Professional Documents
Culture Documents
JDL Volume 8 Issue 0 Pages 1-64
JDL Volume 8 Issue 0 Pages 1-64
المجال الطبي
دراسة تحليلية
مستشار دكتور
Doctor Consultant
Mohamed Gebril Ibrahim
Vice President of the State Litigation Authority
ومن هنا تهيب الدراسة -وفي ظل أزمة عدم وجود النص الذي يحكم هذه
الجرائم -بالمشرع للتدخل السريع لمعالجة هذا النقص التشريعي ومواكبة هذه
المستجدات السريعة .
key words :
Crime, artificial intelligence, medical field
مقدمة
حظي موضوع المسئولية الجنائية في المجال الطبي بوجه عام بأهمية كبيرة
منذ زمن بعيد ،ولقد زادت هذه األهمية بعد تزايد استخدام تقنيات الذكاء
اإلصطناعي ،ومن المعلوم أن العمل الطبي يستند إلي المشروعية الستناده
لسبب من أسباب اإلباحة الواردة في القانون ،ففي الباب التاسع من الكتاب
األول الخاص بأسباب اإلباحة وموانع العقاب أورد المشرع أساس مشروعية
العمل الطبي .
ولكن ما يعنينا في هذا البحث هو المسئولية الجنائية التي يترتب عليها جزاء
جنائي وفقاً لقانون العقوبات ،كاألفعال التي تمثل جرائم طبية ويحكمها الباب
األول من الكتاب الثالث الخاص بالجنايات والجنح التي تحصل ألحاد الناس
،فقد أورد المشرع نصوص تتعلق بجرائم القتل والجرح والضرب ،وهي تحكم
في ذات الوقت غالبية الجرائم التي تقع من األطباء أثناء ممارستهم للمهنة
باستخدام تقنيات الذكاء االصطناعي .
وال شك أن الثورة العلمية والتقدم التقني ،قد أدي إلي تزايد مساهمة الذكاء
اإلصطناعي في الخدمات العالجية والصحية في كافة مجاالت العمل الطبي
،وتبع ذلك قيام األجهزة واآلالت بممارسة األنشطة الطبية المتعلقة بالفحص
والتشخيص ووصف العالج وإجراء العمليات الجراحية ،جنباً إلي جنب مع
األطباء ،ولذلك فال يمكن النظر إلي مضار الذكاء االصطناعي في هذا
المجال علي إنها قضاء وقدر .
مفهوم الذكاء االصطناعي في المجال الطبي :
ويعد الذكاء االصطناعي هو أحد أفرع علوم الكمبيوتر المعنية بكيفية محاكاة
اآلالت لسلوك البشر ،وبالتالي فهو علم إنشاء أجهزة وبرمجيات قادرة على
التفكير بالطريقة نفسها التي يعمل بها العقل البشري ،تتعلم مثلما يتعلم البشر ،
()2
. وتقرر كما يقرروا وتتصرف كما يتصرفوا
()1
د /يحيي إبراهيم دهشان :المسئولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي – بحث
منشور بمجلة الشريعة والقانون – العدد – 82ابريل . 2020
()2
د /ياسر محمد اللمعي :المسئولية الجنائية عن أعمال الذكاء االصطناعي ما بين
الواقع والمأمول – دراسة تحليلية استشراقية – بحث مقدم للمؤتمر الدولي السنوي العشرين –
بكلية الحقوق – جامعة المنصورة في الفترة من 24- 23مايو . 2021
الرعاية الطبية الحديثة ،وخاصة في المواقف الصعبة كالحاالت الوبائية
()1
،فيتم استخدام تقنيات الذكاء االصطناعي من والجوائح الصحية المعدية
قبل مقدمي الرعاية الصحية ،والباحثين لالستفادة من ماليين التقارير الطبية
وسجالت المرضى والتجارب السريرية و الطبية للكشف عن رؤى البيانات،
وتطوير البحث العلمي (. )2
ومن جهة آخري فإن الذكاء االصطناعي يمكن العاملين في المجال الصحي
من رفع مستوي الخدمة ،حيث يكون لألدوات المدعمة بالذكاء االصطناعي
تحديد العالقات ذات المغزى في البيانات األولية وهي تنطوي على امكانية
()1
د /الكرار حبيب مجهول ،ود /حسام عيسي عودة :المسئولية المدنية عن األضرار
التي تسببها الروبوتات – دراسة تحليلية مقارنة – بحث منشور في مجلة العلوم االجتماعية
والقانونية – المجلد 6مايو – 2019ص . 735
()2
Gabriel Hallevy, the criminal liability of the artificial intelligence
()3
د /همام القوصي :إشكالية الشخص المسئول عن تشغيبل الروبوت – تاثير نظرية
النائب عن اإلنسان علي جدوي القانون في المستقبل – دراسة تحليلية استشرافية – مجلة
البحوث القانونية المعمقة – العدد – 25سنة . 2018
التطبيق في كل مجال من مجاالت الطب تقريبا ،بما في ذلك تطوير األدوية
()1
. وق اررات العالج ورعاية المرضى والق اررات المالية والتشغيلية
()1
د /محمد حسين منصور :المسئولية الطبية – منشأة المعرف باإلسكندرية –ط 2001
– ص . 37
()2
Steven J.Frank,adjudication and the emergence of artificial
intelligence software,Suffolk, U.1.Rev,623,1987 .
()3
د /محمود أحمد طه :المواجهة التشريعية لجرائم الكمبيوتر واالنترنت – دراسة مقارنة
– دار الفكر والقانون – المنصورة – 2012ص . 55
()4
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – دراسة مقارنة – رسالة دكتوراه -جامعة عين شمس
– 2020ص . 143
ويمكن للذكاء االصطناعي تحديد األنماط ومساعدة الباحثين على انشاء
مجموعة ديناميكية للمريض الجراء دراسات وتجارب سريرية ،وباستخدام
تقنيات الذكاء االصطناعي يمكن لألطباء الحصول على معلومات عن
()1
. العمليات الطبية ومخاطرها ،وكيفية إجرائها ،واحتماالت نجاحها
كما تأتي أهمية الدراسة أيضاً في إنها تضع الحد للحيرة المتصاعدة بين
مصلحتين متناقضتين هما :األولي حماية المرضي من مخاطر التقنيات
الحديثة التي يوفرها الذكاء اإلصطناعي ،وهي في طور التجريب واإلختبار
بحسبان إنها لم يثبت بصورة جلية أمانها ودقتها وعدم خطورتها علي صحة
اإلنسان وحياته .
( )1د /مطاوع عبد القادر :تحديات ومتطلبات استخدام الذكاء االصطناعي في التطبيقات
الحديثة لعمليات إدارة المعرفة – دار النهضة العربية – – 2012ص . 75
()2
الروبوت "صوفيا "هي أشهر روبوت حتي اآلن صممته شركة "هانسون روبوتيكس"
الكائنة في هونج كونج ،صممت شبيهة بالبشر ،ولها القدرة علي التعلم والتأقلم مع السلوك
البشري ،والتعامل معه ،وحصلت صوفيا علي الجنسية السعودية في أكتوبر . 2017
االجتهاد العلمي والبحثي لتوفير كل وسائل وسبل تمتع اإلنسان بأقصي حد
()1
. من السالمة الجسدية
تهدف الدراسة في المقام األول إلي ألقاء الضوء علي ما تفعله الروبوتات
،وما يعد جريمة من هذه األفعال وما ال يعد كذلك ،وتحديد المسئولية
الجنائية عنها ،وكل ذلك من أجل رد تلك الوقائع إلى القوانين التى تجرمها
وذلك يستلزم قراءة النصوص القائمة ودراسة عما إذا كانت كافية لمواجهة هذه
المستجدات من الجرائم الروبوتية ،أم يلزم سن تشريعات جديدة لتحكم
السلوكيات التي تنتج عن تقنيات الذكاء االصطناعي للوصول لتصور قانونى
يسمح بالمحاسبة الجنائية عند وقوع هذه الجرائم .
كما تهدف الدراسة إلي وضع تصور للقواعد القانونية التي يمكن أن تحكم
جرائم تقنيات الذكاء االصطناعي ،وإبراز دور كل أطراف المسئولية الجنائية
في جرائم الذكاء االصطناعي ،ومنهم المصنع أو المبرمج أو المستخدم أو
الروبوت ذاته ،كما تهدف الدراسة إلي تصور قواعد إجرائية خاصة بهذه
الجرائم من حيث التحقيق واالثبات ،وإنشاء دوائر قضائية خاصة لنظرها .
()1
د /أحمد عبد الظاهر :الطب الذكي – طباعة األعضاء البشرية – مقال قانوني
منشور في جريدة الوطن المصرية بتاريخ 2021/12
األول :فإن التكنولوجيا الروبوتية تثير عدداً من اإلشكاليات القانونية الحرجة
في مجال القانون الجنائي ،على سبيل المثال :استخدام الريبوت في
العمليات الجراحية هل يستخدم كآلة ،أم إنه مساعد للطبيب ،أم إنه يتصرف
باستقالل ويتخذ الق اررات منفرداً ومستقل عن الطبيب .
الثاني :ما هي الطبيعة القانونية للروبوت ،وهل يعد شخصاً اعتباري يتبع
الشركة المصنعة ،أم إنه شيئاً مصنوع من المعدات واآلالت ،أم إنه كيان
قانوني بشخصية قانونية محدودة .
كما تأتي إشكالية الدراسة من أن هذا الموضوع لم يستقر الفقه حتي األن
علي وضع قواعد لتنظيمه ،فما زالت األبحاث المتعلقة به غير كافية لوضع
نظرية عامة في تجريم أفعال الروبوتات ،هذا من جهة ومن جهة آخري فإن
ندرة التطبيقات القضائية في هذا الشأن تعد عقبة في وضع نظرية عامة لهذا
الموضوع .
المطلب الثاني :جريمة الروبوت بناء علي خطأ البرمجة أو االهمال في
التشغيل .
المطلب الثاني :الجدل الفقهي حول إقرار المسئولية الجنائية لتقنيات الذكاء
االصطناعي في المجال الطبي
المطلب الثالث :حل أزمة عدم وجود النص المتعلق بجرائم تقنيات الذكاء
االصطناعي
المطلب األول
()1
د /محمد سامي الشوا :الخطأ الطبي أمام القضاءالجنائي – دراسة مقارنة –دار
النهضة العربية – ط -1993ص . 76
لإلستخدام في المجال الطبي ،فينتفع بها مقدمي الرعاية الصحية وكذلك
()1
. المرضى
ولقد أصبح الذكاء االصطناعي قادر علي جعل األجهزة واآلالت قابلة
للتطور ،وقادرة على التعلم من خالل إدخال بيانات ضخمة والعمل على
تطويرها آلياً ؛ أي أنها آالت قادرة على التعلم والمعالجة المنطقية لتحقيق
()1
د /أسماء محمد السيد :تطبيقات الذكاء االصطناعي ومستقبل تكنولوجيا التعليم –
رسالة دكتوراه كلية التربية جامعة المنيا – 2020ص . 120
()2
د /أسامة عبد هللا قايد :المسئولية الجنائية لألطباء – دراسة مقارنة – دار النهضة
العربية – 2003ص . 93
()3
د /أحمد عبد الظاهر :الطب الذكي – طباعة األعضاء البشرية – مرجع سبق اإلشارة
إليه .
()4
د /عبد هللا موسي ،ود /أحمد بالل :الذكاء االصطناعي – ثورة في تقنيات العصر
– الطبعة األولي دار الكتب المصرية القاهرة – 2019ص . 98
التكامل بين عمل األطباء والمقصود هنا الذكاء البشري ،مع الذكاء
االصطناعي لتحقيق المزيد من التطورات في القطاع الصحي (.)1
في ظل هذا التقدم التقني غير المسبوق في القطاع الصحي على مستوى
استخدامات الذكاء االصطناعي فإن ذلك سيسهم في تقديم نهج علمي يعتمد
()3
. على المعلومات الطبية ،والتقدم العلمي
()1
د /محمد عبد الوهاب الخولي :المسئولية الجنائية لألطباء عن استخدام األساليب
المستحدثة في الطب والجراحة – الطبعة األولي – 1997ص. 25
()2
Gabriel Hallevy, the criminal liability of the artificial intelligence
entities –from science fiction legal social control,Op .cit ,. ,2016 .
3د /عبد هللا موسي ،ود /أحمد بالل :الذكاء االصطناعي – ثورة في تقنيات العصر –
مرجع سابق– ص . 99
واليوم تقوم أجهزة الكمبيوتر باستخدام ذكاء يشبه ذكاء اإلنسان ألداء مهام
دقيقة في الكشف عن العديد من األمراض التي تهدد الحياة مثل األمراض
المعدية والسرطان؛ فيتم تحليل الصور الطبية لتشخيص األمراض من خالل
استخدام خوارزميات التعلم العميق ،وهي شكل متقدم لتقنية تعلم اآللة بحيث
يتم درس وتحليل مجموعات من الصور الطبية المصحوبة بمعلومات وتعلم
كيفية تصنيفها وإكتشاف ما يميزها لتتمكن الحًقا من فهم الصور المشابهة
وتقديم التشخيص المناسب للحالة المرضية ،كما تستخدم العديد من
التطبيقات واألجهزة القابلة لإلرتداء تقنيات ذكاء إصطناعي ترصد إضطرابات
المؤشرات الحيوية للجسم ،ويمكنها التنبؤ باحتمالية وقوع أزمة صحية قبل
()1
. حدوثها
المقصود هنا الطب الشخصي بمعنى إنه يتم تحديد الدواء أو بروتوكول
بناء على التكوين الجيني الخاص بالمريض
العالج المناسب لكل حالة مرضية ً
وبحسب نمط حياته واختالف إستجابته للعالج (. )2
والدراسات والتجارب القائمة في هذا الشأن تثبت التكامل فيما بين عمل
الطبيب المعالج مع خوارزميات الذكاء االصطناعي حيث يمكن لتقنيات التعلم
العميق تحليل البيانات الجينية ألعداد كبيرة من األفراد ،وتحديد التباين
الشخصي في اإلستجابة للعقاقير ،ما يسهم في دعم الق اررات السريرية وبالتالي
تقديم توصيات حول أنسب العقاقير لكل شخص ،وإجراء التجارب الناجحة في
()1
د /أحمد شوقي عمر أبو خطوة :القانون الجنائي والطب الحديث – دراسة تحليلية
مقارنة – لمشروعية نقل وزرع األعضاء البشرية – دار النهضة العربية – 2007ص
. 144
()2
د /محمد حسين منصور :المسئولية الطبية – مرجع سابق – ص . 49
هذا المجال أفضت إلى القيام بالمزيد من االستخدامات فتم جمع بيانات
صحية ضخمة لتحليلها باستخدام الذكاء االصطناعي بهدف تطوير مجال
()1
. الطب الدقيق
()1
د /أسماء محمد السيد :تطبيقات الذكاء االصطناعي ومستقبل تكنولوجيا التعليم –
مرجع سابق – ص . 124
()2
د /محمد حسين منصور :المسئولية الطبية – مرجع سابق – ص . 42
( )3د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص . 144
عينات المختبرات ونقلها وتحليلها وتحضير جرعات العقاقير ،والروبوتات التي
()1
. هي أجهزة مراقبة التواجد عن بعد
خامساً - :القيام بالعمل اإلداري داخل المنشآت الطبية العامة والخاصة .
()1
د /عبد هللا موسي ،ود /أحمد بالل :الذكاء االصطناعي – ثورة في تقنيات العصر
– مرجع سابق– ص . 101
()2
د /نفين فاروق فؤاد :اآللة بين الذكاء الطبيعي والذكاء االصطناعي –دراسة مقارنة
مجلة البحث العلمي في اآلداب كلية البنات جامعة عين شمي العدد 13الجزء 3عام
– 2012ص .174
()3
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص . 144
إدارة الملفات وتنظيم العمل داخل المؤسسات الطبية لطالما شكل معضلة
أساسية للقطاع الصحي عموماً في ظل ما تشهده الكثير من المستشفيات من
ازدحام يؤدي إلى ضغط متزايد على األطباء والممرضين وكذلك المسئولين
()1
. عن األعمال اإلدارية وهو ما يزيد من احتمالية الوقوع في الخطأ
()1
د /فايز النجار :نظم العلومات اإلدارية –منظور إداري – دار الحامد للنشر والتوزيع
–ط 4االردن – 2010ص . 65
()2
د /أسماء محمد السيد :تطبيقات الذكاء االصطناعي ومستقبل تكنولوجيا التعليم –
مرجع سابق – ص . 133
()3
د /عبد هللا موسي ،ود /أحمد بالل :الذكاء االصطناعي – ثورة في تقنيات العصر
– مرجع سابق– ص . 101
وتعتمد المؤسسات الصحية والمستشفيات حول العالم على هذه األنظمة في
بنيتها التحتية لتقنية العمل ورقمنته بما يعزز الكفاءة ويزيد من دقة الرعاية
الصحية ،لتتحول بذلك إلى مستشفيات تعمل بآلية مترابطة فيما بينها من
خالل منصات تعرض بيانات تتعلق بالمرضى إلى الحد المسموح به قانونياً
مع الحفاظ على خصوصية المريض وهي خطوة غاية في األهمية بحيث
يمكن للطبيب أن يستعرض المعلومات المتعلقة بمريضه قبل تحديد آلية
العالج وهو ما يضمن حصوله على رعاية صحية دقيقة وعالية الجودة بوقت
()1
. أسرع
المطلب الثاني
()1
Gabriel Hallevy, the criminal liability of the artificial intelligence
entities –from science fiction legal social control,Op .cit , 2016 .
أوالً -:سهولة تعطيل تقنيات الذكاء االصطناعي أو السيطرة عليها :
ومن جهة آخري فإن إحتمالية خطأ البرمجة ال تزال قائمة ،فيصدر بناء
عليها تصرفات من الروبوت غير مناسبة في مواقف معينة يترتب عليها
أخطاء فادحة قد تصل إلي حد القتل .
يعمل الذكاء االصطناعي اآلن على جمع بيانات المرضى وإعداد تقارير عنهم
لمساعدة األطباء على تشخيص حالتهم الصحية واتخاذ ق اررات العالج ،ومن
ثم تكون هذه البيانات المستخدمة إلنشاء الخوارزميات التي ت ِّ
ولد نتائج يتم على
أساسها اتخاذ ق اررات خاصة بصحة المرضى يمكن أن تكون عرضة للتشويه،
()1
د /محمد فهمي طلبة :الحاسب والذكاء االصطناعي – مطابع المكتب المصري
االسكندرية – 1997ص . 56
()2
د /وفاء محمد أبو المعاطي صقر :المسئولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي
– دراسة تحليلية استشرافية – مجلة روح القوانين العدد 96اكتوبر – 2021ص . 153
فقد يساء استخدامها اعتماداً على من يقوم بتطويرها وعلى دوافع المبرمجين أو
()1
. الشركات أو نظم الرعاية الصحية التي تصممها
وتسود تخوفات هائلة في المجتمع الطبي فيما يتعلق بمآالت البيانات التي
تجمع عن المرضى ،والتي يمكن استخدامها دون اعتبار للجانب اإلنساني
للرعاية الصحية ،وبالتالي يجب توخي الحذر في تلقين الذكاء االصطناعي
قانونا والتي ال يجب اإلفصاح عنها سوى للمريض نفسه .
بالبيانات المحمية ً
()1
د /نفين فاروق فؤاد :اآللة بين الذكاء الطبيعي والذكاء االصطناعي –دراسة مقارنة –
مرجع سابق –ص . 177
()2
Gabriel Hallevy, the criminal liability of the artificial intelligence
entities –from science fiction legal social control,Op .cit ,. ,2016 .
المبحث الثاني
في جرائم الذكاء االصطناعي ال يخرج موضع الروبوت عن ثالث صور ،
وهي إما أن يكون الروبوت مجرد أداة أو آله ترتكب بها الجريمة ،أو أن يكون
الروبوت مجرد منفذ لبرنامج خاطئ من المبرمج ،أو منفذ ألمر غير سليم من
قبل المستخدم ،وفي صورة ثالثة قد يكون الروبوت هو مرتكب الجريمة بدون
تدخل خارجي (.)1
ولقد ساد لفترة طويلة من الزمن اعتقاداً بأن اإلجرام يكون فقط لدى
اإلنسان ،وبالرغم من رسوخ هذا االعتقاد في ذهن البشرية ،فقد تطورت
التقنيات في مختلف المجاالت ،وخاصة في مجال الذكاء االصطناعي ،مما
قد يظهر لنا مسئولين جدد في مجال الجريمة ،وقد يكونوا أكثر خط اًر من
اإلنسان نفسه ،فما هذا التطور الذي قد يظهر لنا مجرماً غير اإلنسان ؟
ففي الحقيقة فإن اتصاف الروبوت بعض السمات اإلنسانية كاإلدراك أو
التصرف الحر ،باإلضافة إلي منحه الشخصية القانونية المحدودة ،ذلك ما
وضعنا في أزمة قانونية كبيرة ،وهي تحمل هذه الروبوت للمسئولية الجنائية ،
طالما ارتكبت الفعل المادي المكون للجريمة ،مع توافر القصد الجنائي من علم
وإرادة ،ولكن قد يصطدم ذلك بفرضية أن يكون الروبوت مجرد آلة في يد
الجاني ،وهنا ال يتصور في هذه الحالة قيام المسئولية الجنائية حيال الروبوت
،كما قد تتوافر فرضية آخري بأن الجريمة تنشأ عن خطأ المبرمجين ،وهنا
أيضاً تنتفي المسئولية الجنائية عن الروبوت ،أما الفرضية الثالثة فهي التي
()1
د /نفين فاروق فؤاد :اآللة بين الذكاء الطبيعي والذكاء االصطناعي –دراسة مقارنة
–مرجع سابق –ص . 179
تتوافر فيها جريمة الروبوت بسلوكه المباشر المنفرد بناء علي البيانات المخزنة
بداخله ،وفي هذه الصورة تبرز اإلشكالية التي تحتاج إلي حلول سريعة من
الناحية التقنية والفنية ،ومن القانونية والتي هي محل دراستنا ،والتي سنحاول
معالجتها فيما يلي :
المطلب الثاني :جريمة الروبوت بناء علي خطأ البرمجة أو االهمال في
التشغيل .
المطلب األول
في هذه الصورة يكون الواضح للعيان أن الروبوت مهما أتصف بالذكاء
واإلدراك والحس ،إال أنه ال يمكن اعتباره إال أداة أو آلة تخضع إلرادة خارجية
تتمثل في المبرمج أو في المستخدم ،ففي النهاية فإن الذي استفتح خطة
العمل أو خط السير هو إنسان آخر ،يملك إرادة ورؤية مختلفة عن الروبوت
حتي وإن سار علي تنفيذها هذا الروبوت منفرداً .
وبداية يجب أن نفرق بين حالتين :الحالة األولي تعمد استخدام الروبوت
في ارتكاب جريمة بواسطة المبرمج أو المستخدم ،والحالة الثانية الخطأ أو
االهمال من المبرمج أو المستخدم في استخدام الروبوت أو صيانته مما تسبب
()1
. في وقوع جريمة
ففي الحالة تكون جريمة المبرمج أو المستخدم جريمة عمدية ،بينما في
الحالة الثانية تكون غير عمدية ،وال يسأل أبداً الروبوت في هذه الحالة عن
اي جريمة ،وقبل الدخول في نفي مسئولية الروبوت ،فال بد من تعريف
المسئولية الجنائية بوجه عام ،وهي صالحية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي
الناشئ عما يرتكبه من جرائم .
ِّ
وتحمل المسئولية الجنائية يتوقف على توفر شرطين ،ال يغني أحدهما عن
اآلخر ،وهما :اإلدراك واالختيار ،فإذا انعدم أحد هذين الشرطين انعدمت
()2
. المسئولية الجنائية
()1
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص . 154
()2
د /أحمد صبحي العطار :اإلسناد واإلذناب والمسئولية في الفقه المصري والمقارن –
بحث منشور في مجلة العلوم القانونية واالقتصادية – العددان 1و 2مطبعة جامعة عين
شمس – 1990ص . 198
اإلصابات بهم ،ولكن ما يقوم به ال ينسب الجريمة إليه وال تنشأ في حقه أي
()1
. مسئولية جنائية
وتقوم هذه الصورة استناداً إلي أن الروبوت ال يملك أياً من السمات البشرية
الموصوف بها من الذكاء واإلدراك والوعي والحسن ،كما ال يملك حرية
االختيار أو القدرة علي اتخاذ القرار ،فال يعترف له إال بالشخصية القانونية
الناقصة التي تمكنه من اكتساب بعض الحقوق دون تحمل االلتزامات .
وال يعدو الروبوت في هذه الصورة إال أن يكون مجرد وسيلة الرتكاب
الجريمة ،مثله مثل البندقية أو المسدس أو حتي السكين ،خصوصاً وأن
قانون العقوبات ال يعبأ كثي اًر بنوع وسيلة الجريمة في كثير من األحيان إال في
()2
. جرائم معينة
فبالرغم من القدرات الهائلة للروبوت والتي ال يمكن تجاهلها ،والتي يعترف له
بها من وجهة النظر القانونية وأيضاً من الوجهة الفنية ،إال أن هذه القدرات ال
تؤهله لتحمل المسئولية الجنائية ،وال عجب في ذلك فاإلنسان ذاته قد تعتريه
حاالت معينة يكون فيها غير مسئول جنائياً ،أو ناقص األهلية ،كحالته عند
الجنون أو في صغر السن .
( )1د /محمد محي الدين عوض :مشكالت السياسة الجنائية المعاصرة في جرائم نظم
المعلومات –الكمبيوتر – بحث مقدم للمؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي في
28-25اكتوبر . 1993
()2
انظر نص المادة 233من قانون العقوبات التي تنص علي القتل باستخدام الجواهر
السامة .
وفي هذه الصورة يكون الفاعل األصلي للجريمة ذلك الشخص الذي يملك
القدرة علي تحريك الروبوت أو السيطرة عليه وهو الفاعل المعنوي ،وال يكون
()1
. الروبوت في هذه الحالة إال أداة أو آلة الرتكاب الجريمة وال أكثر
يقصد بالفاعل المعنوي الشخص الذي يدفع غيره الرتكاب الجريمة ،فيرتكبها
األخير الذي يعد من وجهة نظر الفقه مجرد وسيلة أو أداة باعتباره غير
مسئول جنائياً .
وفي الحقيقة فإن نظرية الفاعل المعنوي تنطبق علي هذه الصورة ،حيث
تنطبق طبيعة الروبوت مع الشخص غير المسئول جنائياً الذي يفتقد للوعي
واإلدراك ،كالشخص المجنون أو الطفل غير المميز ،ونعتقد أن القياس في
هذه الحالة غير محظور ؛ ألنه يعد قياس في قواعد غير عقابية تتعلق
باألهلية وليس بالعقاب ،كما أنه ال يوجد نص جنائي يحدد ما هية الفاعل
المعنوي علي سبيل الحصر ،فيقصره علي الشخص الطبيعي ،وإال كان ذلم
()2
. يستوجب االلتزام به من غير اجتهاد
()1
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص 155
()2
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص . 155
عن نتائج تصرفات الروبوت كنتائج محتملة ،لتوافر القصد الجنائي االحتمالي
،فالنتيجة المحتملة للنشاط اإلجرامي هي تلك النتيجة التي يحتمل عمالً
وبحكم المجري العادي لألمور أن تتسبب عن النشاط اإلجرامي إذا كان
باستطاعته ومن واجبه توقعها حسب المجري العادي لألحداث ولو لم يكن قد
()1
. توقعها فعالً
فعلي سبيل المثال إذا قام المبرمج أو المصمم بتصميم برنامج لنظام الذكاء
االصطناعي أو الروبوت في مصنع لجعله يقوم بإحراق المصنع ولكن أثناء
قيام الروبوت بتنفيذ الجريمة قام أحد األشخاص بمقاومته لمنعه من ارتكاب
الجريمة مما دفع الروبوت إلي قتله في هذه الحالة يسأل المبرمج أو المصمم
وفقاً لقواعد مسئولية الفاعل المعنوي عن ارتكاب جريمة عمدية وهي جريمة
الحريق العمد وجريمة القتل علي أساس أن القتل كان نتيجة محتملة لجريمة
الحريق ؛ ألنه كان في مقدوره وكان من واجبه أن يتوقع حدوثها .
()1
د /أحمد صبحي العطار :اإلسناد واإلذناب والمسئولية في الفقه المصري والمقارن –
مرجع سابق – ص . 199
الذي يسأل عنها هو المبرمج ،وتعد المسئولية الجنائية لمنتج أو مصنع
الروبوت من أهم ما يثار عند ارتكاب األخير ألي فعل إجرامي ،فيعتبر
المنتج أو المبرمج مسئوالً عن كل ما ينجم عنها من أفعال نتيجة عيوب
الصناعة ،حيث قد تحدث الجريمة نتيجة خطأ في البرمجة أو في التكوين
الداخلي للروبوت مما يتسبب في حدوث جريمة جنائية وبالتالي يكون المصنع
أو المبرمج مسئوالً عنها جنائياً .
حيث تنص المادة 1 / 67من قانون التجارة رقم 17لسنة 1999علي إنه
" -:يسأل منتج السلعة وموزعها قبل كل من يلحقه ضرر بدني أو مادي
يحدثه المنتج إذا ثبت هذا الشخص أن الضرر نشأ بسبب عيب في المنتج .
ويترتب علي ذلك أنه يجب علي المنتج أو المبرمج االلتزام بمراعاة الجودة
ومطابقة المواصفات المطلوبة فهي تتعلق بمنظور العميل وتوقعاته وذلك
بمقارنة األداء الفعلي للمنتج مع التوقعات المرجوة منه ،فالهدف الذي يسعي
المنتج إليه هو تحقيق الربح وفي سبيل تحقيق ذلك قد ال يهتم بمراعاة الجودة
في التصنيع مما يؤدي إلي حدوث أضرار يتسبب فيها الذكاء االصطناعي
()1
. بسبب عدم مراعاة الجودة في انتاجه
ويجب أيضاً مراعاة أن تكون الروبوت متوافقة مع قيم وتقاليد المجتمع ،فال
تكون دمية الغراض جنسية ،وال تكون ناطقة بإلفاظ غير الئقه .
()1
د /يحيي إبراهيم دهشان :المسئولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي – مرجع
سابق – ص . 54
احتماالت وهو الشخص الذي ال يقوم ببرمجة الروبوت بل هو من يقوم
باستخدامه لتنفيذ مصالحه الخاصة ،فيشتري المستخدم روبوت خادم مصمم
لتنفيذ أي أمر من صاحبه ،ويحدد الروبوت مستخدمه أو صاحبه علي أنه
الموجه ،فيأمره هذا الموجه بمهاجمة من يتسلل ليالً ألسوار المنزل فيقوم
الروبوت بتنفيذ األمر فيقتل المتسلل ،وفي هذه الحالة فإن من قام بالتنفيذ هو
()1
الروبوت ولكن المستخدم هو من أعطي األمر ومن ثم فهو المسئول جنائياً
.
وفي كلتا الحالتين تم ارتكاب الجريمة من قبل الروبوت ،ولم يقم المبرمج أو
المستخدم بتنفيذها وفقاً للنموذج القانوني للسلوك اإلجرامي ،إال أن هذه
الصورة تنطبق عليها المسئولية الجنائية للفاعل المعنوي ،فعندما يستخدم
المبرمجون أو المستخدمون الروبوت علي هذا النحو ،فإن ما يقوم الروبوت
بتنفيذه ينسب إليهم ،وذلك لتوافر الركن المعنوي الرتكاب الجريمة عندهم ،
حيث توافرت نية ارتكاب الجريمة لدي المبرمج الذي صمم البرنامج لحرق
الموقع ،كما توافرت نية ارتكاب الجريمة لدي المستخدم عندما وجه الروبوت
لقتل من يتسلل أسوار المنزل ليالً ،فبالرغم من تنفيذ هذه الجرائم بيد الروبوت
،إال إنها تنسب للمبرمج والمستخدم .
()1
د /وفاء محمد أبو المعاطي صقر :المسئولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي –
مرجع سابق – ص . 60
المطلب الثاني
من المتصور أن يرتكب الروبوت الجريمة ليس بناء علي برنامج صممه
المبرمج الرتكاب الجريمة ،أو أمر يصدره المستخدم لتنفيذها ،ولكن يرتكب
الروبوت الجريمة بناء علي خلل في البرمجة أو خطأ في التشغيل .
فإذا كان الخلل الذي أصاب الروبوت ناتج عن إهمال في الصيانة أو
الخطأ في التشغيل مما أدي إلي ارتكابه للسلوك اإلجرامي وفقاً لما تراكم لديه
من بيانات وخبرات ،ولكن دون توجيه من أحد مما يتسبب في وقوع كوارث
نتيجة لألخطاء غير المتوقعة ،فهنا تقع المسئولية الجنائية علي الشحص
الذي أهمل في إجراء الصيانة الالزمة التي تفرضها عليه واجبات مهنته سواء
كان هذا الشخص هو المبرمج أو المصنع أو المشغل أو المستخدم ،وتكون
المسئولية غير عمدية عن اإلهمال في اتخاذ ما يوجبه القانون من الحيطة
والحذر من المخاطر التي يمكن أن تقع من سوء استخدام الروبوت أو اإلهمال
() 1
. في صيانته أو فحصه
()1
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص . 156
الجريمة ،فال خالف أن المسئولية الجنائية تقع على أحد األطراف السابق
ذكرها ،فتقع إما على المصنع أو المبرمج أو المستخدم حسب الظروف (.)1
وفي مثال لذلك الروبوت المبرمج علي العمل كجراح آلي ،والذي تتم برمجته
علي غلق الشريان في حالة حدوث نزيف كجزء من مهمة الروبوت كمساعد
للطبيب الجراح ،وفي أثناء العملية وعند قيام الطبيب بإجراء العملية يقوم
الروبوت الجراح اآللي بغلق الشريات بطريقة تتسبب في تجلط الدم فيموت
المريض بسبب سلوك الروبوت ،ومن الواضح هنا أن المبرمج لم يكن قصده
ارتكاب أي جريمة قتل .
()1
د /وفاء محمد أبو المعاطي صقر :المسئولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي –
مرجع سابق – ص . 64
المطلب الثالث
وفي هذه الحالة يستفحل الخطر ويزداد الضرر إذا كانت برامج أو آليات
الذكاء االصطناعي تتمتع باستقاللية كاملة وتتخذ ق ارراتها دون الرجوع إلى
اإلنسان ،إذا يتصرف الروبوت بمفرده بقصد تغيير الظروف الواقعية المحيطة
،ويكون هذا التصرف بإدراك اصطناعي وعلي قدر من االختيار المبرمج .
وعلي ذلك يجب أن يكون للروبوت وضع قانوني معين يتجاوز وضع اآللة
أو األداة ،باإلضافة إلي امتالله للقدرة علي التصرف واتخاذ القرار بحرية
واقتدار دون تدخل من خارج أنظمته الداخلية .
()1
د /وفاء محمد أبو المعاطي صقر :المسئولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي –
مرجع سابق – ص . 68
المستمر ،وإصدار ق اررات ذاتية خارجة عن النظام الذي يضعه المبرمج ،
فيخرج هنا الذكاء االصطناعي عن عباءة مصنعيه ليسيطر ذاتياً على نفسه
ويكون السلوك المجرم المرتكب من قبله نابعاً عن ق ارراته الذاتية .
ومن األمثلة الواقعية على هذه الحالة قيام الروبوت الجراح بفصل جهاز
األكسجين عن المريض ،أو ضخ كمية كبيرة من الدم في جسد المريض مما
أصابه بالتجلط ،وأيضاً السيارات ذاتية القيادة ،كما لو قامت سيارة ذاتية
القيادة لها كامل السيطرة على حركتها بالتحرك من مكان إلى آخر ،وفي
طريقها قامت بصدم شخص ما من المشاة وتسببت بإصابته أو بمقتله ،أو
تسبب روبوت بأحد المصانع مع مراعاة جميع األنظمة واللوائح الخاصة
باألمن والسالمة بقطع يد أحد العاملين في المصنع بسبب خطأ في تقدير
الروبوتات التي تعمل بشكل منفرد عن اإلنسان ولها كامل السيطرة على
()1
. أفعالها وق ارراتها الذاتية
ففي ظل عدم إثبات المسئولية الجنائية علي المبرمج أو المستخدم اللذان لم
يشتركا بأي صورة في سلوك الروبوت ،وفي نفس الوقت عدم القدرة علي
إسناد المسئولية الجنائية علي الروبوت ،ومن ثم فال بد وأن تواكب التشريعات
( )1د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص . 159
ذلك النموذج الجديد من المسئولية الجنائية ،وليس من المتصور معاقبة
الروبوتات بإيقافه عن العمل كما دعا لذلك البعض ،كون ذلك ال يحقق الردع
الذي يصبو إليه المشرع من العقوبة وحماية للمجني عليه والمجتمع .
ونحن بصدد ذلك يبرز السؤال عمن هو المسئول عن هذه الجرائم ،ومن
يتحمل المسئولية الجنائية عن هذه الجرائم التي تبدو وكأنها قضاء وقدر ؟؟!!
المبحث الثالث
من أهم تقنيات الذكاء اإلصطناعي ما يسمي باإلنسان اآللي أو الروبوت ،
وفي الحقيقة فإن هذا المنتج وإن كان ما يزال النظر إليه علي إنه شيئاً
مصنوعاً أو مجرد آلة ،إال أن هناك إرهاصات قانونية تخطو نحو منح هذا
الشيئ الشخصية القانونية المحدودة ،فيسمي بأسم ،ويسمح له بالحصول
علي الجنسية ،ويتمتع بالذمة المالية المستقلة ،ويجري بعض التصرفات
القانونية كإبرام العقود وما إلي ذلك من التصرفات .
إال الجدل ما زال قائماً بخصوص تحمل الروبوت بالمسئولية الجنائية حال
ارتكاب الجرائم ،وهل تقع عليه المسئولية الجنائية ،أم علي الشركة المصنعة
،أم علي المبرمج ،أم علي المستخدم ،نعرض فيما يلي لهذه التساؤالت علي
النحو األتي :
المطلب الثالث :حل أزمة عدم وجود النص المتعلق بجرائم تقنيات الذكاء
االصطناعي
المطلب األول
وفي الحقيقة فإن منح الروبوت الشخصية القانونية المحدودة ليست بدعة
قانونية ،فهي فكرة قانونية خالصة ترتبط بمدي إمكانية التمتع بالحقوق
والتحمل باإللتزامات وليس بالصفة اآلدمية البحتة ،وبسبب التطور المستمر
للقانون منحت الشخصية القانونية ألشخاص غير الشخص الطبيعي ،مثل
( )1د/حمد محي الدين عوض :مشكالت السياسة الجنائية المعاصرة في جرائم نظم
المعلومات –الكمبيوتر – مرجع سابق – ص 219
الشخص اإلعتباري كالشركات والكيانات العامة والمؤسسات بالرغم من إنها
()1
. تفتقر ألية صفات آدمية
وهذا يدل علي إن منح الروبوت مكانة قانونية مستقلة ،قد تؤدي إلي منحه
الشخصية القانونية المحدودة ،وهو ما بدأ به بالفعل االتحاد األوروبي بتاسيس
منزلة للشخص اإللكتروني كامل األهلية الذي سيحصل علي اسم معين ،
وسينال الجنسية ،والذمة المالية المستقلة ،وبعدها سيخضع الروبوت للعقاب
عن أفعاله التي تعد جريمة وهو ما كان يعد في الماضي ضرباً من الخيال .
ولقد أكدت قواعد القانون المدني األوروبي إن اإلطار القانوني الحالي سوف
يكون كافياً لمواجهة المسئولية الجنائية عن اإلضرار التي قد تتسبب فيها
األجيال الجديدة من الروبوتات التي سيتم تزويدها بقدرات تكيف وتعلم فائقة
()1
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص . 170
التقنية مما سيولد تقلب في سلوكها وسيجعلها في حالة انقالب تام عن السيطرة
البشرية .
كما اعترف هذا القانون بصحة تلك العقود التي تبرم بين رسائل إلكترونية
متضمنة نظامي معلومات إلكترونية أو أكثر تكون معدة ومبرمجة سلفاً من
أجل القيام بذلك حتي في حالة عدم التدخل الشخصي أو المباشر ألي شخص
طبيعي في عملية إبرام العقود علي هذا النحو ،وأعتبر القانون كل ما يصدر
عن هذه األنظمة وكأنه صادر عن الشخص المنشئ شخصياً .
وعلي الرغم من كل هذه اإلرهاصات السابقة إال إنه وحتي األن لم نجد نص
صريح يرتب المسئولية الجنائية لتلك التقنيات رغم ما وصلت إليه من
إمكانيات فاقت قدرات البشر ،فالعمليات المعقدة التي يقوم بها الروبوت ينبغي
معها منحه كيان خاص ووضع قانون خاص له .
( )1د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص 65
المطلب الثاني
الجدل الفقهي حول إقرار المسئولية الجنائية لتقنيات الذكاء اإلصطناعي في
المجال الطبي
()1
الروبوت صوفيا هي أشهر روبوت حتي اآلن صممته شركة هانسون روبوتيكس الكائنة
في هونج كونج ،صممت شبيهة بالبشر ،ولها القدرة علي التعلم والتأقلم مع السلوك
البشري ،والتعامل معه ،وحصلت صوفيا علي الجنسية السعودية في أكتوبر . 2017
()1
نوردها علي واقعية ،ويبني أصحاب هذا االتجاه رأيهم علي حجج واقعية
النحو األتي:
-1مع االعتراف للروبوت بأنه آلة ،إال أنه يجب مع ذلك االعتراف أيضاً
بأن لهذه اآللة إدراك وذكاء اصطناعي ،وقدرة علي التصرف وكذلك
قدرة علي اتخاذ القرار المنفرد ،فإذا كان مناط المسئولية الجنائية هي
ارتكاب الفعل بعلم وإرادة ،فإن هذا الروبوت يمتلك القدرة علي القيام
باألفعال بعلم وإرادة ،حيث تخزن بداخله البيانات والمعلومات ،ويقوم
بتحليلها ويصدر فعله بوعي اصطناعي بناء علي هذه البيانات .
-2االعتراف بالمسئولية الجنائية لتقنيات الذكاء االصطناعي هو نتيجة
حتمية للتحليل الدقيق لطبيعة الروبوتات التي أصبحت لها الشخصية
القانونية حتي ولو كان ذلك بشكل محدود ،ويعد ذلك وسيلة ال غني
عنها لحماية مصالح المجتمع؛ فليس صحيحاً االحتجاج بأن الروبوت ال
إرادة له ،فإن ساغ هذا القول عند من يرون في الروبوت مجرد آلة أو
أداة ،فهو غير مقبول في منطق النظرية الواقعية التي تسود الفقه
الحديث ،وتري أن للروبوت وجوداً حقيقياً قائماً ( ،)2ويمكنه اتخاذ
()3
. الق اررات المنفردة والتصرف بحرية وإرادة
()1وه ووو الم ووذهب الوض ووعي ال ووذي ي ووري أن أس وواس المس ووئولية الجنائي ووة ه ووو الحتمي ووة وعوام وول
خارجة عن إرادة اإلنسان.
انظر في عرض نظرية الحقيقة: ()2
-3أن القول بأن العقوبات التي يعرفها قانون العقوبات قد وضعت خصيصاً
لآلدميين فال يتصور تطبيقها علي الروبوتات ،فهذا القول ال يصدق
علي العقوبات المالية كالغرامة أو المصادرة بحسبان أن للروبوت ذمة
مالية مستقلة ويستطيع المشرع حرمانه من بعض عناصرها ،ومن جهة
آخري فإن بإمكان المشرع أن يضع عقوبات تناسب الروبوت كالتعطيل
أو المنع من االستخدام .
-4االعتراف للروبوت بالمسئولية الجنائية يعد أم اًر طبيعياً في ظل
االعتراف له بأنه قد يكون مجنياً عليه في بعض الجرائم ( ،)1فهذا
التطور المذهل في الذكاء االصطناعي يجعل من الروبوت شخصاً
جديداً يتمتع بحقوق محدودة ،نظ اًر لما يتمتع به من أدارك حسي ،
ووعي ،وردود فعل ذكية .
-5يتمتع الروبوت في حاالت معينة باالستقاللية عن صانعه أومستخدمه
،فيستطيع الروبوت أن يأخذ القرار بمفردة ،ومن جهة آخري فهناك
حاالت يستحيل فيها تحديد المسئول الحقيقي عن الجريمة ممن اشتركوا
فيها مع الروبوت ،وهل هو المستخدم ام المبرمج أم الصانع .
االتجاه الثاني :رفض إقرار المسئولية الجنائية لتقنبات الذكاء اإلصطناعي
في المجال الطبي :
د /ش وريف سوويد كاموول :المسووئولية الجنائيووة لألشووخاص المعنويووة – د ارسووة مقارنووة – دار ()1
ووفقاً لهذا االتجاه فإن المسئولية الجنائية ال تثبت إال لإلنسان الطبيعي ،
أما اإلنسان اآللي Robotال يمكن أن تثبت بشأنه أي مسئولية ،ويسوق
هذا االتجاه الحجج األتية لتبرير هذا الرأي :
أوالً :طبيعة اإلنسان اآللي تأبي علي تحمل المسئولية الجنائية :
فاإلنسان اآللي مجرد شئ أو آلة ال إرادة لها ،وال يمكنها االختيار ،وإذا
كان أساس المسئولية الجنائية هو الحرية واالختيار ،فإنه إذا انتفت لدي
الجاني حرية اإلرادة ،وانعدمت حرية االختيار فال يمكن قيام المسئولية
الجنائية تجاهه .
فالجريمة ليست كيان مادي فقط يتكون من سلوك ونتيجة ورابطة سببية
،ولكنها كيان نفس أيضاً مضمونه وجود رابطة نفسية تمثل الركن المعنوي
للجريمة ،فال يكفي إلصاق السلوك المادي بالجاني بل يلزم توافر القصد
أ /أحمد مجحودة :أزمة الوضوح في األثم الجنائي في القانون الج ازئوري والقوانون المقوارن ()1
فإذا قلنا مجا اًز أن الروبوت ارتكب الجريمة فإن افتقاده للوعي واإلدراك
وحرية اإلختيار لحظة ارتكاب الجريمة ينفي عنه المسئولية الجنائية ،
باإلضافة إلي إنه ال يعد إال آلة منقادة تخضع لألوامر والتعليمات من خالل
البرمجة فال يملك حرية اإلرادة أو اإلختيار .
إذا كان الجزاء الجنائي ال بد وأن يمس الجاني في بدنه أو حريته أو
ماله أو شرفه أو اعتباره ،ومن ثم فإن الحكم علي الروبوت بالعقوبة عند
ارتكابه الجريمة يعد عبثاً ،فهذه العقوبات ال تؤتي ثمارها إال مع اإلنسان
الطبيعي الذي يشعر ويتألم ،كما أن تطبيق العقوبة علي الروبوت ال يأتي
بجدوي فال تحقق ال ردع عام ،وال ردع خاص ،حيث ال تحقق أهم أهدفها
وهو إصالح المحكوم عليه ،وتأهيله ،وفي الحقيقة فإن الريبوت ال تجدي
()1
د /أحمد صبحي العطار :اإلسناد واإلذناب والمسئولية في الفقه المصري والمقارن –
مرجع سابق – ص . 201
معه أي وسيلة من وسائل الجزاء ،فهو ال يشعر وال يتألم وال يملك القدرة علي
()1
. اإلدراك
ثالثاً :نظام العقوبات الجنائية غير قابل للتطبيق علي الروبوت :
بعد أن حتي بعد التطور الذي لحق بالعقوبة في اآلوانة األخيرة
أصبحت العقوبة تستهدف مقاصد آخري غير إيالم المحكوم عليه ،عن طريق
إعادة تأهيله وإعادته للمجتمع مرة آخري ،فلن تصبح العقوبة مناسبة للروبوت
،حيث أن إعادة ضبط الروبوت لن يصلح من أدائه شيئاً .
ففي الحقيقة فإن جرائم الروبوت تقع ممن يسخر هذا الريبوت ويكون في
يده زمام أمورها ،فالروبوت ما هو إال أداة يستعين بها الفاعل في تحقيق
أفعاله ،فيكون هذا الفاعل هو مرتكب الجريمة بواسطة غيره .
( )1د/محمد محي الدين عوض :مشكالت السياسة الجنائية المعاصرة في جرائم نظم
المعلومات –الكمبيوتر – مرجع سابق – ص 220
المطلب الثالث
حل أزمة عدم وجود النص الذي يحكم جرائم تقنيات الذكاء االصطناعي
في ظل الوضع الراهن يجد الباحث في المجال الجنائي نفسه مجبر علي
البحث في النصوص الجنائية القائمة ،لمحاولة الخروج من إشكالية عدم وجود
النص الخاص الذي يحكم االنماط المختلفة لجرائم تقنيات الذكاء االصطناعي
،وذلك إلي أن يصدر قانون خاص يحكم جرائم تقنيات الذكاء االصطناعي ،
وفيوما يلي محواولة للبحوث عون حلوول إلشكالية شرعية هذه الجرائم من خالل
الفرعين اآلتيين:
:قراءة النصوص القائمة لتطبيق ما يتناسب مع هذه الجرائم الفرع األول
المستجدة .
الفرع الثاني :دعوة المشرع إلصدار التشريع الجديد الذي يحكم هذه الجرائم
بما يتناسب مع طبيعتها وخصائصها .
الفرع األول
وفي التشريع الجنائي المصري نجد النصوص العقابية التي تجرم كل
السلوكيات التي تمثل أذي للغير( ،)2ومن ثم رؤى إعادة قراءة هذه النصوص
القائمة إلسباغها علي جرائم الذكاء االصطناعي ،ومعالجة هذا الفراغ التشريعي
()3
. عن طريق البحث في هذه النصوص وتفسيرها
فقد يرتكب الفعل و يترتب علي ارتكابه اإلخالل بمصلحة جديرة بالحماية،
ويري المشرع أن هذا الفعل بالرغم من حداثته يخضع للتجريم وفقاً للقواعد
العامة ،فيكتفي بذلك فال يتدخل بالتعديل أو بإصدار قانون جديد ليحكم هذا
الفعل ،مكتفياً بالقواعد القائمة التي يمكن أن توفر الحماية القانونية الالزمة .
وتبرز جرائم الذكاء االصطناعي كحالة واضحة في هذا الشأن فتمس
مصلحة جديرة بالحماية ،تتمثل في الحق في الصحة والحق في الحياة ،وهذين
الحقين من أهم الحقوق التي يتمتع بها الفرد والجماعة علي السواء ،إذ ال
يمكن للجماعة أن تحتفظ بوجودها إال إذا كان هذان الحقان محاطين بحماية
() 4
. دستورية و جنائية كاملة
()1
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص .172
د /عصووام عفيفووي عبوود البصووير :النصوووص العقابيووة فووي الق ووانين غيوور الجنائيووة – نحووو ()2
د /فوزيووة عبوود السووتار :شوورح قووانون العقوبووات – القسووم الخوواص – الطبعووة الثانيووة – دار ()1
فألول وهلة يظهر أن عدة وقائع تقع تحت نص واحد من قانون العقوبات،
فيطبق عليها هذا النص ويحكمها ،وسبب ذلك هو وجود قاسم مشترك بين هذه
الوقائع يتمثل في أثارها أو نتائجها ،فقيام الروبوت بفصل أجهزة التنفس
الصناعي عن المريض ،ينتج عنه الوفاة ،يتشابه مع أي جريمة قتل اخري ؛
ألن النتيجة واحدة وهي إزهاق الروح .
إال إنه علي القاضي أن يتحرز في ذلك والتأكد من عدم مشروعية الفعل،
فال يجوز له أن يقيس فعالً غير مجرم قانوناً علي فعل آخر مجرم وفقاً لنص
تشريعي ورد بتجريمه (.)3
توونص المووادة 230موون قووانون العقوبووات علووي إنووه" :كوول موون قتوول نفس واً عمووداً مووع سووبق ()1
عنها الموت عاجالً أو آجالً يعد قواتالً بالسوم أيواً كانوت كيفيوة اسوتعمال تلوك الجوواهر ويعاقوب
باإلعدام "
انظو وور :د /محمو ووود نجيو ووب حسو ووني :القسو ووم العو ووام -رقو ووم 80ص ،93والو وودكتور عمو وور ()3
السووعيد رمض ووان -القسووم الع ووام -رق ووم - 55ص ، 89ود /ش وريف س وويد كام وول :
تعليق علي قانون العقوبات الفرنسي الجديد -ص .42
أن ()1
أما في مجال الجرائم غير العمدية للذكاء االصطناعي فيري البعض
النصوص القائمة في قانون العقوبات المصري تكفي لمواجهة حاالت جرائم
تقنيات الذكاء االصطناعي التي تقع عن طريق الخطأ ،وال داع الستصدار
قانون جديد ،فالحاالت التي يتم فيها األذي أو القتل عن طريق اإلهمال أو
الرعونة أو عدم االحتراز أو عدم مراعاة القوانين واللووائح واألنظومة والقو اررات
الخاصة بتدابير االحتراز والدقة ( ،)2كل ذلك يخضع للتجريم الوارد في
المادتين 244و 238من قانون العقوبات (. )3
ومن جماع ما تقدم يتضح إنه إذا كانت القواعد العامة في القانون الجنائي
تغطي جزء كبير من جرائم تقنيات الذكاء االصطناعي ،إال أن ذلك قد يجهد
القاضي في تطبيقه لهذه القواعد علي بعض أفعال الروبوت التي تتم بدون
اعتداء ،كالروبوت الذي يتعطل عن العمل فال يؤدي أعماله الطبية المتطلبة
مما يؤدي إلي وفاة المريض (.)4
فإذا كان لمن يفسر النص الجنائي أن يبحث عن قصد الشارع مستعيناً بكل
لووم يسوولك المشوورع طريق واً واحووداً فووي تحديوود صووور الخطووأ غيوور العموودي حيووث ذكوور صووورة ()2
واحدة وهي اإلهمال في بعض المواضوع ،وذكور صوورتين هموا اإلهموال وعودم االحتوراز
في مواضع آخري ،أو اإلهمال والتقصير في موضع ثالث ،وفي موضع رابع ذكر عدة
صووور مثوول اإلهمووال والرعونووة وعوودم االحتوراز وعوودم م ارعوواة القووانين واللووائح واألنظمووة،
وأخي اًر قد يذكر هذه الصور دون تحديد مثل " بسبب إهمال آخر"
()3
د /أحمد إبراهيم محمد إبراهيم :المسئولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء
االصطناعي في التشريع اإلماراتي – مرجع سابق – ص . 175
()4
LEPEE (P.) problems medicaux legaux souleves par le sida
Gaz. Pal. 1991. P.206.
أسلوب يمكنه من ذلك ،فإن عليه أن يحترم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات،
ويعني ذلك أن عليه أن يقف في بحثه عند الحد الذي يتبين له فيه أن تفسيره
قد يجعله يبتدع جرائم أو عقوبات لم ينص عليها القانون ( ،)1فيجب التحرز
في تفسوير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعودم تحميل عباراتها
فوق ما تحتمل (.)2
الفرع الثاني
دعوة المشرع إلصدار التشريع الجديد الذي يحكم هذه الجرائم بما يتناسب
مع طبيعتها وخصائصها
في ظل غياب النص الذي يحكم جرائم تقنيات الذكاء االصطناعي فإنه
يكون من اليسير ضياع حقوق المجني عليه ،وافالت مرتكب الجريمة من
العقاب ،لذلك فإن المشرع ما زال مدعو للتدخل التشريعي لتجريم هذه الجرائم
بنص خاص شامل ومباشر ،وهذه الدعوة تجد ما يبررها لسببين -:
السبب األول :القياس محظور في مجال القانون الجنائي:
القياس محظور في مجال العقاب ،ويؤدي التسليم بهذا القويد إلي حظر
القياس علي من يفسر نص التجريم ( ،)3فليس له أن يقيوس فعالً لم يرد نص
بتجريمه علي فعل ورد نص بتجريمه فيقورر لألول عقوبة الثاني محتجوا ًً
بتشابه الفعلين أو بكون العقاب علي الثاني يحقق نفس المصلحة التي يحققها
ارج ووع د /محم ووود نجي ووب حس ووني – القس ووم الع ووام -المرج ووع الس ووابق ص ،99ال وودكتور / ()1
مأمون محمد سالمة -القسم العام -ص ،45ود /عوض محمد -قوانون العقوبوات
-القسم العام -رقم - 8ص ، 9ود /فوزية عبد الستار :شرح قانون العقوبات –
القسم العام – دار النهضة العربية ط – 2018ص 68وما بعدها .
نقض جنائي – الطعون رقوم 14514لسونة 76ق جلسوة – 2008/3/18السونة – 59 ()2
ق – 35ص .212
()3
Sorour ( Ahmed Fathi); droit penal special , Alexandrie
,1997,R.I.D.P. 1998. P 89.
،وال شك أن هذا الحظر يسري علي فعل الروبوت في ()1
العقاب علي األول
ظل عدم وجود نص بتجريمه ،ومن ثم فوال يجووز قيواس قتل إنسان عن طريق
السلوك المباشر للروبوت علي جرائم القتل العادية .
و طالما لم يجرم هذا الفعل بنص صريح في القانون الواجب تطبيقه فال عقاب
عليه ،فقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلي أنه ال محل لالجتهاد عند
صراحة نص القانون الواجب تطبيقه ،وأنه ال يجوز اللجوء إلي حكمة النص
(.)2
أو التشوريع المقارن إذا كان ذلك يؤدي إلي مخالفة صريح نص القانون
وعلينا أن نعترف بأن هناك فراغاً تشريعياً واضحاً في مجال جرائم الذكاء
االصطناعي ،وأن الفقه القانوني قد تأخر نسبياً في التنبيه إلي المشكالت
القانونية التي تثيرها مخاطر هذه الجرائم ،كما أن المشرع لم ينشط لتنظيم هذا
األمر أيضاً ،ولم يقم بالتدخل الفعال بالتجريم الرادع ألي فعل قد يرتكب
.
بتقنيات الذكاء االصطناعي ويؤدي إلي التسبب في األذي للغير
إال أن هذا الفراغ التشريعي ال يثير القلق ففي مواد قانون العقوبات ما يغطي
بالتجريم كل أنماط السلوك التي تلحق الضرر بالحق في الصحة والحياة ،ومن
جهة آخري فإن معالجة هذا األمر لن يستعص علي التطور التشريعي ،فقانون
اسووتقر قضوواء محكمووة الوونقض فووي مصوور علووي أن " القيوواس فووي تفسووير نصوووص التجوريم ()1
محظووور ،وأنووه موون المقوورر أنووه ال عقوبووة إال بوونص يعوورف الفعوول المعاقووب عليووه ويبووين
العقوبة الموضوعة لوه مموا مقتضواه عودم التوسوع فوي تفسوير نصووص القوانون الجنوائي،
وعدم األخذ فيه بطريق القيواس " ي ارجوع فوي ذلوك نقوض 19موايو سونة 1941مجموعوة
القواعد القانونية جو 5رقم 259ص ،471نقض 20مارس سنة 1956مجموعة أحكام
الو و و وونقض س 7رقو و و ووم 122ص ،422والطعو و و وون رقو و و ووم 4865لسو و و وونة 85ق جلسو و و ووة
..2016/2/6منشور علي موقع البوابة القانونية لمحكمة النفض:
WWW.CC.gov.eg/Courts/Cassation-
Court/Crininal/Cassation-Court
نقض جنائي – الطعن رقم 66149لسنة 75ق -جلسة – 2006/4/4السنة – 57 ()2
ق – 56ص .493
العقوبات المصري في صدر هذا القرن قد تدخل لتنظيم العديد من القضايا
التي لم تكن في ذهن الباحث الجنائي ،فلم يكن يعرف مثالً اإلتجار في
األعضاء البشرية ،فأدي تفاقم مشكلة مافيا األعضاء البشرية واالتجار فيها
إلي سرعة أنجاز القانون رقم 5لسنة 2010بشأن تنظيم زراعة األعضاء،
وهكذا مهما بلغ التطور التشريعي فلن يكتمل مرة واحدة ،و الواقع يشير إلي
أن المشرع ال يمكن بأي حال من األحوال أن يضع قواعد لتجريم كل أنماط
السلوك غير المشروع جملة واحدة (.)2( )1
ثانياً :االصطدام مع مبدأ عدم شرعية الجرائم والعقوبات :
نري إنه من األولي بالفقه الجنائي حث المشرع علي إصدار القانون الذي
()3
،أما االجتهاد في إيجاد يجرم مضار الذكاء االصطناعي بنص خاص
نص ينطبق علي هذه الجرائم ،فهو اجتهاد غير صائب؛ ألنه يضع العربة أمام
الحصان ،بمعني أنه يضع الجزاء قبل أن يقنن الجرم ،فهذا االتجاه قد أغفل أن
األصل هو أن يأتي شق التجريم أوالً ،بحيث يسبق في وضعه شق الجزاء،
وأنه تبعاً لذلك واتساقاً مع مبدأ الشرعية الجنائية فإنه ال يمكن توجيه الخطاب
للسلطات بتوقيع العقاب أوالً قبل مخاطبة األفراد بشق التكليف أو التجريم(.)4
د /رمسوويس بهن ووام :الكف وواح ض وود اإلج ورام – منش ووأة المع ووارف باإلس ووكندرية -ط 1996 ()1
ص .5
وانظر أيضاً -د /رمسويس بهنوام – نظريوة التجوريم فوي القوانون الجنوائي ,معيوار سولطة ()2
وال عقوبة إال بنص ،وال يجوز التوسع في تفسير نصوص القانون الجنائي ،كما يحظور
القياس عليها "..راجع الطعن رقم 50800لسنة 85ق جلسوة 2017/2/15منشوور
علي موقع البوابة القانونية لمحكمة النفض:
WWW.CC.gov.eg/Courts/Cassation-
Court/Crininal/Cassation-Court
ارج ووع د /م ووأمون محم وود س ووالمة :ق ووانون العقوب ووات – القس ووم الع ووام – ج – 1990 – 3 ()4
ص .19
ومن جهة آخري فإن البحث عن قاعدة عقابية (شق الجزاء) لتطبيقها
علي جرائم تقنيات الذكاء االصطناعي ،يعد أساس غير منطقي()1؛ ألن
المخاطب بهذه القاعدة الجزائية في األساس هو القاضي المنوط به تطبيق
القاعدة القانونية ،وإن كان األفراد مخاطبون بها أيضاً إال أنهم مخاطبون
بدرجة أكبر بقاعدة التجريم ،وليس بقاعدة الجزاء ،أي أن الشق المتعلق بالجزاء
موجه للقاضي في المرتبة األولي ،أما الشق المتعلق بالتجريم فهو يخاطب
األفراد بصفة أساسية في المرتبة األولي (.)2
ونخلص مما سبق أن التجريم بوجه عام يسبق العقاب ،أي أن التجريم يأتي
أوالً ثم يأتي بعد ذلك العقاب ،ومن ثم فمن غير المستساغ أن يجهد الفقه نفسه
في البحث عن عقوبة للروبوت في القواعد القانونية القائمة ،قبل أن يجتهد في
تقنين هذا الفعل وتجريمه بنص صريح وواضح ،خصوصاً في ظل عدم جواز
القياس في قانون العقوبات (.)3
سمة النص المرتقب لتجريم مضار تقنيات الذكاء االصطناعي :
د /عصام عفيفي عبد البصير :أزمة الشرعية الجنائيوة ووسوائل عالجهوا – دار النهضوة ()1
قووانون العقوبووات الفرنسووي الجديوود – مرجووع سووابق – ص ،42د /أشوورف توفيووق شوومس
الدين – شرح قانون العقوبات – القسم العام – النظرية العامة للجريموة والعقوبوة – دار
النهضة العربية – 2015ص .135
• أن يكون تجريم مضار تقنيات الذكاء االصطناعي والعقاب عليه بالحد
الضروري لتحقيق المصلحة االجتماعية العادلة للمجتمع ،ويتطلب ذلك عدم
إسراف السلطة التشريعية في التجريم والعقاب آخذة في ذلك ما تقدمه هذه
التقنيات من فوائد للبشرية ،ولكن ذلك ال يمنع السلطة التشريعية من
صياغة النصوص في شكل فضفاض يمكن أن يتناول الكثير من األفعال
التي تتالءم مع تطور المصالح محل الحماية الجنائية ،فتحتوي هذه
النصوص السلوكيات المستجدة التي تتسبب في الضرر بسبب تقنيات
الذكاء االصطناعي ؛ ألن العلوم الطبية كل يوم في تطور (. )1
د /م ووأمون محم وود س ووالمة – ق ووانون العقوب ووات -القس ووم الخ وواص – مرج ووع س ووابق -ص ()1
.27
د /شريف سيد كامل :القسم العام – مرجع سابق – ص . 150 ()2
: المراجع األجنبية
4- Russell Heation ;
5- criminal law Oxford University press second edition
2006.
6- Steven J.Frank,adjudication and the emergence of
artificial intelligence software,Suffolk,
U.1.Rev,623,1987 .
7- Ying HU : robot criminal , university of Michigan
Journal of law reform,volume 52- 2019 .