مع الوعي بالذات هاحنن يف األرض اليت هبا مولد احلقيقة هيجل اإلنسان كائن خيتلف اختالفا كليا عن احليوان الذي ال يتخطى جمرد اإلحساس بالذات ،فاإلنسان يعي ذاته يف اللحظة اليت يقول فيها " أنا " حبسب تصور هيجل ،وهو ما يعين اإلحساس بالتفرد والتمايز عن باقي املوجودات مبا فيها األخر سواء كان شبيها أو غريبا عن الذات فالواقع البشري هو واقع اجتماعي ،حيث اإلنسان يعيش جتربة احلياة املشرتكة مع األخر مادام اإلنسان كائنا اجتماعيا ،ال يولد اإلنسان إنسانا وإمنا يصبح كذلك ،فحىت احلمقى واجملانني يشاركوننا يف االنتماء لإلنسانية ،إننا لسنا وحدنا يف هذا العامل فاألخر موجود معنا حىت ولو كان بعيدا عنا إنه ما دام يشغل حيزا من تفكرينا . إذن كيف تتحدد العالقة بني الذات واألخر ،وهل األخر ضروري لوجود الذات ،وما طبيعة العالقة املفرتضة مع هذا األخر هل هي عالقة تعايش سلمي أم عالقة صراع ،أسئلة أساسية توجه مسائلتنا هلذا املوضوع . دالالت املفهوم : تتحدد داللة الغري يف الفهم الشائع يف اآلخر ،أو اآلخرين الذين خيتلفون عين اعتمادا على مقياس حمدد ،فالغري هو املخالف يل واملختلف عين حسب معيار اجلنس أو العرق ،الدين ،الثقافة ،اللغة ، فاآلخر أو الغري هو ذلك الذي ال يشاركين نفس االنتماء الثقايف ،احلضاري ،والعرقي وبذلك فداللة الغري يف التمثل الشائع واملشرتك تتحدد مبعىن السلب ،اآلخر ليس الذات . يقدم " لسان العرب " البن منظور حتديدا لغويا للغري حيث الغري مشتق من التغري وتغايرت األشياء أي اختلفت ،حتديد يكرس نفس الفهم املتداول على اعتبار أن اآلخر أو الغري هو املخالف واملباين. أما معجم روبري فاألخر يتحدد بكونه " من ليس نفس الشخص " .غري أن هذا التحديد السليب لألخر باعتباره املغاير واملختلف عن األنا يبقى حتديدا جمردا غري ملموس ،ال يشري إىل فرد بعينه أو مجاعة معينة حيث يتم حصر األخر يف الغريب ،املغاير ،البعيد ،األجنيب وكل من ال يشاركين نفس اهلوية ،وتتحدد عالقة الذات باألخر وفق معيار العالقة القائمة بينهما ونظرة أحدمها لألخر ، قد تأخذ هذه العالقة طابعا صراعيا ( العنف ،السخرية ،امليز العنصري ،التطرف الديين ، التعصب العرقي ،الصراع االجتماعي ) وقد تكون العالقة عالقة تضامن وتعايش مادام األخر هو الشبيه والصديق يؤكد اسرتاوس األخر هو أخ لنا يف اإلنسانية . الداللة اللغوية سواء داخل التحديد العريب أو الالتيين جتعل الغري واآلخر هو املخالف و املغاير وان وجد بعض االختالف بني التحديدين حول طبيعة االختالف هل هو كلي ومطلق أم اختالف نوعي وجزئي . أما يف املناولة الفلسفية فان اآلخر والغري يتحدد على حنو دقيق على اعتبار أن الغري هو األنا الذي ليس أنا ،كما حدد ذلك سارتر ،وقد يكون تعريف الغري مسألة غري ممكنة وفق التحديد االرسطي حيث أن الشيء أما أن يكون مطابقا لذاته أو خمالفا هلا . األكيد أن الداللة الفلسفية للمفهوم تضعنا يف مأزق حقيقي وإشكال ،حيث يصبح الغري هو األخر ويف نفس الوقت ليس أخرا ،مطابقا ومغايرا ،فان يكون اآلخر هو األنا الذي ليس أنا معناه التواجد يف قلب اإلشكالية على اعتبار أن األنا يف مدلوله الفلسفي هو الذات املفكرة ،الذات اليت تعي ذاهتا بشكل مباشر عرب آلية الوعي والفكر ،الوعي الذي يؤسس وجود الذات .ومبقابل الذات كأنا عاقلة وفاعلة يوجد ما حييط بالذات أي املوضوعات ( Les objetsما يوجد خارج الذات . ) ob/ je فأالنا ال يكون أبدا أنا إال إذا كان حاضرا أمام ذاته حضورا مباشرا وكان وعيه شخصيا وإراديا، لذا تتحدد مالمح اإلشكال كيف أعي شيئا خارجا عين ،على اعتبار أن اآلخر هو األنا الذي ليس أنا ،وحىت أن عرفته سيصبح اآلخر موضوعا ويفقد صفة اإلنسانية وكيف أعرفه كذات بعد أن أصبح موضوعا يشبه كل املوجودات اجلامدة اليت حتكمها قوانني العطالة ،وليس قوانني اإلرادة والوعي واحلرية .يرافق هذا اإلشكال حول طبيعة معرفة اآلخر ،إشكاال آخر ذو طبيعة تواصلية كيف أتواصل مع من حتول إىل موضوع فقد إرادته وحريته ،وحتول إىل كتلة هالمية ،وكيف يتسىن لإلنسان أن يكسر كل احلواجز والوسائط لتحقيق تواصل أفضل . احملور األول :إشكالية إثبات وجود الغري ،وهل وجوده ضروري لوجودي . إشكالية الغري إشكالية فلسفية حديثة ،أصبحت انشغاال فلسفيا مركزيا خاصة يف حلظة هيجل ، حيث الوعي اخلاص بالذات يرتبط بوجود األخر وفق عالقة صراعية ،غري أن مركزية الغري كموضوع يف الفلسفة احلديثة ،ال يعين غيابه يف اإلنتاج الفلسفي قبل ذلك وميكن استحضار حلظة سقراط وأفـالطون يف سجالهتم الفلسفية مع السوفسطائيني حيث ينظر إليهم من زاوية األخر املغاير ،األخر السليب (. )l’autre négatif حيث حدد أفالطون مسافة اختالف مع السوفسطائي كذات مغايرة ومناقضة لذات الفيلسوف من حيث :الفيلسوف احلق يعترب الوجود احلقيقي كجوهر êtreويبحث عن احلقيقة ،وينشد الفضيلة بعيدا عن املصلحة ،أما األخر املغاير السوفسطائي وفن املنظور األفالطوين فهو احملب للظواهر ،L’apparaîtreومعرفته مرتبطة باملصلحة ،ويهتم باآلراء فهو ليس فيلسوف وإمنا (فيلذوق ). هذه العالقة املتوترة بني الذات واآلخر ستأخذ بعدا مركزيا يف فلسفة هيجل . ميكن إذن ومن داخل هذه النظرة استحضار السؤال املركزي حول طبيعة العالقة بني الذات/ األخر ،حيث هل ميكن اعتبار األخر ضروري لوجود الذات ؟ أم أن وجود األخر هو وجود افرتاضي فقط . تصور ديكارت : ممارسة الشك يعين اخذ مسافة بني الذات واألخر ،وبني الذات وباقي املوضوعات ،فالذات بوصفها ذات مفكرة هلا الثقة العمياء يف قدرهتا العقلية والتأملية لفهم والسيطرة على كل ما يوجد خارجا عنها [ ] OBJETومتثله بشكل شفاف ويقيين ،حيث تصبح الذات العاقلة باعتبارها نورا فطريا وإدراكا هو األساس اليت تتم على أساسه معرفة األشياء اخلارجية فيما فيها اآلخرأطروحة ديكارت R. Descartes سبقت اإلشارة أن فلسفة ديكارت شكلت االنعطافة يف مسرية الفلسفة اإلنسانية حيث اعتربها هيدجر األرض الصلبة le sol ferméالذي ستؤسس عليه الفلسفة احلديثة بنياهنا ،األرض الصلبة لن تكون إال الذات املفكرة le sujet pensantوبالتايل سيكون الكوجيطو " أنا أفكر أنا موجود " " je pense , je suisاألساس املتني واحلقيقة اليقينية األوىل لبناء الفلسفة احلديثة على أساس الذات الفردية من خالل االنطالق من وعي الذات لذاهتا كلحظة يقينية ودون وساطات من أحد ،فالذات قادرة على معرفة ذاهتا جتسيدا " ملبدأ الكوجيطو وعلى اعتباره أنه تعبري عن فعل الوعي الذايت كنشاط حدسي. فإثبات حقيقـة الذات املفكرة متر عرب جتربة الشك ، Douteالشك الـذي يقـود إىل اليقني ،الشك حىت يف املسلمات ،حىت تصل الذات إىل احلقيقة اليقينية األوىل اليت ال تقبل الشك ويف حقيقة الوجود املفكر (األنا املفكر) واعتبارها احلقيقة اليت تفرض نفسها على الفكر والعقل ببداهة ووضوح ،ومن مث يكون وجود األنا املفكر مستقل عن وجود الغري ،لذا يصبح وجود الغري متوقفا على حكم العقل واالحتكام إىل نور العقل باعتباره الضمانة الوحيدة املوصلة حلقيقة دون االعتماد على احلواس أو املالحظة لإلثبات وجود الغري ،ألهنا كثريا ما ختطئ وختدع يقينية العقل وخداع احلواس لذا يقرر ديكارت أن معرفة الغري أو اآلخر هي معرفة عقلية ومتوقفة على شهادة العقل شهادة احلواس . ديكارت يدشن مرحلة وحدانية الذات ( Le solipsismeأنا وحدي موجود) حيث كل ذات تعترب ذاهتا حقيقة مكتفية بذاهتا ،ومتلك يقني وجودها بشكل فردي عرب آلية التفكري ،فاإلنسان يعي ذاته بذاته دون احلاجة إىل وساطات الغري حىت ولو كان هذا الغري مشاهبا يل . الذات يف التصور الديكاريت منعزلة عزلة مطلقة ال تثبت غريها وال حتتاج ال حد أن يثبتها لكن إىل أي مدى ستبقى الذات تعيش يف االستقالل بطويل عن اآلخرين ،أليست الذات يف حاجة إىل اآلخر إلثبات ذاهتا ،أال ميكن احلديث عن الذات اجلماعية بدل الذات الفردية ،احلديث عن حنن بدل احلديث عن األنا . يؤسس ديكارت لتجربة جديدة ،جتربة الذات العارفة اليت متنح لألشياء وجودها أو إلغائه ،فوجود األشياء مرتبط بتجربة التفكري والوعي وممارسة الشك كعملية عقلية ،الشك ممارسة ذاتية ال متارس بالنيابة يعين أن ما يتم تأكيده هو وجود الذات املفكرة وفق مبدأ الكوجيطو أنا أفكر إذن أنا موجود األخر فهو جازا وممكن مادام فعل التفكري ال ميارس بالنيابة نيابة عن األخر لذا فوجوده يتحدد وفق منطق االستدالل باملماثلة مادام يشبهين فهو موجود يأكد ديكارت لو نظرنا إىل الناس من نافذة وهم يتحركون يف الشارع فماذا نرى أكثر من املعاطف والقبعات اليت تكسوا أشباحا أو ناسا باهتني يتحركون بواسطة دوالب ،فجوهر الذات هو الفكر الذي ال يتحقق إال مبمارسة تأملية خاصة ،إذن فوجود اآلخر جائر ذو صبغة افرتاضية . تصور هيجـل : حسب هيكل األخر ضروري لوجود الذات ،مادام اإلنسان يعيش يف عالقة معه اكثر ما يعيش يف فرديته اخلاصة ،فالوعي حسب هيجل هو وعي شقي يتطور وينمو من اجل بلوغ مرحلة االكتمال بطريقة جدلية ،ففي البدء ينحصر إدراك اإلنسان لذاته يف اإلحساس املباشر ما دام غارقا ومنغمسا يف احلياة العضوية ،حيث حيىي بشكل حيواين من خالل غرائزه ومهمته تنحصر يف احلفاظ على حياته اجلسدية يف هذه املرحلة تكون عالقته بالوجود والطبيعة عالقة مباشرة وحسية حيث يلغي كل ما هو مغاير له وال يعرتف إال حبقيقته كذات (مرحلة األطروحة ) ،يف حني اآلخر هو كذلك ميلك حقيقته كذات ،وبعد مرحلة اإلحساس املباشر يعمل اإلنسان على جتاوز هذا الوجود احلسي حني تنتصر رغبته اإلنسانية على رغبته احليوانية ،هو ما يعين أن تصب رغبات الذات على رغبة ذات أخرى وليس على شيء طبيعي هذا الوضع يولد صراعا مع اآلخر من اجل إشباع الرغبة وهو صراع من اجل االعرتاف على اعتبار ان حتقيق الوعي بالذات يعين نفي رغبة اآلخر مادامت الرغبة اإلنسانية ال يتحقق إشباعها إال عن طريق عملية النفي والقضاء على ما ليس " أنا " فاإلنسان يتغدى على الرغبات ،رغبات اآلخرين عكس احليوان الذي يتغدى على األشياء واإلنسان ال يصبح كذلك إال يف حالة انتصار رغبته اإلنسانية ،الرغبة يف السيادة على رغبته احليوانية /الرغبة يف احلياة ،مع العلم أن كل رغبة هي رغبة يف قيمة ما ،فرغبة احليوان تتمثل يف قيمة احلفاظ على قيمته احليوانية /اإلشباع الغريزي ،أما اإلنسان فإنسانيته مشروطة بعنصر املخاطرة برغبته احليوانية /التضحية باجلسد من اجل رغبته اإلنسانية /الرغبة يف السيادة ،لذا تدخل الذوات يف صراع رغبات ،صراع حياة أو موت ،صراع من اجل االعرتاف ،هذا الصراع هو ما ينتجه عنه أو عالقة إنسانية :عالقة السيد والعبد ،املنتصر واملخاطر حبياته احليوانية يصبح سيدا ،أما العبد فريغب يف احلفاظ على حياته من داخل هذه العالقة الصراعية ينشئ الوعي بالسيادة والوعي بالعبودية غري أن املوت الفعلي ال حيقق االعرتاف وإمنا استسالم أحد الطرفني حني يفضل احلياة عن املوت ،فاملنهزم /العبد اختار احلياة بذل املوت ،أما السيد املنتصر فهو الذي اختار احلياة من خالل األقدام على املوت وطلبها والتضحية حبياته /أطلب املوت توهب لك احلياة . إذن ال ميكن للوعي البشري ،الوعي بالذات والوعي باآلخر أن يتشكل إال إذا تواجهت رغبتان على األقل ،حيث كل كائن مستعد أن يذهب إىل ابعد حد إلشباع رغباته والقضاء على رغبات اآلخر ونفيها .وفق هذه العالقة الصراعية ينشئ وعيان :وعي السيادة وعي العبودية . فخالفا للتصور الديكاريت الذي يؤسس وجود الذات على أساس املعرفة ،حيث اإلنسان العارف يبقى سجني االطمئنان السليب ما دام يعي ذاته ويتمثل باقي املوجودات بشكل شفاف ويقيين وفق عملية استداللية تأملية ،أما هيجل فينظر إىل اإلنسان باعتباره كائنا يتغدى على الرغبات وحتقيق الرغبة يدفعه إىل اخلروج من حالة االطمئنان السليب إىل العمل إلشباع رغبته ،وإشباع الرغبات ال يتحقق إال عن طريق النفي ،أي نفي موضوع الرغبة مثال إشباع رغبة اجلوع يعين القضاء ونفي طبق الطعام ،وحتقيق اإلحساس بالسيادة والوعي بالذات كسيد يعين إقصاء وعي اآلخر. احملور الثاين :معـ ــرفــة اآلخ ـ ــر . معرفة اآلخر ممكنة أم مستحيلة ؟ إن طرح السؤال هبذه الصيغة معناه افرتاض قابلية الغري للمعرفة وهو ما يعين اعتبار الغري موضوعا أو شيئا ألن فعل املعرفة هو نشاط دهين متارسه الذات العارفة على موضوع املعرفة ،وهو ما يعين اعتبار اآلخر كشيء أو كموضوع بارد فاقد للخصوصية اإلنسانية ( احلرية – اإلرادة – الوعي ) ،ميكن اإلقرار أن السؤال حول معرفة الغري يطرح إشكاال معرفيا وتواصليا بني الذات واآلخر عموما ميكن استحضار رؤيتني فلسفيتني إلشكال معرفة الغري وكيفية التعامل معه . تصور جون بول سارتر : معرفة الغري كذات غري ممكنة مما يعين ضرورة حتويله إىل موضوع ،والعالقة معه هي عالقة متوترة ومسمومة . حسب سارتر افرتاض معرفة الغري يعين حتويله إىل موضوع والتعامل معه كشيء بارد ال قيمة له فاقد للحرية واإلرادة والوعي ،إذن فمعرفة الذات يف نظر ساتر مشروطة بوجود آخر الذي هو شرط ملعرفة ذايت ،حالة اخلجل مثال حني يكون اإلنسان وحيدا يف حديقة ويتصرف بشكل طبيعي باعتباره مركز العامل ،لكن مبجرد ال يكتشف فردا أخر يراقبه حيس باخلجل ،إذن فالذات اكتشفت خجلها بسبب وجود اآلخر ،وليس لعامل نفسي وذايت ،فالذات يف حاجة إىل األخر لتعرف نفسها " J’ai besoin de la médiation de l’autrui pour être ce " que je suis فعن طريق الرؤية ينكشف الغري ألن وراء نظرته ذات حتكم وتفكر وحني حتكم الذات عن األخر حتوله إىل موضوع ،حيث كل واحد حيول اآلخر ويشيئه بواسطة الرؤية ،لذا فالوعي بالذات عند سارتر يتحدد وفق معيار التمايز عن اآلخر ،الن خصوصية كل وعي تتحدد بقدرته على اخذ املسافة " " se distancierوالرتاجع أمامه " " prendre reculوعدم االلتصاق به " " décoller seفظهور اآلخر أمام الذات يعين حتويله إىل موضوع ،هذه هي اللحظة األوىل للنفي املتبادل ،الذات تنفي الغري ،والغري ينفي الذات ،النفي يعين حتويل آخر إىل موضوع ، حيث كل طرف يريد أن يشغل مركز العامل وحمطة االهتمام وألن الرؤية " " le regardتدفع الذات إىل اخلجل واىل اهلروب من العامل واالحنصار داخل حدود الذات . فاآلخر أو الغري ضروري ملعرفة الذات ( جتربة اخلجل مثال ) لوال اآلخر ملا عرفت الذات خجلها ، إذن فالعالقة بني الذات واآلخر عالقة تشييئية صراعية كل واحد يشيء اآلخر ،هذه العالقة املتوترة بني الطرفني تطرح إشكاال اجتماعيا وأزمة تواصل مع اآلخر الغري اإلنساين م دام موضوعا، فاقد ملا هو إنساين ،لذا يصبح اآلخر يف تصور سارتر مصدر خطر ما دام وجوده يعين حلظة النفي األول للذات مما يولد عالقة متوترة معه وأحيانا عالقة صراعية ما دام اآلخرون هم اجلحيم ، فالتعامل معه واالجتاه إليه عبارة عن فعل بارد تغيب فيه اإلنسانية ،واإلحساس بالتعاطف . فاهلدف من هذه العالقة هو معرفة اآلخر وليس التعرف والتعارف معه ما دام اآلخر غري مؤهل القامة فعل تواصلي حقيقي مع الذات ما دام موضوعا فاقد لإلرادة واحلرية وهو مصدر خطر وغواية ،والعالقة معه هي عالقة دائمة مسمومة ومتوترة . تصور مريلوبونيت :أن العالقة املعرفية املتأزمة والصراعية بني الذات واآلخر ليست هي العالقة الوحيدة واملمكنة ،وبسبب هذه األزمة هو نظرهتا لآلخر من زاوية العقل والفكر واحلساب القائم على التجريد والتقسيم . لذا يؤكد بونيت أن معرفة الغري تقتضي مين التعاطف معه ،الن اآلخر وعي ال أستطيع معرفته إال إذا اعتربته ذات إنسانية حيس ويفكر ويعي مما يعين قناة معرفته تكون عرب التعاطف معه ومشاركته يف أحاسيسه والتفاعل معه يف دائرة ما هو إنساين ،فلكي اعرف وأتعرف على اآلخر علي أوال معرفة ذايت لكي اعي اآلخرين .فمعرفة اآلخرين عن طريق العقل معناه إفقار وجودهم وتشيئهم حيدد بونيت نظرة جديدة ملعرفة اآلخر ،أو باألحرى التعرف عليه ليس من قناة املعرفة وإمنا عن طريق التواصل والتفاعل واملشاركة احلية من خالل االنفتاح على الغري،الن العامل ليس هو ما أفكر فيه ،لكن هو ما أعيشه . تصور جيل دولوز Jill Deleuze الغري يف رأي دولوز هو بنية Structureأو نظام العالقات والتفاعالت بني األفراد كأغيار، فاإلنسان يف عالقته بالواقع حسب دولوز حياول تنظيم واقعه وادراك مكوناته من مجيع اجلهات، وهو ما يفرتض وجود اآلخرين ليدركوا مامل تستطع الذات إدراكه فما ال أستطيع إدراكه يصبح مرئيا من طرف الغري ،وبالتايل يصبح الغري هو بنية إدراكي ألنه يشاركين إدراك األشياء ويكمل إدراكي هلا وكأنه يوجد كهامش على جمال إدراكي كمجال ممكن ،أما مسألة غياب اآلخر فمعناه تطابق الوعي باملوضوع وبذلك ختتفي إمكانية اخلطأ ليس ألن اآلخر يشكل حمكمة الواقع إمنا غياب اآلخر جيعل الوعي يلتصق باملوضوع وينطبق معه . احملور الثالث العالقة مع الغري: سبق التأكيد على أن العالقة بني الذات والغري هي عالقة مركبة ومعقدة الن مضمون هذه العالقة يرتاوح بني الصداقة والكراهية ،احلب والعداوة ،التعصب والتسامح الوفاء واخليانة ،إمجاال ميكن احلديث عن منوذجني هلذه العالقة :العالقة اإلجيابية ،العالقة السلبية وبالتايل نتساءل ملاذا يرتبط األنا باآلخر برباط الصداقة هل نباءا على غاية أم اعتباره غاية يف ذاته أم ألنه يشبهنا أم هو ضدنا ؟ أم هو مفيد لنا ...ويف نفس الوقت ملاذا نرفض اآلخر وحناول إقصاءه وتكون عالقتنا معه عالقة صدام وكراهية ؟ معاجلة هذا اإلشكال من خالل التصورات الفلسفية اآلتية : يؤكد مالربانش :اكرب عقاب يل هو أن أعيش وحيدا يف اجلنة ،فاإلنسان كائن اجتماعي حيي وفق جتربة العيش املشرتك كتجربة أساسية متيز العيش اإلنساين ،فاإلنسان يف نظر ارسطو كائن سياسي يعيش مع األخر جتربة التمدن مادامت جتربة الوحدة جتربة قاسية تفرض على الذات كعقوبة، السجن االنفرادي أو النفي مثال ،فتجربة العيش املشرتك أو التمدن تعين أن يكون الفرد مدنيا حيي حياة اجتماعية وحيرتم قوانني املدينة ويدافع عليها ويؤسس لعالقة الصداقة كفعل وكاختيار واعي لذات باألخر يف عالقتها باألخر ،غري أن الواقع االجتماعي واليومي يربز أن العالقات االجتماعية ليست هي عالقة احرتام وتضامن كثريا ما يصبح العنف واإلقصاء والكراهية هي أساس العالقات والتعامل اإلنساين عموما ميكن رصد منوذجني هلذه العالقة :العالقة اإلجابة الصداقة ،العالقة السلبية الغرابة التصور األول العالقة اإلجابة مع األخر الصداقة منوذجا . تصور أفالطون : يناقش أفالطون العالقة مع األخر من خالل استحضار كل الصور املمكنة بني األنا واألخر يف حماورة أفالطون ليزيس Lysisاملخصص لبحث الصداقة ينطلق من فرضيات حيث أما أن يكون أساس الصداقة التشابه أو التضاد أو أن تكون الصداقة هي حالة وجودية وسطى بعد إقصاء االحتمالني يقر أن أساس الصداقة هو حالة وجودية بني الكمال املطلق والنقص املطلق ،الن من يتصف بالكمال املطلق ال حيتاج إىل اآلخر ومن يتصف بالشر املطلق تنتفي فيه الرغبة لفعل اخلري، لذا فالصديق هو من حياول البحث عن اخلري والكمال والن الصداقة هي حمبة متبادلة بني األنا والغري ،فاألنا يبحث يف الغري عما يكمله. فاملطلق يكون يف حالة اكتفاء وال حيتاج إىل الغري أما الصداقة فهي فعل حبت عن جري اكرب وكمال أمسى بالتايل فهي عالقة حمبة متبادلة بني األخر واالنا تتجه حنو كسب مزيدا بني اخلري واحملبة ،واحملبة هي وسيلة لرتبية الروح على التأمل وحب التفكري واالنتقال من تأمل اجلسم إىل تأمل األفكار اجلميلة ومنها إىل الفعال اجلميلة . تصور ارسطو: ينضر ارسطو إىل الصداقة كقيمة عملية وجتربة مشرتكة بني أناس فضالء تعاش داخل املدينة فهي فعل واقعي ال تقوم على الفالطوين أي تربية النفس على حب األفكار ،وقد حدد ارسطو ثالثة أنواع لصداقة . الصداقة املبنية على املنفعة والصداقة املبنية على املتعة وهدا النموذجني مؤقتني وسريعي الزوال تزول الصداقة بزوال املنفعة أو املتعة ،أما الصداقة احلقيقة فهي صداقة الفضيلة ،ألهنا تقوم على حمبة اخلري واجلمال لذاته أوال ،مث حمبة اخلري ألصدقائه ثانيا هذا النوع من الصداقة نادر جدا وتكوينه حيتاج ملدة طويلة قد حنب الطبيب ليس لشخصه ولكن لطبه حمبة منفعة فالصداقة يف نظر ارسطو هي ممارسة فعل احملبة باعتباره القرار احلر االختيار احلر بالعيش مع األخر. L’AMITIE C’EST LE CHOIX LIBRE D’ETRE ENSEMBLE ,C’EST LE CHOIX QUI FOND LA COMMUNITE POLITIQUE فالصداقة تعين فعـل املشاركـة واقتسـام جتربة حياة مشرتكة بلحظاهتـا السعيدة واحلزينة AIMER C’EST PARTAGERبذلك تصبح الصداقة هي أساس بناء اجملتمع مرتابط ومنسجم ، حتقيقها يشرتط وجود األخر احملب للخري ،وليس األخر الشرير إهنا مساعدة األخر على الوجود أما الكراهية فهي إقصاء األخر أو حىت العمل على إفنائه ،حب األخر لشخصه مساعدته على الوجود وحب احلياة والعيش ومشاركته منط حياته الفاضلة ،االستمتاع معه وحتمل املعاناة معه. غري انه جيب اإلشارة إىل أن الصداقة مع األخر ال تتحقق إال بوجود ذات فاضلة الن الشرير ال ميكن أن يصادق أحدا مادام يتصرف حتت توجيه رغباته ،يعيش اضطرابا يف سلوكه أما اإلنسان الفاضل فهو الذي يتصرف مبنطق العقل حيب اخلري لذاته كما حيب اخلري لصديق . العالقة السلبية مع األخر الغرابة منوذجا :والتصرف مبنطق اهلوية املعلقة . مثة رؤية فلسفية تنظر إىل األخر باعتباره مصدر شر وخطر يهدد وجود الذات مما يعين وجود عالقة متوترة بني األنا والغري /عالقة مسمومة. نستحضر هذه االستشهادات : -ال أحد يولد عادال . -اإلنسان ذئب الخيه اإلنسان هوبز -االمسان الكبرية خلقت لتآكل االمسان الصغرية حماورة غلوكون -ال منارس العدالة إال رغما عنا حماورة غلوكون -اآلخرون هم اجلحيم سارتر إن معىن أن نعيش هو جوهريا أن ننهب وجنرح ونعتدي على الضعيف والغريب .نيتشه تضعنا هذه االستشهادات املوزعة على مساحة الفكر الفلسفي أمام إشكالية العالقة املتوترة مع األخر باعتباره مصدر خطر وغواية لدا يصبح العنف واإلقصاء الطريق األمثل لتعامل معه . إذن النظر إىل األخر كغريب يعين التعامل معه مبنطق اهلوية املغلقة حيث اعتباره عدوا خيالف ويهدد وحدة ومتاسك اجلماعة باعتباره كائن غريب ،لذا احلفاظ على وحدة اجلماعة ومتاسكها يستدعي معاداته واحلذر منه . الغرابة إذن يف إطار العال قات االجتماعية املتداولة شعور قد تدفع األنا الفردية أو اجلماعية إىل إقصاء الغري أو تدمريه أو الشعور بالعدوانية جتاهه أو على األقل مقابلته بالالمباالة والتهميش .أن الدوافع حنو الغريب هي يف الغالب دوافع سلبية .إهنا تلك املواجهة الدائمة اليت تؤدي إىل دابة االختالف لصاحل الذات ،فالتعامل مبنطق اهلوية املغلقة يعين اعتبار األخر الغريب خصم وعدو جيب حماربته والقضاء عليه وهو ما يولد توترا وصراعا يف العالقات اإلنسانية . تصور جوليا كريستيفا . Julia Kristéva الغريب أو اآلخر يف حتديد كريستيفا يتحدد بكونه ليس ذلك القادم من بعيد L’étrangerومن خارج اجلماعة والذي يهدد وحدة ومتاسك وانسجام هذه اجلماعة ،فوحدة اجلماعة وانسجامها ليس سوى مظهرا عاما خيفي وراءه تناقضات داخلية ...فاجلماعة تضم غرباء من داخلها قبل أن يأيت الغريب اخلارجي املغاير ثقافيا ودينيا وعرقيا .وهو ما يفيد التعامل مع األخر الغريب مبنطق اهلوية املنفتحة على اعتبار ثقافة األخر تغين ثقافيت ،وتعدد الثقافات إغناء للتجربة البشرية . تصور كريستيفا يطرح قضية يف غاية األمهية وهي التأكيد على الطابع املفتوح للمجتمعات املتطورة ،فالتطور يقاس بقدر التسامح واالحرتام لكل اخلصوصيات ،كما سيؤكد ذلك ال حقا سرتاوت .