You are on page 1of 14

‫‪1‬‬

‫الغري‬

‫الفرفار العياشي‬

‫أكرب عقاب يل أن أعيش وحيدا يف اجلنة مالربانش‬

‫مع الوعي بالذات هاحنن يف األرض اليت هبا مولد احلقيقة هيجل‬

‫اإلنسان كائن خيتلف اختالف‪1‬ا كلي‪1‬ا عن احلي‪1‬وان ال‪1‬ذي ال يتخطى جمرد اإلحس‪1‬اس بال‪1‬ذات‪ ،‬فاإلنس‪1‬ان‬
‫يعي ذات‪11‬ه يف اللحظ‪11‬ة ال‪11‬يت يق‪11‬ول فيه‪11‬ا " أن‪11‬ا " حبس‪11‬ب تص‪11‬ور هيج‪11‬ل‪ ،‬وه‪11‬و م‪11‬ا يع‪11‬ين اإلحس‪11‬اس ب‪11‬التفرد‬
‫والتمايز عن باقي املوجودات مبا فيه‪1‬ا األخ‪1‬ر س‪1‬واء ك‪1‬ان ش‪1‬بيها أو غريب‪1‬ا عن ال‪1‬ذات ف‪1‬الواقع البش‪1‬ري‬
‫ه ‪11‬و واق ‪11‬ع اجتم ‪11‬اعي ‪ ،‬حيث اإلنس ‪11‬ان يعيش جترب ‪11‬ة احلي ‪11‬اة املش ‪11‬رتكة م ‪11‬ع األخ ‪11‬ر م ‪11‬ادام اإلنس ‪11‬ان كائن ‪11‬ا‬
‫اجتماعي‪11 1‬ا‪ ،‬ال يول‪11 1‬د اإلنس‪11 1‬ان إنس‪11 1‬انا وإمنا يص‪11 1‬بح ك‪11 1‬ذلك ‪ ،‬فح‪11 1‬ىت احلمقى واجملانني يش‪11 1‬اركوننا يف‬
‫االنتماء لإلنسانية ‪ ،‬إننا لسنا وحدنا يف هذا العامل فاألخر موج‪1‬ود معن‪1‬ا ح‪1‬ىت ول‪1‬و ك‪1‬ان بعي‪1‬دا عن‪1‬ا إن‪1‬ه‬
‫م ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ا دام يش ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬غل ح ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬يزا من تفكرين ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ا ‪.‬‬
‫إذن كي ‪11‬ف تتح ‪11‬دد العالق ‪11‬ة بني ال ‪11‬ذات واألخ ‪11‬ر‪ ،‬وه ‪11‬ل األخ ‪11‬ر ض ‪11‬روري لوج ‪11‬ود ال ‪11‬ذات‪ ،‬وم ‪11‬ا طبيع ‪11‬ة‬
‫العالقة املفرتضة مع هذا األخر هل هي عالقة تعايش س‪1‬لمي أم عالق‪1‬ة ص‪1‬راع ‪ ،‬أس‪1‬ئلة أساس‪1‬ية توج‪1‬ه‬
‫مسائلتنا هلذا املوضوع ‪.‬‬

‫دالالت املفهوم ‪:‬‬

‫تتحدد داللة الغ‪1‬ري يف الفهم الش‪1‬ائع يف اآلخ‪1‬ر ‪ ،‬أو اآلخ‪1‬رين ال‪1‬ذين خيتلف‪1‬ون ع‪1‬ين اعتم‪1‬ادا على مقي‪1‬اس‬
‫‪2‬‬

‫حمدد‪ ،‬فالغري هو املخالف يل واملختلف عين حسب معيار اجلنس أو العرق‪ ،‬الدين ‪ ،‬الثقافة ‪ ،‬اللغ‪1‬ة ‪،‬‬
‫ف ‪11‬اآلخر أو الغ ‪11‬ري ه ‪11‬و ذل ‪11‬ك ال ‪11‬ذي ال يش ‪11‬اركين نفس االنتم ‪11‬اء الثق ‪11‬ايف‪ ،‬احلض ‪11‬اري‪ ،‬والع ‪11‬رقي وب ‪11‬ذلك‬
‫فدالل ‪11 1 1 1‬ة الغ ‪11 1 1 1‬ري يف التمث ‪11 1 1 1‬ل الش ‪11 1 1 1‬ائع واملش ‪11 1 1 1‬رتك تتح ‪11 1 1 1‬دد مبع ‪11 1 1 1‬ىن الس ‪11 1 1 1‬لب‪ ،‬اآلخ ‪11 1 1 1‬ر ليس ال ‪11 1 1 1‬ذات ‪.‬‬
‫يقدم " لسان العرب " البن منظور حتديدا لغويا للغري حيث الغري مشتق من التغ‪1‬ري وتغ‪1‬ايرت األش‪1‬ياء‬
‫أي اختلفت‪ ،‬حتديد يكرس نفس الفهم املتداول على اعتبار أن اآلخر أو الغري هو املخالف واملب‪11‬اين‪.‬‬
‫أم‪11‬ا معجم روب‪11‬ري ف‪11‬األخر يتح‪11‬دد بكون‪11‬ه " من ليس نفس الش‪11‬خص " ‪ .‬غ‪11‬ري أن ه‪11‬ذا التحدي‪11‬د الس‪11‬ليب‬
‫لألخر باعتباره املغاير واملختل‪1‬ف عن األن‪1‬ا يبقى حتدي‪1‬دا جمردا غ‪1‬ري ملم‪1‬وس‪ ،‬ال يش‪1‬ري إىل ف‪1‬رد بعين‪1‬ه أو‬
‫مجاع‪11‬ة معين‪11‬ة حيث يتم حص‪11‬ر األخ‪11‬ر يف الغ‪11‬ريب ‪ ،‬املغ‪11‬اير ‪ ،‬البعي‪11‬د ‪ ،‬األجن‪11‬يب وك‪11‬ل من ال يش‪11‬اركين‬
‫نفس اهلوية‪ ،‬وتتحدد عالقة الذات باألخر وفق معيار العالقة القائمة بينهم‪11‬ا ونظ‪11‬رة أح‪11‬دمها لألخ‪11‬ر ‪،‬‬
‫ق ‪11‬د تأخ ‪11‬ذ ه ‪11‬ذه العالق ‪11‬ة طابع ‪11‬ا ص ‪11‬راعيا ( العن ‪11‬ف ‪ ،‬الس ‪11‬خرية ‪ ،‬امليز العنص ‪11‬ري ‪ ،‬التط ‪11‬رف ال ‪11‬ديين ‪،‬‬
‫التعصب العرقي ‪ ،‬الصراع االجتماعي ) وقد تكون العالق‪1‬ة عالق‪1‬ة تض‪1‬امن وتع‪1‬ايش م‪1‬ادام األخ‪1‬ر ه‪1‬و‬
‫الشبيه والصديق يؤكد اسرتاوس األخر هو أخ لنا يف اإلنسانية ‪.‬‬

‫الداللة اللغوية سواء داخل التحديد العريب أو الالتي‪1‬ين جتع‪1‬ل الغ‪1‬ري واآلخ‪1‬ر ه‪1‬و املخ‪1‬الف و املغ‪1‬اير وان‬
‫وج ‪11‬د بعض االختالف بني التحدي ‪11‬دين ح ‪11‬ول طبيع ‪11‬ة االختالف ه ‪11‬ل ه ‪11‬و كلي ومطل ‪11‬ق أم اختالف‬
‫نوعي وجزئي ‪.‬‬

‫أما يف املناول‪1‬ة الفلس‪1‬فية ف‪1‬ان اآلخ‪1‬ر والغ‪1‬ري يتح‪1‬دد على حنو دقي‪1‬ق على اعتب‪1‬ار أن الغ‪1‬ري ه‪1‬و األن‪1‬ا ال‪1‬ذي‬
‫ليس أنا‪ ،‬كما حدد ذلك سارتر‪ ،‬وقد يكون تعريف الغري مسألة غري ممكن‪11‬ة وف‪11‬ق التحدي‪11‬د االرس‪11‬طي‬
‫حيث أن الش ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬يء أم ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ا أن يك ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ون مطابق ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ا لذات ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ه أو خمالف ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ا هلا ‪.‬‬
‫األكيد أن الداللة الفلسفية للمفهوم تضعنا يف مأزق حقيقي وإشكال ‪،‬حيث يصبح الغ‪11‬ري ه‪11‬و األخ‪11‬ر‬
‫ويف نفس ال ‪11‬وقت ليس أخ ‪11‬را‪ ،‬مطابق ‪11‬ا ومغ ‪11‬ايرا ‪ ،‬ف ‪11‬ان يك ‪11‬ون اآلخ ‪11‬ر ه ‪11‬و األن ‪11‬ا ال ‪11‬ذي ليس أن ‪11‬ا معن ‪11‬اه‬
‫التواجد يف قلب اإلش‪1‬كالية على اعتب‪1‬ار أن األن‪1‬ا يف مدلول‪1‬ه الفلس‪1‬في ه‪1‬و ال‪1‬ذات املفك‪1‬رة‪ ،‬ال‪1‬ذات ال‪1‬يت‬
‫تعي ذاهتا بشكل مباشر عرب آلية الوعي والفكر‪ ،‬الوعي الذي يؤسس وج‪1‬ود ال‪1‬ذات‪ .‬ومبقاب‪1‬ل ال‪1‬ذات‬
‫‪3‬‬

‫كأنا عاقلة وفاعلة يوجد ما حييط بالذات أي املوضوعات‪ ( Les objets‬م‪11‬ا يوج‪1‬د خ‪1‬ارج ال‪11‬ذات‬
‫‪. ) ob/ je‬‬

‫فأالنا ال يكون أبدا أنا إال إذا كان حاض‪1‬را أم‪1‬ام ذات‪1‬ه حض‪1‬ورا مباش‪1‬را وك‪1‬ان وعي‪1‬ه شخص‪1‬يا وإرادي‪1‬ا‪،‬‬
‫لذا تتحدد مالمح اإلشكال كيف أعي شيئا خارجا عين‪ ،‬على اعتبار أن اآلخ‪1‬ر ه‪1‬و األن‪1‬ا ال‪1‬ذي ليس‬
‫أن‪1‬ا ‪ ،‬وح‪1‬ىت أن عرفت‪1‬ه سيص‪1‬بح اآلخ‪1‬ر موض‪1‬وعا ويفق‪1‬د ص‪1‬فة اإلنس‪1‬انية وكي‪1‬ف أعرف‪1‬ه ك‪1‬ذات بع‪1‬د أن‬
‫أص‪11‬بح موض‪11‬وعا يش‪11‬به ك‪11‬ل املوج‪11‬ودات اجلام‪11‬دة ال‪11‬يت حتكمه‪11‬ا ق‪11‬وانني العطال‪11‬ة‪ ،‬وليس ق‪11‬وانني اإلرادة‬
‫وال‪11‬وعي واحلري‪11‬ة‪ .‬يراف‪11‬ق ه‪11‬ذا اإلش‪11‬كال ح‪11‬ول طبيع‪11‬ة معرف‪11‬ة اآلخ‪11‬ر‪ ،‬إش‪11‬كاال آخ‪11‬ر ذو طبيع‪11‬ة تواص‪11‬لية‬
‫كي ‪11‬ف أتواص ‪11‬ل م ‪11‬ع من حتول إىل موض ‪11‬وع فق ‪11‬د إرادت ‪11‬ه وحريت ‪11‬ه‪ ،‬وحتول إىل كتل ‪11‬ة هالمي ‪11‬ة‪ ،‬وكي ‪11‬ف‬
‫يتس ‪11 1 1 1 1 1 1‬ىن لإلنس ‪11 1 1 1 1 1 1‬ان أن يكس ‪11 1 1 1 1 1 1‬ر ك ‪11 1 1 1 1 1 1‬ل احلواجز والوس ‪11 1 1 1 1 1 1‬ائط لتحقي ‪11 1 1 1 1 1 1‬ق تواص ‪11 1 1 1 1 1 1‬ل أفض ‪11 1 1 1 1 1 1‬ل ‪.‬‬
‫احملور األول ‪ :‬إش‪11 1 1 1 1 1‬كالية إثب‪11 1 1 1 1 1‬ات وج‪11 1 1 1 1 1‬ود الغ‪11 1 1 1 1 1‬ري ‪ ،‬وه‪11 1 1 1 1 1‬ل وج‪11 1 1 1 1 1‬وده ض‪11 1 1 1 1 1‬روري لوج‪11 1 1 1 1 1‬ودي ‪.‬‬
‫إش‪11‬كالية الغ‪11‬ري إش‪11‬كالية فلس‪11‬فية حديث‪11‬ة‪ ،‬أص‪11‬بحت انش‪11‬غاال فلس‪11‬فيا مركزي‪11‬ا خاص‪11‬ة يف حلظ‪11‬ة هيج‪11‬ل ‪،‬‬
‫حيث ال ‪11‬وعي اخلاص بال ‪11‬ذات يرتب ‪11‬ط بوج ‪11‬ود األخ ‪11‬ر وف ‪11‬ق عالق ‪11‬ة ص ‪11‬راعية ‪ ،‬غ ‪11‬ري أن مركزي ‪11‬ة الغ ‪11‬ري‬
‫كموضوع يف الفلسفة احلديثة‪ ،‬ال يعين غياب‪1‬ه يف اإلنت‪1‬اج الفلس‪1‬في قب‪1‬ل ذل‪1‬ك وميكن استحض‪1‬ار حلظ‪1‬ة‬
‫س ‪11‬قراط وأفـالطون يف س ‪11‬جالهتم الفلس ‪11‬فية م ‪11‬ع السوفس ‪11‬طائيني حيث ينظ ‪11‬ر إليهم من زاوي ‪11‬ة األخ ‪11‬ر‬
‫املغاير‪ ،‬األخر السليب (‪. )l’autre négatif‬‬

‫حيث ح‪11‬دد أفالط‪11‬ون مس‪11‬افة اختالف م‪11‬ع السوفس‪11‬طائي ك‪11‬ذات مغ‪11‬ايرة ومناقض‪11‬ة ل‪11‬ذات الفيلس‪11‬وف‬
‫من حيث ‪:‬الفيلس‪11 1‬وف احلق يعت‪11 1‬رب الوج‪11 1‬ود احلقيقي كج‪11 1‬وهر ‪ être‬ويبحث عن احلقيق‪11 1‬ة‪ ،‬وينش‪11 1‬د‬
‫الفض ‪11‬يلة بعي ‪11‬دا عن املص ‪11‬لحة‪ ،‬أم ‪11‬ا األخ ‪11‬ر املغ ‪11‬اير السوفس ‪11‬طائي وفن املنظ ‪11‬ور األفالط ‪11‬وين فه ‪11‬و احملب‬
‫للظ ‪11‬واهر ‪ ،L’apparaître‬ومعرفت ‪11‬ه مرتبط ‪11‬ة باملص ‪11‬لحة ‪ ،‬ويهتم ب ‪11‬اآلراء فه ‪11‬و ليس فيلس ‪11‬وف وإمنا‬
‫(فيلذوق )‪.‬‬

‫ه‪11 1 1 1 1‬ذه العالق‪11 1 1 1 1‬ة املت‪11 1 1 1 1‬وترة بني ال‪11 1 1 1 1‬ذات واآلخ‪11 1 1 1 1‬ر س‪11 1 1 1 1‬تأخذ بع‪11 1 1 1 1‬دا مركزي‪11 1 1 1 1‬ا يف فلس‪11 1 1 1 1‬فة هيج‪11 1 1 1 1‬ل ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ميكن إذن ومن داخ ‪11‬ل ه ‪11‬ذه النظ ‪11‬رة استحض ‪11‬ار الس ‪11‬ؤال املرك ‪11‬زي ح ‪11‬ول طبيع ‪11‬ة العالق ‪11‬ة بني ال ‪11‬ذات‪/‬‬
‫األخ ‪11‬ر ‪ ،‬حيث ه ‪11‬ل ميكن اعتب ‪11‬ار األخ ‪11‬ر ض ‪11‬روري لوج ‪11‬ود ال ‪11‬ذات ؟ أم أن وج ‪11‬ود األخ ‪11‬ر ه ‪11‬و وج ‪11‬ود‬
‫افرتاضي فقط ‪.‬‬

‫تصور ديكارت ‪:‬‬

‫ممارس ‪11‬ة الش ‪11‬ك يع ‪11‬ين اخ ‪11‬ذ مس ‪11‬افة بني ال ‪11‬ذات واألخ ‪11‬ر‪ ،‬وبني ال ‪11‬ذات وب ‪11‬اقي املوض ‪11‬وعات‪ ،‬فال ‪11‬ذات‬
‫بوصفها ذات مفكرة هلا الثقة العمياء يف قدرهتا العقلية والتأملي‪11‬ة لفهم والس‪11‬يطرة على ك‪11‬ل م‪11‬ا يوج‪11‬د‬
‫خارج‪11‬ا عنه‪11‬ا [ ‪ ] OBJET‬ومتثل‪11‬ه بش‪11‬كل ش‪11‬فاف ويقي‪11‬ين‪ ،‬حيث تص‪11‬بح ال‪11‬ذات العاقل‪11‬ة باعتباره‪11‬ا‬
‫ن ‪11 1‬ورا فطري ‪11 1‬ا وإدراك ‪11 1‬ا ه ‪11 1‬و األس ‪11 1‬اس ال ‪11 1‬يت تتم على أساس ‪11 1‬ه معرف ‪11 1‬ة األش ‪11 1‬ياء اخلارجي ‪11 1‬ة فيم ‪11 1‬ا فيه ‪11 1‬ا‬
‫اآلخرأطروحة ديكارت ‪R. Descartes‬‬

‫س‪11‬بقت اإلش‪11‬ارة أن فلس‪11‬فة ديك‪11‬ارت ش‪11‬كلت االنعطاف‪11‬ة يف مس‪11‬رية الفلس‪11‬فة اإلنس‪11‬انية حيث اعتربه‪11‬ا‬
‫هي ‪11‬دجر األرض الص ‪11‬لبة ‪ le sol fermé‬ال ‪11‬ذي ستؤس ‪11‬س علي ‪11‬ه الفلس ‪11‬فة احلديث ‪11‬ة بنياهنا ‪ ،‬األرض‬
‫الصلبة لن تكون إال الذات املفكرة ‪ le sujet pensant‬وبالت‪1‬ايل س‪1‬يكون الكوجيط‪1‬و " أن‪1‬ا أفك‪1‬ر‬
‫أنا موجود " ‪ " je pense , je suis‬األساس املتني واحلقيقة اليقينية األوىل لبناء الفلسفة احلديثة‬
‫على أس‪11 1 1‬اس ال‪11 1 1‬ذات الفردي‪11 1 1‬ة من خالل االنطالق من وعي ال‪11 1 1‬ذات ل‪11 1 1‬ذاهتا كلحظ‪11 1 1‬ة يقيني‪11 1 1‬ة ودون‬
‫وساطات من أحد‪ ،‬فالذات قادرة على معرفة ذاهتا جتسيدا " ملبدأ الكوجيطو وعلى اعتباره أنه تعبري‬
‫عن فع ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ل ال ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬وعي ال ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ذايت كنش ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬اط حدس ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ي‪.‬‬
‫فإثبات حقيقـة الذات املفكرة متر عرب جتربة الشك ‪ ، Doute‬الشك الـذي يقـود إىل اليقني‪ ،‬الشك‬
‫ح ‪11‬ىت يف املس ‪11‬لمات‪ ،‬ح ‪11‬ىت تص ‪11‬ل ال ‪11‬ذات إىل احلقيق ‪11‬ة اليقيني ‪11‬ة األوىل ال ‪11‬يت ال تقب ‪11‬ل الش ‪11‬ك ويف حقيق ‪11‬ة‬
‫الوج ‪11‬ود املفك ‪11‬ر (األن ‪11‬ا املفك ‪11‬ر) واعتباره ‪11‬ا احلقيق ‪11‬ة ال ‪11‬يت تف ‪11‬رض نفس ‪11‬ها على الفك ‪11‬ر والعق ‪11‬ل ببداه ‪11‬ة‬
‫ووضوح ‪ ،‬ومن مث يكون وجود األنا املفكر مستقل عن وجود الغري‪ ،‬لذا يصبح وج‪1‬ود الغ‪1‬ري متوقف‪1‬ا‬
‫على حكم العقل واالحتكام إىل نور العقل باعتباره الض‪11‬مانة الوحي‪11‬دة املوص‪11‬لة حلقيق‪11‬ة دون االعتم‪11‬اد‬
‫‪5‬‬

‫على احلواس أو املالحظ‪11‬ة لإلثب‪11‬ات وج‪11‬ود الغ‪11‬ري‪ ،‬ألهنا كث‪11‬ريا م‪11‬ا ختطئ وختدع يقيني‪11‬ة العق‪11‬ل وخ‪11‬داع‬
‫احلواس ل‪11‬ذا يق‪11‬رر ديك‪11‬ارت أن معرف‪11‬ة الغ‪11‬ري أو اآلخ‪11‬ر هي معرف‪11‬ة عقلي‪11‬ة ومتوقف‪11‬ة على ش‪11‬هادة العق‪11‬ل‬
‫شهادة احلواس ‪.‬‬

‫ديكارت يدشن مرحلة وحدانية الذات ‪ ( Le solipsisme‬أنا وحدي موجود) حيث ك‪1‬ل ذات‬
‫تعت‪11‬رب ذاهتا حقيق‪11‬ة مكتفي‪11‬ة ب‪11‬ذاهتا ‪ ،‬ومتل‪1‬ك يقني وجوده‪11‬ا بش‪11‬كل ف‪11‬ردي ع‪11‬رب آلي‪11‬ة التفك‪11‬ري ‪ ،‬فاإلنس‪11‬ان‬
‫يعي ذات ‪11 1 1‬ه بذات ‪11 1 1‬ه دون احلاج ‪11 1 1‬ة إىل وس ‪11 1 1‬اطات الغ ‪11 1 1‬ري ح ‪11 1 1‬ىت ول ‪11 1 1‬و ك ‪11 1 1‬ان ه ‪11 1 1‬ذا الغ ‪11 1 1‬ري مش ‪11 1 1‬اهبا يل ‪.‬‬
‫الذات يف التصور الديكاريت منعزلة عزلة مطلقة ال تثبت غريه‪1‬ا وال حتت‪1‬اج ال ح‪1‬د أن يثبته‪1‬ا لكن إىل‬
‫أي م ‪11‬دى س ‪11‬تبقى ال ‪11‬ذات تعيش يف االس ‪11‬تقالل بط ‪11‬ويل عن اآلخ ‪11‬رين ‪ ،‬أليس ‪11‬ت ال ‪11‬ذات يف حاج ‪11‬ة إىل‬
‫اآلخ‪11‬ر إلثب‪11‬ات ذاهتا‪ ،‬أال ميكن احلديث عن ال‪11‬ذات اجلماعي‪11‬ة ب‪11‬دل ال‪11‬ذات الفردي‪11‬ة ‪ ،‬احلديث عن حنن‬
‫بدل احلديث عن األنا ‪.‬‬

‫يؤسس ديكارت لتجربة جديدة ‪ ،‬جتربة الذات العارفة اليت متنح لألشياء وجودها أو إلغائ‪11‬ه‪ ،‬فوج‪11‬ود‬
‫األشياء مرتبط بتجربة التفكري والوعي وممارسة الشك كعملية عقلي‪11‬ة‪ ،‬الش‪11‬ك ممارس‪11‬ة ذاتي‪11‬ة ال متارس‬
‫بالنياب ‪11‬ة يع ‪11‬ين أن م ‪11‬ا يتم تأكي ‪11‬ده ه ‪11‬و وج ‪11‬ود ال ‪11‬ذات املفك ‪11‬رة وف ‪11‬ق مب ‪11‬دأ الكوجيط ‪11‬و أن ‪11‬ا أفك ‪11‬ر إذن أن ‪11‬ا‬
‫موج‪11‬ود األخ‪11‬ر فه‪11‬و ج‪11‬ازا وممكن م‪11‬ادام فع‪11‬ل التفك‪11‬ري ال ميارس بالنياب‪11‬ة نياب‪11‬ة عن األخ‪11‬ر ل‪11‬ذا فوج‪11‬وده‬
‫يتحدد وفق منطق االستدالل باملماثلة مادام يشبهين فهو موجود يأكد ديكارت ل‪11‬و نظرن‪11‬ا إىل الن‪11‬اس‬
‫من نافذة وهم يتحركون يف الشارع فماذا نرى أكثر من املعاطف والقبعات اليت تكس‪11‬وا أش‪11‬باحا أو‬
‫ناس ‪11‬ا ب ‪11‬اهتني يتحرك ‪11‬ون بواس ‪11‬طة دوالب ‪ ،‬فج ‪11‬وهر ال ‪11‬ذات ه ‪11‬و الفك ‪11‬ر ال ‪11‬ذي ال يتحق ‪11‬ق إال مبمارس ‪11‬ة‬
‫تأملي ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ة خاص ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ة‪ ،‬إذن فوج ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ود اآلخ ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ر ج ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ائر ذو ص ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬بغة افرتاض ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ية ‪.‬‬
‫تصور هيجـل ‪:‬‬

‫حسب هيكل األخر ضروري لوجود الذات ‪ ،‬مادام اإلنسان يعيش يف عالقة معه اك‪11‬ثر م‪11‬ا يعيش يف‬
‫فرديته اخلاصة‪ ،‬فالوعي حسب هيجل هو وعي شقي يتطور وينمو من اجل بل‪1‬وغ مرحل‪1‬ة االكتم‪1‬ال‬
‫‪6‬‬

‫بطريقة جدلية‪ ،‬ففي البدء ينحصر إدراك اإلنسان لذاته يف اإلحس‪11‬اس املباش‪11‬ر م‪11‬ا دام غارق‪11‬ا ومنغمس‪11‬ا‬
‫يف احلي ‪11‬اة العض ‪11‬وية‪ ،‬حيث حيىي بش ‪11‬كل حي ‪11‬واين من خالل غرائ ‪11‬زه ومهمت ‪11‬ه تنحص ‪11‬ر يف احلف ‪11‬اظ على‬
‫حيات‪11‬ه اجلس‪11‬دية يف ه‪11‬ذه املرحل‪11‬ة تك‪11‬ون عالقت‪11‬ه ب‪11‬الوجود والطبيع‪11‬ة عالق‪11‬ة مباش‪11‬رة وحس‪11‬ية حيث يلغي‬
‫كل ما هو مغاير له وال يعرتف إال حبقيقته كذات (مرحل‪1‬ة األطروح‪1‬ة )‪ ،‬يف حني اآلخ‪1‬ر ه‪1‬و ك‪1‬ذلك‬
‫ميلك حقيقته كذات ‪ ،‬وبعد مرحلة اإلحساس املباشر يعمل اإلنسان على جتاوز هذا الوجود احلسي‬
‫حني تنتص‪1‬ر رغبت‪1‬ه اإلنس‪1‬انية على رغبت‪1‬ه احليواني‪1‬ة ‪ ،‬ه‪1‬و م‪1‬ا يع‪1‬ين أن تص‪1‬ب رغب‪1‬ات ال‪1‬ذات على رغب‪1‬ة‬
‫ذات أخرى وليس على شيء طبيعي هذا الوضع يولد صراعا مع اآلخر من اجل إشباع الرغبة وهو‬
‫صراع من اجل االعرتاف على اعتبار ان حتقيق الوعي بالذات يعين نفي رغبة اآلخر م‪11‬ادامت الرغب‪11‬ة‬
‫اإلنس ‪11‬انية ال يتحق ‪11‬ق إش ‪11‬باعها إال عن طري ‪11‬ق عملي ‪11‬ة النفي والقض ‪11‬اء على م ‪11‬ا ليس " أن ‪11‬ا " فاإلنس ‪11‬ان‬
‫يتغ ‪11‬دى على الرغب ‪11‬ات ‪ ،‬رغب ‪11‬ات اآلخ ‪11‬رين عكس احلي ‪11‬وان ال ‪11‬ذي يتغ ‪11‬دى على األش ‪11‬ياء واإلنس ‪11‬ان ال‬
‫يصبح كذلك إال يف حالة انتص‪1‬ار رغبت‪1‬ه اإلنس‪1‬انية ‪ ،‬الرغب‪1‬ة يف الس‪1‬يادة على رغبت‪1‬ه احليواني‪1‬ة ‪ /‬الرغب‪1‬ة‬
‫يف احلياة ‪ ،‬مع العلم أن كل رغبة هي رغبة يف قيم‪1‬ة م‪11‬ا ‪ ،‬فرغب‪11‬ة احلي‪11‬وان تتمث‪11‬ل يف قيم‪1‬ة احلف‪11‬اظ على‬
‫قيمته احليوانية ‪ /‬اإلشباع الغريزي ‪ ،‬أما اإلنسان فإنسانيته مشروطة بعنصر املخاطرة برغبته احليواني‪11‬ة‬
‫‪ /‬التض‪11‬حية باجلس‪11‬د من اج‪11‬ل رغبت‪11‬ه اإلنس‪11‬انية ‪ /‬الرغب‪11‬ة يف الس‪11‬يادة ‪ ،‬ل‪11‬ذا ت‪11‬دخل ال‪11‬ذوات يف ص‪11‬راع‬
‫رغب‪11‬ات ‪ ،‬ص‪11‬راع حي‪11‬اة أو م‪11‬وت ‪ ،‬ص‪11‬راع من اج‪11‬ل االع‪11‬رتاف ‪ ،‬ه‪11‬ذا الص‪11‬راع ه‪11‬و م‪11‬ا ينتج‪11‬ه عن‪11‬ه أو‬
‫عالق ‪11‬ة إنس ‪11‬انية ‪ :‬عالق ‪11‬ة الس ‪11‬يد والعب ‪11‬د ‪ ،‬املنتص ‪11‬ر واملخ‪11‬اطر حبيات ‪11‬ه احليواني ‪11‬ة يص ‪11‬بح س ‪11‬يدا ‪ ،‬أم ‪11‬ا العب ‪11‬د‬
‫ف ‪11‬ريغب يف احلف ‪11‬اظ على حيات ‪11‬ه من داخ ‪11‬ل ه ‪11‬ذه العالق ‪11‬ة الص ‪11‬راعية ينش ‪11‬ئ ال ‪11‬وعي بالس ‪11‬يادة وال ‪11‬وعي‬
‫بالعبودية غري أن املوت الفعلي ال حيقق االعرتاف وإمنا استسالم أحد الطرفني حني يفضل احلي‪11‬اة عن‬
‫املوت ‪ ،‬ف‪11‬املنهزم ‪ /‬العب‪11‬د اخت‪11‬ار احلي‪11‬اة ب‪11‬ذل املوت ‪ ،‬أم‪11‬ا الس‪11‬يد املنتص‪11‬ر فه‪11‬و ال‪11‬ذي اخت‪11‬ار احلي‪11‬اة من‬
‫خالل األقدام على املوت وطلبها والتضحية حبياته ‪ /‬أطلب املوت توهب لك احلياة ‪.‬‬

‫إذن ال ميكن لل‪11‬وعي البش‪11‬ري‪ ،‬ال‪11‬وعي بال‪11‬ذات وال‪11‬وعي ب‪11‬اآلخر أن يتش‪11‬كل إال إذا ت‪11‬واجهت رغبت‪11‬ان‬
‫على األقل ‪ ،‬حيث كل كائن مستعد أن يذهب إىل ابعد ح‪1‬د إلش‪1‬باع رغبات‪1‬ه والقض‪1‬اء على رغب‪1‬ات‬
‫اآلخ ‪11 1‬ر ونفيه‪11 1 1‬ا ‪ .‬وف‪11 1 1‬ق ه‪11 1 1‬ذه العالق ‪11 1‬ة الص‪11 1 1‬راعية ينش‪11 1 1‬ئ وعي‪11 1 1‬ان ‪ :‬وعي الس‪11 1 1‬يادة وعي العبودي ‪11 1‬ة ‪.‬‬
‫فخالف‪1‬ا للتص‪11‬ور ال‪11‬ديكاريت ال‪11‬ذي يؤس‪11‬س وج‪1‬ود ال‪11‬ذات على أس‪11‬اس املعرف‪11‬ة‪ ،‬حيث اإلنس‪11‬ان الع‪11‬ارف‬
‫‪7‬‬

‫يبقى سجني االطمئنان السليب ما دام يعي ذاته ويتمث‪1‬ل ب‪1‬اقي املوج‪1‬ودات بش‪1‬كل ش‪1‬فاف ويقي‪1‬ين وف‪1‬ق‬
‫عملي‪11‬ة اس‪11‬تداللية تأملي‪11‬ة‪ ،‬أم‪11‬ا هيج‪11‬ل فينظ‪11‬ر إىل اإلنس‪11‬ان باعتب‪11‬اره كائن‪11‬ا يتغ‪11‬دى على الرغب‪11‬ات وحتقي‪11‬ق‬
‫الرغبة يدفعه إىل اخلروج من حالة االطمئنان السليب إىل العمل إلش‪1‬باع رغبت‪1‬ه ‪ ،‬وإش‪1‬باع الرغب‪1‬ات ال‬
‫يتحق ‪11‬ق إال عن طري ‪11‬ق النفي‪ ،‬أي نفي موض ‪11‬وع الرغب ‪11‬ة مثال إش ‪11‬باع رغب ‪11‬ة اجلوع يع ‪11‬ين القض ‪11‬اء ونفي‬
‫طبق الطعام ‪ ،‬وحتقيق اإلحساس بالسيادة والوعي بالذات كسيد يعين إقصاء وعي اآلخر‪.‬‬

‫احملور الثاين ‪ :‬معـ ــرفــة اآلخ ـ ــر ‪ .‬معرفة اآلخر ممكنة أم مستحيلة ؟‬

‫إن طرح السؤال هبذه الص‪1‬يغة معن‪1‬اه اف‪1‬رتاض قابلي‪1‬ة الغ‪1‬ري للمعرف‪1‬ة وه‪1‬و م‪1‬ا يع‪1‬ين اعتب‪1‬ار الغ‪1‬ري موض‪1‬وعا‬
‫أو شيئا ألن فعل املعرفة ه‪1‬و نش‪1‬اط ده‪1‬ين متارس‪1‬ه ال‪1‬ذات العارف‪1‬ة على موض‪1‬وع املعرف‪1‬ة‪ ،‬وه‪1‬و م‪1‬ا يع‪1‬ين‬
‫اعتب‪11 1 1‬ار اآلخ‪11 1 1‬ر كش‪11 1 1‬يء أو كموض‪11 1 1‬وع ب‪11 1 1‬ارد فاق‪11 1 1‬د للخصوص‪11 1 1‬ية اإلنس‪11 1 1‬انية ( احلري‪11 1 1‬ة – اإلرادة –‬
‫ال‪11‬وعي ) ‪ ،‬ميكن اإلق‪11‬رار أن الس‪11‬ؤال ح‪11‬ول معرف‪11‬ة الغ‪11‬ري يط‪11‬رح إش‪11‬كاال معرفي‪11‬ا وتواص‪11‬ليا بني ال‪11‬ذات‬
‫واآلخر عموما ميكن استحضار رؤيتني فلسفيتني إلشكال معرفة الغري وكيفية التعامل معه ‪.‬‬

‫تصور جون بول سارتر ‪:‬‬

‫معرفة الغري كذات غري ممكنة مما يعين ضرورة حتويل‪11‬ه إىل موض‪11‬وع ‪ ،‬والعالق‪11‬ة مع‪11‬ه هي عالق‪11‬ة مت‪11‬وترة‬
‫ومسمومة ‪.‬‬

‫حس‪11‬ب س‪11‬ارتر اف‪11‬رتاض معرف‪11‬ة الغ‪11‬ري يع‪11‬ين حتويل‪11‬ه إىل موض‪11‬وع والتعام‪11‬ل مع‪11‬ه كش‪11‬يء ب‪11‬ارد ال قيم‪11‬ة ل‪11‬ه‬
‫فاق‪11‬د للحري‪11‬ة واإلرادة وال‪11‬وعي ‪ ،‬إذن فمعرف‪11‬ة ال‪11‬ذات يف نظ‪11‬ر س‪11‬اتر مش‪11‬روطة بوج‪11‬ود آخ‪11‬ر ال‪11‬ذي ه‪11‬و‬
‫ش ‪11‬رط ملعرف ‪11‬ة ذايت ‪ ،‬حال ‪11‬ة اخلج ‪11‬ل مثال حني يك ‪11‬ون اإلنس ‪11‬ان وحي ‪11‬دا يف حديق ‪11‬ة ويتص ‪11‬رف بش ‪11‬كل‬
‫طبيعي باعتباره مركز العامل ‪ ،‬لكن مبج‪1‬رد ال يكتش‪1‬ف ف‪1‬ردا أخ‪1‬ر يراقب‪1‬ه حيس باخلج‪1‬ل ‪ ،‬إذن فال‪1‬ذات‬
‫‪8‬‬

‫اكتش‪11‬فت خجله‪11‬ا بس‪11‬بب وج‪11‬ود اآلخ‪11‬ر ‪ ،‬وليس لعام‪11‬ل نفس‪11‬ي وذايت ‪ ،‬فال‪11‬ذات يف حاج‪11‬ة إىل األخ‪11‬ر‬
‫لتع ‪11‬رف نفس ‪11‬ها " ‪J’ai besoin de la médiation de l’autrui pour être ce‬‬
‫‪" que je suis‬‬

‫فعن طري‪11‬ق الرؤي‪11‬ة ينكش‪11‬ف الغ‪11‬ري ألن وراء نظرت‪11‬ه ذات حتكم وتفك‪11‬ر وحني حتكم ال‪11‬ذات عن األخ‪11‬ر‬
‫حتوله إىل موضوع ‪ ،‬حيث كل واحد حيول اآلخر ويشيئه بواسطة الرؤية ‪ ،‬لذا فالوعي بالذات عن‪11‬د‬
‫س ‪11‬ارتر يتح ‪11‬دد وف ‪11‬ق معي ‪11‬ار التم ‪11‬ايز عن اآلخ ‪11‬ر‪ ،‬الن خصوص ‪11‬ية ك ‪11‬ل وعي تتح ‪11‬دد بقدرت ‪11‬ه على اخ ‪11‬ذ‬
‫املس‪11 1‬افة " ‪ " se distancier‬وال‪11 1‬رتاجع أمام‪11 1‬ه " ‪ " prendre recul‬وع‪11 1‬دم االلتص‪11 1‬اق ب‪11 1‬ه "‬
‫‪ " décoller se‬فظه‪11‬ور اآلخ‪11‬ر أم‪11‬ام ال‪11‬ذات يع‪11‬ين حتويل‪11‬ه إىل موض‪11‬وع ‪ ،‬ه‪11‬ذه هي اللحظ‪11‬ة األوىل‬
‫للنفي املتب ‪11‬ادل ‪ ،‬ال ‪11‬ذات تنفي الغ ‪11‬ري ‪ ،‬والغ ‪11‬ري ينفي ال ‪11‬ذات ‪ ،‬النفي يع ‪11‬ين حتوي ‪11‬ل آخ ‪11‬ر إىل موض ‪11‬وع ‪،‬‬
‫حيث ك‪1‬ل ط‪1‬رف يري‪1‬د أن يش‪1‬غل مرك‪1‬ز الع‪1‬امل وحمط‪1‬ة االهتم‪1‬ام وألن الرؤي‪1‬ة " ‪ " le regard‬ت‪1‬دفع‬
‫الذات إىل اخلجل واىل اهلروب من العامل واالحنصار داخل حدود الذات ‪.‬‬

‫فاآلخر أو الغري ضروري ملعرفة الذات ( جتربة اخلجل مثال ) لوال اآلخ‪1‬ر ملا ع‪1‬رفت ال‪1‬ذات خجله‪1‬ا ‪،‬‬
‫إذن فالعالق ‪11‬ة بني ال ‪11‬ذات واآلخ ‪11‬ر عالق ‪11‬ة تش ‪11‬ييئية ص ‪11‬راعية ك ‪11‬ل واح ‪11‬د يش ‪11‬يء اآلخ ‪11‬ر ‪ ،‬ه ‪11‬ذه العالق ‪11‬ة‬
‫املت‪11 1‬وترة بني الط‪11 1‬رفني تط‪11 1‬رح إش‪11 1‬كاال اجتماعي‪11 1‬ا وأزم‪11 1‬ة تواص‪11 1‬ل م‪11 1‬ع اآلخ‪11 1‬ر الغ‪11 1‬ري اإلنس‪11 1‬اين م‪11 1‬ا دام‬
‫موضوعا‪ ،‬فاقد ملا هو إنساين ‪ ،‬لذا يص‪1‬بح اآلخ‪1‬ر يف تص‪1‬ور س‪1‬ارتر مص‪1‬در خط‪1‬ر م‪1‬ا دام وج‪1‬وده يع‪1‬ين‬
‫حلظ‪11‬ة النفي األول لل‪11‬ذات مما يول ‪11‬د عالق ‪11‬ة مت ‪11‬وترة مع ‪11‬ه وأحيان ‪11‬ا عالق ‪11‬ة ص‪11‬راعية م ‪11‬ا دام اآلخ‪11‬رون هم‬
‫اجلحيم ‪ ،‬فالتعامل معه واالجتاه إليه عبارة عن فعل بارد تغيب فيه اإلنسانية ‪ ،‬واإلحساس بالتع‪11‬اطف‬
‫‪ .‬فاهلدف من هذه العالق‪1‬ة ه‪1‬و معرف‪1‬ة اآلخ‪1‬ر وليس التع‪1‬رف والتع‪1‬ارف مع‪1‬ه م‪1‬ا دام اآلخ‪1‬ر غ‪1‬ري مؤه‪1‬ل‬
‫القام ‪11‬ة فع ‪11‬ل تواص ‪11‬لي حقيقي م ‪11‬ع ال ‪11‬ذات م ‪11‬ا دام موض ‪11‬وعا فاق ‪11‬د لإلرادة واحلري ‪11‬ة وه ‪11‬و مص ‪11‬در خط ‪11‬ر‬
‫وغواي ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ة‪ ،‬والعالق ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ة مع ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ه هي عالق ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ة دائم ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ة مس ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬مومة ومت ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬وترة ‪.‬‬
‫تص ‪11‬ور مريلوبون ‪11‬يت ‪ :‬أن العالق ‪11‬ة املعرفي ‪11‬ة املتأزم ‪11‬ة والص ‪11‬راعية بني ال ‪11‬ذات واآلخ ‪11‬ر ليس ‪11‬ت هي العالق ‪11‬ة‬
‫‪9‬‬

‫الوحيدة واملمكنة‪ ،‬وبسبب هذه األزم‪1‬ة ه‪1‬و نظرهتا لآلخ‪1‬ر من زاوي‪1‬ة العق‪1‬ل والفك‪1‬ر واحلس‪1‬اب الق‪1‬ائم‬
‫على التجريد والتقسيم ‪.‬‬

‫ل‪1‬ذا يؤك‪1‬د بون‪1‬يت أن معرف‪1‬ة الغ‪1‬ري تقتض‪1‬ي م‪1‬ين التع‪1‬اطف مع‪1‬ه ‪ ،‬الن اآلخ‪1‬ر وعي ال أس‪1‬تطيع معرفت‪1‬ه إال‬
‫إذا اعتربته ذات إنسانية حيس ويفكر ويعي مما يعين قناة معرفته تك‪11‬ون ع‪11‬رب التع‪11‬اطف مع‪11‬ه ومش‪11‬اركته‬
‫يف أحاسيس‪11‬ه والتفاع‪11‬ل مع‪11‬ه يف دائ‪11‬رة م‪11‬ا ه‪11‬و إنس‪11‬اين ‪ ،‬فلكي اع‪11‬رف وأتع‪11‬رف على اآلخ‪11‬ر علي أوال‬
‫معرف‪11‬ة ذايت لكي اعي اآلخ‪11‬رين ‪ .‬فمعرف‪11‬ة اآلخ‪11‬رين عن طري‪11‬ق العق‪11‬ل معن‪11‬اه إفق‪11‬ار وج‪11‬ودهم وتش‪11‬يئهم‬
‫حيدد بون ‪11‬يت نظ ‪11‬رة جدي ‪11‬دة ملعرف ‪11‬ة اآلخ ‪11‬ر‪ ،‬أو ب ‪11‬األحرى التع ‪11‬رف علي ‪11‬ه ليس من قن ‪11‬اة املعرف ‪11‬ة وإمنا عن‬
‫طريق التواصل والتفاعل واملشاركة احلية من خالل االنفت‪1‬اح على الغ‪1‬ري‪،‬الن الع‪1‬امل ليس ه‪1‬و م‪1‬ا أفك‪1‬ر‬
‫فيه ‪ ،‬لكن هو ما أعيشه ‪.‬‬

‫تصور جيل دولوز ‪Jill Deleuze‬‬

‫الغ ‪11‬ري يف رأي دول ‪11‬وز ه ‪11‬و بني ‪11‬ة ‪ Structure‬أو نظ ‪11‬ام العالق ‪11‬ات والتف ‪11‬اعالت بني األف ‪11‬راد كأغي ‪11‬ار‪،‬‬
‫فاإلنس‪11‬ان يف عالقت‪11‬ه ب‪11‬الواقع حس‪11‬ب دول‪11‬وز حياول تنظيم واقع‪11‬ه وادراك مكونات‪11‬ه من مجي‪11‬ع اجله‪11‬ات‪،‬‬
‫وهو ما يف‪1‬رتض وج‪1‬ود اآلخ‪1‬رين لي‪1‬دركوا م‪1‬امل تس‪1‬تطع ال‪1‬ذات إدراك‪1‬ه فم‪1‬ا ال أس‪1‬تطيع إدراك‪1‬ه يص‪1‬بح‬
‫مرئي‪11‬ا من ط‪11‬رف الغ‪11‬ري ‪ ،‬وبالت‪11‬ايل يص‪11‬بح الغ‪11‬ري ه‪11‬و بني‪11‬ة إدراكي ألن‪11‬ه يش‪11‬اركين إدراك األش‪11‬ياء ويكم‪1‬ل‬
‫إدراكي هلا وكأن‪11 1‬ه يوج‪11 1‬د كه‪11 1‬امش على جمال إدراكي كمج‪11 1‬ال ممكن ‪ ،‬أم‪11 1‬ا مس‪11 1‬ألة غي‪11 1‬اب اآلخ‪11 1‬ر‬
‫فمعن‪11‬اه تط‪11‬ابق ال‪11‬وعي باملوض‪11‬وع وب‪11‬ذلك ختتفي إمكاني‪11‬ة اخلط‪11‬أ ليس ألن اآلخ‪1‬ر يش‪11‬كل حمكم‪11‬ة الواق‪11‬ع‬
‫إمنا غي‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬اب اآلخ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ر جيع‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ل ال‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬وعي يلتص‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ق باملوض‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬وع وينطب‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ق مع‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ه ‪.‬‬
‫احملور الثالث العالقة مع الغري‪:‬‬

‫سبق التأكيد على أن العالقة بني الذات والغ‪1‬ري هي عالق‪1‬ة مركب‪1‬ة ومعق‪1‬دة الن مض‪1‬مون ه‪1‬ذه العالق‪1‬ة‬
‫‪10‬‬

‫يرتاوح بني الصداقة والكراهية ‪ ،‬احلب والع‪11‬داوة ‪ ،‬التعص‪11‬ب والتس‪11‬امح الوف‪11‬اء واخليان‪11‬ة ‪ ،‬إمجاال ميكن‬
‫احلديث عن منوذجني هلذه العالق‪11‬ة ‪ :‬العالق‪11‬ة اإلجيابي‪11‬ة ‪ ،‬العالق‪11‬ة الس‪11‬لبية وبالت‪11‬ايل نتس‪11‬اءل ملاذا يرتب‪11‬ط‬
‫األنا باآلخر برباط الصداقة هل نباءا على غاية أم اعتباره غاية يف ذاته أم ألنه يشبهنا أم هو ض‪11‬دنا ؟‬
‫أم ه‪11‬و مفي‪11‬د لن‪11‬ا ‪ ...‬ويف نفس ال‪11‬وقت ملاذا ن‪11‬رفض اآلخ‪1‬ر وحناول إقص‪11‬اءه وتك‪11‬ون عالقتن‪11‬ا مع‪11‬ه عالق‪11‬ة‬
‫ص ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬دام وكراهي ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ة ؟‬
‫معاجلة هذا اإلشكال من خالل التصورات الفلسفية اآلتية ‪:‬‬

‫يؤكد مالربانش ‪ :‬اكرب عقاب يل هو أن أعيش وحيدا يف اجلنة ‪ ،‬فاإلنسان كائن اجتماعي حيي وفق‬
‫جتربة العيش املشرتك كتجربة أساس‪1‬ية متيز العيش اإلنس‪1‬اين‪ ،‬فاإلنس‪1‬ان يف نظ‪1‬ر ارس‪1‬طو ك‪1‬ائن سياس‪1‬ي‬
‫يعيش م ‪11‬ع األخ ‪11‬ر جترب ‪11‬ة التم ‪11‬دن م ‪11‬ادامت جترب ‪11‬ة الوح ‪11‬دة جترب ‪11‬ة قاس ‪11‬ية تف ‪11‬رض على ال ‪11‬ذات كعقوب ‪11‬ة‪،‬‬
‫السجن االنفرادي أو النفي مثال ‪ ،‬فتجربة العيش املشرتك أو التمدن تعين أن يك‪1‬ون الف‪1‬رد م‪1‬دنيا حيي‬
‫حياة اجتماعي‪1‬ة وحيرتم ق‪1‬وانني املدين‪1‬ة وي‪1‬دافع عليه‪1‬ا ويؤس‪1‬س لعالق‪1‬ة الص‪1‬داقة كفع‪1‬ل وكاختي‪1‬ار واعي‬
‫لذات ب‪1‬األخر يف عالقته‪1‬ا ب‪1‬األخر‪ ،‬غ‪1‬ري أن الواق‪1‬ع االجتم‪1‬اعي والي‪1‬ومي ي‪1‬ربز أن العالق‪1‬ات االجتماعي‪1‬ة‬
‫ليست هي عالقة احرتام وتض‪1‬امن كث‪1‬ريا م‪1‬ا يص‪1‬بح العن‪1‬ف واإلقص‪1‬اء والكراهي‪1‬ة هي أس‪1‬اس العالق‪1‬ات‬
‫والتعام ‪11‬ل اإلنس ‪11‬اين عموم ‪11‬ا ميكن رص ‪11‬د منوذجني هلذه العالق ‪11‬ة ‪ :‬العالق ‪11‬ة اإلجاب ‪11‬ة الص ‪11‬داقة‪ ،‬العالق ‪11‬ة‬
‫الس ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬لبية الغراب ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ة‬
‫التصور األول العالقة اإلجابة مع األخر الصداقة منوذجا ‪.‬‬

‫تصور أفالطون ‪:‬‬

‫ين ‪11‬اقش أفالط ‪11‬ون العالق ‪11‬ة م ‪11‬ع األخ ‪11‬ر من خالل استحض ‪11‬ار ك ‪11‬ل الص ‪11‬ور املمكن ‪11‬ة بني األن ‪11‬ا واألخ ‪11‬ر يف‬
‫حماورة أفالط‪1‬ون ل‪1‬يزيس ‪ Lysis‬املخص‪1‬ص لبحث الص‪1‬داقة ينطل‪1‬ق من فرض‪1‬يات حيث أم‪1‬ا أن يك‪1‬ون‬
‫أس ‪11‬اس الص ‪11‬داقة التش ‪11‬ابه أو التض ‪11‬اد أو أن تك ‪11‬ون الص ‪11‬داقة هي حال ‪11‬ة وجودي ‪11‬ة وس ‪11‬طى بع ‪11‬د إقص ‪11‬اء‬
‫االحتم‪11‬الني يق‪11‬ر أن أس‪11‬اس الص‪11‬داقة ه‪11‬و حال‪11‬ة وجودي‪11‬ة بني الكم‪11‬ال املطل‪11‬ق والنقص املطل‪11‬ق‪ ،‬الن من‬
‫‪11‬‬

‫يتصف بالكم‪1‬ال املطل‪1‬ق ال حيت‪1‬اج إىل اآلخ‪1‬ر ومن يتص‪1‬ف بالش‪1‬ر املطل‪1‬ق تنتفي في‪1‬ه الرغب‪1‬ة لفع‪1‬ل اخلري‪،‬‬
‫ل ‪11‬ذا فالص ‪11‬ديق ه ‪11‬و من حياول البحث عن اخلري والكم ‪11‬ال والن الص ‪11‬داقة هي حمب ‪11‬ة متبادل ‪11‬ة بني األن ‪11‬ا‬
‫والغ ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ري‪ ،‬فاألن ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ا يبحث يف الغ ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ري عم ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ا يكمل ‪11 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1‬ه‪.‬‬
‫فاملطلق يكون يف حالة اكتفاء وال حيتاج إىل الغري أما الصداقة فهي فعل حبت عن جري اكرب وكم‪11‬ال‬
‫أمسى بالتايل فهي عالقة حمبة متبادلة بني األخر واالنا تتجه حنو كسب مزيدا بني اخلري واحملبة‪ ،‬واحملبة‬
‫هي وس ‪11‬يلة لرتبي ‪11‬ة ال ‪11‬روح على التأم ‪11‬ل وحب التفك ‪11‬ري واالنتق ‪11‬ال من تأم ‪11‬ل اجلس ‪11‬م إىل تأم ‪11‬ل األفك ‪11‬ار‬
‫اجلميلة ومنها إىل الفعال اجلميلة ‪.‬‬

‫تصور ارسطو‪:‬‬

‫ينضر ارس‪1‬طو إىل الص‪1‬داقة كقيم‪1‬ة عملي‪1‬ة وجترب‪1‬ة مش‪1‬رتكة بني أن‪1‬اس فض‪1‬الء تع‪1‬اش داخ‪1‬ل املدين‪1‬ة فهي‬
‫فع ‪11‬ل واقعي ال تق ‪11‬وم على الفالط ‪11‬وين أي تربي ‪11‬ة النفس على حب األفك ‪11‬ار‪ ،‬وق ‪11‬د ح ‪11‬دد ارس ‪11‬طو ثالث ‪11‬ة‬
‫أنواع لصداقة ‪.‬‬

‫الصداقة املبنية على املنفعة والصداقة املبنية على املتعة وهدا النموذجني مؤقتني وسريعي الزوال تزول‬
‫الصداقة بزوال املنفعة أو املتعة‪ ،‬أما الصداقة احلقيقة فهي صداقة الفضيلة ‪ ،‬ألهنا تقوم على حمب‪11‬ة اخلري‬
‫واجلم‪11‬ال لذات‪11‬ه أوال‪ ،‬مث حمب‪11‬ة اخلري ألص‪11‬دقائه ثاني‪11‬ا ه‪11‬ذا الن‪11‬وع من الص‪11‬داقة ن‪11‬ادر ج‪11‬دا وتكوين‪11‬ه حيت‪11‬اج‬
‫ملدة طويل ‪11‬ة ق ‪11‬د حنب الط ‪11‬بيب ليس لشخص ‪11‬ه ولكن لطب ‪11‬ه حمب ‪11‬ة منفع ‪11‬ة فالص ‪11‬داقة يف نظ ‪11‬ر ارس ‪11‬طو هي‬
‫ممارسة فعل احملبة باعتباره القرار احلر االختيار احلر بالعيش مع األخر‪.‬‬

‫‪L’AMITIE C’EST LE CHOIX‬‬ ‫‪LIBRE D’ETRE‬‬


‫‪ENSEMBLE ,C’EST LE CHOIX‬‬ ‫‪QUI FOND LA‬‬
‫‪COMMUNITE‬‬ ‫‪POLITIQUE‬‬
‫‪12‬‬

‫فالصداقة تعين فعـل املشاركـة واقتسـام جتربة حياة مشرتكة بلحظاهتـا الس‪1‬عيدة واحلزين‪1‬ة ‪AIMER‬‬
‫‪ C’EST PARTAGER‬بذلك تصبح الص‪1‬داقة هي أس‪1‬اس بن‪1‬اء اجملتم‪1‬ع مرتاب‪1‬ط ومنس‪1‬جم ‪،‬‬
‫حتقيقها يشرتط وجود األخر احملب للخري‪ ،‬وليس األخر الشرير إهنا مساعدة األخر على الوجود أم‪11‬ا‬
‫الكراهية فهي إقصاء األخر أو حىت العمل على إفنائه ‪ ،‬حب األخر لشخصه مساعدته على الوج‪11‬ود‬
‫وحب احلياة والعيش ومشاركته منط حياته الفاضلة‪ ،‬االستمتاع معه وحتمل املعاناة معه‪.‬‬

‫غ‪11‬ري ان‪11‬ه جيب اإلش‪11‬ارة إىل أن الص‪11‬داقة م‪11‬ع األخ‪11‬ر ال تتحق‪11‬ق إال بوج‪11‬ود ذات فاض‪11‬لة الن الش‪11‬رير ال‬
‫ميكن أن يص‪11‬ادق أح‪11‬دا م‪11‬ادام يتص‪11‬رف حتت توجي‪11‬ه رغبات‪11‬ه‪ ،‬يعيش اض‪11‬طرابا يف س‪11‬لوكه أم‪11‬ا اإلنس‪11‬ان‬
‫الفاض ‪11 1 1 1‬ل فه ‪11 1 1 1‬و ال ‪11 1 1 1‬ذي يتص ‪11 1 1 1‬رف مبنط ‪11 1 1 1‬ق العق ‪11 1 1 1‬ل حيب اخلري لذات ‪11 1 1 1‬ه كم ‪11 1 1 1‬ا حيب اخلري لص ‪11 1 1 1‬ديق ‪.‬‬
‫العالق‪11 1 1 1 1 1‬ة الس‪11 1 1 1 1 1‬لبية م‪11 1 1 1 1 1‬ع األخ‪11 1 1 1 1 1‬ر الغراب‪11 1 1 1 1 1‬ة منوذج‪11 1 1 1 1 1‬ا ‪ :‬والتص‪11 1 1 1 1 1‬رف مبنط‪11 1 1 1 1 1‬ق اهلوي‪11 1 1 1 1 1‬ة املعلق‪11 1 1 1 1 1‬ة ‪.‬‬
‫مثة رؤي ‪11‬ة فلس ‪11‬فية تنظ‪11‬ر إىل األخ‪11‬ر باعتب ‪11‬اره مص ‪11‬در ش ‪11‬ر وخط‪11‬ر يه ‪11‬دد وج‪11‬ود ال ‪11‬ذات مما يع ‪11‬ين وج‪11‬ود‬
‫عالقة متوترة بني األنا والغري ‪/‬عالقة مسمومة‪.‬‬

‫نستحضر هذه االستشهادات ‪:‬‬

‫‪-‬ال أحد يولد عادال ‪.‬‬

‫‪-‬اإلنسان ذئب الخيه اإلنسان هوبز‬

‫‪-‬االمسان الكبرية خلقت لتآكل االمسان الصغرية حماورة غلوكون‬

‫‪-‬ال منارس العدالة إال رغما عنا حماورة (غلوكون )‬


‫‪13‬‬

‫‪-‬اآلخرون هم اجلحيم (سارتر)‬

‫إن مع‪11 1 1 1‬ىن أن نعيش ه‪11 1 1 1‬و جوهري‪11 1 1 1‬ا أن ننهب وجنرح ونعت‪11 1 1 1‬دي على الض‪11 1 1 1‬عيف والغ‪11 1 1 1‬ريب‪ .‬نيتش‪11 1 1 1‬ه‬
‫تض‪11‬عنا ه‪11‬ذه االستش‪11‬هادات املوزع‪11‬ة على مس‪11‬احة الفك‪11‬ر الفلس‪11‬في أم‪11‬ام إش‪11‬كالية العالق‪11‬ة املت‪11‬وترة م‪11‬ع‬
‫األخ ‪11‬ر باعتب ‪11‬اره مص ‪11‬در خط ‪11‬ر وغواي ‪11‬ة ل ‪11‬دا يص ‪11‬بح العن ‪11‬ف واإلقص ‪11‬اء الطري ‪11‬ق األمث ‪11‬ل لتعام ‪11‬ل مع ‪11‬ه ‪.‬‬
‫إذن النظر إىل األخر كغريب يعين التعامل معه مبنطق اهلوية املغلقة حيث اعتباره عدوا خيالف ويهدد‬
‫وحدة ومتاسك اجلماعة باعتباره كائن غريب ‪ ،‬لذا احلفاظ على وح‪1‬دة اجلماع‪1‬ة ومتاس‪1‬كها يس‪1‬تدعي‬
‫معاداته واحلذر منه ‪.‬‬

‫الغراب ‪11‬ة إذن يف إط ‪11‬ار العال ق ‪11‬ات االجتماعي ‪11‬ة املتداول ‪11‬ة ش ‪11‬عور ق ‪11‬د ت ‪11‬دفع األن ‪11‬ا الفردي ‪11‬ة أو اجلماعي ‪11‬ة إىل‬
‫إقص‪11‬اء الغ‪11‬ري أو ت‪11‬دمريه أو الش‪11‬عور بالعدواني‪11‬ة جتاه‪11‬ه أو على األق‪11‬ل مقابلت‪11‬ه بالالمب‪11‬االة والتهميش‪ .‬أن‬
‫ال ‪11‬دوافع حنو الغ ‪11‬ريب هي يف الغ ‪11‬الب دواف ‪11‬ع س ‪11‬لبية‪ .‬إهنا تل ‪11‬ك املواجه ‪11‬ة الدائم ‪11‬ة ال ‪11‬يت ت ‪11‬ؤدي إىل داب ‪11‬ة‬
‫االختالف لص‪11‬احل ال‪11‬ذات ‪ ،‬فالتعام‪11‬ل مبنط‪11‬ق اهلوي‪11‬ة املغلق‪11‬ة يع‪11‬ين اعتب‪11‬ار األخ‪11‬ر الغ‪11‬ريب خص‪11‬م وع‪11‬دو‬
‫جيب حماربته والقضاء عليه وهو ما يولد توترا وصراعا يف العالقات اإلنسانية ‪.‬‬

‫تصور جوليا كريستيفا ‪. Julia Kristéva‬‬

‫الغريب أو اآلخر يف حتديد كريستيفا يتح‪1‬دد بكون‪11‬ه ليس ذل‪11‬ك الق‪11‬ادم من بعي‪11‬د‪ L’étranger‬ومن‬
‫خارج اجلماع‪1‬ة وال‪1‬ذي يه‪1‬دد وح‪1‬دة ومتاس‪1‬ك وانس‪1‬جام ه‪1‬ذه اجلماع‪1‬ة ‪ ،‬فوح‪1‬دة اجلماع‪1‬ة وانس‪1‬جامها‬
‫ليس سوى مظهرا عام‪1‬ا خيفي وراءه تناقض‪1‬ات داخلي‪1‬ة ‪ ...‬فاجلماع‪1‬ة تض‪1‬م غرب‪1‬اء من داخله‪1‬ا قب‪1‬ل أن‬
‫ي‪11‬أيت الغ‪11‬ريب اخلارجي املغ‪11‬اير ثقافي‪11‬ا وديني‪11‬ا وعرقي‪11‬ا ‪.‬وه‪11‬و م‪11‬ا يفي‪11‬د التعام‪11‬ل م‪11‬ع األخ‪11‬ر الغ‪11‬ريب مبنط‪11‬ق‬
‫اهلوية املنفتحة على اعتبار ثقافة األخر تغين ثقافيت ‪ ،‬وتعدد الثقافات إغناء للتجربة البشرية ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫تص‪11 1‬ور كريس‪11 1‬تيفا يط‪11 1‬رح قض‪11 1‬ية يف غاي‪11 1‬ة األمهي‪11 1‬ة وهي التأكي‪11 1‬د على الط‪11 1‬ابع املفت‪11 1‬وح للمجتمع‪11 1‬ات‬
‫املتط‪11‬ورة‪ ،‬ف‪11‬التطور يق‪11‬اس بق‪11‬در التس‪11‬امح واالح‪11‬رتام لك‪11‬ل اخلصوص‪11‬يات‪ ،‬كم‪11‬ا س‪11‬يؤكد ذل‪11‬ك ال حق‪11‬ا‬
‫سرتاوت ميل‪.‬‬

You might also like