
‫يف املجتمــع؛ فــا إن يريــد أحــد أن يفتــح فمــه حتــى يختمــوه بختــم األصــويل أو اإلصالحــي لي ُحولــوا‬
‫دون أن تســمع الفئــة املقابلــة كالمــه‪ .‬وحــن تتبــادل الفئتــان الشــتائم لــن يبقــى مجــاالً ال إلبــداء‬
‫الــرأي والحــوار‪ ،‬وال للنقــد العلمــي! هــذا الكبــت يــؤدي إىل أن يصعــد الضعفــاء مــن كال الفريقــن‬
‫إىل الســلطة‪ ،‬ألنهــم ســيقولون‪« :‬عــى كل حــال هــذا مــن حزبنــا وعلينــا أن ندعمــه وإال ســتتعرض‬
‫ســمعتنا ووجاهتنهــا للخطــر!» أ َوتــراه عــر الجاهليــة هــذا؟! يف تاريــخ اإلســام مل يُعــرِض رســول‬
‫اللــه(ص) عــن أمتــه إال مــرة واحــدة‪ ،‬وكان ذلــك حــن قــام «عبــد اللــه بــن أُ َ ّب» بتقســيم أهــل‬
‫املدينــة إىل قســمني‪ ،‬وأكــد عــى الشــقاق بــن املهاجريــن واألنصــار قائ ـاً‪« :‬علينــا‪ ،‬نحــن األنصــار‪ ،‬أن‬
‫نثــور ضــد املهاجريــن‪ ،‬فــا هــم يتقبلوننــا وال نحــن نتقبلهــم!» وحــن وصــل هــذا الخــر إىل رســول‬
‫ــول اللــ ِه(ص) یَ ْو َمــ ُه‬
‫اللــه(ص) غضــب بشــدة بحيــث مل يتكلــم مــع أحــد يومــاً كامــاً؛ »ف ََســا َر َر ُس ُ‬
‫کُلَّــ ُه لَ یُ َکلِّ ُمــ ُه أَ َحــ ٌد « (تفســیر القمــي‪ /‬ج‏‪ /2‬ص‪ .)369‬وقــد نزلــت ســورة املنافقــن يف هــذا الشــأن‪.‬‬

‫يقسم الناس إلى ِش َيع و ِف َرق ثم ُيضعف الفرقة التي تعارضه‬


‫كان فرعون ّ‬
‫ويتابــع تعــاىل قولــه يف اآليــة الكرميــة‪َ » :‬و َج َعـ َـل أَ ْهلَهــا ِشـ َیعاً یَ ْسـتَ ْض ِع ُف طائِ َفـ ًة ِم ْن ُهم‏» (القصــص‪ .)4/‬كان‬
‫دأب الفراعنــة هــو تقســيم النــاس إىل ِفـ َرق‪ ،‬ثــم إضعــاف ال ِفرقــة املعارضــة لهــم‪ .‬ويســر أشــباه الفراعنــة‬
‫أيضــاً عــى النهــج نفســه‪ ،‬وبوســعكم مشــاهدة هــذه األســاليب داخــل املجتمــع؛ كأن يقــال‪« :‬تلــك‬
‫الجامعــة تتصــف بالصفــة الفالنيــة‪ ،»...‬ويبــدأون باإلهانــة واالزدراء واالســتهزاء‪ .‬وحينذاك لــن يبقى مجاالً‬
‫ال للحــوار والنقــد العلمــي وال إلبــداء الــرأي! هــذه هــي إحــدى أســاليب الفراعنــة لفــرض الســلطة عــى‬
‫ـح أَبْنا َء ُه ْم َویَ ْسـتَ ْحی ‏ي نِســا َء ُه ْم‏»‪ ،‬فلقد كانــوا يذبحون األوالد‬
‫املجتمعــات البرشيــة‪ .‬ثــم يقــول تعاىل‪» :‬یُ َذبِّـ ُ‬
‫ويحتفظــون بالنســاء للبغــاء! فلــم تكــن وظيفــة املــرأة يف نظرهــم غــر هــذه‪ .‬واآلن أال نســتطيع إســقاط‬
‫هــذه األمــور عــى زماننــا الراهــن؟ فلــو مل نتمكــن مــن إســقاطها فهــذا يعنــي أنهــا مجــرد قصــة تاريخيــة‬
‫ال يوجــد لهــا مصــداق اليــوم! فلتتحققــوا فيــا إذا كان لهــذه القضايــا مصاديــق يف عرصنــا الراهــن أم ال؟‬

‫‪9‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫أحد أساليب استخفاف الشعب هو إخفاء أصوات البرلمان!‬


‫أحــد أســاليب اســتخفاف الشــعب هــو إخفــاء أصــوات الربملــان! تــرى ملــاذا يصـ ّوت معظــم نـ ّواب الربملان‬
‫عــى «عــدم شــفافية أصــوات النــواب»؟ فهــل يعتــرون الشــعب ذليـاً حقـرا ً يــا تــرى؟ ثــم يــأيت البعــض‬
‫ـي معتقــدات النــواب؟!» وهــل يــا تــرى تص ّوتون يف‬ ‫ويقــول بجهالــة وحامقــة فظيعــة‪« :‬هــل تريــدون تقـ ّ‬
‫الربملــان عــى املعتقــدات؟ بئــس مــا تفعلــون إن كنتــم تصوتــون بحســب املعتقــدات! إن مــن واجبكــم أن‬
‫تص ّوتــوا بنــا ًء عــى الــرأي االستشــاري التخصيص وليــس بنا ًء عىل املعتقــدات! ال بد أن يحيط أفراد الشــعب‬
‫بنوابهــم علـاً‪ ،‬وأن يعلمــوا ألي قضيــة قــد صـ ّوت نائبهــم وملــاذا؟ نحــن ال تهمنــا عقائدكــم‪ ،‬بــل نريــد أن‬
‫نعــرف مســتوى معرفتكــم التخصصيــة‪ .‬يــا نـ ّواب الربملــان‪ ،‬من الــذي خ ّولكــم الحق للتسـ ّـر عــى أصواتكم‬
‫تقصيـاً للمعتقــدات؟ قولــوا مــا الــذي تحاولــون إخفــاءه عــن الشــعب؟‬ ‫وأن ت ُعـ ّدوا التصويــت بشـفّافية ّ‬
‫ليعلــن الرشفــاء يف الربملــان عــن أصواتهم بشــفافية ووضــوح يف كل عملية اقـراع طاملا بقيــت األصوات غري‬
‫شــفافة‪ ،‬وإن مل يفعلــوا ذلــك فقــد أســاؤوا اســتغالل فرصــة تكتُّــم املخادعني مــن السياســيني‪ .‬بالطبع يجب‬
‫أن تكــون عمليــة التصويــت رسيّــة إذا كانــت تتعلــق بقضايــا أمنيــة‪ ،‬لكن ليــس جميع عمليــات التصويت!‬

‫سي" يخلقون في المجتمع أجواء ال يجرؤ أحد فيها على االنتقاد‬


‫أصحاب النهج الـ"بي بي ّ‬
‫إن مــن مصاديــق اســتخفاف قــوم مــا وازدرائهــم هــو تقســيمهم واســتقطابهم إىل فئــات ِ‬
‫وش ـ َيع‪ .‬فمــع‬
‫هــذه الضوضــاء التــي تثريهــا الصحــف ووســائل اإلعــام الســتقطاب املجتمــع إىل فئتــن ومــع هــذا‬
‫التــرف الــدينء الــذي نواجهــه يومي ـاً يف وســائل اإلعــام هــل ميكــن برأيكــم اختيــار مســؤول صالــح؟‬
‫يس» يف مجتمعنا؛ عىل ســبيل املثال تقيم جامعة اجتامعاً ما بغية‬ ‫هذا هو أســلوب أصحاب النهج الـ»يب يب ّ‬
‫انتقــاد االتفــاق النــووي واإلعــان عــن قلقهــا تجاهــه‪ ،‬فتبحث عن اســم لطيــف لتج ّمعها هــذا وتطلق عيه‬
‫عنــوان‪« :‬نحــن قلقــون!» وال تقــول‪ :‬نحــن منتقــدون وال‪ :‬نحــن معرتضون وال‪ ...‬لكــن أصحاب النهــج الـ»يب‬
‫يس» يح ّولــون كلمــة «قلقــن» هــذه إىل شــتيمة! وقــد مضــت اآلن ســنوات مــن مصيبة االتفــاق النووي‬ ‫يب ّ‬
‫ومل يك ّفــوا عــن هــذا الشــتم‪ ،‬حتــى ال يتجــرأ أحــد بعــد ذلــك أن ينتقــد! واآلن انظــروا كيــف كانــت طريقة‬
‫ـارب الخــوارج‪ .‬بالطبــع حــاول قبــل ذلــك جاهــدا ً هدايتهــم‪ ،‬لكنهــم مل يهتــدوا‬
‫أمــر املؤمنــن(ع)؟ لقــد حـ َ‬
‫إىل ســواء الســبيل‪ ،‬فاضطــر(ع) يف النهايــة إىل إبادتهــم‪ُ .‬ســئل أمــر املؤمنــن(ع)‪ :‬هــل كانوا طالبــن للدنيا؟‬

‫‪10‬‬
‫لترجمــة ‪arabic.bayanmanavi.ir‬‬ ‫مؤسســة بيــان معنــوي‬
‫ونشــر أعمال ســماحة الشیخ بناهیان‬

‫قــال(ع)‪ :‬كال بــل كانــوا ُز ّهــادا ً! فســألوه مــرة أخــرى‪ :‬هــل كانــوا منافقــن؟ فأجــاب(ع)‪ :‬كال‬
‫كانــوا مؤمنــن! فقالــوا لــه‪ :‬لكنهــم خرجــوا عليــك! فقــال(ع) نعــم‪ ،‬لقــد أخطــؤوا! أي أن‬
‫اإلمــام(ع) مل يقبــل أن يضيــف عــى هــذه العبــارة شــيئا آخــر‪َ .‬عــ ْن َج ْعفَــر(ع) َعــ ْن أَبِیــ ِه(ع)‬
‫ــب أَ َحــدا ً ِمــ ْن أَ ْهــلِ َح ْربِــ ِه إِلَــی ِّ ْ‬
‫الــر ِك َو َل إِلَــی ال ِّنفَــاقِ َولَ ِک َّنــ ُه‬ ‫َــال‪» :‬إِ َّن َعلِ ّیــاً لَــ ْم یَکُــ ْن یَ ْن ُس ُ‬
‫ق َ‬
‫ُــول ُهــ ْم إِ ْخ َوانُ َنــا بَ َغــ ْوا َعلَ ْی َنــا» (قــرب ‌اإلســناد‪ /‬ص‪ 94‬ـ وســائل الشــیعة‪ /‬ج‪ /15‬ص‪.)83‬‬ ‫کَا َن یَق ُ‬

‫بعض االنتقادات والتصريحات الصائبة تُخ َنق بيد "الدكتاتورية النفسية"‬


‫إن بعــض االنتقــادات والترصيحــات الصائبــة تُخنــق بيــد «الدكتاتوريــة النفســية» الثقيلــة‪ ،‬الدكتاتوريــة‬
‫النفســية املتفرعنــة! إذ يقــوم البعــض بخلــق حالــة مــن االختنــاق النفــي يف املجتمــع مــن خــال‬
‫مامرســة «التقســيامت الجائــرة»‪ ،‬فيغتصــب إمكانيــة الحــوار‪ .‬وهــذه هــي أســاليب محطــة الـــ»يب يب‬
‫يس»! فهــم يديــرون العــامل ويحكمــون املجتمعــات البرشيــة عــر هــذه األســاليب؛ عــر اســتخفاف‬
‫القــوم! ورد يف روايــة أن أمــر املؤمنــن(ع) أوىص مالــك األشــر أن إذا أراد اختيــار مســؤول فليخــره‬
‫مــن أرسة مشــهورة باملــروءة‪ .‬فاألشــخاص الذيــن يفتقــرون إىل املــروءة السياســية يحــذون حــذو‬
‫محطــة الـــ»يب يب يس» نوعــاً مــا‪ ،‬ويســتخفّون القــوم‪ .‬وعمومــاً أمثــال هــؤالء األشــخاص (ليــس‬
‫جميعهــم) يكونــون قــد تربّــوا يف بيــوت غــر صالحــة وترعرعــوا يف بيئــة فاســدة‪ ،‬ولهــذا يــويص أمــر‬
‫ات َو ْالَ ْح َسـ ِ‬
‫ـاب‬ ‫املؤمنــن(ع) باختيــار املســؤولني مــن البيوتــات الصالحــة! »ث ُ ـ َّم ال َْصـ ْـق ِب ـ َذ ِوي الْ ُمــ ُرو َء ِ‬
‫ــا َحة‪...‬‬
‫الس َ‬ ‫الســ َواب ِِق الْ َح َســ َن ِة ث ُــ َّم أَ ْهــلِ ال َّن ْجــ َد ِة َوالشَّ ــ َجا َع ِة َو َّ‬
‫الســ َخا ِء َو َّ‬ ‫لصالِ َحــ ِة َو َّ‬ ‫َوأَ ْهــلِ الْ ُب ُیوت ِ‬
‫َــات َّ‬
‫الصالِ َحــ ِة» (نهــج‌البالغــة‪ /‬الكتــاب ‪.)53‬‬ ‫َــات َّ‬ ‫ــل التَّ ْج ِربَــ ِة َوالْ َح َیــا ِء ِمــ ْن أَ ْهــلِ الْ ُب ُیوت ِ‬
‫َوت َــ َو َّخ ِم ْن ُهــ ْم أَ ْه َ‬

‫‪11‬‬

You might also like