Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة التاسعة - - نسخة
المحاضرة التاسعة - - نسخة
هذه المسألة فيها مذاهب ،وقبل ذكرها البد من تحرير موطن الخالف ،فإن قال
الصحابي قوال لم يكن فيه أي تكليف بل هو خبر عادي فال يكون فيه إجماع.
أما إن كان في قوله تكليف وانتشر من غير نكير وال إقرارفإن هذا الذي فيه
الخالف.
فالمذهب األول:أنه يعتبر إجماعا ويكون حجة ،وهو اختيار أكثر العلماء
واألصوليين.
وقال بعضهم يكون حجة وال يكون إجماعا.
وقال جماعة آخرون ال يكون حجة وال إجماعا،
وال ننسب إلى ساكت قوال إال أن تدل قرائن األحوال على أنهم سكتوا مضمرين
للرضا وتجويز األخذ به.
المذهب الثاني :اليكون إجماعا إنما هو حجة يعمل به ،وهو قول بعض
المعتزلة.
المذهب الثالث:ال يكون إجماعا وال حجة ،فال ينسب للساكت قول المعلن ،نسب
هذا المذهب لإلمام الشافعي وهو اختيار كثير من الشافعية والظاهرية.
وأصحاب هذا المذهب استدلوا بأن السكوت له احتماالت سبعة غير الرضا،
وهي:
وقد يسكت من غير إضمار الرضا لسبعة أسباب:
استدل أصحاب المذهب األول القائلون بأن قول المجتهد قوال ومن ثم
سكوت الباقين ،أنه يعد إجماعا وحجة -استدلوا بأدلة:
الدليل األول :أن الساكت اليخلو حاله من سبعة أحوال:
- 1أنه لم ينظر في المسألة.
-2أنه نظر ولم يتبين له حكم.
وكالهما خالف الظاهر؛ ألن الدواعي متوفره واألدلة ظاهرة ،وترك
النظر خالف عادة العلماء عند النازلة ،ثم يفضي ذلك إلى خلو
األرض عن قائم هلل بحجته.
أن عدم االجتهاد مخالف لعادة العلماء عند وقوع الحوادث
والنوازل ،كما أن عدم اجتهاده يؤدي إلى خلو العصر عن قائم هلل
بحجته.
كما أن عدم وصول المجتهد إلى رأي في المسألة بعيد مع
توفرالدواعي لالجتهاد وظهور الدالئل ،فما من حكم إال وهلل عليه
دالئل وأمارات ،والظاهر ممن له أهلية االجتهاد الظفر بها.
الثالث :أن يسكت تقية ،فال بد أن يظهر سببها ،ثم يظهر قوله عند
ثقاته وخاصته فال يلبث القول أن ينتشر.
الرابع :أن يكون سكوته لعارض لم يظهر ،وهو خالف الظاهر ،ثم
يفضي إلى خلو العصر عن قائم هلل بحجته.
الخامس :أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب،
أن المجتهد الساكت اجتهد ووصل إلى حكم مخالف للمجتهد الذي
أعلن رأيه ولكنه لم يظهر رأيه اعتقادا منه أن كل مجتهد
مصيب ،فهو اليرى اإلنكار في المجتهدات فرضا ،بل اليرى
الجواب إال فرض كفاية ،فإذا اجتهد واحد يكتفى به وإن كان
مخالفا الجتهاده.
وهذا ال يسلم من وجهين:
وليس ذلك قوال ألحد من الصحابة ،ولهذا عاب بعضهم على بعض
وأنكر بعضهم على بعض مسائل انتحلوها.
ثم العادة أن من ينتحل مذهبا يناظر عليه ويدعو إليه كما نشاهد في
زمننا.
-أن هذا القول والفعل لم ينقل إلينا عن أحد من الصحابة ،فقد عاب
بعضهم بعضا وتناظروا وتجادلوا لتحقيق الحق ولم يلزموا الصمت
فيما اختلفوا فيه بل بينوا رأيهم دون إلزام.
-أن من عادة من يعتقد أن كل مجتهد مصيب أن ينتحل مذهبا فيخالف
غيره ويناظر عليه ،فكيف بعد هذا يدعى أن المجتهد قد يسكت.
السادس :أن ال يرى اإلنكار في المجتهدات ،وهو بعيد لما ذكرناه.
فثبت أن سكوته كان لموافقته.
ومن وجه آخر فإن التابعين كانوا إذا أشكل عليهم مسألة فنقل إليهم
قول صحابي منتشر وسكوت الباقين كانوا ال يجوزون العدول عنه
فهو إجماع منهم على كونه حجة.
ومن وجه آخر أنه لو لم يكن هذا إجماعا لتعذر وجود اإلجماع؛ إذ لم
ينقل إلينا في مسألة قول كل علماء العصر مصرحا به.
هل ينعقد اإلجماع عن قياس واجتهاد:
اتفق كل من يعتد بقوله من العلماء على أنه الينعقد اإلجماع إال عن
مستند ودليل ومأخذ يوجب ذلك اإلجماع.
لكنهم اختلفوا في جواز انعقاد اإلجماع الذي دليله ومستنده اجتهاد
أوقياس على مذاهب:
المذهب األول :أنه يجوز ،وهو متصور ،ذهب إليه جمهور العلماء
من الفقهاء واألصوليين.
وقال قوم اليتصور ذلك إذ كيف يتصور اتفاق األمة مع اختالف طبائعها
وتفاوت أفهامها على مظنون؟
أم كيف تجتمع على قياس مع اختالفهم في القياس؟
المذهب الثالث:أنه متصور وليس بحجة ،أي أنه ال تحرم مخالفة ذلك اإلجماع المنعقد
عن اجتهاد وقياس.ولم ينسب هذا المذهب ألحد.
واستدل أصحاب المذهب األول -وهو أيضا رد على أصحاب المذهب الثاني -بأن
اتفاقهم على حكم ظني يستنكر إذا تساوت احتماالت الظن ،إما إن كان هناك ظن
غالب فال يبعد اتفاق العقالء عليه ،فال يبعد أن يتفقوا مثال على أن النبيذ في معنى
الخمر فيكون حكمهما واحدا وهو التحريم ألنهما اتفقا في العلة وهي اإلسكار وهذا
متصور فأي بعد فيه.
وأما منع تصوره بناء على الخالف في القياس ،فإنا نفرض ذلك في
الصحابة وهم متفقون عليه والخالف حدث بعدهم .
وإن فرض ذلك بعد حدوث الخالف ،فيستند أهل القياس إليه واآلخرون
إلى اجتهاد في مظنون ليس بقياس وهو في الحقيقة قياس.
وإذا ثبت تصوره فيكون حجة لما سبق من األدلة على اإلجماع.
أما احتجاجهم بأن القياس غير متفق عليه :فإما أن يكون في عهد
الصحابة وهم متفقون على قبول القياس فلم ينقل عن أحد منهم
إنكاره.
وإما أن يكون بعد عهد الصحابة فالقائلون بالقياس يستندون في اإلجماع
إليه ،أما المخالفون في حجية القياس فإنهم يستندون في إجماعهم إلى
اجتهاد آخر ظنوا أنه ليس بقياس وهو قياس في الحقيقة.
أقسام اإلجماع:
رد القائلون بثبوت اإلجماع بطريق اآلحاد على استدالل المانعين ثبوته
بأن هذا ليس بصحيح ،فاإلجماع مسألة شرعية طريقها طريق بقية
الفروع التي يكفي في ثبوتها الظن.
واإلجماع حجةونقل إلينا بطريق اآلحاد وغلب على الظن حصوله فيكون
ذلك دليال ُيوجب العمل به مثل النص المنقول بطريق اآلحاد غلبة
الظن توجب العمل به.
وقولهم :هو دليل ،قلنا :قول النبي أيضا دليل قاطع في حق من
شافهه أو بلغه بالتواتر،
وإذا نقله اآلحاد كان مظنونا وهو حجة،
فاإلجماع كذلك ،بل هو أولى؛ فإنه أقوى من النص؛ لتطرق النسخ
إلى النص وسالمة اإلجماع منه؛
فإن النسخ إنما يكون بنص،واإلجماع ال يكون إال بعد انقراض
زمن النص.
األخذ بأقل ما قيل هل هو تمسك باإلجماع:
األخذ بأقل ما قيل ليس تمسكا باإلجماع ،نحو اختالف الناس في دية
الكتابي فقيل:
دية المسلم
وقيل النصف
وقيل الثلث
فالقائل أنها الثلث ليس هو متمسكا باإلجماع؛
-ألن وجوب الثلث متفق عليه ،وإنما الخالف في سقوط الزيادة وهو
مختلف فيه فكيف يكون إجماعا؟ -ولو كان إجماعا كان مخالفه
خارقا لإلجماع وهذا ظاهر الفساد وهللا أعلم.