You are on page 1of 9

‫التقليد‬

‫محاور المحاضرة ‪:‬‬


‫‪ -‬تعريف التقليد ‪.‬‬
‫‪ -‬الفرق بين التقليد واالتباع ‪.‬‬
‫‪ -‬حكم تقليد المفضول ‪.‬‬
‫‪ -‬مجال التقليد ‪.‬‬

‫مقدمة ‪ :‬التقليد واالتباع مقابالن لالجتهاد ‪ ،‬خلق اهلل الناس على مستويات خمتلفة‪ ،‬وجعل‬
‫احلياة تقوم على أعمال متنوعة‪ ،‬وال بَّد لكل عمل من وجود طائفة من الناس تقوم به‪ ،‬فيتوزع‬
‫الناس حسب األعمال الكثرية يف احلياة‪ ،‬كل ملا خلق له‪ ،‬ليتم التعاون والتكافل فيما بينهم‪،‬‬
‫قال تعاىل ‪ ﴿ :‬فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ﴾ ‪ ،‬وقال عليه‬
‫الصالة والسالم " كل ميسر لما خلق له "‬
‫ومن الناس من يتجه إىل العلوم عامة‪ ،‬والعلم الشرعي خاصة‪ ،‬ولكن ال ميلك كل من طلب‬
‫العلم القدرة إىل الوصول إىل الكمال ودرجة االجتهاد‪ ،‬وينفرد نفر من األمة يف كل عصر‬
‫بالوصول إىل الذروة‪ ،‬ليتبوأ القمة‪ ،‬ويبلغ درجة االجتهاد‪ ،‬ويبقى معظم املتعلمني يف الدرجات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫فاجملتهدون يف كل عصر قلة‪ ،‬وتبقى األكثرية يف جمال التقليد أو االتباع‬
‫أوال ‪ :‬تعريف التقليد ‪:‬‬
‫في اللغة‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫مأخوذ من القالدة اليت يقلد غريه هبا‪ ،‬وهي وضع الشيء يف العنق ‪ ،‬ويسمى‬ ‫‪-‬‬
‫ذلك الشيء قالدة‪ ،‬ومنه تقليد اهلدي يف احلج‪ ،‬أي‪ :‬وضع القالدة يف عنق ما‬
‫ُيهدى إىل احلرم من الَّنَعم‪ ،‬ومجع القالدة قالئد ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫والتقليد اصطالًح ا‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫أخذ مذهب الغري من غري معرفة دليله‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫شرح التعريف ‪ :‬فاملقلد يعتقد صحة ما يقوله غريه‪ ،‬ويتبعه عليه من غري‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة الدليل الذي أوجب القول‪ ،‬سواء كان ذلك قواًل أو فعاًل ‪ ،‬عماًل أو‬
‫ترًك ا‪ ،‬ويسمى املقلد عامًّيا‪ ،‬وهذا يشمل كل إنسان غري جمتهد يف الشرع‪ ،‬ولو‬
‫كان عا ا وخبًريا يف علم آخر‪.‬‬
‫ًمل‬
‫‪ -‬ويخرج من التعريف‪:‬‬
‫اجملتهد إذا عرف الدليل‪ ،‬ووافق اجتهاده اجتهاد جمتهد آخر‪ ،‬فإنه ال يسمى‬ ‫‪‬‬
‫تقليًد ا‪ ،‬كقوهلم‪ :‬أخذ الشافعي مبذهب مالك يف كذا‪ ،‬وأخذ أمحد مبذهب‬
‫الشافعي يف كذا؛ ألنه عند معرفة دليله حق املعرفة يكون قد أخذ احلكم‬
‫من الدليل‪ ،‬ال من اجملتهد السابق‪ ،‬فيكون إطالق األخذ مبذهبه فيه جتّو ز‪.‬‬
‫وكذلك فإن الرجوع إىل قول الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬وإىل‬ ‫‪‬‬
‫املعلوم بالضرورة‪ ،‬وإىل اإلمجاع ‪ ،‬ورجوع القاضي إىل شهادة الشاهد‪،‬‬
‫ليس بتقليد حقيقة؛ لقيام احلجة بذلك‪ ،‬وقول النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪-‬هو نفس احلجة والدليل‪ ،‬ولو مسي تقليًد ا‪ ،‬لساغ ذلك توسعة‪ ،‬وال‬
‫مشاحة يف االصطالح‬
‫ونقل القاضي ابن العربي عن قوم قولهم‪ :‬هو قبول القول من غري‬ ‫‪-2‬‬
‫حجة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الفرق بين التقليد واالتباع‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫التقليد ‪ :‬أن يأخذ الشخص بقول غريه بدون معرفة دليله‪ ،‬وبغري حجة تظهر‬ ‫‪-‬‬
‫له ‪(.‬كما سبق بيانه)‬
‫االتباع ‪ :‬األخذ بقول اآلخر بعد معرفة دليله‪ ،‬والطريق الذي أخذ به‪ ،‬فيقتنع‬ ‫‪-‬‬
‫بالقول مع الدليل‪ ،‬مث يتبعه‪ ،‬فيكون تابًعا طريق املتبوع‪ ،‬ولذلك فإن معظم‬
‫األصحاب إلمام املذهب هو تابعون له؛ ملعرفتهم احلكم مع الدليل‪ ،‬وكذلك‬
‫معظم الباحثني والدارسني للفقه املذهيب يعتربون تابعني للمذهب‪ ،‬وليسوا‬
‫مقلدين له‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تقليد المفضول‪:‬‬


‫جيوز تقليد اجملتهد املفضول‪ ،‬مع وجود األفضل عند األكثر من املذاهب األربعة ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ‪:‬‬
‫أن العامي أو املستفيت ال ميكنه الرتجيح ومعرفة الفاضل واملفضول‪ ،‬ولو ُك ِّلف ذلك‬ ‫‪-1‬‬
‫لكان تكليًف ا بضرب من االجتهاد‪ ،‬وهو اليستطيعه‪.‬‬
‫أن الَّله تعاىل قال‪﴿:‬فاسئلوا َأْه َل الِّذ ْك ِر ِإْن ُك ْنُتْم اَل َتْع َلُم ون َ﴾ [األنبياء‪]7 :‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وجه الداللة في اآلية ‪ :‬مل توجب اآلية تعيني األفضل دون املفضول‪.‬‬
‫وألن املفضول من الصحابة والسلف كان يفيت مع وجود الفاضل‪ ،‬واشتهر ذلك‬ ‫‪-3‬‬
‫وتكرر‪ ،‬ومل ينكر ذلك أحد‪ ،‬فدل على جواز استفتائه مع القدرة على استفتاء‬
‫الفاضل‪.‬‬
‫لكن قال أكثر العلماء‪ :‬إنه يلزم العامي يف األصح أن يقلد األرجح من اجملتهدين(الفاضل) مىت‬
‫بان له ذلك‬
‫رابعا ‪ :‬مجال التقليد‪ :‬تقليد منه المحمود والمذموم تبعا للقضايا المقَّلد فيها ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التقليد المحمود‪ :‬يعترب التقليد حمموًد ا يف الفروع‪ ،‬وذلك لصنفني‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫الصنف األول ‪ :‬تقليد العاجز عن االجتهاد‪ ،‬ممن ال تتوفر فيه شروطه‪ ،‬فإنه ال يقدر على‬
‫التوصل إىل احلكم الشرعي بنفسه‪ ،‬ومل يبق أمامه إال اتباع من يرشده إىل احلق من أهل النظر‬
‫واالجتهاد إىل ما جيب عليه من التكاليف‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬تقليد العامل إذا علم أن الذي يقلده ال خيطئ فيما قلده فيه‪ ،‬فيلزمه القبول‬
‫مبجرده‪ ،‬وهذا يشمل أربعة أشخاص‪:‬‬
‫أ‪ -‬تقليد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬بناء على أن قوله يسمى تقليًد ا‪ ،‬وهو األصح؛‬
‫لقيام الدليل على صدقه‪ ،‬وهذا يسمى اقتداء يف احلقيقة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬تقليد الراوي وهو المخبر عن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من صحايب‪ ،‬أو‬
‫تابعي ثقة‪ ،‬وكذا كل راٍو عدل ثقة ضابط؛ ألن تقليده اتباع ملا رواه عن الرسول ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‬
‫جـ‪ -‬تقليد أهل اإلجماع ‪ :‬اجملمعون على حكم‪ ،‬فتقليدهم واجب فيما أمجعوا عليه؛ ألنه‬
‫اتباع لإلمجاع‪.‬‬
‫د‪ -‬تقليد الصحايي يف رأيه واجتهاده على أحد القولني الذي يعترب قول الصحايب دلياًل‬
‫شرعًّيا‪ ،‬وهو رأي اجلمهور ‪.‬‬
‫‪ - 2‬التقليد المذموم أو المحرم‪:‬‬
‫وهذا يتضمن أربعة أنواع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تقليد في معصية الخالق ‪ :‬كتقليد واآلباء والسادة والزعماء فيما يسخط اهلل ‪.‬‬
‫ب‪ -‬التقليد في مقابل الدليل ‪ :‬كتقليد رأي يتعارض مع ما ثبت عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬أو مع اإلمجاع‪ ،‬أو مع ما علم من الِّدين بالضرورة‪ ،‬أو يتعارض مع قول الصحايب‬
‫يف القول األكثر‪.‬‬
‫جـ‪ -‬التقليد المرادف للتعصب ‪ :‬كاإلصرار على التقليد بعد ظهور احلجة‪ ،‬وإقامة الدليل‬
‫على خالف قول املقَّلد‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫د‪ -‬تقليد من نزل عن رتبة االجتهاد ‪ :‬كأنصاف العلماء‪ ،‬وعلماء السلطان الذين يفتون مبا‬
‫يهوى ‪.‬‬
‫وهذه األنواع األربعة هي اليت حيمل عليها ما ورد يف القرآن والسنة من ذم التقليد‪ ،‬وعليها‬
‫حيمل كل ما نقل عن العلماء يف ذم التقليد ‪.‬‬
‫‪ -‬عن مالك ‪-‬رمحه الَّله تعاىل‪ -‬أنه قال‪ :‬أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا يف‬
‫رأيي‪ ،‬فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به‪ ،‬وما مل يوافقه فاتركوه‪.‬‬
‫‪ -‬وعن الشافعي رمحه الَّله تعاىل‪ :‬مثل الذي يطلب العلم بال حجة كمثل‬
‫حاطب ليل حيمل حزمة حطب‪ ،‬وفيها أفعى تلدغه وال يدري‪ ،‬وروى املزين‬
‫عن الشافعي يف أول خمتصره أنه مل يزل ينهى عن تقليده وتقليد غريه‪.‬‬
‫‪ -‬وعن اإلمام أمحد رمحه الَّله تعاىل‪ :‬ال تقلدين‪ ،‬وال تقلد مالًك ا‪ ،‬وال الثوري‪ ،‬وال‬
‫األوزاعي‪ ،‬وخذ من حيث أخذوا‪ ،‬وقال‪ :‬من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه‬
‫الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬وقال أبو يوسف‪ :‬ال حيل ألحد أن يقول مقالتنا حىت يعلم من أين قلناه‪.‬‬
‫‪ -‬وقال السيوطي‪ :‬ما زال السلف واخللف يأمرون باالجتهاد وحيضون عليه‪،‬‬
‫وينهون عن التقليد ويذمونه ويكرهونه‪.‬‬
‫‪ -‬وقد صنف مجاعة يف ذم التقليد كاملزين‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وابن عبد الرب‪ ،‬وأيب‬
‫شامة‪ ،‬وابن قيم اجلوزية‪ ،‬وصاحب القاموس احمليط‪.‬‬
‫وقال القرايف‪ :‬مذهب مالك ومجهور العلماء وجوب االجتهاد وإبطال التقليد‬

‫خامسا ‪ :‬حكم التقليد‪:‬‬


‫قال مجهور العلماء حبرمة التقليد يف القسم األول يف العقائد واألصول العامة‪ ،‬وجيوز التقليد يف‬
‫الفروع واألعمال‪ ،‬وخالف قوم باألمرين‪ ،‬وفصل فريق ثالث‪.‬‬

‫حكم التقليد في العقائد واألصول العامة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫‪5‬‬
‫اختلف العلماء يف حكم التقليد يف العقائد واألصول العامة على ثالثة أقوال‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ال جيوز التقليد يف العقائد‪ ،‬وهي املسائل العقلية‪ ،‬ويف األصول العامة كاألخالق‬
‫وما علم من الِّدين بالضرورة‪ ،‬واألصول الشرعية‪ ،‬وهو قول مجهور العلماء واملذاهب واألئمة‪،‬‬
‫وحكاه بعضهم إمجاًع ا عن أهل العلم‪ ،‬وذكره بعضهم عن عامة العلماء‪ ،‬وهو الصحيح‪،‬‬
‫وذلك يقتضي معرفة األمر بنظر واستدالل مهما بلغ ذلك‪ ،‬كل حسب قدرته وكفاءته‬
‫وأهليته‪.‬‬
‫واستدل اجلمهور على رأيهم بأدلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫إن الَّله تعاىل أمر بالتدبر والتفكر والنظر‪ ،‬فيكون ذلك واجًبا‪ ،‬ويف التقليد ترك‬ ‫أ‪-‬‬
‫الواجب‪ ،‬فال جيوز‪،‬‬
‫ودليل ذلك قوله تعاىل‪ِ{ :‬إَّن يِف ْلِق الَّس ا اِت اَأْل ِض ا ِتاَل ِف الَّل ِل الَّن اِر آل اٍت‬
‫ْي َو َه َي‬ ‫َم َو َو ْر َو ْخ‬ ‫َخ‬
‫ُأِلويِل اَأْلْلَباِب (‪ )190‬اَّلِذي َيْذ ُك وَن الَّلَه ِقَياًم ا ُقُعوًدا َعَلى ُج ُنوِهِبْم َيَتَف َّك وَن يِف َخ ْلِق‬
‫َو ُر‬ ‫َو‬ ‫َو‬ ‫َن ُر‬
‫الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض " ‪[ ،‬آل عمران‪ ]196 - 190 :‬فقال رسول الَّله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪َ" :-‬و ْيٌل ملْن َقَر أُه َّن ومل َيَتَد َّبْر ُه َّن ‪َ ،‬و ْيٌل له‪.‬‬
‫وجه الداللة ‪:‬أن الَّله تعاىل أمر بالتدبر والتفكر والنظر‪ ،‬فيكون ذلك واجًبا‪ ،‬ويف التقليد ترك‬
‫الواجب‪ ،‬فال جيوز‪.‬‬
‫والرسول توّعد وشَّدد على ترك النظر والتفكر يف آيات الَّله للوصول إىل معرفة الَّله واإلميان به‬
‫ومعرفة صفاته‪ ،‬فدل على وجوب النظر‪.‬‬
‫اإلجماع‪ :‬أمجعت األمة على وجوب معرفة الَّله سبحانه وتعاىل‪ ،‬وما جيوز له‪ ،‬وما‬ ‫ب‪-‬‬
‫ال جيوز‪ ،‬وال حتصل املعرفة بالتقليد؛ جلواز كذب ا ْخ رِب ‪ ،‬واحتمال خطئه‪ ،‬فيضَّل‬
‫ُمل‬
‫املقّلد‪ ،‬كاملقِّلد يف حدوث العامل أو يف قدمه‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬يجوز التقليد في العقائد واألصول العامة‪ ،‬وهو قول بعض العلماء‪.‬‬
‫ودليلهم ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫إمجاع السلف على قبول الشهادتني من غري أن يقال لقائلهما‪ :‬هل‬ ‫أ‪-‬‬
‫نظرت(فّك رت)؟ وقالوا‪ :‬إذا عرف اإلنسان الَّله‪ ،‬وصَّدق رسله‪ ،‬وسكن قلبه إىل‬
‫ذلك‪،‬واطمأن عليه‪ ،‬فال علينا من الطريق‪ :‬تقليًد ا كان أو نظًر ا أو استدالاًل ‪.‬‬
‫لو كان النظر واجًبا لفعله الصحابة‪ ،‬وأمروا به‪ ،‬والواقع أهنم مل يفعلوا‪ ،‬ولو فعلوا‬ ‫ب‪-‬‬
‫لنقل عنهم‪ ،‬كما نقل النظر يف املسائل الفقهية‪.‬‬
‫المناقشة ‪ :‬ويرّد على هذا الدليل بأن معرفة الصحابة بالعقائد كانت مبنية على الدليل‬
‫باعتمادهم على السليقة يف الفهم‪ ،‬ومشاهدة الوحي‪ ،‬وكانوا مأمورين بالنظر كغريهم‪ ،‬وهو ما‬
‫أفادهم الطمأنينة‪ ،‬وأفاد غريهم من عامة الناس باألدلة الكافية من الوقائع واملشاهدات اليت‬
‫تفيد اإلميان‪ ،‬ولكثرة ذلك يف خلق اإلنسان والكون واحلياة مما يفيد الدليل على وجود الَّله‪،‬‬
‫وكمال صفاته‪ ،‬وسالمته من النقص‪.‬‬
‫لو كان النظر يف معرفة الَّله واجًبا‪ ،‬ألدى إىل الدور‪ ،‬وهو توقف وجود الشيء‬ ‫ت‪-‬‬
‫على ذاته؛ ألن وجوب النظر املأمور به من الَّله متوقف على معرفة الَّله‪ ،‬ومعرفة‬
‫الَّله متوقفة على النظر‪.‬‬
‫المناقشة ‪ :‬ويرَّد على ذلك أنه ال َدْو ر؛ ألن وجوب النظر الشرعي متوقف على معرفة‬
‫الَّله بوجه ما‪ ،‬ومعرفة الَّله متوقفة على النظر بوجه أكمل بصفات الكمال وامتناع النقص‪،‬‬
‫فهما أمران ‪ ،‬ولذلك فإن العقائد حتتاج للعلم بناء على اعتقاد جازم مطابق للواقع عن‬
‫دليل‪ ،‬والتقليد يكون بال دليل‪ ،‬فال يقبل فيها‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬يجب التقليد في العقائد واألصول العامة‪ ،‬ويحرم النظر واالجتهاد‪ ،‬وهو‬
‫قول بعض العلماء‪ ،‬ودليلهم ‪:‬‬
‫أن حجج العقول باطلة‪ ،‬وإن النظر مظنة الوقوع يف الشبهات‪ ،‬أو الضالل‪ ،‬أو‬ ‫أ‪-‬‬
‫اضطراب اآلراء‪ ،‬أما التقليد فإنه طريق آمن‪ ،‬وأسلم‪ ،‬فيجب املصري إليه ‪.‬‬
‫كما ورد النهي عن النظر واجلدال يف آيات الَّله‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪ -‬هنى الصحابة عن الكالم يف القدر‪ ،‬وقال‪" :‬إمنا هلك من كان قبلكم خلوضهم‬
‫يف هذا"‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫قال العلماء‪ :‬هذا قول ضعيف‪ ،‬فالتقليد قد يوقع يف الضالل كما فعل املشركون بتقليد‬
‫اآلباء‪ ،‬ويكون النهي عن اجلدال بالباطل‪ ،‬مع األمر باجلدال باليت هي أحسن‪ ،‬والنهي عن‬
‫الكالم يف القدر؛ ألنه ثبت بالنص‪ ،‬فيكون اجلدال فيه مماراة عن احلق‪.‬‬
‫حكم التقليد في الفروع العملية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اختلف العلماء يف حكم التقليد يف الفروع العملية‪ ،‬وهي املسائل الفقهية اجلزئية على عدة‬
‫أقوال‪ ،‬أمهها ثالثة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬التقليد غير جائز في الفروع العملية‪ ،‬وجيب فيها االجتهاد على كل مكلف‬
‫ليعمل مبا أداه إليه اجتهاده‪ ،‬حبسب قدرته‪ ،‬وهو قول الظاهرية وبعض املعتزلة‪ ،‬ومجاعة من‬
‫اإلمامية‪.‬‬
‫ودليلهم ‪ :‬أن املسلم مأمور باتباع ما أنزل الَّله يف كتابه‪ ،‬واألخذ بقول رسول الَّله ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬وال جيوز ما عدا ذلك‪.‬‬
‫المناقشة ‪ :‬هذا كالم نظري خيايل‪ ،‬فكالم الَّله وكالم الرسول حيتاج إىل اجتهاد لفهم مراده‬
‫ومعناه‪ ،‬وال يقدر عليه كل أحد‪ ،‬وأن مجاهري الصحابة رضي الَّله عنهم كانوا يسألون كبار‬
‫الصحابة وعلماءهم ويقتدون هبم‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬التقليد واجب على جميع الناس بعد زمن األئمة اجملتهدين‪ ،‬وأن النظر‬
‫واالجتهاد غري جائز‪.‬‬
‫ودليلهم أن باب االجتهاد أغلق‪ ،‬وأن شروطه فقدت‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬التفصيل بين المجتهد والعامي‪.‬‬
‫فيحرم التقليد على اجملتهد؛ ألنه أهل لالجتهاد والنظر‪ ،‬وجيب التقليد على العامي الذي مل‬
‫تتوفر فيه أهلية االجتهاد‪ ،‬ولو كان عا ا‪ ،‬وهو رأي أكثر أتباع املذاهب األربعة‪ ،‬ومعظم‬
‫ًمل‬
‫احملققني ‪.‬‬
‫واستدلوا على ذلك بعدة أدلة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫الكتاب‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫‪8‬‬
‫قال الَّله تعاىل‪َ﴿:‬و َم ا َأْر َس ْلَنا ِم ْن َقْبِلَك إال ِر َج ااًل ُنوِح ي ِإَلْيِه ْم َفاْس َأُلوا َأْه َل الِّذ ْك ِر ِإْن ُك ْنُتْم اَل‬
‫َتْع َلُم وَن ﴾ [النحل‪.]43 :‬‬
‫وجه الداللة ‪ :‬أن هذا نص عام‪ ،‬يتكرر بتكرر الشرط‪ ،‬وعلة األمر بالسؤال هي اجلهل‪،‬‬
‫فيجب السؤال يف كل أمر ال ُيعلم‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلجماع‪:‬‬
‫أمجع الصحابة والتابعون على إقرار ما يعمله العلماء يف عصرهم من جواب أسئلة العوام عن‬
‫حكم احلوادث والقضايا واألحكام الشرعية‪ ،‬وكان العوام يقلدون العلماء من غري إبداء مستند‬
‫أو دليل‪ ،‬ولم ينكر أحد على ذلك‪ ،‬وال يلزم ذلك يف التوحيد والعقائد واألصول العامة؛‬
‫ليسره وقلته‪.‬‬
‫‪ - 3‬المعقول‪:‬‬
‫مل يرد يف الشرع إجياب االجتهاد أو بلوغ رتبة االجتهاد على مجيع املسلمني؛ ألن ذلك يفرض‬
‫تفرغ مجيع األمة لطلب العلم والوصول إىل رتبة االجتهاد‪ ،‬مما يؤدي إىل خراب الدنيا‪ ،‬برتك‬
‫املعايش والصنائع وسائر العلوم األخرى‪ ،‬وهو تكليف مبا ال يطاق‪ ،‬ولذلك كان التخصص‬
‫بالعلم الشرعي أو غريه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط اإلمث عن الباقني‪ ،‬ويسأل غُري‬
‫املتخصصني العلماء املتخصصني‪ ،‬ويقبلون قوهلم‪ ،‬ويقلدوهنم‪ ،‬وألن العاِّم ي إذا اجتهد فهو‬
‫أقرب للخطأ؛ لعدم أهليته‪.‬‬
‫وهذا يدل على وجوب التقليد على العامي ليتعرف على األحكام الشرعية‪ ،‬مث يلتزم هبا‬
‫ويطبقها‪ ،‬ثقة مبا خيربه العلماء‪.‬‬
‫أما اجملتهد فيحرم عليه التقليد؛ ألنه حاز رتبة االجتهاد‪ ،‬وتوفرت فيه شروطه‪ ،‬ويعرف األدلة‪،‬‬
‫فال جيوز له تقليد جمتهد آخر؟ ألنه مثُله‪ ،‬واجملتهد مأمور باالجتهاد‪ ،‬فعليه أن يبذل جهده‪،‬‬
‫ويقوم بو اجبه‪ ،‬وإال كان مقصًر ا آًمثا‬

‫‪9‬‬

You might also like