You are on page 1of 202

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫وقد جاء في هذه الحاشية ذكر قرار مؤتمر الكويت عام ‪1409‬هـ وهو قرار ل‬
‫يتفق مع موضوع البحث‪ ،‬فهو قرار يؤيد القول باعتبار الحساب الفلكي في‬
‫حال النفي وقد جاء في القرار الفقرة )‪ (1‬النص على ذلك وأن هذا القول هو‬
‫قول عدد من فقهاء المسلمين كابن تيمية والقرافي وابن القيم وابن رشد‪،‬‬
‫وفي الفقرة الثالثة من القرار ما يدل على أن الثبات يجب أن يعتمد على‬
‫الشهادة‪.‬‬
‫وللشيخ أحمد شاكر ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬هو أحد علماء مصر والمختصين في علم‬
‫الحديث ورجاله رسالة بعنوان ) أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعا إثباتها‬
‫بالحساب الفلكي ( وقد ذكر في رسالته ما نصه ‪:‬‬
‫" لقد كان للستاذ الكبر الشيخ المراغي منذ أكثر من عشر سنين حين كان‬
‫رئيس المحكمة العليا الشرعية رأي في رد شهادة الشهود إذا كان الحساب‬
‫يقطع بعدم إمكان الرؤية كالرأي الذي نقلته هنا عن تقي الدين السبكي ‪.‬‬
‫وأثار رأيه هذا جدل شديدا وكان والدي وكنت أنا وبعض إخواني ممن خالف‬
‫الستاذ الكبر في رأيه ولكني أصرح الن بأنه كان على صواب وأزيد عليه‬
‫وجوب إثبات الهلة بالحساب في كل الحوال إل لمن استعصى عليه العلم‬
‫به‪ .‬وما كان قولي هذا بدعا من القوال أن يختلف الحكم باختلف أحوال‬
‫المكلفين فإن هذا في الشريعة كثير يعرفه أهل العلم وغيرهم "‪ .‬ا ‪.‬هـ‬
‫) ص ‪ 15 :‬من الرسالة نشر مكتبة ابن تيمية لطباعة ونشر الكتب السلفية (‪.‬‬
‫ما ذكره فضيلة الشيخ أحمد شاكر وما جاء في قرار مؤتمر الكويت عام‬
‫‪ 1409‬هـ يتضح منه أن القول باعتبار الحساب الفلكي ل سيما فيما يتعلق‬
‫برد شهادة رؤية الهلل قبل ولدته قول مجموعة من علماء المسلمين قديما‬
‫وحديثا‪ ،‬ومنهم شيخ السلم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والقرافي وابن رشد‬
‫والسبكي والمراغي وأحمد شاكر والشيخ مصطفى الزرقاء رحمهم الله ‪.‬‬
‫الوقفة السادسة‪:‬‬
‫هذه الوقفة مختصة بحوار قصير مع الجهة المختصة بإثبات الهلة في بلدنا‬
‫فهذه الجهة جهة علمية مشهود لرئيسها وأعضائها بالنصح الخالص للبلد‬
‫وأهلها خاصة وللمسلمين عامة وهم أهل لذلك من حيث التقوى والصلح‬
‫وبذل الجهد في استبراء الذمة مع ما يتمتعون به من كفاءة علمية تؤهلهم‬
‫لممارسة اختصاصهم‪ ،‬وهم يدركون ما قاله مجموعة من فقهاء المسلمين‬
‫ومحققيهم قديما وحديثا من أن الفتوى تتغير بتغير الحوال والزمان والمكنة‬
‫والظروف بشرط أن ل يكون هذا التغير مصادما لنص شرعي أو أصل من‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أصول الدين‪ .‬فعلوم التقنية بمختلف أجناسها وأنواعها قد تطورت تطورا ً خدم‬
‫البشرية خدمة أثرت على أنماط حياتها‪ ،‬ونقلتها من عالم محدود الدراك‬
‫والتفكير والتحرك إلى عالم يسابق زمنه في البداع والعطاء والقدرة على‬
‫النتفاع بعوامل النفتاح الفكري والنظري والتطبيقي ‪ .‬أفل يجد إخواننا أن‬
‫واجب عملهم واختصاصهم بإثبات الرؤية يقتضي الخذ بكل جديد يساعدهم‬
‫على الدقة في تحقيق ما اختصوا به ؟‬
‫ومن ذلك إعادتهم النظر في آرائهم السلبية نحو النتائج الفلكية ل سيما وهم‬
‫ف ل يؤهلهم لهذا الموقف السلبي نحو النتائج الفلكية‪،‬‬ ‫في علوم الفلك في ص ٍ‬
‫فلو عملوا على عقد مؤتمر دولي ُيدعى إليه علماء فلكيون من أجناس فلكية‬
‫مختلفة ويحضر معهم علماء شرعيون من بلدان إسلمية مختلفة ُيبحث في‬
‫هذا المؤتمر موضوع القتران والولدة وإمكان الرؤية وهل النتائج الفلكية في‬
‫علم هذه المسائل قطعية أو ظنية ؟ وهل في ذلك خلف بين علماء الفلك ؟‬
‫حتى ل يكون مّنا رد لقضايا قطعية نقول عنها على سبيل التشكيك‬
‫والرتياب ‪ :‬هل لدى أحد أثارة من علم بها ممن ل يرد قوله!!‪.‬‬
‫فإنكارنا النتائج العلمية القطعية مما هو محل إجماع علماء الختصاص يرجع‬
‫علينا بالنقص والزراية وضيق الفق والنظر وسوء السمعة‪ ،‬وقد سمعنا الكثير‬
‫من ذلك وتألمنا مما سمعنا ‪ .‬والله حسبنا ونعم الحسيب ‪.‬‬
‫الوقفة السابعة‪:‬‬
‫مع قول بعضهم إن علماء الفلك مختلفون فيما بينهم في إمكان الرؤية وفي‬
‫تحديد أول الشهر وآخره وهذا يعني أن النتائج الفلكية ظنية وما دامت ظنية‬
‫والرؤية ظنية وقد اعتبر الشارع الرؤية وأمرنا باعتمادها فل حاجة لنا بالفلك‬
‫وعلومه ‪.‬‬
‫والجابة على هذا اليراد تقتضي التمهيد لها بتعريف القتران والولدة وإمكان‬
‫الرؤية وهذا تعريفها ‪:‬‬
‫القتران ‪ :‬هو اجتماع الشمس والقمر في خط طولي واحد بحيث ل ينعكس‬
‫ضوء الشمس على القمر ول على جزء منه ‪.‬‬
‫الولدة ‪ :‬هي انفصال القمر عن الشمس بحيث تكون الشمس أمامه من جهة‬
‫الغرب ‪ ،‬والقمر خلفها من جهة الشرق ‪ ،‬فيظهر بالولدة نور الشمس على‬
‫جزء من القمر ‪.‬‬
‫إمكان الرؤية ‪ :‬هو حصولها بالقدرة البصرية على رؤية الهلل بعد ولدته ‪.‬‬
‫وقد أجمع علماء الفلك على أن ولدة الهلل تتم في وقت محدد بالدقيقة إن‬
‫لم يكن بالثانية وأن علماء الفلك قاطبة ل يختلفون في ذلك التحديد إل إذا‬
‫اختلف علماء الرياضيات في نتيجة جمع عشرين مع خمسة عشر أو نحو ذلك‬
‫من النتائج القطعية‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وإنما الختلف بين الفلكيين في مسألة إمكان رؤية الهلل بعد اتفاقهم على‬
‫وقت ولدته ‪ .‬فبعضهم يقول بولدته قبل غروب الشمس ‪ .‬ولكن ل يمكن‬
‫رؤيته إل إذا كان على زاوية أفقية محددة بدرجة معينة وعلى ارتفاع درجات‬
‫محددة أيضا بعدد كخمس درجات أو ست أو أقل من ذلك أو أكثر فهذه‬
‫المسألة محل اختلف بينهم مع اتفاقهم جميعا على تحديد وقت الولدة ‪.‬‬
‫وهذا الختلف هو الذي أوجد خلطا بين علماء الشريعة وفقهائها قديما وحديثا‬
‫فلم يفرقوا بين الولدة وبين إمكان الرؤية من عدمه ؛ فظنوا أن الختلف‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في إمكان الرؤية هو اختلف في تحديد الولدة والذي ندين الله به جمعا بين‬
‫النصوص الشرعية والنتائج القطعية للفلك أن الرؤية تثبت بالشهادة عليها‬
‫وأن دخول الشهر أو خروجه يجب أن ينحصر إثباته فيها ولو قال الفلكيون‬
‫بولدة الهلل قبل غروب الشمس ولم ي َُر الهلل فل يجوز الخذ بالثبات‬
‫الفلكي‪ ،‬كما ل يجوز تقييد رؤية الهلل بعد ولدته بإمكان الرؤية وتقييد‬
‫المكان بزاوية معينة أو درجة معينة ‪ ،‬فمتى ولد الهلل وجاءت الشهادة‬
‫بالرؤية تعين اعتبار الرؤية من غير اعتبارٍ للمكان ‪.‬‬
‫وأما إذا غربت الشمس قبل الولدة وجاء من يشهد برؤية الهلل بعد غروب‬
‫الشمس فيجب رد هذه الرؤية حيث إن رؤية الهلل منتفية قطعا في هذه‬
‫الحال وعليه فيجب اعتبار الحساب الفلكي في حال النفي دون حال الثبات ‪.‬‬
‫ولمزيد من توضيح معنى أن الحساب الفلكي وأنه يجب أن ُيستند عليه في‬
‫النفي دون الثبات نذكر الحالت التية والحكم على كل حال منها‪:‬‬
‫الحال الولى ‪ :‬أن يولد الهلل قبل غروب الشمس ويأتي من يشهد برؤيته‬
‫بعد غروب الشمس فهذه الرؤية معتبرة ويثبت بها بعد تعديلها دخول الشهر‪،‬‬
‫فإن كان شهر رمضان فيكفي لها شاهد عدل‪ ،‬وإن كان شهرا غير شهر‬
‫رمضان فيجب أن تكون الشهادة بالرؤية من شاهدي عدل فأكثر‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحال فقد اتفق النظر الشرعي مع الواقع الفلكي على إثبات دخول الشهر‪.‬‬
‫الحال الثانية ‪ :‬أن يولد الهلل بعد غروب الشمس ولم يتقدم أحد بدعوى‬
‫رؤيته الهلل بعد غروب الشمس ففي هذه الحال اتفق النظر الشرعي مع‬
‫الواقع الفلكي على نفي الرؤية واعتبار هذه الليلة ليلة آخر يوم من الشهر‬
‫الحالي ‪.‬‬
‫الحال الثالثة ‪ :‬أن يولد الهلل قبل غروب الشمس ولكن لم يتقدم أي شاهد‬
‫برؤيته الهلل فهذه الحال اختلف النظر الشرعي مع الواقع الفلكي حيث إن‬
‫الواقع الفلكي يثبت دخول الشهر والنظر الشرعي ينفي ذلك حيث لم يشهد‬
‫أحد برؤية الهلل ففي هذه الحال يجب علينا الخذ بالنظر الشرعي في نفي‬
‫دخول الشهر استجابة للنصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪) :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه(‪)) .‬صوموا لرؤيته‬
‫وأفطروا لرؤيته(( ‪.‬كما يجب علينا عدم الخذ بالثبوت الفلكي لنحصار الثبات‬
‫الشرعي في الرؤية فقط ‪.‬‬
‫الحال الرابعة ‪:‬أن يولد الهلل بعد غروب الشمس ويأتي من يشهد برؤية‬
‫الهلل بعد غروب الشمس فهذه الحال اختلف الواقع الفلكي مع دعوى‬
‫الرؤية قبل الولدة حيث إن دعوى الرؤية يثبت دخول الشهر والواقع الفلكي‬
‫ينفي دخول الشهر ففي هذه الحال يجب الخذ بالواقع الفلكي حيث إن‬
‫الهلل لم يولد إل بعد غروب الشمس فكيف ُيرى بعد غروبها والحال أن‬
‫الشمس غربت والهلل متقدم عليها نحو الغرب وهي متخلفة عنه نحو‬
‫الشرق فالرؤية التي تقدم بها أصحابها شهادة ‪ ،‬ومن شروط قبول الشهادة‬
‫أن تنفك عما يكذبها‪ ،‬وهذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها حيث إن ما يكذبها‬
‫ملزم لها فيجب رد هذه الشهادة مهما كان الشاهد بها ومهما تعدد شهودها‪،‬‬
‫وهذا معنى قولنا يجب الخذ بالحساب الفلكي فيما يتعلق بالنفي ل بالثبات ‪.‬‬
‫وهناك إيراد آخر ملخصه إن علماء الفلك قاطبة مجمعون على أن ولدة‬
‫الهلل لها وقت محدد بلحظة واحدة ومع ذلك يوجد خلف بينهم في تحديد‬
‫أول كل شهر والمثال على ذلك اختلف العجيري وهو أحد علماء الفلك مع‬
‫تقويم أم القرى في تحديد أول شهر رمضان عام ‪ 1421‬هـ ‪ ،‬والسؤال عن‬
‫وجه هذا الختلف والحال أن علماء الفلك مجمعون على تحديد ولدة هلل‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل شهر بلحظة معينة ‪.‬‬


‫والجواب عن هذا الشكال أن غالب علماء الفلك من مسلمين وغير مسلمين‬
‫أخذوا بتوقيت جرينتش واتفقوا على الخذ باصطلح مقتضاه ‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن ُولد الهلل قبل الثانية عشرة بتوقيت جرينتش فالليلة ليلة أول يوم من‬
‫الشهر ‪ .‬وإن ولد بعد الثانية عشرة فالليلة آخر يوم من الشهر ‪ .‬والستاذ‬
‫العجيري أحد هؤلء العلماء الذين يأخذون بتوقيت جرينتش وباعتبار هذا‬
‫الصطلح المذكور في أول الشهر وآخره‪ ،‬وأما لجنة تقويم أم القرى فهي‬
‫تأخذ بقرار مجلس الوزراء السعودي رقم ) ‪ ( 143‬وتاريخ ‪ 1418 / 8 /22‬هـ‬
‫المقتضي الخذ َ بغروب الشمس في مكة المكرمة فإن كان غروبها قبل ولدة‬
‫الهلل فتعتبر هذه الليلة ليلة آخر يوم من الشهر ‪ ،‬وإن كان غروبها بعد ولدة‬
‫الهلل فتعتبر هذه الليلة أول يوم من الشهر ‪ ،‬ومستند هذا القول هو‬
‫المقتضى الشرعي في اعتبار دخول الشهر وخروجه الرؤية الشرعية‬
‫المعتمدة على الشهادة الصحيحة برؤية الهلل بعد غروب الشمس‪ ،‬وبهذا‬
‫يظهر وجه الختلف والجواب عنه ‪ ,‬وأن هذا الختلف ليس اختلفا في وقت‬
‫ولدة الهلل وإنما هو اختلف في الصطلح‪.‬‬
‫فلو فرضنا أن الهلل ولد بعد غروب الشمس من مكة المكرمة الساعة‬
‫الحادية عشرة مساء بتوقيت المملكة والساعة الثامنة مساء بتوقيت‬
‫جرينتش فعلى حساب الستاذ العجيري ومن اخذ بهذا الصطلح تكون هذه‬
‫الليلة هي ليلة أول يوم من الشهر ‪ ,‬وعلى حساب تقويم أم القرى تكون هذه‬
‫الليلة هي ليلة آخر يوم من الشهر ‪ .‬ولشك أن حساب تقويم أم القرى هو‬
‫المتفق مع المقتضى الشرعي لن العبرة في دخول الشهر وخروجه بغروب‬
‫الشمس آخر الشهر قبل غروب القمر ‪ ,‬فإن غربت الشمس قبل غروب‬
‫القمر كانت الليلة ليلة أول يوم من الشهر ‪ ,‬وإن غرب القمر قبل الشمس‬
‫كانت الليلة آخر الشهر ول عبرة بولدة الهلل بعد غروب الشمس سواًء أكان‬
‫ذلك أول الليلة أو آخرها‪ .‬وهذا هو المقتضى الشرعي المستند على قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ((‪ ،‬ولحديث ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما ‪ )) :‬إنما الشهر تسع وعشرون فل تصوموا حتى تروه‬
‫ول تفطروا حتى تروه (( أخرجه مسلم )‪.(1080‬‬
‫والحمد لله الذي هدانا لهذا فقد صار للجهة المختصة عندنا في إثبات دخول‬
‫شهر رمضان وخروجه مزيد من التأني والتحري‪ ،‬والستئناس بتقويم أم‬
‫القرى في مدى الخذ بشهادة شهود يشهدون برؤية الهلل قبل ولدته ‪ .‬وهذه‬
‫مرحلة أولى من الجهة المختصة في الخذ بمقتضى ولدة الهلل ‪ .‬ونأمل أن‬
‫تتلوها مرحلة العتراف بولدة الهلل حتى ننفي عنا وعن بلدنا وعن ولة‬
‫أمورنا سمعة القيل والقال والهمز واللمز ‪.‬‬
‫الوقفة الثامنة‪:‬‬
‫مع مدعي رؤية الهلل قبل ولدته ‪.‬‬
‫يمكن تعليل رؤية الهلل قبل ولدته ممن يدعيها بما يلي‪:‬‬
‫)‪ (1‬يحتمل أن يكون المرئي نجما أو كوكبا ً قريبا ً من الشمس في حجم نقطة‬
‫ل‪ .‬وأذكر أن أخوين من جماعتي من أسرة الهدلق تقدما إلى قاضي‬ ‫ُتظن هل ً‬
‫البلد بدعوى رؤية هلل شوال‪ ،‬وحينما ناقشهما القاضي عن الهلل وصفته‬
‫ة؟ فقال‪ :‬نعم لعلها نجمة‪ ،‬فسميت نجمة الهدلق‪.‬‬ ‫قال‪ :‬لعلكما رأيتما نجم ً‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬يحتمل أن تكون الرؤية لطائرة أو مركبة فضائية أو قمرٍ صناعي أرى‬
‫جسم في الفضاء قريب أو بعيد من ذلك ما روي عن إياس بن معاوية وقصته‬
‫مع أنس بن مالك‪.‬‬
‫)‪ (3‬يحتمل أن تكون حالة جوية كعاصفة أو سحابة أو سراب‪.‬‬
‫خّيل إليه شيء فيعتقده‬ ‫)‪ (4‬يحتمل أن تكون حالة نفسية حيث إن المتحري ي ُ َ‬
‫حقيقة ‪.‬‬
‫)‪ (5‬يحتمل الكذب في ذلك وهذا أبعد الحتمالت إل أنه قد يقع‪.‬‬
‫وهناك احتمال آخر يتعلق بحالةٍ للهلل في شهر واحد من شهور العام حيث‬
‫ُيرى الهلل قبل ولدته إل أن هذه الرؤية ليست رؤية حقيقية للهلل وإنما هي‬
‫رؤية لنعكاسه في الفق خلف الشمس والحال أنه أمام الشمس لم يولد بعد ُ‬
‫وهذه الحال قد يظن بها مخالفة للقول بأن ولدة الهلل قطعية ‪.‬‬
‫وبتفسير هذه الحالة يظهر الرد على القول بالمخالفة وتأكيد القول بقطعية‬
‫الولدة وعليه فتفسير هذه الحال ما يلي ‪:‬‬
‫من المعلوم للجميع بالمشاهدة أن الهلل يكون ناقص الستدارة ومقوسا ً‬
‫حتى ليلة تمام القمر يوم خمسة عشر وفي ليالي هذه اليام أي في النصف‬
‫الول من الشهر يكون نقص الستدارة – فتحة القوس ‪ -‬من الشرق ويكون‬
‫التقويس من الغرب وذلك بهذا الشكل‪:‬‬
‫وفي النصف الثاني من الشهر ينعكس المر فتكون فتحة التقويس إلى‬
‫الغرب ويكون التقويس إلى الشرق وذلك بهذا الشكل‪:‬‬
‫ويمكن استخدام هذه الظاهرة الكونية في معرفة الغرب والشرق إذا كان‬
‫النسان في البر في الليل واختلف عليه تعيين القبلة للصلة‪ .‬فبمعرفته الجهة‬
‫يستطيع معرفة القبلة ‪.‬‬
‫فمتى وجدت حالة رؤية الهلل قبل ولدته فهذه حالة انعكاس أفقي للهلل‬
‫وهو متقدم على الشمس ولهذا سيكون وضع الهلل بالنسبة للتقويس وفتحة‬
‫التقويس هو وضعه في النصف الخير من الشهر ويكون بهذا الشكل‪:‬‬
‫ولو لم يكن هذا الهلل انعكاسا ً لوضعه قبل ولدته وكانت رؤيته حقيقية ل‬
‫انعكاسا ً لكان شكله هكذا ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وتعليل هذه الظاهرة أن تقويس القمر دائما يكون إلى قربه من الشمس‬
‫سواًء أكان أول الشهر أو آخره ‪ ،‬ولو وجدت مناقشة لمدعي الرؤية ومنها أين‬
‫قرنا الهلل ؟ هل هما إلى الشرق أم إلى الغرب ؟ لظهرت حقيقة هذه‬
‫الرؤية هل هي انعكاس أو حقيقة ؟ فإن كان قرناه إلى الشرق فهي رؤية‬
‫حقيقية ‪ ،‬وإن كان قرناه إلى الغرب فهي رؤية انعكاسية ‪.‬‬
‫وهذا جواب عن هذا اليراد وتفسير لهذه الظاهرة من أن الهلل قد ُيرى بعد‬
‫غروب الشمس والحال أنه لم يولد بعد ُ فهذه رؤية سرابية ل رؤية حقيقية ‪.‬‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫الولدة الفلكية للشهر القمرية لعام ‪ 1425‬هـ‬
‫) رجب ‪ ،‬شعبان ‪ ،‬رمضان ‪ ،‬شوال ( ‪.‬‬
‫) ‪ ( 1‬ولدة شهر رجب ‪:‬‬
‫يولد هلل شهر رجب صباح يوم الثنين الموافق ‪ 1425 / 6 / 30‬هـ الساعة )‬
‫‪ ( 4‬و ) ‪ ( 25‬دقيقة صباحا ‪ ،‬ويغرب الهلل مساء هذا اليوم الثنين بعد غروب‬
‫الشمس بمقدار اثنتين وثلثين دقيقة أي يغرب الساعة )‪ (7‬و ) ‪ ( 23‬دقيقة‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مساء وبهذا يكون يوم الثلثاء الموافق ‪ 17/8/2004‬م هو أول يوم لشهر‬
‫رجب سنة ‪ 1425‬هـ ‪ ،‬ويكون الترائي الصحيح للهلل هو مساء يوم الثنين‬
‫الموافق ‪ 30/6/1425‬هـ بعد غروب الشمس ‪.‬‬
‫ول يصح ترائي الهلل مساء يوم الحد الموافق ‪ 29/6/1425‬هـ حيث إن‬
‫الشمس تغرب هذا اليوم قبل ولدة الهلل بأكثر من ثمان ساعات ‪.‬‬
‫) ‪ ( 2‬ولدة شهر شعبان ‪:‬‬
‫يولد هلل شهر شعبان مساء يوم الثلثاء الموافق ‪ 29/7/1425‬هـ الساعة )‬
‫‪ ( 5‬و ) ‪ ( 30‬دقيقة مساء ‪ ،‬ويغرب الهلل في هذا اليوم الثلثاء بعد غروب‬
‫الشمس بسبع دقائق أي في الساعة ) ‪ ( 6‬و ) ‪ ( 32‬دقيقة مساء ‪ ،‬وبهذا‬
‫يكون يوم الربعاء الموافق ‪15/9/2004‬م هو أول يوم من أيام شهر شعبان ‪.‬‬
‫ويكون الترائي الصحيح للهلل ) هلل شهر شعبان ( هو مساء يوم الثلثاء بعد‬
‫غروب شمس هذا اليوم ‪29/7/1425‬هـ ول يصح ترائي الهلل مساء يوم‬
‫الثنين ‪28/7/1425‬هـ لكون الهلل لم يولد حيث تغرب الشمس في هذا‬
‫اليوم قبل ولدته بما ل يقل عن ثلث وعشرين ساعة ‪.‬‬
‫) ‪ ( 3‬ولدة شهر رمضان ‪:‬‬
‫يولد هلل شهر رمضان المبارك يوم الخميس صباحا الساعة ) ‪ ( 5‬و ) ‪( 49‬‬
‫دقيقة الموافق ‪30/8/1425‬هـ ‪ ،‬ويغرب الهلل في هذا اليوم الخميس بعد‬
‫غروب الشمس بمقدار ثمان عشرة دقيقة أي يغرب الساعة ) ‪ ( 6‬و ) ‪( 15‬‬
‫دقيقة وبهذا يكون يوم الجمعة الموافق ‪15/10/2004‬م هو أول يوم من‬
‫شهر رمضان المبارك ‪.‬‬
‫ويكون الترائي الصحيح لشهر رمضان هو مساء يوم الخميس الموافق‬
‫‪30/8/1425‬هـ بعد غروب شمس هذا اليوم ‪ .‬ول يصح ترائي الهلل مساء‬
‫يوم الربعاء ‪29/8/1425‬هـ حيث إن الشمس غربت ذلك اليوم قبل ولدة‬
‫الهلل بما ل يقل عن إحدى عشرة ساعة ‪.‬‬
‫) ‪ ( 4‬ولدة شهر شوال ‪:‬‬
‫يولد هلل شهر شوال مساء يوم الجمعة الموافق ‪29/9/1425‬هـ الساعة )‬
‫‪ ( 5,28‬مساء أي قبل غروب الشمس باثنتي عشرة دقيقة حيث تغرب‬
‫شمس هذا اليوم يوم الجمعة الساعة ) ‪ ( 5,40‬مساء ‪ ،‬ونظرا إلى أن بين‬
‫ولدة الهلل وغروب الشمس زمنا قصيرا جدا قدره اثنتا عشرة دقيقة‬
‫فالحتمال قوي جدا قد تتجاوز نسبته ‪ %99‬أل يرى الهلل حيث إن غروبه مع‬
‫الشمس ‪.‬‬
‫ونظرا إلى أن الهلل مولود قبل غروب الشمس باثنتي عشرة دقيقة فلو جاء‬
‫شاهدان أو أكثر وشهدوا برؤية الهلل وتم تعديلهم شرعا فقد اتفقت الرؤية‬
‫الشرعية مع الحساب الفلكي على ثبوت دخول شهر شوال وبذلك يكون يوم‬
‫السبت الموافق ‪13/11/2004‬م هو أول يوم من شهر شوال ويكون ذلك‬
‫اليوم هو يوم العيد ‪ .‬ولكن نظرا لتعسر رؤيته بعد غروب شمس يوم الجمعة‬
‫الموافق ‪29/9/1425‬هـ إن لم تتعذر الرؤية فالحتمال القوي الغالب أن يوم‬
‫السبت هو آخر يوم لشهر رمضان وأن يوم العيد هو يوم الحد الموافق‬
‫‪14/11/2004‬م ‪.‬‬
‫هذا ما تيسر إيراده وأرجو الله تعالى أن يحسن قصدي وأن يجعل الصلح‬
‫هدفي ومرامي فما أريد إل الصلح ما استطعت وما توفيقي إل بالله عليه‬
‫توكلت وإليه أنبت وهو رب العرش العظيم ‪ .‬والله المستعان ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحذير من اتباع الهوى وبيان آثاره‬


‫د ‪ .‬بدر بن ناصر البدر ]*[‬
‫تضافرت النصوص من الكتاب والسنة والمروي عن السلف الصالح رحمهم‬
‫الله تعالى في ذم الهواء المضلة والتحذير من اتباعها ‪ ،‬لما لها من آثار‬
‫سيئة ‪ ،‬وعواقب وخيمة على أصحابها في الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن ذلك ما خاطب‬
‫ة ِفي‬ ‫ف ً‬ ‫خِلي َ‬ ‫ك َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫الله تعالى به نبيه داود عليه السلم بقوله ‪َ [ :‬يا َداُوود ُ إ ِّنا َ‬
‫ّ‬ ‫ضل ّ َ‬ ‫س ِبال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ل اللهِ إ ِ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ك َ‬ ‫وى فَي ُ ِ‬ ‫حقّ وَل َ ت َت ّب ِِع الهَ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫كم ب َي ْ َ‬ ‫ض َفا ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫ب‬‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫سوا ي َوْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ديد ٌ ب ِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل الل ّهِ ل َهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫] ) ص ‪. ( 26 :‬‬
‫وقد حذر الله نبيه وصفيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من اتباع الهوى‬
‫َ‬ ‫ك عََلى َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ريعَةٍ ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫والوقوع فيه واتباع أهله قال تعالى ‪ [ :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬
‫ن ] ) الجاثية ‪. ( 18 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫واَء ال ّ ِ‬ ‫َفات ّب ِعَْها وَل َ ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬
‫ك ِإذا ً‬ ‫ن العِل ْم ِ إ ِن ّ َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫واَء ُ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫وقال عز وجل ‪ [ :‬وَلئ ِ ِ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫هد ّ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ] ) البقرة ‪ . ( 145 :‬وقال تعالى [ ال ّ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫لّ ِ‬
‫ن ] ) النفال ‪ . ( 56 :‬وقال تعالى‬ ‫قو َ‬ ‫م ل َ ي َت ّ ُ‬ ‫مّرةٍ وَهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫ن عَهْد َهُ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫َين ُ‬
‫مخاطبا عباده المؤمنين أن يحذروا من الهوى ‪ ،‬جميع صوره وأشكاله ‪ [ :‬فَل َ‬
‫وى َأن ت َعْدُِلوا ] ) النساء ‪. ( 135 :‬‬ ‫ت َت ّب ُِعوا الهَ َ‬
‫ومن صور التحذير من اتباع الهوى والبعد عن أهله ما جاء في قوله تعالى ‪[ :‬‬
‫ن الل ّهِ ] )القصص ‪ (50 :‬فقد أخبر‬ ‫ض ّ‬ ‫وم َ‬
‫م َ‬ ‫دى ّ‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬ ‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫تعالى أنه ل أحد أضل ممن يتبع هواه بغير هدى ول علم ‪ ،‬وهذا حال الظالمين‬
‫عل ْم ٍ ] ) الروم ‪:‬‬ ‫َ‬
‫هم ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫واَء ُ‬ ‫موا َأهْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ات ّب َعَ ال ّ ِ‬ ‫الضالين ‪ ،‬قال تعالى ‪ [ :‬ب َ ِ‬
‫علم ٍ ] ) النعام ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫وائ ِِهم ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫ن ب ِأهْ َ‬ ‫ضلو َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ك َِثيرا لي ُ ِ‬ ‫ً‬ ‫‪ . ( 29‬وقال عز وجل ‪ [ :‬وَإ ِ ّ‬
‫‪. ( 119‬‬
‫وفي موضعين آخرين من القرآن بين ‪ -‬جل وعل ‪ -‬أن الهوى إله يعبده أصحابه‬
‫من دون الله ‪ ،‬وذلك باتباعه وطاعته وعدم مخالفته ‪ ،‬بعد أن أعمى بصائرهم‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫كو ُ‬ ‫ت تَ ُ‬ ‫واه ُ أفَأن ْ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ت َ‬ ‫وطمس على قلوبهم ‪ ،‬قال تعالى ‪ [ :‬أَرأي ْ َ‬
‫كال َن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫عَل َيه وكيل ً * أ َم تحسب أ َن أ َك ْث َرهُم يسمعو َ‬
‫ل‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن أوْ ي َعْ ِ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ّ‬ ‫ْ ِ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫هُ َ‬
‫خذ َ إ ِلهَ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سِبيل ] ) الفرقان ‪ ( 44-43 :‬وقال تعالى ‪ [ :‬أفَرأي ْ َ‬ ‫ضل َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ‬
‫شاوَةً‬ ‫صرِهِ ِغ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جعَل عَلى ب َ َ‬ ‫معِهِ وَقلب ِهِ وَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م عَلى َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫علم ٍ وَ َ‬ ‫ه عَلى ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ضل ُ‬ ‫واه ُ وَأ َ‬ ‫هَ َ‬
‫ن ] ) الجاثية ‪. ( 23 :‬‬ ‫رو‬ ‫ّ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫فَمن يهديه من بعد الل ّه أ َ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َْ ِ ِ ِ ْ َْ ِ‬
‫التحذير النبوي من الهوى ‪:‬‬
‫الحاديث التي جاءت في ذم الهوى ‪ ،‬وبيان خطورته ‪ ،‬والتحذير منه كثيرة‬
‫منها ‪ :‬ما رواه المام أحمد عن أبي برزة السلمي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في‬
‫بطونكم وفروجكم ومضلت الهوى " ]‪ ، [1‬وقد عد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم الهوى من المهلكات ‪ ،‬متى اتبعه صاحبه ‪ ،‬وانقاد له ‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ " :‬ثلث منجيات ‪ :‬خشية الله في السر والعلنية ‪ ،‬والعدل في الرضا‬
‫والغضب ‪ ،‬والقصد في الفقر والغنى ‪ ،‬وثلث مهلكات ‪ ،‬هوى متبع ‪ ،‬وشح‬
‫مطاع ‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه " ]‪. [2‬‬
‫تحذير السلف من اتباع الهوى ‪:‬‬
‫المروي عن السلف الصالح ‪ -‬رحمهم الله تعالى ‪ -‬كثير في التحذير من اتباع‬
‫الهوى وذم أهله ‪ ،‬والبعد عن مجالس أهله ‪ ،‬وسماع كلمهم ‪ ،‬والنظر في‬
‫كتبهم ‪ ،‬سلمة لدينهم ‪ ،‬وحفظا ليمانهم وعقيدتهم ‪ ،‬ونصحا للمة ‪ ،‬وأداء‬
‫للمانة ‪ ،‬وهم في هذا يستدلون بآي الذكر الحكيم بفهم صحيح ‪ ،‬ونظر ثاقب ‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذلك لنهم اعتنوا بكتاب الله ‪ -‬جل وعل ‪ -‬وساروا في حياتهم وفق توجيهاته ‪،‬‬
‫واتباع تعليماته ‪ ،‬والستهداء بهداياته ودللته ‪.‬‬
‫من ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه قال ‪ " :‬إن‬
‫أخوف ما أخاف عليكم اثنتان ‪ :‬طول أمل واتباع الهوى ‪ ،‬أما طول المل‬
‫فيفني الخرة ‪ ،‬وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق " ]‪. [3‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ " : -‬ل تجالسوا أصحاب الهواء فإنهم‬
‫يمرضون القلوب " ]‪ [4‬وعن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال ‪" :‬‬
‫اتهموا أهواءكم ورأيكم على دين الله ‪ ،‬وانتصحوا كتاب الله على أنفسكم " ]‬
‫‪. [5‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي بيان أضرار مجالسة أصحاب الهواء وآثارها السيئة على العبد في دينه‬
‫وتمسكه وخلقه ‪ ،‬يقول أبو قلبة رحمه الله ‪ " :‬ل تجالسوا أهل الهواء ول‬
‫تجادلوهم فإني ل آمن أن يغمسوكم في ضللتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم‬
‫تعرفون " ]‪ . [6‬وقال إبراهيم النخعي ‪ " :‬ل تجالسوا أهل الهواء ‪ ،‬فإن‬
‫مجالسهم تذهب بنور اليمان من القلوب ‪ ،‬وتسلب محاسن الوجوه ‪ ،‬وتورث‬
‫البغضة في قلوب المؤمنين " ]‪. [7‬‬
‫وقد كان سلفنا الصالح يتواصون بهذا ‪ ،‬فيحذرون طلبهم وغيرهم من‬
‫مجالسة أهل الهواء ‪ ،‬معتمدين في توجيهاتهم على النصوص من الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬شفقة على غيرهم ‪ ،‬وحبا لهم ‪ ،‬قال عبد الرحمن بن عمر ‪ :‬ذكر عند‬
‫عبد الرحمن بن مهدي قوم من أهل البدع واجتهادهم في العبادة فقال ‪ :‬ل‬
‫ما‬‫ها َ‬ ‫عو َ‬
‫ة اب ْت َد َ ُ‬‫يقبل الله إل ما كان على المر والسنة ‪ ،‬ثم قرأ ‪ [ :‬وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫م ] ) الحديد ‪ ( 27 :‬فلم يقبل ذلك منهم ووبخهم عليه ثم قال ‪:‬‬ ‫ها عَل َي ْهِ ْ‬
‫ك َت َب َْنا َ‬
‫الزم الطريق والسنة ‪ ،‬وسمعت عبد الرحمن ‪ -‬يعني ابن مهدي ‪ -‬يكره‬
‫الجلوس إلى أصحاب الرأي وأصحاب الهواء ‪ ،‬ويكره أن يجالسهم أو يماريهم‬
‫َ‬
‫‪ ،‬وذكر عنده مرة أصحاب رأي وهوى فقرأ قوله تعالى ‪ [ :‬وَل َ ت َت ّب ُِعوا أهْ َ‬
‫واَء‬
‫ضّلوا َ‬ ‫قَوم قَد ضّلوا من قَب ُ َ‬
‫ل ] ) المائدة ‪:‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واِء ال ّ‬ ‫س َ‬
‫عن َ‬ ‫ضّلوا ك َِثيرا ً وَ َ‬
‫ل وَأ َ‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ٍ ْ َ‬
‫‪. [8] ( 77‬‬
‫معنى الهوى ‪:‬‬
‫الصل في معنى الهوى ميل النفس إلى ما تهواه ‪ ،‬فإن مالت إلى ما يخالف‬
‫الشرع والدين فهو الهوى المذموم ‪ ،‬وإن مالت إلى ما يوافق الشرع فهو‬
‫الممدوح ‪ ،‬وإذا ذكر الهوى مطلقا أو ذكر ذمه فهو الهوى المذموم لنه الغالب‬
‫‪ ،‬والله المستعان ‪ ،‬وهذا المذموم قد يكون شبهة ‪ ،‬وقد يكون شهوة ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر أهل العلم ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬أن فتنة الشبهات أعظم وأشد خطرا من فتنة‬
‫الشهوات ‪ ،‬لن الشبهة إذا تواردت على القلب أضعفته ‪ ،‬وحرفته عما يدين‬
‫الله به أو يعتقده إلى غيره ‪ ،‬وقد ل يقتنع صاحبه بشرع الله ‪ ،‬ول يسلم لمره‬
‫‪ ،‬ول يرضى بدينه ‪.‬‬
‫أما فتنته الشهوات فتكون في المور المحرمة كالفاحشة وشرب الخمر ‪،‬‬
‫وشهوة جمع المال من غير حله ‪ ،‬فالحلل ما حل في يده من أي سبيل كان ‪،‬‬
‫قال المام الشاطبي ‪ ،‬ولذلك سمي أهل البدع أهل الهواء ‪ ،‬لنهم اتبعوا‬
‫أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ‪ ،‬ثم جعلوا الدلة الشرعية منظورا فيها من‬
‫وراء ذلك ]‪ ، [9‬وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى ‪ :‬وكذلك البدع إنما‬
‫تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ‪ ،‬ولذلك يسمى أهلها أهل الهواء ‪ ،‬وكذلك‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ومحبة ما يحبه ]‪. [10‬‬
‫وبين شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬خطر فتنة الشبهات فقال ‪:‬‬
‫واتباع الهواء في الديانات وأعظم من اتباع الهواء في الشهوات ‪ ،‬فإن الول‬
‫حال الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ [ :‬فَِإن ل ّ ْ‬
‫م‬
‫دى‬ ‫ض ّ‬ ‫ك َفاعْل َم أ َنما يتبعون أ َهْواَءهُم وم َ‬
‫جيُبوا ل َ َ‬
‫واه ُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬
‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬
‫م ِ‬
‫م ّ‬
‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ َ َُِّ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫ن اللهِ ] )القصص ‪. (50 :‬‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬‫ّ‬
‫ولهذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعباد يجعل من‬
‫أهل الهواء ‪ ،‬كما كان السلف يسمونهم أهل الهواء ‪ ،‬وذلك أن كل من لم‬
‫يتبع العلم فقد اتبع هواه ‪ ،‬والعلم بالدين ل يكون إل بهدى الله الذي بعثه به‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ]‪. [11‬‬
‫________________________‬
‫)*( عضو هيئة التدريس بجامعة المام محمد بن سعود السلمية بالرياض ‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد في المسند)‪ (4/420‬وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ‪،‬‬
‫مجمع الزوائد)‪. (1/188‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو الشيخ والطبراني في الوسط بسند حسن ينظر ‪ :‬صحيح الجامع‬
‫الصغير)‪. (1/583‬‬
‫)‪ (3‬ينظر الزهد للمام أحمد)‪. (192‬‬
‫)‪ (4‬ينظر ‪ :‬البانة لبن بطة)‪. (2/438‬‬
‫)‪ (5‬ينظر ‪ :‬البانة لبن بطة)‪. (1/389‬‬
‫)‪ (6‬ينظر ‪ :‬سنن الدارمي)‪. (1/108‬‬
‫)‪ (7‬ينظر ‪ :‬البانة لبن بطة)‪. (2/439‬‬
‫)‪ (8‬ينظر ‪ :‬حلية الولياء)‪. (10/8‬‬
‫)‪ (9‬ينظر ‪ :‬العتصام)‪. (2/176‬‬
‫)‪ (10‬ينظر ‪ :‬جامع العلوم والحكم)‪. (3/226‬‬
‫)‪ (11‬ينظر ‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية)‪. (144 - 18/143‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التحذير من البدع والمواسم المحدثة ‪...‬‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪:‬‬
‫شرح الله لقبول النصيحة صدوَركم‪ ،‬وأصلح بعنايته أموَركم‪ ،‬واستعمل فيما‬
‫يرضيه آمَركم ومأموَركم‪ ،‬فإن الله قد استرعانا جماعَتكم‪ ،‬وأوجب لنا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫طيُعوا ْ الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ أ ِ‬‫ن ءا َ‬ ‫ذرنا إضاعَتكم‪َ" ،‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫طاعَتكم‪ ،‬وح ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سَيما فيما أمر الله به ورسوله‪ ،‬أو هو‬ ‫م" ]النساء‪ِ ،[59:‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مرِ ِ‬ ‫وَأوِْلى ال ْ‬
‫مك ّّناهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ّ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م بالكتاب والسنة النبوية‪ ،‬وإجماع المة المحمدية‪" ،‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫محّر ٌ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ر"‬ ‫من ْك َ ِ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ف وَن َهَوْا عَ ِ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال َ‬ ‫كوة َ وَأ َ‬ ‫صلوة َ َوآت َوُا الّز َ‬‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫]الحج‪.[41:‬‬
‫سكم‪ ،‬ونغار من استيلء الشيطان بالبدع‬ ‫ولهذا نرثي لغفلتكم أو عدم إحسا ِ‬
‫سكم‪ ،‬فألقوا لمر الله آذاَنكم‪ ،‬وأيقظوا من نوم الغفلة‬ ‫على أنواعكم وأجنا ِ‬
‫أجفاَنكم‪ ،‬وطّهروا من دنس البدع إيماَنكم‪ ،‬وأخلصوا لله إسراركم وإعلَنكم‪،‬‬
‫م اللهو‬ ‫كوها‪ ،‬وصّرح بذ ّ‬ ‫واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طرقَ السنة لتسل ُ ُ‬
‫كوها‪ ،‬وكّلفكم لينظر عمَلكم‪ ،‬فاسمعوا قوله في ذلك‬ ‫والشهوات لتمل ِ ُ‬
‫عوه‪.‬‬ ‫رفوا فضَله عليكم و ُ‬ ‫وأطيعوه‪ ،‬واع ِ‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اتُركوا عنكم بدعَ المواسم التي أنتم بها متلّبسون‪ ،‬والبدع َ التي يزّينها أه ُ‬
‫ل‬
‫عا‪ ،‬بما هو‬ ‫ل انتزا ً‬ ‫عا‪ ،‬وانتزعوا الديان والموا َ‬ ‫الهواء ويلّبسون‪ ،‬وافترقوا أوزا ً‬
‫وا فقَرا‪ ،‬وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عا‪ ،‬وتس ّ‬ ‫م كتاًبا وسنة وإجما ً‬ ‫حرا ٌ‬
‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫س‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫كم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫"‬ ‫را‪،‬‬ ‫سق‬ ‫به‬
‫َ َ ِ‬ ‫َ ْ ُُ ْ ِ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ِ ْ َ ِ َ ْ َ‬ ‫َ َُّ‬ ‫َ‬
‫صن ًْعا" ]الكهف‪ ،[104 ،103:‬وكل ذلك‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫الد ّن َْيا وَهُ ْ‬
‫ة مخالفة لحكام الشريَعة‪،‬‬ ‫سن ٌ‬ ‫ة‪ ،‬و ُ‬ ‫ة فظيعة‪ ،‬وسّبة وضيع ٌ‬ ‫ة شنيعة‪ ،‬وِفعل ٌ‬ ‫بدع ٌ‬
‫س وضلل‪ ،‬وتدليس شيطاني وخَبال‪ ،‬زّينه الشيطان لوليائه فوّقتوا له‬ ‫وتلبي ٌ‬
‫دى له أهل‬ ‫م وأقواًتا‪ ،‬وتص ّ‬ ‫أوقاًتا‪ ،‬وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراه َ‬
‫رهم من ذوي البدع والضللة‪ ،‬والحماقة‬ ‫البدع من عيساوة وجللة‪ ،‬وغي ِ‬
‫م الساعات‪ ،‬وتتزاحم على حبال الشيطان‬ ‫والجهالة‪ ،‬وصاروا يترّقبون ل َِلهوِهِ ُ‬
‫م ممنوع‪ ،‬والنفاق فيه إنفاق في غير‬ ‫ل ذلك حرا ٌ‬ ‫صّيه منهم الجماعات‪ ،‬وك ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و ِ‬
‫مشروع‪.‬‬
‫مه سيد الشهداء موسما؟!‬ ‫ل الله ِلع ّ‬ ‫فأنشدكم الله عباد الله‪ ،‬هل فعل رسو ُ‬
‫وهل فعل سيد ُ هذه المة أبو بكر لسيد الرسال صلى الله عليه وعلى جميع‬
‫دى لذلك أحد ٌ من التابعين ‪ -‬رضي الله عنهم‬ ‫ما؟! وهل تص ّ‬ ‫الصحابة والل موس ً‬
‫رفت على عهد رسول الله المساجد؟! أم‬ ‫‪-‬أجمعين؟! ثم أنشدكم الله‪ ،‬هل ُزخ ِ‬
‫ة الصحابة والتابعين الماجد؟!‬ ‫ُزّوقت أضرح ُ‬
‫كأني بكم تقولون في نحو هذه المواسم المذكورة وزخرفةِ أضرحة الصالحين‬
‫وغير ذلك من أنواع البتداع‪":‬حسُبنا القتداء والتباع‪ ،‬إنا وجدنا آباءنا على أمة‪،‬‬
‫وإنا على آثارهم مقتدون"‪ ،‬وهذه المقالة قالها الجاحدون‪ ،‬هيهات هيهات لما‬
‫توعدون‪ ،‬وقد رد ّ الله مقالَتهم‪ ،‬ووّبخهم وما أقالهم‪ ،‬فالعاقل من اقتدى بآبائه‬
‫المهتدين‪ ،‬وأهل الصلح والدين‪)) ،‬خير القرون قرني‪ ((...‬الحديث]‪،[1‬‬
‫ي آخُر هذه المة بأهدى مما كان عليه أوُّلها‪ ،‬فقد قُِبض‬ ‫وبالضرورة إنه لن يأت َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫رسو ُ‬
‫مل ُ‬ ‫م أك َ‬ ‫جل‪" ،‬الي َوْ َ‬ ‫عد الله بإكماله قد عُ ّ‬ ‫جل‪ ،‬وو ْ‬ ‫س ّ‬ ‫قد ُ الدين قد ُ‬ ‫ل الله وع ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِدينا" ]المائدة‪ ،[3:‬قال‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ُ‬
‫ت لك ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتى وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ِدين َك ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬على منبر رسول الله بحضرة الصحابة‬
‫رضت الفرائض‪،‬‬ ‫سّنت لكم السنن‪ ،‬وفُ ِ‬ ‫رضي الله عنهم‪) :‬أيها الناس‪ ،‬قد ُ‬
‫ركتم على الجادة‪ ،‬فل تميلوا بالناس يمينا ول شمال(‪ ،‬فليس في دين الله‬ ‫وت ُ ِ‬
‫ب بغناء ول شطح‪.‬‬ ‫ي الله أن ُيتقّر َ‬ ‫ول فيما شرع نب ّ‬
‫ث عليه ومدح الذاكرين ِبه‪ ،‬هو على الوجه الذي‬ ‫ّ‬ ‫وح‬ ‫به‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الله‬ ‫والذكُر الذي أمر‬
‫كان يفعله‪ ،‬ولم يكن على طريق الجمع ورفع الصوات على لسان واحد‪،‬‬
‫فهذه سنة السلف‪ ،‬وطريقة صالحي الخلف‪ ،‬فمن قال بغير طريقهم فل‬
‫ما‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫ع‪" ،‬وَ َ‬ ‫ع‪ ،‬ومن سلك غيَر سبيِلهم فل ي ُّتب ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُيست َ َ‬
‫ت‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫صل ِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫ما ت َوَلى وَن ُ ْ‬ ‫ن ن ُوَلهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ُ‬‫ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬ ‫ه الهُ َ‬‫ْ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ت َب َي ّ َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صيرا" ]النساء‪" ،[115:‬قُ ْ‬ ‫ً‬
‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أن َا وَ َ‬ ‫عو إ ِلى اللهِ عَلى ب َ ِ‬ ‫سِبيِلى أد ْ ُ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬
‫َ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن" ]يوسف‪.[108:‬‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫كي‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫حا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ ُ‬ ‫و‬ ‫نى‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬
‫سا على‬ ‫مًنا من مكر الله؟! أم تلبي ً‬ ‫فما لكم ـ يا عباد الله ـ ولهذه البدع؟! ءأ ْ‬
‫عباد الله؟! أم منابذة ً لمن النواصي بيدْيه؟ أم غروًرا لمن الرجوع َبعد ُ إلْيه؟‬
‫من‬ ‫فتوبوا واعتِبروا‪ ،‬وغّيروا المناكَر واستغفروا‪ ،‬فقد أخذ الله بذنب المتَرفين َ‬
‫ضوا عن المنكر عيوَنهم‪ ،‬وساءت بالغفلة عن‬ ‫ما أغ ّ‬ ‫دونهم‪ ،‬وعاقب الجمهوَر ل ّ‬
‫عقبى الجميع؛ ما بين العاصي والمداهن والمطيع‪.‬‬ ‫الله ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة نبّيكم‬ ‫كم؟! أم كيف يضّلكم وسن ُ‬ ‫أفي ُزِّلكم الشيطان وكتاب الله بين أيدي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أن‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫موا ْ ل َ ُ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫كم؟ فتوبوا إلى رب الرباب‪" ،‬وَأِنيُبوا ْ إ َِلى َرب ّك ُ ْ‬ ‫تنادي ُ‬
‫م ال ْعَ َ‬ ‫ْ‬
‫ن" ]الزمر‪.[54:‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ ُتن َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ي َأت ِي َك ُ ُ‬
‫ة‪ ،‬فعلى‬ ‫ف أو إطعام أو نفق ٍ‬ ‫ة‪ ،‬أو وُّفق لمعرو ٍ‬ ‫ب بصدق ٍ‬ ‫ومن أراد منكم التقّر َ‬
‫ه في كتاِبه‪ ،‬ووعدكم فيهم بجزيل ثواِبه‪ ،‬كذوي الضرورة غير‬ ‫من ذكَر الل ُ‬
‫سد ّ‬ ‫الخافَية‪ ،‬والمرضى الذين لستم بأولى منهم بالعافَية‪ ،‬ففي مثل هذا ت ُ َ‬
‫ن‬
‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَراء َوال ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫صد ََقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ل أوامُر الشرائع‪" ،‬إ ِن ّ َ‬ ‫الذراِئع‪ ،‬وفيه ُتمتث َ ُ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن وَِفى َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب َوالَغارِ ِ‬‫ْ‬ ‫م وَِفى الّرَقا ِ‬ ‫فةِ قُلوب ُهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مؤَل َ‬ ‫ن عَل َي َْها َوال ْ ُ‬ ‫مِلي َ‬ ‫َوال َْعا ِ‬
‫ه" ]التوبة‪.[60:‬‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ض ً‬ ‫ري َ‬ ‫ل فَ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َواب ْ ِ‬
‫ول ُيتقّرب إلى مالك النواصي بالبدع والمعاصي‪ ،‬بل بما َيتقّرب به الولياء‬
‫والصالحون‪ ،‬والتقياء المفلحون‪ :‬أكل الحلل‪ ،‬وقيام الليال‪ ،‬ومجاهدةُ النفس‬
‫في حفظ الحوال بالقوال والفعال؛ البطن وما حوى‪ ،‬والرأس وما وعى‪،‬‬
‫ج وجهاد ٌ ورعاية السنة في المواسم‬ ‫ك الطريقةِ المثلى‪ ،‬وح ّ‬ ‫ت ُتتَلى‪ ،‬وسلو ُ‬ ‫وآيا ٌ‬
‫دى‪ ،‬وصلةٌ‬ ‫ة تؤَّدى‪ ،‬وخلقٌ على خلق القرآن ُيح َ‬ ‫دى‪ ،‬وأمان ٌ‬ ‫ة ُته َ‬ ‫والعياد‪ ،‬ونصيح ٌ‬
‫شت ََرى‬ ‫ها ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ب مواقِع الثام‪ ،‬وبيعُ النفس والمال من الله‪" ،‬إ ِ ّ‬ ‫وصيام‪ ،‬واجتنا ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َأن ُ‬
‫ن‬
‫ة‪ "...‬الية ]التوبة‪" ،[111:‬وَأ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫موالهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ه"‬ ‫ل‬ ‫بي‬
‫َ ِ ِ ِ‬ ‫س‬ ‫عن‬ ‫م‬
‫َ ّ َ ِ ْ َ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ب‬
‫ّ ُ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫عو‬ ‫ب‬ ‫ت‬
‫ُِّ ُ َ َُِّ‬‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫عو‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫ُ ْ َِ ً‬‫قي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫طي‬ ‫ِ‬ ‫صرا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫]النعام‪ .[153:‬الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسول الله‪ ،‬وليس‬
‫الصراط المستقيم كثرة الرايات‪ ،‬والجتماع للبيات‪ ،‬وحضور النساء‬
‫لحداث‪ ،‬والتصفيق والرقص‪،‬‬ ‫َ‬
‫والحداث‪ ،‬وتغيير الحكام الشرعية بالبدع َوا ِ‬
‫مل ِهِ فََرءاهُ‬ ‫سوء عَ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫من ُزي ّ َ‬ ‫وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص‪" ،‬أفَ َ‬
‫سنًا" ]فاطر‪.[8:‬‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫عن المقداد بن معد يكرب ]‪ :[2‬سمعت رسول الله يقول‪ُ)) :‬يجاء بالرجل يوم‬
‫س يتبعونها‪ ،‬فُيسأل عنهم‪ ،‬وُيسألون‬ ‫القيامة‪ ،‬وبين يديه راية يحملها‪ ،‬وأنا ٌ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ت ب ِهِ ُ‬ ‫قطعَ ْ‬ ‫ب وَت َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ات ّب َُعوا وََرأوُا العَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ات ّب ُِعوا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عنه((‪" ،‬إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مّنا" ]البقرة‪:‬‬ ‫ما ت َب َّرءوا ْ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ل ََنا ك َّرة ً فَن َت َب َّرأ ِ‬ ‫ن ات ّب َُعوا ْ ل َوْ أ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ب وََقا َ‬ ‫سَبا ُ‬ ‫ال ْ‬
‫‪.[166،167‬‬
‫من وله الله من أمر المسلمين شيئا من السلطان والخلئف أن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فيجب على َ‬
‫يمنعوا هذه الطوائف من الحضور في المساجد وغيرها‪ ،‬ول يحل لحد يؤمن‬
‫بالله واليوم الخر أن يحضر معهم‪ ،‬أو يعينهم على باطلهم‪ .‬فإياكم ثم إياكم‬
‫ت عن المناكر يحيل‬ ‫ة خاوية‪ ،‬والسكو ُ‬ ‫م الدين خالي ً‬ ‫والبدع‪ ،‬فإنها تترك مراس َ‬
‫ة ذاوية‪ ،‬فمن المنقول عن الملل‪ ،‬والمشهورِ في الواخر‬ ‫ض الشرائع ذابل ً‬ ‫ريا َ‬
‫ن المناكر والبدع َ إذا فشت في قوم أحاط بهم سوُء كسِبهم‪ ،‬وأظلم‬ ‫والول‪ ،‬أ ّ‬
‫ما بينهم وبين رّبهم‪ ،‬وانقطعت عنهم الرحمات‪ ،‬ووقعت فيهم المُثلت‪،‬‬
‫ض الماء‪ ،‬واستولت العداء‪ ،‬وانتشر‬ ‫حت السماء‪ ،‬وحّلت النقماء‪ ،‬وِغي َ‬ ‫وش ّ‬
‫ة الزروع؛ لن سوَء الدب مع الله يفتح‬ ‫فت الضروع‪ ،‬ونقعت برك ُ‬ ‫الداء‪ ،‬وج ّ‬
‫ة‪ :‬حفظ الحرمة‬ ‫ُ‬ ‫ب مع الله ثلث ٌ‬ ‫ب الشدائد‪ ،‬ويسد ّ طرقَ الفوائد‪ ،‬والد ُ‬ ‫أبوا َ‬
‫ة السنة من غير إخلل ول ابتداع‪ ،‬ومراعاتها في‬ ‫بالستسلم والتباع‪ ،‬ورعاي ُ‬
‫ب على الله وافتراء‪،‬‬ ‫ل ذلك كذ ٌ‬ ‫ق والتساع‪ ،‬ل ما يفعله هؤلء الفقراء‪ ،‬فك ّ‬ ‫الضي ِ‬
‫م" ]آل‬ ‫ُ‬
‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫ُ‬
‫فْر لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حب ِب ْك ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِنى ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل ِإن كنت ُ ْ‬ ‫"ق ُ ْ‬
‫ة ذرفت‬ ‫عمران‪ ،[31:‬عن العرباض بن سارية قال‪ :‬وعظنا رسول الله موعظ ً‬
‫ن‬
‫منها العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ ،‬فقام إليه رجل فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬كأ ّ‬
‫ة موّدع فما تعَهد إلينا؟ أو قال‪ :‬أوصنا‪ ،‬فقال‪)) :‬أوصيكم بتقوى‬ ‫هذه موعظ ُ‬
‫دا حبشًيا‪ ،‬فإنه من يِعش بعدي‬ ‫ً‬ ‫عب‬ ‫وإن‬ ‫عليكم‬ ‫لي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫لمن‬ ‫والطاعة‬ ‫والسمع‬ ‫الله‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فسيرى اختلفا كثيرا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي‪،‬‬


‫ة‬
‫ل محدث ٍ‬ ‫ضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات المور‪ ،‬فإن ك ّ‬ ‫سكوا بها وع ّ‬ ‫تم ّ‬
‫بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة((]‪.[3‬‬
‫ذرناكم‪ ،‬فمن ذهب بعد ُ لهذه المواسم أو‬ ‫وها نحن ـ عباد َ الله ـ أرشدناكم وح ّ‬
‫سه‪ ،‬وجّر‬ ‫ة في شريعة نبّيه أبي القاسم‪ ،‬فقد سعى في هلك نف ِ‬ ‫ث بدع ً‬ ‫أحد َ َ‬
‫سر الدنيا والخرة‬ ‫سه‪ ،‬وتّله الشيطان للجبين‪ ،‬وخ ِ‬ ‫الوبال عليه وعلى أبناء جن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫م فِت ْن َ ٌ‬
‫صيب َهُ ْ‬‫مرِهِ أن ت ُ ِ‬
‫نأ ْ‬‫ن عَ ْ‬
‫فو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ذلك هو الخسران المبين‪" ،‬فَلي َ ْ‬
‫حذ َرِ ال ِ‬
‫م" ]النور‪.[63:‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫أوْ ي ُ ِ‬
‫‪----------‬‬
‫]‪ [1‬أخرجه البخاري في الشهادات )‪ ،(2652‬ومسلم في فضائل الصحابة )‬
‫‪ (2533‬من حديث ابن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬بلفظ‪)) :‬خير الناس‬
‫قرني‪.((...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صه‪":‬كذا‬‫]‪ [2‬جاء في حاشية جريدة البصائر المنقول منها هذه الخطبة ما ن ّ‬


‫في الصل المنقول عنه )المقداد بن معديكرب(‪ ،‬ول يوجد في الصابة هذا‬
‫السم‪ ،‬إنما الموجود المقداد بن السود والمقدام بن معديكرب‪ ،‬ولعله هو‬
‫الصواب هنا‪ ،‬راجع ج ‪ 3‬من الصابة‪ ،‬ص ‪ .455-454‬وبعد ُ فانظر من خّرج‬
‫شي هو الصواب‪،‬‬ ‫الحديث وما رتبته فإني لم أقف عليه"‪ .‬وما استظهره المح ّ‬
‫فقد أخرج هذا الحديث ابن أبي عاصم في السنة )‪ ،(1099‬والطبراني في‬
‫الكبير )‪ (20/275‬عن المقدام رضي الله عنه‪ ،‬وعزاه الهيثمي في المجمع )‬
‫‪ (208-5/207‬إلى الطبراني في الوسط وقال‪":‬فيه محمد بن إسماعيل بن‬
‫عياش وهو ضعيف"‪ ،‬وبه أيضا ضعفه اللباني في ظلل السنة‪.‬‬
‫]‪ [3‬أخرجه أحمد )‪ (127 - 4/126‬وأبو داود في السنة )‪ ،(4607‬والترمذي‬
‫في العلم )‪ ،(2676‬وابن ماجه في المقدمة )‪ ،(46‬والدارمي في مقدمة‬
‫سننه )‪ (95‬وغيرهم‪ ،‬وقال الترمذي‪":‬حديث حسن صحيح"‪ ،‬وصححه ابن حبان‬
‫)‪ ،(1/179‬والحاكم )‪ ،(96 - 1/95‬ووافقه الذهبي‪ ،‬ونقل ابن رجب في جامع‬
‫العلوم والحكم )‪ (2/109‬عن أبي نعيم أنه قال‪":‬هو حديث جيد‪ ،‬من صحيح‬
‫حديث الشاميين"‪ ،‬وصححه اللباني في صحيح الترغيب )‪.(37‬‬
‫سليمان بن عبد الله‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التحذير من الشبهات‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬فإن كل إنسان له هدف يسعى إلى بلوغه في هذه الحياة ‪ ,‬وهدف‬
‫المسلم أن يصل إلى رضوان الله عز وجل ونعيم الجنة‬
‫وانًا( )الحشر ‪ (8 :‬فالفضل من الله هو الجنة ‪.‬‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫ض َ‬ ‫ضل ً ّ‬
‫م َ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫)ي َب ْت َُغو َ‬
‫ولبد من طريق واضح المعالم يوصل كل إنسان إلى هدفه ‪ ,‬ولقد بين لنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من معالم هذا الطريق في قوله "إن‬
‫الحلل بّين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات ليعلمهن كثير من الناس ‪ ,‬فمن‬
‫اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ‪ ,‬ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام‬
‫مى ‪,‬‬‫‪ ,‬كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ‪ ,‬أل وإن لكل ملك ح َ‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة إذا صلحت صلح الجسد‬ ‫أل وإن حمى الله محارمه‪ ,‬أل وإن في الجسد مضغ ً‬
‫كله ‪ ,‬وإذا فسدت فسد الجسد كله‪ ,‬أل وهي القلب" أخرجه الشيخان من‬
‫حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه)صحيح البخاري رقم ‪ , 52‬اليمان )‬
‫‪ , (1/126‬صحيح مسلم ‪ ,‬رقم ‪ , 1599‬المساقاة )ص ‪((1219‬‬
‫فقد تبين من هذا الحديث الشريف الطريقُ الموصل إلى الهدف السعيد ‪,‬‬
‫در النبي صلى الله‬ ‫وهو طريق الحلل الخالص الخالي من الشبهات ‪ ,‬وقد ص ّ‬
‫عليه وسلم هذا الحديث ببيان وضوح الحلل الخالص من شبهة الحرام‬
‫ووضوح الحرام الخالص من شبهة الحلل ‪ ,‬وذلك عند عامة المسلمين‬
‫وخاصتهم‪ ,‬ولكن هناك بين الحلل والحرام أمور مشتبهة تخفى على كثير من‬
‫الناس ‪ ,‬وهذه المور المشتبهة كالقضايا التي اختلف العلماء في حلها‬
‫وحرمتها بناء على تعارض الدلة أو لغير ذلك من السباب‪ ,‬وبعض العلماء‬
‫أدخل في ذلك المكروهات ‪.‬‬
‫وذكر الحافظ ابن رجب أن المام أحمد بن حنبل فسر الشبهات باختلط‬
‫المال الحلل بالحرام‪ ,‬قال‪ :‬ويتفرع على هذا معاملة من في ماله حلل‬
‫وحرام مختلط ‪ ,‬فإن كان أكثر ماله الحرام فقال أحمد ‪ :‬ينبغي أن يتجنبه إل‬
‫أن يكون شيئا يسيرا أو شيئا لُيعرف ‪ ,‬قال‪ :‬وقال المام أحمد في المال‬
‫المشتبه حلله بحرامه ‪ :‬إن كان المال كثيرا أخرج منه قدر الحرام وتصرف‬
‫في الباقي ‪ ,‬وإن كان المال قليل اجتنبه كله ‪ ,‬وهذا لن القليل إذا تناول منه‬
‫شيئا فإنه يتعذر معه السلمة من الحرام بخلف الكثير)جامع العلوم والحكم ‪/‬‬
‫‪(61‬‬
‫فمن اتقى الشبهات فابتعد منها واكتفى بالحلل الواضح أمره فقد طلب‬
‫البراءة لدينه‪ ,‬حيث اجتنب المور المشكوك فيها وأرسى قدميه على أمور‬
‫واضحة لن يغير رأيه فيها فيما بعد‪ ,‬واستبرأ لعرضه ‪ ,‬حيث حماه من طعن‬
‫الناس فيه فيما إذا ارتكب أموًرا مشتبهة ‪ ,‬وبعض الناس يسارع إلى الطعن‬
‫في الخرين من غير تثبت ولروية ول اطلع على وجهة نظرهم فيما ذهبوا‬
‫إليه ‪.‬‬
‫"ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" قال الحافظ ابن رجب ‪ :‬والذي‬
‫يأتي الشبهات مع اشتباهها عليه قد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫وقع في الحرام ‪ ,‬فهذا يفسر بمعنيين ‪ :‬أحدهما أن يكون ارتكابه للشبهة مع‬
‫ة إلى ارتكابه الحرام الذي يعتقد أنه حرام بالتدريج‬
‫اعتقاده أنه شبهة ذريع ً‬
‫ك‬‫والتسامح‪ ,‬وفي رواية في الصحيحين لهذا الحديث "ومن اجترأ على ماَيش ّ‬
‫ك أن يواقع ما استبان" ‪ ,‬والمعنى الثاني أن من أقدم على‬ ‫ش َ‬
‫فيه من الثم أوْ َ‬
‫ماهو مشتبه عنده ليدري أهو حلل أو حرام فإنه ليأمن من أن يكون حراما‬
‫ف الحرام وهو ليدري أنه حرام)جامع العلوم والحكم ‪/‬‬ ‫في نفس المر فيصاد ُ‬
‫‪(63‬‬
‫إن بين الحلل والحرام خيوطا دقيقة قد تخفى على بعض الناس‪ ,‬فمن‬
‫قطعها فإنه ُيخشى عليه الوقوع في الحرام ‪ ,‬ومن احترس منها كان من‬
‫الحرام أبعد وأنجى ‪.‬‬
‫ذكر ابن المنّير عن شيخه القباري أنه كان يقول ‪ :‬المكروه عقبة بين العبد‬
‫والحرام‪,‬فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام ‪ ,‬والمباح عقبة بينه‬
‫وبين المكروه فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه ‪.‬‬
‫ذكره الحافظ ابن حجر وقال ‪ :‬ويؤيده رواية ابن حبان من طريق ذكر مسلم‬
‫سقْ لفظها فيها من الزيادة "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة‬ ‫إسنادها ولم ي ُ‬
‫من الحلل ‪ ,‬من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه ‪ ,‬ومن أرتع فيه كان كالمرتع‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه" قال‪ :‬والمعنى ‪ :‬أن الحلل حيث ُيخشى‬
‫أن يؤول فعله مطلقا إلى مكروه أو حرام ينبغي اجتنابه ‪ ,‬كالكثار مثل من‬
‫الطيبات فإنه يحوج إلى كثرة الكتساب الموقع في أخذ ما ليستحق ‪ ,‬أو‬
‫يفضي إلى بطر النفس ‪ ,‬وأقل مافيه الشتغال عن مواقف العبودية ‪ ,‬وهذا‬
‫معلوم بالعادة مشاهد بالعيان)فتح الباري ‪.(1/127‬‬
‫فالمبالغة في المعيشة والمساكن والمراكب قد تلجئ النسان إلى الديون ثم‬
‫إلى الكسب الحرام أو أخذ المال بالربا ‪ ,‬أو تأخير قضاء الناس حقوقهم ‪,‬‬
‫بينما القتصاد في أمور الحياة يجعل النسان أقرب إلى الستقامة وأبعد عن‬
‫النحراف ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والورع هو الذي يحمي المؤمن من الوقوع في الشبهات ويباعد بينه وبين‬


‫الحرام ‪ ,‬ولذلك نال به المتقون أعلى الدرجات ‪ ,‬وارتفعت به منزلتهم عند‬
‫ده النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى أنواع العبادة كما‬ ‫المؤمنين ‪ ,‬ولقد عَ ّ‬
‫جاء في قوله " يا أبا هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس" أخرجه ابن ماجه‬
‫وقال البوصيري ‪ :‬إسناده حسن)سنن ابن ماجه رقم ‪ , 4217‬كتاب الزهد(‬
‫ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم من قارب المشتبهات بالراعي يرعى‬
‫حول الحمى يوشك أن يرعى ماشيته فيه‪ ,‬فما هو داخل الحمى من المرعى‬
‫ممنوع منه ‪ ,‬فإذا قرب من حدود الحمى فإنه ليأمن أن تنفلت منه بعض‬
‫ح الكل خارج المرعى ويتكاثر داخله‬ ‫ماشيته فترعى داخل الحمى ‪ ,‬أو يش ّ‬
‫ض الطرف عن ماشيته كي تصيب من المرعى داخل الحمى ‪.‬‬ ‫فيغ ّ‬
‫وهذا المثل يدل على أن الشبهات من المباح الذي قد يوصل إلى الحرام ‪,‬‬
‫كما أن ماحول الحمى مباح ولكن قد يوصل إلى الحمى ‪.‬‬
‫ثم يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان ملوك الرض قد حموا‬
‫لنفسهم أجزاء من الرض لمصالحهم الخاصة ‪ ,‬ومع ذلك فقد تعارف الناس‬
‫على العتراف بها ومراعاتها فإن الله عز وجل قد حمى عباده من المحارم‬
‫أن يقعوا فيها حتى تتم سعادتهم في الدنيا والخرة وليبغي بعضهم على‬
‫بعض‪ ,‬فأولى بمحارم الله جل وعل أن تراعى وأن يتعارف المسلمين على‬
‫حمايتها !!‬
‫ن من أعضاء ‪ ,‬وهذه‬ ‫ثم يبين صلى الله عليه وسلم أن جسد النسان مكوّ ٌ‬
‫العضاء مدفوعة بالغرائز ‪ ,‬وأن لهذه العضاء حاكما تأتمر بأمره ‪ ,‬إن أمرها‬
‫بخير سارت في طريق الخير ‪ ,‬وإن أمرها بشر وقعت فيه‪ ,‬أل وهو القلب ‪,‬‬
‫وهو الذي يعّبر عنه بالضمير والوجدان ‪.‬‬
‫فالنسان يرتفع بالعقل عن مرتبة البهيمية ويكون أهل للخلفة في الرض ‪,‬‬
‫فإن صَلح قلبه صلح جسده كله ‪ ,‬بسموه نحو الهداف العالية وترّفعه عن‬
‫الدنايا ‪ ,‬وإن فسد قلبه فسد جسده كّله بالهبوط نحو الهداف القريبة‬
‫والرتكاس في الخطايا ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التحذير من الفتن‬
‫َ‬
‫سنا ومن‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ُ‬
‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬
‫ست َغْ ِ‬
‫ه وَن َ ْ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ نحمده و ن َ ْ‬
‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫ح ْ‬
‫ال َ‬
‫ن‬
‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫َ‬
‫ل َفل هادِيَ ل ُ‬
‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ضل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬‫ض ّ‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ه فَل ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َهْدِ الل ُ‬ ‫م ْ‬
‫سيئات أعمالنا‪َ ،‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م اّلذي‬ ‫َ‬
‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ه ?يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫مدا ً عَب ْد ُه ُ وََر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ل ِإل َ‬
‫جال كِثيرا وَِنساًء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫من ُْهما رِ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جها‪ ،‬وَب َ ّ‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫خلقَ ِ‬ ‫َ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫خل َ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫َ‬
‫م َرِقيبا? ]النساء‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬‫َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫ن ب ِهِ والْرحا َ‬ ‫ُ‬
‫ه الذي َتساَءلو َ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫وات ّ ُ‬
‫مون?]آل‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫مو‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫تقا‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫‪.[1‬‬
‫ُْ ْ ُ ْ ِ ُ‬ ‫َ َ ّ ُ ِ ِ َ َ ُ ُ ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ح ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صل ِ ْ‬‫ديدا ً ي ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫قوا الّله وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫منوا ات ّ ُ‬ ‫عمران‪? .[102 :‬يا أي َّها اّلذين آ َ‬
‫ظيمًا?‬ ‫قد ْ َفاَز فَوَْزا ً عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ،‬وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫عمال َك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫]الحزاب‪[71:‬وبعد‪:‬‬
‫فإن الله خلق الثقلين من الجن والنس لعبادته وحده ل شريك له وجعل الله‬
‫الحياة الدنيا ميدانا ً للبتلء والختبار وبين لنا الحكمة من خلقنا وإيجادنا فقال‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫جل وعل في ثلثة مواضع من كتابه الكريم‪? :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫مًل?‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ست ّةِ أ َّيام ٍ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫ماِء ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬‫ن عَْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫َواْلْر َ‬
‫مًل ?‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّهُ ْ‬ ‫ة ل ََها ل ِن َب ْل ُوَهُ ْ‬ ‫ض ِزين َ ً‬ ‫ما عَلى الْر ِ‬
‫َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫]هود‪ ،[7:‬وقال‪? :‬إ ِّنا َ‬
‫]الكهف‪[7:‬‬
‫يريد الله من عباده أن يعملوا لعبادته وطاعته وأن يحسنوا العمل في هذه‬
‫الحياة‪ ،‬وإحسان العمل يكون بتوحيد الله جل وعل وإفراده بالعبادة وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬ويكون بطاعة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬واتباعه في كل‬
‫شيء لن الله عز وجل قد أرسل عبده ورسوله محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بالهدى ودين الحق‪ ،‬فبشر وأنذر‪ ،‬ونصح وحذر‪ ،‬وبلغ رسالة ربه‪ ،‬وترك‬
‫المة على مثل البيضاء وضوحا ً وجلًء ليلها كنهارها‪ ،‬ل يزيغ عنها إل هالك‪.‬‬
‫ولقد بين ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مضلت الفتن والهواء التي تضل القلوب‬
‫وتعصف بالعقول وحذر منها ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬غاية التحذير‪ ،‬وأرشدنا‬
‫ووصانا بما يجب أن نفعله إذا هاجت الفتن‪ .‬ونحن نعيش عصرنا هذا عصر‬
‫الهواء والفتن‪ ،‬فإننا بحاجة إلى معرفة ما ذكره رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فيها‪ ،‬حتى نتقي ونحذر‪.‬‬
‫ً‬
‫ماذا قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في الفتن‪ ،‬أسمعكم بعضا مما‬
‫قاله الرسول الكرم عليه صلة الله‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ، -‬قال‪:‬‬
‫سألت أبا ثعلبة الخشني ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قلت يا أبا ثعلبة كيف تقول‬
‫في هذه الية ‪" :‬عليكم أنفسكم‪ ،‬ل يضركم من ضل إذا اهتديتم"‪ ،‬قال‪ :‬أما‬
‫والله لقد سألت عنها خبيرًا‪ ،‬سألت عنها رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فقال‪" :‬ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر‪ ،‬حتى إذا رأيتم شحا ً مطاعًا‪،‬‬
‫وهوى متبعا‪ ،‬ودنيا مؤثرة‪ ،‬وإعجاب كل ذي رأي برأيه‪ ،‬فعليك بنفسك‪ ،‬ودع‬
‫عنك العوام فإن من ورائكم أيام الصبر‪ ،‬الصبر فيهن مثل القابض على‬
‫الجمر‪ ،‬للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجل ً يعملون مثل عملكم‪ ،‬قيل يا‬
‫رسول الله أجر خمسين رجل ً منا أو منهم؟ قال‪" :‬بل أجر خمسين رجل ً‬
‫منكم"‪ .‬وفي رواية للترمذي عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬يأتي على الناس زمان الصابر فيه‬
‫على دينه كالقابض على الجمر"‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪" :‬شبك‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أصابعه ‪ ،‬وقال‪ :‬كيف أنت يا عبد الله بن‬
‫عمرو ‪ ،‬إذا بقيت في حثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم ‪ ،‬واختلفوا فصاروا‬
‫هكذا‪ ،‬قال‪ :‬فكيف أصنع يا رسول الله؟ قال‪ :‬تأخذ ما تعرف وتدع ما تنكر‪،‬‬
‫وتقبل على خاصتك‪ ،‬وتدعهم وعوامهم"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي الصحيحين وغيرهما عن حذيفة بن اليمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬كنا‬
‫عند عمر فقال‪ :‬أيكم سمع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يذكر الفتن؟‬
‫فقال قوم‪ :‬نحن سمعناه‪ ،‬فقال‪ :‬لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله‬
‫وولده وجاره؟ قالوا ‪ :‬أجل‪ ،‬قال‪ :‬تلك يكفرها الصلة والصيام والصدقة‪ ،‬ولكن‬
‫أيكم سمع النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يذكر التي تموج موج البحر؟ قال‬
‫حذيفة‪ :‬فأسكت القوم‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪ :‬أنت لله أبوك‪ ،‬قال حذيفة‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪ :‬تعرض الفتن على القلوب‬
‫كالحصير عودا ً عودًا‪ ،‬فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء؟ وأي قلب‬
‫أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء‪ ،‬حتى تصير على قلبين‪ :‬أبيض مثل الصفا‪ ،‬فل‬
‫ً‬
‫تضره فتنة ما دامت السماوات والرض‪ ،‬والخر‪ :‬أسود مرباد كالكوز مجخيا ‪،‬‬
‫ل يعرف معروفا ً ول ينكر منكرًا‪ ،‬إل ما أشرب من هواه‪ ،‬قال‪ :‬وحدثته أن بينك‬
‫وبينها بابا ً مغلقًا‪ ،‬يوشك أن يكسر‪ ،‬قال عمر‪ :‬أكسر ؟ ل أبا لك ‪ ،‬فلو أنه فتح؟‬
‫لعله كان يعاد‪ ،‬قال ‪ :‬ل بل ُيكسر‪ ،‬وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت‪،‬‬
‫حديثا ً ليس بالغاليط"‪.‬‬
‫عودًا"‪ ،‬قيل معناه‪ :‬أن الفتن تحيط بالقلوب كالحصير‬ ‫عودا ً َ‬
‫"كالحصير َ‬
‫المحبوس‪ ،‬ويقال‪ :‬حصيره القوم‪ :‬إذا أحاطوا به وضيقوا عليه"‪ ،‬وأما قوله‬
‫عودًا" كما في الرواية‬ ‫عودا ً ُ‬‫"عودا ً عودًا" أي‪ :‬مرة بعد مرة‪ ،‬وأما بالضم " ُ‬
‫الخرى فمعناه‪ :‬أن الفتن تظهر على القلوب الواحدة بعد الخرى‪ ،‬كما ينسج‬
‫عوذًا" بالذال‬ ‫عوذا ً َ‬
‫الحصير عودا ً عودًا‪ ،‬وشظية بعد أخرى‪ ،‬وقد جاء في لفظ " َ‬
‫غفرا ً وغفرانك‪ ،‬أن نسألك أن‬ ‫غفرا ً ُ‬
‫فمعناه سؤال الستعاذة منها‪ ،‬كما يقال ُ‬
‫تعيذنا من ذلك‪.‬‬
‫وعن الترمذي وأبي داود وغيرهما أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪" :‬تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة‪ ،‬واثنتين وسبعين فرقة‪،‬‬
‫والنصارى مثل ذلك‪ ،‬وستفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة‪ ،‬كلها في‬
‫النار ‪ ،‬إل ملة واحدة" قالوا‪ :‬من هي يا رسول الله؟ قال‪" :‬من كان على ما‬
‫أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬
‫عميرة ‪ ،‬وكان من أصحاب معاذ بن جبل ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه‬ ‫وعن زيد بن ُ‬
‫م قسط‪ ،‬هلك‬ ‫ً‬
‫قال‪ :‬ما كان يجلس مجلسا للذكر‪ ،‬إل قال حين يجلس‪ :‬الله حك ٌ‬
‫المرتابون‪ ،‬فقال معاذ بن جبل يومًا‪ :‬إن ورائكم فتنا ً يكثر فيها المال‪ ،‬ويفتح‬
‫فيها القرآن‪ ،‬حتى يأخذه المؤمن والمنافق‪ ،‬والرجل والمرأة‪ ،‬والعبد والحر ‪،‬‬
‫ل أن يقول‪ :‬ما للناس ل يتبعوني وقد قرأت‬ ‫والصغير والكبير‪ ،‬فيوشك قائ ٌ‬
‫القرآن؟ وما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره‪ ،‬فإياكم وما ابتدع‪ ،‬فإنما ابتدع‬
‫ضللة‪ ،‬وأحذركم زيغة الحكيم‪ ،‬فإن الشيطان قد يقول كلمة الضللة على‬
‫لسان الحكيم‪ ،‬وقد يقول المنافق كلمة الحق‪ ،‬قال‪ :‬قلت لمعاذ‪ :‬وما يدريني‬
‫رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضللة ‪ ،‬وأن المنافق يقول كلمة‬
‫الحق؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬اجتنب من كلم الحكيم المشتبهات التي يقال‪ :‬ما هذه ؟‬
‫ول يثنيك ذلك عنه فإنه لعله يراجع‪ ،‬وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق‬
‫نورًا" أخرجه أبو داود‪.‬‬
‫لقد رأينا وسمعنا حكماء وعلماء يتبنون الضللت بأقوالهم وفتاويهم ‪ ،‬ورأينا‬
‫الجهلء والمنافقين ينطقون أحيانا ً بالصواب‪ ،‬فقط قال بعض السلف قصم‬
‫ظهري رجلن‪ :‬عالم متهتك‪ ،‬وجاهل متنسك!!؟؟‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبي مالك الشعري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ، -‬قال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪" :‬ليكونن من أمتي قوم‬
‫يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة لهم –أي ترجع إليهم مواشيهم‪ -‬فيأتيهم رجل لحاجة ‪،‬‬ ‫تروح عليهم سارح ٌ‬
‫ً‬
‫فيقولون‪ :‬ارجع إلينا غدا‪ ،‬فيبيتهم الله –أي ينزل عليهم العقاب ِغرة ويضع‬
‫العلم‪ -‬أي الجبل يوقعه عليهم ‪ ،‬ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم‬
‫القيامة"‪.‬‬
‫نعم لقد وقع ما أخبر به رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬فهناك من يبيح‬
‫الزنا في ديار المسلمين‪ ،‬ويدعو إلى الفجور والسفور وإلى نشر الفساد‬
‫والرذائل بين أفراد المجتمع ‪ ،‬فهذه الحملت المسعورة الموجهة إلى المرأة‬
‫لتدمير دينها وأخلقها وإخراجها عن طهرها وعفافها‪ ،‬والقذف بها في مستنقع‬
‫الرذائل والشهوات‪ ،‬ويسمون ذلك بغير اسمه!!‬
‫وفي ديار السلم من يبيح الخمور والمسكرات والمخدرات ويروج لها‬
‫ويسمح بها تصنيعا ً وتوريدا ً وتهريبا ً بل وإعطاء التصاريح لها وأخذ الضرائب‬
‫عليها ويسمونها يغير أسمائها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫هؤلء الذين يفعلون ذلك مستحلين للفروج والخمور والمعازف متظاهرين‬


‫ومجاهرين ومستخفين بفجورهم قد مرقوا من الدين وحاربوا المسلمين‪ .‬فإن‬
‫الله جل وعل يخسف بهم الرض‪ ،‬وينزل عليهم العقوبات العاجلة‪ ،‬بتدمير‬
‫بعضهم ‪ ،‬ومسخ آخرين قردة وخنازير‪ ،‬إما مسخا ً حقيقيا ً بأن يحولهم الله‬
‫قردة وخنازير كما فعل بالسابقين‪ ،‬وإما أن يكون مسخا ً معنويا ً في طباعهم‬
‫وأخلقهم فترى أحدهم قد تجرد عن إنسانيته وتحول إلى قرد أو خنزير في‬
‫طباعه وأخلقه‪ ،‬فل إيمان ول دين ول خلق ول غيرة ول شهامة ول حياء‬
‫فصورته صورة إنسان وطباعه وأخلقه كطباع القردة والخنازير وهذا معروف‬
‫ومشاهد يعلمه ويراه المؤمنون المتوسمون‪ .‬وهذا نوع من العقاب عظيم‪.‬‬
‫نسأل الله العفو والعافية ونسأل الله العفاف والتقوى‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫مضلت الفتن ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫إن أعظم خطر يراه اليهود والنصارى وأهل الشرك والكفر قاطبة‪ ،‬هو أن‬
‫يجتمع المسلمون ويعتصموا بدينهم‪ .‬ولذلك فقد خططوا منذ زمن بعيد على‬
‫تفتيت وحدة المسلمين‪ ،‬وبذروا فيما بينهم عوامل التمزق والختلف من‬
‫إحياء القوميات والوطنيات العرفية‪ ،‬ثم المذاهب السياسية والفكرية الهدامة‬
‫التي دمرت المجتمعات ومزقتها‪ ،‬ثم هذه الديمقراطيات التي فرضها النظام‬
‫العالمي الجديد بكل مسائها التي تدعو صراحة إلى تحطيم كل القيم اليمانية‬
‫والخلقية ونشر الباحية‪ ،‬وتفتيت السر والمجتمعات وإذابة مقوماتها‬
‫وخصائصها بواسطة هذه المفاهيم الوافدة‪ .‬ولقد نجح أعداء الله في ذلك أيما‬
‫نجاح‪ .‬لقد انفرط عقد المسلمين وتفرقوا شيعا ً وفرقا‪ ،‬وتمزقوا إلى طوائف‬
‫ودول‪ ،‬ففي كل قرية منهم أمير المؤمنين ومنبر‪ ،‬حرب على بعضهم‪ ,‬سلم‬
‫لعدائهم‪ ,‬فأضاعوا دينهم ودنياهم‪ ،‬ولو أنهم اعتصموا بدينهم ونصحوا لمتهم‬
‫وساروا في طريق الوحدة والجتماع لما حصل الذي حصل من تكالب العداء‬
‫وتداعيهم على المسلمين‪ ,‬ولن يرفع عنا هذا الذل والهوان إل إذا رجعنا إلى‬
‫ديننا وطبقنا أحكامه في حياتنا ‪ ،‬وآمنا بعظمة هذا الدين وحملنا رسالته‬
‫للعالمين‪ .‬وأحيينا الخوة والوحدة السلمية وكنا كما أراد الله لنا أن نكون أمة‬
‫واحدة ‪ ،‬ونكون كالجسد الواحد السليم الصحيح إذا اشتكى منه عضو تداعى‬
‫له سائره‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قضايا السلم والمسلمين لبد أن تكون في مقدمة اهتمامنا وإعلمنا‪ .‬هذه‬


‫الستراتيجية العلمية التي وضعها لنا العداء لبد من تعديلها وتصحيحها ‪،‬‬
‫نرى في كل البلدان السلمية أول حدث إعلمي في نشرات الخبار الحديث‬
‫عن الرئيس أو الملك عن سفره وإقامته وعن أكله وشربه‪ ،‬ثم عن الفن‬
‫والرياضة والحتفالت والرقصات ثم إذا بقي وقت للحديث عن المجازر‬
‫والكوارث التي يتعرض لها المسلمون في العالم تكون في مؤخرة النباء‬
‫وتستقي تحليلتها وصياغتها من وكالت النباء العالمية التي يمتلكها اليهود‬
‫والنصارى‪.‬‬
‫هذه فلسطين التي باعها الزعماء وتآمروا عليها عبر قرن من الزمن لم تعد‬
‫تذكر إل أنها قضية هامشية يقرر فيها العداء ما يريدون أما المسلمون فقد‬
‫غيبوا عنها وكأن ل شأن لهم بها‪.‬‬
‫هذه الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في الشيشان ضد المسلمين أل‬
‫تستدعي من زعماء العالم السلمي أن يجتمعوا ويتدارسوا أمرها ويقرروا‬
‫فيها قرارا ً أو يتخذوا حيالها رأيًا‪ ،‬ما بالهم ما الذي أصابهم ‪ ،‬إنها الذلة‬
‫والمسكنة والعبودية والخنوع لغير الله أوصلتنا إلى ما نحن فيه من التشرذم‬
‫والتنافر‪.‬‬
‫ولكن أليس لهذا الليل من آخر؟ بل‪ :‬ولكن لبد من الرادة والقوة والعزيمة‬
‫الصادقة أول ً في وجوب التغيير‪ ،‬تغيير النفوس والفكار والنتقال من المعصية‬
‫إلى الطاعة ومن التبعية الذليلة إلى التمسك بالهوية وتطبيق توجيهات‬
‫القرآن‪ ،‬ثم الخذ بالعمل الجاد في كل الميادين وتوجيه المة توجيها ً سليما ً‬
‫وبنائها بناء صحيحا ً فما يقال في المؤسسات التعليمية هو ما ينبغي أن يقال‬
‫في العلم والتوجيه‪.‬‬
‫لتنطلق المة انطلقة موحدة لتحقيق أهدافها الربانية في هذه الحياة‪ .‬وإن‬
‫من خصائص هذه المة أنها إذا توجهت للخير والبناء فإن الله يكرمها ويختصر‬
‫لها الزمن والمسافات والمكانيات ويبارك في جهدها ‪ ،‬فما ل يتم إنجازه إل‬
‫في مائة عام يمكن أن ينجز في خلل عقد من الزمن‪ ،‬إذا صدقت مع الله ‪،‬‬
‫لقد استطاع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بتأييد الله ثم بالمؤمنين‬
‫الصادقين الذين معه أن يغيروا الحياة التي كانت مملوءة ظلما ً وظلما ً وجهل ً‬
‫وانحرافًا‪ .‬استطاعوا أن يغيروا واقعها خلل ثلث وعشرين سنة هي عمر‬
‫الدعوة والرسالة فأشرقت الرض بنور ربها‪ ،‬وتحطمت عروش الطواغيت‬
‫وتحررت الشعوب ودانت لله بالوحدانية ولنبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫بالرسالة‪.‬‬
‫ولقد أراد الله لهذا الدين أن يبقى ويحكم في هذه الرض ويظهر على كل‬
‫الديان رغم أنوف الكافرين‪ ..‬ولكن لبد له من أمة تحمله ورجال يصدقوا الله‬
‫والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سنن أبي داود باب المر والنهي برقم ‪ . 4341‬وضعفه اللباني في ضعيف‬
‫سنن أبي داود برقم ‪.934‬‬
‫ّ‬
‫سنن الترمذي‪ :‬أبواب تفسير القرآن‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ومن سورة المائدة‪ .‬برقم ‪ ،3058‬وضعفه اللباني في ضعيف الترمذي برقم‬
‫‪.585‬‬
‫في صحيح البخاري‪ :‬باب تشبيك الصابع في المسجد وغيره برقم ‪ 466‬عن‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واقد عن أبيه قال سمعت أبي وهو يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو كيف بك في حثالة من الناس بهذا"‪.‬‬
‫وأما اللفظ المذكور في الخطبة فهو في صحيح ابن حبان ذكر ما يجب على‬
‫المرء من لزوم خاصة نفسه وإصلح عمله عند تغيير المر ووقوع الفتن برقم‬
‫‪ .5951‬وصححه اللباني في صحيح الجامع برقم ‪ 8185‬بلفظ ‪ ":‬يوشك أن‬
‫يأتي زمان يغربل فيه الناس غربلة‪ ،‬وتبقى حثالة من الناس‪ ،‬قد مرجت‬
‫عهودهم‪ ،‬وأماناتهم‪ ،‬واختلفوا فكانوا هكذا – وشبك بين أصابعه – قالوا ‪ :‬كيف‬
‫بنا يا رسول الله؟ قال ‪ :‬تأخذون ما تعرفون‪ ،‬وتدعون ما تنكرون‪ ،‬وتقبلون‬
‫على أمر خاصتكم‪ ،‬وتذرون أمر عامتكم"‪.‬‬
‫لم أجده في البخاري وهو في صحيح مسلم‪ :‬باب بيان أن السلم بدأ غريبا‬
‫وسيعود غريبا وإنه يأرز بين المسجدين برقم ‪144‬‬
‫وقيل أن الفتن تلصق بالقلوب كما يلصق الحصير بجنب النائم‬
‫سنن الترمذي باب ما جاء في افتراق هذه المة برقم ‪ .2641‬وحسنه‬
‫اللباني في صحيح الترمذي ‪.2129‬‬
‫سنن أبي داود باب لزوم السنة برقم ‪ .4611‬وصحح اللباني إسناده موقوفا‬
‫في صحيح أبي داود برقم ‪.3855‬‬
‫صحيح البخاري باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه برقم‬
‫‪.5268‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التحذير من الفتن‬
‫َ‬
‫سنا ومن‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ نحمده و ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫ن‬
‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ل َفل هادِيَ ل ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه فَل َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َهْدِ الل ُ‬ ‫م ْ‬‫سيئات أعمالنا‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫م الذي‬ ‫ُ‬
‫قوا َرب ّك ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ه ?يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫مدا عَب ْد ُه ُ وََر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ل ِإل َ‬
‫جال كِثيرا وَِنساًء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫من ُْهما رِ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جها‪ ،‬وَب َ ّ‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫خلقَ ِ‬ ‫َ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫خل َ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫َ‬
‫م َرِقيبا? ]النساء‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫ن ب ِهِ والْرحا َ‬ ‫ُ‬
‫ه الذي َتساَءلو َ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫وات ّ ُ‬
‫مون?]آل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن إ ِل وأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫حقّ ُتقات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪? .[1‬يا أي َّها الذي َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ح لك ْ‬ ‫َ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ديدا ي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫س ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫قوا الله وَقولوا قوْل َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫منوا ات ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫عمران‪? .[102 :‬يا أي َّها الذين آ َ‬
‫ظيما?ً‬ ‫ً‬
‫قد ْ فاَز فوَْزا عَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هف َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ،‬وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫عمال َك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫]الحزاب‪[71:‬وبعد‪:‬‬
‫فإن الله خلق الثقلين من الجن والنس لعبادته وحده ل شريك له وجعل الله‬
‫الحياة الدنيا ميدانا ً للبتلء والختبار وبين لنا الحكمة من خلقنا وإيجادنا فقال‬
‫ت‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫جل وعل في ثلثة مواضع من كتابه الكريم‪? :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫مًل?‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ست ّةِ أ َّيام ٍ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫ماِء ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن عَْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫َواْلْر َ‬
‫مًل ?‬ ‫ة ل َها ل ِنبل ُوهُم أ َيه َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ض ِزين َ ً َ َ ْ َ ْ ّ ُ ْ‬ ‫ما عَلى الْر ِ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫]هود‪ ،[7:‬وقال‪? :‬إ ِّنا َ‬
‫]الكهف‪[7:‬‬
‫يريد الله من عباده أن يعملوا لعبادته وطاعته وأن يحسنوا العمل في هذه‬
‫الحياة‪ ،‬وإحسان العمل يكون بتوحيد الله جل وعل وإفراده بالعبادة وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬ويكون بطاعة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬واتباعه في كل‬
‫شيء لن الله عز وجل قد أرسل عبده ورسوله محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بالهدى ودين الحق‪ ،‬فبشر وأنذر‪ ،‬ونصح وحذر‪ ،‬وبلغ رسالة ربه‪ ،‬وترك‬
‫المة على مثل البيضاء وضوحا ً وجلًء ليلها كنهارها‪ ،‬ل يزيغ عنها إل هالك‪.‬‬
‫ولقد بين ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مضلت الفتن والهواء التي تضل القلوب‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعصف بالعقول وحذر منها ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬غاية التحذير‪ ،‬وأرشدنا‬
‫ووصانا بما يجب أن نفعله إذا هاجت الفتن‪ .‬ونحن نعيش عصرنا هذا عصر‬
‫الهواء والفتن‪ ،‬فإننا بحاجة إلى معرفة ما ذكره رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فيها‪ ،‬حتى نتقي ونحذر‪.‬‬
‫ماذا قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في الفتن‪ ،‬أسمعكم بعضا ً مما‬
‫قاله الرسول الكرم عليه صلة الله‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ، -‬قال‪:‬‬
‫سألت أبا ثعلبة الخشني ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قلت يا أبا ثعلبة كيف تقول‬
‫في هذه الية ‪" :‬عليكم أنفسكم‪ ،‬ل يضركم من ضل إذا اهتديتم"‪ ،‬قال‪ :‬أما‬
‫والله لقد سألت عنها خبيرًا‪ ،‬سألت عنها رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فقال‪" :‬ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر‪ ،‬حتى إذا رأيتم شحا ً مطاعًا‪،‬‬
‫وهوى متبعا‪ ،‬ودنيا مؤثرة‪ ،‬وإعجاب كل ذي رأي برأيه‪ ،‬فعليك بنفسك‪ ،‬ودع‬
‫عنك العوام فإن من ورائكم أيام الصبر‪ ،‬الصبر فيهن مثل القابض على‬
‫الجمر‪ ،‬للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجل ً يعملون مثل عملكم‪ ،‬قيل يا‬
‫رسول الله أجر خمسين رجل ً منا أو منهم؟ قال‪" :‬بل أجر خمسين رجل ً‬
‫منكم"‪ .‬وفي رواية للترمذي عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬يأتي على الناس زمان الصابر فيه‬
‫على دينه كالقابض على الجمر"‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪" :‬شبك‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أصابعه ‪ ،‬وقال‪ :‬كيف أنت يا عبد الله بن‬
‫عمرو ‪ ،‬إذا بقيت في حثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم ‪ ،‬واختلفوا فصاروا‬
‫هكذا‪ ،‬قال‪ :‬فكيف أصنع يا رسول الله؟ قال‪ :‬تأخذ ما تعرف وتدع ما تنكر‪،‬‬
‫وتقبل على خاصتك‪ ،‬وتدعهم وعوامهم"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي الصحيحين وغيرهما عن حذيفة بن اليمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬كنا‬
‫عند عمر فقال‪ :‬أيكم سمع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يذكر الفتن؟‬
‫فقال قوم‪ :‬نحن سمعناه‪ ،‬فقال‪ :‬لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله‬
‫وولده وجاره؟ قالوا ‪ :‬أجل‪ ،‬قال‪ :‬تلك يكفرها الصلة والصيام والصدقة‪ ،‬ولكن‬
‫أيكم سمع النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يذكر التي تموج موج البحر؟ قال‬
‫حذيفة‪ :‬فأسكت القوم‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪ :‬أنت لله أبوك‪ ،‬قال حذيفة‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪ :‬تعرض الفتن على القلوب‬
‫كالحصير عودا ً عودًا‪ ،‬فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء؟ وأي قلب‬
‫أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء‪ ،‬حتى تصير على قلبين‪ :‬أبيض مثل الصفا‪ ،‬فل‬
‫تضره فتنة ما دامت السماوات والرض‪ ،‬والخر‪ :‬أسود مرباد كالكوز مجخيا ً ‪،‬‬
‫ل يعرف معروفا ً ول ينكر منكرًا‪ ،‬إل ما أشرب من هواه‪ ،‬قال‪ :‬وحدثته أن بينك‬
‫وبينها بابا ً مغلقًا‪ ،‬يوشك أن يكسر‪ ،‬قال عمر‪ :‬أكسر ؟ ل أبا لك ‪ ،‬فلو أنه فتح؟‬
‫لعله كان يعاد‪ ،‬قال ‪ :‬ل بل ُيكسر‪ ،‬وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت‪،‬‬
‫حديثا ً ليس بالغاليط"‪.‬‬
‫عودًا"‪ ،‬قيل معناه‪ :‬أن الفتن تحيط بالقلوب كالحصير‬ ‫عودا ً َ‬
‫"كالحصير َ‬
‫المحبوس‪ ،‬ويقال‪ :‬حصيره القوم‪ :‬إذا أحاطوا به وضيقوا عليه"‪ ،‬وأما قوله‬
‫عودًا" كما في الرواية‬‫عودا ً ُ‬
‫"عودا ً عودًا" أي‪ :‬مرة بعد مرة‪ ،‬وأما بالضم " ُ‬
‫الخرى فمعناه‪ :‬أن الفتن تظهر على القلوب الواحدة بعد الخرى‪ ،‬كما ينسج‬
‫عوذًا" بالذال‬ ‫عوذا ً َ‬
‫الحصير عودا ً عودًا‪ ،‬وشظية بعد أخرى‪ ،‬وقد جاء في لفظ " َ‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غفرا ً وغفرانك‪ ،‬أن نسألك أن‬ ‫غفرا ً ُ‬


‫فمعناه سؤال الستعاذة منها‪ ،‬كما يقال ُ‬
‫تعيذنا من ذلك‪.‬‬
‫وعن الترمذي وأبي داود وغيرهما أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪" :‬تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة‪ ،‬واثنتين وسبعين فرقة‪،‬‬
‫والنصارى مثل ذلك‪ ،‬وستفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة‪ ،‬كلها في‬
‫النار ‪ ،‬إل ملة واحدة" قالوا‪ :‬من هي يا رسول الله؟ قال‪" :‬من كان على ما‬
‫أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬
‫عميرة ‪ ،‬وكان من أصحاب معاذ بن جبل ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه‬ ‫وعن زيد بن ُ‬
‫م قسط‪ ،‬هلك‬ ‫ً‬
‫قال‪ :‬ما كان يجلس مجلسا للذكر‪ ،‬إل قال حين يجلس‪ :‬الله حك ٌ‬
‫المرتابون‪ ،‬فقال معاذ بن جبل يومًا‪ :‬إن ورائكم فتنا ً يكثر فيها المال‪ ،‬ويفتح‬
‫فيها القرآن‪ ،‬حتى يأخذه المؤمن والمنافق‪ ،‬والرجل والمرأة‪ ،‬والعبد والحر ‪،‬‬
‫ل أن يقول‪ :‬ما للناس ل يتبعوني وقد قرأت‬ ‫والصغير والكبير‪ ،‬فيوشك قائ ٌ‬
‫القرآن؟ وما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره‪ ،‬فإياكم وما ابتدع‪ ،‬فإنما ابتدع‬
‫ضللة‪ ،‬وأحذركم زيغة الحكيم‪ ،‬فإن الشيطان قد يقول كلمة الضللة على‬
‫لسان الحكيم‪ ،‬وقد يقول المنافق كلمة الحق‪ ،‬قال‪ :‬قلت لمعاذ‪ :‬وما يدريني‬
‫رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضللة ‪ ،‬وأن المنافق يقول كلمة‬
‫الحق؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬اجتنب من كلم الحكيم المشتبهات التي يقال‪ :‬ما هذه ؟‬
‫ول يثنيك ذلك عنه فإنه لعله يراجع‪ ،‬وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق‬
‫نورًا" أخرجه أبو داود‪.‬‬
‫لقد رأينا وسمعنا حكماء وعلماء يتبنون الضللت بأقوالهم وفتاويهم ‪ ،‬ورأينا‬
‫الجهلء والمنافقين ينطقون أحيانا ً بالصواب‪ ،‬فقط قال بعض السلف قصم‬
‫ظهري رجلن‪ :‬عالم متهتك‪ ،‬وجاهل متنسك!!؟؟‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبي مالك الشعري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ، -‬قال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪" :‬ليكونن من أمتي قوم‬
‫يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم‪،‬‬
‫ة لهم –أي ترجع إليهم مواشيهم‪ -‬فيأتيهم رجل لحاجة ‪،‬‬ ‫تروح عليهم سارح ٌ‬
‫ً‬
‫فيقولون‪ :‬ارجع إلينا غدا‪ ،‬فيبيتهم الله –أي ينزل عليهم العقاب ِغرة ويضع‬
‫العلم‪ -‬أي الجبل يوقعه عليهم ‪ ،‬ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم‬
‫القيامة"‪.‬‬
‫نعم لقد وقع ما أخبر به رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬فهناك من يبيح‬
‫الزنا في ديار المسلمين‪ ،‬ويدعو إلى الفجور والسفور وإلى نشر الفساد‬
‫والرذائل بين أفراد المجتمع ‪ ،‬فهذه الحملت المسعورة الموجهة إلى المرأة‬
‫لتدمير دينها وأخلقها وإخراجها عن طهرها وعفافها‪ ،‬والقذف بها في مستنقع‬
‫الرذائل والشهوات‪ ،‬ويسمون ذلك بغير اسمه!!‬
‫وفي ديار السلم من يبيح الخمور والمسكرات والمخدرات ويروج لها‬
‫ويسمح بها تصنيعا ً وتوريدا ً وتهريبا ً بل وإعطاء التصاريح لها وأخذ الضرائب‬
‫عليها ويسمونها يغير أسمائها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫هؤلء الذين يفعلون ذلك مستحلين للفروج والخمور والمعازف متظاهرين‬


‫ومجاهرين ومستخفين بفجورهم قد مرقوا من الدين وحاربوا المسلمين‪ .‬فإن‬
‫الله جل وعل يخسف بهم الرض‪ ،‬وينزل عليهم العقوبات العاجلة‪ ،‬بتدمير‬
‫بعضهم ‪ ،‬ومسخ آخرين قردة وخنازير‪ ،‬إما مسخا ً حقيقيا ً بأن يحولهم الله‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قردة وخنازير كما فعل بالسابقين‪ ،‬وإما أن يكون مسخا ً معنويا ً في طباعهم‬
‫وأخلقهم فترى أحدهم قد تجرد عن إنسانيته وتحول إلى قرد أو خنزير في‬
‫طباعه وأخلقه‪ ،‬فل إيمان ول دين ول خلق ول غيرة ول شهامة ول حياء‬
‫فصورته صورة إنسان وطباعه وأخلقه كطباع القردة والخنازير وهذا معروف‬
‫ومشاهد يعلمه ويراه المؤمنون المتوسمون‪ .‬وهذا نوع من العقاب عظيم‪.‬‬
‫نسأل الله العفو والعافية ونسأل الله العفاف والتقوى‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫مضلت الفتن ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫إن أعظم خطر يراه اليهود والنصارى وأهل الشرك والكفر قاطبة‪ ،‬هو أن‬
‫يجتمع المسلمون ويعتصموا بدينهم‪ .‬ولذلك فقد خططوا منذ زمن بعيد على‬
‫تفتيت وحدة المسلمين‪ ،‬وبذروا فيما بينهم عوامل التمزق والختلف من‬
‫إحياء القوميات والوطنيات العرفية‪ ،‬ثم المذاهب السياسية والفكرية الهدامة‬
‫التي دمرت المجتمعات ومزقتها‪ ،‬ثم هذه الديمقراطيات التي فرضها النظام‬
‫العالمي الجديد بكل مسائها التي تدعو صراحة إلى تحطيم كل القيم اليمانية‬
‫والخلقية ونشر الباحية‪ ،‬وتفتيت السر والمجتمعات وإذابة مقوماتها‬
‫وخصائصها بواسطة هذه المفاهيم الوافدة‪ .‬ولقد نجح أعداء الله في ذلك أيما‬
‫نجاح‪ .‬لقد انفرط عقد المسلمين وتفرقوا شيعا ً وفرقا‪ ،‬وتمزقوا إلى طوائف‬
‫ودول‪ ،‬ففي كل قرية منهم أمير المؤمنين ومنبر‪ ،‬حرب على بعضهم‪ ,‬سلم‬
‫لعدائهم‪ ,‬فأضاعوا دينهم ودنياهم‪ ،‬ولو أنهم اعتصموا بدينهم ونصحوا لمتهم‬
‫وساروا في طريق الوحدة والجتماع لما حصل الذي حصل من تكالب العداء‬
‫وتداعيهم على المسلمين‪ ,‬ولن يرفع عنا هذا الذل والهوان إل إذا رجعنا إلى‬
‫ديننا وطبقنا أحكامه في حياتنا ‪ ،‬وآمنا بعظمة هذا الدين وحملنا رسالته‬
‫للعالمين‪ .‬وأحيينا الخوة والوحدة السلمية وكنا كما أراد الله لنا أن نكون أمة‬
‫واحدة ‪ ،‬ونكون كالجسد الواحد السليم الصحيح إذا اشتكى منه عضو تداعى‬
‫له سائره‪.‬‬
‫قضايا السلم والمسلمين لبد أن تكون في مقدمة اهتمامنا وإعلمنا‪ .‬هذه‬
‫الستراتيجية العلمية التي وضعها لنا العداء لبد من تعديلها وتصحيحها ‪،‬‬
‫نرى في كل البلدان السلمية أول حدث إعلمي في نشرات الخبار الحديث‬
‫عن الرئيس أو الملك عن سفره وإقامته وعن أكله وشربه‪ ،‬ثم عن الفن‬
‫والرياضة والحتفالت والرقصات ثم إذا بقي وقت للحديث عن المجازر‬
‫والكوارث التي يتعرض لها المسلمون في العالم تكون في مؤخرة النباء‬
‫وتستقي تحليلتها وصياغتها من وكالت النباء العالمية التي يمتلكها اليهود‬
‫والنصارى‪.‬‬
‫هذه فلسطين التي باعها الزعماء وتآمروا عليها عبر قرن من الزمن لم تعد‬
‫تذكر إل أنها قضية هامشية يقرر فيها العداء ما يريدون أما المسلمون فقد‬
‫غيبوا عنها وكأن ل شأن لهم بها‪.‬‬
‫هذه الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في الشيشان ضد المسلمين أل‬
‫تستدعي من زعماء العالم السلمي أن يجتمعوا ويتدارسوا أمرها ويقرروا‬
‫فيها قرارا ً أو يتخذوا حيالها رأيًا‪ ،‬ما بالهم ما الذي أصابهم ‪ ،‬إنها الذلة‬
‫والمسكنة والعبودية والخنوع لغير الله أوصلتنا إلى ما نحن فيه من التشرذم‬
‫والتنافر‪.‬‬
‫ولكن أليس لهذا الليل من آخر؟ بل‪ :‬ولكن لبد من الرادة والقوة والعزيمة‬
‫الصادقة أول ً في وجوب التغيير‪ ،‬تغيير النفوس والفكار والنتقال من المعصية‬
‫إلى الطاعة ومن التبعية الذليلة إلى التمسك بالهوية وتطبيق توجيهات‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القرآن‪ ،‬ثم الخذ بالعمل الجاد في كل الميادين وتوجيه المة توجيها ً سليما ً‬
‫وبنائها بناء صحيحا ً فما يقال في المؤسسات التعليمية هو ما ينبغي أن يقال‬
‫في العلم والتوجيه‪.‬‬
‫لتنطلق المة انطلقة موحدة لتحقيق أهدافها الربانية في هذه الحياة‪ .‬وإن‬
‫من خصائص هذه المة أنها إذا توجهت للخير والبناء فإن الله يكرمها ويختصر‬
‫لها الزمن والمسافات والمكانيات ويبارك في جهدها ‪ ،‬فما ل يتم إنجازه إل‬
‫في مائة عام يمكن أن ينجز في خلل عقد من الزمن‪ ،‬إذا صدقت مع الله ‪،‬‬
‫لقد استطاع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بتأييد الله ثم بالمؤمنين‬
‫الصادقين الذين معه أن يغيروا الحياة التي كانت مملوءة ظلما ً وظلما ً وجهل ً‬
‫وانحرافًا‪ .‬استطاعوا أن يغيروا واقعها خلل ثلث وعشرين سنة هي عمر‬
‫الدعوة والرسالة فأشرقت الرض بنور ربها‪ ،‬وتحطمت عروش الطواغيت‬
‫وتحررت الشعوب ودانت لله بالوحدانية ولنبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫بالرسالة‪.‬‬
‫ولقد أراد الله لهذا الدين أن يبقى ويحكم في هذه الرض ويظهر على كل‬
‫الديان رغم أنوف الكافرين‪ ..‬ولكن لبد له من أمة تحمله ورجال يصدقوا الله‬
‫والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سنن أبي داود باب المر والنهي برقم ‪ . 4341‬وضعفه اللباني في ضعيف‬
‫سنن أبي داود برقم ‪.934‬‬
‫سنن الترمذي‪ :‬أبواب تفسير القرآن‪ ،‬عن رسول الله صلى الّله عليه وسلم‪،‬‬
‫ومن سورة المائدة‪ .‬برقم ‪ ،3058‬وضعفه اللباني في ضعيف الترمذي برقم‬
‫‪.585‬‬
‫في صحيح البخاري‪ :‬باب تشبيك الصابع في المسجد وغيره برقم ‪ 466‬عن‬
‫واقد عن أبيه قال سمعت أبي وهو يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو كيف بك في حثالة من الناس بهذا"‪.‬‬
‫وأما اللفظ المذكور في الخطبة فهو في صحيح ابن حبان ذكر ما يجب على‬
‫المرء من لزوم خاصة نفسه وإصلح عمله عند تغيير المر ووقوع الفتن برقم‬
‫‪ .5951‬وصححه اللباني في صحيح الجامع برقم ‪ 8185‬بلفظ ‪ ":‬يوشك أن‬
‫يأتي زمان يغربل فيه الناس غربلة‪ ،‬وتبقى حثالة من الناس‪ ،‬قد مرجت‬
‫عهودهم‪ ،‬وأماناتهم‪ ،‬واختلفوا فكانوا هكذا – وشبك بين أصابعه – قالوا ‪ :‬كيف‬
‫بنا يا رسول الله؟ قال ‪ :‬تأخذون ما تعرفون‪ ،‬وتدعون ما تنكرون‪ ،‬وتقبلون‬
‫على أمر خاصتكم‪ ،‬وتذرون أمر عامتكم"‪.‬‬
‫لم أجده في البخاري وهو في صحيح مسلم‪ :‬باب بيان أن السلم بدأ غريبا‬
‫وسيعود غريبا وإنه يأرز بين المسجدين برقم ‪144‬‬
‫وقيل أن الفتن تلصق بالقلوب كما يلصق الحصير بجنب النائم‬
‫سنن الترمذي باب ما جاء في افتراق هذه المة برقم ‪ .2641‬وحسنه‬
‫اللباني في صحيح الترمذي ‪.2129‬‬
‫سنن أبي داود باب لزوم السنة برقم ‪ .4611‬وصحح اللباني إسناده موقوفا‬
‫في صحيح أبي داود برقم ‪.3855‬‬
‫صحيح البخاري باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه برقم‬
‫‪.5268‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التحذير من القمار وشرب المسكر وبيوع الغرر‬


‫القسم ‪ :‬إملءات < مقالت‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬وآله وصحبه ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فإن الله سبحانه أحل لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب والملبس‬
‫والمعاملت لحاجة العباد إليها وعظيم نفعها وسلمتها من الضرر ‪ ،‬وحرم‬
‫عليهم عز وجل جميع الخبائث من المطاعم والمشارب والملبس‬
‫والمعاملت لعظم ضررها وعدم نفعها أو قلته في جنب المضرة الغالبة ‪ ،‬قال‬
‫ت{]‬ ‫م الط ّي َّبا ُ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ح ّ‬‫ل أُ ِ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ماَذا أ ُ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫تعالى في سورة المائدة ‪} :‬ي َ ْ‬
‫مُر‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫المذكورة‬ ‫‪ [1‬وقال تعالى في السورة‬
‫َ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ ِّ َ‬ ‫َ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ب َواْلْزل ُ‬ ‫صا ُ‬ ‫سُر َواْلن ْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ضاَء ِفي ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن وَأ ِ‬ ‫من ْت َُهو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫صلةِ فَهَ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ذِك ْرِ اللهِ وَعَ ِ‬
‫ّ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد ّك ُ ْ‬ ‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ْ‬
‫سول َِنا الَبلغُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما عَلى َر ُ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫م َفاعْل ُ‬ ‫ن ت َوَلي ْت ُ ْ‬ ‫حذ َُروا فَإ ِ ْ‬ ‫ل َوا ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫وَأ ِ‬
‫ن{]‪ [2‬وقال تعالى في سورة العراف في وصف نبينا وسيدنا وإمامنا‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ي‬
‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ف‬‫معُْرو ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َواْل ِن ْ ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫اْل ّ‬
‫م‬
‫ضعُ عَن ْهُ ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خَبائ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫وَي َن َْهاهُ ْ‬
‫صُروه ُ َوات ّب َُعوا‬ ‫ّ‬
‫م َفال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫غل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َوال ْ‬
‫مُنوا ب ِهِ وَعَّزُروهُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫ل الِتي كان َ ْ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن{]‪ [3‬أوضح الله سبحانه في هذه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذي أن ْزِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ال ُ‬ ‫ه أولئ ِك هُ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫الّنوَر ال ِ‬
‫اليات أنه أحل لعباده الطيبات وحرم عليهم الخبائث ‪ ،‬وبين سبحانه أن من‬
‫جملة الخبائث الخمر لعظم مضرتها وسلبها العقول وجلبها الشحناء والعداوة‬
‫بين المتعاطين لها وغيرهم وصدها عن ذكر الله وعن الصلة ‪ ،‬فهي أم‬
‫الخبائث ووسيلة الرذائل ‪ ،‬وهي من أقبح الكبائر وأعظم الجرائم ‪ ،‬وقد وعد‬
‫الله من مات عليها أن يسقيه من طينة الخبال وهي عصارة أهل النار‬
‫نستجير بالله من ذلك ‪.‬‬
‫ومن جملة الخبائث الكسبية ‪ :‬الميسر وهو القمار وما ذاك إل لما يترتب عليه‬
‫من الضرار العظيمة التي منها سلب الثروات وأكل المال بغير حق وجلب‬
‫الشحناء والعداوة والصد عن ذكر الله وعن الصلة ‪ ،‬وكثير من الناس اليوم‬
‫يتعاطى الميسر ول يبالي بما قاله الله ورسوله في تحريمه والنهي عنه ول‬
‫بما يترتب عليه من المفاسد والضرار وذلك لما جبلت عليه القلوب من‬
‫الجشع والطمع والحرص على استحصال المال بكل وسيلة ولو كان في ذلك‬
‫غضب الله وعقابه ‪ ،‬بل ولو كان في ذلك ذهاب ماله وتلف نفسه في العاقبة‬
‫إل من شاء الله من العباد ‪ ،‬وما ذاك إل لسكر القلوب بحب المال والحرص‬
‫عليه ونسيان ما يترتب على وسائله المحرمة كالقمار وبيع الغرر من العواقب‬
‫الوخيمة في الدنيا والخرة ‪ ،‬وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫نهى عن بيع الغرر ومن المعاملة الداخلة في القمار وفي بيع الغرر ما حدث‬
‫في هذا العصر من وضع بعض الشركات والتجار جوائز خفية في بعض السلع‬
‫التي يراد بيعها طمعا في استنزاف ثروات المسلمين وترغيبا لهم في شراء‬
‫السلع المشتملة على الجوائز بأغلى من ثمنها المعتاد والستكثار من تلك‬
‫السلع رجاء الظفر بتلك الجوائز ‪ ،‬ول ريب أن هذه المعاملت من الميسر‬
‫ومن بيع الغرر؛ لن المشتري يبذل ماله الكثير رجاء مال مجهول ل يدري هل‬
‫يظفر به أم ل وهذا من الميسر وبيع الغرر الذي حذر الله ورسوله منه ‪،‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهكذا بيع البطاقات ذوات الرقام ليفوز مشتريها ببعض الجوائز إذا حصل‬
‫على الرقم المطلوب ‪ ،‬ول شك أن هذا العمل من الميسر الذي حرمه الله‬
‫لما فيه من المخاطرة وأكل الموال بالباطل ‪ .‬فاتقوا الله أيها المسلمون‬
‫واحذروا هذه المعاملت المحرمة وحذروا منها إخوانكم واحرصوا على حفظ‬
‫أموالكم وعدم صرفها إل فيما تتحققون منفعته وسلمته مما يخالف شرع‬
‫الله ‪ ،‬وإياكم أن تساعدوا أعداءكم وأرباب الجشع من التجار والشركات بما‬
‫يسلب أموالكم ويغضب الله عليكم ‪ ،‬ويجب على الحكومة وفقها الله لكل‬
‫خير أن تمنع هذه المعاملت وأن تمنع ورود هذه السلع المشتملة على‬
‫الجوائز التي توقع الناس في القمار وتسلب الموال وتضر المجتمع ‪ ،‬نسأل‬
‫الله أن يوفق الحكومة والمسلمين لما فيه صلح البلد والعباد وأن يهدينا‬
‫وتجارنا وشركاتنا وسائر المسلمين لما يرضي الله ويقرب لديه وينفع‬
‫المسلمين إنه على كل شيء قدير ‪ .‬وصلى الله وسلم على عبده ورسوله‬
‫محمد وآله وصحبه ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫]‪ - [1‬سورة المائدة الية ‪.4‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫]‪ - [2‬سورة المائدة اليات ‪.92-90‬‬


‫]‪ - [3‬سورة العراف الية ‪.157‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التحذير من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم‬


‫الحمد لله وحده ‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده ‪ ،‬وبعد ‪ :‬فمن‬
‫الظواهر السيئة ما نراه هذه اليام من كثير من البناء من العقوق للوالدين ‪،‬‬
‫وما نشاهده بين القارب من القطيعة ‪ ،‬وفيما يلي كلمات سريعة في التحذير‬
‫من عقوق الوالدين والحث على بّرهما ‪ ،‬والتحذير من قطيعة الرحم وبيان‬
‫الداب التي ينبغي أن تراعى مع القارب ‪ ،‬نسأل الله أن ينفع بها ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬التحذير من عقوق الوالدين والحث على برهما‬
‫من صور العقوق ‪:‬‬
‫‪ -1‬إبكاء الوالدين وتحزينهما بالقول أو الفعل ‪.‬‬
‫‪ -2‬نهرهما وزجرهما ‪ ،‬ورفع الصوت عليهما ‪.‬‬
‫‪ -3‬التأفف من أوامرهما ‪.‬‬
‫‪ -4‬العبوس وتقطيب الجبين أمامهما ‪ ،‬والنظر إليهما شزرا ً ‪.‬‬
‫‪ -5‬المر عليهما ‪.‬‬
‫‪ -6‬انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة ‪.‬‬
‫‪ -7‬ترك الصغاء لحديثهما ‪.‬‬
‫‪ -8‬ذم الوالدين أمام الناس ‪.‬‬
‫‪ -9‬شتمهما ‪.‬‬
‫‪ -10‬إثارة المشكلت أمامهما إما مع الخوة ‪ ،‬أو مع الزوجة ‪.‬‬
‫‪ -11‬تشويه سمعتهما ‪.‬‬
‫‪ -12‬إدخال المنكرات للمنزل ‪ ،‬أو مزاولة المنكرات أمامهما ‪.‬‬
‫‪ -13‬المكث طويل ً خارج المنزل ‪ ،‬مع حاجة الوالدين وعدم إذنهما للولد في‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخروج ‪.‬‬
‫‪ -14‬تقديم طاعة الزوجة عليهما ‪.‬‬
‫‪ -15‬التعدي عليهما بالضرب ‪.‬‬
‫‪ -16‬إيداعهم دور العجزة ‪.‬‬
‫‪ -17‬تمني زوالهما ‪.‬‬
‫‪ -18‬قتلهما عياذا ً بالله ‪.‬‬
‫‪ -19‬البخل عليهما والمنة ‪ ،‬وتعداد اليادي ‪.‬‬
‫‪ -20‬كثرة الشكوى والنين أما الوالدين ‪.‬‬
‫الداب التي ينبغي مراعاتها مع الوالدين ‪:‬‬
‫‪ -1‬طاعتهما بالمعروف ‪،‬والحسان إليهما ‪ ،‬وخفض الجناح لهما ‪.‬‬
‫‪ -2‬الفرح بأوامرهما ومقابلتهما بالبشر والترحاب ‪.‬‬
‫‪ -3‬مبادأتهما بالسلم وتقبيل أيديهما ورؤسهما ‪.‬‬
‫‪ -4‬التوسعة لهما في المجلس والجلوس ‪ ،‬أمامهما بأدب واحترام ‪ ،‬وذلك‬
‫بتعديل الجلسة‪ ،‬والبعد عن القهقهة أمامهما ‪ ،‬والتعري ‪ ،‬أو الضطجاع ‪ ،‬أو مد‬
‫الرجل ‪ ،‬أو مزاولة المنكرات أمامهما ‪ ،‬إلى غير ذلك مما ينافي كمال الدب‬
‫معهما ‪.‬‬
‫‪ -5‬مساعدتهما في العمال ‪.‬‬
‫‪ -6‬تلبية ندائهما بسرعة ‪.‬‬
‫‪ -7‬البعد عن إزعاجهما ‪ ،‬وتجنب الشجار وإثارة الجدل بحضرتهما ‪.‬‬
‫‪ -8‬ان يمشي أمامها بالليل وخلفهما بالنهار ‪.‬‬
‫ده للطعام قبلهما ‪.‬‬ ‫‪ -9‬أل يمد ّ ي َ‬
‫‪ -10‬إصلح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين ‪.‬‬
‫‪ -11‬الستئذان عليهما حال الدخول عليهما ‪ ،‬أو حال الخروج من المنزل ‪.‬‬
‫‪ -12‬تذكيرهما بالله ‪ ،‬وتعليمهما ما يجهلنه ‪ ،‬وأمرهما بالمعروف ‪ ،‬ونهيهما عن‬
‫المنكر مع مراعاة اللطف والشفاق والصبر ‪.‬‬
‫‪ -13‬المحافظة على سمعتهما وذلك بحس السيرة ‪ ،‬والستقامة ‪ ،‬والبعد عن‬
‫مواطن الريب وصحبة السوء ‪.‬‬
‫‪ -14‬تجنب لومهما وتقريعهما والتعنيف عليهما ‪.‬‬
‫‪ -15‬العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به ‪.‬‬
‫‪ -16‬فهم طبيعة الوالدين ‪ ،‬ومعاملتهما بذلك المقتضى ‪.‬‬
‫‪ -17‬كثرة الدعاء والستغفار لهما في الحياة وبعد الممات ‪.‬‬
‫المور المعينة على البر ‪:‬‬
‫‪ -1‬الستعانة بالله ‪.‬‬
‫‪ -2‬استحضار فضائل البر ‪ ،‬وعواقب العقوق ‪.‬‬
‫‪ -3‬استحضار فضل الوالدين ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحرص على التوفيق بين الوالدين والزوجة ‪.‬‬
‫‪ -5‬تقوى الله في حالة الطلق ‪ ،‬وذلك بأن يوصي كل واحد من الوالدين‬
‫أبناءه ببر الخر ‪ ،‬حتى يبروا الجميع ‪.‬‬
‫‪ -6‬قراءة سيرة البارين بوالديهم ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬قطيعة الرحم – أسبابها – علجها‬
‫* الرحم هم القرابة ‪ ,‬وقطيعة الرحم هجرهم ‪ ,‬وقطعهم ‪.‬‬
‫والصلة ضد القطيعة ‪ ,‬وهي كناية عن الحسان إلى القارب ‪ ,‬والرفق بهم ‪,‬‬
‫والرعاية لحوالهم ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أسباب قطيعة الرحم ‪:‬‬


‫‪ -1‬الجهل‬
‫‪ -2‬ضعف التقوى‬
‫‪ -3‬الكبر‬
‫‪ -4‬النقطاع الطويل الذي يسبب الوحشة والنسيان‬
‫‪ -5‬العتاب الشديد من بعض القارب مما يسبب النفرة منه‬
‫‪ -6‬التكلف الزائد ‪ ,‬مما يجعل القارب ل يحرصون على المجيء إلى ذلك‬
‫الشخص ‪ ,‬حتى ل يقع في الحرج ‪.‬‬
‫‪ -7‬قلة الهتمام بالزائرين من القارب‬
‫‪ -8‬الشح والبخل من بعض الناس ‪ ,‬ممن وسع الله عليه في الدنيا ‪ ,‬فتجده ل‬
‫يواصل أقاربه ‪ ,‬حتى ل يخسر بسببهم شيئا ً من المال ‪ ,‬إما بالستدانة منه أو‬
‫غير ذلك ‪.‬‬
‫‪ -9‬تأخير قسمة الميراث بين القارب ‪.‬‬
‫‪ -10‬الشراكة المبنية على المجاملة بين القارب ‪.‬‬
‫‪ -11‬الشتغال بالدنيا‪.‬‬
‫‪ -12‬الطلق بين القارب‪.‬‬
‫‪ -13‬ب ُْعد المسافة والتكاسل عن الزيارة ‪.‬‬
‫‪ -14‬قلة تحمل القارب ‪.‬‬
‫‪ -15‬الحسد فيما بينهم‬
‫‪ -16‬نسيانهم في الولئم ‪ ,‬مما يسبب سوء الظن فيما بينهم ‪.‬‬
‫‪ -17‬كثرة المزاح ‪.‬‬
‫‪ -18‬الوشاية والصغاء إليها ‪.‬‬
‫فضائل صلة الرحم‬
‫‪ -1‬صلة الرحم شعار اليمان بالله ‪ ,‬واليوم الخر‪.‬‬
‫‪ -2‬سبب لزيادة العمر ‪ ,‬وبسط الرزق ‪.‬‬
‫‪ -3‬تجلب صلة الله للواصل ‪.‬‬
‫‪ -4‬هي من أعظم أسباب دخول الجنة ‪.‬‬
‫‪ -5‬هي من محاسن السلم ‪.‬‬
‫‪ -6‬وهي مما اتفقت عليه الشرائع‬
‫‪ -7‬هي دليل على كرم النفس ‪ ,‬وسعة الفق ‪.‬‬
‫‪ -8‬وهي سبب لشيوع المحبة ‪ ,‬والترابط بين القارب‪.‬‬
‫‪ -9‬وهي ترفع من قيمة الواصل ‪.‬‬
‫‪ -10‬صلة الرحم تعمر الديار ‪.‬‬
‫‪ -11‬وتيسر الحساب ‪.‬‬
‫‪ -12‬وتكفر الذنوب والخطايا ‪.‬‬
‫‪ -13‬وتدفع ميتة السوء ‪.‬‬
‫الداب والمور التي ينبغي سلوكها مع القارب ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استحضار فضل الصلة ‪ ,‬وقبح القطيعة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫الستعانة بالله على الصلة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫توطين النفس وتدريبها على الصبر على القارب والحلم عليهم ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫قبول أعذارهم إذا أخطأوا واعتذروا‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -5‬الصفح عنهم ونسيان معايبهم ولو لم يعتذروا ‪.‬‬


‫‪ -6‬التواضع ولين الجانب لهم ‪.‬‬
‫‪ -7‬بذل المستطاع لهم من الخدمة بالنفس والجاه والمال ‪.‬‬
‫‪ -8‬ترك المنة عليهم ‪ ,‬والبعد عن مطالبتهم بالمثل ‪.‬‬
‫‪ -9‬الرضا بالقليل منهم ‪.‬‬
‫‪ -10‬مراعاة أحوالهم ‪ ,‬ومعرفة طبائعهم ‪ ,‬ومعاملتهم بمقتضى ذلك ‪.‬‬
‫‪ -11‬إنزالهم منازلهم ‪.‬‬
‫‪ -12‬ترك التكلف معهم ‪ ,‬ورفع الحرج عنهم‬
‫‪ -13‬تجنب الشدة في معاتبتهم إذا أبطأوا ‪.‬‬
‫‪ -14‬تحمل عتابهم إذا عاتبوا‪ ,‬وحمله على أحسن المحامل ‪.‬‬
‫‪ -15‬العتدال في المزاح معهم ‪.‬‬
‫‪ -16‬تجنب الخصام ‪ ,‬وكثرة الملحاة والجدال العقيم معهم ‪.‬‬
‫‪ -17‬المبادرة بالهدية إن حدث خلف معهم ‪.‬‬
‫‪ -18‬أن يتذكر النسان أن القارب لحمة منه لبد له منهم ‪ ,‬ول فكاك له عنهم‬
‫‪.‬‬
‫‪ -19‬أن يعلم أن معاداتهم شّر وبلء ‪ ,‬فالرابح في معاداة أقاربه خاسر ‪,‬‬
‫والمنتصر مهزوم ‪.‬‬
‫‪ -20‬الحرص على أل ينسى أحدا ً منهم في الولئم قدر المستطاع ‪.‬‬
‫‪ -21‬الحرص على إصلح ذات البين إذا فسدت ‪.‬‬
‫‪ -22‬تعجيل قسمة الميراث ‪.‬‬
‫‪ -23‬الجتماعات الدورية ‪.‬‬
‫‪ -24‬تكوين صندوق للسرة ‪.‬‬
‫‪ -25‬الحرص على الوئام والتفاق حال الشراكة ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -26‬يراعي في ذلك أن تكون الصلة لله وحده ‪ ,‬وأن تكون تعاونا على البر‬
‫والتقوى ‪ ,‬ول يقصد بها حمية الجاهلية الولى ‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التحذير من كبائر الذنوب‬


‫دار الوطن‬
‫الحمد لله الهادي إلى الطريق المستقيم‪ ،‬والصلة والسلم على المبعوث‬
‫رحمة للعالمين‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫يقول الله تعالى‪ :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم‬
‫مدخل كريما‪ ،‬وقال سبحانه‪ :‬الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم إن‬
‫ربك واسع المغفرة ‪.‬‬
‫إذا علم هذا فإنه يتعين على كل مسلم أن يعرف هذه الكبائر تمام المعرفة‪،‬‬
‫ويجتهد في اجتنابها والبعد عن اقترافها‪ ،‬لئل تكون حائل بينه وبين وعد الله له‬
‫بالمغفرة الواسعة والمدخل الكريم‪ ،‬خصوصا وأن النبي حذرنا من اقترافها‬
‫بقوله‪ } :‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬كفارة لما بينهن ما لم‬
‫تغش الكبائر { ]مسلم والترمذي[‪.‬‬
‫وفي هذه الرسالة عدد من الكبائر التي يجدر بكل مسلم أن يوليها اهتمامه‪،‬‬
‫علما بها وحذرا من اقترافها‪ ،‬وقد راعينا في اختيارها ما يهم السواد العظم‬
‫من الناس‪ ،‬فنسأل لله تعالى أن يقينا وسائر المسلمين الذنوب والمعاصي‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين‪.‬‬


‫‪ -1‬الشرك بالله تعالى‪ :‬قال تعالى‪ :‬إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه‬
‫الجنة ومأواه النار ]المائدة‪ ،[72:‬وقال النبي ‪ } :‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر؟‬
‫الشراك بالله‪] { ..‬متفق عليه[‪ .‬وهو نوعان‪ :‬شرك أكبر وهو عبادة غير الله‪،‬‬
‫أو صرف أي شيء من العبادة لغير الله‪ ،‬وشرك أصغر ومنه الرياء‪ ،‬قال‬
‫تعالى في الحديث القدسي‪ } :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عمل‬
‫أشرك معي فيه غيري تركته وشركه { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ -2‬قتل النفس‪ :‬قال تعالى‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها‬
‫وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ]النساء‪ ،[93:‬وقال النبي ‪:‬‬
‫} اجتنبوا السبع الموبقات‪ :‬الشرك بالله‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم‬
‫الله‪] { ...‬متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -3‬السحر‪ :‬قال الله تبارك وتعالى‪ :‬ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس‬
‫السحر ]البقرة‪ ،[102:‬وقال ‪ } :‬اجتنبوا السبع الموبقات‪ :‬الشرك بالله‪،‬‬
‫والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم الله‪] { ...‬متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -4‬ترك الصلة‪ :‬قال تعالى‪ :‬وخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلة واتبعوا‬
‫الشهوات فسوف يلقون غيا * إل من تاب‪] ...‬مريم‪ .[59:‬قال ‪ } :‬العهد الذي‬
‫بيننا وبينهم الصلة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر { ]رواه أحمد والترمذي والنسائي[‪.‬‬
‫‪ -5‬منع الزكاة‪ :‬قال تعالى‪ :‬وويل للمشركين * الذين ل يؤتون الزكاة وهم‬
‫بالخرة هم كافرون ]فصلت‪.[6:‬‬
‫‪ -6‬عقوق الوالدين‪ :‬قال تعالى؟ وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين‬
‫إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما‬
‫وقل لهما قول كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب‬
‫ارحمهما كما ربياني صغيرا ]السراء‪ .[24 -23:‬وقال عليه الصلة والسلم‪} :‬‬
‫أل أنبئكم بأكبر الكبائر؟‪ { ..‬فذكر منها عقوق الوالدين‪] .‬متفق عليه[‪ ،‬وقال!‬
‫عليه الصلة والسلم‪ } :‬رضا الله في ر ضا الوالد‪ ،‬وسخط الله في سخط‬
‫الوا لد { ] رواه الترمذي وابن حبان[‪.‬‬
‫‪ -7‬الزنا‪ :‬قال تعالى‪ :‬ول تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيل ]السراء‪:‬‬
‫‪ ،[32‬وقال ‪ } :‬إذا زنى العبد خرج منه اليمان‪ ،‬فكان على رأسه كالظلة‪ ،‬فإذا‬
‫أقلع رجع إليه { ]رواه أبو داودو الحاكم[‪.‬‬
‫‪ -8‬اللواط‪ :‬قال تعالى عن قوم لوط‪ :‬أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون‬
‫ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ]الشعراء‪ ،[165:‬وقال‬
‫النبي ‪ } :‬لعن الله من عمل عمل قوم لوط { ]رواه النسائي[‪.‬‬
‫‪ -9‬أكل الربا‪ :‬قال تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا‬
‫إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ]البقرة‪:‬‬
‫‪ ،[279-278‬وقال ‪ } :‬لعن الله آكل الربا وموكله { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ -10‬أكل مال اليتيم‪ :‬قال الله تعالى‪ :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما‬
‫إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ]النساء‪ ،[10 :‬وقال تعالى‪ :‬ول‬
‫تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن ]النعام‪.[152:‬‬
‫‪ -11‬الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله ‪ :‬قال تعالى‪ :‬ويوم القيامة ترى‬
‫الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ]الزمر‪ ،[60:‬وقال ‪ } :‬من كذب علي‬
‫متعمدا فليتبوأ مقعده من النار { ]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ -12‬الكبر والفخر والخيلء والعجب والتيه‪ :‬قال تعالى‪ :‬إنه ل يحب‬
‫المستكبرين ]النحل‪ ،[23:‬وقال ‪ } :‬ل يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة‬
‫من كبر { ]رواه مسلم[‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -13‬شهادة الزور‪ :‬قال تعالى‪ :‬فاجتنبوا الرجس من الوثان واجتنبوا قول‬


‫الزور ]الحج‪ ،[30:‬وقال ‪ } :‬ل تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب‬
‫له النار { ]رواه ابن ماجة والحاكم[‪ .‬وقال غاباله‪ } :‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر‪:‬‬
‫الشراك بالله‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬أل وقول الزور‪ .‬فما زال يكررها حتى قلنا‪:‬‬
‫ليته سكت { ]متفق عليه[‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -14‬شرب الخمر‪ :‬قال تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر‬
‫والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون‬
‫]المائدة‪ ،[90:‬وقال ‪ } :‬لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها‬
‫وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها { ]رواه أبو داود‬
‫والحاكم[‪.‬‬
‫وقال ‪ ...} :‬ول يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -15‬القمار‪ :‬قال تعالى‪ :‬إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من‬
‫عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ]المائدة‪.[90:‬‬
‫‪ -16‬قذف المحصنات‪ :‬قال تعالى‪ :‬إن الذين يرمون المحصنات الغافلت‬
‫المؤمنات لعنوا في الدنيا والخرة ولهم عذاب عظيم ]النور‪ ،[23:‬وقال ‪:‬‬
‫} من قذف مملوكة بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إل أن يكون كما‪.‬‬
‫قال { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -17‬السرقة‪ :‬قال تعالى‪ :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا‬
‫نكال من الله والله عزيز حكيم ]المائدة‪ ،[38:‬وقال ‪ } :‬ل يزني الزاني حين‬
‫يزني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -18‬قطع الطريق‪ :‬قال تعالى‪ :‬إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله‬
‫ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من‬
‫خلف أو ينفوا من الرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الخرة عذاب‬
‫عظيم ]المائدة‪.[33:‬‬
‫‪ -19‬اليمين الغموس‪ :‬قال ‪ } :‬من حلف علي يمين صبر‪ ،‬يقتطع بها مال‬
‫امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان { ]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ -20‬الظلم‪ :‬ويكون بأكل أموال الناس وبالضرب والشتم والتعدي والستطالة‬
‫على الضعفاء‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‬
‫]الشعراء‪ ،[227:‬وقال ‪ } :‬اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة‪] { ...‬رواه‬
‫مسلم[‪.‬‬
‫‪ -21‬قتل النفس‪ :‬قال تعالى‪ :‬ول تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما *‬
‫ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا‬
‫]النساء‪ ،[30:‬وقال ‪ } :‬لعن المؤمن كقتله‪ ،‬ومن قذف مؤمنا بكفر فهو‬
‫كقاتله‪ ،‬ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -22‬الكذب في غالب القوال‪ :‬قال الله تعالى‪ :‬ثم نبتهل فنجعل لعنة الله‬
‫على الكاذبين ]آل عمران‪ ،[61:‬وقال ‪ ..} :‬وإن الكذب يهدي إلى الفجور‪،‬‬
‫وإن الفجور يهدي إلى النار‪ ،‬وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا {‬
‫]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -23‬الحكم بغير ما أنزل الله‪ :‬قال تعالى‪ :‬ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك‬
‫هم الكافرون ]المائدة‪.[44:‬‬
‫‪ -24‬تشبه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء‪ :‬قال ‪ } :‬لعن الله المخنثين‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الرجال‪ ،‬والمترجلت من النساء { ]رواه البخاري[‪.‬‬


‫‪ -25‬الديوث‪ :‬قال ‪ } :‬ثلثة ل يدخلون الجنة‪ :‬العاق لوالديه‪ ،‬والديوث‪ ،‬ورجلة‬
‫النساء { ]رواه النسائي والحاكم وأحمد[‪.‬‬
‫‪ -26‬عدم التنزه من البول‪ :‬وهو من فعل النصارى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وثيابك‬
‫فطهر ‪ ،‬وقال النبي وقد مر بقبرين‪ } :‬إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير‪ ،‬أما‬
‫أحدهما فكان ل يستنزه من بوله‪ ،‬وأما الخر فكان يمشي بالنميمة { ]متفق‬
‫عليه[‪.‬‬
‫‪ -27‬الخيانة‪ :‬قال تعالى‪ :‬وأن الله ل يهدي كيد الخائنين ]يوسف‪ ،[52:‬وقال ‪:‬‬
‫} ل إيمان لمن ل أمانة له‪ ،‬ول دين لمن ل عهد له {‪.‬‬
‫‪ -28‬التعلم للدنيا وكتمان العلم‪ :‬قال تعالى‪ :‬إن الذين يكتمون ما أنزلنا من‬
‫البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم‬
‫اللعنون ]البقرة‪ ،[159:‬وقال ‪ } :‬من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله ل‬
‫يتعلمه إل ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة { يعني‬
‫ريحها‪] .‬رواه أبو داود[‪.‬‬
‫‪ -29‬المنان‪ :‬قال تعالى‪ :‬ول تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى ]البقرة‪،[264:‬‬
‫وقال ‪ } :‬ثلثة ل يقبل الله منهم صرفا ول عدل‪ :‬عاق‪ ،‬ومنان‪ ،‬ومكذب‬
‫بالقدر { ]رواه الطبراني وابن أبي عاصم[‪.‬‬
‫‪ -30‬المتسمع على الناس ما يسرونه‪ :‬قال تعالى‪ :‬ول تجسسوا ‪ ،‬وقال‬
‫النبي ‪ } :‬من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه النك‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ {‬
‫]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ -31‬النميمة‪ :‬قال تعالى ول تطع كل حلف مهين * هماز مشاء بنميم وقال‬
‫النبي لما مر بقبرين‪ } :‬إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير‪ ،‬أما أحدهما فكان‬
‫يمشي بالنميمة‪] { ...‬رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ -32‬اللعن‪:‬قال ‪ } :‬لعن المؤمن كقتله { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -33‬تصديق الكاهن والمنجم‪ :‬قال ‪ } :‬من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما‬
‫يقول فقد كفر بما أنزل على محمد { ]رواه أحمد والحاكم[‪.‬‬
‫‪ -34‬نشوز المرأة على زوجها‪ :‬قال الله تبارك وتعالى‪ :‬واللتي تخافون‬
‫نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فل تبغوا‬
‫عليهن سبيل إن الله كان عليا كبيرا ]النساء‪ ،[34:‬وقال النبي ‪ } :‬إذا دعا‬
‫الرجل امرأته إلى فراشه فأبت‪ ،‬فبات غضبان عليها‪ ،‬لعنتها الملئكة حتى‬
‫تصبح { ]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ -35‬أذى الجار‪ :‬قال ‪ } :‬ل يدخل الجنة من ل يأمن جاره بوإئقه { ]رواه‬
‫مسلم[‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -36‬غش المام للرعية‪ :‬قال تعالى‪ :‬إنما السبيل على الذين يظلمون الناس‬
‫ويبغون في الرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ]الشورى‪ ،[42:‬وقال‬
‫النبي ‪ } :‬أيما راع غش رعيته فهو في النار { ]رواه أحمد[‪.‬‬
‫‪ -37‬الكل والشرب في آنية الذهب أو الفضة‪ :‬قال ‪ } :‬إن الذي يأكل أو‬
‫يشرب في إناء الذهب أو الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم { ]رواه‬
‫مسلم[‪.‬‬
‫‪ -38‬لبس الحرير والذهب للرجال‪ :‬قال ‪ } :‬إنما يلبس الحرير في الدنيا من ل‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلق له في الخرة { ]رواه مسلم[‪.‬‬


‫‪ -39‬الجدل والمراء‪ :‬قال ‪ ،...} :‬ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل‬
‫في سخط الله حتى ينزع‪] { ..‬رواه أبو داود[‪.‬‬
‫‪ -40‬نقص الكيل والميزان‪ :‬قال تعالى‪ :‬ويل للمطففين ]المطففين‪.[1:‬‬
‫‪ -41‬المن من مكر الله‪ :‬قال تعالى‪ :‬أفأمنوا مكر الله فل يأمن مكر الله إل‬
‫القوم الخاسرون ]العراف‪ ،[99:‬وكان النبي أن يقول‪ } :‬يا مقلب القلوب‬
‫والبصار ثبت قلوبنا على دينك فقيل له‪ :‬يا رسول الله أتخاف علينا؟ فقال‬
‫رسول ‪ :‬إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن‪ ،‬يقلبها كيف يشاء {‬
‫]رواه أحمد والترمذي والحاكم[‪.‬‬
‫‪ -42‬تكفير المسلم‪ :‬قال ‪ } :‬من قال لخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما {‬
‫]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ -43‬ترك صلة الجمعة والصلة مع الجماعة‪ :‬قال ‪ } :‬لينتهين أقوام عن‬
‫ودعهم الجمعات‪ ،‬أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين {‬
‫]رواه مسلم[‪.‬‬
‫وقال ‪ } :‬من سمع النداء فلم يأته فل صلة له إل من عذر { ]رواه ابن ماجة‬
‫وابن حبان[‪.‬‬
‫‪ -44‬المكر والخديعة‪ :‬قال الله تعالى‪ :‬ول يحيق المكر السيئ إل بأهله ]فاطر‪:‬‬
‫‪ ،[43‬وقال ‪ } :‬المكر والخديعة في النار { ]البيهقي في شعب اليمان[‪.‬‬
‫‪ -45‬سبه أحد من الصحابة‪ :‬قال ‪ } :‬ل تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو‬
‫أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه { ]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ -46‬النياحة على الميت‪:‬قال ‪ } :‬اثنتان في الناس هما بهم كفر‪ :‬الطعن في‬
‫النساب‪ ،‬والنياحة على الميت { ]رواه مسلم واحمد[‪.‬‬
‫‪ -47‬تغيير منار الرض‪ :‬قال صلى الله عله وسلم‪ ..} :‬ولعن الله من غير منار‬
‫الرض { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ -48‬الواصلة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة والواشمة‪ :‬قال ‪ } :‬لعن الله‬
‫الواشمات‪ ،‬والمستوشمات‪ ،‬والنامصات‪ ،‬والمتنمصات‪ ،‬والمتفلجات للحسن‪،‬‬
‫المغيرات خلق الله { ]متفق عليه[‪ ،‬وقال ‪ } :‬لعن الله الواصلة‬
‫والمستوصلة‪ ،‬والواشمة والمستوشمة { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -49‬اللحاد في الحرم‪ :‬قالت الله تعالى‪ :‬والمسجد الحرام الذي جعلناه‬
‫للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب‬
‫أليم ]الحج‪ ،[25:‬وسأل رجل النبي ‪ :‬ما الكبائر؟ قال ‪ } :‬هن تسع‪ :‬الشرك‬
‫بالله‪ { ..‬وذكر منها‪ :‬واستحلل البيت الحرام قبلتكم ] رواه أبو داود‬
‫والنسائي[‪.‬‬
‫‪ -50‬إفطار رمضان بغير محذر‪ ،‬وترك الحج مع الستطاعة‪ :‬قال ‪ } :‬بني‬
‫السلم على خمس‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا وسول الله‪ ،‬وإقام‬
‫الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يعصمنا من الوقوع في شيء من‬
‫هذه الكبائر‪ ،‬وأن يبيض وجوهنا‪ :‬يوم تبيض وجوة وتسود وجوه فأما الذين‬
‫اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما‬
‫الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ‪.‬‬
‫أخي المسلم أختي المسلمة‪:‬‬
‫إذا أردتم الستزادة فيمكنكم الرجوع إلى‪:‬‬
‫كتاب "الكبائر" للمام الذهبي‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كتاب "الكبائر" للمام محمد بن عبدالوهاب‪.‬‬


‫كتاب "محرمات استهان بها الناس" للشيخ محمد صالح المنجد‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التحذير من ‪..‬‬
‫دار الوطن‬
‫التحذير من الغناء والتصوير وحلق اللحية والسبال للرجال والسفر إلى بلد‬
‫الكفرة وشرب الدخان‬
‫حكم الغناء والتصوير وحلق اللحى واسبال الثياب للرجال وكلمة للشيخ ابن‬
‫باز رحمه الله‬
‫التحذير من الغناء‬
‫لسماحة الشيخ ‪ /‬عبدالعزيز بن عبدالله بن باز‬
‫إن الستماع إلى الغاني حرام ومنكر‪ ،‬ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها‬
‫وصدها عن ذكر الله وعن الصلة‪ .‬وقد فسر اكثر أهل العلم قوله تعالى في‬
‫ومن الناس من يشتري لهو الحديث بالغناء وكان عبد الله بن مسعود رضي‬
‫لله عنه يقسم على أن لهو الحديث هو الغناء‪ .‬وإذا كان مع الغناء آلة لهو‬
‫كأرباب والعود والكمأ والطبل صار التحريم أشد‪.‬وذكر بعض العلماء أن الغناء‬
‫بآلة لهر حرم إجماع‪ .‬فالواجب الحذر من ذلك وقد صح عن رسول الله انه‬
‫قال‪ } :‬ليكون من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف {‬
‫والحر هر الفرج الحرام ‪ -‬يعني الزنا والمعازف هي الغاني وآلت الطرب‪.‬‬
‫وأوصيك وغيرك بسماع إذاعة القرآن الكريم وبرنامج نور على الدرب ففيهما‬
‫فوافد عظيمة‪ ،‬وشغل شاغل عن سماع الغاني وآلت الطرب‪.‬‬
‫أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة‬
‫إلى محرم أتمدح لمحرم في وقت من الليل للنساء خاصة أتعلن النكاح‬
‫والفرق بينه وبين السفاح كما صحت السنة بذلك عن النبي ‪.‬‬
‫أما الطبل فل يجوز ضربه في العرس‪ ،‬بل يكفى بالدف خاصة‪ ،‬ول يجوز‬
‫استعمال مكبرات الصوت في إعلن النكاح وما يقال فيه من الغاني المعتادة‬
‫لما في ذلك من الفتنة العظيمة والعواقب الوخيمة وإيذاء المسلمين ول يجوز‬
‫أيضا إطالة الوقت في ذلك بل اكتفى بالوقت القليل الذي يحصل به إعلن‬
‫النكاح لن إطالة الوقت تفذي إلى إضاعة صلة الفجر والنوم عن أدانها في‬
‫وقتها وذلك من أكبر المحرمات ومن أعمال المنافقين ]انتهى[‪.‬‬
‫هذه أدلة على تحريم الغناء من أقوال السلف الصالح رضوان الله عليهم‪:‬‬
‫قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه‪ :‬الغناء والعزف مزمار الثيطان‪ .‬وقال‬
‫المام مالك بن أنس رضي الله عنه‪ :‬الغناء إنما يفعله الفساق عندنا‪.‬‬
‫والشافعية يشبهون الغناء بالباطل والمحال‪ .‬وقال المام احمد رحمه الله‪:‬‬
‫الغناء ينبت النفاق في القلب فل يعجبني‪ .‬وقال اصحاب المام ابي حنيفة‬
‫رحمهم الله‪ :‬استماع الغاني فسق‪ .‬وقال عمر بن العزيز‪ .‬الغناء بدؤه من‬
‫الشيطان وعاقبته سخط الرحمن‪ .‬وقال المام القرطبي‪ :‬الغناء ممنوع‬
‫بالكتاب والسنة‪ .‬وقال المام ابن الصلح‪ :‬الغناء مع آلة الجماع على تحريمه‪.‬‬
‫حكم التصوير‬
‫لسماحة الشيخ ‪ /‬عبدالعزيز بن عبدالة بن باز‬
‫السؤل‪ :‬ما قولكم في حكم التصوير الذي عمت به البلوى وانهمك فيه‬
‫الناس‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجواب‪ :‬الحمد الله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده أما بعد‪:‬‬
‫فقد جاءت الحاديث الكثيرة عن النبي في الصحاح والمسانيد والسنن دالة‬
‫على تحريم تصوير كل ذي روح آدميا كان أو غيره‪ ،‬وهتك الستور التي فيها‬
‫الصور والمر بطمس الصور ولعن المصورين وبيان أنهم أشد الناس عذابأ‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وأنا أذكر لك جملة من الحاديث الصحيحة الواردة في هذا‬
‫الباب‪ ،‬وأذكر بعض كلم العلماء عليها‪ ،‬وأبين ما هو الصواب في هذه المسالة‬
‫إنشاء الله‪.‬‬
‫ففي الصحيحين عن أيى هريرة قال‪ :‬قال رسول الله قال الله تعالى‪ } :‬ومن‬
‫اظلم ممن ذهب يخلق خلقأ كخلقي‪ ،‬فليخلقوا ذرة‪ ،‬او ليخلقوا حبة‪ ،‬او‬
‫ليخلقوا شعيرة { ]رواه مسلم[‪ .‬ولهما أيضآعن أيى سعيدرضي الله عنه‬
‫قال‪:‬قال رسول االله ‪ } :‬إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون {‬
‫ولهما عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬إن الذين يصنعون هذه الصور‬
‫يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ماخلقتم { ]لفظ البخاري[‪.‬‬
‫وروى البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة أن النبي نهى عن ثمن الدم‪،‬‬
‫وثمن الكلب وكسب البغي‪ ،‬ولعن اكل الربا وموكله‪ ،‬والواشمة والمستوشمة‬
‫والمصور‪.‬‬
‫وعن ابن عباس سمعت رسول الله قال‪ } :‬من صور صورة في الدنيا كلف‬
‫أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ { ]متفق عليه[‪ .‬وخرج مسلم عن سعيد بن‬
‫أبي الحسن قال‪ :‬جاء رجل الى ابن عباس فقال‪ :‬إني رجل أصور هذه الصرر‬
‫فافتني فيها‪ ،‬فقال‪ :‬ادن مني‪ ،‬فدنا منه ثم قال ادن مني‪ ،‬فدنا منه حتى وضع‬
‫يده على رأسه فقال‪ :‬أنبؤك بما سمعت من رسول الله ‪ .‬سمعت رسول الله‬
‫يقول‪ } :‬كل مصو ر في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسآ تعذبه في‬
‫جهنم { وقال إن كنت ل بد فاعل فاصنع الشجروما ل نفس له‪.‬‬
‫وخرج البخاري قوله‪ } :‬إن كنت ل بد فاعل { الخ‪ ...‬في آخر الحديث الذي‬
‫قبله ما ذكره مسلم ]انتهى[‪.‬‬
‫)ومن أراد الستزادة يرجع إلى الكتاب الذي نقلت منه هذه الفتوى وهو كتاب‬
‫"حكم السلم في التصوير" ص ‪ .38 ،37‬للشيخ ابن باز(‬
‫حكم حلق اللحى‬
‫للشيخ ‪ /‬محمد بن صالح العثيمين‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حلق اللحية محرم لنه معصية لرسول الله ‪ ،‬فإن النبي قال‪ } :‬أعفوا اللحى‬
‫وحفوا الشوارب {‪ ،‬ولنه خروج عن هدي المرسلين الى هدي المجوس‬
‫والمشركين‪ ،‬وحد اللحية كما ذكره أهل اللغة هي شعر الوجه واللحيين‬
‫والخدين بمعنى أن كل ما على الخدين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية‪،‬‬
‫وأخذ أي منها داخل في المعصية أيضأ لن الرسول عليه الصلة والسلم قال‪:‬‬
‫} أعفوا اللحى‪ } { ...‬وأرخوا اللحى‪ } { ...‬ووفروا اللحى‪ } { ...‬وأوفوا‬
‫اللحى‪ { ...‬وهذا يدل على أنه ليجوز أخذ شيء منها لكن المعاصي تتفاوت‪.‬‬
‫فالحلق أعظم شيء منها‪ ،‬لنه أعظم وأبين مخالفة من أخذ شي منها‪.‬‬
‫حكم السبال للرجال‬
‫للشيخ ‪ /‬محمد بن صالح العثيمين‬
‫إسبال الزار إذا قصد به الخيلء فعقوبته أن ل ينظرالله تعالى إليه يوم‬
‫القيامة ول يكلمه ول يزكيه وله عذاب أليم‪ .‬وأما إذا لم يقصد به الخيلء‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعقوبته أن يعذب ما نزل من الكعبين بالنار لن النبي قال‪ } :‬ثلثة ل يكلمهم‬


‫الله يوم القيامة ول ينظر إليهم ول يزكيهم ولهم عذاب أليم‪ :‬المسبل والمنان‬
‫والمنفق سلعته بالحلف الكاذب { وقال‪ } :‬من جر ثوبه خيلء لم ينظر الله‬
‫إليه يوم القيامة { فهذا فيمن جر ثوبه خيلء وأما من لم يقصد الخيلء ففي‬
‫صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي قال ما أسفل الكعبين من الزار‬
‫ففي النار‪ .‬ولم يقيد ذلك بالخيلء ول يتضح أن يقيد بها بناء على الحديث الذي‬
‫قبله لن أبا سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬إزره المؤمن إلى نصف‬
‫الساق ول حرج { أو قال‪ } :‬ل جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما كان‬
‫أسفل من ذلك فهو في النار ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم‬
‫القيامة { ]رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه‬
‫ذكره في كتاب الترغيب والترهيب[‪ .‬ولن العملين مختلفان والعقوبتين‬
‫مختلفتان ومتى اختلف الحكم والسبب امتنع حمل المطلق على المقيد لما‬
‫يلزم على ذلك من التناقض وأما من احتج بحديث أبي بكر فنقول له ليس لك‬
‫حجة فيه من وجهين الول أن أبا بكر قال إن أحد شقي ثوبي يسترخي إل‬
‫أني أتعاهد ذلك منه فهو لم يرخ ثوبه اختيال بل كان ذلك يسترخي ومع ذلك‬
‫فهو يتعاهده‪ .‬والذين يسبلون ويزعمون أنهم لم يقصدوا الخيلء يرخون ثيابهم‬
‫عن قصد فنقول لهم إن قصدتم إنزال ثيابكم أسفل من الكعبين بدون قصد‬
‫الخيلء عذبتم على ما نزل فقط وإن جررتم ثيابكم خيلء عذبتم بما هو أعظم‬
‫من ذلك ل يكلمكم الله يوم القيامة ول ينظر إليكم ول يزكيكم ولكم عذاب‬
‫أليم‪ .‬الوجه الثاني أن أبا بكر ان النبي شهد له أنه ليس ممن يصنع ذلك خيلء‬
‫فهل قال أحد من هؤلء تلك التزكية والشهادة؟ ولكن الشيطان يفتح لبعض‬
‫الناس اتباع المتشابه من نصوص الكتاب والسنة ليبرر لهم ما كانوا يعملون‬
‫والله يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫حكم شرب الدخان‬
‫للشيخ ‪ /‬محمد بن صالح العثيمين‬
‫أرجو من سماحتكم بيان حكم شرب الدخان والشيشة‪ ،‬مع ذكر الدلة على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫شرب الدخان محرم وكذلك الشيشة والدليل على ذلك قوله تعالى‪ :‬ل تقتلوا‬
‫أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ً وقول تعالى‪ :‬ل تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‬
‫وقد ثبت في الطب أن تناول هذه الشياء مضر وإذا كان مضرا كان حراما‬
‫ودليل اخر قوله تعالى‪ :‬ول تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما‬
‫فنهى عن إتيان السفهاء أموالنا لنهم يبذرونها ويفسدونها ول ريب أن بذل‬
‫الموال في شراء الدخان والشيشة تبذير وإفساد لها فيكون منهيا عنه بدللة‬
‫هذه الية ومن السنة أن رسول الله نهى عن إضاعة المال ولن‪،‬النبي قال‪:‬‬
‫} ل ضرر ول ضرارا { وتناول هذه الشياء موجب للضرر ولن هذه الشياء‬
‫توجب للنسان أن يتعلق بها فاذا فقدها ضاق صدره وضاقت عليه الدنيا‪،‬‬
‫فادخل على نفسه أشياء هو في غنى عنها‪.‬‬
‫أخي المسلم‪ .....‬أختي المسلمه‬
‫على كل منا أن يجتهد في المور التية‪:‬‬
‫‪ -‬طلب العلم الشرعي من الكتاب والسنة بفهم سلف المة‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق التوحيد وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي‪.‬‬
‫‪ -‬أداء الصلة في أوقاتها بخشوع وطمانينة‪.‬‬
‫‪ -‬إخراج زكاة المال وغيره‪ ،‬وصرفها لمستحقيها‪.‬‬
‫‪ -‬صوم رمضان والحرص على التنفل في غيره على الوجه المشروع‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬أداء فريضة الحج في أقرب وقت ممكن‪.‬‬


‫‪ -‬صلة الرحام بالتزاور والتناصح والتعاون على البر والتقوى‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة مع الحرص على هداية‬
‫الناس ‪ .‬المر بالمعروف والنهي عن المنكر كل حسب استطاعته‪.‬‬
‫‪ -‬الستفادة من الوقت واكثار من العمال الصالحة‪.‬‬
‫‪ -‬تربية اللولد تربية صالحة‪.‬‬
‫‪ -‬التخلق بالخلق الحميدة‪.‬‬
‫‪ -‬الكثار من الستغفار والتوبة وذكر الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬تذكر الموت والحساب والجنة والنار‪.‬‬
‫‪ -‬ستر عيوب المسلمين والدعاء لهم بظهرالغيب‪.‬‬
‫وعلى الخت المسلمة ان تحذر من‪:‬‬
‫‪ -‬التبرج وإظهار المحاسن أمام الرجال الجانب بلبس الثياب الضيقة أو‬
‫المكشوفة أو القصيرة أو المفتوحة من أسفل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -‬التشبه بغير المسلمات في الملبس أو تسريحات الشعر المختلفة‪.‬‬


‫‪ -‬نتف الحاجب أو فلج السنان أو إطالة الظافر أو الوشم أو وصل الشعر‪.‬‬
‫‪ -‬السراف والتبذير في الولئم ورمي الطعام مع القاذورات‪.‬‬
‫‪ -‬مشاهدة الفلم أو المسرحيات المختلطة أو سماع الغاني وآلت اللهو‪.‬‬
‫‪ -‬الطلع على المجلت والكتب التي تدعو إلى التحلل وضياع الخلق‪.‬‬
‫‪ -‬الخلو بالجانب من السائقين أو الخدم أو غيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬الغيبة والنميمة والستهزاء والكذب وخلف الوعد والخديعة‪.‬‬
‫‪ -‬لبس المصورات من المجوهرات أو الملبس أو تعليقها‪.‬‬
‫‪ -‬السهر وخاصة على المحرمات أو ما ل فائدة فيه‪.‬‬
‫‪ -‬الخروج وحدك للسواق العامة وغيرها خشية الفتنة‪.‬‬
‫‪ -‬السفر بدون محرم بالطائرة أو غيرها‪.‬‬
‫‪ -‬استعمال الطياب عند الرجال الجانب‪.‬‬
‫‪ -‬اللعان والسب والشتم أو اللفاظ البذيئة أو الدعاء على الولد أو سب‬
‫الدهر‪.‬‬
‫‪ -‬لبس البراقع التي تخرج محاسن الوجة وتفتن الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬تغطية الوجة بغطاء ل يستر لخفته أو لقصره‪.‬‬
‫التحذير من السفر إلى بلد الكفرة وخطره على العقيدة والخلق‬
‫لسماحة الشيخ ‪ /‬عبدالعزيز بن باز رحمه الله‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده نبينا محمد وعلى آله‬
‫وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد‪:‬‬
‫فقد أنعم الله على هذه المة بنعم كثيرة وخصها بمزايا فريدة وجعلها خير‬
‫أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله‪ .‬وأعظم‬
‫هذه النعم نعمة السلم الذي ارتضاه الله لعباده شريعة ومنهج حياة وأتم به‬
‫على عباده النعمة وأكمل لهم به الدين قال تعالى‪ :‬ال ْيو َ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬‫َ ْ َ‬
‫َ‬
‫م ِديًنا ‪.‬‬‫سل َ‬‫م اْل ِ ْ‬
‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬
‫وَأت ْ َ‬
‫ولكن أعداء السلم قد حسدوا المسلمين على هذه النعمة الكبرى فامتلت‬
‫قلوبهم حقدا وغيظا وفاضت نفوسهم بالعداوة والبغضاء لهذا الدين وأهله‬
‫وودوا لو يسلبون المسلمين هذه النعمة أو يخرجونهم منها كما قال تعالى في‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واًء ‪.‬‬‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫كوُنو َ‬ ‫فُروا فَت َ ُ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫وصف ما تختلج به نفوسهم‪ :‬وَّدوا ل َوْ ت َك ْ ُ‬
‫خَباًل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫م ل ي َأُلون َك ُ ْ‬ ‫ن ُدون ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫طان َ ً‬‫ذوا ب ِ َ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م أ َك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫في ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬
‫ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ‬
‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫داًء‬ ‫ع‬
‫ْ ْ َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫نوا‬ ‫كو‬
‫ْ َ ُ‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ِ ْ َ‬ ‫إ‬ ‫وجل‪:‬‬ ‫عز‬ ‫وقال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫لو‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫َ ِ ِ ْ ُْ ْ َ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل َك ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سوِء وَوَّدوا ل َوْ ت َك ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫سن َت َهُ ْ‬‫م وَأل ْ ِ‬ ‫م أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫طوا إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫س ُ‬ ‫وَي َب ْ ُ‬
‫عوا ‪.‬‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حّتى ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫وقال جل وعل‪َ :‬ول ي ََزاُلو َ‬
‫واليات الدالة على عداوة الكفار للمسلمين كثيرة‪ .‬والمقصود أنهم ل يألون‬
‫جهدا ول يتركون سبيل للوصول إلى أغراضهم وتحقيق أهدافهم في النيل من‬
‫المسلمين إل سلكوه ولهم في ذلك أساليب عديدة ووسائل خفية وظاهرة‬
‫فمن ذلك ما ظهر في هذه اليام من قيام بعض مؤسسات السفر والسياحة‬
‫بتوزيع نشرات دعائية تتضمن دعوة أبناء هذا البلد لقضاء العطلة الصيفية في‬
‫ربوع أوربا وأمريكا بحجة تعلم اللغة النجليزية ووضعت لذلك برنامجا شامل‬
‫لجميع وقت المسافر‪ .‬وهذا البرنامج يشتمل على فقرات عديدة منها ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬اختيار عائلة إنجليزية كافرة لقامة الطالب لديها مع ما في ذلك من‬
‫المحاذير الكثيرة‪.‬‬
‫ب‪ -‬حفلت موسيقية ومسارح وعروض مسرحية في المدينة التي يقيم فيها‪.‬‬
‫ج‪ -‬زيارة أماكن الرقص والترفيه‪.‬‬
‫د‪ -‬ممارسة الديسكو مع فتيات انجليزيات ومسابقات في الرقص‪.‬‬
‫هـ‪ -‬جاء في ذكر الملهي الموجودة في إحدى المدن النجليزية ما يأتي‪:‬‬
‫)أندية ليلية‪ ،‬مراقص ديسكو‪ ،‬حفلت موسيقى الجاز والروك‪ ،‬الموسيقى‬
‫الحديثة‪ ،‬مسارح ودور سينما وحانات إنجليزية تقليدية(‪.‬‬
‫وتهدف هذه النشرات إلى تحقيق عدد من الغراض الخطيرة منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬العمل على انحراف شباب المسلمين وإضللهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إفساد الخلق والوقوع في الرذيلة عن طريق تهيئة أسباب الفساد وجعلها‬
‫في متناول اليد‪.‬‬
‫‪ -3‬تشكيك المسلم في عقيدته‪.‬‬
‫‪ -4‬تنمية روح العجاب والنبهار بحضارة الغرب‪.‬‬
‫‪ -5‬تخلقه بالكثير من تقاليد الغرب وعاداته السيئة‪.‬‬
‫‪ -6‬التعود على عدم الكتراث بالدين وعدم اللتفات لدابه وأوامره‪.‬‬
‫‪ -7‬تجنيد الشباب المسلم ليكونوا من دعاة التغريب في بلدهم بعد عودتهم‬
‫من هذه الرحلة وتشبعهم بأفكار الغرب وعاداته وطرق معيشته‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إلى غير ذلك من الغراض والمقاصد الخطيرة التي يعمل أعداء السلم‬
‫لتحقيقها بكل ما أوتوا من قوة وبشتى الطرق والساليب الظاهرة والخفية‬
‫وقد يتسترون ويعملون بأسماء عربية ومؤسسات وطنية إمعانا في الكيد‬
‫وإبعادا للشبهة وتضليل للمسلمين عما يرمونه من أغراض في بلد السلم‪.‬‬
‫لذلك فإني احذر إخواني المسلمين في هذا البلد خاصة وفي جميع بلد‬
‫المسلمين عامة من النخداع بمثل هذه النشرات والتأثر بها وأدعوهم إلى‬
‫أخذ الحيطة والحذر وعدم الستجابة لشيء منها فإنها سم زعاف ومخططات‬
‫من أعداء السلم تفضي إلى إخراج المسلمين من دينهم وتشكيكهم في‬
‫عقيدتهم وبث الفتن بينهم كما ذكر الله عنهم في محكم التنزيل قال تعالى‪:‬‬
‫مل ّت َهُ ْ‬
‫م الية‪.‬‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬
‫صاَرى َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ن ت َْر َ‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما أنصح أولياء أمور الطلبة خاصة بالمحافظة على أبنائهم وعدم الستجابة‬
‫لطلبهم السفر إلى الخارج لما في ذلك من الضرار والمفاسد على دينهم‬
‫وأخلقهم وبلدهم كما أسلفنا وإرشادهم إلى أماكن النزهة والصطياف في‬
‫بلدنا وهي كثيرة بحمد الله والستغناء بها عن غيرها فيتحقق بذلك المطلوب‬
‫وتحصل السلمة لشبابنا من الخطار والمتاعب والعواقب الوخيمة‬
‫والصعوبات التي يتعرضون لها في البلد الجنبية‪ .‬هذا وأسأل الله جل وعل أن‬
‫يحمي بلدنا وسائر بلد المسلمين وأبناءهم من كل سوء ومكروه وأن يجنبهم‬
‫مكايد العداء ومكرهم وأن يرد كيدهم في نحورهم كما أسأله سبحانه أن‬
‫يوفق ولة أمرنا لكل ما فيه القضاء على هذه الدعايات الضارة والنشرات‬
‫الخطيرة وأن يوفقهم لكل ما فيه صلح العباد والبلد إنه ولي ذلك والقادر‬
‫عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫نصيحة من القلب لكل أب غيور يؤمن بالله‬
‫لفضيلة الشيخ ‪ /‬عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين‬
‫قال النبي } ل أحد أغير من الله يزني عبده أو تزني أمته { ول شك أن حميع‬
‫البشر كلهم عباد الله وإيماؤه وقال عليه الصلة والسلم‪ } :‬أتعجبون من‬
‫غيرة سعد؟ لنا أغير منه والله أغير مني‪ ،‬فالله تعالى يغار ومن أجل غيرته‬
‫حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن { والغيرة هي النفة والحمية والغضب‬
‫على المحارم وحمايتهن من أيدي العابثين وأعين الناظرين‪ .‬ومن ل غيرة له‬
‫هو الديوث الذي يقر الخنا في أهله وقد ورد أنه ل يدخل الجنة‪ .‬ول شك أن‬
‫كل كؤمن تقي يكون غيورا ً على زوجاته وبناته وجميع أقاربه ويكون من آثار‬
‫هذه الغيرة أن يراقبهن ويتبع أخبارهن ويمنعهن عن الختلط بالرجال وعن‬
‫المجتمعات التي فيها وجود الحتكاك والزدحام ل سيما وأن الكثير في تلك‬
‫الماكن من ذوي النفوس الشريرة بحيث يكثر المزاح والمعاكسة والغزل‬
‫والكلم الساقط مما يثير الغرائز ويدفع النفوس الضعيفة اليمان إلى فعل‬
‫الجرائم وارتكاب الفواحش‪،‬فكم حصل في تلك السواق من اختطاف ومن‬
‫مواعيد ومكالمات ومخاطبات خفية وجلية والولياء في غفلة يحسنون الظن‬
‫في بمولياتهم ول يخطر ببالهم عشر معشار ما حصل‪ ،‬أما الغيور الحازم‬
‫فيجب عليه أن يكون دائما بصحبة محارمه يراقبهن ويحميهن ويمنعهن عن‬
‫أسباب الفساد وعن النظر إلى الفلم الخليعة والصور الفاتنة وعن سماع‬
‫الغاني الماجنة التي تثير الغرائز وتبعث النفوس إلى الحرام‪ ،‬كما أن عليه‬
‫صحبة محارمه في السواق دائما ً وفي المستشفيات وفي الطريق إلى‬
‫المدارس ]حتى يدخلن الفصول الدراسية[ وكذا عند خروجهن ]حتى يركبن‬
‫الحافلت[ وكذا في قصور الفراح وفي البيوت والمساكن العادية ونحو ذلك‬
‫حتى يأمن من العتداء عليهن ومن تساهلهن وخضوعهن بالقول‪ ،‬فإن المرأة‬
‫ضعيفة الشخصية وقوية الشهوة إذا رأت الرجال أو سمعت بعض القوال‬
‫التي تثير الشهوة لم تأمن أن تضعف مقاومتها‪ ،‬فلبد من المراقبة والحراسة‬
‫التامة ل سيما في هذه الزمنة التي كثر فيها الفساد وانتشر الزنا وضعف‬
‫الوازع الديني والدنيوي في كثير من النفوس‪ ،‬ووجدت السباب وتيسرت‬
‫الوسائل لنيل الشهوات وإشباع الغرائز في الداخل والخارج‪ ،‬فكان لزاما ً على‬
‫كل ولي أن يحمي موليته وأن يحرص على إعفاف أولده ذكورا ً وإناثا ً بما‬
‫يمنع نفوسهم عن الميل إلى الحرام أو تمني ذلك عند مشاهدة أو سماع ما‬
‫يدفع النفس إلى اقتراف ذنب أو فعل فاحشة مما يسبب سخط الله تعالى‬
‫وغيرته وإنزال العقوبة الخاصة والعامة ببني النسان فإن انتشار الزنا من‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أسباب كثرة المراض المستعصية كما ورد في الحديث ومن أسباب حرمان‬
‫الناس من الخير والسعة والله المستعان‪ ،‬وصلى الله على محمد وآله وسلم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التحزب آفة في طريق العبودية‬


‫قد كثرت الجماعات ‪ ,‬واتسعت دائرة الخلف بين المسلمين ؛ بسبب قلة‬
‫العلم ‪ ,‬وشهوة التصدر ‪ ,‬وغلبة الهوى ‪ ,‬والتحزب على أفراد أو جماعات فتت‬
‫كيان المة ‪ ,‬حتى عظمت الفرقة بين المسلمين ‪ ,‬وأصبح الغالب ل يدعو إلى‬
‫الدين الخالص ‪ ,‬وعظمت المنافسة في تكثير التباع ‪ ,‬حتى أصبح بعضهم‬
‫يرمي بعضا ربما بالمروق من السلم ‪ -‬وإلى الله المشتكى ‪ ،‬وتمّثل ذلك في‬
‫حةِ مذهبهم ـ زعموا ـ على الكتاب والسّنة ‪,‬‬ ‫استنادهم واستدللهم لص ّ‬
‫والستدلل بالطرق الكلمي ّةِ ‪ ,‬والحجج العقلّيه ‪ ،‬والقصص غير الواقعية ‪ ,‬حتى‬
‫ن أن الحقّ معهم ‪,‬‬ ‫إن السامع ليغتّر بحلوة كلمهم ‪ ,‬وقوّةِ حججهم ‪ ،‬ويظ ّ‬
‫حتى نرى المة كل يوم في انشطار ‪ ,‬فكلما وقع خلف بين فريق انشطر‬
‫ق وجماعات ‪.‬‬ ‫إلى فر ٍ‬
‫ن العبرة‬ ‫ن من كثرةِ سوادهم ‪ ,‬وتهافت أتباعهم ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫جب إنسا ٌ‬ ‫لذا فل يتع ّ‬
‫ً‬
‫ليست بالكثرة وتكثير السواد ‪ ،‬بل ول يصح لنا أن نجعلها ميزانا للحق ؛‬
‫ل الل ِّ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫س ِ ِ‬
‫بي‬ ‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ض يُ ِ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬ ‫كيف ؟ وقد قال تعالى‪} :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪] {(116‬سورة النعام ‪، [6/116‬‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(103‬سورة يوسف‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَل َوْ َ‬ ‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫وقال أيضًا‪} :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ك ك َث َْرةُ‬‫جب َ َ‬ ‫ب وَل َوْ أعْ َ‬‫ث َوالط ّي ّ ُ‬ ‫خِبي ُ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل ل يَ ْ‬ ‫‪ [12/103‬وقال أيضًا‪} :‬قُ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪] {(100‬سورة المائدة‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫ب لعَلك ُ ْ‬ ‫ه َيا أوِلي اللَبا ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫ث َفات ّ ُ‬‫خِبي ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪. [5/100‬‬
‫وقال ابن مسعود رضي الله عنه ‪ :‬الجماعة ‪ ,‬ما وافق الحق ‪ ,‬ولو كنت وحدك‬
‫‪( 1).‬‬
‫ل‬‫وقال الفضيل ابن عياض ـ رحمه الله ـ ‪ :‬عليك بطريق الهدى ‪ ,‬وإن ق ّ‬
‫سالكون ‪ ,‬واجتنب طريق الّردى وإن كثر الهالكون ‪(2 ).‬‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الحقّ ـ عند الكثير من الناس ـ غير مألوف ‪ ،‬وقد ْ فِهم هذا المر‬ ‫ولهذا نجد أ ّ‬
‫م الوزاعي ـ رحمه الله ـ حين قال ‪ :‬عليك بآثار من سلف ‪ ,‬وإن رفضك‬ ‫الما ُ‬
‫الناس ‪ ,‬وإياك وآراء الرجال ‪ ,‬وإن زخرفوه بالقول ‪ ،‬فإن المر ينجلي ‪ ,‬وأنت‬
‫غربة ‪ ،‬وهو مستنكٌر‬ ‫ما علم بأن الحقّ في ُ‬ ‫على طريق مستقيم)‪ , ( 3‬وذلك ل ّ‬
‫لدى الكثير من الناس ‪.‬‬
‫وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة‬
‫) ‪ : (4‬وحيث جاء المر بلزوم الجماعة ‪ ,‬فالمراد به لزوم الحق واتباعه ‪ ,‬وإن‬
‫كان المتمسك به قليل ‪ ,‬والمخالف له كثيرا ‪ ,‬لن الحق هو الذي كانت عليه‬
‫الجماعة الولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله‬
‫عنهم ‪ ,‬ول نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم ‪ .‬قال عمرو بن ميمون الودي ‪:‬‬
‫صحبت معاذا باليمن ‪ ,‬فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ‪ ,‬ثم صحبت‬
‫بعده أفقه الناس ‪ ,‬عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ‪ ,‬فسمعته يقول ‪:‬‬
‫عليكم بالجماعة ‪ ,‬فإن يد الله على الجماعة ‪ ,‬ثم سمعته يوما من اليام وهو‬
‫يقول ‪ :‬سيلي عليكم ولة يؤخرون الصلة عن مواقيتها ‪ ,‬فصلوا الصلة‬
‫لميقاتها فهي الفريضة ‪ ,‬وصلوا معهم فإنها لكم نافلة ‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا‬
‫أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا ؟ قال ‪ :‬وما ذاك ؟ قلت ‪ :‬تأمرني‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالجماعة ‪ ,‬وتحضني عليها ‪ ,‬ثم تقول ‪ :‬صل الصلة وحدك وهي الفريضة ‪,‬‬
‫وصل مع الجماعة وهي نافلة ؟! قال ‪ :‬يا عمرو بن ميمون ‪ ,‬قد كنت أظنك‬
‫من أفقه أهل هذه القرية ‪ ,‬تدري ما الجماعة ؟ قلت ‪ :‬ل ‪ ,‬قال ‪ :‬إن جمهور‬
‫الجماعة الذين فارقوا الجماعة ‪.‬‬
‫الجماعة ما وافق الحق ‪ ,‬وإن كنت وحدك ‪ .‬وفي طريق أخرى ‪ ,‬فضرب على‬
‫فخذي ‪ ,‬وقال ‪ :‬ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة ‪ ,‬وإن الجماعة ما‬
‫وافق طاعة الله عز وجل ‪.‬‬
‫قال نعيم بن حماد ‪ :‬يعني ‪ ,‬إذا فسدت الجماعة ‪ ,‬فعليك بما كانت عليه‬
‫الجماعة قبل أن تفسد ‪ ,‬وإن كنت وحدك ؛ فإنك أنت الجماعة حينئذ ‪ .‬ذكره‬
‫البيهقي وغيره ‪.‬‬
‫وقال ابن شامة ‪ :‬عن مبارك ‪ ,‬عن الحسن البصري ‪ ,‬قال ‪ :‬السنة والذي ل‬
‫إله إل هو بين الغالي والجافي ‪ ,‬فاصبروا عليها رحمكم الله ‪ ,‬فإن أهل السنة‬
‫كانوا أقل الناس فيما مضى ‪ ,‬وهم أقل الناس فيما بقي ‪ ,‬الذين لم يذهبوا مع‬
‫أهل التراف)‪ ( 5‬في أترافهم ‪ ,‬ول مع أهل البدع في بدعهم ‪ ,‬وصبروا على‬
‫سنتهم ‪ ,‬حتى لقوا ربهم ‪ ,‬فكذلك إن شاء الله ‪ ,‬فكونوا ‪.‬‬
‫وكان محمد بن أسلم الطوسي ‪ ,‬المام المتفق على إمامته ‪ ,‬مع رتبته أتبع‬
‫الناس للسنة في زمانه ‪ ,‬حتى قال ‪ :‬ما بلغني سنة عن رسول الله إل عملت‬
‫بها ‪ ,‬ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك ‪ ,‬فسئل‬
‫بعض أهل العلم في زمانه عن السواد العظم الذين جاء فيهم الحديث إذا‬
‫اختلف الناس "فعليكم بالسواد العظم" فقال ‪ :‬محمد بن أسلم الطوسي هو‬
‫السواد العظم ‪ ,‬وصدق والله ‪ ,‬فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة ‪ ,‬داع‬
‫إليها فهو الحجة ‪ ,‬وهو الجماع ‪ ,‬وهو السواد العظم ‪ ,‬وهو سبيل المؤمنين‬
‫التي من فارقها واتبع سواها ؛ وله الله ما تولى وأصله جهنم وساءت مصيرا‬
‫‪ .‬أهـ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ب ‪ ,‬أو رمزٍ يمّيزه عن غيره ‪ ,‬سوى‬ ‫ف بلق ٍ‬ ‫فالصل في المسلم أنه ل يعر ُ‬
‫مين{]الحج ‪. [78 :‬‬ ‫سل ِ ِ‬‫م الم ْ‬ ‫ُ‬
‫ماك ُ‬ ‫س ّ‬
‫السلم ‪ ،‬قال تعالى } هُوَ َ‬
‫هّ‬
‫عَباد َ الل ِ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ماك ْ‬
‫س ّ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سم ِ اللهِ ال ِ‬
‫وا ِبا ْ‬
‫م ْ‬ ‫س ّ‬‫ن تَ َ‬ ‫َ‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬وَلك ِ ْ‬
‫ن)‪.( 6‬‬‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬من أقّر باسم من هذه السماء المحدثة ؛‬
‫فقد خلع ربقة السلم من عنقه)‪. ( 7‬‬
‫جة‬‫ل إلى مالك ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا عبد الله ‪ ،‬أسألك عن مسألةٍ أجعلك ح ّ‬ ‫وجاء رج ٌ‬
‫وة إل ّ بالله ‪ ،‬سل ‪،‬‬ ‫فيما بيني وبين الله عّز وجل ‪ ،‬قال مالك ‪ :‬ما شاء الله لق ّ‬
‫ب ُيعرفون به ‪ ،‬ل‬ ‫ن أهل السنة ؟ قال ‪ :‬أهل السنة الذين ليس لهم لق ٌ‬ ‫م ْ‬
‫قال ‪َ :‬‬
‫جهمي ‪ ،‬ول قدري ‪ ,‬ول رافضي )‪. ( 8‬‬
‫مى بغير السلم )‪. ( 9‬‬ ‫وقال ميمون بن مهران ‪ :‬إّياكم وكل اسم يس ّ‬
‫ي‬
‫مى الرجل بغير السلم والسنة ‪ ,‬فألحقه بأ ّ‬ ‫وقال مالك بن مغول ‪ ) :‬إذا تس ّ‬
‫دين شئت ( )‪. ( 10‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪.. :‬والواجب على المسلم إذا سئل‬
‫عن ذلك ‪ ,‬أن يقول ‪ :‬ل أنا شكيلي ‪ ,‬ول قرفندي ؛ بل أنا مسلم متبع لكتاب‬
‫مانا الله‬ ‫الله وسنة رسوله ‪ -..‬إلى أن قال ‪ .. :‬فل نعدل عن السماء التي س ّ‬
‫بها إلى أسماء أحدثها قوم ـ وسموها هم وآباؤهم ـ ما أنزل الله بها من‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلطان ‪( 11).‬‬
‫ولكن ما إن ظهرت البدع في المة السلمّية ‪ ،‬وتكاثرت الفرق المنتسبة إلى‬
‫ل عظيم ٍ ؛ حيث الشعارات الزائفة ‪ ,‬والدعوات المشبوهة ‪،‬‬ ‫السلم بشك ٍ‬
‫واجتهد في الدين من ليس من أهله ‪ ،‬وُأدخل فيه ما ليس منه ‪ ،‬وظهرت‬
‫ي صلى الله عليه وسلم بافتراق المة ؛ كان لزاما ً على أهل الحقّ ‪،‬‬ ‫نبوءة النب ّ‬
‫ة ُيعرفون‬ ‫والمنهج الصحيح ‪ ,‬وأصحاب العقيدة الصحيحة ؛ أن تكون لهم سم ٌ‬
‫بها ‪ ,‬في إطار عام ل في قوالب ضيقة كالحزبيات والجماعات التي حكرت‬
‫الحق عليهم ‪ ,‬وعقدوا عليها الحب والبغض ‪ ,‬وهذا منا ‪ ,‬وهذا ليس منا ‪.‬‬
‫قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله )‪: ( 12‬‬
‫ل طائفية ول حزبية يعقد الولء والبراء عليها ‪:‬‬
‫أهل السلم ليس لهم سمة سوى السلم ‪ ,‬والسلم ‪.‬‬
‫فيا طالب العلم! بارك الله فيك وفي علمك ؛ اطلب العلم ‪ ،‬واطلب العمل ‪،‬‬
‫وادع إلى الله تعالى على طريقة السلف‪.‬‬
‫ول تكن خراجا ً ولجا ً في الجماعات ‪ ،‬فتخرج من السعة إلى القوالب‬
‫الضيقة ‪ ،‬فالسلم كله لك جادة ومنهجا ً ‪ ،‬والمسلمون جميعهم هم الجماعة ‪،‬‬
‫وإن يد الله مع الجماعة ‪ ،‬فل طائفية ول حزبية في السلم ‪.‬‬
‫وأعيذك بالله أن تتصدع ‪ ،‬فتكون نهابا ً بين الفرق والطوائف والمذاهب‬
‫الباطلة والحزاب الغالية‪ ،‬تعقد سلطان الولء والبراء عليها‪.‬‬
‫فكن طالب علم على الجادة ؛ تقفو الثر ‪ ،‬وتتبع السنن ‪ ،‬تدعو إلى الله على‬
‫بصيرة ‪ ،‬عارفا ً لهل الفضل فضلهم وسابقتهم‪.‬‬
‫وإن الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السلف من‬
‫أعظم العوائق عن العلم ‪ ،‬والتفريق عن الجماعة ‪ ،‬فكم أوهنت حبل التحاد‬
‫السلمي ‪ ،‬وغشيت المسلمين بسببها الغواشي ‪.‬‬
‫فاحذر رحمك الله أحزابا ً ‪ ,‬وطوائف طاف طائفها ‪ ،‬ونجم بالشر ناجمها ‪ ،‬فما‬
‫هي إل كالميازيب ؛ تجمع الماء كدرا ً ‪ ،‬وتفرقه هدرا ً ؛ إل من رحمه ربك ‪,‬‬
‫فصار على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله‬
‫عنهم ‪.‬‬
‫سُبوا‬‫قال ابن القيم ‪ :‬العلمة الثانية ‪-‬عند علمة أهل العبودية ‪-‬قوله ‪ :‬ولم ي ُن ْ َ‬
‫إلى اسم أي لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس ‪ ,‬من السماء التي‬
‫صارت أعلما لهل الطريق ‪ ,‬وأيضا فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم‬
‫اسمه فيعرفون به دون غيره من العمال ‪ ,‬فإن هذا آفة في العبودية ‪ ,‬وهي‬
‫عبودية مقيدة ‪ ,‬وأما العبودية المطلقة ‪ ,‬فل يعرف صاحبها باسم معين من‬
‫معاني أسمائها ‪ ,‬فإنه مجيب لداعيها على اختلف أنواعها ؛ فله مع كل أهل‬
‫عبودية نصيب يضرب معهم بسهم ‪ ,‬فل يتقيد برسم ول إشارة ول اسم ‪ ,‬ول‬
‫سئل عن شيخه ‪ ,‬قال ‪:‬‬ ‫بزي ‪ ,‬ول طريق وضعي اصطلحي ‪ ,‬بل إن ُ‬
‫الرسول ‪ ,‬وعن طريقه ‪ ,‬قال ‪ :‬التباع ‪ ,‬وعن خرقته قال ‪ :‬لباس التقوى ‪,‬‬
‫وعن مذهبه قال ‪ :‬تحكيم السنة ‪ ,‬وعن مقصوده ومطلبه ‪ ,‬قال ‪ :‬يريدون‬
‫وجهه ‪ ,‬وعن رباطه وعن خانكاه ‪ ,‬قال تعالى ‪} :‬في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫ن ت ُْرفَ َ‬
‫ع‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫جاَرةٌ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ْ‬
‫ل ل ت ُلِهيهِ ْ‬‫جا ٌ‬
‫ل )‪ (36‬رِ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َوال َ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫ه يُ َ‬‫م ُ‬ ‫س ُ‬‫وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬
‫ة{ ]سورة النور ‪, [37-36 :‬‬ ‫صلةِ وَِإيَتاِء الّز َ‬
‫كا ِ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَإ َِقام ِ ال ّ‬ ‫َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬
‫وعن نسبه قال ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واهُ‬ ‫س َ‬‫ب ِلي ِ‬ ‫م َل أ َ‬ ‫سَل ُ‬‫أِبي ال ِ ْ‬
‫َ‬ ‫إ َِذا افْت َ َ‬
‫ميم ِ‬ ‫س أوْ ‪ii‬ت َ ِ‬ ‫قي ْ ٍ‬ ‫خروا ب ِ َ‬
‫وعن مأكله ومشربه ؟! قال ‪ :‬ما لك ولها ! معها حذاؤها وسقاؤها ‪ ,‬ترد الماء‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وترعى الشجر حتى تلقى ربها ‪.‬‬


‫ت‬
‫م ْ‬ ‫صَر َ‬ ‫مَر َوان ْ َ‬ ‫ضي العُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫سَرَتاهُ ت َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫وا َ‬
‫ل‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫جزِ ‪َii‬والك َ‬ ‫ّ‬
‫ن ذل العَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه ب َي ْ َ‬
‫عات ُ ُ‬
‫سا َ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫و‬ ‫‪ii‬‬ ‫ة‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫قوم قَد أ ََ‬
‫خ‬ ‫َ‬ ‫وال‬
‫ّ َ ِ َ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫ساروا إلى المط ْل َب ال َ‬
‫َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫ثم قال ابن القيم رحمه الله ‪ :‬قوله أولئك ذخائر الله حيث كانوا ‪ ,‬ذخائر‬
‫خره لمهماته ‪ ,‬ول يبذله لكل أحد ‪ ,‬وكذلك ذخيرة‬ ‫ال ْ َ‬
‫مِلك ما يخبأ عنده ‪ ,‬وي َذ ْ ُ‬
‫الرجل ما يذخره لحوائجه ومهماته ‪ ,‬وهؤلء لما كانوا مستورين عن الناس‬
‫بأسبابهم ‪ ,‬غير مشار إليهم ول متميزين برسم دون الناس ‪ ,‬ول منتسبين إلى‬
‫اسم طريق أو مذهب أو شيخ أو زي ‪ ,‬كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة ‪ ,‬وهؤلء‬
‫أبعد الخلق عن الفات ‪ ,‬فإن الفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها ‪ ,‬ولزوم‬
‫الطرق الصطلحية ‪ ,‬والوضاع المتداولة الحادثة هذه هي التي قطعت أكثر‬
‫الخلق عن الله وهم ل يشعرون ‪ ,‬والعجب أن أهلها هم المعروفون بالطلب‬
‫والرادة ‪ ,‬والسير إلى الله ‪ ,‬وهم إل الواحد بعد الواحد المقطوعون عن الله‬
‫بتلك الرسوم والقيود ‪ ,‬وقد سئل بعض الئمة عن السنة ؟ فقال ‪ :‬مال اسم‬
‫له سوى "السنة" _يعني _ أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه‬
‫سواها ‪ ,‬فمن الناس من يتقيد بلباس ل يلبس غيره ‪ ,‬أو بالجلوس في مكان‬
‫ل يجلس في غيره ‪ ,‬أو مشية ل يمشي غيرها ‪ ,‬أو بزي وهيئة ل يخرج عنهما ‪,‬‬
‫أو عبادة معينة ل يتعبد بغيرها ‪ ,‬وإن كانت أعلى منها ‪ ,‬أو شيخ معين ل يلتفت‬
‫إلى غيره ‪ ,‬وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه ‪ ,‬فهؤلء كلهم محجوبون عن‬
‫الظفر بالمطلوب العلى ‪ ,‬مصدودون عنه قد قيدتهم العوائد والرسوم‬
‫والوضاع والصطلحات ‪ ,‬عن تجريد المتابعة ؛ فأضحوا عنها بمعزل ‪,‬‬
‫ومنزلتهم منها أبعد منزل ‪ ,‬فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة وتفريغ‬
‫القلب ‪ ,‬ويعد العلم قاطعا له عن الطريق ‪.‬‬
‫فإذا ذكر له الموالة في الله والمعاداة فيه ‪ ,‬والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ‪ ,‬عد ّ ذلك فضول وشرا ‪ ,‬وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك أخرجوه من‬
‫بينهم ؛ وعدوه غَْيرا عليهم ‪ ,‬فهؤلء أبعد الناس عن الله وإن كانوا أكثر إشارة‬
‫‪ -‬والله أعلم ‪.‬أهـ‬
‫ٌ‬
‫سعار الحزبية محرق ‪ ,‬وسمها قاتل ؛ كم مكر أخ بأخيه‬ ‫أخي الحبيب ‪ :‬إن ُ‬
‫عطل من أمر بمعروف أو نهي عن المنكر ؛‬ ‫ُ‬ ‫وكم‬ ‫‪,‬‬ ‫الفتن‬ ‫حتى أرداه في لجج‬
‫فما شتت القلوب ‪ ,‬وفرق بين الجموع ‪ ,‬إل الحزبية ‪ ,‬ولذا يجب لهل السنة‬
‫هويتهم ‪ ,‬ويبينوا منهجهم ‪ ,‬ويحذروا من الحزبية والعصبية ‪ ,‬لهذا‬ ‫أن يعلنوا عن ُ‬
‫مون بتمحيص رجال الحديث فنراهم‬ ‫نجد أن العلماء رحمهم الله ‪ ,‬كانوا يهت ّ‬
‫يمّيزون السني من المبتدع ‪ ،‬قال محمد بن سيرين رحمه الله) ‪ : (13‬لم‬
‫موا لنا رجالكم ‪،‬‬‫يكونوا يسألون عن السناد ‪ ،‬فلما وقعت الفتنة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬س ّ‬
‫فُينظر إلى أهل السنة فُيؤخذ حديثهم ‪ ،‬وُينظر إلى أهل البدع فل ُيؤخذ‬
‫حديثهم ‪.‬‬
‫وكان حال السلف في وضع العلم ‪ ,‬ل يضعونه إل عند من يحسن استعماله ‪.‬‬
‫عن أبي داود الطيالسي قال ‪ :‬جهد وكيع أن يسمع من زائدة بن قدامة)‪( 14‬‬
‫حديثا واحدا ؛ فلم يسمع حتى خرج من الدنيا ‪ ،‬فقيل لبي داود ‪ :‬وكيف‬
‫سمعت أنت ؟ قال ‪ :‬كان يستشهد رجلين عدلين على أن هذا صاحب‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دثه ‪ ،‬قال أبو داود ‪:‬‬ ‫جماعة ؛ وليس بصاحب بدعة ‪ ،‬فإذا شهد عدلن ؛ ح ّ‬
‫وكنت بمنى ‪ ,‬وحضر سفيان الثوري ‪ ،‬فكان ُيكرمني ويقول ‪ :‬ذاكرني بحديث‬
‫أبى بسطام)‪ ( 15‬فقلت لسفيان ‪ُ :‬أحب أن تكّلم زائدة في أمري حتى‬
‫دث صاحبي هذا ؛ فإنه‬ ‫ح ّ‬ ‫صلت ! َ‬ ‫يحدثني ‪ ،‬فجاء إلى زائدة فقال ‪ :‬يا أبا ال ّ‬
‫صاحب سنة وجماعة ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم يا أبا عبد الله ‪ (16 ).‬وبعد هذه النقول ؛‬
‫مته ‪ ,‬وهي ‪ :‬حفظ بيضة السلم من الدخلِء ؛ أن‬ ‫فإنه لحريّ بمن كانت هذه ه ّ‬
‫ل المناهج المخترعة ‪ ,‬المضاهية لمنهج الرسول صلى‬ ‫ن لك ّ‬ ‫ج مباي ٌ‬ ‫يكون له منه ٌ‬
‫الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم في العقيدة والتباع ‪.‬‬
‫وحريٌ أيضا ً أن يكون أصحابها هم المعنّيون بالفرقة الناجية ‪ ,‬والطائفة‬
‫سرها غير واحدٍ من الئمة‬ ‫المنصورة كما جاء في بعض الحاديث ‪ ،‬وكما ف ّ‬
‫المعتبرين ‪.‬‬
‫ّ‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫شعَرِيّ ‪َ ,‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ك ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫مال ِ ٍ‬‫كما جاء في الحديث عن أَبي َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫شب ْرٍ ؛ فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ‪ :‬فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫سلم ِ‬ ‫ة ال ِ ْ‬ ‫ق َ‬‫خلعَ رِب ْ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ماعَةِ ِقيد َ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ْ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ج ٌ‬‫ل َر ُ‬ ‫م ‪َ ,‬قا َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫جَثاُء َ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ فَهُوَ ُ‬ ‫وى ال ْ َ‬ ‫عا د َعْ َ‬ ‫ن دَ َ‬
‫م ْ‬ ‫سهِ ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ن َرأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬
‫سم ِ الل ِ‬ ‫وا ِبا ْ‬ ‫م ْ‬‫س ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫َ‬
‫صلى ‪ ,‬وَلك ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫صلى ؟ قال ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫اللهِ ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬
‫ن‪(17 ) .‬‬ ‫مِني َ‬
‫مؤ ِ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عَباد َ اللهِ ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ماك ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ل ‪ :‬غََزوَْنا‬ ‫ه ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫جاِبر َر ِ‬ ‫كذلك ما جاء في الحديث المعروف ‪ ,‬عن َ‬
‫حّتى‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َنا ٌ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫م وَقَد ْ َثا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫معَ الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫؛‬ ‫يا‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ب‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫ُ َ ِ ِ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ث‬
‫جرِيّ ‪َ :‬يا‬ ‫ْ‬ ‫صارِ ‪ ,‬وََقا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وا ‪ ,‬وََقا َ‬ ‫ضًبا َ‬ ‫غَ َ‬
‫مَها ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫صارِيّ ‪َ :‬يا للن ْ َ‬ ‫ل ال ن ْ َ‬ ‫داعَ ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫دا َ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل‬
‫وى أهْ ِ‬ ‫ل د َعْ َ‬ ‫ما َبا ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫م ‪ ,‬فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي ْ َ‬ ‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ل َل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫صارِيّ ‪َ ,‬قا َ‬ ‫جرِيّ اْلن ْ َ‬ ‫مَها ِ‬ ‫سعَةِ ال ْ ُ‬ ‫خب َِر ب ِك َ ْ‬ ‫م ‪ ,‬فَأ ْ‬ ‫شأن ُهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة ‪( 18).‬‬ ‫خِبيث َ ٌ‬ ‫ها فَإ ِن َّها َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ‪ :‬دَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫مع أنهما اسمان شرعيان ‪ ,‬المهاجري والنصاري ‪ ,‬لكن لما كان هناك موالة‬
‫ومعاداة عليهما ‪ ,‬ونصرة في هذين السمين ‪ ،‬وخرجت النصرة عن اسم‬
‫السلم بعامة ؛ صارت دعوى الجاهلية ‪ ،‬ولهذا ينبغي على أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ,‬وحملة المنهج السلفي ؛ التنبيه على هذا المر الخطير بالطريقة‬
‫المثلى ‪ ,‬حتى يكون هناك اهتداء إلى طريق أهل السنة والجماعة ‪ ,‬وإلى‬
‫منهج السلف الصالح ‪.‬‬
‫كما يجب النضباط بضوابط الشرع في مسائل الخلف ‪ ,‬والرجوع إلى فهم‬
‫السلف فيها ‪ ,‬ل كما نرى من البعض ‪ ,‬بإعلن الحرب والهجر وغيره ‪ ,‬دون‬
‫سابق بيان أو حجة أو برهان ‪ ,‬كما يجب نبذ التقليد ‪ ,‬وأن ل تعود الدعوة إلى‬
‫حقبة التعصب المذهبي ‪ ,‬الذي ضرب بجرانه في كل أطراف أمة السلم ‪,‬‬
‫حتى بين العلماء والمتبوعين ‪.‬‬
‫وهذا كما قيل في بعض أتباع المام مالك ‪ ,‬ومن ضربت إليه أكباد البل ‪.‬‬
‫ما‬‫ن ‪ii‬ك ُل ّ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن قَوْم ٍ ي َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫عُذ َي ْ ِ‬
‫مال ِكُ‬ ‫ل ‪َ ii‬‬ ‫ذا َقا َ‬ ‫َ‬
‫ت د َِليل هَك َ‬ ‫ً‬ ‫ط َل َب ْ ُ‬
‫َ‬ ‫كذا َقا َ‬ ‫ت َقاُلوا هَ َ‬
‫ب‬ ‫شعَ ُ‬ ‫ل ‪ii‬أ ْ‬ ‫ن عُد ْ ُ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫سال ِكُ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫فى عَلي ْهِ ال َ‬‫َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ل تَ ْ‬ ‫َ‬
‫وَقَد ْ كا َ‬
‫هَ‬
‫مث ْل ُ‬ ‫ن ‪ِ ii‬‬ ‫حُنو ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ت َقالوا َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫ن عُد ْ ُ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ه فَهُوَ ‪ii‬آفِكُ‬ ‫مث ْل َُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫نل ْ‬‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جوا ‪ii‬وأ َعْوَُلوا‬ ‫ض ّ‬‫ل الله َ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ن قُل ْ ُ‬ ‫فَإ ِ ْ‬


‫َ‬
‫ح ُ‬
‫ك‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬‫ن ُ‬‫ت قَْر ٌ‬ ‫حوا وََقاُلوا أن ْ َ‬ ‫صا ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬
‫قوْلُهم‬ ‫َ‬
‫سول ‪ii‬ف َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت قد ْ قال الّر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن قل ُ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫سال ِكُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ك ذل ِك ‪ii‬ال َ‬ ‫مال ِك ِفي ت َْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫أت َ ْ‬
‫]من كتاب "المنهج وأثره في حياة أهل السنة والجماعة" لفضيلة الشيخ‬
‫‪/‬صلح عبد الموجود[‬
‫________________________________________‬
‫) ‪ (1‬رواه الللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السّنة والجماعه )‬
‫‪(1/122‬رقم)‪(160‬‬
‫) ‪ (2‬ذكره الشاطبي في العتصام )‪ ، (1/83‬والنووي في المجموع )‪(8/275‬‬
‫‪.‬‬
‫) ‪ (3‬رواه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص ‪ 26‬والجّري في‬
‫الشريعه ص ‪.58‬‬
‫) ‪ (4‬كتاب "الحوادث والبدع )‪"(26‬‬
‫)‪ ( 5‬أي رؤساء الشر‬
‫)‪ ( 6‬صحيح ‪ :‬وهو جزء من حديث سيأتي رواه أحمد في المسند )‪(5/344‬‬
‫ابن منده "اليمان" )‪ (1/375‬صححه اللباني "صحيح الجامع" )‪(1724‬‬
‫)‪ ( 7‬البانة الصغرى لبن بطة ص ‪. 137‬‬
‫) ‪ (8‬النتقاء لبن عبدالبّر ص ‪.72‬‬
‫)‪ ( 9‬البانة الصغرى لبن بطة ص ‪ ، 137‬والكبرى )‪. (1/342،345‬‬
‫) ‪ (10‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫)‪ ( 11‬مجموع الفتاوى )‪. (3/415‬‬
‫) ‪ (12‬حلية طالب العلم )‪(61‬‬
‫) ‪ (13‬صحيح مسلم )‪ 1/44‬نووي ( ‪ ،‬والدارمي في سننه )‪. (1/112‬‬
‫)‪ ( 14‬قال الحافظ في التقريب)‪ : (1982‬زائدة بن قدامة ‪ :‬ثقة ‪ ,‬صاحب‬
‫سّنة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫) ‪ (15‬شعبة ابن الحجاج‬
‫) ‪ (16‬الخطيب "الجامع لخلق الراوي" )‪(1/133‬‬
‫) ‪(17‬صحيح ‪ :‬رواه أخمد )‪ (5/344‬تقدم ‪.‬‬
‫) ‪ (18‬البخاري )‪(3518‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التحف في مذاهب السلف‬


‫محمد بن علي الشوكاني‬
‫قال المام المجتهد العلمة الرباني رئيس قضاة اليمن في وقته محمد بن‬
‫علي بن محمد الشوكاني اليمني الصنعاني المتوفى سنة ‪1255‬هـ‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على خير النام وآله الكرام ورضي‬
‫الله عن صحبه العلم‪ .‬وبعد‪ ،‬فإنه وصل سؤال من بعض العلم الساكنين‬
‫ببلد الله الحرام‪ ،‬وهذا لفظه‪:‬‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫ما يقول فقهاء الدين وعلماء المحدثين وجماعة الموحدين في آيات الصفات‬
‫وأخبارها اللتي نطق بها الكتاب العظيم‪ ،‬وأفصحت عنها سنة الهادي إلى‬
‫صراط مستقيم‪ ،‬هل إقرارها وإمرارها وإجراؤها على الظاهر بغير تكييف ول‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تمثيل ول تأويل ول تعطيل عقيدة الموحدين وتصديق بالكتاب المبين واتباع‬


‫للسلف الصالحين؟ أو هذا مذهب المجسمين؟ وما حكم من أول الصفات‬
‫ونفى ما وصف الله به نفسه ووصفه به نبيه وتأيد بالنصوص واتفق عليه‬
‫الخصوص من أن الله سبحانه في سمائه مستوي على عرشه بائن من خلقه‬
‫وعلمه في كل مكان؟ والدليل آيات الستواء والصعود والرفع وقوله تعالى‬
‫)ءأمنتم من في السماء( ومن السنة حديث الجارية والنزول وعمران ابن‬
‫حصين وقوله صلى الله عليه وسلم )أل تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟(‬
‫ل اليات وجعل‬ ‫وغير ذلك من اليات المتوترة والحاديث المتكاثرة‪ ،‬وأو َ‬
‫الستواء استيلًء وأول النزول بالرحمة‪ ،‬وهكذا جعل التآويل عليه مطردة في‬
‫سائر نصوص الصفات وعاش في ظلم العقل في الجهل والشبهات‪ ،‬وإذا‬
‫قيل له أين الله؟ أجاب بأنه ل يقال أين الله؟ الله لم يكن له مكان‪ ،‬كما هو‬
‫جواب فريقي المضلين‪ ،‬فهل هذا جواب الجهميين والمريسيين وأضلء‬
‫المتكلمين‪ ،‬أم اختيار علماء السنيين؟ أفيدونا بجواب رجاء الثواب‪ ،‬يوم تأتي‬
‫كل نفس تجادل عن نفسها( فإن هذا المقام طال فيه النزاع وحارت فيه‬
‫الفهام وزلت القدام وكل يدعي الصواب بزخرف الجواب‪ ،‬فأبينوا المدعى‬
‫بالدليل وبينوا طريق الحق بالتفصيل والتطويل‪ ،‬ضاعف الله لكم الجر‬
‫ووقاكم الشرور‪ .‬والسلم عليكم ورحمة الله‪(.‬‬
‫وأقول اعلم أن الكلم في اليات والحاديث الواردة في الصفات قد طالت‬
‫ذيوله‪ ،‬وتشعبت أطرافه وتناسبت فيه المذاهب وتفاوتت فيه الطرائق‬
‫وتخالفت فيه النحل وسبب هذا عدم وقوف المنتسبين إلى العلم حيث‬
‫أوقفهم الله ودخولهم في أبواب لم يأذن الله لهم بدخولها ومحاولتهم لعلم‬
‫شيء استأثر الله بعلمه حتى تفرقوا فرقا وتشعبوا شعبا‪ ،‬وصاروا أحزابا‬
‫وكانوا في البداية ومحاولة الوصول إلى ما يتصورونه من العامة مختلفي‬
‫المقاصد متبايني المطالب‪ ،‬فطائفة وهي أخف هذه الطوائف‪ ،‬المتكلفة علم‬
‫ما لم يكلفها الله سبحانه بعلمه إثما وأقلها عقوبة وجرما وهي التي أرادت‬
‫الوصول إلى الحق والوقوف على الصواب‪ ،‬لكن سلكت في طريقة متوعرة‬
‫وصعدت في الكشف عنه إلى عقبة كؤود ل يرجع من سلكها سالما فضل عن‬
‫أن يظفر فيها بمطلوب صحيح ومع هذا أصلوا أصول ظنوها حقا فدفعوا بها‬
‫آيات قرآنية وأحاديث صحيحة نبوية‪ ،‬واعتلوا في ذلك الدفع بشبه واهية‬
‫وخيالت مختلفة وهؤلء طائفتان‪ :‬الطائفة الولى وهي الطائفة التي غلت في‬
‫التنزيه فوصلت إلى حد يقشعر عنده الجلد ويضطرب له القلب من تعطيل‬
‫الصفات الثابتة بالكتاب والسنة ثبوتا أوضح من شمس النهار وأظهر من فلق‬
‫الصباح وظنوا هذا من صنيعهم موافقا للحق مطابقا لما يريده الله سبحانه‬
‫فظلوا الطريق المستقيم وأضلوا من رام سلوكها‪ ،‬والطائفة الخرى هي غلت‬
‫في إثبات القدرة غلوا بلغ إلى حد أنه ل تأثير لغيرها ول اعتبار بما سواها‪،‬‬
‫وأفضى ذلك إلى الجبر المحض والقسر الخالص‪ ،‬فلم يبق لبعث الرسل‬
‫وإنزال الكتب كثير فائدة ول يعود ذلك على عباده بعائد‪ ،‬وجاءوا بتأويلت‬
‫اليات البينات ومحاولت لحجج الله الواضحات فكانوا كالطائفة الولى في‬
‫الضلل والضلل‪ ،‬مع أن كل المقصدين صحيح‪ ،‬ووجه كل منهما صبيح لول ما‬
‫شانه من الغلو القبيح‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وطائفة توسطت ورامت الجمع بين الضب والنون وظنت أنها وقفت بمكان‬
‫بين الفراط والتفريط‪ ،‬ثم أخذت كل طائفة من هذه الطوائف الثلث تجادل‬
‫وتناضل وتحقق وتدقق في زعمها وتجول على الخرى وتصول بما ظفرت‬
‫مما يوافق ما ذهبت إليه )وكل حزب بما لديهم فرحون( وعند الله تلتقي‬
‫الخصوم‪ .‬ومع هذه فهم متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم‬
‫ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم‪ ،‬فكان غاية ما ظفروا به من هذه‬
‫العلمية بطريق الخلف أن تمنى محققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين‬
‫العجائز وقالوا هنيئا للعامة‪ ،‬فتدبر هذه العلمية التي حاصلها أن يهني من‬
‫ظفر بها للجاهل الجهل البسيط ويتمنى أنه في عدادهم وممن يدين بدينهم‬
‫ويمشي على طريقهم‪ ،‬فإن هذا ينادي بأعلى صوت ويدل بأوضح دللة على‬
‫أن هذه العلمبة التي طلبوها الجهل خير منها بكثير‪ ،‬فما ظنك بعلم يقر‬
‫صاحبه على نفسه أن الجهل خير منه وينتهي عند البلوغ إلى غايته والوصول‬
‫إلى نهايته أن يكون جاهل به عاطل عنه‪ .‬ففي هذا عبرة للمعتبيرين وآية بينة‬
‫للناظرين‪ ،‬فهل عملوا على جهل هذه المعارف التي دخلوا فيها بادئ بدئ‬
‫وسلموا من تبعاتها وأراحوا أنفسهم من تعبها وقالوا كما قال القائل‪:‬‬
‫أرى المر يفضي إلى آخر يصّير آخره أول‬
‫وربحوا الخلوص من هذا التمني والسلمة من هذه التهنئة للعامة‪ ،‬فإن العاقل‬
‫ل يتمنى رتبة أرفع من رتبة مثل رتبته أو دونها ول يهنى لمن هو دونه أو مثله‪،‬‬
‫ول يكون ذلك إل لمن رتبته أرفع من رتبته ومكانه أعلى من مكانه‪.‬‬
‫فيا لله العجب! من علم يكون الجهل البسيط أعلى رتبة منه وأفضل مقدارا‬
‫بالنسبة إليه‪ ،‬وهل سمع السامعون مثل هذه الغريبة أو نقل الناقلون ما‬
‫يماثلها أو يشابهها؟! وإذا كان حال هذه الطائفة التي قد عرفناك أخف هذه‬
‫الطوائف تكلفا وأقلها تبعة‪ ،‬فما ظنك بما عداها من الطوائف التي قد ظهر‬
‫فساد مقاصدها وتبين بطلن مواردها ومصادرها؟ كالطوائف التي أرادت‬
‫بالمظاهر التي تظاهرت به كيد السلم وأهله والسعي في التشكيك فيه‬
‫بإيراد الشبه وتقرير المور المفضية إلى القدح في الدين وتنفير أهله عنه‪.‬‬
‫وعند هذا تعلم أن‪:‬‬
‫خير المور السالفات على الهدى وشر المور المحدثات البدائع‬
‫وأن الحق الذي ل شك فيه ول شبهة هو ما كان عليه خير القرون ثم الذين‬
‫يلونهم ثم الذين يلونهم‪ .‬وقد كانوا ـ رحمهم الله وأرشدنا إلى القتداء بهم‬
‫والهتداء بهديهم ـ يمرون أدلة الصفات على ظاهرها ول يتكلفون ما ل‬
‫يعلمون ول يتأولون‪.‬‬
‫وهذا المعلوم من أقوالهم وأفعالهم المتقرر من مذاهبهم‪ ،‬ل يشك فيه شاك‬
‫ول ينكره منكر ول يجادل فيه مجادل‪ ،‬وإن نزغ بينهم نازغ أو نجم في‬
‫عصرهم ناجم أوضحوا للناس أمره وبينوا لهم أنه على ضللة وصرحوا بذلك‬
‫في المجامع والمحافل‪ ،‬وحذروا الناس من بدعته‪ ،‬كما كان منهم لما ظهر‬
‫معبد الجهني وأصحابه وقالوا إن المر أنف‪ ،‬وبينوا ضللته وبطلن مقالته‬
‫للناس فحذرون إل من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة‪.‬‬
‫وهكذا كان من بعدهم يوضح للناس بطلن أقوال أهل الضلل ويحذر منها‪،‬‬
‫كما فعله التابعون رحمهم الله بالجعد بن درهم ومن قال بقوله وانتحل نحلته‬
‫الباطلة‪.‬‬
‫ثم مازالوا هكذا ل يستطيع المبتدع في الصفات أن يتظاهر ببدعته بل‬
‫يكتمونها كما تتكتم الزنادقة بكفرهم‪ ،‬وهكذا سائر الميتدعين في الدين على‬
‫اختلف البدع وتفاوت المقالت الباطلة‪ ،‬ولكننا نقتصر ههنا على الكلم في‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه المسألة التي ورد السؤال عنها وهي مسالة الصفات وما كان من‬
‫المتكلمين فيها بغير الحق المتكلفين علم ما لم يأذن الله بأن يعلموه‪ ،‬وبيان‬
‫أن إمرار أدلة الصفات على ظاهرها هو مذهب السلف الصالح من الصحابة‬
‫والتابعين وتابعيهم‪ ،‬وأن كل من أراد من نزاع المتكلفين وشذاذ المحدثين‬
‫والمتأولين أن يظهر ما يخالف المرور على ذلك الظاهر قاموا عليه وحذروا‬
‫الناس منه وبينوا لهم أنه على خلف ما عليه أهل السلم‪.‬‬
‫وسائر المبتدعين في الصفات القائلون بأقوال تخالف ما عليه السواد العظم‬
‫من الصحابة والتالبعين وتابعيهم في خبايا وزوايا ل يتصل بهم إل مغرور ول‬
‫ينخدع بزخارف أقوالهم إل مخدوع‪ .‬وهم مع ذلك على تخوف من أهل السلم‬
‫وترقب لنزول مكروه بهم من حماة الدين من العلماء الهادين والرؤساء‬
‫والسلطين‪ ،‬حتى نجم ناجم المحنة وبرق بارق الشر من جهة العباسية ومن‬
‫لهم في المر والنهي والصدار واليراد أعظم صولة‪ ،‬وذلك في الدولة‬
‫العباسية بسبب قاضيها أحمد بن دؤاد‪ ،‬فعند ذلك أطلع المنكسون في تلك‬
‫الزوايا رؤوسهم وانطلق ما كان قد خرس من ألسنتهم‪ ،‬وأعلنوا بمذاهبهم‬
‫الزائفة وبدعهم المضلة ودعوا الناس إليها وجادلوا عنها وناضلوا المخالفين‬
‫لها‪ ،‬حتى اختلط المعروف بالمنكر واشتبه على العامة الحق والباطل والسنة‬
‫والبدعة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولما كان الله قد تكفل بإظهار دينه على الدين كله وبحفظه عن التحريف‬
‫والتغيير والتبديل‪ ،‬أوجد من علماء الكتاب والسنة في كل عصر من العصور‬
‫من يبين للناس دينهم وينكر على أهل البدع بدعهم‪ .‬فكان لهم ولله الحمد‬
‫المقامات المحمودة والمواقف المشهودة في نصر الدين وهتك )أستار(‬
‫المبتدعين‪.‬‬
‫وبهذا الكلم القليل الذي ذكرنا تعرف أن مذهب السلف من الصحابة رضي‬
‫الله عنهم والتابعين وتابعيهم هم إيراد أدلة الصفات على ظاهرها من دون‬
‫تحريف لها ول تأويل متعسف لشيء منها‪ ،‬ول جبر ول تشبيه ول تعطيل‬
‫يفضي إليه كثير من التأويل‪ .‬وكانزا إذا سال سائل عن شيء من الصفات‬
‫تلوا عليه الدليل وأمسكوا عن القال والقيل‪ ،‬وقالوا‪ :‬قال الله هكذا‪ ،‬ول ندري‬
‫بما سوى ذلك‪ ،‬ول نتكلف ول نتكلم بما ل نعلمه ول أذن الله لنا بمجاوزته‪.‬‬
‫ف‘ن أراد السائل أن يظفر منهم بزيادة على الظاهر زجروه عن الخوض‬
‫فيما ل يعنيه ونهوه عن طلب ما ليمكن الزصول إليه إل بالوقوع في بدعة‬
‫من البدع التي هي غير ما هم عليه وما حفظوه عن رسول الله صلى الله‬
‫هليه وسلم وحفظه التابعون عن الصحابة وحفظه من بعد التابعين عن‬
‫التابعين وكان في هذه القرون الفاضلة الكلمة في الصفات متحدة والطريقة‬
‫لهم جميعا متفقة وكان اشتغالهم بما أمرهم الله بالشتغال به وكلفهم القيام‬
‫بفرائضه من اليمان بالله وإقام الصلةوإيتاء الزكاة والصيام والحج والجهاد‬
‫وإنفاق الموال في أنواع البر وطلب العلم النافع وإرشاد الناس إلى الخير‬
‫على اختلف أنواعه والمحافظة على موجبات الفوز بالجنةوالنجاة من النار‬
‫والقيام بالمر بالمعروف والني عن المنكر والخذ على يد الظالم بحسب‬
‫الستطاعة وبما تبلغ إليه القدرة‪ ،‬ولم يشتغلوا بغير ذلك مما لم يكلفهم الله‬
‫بعلمه ول تعبدهم بالوقوف على حقيقته فكان الدين إذ ذاك صافيا عن كدر‬
‫البدع خالصا عن شوب قذر التمذهب‪ ،‬فعلى هذا النمط كان الصحابة رضي‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عنهم والتابعون وتابعوهم‪ ،‬وبهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫اهتدوا وبأفعاله وأقواله اقتدوا‪ .‬فمن فال إنهم تلبسوا بشيء من هذه‬
‫المذاهب الناشئة في الصفات أو في غيرها فقد أعظم عليهم الفرية وليس‬
‫بمقبول في ذلك‪ ،‬فإن أقوال الئمة المطلعين على أحوالهم العارفين بها‬
‫الخذين لها عن الثقاة الثبات يرد عليه ويدفع في وجهه‪ ،‬يعلم ذلك كل من له‬
‫علم ويعرفه كل عارف‪ .‬فاشدد يدك على هذا‪.‬‬
‫واعلم أنه مذهب خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين‬
‫يلونهم‪ .‬ودع عنك ما حدث من تلك التمذهبات في الصفات‪ ،‬وأرح نفسك من‬
‫تلك العبارات التي جاء بها المتكلمون واصطلحوا عليها وجعلوها أصل يرد‬
‫كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن وافقها فقد وافق الصول‬
‫المتقررة في زعمهم‪ ،‬وإن خالفها فقد خالف الصول المتقررة في زعمهم‬
‫ويجعلون الموافق لها من قسم المقبول والمحكم والمخالف لها من قسم‬
‫المردود والمتشابه‪ ،‬ولو جئت بألف آية واضحة الدللة ظاهرة المعنى أو ألف‬
‫حديث مما ثبت في الصحيح لم يبالوا به ول رفعوا إليه رؤوسهم ول عدوه‬
‫شيئا‪ ،‬ومن كان منكرا لهذا فعليه بكتب هذه الطوائف المصنفة في علم‬
‫الكلم‪ ،‬فأنه سيقف على الحقيقة وسيلم هذه الجملة ول يتردد فيها‪.‬‬
‫ومن العجب العجيب والنبأ الغريب أن تلك العبارات الصادرة عن جماعة من‬
‫أهل الكلم التي جعلها من بعدهم أصول ل مستند لها إل مجرد الدعوى على‬
‫العقل والفرية على الفطرة وكل فيد من أفرادها قد تنازعت فيه عقولهم‬
‫وتخالفت عنده إدراكاتهم‪ ،‬فهذا يقول حكم العقل في هذا الكلم كذا‪ ،‬وهذا‬
‫يقول حكم العقل في هذا كذا‪ ،‬ثم يأتي بعدهم من يجعل ذلك الذي يعقله من‬
‫يقلده ويقتدي به اصل يرجع إليه ومعيارا لكلم الله تعالى وكلم رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬يقبل منهما ما وافقه ويرد ما خالفه‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فيالله وللمسلمين‪ ،‬ويالعلماء الدين من هذه الفواقر الموحشة التي لم يصب‬


‫السلم وأهله بمثلها‪ .‬وأغرب من هذا وأعجب وأشنع وأفضع أنهم بعد أن‬
‫جعلوا هذه التعقلت التي تعقلوها على اختلفهم فيها وتناقضهم في‬
‫معقولتهما أصول ترد غليها أدلة الكتاب والسنة جعلوها معيارا لصفات الرب‬
‫تعالى‪ ،‬فما تعقله هذا من صفات الله قال به جزما‪ ،‬وما تعقله خصمه منها‬
‫قطع به‪ ،‬فأثبتوا لله تعالى الشيء ونقيضه استدلل بما حكمت به عقولهم‬
‫الفاسدة وتناقضت في شانهن ولم يلتفتوا إلى ما وصف الله به نفسه أو‬
‫وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم‪ .‬بل إن وجدوا ذلك موافقا لما تعقلوه‬
‫جعلوه مؤيدا له ومقويا‪ ،‬وقالوا قد ورد دليل السمع مطابقا لدليل العقل‪ ،‬وإن‬
‫وجدوه مخالفا لما تعقلوه جعلوه واردا على خلف الصل ومتشابها وغير‬
‫معقول المعنى ول ظاهر الدللة‪ ،‬ثم قابلهم المخالف لهم بنقيض قولهم‬
‫فافترى على عقله بأنه قد تعقل خلف ما تعقله خصمه وجعل ذلك أصل يرد‬
‫إليه أدلة الكتاب والسنة‪ ،‬وجعل المتشابه عند أولئك محكما عنده والمخالف‬
‫لدليل عندهم موافقا له عنده‪ ،‬فكان حاصل هؤلء أنهم يعلمون من صفات‬
‫الله مال يعلمه‪ ،‬وكفاك هذا وليس بعده شيء‪ ،‬وعنده يتعثر القلم حياء من‬
‫الله سبحانه وتعالى وربما استبعد هذا مستبعد واستنكره مستنكر وقال إن‬
‫في كلمي هذا مبالغة وتهويل وتشنيعا وتطويل وإن المر أيسر من أن يكون‬
‫حاصله هذا الحاصل وثمرته مثل هذه الثمرة التي أشرت إليها‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأقول خذ جملة البلوى ودع تفصيلها واسمع ما يصك سمعك‪ ،‬ولول هذا‬
‫اللحاح منك ما سمعته ول جرى القلم بمثله‪ .‬هذا أبو علي وهو رأس من‬
‫رؤوسهم وركن من أركانهم واسطوانة من اسطواناتهم‪ ،‬قد حكى عنه الكبار ـ‬
‫وأخر من حكى عنه ذلك صاحب شرح القلئد )والله ل يعلم من نفسه إل ما‬
‫يعلم هو( فخذ هذا التصريح حيث لم تكتف بذلك التلويح وانظر هذه الجرأة‬
‫على الله سبحانه وتعالى التي ليس بعدها جرأة‪ .‬فيا لم أبي علي الويل!‬
‫أنهيق مثل هذه النهيق؟ ويدخل نفسه في هذا المضيق‪ ،‬وهل سمع السامعون‬
‫بيمين افجر من هذه اليمين الملعونة أو نقل الناقلون كلمة تقارب معنى هذه‬
‫الكلمة المفتونة أو بلغ مفتخر إلى ما بلغ هذا المختال الفخور؟ أَوصل من‬
‫يفجر في أيمانه إلى ما يقارب هذا الفجور؟ وكل عاقل يعلم أن أحدنا لو‬
‫حلف أن ابنه أو أباه ل يعلم من نفسه إل ما يعلمه هو لكان كاذبا في يمينه‬
‫فاجرا فيها‪ ،‬لن كل فرد من الناس ينطوي على صفات وغرائز ل يحب أن‬
‫يطلع عليها غيره ويكره على أن يقف على شيء منها سواه‪ .‬ومن ذا الذي‬
‫يدري ما يجول في خاطر غيره ويستكن في ضميره؟‬
‫ومن ادعى علم ذلك وأنه يعلم من غيره من بني آدم ما يعلمه ذلك الغير من‬
‫نفسه ول يعلم ذلك الغير من نفسه إل ما يعلمه هذا المدعي فهو إما مصاب‬
‫العقل يهذي بما ل يدري ويتكلم بما ل يفهم‪ ،‬أو كاذب شديد الكذب عظيم‬
‫الفتراء‪ .‬فإن هذا أمر ل يعلمه غير الله سبحان فهو الذي يحول بين المرء‬
‫وقلبه و)يعلم( ما توسوس به نفسه وما يسر عباده وما يعلنون‪ ،‬وما يظهرون‬
‫وما يكتمون‪ ،‬كما أخبرنا بذلك في كتابه العزيز في غير موضع‪ .‬فقد خاب‬
‫وخسر من أثبت لنفسه من العلم مال يعلمه إل الله من عباده‪ .‬فما ظنك بمن‬
‫تجاوز هذا وتعداه وأقسم بالله سبحانه وأن اله ل يعلم من نفسه إل ما يعلمه‬
‫هو؟ ول يصح لنا أن نحمله على اختلل العقل‪ ،‬فلو كان مجنونا لم يكن رأسا‬
‫يقتدي بقوله جماعات من أهل عصره ومن جاء بعده وينقلون كلمه في‬
‫الدفاتر ويحكون عنه في مقامات الختلف‪ .‬ولعل أتباع هذا ومن يقتدي‬
‫بمذهبه لو قال لهم قائل وأرد عليهم مورد قول الله عز وجل ) ول يحيطون‬
‫له علما( وقوله )ول يحيطون بشيء من علمه إل بما شاء( وقال لهم هذا يرد‬
‫ما قال صاحبكم ويدل على أن يمينه هذه فاجرة مفتراة‪ .‬لقالوا هذه ونحوه‬
‫مما يدل دللة ويفيد مفاده من المتشابه الوارد على خلف دليل العقل‪،‬‬
‫المدفوع بالصول المقررة‪ .‬وبالجملة فإطالة ذيول الكلم في مثل هذا المقام‬
‫إضاعة للوقات واشتغال بحكاية الخرافات المبكيات ل المضحكات‪.‬‬
‫وليس مقصودنا ههنا إل إرشاد السائل إلى أن المذهب الحق في الصفات هو‬
‫إمرارها على ظاهرها من غير تأويل ول تحريف ول تكلف ول تعسف ول جبر‬
‫ول تشبيه ول تعطيل‪ ،‬وإن ذلك هو مذهب السلف الصالح من الصحابة‬
‫والتابعين وتابعيهم‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬وماذا تريد بالتعطيل في مثل هذه العبارات التي تكررها؟ فإن أهل‬
‫المذاهب السلمية يتنزهون عن ذلك ويتحاشون عنه‪ ،‬ول نصدق معناه ول‬
‫يوجد مدلوله إل في طائفة من طوائف الكفار‪ ،‬وهم المنكرون للصانع‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ت‪ :‬يا هذا! إن كنت ممن له إلمام بعلم الكلم الذي اصطلح عليه طوائف‬‫قل ُ‬
‫من أهل السلم‪ ،‬فإنه ل محالة قد رأيت ما يقوله كثير منهم ويذكرونه في‬
‫مؤلفاتهم ويحكونه عن أكابرهم إن الله سبحانه وتعالى وتنزه وتقدس "ل هو‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جسم ول جوهر ول عرض ول داخل العالم ول خارجه" فأنشدك الله‪ ،‬أي‬


‫عبارة تبلغ مبلغ هذه العبارة في النفي؟ وأي مبالغة في الدللة على هذا‬
‫النفي تقوم مقام هذه المبالغة؟ فكان هؤلء القوم في فرارهم من شبه‬
‫التشبيه إلى هذا التعطيل كما قال القائل‪:‬‬
‫فكنت كالساعي إلى مثعب موائل في سبل الراعد‬
‫أو كالمستجير من الرمضاء بالنار‪ ،‬والهارب من لسعة الزنبور إلى لدغة الحية‪،‬‬
‫ومن قرصة النملة إلى قضمة السد!‬
‫وقد يغني هؤلء وأمثالهم من المتكلمين المتكلفين كلمتان من كتاب الله‬
‫تعالى وصف بهما نفسه وأنزلهما على رسوله وهما )ول يحيطون به علما( و‬
‫)ليس كمثله شيء وهو السميع البصير( فإن هاتين الكلمتين قد اشتملتا على‬
‫فصل الخطاب وتضمنتا بما يعين أولي اللباب السالكين في تلك الشعاب‪،‬‬
‫فالكلمة منها دلت دللة بينة على أن كل ما تكلم به البشر في ذات الله‬
‫وصفاته على وجه التدقيق ودعاوي التحقيق فهو مشوب بشعبة من شعب‬
‫الجهل مخلوط بخلوط هي منافية للعلم ومباينة له‪ .‬فإن الله سبحانه قد‬
‫أخبرنا أنهم ل يحيطون به علما‪ ،‬فمن زعم أن ذاته كذا أو صفته كذا فل شك‬
‫أن صحة ذلك متوقفة على الحاطة‪ ،‬وقد نفيت عن كل فرد من الفراد علما‪،‬‬
‫فكل قول من أقول المتكلمين صادر عن جهل‪ ،‬إما من كل وجه أو من بعض‬
‫الوجوه‪ ،‬وما صدر عن جهل فهو مضاف إلى جهل‪ ،‬ول سيما إذا كان في ذات‬
‫الله وصفاته‪ ،‬فإن ذلك من المخاطرة في الدين ما لم يكن في غيره من‬
‫المسائل‪ .‬وهذا يعلمه كل ذي علم ويعرفه كل عارف‪ .‬ولم يحط بفائدة هذه‬
‫الية ويقف عندها ويقتطف من ثمراتها إل الممرون الصفات على ظاهرها‬
‫المريحون أنفسهم من التلكلفات والتعسفات والتأويلت والتحريفات‪ ،‬زهم‬
‫السلف الصالح كما عرفت‪ .‬فهم الذين اعترفوا بـ)عدم( الحاطة وأوقفوا‬
‫أنفسهم حيث أوقفها الله‪ ،‬وقالوا‪ :‬الله أعلم بكيفية ذاته وماهية صفاتهن بل‬
‫العلم كله له‪ ،‬وقالوا كما قال من قال ممن اشتغل بطلب هذا المحال فلم‬
‫يظفر بغير القيل والقال‪:‬‬
‫العلم للرحمن جل وجلله وسواه في جهلته يتغمغم‬
‫ما للتراب وللعلوم وإنما يسعى ليعلم أنه ل يعلم‬
‫بل اعترف كثير من هؤلء المتكلفين بأنه لم يستفد من تكلفه وعدم قنوعه‬
‫بما قنع به السلف الصالح إل مجرد الحيرة التي وجد عليها غيره من‬
‫المتكلفين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫…………………‪ ..‬وسرحت طرفي بين تلك المعالم‬
‫فلم أر إل واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم‬
‫وها أنا أخبرك عن نفسي وأوضح لك ما وقعت فيه في أمسي‪ ،‬فإني في أيام‬
‫الطلب وعنفوان الشباب شغلت بهذا العلم الذي سموه تارة علم الكلم‬
‫وتارة علم التوحيد وتارة علم أصول الدين‪ ،‬وأكببت على مؤلفات الطوائف‬
‫المختلفة منهم ورمت الرجوع بفائدة والعود بعائدة‪ ،‬فلم أضفر من ذلك بغير‬
‫الخيبة والحيرة وكان ذلك من السباب التي حببت إلي مذهب السلف‪ ،‬على‬
‫أني كنت قبل ذلك عليه‪ ،‬ولكن أردت أن أزداد منه بصيرة وبه شغفا‪ ،‬وقلت‬
‫عند ذلك في تلك المذاهب‪:‬‬
‫وغاية ما حصلته من مباحثي ومن نظري من بعد طول التدبر‬
‫هو الوقف ما بين الطريقين حيرة فما علم من لم يلق غير التحير‬
‫على أنني قد خصت منه غماره وما قنعت نفسي بغير التبحر‬
‫وأما الكلمة وهي )ليس كمثله شيء( فبها يستفاد نفي المماثلة في كل‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شيء‪ ،‬فيدفع بهذه الية في وجه المجسمة وتعرف به الكلم عند وصفه‬
‫سبحانه بالسميع البصير‪ ،‬وعند ذكر السمع والبصر واليد والستواء ونحو ذلك‬
‫مما اشتمل عليه الكتاب والسنة فتقرر بذلك الثبات لتلك الصفات‪ ،‬ل على‬
‫وجه المماثلة والمشابهة للمخلوقات فيدفع به جانبي الفراط والتفريط‪ ،‬وهما‬
‫المبالغة في الثبات المفضية إلى التجسيم والمبالغة في النفي المفضية إلى‬
‫التعطيل‪ .‬فيخرج من بين الجانبين وغلو الطرفين حقيقة مذهب السلف‬
‫الصالح‪ ،‬وهو قولهم بإثبات ما أثبته لنفسه من الصفات على وجه ل يعلمه إل‬
‫هو‪ ،‬فإنه القائل )ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به‬
‫القران والسنة من دون تكلف ول تأويل صفة الستواء التي ذكرها السائل‪.‬‬
‫يقولون نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة ل‬
‫يعلمها إل هو وكيفية ل يدري بها سواه‪ ،‬ول نكلف أنفسنا غير هذا‪ .‬فليس‬
‫كمثله شيء ل في ذاته ول في صفاته‪ ،‬ول يحيط عباده به علما‪ .‬وهكذا‬
‫يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه دليل‬
‫عليها‪ .‬والدلة في ذلك طويلة كثيرة في الكتاب والسنة‪ .‬وقد جمع أهل العلم‬
‫منها‪ ،‬ل سيما أهل الحديث‪ ،‬مباحث كتبوها بذكر آيات قرآنية وأحاديث صحيحة‬
‫وقد وقفت من ذلك على مؤلف بسيط في مجلد جمعه مؤرخ السلم‬
‫الحافظ الذهبي رحمه الله استوفى فيه كل ما فيه دللة على الجعة من كتاب‬
‫أو سنة أو قول صاحب مذهب‪ .‬والمسالة أوضح من أن تلتبس على عارف‬
‫وأبين من أن يحتاج فيها إلى التطويل‪ ،‬ولكنها لما وقعت تلك القلقل والزلزل‬
‫الكائنة بين بعض الطوائف السلمية كثر الكلم فيها وفي مسالة الستواء‬
‫وطال‪ ،‬سيما بين الحنابلة وغيرهم من أهل المذاهب‪ ،‬فلهم في ذلك الفتن‬
‫الكبرى والملحم العظمى‪ ،‬ومازالوا هكذا في عصر بعد عصر‪ .‬والحق هو ما‬
‫عرفناك من مذهب السلف الصالح‪ .‬فالستواء على العرش والكون في تلك‬
‫الجهة قد صرح به القران الكريم في مواطن يكثر حصرها ويطول نشرها‬
‫وكذلك صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث‪ .‬بل هذا مما‬
‫يجده كل فرد من أفراد الناس في نفسه وتحسه في فطرته وتجذبه إليه‬
‫طبيعته‪ ،‬كما نراه في كل من استغاث بالله سبحانه وتعالى والتجأ إليه ووجه‬
‫أدعيته إلى جنابه الرفيع وعزه المنيع‪ ،‬فإنه يشير عند ذلك بكفه أو يرمي إلى‬
‫السماء بطرفه‪ .‬ويستوي في ذلك عند عروض أسباب الدعاء وحدوث بواعث‬
‫الستغاثة ووجود مقتضيات الزعاج وظهور دواعي اللتجاء‪ ،‬عالم الناس‬
‫وجاهلهم والماشي على طريقة السلف والمقتدي بأهل التأويل القائلين بأن‬
‫الستواء هو الستيلء‪ ،‬كما قال جمهور المتأولين والقيال كما قاله أحمد بن‬
‫يحيى وثعلب والزجاج والفراء غيرهم‪ ،‬أو كناية عن الملك والسلطان‪ ،‬كما‬
‫قاله آخرون‪ .‬فالسلمة والنجاة في إمرار ذلك على الظاهر والذعان بأن‬
‫الستواء والكون على ما نطق به الكتاب والسنة من دون تكييف ول تكلف‬
‫ول قيل ول قال ول قصور في شيء من المقال‪ .‬فمن جاوز هذا المقدار‬
‫بإفراط أو تفريط فهو غير مقتد بالسلف ول واقف في طريق النجاة ول‬
‫معتصم عن الخطأ ول سلك في طريق السلمة والستقامة‪ .‬وكما نقول هكذا‬
‫في الستواء والكون في تلك الجهة فكذا نقول في مثل قوله سبحانه )وهو‬
‫معكم أينما كنتم( وقوله )ما يكون من نجوى ثلثة إل هو رابعهم ول خمسة إل‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هو سادسهم( وفي نحو )إن الله مع الصابرين( )إن الله مع الذين اتقوا‬
‫والذين هم محسنون( إلى ما يشبه ذلك ويماثله ويقاربه ويضارعه‪ ،‬فنقول في‬
‫مثل هذه اليات‪ :‬هكذا جاء القران‪ ،‬إن الله سبحانه وتعالى مع هؤلء‪ ،‬ول‬
‫نتكلف تأويل ذلك كما يتكلف غيرنا بأن المراد بهذا الكون وهذه المعية هو‬
‫كون العلم ومعيته‪ ،‬فإن هذه شعبة من شعب التأويل تخالف مذاهب السلف‬
‫وتباين ما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم‪ .‬وإذا انتهيت إلى السلمة في‬
‫مداك فل تجاوزه‪،‬‬
‫وهذا الحق ليس به خفاء فدعني من بنيات الطريق‬
‫وقد هلك المتنطعون ول يهلك على الله إل هالك‪ ،‬وعلى نفسها براقش تجني‪.‬‬
‫وفي هذه الجملة‪ ،‬وإن كانت قليلة‪ ،‬ما يغني من شح بدينه وحرص عليه من‬
‫تطويل المقال وتكثير ذيوله وتوسيع دائرة فروعه وأصوله‪ ،‬والهداية من الله‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫انتهت الرسالة المفيدة كما وجدت‪ ،‬ولله الحمد أول وآخرا وظاهرا وباطنا‪،‬‬
‫وأصلي واسلم على محمد النبي المي وعلى آله وصحبه‬

‫)‪(6 /‬‬

‫التحيز العلمي )‪ (2/1‬محمد عبد الله الغبشاوي*‬


‫مصطلح ) التحيز ( من منحوتات المفكر الكبير البروفسير عبد الوهاب‬
‫المسيري صاحب ))موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية(( و )) إشكالية‬
‫التحيز (( الذي أشرف علي تحريره وصدر في مجلدين عن المعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومصطلح التحيز يعني النحياز والتعصب مطلقا ولكن فيما نعنيه في هذه‬
‫المعالجة التسليم المطلق بالمقولت والمفاهيم والمناهج الغربية والنسياق‬
‫العمى في محاكاتها وكأنها قد أنزلت منزلة المر المعصوم الذي ل يأتيه‬
‫الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪.‬‬
‫وجدير بنا التنبيه إلي أن )) التحيز (( بهذا التعريف ل يقتصر في أوساطنا علي‬
‫العلم ووسائطه المختلفة وإنما هو أمر قد طال جميع أوجه حياتنا وسائر‬
‫مناشطنا وتوجهاتنا ‪ .‬ففي تشريعنا واقتصادنا ومناهج تربيتنا وصور تعليمنا بل‬
‫وفي سلوكياتنا ولغة حديثنا اليومي شواهد عديدة ل تخطئها عين عاقل علي‬
‫هذا )) التحيز (( الذي أقام علينا حجرا ً نفسيا ً عقليا ً وسلطانا ً أدبيا ً معنويا ً قد‬
‫ننكر أصله ونغالط في حقيقته ولكن آثاره وتراكماته هي الشاهد والبرهان‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ومن هنا فقد نخلص إلي القول بأن أداءنا الفكري البداعي ل يعدو أن يكون‬
‫مجرد محاكاة وترديد للداء الغربي ولكن بأصوات عربية وليس بلغة عربية‬
‫وشتان بين الثنين ‪.‬‬
‫ومن هنا فالتحيز في الخطاب العلمي هو جزء من أداء عام صار هو النمط‬
‫المعتاد لنساننا في الحيز العربي السلمي وما كان للخطاب العلمي أن‬
‫يفلت وحده من هذا الداء فذلك مما يتنافي وطبائع الشياء ‪ .‬ولكن التنبيه‬
‫الزائد إليه في هذه الورقة يأتي بدافعين ‪ :‬أولهما‬
‫أن العلم ووسائطه هو القلب والمركز لهذا الداء التحيزي العام الذي يطبع‬
‫حياتنا ‪ .‬وثانيهما ‪ :‬أن المراجعة لداء القلب والمركز في المنظومة حري بأن‬
‫يدعو إلي مراجعة أداء المنظومة كلها ‪ .‬فإلي حد كبير إذا صح الداء‬
‫العلمي ‪ .‬فسينساب التصحيح في بقية أجزاء المنظومة وقد تستقيم‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خطواتنا علي الطريق الصحيح لقامة بنائنا من جديد ‪.‬‬


‫عقبتان كأداوان ‪- :‬‬
‫وكلتا العقبتين نفسيتان أما أولهما فتتصل بالشيوع والسيرورة للمنتجات‬
‫الحضارية الغربية أدبية كانت أو مادية ‪ .‬فبحكم السيادة شبه المطلقة‬
‫للحضارة الغربية ويحكم الفعالية الستثنائية لنماط ووسائط إنفاذها‬
‫وبالسرعة الفذة المتصاعدة لوسائل التصال امتلكت الحضارة الغربية‬
‫حاكمية تلقائية لم تسبق إليها في الحاكميات الحضارية التاريخية السابقة‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ولت للغرب دمغ جل منتجاته الفكرية‬ ‫وهذه الحاكمية الحضارية الستثنائية س ّ‬
‫الدبية بخاتم )) العالمية (( و )) النسانية (( ‪ .‬ولم تملك القطاعات‬
‫المستضعفة المستكينة إل التأمين علي ذلك وخصوصا ً من خلل نخبتها – وإن‬
‫صادم ذلك وتضاد مع المسلمات و اليقينيات الم في تلك المجتمعات ‪.‬‬
‫ومجموع ما أشرنا إليه ساهم أيما مساهمة في تضخيم الشيوع والسيرورة‬
‫للنماذج الغربية وخصوصا ً في المجالت العلمية ‪ .‬فصار الخارج علي أنماطها‬
‫ود – نفسيا ً‬ ‫يشعر شعورا ً مكثفا ً بالغربة والعزلة بل والشذوذ التام عما س ّ‬
‫ومعنويا ً – بأنه النموذج الذي ينبغي أن ينسج علي منواله ويسير الجميع في‬
‫ركابه ‪.‬‬
‫وأما العقبة الثانية فهو أن القطاعات المنتمية إلي حضارات ذابلة أو كامنة‬
‫تقل في تابعيها روح المغامرة والجسارة والقدام ‪ .‬وتسود فيها وتنتشر روح‬
‫التسليم بالمر الواقع ومن هنا يخفت فيها روح الشعور بالتغيير وخصوصا ً في‬
‫الجوانب اليجابية لواذا ً بأمان مزيف من خلل اللتزام بما التزم به جمهور‬
‫الناس ونأيا ً عن مغامرة مودية مهلكة وفقا ً للمعيار السائد‬
‫وإضافة إلي هذا فإن العلم خادم تلقائي للتيارات الفكرية السائدة في قطاع‬
‫ما ‪ .‬وإذ أن التيارات الفكرية في قطاعنا يغلب عليها التقليد واللتزام التام‬
‫بالمعتمل في الغرب فليس غريبا ً أن يكون العلم مرتهنا ً بذلك أيضا ً ‪.‬‬
‫أنماط التحيز في الخطاب العلمي ‪- :‬‬
‫بصورة مجملة يمكن حصر بعض أنماط التحيز في خطابنا العلمي في‬
‫التي ‪:‬‬
‫التحيز للرسالة العلمية الغربية ‪.‬‬
‫التحيز للمصطلحات والمفاهيم ‪.‬‬
‫التحيز للشكال والوسائط ‪.‬‬
‫التحيز للنهج الخباري ‪.‬‬
‫وفيما يلي نتعرف بإيجاز غير مخل لهذه التحيزات الساسية ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬التحيز للرسالة العلمية الغربية ‪.‬‬
‫الرسالة العلمية تكون مترجمة دوما للرؤية المعرفية الكونية النسانية‬
‫للثقافة والحضارة التي انبثقت منها تلك الرسالة وتفتقت عنها ‪.‬‬
‫وبالضرورة أن تتقمص الرسالة العلمية الغربية روح ثقافتها وحضارتها الم‬
‫ول نريد أن نخوض في مجالت الوسم والوصم بهذا الخاتم أو ذاك فيما يتصل‬
‫بمكونات ودعائم النظرة المعرفية الغربية ودرجات اليجاب والسلب في كل‬
‫ذلك فهذا ل يعنينا كثيرا ً ونحن بصدد هذه المعالجة ‪ .‬وإنما يهمنا الشارة إلي‬
‫حقيقتين متصلتين بما نعكف عليه الن ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أولهما ‪ :‬أن النظرة المعرفية الكونية النسانية الخاصة بنا مخالفة ومفارقة‬
‫لرصيفتها الغربية كثيرا ً سواء في منطلقاتها الساسية أو تفصيلتها الداخلية ‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح بأن تبني الرسالة العلمية الغربية وتقمص روحها والتحيز لها‬
‫هو تقويض داخلي تلقائي لقطاعنا وإنساننا طالما أقررنا بالمخالفة والمفارقة‬
‫في النظرية المعرفية الم ‪.‬‬
‫ثم إن هناك خصوصية جزئية متصلة بهذا تستحق النتباه والتنويه هو أن‬
‫الثقافة والفكر الغربيين ل يتخذان موقف الحيدة والموضوعية العلمية تجاه‬
‫قطاعنا وإنساننا ‪ .‬فهناك مركب )) كراهية ثقافية (( – كما أشار المفكر‬
‫الفلسطيني إدوارد سعيد – تجاه إنساننا وقطاعه الحضاري بكل مكوناته ‪.‬‬
‫وهناك ما يشبه الطابع البادي الستئصالي في التمدد الحضاري الغربي في‬
‫قطاعنا ‪.‬‬
‫ومن هنا فالتحيز للرسالة العلمية الغربية هو بالضرورة حامل لكل ذلك‬
‫ومتأثر منفعل به وحلول رسالة إعلمية بهذه المواصفات في قطاعنا هو نحر‬
‫وانتحار ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬إضافة إلي فرضية صدور الرسالة العلمية عن منطلقاتنا المعرفية‬
‫الم فيما يتصل بالنظرة الكونية النسانية يجب أيضا ً استيعاب الظروف‬
‫والملبسات الخاصة التي تحيط بإنساننا وقطاعه واستصحاب الظرف‬
‫التاريخي والمخاض الحضاري الخاص الذي يخيم علي أمتنا بكل مكوناته‬
‫وتفاصيله ‪.‬‬
‫فنحن أمة في أدني درجات أدائها الحضاري الفاعل سواء كان بالقياس عليها‬
‫في‬
‫دورات تاريخها السالفة أو كان بالقياس علي غيرها في حاضرنا وهذه‬
‫الحقيقة تلزم برسالة إعلمية ذات مواصفات تعالج بالضرورة هذه الحالة‬
‫وتحرص علي نقلها إلي درجات إيجابية أكبر ‪.‬‬
‫ثم إننا مستهدفون من مشروعين خطيرين أحدهما المشروع المبريالي‬
‫الصليبي الغربي الذي ما استنفد أغراضه بعد في قطاعنا وانساننا و الذي ل‬
‫يدل أداؤه الحالي عن نيته علي تركنا وشأننا ‪.‬‬
‫والمشروع الثاني وإن كان وليدا ً للول إل أن له ملمحه الثأرية والنتقامية‬
‫الخاصة وأعني بذلك المشروع الصهيوني من خلل إسرائيل وأجندتها‬
‫التفصيلية في صياغة جديدة لنساننا وقطاعنا بما يؤمن سلمة وجودها‬
‫ويضمن الرفاهية لها والتفوق الدائم لنسانها ‪.‬‬
‫ومجابهة مشروعين إباديين استئصاليين بمثل هذه المواصفات التي نحسها‬
‫ونلمسها فعل ً وممارسة وسلوكا ً ‪ -‬وليس مجرد شعار أو لفتة‪ -‬يلزم أهل‬
‫الرسالة العلمية العداد لهما بقدرهما وتفاصيلهما ‪ .‬وهو ما نفتقد معالمه‬
‫وحقائقه في الرسالة العلمية السائدة التي تخلو إل قليل ً من النهج البنائي‬
‫التعبوي الواعي ذي الروح المفعم بالمل والخالي من الحباط والنكسار‬
‫والمتسلح في نفس الوقت بالعلمية المنهجية الدقيقة في تعامله مع كل ما‬
‫يحيط به ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬التحيز للمصطلحات والمفاهيم ‪-:‬‬
‫في خطابنا العلمي هناك تحيز للمصطلحات في بعض الحيان وهناك تحيز‬
‫مباشر للمفاهيم في أحيان أخري وناتج عن ذلك بالضرورة تحيز متداخل‬
‫للمفاهيم والمصطلحات ‪.‬‬
‫وسنستعين ببعض اليضاحات المعينة علي إثبات دعوانا ‪ .‬فمن المصطلحات‬
‫السيارة في إعلمنا والتي نصحو عليها صباح مساء مصطلح قضية الشرق‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوسط أو مصطلح الشرق الوسط مجردا ً ‪ .‬وكل المصطلحين مترجم‬


‫لرسالة إعلمية مستهدفة لتصفية كياننا وإنساننا وغني عن الذكر أن هذه‬
‫المصطلحات عينها هي من الذرع المهمة في ذلك الستهداف وتلك‬
‫التصفية ‪.‬‬
‫فبادئ ذي بدء مصطلح مثل قضية الشرق الوسط تبدو في معالمه الولي‬
‫حيثيات التفريغ والفراغ من ناحية وحيثيات البدال والحلل من ناحية أخري ‪.‬‬
‫وتكمن في ذيوعه وسيرورته تحقق الماني المبريالية الصهيوصليبية برمتها‬
‫وما بلغته في هذا الطور من تاريخنا وما تنبئ به المقدمات من نتائج تسوقها‬
‫ولو بعد حين ‪.‬‬
‫ومعلوم أن هذا المصطلح ليس من منحوتاتنا اللفظية ول مصطلحاتنا الم‬
‫وإنما هو مصطلح وليد للستراتيجيات المبريالية الصهيوصليبية ‪ .‬وهو ترجمة‬
‫عملية لنظرية تاريخية إمبريالية شهيرة هي نظرية الرض التي ل مالك لها‬
‫التي اخترعتها الدمغة الفلسفية الغربية المبريالية أثناء صراع الممالك‬
‫الوروبية علي البقاع النسانية غير الغربية ‪ .‬فالنسان الغربي ل يعترف‬
‫بإنسانية غير أوروبية – كما تترجم ممارساته وسلوكياته – وفي حمي ذلك‬
‫الصراع المبريالي علي أفريقيا وآسيا وغيرهما لم يكن هناك اعتراف بإنسان‬
‫تلك المكنة أو أنظمتها والعتبار إنما كان )) لمالك (( أوروبي ح ّ‬
‫ل بها فإن‬
‫كان وإل فهي أرض بوار ل مالك لها وإن عجت وزخرت بالمئين من مليين‬
‫النفس‬
‫وتسمية قطاعنا الحضاري العربي السلمي بالشرق الوسط هو تفريغ نفسي‬
‫مادي تاريخي من كل مضامينه ‪ .‬وهو من ثم إلغاء تلقائي لمقتضى كل ذلك‬
‫وبل أدني ريب ‪ .‬فهو )) إخلء (( وإذا تم الخلء بحكم الحيثيات غير الوروبية‬
‫وغير الغربية فقد جاز إجراء منطق التمليك لهذا )) الخلء (( ‪ .‬وهذا ما تسعي‬
‫المبريالية الصهيوصليبية لبسطه وتسويده وبصورة عملية ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وإضافة إلي هذا فإن تسويد مصطلح الشرق الوسط هو نصر ضمني‬
‫لسرائيل ‪ .‬فأنت إذا قلت العالم العربي أو العالم السلمي فذلك يعني نفيا ً‬
‫تلقائيا ً وإسقاطا عمليا ً لسرائيل إذ أن كلتا الصفتين ) عربية ‪ /‬إسلمية ( مما‬
‫ل يتيح لها سبيل وجود أو ظهور ‪ .‬وأما الشرق الوسط فهو تضمين بالضرورة‬
‫لسرائيل فضل ً عن تهويمه وإيهامه لتاريخ وهوية وحضارة المنطقة فما عادت‬
‫إسلمية عربية وإنما شرق أوسطية ‪.‬‬
‫ومثال ثاني هو مصطلح )) الرهاب (( والذي نال ذيوعا ً وسيرورة منقطعة‬
‫النظير ‪ .‬وقد نعلم أن الغرب ومنذ الثورة السلمية في إيران عكف علي‬
‫قولبة السلم وإنسانه في قالب الرهاب ومشتقاته ومع النسياح الكثير‬
‫للعلم الغربي من مقروء ومسموع ومنظور تخلق لدي القطاع العظم من‬
‫بني النسان أن )) الرهاب (( هو السم الخر للسلم ‪.‬‬
‫فالتأمين علي مصطلح من هذا القبيل والذاعة له في أوساطنا ودون بذل أي‬
‫جهد للتحليل والتمحيص هو دمغ لنفسنا بأنفسنا بجريمة نحن منها براء ‪ .‬وهو‬
‫تبرع تلقائي ل بتجريم النفس فقط وإنما القبيل والقطاع كله ‪.‬‬
‫وأسوأ ما يبرر به الناس مثل هذه السقطات السهو وعدم التعمد وهو العذر‬
‫الكثر قبحا ً ‪ .‬فنحن في عالم ل يرحم وهو تجاه قطاعنا سابق دوما ً إلي‬
‫التجريم والدانة ‪ .‬وحرصه علي إفنائنا وتقويضنا مما ل يحتاج إلي دليل ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقريب من ذلك تشويه العمليات الفدائية وإطلق الصفة النتحارية عليها ‪.‬‬
‫بدل ً من الستشهادية ‪ .‬وما يراد من وراء ذلك من تزهيد في الروح الجهادى‬
‫الفدائي والتشويه لمدرك الشهادة من خلل دمغه بالنتحار ‪.‬‬
‫هذه أمثلة للتحيز للمصطلحات وأما التحيز للمفاهيم فنكتفي بمفهوم حقوق‬
‫النسان وجعله مدركا ً مطلقا ً ‪ .‬مع أنه مدرك غربي احتكاري يسعي لجعل كل‬
‫غربي إنساني عالمي ‪.‬‬
‫وكان حريا ً بنا أن نقول ‪ :‬حقوق النسان الغربي كنوع من التمييز إذ أن سير‬
‫وسيرة المفهوم علي ما نعاصره الن بلغ درجات من المركزية الغربية تجعلنا‬
‫نشمئز من المسايرة المطلقة لهم فيه والتسليم الضمني بأنه حقوق مطلقة‬
‫لبني النسان بعد أن صار المفهوم فريسة لفئات من المترفين والمترفات‬
‫من الشاذين والشاذات ‪ .‬وإذا بنا ودون أن ندري نجد أن اللواط والسحاق‬
‫حقوقٌ يجب أن تراعي لهذا النسان الغربي ول تقتصر علي مجرد العتراف‬
‫والقرار لها في القطاع الغربي وإنما أن تكون مسلمات يدين لها قطاعنا‬
‫النساني الحضاري كله بالطاعة والذعان التام ‪ .‬وأن نتخلص عن كل‬
‫موروثاتنا بل أصولنا الفكرية التشريعية فنتخلص من مدركنا للمعروف‬
‫والمنكر فننكر معروفنا ونعّرف منكرنا ل لشيء إل إذعانا ً للسيد الغربي في‬
‫أخس نزواته وأحط شهواته ‪.‬‬
‫والمتابع لصيرورة المفهوم في أوساطنا العربية المسلمة في العقد الخير‬
‫يري أن مسمي حقوق النسان صار مدركا ً موازيا ً ومضادا ً لتطبيقات الشريعة‬
‫السلمية وهذا من إستراتيجيات البتزاز والستنزاف الفكري النفسي التي‬
‫لم نحط بها علما ً بعد وهو مما ل يتسع له هذا الحيز للبانة والتفصيل ‪.‬‬
‫وخلصة ما يقال أن التحيز التلقائي للمصطلحات والمفاهيم هو من الذرع‬
‫المهمة في آليات الجهاز والبادة والتقويض لنساننا وقطاعه وما يمت إليهما‬
‫بسبب ‪ .‬ولعل من أقل الجهد الذي ينبغي علي العلميين بذله أن يحصوا هذه‬
‫المصطلحات والمفاهيم وأن يقوموا بعملية تفكيك وتشريح مفصل لها ‪ .‬وأن‬
‫ل يستسلموا للعجز فيزعموا عدم وجود بديل إحللي لها ‪.‬‬
‫التحيز العلمي )‪ (2/2‬محمد عبد الله الغبشاوي*‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التحيز للنهج الخباري ‪- :‬‬
‫العجز في المجال الخباري نابع عن الحتكار الغربي شبه المطلق لوكالت‬
‫النباء والتي هي غربية في سوادها العظم ‪ .‬وهذه الوكالت جعلت مقاييسها‬
‫ملزمة لنا وبصورة تلقائية ‪ .‬بدءا ً باختيارها لنوعية الخبار مرورا ً بترتيب‬
‫أهميتها وما يعنينا منها ‪ .‬انتهاء إلي النطباعات المختلفة عنها ‪.‬‬
‫ولعل المثلة الواضحة تعين علي اليضاح أكثر من الوصف المجرد ‪ .‬فقبل‬
‫أعوام قلئل وفي حادث حركة ذهبت ضحيته الميرة ديانا مطلقة ولي عهد‬
‫إنجلترا ‪ .‬وجدنا أنفسنا ملزمين بمتابعة ذلك الخبر وكل التفصيلت المتصلة به‬
‫‪ .‬ولو طالعت المواد التلفازية والذاعية والصحفية لعالمنا العربي السلمي‬
‫أيام ذلك الحدث بل وبعده بزمان لوجدته مجرد صدي لما يعتمل في اللة‬
‫العلمية الغربية ‪.‬‬
‫وقد شوهت مفاهيمنا الخلقية ومعاييرنا القيمية مما انجرفت فيه بعض من‬
‫وسائطنا العلمية في تحيزها المنجرف للرسالة العلمية الغربية ‪ .‬فوجدنا‬
‫من يبرر لسقطات ديانا الخلقية بل من يقلبها إلي سلوكيات )) قديسة (( ل‬
‫تستحق الشجب وإنما تلزم بالتفهم والتعاطف بل وإضفاء صفات السمو‬
‫والروعة عليها !‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وما من ريب أنه كانت في أوساط عالمنا السلمي عشرات بل مئات من‬
‫المآسي الموجعة التي غطي عليها ذلك التحيز وقبرها في التراب وطواها في‬
‫عالم النسيان ‪ .‬كانت هناك مأساة فلسطين المتجددة وكانت هناك حيثيات‬
‫مفزعة موجعة لما أصاب كرائم المسلمات في البوسنة والهرسك علي أيدي‬
‫الصرب من اغتصاب وتقتيل ‪ .‬وكان هناك أنين الطفال والرامل في العراق‬
‫وغيره وغيره ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كل هذا الواقع المرير الذي يستحق توفرا خاصا ومعالجة رسالية تحليلية‬
‫مواكبة له أول ً بأول تأتي تحيزات النهج الخباري الغربي المتبناة في إعلمنا‬
‫للقضاء عليها وقبرها في عالم النسيان والمثال الذي اجتزأته من موت ديانا‬
‫هو مجرد شاهد ولكن غيره كثير مما يطوي معالم قضايانا في قبور النسيان ‪.‬‬
‫وفي مثل هذه التحيزات الخبرية تحدث نتائج عرضية ل تقل خطورة وفداحة‬
‫علي قطاعنا الحضاري وإنسانه ‪ .‬ومن ذلك مثل ً مسخ صورة البطولة‬
‫وانحصارها من خلل الترداد العلمي المستمر في شكل ممثلة أو مغني أو‬
‫لعب كرة في أحسن الفعال ‪.‬‬
‫إن في هذه الصيرورة لمدرك البطولة والنجومية في قطاعنا خطر أيما خطر‬
‫فهو وأد للبطولة الحق من ناحية وهو ترويج لمثلة زائفة مضللة ل تنتفع بها‬
‫في شيء وهو في بعض الحالت وأد للمروءة والفضيلة من خلل العلء‬
‫لشأن ساقطة أو ساقط ‪ .‬وكل هذا من المناقضات لمقتضى ما نحتاجه وما‬
‫نريد ‪ .‬ففي مجتمعات محاطة بمخاطر المشروع المبريالي والصهيوني وفي‬
‫قطاعات تتخلف فيها التنمية يوما ً بعد يوم وتزداد فيها نسب الفقر والعوز‬
‫ساعة بعد ساعة يكون التسويغ والترويج لهذه النماذج المزيفة من البطولة‬
‫جريمة ل تقل عن المذابح الجماعية بحال ‪.‬‬
‫التحيز للشكال والوسائط ‪:‬‬
‫أتيحت لي الفرصة قبل شهور للستماع لورقة إعلمية لفت انتباهي فيها‬
‫سيطرة السطورة الدرامية علي صاحبها كمقوم أول وركن ركين في العمل‬
‫التلفازي بوجه أخص ‪ .‬ولو اكتفي صاحبنا بذلك لكان المر مفهوما ً ولكنه أبان‬
‫في لحظة صدق عن شغله الشاغل وهو بحثه عن فتوى تجيز له تعرية النثى‬
‫بصورة أخص لن ذلك صار من مقومات الداء الدرامي الهادف والذي‬
‫سيضمن القبول والرواج لرسالتنا العلمية !!‬
‫ول أريد أن أعلق كثيرا ً علي هذا لنه سينحرف بي عن مسار المعالجة وإنما‬
‫أجتزئ منه ما يتصل بورقتي هذه وهو التحيز المطلق للشكال والوسائط‬
‫الغربية ‪ .‬وسيطرة ذلك علي ذهن رجال إعلمنا بحيث تحجب عنهم كل‬
‫المساحات البداعية الحقيقة التي يمكن أن يجلوها ويبصروا بها ‪ .‬فنحن في‬
‫الحقيقة إزاء حالة غير سوية وبكل المقاييس ‪.‬‬
‫إن أشكال التعبير العلمي التلفازي ل يمكن اختزالها في الداء الدرامي‬
‫فقط والداء الدرامي ل يمكن حصره في العاري منه فقط بأي حال من‬
‫الحوال ! هذه السطورة خلفها العجز النامي عن التحيز المفّرغ لنساننا من‬
‫كل مقومات ومقدرات الجتهاد ‪.‬‬
‫وقريب من هذا التحيز الغريب للكم الموسيقي الهائل – بكلمات أو بدونها –‬
‫والذي يكاد يمسخ أهداف بعض البرامج ‪ .‬وزحف النسق الموسيقي الغربي‬
‫حتى علي المدائح النبوية ومن المدهش لدي أل يثير ذلك دهشة أحد ‪ .‬ول‬
‫أدري كم يتبقى من تراثنا – بمنطق الفولكلور الغربي نفسه – إذا استمرأت‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فئات من شبابنا الفارغ هذا النهج من المسخ والتشويه وبإقرار تام من‬
‫الجهزة الرسمية وغيرها ‪.‬‬
‫ما أخفاه التحيز من المضامين في إعلمنا ‪:‬‬
‫قد نعيد ونكرر أن قطاعنا الحضاري مليء متخم بهمومه ومشاكله الخاصة ‪.‬‬
‫وأنه قطاع مستهدف باللهاء عن تلك الهموم والمشاكل ‪ ،‬فواضح أن نهضته‬
‫رهينة بحل وتجاوز تلك الهموم والمشاكل و التي لن يستطيع معها أن يقوم‬
‫بدوره ورسالته في هذا الوجود ‪.‬‬
‫ومن هنا فاللهاء عن تلك الهموم والمشاكل شرط أول في البقاء علي‬
‫إنساننا علي حالته من التخلف والعوز والعجز إن لم يضاعف منها ويزاد عليها‬
‫‪ .‬وأظن أن المكونات الولي للرسالة العلمية ما يتصل بإعلء الحس‬
‫والوعي بتلك الهموم والمشكلت التي نوهنا بها ل في إطار التعريف فقط‬
‫وإنما في المعالجة وكيفية القضاء والستئصال لها ‪.‬‬
‫إننا نسمع عن العلم التنموي ونريد أن نضيف إليه العلم التعبوي ‪ .‬ول نعني‬
‫به التعبئة بمعني الحشد للجهد العسكري كما يتبادر إلي الذهان ‪ .‬وإنما نعني‬
‫به الحشد لتخليق عقدة إيجابية – اسميها – في إنساننا ! ل بد من تعريف‬
‫إنساننا في قطاعنا الحضاري عموما ً وفي قطاعنا السوداني بوجه أخص بأنه‬
‫في أدني درجات السلم في عالم النجاز والتحقق الحضاري! وتكون تلك‬
‫)) العقدة (( إيجابية إذا ما رفدت بتعليمه كيفية تجاوز ذلك إلي نماء وإسهام‬
‫حقيقي في نهضته ونهضة قطاعه ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وكل ما ننادي به موؤود بالضرورة بالتحيز للرسالة العلمية الغربية‬


‫ومضامينها ‪ .‬إننا مثل ً في حاجة إلي التبصير بالهموم القومية المشتركة داخل‬
‫الطار السوداني ‪ .‬مشكلة مثل مشكلة العطش ينبغي أن يكثف الحساس‬
‫بها بحيث تغدو هما ً خاصا ً لكل فرد من أفراد المة وبجعلها قاسما ً مشتركا ً‬
‫للكبير والصغير والغني والفقير ‪ .‬إن الذيوع والسيرورة لمشكلة كهذه قمين‬
‫بأن يكثف الحساس بضرورة السهام في حلها والقضاء عليها وسيحمل‬
‫الضمير الجمعي ذلك وسيصتصحبه في نومه ويقظته وحله وترحاله وذلك‬
‫اللم سيتحول إلي أمل ! أمل في القضاء علي ذلك اللم وتراكمات هذه‬
‫المشاعر وأنواع الوعي المكتنزة والمحتشدة هنا وهناك قمينة بحل مشكلة‬
‫المياه وانفراج أزمتها يوما ً ومع انفراجها ستنفرج شدائد أخري كثيرة ‪.‬‬
‫ومضمون إيجابي آخر خذله التحيز للمضامين الغربية في إعلمنا فنحن نعاني‬
‫من تآكل الروح التكافلي في مجتمعنا ومن تنامي مارد الذاتية والنكفاء الزائد‬
‫علي النفس ‪ .‬وقدر كبير من وزر ذلك تتحمله الرسائل العلمية المتحيزة‬
‫للمضامين الغربية أصالة أو وكالة أعني إما عبر نماذج إعلمية غربية مباشرة‬
‫أو غير مباشرة فيما يسمي بالمسلسلت العربية مثل ً ‪.‬‬
‫إن التفريغ المتزايد للريف والهجرة المتزايدة إلي المدينة تدين في كثير منها‬
‫إلي المضامين المتحيزة في رسالتنا العلمية التي صورت المدينة جنة علي‬
‫الرض ووصمت الريف بكل سلبي مثبط ‪ .‬فساهم ذلك ضمن أسباب أخري‬
‫في ألوان المعاناة التي صار يصطلي بها الريف والحضر في آن معا ً ‪.‬‬
‫إن أزمة المضامين المغيبة في إعلمنا لن تواجه إل بإعادة النظر والتمحيص‬
‫للرسالة العلمية المتحيزة السائدة في أوساطنا ووضع خارطتها علي مائدة‬
‫يجتمع إليها نفر مستقل في عقله وضميره ومشاعره يعيد تشكيل معالمها‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالحقيق المهم من قضايا المة المصيرية في عاجلها وآجالها ويعيد إنسانها‬


‫إلي حلبة التاريخ من جديد ‪.‬‬
‫كي ل يكون العلميون مجرد جماعة وظيفية للحلف الصهيوصليبي في‬
‫قطاعنا ‪- :‬‬
‫الداء السائد للرسالة العلمية في أوساطنا يفتقر في جله إلي المضامين‬
‫اليجابية البناءة التي يرجي لنساننا أن يتشربها ويحسن تفهمها والنفعال بها‬
‫وتساعده علي التفهم لدوره ورسالته في الوجود واحتشاده المرتجي لداء‬
‫ذلك الدور وتلك الرسالة ‪.‬‬
‫وتصحيح كل ذلك مربوط بانفكاك العلميين من الربقة الغربية والنفلت من‬
‫التحيز العمى لتلك الرسالة العلمية الغربية والتي يعني التمادي في النحياز‬
‫لها إطباق الحصار علي إنساننا من المشروعين المبريالي الصليبي‬
‫والسرائيلي الصهيوني فضل ً عن تغييب وعيه وتصعيد تقهقره وعجزه‬
‫وضعفه ‪.‬‬
‫إن بعضا ً من الرؤى المغّيبة قد انجلى وانكشف في الونة الخيرة وبعض من‬
‫أهمه متصل بالمعالجة التي نتوفر عليها الن ‪ .‬وملخص تلك الرؤى أنه ومع‬
‫تزايد العولمة المريكية وازدياد نهمها وتنامي ازدرائها لنساننا وما يمثله وما‬
‫ينتمي إليه برزت لديها حاجات عديدة تصب كلها في مصالحها الستراتيجية‬
‫والتي صارت العولمة آليتها الولي والهم في تحقيقها ‪.‬‬
‫إن مسألة تفكيك الدولة والمة والهوية صار من المتطلبات الولي لهذه‬
‫العولمة المريكية وفيما يتصل بمسألة تفكيك المة والهوية هذه لم تفلح اللة‬
‫العلمية الغربية في تحقيق ذلك مع ضخامتها وقوة بطشها ‪.‬‬
‫ول هو علي اللة العلمية المحلية بحكم إجادتها للسان ولغة‬ ‫ومن هنا فالمع ّ‬
‫التخاطب وانتفاء النفور والشمئزاز في حقها ‪ .‬وتوفر التآلف والنس بها ‪.‬‬
‫ول الول سيكون علي هذا ولعل في طلئع‬ ‫ومن هنا فالبادي للعيان أن المع ّ‬
‫بعض الفضائيات وما تضطلع بها من رسالة تفريغية تفكيكية دليل أيما دليل‬
‫علي الدور المنوط بإعلمنا في ظلل العولمة المريكية هذه ‪.‬‬
‫ول علي ما يسمي‬ ‫ومعلوم أن الغرب عموما ً وأمريكا علي وجه الخصوص تع ّ‬
‫بالجماعات الوظيفية في تحقيق ما تريد في قطاعنا في مقام أول ‪.‬‬
‫والجماعات الوظيفية هي التي تنجز مهاما ً بالوكالة مدفوعة الجر تعجز‬
‫الجهات الم عن القيام بها والداء لها بنفس التقان والبراعة وخبرة الحتراف‬
‫وه بها ‪.‬‬
‫المتأتية لتلك الجماعات المن ّ‬
‫لقد قيل عن انتهاء دور الدولة في قطاعنا وتقلص دورها السيادي فيما بعد‬
‫الحادي عشر من سبتمبر وأن ذلك سيتقلص رويدا ً رويدا ً إلي مجرد دور أمني‬
‫ل للحفاظ علي أمن إنسان المنطقة وإنما الحفاظ علي المن المريكي في‬
‫المنطقة ‪ .‬وموجز ذلك أن الدولة في قطاعنا ستتحول – أو هذا ما يراد لها –‬
‫إلي دولة وظيفية موكول لها الحفاظ علي المصالح المبريالية الصهيوصليبية‬
‫في قطاعنا وبقوة الحديد والنار !!‬
‫وكل دولة وظيفية – علي هذا السياق – تتطلب جماعات وظيفية ضابطة‬
‫لدائها موجهة لطاقاتها بما يتوافق والهوي المبريالي الصهيوصليبي ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وإن الحاجز الواقي دون كل ذلك درجات من الوعي والفكر مبصرة بأبعاد‬
‫ذلك بل وقافزة فوقه إلي قلب ميدان التحقق والشهود الحضاري وكل ذلك ل‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتأتي دون رسالة إعلمية هادفة تبثها فئات منفعلة بقضية أمتها حريصة‬
‫متفانية في السهر علي حفظ فكرها ووعيها ‪.‬‬
‫ومختصر كل ذلك ) إعلم رسالي ( ‪ .‬وكل إعلم غير رسالي هو بدرجة من‬
‫الدرجات أداء جماعة وظيفية إذ ليس هناك من منزلة بين المنزلتين ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪،،،‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫التخلص من الفوائد الربوية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪ /‬الربا والقرض‪/‬الفوائد الربوية وكيفية‬
‫التخلص منها‬
‫التاريخ ‪29/4/1423 ...‬‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫سؤالي حول الفوائد الربوية ووجوه صرفها وحددت بعضها‪ ،‬مثل‪ :‬أعمال‬
‫الصيانة في المركز‪ ،‬تسديد فواتير الهاتف والكهرباء‪...‬إلخ‪ ،‬ترميم أو صباغة‬
‫المركز منها‪ ،‬تقديم مساعدات لبعض المسلمين منها أو غير المسلمين‪،‬‬
‫الصرف منها على بعض أنشطة المركز‪- ،‬أرجو التكرم بتحديد النشطة إذا‬
‫كان المر ليس على إطلقه‪ -‬ومن النشطة إصدار مجلة‪ ،‬قيمة البريد‬
‫وخصوصا ً البريد المرسل لغراض الدعوة كإرسال نشرات تعريفية عن‬
‫السلم‪ ،‬أو إرسال نسخ القرآن الكريم للمسلمين إلى غير ذلك‪.‬‬
‫الجواب‬
‫اعلم يا أخي إن إيداع النقود أو فتح حساب في البنك بنية أخذ ربا )فوائد(‬
‫حرام ل يجوز ولو بنية صرف هذه الفوائد في سبيل الدعوة إلى الله؛ لن الله‬
‫حرم الربا بنص كتابه‪ ،‬وحرم رسوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬كل وسيلة تعين‬
‫عليه "لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬آكل الربا وموكله وكاتبه‬
‫وشاهديه" البخاري )‪ (2238‬مسلم )‪ (1598‬واللفظ له‪.‬‬
‫أما إذا كان البنك ل يتعامل إل بالربا كحال عامة البنوك في الدول الغربية‪،‬‬
‫واليداع في مثل هذه البنوك ضرورة ل بد منها فهل تؤخذ هذه الفوائد الربوية‬
‫أم ل؟ اختلف أهل العلم اليوم في هذا فمنهم من منع ذلك أخذا ً بظاهر‬
‫نصوص القرآن كقوله –تعالى‪":-‬الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم‬
‫س‪] "...‬البقرة‪ ،[275:‬وقوله‪ ":‬يا أيها الذين‬ ‫الذي يتخبطه الشيطان من الم ّ‬
‫آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين‪] "..‬البقرة‪،[278:‬‬
‫ً‬
‫وقوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في الحديث‪":‬إن الله طيب ل يقبل إل طيبا‪"..‬‬
‫البخاري )‪ (1410‬ومسلم )‪ (1015‬واللفظ له‪ ،‬وقال بعض العلماء بجواز أخذ‬
‫هذه الفوائد الربوية من تلك البنوك وصرفها في مصارف الخير بنية التخلص‬
‫منها ل بنية الصدقة لنها مال خبيث‪ ،‬ولعل هذا القول هو الرجح عندي –إن‬
‫شاء الله‪-‬؛ لن هذه الفوائد مع ضخامتها لو تركت عند البنوك الربوية في مثل‬
‫هذه البلد الكافرة لتقوى بها اقتصادها‪ ،‬وعاد ضررها على المسلمين‪ ،‬وإذا‬
‫كان المر كذلك على هذا القول فالواجب عليك –أخي السائل‪ -‬أن تجتهد في‬
‫صرف هذا المال المسؤول عنه في أولويات أعمال المركز عندكم وأنشطته‬
‫ما دامت في خدمة الدعوة إلى الله في بلد الغربة‪ ،‬من دعوة غير المسلمين‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتأليف قلوبهم ونشر الكتب والشرطة التي تشرح العقيدة والحكام‬


‫الضرورية‪ ،‬وأنصح المسلمين بأل يأكلوا أو يشربوا مما صرف من هذه الفوائد‬
‫على الطعام والشراب مما قد يوضع في المركز وهذا من باب قول‬
‫ن‬ ‫و‬ ‫م‬‫ُ‬
‫س ْ َ َ ْ‬
‫م‬ ‫ك‬ ‫خْيرا ً ل َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫طيُعوا وَأ َن ْفِ ُ‬
‫قوا َ‬ ‫َ‬
‫مُعوا وَأ ِ‬
‫س َ‬
‫م َوا ْ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫الله‪َ":‬فات ّ ُ‬
‫ُ‬
‫ن" ]التغابن‪.[16:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سهِ فَأول َئ ِ َ‬ ‫ف ِ‬
‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬‫ُيوقَ ُ‬
‫فالله الله في تدبر هذه الية على وفق جوابي لسؤالك‪ ،‬وفقنا الله وإياك إلى‬
‫كل خير‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التدابير الوقائية من اليدز في السلم‬


‫د‪ .‬إسماعيل محمد حنفي*‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله المين‪ ،‬محمد بن‬
‫عبد الله‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ...‬وبعد ‪...‬‬
‫ن أمر الوقاية وتدابيرها في السلم أمٌر أصيل‪ ،‬ويندرج تحت قاعدة )سد‬ ‫إ ّ‬
‫سُبل المؤدية إلى المحرم أو إلى‬ ‫الذرائع()‪ (1‬التي تقضي بإغلق جميع ال ُ‬
‫الضرر‪ .‬كما أنه يندرج تحت قواعد مثل‪:‬‬
‫دم على جلب المصالح")‪ :(2‬فكل ما يمكن أن يترتب عليه‬ ‫ـ "درء المفاسد مق ّ‬
‫ضرر ُيحجم عنه وُيمنع مع عدم اللتفات إلى المصالح المرجوة من ورائه‪.‬‬
‫ـ "الدفع أقوى من الرفع")‪(3‬؛ بمعنى أن منع الشيء قبل وقوعه ُيعد ّ أقوى‬
‫في التأثير في التعامل مع ذلك الشيء الضار مما لو انتظرنا أن يقع ثم‬
‫نحاول بعد ذلك إزالته‪ .‬هذا بالضافة إلى كون الدفع ـ عن طريق الوقاية ـ ُيعد ّ‬
‫جر‬
‫ل‪ ،‬وهذا قد ي ُ‬‫أسهل وأيسر وأقل تعقيدا ً من الرفع لثار الضرر الذي ح ّ‬
‫أضرارا ً ومفاسد أخرى معه ‪ ..‬وهذا معنى قولهم "الوقاية خيٌر من العلج"‪،‬‬
‫ولكن الفقه السلمي أسبق في ذلك‪.‬‬
‫ة من الوقوع فيها‪ ،‬أليس النهي‬ ‫أليس المر بغض البصر عن المحرمات وقاي ً‬
‫ة من وقوع كليهما في الفاحشة‪ ،‬أليس المر‬ ‫عن خلوة الرجل بالمرأة وقاي ً‬
‫ة من وقوع ضرره على‬ ‫بأخذ الحذر من العدو ـ حتى في أثناء الصلة ـ وقاي ً‬
‫المسلمين؟‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا تأملنا تشريعا مثل تشريع الصوم نجد الوقاية نصا ـ في القرآن ـ يقول‬ ‫ً‬
‫ب على الذين من‬ ‫م كما ُ‬
‫كت َ‬ ‫ب عليكم الصيا ُ‬ ‫سبحانه‪[ :‬يا أيها الذين آمنوا ك ُت ِ َ‬
‫ص الله حكمته في العبارة‬ ‫ن الصوم الذي لخ ّ‬ ‫قبلكم لعّلكم تتقون])‪" .(4‬إ ّ‬
‫القرآنية المعجزة )لعّلكم تتقون( هو أهم أبواب الوقاية بمعناها الشامل‪ ،‬فلن‬
‫تتحقق التقوى إل إذا كان الجوع ذا تأثيرٍ على الجسم والعقل والروح بحيث‬
‫صفاء‬‫جه هذه القوى الساسية إلى غايةٍ واحدة في جوٍ من ال ّ‬ ‫ل تو ّ‬‫يسهُ ُ‬
‫والطهارة‪ ،‬وهي غاية التقوى")‪.(5‬‬
‫أقول‪ :‬ألم يأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من لم يستطع الباءة‬
‫ن الصوم ُيعد ّ حماية له ووقاية؟ أل‬ ‫من الشباب ليتزوج بأن يصوم‪ ،‬وأخبر أ ّ‬
‫يتعلق ذلك بموضوعنا؟‪.‬‬
‫كرنا في أن نخاطب الغربيين وغيرهم ممن انتشر عندهم هذا المرض‬ ‫هل ف ّ‬
‫الفّتاك ـ اليدز ـ بمثل هذه النصوص عن رسولنا ‪ e‬لمعالجة أمر الشهوات‬
‫الطاغية المتدفقة لدى أقوامهم لدرجة أنهم ل يعرفون أين يفرغونها أفي‬
‫النسان فقط أم الحيوان؟ أفي النساء فقط؟ أم الرجال؟ أم الطفال؟!‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن أمر الوقاية عندنا في السلم أمٌر يسيٌر ليس مكّلفا ً لنه يكون بالك ّ‬
‫ف‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫والمتناع‪ ،‬وهو ليس كالبذل والعطاء‪ ،‬يكفي أن تمتنع عن الطعام أحيانا‪ ،‬وأن‬
‫تمتنع عن مفارقة الفاحشة وعن مرافقة أصدقاء السوء وعن النظر إلى‬
‫المثيرات والستماع إليها ‪ ...‬والبدائل موجودة بحمد الله في ما خلق الله من‬
‫النعم الجليلة‪ ،‬والخيرات العديدة‪.‬‬
‫ن الساس الذي تقوم عليه الوقاية ـ من اليدز وما‬ ‫إّننا نود أن نقول هنا إ ّ‬
‫شابهه من المراض الخبيثة ـ يمكن أن تكون باللتزام بتعاليم السلم شكل ً‬
‫ومضمونًا‪ ،‬فالخير فيها لمن لزمها‪ ،‬والشر لمن بارحها‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬إن نجحنا في إقناع الخرين بهذه التدابير الوقائية فكأنها دعوة ٌ لهم جميعا ً‬
‫ن مصلحتهم فيه‪ ،‬ودرء المفاسد عنهم موجود فيه‪ ،‬وهم ـ‬ ‫دين‪ ،‬ل ّ‬‫لعتناق هذا ال ّ‬
‫كبقية البشر ـ مصلحّيون بطبعهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫آمل أن أرصد في هذه البحث الموجز أهم التدابير الشرعية التي ُتشكل‬
‫منهجا ً ينبغي الخذ به لوقاية أمتنا من مرض اليدز‪ ،‬تحجيما ً للضرر عند هذا‬
‫دى ذلك إلى ما هو أكثر ‪ ...‬حتى نصدق‬ ‫الحد وتلك الحصائيات بحيث ل يتع ّ‬
‫ن الله كان بكم رحيما])‪ ،(6‬وقوله سبحانه [‬ ‫قوله تعالى [ول تقتلوا أنفسكم‪ ،‬إ ّ‬
‫ول تلقوا بأيديكم إلى الّتهُلكة])‪.(7‬‬
‫ل‪ :‬تسهيل الزواج وتشجيعه‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫يقول الله سبحانه [وأنكحوا اليامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ])‬
‫‪ .(8‬ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬يا معشر الشباب من استطاع‬
‫ن للفرج‪ (...‬الحديث)‪.(9‬‬ ‫ض للبصر وأحص ُ‬ ‫منكم الباءة فليتزّوج‪ ،‬فإّنه أغ ّ‬
‫ن علينا أن نقفل‬ ‫فإن كنا نتكلم عن أسباب الوقاية من هذا الداء ـ اليدز ـ فإ ّ‬
‫ً‬
‫أبواب الدخول إليه‪ ،‬ومن أهمها ميل الرجل إلى المرأة ميل ً فطريا‪ ،‬وبما أن‬
‫السلم دين الفطرة فهو إذا ً ل يحاربها بل يهذبها‪ ،‬ولذا شرع الزواج ليكون‬
‫طريقا ً سليما ً صحيحا ً للعلقة بين الجنسين تضمن الثمرات الطيبة لهذه‬
‫العلقة وليس الثمرات الخبيثة‪.‬‬
‫"إذا كان السلم قد أعلن الحرب على مرتكبي الفواحش‪ ،‬وأوجب أن تقام‬
‫عليهم العقوبات القاسية الشديدة‪ ،‬فإنه شرع الطريق النظيف لشباع‬
‫الرغبات الجنسية بطريق الزواج‪ ،‬إنه السبيل القويم في مقابل السيئ‬
‫ذر الله منه")‪.(10‬‬ ‫المقيت الذي ح ّ‬
‫م يجب على الدولة وأفراد المجتمع الجد في تبسيط أمر الزواج‬ ‫ومن ث ّ‬
‫والعانة عليه بتقديم الدعم للراغبين في الزواج‪ ،‬وفي إقامة الزواج الجماعي‬
‫للشباب في المؤسسات المختلفة ـ ومنها الجامعات ـ وتوفير الوظائف‬
‫المناسبة لهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثانيًا‪ :‬محاربة الختلط بين الجنسين في المرافق والمؤسسات المختلفة‪:‬‬


‫ن الختلط بين الشباب والشابات يتناسب طرديا ً مع انتشار‬ ‫حيث ثبت أ ّ‬
‫م انتشار اليدز ‪...‬‬‫الفاحشة ومن ث ّ‬
‫ن‬
‫ن المراد هنا أ ّ‬
‫والتفريق بين الجنسين ُيعد ّ من قبيل سد الذرائع‪ .‬وكأ ّ‬
‫الختلط ذريعة لثارة الشهوات‪ ،‬وهذه ذريعة للزنا‪ ،‬والزنا ذريعة لليدز‪ .‬فيجب‬
‫دوا‬
‫س ّ‬‫سوداني يقول "الباب البجيب الّريح ِ‬ ‫سد كل هذه الذرائع‪ .‬والمثل ال ّ‬
‫واستريح"‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬محاربة الفواحش‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حه من الفعال والقوال")‪.(11‬‬ ‫م قُب ْ ُ‬‫والفاحشة هي "ما عَظ ُ َ‬


‫ي الفواحش ما ظهر منها وما‬ ‫وقد حّرم الله الفواحش‪[ :‬قل إّنما حّرم رب ِ َ‬
‫بطن])‪(12‬‬
‫ونهانا حتى عن قربانها‪[ :‬ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن])‪.(13‬‬
‫م الفقَر‬ ‫ن ي َعِد ُك ُ ُ‬
‫والشيطان هو الذي يحرص على نشر الفاحشة‪[ :‬الشيطا ُ‬
‫ويأمُركم بالفحشاء])‪.(14‬‬
‫ه من الشيطان‪.‬‬ ‫إذا ً فكل من يسير على هذا النهج فيه شب ٌ‬
‫وأعظم الفواحش اللواط‪ ،‬فإنه عنوان انتكاس الفطرة البشرية‪ ،‬والذين‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ط من الحيوانات وأضل منها‪[ :‬ولوطا ً إذ ْ قا َ‬ ‫يمارسونه أح ّ‬
‫ه‪ :‬أتأُتو َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ِلقو ِ‬
‫ن النساِء بل أنتم‬ ‫ل شهوةً من دو ِ‬ ‫ن الرجا َ‬ ‫ة وأنتم تبصرون*أئنكم لتأتو َ‬ ‫حش َ‬ ‫الفا ِ‬
‫م تجهلون(‪.(15).‬‬ ‫قو ٌ‬
‫والزنا كذلك من الفواحش الكبار التي جاء السلم بتحريمها‪[ :‬ول تقربوا‬
‫ة وساَء سبيل(‪(16).‬‬ ‫الزنى إّنه كان فاحش ً‬
‫فيجب على الدولة السلمية والمجتمع السلمي منع كل الوسائل التي تدعو‬
‫ب‬‫ة في الذين آمنوا لهم عذا ٌ‬ ‫ن الذين يحبون أن تشيعَ الفاحش ُ‬ ‫إلى الزنا‪[ :‬إ ّ‬
‫دنيا والخرة ‪ )(17).‬فكل من نشر المواد المواد الخليعة أو رّوج لها‬ ‫م في ال ّ‬ ‫ألي ٌ‬
‫ض في نفسه يدخل في هذه الية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لغر‬ ‫أمرها‬ ‫في‬ ‫تساهل‬ ‫أو‬
‫ة في قوم ٍ قط حتى ُيعلنوا بها إل ّ‬ ‫وفي الحديث الصحيح‪) :‬لم تظهر الفاحش ُ‬
‫فشا فيهم الطاعون والوجاع التي لم تكن في أسلفهم الذين مضوا()‪(18‬‬
‫فهذا اليدز تأكيد لهذا الحديث‪ ،‬ولن يكون المرض الخير ما دام الناس‬
‫يتمادون في فحشهم‪.‬‬
‫مد نقل المرض إلى الصحاء‪:‬‬ ‫رابعًا‪ :‬عدم التساهل مع من يتع ّ‬
‫وذلك أنه قد يقوم شخص أو جماعة ما بالتخطيط والتدبير لنقل العدوى إلى‬
‫ما بمواقعتهم جبرا ً أو خداعًا‪ ،‬بالتغرير بالطفال والفتيات الصغيرات‪،‬‬ ‫الخرين إ ّ‬
‫وثة بفيروس المرض أو بغير ذلك‪.‬‬ ‫أو بحقن ضحاياهم بالدماء المل ّ‬
‫ن من يفعل ذلك يعد ّ من المفسدين في الرض الذين قال الله عنهم‪[ :‬إّنما‬ ‫فإ ّ‬
‫ً‬
‫جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن ُيقّتلوا أو‬
‫ف أو ُينفوا من الرض‪ .‬ذلك لهم خزيٌ‬ ‫طع أيديهم وأرجلهم من خل ٍ‬ ‫ُيصّلبوا أو ُتق ّ‬
‫ب عظيم]‪ (19).‬فإن كانت الية ُتفهم على أنها‬ ‫دنيا ولهم في الخرة عذا ٌ‬ ‫في ال ّ‬
‫طاع الطريق الذين يأخذون المال علنية‪ ،‬واعتبرت ذلك إفسادا ً في‬ ‫تتناول قُ ّ‬
‫ن من يسعون لنشر الفات والمراض الفّتاكة في الناس اليوم‬ ‫الرض‪ ،‬فإ ّ‬
‫مة المفسدين‪[ :‬وإذا توّلى سعى في الرض ليفسد فيها وُيهلك‬ ‫دون في قِ ّ‬ ‫ُيع ّ‬
‫الحرث والّنسل‪ ،‬والله ل يحب الفساد])‪(20‬‬
‫ولذا يجب على الدولة توقيع أقسى العقوبات على أمثال هؤلء عدم الرأفة‬
‫بهم‪.‬كما يجب على من تصله معلومة عن شيء من ذلك إبلغها إلى الجهات‬
‫الرسمية‪ .‬كما ل يمنع ذلك من بذل الوسع في مناصحة المصابين وتذكيرهم‬
‫ن عليهم الصبر والتوبة والرجوع إلى الله‪ ،‬وأنه ل ينفعهم نقل‬ ‫ن هذا ابتلء وأ ّ‬ ‫بأ ّ‬
‫المرض إلى الخرين‪ ،‬بل ذلك يزيد من إثمهم وعقابهم عند الله)‪.(21‬‬
‫خامسًا‪ :‬يجب على مريض اليدز أن يمتنع عن الزواج من شخص معافى‪ ،‬لن‬
‫المعاشرة الجنسية هي أعظم وسيلة لنتشار هذا المرض الخبيث‪.‬‬
‫ومن حق أولياء المرأة منعها إذا وافقت على الزواج من شخص مصاب بهذا‬
‫المرض‪ .‬ونكاح المرأة من غير ولي باطل وفقا ً لرأي جمهور العلماء‪ ،‬ومنهم‬
‫مالك والشافعي وأحمد وجمهور أصحابهم وأتباعهم عدا الحنفية‪.‬‬
‫وعلى رأي الجمهور يكون للولياء الحق في منع موّليتهم من الزواج بمريض‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫ن أولياءها عضلوها ل ّ‬‫دعي عند القاضي بأ ّ‬ ‫اليدز‪ ،‬ول تستطيع المرأة أن ت ّ‬
‫ً‬
‫الزوج في هذه الحالة ليس كفؤا‪ ،‬والعضل كما يقول ابن قدامه‪" :‬منع المرأة‬
‫من التزّوج بكفئها إذا طلبت ذلك" )‪(22‬‬
‫ن من القوانين ما يحفظ على الناس حياتهم‪،‬‬ ‫س ّ‬ ‫"وعلى الدولة السلمية أن ت َ ُ‬
‫حاء من التزّوج بمريض اليدز وأمثاله من المراض المعدية‬ ‫ومن ذلك منع الص ّ‬
‫التي يصعب علجها" )‪(23‬‬
‫سادسًا‪ :‬يجب على المرأة المصابة باليدز تجّنب الحمل والنجاب‪ ،‬ويلزمها‬
‫ة لجنينها‪ ،‬حيث‬‫اتخاذ الحتياطات والوسائل التي تحول دون الحمل‪ ،‬وذلك وقاي ً‬
‫ن نسبة انتقال العدوى إلى الجنين في أثناء الحمل‬ ‫دّلت الحصاءات على أ ّ‬
‫تبلغ عشرة في المائة‪ ،‬ونسبة انتقاله إلى الطفل أثناء الوضع وبعده تبلغ‬
‫ثلثين في المائة)‪(24‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل مانع شرعا ً من أن تقوم الم بحضانة طفلها ـ إذا أصيبت باليدز ـ إل ّ أ ّ‬


‫ن‬
‫الحوط عدم إرضاع الم المصابة باليدز طفلها إذا أمكن أن توجد امرأة‬
‫ذر ذلك فل‬ ‫ما في حال تع ّ‬ ‫ترضعه‪ ،‬أو في حال توافر بدائل له عن لبن الم‪ .‬أ ّ‬
‫ة له من الهلك )‪.(25‬‬ ‫مفر من إرضاعه حماي ً‬
‫توصيات البحث‪:‬‬
‫ن الوقاية من مرض‬ ‫وفيما يلي نخُلص إلى مجموعة من التوصيات التي نرى أ ّ‬
‫ن "ما ل يتم‬ ‫ن الخذ بها ُيعد ّ واجبا ً شرعيا ً بحسبان أ ّ‬ ‫اليدز ل تتحقق إل بها‪ ،‬وأ ّ‬
‫الواجب إل به فهو واجب")‪ . (26‬كما تقول القاعدة الصولية‪ ،‬وتتمثل هذه‬
‫التوصيات في التي‪:‬‬
‫)أ( في المقام الول‪ :‬على الدولة عبر جميع مؤسساتها مراعاة التي‪:‬‬
‫‪ .1‬تسهيل الزواج وتشجيعه‪.‬‬
‫‪ .2‬محاربة الختلط بين الجنسين في جميع المرافق‪.‬‬
‫‪ .3‬توقيع أقسى وأقصى العقوبات على من يتعمد نقل المرض للصحاء‪.‬‬
‫سُبل المؤدية إليها‪ ،‬ومعاقبة أصحابها‪.‬‬ ‫‪ .4‬محاربة الفواحش‪ ،‬وسد جميع ال ُ‬
‫‪ .5‬ضبط إجراءات الزواج وعدم السماح بالتزاوج بين مريض اليدز مع أحد‬
‫الصحاء‪.‬‬
‫‪ .6‬القيام برصد دقيق لحالت الحمل والنجاب ومتابعة حالت المهات‪.‬‬
‫دعاة والتربويين وجميع المؤسسات‬ ‫)ب( دعويا ً وتربويًا‪ :‬على السر وال ّ‬
‫الرسمية والشعبية مراعاة التي‪:‬‬
‫‪ .1‬التأكيد على أهمية الدعوة والتربية السلمية في تنشئة النشء والمجتمع‪،‬‬
‫وضرورة توجيه الجيال الجديدة إلى السلوك الملتزم بتعاليم السلم‪ ،‬لما في‬
‫ذلك من وقايتهم من النحرافات بكل أنواعها‪ ،‬والتي تؤدي في الغالب إلى‬
‫المراض العضوية الفّتاكة كاليدز‪ ،‬وما يصاحبه من المراض النفسية للمريض‬
‫وأقاربه‪.‬‬
‫ة‬
‫‪ .2‬التأكيد على أهمية التوعية الدينية الصحيحة لجميع فئات المجتمع‪ ،‬وخاص ً‬
‫النشء والشباب‪.‬‬
‫‪ .3‬الهتمام بتقوية الواز ع الديني عبر كل المنابر المتاحة في وسائل العلم‬
‫والمسجد وجمعيات النفع العام العاملة في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ .4‬ضرورة توضيح الحكام الشرعية المتعلقة بالممارسات الجنسية المحّرمة‬
‫سواء كان ذلك من حيث الممارسة المباشرة أو غيرها‪ ،‬وسواء كان‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالمشاركة فيها شخصيا ً أو المساعدة عليها بأي وجهٍ من وجوه المساعدة‪:‬‬


‫كالترويج والعلن وغير ذلك‪.‬‬
‫دعاة بدورٍ أكبر في مخاطبة المعنيين في هذا‬ ‫‪ .5‬التأكيد على أهمية قيام ال ّ‬
‫ب لهٍ مستهتر يميل إلى المجون والنفلت‪ ،‬وأولياء أمور غير‬ ‫الجانب من شبا ٍ‬
‫مبالين ول مدركين لخطورة اليدز‪ .‬والمطلوب تكثيف وعظ الجميع بخطورة‬
‫ن اليدز نتيجة طبيعية لمقارفة الحرام ـ في أغلب‬ ‫حرمة الزنا‪ ،‬وأ ّ‬ ‫اليدز‪ ،‬و ُ‬
‫دنيا قبل الخرة‪ ،‬ومسئولية ولي المر أمام الله‬ ‫الحوال ـ وأّنه عذاب في ال ّ‬
‫ً‬
‫تعالى بسبب تقصيره إن كان والدا أو مسئو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫)ج( اجتماعيًا‪:‬‬
‫‪ .1‬التأكيد على أهمية دور السرة والعلقات بين أفرادها في بناء الشخصية‬
‫السلمية السوّية وغرس اليمان والقيم في النفوس‪ ،‬ومتابعة البناء‬
‫ف عند بدايته‪.‬‬
‫وملحظتهم لمعالجة أي انحرا ٍ‬
‫ديني للسرة‪.‬‬ ‫‪ .2‬أهمية الهتمام بالتوعية والتثقيف ال ّ‬
‫‪ .3‬أهمية الترابط السري وقوة العلقات بين أفراد السرة‪ ،‬حتى ل يلجأ أحد‬
‫أفرادها إلى معالجة مشكلته وأزماته بطريقته الخاصة عبر أصدقاء وقرناء‬
‫السوء‪.‬‬
‫‪ .4‬أهمية اللتفات إلى المشكلت والخلفات التي تنشأ داخل السرة‪،‬‬
‫والتوعية بالطريقة الشرعية للتعامل معها‪ ،‬وأن تقوم الجمعيات المختصة‬
‫بدورها في هذا الطار‪.‬‬
‫‪ .5‬التأكيد على دور المؤسسات التعليمية ـ كالمدارس والجامعات ـ وأهمية‬
‫كرا ً بالتعاون فيما‬
‫وجود اتصال مستمر بينها وبين السرة لحل المشكلت مب ّ‬
‫بينها‪.‬‬
‫‪ .6‬التأكيد على أهمية الرعاية الجتماعية السليمة في كل المؤسسات‪ ،‬وذلك‬
‫للتعامل مع المنحرفين أو المبتلين بالممارسات المحّرمة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .7‬أهمية التدريب للمدرسين بهدف المساعدة للستكشاف المبكر لحالت‬
‫النحراف‪ ،‬والعلقات الخاطئة‪ ،‬بل وبداية المرض‪ ،‬إن لم يكن لوقاية هؤلء‬
‫فلوقاية غيرهم من السوياء‪.‬‬
‫)د( صحيًا‪:‬‬
‫‪ .1‬الهتمام بالتوعية الصحية‪ ،‬وتوضيح المخاطر الصحية لليدز‪ ،‬مع عرض‬
‫ضح خطورة المرض‪ ،‬وتبّين طرق الوقاية‬ ‫المعلومات والرقام والصور التي تو ّ‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ .2‬أهمية تطبيق الفحص الدوري للجميع وذلك عبر مراكز وجهات موثوقة‪،‬‬
‫وتقنين ذلك واللزام به في كل المعاملت والمرافق‪ ،‬مع مراعاة التدّرج‬
‫المناسب لتطبيق البرنامج‪.‬‬
‫‪ .3‬إنشاء جمعيات صحية في المدارس والمؤسسات المختلفة‪ ،‬تضطلع بدور‬
‫التوعية المناسبة وتقديم المعلومات لمن يطلبها‪ ،‬وتبذل جهدها لوقاية الناس‬
‫من اليدز‪ ،‬بالتعاون مع الجهات المختصة‪.‬‬
‫‪ .4‬التأكيد والتشديد على تجّنب أي خطوة أو عملية طبية أو غيرها‪ ،‬قد تؤدي‬
‫إلى نقل المرض من المصاب إلى غيره‪ ،‬وذلك مثل‪:‬‬
‫وثة كالبلزما‪ ،‬أو‬ ‫‪ -‬نقل دم لم يتم التحقق من سلمته‪ ،‬أو مشتقات دم مل ّ‬
‫العامل الذي يساعد على تجّلط الدم لمرضى الهيموفيليا‪.‬‬
‫‪ -‬نقل عضو أو نسيج من جسم شخص مصاب إلى آخر سليم‪ ،‬مثل زرع‬
‫كلى أو قرنية العين أو غيرها من العضاء‪.‬‬ ‫ال ُ‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ص مصاب بالعدوى ثم وخز شخص سليم بنفس‬ ‫‪ -‬استخدام إبرة لحقن شخ ٍ‬


‫البرة‪.‬‬
‫وثت بدمه أو‬ ‫ب أو تل ّ‬‫ص مصا ٍ‬
‫‪ -‬استخدام أدوات سبق أن اخترقت جلد شخ ٍ‬
‫سوائل جسمه مثل شفرات الحلقة أو فرشاة السنان وأدوات الوشم‬
‫والوخز بالبرة وثقب الذن وكي شعر الوجه للسيدات‪.‬‬
‫)هـ( عمومًا‪:‬‬
‫‪ .1‬أهمية الستفادة من تجارب الخرين في مجال الوقاية من اليدز‪ :‬وذلك‬
‫ن الحكمة ضاّلة المؤمن‪ ،‬أين وجدها فهو أولى الناس بها‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫‪ .2‬ضرورة التنسيق بين الجهات المختلفة داخل الدولة‪ :‬الصحية‪ ،‬المنية‪،‬‬
‫الجتماعية‪ ،‬الدينية‪ ،‬التربوية والعلمية‪ ،‬في سبيل وضع وتطبيق البرامج‬
‫المناسبة للوقائية من اليدز‪ ،‬وذلك تعاونا ً على البر والتقوى‪ ،‬ولن النسان‬
‫ف لوحده‪ ،‬قويّ مع المجموعة‪.‬‬ ‫ل بنفسه‪ ،‬كثيٌر بإخوانه‪ ،‬ضعي ٌ‬ ‫قلي ٌ‬
‫سر لي رصده وتدوينه في هذا البحث‪ ،‬أرجو أن يكون قد تم بيانه‬ ‫هذا ما تي ّ‬
‫بالطريقة المناسبة‪ ،‬آمل ً أن ينفع الله به من قرأه ومن سمعه‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫‪----------‬‬
‫)‪ (1‬الشاطبي ـ الموافقات في أصول الشريعة ‪ 3/257‬ـ ‪.300‬‬
‫)‪ (2‬السيوطي‪ ،‬الشباه والنظائر‪ ،‬ص‪ 179 :‬ـ ‪.223‬ابن نجيم الشباه‬
‫والنظائر‪ ،‬ص‪ .90 :‬الزرقا‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬فقرة‪.594 :‬‬
‫)‪ (3‬السيوطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.560 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية )‪.(183‬‬
‫)‪ (5‬د‪ .‬عبد الحليم عويس‪ ،‬الرعاية الصحية في السلم‪ ،‬ص‪ ،96 :‬ط‬
‫‪1/1989‬م‪ .‬من مطبوعات صحيفة الشرق الوسط‪ :‬الشركة السعودية‬
‫للبحاث والتسويق‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫)‪ (6‬سورة النساء الية )‪.(29‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية )‪.(195‬‬
‫)‪ (8‬سورة النور الية )‪.(32‬‬
‫)‪ (9‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح ‪ ،3/412‬الترمذي‪ ،‬السنن ‪.1/201‬‬
‫)‪ (10‬أ‪.‬د‪ .‬عمر الشقر‪ ،‬بحث‪ :‬أحكام الشريعة المتعلقة بمرض اليدز‪ ،‬منشور‬
‫في كتاب "دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة"‪ ،‬ص‪ 25 :‬ـ ‪ ،88‬ط ‪،1‬‬
‫سنة ‪2001‬م‪ ،‬دار النفائس الردن‪.‬‬
‫)‪ (11‬الراغب الصفهاني ـ المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.373 :‬‬
‫)‪ (12‬العراف الية )‪.(33‬‬
‫)‪ (13‬النعام الية )‪.(51‬‬
‫)‪ (14‬البقرة الية )‪.(26‬‬
‫)‪ (15‬سورة النمل الية رقم )‪. (55‬‬
‫)‪ (16‬سورة السراء الية)‪. (32‬‬
‫)‪ (17‬سورة النور الية )‪. (19‬‬
‫)‪ (18‬سنن إبن ماجه ‪ . 2/1322‬حديث رقم )‪ (4019‬تحقيق محمد فؤاد عبد‬
‫الباقي ‪ .‬دار إحياء الكتب العربية القاهرة سنة ‪1902‬م ‪.‬‬
‫)‪ (19‬سورة المائدة الية )‪.(33‬‬
‫)‪ (20‬سورة المائدة الية )‪. (33‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن رجل ً كنديا ً كان يعمل عمل قوم لوط وكان من أوائل من‬‫)‪ (21‬يذكرون أ ّ‬
‫ُأصيبوا باليدز‪ ،‬نصحه الطباء بعدم ممارسة الجنس مع أحد‪ ،‬فمارسه بطريقة‬
‫محمومة جنونية‪ ،‬حيث زعم أنه مارسه مع ألف شخص في أمريكا قبل أن‬
‫يهلك عام ‪1984‬م!!‪ .‬د‪.‬فهمي مصطفى محمود‪ ،‬وهكذا بدأ مرض اليدز‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.51‬‬
‫)‪ (22‬ابن قدامة المغني ‪ .7/337‬دار الكتاب العربى ‪ .‬بيروت ‪1983‬م ‪.‬‬
‫وراجع مذاهب الفقهاء في اشتراط الولي ‪ .‬الشوكاني ‪ .‬السيل الجرار ‪/4‬‬
‫‪ 259‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪1985‬م ‪ ،‬ابن رشد ‪ ،‬بداية المجتهد ‪،2/9‬‬
‫ابن حزم ‪ ،‬المحلة ‪ -9/451‬الكسائى – بدائع الصنائع ‪. 2/247‬‬
‫)‪ (23‬أ‪.‬د عمر سليمان الشقر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 88 / 25‬‬
‫)‪ (24‬د‪ .‬محمد هيثم الخياط وزميله ‪ ،‬معلومات أساسية حول مرض اليدز ‪،‬‬
‫ص‪.3‬‬
‫)‪ (25‬من توصيات وقرارات ندوة)رؤية إسلمية للمشاكل الجتماعية لمرض‬
‫اليدز( عقدتها المنظمة السلمية للعلوم الطبية الكويتية بتاريخ ‪6/8/1993‬م‬
‫في مدينة الكويت بالشتراك مع وزارة الصحة الكويتية ومجمع الفقه‬
‫السلمي بجدة‪ ،‬والمكتب القليمي لمنظمة الصحة العالمية بالسكندرية‪،‬‬
‫وهي الندوة الفقهية الطبية السادسة من سلسلة ندوات المنظمة السلمية‬
‫للعلوم الطبية‪ .‬انظر بحث‪ :‬الحكام الشرعية المتعلقة بمرض اليدز‪ .‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.72 :‬‬
‫)‪ (26‬الشوكاني ‪ ،‬إرشاد الفهول ‪ ، 1/411‬تحقيق محمد سعيد البدري ‪ ،‬ط‬
‫‪ ، 1‬سنة ‪1992‬م نشر دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ابن تيمية ‪ ،‬الفتاوي ‪- 28/259‬‬
‫‪ - 31/321‬تحقيق عبد الرحمن بن قاسم ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التدافع في منى من منظور نفسي ‪ -‬اجتماعي‬


‫مريم بنت عبداللطيف الناجم * ‪18/12/1426‬‬
‫‪18/01/2006‬‬
‫ُيعد ّ رمي الجمرات من أسهل مناسك الحج وأيسرها أداء‪ ،‬ذلك أن عملية‬
‫الرمي‬
‫بحد ذاتها ل تتطلب أكثر من رمي عدد معين من الحصيات التي جمعها الحاج‬
‫من مزدلفة‪ ،‬ومع ذلك يقع أثنائها أخطر الحوادث‪ ،‬وأكثر الصابات لدى الحجاج‬
‫حتى أصبحت حوادث التدافع بمنى وما ينتج عنها من وفيات من الشياء‬
‫المتوقعة في مثل هذا الموسم العظيم‪ ،‬وخاصة في اليوم الثاني من أيام‬
‫التشريق‪.‬‬
‫ونظًرا لهمية الحدث فقد تناوله الكثير من المحللين والمهتمين بهدف‬
‫التوصل إلى تفسير دقيق وموضوعي للحدث‪ ،‬كل بحسب وجهة نظره‬
‫وتخصصه‪ ،‬ومن خلل متابعة آراء المحللين نجد أنها ركزت على الجانب‬
‫المادي والتنظيمي‪ ،‬واهتمت بالمكان والخدمات بشكل عام‪ ،‬لذا سيكون‬
‫الحديث هنا عن الجانب النفسي والجتماعي للحاج‪ ،‬والذي ُيعد ّ غاية في‬
‫الهمية؛ لن إغفاله قد ُيبقي على المشكلة حتى مع توافر الحلول المادية‪.‬‬
‫إن الصعوبة ليست في الرمي‪ ،‬وإنما في الظروف النفسية والجتماعية‬
‫المصاحبة لها‪ ،‬ذلك أن الحاج يأتي إلى مكان الرمي‪ ،‬وفي ذهنه عدد من‬
‫المهام التي ينبغي له إنجازها في وقت محدود جدًا‪ ،‬فهو يستحضر أن عليه‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إتمام رمي الجمرات في مكان مزدحم بالحجاج‪ ،‬ثم النطلق سريعا ً لداء‬
‫طواف الوداع قبل وصول أفواج الحجاج إلى مكة‪ ،‬ثم عليه أن يستعد‬
‫للمغادرة بكل ما يتطلبه ذلك منه من جهد‪ ،‬كل هذه الصور الذهنية للعمال‬
‫المطلوبة تجعله في حالة نفسية خاصة‪ ،‬كالشعور بالتوتر وفقدان الحساس‬
‫بالطمأنينة‪ ،‬والخوف من أن يشكل الخرون حوله عائقا ً أمام أداء ما تبقى من‬
‫المناسك مما يزيد من حالة التأهب الشديد‪ ،‬واستنفار القوة الجسدية‬
‫لمقاومة العوائق والحماية من الخطر‪ ،‬ولذا يحدث التدافع في اليوم الثاني‬
‫من أيام التشريق الذي يذهب ضحيته سنويا ً أعداد من الحجاج‪ .‬ومما يزيد من‬
‫تأثير هذا التدافع أن الكثير من الحجاج يتحركون للرمي بعنف في شكل‬
‫جماعات كبيرة متماسكة‪ ،‬وكل جماعة تسعى إلى توفير الحماية لفرادها‬
‫فقط‪ ،‬والذي يكون في الغالب على حساب غيرها‪ .‬وعادة ل تتحرك جماعات‬
‫الحجاج دون تعليمات محددة لفرادها‪ ،‬مثل ً على الفرد الحاج أن يقاوم كل‬
‫الظروف التي تحول دون وصوله إلى الهدف أو تتسبب في انفراطه من يد‬
‫الجماعة التي ينتمي إليها‪ ،‬وهذا بل شك سوف يحصر الحاج في إطار أهداف‬
‫جماعته‪ ،‬ويجعل الخرين حوله مصدر تهديد مما يدفعه إلى التعامل غير‬
‫المناسب معهم‪ ،‬والذي قد يصل إلى حد العدوان‪.‬‬
‫وتفاديا ً لهذا الوضع النفسي والجتماعي كان ينبغي على الحاج أن يؤدي‬
‫النسك بهدوء وسكينة‪ ،‬مع استشعاره لعظمة شعائر الحج‪ ،‬وأن يكون تفكيره‬
‫في الرمي وليس في المهام اللحقة‪ ،‬بحيث ل يزدحم ذهنه بتفاصيل أعمال‬
‫مستقبلية ليس هذا وقتها؛ لن ذلك سيجعله مندفعا ً في سلوكه‪ ،‬وغير متأمل‬
‫لما يقوم به من مناسك حالية‪ ،‬بل قد يفقده الشعور بالجو اليماني الذي‬
‫يغمر لحظات الرمي‪ ،‬ويكون كالذي يصلي‪ ،‬وهو مشغول البال بأمور حياتية‬
‫مختلفة‪ ،‬مما سيؤثر على أدائه للصلة وبالتالي تأثيرها على نفسه وروحه‪ .‬هذا‬
‫إلى جانب أن التأخر في النزوح من منى إلى مكة ‪ -‬وهو ما يخشاه الحاج‪-‬‬
‫سوف يحدث ل محالة إذا تصرف بهذا الندفاع والعشوائية‪ ،‬وقد ل يصل إلى‬
‫مكة أبدًا‪ .‬كما عليه أن يتأمل التجمع السلمي المهيب في الحج‪ ،‬وأن يجدد‬
‫في نفسه روح النتماء إلى أمته السلمية‪ ،‬وأنه جزء منها وليس مجرد فرد‬
‫في جماعة انسلت من هذا التجمع الكبير لُتكون لنفسها وضعا ً جديدا ً ل يأخذ‬
‫في العتبار مصالح من هو خارج هذه الجماعة‪ .‬وخلصة القول‪ :‬إن الحاج‬
‫يحتاج إلى استعداد نفسي واجتماعي سليم كي يؤدي مناسك الحج بل ضرر‬
‫ول ضرار‪ .‬ويمكن أن تساهم عدة جهات في تنمية هذا الستعداد وتهذيبه‪،‬‬
‫وبكل الوسائل الرشادية المتيسرة‪ ،‬ومن ذلك الستعانة بمرشدين نفسيين‬
‫يتولون عملية إرشاد الحجاج ومساعدتهم على تنظيم أفكارهم وسلوكهم‪،‬‬
‫وتبصيرهم بأخطائهم الذهنية التي قد تقودهم إلى مال ُتحمد عقباه‪.‬‬
‫* باحثة في مرحلة الدكتوراه في تخصص الرشاد النفسي جامعة المام‬
‫محمد بن سعود السل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التداوي بالعشاب‪ ..‬بديل أم مكمل؟!‬


‫دبي‪ /‬حسام أبو جبارة ‪24/6/1427‬‬
‫‪20/07/2006‬‬
‫ح العلج افتحها‪ ،‬وانتق منها دواءك"‪ ..‬هكذا‬
‫"العشاب صيدلية متنقلة‪ ،‬كلما ش ّ‬
‫ً‬
‫يقول الكثير من الناس الذين يؤمنون بالعلج بواسطة العشاب‪ ،‬بديل أو‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مكمل ً للعلج الكيماوي‪ ..‬ولكن هل كل العشاب صحية وخالية من الخطار؟!‬


‫أليست أشهر السموم التي عرفتها البشرية في الماضي والحاضر عبارة عن‬
‫أعشاب ونباتات؟!‬
‫لقد عرف النسان منذ فجر التاريخ العشاب الطبية وفوائدها العلجية‬
‫المختلفة‪ ،‬وبرع الصينيون والمصريون القدماء في علم التداوي بالعشاب؛ إذ‬
‫استخدموها للعلج والتحنيط والزينة‪ .‬وفي العصور السلمية انتشر أيضا ً علم‬
‫التداوي بالعشاب‪ ،‬وظهر الكثير من الكتب والمخطوطات التي تشرح بصورة‬
‫واضحة أنواع العشاب الطبية المختلفة وطرق استخدامها والمراض التي‬
‫يمكن أن تعالجها‪ .‬وبالرغم من التطور الهائل في الطب وظهور الكثير من‬
‫الدوية في شتى مجالت العلج‪ ،‬فإن الحقبة الماضية شهدت عودة إلى‬
‫استخدام العشاب الطبية في علج المراض‪ ،‬كواحد من أهم أفرع الطب‬
‫البديل‪.‬‬
‫)السلم اليوم( تفتح ملف طب العشاب البديل أو المكمل‪ ،‬وتستطلع آراء‬
‫خبراء العشاب والطباء والختصاصيين في هذا المجال‪.‬‬
‫كثرة المؤيدين‬
‫في البداية تحدثنا إلى بعض الشخاص الذين استخدموا العشاب للعلج‪،‬‬
‫ومنهم غياث الراس‪ ،‬الذي يؤمن بمقولة "العشاب إن لم تنفع فإنها ل تضر"‪،‬‬
‫وتحدث عن والدته التي مرضت مرة‪ ،‬مرضا ً شديدًا‪ ،‬واستخدمت العشاب‬
‫علجا ً فأعطت مفعولها أكثر من الدواء التقليدي‪ .‬أما خالد محمد فيستخدم‬
‫العسل وحبة البركة وغذاء ملكات النحل واليانسون علجا ً لوجاع المعدة‬
‫الذي يعاني منه منذ ثماني سنوات‪ ،‬وهو يرتاح كثيرا ً عند تناولها‪ ،‬ول يعتقد‬
‫بوجود أضرار جانبية لها‪.‬‬
‫ً‬
‫ويفضل أحمد سمية استعمال العشاب للمراض التي تأخذ وقتا طويل ً‬
‫للشفاء؛ لن مخاطرها تكون أقل من الدواء العادي‪ .‬وهو يرى أن المستقبل‬
‫سيكون للعلج بالعشاب لنها متوفرة بكثرة‪ ،‬وسهلة الستخدام‪ ،‬ورخيصة‬
‫الثمن‪ ،‬ومخاطرها قليلة‪ .‬ولكن عبيد صالح لم يستخدم العشاب مطلقا ً في‬
‫ل‪ .‬وتنصح منال‬ ‫حياته ول يؤيد استعمالها إل لمراض بسيطة كآلم البطن مث ً‬
‫عبد الله بالحصول على العشاب والدوية المصنوعة من مواد طبيعية من‬
‫أماكن ومحلت مرخصة من الجهات المعنية‪ ،‬وبضرورة استشارة الطبيب قبل‬
‫استخدامها؛ لن بعضها له مضاعفات سلبية‪ .‬أما فرح بدر فل تحكم على‬
‫إمكانية شفاء العشاب للمرضى إل بعد تجربتها‪ ،‬وقد استخدمت هي شخصيا ً‬
‫أعشابا ً كالميرمية والبابونج لعلج أمراض البطن بعد أن أخبرتها والدتها بأنها‬
‫مجربة‪.‬‬
‫وإذا كان معظم الذين التقيناهم يستعملون العشاب الطبية‪ ،‬ويؤمنون‬
‫بنجاعتها‪ ،‬فإن لديهم الكثير من التساؤلت حول مصادر هذه العشاب‪ ،‬وكيفية‬
‫استخدامها في العلج‪ ،‬وكيفية التفريق بين المفيد والضاّر منها‪ ..‬لذلك التقينا‬
‫بعض خبراء العشاب والغذية الطبيعية كي نستوضح منهم المر‪.‬‬
‫* أعشاب منزلية مفيدة‬
‫ُيعدد عبد الرؤوف يونس ‪-‬خبير أعشاب‪ -‬المناطق التي يحصلون منها على‬
‫العشاب الطبية بالقول‪" :‬هناك الكثير من الدول التي نحصل منها على‬
‫العشاب المستخدمة في العلج ومنها‪ :‬الهند‪ ،‬ومصر‪ ،‬والصين‪ ،‬وإيران‪،‬‬
‫وسوريا‪ ،‬واليمن‪ ،‬والسودان‪ ،‬وروسيا‪ ،‬وأستراليا‪ ،‬وألمانيا"‪.‬‬
‫ويضيف يونس‪" :‬هناك أعشاب ومواد طبيعية موجودة بسهولة بين أيدي‬
‫الناس يمكن أن تعالج الكثير من المراض مثل "الحبة السوداء" التي تنشط‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جهاز المناعة من خلل تحسين فعالية الخليا الطبيعية القاتلة التي تهاجم‬
‫الخليا المريضة‪ ،‬كما أنها تحتوي على مواد مقوية ومنشطة‪ ،‬وهي تزيل‬
‫سعال العصبي‪ ،‬وتعالج الرهاق‪ ،‬وتنشط الذاكرة‪ ،‬وتساعد على زيادة إدرار‬ ‫ال ّ‬
‫حليب الم والبول‪ ..‬وهناك عشبة "اليكناشيا" التي تعد ّ النبات الول في‬
‫حماية الجسم من الميكروبات‪ ،‬ومعالجة اللتهابات الصديدّية في الجسم‪،‬‬
‫وهي توقف نمو البكتيريا وتقضي عليها‪ ،‬وتعالج الدمامل وحب الشباب‬
‫والتهاب اللوزتين ولدغات الفاعي‪ .‬كذلك يعتبر "الكركم" خير من يحافظ‬
‫على صحة ووظائف الكبد‪ ،‬فهو مضاد للدهون في الدم وخليا الكبد ويقلل من‬
‫مستوى الكوليسترول في الدم‪ ،‬ويحمي من سرطان القولون‪ .‬ويساهم في‬
‫علج مرض السكري؛ لنه يحفز إنتاج النسولين من خليا البنكرياس‪ ،‬ويفيد‬
‫في حالت الرهاق والجهاد‪ .‬أما "إكليل الجبل" فينشط القلب والمعاء‪،‬‬
‫سن‬‫ويقوي الذاكرة‪ ،‬ويطرد الغازات‪ ،‬ويساعد في علج الصداع النصفي‪ ،‬ويح ّ‬
‫الدورة الدموية‪ ،‬ويطّهر الرئة‪ ،‬ويزيد من إفراز المرارة‪ ،‬ويوسع الشرايين‬
‫فض "الراوند" من حرارة الجسم‪ ،‬ويعالج‬ ‫الدقيقة في الرأس‪ .‬في حين يخ ّ‬
‫البواسير ويخفف من الدهون والشحوم‪ ،‬ويعالج المساك‪ ،‬وينشط البنكرياس‪.‬‬
‫ويستعمل شاي "الراوند" لزالة الحبوب السوداء من الوجه عن طريق‬
‫شربه"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويضيف خبير العشاب سامر الحميدي إلى هذه السماء‪" :‬البابونج" الذي‬
‫دئ العصاب ويعالج المغص المعوي‪ ،‬و"الميرمية" التي تخفض نسبة‬ ‫يه ّ‬
‫السكر في الدم‪ ،‬وتخفف الوزن‪ ،‬وتهدئ القرحة المعوية‪ ،‬وكذلك "الزعتر"‬
‫المهدئ للسعال‪ ،‬والمنشط للذاكرة‪ ،‬و"الشاي الخضر" المانع للتجلطات‬
‫والمخفف لنسبة الدهون في الدم‪ ،‬وهو يساعد على تخفيف الوزن‪ ،‬ويقي من‬
‫السرطان‪.‬‬
‫الخبرة هي الساس‬
‫وحول فحص ومراقبة الوصفات العشبية المستخدمة للعلج قال خبير‬
‫العشاب والتداوي بالحجامة عادل العارف‪ :‬إن جميع العشاب والوصفات‬
‫ل‪ُ ،‬تفحص في "مجمع‬ ‫الدوائية العشبية في دولة المارات العربية المتحدة‪ ،‬مث ً‬
‫زايد لبحوث العشاب والطب التقليدي" في "أبو ظبي"‪ ،‬وهو الجهة الرئيسة‬
‫في هذا المجال كونه يضع معايير جودة العشاب المستوردة للتأكد من‬
‫سلمة استعمالها‪ ،‬ويجري البحاث على المواد العشبية من أجل تطوير‬
‫جودتها وفعاليتها‪ .‬ويؤكد الخبير سامر الحميدي أن جميع العشاب المستخدمة‬
‫في العلج تخضع لمراقبة وإشراف من قبل وزارة الصحة والبلديات للتأكد‬
‫من مطابقتها للقوانين والشروط الصحية‪ ،‬كما يتم فحص نظافة وتهوية‬
‫العشاب وصلحيتها باستمرار‪ ،‬إضافة إلى مراقبة كيفية تجهيز الخلطات‬
‫العشبية والزيوت الطبيعية‪.‬‬
‫وبالنسبة للتحقق من موثوقية مكونات الوصفات العلجية‪ ،‬يقول الخبير عبد‬
‫الرؤوف يونس‪ :‬إنه ل يصف علجا ً من العشاب دون أن يعرف مكوناته؛ لن‬
‫الخبرة هي الساس‪ .‬ويضيف عادل العارف أن غالبية الوصفات مأخوذة من‬
‫أمهات الكتب مثل "الطب النبوي"‪ ،‬ومؤلفات ابن سينا وكتاب "تذكرة داود"‬
‫للنطاكي‪ ،‬وكتاب "الرحمة" للمام السيوطي وغيرها‪ ،‬ولذلك لبد للمعالج‬
‫ما ً بخواصها‪ ،‬سواء كانت مفردة أو مركبة‪.‬‬‫مل ّ‬
‫بالعشاب أن يكون ُ‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دد بعض النصائح حول أسلم الطرق لستعمال‬ ‫ولعل من المفيد هنا أن نع ّ‬
‫العشاب بطريقة صحية سليمة ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬استشارة أهل الختصاص قبل استعمال أي دواء عشبي لمعرفة مزاياه‬
‫وأعراضه الجانبية المحتملة‪.‬‬
‫‪ -‬اللتزام بالكمية أو الجرعة الموصى بها وعدم تجاوزها‪.‬‬
‫‪ -‬استعمال العشاب من قبل الشخص المريض فقط‪ ،‬وعدم إعطاء نصائح‬
‫باستعمالها من قبل أشخاص مصابين بذات المرض؛ لن بعضهم قد تكون‬
‫عنده حساسية تجاه بعض العشاب‪.‬‬
‫‪ -‬النتباه لي تفاعلت محتملة‪ ،‬خاصة في حالة استخدام أعشاب أو أدوية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫خصة؛ لن الحصول على العشاب‬ ‫‪ -‬الحصول على العشاب من أماكن مر ّ‬
‫ً‬
‫من مصادرها الطبيعية يتطلب خبرة طويلة‪ ،‬فمثل هناك تشابه كبير بين‬
‫م‪ ،‬وكذلك المر بالنسبة للفطر‬ ‫"البقدونس البري" ونبات "الشوكران" السا ّ‬
‫مّيته‬
‫س ّ‬ ‫ً‬
‫العادي‪ ،‬وفطر "المانيتا" الذي ُيعرف بـ"قبعة الموت" تأكيدا على ُ‬
‫الشديدة!‬
‫أمراض عالجتها العشاب‬
‫يجمع خبراء العشاب على أن الفئة الكثر إقبال ً عليهم هم الشخاص الذين‬
‫يئسوا من الطب الحديث وآثاره الجانبية‪ ،‬وفي الغالب أولئك الذين يعانون‬
‫من أمراض استعصى علجها‪ ،‬كما يقول عادل العارف‪.‬‬
‫من جانبه‪ ،‬يرى عبد الرؤوف يونس أن هناك الكثير من المراض المستعصية‬
‫التي عالجتها العشاب بعد أن عجز عنها الطب الحديث‪ ،‬ومنها الصدفية‪،‬‬
‫والكزيما‪ ،‬والربو‪ ،‬والسكري‪ ،‬وأمراض الكبد الفيروسي‪ ،‬وكذلك ‪ -‬كما يقول‬
‫سامر الحميدي ‪ -‬تضخم البروستاتا ومشكلت الكليتين‪ ،‬ويضيف الحميدي أن‬
‫الوصفات العشبية تعد مكملة للعلج الكيميائي‪ ،‬فل ُتعطى أي وصفة عشبية‬
‫إل بعد السؤال عن الدواء الذي كان يتعاطاه المريض حتى ل تتداخل مكونات‬
‫در الله‪.‬‬
‫العلج وتحدث مضاعفات خطيرة ل ق ّ‬
‫ويروي الحميدي أمثلة لشخاص عولجوا بوساطة العشاب فكان الشفاء‬
‫حليفهم‪ ،‬ومنهم طفل في الخامسة من عمره كان يعاني من احتقان والتهاب‬
‫حاّدين في اللوزتين‪ ،‬وكان من المقّرر أن تجرى له عملية لستئصال اللوزتين‪،‬‬
‫إل أنه ُأعطي برنامجا ً غذائيا ً خاصًا‪ ،‬ثم علجا ً من العشاب والعسل وخلصة‬
‫شفي بفضل الله خلل فترة ل تتجاوز الربعين يوما ً وُألغيت‬ ‫الزيوت الطبيعية ف ُ‬
‫العملية‪ .‬وهناك رجل سوداني الجنسية عمره )‪ (54‬عاما ً أثبتت التحاليل‬
‫الطبية وجود تضخم والتهاب في البروستاتا عنده‪ ،‬فُأعطي نظاما ً غذائيا ً من‬
‫)المايكرو بوتيك( ثم ُأعطي وصفة عشبية مع العسل‪ ،‬وخلل سبعين يوما ً‬
‫شفي وعادت له حياته بشكل طبيعي دون مشكلت‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الطبيعة خير علج‬
‫تعمل الصيدلنية كندة الصّراف في مركز متخصص بالغذاء الصحي‪ ،‬وهي ‪-‬‬
‫بحكم عملها‪ -‬لها خبرة في مجال الغذاء الصحي والعلجات المأخوذة من‬
‫مواد طبيعية‪.‬‬
‫سألناها بداية عن مصدر المواد المتوفرة في المركز فقالت‪" :‬كلها منتجات‬
‫وأغذية طبيعية ‪ ،%100‬بدءا ً من الرض التي ُتزرع بها‪ ،‬مرورا ً بالسمدة التي‬
‫ُتضاف إليها‪ ،‬وانتهاء بطرق تصنيعها وحفظها؛ فالغذية طبيعية وبعضها مضاف‬
‫إليه معادن وعناصر غذائية مفيدة للصحة‪ ،‬كاللياف‪ ،‬والبروتينات‪ .‬أما الدوية‬
‫فكلها من مصدر عشبي مؤكد وموثوق"‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وبالنسبة لستخدام بعض المنتجات الطبيعية علجًا‪ ،‬تؤكد كندة أن الدوية‬


‫الطبيعية ل تعد ّ علجا ً بحد ذاتها‪ ،‬ولكنها مكملة وداعمة للعلج الكيميائي‪ ،‬كما‬
‫أن العتماد على غذاء طبيعي من شأنه أن يمنح وقاية للمستقبل‪ .‬وحول أكثر‬
‫المنتجات التي يقبل عليها الناس‪ ،‬تقول الصراف‪ :‬إن الفيتامينات تحتل‬
‫المرتبة الولى‪ ،‬تليها أدوية التنحيف وتخفيف الوزن‪ ،‬ثم المقويات الرياضية‪.‬‬
‫رأي الطب الحديث‬
‫يرى الدكتور عدنان عبد الواحد ‪-‬أخصائي أمراض المفاصل والعظام‪ -‬أن‬
‫العشاب لم ُتدرس نتائج فعاليتها وتأثيراتها جيدا ً مثل الدوية المصنعة‬
‫كيميائيًا‪ ،‬لذلك فإنها قد تكون فّعالة في علج بعض المراض البسيطة مثل‬
‫نزلت البرد والرشح والسعال‪ .‬ويضيف‪" :‬الدوية المصنعة كيميائيا ً تكون‬
‫جربت سنوات طويلة قبل أن‬ ‫آثارها الجانبية محسوبة ومدروسة جيدًا‪ ،‬وقد ُ‬
‫ُيؤذن لها بالتداول‪ ،‬أما العلج العشبي فل تزال الدراسات والتجارب قليلة فيه‬
‫وقد تكون مضاعفاته خطيرة على المدى البعيد"‪.‬‬
‫ويعتقد الدكتور عبد الواحد أن استخدام العشاب الطبية قد صاحبه الكثير من‬
‫عدم الدقة والمبالغة في الوصف إلى الحد الذي دخل الدجل أو الخداع فيه؛‬
‫فقد تقرأ أو تشاهد في العلنات بأن الدواء العشبي الفلني له مفعول سريع‬
‫وسحري‪ ،‬ولكن عند الستعمال تظهر الحقيقة‪ ،‬وتكون له تأثيرات جانبية ل‬
‫ُتحمد عقباها‪ ،‬لذلك يجب استشارة الطبيب في ذلك‪ ،‬وعدم التهاون في‬
‫دعون‬ ‫التعامل مع صحة النسان من قبل أشخاص ل علقة لهم بالطب‪ ،‬وي ّ‬
‫الخبرة بالعشاب‪.‬‬
‫ورغم معارضة الدكتور عدنان عبد الواحد الدواء العشبي وتفضيله الدواء‬
‫الكيميائي‪ ،‬فهو يقّر بأنه لم ُتعرض عليه حالت لمرضى أّثر فيهم دواء عشبي‬
‫تأثيرا ً سلبيًا‪ .‬ويضيف‪" :‬يمكنني أن أصف دواًء عشبيا ً لمريض لكن بشرط أن‬
‫يكون مصنعا ً في شركة أدوية معروفة لكي تكون مكوناته مضمونة"‪.‬‬
‫وإذا كان الطباء يعتقدون بأن الدوية والعقاقير أكثر فعالية من العشاب‬
‫كونها تخضع لدارة وإشراف منظمة الغذية والدوية )‪ ،(FDA‬فإن العشاب‬
‫في الواقع تتمتع بميزة أكبر وتاريخها الطويل في مجال الستهلك؛ إذ صمدت‬
‫إزاء اختبار الزمن منذ عصور‪ .‬وتعتمد فعالية العشبة على عوامل عدة‪:‬‬
‫تركيبتها الجنينّية‪ ،‬شروط الزراعة والنمو‪ ،‬درجة النضوج وقت الحصاد‪ ،‬مدة‬
‫التخزين‪ ،‬طريقة التصنيع‪ .‬ولذلك يفترض فعل ً الحصول على العشاب من‬
‫مصادر خاضعة لشراف من الجهات المعنية‪.‬‬
‫طب مكمل وبديل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العلج بالعشاب أصبح اليوم اتجاها عالميا أقّرته منظمة الصحة العالمية‬
‫لمزاياه وتدني تأثيره الجانبي مقارنة بالدواء الكيميائي‪ ،‬بيد أن العلج‬
‫بالعشاب له بعض العيوب؛ فهو‪:‬‬
‫ل‪ :‬علم دخله الكثير من الدجل والخداع‪.‬‬‫أو ً‬
‫وثانيًا‪ :‬بعض وصفاته العلجية تحتاج وقتا ً طويل ً حتى تشفي المرض‪.‬‬
‫وثالثًا‪ :‬هناك صعوبة في تحديد دقيق لمكونات الدواء العشبي‪.‬‬
‫ورابعًا‪ :‬معظم الرقابة على العشاب تقتصر على فحص تاريخ صلحيتها أكثر‬
‫من أن تكون رقابة صحية حول مفعولها‪ .‬ومن الضرورة أن يتم استخدام‬
‫العلج بالعشاب بعد الحصول عليها من أماكن مرخصة وأن يراجع الطباء أو‬
‫المختصين قبل التفكير باستعمال العلج العشبي؛ لن لكل مرض علجًا‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بوسائل وجرعات محددة‪ .‬كما أن بعض العشاب يمكن أن تكون بديل ً كليا ً‬
‫للدوية الكيميائية‪ ،‬وخاصة في المراض البسيطة‪ ،‬وبعض المراض التي ثبتت‬
‫نجاعة العلج العشبي معها‪ ،‬وبالمقابل هناك بعض المراض التي ُتعد ّ‬
‫الوصفات العشبية مكملة للدواء الكيميائي في علجها‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التداوي بالقرآن الكريم بين اللتزام والتجاوز‬


‫أحمد إسماعيل*‬
‫ي بغرض الرقية‪ ..‬وظللت أرقيه‬ ‫)الهادي(‪ ..‬شاب ظل يداوم على التردد عل ّ‬
‫طيلة ثلث سنوات متتالية‪ ..‬ولكن لم يحدث أي أثر‪ ،‬ومع استمرار الحالة‪..‬‬
‫دا من‬ ‫وبعد تفكر عميق طلبت منه أن يحضر معه في المرة القادمة واح ً‬
‫أعضاء أسرته ‪ ..‬وفي اللقاء التالي حضر ومعه أخته‪ ،‬وبدأت أرقيهما مًعا‪ ..‬فإذا‬
‫بأخته تستحضر – ينطق الجن الذي فيها‪ -‬وبعدها بقليل إستحضر الهادي نفسه‬
‫‪ ..‬وواصلت الرقية حتى نطق الجني الذي يسكن الفتاة‪ ،‬أخبرني‪-‬على لسانها‪-‬‬
‫أن السحر مدفون تحت النخلة التي في منزلهم‪ ،‬فسألته‪ :‬في أي شيء‬
‫دفن ؟‪ ..‬هل هو في علبة‪ ،‬أم في لفافة‪ ،‬أم ماذا؟‪ ..‬فقال الجني‪ :‬في جثة‬
‫طفل!!‪ ..‬ويا لهول المفاجأة!! ‪ ..‬وبالفعل قاموا بالحفر تحت النخلة فوجدوا‬
‫جثة طفل‪ .‬و وجدوا بداخلها السحر!!‪"..‬‬
‫هكذا روى لنا أحدالمشتغلين بالعلج القرآني أو الرقية الشرعية!! ‪..‬‬
‫وعشرات القصص مثل هذه يرويها هؤلء الناس‪ ..‬و يقولون إن أمراضا ً كثيرة‬
‫تستعصى على الطب ‪ ..‬يقومون بمعالجتها بعد أن يكتشفوا أن سببها تلبس‬
‫الجن بالنسان!!‪ ..‬لقد انتشر المعالجون بالرقي‪ ..‬وافتتحت كثير من الدور –‬
‫كعيادات – ولمعت كثير من السماء ‪ ..‬بعض الرقاة أدخل التكنولوجيا الحديثة‬
‫في عمله مثل أجهزة الحاسوب وغيرها‪ ..‬بل وصارت للرقية مواقع على‬
‫شبكة الويب تستقبل استشارات الناس وتقوم بالرد عليها‪ ..‬وتدلهم على‬
‫العلج وعلى المعالجين‪.‬‬
‫أصبح هذا النمط من )الطب( والعلج ظاهرة أخذت حيزها في عالم اليوم‪،‬‬
‫ومع تمددها ‪ ..‬تمددت كثير من التساؤلت والراء حول هذه القضية‪ ..‬هل هي‬
‫ظاهرة صحية أم ظاهرة مرضية!!؟‪ ..‬وما هي الضوابط الشرعية للرقية؟‪..‬‬
‫هل يسمى هذا النمط طًبا؟!!‪ ..‬هل يجوز اعتبار الرقية مهنة ومصدًرا‬
‫للكسب‪ ..‬إلى غير ذلك من الراء والتساؤلت التي انقسم الناس فيها بين‬
‫مؤيد ومعارض‪..‬‬
‫ما هي الرقية الشرعية‪:‬‬
‫يقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة‪ ..‬أستاذ أصول الفقه بجامعة‬
‫القدس‪:‬‬
‫إن مس الجن للنسان ثابت وقد قامت الدلة على ذلك من كتاب الله وسنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الواقع يؤيد ذلك قال شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬
‫)وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره‪،‬‬
‫ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك‪ ،‬فقد كذب على الشرع‪ ،‬وليس‬
‫في الدلة الشرعية ما ينفي ذلك( مجموعة الفتاوي ‪.24/276‬‬
‫ويكون العلج من صرع الجن للنسان بقراءة اليات القرآنية والوراد النبوية‬
‫الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الشيخ محمد سيد حاج يرى أن‪ :‬الصل عند المرض الذهاب إلى الطبيب‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن القرآن فيه شفاء للمراض العضوية أيضا ً و الشاهد في ذلك حديث‬
‫اللديغ ‪.‬‬
‫ويرى البعض الرقية الشرعية تنقسم إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ل‪ :‬الرقية الشرعية الموجودة في كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله‬ ‫أو ً‬
‫عليه وسلم‪ ،‬من آيات أو أحاديث‪ ،‬وهي رقية باللغة العربية الفصحى‬
‫ومفهومة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ثانًيا‪ :‬رقية بدعية وهي عبارة عن خليط من الصحيحة وأضيف إليها بعض‬
‫إجتهادات البشر وهيه بدعة‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬الرقية الشركية وهي التي تقرأ على المريض بغير اللغة العربية وبلهجة‬
‫غير مفهومة وبها استعانات واستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى‪(..‬‬
‫إدارة الفتاء والبحوث الشرعية بوزارة الوقاف والشئون السلمية بدولة‬
‫الكويت هي الخرى في فتواها رقم ‪87‬ع‪ 92/‬بتاريخ ‪.12/7/1992‬‬
‫تجوز الرقية بشروط ثلث‪:‬‬
‫أوليها‪ :‬أن تكون بكلم الله تعالى أو بأسمائه وصفاته‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية ل تؤثر بذاتها بل بإذن الله تعالى‬
‫وقدرته"‪.‬‬
‫وتضيف في فتواها رقم ‪3‬ع‪ 94 /‬بتاريخ ‪6/7/1994‬م‪.‬‬
‫ما نصه‪) :‬ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الرقية من كل داء يصيب النسان‬
‫بشروط أربعة‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون بكلم الله تعالى أو بأسمائه وصفاته وبالمأثور الثابت عن‬
‫قا‪.‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وبذكر الله مطل ً‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون الكلم مفهوم المعنى‪ ،‬وأل يستعمل فيها الطلسم والرموز‬
‫التي ل يفهم معناها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية ل تؤثر بذاتها بل بإذن الله تعالى‬
‫وقدرته‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن ل تشتمل الرقية على شرك أو معصية‪.‬‬
‫وقد روى عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬كنا نرقي في الجاهلية‬
‫فقلنا يا رسول الله‪ ،‬فكيف ترى في ذلك ؟! فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫اعرضوا علي رقاكم‪ ،‬ل بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك" أخرجه مسلم‪.‬‬
‫انتشار ظاهرة تلبس الجن بالنس‪:‬‬
‫يزعم المعالجون بالرقية الشرعية أن ظاهرة تلبس الجن بالنس بسبب‬
‫السحر أو المس أو العين قد انتشرت بشكل ملحوظ في الونة الخيرة‪ ..‬مما‬
‫سبب كثيرا ً من الشكالت الجتماعية والتعقيدات الكبيرة ‪ ..‬يقول أحد‬
‫الممارسين للرقية في إحدى الدول العربية أنه عالج ما يقارب الـ ‪ 2‬مليون‬
‫حالة‪.‬‬
‫ويقول الستاذ‪ :‬المتنبئ عبد الله ـ أحد المعالجين بالقرآن الكريم بمدينة‬
‫أمدرمان‪ ،‬السودان ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫)لحظت أن كل قبيلة من قبائل السودان ينتشر فيها نوع معين من المراض‬


‫وأعتقد أن مرجع انتشار هذه المراض مؤخًرا في السودان يرجع إلى ظاهرة‬
‫النزوح – عقب الجفاف والتصحر – التي ساعدت على انتشار الثقافة الوثنية‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السحرية‪ ..‬ويقول إن أكثر المراض إنتشاًرا هي إصابات العين‪.‬‬


‫كما يرى أن للسحر أثًرا كبيًرا في التحولت والتفكك الجتماعي وشيوع‬
‫التحلل الخلقي فيقول إن هناك مثل ً )سحر الجلب( الذي يستخدم في إغواء‬
‫الفتيات للسقوط في مستنقع الرذيلة‪.‬‬
‫أما عبد الجليل آدم فضل‪) :‬متخصص في الرقية الشرعية( الخرطوم بحري –‬
‫حي المزاد – فيقول‪:‬‬
‫إن أكثر المراض إنتشاًرا هي العين – الحسد ‪ ..‬والسحر‪ ،‬وهناك فرق بين‬
‫العين والحسد‪ ،‬فالعين قد تكون عين إعجاب فقط‪ .‬بغير حسد‪ .‬وقد تكون‬
‫عين حسد‪ ،‬ويشتركان في كون الصابة بها تكون عن طريق النظر من‬
‫النفس الخبيثة‪ .‬أو ما يسمى عند العامة بـ)النجيهة(‪.‬‬
‫هل هناك تداخل بين المراض العضوية وأمراض المس الشيطاني‪:‬‬
‫الستاذ المتنبئ عبد الله يرى أن ‪ :‬هناك تداخل كبير بين المراض العضوية‬
‫والمراض الروحية‪ .‬أمراض المس الشيطاني‪ .‬ويدل عليه حديث النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪) :‬الطاعون من وخز إخوانكم من الجن( وأنا أذهب إلى أبعد‬
‫من ذلك‪ ،‬بل أعتقد أن السبب الساسي وراء المراض هو المس ولكني ل‬
‫دا بهذا الرأي ‪ ..‬فالطب الحديث متقدم في علج )الظواهر والنتائج‬ ‫ألزم أح ً‬
‫ولكنه متأخر في علج السباب والمقدمات(‪.‬‬
‫ل‪) :‬السكري( يذهب الطب إلى أنه ناتج عن خلل في البنكرياس ولكن ل‬ ‫فمث ً‬
‫يقدم تفسيًرا لهذا الخلل‪ ..‬ما سببه ‪ ..‬أنا أعتقد أن الجن هو المتسبب في‬
‫الخلل‪ ،‬وقد قمت بعلج حالة من هذا النوع‪ ،‬وجدت أن الجن يسكن‬
‫ي حالة‬‫البنكرياس‪ ..‬كذلك الحال في سرطان الدم )اللوكيميا( فقد مرت عل ّ‬
‫امرأة مصابة به‪ ،‬وكان الجن يجري في دمها‪ ،‬فعندما قرأت عليه قوله تعالى‬
‫)وجاءوا على قميصه بدم كذب( استحضر الجن‪ ،‬وبعد ذلك خرج وشفيت‬
‫ما‪.‬‬‫المرأة تما ً‬
‫ولكن عبد الجليل آدم مع كونه يوافق المتنبئ في وجود التداخل بين الروحي‬
‫والعضوي ‪ ..‬إل أنه ل يذهب مذهبه في إرجاع سبب كل المراض العضوية‬
‫إلى مس الجن فيقول‪:‬‬
‫حا أن كل مرض عضوي سببه الجن بل هناك أمراض عضوية‬ ‫ليس صحي ً‬
‫بحتة ‪ ..‬وهناك أمراض روحية بحتة ليس لها حتى أعراض قاهرة‪ ..‬وهناك‬
‫أمراض مشتركة‪ ..‬بل إن المرض وإن كان في الصل روحي ولكن العرض‬
‫العضوي فيه أكبر ‪ ..‬فهنا يكون الولى الذهاب إلى الطبيب‪.‬‬
‫تجاوزات المعالجين بالقرآن‪:‬‬
‫يتهم المشتغلون بالعلج بالقرآن بأنهم يتوسعون في المر إلى درجة التجاوز‬
‫وتنسب إليهم أفعال بعضها يدخل في باب المتفق على تحريمه ‪ ..‬وآخرون‬
‫انزلقوا إلى استعمال الطلسم وغيرها فوقعوا في ممارسة السحر وتسخير‬
‫الجن ‪ ..‬ولكن بعض ما ينسب إلى التجاوز من هذه الفعال محل اختلف في‬
‫وجهات النظر‪ ...‬وهذا الخير باب كثر فيه الجدال بين المشتغلين بالرقية‬
‫الشرعية وبين منتقديهم‪.‬‬
‫يقول الشيخ ياسر عثمان جاد الله‪ :‬خطيب مسجد دار تحفيظ القرآن الكريم‬
‫بالعيلفون‪:‬‬
‫هناك تجاوزات تحدث من بعض الممارسين للرقية الشرعية تدخل في باب‬
‫عا ‪ ..‬مثل الخلوة بالمرأة الجنبية ومس بدنها وأحياًنا تتكشف‬ ‫الممنوع شر ً‬
‫المرأة الممسوسة أمامهم‪ ..‬والبعض ل يتورع عن هذه الشياء لنه يتعامل مع‬
‫المسألة من ناحية تجارية بحتة ‪ ..‬كذلك من التجاوزات في هذا الباب المغالة‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في أسعار الجلسات وتكاليف العلج بما يرهق كاهل المرضى‪.‬‬


‫كذلك من التجاوزات‪ :‬غلو بعض هؤلء الرقاة في تحديد المس‪ ،‬حتى‬
‫يتصورون أن كل شيء وكل حركة وكل أمر ناتج عن مس الشيطان ‪ ..‬المر‬
‫الذي أدى إلى تثبيت الوهام عند كثير من العامة والخاص‪.‬‬
‫و يذكرالدكتور طارق الحبيب‪-‬رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الملك‬
‫سعود بالرياض‪ -‬أن من هذه التجاوزات‪:‬‬
‫) البتداع في أساليب العلج و الرقية و التشخيص‪ ،‬فمنهم من يستخدم ذيل‬
‫الذئب لختبار و جود الجني من عدمه‪ ،‬ومنهم من يلسع بالكهرباء‪ ،‬و منهم من‬
‫يشخص المريض أنه مصاب بالوشرة أو عنده تسنيم في الدماغ !! فيعالجه‬
‫بالكي فيحرق رأسه‪ ،‬و على الطباء فيما بعد أن يجتهدوا في علج ضحاياه‪.(..‬‬
‫ويوافق "المتنبئ" على وجود تجاوزات تقع من بعض المعالجين‪:‬‬
‫فيقول‪" :‬نعم هناك كثير من التجاوزات يمارسها بعض المشتغلين بالرقية مثل‬
‫المغالة في أسعار الجلسات بما يرهق كاهل المصاب ‪ ..‬وقد يرد بعضهم‬
‫ف ‪ ..‬وهذا ما ل نفعله‪ ..‬ومن الخطاء التي‬
‫المصاب الذي ليس معه مال كا ٍ‬
‫يقع فيها بعض الناس الدخول في هذا العمل من غير تجربة كافية ‪ ..‬فهذا‬
‫العمل قائم على أساس التجربة ‪ ..‬أحياًنا يقوم الجن بقتل الممسوس إذا لم‬
‫يحسن الراقي التعامل ‪.‬‬
‫كذلك من التجاوزات ما يفعله بعض المتصوفة ‪ ..‬فهناك كتب لطرق صوفية‬
‫مجموع فيها احزاب وأوراد مثل )حزب السيف( و)حزب المان( وفيها كثير‬
‫من المخالفات العقائدية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويرى عبد الجليل آدم‪ :‬إن من التجاوزات الخلوة بالمريضة من غير محرم‪..‬‬
‫ويرى أن هناك فرقا ً بين المغالة في السعار وبين تحديد أسعار للجلسات ‪..‬‬
‫فالتحديد هو نوع من )الجعالة( وفيه حسم لمادة النزاع ‪ ..‬ولكن المغالة هي‬
‫المذمومة‪ .‬ويقول )نسمع عن أرقام فلكية غير متصورة ‪ ..‬وهذا يدخل العنت‬
‫على المريض ويؤدي به إلى عدم مواصلة العلج وربما إلى الموت أو‬
‫الجنون ‪ ..‬والعلج فيه إحياء للنفس وحفظ للعقل ‪ ..‬وعلى الرقاة أن يتذكروا‬
‫أن المر هو دعوة في المقام الول(‪.‬‬
‫الضرب كوسيلة للعلج‪:‬‬
‫يستخدم كثير من الرقاة الضرب في علج المس ويعتبرونه وسيلة لخراج‬
‫الجني أو إخافته ‪ ..‬وحجتهم في ذلك ما يروي بعض العلماء – كشيخ السلم‬
‫بن تيمية – أنه كان يضرب أثناء العلج ‪ ..‬وحجتهم كذلك‪ ،‬أن الضرب يقع على‬
‫الجني ول يقع على النسي‪.‬‬
‫يقول الدكتور طارق الحبيب‪ :‬يلجأ بعض الرقاة إلى استخدام الخنق و الضرب‬
‫عند رقية مرضاهم مما يؤدي أحيانا ً إلى حدوث بعض الجروح و الحروق و‬
‫أحيانا ً الموت‪ ،‬و مع أن هذه الطرق منتشرة عند بعض منهم إل أنها تنتشر‬
‫بشكل أكبر و بصورة متكررة عند قليلي الحظ من العلم الشرعي منهم أكثر‬
‫من سواهم‪ ...‬أما الضرار غير المحسوسة مما ل يمكن قياسه مثل إيهام‬
‫بعض المعالجين بالقرآن المريض بأنه مسحور أو معيون دون أن يكون عند‬
‫الراقي ما يثبت به قوله مما يؤدي بالمريض إلى الدخول في دائرة الوهم و‬
‫من سحره أو عانه فهذه الضرار إن أمكن إثبات شيئ منها‬ ‫الشك باحثا ً ع ّ‬
‫فللقاضي تعزيره بما يراه محققا ً للعدالة و بما يحقق الردع لمثاله‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن الشيخ المين الحاج محمد أحمد إلستاذ بجامعة إفريقيا يرى مشروعية‬
‫ح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ضربه‬ ‫ضرب المريض مستشهدا ً بما ص ّ‬
‫بعض المصابين‪ ،‬كما أن بعض أئمة السلف قد فعله و لكنه يقول مستدركاً؛‬
‫أن الضرب لبد أن يكون في حدود معقولة‪.‬‬
‫يقول عبد الجليل آدم‪ :‬بعض الناس يستخدمون الضرب بصورة أساسية وهذا‬
‫دا ‪ ..‬فبعض أنواع الجن يقتل‪ ،‬وربما قام بقتل المريض أثناء الضرب‬ ‫خطر ج ً‬
‫فتقع الجريمة على الراقي‪ ..‬وطالما أن هناك وسائل أخرى غير الضرب‬
‫فالفضل تجنبه‪ ..‬لنه يخلق حاجًزا بين الناس وبين العلج بالقرآن‪.‬‬
‫هل يجوز تخصيص بعض اليات لبعض المراض‪:‬‬
‫يستعمل المعالج بالقرآن جميع آيات القرآن في العلج ‪ ..‬ولكن في كثير من‬
‫الحيان تكون هناك آيات بعينها تقرأ لمراض بعينها‪ ،‬آيات للعين‪،‬و آيات‬
‫للسحر‪..‬إلخ‪ ،‬وأحياًنا يحدد لها عدد معين من التكرارات ‪ ..‬هذا المر أصبح‬
‫دا من مواطن النزاع هل هو مبني على التجربة والمر فيه سعة أم هو‬ ‫واح ً‬
‫تخصيص بغير مخصص من السنة أو القرآن‪ ..‬فيدخل في باب البدعة؟‪ ..‬إدارة‬
‫الفتاء والبحوث الشرعية بدولة الكويت تذهب إلى منع ذلك في فتواها رقم‬
‫‪ 87‬ع‪ ،92/‬بتاريخ ‪21/7/1992‬م‪ .‬حيث جاء فيها‪):‬أما الرقى المرفقة بالفتوى‬
‫وإن كانت من آيات القرآن الكريم إل أن تخصيص اليات المذكورة بما يقابها‬
‫من أمراض مخصوصة على أن تقرأ مرات بعدد معين هو تخصيص بل‬
‫عا فضل ً عما فيها من حمل اليات على‬ ‫مخصص‪ ،‬فل يكون العمل به مشرو ً‬
‫غير معانيها كما في ألم الذن والصفرار‪ ،‬الحصر والدم ونحوها كثير ‪.(...‬‬
‫وعبد الجليل آدم يقول‪) :‬ما ورد بشأن تخصيص آيات للعلج في السنة قليل‬
‫دا ‪ ..‬ولكن المر مبني على التأويل في القرآن‪ ..‬فما المانع إذا وافقت الية‬ ‫ج ً‬
‫المعنى‪ ،‬والقرآن ل تنقضي عجائبة ‪ ..‬والقرآن كله شفاء والمر مبني على‬
‫التأثير(‪.‬‬
‫الرقية مهنة ومصدر كسب‪:‬‬
‫صارت الرقية مهنة من المهن التي وجدت لها موقًعا مميًزا في المجتمع ‪..‬‬
‫خاصة أن الراقي أو ما يسمى شعبًيا بـ)الفكي( له وضعه المميز في المجتمع‬
‫السوداني وقبوله الذي ليس له نظير باعتباره مظنة صلح‪ ..‬إضافة لما يضيفه‬
‫المشهد من رهبة في نفوس الناس ‪ ..‬وتزداد هذه المكانة كلما كتب الله على‬
‫يديه الشفاء لمراض الناس التي تستعصى على الطب‪ .‬بعض الرقاة‬
‫المشهورون بلغوا درجة من الثراء الواسع ‪ ..‬هذا المر – في حد ذاته– يرى‬
‫البعض أنه أصبح دافًعا لكثير من طالبي الثراء السريع للدخول في مضماره‬
‫ما لم يكن معهوًدا عند سلف المة تفرغ البعض‬ ‫أحياًنا بغير أهلية‪ ..‬وعمو ً‬
‫للرقية وإتخاذها مهنة‪ ،‬بل هي من المور التي استجدت في واقع اليوم ‪..‬‬
‫صارت هذه الوضعية الجديدة مصدر جدل واسع بين الدعاة وأهل العلم‬
‫والرقاة‪.‬‬
‫الشيخ ياسر عثمان جاد الله يقول‪:‬‬
‫أعتقد أن إتخاذ الرقية مهنة وحرفة هو في حد ذاته من التجاوز فجانب الخير‬
‫والمعروف فيها أكبر من جانب المهنة‪ ..‬ولم يعرف هذا عن السلف‪..‬كما أن‬
‫هذا المر يفتح الباب أمام الكسالى والمتبطلين‪ ،‬فهي في اعتقادهم أقصر‬
‫طريق للتكسب‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قريبا ً من هذا يذهب الشيخ د‪ .‬حسام الدين عفانة – القدس –حيث يقول‪) :‬ل‬
‫ينبغي لحد من الناس أن يتفرغ لعلج الناس بالرقي القرآنية أو بالذكار‬
‫الواردة‪ ،‬والعلن عن نفسه بأنه المعالج بالقرآن‪ ،‬والبديل الشرعي لفك‬
‫السحر ومس الجان والعين والعقم والمراض المستعصية‪ ،‬أو يعلن عن نفسه‬
‫)العيادة القرآنية( ويوزع الكروت ويحدد المواعيد كالطباء المتخصصين؛ لن‬
‫ذلك ليس منهج الصحابة والتابعين والصالحين‪ ،‬ولم يكن معروًفا مثل هذا‬
‫التفرغ عندهم مع أن الناس ل زالوا يمرضون على مر العصور والزمان‪..‬‬
‫ولن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة‪ ،‬ويلج منه الدجالون‬
‫والمشعوذون وأمثالهم‪.‬‬
‫ولكن الرقاة والممارسين للعلج لهم رآي آخر ‪ ..‬حيث يقول عبد الجليل آدم‬
‫فضل‪) :‬المر فيه سعة ‪ ..‬فالرقية فيها جانب عبادي وفيها جانب عادي‪ ،‬وهو‬
‫التطبب ‪ ..‬فليس على النسان حرج أن يمتهن الطب‪ ..‬والرقية نوع من أنواع‬
‫الطب ‪ ..‬وحجة المنكرين أن السلف لم يفعلوا ذلك‪ ،‬ولكن ليس كل أمر لم‬
‫يفعله السلف محرم‪ ..‬والمر في النهاية يخضع للجتهاد بتقدير الواقع‪،‬‬
‫والمصالح المجلوبة والمفاسد المدفوعة‪ ..‬كما أن الرقية الشرعية هي ثغرة‬
‫من ثغور السلم ل بد من سدها فالمراض كثرت بصورة لم تكن من قبل‪،‬‬
‫ما الذي يمارس الرقية ل‬ ‫كما أن فيها قطع للطريق أمام الدجالين ‪ ..‬وعمو ً‬
‫يستطيع أن يمارس معها عمل ً آخر فهو إما أن يتفرغ لها أو يتركها‪ ..‬وأعتقد‬
‫أن هذا المر شأنه شأن كثير من القضايا التي أختلف السلف في جوازها من‬
‫قبل‪ ،‬ثم تجاوزها الفقه السلمي في الوقت الحالي مثل أخذ الجر على‬
‫القيام على المساجد وأخذ الجر على تعليم القرآن‪.‬‬
‫أما المتنبئ عبد الله فيرى أن موضوع أن السلف لم يفعلوها أمر يحتاج إلى‬
‫تجديد! ‪ ..‬ويقول‪:‬‬
‫لم أجد في كلم السلف شيًئا في منع التفرغ للرقية وما دام أخذ الجر على‬
‫الرقية مباح‪ ،‬فل مانع من اتخاذها حرفة ومصدًرا للرزق‪ ..‬ويقول‪ :‬إن الزمان‬
‫لم يفسد أيام السلف كفساده الن‪ ..‬وأمور السحر والمس وغيرها يجب أن‬
‫تحارب لنها خلل عقائدي‪ ..‬ويضيف إنه قد رد ّ على بعض من نصحه بترك‬
‫الرقية‪ ،‬بقوله‪) :‬هل الفضل أن يهرع الناس إلى النشرة السحرية أم يلجأون‬
‫إلى الرقية الشرعية والقرآن؟!( ويقول )هذا فضل ً عن أن الرقية باب من‬
‫أبواب الدعوة إلى الله ‪ ..‬فالناس يقبلون من المعالج – الفكي – ما ل يقبلون‬
‫من غيره(‪.‬‬
‫هل يشترط الصلح في الراقي؟!‪:‬‬
‫الشيخ عبد الحي يوسف‪ :‬كثر في زماننا من يزعمون أنهم معالجون وأهل‬
‫رقية‪ ،‬وكثير منهم ل يسلم من قادح في عدالته‪ ،‬ومغمز في دينه‪ .‬عليه‪ :‬أنصح‬
‫الناس – خاصة النساء‪ -‬بأن يلجأن لمعالجة أنفسهن بأنفسهن‪ ،‬وقد عّلم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وغيرها من النساء‬
‫كيف ترقي نفسها‪ ،‬تقول عائشة‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا‬
‫اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث‪ .‬قالت‪ :‬فلما اشتد وجع الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها‪ .‬رواه‬
‫مسلم‬
‫يقول الدكتور عمر عبد الكافي‪ :‬وهو داعية مصري‪) :‬لقد رأينا عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه عندما عاد أحد المسلمين وهو مريض وقرأ عليه‬
‫فاتحة الكتاب واضًعا يده على الجزء المريض في جسده‪ ،‬فبرئ الرجل بفضل‬
‫الله‪ ،‬فلما استشهد عمر‪ ،‬ومرض الرجل مرة أخرى طلب ممن يعوده أن يقرأ‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه بفاتحة الكتاب كما صنع عمر‪ ،‬فلما قرأ عليه الراقي الفاتحة واضًعا يده‬
‫على الجزء المريض في جسده‪ ،‬ثم قال له‪ ) :‬كيف حالك؟( قال‪ :‬له )كما‬
‫أنا( ‪ ..‬قال الراقي‪) :‬والله إن الفاتحة هي الفاتحة ولكن أين يد عمر؟(‬
‫ويكمل‪) :‬القضية إًذا ليست في اليات فحسب وإنما في اليد الطاهرة التي‬
‫دا من الناس ولم تمتد إلى رشوة أو حرام‬ ‫توضع على المريض‪ ،‬يد لم تؤذ أح ً‬
‫أو لم ترتكب معصية تغضب الله عز وجل(‪.‬‬
‫ويوافق عبد الجليل آدم على هذا الكلم‪ ،‬ويضيف‪:‬‬
‫)أرى أن شرط الراقي أن يكون على تقوى وعلم‪ ..‬والعلم هنا ركيزتان العلم‬
‫دا ‪ ..‬فكثير من الرقاة يأخذون‬‫الشرعي والتجربة العملية‪ ..‬والتجربة مهمة ج ً‬
‫المسألة من اطلعهم وقراءآتهم الخاصة بغير تمشُيخ وتلمذة ‪ ..‬والرقاة‬
‫المتميزون هم الذين جاء عملهم نتيجة لخذه عن مشايخ ‪ ..‬وهذا يساعد في‬
‫التشخيص والتعامل مع الجان(‪.‬‬
‫كز على التجربة والخبرة أكثر من الصلح ويقول‬ ‫أما المتنبئ عبد الله فير ّ‬
‫حول العلج‪:‬‬
‫)ليس الصلح الذي يبلغ الغاية ولكن المسلم العادي الذي لديه الحد الدنى‬
‫الذي يصح به الدين وليس بفاسق يمكنه أن يرقى ولكن الصلح أفضل(‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وأخيًرا‪ ،‬فإن العلج بالقرآن أو الرقية الشرعية أصبح من القضايا التي أخدت‬
‫مكانها في المجتمعات العربية والسلمية‪ ،‬وصارت بيوت الرقية مؤسسات‬
‫اجتماعية لها وزنها‪ .‬وتأثيرها البالغ ‪ ..‬ورغم وجود كثير من التجاوزات الشرعية‬
‫التي يمارسها كثير من هؤلء الرقاة‪ ،‬المر الذي جلب حملة أهل الدعوة‬
‫والعلم عليهم ‪ ..‬إل أن كثير من هؤلء الرقاة يتمتع بقدر وافر من التقوى‬
‫والورع والفهم ويستغل الرقية الشرعية استغلل ً طيًبا في الدعوة إلى الله‬
‫ويستثمر قبول الناس له في المجتمع في تغيير كثير من السلوكيات‬
‫والممارسات الخاطئة‪ ..‬فالراقي يملك بابا َ للقتحام المباشر إلى عمق‬
‫المجتمع ويدخل بيوت الناس ويتصفح أسرارهم الخاصة‪ ..‬بل في كثير من‬
‫الحيان يصبح هو المستشار الذي ل ترد كلمته‪ ..‬ما دام المر كذلك فليعلم‬
‫أولئك الذين يتصدون لهذا المر مقدار ما يتحملونه من أمانة ويكونوا أهل‬
‫لذلك بالتزامهم بأحكام الشرعية‪ ،‬حتى ل يكونوا قطاع طريق إلى الله عز‬
‫وجل‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫التداوي في رمضان بين الفقه والطب‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫يهل علينا شهر رمضان ومع إطللته تزدحم الصحف والمجلت والمساجد‬
‫والذاعات بالسئلة والجوبة حول المفطرات من وسائل التداوي والعلج ‪.‬‬
‫وقد أجمعت المة على أنه يجب على الصائم المساك عن الطعام‬
‫والشراب ‪ ،‬ولكن اختلف الفقهاء في وسائل التداوي المختلفة ‪ ،‬وتباينت‬
‫الراء وكثر النقاش حول هذا الموضوع ‪.‬‬
‫ولهذا فقد عقدت المنظمة السلمية للعلوم الطبية بالتعاون مع " منظمة‬
‫الحسن الثاني للبحوث الطبية عن رمضان " ندوة في الدار البيضاء في شهر‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يونيو ‪)1997‬صفر ‪ ( 1418‬لبحث موضوع المفطرات ‪ .‬كما أخذ مجمع الفقه‬


‫السلمي في جدة ‪ -‬جزى الله المسؤولين عنه خير الجزاء ‪ -‬على عاتقه بحث‬
‫موضوع المفطرات ومناقشته بعمق ودراية ‪ ،‬فعقد اجتماعا في جدة في‬
‫الفترة ما بين ‪ 28‬يونيو ‪ 3 -‬يوليو ‪ 28 - 23 ) 1997‬صفر ‪ ( 1418‬وخرج منه‬
‫بتوصيات محددة ‪.‬‬
‫والصوم الشرعي هو إمساك وامتناع إرادي عن الطعام والشراب والمعاشرة‬
‫الجنسية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لقوله تعالى ‪ )) :‬فالن‬
‫باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ‪ ،‬وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط‬
‫البيض من الخيط السود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل (( البقرة‬
‫‪ . 187‬وفي الحديث الصحيح عن الصائم )) يضع طعامه وشهوته من أجلي ((‬
‫متفق عليه ‪.‬‬
‫ومن إجماع المة أن تناول الطعام والشراب ينافي الصوم ويفسده ‪ .‬وقد‬
‫اختلف الفقهاء في تحديد الجوف المقصود بأحكام الصيام ‪ .‬والحقيقة أنه لم‬
‫يرد في القرآن الكريم ول في السنة المطهرة أي نص على الجوف في‬
‫موضوع الصيام ‪ .‬ولكن وقع المتقدمون من الفقهاء ‪ -‬جزاهم الله عنا خير‬
‫جزاء ‪ -‬في بعض اللتباسات عندما فسروا " الجوف " بأنه كل ما يسمى‬
‫جوفا وإن لم يكن مكان الطعام والشراب ‪ .‬فاعتبروا الدماغ جوفا وما هو‬
‫مكان طعام ول شراب ‪ ،‬وأن من كان برأسه مأمومة‬
‫) إصابة بالدماغ ( ووصل الدواء إلى خريطة الدماغ أفطر ‪ .‬واعتبروا الحليل‬
‫والمهبل جوفا وما هي بموضع الطعام والشراب ‪ .‬والفقهاء في ذلك‬
‫معذورون ‪ ،‬فلم تكن هناك دراية كافية بتشريح جسم النسان في ذلك‬
‫الحين ‪.‬‬
‫طرق استعمال الدوية ‪:‬‬
‫قطرات العين ‪:‬‬
‫ذهب الحناف والشافعية إلى أن قطرة العين ل تفطر ‪ ،‬حتى ولو وجد طعمها‬
‫في حلق الصائم ‪ .‬وذهب المالكية والحنابلة إلى أن المكتحل نهارا إذا وجد‬
‫طعم الكحل في حلقه فسد صومه ‪.‬‬
‫ومن الوجهة التشريحية تنفتح القناة الدمعية التي تخرج من جوف العين على‬
‫العين عبر فتحة فيه ‪ .‬وبالتالي فإن وضع قطرة في العين تصل إلى النف‬
‫ومنه إلى البلعوم ‪ .‬والحقيقة أن جوف العين ل يتسع لكثر من قطرة واحدة‬
‫فقط ‪ .‬ولهذا يصف أطباء العين عادة وضع قطرة واحدة أو قطرتين في‬
‫العين كل ‪ 6‬ساعات مثل ‪ .‬والكمية التي تصل إلى البلعوم ‪ ،‬إن وصلت ‪ ،‬كمية‬
‫ضئيلة جدا ‪ .‬وهي بل شك أقل بكثير مما يتبقى في الفم بعد المضمضة أو‬
‫مما يدخل في النف أثناء الستنشاق ‪ .‬وقد أقر الفقهاء المضمضة أثناء‬
‫الصيام ولو كانت للتبرد ‪ .‬ول بأس بالستنشاق مالم يبالغ ‪ .‬وينبغي أن نشير‬
‫إلى أن المسواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية تقي السنان واللثة مما قد‬
‫يصيبها من أمراض ‪ .‬وهذه المواد تنحل باللعاب وبالتالي تدخل البلعوم ‪ .‬ولم‬
‫يحرم المسواك في رمضان أحد من الفقهاء ‪ ،‬فقد جاء في صحيح البخاري‬
‫عن عمر بن ربيعة رضي الله عنه )رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك‬
‫وهو صائم ما ل أحصي ول أعد (‬
‫قطرات النف ‪:‬‬
‫والحقيقة أن قطرات النف ليست من باب الطعام والشراب ول يقصد منها‬
‫التغذية ول التقوية ‪ ،‬وإنما هي للعلج الموضعي للنف ‪ ،‬وينطبق عليها ما‬
‫ينطبق على قطرة العين ‪ .‬وعلى النسان أن يحتاط من وصول شيء منها‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى حلقه‬
‫قطرات الذن ‪:‬‬
‫وهي مباحة في النهار للصائم في مذاهب الفقهاء جميعا ما دامت طبلة الذن‬
‫سليمة ‪ .‬ول يمكن لي سائل أو قطرة توضع في الذن الخارجية الوصول إلى‬
‫البلعوم مالم يكن غشاء الطبل مثقوبا ‪ .‬وحتى في تلك الحالة فإن كمية‬
‫قطرة الذن التي تصل إلى البلعوم ‪ -‬إن وصلت ‪ -‬كمية ضئيلة جدا ‪.‬‬
‫بخاخ الربو ‪:‬‬
‫وفيه تستنشق مواد تحتوي على أدوية خاصة تستعمل في توسيع القصبات‬
‫الهوائية ‪ .‬ورغم أن جزءا ضئيل جدا من المادة المستنشقة قد تذهب إلى‬
‫المريء أو المعدة إل أن بعض الفقهاء المعاصرين أباحه ‪ .‬ولكن مجمع الفقه‬
‫السلمي لم يصل فيه إلى قرار ‪.‬‬
‫الحقن العضلية والجلدية ‪:‬‬
‫يتفق الفقهاء على أن الحقن العضلية أو تلك التي تعطى تحت الجلد ل تفسد‬
‫الصيام سواء كانت للعلج أو للتطعيم ) اللقاحات ( ‪.‬‬
‫الحقن الوريدية ‪:‬‬
‫أكثر علماء العصر يفرقون بين حقن الوريد التي تؤخذ للتداوي فيبيحونها ‪،‬‬
‫وبين تلك التي تؤخذ للتغذية ) مثل محاليل الجلوكوز وما شابهه ( فيعتبرونها‬
‫مفطرة للصائم لنها يمكن أن تغني عن الطعام والشراب ‪.‬‬
‫الدهان والمراهم الجلدية ‪:‬‬
‫ل شك أن الدهان والمراهم واللصقات الجلدية كلها تمتص عن طريق الجلد ‪،‬‬
‫ولكن ذلك ل علقة له بالجهاز الهضمي‬
‫***‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قرارات مجمع الفقه السلمي في دورته العاشرة المنعقدة في جدة خلل‬


‫الفترة من ‪ 28 - 23‬صفر ‪ 1418‬هـ ) ‪ 28‬يونيو ‪ 3 -‬يوليو ‪ 1997‬م ( ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬المور التية ل تعتبر من المفطرات ‪:‬‬
‫‪.1‬قطرة العين ‪ ،‬أو قطرة الذن ‪ ،‬أو غسول الذن ‪ ،‬أو قطرة النف ‪ ،‬أو بخاخ‬
‫النف ‪ ،‬إذا اجتنب ابتلع ما نفذ إلى الحلق‬
‫‪.2‬القراص العلجية التي توضع تحت اللسان لعلج الذبحة الصدرية وغيرها‬
‫إذا اجتنب ابتلع ما نفذ إلى الحلق ‪.‬‬
‫‪.3‬ما يدخل المهبل من تحاميل ) لبوس ( ‪ ،‬أو غسول ‪ ،‬أو منظار مهبلي ‪ ،‬أو‬
‫إصبع للفحص الطبي ‪.‬‬
‫‪.4‬إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم ‪.‬‬
‫‪.5‬ما يدخل الحليل ‪ ،‬أي مجرى البول الظاهر للذكر والنثى ‪ ،‬من قثطرة‬
‫) أنبوب دقيق ( أو منظار‪ ،‬أو مادة ظليلة على الشعة ‪ ،‬أو دواء ‪ ،‬أو محلول‬
‫لغسل المثانة ‪.‬‬
‫‪.6‬حفر السن ‪ ،‬أو قلع الضرس ‪ ،‬أو تنظيف السنان ‪ ،‬أو السواك وفرشاة‬
‫السنان ‪ ،‬إذا اجتنب ابتلع ما نفذ إلى الحلق ‪.‬‬
‫‪.7‬المضمضة ‪ ،‬والغرغرة ‪ ،‬وبخاخ العلج الموضعي للفم ‪ ،‬إذا اجتنب ابتلع ما‬
‫نفذ إلى الحلق ‪.‬‬
‫‪.8‬الحقن العلجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية ‪ ،‬باستثناء السوائل‬
‫) المحاليل ( والحقن المغذية ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.9‬غاز الوكسجين ‪.‬‬


‫‪.10‬غازات التخدير ) البنج ( ما لم يعط المريض سوائل ) محاليل ( مغذية ‪.‬‬
‫‪.11‬ما يدخل الجسم امتصاصا من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات‬
‫العلجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية‬
‫‪.12‬إدخال قثطرة ) أنبوب دقيق ( في الشرايين لتطوير أو علج أوعية القلب‬
‫أو غيره من العضاء ‪.‬‬
‫‪.13‬إدخال منظار من خلل جدار البطن لفحص الحشاء أو إجراء عملية‬
‫جراحية عليها ‪.‬‬
‫‪.14‬أخذ عينات ) خزعات ( من الكبد أو غيره من العضاء ما لم تكن‬
‫مصحوبة بإعطاء محاليل ‪.‬‬
‫‪.15‬منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل ) محاليل ( أو مواد أخرى ‪.‬‬
‫‪.16‬دخول أية أداء أو مواد علجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي ‪.‬‬
‫‪.17‬القيء غير المتعمد بخلف المتعمد ) الستقاءة ( ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ينبغي للطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل مال يضر تأجيله إلى ما‬
‫بعد الفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق‬
‫ثالثا ‪ :‬تأجيل إصدار قرار في الصور التالية للحاجة إلى مزيد من البحث‬
‫والدراسة ‪:‬‬
‫أ‪ -‬بخاخ الربو ‪ ،‬واستنشاق أبخرة المواد ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الفصد ‪ ،‬والحجامة ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أخذ عينة من الدم المخبري للفحص ‪ ،‬أو نقل دم من المتبرع به ‪ ،‬أو تلقي‬
‫الدم المنقول ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الحقن المستعملة في علج الفشل الكلوي حقنا في الصفاق ) الباريتون (‬
‫أو في الكلية الصطناعية‬
‫هـ ‪ -‬ما يدخل الشرج من حقنة شرجية أو تحاميل ) لبوس ( أو منظار أو إصبع‬
‫للفحص الطبي ‪.‬‬
‫و ‪ -‬العمليات الجراحية بالتخدير العام إذا كان المريض قد بيت الصيام من‬
‫الليل ‪ ،‬ولم يعط شيئا من السوائل ) المحاليل ( المغذية ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التدخين قاتل المليين‬


‫لماذا تدخن ؟‬
‫اخي المدخن ‪):‬‬
‫ان كل فعل يقوم به النسان لبد ان يكون له سبب مباشر لوله ما ظهر هذا‬
‫الفعل الى الوجود ‪0‬‬
‫اضرب لك على ذلك امثلة) ‪:‬‬
‫النسان يأكل اذا شعر بالجوع ‪ 00‬ويشرب اذا شعر بالعطش ‪ 00‬ويستعمل‬
‫السواك او الفرشاة لتنظيف اسنانه وترطيب فمه ‪ 00‬وضع العطور الطيبة‬
‫حتى ليشتم منه احد رائحة كريهة ‪ 00‬ويتوضأ للصلة ‪ 00‬ويصلى طاعة لله‬
‫وطلبا لرضاه ‪ 00‬وي ‪1‬هب الى عمله لنه يتقاضى على ذلك اجرا ‪ 00‬وينام‬
‫ليريح بدنه ‪ 00‬وهكذا فان لكل فعل سببا مناسبا له داعيا الى حدوثه ‪0‬‬
‫فليس التدخين طعاما يستفيد النسان من كله لما يحتوي عليه) من‬
‫الفيتامينات والبروتينات الت يتعذي الجسم وتمده بالطاقة ‪ ،‬وليس التدخين‬
‫شرابا يروي النسان ويخلصه من العطش بل انه يزيد جفاف الفم والحلق ‪0‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وليس التدخين) دواء يساعد على الشفاء والتخلص من المراض بل هو داء‬


‫قاتل فتاك ‪0‬‬
‫وليس) التدخين عبادة يتقرب بها الى الله ‪ ،‬بل هو معصة واسراف وتبذير ‪،‬‬
‫كما انه ليس مظهرا من مظاهر الجمال والقوة والفتوة بل هو على العكس‬
‫من ذلك دليل على الضعف والعجز ودناءة الهمة ‪0‬‬
‫هناك من يقول ‪ :‬انني ادخن مجاراة لزملئي واصدقائي ‪)0‬‬
‫) ومنهم من يقول ‪ :‬ادخن لنني اشاهد كثيرا من النجوم والمشهورين يدخنون‬
‫‪0‬‬
‫ومنهم) من يقول ‪ :‬ادخن لثبت رجولتي وانني قد تخصلت من مراحل‬
‫الطفولة ‪0‬‬
‫ومنهم من يقول) ‪ :‬ادخن لحصل على اللذة والمتعة والنشوة ‪0‬‬
‫اما اغلب المدخنين فانهم يقولون ‪ ):‬لقد جربناذلك من انفسنا انه اذا ضاقت‬
‫صدورنا وهرعنا الى التدخين ذهب عنا مانشعر به من القلق والتوتر والضيق‬
‫والغضب ‪0‬‬
‫وقد يكون كلم هؤلء صحيحا ال انه يؤكد) ضعفهم وعجزهم وعدم قدرتهم‬
‫على مواجهة مشكلتهم واستخدام الحلول المشروعة في حلها ‪0‬‬
‫ولذلك فانهم يلجئون الى هذا المخدر القاتل الذي يذهب بهم بعيدا عن‬
‫اسباب) توترهم وقلقهم زمنا يسيرا ‪ ،‬فاذا ما انتهى مفعول المؤقت عاد‬
‫القلق وعاد التوتر وعادت المشكلت كما هي او زادت ‪ ،‬فيقومون عند ذلك‬
‫بالثكار من هذا الوباء القاتل ‪ ،‬ويقنعون بهذا الهروب الناتج عن الضعف‬
‫والعجز ‪ ،‬ويجهلون مع ذلك انهم بدفعون ضريبة باهظة جدا ثمنا لهذا المسكن‬
‫الموضعي ال وهي حياتهم ‪0‬‬
‫تعددت السباب والموت واحد‬
‫هذه ـ تقريبا ـ السباب التي تحمل على التدخين ‪ ،‬وتلك اجابات لكل من وجه‬
‫اليه هذا السؤال ‪ :‬لماذا تدخن ؟ واذا كان المر كذلك فاعطني اخي المدخن‬
‫بعضا من وقتك ‪ ،‬لجلي لك المر ‪ ،‬واظهر لك حقيقة هذا اللعين ‪ ،‬عسى ان‬
‫نصل سويا الى نتيجة مرضية ‪ ،‬يعقبها عمل جاد ‪0‬‬
‫ماذا تعرف عن التبغ ؟‬
‫الشهرة والتطور ‪:‬‬
‫لم تعرف اوربا عادة التدخين ال في نهاية القرن الخامس عشر الميلدي ‪،‬‬
‫بعد وصول المكتشف )كريستوف كولومبس( الى جزر الباهاما ‪ ،‬حيث وضع‬
‫قدمه على ارض امريكا عام ‪1492‬م وهناك قدم له سكانها )الهنود الحمر(‬
‫التبغ حيث كانوا يشعلون اوراقه الملفوفة ويستنشقون دخانها ‪ ،‬واصبح‬
‫)كريستوف كولومبس( من هذا العهد اول اوربي يشاهد ويمارس التدخين‬
‫بنفسه ‪0‬‬
‫ولم تأت نهاية القرن السادس عشر الميلدي ال وقد عرفت اوربا كلها التبغ‬
‫واستخدمته بطرقه المختلفة سعوطا ومضغا وتدجخينا ‪0‬‬
‫اما) السجائر فلم تعرفها اوربا ال في القرن التاسع عشر ‪0‬‬
‫وكان اول انتاج الى) للسجائر في الوليات المتحدة يصل الى انتاج ‪600‬‬
‫سبجارة في الدقيقة الواحدة ‪ 00‬اما الن فان الوليات المتحدة تنتج ‪600‬‬
‫بليون سيجارة سنويا ‪0‬‬
‫اما معرفة بلد) السلم للدخان فيرى الشيخ محمد بن ابراهيم ان دخوله بلد‬
‫السلم كان في حدود سنة ‪ 1000‬هـ وانه دخل المغرب عن طريق رجل‬
‫يهودي يزعم انه حكيم ‪ ،‬ثم دعان الناس الى شربه ‪ ،‬ودخل تركيا عن طريق‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رجل نصراني ‪ ،‬ودخل السودان عن طريق المجوس ‪ ،‬ثم جلب الى مصر‬
‫والحجاز وسائر القطار ‪0‬‬
‫تتألف اوراق التبغ اليابسة من ‪):‬‬
‫‪1‬ـ النيكوتين ‪ :‬وهي مادة سامة جدا تنتج عن احتراق التبغ اذ يكفي من‬
‫جرامن واحد لقتل عشرة كلب من الحجم الكبير دفعة واحدة ‪ ،‬وكل جرام‬
‫ورق التبغ يحوي ‪ 20‬ملليجرام من النيكوتين ‪ ،‬وقد قدر العلماء ان كمية‬
‫النيكوتين الموجودة في سيجار واحد وزنه ‪ 5‬جرامات تكفي لقتل رجلين غير‬
‫مدخنين اذا اكل كل منهما نصف السيجار ‪ ،‬لن الجرعة الممينة لسم‬
‫النيكوتين هي ‪ 50‬مليجراما ‪ ،‬كما ان تنقيط ‪ 3‬نقط من النيكوتين الصرف‬
‫على لسان شخص كافية لقتله ‪0‬‬
‫‪2‬ـ النورينكوتين والناباسين والميوزين والنيكوتيرين ‪ :‬وهي اشباه قلويات‬
‫ثانوية ‪ ،‬ل تقل سمية عن النيكوتين ‪ ،‬ولذلك قانها تحدث اثارا مشابهة لثار‬
‫النيكوتين ‪ ،‬مثل الدورا والغثيان والقيء لحديثي التدخين ‪0‬‬
‫‪3‬ـ المواد المعدنية ‪ :‬تشكل ‪ 10‬ـ ‪ %25‬من تركيب الوراق وهي تتحول الى‬
‫رماد بالحتراق ‪0‬‬
‫‪4‬ـ المواد البكتنية ‪ :‬تشكل ‪4‬ـ ‪ %6‬من تركيب الوراق يتولد منها الكحول اثناء‬
‫الحتراق ‪ ،‬واليه تعزي النشوة التي تنسب للتدخين ‪0‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪5‬ـ اول اكسيد الفحم ‪ :‬وهو غاز سام جدا يؤدي الى الموت المحتعم اذا زادت‬
‫نسبته ‪ ،‬وذلك لنه يطرد الكسجين اللزم للتنفس ‪0‬‬
‫‪6‬ـ المونياك ‪ :‬وهو غاز يؤثر على العينين واليه يعزى احمرار عيني المدخن ‪0‬‬
‫‪7‬ـ سيان هيدريك ‪ :‬وهو غاز شديد السمية ‪ ،‬ويؤدي هذا الغاز الى العقم عند‬
‫الرجال ‪ ،‬لتعطيله انتاج الحيوانات المنوية ‪ ،‬وعند النساء لتعطيله عملية‬
‫لتبويض ‪0‬‬
‫‪8‬ـ وليقف امر التبغ عند هذا الحد ‪ :‬هناك المواد المسرطنة الكثيرة الناتجة‬
‫عن احتراقه ‪ ،‬وكلها تحدث امراض السرطان او تساعد في حدوثها ‪ ،‬وفي‬
‫مقدمة هذه المواد ‪ :‬القطران ـ الفورم الدهيد ـ الكرولين ـ املح المونياكك‬
‫‪0‬‬
‫ايها) المدخن ‪:‬‬
‫هذه مكونات الدخان الذي تدخله في جسمك ‪ ،‬وهي عبارة عن سموم ـ‬
‫وجراثيم ـ وغازات ـ ودخان ـ وقطران ـ ومواد مسرطنة ـ وعفونة ‪0‬‬
‫فهل مازلت مصرا على تناوله ؟؟‬
‫الدخان والدمان‬
‫يصر بعض الناس على ان الدخان مجرد عادة ول يدخل في مجال الدمان ‪،‬‬
‫والحقيقة ان هناك من يتعاطى الدخان على سبيل العادة والتقليد ‪ ،‬وهؤلء‬
‫يمكنهم التوقف عن التدخلين لي سبب ‪ ،‬ولكن القطاع الكبر من المدخنين‬
‫وصل بهم تعاطي الدخان الى حد الدمان ‪ ،‬بحيث ليتصورون الحياة دونه ‪،‬‬
‫واذكر مثال على هؤلء ‪ :‬احد الساتذة في جامعة القاهرة كان يدخن في‬
‫المحاضرة الواحدة من ثمان الى عشرة سجائر ‪ ،‬بحيث كان يشعل السيجارة‬
‫الجديدة من التي اوشكت على النتهاء ‪ ،‬فلما كلمه بعض الطلب الغيورون‬
‫قال لهم ‪ :‬لقد طلبوا مني في الجامعة المتناع عن التدخين اثناء‬
‫المحاضرات ‪ ،‬فقلت لهم بالحرف الواحد ‪ :‬اما انا والسيجارة ‪ ،‬واما ل انا ول‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السيجارة ‪ ،‬فلما رات ادارة الجامعة اصراره على ذلك ـ وكان من الساتذة‬
‫الكبار ـ وافقت على مضض ‪ ،‬فهذا نوع من الدمان الذي يجعل المرء يتنازل‬
‫عن كل شيء في سبيل تواصله مع هذا الشيء الذي ادمنه ‪ ،‬اذن ماهو‬
‫الدمان ؟‬
‫) الدمان في ابسط تعريفاته هو " احساس " الشخص بحاجته الماسة الى‬
‫المادة التي تعود عليها ‪ ،‬فل يكاد يرى او سيمع او يفهم دون حصوله عليها ‪،‬‬
‫فاذا لم يجد هذه المادة تغير حاله وظهر عليه القلق والضطراب ‪ ،‬وربما‬
‫سلك سلوكا عدوانيا وتصرف كالمجانين ‪ ،‬ولم يهدأ حتى يحصل على هذه‬
‫المادة ‪ ،‬واسيجارة فيها نوع من الدمان ‪ ،‬وسبب الدمان فيها ان النيكوتين‬
‫وغيره من المواد الموجودة في السيجارة تدخل الى الدم وتؤثر فيه ‪ 00‬وهذا‬
‫الدم يغذي شرايين المخ ‪ 00‬ونتيجة للتدخين يتعود جسم النسان على نسبة‬
‫معينة من النيكوتين يريد بقائها داخل دمه بصفة مستمرة ‪ ،‬فاذا انخفضت‬
‫هذه النسبة احس المدخن بتلك اليد الخفية التي تجعله يمد يده اوتوماتيكيا‬
‫الى علبة السجائر لشعال سيجارة ‪ 0‬ومن هنا اثبتت تقارير الكليات والمعاهد‬
‫الطبية الغربية ان التدخين نوع من الدمان ‪0‬‬
‫ممنوع التدخين !!)‬
‫كتب احدهم قصته مع مدخن قائل ‪ :‬في مصعد كهربائي كدت اسقط مختنقا‬
‫‪ 00‬بعد ان ابديت له كل الوان التململ والتافف ‪ 00‬ولكن الى ان يفهم‬
‫الغبي الكلم يكون الذكي قد ترك المقام ‪ 00‬فمع كل ماحاولت ان ابديه على‬
‫وجهي من عدم الرضا ‪ 00‬ال ان السيجارة لم تفارق يد ذلك الرجل الذي‬
‫ابتليت به ‪ 00‬فمرة يقبلها بفمه ‪ 00‬ومره يضعها بين اصبعيه لينفخ الدخان‬
‫من انفه وفمه ‪ 00‬وكأنه عادم سيارة ‪ 00‬المشكلة الولى اني اريد الدور‬
‫السابع ‪ 00‬اما المشكلة الثانية فهي انه يريد الدور الثامن ‪ 00‬واخيرا حمدت‬
‫الله على ان احياني بعدما اماتني وخرجت من المصعد بعد وصولي بالسلمة‬
‫‪ 00‬وانا التقط انفاسي ‪ 00‬واشتكي الى الله حالي ‪ 00‬فمن يحمي رئتي من‬
‫ذلك المدخن الذي يباهي بسيجارته من غير تقدير لمشاعر من حوله ‪ 00‬كنت‬
‫احكي هذه القصة لن جاري عندما شم رائحة الدخان في ثيابي قال لي ‪ :‬اذا‬
‫كنت قد خفت على رئتيك من هذه الدقائق ‪ 00‬فماذا اقول وانا اعاني كل‬
‫يوم ثمان ساعات من اولئك المدخنين في اثناء العمل الرسمي ؟؟!! واذا‬
‫تقدمت انا ومثلي بالشكوى جاءت الجابة كاجابة جحا لحماره ‪ :‬انا ل استطيع‬
‫ان اقنع حماري بالتوقف عن النهيق لنه حمار ‪ 00‬فحاول انت ان تغلق‬
‫نافذتك !! )مجلة الدعوة( ‪0‬‬
‫صدق او لتصدق !)‬
‫يقول الدكتور محمد علي الباز ‪ :‬يبلغ معدل النتاج العالمي ) للدخان (‬
‫سيجارتين لكل شخص على ظهر الرض يوميا ‪ 00‬وتكفي هذه الكمية من‬
‫السجائر لبادة الجنس البشري عن اخره ‪ ،‬لو اخذت محتويات هذه السجائر‬
‫المنتجة في يوم واحد بطريق حقنها في الوريد ‪0‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وبما ان هذه الكمية الهائلة من الساجائر ل تتعاطى ال بطريق التدخين ‪ ،‬فان‬


‫اضرارها على الصحة لتأخذ شكل فجائيا ‪ ،‬وانما يتدرج مفعولها يوما بعد يوم ‪،‬‬
‫حتى تحطم صحة النسان على مدى ربع قرن من الزمان ‪ 00‬ولعل هذه من‬
‫السباب التي جعلت الناس يتساهلون في محاربة التدخين ‪ ،‬لنهم ليشعرون‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمخاطره كما يشعرون مثل عندما ينتشر وباء الكوليرا او الحمى الشوكية او‬
‫الجدري او الطاعون ‪ 00‬مع ان هيئة الصحة العالمية تقرر ان الوفايت الناتجة‬
‫عن التدخين في كل عام هي اكثر من الوفيات الناتجة عن جميع هذه الوبئة‬
‫مجتمعة ‪) !!0‬التدخين واثره على الصحة(‬
‫اضرار التدخين‬
‫اثتت التجارب والبحاث العلمية الحديثة بما ليقبل الشك خطر التدخين الكبير‬
‫على جسم النسان باجهزته المختلفة ‪ ،‬وسوف نستعرض ذلك في النقاط‬
‫التالية ‪:‬‬
‫اول ‪ :‬ضرر التدخين على الجهاز التنفسي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الصابة بسرطان الرئة ‪0‬‬
‫‪2‬ـ الصابة بمرض التهاب الرئة المزمن ‪0‬‬
‫‪3‬ـ الصابة بمرض السل الرئوي والربو المزمن ‪0‬‬
‫‪4‬ـ الصابة بسرطان الحنجرة ‪0‬‬
‫‪5‬ـ الصابة بضيق التنفس ‪0‬‬
‫‪6‬ـ اللتهاب الشعب المزمن ‪0‬‬
‫تقارير‬
‫‪1‬ـ جاء في احد التقارير الطبية الصادرة عن لجنة مكافحة السرطان الطبية‬
‫المريكية ان هناك ‪ 60‬الف حالة اصابة بسرطان الرئة سنويا ) وهذا العدد‬
‫تضاعف الن ( ‪ %98‬منهم مدخنون ‪ 0‬كما ان عدد الذين يموتون من هؤلء‬
‫سنويا يبلغ ‪ 27‬الفا تقريبا ‪ ،‬نسبة المدخنين فيهم ‪%96‬‬
‫‪2‬ـ اثبتت الدراسات ان اصابة الجهاز التنفسي باللتهابات القصبية والرئوية‬
‫المزمنة تكثر بشكل كبير جدا عند المدخنين ‪ ،‬وتبين لهم ان هناك علقة اكيدة‬
‫بين الربو المزمن والتدخين ‪ ،‬كما اكد الطباء ان حالة المصابين بالسل‬
‫الرئوي تكون اسوا بكثير عند المدخنين ‪0‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ضرر التدخين على الجهاز العصبي ‪:‬‬
‫تتحكم العصاب في جميع حركات الجسم البشري الرادية واللارادية ويؤثر‬
‫التدخين بشكل سلبي على هذه العصاب ‪ ،‬وينتج عن ذلك ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الرق الطويل ‪ ،‬فكم من مدخن يظل متوترا مستيقظا ممسكا بسيجارته‬
‫حتى الصباح ‪0‬‬
‫‪2‬ـ ضعف العصاب ‪ ،‬وربما يصاب المدخن بشلل العصاب اذا كان من‬
‫المفرطين في التدخين ‪0‬‬
‫‪3‬ـ العصبية الزائدة وفقد السيطرة على النفس ‪0‬‬
‫‪4‬ـ ضعف الذاكرة ووهن النشاط الذهني ‪0‬‬
‫‪5‬ـ ضعف حاسة الشم والذوق ‪0‬‬
‫‪6‬ـ زيادة افراز الدمع من العينين مما يؤدي الى التهاب الجفون ‪0‬‬
‫‪7‬ـ ضعف البصر نتيجة الدخان المتصاعد ‪0‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ضرر التدخين على القلب والجهاز الدوري ‪:‬‬
‫‪1‬ـ زيادة عدد ضربات القلب بمقدرا ‪ 15‬ضربة عند التدخين ‪0‬‬
‫‪2‬ـ تصلب الشرايين بما فيها شرايين القلب ‪0‬‬
‫‪3‬ـ جلطات القلب وموت الفجأة ‪0‬‬
‫‪4‬ـ جلطات الوعية الدموية للمخ وماينتج عنها من شلل ‪0‬‬
‫‪5‬ـ اضطراب الدور الدموية في الطراف وجلطاتها ‪0‬‬
‫‪6‬ـ الصابة بالذبحة الصدرية ‪0‬‬
‫‪7‬ـ ارتفاع ضغط الدم ‪0‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪8‬ـ التهاب الشريان التاجي المغذي للقلب ‪0‬‬


‫تقرير‬
‫يؤكد تقرير الكلية الملكية للطباء بلندن دور التدخين في تسبب جلطات‬
‫القلب والشرايين الخرى ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ان الوفايت الناتجة عن امراض القلب‬
‫والشرايين بسبب التدخين تبلغ اكثر من ضعفي الوفيات الناتجة عن سرطان‬
‫الرئة بسبب التدخين ‪0‬‬
‫رابعا ‪ :‬ضرر التدخين على الجهاز الهضمي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الصابة بفقدان الشهية ‪0‬‬
‫‪2‬ـ الصابة بالضطرابات الهضمية وكذلك الصابة بالسهال والمساك‬
‫الشديدان ‪0‬‬
‫‪3‬ـ الصابة بالوهن والضعف العام ‪0‬‬
‫‪4‬ـ الصابة بسرطان الشفة واللسان ‪0‬‬
‫‪5‬ـ سرطان الفم والبلعوم ‪0‬‬
‫‪6‬ـ سرطان المريء ‪0‬‬
‫‪7‬ـ قرحة المعدة والثنى عشر ‪0‬‬
‫‪8‬ـ سرطان البنكرياس ‪0‬‬
‫‪9‬ـ زيادة افراز الغدد اللعابية ‪0‬‬
‫‪10‬ـ الصابة بمرض الضمور الكبدي ‪0‬‬
‫خامسا ‪ :‬ضرر التدخين على الجهاز البولي ‪:‬‬
‫يتكون الجهاز البولي من اكلية والحالبين والمثانة ‪ ،‬وقناة مجرى البول ‪،‬‬
‫ويصيب التدخين هذه العضاء بالمراض التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ سرطان المثانة ‪ ،‬وقد تبين علميا ان سرطان المثانة يصيب المدخنين اكثر‬
‫من غير المدخنين بـ ‪ 15‬مرة ‪0‬‬
‫‪2‬ـ قرحة المثانة ‪0‬‬
‫‪3‬ـ سرطان الكلى ‪0‬‬
‫‪4‬ـ التسمم البولي ‪0‬‬
‫دراسات‬
‫اثبتت دراسة حديثة في الوليات المتحدة المريكية ان دخان التبغ يحمل‬
‫العنصر المشع المسمى )البوليونيوم( ‪ ،‬وقد قام العلماء بقياس هذه العنصر‬
‫في جسم المدخن ‪ ،‬فتبين ان كميته تبلغ في بول المدخنين ستة اضعاف‬
‫ماهي عليه عند غير المدخنين مما يجعلهم عرضة للصابة بسرطان المثانة ‪0‬‬
‫حكم التدخين‬
‫اخي الحبيب ‪:‬‬
‫هل يشك عاقل في تحريم التدخين بعدما ثبت احتواؤه على سموم وغازات‬
‫ومواد قاتلة ؟‬
‫وقد يقول قائل ‪ :‬وهل يوجد في القرآن او السنة مايدل عىل تحريم الدخان ؟‬
‫والجواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬فناك كثير من اليات والحاديث التي تقضي بتحريم التدخين‬
‫بيعا وشراء واستخداما باي وجه كان ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪1‬ـ ان الدخان خبيث ليشك في خبثه عاقل ‪ ،‬وقد حرم الله الخبائث بقوله ‪) :‬‬
‫ويحل لهم الطبيات ويحرم عليهم الخبائب ( " العراف ‪ ، " 157 :‬وقال تعالى‬
‫‪ ) :‬ول تتبلدلوا الخبيث بالطيب ( " النساء ‪0 "2 :‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪2‬ـ والتدخين اهلك للنفس وقد قال تعالى ‪ ) :‬ولتلقوا بايديكم الى التهلكة ( "‬
‫البقرة ‪" 195 :‬‬
‫‪3‬ـ التدخين اسراف وتبذير ‪ ،‬و الله سبحانه يقول ‪ ) :‬ول تبذر تبذيرا "‪ "26‬ان‬
‫المبذرين كانوا اخوان الشياطين ( "السراء ‪ ، " 27 ، 26‬وقال سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ) :‬ولتسرفوا انه ليحب المسرفين ( " العراف ‪0 " 31:‬‬
‫‪4‬ـ والدخان قتل للنفس ولو على المدى البعيد ‪ ،‬و الله تعالى يقول ‪:‬‬
‫) ولتقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما ( " النساء ‪0 " 29 :‬‬
‫‪5‬ـ والدخان ايذاء لعباد الله ‪ ،‬و الله تعالى يقول ‪ ) :‬والذين يؤذون المؤمنين‬
‫والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثمامبينا ( " الحزاب ‪" 58 :‬‬
‫‪0‬‬
‫‪6‬ـ والدخان ضرر على النفس والمجتمع والمة ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ " :‬ل ضرر ولضرار" )رواه احمد والحاكم وصححه ووافقه‬
‫الذهبي( ‪0‬‬
‫وساوس وشبهات‬
‫* قال الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله ‪ :‬وليس لحد ان يتشبث بالمطالبة‬
‫بذكر دليل خاص على تحريم الدخان بخصوصه غير قانع بعموم النصوص ‪ ،‬ال‬
‫ان يكون قاصر النظر ‪ ،‬ضعيف الفكر ‪ ،‬جاهل بمصادر الشريعة والستفادة‬
‫منها ‪ ،‬فان الدلة الشرعية كما تجيء جزئية احيانا تجيء كثيرا قواعد كلية ‪،‬‬
‫يتعرف منها احكام الجزئيات التي تتضمنها وتندرج تحتها ‪ ،‬وان طالب الحق‬
‫الباحث عنه ليقف في سبيله مثل هذه الشبهة ‪ ،‬انما يتعلل بذلك من غلبته‬
‫نفسه ‪ ،‬واستمكنت منه العادة فكان اسيرا لها ‪ ،‬واستهواه الشيطان فاتخذه‬
‫اماما له ‪ ،‬يزين له الخبائث ويحببها الى نفسه ‪ ،‬ويزيغ قلبه بما يلقيه من‬
‫الوساوس والشبه الزائغة ‪ 0‬أ ‪0‬هـ‬
‫وقد ذهب الى تحريم التدخين جميع علماء هذه البلد ‪ ،‬منهم سماحة الشيخ‬
‫محمد بن ابراهيم ال الشيخ وسماحة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي ‪،‬‬
‫وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز رحمهم الله جميعا ‪ ،‬ولهم‬
‫فتاوى في ذلك ‪0‬‬
‫مضار التدخين الدينية‬
‫ذكر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر اللسعدي من مضار التدخين الدينية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ انه يقل على العبد العبادات والقيام بالمأمورات خصوصا الصيام ‪0‬‬
‫‪2‬ـ انه يدعو الى مخالطة الذال ويزهد في مجالس الخيار ‪ ،‬وهذا من اعظم‬
‫النقائص ‪0‬‬
‫‪3‬ـ انه سبب لسقوط الصغار والشباب اذا ابتلوا به ‪ ،‬كما تنه عنوان على‬
‫سقوط اخلقهم ودخولهم في مداخل قبيحة ‪0‬‬
‫فتوى‬
‫سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين عن ادلة تحريم شرب الدخان‬
‫او بيعه ‪ ،‬فاجاب حفظه الله ‪ " :‬شرب الدخان محرم ‪ ،‬وكذلك بيعه وشراءه ‪،‬‬
‫وتأجير المحلت لمن يبيعه ‪ ،‬لن ذلك من التعاون على الثم والعدوان ‪ ،‬ودليل‬
‫تحريمه انه من التعاون على الثم والعدوان ‪ ،‬وكذلك قوله تعالى ‪) :‬ول تؤتوا‬
‫السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما ( "النساء ‪0 "5 :‬‬
‫* ومن ادلة تحريمه قوله تعالى ‪) :‬ولتقتلوا انفسكم ( " النساء ‪ ، " 29 :‬وقد‬
‫ثبت في الطب ان شرب الدخان سبب لمراض مستعصية تئول بصاحبها الى‬
‫الموت مثل السرطان ‪ ،‬فيكون متناولها قد اتى سببا لهلكه ‪0‬‬
‫* ومن ادلة تحريمه قوله تعالى ‪ ) :‬وكلوا واشربوا ولتسرفوا انه ليحب‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسرفين ( " العراف ‪ ، "31 :‬ووجه الدللة من هذه الية انه اذا كان الله‬
‫قد نهى عن السراف في المباحات ‪ ،‬وهو مجاوزة الحد فيها ‪ ،‬فان النهي عن‬
‫صرف المال في امر ل ينفع يكون من باب اولى ‪0‬‬
‫* ومن ادلة تحريمه ‪ " :‬نهي النبي صلى الله عليه وسلم من اضاعة المال "‬
‫)متفق عليه ( ولشك ان صرف المال في شراء هذا الدخان اضاعة له ‪،‬‬
‫وهناك ادلة اخرى ‪ ،‬والعاقل يكفيه دليل واحد من كتاب الله او من سنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ‪0‬‬
‫اضاءة‬
‫اخي الحبيب ‪:‬‬
‫ان الحكم بتحريم التدخين يشمل كل صور استعمال مادة التبغ السامة ‪،‬‬
‫يستوي في ذلك استخدامها عن طريق السجائر المعروفة او عن طريق‬
‫النارجيلة )الجوزة والشيشة( او عن طريق الستنشاق )الشمة والنشوق( او‬
‫عن طريق السعوط )التنقيط في النف( او عن طريق الحقن )الشرجية و‬
‫الوريدية( او عن طريق المضغ ‪ ،‬فكل هذه الصور محرمة ‪ ،‬لن المادة التي‬
‫من اجلها صدر الحكم بالتحريم واحدة ‪ ،‬والضرر واقع منها جميعا ‪0‬‬
‫إحصائيات وأرقام‬
‫قاتل المليين ‪:‬‬
‫* يقتل الدخان حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية ‪ 3‬مليين انسان كل‬
‫عام في العالم ‪ ،‬ويعطب مليين اخرى ‪ ،‬ويعتبر التدخين الن من العقاقير‬
‫التي تحدث الدمان ‪ ،‬والتي تفتح ابواب النحراف على مصراعيها ‪0‬‬
‫التدخين في مصر ‪:‬‬
‫* نشرت جريدة الهرام المصرية احصاء عن التدخين في مصر يبين مدى‬
‫السرعة التي انتشر بها هذا الوباء الخطير حيث تقول ‪ :‬ان المصريين يدخنون‬
‫" ‪ 40‬مليار سيجارة سنويا !!" أي ما يعادل )‪ 3‬مليارات جنيه سنويا( تنفق في‬
‫التدخين !! )الهرام ‪14/6/1997‬م( ‪0‬‬
‫خسائر هناك وارباح هنا ‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫* ذكرت وكالت النباء الغربية ان شركات السجائر تعاني من خاسئر في‬


‫اوربا وامريكا ‪ ،‬ولكنها عوضت هذه الخسائر باضعفها عن طريق مبيعاتها‬
‫لدول العالم الثالث التي يشكل المسلمون اغلبيتها ‪ ،‬ففي امريكا ‪ :‬هبط عدد‬
‫المدخنين من ‪ %40‬من السكان عام ‪ 1965‬م الى ‪5‬ر ‪ %25‬من السكان‬
‫عام ‪ 1992‬م ‪ ،‬وفي بريطانيا انخفضت نسبة التدخين مابين عامي ‪1970‬م ـ‬
‫‪1985‬م الى ‪0 %25‬‬
‫* أما المملكة العربية السعودية فقد قامت بخطوات رائدة في مجال مكافحة‬
‫التدخين منها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ منع استيراد التبغ المستخدم في الشمة ‪ ،‬وهو نوع من التبغ يستخدم عن‬
‫طريق المضغ وهو معروف في تهامة الحجاز واليمن ‪0‬‬
‫‪2‬ـ منع العلن عن التدخين في جميع وسائل العلم المرئية والمسموعة‬
‫والمقروءة ‪0‬‬
‫‪3‬ـ منع التدخين في جميع المدارس والجامعات ‪ ،‬والدوائر الحكومية أثناء‬
‫العمل ‪0‬‬
‫‪4‬ـ منع التدخين في جميع وسائل المواصلت ‪0‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪5‬ـ زيادة الضرائب على استيراد التبغ ‪ ،‬ولكنها زيادة طفيفة ‪0‬‬
‫‪6‬ـ قامت الخطوط الجوية السعودية بتخصيص مقاعد لغير المدخنين ‪0‬‬
‫وعلى الرغم من هذه الجهود المشكورة ال ان الحصائيات ل زالت تشير الى‬
‫كميات هائلة تستورد كل عام من التبغ والسجائر بجميع انواعها ‪0‬‬
‫وهذا الجدول الذي نشر في التقرير الدوري للجمعية الخيرية لمكافحة‬
‫التدخين نقل عن مصلحة الحصاءات العامة يوضح ذلك ‪:‬‬
‫العام الكمية المستوردة القيمة بالريال‬
‫‪1990‬م ‪ 37‬ألف طن ‪1.039.000.000‬‬
‫‪1991‬م ‪ 37‬ألف طن ‪1.295.000.000‬‬
‫‪1992‬م ‪ 21‬ألف طن ‪374.000.000‬‬
‫‪1993‬م ‪ 12‬ألف طن ‪214.000.000‬‬
‫‪1994‬م ‪ 9‬ألف طن ‪410.000.000‬‬
‫‪1995‬م ‪ 22‬الف طن ‪844.000.000‬‬
‫‪1996‬م ‪ 19‬ألف طن ‪633.000.000‬‬
‫* التدخين في دول العالم الثالث ‪:‬‬
‫* ازداد عدد المدخنين في اسيا منذ عام ‪ 1970‬حتى عام ‪1985‬م بنسبة‬
‫‪0 %79‬‬
‫* ازداد عدد المدخنين في افريقيا في نفس الفترة ‪ %116‬وهي اعلى نسبة‬
‫في العالم‬
‫التدخين والحرائق ‪:‬‬
‫* أظهرت احدى الدراسات ضررا اخر للتدخين في تسببه في كثير من‬
‫الحرائق ‪ ،‬فقد اظهرت الدراسة ان التدخين سبب في ‪ %13‬من حرائق‬
‫المساكن والمكاتب ‪ ،‬و ‪5‬ر ‪ %14‬من حرائق المرافق العامة والمسارح‬
‫والمطاعم ‪ ،‬و ‪ %20‬من حرائق الغابات والعشاب والحطب ‪ ،‬اذ ان الحريق‬
‫قد ينشأ بشرارة تسقط من السيجارة ‪0‬‬
‫)لماذا تدخن(‬
‫التدخين والبيئة ‪:‬‬
‫* من اجل معالجة اوراق التبغ يحتاج المر الى كمية كبيرة من الخشاب ‪،‬‬
‫وتقدر الكمية اللزمة لمعالجة ‪ 1‬كجم من اوراق التبغ بـ ‪100‬ـ ‪ 130‬كجم من‬
‫الخشب ‪ ،‬وهذا يعني حرق ‪ 50‬شجرة متوسط عمر كل منها ‪ 15‬سنة ‪ ،‬مما‬
‫يسهم اسهاما كبيرا في اتلف الغابات وافقار التربة وغيرها من الضرار ‪0‬‬
‫* كما ان المبيدات الحشرية والسمدة التي تستعمل لتحسين نوعية النتاج‬
‫تصل الى التربة وتلوثها ‪0‬‬
‫)التدخين هاجس العصر(‬
‫كم تنفق على التدخين ؟‬
‫* اذا فرضنا ان رجل بدأ التدخين من سن الخامسة عشرة الى سن الستين ‪،‬‬
‫وان متوسط تدخينه في اليوم ‪ 20‬سيجارة ‪ ،‬فكم من السجائر اشعلها طول‬
‫عمره ؟ وكم من المال اهدره على الخبيث ؟‬
‫‪ 20‬سيجارة × ‪ 30‬يوما = ‪ 600‬سيجارة شهريا‬
‫‪ 12 × 600‬شهرا = ‪ 7200‬سيجارة سنويا‬
‫‪ 45 × 7200‬عاما = ‪ 32400‬سيجارة في العمر ‪0‬‬
‫* ولمعرفة عدد علب السجائر المشتراة نقوم بما يلي ‪:‬ـ‬
‫‪ 16200 = 20 ÷ 324000‬علبة ‪0‬‬
‫* ولمعرفة قيمة هذه العلب نقوم بما يلي ‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 5 × 16200‬ريال ثمن العلبة = ‪ 81000‬ريال‬


‫* اذن ينفق المدخن العادي واحدا وثمانين الف ريال على التدخين ‪ ،‬فكيف‬
‫اذا ممن يدخنون ‪ 40‬سيجارة يوميا او اكثر ؟!‬
‫سيتضاعف هذا المبلغ بلشك ‪ 00‬وستتضاعف المراض والوبئة التي تصيب‬
‫هذا المدخن ‪0‬‬
‫التدخين والوقت‬
‫لو فرضنا ان متوسط تدخين الفرد ‪ 20‬سيجارة يوميا ‪ ،‬وان تعاطي السيجارة‬
‫الواحدة يستغرق ‪ 6‬دقائق فقط ‪ ،‬لوجدنا انه يضيع ساعين يوميا في الهواء ‪،‬‬
‫أي انه يضيع في الشهر الواحد يوميا ونصف ‪ ،‬وفي السنة شهرا كامل ‪ ،‬فاذا‬
‫وصل عمره الى الستين ‪ ،‬وكان قد بدأ تدخينه في الخامسة عشرة يكون قد‬
‫اضاع من عمره مايقارب السنتين ليلها ونهارها في التدخين !!‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬لتزول قدما عبد مؤمن حتى يسأل‬
‫عن اربع ‪ :‬عن عمره فيم افناه ؟ ‪ ،‬وعن علمه مافعل فيه ؟ وعن ماله من‬
‫اين اكتسبه وفيم انفقه ؟ ‪ ،‬وعن ماله من اين اكتسبه وفيم انفقه ؟ ‪ ،‬وعن‬
‫جسمه فيم ابله ؟ " )رواه الترمذي وصححه اللباني (‬
‫التدخين والمرأء‬
‫يقول الباحثون الطبيون افي الوليات المتحدة المريكية ان زوجات المدخنين‬
‫اكثر عضة للصابة بالزمات القلبية القاتلة اكثر من غيرهن من النساء اللتي‬
‫ل يدخن ازواجهن السجائر بثلث مرات ‪0‬‬
‫وقال الدكتور مايكل مارتن والذي شارك في هذه الدراسة ‪ :‬ان غير‬
‫المدخنين اصبحوا الن في امس الحاجة للحماية من الخطار الصحية التي قد‬
‫تلحق بهم بسبب وجود مدخنين بينهم سواء كانوا ازواجا او شركاء في محيط‬
‫العمل ‪) 0‬رسالة الى حواء (‪0‬‬
‫التدخين وصحة المرأة‬

‫)‪(5 /‬‬

‫لقد ثبت علميا ان اضرار التدخين على النساء تفوق امثالها على الرجال ‪،‬‬
‫وذلك لن جسم المرأة اقل استعدادا لطرد الماد الغريبة عن الجسم ‪ ،‬كما ان‬
‫طبيعة تكوين المرأة البيولوجي والفسيولوجي ‪ ،‬وكونها امرأة تحمل وتلد ‪،‬‬
‫يزيد مخاطر التدخين عليها وعلى الجنين الذي ينمو في احشائها ‪ 0‬وقد دلت‬
‫الدراسات على ان موت الجنين او تشوهه يصبح اكثر احتمال عند الم‬
‫المدخنة ‪ ،‬وتصبح صحة الجنين سلبية تجاه السموم التي تتعرض لها الم‬
‫نتيجة وجودها في بيئة مليئة بالدخان ‪ 00‬حتى لو لم تكن هي نفسها تمارس‬
‫عادة التدخين ‪) 0‬من اجل تحرير حقيقي للمرأة ( ‪0‬‬
‫التدخين وجمال المرأة‬
‫اظهرت التدراسات ان التدخين يسيء الى المرأة اساءة بالغة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ فهو يشوه جمالها ويفقدها كثيرا من حيويتها ونضارتها ولون وجهها ‪0‬‬
‫‪2‬ـ كما انه يسود اسنانها ‪ ،‬ويصدر عن فمها رائحة كريهة ‪0‬‬
‫‪3‬ـ ومن ناحية اخرى فان التدخين يخشن صوت المرأة ويزيد نمو الشعر غير‬
‫المرغوب فيه في جسدها ‪ ،‬ويعمل على اضطراب افراز الهرمونات النثوية‬
‫عندها ‪ ،‬مما يسيء الى انوثتها ورقتها ‪) 0‬التدخين بين المؤيدن والمعارضين (‬
‫التدخين والدورة الشهرية‬
‫الدورة الشهرية في الحالة العادية عند المرأة البالغة مرة كل ‪ 28‬يوما ‪ ،‬ال‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ان المرأة المدخنة تصاب غالبا باضطرابات مختلفة في دورتها الشهرية ‪ ،‬فقد‬
‫تتباعد المدة بين طمث وطمث ‪ ،‬وقد تقل بدرجة ملحوظة ‪ ،‬كما يحدث احيانا‬
‫انقطاع الطمث لمدة تستمر اشهرا عديدة ‪ ،‬وفي بعض الحيان يحدث نزف‬
‫دموي غزير ومستمر ‪ ،‬كما قد تترافق الدورة بالم شديدة نتيجة التسمم‬
‫التبغي المزمن الذي تعاني منه المرأة المدخنة ‪0‬‬
‫* واثبتت احدى الدراسات ان دخان التبغ يوصل المرأة الى سن اليأس في‬
‫عمر مبكر عن الحدود الطبيعية المعروفة بفترة زمنية تقارب العشر‬
‫سنوات !! مما يترك اثره السلبي على المرأة وانوثتها ‪ ،‬ويحرمها من النجاب‬
‫في هذا العمر المبكر ‪ ) 0‬التدخين بين المؤيدين والمعارضين (‬
‫دراسة عن التدخين والنجاب‬
‫هل تريدين ان كوني اما ؟!‬
‫اذا كنت تدخنين وتتمنين ان كوني اما فان الحتمال الكبر انك سوف تحتاجين‬
‫الى وقت اطول لحدوث الحمل بالمقارنة بغير المدخنات ‪ 000‬هذا ما اظهرته‬
‫دراسة حديثة قام بها الباحثون في المعهد القومي للصحة البيئية ‪0‬‬
‫سأل الباحثون ‪ 678‬سيدة حامل تتراوح اعمارهن مابين ‪ 18‬و ‪ 38‬عاما عن‬
‫المدة التي استغرقها حدوث الحمل ‪ ،‬فاظهرت الجابات ان المدخنات احتجن‬
‫الى وقت اطول بكثير من غير المدخنات ‪ ،‬كما اظهرت الدراسة ان اللتي‬
‫يدخن بشراهة تصل الى ‪ 20‬سيجارة او اكثر في اليوم يواجهن صعوبة اكثر‬
‫في حدوث الحمل ‪) 0‬جريدة الهرام العدد ‪(36110‬‬
‫التدخين ووزن الجنين‬
‫اثبتت الدراسات الطبية ان المواليد لمهات مدخنات يقلون في اوزانهم عن‬
‫مثالهم من المهات غير المدخنات ‪ ،‬وقد وجد ان النقص في المعدل هو مائتا‬
‫جرام ‪0‬‬
‫وفي دراسة احصائية اخرى لمكتب الحصاء الطبي المريكي ذكرت ان‬
‫النقص في اوزان اولد المدخنات يصل الى ‪ 480‬جم ‪) 0‬لماذا تدخن( ‪0‬‬
‫التدخين والجهاض‬
‫ان حالت الجهاض التلقائي تزداد بين المدخنات ‪ ،‬وقد وجد الباحثون ان هذه‬
‫الزيادة تعتمد على كمية السجائر التي تدخنها الحامل ‪ ،‬فكلما زاد عدد‬
‫السجائر كلما زادت حالت الجهاض ‪ ،‬ويقول تقرير وزارة الصحة المريكية ‪:‬‬
‫ان )‪ (%14‬من المواليد قبل الموعد المحدد تحدث نتيجة التدخين ‪) 0‬التدخين‬
‫واثره على الصحة( ‪0‬‬
‫التدخين والجنس‬
‫اثبتت الدراسات ان تدخين المرأة يخفف من الرغبة الجنسية عندها بدرجة‬
‫تتناسب مع عدد السجائر المستهلكة يوميا وعدد السنين التي مارست فيها‬
‫معصية التدخين ‪ ،‬وقد تصاب في نهاية المطاف بمرض البرود الجنسي الذي‬
‫يمكن ان يكون سببا في تدمير حياتها الزوجية ‪0‬‬
‫وذلك المر في الرجل ايضا ‪ ،‬فان التدخين يضعف مراكز النتصاب العصبي‬
‫عند الرجل ‪ ،‬ويخمد الوظيفة الجنسية عنده ‪ ،‬والتدخين يخل بوظائف الغدد‬
‫التناسلية ‪ ،‬ويخفف من انتاجها ‪ ،‬ويضعف حيويتها ‪ ،‬ويؤثر كذلك في مركز‬
‫النشاط العصبي الجنسي فيضعفه ويؤذيه ‪ ،‬وربما يؤدي بعد سنين من‬
‫التدخين الى حدوث الضعف الجنسي الكامل ‪0‬‬
‫التدخين والشباب‬
‫لقد وقع كثير من شباب المة في براثن هذا العدو القاتل ‪ ،‬فالتدخين يعتبر‬
‫البداية الحقيقية لرحلة الضياع ‪ ،‬التي تبدأ بالتدخين وتنتهي باقتراف كل‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جريمة مخلة بالدين والشرف والرجولة ‪ ،‬والتدخين هو البوابة الحقيقية‬


‫للمسكرات والمخدرات والزنا واللواط وغير ذلك من الجرائم الخطيرة ‪،‬‬
‫ومنها القتل والعياذ بالله ‪ ،‬فالحدث في سن المراهقة يشعر ببلوغه وكبر‬
‫جسمه زيادة قوته ‪ ،‬فاذا كان تحت رعاية سليمة وتربية قيمة واراد الله بره‬
‫خيرا اتجه في النشغال بما يجلب عليه النفع والفائدة ‪0‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫واذا كان غير ذلك انزلق الى الفعال الخبيثة ومنها عادة التدخين حيث يثبت‬
‫رجولته المزعومة ‪ ،‬ول يعلم ـ المسكين ـ انه بذلك اصدر على نفسه حكما‬
‫بالنتخار البطيء ‪ ،‬اذ يبدأ التبغ في تسميم جسده وعقله ‪ ،‬ويسبب اعختلطه‬
‫مع الراذل فانه يكتسب من صفاتهم الخبيثة ‪ ،‬وياليت المر يقف عند حد‬
‫التدخين ‪ ،‬بل يجره اصدقاء السوء الى ماهو اشد ‪ ،‬الى المسكرات‬
‫والمخدرات وقد يسرق ويقطع السل حتى يوفر الموال التي يشتري بها هذه‬
‫السموم ‪ ،‬والنهاية معلومة ‪ ،‬موت مفاجيء واو سجن ابدي او حياة ملؤها‬
‫الشقاء واللم واضطراب ‪0‬‬
‫كيف نواجه التدخين‬
‫يمكن مجابهة التدخين من خلل عدة مسارات ‪:‬‬
‫اول ‪ :‬على مستوى المجتمع ‪:‬‬
‫‪1‬ـ نصيحة المدخنين بترك التدخين وبيان حكمه الشرعي ‪ ،‬واشعار المدخنين‬
‫بعدم رضا المجتمع عن تعاطيهم للدخان ‪0‬‬
‫‪2‬ـ عد م تاجير المحلت التجارية لمن يبيع الدخان ويتاجر فيه ‪0‬‬
‫‪3‬ـ وعلى اصحاب العمال ان يامروا موظفيهم وعمالهم بترك التدخين مع‬
‫تشجيعهم على ذلك عن طريق رصد المكافات والهدايا لمن يقوم بترك‬
‫التدخين ‪0‬‬
‫‪4‬ـ وعلى الوالدين ان يراقبا سلوك ابنائهما ويحسنا ترتبيتهم ‪ ،‬ويضحا لهم‬
‫خطورة التدخين واضراره‬
‫‪5‬ـ وعلى الوالدين توجيه ابنائهما الى صحبة الخيار وترك صحبة الشرار ‪،‬‬
‫وكذلك ربط البناء بالمساجد وحلقات تحفيظ القرآن الكريم ‪0‬‬
‫ثانيا ‪ :‬على المستوى الفردي ‪:‬‬
‫على الفرد ان يكون طبيب نفسه ‪ ،‬ول ينتظر علجا من الخرين ‪ ،‬فان العلج‬
‫امامه وبين يديه لو صدقت نيته في القلع عن هذا الخبيث القاتل ‪ ،‬ويمكن‬
‫ذلك باتباع الخطوات التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ اعرف الحكم الشرعي للتدخين ‪ ،‬وانه حكرام شرعا ‪ ،‬وانك ل تزداد بشربه‬
‫ال اثما وبعدا من الله تعالي وطردا من رحمته ‪ ،‬فان ذلك مما يزهد العقلء‬
‫فيه ‪ ،‬فاي عاقل يصر على التدخين بعد ذلك ؟!‬
‫‪2‬ـ تمثل مضاره الكثرة امام عينيك فان النسان السوي ينفر بطبعه من‬
‫الضار المؤذي ‪ ،‬ويحب النافع المفيد ‪0‬‬
‫‪3‬ـ تعبد الله تعالى بتركه ‪ ،‬لن ترك المحرم من اجل نهي اله عنه عبادة ‪0‬‬
‫‪4‬ـ جاهد نفسك دائما للتخلص منه ‪ ،‬ولتيأس من قدرتك على هزيمة هذا الداء‬
‫الخبيث ‪0‬‬
‫‪5‬ـ جدد التوبة دائما والعزيمة على ترك جميع المعاصي ومنها الدخان ‪ ،‬ولو‬
‫عدت اليه فلتجدد التوبة مرات ومرات حتى تنتصر على الدخان في النهاية ‪0‬‬
‫وشروط التوبة هي ‪:‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أ ـ الندم على مامضى من الذنوب والمخالفات ومنها التدخين ‪0‬‬


‫ب ـ القلع الفوري عن هذه المخالفات وعدم التسويق في ذلك ‪0‬‬
‫ج ـ العزيمة الصادقة على عدم العودة الى أي ذنب في المستقبل ‪0‬‬
‫‪6‬ـ اعلم ان اعدى اعدائك هما شيطانك وهواك ‪ ،‬وانهما يزينان لك كل خبيث‬
‫ضار ‪ ،‬وانك ممتحن بمخالفتهما ‪ ،‬فان اطعت شيطانك واتبعت هواك فقد‬
‫اشمت بنفسك عدوك ‪ ،‬واعنته على كسرها ودحرها وهذا هو بعينه جهد البلء‬
‫ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماته العداء ‪0‬‬
‫‪7‬ـ اذا كنتت ممن تمكنت منه هذه العادة الخبيثة فعليك بمسايسة نفسك‬
‫ومجاهدتها والنتصار عليها حتى تستطيع كبح جماحها وتعويدها طاعة ربها‬
‫سبحانه وترك مخالفته ‪ ،‬والواجب عليك بمقتضى عبوديتك لله تعالى ترك‬
‫التدخين فورا دون تاجيل والتوبة من تعاطيه ‪ ،‬فاذا لم تستطع فل تترك‬
‫نفسك فريسة لهذا العدو القاتل ‪ ،‬ويمكنك الستعانة على تركه بالخطوات‬
‫التية ‪:‬ـ‬
‫أ ـ اقلل من التدخين يوما بعد يوم حتى نقطعة كلية ‪0‬‬
‫ب ـ حدد لنفسك زمنا معلوما ل تتجاوزه ال وانت تارك له ‪0‬‬
‫ج ـ ذكر نفسك حال تدخينك انك على معصية ‪ ،‬وانك لومت وانت تدخن‬
‫لبعثت على الحال التي مت عليها ‪0‬‬
‫د ـ ابتعد عن مجالسة شاربي الدخان ‪ ،‬فان البعد عنهم يوجب المتناع منه ‪،‬‬
‫او يقلل من شربه ‪ ،‬اما القرب منهم فانه يذكر دائما بتعاطيه ‪0‬‬
‫هـ ـ ل تبدأ يومك بالتدخين ‪ ،‬لى تشغل فكرك به ‪ ،‬بل حاول النشغال بامور‬
‫اخرى نافعة ‪0‬‬
‫و ـ ابتعد عن المجاهرة بالتدخين في الشارع والماكن العامة واماكن العمل ‪،‬‬
‫وكذلك لتدخن في المنزل امام الزوجة والبناء حتى ل تكون قدورة سيئة‬
‫لهل بيتك وللناس الخرين ‪0‬‬
‫ز ـ اشغل وقتك بالقراءة والطلع ‪ ،‬ومارس بعض الرياضة النافعة كالجري‬
‫والمشي والسباحة وغيرها ‪0‬‬
‫ح ـ اكثر من صيام النوافل ‪ ،‬فان من اعانك على المتناع عن التدخين بالنهار‬
‫يعينك على ذلك بقية اليوم ‪0‬‬
‫‪9‬ـ تدبر عواقب المور ‪ ،‬فان العاقل من تدبرعواقب المور ولم تغره‬
‫ظواهرها ‪0‬‬
‫قال ابن الجوزي رحمه الله ‪ :‬اعلم ـ وفقك الله ـ ان المعاصي قبيحة العواقب‬
‫سيئة المنتهى ‪ ،‬وهي وان سر عاجلها ضر اجلها ‪ ،‬ولربما تعجل ضرها ‪ ،‬فمن‬
‫اراد طيب عيشه فليلزم التقوى ‪ 00‬وتفكر وفقك الله في ان الذنوب تنقضي‬
‫لذتها وتبقى تبعتها ‪:‬‬
‫تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الثم والعار‬
‫تبقى عواقب سوء في مغبتها لخير في لذة من بعدها النار‬
‫‪ 10‬ـ تذكر انك متعرض بمعصيتك لغضب الله تعالى واليم عقابه ‪ ،‬فعن ابي‬
‫حريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‪) :‬ان الله يغار ‪،‬‬
‫وان المؤمن يغار ‪ ،‬وغيرة الله اني اتي المؤمن ماحرم عليه ( "متفق عليه "‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪11‬ـ ثم تفكر في حال السلف الذين كانوا يتركون سبعين بابا من الحلل‬
‫خشية الوقوع في حرام واحد ‪ ،‬وانت ل تقدر على ترك الحرام البين ‪0‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* قال الحسن ‪ :‬مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثرا من الحلل مخافة‬
‫الحرام ‪0‬‬
‫* وقال ابوالدرداء ‪ :‬تمام التقوى ان يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة‬
‫‪ ،‬وحتى يترك بعض مايرى انه حلل خشية ان يكون حراما حجابا بينه وبين‬
‫الحرام ‪0‬‬
‫* وروي عن ابن عمر انه قال ‪ :‬اني لحب ان ادع بيني وبين الحرام سترة‬
‫من الحلل ل اخرقها ‪0‬‬
‫نعم يا اخي هؤلء هم الرجال اذين ينبغي ان نتشبه بهم ‪ ،‬لنهم تلميذ مدرسة‬
‫النبوة ‪ ،‬الذين استضاءوا بنور الوحي ‪ ،‬ونهلوا من معين السالة الخالدة ‪0‬‬
‫‪12‬ـ حافظ على الذكار المطلقة والمقيدة ‪ ،‬واجعل لسانك دائما رطبا بذكر‬
‫الله تعالى فان الله تعالى انيس من ذكره ‪ ،‬ومحال ان يكون الله انيس عبد‬
‫ثم هو يستوحش ويطلب النس بغيره وان عل قدره فضل عتن ان يطلبه في‬
‫دتخان سيجارة متعفن‬
‫‪13‬ـ اكثر من الدعاء الصادق ‪ ،‬فانه من انفع الوسائل لدفع البلء ‪ ،‬قال‬
‫تعالي ‪ ) :‬وقال ربكم ادعوني استجب لكم ( " غافر ‪"60 :‬‬
‫‪14‬ـ اشغل نفسك بكتاب الله تعالى ‪ ،‬تلوة ‪ ،‬وحفظا ‪ ،‬وتدبرا ‪ ،‬وتفسيرا ‪،‬‬
‫ومعرفة احكام وغير ذلك فان القرآن هو حبل الله المتين ‪ ،‬من تمسك به نجا‬
‫‪ ،‬ومن فرط فيه هلك ‪0‬‬
‫‪15‬ـ تحل بالصبر والشجطاعة وعلو الهمة والرداة القوية ‪ ،‬واعلم ان‬
‫الشجاعة صبر ساعة ‪ ،‬وان سلعة الله الجنة وانها ماخلقت ال لصحاب الهمم‬
‫العالية والرادات القوية ‪0‬‬
‫ثالثا ‪ :‬على المستوى الرسمي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ السعي لمنع استيراد الدخان بشتى انواعه ‪0‬‬
‫‪2‬ـ السعي لمنع تصنيعه محليا ‪0‬‬
‫‪3‬ـ واذا لم تكن الجراءات السابقة ممكنة الن فيمكن زيادة الضرائب بصورة‬
‫كبيرة على استيراد التبغ ‪ ،‬لن رخص اسعار الدخان يؤدي الى زيادة استهلكه‬
‫‪ ،‬فالحدث لن يجد صعوبة في توفير خمسة ريالت يشتري بها علبة من‬
‫السجائر ‪0‬‬
‫‪4‬ـ اقامة حملة اعلمية في اجهزة العلم المختلفة من اذاعة وتليفزيون‬
‫وصحافة توضح اضرار التدخين ‪ ،‬ومنع أي برامج اعلمية وافدة تدعو الى‬
‫التدخين او تحسن من صورة المدخنين ‪0‬‬
‫‪5‬ـ اقامة حملة دينية في المساجحد تبين الحكم الشرعي للتدخين ‪ ،‬وتكشف‬
‫للناس عن اضراره ‪ ،‬ولو ان الخطباء تناولوا ذلك على المنابر في خطبهم‬
‫لكان حسنا ‪0‬‬
‫إعداد ‪:‬‬
‫القسم العلمي بدار الوطن‬

‫)‪(8 /‬‬

‫التدرج في الصلح والتغيير‬


‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه أجمعين ‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫روى لنا صاحب الحلية أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه‬
‫خِلني‬ ‫عمر بن عبد العزيز فقال ‪) :‬يا أمير المؤمنين ! إن لي إليك حاجة ‪ ،‬فأ ْ‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعنده مسلمة بن عبد الملك‬


‫سّر دون عمك ؟ فقال ‪ :‬نعم ! فقام مسلمة وخرج ‪ ،‬وجلس‬ ‫فقال له عمر ‪ :‬أ ِ‬
‫ً‬
‫بين يديه فقال له ‪ :‬يا أمير المؤمنين ! ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك‬
‫حِيها ؟ فقال له ‪ :‬يا بني أشيء‬ ‫مْتها ‪ ،‬أو سنة لم ت ُ ْ‬ ‫ة فلم ت ُ ِ‬ ‫ت بدع ً‬
‫فقال ‪ :‬رأي َ‬
‫ي ‪ ،‬أم رأي رأيته من قَِبل نفسك ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬واللهِ ‪ ،‬ولكن‬ ‫ه الرعية إل ّ‬ ‫مل َت ْك َ ُ‬
‫ح ّ‬
‫َ‬
‫رأي رأيته من قَِبل نفسي ‪ ،‬وعرفت أنك مسؤول ؛ فما أنت قائل ؟ فقال أبوه‬
‫‪ :‬رحمك الله وجزاك الله من ولد خيرا ً ؛ فوالله إني لرجو أن تكون من‬
‫دوا هذا المر عقدة عقدة ‪،‬‬ ‫العوان على الخير ‪ .‬يا بني ! إن قومك قد ش ّ‬
‫وعروة عروة ‪ ،‬ومتى ما أريد ُ مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن‬
‫ي من أن يهراق‬ ‫ل الدنيا أهون عل ّ‬‫ي فتقا ً تكثر فيه الدماء ‪ ،‬واللهِ َلزوا ُ‬ ‫يفتقوا عل ّ‬
‫َ‬
‫في سببي محجمة من دم ‪ ،‬أوَ ما ترضى أن ل يأتي على أبيك يوم من أيام‬
‫الدنيا إل وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة ‪ ،‬حتى يحكم الله بيننا وبين‬
‫قومنا بالحق وهو خير الحاكمين ؟ ( ]‪. [1‬‬
‫وبعد هذا الحوار الجميل الحكيم بين خليفة المسلمين العادل وابنه الورع‬
‫الزاهد رحمهما الله تعالى يمكن لنا تسجيل الدروس التية ‪:‬‬
‫‪ -1‬دور البطانة الصالحة للحاكم المسلم وبخاصة إذا كانت من قرابته كما هو‬
‫ظاهر في نصح هذا البن البار المشفق على أبيه الخليفة العادل ‪ ،‬وهذا من‬
‫علمة توفيق الله عز وجل للحاكم المسلم ‪ .‬ولكن متى يظهر أثر البطانة‬
‫الصالحة ؟ إنها ل تظهر إل إذا وجد الستعداد الصادق عند الحاكم ؛ بحيث‬
‫يظهر عليه حب أهل الخير والسعي إلى تقريبهم ‪ ،‬وُبغض أهل الشر والنفاق‬
‫والنفور منهم ‪ ،‬وأما إذا وجد العكس من ذلك فإن الثر سيكون ضعيفا ً ؛ بل‬
‫وربما كان معدوما ً ‪.‬‬
‫‪ -2‬التماس العذر لمن لم يتمكن من أهل الخير من الصلح السريع وتغيير‬
‫ن تحت أيديهم ‪ ،‬ويكفينا أن نرى السعي الجاد‬ ‫م ْ‬
‫كل الفساد الذي يقوم به َ‬
‫ً‬
‫للتغيير من قَِبلهم ‪ ،‬وأن نرى الخير يزداد والشر يتناقص يوما بعد يوم ولو كان‬
‫ذلك قليل ً ‪ .‬وهذا الكلم يسري من باب أْولى على من تولى من أهل الخير‬
‫الحكم في بلد من بلدان المسلمين وأراد صادقا ً أن يحكم بشريعة الله عز‬
‫وجل وأن يحارب الفساد العظيم في مرافق الحياة الذي ورثه ممن سبقه ‪،‬‬
‫فهنا يجب أن نطبق ما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لبنه حينما‬
‫طالبه بالتغيير السريع الشامل ‪ ،‬ونلتمس العذر فيما يقوم به الحاكم الصادق‬
‫من التغيير المتدرج ‪ ،‬ويكفي أن نلمس الصدق والرادة الحازمة منه في‬
‫التغيير ‪ ،‬وأوضح القرائن على ذلك الصدق في العزيمة والبدء في إبعاد‬
‫البطانة الفاسدة عن مواقع التأثير ‪ ،‬وتقريب البطانة الصالحة ‪ .‬أما أن يبقى‬
‫أهل السوء والفساد في مواقعهم ويظل أهل الصلح مبعدين فإن هذا يدل‬
‫على عدم المصداقية وكذب ما يعلن ؛ وإنما هو للستهلك وكسب عواطف‬
‫المسلمين ‪ .‬وهذا يذكرنا بما نسمعه بين الفينة والخرى من أن حاكم البلد‬
‫الفلني قد أعلن تطبيق الشريعة وتحكيمها فيغتر بهذا الدعاء من يغتر من‬
‫المسلمين مع أن القرائن تدل على كذبه ونفاقه ؛ وذلك لنه لو كان صادقا ً‬
‫لبدأ أول خطوة في التغيير أل وهي تغيير البطانة الفاسدة ‪ ،‬وإبدالها ببطانة‬
‫س العذر له في التدرج وعدم العجلة‬ ‫م ُ‬ ‫صالحة تستلم مواقع التغيير ‪ ،‬وهنا ُيلت َ َ‬
‫في التغيير ‪ .‬أما أن يبقى أهل الشر في تسلطهم ‪ ،‬ويظل أهل الخير مبعدين‬
‫أو مغيبين في السجون ‪ ،‬والشر والفساد في زيادة واستفحال ؛ وهو أبعد ما‬
‫يكون عن السلم فإن هذا ل يجدي شيئا ً وإنما هو مجرد نفاق ولعب على‬
‫جهلة المسلمين ومغفليهم ‪ ،‬ورحم الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب يخدعني( ‪.‬‬ ‫خ ّ‬‫ب ‪ ،‬ول ال ِ‬


‫خ ّ‬
‫حيث يقول ‪) :‬لست بال ِ‬
‫‪ - 3‬التدرج في دعوة الناس ‪ ،‬وعدم مطالبتهم بالتغيير السريع في أنفسهم ؛‬
‫وذلك لما ألفوه وتلبسوا به دهرا ً طويل ً من الزمان من المنكرات والمخالفات‬
‫‪ ،‬وضرورة أخذهم بالرفق والبدء بالهم فالمهم ‪.‬‬
‫ومما يدخل في ذلك ما ينبغي أن يقوم به المربون في تربيتهم لولدهم‬
‫وطلبهم ‪ ،‬وأن ل يطالبوهم في بداية تربيتهم بما يطالبون به أنفسهم أو من‬
‫أمضى سنوات في التربية والتزكية ‪ ،‬ولذلك قيل ‪ :‬على الزاهد أن ل يجعل‬
‫زهده عذابا ً على أهله وإخوانه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومما يلحق بذلك أيضا ً ‪ :‬التدرج في دعوة الداخلين في السلم حديثا ً ‪ ،‬وأن‬
‫يبدأ معهم بالهم وهو توحيد الله عز وجل وبيان ما يضرهم من الشرك بجميع‬
‫أنواعه ‪ ،‬ثم إعلمهم بواجبات السلم العينية ومنهياته ‪ .‬ول يعني هذا التسويف‬
‫واتخاذ التدرج وسيلة للبطاء باللتزام بأحكام الله تعالى ؛ وتطبيق شرعه ‪،‬‬
‫بل المقصود الرفق بالمدعو وأن يبدأ بالهم الذي هو الصل في النجاة من‬
‫عذاب الله تعالى ؛ إذ ما قيمة أن يصلي الداخل في السلم أو يحج أو يصوم‬
‫وهو ل يعرف التوحيد ‪ ،‬أو ل يزال متلبسا ً بما كان عليه في ديانته السابقة من‬
‫شرك بالله تعالى ؟‬
‫_____________‬
‫)‪ (1‬حلية الولياء ‪. 5/382‬‬
‫مجلة البيان ‪ /‬العدد )‪ (148‬التاريخ‪ -‬ذو الحجة ‪1420 /‬هـ ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التدين الجديد مناورة حضارية‬


‫د‪ .‬صلح عبد المتعال ‪ /‬إسلم أون لين‬
‫نستطيع أن نعرف "التدين" بأنه نمط سلوكي وأسلوب حياة‪ ،‬بغرض التمسك‬
‫واللتزام بأفكار المعتقد الديني وتعاليمه تجاه الخالق والمجتمع؛ إذ يتميز‬
‫بالرادة لتعديل السلوك استجابة لمضمون العقيدة الدينية‪ .‬وينطبق ذلك على‬
‫معظم الديان والمعتقدات منذ استجاب النسان عبر التاريخ لنداء الفطرة‬
‫الدينية‪.‬‬
‫ويمكن أن ُينَعت "التدين الجديد" بأنه عملية اجتماعية يؤدي انتشارها‬
‫وعموميتها إلى اتخاذ شكل الظاهرة بشروط نشأتها وتطورها‪ ،‬فضل عن‬
‫العمومية‪ ،‬مثل القهر واللزام والتأثير المتبادل مع الظواهر الجتماعية‬
‫الخرى‪ :‬السياسية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬والتربوية‪ ،‬والسرية‪ ،‬والمناخ الثقافي‬
‫السائد‪.‬‬
‫وهي مثل غيرها من العمليات والظواهر الخرى‪ ،‬تسري عليها سنن وقوانين‬
‫التغير الجتماعي‪ ،‬وتتأثر بالبعاد المكانية والزمنية والثقافية‪ ،‬وحركة المجتمع‬
‫في تقدمه أو تخلفه‪.‬‬
‫وتخضع عملية التفسير للتدين الجديد أو "المستحدث" إلى نفس القواعد‬
‫المنهجية في عملية الستقصاء والبحث بمستوياته المختلفة‪ ،‬بدءا من‬
‫السلوب النطباعي ‪ .Common sense methodology‬إلى المنهج التجريبي‬
‫المباشر أو غير المباشر‪ ،‬أي المنهج المقارن‪ ،‬أو التاريخي التوثيقي‪ .‬كما‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تخضع أيضا عملية تفسير ظاهرة التدين المستحدث إلى مبدأ التعدد في‬
‫التفسير‪ ،‬بسبب تعدد الخلفيات الفكرية واليديولوجية للمفسرين‪.‬‬
‫لذلك اختلفت التفسيرات من قبل المفكرين اللبراليين والشتراكيين أو‬
‫اليساريين‪ ،‬والسلميين بمختلف أطيافهم المذهبية‪.‬‬
‫نظرة على التاريخ‬
‫وقد ارتبط ظهور "التدين المستحدث" وتطوره أو "المتدينين الجدد" وكذلك‬
‫الدعاة‪ ،‬بالمرحلة التاريخية التي مرت بها المجتمعات السلمية‪ ،‬خاصة‬
‫العربية منها‪ ،‬وذلك من حيث إنهم جزء ل يتجزأ من مراحل الدعوة السلمية‪،‬‬
‫منذ سقوط الخلفة العثمانية والفترة السابقة لها المهيئة لذلك السقوط‪،‬‬
‫حيث حاول الدعاة استنهاض المة بعد بياتها الحضاري الذي تسبب في‬
‫تخلفها‪ ،‬ثم استقطب نحوها الغزاة والمستعمرين‪.‬‬
‫ضت عسكريا ولكنها استمرت ثقافيا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فبعد بزوغ الحركة الوهابية التي أجه َ‬
‫ظهر دعاة الصلح مثل جمال الدين الفغاني‪ ،‬ومحمد عبده‪ ،‬ورشيد رضا‪ ،‬ثم‬
‫حسن البنا الذي ُيعتبر من الدعاة الجدد في زمنه‪ ،‬وتمحورت دعوته بإعلء‬
‫شأن فريضة الجهاد التي جمدتها دعوى فصل الدين عن السياسة‪ ،‬التي تبناها‬
‫الفكر الغربي المسيحي‪ ،‬ومن تبعه من رواد الفكر العربي المعاصر‪ ،‬خاصة‬
‫في مصر والشام‪.‬‬
‫لقد كانت تلك انعطافة تاريخية للتيار السلمي الجديد الذي دفع به حسن‬
‫البنا وجماعته‪ ،‬مما أثر بشدة في الحداث التاريخية التي صاحبت حركة‬
‫"الخوان المسلمين" التي نزلت بها نوازل المحن والضطهاد من قبل عملء‬
‫المستعمر الغربي وأضرابهم من الحكام العلمانيين‪.‬‬
‫وأفرزت هذه النوازل بالحركة السلمية الم العديد من "الجماعات"‬
‫السلمية التي أعلنت رفضها وتمردها على الوضاع السياسية والجتماعية‪،‬‬
‫وطال تمردها الحركة الم ذاتها لختلف هذه الجماعات معها حول منهج‬
‫كفرين ل يحتمله‬ ‫م َ‬
‫التغيير‪ ،‬حيث رأى هؤلء أن أمر التحرر من قبضة الحكام ال ُ‬
‫الزمن الذي يجب اختصاره بمختلف أساليب القوة التي ألبت عليهم الهل‬
‫والصدقاء‪ ،‬فضل عن الحكام الذين اتخذوا من إرهاب هذه الجماعات غير‬
‫المشروع مبررا لفرض الطوق والحصار على رغبة شعوبهم نحو التطور‬
‫والتقدم‪ ،‬أو على القل تجاوز التخلف‪.‬‬
‫ثم تظهر بالضرورة من بين ثنايا المناخ السياسي للستبداد ‪ -‬حتى لو اتشح‬
‫بثوب الديمقراطية المزعومة ‪ -‬طلئع من الدعاة الجدد‪ ،‬فضلوا البتعاد عن‬
‫الصدام السياسي وتغيير لغة وأسلوب الخطاب الديني بشكل يتوافق مع‬
‫مهادنة الدولة والبعد عن الصدام معها‪ ،‬كذلك هجر السلوب التقليدي في‬
‫الوعظ والرشاد وانتقاء محاور في العقيدة والسيرة النبوية التي تدور حول‬
‫أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل البيت‪ ،‬مما كان يدغدغ‬
‫مشاعر المحبة والذوبان في محبة الرسول واستنبات دوافع اللتزام بسنته‬
‫وتعاليم القرآن الكريم‪.‬‬
‫نوعية الخطاب وتأثيراته‬
‫كان يغلب على الخطاب الديني لهؤلء الدعاة الجدد السمت الوجداني أكثر‬
‫من مقارعة الحجج الفكرية للفكار العلمانية المضادة‪ ،‬مما جعل النتعاش‬
‫القلبي للمستمعين والمشاهدين يحلق بهم في آفاق الجمال والمتعة القلبية‬
‫التي من شأنها أن تنسيهم هموم الدنيا وأعباء الحياة‪ ،‬وقد ُتشكل لهم طاقة‬
‫وقوة دافعة لتعديل ضروب سلوكهم وتصرفاتهم غير الملتزمة إلى أخرى‬
‫ملتزمة‪ ،‬كان أبرزها التزام الفتيات بالحجاب وإقبال الشباب على إطلق‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللحى‪ ،‬ثم حرص البعض على صلة الجماعة وصلوات القيام في رمضان‬
‫وختم القرآن في العشر الواخر منه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد أخذت مساحة العبادات حيزا أكبر مما شغلته مساحة اللتزام الدقيق في‬
‫المعاملت والتصرفات التحررية في مظاهر المناسبات الجتماعية الوافدة‬
‫من ثقافة الغرب‪ ،‬فل مانع من البتهاج بالرقص الجماعي في مناسبة زفاف‬
‫أو عيد ميلد وأمور أخرى مسكوت عنها في اجتهادات الفقه المعاصر‪.‬‬
‫المر الخر هو الجمهور المخاطب الذي تنوع في باكورة نشاط الدعاة الجدد‬
‫بين أبناء الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة وبين بعض أبناء النخب من‬
‫الطبقة العلى‪ُ ،‬ثم اتسعت الدائرة بعد النتشار العلمي لبعض الدعاة الجدد‬
‫الموهوبين لتشمل الكثير من شباب طبقة البسطاء من الناس الذين تمكنوا‬
‫من مشاهدة الفضائيات‪ ،‬خاصة بعد انتشار استخدام الوصلت السلكية في‬
‫القرى والحياء الشعبية‪.‬‬
‫قد يكون انتشار تأثير الدعاة الجدد بين أبناء الطبقة الوسطى من وسائل‬
‫تدعيم بنية هذه الطبقة‪ ،‬ومحاولة غير مقصودة ‪ -‬أو مقصودة ‪ -‬لرد العتبار‬
‫لهذه الطبقة بعد أن أخذت في التآكل وغياب دورها في النهضة الفكرية‬
‫والسياسية والقتصادية‪ ،‬مما أدى إلى حدوث فراغ اجتماعي بين طبقة‬
‫الثرياء وطبقة البسطاء في الوظائف الجتماعية فضل عن البنية الجتماعية‪.‬‬
‫وبالرغم من الذكاء السياسي الذي اتسمت بها ظاهرة المتدينين والدعاة‬
‫الجدد‪ ،‬وعدم احتكاكها بالسلطة والميل إلى مهادنتها‪ ،‬فإن واقعها يحمل‬
‫مضمونا سياسيا مستترا ستظهر آثاره في الزمن الجل‪ ،‬مما يقلق النظم‬
‫السياسية خاصة في مصر ويدفعهم للعلن عن هواجسهم المريضة التي‬
‫توشي بعدم ثقتهم بأنفسهم‪ ،‬واعتبارهم التدين المستحدث ‪ -‬رغم اعتداله ‪-‬‬
‫هو محاولة لختراق العقول النيرة من الشباب المتعلم وصبغها بالسمت‬
‫السلمي الذي سُيظهر هويته بالضرورة بعد أن يتبوأ هؤلء الشباب مراكز‬
‫اجتماعية مرموقة من شأنها أن تؤثر في صنع القرار الذي قد يكون ضد التيار‬
‫المحافظ الذي يحرص النظام الحاكم على جريانه للحفاظ على مصالح قممه‬
‫وحراسه‪.‬‬
‫مناورة حضارية!‬
‫إن التدين الجديد منهج مستحدث للتغيير الجتماعي‪ ،‬ومناورة حضارية‬
‫للوصول إلى أسلمة المجتمع‪ ،‬وقد يمثل خلفية مساندة للحركات السلمية‬
‫المعاصرة دون الظهور في الصورة أو محاسبته سياسيا‪ ،‬مثل الحزاب‬
‫السياسية والجماعات السلمية التي تضع المشاركة السياسية في الحسبان‪.‬‬
‫وهذا المنهج الدعوي يضع نصب عينيه دعوة جميع أطراف البنية الطبقية‪،‬‬
‫والصعود إلى قمة الهرم السياسي‪ ،‬من خلل شبابه‪ ،‬والنزول إلى قاع‬
‫القاعدة الهرمية بين بسطاء الناس‪ ،‬ومرورا بطبيعة الحال بأبناء الطبقة‬
‫الوسطى‪ ،‬وهذا المنهج سينعش بالضرورة اتجاهات الشباب نحو التغيير‪.‬‬
‫وبالرغم من عدم التنسيق بين مجهودات هؤلء الدعاة‪ ،‬فإن أغلبهم يسير‬
‫على مسارات متوازية مع حركة "الخوان المسلمين" في مصر ونظيراتها‬
‫في العالم العربي‪ ،‬رغم اختلف البعض مع توجهاتها أو منهجها في العمل‪.‬‬
‫التطور واستشراف المآلت‬
‫وإذا رصدنا عملية وظاهرة التدين الجديد‪ ،‬نجد أنها تطورت عند عمرو خالد‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من السرد القصصي المشوق لسير النبياء وحياة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وزوجاته وأهل بيته وصحابته‪ ،‬إلى القتراب من فرص المشاركة في‬
‫عملية التنمية وصناعة الحياة‪ ،‬وهذا هو الهدف الحضاري المشترك بين المنهج‬
‫الذي أصبح يدعو إليه وبين حركة الستنارة الحديثة التي ينادي بها منهج‬
‫الحركة السلمية الم لتحقيق الغاية من رسالة النسان لستخلفه على‬
‫عمران العالم والتقرب إلى الله تعالى وهداية الناس لعبادته‪.‬‬
‫ولكن التدين الجديد الذي أخذ ينتشر على رقعة اجتماعية واسعة يمكن أن‬
‫يتعثر إذا عمل بمفرده ولم يأخذ في اعتباره جهود العمل السلمي المستنير‬
‫في شتى جوانب الحياة‪ .‬وقد ينحرف عن طريقه إذا تحول عند بعض الدعاة‬
‫الخرين إلى مجرد مشروعات تجارية أو استثمارية بسبب ثورة التصال‬
‫ووسائلها اللكترونية المتاحة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التدين المغشوش‪" ..‬نفاق بل عنوان ‪ ...‬العنوان‬


‫السلوكيات ‪ ...‬الموضوع‬
‫أبحث عن دين غير السلم؟ نعم‪ ..‬لن الدين المعاملة‪ ،‬وحصل معي أشياء ل‬
‫يعملها إنسان مسلم مع مسلم أبدا‪ ،‬وشفت العجب العجاب من الملتزمين‪،‬‬
‫إنه إمام وخطيب مسجد‪ ،‬ورئيس هيئة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫وسرق أموالي وكل ما املك؛ ‪ 300.000‬ألف ريال‪ ،‬وبقيت مفلس‪ ،‬وهو يتنعم‬
‫بأموالي وأموال غيري‪ ،‬فهل هذا مسلم؟!‪ ،‬إذا كانت الجابة بـ"نعم" فأنا غير‬
‫مسلم‪ ... .‬السؤال‬
‫الستاذ همام عبد المعبود‬
‫المستشار‬
‫الرد‬
‫الخ الحيران‬
‫السلم عليك ورحمة الله وبركاته‪ ،‬وأهل ومرحبا بك‪ ،‬وشكر الله لك ثقتك‬
‫بإخوانك في شبكة "إسلم أون لين‪.‬نت"‪ ،‬ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهل‬
‫لهذه الثقة‪ ،‬وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا‪ ،‬وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم‪،‬‬
‫وأل يجعل فيها لمخلوق حظا‪...،‬آمين‪ ...‬ثم أما بعد‪:‬‬
‫وصلتنا رسالتك‪ ،‬وعلمنا بما فيها‪ ،‬وأقول لك أخي الحبيب‪ :‬لقد سميت نفسك‬
‫الحيران‪ ،‬وما أراه أنك أنت الذي حيرتنا معك‪ ،‬فقد صدرت رسالتك بعبارة‬
‫)أبحث عن دين غير السلم؟؟؟(‪ ،‬ثم حكيت الحكاية المؤسفة‪ ،‬ثم سألتنا عن‬
‫هذا الرجل الذي أخذ مالك فقلت‪ :‬هل هذا مسلم؟!‪ ،‬وختمت رسالتك قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫)إذا كانت الجابة بـ"نعم" فأنا غير مسلم(!‪.‬‬
‫وأستعين بالله – أخي‪ -‬وأقول لك ‪:‬‬
‫درت به‬ ‫* سارع بالستغفار‪ :‬بداية فإنني أطالبك بالستغفار عن قولك الذي ص ّ‬
‫رسالتك وجعلته عنوانا لها وهو‪) :‬أبحث عن دين غير السلم(‪ ،‬نعم أطالبك‬
‫بالمسارعة بإعلن توبتك لله عز وجل‪ ،‬فاستغفر ليل نهار‪ ،‬لعل الله يغفر لك‪،‬‬
‫فمهما بحثت فلن تجد أفضل ول أعز ول أكرم ول أكمل ول أتم من السلم‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬‫ه وَهُوَ ِفي ال َ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫قب َ َ‬
‫ل ِ‬ ‫سل َم ِ ِديًنا فَل َ ْ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫من ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ِ ْ‬
‫دينا‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{‪ .‬فالمشكلة ليست في السلم؛ وإنما في المسلمين‪.‬‬ ‫ري َ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫* احذر منافقي العصر‪ :‬دعني أضم صوتي لصوتك‪ ،‬فالدين المعاملة حقا‪ ،‬بهذا‬
‫أعلمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وللسف فإن كثيرا من المسلمين‪،‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذين يظهرون للناس التزاما وورعا وتقوى حتى إذا جئتهم لم تجدهم شيئا‪،‬‬
‫ووجدت عندهم غشا ونصبا واحتيال‪ ،‬فأمثال هؤلء يا أخي الحبيب هم "منافقو‬
‫العصر"‪ ،‬وهؤلء يجب الحذر من التعامل معهم‪ ،‬وتنبيه الناس إلى خطورتهم‪.‬‬
‫* السلم حجة‪ :‬غير أني أود أن أوضح لك أن السلم حجة على الناس‪ ،‬أما‬
‫تصرفات الناس وأقوالهم فليست حجة على السلم‪ ،‬مهما كانت مناصبهم‬
‫الدينية‪ ،‬أو مظاهرهم الشكلية‪ ،‬فل ينبغي أن تنخدع بمظاهر الناس‪ ،‬بل‬
‫الواجب عليك أن تكون منتبها ويقظا‪ ،‬ول تولي ثقتك لكل أحد‪ ،‬بل أعطها لمن‬
‫يستحقها فقط‪ ،‬وهؤلء – أهل الثقة – موجودون‪ ،‬لكنهم قلئل فابحث عنهم‪.‬‬
‫* النصح قبل الفضح‪ :‬مثل هذا الرجل‪ -‬إن كان ما جاء في رسالتك عنه‬
‫صحيحا‪ -‬يجب يكشف أمره للناس‪ ،‬حتى ل ينخدع به آخرون‪ ،‬وقد طالعت‬
‫الرابط الذي أرسلته مع الرسالة‪ ،‬ولحظت كم يشتاق كثيرون إلى معرفة‬
‫اسمه وعنوانه وتجارته‪ ،‬وأعجبني فيك صبرك وتمهلك‪ .‬ولكن قبل أن تنشر‬
‫أمره وتفضحه على النترنت‪ ،‬فإنني أوصيك بأن تدعوه لتصحيح مساره‬
‫والعودة إلى الله‪ ،‬وأن ينتهي عما يفعل‪ ،‬وأن تنصحه بإعادة المال لصحابه‪،‬‬
‫وتخبره بأن هذا أفضل له من نشر الخبر وإذاعته عبر وسائل العلم‪ ،‬وتذكره‬
‫بأنه رجل أعمال؛ ورجال العمال رأسمالهم ثقة الناس بهم وسمعتهم‪ ،‬فإن‬
‫انتهى فخيرا وإن أبى فقد وجب نشر خبره وإذاعة أمره‪.‬‬
‫* ل إفراط ول تفريط‪ :‬أنصحك بعدم التعميم‪ ،‬فل تقل كما قلت في رسالتك‪:‬‬
‫)شفت العجب العجاب من الملتزمين(‪ ،‬فليس كل الملتزمين هكذا‪ ،‬بل‬
‫القاعدة أن كل الملتزمين يحافظون على التزامهم‪ ،‬ويتقون الله تعالى في‬
‫كل ما يقولونه‪ ،‬وكل ما يفعلونه‪ ،‬والستثناء هو حالت فردية شاذة‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإني أرجو أن تبتعد عن داء التعميم الذي ابتلينا به كعرب ومسلمين‪ ،‬فالواحد‬
‫منا لو دخل قرية وصادف رجل بخيل يقول ) أهل هذه القرية بخلء(‪ ،‬ولو‬
‫صادف رجل كريما يقول )كل رجال هذه القرية كرماء( !!‪ ،‬فلنتخلق بخلق‬
‫السلم العظيم‪ ،‬فنضع المور في نصابها الصحيح‪ ،‬بل إفراط ول تفريط‪ ،‬وأن‬
‫يكون ميزاننا في الحكم على الشياء والظواهر والشخاص هو التوسط‬
‫والعتدال‪ ،‬هذه نصيحتي إليك وإلى عامة المسلمين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫* أين كنتم طوال هذه المدة؟‪ ،‬لماذا انتظرتم كل هذا حتى سرق أموالكم‪،‬‬
‫نصب عليكم باسم السلم‪ ،‬واستولى على كل ما تملكون‪ .‬كيف أخذ منك‪،‬‬
‫بمفردك‪ (300.000) ،‬ألف ريال دون أن تشك فيه‪ ،‬حتى بقيت مفلسا‪ ،‬كما‬
‫قلت‪ ،‬كان لبد أن تسأل عنه‪ ،‬وتتوثق منه‪ ،‬قبل أن تتعامل معه بالدرهم‬
‫دا عند عمر‬‫كي شاه ً‬‫والدينار‪ .‬ألم تقرأ هذه القصة؟!‪ ،‬فقد ُروي أن رجل ً جاء ي َُز ّ‬
‫بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال له عمر‪ :‬هل عاملته بالدرهم والدينا‬
‫ففيهما يظهر دين الرجل؟‪ ،‬هل سافرت معه‪ ،‬ففي السفر يظهر خلق‬
‫الرجل؟‪ ،‬هل أنت جاره الذي يعلم مدخله ومخرجه؟؟‪ ،‬فقال الرجل ‪ :‬ل ‪..‬‬
‫ل ‪..‬ل‪ .‬فقال له عمر رضي الله عنه‪ :‬أنت إًذا لم تعرفه‪ ،‬لعلك رأيَته في‬
‫سه بالقرآن‪ ،‬ويفعل كذا وكذا من أنواع العبادات‪ ،‬فوقع في‬ ‫المسجد ي َهُّز رأ َ‬
‫دل في الشهادة‪ .‬فقال الرجل نعم‪ ،‬فلم يقبل عمر‬ ‫قلبك أنه رجل صالح عَ ْ‬
‫تزكيَته‪.‬‬
‫* دروس وعبر‪ :‬اعلم فقهك الله بدينك أن النسان عرضة لمثل هذه الموقف‪،‬‬
‫ولول الخطأ ما كان الصواب‪ ،‬ولول الذنب ما كان الستغفار‪ ،‬غير أنه ينبغي‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علينا أن نستخلص من هذه القصة الدروس والعبر والعظات‪ ،‬فالمؤمن ل‬


‫يلدغ من جحر مرتين‪.‬‬
‫ومن هذه الدروس المستفادة‪:‬‬
‫* أل تغتر بالشكل‪ :‬فل يجب أن ننخدع بشكل الرجل‪ ،‬أو لباسه‪ ،‬أو طول‬
‫لحيته‪ ،‬أو طلقة لسانه‪ ،‬أو كونه خطيبا بارعا أو داعية مشهورا‪ ،‬فكل هذه‬
‫صفات طيبة ول بأس بها‪ ،‬غير أنها إذا اقترنت بإنسان أو اتصف بها أحد فلبد‬
‫أن يتقي الله‪ ،‬وأل يكون سببا في صرف الناس عن السلم وعن اللتزام‪،‬‬
‫حتى ل نجعلهم يبحثون عن دين غير السلم كما تريد أن تفعل أنت !!‪.‬‬
‫* أن نتناصح فيما بيننا‪ :‬فالدين النصيحة‪ ،‬والناس بخير ما تناصحوا‪ ،‬والواجب‬
‫على المسلم أن ينصح أخاه بالخير وأن يحذره من الوقوع في الشر‪ ،‬وأن‬
‫يحب لخيه ما يحبه لنفسه‪ ،‬وأن يكره لخيه ما يكرهه لنفسه‪ ،‬فإذا وقع مسلم‬
‫في فخ أو أصابه مكروه فعليه أن يحذر إخوانه من أن يقعوا في نفس الفخ‪.‬‬
‫* أن نحذر مكر الشيطان‪ :‬فل يدفعنا أمر أصابنا بسوء إلى اليأس والقنوط‪،‬‬
‫والكفر بكل خير مخافة أن يكون وراءه الشر‪ ،‬بل يجب أن نثبت ونصبر‬
‫ونحتسب المر عند الله‪ ،‬ول نضعف فنكون لقمة سائغة للشيطان‪ ،‬فيبغضنا‬
‫في ديننا‪ ،‬ويضيق الدنيا في عيوننا‪ ،‬ولنعلم أن هذه محنة‪ ،‬وما علينا – بعد بذل‬
‫الجهد الممكن ‪ -‬إل الصبر‪ ،‬وسؤال الله أن يعوضنا عن مصيبتنا خيرا‪ .‬لكن‬
‫م ال ْ َ‬ ‫من ّروِْح الل ّهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬
‫كافُِرو َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ه ل َ ي َي ْأ ُ‬
‫س ِ‬ ‫إياك واليأس؛ فقد قال تعالى‪ }:‬إ ِن ّ ُ‬
‫)يوسف‪.(12:‬‬
‫وختاما؛‬
‫شكرا الله تواصلك الكريم‪ ،‬وعوض عليك خسارتك‪ ،‬ورد إليك مالك‪ ،‬وحفظك‬
‫من كل مكروه وسوء‪ ،‬وغفر الله لنا ولك‪ ..‬وتابعنا بأخبارك‪ ..‬وبشرنا برد‬
‫مالك‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التدين الموسمي‬
‫________________________________________‬
‫حح مسارها‪،‬‬ ‫من المهم أن ننقد ذاتنا‪ ،‬ل لنجلدها ونلتذ بتعذيبها‪ ،‬ولكن لنص ّ‬
‫مض‬ ‫مغ ِ‬ ‫ونتلفى وجوه تقصيرها‪ ،‬فالصامت عن عيوبه ل يمكن أن يعالجها‪ ،‬و ُ‬
‫العين عن ثغرات نفسه سيظل حامل ً أثقال ً وأعباًء غير هينة‪ .‬ومن عيوب حياة‬
‫المسلمين المعاصرة‪ :‬هذه اللوان العديدة والمنتشرة من التدين الزائف‪:‬‬
‫ما‬‫ن يؤمن لسان النسان ول تؤمن بقية جوارحه‪ ،‬فتسمع من الرجل كل ً‬ ‫كأ ْ‬
‫ل‪ ،‬لكن ل ترى منه إل أقبح الفعال‪.‬‬ ‫جمي ً‬
‫ن القول والفعل‬ ‫حس َ‬ ‫ن يؤمن ظاهر النسان ول يؤمن باطنه‪ ،‬فيبدو للناس َ‬ ‫وكأ ْ‬
‫عرض أو مال كان غير ذلك‪.‬‬ ‫في الظاهر‪ ،‬فإذا خالطوه أو ائتمنوه على ِ‬
‫ن يرتبط تدين النسان بالمواسم والمناسبات‪ ،‬وهذا هو موضوع هذه‬ ‫ومثل أ ْ‬
‫السطور‪.‬‬
‫هدايا من الله‪ :‬مواسم العبادة السنوية هدايا من الله لعباده‪ ،‬يتيح لهم فيها أن‬
‫يصححوا مسار حياتهم‪ ،‬ويستأنفوا توجههم بشكل قويم إلى ربهم‪ ،‬يقول النبي‬
‫ه‬
‫فَر ل ُ‬ ‫ساًبا غُ ِ‬‫حت ِ َ‬
‫ماًنا َوا ْ‬
‫ن ِإي َ‬
‫ضا َ‬
‫م َ‬‫م َر َ‬
‫صا َ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬‫صلى الله عليه وسلم عن الصيام‪َ ) :‬‬
‫م ي َْرفُ ْ‬
‫ث‬ ‫َ‬
‫ج فَل ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ذ َن ْب ِهِ ( ] رواه البخاري ومسلم [‪ ،‬وعن الحج‪َ ) :‬‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬
‫ما ت َ‬
‫ن ذ َن ْب ِهِ ( ] رواه الترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح [‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫قد ّ َ‬
‫ه ما ت َ‬
‫فَر ل ُ‬ ‫ُ‬
‫سق ْ غ ِ‬‫ف ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫فالهدف الكبر من العبادات الموسمية هو إخراج النسان من أسر عاداته إلى‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نوع من التجديد والتغيير‪ ،‬تنتعش به حياته العقلية والقلبية‪ ،‬وتتجدد مسيرته‬


‫في إطار المغفرة التي ينعم الله بها عليه‪ ،‬بعد أن حمل أوزار أشهر عدة‪.‬‬
‫هذا المعنى هو الذي يجعل الصلة في قلب شعائر السلم الربع‪ ،‬فهذه‬
‫العبادة الجليلة تلزم المسلم طوال العام‪ ،‬فليست هناك إجازة من الصلة أو‬
‫توقف عنها‪ ،‬ما دامت الروح والعقل في جسد صاحبهما‪ ،‬فهي تأتينا بالليل‬
‫والنهار‪ ،‬والصبح والمساء‪ } :‬أقم الصلة لدلوك الشمس إلى" غسق الليل‬
‫وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا {] السراء ‪ ،[ 87 :‬وأما بقية‬
‫الشعائر الكبرى )الزكاة والصيام والحج( فهي عبادات موسمية‪ ،‬تأتي كل‬
‫عام‪ ،‬وهدفها التجديد وبعث الحيوية من جديد‪.‬‬
‫ومن هنا تتكامل الصورة في العبادة‪ ،‬فصَلة المسلم بربه ل تنتهي ما دام حيا‪ً،‬‬
‫إل أن الطرق والوسائل التي تتحقق بها هذه الصلة لبد فيها من التنوع‪ ،‬حتى‬
‫ل يمل العابد‪ ،‬ولبد فيها من التغيير حتى ل تصيب العادةُ أعماله بالجمود‬
‫قا للصلة المستمرة بالله تعالى‪ ،‬وبقية‬ ‫وفقدان الروح‪ ،‬فكانت الصلة تحقي ً‬
‫الشعائر للتجديد والتطهير من شتى وجوه التقصير؛ لتتواصل المسيرة بحيوية‬
‫أعظم‪.‬‬
‫ضل الله بها على عباده‪ ،‬يحسد المرضى عليها‬ ‫هذه الهدايا الموسمية التي تف ّ‬
‫ل؛ لن المحروم‬ ‫الصحاء‪ ،‬ويحسد غيُر المستطيعين لها من استطاع إليها سبي ً‬
‫كا للخير‪ ،‬وأعمق شعوًرا بقيمته‪.‬‬ ‫أكثر إدرا ً‬
‫ول حجة للحياء ول الصحاء ول المستطيعين تمنعهم من إحسان العبادة‬
‫وإكمال الطاعة؛ شكل ً ومضموًنا‪ ،‬إل أن تكون الغفلة قد حجبت القلوب‪ ،‬أو‬
‫ن الذنوب قد أصابت الفئدة بالقسوة‪ ،‬وحالت دون شعورها بمعنى‬ ‫تكو َ‬
‫الشعائر التي وضع الله فيها أعظم الحكم وأرقى المعاني‪.‬‬
‫إن الشعائر التي يؤديها المسلم تجارب شخصية للعبد في ميدان الطاعة؛‬
‫بمعنى أنها حلوة ُيتاح له أن يتذوقها بنفسه‪ ،‬ل أن يحكي الناس له عنها‪ ،‬أو‬
‫سِلم‬‫يتذوقوها نيابة عنه‪ ..‬إل أن القلب ل يتذوق حلوة الطاعة لموله إل إذا َ‬
‫من الدواء القّتالة‪ ،‬ولم يتركه صاحبه فريسة بين يدي الشياطين والهواء‪ ،‬بل‬
‫سعى صاحب هذا القلب للهدى جاًدا صادًقا‪ ،‬مستعيًنا على ذلك بموله الذي ل‬
‫يخّيب من طلب منه الهدى بصدق وإخلص للحق‪ } :‬والذين اهتدوا زادهم‬
‫هدى وآتاهم تقواهم { ] محمد ‪.[17 :‬‬
‫كشف حساب‬
‫الظاهرة التي نشكو منها هي أن يتحول تديننا إلى تدين مناسبات‪ ،‬يرتبط‬
‫بزمان معين‪ ،‬دون أن تبقى من هذا التدين إل ظلل أشبه بالوهام والخيالت‪،‬‬
‫تصحبنا بقية العام حتى يعاود الموسم المبارك زيارته من جديد!‬
‫ة ما نأتي من عمل في المواسم‪ ،‬بل إن حصاد‬ ‫ول تقف وراء هذه الظاهرة قل ُ‬
‫شهر رمضان المبارك مثل ً يبدو في العادة ‪ -‬لدى المسلم العادي ‪ -‬كبيًرا ج ً‬
‫دا‬
‫وبشكل لفت للنظر‪ .‬وهذه محاولة لتقريب الصورة من خلل نموذج لمسلم‬
‫ل‪ ،‬وصلى ركعات‬ ‫متوسط الداء لعباداته‪ ،‬على اعتبار أنه صام الشهر كام ً‬
‫الفرائض‪ ،‬وأضاف عليها خمس عشرة ركعة من السنن في اليوم )القيام ‪+‬‬
‫ما وليلة فقط‪ ،‬وختم القرآن مرة واحدة خلل‬ ‫ركعات أخرى(‪ ،‬واعتكف يو ً‬
‫الشهر‪ ،‬واستمع إلى عشر دقائق من العلم كل يوم‪ ،‬إضافة إلى أربع جمعات‬
‫)‪ 30‬دقيقة للخطبة مث ً‬
‫ل(‪:‬‬
‫وهذا النموذج في الحقيقة فيه ميل إلى التبسيط والخذ بالقل‪ ،‬فكثير من‬
‫المسلمين تتضاعف أكثر الرقام السابقة بالنسبة إليهم أضعاًفا كثيرة‪،‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيختمون القرآن مرات‪ ،‬ويعتكفون العشر الواخر كاملة‪ ،‬ويصلون ما ل‬


‫صى من النوافل‪ ،‬ويمكثون الساعات الطوال في صلة التراويح‪.‬‬
‫ُيح َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لكن النموذج السابق يكفي لبيان المعنى المراد‪ ،‬وهو أن المسلم يصلي في‬
‫شهر رمضان حوالي ألف ركعة‪ ،‬ويمتنع فيه عن أنواع عديدة من المباحات‬
‫ما كامل ً بليله‬
‫)شهوتي الفرج والبطن( أثناء النهار بما يقارب خمسة عشر يو ً‬
‫ونهاره‪ ،‬ويمكث مع القرآن والذكر ثماني عشرة ساعة‪ ،‬ويبقي في المسجد‬
‫ما مجموعه ثلثة أيام ونصف يوم تقريبًا‪ ،‬ويستمع لحوالي ثلث يوم كامل من‬
‫العلم‪..‬‬
‫إذن ما يقوم به المسلم عادة في شهر رمضان عمل ضخم وكبير‪ ،‬ويستحق‬
‫أن تكون له آثار هائلة في حياة صاحبه‪ ،‬تصل إلى درجة إحداث ثورة في‬
‫حياته‪ .‬وقد عنون الديب الكبير مصطفى صادق الرافعي يرحمه الله إحدى‬
‫مقالته الشهيرة التي كتبها منذ سبعين سنة كاملة )سنة ‪1353‬هـ( باسم‬
‫"شهر للثورة فلسفة الصيام"‪..‬‬
‫لكن ما يحدث عادة هو أننا ل نجد أثًرا كبيًرا لهذه العمال في حياة صاحبها!‬
‫فما سبب هذا؟ ما سبب أن يتحول جبل من العمل إلى ركام من الرماد‪ ،‬فل‬
‫يترك إل أثًرا ضئيل ً ينمحي بمرور اليام والبتعاد عن رمضان؟‬
‫أسباب متنوعة‬
‫هذه ظاهرة مركبة‪ ،‬ففيها عناصر من ظروف العصر‪ ،‬وعناصر من حال‬
‫الثقافة السلمية عند أصحابها‪ ،‬وأخرى من فهم طبيعة هذا الدين المتكامل‪،‬‬
‫وغير ذلك‪..‬‬
‫وبسبب هذا التركيب لن نستطيع رد الظاهرة برمتها إلى سبب واحد‪ ،‬بل‬
‫هناك أسباب عدة‪ ،‬لعل أهمها ما يلي‪ -1:‬دخولنا في موسم العبادة دون‬
‫وضوح الهدف الذي نستهدفه من التزامنا فيها بما ُأمرنا به من الطاعة وهجر‬
‫العصيان‪ ،‬ويمكن أن يكون هدفنا هنا ما يأتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مجرد إعلن الخضوع والتسليم لله فيما أمر‪ ،‬مع الستعداد لن نسحب هذا‬
‫المر على بقية مناحي حياتنا وأيام عمرنا‪.‬‬
‫ب‪ -‬بلوغ "المغفرة" من الله تعالى؛ حتى تكون قلوبنا أكثر عافية وقدرة على‬
‫الستمرار‪.‬‬
‫ج‪ -‬استئناف الطريق إلى الله تعالى‪ ،‬على أن يكون الموسم هو البدء وما‬
‫ما لها مًعا‪.‬‬
‫بعده استمرار له‪ ،‬ل أن يكون الموسم بدًءا للعودة إلى الله وختا ً‬
‫‪ -2‬العيش مع العبادة في شكلها وهيئتها‪ ،‬دون معايشة لها في روحها‬
‫وحقيقتها‪ ،‬فالقيام طويل‪ ،‬ولكن الخشوع قليل‪ ،‬والصيام جوع وعطش‪ ،‬ولكن‬
‫سرح حرة حيث شاءت‪ ،‬وقراءة القرآن كثيرة‪ ،‬ولكنها رطانات‬ ‫الجوارح ت َ ْ‬
‫وسباقات للوصول إلى "الختمة"‪ ،‬وأصوات متداخلة تخطئ القراءة المتدّبرة‬
‫الواعية‪.‬‬
‫‪ -3‬تمّيز أيام المواسم‪ ،‬وكثرة البركة فيها دفعتا الناس في حال السلب إلى‬
‫الفصل بينها وبين بقية شهور السنة‪ ،‬فانتزعوا اليام من سياقها الزمني الذي‬
‫رتبها الله عليه‪ ،‬ونسوا أن تميز هذه اليام نابع من الخير الذي وضعه الله‬
‫فيها‪ ،‬ومن الثر الكبير الذي يمكن أن تتركه في حياة صاحبها طوال العام‪،‬‬
‫وربما طوال العمر‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التدّين والمقاييس الختزالية! ‪... ...‬‬


‫يشترك المسلمون في أصل التوحيد وقاعدة اليمان‪ ،‬وعلى ما بينهم من هذا‬
‫القدر المشترك إل أنهم متفاوتون فيما بينهم تدّينا ً وصلحًا‪ ،‬أو ظلما ً وتفريطا ً‬
‫)فمنهم ظالم لنفسه‪ ،‬ومنهم مقتصد‪ ،‬ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله(‪ ،‬لكنه‬
‫رج أحدا ً منهم من دائرة الولء والمحبة‪ ،‬ول يرفع عنه حرمة‬ ‫تفاوت ل ُيخ ِ‬
‫المسلم‪ ،‬فكلهم موعود بجنة الله ورضوانه؛ إذ يقول الله في الية التي تليها‪:‬‬
‫)جنات عدن يدخلونها( حتى الظالم لنفسه منهم‪ ،‬فمآله للجنة )ُيحّلون فيها‬
‫من أساور من ذهب ولؤلؤا ً ولباسهم فيها حرير(‪.‬‬
‫دد صور الكبائر‪ ،‬فكذا صلحهم‬ ‫دد صوره بتع ّ‬
‫وكما أن ظلم الناس لنفسهم تتع ّ‬
‫ل يأتي في صورة واحدة‪ ،‬وإنما يدخلونه من أبواب متفرقة‪ .‬وكما للنار سبعة‬
‫أبواب‪ ،‬فللجنة منها ثمانية‪ ،‬من كل باب ُينادى أناس‪ ،‬وآخرون ُيناَدون من كل‬
‫باب‪.‬‬
‫ه واحد ٌ ل ُيعرف إل به‪ ،‬ول مظهر واحد ل تتشكل صورة‬ ‫إذا ً ليس للصلح وج ٌ‬
‫الصلح إل منه‪ ،‬ول مقاييس شكلية تقوم بظاهر بدن الرجل وهيئته فُتختزل‬
‫فيها صورة الصلح‪.‬‬
‫واختزال التدّين في مقاييس شكلية ‪-‬نسبة إلى الشكل ل إلى ما يقابل‬
‫الجوهر‪ ،‬بحيث تكون هي المؤهل الوحيد لستحقاق وصف التدين‪ ،‬فتغني عن‬
‫غيرها في إضفائه‪ ،‬ول يغني غيرها عند عدمها‪ -‬هو من جملة تلك الخطاء التي‬
‫وُِلدت مع ميلد الصحوة‪.‬‬
‫سمت والمظهر‪ ،‬فقد‬ ‫ً‬
‫لقد أحدثت الصحوة تغييرا في المجتمع تجاوز تغيير ال ّ‬
‫كانت ‪-‬مذ ظهرت‪ -‬صحوة ً في العقيدة‪ ،‬وفي الفكر‪ ،‬وفي المنهج‪ ،‬وفي‬
‫السلوك‪ ،‬وفي الشعور‪ ،‬بيد أن اللقاب التي ُولدت معها كـ)التدّين( لم تمتد ّ‬
‫سعْ ما وسعته الصحوة من الناس في تأثيرها‪ ،‬بل بقيت كما‬ ‫امتدادها‪ ،‬ولم ت َ َ‬
‫ب تزكيةٍ اختزلت التدّين في هيئة‪ ،‬وجعلته منوطا ً بها‪ ،‬فمن‬ ‫هي مذ ُولدت ألقا َ‬
‫ت عليه شارة‬ ‫ُ‬
‫خلع عليه هذا اللقب‪ ،‬وأضفي ْ‬ ‫قق الشعائر المتعلقة بالهيئة ُ‬ ‫ح ّ‬
‫ّ‬
‫صر في غيرها‪ ،‬ومن تخلفت فيه صفة من‬ ‫الصلح‪ ،‬فل يضيره بعد ُ أن يق ّ‬
‫جّرد من ذلك التشريف‪ ،‬ثم ل يشفع له أن يكون فيه‬ ‫خلع عنه الّلقب‪ ،‬و ُ‬ ‫صفاتها ُ‬
‫من دلئل الصلح ما هو أوجب وأعظم منها‪ .‬فهي ‪-‬كما ترى‪ -‬أحكام مرتجلة‪،‬‬
‫تمنحها نظرة خاطفة إلى مظهر الرجل وهيئته‪ ،‬بل ‪-‬في الحقيقة‪ -‬إلى )مشهد‬
‫صامت( ليس فيه فعل ول قول ‪-‬واللذان هما المعيار والمحك‪ -‬فيتلقف هذه‬
‫الحكام فما ً عن فم؛ حتى يصبح هذا معيارا ً عاما ً ُيسبر صلح كل شخص من‬
‫خلله‪.‬‬
‫نعم ليس للناس إل الظاهر‪ ،‬كما قال عمر ‪-‬رضي الله عنه‪" :-‬وإنما نؤاخذكم‬
‫الن بما ظهر لنا من أعمالكم"‪ ،‬غير أنه يجب أن ُيفهم أن الظاهر المقصود‬
‫هو ما ظهر للناس من فعل النسان وقوله وسلوكه‪ ،‬ل مجّرد ما ظهر من‬
‫هيئته‪ ،‬فهذا ظاهٌر ل يدل إل على نفسه‪ ،‬ول دللة له على غيره‪ ،‬ل نفيا ً ول‬
‫مًا‪ .‬وعمر قال‪" :‬ما ظهر لنا من أعمالكم" ولم يقل‪" :‬من‬ ‫إثباتًا‪ ،‬ول مدحا ً ول ذ ّ‬
‫هيئتكم أو مظهركم"‪.‬‬
‫ليس التدين محصورا ً ببضع شعائر تقوم بظاهر البدن‪ ،‬بل هو مشاعر إيمانية‬
‫م الولء في دائرة‬ ‫ن تحجي َ‬ ‫يفيض بها القلب‪ ،‬وسلوك طاهر يقوم بالجوارح‪ .‬وإ ّ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ت متنافر ٍ‬ ‫ت ظاهرة ُيفضي إلى تشطير المجتمع إلى فئا ٍ‬ ‫مها سما ٌ‬ ‫ضيقةٍ تحك ُ‬
‫أو على أقل تقدير غيرِ متعاونة‪ ،‬تتسع بينها الفجوة ُ والجفوة‪ ،‬وتصبح كأّنها ل‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تلتقي على شيء!‬


‫شرع‪ ،‬بل تهويل ول‬ ‫ت الظاهرة حيث وضعها ال ّ‬ ‫فيجب أن ُتوضع هذه السما ُ‬
‫استهانة‪ ،‬والذي يعني أنها شعيرة من الشعائر فحسب‪ ،‬المحقق لها مطيع‪،‬‬
‫ح المطلق‪ ،‬ول‬ ‫ص‪ ،‬ل شارة َ كمال ُتضفي على صاحبها الصل َ‬ ‫صر فيها عا ٍ‬ ‫والمق ّ‬
‫ل أصل ً من أصول السلم ُيجعل فرقانا ً بين الولء والبراء‪ ،‬والمحّبة‬ ‫أن ُتجع َ‬
‫درها فوق قدرها‪،‬‬ ‫جز لحد الستهانة بها؛ فل يجوز له أن يق ّ‬ ‫والبغضاء‪ .‬وإذ لم ي ُ‬
‫م الباطلة‪ ،‬من إطلق الصلح‬ ‫ُ‬
‫ت عليها اللواز ُ‬
‫فإنها إن أعطيت فوق ذلك توارد ْ‬
‫ققت فيه بإطلق‪ ،‬أو نفِيه عن غيره بإطلق‪.‬‬ ‫لمن تح ّ‬
‫سمات الصلح‬ ‫ض ِ‬ ‫من الحقائق التي ل يختلف فيها عاقلن أن وجود بع ِ‬
‫م وجودها ل يدل‬ ‫ل صلِح الباطن بالضرورة‪ ،‬وعد ُ‬ ‫ل على كما ِ‬‫الظاهرة ل يد ّ‬
‫ة‬
‫حكما ُيملي عليه طريق َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ضنا َ‬
‫بالضرورة على فساد الباطن‪ ،‬فلماذا يجعلها بع ُ‬
‫التعامل ويصّرف له بها ولءاته؟ ولماذا تتعامى بصائرنا عن هذه الحقيقة‬
‫البسيطة؟!‬
‫ض السمات الظاهرة للصلح‪ ،‬لكّنك ل تفتقد‬ ‫إنك قد تفتقد ُ في بعض الناس بع َ‬
‫فة اللسان‪،‬‬ ‫ع ّ‬
‫فيه معالم أخرى للصلح هي أهم وأوجب؛ كسلمة الصدر‪ ،‬و ِ‬
‫واستقامة الفكر‪ ،‬ولين الجانب‪ ،‬وبذل المال في سبيل الله‪ ،‬وتعظيم قدر‬
‫مم للناس‪ ،‬وأداء حقوِقهم‪ .‬فهل ُتلغى هذه المعالم العظيمة‬ ‫الصلة‪ ،‬والتذ ّ‬
‫للصلح لجل افتقاد شيٍء من السمات الظاهرة!‬
‫مت فيه تلك‬ ‫أليس هذا بأولى بمزيد من البشاشة والمحّبة من ذلك الذي تتا ّ‬
‫الهيئة المانحة لوسام )التدّين( وبدت منه قبائح ل يسترها جمال هيئة ول‬
‫مت؛ كالستطالة في العراض‪ ،‬وبذاءة اللسان‪ ،‬وتضييع الحقوق‪،‬‬ ‫س ْ‬ ‫حسن َ‬
‫وخفر الذمم‪ ،‬وغلبة الحسد والحقد وسوء الظن؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ف التدّين ل‬‫حح مفهوم التدّين لدى الناس‪ ،‬حتى يدركوا أن وص َ‬ ‫يجب أن ُيص ّ‬
‫ص بطائفة تتمّيز بمظهرها‪ ،‬وكي ل‬ ‫ة بالمظهر‪ ،‬ول يخت ّ‬ ‫ت خاص ٌ‬ ‫تحتكُره سما ٌ‬
‫داعون؛ لتزكيهم بها العيون‪ ،‬وتأمن خيانتهم‬ ‫ت يتلّبسها رجال خ ّ‬ ‫ينخدعوا بهيئا ٍ‬
‫القلوب‪.‬‬
‫حح مفهوم التدّين كي تزول تلك النفرة التي قد تبدو من بعض‬ ‫ويجب أن ُيص ّ‬
‫الناس ُتجاه آخرين بسبب نظرة خاطفة ل تجاوز ملمح الوجه‪.‬‬
‫وأخيرا ً أرجو أل ّ ُيفَهم من هذا تهوينا ً من بعض الشعائر‪ ،‬أو تسويغا ً للتقصير‬
‫ن شأن غيرها‪.‬‬ ‫ت النكاَر لتقديرها فوق قدرها‪ ،‬ولتهوي ِ‬
‫فيها‪ ،‬إنما قصد ُ‬
‫كاتب المقال‪ :‬سامي الماجد‬
‫المصدر‪ :‬السلم اليوم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التدّين المزدوج!‬
‫علي صالح طمبل*‬
‫الفتاة التي تغطي شعرها في الشارع وتؤمن بأنها محجبة قد تكون هي ذات‬
‫الفتاة التي تراها تقف مع صديقتها أمام باب المنزل بشعر مكشوف‪ .‬والفتاة‬
‫التي تراها ترتدي العباءة السوداء والقفاز في المواصلت العامة قد تجدها‬
‫هي نفس الفتاة التي تجول متبرجة في عرس شقيقها أو صديقتها المقربة‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهي تتذرع بأن العرس مناسبة ل تأتي إل مرة واحدة في العمر!‬


‫والرجل الذي تراه يصلي في المسجد الصلوات الخمس قد يكون هو ذات‬
‫الرجل الذي تراه يصطحب زوجته وبناته بكامل زينتهن إلى حفل ساهر‬
‫يختلط فيه الحابل بالنابل‪ .‬والشاب الذي يضع المسبحة على عنقه لعله يكون‬
‫هو نفس الشاب الذي يسهر مع الفلم الماجنة حتى يتسلل إلى نافذته أول‬
‫خيط من الفجر!‬
‫هذه الزدواجية في التدين تحصر الدين في مواضع معينة وتقصيه عن‬
‫المواضع الخرى‪ ،‬وتضع الدين في رهان خاسر مع العادات والتقاليد المنافية‬
‫دم رضا النفس على رضا خالقها؛ وكأن الدين ما جاء لينظم كافة‬ ‫له‪ ،‬وتق ّ‬
‫مناحي الحياة دون تمييز ما دامت كلها في النهاية تؤدي إلى الهدف السمى‬
‫ن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي‬ ‫وهو عبادة الله عّز وج ّ‬
‫ل‪ .‬قال تعالى‪) :‬قل إ ّ‬
‫ل المسلمين( )النعام‪:‬‬‫ت وأنا أو ُ‬ ‫ُ‬
‫لله رب العالمين ل شريك له وبذلك أمر ُ‬
‫‪.(162‬‬
‫ومشكلة البشرية كلها مع الدين منذ القدم وحتى قيام الساعة ـ على حد‬
‫قول الشيخ محمد سيد حاج ـ هي الخوف على المصلحة الخاصة؛ لذلك نجدها‬
‫دم المصلحة الخاصة في كثير من الحيان على الدين عندما يتعارض الدين‬ ‫ُتق ّ‬
‫معها‪ ،‬مع أن الخالق عز وجل قد شرع الدين لما فيه المصلحة والسعادة‬
‫الحقيقية في الدنيا والخرة‪ .‬ول شك في أن خالق العباد أعلم بمصلحتهم‬
‫منهم‪ .‬قال تعالى ‪) :‬فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى* ومن أعرض عن‬
‫ذكري فإن له معيشة ضنكا ً ونحشره يوم القيامة أعمى( )طه‪.(124-123 :‬‬
‫والذين يريدون تطبيق الدين على هواهم بأخذ ما يتماشى مع مصالحهم وترك‬
‫ما يتعارض معها‪ ،‬هؤلء سيظل الدين بالنسبة إليهم مظهرا ً من المظاهر‬
‫الجتماعية يجارون به موجة النفاق الجتماعي التي تفشت في مجتمعاتنا‪،‬‬
‫ولن ينفذ الدين أبدا ً إلى أعماقهم؛ لن الدين في حقيقته قول وعمل‪ ،‬ومظهر‬
‫وجوهر‪ ،‬ول يمكن الستغناء عن جانب من جوانبه دون الخر‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫)أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل‬
‫خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل‬
‫عما تعملون( )البقرة‪.(85 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التذكير بالله والتآخي في الله من أهم القربات ومن أفضل الطاعات‬


‫القسم ‪ :‬إملءات < رسائل‬
‫الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ‪ ،‬والصلة والسلم على عبده‬
‫ورسوله وخيرته من خلقه ‪ ،‬وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد‬
‫الله ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ‪ ،‬ومن سلك سبيله واتبع هداه إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬أيتها الخوات في الله ‪ ،‬أشكر رئيسة الجمعية على دعوتي إلى هذا‬
‫اللقاء ‪ ،‬وأسأل الله أن يوفقها والعاملت معها لما فيه صلح الجمعية‬
‫واستمرار نفعها ‪ ،‬ولما فيه أيضا صلح المسلمين جميعا ‪.‬‬
‫أيتها الخوات في الله ‪ :‬إن التذكير بالله والتآخي في الله من أهم القربات‬
‫ومن أفضل الطاعات ‪ ،‬وهو من التناصح والتعاون على البر والتقوى ‪ ،‬ومن‬
‫التواصي بالحق الذي أثنى الله على أهله ‪ ،‬وأخبر أنهم هم الرابحون ‪ ،‬قال‬
‫ن{]‪ [1‬وقال‬ ‫وى َول ت ََعاوَُنوا عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫ق َ‬‫تعالى }وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬
‫مُلوا‬
‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سرٍ * ِإل ال ّ ِ‬
‫خ ْ‬
‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬
‫سا َ‬‫ن اْل ِن ْ َ‬‫صرِ * إ ِ ّ‬ ‫عز وجل ‪َ} :‬وال ْعَ ْ‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ر{]‪[2‬‬
‫صب ْ ِ‬
‫وا ِبال ّ‬
‫ص ْ‬
‫وا َ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَت َ َ‬ ‫ص ْ‬
‫وا َ‬
‫ت وَت َ َ‬‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ال ّ‬
‫أمر سبحانه في الية الولى بالتعاون على البر والتقوى ‪ ،‬ويدخل في ذلك‬
‫النصيحة والتوجيه إلى الخير ‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وبر‬
‫الوالدين ‪ ،‬وغير ذلك مما ينفع العباد في العاجل والجل ‪ ،‬ونهى عن التعاون‬
‫على الثم والعدوان ‪ ،‬ويدخل فيه التعاون على كل ما يغضب الله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ،‬كالتعاون على المعاصي كلها كالمسكرات وظلم الناس ‪ ،‬وغير ذلك‬
‫مما يدخل في التعاون على الثم والعدوان ‪ .‬فل يجوز لمسلم أو مسلمة أن‬
‫يعين على معصية الله عز وجل ‪ ،‬وينبغي للمؤمن والمؤمنة أل يتأخرا عن‬
‫التعاون على البر والتقوى ‪.‬‬
‫وأخبر في سورة العصر أن من صفات الرابحين الناجين السعداء ‪ :‬اليمان ‪،‬‬
‫والعمل الصالح ‪ ،‬والتواصي بالحق ‪ ،‬والتواصي بالصبر ‪.‬‬
‫هذه أيتها الخوات في الله صفات الرابحين ‪ ،‬صفات السعداء ‪ :‬اليمان بالله‬
‫ورسوله إيمانا صادقا ‪ ،‬ثم العمل الصالح ‪ ،‬وهو ثمرة اليمان وهو موجب‬
‫اليمان ‪ ،‬وهو أداء فرائض الله والكف عن محارم الله ‪ ،‬والمسارعة إلى‬
‫الخيرات والزدياد من أنواع القربات ‪.‬‬
‫والمر الثالث ‪ :‬التواصي بالحق ‪ ،‬ويدخل فيه التناصح ‪ ،‬والمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر ‪ ،‬وسائر وجوه الخير ‪.‬‬
‫والرابع ‪ :‬التواصي بالصبر فإن المور المهمة ل تحصل إل بالله ثم بالصبر ‪،‬‬
‫فلهذا أخبر سبحانه عن صفات الرابحين أنهم يتواصون بالصبر ‪.‬‬
‫هذه العناصر الربعة هي أسباب الوصول إلى السعادة ‪ ،‬والوصول إلى الربح ‪،‬‬
‫وهذه العناصر إذا توافرت للمجتمع صار مجتمعا صالحا ‪ ،‬سواء كان رجاليا أو‬
‫نسائيا ‪ ،‬كل مجتمع تتوافر فيه هذه المور الربعة وهي ‪ :‬اليمان الصادق بالله‬
‫ورسوله ‪ ،‬إيمانا يتضمن توحيد الله ويتضمن اليمان بالرسل جميعا ومنهم‬
‫خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ويتضمن الصل الثاني‬
‫وهو العمل الصالح ‪ ،‬وهو أداء الفرائض وترك المحارم ‪ ،‬والمسارعة في‬
‫الخيرات ‪ ،‬ويتضمن العنصر الثالث وهو التواصي بالحق والتعاون على الخير‬
‫والتناصح ‪ ،‬ويتضمن العنصر الرابع التواصي بالصبر ‪.‬‬
‫ووصيتي لكن أيتها الخوات العناية بهذه الصول والحرص عليها ‪ ،‬ول سيما‬
‫في هذا العصر الذي كثرت فيه الشرور ‪ ،‬وغلب فيه الجهل بأمور الدين ‪ ،‬وقل‬
‫فيه العلم ‪.‬‬
‫ويجب على المؤمن والمؤمنة التعاون على البر والتقوى دائما ‪ ،‬ول سيما في‬
‫هذا العصر الذي ل تخفى حاله وما كثر فيه من المغريات وأسباب الشقاء ‪،‬‬
‫وما حصل فيه من الختلط بالكفرة والفسقة ‪ ،‬وما حصل فيه أيضا من‬
‫الرفاهية وتطور الحوال في كل شيء ‪ .‬فالمؤمن والمؤمنة في أشد الحاجة‬
‫للتواصي بالحق والتناصح والتعاون على الخير والصبر على ذلك ‪ .‬فالمؤمن‬
‫ينصح أخاه إذا رأى منه تقصيرا ‪ ،‬وأيضا المؤمنة تنصح أختها في الله وأخاها‬
‫في الله ‪ :‬زوجها وأباها وابنها وابنتها وأختها وجدتها وأمها وغيرهم ‪ ،‬في كل‬
‫شيء ‪ :‬في الصلة ‪ ،‬في الصوم ‪ ،‬في الحج ‪ ،‬في بر الوالدين ‪ ،‬في الكف عن‬
‫محارم الله ‪ ،‬في صلة الرحم ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪.‬‬
‫والناس بخير ما تناصحوا وتواصوا بالحق ‪ ،‬فإذا أهملوا وضيعوا وتقاعسوا عن‬
‫هذا المر العظيم ‪ ،‬ظهرت بينهم المنكرات ‪ ،‬وقلت بينهم الخيرات ‪ ،‬وانتشرت‬
‫الرذائل ‪.‬‬
‫محاضرة ألقاها سماحة الشيخ في جمعية الوفاء الخيرية بالرياض ضمن‬
‫برامجها الثقافية في مستهل شهر رجب عام ‪1404‬ه ونشرت بالجزيرة العدد‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 4210‬الصادر يوم الحد ‪ 7‬رجب عام ‪1404‬ه ‪.‬‬


‫أخلق المؤمنين والمؤمنات ‪:‬‬
‫ومما ورد في كتاب الله العظيم فيما يتعلق بهذا المر العظيم قوله تعالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫}وال ْمؤْمنون وال ْمؤْمنات بعضه َ‬
‫ن‬‫ن عَ ِ‬
‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬
‫ٍ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫ه ُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫سول َُ‬ ‫ر‬
‫َ ََ ُ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ن ّ َ َُ ِ ُ َ‬
‫عو‬ ‫طي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬
‫م{]‪[3‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬‫ح ُ‬‫سي َْر َ‬‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هذه صفة المؤمنين والمؤمنات ‪ ،‬وهذه أخلقهم ‪ ،‬بعضهم أولياء بعض ل حقد‬
‫ول حسد ‪ ،‬ول غش ول خيانة ول تنابز باللقاب ول لمز ‪ ،‬ول غير ذلك مما‬
‫يؤذي ومما يسبب الشحناء والعداوة والفرقة ‪ ،‬بل هم أولياء يتحابون في‬
‫الله ‪ ،‬ويتناصحون ويتواصون بكل خير ‪ .‬ولذلك يأمرون بالمعروف ويتناهون‬
‫عن المنكر فيما بينهم ‪ ،‬هكذا المؤمنون والمؤمنات ‪.‬‬
‫وبهذا تصلح مجتمعاتهم ‪ ،‬وتستقيم أحوالهم ‪ ،‬ثم مع هذا يقيمون الصلة كما‬
‫شرعها الله بالطمأنينة ‪ ،‬وبالخشوع والقبال عليها ‪ ،‬والمحافظة عليها في‬
‫أوقاتها ‪ ،‬وأداء ما يلزم فيها من شروط وأركان وواجبات ‪ ،‬أي أن تقام كما‬
‫ة{ ويعطونها‬ ‫كا َ‬‫ن الّز َ‬ ‫شرع الله ‪ ،‬يؤدونها كما شرع الله في كل وقت ‪} .‬وَي ُؤُْتو َ‬
‫ه{ من‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫طيُعو َ‬ ‫إلى المستحقين لها كما أمر الله ‪ ،‬ثم قال ‪} :‬وَي ُ ِ‬
‫صفات أهل اليمان ذكورا وأناثا طاعة الله ورسوله في جميع المور ‪ .‬وهذه‬
‫أسباب السعادة ‪ ،‬وهذه سبل النجاة ‪ ،‬هذا ما أوصيكم به ونفسي ‪ :‬تقوى الله‬
‫جل وعل ‪ ،‬والقيام بهذه المور وتدبرها وتعقلها ‪ ،‬كما أوصيكن بكتاب الله‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬بتدبره وتعقله ‪ ،‬والكثار من تلوته والعمل بما فيه ‪ ،‬وهو‬
‫كتاب الله الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬تنزيل من حكيم‬
‫دي ل ِل ِّتي هِ َ‬
‫ي‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫قْرآ َ‬‫ذا ال ْ ُ‬
‫ن هَ َ‬ ‫حميد ‪ ،‬كتاب الله الذي قال فيه سبحانه ‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م{]‪ [4‬وقال فيه عز وجل ‪} :‬وَن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫دى‬ ‫يٍء وَهُ ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ت ِب َْياًنا ل ِك ّ‬ ‫ك الك َِتا َ‬ ‫أقْوَ ُ‬
‫ب أ َن َْزل َْناه ُ إ ِل َي ْ َ‬
‫ك‬ ‫ن{]‪ [5‬وقال فيه تبارك وتعالى ‪} :‬ك َِتا ٌ‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫شَرى ل ِل ْ ُ‬‫ة وَب ُ ْ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ب{]‪ [6‬فأوصيكن بهذا الكتاب العظيم‬ ‫مَباَرك ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َكَر أولو اللَبا ِ‬ ‫ُ‬
‫تلوة وتدبرا ‪ ،‬وتعقل وعمل ‪ ،‬التي تقرأ عن ظهر قلب تحمد الله وتقرأ عن‬
‫ظهر قلب ‪ ،‬كيفما شاءت مضطجعة وجالسة وماشية ‪ ،‬والتي تحتاج إلى‬
‫مصحف تقرأ منه على طهارة وتدبر وتعقل ‪ ،‬فيه الهدى والنور ‪ ،‬وفيه الدعوة‬
‫إلى كل خير ‪ :‬الدعوة إلى مكارم الخلق ‪ ،‬ومحاسن العمال ‪ ،‬فيه الترهيب‬
‫من مساوئ الخلق ‪ ،‬وسيئ العمال ‪.‬‬
‫كما أوصيكن بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والحرص على سماع‬
‫الحاديث فيما بينكن ‪ :‬من ) رياض الصالحين ( ‪ ،‬أو ) بلوغ المرام ( ‪ ،‬أو‬
‫) منتقى الخبار ( ‪ ،‬أو غيرها من كتب الحديث المعتبرة كالصحيحين والسنن‬
‫الربع ‪.‬‬
‫وننصح بهذا كل مسلم ومسلمة في أنحاء المعمورة ‪ ،‬فإن أحاديث النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم تدعو إلى الهدى ‪ ،‬وكلها تفسر كتاب الله ‪ ،‬وتدل على‬
‫معناه ‪ .‬فالتي تقرأ وتطالع الكتب تستفيد ‪ ،‬ومن أحسن ما يقتنى ) رياض‬
‫الصالحين ( ‪ ،‬فهو كتاب جيد ‪ ،‬و ) بلوغ المرام ( ‪ ،‬و ) منتقى الخبار ( و‬
‫) عمدة الحديث ( ‪ ،‬هذه كتب جيدة ومفيدة وعظيمة ‪.‬‬
‫وإذا كانت ل تقرأ فيمكن أن تقرأ عليها ابنتها أو أختها أو ابنها أو أخوها في‬
‫مجالس مرتبة ‪ ،‬في أوقات معينة للفائدة والتعاون على الخير والتفقه في‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدين ‪.‬‬
‫أسأل الله بأسمائه أن يوفقنا وإياكن إلى الخير ‪ ،‬وأن يمنحنا الفقه في دينه‬
‫والثبات عليه ‪ ،‬وأن يزيدنا وإياكن علما نافعا ‪ ،‬وعمل صالحا ‪.‬‬
‫أما موضوع هذا اللقاء وهو الكلم على ) الستهلك ( ‪ ،‬وما يترتب على‬
‫الوقوع فيه من التبذير ‪ ،‬والسراف ‪ ،‬فكلمتي هنا أقول ‪ :‬قد أنزل الله سبحانه‬
‫وتعالى في كتابه العظيم آيات فيها ذكر السراف والتبذير ‪ ،‬والنهي عنهما ‪،‬‬
‫والثناء على المقتصدين والمستقيمين في تصرفاتهم في أكلهم وشربهم‬
‫وسائر نفقاتهم ‪.‬‬
‫فل إسراف ول تبذير ‪ ،‬ول بخل ول تقتير ‪ ،‬ول غلو ول جفاء ‪ .‬هكذا شرع الله‬
‫بالتوسط في المور كلها ‪ ،‬ومن ذلك النهي عن الغلو ‪ ،‬فالعباد منهيون عنه‬
‫كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك‬
‫من كان قبلكم الغلو في الدين(( ‪.‬‬
‫م{]‪ [7‬ونهيه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ب ل ت َغْلوا ِفي ِدين ِك ْ‬ ‫ْ‬ ‫والله سبحانه وتعالى يقول ‪َ} :‬يا أ َهْ َ‬
‫ل الك َِتا ِ‬
‫سبحانه لهم هو نهي لنا أيضا ‪ ،‬والجفاء والتقصير منهي عنهما ‪ ،‬بل يجب أن‬
‫نؤدي الواجبات وندع المحرمات ونسارع في الخيرات من غير غلو ول جفاء ‪.‬‬
‫والغلو هو ‪ :‬الزيادة فيما شرع الله ‪ ،‬مثل الذي ل يكفيه الوضوء الشرعي ‪ ،‬بل‬
‫يزيد ويسرف في الماء ‪ ،‬فل يكتفي بغسل يديه ورجليه ثلثا بل يزيد على ذلك‬
‫‪ ،‬فهذا نوع من الغلو فيما شرع الله ‪ ،‬وهكذا في الذان ‪ ،‬وهكذا في القامة ‪،‬‬
‫وهكذا في الصوم إلى غير ذلك ‪.‬‬
‫فالزيادة في الشرع تسمى غلوا وإفراطا وبدعة ‪ ،‬والتقصير في الصلة‬
‫بالنقص وعدم الكمال يسمى جفاء وتفريطا ‪ .‬وهكذا النقص في الصوم أن ل‬
‫يحفظه من المعاصي كالغيبة والنميمة وسيئ الكلم والفعال حال صومه ‪،‬‬
‫فهذا جفاء في الصوم ونقص ‪.‬‬
‫ومن الغلو في الصيام ‪ :‬كونه ل يتكلم أو ل يجالس الناس فهذا غلو ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولكن نصلي كما شرع الله ‪ ،‬ونصوم كما شرع الله ‪ ،‬ونبتعد عما حرم الله ‪،‬‬
‫وهكذا في النفقات ل إسراف ول تبذير ول بخل ول تقتير ‪ ،‬ولكن بين ذلك خير‬
‫سطًا{]‪[8‬‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫ة وَ َ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫المور أوسطها ‪ ،‬كما قال سبحانه وتعالى ‪} :‬وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫فالشرع جاء بالتوسط في المور كلها ‪ ،‬وعدم الغلو ‪ ،‬وعدم الجفاء ‪ ،‬وعدم‬
‫جدٍ وَك ُُلوا‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫عن ْد َ ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ذوا ِزين َت َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خ ُ‬‫م ُ‬ ‫التشدد ‪ .‬قال الله سبحانه ‪َ} :‬يا ب َِني آد َ َ‬
‫ن{]‪ [9‬أمر الله سبحانه بأخذ الزينة‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫سرُِفوا إ ِن ّ ُ‬ ‫شَرُبوا َول ت ُ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫لما فيها من ستر العورات ‪ ،‬ولما فيها من الجمال كما قال تعالى ‪َ} :‬يا ب َِني‬
‫شًا{]‪ [10‬الريش ‪ :‬ما يتجمل به‬ ‫َ‬
‫م َوري َ‬ ‫وآت ِك ُ ْ‬
‫س ْ‬ ‫واِري َ‬ ‫سا ي ُ َ‬
‫م ل َِبا ً‬ ‫م قَد ْ أن َْزل َْنا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫آد َ َ‬
‫النسان ‪ ،‬فالله خلق لنا شيئا نستر به العورات ‪ ،‬ثيابا تستر العورات ‪ ،‬وخلق‬
‫س‬
‫لنا ثيابا جميلة وهي الرياش فوق ذلك للتجمل بين العباد ‪ ،‬ثم قال ‪} :‬وَل َِبا ُ‬
‫خي ٌْر{]‪ [11‬لباس التقوى ‪ :‬اليمان بالله ‪ ،‬وتقوى الله ‪ :‬بطاعته‬ ‫ك َ‬ ‫وى ذ َل ِ َ‬ ‫ق َ‬‫الت ّ ْ‬
‫واتباع ما يرضيه ‪ ،‬والكف عن محارمه ‪ ،‬هذا اللباس العظم ‪ ،‬وهذا هو لباس‬
‫التقوى‪.‬‬
‫سرُِفوا{]‪ [12‬أمر بالكل‬ ‫شَرُبوا َول ت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ثم قال سبحانه وتعالى ‪} :‬وَكلوا َوا ْ‬
‫والشرب لما فيهما من حفظ الصحة والسلمة ‪ ،‬وقوام البنية؛ لن ترك الكل‬
‫والشرب يفضي إلى الموت ‪ ،‬وذلك ل يجوز ‪ ،‬بل يجب الكل والشرب بقدر ما‬
‫يحفظ الصحة ‪ ،‬ويكون النسان متوسطا في ذلك حتى يحفظ الصحة ‪،‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتستقيم حاله ‪ ،‬فل يسرف فيؤدي ذلك إلى التخمة والمراض ‪ ،‬والوجاع‬
‫المتنوعة ‪ ،‬ول يقصر فيضر بصحته ‪ ،‬ولكن بين ذلك ‪ ،‬ولهذا قال ‪َ} :‬ول‬
‫سرُِفوا{‬ ‫تُ ْ‬
‫وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪)) :‬ما مل ابن‬
‫آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ل‬
‫محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه(( وهذا الحديث الصحيح يدل‬
‫على أن السراف في الكل والتوسع فيه أمر غير مرغوب فيه ‪ ،‬بل وخطير ‪،‬‬
‫بحسب ابن آدم ما يقيم صحته ‪ ،‬ويقيم صلبه من اللقيمات التي تناسبه صباحا‬
‫ومساء ‪ ،‬وفي غير ذلك من الوقات التي يحتاج فيها إلى الطعام والشراب ‪.‬‬
‫فإن كان ل بد ول محالة من الزيادة فل يسرف ‪ ،‬فثلث للطعام وثلث للشراب‬
‫وثلث للنفس والراحة ‪ ،‬للقراءة والتهليل والنشاط الجتماعي ‪ ،‬ومخاطبة‬
‫الناس ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪ ،‬والسراف هو الزيادة ‪ ،‬وهو في الكل يؤدي إلى‬
‫التخمة ‪ ،‬وهو في الملبس يفضي إلى إضاعة المال ‪ ،‬وعدم الهتمام بحفظه ‪،‬‬
‫وفي الكلم يفضي إلى ما ل تحمد عقباه ‪ ،‬أو إلى ما حرم الله من الكلم ‪.‬‬
‫السراف من شرور الحياة ‪:‬‬
‫وهذا السراف في كل شيء من شرور هذه الحياة ‪ ،‬فالمؤمن يتوسط في‬
‫أموره كلها ‪ ،‬والمؤمنة تتوسط في كل المور ‪ ،‬وقد أخبر جل وعل عن منزلة‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫طي ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شَيا ِ‬ ‫وا َ‬‫خ َ‬‫كاُنوا إ ِ ْ‬‫ن َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مب َذ ِّري َ‬ ‫ذيًرا * إ ِ ّ‬ ‫المبذرين بقوله ‪َ} :‬ول ت ُب َذ ّْر ت َب ْ ِ‬
‫فوًرا {]‪[13‬‬ ‫ن ل َِرب ّهِ ك َ ُ‬
‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫فالمبذر مضيع للمال ‪ ،‬ل يؤمن على مال ‪ ،‬والمال له شأن عظيم ‪ ،‬والمال‬
‫الصالح نعم العون للرجل الصالح ‪ ،‬ينفقه في سبيل الله ‪.‬‬
‫فالواجب حفظ المال وعدم إضاعته ‪ ،‬ولذلك جاء التشديد في شهادة الزور‬
‫لما فيها من أخذ الموال بغير حق ‪ ،‬وسفك الدماء بغير حق ‪ ،‬وهتك العراض‬
‫بغير حق ‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬أل أخبركم بأكبر الكبائر(( ؟ قلنا‬
‫بلى يا رسول الله قال )) الشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس‬
‫فقال أل وقول الزور أل وشهادة الزور(( فكررها عليه الصلة والسلم ‪ .‬لن‬
‫شهادة الزور شرها عظيم وعواقبها وخيمة ‪ ،‬تؤخذ بها الموال بغير حق ‪،‬‬
‫وتزهق بها الرواح ‪ ،‬وتنتهك بها العراض بغير حق ‪ .‬ولهذا حذر منها عليه‬
‫الصلة والسلم ‪.‬‬
‫وجاء في كتاب الله العزيز ما يفيد التحذير منها ‪ ،‬كما قال جل وعل في سورة‬
‫َ‬
‫ل الّزوِر{]‪ [14‬أما عقوق‬ ‫جت َن ُِبوا قَوْ َ‬
‫ن َوا ْ‬ ‫ن اْلوَْثا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬ ‫الحج ‪َ} :‬فا ْ‬
‫المهات فهو كبيرة عظيمة ‪ ،‬وجريمة شنيعة يجب الحذر منها ‪ ،‬والتواصي‬
‫ن‬
‫بتركها ‪ ،‬وأما الشرك بالله فهو أعظم الذنوب وأكبرها كما قال سبحانه ‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ك بِ ِ‬‫شَر َ‬
‫ن يُ ْ‬
‫فُر أ ْ‬‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م{]‪ [15‬وقال سبحانه ‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫ظي ٌ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ك ل َظ ُل ْ ٌ‬
‫شْر َ‬ ‫ال ّ‬
‫شاُء{]‪ [16‬نعود إلى إكمال البحث في التبذير ‪،‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫وَي َغْ ِ‬
‫ً‬
‫يقول سبحانه وتعالى ‪َ} :‬ول ت ُب َذ ّْر تْبذيَرا{]‪ [17‬يحذر سبحانه من التبذير وهو‬
‫النفاق في غير الوجه الشرعي ‪ ،‬كإنفاق الموال في ظلم الناس ‪ ،‬وقصد‬
‫الضرار بهم ‪ ،‬أو في ظلم النفس كإنفاقها في المسكرات والمخدرات ‪ ،‬وفي‬
‫التدخين وفي الزنى وسائر المعاصي كالقمار والربا ونحو ذلك ‪ ،‬وهكذا إتلفها‬
‫من غير سبب كالفراط في شراء الغراض التي ل حاجة إليها ‪ .‬هذا من‬
‫إضاعة المال ‪ ،‬ومن التبذير ‪ ،‬والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة‬
‫المال ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالتبذير هو ‪ :‬صرف الموال في غير وجهها ‪ ،‬إما في المعاصي ‪ ،‬وإما في غير‬


‫فائدة لعبا وتساهل بالموال ‪.‬‬
‫أما السراف فهو ‪ :‬الزيادة التي ل وجه لها ‪ ،‬يزيد في الطعام والشراب بل‬
‫حاجة ‪ ،‬يكفيه مثل كيلو من الطعام أو كيلو من اللحم ‪ ،‬أو ما شابه ذلك فيزيد‬
‫طعاما ولحوما ل حاجة لها ‪ ،‬تلقى في التراب وفي القمائم ‪ ،‬هذا يسمى‬
‫إسرافا ‪.‬‬
‫وأما إتلف الموال بغير حق وصرفها في غير حق فيسمى تبذيرا ‪ ،‬وبين‬
‫سبحانه أن المبذرين إخوان الشياطين ‪ .‬لنهم شابهوهم في اللعب والضاعة‬
‫والمعاصي ‪.‬‬
‫التأدب بآداب الله ‪:‬‬
‫فالواجب على المؤمنين والمؤمنات جميعا أن يتأدبوا بآداب الله ‪ ،‬وأن يحذروا‬
‫مما نهى الله عنه ‪ ،‬فل إسراف ول تبذير ل في المآكل ول في المشارب ول‬
‫في الملبس ‪ ،‬ول في غير ذلك ‪ ،‬ول في الولئم العامة ‪ ،‬ول في الولئم‬
‫الخاصة ‪ ،‬بل بالمقدار المناسب ‪ ،‬فإذا صنع طعاما لجماعة ولكن تخلفوا أو‬
‫تخلف بعضهم فليس بإسراف لكن يجتهد في صرف الطعام لمن يحتاجه ‪،‬‬
‫وفي نقله إلى من يحتاجه ‪ ،‬أو في حفظه حتى يؤكل بعد ذلك ‪ ،‬ول يلقى في‬
‫القمائم والمواطن القذرة ‪.‬‬
‫وإن كان ول بد فليحمل إلى جهة بعيدة سليمة حتى تأكله الدواب ‪ ،‬وإذا تيسر‬
‫نقله إلى من يستفيد منه من العمال والفقراء وجب ذلك حتى ل تضيع هذه‬
‫الموال ‪ ،‬وحتى ل يقع السراف والتبذير ‪.‬‬
‫وقد مدح الله سبحانه عباده المقتصدين ‪ ،‬وهم عباد الرحمن ‪ ،‬فقال في‬
‫ك‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ن ب َي ْ َ‬‫كا َ‬‫قت ُُروا وَ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سرُِفوا وَل َ ْ‬ ‫قوا ل َ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ف ُ‬‫ن إ َِذا أ َن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أوصافهم عز وجل ‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ما {]‪[18‬وهذا هو الحد الفاصل ‪ ،‬ل إسراف ول تقتير ‪ ،‬وما بين ذلك هو‬ ‫وا ً‬‫قَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫سرُِفوا وَل ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫قوا ل ْ‬ ‫ف ُ‬‫ن إ َِذا أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬‫القوام والعدل ‪ ،‬يمدحهم سبحانه فيقول ‪َ} :‬وال ِ‬
‫قت ُُروا{]‪ [19‬السراف الزيادة ‪ ،‬والتقتير البخل ‪ ،‬والبخيل والبخل مذمومان ‪،‬‬ ‫يَ ْ‬
‫وهكذا السراف والتبذير مذمومان أيضا ‪ ،‬فل هذا ول هذا ولهذا مدح الله عباد‬
‫ك‬‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫قت ُُروا وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م يَ ْ‬‫سرُِفوا وَل َ ْ‬ ‫قوا ل َ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن إ َِذا أ َن ْ َ‬ ‫الرحمن بقوله }َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مًا{]‪ [20‬كان عدل وسطا ‪.‬‬ ‫وا َ‬‫قَ َ‬
‫فالوصية لكن أيتها الخوات ولكل مسلم التخلق بهذا الخلق الكريم ‪،‬‬
‫والحرص في البيت وعند الولئم على التحري في هذه المور ‪ ،‬والتوسط فيها‬
‫‪ ،‬والحذر من إضاعة الموال بغير حق ‪ ،‬وكثرة الطعام بل حاجة إليه ‪ ،‬فإن‬
‫المال ينفع إذا حفظ ‪ ،‬والمحتاجون إليه كثيرون في هذه البلد وفي غير هذه‬
‫البلد ونعلم من سكان هذه البلد أمما ل يحصيها إل الله ‪ ،‬في حاجة إلى‬
‫المال ‪ ،‬وفي حاجة إلى الطعام ‪ ،‬وفي حاجة إلى اللباس ‪.‬‬
‫وإن كانت بلدنا بحمد الله من خير البلد قد أفاء الله عليها خيرا كثيرا في‬
‫دينها ودنياها ‪ .‬لكن مع ذلك موجود فيها من هو محتاج ‪ ،‬إذا طلب وجد في‬
‫هذه البلد في المدن وفي القرى ‪ ،‬وفي كل مكان محتاجون لن تصل إليهم‬
‫المساعدات من الزكاة وغيرها ‪ .‬بواسطة المحاكم والعيان المعروفين بالثقة‬
‫والمانة ‪ ،‬حتى توزع بينهم وينظر في شأنهم لنهم في حاجة ‪ ،‬وفوق ذلك في‬
‫بلدان كثيرة في أفريقيا وفي آسيا ‪ ،‬وفي كل مكان حاجات كثيرة وفقراء ل‬
‫يعلم حالهم إل الله ‪ ،‬في أشد الحاجة إلى المال ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهناك المجاهدون الفغان ‪ ،‬واللجئون في باكستان في أشد الحاجة إلى‬


‫المال ‪ ،‬فكيف نضيعه ‪ ،‬وكيف نسرف فيه ‪ ،‬وكيف نبذر ‪ ،‬وعندنا في بلدنا‬
‫وغير بلدنا من هو محتاج ‪ ،‬هذا ل يجوز أبدا ‪ ،‬بل يجب التثبت في المور‬
‫والحرص على التوسط فيها ‪ ،‬في جميع المور من أكل وشرب ولباس ‪ ،‬في‬
‫وليمة عرس وغيرها ‪ .‬وولئم العراس فيها خطر عظيم ‪ .‬لن كثيرا من‬
‫الناس يباهي ويصرف نفقات باهظة ‪ ،‬وربما وصلت إلى الدين والتكلف ‪،‬‬
‫فينبغي للمؤمن والمؤمنة أن يلحظ هذا المر ‪ ،‬فالمرأة تلحظ زوجها ‪،‬‬
‫وتلحظ أباها وأخاها ‪ ،‬ول تكلف زوجها ول غيره ما ل يطيق ‪ ،‬بل تعينه على‬
‫الخير ‪ ،‬وتعينه على القتصاد ‪ ،‬وهكذا تعين ولدها وأخاها على القتصاد ‪ ،‬وتعين‬
‫أباها على ذلك ‪ ،‬وتنصح إذا رأت من أبيها أو أخيها أو من زوجها أو من ابنها‬
‫ميل إلى الزيادة والسراف والتبذير ‪ ،‬تنصح وتقول ‪ :‬اتق الله ‪ ،‬ل حاجة إلى‬
‫هذا ‪ ،‬ول موجب لهذا ‪ ،‬إذا كنا موسرين فلنتصدق ولنحسن إلى عباد الله ‪ ،‬وإل‬
‫فلنبدأ بأنفسنا وسد حاجاتنا ‪ .‬روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي‬
‫الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ))كل واشرب والبس‬
‫وتصدق في غير سرف ول مخيلة(( أخرجه أبو داود وأحمد من حديث عمرو‬
‫بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ ،‬أي من غير إسراف ول تكبر ‪ ،‬فبعض الناس‬
‫يلبس ويصنع ولئم زائدة ‪ ،‬تكبرا وتعاظما وفخرا وخيلء ‪ ،‬وذلك ل يجوز بل‬
‫يشرع له أن يصنع الطعام بقدر الحاجة ‪ ،‬ويلبس النسان ما يناسبه ل فخرا‬
‫ذوا‬ ‫خ ُ‬‫ول تكبرا ‪ ،‬ولكن للجمال ‪ ،‬إن الله جميل يحب الجمال ‪ ،‬والله يقول ‪ُ }:‬‬
‫د{]‪ [21‬فل بأس بالزينة المعتادة ‪ ،‬ول بأس بالطعام‬ ‫ج ٍ‬‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬‫عن ْد َ ك ُ ّ‬ ‫م ِ‬‫ِزين َت َك ُ ْ‬
‫المعتاد والمناسب ‪ ،‬ول بأس بأكل الطيبات ‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى قد أحل‬
‫الطيبات ‪ ،‬لكن بقدر الحاجة ‪ ،‬ل تلقى في السواق والقمائم ‪ ،‬ول تضيع‬
‫الموال بغير حق ‪ ،‬ول يلبس النسان ما يضره ‪ ،‬ول حاجة له به ‪ ،‬ول يجر‬
‫ملبسه في الوساخ والنجاسات ‪.‬‬
‫وللمرأة أن ترخي من ثيابها ما يناسب حتى تستر قدميها ‪ ،‬والرجل يرفع ثيابه‬
‫فوق الكعب ‪ ،‬ول يجوز للرجل أن يرخي تحت الكعب ‪ ،‬والمرأة عليها أن‬
‫ترخي ‪ .‬لنها عورة فتستر قدميها بإرخاء ثيابها ‪ ،‬يقول الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪)) :‬ما أسفل من الكعبين من الزار فهو في النار(( رواه البخاري‬
‫في الصحيح ‪ ،‬وهذا في حق الرجال ‪ ،‬ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫))ثلثة ل يكلمهم الله ول ينظر إليهم يوم القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم‬
‫المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب(( خرجه‬
‫مسلم في الصحيح ‪ .‬نسأل الله السلمة من كل ما يغضبه ‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪)) :‬من جر ثوبه خيلء لم ينظر الله إليه يوم‬
‫القيامة(( متفق عليه ‪ .‬وذلك يدل على أن الواجب على الرجل أن يرفع ثيابه‬
‫فوق الكعب من نصف الساق إلى الكعب ‪ ،‬ول يجعلها تحت ذلك ‪ .‬أما المرأة‬
‫فإنها عورة ‪ ،‬ويجب أن ترخي ثيابها حتى تستر أقدامها في مشيها ‪ ،‬أو تلبس‬
‫الجوارب من أجل الستر ‪.‬‬
‫والخلصة ‪ :‬من هذا كله أن الواجب علينا جميعا رجال ونساء ‪ ،‬التوسط في‬
‫المور ‪ ،‬في النفقات وفي الملبس والولئم ‪ ،‬وفي كل شيء فل غلو في‬
‫العبادات ول في غيرها ‪ ،‬ول إسراف ول تبذير ل في المآكل ول في‬
‫المشارب ‪ ،‬ول في الولئم ول في غير ذلك ‪ ،‬وعلينا أن نتحرى التوسط في‬
‫سط َْها ك ُلّ‬ ‫ق َ‬
‫ك َول ت َب ْ ُ‬ ‫ة إ َِلى عُن ُ ِ‬
‫مغُْلول َ ً‬ ‫ل ي َد َ َ‬
‫ك َ‬ ‫جعَ ْ‬
‫المور كلها ‪ ،‬قال تعالى ‪َ} :‬ول ت َ ْ‬
‫سورًا{]‪ [22‬وهذا هو التوسط المأمور به ‪ ،‬ل بخل ول‬ ‫ح ُ‬‫م ْ‬‫ما َ‬ ‫مُلو ً‬
‫قعُد َ َ‬ ‫ط فَت َ ْ‬
‫س ِ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫إمساك ‪ ،‬ول إسراف ول تبذير ‪ ،‬ولكن بين ذلك ‪ ،‬كما قال ربنا عز وجل في‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫ن ب َي ْ َ‬ ‫قت ُُروا وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫سرُِفوا وَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫قوا ل َ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ن إ َِذا أ َن ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫وصف الخيار من عباده ‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مًا{]‪ [23‬وأرجو أن يكون فيما ذكرته مع اختصاره الكفاية ‪ ،‬وأسأل‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك قَ َ‬
‫وا َ‬
‫الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه ‪ ،‬ولما فيه صلح قلوبنا ‪ ،‬وصلح‬
‫أعمالنا ‪ ،‬وأن يمنحنا جميعا الفقه في الدين ‪ ،‬والثبات عليه ‪ ،‬وأن يصلح ولة‬
‫أمرنا ‪ ،‬وأن يوفقهم لكل خير ‪ ،‬وأن يصلح لهم البطانة ‪ ،‬وأن يعينهم على كل‬
‫ما فيه صلح المة ونجاتها في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫كما أسأله سبحانه أن يصلح عامة المسلمين في كل مكان ‪ ،‬وأن يولي عليهم‬
‫خيارهم ‪ ،‬وأن يصلح قادتهم ‪ ،‬وأن يمنحنا وإياهم العلم النافع ‪ ،‬والعمل الصالح‬
‫‪ ،‬وأن يوفق حكامهم للحكم بالشريعة وتطبيقها فيما بينهم ‪ ،‬والسلمة مما‬
‫يخالفها إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحابته وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫]‪ - [1‬سورة المائدة الية ‪.2‬‬
‫]‪- [2‬سورة العصر كاملة ‪.‬‬
‫]‪ - [3‬سورة التوبة الية ‪.71‬‬
‫]‪ - [4‬سورة السراء الية ‪.9‬‬
‫]‪ - [5‬سورة النحل الية ‪.89‬‬
‫]‪ - [6‬سورة ص الية ‪.29‬‬
‫]‪ - [7‬سورة النساء الية ‪.171‬‬
‫]‪ - [8‬سورة البقرة الية ‪.143‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫]‪ - [9‬سورة العراف الية ‪.31‬‬


‫]‪ - [10‬سورة العراف الية ‪26‬‬
‫]‪ - [11‬سورة العراف الية ‪.26‬‬
‫]‪ - [12‬سورة العراف الية ‪.31‬‬
‫]‪ - [13‬سورة السراء اليتان ‪.27-26‬‬
‫]‪ -[14‬سورة الحج الية ‪.30‬‬
‫]‪ - [15‬سورة لقمان الية ‪.13‬‬
‫]‪ - [16‬سورة النساء الية ‪.48‬‬
‫]‪ [17‬سورة السراء الية ‪.26‬‬
‫]‪ - [18‬سورة الفرقان الية ‪.67‬‬
‫]‪ - [19‬سورة الفرقان الية ‪.67‬‬
‫]‪ - [20‬سورة الفرقان الية ‪.67‬‬
‫]‪ - [21‬سورة العراف الية ‪.31‬‬
‫]‪ - [22‬سورة السراء الية ‪.29‬‬
‫]‪- [23‬سورة الفرقان الية ‪67‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الترابي ‪...‬استخف قومه فأطاعوه‬


‫علي صالح طمبل*‬
‫ت بما لم تستطعه الوائ ُ‬
‫ل‬ ‫وإني وإن كنت الخير زمانه *** ل ٍ‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأمشي ولو أن النهار صوارم *** وأسري ولو أن الظلم جحاف ُ‬


‫ل‬
‫وقد سار ذكري في البلد فمن لهم *** بإخفاء شمس ضوءها متكاملُ‬
‫هذا هو حال لسان الترابي وهو يطلق فتاواه الصاروخية العابرة للقارات‬
‫ليأتي )بما لم تستطعه الوائل(‪ ،‬وكأن جميع من سبقوه قد فات عليهم أن‬
‫يأتوا بهذه الفتاوى المبتكرة؛ ليأتي بعبقريته المعهودة؛ فينفخ فيها الروح‪،‬‬
‫ويبعثها للعالم!‪.‬‬
‫وليت فتاوى الترابي تتعرض لمور تقبل الجتهاد والقياس‪ ،‬ولكنها تمس‬
‫ثوابت ل يختلف فيها اثنان؛ فتحاول بذلك أن تزعزع ثوابت ومسلمات ل‬
‫يختلف فيها اثنان‪ ،‬وتفتح بابا من الفتنة من العسير أن يوصد‪.‬‬
‫ولست بصدد مناقشة فتاوى الترابي من إمامة المرأة للرجال‪ ،‬وزواج‬
‫المسلمة من الكتابي‪ ،‬واقتصار حجاب المرأة على تغطية الصدر‪ ،‬وشهادة‬
‫المرأة التي تعدل أربع شهادات‪ ،‬وغيرها من الفتاوى المضللة؛ فقد تصدى‬
‫لذلك نفر كريم من العلماء والدعاة الفاضل؛ لذلك رأينا أنه من الجدر بنا أن‬
‫نناقش محورا آخر يتعّلق بالمرامي والهداف من إطلق هذه الفتاوى‪ ،‬وفي‬
‫هذا التوقيت بالذات!!‪..‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬لماذا نجد أن المحور الطاغي على فتاوى‬
‫الترابي هو المرأة؟!‪.‬‬
‫لقد أهدى الترابي بفتاواه ‪) -‬المتبرجة( من كل دليل‪ ،‬و)المتزينة( بكل ما ل‬
‫يقبله عقل أو منطق ‪ -‬للدعاة العلمانيين‪ ،‬والملحدة‪ ،‬ودعاة حرية المرأة‬
‫المزعومة ما لم يخطر لهم على بال؛ ليختصر الطريق أمام مآربهم للنيل من‬
‫هذه المة وعقيدتها؛ فالمدخل الحقيقي لعداء المة هو المرأة التي كرمها‬
‫السلم‪ ،‬وجعلها جوهرة مصونة‪ ،‬ومنحها من الحقوق ما لم تمنحها إياه كل‬
‫العراف والقوانين الغربية الوضعية؛ لذلك جاءت مقولة اليهود الشهيرة‪:‬‬
‫)كأس وغانية يفعلن في المة السلمية ما ل يفعله ألف مدفع(!!‪..‬‬
‫وهذه الفتاوى تمثل في مجملها تنازلت واضحة للفكر الغربي!!‪ ..‬فهو يرفع‬
‫هذه اليام لواء الديموقراطية التي يفتقدها‪ ،‬وينادي بضرورة مساواة المرأة‬
‫للرجل و يدعي منحه حقوقها لها‪ ،‬بينما يظلمها وينظر إليها نظرة شهوانية‬
‫محضة!!‪ ..‬علوة على أن هذه الفتاوى تمثل استجابة للضغوط التي يتعرض‬
‫لها المسلمون في كل كان من العالم وهم يقاومون الحملة الشرسة التي‬
‫دره من بلدها إلى كل أصقاع‬ ‫تقودها الفعى المريكية على الرهاب الذي تص ّ‬
‫العالم!!‪..‬‬
‫والعجيب في المر أن من أتباع الترابي من يذود عن فتاواه‪ ،‬ويزعمون أن له‬
‫خطابا صفويا‪ ،‬ولغة رفيعة ل يفهمها إل العباقرة من أمثاله‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫ل بقومه‪:‬‬ ‫يدل على سذاجة قائله‪ ،‬وخفة عقله‪ ،‬كما فعل فرعون من قب ُ‬
‫)فاستخف قومه فأطاعوه( الية!!‪..‬‬
‫لكن حين أنشد المعّري البيات سالفة الذكر قال له صبي‪ :‬إن الوائل قد أتوا‬
‫ق َ‬
‫ط‬ ‫س ِ‬‫بثمانية وعشرين حرفا؛ فهل تستطيع أن تأتي بحرف آخر؟!‪ ..‬فبهت‪ ،‬و ُ‬
‫في يده‪ ،‬وكانت تلك الحادثة أخزت غروره من حدث‪ ،‬و)الغرور مقبرة‬
‫البطال( كما يقولون!!‪..‬‬
‫وحين استخف فرعون قومه فأطاعوه كانت عاقبته الخزي مع قومه في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬وكانت النتيجة أن أورد نفسه وقومه المهالك‪..!!.‬‬
‫من السهل أن تعمد إلى القرآن فتفسره على الهوى‪ ،‬وتجاوز إجماع الفقهاء‬
‫والمعنى المراد من النصوص؛ وتتبع ما تشابه منه‪ ،‬لكن العبرة‪ :‬هل تستند‬
‫ك‬ ‫ذي أ َن َْز َ‬
‫ل عَل َي ْ َ‬ ‫أفكارك إلى دليل علمي أو منطقي؟!‪ ..‬قال تعالى‪) :‬هُوَ ال ّ ِ‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ت فَأ ّ‬ ‫شاب َِها ٌ‬ ‫مت َ َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ب وَأ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫م ال ْك َِتا‬ ‫ال ْكتاب منه آيات محك َمات هُ ُ‬
‫نأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َِ َ ِ ْ ُ َ ٌ ُ ْ َ ٌ‬
‫هَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ت َأِويل ُ‬ ‫ما ي َعْل ُ‬ ‫فت ْن َةِ َواب ْت َِغاَء ت َأِويل ِهِ وَ َ‬
‫ه اب ْت َِغاَء ال ِ‬‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫شاب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م َزي ْغٌ فَي َت ّب ُِعو َ‬
‫ما ي َذ ّك ُّر إ ِل ّ‬ ‫عن ْد ِ َرب َّنا وَ َ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫مّنا ب ِهِ ك ُ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن ِفي ال ْعِل ْم ِ ي َ ُ‬‫خو َ‬‫س ُ‬ ‫ه َوالّرا ِ‬ ‫إ ِل ّ الل ّ ُ‬
‫ُ‬
‫ب( )سورة آل عمران‪.(7 :‬‬ ‫أوُلو الل َْبا ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الترابي‪ ..‬في مواجهة امطار غزيرة ‪!....‬‬


‫مواقع أخرى*‬
‫نعم ‪...‬هى طريقته التى تميزه عن غيره من السياسيين والمفكرين‪ ,‬فتصنف‬
‫عند البعض بأنها ''ميزة افضلية '' على الخرين‪ ,‬وبعض آخر ينظر اليها‬
‫كواحدة من السباب التى تعيق انطلقه السياسى وتجعله يبدد مكاسبه‬
‫السياسية بسهولة ويسر‪ ,‬على ما انفق فيها من جهد وسعى‪!..‬‬
‫الدكتور حسن عبد الله الترابي‪ ..‬يلقى آراءه وافكاره المثيرة للجدل‬
‫والشتباك فتقوم الدنيا عليها احتجاجا ً وتجلس مختصمة بين رافض‬
‫ومؤيد‪..‬والرجل ليدير رأسه الى الوراء‪ ,‬اذ انه يمضى من محطته تلك ‪ ,‬ليثير‬
‫قضية أخرى فى محطة جديدة‪!..‬‬
‫فقبل ان تزول آثار حديثه السياسي عن محاولة اغتيال الرئيس المصرى‬
‫حسنى مبارك وما صاحبها وتكتمل دائرة ردود فعل ما قال‪,‬اذا بالترابي ينتقل‬
‫بقاطرته الى مجالت الفقه ‪,‬فتتعدى ردود فعلها النطاق المحلى لتأتى الردود‬
‫من مجمعات الفقة من المملكة العربية السعودية ومن الشيخ يوسف‬
‫القرضاوى وحزب العمل السلمى بالردن ‪.‬وقبل هؤلء تصدر بيانات‬
‫الحركات السلفية بالخرطوم التى ل تبدأ بالشيخ محمد عبد الكريم الذى‬
‫اعتقل فى مستهل التسعينات بعد اصداره لشريط كاسيت حمل عنوان‬
‫''اعدام زنديق'' ‪-‬ويقصد الترابي‪ -‬ول تنته البيانات بفتاوى الشيخ سليمان ابو‬
‫نارو زعيم فصيل من جماعات الخوان المسلمين المنقسمة على نفسها عدة‬
‫مرات‪..‬وبين هؤلء تقف الكيانات الدينية الرسمية على حياد متأهبة للحديث‬
‫اوللصمت معًا‪!...‬‬
‫سرقة الكاميرا‬
‫وبهذه المزية يستطيع الترابي على قول أهل الدراما ان يسرق الكاميرا من‬
‫القضايا والشخاص فل يغادر مانشتات الصحف ول شاشات الفضائيات ول‬
‫مجالس المدينة ال ليأتى اليها أكثر اثارة!‬
‫آراء الترابى التي اطلقها عن امامة المرأة للصلة وعن جواز تزويجها من‬
‫المسيحى واليهودى وعن ان شرب الخمر ل يصبح امرا ً قانونيا ً ال اذا تحول‬
‫لعدوان وان شهادة المرأة تعادل شهادة الرجل وقد تفوق‪ ،‬وكون الحجاب‬
‫يقصد به خمار المرأة الذى يغطى صدرها فقط ‪ ..‬وأل عودة اخرى للمسيح‬
‫وان انتظار المهدى ل جدوى منه‪...‬فهى أغلبها آراء ادلى بها الترابي من قبل‪,‬‬
‫ة عنه‬‫لكنه قام بذلك فى دوائر شبه مغلقة‪ ,‬ولم يتسرب منها ال القليل منقول ً‬
‫من شانئيه ‪,‬المر الذى كان يضع الفتاوى بين الشك واليقين‪ .‬ورغم ذلك فقد‬
‫كانت تتشكل حول فتاويه امواج من ردود الفعل تتراوح بين النقد والتجريح‬
‫والعتاب والقبول‪!...‬‬
‫هجمات سابقة‬
‫من قبل قوبلت هذه الراء بنقد شرس من الدكتور عصام احمد البشير‪ ،‬في‬
‫أواخر السبعينات ولكن دكتور عصام عاد ووافق الترابي فى بعض آرائه‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسكت عن البقية‪ ..‬وتصدى لراء الترابي زعيم انصار السنة الشيخ المرحوم‬
‫بن باز‪ ..‬واعتبرها الداعية السعودى سفر الحوالى في شريط تعليمى مسجل‬
‫انها العلمانية فى ثوبها الجديد‪ ...‬واخرج فى مستهل التسعينات الشيخ القادم‬
‫من المملكة العربية السعودية بعد ابعاده من هنالك محمد عبد الكريم‪ -‬رئيس‬
‫الرابطة الشرعية للدعاة‪ -‬شريطه الشهير ''اعدام زنديق'' الذى قام بمنتاجه‬
‫فنيا ً احد اعضاء حركة الجهاد المصرية‪ ,‬وتردد ان الجهزة السودانية قد قامت‬
‫بتسليمه للسلطات المصرية بعد ان كان محبوسا ً لسنوات هو وعبد الكريم‬
‫بسجن كوبر‪..‬واثناء الخلف الذى نشب بين الشيخ الترابي والرئيس البشير‬
‫فيما عرف صحفيا ً بصراع القصر والمنشية قامت مجلة ''الدستور'' السودانية‬
‫بنشر مادة الشريط على صفحاتها ‪ ,‬المر الذى اعتبره البعض محاولة لوضع‬
‫الترابي فى مواجهة صدامية مع المجموعات السلفية تصرفه عن منازلة‬
‫القصر الجمهورى بالبرلمان فى ما عرف وقتها بأزمة التعديلت الدستورية‪!..‬‬
‫وفى منتصف التسعينات قبل اضعاف وضع الترابي داخل السلطة‪ ,‬كان قد‬
‫تعرض الدكتور جعفر شيخ ادريس‪ -‬اشرس الناقدين للترابى‪ -‬لعتداءات‬
‫لفظية وتعبيرية لذعة بمسجد جامعة الخرطوم‪ ,‬من عدد من شباب‬
‫السلميين بعد الهجوم الذى شنه ادريس على الترابي وافكاره معا ً في‬
‫الصحف والندوات‪ ...‬وانتقل الرد على شيخ ادريس الى قاعة الشارقة بجامعة‬
‫الخرطوم حيث الدكتور امين حسن عمر والستاذ المحبوب عبد السلم‬
‫والدكتور التجاني عبد القادر تصدوا دفاعا ً عن الترابي وآرائه وهجوما ً على‬
‫شيخ ادريس ‪,‬الذى وصف من قبل المحبوب ''بطائر البطريق'' فى عدة‬
‫مقالت نشرها الخير بصحف الخرطوم‪!!..‬‬
‫اين هؤلء؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وما تجدر ملحظته ان الترابي كان ل يرد معقبا ً على منتقديه‪ ,‬ويترك ذلك اما‬
‫للمحبوب عبد السلم او امين حسن عمر او الدكتور التجاني عبد القادر وفى‬
‫مرات الستاذ احمد كمال الدين المحامى او الربعة معًا‪ ..‬وتمر الن كثير من‬
‫المياه تحت الجسر‪ ,‬حيث لم يعد الدكتور امين حسن عمر وان كان على‬
‫وفاق مع الترابي فى أغلب آرائه لكنه لم يعد له حماسة الدفاع‪ ،‬بعد انقسام‬
‫الرابع من رمضان‪ ,‬وذهاب امين بعيدا ً عن الترابي‪ ...‬اما الدكتور التجاني عبد‬
‫القادر فهو بالوليات المتحدة المريكية في عالمه الكاديمي منكفيا ً عليه‪ ,‬و‬
‫المحامى احمد كمال الدين المقيم حاليا ً بدولة البحرين تشغله الكتابة عن‬
‫ازمة دارفور عن اشياء كثيرة‪ ,‬فهو يغرد قريبا ً من سرب حركة العدل‬
‫والمساواة‪ ,‬نعم ‪..‬لم يعد ال المحبوب عبد السلم وحده يطارد ناقدى الترابي‬
‫وافكاره ويتصدى لهم بحجج نصية وتفسيرية مساقة بأسلوب صحفي جاذب‪...‬‬
‫ولكن ذلك ل يكفى فى صد الهجوم على الترابي الذى يأتيه من عدة جبهات‪..‬‬
‫حيث لم يقصر المر على المجموعات السلفية ومشايعيها فقط‪..‬حيث هنالك‬
‫هجمات متكررة ظلت تأتى للترابى من اعداء آخرين وهم من المدرسة‬
‫الصوفية على اختلف طيفها حيث اصدر الشيخ علي زين العابدين كتابا ً تحت‬
‫عنوان )الصارم المسلول في الرد على الترابي شاتم الرسول( ‪..‬وهنالك‬
‫كتاب آخر اصدره شيخ صوفى من موريتانيا وهو من اصل سعودي الشيخ‬
‫ابراهيم مل خاطر وكان تحت عنوان )سهام الصابة على من انكر حديث‬
‫الذبابة( أضف إلى كل هؤلء مجموعات من العلمانيين تكفيهم الشماتة‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليهم‪!...‬‬
‫امطار غزيرة‬
‫اذا ً هى حرب على جبهات عديدة تواجه الترابي في كل مرة يتم فيها التحاد‬
‫عليه بين اعداء استراتيجيين لبعضهما)السلفيون والصوفية(‪..‬وعلى غير بعيد‬
‫تنتظر الحكومة فى شقها اليمن المؤتمر الوطني على ضفة النهر‪!....‬‬
‫كثافة الراء الفقهية التي اطلقها الترابي اخيرا ً وتتابعها الزمنى المتقارب‪..‬‬
‫جعلت المراقبين يبحثون عن دللة للتوقيت او ان كانت ترقد تحت هذه الراء‬
‫بعض من اجندة سياسية‪...‬؟‬
‫هنالك تفسيرات مختلفة‪:‬‬
‫اولها‪ /‬ان هذه الراء للترابي آراء قديمة ولكن لتقدير منه او لتدبير ممن هم‬
‫معه في ايام جبهة الميثاق والجبهة السلمية والنقاذ لم يكن يصرح بها في‬
‫دوائر مفتوحة تحسبا ً لخسائر سياسية قد تترتب عليهم‪ ,‬عندما تستغل‬
‫جماهيريا ً ضدهم من قبل الخصوم‪..‬وهنا يفسر التوقيت على وجهين‪:‬‬
‫‪ /1‬ان الترابى تخلص من عبء الحسابات السياسية واصبح يتحرك بطاقة‬
‫وطلقة المفكر‪ ..‬الذى كانت تقيده التقديرات السياسية!‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪/2‬او انه وصل لقناعة بلوغه سقف تجربته السياسية حاكما ومعارضا وحتى ل‬
‫تنحسر عنه الضواء‪ ,‬اراد النتقال الى مربع آخر وهو مربع الفقة كي يحتفظ‬
‫بنجوميته هنالك‪!...‬‬
‫ثانيًا‪/‬هنالك من يرى في التوقيت محاولة للدخول للملعب السياسي عبر باب‬
‫جديد‪..‬بمعنى ان الترابي ادرك بان سببا ً اساسيا ً من اسباب اقصائه من‬
‫السلطة هو العامل الخارجي‪ ,‬فاراد عبر اطلق هذه الفتاوى على العلن ان‬
‫يقدم نفسه فى نسخة جديدة للغرب على مقاس احتياجه الراهن‪ -‬في الوجه‬
‫الثقافي والجتماعي ‪ -‬لفتاوى جديدة تدعم مشروع الشرق الوسط‬
‫الكبير‪..‬ومن هنا خرجت اشاعة ان اتصال ً هاتفيا ً قد تم بين الترابي والرئيس‬
‫المريكي جورج بوش‪!...‬‬
‫ثالثًا‪ /‬ترجع مصادر مقربة للترابي توقيت اطلق الفتاوى الى تأملت وقراءات‬
‫قام بها الشيخ ابان فترة اعتقالته الخيرة جعلته يستوثق اكثر من سلمة‬
‫آرائه‪ ..‬ويضيف اليها آراء جديدة‪!!...‬‬
‫كيف النهاية؟‬
‫اخيرا ً تبدو المواجهة مع الترابي فى سبيل ان تنتقل من مواجهة فكرية‬
‫وصحفية )عبر الصارم المسلول وسهام الصابة( الى مواجهة اعتدائية كما‬
‫يلوح البعض او قانونية وهى ما طالبت به الجماعات السلفية بالخرطوم‬
‫والتي اصدر ابرز قادتها الشيخ محمد عبد الكريم من قبل شريط ''اعدام‬
‫زنديق''‪...‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫بقلم ضياء الدين بلل نقل عن الرأي العام‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التراث الصيل والتراث الزائف‬


‫بقلم ‪ :‬الكاتب السلمي الكبير الستاذ أنور الجندي المصري رحمه اللهّ‬
‫في مواجهة المحاولة الجديدة للتآمر على عقيدة السلم ومنهجه وتراثه‪،‬‬
‫التي تتخفي وراء مظاهر الشعر‪ ،‬والبيان‪ ،‬والفنون الدبية‪ ،‬والتاريخ؛ بهدف‬
‫تدميرالقاعدة الساسية‪ ،‬للفكر السلمي القائم على مصدريه الساسيين‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)القرآن والسنة(‪ ،‬والمتصل بمناهج العلوم السلمية التي شكلها علماء‬


‫المسلمين استمداًدا من القرآن الكريم وأبرزها‪ :‬المنهج العلمي في التحقيق‬
‫مد ّ من تحقيق الحديث النبوي‪ ،‬والذي شمل‬ ‫التاريخي )الرواية والدراية( المست َ‬
‫من بعد مجموعة العلوم النسانية والتجريبية ‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬والقرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬وما يتصل بهما؛ من تراث أصيل يقوم على أساس‬
‫مفهوم أهل السنة والجماعة‪ ،‬هو الركيزة الحقيقية لعادة بناء المة السلمية‬
‫على مفهوم السلم الصحيح بوصفه منهج حياة‪ ،‬ونظام مجتمع‪ ،‬وهو الخطر‬
‫الماثل أمام القوى الجنبية )غربية‪ ،‬ويهودية‪ ،‬وماركسية( الذي ظلت هذه‬
‫القوى تحاربه وتزيفه‪ ،‬وتخدع أهله‪ ،‬أكثر من قرن‪ ،‬ونصف قرن من الزمان‬
‫من خلل قانون نابليون بديل ً عن الشريعة السلمية‪ ،‬ومن خلل تعليم دنلوب‪،‬‬
‫ومن خلل عمليات التبشير الغربي التي قادها "زويمر" ومن بعده في محاولة‬
‫)لتغريب( هذه المة المؤمنة بالله – تبارك وتعالى – خالقا ً ورازًقا ‪ ،‬وإخراجها‬
‫من جوهر مفهومها‪ ،‬فلما أن انكشفت الستار‪ ،‬وتبين فساد المؤامرة‪ ،‬وعاد‬
‫المسلمون إلى منهجهم في جولة جديدة هي الصحوة السلمية‪ ،‬كان لبد من‬
‫ل أخطرها اليوم هي مؤامرة هدم التراث الصيل‬ ‫تدبير مؤامرات جديدة لع ّ‬
‫وإعداد التراث الزائف ‪.‬‬
‫ويجري اليوم تنفيذ هذه المؤامرة عن طريق مجموعة جديدة من الدعياء‬
‫يعملون في حقل بعيد تماما ً عن موضع الخطر وتتبناه جماعة من الشعوبيين‪،‬‬
‫والماركسيين الحاقدين الذين ت َد َث ُّروا بدثار البحث في التراث السلمي؛ حيث‬
‫ليثير عملهم المحاذير التي قد تعلق بالعاملين في حقل الفكر السياسي أو‬
‫الجتماعي‪ ،‬سواء عن طريق الليبرالية أو الماركسية‪ ،‬وهم في الساس‬
‫يرفضون التراث الصيل ويتهمونه بالجمود والضعف ويعنون بتراث المتآمرين‬
‫على السلم وأهله‪ ،‬من دعاة الحلول‪ ،‬والتحاد‪ ،‬ووحدة الوجود‪ ،‬والشراق‪،‬‬
‫وإحياء تراث المجوسية‪ ،‬والبوذية‪ ،‬والغنوصية‪ ،‬وتضمين الشعر الحر‪،‬‬
‫والقصص تلك الساطير لذاعتها‪ ،‬وإعطائها مكانة الصل الغائب المهجور على‬
‫النحو الذي نراه ممثل ً فيما يسمونه إحياء التراث بمقاييس الهدم والتدمير من‬
‫خروج على السلوب العربي الصيل‪ ،‬ومن هدم لقيم البلغة العربية وأصولها‪،‬‬
‫وتغليب جانب الفللكلور الذي يمثل طفولة البشرية على البيان العربي‬
‫الصيل في محاولة لعطاء الفن القصصي حرية محسوبة تحت اسم حرية‬
‫البداع ‪ ،‬وحرية البداع هذه التي يتشدقون بها هي اسم مضلل لما قام به‬
‫الزنادقة في القديم وحاولوا به تحطيم أصالة البيان العربي‪ ،‬والسلوب‬
‫القرآني‪ ،‬وهي اليوم تمثل محاولة أشد خطورة عندما يزيفون النصوص‬
‫التاريخية في محاولة إيجاد صورة فنية مضطربة ل تقيم وزًنا للقيم الخلقية‪،‬‬
‫دا في الكشف والباحة وتدمير الثوابت على النحو‬ ‫والنسانية‪ ،‬وتذهب بعي ً‬
‫الذي نجده في محاولت القصة الماجنة التي تتخذ من دعوى حرية البداع‬
‫قا لتقديم إباحيات جديدة تحت صور قديمة من التاريخ ‪.‬‬ ‫منطل ً‬
‫إن هذه الرسالة رسالة القلم أمانة ومسؤولية‪ ،‬ليست للهواء والمتاع‬
‫ذرنا السلم من التفريط في حماية هذا القلم من الهدف‬ ‫ح ّ‬
‫الرخيص وقد َ‬
‫الذاتي أو المطمع القريب‪ ،‬وأنه موضع حساب شديد‪ ،‬ولن يستطيع هذا‬
‫الهدف الغرير أن يحقق شيًئا لنه معارض للفطرة ولقوانين اللغة والفكر‬
‫والدب وسوف تتحطم هذه الدعوة كما تحطمت من قبل دعوات "جبران‬
‫خليل جبران" و"يوسف الخال" و"لويس عوض" و"ادونيس" و"صلح عبد‬
‫الصبور"‪.‬‬
‫إن إحياء التراث الزائف‪ ،‬والمسموم‪ ،‬ومحاولة منحه الحياة مرة أخرى من‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلل قصة أو قصيدة لن يحقق شيًئا إل أن يضع أصحاب هذه الدعوات في‬
‫خانة الزنادقة والشعوبيين‪ ،‬ولن يستطيع أن يبلغ هذا العمل شيًئا في النفس‬
‫المسلمة التي عرفت بلغة القرآن الكريم‪ ،‬وبيان الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وما حمل التراث السلمي من عطاء ثر يمل النفوس إيماًنا وتشع منه‬
‫أضواء الهدى والضياء ‪.‬‬
‫إنهم يركزون الحملة على التراث الصيل ويدعون إلى التراث الزائف الذي‬
‫كتبه الشعوبيون‪ ،‬والباطنية‪ ،‬وخلفاء المجوس‪ ،‬والهيلينة‪ ،‬والغنوصية ‪.‬‬
‫ومن حقنا أن نكشف أوراقهم ونفضح دخائلهم في مواجهة شاملة ترمي إلى‬
‫تحديد الفوارق بين التراث الصيل والتراث الزائف ‪.‬‬
‫***‬
‫ركزت الحملة على التراث في محاولتين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬تزييفه والتشكيك فيه أو اتهامه بالقصور والضعف والتخلف وعدم‬
‫الحاجة إليه بحجة تخطي الزمن له‪ ،‬وإثارة جو من الكراهية والحتقار له بين‬
‫أهله ‪ ،‬في نفس الوقت الذي يعلى فيه من شأن تراث الوثنية اليونانية‪،‬‬
‫والرومانية‪ ،‬والفرعونية‪ ،‬وتزيين تراث الغرب‪ ،‬وإبرازه بصورة الريادة‬
‫والبطولة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الثاني ‪ :‬إحياء الجوانب الزائفة والمضطربة والفاسدة من التراث على النحو‬


‫ف في تراث التصوف الفلسفي والفكر الباطني ‪ ،‬ولقد ركز‬ ‫الذي عُرِ َ‬
‫الستشراق على الجوانب المضطربة وأعلى وجعلها في الصدارة ‪ ،‬فقد عمد‬
‫إلى إحياء التراث الفلسفي اليوناني الذي ترجم في القرنين الثاني‪ ،‬والثالث‪،‬‬
‫بعد أن فقده المسلمون وكشفوا زيفه‪ ،‬وأعلنوا براءة الفكر السلمي‬
‫مد ّ من التوحيد الخالص منه ‪ ،‬فأعادوه مرة أخرى وركزوا على‬ ‫المست َ‬
‫مجموعة من الكتابات التراثية المسمومة؛ فأذاعوا بها وجعلوها مصادر‬
‫للبحاث والطروحات وعلى رأسها ألف ليلة وليلة والغاني وكتابات "ابن‬
‫عربي" و"ابن سبعين" و"الحلج" في التصوف الفلسفي وماكتبه "الفارابي"‬
‫و"ابن سينا" في الفلسفة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهكذا نجد أن الباحثين العصريين التغريبيين للتراث اليوم ُيولون وجوههم‬
‫شطر هذه الجوانب المضيئة ويحبونها ويهتمون بها ويوجهون الباحثين إلى‬
‫ت أطروحات الماركسيين حول المزدكية‪ ،‬والبابكية‪،‬‬ ‫إحيائها‪ .‬ومن هنا كان ْ‬
‫والقرامطة‪ ،‬والزنج وغيرهم؛ من الفرق الباطنية تحت اسم أصحاب العدل‬
‫والحرية‪.‬‬
‫ولم يتوقف أمر الباحثين في التراث عند هذا الحد؛ بل هم يذهبون إلىتدمير‬
‫مقومات ودعائم تفسير القرآن الكريم‪ ،‬فيهاجمون الشعر الجاهلي ويدعون‬
‫قا‬
‫أنه منتحل؛ وذلك لنه قاعدة فهم اللغة العربية التي جاء القرآن مطاب ً‬
‫لهاوقد توسع البعض في هذا‪ ،‬فدعا إلى هدم مناهج اللغة وخاصة البلغة‬
‫واستقطاب مناهج اللغات دون تقدير للفوارق العميقة بين اللغات التي نشأت‬
‫حديًثا من عاميات اللتينية واليونانية؛ وذلك على النحو الذي احتضنه "الشيخ‬
‫أمين الخولي" ‪.‬‬
‫ل أخطر ما يحاول الستشراق والغزو الفكري استغلله في هدم اللغة‬ ‫ولع ّ‬
‫العربية ما ذهب إليه في دعوى الحداثة‪ ،‬ومايتصل بها من نظرية البنيوية‬
‫وغيرها من النظريات التي ترمي إلى القضاء على الجذور والثوابت للغة‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العربية في محاولة لهدم قوانين النظم العربي؛ وذلك بالدعوة إلى أساليب‬
‫مدمرة تستوحي آثار الفلسفة اليونانية القديمة في شعر ذلك العصر بشار‪،‬‬
‫وأبونواس‪ ،‬وغيرهم؛ في محاولة لحياء الفكر الباطني والقضاء على التيار‬
‫الصيل ‪ :‬تيار أهل السنة والجماعة ‪.‬‬
‫وهكذا يصيب التغريب اللغة والتاريخ وتفسير القرآن من خلل دعوى‬
‫عريضة ‪ ،‬هي أن كل علوم العربية تأثرت بالفكر اليوناني‪ ،‬واعتمدت عليه‬
‫سا قبل‬ ‫وهي دعوى باطلة مذمومة ‪ ،‬فقد نشأت هذه العلوم وتشكلت أسا ً‬
‫ترجمة الفلسفة اليونانية على أرجح القوال ‪ ،‬وأن الفكر اليوناني حين ترجم‬
‫استهجنه المسلمون‪ ،‬وقاوموه‪ ،‬وكشفوا زيفه‪ ،‬وكان المامين "الغزالي"‬
‫و"ابن تيمية" في مقدمة هؤلء الذين بينوا الفوارق العميقة بينه وبين المفهوم‬
‫السلمي القائم على التوحيد الخالص كما بين المام "ابن تيمية" أن للقرآن‬
‫منطقا ً مختلفا ً عن منطق أرسطو والفكر اليوناني القائم على علم الصنام‪،‬‬
‫سا ركيًنا لكل‬ ‫وعلى مفهوم عبودية النسان للنسان‪ ،‬واعتماد الرق أسا ً‬
‫حضارة وهو ما هدمه السلم وقال فيه الربيعي بن عامر‪:‬‬
‫)جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلىعبادة الله الواحد القهار(‬
‫كذلك في أمر التصوف الفلسفي فقد كشف أهل السنة والجماعة أن هذه‬
‫المصطلحات التي نقلها ابن عربي‪ ،‬والحلج‪ ،‬وابن سبعين‪ ،‬والسهروردي‬
‫وغيرهم؛ من الفكر اليوناني ومن الفلوطينه والشراقية ل يقرها السلم ول‬
‫يعترف بها ‪.‬‬
‫ومن هنا فإن إعادة البحث عنها على أنها جزء من التراث السلمي وإحيائها‬
‫هي محاولة مضللة يجب الكشف عنها ‪.‬‬
‫أما التراث الفلسفي فهو جزء من التراث الزائف جملة وتفصيل ً ‪ ،‬فإن‬
‫المسلمين لم يعتبروه من أساس فكرهم ‪ ،‬وقد وضح أن الفلسفة السلمية‬
‫الحقة قد بدأت بكتاب )الرسالة( للمام الشافعي‪ ،‬والذي قعد القواعد للفكر‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫ً‬
‫أما أن يعتبر البعض رسائل إخوان الصفا مرجعا للتراث السياسي السلمي‬
‫فهذه دعوى باطلة منقوضة؛ ذلك أن رسائل إخوان الصفا قد تأكدت أنها من‬
‫ما ‪ .‬لقد آن‬ ‫تراث الباطنية المجوسية ‪ ،‬والقرامطة وغيرهم فهي مرفوضة تما ً‬
‫ما بين التراث الصيل والتراث الزائف ‪ ،‬وقد حان‬ ‫الوان أن يتحدد الموقف تما ً‬
‫وقت القول بأن خدعة التعريبيين بإعلء شأن التراث الزائف واللتفاف حوله‬
‫والهتمام به ومحاولة جعله أساسا ً وفرضه على الدراسات الجامعية والثقافية‬
‫هذه الخدعة لن تستمر طويل ً ‪.‬‬
‫فالمثقف المسلم يعرف الن حدود البدعة المضللة التي يراد إشاعتها للقضاء‬
‫على الصالة الحقيقية ‪ ،‬هذه البدعة الضالة التي تتمثل في دعوى عريضة‬
‫كاذبة بأن التراث السلمي أو الفكر السلمي في عصر التكوين قد اعتمد‬
‫على مترجمات الفلسفة اليونانية ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فهذا الدعاء لم يعد يصدقه أحد؛ لن كل الدلئل تكشف الن عن أنه ليمثل‬
‫إل مغالطة خطيرة فقد اكتمل مفهوم السلم قبل أن يختار النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم الرفيق العلى‪ ،‬وأن الفكر السلمي قد تشكل قبل ترجمة‬
‫جم‪ ،‬ويكشف سمومها‬ ‫الفلسفة اليونانية وأنه ماكادت الفلسفة اليونانية ت ُت َْر َ‬
‫حتى هب علماء المسلمين لمقاومتها‪ ،‬وإبراز فسادها‪ ،‬ولطالما أشار الباحثون‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمون إلى أن هناك فوارق عميقة بين التراث الغربي والتراث‬


‫السلمي ‪ ،‬هذه الفوارق مدعاة لختلف النظرة والتعامل مع التراث‪.‬‬
‫فالتراث الغربي هو في جملته تراث بشري من ناحية‪ ،‬وتراث وثني من ناحية‬
‫دا ‪ ،‬مغيبة‬‫أخرى‪ ،‬والجانب الديني المرتبط بأصول من وحي السماء قليلة ج ً‬
‫في داخل الركام الكثير المختلط بين أصوله وحواشيه‪ ،‬وبين عصوره‬
‫المختلفة وهو في غالبه تراث أساطير ليس لها جذور ثابتة أو أصول أصيلة‪،‬‬
‫ومن هنا فقد عامله الغربيون على هذا النحو ‪ ،‬حتى كتبهم المقدسة عندما‬
‫تكشفت حولها ظاهرة الفكر البشري ‪ ،‬بدأ النقاد والباحثون ينظرون إليها‬
‫على أنها نص إنساني يجوز نقده وتدوينه في مسرحيات وقصص ‪ ،‬وقصائد‬
‫شعرية ‪ ،‬دون أي تحوط من تغيره أو تحوله بعد الضافة والحذف ‪.‬‬
‫أما التراث السلمي فيختلف اختلًفا واسًعا ‪ ،‬فالجزء الكبر منه وهو الميراث‬
‫يتمثل في القرآن والسنة ‪ ،‬والقرآن نص موثق محفوظ لم يعتوره أي تغيير‪،‬‬
‫وكذلك السنة فقد كان أهلها والقائمون عليها هم الذين أنشأوا المنهج العلمي‬
‫لدراسة النص ومعرفة رجاله وهو المنهج الذي اصطنعه المؤرخون من بعد‪،‬‬
‫وقام عليه المنهج العلمي الغربي ‪.‬‬
‫أما القسم الخر الذي كتبه علماء المسلمون فقد كان استمداًدا من النص‬
‫القرآني والسنة يجري كله في مجرى تفسير‪ ،‬وتوضيح‪ ،‬وبناء‪ ،‬وتطوير؛ لكل‬
‫ما يتصل بعلوم الفقه‪ ،‬والسياسة‪ ،‬والجتماع والنفس‪ ،‬والخلق‪ ،‬والتربية‪،‬‬
‫ومن هنا اختلفت النظرة إلى التراث بين الفكر الغربي والفكر السلمي‪،‬‬
‫ويجب أن يختلف ‪ ،‬فأصوله ليست موضع شك ولم يدحضها فكر بشري‪ ،‬أما‬
‫تفسيراته وإضافاته فإنها قامت على أصول أصيلة محكمة ‪ ،‬ولم يبق بعد ذلك‬
‫إل هذا التراث الزائف التي كتبه المجوس والباطنية والشعوبيون من تلك‬
‫الفرق الزائفة التي كانت ترمي بكتاباتها إلى هدم المجتمع السلمي‬
‫والتشكيك في القيم السلمية والتي واجهها أهل السنة والجماعة منذ اليوم‬
‫الول بالرد على أضاليلها وكشف زيفها ونقص دعاواها الباطلة‪.‬‬
‫وقد حاولت المدرسة العلمانية المضللة منذ اليوم الول أن تجد تراث‬
‫الوثنيين اليونانية والفكر الباطني القديم‪ ،‬وإحياء كتبه بعد أن اندثرت فدعا‬
‫"طه حسين" وجماعته إلى اتخاذ كتاب الغاني مرجًعا أساسًيا لدراسة‬
‫المجتمع السلمي وهو على ما به من تصوير زائف للقرن الول والثاني‬
‫الهجري وخاصة فيما يتصل بالخلفاء في عصر بني أمية وبني العباس واّتجه‬
‫تلميذهم إلى الهجوم على أساسيات الفكر السلمي فكتب "فريد رفاعي"‬
‫عن عصر "المأمون" )المامون الذي دعا إلى فرية خلق القرآن وحشد لها‬
‫الحشود( وكتب "زكى مبارك" عن )الغزالي( الذي حطم الفلسفة اليونانية‬
‫وكشف زيف دعاواها )وإن كان قد اعتذر عن ذلك فيما بعد(‪.‬‬
‫وكتب "أحمد أمين" )ضحى السلم( عن المعتزلة ووصفهم بأنهم حكماء‬
‫السلم وأحيا "طه حسين" في كتابه )هامش السيرة( الساطيَر التي دحضها‬
‫مؤرخو السيرة النبوية بدعوى إنشاء )ميثولوجيا إسلمية( كما أحيا كثيرون‬
‫ث التصوف الفلسفي والفكر الباطني؛ فكتبوا عن الحلج‪ ،‬وابن عربي‪،‬‬ ‫ترا َ‬
‫وابن سبعين‪ ،‬والسهروردي ؛ وكتب غيرهم عن ابن سيناء والفارابي‪ ،‬وكتب‬
‫غيرهم عن القرامطة والمزدكية والبابكية ‪.‬‬
‫هذا فضل ً عن ترجمة كثير من الساطير اليونانية القديمة التي رفضها‬
‫مترجمو المسلمون في القرن الثالث ‪ ،‬وبذلك انفتح المجال في العصر‬
‫الحديث إلى توسع دائرة التراث الزائف وخاصة التراث اليوناني القديم ‪،‬‬
‫وكان ذلك من المتناقضات الشديدة الخطر ‪ ،‬إذ أن أصحاب الدعوة إلى‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التنكر للتراث السلمي القريب المتصل بنا في الربعة عشر قرًنا الخيرة ‪،‬‬
‫هم أنفسهم الذين يدعون إلى إحياء تراث اليونان‪ ،‬والرومان‪ ،‬وفارس‪،‬‬
‫والفراعنة السابق لذلك الذي انقطعت الصلة بيننا وبينه‬
‫ولكن قوى ذات نفوذ كبير كانت وراء هذه الموجة وهي التي مكنت لتدريس‬
‫اليونانية واللتينية في الجامعات المصرية بينما حالت من ناحية أخرى دون‬
‫حفظ القرآن الكريم في الزهر‪ ،‬والدعوة إلى تطوير اللغة العربية‪ ،‬والتنكر‬
‫لساسياتها في النحو والبلغة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التربية السرية مطلب ملح‬


‫لقد أسهم انفتاح العالم السلمي اليوم على المجتمعات الخرى في انتشار‬
‫ألوان من المؤثرات والمغريات‪ ،‬ولم يعد البيت ذاك الحصن الذي يتحكم‬
‫راعيه فيما يدخله ويخرج منه‪ ،‬بل أصبح معرضا ً متنوعا ً لما ينتجه العالم بأسرة‬
‫من نتاج فكري‪ ،‬أو مادي ليخلو هو الخر من أبعادٍ فكرية‪ ،‬مما يفرض تحديات‬
‫تربوية أكبر‪ ،‬ويزيد من عبء أولئك الذين يعنون بتربية أبنائهم ورعايتهم‪.‬‬
‫وفي المقابل أفرزت التغيرات الجتماعية نتائج أسهمت في تقليص دور‬
‫السرة؛ فالسرة التي كانت تسكن في بيت صغير يجتمع أفرادها فيه‬
‫ويتحلقون ساعات عدة ويتبادلون ألوان الحديث‪ ،‬تفرقوا في منزل شاسع‬
‫يحتاجون معه لجهزة اتصال داخلية‪.‬‬
‫واستولت أجهزة العلم على جزء ليستهان به من وقت السرة‪ ،‬حتى الوقت‬
‫الذي يتناولون فيه الطعام أو الشاي‪ ،‬صاروا ينصتون فيه لما تبثه تلك‬
‫الوسائل‪.‬‬
‫وأدى العتماد على السائقين والخدم إلى تبديد جزء من الوقت الذي يقضيه‬
‫الولد مع آبائهم وأمهاتهم‪.‬‬
‫كل تلك المؤثرات أدت إلى تضاؤل وقت السرة ودورها‪ ،‬وصار من المألوف‬
‫أن نرى هوة واسعة بين سلوك الباء والبناء‪.‬‬
‫وهذا يدعو إلى إعادة النظر في دور السرة ومهمتها‪ ،‬وهل السرة المسلمة‬
‫اليوم تترك أثرها في رعاية أبنائها؟‬
‫ً‬
‫إننا نحتاج إلى أن يعتني الدعاة بأسرهم‪ ،‬ويوفروا لها جزءا من أوقاتهم‪،‬‬
‫وليسوغ أن تكون أسرهم ضحية لبرامجهم وانشغالتهم الدعوية‪ ،‬ولبد‬
‫يفكروا بجد في تخصيص أوقات يشاركون فيها أبناءهم ويعايشونهم‪.‬‬
‫ونحتاج إلى أن نعيد النظر في كثير مما أفرزته التغيرات الجتماعية‪ ،‬وأل‬
‫نستسلم ونستجيب لها بغض النظر عن آثارها‪ ،‬بل نقبل منها ونرفض وفق ما‬
‫يحقق مصالحنا الشرعية‪ ،‬ويدرء عنا المفاسد‪.‬‬
‫ونحتاج إلى أن يتعاون الدعاة بينهم‪ ،‬من خلل تنظيم برامج وزيارات أسرية‬
‫مشتركة‪ ،‬فهم يعيشون واقعا ً متقاربًا‪ ،‬وتطلعات واحدة‪ ،‬وأن يتعاونوا من خلل‬
‫مقترحات وبرامج متبادلة‪.‬‬
‫ونحتاج إلى ترتيب برامج وأنشطة على مستوى السر والعائلت‪ ،‬وأن تدعم‬
‫هذه اللقاءات ويسعى لحيائها‪.‬‬
‫ونحتاج إلى بذل جهود واقتراح أفكار وبرامج تسهم في تطوير دور السرة‬
‫التربوي‪ ،‬ولعل مثل هذه الدراسات العملية أولى بالعتناء من كثير مما يطرح‬
‫في الساحة من نتاج مكرر أو ليرقى إلى مستوى النشر‪.‬‬
‫ونحتاج قبل ذلك كله إلى تصحيح الفهم حول الدور التربوي للسرة الذي صار‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقتصر –لدى فئة كبيرة من الناس‪ -‬على الحماية والرقابة والمر والنهي‬
‫فقط‪ ،‬إلى أن يكون لها دور في تربية النفوس على اليمان والتقوى‪ ،‬وأن‬
‫تعمر بذكر الله وما يرقق القلوب‪ ،‬وهاهي قصة لقمان وحواره مع ابنه تبقى‬
‫قدوة للناس أجمع‪ ،‬وهاهو النبي صلى الله عليه و سلم يولي هذا الجانب‬
‫أهميته‪ ،‬فيعنى بتربية من تحت يديه وتوجيههم عن الحسن بن علي رضي الله‬
‫عنهما قال علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمات أقولهن في الوتر‬
‫‪ « :‬اللهم اهدني فيمن هديت ‪ ،‬وعافني فيمن عافيت‪.([1])»..‬‬
‫ومن بعده سار السف على هذا المنوال‪ ،‬فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص‬
‫عن أبيه رضي الله عنهم قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يعلمنا هؤلء‬
‫الكلمات كما تعلم الكتابة‪ «:‬اللهم إني أعوذ بك من البخل‪ ،‬وأعوذ بك من‬
‫الجبن‪ ،‬وأعوذ بك من أن نرد إلى أرذل العمر‪ ،‬وأعوذ بك من فتنة الدنيا‬
‫وعذاب القبر»‪([2]).‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه أبو داود )‪ (1425‬والترمذي )‪ (464‬والنسائي )‪ (1745‬وأحمد )‬
‫‪(1720‬‬
‫)]‪ ([2‬رواه البخاري )‪(6390‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التربية السلمية للنشء مفتاح نهضة المة ‪...‬‬


‫مرحلة الطفولة المبكرة من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل اللغوي‬
‫والعقلي والجتماعي ‪ ،‬وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه‬
‫أعمدة الصحة النفسية والخلقية‪ ،‬وتتطلب هذه المرحلة من البوين إبداء‬
‫عناية خاصة في تربية الطفال وإعدادهم ليكونوا عناصر فعالة في المحيط‬
‫الجتماعي ‪ ،‬وليساعدوا في نهضة المة في المستقبل باذن الله وتتحدد‬
‫معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي ‪:‬‬
‫تعليم الطفل معرفة الله تعالى ‪:‬‬
‫الطفل مجبول بفطرته على اليمان بالله تعالى ‪ ،‬حيث تبدأ تساؤلته عن‬
‫نشأة الكون وعن نشأته ونشوء أبويه ونشأة من يحيط به ‪ ،‬وأن تفكيره‬
‫المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار تساؤلته‬
‫لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبلها تفكيره المحدود‪ ،‬واليمان‬
‫بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس من أهم‬
‫القيم التي يجب غرسها في الطفل‪ ،‬مما سوف يعطيه المل في الحياة‬
‫والعتماد على الخالق‪ ،‬ويوجد عنده الوازع الديني‪ ،‬والتربية والتعليم في هذه‬
‫المرحلة يفضل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل متناسبا مع العمر‬
‫العقلي للطفل ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي‪.‬‬
‫والطفل في هذه المرحلة يكون مقلدا ً لوالديه في كل شيء بما فيها اليمان‬
‫بالله تعالى‪ ،‬ويميل دائما الى علقات المحبة والمودة والرقة واللين فيحب أو‬
‫يفضل تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة الى أقصى حد ممكن‬
‫مع التقليل الى أدنى حد من صفات العقاب والنتقام فتكون الصورة التي‬
‫يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه‬
‫بالله تعالى ويرى أنه مانح الحب والرحمة له‪.‬‬
‫ً‬
‫والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل محبا لكتاب الله‪،‬‬
‫ومطلعا ً على ما جاء فيه وخصوصا ً اليات والسور التي يفهم الطفل معانيها ‪،‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه ‪،‬‬
‫وقدرته على الحفظ‪ ،‬فينشأ الطفل وعنده شوق للقرآن الكريم ‪ ،‬وينعكس ما‬
‫في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه‪.‬‬
‫تربية الطفل على طاعة الوالدين ‪:‬‬
‫يلعب الوالدان الدور الكبر في تربية الطفال ‪ ،‬فالمسئولية تقع على عاتقهما‬
‫أول ً وقبل كل شيء فهما اللذان يحددان شخصية الطفل المستقبلية‪ ،‬وتلعب‬
‫المدرسة والمحيط الجتماعي دورا ً ثانويا ً في التربية‪ ،‬والطفل إذا لم يتمرن‬
‫على طاعة الوالدين فإنه ل يتقبل ما يصدر منهما من نصائح وارشادات‬
‫وأوامر إصلحية وتربوية‪ ،‬فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة‪،‬‬
‫فيكون متمردا ً على جميع القيم وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد‬
‫الموضوعة من قبل الدولة ومن قبل المجتمع‪ .‬وتربية الطفل على طاعة‬
‫الوالدين تتطلب جهدا ً متواصل ً منهما على تمرينه على ذلك‪ ،‬لن الطفل في‬
‫هذه المرحلة يميل الى بناء ذاته والى الستقللية الذاتية ‪ ،‬فيحتاج إلى جهد‬
‫أضافي من قبل الوالدين‪ ،‬وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة إشعاره‬
‫بالحب والحنان‪ ،‬فالوالدان هما الساس في تربية الطفل على الطاعة ‪.‬‬
‫الحسان الى طفل وتكريمه ‪:‬‬
‫الطفل في هذه المرحلة بحاجة الى المحبة والتقدير من قبل الوالدين‬
‫وبحاجة الى العتراف به وبمكانته في السرة وفي المجتمع ‪ ،‬وأن تسلط‬
‫الضواء عليه ‪ ،‬وكلما أحس بأنه محبوب ‪ ،‬وأن والديه أو المجتمع يشعر‬
‫بمكانته وذاته فإنه سينمو متكبفا ً تكيفا ً حسنًا‪ ،‬والحب والتقدير الذي يحس به‬
‫الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب حياته فيكتمل نموه اللغوي والعقلي‬
‫والعاطفي والجتماعي‪ ،‬والطفل يقلد من يحبه ويتقبل التعليمات والوامر‬
‫والنصائح ممن يحبه‪ ،‬فيتعلم قواعد السلوك الصالحة من أبويه وتنعكس على‬
‫سلوكه اذا كان يشعر بالمحبة والتقدير من قبلهما‪.‬‬
‫التوازن بين اللين والشدة ‪:‬‬
‫تكريم الطفل والحسان اليه وإشعاره بالحب والحنان وإشعاره بمكانته‬
‫الجتماعية وبأنه مقبول عند والديه وعند المجتمع يجب أن ل يتعدى الحدود‬
‫الى درجة الفراط في كل ذلك‪ ،‬وأن ل تترك له الحرية المطلقة في أن يعمل‬
‫ما يشاء‪ ،‬فل بد من وضع منهج متوازن في التصرف معه من قبل الوالدين ‪،‬‬
‫فل يتساهل معه الى أقصى حدود التساهل‪ ،‬ول أن يعنفا على كل شيء‬
‫يرتكبه‪ ،‬فل بد أن يكون اللين وتكون الشدة في حدودهما‪ ،‬ويكون العتدال‬
‫بينهما هو الحكم على الموقف منه حتى يجتاز مرحلة الطفولة بسلم‬
‫واطمئنان يميز بين السلوك السليم والسلوك الضار لن السنين الولى من‬
‫الحياة هي التي تكون نمط شخصيته‪.‬‬
‫وفي حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية ‪ ،‬على الوالدين أن‬
‫يشعرا الطفل بأضرار هذه المخالفة واقناعه بالقلع عنها فاذا لم ينفع القناع‬
‫واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدنية ويجب في ضوء‬
‫المنهج التربوي السليم أن يحدث التوازن بين المدح والتأنيب‪ ،‬فالمدح الزائد‬
‫كالتأنيب الزائد يؤثر على التوازن النفعالي للطفل ‪ ،‬ويجعله مضطربا ً قلقًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الحرية في اللعب ‪:‬‬


‫اللعب استعداد فطري عند الطفل يتم من خلله التخلص من الطاقة الزائدة‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو مقدمة للعمل الجاد الهادف ‪ ،‬فيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع‬
‫الخرين ‪ ،‬وبمقدرته اللغوية والعقلية والجسدية‪ ،‬ومن خلله يكتسب الطفل‬
‫المعرفة الدقيقة بخصائص الشياء التي تحيط به ‪ ،‬فللعب فوائد متعددة‬
‫للطفل وهو ضروري للطفل في هذه المرحلة والمرحلة التي تليها‪ ،‬فالطفل‬
‫يتعلم عن طريق اللعب عادات التحكم في الذات والتعاون والثقة بالنفس‪.‬‬
‫واللعاب تضفي على نفسيته البهجة والسرور وتنمي مواهبه وقدراته على‬
‫الخلق والبداع ‪ ،‬ومن خلل اللعب يتحقق النمو النفسي والعقلي والجتماعي‬
‫والنفعالي للطفل ‪ ،‬ويتعلم الطفل من خلله المعايير الجتماعية‪ ،‬وضبط‬
‫النفعالت والنظام والتعاون‪ ،‬ويشبع حاجات الطفل مثل حب التملك ‪ ،‬ويشعر‬
‫الطفل بالمتعة ويعيش طفولته‪.‬‬
‫تنمية العواطف ‪:‬‬
‫العواطف من أهم دوافع النسان للعمل وتبدأ العواطف منذ اليام الولى في‬
‫مرحلة الرضاعة ثم تنمو بالتدريج حينما يتقدم الطفل من العمر‪ ،‬وحينما يتسع‬
‫محيطه الجتماعي ‪ ،‬ويتأثر نمو العواطف بالفكر الذي يؤمن به الطفل في‬
‫حدود ادراكه العقلي ‪ ،‬فحينما يؤمن الطفل بأن أداء العمل يرضي والديه أو‬
‫يرضي الله تعالى فإنه يندفع لدائه ‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬
‫كاتب المقال‪ :‬د‪.‬محمود جمال أبو العزائم‬
‫المصدر‪ :‬واحة النفس المطمئنة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التربية السلمية هي الطار الحقيقي للتعلم‬


‫إن قضية التربية في العصر الحديث هي واحدة من أكبر القضايا‪ ،‬وإنها‬
‫بالنسبة للمسلمين من أكبر التحديات التي تواجه مجتمعهم اليوم بأشد‬
‫الخطار بل لعله ليس من المبالغة أو التزيد أن يقال أن أغلب التحديات التي‬
‫تواجه المجتمع المسلم اليوم هو تلك التبعية لمناهج التربية الغربية‪ ،‬وانحسار‬
‫منهج التربية السلمي إلى عدد قليل من القطار‪ .‬وقد كشف أسلوب النقل‬
‫أو القتباس من البرامج الغربية عن نتائج خطيرة أخرت سير حركة اليقظة‬
‫السلمية وحالت دون قدرة المسلمين على امتلك إرادتهم‪ ،‬وإقامة مجتمعهم‬
‫الرباني سنوات طويلة‪ ،‬حتى جاءت النتائج الخطيرة كاشفة عن هذا السر‬
‫الخفي‪ ،‬عندما وقعت أحداث النكبة والنكسة والسيطرة المثلثة‪ :‬الستعمار‬
‫والصهيونية والماركسية على أجزاء من العالم السلمي كرأس جسر لتغريب‬
‫هذه المة وحجبها عن منهجها القرآني الصيل‪ ،‬والحيلولة بينها وبين اقتعادها‬
‫مكانها الصحيح الذي تؤهله له مقداراتها وحجمها ومكانها الستراتيجي‪،‬‬
‫وتفوقها البشري – وامتلكها للثروة فضل ً عن تاريخها الحافل‪ ،‬وتراثها الضخم‪،‬‬
‫ودورها الواضح في بناء الحضارة البشرية حين قدمت )المنهج العلمي‬
‫التجريبي( الذي يقوم عليه التقدم المعاصر كله‪.‬‬
‫ولقد ظنت الجيال السابقة التي واجهت الستعمار أن التماسها أساليب‬
‫الغرب في التربية والتعليم ربما حقق لها القدرة على الوصول إلى ما وصل‬
‫إليه نم ثقافة وعلم وقوة وتمكين‪ .‬ولكن ذلك لم يكن إل وهما ً وخطأ سرعان‬
‫ما كشفت الوقائع عن فساده‪ ،‬ذلك أن أمة من المم لن تستطيع أن تبني‬
‫نفسها أو تجدد كيانها إل إذا استمدت ذك من جذورها وأصولها ومصادرها‬
‫الولى ومنابعها الحقة التي شكلتها أول المر‪ ،‬ومنذ جاء السلم وبنى هذه‬
‫المة فكريا ً وروحيا ً واجتماعيا ً وأخلقيًا‪ .‬فإن هذه المة لن تستطيع أن تجد في‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي منهج آخر سبيلها إلى اليقظة والنهضة إذا كرثتها الحداث‪ .‬بل إن عدوها‬
‫الذي انتهز فرصة غفلتها تسيطر عليها ل يمكن بحال أن يقدم لها ما يمكنها‬
‫نم التحرر نم قبضته‪.‬‬
‫ولذلك فقد عمد أول ما عمد إلى هدم ثلث دعائم من كيانها تلك هي‪ :‬حجب‬
‫الشريعة السلمية في نظام الحدود‪ ،‬وتغيير نظام القتصاد بغرض الربا ثم‬
‫كانت خطته الماكرة في تغيير مناهج التربية والتعليم‪ ،‬وإخراج القرآن‬
‫والسلم من هذا البناء الثقافي وتفريغه من روح اليمان بالله ومنهج التكامل‬
‫والترابط بين القيم وأخلقية أسلوب الحياة‪.‬‬
‫وحشوه بروح المادية والتمرد على الله والثورة على القيم الروحية والخلقية‬
‫وعبادة الجسد والمادة‪.‬‬
‫كان هذا هو الخطر الخطير والتحدي الشديد الذي بدأ به النفوذ الغربي تعامله‬
‫مع المسلمين حين أقام مدارسه ومعاهده وإرسالياته‪ .‬ثم فرض هذه المناهج‬
‫على التعليم القومي الذي كان يشرف على إعداده بواسطة رجاله أمثال‬
‫دانلوب في مصر وضريبة في سوريا والمغرب والعراق من أجل ما أسماه‬
‫كرومر تلك الجيال المؤمنة بالغرب المستسلمة له‪ ،‬أولئك المتفرنجين الذين‬
‫أعدهم ليمتلكوا إرادة النفوذ في مختلف دوائر السياسة والثقافة والتربية‬
‫والتعليم‪.‬‬
‫ولقد كانت لتلك الرساليات )على اختلف مذاهبها( دورها الخطير في تنشئة‬
‫أجيال متعددة في العالم السلمي تابعت منهج الغرب‪ ،‬وحجبت منهج السلم‬
‫حتى جاءت النتائج بعد أكثر من سبعين عاما ً لتدق البواب كاشفة عن أثر ذلك‬
‫الخطر في ذلك التمكن الذي أتيح للصهيونية وللماركسية وللنفوذ الستعماري‬
‫على حواشي هذا الوطن وفي قبله الحي‪ :‬فلسطين والقدس‪.‬‬
‫يقول هاملتون جب المستشرق النجليزي في تصوير أثر منهج التربية الغربية‬
‫في العالم السلمي‪:‬‬
‫لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي عن طريق المدرسة العصرية‬
‫والصحافة أن يترك في المسلمين ولو من غير وعي منهم أثرا ً يجعلهم في‬
‫مظهرهم العام – )ل دينيين( إلى حد بعيد‪ .‬ول ريب أن ذلك خاصة هو اللب‬
‫المثمر في كل كما تركت محاولت الغرب لحمل العالم السلمي على‬
‫حضارته من آثار‪.‬‬
‫هذه هي ثمرة خطة الستعمار عن طريق التبشير بالمدرسة والستشراق‬
‫بالفكرة المسمومة‪ ،‬هذه الخطة التي ركزت تركيزا ً شديدا ً على التعليم‪ :‬ذلك‬
‫أن التعليم كان هو المنطلق الحقيقي نخطة الغزو الثقافي وما زال‪ ،‬وسيظل‬
‫إلى وقت طويل ما لم يتدارك المسئولون المسلمون‪ ،‬هذا الخطر ويعملوا‬
‫على إيقاف السيطرة الجنبية الواضحة الثر على التعليم في مختلف مجالته‬
‫ومختلف بيئاته‪ ،‬ذلك أن القول اليوم بتوحيد مناهج التعليم العربية – على ما‬
‫بها من تبعية وأخطار ومزالق وسموم ما تزال مسيطرة على جوانب كثيرة‬
‫نم أساليب الدراسات والتعليم – وهو أخطر كثيرا ً من الثر الذي كان يتخذ‬
‫في كل قطر من القطار التي يستعمرها أسلوبا ً معينا ً نم التعليم يستهدف‬
‫به‪.‬‬
‫أول‪ :‬عزل هذا القطر عن أمته العربية‪ ،‬ثم عزله عن العالم السلمي كله‪.‬‬ ‫ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الحيلولة بينه وبين الرتباط بالجذور التاريخية والدبية واللغوية بإدعاء أن‬
‫العصر الحديث بدأ بحملة نابليون‪ ،‬وأن هذا العصر منفصل تماما ً عما قبله مما‬
‫أطلق عليه زيفا )عصر النحطاط( محاولة في إيجاد شعور نفسي بالكراهية‬
‫والنسلخ من الماضي كله‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بعد عزل القطر )إقليميًا( عن أمته العربية الصغرى‪ ،‬وأمته السلمية‬
‫الكبرى‪ ،‬وعن أصول فكره السلمي القرآني الممتد وراء أربعة عشر قرنا ً‬
‫تقوم إلى إحياء التاريخ القليمي الفرعوني والفينيقي والشوري والبابلي‬
‫وغيره‪ ،‬ثم الرتباط بالغرب وحضارة العرب وعظمة الغرب وبطولته‬
‫وأمجاده‪ ،‬هذا الغرب صاحب الحضارة التي ل تقهر وممدن الشعوب المتأخرة‬
‫إلى آخر هذه الزيوف والضاليل‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إعلء العامية على اللغة الفصحى والهتمام باللهجة القليمية وما يتصل‬
‫بها من حكايات وفلكلور وأزجال وموال وغيره إغراقا ً في العمق القليمي‬
‫وحيلولة دون المتداد الطبيعي للمة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬إعلء اللغة الجنبية النجليزية أو الفرنسية على اللغة العربية‬
‫والدعوة إلى تعلمها بحجة أنها لغة الحضارة‪ ،‬ثم السيطرة عن طريقها فكريا ً‬
‫على المثقفين الذين يوجهونه بعد ذلك إلى العتماد على فلسفات ومفاهيم‬
‫الغرب‪.‬‬
‫هذه كانت خطة التعليم العامة مع تغييرات يسيرة‪ ،‬اختلف بها المنهج من‬
‫قطر إلى قطر‪ ،‬ولكن الهدف في الجملة واحد‪ .‬هو إزدراء الوطن والمة‪،‬‬
‫والفكر العربي السلمي كله‪ ،‬واللتفات نحو الغرب صاحب الحضارة‬
‫المستعمرة وبطولته وأمجاده‪.‬‬
‫وقد امتدت هذه الخطة بعد انتهاء الحتلل‪.‬‬
‫وكانت قد أنتجت ثمارها في تلك التشكيلت الفكرية المختلفة التي فرقت‬
‫المة شيعا ً والتي ارتبطت بولءات مختلفة مع هذا المعسكر إذ ذاك‪ .‬ومع هذه‬
‫الثقافة أو تلك‪.‬‬
‫وقد ركزت المناهج في المرحلة الستقللية على الوطنية والقليمية‪،‬‬
‫وامتدادها السابق على السلم وبقى جوهر الخطة التعليمية كما هو وظلت‬
‫هذه المناهج توحي بشبهات وأخطاء واضحة‪ :‬من هذه الخطاء‪:‬‬
‫القول بأن السلم دين عبادة ل صلة له بالمجتمع ول بالدولة‪.‬‬
‫القول بأن مخططات الستعمار والتبشير الولى في أفريقيا هي كشوف‬
‫علمية‪.‬‬
‫التاريخ السلمي ل يزيد عن أن يكون خلفات بين الحكام‪ :‬وصراعا ً على‬
‫الملك‪ ،‬بين المويين والعباسيين والعلويين‪.‬‬
‫تغليب مفاهيم الفلسفة الغربية المادية بما فيها من شكوك ومادية ومفاهيم‬
‫متعارضة مع الفكر السلمي بما يؤجج في النفس الشبهات والتمزق وبوادر‬
‫اللحاد‪.‬‬
‫نسبة كل مناهج العلوم إلى الغرب وإنكار دور المسلمين الواضح فيها بما‬
‫يصور للطالب المسلم أن المسلمين عاله على المم وأنه لم يكن لهم دور‬
‫في بناء هذه العلوم‪.‬‬
‫سيطرة نظريات المدرسة الجتماعية والتحليل النفسي والوجودية على علوم‬
‫النفس والخلق والتربية؟‪ ،‬وكله تقوم على الفكر المادي‪.‬‬
‫دراسة العلوم السياسية والجتماعية والقتصادية دور بيان وجهة نظر السلم‬
‫فيها‪ .‬هذه بعض مناقض ومحاذير المناهج التعليمية القائمة في المدارس –‬
‫والجامعات في مختلف بلد العالم السلمي والتي لم تتغير مطلقًا‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا جاءت اليوم الدعوة إلى )توحيد مناهج التعليم( فإنها ستجعل مثل هذه‬
‫المحاذير أخطارا ً عامة تشمل البلد العربية كلها‪ .‬مونها القطار التي لم تتصل‬
‫من قبل بمناهج الرساليات التبشيرية أو تسيطر عليها مناهج التعليم الغربية‬
‫الدنلوبية وغيرها‪.‬‬
‫ومن هنا فإننا نواجه فعل ً ما يمكن أن يسمى )أزمة التربية والتعليم( وهي‬
‫جديرة بالبحث والعمل الجاد في سبيل تحرير مناهج التعليم من أخطار‬
‫المفاهيم التي بثها الستعمار وأراد بها السيطرة على العرب والمسلمين‬
‫بإكراههم على انتقاض – تراثهم وتاريخهم ودينهم وقيمهم‪ .‬والعجاب والتقدير‬
‫والعلء المغرض للتاريخ الغربي وحضارة الغرب وفكرة‪ .‬واعتبار المناهج‬
‫التي تدرس في كليات العلوم والطب وغيرها وكأنها من نتاج الفكر الغربي‬
‫وحده‪ ،‬مع أن أصولها الولى هي من نتاج الحضارة السلمية مع الضافات‬
‫التي قدمها العصر الحديث‪.‬‬
‫كذلك فإن النظريات الخاصة بعلوم النفس والخلق والجتماع والسياسة‬
‫والقتصاد إنما تدرس على أنها )علوم( وهي في الحقيقة )نظريات( قامت‬
‫على أساس فروض فرضها الباحثون والفلسفة في بيئات معينة‪ ،‬واستجابات‬
‫لتحديات معينة وفي عصر معين‪.‬‬
‫ل( صفة الحقيقة العلمية التي ل تنقض )ثانيًا( ليس‬
‫ومن هنا فليست لها )أو ً‬
‫لها صفة العالمية‪ .‬ذلك لن لكل أمة قيمتها وعقائدها ومفاهيمها في مجال‬
‫العلوم – النسانية والعلوم الجتماعية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وإذا نظرنا إلى ما قاله )هاملتون جب( ق\رنا تماما ً مدى الخطر الذي أحاط‬
‫بالمسلمين خلل القرن الماضي‪ .‬فقد سيطرت قوى الستعمار ومن ورائها‬
‫قوى الستشراق والتغريب‪ ،‬والغزو الثقافي وأداتها معاهد التبشير وجامعات‬
‫الرساليات بمختلف صورها‪ :‬أوروبية وأمريكية وكاثوليكية وبروتستانتية‪ ،‬ومن‬
‫ورائه الفكر التلمدي والستشراق اليهودي الذي يستهدف غايات أخرى‬
‫تختلف عن الغايات التي يطمع فيها الستعمار‪ ،‬والتي تقوم أساسا ً على‬
‫مصدر واحد هو حرمان هذه المة السلمية من تطبيق شريعتها السلمية‬
‫كمنهج حياة‪ ،‬والحيلولة دون استمداد ثقافتها وتربيتها وتعليمها من مناهج‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫ويمكن القول اليوم‪ :‬إن التعليم بهذه الصورة مصدر كبير للغزو الفكري‬
‫وسبب بارز من أسباب تخلف المسلمين‪ .‬وقد انتقلنا في السنوات الخيرة‬
‫إلى العتراف بهذه الحقيقة وخفت رياح التهافت على التعليم الغربي‪ .‬وبقى‬
‫أن ندخل في المرحلة الحاسمة وهي النظر إلى هذه المناهج نظرية علمية‬
‫وواقعية تضع علوم الغرب ونظرياته موضع الفحص والدراسة‪ .‬وتكشف مع‬
‫الفروق العميقة بين وجهة نظره وبين وجهة نظر الفكر السلمي‪ .‬وكيف نجد‬
‫أن معطيات السلم أكثر إيجابية وسلمة وقوة‪ ،‬ليس للمسلمين وحدهم‪،‬‬
‫ولكن للبشرية كلها‪ .‬هذا على حد تعبير العلمة السيد أبو الحسن الندوي في‬
‫مهرجانه القريب الذي دعا فيه إلى إقامة التعليم في إطار التربية السلمية‪.‬‬
‫والعمل على تغيير نظام التعليم تغييرا ً جوهريا ً يلئم طبيعة المة السلمية‬
‫انطلقا ً من مبدأ واضح صريح‪ .‬هو أن عملية التربية في أي أمة وبلد ليست‬
‫بضاعة تصدر أو تستورد كالمواد الخام‪ .‬وإنما هي لباس – يفصل على إقامة‬
‫الشعوب وملمحها القومية وتقاليدها الموروثة‪ ،‬وآدابها المفضلة وأهدافها‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي تعيش لها وتموت في سبيلها‪ .‬وأن التربية ليست إل وسيلة راقية مهذبة‬
‫لدعم العقيدة التي يؤمن بها شعب أو بلد وتغذيتها بالقتناع الفكري القائم‬
‫على الثقة والعتزاز‪ ،‬وتسليمها بالدلئل العلمية إذا احتيج إليها‪ ،‬وسيلة كريمة‬
‫لتخليد هذه العقيدة ونقلها سليمة إلى الجيال القادمة‪ .‬أ هـ – وإذا كنا نرى أن‬
‫نتائج نظام التربية الغربية الوافد قد ظهر واضحا ً في تكوين هذه الجيال –‬
‫الممزقة المضطربة القلقة نفسيا ً المأزومة فكريا ً في بلدنا فإننا نجد أن‬
‫الغرب نفسه قد أخذ يعلن فساد هذا النظام الذي حمل لواءه الفيلسوف‬
‫)ديوي( – والذي وجد بالتآمر والتمويه أثرا ً عميقا ً في البيئات السلمية‬
‫والعربية‪ ،‬فقد نشرت مجلة – تايم نيو مجازين في ‪ 31/3/1948‬م بحثا ً ضافيا ً‬
‫أشارت فيه إلى فشل نظرية )ديوي( القائلة بأن الله والفضيلة كلها غايات‬
‫قابلة للنقاش والجدل‪ .‬ومن ثم فل جدوى من مناقشتها وفي مكانها يجب أن‬
‫تحل غاية أخرى هي‪) :‬النسجام مع الحياة( وقال الكاتب أن الطلبة قد‬
‫انقطعت صلتهم بتقاليدهم‪ .‬وأن هناك حاجة كبرى إلى التفكير في الهداف‬
‫السليمة للتربية وأنه لبد أن يكون هدف التربية الول هو تزويد الفرد بثقافة‬
‫صحيحه تقنعه بأن هناك تاريخا ً وأهدافا ً وراء هذه التربية‪.‬‬
‫ول ريب أن الفصل بين التربية والعقيدة والخلق إذا صلح كمنهج في الغرب‬
‫فإنه ل يصلح في العالم السلمي والمة العربية لنه يتعارض مع )تكامل(‬
‫منهجها في الحياة‪ ،‬ونظامها الرباني الجامع‪.‬‬
‫ومعنى عزل الدين أو الخلق عن التربية هو بناء شخصية هشة طرية ل‬
‫تمتلك القدرة على حمل أمانة المجتمع ومسئولية المة‪ .‬ول تكون قادرة على‬
‫مقاومة العدوان أو مواجهة وسائل الغراء‪ ،‬أو مؤامرات القضاء على كيان‬
‫العالم السلمي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعندما نستقضي مناهج التربية في العالم كله فلن تجد منهجا واحدا منها‬
‫يخطي بما يخطي به برنامج التربية السلمية من التكامل الجامع ومن‬
‫الستعلء على أهواء البشرية‪ ،‬ويتمثل هذا التكامل في خصائص خمسة‪:‬‬
‫أول‪:‬الجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الجمع بين الروح والجسم والعقل‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الجمع بين التربية للفرد والتربية للمجتمع‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الجمع بين الغايات الوطنية والغايات النسانية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الجمع بين التربية دينية وخلقية وعقلية‪.‬‬
‫ويقوم هذا المنهج على التوازن والموائمة فل لطفى فيه ناحية من النواحي‬
‫على ناحية أخرى‪ .‬ويكون به الفرد فرديا ً واجتماعيًا‪ ،‬ل تطغى فرديته على‬
‫جماعيته يقوى استقلله الذاتي وتفتحه الروحي والعقلي معًا‪ .‬وينتقل من‬
‫النانية إلى الغيرية‪ ،‬إنه إعداد الفرد لذاته ولمجاوزة ذاته في نفس الوقت‪.‬‬
‫وبذلك ينتقل النسان من أهوائه إلى الحق‪ ،‬ومكن الحيوانية إلى النسانية‪،‬‬
‫ومن البشرية إلى الربانية‪ ،‬فيكون قابل ً للرتفاع فوق المطامع والشهوات‬
‫متجها ً إلى الرتفاع )ولو شئنا لرفعناه بها(‪.‬‬
‫إن التربية السلمية تحقق للنسان مفهوم الحرية الصحيح‪ :‬التحرر من‬
‫الهواء والغرائز والنزوات‪ .‬وذلك عكس ما ترمي إليه الغربية التي تقصر‬
‫النسان على الستجابة للهواء‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتربية السلمية تهدف إلى بناء الشخصية بالقرآن والتاريخ والقدوة الطيبة‬
‫وبناء الشخصية بناًء أخلقيا ً دينيا ً عقليًا‪ .‬هو أساس بناء المجتمع ومصدر القوة‬
‫في مواجهة كل تحديات الغزو الخارجي‪.‬‬
‫وأبلغ مظاهر التربية السلمية‪ :‬التزكية‪" :‬تزكية النفس" والتزكية تعني تنمية‬
‫الروح الخلقية ونزعات الخير وفق القاعدة القرآنية‪.‬‬
‫)ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – قد أفلح من زكاها( وأبلغ ما‬
‫تصل إليه التزكية‪ :‬تربية الواعز النفسي القائم في أعماقها كالديدبان اليقظ‬
‫يدعوها إلى الخير‪ ،‬ويردها عن الشر‪ ،‬ويشكل الرادة الحية القادرة على‬
‫المتناع عن الشر والندفاع إلى الخير وفق قاعدة الرسول الرائعة‪:‬‬
‫)طوبى لعبد جعله الله مفتاحا ً للخير مغلقا ً للشر(‪.‬‬
‫وليس أصدق من حاجة المة السلمية إلى بناء مناهج التعليم في إطار‬
‫التربية السلمية‪ .‬ذلك أن التعليم هو تزويد الفرد بمجموعة من المعارف‬
‫والخبرات والمهارات‪ ،‬وما لم تكن هذه العلوم حية ومتحركة في إطار تربوي‬
‫أخلقي ديني عقلي سليم فإنها تفقد وجهتها‪ ،‬ول تكون عامل ً من عوامل البناء‬
‫والتقدم في الطريق الصحيح‪.‬‬
‫لقد أعدت التربية السلمية المسلم بأمرين جهلتهما التربية الحديثة وعجزت‬
‫عنهما نتيجة لمصادرها المادية‪ ،‬وهي قوام الحياة الحقة على هذه الرض‬
‫وأساس بناء النسان الرباني وهما‪:‬‬
‫ل‪ :‬الرادة والمسئولية الفردية حتى يعرف النسان أنه قادر على أن يختار‬ ‫أو ً‬
‫بين الخير والشر‪ ،‬والحق والباطل‪ ،‬وأن يمضي مع موكب الحياة ويضع لبنات‬
‫جديدة في ذلك الصرح الحضاري النساني وبدون هذه الرادة والمسئولية‬
‫الفردية ل يكون الجزاء الدنيوي والخرون بعد البعث والنشور‪ ،‬هذه‬
‫المسئولية قائمة على غاية )هي الجزاء‪ :‬ثوابا ً وعقابًا( وبدون هذا ل يستقيم‬
‫عمل النسان ول يعتصم في دائرة التقوى من شر الهواء والمطامع‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اللتزام الخلقي‪ :‬الذي يحيط بالنسان وعمله إحاطة السوار بالمعصم‬
‫فيدفعه دائما ً إلى الطريق الصحيح والشريف ويحميه نم أخطار المعصية‬
‫والخطيئة والفساد والنحلل والباحية‪ ،‬ويجعله إنسانا ً قويا ً قادرا ً على مواجهة‬
‫كل خطر‪ ،‬والوقوف في وجه كل عاصفة‪.‬‬
‫ومن خلل هذين السلحين الماضيين رسمت التربية السلمية طريقها الحق‬
‫في بناء النسان لنفسه رجل ً معتصما ً بالله عن الخطأ والفساد وعامل ً لسرته‬
‫وجماعته دون أن تجرفه النانية الطاغية‪ .‬فهو بذلك يكون قادرا ً على حماية‬
‫عقيدته ووطنه وأمته من ما تتعرض له من تحديات وأخطار سواء كانت في‬
‫مجال الرض أم مجال الفكر‪ ،‬أما حين تخلو التربية الحديثة الوافدة في العالم‬
‫السلمي من قيم العقيدة والخلق فإنها لن تكون إل تبعية شائنة لهواء‬
‫الحياة وأخطاء المجتمعات‪ .‬وذلك هو ما قصدت إليه القوى المتربصة‬
‫بالنسانية الشر الراغبة في تدمير المجتمعات قبل السيطرة عليها‪.‬‬
‫وبعد فإن الخطر الحقيقي الذي واجهته المة السلمية إنما بدأ من التعليم‬
‫وإن اليقظة الحقيقية إنما تبدأ منه‪ ،‬لقد حجبت القوة الستعمارية منهج المة‬
‫في التربية وأقامت نظاما ً ازدواجيا ً خطيرا ً مزق المة ودمر فكرها‪ ،‬وأنشأ تلك‬
‫التحديات الخطيرة‪ ،‬فالسلوب أسلوب التربية السلمية أساسا ً في السنوات‬
‫الولى‪ ،‬ثم يتفرع منها التعليم المدني زراعيا ً أو تجاريا ً أو صناعيا ً أو ثقافيا ً‬
‫عامًا‪ ،‬وهذا هو ما يسمى بالتعليم الصيل‪ .‬ثم ينبثق منه التعليم المتخصص‪،‬‬
‫وإن يقوم منهج التعليم كله في إطار التربية السلمية الجامعة المتكاملة‪.‬‬
‫وبعد فإن تلك المحاولت التي ترمي إلى "ترقيع" التعليم المدني الوافد‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القائم الن بإدخال ما يسمى مادة الدين‪ ،‬إنما هو عمل ناقص‪ ،‬ومحاولة باطلة‬
‫لطالة أمد المنهج الوضعي الستعماري‪ ،‬إن السلم هو السلم ليس مادة‬
‫الدين التي تدرس منها بعض آيات وأحاديث وصلوات‪ .‬إن السلم هوة مادة‬
‫كل المناهج والعلوم والدراسات‪ :‬اللغة العربية وعلم النفس والخلق‬
‫والجتماع والسياسة والقتصاد والقانون وهو روح كل الدراسات في‬
‫المدرسة الولية والوسطى والعدادية والثانوية والجامعة جميعًا‪.‬‬
‫ذلك أن السلم ليس دينا ً بمفهوم الدين الغربي‪ ،‬ولكنه منهج حياة ونظام –‬
‫مجتمع والدين جزء منه‪ .‬ولن تستطيع هذه المة أن تحقق وجودها وتمتلك‬
‫إرادتها ما لم يتحرر من النفوذ الغربي من مناهج التربية والتعليم التي صنعت‬
‫أجيال الهزيمة والنكسة والنهيار والتدمير‪ ،‬ولبد مع التماس منابع السلم في‬
‫القتصاد السلمي والشريعة السلمية أن يكون هناك تربية إسلمية أصيلة‪.‬‬
‫نحن نعرف أن التربية والتعليم والثقافة هي وجود ثلثة لحقيقة واحدة‪.‬‬
‫وإن ازدواجية التعليم وازدواجية الثقافة هي أخطر الرياح الصفراء العاتية‬
‫التي تهب الن في وجه السلم الحق‪ .‬المدرسة والبيت والصحيفة والكتاب‬
‫والجامعة كل هؤلء مدعوون لبناء منهج تربي جديد قوامه تكامل التربية‬
‫السلمية روحا ً وعقل ً وجسمًا‪ ،‬وقومية وإنسانية‪ ،‬وفردية وجماعية‪ ،‬وخلقية‬
‫وعقلية‪ ،‬وربط بين الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن هذا هو المصدر الوحيد للحصانة من خطر التيارات الوافدة والدعوات –‬


‫الهدامة‪ ،‬هذه الخطار التي تتمثل في الفكر الستعماري والماركسي‬
‫والصهيوني هذا الخطر ليست هناك أمة معرضة له بقدر ما تتعرض المة‬
‫السلمية‪ .‬لنها هي وحدها التي تمتلك ثقافة وفكرا ً مستقل ً ومتميزا ً له ذاتيته‬
‫الخاصة وطابعه المفرد من وحي السماء يستمد مفهومه من التوحيد والحق‬
‫والعدل والرحمة جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ليخرج‬
‫البشرية من الظلمات إلى النور‪ ،‬وما زال المسلمون مسئولين عن تبليغ هذا‬
‫المنهج وحمايته وتطبيقه على مجتمعاتهم‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫التربية السلمية هي الطار الحقيقي للتعلم‬


‫إن قضية التربية في العصر الحديث هي واحدة من أكبر القضايا‪ ،‬وإنها‬
‫بالنسبة للمسلمين من أكبر التحديات التي تواجه مجتمعهم اليوم بأشد‬
‫الخطار بل لعله ليس من المبالغة أو التزيد أن يقال أن أغلب التحديات التي‬
‫تواجه المجتمع المسلم اليوم هو تلك التبعية لمناهج التربية الغربية‪ ،‬وانحسار‬
‫منهج التربية السلمي إلى عدد قليل من القطار‪ .‬وقد كشف أسلوب النقل‬
‫أو القتباس من البرامج الغربية عن نتائج خطيرة أخرت سير حركة اليقظة‬
‫السلمية وحالت دون قدرة المسلمين على امتلك إرادتهم‪ ،‬وإقامة مجتمعهم‬
‫الرباني سنوات طويلة‪ ،‬حتى جاءت النتائج الخطيرة كاشفة عن هذا السر‬
‫الخفي‪ ،‬عندما وقعت أحداث النكبة والنكسة والسيطرة المثلثة‪ :‬الستعمار‬
‫والصهيونية والماركسية على أجزاء من العالم السلمي كرأس جسر لتغريب‬
‫هذه المة وحجبها عن منهجها القرآني الصيل‪ ،‬والحيلولة بينها وبين اقتعادها‬
‫مكانها الصحيح الذي تؤهله له مقداراتها وحجمها ومكانها الستراتيجي‪،‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتفوقها البشري – وامتلكها للثروة فضل ً عن تاريخها الحافل‪ ،‬وتراثها الضخم‪،‬‬


‫ودورها الواضح في بناء الحضارة البشرية حين قدمت )المنهج العلمي‬
‫التجريبي( الذي يقوم عليه التقدم المعاصر كله‪.‬‬
‫ولقد ظنت الجيال السابقة التي واجهت الستعمار أن التماسها أساليب‬
‫الغرب في التربية والتعليم ربما حقق لها القدرة على الوصول إلى ما وصل‬
‫إليه نم ثقافة وعلم وقوة وتمكين‪ .‬ولكن ذلك لم يكن إل وهما ً وخطأ سرعان‬
‫ما كشفت الوقائع عن فساده‪ ،‬ذلك أن أمة من المم لن تستطيع أن تبني‬
‫نفسها أو تجدد كيانها إل إذا استمدت ذك من جذورها وأصولها ومصادرها‬
‫الولى ومنابعها الحقة التي شكلتها أول المر‪ ،‬ومنذ جاء السلم وبنى هذه‬
‫المة فكريا ً وروحيا ً واجتماعيا ً وأخلقيًا‪ .‬فإن هذه المة لن تستطيع أن تجد في‬
‫أي منهج آخر سبيلها إلى اليقظة والنهضة إذا كرثتها الحداث‪ .‬بل إن عدوها‬
‫الذي انتهز فرصة غفلتها تسيطر عليها ل يمكن بحال أن يقدم لها ما يمكنها‬
‫نم التحرر نم قبضته‪.‬‬
‫ولذلك فقد عمد أول ما عمد إلى هدم ثلث دعائم من كيانها تلك هي‪ :‬حجب‬
‫الشريعة السلمية في نظام الحدود‪ ،‬وتغيير نظام القتصاد بغرض الربا ثم‬
‫كانت خطته الماكرة في تغيير مناهج التربية والتعليم‪ ،‬وإخراج القرآن‬
‫والسلم من هذا البناء الثقافي وتفريغه من روح اليمان بالله ومنهج التكامل‬
‫والترابط بين القيم وأخلقية أسلوب الحياة‪.‬‬
‫وحشوه بروح المادية والتمرد على الله والثورة على القيم الروحية والخلقية‬
‫وعبادة الجسد والمادة‪.‬‬
‫كان هذا هو الخطر الخطير والتحدي الشديد الذي بدأ به النفوذ الغربي تعامله‬
‫مع المسلمين حين أقام مدارسه ومعاهده وإرسالياته‪ .‬ثم فرض هذه المناهج‬
‫على التعليم القومي الذي كان يشرف على إعداده بواسطة رجاله أمثال‬
‫دانلوب في مصر وضريبة في سوريا والمغرب والعراق من أجل ما أسماه‬
‫كرومر تلك الجيال المؤمنة بالغرب المستسلمة له‪ ،‬أولئك المتفرنجين الذين‬
‫أعدهم ليمتلكوا إرادة النفوذ في مختلف دوائر السياسة والثقافة والتربية‬
‫والتعليم‪.‬‬
‫ولقد كانت لتلك الرساليات )على اختلف مذاهبها( دورها الخطير في تنشئة‬
‫أجيال متعددة في العالم السلمي تابعت منهج الغرب‪ ،‬وحجبت منهج السلم‬
‫حتى جاءت النتائج بعد أكثر من سبعين عاما ً لتدق البواب كاشفة عن أثر ذلك‬
‫الخطر في ذلك التمكن الذي أتيح للصهيونية وللماركسية وللنفوذ الستعماري‬
‫على حواشي هذا الوطن وفي قبله الحي‪ :‬فلسطين والقدس‪.‬‬
‫يقول هاملتون جب المستشرق النجليزي في تصوير أثر منهج التربية الغربية‬
‫في العالم السلمي‪:‬‬
‫لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي عن طريق المدرسة العصرية‬
‫والصحافة أن يترك في المسلمين ولو من غير وعي منهم أثرا ً يجعلهم في‬
‫مظهرهم العام – )ل دينيين( إلى حد بعيد‪ .‬ول ريب أن ذلك خاصة هو اللب‬
‫المثمر في كل كما تركت محاولت الغرب لحمل العالم السلمي على‬
‫حضارته من آثار‪.‬‬
‫هذه هي ثمرة خطة الستعمار عن طريق التبشير بالمدرسة والستشراق‬
‫بالفكرة المسمومة‪ ،‬هذه الخطة التي ركزت تركيزا ً شديدا ً على التعليم‪ :‬ذلك‬
‫أن التعليم كان هو المنطلق الحقيقي نخطة الغزو الثقافي وما زال‪ ،‬وسيظل‬
‫إلى وقت طويل ما لم يتدارك المسئولون المسلمون‪ ،‬هذا الخطر ويعملوا‬
‫على إيقاف السيطرة الجنبية الواضحة الثر على التعليم في مختلف مجالته‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومختلف بيئاته‪ ،‬ذلك أن القول اليوم بتوحيد مناهج التعليم العربية – على ما‬
‫بها من تبعية وأخطار ومزالق وسموم ما تزال مسيطرة على جوانب كثيرة‬
‫نم أساليب الدراسات والتعليم – وهو أخطر كثيرا ً من الثر الذي كان يتخذ‬
‫في كل قطر من القطار التي يستعمرها أسلوبا ً معينا ً نم التعليم يستهدف‬
‫به‪.‬‬
‫ل‪ :‬عزل هذا القطر عن أمته العربية‪ ،‬ثم عزله عن العالم السلمي كله‪.‬‬ ‫أو ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الحيلولة بينه وبين الرتباط بالجذور التاريخية والدبية واللغوية بإدعاء أن‬
‫العصر الحديث بدأ بحملة نابليون‪ ،‬وأن هذا العصر منفصل تماما ً عما قبله مما‬
‫أطلق عليه زيفا )عصر النحطاط( محاولة في إيجاد شعور نفسي بالكراهية‬
‫والنسلخ من الماضي كله‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بعد عزل القطر )إقليميا( عن أمته العربية الصغرى‪ ،‬وأمته السلمية‬
‫ً‬
‫الكبرى‪ ،‬وعن أصول فكره السلمي القرآني الممتد وراء أربعة عشر قرنا ً‬
‫تقوم إلى إحياء التاريخ القليمي الفرعوني والفينيقي والشوري والبابلي‬
‫وغيره‪ ،‬ثم الرتباط بالغرب وحضارة العرب وعظمة الغرب وبطولته‬
‫وأمجاده‪ ،‬هذا الغرب صاحب الحضارة التي ل تقهر وممدن الشعوب المتأخرة‬
‫إلى آخر هذه الزيوف والضاليل‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إعلء العامية على اللغة الفصحى والهتمام باللهجة القليمية وما يتصل‬
‫بها من حكايات وفلكلور وأزجال وموال وغيره إغراقا ً في العمق القليمي‬
‫وحيلولة دون المتداد الطبيعي للمة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬إعلء اللغة الجنبية النجليزية أو الفرنسية على اللغة العربية‬
‫والدعوة إلى تعلمها بحجة أنها لغة الحضارة‪ ،‬ثم السيطرة عن طريقها فكريا ً‬
‫على المثقفين الذين يوجهونه بعد ذلك إلى العتماد على فلسفات ومفاهيم‬
‫الغرب‪.‬‬
‫هذه كانت خطة التعليم العامة مع تغييرات يسيرة‪ ،‬اختلف بها المنهج من‬
‫قطر إلى قطر‪ ،‬ولكن الهدف في الجملة واحد‪ .‬هو إزدراء الوطن والمة‪،‬‬
‫والفكر العربي السلمي كله‪ ،‬واللتفات نحو الغرب صاحب الحضارة‬
‫المستعمرة وبطولته وأمجاده‪.‬‬
‫وقد امتدت هذه الخطة بعد انتهاء الحتلل‪.‬‬
‫وكانت قد أنتجت ثمارها في تلك التشكيلت الفكرية المختلفة التي فرقت‬
‫المة شيعا ً والتي ارتبطت بولءات مختلفة مع هذا المعسكر إذ ذاك‪ .‬ومع هذه‬
‫الثقافة أو تلك‪.‬‬
‫وقد ركزت المناهج في المرحلة الستقللية على الوطنية والقليمية‪،‬‬
‫وامتدادها السابق على السلم وبقى جوهر الخطة التعليمية كما هو وظلت‬
‫هذه المناهج توحي بشبهات وأخطاء واضحة‪ :‬من هذه الخطاء‪:‬‬
‫القول بأن السلم دين عبادة ل صلة له بالمجتمع ول بالدولة‪.‬‬
‫القول بأن مخططات الستعمار والتبشير الولى في أفريقيا هي كشوف‬
‫علمية‪.‬‬
‫ً‬
‫التاريخ السلمي ل يزيد عن أن يكون خلفات بين الحكام‪ :‬وصراعا على‬
‫الملك‪ ،‬بين المويين والعباسيين والعلويين‪.‬‬
‫تغليب مفاهيم الفلسفة الغربية المادية بما فيها من شكوك ومادية ومفاهيم‬
‫متعارضة مع الفكر السلمي بما يؤجج في النفس الشبهات والتمزق وبوادر‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللحاد‪.‬‬
‫نسبة كل مناهج العلوم إلى الغرب وإنكار دور المسلمين الواضح فيها بما‬
‫يصور للطالب المسلم أن المسلمين عاله على المم وأنه لم يكن لهم دور‬
‫في بناء هذه العلوم‪.‬‬
‫سيطرة نظريات المدرسة الجتماعية والتحليل النفسي والوجودية على علوم‬
‫النفس والخلق والتربية؟‪ ،‬وكله تقوم على الفكر المادي‪.‬‬
‫دراسة العلوم السياسية والجتماعية والقتصادية دور بيان وجهة نظر السلم‬
‫فيها‪ .‬هذه بعض مناقض ومحاذير المناهج التعليمية القائمة في المدارس –‬
‫والجامعات في مختلف بلد العالم السلمي والتي لم تتغير مطلقًا‪.‬‬
‫فإذا جاءت اليوم الدعوة إلى )توحيد مناهج التعليم( فإنها ستجعل مثل هذه‬
‫المحاذير أخطارا ً عامة تشمل البلد العربية كلها‪ .‬مونها القطار التي لم تتصل‬
‫من قبل بمناهج الرساليات التبشيرية أو تسيطر عليها مناهج التعليم الغربية‬
‫الدنلوبية وغيرها‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن هنا فإننا نواجه فعل ما يمكن أن يسمى )أزمة التربية والتعليم( وهي‬
‫جديرة بالبحث والعمل الجاد في سبيل تحرير مناهج التعليم من أخطار‬
‫المفاهيم التي بثها الستعمار وأراد بها السيطرة على العرب والمسلمين‬
‫بإكراههم على انتقاض – تراثهم وتاريخهم ودينهم وقيمهم‪ .‬والعجاب والتقدير‬
‫والعلء المغرض للتاريخ الغربي وحضارة الغرب وفكرة‪ .‬واعتبار المناهج‬
‫التي تدرس في كليات العلوم والطب وغيرها وكأنها من نتاج الفكر الغربي‬
‫وحده‪ ،‬مع أن أصولها الولى هي من نتاج الحضارة السلمية مع الضافات‬
‫التي قدمها العصر الحديث‪.‬‬
‫كذلك فإن النظريات الخاصة بعلوم النفس والخلق والجتماع والسياسة‬
‫والقتصاد إنما تدرس على أنها )علوم( وهي في الحقيقة )نظريات( قامت‬
‫على أساس فروض فرضها الباحثون والفلسفة في بيئات معينة‪ ،‬واستجابات‬
‫لتحديات معينة وفي عصر معين‪.‬‬
‫ً‬
‫ل( صفة الحقيقة العلمية التي ل تنقض )ثانيا( ليس‬ ‫ومن هنا فليست لها )أو ً‬
‫لها صفة العالمية‪ .‬ذلك لن لكل أمة قيمتها وعقائدها ومفاهيمها في مجال‬
‫العلوم – النسانية والعلوم الجتماعية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وإذا نظرنا إلى ما قاله )هاملتون جب( ق\رنا تماما ً مدى الخطر الذي أحاط‬
‫بالمسلمين خلل القرن الماضي‪ .‬فقد سيطرت قوى الستعمار ومن ورائها‬
‫قوى الستشراق والتغريب‪ ،‬والغزو الثقافي وأداتها معاهد التبشير وجامعات‬
‫الرساليات بمختلف صورها‪ :‬أوروبية وأمريكية وكاثوليكية وبروتستانتية‪ ،‬ومن‬
‫ورائه الفكر التلمدي والستشراق اليهودي الذي يستهدف غايات أخرى‬
‫تختلف عن الغايات التي يطمع فيها الستعمار‪ ،‬والتي تقوم أساسا ً على‬
‫مصدر واحد هو حرمان هذه المة السلمية من تطبيق شريعتها السلمية‬
‫كمنهج حياة‪ ،‬والحيلولة دون استمداد ثقافتها وتربيتها وتعليمها من مناهج‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫ويمكن القول اليوم‪ :‬إن التعليم بهذه الصورة مصدر كبير للغزو الفكري‬
‫وسبب بارز من أسباب تخلف المسلمين‪ .‬وقد انتقلنا في السنوات الخيرة‬
‫إلى العتراف بهذه الحقيقة وخفت رياح التهافت على التعليم الغربي‪ .‬وبقى‬
‫أن ندخل في المرحلة الحاسمة وهي النظر إلى هذه المناهج نظرية علمية‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وواقعية تضع علوم الغرب ونظرياته موضع الفحص والدراسة‪ .‬وتكشف مع‬
‫الفروق العميقة بين وجهة نظره وبين وجهة نظر الفكر السلمي‪ .‬وكيف نجد‬
‫أن معطيات السلم أكثر إيجابية وسلمة وقوة‪ ،‬ليس للمسلمين وحدهم‪،‬‬
‫ولكن للبشرية كلها‪ .‬هذا على حد تعبير العلمة السيد أبو الحسن الندوي في‬
‫مهرجانه القريب الذي دعا فيه إلى إقامة التعليم في إطار التربية السلمية‪.‬‬
‫والعمل على تغيير نظام التعليم تغييرا ً جوهريا ً يلئم طبيعة المة السلمية‬
‫انطلقا ً من مبدأ واضح صريح‪ .‬هو أن عملية التربية في أي أمة وبلد ليست‬
‫بضاعة تصدر أو تستورد كالمواد الخام‪ .‬وإنما هي لباس – يفصل على إقامة‬
‫الشعوب وملمحها القومية وتقاليدها الموروثة‪ ،‬وآدابها المفضلة وأهدافها‬
‫التي تعيش لها وتموت في سبيلها‪ .‬وأن التربية ليست إل وسيلة راقية مهذبة‬
‫لدعم العقيدة التي يؤمن بها شعب أو بلد وتغذيتها بالقتناع الفكري القائم‬
‫على الثقة والعتزاز‪ ،‬وتسليمها بالدلئل العلمية إذا احتيج إليها‪ ،‬وسيلة كريمة‬
‫لتخليد هذه العقيدة ونقلها سليمة إلى الجيال القادمة‪ .‬أ هـ – وإذا كنا نرى أن‬
‫نتائج نظام التربية الغربية الوافد قد ظهر واضحا ً في تكوين هذه الجيال –‬
‫الممزقة المضطربة القلقة نفسيا ً المأزومة فكريا ً في بلدنا فإننا نجد أن‬
‫الغرب نفسه قد أخذ يعلن فساد هذا النظام الذي حمل لواءه الفيلسوف‬
‫)ديوي( – والذي وجد بالتآمر والتمويه أثرا ً عميقا ً في البيئات السلمية‬
‫والعربية‪ ،‬فقد نشرت مجلة – تايم نيو مجازين في ‪ 31/3/1948‬م بحثا ً ضافيا ً‬
‫أشارت فيه إلى فشل نظرية )ديوي( القائلة بأن الله والفضيلة كلها غايات‬
‫قابلة للنقاش والجدل‪ .‬ومن ثم فل جدوى من مناقشتها وفي مكانها يجب أن‬
‫تحل غاية أخرى هي‪) :‬النسجام مع الحياة( وقال الكاتب أن الطلبة قد‬
‫انقطعت صلتهم بتقاليدهم‪ .‬وأن هناك حاجة كبرى إلى التفكير في الهداف‬
‫السليمة للتربية وأنه لبد أن يكون هدف التربية الول هو تزويد الفرد بثقافة‬
‫صحيحه تقنعه بأن هناك تاريخا ً وأهدافا ً وراء هذه التربية‪.‬‬
‫ول ريب أن الفصل بين التربية والعقيدة والخلق إذا صلح كمنهج في الغرب‬
‫فإنه ل يصلح في العالم السلمي والمة العربية لنه يتعارض مع )تكامل(‬
‫منهجها في الحياة‪ ،‬ونظامها الرباني الجامع‪.‬‬
‫ومعنى عزل الدين أو الخلق عن التربية هو بناء شخصية هشة طرية ل‬
‫تمتلك القدرة على حمل أمانة المجتمع ومسئولية المة‪ .‬ول تكون قادرة على‬
‫مقاومة العدوان أو مواجهة وسائل الغراء‪ ،‬أو مؤامرات القضاء على كيان‬
‫العالم السلمي‪.‬‬
‫وعندما نستقضي مناهج التربية في العالم كله فلن تجد منهجا ً واحدا ً منها‬
‫يخطي بما يخطي به برنامج التربية السلمية من التكامل الجامع ومن‬
‫الستعلء على أهواء البشرية‪ ،‬ويتمثل هذا التكامل في خصائص خمسة‪:‬‬
‫أول‪:‬الجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الجمع بين الروح والجسم والعقل‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الجمع بين التربية للفرد والتربية للمجتمع‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الجمع بين الغايات الوطنية والغايات النسانية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الجمع بين التربية دينية وخلقية وعقلية‪.‬‬
‫ويقوم هذا المنهج على التوازن والموائمة فل لطفى فيه ناحية من النواحي‬
‫على ناحية أخرى‪ .‬ويكون به الفرد فرديا ً واجتماعيًا‪ ،‬ل تطغى فرديته على‬
‫جماعيته يقوى استقلله الذاتي وتفتحه الروحي والعقلي معًا‪ .‬وينتقل من‬
‫النانية إلى الغيرية‪ ،‬إنه إعداد الفرد لذاته ولمجاوزة ذاته في نفس الوقت‪.‬‬
‫وبذلك ينتقل النسان من أهوائه إلى الحق‪ ،‬ومكن الحيوانية إلى النسانية‪،‬‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن البشرية إلى الربانية‪ ،‬فيكون قابل ً للرتفاع فوق المطامع والشهوات‬
‫متجها ً إلى الرتفاع )ولو شئنا لرفعناه بها(‪.‬‬
‫إن التربية السلمية تحقق للنسان مفهوم الحرية الصحيح‪ :‬التحرر من‬
‫الهواء والغرائز والنزوات‪ .‬وذلك عكس ما ترمي إليه الغربية التي تقصر‬
‫النسان على الستجابة للهواء‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والتربية السلمية تهدف إلى بناء الشخصية بالقرآن والتاريخ والقدوة الطيبة‬
‫وبناء الشخصية بناًء أخلقيا ً دينيا ً عقليًا‪ .‬هو أساس بناء المجتمع ومصدر القوة‬
‫في مواجهة كل تحديات الغزو الخارجي‪.‬‬
‫وأبلغ مظاهر التربية السلمية‪ :‬التزكية‪" :‬تزكية النفس" والتزكية تعني تنمية‬
‫الروح الخلقية ونزعات الخير وفق القاعدة القرآنية‪.‬‬
‫)ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – قد أفلح من زكاها( وأبلغ ما‬
‫تصل إليه التزكية‪ :‬تربية الواعز النفسي القائم في أعماقها كالديدبان اليقظ‬
‫يدعوها إلى الخير‪ ،‬ويردها عن الشر‪ ،‬ويشكل الرادة الحية القادرة على‬
‫المتناع عن الشر والندفاع إلى الخير وفق قاعدة الرسول الرائعة‪:‬‬
‫)طوبى لعبد جعله الله مفتاحا ً للخير مغلقا ً للشر(‪.‬‬
‫وليس أصدق من حاجة المة السلمية إلى بناء مناهج التعليم في إطار‬
‫التربية السلمية‪ .‬ذلك أن التعليم هو تزويد الفرد بمجموعة من المعارف‬
‫والخبرات والمهارات‪ ،‬وما لم تكن هذه العلوم حية ومتحركة في إطار تربوي‬
‫أخلقي ديني عقلي سليم فإنها تفقد وجهتها‪ ،‬ول تكون عامل ً من عوامل البناء‬
‫والتقدم في الطريق الصحيح‪.‬‬
‫لقد أعدت التربية السلمية المسلم بأمرين جهلتهما التربية الحديثة وعجزت‬
‫عنهما نتيجة لمصادرها المادية‪ ،‬وهي قوام الحياة الحقة على هذه الرض‬
‫وأساس بناء النسان الرباني وهما‪:‬‬
‫ل‪ :‬الرادة والمسئولية الفردية حتى يعرف النسان أنه قادر على أن يختار‬ ‫أو ً‬
‫بين الخير والشر‪ ،‬والحق والباطل‪ ،‬وأن يمضي مع موكب الحياة ويضع لبنات‬
‫جديدة في ذلك الصرح الحضاري النساني وبدون هذه الرادة والمسئولية‬
‫الفردية ل يكون الجزاء الدنيوي والخرون بعد البعث والنشور‪ ،‬هذه‬
‫المسئولية قائمة على غاية )هي الجزاء‪ :‬ثوابا ً وعقابًا( وبدون هذا ل يستقيم‬
‫عمل النسان ول يعتصم في دائرة التقوى من شر الهواء والمطامع‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اللتزام الخلقي‪ :‬الذي يحيط بالنسان وعمله إحاطة السوار بالمعصم‬
‫فيدفعه دائما ً إلى الطريق الصحيح والشريف ويحميه نم أخطار المعصية‬
‫والخطيئة والفساد والنحلل والباحية‪ ،‬ويجعله إنسانا ً قويا ً قادرا ً على مواجهة‬
‫كل خطر‪ ،‬والوقوف في وجه كل عاصفة‪.‬‬
‫ومن خلل هذين السلحين الماضيين رسمت التربية السلمية طريقها الحق‬
‫في بناء النسان لنفسه رجل ً معتصما ً بالله عن الخطأ والفساد وعامل ً لسرته‬
‫وجماعته دون أن تجرفه النانية الطاغية‪ .‬فهو بذلك يكون قادرا ً على حماية‬
‫عقيدته ووطنه وأمته من ما تتعرض له من تحديات وأخطار سواء كانت في‬
‫مجال الرض أم مجال الفكر‪ ،‬أما حين تخلو التربية الحديثة الوافدة في العالم‬
‫السلمي من قيم العقيدة والخلق فإنها لن تكون إل تبعية شائنة لهواء‬
‫الحياة وأخطاء المجتمعات‪ .‬وذلك هو ما قصدت إليه القوى المتربصة‬
‫بالنسانية الشر الراغبة في تدمير المجتمعات قبل السيطرة عليها‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبعد فإن الخطر الحقيقي الذي واجهته المة السلمية إنما بدأ من التعليم‬
‫وإن اليقظة الحقيقية إنما تبدأ منه‪ ،‬لقد حجبت القوة الستعمارية منهج المة‬
‫في التربية وأقامت نظاما ً ازدواجيا ً خطيرا ً مزق المة ودمر فكرها‪ ،‬وأنشأ تلك‬
‫التحديات الخطيرة‪ ،‬فالسلوب أسلوب التربية السلمية أساسا ً في السنوات‬
‫الولى‪ ،‬ثم يتفرع منها التعليم المدني زراعيا ً أو تجاريا ً أو صناعيا ً أو ثقافيا ً‬
‫عامًا‪ ،‬وهذا هو ما يسمى بالتعليم الصيل‪ .‬ثم ينبثق منه التعليم المتخصص‪،‬‬
‫وإن يقوم منهج التعليم كله في إطار التربية السلمية الجامعة المتكاملة‪.‬‬
‫وبعد فإن تلك المحاولت التي ترمي إلى "ترقيع" التعليم المدني الوافد‬
‫القائم الن بإدخال ما يسمى مادة الدين‪ ،‬إنما هو عمل ناقص‪ ،‬ومحاولة باطلة‬
‫لطالة أمد المنهج الوضعي الستعماري‪ ،‬إن السلم هو السلم ليس مادة‬
‫الدين التي تدرس منها بعض آيات وأحاديث وصلوات‪ .‬إن السلم هوة مادة‬
‫كل المناهج والعلوم والدراسات‪ :‬اللغة العربية وعلم النفس والخلق‬
‫والجتماع والسياسة والقتصاد والقانون وهو روح كل الدراسات في‬
‫المدرسة الولية والوسطى والعدادية والثانوية والجامعة جميعًا‪.‬‬
‫ذلك أن السلم ليس دينا ً بمفهوم الدين الغربي‪ ،‬ولكنه منهج حياة ونظام –‬
‫مجتمع والدين جزء منه‪ .‬ولن تستطيع هذه المة أن تحقق وجودها وتمتلك‬
‫إرادتها ما لم يتحرر من النفوذ الغربي من مناهج التربية والتعليم التي صنعت‬
‫أجيال الهزيمة والنكسة والنهيار والتدمير‪ ،‬ولبد مع التماس منابع السلم في‬
‫القتصاد السلمي والشريعة السلمية أن يكون هناك تربية إسلمية أصيلة‪.‬‬
‫نحن نعرف أن التربية والتعليم والثقافة هي وجود ثلثة لحقيقة واحدة‪.‬‬
‫وإن ازدواجية التعليم وازدواجية الثقافة هي أخطر الرياح الصفراء العاتية‬
‫التي تهب الن في وجه السلم الحق‪ .‬المدرسة والبيت والصحيفة والكتاب‬
‫والجامعة كل هؤلء مدعوون لبناء منهج تربي جديد قوامه تكامل التربية‬
‫السلمية روحا ً وعقل ً وجسمًا‪ ،‬وقومية وإنسانية‪ ،‬وفردية وجماعية‪ ،‬وخلقية‬
‫وعقلية‪ ،‬وربط بين الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن هذا هو المصدر الوحيد للحصانة من خطر التيارات الوافدة والدعوات –‬


‫الهدامة‪ ،‬هذه الخطار التي تتمثل في الفكر الستعماري والماركسي‬
‫والصهيوني هذا الخطر ليست هناك أمة معرضة له بقدر ما تتعرض المة‬
‫السلمية‪ .‬لنها هي وحدها التي تمتلك ثقافة وفكرا ً مستقل ً ومتميزا ً له ذاتيته‬
‫الخاصة وطابعه المفرد من وحي السماء يستمد مفهومه من التوحيد والحق‬
‫والعدل والرحمة جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ليخرج‬
‫البشرية من الظلمات إلى النور‪ ،‬وما زال المسلمون مسئولين عن تبليغ هذا‬
‫المنهج وحمايته وتطبيقه على مجتمعاتهم‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫التربية الجهادية‬
‫في ضوء الكتاب والسنة‬
‫تأليف‬
‫عبد العزيز بن ناصر الجليل‬
‫التربية الجهادية‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في ضوء الكتاب والسنة‬


‫تمهيد‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين·‬
‫وبعد‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ف‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬
‫مأ ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫فيقول الله عز وجل‪) :‬وَل ْت َك ُ ْ‬
‫ن( )آل عمران‪.(104:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَُأول َئ ِ َ‬‫ن ال ْ ُ‬‫ن عَ ِ‬ ‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫ومما ل شك فيه أن الجهاد في سبيل الله تعالى ضرب مهم من المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ ل بد منه للمة التي تدعو إلى الله عز وجل‬
‫وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ وذلك في مرحلة من مراحلها؛ وذلك إما‬
‫بجهاد الدفع عندما تبتلى المة بمن يفتنها في دينها أو دمائها أو أعراضها‬
‫ضا حسب المكان وإل الفناء والهلك‪ ،‬أو بجهاد‬ ‫فيفرض عليها المدافعة فر ً‬
‫الطلب ونشر دين الله تعالى عندما تكون قادرة على ذلك؛ إذ إن من سنن‬
‫الله تعالى أن يجد الدعاة أنفسهم وهم يتقدمون بالدعوة إلى الناس أن‬
‫الطواغيت يحولون بينهم وبين وصول الحق إلى الناس وأن يكون الدين كله‬
‫لله‪ ،‬فيشرع حينئذ جهاد المفسدين الصادين عن سبيل الله تعالى حتى ل‬
‫تكون فتنة ويكون الدين كله لله تعالى· وهذا فرع عن المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر الذي تقوم من أجله الدعوة وتبذل فيه التضحيات في سبيل الله‬
‫تعالى·‬
‫وإن المة السلمية اليوم تمر بظروف عصيبة تكالب فيها العداء وتنادوا من‬
‫كل صوب‪ ،‬وتداعوا على حرب السلم وأهله الصادقين؛ وذلك في حملة‬
‫شرسة وحقد دفين يريدون من ورائه مسخ السلم في قلوب أهله‪ ،‬وجر‬
‫المسلمين إلى التبعية للغرب الكافر· وساعدهم في ذلك المنافقون من بني‬
‫ن‬ ‫جلدتنا؛ فجاءت الحرب شاملة من خارج المة ومن داخلها‪) :‬يريدو َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫م ُنوَره ُ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ن ي ُت ِ ّ‬‫ه إ ِّل أ ْ‬ ‫م وَي َأَبى الل ّ ُ‬ ‫واهِهِ ْ‬‫فُئوا ُنوَر الل ّهِ ب ِأفْ َ‬ ‫ي ُط ْ ِ‬
‫)التوبة‪.(32:‬‬
‫ومع إيماننا بحتمية الصراع بين الحق والباطل‪ ،‬ومع أن جهاد الكفار أصبح أمًرا‬
‫عا عن الدين والعرض حتى ل تكون فتنة‪ ،‬إل أن‬ ‫ضا على المسلمين دفا ً‬ ‫مفرو ً‬
‫المسلم الناظر في أحوالنا اليوم وما هي عليه من ضعف إيمان‪ ،‬وركون إلى‬
‫الدنيا‪ ،‬وترهل في الهمم والجسام‪ ،‬ويأس وإحباط لَيشُعر بالخطر على نفسه‬
‫وعلى أمته‪ ،‬ويفرض عليه ذلك المبادرة مع إخوانه في وضع برامج علمية‬
‫وعملية لعداد النفوس وانتشالها من نومها أو موتها‪ ،‬وإحياء الجهاد وتحديث‬
‫النفس به‪ .‬فلقد قال رسول الله‪" :‬من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات‬
‫على شعبة من شعب النفاق")‪.(1‬‬
‫وتحديث النفس بالغزو ليس المراد منه خاطرة تمر في النفس ثم تدفن في‬
‫أودية الدنيا وزينتها التي سيطرت على كثير منا؛ وإنما المراد به العزيمة‬
‫الصادقة على ذلك‪ ،‬ومن علماتها الخذ بالسباب‪ ،‬وإعداد العدة الشاملة‬
‫ل· قال الله تعالى‪) :‬وَل َوْ أ ََراُدوا‬ ‫للجهاد في سبيل الله تعالى علما ً وعمل ً وحا ً‬
‫ه عُد ّة ً ‪) (...‬التوبة‪ :‬من الية ‪.(46‬‬ ‫دوا ل َ ُ‬ ‫ج َل َعَ ّ‬‫خُرو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وفي المقابل لحوال المفّرطين في إعداد العدة لجهاد الكفار وتربية النفوس‬
‫جلت في مواجهة الكفار‬ ‫على ذلك‪ ،‬توجد طائفة أخرى قد أفرطت وتع ّ‬
‫والمنافقين بالصدام المسلح دون إعداد شامل لهذه المواجهة‪ ،‬وقبل أن يأخذ‬
‫البلغ العام للناس حقه كي تستبين لهم سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين‪،‬‬
‫ي عن‬ ‫ويزول اللبس والشتباه بينهما ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من ح ّ‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بينة·فنشأ من جراء ذلك مفاسد عظيمة على الدعوة وأهلها وعلى عامة‬
‫المسلمين الذين لبس المر عليهم ولم يستبينوا سبيل المجرمين·‬
‫وعندما نذكر المستعجلين للجهاد قبل العداد له فإنما نقصد أولئك الذين‬
‫بادروا إلى المواجهة مع النظمة الكفرية المستقرة المتمكنة قبل العداد‬
‫لذلك‪ ،‬وقبل وضوح الراية الكفرية للناس في هذه المكنة· أما الساحات‬
‫الجهادية التي قد اتضحت فيها رايات الكفار فهذا جهاد مشروع ومطلوب كما‬
‫هو الحال في كشمير وأفغانستان والشيشان وفلسطين·‬
‫والمقصود مما سبق أن كل الفريقين‪ :‬سواء المهملون للتربية الجهادية في‬
‫برامجهم ومناهجهم وسيطرة حياة الترف والترهل على حياتهم‪ ،‬أو‬
‫عدته في النفس والواقع؛ أن كل‬ ‫المستعجلون للجهاد المسلح قبل استكمال ُ‬
‫الفريقين محتاج لعداد العدة للجهاد في سبيل الله تعالى بمفهومه الشامل‪،‬‬
‫وهو ما دفع إلى كتابة هذه الوراق التي أرجو أن تكون فاتحة خير في هذا‬
‫الموضوع المهم‪ ،‬ولعلها أن تفتح الباب للمهتمين بالدعوة والجهاد كي يدلوا‬
‫بدلوهم في هذا المجال المهم من مجالت التربية والعداد للجهاد ويكملوا ما‬
‫نقص منه حتى يجد المربون فيه بغيتهم من البرامج العلمية والعملية لعداد‬
‫شباب الصحوة وبقية المة للجهاد في سبيل الله تعالى·‬
‫وقبل الدخول في ذكر الوسائل والبرامج التي ُتحيي في النفوس الجهاد‬
‫والستعداد له يحسن الحديث عن بعض المقدمات المهمة التي تتعلق بالجهاد‬
‫والغزو في سبيل الله تعالى·‬

‫)‪(1 /‬‬

‫المقدمة الولى‪ :‬المعنى العام للجهاد ومراتبه·‬


‫المقدمة الثانية‪ :‬أقسام الجهاد في سبيل الله عز وجل·‬
‫المقدمة الثالثة‪ :‬غاية الجهاد في سبيل الله عز وجل·‬
‫المقدمة الرابعة‪ :‬ثمرة الجهاد في سبيل الله عز وجل في الدنيا والخرة·‬
‫المقدمة الخامسة‪ :‬مخاطر إهمال الجهاد في سبيل الله عز وجل وترك‬
‫الستعداد له·‬
‫المقدمة الولى‬
‫المعنى العام للجهاد ومراتبه‬
‫المعنى اللغوي‪:‬‬
‫جْهد‪ :‬الطاقة والمشقة· وقيل‬ ‫ُ‬ ‫وال‬ ‫هد‬ ‫ج‬
‫َ ْ‬ ‫)ال‬ ‫القرآن‪:‬‬ ‫مفردات‬ ‫في‬ ‫قال الراغب‬
‫جْهد‪ :‬الوسع()‪.(2‬‬ ‫جْهد بالفتح‪ :‬المشقة‪ ،‬وال ُ‬‫ال َ‬
‫وقال ابن حجر‪) :‬والجهاد بكسر الجيم‪ :‬أصله لغة‪ :‬المشقة()‪.(3‬‬
‫المعنى الشرعي‪:‬‬
‫يدور المعنى الشرعي عند أغلب الفقهاء‪ :‬على قتال المسلمين للكفار بعد‬
‫دعوتهم إلى السلم أو الجزية ثم إبائهم·‬
‫فهو عند الحناف‪) :‬بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل‬
‫بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك أو المبالغة في ذلك()‪.(4‬‬
‫وبأنه‪) :‬الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله()‪.(5‬‬
‫وعند المالكية هو‪) :‬قتال مسلم كافًرا غير ذي عهد لعلء كلمة الله تعالى()‬
‫‪.(6‬‬
‫عا‪ :‬بذل الجهد في قتال‬ ‫وعند الشافعية كما قال الحافظ ابن حجر‪) :‬وشر ً‬
‫الكفار()‪.(7‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعند الحنابلة‪) :‬قتال الكفار()‪.(8‬‬


‫وكل هذه التعريفات ُيرى أنها قد حصرت الجهاد في قتال الكفار‪ ،‬وهذا هو‬
‫تعريف الجهاد عند الطلق· وهناك أنواع أخرى قد أطلق عليها الشارع اسم‬
‫الجهاد مع خلوها من القتال كجهاد المنافقين‪ ،‬وجهاد النفس·‬
‫ما للجهاد قال‬ ‫فا عا ً‬ ‫ولذا فإن لشيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى تعري ً‬
‫فيه‪" :‬والجهاد هو بذل الوسع ‪ -‬وهو القدرة ‪ -‬في حصول محبوب الحق‪ ،‬ودفع‬
‫ما يكرهه الحق")‪.(9‬‬
‫وقال أيضًا‪ ···" :‬وذلك لن الجهاد حقيقته الجتهاد في حصول ما يحبه الله‬
‫من اليمان والعمل الصالح‪ ،‬ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق‬
‫والعصيان")‪.(10‬‬
‫وتحت هذا المعنى العام للجهاد يدخل جهاد النفس في طاعة الله تعالى‬
‫وترك معاصيه‪ ،‬وجهاد الشيطان وجهاد المنافقين‪ ،‬وجهاد الكفار‪ ،‬ومن ذلك‬
‫جهاد البيان والبلغ‪ ،‬ومدافعة الفساد والمفسدين؛ بل إن جهاد الكفار بالسنان‬
‫إن هو إل جزء من القيام بفريضة المر بالمعروف الكبر ‪ -‬وهو نشر التوحيد ‪-‬‬
‫والنهي عن المنكر الكبر ‪ -‬وهو الشرك بالله عز وجل والكفر به ‪ -‬وذلك بعد‬
‫دعوة الكفار إلى التوحيد ورفضهم له أو لدفع الجزية·‬
‫ويبين المام ابن القيم رحمه الله تعالى حقيقة الجهاد بمعناه العام وأنواعه‬
‫ل أهله أعلى‬ ‫فيقول‪" :‬لما كان الجهاد ذروة سنام السلم وقُب َّته‪ ،‬ومناز ُ‬
‫ة في الدنيا‪ ،‬فهم العلون في الدنيا‬ ‫المنازل في الجنة‪ ،‬كما لهم الرفع ُ‬
‫ذروةِ الُعليا منه‪،‬‬ ‫والخرة‪ ،‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ال ّ‬
‫ن‪،‬‬‫جنا ِ‬ ‫واستولى على أنواعه كّلها فجاهد في الله حقّ جهاده بالقلب وال َ‬
‫ن‪ ،‬وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد‪،‬‬ ‫سَنا ِ‬ ‫والدعوة والبيان‪ ،‬والسيف‪ ،‬وال ّ‬
‫بقلبه‪ ،‬ولسانه‪ ،‬ويده· ولهذا كان أرفعَ العالمين ِذكًرا‪ ،‬وأعظمهم عند الله قدًرا·‬
‫ل قَْري َ ٍ‬
‫ة‬ ‫شئ َْنا ل َب َعَث َْنا ِفي ك ُ ّ‬ ‫وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه‪ ،‬وقال‪) :‬وَل َوْ ِ‬
‫جَهادا ً ك َِبيرًا( )الفرقان‪.(52-51:‬‬ ‫م ب ِهِ ِ‬‫جاهِد ْهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫ذيرا ً َفل ت ُط ِِع ال ْ َ‬ ‫نَ ِ‬
‫حجة‪ ،‬والبيان‪ ،‬وتبليغ القرآن·‬ ‫فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار‪ ،‬بال ُ‬
‫جة‪ ،‬وإل فهم تحت قهر أهل السلم؛‬ ‫ح ّ‬ ‫وكذلك جهاد ُ المنافقين إنما هو بتبليغ ال ُ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫جاهِدِ ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫مأَواهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن َواغلظ عَلي ْهِ ْ‬ ‫قي َ‬
‫مَنافِ ِ‬
‫فاَر َوال ُ‬ ‫ي َ‬ ‫قال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫صيُر( )التوبة‪.(73:‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ص المة‪ ،‬وورثة‬ ‫ّ‬ ‫خوا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫جها‬ ‫وهو‬ ‫الكفار‪،‬‬ ‫جهاد‬ ‫من‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫أصع‬ ‫المنافقين‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫فجها‬
‫كون فيه‪ ،‬والمعاونون عليه‪،‬‬ ‫الّرسل‪ ،‬والقائمون به أفراد ٌ في العالم‪ ،‬والمشار ُ‬
‫هم القلين عدًدا‪ ،‬فهم العظمون عند الله قدًرا·‬ ‫وإن كانوا ُ‬
‫ل أن تتكلم به‬ ‫ض‪ ،‬مث َ‬ ‫معارِ ِ‬ ‫ل الحقّ مع شدة ال ُ‬ ‫ولما كان من أفضل الجهاد قو ُ‬
‫من‬ ‫ه‪ِ -‬‬ ‫م ُ‬‫ت الله عليهم وسل ُ‬ ‫ل ‪ -‬صلوا ُ‬ ‫ه وأذاه‪ ،‬كان للرس ِ‬ ‫سطوت ُ‬ ‫عند من ُتخاف َ‬
‫ظ الوفَُر‪ ،‬وكان لنبينا ‪ -‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ -‬من ذلك أكم ُ‬
‫ل‬ ‫ذلك الح ّ‬
‫مه·‬ ‫الجهاد وأت ّ‬
‫ت‬ ‫عا على جهادِ العبد نفسه في ذا ِ‬ ‫ولما كان جهاد أعداِء الله في الخارج فر ً‬
‫ه في‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫جاهَد َ ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪) :‬المجاهِد ُ َ‬ ‫الله؛ كما قال النب ّ‬
‫جَر ما ن ََهى الله عنه()‪ .(11‬كان جهاد ُ النفس‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جُر َ‬ ‫مها ِ‬ ‫طاعَةِ الله‪ ،‬وال ُ‬ ‫َ‬
‫دما َ على جهاد العدوّ في الخارج‪ ،‬وأصل ً له؛ فإنه ما لم ُيجاهد نفسه أول ً‬ ‫مق ّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ت به‪ ،‬وتترك ما ُنهيت عنه‪ ،‬وُيحاِربها في الله‪ ،‬لم يمكنه جهاد ُ‬ ‫مَر ْ‬ ‫لتفعل ما أ ِ‬
‫ه جهاد ُ عدوه والنتصاف منه‪ ،‬وعدّوه الذي بين‬ ‫عدوه في الخارج‪ ،‬فكيف ُيمك ِن ُ ُ‬
‫ط عليه‪ ،‬لم ُيجاهده‪ ،‬ولم ُيحاربه في الله‪ ،‬بل ل ُيمكنه‬ ‫جنبيه قاهٌر له‪ ،‬متسل ٌ‬
‫ج إلى عدوه‪ ،‬حتى ُيجاهد نفسه على الخروج·‬ ‫الخرو ُ‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن العبد ُ بجهادهما‪ ،‬وبينهما عدوٌ ثالث‪ ،‬ل يمكنه جهاُدهما‬ ‫ح َ‬ ‫ن قد امت ُ ِ‬ ‫فهذان عدّوا ِ‬
‫ف به‪ ،‬ول‬ ‫ج ُ‬ ‫خذ ّله‪ ،‬وُير ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إل بجهاده‪ ،‬وهو واقف بينهما ي ُث َب ّط العبد َ عن جهادهما‪ ،‬وي ُ َ‬
‫خّيل له ما في جهادهما من المشاق‪ ،‬وترك الحظوظ‪ ،‬وفوت اللذات‪،‬‬ ‫ل يُ َ‬ ‫يزا ُ‬
‫ن إل بجهاده‪ ،‬فكان جهاُده هو‬ ‫َ‬
‫والمشتهيات‪ ،‬ول ُيمكنه أن ُيجاهِد َ ذ َْينك العدوي ْ ِ‬
‫ذوهُ‬ ‫خ ُ‬ ‫م عَد ُوّ َفات ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن لك ْ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الصل لجهادهما‪ ،‬وهو الشيطان؛ قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫عَد ُوّا ً ()فاطر‪ :‬من الية ‪ .(6‬والمر باتخاذه عدًوا تنبيه على استفراغ الوسع‬
‫صر عن محاربة العبد على عدد‬ ‫ه عدو ل يفتر‪،‬ول ُيق ّ‬ ‫في محاربته ومجاهدته‪ ،‬كأن ّ ُ‬
‫النفاس·‬
‫مَر العبد بمحاربتها وجهادها‪ ،‬وقد ُبلي بمحاربتها في هذه‬ ‫فهذه ثلثة أعداء‪ ،‬أ ُ‬
‫ِ‬
‫ة‬
‫ّ ً‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مدد‬ ‫العبد‬ ‫الله‬ ‫فأعطى‬ ‫وابتلء‪،‬‬ ‫له‬ ‫الله‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫امتحان‬ ‫عليه‬ ‫سّلطت‬ ‫الدار‪ ،‬و ُ‬
‫حا‪ ،‬وب َل َ‬ ‫حا لهذا الجهاد‪ ،‬وأعطى أعداءه مدًدا وعُد ّةً وأعواًنا وسل ً‬ ‫وأعواًنا وسل ً ً‬
‫أحد َ الفريقين بالخر‪ ،‬وجعل بعضهم لبعض فتنة ليبل ُوَ أخبارهم‪ ،‬ويمتحن من‬
‫جعَل َْنا‬ ‫يتوله‪ ،‬ويتولى رسله ممن يتولى الشيطان وحزبه؛ كما قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫صيرًا()الفرقان‪ :‬من الية ‪ ، (20‬وقال‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫بعضك ُم ل ِبعض فتن ً َ‬
‫ك بَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫صب ُِرو َ‬ ‫ة أت َ ْ‬ ‫َْ َ ْ َْ ٍ َِْ‬
‫ض()محمد‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ك وَل َوْ ي َ َ‬ ‫تعالى‪) :‬ذ َل ِ َ‬
‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫ن ل ِي َب ْلوَ ب َعْ َ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫صَر ِ‬ ‫ه لن ْت َ َ‬ ‫شاُء الل ُ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫َ‬
‫حّتى ن َعْل َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من الية ‪ ،(4‬وقال تعالى‪) :‬وَلن َب ْلوَن ّك ْ‬
‫م( )محمد‪.(31:‬‬ ‫خَباَرك ُ ْ‬ ‫وَن َب ْل ُوَ أ َ ْ‬
‫ف هذا فالجهاد أربع مراتب‪:‬‬ ‫إذا عُرِ َ‬
‫جهاد النفس ‪ -‬وجهاد الشيطان ‪ -‬وجهاد الكفار ‪ -‬وجهاد المنافقين·‬
‫فجهاد النفس أربع مراتب أيضًا‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬أن يجاهدها على تعّلم الُهدى‪ ،‬ودين الحق الذي ل فلح لها‪ ،‬ول سعادة‬
‫دارين·‬ ‫مه‪ ،‬شقيت في ال ّ‬ ‫عل ُ‬ ‫في معاشها ومعادها إل به‪ ،‬ومتى فاتها ِ‬
‫الثانية‪ :‬أن ُيجاهدها على العمل به بعد علمه‪ ،‬وإل فمجّرد ُ العلم بل عمل إن لم‬
‫ضّرها لم ينفْعها·‬ ‫يَ ُ‬
‫الثالثة‪ :‬أن ُيجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من ل يعلمه‪ ،‬وإل كان من الذين‬
‫جيه من عذاب‬ ‫ه‪ ،‬ول ُين ِ‬ ‫م ُ‬ ‫يكتمون ما أنزل الله من الُهدى والبينات‪ ،‬ول ينفعه عل ُ‬
‫الله·‬
‫الرابعة‪ :‬أن ُيجاهدها على الصبر على مشاقّ الدعوة إلى الله‪ ،‬وأذى الخلق‪،‬‬
‫ن؛‬ ‫مل ذلك كله لله· فإذا استكمل هذه المراتب الربع‪ ،‬صار من الّرّباِنيي َ‬ ‫ويتح ّ‬
‫م ل يستحقّ أن ُيسمى ربانًيا حتى يعرف‬ ‫ن على أن الَعال ِ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫فإن السلف مج ِ‬
‫ً‬
‫م فذاك ُيدعى عظيما في‬ ‫ّ‬
‫ل وعل َ‬ ‫م َ‬‫مه‪ ،‬فمن علم وعَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ق‪ ،‬ويعمل به‪ ،‬وي ُعَل َ‬ ‫الح ّ‬
‫ملكوت السماوات·‬
‫وأما جهاد الشيطان‪ ،‬فمرتبتان‪:‬‬
‫ك القادحة‬ ‫إحداهما‪ :‬جهاُده على دفع ما ُيلقي إلى العبد من الشبهات والشكو ِ‬
‫في اليمان·‬
‫جهادهُ على دفع ما ُيلقي إليه من الرادات الفاسدة والشهوات·‬ ‫الثانية‪ِ :‬‬
‫فالجهاد ُ الول يكون بُعدة اليقين‪ ،‬والثاني يكون ُبعدة الصبر؛ قال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫)وجعل ْنا منه َ‬
‫ن( )السجدة‪:‬‬ ‫كاُنوا ِبآيات َِنا ُيوقُِنو َ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مرَِنا ل َ ّ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي َهْ ُ‬ ‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬ ‫َ َ َ َ ِ ُْ ْ‬
‫‪.(24‬‬
‫فأخبر أن إمامة الدين إنما ُتنال بالصبر واليقين؛ فالصبر يدفع الشهوات‬
‫والرادات الفاسدة‪ ،‬واليقين يدفع الشكوك والشبهات·‬
‫وأما جهاد الكفار والمنافقين ‪ ،‬فأربع مراتب‪:‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص باليد‪ ،‬وجهاد ُ‬ ‫بالقلب‪ ،‬والّلسان‪ ،‬والمال‪ ،‬والنفس‪ ،‬وجهاد ُ الكفار أخ ّ‬


‫ص باللسان·‬ ‫المنافقين أخ ّ‬
‫وأما جهاد أرباب الظلم‪ ،‬والبدع‪ ،‬والمنكرات‪ ،‬فثلث مراتب‪:‬‬
‫جَز جاهد بقلبه‪،‬‬ ‫جَز انتقل إلى اللسان‪ ،‬فإن َ َ‬
‫ع‬ ‫الولى‪ :‬باليد ‪ -‬إذا قَد ََر ‪ -‬فإن عَ َ‬
‫ه‬
‫س ُ‬
‫ف َ‬
‫ث نَ ْ‬ ‫حد ّ ْ‬
‫م يُ َ‬ ‫فهذه ثلثة عشر مرتبة من الجهاد‪ ،‬و )من مات ولم يغُز‪ ،‬وَل َ ْ‬
‫شعب َةٍ من النفاق()‪.(12‬‬ ‫بالغَْزو‪ ،‬مات عََلى ُْ‬
‫ِ َ َ‬
‫جهاد ك ُل َّها‪ ،‬والخلق متفاوتون في‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫مرا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫الله‪،‬‬ ‫عند‬ ‫الخلق‬ ‫وأكم ُ‬
‫ل‬
‫منازلهم عند الله‪ ،‬تفاوتهم في مراتب الجهاد‪ ،‬ولهذا كان أكمل الخلق‬
‫ب الجهاد وجاهد في‬ ‫مل مرات َ‬ ‫ه؛ فإنه ك ّ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م أنبيائه وُر ُ‬ ‫وأكرمهم على الله خات ُ‬
‫ه جهاده ··")‪.(13‬‬ ‫سبيل الله حق َ‬
‫وقال أيضًا‪" :‬ل ريب أن المر بالجهاد المطلق إنما كان بعد الهجرة‪ ،‬فأما جهاد‬
‫ه( أي‪ :‬بالقرآن‬ ‫م بِ ِ‬ ‫جاهِد ْهُ ْ‬
‫ن وَ َ‬
‫ري َ‬ ‫الحجة فأمر به في مكة بقوله‪َ) :‬فل ت ُط ِِع ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫جَهادا ً ك َِبيرًا( )الفرقان‪ (52:‬فهذه سورة مكية والجهاد فيها هو التبليغ")‪.(14‬‬ ‫) ِ‬
‫من هذا الكلم النفيس حول المفهوم العام للجهاد وأنواعه يمكن الخروج‬
‫بالفوائد التالية‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن الجهاد بمفهومه العام يشمل جهاد النفس والشيطان في طاعة‬
‫الله عز وجل وترك معصيته‪ ،‬كما يشمل جهاد الكفار والمنافقين بالحجة‬
‫والبيان‪ ،‬وجهاد أهل البدع والمنكرات باليد أو باللسان أو بالقلب حسب‬
‫الستطاعة‪ ،‬كما يعني جهاد الكفار بالسيف والسنان إما جهاد دفع أو طلب‬
‫وجهاد الكفار بالسيف هو الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذروة‬
‫سنام هذا الدين وهو المراد من الجهاد في سبيل الله عند الطلق·‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الثانية‪ :‬أن جهاد الكفار في المعارك هو قمة الجهاد وكماله‪ ،‬بل هو قمة‬
‫اليمان وهو ثمرة جهاد طويل مع النفس والشيطان وتربية لها على الصبر‬
‫والتضحية وقوة الصلة بالله عز وجل‪ ،‬ول يصبر على جهاد الكفار وينتصر‬
‫عليهم إل أولئك الذين انتصروا على أنفسهم والشيطان في جهادهم لهما‬
‫وكان لهم نصيب من جهاد البيان وقول الحق والصبر على الذى فيه؛ إذ إن‬
‫معركة الجهاد مع الكفار إن هي إل ساعات أو أيام حاسمة لكنها ثمرة‬
‫لمعركة سبقتها مع النفس والشيطان‪ ،‬وجهاد بالعقيدة مع الباطل بفضحه‬
‫وبيان ما يضاده من الحق وقد يستغرق ذلك سنوات أو أجيال‪ ،‬وهذا أمر ل بد‬
‫منه وهو ضرب من ضروب الجهاد وإعداد للجهاد الحاسم مع الكفار·‬
‫مل من الناس في باب الجهاد من قام بمراتب الجهاد كلها‬ ‫الثالثة‪ :‬أن الك ُ ّ‬
‫وأعد نفسه بجميع متطلبات العداد للنتصار على النفس والهوى؛ والذي هو‬
‫ممهد للنتصار على الكفار في ساحات الوغى‪ ،‬وممهد للدخول في ذروة‬
‫سنام هذا الدين‪ ،‬والثبات أمام العداء‪ ،‬والستجابة لداعي الجهاد‪ ،‬والتضحية‬
‫في سبيل الله عز وجل بالمال والنفس عند النداء‪ ،‬لتكون كلمة الله هي‬
‫العليا وليكون الدين كله لله‪ ،‬ولكن ل يسارع إلى ذلك إل من كان له جهاد‬
‫سابق مع نفسه وهواه وكان النصر له عليها·‬
‫وفي ذلك يقول المام ابن القيم رحمه الله تعالى‪ ···" :‬إن جهاد الهوى إن لم‬
‫يكن أعظم من جهاد الكفار فليس بدونه؛ قال رجل للحسن البصري رحمه‬
‫الله تعالى‪ :‬يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟ قال جهادك هواك· وسمعت شيخنا‬
‫يقول‪ :‬جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين؛ فإنه ل يقدر على‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أول ً حتى يخرج إليهم")‪.(15‬‬


‫المقدمة الثانية‬
‫أقسام الجهاد في سبيل الله‬
‫بعد أن تعرفنا على المعنى العام للجهاد ومراتبه نأتي فنتعرف على أقسام‬
‫الجهاد مع الكفار حيث ينقسم إلى قسمين‪ :‬جهاد الدفع‪ ،‬وجهاد الطلب·‬
‫‪ -1‬جهاد الدفع‪ :‬وهو جهاد الصائل والمعتدي ‪ -‬سواًء كان فرًدا أو طائفة ‪-‬‬
‫ومنعه من فتنة المسلمين في دينهم والعتداء على النفس والعراض أو‬
‫الستيلء على بلد المسلمين·‬
‫وهذا القسم من الجهاد فرض عين على كل مسلم مكلف قادر؛ وذلك عندما‬
‫يهاجم الكفار المسلمين في عقر دارهم أو يحصل العتداء من الصائل على‬
‫ما‪،‬‬‫مال المسلم أو عرضه‪ ،‬أو نفسه‪ ،‬وقد يكون الصائل كافًرا أو محارًبا مسل ً‬
‫وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‪) :‬من قتل دون ماله فهو‬
‫شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دمه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دينه فهو شهيد‪ ،‬ومن‬
‫قتل دون حرمته فهو شهيد()‪.(16‬‬
‫وعن مدافعة الصائل يقول شيخ السلم رحمه الله تعالى‪" :‬وهذا الذي تسميه‬
‫الفقهاء "الصائل" وهو الظالم بل تأويل ول ولية‪ ،‬فإذا كان مطلوبه المال جاز‬
‫دفعه بما يمكن‪ ،‬فإذا لم يندفع إل بالقتال قوتل‪ ،‬وإن ترك القتال وأعطاهم‬
‫شيًئا من المال جاز‪ ،‬وأما إذا كان مطلوبه الحرمة ‪ -‬مثل أن يطلب الزنا‬
‫بمحارم النسان أو يطلب من المرأة‪ ،‬أو الصبي المملوك أو غيره الفجور به ‪-‬‬
‫فإنه يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن‪ ،‬ولو بالقتال‪ ،‬ول يجوز التمكين‬
‫منه بحال؛ بخلف المال فإنه يجوز التمكين منه؛ لن بذل المال جائز‪ ،‬وبذل‬
‫الفجور بالنفس أو بالحرمة غير جائز· وأما إذا كان مقصوده قتل النسان‪ ،‬جاز‬
‫له الدفع عن نفسه· وهل يجب عليه؟ على قولين للعلماء في مذهب أحمد‬
‫وغيره· وهذا إذا كان للناس سلطان‪ ،‬فأما إذا كان ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬فتنة‪ ،‬مثل‬
‫أن يختلف سلطانان للمسلمين‪ ،‬ويقتتلن على الملك‪ ،‬فهل يجوز للنسان‪ ،‬إذا‬
‫دخل أحدهما بلد الخر‪ ،‬وجرى السيف‪ ،‬أن يدفع عن نفسه في الفتنة‪ ،‬أو‬
‫يستسلم فل يقاتل فيها؟ على قولين لهل العلم‪ ،‬في مذهب أحمد وغيره")‬
‫‪.(17‬‬
‫وقد عد شيخ السلم مدافعة الصائلين ومقاتلة المحاربين من المسلمين من‬
‫أنواع الجهاد في سبيل الله عز وجل وذلك بقوله‪" :‬ل يحل للسلطان أن يأخذ‬
‫من أرباب الموال جعل ً على طلب المحاربين وإقامة الحد‪ ،‬وارتجاع أموال‬
‫الناس منهم‪ ،‬ول على طلب السارقين ل لنفسه ول للجند الذين يرسلهم في‬
‫طلبهم‪ ،‬بل طلب هؤلء من نوع الجهاد في سبيل الله فيخرج فيه جند‬
‫المسلمين كما يخرج في غيره من الغزوات التي تسمى )البيكار( وينفق على‬
‫المجاهدين في هذا من المال الذي ينفق منه على سائر الغزوات")‪.(18‬‬
‫ويفصل المام ابن القيم رحمه الله تعالى أقسام الجهاد فيقول‪" :‬فمن‬
‫المعلوم أن المجاهد قد يقصد دفع العدو إذا كان المجاهد مطلوبا ً والعدو‬
‫طالًبا‪ ،‬وقد يقصد الظفر بالعدو ابتداء إذا كان طالبا ً والعدو مطلوًبا‪ ،‬وقد يقصد‬
‫كل المرين‪ ،‬والقسام ثلثة يؤمر المؤمن فيها بالجهاد·‬
‫دفع أصعب من جهاد الطلب؛ فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل‪،‬‬ ‫وجهاد ال ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذي َ‬‫ن ل ِل ِ‬
‫ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه ‪ -‬كما قال الله تعالى‪) :‬أذِ َ‬
‫َ‬
‫م ظ ُل ِ ُ‬
‫موا()الحج‪ :‬من الية ‪.(39‬‬ ‫قات َُلو َ‬
‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫يُ َ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬من قُِتل دون ماله؛ فهو شهيد‪ ،‬ومن قُِتل‬
‫دون دمه؛ فهو شهيد()‪ - (19‬لن دفع الصائل على الدين جهاد وقربة‪ ،‬ودفع‬
‫ح ورخصة؛ فإن قتل فيه فهو شهيد·‬ ‫الصائل على المال والنفس مبا ٌ‬
‫م وجوًبا‪ ،‬ولهذا يتعّين على كل أحد أن‬ ‫ّ‬ ‫وأع‬ ‫الطلب‬ ‫فقتال الدفع أوسع من قتال‬
‫يقوم ويجاهد فيه‪ :‬العبد بإذن سيده وبدون إذنه‪ ،‬والولد بدون إذن أبويه‪،‬‬
‫والغريم بغير إذن غريمه؛ وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق·‬
‫ول يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما‬
‫دون؛ فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين‪ ،‬فكان الجهاد واجًبا‬
‫عليهم؛ لنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع‪ ،‬ل جهاد اختيار‪ ،‬ولهذا ُتباح فيه صلة‬
‫الخوف بحسب الحال في هذا النوع‪ ،‬وهل ُتباح في جهاد الطلب إذا خاف‬
‫فوت العدو ولم يخف كّرته؟ فيه قولن للعلماء هما روايتان عن المام أحمد·‬
‫ومعلوم أن الجهاد الذي يكون فيه النسان طالًبا مطلوًبا أوجب من هذا‬
‫الجهاد الذي هو فيه طالب ل مطلوب‪ ،‬والنفوس فيه أرغب من الوجهين·‬
‫جلين‪ :‬إما عظيم اليمان‬ ‫وأما جهاد الطلب الخالص؛ فل يرغب فيه إل أحد َر ُ‬
‫ب في‬ ‫يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا‪ ،‬ويكون الدين كّله لله‪ ،‬وإما راغ ٌ‬
‫المغنم والسبي·‬
‫فجهاد الدفع يقصده كل أحد‪ ،‬ول يرغب عنه إل الجبان المذموم شرعا ً وعق ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين‪ ،‬وأما الجهاد الذي يكون‬
‫فيه طالبا ً مطلوبًا؛ فهذا يقصده خيار الناس؛ لعلء كلمة الله ودينه‪ ،‬ويقصده‬
‫فر")‪.(20‬‬ ‫أوساطهم للدفع ولمحبة الظ ّ َ‬
‫وقد جعل أهل العلم جهاد الدفع فرض عين على كل مسلم ذكر مكلف حتى‬
‫يندفع العدو عن ديار المسلمين·‬
‫المقدمة الثالثة‬
‫غاية الجهاد في سبيل الله تعالى‬
‫الجهاد في سبيل الله تعالى عبادة من العبادات العظيمة التي يتعبد لله تعالى‬
‫قا يعد من لوازم القيام بشعيرة المر بالمعروف‬ ‫بها‪ ،‬وهو كما ذكرت ساب ً‬
‫والنهي عن المنكر وإبلغ التوحيد للناس وإزالة ما يضاده من الشرك·‬
‫فما أعظمه وأشرفه من عبادة؛ حيث ل ينحصر نفعها على القائم بها ولكنها‬
‫تتعداه إلى الناس بهدايتهم إلى الخير والسعادة في الدنيا والخرة وإنقاذهم‬
‫بإذنه تعالى من الشر والشقاء في الدنيا والخرة·‬
‫ويمكننا حصر الغاية من الدعوة والجهاد في الهداف التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬التعّبد لله عز وجل بهذه الشعيرة العظيمة؛ شعيرة الجهاد في سبيل الله‬
‫تعالى؛ فشعور المجاهد أنه عبد لله عز وجل يحب ربه سبحانه‪ ،‬ويحب ما‬
‫يحبه من الجهاد في سبيله‪ ،‬ويبغض ما يبغضه من الشرك والفساد‪ ،‬ويبغض‬
‫من يبغضهم الله من أعدائه الكفرة‪ ،‬ويجاهدهم حتى تكون كلمة الله هي‬
‫العليا وكلمة الذين كفروا السفلى· إن هذا الشعور لمن أعظم الدوافع إلى‬
‫بذل الجهد والجهاد في سبيل الله تعالى· ولو لم يحصل الداعية في دعوته‬
‫وجهاده إل على شعوره بالعبودية لله عز وجل والتلذذ بذلك لكفى بذلك دافًعا‬
‫وغاية عظيمة)‪.(21‬‬
‫كما أن في مصاحبة شعور العبادة لله تعالى في جميع تحركات المجاهد أكبر‬
‫الثر في التربية على الخلص وتحري الحق والصواب واللذان هما شرطا‬
‫قبول العبادة‪ ،‬وعلى العكس من ذلك عندما ينسى أو يغفل المجاهد أنه متعبد‬
‫لله تعالى بدعوته وجهاده‪ ،‬فإنه بذلك يضعف إخلصه وتبدأ حظوظ النفس‬
‫والهوى يسيطران على القلب‪ ،‬مما ينتج عنه في نهاية المر فتور المجاهد أو‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مزلة قدمه عياًذا بالله تعالى·‬


‫وإن بذل النفس والمال في سبيل الله عز وجل ليعد من أكبر العلمات على‬
‫محبة الله تعالى ودينه‪ ،‬وعلى العكس من ذلك فيما لو تقاعس المسلم عن‬
‫الجهاد في سبيل الله تعالى وبخل بماله أو نفسه عندما يوجد داعي الجهاد؛‬
‫فإن هذا دليل على ضعف المحبة لله تعالى ولدينه·‬
‫وفي ذلك يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى‪" :‬فمن كان محًبا لله‬
‫لزم أن يتبع الرسول فيصدقه فيما أخبر‪ ،‬ويطيعه فيما أمر‪ ،‬ويتأسى به فيما‬
‫فعل‪ ،‬ومن فعل هذا فقد فعل ما يحبه الله‪ ،‬فيحبه الله· فجعل الله لهل‬
‫محبته علمتين‪ :‬اتباع الرسول‪ ،‬والجهاد في سبيله؛ وذلك لن الجهاد حقيقته‬
‫الجتهاد في حصول ما يحبه الله من اليمان والعمل الصالح؛ ومن دفع ما‬
‫ن‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان وقد قال تعالى‪) :‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ()التوبة‪ :‬من الية ‪.(24‬‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬
‫م وَعَ ِ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬‫َ‬ ‫خ‬ ‫م وَأب َْناؤُك ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫آَباؤُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه( فتوعد من كان أهله وماله أحب إليه من‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ه ب ِأ ْ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫إلى قوله‪َ ) :‬‬
‫الله ورسوله والجهاد في سبيله بهذا الوعيد ··· والجهاد هو بذل الوسع ‪ -‬وهو‬
‫القدرة ‪ -‬في حصول محبوب الحق ودفع ما يكرهه الحق‪ ،‬فإذا ترك العبد ما‬
‫يقدر عليه من الجهاد كان دليل ً على ضعف محبة الله ورسوله في قلبه·‬
‫ومعلوم أن المحبوبات ل تنال غالًبا إل باحتمال المكروهات‪ ،‬سواء كان محبة‬
‫صالحة أو فاسدة؛ فالمحبون للمال والرئاسة والصور ل ينالون مطالبهم إل‬
‫بضرر يلحقهم في الدنيا مع ما يصيبهم من الضرر في الدنيا والخرة لله)‪.(22‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وقال في موطن آخر‪ " :‬والنصوص في فضائل الجهاد وأهله كثيرة‪ ،‬وقد ثبت‬
‫أنه أفضل ما تطوع به العبد· والجهاد دليل المحبة الكاملة ··· فإن المحبة‬
‫مستلزمة للجهاد؛ لن المحب يحب ما يحب محبوبه‪ ،‬ويبغض ما يبغض‬
‫محبوبه‪ ،‬ويوالي من يواليه‪ ،‬ويعادي من يعاديه‪ ،‬ويرضى لرضاه ويغضب‬
‫لغضبه‪ ،‬ويأمر بما يأمر به وينهى عما ينهى عنه‪ ،‬فهو موافق له في ذلك‪،‬‬
‫وهؤلء هم الذين يرضى الرب لرضاهم ويغضب لغضبهم؛ إذ هم إنما يرضون‬
‫لرضاه ويغضبون لما يغضب له")‪.(23‬‬
‫‪ -2‬الفوز برضوان الله تعالى وجنته في الدار الخرة؛ وهذا هو ثمرة التعّبد لله‬
‫عز وجل السابق ذكرها‪ ،‬وهي الغاية العظمى التي وعد الله عز وجل بها‬
‫عباده المرين بالمعروف والناهين عن المنكر‪ ،‬والمجاهدين في سبيله على‬
‫بصيرة· ولقد تكاثرت اليات في كتاب الله عز وجل التي تمدح المجاهدين‬
‫في سبيله سبحانه والصابرين على ما أصابهم في سبيله وما ُأعد لهم في‬
‫الدار الخرة من الرضوان والنعيم المقيم· وعندما ين ْ َ‬
‫شد ّ الداعية إلى هذه‬
‫الغاية وتنجذب نفسه إليها فإنه يستسهل الصعاب ويمضي في طريقه بقوة‬
‫وعزيمة وثبات‪ ،‬كما أنه عندما يتعلق بهذه الغاية العظيمة ول ينساها‪ ،‬فإنه‬
‫بذلك ل يلتفت إلى أعراض الدنيا الزائلة ول ينتظر جزاء عمله ودعوته وجهاده‬
‫في الدنيا‪ ،‬وإنما يروض نفسه ويربيها على أن تعطي من صبرها وجهدها‬
‫وجهادها‪ ،‬ول تأخذ منه شيًئا في الدنيا‪ ،‬وإنما تنتظر العطاء والثواب في الدار‬
‫الخرة من ربها الكريم في دار النعيم المقيم· ولذلك فإن أصحاب هذه‬
‫النفوس المخلصة ل يتطرق إليهم الوهن ول الفتور الذي يتعرض له أصحاب‬
‫الغراض الدنيوية القريبة‪ ،‬الذين إن حصلوا على أهدافهم في الدنيا رضوا‬
‫وواصلوا العطاء‪ ،‬وإن تأخرت عليهم فتروا وكلوا وتوقفوا·‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما أصحاب الغاية العظيمة فهم ل يفترون ول يتوقفون‪ ،‬لن وقت ومكان‬
‫توفية الجر ليس مجاله الدنيا وإنما في الخرة ‪ -‬دار الحساب والجزاء ‪-‬‬
‫ولذلك فهم يعملون ويجاهدون حتى يأتيهم اليقين·‬
‫‪ -3‬تعبيد الناس لرب العالمين عز وجل‪ ،‬وإنقاذهم ‪ -‬بإذنه تعالى ‪ -‬من‬
‫الظلمات إلى النور‪ ،‬وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬ومن جور الديان والمذاهب إلى عدل السلم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا‬
‫وشقائها إلى سعتها وسعادتها‪ ،‬ومن عذاب النار يوم القيامة إلى جنات النعيم·‬
‫وهذا ل يتأتى إل بإزالة الشرك وأربابه الذين يحولون بين الناس وبين أن يصل‬
‫التوحيد إلى قلوبهم‪ ،‬ومن أجل ذلك شرع الجهاد لزالة هذه الحواجز والعوائق‬
‫التي تعترض طريق الحق وتمنعه من الوصول إلى قلوب الناس؛ وذلك حتى‬
‫ن‬‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬‫م َ‬ ‫ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله؛ قال الله تعالى‪) :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫صيٌر( )النفال‪:‬‬ ‫ن بَ ِ‬‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫وا فَإ ِ ّ‬ ‫ه ل ِل ّهِ فَإ ِ ِ‬
‫ن ان ْت َهَ ْ‬ ‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ة وَي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫فِت ْن َ ٌ‬
‫‪.(39‬‬
‫وعندما يتذكر المجاهد هذه المهمة الجسيمة وهذا الهدف الساس من دعوته‬
‫وجهاده‪ ،‬فإنه يضاعف من جهده ول يقر له قرار وهو يرى الشرك المستشري‬
‫في الناس والفساد المستطير والظلم العظيم في حياتهم والذي يؤول بهم‬
‫إلى الشقاء والعنت وكثرة المصائب في الدنيا وإلى العذاب الليم في الخرة·‬
‫فا على نفسه‬ ‫ولذلك فل ترى المجاهد المدرك لهذه الغاية من جهاده إل خائ ً‬
‫حا‬
‫وعلى الناس من عذاب الله عز وجل في الدنيا والخرة‪ ،‬ول تراه إل ناص ً‬
‫ما بهم يريد من دعوته وجهاده هداية الناس وإنقاذهم بإذن الله‬ ‫للعباد رحي ً‬
‫تعالى من الظلمات إلى النور ومن عذاب الله عز وجل في الدنيا والخرة·‬
‫ولذلك فإن الجهاد في السلم إنما شرع رحمة بالناس‪ ،‬ولو كان فيه ما فيه‬
‫من المشقة وبذل الرواح والجراحات؛ فإن هذه المشقات والمكاره ل‬
‫تساوي شيًئا في مقابلة ما يترتب على الجهاد من المصالح العظيمة وذلك‬
‫من نشر التوحيد وتعبيد الناس لربهم سبحانه‪ ،‬وإزالة الفتنة والشرك والظلم‬
‫عنهم·‬
‫وبعد هذا التفصيل في غايات الجهاد يمكن القول بأنها كلها ترجع إلى غاية في‬
‫الدنيا‪ ،‬وغاية في الخرة·‬
‫فأما غاية الجهاد في الدنيا‪:‬‬
‫فهي نشر التوحيد وتعبيد الناس لربهم سبحانه‪ ،‬ورفع الفتنة والشرك عنهم؛‬
‫وذلك لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله وحده·‬
‫وأما الغاية من الجهاد في الخرة‪:‬‬
‫فهي الفوز بمرضاة الله عز وجل وجنته‪ ،‬والنجاة من سخطه وعذابه·‬
‫والغاية من الجهاد في الدنيا إن هي في الحقيقة إل وسيلة عظيمة لتحقيق‬
‫الغاية العظمى في الخرة؛ فعاد المر إلى غاية الغايات وهي رضوان الله‬
‫وجنته·‬
‫ويوضح شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى مقصود الجهاد وغايته فيقول‪:‬‬
‫"والجهاد مقصوده أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله؛‬
‫ظه‪ ،‬ولهذا كان ما يصاب به‬ ‫فمقصوده إقامة دين الله ل استيفاء الرجل ح ّ‬
‫المجاهد في نفسه وماله أجره فيه على الله؛ فإن الله اشترى من المؤمنين‬
‫أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة")‪.(24‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسواء كان الجهاد جهاد دفع أو جهاد طلب فإن المقصود من الجهادين واحد؛‬
‫فهو في جهاد الدفع لرفع الفتنة عن المسلمين المعتدى عليهم في ديارهم؛‬
‫ضا للمسلمين للفتنة في‬ ‫لن في استيلء الكفار على ديار المسلمين تعري ً‬
‫دينهم وأعراضهم وأموالهم‪ ،‬وفيه علو لكلمة الكفر على كلمة التوحيد· إًذا‬
‫فجهاد الدفع شرع حتى ل تكون فتنة على المسلمين فيكفروا بتسلط الكفار‬
‫عليهم‪ ،‬وحتى ل تعلو شعائر الكفر في بلد كان يرفع فيه شعار التوحيد·‬
‫وأما جهاد الطلب فالمر فيه واضح وجلي؛ حيث إن مقصود المسلمين في‬
‫طلبهم للكفار وفتح ديارهم إنما هو لرفع الفتنة ‪ -‬وهي الشرك ‪ -‬عن الناس‬
‫في بلدانهم وليكون الدين فيها لله عز وجل وليس للكافرين والمشركين‬
‫والطواغيت الذين يستعبدون الناس ويظلمونهم ويدعونهم إلى عذاب النار·‬
‫شبهة وجوابها ‪:‬‬
‫يثير بعض المهزومين روحًيا وعقلًيا من أبناء المسلمين ‪ -‬وتحت ضغط الواقع‬
‫اليائس وتحت الهجوم الستشراقي الماكر ‪ -‬قولهم بأن الجهاد في السلم‬
‫إنما شرع للدفاع عن النفس والوطان وليس لكراه الناس على الدخول فيه‬
‫بالسيف والستيلء على ديار غير المسلمين بالقوة· ولقد ظهرت هذه الشبهة‬
‫بشكل جلي في السنوات الخيرة وبالخص في هذه اليام بعد الحملة‬
‫الصليبية واليهودية على ديار المسلمين بحجة ما يسمى مكافحة الرهاب‪ ،‬مما‬
‫دفع بعض المهزومين من أبناء المسلمين بل ‪ -‬ويا للسف ‪ -‬من بعض دعاتهم‬
‫إلى أن يركزوا على أن السلم دين سماحة وسلم ومحبة للناس‪ ،‬وليس دين‬
‫إرهاب ول قتال ول غلظة على الكفار‪ ،‬وصاروا يكررون اليات والحاديث التي‬
‫حا عن النصوص التي فيها‬ ‫فيها ذكر الصفح والسماحة والسلم‪ ،‬ويضربون صف ً‬
‫جهاد الكفار والغلظ عليهم حتى يكون الدين كله لله‪ ،‬وحتى يسلم الكفار أو‬
‫يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون·‬
‫وللرد على هذه الشبهة أورد جوابين‪ :‬أحدهما مجمل والخر مفصل‪:‬‬
‫أما المجمل ‪:‬‬
‫فهو القول بأن دوافع الجهاد في السلم تختلف عن تلك الدوافع التي تنشأ‬
‫عنها الحروب من أجل الملك فحسب؛ فالجهاد في السلم إنما شرع لتكون‬
‫كلمة الله هي العليا وليكون الدين كله لله في جميع المعمورة‪ ،‬فمتى كان‬
‫في المسلمين قوة وجب عليهم أن ينشروا هداية الله عز وجل في العالم‪،‬‬
‫ول يتركوا مكاًنا تعلو فيه كلمة الكفر إل فتحوه وأعلو كلمة التوحيد فيه· فإن‬
‫لم يكن بهم قوة فل أقل من أن يدافعوا عن بلدهم التي تحت أيديهم حتى ل‬
‫يعلوا فيها الكفر ويفتن الناس في دينهم‪ ،‬مع إعدادهم لجهاد الفتح والطلب·‬
‫وبناء على هذه الغاية الشريفة للجهاد تسقط كل بنود هيئة المم المتحدة‬
‫الكافرة‪ ،‬وما يسمى بإعلن حقوق النسان التي تدعو إلى احترام حدود الغير‪،‬‬
‫والسلم الدائم‪ ،‬والتعايش بين أصحاب الملل‪ ،‬وإلى حرية العتقاد لجميع‬
‫الفراد·‬
‫وأما الجواب المفصل ‪:‬‬
‫فيكفينا فيه ما سطرته يد الداعية المجاهد سيد قطب رحمه الله تعالى في‬
‫ظلل القرآن الكريم؛ حيث لم أعثر حسب اطلعي القاصر على من تكلم في‬
‫هذا الموضوع المهم بكل عزة وصراحة كما تكلم هذا الرجل عليه رحمة الله·‬
‫وفيما يلي مقتطفات متفرقة من رده الحاسم على هؤلء المهزومين‪ :‬يقول‬
‫رحمه الله تعالى‪" :‬إن الذين يلجأون إلى تلمس أسباب دفاعية بحتة لحركة‬
‫المد السلمي إنما يؤخذون بحركة الهجوم الستشرافية في وقت لم تعد‬
‫للمسلمين شوكة ··· فيبحثون عن مبررات أدبية للجهاد في السلم· والمد‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي ليس في حاجة إلى مبررات أدبيه له أكثر من المبررات التى‬


‫ف‬‫سل َ‬‫َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫ن ي َن ْت َُهوا ي ُغْ َ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ل ل ِل ّ ِ‬‫حملتها النصوص القرآنية )قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كو َ‬‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن وََقات ُِلوهُ ْ‬‫ت اْلوِّلي َ‬ ‫سن ّ ُ‬‫ت ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬‫قد ْ َ‬ ‫ن ي َُعوُدوا فَ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن الل َّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫موا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫وا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫و‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ر‬‫صي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫ن‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ ِ ٌ َِ ْ َ َ ْ‬ ‫َ ِ َ َْ َ‬ ‫ُ ِ ِ ِ ِ ََْ ْ ِ ّ‬ ‫دي ُ‬
‫ال ّ‬
‫صيُر( )النفال‪.(40-38:‬‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫موَْلى وَن ِعْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫إنها مبررات تقرير ألوهية الله في الرض‪ ،‬وتحقيق منهجه في حياة الناس‪،‬‬
‫ومطاردة الشياطين ومناهج الشياطين‪ ،‬وتحطيم سلطان البشر الذي يتعبد‬
‫الناس‪ ،‬والناس عبيد لله وحده‪ ،‬ل يجوز أن يحكمهم أحد من عباده بسلطان‬
‫من عند نفسه وبشريعة من هواه ورأيه! وهذا يكفي ·· مع تقرير مبدأ‪" :‬ل‬
‫إكراه في الدين" ·· أي ل إكراه على اعتناق العقيدة بعد الخروج من سلطان‬
‫العبيد والقرار بمبدأ أن السلطان كله لله‪ ،‬أو أن الدين كله لله بهذا العتبار·‬
‫إنها مبررات التحرير العام للنسان في الرض‪ ،‬بإخراج الناس من العبودية‬
‫للعباد إلى العبودية لله وحده بل شريك ·· وهذه وحدها تكفي ·· ولقد كانت‬
‫هذه المبررات ماثلة في نفوس الغزاة من المسلمين؛ فلم ُيسأل أحد منهم‬
‫عما أخرجه للجهاد فيقول‪ :‬خرجنا ندافع عن وطننا المهدد! أو خرجنا نصد‬
‫عدوان الفرس أو الروم علينا نحن المسلمين! أو خرجنا نوسع رقعتنا‬
‫ونستكثر من الغنيمة!‬

‫)‪(7 /‬‬

‫لقد كانوا يقولون كما قال ربعي بن عامر‪ ،‬وحذيفة بن محصن‪ ،‬والمغيرة بن‬
‫شعبة‪- ،‬رضي الله عنهم ‪ -‬جميًعا لرستم قائد جيش الفرس في القادسية‪،‬‬
‫دا بعد واحد في ثلثة أيام متوالية‪ ،‬قبل المعركة‪ :‬ما الذي جاء‬ ‫وهو يسألهم واح ً‬
‫بكم؟ فيكون الجواب‪ :‬الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة‬
‫الله وحده‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعتها‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل السلم ··‬
‫فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه‪ ،‬فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه‪ ،‬وتركناه‬
‫وأرضه· ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر ····‬
‫قا إنه لم يكن بد لهذا الدين أن يدافع المهاجمين له؛ لن مجرد وجوده‪ ،‬في‬ ‫ح ً‬
‫صورة إعلن عام لربوبية الله للعالمين‪ ،‬وتحرير النسان من العبودية لغير‬
‫الله‪ ،‬وتمثل هذا الوجود في تجمع تنظيمي حركي تحت قيادة جديدة غير‬
‫قيادات الجاهلية‪ ،‬وميلد مجتمع مستقل متميز ل يعترف لحد من البشر‬
‫بالحاكمية؛ لن الحاكمية فيه لله وحده ·· إن مجرد وجود هذا الدين في هذه‬
‫الصورة ل بد أن يدفع المجتمعات الجاهلية من حوله‪ ،‬القائمة على قاعدة‬
‫عا عن وجودها ذاته· ول بد أن يتحرك‬ ‫العبودية للعباد‪ ،‬أن تحاول سحقه‪ ،‬دفا ً‬
‫المجتمع الجديد للدفع عن نفسه·‬
‫هذه ملبسة ل بد منها؛ تولد مع ميلد السلم ذاته‪ ،‬وهذه معركة مفروضة‬
‫ضا‪ ،‬ول خيار له في خوضها‪ ،‬وهذا صراع طبيعي بين وجودين‬ ‫على السلم فر ً‬
‫ل يمكن التعايش بينهما طوي ً‬
‫ل·‬
‫هذا كله حق ·· ووفق هذه النظرة يكون ل بد للسلم أن يدافع عن وجوده‪،‬‬
‫ضا··‬
‫ول بد أن يخوض معركة دفاعية مفروضة عليه فر ً‬
‫ولكن هناك حقيقة أخرى أشد أصالة من هذه الحقيقة ·· إن من طبيعة‬
‫الوجود السلمي ذاته أن يتحرك إلى المام ابتداء؛ لنقاذ "النسان" في‬
‫"الرض" من العبودية لغير الله· ول يمكن أن يقف عند حدود جغرافية‪ ،‬ول أن‬
‫كا "النسان" ·· نوع النسان ·· في "الرض"‬ ‫ينزوي داخل حدود عنصرية؛ تار ً‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫·· كل الرض ·· للشر والفساد والعبودية لغير الله·‬


‫إن المعسكرات المعادية للسلم قد يجيء عليها زمان تؤثر فيه أل تهاجم‬
‫السلم إذا تركها السلم تزاول عبودية البشر للبشر داخل حدودها القليمية‪،‬‬
‫ورضي أن يدعها وشأنها ولم يمد إليها دعوته وإعلنه التحريري العام! ··‬
‫ولكن السلم ل يهادنها‪ ،‬إل أن تعلن استسلمها لسلطانه في صورة أداء‬
‫الجزية‪ ،‬ضماًنا لفتح أبوابها لدعوته بل عوائق مادية من السلطات القائمة‬
‫فيها·‬
‫هذه طبيعة هذا الدين‪ ،‬وهذه وظيفته بحكم أنه إعلن عام لربوبية الله‬
‫للعالمين‪ ،‬وتحرير النسان من كل عبودية لغير الله في الناس أجمعين!‬
‫وفرق بين تصور السلم على هذه الطبيعة‪ ،‬وتصوره قابًعا داخل حدود‬
‫إقليمية أو عنصرية‪ ،‬ل يحركه إل خوف العتداء! إنه في هذه الصورة الخيرة‬
‫يفقد مبرراته الذاتية في النطلق!‬
‫إن مبررات النطلق السلمي تبرز بوضوح وعمق عند تذكر أن هذا الدين هو‬
‫منهج الله للحياة البشرية‪ ،‬وليس منهج إنسان‪ ،‬ول مذهب شيعة من الناس‪،‬‬
‫ول نظام جنس من أجناس!·· ونحن ل نبحث عن مبررات خارجية إل حين‬
‫تفتر في حسنا هذه الحقيقة الهائلة ·· حين ننسى أن القضية هي قضية‬
‫ألوهية الله وعبودية العباد ·· إنه ل يمكن أن يستحضر إنسان ما هذه الحقيقة‬
‫الهائلة ثم يبحث عن مبرر آخر للجهاد السلمي! ·· والسلم ليس مجرد‬
‫عقيدة حتى يقنع بإبلغ عقيدته للناس بوسيلة البيان· إّنما هو منهج يتمثل في‬
‫تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس· والتجمعات الخرى ل تمكنه‬
‫من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو‪ ،‬ومن ثم يتحتم على السلم أن يزيل‬
‫هذه النظمة بوصفها معوقات للتحرير العام· وهذا ‪ -‬كما قلنا من قبل ‪ -‬معنى‬
‫أن يكون الدين كله لله؛ فل تكون هناك دينونة ول طاعة لعبد من العباد لذاته‪،‬‬
‫كما هو الشأن في سائر النظمة التي تقوم على عبودية العباد للعباد!‬
‫إن الباحثين السلميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر‪،‬‬
‫وتحت الهجوم الستشراقي الماكر‪ ،‬يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة لن‬
‫المستشرقين صوروا السلم حركة قهر بالسيف للكراه على العقيدة·‬
‫دا أن هذه ليست هي الحقيقة‪ ،‬ولكنهم‬ ‫والمستشرقون الخبثاء يعرفون جي ً‬
‫يشوهون بواعث الجهاد السلمي بهذه الطريقة ·· ومن ثم يقوم المنافحون ‪-‬‬
‫المهزومون ‪ -‬عن سمعة السلم‪ ،‬بنفي هذا التهام! فيلجأون إلى تلمس‬
‫المبررات الدفاعية! ويغفلون عن طبيعة السلم ووظيفته‪ ،‬وحقه في "تحرير‬
‫النسان" ابتداء·‬
‫وقد غشي على أفكار الباحثين العصريين ‪ -‬المهزومين ‪ -‬ذلك التصور الغربي‬
‫لطبيعة "الدين" ·· وأنه مجرد "عقيدة" في الضمير؛ ل شأن لها بالنظمة‬
‫الواقعية للحياة ·· ومن ثم يكون الجهاد للدين‪ ،‬جهاًدا لفرض العقيدة على‬
‫الضمير!‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ولكن المر ليس كذلك في السلم؛ فالسلم منهج الله للحياة البشرية· وهو‬
‫منهج يقوم على إفراد الله وحده باللوهية ‪ -‬متمثلة في الحاكمية ‪ -‬وينظم‬
‫الحياة الواقعية بكل تفصيلتها اليومية! فالجهاد له جهاد ٌ لتقرير المنهج وإقامة‬
‫النظام· أما العقيدة فأمرها موكول إلى حرية القتناع‪ ،‬في ظل النظام العام‪،‬‬
‫بعد رفع جميع المؤثرات ·· ومن ثم يختلف المر من أساسه‪ ،‬وتصبح له‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صورة جديدة كاملة·‬


‫وحيثما وجد التجمع السلمي‪ ،‬الذي يتمثل فيه المنهج اللهي‪ ،‬فإن الله يمنحه‬
‫حق الحركة والنطلق لتسلم السلطان وتقرير النظام‪ ،‬مع ترك مسألة‬
‫العقيدة الوجدانية لحرية الوجدان ·· فإذا كف الله أيدي الجماعة المسلمة‬
‫فترة عن الجهاد‪ ،‬فهذه مسألة خطة ل مسألة مبدأ‪ ،‬مسألة مقتضيات حركة ل‬
‫مسألة مقررات عقيدة· وعلى هذا الساس الواضح يمكن أن نفهم النصوص‬
‫القرآنية المتعددة في المراحل التاريخية المتجددة‪ ،‬ول نخلط بين دللتها‬
‫المرحلية‪ ،‬والدللة العامة لخط الحركة السلمية الطويلة")‪.(25‬‬
‫ويقول في موطن آخر‪" :‬والمهزومون روحًيا وعقلًيا ممن يكتبون عن "الجهاد‬
‫في السلم"ليدفعوا عن السلم هذا "التهام!" ·· يخلطون بين منهج هذا‬
‫الدين في النص على استنكار الكراه على العقيدة‪ ،‬وبين منهجه في تحطيم‬
‫القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه‪ ،‬والتي تعبد الناس‬
‫للناس وتمنعهم من العبودية لله ·· وهما أمران ل علقة بينهما ول مجال‬
‫لللتباس فيهما ·· ومن أجل هذا التخليط ‪ -‬وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة! ‪-‬‬
‫يحاولون أن يحصروا الجهاد في السلم فيما يسمونه اليوم‪" :‬الحرب‬
‫الدفاعية" ·· والجهاد في السلم أمر آخر ل علقة له بحروب الناس اليوم‪،‬‬
‫ول بواعثها‪ ،‬ول تكييفها كذلك ·· إن بواعث الجهاد في السلم ينبغي تلمسها‬
‫في طبيعة "السلم" ذاته‪ ،‬ودوره في هذه الرض‪ ،‬وأهدافه العليا التي قررها‬
‫الله؛ وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة‪ ،‬وجعله خاتم‬
‫النبيين‪ ،‬وجعلها خاتمة الرسالت ··‬
‫إن هذا الدين إعلن عام لتحرير "النسان" في "الرض" من العبودية للعباد ‪-‬‬
‫ومن العبودية لهواه أيضا ً وهي من العبودية للعباد ‪ -‬وذلك بإعلن ألوهية الله‬
‫وحده ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وربوبيته للعالمين ·· إن إعلن ربوبية الله وحده للعالمين‬
‫معناها‪ :‬الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها‬
‫وأوضاعها‪ ،‬والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الرض الحكم فيه للبشر‬
‫بصورة من الصور ·· أو بتعبير آخر مرادف‪ :‬اللوهية فيه للبشر في صورة من‬
‫الصور ·· ذلك أن الحكم الذي مرد المر فيه إلى البشر‪ ،‬ومصدر السلطات‬
‫فيه هم البشر‪ ،‬هو تأليه للبشر‪ ،‬يجعل بعضهم لبعض أرباًبا من دون الله ··‬
‫ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قد أمنوا عدوان الروم‬
‫والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد السلمي إلى‬
‫أطراف الرض؟ وكيف كانوا يدفعون هذا المد‪ ،‬وأمام الدعوة تلك العقبات‬
‫المادية من‪ :‬أنظمة الدول السياسية‪ ،‬وأنظمة المجتمع العنصرية والطبقية‪،‬‬
‫والقتصادية الناشئة من العتبارات العنصرية والطبقية‪ ،‬والتي تحميها القوة‬
‫المادية للدولة كذلك؟!‬
‫‪ -2‬جهاد الطلب‪ :‬وهو طلب العدو الكافر والظفر به وبأرضه حتى تخضع البلد‬
‫والعباد للسلم‪ ،‬ويقضى على الشرك‪ ،‬ويكون الدين كله لله وتكون كلمة الله‬
‫هي العليا·‬
‫وهو الذي قال عنه ابن القيم في الفقرة السابقة‪" :‬وجهاد الطلب الخالص لله‬
‫يقصده سادات المؤمنين"·‬
‫بينما قال عن جهاد الدفع‪" :‬فجهاد الدفع يقصده كل أحد‪ ،‬ول يرغب عنه إل‬
‫عا وعق ً‬
‫ل(·‬ ‫الجبان المذموم شر ً‬
‫ن‬
‫دي ُ‬‫ن ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ة وَي َكو َ‬
‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫حّتى ل ت َكو َ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال الله تعالى عن جهاد الطلب‪) :‬وَقات ِلوهُ ْ‬
‫ه( )النفال‪ :‬من الية ‪.(39‬‬ ‫ه ل ِل ّ ِ‬
‫ك ُل ّ ُ‬
‫وعند القدرة على جهاد الطلب فإنه يكون على الكفاية إل إذا استنفر المام‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جميع المسلمين للجهاد فل يسوغ لحد أن يتخلف‪ ،‬بل يصبح الجهاد عيًنا على‬
‫كل مسلم·‬
‫ول يعني كون جهاد الطلب كفائًيا أن يزهد المسلم فيه ويفرط في أن يكون‬
‫من أهله؛ فإنه من شأن أولياء الله المتقين· ويكفي في فضل أهله وعلو‬
‫ن غَي ُْر‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫قا ِ‬‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫منزلتهم على القاعدين قوله تعالى‪) :‬ل ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫م فَ ّ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ضَررِ َوال ْ ُ‬ ‫أوِلي ال ّ‬
‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سَنى‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ة وَك ُّل ً وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫ج ً‬‫ن د ََر َ‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬
‫قا ِ‬‫م عََلى ال ْ َ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬‫ن ب ِأ ْ‬‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ظيمًا( )النساء‪.(95:‬‬ ‫عدي َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قا ِ ِ َ‬ ‫ن عََلى ال ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫وَفَ ّ‬
‫ض َ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫إنها سذاجة أن يتصور النسان دعوة تعلن تحرير "النسان" ·· نوع النسان ··‬
‫في "الرض"·· كل الرض ·· ثم تقف أمام العقبات تجاهدها باللسان والبيان!‬
‫·· إنها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الفراد؛ تخاطبهم بحرية‪،‬‬
‫وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات ·· فهنا‪" :‬ل إكراه في الدين" ··‬
‫أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية‪ ،‬فل بد من إزالتها أول ً بالقوة‪،‬‬
‫للتمكن من مخاطبة قلب النسان وعقله؛ وهو طليق من هذه الغلل!")‪.(26‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫إن الحديث السابق عن غاية الجهاد في السلم ل يعني التغافل عن مراحل‬
‫الجهاد ومدى قوة المسلمين وضعفهم وهل لهم شوكة وتمكين أو ل·‬
‫إن بيان غاية الجهاد ل يتعارض مع كف اليد في مراحل الستضعاف‪ ،‬أو‬
‫القتصار على جهاد الدفع في بعض المكنة أو الزمنة؛ فهذا من باب‬
‫السياسات الشرعية وترجيح المصالح أو المفاسد· وكل هذه العتبارات ما‬
‫هي إل أسباب مؤقتة يجب على المسلمين أن يتجاوزوها لينتقلوا من مرحلة‬
‫إلى غيرها‪ ،‬وأن يأخذوا بالسباب التي تؤول بالمسلمين إلى غايات الجهاد‬
‫ومراحله الخيرة التي يكون الدين فيها كله لله‪ ،‬ويخضع الناس لسلطان‬
‫السلم‪ ،‬ويتحدد مواقف الناس فيها‪ :‬إما مسلم مؤمن بدين السلم‪ ،‬وإما‬
‫مسالم آمن يدفع الجزية‪ ،‬وإما محارب خائف·‬
‫يقول شيخ السلم ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪" :-‬كان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في أول المر مأموًرا أن يجاهد الكفار بلسانه ل بيده فيدعوهم ويعظهم‬
‫ويجادلهم بالتي هي أحسن ·· وكان مأموًرا بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز‬
‫المسلمين عن ذلك‪ ،‬ثم لما هاجر إلى المدينة صار له بها أعوان أذن له في‬
‫الجهاد‪ ،‬ثم لما قووا كتب عليهم القتال ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم؛‬
‫لنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار‪ ،‬فلما فتح الله مكة ووفدت إليه‬
‫وفود العرب بالسلم أمره الله بقتال الكفار كلهم إل من كان له عهد مؤقت‬
‫وأمره بنبذ العهود المطلقة")‪.(27‬‬
‫وهذا ما أوضحه المام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه القيم "زاد‬
‫المعاد" وهو يستعرض مراحل الدعوة والجهاد منذ بعثته صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى نزلت سورة براءة حيث يقول‪ :‬صلى الله عليه وسلم أول ما‬
‫أوحى إليه ربه تبارك وتعالى‪ :‬أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته‬
‫فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ‪ ،‬ثم أنزل عليه )َيا أ َي َّها‬
‫م فَأ َن ْذِْر( )المدثر‪(2-1:‬؛ فنبأه بقوله‪) :‬اقَْرْأ( وأرسله بـ )َيا أ َي َّها‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مد ّث ُّر قُ ْ‬
‫مد ّث ُّر(‪ ،‬ثم أمره أن ينذر عشيرته القربين‪ ،‬ثم أنذر قومه‪ ،‬ثم أنذر من‬ ‫ال ْ ُ‬
‫حولهم من العرب‪ ،‬ثم أنذر العرب قاطبة‪ ،‬ثم أنذر العالمين‪ ،‬فأقام بضع‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ؤمر بالكف والصبر‬ ‫عشرة سنة بعد نبوته ُينذر بالدعوة بغير قتال ول جزية‪ ،‬وي ُ‬
‫والصفح·‬
‫ن له في الهجرة‪ ،‬وأذن له في القتال‪ ،‬ثم أمره أن يقاتل من قاتله‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ثم أذِ َ‬
‫ويكف عمن اعتزله ولم ُيقاتله‪ ،‬ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين‬
‫كله لله‪ ،‬ثم كان الكفاُر معه بعد المر بالجهاد ثلثة أقسام‪ :‬أهل صلح وهدنة‪،‬‬
‫وأهل حرب‪ ،‬وأهل ذمة‪ ،‬فأمر بأن يتم لهل العهد والصلح عهدهم‪ ،‬وأن يوفي‬
‫موا على العهد‪ ،‬فإن خاف منهم خيانة‪ ،‬نبذ إليهم عهدهم‪ ،‬ولم‬ ‫لهم به ما استقا ُ‬
‫مَر أن يقاتل من نقض عهده· ولما نزلت‬ ‫ُ‬
‫يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد‪ ،‬وأ ِ‬
‫)سورة براءة( نزلت ببيان حكم هذه القسام كلها؛ فأمره فيها أن ُيقاتل عدّوه‬
‫من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية‪ ،‬أو يدخلوا في السلم‪ ،‬وأمره فيها بجهاد‬
‫الكفار والمنافقين والغلظة عليهم؛ فجهاد الكفار بالسيف والسنان‪،‬‬
‫والمنافقين بالحجة واللسان·‬
‫عهودهم إليهم‪ ،‬وجعل أهل العهد‬ ‫وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار‪ ،‬ونبذ ُ‬
‫ما أمره بقتالهم ‪ -‬وهم الذين نقضوا عهده‪ ،‬ولم‬ ‫في ذلك ثلثة أقسام‪ :‬قس ً‬
‫مؤقت لم ينقضوه‪،‬‬ ‫ما لهم عهد ُ‬ ‫يستقيموا له ‪ -‬فحاربهم وظهر عليهم‪ ،‬وقس ً‬
‫ما لم يكن لهم‬ ‫ولم يظاهروا عليه‪ ،‬فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم· وقس ً‬
‫عهد ولم يحاربوه‪ ،‬أو كان لهم عهد مطلق‪ ،‬فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر‪ ،‬فإذا‬
‫شهُرٍ ()التوبة‪ :‬من الية ‪.(2‬‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫ض أ َْرب َعَ َ‬ ‫َْ‬
‫حوا ِفي الْر ِ‬ ‫سي ُ‬‫انسلخت )فَ ِ‬
‫م المذكورة في‬ ‫حُر ُ‬
‫قاتلهم؛ وهي الشهر الربعة المذكورة في قوله‪ :‬وهي ال ُ‬
‫ن ()التوبة‪ :‬من الية ‪.(5‬‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م َفاقْت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫خ اْل َ ْ‬
‫شهُُر ال ْ ُ‬ ‫سل َ َ‬‫قوله‪) :‬فَإ َِذا ان ْ َ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫فالحرم هاهنا‪ :‬هي أشهر التسيير‪ ،‬أولها يوم الذان ‪ -‬وهو اليوم العاشر من‬
‫ذي الحجة‪ ،‬وهو يوم الحج الكبر الذي وقع فيه التأذين بذلك ‪ -‬وآخُرها العاشر‬
‫عن ْد َ‬
‫شُهورِ ِ‬ ‫عد ّةَ ال ّ‬
‫ن ِ‬
‫من ربيع الخر‪ ،‬وليست هي الربعة المذكورة في قوله‪) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫من َْها أْرب َعَ ٌ‬‫ض ِ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ب الل ّهِ ي َوْ َ‬
‫شْهرا ً ِفي ك َِتا ِ‬ ‫الل ّهِ اث َْنا عَ َ‬
‫شَر َ‬
‫ب‪ ،‬وذو‬ ‫م( )التوبة‪ :‬من الية ‪ (36‬؛ فإن تلك واحد فرد‪ ،‬وثلثة سرد‪ :‬رج ٌ‬ ‫حُر ٌ‬ ‫ُ‬
‫سْر المشركين في هذه الربعة؛ فإن هذا‬ ‫م· ولم ي َ ِ‬ ‫حّر ُ‬
‫القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪ ،‬والم َ‬
‫ل يمكن لنها غير متوالية‪ ،‬وهو إنما أجلهم أربعة أشهر‪ ،‬ثم أمره بعد انسلخها‬
‫جل من ل عهد له‪ ،‬أو له عهد مطلق أربعة‬ ‫أن يقاتلهم‪ ،‬فقتل الناقض لعهده‪ ،‬وأ ّ‬
‫ده إلى مدته‪ ،‬فأسلم هؤلء ك ُّلهم‪ ،‬ولم‬ ‫َ‬ ‫عه‬ ‫م للموفي بعهده‬ ‫أشهر‪ ،‬وأمره أن ُيت ّ‬
‫ب على أهل الذمة الجزية·‬ ‫ضَر َ‬ ‫ُيقيموا على كفرهم إلى مدتهم‪ ،‬و َ‬
‫فاستقر أمُر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلثة أقسام‪ :‬محاربين له‪ ،‬وأهل‬
‫ل أهل العهد والصلح إلى السلم‪ ،‬فصاروا معه‬ ‫عهد‪ ،‬وأهل ذمة‪ ،‬ثم آلت حا ُ‬
‫ل الرض‬ ‫قسمين‪ :‬محاربين‪ ،‬وأهل ذمة‪ ،‬والمحاربون له خائفون منه‪ ،‬فصار أه ُ‬
‫معه ثلثة أقسام‪ :‬مسلم مؤمن به‪ ،‬ومسالم له آمن‪ ،‬وخائف محارب·‬
‫مَر أن يقبل منهم علنيتهم‪ ،‬ويكل سرائرهم‬ ‫ُ‬
‫وأما سيرته في المنافقين‪ :‬فإنه أ ِ‬
‫ظ عليهم‪،‬‬ ‫ض عنهم‪ ،‬وُيغل ِ َ‬ ‫جة‪ ،‬وأمره أن ي ُعْرِ َ‬ ‫ح ّ‬‫إلى الله‪ ،‬وأن يجاهدهم بالعلم وال ُ‬
‫وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم‪ ،‬ونهاه أن ُيصلي عليهم‪ ،‬وأن يقوم على‬
‫قبورهم‪ ،‬وأخبر أنه إن استغفر لهم فلن يغفر الله لهم؛ فهذه سيرته في‬
‫أعدائه من الكفار والمنافقين")‪ .(28‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫ونخلص بعد هذا الكلم النفيس في بيان المراحل التي تنقل فيها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في دعوته وجهاده إلى النتائج التالية‪:‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مَر بكف اليد‬ ‫ُ‬


‫‪ -1‬أن الرسول صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية قد أ ِ‬
‫مَر فيها بجهاد البلغ والبيان‪ ،‬وتحمل‬ ‫ُ‬
‫وترك الجهاد المسلح مع كفار قريش‪ ،‬وأ ِ‬
‫في سبيل ذلك هو وأصحابه رضي الله عنهم من الذى أصناًفا كثيرة· ول شك‬
‫ما وغايات عظيمة لعل من‬ ‫أن في المر بكف اليد في المرحلة المكية حك ً‬
‫أبرزها‪:‬‬
‫‪ -‬ضعف المسلمين وقلة عددهم بحيث لو تمت المواجهة مع المشركين فإن‬
‫ذلك من شأنه أن يئد الدعوة في مهدها·‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬العداد والتربية للقاعدة الصلبة التي يقوم على كاهلها نشر السلم‬
‫ونصرة الدين·‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬أن يأخذ البلغ حقه‪ ،‬وتقوم الحجة على المشركين‪ ،‬ويتم البيان‬
‫للناس عن حقيقة السلم وحقيقة سبيل المجرمين‪ ،‬ليهلك من هلك عن بينة‬
‫ويحيى من حي عن بينة·‬
‫وغير ذلك من الحكم)‪.(29‬‬
‫‪ -2‬أن الجهاد المسلح للكفار لم يؤذن فيه إل بعد الهجرة بعد أن تهيأ‬
‫للمسلمين المكان الذي يأمنون فيه وينطلقون منه ويفيئون إليه·‬
‫وجاء الذن في أول المر لرفع الظلم‪ ،‬ثم تل ذلك المر بجهاد المعتدي‪ ،‬ثم‬
‫ما قويت شوكة المسلمين بدأ جهاد الطلب حتى انتهى أمر الجهاد بعد آية‬ ‫ل ّ‬
‫السيف إلى أن ل يقبل من الناس إل السلم أو الجزية أو الحرب·‬
‫وفي ضوء ما سبق عرضه من غايات الجهاد ومراحله يمكن مناقشة موقفين‬
‫خاطئين من الجهاد اليوم أحدهما يقابل الخر·‬
‫الموقف الول‪:‬‬
‫هو من نظر إلى أحوال المسلمين اليوم وضعفهم وعجزهم عن مواجهة‬
‫أعدائهم فرأى استحالة الجهاد في هذا الزمان‪ ،‬ورضي بالمر الواقع ولم يسع‬
‫للعداد والستعداد‪ ،‬وتجاوز تبرير ضعفه وموقفه إلى التشنيع على الحركات‬
‫الجهادية التي قامت للدفاع عن المسلمين في بقاع الرض؛ كما في كشمير‬
‫وأفغانستان والشيشان وفلسطين وغيرها·‬
‫ويستند أصحاب هذا الرأي على هديه صلى الله عليه وسلم مع المشركين‬
‫مَر بكف اليد والصبر· وهذا الستدلل صحيح في حد ذاته فيما‬ ‫ُ‬
‫في مكة؛ حيث أ ِ‬
‫لو نظر أصحاب هذا الرأي إلى أنها مرحلة مؤقتة يسعون فيها إلى بذل الجهد‬
‫في الدعوة والعداد لتغيير النفوس وشحذ الهمم وتربيتها على التضحية‬
‫والبذل في سبيل الله عز وجل·‬
‫أما أن ينظر لهذه المرحلة وكأنها دائمة فيستسلم للواقع وُتستمرأ الذلة‪،‬‬
‫وتفتر الهمم ول يحصل العداد للجهاد في سبيل الله عز وجل؛ فهذا مخالف‬
‫لهديه صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان مع كف اليد يربي الصحابة على‬
‫التوحيد الخالص‪ ،‬والصبر في سبيل الله عز وجل‪ ،‬ويعد النفوس للتضحية‬
‫بالمال والوطن والنفس في سبيل الله عز وجل؛ وهذا مطلوب لذاته كما أنه‬
‫من أعظم العدة والزاد لما ُينتظر من الهجرة والجهاد في سبيل الله عز‬
‫وجل· ويلحق بأصحاب هذا الرأي أولئك المهزومون الذين سبقت الشارة‬
‫إليهم في الصفحات السابقة عند الحديث عن غاية الجهاد في سبيل الله؛‬
‫وهم الذين وقفوا مع المراحل الولى للدعوة وفرضية الجهاد‪ ،‬وحاولوا تقييد‬
‫فوا بنصوص المراحل السابقة التي‬ ‫النصوص التي تأمر بجهاد الكفار أينما ث ُقِ ُ‬
‫فيها المر بجهاد الدفع ورد العداء فحسب·‬

‫)‪(11 /‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي ذلك يقول سيد قطب رحمه الله تعالى‪" :‬إن هذه النصوص التي يلتجئون‬
‫إليها نصوص مرحلية تواجه واقًعا معينًا· وهذا الواقع المعين قد يتكرر وقوعه‬
‫في حياة المة المسلمة· وفي هذه الحالة تطبق هذه النصوص المرحلية لن‬
‫واقعها يقرر أنها في مثل تلك المرحلة التي واجهتها تلك النصوص بتلك‬
‫الحكام‪ ،‬ولكن هذا ليس معناه أن هذه هي غاية المنى‪ ،‬وأن هذه هي نهاية‬
‫ما في‬ ‫خطوات هذا الدين ·· إنما معناه أن على المة المسلمة أن تمضي قد ً‬
‫تحسين ظروفها‪ ،‬وفي إزالة العوائق من طريقها حتى تتمكن في النهاية من‬
‫تطبيق الحكام النهائية الواردة في السورة الخيرة‪ ،‬والتي كانت تواجه واقًعا‬
‫غير الواقع الذي واجهته النصوص المرحلية")‪.(30‬‬
‫ُ‬
‫م َفاقْت ُلوا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حُر ُ‬ ‫شهُُر ال ُ‬ ‫خ ال ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ولذلك فهم يتعاظمون مثل قوله تعالى‪) :‬فَإ َِذا ان ْ َ‬
‫ن‬‫صد ٍ فَإ ِ ْ‬ ‫مْر َ‬‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫مك ّ‬ ‫َ‬
‫دوا لهُ ْ‬ ‫م َواقْعُ ُ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫م( )التوبة‪ :‬من الية ‪ ،(5‬وقوله‬ ‫سِبيل َهُ ْ‬
‫خّلوا َ‬ ‫كاة َ فَ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫َتاُبوا وَأَقا ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫دوا ِفيك ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫فارِ وَلي َ ِ‬ ‫ن الك ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن ي َلون َك ْ‬ ‫ذي َ‬‫مُنوا َقات ِلوا ال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سبحانه‪َ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن( )التوبة‪.(123:‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬
‫معَ ال ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ة َواعْل َ ُ‬ ‫ِغل ْظ َ ً‬
‫ويحاول سيد قطب ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬تفسير مواقف هؤلء المهزومين‪،‬‬
‫ولماذا تهولهم مثل هذه النصوص حتى يحاولوا تقييدها بالمراحل السابقة من‬
‫أحكام فرض الجهاد فيقول‪" :‬إننا نعرف لماذا يهولهم هذا المر ويتعاظمهم‬
‫على هذا النحو ·· إنهم ينسون أن الجهاد في السلم جهاد في "سبيل الله" ··‬
‫جهاد لتقرير ألوهية الله في الرض وطرد الطواغيت المغتصبة لسلطان الله‬
‫·· جهاد لتحرير "النسان" من العبودية لغير الله‪ ،‬ومن فتنته بالقوة عن‬
‫الدينونة لله وحده والنطلق من العبودية للعباد ·· "حتى ل تكون فتنة ويكون‬
‫الدين كله لله" ·· وأنه ليس جهاًدا لتغليب مذهب بشري على مذهب بشري‬
‫مثله؛ إنما هو جهاد لتغليب منهج الله على مناهج العبيد! وليس جهادا ً لتغليب‬
‫سلطان قوم على سلطان قوم؛ إنما هو جهاد لتغليب سلطان الله على‬
‫سلطان العبيد! وليس جهاًدا لقامة مملكة العبد؛ إنما هو جهاد لقامة مملكة‬
‫الله في الرض ·· ومن ثم ينبغي له أن ينطلق في "الرض" كلها‪ ،‬لتحرير‬
‫"النسان" كله؛ بل تفرقة بين ما هو داخل في حدود السلم وبين ما هو خارج‬
‫عنها ·· فكلها "أرض" يسكنها "النسان" وكلها فيها طواغيت ت ُعَّبد العباد‬
‫للعباد!‬
‫وحين ينسون هذه الحقيقة يهولهم طبًعا أن ينطلق منهج ليكتسح كل المناهج‪،‬‬
‫وأن تنطلق أمة لتخضع سائر المم ·· إنها في هذا الوضع ل تستساغ! وهي‬
‫فعل ً ل تستساغ! ·· لول أن المر ليس كذلك‪ ،‬وليس له شبيه فيما بين أنظمة‬
‫البشر اليوم من إمكان التعايش! إنها كلها اليوم أنظمة بشرية؛ فليس لواحد‬
‫منها أن يقول‪ :‬إنه هو وحده صاحب الحق في البقاء! وليس الحال كذلك في‬
‫نظام إلهي يواجه أنظمة بشرية؛ ليبطل هذه النظمة كلها ويدمرها كي يطلق‬
‫البشر جميًعا من ذلة العبودية للعباد‪ ،‬ويرفع البشر جميًعا إلى كرامة العبودية‬
‫لله وحده بل شريك!‬
‫ما‬ ‫ما لئي ً‬ ‫ً‬
‫ثم إنه يهولهم المر ويتعاظمهم لنهم يواجهون هجوما صليبًيا منظ ً‬
‫ماكًرا خبيًثا يقول لهم‪ :‬إن العقيدة السلمية قد انتشرت بالسيف‪ ،‬وإن الجهاد‬
‫كان لكراه الخرين على العقيدة السلمية وانتهاك حرمة حرية العتقاد!‬
‫وأخيًرا فإن صورة النطلق في الرض لمواجهة من يلون المسلمين من‬
‫الكفار تهول المهزومين روحًيا في هذا الزمان وتتعاظمهم؛ لنهم يبصرون‬
‫ً‬
‫بالواقع من حولهم وبتكاليف هذا النطلق فيهولهم المر ·· وهو يهول فعل! ··‬
‫فهل هؤلء الذين يحملون أسماء المسلمين‪ ،‬وهم شعوب مغلوبة على أمرها؛‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما! هل هؤلء هم الذين سينطلقون في الرض يواجهون‬ ‫أو قليلة الحيلة عمو ً‬
‫أمم الرض جميًعا بالقتال‪ ،‬حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟! إنه لمر‬
‫ل يتصور عقل ً ·· ول يمكن أن يكون هذا هو أمر الله فع ً‬
‫ل!‬
‫ولكن فات هؤلء جميًعا أن يروا متى كان هذا المر؟ وفي أي ظرف؟ لقد‬
‫كان بعد أن قامت للسلم دولة تحكم بحكم الله؛ دانت لها الجزيرة العربية‬
‫ودخلت في هذا الدين‪ ،‬ونظمت على أساسه· وقبل ذلك كله كانت هناك‬
‫ما بعد‬
‫العصبة المسلمة التي باعت أنفسها لله بيعة صدق‪ ،‬فنصرها الله يو ً‬
‫يوم‪ ،‬وغزوة بعد غزوة‪ ،‬ومرحلة بعد مرحلة··· إن الناس ل يستطيعون أن‬
‫يفهموا أحكام هذا الدين‪ ،‬وهم في مثل ما هم فيه من الهزال· إنه لن يفقه‬
‫أحكام هذا الدين إل الذين يجاهدون في حركة تستهدف تقرير ألوهية الله‬
‫وحده في الرض‪ ،‬ومكافحة ألوهية الطواغيت")‪.(31‬‬
‫الموقف الثاني‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وأصحاب هذا الموقف يرون أن آية السيف التي نزلت في سورة براءة قد‬
‫نسخت كل مراحل الجهاد السابقة؛ سواء من كف اليد أو المسالمة مع‬
‫الكفار‪ ،‬أو عقد صلح أو هدنة معهم ·· إلخ‪ ،‬ونظروا إلى أن قتال الكفار‬
‫والمرتدين اليوم فرض دون أن ينظروا إلى أحوال المسلمين وضعفهم‪ ،‬ودون‬
‫أن ينظروا إلى تحقيق شرائط الجهاد من‪ :‬القدرة‪ ،‬وإقامة الحجة على الناس‬
‫بالبيان الكافي لسبيل المؤمنين‪ ،‬والتعرية التامة لسبيل المجرمين؛ حتى يكفر‬
‫من كفر ويهلك من هلك عن بينة‪ ،‬ويؤمن من آمن ويحيى من حيى عن بينة‪،‬‬
‫ما وعمل ً وعبادة‬‫ودون أن يكون هناك العداد المعنوي الروحي للمجاهدين عل ً‬
‫وأخلًقا·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله تعالى‪" :-‬فمن كان من المؤمنين‬
‫بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر‬
‫والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين‪ ،‬وأما‬
‫أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين‪ ،‬وبآية‬
‫قتال الذي أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون")‪.(32‬‬
‫وقد جاء هذا الموقف الذي لم ينظر إل إلى المرحلة الخيرة من مراحل‬
‫فرض الجهاد في مقابل الموقف السابق الذي لم ينظر إل إلى المرحلة‬
‫الولى ‪ -‬وهي كف اليد ‪ -‬ولم ي ُعِد ّ للمراحل الجهادية التي تلت كف اليد‬
‫والصبر على أذى الكفار·‬
‫وبين هذين الموقفين موقف ثالث نحسب أنه الموافق لهديه صلى الله عليه‬
‫وسلم في الدعوة والجهاد؛ وهو الموقف الذي رأى أن واقع المسلمين اليوم‬
‫وما يعيشونه من ذلة ومهانة وتسلط أعدائهم عليهم وذهاب دولتهم هو أشبه‬
‫ما يكون بحال الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة؛ حيث الستضعاف‬
‫وتسلط الكفار· ولكن أصحاب هذا الموقف فارقوا الموقف الول الذي رضخ‬
‫للواقع في أنهم لم يرضوا بالستسلم للواقع‪ ،‬ولم يرضوا بالذل والمهانة؛ بل‬
‫قاموا باتباع أثر النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الظروف حيث‬
‫جاهد وصبر وبّلغ التوحيد الخالص للناس‪ ،‬وربى أصحابه رضي الله عنهم على‬
‫ما وعمل ً للجهاد والتضحية في سبيل الله‬ ‫التوحيد ومقتضياته‪ ،‬وأعدهم عل ً‬
‫تعالى؛ فصبروا وصابروا‪ ،‬وهجروا الخلن والوطان‪ ،‬واستعذبوا ذلك في سبيل‬
‫الله عز وجل؛ حتى إذا علم الله عز وجل صدق ذلك منهم هيأ لهم المراحل‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التالية من مراحل الجهاد في سبيله سبحانه‪ ،‬وهيأ لهم النصار والدولة التي‬
‫ينطلقون منها للجهاد في سبيل الله عز وجل‪ ،‬ففتحوا الدنيا ونشروا أنوار‬
‫التوحيد ورسالة السلم في كل مكان قدروا عليه حتى أصبح الدين كله لله‪،‬‬
‫وصارت كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى·‬
‫كما فارقوا الموقف الثاني بالصبر وعدم العجلة في جهاد الطلب للكفار‬
‫والمرتدين قبل العداد الشامل لذلك·‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫ليس المعني في الموقف الثاني تلك الحركات الجهادية التي تدافع عن‬
‫المسلمين في أفغانستان والشيشان وغيرها‪ ،‬وإنما المعني هم أولئك الذين‬
‫يرون مواجهة النظمة الطاغوتية في بلدان المسلمين دون الحصول على‬
‫الحد الدنى من العداد والقدرة‪ ،‬وقبل وضوح راية الكفر في تلك البلدان‬
‫للناس‪ ،‬ودون وضوح راية أهل اليمان في مقابل ذلك؛ مما ينشأ عنه اللبس‬
‫والتلبيس على الناس‪ ،‬فتختلط الوراق ويجد هؤلء المجاهدون المستعجلون‬
‫أنفسهم وجًها لوجه أمام إخوانهم المسلمين الذين غرر بهم ولبس عليهم‬
‫وقيل لهم بأن حكومتهم شرعية‪ ،‬وأن الخارجين عليها متطرفون إرهابيون‬
‫مفسدون‪ ،‬ولم يجد الناس من يزيل عنهم هذا اللبس· فحينئذ تقع الفتنة بين‬
‫ضا·‬
‫المسلمين‪ ،‬ويقتل بعضهم بع ً‬
‫أما تلك الحركات الجهادية التي أعلنت جهادها على الكفار في مثل‬
‫أفغانستان لمواجهة التحالف الصليبي أو في كشمير لمواجهة الهندوس‬
‫الوثنيين‪ ،‬أو في الشيشان لمواجهة الملحدة الشيوعيين‪ ،‬أو في فلسطين‬
‫لمواجهة اليهود الغاشمين فإنها حركات مشروعة لوضوح الراية الكفرية‪،‬‬
‫وزوال اللبس عن المسلمين في تلك الماكن‪ ،‬كما أنه جهاد للدفاع عن الدين‬
‫والعرض والمكان حتى ل ترتفع فيه راية الكفار·‬
‫أما جهاد الطلب فإنه ل يكون إل بعد قيام دولة وكيان قوي للمسلمين‬
‫ينطلقون منه ويفيئون إليه‪ ،‬ويهاجر إليه وتصب طاقات المسلمين فيه· وقبل‬
‫قيام هذا الكيان القوي المن فإنه ليس أمام المسلمين إل إعداد العدة لقامة‬
‫هذا الكيان‪ ،‬والقيام بجهاد الدفع فيما لو تعرض المسلمون إلى عدو كافر يريد‬
‫صرفهم عن دينهم أو استباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم وديارهم·‬
‫المقدمة الرابعة‬
‫فضائل الجهاد في سبيل الله تعالى وثماره في الدنيا والخرة‬
‫تقدم الحديث عن غاية الجهاد في سبيل الله عز وجل وثمرته الكبرى في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬وأنه شرع لتعبيد الناس لرب العالمين‪ ،‬وحتى ل تكون فتنة ول‬
‫شرك ويكون الدين كله لله· هذا في الدنيا أما في الخرة فرضوان الله وجنته‬
‫والنجاة من سخطه والنار·‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وقد نبه الله سبحانه إلى خيرية الجهاد في الدنيا والخرة في قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫ل وَهُوَ ك ُْره ٌ ل َك ُ ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَتا ُ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬‫)ك ُت ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( )البقرة‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫شّر ل َك ُ ْ‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬‫حّبوا َ‬ ‫ن تُ ِ‬‫سى أ ْ‬ ‫وَعَ َ‬
‫‪.(216‬‬
‫وسيتم في هذه المقدمة تفصيل بعض الثمار والخيرات التي تترتب على‬
‫الجهاد في سبيل الله عز وجل في الدنيا والخرة‪ ،‬والتي هي فرع عن غاية‬
‫الجهاد‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) أ ( الثمار التي تظهر في الدنيا ‪:‬‬


‫‪ -1‬بالجهاد تظهر حقيقة المحبة لله عز وجل وصدق العبودية له‪ ،‬ويظهر‬
‫الصادق فيها من الكاذب؛ فالجهاد في سبيل الله تعالى وتقديم الروح رخيصة‬
‫لله تعالى من أقوى البيان على صحة دعوى المحبة لله تعالى ولدينه‪،‬‬
‫وبالجهاد يمحص ما في القلوب ويبتلى به ما في الصدور ويتخذ الله عز وجل‬
‫من شاء من عباده شهداء·‬
‫وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى‪" :‬لما كثر المدعون للمحبة طولبوا‬
‫ى‬
‫بإقامة البينة على صحة الدعوى؛ فلو يعطى الناس بدعواهم لدعى الخل ّ‬
‫ي· فتنوع المدعون في الشهود· فقيل‪ :‬ل ُتقبل هذه الدعوى إل‬ ‫شج ّ‬ ‫حرَقة ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ه()آل عمران‪ :‬من الية‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حب ِب ْك ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ببينة )قُ ْ‬
‫‪.(31‬‬
‫فتأخر الخلق كلهم‪ ،‬وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأخلقه‪ ،‬فطولبوا بعدالة‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ض ُ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫ة لئ ِم ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َوْ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ل الل ّهِ َول ي َ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫البينة بتزكية )ي ُ َ‬
‫م( )المائدة‪ :‬من الية ‪.(54‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ُؤِْتيهِ َ‬
‫فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون‪ ،‬فقيل لهم‪ :‬إن نفوس المحبين‬
‫َ‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وأموالهم ليست لهم‪ ،‬فهلموا إلى بيعة )إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة ()التوبة‪ :‬من الية ‪.(111‬‬ ‫جن ّ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬
‫وَأ ْ‬
‫فلما عرفوا عظمة المشتري‪ ،‬وفضل الثمن‪ ،‬وجللة من جرى على يديه عقد‬
‫التبايع‪ :‬عرفوا قدر السلعة‪ ،‬وأن لها شأًنا· فرأوا من أعظم الغَْبن أن يبيعوها‬
‫لغيره بثمن بخس· فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي‪ ،‬من غير ثبوت خيار·‬
‫وقالوا‪" :‬والله ل نقيلك ول نستقيلك"·‬
‫فلما تم العقد وسلموا المبيع‪ ،‬قيل لهم‪ :‬منذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا‬
‫ن قُت ُِلوا ِفي‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫رددناها عليكم أوفر ما كانت‪ ،‬وأضعافها مًعا‪َ) :‬ول ت َ ْ‬
‫ّ‬ ‫سبيل الل ّه أ َمواتا ً ب ْ َ‬
‫ه(‬‫ضل ِ ِ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ما آَتاهُ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ن فَرِ ِ‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫)آل عمران‪.(33)(170-169 :‬‬
‫وقد تقدم قول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى‪ ··" :‬والجهاد دليل‬
‫المحبة الكاملة ··· فإن المحبة مستلزمة للجهاد لن المحب يحب ما يحب‬
‫محبوبه‪ ،‬ويبغض ما يبغض محبوبه‪ ،‬ويوالي من يواليه‪ ،‬ويعادي من يعاديه‪،‬‬
‫ويرضى لرضاه‪ ،‬ويغضب لغضبه‪ ،‬ويأمر بما يأمر به‪ ،‬وينهي عما نهى عنه؛ فهو‬
‫موافق له في ذلك ···()‪.(34‬‬
‫ضا‪" :‬فإذا ترك العبد ما يقدر عليه من الجهاد كان دليل ً على ضعف‬ ‫وقال أي ً‬
‫محبة الله ورسوله في قلبه")‪.(35‬‬
‫وهنا يحسن الشارة إلى مسألة مهمة تتعلق بعقيدة الولء والبراء والحب في‬
‫الله والبغض في الله؛ أل وهي‪ :‬أن هذه الشعيرة العظيمة التي هي صلب‬
‫التوحيد وأسه المتين إنما تقوى وتصقل بالجهاد في سبيل الله تعالى‪،‬‬
‫والدعوة إلى الله تعالى‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬كما أنها‬
‫تضعف ويصيبها الوهن بترك ذلك أو ضعفه· وإن المتأمل في كتاب الله عز‬
‫قا بين‬ ‫طا وثي ً‬ ‫وجل وفي واقع الدعوة إلى الله عز وجل يرى أن هناك ارتبا ً‬
‫الدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله‪ ،‬وبين عقيدة الولء والبراء في‬
‫نفس الداعية·‬
‫فكلما قويت الدعوة وقوي المر بالمعروف والنهي عن المنكر وحب الجهاد‬
‫في نفس العبد المخلص لربه قويت هذه العقيدة في نفسه وظهرت بشكل‬
‫واضح في حياته ومواقفه ومحبته وعداوته؛ حتى يصبح على استعداد أن يهجر‬
‫وطنه وأهله وماله إذا اقتضى المر ذلك·‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل إن هذه العقيدة لتبلغ ذروة السنام في قلب الداعية ومواقفه؛ وذلك في‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫جهاد أعداء الله ولو كانوا أقرب قريب؛ قال الله تعالى‪َ) :‬وال ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫وال ْمؤْمنات بعضه َ‬
‫ر‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َ ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫مُرو َ‬
‫ض ي َأ ُ‬
‫ٍ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ‬ ‫َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫م الل ُّ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫أو‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫سو‬ ‫ر‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ َْ َ ُ ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ ََ ُ ُ‬ ‫صلة َ وَ ُ ُ َ ّ َ َ ُ ِ ُ َ‬
‫عو‬‫طي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫كا‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫تو‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬
‫وَي ُ ِ‬
‫م( )التوبة‪.(71:‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬
‫ه عَ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫والعكس من ذلك واضح ومشاهد؛ فما من داعية فترت همته عن الدعوة‬
‫والجهاد ومال إلى الدنيا وأهلها إل كان الضعف في عقيدة الولء والبراء‬
‫مصاحًبا لذلك·‬

‫)‪(14 /‬‬

‫والحاصل أن عقيدة الولء والبراء ليست عقيدة نظرية تحفظ في الذهن‬


‫المجرد‪ ،‬بل هي‪ :‬عقيدة وعمل ومفاصلة ودعوة وجهاد وحب وبغض؛ فإذا‬
‫أردنا أن تقوى هذه العقيدة فهذا هو طريقها‪ :‬طريق الدعوة‪ ،‬والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والجهاد في سبيل الله تعالى‪ ،‬وكلما ابتعد‬
‫العبد عن هذه العمال مؤثًرا الراحة عليها فهذا معناه هشاشة هذه العقيدة‬
‫وتعرضها للخطر والهتزاز·‬
‫وهذه إحدى ثمار الجهاد؛ حيث يميز صادق الولء لله تعالى ولدينه من كاذبه‪،‬‬
‫كما أنه في نفس الوقت يقوي هذه العقيدة ويصقلها· والصلة بين الجهاد‬
‫وعقيدة الولء والبراء صلة تناسب مطرد متبادل؛ بمعنى أن الحماس للجهاد‬
‫والتضحية في سبيل الله تعالى يقوى بقوة عقيدة الولء والبراء في القلب‪،‬‬
‫كما أن الولء والبراء يقوى ويشتد بالجهاد في سبيل الله تعالى·‬
‫‪ -2‬نشر التوحيد وشريعة السلم التي يهنأ الناس في ظللها‪ ،‬وتسعد البشرية‬
‫بها‪ ،‬ويرتفع عنها الظلم والشقاء بارتفاع الشرك الذي فيه استعباد الناس‬
‫وظلمهم وقهرهم· والتاريخ يشهد بذلك؛ فما من أمة فشى فيها الشرك‬
‫والكفر إل وعانت من الظلم والشقاء وتسلط الطواغيت الشيء العظيم‪ ،‬وما‬
‫من أمة دخلها السلم وحكمها بحكمه العادل القائم على توحيد الله عز وجل‬
‫إل صلح أمرها وعاشت هنيئة سعيدة تحت ظلله الوارفه‪ ،‬فالجهاد إذن شرع‬
‫رحمة بالعباد·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى‪" :‬والطاعة عاقبتها سعادة‬
‫الدنيا والخرة؛ وذلك مما يفرح به العبد المطيع؛ فكان فيما أمر به من‬
‫الطاعات عاقبته حميدة تعود إليه وإلى عباده؛ ففيها حكمة له ورحمة لعباده؛‬
‫َ‬ ‫قال تعالى‪) :‬يا أ َيها ال ّذين آمنوا هَ ْ َ‬
‫ب أِليم ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫جاَرةٍ ت ُن ْ ِ‬ ‫م عََلى ت ِ َ‬ ‫ل أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫خي ٌْر‬
‫م َ‬ ‫م ذ َل ِك ُْ‬ ‫سك ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫تؤْمنون بالل ّه ورسول ِه وتجاهدون في سبيل الل ّه بأ َموال ِك ُم وأ َ‬
‫ْ َ ْ ِ‬ ‫ِ ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ُ ِ ُ َ ِ ِ ََ ُ ِ َُ َ ِ ُ َ ِ‬
‫حت َِها اْل َن َْهاُر‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ِ ْ َ ْ‬ ‫م‬ ‫ري‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ْ َ ُّ ٍ َ ْ ِ‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫م ذُ ُ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل َك ُ ْ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫صٌر ِ‬ ‫حّبون ََها ن َ ْ‬ ‫خَرى ت ُ ِ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬
‫ك ال َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ن طي ّب َ ً‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن( )الصف‪.(13-10:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫شرِ ال ُ‬ ‫ب وَب َ ّ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح قَ ِ‬ ‫اللهِ وَفَت ْ ٌ‬‫ّ‬
‫ففي الجهاد عاقبة محمودة للناس في الدنيا يحبونها‪ :‬وهي النصر والفتح‪،‬‬
‫ن‬
‫وفي الخرة الجنة‪ ،‬وفيه النجاة من النار؛ وقد قال تعالى في أول السورة )إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ص( )الصف‪(4:‬‬ ‫صو ٌ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ب ُن َْيا ٌ‬ ‫فا ً ك َأن ّهُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫سِبيل ِهِ َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫الل ّ َ‬
‫فهو يحب ذلك؛ ففيه حكمة عائدة إلى الله تعالى وفيه رحمة للعباد؛ وهي ما‬
‫يصل إليهم من النعمة في الدنيا والخرة")‪.(36‬‬
‫‪ -3‬بالجهاد ُيدفع عذاب الله عز وجل ونقمته في الدنيا والخرة ويعيش‬
‫المسلمون حياة طيبة عزيزة خالية من التذلل للكفار والبقاء تحت سيطرتهم‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقهرهم· والعكس من ذلك يحصل حين ُيترك الجهاد ويركن الناس إلى الدنيا؛‬
‫حيث يحل محل العزة ذل المسلمين واستكانتهم لعدائهم يسومونهم سوء‬
‫العذاب في أديانهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم·‬
‫وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬إذا ظن الناس بالدينار والدرهم‪،‬‬
‫وتبايعوا بالعينة‪ ،‬واتبعوا أذناب البقر‪ ،‬وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله‬
‫بهم بلء‪ ،‬فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم()‪.(37‬‬
‫وواقعنا المعاصر أكبر شاهد على ذلك؛ حيث يعد عصرنا من أسوء العصور‬
‫التي مرت بالمسلمين حيث بلغ المسلمون فيه من الذل والستكانة والتفرق‬
‫ما لم يبلغوه في أي عصر مضى‪ ،‬مما أغرى بهم أعداؤهم فتداعوا إلى بلدان‬
‫المسلمين كما تداعى الكلة إلى قصعتها‪ ،‬وما ذاك إل بترك طاعة الله عز‬
‫وجل وحب الدنيا وكراهية الموت‪ ،‬وترك الجهاد في سبيل الله تعالى·‬
‫ولن ُيرفع هذا الذل عن المسلمين إل أن يراجعوا دينهم ويرفعوا عََلم الجهاد‬
‫عا وطلًبا· وقبل أن يتم‬
‫على الكفار ويعدوا ما استطاعوا من قوة لقتالهم دفا ً‬
‫ذلك فل نرجو عزة‪ ،‬ول نطمع أن يكف الكفار شرهم عن المسلمين بمجرد‬
‫المفاوضات السياسية أو عن طريق مجلس المن ‪ -‬أعتذر ‪ -‬مجلس الخوف‪،‬‬
‫أو هيئة المم الكفرية الطاغوتية· كل فلن يردع العداء المعاصرين إل ما ردع‬
‫أسلفهم المعتدين من قبل؛ إنه الجهاد في سبيل الله تعالى·‬

‫)‪(15 /‬‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫يقول ابن القيم رحمه الله تعالى‪" :‬قال الله تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ل ب َي ْ َ‬‫حو ُ‬‫ه يَ ُ‬‫ن الل ّ َ‬‫موا أ ّ‬ ‫م َواعْل َ ُ‬
‫حِييك ُ ْ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫عاك ُ ْ‬
‫م لِ َ‬ ‫ل إ َِذا د َ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫جيُبوا ل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن( )النفال‪ ، (24:‬فتضمنت هذه الية أموًرا‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫مْرِء وَقَلب ِهِ وَأن ّ ُ‬
‫ه إ ِلي ْهِ ت ُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫أحدها أن الحياة النافعة إنما تحصل بالستجابة لله ورسوله؛ فمن لم تحصل‬
‫له هذه الستجابة فل حياة له وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين‬
‫أرذل البهائم· فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول‬
‫ظاهًرا وباطًنا؛ فهؤلء الحياء وإن ماتوا‪ ،‬وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء‬
‫البدان· ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول؛ فإن‬
‫كل ما دعا إليه ففيه الحياة؛ فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة‪ ،‬وفيه‬
‫من الحياة بحسب ما استجاب للرسول·‬
‫قال مجاهد‪ :‬لما يحييكم يعني للحق·‬
‫وقال قتادة‪ :‬هو هذا القرآن؛ فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا‬
‫والخرة·‬
‫وقال السدي‪ :‬هو السلم؛ أحياهم به بعد موتهم بالكفر·‬
‫وقال ابن إسحاق وعروة بن الزبير واللفظ له‪ :‬لما يحييكم يعني للحرب التي‬
‫أعزكم الله بها بعد الذل‪ ،‬وقواكم بعد الضعف‪ ،‬ومنعكم بها من عدوكم بعد‬
‫القهر منهم لكم·‬
‫وهذه كلها عبارات عن حقيقة واحدة‪ ،‬وهي‪ :‬القيام بما جاء به الرسول ظاهًرا‬
‫وباطًنا·‬
‫قال الواحدي‪ :‬والكثرون على أن معنى قوله لما يحييكم هو‪ :‬الجهاد‪ ،‬وهو‬
‫قول ابن إسحاق واختيار أكثر أهل المعاني·‬
‫قال الفراء‪ :‬إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوكم‪ ،‬يريد أن أمرهم إنما‬
‫يقوى بالحرب والجهاد؛ فلو تركوا الجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم·‬
‫قلت‪ :‬الجهاد من أعظم ما يحييهم به في الدنيا وفي البرزخ وفي الخرة")‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.(38‬‬
‫‪ -4‬المجاهدون في سبيل الله تعالى من أهدى الناس إلى الحق‪ ،‬وأسعدهم‬
‫دوا ِفيَنا‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بسبيل الله عز وجل عند اختلف السبل؛ قال الله تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫ن( )العنكبوت‪.(69:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى‪" :‬ولهذا كان الجهاد موجًبا‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم؛ كما دل عليه قوله تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫سب ُل ََنا( ‪ ،‬فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫َ‬
‫ولهذا قال المامان عبدالله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما‪ :‬إذا اختلف‬
‫الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم لن الله‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫سب ُل ََنا()‪ (39‬ا·هـ‪ ،‬وقال تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يقول‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م( )محمد‪.(5-4:‬‬ ‫ح َبال َهُ ْ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ل الل ّهِ فَل َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قُت ُِلوا ِفي َ‬
‫قرأها الجمهور‪" :‬قاتلوا" وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم‪" :‬قتلوا"‪.‬‬
‫‪ -5‬الجهاد في سبيل الله تعالى من أعظم وسائل التربية للنفس وتزكيتها‬
‫باطًنا وظاهًرا‪ :‬فكم من الخلق الفاضلة وأعمال القلوب الزكية ل يمكن‬
‫إصلحها والوصول بها إلى كمالها أو قرب كمالها إل بالجهاد في سبيل الله‬
‫تعالى· وبدون الجهاد ستبقى هذه العمال ضعيفة أو يصعب على العبد‬
‫تكميلها وهو قاعد·‬
‫وهذا ما أشار إليه شيخ السلم رحمه الله تعالى في تعليقه على كون الجهاد‬
‫ذروة سنام هذا الدين؛ حيث قال‪ ···" :‬ولهذا كان الجهاد سنام العمل‪ ،‬وانتظم‬
‫ف‬
‫سو ْ َ‬ ‫سنام جميع الحوال الشريفة؛ ففيه سنام المحبة‪ ،‬كما في قوله‪) :‬فَ َ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫عّزةٍ عََلى ال ْ َ‬ ‫ن أَ ِ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ‬
‫حبون َ‬
‫م وَي ُ ِ ّ َ ُ‬ ‫حب ّهُ ْ‬‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ي َأِتي الل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬
‫م( )المائدة‪ :‬من الية ‪ .(54‬وفيه‬ ‫ة لئ ِ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َوْ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ل الل ّهِ َول ي َ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫سنام التوكل وسنام الصبر؛ فإن المجاهد أحوج الناس إلى الصبر والتوكل؛‬
‫م ِفي‬ ‫موا ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْ‬ ‫ما ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جُروا ِفي الل ّهِ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ولهذا قال تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫صب َُروا وَعََلى َرب ّهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل َ ُ‬ ‫خَرةِ أك ْب َُر ل َوْ َ‬ ‫جُر اْل ِ‬ ‫ة وََل َ ْ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬ ‫الد ّن َْيا َ‬
‫ن( )النحل‪.(42-41:‬‬ ‫ي َت َوَك ُّلو َ‬
‫ض ل ِل ّهِ ُيورِث َُها‬ ‫َ‬
‫ن اْلْر َ‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ِبالل ّهِ َوا ْ‬ ‫مهِ ا ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫سى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وقال تعالى‪َ) :‬قا َ‬
‫ن( )لعراف‪.(128:‬‬ ‫قي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫عَبادِهِ َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬

‫)‪(16 /‬‬

‫··· وفي الجهاد أيضًا‪ :‬حقيقة الزهد في الحياة الدنيا‪ ،‬وفي الدار الدنيا‪ ،‬وفيه‬
‫ضا‪ :‬حقيقة الخلص؛ فإن الكلم فيمن يجاهد في سبيل الله‪ ،‬ل في سبيل‬ ‫أي ً‬
‫الرياسة‪ ،‬ول في سبيل المال‪ ،‬ول في سبيل الحمية‪ ،‬وهذا ل يكون إل لمن‬
‫قاتل ليكون الدين كله لله‪ ،‬ولتكون كلمة الله هي العليا· وأعظم مراتب‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫الخلص تسليم النفس والمال للمعبود‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ل اللهِ فَي َ ْ‬
‫قت ُلو َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬‫قات ُِلو َ‬
‫ة يُ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫م ب ِأ ّ‬ ‫م َ‬
‫م وَأ ْ‬
‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن( )التوبة‪ :‬من الية ‪.(40)(111‬‬ ‫قت َُلو َ‬‫وَي ُ ْ‬
‫‪ -6‬وحدة صف المسلمين واجتماع كلمتهم‪ :‬حيث إن استقراء التاريخ يدل‬
‫على أن الجهاد في سبيل الله عز وجل يوحد صفوف المسلمين ويضيق‬
‫أبواب الخلف‪ ،‬وما من وقت كان المسلمون يقارعون فيه أعداءهم الكفار إل‬
‫وكانوا فيه في غاية الخاء والتحاد‪ ،‬وما كانوا ينتهون من غزوة أو معركة إل‬
‫ويدخلون في أخرى‪ ،‬ولم يجد الخلف إليهم سبيل‪ ،‬والعكس من ذلك يحدث‬
‫عندما يعطل الجهاد وينشغل المسلمون بعضهم ببعض·‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ب ( الثمار الخروية للجهاد ‪:‬‬


‫في الخرة تتحقق الثمرة العظمى للجهاد في سبيل الله تعالى‪ ،‬والتي تنافس‬
‫فيها المتنافسون‪ ،‬وضحى في سبيلها المجاهدون بأرواحهم رخيصة راضية بها‬
‫نفوسهم‪ ،‬وكيف ل وهم يرجون رحمة الله تعالى ورضوانه وجناته؟! هذه‬
‫الغاية الشريفة والثمرة العظيمة التي يرخص في سبيلها كل شيء·‬
‫وإن المتأمل في كتاب الله عز وجل والمتدبر لجميع اليات التي ورد فيها ذكر‬
‫الجنة وما أعد الله عز وجل فيها لهلها من الرضوان والنعيم ليلفت نظره أمٌر‬
‫مهم وشيئ عجيب؛ أل وهو أن جل ما ورد من اليات التي يذكر فيها سبحانه‬
‫ما أعد لوليائه من الجنة والرضوان يسبقها في العادة صفات الموعودين‬
‫بذلك‪ ،‬وبالتأمل في أوصافهم تلك نجد أنها تكاد تنحصر في‪ :‬المجاهدين‪،‬‬
‫والصابرين‪ ،‬والمرين بالمعروف والناهين عن المنكر· وفيما يلي ذكر بعض‬
‫اليات التي يذكر الله عز وجل فيها ما أعد لعباده المجاهدين من الرحمة‬
‫والنعيم والرضوان·‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا َوال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬الية الولى‪ :‬قوله تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫م( )البقرة‪.(218:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫هغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت الل ّهِ َوالل ُ‬
‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫جو َ‬ ‫ك ي َْر ُ‬ ‫الل ّهِ ُأول َئ ِ َ‬
‫ْ‬ ‫‪ -‬الية الثانية‪ :‬قوله تعالى‪) :‬أ َم حسبت َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫َ ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ّ ُ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ ّ َ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫لوا‬ ‫ز‬
‫َُ ِ‬ ‫ل‬‫ز‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫ض ّ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب( )البقرة‪.(214:‬‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫أل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫تى‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫نوا‬
‫ِ ِ ٌ‬ ‫ِ ّ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ْ ُ‬ ‫آ َ ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫‪ -‬الية الثالثة‪ :‬قوله تعالى‪) :‬أ ْ‬
‫ن( )آل عمران‪.(142:‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م وَي َعْل َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫الرابعة‪:‬‬ ‫الية‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ ْ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ن( )آل عمران‪.(157:‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬ ‫اللهِ وََر ْ‬ ‫ّ‬
‫واتا ً‬ ‫‪ -‬الية الخامسة‪ :‬قوله تعالى‪) :‬ول تحسبن ال ّذين قُت ُِلوا في سبيل الل ّه أمَ‬
‫ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ّ‬
‫ّ‬ ‫ب ْ َ‬
‫ن‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ضل ِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ما آَتاهُ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ن فَرِ ِ‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م أل َ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قوا ب ِهِ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ي َل َ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ِبال ِ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جاُبوا ل ِل ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫جَر ال ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن اللهِ وَفَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ب ِن ِعْ َ‬
‫م(‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫وا أ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫م َوات ّ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سُنوا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ح ل ِل ِ‬ ‫قْر ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫صاب َهُ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫َوالّر ُ‬
‫)آل عمران‪.(172-169:‬‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫مل َ‬ ‫ضيعُ عَ َ‬ ‫م أّني ل أ ِ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ب لهُ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫‪ -‬الية السادسة‪ :‬قوله تعالى‪) :‬فا ْ‬
‫هاجروا وأ ُْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ْ َِ ِ ِ ْ‬‫ر‬ ‫يا‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫جوا‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ِ َ َ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ض‬ ‫ٍ‬ ‫ن َْ‬
‫ع‬ ‫ب‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى ب َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ئا‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫لي‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫أو‬ ‫ُ‬
‫َ ّ ُْ ْ َ ّ ِِ ْ َ ْ ِ ُّ ْ َ ّ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَ‬
‫َ‬
‫ب( )آل‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وابا ً ِ‬ ‫حت َِها اْلن َْهاُر ث َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫عمران‪.(195:‬‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬الية السابعة‪ :‬قوله تعالى‪َ) :‬وال ِ‬
‫م(‬ ‫ري ٌ‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قا لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫صُروا ُأول َئ ِ َ‬ ‫ن آوَْوا وَن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫)النفال‪.(74:‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫ل الل ّهِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -‬الية الثامنة‪ :‬قوله تعالى‪) :‬ال ّ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ وَأول َئ ِ َ‬ ‫فسه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ن ي ُب َ ّ‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م أعْظ َ ُ‬
‫م د ََر َ‬ ‫م وَأن ْ ُ ِ ِ ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬‫ب ِأ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ِفيَها أَبدا ً إ ِ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫م َ‬‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِفيَها ن َِعي ٌ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن وَ َ‬‫وا ٍ‬
‫ض َ‬
‫ه وَرِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬‫ب َِر ْ‬
‫م( )التوبة‪.(22-20 :‬‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬
‫جٌر عَ ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض‬‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬
‫ت ب َعْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ُ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫‪ -‬الية التاسعة‪ :‬قوله تعالى‪َ) :‬وال ُ‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ْ‬
‫كاةَ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ي َأ ُ‬
‫م وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفيَها وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ِ‬‫ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫م( )التوبة‪:‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ أك ْب َُر ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ن وَرِ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ط َي ّب َ ً‬
‫‪.(72-71‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وال َهُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫‪ -‬الية العاشرة‪ :‬قوله تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قا ِفي‬ ‫ح ّ‬ ‫عدا عَلي ْهِ َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫قت َلو َ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫ل اللهِ فَي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ب ِأ ّ‬
‫قرآن وم َ‬
‫ذي‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫شُروا ب ِب َي ْعِك ُ ُ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ن الل ّهِ َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ‬ ‫ل َوال ْ ُ ْ ِ َ َ ْ‬ ‫جي ِ‬ ‫الت ّوَْراةِ َواْل ِن ْ ِ‬
‫م( )التوبة‪.(111:‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫م ب ِهِ وَذ َل ِ َ‬ ‫َباي َعْت ُ ْ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ فَل ْ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن قُت ِلوا ِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬الية الحادية عشر‪ :‬قوله تعالى‪َ) :‬وال ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م( )محمد‪.(6-4:‬‬ ‫ة عَّرفََها لهُ ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫خل ُهُ ُ‬ ‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫ح َبال َهُ ْ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫‪ -‬الية الثانية عشر‪ :‬قوله تعالى‪) :‬يا أ َيها ال ّذين آمنوا هَ ْ َ‬
‫ة‬
‫جاَر ٍ‬ ‫م عََلى ت ِ َ‬ ‫ل أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫سول ِهِ وَت ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ب أِليم ٍ ت ُؤْ ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫ت ُن ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫فْر لك ْ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ذ َل ِك ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫ن ط َي ّب َ ً‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫حت َِها اْلن َْهاُر وَ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ْك ُ ْ‬ ‫وَي ُد ْ ِ‬
‫م( )الصف‪.(12-10 :‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وأما الحاديث في فضائل الجهاد وما أعد الله للمجاهدين والشهداء في‬
‫دا والمتأمل في أحاديث الفضائل يجد أنه ما من عمل‬ ‫الخرة فهي كثيرة ج ً‬
‫صالح جاء في فضيلته والترغيب فيه والثناء على أهله أحاديث كثيرة لم تأت‬
‫لغيره من الصالحات كما جاء في شعيرة الجهاد؛ ومن هذه الحاديث‪:‬‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬انتدب الله لمن خرج في سبيله ل يخرجه إل‬
‫ن بي‪ ،‬وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله‬ ‫إيما ٌ‬
‫ل في‬ ‫سرية‪ ،‬ولوددت أني أقت ُ‬ ‫الجنة‪ ،‬ولول أن أشق على أمتي ما قعدت خلف َ‬
‫سبيل الله‪ ،‬ثم أحيا‪ ،‬ثم ُأقتل‪ ،‬ثم ُأحيا‪ ،‬ثم ُأقتل()‪.(41‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم‬
‫مجاهد في‬ ‫القائم القانت بآيات الله ل يفتر من صيام ول صلة حتى يرجع ال ُ‬
‫سبيل الله()‪.(42‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم‬
‫ة‪ ،‬وجبت له الجنة()‪.(43‬‬ ‫فواق ناق ِ‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪ِ) :‬إن في الجنة مائة درجةٍ أعدها الله‬
‫مجاهدين في سبيل الله؛ ما بين الدرجتين كما بين السماء والرض‪ ،‬فإذا‬ ‫لل ُ‬
‫سألتم الله فاسأُلوه ُ الفْرَدوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة‪ ،‬وفوقه عرش‬ ‫َ‬
‫الرحمن‪ ،‬ومنه تفجر أنهار الجنة()‪.(44‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم لبي سعيد‪) :‬من رضي بالله رًبا‪ ،‬وبالسلم‬
‫ي‬
‫ها عل ّ‬ ‫عد ْ َ‬ ‫ل‪ ،‬وجبت له الجنة( فعجب لها أبو سعيد‪ ،‬فقال‪ :‬أ ِ‬ ‫ديًنا‪ ،‬وبمحمد رسو ً‬
‫ُ‬
‫يا رسول الله‪ ،‬ففعل‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬وأخرى‬
‫يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء‬
‫والرض( قال‪ :‬وما هي يا رسول الله؟ قال‪) :‬الجهاد ُ في سبيل الله()‪.(45‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬من اغبّرت قدماه في سبيل الله حّرمه الله‬
‫على النار()‪.(46‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما‬
‫كا يوم القيامة()‪.(47‬‬ ‫أصابه من الغبار مس ً‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما‬
‫عليها()‪.(48‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه‪،‬‬
‫وإن مات جرى عليه الذي كان يعمله‪ ،‬وأجري عليه رزقه وأمن الفتان()‪.(49‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬إن أبواب الجنة تحت ظلل السيوف()‪.(50‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله‪،‬‬
‫أشعث رأسه‪ ،‬مغبرة قدماه‪ ،‬إن كان في الحراسة كان في الحراسة‪ ،‬وإن‬
‫كان في الساقة كان في الساقة‪ ،‬إن استأذن لم يؤذن له‪ ،‬وإن شفع لم‬
‫فع()‪.(51‬‬ ‫يُ َ‬
‫ش ّ‬

‫)‪(18 /‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ولجل هذه الفضائل كان السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم و َ‬
‫بعدهم أحرص الناس على هذه الشعيرة العظيمة؛ فتسابقوا في بذل أنفسهم‬
‫رخيصة في سبيل الله عز وجل راجين هذه الفضائل العظيمة‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫رضوان الله عز وجل ورحمته وجنته· وأسوق فيما يلي نماذج من حرص‬
‫السلف على هذه الشعيرة العظيمة‪:‬‬
‫ي بن زيد‪ ،‬عن ابن المسّيب‪ ،‬قال‪ :‬أقبل‬ ‫‪ -‬عن حماد بن سلمة‪ :‬حدثنا عل ّ‬
‫كنانته‪ ،‬وقال‪ :‬لقد علمتم‬ ‫صهيب مهاجًرا‪ ،‬واتبعه نفٌر‪ ،‬فنزل عن راحلته‪ ،‬ونثل ِ‬ ‫ُ‬
‫ي حتى أرمي بكل سهم معي‪ ،‬ثم‬ ‫م الله ل تصلون إل ّ‬ ‫أني من أرماكم‪ ،‬وأي ُ‬
‫أضرُبكم بسيفي‪ ،‬فإن شئُتم دللُتكم على مالي‪ ،‬وخّليُتم سبيلي؟ قالوا‪ :‬نفعل·‬
‫فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬ربح البيعُ أبا يحيى!(‬
‫ه( )البقرة‪ :‬من الية‬ ‫ت الل ّ ِ‬‫ضا ِ‬ ‫مْر َ‬‫ه اب ْت َِغاَء َ‬ ‫س ُ‬
‫ف َ‬ ‫ري ن َ ْ‬‫ش ِ‬‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ونزلت‪) :‬وَ ِ‬
‫‪.(52)(207‬‬
‫ت‬‫‪ -‬وقال الواقدي ‪ :‬حدثنا عبدالله بن نافع‪ ،‬عن أبيه عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬رأي ُ‬
‫من‬ ‫َ‬
‫عماًرا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح‪ :‬يا معشر المسلمين‪ ،‬أ ِ‬
‫ي! وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت‪،‬‬ ‫موا إل ّ‬ ‫فّرون‪ ،‬أنا عماُر بن ياسر‪ ،‬هل ّ‬ ‫الجنة ت َ ِ‬
‫ل أشد القتال")‪.(53‬‬ ‫ب وهو ُيقات ُ‬ ‫فهي ت َذ َب ْذ َ ُ‬
‫‪ -‬وقال ابن الجوزي في ترجمة سعد بن خيثمة ‪ :‬يكنى أبا عبدالله‪ ،‬أحد نقباء‬
‫النصار الثنا عشر· شهد العقبة الخيرة مع السبعين· ولما ندب رسول الله‬
‫س إلى غزوة بدر قال له أبوه خيثمة‪ :‬إنه ل بد‬ ‫صلى الله عليه وسلم النا َ‬
‫لحدنا أن يقيم‪ ،‬فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك· فأبى سعد وقال‪ :‬لو كان‬
‫غير الجنة آثرتك به‪ ،‬إني لرجو الشهادة في وجهي هذا فاسّتهما فخرج سهم‬
‫سعد فخرج فقتل ببدر)‪.(54‬‬
‫دا‬
‫عيينة عن ابن أبي خالد‪ ،‬عن مولى لل خالد بن الوليد أن خال ً‬ ‫‪ -‬وعن ابن ُ‬
‫ي من ليلة‬ ‫ب إل ّ‬ ‫ب أح ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ِ‬
‫س أنا لها ُ‬ ‫ي فيها عرو ٌ‬ ‫قال‪ :‬ما من ليلة ُيهدى إل ّ‬
‫ح فيها العَد ُّو)‪.(55‬‬ ‫ُ‬
‫صب ّ ُ‬ ‫شديدة البرد‪ ،‬كثيرة الجليد في سري ّةٍ أ َ‬
‫فير قال ‪ :‬جلسنا إلى المقداد بن السود بدمشق وهو يحدثنا‬ ‫جبير بن ن ُ َ‬ ‫‪ -‬وعن ُ‬
‫وهو على تابوت ما به عنه فضل‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬لو قعدت العام عن الغزو؟‬
‫فُروا‬
‫قال‪ :‬أبت البحوث ‪ -‬يعني سورة التوبة ‪ -‬قال الله تبارك وتعالى‪) :‬ان ْ ِ‬
‫ل( قال أبو عثمان‪ :‬بحثت المنافقين)‪.(56‬‬ ‫قا ً‬ ‫فافا ً وَث ِ َ‬
‫خ َ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬وعن خارجة بن زيد بن ثابت‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬بعثني النبي صلى الله عليه‬
‫ُ‬
‫ره مني‬ ‫ن رأيَته‪ ،‬فأقْ ِ‬ ‫وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع‪ ،‬فقال لي‪ :‬إ ْ‬
‫ت بين القتلى‪،‬‬ ‫السلم‪ ،‬وقل له‪ :‬يقول لك رسول الله‪ :‬كيف تجدك؟ فطف ُ‬
‫فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة فأخبرته‪ ،‬فقال‪ :‬على رسول الله‬
‫السلم وعليك‪ ،‬قل له‪ :‬يا رسول الله! أجد ريح الجنة‪ ،‬وقل لقومي النصار‪ :‬ل‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم‬ ‫خل ِ َ‬‫عذر لكم عند الله إن ُ‬
‫فر يطرف‪ ،‬قال‪ :‬وفاضت نفسه رضي الله عنه)‪.(57‬‬ ‫ش ْ‬
‫ن أبا طلحة قرأ‪:‬‬ ‫ن سلمة‪ ،‬عن ثابت وعلي بن زيد‪ ،‬عن أنس‪ :‬أ ّ‬ ‫مادِ ب ِ‬‫ح ّ‬‫‪ -‬وعن َ‬
‫ل( فقال‪ :‬استنفرنا الله‪ ،‬وأمرنا شيوخنا وشبابنا‪ ،‬جهزوني·‬ ‫قا ً‬‫فافا ً وَث ِ َ‬
‫خ َ‬‫فُروا ِ‬
‫)ان ْ ِ‬
‫مك الله! إنك قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه‬ ‫فقال بنوه‪ :‬يرح ُ‬
‫وسلم‪ ،‬وأبي بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬ونحن نغزو عنك الن· قال‪ :‬فغزا البحر‪ ،‬فمات‪ ،‬فلم‬
‫يجدوا له جزيرة يدفنوَنه فيها إل ّ بعد سبعة أيام‪ ،‬فلم يتغير)‪.(58‬‬
‫ما‬
‫‪ -‬وعن أنس رضي الله عنه قال ‪" :‬بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقوا ً‬
‫من بني سليم إلى بني عامر في سبعين فلما قدموا قال لهم خالي‪:‬‬
‫أتقدمكم‪ ،‬فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإل‬
‫منوه‪ ،‬فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه‬ ‫كنتم مني قريًبا‪ ،‬فتقدم فأ ّ‬
‫وسلم إذ أومؤوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه فقال‪ :‬الله أكبر‪ ،‬فزت ورب‬
‫الكعبة· ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إل رجل أعرج صعد الجبل‪ ،‬فأخبر‬
‫جبريل عليه السلم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لقوا ربهم فرضي عنهم‬
‫وأرضاهم ··")‪.(59‬‬
‫ب! أنزل‬ ‫‪ -‬وعن ثابت البناني عن ابن أبي ليلى‪ ،‬أن ابن أم مكتوم قال‪ :‬أي ر ّ‬
‫ُ‬
‫ضَرِر( )النساء‪ :‬من الية ‪ .(95‬فكان بعد ُ يغزو‬ ‫عذري· فأنزلت )غَي ُْر أوِلي ال ّ‬
‫ي اللواَء‪ ،‬فإني أعمى ل أستطيع أن أفِّر‪ ،‬وأقيموني بين‬ ‫ل‪ :‬ادفعوا إل ّ‬ ‫ويقو ُ‬
‫الصفين)‪.(60‬‬
‫ي صلى الله‬ ‫‪ -‬وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت ‪ :‬لما توجه النب ّ‬
‫عليه وسلم من مكة حمل أبو بكر معه جميع ماله ‪ -‬خمسة آلف‪ ،‬أو ستة‬
‫مي‪ ،‬فقال‪ :‬إن هذا قد فجعكم بماله‬ ‫دي أبو ُقحافة وقد ع ِ‬ ‫آلف ‪ -‬فأتاني ج ّ‬
‫ن في‬ ‫ْ‬
‫ت إلى أحجاِر‪ ،‬فجعَلُته ّ‬ ‫ت‪ :‬كل‪ ،‬قد ترك لنا خيًرا كثيًرا· فعمد ُ‬ ‫ونفسه· فقل ُ‬
‫ت‪:‬‬
‫ت بيده‪ ،‬ووضعُتها على الثوب‪ ،‬فقل ُ‬ ‫ت عليها بثوب‪ ،‬ثم أخذ ُ‬ ‫وة البيت‪ ،‬وغطي ُ‬ ‫ك ّ‬
‫ما إذ ْ ترك لكم هذا فنعم)‪.(61‬‬ ‫َ‬
‫هذا تركه لنا· فقال‪ :‬أ َ‬

‫)‪(19 /‬‬

‫ة‪،‬‬
‫دا الوفا ُ‬
‫‪ -‬وروى عاصم بن بهدلة عن أبي وائل أظن قال‪ :‬لما حضرت خال ً‬
‫در لي إل أن أموت على فراشي· وما‬ ‫ق ّ‬
‫ت القتل مظاّنه فلم ي ُ َ‬ ‫قال‪ :‬لقد طلب ُ‬
‫من عملي شيٌء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بّتها وأنا متترس‪ ،‬والسماء‬
‫ت فانظروا إلى‬ ‫تهّلني ننتظر الصبح حتى ُنغيَر على الكفار· ثم قال‪ :‬إذا م ّ‬
‫سلحي وفرسي‪ ،‬فاجعلوه عدة في سبيل الله· فلما ُتوفي‪ ،‬خرج عمر على‬
‫موعهن ما‬ ‫ن على خالد من د ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬
‫س َ‬
‫جنازته‪ ،‬فذكر قوله‪ :‬ما على آل الوليد أن ي َ ْ‬
‫ة)‪.(62‬‬
‫ق ً‬‫قل َ َ‬
‫قًعا أو ل َ ْ‬‫لم يكن ن َ ْ‬
‫‪ -‬ومن ترجمة أبي عقيل عبدالرحمن بن ثعلبة ‪ -‬وهو بدري شهد المشاهد كلها‬
‫مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬روى ابن الجوزي عن جعفر بن‬
‫عبدالله بن أسلم قال‪ :‬لما كان يوم اليمامة واصطف الناس كان أول من‬
‫مقتل‪ ،‬فأخرج‬ ‫قيل؛ ُرمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاِده في غير َ‬ ‫جرح أبو عَ ِ‬ ‫ُ‬
‫جّر إلى الرحل· فلما حمي‬ ‫قه اليسر في أول النهار‪ ،‬و ُ‬ ‫هن له ش ّ‬ ‫السهم وو َ‬
‫القتال وانهزم المسلمون وجاوزوا رحالهم‪ ،‬وأبو عقيل واهن من جرحه‪ ،‬سمع‬
‫معن بن عدي يصيح يا للنصار! الله الله والكّرة على عدوكم· قال عبدالله بن‬
‫وه‬‫عمر‪ :‬فنهض أبو عقيل يريد قومه‪ ،‬فقلت‪ :‬ما تريد؟ ما فيك قتال· قال‪ :‬فد ن ّ‬
‫المنادي باسمي قال ابن عمر‪ :‬فقلت له‪ :‬إنما يقول‪ :‬يا للنصار‪ ،‬ول يعني‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وا· قال ابن عمر‪:‬‬ ‫حب ْ ً‬‫الجرحى· قال أبو عقيل‪ :‬أنا من النصار‪ ،‬وأنا أجيبه ولو َ‬
‫فتحّزم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى‪ ،‬ثم جعل ينادي‪ :‬يا للنصار‪ ،‬كَرةً‬
‫دموا فالمسلمون دريئة دون‬ ‫حنين فاجتمعوا رحمكم الله جميعا ً تق ّ‬ ‫كيوم ُ‬
‫عدوهم‪ ،‬حتى أقحموا عدّوهم الحديقة فاختلطوا واختلفت السيوف بيننا‬
‫وبينهم· قال ابن عمر‪ :‬فنظرت إلى أبي عقيل وقد ُقطعت يده المجروحة من‬
‫حا كلها قد خلصت‬ ‫ت إلى الرض وبه من الجراح أربعة عشر جر ً‬ ‫المنكب فوقع ْ‬
‫إلى مقتل‪ ،‬وُقتل عدو الله مسيلمة· قال ابن عمر فوقفت على أبي عقيل‬
‫وهو صريع بآخر رمق فقلت‪ :‬يا أبا عقيل! قال‪ :‬لبيك ‪ -‬بلسان ملتاث )‪-(63‬‬
‫دبَرة)‪.(64‬؟ قلت‪ :‬أبشر قد قتل عدو الله· فرفع إصبعه إلى السماء‬ ‫لمن ال َ‬
‫يحمد الله· ومات يرحمه الله·‬
‫قال ابن عمر‪ :‬فأخبرت عمر‪ ،‬بعد أن قدمت‪ ،‬خبره كله· فقال‪ :‬رحمه الله؛ ما‬
‫زال يسعى للشهادة ويطلبها‪ ،‬وإن كان ‪ -‬ما علمت ‪ -‬من خيار أصحاب نبينا‬
‫صلى الله عليه وسلم وقديم إسلمهم رضي الله عنهم)‪.(65‬‬
‫‪ -‬ومن ترجمة واثلة بن السقع رضي الله عنه‪ :‬عن محمد بن سعد قال‪ :‬أتى‬
‫واثلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معه الصبح· وكان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا صلى وانصرف تصفح أصحابه· فلما دنا من واثلة‬
‫قال‪ :‬من أنت؟ فأخبره فقال‪ :‬ما جاء بك؟ قال‪ :‬جئت أبايع· فقال رسول الله‬
‫ت؟ قال‪ :‬نعم· قال‪ :‬فيما أطقت؟‬ ‫ت وكره َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬فيما أحبب َ‬
‫قال‪ :‬نعم· فأسلم وبايعه)‪.(66‬‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز يومئذ إلى تبوك فخرج واثلة‬
‫إلى أهله فلقي أباه السقع فلما رأى حاله قال‪ :‬قد فعلتها؟ قال‪ :‬نعم· قال‬
‫أبوه‪ :‬والله ل أكلمك أبدًا· فأتى عمه فسلم عليه‪ ،‬فقال‪ :‬قد فعلتها؟ قال‪ :‬نعم·‬
‫فلمه أيسر من ملمة أبيه وقال‪ :‬لم يكن ينبغي لك أن تسبقنا بأمر· فسمعت‬
‫ى‬
‫أخت واثلة كلمه فخرجت إليه وسلمت عليه بتحية السلم· فقال واثلة‪ :‬أن ّ‬
‫ك هذا يا أخّية؟ قالت‪ :‬سمعت كلمك وكلم عمك فأسلمت· فقال‪ :‬جّهزي‬ ‫ل ِ‬
‫أخاك جهاَز غاٍز؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم على جناح سفر·‬ ‫َ‬
‫مل إلى تبوك وبقي‬ ‫فجهزته فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم قد تح ّ‬
‫ت)‪ (67‬من الناس وهم على الشخوص)‪ (68‬فجعل ينادي بسوق بني‬ ‫غُّبرا ٌ‬
‫قينقاع‪ :‬من يحملني وله سهمي؟ قال‪ :‬وكنت رجل ً ل ِرحلة)‪ (69‬بي‪ .‬قال‪:‬‬
‫جرة فقال‪ :‬أنا أحملك عقبة بالليل وعقبة بالنهار ويدك‬ ‫فدعاني كعب بن عُ ْ‬
‫أسوة يدي وسهمك لي· قال واثلة‪ :‬نعم· قال واثلة‪ :‬جزاه الله خيًرا لقد كان‬
‫يحملني ويزيدني وآكل معه ويرفع لي‪ ،‬حتى إذا بعث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبدالملك بدومة الجندل خرج كعب‬
‫في جيش خالد وخرجت معه فأصبنا فيًئا كثيًرا فقسمه خالد بيننا فأصابني‬
‫ست قلئص)‪ (70‬فأقبلت أسوقها حتى جئت بها خيمة كعب بن عجرة فقلت‪:‬‬
‫اخرج رحمك الله فانظر إلى قلئصك فاقبضها· فخرج وهو يبتسم ويقول‪:‬‬
‫بارك الله لك فيها ما حملتك وأنا أريد أن آخذ منك شيًئا)‪.(71‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫‪ -‬وعن عبدالله بن قيس أبي أمّية الغفاري قال‪ :‬كنا في غزاة لنا فحضر‬
‫عدوهم فصيح في الناس فهم يثوبون إلى مصافهم‪ ،‬إذا رجل أمامي‪ ،‬رأس‬
‫فرسي عند عجز فرسه‪ ،‬وهو يخاطب نفسه ويقول‪ :‬أي نفس ألم أشهد‬
‫ت؟ ألم أشهد مشهد‬
‫مشهد كذا وكذا فقلت لي‪ :‬أهلك وعيالك‪ ،‬فأطعُتك ورجع ُ‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كذا وكذا فقلت‪ :‬أهلك وعيالك فأطعتك ورجعت؟ والله لعرضّنك اليوم على‬
‫س على‬ ‫الله‪ ،‬أخذك أو تركك· فقلت‪ :‬لرمقنه اليوم· فرمقته فحمل النا ُ‬
‫عدوهم فكان في أوائلهم‪ ،‬ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا فكان في‬
‫حماتهم‪ ،‬ثم إن الناس حملوا فكانوا في أوائلهم‪ ،‬ثم حمل العدو وانكشف‬
‫الناس فكان في حماتهم· قال‪ :‬فوالله ما زال ذلك دأبه حتى رأيته صريًعا·‬
‫ت به وبدابته ستين‪ ،‬أو أكثر من ستين طعنة)‪.(72‬‬ ‫فعدد ُ‬
‫‪ -‬وعن ابن المبارك عن السري بن يحيى‪ ،‬حدثنا العلء بن هلل أن رجل ً قال‬
‫ت شهدة‪ ،‬وُأعطيت شهدتين‪ ،‬فقال‬ ‫لصلة‪ :‬يا أبا الصهباء! رأيت أني أعطي ُ‬
‫ك بسجستان‬ ‫تستشهد وأنا وابني‪ ،‬فلما كان يوم يزيد بن زياد؛ لقيتهم التر ُ‬
‫فانهزموا· وقال صلة‪ :‬يا ُبني ارجع إلى أمك· قال‪ :‬يا أبة؛ تريد ُ الخير لنفسك‪،‬‬
‫وتأمرني بالرجوع! قال فتقدم‪ ،‬فتقدم‪ ،‬فقاتل حتى أصيب فرمى صلة عن‬
‫جسده ‪ -‬وكان رامًيا ‪ -‬حتى تفرقوا عنه فأقبل حتى قام عليه فدعا له ثم قاتل‬
‫حتى قتل رحمه الله)‪.(73‬‬
‫ة كان في الغزو‪ ،‬ومعه ابنه‪،‬‬ ‫َ‬
‫صل َ‬‫‪ -‬وقال حماد بن سلمة ‪ :‬أخبرنا ثابت أن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حَتسبك‪ ،‬فحمل‪ ،‬فقاتل‪ ،‬حتى قت ِل‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬
‫م‪ ،‬فقاتل حتى أ ْ‬ ‫فقال‪ :‬أي ب َُني! تقد ّ ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫قتل‪ ،‬فاجتمع النساُء عند امرأته معاذة‪ ،‬فقالت‪ :‬مرحبا إن كن ْت ُ ّ‬ ‫صل َ ُ‬
‫ة‪ ،‬ف ُ‬ ‫دم ِ‬ ‫تق ّ‬
‫ن)‪.(74‬‬‫ْ َ‬ ‫ع‬‫فارج‬ ‫ذلك‪،‬‬ ‫لغير‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫جئ‬
‫ُ ّ ِ ُ ّ‬‫ن‬‫ت‬ ‫ُ‬
‫كن‬ ‫وإن‬ ‫نئنني‪،‬‬‫جئت ُ ّ ُ ّ‬
‫ته‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫سؤال وجوابه‪:‬‬
‫بعد ذكر هذه الفضائل والثمار العظيمة للجهاد والمجاهدين في سبيل الله عز‬
‫وجل يتبادر إلى الذهن سؤال جدير بالجواب أل وهو‪ :‬لماذا هذه الفضائل‬
‫العظيمة التي ُأعدت للمجاهدين والشهداء في سبيل الله عز وجل دون‬
‫غيرهم؟‬
‫الجواب ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬يكمن في معرفة غاية الجهاد وبواعثه في نفس‬
‫المؤمن· وقد مر بنا في مقدمة سابقة أنه تعبد لله تعالى ومحك حقيقي‬
‫لمحبة الله عز وجل؛ فالجهاد في سبيل الله تعالى وبذل الروح رخيصة له‬
‫سبحانه أكبر دليل على صدق المحبة والعبودية لله تعالى؛ والتي يستحق‬
‫صاحبها هذه الفضائل العظيمة دون غيرها من العمال·‬
‫كما أن تقديم الروح في سبيل الله عز وجل لجل أن ينتشر التوحيد والعدل‬
‫في الرض‪ ،‬ويكون الدين كله لله‪ ،‬وينجو الناس من عبادة العباد إلى عبادة‬
‫ضا عمل شريف كريم عظيم يستحق صاحبه هذه الفضائل‬ ‫رب العباد لهو أي ً‬
‫العظيمة؛ حيث بذل نفسه في سبيل الله تعالى حتى ينجو بموته فئام من‬
‫الناس ويخرجون من الظلمات إلى النور ومن الجحيم إلى النعيم؛ فأكرم به‬
‫من عمل وأعظم بها من غاية·‬
‫وفي هذا يستطرد الستاذ المودودي رحمه الله تعالى حيث يقول‪" :‬ما سبب‬
‫فضل الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وسبب امتداحه بهذا الشكل؟ ولماذا يقال‬
‫للمجاهدين في سبيل الله مرة بعد مرة إنهم هم الفائزون‪ ،‬وإن لهم الدرجات‬
‫جه مثل هذا التحذير للقاعدين في بيوتهم ل يشاركون في هذا‬ ‫العليا؟ ولماذا وُ ّ‬
‫الجهاد؟‬

‫)‪(21 /‬‬

‫إن الجابة على هذا السؤال تستلزم مراجعة النظر مرة ثانية في تلك اليات‬
‫التي ورد فيها ذكر حكم الجهاد وفضله‪ ،‬ومساوئ الفرار منه؛ ففي هذه اليات‬
‫لم يرد معنى الفوز والعظمة في أي موضع بالحصول على المال والثروة‪،‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جن‪" :‬إذا فزت في هذا القتال‬ ‫والملك والسلطان مثلما كان كرشن يقول لر ُ‬
‫فسوف تنال ملك الدنيا" )جيتا ‪ ،(2:73‬فمثل هذا لم يرد في القرآن‪ ،‬ولم‬
‫يحث القرآن المجاهدين على القتال في سبيل الله لينالوا مقابله ثروة الدنيا‬
‫وسلطانها‪ ،‬بل على العكس من هذا كلما ذكرت ثمار الجهاد في سبيل الله‬
‫ل عند الله‪،‬‬ ‫كان ذكرها مقترنا بمرضاة الله فقط‪ ،‬والحصول على مقام عا ٍ‬
‫والنجاة من العذاب الليم· وقد أرشد رب العزة عباده إلى أن الخروج في‬
‫سبيل الله أفضل من سقاية الحاج وعمارة البيت ‪ -‬وكانتا من أكبر مصادر‬
‫خا ‪ -‬ولم يذكر للجهاد من ثمرة سوى‪:‬‬ ‫الدخل عند العرب‪ ،‬وأعظمها أثًرا ورسو ً‬
‫"أعظم درجة عند الله")‪ ،(75‬وفي مكان آخر أرشد عباده وعلمهم قاعدة من‬
‫قواعد التجارة يظن منها أنه يذكر الثروة والمال‪ ،‬ولكن بعد قليل نلحظ أن‬
‫حقيقة هذه التجارة أو رأسمالها هو التضحية بالروح والمال في سبيل الله‪،‬‬
‫والثمرة ‪ -‬أي ثمرة هذه التجارة ‪ -‬هي النجاة من العذاب‪ ،‬وفي موضع آخر‬
‫يحذر ويعنف الهاربين من القتال لنهم أصبحوا أسرى لمحبة زوجاتهم‬
‫وأولدهم‪ ،‬وأنهم يخشون على أموالهم التي كسبوها‪ ،‬ويخشون كساد‬
‫تجارتهم‪ ،‬بينما المجاهدون في سبيل الله يقاتلون في هذه الدنيا وينتصرون‬
‫ويفتحون البلد‪ ،‬ويحصلون على أموال طائلة‪ ،‬وتزدهر تجارتهم‪ ،‬ويجدون‬
‫مساكن يسلبونها من المة المغلوبة‪ ،‬إل أن هذا ليس هو المقصود بالجهاد ··‬
‫فإذا لم يكن المقصود من هذا الجهاد ثروة الدنيا وسلطانها فماذا ينال من هذا‬
‫القتال حتى يعد عباده المقاتلين بالدرجات العليا؟ وماذا في هذا العمل‬
‫الخطير حتى يجعل من أقدام المهرولين إليه المثيرة للغبار مورًدا للطفه‬
‫وعنايته؟ ثم أي نجاح وأي فوز يكمن فيه حتى يقال "مرة بعد مرة" عن‬
‫ن(‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫المقاتلين في هذه الحروب الشديدة إنهم هم الفائزون )وَُأول َئ ِ َ‬
‫)التوبة‪ :‬من الية ‪ (20‬؟!·‬
‫هّ‬
‫ول د َفْعُ الل ِ‬ ‫َ‬
‫إن الجابة على جميع هذه التساؤلت تكمن في قوله تعالى‪) :‬وَل ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فعَلوهُ‬ ‫ض( )البقرة‪ :‬من الية ‪) ،(251‬إ ِل ت َ ْ‬ ‫ت اْلْر ُ‬‫سد َ ِ‬‫ف َ‬ ‫ض لَ َ‬
‫م ب ِب ََعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ‬
‫س ب َعْ َ‬ ‫الّنا َ‬
‫ساد ٌ كِبيٌر( )النفال‪ :‬من الية ‪(73‬؛ فالله ل يريد أن‬ ‫َ‬ ‫ض وَفَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َك ُ ْ‬
‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬
‫تنتشر الفتن وينتشر الفساد على أرضه‪ ،‬وهو ل يقبل أن يتعذب عباده دون‬
‫ذنب‪ ،‬أو أن يحل بهم الدمار والبلء‪ ،‬ول يحب أن يأكل القوي الضعيف‪ ،‬وأن‬
‫يسلبه أمنه وطمأنينته‪ ،‬أو أن يصاب عباده في حياتهم الخلقية والنفسية‬
‫والمادية‪ ،‬وهو ل يرضى أن تنتشر أعمال السوء والشر في الدنيا‪ ،‬وأن ينتشر‬
‫الظلم والجحاف والقتل والغزو‪ ،‬كما ل يقبل أن يصبح عباده عباًدا لمخلوقيه‬
‫من بقية العباد فيلطخوا شرفهم النساني بجراح الذلة والهوان‪ ،‬وبعد كل هذا‬
‫فالجماعة التي تنهض لتطهير العالم من هذه الفتنة وتخلصه من الظلم‪،‬‬
‫وتقيم العدل دون رغبة في نيل جزاء‪ ،‬وبغير أي طمع في ثروة أو في مال‪،‬‬
‫وتضحي في سبيل هذا العمل الطيب بروحها وبمالها وبمصالحها التجارية‬
‫وبحبها لبنائها وآبائها وأخوتها‪ ،‬وبراحتها داخل بيتها ·· أهناك من هو أحق منها‬
‫بمحبة الله ومرضاته؟ ··‬
‫هذه هي فضيلة الجهاد في سبيل الله التي جعلته يحتل الدرجة العليا بين‬
‫جميع العمال النسانية بعد اليمان بالله")‪.(76‬‬
‫المقدمة الخامسة‬
‫مخاطر ترك الجهاد في سبيل الله‬
‫بعد أن تبين لنا في المقدمة السابقة فضل الجهاد وثمرته في الدنيا والخرة‬
‫فإنه يسهل علينا في هذه المقدمة الحديث عن مخاطر ترك الجهاد‬
‫والستعداد له‪ ،‬وما يترتب على ذلك من المفاسد والشرور والعواقب السيئة‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الدنيا والخرة·‬


‫ويكفي أن نعكس الفضائل والثمار السابقة لتظهر لنا تلك العواقب السيئة‬
‫المضادة لتلك العواقب والثمار الحميدة‪ ،‬وقد عد أهل العلم ترك الجهاد‬
‫العيني من كبائر الذنوب·‬
‫يقول ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر‪" :‬الكبيرة التسعون والحادية‬
‫والثانية والتسعون بعد الثلثمائة‪ :‬ترك الجهاد عند تعينه؛ بأن دخل الحربيون‬
‫ما وأمكن تخليصه منهم‪ ،‬وترك الناس الجهاد من‬ ‫دار السلم أو أخذوا مسل ً‬
‫أصله‪ ،‬وترك أهل القليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلء‬
‫الكفار بسبب ترك ذلك التحصين")‪.(77‬‬
‫ولذلك كان ترك الجهاد وعدم الستعداد له علمة على النفاق قال "‪) :‬من‬
‫مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق()‪.(78‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫وقد عده الله عز وجل علمة على عدم اليمان باليوم الخر‪ ،‬أو ضعف اليقين‬
‫دوا‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬
‫ك ال ّذين يؤْمنون بالل ّه وال ْيوم اْل ِ َ‬
‫خرِ أ ْ‬ ‫ِ َ ُ ِ ُ َ ِ ِ َْ َ ْ ِ‬ ‫ست َأ ْذِن ُ َ‬ ‫به فقال تعالى‪) :‬ل ي َ ْ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ِبالل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ست َأذِن ُك ال ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫م ِبال ُ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫ج‬‫خُرو َ‬ ‫ن وَل َوْ أ ََراُدوا ال ْ ُ‬ ‫م ي َت ََرد ُّدو َ‬ ‫م ِفي َري ْب ِهِ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خرِ َواْرَتاب َ ْ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫ن(‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫دوا َ‬ ‫ل اقْعُ ُ‬ ‫م وَِقي َ‬ ‫م فَث َب ّط َهُ ْ‬ ‫ه ان ْب َِعاث َهُ ْ‬ ‫ن ك َرِهَ الل ّ ُ‬ ‫ه عُد ّة ً وَل َك ِ ْ‬ ‫دوا ل َ ُ‬ ‫َل َعَ ّ‬
‫)التوبة‪.(46-44:‬‬
‫ويمكن تفصيل المخاطر والعواقب السيئة لترك الجهاد فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ترك الجهاد كما مضى كبيرة من الكبائر؛ لن فيه تعريض النفس لسخط‬
‫الله عز وجل وعقابه في الدنيا والخرة·‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ضّروهُ‬ ‫م َول ت َ ُ‬ ‫وما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫ذابا ً أِليما وَي َ ْ‬
‫ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫فُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫قال تعالى‪) :‬إ ِل ّ ت َن ْ ِ‬
‫ديٌر( )التوبة‪.(39:‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫شْيئا ً َوالل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى‪) :‬قُ ْ‬
‫م‬‫شيَرت ُك ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْناؤُك ْ‬ ‫ن آَباؤُك ْ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ل إِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ب إ ِلي ْك ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ساك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫نك َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫وَأ ْ‬
‫الل ّه ورسوله وجهاد في سبيله فَتربصوا حتى يأ ْتي الل ّ َ‬
‫دي‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫َ ِ ِ ِ ََ ّ ُ‬ ‫ِ ََ ُ ِ ِ َ ِ َ ٍ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‬‫جب َت ْك ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ن كِثيَرةٍ وَي َوْ َ‬ ‫واط ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫صَرك ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫قو ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫م وَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م اْلْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُ ْ‬ ‫م َ ت ُغْ ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫ك َث َْرت ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫جُنودا ً ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ل ُ‬ ‫ن وَأن َْز َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م أن َْز َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن( )التوبة‪.(26:‬‬ ‫ِ ِ َ‬‫ري‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫زا‬ ‫َ َ‬ ‫ج‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫ّ‬
‫تَ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ذ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫ويصف المام ابن القيم رحمه الله تعالى الذين يهملون المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله بأنهم أقل الناس ديًنا وأمقتهم إلى‬
‫الله تعالى؛ فيقول‪ :‬صلى الله عليه وسلموأما الجهاد‪ ،‬والمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر والنصيحة لله ورسوله وعباده‪ ،‬ونصرة الله ورسوله ودينه‬
‫وكتابه؛ فهذه الواجبات ل تخطر ببالهم فضل ً عن أن يريدوا فعلها‪ ،‬وفضل ً عن‬
‫أن يفعلوها· وأقل الناس ديًنا وأمقتهم إلى الله من ترك هذه الواجبات وإن‬
‫مّر وجهه ويمعره لله‬ ‫ح َ‬ ‫ل أن ترى منهم من ي َ ْ‬ ‫زهد في الدنيا جميعها‪ ،‬وقَ ّ‬
‫ويغضب لحرماته‪ ،‬ويبذل عرضه في نصرة دينه· وأصحاب الكبائر أحسن حال ً‬
‫عند الله من هؤلء")‪.(79‬‬
‫إًذا فترك الجهاد في سبيل الله سبب للهلك في الدنيا والخرة؛ وهذا ما يفهم‬
‫َ‬ ‫من قوله تعالى‪) :‬وَأ َن ْفِ ُ‬
‫م إ َِلى الت ّهْل ُك َ ِ‬
‫ة‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫قوا ب ِأي ْ ِ‬ ‫ل الل ّهِ َول ت ُل ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬
‫َ‬
‫ن( )البقرة‪.(195:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سُنوا إ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَأ ْ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن كثير‪" :‬وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي‬
‫عمران قال‪ :‬حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى‬
‫خرقه ‪ -‬ومعنا أبو أيوب النصاري ‪ -‬فقال أناس‪ :‬ألقى بيده إلى التهلكة· فقال‬
‫أبو أيوب‪ :‬نحن أعلم بهذه الية؛ إنما نزلت فينا؛ صحبنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه‪ ،‬فلما فشا السلم وظهر اجتمعنا‬
‫معشر النصار نجًيا فقلنا‪ :‬قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫ونصره حتى فشا السلم وكثر أهله ‪ -‬وكنا قد آثرناه على الهلين والموال‬
‫والولد ‪ -‬وقد وضعت الحرب أوزارها‪ ،‬فنرجع إلى أهلينا وأولدنا فنقيم فيهم‬
‫َ‬ ‫فنزل فينا‪) :‬وَأ َن ْفِ ُ‬
‫ة( )البقرة‪ :‬من‬ ‫م إ َِلى الت ّهْل ُك َ ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫قوا ب ِأي ْ ِ‬‫ل الل ّهِ َول ت ُل ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬
‫الية ‪ .(195‬فكانت التهلكة‪ :‬القامة في الهل والمال وترك الجهاد")‪.(80‬‬
‫قا‬‫كما أن في ترك الجهاد إضعاًفا لعقيدة الولء والبراء؛ وذلك كما مر بنا ساب ً‬
‫أن عقيدة الولء والبراء تتناسب طرًدا مع المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫والجهاد في سبيل الله عز وجل؛ فكلما ركن العبد عن الجهاد ضعفت عقيدة‬
‫الولء والبراء وأصابها الوهن؛ وكفى بذلك خطًرا·‬
‫‪ -2‬بترك الجهاد يفشو الشرك والظلم ويعلو الكفر وأهله ويستعبد الناس‬
‫ضا‪ ،‬ول يخفى ما في ذلك من الشقاء والتعاسة والفساد الكبير على‬ ‫بعضهم بع ً‬
‫ض‬ ‫ر‬‫ت اْل َ‬ ‫د‬
‫َ َ ِ‬‫س‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬‫)‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫الناس قال‬
‫ْ ُ‬ ‫ِ ّ َ َ ْ َ ُ ْ َِْ ٍ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫ن( )البقرة‪ :‬من الية ‪ ،(251‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ل عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫وَل َك ِ ّ‬
‫جد ُ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬
‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل َهُد ّ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫)وَل َ ْ‬
‫زيٌز(‬‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل َي َن ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬
‫)الحج‪ :‬من الية ‪.(40‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫"فلول أن الله يدفع الكافرين بجهاد المؤمنين‪ ،‬ويكبت الكفار ويذلهم لعتلوا‬
‫على المؤمنين‪ ،‬وإذا اعتلى الكافر جعل الناس يعبدونه هو من دون الله‬
‫دا فسدت حياتهم كلها؛ لن‬ ‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وإذا عبد الناس من دون الله أح ً‬
‫الحياة ل تستقيم إل إذا سارت على المنهج الذي رسمه الله؛ وهو المنهج‬
‫الذي يحقق العبودية لله‪ ،‬ويحقق الخلق الرفيعة والفضائل الحميدة للبشر؛‬
‫فالذي رسم المنهج هو الله الذي خلق الحياة والحياء العالم بما يصلحهم‪ ،‬أما‬
‫إذا اعتلى كافر على الرض وشرع للناس من عند نفسه فإنه ل يعلم جميع‬
‫المور‪ ،‬وليس مبرأ من النقص والهوى‪ ،‬ول يعلم ما الذي يصلح النفس‬
‫البشرية فيتخبط خبط عشواء ويفسد الحياة كما هو الحال اليوم· ونظرة على‬
‫الواقع الذي يعتلي فيه كافر كافية بتقرير هذه الحقيقة‪ ،‬ولول تخاذل‬
‫المسلمين عن الجهاد الذي أمر الله به لصلحت حياة الناس الذين يحكمون‬
‫بشرع الله· لجل هذا شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد حتى مع‬
‫المام الفاجر الذي لم يصل إلى درجة الكفر؛ لن بقاء السلم وأهله يحكمهم‬
‫فاسق خير لهم من أن يحكمهم كافر يحكم بغير ما أنزل الله؛ فإن الحكم‬
‫بغير ما أنزل الله هو سبب فساد الرض")‪.(81‬‬
‫‪ -3‬ترك الجهاد سبب للذل والهوان كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)لئن تركتم الجهاد وأخذتم بأذناب البقر وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم الله مذلة‬
‫في رقابكم ل تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا إلى ما كنتم عليه()‬
‫‪.(82‬‬
‫وهذا أمر مشاهد وبارز في عصرنا اليوم؛ حيث تسلط الكفار على بلدان‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين‪ ،‬وعاش المسلمون في مؤخرة الركب؛ يأكل الكفار خيراتهم‪،‬‬


‫ويتدخلون في شؤونهم‪ ،‬ويتسلطون عليهم بأنواع الذلة والمهانة؛ وما ذاك إل‬
‫بتعطيل أحكام الله وترك الحتكام إلى شرعه‪ ،‬ومن ذلك تعطيل شعيرة‬
‫الجهاد·‬
‫وإن الكفار لن يلتفتوا إلى حقوق المسلمين ويراجعوا حساباتهم ويكفوا‬
‫شرهم بمجرد الدانات والشجب والكلم الجوف‪ ،‬وإنما الذي يخيفهم‬
‫ويجعلهم يكفون عن المسلمين وديارهم هو الجهاد في سبيل الله تعالى الذي‬
‫فيه كبت للكفر وأهله‪ ،‬وفيه إعزاز وكرامة للمسلمين·‬
‫وهذا أمر يشهد له التاريخ كما يشهد له الواقع؛ فما من مكان علت فيه راية‬
‫الجهاد إل وشعر المسلمون فيه بالعزة‪ ،‬وخاف أعداء الله الكفرة من تكبيرات‬
‫المجاهدين وتضحياتهم)‪.(83‬‬
‫"فإذا وجد إحساس لدى أمة ما بضرورة دفع الشر عن نفسها‪ ،‬وضحت في‬
‫سبيل ذلك براحتها ومتعها وثروتها ومالها‪ ،‬وبشهواتها النفسية‪ ،‬وبروحها وبكل‬
‫دا أن تظل أمة ذليلة مستضعفة‪ ،‬ول يمكن لية‬ ‫عزيز لديها؛ فإنها ل يمكن أب ً‬
‫قوة مهما كانت أن تنال من عزتها أو شرفها· ويجب أن تتصف المة الشريفة‬
‫العزيزة بأن تخفض الرأس أمام الحق‪ ،‬وأن تفضل الموت عن أن تخفض‬
‫الرأس أمام الباطل‪ ،‬وإذا لم تتوافر لها القوة لعلء كلمة الحق ومساعدة‬
‫الحق فل بد على أقل تقدير أن تعمل للحافظ على الحق بكل شدة وبكل‬
‫صلبة‪ ،‬وهذه أقل درجات الشرف")‪.(84‬‬
‫ويقول سيد قطب رحمه الله‪" :‬والذين يخشون العذاب واللم والستشهاد‬
‫وخسارة النفس والولد والموال إذا هم جاهدوا في سبيل الله‪ ،‬عليهم أن‬
‫يتأملوا ماذا تكلفهم الدينونة لغير الله في النفس والموال والولد‪ ،‬وفوقها‬
‫الخلق والعراض ·· إن تكاليف الجهاد في سبيل الله في وجه طواغيت‬
‫الرض كلها لن تكلفهم ما تكلفهم الدينونة لغير الله؛ وفوق ذلك كله الذل‬
‫والدنس والعار!")‪.(85‬‬
‫‪ -4‬وفي ترك الجهاد تفويت لمصالح عظيمة في الدنيا والخرة؛ منها الجر‬
‫العظيم الذي أعده الله تعالى للمجاهدين والشهداء في الخرة‪ ،‬ومنها الحياة‬
‫العزيزة في الدنيا وإقامة شرع الله عز وجل‪ ،‬والشهادة والغنائم والتربية‬
‫اليمانية التي ل تحصل إل في أجواء الجهاد ومراغمة أعداء الله تعالى·‬
‫‪ -5‬إلقاء العداوة والفرقة بين المسلمين‪ :‬وهذا أمر مشاهد؛ فما من وقت‬
‫تركت فيه المة الجهاد في سبيل الله عز وجل إل انشغلت بنفسها ووجه‬
‫المسلمون حرابهم إلى صدور إخوانهم وانشغل بعضهم ببعض·‬
‫ونظرة فاحصة إلى أيام الفتن التي تلت مقتل عثمان رضي الله عنه تطلعنا‬
‫على أثر ترك الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وما يحدثه من الفتن والختلف‬
‫والفتراق؛ فلقد توقف غزو الكفار طيلة تلك المدة‪ ،‬ولم يستأنف المسلمون‬
‫فتوحاتهم إل بعد أن اجتمعت الكلمة على معاوية بن أبي سفيان رضي الله‬
‫عنه وهدأت الفتنة·‬
‫ذكر الذهبي ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في السير عن سعيد بن عبدالعزيز قال‪:‬‬
‫"لما قتل عثمان رضي الله عنه ووقع الختلف لم يكن للناس غزو حتى‬
‫اجتمعوا على معاوية رضي الله عنه‪ ،‬فأغزاهم مرات‪ ،‬ثم أغزى ابنه في‬
‫جماعة من الصحابة بًرا وبحًرا حتى أجاز بهم الخليج وقاتلوا أهل‬
‫القسطنطينية على بابها ثم قفل")‪.(86‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونظرة أخرى إلى واقعنا المعاصر وما جرى فيه من تعطيل لشرع الله عز‬
‫ل بالمسلمين من‬ ‫وجل ‪ -‬ومن ذلك الجهاد في سبيل الله ‪ -‬ترينا كيف ح ّ‬
‫الفرقة والتحزب والختلف بين المسلمين حيث انشغل بعضهم ببعض· وما‬
‫ذاك إل من النحراف عن المنهج الحق وتعطيل هذه الشعيرة العظيمة وما‬
‫ترتب عليها من تسلط الكفار على بلد المسلمين وتأجيجهم نار الخلف‬
‫والفرقة والتحريش بين المسلمين‪ ،‬وهذه سنة الله عز وجل في كل من‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ظا مما ذكر به قال تعالى‪) :‬وَ ِ‬ ‫أعرض عن شرعه سبحانه ونسي ح ً‬
‫َ‬
‫داوَةَ‬‫م ال ْعَ َ‬‫ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ فَأغَْري َْنا ب َي ْن َهُ ُ‬ ‫م ّ‬‫حظ ّا ً ِ‬ ‫سوا َ‬ ‫م فَن َ ُ‬‫ميَثاقَهُ ْ‬
‫خذ َْنا ِ‬ ‫صاَرى أ َ َ‬‫َقاُلوا إ ِّنا ن َ َ‬
‫ن( )المائدة‪(14:‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ه بِ َ‬‫م الل ّ ُ‬‫ف ي ُن َب ّئ ُهُ ُ‬
‫سو ْ َ‬ ‫مةِ وَ َ‬ ‫ضاَء إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫َوال ْب َغْ َ‬
‫التربية الجهادية‬
‫وجوانب العداد للجهاد في واقعنا المعاصر‬
‫بعد أن تعرفنا في المقدمات السابقة على معنى الجهاد العام والخاص‪،‬‬
‫ومراتبه ومراحله‪ ،‬وغايته وأنواعه‪ ،‬وفضائله والمخاطر التي تترتب على تركه؛‬
‫يحسن بنا الن أن ندخل إلى صلب موضوعنا؛ أل وهو ذكر المجالت المختلفة‬
‫للتربية الجهادية ووسائل العداد لذلك‪ ،‬والذي هو الدافع إلى كتابة هذا‬
‫البحث‪ ،‬وذلك بعد ما رأيت من نفسي ومن كثير من العاملين في مجال‬
‫الدعوة إلى الله عز وجل من التقصير الكبير في إعداد النفس للغزو والجهاد‬
‫في سبيل الله تعالى‪ ،‬وما صاحب ذلك من الترف والركون إلى الدنيا والميل‬
‫إلى زهرتها وزينتها· وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع أرى أنه ل بد من‬
‫توصيف سريع لواقع المسلمين اليوم في ضوء المقدمات السابق ذكرها في‬
‫الصفحات المتقدمة·‬
‫فأقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫‪ -‬إن المسلمين اليوم يقاسون من الذلة والمهانة وتسلط العداء والغثائية‬
‫الشيء العظيم؛ وما ذلك إل من العراض عن الدين وحب الدنيا وترك الجهاد‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬يوشك المم أن تداعى عليكم كما تداعى الكلة‬
‫إلى قصعتها( فقال قائل‪ :‬ومن قلة نحن يومئذ؟ قال‪) :‬بل أنتم يومئذ كثير‪،‬‬
‫ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪ ،‬ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم‪،‬‬
‫ن( قالوا‪ :‬يا رسول الله وما الوهن؟ قال‪) :‬حب‬ ‫وليقذفن الله في قلوبكم الوَهْ َ‬
‫ً‬
‫الدنيا وكراهية الموت()‪ ،(87‬ومن ذلك أيضا حديث العينة السابق ذكره)‪.(88‬‬
‫‪ -‬يواجه المسلمون اليوم في بعض القطار احتلل ً وغزًوا عسكرًيا في عقر‬
‫دارهم‪ ،‬وغزًوا فكرًيا وأخلقًيا في كل ديارهم‪ ،‬وساعد العداء في ذلك بطانة‬
‫السوء والمنافقين من أبناء المسلمين الذين ربوا على عين الغرب وتسلطوا‬
‫على أزمة الحكم في أكثر بلدان المسلمين وحكموا بقوانين الشرق والغرب‬
‫ورفضوا الحكم بشرع الله عز وجل‪ ،‬ووالوا أعداءه وعادوا أولياءه·‬
‫‪ -‬وفي ظل هذه الظروف لم يترك الله العزيز الرحيم الحكيم العليم هذا‬
‫الغزو العسكري أو الفكري بل مدافعة؛ بل اصطفى من عباده المؤمنين‬
‫طائفة تقوم بالحق وتدافع الباطل على ضعفها وقلة إمكانياتها؛ وهذا مصداق‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ل يضرهم‬
‫من خذلهم ول من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك()‪.(89‬‬
‫وهذه الطائفة منتشرة في الرض ومتنوعة المهام فمنهم العلماء الربانيون‬
‫الذين يصدعون بالحق ويعلمون الناس أمور دينهم·‬
‫ومنهم المربون والدعاة الذين يدعون الناس إلى الخير ويحذرونهم من الشر‪،‬‬
‫ويجوبون القرى والمدن لنشر التوحيد والخير بين الناس‪ ،‬ويستخدمون في‬
‫ذلك جميع الوسائل المتاحة التي تساعد على ذلك من‪ :‬المحاضرات‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والندوات‪ ،‬والدورات الشرعية‪ ،‬والتأليف‪ ،‬والشرطة النافعة‪ ،‬إلى غيرها من‬


‫الوسائل·‬
‫ومنهم المرون بالمعروف والناهون عن المنكر الذين يحتسبون على الناس‬
‫ويغيرون المنكرات بقدر استطاعتهم·‬
‫ومنهم المرابطون على الثغور الذين يجاهدون العدو الكافر الذي استحل ديار‬
‫المسلمين ويدافعونه بقدر استطاعتهم· ومع وجود هذه الفئات التي تقوم كل‬
‫واحدة منها بنوع من أنواع الجهاد إل أن الفساد والباطل والغزو العسكري‬
‫والفكري أكبر بكثير من جهد وإمكانات هذه الفئات‪ ،‬وقد تخلو بعض ديار‬
‫ما·‬
‫المسلمين من هذه الفئات تما ً‬

‫)‪(25 /‬‬

‫‪ -‬لقد حذرنا الله عز وجل من أعدائنا الكفار وبطانتهم من المنافقين بقوله‬


‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫خَبال ً وَّدوا َ‬ ‫م َ‬ ‫م ل ي َأُلون َك ُ ْ‬ ‫ن ُدون ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ذوا ب ِ َ‬
‫طان َ ً‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خفي صدورهُ َ‬ ‫عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ‬
‫م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ِ َ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ن ِبالك َِتا ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م وَت ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫حّبون َك ْ‬ ‫م َول ي ُ ِ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫م أولِء ت ُ ِ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫اْليا ِ‬
‫ن ال ْغَي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫م اْلَنا ِ‬
‫موُتوا‬ ‫ل ُ‬ ‫ظ قُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضوا عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫وا عَ ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫مّنا وَإ َِذا َ‬ ‫م َقاُلوا آ َ‬ ‫قوك ُ ْ‬ ‫ك ُل ّهِ وَإ َِذا ل َ ُ‬
‫دوِر( )آل عمران‪ ،(119-118:‬وإن ما يدور‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬
‫منذ سنوات ول سيما بعد أحداث )‪ 11‬سبتمبر( من حملة صليبية صريحة على‬
‫السلم والمسلمين لهو أكبر شاهد ومصدق لهذه الية وغيرها من اليات التي‬
‫قات ُِلون َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن يُ َ‬‫تحذر المسلمين من الكفار وعداوتهم مثل قوله تعالى‪َ) :‬ول ي ََزاُلو َ‬
‫عوا( )البقرة‪ :‬من الية ‪.(217‬‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حّتى ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬
‫وإن الحملة الصليبية على أفغانستان وما صاحبها من الدمار المروع الذي‬
‫أهلك الحرث والنسل‪ ،‬وما زامن ذلك من أحداث فلسطين المروعة وتلويح‬
‫الكفار بالتدخل في أي بلد إسلمي يوجد فيه من يرفض التبعية للغرب ويضع‬
‫نفسه في صف المواجهة له؛ إن كل هذا يوجب على المسلمين ‪ -‬ول سيما‬
‫المتصدرين للدعوة والتربية والتعليم ‪ -‬أن يفكروا في جدية الموقف‪ ،‬وأن‬
‫تبذل المساعي والمشاورات المستمرة في كيفية إحياء المة من سباتها‬
‫وجعل المسلمين يدركون خطر الكفار المحدق بهم؛ فما يجري في بلدان‬
‫المسلمين البعيدة والقريبة من عدوان على الدين والنفس والعرض والمال‬
‫ليس ببعيد أن يحل بغيرهم· وإن لم يتحرك المخلصون من الدعاة والعلماء‬
‫في إعداد المة لجهاد أعدائها الكفار والمنافقين فإنه لن ينفع الندم حين‬
‫يفاجأ المسلمون بغزو الكفار لهم واستيلئهم لديارهم وإذللهم لهم·‬
‫ولقد ذكر أهل العلم أن العدو إذا هاجم المسلمين في عقر دارهم فإن دفعه‬
‫يصبح واجًبا على جميع المسلمين فهل أعددنا العدة الشاملة لذلك·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪ ···" :‬فأما إذا أراد العدو الهجوم على‬
‫المسلمين فإنه يصير دفعه واجًبا على المقصودين كلهم‪ ،‬وعلى غير‬
‫المقصودين لعانتهم ··· وهذا يجب بحسب المكان على كل أحد بنفسه‬
‫وماله‪ ،‬مع القلة والكثرة‪ ،‬والمشي والركوب؛ كما كان المسلمون لما قصدهم‬
‫العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لحد كما أذن في ترك الجهاد ابتداء‬
‫لطلب العدو")‪.(90‬‬
‫وهذا الكلم في جهاد الدفع‪ ،‬وأسبابه اليوم منعقدة في بلدان المسلمين‬
‫المعتدى عليها أما جهاد الطلب وغزو الكفار في عقر دارهم فهذا يسبقه قيام‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دولة وكيان للمسلمين وقدرة تمكنهم من فتح بلد الكفار· ولذلك يجب‬
‫ل‪ ،‬ثم تقويته وإعداد المجاهدين لقتال الكفار‬ ‫العداد له بإقامة هذا الكيان أو ً‬
‫حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪ ··" :‬وكما يجب الستعداد للجهاد‬
‫بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز؛ فإن ما ل يتم الواجب إل‬
‫به فهو واجب")‪.(91‬‬
‫‪ -‬في ضوء السنن الربانية‪ ،‬وفي ضوء ما سبق يمكننا القول بأن الجهاد مع‬
‫الكفار والصراع مع الباطل وأهله أصبح أمًرا حتمًيا ل سيما جهاد الدفع حيث‬
‫ضا ول مناص منه ‪ -‬كما هو الحاصل اليوم في‬ ‫فرض على المسلمين فر ً‬
‫أفغانستان والشيشان وكشمير وفلسطين التي احتلها العدو الكافر ‪ -‬ووجب‬
‫على أهل تلك الديار الدفاع عن دينهم وديارهم وأعراضهم بكل ما استطاعوا‬
‫من قوة· كما وجب على المسلمين الذين يلونهم نصرتهم وعدم خذلنهم‬
‫وإسلمهم لعدائهم الكفار·‬
‫‪ -‬ما دام أن جهاد الكفار وإخراجهم أو صدهم عن ديار المسلمين أصبح أمًرا‬
‫ضا ‪ -‬سواء ما كان من هذه البلد محتل ً أو ما كان مهدًدا بالحتلل والغزو‬ ‫مفرو ً‬
‫‪ -‬فماذا يجب أن نعد لهذا الجهاد من العداد بمفهومه الشامل؟·‬
‫والجواب على هذا السؤال في الوقفات التالية‪:‬‬
‫الوقفة الولى‬
‫الجهاد العام بمعناه ل يسقط عن المسلم المكلف‬
‫إن الجهاد بمعناه العام ل يسقط عن المسلم المكلف؛ فكما مر بنا في‬
‫مراتب الجهاد أن جهاد النفس والشيطان ضرب من ضروب الجهاد ‪ -‬وهو‬
‫الممهد لجهاد الكفار ‪ -‬والجهاد بهذا المفهوم ل يسقط عن أي مسلم·‬
‫بل إن جنس جهاد الكفار فرض عين إما بالقلب‪ ،‬وإما باللسان‪ ،‬وإما بالمال‪،‬‬
‫وإما باليد والسنان ‪ -‬وذلك حسب القدرة والستطاعة ‪ -‬وما وراء الجهاد‬
‫القلبي ذرة إيمان· والجهاد القلبي يعني البراءة من الكفار‪ ،‬وبغضهم‪،‬‬
‫والتربص بهم‪ ،‬وتحديث النفس بغزوهم‪ ،‬والعداد لذلك؛ يقول المام ابن القيم‬
‫رحمه الله‪" :‬والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب‪ ،‬وإما باللسان‪،‬‬
‫وإما بالمال‪ ،‬وإما باليد‪ ،‬فعلى كل مسلم أن يجهاد بنوع من هذه النواع·‬

‫)‪(26 /‬‬

‫أما الجهاد بالنفس ففرض كفاية)‪ ،(92‬وأما الجهاد بالمال ففي وجوبه قولن‪،‬‬
‫والصحيح وجوبه لن المر بالجهاد به وبالنفس في القرآن سواء؛ كما قال‬
‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫قال ً وَ َ‬ ‫فافا ً وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫تعالى‪) :‬ان ْ ِ‬
‫ن( )التوبة‪ ،(41:‬وعلق النجاة من النار به‪ ،‬ومغفرة‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جاَرةٍ ت ُن ْ ِ‬ ‫م عَلى ت ِ َ‬ ‫ل أد ُلك ُ ْ‬ ‫مُنوا هَ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الذنب‪ ،‬ودخول الجنة؛ فقال‪َ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫ل اللهِ ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫سول ِهِ وَت ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ب أِليم ٍ ت ُؤْ ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خلك ْ‬ ‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫فْر لك ْ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ذ َل ِك ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬‫وَأن ْ ُ‬
‫م(‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِك ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ن طي ّب َ ً‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر وَ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫)الصف‪.(12-10:‬‬
‫ب()‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح قَ ِ‬ ‫ن اللهِ وَفَت ْ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫صٌر ِ‬ ‫أي‪ :‬ولكم خصلة أخرى ُتحّبونها في الجهاد‪ ،‬وهي‪) :‬ن َ ْ‬
‫‪.(93‬‬
‫وجهاد النفس والشيطان هما الصلن لجهاد الكفار· والنتصار على الكفار في‬
‫ساحات القتال هو نتيجة للنتصار على النفس والشيطان قبل ذلك· بل إن‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جهاد النفس والشيطان يستغرق العمر كله؛ إذ ل بد منه قبل منازلة الكفار‪،‬‬
‫وأثناءها‪ ،‬وبعدها·‬
‫وعن أهمية هذا النوع من الجهاد يقول ابن القيم رحمه الله تعالى‪" :‬قال‬
‫سب ُل ََنا( )العنكبوت‪ :‬من الية ‪ .(69‬علق‬ ‫م ُ‬‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫سبحانه الهداية بالجهاد؛ فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاًدا‪ ،‬وأفرض الجهاد‪:‬‬
‫جهاد النفس‪ ،‬وجهاد الهوى‪ ،‬وجهاد الشيطان‪ ،‬وجهاد الدنيا؛ فمن جاهد هذه‬
‫الربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته‪ ،‬ومن ترك الجهاد‬
‫فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد؛ قال الجنيد‪ :‬والذين جاهدوا‬
‫أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الخلص· ول يتمكن من جهاد عدوه في‬
‫صَر على عدوه‪ ،‬ومن‬ ‫صَر عليها ن ُ ِ‬‫الظاهر إل من جاهد هذه العداء باطًنا فمن ن ُ ِ‬
‫صَر عليه عدوه()‪.(94‬‬ ‫ت عليه ن ُ ِ‬ ‫صَر ْ‬
‫نُ ِ‬
‫وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى عند الحديث عن العداد اليماني‬
‫والمعنوي للجهاد في سبيل الله عز وجل·‬
‫الوقفة الثانية‬
‫العداد اليماني قبل الجهاد ل يعني ترك جهاد الدفع‬
‫حتى يكتمل هذا العداد‬
‫إن القول بضرورة العداد اليماني قبل جهاد الكفار ل يعني ترك جهاد الكفار‬
‫وقتالهم في جهاد الدفع حتى يكتمل العداد اليماني· إن هذا ل يقول به‬
‫عاقل؛ بل إنه يصادم مقاصد الشريعة في حفظ الضرورات الخمس·‬
‫إن جهاد الدفع يجب أن يهب المسلمون له بالحالة التي هم عليها سواء كانوا‬
‫في ضعف من اليمان وتفريط في طاعة الله عز وجل أو كانوا في ضعف‬
‫مادي؛ فإذا لم يندفع العدو عن الديار والحرمة والدين إل بقتاله وجب ذلك‬
‫على المسلمين بما تيسر من القوة دون اشتراط للقدرة‪ ،‬والقوة اليمانية‪ ،‬إذ‬
‫ل بد من التفريق بين جهاد الطلب الذي يشترط فيه العداد المادي والمعنوي‬
‫وبين جهاد الدفع الذي ل يشترط فيه ذلك·‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى‪" :‬وأما قتال الدفع فهو أشد‬
‫عا؛ فالعدو الصائل الذي‬ ‫أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين‪ ،‬فواجب إجما ً‬
‫يفسد الدين والدنيا ل شيء أوجب بعد اليمان من دفعه‪ ،‬فل يشترط له‬
‫شرط بل يدفع بحسب المكان‪ ،‬وقد نص على ذلك العلماء‪ :‬أصحابنا وغيرهم‪،‬‬
‫فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلده")‪.(95‬‬
‫ول يعني عدم اشتراط العدة اليمانية أو المادية في جهاد الدفع التفريط فيها‪،‬‬
‫بل يجب الدفع بما تيسر منهما مع الهتمام بهما أثناء القتال والسعي‬
‫لتقويتهما قدر المستطاع؛ فقد يستمر الدفاع شهوًرا أو سنوات‪ ،‬فحينئذ يجب‬
‫السعي أثناء القتال لتوفير القدرة المادية وإعداد المقاتلين إيمانًيا بوضع‬
‫البرامج العلمية والعملية لتقوية هذا الجانب؛ لثره العظيم في الثبات والصبر‬
‫ونزول نصر الله عز وجل‪ ،‬وهزيمة الكفار ودفعهم عن ديار المسلمين‬
‫وحرماتهم· وإن الحاجة لتشتد في مثل الظروف الراهنة التي يهدد فيها‬
‫الكفار بالهجوم على ما تبقى من ديار المسلمين·‬
‫ومما ينبغي التنبيه إليه أن أجواء الجهاد في سبيل الله عز وجل من أفضل‬
‫دا وتضحية‪ ،‬وهذا شيء‬ ‫البيئات التي يعد فيها المجاهدون إيمانًيا وتربية وزه ً‬
‫مشاهد؛ فما حصل عليه بعض المجاهدين من التضحية وتزكية أعمال القلوب‬
‫والزهد والخلص في سنة من سنوات الجهاد لم يحصل عليه غيرهم إل في‬
‫عدة سنوات·‬
‫الوقفة الثالثة‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مواطن التفاق والختلف بين جهاد الطلب وجهاد الدفع‬


‫يتفق جهاد الطلب مع جهاد الدفع في أمور‪ ،‬ويختلف معه في أمور أخرى؛‬
‫وذلك كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬يتفق هذان النوعان من الجهاد في ضرورة العداد لجهاد الكفار سواء‬
‫المادي أو اليماني‪ ،‬ولكنهما يفترقان في أن جهاد الطلب وقته موسع فل‬
‫يسارع فيه قبل توفر شروطه والتي من أهمها‪:‬‬
‫) أ ( القدرة في العدة والعتاد·‬

‫)‪(27 /‬‬

‫)ب( العداد اليماني من جوانبه المختلفة؛ والذي سيأتي تفصيله قريًبا إن‬
‫شاء الله تعالى·‬
‫)حـ( وجود الكيان والمكان المن الذي يحتمي فيه المجاهدون وينطلقون منه·‬
‫دا قد التبس أمره على المسلمين فل بد أن‬ ‫قا أو مرت ً‬
‫) د ( إذا كان العدو مناف ً‬
‫يسبق ذلك جهاد البيان وفضحه للناس حتى يستبينوا سبيل المجرمين وتتضح‬
‫راية الكفر للناس‪ ،‬وفي نفس الوقت ي ُعَّرف المجاهدون أنفسهم للناس حتى‬
‫يتبينوا حقيقة دعوتهم وأهدافهم‪ ،‬وأنهم ل كما يصورهم إعلم المجرمين بأنهم‬
‫إرهابيون مفسدون خارجون على الشرعية· وسيأتي تفصيل هذه المسألة‬
‫قريبا ً إن شاء الله تعالى·‬
‫أما جهاد الدفع فالغالب في القتال فيه أنه قتال مع الكفار المعتدين ورايتهم‬
‫للناس واضحة‪ ،‬فل يحتاج المر إلى جهد كبير في تعريف الناس بعدوهم كما‬
‫هو الحال في المنافق الذي التبس أمره على الناس‪ ،‬ومن أمثلة ذلك اليوم‬
‫ما يجري في أفغانستان أو كشمير أو الشيشان أو فلسطين·‬
‫كما أن جهاد الدفع ل يشترط أن يكون له كيان أو دولة تحميه‪ ،‬بل إنه ينطلق‬
‫من الظروف والمكانات المتاحة له؛ لنه ل خيار للمسلمين في تركه‪ ،‬ولو‬
‫وجد المكان المن فهو المفضل والمطلوب لكنه ليس بشرط·‬
‫‪ -2‬كما أن جهاد الدفع يفترق عن جهاد الطلب في أن القيام به فرض عين‬
‫على المسلمين ولو لم تتوفر الشروط لذلك من العداد المادي أو اليماني؛‬
‫بشرط عدم انخرام أصل التوحيد واليمان وقد سبق ذكر ذلك في الوقفة‬
‫السابقة·‬
‫أما جهاد الطلب فعلى الكفاية إل إذا استنفر المام جميع المسلمين فإنه‬
‫يتعين حينئذ كما يتعين أيضا ً إذا حضر المسلم الصف وتواجه مع العدو·‬
‫أما من حيث غاية النوعين من الجهاد فيشتركان في كونهما لرد الفتنة عن‬
‫الناس في دينهم وحرماتهم؛ لكنها في جهاد الدفع لرد الفتنة عن المسلمين‬
‫فيما لو استولى الكفار على البلد‪ ،‬أما جهاد الطلب فهو لرفع فتنة الشرك‬
‫والكفر والظلم عن الناس بعامة؛ وذلك في بلد الكفار التي استعبد طواغيتها‬
‫الناس وحالوا بينهم وبين وصول الدين الحق إليهم‪ ،‬فيأتي جهاد الطلب ليرفع‬
‫فتنة الشرك عن الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬ويكون الدين كله‬
‫لله تعالى·‬
‫الوقفة الرابعة‬
‫معنى العداد اليماني أو المعنوي للجهاد في سبيل الله‬
‫ماذا نعني بالعداد اليماني ‪ -‬أو المعنوي ‪ -‬للجهاد في سبيل الله عز وجل؟‬
‫والجواب أن يقال‪ :‬لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪) :‬من لم‬
‫يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من شعب النفاق()‪.(96‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإن المتأمل في أحوالنا اليوم وطريقة تفكيرنا ومعيشتنا وتعاملتنا ليرى‬


‫ضعف العزيمة عندنا في إعداد النفس للجهاد وتحديثها بالغزو على جميع‬
‫المستويات إل من رحم الله تعالى؛ فمجرد نظرة سريعة إلى اهتماماتنا‪ ،‬وما‬
‫يشغل قلوبنا نرى أنها ليست اهتمامات مجاهدين· وكذلك أسلوب معيشتنا‬
‫وما يشتمل عليه من الترف والترهل‪ ،‬وحب الدعة والراحة‪ ،‬والركون إلى‬
‫الدنيا‪ ،‬وضعف الصلة بالله تعالى؛ كل هذا ل يتفق مع حقيقة تحديث النفس‬
‫بالغزو وإعدادها للجهاد‪ ،‬ومن كانت هذه حاله فهو من أول الفارين عن الجهاد‬
‫عندما ينادى إليه·‬
‫إن "تحديث النفس بالغزو" الذي ينجي من شعب النفاق ل يكفي له أن‬
‫يحدث النسان نفسه أنه سيغزو ويجاهد ويكتفي بهذا الحديث النفسي وهو‬
‫متكئ على أريكته مشحون قلبه بدنياه‪ ،‬كل ليس هذا هو التحديث المنجي·‬
‫إنما تحديث النفس بالغزو يعني أموًرا عملية ل بد من العزيمة عليها من الن‪،‬‬
‫وهذا ما نعنيه بالعداد اليماني أو المعنوي·‬
‫إن الجهاد في سبيل الله عز وجل عبادة عظيمة تحتاج إلى صبر ومصابرة؛‬
‫لن فيها من المشاق والتضحيات ما ل يوجد في عبادة غيرها لكنها خفيفة‬
‫ولذيذة على من اصطفاهم الله لنصرة دينه وإعلء كلمته· ولما كان الجهاد‬
‫فيه ما فيه من المشاق وبذل المال والنفس في سبيل الله تعالى أصبح‬
‫الستعداد له باليمان والخلص والمتابعة والصبر وقوة الصلة بالله عز وجل‬
‫مُر الله تعالى‬ ‫َ‬
‫أمًرا ل بد منه وإل خارت القوى وانحلت العزائم· ومن ذلك أ ْ‬
‫لنبيه صلى الله عليه وسلم بقيام الليل الطويل استعداًدا لتحمل القول الثقيل‬
‫َ‬
‫ل قُم ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وتبليغه للناس وتحمل أعباء الرسالة؛ قال الله تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ْ ُ‬
‫مّز ّ‬
‫ل ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه أ َوِ ان ْ ُ‬
‫ن ت َْرِتي ً‬
‫ل(‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ه قَِليل ً أوْ زِد ْ عَل َي ْهِ وََرت ّ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ص َ‬‫ل إ ِّل قَِليل ً ن ِ ْ‬‫الل ّي ْ َ‬
‫)المزمل‪.(4-1:‬‬
‫كما أن العداد اليماني قبل الجهاد ضروري لتحقيق النصر على العداء عند‬
‫ُ‬
‫ن اقْت ُلوا‬ ‫ملقاتهم والثبات عند قتالهم؛ قال الله عز وجل‪) :‬ول َو أ َنا ك َتبنا عَل َيه َ‬
‫مأ ِ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫َ ْ ّ ََْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م أ َوِ ا ْ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م فَعَلوا َ‬
‫ما‬ ‫م وَل َوْ أن ّهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل ِ‬‫ما فَعَُلوه ُ إ ِّل قَِلي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن دَِيارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬
‫ظيمًا(‬ ‫َ‬ ‫م وَأ َ َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫ن ل َد ُّنا أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شد ّ ت َث ِْبيتا ً وَِإذا ً َلت َي َْناهُ ْ‬ ‫خْيرا ً ل َهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ب ِهِ ل َ َ‬
‫ظو َ‬ ‫ُيوعَ ُ‬
‫)النساء‪.(67-66:‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫ما وعمل ً وحال ً يباعد بين المجاهدين وبين المعاصي‬


‫والعداد اليماني عل ً‬
‫والذنوب أو الميل إلى الدنيا والتي هي من أسباب الخذلن والهزيمة كما قال‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في‬
‫مسيرة إلى غزو الفرس‪" :‬فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ··· ]إلى‬
‫قوله‪ [:‬فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم؛ وإنما ينصر المسلمون‬
‫بمعصية عدوهم لله‪ ،‬ولول ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لن عددنا ليس كعددهم‪،‬‬
‫ول عدتنا كعدتهم‪ ،‬فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في‬
‫القوة"·‬
‫وذكر البخاري في كتاب الجهاد في صحيحه قال‪" :‬باب‪ :‬عمل صالح قبل‬
‫القتال‪ ،‬وقال أبو الدرداء‪ :‬إنما تقاتلون بأعمالكم")‪.(97‬‬
‫وقال ابن حجر في فتح الباري‪" :‬جاء من طريق أبي إسحاق الفزاري عن‬
‫سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة بن زيد أن أبا الدرداء قال‪) :‬أيها الناس عمل‬
‫صالح قبل الغزو· إنما تقاتلون بأعمالكم( ثم ظهر لي تفصيل البخاري؛ وذلك‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن هذه الطريق منقطعة")‪.(98‬‬


‫والصل في العداد اليماني للمجاهدين ما ذكره سبحانه في سورة التوبة من‬
‫صفات المؤمنين المجاهدين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫ن ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الجنة؛ قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫قا ً ِفي الت ّوَْرا ِ‬
‫ة‬ ‫ح ّ‬ ‫عدا ً عَل َي ْهِ َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫قت َُلو َ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬‫ل الل ّهِ فَي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ذي َباي َعْت ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫شُروا ب ِب َي ْعِك ُ ُ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ن الل ّهِ َفا ْ‬ ‫م َ‬‫ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ل َوال ْ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫َواْل ِن ْ ِ‬
‫م( )التوبة‪.(111:‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك هُوَ ال َ‬ ‫ب ِهِ وَذ َل ِ َ‬
‫ثم عقب على هذه البيعة بصفات المؤهلين للجهاد الذين باعوا أنفسهم‬
‫ن‬
‫حو َ‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ال َْعاب ِ ُ‬ ‫وأموالهم لله تعالى فقال سبحانه‪) :‬الّتائ ُِبو َ‬
‫ن‬‫حافِظو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫من ْكرِ َوال َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫ن اْل ِ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫هو َ‬ ‫ف َوالّنا ُ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫سا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الّراك ُِعو َ‬
‫ن( )التوبة‪.(112:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫شرِ ال ُ‬ ‫ّ‬
‫دودِ اللهِ وَب َ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫لِ ُ‬
‫وقال عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل قال له‪ :‬أريد أن أبيع‬
‫نفسي من الله فأجاهد حتى أقتل‪ ،‬فقال له‪ :‬ويحك وأين الشروط؟ أين قوله‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬ ‫ن اْل ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن الّراك ُِعو َ‬ ‫حو َ‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ال َْعاب ِ ُ‬ ‫تعالى‪) :‬الّتائ ُِبو َ‬
‫ن(")‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫شرِ ال ُ‬ ‫ّ‬
‫دودِ اللهِ وَب َ ّ‬ ‫ح ُ‬‫ن لِ ُ‬ ‫حافِظو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫من ْكرِ َوال َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫هو َ‬ ‫ف َوالّنا ُ‬ ‫معُْرو ِ‬
‫‪.(99‬‬
‫وقد اشتملت هذه الية على أصول العمال الباطنة والظاهرة التي يحبها الله‬
‫عز وجل؛ يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه اليات‪" :‬وإذا أردت‬
‫أن تعرف قدر الصفقة‪ ،‬فانظر إلى المشتري من هو؟ وهو الله جل جلله·‬
‫وإلى العوض‪ ،‬وهو أكبر العواض وأجلها؛ جنات النعيم· وإلى الثمن المبذول‬
‫فيها‪ ،‬وهو‪ :‬النفس‪ ،‬والمال‪ ،‬الذي هو أحب الشياء للنسان· وإلى من جرى‬
‫على يديه عقد هذا التبايع‪ ،‬وهو أشرف الرسل· وبأي الكتب رقم‪ ،‬في كتب‬
‫الله الكبار المنزلة على أفضل الخلق·‬
‫كأنه قيل‪ :‬من هم المؤمنون الذين لهم البشارة من الله بدخول الجنات ونيل‬
‫الكرامات؟‬
‫فقال‪ :‬هم )التائبون( أي‪ :‬الملزمون للتوبة في جميع الوقات‪ ،‬عن جميع‬
‫السيئات·‬
‫)العابدون( أي‪ :‬المتصفون بالعبودية لله‪ ،‬والستمرار على طاعته‪ ،‬من أداء‬
‫الواجبات والمستحبات‪ ،‬في كل وقت؛ فبذلك يكون العبد من العابدين·‬
‫)الحامدون(‪ :‬لله في السراء والضراء‪ ،‬واليسر والعسر‪ ،‬المعترفون بما لله‬
‫عليهم من النعم الظاهرة والباطنة‪ ،‬المثنون على الله بذكرها وبذكره‪ ،‬في‬
‫آناء الليل‪ ،‬وآناء النهار·‬
‫)السائحون(‪ :‬فسرت السياحة‪ ،‬بالصيام‪ ،‬أو السياحة في طلب العلم·‬
‫وفسرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته‪ ،‬والنابة إليه على الدوام·‬
‫والصحيح أن المراد بالسياحة‪ :‬السفر في القربات‪ ،‬كالحج‪ ،‬والعمرة‪ ،‬والجهاد‪،‬‬
‫وطلب العلم‪ ،‬وصلة القارب‪ ،‬ونحو ذلك·‬
‫)الراكعون الساجدون( أي‪ :‬المكثرون من الصلة المشتملة على الركوع‬
‫والسجود·‬
‫)المرون بالمعروف(‪ :‬ويدخل فيه‪ ،‬جميع الواجبات والمستحبات·‬
‫)والناهون عن المنكر(‪ :‬وهي جميع ما نهى الله ورسوله عنه·‬
‫)والحافظون لحدود الله(‪ :‬بتعلمهم حدود ما أنزل الله على رسوله‪ ،‬وما يدخل‬
‫كا")‬ ‫في الوامر والنواهي والحكام‪ ،‬وما ل يدخل‪ ،‬الملزمون لها فعل ً وتر ً‬
‫‪.(100‬‬
‫ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى عن هذه اليات‪" :‬هذا النص الذي تلوته‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من قبل وسمعته ما ل أستطيع عدة من المرات‪ ،‬في أثناء حفظي للقرآن‪،‬‬
‫وفي أثناء تلوته‪ ،‬وفي أثناء دراسته بعد ذلك في أكثر من ربع قرن من‬
‫الزمان ·· هذا النص ‪ -‬حين واجهته في "الظلل" أحسست أنني أدرك منه ما‬
‫لم أدركه من قبل في المرات التي ل أملك عدها على مدى ذلك الزمان!‬

‫)‪(29 /‬‬

‫إنه نص رهيب! إنه يكشف عن حقيقة العلقة التي تربط المؤمنين بالله‪ ،‬وعن‬
‫حقيقة البيعة التي أعطوها ‪ -‬بإسلمهم ‪ -‬طوال الحياة؛ فمن بايع هذه البيعة‬
‫ووفى بها فهو المؤمن الحق الذي ينطبق عليه وصف )المؤمن( وتتمثل فيه‬
‫حقيقة اليمان‪ ،‬وإل فهي دعوى تحتاج إلى التصديق والتحقيق!‬
‫ما منه وفضل ً وسماحة‬ ‫حقيقة هذه البيعة ‪ -‬أو هذه المبايعة كما سماها الله كر ً‬
‫‪ -‬أن الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم؛ فلم يعد‬
‫لهم منها شيء ·· لم يعد لهم أن يستبقوا منها بقية ل ينفقونها في سبيله‪ ،‬لم‬
‫يعد لهم خيار في أن يبذلوا أو يمسكوا ·· كل ·· إنها صفقة مشتراة‪ ،‬لشاريها‬
‫أن يتصرف بها كما يشاء‪ ،‬وفق ما يفرض ووفق ما يحدد‪ ،‬وليس للبائع فيها‬
‫من شيء سوى أن يمضي في الطريق المرسوم‪ ،‬ل يتلفت ول يتخير‪ ،‬ول‬
‫يناقش ول يجادل‪ ،‬ول يقول إل الطاعة والعمل والستسلم ·· والثمن‪ :‬هو‬
‫الجنة ·· والطريق‪ :‬هو الجهاد والقتل والقتال ·· والنهاية‪ :‬هي النصر أو‬
‫الستشهاد ··· إن الحق ل بد أن ينطلق في طريقه‪ ،‬ول بد أن يقف له الباطل‬
‫في الطريق! بل ل بد أن يأخذ عليه الطريق إن دين الله ل بد أن ينطلق‬
‫لتحرير البشر من العبودية للعباد وردهم إلى العبودية لله وحده‪ ،‬ول بد أن‬
‫يقف له الطاغوت في الطريق ·· بل ل بد أن يقطع عليه الطريق ·· ول بد‬
‫لدين الله أن ينطلق في "الرض" كلها لتحرير "النسان" كله· ول بد للحق أن‬
‫قا! ·· وما دام في "الرض"‬ ‫يمضي في طريقه ول ينثني عنه ليدع للباطل طري ً‬
‫كفر· وما دام في "الرض" باطل‪ ،‬وما دامت في "الرض" عبودية لغير الله‬
‫تذل كرامة "النسان" فالجهاد في سبيل الله ماض‪ ،‬والبيعة في عنق كل‬
‫مؤمن تطالبه بالوفاء وإل فليس باليمان‪" ،‬ومن مات ولم يغزو ولم يحدث‬
‫نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق")‪ .(101‬ولكن الجهاد في سبيل الله‬
‫ليس مجرد اندفاعة إلى القتال‪ ،‬إنما هو قمة تقوم على قاعدة من اليمان‬
‫المتمثل في مشاعر وشعائر وأخلق وأعمال‪ ،‬والمؤمنون الذين عقد الله‬
‫معهم البيعة‪ ،‬والذين تتمثل فيهم حقيقة اليمان هم قوم تتمثل فيهم صفات‬
‫ن‬‫دو َ‬‫ج ُ‬
‫سا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن الّراك ُِعو َ‬ ‫حو َ‬ ‫سائ ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫دو َ‬‫م ُ‬ ‫حا ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫دو َ‬ ‫ن ال َْعاب ِ ُ‬‫إيمانية أصيلة‪) :‬الّتائ ُِبو َ‬
‫ه( )التوبة‪:‬‬ ‫دودِ الل ّ ِ‬
‫ح ُ‬‫ن لِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬‫من ْك َرِ َوال ْ َ‬‫ن ال ْ ُ‬‫ن عَ ِ‬ ‫هو َ‬ ‫ف َوالّنا ُ‬ ‫معُْرو ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬ ‫اْل ِ‬
‫مُرو َ‬
‫‪ .(112‬هذه هي الجماعة المؤمنة التي عقد الله معها بيعته‪ ،‬وهذه هي صفاتها‬
‫ومميزاتها‪ :‬توبة ترد العبد إلى الله‪ ،‬وتكفه عن الذنب‪ ،‬وتدفعه إلى العمل‬
‫الصالح· وعبادة تصله بالله وتجعل الله معبوده وغايته ووجهته· وحمد لله على‬
‫السراء والضراء نتيجة الستسلم الكامل لله والثقة المطلقة برحمته وعدله·‬
‫وسياحة في ملكوت الله مع آيات الله الناطقة في الكون الدالة على الحكمة‬
‫والحق في تصميم الخلق· وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر يتجاوز صلح‬
‫الذات إلى إصلح العباد والحياة· وحفظ لحدود الله يرد عنها العادين‬
‫والمضيعين‪ ،‬ويصونها من التهجم والنتهاك·‬
‫هذه هي الجماعة المؤمنة التي بايعها الله على الجنة‪ ،‬واشترى منها النفس‬
‫والموال‪ ،‬لتمضي مع سنة الله الجارية منذ كان دين الله ورسله ورسالته؛‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قتال في سبيل الله لعلء كلمة الله‪ ،‬وقتل لعداء الله الذين يحاّدون الله؛ أو‬
‫استشهاد في المعركة التي ل تفتر بين الحق والباطل‪ ،‬وبين السلم‬
‫والجاهلية‪ ،‬وبين الشريعة والطاغوت‪ ،‬وبين الهدى والضلل·‬
‫عا·‬
‫ً‬ ‫ومتا‬ ‫النعام‬ ‫وا ولعًبا· وليست الحياة أكل ً كما تأكل‬
‫وليست الحياة له ً‬
‫وليست الحياة سلمة ذليلة‪ ،‬وراحة بليدة ورضى بالسلم الرخيصة ·· إنما‬
‫الحياة هي هذه‪ :‬كفاح في سبيل الحق‪ ،‬وجهاد في سبيل الخير‪ ،‬وانتصار لعلء‬
‫كلمة الله‪ ،‬أو استشهاد كذلك في سبيل الله ·· ثم الجنة والرضوان ··")‪.(102‬‬
‫الوقفة الخامسة‬
‫جهاد النفس ومراتبه‬
‫بعد أن تبين لنا من آية التوبة صفات المؤهلين للجهاد اتضح لنا بذلك أهمية‬
‫العداد اليماني للمجاهدين حتى يلقوا عدوهم وهم مستعدون معنوًيا وإيمانًيا‬
‫لذلك‪ ،‬وفي هذه الوقفة الخيرة سيتم تفصيل جوانب هذا العداد والوسائل‬
‫المختلفة لتحقيقه حسب ما يفتح الله عز وجل إنه هو الفتاح العليم‪ ،‬وهو‬
‫المستعان وحده وعليه التكلن‪ ،‬ول حول ول قوة إل به سبحانه·‬
‫فأقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫الصل في العداد الذي يسبق جهاد الكفار هو جهاد النفس والشيطان·‬
‫والمعركة معهما مستمرة ومتواصلة منذ بلوغ المسلم سن التكليف إلى أن‬
‫يوافيه الجل· فهو إذن جهاد ل يتقيد بوقت‪ ،‬بل هو مطلوب قبل ملقاة العدو‬
‫وأثناء ملقاته وبعد ملقاته· والنصر على العداء في معارك القتال مرهون‬
‫بالنتصار على النفس والشيطان في معركة الجهاد معهما·‬

‫)‪(30 /‬‬

‫والمطلوب في العداد المتمثل في جهاد النفس‪ :‬أربعة جوانب مهمة سبق‬


‫ذكرها في أول البحث نقل ً عن المام ابن القيم رحمه الله تعالى وأعيدها هنا‬
‫لمناسبتها ولكونها أصول العداد الشامل التي بها ينجو العبد من الخسران‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬ويثبته الله عز وجل بها في ميادين الجهاد وغيرها من‬
‫المواقف)‪.(103‬‬
‫يقول رحمه الله تعالى‪" :‬فجهاد النفس أربع مراتب أيضا‪ً:‬‬
‫إحداها‪ :‬أن يجاهدها على تعلم الُهدى‪ ،‬ودين الحق الذي ل فلح لها‪ ،‬ول سعادة‬
‫دارين·‬‫مه‪ ،‬شقيت في ال ّ‬ ‫عل ُ‬
‫في معاشها ومعادها إل به‪ ،‬ومتى فاتها ِ‬
‫الثانية‪ :‬أن ُيجاهدها على العمل به بعد علمه‪ ،‬وإل فمجرد ُ العلم بل عمل إن لم‬
‫يضرها لم ينفعها·‬
‫الثالثة‪ :‬أن يجاهدها على الدعوة إليه‪ ،‬وتعليمه من ل يعلمه‪ ،‬وإل كان من‬
‫ه ول ُينجيه من‬ ‫م ُ‬
‫ه عل ُ‬ ‫الذين يكتمون ما أنزل الله من الُهدى والبينات‪ ،‬ول ينفعُ ُ‬
‫عذاب الله·‬
‫الرابعة‪ :‬أن يجاهدها على الصبر على مشاقّ الدعوة إلى الله‪ ،‬وأذى الخلق‪،‬‬
‫مل ذلك كله لله·‬ ‫وبتح ّ‬
‫ن‬
‫مُعو َ‬
‫مج ِ‬
‫فإذا استكمل هذه المراتب الربع صار من الّرّبانيين؛ فإن السلف ُ‬
‫على أن العالم ل يستحق أن يسمى ربانًيا حتى يعرف الحق‪ ،‬ويعمل به‪،‬‬
‫ما في ملكوت السماوات")‬ ‫م فذاك يدعى عظي ً‬ ‫وُيعّلمه‪ ،‬فمن علم وعمل وعل ّ َ‬
‫‪.(104‬‬
‫وتحت كل مرتبة من هذه المراتب أمور تفصيلية وبرامج علمية وعملية‬
‫فا مصاغة بشكل‬ ‫لتحقيقها وتكميلها‪ ،‬ولذلك سأعيد هذه المراتب المذكورة آن ً‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تفصيلي؛ وذلك كما يلي‪:‬‬


‫المرتبة الولى‬
‫مجاهدة النفس على تعلم الهدى ودين الحق‬
‫العلم بالشرع والبصيرة بالحق أمر لزم لكل مسلم فضل ً عن الداعية إلى‬
‫عو‬‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬‫ل هَذِهِ َ‬ ‫الله عز وجل والمجاهد في سبيله تعالى؛ قال تعالى‪) :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ما أَنا ِ‬‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬
‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬
‫)يوسف‪ .(108:‬فذكر الله سبحانه في هذه الية أن الدعوة إليه ‪ -‬والجهاد من‬
‫الدعوة ‪ -‬يجب أن يكون على بصيرة؛ أي على علم بأن ما يدعو إليه ويجاهد‬
‫من أجله هو الحق الذي يحبه الله ويرضاه‪ ،‬وهو الموافق لما جاء به النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وبدون العلم بالشرع والفهم الصحيح للدين تفسد‬
‫الدعوة ويتلوث الجهاد‪ ،‬ويتخلف شرط أساس من شروط قبول العمل عند‬
‫الله عز وجل؛ أل وهو المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم·‬
‫والعلم الذي يجب أن يستعد به المجاهدون في سبيل الله عز وجل نوعان‪:‬‬
‫‪ -1‬عيني· ‪ -2‬وكفائي·‬
‫أما العيني‪ :‬فهو الذي يعنينا في هذا المقام وهو في حق المجاهد نوعان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬نوع عام‪ :‬يشترك فيه المسلمون جميًعا‪ ،‬وهو العلم بالفقه الواجب على‬
‫كل مسلم‪ ،‬وهو‪ :‬الفقه بالعقيدة‪ ،‬والفقه بالحكام العينية‪ ،‬ومن ذلك فهم‬
‫أصول اليمان الستة على مذهب السلف الصالح‪ ،‬ومعرفة اليمان والتوحيد‬
‫وأنواعه‪ ،‬وما يضاده من الكفر والشرك والنفاق‪ ،‬والمعرفة المجملة بضوابط‬
‫التكفير‪ ،‬وما يترتب على ذلك من الحكام·‬
‫ل‪ ،‬والمعرفة الجمالية بقواعد‬ ‫ما وعم ً‬ ‫ومن ذلك معرفة أركان السلم عل ً‬
‫الحكام ومقاصد الشريعة‪ ،‬ومعرفة المحرمات العينية والفروض العينية‬
‫الواجبة على كل مسلم· كل هذا مما يجب العلم به قبل الجهاد‪ ،‬فإن فرض‬
‫على المسلمين القتال قبل إتمامه‪ ،‬فإنه يحصله أثناء الجهاد ويكمل منه ما‬
‫نقص· والمقصود أن ل ُيقدم المسلم ‪ -‬فضل ً عن المجاهد ‪ -‬على أمر حتى‬
‫يعلم حكم الشريعة فيه‪ ،‬فإن لم يعلم فليسأل من يدله على حكم الشرع‬
‫ن()النبياء‪ :‬من الية‬ ‫مو َ‬‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫سأ َُلوا أ َهْ َ‬
‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫فيه؛ لقوله تعالى‪َ) :‬فا ْ‬
‫‪ ،(7‬ومما يدخل في هذا‪ :‬العلم بسبيل المجرمين‪ ،‬والبصيرة بواقع الكفار‬
‫الذين يراد قتالهم·‬
‫ب ‪ -‬نوع خاص‪ :‬وهو العلم بمشروعية الجهاد وأحكامه‪ ،‬ومعرفة الراية التي‬
‫سيجاهد المسلم تحتها·‬
‫كل هذا مما يجب أن يعلمه المجاهد قبل الشروع في الجهاد؛ حيث أن‬
‫الخلص ل يكفي وحده‪ ،‬بل عليه أن يعرف ما إذا كان الجهاد الذي ينوي‬
‫الدخول فيه مشروع ومحبوب إلى الله عز وجل أم ليس كذلك· وهذا فرض‬
‫حا‬‫واجب؛ لن الجهاد فيه ذهاب النفس والموال‪ ،‬والمسلم ل يملك إل رو ً‬
‫واحدة‪ ،‬فل يجوز المخاطرة بها في أمر قد ل يكون مرضًيا لله عز وجل·‬
‫وأسوق فيما يلي مثالين اثنين يوضحان حرص السلف الشديد على علمهم‬
‫بمشروعية أي جهاد قبل الدخول فيه·‬

‫)‪(31 /‬‬

‫المثال الول‪ :‬المناظرة التي تمت بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في‬
‫قتال المرتدين حيث خفي على عمر رضي الله عنه مشروعية قتالهم وناظر‬
‫أبو بكر رضي الله عنه في ذلك فبين له أبو بكر ذلك حتى انشرح صدر عمر‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقتالهم· فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬لما توفي النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم واستخلف أبو بكر‪ ،‬وكفر من كفر من العرب قال عمر‪ :‬يا أبا بكر كيف‬
‫تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬أمرت أن أقاتل‬
‫الناس حتى يقولوا ل إله إل الله‪ ،‬فمن قال ل إله إل الله عصم مني ماله‬
‫ونفسه إل بحقه وحسابه على الله(‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬والله لقاتلن من فرق بين‬
‫الصلة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال‪ ،‬والله لو منعوني عناًقا كانوا يؤدونها‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلُتهم على منعها· قال عمر‪ :‬فوالله‬
‫ما هو إل أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق)‬
‫‪.(105‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬روى الذهبي في السير قال‪ :‬وقال حميد بن هلل‪ :‬أتت‬
‫الحرورية مطرف بن عبدالله يدعونه إلى رأيهم فقال‪" :‬يا هؤلء‪ ،‬لو كان لي‬
‫ى‬
‫نفسان بايعتكم بإحداهما‪ ،‬وأمسكت الخرى‪ ،‬فإن كان الذي تقولون هد ً‬
‫أتبعتها الخرى‪ ،‬وإن كان ضللة هلكت نفس وبقيت لي نفس‪ ،‬ولكن هي نفس‬
‫واحدة ل أغّرر بها")‪.(106‬‬
‫ومما يلحق بالعلم بمشروعية الجهاد‪ :‬العلم بالراية التي سيجاهد المسلم‬
‫تحتها‪ ،‬وما غايتها؛ فهذا مما يجب العلم به‪ ،‬فل يكفي أن يعلم هل قتال العدو‬
‫واجب أم غير واجب‪ ،‬أم غير جائز‪ ،‬بل ل بد من معرفة الراية التي سيقابل‬
‫فُروا‬‫ن كَ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬
‫مُنوا ي ُ َ‬
‫نآ َ‬ ‫العدو تحتها؛ قال تعالى‪) :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ت( )النساء‪ :‬من الية ‪ .(76‬فمما ينافي القتال في‬ ‫غو ِ‬ ‫ل ال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ِفي َ‬‫قات ُِلو َ‬
‫يُ َ‬
‫سبيل الله‪ :‬القتال تحت راية عمية؛ قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬من قتل‬
‫ة جاهلية()‪.(107‬‬ ‫مية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتل ٌ‬ ‫ع ّ‬
‫تحت راية ِ‬
‫والمقصود أنه كلما كان المسلم على بينة من سبيل المؤمنين الذي يحبه الله‬
‫عز وجل‪ ،‬وعلى بينة من سبيل المجرمين كان هذا أكبر دافع للجهاد في‬
‫سبيل الله تعالى·‬
‫وأما العلم الكفائي‪ :‬فيكفي أن يعلمه طائفة من المجاهدين؛ حيث يفرغ‬
‫بعضهم لطلب العلوم الشرعية اللزمة لسد حاجات الدعوة والتعليم والفتاء‪،‬‬
‫ويكونوا من ذوي الستعداد لذلك· وإذا وجد الحد الدنى من الكفاية سقط‬
‫الوجوب عن الخرين· والصل في هذا أن يكون قبل ملقاة العداء؛ لن أيام‬
‫القتال أيام شغل‪ ،‬لكن إن فرض على المسلمين القتال قبل إتمام حد الكفاية‬
‫من هذا العلم فينبغي إتمامه أثناء الجهاد قدر المستطاع·‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫أن العلم هو أساس العمل‪ ،‬وهو قبل القول والعمل· والجهاد من العمل‪ ،‬فإن‬
‫قا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإن‬ ‫حا مواف ً‬ ‫لم يكن العلم صحي ً‬
‫العمل سيكون باطل ً ومنحرًفا· ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫مكة يعلم أصحابه أصول هذا الدين‪ ،‬ويعلمهم العقيدة وما تقتضيه من ولء‬
‫وبراء وإذعان وانقياد لله تعالى‪ ،‬كما يعلمهم الخلص وإرادة الدار الخرة في‬
‫جميع القوال والعمال· فلما جاء الذن بالجهاد‪ ،‬ثم فرضه ظهرت آثار هذا‬
‫العلم في تضحياتهم العظيمة وفتوحاتهم المباركة· ولذلك وجب على‬
‫المهتمين بأمور الدعوة وتربية الناس وتوجيههم وإعدادهم للجهاد في سبيل‬
‫ما كبيًرا‪ ،‬وأن يركزوا في برامجهم‬ ‫الله عز وجل أن يولوا هذا الجانب اهتما ً‬
‫الدعوية وأنشطتهم المختلفة على تحقيق الحد الدنى من العلم بسبيل‬
‫المؤمنين ‪ -‬وهم أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح ‪ -‬انطلًقا من‬
‫القرآن الكريم وتدبره‪ ،‬والسنة الصحيحة بفهم الصحابة رضي الله عنهم وأن‬
‫يستفاد من كل وسيلة متاحة مشروعة لبناء العلم الشرعي في النفوس؛‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سواء على هيئة دروس علمية عامة أو خاصة‪ ،‬أو بالستفادة من الشرطة‬
‫العلمية المسجلة· والمقصود أن يهتم المربون بهذا الجانب المهم من العداد‬
‫لنه هو الساس‪ ،‬فإن صلح صلح ما بعده‪ ،‬وإن فسد فسد ما بعده·‬

‫)‪(32 /‬‬

‫وأختم هذه المرتبة من جهاد النفس بكلم نفيس لحد الصحابة رضي الله‬
‫عنهم يتبين منه أهمية معرفة الحق والعلم به‪ ،‬وأنه ضروري للمجاهد في‬
‫صا لله تعالى في‬ ‫سبيل الله عز وجل‪ ،‬وأنه ل يكفي في المجاهد أن يكون مخل ً‬
‫جهاده‪ ،‬بل ل بد أن ينضم إلى ذلك أن يكون جهاده على الحق· والحق ل يتبين‬
‫إل بالعلم الشرعي والبصيرة في الدين‪ ،‬والواقع· فقد روى ابن وضاح ‪ -‬رحمه‬
‫الله تعالى ‪ -‬في كتابه "البدع والنهي عنها" بسنده‪" :‬قال‪ :‬حدثنا أسد قال‪:‬‬
‫حدثنا مبارك بن فضالة عن يونس ابن عبيد عن ابن سيرين قال‪ :‬أخبرني أبو‬
‫عبيدة بن حذيفة قال‪ :‬جاء رجل إلى حذيفة بن اليمان ‪ -‬وأبو موسى الشعري‬
‫قاعد ‪ -‬فقال‪ :‬أرأيت رجل ً ضرب بسيفه غضًبا لله حتى قتل أفي الجنة أم في‬
‫النار؟ فقال أبو موسى‪ :‬في الجنة· قال حذيفة‪ :‬استفهم الرجل وأفهمه ما‬
‫تقول· قال أبو موسى سبحان الله‪ ،‬كيف قلت؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬رجل ضرب‬
‫بسيفه غضًبا لله حتى قتل أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى‪ :‬في‬
‫الجنة· قال حذيفة‪ :‬استفهم الرجل وأفهمه ما تقول· حتى فعل ذلك ثلث‬
‫مرات‪ ،‬فلما كان في الثالثة قال‪ :‬والله ل تستفهمه‪ ،‬فدعى به حذيفة فقال‪:‬‬
‫رويدك‪ ،‬إن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع فأصاب الحق حتى يقتل‬
‫عليه فهو في الجنة‪ ،‬وإن لم يصب الحق ولم يوفقه الله للحق فهو في النار·‬
‫ثم قال‪ :‬والذي نفسي بيده ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من‬
‫كذا وكذا")‪.(108‬‬
‫المرتبة الثانية‬
‫مجاهدة النفس على العمل بالعلم بعد تعلمه‬
‫إن تعلم العلم والتزود به ليس مطلوًبا لذاته‪ ،‬وإنما هو مطلوب للعمل والسير‬
‫في ضوئه إلى الله تعالى؛ بفعل ما يحبه ويرضاه واجتناب ما يسخطه وينهى‬
‫عنه·‬
‫والقوال والعمال التي يحبها الله عز وجل كثيرة؛ منها الواجبات‪ ،‬ومنها‬
‫المستحبات‪ ،‬وكذلك القوال والعمال التي يبغضها الله عز وجل كثيرة·‬
‫وليس المقصود حصرها وعدها في هذا المقام‪ ،‬وإنما المقصود التنبيه على‬
‫ضرورة إعداد النفوس ومجاهدتها ‪ -‬قبل جهاد الكفار ‪ -‬على النقياد لوامر‬
‫الله عز وجل والقيام بها‪ ،‬والنتهاء عما نهى الله عز وجل عنه·‬
‫وهذا مطلوب من المسلمين بعامة‪ ،‬ومن المجاهدين أو الذين يعدون أنفسهم‬
‫للجهاد بخاصة؛ وذلك لما للعمال الصالحة من بركة وتثبيت لهلها‪ ،‬وكونها‬
‫زاًدا للمجاهد في مشاق الطريق‪ ،‬وسبًبا لمحبة الله تعالى ومعيته الخاصة ‪-‬‬
‫وما أحوج المجاهدين إلى معية الله تعالى ونصره وتأييده ‪ -‬كما أن في‬
‫دا عن أسباب الهزيمة والخذلن؛ فما شيء‬ ‫اجتناب المعاصي والمحرمات بع ً‬
‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صيب ّ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫كم ٍَ‬ ‫صاب ّت ً ٍ‬
‫ما أ ّ‬ ‫أخطر على المجاهدين من ذنوبهم؛ قال الله تعالى‪} :‬أوّ ل ّ‬
‫لَ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م أ ّّنى" هّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ه عّلى" ك ٍ ٌ‬ ‫ن پل ّ‬ ‫مإ ّ‬ ‫سك ٍ ً‬ ‫ف ٌ‬ ‫عند ٌ أن ٍ‬ ‫ن ٌ‬ ‫م ً‬ ‫ل هٍوّ ٌ‬‫ذا قٍ ً‬ ‫مث ًل ّي ًّها قٍل ًت ٍ ً‬
‫صب ًٍتم ٌَ‬ ‫قّد ً أ ّ‬
‫ر{ ]آل عمران‪ ، [165 :‬وقال سبحانه عن بركة العمل الصالح‬ ‫دي ِ‬ ‫يُء قّ ٌ‬ ‫ش ً‬ ‫ّ‬
‫جوا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خُر ُ‬ ‫م أوِ ا ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن اقت ُلوا أن ْ ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫والمتثال لوامر الله تعالى‪) :‬وَلوْ أّنا كت َب َْنا عَلي ْهِ ْ‬
‫خْيرا ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن ب ِهِ لكا َ‬ ‫ما ُيوعَظو َ‬ ‫م فَعَلوا َ‬ ‫م وَل َوْ أن ّهُ ْ‬‫من ْهُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫ما فَعَُلوه ُ إ ِّل قَِلي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن دَِيارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قيمًا(‬ ‫َ‬ ‫م وَأ َ َ‬


‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫صَراطا ً ُ‬ ‫ظيما ً وَل َهَد َي َْناهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫جرا ً عَ ِ‬‫ن ل َد ُّنا أ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شد ّ ت َث ِْبيتا ً وَِإذا ً َلت َي َْناهُ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫)النساء‪.(68-66:‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه في فضل التقرب إلى‬
‫ي‬
‫الله عز وجل بالفرائض والنوافل‪ ··) :‬وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إل ّ‬
‫ي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا‬ ‫مما افترضته عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب إل ّ‬
‫أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش‬
‫بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬ولئن سألني لعطينه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذنه ···(‬
‫)‪.(109‬‬
‫كما أن فعل محاب الله واجتناب مساخطه يورث التقوى في القلب‪ ،‬والتقوى‬
‫ق‬
‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫تورث ثماًرا عديدة منها تفريج الكروب وتيسير المور؛ قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫خَرجًا( )الطلق‪ :‬من الية ‪ ،(2‬ومنها تأليف القلوب؛ قال تعالى‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬‫الل ّ َ‬
‫ن وُد ًّا( )مريم‪.(96:‬‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬
‫م الّر ْ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬
‫جعَ ُ‬‫سي َ ْ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫وكلما كثر في المجاهدين من يتصف بهذه الصفات كانوا أقرب إلى نصر الله‬
‫تعالى· فلذلك وجب الستعداد بالعمال الصالحة التي تؤهل لهذه المقامات‬
‫الرفيعة التي ينصر الله عز وجل أهلها ويثبتهم ويستجيب دعاءهم·‬
‫ذكر الذهبي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في ترجمته لمحمد بن واسع العابد الزاهد المجاهد‬
‫ف قتيبة ابن مسلم للترك وهاله‬ ‫رحمه الله تعالى· قول الصمعي‪" :‬لما صا ّ‬
‫أمرهم‪ ،‬سأل عن محمد بن واسع فقيل‪ :‬هو ذاك في الميمنة جامع على‬
‫قوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء· قال‪ :‬تلك الصبع أحب إلي من مائة ألف‬
‫سيف شهير وشاب طرير")‪.(110‬‬
‫ومن العمال الصالحة التي ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها‬
‫الصحابة في مرحلة العداد في مكة واستمر عليها في المدينة بعدما شرع‬
‫الجهاد ما يلي‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أعمال القلوب‪:‬‬

‫)‪(33 /‬‬

‫وهي الصل في العمال الصالحة الظاهرة‪ ،‬فإذا فسدت فسدت العمال كلها‬
‫وإذا صلحت صلح العمل كله؛ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬أل وإن‬
‫في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله؛‬
‫أل وهي القلب()‪.(111‬‬
‫ومن العمال القلبية التي يجب أن يعتني بها المربون في العداد للجهاد ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬محبة الله عز وجل والحب فيه والبغض فيه‪:‬‬
‫المحبة هي أصل العبادة‪ ،‬وهي ثمرة معرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته‬
‫الحسنى‪ ،‬وهي مستلزمة لتوحيده وطاعته‪ ،‬وكلما قويت المحبة في قلب‬
‫العبد ظهر أثرها في النقياد التام لمر الله عز وجل والتضحية في سبيله‪،‬‬
‫وبغض أعدائه ومجاهدتهم وموالة أوليائه ونصرتهم· كما يظهر أثرها في البعد‬
‫عن الحزبيات المقيتة والرايات العصبية والمنافع الدنيوية؛ فل ينقلب بغيض‬
‫ضا إذا وصله منه ما‬‫الله حبيًبا له بإحسانه إليه‪ ،‬كما ل ينقلب حبيب الله له بغي ً‬
‫يكرهه ويؤلمه؛ والمجاهدون في سبيل الله عز وجل أو من يعدون أنفسهم‬
‫للجهاد أحوج من غيرهم إلى تزكية هذا العمل القلبي الشريف؛ وذلك حتى ل‬
‫يتورط المجاهد في رايات عمية ولوثات حزبية أو وطنية أو قومية·‬
‫والتربية على هذا الصل تأتي من الفهم الصحيح للعقيدة على مذهب السلف‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصالح‪ ،‬ول سيما عقيدة الولء والبراء‪ ،‬مع القراءة في سير الصالحين‬
‫والمحبين وتضحياتهم وجهادهم‪ ،‬وما تحلوا به من صدق في المحبة له سبحانه‬
‫والمحبة فيه· كما أن للقدوات من المربين والموجهين والعلماء أثًرا في تقوية‬
‫هذا العمل القلبي وتزكيته· وكما ذكرت في أول البحث من أن كثيًرا من‬
‫العمال القلبية ستبقى ناقصة وضعيفة ول يكملها ويقويها ويبلغ بها ذروة‬
‫سنامها إل الجهاد في سبيل الله عز وجل‪ ،‬فهو ذروة سنام هذا الدين وفي‬
‫بيئته وأجوائه تصل كثير من أعمال القلوب إلى ذروة قوتها وكمالها)‪.(112‬‬
‫‪ -2‬الخلص لله عز وجل‪:‬‬
‫وهو من أعظم أعمال القلوب والتي ل يطلع عليها إل الله عز وجل‪ ،‬وهو أن‬
‫يريد النسان بقرباته وجه الله عز وجل والدار الخرة‪ ،‬ومن ذلك الجهاد في‬
‫سبيل الله عز وجل والذي يقدم فيه العبد أغلى ما عنده ‪ -‬وهي نفسه التي‬
‫دا بجهاده وجه الله عز وجل ورضوانه وجنته في‬ ‫بين جنبيه ‪ -‬فإذا لم يكن قاص ً‬
‫الخرة خسر خسراًنا مبيًنا؛ ولذلك يجب إعداد المجاهدين قبل الجهاد‬
‫بالخلص في أعمالهم والتجرد لله سبحانه في حركاتهم وسكناتهم·‬
‫وكما أن للخلص أثره في نيل رضا الله سبحانه وما أعده للمجاهدين‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫الصادقين‪ ،‬فإن له أثًرا كذلك في الثبات أمام العداء لقوله تعالى‪) :‬فَعَل ِ َ‬
‫ريبًا( )الفتح‪ :‬من الية ‪،(18‬‬ ‫م فَْتحا ً قَ ِ‬
‫َ‬
‫م وَأَثاب َهُ ْ‬‫ة عَل َي ْهِ ْ‬
‫كين َ َ‬
‫س ِ‬ ‫م فَأ َن َْز َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫وإذا تمكن الخلص من القلوب أثمر التضحية والشجاعة في سبيل الله عز‬
‫وجل‪ ،‬وأثمر الصبر‪ ،‬والزهد في الدنيا ومتاعها الزائل‪ ،‬وتوحد الهم في إعلء‬
‫كلمة الله تعالى وإقامة دين الله تعالى؛ وبذلك ترتفع الهمة ويعلو المقصد‬
‫ويوجه إلى الله تعالى والدار الخرة وما أعد الله فيها لعباده المجاهدين من‬
‫الرضوان والنعيم ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬وحسن‬
‫قا·‬ ‫أولئك رفي ً‬
‫والخلص من أشرف أعمال القلوب التي يجب أن يعتنى بها في جميع‬
‫العمال‪ ،‬ول سيما في العداد للجهاد في سبيل الله تعالى؛ وذلك لما يتعرض‬
‫له المجاهد من فتنة الشهرة‪ ،‬أو حب المدح‪ ،‬والثناء عليه بالشجاعة والبذل‬
‫والتضحية·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى‪" :‬والجهاد مقصوده أن تكون‬
‫كلمة الله هي العليا‪ ،‬وأن يكون الدين كله لله؛ فمقصوده إقامة دين الله ل‬
‫استيفاء الرجل حظه‪ ،‬ولهذا كان ما يصاب به المجاهد في نفسه وفي ماله‬
‫أجره فيه على الله؛ فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم‬
‫الجنة")‪.(113‬‬
‫ولذلك ل يكاد يذكر الجهاد في الكتاب والسنة إل ويذكر بعده "في سبيل‬
‫دا إل إذا كان في‬ ‫الله"· وكذلك من يقتل في القتال مع الكفار ل يسمى شهي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَياٌء‬
‫لأ ْ‬ ‫ت بَ ْ‬
‫وا ٌ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫م َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ل ِفي َ‬ ‫قت َ ُ‬
‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬ ‫قوُلوا ل ِ َ‬ ‫سبيل الله· قال تعالى‪َ) :‬ول ت َ ُ‬
‫ن( )البقرة‪ .(154:‬أي الذين أخلصوا في جهادهم لله تعالى‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ن ل تَ ْ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫ولم يريدوا شيًئا من حظوظ هذه الدنيا الفانية‪.‬‬
‫ويعلق سيد قطب رحمه الله تعالى على هذه الية بقوله‪" :‬ولكن من هم‬
‫هؤلء الشهداء الحياء؟ إنهم أولئك الذين يقتلون "في سبيل الله" ·· في‬
‫سبيل الله وحده‪ ،‬دون شركة في شارة ول هدف ول غاية إل الله· في سبيل‬
‫هذا الحق الذي أنزله· في سبيل المنهج الذي شرعه· في سبيل هذا الدين‬
‫الذي اختاره ·· في هذا السبيل وحده‪ ،‬ل في أي سبيل آخر‪ ،‬ول تحت أي‬
‫شعار آخر‪ ،‬ول شركة مع هدف أو شعار· وفي هذا شدد القرآن وشدد‬
‫الحديث‪ ،‬حتى ما تبقى في النفس شبهة أو خاطر ·· غير الله ··‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(34 /‬‬

‫عن أبي موسى رضي الله عنه قال‪ :‬سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عن الرجل يقاتل شجاعة‪ ،‬ويقاتل حمية‪ ،‬ويقاتل رياء‪ .‬أي ذلك في سبيل الله؟‬
‫فقال‪) :‬من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله()‪(114‬‬
‫أخرجه مالك والشيخان·‬
‫ً‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجل قال‪ :‬يا رسول الله‪ :‬رجل يريد الجهاد‬
‫ضا من الدنيا؟ فقال‪) :‬ل أجر له( فأعاد عليه‬ ‫في سبيل الله وهو يبتغي عر ً‬
‫ثلًثا· كل ذلك يقول‪) :‬ل أجر له()‪ (115‬أخرجه أبو داود·‬
‫وعنه رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬تضمن الله‬
‫تعالى لمن خرج في سبيله؛ ل يخرجه إل جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق‬
‫ي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه‬ ‫برسلي فهو عل ّ‬
‫نائل ً ما نال من أجر أو غنيمة· والذي نفس محمد بيده‪ ،‬ما من كلم يكلم في‬
‫سبيل الله إل جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم‪ ،‬لونه لون دم وريحه مسك·‬
‫والذي نفس محمد بيده لول أن يشق على المسلمين ما قعدت خلف سرية‬
‫دا‪ ،‬ولكن ل أجد سعة فأحملهم‪ ،‬ول يجدون سعة‪ ،‬ويشق‬ ‫تغزو في سبيل الله أب ً‬
‫عليهم أن يتخلفوا عني· والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل‬
‫الله فأقتل‪ ،‬ثم أغزو فأقتل‪ ،‬ثم أغزو فأقتل()‪.(116‬‬
‫فهؤلء هم الشهداء· هؤلء الذين يخرجون في سبيل الله‪ ،‬ل يخرجهم إل جهاد‬
‫في سبيله‪ ،‬وإيمان به‪ ،‬وتصديق برسله·‬
‫ولقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتى فارسي يجاهد أن يذكر‬
‫فارسيته ويعتز بجنسيته في مجال الجهاد‪ :‬عن عبدالرحمن بن أبي عقبة عن‬
‫أبيه ‪ -‬وكان مولى من أهل فارس ‪ -‬قال‪ :‬شهدت مع النبي صلى الله عليه‬
‫دا‪ ،‬فضربت رجل ً من المشركين‪ ،‬فقلت‪ :‬خذها وأنا الغلم الفارسي·‬ ‫وسلم أح ً‬
‫ي النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪) :‬هل قلت‪ :‬وأنا الغلم‬ ‫فالتفت إل ّ‬
‫النصاري؟ إن ابن أخت القوم منهم‪ ،‬وإن مولى القوم منهم()‪.(117‬‬
‫فقد كره له " أن يفخر بصفة غير صفة النصر للنبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وأن يحارب تحت شارة إل شارة النصر لهذا الدين· وهذا هو الجهاد‪ ،‬وفيه‬
‫وحده تكون الشهادة وتكون الحياة للشهداء")‪.(118‬‬
‫ويقول في موطن آخر ‪ -‬رحمه الله ‪" :-‬إنه ل جهاد‪ ،‬ول شهادة‪ ،‬ول جنة‪ ،‬إل‬
‫حين يكون الجهاد في سبيل الله وحده‪ ،‬والموت في سبيله وحده· والنصرة‬
‫له وحده‪ ،‬في ذات النفس وفي منهج الحياة‪.‬‬
‫ل جهاد ول شهادة ول جنة إل حين يكون الهدف هو أن تكون كلمة الله هي‬
‫العليا‪ ،‬وأن تهيمن شريعته ومنهاجه في ضمائر الناس وأخلقهم وسلوكهم‪،‬‬
‫وفي أوضاعهم وتشريعهم ونظامهم على السواء‪.‬‬
‫عن أبي موسى رضي الله عنه قال‪ :‬سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عن الرجل يقاتل شجاعة‪ ،‬ويقاتل حمية· ويقاتل رياء· أي ذلك في سبيل الله؟‬
‫فقال‪) :‬من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله()‪.(119‬‬
‫وليس هنالك من راية أخرى‪ ،‬أو هدف آخر‪ ،‬يجاهد في سبيله من يجاهد‪،‬‬
‫ويستشهد دونه من يستشهد‪ ،‬فيحق له وعد الله بالجنة‪ ،‬إل تلك الراية وإل هذا‬
‫الهدف· من كل ما يروج في الجيال المنحرفة التصور من رايات وأسماء‬
‫وغايات!‬
‫ويحسن أن يدرك أصحاب الدعوة هذه اللفتة البديهية‪ ،‬وأن يخلصوها في‬
‫نفوسهم من الشوائب التي تعلق بها من منطق البيئة وتصور الجيال‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المنحرفة‪ ،‬وأل يلبسوا برايتهم راية‪ ،‬ول يخلطوا بتصورهم تصوًرا غريًبا على‬
‫طبيعة العقيدة·‬
‫ل جهاد إل لتكون كلمة الله هي العليا؛ العليا في النفس والضمير‪ ،‬والعليا في‬
‫الخلق والسلوك‪ ،‬والعليا في الوضاع والنظم‪ ،‬والعليا في العلقات‬
‫والرتباطات في كل أنحاء الحياة· وما عدا هذا فليس لله ولكن‬
‫للشيطان·وفيما عدا هذا ليست هناك شهادة ول استشهاد· وفيما عدا هذا‬
‫ليس هنالك جنة ول نصر من عند الله ول تثبيت للقدام· وإنما هو الغبش‬
‫وسوء التصور والنحراف")‪.(120‬‬
‫ويقول في موطن ثالث‪" :‬ولقد كان القرآن ينشئ قلوًبا يعدها لحمل المانة‪،‬‬
‫وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلبة والقوة والتجرد بحيث ل تتطلع‬
‫‪ -‬وهي تبذل كل شيء وتحتمل كل شيء ‪ -‬إلى شيء في هذه الرض‪ ،‬ول‬
‫تنتظر إل الخرة‪ ،‬ول ترجو إل رضوان الله· قلوًبا مستعدة لقطع رحلة الرض‬
‫كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية واحتمال‪ ،‬بل جزاء في هذه‬
‫الرض قريب· ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة وغلبة السلم وظهور‬
‫المسلمين ··حتى إذا وجدت هذه القلوب التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة‬
‫دا للجزاء‬‫الرض شيء إل أن تعطي بل مقابل‪ ،‬وأن تنتظر الخرة وحدها موع ً‬
‫دا كذلك للفصل بين الحق والباطل‪ ،‬وعلم الله منها صدق نيتها على‬ ‫·· وموع ً‬
‫ما بايعت وعاهدت‪ ،‬أتاها النصر في الرض وائتمنها عليه‪ ،‬ل لنفسها‪ ،‬ولكن‬
‫لتقوم بأمانة المنهج اللهي وهي أهل لداء المانة‪ ،‬منذ كانت لم توعد بشيء‬
‫من المغنم في الدنيا تتقاضاه‪ ،‬ولم تتطلع إلى شيء من المغنم في الرض‬
‫قا يوم كانت ل تعلم لها جزاء إل رضاه· فالنصر‬‫تعطاه‪ ،‬وقد تجردت لله ح ً‬
‫ليس بالعدد وليس بالعدة‪ ،‬وليس بالمال والزاد؛ إنما هو بمقدار اتصال‬
‫القلوب بقوة الله التي ل تقف لها قوة العباد")‪.(121‬‬

‫)‪(35 /‬‬

‫ومن ثمار الخلص في الدنيا أنه سبب من السباب القوية في سلمة‬


‫القلوب‪ ،‬ووحدة الصف‪ ،‬وجمع الكلمة وائتلف القلوب وقطع الطريق على‬
‫من يريد التحريش بين المسلمين وإثارة الفرقة بينهم؛ لن من أعظم أسباب‬
‫الفرقة والختلف والتناحر بين الدعاة والمجاهدين بعضهم مع بعض ضعف‬
‫الخلص‪ ،‬وتغلب الهوى وحظوظ النفس‪ ،‬فإذا حصل العداد القوي والتربية‬
‫الجادة على الخلص قبل الجهاد وأثناءه فإن هذا من شأنه أن يقضي على‬
‫الفرقة والتناحر‪ ،‬وأن يوحد الصف ويجمع الكلمة على قتال العداء‪ ،‬وبهذا‬
‫ُيقضى على سبب خطير من أسباب الفشل والهزيمة؛ قال تعالى‪َ) :‬ول‬
‫حك ُ ْ‬
‫م ( )النفال‪ :‬من الية ‪.(46‬‬ ‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬
‫ب ِري ُ‬ ‫عوا فَت َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ت ََناَز ُ‬
‫وإن مما يقوي الخلص وينميه‪ :‬صدق المحبة لله تعالى ‪ -‬والتي سبق ذكرها ‪-‬‬
‫وصدق التوحيد والعبودية لله تعالى واليقين الصادق باليوم الخر‪ ،‬والقراءة‬
‫في سير الصالحين المخلصين وكيف كان حرصهم على تحقيق الخلص في‬
‫جميع أعمالهم‪ ،‬وخوفهم من الرياء والنفاق‪ ،‬وإخفاؤهم لعمالهم‪ ،‬وحفظهم لها‬
‫من كل ما يكون سبًبا في إحباطها وإبطالها؛ فإن ذلك مما يشوق النفوس‬
‫إلى أعمالهم واللحوق بهم·‬
‫كما أن وجود القدوات المخلصة التي تعلم وتربي وتوجه يعد من السباب‬
‫المهمة في إعداد المجاهدين المخلصين‪ ،‬كما أن من أعظم أسباب الخلص‬
‫الزهد في الدنيا والتخفف منها‪ ،‬والكثار من ذكر الموت‪ ،‬والتطلع إلى الدار‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخرة‪ ،‬والطمع في رضوان الله تعالى ونعيمه فيها‪ ،‬والخوف من سخطه‬


‫وعذابه· وهذا ما سيدور الكلم حوله في الفقرة التالية من أعمال القلوب·‬
‫‪ -3‬الزهد في الدنيا والرغبة في الخرة‪:‬‬
‫إن الركون إلى الدنيا وإشغال الهم والفكر بها وبمتاعها الزائل لهو من أعظم‬
‫أسباب الغفلة وضعف كثير من أعمال القلوب والجوارح· ومتى ما امتل‬
‫القلب بحب الدنيا وزخرفها لم يعد فيه مكان للعمال الشرعية من المحبة‬
‫والخلص والتوكل وغيرها‪ ،‬لن التحلية بالعمال الشرعية ل بد أن يسبقها‬
‫تخلية مما يضادها من العمال المهينة والحقيرة والمشغلة عن الله عز وجل‬
‫والدار الخرة·‬
‫إن حب الجهاد في سبيل الله تعالى ل يحل في قلب مشحون بالدنيا مائل‬
‫إليها؛ لن من أهم مقومات العداد للجهاد في سبيل الله تعالى الزهد في‬
‫الدنيا والستعلء عليها‪ ،‬والستعداد للتضحية بها في أي وقت؛ فالدنيا في حس‬
‫المجاهد خادمة ل مخدومة‪ ،‬ومملوكة ل مالكة·‬
‫وإن الناظر في حياتنا اليوم وما فيها من الترف والدعة والهتمام الشديد‬
‫بالتوسع في مراكبها ومساكنها ومآكلها ومشاربها‪ ،‬وكمالياتها ليرى الفرق‬
‫ما علينا‬ ‫الكبير والبون الشاسع بين هذه الحياة وحياة المجاهدين؛ ولذا كان لزا ً‬
‫وعلى كل من أراد إعداد نفسه للجهاد‪ ،‬وعلى من يتولون إعداد المة للجهاد؛‬
‫علينا جميًعا أن ندرك خطر ما نحن فيه من الترف والترهل والركون إلى‬
‫الدنيا)‪ ،(122‬وأن نبادر للتخفف منها ونبذل السباب التي تزهدنا فيها وترغبنا‬
‫في الخرة‪،‬وإل نفعل تكن فتنة ومصيبة على أنفسنا وعلى أمتنا؛ إذ لو فاجأنا‬
‫داعي الجهاد أو هاجمنا الكفار في عقر دارنا ‪ -‬وهاهم من حولنا ‪ -‬فإن أول‬
‫من يقعد عن الجهاد فيذل للكفار ويستكين أو يفر منهم بجلده هم أولئك‬
‫المترفون الغافلون السادرون الذين ملت الدنيا قلوبهم وصارت هي همهم‬
‫ومبلغهم من العلم· والترف‪ :‬هو التوسع في النعمة والمباحات‪ ،‬وبذل الجهد‬
‫والوقت والهمة في تحصيلها والتنافس فيها· ولم يرد ذكر الترف في القرآن‬
‫إل بمعرض الذم؛ فلقد ذكر الله عز وجل في أكثر من آية أنه سبب الكفر‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫كاُنوا قب ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫والعراض عن الحق أو رده؛ قال تعالى عن أصحاب الشمال (إ ِن ّهُ ْ‬
‫ذيرٍ إ ِلّ‬ ‫َ‬
‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِفي قَْري َةٍ ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ن( )الواقعة‪ ،(45:‬وقال سبحانه‪) :‬وَ َ‬ ‫مت َْرِفي َ‬‫ك ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وال ً وَأْولدا ً وَ َ‬
‫ما‬ ‫م َ‬ ‫ن أك ْث َُر أ ْ‬ ‫ح ُ‬‫ن وََقاُلوا ن َ ْ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬
‫م ب ِهِ َ‬ ‫ما أْر ِ‬
‫ها إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬‫ل ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬
‫ما أت ْرُِفوا ِفي ِ‬
‫ه‬ ‫موا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن( )سبأ‪ ،(35-34:‬وقال تعالى‪َ) :‬وات ّب َعَ ال ّ ِ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬
‫ن بِ ُ‬‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن()هود‪ :‬من الية ‪.(116‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ول يفهم من ذم الترف التهوين من شأن المال؛ فالمال عصب الجهاد في‬
‫سبيل الله تعالى‪ ،‬ولكن المقصود التحذير من السراف في التنعم وجعل ذلك‬
‫من أكبر الهم‪ ،‬وبخاصة للعاملين في حقل الدعوة والجهاد والعداد؛ لما لذلك‬
‫من آثار سيئة في حياة المنتسبين إلى الدعوة والجهاد· والواقع شاهد بذلك؛‬
‫فكم رأينا من الدعاة ومن كانوا مهتمين بالجهاد قد تخلوا عن الجهاد والعداد‬
‫له وركنوا إلى الدنيا بسبب الترف والتوسع في النعيم·‬

‫)‪(36 /‬‬

‫ويبين ابن خلدون رحمه الله مضار الترف على المم وأثره في زوالها‪ ،‬وأثر‬
‫التقشف وخشونة العيش في الغلبة على العداء فيقول في مقدمته‪:‬‬
‫"الفصل السادس عشر‪ :‬في أن المم الوحشية أقدر على الت ّغَّلب ممن‬
‫سواها‪ :‬اعلم أنه لما كانت البداوة سبًبا في الشجاعة كما قلناه في المقدمة‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثالثة‪ ،‬ل جرم كان هذا الجيل الوحشي أشد شجاعة من الجيل الخر؛ فهم‬
‫أقدر على التغلب وانتزاع ما في أيدي سواهم من المم‪ ،‬بل الجيل الواحد‬
‫فّنقوا)‪(123‬‬ ‫تختلف أحواله في ذلك باختلف العصار‪ ،‬فكلما نزلوا الرياف وت َ َ‬
‫في النعيم‪ ،‬وألفوا عوائد الخصب في المعاش والنعيم‪ ،‬نقص من شجاعتهم‬
‫بمقدار ما نقص من توحشهم وبداوتهم")‪.(124‬‬
‫وكلما تخفف المسلم من الدنيا ومتاعها وأصبحت في يده ل في قلبه هانت‬
‫عليه وهان عليه فراقها والتضحية بها‪ ،‬وسهل عليه الجهاد والبذل‪ ،‬وقوي عنده‬
‫الصبر على المصائب والبليا·‬
‫ولذلك كان المتقللون من الدنيا هم أتباع الرسل‪ ،‬وهم الذين يلبون منادي‬
‫الجهاد عند النداء‪" ،‬والمة المجاهدة ل تكون مترفة‪ ،‬والمة المترفة ل تكون‬
‫مجاهدة؛ فل يجتمع ترف وجهاد؛ لن الترف نعومة وراحة واسترخاء وإغراق‬
‫في الشهوات والملذات يصعب على صاحبه مفارقة ما ألفه منه‪ ،‬بل إنه‬
‫يعيش وهو يفكر في إضافة المزيد منه ويخاف أن يحال بينه وبين ذلك الترف‬
‫والنعيم· والجهاد بذل وتضحية ومشقة وبعد عن الملذات والشهوات ومفارقة‬
‫للمحبوبات واقتحام للمكاره والعقبات؛ المترف يخاف كل شيء يعكر عليه‬
‫صفو ترفه‪ ،‬والمجاهد ل يخاف في الله لومة لئم‪ ،‬المترف يتلهف للفسق‬
‫والفجور والفواحش‪ ،‬والمجاهد يتطلع لقيادة البشر بالمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر· فالمترفون فاسقون والمجاهدون مصلحون·‬
‫ولهذا كانت سنة الله في المترفين الفاسقين تدميرهم‪ ،‬والتدمير قد يكون‬
‫بالستئصال بعذاب الله كما كان في المم الماضية‪ ،‬وقد يكون بإنزال البأس‬
‫الذي يحول بين المترف وما كان يتمتع به من شهوات‪ ،‬وهو عذاب وتدمير‪،‬‬
‫وقد يكون أشق عليه من مفارقة ترفه بالموت· والعقوبة تعم المترفين ومن‬
‫ك قَري ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مت َْرِفيَها‬
‫مْرَنا ُ‬‫ةأ َ‬ ‫ن ن ُهْل ِ َ ْ َ‬
‫لم يقف في وجه ترفهم؛ قال تعالى‪) :‬وَإ َِذا أَرد َْنا أ ْ‬
‫ميرًا( )السراء‪.(125)"(16:‬‬ ‫ها ت َد ْ ِ‬ ‫ل فَد َ ّ‬
‫مْرَنا َ‬ ‫حقّ عَل َي َْها ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬ ‫قوا ِفيَها فَ َ‬
‫س ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ف َ‬
‫ويعلق سيد قطب رحمه الله تعالى على آية السراء فيقول‪" :‬والمترفون في‬
‫كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال ويجدون الخدم‬
‫ويجدون الراحة‪ ،‬فينعمون بالدعة وبالراحة وبالسيادة حتى تترهل نفوسهم‬
‫وتأس‪،‬ن وترتع في الفسق والمجانة‪ ،‬وتستهتر بالقيم والمقدسات‬
‫والكرامات‪ ،‬وتلغ في العراض والحرمات‪ ،‬وهم إذا لم يجدوا من يضرب على‬
‫أيديهم عاثوا في الرض فساًدا‪ ،‬ونشروا الفاحشة في المة وأشاعوها‬
‫وأرخصوا القيم العليا التي ل تعيش الشعوب إل ّ بها ولها‪ ،‬ومن ثم تتحلل المة‬
‫وتسترخي‪ ،‬وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها فتهلك وتطوى‬
‫صفحتها· والية تقرر سنة الله هذه ···")‪.(126‬‬
‫والحاصل التنبيه على خطورة الترف على حياة الداعية والمجاهد‪ ،‬وأن الجهاد‬
‫والترف ل يجتمعان‪ ،‬وعلى من يعد نفسه للجهاد في سبيل الله عز وجل أن‬
‫يربي نفسه على الزهد في الدنيا والتقلل منها‪ ،‬وتعويد النفس على شظف‬
‫العيش وخشونته· وهذا يحتاج إلى مجاهدة للنفس المارة لنها تميل إلى‬
‫الدعة والراحة والتنعم·‬
‫كما ل ننسى دور المربين والقدوات الذين يربون المة ويعدوها للجهاد‪ ،‬فإن‬
‫لم يكونوا مثال ً للزهد والبعد عن الترف بأشكاله كلها فإن التربية ستكون‬
‫ضعيفة وهشة؛ لن الناس ل ينظرون إلى أقوال الدعاة والمربين فحسب‪ ،‬بل‬
‫صا من الناس يحثه‬ ‫إن نظرهم يتركز على أفعالهم وأحوالهم· ولنتصور شخ ً‬
‫شيخه أو مربيه على الزهد في الدنيا ويحذره من الترف والتوسع في‬
‫المباحات‪ ،‬ثم هو يرى شيخه في مركبه ومسكنه وملبسه ومطعمه في واد‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والزهد في واد آخر· فماذا سيكون حال هذا المتربي؟! إنه سيشعر‬
‫بالضطراب والزدواجية‪ ،‬وإن هذا لمما يعوق التربية والعداد ويؤخرهما·‬
‫وإن مما يعين على ترك الترف والرضى من الدنيا باليسير والتضحية بها حين‬
‫يتطلب المر ذلك‪ :‬النظر في سيرة المربي العظيم سيد الزاهدين وإمام‬
‫المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكيف كانت حياته‪ ،‬وكيف‬
‫كان يعد أصحابه رضي الله عنهم ويربيهم بقوله وعمله وحاله‪ ،‬ثم النظر في‬
‫حياة الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان من سادات المجاهدين‬
‫والزاهدين· إن الطلع على حياة السلف رحمهم الله لمما يعين على القتداء‬
‫بهم وبذل الجهد في اللحوق بهم؛ وإذا كان النعيم أث َّر في بعض أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فكاد يحول بين بعضهم وبين‬
‫النفير مع الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وحال فعل ً بين بعضهم وبين ذلك‪،‬‬
‫ولم ينفعه من عقاب الله وسخطه وسخط رسوله صلى الله عليه وسلم إل‬
‫التوبة‪ ،‬فكيف بمن بعدهم؟·‬

‫)‪(37 /‬‬

‫فهذا كعب بن مالك رضي الله عنه يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في غزوة تبوك ويعرض في سياق حديثه بعض السباب التي أغرته‬
‫بذلك التخلف‪ ،‬منها المشقات التي استقبلت المجاهدين كما قال‪) :‬فغزاها‬
‫دا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد‪ ،‬واستقبل سفًرا بعي ً‬
‫ومفاًزا‪ ،‬واستقبل عدًوا كثيًرا‪ ،‬فجّلى للمسلمين أمرهم ···()‪.(127‬‬
‫ومنها النعيم ووسائل الراحة المتاحة في المدينة التي كان يميل إليها كما‬
‫قال‪) :‬وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار‬
‫والظلل فأنا إليها أصعر()‪ (127‬أي أميل‪.‬‬
‫وأختم هذا الحديث عن الزهد وما يضاده من الترف بكلم نفيس للمام ابن‬
‫القيم رحمه الله تعالى يوجه فيها النظار إلى كيفية الستقامة بالزهد في‬
‫الدنيا فيقول‪" :‬ل تتم الرغبة في الخرة إل بالزهد في الدنيا‪ ،‬ول يستقيم‬
‫الزهد في الدنيا إل بعد نظرين صحيحين‪:‬‬
‫نظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها وخستها‪ ،‬وألم المزاحمة عليها والحرص‬
‫عليها؛ فطالبها ل ينفك من هم قبل حصولها‪ ،‬وهم في حال الظفر بها‪ ،‬وغم‬
‫وحزن بعد فواتها· فهذا أحد النظرين·‬
‫النظر الثاني‪ :‬النظر في الخرة وإقبالها ومجيئها ول ُبد‪ ،‬ودوامها وبقائها‪،‬‬
‫وشرف ما فيها من الخيرات والمسّرات‪ ،‬والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا؛‬
‫قى( )العلى‪.(17:‬‬ ‫خي ٌْر وَأ َب ْ َ‬ ‫فهي كما قال الله سبحانه‪َ) :‬واْل ِ‬
‫خَرةُ َ‬
‫فهي خيرات كاملة دائمة‪ ،‬وهذه خيالت ناقصة منقطعة مضمحلة‪ ،‬فإذا تم له‬
‫هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره‪ ،‬وزهد فيما يقتضي الزهد فيه؛‬
‫فكل أحد مطبوع على أن ل يترك النفع العاجل واللذة الحاضرة إلى النفع‬
‫الجل واللذة الغائبة المنتظرة إل إذا ت َب َّين له فضل الجل على العاجل وقويت‬
‫رغبته في العلى الفضل‪ ،‬فإذا آثر الفاني الناقص كان ذلك إما لعدم ت َب َّين‬
‫الفضل له‪ ،‬وإما لعدم رغبته في الفضل")‪.(128‬‬
‫وإن مما يعين على الزهد وترك الترف محاولة النتقال من حياة الدعة‬
‫ما أو أسابيع في‬ ‫والترف ما بين الفينة والخرى؛ وذلك كأن يخصص الداعية أيا ً‬
‫السنة يفارق فيها أهله وبلده ضمن برنامج دعوي في بعض القرى أو الهجر‬
‫أو الماكن النائية في الجبال والغابات التي يقطنها كثير من الناس الذين ل‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعرفون التوحيد ول كيف يصلون ول يصومون وتنتشر فيهم الخلق والعادات‬


‫السيئة؛ فإن مثل هذه الجواء فيها تربية للداعية نفسه‪ ،‬وذلك بالتعود على‬
‫حياة الخشونة والشظف‪ ،‬وفيها تربية وتعليم لسكان هذه الماكن ما يجهلونه‬
‫من أمر دينهم‪ ،‬ول شك أن هذه العمال تحتاج إلى جهاد مع النفس بنقلها من‬
‫حياة الدعة والترف التي تحبها إلى حياة الشظف والتعب التي تكرهها‪ ،‬كما‬
‫أن في مثل هذه السفار بذل ً للمال في سبيل الله عز وجل ومجاهدة للنفس‬
‫في حبها للمال والبخل به·‬
‫‪ -4‬التوكل على الله عز وجل ‪:‬‬
‫وهذا العمل القلبي من أفضل العمال وأنفعها للعبد‪ ،‬ول سيما المجاهد أو من‬
‫يعد نفسه للجهاد في سبيل الله تعالى‪ ،‬وحقيقة التوكل‪ :‬هو غاية العتماد على‬
‫الله سبحانه وغاية الثقة به‪ ،‬مع الخذ بالسباب المأمور بها وعدم العتماد‬
‫عليها ول التعلق بها· وهو عبادة عظيمة تجمع بين تفويض المور إلى الله‬
‫تعالى‪ ،‬وإحسان الظن به‪ ،‬والرجاء في رحمته ونصرته‪ ،‬وعدم الخوف إل منه‬
‫سبحانه؛ فهو الذي بيده النفع والضر‪ ،‬وما من دابة إل هو آخذ بناصيتها·‬
‫لذا وجب على المجاهد أن يقوي هذه العبادة في قلبه‪ ،‬ويسأل ربه صدق‬
‫ول هذه العبادة من علم وعقيدة مجردة‬ ‫التوكل عليه‪ ،‬ويأخذ بالسباب التي تح ّ‬
‫إلى عمل وحال يتحرك بها ويواجه الخطار والمصائب والعداء بها؛ لن هناك‬
‫فرًقا بين العلم بالتوكل والمعرفة به وبين كونه عمل ً وحا ً‬
‫ل·‬
‫وفي ذلك يقول المام ابن القيم رحمه الله تعالى‪ ···" :‬وكثير ما يشتبه في‬
‫هذا الباب‪ :‬المحمود الكامل بالمذموم الناقص ··· ومنه اشتباه علم التوكل‬
‫بحال التوكل؛ فكثير من الناس يعرف التوكل وحقيقته وتفاصيله‪ ،‬فيظن أنه‬
‫متوكل وليس من أهل التوكل· فحال التوكل أمر آخر من وراء العلم به···")‬
‫‪.(129‬‬
‫والتربية على التوكل تأتي من العتناء بالفقه بأسماء الله تعالى وصفاته‬
‫الحسنى؛ فهو ثمرة هذا العلم الشريف؛ كالفقه بصفات العلم والقدرة‬
‫والرحمة والحكمة والتعبد لله سبحانه بها؛ لن من أيقن كمال علم الله تعالى‬
‫وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون‪ ،‬وأنه القادر على كل شيء‪ ،‬وأن رحمته‬
‫وسعت كل شيء‪ ،‬وأنه رحيم بالمؤمنين‪ ،‬وحكيم في أقضيته وأحكامه· من‬
‫أيقن بهذا وتشرب به قلبه اعتمد على من هذه صفاته وفوض أمره إليه‬
‫سبحانه·‬
‫ول ينافي هذا الخذ بالسباب‪ ،‬لن الله عز وجل أمر بالخذ بالسباب في قتال‬
‫ل(‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن قُوّةٍ وَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫العداء فقال تعالى‪) :‬وَأ َ ِ‬
‫ع ّ‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫)لنفال‪ :‬من الية ‪ ،(60‬وأمر بأخذ الحذر من الكفار فقال‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م( )النساء‪ :‬من الية ‪.(71‬‬ ‫حذ َْرك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ُ‬

‫)‪(38 /‬‬

‫وظاهر الرسول صلى الله عليه وسلم يوم ُأحد بين درعين ولبس المغفر‪،‬‬
‫وحفر الخندق؛ وهو سيد المتوكلين· ولكن قلبه لم يتعلق بهذه السباب بل‬
‫فوض أمره إلى الله عز وجل‪ ،‬ودعا ربه بالنصر وإهلك الكافرين· قال‬
‫مى(‬
‫ه َر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَل َك ِ ّ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫ت إ ِذ ْ َر َ‬‫مي ْ َ‬
‫ما َر َ‬ ‫ه قَت َل َهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م وَل َك ِ ّ‬
‫قت ُُلوهُ ْ‬ ‫سبحانه‪) :‬فَل َ ْ‬
‫م تَ ْ‬
‫)النفال‪ :‬من الية ‪.(17‬‬
‫ولما ظن الصحابة رضي الله عنهم ترتب النصر على السباب وأعجبوا بها‬
‫َ‬
‫م‬‫جب َت ْك ُ ْ‬
‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬‫حن َي ْ ٍ‬
‫م ُ‬ ‫يوم حنين هزموا في أول المعركة‪ ،‬وقال تعالى‪) :‬وَي َوْ َ‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شْيئًا( )التوبة‪ :‬من الية ‪.(25‬‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُ ْ‬ ‫م ت ُغْ ِ‬‫م فَل َ ْ‬ ‫ك َث َْرت ُك ُ ْ‬
‫فالخذ بالسباب من سنن المرسلين‪ ،‬والخذ بها واجب وطاعة لله تعالى مع‬
‫ترك العتماد عليها‪ ،‬بل العتماد على الله وحده ل شريك له في حصول‬
‫المقصود بعد الخذ بالسباب· وقد تضيق بالعبد السبل وتنعدم السباب؛ وهنا‬
‫ليس أمام العبد إل عمل القلب وحده بصدق التوكل على الله عز وجل‬
‫وصدق اللجوء والضطرار إليه؛ كما لو أحاط العدو الكافر بالمجاهدين ولم‬
‫ن َقا َ‬
‫ل‬ ‫يكن لهم حيلة في دفعه؛ قال الله تعالى عن المسلمين يوم أحد‪) :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫سب َُنا‬
‫ح ْ‬‫مانا ً وََقاُلوا َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬
‫م ِإي َ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫م َفا ْ‬
‫خ َ‬ ‫مُعوا ل َك ُ ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬
‫ج َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫ل( )آل عمران‪.(173:‬‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫قال ابن القيم رحمه الله تعالى‪" :‬والتوكل تارة يكون توكل اضطرار وإلجاء‬
‫بحيث ل يجد العبد ملجأ ول وََزًرا إل التوكل؛ كما إذا ضاقت عليه السباب‬
‫وضاقت عليه نفسه‪ ،‬وظن أن ل ملجأ من الله إل إليه‪ ،‬وهذا ل يتخلف عنه‬
‫الفرج والتيسير البتة‪ ،‬وتارة يكون توكل اختيار وذلك‪ :‬التوكل مع وجود السبب‬
‫المفضي إلى المراد‪ ،‬فإن كان السبب مأموًرا به ُذم على تركه‪ ،‬وإن قام‬
‫بالسبب وترك التوكل ذم على تركه أيضًا؛ فإنه واجب باتفاق المة ونص‬
‫ما حرم‬ ‫القرآن والواجب القيام بهما والجمع بينهما· وإن كان السبب محر ً‬
‫حد السبب في حقه في التوكل فلم يبق سبب سواه؛ فإن‬ ‫عليه مباشرته وت َوَ ّ‬
‫التوكل من أقوى السباب في حصول المراد ودفع المكروه‪ ،‬بل هو أقوى‬
‫حا نظرت هل ُيضعف قيامك به‬ ‫السباب على الطلق· وإن كان السبب مبا ً‬
‫التوكل أو ل يضعفه؟ فإن أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت همك فتركه أولى‪،‬‬
‫وإن لم يضعفه فمباشرته أولى؛ لن حكمة أحكم الحاكمين اقتضت ربط‬
‫المسبب به فل تعطل حكمته ‪] -‬إلى أن قال[ ‪ -‬وسر التوكل وحقيقته هو‬
‫اعتماد القلب على الله وحده؛ فل يضره مباشرة السباب مع خلو القلب من‬
‫العتماد عليها والركون إليها‪ ،‬كما ل ينفعه قوله توكلت على الله مع اعتماده‬
‫على غيره وركونه إليه وثقته به‪ ،‬فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء")‬
‫‪.(130‬‬
‫وإن من لوازم التوكل على الله عز وجل‪ :‬اليقين بمعية الله سبحانه ونصرته‬
‫لعباده المؤمنين وتثبيتهم‪ ،‬وإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم الكافرين بعد‬
‫الخذ بالسباب المأمور بها وبذل الوسع في ذلك·‬
‫والناس في التوكل على الله عز وجل والخذ بالسباب في قتال الكافرين‬
‫طرفان ووسط‪:‬‬
‫الطرف الول‪ :‬الذين يرون أن الله عز وجل سينصر المسلمين باليات‬
‫والجنود الذين يسخرهم للقضاء على الكافرين ولو لم يأخذوا بأسباب النصر‬
‫أو لم يكملوها؛ فما داموا مسلمين وأعداؤهم من الكافرين فإن نصر الله عز‬
‫وجل سينزل عليهم؛ لنهم مسلمون وكفى· وهذا الفريق من الناس يفّرط‬
‫في العادة في الخذ بأسباب النصر أو يستطول الطريق فل يكملها‪ ،‬وإنما‬
‫ينتظر خارقة وآية من الله عز وجل·‬
‫ول يخفى ما في هذا القول من التفريط والغفلة عن سنن الله عز وجل في‬
‫النصر والتمكين·‬
‫الطرف الثاني‪ :‬وهو مقابل للطرف الول‪ ،‬وقد يكون ردة فعل له‪ ،‬وذلك‬
‫بقولهم بأنه لكي ينتصر المسلمون على أعدائهم ويمكن لهم في الرض فل‬
‫بد أن يكونوا مكافئين لعدوهم في العدد والعتاد والسلح والخذ بالسباب‬
‫المادية‪ ،‬ومثل هؤلء يغلبون السباب المادية ويتعلقون بها ويفرطون في‬
‫السباب الشرعية‪،‬ول يلتفتون إلى اليات والمعجزات والعانات التي ينصر‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله سبحانه بها عباده المحققين لسباب النصر متى شاء سبحانه وعلم أن‬
‫عباده المؤمنين قد استفرغوا ما في جهدهم من الخذ بأصول النصر وأسبابه·‬
‫ومعلوم أن المسلمين في كل وقت ‪ -‬وبخاصة في هذا الوقت ‪ -‬لم يصلوا ولن‬
‫يصلوا ولم يكلفهم الله سبحانه بأن يصلوا إلى مستوى أعدائهم في القوة‬
‫طا في نزول النصر‪ ،‬ول يخفى ما في هذا‬ ‫والصناعة والسلح؛ لنه ليس شر ً‬
‫القول من تطرف وغفلة عن مسبب السباب ونسيان لقوة الله تعالى والتي‬
‫ل يقف أمامها أي قوة في الرض ول في السماء‪ ،‬والتي ينصر بها عباده‬
‫المؤمنين الذين أخذوا بأسباب النصر واستحقوا أن يسخر لهم جنود السموات‬
‫والرض·‬

‫)‪(39 /‬‬

‫الوسط‪ :‬وهو الحق إن شاء الله تعالى‪ ،‬وهم الذين بذلوا كل ما في وسعهم‬
‫في الخذ بأسباب النصر السالفة الذكر‪ ،‬حيث بذلوا ما في وسعهم في الخذ‬
‫بالعلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وربوا أنفسهم على ذلك‪ ،‬وبلغوه للمة قدر‬
‫استطاعتهم حتى عرفتهم المة وما هم عليه من الحق‪ ،‬وعرفت أعداءهم وما‬
‫هم عليه من كفر وفساد‪ ،‬وأخذوا بالسباب المادية المباحة والمتاحة لهم·‬
‫ومع أخذهم بهذه السباب فلم يعتمدوا عليها بل اعتمدوا على مسبب‬
‫السباب ومن بيده ملكوت السموات والرض‪ ،‬وانتظروا نصره المبين الذي‬
‫وعد به عباده المؤمنين الذين أخذوا بأسباب النصر وبذلوا ما في وسعهم في‬
‫َ‬
‫م(‬‫مك ُ ْ‬‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬
‫ذلك‪ ،‬وانتظروا تأويل قوله سبحانه‪) :‬إ ِ ْ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫)محمد‪ :‬من الية ‪ ،(7‬ولم ينسوا قوله تعالى‪) :‬وَل ِل ّهِ ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫جُنود ُ ال ّ‬
‫و(‬ ‫ّ‬
‫ك إ ِل هُ َ‬ ‫جُنود َ َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ما ي َعْل ُ‬ ‫كيمًا( )الفتح‪ ،(7:‬وقوله تعالى‪) :‬وَ َ‬ ‫ح ِ‬‫زيزا ً َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬‫وَ َ‬
‫)المدثر‪ :‬من الية ‪ ،(31‬بل هم موقنون بظهور قوة الله عز وجل‪ ،‬وظهور‬
‫اليات بعد أن يبذلوا وسعهم في الخذ بالسباب وإعداد العدة للجهاد‪ ،‬ولم‬
‫يرهبهم حينئذ قوة أعدائهم من الكفرة والمنافقين مهما بلغت من القوة‬
‫والدمار؛ لن قوة الله عز وجل فوق قوتهم‪ ،‬ونواصيهم بيده سبحانه‪ ،‬ولو‬
‫يشاء الله تعالى دمرها عليهم وأبطل مفعولها· ولكن هذا ل يكون إل لمن‬
‫حقق أسباب النصر والتمكين الشرعية والمادية ول بد هنا من التفريق بين‬
‫جهاد الدفع وجهاد الطلب في إعداد العدة كما سبق بيانه)‪.(131‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أعمال اللسان ‪:‬‬
‫‪ -1‬الذكر والدعاء ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫عوِني أ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫ل َرب ّك ُ ُ‬ ‫الدعاء هو العبادة‪ ،‬وقد قال الله تعالى‪) :‬وََقا َ‬
‫ن( )غافر‪ ،(60:‬وفي‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫م َدا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬‫عَباد َِتي َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫الذكر ثناء وتمجيد وتسبيح وحمد لله تعالى‪ ،‬وفي الدعاء تبرؤ من الحول‬
‫والقوة وتعلق بقوة الله وحده؛ فهو في الحقيقة يعبر عن حقيقة التوكل‬
‫والستعانة بالله عز وجل وحده·‬
‫وقد مر بنا في صفات المجاهدين الذين اشترى الله تعالى منهم أنفسهم‬
‫وأموالهم أن من صفاتهم أنهم )العابدون الحامدون(· والدعاء‪ :‬هو العبادة‪،‬‬
‫والحمد‪ :‬هو ذكر الله عز وجل والثناء عليه بما له من السماء الحسنى‬
‫والصفات العل‪ ،‬وبما أنعم وأحسن على عباده·‬
‫وقد أمر الله عز وجل عباده المجاهدين أن يستعدوا للقاء عدوهم بكثرة‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫الذكر والدعاء والتضرع فإنها من أسباب النصر؛ قال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن( )لنفال‪.(45:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ه ك َِثيرا ً ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُُروا الل ّ َ‬‫م فِئ َ ً‬
‫قيت ُ ْ‬‫مُنوا إ َِذا ل َ ِ‬‫آ َ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد سن الرسول صلى الله عليه وسلم أدعية وأذكاًرا في اليوم والليلة ينبغي‬
‫للمسلم وخاصة المجاهد ومن يعد نفسه للجهاد أن يحفظها ويذكر الله بها‬
‫في أوقاتها؛ فهي من أكبر العون في طمأنينة القلب وتوكله على الله وحده‬
‫واستحضار معية الله سبحانه له؛ وذلك كما جاء في الحديث القدسي‪) :‬أنا‬
‫عند ظن عبدي بي‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في‬
‫نفسي‪ ،‬وإن ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم ···()‪ (132‬الحديث·‬
‫ذا ذك ْر مبار ٌ َ‬
‫ك أن َْزل َْنا ُ‬
‫ه( )النبياء‪:‬‬ ‫وأعظم الذكر قراءة القرآن قال تعالى‪) :‬وَهَ َ ِ ٌ ُ َ َ‬
‫ن( )الحجر‪:‬‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل ُ‬
‫َ‬ ‫ح ُ‬
‫من الية ‪ ،(50‬وقال سبحانه‪) :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫‪ ،(9‬وإن مما ينبغي على الداعية والمجاهد أن ل يغفل عن كتاب الله عز‬
‫ظا وتلوة وتدبًرا‪ ،‬وأن يكون له حزب يومي ل يخل به‬ ‫وجل‪ ،‬بل يتعاهده حف ً‬
‫مع كتاب الله عز وجل·‬
‫‪ -2‬التوبة والستغفار ‪:‬‬
‫وقد ذكر الله عز وجل في آية التوبة أن من صفات المؤمنين المجاهدين‬
‫الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم أنهم )التائبون(·‬
‫والتوبة‪ :‬الرجوع إلى الله عز وجل والنابة إليه والندم على فعل الذنب بعد‬
‫القلع عنه‪ ،‬وعدم الرجوع إليه· وحاجة المجاهد إلى التوبة والستغفار‬
‫شديدة؛ لن المجاهد معرض أكثر من غيره للعجب بعمله الصالح مع دنو أجله‬
‫وتعرضه للموت في كل لحظة ولن أكثر ما يخذل المجاهدين في المعارك‬
‫ذنوبهم؛ فبالتوبة والستغفار تمحى آثار الذنوب والمعاصي وتزول أسباب‬
‫الهزيمة والخذلن‪ ،‬فضل ً عن أن التوبة عبادة عظيمة من العبادات التي يحبها‬
‫الله عز وجل ويفرح بها·‬

‫)‪(40 /‬‬

‫والمجاهد بشر ليس بمعصوم‪ ،‬بل إنه معرض للذنوب‪ ،‬ولكنه ل يصر على‬
‫الذنب‪ ،‬بل يسرع الرجوع ويستغفر ربه عندما تضعف نفسه وتزل قدمه؛ قال‬
‫م‬‫ن ت َذ َك ُّروا فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫طائ ِ ٌ‬‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬‫م ّ‬ ‫وا إ َِذا َ‬ ‫ق ْ‬‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ن( )العراف‪ ،(201:‬وقال سبحانه في اليات التي سبقت قصة أحد‬ ‫صُرو َ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ذ َكُروا الل َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫ة أوْ ظل ُ‬ ‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ َِذا فعَلوا فا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫في آل عمران‪َ) :‬وال ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما فعَلوا وَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫صّروا عَلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫َ‬
‫ه وَل ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب إ ِل الل ُ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬
‫م ْ‬‫م وَ َ‬ ‫فُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ن( )آل عمران‪.(135:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم يكثر من الستغفار‬
‫ويقول‪) :‬والله إني لستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة( )‬
‫‪ ،(133‬ويقول صلى الله عليه وسلم‪) :‬يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب‬
‫في اليوم إليه مائة مرة()‪.(134‬‬
‫‪ -3‬الدعوة إلى الله عز وجل والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪:‬‬
‫وسيأتي التفصيل فيها إن شاء الله تعالى في المرتبة الثالثة من مراتب جهاد‬
‫النفس وهي جهادها على الدعوة والتعليم·‬
‫‪ -4‬صدق الحديث‪ ،‬وطيب الكلم ‪:‬‬
‫وهذا يحتاج إلى مجاهدة للنفس في تحقيقه‪ ،‬وليس المقام مقام تفصيل في‬
‫فضل الصدق وأدلة ذلك‪ ،‬وإنما المراد أن الداعية والمجاهد في سبيل الله من‬
‫أخص أوصافه أنه صادق ل يبطن خلف ما يظهر‪ ،‬ول يكذب على إخوانه في‬
‫حديثه بل يصدقهم‪ ،‬وينصح لهم ول يغشهم‪ ،‬وبهذا تصفو النفوس وتطيب‬
‫القلوب·‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أعمال الجوارح‪ ،‬ومن أهمها في العداد للجهاد‪:‬‬


‫‪ -1‬المحافظة على الصلوات فرضها ونفلها‪:‬‬
‫سبق وأن مر بنا في صفات المجاهدين المذكورين في سورة التوبة‪ ،‬والذين‬
‫اشترى الله عز وجل منهم أنفسهم وأموالهم أن من صفاتهم‪) :‬الراكعون‬
‫دا يعبدون ربهم‬ ‫الساجدون(؛ وكأنها صفة لزمة لهم؛ ل تراهم إل ركًعا وسج ً‬
‫بهذه الشعيرة العظيمة‪ ،‬هي لذتهم ونور حياتهم وقرة عيونهم وسعادة‬
‫دا ول مراًدا من مرادات النفوس؛‬ ‫قلوبهم‪ ،‬ولذلك ل يقدمون عليها مال ً ول ول ً‬
‫يلبون نداء الصلة فور سماعهم للنداء‪ ،‬يحافظون على أدائها في جماعة‬
‫مبكرين لها محافظين على إتقانها بأركانها وواجباتها وخشوعها· ويزيدون‬
‫عليها بالسنن الرواتب‪ ،‬ل يفرطون فيها ويحافظون على النوافل الواردة من‬
‫صلة الضحى وقيام الليل‪ ،‬يحذرون الخرة ويرجون رحمة الله عز وجل؛ كما‬
‫جدا ً وَقَِيامًا(‬ ‫س ّ‬‫م ُ‬ ‫ن ل َِرب ّهِ ْ‬‫ن ي َِبيُتو َ‬ ‫قال الله عز وجل في وصفهم‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن( )الذريات‪:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ي َهْ َ‬‫ل َ‬‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫كاُنوا قَِليل ً ِ‬ ‫)الفرقان‪ ،(64:‬وقال أيضا ً عنهم‪َ ) :‬‬
‫‪ ،(17‬وهم بذلك يرجون أن يكون لصلتهم آثارها ومنافعها الدنيوية والخروية·‬
‫وإن من العداد للجهاد الهتمام الشديد بالصلة فرضها ونفلها؛ وذلك لنها أم‬
‫العبادات‪ ،‬وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬فضل ً عن كونها زاًدا للمجاهد في‬
‫طريقه الشاق الطويل؛ يستعين بها على ما يواجهه في جهاده من تكاليف‬
‫َ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ومشاق وقتل وقتال وهجر للمال والولد؛ قال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن( )البقرة‪ .(153:‬فمن لم يكن‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫صلةِ إ ِ ّ‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬‫ا ْ‬
‫له زاد من الصلة بالله عز وجل فإنه ل يقوى على مواصلة الطريق‪ ،‬ول على‬
‫الثبات أمام العداء في ساحات الوغى·‬
‫ثم ل ننسى الحديث القدسي الذي مر بنا قريًًبا‪ ،‬والذي يبين أثر التقرب إلى‬
‫الله عز وجل بالفرائض والنوافل في محبة الله عز وجل لمن هذه حاله· وأن‬
‫العبد ما يزال يتقرب بذلك حتى يحفظه الله عز وجل في سمعه وبصره ويده‬
‫ورجله؛ فل تنطلق جوارحه إل فيما يحب الله عز وجل· وكفى بحفظ الله‬
‫ظا وقوة وثباًتا وجهاًدا·‬ ‫تعالى حف ً‬
‫َ‬
‫ويعلق سيد قطب رحمه الله تعالى على آية البقرة النفة الذكر‪َ) :‬يا أي َّها‬
‫ة‪ (...‬فيقول‪" :‬وحين يطول المد ويشق‬ ‫صل ِ‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬
‫مُنوا ا ْ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫الجهد‪ ،‬قد يضعف الصبر‪ ،‬أو ينفد إذا لم يكن هناك زاد ومدد ومن ثم يقرن‬
‫الصلة إلى الصبر؛ فهي المعين الذي ل ينضب‪ ،‬والزاد الذي ل ينفد· المعين‬
‫الذي يجدد الطاقة‪ ،‬والزاد الذي يزود القلب؛ فيمتد حبل الصبر ول ينقطع· ثم‬
‫يضيف إلى الصبر‪ ،‬الرضى والبشاشة‪ ،‬والثقة‪ ،‬واليقين·‬

‫)‪(41 /‬‬

‫إنه ل بد للنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بربه العلى‪ ،‬يستمد منه‬
‫العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة‪ ،‬حينما تواجهه قوى الشر الباطنة‬
‫والظاهرة‪ ،‬حينما يثقل عليه جهد الستقامة على الطريق بين دفع الشهوات‬
‫وإغراء المطامع‪ ،‬وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة‪،‬‬
‫حينما يطول به المد وتبعد به الشقة في عمره المحدود‪ ،‬ثم ينظر فإذا هو لم‬
‫يبلغ شيًئا وقد أوشك المغيب‪ ،‬ولم ينل شيًئا وشرارة العمر تميل للغروب‪،‬‬
‫شا والخير ضاوًيا‪ ،‬ول شعاع في الفق ول معلم في‬ ‫حينما يجد الشر ناف ً‬
‫الطريق ·· هنا تبدو قيمة الصلة؛ إنها الصلة المباشرة بين النسان الفاني‬
‫وربه القوي الباقي ·· إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض· إنها‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النطلقة من حدود الواقع الرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير‪،‬‬
‫إنها الروح والندى والظلل في الهاجرة‪ ،‬إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب‬
‫المكدود ·· ومن هنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الشدة‬
‫قال‪) :‬أرحنا بها يا بلل()‪ ·· (135‬ويكثر من الصلة إذا حزبه أمر ليكثر من‬
‫اللقاء بالله·‬
‫إن هذا المنهج السلمي منهج عبادة· والعبادة فيه ذات أسرار· ومن أسرارها‬
‫أنها زاد الطريق‪ ،‬وأنها مدد الروح‪ ،‬وأنها جلء القلب‪ ،‬وأنه حيثما كان تكليف‬
‫كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلوة وبشاشة ويسر‬
‫دا صلى الله عليه وسلم للدور الكبير‬ ‫·· إن الله سبحانه حينما انتدب محم ً‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه أوِ ان ْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل إ ِل قَِليل ً ن ِ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ل قُم ِ اللي ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫الشاق الثقيل ‪ ،‬قال له‪َ) :‬يا أي َّها ال ْ ُ‬
‫مّز ّ‬
‫قي عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل( )المزمل‪-1:‬‬ ‫قي ً‬ ‫ك قَوْل ً ث َ ِ‬ ‫سن ُل ْ ِ‬
‫ن ت َْرِتيل ً إ ِّنا َ‬ ‫قْرآ َ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫قَِليل ً أوْ زِد ْ عَل َي ْهِ وََرت ّ ِ‬
‫‪.(5‬‬
‫فكان العداد للقول الثقيل‪ ،‬والتكليف الشاق‪ ،‬والدور العظيم هو قيام الليل‬
‫وترتيل القرآن ·· إنها العبادة التي تفتح القلب‪ ،‬وتوثق الصلة‪ ،‬وتيسر المر‪،‬‬
‫وتشرق بالنور‪ ،‬وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والطمئنان")‪ (136‬ا·هـ·‬
‫‪ -2‬الصيام‪:‬‬
‫والصوم من العبادات الشريفة المحبوبة إلى الله عز وجل‪ ،‬وهو يعود صاحبه‬
‫الصبر وقوة الرادة والستعلء على شهوات النفس‪ ،‬فضل ً عن كونها عبادة‬
‫يحبها الله عز وجل ويثيب عليها ثواًبا ل يضاهيه ثواب عبادة أخرى؛ كما جاء‬
‫في الحديث القدسي‪) :‬الصوم لي وأنا أجزي به()‪.(137‬‬
‫والمراد بالصوم صيام الفرض أول ً وإتقانه وحفظه من المبطلت‪ ،‬ثم صيام‬
‫أيام النفل؛ وهي كثيرة منها صيام يومي الثنين والخميس‪ ،‬وثلثة أيام من كل‬
‫شهر‪ ،‬وصيام ست من شوال‪ ،‬ويوم عرفة‪ ،‬وعاشوراء؛ وكلها ورد في فضل‬
‫صومها أحاديث صحيحة·‬
‫وأهمية الصوم في العداد للجهاد في أنه يقوي اليمان ويزيد في التقوى التي‬
‫تدفع العبد إلى امتثال الوامر واجتناب المحرمات؛ قال الله تعالى‪َ) :‬يا أ َي َّها‬
‫ن(‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫ب عََلى ال ّ ِ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬‫م كَ َ‬‫صَيا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬
‫مُنوا ك ُت ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫)البقرة‪.(183:‬‬
‫وقد ذكر الله سبحانه في صفات المجاهدين الذين ورد ذكرهم في سورة‬
‫التوبة وأنه سبحانه قد اشترى منهم أنفسهم وأموالهم؛ ذكر من صفاتهم أنهم‬
‫)السائحون(‪ ،‬وقد ذكر المفسرون أن من معانيها‪ :‬الصائمين·‬
‫والمحافظة على نوافل الصلة والصوم تحتاج من العبد مجاهدة وصبًرا‪ ،‬ويقيًنا‬
‫بمنافعهما العظيمة في الدنيا والخرة‪ ،‬وقناعة بأهمية هذا الزاد في العداد‬
‫للجهاد في سبيل الله تعالى· كما تحتاج إلى تعاون وتواص بين الدعاة‪ ،‬وأن‬
‫تكون هناك البرامج العملية‪ ،‬والجواء التربوية‪ ،‬والعيشة الجماعية التي تسهل‬
‫على النفوس الخذ بهذه العبادات ويكون فيها القدوات الصالحة التي تشد‬
‫الناس بقولها وفعلها إلى هذه العمال وتحببها إلى النفوس·‬
‫‪ -3‬الخذ بمحاسن الخلق وترك مساوئها ‪:‬‬
‫جاء السلم بمحاسن الخلق‪ ،‬وأرشد الناس إليها وحثهم على التحلي بها‪،‬‬
‫فَرهم من مساوئ الخلق وقبحها وذم أهلها· وإذا كان المسلمون بعامة‬ ‫ون ّ‬
‫مأمورين بمحاسن الخلق والتصاف بها ومنهيين عما يضادها‪ ،‬فإن المر‬
‫بالخذ بها يكون آكد وأوجب في حق الدعاة والمجاهدين لنهم في موطن‬
‫القدوة والصلح والصلح· فضل ً عن أن الدعوة والجهاد يواجه أهلهما من‬
‫المواقف والبتلءات ما يحتاجون معه إلى الخلق الحسن والسلوك الجميل‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي يرغب الناس في الخير‪ ،‬ويدفع الداعية والمجاهد إلى الصبر والتحمل‪،‬‬
‫والتحلي بالخلق الطيبة في تعامله وتصرفاته في المواقف؛ كما أن في‬
‫اشتراك الدعاة والمجاهدين في برامج وأعمال مشتركة مجال ً لن يظهر‬
‫بينهم خلف في وجهات النظر وتقدير المواقف· فإذا لم يكن هناك تربية‬
‫ي قد تربى عليه المجاهد من قبل وإل فقد تظهر بعض‬ ‫ك إسلم ٌ‬ ‫أخلقية وسلو ٌ‬
‫الخلق السيئة الكامنة‪ ،‬والتي لم تتهذب من قبل‪ ،‬مما قد ينشأ عنه مفاسد‬
‫من الفتراق والتناحر والتشاجر كما نسمع أحياًنا هنا وهناك·‬

‫)‪(42 /‬‬

‫وقد وصف الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم وهو قدوة الدعاة‬
‫سئلت عائشة‬ ‫م( )القلم‪ ،(4:‬ولما ُ‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬
‫والمجاهدين بقوله‪) :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬
‫ق عَ ِ‬
‫خل ٍ‬
‫رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت‪) :‬كان خلقه‬
‫القرآن()‪ .(138‬وقال صلى الله عليه وسلم‪) :‬خياركم أحاسنكم أخلًقا()‬
‫‪ .(139‬وقال أيضًا‪) :‬إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم()‬
‫دا والخلق الفاضلة كثيرة·‬ ‫‪ ،(140‬والحاديث في فضل حسن الخلق كثيرة ج ً‬
‫وقد ذكر المام ابن القيم رحمه الله تعالى أصول الخلق الفاضلة وأنها تقوم‬
‫على أربعة أركان فقال‪" :‬وحسن الخلق يقوم على أربعة أركان ل يتصور قيام‬
‫ساقه إل عليها‪ :‬الصبر‪ ،‬والعفة‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والعدل·‬
‫فالصبر‪ :‬يحمله على الحتمال وكظم الغيط‪ ،‬وكف الذى‪ ،‬والحلم والناة‬
‫والرفق‪ ،‬وعدم الطيش والعجلة·‬
‫والعفة‪ :‬تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل‪ ،‬وتحمله على‬
‫الحياء؛ وهو رأس كل خير‪ ،‬وتمنعه من الفحشاء‪ ،‬والبخل والكذب‪ ،‬والغيبة‬
‫والنميمة·‬
‫والشجاعة‪ :‬تحمله على عزة النفس‪ ،‬وإيثار معالي الخلق والشيم‪ ،‬وعلى‬
‫البذل والندى‪ ،‬الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب‬
‫ومفارقته· وتحمله على كظم الغيظ والحلم؛ فإنه بقوة نفسه وشجاعتها‬
‫يمسك عنانها‪ ،‬ويكبحها بلجامها عن النزغ والبطش· كما قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬ليس الشديد بالصرعة‪ ،‬إنما الشديد‪ :‬الذي يملك نفسه عند‬
‫الغضب()‪ .(141‬وهو حقيقة الشجاعة‪ ،‬وهي ملكة يقتدر بها العبد على قهر‬
‫خصمه·‬
‫والعدل‪ :‬يحمله على اعتدال أخلقه‪ ،‬وتوسطه فيها بين طرفي الفراط‬
‫والتفريط؛ فيحمله على خلق الجود والسخاء الذي هو توسط بين المساك‬
‫والسراف والتبذير‪ ،‬وعلى خلق الحياء الذي هو توسط بين الذل والقحة‪،‬‬
‫وعلى خلق الشجاعة‪ ،‬الذي هو توسط بين الجبن والتهور‪ ،‬وعلى خلق الحلم‪،‬‬
‫الذي هو توسط بين الغضب والمهانة وسقوط النفس·‬
‫ومنشأ جميع الخلق الفاضلة من هذه الربعة···()‪ (142‬ا·هـ·‬
‫والخلق الفاضلة كثيرة أذكر منها في هذا المقام بعض ما هو لصيق بحياة‬
‫الدعاة والمجاهدين‪ ،‬وما يكونون فيه أحوج إلى التحلي بها من غيرهم· ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫) أ ( الكرم والجود والبذل في سبيل الله‪:‬‬
‫وهذه الخلق تنشأ من الشجاعة التي أشار إليه المام ابن القيم رحمه الله‬
‫تعالى بأنها من أصول الخلق الحسنة؛ لن الشجاعة تحمل صاحبها على‬
‫البذل والندى الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته؛‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بداية من بذل المال والجاه والعلم وغيرها من وجوه البذل والجود‪ ،‬ونهاية‬
‫ببذل النفس والروح التي هي أعز وأغلى ما يملك النسان في سبيل الله عز‬
‫وجل·‬
‫ولذلك فإن البخيل في العادة ل تجده إل جباًنا خواًرا‪ ،‬والبخل والجبن قرينان‪،‬‬
‫كما أن الكرم والشجاعة قرينان‪ ،‬وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين‬
‫الجبن والبخل في دعائه حيث قال‪) :‬اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك‬
‫من الجبن()‪.(143‬‬
‫ولذلك يجب مجاهدة النفس على بذل ما تحبه‪ ،‬وتعويدها على الجود واليثار‬
‫وحب الخير للمسلمين‪ ،‬وبذل الجاه لهم بالمساعدة والشفاعة والسعي في‬
‫حوائجهم· وهذا أمر يحتاجه المجاهد في سبيل الله لن بيئة الجهاد بيئة بذل‬
‫فكانت بالضرورة بيئة إيثار وتكافل وتعاون بين المجاهدين‪ ،‬وأجواء الجهاد‬
‫والمجاهدين ل مكان فيها لهل الثرة والشح والنانية والبخل·‬
‫ومما يساعد على تقوية خلق الكرم والجود ما سبق ذكره في أعمال القلوب‬
‫من الخلص والزهد في الدنيا والرغبة فيما أعد الله لعباده المجاهدين‬
‫ضا‬
‫المنفقين في الخرة من النعيم والرضوان‪ ،‬ومما يساعد على ذلك أي ً‬
‫العيش في بيئات أهل العلم والزهادة والجهاد؛ لن في رؤية القدوات من أهل‬
‫السخاء والشجاعة والجود وطول صحبتهم أثًرا في التربية على هذا الخلق‬
‫الكريم وغيره من الخلق‪ ،‬كما أن فيها التواصي والتذكير والحث على هذه‬
‫الخلق·‬
‫كما أن في قراءة سير أهل الشجاعة والجود والكرم من سلف هذه المة‬
‫وعلى رأسها سيرة سيد المجاهدين وبطل البطال وأكرم الخلق محمد ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬دافًعا ومحفًزا للقتداء بهم واتباع آثارهم·‬
‫) ب ( العفو والصفح وكظم الغيظ ‪:‬‬
‫وردت في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تحث على هذا الخلق الكريم وتمدح‬
‫عوا إ َِلى‬ ‫سارِ ُ‬‫أهله وتعدهم بالثواب الجزيل في الخرة· قال الله تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قين ال ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ض أُ ِ‬
‫عد ّ ْ‬
‫َ‬
‫ت َواْلْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬
‫ضَها ال ّ‬
‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ْ‬‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬‫َ‬
‫هّ‬
‫س َوالل ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ن الغَي ْظ َوالَعاِفي َ‬ ‫مي َ‬‫ضّراِء َوالكاظ ِ ِ‬
‫سّراِء َوال ّ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫قو َ‬‫ي ُن ْفِ ُ‬
‫ن( )آل عمران‪.(134-133:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬

‫)‪(43 /‬‬

‫وبالتأمل في هذه الية نجد أن الله عز وجل قد ذكر قبلها آيات في غزوة أحد‬
‫عد َ‬
‫قا ِ‬ ‫م َ‬
‫ن َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬
‫ك ت ُب َوّئُ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫والستعداد لها؛ وذلك في قوله‪) :‬وَإ ِذ ْ غَد َوْ َ‬
‫ت ِ‬
‫م( )آل عمران‪ .(121:‬ثم بعد أن ذكر تسع آيات في‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫ل ِل ْ ِ‬
‫قَتا ِ‬
‫هذه الغزوة انتقل السياق إلى نهي المؤمنين عن أكل الربا‪ ،‬ثم حثهم على‬
‫المسارعة إلى الجنة بالنفاق في سبيل الله‪ ،‬والعفو عن الناس وكظم الغيظ‪،‬‬
‫ثم عاد السياق مرة أخرى إلى مواصلة الحديث عن غزوة أحد بقوله‪) :‬قَد ْ‬
‫َْ‬
‫ض‪) (...‬آل عمران‪ :‬من الية ‪ (137‬فما‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫م ُ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫معنى توسط هذه اليات بين آيات الحديث عن غزوة أحد؟‬
‫يجيب عن ذلك سيد قطب رحمه الله تعالى بقوله‪ ···" :‬وإذن فهذه التوجيهات‬
‫الشاملة ليست بمعزل عن المعركة؛ فالنفس ل تنتصر في المعركة الحربية‬
‫إل حين تنتصر في المعارك الشعورية والخلقية والنظامية‪ ،‬والذين تولوا يوم‬
‫التقى الجمعان في "أحد" إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا من‬
‫الذنوب· والذين انتصروا في معارك العقيدة وراء أنبيائهم هم الذين بدأوا‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعركة بالستغفار من الذنوب‪ ،‬واللتجاء إلى الله‪ ،‬واللتصاق بركنه الركين·‬


‫والتطهر من الذنوب إذن واللتصاق بالله والرجوع إلى كنفه من عدة النصر‪،‬‬
‫وليست بمعزل عن الميدان! واطراح النظام الربوي إلى النظام التعاوني من‬
‫عدة النصر؛ والمجتمع التعاوني أقرب إلى النصر؛ من المجتمع الربوي· وكظم‬
‫الغيظ والعفو عن الناس من عدة النصر‪ ،‬فالسيطرة على النفس قوة من‬
‫قوى المعركة‪ ،‬والتضامن والتواد في المجتمع المتسامح قوة ذات فاعلية‬
‫كذلك")‪.(144‬‬
‫ده المام‬ ‫والصل في العفو وكظم الغيظ وكف الذى هو خلق الصبر الذي ع ّ‬
‫ابن القيم رحمه الله تعالى أحد الركان الربعة للخلق الفاضلة· وسيأتي‬
‫الحديث عن خلق الصبر إن شاء الله تعالى بشيء من التفصيل عند الحديث‬
‫عن المرتبة الرابعة من مراتب جهاد النفس·‬
‫وإن التأكيد على إعداد المجاهدين وتربيتهم على هذا الخلق الكريم نابع من‬
‫أن المجاهد في طريق الجهاد الطويل قد يتعرض لبعض الذى والخطاء من‬
‫إخوانه المشاركين له في درب الجهاد‪ ،‬أو من إخوانه المسلمين الذين قد‬
‫يؤذونه بكلم أو تخذيل أو غير ذلك؛ فإن لم يكن على مستوى من التربية‬
‫الخلقية ‪ -‬ول سيما خلق الحلم والعفو والصفح ‪ -‬فإنه قد ل يصبر على ما‬
‫يرتكب في حقه من الخطاء‪ ،‬وقد يتصرف بما ل يليق بالمسلم فضل ً عن‬
‫المجاهد الذي يفترض فيه أنه قد استعلى على حظوظ نفسه وأغراضها‪،‬‬
‫وجعل غضبه وانتقامه لله عز وجل وحده ل شريك له· ول يخفى ما في‬
‫النتقام للنفس والنتصار لها من مفاسد على وحدة صف الدعاة والمجاهدين‬
‫واجتماع كلمتهم‪ ،‬وأنه باب للحن والحقاد والشحناء‪.‬‬
‫وان التحمل والعفو وكظم الغيظ يحتاج إلى جهاد شديد مع النفس‪ ،‬وتعويدها‬
‫على الصبر والخلص لله وحده؛ لن الخلص من أسباب سلمة الصدر وخلو‬
‫القلب من الغل والحقد؛ قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬ثلثة ل يغل عليهن قلب‬
‫مسلم ‪ -‬وذكر منها ‪ -‬إخلص العمل لله()‪.(145‬‬
‫كما أن في التربية الجماعية ورؤية القدوات من ذوي الحلم والناة والعفو‬
‫والصفح‪ ،‬والقراءة في سير المخلصين والعافين عن الناس الثر الكبير في‬
‫التحلي بهذه الخلق الفاضلة·‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله تعالى‪ ··" :‬وفي الصفح والعفو والحلم من الحلوة‬
‫والطمأنينة‪ ،‬والسكينة وشرف النفس‪ ،‬وعزها ورفعتها عن تشفيها بالنتقام ما‬
‫ليس شيء منه في المقابلة والنتقام")‪.(146‬‬
‫) ج ( المانة وحفظ العهد والوعد ‪:‬‬
‫لقد ذكر الله عز وجل أن من صفات المؤمنين المفلحين محافظتهم على‬
‫َ‬
‫أماناتهم‪ ،‬ورعايتهم لعهودهم؛ فقال في صدر سورة "المؤمنون"‪) :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫ح‬
‫ن( )المؤمنون‪ (2-1:‬إلى قوله‪:‬‬ ‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صلت ِهِ ْ‬‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫ن( )المؤمنون‪ .(8:‬وأمر بتأدية المانة في‬ ‫عو َ‬ ‫م َرا ُ‬ ‫َ‬ ‫)َوال ّ ِ‬
‫م وَعَهْدِهِ ْ‬ ‫ماَنات ِهِ ْ‬‫م ِل َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬
‫ت إ َِلى أ َهْل َِها( )النساء‪ :‬من‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قوله عز وجل‪) :‬إن الل ّه يأمرك ُ َ‬
‫ماَنا ِ‬‫ن ت ُؤَّدوا اْل َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫خوُنوا الل َ‬ ‫مُنوا ل ت َ ُ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫الية ‪ ،(58‬ونهى عن خيانة المانة فقال‪َ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( )النفال‪.(27:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ماَنات ِك ُ ْ‬‫خوُنوا أ َ‬ ‫ل وَت َ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫َوالّر ُ‬
‫والمانة إذا أطلقت فالمراد منها القيام بجميع التكاليف التي كلف الله عز‬
‫وجل بها عباده؛ سواء ما يتعلق منها بحقوق الله تعالى أو ما يتعلق منها‬
‫بحقوق الخلق وهذا هو المعنى الوارد في آية الحزاب في قوله تعالى‪) :‬إ ِّنا‬
‫مل ْن ََها وَأ َ ْ‬ ‫ة عََلى السماوات واْل َرض وال ْجبال فَأ َبي َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ق َ‬ ‫ف ْ‬
‫ش َ‬ ‫ح ِ‬
‫ن يَ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ َ ِ َ ِ‬ ‫مان َ َ‬ ‫ضَنا اْل َ‬ ‫عََر ْ‬
‫ل( )الحزاب‪.(72:‬‬ ‫جُهو ً‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫لوم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬
‫ِْ َ ُ ِّ ُ‬ ‫سا‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫َ‬
‫من َْها َ َ َ َ‬
‫ل‬ ‫م‬‫ح‬ ‫و‬ ‫ِ‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(44 /‬‬

‫وأما المانة بمعناها الخاص فالمراد منها جميع ما ُيسَتأمن عليه العبد من‬
‫أموال أو أسرار أو مسؤوليات محددة أو عهود ومواثيق‪ ،‬أو غير ذلك من‬
‫المانات؛ وذلك بحفظها وعدم العتداء عليها‪ ،‬أو التفريط فيها‪ ،‬أو الغش فيها‬
‫وعدم إتقانها·‬
‫وحفظ المانة من الخلق الكريمة والمروءات النبيلة التي تدل على تقوى‬
‫صاحبها وخوفه من الله وعفته ووفائه· ولذلك وجب الهتمام بتقوية هذا‬
‫الخلق في التربية بعامة‪ ،‬وفي العداد للجهاد بصفة خاصة؛ وذلك لما يتعرض‬
‫له المجاهد من مواقف تتطلب منه إبرام عهد وعقد للقيام بمهام معينة في‬
‫الجهاد‪ ،‬أو يستودع بعض السرار التي تتعلق بالجهاد‪ ،‬أو توكل إليه بعض‬
‫ظا‪ ،‬وغير ذلك من المهمات التي تحتاج إليها‬ ‫ضا وإنفاًقا وحف ً‬‫أموال الجهاد قب ً‬
‫الدعوة ويتطلبها الجهاد في سبيل الله·‬
‫كما يدخل في المانة تولية العمال للكفاء وإسنادها إلى أهلها؛ فالوليات من‬
‫المانات‪ ،‬وقد روى المام مسلم رحمه الله تعالى عن أبي ذر قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله أل تستعملني؟ قال‪) :‬يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم‬
‫القيامة خزي وندامة()‪ .(147‬وقال صلى الله عليه وسلم‪) :‬إذا ضيعت المانة‬
‫فانتظر الساعة( قيل‪ :‬وكيف إضاعتها· فقال‪) :‬إذا وسد المر إلى غير أهله()‬
‫‪.(148‬‬
‫ونحن اليوم في زمن ضاعت فيه المانات‪ ،‬وضعفت في قلوب كثير من‬
‫الناس حتى عز المتصفون بها· لذا وجب التركيز عليها في التربية والعداد‬
‫للجهاد‪ ،‬واستخدام الوسائل الشرعية لتقويتها؛ وذلك بتقوية أعمال القلوب‬
‫السابق ذكرها من الخلص والزهد في الدنيا وأعراضها وأموالها ورئاساتها‪،‬‬
‫وإنشاء هم الخرة في النفس والخوف من الحساب·‬
‫ومما يدل على قلة المناء في هذا الزمان حديث حذيفة رضي الله عنه في‬
‫ي زمان‬ ‫المانة‪ ،‬والذي يشتكي فيه من نقص المانة ومنه قوله‪) :‬ولقد أتى عل ّ‬
‫ي دينه‪ ،‬وإن كان نصرانًيا أو‬ ‫ما ليردنه عل ّ‬
‫وما أبالي أيكم بايعت؛ لئن كان مسل ً‬
‫ى ساعيه· وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إل فلًنا وفلًنا()‬ ‫يهودًيا ليردنه عل ّ‬
‫‪ .(149‬وقوله بايعت‪ :‬من البيع والشراء؛ وهو يشير إلى رفع المانة ونقصها‬
‫في الناس· فإذا كان حذيفة رضي الله عنه يشكو من ندرة المناء في زمانه‬
‫فكيف بزماننا اليوم؟! والمقصود من ذكر حديث حذيفة هو قوله‪) :‬وأما اليوم‬
‫فما كنت أبايع منكم إل فلًنا وفلًنا( وفيه الشارة إلى تحري المانة في من‬
‫يعاملون في بيع أو شراء أو يراد ائتمانهم على المانات·‬
‫المرتبة الثالثة‬
‫مجاهدة النفس على الدعوة إلى الهدى وتعليمه للناس‬
‫والدعوة واسعة ومجالتها متعددة‪ ،‬لكن الحديث في هذه المرتبة سيكون عن‬
‫الدعوة والبيان اللذ َْين يسبقان جهاد السنان‪،‬ويمكن تسمية هذا النوع من‬
‫الجهاد بجهاد البيان وتبليغ الناس الدين الحق‪ ،‬وتعليمهم توحيد الله عز وجل‬
‫وحقيقة العبودية‪ ،‬ومعرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته وكيف يعبدونه‬
‫بمعرفة الحكام العينية كأركان السلم وما ل تقوم إل به‪ ،‬كما أن مما ل يتم‬
‫البلغ والبيان إل به بيان سبيل الكافرين والمجرمين‪ ،‬وبيان ما يناقض التوحيد‬
‫والسلم الحق‪ ،‬وتعرية أهله للناس·‬
‫إذن فإنه يمكن القول في هذه المرتبة بأنها مجاهدة النفس على المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر·ولقد ذكر الله سبحانه في صفات المجاهدين‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬‫شت ََرى ِ‬‫ها ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫الذين عقدوا البيعة مع الله عز وجل في قوله‪) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م‪) (...‬التوبة‪ :‬من الية ‪ (111‬الية‪ .‬ذكر من بين هذه الصفات‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫م َ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬
‫ه(‬‫دودِ الل ّ ِ‬
‫ح ُ‬
‫ن لِ ُ‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫من ْك َرِ َوال ْ َ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫ن عَ ِ‬
‫هو َ‬
‫ف َوالّنا ُ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫أنهم‪) :‬اْل ِ‬
‫)التوبة‪ :‬من الية ‪ .(112‬والجهاد في حقيقته فرع عن المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر؛ لن الغاية من الجهاد ‪ -‬كما مر بنا ‪ -‬هي إعلء كلمة الله عز وجل‬
‫بعلو المعروف الكبر وهو التوحيد وعبادة الله وحده‪ ،‬وإزهاق المنكر الكبر‬
‫وهو الشرك وأهله·‬
‫ولكن لما كان المر بالمعروف والنهي عن المنكر يبدأ بجهاد البيان والبلغ‬
‫للناس‪ ،‬وتعريفهم بحقيقة سبيل المؤمنين الموحدين‪ ،‬وحقيقة سبيل الكافرين‬
‫ما قبل جهاد الكفار والمرتدين أن يكون جهاد المر‬ ‫والمجرمين‪ ،‬كان لزا ً‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وأن تأخذ الدعوة حظها من البيان والتعريف‬
‫للناس بحقيقة دين السلم وشموله‪ ،‬وحقيقة المنافقين والمجرمين الذين‬
‫يتسلطون على الناس ويستعبدونهم‪ ،‬ويستخدمون في ذلك جميع الوسائل‬
‫العلمية التي يسيطرون عليها في نشر باطلهم وثقافتهم والتلبيس على‬
‫الناس بأنهم أصحاب حق وشرعية‪ ،‬وتشويه سمعة الدعاة الصادقين‪،‬‬
‫ووصفهم بالتطرف والسعي إلى الفتنة والفساد‪ ،‬والخروج على الشرعية!!‬
‫والحديث هنا منصب على جهاد الطلب في واقع لم يستبن فيه الناس سبيل‬
‫المؤمنين ول سبيل المجرمين‪ ،‬وإنما الوضع عندهم ملتبس أو منعكس؛ بحيث‬
‫ينظرون إلى المجرمين على أنهم مصلحون وإلى المؤمنين على أنهم‬
‫مفسدون·‬

‫)‪(45 /‬‬

‫‪202‬‬

You might also like