Professional Documents
Culture Documents
Ø Ù Ø Ù Ù Ù Ø
Ø Ù Ø Ù Ù Ù Ø
مقدمة :التقليد واالتباع مقابالن لالجتهاد ،خلق اهلل الناس على مستويات خمتلفة ،وجعل
احلياة تقوم على أعمال متنوعة ،وال بَّد لكل عمل من وجود طائفة من الناس تقوم به ،فيتوزع
الناس حسب األعمال الكثرية يف احلياة ،كل ملا خلق له ،ليتم التعاون والتكافل فيما بينهم،
قال تعاىل ﴿ :فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ﴾ ،وقال عليه
الصالة والسالم " كل ميسر لما خلق له "
ومن الناس من يتجه إىل العلوم عامة ،والعلم الشرعي خاصة ،ولكن ال ميلك كل من طلب
العلم القدرة إىل الوصول إىل الكمال ودرجة االجتهاد ،وينفرد نفر من األمة يف كل عصر
بالوصول إىل الذروة ،ليتبوأ القمة ،ويبلغ درجة االجتهاد ،ويبقى معظم املتعلمني يف الدرجات
األخرى.
فاجملتهدون يف كل عصر قلة ،وتبقى األكثرية يف جمال التقليد أو االتباع
أوال :تعريف التقليد :
في اللغة: أ-
مأخوذ من القالدة اليت يقلد غريه هبا ،وهي وضع الشيء يف العنق ،ويسمى -
ذلك الشيء قالدة ،ومنه تقليد اهلدي يف احلج ،أي :وضع القالدة يف عنق ما
ُيهدى إىل احلرم من الَّنَعم ،ومجع القالدة قالئد .
1
والتقليد اصطالًح ا: ب-
أخذ مذهب الغري من غري معرفة دليله. -1
شرح التعريف :فاملقلد يعتقد صحة ما يقوله غريه ،ويتبعه عليه من غري -
معرفة الدليل الذي أوجب القول ،سواء كان ذلك قواًل أو فعاًل ،عماًل أو
ترًك ا ،ويسمى املقلد عامًّيا ،وهذا يشمل كل إنسان غري جمتهد يف الشرع ،ولو
كان عا ا وخبًريا يف علم آخر.
ًمل
-ويخرج من التعريف:
اجملتهد إذا عرف الدليل ،ووافق اجتهاده اجتهاد جمتهد آخر ،فإنه ال يسمى
تقليًد ا ،كقوهلم :أخذ الشافعي مبذهب مالك يف كذا ،وأخذ أمحد مبذهب
الشافعي يف كذا؛ ألنه عند معرفة دليله حق املعرفة يكون قد أخذ احلكم
من الدليل ،ال من اجملتهد السابق ،فيكون إطالق األخذ مبذهبه فيه جتّو ز.
وكذلك فإن الرجوع إىل قول الرسول -صلى اهلل عليه وسلم ،-وإىل
املعلوم بالضرورة ،وإىل اإلمجاع ،ورجوع القاضي إىل شهادة الشاهد،
ليس بتقليد حقيقة؛ لقيام احلجة بذلك ،وقول النيب -صلى اهلل عليه وسلم
-هو نفس احلجة والدليل ،ولو مسي تقليًد ا ،لساغ ذلك توسعة ،وال
مشاحة يف االصطالح
ونقل القاضي ابن العربي عن قوم قولهم :هو قبول القول من غري -2
حجة.
2
التقليد :أن يأخذ الشخص بقول غريه بدون معرفة دليله ،وبغري حجة تظهر -
له (.كما سبق بيانه)
االتباع :األخذ بقول اآلخر بعد معرفة دليله ،والطريق الذي أخذ به ،فيقتنع -
بالقول مع الدليل ،مث يتبعه ،فيكون تابًعا طريق املتبوع ،ولذلك فإن معظم
األصحاب إلمام املذهب هو تابعون له؛ ملعرفتهم احلكم مع الدليل ،وكذلك
معظم الباحثني والدارسني للفقه املذهيب يعتربون تابعني للمذهب ،وليسوا
مقلدين له.
3
الصنف األول :تقليد العاجز عن االجتهاد ،ممن ال تتوفر فيه شروطه ،فإنه ال يقدر على
التوصل إىل احلكم الشرعي بنفسه ،ومل يبق أمامه إال اتباع من يرشده إىل احلق من أهل النظر
واالجتهاد إىل ما جيب عليه من التكاليف.
الصنف الثاني :تقليد العامل إذا علم أن الذي يقلده ال خيطئ فيما قلده فيه ،فيلزمه القبول
مبجرده ،وهذا يشمل أربعة أشخاص:
أ -تقليد النبي -صلى اهلل عليه وسلم ،-بناء على أن قوله يسمى تقليًد ا ،وهو األصح؛
لقيام الدليل على صدقه ،وهذا يسمى اقتداء يف احلقيقة .
ب -تقليد الراوي وهو المخبر عن الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -من صحايب ،أو
تابعي ثقة ،وكذا كل راٍو عدل ثقة ضابط؛ ألن تقليده اتباع ملا رواه عن الرسول -صلى اهلل
عليه وسلم
جـ -تقليد أهل اإلجماع :اجملمعون على حكم ،فتقليدهم واجب فيما أمجعوا عليه؛ ألنه
اتباع لإلمجاع.
د -تقليد الصحايي يف رأيه واجتهاده على أحد القولني الذي يعترب قول الصحايب دلياًل
شرعًّيا ،وهو رأي اجلمهور .
- 2التقليد المذموم أو المحرم:
وهذا يتضمن أربعة أنواع ،وهي:
أ -تقليد في معصية الخالق :كتقليد واآلباء والسادة والزعماء فيما يسخط اهلل .
ب -التقليد في مقابل الدليل :كتقليد رأي يتعارض مع ما ثبت عن النيب -صلى اهلل عليه
وسلم ،-أو مع اإلمجاع ،أو مع ما علم من الِّدين بالضرورة ،أو يتعارض مع قول الصحايب
يف القول األكثر.
جـ -التقليد المرادف للتعصب :كاإلصرار على التقليد بعد ظهور احلجة ،وإقامة الدليل
على خالف قول املقَّلد.
4
د -تقليد من نزل عن رتبة االجتهاد :كأنصاف العلماء ،وعلماء السلطان الذين يفتون مبا
يهوى .
وهذه األنواع األربعة هي اليت حيمل عليها ما ورد يف القرآن والسنة من ذم التقليد ،وعليها
حيمل كل ما نقل عن العلماء يف ذم التقليد .
-عن مالك -رمحه الَّله تعاىل -أنه قال :أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا يف
رأيي ،فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ،وما مل يوافقه فاتركوه.
-وعن الشافعي رمحه الَّله تعاىل :مثل الذي يطلب العلم بال حجة كمثل
حاطب ليل حيمل حزمة حطب ،وفيها أفعى تلدغه وال يدري ،وروى املزين
عن الشافعي يف أول خمتصره أنه مل يزل ينهى عن تقليده وتقليد غريه.
-وعن اإلمام أمحد رمحه الَّله تعاىل :ال تقلدين ،وال تقلد مالًك ا ،وال الثوري ،وال
األوزاعي ،وخذ من حيث أخذوا ،وقال :من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه
الرجال.
-وقال أبو يوسف :ال حيل ألحد أن يقول مقالتنا حىت يعلم من أين قلناه.
-وقال السيوطي :ما زال السلف واخللف يأمرون باالجتهاد وحيضون عليه،
وينهون عن التقليد ويذمونه ويكرهونه.
-وقد صنف مجاعة يف ذم التقليد كاملزين ،وابن حزم ،وابن عبد الرب ،وأيب
شامة ،وابن قيم اجلوزية ،وصاحب القاموس احمليط.
وقال القرايف :مذهب مالك ومجهور العلماء وجوب االجتهاد وإبطال التقليد
6
إمجاع السلف على قبول الشهادتني من غري أن يقال لقائلهما :هل أ-
نظرت(فّك رت)؟ وقالوا :إذا عرف اإلنسان الَّله ،وصَّدق رسله ،وسكن قلبه إىل
ذلك،واطمأن عليه ،فال علينا من الطريق :تقليًد ا كان أو نظًر ا أو استدالاًل .
لو كان النظر واجًبا لفعله الصحابة ،وأمروا به ،والواقع أهنم مل يفعلوا ،ولو فعلوا ب-
لنقل عنهم ،كما نقل النظر يف املسائل الفقهية.
المناقشة :ويرّد على هذا الدليل بأن معرفة الصحابة بالعقائد كانت مبنية على الدليل
باعتمادهم على السليقة يف الفهم ،ومشاهدة الوحي ،وكانوا مأمورين بالنظر كغريهم ،وهو ما
أفادهم الطمأنينة ،وأفاد غريهم من عامة الناس باألدلة الكافية من الوقائع واملشاهدات اليت
تفيد اإلميان ،ولكثرة ذلك يف خلق اإلنسان والكون واحلياة مما يفيد الدليل على وجود الَّله،
وكمال صفاته ،وسالمته من النقص.
لو كان النظر يف معرفة الَّله واجًبا ،ألدى إىل الدور ،وهو توقف وجود الشيء ت-
على ذاته؛ ألن وجوب النظر املأمور به من الَّله متوقف على معرفة الَّله ،ومعرفة
الَّله متوقفة على النظر.
المناقشة :ويرَّد على ذلك أنه ال َدْو ر؛ ألن وجوب النظر الشرعي متوقف على معرفة
الَّله بوجه ما ،ومعرفة الَّله متوقفة على النظر بوجه أكمل بصفات الكمال وامتناع النقص،
فهما أمران ،ولذلك فإن العقائد حتتاج للعلم بناء على اعتقاد جازم مطابق للواقع عن
دليل ،والتقليد يكون بال دليل ،فال يقبل فيها.
القول الثالث :يجب التقليد في العقائد واألصول العامة ،ويحرم النظر واالجتهاد ،وهو
قول بعض العلماء ،ودليلهم :
أن حجج العقول باطلة ،وإن النظر مظنة الوقوع يف الشبهات ،أو الضالل ،أو أ-
اضطراب اآلراء ،أما التقليد فإنه طريق آمن ،وأسلم ،فيجب املصري إليه .
كما ورد النهي عن النظر واجلدال يف آيات الَّله ،والرسول -صلى اهلل عليه وسلم ب-
-هنى الصحابة عن الكالم يف القدر ،وقال" :إمنا هلك من كان قبلكم خلوضهم
يف هذا".
7
قال العلماء :هذا قول ضعيف ،فالتقليد قد يوقع يف الضالل كما فعل املشركون بتقليد
اآلباء ،ويكون النهي عن اجلدال بالباطل ،مع األمر باجلدال باليت هي أحسن ،والنهي عن
الكالم يف القدر؛ ألنه ثبت بالنص ،فيكون اجلدال فيه مماراة عن احلق.
حكم التقليد في الفروع العملية. -2
اختلف العلماء يف حكم التقليد يف الفروع العملية ،وهي املسائل الفقهية اجلزئية على عدة
أقوال ،أمهها ثالثة ،وهي:
القول األول :التقليد غير جائز في الفروع العملية ،وجيب فيها االجتهاد على كل مكلف
ليعمل مبا أداه إليه اجتهاده ،حبسب قدرته ،وهو قول الظاهرية وبعض املعتزلة ،ومجاعة من
اإلمامية.
ودليلهم :أن املسلم مأمور باتباع ما أنزل الَّله يف كتابه ،واألخذ بقول رسول الَّله -صلى
اهلل عليه وسلم ،-وال جيوز ما عدا ذلك.
المناقشة :هذا كالم نظري خيايل ،فكالم الَّله وكالم الرسول حيتاج إىل اجتهاد لفهم مراده
ومعناه ،وال يقدر عليه كل أحد ،وأن مجاهري الصحابة رضي الَّله عنهم كانوا يسألون كبار
الصحابة وعلماءهم ويقتدون هبم.
القول الثاني :التقليد واجب على جميع الناس بعد زمن األئمة اجملتهدين ،وأن النظر
واالجتهاد غري جائز.
ودليلهم أن باب االجتهاد أغلق ،وأن شروطه فقدت.
القول الثالث :التفصيل بين المجتهد والعامي.
فيحرم التقليد على اجملتهد؛ ألنه أهل لالجتهاد والنظر ،وجيب التقليد على العامي الذي مل
تتوفر فيه أهلية االجتهاد ،ولو كان عا ا ،وهو رأي أكثر أتباع املذاهب األربعة ،ومعظم
ًمل
احملققني .
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة ،أهمها:
الكتاب: أ-
8
قال الَّله تعاىلَ﴿:و َم ا َأْر َس ْلَنا ِم ْن َقْبِلَك إال ِر َج ااًل ُنوِح ي ِإَلْيِه ْم َفاْس َأُلوا َأْه َل الِّذ ْك ِر ِإْن ُك ْنُتْم اَل
َتْع َلُم وَن ﴾ [النحل.]43 :
وجه الداللة :أن هذا نص عام ،يتكرر بتكرر الشرط ،وعلة األمر بالسؤال هي اجلهل،
فيجب السؤال يف كل أمر ال ُيعلم.
ب -اإلجماع:
أمجع الصحابة والتابعون على إقرار ما يعمله العلماء يف عصرهم من جواب أسئلة العوام عن
حكم احلوادث والقضايا واألحكام الشرعية ،وكان العوام يقلدون العلماء من غري إبداء مستند
أو دليل ،ولم ينكر أحد على ذلك ،وال يلزم ذلك يف التوحيد والعقائد واألصول العامة؛
ليسره وقلته.
- 3المعقول:
مل يرد يف الشرع إجياب االجتهاد أو بلوغ رتبة االجتهاد على مجيع املسلمني؛ ألن ذلك يفرض
تفرغ مجيع األمة لطلب العلم والوصول إىل رتبة االجتهاد ،مما يؤدي إىل خراب الدنيا ،برتك
املعايش والصنائع وسائر العلوم األخرى ،وهو تكليف مبا ال يطاق ،ولذلك كان التخصص
بالعلم الشرعي أو غريه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط اإلمث عن الباقني ،ويسأل غُري
املتخصصني العلماء املتخصصني ،ويقبلون قوهلم ،ويقلدوهنم ،وألن العاِّم ي إذا اجتهد فهو
أقرب للخطأ؛ لعدم أهليته.
وهذا يدل على وجوب التقليد على العامي ليتعرف على األحكام الشرعية ،مث يلتزم هبا
ويطبقها ،ثقة مبا خيربه العلماء.
أما اجملتهد فيحرم عليه التقليد؛ ألنه حاز رتبة االجتهاد ،وتوفرت فيه شروطه ،ويعرف األدلة،
فال جيوز له تقليد جمتهد آخر؟ ألنه مثُله ،واجملتهد مأمور باالجتهاد ،فعليه أن يبذل جهده،
ويقوم بو اجبه ،وإال كان مقصًر ا آًمثا
9