Professional Documents
Culture Documents
*استئنافٌ
التّعريف
-من معاني الستئناف لغ ًة :البتداء والستقبال ،وقد استأنف الشّيء أخذ أوّله وابتدأه . 1
وبتتبّع استعمالت هذا المصطلح لدى الفقهاء ،يمكن الوصول إلى تعريفٍ بأنّه :البدء بالماهيّة
ل بعد قطع
الشّرعيّة من أوّلها ،بعد التّوقّف فيها وقطعها لمعنًى خاصّ .فالستئناف ل يكون إ ّ
الماهيّة الولى ؛ لما جاء في ردّ المحتار « :قوله ( واستئنافه أفضل ) أي :بأن يعمل عملً
يقطع الصّلة ث ّم يشرع بعد الوضوء ،شرنبلليّ ٌة عن الكافي ،وفي حاشية أبي السّعود عن
شيخه :فلو لم يعمل ما يقطع الصّلة ،بل ذهب على الفور فتوضّأ ،ثمّ كبّر ينوي
الستئناف ،لم يكن مستأنفا بل بانيا .اهـ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البناء :
-من معاني البناء لغ ًة :أنّه ضدّ الهدم ،واصطلحا :يأتي بمعنى المضيّ في الماهيّة 2
الشّرعيّة المبدوء بها إلى نهايتها ،بعد زوال العارض الّذي قطعها بسببه ،ومثاله :أن يسبق
ث ،بعد أن صلّى ركع ًة ،فيتوضّأ ،ويبني على صلته بإكمال ما بقي ،وذلك
المصلّي حد ٌ
ن للستئناف .
عند الحنفيّة .وفيه خلفٌ تفصيله في مباحث ( الصّلة ) فالبناء مباي ٌ
ب -الستقبال :
-الستقبال لغةً :المواجهة ،أمّا شرعا :فيأتي مرادفا للستئناف ،ومثاله قول الكاسانيّ : 3
إذا أيست المعتدّة بالقراء ،تنتقل عدّتها إلى الشهر ،فتستقبل العدّة بها .ويأتي بمعنى التّجاه
إلى القبلة أو غيرها .
ج -البتداء :
-من معاني البتداء لغ ًة :التّقديم ،والخذ في الشّيء من أوّله ،ول يخرج التعريف 4
الصطلحيّ عن ذلك .فالفرق بينه وبين الستئناف ،أنّ البتداء أعمّ .
د -العادة :
-من معاني العادة لغةً :فعل الشّيء ثانيةً ،ومنه التّكرار .واصطلحا :عرّفها الغزاليّ 5
عند كلمه عن إعادة الموقّت :بأنّها فعل الشّيء ثانيا في الوقت بعد فعله على نوعٍ من الخلل
ل بعد فعل العمل الوّل مع خللٍ ما ،أمّا
.وتفترق العادة عن الستئناف بأنّها ل تكون إ ّ
الستئناف فل يكون إلّ بعد قطع العمل قبل تمامه .
هـ :القضاء :
-القضاء لغ ًة :أداء الشّيء ،واصطلحا :عرّفه الغزاليّ :بأنّه فعل مثل ما فات وقته 6
-الستئناف تعتريه بضعة أحكامٍ تكليفيّ ٍة .فقد يكون واجبا اتّفاقا ،وذلك كما لو تعمّد الحدث 7
وإن ذكر في بعضه ابتدأ ،وقيل بنى ،وعنه تستحبّ » أي أنّ المتوضّئ إذا ذكر التّسمية في
ل لدى الحنبليّة ،وفي قولٍ آخر ل يجب
أثناء الوضوء استأنف وضوءه وجوبا في قو ٍ
الستئناف ،ويجوز البناء .
الستئناف في الغسل :
ح في الغسل « :وحيث فاتت الموالة فيه أو في وضوءٍ ،وقلنا
-جاء في الفروع لبن مفل ٍ 9
الخير انتقض تيمّمه ،وتوضّأ واستقبل ( استأنف ) الصّلة عندنا ،وللشّافعيّ ثلثة أقوالٍ :
ل يقرّب الماء منه حتّى يتوضّأ ويبني ،وفي قولٍ يمضي على
في قولٍ مثل قولنا ،وفي قو ٍ
صلته وهو أظهر أقواله » .
الستئناف في الكفّارات :
-ومن أمثلة الستئناف في الكفّارات ما قال صاحب الدّرّ المختار في كفّارة اليمين : 13
« ( والشّرط استمرار العجز إلى الفراغ من الصّوم ،فلو صام المعسر يومين ثمّ ) قبل فراغه
ولو بساعةٍ ( أيسر ) ولو بموت مورّثه موسرا ( ل يجوز له الصّوم ) ،ويستأنف بالمال » ،
ل بعد
ن الصّوم ل يقبل هنا إ ّ
والعجز المراد به هنا العجز عن الطعام والكسوة والتّحرير ؛ ل ّ
العجز عن تلك الثّلثة .
الستئناف في العدّة :
-جاء في بدائع الصّنائع ... « :إذا طلّق امرأته ثمّ مات ،فإن كان الطّلق رجعيّا انتقلت 14
*أستارٌ
انظر :استتارٌ .
*استباقٌ
انظر :سباقٌ .
*استبدادٌ
التعريف
-الستبداد في اللّغة :مصدر استبدّ ،يقال :استبدّ بالمر ،إذا انفرد به من غير مشاركٍ له 1
أ -الستقللٌ :
-من معاني الستقلل :العتماد على النّفس ،والستبداد بالمر ،وهو بهذا المعنى 2
يرادف الستبداد ،غير أنّه يخالفه في غير ذلك من إطلقاته اللّغويّة ،فيكون من القلّة ومن
الرتفاع .
ب -المشورةٌ :
-الشّورى لغةً وشرعا :عدم الستئثار بالرّأي ،وهي ضدّ الستبداد بالرّأي . 3
-الستبداد المفضي إلى الضّرر أو الظّلم ممنوعٌ ،كالستبداد في احتكار القوات ، 4
واستبداد أحد الرّعيّة فيما هو من اختصاص المام مثل الجهاد ،والستبداد في إقامة الحدود
بغير إذن المام .ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلح ( احتكارٌ ،وحدو ٌد ،وجهادٌ ) وإلى كتب
ل به فهو جائزٌ ،
ب ل يتمّ إ ّ
الفقه في المواطن المبيّنة بالهوامش .أمّا ما كان لتحقيق واج ٍ
ج الفريضة .
كاستبداد المرأة بالخروج مع المحرم بغير إذن زوجها .لتح ّ
*استبدالٌ
انظر :إبدالٌ .
*استبراءٌ
التعريف
-الستبراء لغ ًة :طلب البراءة ،وبرئ تطلق بإزاء ثلث معانٍ :برئ إذا تخلّص ،وبرئ 1
إذا تنزّه وتباعد ،وبرئ إذا أعذر وأنذر .أمّا الستبراء فيقال :استبرأ الذّكر استنقاه ،أي
استنظفه من البول .واستبرأ من بوله إذا استنزه .
ط لصحّتها ،فهو بهذا من
وللستبراء استعمالن شرعيّان :الوّل :يتّصل بالطّهارة كشر ٍ
مباحث العبادة ،وهو داخلٌ تحت قسم التّحسين .يقول الشّاطبيّ ( :وأمّا التّحسينات فمعناها
الخذ بما يليق من محاسن العادات .ففي العبادات كإزالة النّجاسة ) الثّاني :يتّصل بالطمئنان
على سلمة النساب ،وعدم اختلطها ،فهو بهذا من مباحث النّكاح ،وهو داخلٌ تحت قسم
الضّروريّ ،كما ذهب إليه الشّاطبيّ .
ل :الستبراء في الطّهارة :
أ ّو ً
-عرّف ابن عرفة الستبراء بالستعمال الوّل بقوله ( :إزالة ما بالمخرجين من الذى ) ، 2
فالستبراء على هذا يكون من البول ،والغائط ،والمذي ،والودي ،والمنيّ .وهو ما يفهم
من كلم الشّافعيّة والحنابلة .وعرّفه الحنفيّة :بأنّه طلب البراءة من الخارج ،وصرّحوا بأنّه
ل يتصوّر في المرأة .
اللفاظ ذات الصّلة :
-الستنقاء :هو طلب النّقاوة ،وهو أن يدلّك المقعدة بالحجار ،أو بالصابع حالة 3
ج -الستنزاه :
د -الستنثار :
-الستنثار :قال النّوويّ في تهذيب السماء :استنثر الرّجل من بوله اجتذبه واستخرج 6
بقيّته من الذّكر .فالصّلة بين هذه اللفاظ وبين الستبراء ،هي أنّها كلّها تتعلّق بإنقاء
المخرجين من الخارج منهما .
صفته :الحكم التّكليفيّ :
ن ) إلى أنّ الستبراء
-ذهب الحنفيّة ،والمالكيّة ،وبعض الشّافعيّة ( منهم القاضي حسي ٌ 7
ض ،وذهب جمهور الشّافعيّة ،والحنابلة إلى أنّه مستحبّ ؛ لنّ الظّاهر من انقطاع البول
فر ٌ
ن عامّة
عدم عوده .واستدلّ القائلون بالوجوب بحديث الدّارقطنيّ « :تنزّهوا من البول فإ ّ
ن أو تحقّق بمقتضى عادته أنّه إن لم يستبرئ
عذاب القبر منه » ويحمل الحديث على ما إذا ظ ّ
ب كما
خرج منه شيءٌ .ويقول ابن عابدين :وعبّر بعضهم بلفظ ينبغي ،وعليه فهو مندو ٌ
صرّح به بعض الشّافعيّة ،ومحلّه إذا أمن خروج شيءٍ بعده ،فيندب ذلك مبالغ ًة في الستبراء
.
س قال :
ستّة عن ابن عبّا ٍ
-ودليل الستبراء حديثان :الدّليل الوّل :الحديث الّذي أخرجه ال ّ 8
ي صلى ال عليه وسلم بحائطٍ أي بستانٍ من حيطان المدينة أو مكّة ،فسمع صوت
« مرّ النّب ّ
إنسانين يعذّبان في قبورهما ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :يعذّبان وما يعذّبان في كبيرٍ ،
ثمّ قال :بلى ،كان أحدهما ل يستتر من بوله ،وكان الخر يمشي بالنّميمة ،ثمّ دعا بجريدةٍ
ل قبرٍ منهما كسر ًة ،فقيل :له يا رسول اللّه ؛ لم فعلت
فكسرها كسرتين ،فوضع على ك ّ
هذا ؟ قال صلى ال عليه وسلم :لعلّه يخفّف عنهما ما لم تيبسا » رواه البخاريّ .وعلّق ابن
حج ٍر على الحديث بقوله :ل يستتر في أكثر الرّوايات بمثناتين من فوق :الولى مفتوحةٌ
والثّانية مكسورةٌ .وفي رواية ابن عساكر :يستبرئ بموحّد ٍة ساكن ٍة من الستبراء ،ثمّ قال :
وأمّا رواية الستبراء فهي أبلغ في التّوقّي .الدّليل الثّاني :عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال
« :تنزّهوا من البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه » .
حكمة تشريعه :
ن الستبراء معقول المعنى ،وليس من التّعبّد ؛ لنّه بالستبراء
-يقول عليّ الجهوريّ :إ ّ 9
ينتهي خروج الحدث المنافي للوضوء .وبنا ًء على ذلك فجميع المذاهب تتّفق على أنّ المحدث
إذا غلب على ظنّه عدم انقطاع الخارج فإنّه ل يصحّ وضوءه ؛ لنّ الحكام تبنى على غلبة
الظّنّ اتّفاقا .
كيفيّة الستبراء :
-الستبراء إمّا أن يكون من الغائط ،وإمّا أن يكون من البول ،فإذا كان من الغائط فإنّه 10
يكفيه أن يحسّ من نفسه أنّه لم يبق شي ٌء في المخرج ممّا هو بصدد الخروج .وأمّا إذا كان
من البول ،فهو إمّا من المرأة ،وإمّا من الرّجل ،فأمّا المرأة فإنّه ل استبراء عليها عند
ن المرأة
الحنفيّة ،ولكن إذا فرغت تنتظر قليلً ث ّم تستنجي ،وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
ي أمرٍ اعتاده دون أن يجرّه ذلك إلى
تستبرئ بعصر عانتها .وأمّا الرّجل فاستبراؤه يحصل بأ ّ
الوسوسة .
آداب الستبراء :
-للستبراء آدابٌ منها :أن يطرد الوسواس عن نفسه .قال الغزاليّ :ول يكثر التّفكّر في 11
الستبراء ،فيتوسوس ويشقّ عليه المر .ومن وسائل طرد الوسواس النّضح ،وهو رشّ
ل بعد الوضوء
الماء ،واختلف في موضع النّضح ،فحكى النّوويّ أنّه نضح الفرج بما ٍء قلي ٍ
لدفع الوسواس .وقيل :هو أن ينضح ثوبه بالماء ،بعد الفراغ من الستنجاء ؛ لدفع الوسواس
أيضا .قال الغزاليّ :وما يحسّ به من بللٍ ،فليقدّر أنّه بقيّة الماء ،فإن كان يؤذيه فليرشّ
عليه الماء حتّى يقوى في نفسه ذلك ،ول يسلّط عليه الشّيطان بالوسواس ،وفي الخبر أنّه
صلى ال عليه وسلم فعله .وهذا الحديث أخرجه النّسائيّ عن الحكم عن أبيه أنّ رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم « :كان إذا توضّأ أخذ حفن ًة من ما ٍء فقال بها هكذا » وفي رواي ٍة أخرى
عن الحكم بن سفيان قال « :رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم توضّأ ونضح فرجه »
قال أحمد :فنضح فرجه ،علّق عليه السّنديّ فقال :وقيل :نضح أي استنجى بالماء ،وعلى
هذا فمعنى إذا توضّأ أراد أن يتوضّأ ،وقيل :رشّ الفرج بالماء بعد الستنجاء ليدفع به
وسوسة الشّيطان ،وعليه الجمهور وكأنّه يؤخّره أحيانا إلى الفراغ من الوضوء .
ثانيا :الستبراء في النّسب :
-معنى الستبراء في النّسب ،طلب براءة المرأة من الحبل ،يقال :استبرأت المرأة : 12
الزّمن توجب الطمئنان بعدم الحمل ،وقد يكون بوضع الحمل الّذي علق بها ،حيّا أو ميّتا ،
تامّ الخلقة أو غير تامّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
العدّة :
ن كلّ منهما
-العدّة تربّصٌ يلزم المرأة عند زوال النّكاح ،فتشترك العدّة والستبراء في أ ّ 14
ن العدّة تجب ولو تي ّقنّا براءة الرّحم ،كمن طلّقها زوجها بعد أن غاب
( أ ) يقول القرافيّ :إ ّ
عنها عشر سنواتٍ ،وكذا إذا توفّي عنها ،وكذا الصّغيرة في المهد إذا توفّي عنها زوجها ،
ل حالٍ لتغليب جانب التّعبّد فيها .
أمّا الستبراء فليس كذلك .والعدّة واجب ٌة على ك ّ
( ب ) اعتبر القرء الواحد كافيا في الستبراء ولم يعتبر كافيا في العدّة .
( ج ) القرء في الستبراء هو الحيض ،وأمّا القرء في العدّة فمختلفٌ فيه بين الحيض والطّهر
.
( د ) الوطء في العدّة يوجب تحريم المدخول بها تحريما مؤبّدا عند بعض العلماء ،أمّا وطء
المملوكة في مدّة الستبراء ،فالتّفاق على أنّه ل يحرم تحريما مؤبّدا .
استبراء الحرّة :
ف بينهم في الوجوب والنّدب ،وفي
-اتّفق الفقهاء على الستبراء في الحرّة ،على خل ٍ 16
الحوال الّتي يطلب فيها .ففي المزنيّ بها ،استبرا ٌء على سبيل الوجوب عند المالكيّة ،وهو
ما نقل عن محمّد بن الحسن ،ونقل عنه الستحباب ،كالمنقول عن أبي حنيفة وأبي يوسف .
وصرّح الشّافعيّة :بأنّه إن علّق طلق امرأته على وجود حملٍ بها فتستبرأ ندبا ،أمّا إن علّقه
على أنّها حائلٌ ( غير حاملٍ ) فتستبرأ وجوبا .وصرّح الحنابلة بطلب الستبراء في صورةٍ
ج سابقٍ ،ولم يكن لهذا الولد أصلٌ أو
من الميراث ،فيما إذا مات ولد الزّوجة من غير زو ٍ
فرعٌ وارثٌ ،فإنّه تستبرأ زوجته لتبيّن حملها من عدمه لمعرفة ميراث الحمل .كما اتّفق
الفقهاء على وجوب استبراء الحرّة الّتي وجب عليها إقامة الحدّ أو القصاص ،نظرا لحقّ
الحمل في الحياة .ودليل ذلك خبر الغامديّة المعروف .
-ومن المسائل الّتي صرّح المالكيّة فيها بوجوب استبراء الحرّة ما يأتي : 17
( أ ) إذا ظهر حملٌ بالمعقود عليها عقدا صحيحا ،ولم تعلم خلو ٌة ،وأنكر الوطء ،ونفى
الحمل بلعانٍ ،فتستبرأ بوضع الحمل .
( ب ) إذا وطئت الزّوجة الحرّة بزنا .وبمثل ذلك قال الحنفيّة .
( ج ) إذا وطئت بشبه ٍة بأن اعتقد المستمتع بها أنّها زوجته .
( د ) الوطء بنكاحٍ فاسدٍ مجمعٍ على فساده ل يدرأ الحدّ ،كمحرّمٍ بنسبٍ أو رضاعٍ .
( هـ ) إذا غصبها غاصبٌ وغاب عليها ( أي مكثت عنده مدّ ًة وخل بها ) ولو ادّعى أنّه لم
ن ذلك
يطأها وصدّقته ؛ وذلك لتّهامه بتخفيف عقوبته ،واتّهامها بحفظ شرفها ظاهرا ؛ ول ّ
ن الغيبة مظنّة الوطء .
حقّ اللّه ؛ ول ّ
حكمة تشريع الستبراء :
-إنّ حكمة مشروعيّة الستبراء ،سواءٌ أكان في الحرائر أم الماء هي :تعرّف براءة 18
الرّحم احتياطا لمنع اختلط النساب .وحفظ النّسب من أه ّم مقاصد الشّريعة السلميّة .
استبراء المة :
يكون استبراء المة واجبا ،ويكون مستحبّا ،فيكون واجبا في الصّور التية :
( أ ) عند حصول الملك للّتي يقصد وطؤها :
-إذا حصل الملك للمة الّتي يقصد وطؤها بسببٍ من أسباب الملك ،فاستبراؤها واجبٌ . 19
وهذا القدر متّفقٌ عليه بين المذاهب إجمالً ،وذلك للحديث الّذي رواه أبو سعي ٍد الخدريّ « أنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال في سبي أوطاسٍ :ل توطأ حاملٌ حتّى تضع ،ول غير ذات
حملٍ حتّى تحيض » ومن القياس ما يقوله السّرخسيّ :والمعنى في المسبيّة حدوث ملك الحلّ
فيها لمن وقعت في سهمه بسبب ملك الرّقبة ،ويتعدّى الحكم إلى المشتراة أو الموهوبة .
والحكمة صيانة ماء نفسه عن الخلط .وبعد التّفاق في الصل اختلفوا في التّفصيل :فالمالكيّة
اشترطوا لتحقّق وجوب الستبراء شروطا خلصتها :
ل :ألّ يتيقّن براءة رحمها من الحمل ،وهذا الشّرط قال به أيضا ابن سريجٍ ،وابن تيميّة ،
أ ّو ً
وابن القيّم ،ورجّحه جماعةٌ من المتأخّرين كما روي عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة .
وذهب أبو حنيفة وجمهور الشّافعيّة وأحمد في أكثر الرّوايات عنه إلى أنّه ل ب ّد من
الستبراء ،لوجود العلّة ،وهي ملك ح ّل بسبب ملك الرّقبة .
سيّد زوجته
ثانيا :ألّ يكون وطؤها مباحا لمن انتقل ملكها إليه قبل النتقال ،كما لو اشترى ال ّ
الّتي عقد عليها قبل الشّراء ،فإنّه غير مطالبٍ بأن يستبرئها على سبيل الوجوب .والباحة
هي الباحة المعتدّ بها المطابقة للواقع ،أمّا إذا كشف الغيب عن عدم حّليّةٌ وطئه فل ب ّد من
استبرائها ،وهو المعتمد عند الشّافعيّة والحنابلة .
ثالثا :ألّ يحرم عليه الستمتاع بها بعد ملكها ،فإن حرّمت في المستقبل لم يجب استبراؤها ،
وذلك كمن اشترى أخت زوجته ،أو متزوّجةً بغيره ،دخل بها أم لم يدخل .
ب -قصد تزويج المة :
سيّد أن يستبرئ أمته إذا أراد تزويجها وذلك إذا وطئها ،أو إذا زنت عنده
-يجب على ال ّ 20
إذا اشتراها ممّن لم ينف وطأه لها ،وفي غير هذه ل يجب عليه أن يستبرئها .وفصّل الحنفيّة
سيّد وجب استبراؤها ،وإذا زنت عنده لم
،والشّافعيّة بين الزّنا وبين الوطء ،فإذا وطئها ال ّ
يلزم باستبرائها قبل التّزويج .
ج -زوال الملك بالموت أو العتق :
سيّد يجب على وارثه أن يستبرئ المة الّتي ورثها عنه ،ول يحلّ له أن
-إذا مات ال ّ 21
ل بعد استبرائها ،سوا ٌء أكان سيّدها حاضرا ،أم غائبا يمكنه الوصول إليها ،أقرّ
يستمتع بها إ ّ
سيّد بعد انقضاء العدّة ،وذلك
بوطئها أم ل ،وكذلك إذا كانت متزوّج ًة وانقضت عدّتها ومات ال ّ
ج فل يجب
سيّد زمنا .أمّا لو لم تنقض العدّة ،أو كانت وقت الموت ذات زو ٍ
لنّها حلّت لل ّ
سيّد غائبا عنها غيب ًة ل يمكنه الوصول إليها ،
الستبراء ،كما ل يجب الستبراء إذا كان ال ّ
وامتدّ غيابه بمقدار الستبراء فأكثر .وأمّا أ ّم الولد فل بدّ لها أن تستأنف الستبراء بعد العتق
سيّد إذا زال فراشه عن المة الّتي كان يطؤها فالستبراء واجبٌ
.وفي مذهب الشّافعيّ :أنّ ال ّ
،استولدها أو لم يستولدها ،وسوا ٌء في ذلك زال فراشه بعتقٍ أم موتٍ ،وسوا ٌء مضت عليها
مدّة الستبراء أم لم تمض .
د -زوال الملك بالبيع :
سيّد بيع المة فل يخلو حاله من أمرين :إمّا أن يكون قد وطئها قبل ذلك أو ل
-إذا أراد ال ّ 22
.أمّا المة الّتي لم يطأها فيجوز له أن يبيعها بدون استبراءٍ .واستحبّ المام أحمد استبراءها
ب على
ن استبراءها واج ٌ
.وأمّا المة الّتي كان يستمتع بها سيّدها ويطؤها ،فمذهب مالكٍ أ ّ
سيّد قبل البيع .ويفصّل أحمد بين اليائسة وغيرها .ودليله :أنّ عمر بن الخطّاب أنكر على
ال ّ
عبد الرّحمن بن عوفٍ بيع جاري ٍة كان يطؤها قبل استبرائها .وذهب الشّافعيّة إلى أنّ
الستبراء في هذه الحالة سنّةٌ ،وذلك قبل بيعه لها ؛ ليكون على بصيرةٍ منها .وقال الحنفيّة :
إنّه مستحبّ .
هـ -الستبراء بسوء الظّنّ :
-قال المازريّ :وكلّ من جاز حملها ففي استبرائها قولن .ومثّل له بأمثل ٍة منها : 23
استبراء المة خوف أن تكون زنت ،وهو المعبّر عنه بالستبراء لسوء الظّنّ .
مدّة الستبراء :
المستبرأة لها أحوا ٌل منها :الحرّة ،والمة الّتي بلغت المحيض وهي تحيض فعلً ،والحامل ،
والّتي ل تحيض لصغ ٍر أو كبرٍ .
استبراء الحرّة :
ل في ثلث مسائل يكتفى فيها بحيضةٍ واحد ٍة ،وهي استبراؤها
-استبراء الحرّة كعدّتها ،إ ّ 24
لقامة الحدّ عليها في الزّنا أو الرّدّة ؛ ليتبيّن عدم حملها ؛ لنّ ذلك مانعٌ من إقامة الحدّ ،أو
في الملعنة لنفي حملها .والكتفاء في المزنيّ بها بحيضةٍ واحد ٍة هو مذهب الحنفيّة ،وروايةٌ
عن كلّ من الشّافعيّة والحنابلة .ولهما روايةٌ أخرى أنّها تستبرأ بثلثٍ .استبراء المة
الحائض :
-ذهب مالكٌ ،والشّافعيّ ،وأحمد في روايةٍ ،وعثمان ،وعائشة ،والحسن ،والشّعبيّ ، 25
والقا سم بن مح ّمدٍ ،وأ بو قل بة ،ومكحولٌ ،وأ بو ثورٍ ،وأ بو عبيدٍ ،إلى أ نّ ال مة إذا كا نت
ل شهرٍ أو نحوه ،فا ستبراؤها ي قع بحيض ٍة كاملةٍ ،سوا ٌء في ذلك
ممّن تح يض كعادة النّ ساء ك ّ
استبراء البيع والعتق والوفاة ،أ ّم ولدٍ كانت أو ل .وفرّق الحنفيّة بين أ مّ الولد وغيرها ،فإذا
كانـت المسـتبرأة غيـر أمّـ ولدٍ ،فاسـتبراؤها بحيضةٍ كامل ٍة ،أمّا أمّـ الولد ،إذا أعتقـت بإعتاق
المولى أو بموتـه ،فإنّ ها تعتدّ بثلثـة قرو ٍء ؛ لمـا روي عن ع مر وغيره أنّ هم قالوا :عدّة أ مّ
الولد ثلث حيضٍ .
استبراء الحامل :
-ذهب المالكيّة ،والحنفيّة ،والحنابلة ،إلى أنّ المستبرأة إذا كانت حاملً فاستبراؤها 26
ن المة
يكون بوضع حملها كلّه ،ولو وضعته بعد لحظةٍ من وجوبه .ومذهب الشّافعيّة أ ّ
سيّد يحصل استبراؤها بوضع حملها ،وإن كانت مشتراةً
المسبيّة ،أو الّتي زال عنها فراش ال ّ
ل من زوجٍ أو وطءٍ بشبه ٍة -فل استبراء في الحال ،ويجب بعد زوال العدّة أو
-وهي حام ٌ
ن حدوث حلّ الستمتاع إنّما وجد بعد ذلك ،وإن تقدّم عليه الملك ؛ لنّه ملكٌ
النّكاح ،ل ّ
مشغولٌ بحقّ الغير .والحامل من زنا إذا كانت ل تحيض في أثناء مدّة الحمل تستبرأ بوضع
الحمل ،وإن كانت تحيض فكذلك على الصحّ ،وفي قولٍ يحصل استبراؤها بحيضةٍ على
الحمل .
استبراء المة الّتي ل تحيض لصغرٍ أو كبرٍ :
ن المة الّتي ل تحيض لصغرٍ أو كبرٍ :أنّها تتربّص ثلثة أشهرٍ ،ونقل
-مذهب مالكٍ أ ّ 27
ابن رشدٍ في المقدّمات أنّه قد جرى اختلفٌ في مذهب مالكٍ ،فقيل :استبراؤها شهرٌ ،وقيل
شهرٌ ونصفٌ ،وقيل شهران ،وقيل ثلثة أشهرٍ ،وهو المشهور في المذهب الحنبليّ ،وهو
ن في المذهب الشّافعيّ .
قول الحسن ،وابن سيرين ،والنّخعيّ ،وأبي قلبة ،وهو قولٌ ثا ٍ
ن الشّهر
ومذهب أبي حنيفة ،والرّاجح عن الشّافعيّ ،أنّها تستبرأ بشهرٍ فقط ،وعلّل ذلك بأ ّ
ن الشّهر قائمٌ مقام الطّهر والحيض شرعا .
يتحقّق فيه في غيرها طهرٌ وحيضٌ ،ول ّ
الستمتاع بالمة المستبرأة :
ي في روايةٍ أنّ المستبرأة ل يقبّلها ،ول يباشرها ،
-مذهب أبي حنيفة ،ومالكٍ ،والشّافع ّ 28
ول ينظر منها إلى عور ٍة ،حتّى ينتهي أمد الستبراء ،وذلك لنّه من الجائز أنّها حملت من
ل في الملك .ووافقهم أحمد ،وله روايةٌ
البائع ،وأنّ البيع باطلٌ .وهذه التّصرّفات ل تحلّ إ ّ
بالتّفصيل بين المطيقة وغيرها .
أثر العقد والوطء زمن الستبراء :
-العقد على المستبرأة حرامٌ في جميع المذاهب ،وكذلك الوطء بالولى ،وتفصيل أثره 29
المترتّبة على الزّنى ،من حيث العقوبة ،وضمان العقر ،ووجوب الستبراء ،وعدم إلحاق
نسب المولود من ذلك بالزّاني ،بل يلحق بصاحب الفراش ،إلّ أن ينفيه بشروطه ،وغير
ذلك ( .ر :زنًى ) .
الستبضاع في التّجارات :
*استتابةٌ
التّعريف
-الستتابة في اللّغة :طلب التّوبة ،يقال استتبت فلنا :عرضت عليه التّوبة ممّا اقترف . 1
والتّوبة هي :الرّجوع والنّدم على ما فرّط منه ،واستتابه :سأله أن يتوب .ول يخرج
المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
صفتها :الحكم التّكليفيّ :
-استتابة المرتدّ واجبةٌ عند المالكيّة ،وهو المعتمد عند كلّ من الشّافعيّة ،والحنابلة ؛ 2
الوّل :للمالكيّة ،وفي الظّاهر عند الحنفيّة ،رأيٌ للشّافعيّة ،والحنابلة ،ل يستتابون ول يقبل
منهم ،ويقتلون لقول اللّه تعالى { :إلّ الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا } ،والزّنديق ل تظهر
منه علم ٌة تبيّن رجوعه وتوبته ؛ لنّه كان مظهرا للسلم ،مسرّا للكفر ،فإذا وقف على
ذلك ،فأظهر التّوبة ،لم يزد على ما كان منه قبلها ،وهو إظهار السلم ؛ ولنّهم يعتقدون
في الباطن خلف ما يظهرون .
الثّاني :وهو للحنفيّة في غير الظّاهر ،ورأيٌ للشّافعيّة والحنابلة ،يستتاب ؛ لنّه كالمرتدّ ،
فتجري عليه أحكامه ( .ر :زندقةٌ ) .
استتابة السّاحر :
-استتابة السّاحر فيها روايتان . 4
.فإن أبى أن يتوب ،قال الحنفيّة في المذهب ،والحنابلة في رأيٍ عندهم :يحبس حتّى يتوب
أو يموت .وقال المالكيّة ،والشّافعيّة وهو رأيٌ للحنابلة :إن أبى يقتل ،وهو اختيار الجمهور
.
*استتارٌ
التّعريف
-الستتار في اللّغة :التّغطّي والختفاء .يقال :استتر وتستّر أي تغطّى ،وجاري ٌة مستترةٌ 1
أي مخدّر ٌة .وقد استعمله الفقهاء بهذا المعنى ،كما استعملوه بمعنى اتّخاذ السّترة في الصّلة .
ضمّ ) هي في الصل :ما يستتر به مطلقا ،ثمّ غلب في الستعمال الفقهيّ على
والسّترة ( بال ّ
:ما ينصب أمام المصلّي ،من عصا أو تسنيم ترابٍ أي تكويمه ونحوه ،لمنع المرور أمامه .
ويسمّى ستر الصّدقة إخفاؤها .
صفته :الحكم التّكليفيّ :
-يختلف حكم الستتار تبعا للحوال والفعال الّتي يكون فيها ،على ما سيأتي :الستتار ( 2
س ّريّ ًة ،أم غيرهما ،يرى أو يسمع الحسّ ،وبه قال الجمهور ،وقد سئل الحسن البصريّ عن
الرّجل يكون له امرأتان في بيتٍ ،قال :كانوا يكرهون أن يطأ إحداهما والخرى ترى أو
تسمع .
ص على ذلك المالكيّة ،فقال الرّهونيّ في حاشيته على
ب -ويخلّ بالستتار وجود نائمٍ ،ن ّ
شرح الزّرقانيّ لمتن خليلٍ :ل يجوز للرّجل أن يصيب زوجته أو أمته ومعه في البيت أحدٌ
ن النّائم قد يستيقظ فيراهما على تلك الحال .
يقظان أو نائمٌ ،ل ّ
ج -ويخلّ بالستتار عند جمهور المالكيّة وجود صغيرٍ غير مم ّيزٍ ،اتّباعا لبن عمر الّذي
كان يخرج الصّبيّ في المهد عندما يريد الجماع .وذهب الجمهور -ومنهم بعض المالكيّة -
إلى أنّ وجود غير المميّز ل يخلّ بالستتار ؛ لما فيه من مشقّةٍ وحرجٍ .
الثار المرتّبة على ترك الستتار في الجماع :
-من حقّ المرأة المتناع عن إجابة طلب زوجها إلى فراشه ،إن كان ممّن ل يستتر عن 6
النّاس حين الجماع ،ول تصير ناشزا بهذا المتناع ؛ لنّه امتناعٌ بحقّ ؛ ولنّ الحياء
والمروءة يأبيان ذلك ،نصّ على ذلك الحنفيّة ،والشّافعيّة ،وقواعد المالكيّة والحنابلة ل تأباه
.
الستتار عند قضاء الحاجة :
-يشمل هذا أمرين :الستتار عن النّاس ،والستتار عن القبلة إن كان خارج البنيان .أمّا 7
الوّل ،فالصل وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة ،بحضور من ل يحلّ له النّظر إليها ،
وتفصيله في مصطلح ( عور ٌة ) ،كما أنّه يسنّ عند بعض الفقهاء استتار شخص النسان عند
إرادة الغائط .
ن بعض الفقهاء يرى جواز استقبال القبلة واستدبارها عند
وأمّا الستتار عن القبلة بسات ٍر فإ ّ
قضاء الحاجة ،إن استتر عن القبلة بساترٍ .ويرى بعضهم تحريم استقبال القبلة واستدبارها
مطلقا ،وتفصيل ما يتّصل بالستتار عن القبلة في مصطلح ( :قضاء الحاجة ) .
الستتار حين الغتسال :
أ -وجوب الستتار عمّن ل يحلّ له النّظر إليه :
-المر الّذي ل خلف فيه هو :افتراض الستتار حين الغتسال ،بحضرة من ل يجوز 8
له النّظر إلى عورة المغتسل ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :احفظ عورتك إلّ من زوجتك ،
أو ما ملكت يمينك » .وعن أمّ هانئٍ قالت « :ذهبت إلى رسول اللّه عام الفتح فوجدته يغتسل
،وفاطمة تستره فقال :من هذه ؟ فقلت :أنا أمّ هانئٍ » ( .ر :عور ٌة ) فإذا لم يمكنه
الغتسال إلّ بكشف عورته أمام واحدٍ من هؤلء ،فقد صرّح الحنفيّة بأنّ كشف العورة حينئذٍ
ل يسقط وجوب الغسل عليه – إن كان رجلً بين رجالٍ ،أو امرأةً بين نساءٍ – لمرين .
الوّل :نظر الجنس إلى الجنس أخفّ من النّظر إلى الجنس الخر .
ن الغسل فرضٌ فل يترك لكشف العورة .أمّا إن كانت امرأةٌ بين رجالٍ ،أو رجلٌ
والثّاني :أ ّ
بين نساءٍ ،أو خنثى بين رجالٍ أو نساءٍ ،أو هما معا ،فل يجوز لهؤلء الكشف عن عوراتهم
ن ترك المنهيّ عنه
للغسل ،بل يتيمّمون ،لكن شارح منية المصلّي لم يسلّم بهذا التّفصيل ؛ ل ّ
مق ّدمٌ على فعل المأمور ،وللغسل خلفٌ وهو التّيمّم .وعموم كلم الحنابلة ،في تحريم كشف
العورة عند الغتسال بحضور من يحرم نظره إليها ،يشعر بأنّهم يخالفون الحنفيّة .والّذي
يؤخذ من كلم المالكيّة ،والشّافعيّة أنّه لو ترتّب على القيام بالطّهارة المائيّة كشف العورة ،
ب للصّلة والصّيانة عن العيون
ن ستر العورة ل بدل له ؛ ولنّه واج ٌ
فإنّه يصار إلى التّيمّم ؛ ل ّ
،ويباح فعل المحظور من أجله ،كاستتار الرّجل بالحرير إذا تعيّن .أمّا الطّهارة المائيّة فلها
بدلٌ ،ول يباح فعل المحظور من أجلها ومن هنا كان السّلف والئمّة الربعة يتشدّدون في
ل بمئزرٍ .وروى ابن أبي شيبة في ذلك آثارا عن عليّ بن أبي طالبٍ
المنع من دخول الحمّام إ ّ
ومحمّد بن سيرين وأبي جعفرٍ محمّد بن عليّ وسعيد بن جبيرٍ ،حتّى بلغ المر بعمر بن
ن أحدٌ الحمّام إلّ بمئزرٍ ،وبعمر بن عبد العزيز أن كتب إلى عامله
الخطّاب أنّه كتب :ل يدخل ّ
ل بمئزرٍ ،وأخذ يفرض العقوبات الرّادعة
بالبصرة أمّا بعد :فمر من قبلك ألّ يدخلوا الحمّام إ ّ
على من دخل الحمّام بغير مئزرٍ ،وعلى صاحب الحمّام الّذي أدخله .وعن عبادة قال :رأيت
عمر بن عبد العزيز يضرب صاحب الحمّام ومن دخله بغير إزارٍ .
ب -استتار المغتسل بحضور الزّوجة :
ن لكلّ واحدٍ من الزّوجين أن يغتسل بحضور الخر ،وهو
-ممّا ل خلف فيه أيضا :أ ّ 9
.واستدلّوا على ذلك بما رواه البخاريّ عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « قال :
كانت بنو إسرائيل يغتسلون عرا ًة ،ينظر بعضهم إلى بعضٍ ،وكان موسى يغتسل وحده ،
ل أنّه آدرّ -منفوخ الخصية -فذهب مرّةً
فقالوا :واللّه ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إ ّ
يغتسل ،فوضع ثوبه على حجرٍ ،ففرّ الحجر بثوبه ،فخرج موسى في إثره يقول :ثوبي يا
حجر ،حتّى نظر بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا :واللّه ما بموسى من بأسٍ ،وأخذ ثوبه ،
فطفق بالحجر ضربا » .وعن أبي هريرة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « قال :بينا أيّوب
يغتسل عريانا فخرّ عليه جرادٌ من ذهبٍ ،فجعل أيّوب يحتشي في ثوبه ،فناداه ربّه :يا أيّوب
ألم أكن أغنيتك عمّا ترى ؟ قال :بلى وعزّتك ،ولكن ل غنى بي عن بركتك » .فقد قصّ
علينا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ذلك دون نكيرٍ ،فهو دليلٌ على الجواز ؛ لنّ شرع من
قبلنا شرعٌ لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه .وسئل المام مالكٌ عن الغسل في الفضاء ،
ن فيه حديثا ،فأنكر ذلك ،وقال تعجّبا :ل يغتسل
فقال :ل بأس به ،فقيل :يا أبا عبد اللّه إ ّ
الرّجل في الفضاء ؟ ،وجه إجازة مالكٍ للرّجل أن يغتسل في الفضاء إذا أمن أن يمرّ به أحدٌ ،
وأنّ الشّرع إنّما قرّر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدم دون سواهم من
الملئكة ،إذ ل يفارقه الحفظة الموكّلون به في حالٍ من الحوال ،قال تعالى { :ما يلفظ من
ل لديه رقيبٌ عتي ٌد } .وقال تعالى { :وإنّ عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما
قولٍ إ ّ
تفعلون } :ولهذا قال مالكٌ تعجّبا :ل يغتسل الرّجل في الفضاء ،إذ ل فرق في حقّ الملئكة
بين الفضاء وغيره .ولكن هذا جوازٌ مقرونٌ بالكراهة التّنزيهيّة ،ولذلك يندب له الستتار .
لما رواه البخاريّ تعليقا ،ووصله غيره ،عن معاوية بن حيدة ،عن رسول اللّه صلى ال
ل من زوجتك أو ما ملكت يمينك .قلت :يا رسول اللّه
عليه وسلم أنّه قال « :احفظ عورتك إ ّ
فإن كان أحدنا خاليا ؟ قال :فاللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس » .وذهب عبد الرّحمن بن
أبي ليلى إلى وجوب الستتار حين الغسل ،ولو كان في خلو ٍة .مستدلّ بالحديث الّذي أخرجه
أبو داود والنّسائيّ « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رأى رجلً يغتسل بالبراز -أي
ن اللّه عزّ وجلّ حليمٌ حييّ ستّيرٌ ،يحبّ
بالخلء -فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال :إ ّ
الحياء والسّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر » .
استتار المرأة المتزيّنة :
-يجب على المرأة الستتار عن غير الزّوج والمحارم ،بستر عورتها وعدم إبداء 11
ن من
زينتها ،لقوله تعالى « :يا أيّها النّبيّ قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليه ّ
ن » .وفيما يجب ستره عن المحارم وغيرهم ،وفي ستر الوجه والكفّين والقدمين
جلبيبه ّ
خلفٌ وتفصيلٌ موطنه مصطلح ( :تزيّنٌ ) ( وعورةٌ ) .
الستتار من عمل الفاحشة :
-من ابتلي بمعصي ٍة ،كشرب الخمر والزّنا ،فعليه أن يستتر بذلك ،ول يجاهر بفعله 12
سيّئ ،كما ينبغي لمن علم بفاحشته أن يستر عليه وينصحه ،ويمنعه عن المنكر بالوسيلة
ال ّ
الّتي يستطيعها .
ن المرء إذا وقع منه ما يعاب عليه يندب له السّتر على نفسه ،
-وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ 13
فل يعلم أحدا ،حتّى القاضي ،بفاحشته لقامة الحدّ أو التّعزير عليه ،لما رواه البخاريّ
وغيره عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :
ل المجاهرين ،وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملً ،ثمّ يصبح
كلّ أمّتي معافًى إ ّ
وقد ستره اللّه تعالى ،فيقول :يا فلن عملت البارحة كذا وكذا ،وقد بات يستره ربّه ويصبح
يكشف ستر اللّه عنه » .وقوله صلى ال عليه وسلم « من أصاب من هذه القاذورات شيئا
فليستتر بستر اللّه ،فإنّه من يبدي لنا من صفحته نقم عليه كتاب اللّه » .وقال أبو بكرٍ
الصّدّيق :لو أخذت شاربا لحببت أن يستره اللّه ،ولو أخذت سارقا لحببت أن يستره اللّه ،
وأنّ الصّحابة أبا بكرٍ وعمر وعليّا وعمّار بن ياس ٍر وأبا هريرة وأبا الدّرداء والحسن بن عليّ
وغيرهم ،قد أثر عنهم السّتر على معترفٍ بالمعصية ،أو تلقينه الرّجوع من إقراره بها ،
سترا عليه ،وستر معترف المعصية على نفسه أولى من ستر غيره عليه .والجهر بالمعصية
ن من قصد إظهار المعصية
عن جهلٍ ،ليس كالجهر بالمعصية تبجّحا .قال ابن حجرٍ :فإ ّ
والمجاهرة بها أغضب ربّه .وقال الخطيب الشّربينيّ :وأمّا التّحدّث بها تفكّها فحرامٌ قطعا .
أثر الستتار بالمعصية :
-يترتّب على الستتار بالمعصية : 14
*استثمارٌ
التّعريف
-الستثمار في اللّغة :من ( ثمر ) ،وثمر الشّيء :إذا تولّد منه شي ٌء آخر ،وثمّر الرّجل 1
ماله :أحسن القيام عليه ونمّاه ،وثمر الشّيء :هو ما يتولّد منه ،وعلى هذا فإنّ الستثمار
هو :طلب الحصول على الثّمرة .والفقهاء يستعملون هذا اللّفظ بهذا المعنى أيضا .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -النتفاع :
-النتفاع هو الحصول على المنفعة ،فالفرق بينه وبين الستثمار ،أنّ النتفاع أعمّ من 2
الستثمار ،فما تخرجه الرض هو ثمرةٌ ،وهو غّلةٌ ،وهو ريعٌ .وللحنفيّة تفرقةٌ خاصّةٌ بين
الثّمرة والغلّة في باب الوصيّة ،فإذا أوصى بثمرة بستانه انصرف إلى الموجود خاصّةً ،وإذا
أوصى بغلّته شمل الموجود وما هو بعرض الوجود .
صفته الحكم التّكليفيّ :
-الصل استحباب استثمار الموال القابلة لذلك ؛ لما فيه من وجوه النّفع . 4
للمستثمر ( بكسر الميم ) ،أو لمن كان المستثمر نائبا عنه نيابةً شرعيّ ًة أو تعاقديّ ًة ،فإن لم
يكن كذلك لم يحلّ استثماره ،كالمال المغصوب أو المسروق .وكذلك ل يحلّ استثمار الوديعة
؛ لنّ يد الوديع يد حفظٍ .
ملك الثّمرة :
-إذا كان الستثمار مشروعا ،كانت الثّمرة ملكا للمالك ،أمّا إذا كان الستثمار غير 7
*استثناءٌ
التّعريف
-الستثناء لغ ًة :مصدر استثنى ،تقول :استثنيت الشّيء من الشّيء إذا أخرجته ،ويقال : 1
حلف فلنٌ يمينا ليس فيها ثنيا ،ول مثنويّةً ،ول استثناء ،كلّه واحدٌ .وذكر الشّهاب الخفاجيّ
ن الستثناء في اللّغة والستعمال يطلق على :التّقييد بالشّرط ،ومنه قوله تعالى { ول
أّ
يستثنون } أي ل يقولون « :إن شاء اللّه » .والستثناء في اصطلح الفقهاء والصوليّين إمّا
أن يكون لفظيّا أو معنويّا أو حكميّا ،فالستثناء اللّفظيّ هو :الخراج من متعدّ ٍد بإلّ ،أو
إحدى أخواتها ،ويلحق به في الحكم الخراج بأستثني وأخرج ونحوهما على لفظ المضارع ،
وعرّفه السّبكيّ بأنّه :الخراج بإلّ أو إحدى أخواتها من متكّلمٍ واحدٍ .وعرّفه صدر الشّريعة
الحنفيّ بأنّه :المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلم في حكمه بإلّ أو إحدى أخواتها ،
ن الستثناء عند الحنفيّة ل إخراج به ،إذ لم يدخل
فعرّفه بالمنع ،ولم يعرّفه بالخراج ؛ ل ّ
المستثنى في المستثنى منه أصلً حتّى يكون مخرجا .فالستثناء لمنعه من الدّخول ،والفقهاء
يستعملون الستثناء أيضا بمعنى قول « :إن شاء اللّه » في كلمٍ إنشائيّ أو خبريّ .وهذا
النّوع ليس استثنا ًء حقيقيّا بل هو من متعارف النّاس .فإن كان بإلّ ونحوها فهو استثناءٌ حقيقيّ
ن كذا إلّ أن
ي » ،كأن يقول :ل أفعل كذا إلّ أن يشاء اللّه ،أو :لفعل ّ
،أو « استثناءٌ وضع ّ
يشاء اللّه ،ومن العرفيّ قول النّاس :إن يسّر اللّه ،أو إن أعان اللّه ،أو ما شاء اللّه .وإنّما
ل -استثنا ًء لشبهه بالستثناء المتّصل في صرفه الكلم
سمّي هذا التّعليق -ولو كان بغير إ ّ
السّابق له عن ظاهره .والستثناء المعنويّ هو :الخراج من الجملة بغير أداة استثناءٍ ،
كقول المقرّ « :له الدّار ،وهذا البيت منها لي » .وإنّما أعطوه حكم الستثناء ؛ لنّه في قوّة
قوله « :له جميع الدّار إلّ هذا البيت » .والستثناء الحكميّ يقصد به أن يرد التّصرّف مثلً
ن فيها حقّ للغير ،كبيع الدّار المؤجّرة ،فإنّ الجارة ل تنقطع بذلك ،والبيع
على عي ٍ
ن البيع ورد على العين باستثناء منفعتها مدّة الجارة .وهذا الطلق قليلٌ في
ح ،فكأ ّ
صحي ٌ
متعارف الفقهاء والصوليّين ،وقد ورد في الشباه والنّظائر للسّيوطيّ والقواعد لبن رجبٍ ،
إلّ أنّ هذا النّوع ل يدخل في مفهوم الستثناء المصطلح عليه ،ولذا فل تنطبق عليه أحكام
الستثناء فيما يلي من هذا البحث .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّخصيص :
-التّخصيص :قصر العامّ على بعض أفراده ،فهو يبيّن كون اللّفظ قاصرا عن البعض . 2
-النّسخ :رفع الشّارع حكما من أحكامه بدليلٍ لحقٍ ،والفرق بينه وبين الستثناء :أنّ 3
النّسخ رفعٌ لما دخل تحت اللّفظ ،والستثناء يدخل على الكلم فيمنع أن يدخل تحت اللّفظ ما
كان يدخل لوله ،فالنّسخ قطعٌ ورفعٌ ،والستثناء منعٌ أو إخراجٌ ،وأنّ الستثناء متّصلٌ ،
والنّسخ ل بدّ أن يكون منفصلً .
ج -الشّرط :
-يشبه الستثناء بإلّ وأخواتها الشّرط ( التّعليق ) ،لشتراكهما في منع الكلم من إثبات 4
فنحو :ما قام أحدٌ إلّ زيدا ،يدلّ على إثبات القيام لزيدٍ ،ونحو :قام القوم إلّ زيدا ،يدلّ
على نفي القيام عنه ،وفي هذا خلف أبي حنيفة ومالكٍ .فأمّا أبو حنيفة فقد قيل :خلفه في
ن المستثنى من حيث الحكم مسكوتٌ عنه
المسألتين .وقيل :بل في الثّانية فقط ،فقد قال :إ ّ
غير محكومٍ عليه ،فزيدٌ في المثال المتقدّم غير محكومٍ بقيامه ول بعدمه .وحاصل الخلف
ن زيدا بالستثناء دخل في عدم القيام .
ن الجمهور يقولون :إ ّ
في نحو :قام القوم إلّ زيدا ،أ ّ
ج من الكلم الوّل .وأمّا مالكٌ
وعند الحنفيّة انتقل إلى عدم الحكم .وعند الفريقين هو مخر ٌ
ن الستثناء من النّفي إثباتٌ في غير اليمان ،أمّا في اليمان فليس
فيوافق الجمهور على أ ّ
ل الكتّان ،يحنث عند الجمهور إذا قعد ذلك
الستثناء إثباتا .فمن حلف :ل يلبس اليوم ثوبا إ ّ
اليوم عاريّا فلم يلبس شيئا ؛ لنّه لمّا كان النّفي إثباتا فقد حلف أن يلبس الكتّان ،فإذا لم يلبسه
وقعد عاريّا حنث .أمّا عند مالكٍ فل يحنث ،وهو أحد الوجهين عند الشّافعيّة ،ووجّه القرافيّ
ل ) في هذا المثال ونحوها صف ٌة ،فهي بمعنى غير ،فيكون قد حلف على ألّ
ذلك بأنّ ( إ ّ
ف عليها
ن جميع الثّياب محلو ٌ
يلبس ثيابا مغاير ًة للكتّان .ووجّهه أيضا بأنّ معنى الكلم :أ ّ
غير الكتّان .
أنواع الستثناء :
-الستثناء إمّا متّصلٌ وإمّا منفصلٌ .فالستثناء المتّصل :ما كان فيه المستثنى بعض 6
المستثنى منه نحو جاء القوم إلّ زيدا .والستثناء المنقطع ( :ويسمّى المنفصل أيضا ) ما لم
يكن فيه المستثنى بعض المستثنى منه ،مثل قوله تعالى { :ما لهم به من علمٍ إلّ اتّباع الظّنّ
ن اتّباع الظّنّ ليس علما .ويتبيّن من هذا أنّ الستثناء المنقطع ل إخراج به ،ول يكون
} فإ ّ
ن المستثنى لم يدخل أصلً .هذا ول بدّ للستثناء المنقطع من المخالفة
من المخصّصات ؛ ل ّ
بين المستثنى والمستثنى منه بوجهٍ من الوجوه ،فيما يتوهّم فيه الموافقة .والفائدة فيه دفع هذا
التّوهّم ،وهو في ذلك شبيهٌ ب ( لكنّ ) ،فإنّه للستدراك ،أي دفع التّوهّم من السّابق .
وأشهر صور المخالفة :أن ينفي عن المستثنى الحكم الّذي ثبت للمستثنى منه ،نحو :جاءني
المدرّسون إلّ طالبا ،فقد نفينا المجيء عن الطّالب بعدما أثبتناه للمدرّسين .ولمّا كان
الستثناء المنقطع ل إخراج به ،فإنّه ل يكون استثناءً حقيق ًة ،بل هو مجازٌ .قال المحّليّ :
هذا هو الصحّ ،بدليل أنّه يتبادر إلى الذّهن المتّصل دون المنقطع .وعلى هذا جاء حدّ
ل أخرى موطن تفصيلها
الستثناء فيما سبق ،فقد عرّف بما ل يشمل المنقطع وفي المسألة أقوا ٌ
كتب الصول .
صيغة الستثناء :
أ -ألفاظ الستثناء :
-يذكر اللّغويّون والصوليّون للستثناء الحقيقيّ اللفاظ التّالية :إلّ ،وغير ،وسوى ، 7
الشّافعيّة :الظّاهر أنّه يتعلّق بالجملة الخيرة فقط .وعند جمهور الشّافعيّة ومن وافقهم :
الظّاهر أنّه يعود إلى الكلّ .وقال الباقلّنيّ بالتّوقّف في عوده إلى ما عدا الخير .وقال
الغزاليّ بالتّوقّف مطلقا .وقال أبو الحسين المعتزليّ :إن ظهر الضراب عن الولى ،كما لو
اختلف بالنشائيّة والخبريّة ،أو المريّة والنّهييّة ،أو لم يكن اشتراكٌ في الغرض المسوق له
الكلم ،فإنّه يعود للخيرة فقط ،وإلّ فللجميع .والنّزاع كما ترى في الظّهور .ول تتأتّى
دعوى النّصوصيّة في واحدٍ من الحتمالت المذكورة .ولم ينازع أحدٌ أيضا في إمكان عود
ل ،فقد ثبت ذلك في اللّغة ،هذا إذا كان
الستثناء إلى الخيرة وحدها ،وإمكان عوده إلى الك ّ
العطف بالواو ،أمّا إذا كان العطف بالفاء أو ثمّ فالخلف قائمٌ أيضا ،لكن ذهب بعض
ج الحنفيّة بأنّ
الشّافعيّة -كإمام الحرمين والمديّ -إلى أنّه يعود حينئذٍ إلى الخير .واحت ّ
حكم الجملة الولى ،ظاهرٌ في الثّبوت عموما ،ورفعه عن البعض بالستثناء مشكوكٌ فيه
لجواز كونه للخيرة فقط ،فل يرفع حكم الولى ؛ لنّ الظّاهر ل يعارضه المشكوك .بخلف
ن الرّفع ظاهرٌ فيها فيما ل صارف له ،فيتعلّق بها .
الخيرة ،فإنّ حكمها غير ظاهرٍ ؛ ل ّ
واحتجّوا ثانيا بأنّ التّصال من شرط الستثناء ،والتّصال ثابتٌ في الجملة الخيرة ،أمّا فيما
ل آخر
ل بدلي ٍ
ن التّصال بالعطف فقط ضعيفٌ ،فل يعتبر إ ّ
قبلها فإنّها متّصل ٌة بالعطف ،إلّ أ ّ
ب لعتبار هذا التّصال .والشّافعيّة ومن معهم احتجّوا بالقياس على الشّرط ،فإنّه إذا
موج ٍ
ن العطف يجعل المتعدّد كالمفرد ،فالمتعلّق
ل رجع إليها اتّفاقا .واحتجّوا أيضا بأ ّ
تعقّب جم ً
ن الغرض من الستثناء قد يتعلّق بالكلّ ،فإمّا أن يكرّر
بالواحد هو المتعلّق بالكلّ .وبأ ّ
ل جملةٍ ،وإمّا أن يؤتى به بعد واحد ٍة فقط ،أو يؤتى به بعد الجميع .فالتّكرار
الستثناء بعد ك ّ
ح ،فبقي الوجه الثّالث ،فيلزم
ن ،فبطل الوّل وفي الثّاني ترجيحٌ من غير مرجّ ٍ
مستهج ٌ
الظّهور فيه .
-وممّا اختلف فيه بناءً على هذه القاعدة قول اللّه تبارك وتعالى { :والّذين يرمون 11
المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلد ًة ول تقبلوا لهم شهاد ًة أبدا وأولئك
ل الّذين تابوا } ...قال الحنفيّة :الّذين تابوا من القاذفين ل تقبل شهادتهم ،
هم الفاسقون إ ّ
والستثناء عائدٌ على الحكم بفسقهم .وقال الشّافعيّة ومن وافقهم :تقبل شهادتهم ؛ لنّ
الستثناء يعود على الجمل الثّلث .أمّا الجلد فاتّفق على عدم سقوطه بالتّوبة لجل الدّليل
المانع من تعلّق الستثناء بقوله تعالى { :فاجلدوهم ثمانين جلدةً } والمانع هو كون الجلد حقّا
ي ل يسقط بالتّوبة .
للدميّ ،وحقّ الدم ّ
الستثناء بعد المفردات المتعاطفة :
-إن كان الستثناء بعد مفرداتٍ متعاطف ٍة فالخلف فيه كالخلف في الجمل ،ولكن صرّح 12
الشّافعيّة بأنّه أولى بعوده للكلّ من الوارد بعد الجمل المتعاطفة ،وذلك لعدم استقلل المفردات
.نحو :تصدّق على الفقراء والمساكين وابن السّبيل إلّ الفسقة منهم .
الستثناء العرفيّ بعد المتعاطفات :
-أمّا الستثناء العرفيّ بإن شاء اللّه ونحوها ،فإنّه إذا تعقّب جملً نحو :واللّه ل آكل ول 13
أشرب إن شاء اللّه ،فيتعلّق بالجميع اتّفاقا .ووجهه أنّه شرطٌ وليس من حقيقة الستثناء ،
ح تعلّقه بالوّل ؛ لنّه مقارنٌ له
والشّرط مق ّدمٌ تقديرا ؛ لنّ له صدر الكلم باتّفاق النّحاة ،فيص ّ
خرٌ لفظا أو تقديرا .
تقديرا .بخلف الستثناء فإنّه مؤ ّ
الستثناء بعد الستثناء :
-هذا النّوع من الستثناء ينقسم قسمين :الوّل :الستثناءات المتعدّدة المتعاطفة نحو :له 14
وقد صرّح بذلك الرّمليّ ،وسيأتي أيضا أنّ شرط القصد مختلفٌ فيه في الستثناء بالمشيئة .
الشّرط الوّل :
-يشترط في الستثناء أن يكون متّصلً بالمستثنى منه ،بألّ يكون مفصولً بما يعدّ في 16
مستغرقا كما تقدّم ،نحو « :له عليّ عشر ٌة إلّ ستّةً أو :له عليّ عشر ٌة إلّ خمسةً » .ونسب
صاحب فواتح الرّحموت هذا القول إلى الحنفيّة ،والكثر من المالكيّة والشّافعيّة .وخالف في
ذلك الحنابلة ،والقاضي أبو بكرٍ الباقلّنيّ من المالكيّة .قيل :إنّما يمنع الحنابلة استثناء أكثر
من النّصف ،ويجيزون استثناء النّصف .وقيل :يمنعون النّصف أيضا .وفي المسألة قولٌ
ل من المستثنى والمستثنى منه عددا صريحا .قيل
ثالثٌ :أنّه يمنع استثناء الكثر إن كان ك ّ
وبهذا قال القاضي الباقلّنيّ آخرا .وقد احتجّ لجواز استثناء الكثر في غير العدد بقول اللّه
ل من اتّبعك من الغاوين } والغاوون هم الكثر
ن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إ ّ
تعالى { :إ ّ
لقوله تعالى { :وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين } واحتجّ لجوازه أيضا في العدد باتّفاق
الفقهاء جميعا على لزوم واحدٍ في القرار بلفظ « :له عليّ عشر ٌة إلّ تسعةً » واحتجّ الحنابلة
بأنّ أئمّة اللّغة أنكروا أن يكون استثناء الكثر جائزا لغ ًة ،منهم ابن ج ّنيّ ،وال ّزجّاج ،
ل من الكثير .
ل في قلي ٍ
والقتيبيّ .قال ال ّزجّاج :لم يأت الستثناء إ ّ
الشّرط الثّالث :
-ويشترط في الستثناء أن يكون المستثنى ممّا يدخل تحت المستثنى منه ،واختلف العلماء 19
في صحّة الستثناء إذا كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه ،فجوّزه مالكٌ ،والشّافعيّ ،
والباقلّنيّ ،وجماع ٌة من المتكلّمين .ومثال ذلك قوله :له عليّ ألفٌ من الدّنانير إلّ فرسا » .
وكذا لو قال :له عليّ فرسٌ إلّ عشرة دنانير ،فيجبر على البيان فإن استغرقت القيمة المقرّ
به بطل الستثناء .ولزمه اللف بتمامها .وأمّا الحنفيّة ،فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يصحّ
استحسانا استثناء المقدّر من المقدّر الكيليّ والوزنيّ ،والمعدود الّذي ل تتفاوت آحاده ،
كالفلوس والجوز ،من الدّراهم والدّنانير .وذلك لنّها تثبت في ال ّذمّة فاعتبرت جنسا واحدا ،
فكانت كالذّهب والفضّة .وتطرح قيمة المستثنى ممّا أقرّ به .ويصحّ عندهما هذا النّوع من
الستثناء ولو استغرقت القيمة جميع ما أقرّ به ،لستغراقه بغير المساوي .والقول الخر
للحنفيّة أنّه ل يصحّ ،وهو قول مح ّمدٍ وزفر .وهو القياس .أمّا في غير المقدّرات ،كما لو
ح عند الحنفيّة جميعا ،قياسا واستحسانا .وعند
قال :له عليّ مائة دره ٍم إلّ ثوبا ،فل يص ّ
الحنابلة الستثناء من غير الجنس ل يصحّ إلّ أن يستثنى الدّراهم من الدّنانير ،أو الدّنانير من
ن الستثناء من غير الجنس
الدّراهم .وفي روايةٍ عندهم ل يصحّ مطلقا .وحجّة المجيزين أ ّ
ورد في القرآن ،منه قوله تعالى { :وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إلّ إبليس كان من
ن } .وقال اللّه تعالى { :ل يسمعون فيها لغوا ول تأثيما إلّ قيلً سلما سلما } .وحجّة
الج ّ
ن الستثناء صرف اللّفظ بحرف الستثناء عمّا كان يقتضيه لوله .وغير الجنس
المانعين أ ّ
المذكور ليس بداخلٍ في الكلم ،فإذا ذكره فما صرف الكلم عن صوبه ،ول ثناه عن وجه
استرساله ،فل يكون استثناءً ،وإنّما يسمّى هذا النّوع استثناءً مجازا ،وهو ما تقدّم بيانه في
ن ،فإذا
ل بمعنى لك ّ
الستثناء المنقطع ( ف ) 6 /وإنّما هو في الحقيقة استدراكٌ ،وتكون إ ّ
ذكر الستدراك بعد القرار ،كأن قال :له عندي مائة درهمٍ إلّ ثوبا لي عليه كان باطلً ؛
لنّه يكون مقرّا بشيءٍ ،مدّعيا لشيءٍ سواه ،فيقبل إقراره ،وتبطل دعواه وهي الستثناء .
ن قدر الدّنانير من الدّراهم معلومٌ ،ويعبّر بأحدهما عن
وحجّة من فرّق بين الثمان وغيرها أ ّ
الخر ،فإذا استثنى أحدهما من الخر علم أنّه أراد التّعبير بأحدهما عن الخر ،فإنّ قوما
يسمّون عشرة دراهم دينارا ،وفي بل ٍد أخرى يسمّون ثمانية دراهم دينارا .
الشّرط الرّابع :التّلفّظ بالستثناء
-ذهب ابن حبيبٍ من المالكيّة إلى أنّه يجزئ في الستثناء تحريك الشّفتين إن لم يكن 20
مستحلفا ،فإن كان مستحلفا لم يجزئه إلّ الجهر .وقال ابن القاسم :ينفعه وإن لم يسمعه
المحلوف له .واشترط الشّافعيّة للستثناء أن يتلفّظ به بحيث يسمع غيره ،وإلّ فالقول قول
خصمه في النّفي ،وحكم بالوقوع إذا حلف الخصم على نفي الستثناء .هذا فيما يتعلّق به حقّ
الغير ،أمّا فيما عداه فيكفي أن يسمع نفسه ،إن اعتدل سمعه ول عارض ،ويديّن فيما بينه
وبين اللّه تعالى .ولم يظهر للحنابلة تعرّضٌ لصفة النّطق المعتبرة في الستثناء ،غير أنّهم
فرّقوا في نيّة الستثناء بالقلب بين أن يكون المستثنى منه المنطوق به عامّا ،كقوله :نسائي
طوالق ،واستثنى بقلبه واحد ًة ،فيكون له استثناؤه ديان ًة ل قضاءً ؛ لنّ قوله « نسائي » اسمٌ
عامّ يجوز التّعبير به عن بعض ما وضع له ،وبين أن يكون نصّا فيما يتناوله ل يحتمل غيره
كالعدد ،فل يرتفع بال ّنيّة ما ثبت باللّفظ ،كقوله :نسائي الربع أو الثّلث طوالق ،فل يقبل
استثناؤه ظاهرا ،وقيل ل يقبل ول باطنا .وعند الحنفيّة الصّحيح أنّه إذا تكلّم بالطّلق
واستثنى فل بدّ أن يكون استثناؤه مسموعا ،والمراد ما شأنه أن يسمع ،بحيث لو قرّب
شخصٌ أذنه إلى فمه يسمع استثناءه ،ولو حال دون سماع المنشئ للكلم صممٌ أو كثرة
ظ مسموعٍ
أصواتٍ .وفي قول الكرخيّ من الحنفيّة ليس من شرط صحّة الستثناء أن يكون بلف ٍ
ح ،حتّى لو تلفّظ بالطّلق وكتب الستثناء
ن الستثناء بالكتابة صحي ٌ
ويقول الحنفيّة أيضا :إ ّ
موصولً ،أو عكس ،أو أزال الستثناء بعد الكتابة لم يقع الطّلق .وجاء في التتارخانية من
ن الزّوجة إذا سمعت الطّلق ولم تسمع الستثناء ل يسعها أن تمكّنه من الوطء
كتب الحنفيّة :أ ّ
،ويلزمها منازعته .
-ولو اختلف الزّوجان في صدور الستثناء ،فادّعاه الزّوج وأنكرته الزّوجة ،فيقبل قوله 21
ل ببيّنةٍ
ل عند الحنفيّة :ل يقبل إ ّ
.وهذا ظاهر الرّواية عن أبي حنيفة .وهو المذهب .وفي قو ٍ
،عليه العتماد والفتوى احتياطا لغلبة الفساد ،إذ قد يعلّمه ذلك حيلةً بعض من ل يخاف اللّه
ن دعوى الزّوج خلف الظّاهر ،فإنّه بدعوى الستثناء يدّعي إبطال الموجب بعد
تعالى ،ول ّ
العتراف به .فالظّاهر خلف قوله ،وإذا ع ّم الفساد ينبغي الرّجوع إلى الظّاهر .وفي قولٍ
ثالثٍ عندهم نقله ابن الهمام عن المحيط إن عرف الزّوج بالصّلح فالقول قوله تصديقا له ،
وإن عرف بالفسق أو جهل حاله فل ؛ لغلبة الفساد .وأيّده ابن عابدين .ولم نطّلع على
نصوصٍ لغير الحنفيّة في هذه المسألة .
الشّرط الخامس :القصد :
-اشترط المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة لصحّة الستثناء في اليمين والطّلق القصد ، 22
سوا ٌء أكان الستثناء حقيقيّا ،بإلّ أو إحدى أخواتها ،أم عرفيّا ،بإن شاء اللّه ونحوه .فل يفيد
ل اليمين ،ل أن يقصد مجرّد التّبرّك ،
ل أن يقصد معنى الستثناء أي :ح ّ
الستثناء الحالف إ ّ
أو لم يقصد شيئا .وكذا ل بدّ أن يقصد التّلفّظ به ،فلو جرى الستثناء على ،لسانه سهوا لم
ينفعه .وقد اتّفقوا أيضا على صحّة هذا القصد إن تحقّق في أوّل النّطق بالكلم المشتمل على
الستثناء ،أو في أثنائه وقبل الفراغ منه .أمّا إن وجدت ال ّنيّة بعد الفراغ منه فهي صحيحةٌ
عند الحنابلة بشرط التّصال .أمّا المالكيّة ،والشّافعيّة فلكلّ منهم قولن :الوّل وهو المقدّم
ل بها اليمين أو الطّلق
ح عند الشّافعيّة :أنّ ال ّنيّة صحيح ٌة وينح ّ
عند المالكيّة ،ومقابل الص ّ
بشرط التّصال كما تقدّم ،والقول الثّاني ،وهو غير المقدّم عند المالكيّة وهو الصحّ عند
الشّافعيّة :أنّ القصد بعد الفراغ ل يصحّ ،فتنعقد اليمين ،ويقع الطّلق .أمّا الحنفيّة فقد
صرّحوا بعدم اشتراط القصد في الستثناء بالمشيئة ،فيكون عدم اشتراطه في الستثناء بإلّ
ن الطّلق
وأخواتها من باب أولى .وهذا ما قاله ( أسدٌ ) من الحنفيّة ،وهو ظاهر المذهب ؛ ل ّ
مع الستثناء ليس طلقا .وكذا إذا قال « :إن شاء اللّه » من ل يعرف معناها .والقول
الخر عندهم أنّه يفتقر إلى نيّةٍ ،وهو قول ( خلفٍ ) .
جهالة المستثنى بإلّ وأخواتها :
-الستثناء من حيث الجهالة نوعان :الوّل :ما سوى العقود ،كالقرار ،فيجوز أن 23
ل كأن يقول المقرّ :له عندي ألف دينارٍ إلّ شيئا ،أو :إلّ قليلً ،
يستثني المتكلّم شيئا مجهو ً
أو :إلّ بعضها ،أو يقرّ له بدارٍ ويستثني غرف ًة منها دون أن يعيّنها .وكما يجري في القرار
يجري في غيره من النّذر واليمين والطّلق وغيرها .ويطالب المتكلّم ببيان ما أبهمه ،ويلزمه
ذلك إن تعلّق به حقّ الغير ،وفي حكم ذلك في البواب المختلفة تنظر المصطلحات الخاصّة
بتلك البواب .النّوع الثّاني :العقود ،والستثناء المبهم في العقود باطلٌ ومفسدٌ للعقد .وفي
الحديث « نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الثّنيا إلّ أن تعلم » .وعلّة ذلك أنّ المعقود
عليه يشترط أن يكون معلوما ،فلو كان ما استثنى غير معلومٍ عاد المستثنى منه غير معلومٍ ،
كمن باع ثوبا إلّ شيئا منه .
-وقد وضع الحنفيّة قاعد ًة لما يجوز استثناؤه في العقود بأنّ « ما جاز إيراد العقد عليه 24
بانفراده صحّ استثناؤه من العقد » فبيع قفيزٍ من صبرةٍ جائزٌ ،فكذا استثناؤه .واشترط
المالكيّة كذلك معلوميّة المستثنى ،فلو استثنى جزءا شائعا فله استثناء ما شاء ،أمّا إن استثنى
قدرا معلوما بالكيل من صبرةٍ باعها جزافا ،أو أرطالً من لحم شا ٍة ،لم يجز أن يستثني أكثر
من قدر الثّلث ،ويجوز عندهم استثناء جل ٍد وساقطٍ من رأسٍ وأكارع ،في السّفر فقط ،وإنّما
جاز استثناؤهما في السّفر فقط لخفّة ثمنهما فيه دون الحضر .والحنابلة في اشتراط كون
المستثنى معلوما يوافقون الحنفيّة ،ويقولون بالقاعدة الّتي قرّروها في هذه المسألة ،وإن كانوا
يخالفونهم في بعض آحاد المسائل ،لمخالفتهم في تحقّق مناط الحكم فيها ،فهم مثلً يجيزون
استثناء الرّأس والطراف من الشّاة المبيعة ؛ لنّهم اعتبروها معلومةً .واحتجّوا بأنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم « لمّا هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكرٍ وعامر بن فهيرة ،مرّوا براعي
غنمٍ ،فذهب أبو بكرٍ وعامرٌ ،فاشتريا منه شا ًة وشرطا له سلبها » .
ما يثبت فيه حكم الستثناء الحقيقيّ :
-حكم الستثناء الحقيقيّ عند الجمهور التّخصيص ،وعند الحنفيّة القصر ،لنّهم 25
ل بعد النعقاد ،وإمّا بمعنى منع النعقاد ،فإذا بدا للحالف مثلً أن
البطال إمّا بمعنى الح ّ
يستثني بعد تمام يمينه تنحلّ يمينه باستثنائه عند من أجاز نيّة الستثناء بعد تمام اليمين .والّذي
ينويه الحالف قبل الفراغ من يمينه ثمّ يأتي به يمنع انعقاد يمينه .
-أمّا ما يبطله الستثناء ،فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يبطل اليمين ،لما ورد من الحاديث 27
الّتي قدّم ذكرها .وأمّا ما عدا ذلك فقد اختلفوا فيه على اتّجاهين :التّجاه الوّل :أنّ الستثناء
بالمشيئة يمنع انعقاد ما اقترن به من التّصرّفات القوليّة .وهذا مذهب الحنفيّة والشّافعيّة .غير
ن حكم الستثناء يثبت في صيغ الخبار ،وإن كان إنشاء إيجابٍ ،ل
ن الحنفيّة نصّوا على أ ّ
أّ
ن بعد موتي إن شاء اللّه بطل الستثناء
في المر والنّهي .فلو قال :اعطوا ثلث مالي لفل ٍ
ل ما يختصّ باللّسان يبطله الستثناء ،
نكّ
وصحّت الوصيّة .وعن الحلوانيّ من الحنفيّة :أ ّ
كالطّلق والبيع ،بخلف ما ل يختصّ به كنيّة الصّوم ،فل يرفعها الستثناء فلو قال :نويت
ن الستثناء بالمشيئة ل يمنع انعقاد
صيام غ ٍد إن شاء اللّه ،له أداؤه بتلك ال ّنيّة التّجاه الثّاني :أ ّ
أيّ تص ّرفٍ ما عدا اليمان ،وهو مذهب المالكيّة ،والحنابلة .وبه قال الوزاعيّ والحسن
ن الستثناء ( بإن شاء اللّه ) يبطل اليمان ،
وقتادة ،فعند المالكيّة -باستثناء ابن الموّاز -أ ّ
ول يبطل ما قبله في غير اليمان ،فلو أقرّ قائلً :له في ذمّتي ألفٌ إن شاء اللّه ،أو :إن
ن اللّه شاء أو قضى .وسوا ٌء عند المالكيّة أكان
قضى اللّه ،لزمه اللف ؛ لنّه لمّا أقرّ علمنا أ ّ
الطّلق والعتاق منجّزا أم كان معلّقا .قال ابن عبد البرّ من المالكيّة في المشيئة بعد تعليق
الطّلق :إنّما ورد التّوقيف بالستثناء في اليمين باللّه تعالى ،وقول المتقدّمين :اليمان
ل باللّه ،وهذا
بالطّلق والعتاق إنّما جاز على التّقريب والتّساع ،ول يمين في الحقيقة إ ّ
ن اليمين يبطلها الستثناء .وأمّا غيرها فل يؤثّر
طلقٌ وعتاقٌ .أمّا الحنابلة فقد نصّوا على أ ّ
فيه ،كما لو قال :بعتك أو وهبتك كذا إن شاء اللّه ،فيثبت حكم البيع والهبة وهذا هو القول
المقدّم عندهم .أمّا الطّلق والعتاق ففي رواي ٍة :توقّف أحمد عن القول فيهما .وفي روايةٍ
أخرى :قطع أنّه ل ينفعه الستثناء فيهما ،وقال :من حلف فقال :إن شاء اللّه لم يحنث ،
وليس له استثنا ٌء في الطّلق والعتاق لنّهما ليسا من اليمان .ونقله صاحب المغني أيضا عن
ن الحديث إنّما تناول اليمان ،وليس هذا بيمينه ،إنّما هو تعليقٌ على
الحسن وقتادة ،وقال :إ ّ
شرطٍ .
-وذكر متأخّرو الحنابلة في الستثناء في الطّلق والعتاق وغيرهما قولً ثالثا ،قال ابن 28
*استجمارٌ
التّعريف
-الستجمار لغةً :الستنجاء بالحجارة ،مأخوذٌ من الجمرات والجمار ،وهي الحجار 1
وسنّ ٌة مؤكّد ٌة عند الحنفيّة ،والجمع بينهما أفضل .ولكن يتعيّن الستنجاء بالماء في المنيّ ،
والحيض ،والنّفاس ،وفي البول ،والغائط إذا انتشر انتشارا كثيرا ،واختلف في بول المرأة
.وتفصيل أحكام الستجمار في مصطلح « استنجاءٌ » .
*استحاضةٌ
التعريف
-الستحاضة لغ ًة :مصدر استحيضت المرأة فهي مستحاض ٌة .والمستحاضة من يسيل 1
دمها ول يرقأ ،في غير أيّامٍ معلوم ٍة ،ل من عرق الحيض بل من عرقٍ يقال له :العاذل .
ق انفجر ليس من الرّحم .وعرّفها الشّافعيّة بأنّها :
وعرّف الحنفيّة الستحاضة بأنّها :دم عر ٍ
دم عّلةٍ يسيل من عرقٍ من أدنى الرّحم يقال له العاذل ،قال الرّمليّ :الستحاضة دمٌ تراه
المرأة غير دم الحيض والنّفاس ،سوا ٌء اتّصل بهما أم ل .وجعل من أمثلتها الدّم الّذي تراه
الصّغيرة .
اللفاظ ذات الصّلة
أ -الحيض :
-الحيض دمٌ ينفضه رحم امرأ ٍة بالغ ٍة ل داء بها ول حبل ،ولم تبلغ سنّ الياس 2
ب -النّفاس :
-النّفاس دمٌ يخرج عقب الولدة ،وهذا القدر ل خلف فيه ،وزاد المالكيّة في الرجح : 3
ومع الولدة ،وزاد الحنابلة :مع ولد ٍة وقبلها بيومين أو ثلثةٍ .
-وتفترق الستحاضة عن الحيض والنّفاس بأمورٍ منها : 4
ت ،وذلك حين تبلغ المرأة تسع سنين فصاعدا ،فل يكون المرئيّ فيما دونه
أ -الحيض له وق ٌ
حيضا ،وكذلك ما تراه بعد سنّ اليأس ل يكون حيضا عند الكثر ،أمّا الستحاضة فليس لها
وقتٌ معلومٌ .
ل شهرٍ ،أمّا الستحاضة فهي دمٌ شاذّ
ب -الحيض دمٌ يعتاد المرأة في أوقاتٍ معلوم ٍة من ك ّ
يخرج من فرج المرأة في أوقاتٍ غير معتادةٍ .
ج -الحيض د ٌم طبيعيّ ل علقة له بأيّ سببٍ مرضيّ ،في حين أنّ دم الستحاضة دمٌ ناتجٌ
ض أو اختلل الجهزة أو نزف عرقٍ .
عن فسادٍ أو مر ٍ
ن له رائح ٌة كريهةٌ غالبا ،بينما لون دم الستحاضة أحمر
د -لون دم الحيض أسود ثخينٌ منت ٌ
رقيقٌ ل رائحة له .
هـ – دم النّفاس ل يكون إلّ مع ولدةٍ .الستمرار عند الحنفيّة :
– الستحاضة غالبا ما تحصل بالستمرار ،وهو :زيادة الدّم عن أكثر مدّة الحيض أو 5
النّفاس ،وهذا عند الحنفيّة إذ لم يعتبر الستمرار بهذا المعنى غيرهم ،والستمرار إمّا أن
يكون في المعتادة أو في المبتدأة .
الستمرار في المعتادة :
-إذا استمرّ دم المعتادة وجاوز أكثر الحيض فطهرها وحيضها ما اعتادت ،وتردّ إلى 6
عادتها في الحيض والطّهر في جميع الحكام ،بشرط أن يكون طهرها المعتاد أقلّ من ستّة
أشهرٍ ،أمّا إذا كان طهرها أكثر من ستّة أشهرٍ فل تردّ إلى عادتها في الطّهر ،وقد بيّن ابن
ل من أدنى مدّة الحمل عادةً ،وأدنى مدّة
ن الطّهر بين الدّمين أق ّ
عابدين سبب ذلك فقال :ل ّ
ل لتقدير طهر المرأة في مثل هذه الحالة
الحمل كما هو معلو ٌم ستّة أشهرٍ .وللعلماء عدّة أقوا ٍ
أقواها قولن ،وهما :
أ -يقدّر طهرها بستّة أشهرٍ إلّ ساعةً ؛ تحقيقا للتّفاوت بين طهر الحمل وطهر الحيض .
ب -يقدّر طهرها بشهرين ،وهو ما اختاره الحاكم الشّهيد .قال ابن عابدين :إنّ أكثر
العلماء يقولون بالوّل ،ولكن الفتوى على الثّاني ؛ لنّه أيسر على المفتي والنّساء .
الستمرار في المبتدأة :
-ذكر البركويّ أربع حالتٍ للمبتدأة ،وهذا عند الحنفيّة ،أمّا عند الئمّة الثّلثة : 7
الشّافعيّ ،وأحمد ،ومالكٍ ،فسيأتي بيان أحوالها في الموضع التّالي .وثلثٌ من حالت
13 المبتدأة تتّصل بموضوع الستمرار ،أمّا الحالة الرّابعة للمبتدأة عند الحنفيّة فستأتي ف
حالت الستمرار في المبتدأة :
-الولى :أن يستمرّ بها الدّم من أوّل ما بلغت ،فحينئذٍ يقدّر حيضها من أوّل الستمرار 8
عشرة أيّا مٍ ،وطهرها عشرين ث مّ ذلك دأبها ،وإذا صارت نفساء فنفاسها يقدّر بأربعين يوما ،
س وحي ضٌ ع ند الحنفيّة ،بل ل بدّ
ث مّ ب عد النّفاس يقدّر بعشر ين يوما طهرا ،إذ ل يتوالى نفا ٌ
مـن طهرٍ تامّ بينهمـا ،ولمّا كان تقديره بيـن الحيضتيـن عشريـن ،فليكـن كذلك بيـن النّفاس
والحيض تقديرا مطّردا .
الثّانية :أن ترى دما وطهرا فاسدين ،والدّم الفاسد عند الحنفيّة ما زاد على عشرة أيّامٍ ،
والطّهر الفاسد ما نقص عن خمسة عشر يوما ،فل يعتدّ بما رأت من حيث نصب العادة به ،
بل يكون حيضها عشرةً ،ولو حكما ،من حين استمرّ بها الدّم ،ويكون طهرها عشرين ،
وذلك دأبها حتّى ترى دما وطهرا صحيحين .بيان ذلك :مراهق ٌة ( أي مقاربةٌ للبلوغ ) رأت
أحد عشر يوما دما وأربعة عشر طهرا ،ثمّ استمرّ بها الدّم ،فحيضها عشر ٌة وطهرها
عشرون ،والطّهر النّاقص الفاصل بين الدّمين يعتبر كالدّم المستمرّ حكما ،وعليه تكون هذه
كالّتي استمرّ بها الدّم من أوّل ما بلغت ،فيكون حيضها عشرة أيّامٍ من أوّل أيّام الدّم الحد
عشر وطهرها عشرين .هذا إذا كان الطّهر فاسدا بأن كان أقلّ من خمسة عشر يوما ،أمّا إذا
كان خمسة عشر يوما فأكثر وقد فسد بمخالطته دم الستحاضة ،كمبتدأةٍ رأت أحد عشر دما
وخمسة عشر طهرا ث ّم استمرّ بها الدّم ،فالدّم الوّل فاسدٌ لزيادته على العشرة ،والطّهر
ح ظاهرا لنّه تامّ إذ هو خمسة عشر يوما ،ولكنّه فاسدٌ في المعنى لنّ أوّله دمٌ ،وهو
صحي ٌ
اليوم الزّائد على العشرة ،وليس من الحيض عند الحنفيّة ؛ لنّ أكثر الحيض عشرة أيّامٍ فقط
عندهم فهو من الطّهر ،وبما أنّ الطّهر خالطه الدّم في أوّله فل يصلح أن يكون عادةً .قال
ن فساد الدّم يفسد الطّهر المتخلّل فيجعله
ابن عابدين في شرح رسالة الحيض :والحاصل أ ّ
كالدّم المتوالي ،فتصير المرأة كأنّها ابتدئت بالستمرار ،ويكون حيضها عشرةً وطهرها
عشرين ،ولكن إن لم يزد الدّم والطّهر على ثلثين يعتبر ذلك من أوّل ما رأت ،وإن زاد
يعتبر من أوّل الستمرار الحقيقيّ ،ويكون جميع ما بين دم الحيض الوّل ودم الستمرار
طهرا .
ن الدّم الصّحيح يعتبر عاد ًة لها فقط ،فتردّ
الثّالثة :أن ترى دما صحيحا ،وطهرا فاسدا ،فإ ّ
إليه في زمن الستمرار ،ويكون طهرها أثناء الستمرار بقيّة الشّهر .فلو رأت المبتدأة خمسةً
دما وأربعة عشر طهرا ثمّ استمرّ الدّم ،فحيضها خمسةٌ وطهرها بقيّة الشّهر خمسةٌ
وعشرون ،فتصلّي من أوّل الستمرار أحد عشر يوما تكملة الطّهر ،ثمّ تترك الصّلة
خمسةً ،ثمّ تغتسل وتصلّي خمسةً وعشرين وهكذا ،وكذلك الحكم إذا كان الطّهر فاسدا في
المعنى فقط ،كما لو رأت المبتدأة ثلث ًة دما وخمسة عشر طهرا ،ث ّم يوما دما ثمّ خمسة عشر
طهرا ثمّ استمرّ بها الدّم ،فإنّ اليوم الّذي رأت فيه الدّم -وقد توسّط بين الطّهرين -أفسدهما
معا لنّه ل يعتبر حيضا فهو من الطّهر ،وعليه :فاليّام الثّلثة الولى حيضٌ ،وواحدٌ
وثلثون يوما طهرٌ ،ثمّ تستأنف من أوّل الستمرار فثلث ٌة حيضٌ ،وسبع ٌة وعشرون طهرٌ ،
وهكذا دأبها ،وبهذا تشترك هذه المسألة مع السّابقة في الحكم ،من حيث نصب العادة عند
ل شهرٍ .وإذا كان الطّهر الثّاني الّذي مرّ بها قبل الستمرار طهرا فاسدا -
الستمرار في ك ّ
ل من خمسة عشر يوما -فالحكم يختلف عمّا تقرّر ؛ لنّه أمكن اعتبار اليوم الّذي رأت
لنّه أق ّ
فيه الدّم بعد الخمسة عشر الولى من أيّام الحيض .فلو رأت المراهقة ثلثة أيّامٍ دما ،ثمّ
خمسة عشر يوما طهرا ،ث ّم يوما دما ،ثمّ أربعة عشر يوما طهرا ،ثمّ استمرّ بها الدّم ،
ح ،فهو حيضٌ ،والخمسة عشر بعدها طهرٌ صحيحٌ ،واليوم
فاليّام الثّلثة الول دمٌ صحي ٌ
الّذي بعدها مع اثنين ممّا بعده حيضٌ ،ث ّم طهرها خمسة عشر ،اثنا عشر من أيّام النقطاع
الّتي سبقت الستمرار ،وثلثةٌ من أوّل الستمرار ،ولهذا تصلّي من أوّل الستمرار ثلث ًة ثمّ
تعتبر حائضا ثلثةً فتترك فيها الصّلة ،ث ّم تغتسل وتصلّي خمسة عشر يوما ،وهكذا يقدّر
حيضها بثلث ٍة وطهرها بخمسة عشر .
أمّا الحالة الرّابعة فستبحث في الفقرة استحاضة المبتدأة بالحمل .
استحاضة المبتدأة بالحيض ،والمبتدأة بالحمل :
ض فابتدأت بالدّم ،واستمرّ بها .فعند الحنفيّة
-المبتدأة بالحيض هي الّتي كانت في أوّل حي ٍ 9
تتمادى إلى تمام خمسة عشر يوما ،ثمّ هي مستحاضةٌ تغتسل وتصلّي وتصوم .وفي رواية
سنّ ،فتأخذ بعوائدهنّ في
ابن زيادٍ عن مالكٍ :أنّها تقتصر على عوائد أترابها أي في ال ّ
الحيض من قلّة الدّم وكثرته ،يقال إنّها تقيم قدر أيّام لدّاتها ،ثمّ هي مستحاض ٌة بعد ذلك تصلّي
ل أن ترى دما تستكثره ل تشكّ فيه أنّه دم حيض ٍة .وقالوا أيضا :إنّ المستحاضة
وتصوم ،إ ّ
ن أو لونٍ أو تأّلمٍ ،فهو
إذا عرفت أنّ الدّم النّازل هو دم الحيض ،بأن ميّزته بريحٍ أو ثخ ٍ
حيضٌ بشرط أن يتقدّمه أقلّ الطّهر ،وهو خمسة عشر يوما ،فإن لم تميّز ،أو ميّزت قبل
ل الطّهر فهي مستحاضةٌ أي باقي ٌة على أنّها طاهرةٌ ،ولو مكثت على ذلك طول حياتها
تمام أق ّ
.
-وأمّا المبتدأة بالحيض عند الشّافعيّة ،فقد قالوا :المبتدأة إمّا أن تكون مميّز ًة لما تراه أو 11
ل ،فإذا كانت المبتدأة مميّزةً لما تراه بأن ترى في بعض اليّام دما قويّا وفي بعضها دما
ضعيفا ،أو في بعضها دما أسود وفي بعضها دما أحمر ،وجاوز الدّم أكثر الحيض ،
ض إن لم ينقص السود أو
فالضّعيف أو الحمر استحاضةٌ وإن طال ،والسود أو القويّ حي ٌ
القويّ عن أقلّ الحيض ،وهو يومٌ وليلةٌ عندهم ،ول جاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر
يوما أيضا ،حتّى لو رأت يوما وليلةً أسود ثمّ اتّصل به الضّعيف ،وتمادى سنين كان طهرا ،
ط من ذلك كأن رأت
ن أكثر الطّهر ل حدّ له ،فإن فقد شر ٌ
وإن كانت ترى الدّم دائما ؛ ل ّ
السود أقلّ من يومٍ وليل ٍة أو ستّة عشر ،أو رأت الضّعيف أربعة عشر ،أو رأت أبدا يوما
أسود ويومين أحمر فحكمها كحكم غير المميّزة لما تراه .والمبتدأة غير المميّزة عند
الشّافعيّة ،بأن رأت الدّم بصف ٍة واحدةٍ أو بصفاتٍ مختلفةٍ لكن فقدت شرطا من شروط التّمييز
الّتي ذكرت ،فإن لم تعرف وقت ابتداء دمها فحكمها حكم المتحيّرة ،كما ذكره الرّافعيّ
ن حيضها يومٌ وليلةٌ من أوّل الدّم وإن كان ضعيفا ؛ لنّ
وسيأتي بيانه ،وإن عرفته فالظهر أ ّ
ض ،وطهرها تسعةٌ وعشرون يوما
ك فيه ،فل يحكم بأنّه حي ٌ
ذلك هو المتيقّن ،وما زاد مشكو ٌ
تتمّة الشّهر .
ن المبتدأة إمّا أن تكون مميّز ًة لما تراه أو ل ،فإن كانت مميّزةً
-وأمّا الحنابلة فقالوا :إ ّ 12
عملت بتمييزها إن صلح القوى أن يكون حيضا ،بأن لم ينقص عن يومٍ وليلةٍ ،ولم يزد على
خمسة عشر يوما ،وإن كانت غير مميّزةٍ قدّر حيضها بيومٍ وليل ٍة ،وتغتسل بعد ذلك وتفعل ما
تفعله الطّاهرات .وهذا في الشّهر الوّل والثّاني والثّالث ،أمّا في الشّهر الرّابع فتنتقل إلى
غالب الحيض ،وهو ستّة أيّامٍ أو سبع ٌة باجتهادها أو تحرّيها .وقال صاحب مطالب أولي
النّهى في شرح غاية المنتهى :لو رأت يوما وليلةً دما أسود ،ثمّ رأت دما أحمر ،وجاوز
خمسة عشر يوما ،فحيضها زمن الدّم السود ،وما عداه استحاضةٌ لنّه ل يصلح حيضا .أو
رأت في الشّهر الوّل خمسة عشر يوما دما أسود ،وفي الشّهر الثّاني أربعة عشر ،وفي
الشّهر الثّالث ثلثة عشر ،فحيضها زمن السود .وإن لم يكن دمها متميّزا ،بأن كان كلّه
أسود أو أحمر ونحوه ،أو كان متميّزا ،ولم يصلح السود ونحوه أن يكون حيضا بأن نقص
ل الحيض من كلّ شهرٍ لنّه اليقين
عن يومٍ وليلةٍ ،أو زاد عن الخمسة عشر يوما ،فتجلس أق ّ
حتّى تتكرّر استحاضتها ثلثا ؛ لنّ العادة ل تثبت بدونها ،ثمّ تجلس بعد التّكرار من مثل أوّل
وقت ابتدا ٍء بها إن علمته من كلّ شهرٍ ستّا أو سبعا بتحرّ ،أو تجلس من أوّل كلّ شهرٍ هلليّ
إن جهلته ،أي :وقت ابتدائها بالدّم ستّا أو سبعا من اليّام بلياليها بتحرّ في حال الدّم وعادة
أقاربها النّساء ،ونحوه ،لحديث « حمنة بنت جحشٍ قالت :يا رسول اللّه إنّي أستحاض
حيض ًة كبيرةً شديدةً ،قد منعتني الصّوم والصّلة ،فقال :تحيضي في علم اللّه ستّا أو سبعا ثمّ
اغتسلي » .ويتّجه احتمالٌ قويّ بوجوب قضاء من جهلت وقت ابتدائها بالدّم نحو صومٍ
كطوافٍ واعتكافٍ واجبين فيما فعلته أي الصّوم ونحوه قبل التّحرّي ،كمن جهل القبلة وصلّى
بل تحرّ فيقضي ولو أصاب .
-وأمّا المبتدأة بالحمل :وهي الّتي حملت من زوجها قبل أن تحيض إذا ولدت فرأت الدّم 13
زيادةً عن أربعين يوما عند الحنفيّة ،والحنابلة فالزّيادة استحاضةٌ عند الحنفيّة ؛ لنّ الربعين
للنّفاس كالعشرة للحيض ،فالزّيادة في كلّ منهما استحاض ٌة دون نظرٍ إلى تمييزٍ أو عدمه .أمّا
عند الحنابلة فإن أمكن أن يكون حيضا فحيضٌ ،وإلّ فاستحاضةٌ ؛ لنّه يتصوّر عندهم اقتران
ستّين استحاض ٌة ،وفرّقوا بين
الحيض بالنّفاس .وعند المالكيّة ،والشّافعيّة الزّيادة على ال ّ
المميّزة لما ترى وغير المميّزة ،كما في الحيض .فإذا بلغت بالحمل وولدت واستمرّ بها
الدّم ،ولم تر طهرا صحيحا بعد ولدتها وانتهاء مدّة نفاسها -وهي أربعون يوما عند
الحنفيّة ،والحنابلة -فيقدّر طهرها بعد الربعين بعشرين يوما ،ث ّم بعده يكون حيضها عشرةً
وطهرها عشرين ،وهذا شأنها ما دامت حالة الستمرار قائم ًة بها .وإذا ولدت فرأت أربعين
يوما دما ،ثمّ خمسة عشر طهرا ،ث ّم استمرّ بها الدّم ،فحيضها عشرةٌ من أوّل الستمرار ،
وطهرها خمسة عشر ،أي تردّ إلى عادتها في الطّهر إذا كان طهرا صحيحا خمسة عشر يوما
فأكثر ،وكذلك يكون هذا ال ّردّ إذا رأت ستّة عشر يوما طهرا فما فوقها إلى واحدٍ وعشرين ،
فعندئذٍ يقدّر حيضها بتسعةٍ وطهرها بواحدٍ وعشرين ،ثمّ كلّما زاد الطّهر نقص من الحيض
مثله إلى أن يكون حيضها ثلث ًة ،وطهرها سبعةً وعشرين ،فإذا زاد الطّهر على سبعةٍ
وعشرين فحيضها عشرةٌ من أوّل الستمرار ،وطهرها مثل ما رأيت قبل الستمرار كائنا ما
كان عدده .بخلف ما إذا كان طهرها ناقصا عن خمسة عشر يوما فإنّه يقدّر بعد الربعين -
الّتي هي مدّة نفاسها -بعشرين وحيضها بعشرةٍ ،فهي بمنزلة الّذي وضعت واستمرّ بها الدّم
ابتداءً ،وإذا كان طهرها الّذي رأته بعد الربعين الّتي للنّفاس كاملً خمسة عشر يوما فأكثر ،
وقد زاد دمها على أربعين في النّفاس بيومٍ مثلً ،فسد هذا الطّهر في المعنى ؛ لنّه خالطه دمٌ
يوم تؤمر بالصّلة فيه ،ولهذا ل يصلح لعتباره عاد ًة لها ،فيقدّر حيضها وطهرها حسب
التّفصيل التّالي :فإذا كان بين نهاية النّفاس -الربعين -وأوّل الستمرار عشرون يوما
فأكثر ،كأن زاد دمها على الربعين بخمس ٍة أو ستّ ٍة وطهرت بعده خمسة عشر ثمّ استمرّ بها
الدّم ،فإنّه يقدّر حيضها من أوّل الستمرار بعشرة أيّامٍ ،وطهرها بعشرين ،وهكذا دأبها .
وإن كان بين النّفاس وأوّل الستمرار أقلّ من عشرين كأن زاد دمها على الربعين بيومٍ أو
يومين فإنّه يكمل طهرها إلى العشرين ،ويؤخذ من أوّل الستمرار ما يتمّ به تكميل هذه
العشرين ،ثمّ يقدّر حيضها بعد ذلك بعشرةٍ وطهرها بعشرين وهكذا .والجدير بالذّكر أنّ
المبتدأة بالحيض أو النّفاس إذا انقطع دمها لقلّ من عشرة أيّامٍ في الحيض ،ولقلّ من أربعين
في النّفاس ،فإنّها تغتسل وتصلّي في آخر الوقت ،وتصوم احتياطا ،ول يحلّ لزوجها وطؤها
حتّى يستمرّ النقطاع إلى تمام العشرة في الحيض ،هذا إذا انقطع لتمام ثلثة أيّامٍ ،أمّا إذا
انقطع لقلّ من ثلثةٍ فهو استحاض ٌة وليس بحيضٍ ،فتتوضّأ وتصلّي في آخر الوقت .وهذا
كلّه عند الحنفيّة .
-أمّا أحكام المبتدأة بالحمل عند الشّافعيّة والمالكيّة فقولهم هنا كأقوالهم في المبتدأة بالحيض 14
.والمالكيّة قالوا :تعتبر المبتدأة بأترابها ،فإن تمادى بها الدّم فالمشهور أنّها تعتكف ستّين
ستّين عند
يوما ،ثمّ هي مستحاضةٌ تغتسل ،وتصوم وتصلّي ،وتوطأ .فإذا عبر الدّم ال ّ
ن النّفاس كالحيض في غالب أحكامه ،فكذلك
الشّافعيّة فينزل منزلة عبوره أكثر الحيض ؛ ل ّ
في ال ّردّ إليه ،فيقاس بما ذكر في الحيض وفاقا وخلفا ،فينظر هنا أيضا إذا كانت المرأة
مبتدأ ًة في النّفاس أم معتاد ًة ،مميّز ًة لما تراه أم غير مميّزةٍ ،ويقاس بما تقدّم في الحيض ،
ي على ستّين عند الشّافعيّة والمالكيّة ،
ل يزيد القو ّ
فتردّ المبتدأة المميّزة إلى التّمييز شرط أ ّ
وغير المميّزة تر ّد إلى لحظةٍ في الظهر عند الشّافعيّة ،والمعتادة المميّزة تردّ إلى التّمييز ل
العادة في الصحّ ،وغير المميّزة الحافظة تردّ إلى العادة ،وتثبت العادة بمرّةٍ في الصحّ عند
ل ،وتحتاط في القول الخر .أمّا
الشّافعيّة ،وأمّا النّاسية لعادتها فتردّ إلى مردّ المبتدأة في قو ٍ
ض فهو حيضٌ ،وما
ن النّفساء إذا زاد دمها على الربعين ،ووافق عادة حي ٍ
الحنابلة فيرون أ ّ
زاد فهو استحاضةٌ .وإن لم يوافق عادة حيضٍ فما زاد على الربعين استحاض ٌة ،ولم يفرّقوا
بين مبتدأ ٍة بالحمل أو معتادةٍ له .
استحاضة ذات العادة :
أ -ذات العادة بالحيض :
-مذهب الحنفيّة في ذات العادة بالحيض -وهي الّتي تعرف شهرها ووقت حيضها وعدد 15
أيّامها أنّه :إذا رأت المعتادة ما يوافق عادتها من حيث الزّمن والعدد ،فكلّ ما رأته حيضٌ .
وإذا رأت ما يخالف عادتها من حيث الزّمن أو العدد أو كلهما ،فحينئذٍ قد تنتقل العادة وقد ل
تنتقل ،ويختلف حكم ما رأت ،فتتوقّف معرفة حال ما رأت من الحيض والستحاضة على
انتقال العادة .فإن لم تنتقل كما إذا زاد الدّم عن العشرة ردّت إلى عادتها ،فيجعل المرئيّ في
العادة حيضا ،والباقي الّذي جاوز العادة استحاضةً .وإن انتقلت العادة فكلّ ما رأته حيضٌ .
وتفصيل قاعدة انتقال العادة وحالتها وأمثلتها في مصطلح ( حيضٌ ) .
-وعند المالكيّة :أقوالٌ متعدّدةٌ أشار إليها ابن رشدٍ في المقدّمات أشهرها :أنّها تبقى 16
أيّامها المعتادة ،وتستظهر ( أي تحتاط ) بثلثة أيّامٍ ،ثمّ تكون مستحاض ًة تغتسل وتصلّي
وتصوم وتطوف ويأتيها زوجها ،ما لم تر دما تنكره بعد مضيّ أقلّ مدّة الطّهر من يوم حكم
ك في المدوّنة .وعلى هذه الرّواية تغتسل
باستحاضتها ،وهو ظاهر رواية ابن القاسم عن مال ٍ
عند تمام الخمسة عشر يوما استحبابا ل إيجابا .وهذا كلّه إذا لم تكن مميّز ًة ،أمّا المميّزة
فتعمل بتمييزها من رؤية أوصاف الدّم وأحواله من التّقطّع والزّيادة واللّون ،فتميّز به ما هو
حيضٌ ،وما هو استحاضةٌ .وإذا أتاها الحيض في وقته ،وانقطع بعد يومٍ أو يومين أو ساعةٍ
،وأتاها بعد ذلك قبل طهرٍ تامّ ،فإنّها تلفّق أيّام الدّم بعضها إلى بعضٍ ،فإن كانت معتادةً
فتلفّق عادتها واستظهارها ،وإن كانت مبتدأ ًة لفّقت نصف شهرٍ ،وإن كانت حاملً في ثلثة
أشهرٍ فأكثر لفّقت نصف شهرٍ ونحوه ،أو بعد ستّة أشهرٍ لفّقت عشرين يوما ونحوها .واليّام
الّتي استظهرت بها هي فيها حائضٌ ،وهي مضاف ٌة إلى الحيض ،إن رأت الدّم فيها بعد ذلك
وإن لم تره ،وأيّام الطّهر الّتي كانت تلغيها عند انقطاع الدّم في خلل ذلك ،وكانت ل ترى
فيها دما هي فيها طاهرةٌ ،تصلّي فيها ويأتيها زوجها وتصومها ،وليست تلك اليّام بطهرٍ
ن الّذي قبل تلك اليّام من الدّم ،والّتي بعد تلك اليّام قد
تعت ّد به في ع ّدةٍ من طلقٍ ؛ ل ّ
أضيفت بعضها إلى بعضٍ وجعل حيضةً واحدةً ،وكلّ ما بين ذلك من الطّهر ملغًى ،ثمّ
تغتسل بعد الستظهار ،وتصلّي ،وتتوضّأ لكلّ صل ٍة ،إن رأت الدّم في تلك اليّام ،وتغتسل
كلّ يومٍ إذا انقطع عنها الدّم من أيّام الطّهر .
-أمّا عند الشّافعيّة فالمعتادة بالحيض إمّا أن تكون غير مميّز ٍة لما ترى بأن كان الدّم بصفةٍ 17
ت متعدّدةٍ ،وفقدت شرط التّمييز ،ولكن سبق لها حيضٌ وطهرٌ ،وهي
واحد ٍة ،أو كان بصفا ٍ
تعلم أيّام حيضها وطهرها قدرا ووقتا فتردّ إليهما قدرا ووقتا ،وتثبت العادة بمرّ ٍة في الصحّ .
ح ،كما لو كانت عادتها خمس ًة من
وأمّا المعتادة المميّزة فيحكم بالتّمييز ل بالعادة في الص ّ
أوّل كلّ شهرٍ وباقيه طهرٌ ،فاستحيضت فرأت عشرةً سوادا من أوّل الشّهر وباقيه حمرةً ،
فحيضتها العشرة السّواد وما يليه استحاضةٌ .والقول الثّاني يحكم بالعادة ،فيكون حيضها
الخمسة الولى .والوّل أصحّ لنّ التّمييز علمةٌ قائمةٌ في شهر الستحاضة ،فكان اعتباره
أولى من اعتبار عادةٍ انقضت .
-أمّا الحنابلة :فقالوا ل تخلو المستحاضة من أربعة أحوالٍ :مميّز ٍة ل عادة لها ،ومعتادةٍ 18
ل تمييز لها ،ومن لها عادةٌ وتمييزٌ ،ومن ل عادة لها ول تمييز .أمّا المميّزة :وهي الّتي
ن منتنٌ ،وبعضه أحمر مس ّرقٌ أو أصفر أو ل رائحة
لدمها إقبالٌ وإدبارٌ ،بعضه أسود ثخي ٌ
له ،ويكون الدّم السود أو الثّخين ل يزيد عن أكثر الحيض ،ول ينقص عن أقلّه ،فحكم هذه
ن حيضها زمان الدّم السود أو الثّخين أو المنتن ،فإن انقطع فهي مستحاضةٌ ،تغتسل
:أّ
للحيض ،وتتوضّأ بعد ذلك لكلّ صل ٍة وتصلّي .أمّا المستحاضة الّتي لها عادةٌ ول تمييز لها ؛
لكون دمها غير منفصلٍ أي على صفةٍ ل تختلف ،ول يتميّز بعضه من بعضٍ ،أو كان
ن الدّم الّذي يصلح للحيض دون أقلّ الحيض ،أو فوق أكثره ؟ فهذه ل تمييز
منفصلً ،إلّ أ ّ
لها ،فإن كانت لها عاد ٌة قبل أن تستحاض جلست أيّام عادتها ،واغتسلت عند انقضائها ،ثمّ
تتوضّأ بعد ذلك لوقت كلّ صلةٍ .والقسم الثّالث :من لها عاد ٌة وتمييزٌ ،فاستحيضت ،ودمها
متميّزٌ ،بعضه أسود وبعضه أحمر ،فإن كان السود في زمن العادة فقد اتّفقت العادة والتّمييز
في الدّللة فيعمل بهما ،وإن كان أكثر من العادة أو أقلّ -ويصلح أن يكون حيضا -ففيه
روايتان :الرّواية الولى :اعتبار العادة لعموم قوله صلى ال عليه وسلم لمّ حبيبة إذ سألته
ن العادة أقوى .
عن الدّم « :امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثمّ اغتسلي وصلّي » ول ّ
والثّانية :يقدّم التّمييز فيعمل به وتدع العادة .أمّا القسم الرّابع :وهي الّتي ل عادة لها ول
تمييز فسيأتي تفصيله في موضوع ( استحاضة من ليس لها عادةٌ ) .
ب -ذات العادة في النّفاس :
-إذا رأت ذات العادة بالنّفاس زيادةً عن عادتها ،فإن كانت عادتها أربعين فعند الحنفيّة 19
الزّيادة استحاضةٌ ،وإن كانت عادتها دون الربعين ،وكانت الزّيادة إلى الربعين أو دونها ،
فما زاد يكون نفاسا ،وإن زاد على الربعين تردّ إلى عادتها فتكون عادتها نفاسا ،وما زاد
على العادة يكون استحاض ًة .أمّا عند المالكيّة والشّافعيّة فما ذكر في الحيض للمعتادة يذكر هنا
أيضا .حيث ذهب مالكٌ والشّافعيّ إلى أنّ أكثر النّفاس ستّون يوما .فعند المالكيّة الزّائد عن
ن الستظهار خاصّ بالحيض ،وأمّا عند الشّافعيّة فما
ستّين كلّه استحاض ٌة ول تستظهر ،فإ ّ
ال ّ
ستّين ففيه طريقان :أصحّهما أنّه
ستّين فهو استحاض ٌة فإذا عبر دم النّفساء ال ّ
زاد على ال ّ
كالحيض إذا عبر الخمسة عشر في ال ّردّ إلى التّمييز إن كانت مميّزةً لما ترى ،أو العادة إن
كانت معتادةً غير مميّزةٍ ،والثّاني له ثلثة أوجهٍ :الوّل :أصحّهما كالطّريق الوّل أي أنّه
ستّين استحاض ٌة ،اختاره المزنيّ .
ستّين كلّها نفاسٌ ،وما زاد على ال ّ
كالحيض .الثّاني :أنّ ال ّ
ستّين نفاسٌ ،والّذي بعده حيضٌ فعلى هذا قال أبو الحسن بن المرزبانيّ :قال
ن ال ّ
الثّالث :أ ّ
ستّين حكمنا بأنّها مستحاضةٌ في الحيض .وهذا
صاحبا التّتمّة والعدّة :إن زاد الدّم بعد ال ّ
الوجه ضعيفٌ جدّا ،وهو أضعف من الّذي قبله .وقالت الحنابلة :إن زاد دم النّفساء على
ل فهو استحاضةٌ .ولم نقف فيما بين أيدينا
أربعين يوما وأمكن جعله حيضا فهو حيضٌ ،وإ ّ
من مراجع الحنابلة أنّهم تحدّثوا عن عادة في النّفاس .
استحاضة من ليس لها عادةٌ معروفةٌ :
-من لم يكن لها عادةٌ معروف ٌة في الحيض -بأن كانت ترى شهرا ستّا وشهرا سبعا - 20
الفاعل ،لنّها تحيّر المفتي ،وبصيغة اسم المفعول لنّها حيّرت بسبب نسيانها ،وتدعى أيضا
المضلّة ؛ لنّها أضلّت عادتها .ومسائل المحيّرة من أصعب مسائل الحيض وأدقّها ،ولها
ع دقيق ٌة ،ولهذا يجب على المرأة حفظ عادتها في الزّمان والعدد .وجميع
صورٌ كثير ٌة وفرو ٌ
الحكام في هذه المسألة تبنى على الحتياط ،وإن كان هناك تشديدٌ في بعض الصّور فليس
القصد التّشديد لنّها لم ترتكب محظورا .وتفصيل أحكام المتحيّرة في مصطلحها .
ما تراه المرأة الحامل من الدّم أثناء حملها :
-إذا رأت المرأة الحامل الدّم حال الحبل وقبل المخاض ،فليس بحيضٍ وإن كان ممتدّا 22
بالغا نصاب الحيض ،بل هو استحاضةٌ عند الحنفيّة والحنابلة .وكذلك ما تراه حالة المخاض
ن الدّم الّذي تراه الحامل قبل
وقبل خروج أكثر الولد عند الحنفيّة ،أمّا الحنابلة فقد نصّوا على أ ّ
الولدة بيومين أو ثلثةٍ دم نفاسٍ وإن كان ل يع ّد من مدّة النّفاس .واستدلّ الحنفيّة :بقول
ض في حقّ ترك
عائشة الحامل ل تحيض ومثل هذا ل يعرف بالرّأي .وقال الشّافعيّ :هو حي ٌ
ج بما يروى عنه صلى ال
الصّوم والصّلة وحرمة القربان ،ل في حقّ أقراء العدّة ،واحت ّ
عليه وسلم « أنّه قال لفاطمة بنت أبي حبيشٍ :إذا أقبل قرؤك فدعي الصّلة » من غير فصلٍ
ق أقراء العدّة ؛
ن حيضها ل يعتبر في ح ّ
ن الحامل من ذوات القراء إلّ أ ّ
بين حالٍ وحالٍ .ول ّ
ن المقصود من أقراء العدّة فراغ الرّحم ،وحيضها ل يدلّ على ذلك .أمّا المالكيّة فإنّهم
لّ
ن الحامل إذا رأت دما في الشّهر الوّل أو الثّاني يعتبر حيضا ،وتعامل كأنّها
نصّوا على أ ّ
ن الحمل ل يستبين -عادةً -في هذه المدّة ،وأمّا إذا رأت دما في الشّهر الثّالث أو
حاملٌ ؛ ل ّ
الرّابع أو الخامس واستمرّ كان أثر حيضها عشرين يوما ،وما زاد فهو استحاضةٌ .وإنّما
ن الحمل يحبس الدّم ،فإذا خرج كان زائدا ،
فرّقوا في أكثر الحيض بين الحامل وغيرها ؛ ل ّ
وربّما استمرّ لطول المكث .وأمّا إن رأته في الشّهر السّابع أو الثّامن أو التّاسع واستمرّ نازلً
كان أكثر الحيض في حقّها ثلثين يوما .وأمّا إن رأته في الشّهر السّادس فظاهر المدوّنة أنّ
ن حكمه
حكمها حكم ما إذا حاضت في الشّهر الثّالث ،وخالف في ذلك شيوخ إفريقيّة فرأوا أ ّ
حكم ما بعده وهو المعتمد .وبعد هذه المدّة يعتبر استحاضةً .
ل بتوأمين :
ما تراه المرأة من الدّم بين الولدتين :إن كانت حام ً
ن واحدٍ ،فالتّوأمان هما الولدان في بطنٍ واحدٍ
-التّوأم :اسم ول ٍد إذا كان معه آخر في بط ٍ 23
بأحكامٍ خاصّةٍ تختلف عن أحكام الصحّاء ،وعن أحكام الحيض والنّفاس ،وهي :
أ -يجب ردّ دم الستحاضة ،أو تخفيفه إذا تعذّر ردّه بالكلّيّة ،وذلك برباطٍ أو حش ٍو أو بالقيام
أو بالقعود ،كما إذا سال أثناء السّجود ولم يسل بدونه ،فتومئ من قيامٍ أو من قعو ٍد ،وكذا لو
ن ترك السّجود أو القيام أو القعود أهون من الصّلة
سال الدّم عند القيام صلّت من قعودٍ ؛ ل ّ
مع الحدث .وهكذا إذا كانت المستحاضة تستطيع منع سيلن الدّم بالحتشاء فيلزمها ذلك ،
فإذا نفذت البلّة أو أخرجت الحشوة المبتلّة انتقض وضوءها .فإذا ردّت المستحاضة الدّم بسببٍ
من السباب المذكورة أو نحوها خرجت عن أن تكون صاحبة عذرٍ .واعتبر المالكيّة
المستحاضة صاحبة عذرٍ كمن به سلسٌ ،فإذا فارقها الدّم أكثر زمن وقت الصّلة لم تعدّ
صاحبة عذرٍ .ونصّ المالكيّة على أنّها إذا رأت الدّم عند الوضوء فإذا قامت ذهب عنها ،قال
شدّ أو الحتشاء أمران :
مالكٌ :تش ّد ذلك بشي ٍء ول تترك الصّلة .ويستثنى من وجوب ال ّ
شدّ أو الحتشاء .الثّاني :أن تكون صائم ًة فتترك
الوّل :أن تتضرّر المستحاضة من ال ّ
ل يفسد صومها .وإذا قامت المستحاضة ومن في حكمها من المعذورين
الحتشاء نهارا لئ ّ
بالشّدّ أو الحتشاء ثمّ خرج الدّم رغم ذلك ولم يرتدّ ،أو تعذّر ردّه واستمرّ وقت صل ٍة كاملٍ ،
فل يمنع خروج الدّم أو وجوده من صحّة الطّهارة والصّلة ،فقد روي عن عائشة رضي ال
عنها قالت « :قالت فاطمة بنت أبي حبيشٍ لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إنّي امرأةٌ
أستحاض فل أطهر ،أفأدع الصّلة ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إنّ ذلك عرقٌ ،
وليس بالحيضة ،فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصّلة ،فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدّم
وصلّي » ،وفي رواي ٍة « :توضّئي لكلّ صل ٍة » ،وفي روايةٍ « :توضّئي لوقت كلّ صلةٍ
» ،وفي رواي ٍة أخرى « :وإن قطر الدّم على الحصير » .وذكر الحنفيّة للمستحاضة
ولغيرها من المعذورين ثلثة شروطٍ :الوّل :شرط الثّبوت :حيث ل يصير من ابتلي بالعذر
معذورا ،ول تسري عليه أحكام المعذورين ،حتّى يستوعبه العذر وقتا كاملً لصلةٍ مفروضةٍ
ولو حكما ،وليس فيه انقطاعٌ -في جميع ذلك الوقت -زمنا بقدر الطّهارة والصّلة ،وهذا
ل وقتٍ آخر ،
شرطٌ متّفقٌ عليه بين الفقهاء .الثّاني :شرط الدّوام ،وهو أن يوجد العذر في ك ّ
سوى الوقت الوّل الّذي ثبت به العذر ولو مرّ ًة واحدةً .الثّالث :شرط النقطاع ،وبه يخرج
صاحبه عن كونه معذورا ،وذلك بأن يستمرّ النقطاع وقتا كاملً فيثبت له حينئذٍ حكم
الصحّاء من وقت النقطاع .
ما تمتنع عنه المستحاضة :
ث أصغر كالرّعاف .فل تسقط بها
-قال البركويّ من علماء الحنفيّة :الستحاضة حد ٌ 26
الصّلة ول تمنع صحّتها أي على سبيل الرّخصة للضّرورة ،ول تحرّم الصّوم فرضا أو
نفلً ،ول تمنع الجماع -لحديث حمنة :أنّها كانت مستحاضةً وكان زوجها يأتيها -ول
س مصحفٍ ،ول دخول مسجدٍ ،ول طوافا إذا أمنت التّلويث .وحكم
قراءة قرآنٍ ،ول م ّ
الستحاضة كالرّعاف الدّائم ،فتطالب المستحاضة بالصّلة والصّوم .وكذلك الشّافعيّة ،
والحنابلة ،قالوا :ل تمنع المستحاضة عن شيءٍ ،وحكمها حكم الطّاهرات في وجوب
العبادات ،واختلف عن أحمد في الوطء ،فهناك روايةٌ أخرى عنه بالمنع كالحيض ما لم يخف
على نفسه الوقوع في محظورٍ .وقال المالكيّة كما في الشّرح الصّغير :هي طاهرٌ حقيقةً .
ن لها أحكاما خاصّ ًة تنظر تحت عنوان ( متحيّرةٌ ) .
وهذا في غير المستحاضة المتحيّرة ،فإ ّ
طهارة المستحاضة :
-يجب على المستحاضة عند الشّافعيّة ،والحنابلة الحتياط في طهارتي الحدث والنّجس ، 27
فتغسل عنها الدّم ،وتحتشي بقطنةٍ أو خرقةٍ دفعا للنّجاسة أو تقليلً لها ،فإن لم يندفع الدّم بذلك
شدّ والتّعصيب .وهذا الفعل يسمّى استثفارا وتلجّما ،وسمّاه الشّافعيّ
وحده تحفّظت بال ّ
ب إلّ في موضعين :أحدهما أن تتأذّى
شدّ واج ٌ
التّعصيب .قال الشّافعيّة :وهذا الحشو وال ّ
شدّ والتّلجّم فإذا
بالشّدّ .والثّاني :أن تكون صائم ًة فتترك الحشو نهارا وتقتصر على ال ّ
- 28 استوثقت على الصّفة المذكورة ،ثمّ خرج دمها بل تفريطٍ لم تبطل طهارتها ول صلتها
وأمّا إذا خرج الدّم لتقصيرها في التّحفّظ فإنّه يبطل طهرها .وأمّا عند الحنفيّة فيجب على
المعذور ردّ عذره ،أو تقليله إن لم يمكن ردّه بالكّليّة .وبردّه ل يبقى ذا عذرٍ .أمّا إن كان ل
ش فهو معذورٌ .وأمّا غسل المحلّ وتجديد العصابة والحشو لكلّ
يقدر على الرّبط أو منع النّ ّ
ض ،فقال الشّافعيّة :ينظر إن زالت العصابة عن موضعها زوالً له تأثيرٌ ،أو ظهر الدّم
فر ٍ
على جوانبها ،وجب التّجديد بل خلفٍ ؛ لنّ النّجاسة كثرت وأمكن تقليلها والحتراز عنها .
فإن لم تزل العصابة عن موضعها ول ظهر الدّم ،فوجهان عند الشّافعيّة ،أصحّهما :وجوب
التّجديد كما يجب تجديد الوضوء ،والثّاني :إذ ل معنى للمر بإزالة النّجاسة مع استمرارها ،
بخلف المر بتجديد طهارة الحدث مع استمراره فإنّه معهو ٌد في التّيمّم .وعند الحنابلة ل
ل صل ٍة إن لم تفرّط ،قالوا :لنّ الحدث مع قوّته وغلبته ل
يلزمها إعادة الغسل والعصب لك ّ
يمكن التّحرّز منه ،ولحديث عائشة رضي ال عنها قالت « اعتكف مع النّبيّ صلى ال عليه
وسلم امرأ ٌة من أزواجه ،فكانت ترى الدّم والصّفرة والطّست تحتها وهي تصلّي » رواه
البخاريّ .
ب -حكم ما يسيل من دم المستحاضة على الثّوب :
28ـ إذا أصاب الثّوب من الدّم مقدار مقعّر الكفّ فأكثر وجب عند الحنفيّة غسله ،إذا كان
الغسل مفيدا ،بأن كان ل يصيبه مرّةً بعد أخرى ،حتّى لو لم تغسل وصلّت ل يجوز ،وإن لم
يكن مفيدا ل يجب ما دام العذر قائما .أي إن كان لو غسلت الثّوب تنجّس ثانيا قبل الفراغ من
الصّلة ،جاز ألّ تغسل ؛ لنّ في إلزامها التّطهير مشقّ ًة وحرجا .وإن كان لو غسلته ل
ل في قولٍ مرجوحٍ .
يتنجّس قبل الفراغ من الصّلة ،فل يجوز لها أن تصلّي مع بقائه ،إ ّ
وعند الشّافعيّة إذا تحفّظت لم يضرّ خروج الدّم ،ولو لوّث ملبوسها في تلك الصّلة خاصّةً .
ول يضرّ كذلك عند الحنابلة ؛ لقولهم :إن غلب الدّم وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها .
متى يلزم المستحاضة أن تغتسل :
-نقل صاحب المغني في ذلك أقوالً :الوّل :تغتسل عندما يحكم بانقضاء حيضها أو 29
نفاسها .وليس عليها بعد ذلك إلّ الوضوء ويجزيها ذلك .وهذا رأي جمهور العلماء « .لقول
النّبيّ صلى ال عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيشٍ :إنّما ذلك عرقٌ وليست بالحيضة ،فإذا
أقبلت فدعي الصّلة ،فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدّم وصلّي ،وتوضّئي لكلّ صل ٍة » قال
ن صحيحٌ .ولحديث عديّ بن ثابتٍ عن أبيه عن جدّه « أنّ النّبيّ
التّرمذيّ :هذا حديثٌ حس ٌ
صلى ال عليه وسلم قال في المستحاضة :تدع الصّلة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل وتصلّي ،
ل صلةٍ » .الثّاني :أنّها تغتسل لكلّ صل ٍة .روي ذلك عن عليّ وابن عمر وابن
وتتوضّأ لك ّ
عبّاسٍ وابن الزّبير ،وهو أحد قولي الشّافعيّ في المتحيّرة ؛ لنّ عائشة روت « أنّ أمّ حبيبة
استحيضت ،فأمرها النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن تغتسل لكلّ صل ٍة » متّفقٌ عليه .إلّ أنّ
ل صلةٍ زياد ٌة يجب قبولها .ومن هنا قال
أصحاب القول الوّل قالوا :إنّ ذكر الوضوء لك ّ
المالكيّة والحنابلة :يستحبّ لها أن تغتسل لكلّ صلةٍ .ويكون المر في الحديث للستحباب .
ل واحدا ،روي هذا عن عائشة وابن عمر وسعيد بن المسيّب
الثّالث :أنّها تغتسل لكلّ يومٍ غس ً
ل واحدٍ ،وتغتسل للصّبح .
ل صلتي جم ٍع بغس ٍ
.الرّابع :تجمع بين ك ّ
وضوء المستحاضة وعبادتها :
-قال الشّافعيّ :تتوضّأ المستحاضة لكلّ فرضٍ وتصلّي ما شاءت من النّوافل ،لحديث 30
دخوله ؟ أم عند كلّ من الخروج والدّخول ؟ قال أبو حنيفة ومح ّمدٌ :تنتقض عند خروج الوقت
ل غير ؛ لنّ طهارة المعذور مقيّد ٌة بالوقت فإذا خرج ظهر الحدث .وقال زفر :عند دخول
ل صل ٍة » وفي رواي ٍة « لوقت
الوقت ل غير ،وهو ظاهر كلم أحمد ؛ لحديث « توضّئي لك ّ
كلّ صل ٍة » .وقال أبو يوسف :عند كلّ منهما ،أي للحتياط .وهو قول أبي يعلى من
الحنابلة .وثمرة الخلف تظهر في موضعين :أحدهما :أن يوجد الخروج بل دخولٍ ،كما
ن طهارتها تنتقض عند أبي حنيفة وأبي
إذا توضّأت في وقت الفجر ثمّ طلعت الشّمس ،فإ ّ
ن من
يوسف ومح ّمدٍ لوجود الخروج ،وعند زفر وأحمد ل تنتقض لعدم دخول الوقت ؛ ل ّ
ت مهملٌ .والثّاني :أن يوجد الدّخول
طلوع الشّمس إلى الظّهر ليس بوقت صل ٍة ،بل هو وق ٌ
ن طهارتها ل تنتقض عند أبي
ج ،كما إذا توضّأت قبل الزّوال ثمّ زالت الشّمس ،فإ ّ
بل خرو ٍ
حنيفة ومح ّمدٍ لعدم الخروج ،وعند أبي يوسف وزفر وأحمد تنتقض لوجود الدّخول .فلو
توضّأت لصلة الضّحى أو لصلة العيد فل يجوز لها أن تصلّي الظّهر بتلك الطّهارة ،على
قول أبي يوسف وزفر وأحمد ،بل تنتقض الطّهارة لدخول وقت الظّهر .وأمّا على قول أبي
حنيفة ومح ّمدٍ فتجوز لعدم خروج الوقت .أمّا عند الشّافعيّة فينتقض وضوءها بمجرّد أداء أيّ
فرضٍ ،ولو لم يخرج الوقت أو يدخل كما تقدّم .وأمّا عند المالكيّة فهي طاهرٌ حقيق ًة على ما
سبق .
برء المستحاضة وشفاؤها :
-عند الشّافعيّة إذا انقطع دم المستحاضة انقطاعا محقّقا حصل معه برؤها وشفاؤها من 32
علّتها ،وزالت استحاضتها ،نظر :إن حصل هذا خارج الصّلة :
أ -فإن كان بعد صلتها ،فقد مضت صلتها صحيحةً ،وبطلت طهارتها فل تستبيح بها بعد
ذلك نافلةً .
ب -وإن كان ذلك قبل الصّلة بطلت طهارتها ،ولم تستبح تلك الصّلة ول غيرها .أمّا إذا
حصل النقطاع في نفس الصّلة ففيه قولن :أحدهما :بطلن طهارتها وصلتها .والثّاني :
ل تبطل كالتّيمّم .والرّاجح الوّل .وإذا تطهّرت المستحاضة وصلّت فل إعادة عليها .ول
يتصوّر هذا التّفصيل عند الحنفيّة ؛ لنّهم يعتبرونها معذورةً لوجود العذر في الوقت ولو لحظةً
كما سبق .ول يتصوّر هذا عند المالكيّة أيضا ؛ لنّها طاهرٌ حقيق ًة .أمّا الحنابلة فعندهم
تفصيلٌ .قالوا :إن كان لها عاد ٌة بانقطاعٍ زمنا يتّسع للوضوء والصّلة تعيّن فعلهما فيه .وإن
عرض هذا النقطاع لمن عادتها التّصال بطلت طهارتها ،ولزم استئنافها .فإن وجد
النقطاع قبل الدّخول في الصّلة لم يجز الشّروع فيها .وإن عرض النقطاع في أثناء الصّلة
أبطلها مع الوضوء .ومجرّد النقطاع يوجب النصراف إلّ أن يكون لها عاد ٌة بانقطاعٍ يسيرٍ
.ولو توضّأت ثمّ برئت بطل وضوءها إن وجد منها د ٌم بعد الوضوء .
عدّة المستحاضة :
-سبقت الشارة إلى بعض أحكامها .وتفصيل ذلك في مصطلح ( عدّةٌ ) . 33
*استحالةٌ
التّعريف
-من معاني الستحالة لغ ًة :تغيّر الشّيء عن طبعه ووصفه ،أو عدم المكان .ول يخرج 1
العين النّجسة .وبم تكون الستحالة ؟ العيان النّجسة ،كالعذرة ،والخمر ،والخنزير ،قد
تتحوّل عن أعيانها وتتغيّر أوصافها ،وذلك بالحتراق أو بالتّخليل ،أو بالوقوع في شيءٍ
طاهرٍ ،كالخنزير يقع في الملحة ،فيصير ملحا .وقد اتّفق الفقهاء على طهارة الخمر
باستحالتها بنفسها خلّ ،ويختلفون في طهارتها بالتّخليل .أمّا النّجاسات الخرى الّتي تتحوّل
عن أصلها فقد اختلفوا في طهارتها .ويفصّل ذلك الفقهاء في مبحث النجاس ،وكيفيّة
ن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتّب عليها
تطهيرها ،فمن يحكم بطهارتها يقول :إ ّ
عند بعض الفقهاء .ويرتّبون على ذلك فروعا كثيرةً ،تفصيلها في مصطلح ( تحوّلٌ ) .
-الستعمال الفقهيّ الثّاني :بمعنى عدم إمكان الوقوع .ومن ذلك استحالة وقوع المحلوف 3
عليه ،أو استحالة الشّرط الّذي علّق عليه الطّلق ونحوه .فمن الشّرائط الّتي ذكرها الفقهاء
في المحلوف عليه :ألّ يكون مستحيل التّحقّق عقلً أو عاد ًة ،أي بأن يكون متصوّر الوجود
ن الماء الّذي في الكوز ،ول ماء
حقيقةً أو عادةً ،ويضربون لذلك أمثل ًة ،كمن يحلف :لشرب ّ
ن إلى السّماء ،فهو مستحيلٌ عادةً .وهم
فيه ،وهذا في المستحيل حقيقةً .وكحلفه ليصعد ّ
يختلفون في الحنث وعدمه ،والكفّارة وعدمها ،وهل يكون ذلك في يمين البرّ أو الحنث ؟
وهل الحكم يستوي في ذلك إن كانت اليمين مؤقّتةً أو مطلقةً ؟ ويفصّل الفقهاء ذلك في مسائل
اليمان ،ومسائل الطّلق ،ومسائل العتق .
الستعمال الصوليّ :
-يستعمل الصوليّون لفظ استحال ٍة بمعنى :عدم إمكان الوقوع ،ومن ذلك حكم التّكليف 4
بالمستحيل لذاته أو لغيره وقد اختلف الصوليّون في جواز التّكليف بالممتنع ،وقسّموه إلى :
ضدّين .اختار جمهور الصوليّين
ممتنعٍ لذاته ،وممتنعٍ لغيره .فالممتنع لذاته ،كالجمع بين ال ّ
أنّه ل يجوز التّكليف به .والمستحيل لغيره إن كانت استحالته عاد ًة ،كالتّكليف بحمل الجبل ،
فالجمهور على جواز التّكليف به عقلً ،وعدم وقوعه شرعا .وإن كانت استحالته لعدم تعلّق
ل ،فالكلّ مجمعٌ على جوازه عقلً ،ووقوعه شرعا .وتفصيل
إرادة اللّه به ،كإيمان أبي جه ٍ
ذلك في الملحق الصوليّ .
*استحبابٌ
التّعريف
-الستحباب في اللّغة :مصدر استحبّه إذا أحبّه ،ويكون الستحباب بمعنى الستحسان ، 1
واستحبّه عليه :آثره .والستحباب عند الصوليّين غير الحنفيّة :اقتضاء خطاب اللّه العقل
اقتضاءً غير جازمٍ ،بأن يجوز تركه .وضدّه الكراهية .
سنّة والنّافلة والنّفل والقربة والمرغّب
-ويرادف المستحبّ :المندوب والتّطوّع والطّاعة وال ّ 2
فيه والحسان والفضيلة والرّغيبة والدب والحسن .وخالف بعض الشّافعيّة في التّرادف
ن الفعل إن واظب عليه النّبيّ صلى ال عليه
المذكور -كالقاضي حسينٍ وغيره -فقالوا :إ ّ
سنّة ،وإن لم يواظب عليه -كأن فعله مرّةً أو مرّتين -فهو المستحبّ ،وإن لم
وسلم فهو ال ّ
يفعله -وهو ما ينشئه النسان باختياره من الوراد -فهو التّطوّع ،ولم يتعرّضوا للمندوب
ن كلّ من القسام
هنا لعمومه للقسام الثّلثة بل شكّ .وهذا الخلف لفظيّ ،إذ حاصله أ ّ
الثّلثة ،كما يسمّى باس ٍم من السماء الثّلثة كما ذكر ،هل يسمّى بغيره منها ؟ فقال البعض :
سنّة :الطّريقة والعادة ،والمستحبّ :المحبوب ،والتّطوّع :الزّيادة .والكثر
ل يسمّى ،إذ ال ّ
قالوا :نعم يسمّى ،ويصدق على كلّ من القسام الثّلثة أنّه طريقةٌ أو عادةٌ في الدّين ،
ب هو ما فعله
ن المستح ّ
ب للشّارع بطلبه ،وزائدٌ على الواجب .وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ومحبو ٌ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم مرّ ًة وتركه أخرى ،فيكون دون السّنن المؤكّدة كما قال التّهانويّ ،
بل دون سنن الزّوائد كما قال أبو البقاء الكفويّ .ويسمّى عندهم بالمندوب لدعاء الشّارع إليه ،
ب ،وبالنّفل لزيادته على غيره .وإنّما سمّي المستحبّ مستحبّا
وبالتّطوّع لكونه غير واج ٍ
لختيار الشّارع إيّاه على المباح .وهم بهذا يقتربون ممّا ذهب إليه القاضي حسينٌ ،لول أنّهم
يختلفون معه في التّطوّع ،حيث يجعلونه مرادفا للمستحبّ ،ويجعله قسيما له على ما تقدّم ،
سنّة بأنّها هي :الطّريقة المسلوكة في الدّين من غير التزامٍ على
ويفرّقون بين المستحبّ وبين ال ّ
سبيل المواظبة ،فيخرج المستحبّ بالقيد الخير ،إذ ل مواظبة عليه من قبل النّبيّ عليه
الصّلة والتّسليم .وبعض الحنفيّة لم يفرّق بين المستحبّات وسنن الزّوائد ،فقال :المستحبّ
هو الّذي يكون على سبيل العادة ،سوا ٌء أترك أحيانا أم ل .وفي نور النوار شرح المنار :
السّنن الزّوائد في معنى المستحبّ ،إلّ أنّ المستحبّ ما أحبّه العلماء ،والسّنن الزّوائد ما
ي عليه السلم .هذا وقد يطلق المستحبّ على كون الفعل مطلوبا ،طلبا جازما أو
اعتاده النّب ّ
سنّة والنّدب ،وعلى كونه مطلوبا طلبا غير جازمٍ فيشمل
غير جازمٍ ،فيشمل الفرض وال ّ
الخيرين فقط .حكم المستحبّ :
-ذهب الصوليّون -من غير الحنفيّة -إلى أنّ المستحبّ يمدح فاعله ويثاب ،ول يذمّ 3
*استحدادٌ
التّعريف
-الستحداد لغةً :مأخو ٌذ من الحديدة ،يقال :استحدّ إذا حلق عانته .استعمل على طريق 1
الكناية والتّورية .والتعريف الصطلحيّ ل يفترق عن المعنى اللّغويّ ،حيث عرّفه الفقهاء
بقولهم :الستحداد حلق العانة ،وسمّي استحدادا ،لستعمال الحديدة وهي :الموسى .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الحداد :
-الحداد :مصدر أحدّ .وإحداد المرأة على زوجها تركها للزّينة ،فعلى هذا يكون 2
-التّنوّر هو :الطّلء بالنّورة .يقال :تنوّر .تطلّى بالنّورة ليزيل الشّعر .والنّورة من 3
الحجر الّذي يحرق ،ويسوّى من الكلس ،ويزال به الشّعر .فعلى هذا يكون الستحداد أعمّ
في الستعمال من التّنوّر ،لنّه كما يكون بالحديدة يكون بغيرها كالنّورة وغيرها .
حكمه التّكليفيّ :
-اتّفق الفقهاء على أنّ الستحداد سنّ ٌة للرّجال والنّساء على السّواء .وصرّح الشّافعيّة ، 4
والمالكيّة دون غيرهم بالوجوب للمرأة إذا طلب منها زوجها ذلك .
دليل مشروعيّته :
سنّة ؛ لما روى سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة
-يستدلّ على مشروعيّة الستحداد بال ّ 5
رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « أنّه قال :الفطرة خمسٌ ،أو خمسٌ من
ص الشّارب » .ولما روي
الفطرة :الختان ،والستحداد ،ونتف البط ،وتقليم الظافر ،وق ّ
عن عائشة رضي ال عنها « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :عشرٌ من الفطرة :قصّ
ص الظافر ،وغسل البراجم ،ونتف
الشّارب ،وإعفاء اللّحية ،والسّواك ،والستنشاق ،وق ّ
البط ،وحلق العانة ،وانتقاص الماء » -قال زكريّا ( -الرّاوي ) :ونسيت العاشرة إلّ أن
تكون المضمضة .
ما يتحقّق به الستحداد :
سنّة الحلق للرّجل ،
-اختلف الفقهاء فيما يتحقّق به الستحداد على أقوالٍ .فقال الحنفيّة :ال ّ 6
والنّتف للمرأة .وقال المالكيّة :الحلق للرّجل والمرأة ،ويكره النّتف للمرأة ؛ لنّه يعدّ من
التّنمّص المنهيّ عنه ،وهذا رأي بعض الشّافعيّة .وقال جمهور الشّافعيّة :النّتف للمرأة الشّابّة
،والحلق للعجوز .ونسب هذا الرّأي إلى ابن العربيّ .وقال الحنابلة :ل بأس بالزالة بأيّ
شيءٍ ،والحلق أفضل .
وقت الستحداد :
-يكره تركه بعد الربعين ،كما أخرجه مسلمٌ من حديث أنسٍ « :وقّت لنا في قصّ 7
بنت مشرّحٍ الشعريّة قالت « :رأيت أبي يقلّم أظافره ،ويدفنها ويقول :رأيت النّبيّ صلى ال
عليه وسلم يفعل ذلك » .وسئل أحمد ،يأخذ الرّجل من شعره وأظافره أيلقيه أم يدفنه ؟ قال :
ي صلى ال
ن النّب ّ
يدفنه ،قيل :بلغك في ذلك شي ٌء ؟ قال :كان ابن عمر يدفنه .وروي « أ ّ
ب أصحابنا دفنها ؛
عليه وسلم أمر بدفن الشّعر والظافر » ،قال الحافظ ابن حجرٍ :وقد استح ّ
ق عليه بين المذاهب .
لكونها أجزاءٍ من الدميّ ،ونقل ذلك عن ابن عمر وهو متّف ٌ
*استحسانٌ
التّعريف
-الستحسان في اللّغة :هو عدّ الشّيء حسنا ،وضدّه الستقباح .وفي علم أصول الفقه 1
ص أو الجماع أو
عرّفه بعض الحنفيّة بأنّه :اسمٌ لدليلٍ يقابل القياس الجليّ يكون بالنّ ّ
الضّرورة أو القياس الخفيّ .كما يطلق عند الحنفيّة -في كتاب الكراهية والستحسان -على
ج بمعنى إخراجٍ .قال النّجم
استخراج المسائل الحسان ،فهو استفعالٌ بمعنى إفعالٍ ،كاستخرا ٍ
ن الستحسان هاهنا إحسان المسائل ،وإتقان الدّلئل .
النّسفيّ :فكأ ّ
جيّة الستحسان عند الصوليّين :
حّ
-اختلف الصوليّون في قبول الستحسان ،فقبله الحنفيّة ،وردّه الشّافعيّة وجمهور 2
الصوليّين .أمّا المالكيّة فقد نسب إمام الحرمين القول به إلى مالكٍ ،وقال بعضهم :الّذي
يظهر من مذهب مالكٍ القول بالستحسان ل على ما سبق ،بل حاصله :استعمال مصلحةٍ
جزئيّ ٍة في مقابلة قياسٍ كّليّ ،فهو يقدّم الستدلل المرسل على القياس .وأمّا الحنابلة فقد حكي
عنهم القول به أيضا .والتّحقيق أنّ الخلف لفظيّ ؛ لنّ الستحسان إن كان هو القول بما
ل فهو باطلٌ ،ول يقول به أحدٌ ،وإن كان هو العدول
يستحسنه النسان ويشتهيه من غير دلي ٍ
عن دليلٍ إلى دليلٍ أقوى منه ،فهذا ممّا ل ينكره أحدٌ .
أقسام الستحسان :
ع:
ينقسم الستحسان بحسب تنوّع الدّليل الّذي يثبت به إلى أربعة أنوا ٍ
سنّة :
ل -استحسان الثر أو ال ّ
أ ّو ً
سنّة النّبويّة حكمٌ لمسألةٍ ما مخالفٌ للقاعدة المعروفة في الشّرع في
-وهو أن يرد في ال ّ 3
الستصناع ،فهو في الصل أيضا بيع معدومٍ ل يجوز ،وإنّما جوّز بالجماع استحسانا
للحاجة العامّة إليه .
ثالثا -استحسان الضّرورة :
-وهو أن يخالف المجتهد حكم القاعدة نظرا إلى ضرور ٍة موجبةٍ من جلب مصلح ٍة أو دفع 5
مفسد ٍة ،وذلك عندما يكون اطّراد الحكم القياسيّ مؤدّيا إلى حرجٍ في بعض المسائل ،كتطهير
ج شديدٌ .رابعا -
ل بجريان الماء عليها ،وفيه حر ٌ
ل تطهر إ ّ
ن القياس أ ّ
البار والحياض ؛ ل ّ
الستحسان القياسيّ :
-و هو أن يعدل عن ح كم القياس الظّا هر المتبادر إلى حك مٍ مخال فٍ بقيا سٍ آ خر هو أد قّ 6
قياسـ سـمّي
ٌ وأخفـى مـن القياس الوّل ،لكن ّه أقوى حجّ ًة وأسـّد نظرا .فهـو على الحقيقـة
ا ستحسانا أي قيا سا م ستحسنا للفرق بينه ما .وذلك كالح كم على سؤر سباع الطّ ير ،فالقياس
ن السّؤر معتبرٌ باللّحم ،
نجاسة سؤرها قياسا على نجاسة سؤر سباع البهائم كالسد والنّمر ؛ ل ّ
ن ما يتّ صل
ولحم ها نج سٌ .وال ستحسان طهارة سؤرها قيا سا على طهارة سؤر الدم يّ ،فإ ّ
بالماء من ك ّل منه ما طاهرٌ .وإنّ ما ر جح القياس الثّا ني لض عف المؤثّر في الح كم في القياس
الوّل ،وهو مخالطة اللّعاب النّجس للماء في سؤر سباع البهائم ،فإنّه منت فٍ في سباع الطّير
إذ تشرب بمنقار ها ،و هو عظ ٌم طاهرٌ جافّ ل لعاب ف يه ،فانت فت علّة النّجا سة فكان سؤرها
طاهرا ك سؤر الدم يّ ،لكنّه مكرو ٌه ؛ لنّ ها ل تحترز عن المي تة فكا نت كالدّجا جة المخلة .
ولبيان أق سام ال ستحسان الخرى من ح يث قوّ ته وترجي حه على القياس وبقيّة مباح ثه ين ظر
الملحق الصوليّ .
*استحقاقٌ
التعريف
-الستحقاق لغ ًة :إمّا ثبوت الحقّ ووجوبه ،ومنه قوله تعالى « :فإن عثر على أنّهما 1
استحقّا إثما » أي :وجبت عليهما عقوبةٌ ،وإمّا بمعنى طلب الحقّ .واصطلحا عرّفه الحنفيّة
بأنّه :ظهور كون الشّيء حقّا واجبا للغير .وعرّفه ابن عرفة من المالكيّة بأنّه :رفع ملك
شيءٍ بثبوت ملكٍ قبله بغير عوضٍ .والشّافعيّة ،والحنابلة يستعملونه بالمعنى اللّغويّ .ولم
ف للستحقاق ،ولكن باستقراء كلمهم وجد أنّهم يستعملونه
نقف للشّافعيّة والحنابلة على تعري ٍ
بالمعنى الصطلحيّ ،ول يخرجون فيه عن الستعمال اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّملّك :
-التّملّك ثبوت ملكيّ ٍة جديدةٍ ،إمّا بانتقالها من مالكٍ إلى مالكٍ جديدٍ ،أو بالستيلء على 2
مباحٍ ،والستحقاق إخراج المستحقّ من غير المالك إلى المالك ،فالستحقاق يختلف عن
ن التّملّك يحتاج إلى إذن المالك ورضاه ،أو حكم حاكمٍ في خروج الملكيّة ،بخلف
التّملّك ؛ ل ّ
ق منه .
الستحقاق فإنّ المستحقّ يعود لمالكه ولو دون رضا المستح ّ
حكم الستحقاق :
-الصل في الستحقاق ( بمعنى الطّلب ) الجواز ،وقد يصير واجبا إذا تيسّرت أسبابه 3
وترتّب على عدم القيام به الوقوع في الحرام ،نصّ عليه المالكيّة ،وقواعد المذاهب الخرى
ل تأبى ذلك .
إثبات الستحقاق :
-يثبت الستحقاق بالبيّنة عند عامّة الفقهاء ،والبيّنة تختلف من حقّ لخر ،ومنها ما هو 4
المستحقّ أنّه ملكٌ للمدّعي ،ل يعلمون خروجه ،ول خروج شيءٍ منه عن ملكه حتّى الن ،
وبقيّة الفقهاء ل يخالفون في ذلك ،فالبيّنة سبب إظهار الواجب لغير حائزه ،ول بدّ من إقامتها
حتّى يظهر الستحقاق ؛ لنّ الثّبوت كان بسببٍ سابقٍ على الشّهادة .وأمّا سبب ادّعاء العين
ث ،أو شرا ٍء ،أو وصيّ ٍة ،أو وقفٍ ،أو هبةٍ
المستحقّة فهو سبب تملّك العين المدّعاة من إر ٍ
إلى غير ذلك من أسباب الملكيّة .وهل يشترط في دعوى الستحقاق بيان سببه وشروطه في
كلّ الدّعاوى ؟ أم في بعضها كالمال والنّكاح ونحو ذلك ؟ للفقهاء خلفٌ وتفصيلٌ .موضع
استيفائه مصطلح ( دعوى ) .
موانع الستحقاق :
-موانع الستحقاق ،كما صرّح بها المالكيّة نوعان :فعلٌ ،وسكوتٌ .فالفعل :مثل أن 6
يشتري ما ادّعاه من عند حائزه من غير بيّن ٍة -يشهدها سرّا -قبل الشّراء بأنّي إنّما اشتريته
خوف أن يغيب عليّ ،فإذا أثبته رجعت عليه بالثّمن .ولو اشتراه وهو يرى أن ل بيّنة له ،ثمّ
وجد بيّن ًة ،فله المطالبة .وأمّا السّكوت :فمثل أن يترك المطالبة من غير مانعٍ أمد الحيازة .
وبقيّة الفقهاء لم يصرّحوا بذكر موانع الستحقاق إلّ أنّ قواعدهم ل تأبى المانع الوّل .وهو
الفعل ،أمّا السّكوت مدّة أمد الحيازة وكونه يبطل الستحقاق ،فلم نقف على من صرّح به
غيرهم سوى الحنفيّة ،على تفصيلٍ عندهم في مدّته ،وفي الحقوق الّتي تسقط به والّتي ل
تسقط ،ويتعرّضون لذلك في باب الدّعوى .
شروط الحكم بالستحقاق :
-عدّد المالكيّة للحكم بالستحقاق ثلثة شروطٍ ،شاركهم بعض الفقهاء في اثنين منها : 7
الشّرط الوّل :العذار إلى الحائز لقطع حجّته ،فإن ادّعى الحائز ما يدفع به الدّعوى أجّله
القاضي بحسب ما يراه للثبات .وقد صرّح الحنفيّة والمالكيّة بهذا الشّرط ،وأشار إليه
غيرهم في البيّنات .الشّرط الثّاني :يمين الستبراء ( وتسمّى أيضا يمين الستظهار ) ،
وللمالكيّة في لزومها ثلثة آرا ٍء أشهرها :أنّه ل بدّ منها في جميع الشياء ،قاله ابن القاسم
وابن وهبٍ وابن سحنونٍ ،وهو قول أبي يوسف ،والمفتى به عند الحنفيّة .وكيفيّة الحلف كما
في الحطّاب وجامع الفصولين وغيرهما :أن يحلف المستحقّ باللّه أنّه ما باعه ،ول وهبه ،
ول فوّته ،ول خرج عن ملكه بوجهٍ من الوجوه حتّى الن .والشّرط الثّالث الّذي تفرّد
المالكيّة بالقول به هو :الشّهادة على العين المستحقّة إن أمكن ،وهو في المنقول ،وإلّ فعلى
ل مع الشّهود
الحيازة ،وهو في العقار ،وكيفيّتها أن يبعث القاضي عدلين ،وقيل :أو عد ً
الّذين شهدوا بالملكيّة ،فإن كانت دارا قالوا لهما مثلً :هذه الدّار هي الّتي شهدنا فيها عند
القاضي الشّهادة المقيّدة أعله .
الستحقاق في البيع علم المشتري باستحقاق المبيع :
-يحرم شراء الشّيء المستحقّ عند العلم بالستحقاق ،فإن حصل البيع مع علم المشتري 8
بالستحقاق ،فللمشتري الرّجوع بالثّمن على البائع عند الستحقاق إذا ثبت بالبيّنة ،فإن ثبت
بإقرار المشتري أو نكوله عن اليمين بالستحقاق ،فإنّه ل يرجع عند جمهور الفقهاء ،وهو
خلف المشهور عند المالكيّة .والمشهور عند المالكيّة أنّه يرجع .وفي هذه المسألة تفصيلٌ
يرد فيما يأتي .
استحقاق المبيع كلّه .
ن البيع يبطل ،وهو قول الحنفيّة
-إذا استحقّ المبيع كلّه فذهب الشّافعيّة ،والحنابلة إلى أ ّ 9
ل للملك ،وهو الستحقاق الّذي يرد على محلّ ل يقبل التّملّك .وهو
إن كان الستحقاق مبط ً
المفهوم من فروع مذهب المالكيّة .فإن كان الستحقاق ناقلً للملكيّة -وهو الّذي يرد على
محلّ قابلٍ للتّملّك -كان العقد موقوفا على إجازة المستحقّ ،فإن أجازه نفذ ،وإن لم يجزه
انفسخ ،وهذا عند الحنفيّة ،ولهم في وقت النفساخ بالستحقاق ثلثة أقوالٍ ،الصّحيح منها :
أنّه ل ينفسخ العقد ما لم يرجع المشتري على البائع بالثّمن ،وقيل :ينفسخ بنفس القضاء ،
وقيل :إذا قبضه المستحقّ .
الرّجوع بالثّمن :
-عند الفسخ يختلف الفقهاء في رجوع المشتري بالثّمن على البائع وعدمه إذا بطل البيع 10
بالستحقاق ،ولهم في ذلك رأيان :الوّل :أنّ المشتري يرجع بالثّمن على البائع مطلقا ،
سوا ٌء أثبت الستحقاق بالبيّنة أم بالقرار أم بالنّكول ،وهو قول الحنابلة ،وهو أيضا قول
الحنفيّة ،والشّافعيّة إن ثبت الستحقاق بالبيّنة .وقال المالكيّة :إن لم يعلم المشتري بصحّة
ملك البائع ول عدمه يرجع .وكذلك إن علم عدم ملك البائع على المشهور نظرا لسبق ظلم
ن المشتري ل يرجع على
البائع ،لبيعه ما ليس في ملكه ،فهو أحقّ بالحمل عليه .الثّاني :أ ّ
البائع إن أقرّ المشتري باستحقاق المبيع ،أو نكل عن اليمين ،وهو قول الحنفيّة ،والشّافعيّة ،
وقد علّل الشّافعيّة ذلك بتقصير المشتري باعترافه بالستحقاق مع الشّراء ،أو بنكوله .وهو
قول ابن القاسم من المالكيّة ،إن أقرّ المشتري أنّ جميع المبيع للبائع ،وقال أشهب وغيره :
ل يمنع إقراره من الرّجوع .
استحقاق بعض المبيع :
ل حسب القوال التّالية :
-يختلف الفقهاء كذلك إن حصل الستحقاق في البعض دون الك ّ 11
أ -بطلن البيع في الجميع سوا ٌء أكان المبيع قيميّا أم مثليّا ،وهو رواي ٌة عند الحنابلة ،وقولٌ
ن الصّفقة جمعت شيئين :حراما وهو
للشّافعيّة ،واقتصر عليه الشّافعيّ في المّ ؛ ل ّ
المستحقّ ،وحللً وهو الباقي ،فبطل بيع الجميع وهو أيضا قول المالكيّة إن استحقّ الكثر .
ب -تخيير المشتري بين ردّ المبيع بالفسخ ،وبين التّمسّك بالباقي والرّجوع بحصّة القدر
المستحقّ والثّمن .وهو الرّواية الثّانية للحنابلة .والتّخيير أيضا هو قول الحنفيّة لو استحقّ
المبيع قبل قبضه ،سواءٌ أورث الستحقاق في الباقي عيبا أم ل ؛ لتفرّق الصّفقة قبل التّمام ،
وكذا لو استحقّ :البعض بعد القبض وأورث في الباقي عيبا .
ج -بطلن البيع في القدر المستحقّ وصحّته في الباقي ،وهو القول الخر للشّافعيّة ،وهو
أيضا قول الحنفيّة إن استحقّ البعض بعد قبض الكلّ ،ولم يحدث الستحقاق عيبا في الباقي ،
ل ما ل يضرّ تبعيضه .
ق بعضه ،وكذا ك ّ
كثوبين استحقّ أحدهما ،أو كيليّ أو وزنيّ استح ّ
وأمّا المالكيّة فقد فرّقوا بين الستحقاق في الشّائع وغيره ،وكون المستحقّ الثّلث أو أقلّ من
الثّلث .قال البنانيّ :حاصل استحقاق البعض أن تقول :ل يخلو إمّا أن يكون شائعا أو معيّنا
فإن كان شائعا ممّا ل ينقسم ،وليس من رباع الغلّة -أي العقارات المستغلّة -خيّر المشتري
في التّمسّك والرّجوع بحصّة المستحقّ من الثّمن ،وفي ردّه لضرر الشّركة ،سوا ٌء استحقّ
القلّ أو الكثر .وإن كان ممّا ينقسم ،أو كان متّخذا لغلّ ٍة خيّر في استحقاق الثّلث ،ووجب
التّمسّك فيما دون الثّلث .وإن استحقّ جزءٌ معيّنٌ ،فإن كان مقوّما كالعروض والحيوان رجع
بحصّة البعض المستحقّ بالقيمة ل بالتّسمية .وإن استحقّ وجه الصّفقة تعيّن ردّ الباقي ،ول
يجوز التّمسّك بالقلّ .وإن كان الجزء المعيّن مثليّا ،فإن استحقّ القلّ رجع بحصّته من
الثّمن ،وإن استحقّ الكثر خيّر في التّمسّك والرّجوع بحصّته من الثّمن ،وفي ال ّردّ .
-وكيفيّة الرّجوع هي :أن ينظر لقيمة المبيع كلّه يوم استحقاقه ،فيرجع المشتري على 12
) وقيمة 1000 البائع بما يخصّه من الثّمن بميزان القيمة .مثلً إذا قيل :قيمة المبيع كلّه (
) فيكون الرّجوع عليه بخمس الثّمن . 800 ) وقيمة الباقي ( 200 المستحقّ (
استحقاق الثّمن :
-أكثر الفقهاء -خلفا لرواي ٍة ضعيفةٍ عند الحنابلة -على بطلن البيع إن استحقّ الثّمن 13
المعيّن .قال الحنفيّة ،والمالكيّة :يرجع البائع بعين المبيع إن كان قائما ،وبقيمته إن كان
تالفا ،ول يرجع بقيمة المستحقّ .غير أنّ بعض الشّافعيّة قيّد التّعيين بكونه في العقد ل بعده .
فإن كان الثّمن غير معيّنٍ فل يفسد العقد باستحقاقه ،ويرجع بقيمته إن كان مقوّما ،وبمثله إن
كان مثليّا ،مع ملحظة خلف الفقهاء فيما يتعيّن بالتّعيين وما ل يتعيّن به .
زيادة المبيع المستحقّ :
ل بين الفقهاء على النّحو التّالي :ذهب الحنفيّة
-زيادة المبيع المستحقّ محلّ خلفٍ وتفصي ٍ 14
إلى أنّه إذا كانت الزّيادة منفصل ًة متولّد ًة -كالولد والثّمر -وثبت الستحقاق بالبيّنة فهي
للمستحقّ .واختلف هل يجب القضاء بالزّيادة مقصودا أو يكتفى بالقضاء بالصل ؟ على
رأيين .أمّا إذا كانت الزّيادة متّصل ًة غير متولّدةٍ -كالبناء والغرس -واستحقّ الصل ،فإنّه
يخيّر المستحقّ بين أخذ الزّيادة بقيمتها مقلوعةً ،وبين أمر المأخوذ منه بقلعها مع تضمينه
نقصان الرض .ولهذا الخير الرّجوع على البائع بالثّمن .وإذا كانت الزّيادة متّصلةً متولّدةً
كالسّمن فاستحقّ الصل فهي للمستحقّ ،وجاء في الحامديّة أنّ المأخوذ منه يرجع على بائعه
بما زاد ،بأن تقوّم قبل الزّيادة وبعدها ويرجع بالفرق ( ول يرجع المشتري على البائع بما
أنفق ) .وذهب المالكيّة إلى أنّ غلّة المستحقّ من أجر ٍة أو استعمالٍ ،أو لبنٍ ،أو صوفٍ ،أو
ثمر ٍة هي للمستحقّ منه من يوم وضع يده إلى يوم الحكم .وهذا في غير الغصب ،فإن كان
المستحقّ مغصوبا والمشتري من الغاصب يجهل ذلك ،فالزّيادة للمستحقّ .والحنابلة كالحنفيّة
في أنّ الزّيادة للمستحقّ ،سوا ٌء أكانت متّصلةً أم منفصل ًة ،فإن أحدث فيها شيئا كأن أتلفها أو
أكل الثّمرة أخذت منه القيمة ،وإن تلفت بغير فعل المستحقّ منه فإنّه ل يغرم شيئا ،فإن ردّت
الزّيادة على المستحقّ ،فالمأخوذ منه يردّ له النّفقة أو قيمة الغراس ،إن كان قد غرس أو
زرع ،والعبرة في القيمة بيوم الستحقاق ،وذكر القاضي أبو يعلى أنّ الّذي يدفع النّفقة هو
المالك ( المستحقّ ) ،ويرجع بها على من غرّ المأخوذ منه .وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الزّيادة
للمأخوذ منه ،وقيّدوا ذلك بما إذا أخذت العين المستحقّة ببيّن ٍة مطلق ٍة لم تصرّح بتاريخ الملك ،
ن الغلّة للمستحقّ
ول يرجع بالنّفقة عندهم ،لنّه بي ٌع فاسدٌ .وفصّل المالكيّة في ذلك فقالوا :إ ّ
مطلقا إلّ كانت غير ثمرةٍ ،أو ثمر ًة غير مؤبّر ٍة ( ،وفي المدوّنة :إن يبست ،وفي رواية
ق منه بما سقى وعالج إن كان فيه سقيٌ
ابن القاسم :إن جذّت ) .واختلفوا في رجوع المستح ّ
وعلجٌ ،وكانت الثّمرة لم تؤبّر -كاختلفهم في الرّجوع في الرّدّ بالعيب على رأيين .
استحقاق الرض المشتراة :
-إذا كانت الزّيادة غرسا أو بناءً ،كما لو اشترى أرضا فبنى فيها أو غرس ،فأكثر 15
القبض خيّر المرتهن بين فسخ عقد المداينة من بيعٍ ونحوه ،وبين إمضائه مع إبقاء الدّين بل
رهنٍ ،وكذلك يخيّر المرتهن إن كان الستحقاق بعد القبض وغرّه .الرّاهن ،فإن لم يغرّه بقي
الدّين بل رهنٍ ،وإن كان المرهون غير معيّنٍ واستحقّ بعد قبضه أجبر الرّاهن على التيان
برهنٍ بدله على القول الرّاجح ،ول يتصوّر استحقاق غير المعيّن قبل قبضه .
-لو استحقّ بعض المرهون ففي بطلن الرّهن وبقائه ثلثة آرا ٍء : 18
أ -صحّة الرّهن ،والباقي من المرهون رهن جميع الدّين ،وهو قول المالكيّة ،والشّافعيّة ،
والحنابلة .
ب -بطلن الرّهن ،وهو قول الحنفيّة ،إن كان الباقي ممّا ل يجوز رهنه ابتداءً عندهم ،
كأن كان مشاعا .
ن بحصّته من الدّين ،وهو قول ابن
ج -بطلن الرّهن بحصّته ،والباقي من المرهون ره ٌ
شعبان من المالكيّة ،وهو قول الحنفيّة إن كان الباقي ممّا يجوز رهنه ابتداءً .
تلف المرهون المستحقّ في يد المرتهن :
-لو تلفت العين المرهونة في يد المرتهن ،ثمّ استحقّت ،فللعلماء فيمن يضمن العين 19
الثّمن ،ثمّ استحقّ المرهون المبيع ،فللفقهاء فيمن يرجع وعلى من يرجع آرا ٌء :
أ -رجوع المستحقّ على العدل أو الرّاهن ،وهو قول الحنفيّة إن كان المبيع هالكا ،فإن
ضمن الرّاهن قيمته صحّ البيع والقبض ؛ لنّه ملكه بأداء الضّمان فتبيّن أنّه باع ملك نفسه ،
ل من جهته
وإن ضمن العدل كان العدل بالخيار إن شاء رجع على الرّاهن بالقيمة ؛ لنّه وكي ٌ
ح اقتضاء المرتهن لدينه ،وإن
عاملٌ له ،فيرجع عليه بما لحقه من العهدة ،ونفذ البيع وص ّ
شاء العدل رجع على المرتهن ؛ لنّه تبيّن أنّه أخذ الثّمن بغير حقّ ،وإذا رجع بطل اقتضاء
المرتهن دينه منه ،فيرجع على الرّاهن بدينه .فإن كان المبيع قائما أخذه المستحقّ من
المشتري ؛ لنّه وجد عين ماله ،ثمّ يرجع المشتري على العدل بالثّمن ،لنّه العاقد ،فتتعلّق
به حقوق العقد لصيرورته وكيلً بعد الذن بالبيع ،وهذا من حقوقه حيث وجب له بالبيع ،
وإنّما أدّاه ليسلم له المبيع ولم يسلم .ث ّم العدل بالخيار إن شاء رجع على الرّاهن بالقيمة ؛ لنّه
هو الّذي أدخله في هذه العهدة فيجب عليه تخليصه ،وإذا رجع عليه صحّ قبض المرتهن ؛
ن المقبوض سلم له ،وإن شاء رجع على المرتهن ؛ لنّه إذا انتقض العقد بطل الثّمن ،وقد
لّ
قبض ثمنا فيجب نقض قبضه ضرور ًة ،وإذا رجع عليه عاد حقّ المرتهن كما كان فيرجع به
على الرّاهن .
ن المبيع له ،فالعهدة عليه ،ول يرجع على العدل إن
ب -رجوع المشتري على الرّاهن ؛ ل ّ
علم أنّه وكيلٌ ،فإن لم يعلم بالمال رجع عليه ،وهو مذهب الحنابلة .
ج -رجوع المستحقّ على المرتهن بالثّمن وإجازة البيع ،ويرجع المرتهن على الرّاهن ،وهو
قولٌ للمالكيّة ،وقال ابن القاسم ،يرجع على الرّاهن إلّ أن يكون مفلسا فيرجع على المرتهن ،
ورأى المالكيّة هذا عند تسليم السّلطان الثّمن للمرتهن ،إذ لم يظهر نصّ صريحٌ لهم في ضمان
العدل غير السّلطان .
د -تخيير المشتري في الرّجوع على العدل ( ،ما لم يكن العدل حاكما أو مأذونا من قبل
الحاكم ) أو الرّاهن ،أو المرتهن إذا كان المرتهن قد تسلّم الثّمن ،وهو قول الشّافعيّة .
استحقاق ما باعه المفلس :
-المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة على أنّه لو استحقّ ما باعه المفلس قبل الحجر 21
فالمشتري يشارك الغرماء من غير نقص القسمة ،إن كان الثّمن تالفا وتعذّر ردّه ،وإن كان
غير تالفٍ فالمشتري أولى به .وإن استحقّ شيءٌ بعد أن باعه الحاكم قدّم المشتري بالثّمن
ص الغرماء .
ل عند الشّافعيّة يحا ّ
على باقي الغرماء ،صرّح بذلك الشّافعيّة والمالكيّة ،وفي قو ٍ
وهذه المسألة ل يمكن تصوّرها على قول أبي حنيفة إذ ل يرى جواز الحجر بالفلس ،ولكن
يمكن تصوّرها على قول الصّاحبين ،إذ أنّهما قال بالحجر على المفلس بشروطه ،ولكن لم
يتعرّض الحنفيّة لهذه المسألة بالذّات تفريعا على قولهما فيما اطّلعنا عليه .
الستحقاق في الصّلح :
-يفرّق الحنفيّة والحنابلة في الصّلح بين أن يكون عن إقرارٍ ،أو عن إنكارٍ ،أو سكوتٍ . 22
فإن كان الصّلح عن إقرارٍ ،فهو بمنزلة البيع عندهم ،بالنّسبة لطرفي الصّلح ،وقد تقدّم حكم
الستحقاق في المبيع .أمّا إذا كان الصّلح عن إنكارٍ أو سكوتٍ ،فهو في حقّ المدّعي
معاوضةٌ ،وفي حقّ المدّعى عليه افتداءٌ لليمين وقط ٌع للخصومة ،وينبني عليه أنّه إذا استحقّ
بدل الصّلح كلّه يبطل الصّلح ،ويعود المدّعي إلى الخصومة ،وإذا استحقّ بعضه عاد المدّعي
للخصومة في ذلك البعض .أمّا إذا استحقّ محلّ النّزاع ( المصالح عنده ) فإنّ المدّعى عليه
ل البدل أو بعضه ؛ لنّ المدّعي إنّما أخذ البدل بدون وجه حقّ فلصاحبه
يرجع على المدّعي بك ّ
استرداده .وعند المالكيّة إن كان الصّلح عن إقرارٍ فاستحقّ بدل الصّلح رجع المدّعي بالعين
المدّعاة إن كانت قائم ًة ،فإن فاتت رجع بعوضها -وهو القيمة -إن كانت قيميّةً ،والمثل إن
كانت مثليّةً ...فإن كان الصّلح عن إنكارٍ واستحقّ بدل الصّلح رجع بالعوض مطلقا ،ول
يرجع بالعين ولو كانت قائم ًة .أمّا إن استحقّ المصالح عنه وهو محلّ النّزاع ،فإن كان
الصّلح عن إنكارٍ رجع المدّعى عليه على المدّعي بما دفع له إن كان قائما ،فإن فات رجع
بقيمته إن كان قيميّا ،وبمثله إن كان مثليّا .وإن كان الصّلح عن إقرارٍ ل يرجع المقرّ على
المدّعي بشيءٍ لعترافه أنّه ملكه ،وأنّ المستحقّ أخذه منه ظلما .وعند الشّافعيّة ل صلح إلّ
مع القرار ،فإن استحقّ بدل الصّلح وكان معيّنا بطل الصّلح ،سواءٌ استحقّ كلّه أو بعضه ،
وإن كان بدل الصّلح غير معيّنٍ ،أي موصوفا في ال ّذمّة أخذ المدّعي بدله ،ول ينفسخ الصّلح
.
استحقاق عوض الصّلح عن دم العمد :
ح الصّلح عن دم العمد على مالٍ ،فإن استحقّ العوض فل يبطل الصّلح ،ويأخذ
-يص ّ 23
المستحقّ عوض المستحقّ عند الحنفيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة .وعند الشّافعيّة يرجع إلى أرش
الجناية .
ضمان الدّرك :
ن ضمان الدّرك استعمل في ضمان الستحقاق عرفا ،وهو أن
-من الفقهاء من قال :إ ّ 24
يضمن الثّمن عند استحقاق المبيع ،ومنهم من جعله نوعا من ضمان العهدة ،ومنهم من قال :
ن ضمان الدّرك هو ضمان العهدة .ويتّفق الفقهاء على أنّه يجوز ضمان الثّمن عند استحقاق
إّ
ب لو خرج مبيعه أو ثمنه مستحقّا لم يظفر به .
المبيع لمسيس الحاجة إلى ذلك ،في نحو غري ٍ
ولتفصيل القول في ضمان الدّرك ( ر :ضمان الدّرك ) .
الستحقاق في الشّفعة :
-يتّفق الفقهاء على أنّه لو استحقّ المشفوع بطلت الشّفعة ،ورجع الشّفيع بالثّمن على من 25
أخذه منه ،وقرار الضّمان ( أي نهايته ) على البائع .ويختلفون عند استحقاق الثّمن الّذي وقع
عليه البيع الوّل ،ولهم في ذلك رأيان :
أ -الوّل :بطلن البيع والشّفعة ،وهو قول الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،وقول غير
ن مالكه لم يأذن فيه ،ويرجع الشّفيع بمثل ما دفع ،
المقدّم عند المالكيّة إن كان الثّمن معيّنا ؛ ل ّ
وهو قول المالكيّة إن كان الستحقاق قبل الخذ بالشّفعة حيث كان الثّمن غير نقدٍ .
ب -والثّاني :صحّة الشّفعة ،وهو قول المالكيّة الّذي هو المذهب إن حصل الستحقاق بعد
الخذ بالشّفعة ،ويرجع البائع بقيمة الشّفعة ل بقيمة المستحقّ ،إلّ إن كان المستحقّ نقدا
ح البيع والشّفعة اتّفاقا -كأن اشترى
مسكوكا فيرجع بمثله .أمّا إن كان الثّمن غير معيّنٍ فيص ّ
في ال ّذمّة ودفع عمّا فيها فخرج المدفوع مستحقّا -وأبدل الثّمن بما يحلّ محلّه في الخذ
ق بعض الثّمن المعيّن بطل البيع فيه عند الشّافعيّة
بالشّفعة عند صحّة البيع والشّفعة .فإن استح ّ
ح في الباقي عند الشّافعيّة ،وفيه خلفٌ عند الحنابلة بناءً على روايتي تفريق
والحنابلة ،وص ّ
الصّفقة .وإن دفع الشّفيع بدلً مستحقّا لم تبطل شفعته عند الشّافعيّة والمالكيّة ،زاد الشّافعيّة :
وإن علم أنّه مستحقّ ،لنّه لم يقصّر في الطّلب والخذ ،سواءٌ أكان بمعيّنٍ أم ل ،فإن كان
بمعيّنٍ احتاج إلى تمّلكٍ جديدٍ .
الستحقاق في المساقاة :
ن المساقاة تنفسخ باستحقاق الشجار ،ول حقّ
-الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة على أ ّ 26
للعامل في الثّمرة حينئذٍ ؛ لنّه عمل فيها بغير إذن المالك .وللعامل على من تعاقد معه أجرة
المثل ،غير أنّ الحنفيّة اشترطوا لوجوب الجرة ظهور الثّمر ،فإن لم تظهر الثّمار حتّى
ن الجرة تستحقّ في حالة جهله بالستحقاق ؛
استحقّت الشجار فل أجرة ،وقال الشّافعيّة :إ ّ
ن الّذي تعاقد معه غرّه ،فإن علم فل أجرة له .ولو خرج الثّمر في الشّجر ثمّ استحقّت
لّ
الرض ،فالكلّ للمستحقّ ( الرض والشّجر والثّمر ) ويرجع العامل على من تعاقد معه بأجر
مثل عمله .وقال المالكيّة :إنّ المستحقّ مخ ّيرٌ بين إبقاء العامل وبين فسخ عقده ،فإن فسخ
دفع له أجر عمله .والحكم في ضمان تلف الشجار والثّمار -بعد الستحقاق -يرجع فيه
إلى باب الضّمان .
الستحقاق في الجارة استحقاق العين المكتراة :
-يختلف الفقهاء عند استحقاق العين المكتراة ،فمنهم من يقول ببطلن الجارة ،ومنهم 27
من يقول بتوقّفها على إجازة المستحقّ ،بالوّل قال الشّافعيّة ،والحنابلة ،وبالثّاني قال الحنفيّة
،والمالكيّة ،وهو احتمالٌ عند الحنابلة ،بناءً على جواز بيع الفضوليّ وتوقّفه على إجازة
ق الجرة ،ولهم في هذا ثلثة آرا ٍء :
المالك كذلك يختلفون فيمن يستح ّ
أ -الجرة للعاقد ،وهو قول الحنفيّة إن كانت الجازة بعد استيفاء المنفعة ،ول اعتبار
للجازة حينئذٍ ،وهو قول المالكيّة إن كان الستحقاق بعد المد ،وهو قول الشّافعيّة إن كانت
العين المكتراة غير مغصوبةٍ ؛ لنّه استحقّها بالملك ظاهرا .
ب -إنّ الجرة للمستحقّ ،وهو قول الحنابلة ،وهو قول الحنفيّة إن كانت الجازة قبل
استيفاء المنفعة ،وكذا إن كانت بعد استيفاء بعض المنفعة في قول أبي يوسف ،وهو قول
الشّافعيّة إن كانت العين المؤجّرة مغصوب ًة ويجهل المستأجر الغصب .ويرجع المالك على
الغاصب أو المستأجر عند الشّافعيّة بالمنفعة الّتي استوفاها ،والقرار ( أي نهاية الضّمان )
على المستأجر إن كان قد استوفى المنفعة ،فإن لم يستوفها فقرار الضّمان على المؤجّر الغارّ
.ويرجع المستحقّ عليهما أيضا عند الحنابلة والقرار على المستأجر ،وفي المواهب السّنيّة
ن المالك
ن الرض الموقوفة المستحقّة إن آجرها النّاظر وأخذ الجرة وسلّمها للمستحقّين ،فإ ّ
أّ
يرجع على المستأجر ل على النّاظر ،ورجوع المستأجر على من أخذ دراهمه .
ج -أجر ما مضى للعاقد ،وما بعده للمستحقّ ،وهو قول المالكيّة ،وهو قول محمّد بن
الحسن من الحنفيّة ،ويتصدّق العاقد عنده بنصيبه بعد ضمان النّقص .والمراد بما مضى عند
المالكيّة ما قبل الحكم بالستحقاق .
تلف العين المستحقّة المكتراة :
-لو تلفت العين المؤجّرة أو نقصت ثمّ ظهر أنّها مستحقّةٌ فللمستحقّ تضمين المستأجر أو 28
المؤجّر ،والقرار على المؤجّر ،هذا عند الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة .والرّجوع يكون
بأعلى قيمةٍ من يوم الغصب إلى يوم التّلف عند الشّافعيّة ،والحنابلة ؛ لنّها مغصوبةٌ في الحال
الّتي زادت فيها قيمتها ،فالزّيادة لمالكها مضمونةٌ على الغاصب .وقال المالكيّة :يرجع
المستحقّ على المكتري إن كان متعدّيا ،ول يرجع عليه إذا لم يتعدّ وفعل ما يجوز له ،فلو
اكترى دارا فهدمها ،ثمّ ظهر مستحقّ ،فله أخذ النّقص إن وجده وقيمة الهدم من الهادم ،أي
قيمة ما أفسد الهدم من البناء .
استحقاق الجرة :
ن الجرة لو استحقّت فإمّا أن تكون مثليّ ًة أو عينا قيميّ ًة ،فإن كانت
-ذهب الحنفيّة إلى أ ّ 29
الجرة عينا قيميّةً واستحقّت بطلت الجارة ،وتجب قيمة المنفعة ( أجر المثل ) ل قيمة
البدل ،وإن كانت الجرة مثليّ ًة لم تبطل الجارة ويجب المثل .فلو دفع عشرة دراهم أجرةً
فاستحقّت ينبغي أن تجب عشرةٌ مثلها ل قيمة المنفعة .وقال المالكيّة :إن استحقّت الجرة
المعيّنة من يد المؤجّر ،كالدّابّة ونحوها ،فإن كان الستحقاق قبل حرث الرض المؤجّرة أو
ن الجارة تنفسخ من أصلها ،ويأخذ الرض صاحبها ،وإن استحقّت بعد
قبل زرعها ،فإ ّ
حرث الرض أو زرعها فإنّ الجارة بين المؤجّر والمستأجر ل تنفسخ ،وفي هذه الحالة إن
أخذ المستحقّ ماله من المؤجّر ،ولم يجز الجارة ،كان للمؤجّر على المستأجر أجرة المثل ،
وتبقى الرض له ،كما كانت أ ّولً .وإن لم يأخذ المستحقّ ماله من المؤجّر وأبقاه له وأجاز
الجارة ،فإن دفع للمستأجر أجرة حرثه كان الحقّ له في منفعة الرض مدّة الجارة ،وإن
أبى المستحقّ دفع أجرة الحرث قيل للمستأجر :ادفع للمستحقّ أجرة الرض ،ويكون لك
منفعتها ،فإن دفع انتهى المر ،وإن لم يدفع قيل له :سلّم الرض له مجّانا مدّة الجارة بل
مقابلٍ عن الحرث .أمّا إذا كانت الجرة شيئا غير معيّنٍ كالنّقود والمكيل والموزون واستحقّ ،
فإنّ الجارة ل تنفسخ ،سواءٌ أكان الستحقاق قبل الحرث أم بعده ،وذلك لقيام عوضه مقامه
.
استحقاق الرض الّتي بها غراسٌ أو بناءٌ للمستأجر :
-لو استحقّت الرض المؤجّرة وقد غرس فيها المستأجر ،فإنّ الفقهاء يختلفون في قلع 30
أ -تخيير المستحقّ بين الرّجوع على الواهب أو على الموهوب له ،أمّا على الواهب فلنّه
سبب إتلف ماله ،وأمّا على الموهوب له فلنّه هو المستهلك له ،وهو قول المالكيّة ،
والشّافعيّة ،والحنابلة ،غير أنّ المالكيّة جعلوا الرّجوع على الموهوب له عند تعذّر الرّجوع
على الواهب ،ويكون للموهوب له من الغلّة قيمة عمله وعلجه .فإن رجع على الواهب فل
شيء له على الموهوب له ،صرّح بذلك الشّافعيّة ،والحنابلة .وإن رجع على الموهوب له
رجع هذا على الواهب عند الحنابلة ،ذكر ذلك صاحب كشّاف القناع قولً واحدا ،وشهّره ابن
رجبٍ لنّه دخل على أنّه غير ضامنٍ لشيءٍ فهو مغرورٌ .والخلف يجري كذلك في رجوع
الموهوب له على الواهب عند الشّافعيّة ،وقيل :ل يرجع على الواهب ؛ لنّ الواهب لم يأخذ
منه عوضا فيرجع بعوضه ،وإنّما هو رجلٌ غرّه من أمرٍ قد كان له ألّ يقبله .
ب -الرّجوع على الموهوب له دون الواهب ،وهو قول الحنفيّة ؛ لنّ الهبة عقد تب ّرعٍ
ل له ،فل يستحقّ الموهوب له السّلمة ،ول يثبت به الغرور ؛ ولنّ
والواهب غير عام ٍ
الموهوب له يقبض لنفسه .
استحقاق الموصى به :
-تبطل الوصيّة باستحقاق الموصى به ،فإن استحقّ بعضه بقيت الوصيّة في الباقي ، 32
لنّها تبطل بخروج الموصى به عن ملك الموصي ،وبالستحقاق تبيّن أنّه أوصى بمالٍ غير
مملوكٍ له ،والوصيّة بما ل يملك باطلةٌ .
استحقاق الصّداق :
ن النّكاح ل يبطل باستحقاق الصّداق ،لنّه ليس شرطا لصحّة النّكاح
-يتّفق الفقهاء على أ ّ 33
.لكنّهم يختلفون فيما يجب للزّوجة عند الستحقاق ،ولهم في ذلك اتّجاهان :
الوّل :الرّجوع بقيمة المتقوّم ومثل المثليّ وهو مذهب الحنفيّة ،والحنابلة ،وهو قولٌ
للشّافعيّة ،والمالكيّة معهم في المثليّ مطلقا ،وفي المتقوّم إن كان معيّنا ،فإن كان متقوّما
موصوفا رجعت بالمثل .
والثّاني :الرّجوع بمهر المثل ،وهو قول الشّافعيّة .
استحقاق العوض في الخلع :
-اتّفق فقهاء المذاهب المشهورة على أنّ الخلع ل يبطل بخروج العوض مستحقّا ، 34
واختلفوا فيما يجب للزّوج عند الستحقاق ،ولهم في ذلك اتّجاهان :
أحدهما :الرّجوع بالقيمة أو بالمثل ،وهو مذهب الحنفيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة ؛ لتعذّر تسليم
العوض مع بقاء السّبب الموجب تسليمه ،وهو الخلع إذ هو ل يقبل النّقض بعد تمامه .إلّ أنّ
الحنابلة قالوا بالقيمة إن كان العوض مقوّما ،وبالمثل إن كان مثليّا ،وقال المالكيّة بوجوب
القيمة إن كان معيّنا ،فإن كان موصوفا ففيه المثل .
والثّاني :بينونة المرأة بمهر المثل ،وهو قول الشّافعيّة ،لنّه المراد عند فساد العوض .
استحقاق الضحيّة :
ن الضحيّة المستحقّة ل تجزئ عن الذّابح ول عن
-الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة على أ ّ 35
المستحقّ ،استثنى الحنفيّة من ذلك ما لو ضمّنه المالك قيمتها فإنّها تجزئ عن الذّابح .وفي
لزوم البدل قال الحنفيّة ،يلزم كلّ منهما أن يضحّي عند عدم الجزاء ،فإن فات وقت النّحر
فعلى الذّابح أن يتصدّق بقيمة شاةٍ وسطٍ ،وقال الحنابلة يلزمه بدلها إن تعيّنت قبل الستحقاق ،
وكانت واجب ًة قبل التّعيين ،كأن نذرها للضحيّة ،فإن كان الستحقاق قبل التّعيين فل يلزمه
بدلها لعدم صحّة التّعيين حينئذٍ .وقال المالكيّة :تتوقّف الضحيّة المستحقّة على إجازة
المستحقّ ،فإن أجاز البيع أجزأت قطعا .
استحقاق بعض المقسوم :
-للفقهاء في بطلن القسمة وبقائها صحيح ًة -عند استحقاق بعض المقسوم -اتّجاهاتٌ : 36
أ -أوّلها :بقاء القسمة صحيحةً إن كان المستحقّ بعضا معيّنا وهو قول الحنفيّة ،سواءٌ
عندهم في ذلك كون الجزء المستحقّ المعيّن في نصيب أحد الشّريكين أم في نصيب كلّ منهما
،فإن كان في نصيب أحدهما رجع على شريكه بحصّته من المستحقّ .والشّافعيّة والحنابلة
يرون بقاءها صحيحةً إن كان الستحقاق في نصيب الشّريكين على السّواء .
ل ،أو شائعا في أحد
ب -بطلن القسمة وهو قول الحنفيّة إن كان الستحقاق شائعا في الك ّ
النصبة عند أبي يوسف .والبطلن أيضا قول الشّافعيّة ،والحنابلة إن كان المستحقّ بعضا
ن المستحقّ شريكٌ لهما وقد اقتسما من غير حضوره ول إذنه ،فأشبه ما لو كان
شائعا ؛ ل ّ
لهما شريكٌ يعلّمانه فاقتسما دونه ،ومثل الشّائع عند الشّافعيّة والحنابلة أيضا المعيّن المستحقّ
في نصيب أحدهما فقط أو في نصيب أحدهما أكثر من الخر ؛ لنّها قسمةٌ لم تعدل فيها السّهام
فكانت باطلةً .
ج -بطلن القسمة في القدر المستحقّ إن كان شائعا وثبوت الخيار في الباقي بين إنفاذه
القسمة أو إلغائها .وهو أظهر الطّريقين عند الشّافعيّة .
د -التّخيير بين التّمسّك بالباقي وعدم الرّجوع بشيءٍ ،وبين رجوعه فيما بيد شريكه بنصف
قدر المستحقّ إن كان قائما ،وإلّ فبنصف قيمته يوم قبضه ،وهو قول المالكيّة إن استحقّ
النّصف أو الثّلث ،فإن كان المستحقّ الرّبع فل خيار له والقسمة باقيةٌ ل تنقض ،وليس له
الرّجوع إلّ بنصف قيمة ما استحقّ .
هـ -التّخيير بين إبقاء القسمة على حالها فل يرجع بشيءٍ وبين فسخ القسمة ،وهو قول
المالكيّة إن استحقّ الكثر ،وهو ما زاد عن النّصف و -التّخيّر بين ردّ الباقي والقتسام ثانيا
،وبين البقاء على القسمة والرّجوع على الشّريك بقدر ما استحقّ ،وهو قول أبي حنيفة إن
استحقّ جزءٌ شائعٌ من نصيب أحدهما وحده ،وتنتقض القسمة عند أبي يوسف كما تقدّم .
*استحللٌ
التّعريف
ل الشّيء :بمعنى اتّخذه حللً ،أو سأل غيره أن يحلّه له وتحلّلته
-هو مصدر استح ّ 1
واستحللته :إذا سألته أن يجعلك في حلّ من قبله .ويستعمله الفقهاء بالمعنى اللّغويّ ،وبمعنى
اعتقاد الحلّ .
الحكم الجماليّ :
فإن كان فيه تحليل ما حرّمه الشّارع فهو حرامٌ ،وقد يكفر به إذا كان التّحريم معلوما من
الدّين بالضّرورة .فمن استحلّ على جهة العتقاد محرّما -علم تحريمه من الدّين بالضّرورة
ن إنكار ما ثبت ضرور ًة أنّه من دين مح ّمدٍ صلى ال
-دون عذرٍ يكفر وسبب التّكفير بهذا أ ّ
عليه وسلم فيه تكذيبٌ له صلى ال عليه وسلم ،وقد ضرب الفقهاء أمثل ًة لذلك باستحلل القتل
والزّنى ،وشرب الخمر ، ،والسّحر .وقد يكون الستحلل حراما ،ويفسق به المستحلّ ،
لكنّه ل يكفر ،كاستحلل البغاة أموال المسلمين ودماءهم .ووجه عدم التّكفير أنّهم متأوّلون .
ويترتّب على الفسق بالستحلل حينئذٍ عدم قبول قضاء قاضيهم عند عامّة الفقهاء ،إلّ رأيا
للمالكيّة يقضي بتعقّب أقضيتهم ،فما كان منها صوابا نفذ ،وما كان على خلف كذلك ردّ .
وردّ شهادتهم كنقض قضائهم كما صرّح بذلك كثيرٌ من الفقهاء .ولتفصيل هذه الحكام ( ر :
بغيٌ ) .
وأمّا الستحلل بمعنى :اتّخاذ الشّيء حللً .كاستحلل الفروج بطريق النّكاح ،فقد يكون
مكروها ،أو مباحا ،أو مستحبّا .
ل فقد يكون واجبا ،كالستحلل من الغيبة
وأمّا الستحلل بمعنى :طلب جعل الشّخص في ح ّ
إن علم بها المغتاب ،وقد يكون مباحا كاستحلل الغاصب من المغصوب بدلً من ردّ
المغصوب ،وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في أحكام الغيبة والغصب .
مواطن البحث :
-جاء لفظ الستحلل في كثيرٍ من المواطن ،كالقتل ،وحدّ الزّنى ،وشرب الخمر ، 3
والبغي ،والرّدّة ،والتّوبة ،والغيبة .ويرجع في كلّ مح ّرمٍ إلى موطنه لمعرفة حكم استحلله
.
*استحياءٌ
التّعريف
ن متعدّد ٍة منها :
-الستحياء يأتي في اللّغة بمعا ٍ 1
أ -بمعنى الحياء ،وهو :النزواء والنقباض ،وقيّد بعضهم هذا النقباض ليكون استحياءً
بأن يكون انقباضا عن القبائح .وقد ورد الستحياء بهذا المعنى في عد ٍد من آيات القرآن
ل شأنه في سورة القصص { :فجاءته إحداهما تمشي على استحياءٍ قالت
الكريم ،منها قوله ج ّ
ن اللّه ل
ل في سورة البقرة { :إ ّ
ن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } وقوله عزّ وج ّ
إّ
ل في سورة الحزاب
يستحيي أن يضرب مثلً ما بعوض ًة فما فوقها } وقوله ع ّز من قائ ٍ
{ واللّه ل يستحيي من الحقّ } والستحياء -بهذا المعنى -مرغّبٌ فيه في الجملة ،وتفصيله
في مصطلح ( حياءٌ ) .
ب -بمعنى البقاء على الحياة ،فيقال :استحييت فلنا إذا تركته حيّا ولم أقتله ،ومن ذلك
قوله تعالى في سورة القصص { :يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم } أي يبقيهم أحياءً .
واستعمل الفقهاء كلمة استحيا ٍء بهذين المعنيين ،فقالوا في البكر :تستأذن في النّكاح ،وإذنها
صماتها ،لنّها تستحيي من النّطق .وقالوا في السرى يقعون في يد المسلمين :إن شاء أمير
المؤمنين استحياهم ،وإن شاء قتلهم .وكثيرا ما يعبّرون عن الستحياء بلفظ البقاء على
الحياة ،فيقولون في الصّغير يأبى الرّضاع من غير أمّه :تجبر أمّه على إرضاعه إبقاءً على
حياته الستحياء بمعنى إدامة الحياة .
اللفاظ ذات الصّلة
الحياءٌ :
-كلمة « إحياءٌ » تستعمل في إيجاد الحياة فيما ل حياة فيه ،كقوله تعالى { :كيف تكفرون 2
باللّه وكنتم أمواتا فأحياكم } .أمّا كلمة « استحياءٍ » فإنّها تستعمل في إدامة الحياة الموجودة ،
ن الحياء مسبوقٌ بالعدم ،
وعدم إعدامها ،كما تقدّم في المثلة السّابقة .فالفرق بينهما أ ّ
بخلف الستحياء .
صفته :الحكم التّكليفيّ :
-ل يمكن اطّراد الستحياء على حكمٍ واح ٍد ،نظرا لختلف أحوال الستحياء ،بل تتعاقبه 3
بأمرين :
أوّلهما :بدفع التّلف عنها بإزالة سببه ،كالجوع والعطش ،وإطفاء الحريق أو الهرب منه ،
ن ركابها لو ألقوا أنفسهم في
كما إذا احترقت سفينةٌ ولم يمكن إطفاؤها ،وغلب على الظّنّ أ ّ
الماء نجوا ،وجب عليهم ذلك .
ض إلى الموت حتما ؛ ولنّ الشّفاء بتناول
وليس من هذا تناول الدّواء ؛ لنّ المرض غير مف ٍ
الدّواء غير مقطوعٍ به ،لكن التّداوي مطلوبٌ شرعا ؛ لحديث « تداووا عباد اللّه » فإن لم يكن
س غير
في دفع التّلف عن نفسه إتلفٌ للغير ،أو لعض ٍو من أعضائه ،أو كان فيه إتلفٌ لنف ٍ
محترمةٍ وجب عليه استحياء نفسه ،كما هو الحال في طلب الزّاد ممّن هو معه وهو مستغنٍ
عنه ،أو في دفع الصّائل على النّفس .وإن كان في إحياء نفسه إتلفٌ لنفسٍ محترمةٍ ،فإنّه ل
يجوز له القدام على هذا التلف إحياءً لنفسه ؛ لنّ الضّرر ل يزال بضرر مثله .
ثانيهما :عدم القدام على إماتة نفسه بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ ،أمّا إماتة نفسه بشكلٍ
مباشرٍ كما إذا بعج بطنه بحديدةٍ ،أو ألقى نفسه من شاهقٍ ليموت ،فمات ،لقوله صلى ال
ل فهو في نار جهنّم ،يتردّى خالدا مخلّدا فيها أبدا ،ومن
عليه وسلم « :من تردّى من جب ٍ
تحسّى سمّا فسمّه بيده ،يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا ،ومن وجأ بطنه بحديدةٍ
فحديدته في يده ،يجأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا » وتفصيل ذلك في
كتاب الجنايات من كتب الفقه ،أو كتاب الحظر والباحة ،عند كلمهم على النتحار ( ر :
انتحارٌ ) .
وأمّا إماتة نفسه بشكلٍ غير مباشرٍ ،كما إذا اقتحم عدوّا ،أو مجموعةً من اللّصوص ،وهو
ل ل محالة ،دون أن يقتل منهم أحدا ،أو يوقع فيهم نكايةً ،أو يؤثّر فيهم أثرا
ن أنّه مقتو ٌ
موق ٌ
ن هذا إلقا ٌء للنّفس في التّهلكة ،واللّه تعالى يقول { :ول تلقوا بأيديكم
ينتفع به المسلمون ؛ ل ّ
إلى التّهلكة } ،ومحلّ تفصيل ذلك كتاب الجهاد من كتب الفقه ( ر :جهادٌ ) .
ن حرمة نفسه عليه فوق حرمة نفسٍ أخرى ،
-واستحياء نفسه مقدّ ٌم على استحياء غيره ؛ ل ّ 5
ن من قتل نفسه كان إثمه أكثر ممّن قتل غيره ،ومن هنا قرّر الفقهاء أنّ
وبنا ًء على ذلك فإ ّ
ل ،ثمّ على غيره كما هو معروفٌ في النّفقات ( ر :نفقةٌ )
المرء يكلّف بالنفاق على نفسه أ ّو ً
،وكمن اضطرّ إلى طعام غيره استحياءً لنفسه ،وصاحب الطّعام مضطرّ لطعامه استحياءً
لنفسه أيضا ،فصاحب الطّعام أولى به من غيره .
استحياء النسان غيره :
-يشترط في المستحيي لغيره حتّى يجب عليه الستحياء ما يلي : 6
-أن يكون المستحيي مكلّفا عالما بحاجة المستحيا إلى الستحياء ؛ لنّه ل يثبت الوجوب 1
حيوانا -وتبدأ الحياة المحترمة بنفخ الرّوح في الجنين بل خلفٍ .وفي ابتدائها قبل نفخ
ض ) .وتهدر هذه الحرمة للحياة ويسقط وجوب الستحياء بما يلي
الرّوح خلفٌ ( .ر :إجها ٌ
:
أ -بإهدار اللّه تعالى لها أصلً ،كما هو الحال في إهدار حرمة حياة الخنزير .
ب -أو بتصرّفه تصرّفا اعتبره الشّارع موجبا لهدار دمه ،كقتال المسلمين ( ر :بغيٌ )
( وجهادٌ ) والقتل ( ر :جنايةٌ ) وال ّردّة ( ر :ردّ ٌة ) وزنى المحصن ( ر :إحصانٌ ) والسّحر
عند البعض ( ربّ سحرٍ ) .
ج -أو بالضّرر ،بأصل خلقته ،كالحيوانات المؤذية بأصل خلقتها ،كالخمس الفواسق الّتي
ب ليس على المحرم في
نصّ عليها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بقوله « :خمسٌ من الدّوا ّ
ن جناحٌ :الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور » وزاد أبو داود « السّبع
قتله ّ
العادي » ( المتعدّي ) ونحو ذلك .
د -أو بالضّرر وقوعا إذا لم يمكن دفع ضرره إلّ بقتله ،كالصّائل من الحيوان والنسان .
الجبار على الستحياء :
-إذا تعيّن وجوب الستحياء أجبر عليه عند توفّر الشّروط السّابقة وتعيّن لذلك ،كما إذا 9
رفض الصّغير الرّضاع من ثديٍ غير ثدي أمّه ،فإنّها تجبر على إرضاعه استحياءً له ( .ر
:رضاعٌ ) .
وجوب الستحياء في الزّمن الّذي يتّسع له :
-يجب الستحياء في الزّمن الّذي يمكن أن يتحقّق به الستحياء ،وأوّله وقت الحاجة إلى 10
الستحياء ،وآخره هو الفراغ من الستحياء ،فإنقاذ الغريق حدّد له الشّرع الزّمان ،فأوّله :
ما يلي زمن السّقوط ،وآخره الفراغ من إنقاذه .
*استخارةٌ
التّعريف
-الستخارة لغ ًة :طلب الخيرة في الشّيء .يقال :استخر اللّه يخر لك .وفي الحديث « : 1
كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يعلّمنا الستخارة في المور كلّها » .
واصطلحا :طلب الختيار .أي طلب صرف الهمّة لما هو المختار عند اللّه والولى ،
بالصّلة ،أو الدّعاء الوارد في الستخارة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الطّيرة :
-الطّيرة :ما يتشاءم به من الفأل الرّديء ،وفي الحديث عنه صلى ال عليه وسلم « أنّه 2
-الفأل ما يستبشر به ،كأن يكون مريضا فيسمع من يقول :يا سالمٌ ،أو يكون طالبا 3
فيسمع من يقول :يا واجدٌ ،وفي الحديث « :كان صلى ال عليه وسلم يحبّ الفأل » .
ج -الرّؤيا :
د -الستقسام :
-الستفتاح :طلب النّصر وفي الحديث « :كان صلى ال عليه وسلم يستفتح ويستنصر 6
بصعاليك المسلمين » وبعض النّاس قد يستفتح ويستطلع الغيب من المصحف أو الرّمل أو
القرعة ،وهذا ل يجوز لحرمته .قال الطّرطوشي وأبو الحسن المغربيّ وابن العربيّ :هو
ن اللّه قد رفعه بعد نبيّه صلى ال
من الزلم ،لنّه ليس لحدٍ أن يتعرّض للغيب ويطلبه ؛ ل ّ
ل في الرّؤيا .
عليه وسلم إ ّ
صفتها :حكمها التّكليفيّ :
رضي ال عنه قال « :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يعلّمنا الستخارة في المور كلّها ،
كالسّورة من القرآن :إذا ه ّم أحدكم بالمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ يقول » :
إلخ ،وقال صلى ال عليه وسلم « :من سعادة ابن آدم استخارة اللّه عزّ وجلّ » .
حكمة مشروعيّتها :
-حكمة مشروعيّة الستخارة ،هي التّسليم لمر اللّه ،والخروج من الحول والطّول ، 8
واللتجاء إليه سبحانه .للجمع بين خيري الدّنيا والخرة .ويحتاج في هذا إلى قرع باب الملك
،ول شيء أنجع لذلك من الصّلة والدّعاء ؛ لما فيها من تعظيم اللّه ،والثّناء عليه ،والفتقار
إليه قالً وحالً .
سببها :ما يجري فيه الستخارة :
ن الستخارة تكون في المور الّتي ل يدري العبد وجه
-اتّفقت المذاهب الربعة على أ ّ 9
الصّواب فيها ،أمّا ما هو معروفٌ خيره أو شرّه كالعبادات وصنائع المعروف والمعاصي
والمنكرات فل حاجة إلى الستخارة فيها ،إلّ إذا أراد بيان خصوص الوقت كالحجّ مثلً في
سنّة ؛ لحتمال عدوّ أو فتنةٍ ،والرّفقة فيه ،أيرافق فلنا أم ل ؟ وعلى هذا فالستخارة
هذه ال ّ
ل محلّ لها في الواجب والحرام والمكروه ،وإنّما تكون في المندوبات والمباحات .
والستخارة في المندوب ل تكون في أصله ؛ لنّه مطلوبٌ ،وإنّما تكون عند التّعارض ،أي
إذا تعارض عنده أمران أيّهما يبدأ به أو يقتصر عليه ؟ أمّا المباح فيستخار في أصله .وهل
ن فيه « إن كنت تعلم
يستخير في معيّنٍ أو مطلقٍ ؟ اختار بعضهم الوّل ؛ لظاهر الحديث .ل ّ
ن هذا المر » إلخ ،واختار ابن عرفة الثّاني ،وقال الشّعرانيّ :وهو أحسن ،وقد جرّبناه
أّ
فوجدناه صحيحا .
متى يبدأ الستخارة ؟
-ينبغي أن يكون المستخير خالي الذّهن ،غير عازمٍ على أمرٍ معيّنٍ ،فقوله صلى ال 10
عليه وسلم في الحديث « :إذا همّ » يشير إلى أنّ الستخارة تكون عند أوّل ما يرد على القلب
،فيظهر له ببركة الصّلة والدّعاء ما هو الخير ،بخلف ما إذا تمكّن المر عنده ،وقويت
فيه عزيمته وإرادته ،فإنّه يصير إليه ميلٌ وحبّ ،فيخشى أن يخفى عنه الرّشاد ؛ لغلبة ميله
ن الخاطر ل يثبت فل يستمرّ
إلى ما عزم عليه .ويحتمل أن يكون المراد بالهمّ العزيمة ؛ ل ّ
ل لو استخار في كلّ خاطرٍ لستخار
إلّ على ما يقصد التّصميم على فعله من غير ميلٍ .وإ ّ
فيما ل يعبأ به ،فتضيع عليه أوقاته .ووقع في حديث أبي سعيدٍ « إذا أراد أحدكم أمرا فليقل
. » ...
الستشارة قبل الستخارة :
ب أن يستشير قبل الستخارة من يعلم من حاله النّصيحة والشّفقة
-قال النّوويّ :يستح ّ 11
والخبرة ،ويثق بدينه ومعرفته .قال تعالى { :وشاورهم في المر } وإذا استشار وظهر أنّه
مصلح ٌة ،استخار اللّه تعالى في ذلك .قال ابن حج ٍر الهيثميّ :حتّى عند المعارض ( أي تقدّم
ن الطّمأنينة إلى قول المستشار أقوى منها إلى النّفس لغلبة حظوظها وفساد
الستشارة ) ل ّ
خواطرها .وأمّا لو كانت نفسه مطمئنّةً صادقةٌ إرادتها متخلّيةً عن حظوظها ،قدّم الستخارة
.
كيفيّة الستخارة :
ث:
-ورد في الستخارة حالتٌ ثل ٌ 12
الولى :وهي الوفق ،واتّفقت عليها المذاهب الربعة ،تكون بركعتين من غير الفريضة
بنيّة الستخارة ،ثمّ يكون الدّعاء المأثور بعدها .
الثّانية :قال بها المذاهب الثّلثة :الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة ،تجوز بالدّعاء فقط من
غير صل ٍة ،إذا تعذّرت الستخارة بالصّلة والدّعاء معا .
ي صلةٍ
الثّالثة :ولم يصرّح بها غير المالكيّة ،والشّافعيّة ،فقالوا :تجوز بالدّعاء عقب أ ّ
كانت مع نيّتها ،وهو أولى ،أو بغير نيّتها كما في تحيّة المسجد .ولم يذكر ابن قدامة إلّ
الحالة الولى ،وهي الستخارة بالصّلة والدّعاء .وإذا صلّى الفريضة أو النّافلة ،ناويا بها
الستخارة ،حصل له بها فضل سنّة صلة الستخارة ،ولكن يشترط ال ّنيّة ؛ ليحصل الثّواب
قياسا على تحيّة المسجد ،وعضّد هذا الرّأي ابن حجرٍ الهيثميّ ،وقد خالف بعض المتأخّرين
في ذلك ونفوا حصول الثّواب واللّه أعلم .
وقت الستخارة :
ت من الوقات ؛ لنّ
-أجاز القائلون بحصول الستخارة بالدّعاء فقط وقوع ذلك في أيّ وق ٍ 13
الدّعاء غير منهيّ عنه في جميع الوقات .أمّا إذا كانت الستخارة بالصّلة والدّعاء فالمذاهب
ص المالكيّة والشّافعيّة صراح ًة على المنع غير أنّ
الربعة تمنعها في أوقات الكراهة .ن ّ
الشّافعيّة أباحوها في الحرم الم ّكيّ في أوقات الكراهة ،قياسا على ركعتي الطّواف .لما روي
عن جبير بن مطعمٍ « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :يا بني عبد منافٍ ل تمنعوا
أحدا طاف بهذا البيت وصلّى في أيّ ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ » .وأمّا الحنفيّة والحنابلة فلعموم
المنع عندهم .فهم يمنعون صلة النّفل في أوقات الكراهة ،لعموم أحاديث النّهي ،ومنها :
س قال « :شهد عندي رجالٌ مرضيّون ،وأرضاهم عندي عمر رضي ال
روى ابن عبّا ٍ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى عن الصّلة بعد الصّبح حتّى تشرق الشّمس ،وبعد
عنه ،أ ّ
العصر حتّى تغرب » .وعن « عمرو بن عبسة قال :قلت يا رسول اللّه :أخبرني عن
الصّلة .قال :صلّ صلة الصّبح ،ثمّ اقصر عن الصّلة حين تطلع الشّمس حتّى ترتفع ،
فإنّها تطلع بين قرني الشّيطان ،وحينئذٍ يسجد لها الكفّار ،ثمّ صلّ فإنّ الصّلة محضورةٌ
ل الظّلّ بالرّمح ،ثمّ اقصر عن الصّلة فإنّه حينئذٍ تسجر جهنّم ،فإذا أقبل
مشهودةٌ حتّى يستق ّ
الفيء فصلّ ،فإنّ الصّلة مشهود ٌة محضور ٌة حتّى تصلّي العصر ،ثمّ اقصر عن الصّلة حتّى
تغرب الشّمس ،فإنّها تغرب بين قرني الشّيطان ،وحينئذٍ يسجد لها الكفّار »
كيفيّة صلة الستخارة :
ن الفضل في صلة الستخارة أن تكون ركعتين .
-اتّفق فقهاء المذاهب الربعة على أ ّ 14
ولم يصرّح الحنفيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة ،بأكثر من هذا ،أمّا الشّافعيّة فأجازوا أكثر من
الرّكعتين ،واعتبروا التّقييد بالرّكعتين لبيان أقلّ ما يحصل به .
القراءة في صلة الستخارة :
-فيما يقرأ في صلة الستخارة ثلثة آراءٍ : 15
أ -قال الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة :يستحبّ أن يقرأ في الرّكعة الولى بعد الفاتحة { قل
يا أيّها الكافرون } ،وفي الثّانية { قل هو اللّه أحدٌ } .وذكر النّوويّ تعليلً لذلك فقال :ناسب
التيان بهما في صلةٍ يراد منها إخلص الرّغبة وصدق التّفويض وإظهار العجز ،وأجازوا
أن يزاد عليهما ما وقع فيه ذكر الخيرة من القرآن الكريم .
ب -واستحسن بعض السّلف أن يزيد في صلة الستخارة على القراءة بعد الفاتحة بقوله
تعالى { :وربّك يخلق ما يشاء ويختار .ما كان لهم الخيرة سبحان اللّه وتعالى عمّا يشركون
ل هو له الحمد في الولى
ن صدورهم وما يعلنون .وهو اللّه ل إله إ ّ
.وربّك يعلم ما تك ّ
والخرة وله الحكم وإليه ترجعون } .في الرّكعة الولى ،وفي الرّكعة الثّانية قوله تعالى { :
وما كان لمؤمنٍ ول مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن
يعص اللّه ورسوله فقد ضلّ ضللً مبينا }
ج -أمّا الحنابلة وبعض الفقهاء فلم يقولوا بقراء ٍة معيّن ٍة في صلة الستخارة .
دعاء الستخارة :
-روى البخاريّ ومسلمٌ عن جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما قال « :كان رسول اللّه 16
صلى ال عليه وسلم يعلّمنا الستخارة في المور كلّها ،كالسّورة من القرآن إذا همّ أحدكم
بالمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ،ثمّ ليقل :اللّهمّ إنّي أستخيرك بعلمك ،وأستقدرك
بقدرتك ،وأسألك من فضلك العظيم ،فإنّك تقدر ول أقدر ،وتعلم ول أعلم ،وأنت علّم
ن هذا المر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال
الغيوب .اللّهمّ إن كنت تعلم أ ّ
عاجل أمري وآجله -فاقدره لي ويسّره لي ،ثمّ بارك لي فيه ،وإن كنت تعلم أنّ هذا المر
ش ّر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال عاجل أمري وآجله -فاصرفه عنّي
واصرفني عنه .واقدر لي الخير حيث كان ،ثمّ رضّني به .قال :ويسمّي حاجته » .قال
الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة :يستحبّ افتتاح الدّعاء المذكور وختمه بالحمد للّه والصّلة
والتّسليم على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
استقبال القبلة في الدّعاء :
-يستقبل القبلة في دعاء الستخارة رافعا يديه مراعيا جميع آداب الدّعاء . 17
عليه وسلم « يستجاب لحدكم ما لم يعجل .يقول :دعوت فلم يستجب لي » .كما يطلب منه
الرّضا بما يختاره اللّه له .
تكرار الستخارة :
-قال الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة :ينبغي أن يكرّر المستخير الستخارة بالصّلة 20
) « :ثمّ انظر إلى الّذي 20 لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم في الحديث المتقدّم في ( فقرة
ن الخير فيه » أي فيمضي إلى ما انشرح به صدره ،وشرح الصّدر :عبارةٌ
سبق إلى قلبك فإ ّ
عن ميل النسان وحبّه للشّيء من غير هوًى للنّفس ،أو ميلٍ مصحوبٍ بغرضٍ ،على ما
قرّره العدويّ .قال الزّملكانيّ من الشّافعيّة :ل يشترط شرح الصّدر .فإذا استخار النسان
ربّه في شيءٍ فليفعل ما بدا له ،سوا ٌء انشرح له صدره أم ل ،فإنّ فيه الخير ،وليس في
الحديث انشراح الصّدر .
ب -علمات عدم القبول :
-وأمّا علمات عدم القبول فهو :أن يصرف النسان عن الشّيء ،لنصّ الحديث ،ولم 23
*استخدامٌ
التّعريف
-الستخدام لغةً :سؤال الخدمة ،أو اتّخاذ الخادم .ول يخرج الستعمال الفقهيّ عن هذين 1
المعنيين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الستعانة :
ن كلّ
-الستعانة لغةً واصطلحا :طلب العانة .فيتّفق الستخدام مع الستعانة في أ ّ 2
-الستئجار لغةً واصطلحا :طلب إجارة العين أو الشّخص .فبين الستئجار والستخدام 3
عمومٌ وخصوصٌ من وجهٍ ،فالستئجار للزّراعة ،ورعي الغنام ل يسمّى خدمةً ،وكذلك ل
يقال للمستأجر لتعليم القرآن خادمٌ ،وينفرد الستخدام إن كان بغير أجرةٍ .
الحكم الجماليّ :
-يختلف حكم الستخدام باختلف الخادم والمخدوم ،والغرض الدّاعي إلى الستخدام ،ممّا 4
يجعل الحكام الخمسة تعتريه .فالوالي يباح أن يخصّص له خادمٌ -كجزءٍ من عمالته الّتي
هي أجرة مثله -ما لم يكن ذلك ترفّها » .ويكون خلف الولى إن استعان بمن يصبّ عليه
ماء الوضوء دون عذرٍ .فإن استعان بدون عذرٍ في غسل أعضاء الوضوء كره ويكون واجبا
،كالعاجز عن الوضوء يستخدم من يعينه على تلك العبادة .ويكون مندوبا كخدمة أهل
المجاهد وخدمة المسجد .ويكون حراما ،كاستئجار الكافر للمسلم ،والبن أباه عند من يقول
بذلك على ما سيأتي ،ويجب على الحاكم منع الستخدام المحرّم .وفي استخدام المسلم للكافر
وعكسه ،واستخدام الذّكر للنثى وعكسه تجري القاعدة في أمن الفتنة وعدمه ،وفي المتهان
) 102 والذلل وعدمه ،وتفصيل ذلك في مصطلح إجارةٌ ( ف /
-ويمتنع استخدام البن أباه سواءٌ أكان على سبيل الستعارة أم على سبيل الستئجار ؛ 5
شريفةً يخدم مثلها ،ول يحلّ للزّوجة استخدام زوجها إذا كان للهانة والذلل .
*استخفافٌ
التّعريف
-من معاني الستخفاف لغ ًة :الستهانة .ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك .وقد 1
اختلف اعتقاداتهم ،كاللّعن والتّقبيح ،سوا ٌء أكان هذا الستخفاف القوليّ باسمٍ من أسمائه أم
صف ٍة من صفاته تعالى ،منتهكا لحرمته انتهاكا يعلم هو نفسه أنّه منتهكٌ مستخفّ مستهزئٌ .
مثل وصف اللّه بما ل يليق ،أو الستخفاف بأمرٍ من أوامره ،أو وعدٍ من وعيده ،أو قدره .
وقد يكون بالفعال ،وذلك بكلّ عملٍ يتضمّن الستهانة ،أو النتقاص ،أو تشبيه الذّات
المقدّسة بالمخلوقات ،مثل رسم صور ٍة للحقّ سبحانه ،أو تصويره في مجسّمٍ كتمثالٍ وغيره .
وقد يكون بالعتقاد ،مثل اعتقاد حاجة اللّه تعالى إلى الشّريك حكم الستخفاف باللّه تعالى :
-أجمع الفقهاء على أنّ الستخفاف باللّه تعالى بالقول ،أو الفعل ،أو العتقاد حرامٌ ، 4
فاعله مرتدّ عن السلم تجري عليه أحكام المرتدّين ،سوا ٌء أكان مازحا أم جادّا .قال تعالى :
ن إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ل
{ ولئن سألتهم ليقول ّ
تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } .
الستخفاف بالنبياء :
-الستخفاف بالنبياء وانتقاصهم والستهانة بهم ،كسبّهم ،أو تسميتهم بأسما ٍء شائنةٍ ،أو 5
وصفهم بصفاتٍ مهين ٍة ،مثل وصف النّبيّ بأنّه ساحرٌ ،أو خادعٌ ،أو محتالٌ ،وأنّه يضرّ من
ن نظم ذلك شعرا كان أبلغ في الشّتم ؛ لنّ
ن ما جاء به زو ٌر وباطلٌ ونحو ذلك .فإ ّ
اتّبعه ،وأ ّ
الشّعر يحفظ ويروى ،ويؤثّر في النّفوس كثيرا – مع العلم ببطلنه – أكثر من تأثير
البراهين ،وكذلك إذا استعمل في الغناء أو النشاد .
حكم الستخفاف بالنبياء :
ن المستخفّ بهم مرتدّ ،وهذا فيمن
ن الستخفاف بالنبياء حرامٌ ،وأ ّ
-اتّفق العلماء على أ ّ 6
ثبتت نبوّته بدليلٍ قطعيّ ،لقوله تعالى { :ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ } ،وقوله تعالى { :إنّ
الّذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه في الدّنيا والخرة وأع ّد لهم عذابا مهينا } .وقوله تعالى
ل أم كان جادّا ،لقوله
{ :ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } .وسوا ٌء أكان المستخفّ هاز ً
تعالى { ،قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون .ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } .إلّ
ل للمالكيّة ،والصّحيح
ن العلماء اختلفوا في استتابته قبل القتل ،فالرّاجح عند الحنفيّة ،وقو ٌ
أّ
ن المستخفّ بالرّسول والنبياء ل يستتاب بل يقتل ،ول تقبل توبته في الدّنيا ؛
عند الحنابلة ،أ ّ
ن الّذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه في الدّنيا والخرة وأعدّ لهم عذابا
لقوله تعالى { :إ ّ
مهينا } .وقال المالكيّة ،وهو الرّاجح عندهم ،والشّافعيّة ،وهو رأيٌ للحنفيّة ،والحنابلة :
يستتاب مثل المرتدّ ،وتقبل توبته إن تاب ورجع ،لقوله تعالى { :قل للّذين كفروا إن ينتهوا
يغفر لهم ما قد سلف } ولخبر « :فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم » .
-وفرّق بعض الفقهاء بين الستخفاف بالسّلف ،وبين الستخفاف بغيرهم ،وأرادوا بالسّلف 7
منه ،أو كذب بشي ٍء ممّا صرّح به من حكمٍ أو خبرٍ ،أو شكّ في شيءٍ من ذلك ،أو حاول
إهانته بفع ٍل معيّنٍ ،مثل إلقائه في القاذورات كفر بهذا الفعل .وقد أجمع المسلمون على أنّ
القرآن هو المتل ّو في جميع المصار ،المكتوب في المصحف الّذي بأيدينا ،وهو ما جمعته
ب العالمين } إلى آخر { قل أعوذ بربّ النّاس } .وكذلك من
الدّفّتان من أوّل { الحمد للّه ر ّ
استخفّ بالتّوراة والنجيل ،أو كتب اللّه المنزّلة ،أو كفر بها ،أو سبّها فهو كافرٌ .والمراد
بالتّوراة والنجيل وكتب النبياء ما أنزله اللّه تعالى ،ل ما في أيدي أهل الكتاب بأعيانها ؛
ن بعض ما في تلك الكتب باطلٌ قطعا ،
ن عقيدة المسلمين المأخوذة من النّصوص فيها :أ ّ
لّ
ف بالحاديث النّبويّة الّتي ظهر
ض منه صحيح المعنى وإن حرّفوا لفظه .وكذلك من استخ ّ
وبع ٌ
له ثبوتها .
الستخفاف بالحكام الشّرعيّة :
-اتّفق الفقهاء على كفر من استخفّ بالحكام الشّرعيّة من حيث كونها أحكاما شرعيّةً ، 10
*استخلفٌ
التّعريف
ن فلنا
ن فلنا إذا جعله خليفةً ،ويقال :خلف فل ٌ
-الستخلف لغةً :مصدر استخلف فل ٌ 1
ل ،وبمعنى مفعولٍ
على أهله وماله صار خليفته ،وخلفته جئت بعده ،فخليف ٌة يكون بمعنى فاع ٍ
.وفي الصطلح :استنابة النسان غيره لتمام عمله ،ومنه استخلف المام غيره من
المأمومين لتكميل الصّلة بهم لعذ ٍر قام به ،ومنه أيضا إقامة إمام المسلمين من يخلفه في
المامة بعد موته ،ومنه الستخلف في القضاء على ما سيأتي .وسيقتصر البحث هنا على
الستخلف في الصّلة والقضاء ،وأمّا الستخلف في المامة العظمى فموضع بيانه مصطلح
( خلف ٌة ) ومصطلح ( ولية العهد ) .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّوكيل :
-التّوكيل في اللّغة :التّفويض ونحوه النابة أو الستنابة أو النّيابة .وفي الصطلح : 2
إقامة النسان غيره مقام نفسه في تص ّرفٍ جائ ٍز معلومٍ ممّن يملكه .ويتبيّن من هذا أنّ
الستخلف والتّوكيل لفظان متقاربان ،إلّ أنّ مجال الستخلف أوسع ،إذ هو في بعض
ن التّوكيل
إطلقاته يظهر أثره بعد وفاة المستخلف ،ويشمل الصّلة وغيرها .في حين أ ّ
يقتصر أثره على حياة الموكّل .
صفة الستخلف :حكمه التّكليفيّ :
-يختلف حكم الستخلف باختلف المر المستخلف فيه ،والشّخص المستخلف .فقد يكون 3
واجبا على المستخلف والمستخلف ،كما إذا تعيّن شخصٌ للقضاء ،بأن لم يوجد من يصلح
ليكون قاضيا غيره ،فحينئذٍ يجب على من بيده الستخلف أن يستخلفه ،ويجب على
المستخلف أن يجيبه .وقد يكون حراما كاستخلف من ل يصلح للقضاء لجهله ،أو لطلبه
القضاء بالرّشوة .وقد يكون مندوبا في مثل ما ذهب إليه المالكيّة من استخلف المام غيره
ب على
ب عندهم على المام ،وواج ٌ
في الصّلة إذا سبقه حدثٌ ليتمّ الصّلة بالنّاس ،فهو مندو ٌ
المأمومين إن لم يستخلف في الجمعة ،ومندوبٌ في غيرها .وقد يكون الستخلف جائزا ،
كاستخلف إمام المسلمين عليهم من يخلفه بعد وفاته ،إذ يجوز له أن يترك لهم الختيار بعده
.
أوّلً :الستخلف في الصّلة :
-مذهب الحنفيّة ،والظهر عند الشّافعيّة ،وهو المذهب القديم للشّافعيّ ،وإحدى روايتين 4
للمام أحمد :أنّ الستخلف جائزٌ في الصّلة .وغير الظهر عند الشّافعيّة ،ورواي ٌة أخرى
عن المام أحمد :أنّه غير جائزٍ .وقال أبو بكرٍ من الحنابلة :إذا سبق المام في الصّلة
ن استخلف المام
حدثٌ بطلت صلته وصلة المأمومين روايةٌ واحدةٌ .ومذهب المالكيّة أ ّ
ب في الجمعة وغيرها ،وواجبٌ على المأمومين ،في الجمعة إن لم يستخلف المام
لغيره مندو ٌ
.لنّه ليس لهم أن يصلّوا الجمعة أفذاذا ،بخلف غيرها .وذهب الحنفيّة إلى أنّه لو أحدث
المام وكان الماء في المسجد فإنّه يتوضّأ ويبني ،ول حاجة إلى الستخلف ،وإن لم يكن في
ن الستخلف أفضل في حقّ الكلّ
المسجد ما ٌء ،فالفضل الستخلف .وظاهر المتون أ ّ
ن عمر لمّا طعن -وهو في الصّلة -أخذ بيد عبد الرّحمن بن عوفٍ
ل المجوّزون بأ ّ
استد ّ
فقدّمه ،فأتمّ بالمأمومين الصّلة ،وكان ذلك بمحضرٍ من الصّحابة وغيرهم ،ولم ينكر ،فكان
ن صلة المام قد بطلت ؛ لنّه فقد شرط صحّة الصّلة ،فتبطل
إجماعا .واستدلّ المانعون بأ ّ
صلة المأمومين كما لو تعمّد الحدث .
كيفيّة الستخلف :
-قال صاحب ال ّدرّ المختار من الحنفيّة :يأخذ المام بثوب رجلٍ إلى المحراب ،أو يشير 5
إليه ،ويفعله محدودب الظّهر ،آخذا بأنفه ،يوهم أنّه رعف ،ويشير بأصبعٍ لبقاء ركعةٍ ،
وبأصبعين لبقاء ركعتين ،ويضع يده على ركبته لترك ركوعٍ ،وعلى جبهته لترك سجودٍ ،
وعلى فمه لترك قراءةٍ ،وعلى جبهته ولسانه لسجود تلو ٍة ،وصدره لسجود سه ٍو .ولم يذكر
ن المالكيّة ذكروا أنّه يندب للمام إذا خرج أن يمسك بيده على أنفه
هذا غير الحنفيّة ،إلّ أ ّ
سترا على نفسه .وإذا حصل للمام سبب الستخلف في ركوعٍ أو سجودٍ فإنّه يستخلف ،كما
يستخلف في القيام وغيره ،ويرفع بهم من السّجود الخليفة بالتّكبير ،ويرفع المام رأسه بل
تكبيرٍ ؛ لئلّ يقتدوا به ،ول تبطل صلة المأمومين إن رفعوا رءوسهم برفعه ،وقيل تبطل
صلتهم .
أسباب الستخلف :
-جمهور الفقهاء يجوّزون الستخلف لعذرٍ ل تبطل به صلة المأمومين ،والعذر إمّا 6
خارجٌ عن الصّلة أو متعلّقٌ بها ،والمتعلّق بها إمّا مانعٌ من المامة دون الصّلة ،وإمّا مانعٌ
ن المام إذا سبقه الحدث في الصّلة
من الصّلة .والقائلون بجواز الستخلف اتّفقوا على أ ّ
ل مذهبٍ أسبابٌ وشروطٌ .
ح أو غيرهما ،انصرف واستخلف ،وفي ك ّ
من بولٍ ،أو ري ٍ
ن السباب المجوّزة للستخلف هي المجوّزة
ن لجواز البناء شروطا ،وأ ّ
-فعند الحنفيّة أ ّ 7
غيرها ،بحدثٍ أو غيره ،بشروطٍ هي :أن يكون الستخلف قبل أن يأتي المأمومون بركنٍ ،
وأن يكون المستخلف صالحا للمامة ،وأن يكون مقتديا بالمام قبل حدثه ،ولو صبيّا أو
متنفّلً .
-وعند الحنابلة :للمام أن يستخلف إذا سبقه الحدث في الرّواية المقدّمة عندهم ،كأن قاء 10
أو رعف ،وكذلك إذا تذكّر نجاسةً ،أو جناب ًة لم يغتسل منها ،أو تنجّس في أثناء الصّلة ،أو
ن يمنع الئتمام كالرّكوع والسّجود .
عجز عن إتمام الفاتحة ،أو عن رك ٍ
ثانيا :الستخلف لقامة الجمعة ونحوها :
-اختلف فقهاء الحنفيّة في جواز الستخلف ( بمعنى النابة ) من الخطيب المأذون له من 11
وليّ المر بالخطبة ( بنا ًء على اشتراطهم الذن لقامة الجمعة ) وهل يملك الستنابة للخطبة ؟
وهذا الختلف بين المتأخّرين ناشئٌ من اختلفهم في فهم عبارات مشايخ المذهب .فقال
صاحب الدّرّ :ل يملك ذلك مطلقا ،أي سواءٌ أكان الستخلف لضرور ٍة أم ل ،إلّ أن يفوّض
إليه ذلك .وقال ابن كمالٍ باشا :إن دعت إلى الستخلف ضرور ٌة جاز ،وإلّ ل ،وقال
ب الدّين بن جرباشٍ والتمرتاشي والحصكفيّ والبرهان الحلبيّ وابن نجيمٍ
قاضي القضاة مح ّ
والشرنبللي :يجوز مطلقا بل ضرورةٍ ،وهذه المسألة خاصّةٌ بالحنفيّة ؛ لعدم اشتراط غيرهم
إذن وليّ المر في الخطبة .
الستخلف في أثناء خطبة الجمعة :
ن الخطيب سبقه الحدث وهو
ن الطّهارة في الخطبة سنّةٌ مؤكّدةٌ ،فلو أ ّ
-يرى الحنفيّة أ ّ 12
يخطب ،فإمّا أن يتمّ الخطبة وهو محدثٌ ،وذلك جائزٌ ،وإمّا أن يستخلف فيكون حكمه على
الخلف السّابق في جواز الستنابة في الخطبة .أمّا المذاهب الخرى فالصّحيح عندهم أنّ
الطّهارة سنّةٌ وليست واجبةً لصحّة الخطبة ،فإذا أحدث جاز له إتمام خطبته ،لكن الفضل
الستخلف وأمّا على القول بوجوب طهارة الخطيب فإذا أحدث وجب الستخلف منه أو من
المأمومين ،وهل يبدأ المستخلف من حيث انتهى الخطيب الوّل أم يستأنف الخطبة من أوّلها ؟
صرّح المالكيّة بأنّه من حيث انتهى الوّل إن علم ،وإلّ ابتدأ الخطبة .
الستخلف في صلة الجمعة :
-ذهب الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة -في الجديد -والحنابلة في رواي ٍة هي المذهب 13
إلى :جواز الستخلف في صلة الجمعة لعذرٍ ،هذا إذا أحدث المام بعد الخطبة وقبل
الشّروع في الصّلة فقدّم رجلً يصلّي بالنّاس ،فإن كان المقدّم ممّن شهد الخطبة أو شيئا منها
جاز اتّفاقا ،وإن لم يكن شهد شيئا من الخطبة ،أو كان الحدث في أثناء الصّلة فهناك تفصيلٌ
في المذاهب إليك بيانه :
-ذهب الحنفيّة إلى أنّه إن لم يكن المقدّم قد شهد شيئا من الخطبة فإن استخلفه المام قبل 14
أن يشرع في الصّلة لم يجز الستخلف ،وعلى من يؤمّهم أن يصلّي بهم الظّهر أربعا ؛ لنّه
منشئٌ للجمعة ،وليس ببانٍ تحريمته على تحريمة المام ،والخطبة شرط إنشاء الجمعة ولم
توجد .أمّا لو شرع المام في الصّلة ثمّ أحدث ،فقدّم رجلً جاء ساعة القامة ،أي لم يشهد
ن تحريمة الوّل انعقدت للجمعة لوجود شرطها
شيئا من الخطبة جاز وصلّى بهم الجمعة ؛ ل ّ
وهو الخطبة ،والثّاني بنى تحريمته على تحريمة المام .والخطبة شرط انعقاد الجمعة في
ق من يبني تحريمته على تحريمة غيره ،بدليل
حقّ من ينشئ التّحريمة في الجمعة ،ل في ح ّ
ن المقتدي بالمام تصحّ جمعته وإن لم يدرك الخطبة لهذا المعنى ،فكذا إذا استخلف المام
أّ
ن المام إذا أحدث وقدّم رجلً لم يشهد
بعدما شرع في الصّلة .وذكر الحاكم في المختصر :أ ّ
الخطبة ،فأحدث المقدّم قبل الشّروع لم يجز للثّاني الستخلف ؛ لنّه ليس من أهل إقامة
الجمعة بنفسه .
-وذهب المالكيّة إلى أنّه لو أحدث بعد الخطبة ،أو بعدما أحرم ،فاستخلف من لم يشهدها 15
فصلّى بهم أجزأتهم ،وإن خرج المام ولم يستخلف لم يصلّوا أفذاذا ،ويستخلفون من يتمّ
بهم ،وأولى أن يقدّموا من شهد الخطبة ،وإن استخلفوا من لم يشهدها أجزأتهم ،ول يجوز
استخلف من ل تجب عليه الجمعة كالمسافر ،وقال مالكٌ :أكره استخلف من لم يشهد
الخطبة .
-وذهب الشّافعيّ في القديم إلى أنّه ل يستخلف ،وفي الجديد يستخلف ،فعلى القول القديم 16
إن أحدث المام بعد الخطبة وقبل الحرام لم يجز له أن يستخلف ؛ لنّ الخطبتين مع الرّكعتين
كالصّلة الواحدة ،فلمّا لم يجز أن يستخلف في صلة الظّهر بعد الرّكعتين -كما ل يجوز
فيهما -لم يجز له أن يستخلف في صلة الجمعة بعد الخطبتين ،وإن أحدث بعد الحرام ففيه
قولن .أحدهما :يتمّون الجمعة فرادى ؛ لنّه لمّا لم يجز الستخلف بقوا على حكم
الجماعة ،فجاز لهم أن يصلّوا فرادى .والثّاني :أنّه إذا كان الحدث قبل أن يصلّي بهم ركعةً
صلّوا الظّهر ،وإن كان بعض الرّكعة صلّوا ركع ًة أخرى فرادى ( كالمسبوق إذا لم يدرك
ركع ًة أتمّ الظّهر ،وإن أدرك ركعةً أتمّ جمع ًة ) .أمّا في المذهب الجديد فإن استخلفه من لم
يحضر الخطبة لم يجز ؛ لنّ من حضر كمّل -أي العدد المطلوب وهو أربعون -بالسّماع
فانعقدت به الجمعة ،ومن لم يحضر لم يكمل ،فلم تنعقد به الجمعة ،ولهذا لو خطب بأربعين
فقاموا وصلّوا الجمعة جاز ،ولو حضر أربعون لم يحضروا الخطبة فصلّوا الجمعة لم يجز .
وإن كان الحدث بعد الحرام .فإن كان في الرّكعة الولى فاستخلف من كان معه قبل الحدث
جاز ؛ لنّه من أهل الجمعة ،وإن استخلف مسبوقا لم يكن معه قبل الحدث لم يجز ؛ لنّه ليس
من أهل الجمعة ،ولهذا لو صلّى المستخلف المسبوق بانفراده الجمعة لم تصحّ .وإن كان
الحدث في الرّكعة الثّانية .فإن كان قبل الرّكوع فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز ،وإن
استخلف من لم يكن معه قبل الحدث لم يجز ،وإن كان بعد الرّكوع فاستخلف من لم يحضر
قبل الحدث لم يجز .
ن النّبيّ صلى ال عليه
سنّة أن يتولّى الصّلة من يتولّى الخطبة ؛ ل ّ
-وعند الحنابلة :ال ّ 17
وسلم كان يتولّهما بنفسه ،وكذلك خلفاؤه من بعده .فإن خطب رجلٌ وصلّى آخر لعذرٍ
جاز ،نصّ عليه أحمد وهو المذهب .وإن لم يوجد عذرٌ فقال أحمد :ل يعجبني من غير
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يتولّهما ،وقد قال « :صلّوا كما
عذرٍ فيحتمل المنع ،ل ّ
ن الخطبة أقيمت مقام ركعتين ،ويحتمل الجواز – مع الكراهة – لنّ
رأيتموني أصلّي » .ول ّ
الخطبة منفصل ٌة عن الصّلة فأشبهتا صلتين .
وهل يشترط أن يكون المستخلف ممّن حضر الخطبة ؟ فيه روايتان :
إحداهما :يشترط ذلك ،وهو قول كثي ٍر من الفقهاء ؛ لنّه إمامٌ في الجمعة فاشترط حضوره
الخطبة ،كما لو لم يستخلف .
والثّانية :ل يشترط ؛ لنّه ممّن تنعقد به الجمعة ،فجاز أن يؤمّ فيها كما لو حضر الخطبة .
وقد روي عن أحمد أنّه ل يجوز الستخلف لعذرٍ ول لغيره ،قال في رواية حنبلٍ :في
ل أن يعيد
ل أربعا ،إ ّ
ل يصلّي بهم ،لم يصلّ بهم إ ّ
المام إذا أحدث بعدما خطب ،فقدّم رج ً
ن هذا لم ينقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن
الخطبة ثمّ يصلّي بهم ركعتين ،وذلك ل ّ
أحدٍ من خلفائه .
الستخلف في العيدين :
-إذا أحدث المام في أثناء صلة العيد فإنّه تجري عليه الحكام السّابقة في الستخلف 18
ي صلةٍ .أمّا إذا أحدث المام يوم العيد قبل الخطبة بعد الصّلة فقد صرّح المالكيّة :أنّه
في أ ّ
يخطب النّاس على غير وضوءٍ ،ول يستخلف .وقواعد غيرهم ل تأبى ذلك ،على ما مرّ في
الستخلف في خطبة الجمعة .
الستخلف في صلة الجنازة :
-ذهب الحنفيّة في الصّحيح عندهم ،والمالكيّة ،والحنابلة إلى جواز الستخلف في صلة 19
الجنازة .وعند المالكيّة :أنّ للمام إذا استخلف فذهب فتوضّأ ،وقد بقي بعض التّكبير من
الصّلة على الجنازة ،أن يرجع فيصلّي ما أدرك ،ويقضي ما فاته ،وإن شاء ترك .وقال
الشّافعيّة :إذا اجتمع وليّان في درجةٍ واحدةٍ ،وكان أحدهما أفضل ،كان أولى بالصّلة ،فإن
ي -ففي تمكينه من ذلك وجهان ،حكاهما صاحب العدّة
أراد أن يستنيب أجنبيّا -أي غير ول ّ
ل برضاء الخر .
:أحدهما :أنّه ل يمكّن إ ّ
الستخلف في صلة الخوف :
-المالكيّة ،والشّافعيّة هم الّذين تكلّموا عن الستخلف في صلة الخوف في السّفر ،ولم 20
الثّانية ،فليقدّم من يؤمّهم ،ثمّ يثبت المستخلف ،ويتمّ من خلفه صلتهم ،وهو قائمٌ ساكتا أو
داعيا ،ثمّ تأتي الطّائفة الخرى فيصلّي بهم ركعةً ويسلّم ،ث ّم تتمّ هذه الطّائفة الرّكعة الثّانية .
ولو أحدث بعد قيامه إلى الثّانية فل يستخلف ؛ لنّ من خلفه خرجوا من إمامته بالقتداء به في
ركع ٍة ،حتّى لو تعمّد حينئذٍ الحدث أو الكلم لم تفسد عليهم .فإذا أتمّ هؤلء الرّكعة الثّانية
وذهبوا أتت الطّائفة الخرى بإمامٍ فقدّموه .
-وقال المام الشّافعيّ :إذا أحدث المام في صلة الخوف فهو كحدثه في غيرها ،وأحبّ 22
إليّ ألّ يستخلف أحدا .فإن كان أحدث في الرّكعة الولى أو بعدما صلّها ،وهو واقفٌ في
الرّكعة الثّانية فقرأ ولم تدخل معه الطّائفة الثّانية ،قضت الطّائفة الولى ما عليهم من
الصّلة ،وأمّ الطّائفة الخرى إمامٌ منهم ،أو صلّوا فرادى ،ولو قدّم رجلً فصلّى بهم أجزأ
عنهم إن شاء اللّه تعالى .وإذا أحدث المام وقد صلّى ركعةً وهو قائمٌ يقرأ -ينتظر فراغ
الّتي خلفه -وقف الّذي قدّم كما يقف المام ،وقرأ في وقوفه ،فإذا فرغت الطّائفة الّتي خلفه
.ودخلت الطّائفة الّتي وراءه قرأ بأمّ القرآن وقدر سور ٍة ،ثمّ ركع بهم ،وكان في صلته لهم
كالمام الوّل ل يخالفه في شيءٍ إذا أدرك الرّكعة الولى مع المام الوّل ،وانتظرهم حتّى
يتشهّدوا ثمّ يسلّم بهم ،وهناك صورٌ أخرى نادر ٌة ،موطن بيانها صلة الخوف .
من يحقّ له الستخلف :
-مذهب الحنفيّة :أنّ الستخلف حقّ المام .فلو استخلف هو شخصا ،واستخلف 23
المأمومون سواه ،فالخليفة من قدّمه المام ،فمن اقتدى بمن قدّمه المأمومون فسدت صلته ،
وإن قدّم المام واحدا ،أو تقدّم بنفسه لعدم استخلف المام جاز إن قام مقام الوّل قبل أن
يخرج من المسجد ،ولو خرج منه فسدت صلة الكلّ دون المام ،ولو تقدّم رجلن فالسبق
أولى .
-ومذهب المالكيّة :أنّ استخلف المام لغيره مندوبٌ ،وللمام ترك الستخلف ،ويترك 24
المصلّين ليستخلفوا بأنفسهم أحدهم ،وإنّما ندب له الستخلف ؛ لنّه أعلم بمن يستحقّ التّقديم
فهو من التّعاون على البرّ ؛ ولئلّ يؤدّي تركه إلى التّنازع فيمن يتقدّم فتبطل صلتهم ،فإن لم
يستخلف ندب ذلك للمأمومين ،وإن تقدّم غير من استخلفه المام وأتمّ بهم صحّت صلتهم .
ن المام أو القوم إن قدّموا رجلً فأتمّ لهم ما بقي من الصّلة
-ومذهب الشّافعيّة :أ ّ 25
ل إذا
ن من قدّمه المأمون أولى ممّن قدّمه المام لنّ الحظّ لهم ،إ ّ
أجزأتهم صلتهم ،على أ ّ
كان المام راتبا فمقدّمه أولى .وإن تقدّم واحدٌ بنفسه جاز .
ن للمام أن يستخلف من يت ّم الصّلة
-ومذهب الحنابلة :وهو إحدى روايتين عندهم ،أ ّ 26
بالمأمومين ،فإن لم يفعل فقدّم المأمون رجلً فأتمّ بهم جاز .
من يصحّ استخلفه ،وأفعال المستخلف :
ل من يصلح إماما ابتداءً يصحّ استخلفه ،
-المنصوص عليه في مذاهب الفقهاء :أنّ ك ّ 27
ت:
ب تفصيل ٌ
ح استخلفه ،وفي كلّ مذه ٍ
ومن ل يصلح ابتداءً ل يص ّ
ل يقبل ،وإن
-فعند الحنفيّة :الولى للمام ألّ يستخلف مسبوقا ،وإن استخلفه ينبغي له أ ّ 28
قبل جاز ،ولو تقدّم يبتدئ من حيث انتهى إليه المام ،وإذا انتهى إلى السّلم يقدّم مدركا يسلّم
بهم ،ولو أنّ الخليفة المسبوق حين أتمّ الصّلة الّتي ابتدأها المام المستخلف أتى بمبطلٍ
لصلته -كأن قهقه أو أحدث متعمّدا أو تكلّم أو خرج من المسجد -فسدت صلته ،وصلة
القوم تامّةٌ .أمّا فساد صلته فلنّه أتى بمبطلٍ قبل إكمال ما سبق به ،وأمّا صحّة صلة القوم
فلنّ المبطل المتعمّد تمّت به صلتهم لتحقّق الرّكن ،وهو الخروج بالصّنع ،والمام إن كان
فرغ من صلته فصلته صحيحةٌ ،وإن لم يكن فرغ تفسد صلته في الصحّ .ولو اقتدى
رجلٌ بالمام في صلةٍ رباعيّ ٍة فأحدث المام ،وقدّم المام هذا الرّجل ،والمقتدي ل يدري كم
ل ركع ٍة احتياطا .
صلّى المام وكم بقي عليه ؟ فإنّ المقتدي يصلّي أربع ركعاتٍ ،ويقعد في ك ّ
ولو استخلف لحقا فللخليفة أن يشير للمأمومين حتّى يؤدّي ما عليه من الصّلة ،ثمّ يتمّ بهم
الصّلة .ولو لم يفعل ذلك ومضى على صلة المام ،وأخّر ما عليه حتّى انتهى إلى موضع
السّلم ،واستخلف من سلّم بهم جاز .وإذا كان خلف المام شخصٌ واحدٌ ،وأحدث المام
تعيّن ذلك الواحد للمامة ،عيّنه المام بال ّنيّة أو لم يعيّنه .ولو اقتدى مسافرٌ بمسافرٍ فأحدث
المام ،فاستخلف مقيما لم يلزم المسافر التمام .
ح استخلفه أن يدرك مع المام الصليّ قبل العذر
-وقال المالكيّة :إنّه يشترط فيمن يص ّ 29
جزءا يعتدّ به من الرّكعة المستخلف هو فيها ،قبل العتدال من الرّكوع ،وإذا استخلف المام
مسبوقا صلّى بهم على نظام صلة المام الوّل ،فإذا انتهى إلى الرّكعة الرّابعة بالنّسبة لهم
أشار إليهم فجلسوا ،وقام ليتمّ صلته ثمّ يسلّم معهم .
-وعند الشّافعيّة :يصحّ استخلف مأمومٍ يصلّي صلة المام أو مثلها في عدد الرّكعات 30
بالتّفاق ،سواءٌ أكان مسبوقا أم غيره ،وسواءٌ استخلفه في الرّكعة الولى أم في غيرها ؛ لنّه
ملتزمٌ بترتيب المام باقتدائه ،فل يؤدّي إلى المخالفة .وإذا استخلف مأموما مسبوقا لزمه
مراعاة ترتيب المام ،فيقعد موضع قعوده ،ويقوم موضع قيامه ،كما كان يفعل لو لم يخرج
المام من الصّلة .فلو اقتدى المسبوق في ثانية الصّبح ،ثمّ أحدث المام فيها فاستخلفه فيها
قنت ،وقعد وتشهّد ،ثمّ يقنت في الثّانية لنفسه ،ولو كان المام قد سها قبل اقتداء المستخلف
أو بعده ،سجد في آخر صلة المام ،وأعاد في آخر صلة نفسه ،على أصحّ القولين .وإذا
أتمّ بالقوم صلة المام قام لتدارك ما عليه ،والمأمومون بالخيار إن شاءوا فارقوه وسلّموا ،
ح صلتهم بل خلفٍ للضّرورة ،وإن شاءوا صبروا جلوسا ليسلّموا معه ،هذا كلّه إذا
وتص ّ
عرف المسبوق نظم صلة المام وما بقي منها ،فإن لم يعرف فقولن حكاهما صاحب
التّلخيص وآخرون ،وقيل :هما وجهان أقيسهما ل يجوز ،وقال الشّيخ أبو عليّ :أصحّهما
الجواز ،ونقله ابن المنذر عن الشّافعيّ ولم يذكر غيره ،فعلى هذا يراقب المستخلف
ل قعد .
المأمومين إذا أتمّ الرّكعة ،فإن همّوا بالقيام قام وإ ّ
-وقال الحنابلة :يجوز استخلف المسبوق ببعض الصّلة ،ولمن جاء بعد حدث المام ، 31
فيبني على ما مضى من صلة المام من قراء ٍة أو ركعةٍ أو سجد ٍة ،ويقضي بعد فراغ صلة
المأمومين ،وحكي هذا القول عن عمر وعليّ وأكثر من وافقهما في الستخلف .وفيه روايةٌ
أخرى أنّه مخ ّيرٌ بين أن يبني أو يبتدي ،فإذا فرغوا من صلتهم قعدوا وانتظروه حتّى يتمّ
ن المام إنّما جعل ليؤتمّ به
ويسلّم معهم ؛ لنّ اتّباع المأمومين للمام أولى من اتّباعه لهم .فإ ّ
وعلى كلتا الرّوايتين إذا فرغ المأمومون قبل فراغ إمامهم ،وقام لقضاء ما فاته فإنّهم يجلسون
وينتظرون حتّى يتمّ ويسلّم بهم ؛ لنّ المام ينتظر المأمومين في صلة الخوف ،فانتظارهم له
ل :يستخلف من يسلّم بهم ،والولى
أولى ،وإن سلّموا ولم ينتظروه جاز .وقال ابن عقي ٍ
انتظاره .وإن سلّموا لم يحتاجوا إلى خليفةٍ .فإنّه لم يبق من الصّلة إلّ السّلم ،فل حاجة
ح الستخلف في هذه الصّورة ؛ لنّه إن بنى
إلى الستخلف فيه ،ويقوى عندي أنّه ل يص ّ
جلس في غير موضع جلوسه وصار تابعا للمأمومين ،وإن ابتدأ جلس المأمومون في غير
موضع جلوسهم ،ولم يرد الشّرع بهذا ،وإنّما ثبت الستخلف في موضع الجماع حيث لم
يحتج إلى شي ٍء من هذا ،فل يلحق به ما ليس في معناه .وإذا استخلف من ل يدري كم صلّى
المام ،احتمل أن يبني على اليقين ،فإن وافق الحقّ وإلّ سبّحوا به فرجع إليهم ،ويسجد
للسّهو .وفي روايةٍ :إنّ المستخلف إن شكّ في عدد الرّكعات الّتي صلّها المام لم يجز له
شكّ ،كغير المستخلف ،ورواية البناء على اليقين بنيت على أنّه شكّ ممّن ل
الستخلف لل ّ
ظنّ له فوجب البناء على اليقين كسائر المصلّين .
ثالثا :استخلف القاضي
ن المام إذا أذن للقاضي في الستخلف فله ذلك ،وعلى أنّه
-اتّفق فقهاء المذاهب على أ ّ 32
إذا نهاه فليس له أن يستخلف ،وذلك لنّ القاضي إنّما يستمدّ وليته من المام ،فل يملك أن
يخالفه إذا نهاه ،كالوكيل مع الموكّل ،فإنّ الموكّل إذا نهى الوكيل عن تص ّرفٍ ما فليس له أن
ص على ذلك .أمّا إن
يخالفه .قال الدّسوقيّ :وينبغي أنّ العرف بالستخلف وعدمه كالنّ ّ
أطلق المام فلم يأذن ولم ينه فهناك اتّجاهاتٌ في المذاهب .ذهب الحنفيّة ،وابن عبد الحكم ،
ن من المالكيّة ،وهو احتمالٌ في مذهب الحنابلة إلى :أنّه ل يجوز أن يستخلف ؛ لنّه
وسحنو ٌ
يتصرّف بإذن المام ولم يأذن له .وذهب الحنابلة ،وهو وجهٌ للشّافعيّة إلى :أنّه يجوز له أن
يستخلف مطلقا .والمشهور عند المالكيّة ،وهو الوجه الخر للشّافعيّة أنّه يجوز الستخلف
ن القاضي في هذه الحالة
لعذرٍ كمرضٍ ،أو سفرٍ ،أو سعة الجهات المولّى عليها ،وذلك ل ّ
ن قرينة الحال تقتضي ذلك ،فإن استخلف القاضي -بغير إذنٍ -
يحتاج إلى الستخلف ؛ ول ّ
وقضى المستخلف فإنّ قضاءه ينفذ عند الحنفيّة إذا أنفذه القاضي المستخلف بشرط أن يكون
المستخلف بحالٍ يصلح معها أن يكون قاضيا ؛ لنّه بإجازة القاضي المستخلف صار كأنّه هو
الّذي قضى .
ح به وينعقد ،سواءٌ
ل لفظٍ يفيد الستخلف يص ّ
-ما يثبت به الستخلف في القضاء :ك ّ 33
أكان ممّا قاله الفقهاء في ألفاظ تولية القضاء أم ل ،وكذلك أيّ دليلٍ أو قرين ٍة يثبت بها
الستخلف يعمل بها ويعوّل عليها .
*استدانةٌ
التعريف
-الستدانة لغةً :الستقراض وطلب الدّين ،أو :صيرورة الشّخص مدينا ،أو :أخذه . 1
والمداينة :التّبايع بالجل .والقرض :هو ما يعطى من المال ليقضى .وأمّا في الشّرع
فتطلق الستدانة ويراد بها :طلب أخذ مالٍ يترتّب عليه شغل ال ّذمّة ،سوا ٌء كان عوضا في
مبيعٍ أو سلمٍ أو إجارةٍ ،أو قرضا ،أو ضمان متلفٍ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الستقراض :
-الستقراض :طلب القرض ،وكلّ من القرض والدّين ل بدّ أن يكون ممّا يثبت في ال ّذمّة 2
.وعلى هذا فالستدانة أعمّ من الستقراض ،إذ الدّين شاملٌ عامّ للقرض وغيره .وفرّق
ن الستدانة ل بدّ أن تكون إلى أجلٍ ،في
المرتضى الزّبيديّ بين الستدانة والستقراض ،بأ ّ
ل عند الجمهور ،أمّا المالكيّة فيقولون بلزوم الجل في
حين أنّ الستقراض ل يكون إلى أج ٍ
القرض بالنّسبة للمقرض ( ر .أجلٌ ) .
ب -الستلف :
-الستلف لغ ًة :أخذ السّلف ،وسلف في كذا وأسلف :إذا قدّم الثّمن فيه .والسّلف كالسّلم 3
والقرض بل منفع ٍة أيضا .يقال :أسلفه مالً إذا أقرضه .صفة الستدانة
ي :
حكمها التّكليف ّ
-الصل في الستدانة الباحة ،لقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى 4
بأجلٍ ويفصّل الفقهاء ذلك عند الكلم في مصطلح ( :عق ٌد ) ( وقرضٌ ) ( ودينٌ ) .
السباب الباعثة على الستدانة :
أوّلً :الستدانة لحقوق اللّه تعالى :
ل على الغنيّ القادر عليها -
-حقوق اللّه تعالى الماليّة ،كالزّكاة ،ل تثبت في ال ّذمّة إ ّ 6
والغنيّ في كلّ تكليفٍ بحسبه -فل يكلّف بالستدانة ليصير ملزما بشي ٍء منها بالتّفاق .أمّا ما
ج ،فإن كان ل يرجو الوفاء فالستدانة لجله مكروهةٌ أو
شرط اللّه لوجوبه الستطاعة ،كالح ّ
حرامٌ عند المالكيّة ،وخلف الفضل عند الحنفيّة .أمّا إن كان يرجو الوفاء فيجب عليه عند
المالكيّة ،والشّافعيّة ،وهو الفضل عند الحنفيّة .وعند الحنابلة -يفهم ممّا في المغني -أنّه
ب له إن لم يكن عليه في ذلك ضررٌ أو
إن أمكنه الحجّ بالستدانة لم يلزمه ذلك ،ولكن يستح ّ
على غيره .فإذا وجبت حقوق اللّه تعالى الماليّة على عبدٍ حال غناه ،ثمّ افتقر قبل أدائها ،
فهل يكلّف بالستدانة لدائها ؟ يفرّق فقهاء الحنفيّة في ذلك بين الحالتين :إن لم يكن عنده مالٌ
وأراد أن يستقرض ،فإن كان في أكبر رأيه أنّه إذا استقرض وأدّى الزّكاة ،واجتهد لقضاء
دينه يقدر على ذلك ،كان الفضل له أن يستقرض ،فإن استقرض وأدّى ولم يقدر على قضاء
الدّين حتّى مات ،يرجى أن يقضي اللّه تعالى دينه في الخرة .وإن كان أكبر رأيه أنّه إذا
ن خصومة صاحب
ل يستقرض ،ل ّ
استقرض ل يقدر على قضاء الدّين ،كان الفضل له أ ّ
ل حالٍ .ومذهب الحنابلة أنّه إذا
الدّين أشدّ .وظاهر هذا أنّه ل يجب عليه الستقراض على ك ّ
وجبت عليه الزّكاة ،فتلف المال بعد وجوبها ،فأمكنه أداؤها أدّاها ،وإلّ أمهل إلى ميسرته
وتمكّنه من أدائها من غير مضرّةٍ عليه ول على غيره ،قالوا :لنّه إذا لزم النظار في دين
الدميّ المعيّن فهذا أولى .ولم يتعرّض الشّافعيّة لهذه المسألة فيما اطّلعنا عليه .
ثانيا :الستدانة لداء حقوق العباد :
أ -الستدانة لحقّ النّفس :
-تجب الستدانة على المضطرّ لحياء نفسه ؛ لنّ حفظ النّفس مق ّدمٌ على حفظ المال ، 7
صرّح به الشّافعيّة ،وقواعد غيرهم ل تأباه ؛ لما ورد في الضّرورة من نصوصٍ معروفةٍ .
أمّا الستدانة لسدّ حاج ٍة من الحاجيّات ،فهو جائزٌ إن كان يرجو وفاءً ،وإن كان الولى له أن
يصبر .لما في الستدانة من المنّة ،قال في الفتاوى الهنديّة .ل بأس أن يستدين الرّجل إذا
كانت له حاج ٌة ل بدّ منها ،وهو يريد قضاءها .وكلمة « ل بأس » إذا أطلقها فقهاء الحنفيّة
فإنّهم يعنون بها :ما كان تركه أولى من فعله .أمّا إذا كان ل يرجو وفا ًء فتحرم عليه
ب ؛ لما في الستدانة من تعريض مال الغير إلى التلف .أمّا
الستدانة ،والصّبر واج ٌ
الستدانة من أجل غايةٍ غير مشروع ٍة فإنّه ل يجوز ،كما إذا استدان لينفق في وج ٍه غير
ع ،مثل أن يكون عنده من المال ما يكفيه ،فيتوسّع في النّفقة .ويستدين لجل أن يأخذ
مشرو ٍ
ن قصده مذمومٌ .
من الزّكاة ،فإنّه ل يعطى منها ؛ ل ّ
ق الغير :
ب -الستدانة لح ّ
أوّلً -الستدانة لوفاء الدّين :
-ل يلزم المعسر بالستدانة لقضاء دين غرمائه ،لقوله تعالى { :وإن كان ذو عسرةٍ 8
في الصل ،فإن امتنع عن النفاق عليهم ،وكان موسرا ،أجبر على ذلك ،ويؤمرون
بالستدانة عليه .وإن كان معسرا فعند الحنفيّة :تؤمر المّ بالنفاق عليهم من مالها إن كانت
موسرةً ،وإلّ ألزم بنفقتهم من تجب عليه لو كان الب ميّتا ،ثمّ يرجع المنفق على الب إن
أيسر .وإن كان الب زمنا اعتبر كالميّت ،فل رجوع للمنفق بل هو تب ّرعٌ .ومذهب المالكيّة
كالحنفيّة في حال اليسار ،وينوب عن إذن القاضي عندهم إشهاد المنفق على أنّه أنفق على
سبيل الرّجوع ،أو يحلف على ذلك .أمّا إذا كان معسرا فيعتبر النفاق على أولده تبرّعا من
المنفق ،ل رجوع له ولو أيسر الب بعدئذٍ .وعند الشّافعيّة :للولد الستدانة بإذن
القاضي ،ول رجوع إلّ إذا حصل القتراض بالفعل للمنفق المأذون .وذهب الحنابلة إلى أنّه
ن جاز تبعا لل ّم .أمّا
ن ،لكن لو استدانت ال ّم لها ولولدها بل إذ ٍ
يستدان للولد بإذ ٍ
الستدانة لغير الزّوجة والولد ففي ذلك تفصيلٌ وخلفٌ كبيرٌ ،موطنه « نفقةٌ » .
الستدانة ليتمحّض المال حللً :
ل فيه شبهةٌ ،
ج بمالٍ حللٍ ،فإن لم يتوفّر له إلّ ما ٌ
ج فيستحبّ أن يح ّ
-إذا أراد أن يح ّ 11
كان بشرطٍ فهو حرامٌ بل خلفٍ ،قال ابن المنذر :أجمعوا على أنّ المسلف -أي الدّائن -
إذا شرط على المستلف زياد ًة أو هديّةً ،فأسلف على ذلك ،أنّ أخذ الزّيادة على ذلك ربا ،وقد
ي بن أبي طالبٍ رضي ال عنه عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قوله « :كلّ
روى عل ّ
ض جرّ منفعةً فهو ربا » .وهو وإن كان ضعيف السّند إلّ أنّه صحيحٌ معنًى ،وروي عن
قر ٍ
أبيّ بن كعبٍ ،وعبد اللّه بن عبّاسٍ ،وعبد اللّه بن مسعو ٍد ،أنّهم نهوا عن كلّ قرضٍ جرّ
منفع ًة للمقرض .ولنّ عقد الستدانة عقد إرفاقٍ وقرب ٍة ،واشتراط المنفعة فيه للدّائن إخراجٌ
له عن موضوعه ،وهو شرطٌ ل يقتضيه العقد ول يلئمه ،وقد أورد الفقهاء كثيرا من
التّطبيقات العمليّة على القرض الّذي يجرّ نفعا للدّائن .ومن ذلك :أن يشترط الدّائن أن يردّ له
المدين أكثر ممّا أخذ ،أو أجود ممّا أخذ ،وهذا هو الرّبا بعينه ( ر :ربا ) .وليس من ذلك
ن هذا شرطٌ يلئم
اشتراط الدّائن على المدين أن يعطيه رهنا بالدّين ،أو كفيلً ضمانا لدينه ؛ ل ّ
العقد كما سيأتي .أمّا إن كانت المنفعة الّتي حصل عليها الدّائن من المدين غير مشروطةٍ ،
فيجوز ذلك عند جمهور الفقهاء :الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة .وهو مرويّ
عن عبد اللّه بن عمر ،وسعيد بن المسيّب ،والحسن البصريّ ،وعامرٍ الشّعبيّ ،والزّهريّ ،
ل ،وقتادة ،وإسحاق بن راهويه ،وهو إحدى الرّوايتين عن إبراهيم النّخعيّ .واستدلّ
ومكحو ٍ
هؤلء بما رواه مسلمٌ في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه قال « :أقبلنا من مكّة إلى المدينة مع
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فاعتلّ جملي » .وساق الحديث بقصّته ،وفيه « ثمّ قال :
بعني جملك هذا ،قال :فقلت :ل ،بل هو لك ،قال :بل بعنيه ،قال :قلت :ل ،بل هو
لك يا رسول اللّه ،قال :ل ،بل بعنيه ،قال :قلت :فإنّ لرجلٍ عليّ أوقيّة ذهبٍ فهو لك
بها ،قال :قد أخذته ،فتبلّغ عليه إلى المدينة ،ث ّم قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لبللٍ :
ب وزادني قيراطا » وهذه زيادةٌ
أعطه أوقيّ ًة من ذهبٍ وزياد ًة ،قال :فأعطاني أوقيّ ًة من ذه ٍ
في القدر .
-أمّا الزّيادة في الصّفة :فعن أبي رافعٍ مولى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « أنّ 13
رسول اللّه استسلف من رجلٍ بكرا ،فقدمت عليه إبلٌ من إبل الصّدقة ،فأمر أبا رافعٍ أن
ل خيارا بعيرا رباعيّا ،فقال :أعطه
يقضي الرّجل بكره ،فرجع أبو رافعٍ فقال :لم أجد فيها إ ّ
إيّاه ،إنّ خير النّاس أحسنهم قضا ًء » .ولنّه لم يجعل تلك الزّيادة عوضا عن القرض ،ول
وسيل ًة إليه ،ول إلى استيفاء دينه .وقال بعض المالكيّة ،وهي إحدى الرّوايتين عند الحنابلة ،
وهو المرويّ عن أبيّ ،وابن عبّاسٍ ،وابن عمر ،وإحدى الرّوايتين عن النّخعيّ :ل يجوز
للمقرض قبول هديّة المقترض ،ول الحصول على ما به النتفاع له ،كركوب دابّته ،وشرب
شيءٍ عنده في بيته ،إن لم يكن ذلك معروفا بينهما قبل القرض ،أو حدث ما يستدعي ذلك ؛
لزواجٍ وولدةٍ ونحو ذلك .قال الدّسوقيّ « :والمعتمد جواز الشّرب والتّظلّل ،وكذلك الكل
إن كان لجل الكرام ل لجل الدّين » لنّه إن أخذ فضلً ،أو حصل على منفعةٍ يكون قد
تعاطى قرضا جرّ منفع ًة بالفعل ،فقد روى الثرم أنّ رجلً كان له على ،سمّاكٍ عشرون
درهما ،فجعل يهدي إليه السّمك ويقوّمه ،حتّى بلغ ثلثة عشر درهما ،فسأل ابن عبّاسٍ ،
ن عمر أسلف أبيّ بن كعبٍ عشرة دراهم ،
فقال له :أعطه سبعة دراهم .وعن ابن سيرين أ ّ
فأهدى إليه أبيّ بن كعبٍ من ثمرة أرضه ،فردّها عليه ولم يقبلها ،فأتاه أبيّ فقال :لقد علم
أهل المدينة أنّي من أطيبهم ثمرةً ،وأنّه ل حاجة لنا ،فبم منعت هديّتنا ؟ ثمّ أهدى إليه بعد
ذلك فقبل .وهذا يدلّ على ردّها عند الشّبهة ،وقبولها عند انتفائها .وعن زرّ بن حبيشٍ قال :
قلت لبيّ بن كعبٍ :إنّي أريد أن أسير إلى أرض الجهاد إلى العراق ،فقال :إنّك تأتي أرضا
ل قرضا فأتاك بقرضك ،ومعه هديّةٌ ،فاقبض قرضك ،
فاشٍ فيها الرّبا ،فإن أقرضت رج ً
وأردد عليه هديّته .الشّرط الثّاني :عدم انضمام عقدٍ آخر :
-يشترط لصحّة الستدانة ألّ ينضمّ إليها عق ٌد آخر ،سوا ٌء اشترط ذلك في عقد الستدانة ، 14
أم تمّ التّوافق عليه خارجه ،كأن يؤجّر المستقرض داره للمقرض ،أو يستأجر المستقرض
ن « رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نهى عن بي ٍع وسلفٍ » .وفي ذلك
دار المقرض ،ل ّ
تفصيلٌ وخلفٌ يرجع إليه في ( البيوع المنهيّ عنها ) .
الستدانة من بيت المال ،ولبيت المال ،ونحوه ،كالوقف :
-الصل في ذلك أنّ الستدانة لبيت المال ،أو منه جائز ٌة شرعا .أمّا الستدانة منه :فلما 15
ورد أنّ أبا بكرٍ استقرض من بيت المال سبعة آلف درهمٍ ،فمات وهي عليه ،فأوصى أن
تقضى عنه .وقال عمر :إنّي أنزلت مال اللّه منّي منزلة مال اليتيم ،إن احتجت إليه أخذت
ي صلى ال عليه
ن النّب ّ
منه ،فإذا أيسرت قضيت .أمّا الستدانة عليه :فلما روى أبو راف ٍع « أ ّ
وسلم استسلف من رجلٍ بكرا ،فقدمت على النّبيّ صلى ال عليه وسلم إبل الصّدقة ،فأمر أبا
رافعٍ أن يقضي الرّجل بكره » ...الحديث .فهذه استدانةٌ على بيت المال ؛ لنّ ال ّردّ كان من
ل هذا يراعى فيه المصلحة العامّة ،والحيطة الشّديدة في توثيق الدّين ،
مال الصّدقة ،وك ّ
والقدرة على استيفائه .ويشترط لذلك على ما صرّح به الحنفيّة في الوقف -وبيت المال مثله
-أن يكون بإذن من له الولية ،وأن يكون القراض لمليءٍ مؤتمنٍ ،وألّ يوجد من يقبل
ل يوجد مستغلّتٌ تشترى بذلك المال .وقد صرّح الشّافعيّة بالنّسبة للوقف
المال مضاربةً ،وأ ّ
بأنّه يستغنى بشرط الواقف عن إذن القاضي .وكذلك الحكم في مال اليتيم ومال الغائب
واللّقطة .وفي ذلك خلفٌ وتفصيلٌ ،موطنه مصطلح ( :قرضٌ ) ( ودينٌ ) .
آثار الستدانة :
أ -ثبوت الملك :
ت هي
ل المقابل للدّين بالعقد نفسه إلّ في القرض ،ففيه ثلثة اتّجاها ٍ
-يملك المستدين المح ّ 16
:أنّه يملك بالعقد ،أو بالقبض ،أو بالستهلك ،على تفصيلٍ موطنه مصطلح ( :قرضٌ ) .
ب -حقّ المطالبة ،وحقّ الستيفاء :
-من آثار الستدانة وجوب الوفاء على المستدين عند حلول الجل ،لقوله تعالى : 17
{ وأداءٌ إليه بإحسانٍ } ولقوله صلى ال عليه وسلم « :مطل الغنيّ ظلمٌ » .وندب الحسان
في المطالبة ،ووجوب إنظار المدين المعسر إلى حين الميسرة بالتّفاق .واستدلّ لذلك بقوله
تعالى { :وإن كان ذو عسر ٍة فنظرةٌ إلى ميسرةٍ } وأنّها عامّ ٌة في الدّيون كلّها وليست خاصّةً
بالرّبا .
ج -حقّ المنع من السّفر :
ل ،إن لم يكن للمدين مالٌ
-للدّائن في الجملة حقّ منع المدين من السّفر في الدّين الحا ّ 18
رجلً والمدين امرأ ًة ؛ لما في ملزمتها من الفضاء إلى الخلوة بالجنبيّة ،ولكن يجوز للدّائن
أن يبعث بالمرأة تنوب عنه في ملزمتها ،وكذلك العكس .
هـ -طلب الجبار على الوفاء :
-يلزم المدين وفاء دينه ما دام قادرا على ذلك ،فإن امتنع وكان الدّين الّذي عليه مثليّا 20
وعنده مثله ،قضى القاضي الدّين ممّا عنده جبرا عنه .وأمّا إن كان الدّين مثليّا ،وما عنده
قيميّ ،فقد ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،وأبو يوسف ،ومحمّد بن
ن القاضي يبيع ما عند المدين جبرا عنه -عدا حاجاته
الحسن صاحبا أبي حنيفة ) إلى أ ّ
الضّروريّة -ويقضي دينه .وذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل يجبره القاضي على البيع ،ولكن
يحبسه إلى أن يؤدّي الدّين .
و -الحجر على المدين المفلس :
-الحجر على المدين المفلس أجازه جمهور الفقهاء ،ومنعه المام أبو حنيفة ،وتفصيل 21
والقدر ،واليسار .وإن كانت لهما بيّن ٌة ،فالبيّنة بيّنة الدّائن في اليسار والعسار ،وتفصيل
ذلك مكانه مبحث ( دعوى ) .
*استدراكٌ
التّعريف
-الستدراك لغةً :استفعالٌ من ( درك ) .والدّرك الدّرك :اللّحاق والبلوغ .يقال :أدرك 1
الشّيء إذا بلغ وقته وانتهى ،وعشت حتّى أدركت زمانه .وللستدراك في اللّغة استعمالن :
الوّل :أن يستدرك الشّيء بالشّيء ،إذا حاول اللّحاق به ،يقال :استدرك النّجاة بالفرار .
والثّاني :في مثل قولهم :استدرك الرّأي والمر ،إذا تلفى ما فرّط فيه من الخطأ أو النّقص
.وللستدراك في الصطلح معنيان :
الوّل .وهو للصوليّين والنّحويّين :رفع ما يتوهّم ثبوته من كلمٍ سابقٍ .أو إثبات ما يتوهّم
ن ،أو ما يقوم مقامها من أدوات
نفيه .وزاد بعضهم ( :باستعمال أداة الستدراك وهي لك ّ
الستثناء ) .
الثّاني :وهو ما يرد في كلم الفقهاء كثيرا وهو :إصلح ما حصل في القول أو العمل من
خللٍ أو قصورٍ أو فواتٍ .ومنه عندهم :استدراك نقص الصّلة بسجود السّهو ،واستدراك
الصّلة إذا بطلت بإعادتها ،واستدراك الصّلة المنسيّة بقضائها ،والستدراك بإبطال خطأ
ص الستدراك الّذي بمعنى فعل الشّيء المتروك بعد محلّه بعنوان
القول وإثبات صوابه .ويخ ّ
« التّدارك » سواءٌ ترك سهوا أو ترك عمدا .كقول الرّمليّ « :إذا سلّم المام من صلة
الجنازة تدارك المسبوق باقي التّكبيرات بأذكارها » وقوله « :لو نسي تكبيرات صلة العيد
فت ّذكّرها -وقد شرع في القراءة -فاتت فل يتداركها » .
اللفاظ ذات الصّلة :
-وهو لغةً :العراض عن الشّيء والكفّ عنه ،بعد القبال عليه .وفي اصطلح 2
النّحويّين قد يلتبس بالستدراك « بالمعنى الوّل » فالضراب :إبطال الحكم السّابق ببل ،أو
نحوها من الدوات الموضوعة لذلك ،أو ببدل الضراب .والفرق بينه وبين الستدراك ،أنّك
في الستدراك ل تبطل الحكم السّابق ،كما في قولك :جاء زيدٌ لكنّ أخاه لم يأت ،فإثبات
المجيء لزيدٍ لم يلغ ،بل نفي المجيء عن أخيه ،وفي الضراب تبطل الحكم السّابق ،فإذا
قلت :جاء زيدٌ ،ثمّ ظهر لك أنّك غلطت فيه فقلت :بل عمرٌو أبطلت حكمك الوّل بإثبات
المجيء لزيدٍ ،وجعلته في حكم المسكوت عنه .
ب ـ الستثناء :
-حقيقة الستثناء :إخراج بعض ما دخل في الكلم السّابق بإلّ ،أو إحدى أخواتها .ومن 3
هنا كان الستثناء معيار العموم .أمّا الستدراك فهو إثبات نقيض الحكم السّابق لما يتوهّم
ن الستدراك لما لم يدخل في
انطباق الحكم عليه .فالفرق أنّ الستثناء للدّاخل في الوّل ،وأ ّ
الوّل ،ولكن توهّم دخوله ،أو سريان الحكم عليه .ولجل هذا التّقارب تستعمل أدوات
الستثناء مجازا في الستدراك .وهو ما يسمّى في عرف النّحاة :الستثناء المنقطع ،وحقيقته
ن } كما يجوز
الستدراك ( ر :استثناءٌ ) كقوله تعالى { :ما لهم به من علمٍ إلّ اتّباع الظّ ّ
استعمال لكنّ -مثل غيرها ممّا يؤدّي مؤدّاها -في الستثناء بالمعنى ،إذ الستثناء بالمعنى
ليس له صيغةٌ محدّد ٌة ،كقولك :ما جاء القوم لكن جاء بعضهم .
ج ـ القضاء :
-المراد به هنا :فعل العبادة إذا خرج وقتها المقدّر لها شرعا قبل فعلها صحيحةً ،سواءٌ 4
أتركت عمدا أم سهوا ،وسوا ٌء أكان المكلّف قد تمكّن من فعلها في الوقت ،كالمسافر بالنّسبة
إلى الصّوم .أم لم يتمكّن ،كالنّائم والنّاسي بالنّسبة للصّلة .أمّا الستدراك فهو أعمّ من
القضاء ،إذ أنّه يشمل تلفي النّقص بكلّ وسيلةٍ مشروعةٍ ،ومنه قول صاحب مسلّم الثّبوت
وشارحه « :القضاء فعل الواجب بعد وقته المقدّر شرعا استدراكا لما فات » فجعل القضاء
استدراكا .
د ـ العادة :
كذلك .
هـ ـ التّدارك :
-لم نجد أحدا من الفقهاء عرّف التّدارك ،ولكنّه دائرٌ في كلمهم كثيرا ،ويعنون به في 6
الفعال :فعل العبادة أو فعل جزئها إذا ترك المكلّف فعل ذلك في محلّه المقرّر شرعا ما لم
يفت .كما في قول صاحب كشّاف القناع « :لو دفن الميّت قبل الغسل وقد أمكن غسله لزم
نبشه ،وأن يخرج ويغسّل تداركا لواجب غسله » .وقد يقع الغلط في القوال فيحتاج النسان
إلى تداركه ،بأن يبطله ويثبت الصّواب ،ولذلك طرقٌ منها :بدل الغلط ،ومنها « بل » في
اليجاب والمر .وفسّر بعضهم التّدارك ببل بكون الخبار الوّل أولى منه الخبار الثّاني ،
فيعرض عن الوّل إلى الثّاني ،ل أنّه إبطال الوّل وإثبات الثّاني .
و ـ الصلح :
شكّ فل إصلح عليه ،فإن أصلح بأن أتى بما شكّ فيه لم تبطل صلته » ( فهو
من كثر منه ال ّ
بمعنى التّدارك ) .
ز ـ الستئناف :
– استئناف العمل :ابتداؤه ،أي فعله مرّةً أخرى إذا نقض الفعل الوّل قبل تمامه . 8
فاستئناف الصّلة تجديد التّحريمة بعد إبطال التّحريمة الولى ،وبهذا المعنى وقع في قولهم :
« المصلّي إذا سبقه الحدث يتوضّأ ،ثمّ يبني على صلته ،أو يستأنف ،والستئناف أولى »
ل ،واستئناف الصّوم في كفّارة الظّهار إذا انقطع
وكاستئناف الذان إذا قطعه بفاصلٍ طوي ٍ
التّتابع .فالستئناف على هذا طريقةٌ من طرق الستدراك ،والتّفصيل في مصطلح ( استئنافٌ
).
هذا وبسبب استعمال هذا المصطلح « الستدراك » بمعنيين :
ي بأداة الستدراك وما يقوم مقامها ،
أحدهما :الستدراك القول ّ
والخر :الستدراك بإصلح الخلل في الفعال والقوال ،ينقسم البحث قسمين تبعا لذلك .
القسم الوّل الستدراك القوليّ بـ « لكنّ » وأخواتها
صيغ الستدراك :
ن ( مشدّدةٌ ) ولكن ( مخفّفةٌ ) وبل وعلى ،وأدوات الستثناء .
هي :لك ّ
ن :وهي أ ّم الباب .وهي الموضوعة له .وقد ذكر بعض الصوليّين أنّه يشترط
-أ -لك ّ 9
ل ونحو ذلك
فل يضرّ انفصاله بما له تعّلقٌ بالكلم الوّل ،أو بما ل بدّ له منه ،كتنفّسٍ وسعا ٍ
ت يمكنه الكلم فيه ،أو كلمٌ أجنبيّ عن الموضوع ،استقرّ
.فإن حال بينه وبين الوّل سكو ٌ
ب ،فقال زيدٌ :ما كان لي قطّ ،لكن
حكم الكلم الوّل ،وبطل الستدراك .فلو أقرّ لزيدٍ بثو ٍ
لعمرٍو ،فإن وصل فلعمرٍو ،وإن فصل فللمقرّ ،لنّ النّفي يحتمل أمرين :يحتمل أن يكون
تكذيبا للمقرّ وردّا لقراره ،وهو الظّاهر من الكلم ،فيكون النّفي ردّا إلى المقرّ .ويحتمل ألّ
يكون تكذيبا ،إذ يجوز أن يكون الثّوب معروفا بكونه لزيدٍ ،ثمّ وقع في يد المقرّ فأقرّ به لزيدٍ
ف بكونه لي ،لكنّه في الحقيقة لعمرٍو ،فقوله « :لكنّه لعمرٍو »
،فقال زيدٌ :الثّوب معرو ٌ
ح إلّ
ن بيان التّغيير عند الحنفيّة ل يص ّ
بيان تغييرٍ لذلك النّفي ،فيتوقّف على التّصال ؛ ل ّ
ح متراخيا ،فإن وصل يثبت النّفي عن زيدٍ والثبات لعمرٍو معا ،إذ صدر
موصولً ،ول يص ّ
الكلم موقوفٌ على آخره فيثبت حكمهما معا .ولو فصل يصير النّفي ردّا للقرار .ثمّ ل
تثبت الملكيّة لعمرٍو بمجرّد إخباره بذلك .الشّرط الثّاني :اتّساق الكلم أي انتظامه وارتباطه
.والمراد أن يصلح للستدراك ،بأن يكون الكلم السّابق للداة بحيث يفهم منه المخاطب
عكس الكلم اللّحق لها ،أو يكون فيما بعد الداة تداركٌ لما فات من مضمون الكلم .نحو :
ما قام زيدٌ لكن عمرٌو ،بخلف نحو :ما جاء زيدٌ لكن ركب المير ،وفسّر صاحب المنار
ل الثبات ،ليمكن الجمع بينهما ول يناقض آخر الكلم
التّساق :بكون محلّ النّفي غير مح ّ
أوّله ،ثمّ إن اتّسق الكلم فهو استدراكٌ ،وإلّ فهو كلمٌ مستأنفٌ .ومثّل في التّوضيح للمتّسق
من الستدراك بما لو قال المقرّ :لك عليّ ألفٌ قرضٌ ،فقال له المق ّر له :ل ،لكن غصبٌ .
الكلم متّسقٌ فصحّ الوصل على أنّه نفيٌ لسبب الحقّ ،وهو كون المقرّ به عن قرضٍ ،ل نفيٍ
ن قوله « :ل » ل يمكن حمله على نفي الواجب ؛ لنّ حمله على
للواجب وهو اللف .فإ ّ
ب » ول يكون الكلم متّسقا مرتبطا .فلمّا نفى
نفي الواجب ل يستقيم مع قوله « :لكن غص ٌ
كونه قرضا تدارك بكونه غصبا ،فصار الكلم مرتبطا ،ول يكون ردّا لقراره بل يكون
لمجرّد نفي السّبب .ومن أمثلة ما يجب حمله على الستئناف عند الحنفيّة :ما إذا تزوّجت
الصّغيرة المميّزة من كف ٍء بغير إذن وليّها بمائةٍ ،فقال الوليّ :ل أجيز النّكاح لكن أجيزه
بمائتين .قالوا :ينفسخ النّكاح ،ويجعل « لكن » وما بعدها كلما مبتدأً ؛ لنّه لمّا قال « :ل
ن النّفي انصرف إلى أصل النّكاح ،فل يمكن إثبات
أجيز النّكاح » انفسخ النّكاح الوّل ،فإ ّ
ذلك النّكاح بعد ذلك بمائتين ؛ لنّه يكون نفي النّكاح وإثباته بعينه ،فيعلم أنّه غير متّسقٍ ،
فيحمل « لكن بمائتين » على أنّه كلمٌ مستأنفٌ ،فيكون إجاز ًة لنكاحٍ آخر ،المهر فيه مائتان
.وإنّما يكون كلمه متّسقا لو قال بدل ذلك :ل أجيز هذا النّكاح بمائ ٍة لكن أجيزه بمائتين ؛
ن النّفي ينصرف إلى القيد وهو كونه بمائ ٍة ،ل إلى أصل النّكاح ،فيكون الستدراك في
لّ
المهر ل في أصل النّكاح .وبذلك ل يكون قوله إبطالً للنّكاح ،فل ينفسخ به .وفي عدم
التّساق في هذا المثال اختلفٌ بين الصوليّين من الحنفيّة .الشّرط الثّالث :أن يكون
الستدراك بلفظٍ مسموعٍ إن تعلّق به حقّ .وأدناه أن يسمع نفسه ومن بقربه .قال الحصكفيّ :
ل ما يتعلّق بنطقٍ كتسميته على ذبيح ٍة ،وطلقٍ ،واستثناءٍ وغيرها .فلو
يجري ذلك في ك ّ
ح في الصحّ .وقيل في نحو البيع :يشترط سماع
طلّق أو استثنى ولم يسمع نفسه ،لم يص ّ
المشتري .
القسم الثّاني
الستدراك بمعنى تلفي النّقص والقصور .
ي المقرّر للعبادة ،
-الستدراك إمّا أن يكون لما فعله النسان ناقصا عن الوضع الشّرع ّ 11
كمن ترك ركع ًة من الصّلة أو سجودا فيها ،وإمّا أن يكون فيما أخبر به ،ثمّ تبيّن له خطؤه ،
أو فيما فعله من التّصرّفات ،ثمّ تبيّن له أنّ التّصرّف على غير ذلك الوضع أتمّ وأولى ،كمن
باع شيئا ولم يشترط ،ثمّ بدا له أن .يشترط شرطا لمصلحته .فالكلم في هذا القسم يرجع
إلى مبحثين :الوّل :الستدراك بمعنى تلفي القصور عن الوضع الشّرعيّ .والثّاني :
تلفي القصور عن الحقيقة ،حقيقةً أو ادّعاءً في باب الخبار ،أو عمّا فيه المصلحة للمكلّف
بحسب تصوّره ،في باب النشاء .
أوّلً :الستدراك بمعنى تلفي النّقص عن الوضاع الشّرعيّة :
ع شرعّيةٌ مقرّرةٌ ،كالوضوء والصّلة ،فإنّ
-هذا النّقص يقع في العبادات الّتي لها أوضا ٌ 12
لكلّ منهما أركانا وسننا وهيئاتٍ ،تفعل بترتيباتٍ معيّن ٍة .ثمّ قد يترك المكلّف فعل شيءٍ منها
في محلّه لسببٍ من السباب الخارجة عن إرادته ،كالمسبوق في الصّلة أو النّاسي أو
المكره ،وقد يترك ذلك عمدا ،وقد يفعل المكلّف الفعل عمدا على غير الوجه المطلوب شرعا
،أو يقع عليه بغير إرادته ما يمنع صحّة العبادة أو صحّة جزءٍ منها .والشّريعة قد أتاحت
الفرصة في كثي ٍر من الصّور لستدراك النّقص الحاصل في العمل .
وسائل استدراك النّقص في العبادة :
-لستدراك النّقص في العبادة طرقٌ مختلف ٌة بحسب أحوال ذلك النّقص .ومن تلك الوسائل 13
:
( أ ) القضاء :ويكون الستدراك بالقضاء في العبادة الواجبة أو المسنونة بعد خروج وقتها
المقدّر لها شرعا ،سوا ٌء فاتت عمدا ،أو سهوا كما تقدّم .وسوا ٌء كان المكلّف لم يفعل العبادة
صحّة ،أو لوجود
أصلً ،أو فعلها على فسادٍ ؛ لترك ركنٍ ،أو لفوات شرطٍ من شروط ال ّ
مانعٍ .وفي استدراك العبادة المسنونة بالقضاء خلفٌ بين الفقهاء ،وتفصيله في ( قضاء
الفوائت ) .
( ب ) العادة :وهي فعل العبادة مرّ ًة أخرى في وقتها لما وقع في فعلها أ ّولً من الخلل .
ولمعرفة مواقع الستدراك بالعادة وأحكام العادة ( ر :إعادةٌ )
( ج ) الستئناف :فعل العبادة من أوّلها مرّ ًة أخرى بعد قطعها والتّوقّف فيها لسببٍ من
السباب ،ولمعرفة مواقع الستدراك بالستئناف ( ر :استئنافٌ ) .
ل يومٍ ممّن لم يستطع الصّوم ؛
( د ) الفدية :كاستدراك فائت الصّوم بفدية طعام مسكينٍ لك ّ
لكب ٍر أو مرضٍ مزمنٍ .وكاستدراك النّقص الحاصل في الحرام ممّن قصّ شعره ،أو لبس
ثيابا بفديةٍ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ ( ر :إحرامٌ ) وشبي ٌه بذلك هدي الجبران في الحجّ .
وتفصيل ذلك في ( الحجّ ) .
(هـ ) الكفّارة :كاستدراك المكلّف ما أفسده من الصّوم بالجماع بالكفّارة ( ر :كفّارةٌ ) .
( و ) سجود السّهو :يستدرك به النّقص الحاصل في الصّلة في بعض الحوال ( .ر :
سجود السّهو ) .
( ز ) التّدارك :هو التيان بجزء العبادة بعد موضعه المقرّر شرعا .ثمّ قد يكون الستدراك
ن المكلّف
بواحدٍ ممّا ذكر ،وقد يكون بأكثر ،كما في ترك شي ٍء من أركان الصّلة ،فإ ّ
يتداركه ويسجد للسّهو ،وكما في الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما لو صامتا ،فإنّ
لهما الفطار ،ويلزمهما القضاء والفدية على قول الحنابلة ،والشّافعيّة على المشهور عندهم .
ثانيا :تلفي القصور في الخبار والنشاء .
-من تكلّم بكلمٍ خبريّ أو إنشائيّ ثمّ بدا له أنّه غلط في كلمه ،أو نقص من الحقيقة ،أو 14
زاد علي ها ،أو بدا له أن ين شئ كلما مخالفا ل ما كان قد قاله فله أن يف عل ذلك ،بل قد ي جب
عليه في بعض الحوال ،وخا صّ ًة في الكلم الخبريّ ،إذ أنّه بذلك يتدارك ما وقع في كلمه
من الكذب والخبار بخلف الح قّ ،ول كن إن ث بت بالكلم الوّل حقّ ،ك من حلف يمينا ،أو
فإنـ له صـورتين .
ّ قذف غيره ،أو أقرّ له ،ففـي حكـم الكلم المخالف التّالي له تفصـيلٌ ،
الصّورة الولى :أن يكون متّصلً بالوّل .فله حالتان .
الحالة الولى :أن يرتبط الثّاني بالوّل بطريقٍ من طرق التّخصيص ،فيثبت حكمهما تبعا
حيث أمكن ،سوا ٌء أكان ممّا يمكن الرّجوع عنه كالوصايا ،أم كان ممّا ل رجوع فيه
كالقرار ،فلو كان الثّاني استثناءً ثبت حكم المستثنى ،وخرج من حكم المستثنى منه ،كمن
ل من
ل ثلثةً ،أو قال :أعطه عشر ًة إلّ ثلث ًة ،كان الباقي سبعةً في ك ّ
قال :له عليّ عشرةٌ إ ّ
ل ما يتغيّر به الحكم في المتكلّم به ،كالشّرط والصّفة والغاية وسائر
المسألتين .وهكذا في ك ّ
المخصّصات المتّصلة .فالشّرط كما لو قال :وهبتك مائة دينا ٍر إن نجحت .والصّفة كما لو
قال :أبرأتك من ثمن البل الّتي هلكت عندك .والغاية كما لو قال للوصيّ :أعطه كلّ يومٍ
ل أو بعضا .قال القرافيّ :
ل من هذه المخصّصات تغيّر به الحكم ك ّ
درهما إلى شهرٍ ،فإنّ ك ّ
ل بنفسه ،
ل كل ٍم ل يستقلّ بنفسه إذا اتّصل بكلمٍ مستقلّ بنفسه صيّره غير مستق ّ
نكّ
القاعدة أ ّ
وكذلك الصّفة والستثناء والشّرط والغاية ونحوها .وجعل منه ما لو قال المقرّ « :له عليّ
ألفٌ من ثمن خمرٍ » فقال فيها :ل يلزمه شي ٌء ،وتقييد حكم هذه الحالة بأنّه « حيث أمكن »
ليخرج نحو قول المقرّ :له عليّ عشر ٌة إلّ تسع ًة ،إذ تلزمه عند الحنابلة العشرة ويسقط حكم
الستثناء ؛ لنّه ل يجوز عندهم استثناء أكثر من النّصف .ومثلها عندهم لو قال :له عليّ
ألفٌ من ثمن خمرٍ .ول خلف في ذلك في المخصّصات .
الحالة الثّانية :أن يتغيّر الحكم بكلمٍ مستقلّ ،ومثاله ما لو قال المقرّ :له الدّار وهذا البيت
منها لي ،فيؤخذ بإقراره ،ويعمل بالقيد في الجملة الثّانية ،وهو المذهب عند الحنابلة ؛ لنّ
ل بأنّه ل
المعطوف بالواو مع المعطوف عليه في حكم الجملة الواحدة ،خلفا لختيار ابن عقي ٍ
ن المعطوف بالواو جمل ٌة مستقّلةٌ .وعند المالكيّة ما يفيد أنّ مذهبهم
يعمل القيد قضاءً ؛ ل ّ
كمذهب الحنابلة .لكن لو عطف في الثبات أو المر بـ « بل » .قال صدر الشّريعة « إنّ
( بل ) للعراض عمّا قبله وإثبات ما بعده على سبيل التّدارك » فإن كان فيما يقبل الرّجوع
فيه كالوصيّة أو التّولية أو الخبر المجرّد ،لغا الوّل وثبت الثّاني ،كما لو قال :أوصيت لزيدٍ
ف بل بألفين ،يثبت ألفان فقط .أو قول المام :ولّيت فلنا قضاء كذا بل فلنا ،أو قول
بأل ٍ
القائل :ذهبت إلى زي ٍد بل إلى عمرٍو .وإن كان ممّا ل رجوع فيه كالقرار والطّلق ثبت
ب ،يلزمه
ي ألف درهمٍ ،بل ألف ثو ٍ
حكم الوّل ،ولم يمكن إبطاله ،فلو قال المقرّ :له عل ّ
ي ألف درهمٍ ،بل ألفان يثبت اللفان ،قال
الجميع ؛ لنّهما من جنسين .ولو قال :له عل ّ
ن التّدارك في العداد يراد به نفي انفراد ما أقرّ به أ ّولً ،ل نفي أصله ،
التّفتازانيّ « :ل ّ
ف ليس معه غيره ،ثمّ تدارك ذلك النفراد وأبطله » ،وفي هذه
فكأنّه قال أ ّولً :له عليّ أل ٌ
المسألة خلف زفر إذ قال « :بل يثبت ثلثة آلفٍ » .ولم يختلف قول الحنفيّة في أنّه لو قال
:أنت طالقٌ طلق ًة بل طلقتين أنّه يقع به – في المدخول بها – ثلث طلقاتٍ .ووجّه صاحب
ح فل
ن القرار إخبارٌ على الص ّ
مسلّم الثّبوت وشارحه الفرق بين مسألتي القرار والطّلق بأ ّ
يثبت شيئا ،فله أن يعرض عن خب ٍر كان أخبر به ،ويخبر بدله بخبرٍ آخر ،بخلف النشاء
إذ به يثبت الحكم ،وليس في يده بعد ثبوته أن يعرض عنه .أمّا عند الحنابلة :فل يقع في
ل طلقتان ،كما ل يلزمه في مسألة القرار إلّ ألفان .
مسألة الطّلق المذكورة إ ّ
الصّورة الثّانية :أن يكون الكلم الثّاني متراخيا عن الوّل منفصلً عنه .فله حالتان :
الحالة الولى :أن يكون في كلمٍ ل يمكن الرّجوع عنه ،ول يقبل منه ،كالقارير والعقود ،
فل يكون القرار الثّاني ول العقد الثّاني رجوعا عن الوّل .فلو أقرّ له بمائة درهمٍ ،ثمّ سكت
سكوتا يمكنه الكلم فيه ،ثمّ قال « زائفةٌ » أو « إلى شهرٍ » لزمه مائةٌ جيّد ٌة حالّةٌ .
الحالة الثّانية :أن يكون رجوعه ممكنا ،كالوصيّة وعزل المام أحدا ممّن يمكنه عزلهم
وتوليتهم ،فإن صرّح برجوعه عن الوّل ،أو بإلحاقه شرطا ،أو تقييده بحالٍ ،أو غير ذلك
لحق -وإن لم يتبيّن أنّه قصد الرّجوع -فهذا يشبه التّعارض في الدلّة الشّرعيّة ،فهو تبديلٌ
عند الحنفيّة مطلقا .ولو كان خاصّا بعد عامّ أو عكسه فالعمل بالثّاني بكلّ حالٍ .وعند غيرهم
ص سابقا أم متأخّرا .
ص على العامّ سواءٌ أكان الخا ّ
قد يجري فيه تقديم الخا ّ
*استدللٌ
التعريف
-الستدلل لغ ًة :طلب الدّليل ،وهو من دلّه على الطّريق دلل ًة :إذا أرشده إليه .وله في 1
عرف الصوليّين إطلقاتٌ .أهمّها اثنان :الوّل :أنّه إقامة الدّليل مطلقا ،أي سوا ٌء أكان
ص ول إجماعٍ ول
الدّليل نصّا ،أم إجماعا ،أم غيرهما .والثّاني :أنّه الدّليل الّذي ليس بن ّ
قياسٍ .وفي قولٍ :الدّليل الّذي ليس بنصّ ول إجماعٍ ول قياسٍ عّلةٌ .قال الشّربينيّ « :
ن المراد منها هنا ( أي في هذا الطلق الثّاني ) التّخاذ .
الستفعال يرد لمعانٍ .وعندي أ ّ
سنّة والجماع والقياس فقيامها أدلّ ًة لم
ن هذه الشياء اتّخذت أدلّ ًة ،أمّا الكتاب وال ّ
والمعنى أ ّ
ينشأ عن صنيع المجتهدين واجتهادهم ،أمّا الستصحاب ونحوه ممّا اعتبر استدللً فشيءٌ قاله
كلّ إمامٍ بمقتضى اجتهاده ،فكأنّه اتّخذه دليلً » .
-فعلى هذا الطلق الثّاني يدخل في الستدلل الدلّة التّالية : 2
( أ ،ب ) -القياس القترانيّ ،والقياس الستثنائيّ ،وهما نوعا القياس المنطقيّ .مثال
ل مسكرٍ حرامٌ ،ينتج :النّبيذ حرامٌ .ومثال الستثنائيّ :إن كان
القترانيّ :النّبيذ مسكرٌ ،وك ّ
النّبيذ مسكرا فهو حرامٌ ،لكنّه مسكرٌ ،ينتج :فهو حرامٌ .أو :إن كان النّبيذ مباحا فهو ليس
بمسكرٍ ،لكنّه مسكرٌ ،ينتج :فهو ليس بمباحٍ .
( ج ) وقياس العكس :ذكر السّبكيّ أنّه من الستدلل .وقياس العكس هو :إثبات عكس حكم
شيءٍ لمثله ،لتعاكسهما في العلّة ،كما في حديث مسلمٍ « :وفي بضع أحدكم صدقةٌ قالوا :
أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجرٌ ؟ قال :أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ ؟
فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له أج ٌر »
ل يكون المر كذا ،خولف في صورة كذا ،لمعنًى
( د ) وقول العلماء :الدّليل يقتضي أ ّ
مفقودٍ في صورة النّزاع ،فتبقى هي على الصل الّذي اقتضاه الدّليل .
( هـ ) انتفاء الحكم لنتفاء دليله ،بأن لم يجده المجتهد بعد الفحص الشّديد ،فعدم وجدانه
دليلٌ على انتفاء الحكم .قال في المحلّى :خلفا للكثر .
( و ) قول العلماء :وجد السّبب فوجد الحكم ،أو وجد المانع أو فقد الشّرط فانتفى الحكم ،
قال السّبكيّ :خلفا للكثر .
( ز ) الستقراء وهو :الستدلل بالجزئيّ على الكّليّ .قال السّبكيّ :فإن كان تامّا بكلّ
ل صورة النّزاع ،فهو دليلٌ قطعيّ عند الكثر ،وإن كان ناقصا ،أي بأكثر
الجزئيّات إ ّ
الجزئيّات ،فدليلٌ ظ ّنيّ .ويسمّى هذا عند الفقهاء بإلحاق الفرد بالغلب .
( ح ) الستصحاب وهو كما عرّفه السّعد :الحكم ببقاء أمرٍ كان في الزّمان الوّل ،ولم يظنّ
عدمه ،وينظر تفصيل القول فيه في بحث الستصحاب ،وفي الملحق الصوليّ .ونفى قومٌ
أن يكون استدللً .
( ط ) شرع من قبلنا ،على تفصيلٍ فيه ،يرجع إليه في الملحق الصوليّ .ونفى قومٌ أن
يكون استدللً .ذكر هذه النواع التّسعة السّبكيّ في جمع الجوامع .
( ي ) وزاد الحنفيّة الستحسان ،واستدلّ به غيرهم لكن سمّوه بأسما ٍء أخرى .
( ك ) وزاد المالكيّة المصالح المرسلة .وسمّاه الغزاليّ الستدلل المرسل .وسمّاه أيضا
ل به غيرهم .
الستصلح ،واستد ّ
( ل ) ويدخل في الستدلل أيضا :القياس في معنى الصل ،وهو المسمّى بتنقيح المناط .
( م ) وفي كشف السرار للبزدويّ :الستدلل هو :انتقال الذّهن من المؤثّر إلى الثر ،
وقيل بالعكس ،وقيل مطلقا .وقيل :بل النتقال من المؤثّر إلى الثر يسمّى تعليلً ،والنتقال
من الثر إلى المؤثّر يسمّى استدللً .
-وأكثر هذه النواع يفصّل القول فيها تحت مصطلحاتها الخاصّة ،ويرجع إليها أيضا في 3
-يرد عند الفقهاء ذكر الستدلل في مواطن كثير ٍة .منها في مبحث استقبال القبلة : 4
الستدلل بالنّجوم ،ومهابّ الرّياح ،والمحاريب المنصوبة وغير ذلك ،على القبلة .ومنها
في مبحث مواقيت الصّلة :الستدلل بالنّجوم ومقادير الظّلل على ساعات اللّيل والنّهار ،
ومواعيد الصّلة .ومنها في مبحث الدّعاوى والبيّنات :الستدلل على الحقّ بالشّهادات ،
والقرائن والفراسة ونحو ذلك .
*استراق السّمع
التعريف
-قال أهل اللّغة :استراق السّمع يعني التّسمّع مستخفيا .وقال القرطبيّ في تفسيره :هو 1
أ -التّجسّس :
-التّجسّس هو :التّفتيش عن بواطن المور ،ومن الفروق بين التّجسّس واستراق السّمع ما 2
ن التّجسّس هو التّنقيب عن أمورٍ معيّنةٍ ،يبغي المتجسّس الحصول عليها ،أمّا استراق
يلي :أ ّ
السّمع فيكون بحمل ما يقع له من معلوماتٍ .وأنّ التّجسّس مبناه على الصّبر والتّأنّي للحصول
ن مبناه على التّعجّل .ويرى البعض :أنّ
على المعلومات المطلوبة ،أمّا استراق السّمع فإ ّ
التّجسّس يعني البحث عن العورات ،وأنّه أكثر ما يقال في الشّرّ .أمّا استراق السّمع فيكون
ل ،خيرا كانت أم شرّا .
فيه حمل ما يقع له من أقوا ٍ
ب -التّحسّس :
-التّحسّس أعمّ من استراق السّمع ،قال في عون المعبود في شرح قوله صلى ال عليه 3
وسلم « :ول تحسّسوا » أي :ل تطلبوا الشّيء بالحاسّة ،كاستراق السّمع .ويقرب من هذا
ما في شرح النّوويّ لصحيح مسلمٍ ،وما في فتح الباري وعمدة القاريّ لشرح صحيح البخاريّ
.
الحكم التّكليفيّ :
-الصل تحريم استراق السّمع ،وقد ورد النّهي عنه على لسان رسول اللّه صلى ال عليه 4
وسلم فقال صلى ال عليه وسلم « :من استمع إلى حديث قو ٍم وهم له كارهون ،أو يفرّون
ن ،فإنّ
ب في أذنيه النك يوم القيامة » .ولقوله صلى ال عليه وسلم « إيّاكم والظّ ّ
منه ،ص ّ
الظّنّ أكذب الحديث ،ول تحسّسوا ول تجسّسوا » ولنّ السرار الشّخصيّة للنّاس محترم ٌة ل
ل بحقّ مشروعٍ .
يجوز انتهاكها إ ّ
-يستثنى من هذا النّهي :الحالت الّتي يشرع فيها التّجسّس ( الّذي هو أشدّ تحريما من 5
س من الهلك ،
استراق السّمع ) كما لو تعيّن التّجسّس أو استراق السّمع طريقا إلى إنقاذ نف ٍ
ن فلنا خل بشخصٍ ليقتله ظلما ،فيشرع في هذه الصّورة التّجسّس ،وما هو
كأن يخبر ثقةٌ بأ ّ
أدنى منه من استراق السّمع .كما يستثنى من ذلك أيضا :استراق وليّ المر السّمع بنيّة
معرفة الخلل الواقع في المجتمع ؛ ليقوم بإصلحه ،فيحلّ للمحتسب استراق السّمع ،كما يحلّ
له أن ينشر عيونه ؛ لينقلوا له أخبار النّاس وأحوال السّوقة ،ليعرف ألعيبهم وطرق
تحايلهم ،فيضع لهم من أساليب القمع ما يدرأ ضررهم عن المجتمع ،قال في نهاية الرّتبة في
طلب الحسبة « :ويلزم المحتسب السواق والدّروب في أوقات الغفلة عنه ،ويتّخذ له فيها
عيونا يوصّلون إليه الخبار وأحوال السّوقة » .وقد كان عمر بن الخطّاب رضي ال عنه
يعسّ في شوارع المدينة المنوّرة ليلً يسترق السّمع ،ويتسقّط أخبار المسلمين لمعرفة
أحوالهم ،ويعين ذا الحاجة ،ويرفع الظّلم عن المظلوم ،ويكتشف الخلل ليسارع إلى إصلحه
،وقصصه في ذلك كثير ٌة ل تحصى .
عقوبة استراق السّمع :
ت -وإتيان المنهيّ عنه يوجب
ل في حال ٍ
-إذا كان استراق السّمع منهيّا عنه في الجملة إ ّ 6
التّعزير -فإنّ استراق السّمع في غير الحالت المسموح به فيها يستحقّ فاعله التّعزير .
ويرجع في تفصيل أحكام استراق السّمع إلى مصطلح ( تجسّسٌ ) .وإلى باب الجهاد ( قتل
الجاسوس ) وإلى الحظر والباحة ( أحكام النّظر ) .
*استرجاعٌ
التعريف
-السترجاع لغةً :مادّتها رجع ،أي :انصرف .واسترجعت منه الشّيء :إذا أخذت منه 1
ما دفعته إليه .واسترجع الرّجل عند المصيبة :قال :إنّا للّه وإنّا إليه راجعون .
ويستعمل عند الفقهاء بمعنيين :
أ -بمعنى استردادٍ ،ومن ذلك قولهم :للمشتري -بعد فسخه بالعيب -حبس المبيع إلى حين
استرجاع ثمنه من البائع .وقولهم :السّلع المبيعة أو المجعولة ثمنا إذا علم بعيوبها من
صارت إليه بعد العقد فإنّ له الفسخ ،واسترجاع عوضها من قابضه إن كان باقيا ،أو بدله إن
تعذّر ردّه ( .ر :استردادٌ ) .
ب -بمعنى قول « :إنّا للّه وإنّا إليه راجعون » ،عند المصيبة .وتفصيل الكلم في ذلك
على الوجه التي :
متى يشرع السترجاع عند المصيبة ؟ ومتى ل يشرع ؟ .
ل ما يبتلى به النسان من مصائب ،عظمت أو صغرت .
-يشرع السترجاع عند ك ّ 2
بالمعاد ،والرّجوع إليه ،والتّسليم بقضائه ،والرّجاء في ثوابه .ولذلك يقول النّبيّ « :من
استرجع عند المصيبة جبر اللّه مصيبته ،وأحسن عقباه ،وجعل له خلفا صالحا يرضاه » .
-أمّا متى ل يشرع :فمعلومٌ أنّ السترجاع بعض آي ٍة من القرآن الكريم ،وأنّه يحرم على 4
غير الطّاهر قراءة أيّ شي ٍء منه ،ولو بعض آيةٍ .وقد ذكر الفقهاء في كتبهم :أنّه يحرم على
الجنب والحائض والنّفساء قراءة شيءٍ من القرآن وإن قلّ ،حتّى بعض آيةٍ ،ولو كان يقرأ في
كتاب فق ٍه أو غيره فيه احتجاجٌ بآي ٍة حرم عليه قراءتها ؛ لنّه يقصد القرآن للحتجاج ،أمّا إذا
كان ل يقصد القرآن فل بأس ؛ لنّهم قالوا :يجوز للجنب والحائض والنّفساء أن تقول عند
المصيبة :إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ،إذا لم تقصد القرآن .
حكمه التّكليفيّ :
ن السترجاع ينطوي على أمرين :
-يذكر الفقهاء أ ّ 5
ل باللّسان ،وهو أن يقول عند المصيبة :إنّا للّه وإنّا إليه راجعون .وهذا مستحبّ .
أ -قو ٍ
ب -عملٍ بالقلب ،وهو الستسلم والصّبر والتّوكّل ،وما يتبع ذلك ،وهذا واجبٌ .
*استردادٌ
التعريف
-السترداد في اللّغة :طلب ال ّردّ ،يقال :استردّ الشّيء وارتدّه :طلب ردّه عليه ،ويقال : 1
وهب هب ًة ث ّم ارتدّها أي :استردّها ،واستردّه الشّيء :سأله أن يردّه عليه .ولم يخرج الفقهاء
في استعمالهم عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الردّ :
-ال ّردّ :هو صرف الشّيء ورجعه .فال ّردّ قد يكون أثرا للسترداد ،وقد يحصل ال ّردّ بل 2
استردادٍ .
ب -الرتجاعٌ -السترجاعٌ :
-يقال رجع في هبته :إذا أعادها إلى ملكه ،وارتجعها واسترجعها كذلك ،واسترجعت 3
ن السترداد والرتجاع
منه الشّيء :إذا أخذت منه ما دفعته إليه .ويتبيّن من ذلك أ ّ
والسترجاع بمعنًى واحدٍ لغةً واصطلحا .
صفته :حكمه التّكليفيّ :
-السترداد من التّصرّفات الجائزة ،وقد يعرض له الوجوب ،كما في البيوع الفاسدة ، 4
حيث يجب الفسخ ،فإن كانت السّلعة قائم ًة ردّت بعينها ،وإن كانت فائت ًة ردّت قيمتها على
البائع بالغةً ما بلغت ،وردّ الثّمن على المشتري ،وذلك في الجملة ،على خلفٍ تفصيله في
مصطلحي ( :فسادٌ -وبطلنٌ ) لنّ الفسخ حقّ الشّرع .وقد يحرم السترداد ،كمن أخرج
صدقةً ،فإنّه يحرم عليه استردادها ؛ لقول عمر :من وهب هبةً على وجه صدقةٍ فإنّه ل
يرجع فيها ولنّ المقصود هو الثّواب وقد حصل .
أسباب حقّ السترداد :
للسترداد أسبابٌ متنوّعةٌ منها :الستحقاق ،والتّصرّفات الّتي ل تلزم ،وفساد العقد ..إلخ
وبيان ذلك فيما يأتي :
ل :الستحقاق :
أ ّو ً
-الستحقاق -بمعناه العمّ -ظهور كون الشّيء حقّا واجبا للغير .وهذا التعريـف يشمل 5
الغصب والسّرقة ،فالمغصوب منه والمسروق منه يثبت لهما حقّ السترداد ،ويجب على
الغاصب والسّارق ردّ المغصوب والمسروق لربّه ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :على
اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » .ويشمل استحقاق المبيع على المشتري ،أو الموهوب على
المتّهب ،فيوجب الفسخ والسترداد ،لفساد العقد في الصحّ عند الشّافعيّة والحنابلة ،ويتوقّف
العقد على إجازة ربّه عند الحنفيّة والمالكيّة .والقول بالتّوقّف هو أيضا مقابل الصحّ عند
الشّافعيّة والحنابلة .وإذا فسخ البيع ثبت للمشتري في الجملة حقّ استرداد الثّمن ،على تفصيلٍ
بين ما إذا كان ثبوت الستحقاق بالبيّنة ،أو بالقرار .وينظر تفصيل ذلك في ( استحقاقٌ ) .
ثانيا :التّصرّفات الّتي ل تلزم :التّصرّفات الّتي ل تلزم متنوّعةٌ ،منها :
أ -العقود غير اللّزمة :
-وهي الّتي تقبل بطبيعتها أن يرجع فيها أحد العاقدين كالوديعة ،والعاريّة ،والمضاربة ، 6
والشّركة ،والوكالة .فهذه العقود غير لزم ٍة ،ويجوز الرّجوع فيها في الجملة ،ويثبت عند
ت يجب ردّها ؛ لقول اللّه
فسخها حقّ السترداد للمالك ،ويجب ال ّردّ عند الطّلب ؛ لنّها أمانا ٌ
ن اللّه يأمركم أن تؤدّوا المانات إلى أهلها } ،ولذلك لو حبسها بعد الطّلب
تعالى { :إ ّ
ق عليها في الجملة
فضاعت ضمن ،ولو هلكت بل تعدّ أو تفريطٍ لم يضمن .وهذه الحكام متّف ٌ
،إذا توافرت الشّروط المعتبرة شرعا ،كنضو رأس المال في المضاربة ،أي تحوّل السّلع
إلى نقودٍ .ولو كان في السترداد ضررٌ فإنّه يتوقّف حتّى يزول الضّرر ،كالرض إذا
استعيرت للزّراعة ،وأراد المعير الرّجوع ،فيتوقّف السترداد حتّى يحصد الزّرع .والعاريّة
ل أو أجلٍ عند المالكيّة ل تستردّ حتّى ينقضي الجل أو العمل .هذا حكم السترداد
المقيّدة بعم ٍ
في الجملة في هذه التّصرّفات ،وفي ذلك تفاصيل كثيرةٌ يرجع إليها في موضوعاتها .
ب -العقود الّتي يدخلها الخيار :
-كخيار الشّرط ،وخيار العيب ونحوهما كثيرةٌ من أهمّها :البيع ،والجارة .ففي البيع : 7
بكون العقد في مدّة خيار الشّرط غير لزمٍ ،ولمن له الخيار حقّ الفسخ وال ّردّ .جاء في بدائع
الصّنائع :البيع بشرط الخيار بي ٌع غير لزمٍ ،لنّ الخيار يمنع لزوم الصّفقة ،قال سيّدنا عمر
ن الخيار هو التّخيير بين الفسخ والجازة ،
رضي ال تعالى عنه :البيع صفق ٌة أو خيارٌ ول ّ
وهذا يمنع اللّزوم ،ومثل ذلك في بقيّة المذاهب مع التّفاصيل .كذلك خيار العيب يجعل العقد
غير لزمٍ وقابلً للفسخ ،فإذا نقض المشتري البيع بخيار العيب انفسخ العقد ،وردّ المشتري
البيع معيبا إلى البائع واستردّ الثّمن .ويختلف الفقهاء في حقّ المشتري في إمساك المبيع معيبا
،والرّجوع على البائع بأرش العيب في المعيب ،فالحنفيّة والشّافعيّة ل يعطونه هذا الحقّ ،
وإنّما له أن يردّ السّلعة ويستردّ الثّمن ،أو يمسك المعيب ول رجوع له بنقصانٍ ؛ لنّ
الوصاف ل يقابلها شيءٌ من الثّمن في مجرّد العقد ؛ ولنّه لم يرض بزواله عن ملكه بأقلّ
ن بالرّ ّد بدون تضرّره .أمّا
من المسمّى ،فيتضرّر به ،ودفع الضّرر عن المشتري ممك ٌ
الحنابلة فإنّه يكون للمشتري عندهم الخيار بين ال ّردّ والرّجوع بالثّمن ،وبين المساك والرّجوع
بأرش العيب .ويفصّل المالكيّة بين العيب اليسير غير المؤثّر ،فل شيء فيه ول ردّ به ،
وبين العيب المؤثّر الّذي له قيم ٌة فيرجع بأرشه ،وبين العيب الفاحش فيجب هنا ال ّردّ ،حتّى
إذا أمسكه ليس له الرّجوع بالنّقصان ،وفي خيار العيب تفصيلٌ يرجع إليه في مصطلحه .
هذه أمثلةٌ لبعض الخيارات الّتي تجعل العقد غير لزمٍ ،ويثبت بها حقّ السترداد وهناك
ت أخرى تسير على هذا النّمط ،كخيار التّعيين ،وخيار الغبن ،وخيار التّدليس ،
خيارا ٌ
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :خيارٌ ) .
-ويدخل الخيار كذلك عقد الجارة ،فيثبت به حقّ الفسخ وال ّردّ ،فمن استأجر دارا فوجد 8
إجازة المالك عند الحنفيّة والمالكيّة ،فإن أمضاه مضى ،وإن ردّه ردّ .وإذا أجاز المالك البيع
ي بمنزلة الوكيل ،وينتقل ملك المبيع إلى المشتري ،ويكون الثّمن للمالك ؛ لنّه
صار الفضول ّ
بدل ملكه .وبيع الفضوليّ قابلٌ للفسخ من جهة المشتري وجهة الفضوليّ عند الحنفيّة ،فلو
فسخه الفضوليّ قبل الجازة انفسخ ،واستردّ المبيع إن كان قد سلّم ،ويرجع المشتري بالثّمن
على البائع إن كان قد نقده ،وكذا إذا فسخه المشتري ينفسخ .أمّا عند المالكيّة :فهو لزمٌ من
جهة الفضوليّ ومن جهة المشتري ،منحلّ من جهة المالك .أمّا عند الشّافعيّة ،والحنابلة :
ح ويجب ردّه ،وفي الرّواية الخرى :أنّه يتوقّف على إجازة
فبيع الفضوليّ باطلٌ في الص ّ
ي -بيعٌ ) .
المالك .وفي ذلك تفصيلٌ كثيرٌ ( ر :فضول ّ
رابعا :فساد العقد :
-يفرّق الحنفيّة بين العقد الباطل والعقد الفاسد ،فالعقد الباطل عندهم :هو ما لم يشرع 10
بأصله ول وصفه ،والعقد الفاسد :هو ما شرع بأصله دون وصفه .أمّا حكم السترداد
بالنّسبة لكلّ من الباطل والفاسد فيظهر فيما يأتي :العقد الباطل ل وجود له شرعا ،ول يفيد
الملك ؛ لنّه ل أثر له ،ول يملك أحد العاقدين أن يجبر الخر على تنفيذه .ففي البيع يقول
الكاسانيّ :ل حكم لهذا البيع ( الباطل ) أصلً ؛ لنّ الحكم للموجود ،ول وجود لهذا البيع إلّ
من حيث الصّورة ؛ لنّ التّصرّف الشّرعيّ ل وجود له بدون الهليّة والمحّليّة شرعا ،كما ل
ل من الهل في المحلّ حقيقةً ،وذلك نحو بيع الميتة ،والدّم ،وكلّ
وجود للتّصرّف الحقيقيّ إ ّ
ما ليس بمالٍ .وما دام العقد الباطل ل وجود له شرعا ،ول ينتج أيّ أثرٍ ،فإنّه يترتّب على
ن البائع لو سلّم المبيع باختياره للمشتري ،أو دفع المشتري باختياره الثّمن للبائع ،كان
ذلك أ ّ
للبائع أن يستردّ المبيع ،وللمشتري أن يستردّ الثّمن ؛ لنّ البيع الباطل ل يفيد الملك ولو
بالقبض ،ولذلك لو تصرّف المشتري فيه ببيعٍ ،أو هب ٍة ،أو عتقٍ ،فإنّ هذا التّصرّف ل يمنع
ن البيع الباطل لم ينقل الملكيّة
البائع من استرداد المبيع من يد المشتري الثّاني ،ذلك أ ّ
ك له .
للمشتري ،فيكون المشتري قد باع مالً غير مملو ٍ
ع بوصفه ،فلذلك يفيد
-أمّا العقد الفاسد فإنّه وإن كان مشروعا بأصله لكنّه غير مشرو ٍ 11
شيءٌ واحدٌ ،ول يحصل به الملك ،سواءٌ اتّصل به القبض ،أم لم يتّصل ،ويلزم ردّ المبيع
على بائعه ،والثّمن على المشتري هذا إذا كان المبيع قائما في يد المشتري .أمّا إذا تصرّف
فيه المشتري ببيعٍ أو هبةٍ فقد اختلفوا في ذلك .فعند الشّافعيّة والحنابلة :ل ينفذ تصرّف
المشتري بذلك ،ويكون من حقّ البائع استرداد المبيع ،ومن حقّ المشتري استرداد الثّمن .
أمّا المالكيّة :فإنّه يجب عندهم ردّ المبيع الفاسد لربّه إن لم يفت ،كأن لم يخرج عن يده
س ،فإن فات بيد المشتري مضى المختلف فيه -ولو خارج المذهب
ببيعٍ ،أو بنيانٍ ،أو غر ٍ
المالكيّ -بالثّمن الّذي وقع به البيع ،وإن لم يكن مختلفا فيه بل متّفقا على فساده ،ضمن
المشتري قيمته إن كان مقوّما حين القبض ،وضمن مثل المثليّ إذا بيع كيلً أو وزنا ،وعلم
كيله أو وزنه ،ولم يتعذّر وجوده ،وإلّ ضمن قيمته يوم القضاء عليه بالرّدّ .
خامسا :انتهاء مدّة العقد :
-انتهاء مدّة العقد في العقود المقيّدة بمدّةٍ يثبت حقّ السترداد ،ففي عقد الجارة يكون 13
للمؤجّر أن يستردّ ما آجره إذا انقضت مدّة الجارة ،فمن استأجر أرضا للبناء ،وغرس
الشجار ،ومضت مدّة الجارة ،لزم المستأجر أن يقلع البناء والغرس ويسلّمها إلى ربّها
فارغةً ،لنّه يجب عليه ردّها إلى صاحبها غير مشغولةٍ ببنائه وغرسه ؛ لنّ البناء والغرس
ليس لهما حال ٌة منتظر ٌة ينتهيان إليها .وفي تركهما على الدّوام بأجرٍ أو بغير أجرٍ يتضرّر
ل أن يختار صاحب الرض أن يغرم له قيمة ذلك
صاحب الرض ،فيتعيّن القلع في الحال ،إ ّ
مقلوعا ،ويتملّكه ( ،وذلك برضى صاحب الغرس والشّجر ،إلّ أن تنقص الرض بقلعهما ،
فحينئذٍ يتملّكهما بغير رضاه ) أو يرضى بتركه على حاله ،فيكون البناء لهذا ،والرض
ل يستوفيه .هذا مذهب الحنفيّة .وعند الحنابلة :يخيّر المالك بين
ن الحقّ له ،فله أ ّ
لهذا ؛ ل ّ
تملّك الغراس والبناء بقيمته ،أو تركه بأجرته ،أو قلعه وضمان نقصه ،ما لم يقلعه مالكه .
ومثل ذلك مذهب الشّافعيّة ،إلّ إذا كان صاحب الرض شرط القلع عند انتهاء المدّة ،فإنّه
يعمل بشرطه .وعند المالكيّة :يجبر صاحب الغرس على القلع بعد انتهاء المدّة ،ويجوز
لربّ الرض كراؤها له مدّةً مستقبل ًة ،وهذا بالنّسبة للغرس والبناء .أمّا بالنّسبة للزّراعة إذا
انقضت المدّة والزّرع لم يدرك ،فليس للمؤجّر في هذه الحالة أن يستردّ أرضه ،وإنّما يترك
ن للزّرع نهايةً معلومةً ،
الزّرع على حاله إلى أن يستحصد ،ويكون للمالك أجر المثل ؛ ل ّ
ن الحنابلة يقيّدون ذلك
فأمكن رعاية الجانبين .وهذا هو الحكم في الجملة عند الفقهاء .غير أ ّ
بعدم التّفريط من المستأجر ،فإن كان بتفريطٍ أجبر على القلع .وهذا هو رأي الشّافعيّة في
الزّرع المطلق ،أي الّذي لم يحدّد نوعه ،فيكون للمالك عندهم أن يتملّكه بنقله .وأمّا في
الزّرع المعيّن إن كان هناك شرطٌ بالقلع ،فله جبر صاحب الزّرع على قلعه ،وإن لم يكن
هناك شرطٌ فقولن :بالجبر وعدمه .وعند المالكيّة :يلزمه البقاء إلى الحصاد .وينظر
تفصيل ذلك في ( إجارةٌ ) .
سادسا :القالة :
-القالة -سوا ٌء اعتبرت فسخا أم بيعا -يثبت بها حقّ السترداد ،لنّها من التّصرّفات 14
الجائزة ؛ لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من أقال مسلما أقال اللّه عثرته يوم القيامة » .
ل حقّ إلى صاحبه .ففي البيع يعود بمقتضاها المبيع إلى
والقصد من القالة هو :ردّ ك ّ
البائع ،والثّمن إلى المشتري .وبالجملة فإنّه يجب ردّ الثّمن الوّل ،أو مثله ،ول يجوز ردّ
زياد ٍة على الثّمن ،أو نقصه ،أو ردّ غير جنسه ؛ لنّ مقتضى القالة ردّ المر إلى ما كان
عليه ،ورجوع كلّ منهما إلى ما كان له .وهذا بالتّفاق في الجملة .وعند أبي يوسف :
القالة جائزةٌ بما سمّيا كالبيع الجديد .
سابعا :الفلس :
ن المشتري إذا حجر عليه
-حقّ الغرماء يتعلّق بمال المفلس ،ول خلف بين الفقهاء في أ ّ 15
س قبل أداء الثّمن الحالّ -والمبيع بيد البائع -فإنّ للبائع أن يحبسه عن المشتري ،ويكون
لفل ٍ
أحقّ به من سائر الغرماء .أمّا إذا كان المشتري قد قبض المبيع ،ولم يدفع الثّمن ،ثمّ حجر
عليه لفلسٍ ،ووجد البائع عين ماله الّذي باعه للمفلس ،فإنّه يكون أحقّ بالمبيع من سائر
الغرماء ،ول يسقط حقّه بقبض المشتري للمبيع ،لحديث أبي هريرة مرفوعا « :من أدرك
ماله عند إنسانٍ أفلس فهو أحقّ به » ،وبه قال عثمان وعليّ .قال ابن المنذر :ل نعلم أحدا
من أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم خالفهما .فإن شاء البائع استردّه من المشتري
ص باقي الغرماء بثمنه .وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة
وفسخ البيع ،وإن شاء تركه وحا ّ
والحنابلة .هذا مع مراعاة الشّروط الّتي وضعت لسترداد عين المبيع ،ككونه باقيا في ملك
ن حقّ البائع في المبيع
المشتري ،ولم يتغيّر ،ولم يتعلّق به حقّ ...إلخ .وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
يسقط بقبض المشتري له بإذنه ،ويصير أسو ًة بالغرماء ،فيباع ويقسم ثمنه بالحصص ؛ لنّ
ملك البائع قد زال عن المبيع ،وخرج من ضمانه إلى ملك المشتري وضمانه ،فساوى باقي
الغرماء في سبب الستحقاق ،وإن كان المشتري قبضه بغير إذن البائع كان له استرداده .
وإن كان البائع قبض بعض الثّمن ،فقال مالكٌ :إن شاء ردّ ما قبض وأخذ السّلعة كلّها ،وإن
ص الغرماء فيما بقي .وقال الشّافعيّ :يأخذ من سلعته بما بقي من الثّمن .وقال
شاء حا ّ
جماع ٌة من أهل العلم :إسحاق وأحمد :هو أسوة الغرماء .ولو بذل الغرماء للبائع الثّمن
فيلزمه أخذ الثّمن عند المالكيّة ،ول كلم له فيه ،وعند الشّافعيّة :له الفسخ ؛ لما في التّقديم
من المنّة ،وخوف ظهور غريمٍ آخر ،وقيل :ليس له الفسخ .وعند الحنابلة :ل يلزمه
القبول من الغرماء ،إلّ إذا بذله الغريم للمفلس ،ثمّ بذله المفلس لربّ السّلعة .وفي الموضوع
تفصيلتٌ كثير ٌة تنظر في ( حجرٌ -إفلسٌ ) .
ثامنا :الموت :
-من مات وعليه ديونٌ تعلّقت الدّيون بماله ،وإذا مات مفلسا قبل تأدية ثمن ما اشتراه 16
وقبضه ،ووجد البائع عين ماله في التّركة ،فقال الشّافعيّة :يكون البائع بالخيار ،بين أن
يضرب مع الغرماء بالثّمن ،وبين أن يفسخ ،ويرجع في عين ماله ؛ لما روي عن « أبي
ل أفلس :هذا الّذي قضى فيه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أيّما
هريرة أنّه قال في رج ٍ
رجلٍ مات أو أفلس فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه إذا وجده بعينه » فإن كانت التّركة تفي بالدّين
ففيه وجهان :أحدهما ،وهو قول أبي سعيدٍ الصطخريّ :له أن يرجع في عين ماله ،
ن المال
لحديث أبي هريرة ،والثّاني :ل يجوز أن يرجع في عين ماله ،وهو المذهب ؛ ل ّ
يفي بالدّين ،فلم يجز الرّجوع في المبيع ،كالحيّ المليء .وعند الحنابلة والمالكيّة والحنفيّة :
ليس للبائع الرّجوع في عين ماله ،بل يكون أسوة الغرماء ؛ لحديث أبي بكر بن عبد الرّحمن
بن الحارث بن هشامٍ أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :أيّما رجلٍ باع متاعه فأفلس الّذي
ابتاعه ،ولم يقبض الّذي باعه من ثمنه شيئا ،فوجد متاعه بعينه فهو أحقّ به ،وإن مات
ن الملك انتقل عن المفلس إلى الورثة فأشبه .
المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء » .ول ّ
ما لو باعه .
تاسعا :الرّشد :
-يجب دفع المال إلى المحجور عليه إذا بلغ ورشد ،لقوله تعالى { :وابتلوا اليتامى حتّى 17
إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } حتّى لو منعه الوليّ ،أو الوصيّ
منه حين طلبه ماله يكون ضامنا .وفي ذلك تفصيلٌ ( ر :رشدٌ -حجرٌ ) .
صيغة السترداد :
-في العقد الفاسد ( وهو ما يجب فيه الفسخ والرّدّ ) يكون الفسخ بالقول ،كفسخت العقد 18
ن هذا
أو نقضت أو رددت ،فينفسخ ول يحتاج إلى قضاء القاضي ،ول إلى رضى البائع ؛ ل ّ
البيع استحقّ الفسخ حقّا للّه تعالى .ويكون ال ّردّ بالفعل ،وهو أن يردّ المبيع على بائعه على
أيّ وجهٍ ردّه .والرّجوع في الهبة -وهو استردادٌ -يكون بقول الواهب :رجعت في هبتي ،
أو ارتجعتها ،أو رددتها ،أو عدت فيها .أو يكون بالخذ بنيّة الرّجوع ،أو الشهاد ،أو
بقضاء القاضي كما هو عند الحنفيّة .
كيفيّة السترداد :
ن في شي ٍء ما ،بأيّ سببٍ من السباب السّابق ذكرها ،فإنّ
إذا ثبت حقّ السترداد لنسا ٍ
السترداد يتحقّق بعدّة أمو ٍر :
الوّل :استرداد عين الشّيء :
-إذا كان ما يستحقّ استرداده قائما بعينه فإنّه يردّ بعينه ،فالمغصوب ،والمسروق ، 19
والمبيع بيعا فاسدا ،والمفسوخ لخيارٍ ،أو لنقطاع مسلمٍ فيه ،أو لقال ٍة ،كلّ هذا يستردّ بعينه
ما دام قائما .وكذلك المانات ،كالودائع والعواريّ تردّ بعينها ما دامت قائمةً ،ومثل ذلك ما
انتهت مدّته في العقد كالجارة ،والعاريّة المقيّدة بأجلٍ ،وما وجد بعينه عند المفلس وثبت
استحقاقه ،وما يجوز الرّجوع فيه كالهبة .والصل في ذلك قول اللّه تعالى { :إنّ اللّه
يأمركم أن تؤدّوا المانات إلى أهلها } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :على اليد ما
أخذت حتّى تردّ » .وقوله « :من وجد ماله بعينه عند رجلٍ قد أفلس فهو أحقّ به » .وردّ
العين هو الواجب الصليّ ( إلّ ما جاء في القرض من أنّه ل يجب ردّ العين ،ولو كانت
قائمةً ،وإن كان ذلك جائزا ) على ما ذهب إليه الحنابلة والمالكيّة ،وفي ظاهر الرّواية عند
الحنفيّة ،وفي قولٍ للشّافعيّة .هذا إذا كانت العين قائم ًة بعينها دون حدوث تغييرٍ فيها ،لكنّها
ص ،أو تغيير صور ٍة ،فهل يؤثّر ذلك على استرداد العين ؟ أورد
قد تتغيّر بزيادةٍ ،أو نق ٍ
الفقهاء في ذلك صورا كثير ًة ،وفروعا متعدّدةً ،وأه ّم ما ورد فيه ذلك :البيع الفاسد ،
والغصب والهبة .ونورد فيما يلي بعض القواعد الكّليّة الّتي يندرج تحتها كثيرٌ من الفروع
والمسائل .
أ ّولً :بالنّسبة للبيع الفاسد والغصب :
-يتشابه الحكم في البيع الفاسد والغصب ،حيث إنّ البيع الفاسد يجب فيه الفسخ وال ّردّ حقّا 20
للشّرع ،وكذلك المغصوب يجب ردّه ،وبيان ذلك فيما يلي :
أ -التّغيير بالزّيادة :
-إذا تغيّر المبيع بيعا فاسدا أو المغصوب بالزّيادة ،فإن كانت الزّيادة متّصل ًة متولّد ًة من 21
الصل ،كالسّمن والجمال ،أو كانت منفصلةً ،سواءٌ أكانت متولّدةً من الصل ،كالولد
واللّبن والثّمرة ،أم غير متولّدةٍ من الصل ،كالهبة والصّدقة والكسب ،فإنّها ل تمنع الرّدّ ،
ن الزّيادة نماء ملكه ،وتابع ٌة للصل ،والصل
ق أن يستردّ الصل مع الزّيادة ؛ ل ّ
وللمستح ّ
مضمون ال ّردّ ،فكذلك التّبع .وهذا باتّفاق الفقهاء في الغصب ،وعند غير المالكيّة في المبيع
بيعا فاسدا .أمّا عند المالكيّة فإنّ المبيع بيعا فاسدا يفوت بالزّيادة ،ول يجب ردّ عينه .وإن
كانت الزّيادة متّصلةً غير متولّد ٍة من الصل ،كمن غصب ثوبا فصبغه ،أو سويقا فلتّه بسمنٍ
.فعند الحنفيّة :يمتنع ال ّردّ في البيع الفاسد ؛ لتعذّر الفصل ،أمّا في الغصب فإنّ المالك
بالخيار إن شاء ضمّنه قيمة الثّوب دون صبغٍ ،ومثله السّويق ،وإن شاء أخذهما وغرم ما
زاد الصّبغ والسّمن فيهما ،وذلك رعايةٌ للجانبين .وعند المالكيّة .ل ردّ في البيع الفاسد ،
وفي الغصب يخيّر المالك في الثّوب فقط ،أمّا السّويق فل يستردّ ؛ لنّه تفاضل طعامين .
وعند الحنابلة والشّافعيّة :يردّ لصاحبه ،ويكونان شريكين في الزّيادة إن زاد بذلك ،ويقول
الشّافعيّة :إن أمكن قلع الصّبغ أجبر عليه .
ب -التّغيير بالنّقص :
-إذا كان التّغيير بالنّقص ،كما إذا نقص العقار بسكناه وزراعته ،وكتخرّق الثّوب ،فإنّه 22
يردّ مع أرش النّقصان ،وسوا ٌء أكان النّقصان بآفةٍ سماويّ ٍة ،أم بفعل الغاصب والمشتري
شرا ًء فاسدا ،وهذا باتّفاقٍ في الغصب ،وعند غير المالكيّة في البيع الفاسد حيث يعتبر التّغيير
بالنّقص مانعا لل ّردّ وفوتا عند المالكيّة ،كالزّيادة .
ج -التّغيير بالصّورة والشّكل :
-وإذا تغيّرت صورة المستحقّ ،بأن كان شا ًة فذبحها وشواها ،أو حنطةً فطحنها ،أو 23
غزلً فنسجه ،أو قطنا فغزله ،أو ثوبا فخاطه قميصا ،أو طينا جعله لبنا أو فخّارا ،فعند
الشّافعيّة والحنابلة :ل ينقطع حقّ صاحبه في السترداد ،ويجب ردّه لصاحبه ؛ لنّه عين
ماله ،وله مع ذلك أرش نقصه إن نقص بذلك .وعند الحنفيّة والمالكيّة :ينقطع حقّ صاحبه
ن اسمه قد تبدّل .
في استرداد عينه ،ل ّ
د -التّغيير بالغرس والبناء في الرض :
-والغرس والبناء في الرض ل يمنع السترداد ،ويؤمر صاحب الغرس والبناء بقلع 24
غرسه ،ونقض بنائه ،ور ّد الرض لصاحبها ،وهذا عند الحنابلة والشّافعيّة وأبي يوسف
ومح ّمدٍ من الحنفيّة ،وهو الحكم أيضا عند أبي حنيفة والمالكيّة في الغصب دون البيع الفاسد .
فعند المالكيّة :يعتبر فوتا في البيع الفاسد ،وعند أبي حنيفة :البناء والغرس حصل بتسليطٍ
من البائع ،فينقطع حقّه في السترداد .وعلى الجملة فإنّه عند الحنابلة والشّافعيّة :ل ينقطع
ل بالهلك الكّليّ ،وعند الحنفيّة :ل ينقطع حقّ السترداد في
حقّ المالك في استرداد العين إ ّ
المستحقّ إلّ إذا تغيّرت صورته وتبدّل اسمه .والمر كذلك عند المالكيّة في الغصب ،أمّا في
البيع الفاسد فإنّ الزّيادة والنّقصان والتّغيير يعتبر فوتا ،ول يردّ به المبيع .وفي الموضوع
ب -بيعٌ -فسادٌ -فسخٌ ) .
تفاصيل كثير ٌة ومسائل متعدّدةٌ ( .ر :غص ٌ
ثانيا :بالنّسبة للهبة :
-من وهب لمن يجوز الرّجوع عليه -على خلفٍ بين الفقهاء في ذلك ،تفصيله في الهبة 25
-فإنّه يجوز للواهب أن يرجع في هبته ،ويستردّها ما دامت قائم ًة بعينها .فإن زادت الهبة
في يد الموهوب له ،فإمّا أن تكون زياد ًة متّصلةً أو منفصل ًة ،فإن كانت الزّيادة منفصلةً -
كالولد والثّمرة -فهذه الزّيادة ل تمنع السترداد ،لكنّه يستردّ الصل فقط ،دون الزّيادة .
وهذا عند الحنابلة والشّافعيّة والحنفيّة .وإن كانت الزّيادة متّصلةً ،فإنّها ل تمنع الرّجوع عند
الشّافعيّة ويرجع بالزّيادة .أمّا عند الحنابلة والحنفيّة :فإنّ الزّيادة المتّصلة تمنع الرّجوع في
الهبة .وإذا نقصت الهبة في يد الواهب فإنّها ل تمنع الرّجوع ،وللواهب أن يستردّها من غير
ل لم تصحّ ،كما
ب معلومٍ تصحّ ،فإن كان الثّواب مجهو ً
أرش ما نقص .والهبة بشرط ثوا ٍ
يقول الحنابلة والشّافعيّة ،وصارت كالبيع الفاسد ،وحكمها حكمه ،وتردّ بزوائدها المتّصلة
والمنفصلة ؛ لنّها نماء ملك الواهب .ومذهب المالكيّة يجيز للب ،ولمن وهب هبةً لثوابٍ
الرّجوع فيها ،إذا كانت قائمةً بعينها ،فإن حدث فيها تغييرٌ بزيادةٍ أو نقصٍ فل تستردّ ،أو
كان الولد الموهوب له تزوّج لجل الهبة ،فذلك يمنع الرّجوع فيها .
الثّاني :التلف بواسطة المستحقّ :
-يعتبر إتلف المالك ما يستحقّه عند واضع اليد عليه استردادا له ،فالطّعام المغصوب إذا 26
أطعمه الغاصب لمالكه ،فأكله عالما أنّه طعامه برئ الغاصب من الضّمان ،واعتبر المالك
مستردّا لطعامه ؛ لنّه أتلف ماله عالما من غير تغريرٍ ،وهذا باتّفاقٍ .فإن لم يعلم المالك أنّه
طعامه ،فعند الحنابلة ،وغير الظهر عند الشّافعيّة :ل يبرأ الغاصب من الضّمان .وإذا
ي سببٍ ،فأتلفه في يد المشتري ،
قبض المشتري المبيع ،وثبت للبائع حقّ السترداد فيه ل ّ
صار مستردّا للمبيع بالستهلك .وإذا هلك الباقي من سراية جناية البائع يصير مستردّا
للجميع ،ويسقط عن المشتري جميع الثّمن ؛ لنّ تلف الباقي حصل مضافا إلى فعله فصار
مستردّا للكلّ .ولو قتل البائع المبيع يعتبر مستردّا بالقتل ،وكذلك لو حفر البائع بئرا فوقع فيه
ومات ؛ لنّ ذلك في معنى القتل فيصير مستردّا .
من له حقّ السترداد :
ل للتّصرّف -استرداد ما يستحقّ له عند غيره .وكما يثبت
-يثبت للمالك -إن كان أه ً 27
هذا الحقّ للمالك ،فإنّه يثبت لمن يقوم مقامه ،فالوليّ أو الوصيّ يقوم مقام المحجور عليه في
ب ،ومسروقٍ ،وما يشترى شراءً فاسدا ،وجمع
تخليص حقّه من ردّ وديعةٍ ،ومغصو ٍ
الموال الضّائعة ،وهو الّذي يقوم بالرّفع للحاكم إذا لم يمكنه السترداد .وإذا تبرّع الصّبيّ ل
ي ردّها .وكذلك الوكيل يقوم مقام موكّله فيما وكّل فيه ،وال ّردّ
تنفذ تبرّعاته ،ويتعيّن على الول ّ
على الوكيل حينئذٍ يكون كال ّردّ على الموكّل ،حيث إنّ الوكالة تجوز في الفسوخ ،وفي قبض
الحقوق .ومثل ذلك ناظر الوقف ،فإنّه يملك ردّ التّصرّفات الّتي تضرّ بالوقف .والحاكم أو
القاضي له النّظر في مال الغائب ،ويأخذ له المال من الغاصب والسّارق ويحفظه عليه ؛ لنّ
القاضي ناظرٌ في حقّ العاجز .
-كذلك للمام حقّ السترداد ،فمن أقطعه المام شيئا من الموات لم يملكه بذلك ،لكن 28
يصير أحقّ به ،كالمتحجّر الشّارع في الحياء ؛ لما روي من حديث بلل بن الحارث حيث
استرجع عمر منه ما عجز عن إحيائه ،من العقيق الّذي أقطعه إيّاه رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم ،ولو ملكه لم يجز استرجاعه .وكذلك ردّ عمر قطيعة أبي بكرٍ لعيينة بن حصنٍ ،
فسأل عيينة أبا بكرٍ أن يجدّد له كتابا فقال :ل ،واللّه ل أجدّد شيئا ردّه عمر .لكن المقطع
ل قال له السّلطان :ارفع يدك
يصير أحقّ به من سائر النّاس ،وأولى بإحيائه ،فإن أحياه وإ ّ
عنه .
موانع السترداد :
-سقوط حقّ المالك أو من يقوم مقامه في السترداد لمانعٍ من الموانع يشمل ما يأتي : 29
الثّواب من اللّه عزّ وجلّ ،وقد قال سيّدنا عمر رضي ال تعالى عنه :من وهب هبةً على
ن الرّأي الرّاجح عند الشّافعيّة أنّ
وجه الصّدقة فإنّه ل يرجع فيها .وهذا في الجملة ،ل ّ
الصّدقة للتّطوّع على الولد يجوز الرّجوع فيها .وكذلك ل يجوز الرّجوع في الهبة لغير الولد
عند الجمهور ،وفي إحدى الرّوايتين عند أحمد :ل يجوز رجوع المرأة فيما وهبته لزوجها .
ل الجمهور
ولذي الرّحم المحرم عند الحنفيّة ،وكذلك هبة أحد الزّوجين للخر عندهم ،واستد ّ
بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل يحلّ لرجلٍ أن يعطي عطيّ ًة فيرجع فيها إلّ الوالد فيما
ل الحنفيّة بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الرّجل أحقّ بهبته ما لم
يعطي ولده » .واستد ّ
ض معنًى ؛ لنّ التّواصل سبب الثّواب في الدّار
يثب منها » أي لم يعوّض ،وصلة الرّحم عو ٌ
الخرة ،فكان أقوى من المال .وكذلك الوقف إذا ت ّم ولزم ،ل يجوز الرّجوع فيه ؛ لنّه من
الصّدقة ،وقد روى عبد اللّه بن عمر قال « :أصاب عمر أرضا بخيبر ،فأتى النّبيّ صلى
ال عليه وسلم يستأمره فيها ،فقال :يا رسول اللّه إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب قطّ مالً
أنفس عندي منه ،فما تأمرني فيها ؟ فقال :إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها ،غير أنّه ل
يباع أصلها ،ول يبتاع ،ول يوهب ،ول يورث » .والخمر ل تستردّ ؛ لحرمة تملّكها
ن أبا طلحة «
للمسلم ،فل يجوز له استردادها إن غصبت منه ،ويجب إراقتها ؛ لما روي أ ّ
سأل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن أيتامٍ ورثوا خمرا ،فأمر بإراقتها » .
ب -التّصرّف والتلف :
-الهبة الّتي يجوز الرّجوع فيها سواءٌ أكانت للبن أم للجنبيّ -على اختلف الفقهاء في 31
ذلك -إذا تصرّف فيها الموهوب له أو أتلفها ،فإنّه يسقط حقّ الواهب في الرّجوع فيها مع
سقوط الضّمان .
ج -التّلف :
-ما كان أمان ًة ،كالمال تحت يد الوكيل وعامل القراض ،وكالوديعة ،وكالعاريّة عند 32
الحنفيّة والمالكيّة -إذا تلف دون تعدّ أو تفريطٍ -فإنّه يسقط حقّ المالك في السترداد مع
سقوط الضّمان .
ثانيا :ما يسقط الحقّ في استرداد العين مع بقاء الحقّ في الضّمان :
-استرداد العين هو الصل لما يجب فيه ال ّردّ ،كالمغصوب ،والمبيع بيعا فاسدا ،فما دام 33
بال ّردّ ول بالضّمان ،ويلزمه ذلك فيما بينه وبين اللّه جلّ جلله .
عودة حقّ السترداد بعد زوال المانع :
ن هذا الحقّ يعود إذا زال المانع ؛
-ما وجب ردّه ثمّ بطل حقّ السترداد فيه لمانعٍ ،فإ ّ 35
ن المانع إذا زال عاد الممنوع ،ومن أمثلة ذلك :البيع الفاسد -حيث يجب فيه ال ّردّ -إذا
لّ
ق الرّدّ ،فإن ردّ على المشتري بخيار شرطٍ ،أو رؤيةٍ ،أو
تصرّف فيه المشتري ببيعٍ سقط ح ّ
ن الرّ ّد بهذه
ب بقضاء قاضٍ ،وعاد على حكم الملك الوّل عاد حقّ الفسخ وال ّردّ ؛ ل ّ
عي ٍ
ل له كأن لم يكن .أمّا لو اشتراه ثانيا ،
خ محضٌ ،فكان دفعا للعقد من الصل وجع ً
الوجوه فس ٌ
ن الملك اختلف لختلف السّبب ،فكان
أو عاد إليه بسببٍ مبتدأٍ ل يعود حقّ الفسخ ؛ ل ّ
اختلف الملكين بمنزلة اختلف العقدين .هذا هو مذهب الحنفيّة ،ويسايره مذهب المالكيّة في
عودة حقّ السترداد إذا زال المانع ،غير أنّهم يخالفون الحنفيّة في أنّه لو عاد المبيع الفاسد
إلى المشتري بأيّ وجهٍ كان -سواءٌ كان عوده اختياريّا أو ضروريّا كإرثٍ -فإنّه يعود حقّ
السترداد ،ما لم يحكم حاكمٌ بعدم ال ّردّ ،أو كان الفوات راجعا لتغيّر السّوق ،ثمّ عاد السّوق
إلى حالته الولى ،فل يرتفع حكم السّبب المانع ،ول يجب على المشتري ال ّردّ .أمّا الحنابلة
والشّافعيّة :فإنّ البيع الفاسد عندهم ل يحصل به الملك للمشتري ،ول ينفذ فيه تصرّف
المشتري ببيعٍ ول هب ٍة ول عتقٍ ول غيره ،هو واجب ال ّردّ ما لم يتلف فيكون فيه الضّمان .
ومن ذلك :أنّه إذا وجبت الدّية في الجناية على منافع العضاء ،ثمّ عادت إلى حالتها
ن فزال السّمع ،وأخذت منه
الطّبيعيّة فإنّ الدّية تستردّ .وعلى ذلك :من جنى على سمع إنسا ٍ
الدّية ،ثمّ عاد السّمع ،وجب ردّ الدّية ؛ لنّ السّمع لم يذهب ؛ لنّه لو ذهب لما عاد .ومن
جنى على عينين فذهب ضوءهما وجبت الدّية ،فإن أخذت الدّية ،ث ّم عاد الضّوء وجب ردّ
الدّية .وهذا عند الجمهور ،وعند الحنفيّة خلفٌ بين أبي حنيفة وصاحبيه ( .ر :جنايةٌ -
ديةٌ ) .
أثر السترداد :
-السترداد حقّ من الحقوق الّتي تثبت نتيج ًة لبعض التّصرّفات ،ففي الغصب يثبت 36
للمغصوب منه حقّ السترداد من الغاصب ،وفي العاريّة يثبت للمعير حقّ السترداد من
المستعير ،وفي الوديعة يثبت للمودع حقّ السترداد من المودع ،وفي الرّهن يثبت للرّاهن
حقّ استرداد المرهون من المرتهن بعد وفاء الدّين .وما وجب ردّه بعينه كالمغصوب ،
والمبيع بيعا فاسدا ،والمانات حين طلبها إذا ردّت أو استردّها كلّها فإنّه يترتّب على ذلك ما
يأتي :
أ -البراءة من الضّمان ،فالغاصب يبرأ بردّ المغصوب ،والمودع يبرأ بردّ الوديعة ،وهكذا
.
ب -يعتبر ال ّردّ فسخا للعقد ،فر ّد العاريّة الوديعة والمبيع بيعا فاسدا يعتبر فسخا للعقد .
ج -ترتّب بعض الحقوق ،كثبوت الرّجوع بالثّمن لمن استحقّ بيده شيءٌ على من اشتراها
منه .
*استرسالٌ
التعريف
-السترسال أصله في اللّغة :السّكون والثّبات .ومن معانيه لغ ًة :الستئناس والطّمأنينة 1
-المسترسل هو الجاهل بقيمة السّلعة ،ول يحسن المبايعة ،قال المام أحمد :المسترسل : 2
هو الّذي ل يماكس ،فكأنّه استرسل إلى البائع ،فأخذ ما أعطاه ،من غير مماكس ٍة ول معرفةٍ
بغبنه .وقد اختلف الفقهاء في ثبوت الخيار للمسترسل إذا غبن غبنا يخرج عن العادة .فعند
المالكيّة والحنابلة :يثبت له الخيار بين الفسخ والمضاء ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
« غبن المسترسل حرامٌ » .وعند الشّافعيّة ،وفي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة :ل يثبت له
ال ّردّ ؛ لنّ المبيع سليمٌ ،ولم يوجد من جهة البائع تدليسٌ ،وإنّما فرّط المشتري في ترك
التّأمّل ،فلم يجز له ال ّردّ .وفي رواي ٍة أخرى عند الحنفيّة :أنّه يفتى بال ّردّ إن حدث غررٌ ،
ل فيما يعتبر غبنا وما ل يعتبر ،وهل يقدّر بالثّلث أو أقلّ
وذلك رفقا بالنّاس .وللفقهاء تفصي ٌ
أو أكثر وغير ذلك ،يرجع إليه في مصطلح ( غبنٌ -خيارٌ ) .
ثانيا :بالنّسبة للصّيد :
-يشترط لباحة ما قتله الحيوان الجارح إرسال الصّائد له .فإذا استرسل من نفسه دون 3
إرسال الصّائد فل يحلّ ما قتله ،إلّ إذا وجده غير منفوذ المقاتل فذكّاه .وهذا باتّفاق الفقهاء ،
إلّ أنّهم يختلفون فيما إذا أشله الصّائد -أي أغراه -أو زجره أثناء استرساله ،هل يحلّ أو
ل موطنه مصطلح ( صيدٌ -وإرسالٌ ) .
ل ؟ على تفصي ٍ
ثالثا :بالنّسبة للولء :
ل لموالي أمّهم ،ما
-إذا تزوّج المملوك حرّةً مولةً لقو ٍم أعتقوها ،فولدت له أولدا فهم موا ٍ 4
دام الب رقيقا مملوكا ،فإذا عتق الب استرسل الولء ( انجرّ وانسحب ) من موالي المّ إلى
موالي العبد .أمّا لو ولدت المة قبل عتقها ،ثمّ عتقت بعد ذلك فل ينسحب الولء ؛ لنّ الولد
مسّه رقّ ،وهذا باتّفاقٍ .
مواطن البحث :
-ينظر تفصيل هذه المواضيع في باب الخيار في البيع ،وفي باب الولء ،وفي شروط 5
*استرقاقٌ
التعريف
-السترقاق لغ ًة :الدخال في ال ّرقّ ،وال ّرقّ :كون الدميّ مملوكا مستعبدا .ول يخرج 1
شدّ بالسار ،والسار :ما يشدّ به ،وقد يطلق السر على الخذ ذاته .
-السر هو :ال ّ 2
والسّبي هو :السر أيضا ،ولكن يغلب إطلق السّبي على أخذ النّساء والذّراريّ .والسر
والسّبي مرحلةٌ متقدّم ٌة على السترقاق في الجملة .وقد يتبعها استرقاقٌ أو ل يتبعها ،إذ قد
يؤخذ المحارب ،ثمّ يمنّ عليه ،أو يفدى ،أو يقتل ول يسترقّ .
الحكم التّكليفيّ للسترقاق :
-يختلف حكم السترقاق باختلف المسترقّ ( بالفتح ) ،فإن كان السير ممّن يجوز قتله 3
في الحرب فل يجب استرقاقه ،بل يجوز ،ويكون النّظر فيه إلى المام ،إن رأى في قتله
مصلح ًة للمسلمين قتله ،وإن رأى في استرقاقه مصلح ًة للمسلمين استرقّه ،كما يجوز المنّ
والفداء أيضا .أمّا إن كان ممّن ل يجوز قتله في الحرب فقد اختلف الفقهاء فيه على اتّجاهين
:فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب استرقاقه ،بل إنّهم قالوا :إنّه يسترقّ بنفس السر .
وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى جواز استرقاقه ،حيث يخيّر المام بين السترقاق وغيره ،
ن عليهم -كما فعل الرّسول صلى ال عليه
كجعلهم ذمّ ًة للمسلمين ،أو المفاداة بهم ،أو الم ّ
وسلم في فتح مكّة -على ما يرى من المصلحة في ذلك .وللتّفصيل ( ر :أسرى )
حكمة تشريع السترقاق :
-قال محمّد بن عبد الرّحمن البخاريّ شيخ صاحب الهداية « :ال ّرقّ إنّما ثبت في بني آدم 4
لستنكافهم من عبوديّتهم للّه تعالى الّذي خلقهم ،وكلّهم عبيده وأرقّاؤه ،فإنّه خلقهم وكوّنهم ،
فلمّا استنكفوا عن عبوديّتهم للّه تعالى جزاهم برقّهم لعباده ،فإذا أعتقه فقد أعاده المعتق إلى
رقّه حقّا للّه تعالى خالصا ،فعسى يرى هذه المنّة :أنّه لو استنكف من عبوديّته للّه تعالى
لبتلي برقّ لعبيده ،فيقرّ للّه تعالى بالوحدانيّة ،ويفتخر بعبوديّته ،قال اللّه تعالى { :لن
يستنكف المسيح أن يكون عبدا للّه } .
-وكان طريق التّخلّص من ال ّرقّ الّذي انتهجه السلم يتلخّص في أمرين :المر الوّل : 5
حصر مصادر السترقاق بمصدرين اثنين ل ثالث لهما ،وإنكار أن يكون أيّ مصدر غيرهما
مصدرا مشروعا للسترقاق :أحدهما :السرى والسّبي من حربٍ لعد ّو كافرٍ إذا رأى المام
ن من المصلحة استرقاقهم .وثانيهما :ما ولد من أ ّم رقيق ٍة من غير سيّدها ،أمّا لو كان من
أّ
سيّدها فهو حرّ .المر الثّاني :فتح أبواب تحرير الرّقيق على مصاريعها ،كالكفّارات ،
والنّذور ،والعتق تقرّبا إلى اللّه تعالى ،والمكاتبة ،والستيلد ،والتّدبير ،والعتق بملك
المحارم ،والعتق بإساءة المعاملة ،وغير ذلك .
من له حقّ السترقاق :
-اتّفقت كلمة الفقهاء على أنّ الّذي له حقّ السترقاق أو الم ّ
ن أو الفداء هو المام العظم 6
للمسلمين ،بحكم وليته العامّة ،أو من ينيبه ،ولذلك جعل إليه أمر الخيار في السترقاق
وعدمه .
أسباب السترقاق :
أوّلً -من يضرب عليه الرّقّ :
ل إذا توفّرت فيمن يسترقّ صفتان :الصّفة الولى
-ل يجوز ضرب ال ّرقّ على النّساء إ ّ 7
الكفر ،والصّفة الثّانية الحرب ،سوا ٌء أكان محاربا بنفسه ،أم تابعا لمحاربٍ ،على التّفصيل
التّالي :
أ -السرى من الّذين اشتركوا في حرب المسلمين فعلً .
-وهؤلء إمّا أن يكونوا من أهل الكتاب ،أو من المشركين ،أو من المرتدّين ،أو من 8
البغاة .
( أ ) فإن كانوا من أهل الكتاب :جاز استرقاقهم بالتّفاق ،والمجوس يعاملون مثلهم في هذا .
( ب ) أمّا إن كانوا من المشركين :فإمّا أن يكونوا من العرب أو من غيرهم ،فإن كانوا من
غير العرب فقد قال الحنفيّة ،والمالكيّة ،وبعض الشّافعيّة ،وبعض الحنابلة :يجوز استرقاقهم
.وقال بعض الشّافعيّة ،وبعض الحنابلة :ل يجوز .أمّا إن كانوا من العرب :فقد ذهب
المالكيّة ،وبعض الشّافعيّة ،وبعض الحنابلة إلى جواز استرقاقهم .واستثنى المالكيّة من ذلك
القرشيّين ،فقالوا :ل يجوز استرقاقهم .وذهب الحنفيّة ،وبعض الشّافعيّة ،وبعض الحنابلة
إلى أنّه ل يجوز استرقاقهم ،بل ل يقبل منهم إلّ السلم ،فإن رفضوه قتلوا ؛ وعلّل الحنفيّة
هذا التّفريق في الحكم بين العربيّ وغيره من المشركين بأنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم نشأ
بين أظهرهم ،والقرآن نزل بلغتهم ،فالمعجزة في حقّهم أظهر ،فكان كفرهم -والحالة هذه
-أغلظ من كفر العجم .
( ج ) وأمّا إن كانوا من المرتدّين :فإنّه ل يجوز استرقاقهم بالتّفاق ،ول يقبل منهم إلّ
السلم ،فإن رفضوه قتلوا لغلظ كفرهم .
( د ) وأمّا إن كانوا من البغاة :فإنّه ل يجوز استرقاقهم بالتّفاق ؛ لنّهم مسلمون ،والسلم
يمنع ابتداء ال ّرقّ .
ي وغيرهم :
ب -السرى من الّذين أخذوا في الحرب ممّن ل يجوز قتلهم ،كالنّساء والذّرار ّ
-وهؤلء يجوز استرقاقهم بالتّفاق ،إن كانوا من أهل الكتاب ،أو من الوثنيّين 9
الكفر الصليّ ،وقد وجد السلم بعد انعقاد سبب الملك ،وهو الخذ .
د -المرأة المرتدّة في بلد السلم :
ن المرأة إذا ارتدّت ،وأصرّت على ردّتها ل تسترقّ ،بل تقتل
-ذهب الجمهور إلى أ ّ 11
كالمرتدّ ،ما دامت في دار السلم .وعن الحسن ،وعمر بن عبد العزيز ،وأبي حنيفة في
النّوادر :تسترقّ في دار السلم أيضا .قيل :لو أفتي بهذه ل بأس به فيمن كانت ذات
سيّئ بالرّدّة من إثبات الفرقة .
زوجٍ ،حسما لقصدها ال ّ
هـ -استرقاق ال ّذ ّميّ النّاقض لل ّذمّة :
ي ما يعتبر نقضا لل ّذمّة -على اختلف الجتهادات فيما يعتبر نقضا لل ّذمّة
-إذا أتى ال ّذمّ ّ 12
وما ل يعتبر ( ر :ذمّ ٌة ) -فإنّه يجوز استرقاقه وحده ،دون نسائه وذراريّه ؛ لنّه بنقضه
ال ّذمّة قد عاد حربيّا ،فيطبّق عليه ما يطبّق على الحربيّين .أمّا نساؤه وذراريّه فيبقون على
ض لها .
ال ّذمّة ،إن لم يظهر منهم نق ٌ
و -الحربيّ الّذي دخل إلينا بغير أمانٍ .
-إذا دخل الحربيّ بلدنا بغير أمانٍ ،فمقتضى قول أبي حنيفة ،والشّافعيّة ،والحنابلة في 13
ولدها حرّا ،وإن كانت أم ًة كان ولدها رقيقا ،وهذا ممّا ل خلف فيه بين الفقهاء .ويستثنى
من ذلك ما لو كان التّولّد من سيّد المة ،إذ يولد حرّا وينعقد لمّه سبب الح ّريّة ،فتصبح حرّةً
بموت سيّدها .
انتهاء السترقاق :
-ينتهي السترقاق بالعتق .والعتق قد يكون بحكم الشّرع ،كمن ولدت من سيّدها تعتق 15
بموته ،وكمن ملك ذا رحمٍ منه فإنّه يعتق عليه بمجرّد الملك .وقد يكون العتق بالعتاق
ب للعتق ،كأن يعتقه في كفّارةٍ ( ر :كفّارةٌ ) ،
لمجرّد التّقرّب إلى اللّه تعالى ،أو لسببٍ موج ٍ
أو نذرٍ ( ر :نذرٌ ) .كما تنتهي بالتّدبير ،وهو أن يجعله حرّا دبر وفاته أي بعدها ( ر :
تدبيرٌ ) ،أو بالمكاتبة ،أو إجبار وليّ المر سيّدا على إعتاق عبده لضراره به ( ر :عتقٌ )
.
آثار السترقاق :
-أ -يترتّب على السترقاق آثارٌ كثير ٌة ،منها ما يتعلّق بالعبادات البدنيّة المسنونة إذا 16
ذلك .
-د -كما يمنع السترقاق من سائر الستحقاقات الماليّة ،فإن وقع شيءٌ منها استحقّه 19
المالك ل الرّقيق ،فالرّقيق ل يرث ،وما يستحقّه من أرش الجناية عليه فهو لسيّده .وإن
ن سيّده هو الّذي يطالب بهذا الدّين ،أمّا إن كان الدّين
استرقّ وله دينٌ على مسل ٍم أو ذمّيّ ،فإ ّ
على حربيّ فيسقط .
-هـ -وإذا سبي الصّبيّ الصّغير دون والديه ،حكم بإسلمه تبعا للسّابي ؛ لنّ له عليه 20
ل يكون أميرا ول قاضيا ؛ لنّه ل ولية له على نفسه ،فكيف تكون له الولية على غيره ،
وبنا ًء على ذلك فإنّه ل يصحّ أمان الرّقيق ،ول تقبل شهادته أيضا ،على خلفٍ في ذلك .
ق الرّقيق ،إن كانت قابلةً
-ز -والسترقاق مخ ّفضٌ للعقوبة ،فتنصّف الحدود في ح ّ 22
للتّنصيف .
-ح -وللسترقاق أثرٌ في النّكاح ،إذ العبد ليس بكف ٍء للحرّة ،ول بدّ فيه من إذن 23
سيّد ،ول يملك العبد نكاح أكثر من امرأتين ،ول تنكح أم ٌة على حرّةٍ .
ال ّ
-ط -وله أثرٌ في الطّلق أيضا ،إذ ل يملك الرّقيق من الطّلق أكثر من طلقتين ،وإذا 24
*استسعاءٌ
التعريف
-الستسعاء لغ ًة :سعي الرّقيق في فكاك ما بقي من رقّه إذا عتق بعضه ،فيعمل ويكسب ، 1
ويصرف ثمنه إلى موله .واستسعيته في قيمته :طلبت منه السّعي .ول يخرج استعمال
الفقهاء عن ذلك وإعتاق المستسعى غير العتاق بالكتابة ،فالمستسعى ل يردّ إلى ال ّرقّ ،لنّه
إسقاطٌ ل إلى أحدٍ ،والسقاط ل إلى أحدٍ ليس فيه معنى المعاوضة ،بخلف المكاتب ؛ لنّ
الكتابة عقدٌ ترد عليه القالة والفسخ ،لكنّه يشبه الكتابة في أنّه إعتاقٌ بعوضٍ .ومحلّ
الستسعاء :من أعتق بعضه .
الحكم الجماليّ :
-أغلب الفقهاء على أنّ المولى لو أعتق جزءا من عبده فإنّه يسري العتق إلى باقيه ،ول 2
ل أعتق
ن رج ً
ن العتق ل يتبعّض ابتداءً ،ولحديث أبي المليح عن أبيه « :أ ّ
يستسعى ؛ ل ّ
شقصا له من غلمٍ ،فذكر ذلك لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :ليس للّه شريكٌ » ،
وأجاز عتقه .رواه أحمد وأبو داود ،وفي لفظٍ « :هو حرّ كلّه ،ليس للّه شريكٌ » .وقال
أبو حنيفة :يستسعى في الباقي .
ن الفقهاء يفرّقون بين ما إذا
-أمّا إذا كان العبد مشتركا ،وأعتق أحد الشّركاء نصيبه ،فإ ّ 3
كان المعتق موسرا أو معسرا ،فإن كان موسرا فقد خيّر أبو حنيفة الشّريك الخر بين ثلثة
أمورٍ :العتق ،أو تضمين الشّريك المعتق ،أو استسعاء العبد .وإن كان معسرا فالشّريك
بالخيار ،بين العتاق وبين الستسعاء فقط ،وقال أبو يوسف ومح ّمدٌ هنا :ليس له إلّ
الضّمان مع اليسار ،والسّعاية مع العسار ،وقولهما هو روايةٌ عن أحمد ،لما رواه أبو
هريرة قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :من أعتق شقصا في مملوكه فعليه أن
يعتقه كلّه إن كان له مالٌ ،وإلّ استسعى العبد غير مشقوقٍ عليه » أي ل يغلي عليه الثّمن .
والمالكيّة ،والشّافعيّة ،وظاهر مذهب الحنابلة على أنّه مع اليسار يسري العتق إلى الباقي ،
ويغرم المعتق قيمة حصّة الشّركاء ،فإن كان معسرا فل سراية ول استسعاء .
-ويقع الخلف بين الفقهاء كذلك إذا أعتق في مرض موته أو دبّر ،أو أوصى بعبيده ،ولم 4
ل سواهم ،فقال أبو حنيفة :يعتق جزءٌ من كلّ واحدٍ ،ويستسعى في باقيه ،وقال
يكن له ما ٌ
غيره :يعتق ثلثهم بالقتراع بينهم ،فمن خرج له سهم الحرّيّة عتق ،وقيمة العبد المستسعى
دينٌ في ذمّته ،يقدّرها عدلٌ ،وأحكامه أحكام الحرار ،وقال البعض :ل يأخذ حكم الحرّ إلّ
بعد الداء .وتعتبر القيمة وقت العتاق ؛ لنّه وقت التلف .
مواطن البحث :
-الكلم عن الستسعاء منثورٌ في كتاب العتق ،وأغلب ذكره مع السّراية ،وفي باب 5
( العبد يعتق بعضه ) ( والعتاق في مرض الموت ) كما يذكر في الكفّارة .
*استسقاءٌ
التعريف
-الستسقاء لغةً :طلب السّقيا ،أي طلب إنزال الغيث على البلد والعباد .والسم :السّقيا 1
ضمّ ،واستسقيت فلنا :إذا طلبت منه أن يسقيك .والمعنى الصطلحيّ للستسقاء هو :
بال ّ
طلب إنزال المطر من اللّه بكيفيّةٍ مخصوص ٍة عند الحاجة إليه .
صفته :حكمه التّكليفيّ :
-قال الشّافعيّة ،والحنابلة ،ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة :الستسقاء سنّ ٌة مؤكّدةٌ ،سواءٌ 2
أكان بالدّعاء والصّلة أم بالدّعاء فقط ،فعله رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وصحابته
والمسلمون من بعدهم .وأمّا أبو حنيفة فقال بسنّيّة الدّعاء فقط ،وبجواز غيره .وعند المالكيّة
تعتريه الحكام الثّلثة التّالية :الوّل :سنّةٌ مؤكّدةٌ ،إذا كان للمحلّ والجدب ،أو للحاجة إلى
الشّرب لشفاههم ،أو لدوابّهم ومواشيهم ،سوا ٌء أكانوا في حضرٍ ،أم سفرٍ في صحراء ،أو
سفين ٍة في بحرٍ مالحٍ .الثّاني :مندوبٌ ،وهو الستسقاء ممّن كان في خصبٍ لمن كان في
ب ؛ لنّه من التّعاون على البرّ والتّقوى .ولما روى ابن ماجه « ترى المؤمنين في
محلّ وجد ٍ
تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد ،إذا اشتكى منه عض ٌو تداعى له سائر جسده بالسّهر
ح « :دعوة المرء المسلم لخيه بظهر الغيب مستجاب ٌة ،عند رأسه ملكٌ
والحمّى » .وص ّ
موكّلٌ كلّما دعا لخيه بخيرٍ قال الملك الموكّل به :آمين ولك بمثلٍ » .ولكنّ الوزاعيّ
ب زجرا وتأديبا
ل لم يستح ّ
والشّافعيّة قيّدوه بألّ يكون الغير صاحب بدع ٍة أو ضللةٍ وبغيٍ .وإ ّ
؛ ولنّ العامّة تظنّ بالستسقاء لهم حسن طريقهم والرّضى بها ،وفيها من المفاسد ما فيها .
مع أنّهم قالوا :لو احتاجت طائف ٌة من أهل ال ّذمّة وسألوا المسلمين الستسقاء لهم فهل ينبغي
إجابتهم أم ل ؟ القرب :الستسقاء لهم وفا ًء بذمّتهم .ثمّ علّلوا ذلك بقولهم :ول يتوهّم مع
ذلك أنّا فعلناه لحسن حالهم ؛ لنّ كفرهم مح ّققٌ معلو ٌم .ولكن تحمل إحابتنا لهم على الرّحمة
بهم ،من حيث كونهم من ذوي الرّوح ،بخلف الفسقة والمبتدعة .الثّالث :مباحٌ ،وهو
استسقاء من لم يكونوا في محلّ ،ول حاجة إلى الشّرب ،وقد أتاهم الغيث ،ولكن لو
اقتصروا عليه لكان دون السّعة ،فلهم أن يسألوا اللّه من فضله .دليل المشروعيّة :
ص فقوله تعالى { :فقلت استغفروا ربّكم إنّه
ص والجماع ،أمّا النّ ّ
-ثبتت مشروعيّته بالنّ ّ 3
وبعضها ل يستطيع بأيّ وسيلةٍ من الوسائل ،ومن أكبر المصائب والكوارث الجدب المسبّب
ل ذي روحٍ وغذاؤه ،ول يستطيع النسان إنزاله أو
عن انقطاع الغيث ،الّذي هو حياة ك ّ
الستعاضة عنه ،وإنّما يقدر على ذلك ويستطيعه ربّ العالمين فشرع الشّارع الحكيم سبحانه
ل شيءٍ ممّن يملك ذلك ،
الستسقاء ،طلبا للرّحمة والغاثة بإنزال المطر الّذي هو حياة ك ّ
ويقدر عليه ،وهو اللّه جلّ جلله .
أسباب الستسقاء :
-الستسقاء يكون في أربع حالتٍ :الولى :للمحلّ والجدب ،أو للحاجة إلى الشّرب 5
لشفاههم ،أو دوابّهم ومواشيهم ،سوا ٌء أكانوا في حضرٍ ،أم سفرٍ في صحراء ،أم سفينةٍ في
بح ٍر مالحٍ .وهو محلّ اتّفاقٍ .الثّانية :استسقاء من لم يكونوا في محلّ ،ول حاجة إلى
الشّرب ،وقد أتاهم الغيث ،ولكن لو اقتصروا عليه لكان دون السّعة ،فلهم أن يستسقوا
ي للمالكيّة والشّافعيّة .الثّالثة :استسقاء من كان في
ويسألوا اللّه المزيد من فضله .وهو رأ ٌ
خصبٍ لم كان في محلّ وجدبٍ ،أو حاجةٍ إلى شربٍ .قال به الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة
.الرّابعة :إذا استسقوا ولم يسقوا .اتّفقت المذاهب الربعة :الحنفيّة ،والمالكيّة ،
ن اللّه تعالى يحبّ
والشّافعيّة ،والحنابلة على تكرار الستسقاء ،واللحاح في الدّعاء ؛ ل ّ
الملحّين في الدّعاء ،ولقوله تعالى { :فلول إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم }
ن الصل في تكرار الستسقاء قوله صلى ال عليه وسلم « :يستجاب لحدكم ما لم
ول ّ
ن العلّة الموجبة للستسقاء هي الحاجة إلى الغيث
يعجل ،يقول :دعوت فلم يستجب لي » ول ّ
،والحاجة إلى الغيث قائمةٌ .قال أصبغ في كتاب ابن حبيبٍ :وقد فعل عندنا بمصر ،
واستسقوا خمسةً وعشرين يوما متوالي ًة يستسقون على سنّة الستسقاء ،وحضر ذلك ابن
ن الحنفيّة قالوا بالخروج ثلثة أيّامٍ فقط ،وقالوا :لم ينقل أكثر من
القاسم وابن وهبٍ .إلّ أ ّ
ذلك .ولكن صاحب الختيار قال :يخرج النّاس ثلثة أيّامٍ متتابعةٍ .وروي أكثر من ذلك .
أنواعه وأفضله :
ع .اتّفق على ذلك فقهاء المذاهب الربعة ؛ لثبوت ذلك عن
-والستسقاء على ثلثة أنوا ٍ 6
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .وقد فضّل بعض الئمّة بعض النواع على بعضٍ ،ورتّبوها
حسب أفضليّتها .فقال الشّافعيّة والحنابلة :الستسقاء ثلثة أنواعٍ :
النّوع الوّل :وهو أدناها ،الدّعاء بل صلةٍ ،ول بعد صل ٍة ،فرادى ومجتمعين لذلك ،في
المسجد أو غيره ،وأحسنه ما كان من أهل الخير .
النّوع الثّاني :وهو أوسطها ،الدّعاء بعد صلة الجمعة أو غيرها من الصّلوات ،وفي خطبة
الجمعة ونحو ذلك .قال الشّافعيّ في المّ :وقد رأيت من يقيم مؤذّنا فيأمره بعد صلة الصّبح
ض النّاس على الدّعاء ،فما كرهت ما صنع من ذلك .وخصّ
والمغرب أن يستسقي ،ويح ّ
الحنابلة هذا النّوع بأن يكون الدّعاء من المام في خطبة الجمعة على المنبر .
ب لها قبل ذلك ،
النّوع الثّالث :وهو أفضلها ،الستسقاء بصلة ركعتين وخطبتين ،وتأهّ ٍ
على ما سيأتي في الكيفيّة .يستوي في ذلك أهل القرى والمصار والبوادي والمسافرون ،
ن لهم جميعا الصّلة والخطبتان ،ويستحبّ ذلك للمنفرد إلّ الخطبة .وقال المالكيّة :
ويس ّ
الستسقاء بالدّعاء سنّ ٌة ،أي :سوا ٌء أكان بصل ٍة أم بغير صلةٍ ،ول يكون الخروج إلى
ل عند الحاجة الشّديدة إلى الغيث ،حيث فعله رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .وأمّا
المصلّى إ ّ
سنّة ،وأمّا الصّلة فرادى
الحنفيّة :فأبو حنيفة يفضّل الدّعاء والستغفار في الستسقاء ؛ لنّه ال ّ
فهي مباحةٌ عنده ،وليست بسنّ ٍة ،لفعل الرّسول لها مرّ ًة وتركها أخرى .وأمّا مح ّمدٌ فقد قال :
ل عنده سنّةٌ ،وفي مرتبةٍ واحدةٍ وأمّا أبو
الستسقاء يكون بالدّعاء ،أو بالصّلة والدّعاء ،والك ّ
ي أنّه
يوسف فالنّقل عنه مختلفٌ في المسألة ،فقد روى الحاكم أنّه مع المام ،وروى الكرخ ّ
مع مح ّمدٍ ،ورجّح ابن عابدين أنّه مع محمّدٍ .
وقت الستسقاء
-إذا كان الستسقاء بالدّعاء فل خلف في أنّه يكون في أيّ وقتٍ ،وإذا كان بالصّلة 7
والدّعاء ،فالكلّ مجمعٌ على منع أدائها في أوقات الكراهة ،وذهب الجمهور إلى أنّها تجوز
ي وقتٍ عدا أوقات الكراهة .والخلف بينهم إنّما هو في الوقت الفضل ،ما عدا المالكيّة
في أ ّ
فقالوا :وقتها من وقت الضّحى إلى الزّوال ،فل تصلّى قبله ول بعده ،وللشّافعيّة في الوقت
الفضل ثلثة أوجهٍ :الوّل :ووافقهم عليه المالكيّة ،وهو الولى عند الحنابلة :وقت صلة
الستسقاء وقت صلة العيد .وبهذا قال الشّيخ أبو حام ٍد السفرايينيّ وصاحبه المحامليّ في
كتبه :المجموع ،والتّجريد ،والمقنع ،وأبو عليّ السّنجيّ ،والبغويّ .وقد يستدلّ له بحديث
ابن عبّاسٍ الّذي روته السّنن الربع عن إسحاق بن عبد اللّه بن كنانة قال « :أرسلني الوليد
س أسأله عن استسقاء رسول اللّه صلى ال عليه
بن عتبة -وكان أمير المدينة -إلى ابن عبّا ٍ
وسلم فقال :خرج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم متبذّلً متواضعا متضرّعا ،حتّى أتى
المصلّى ،فلم يخطب خطبتكم هذه ،ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير ،وصلّى
ركعتين كما كان يصلّي في العيد » .الثّاني :أوّل وقتها وقت صلة العيد ،وتمتدّ إلى صلة
ن رسول
العصر .وهو الّذي ذكره البندنيجيّ ،والرّويانيّ وآخرون .لما روت عائشة « :أ ّ
اللّه صلى ال عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشّمس » لنّها تشبهها في الوضع والصّفة ،
ن وقتها ل يفوت بالزّوال .الثّالث :وعبّر عنه الشّافعيّة بالصّحيح
فكذلك في الوقت ،إلّ أ ّ
والصّواب ،وهو الرّأي المرجوح عند الحنابلة أيضا :أنّها ل تختصّ بوقتٍ معيّنٍ ،بل تجوز
ت من ليلٍ أو نهارٍ ،إلّ أوقات الكراهة على أحد الوجهين ،وهو الّذي نصّ عليه
ل وق ٍ
في ك ّ
الشّافعيّ ،وبه قطع الجمهور ،وصحّحه المحقّقون .وممّن قطع به صاحب الحاوي ،
وصحّحه الرّافعيّ في المحرّر ،وصاحب جمع الجوامع ،واستصوبه إمام الحرمين .واستدلّوا
له بأنّها ل تختصّ بيو ٍم كصلة الستخارة ،وركعتي الحرام وغيرهما .وقالوا :إنّ
ن الشّافعيّ نصّ على ذلك وأكثر
تخصيصها بوقتٍ كصلة العيد ليس له وجهٌ أصلً .ول ّ
الصحاب .وقال ابن عبد البرّ :الخروج إليها عند زوال الشّمس عند جماع ٍة من العلماء .
سنّة
ت لها ،ولم يتكلّموا في تحديده .وقد يكون هذا ؛ لنّ ال ّ
وأمّا الحنفيّة :فلم يذكر عندهم وق ٌ
ن معيّنٌ .
ت ،وليس له زما ٌ
عند المام في الستسقاء الدّعاء ،والدّعاء في كلّ وق ٍ
مكان الستسقاء :
ن الستسقاء يجوز في المسجد ،وخارج المسجد .إلّ أنّ
-اتّفقت المذاهب الربعة على أ ّ 8
بالخروج من المظالم ،والتّوبة من المعاصي ،وأداء الحقوق ؛ ليكونوا أقرب إلى الجابة ،
ن أهل القرى آمنوا
فإنّ المعاصي سبب الجدب ،والطّاعة سبب البركة ..قال تعالى { :ولو أ ّ
ت من السّماء والرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون }
واتّقوا لفتحنا عليهم بركا ٍ
وروى أبو وائلٍ عن عبد اللّه قال « :إذا بخس المكيال حبس القطر » وقال مجاهدٌ في قوله
تعالى { :ويلعنهم اللعنون } قال :دوابّ الرض تلعنهم يقولون :يمنع القطر بخطاياهم .
كما يترك التّشاحن والتّباغض ؛ لنّها تحمل على المعصية والبهت ،وتمنع نزول الخير .
بدليل قوله صلى ال عليه وسلم « :خرجت لخبركم بليلة القدر فتلحى فلنٌ وفلنٌ فرفعت »
.
الصّيام قبل الستسقاء :
-اتّفقت المذاهب على الصّيام ،ولكنّهم اختلفوا في مقداره ،والخروج به إلى الستسقاء . 10
ن الصّيام مظنّة إجابة الدّعاء ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :ثلثة ل تردّ دعوتهم :الصّائم
لّ
حين يفطر » ...ولما فيه من كسر الشّهوة ،وحضور القلب ،والتّذلّل للرّبّ .قال الشّافعيّة ،
والحنفيّة ،وبعض المالكيّة :يأمرهم المام بصوم ثلثة أيّامٍ قبل الخروج ،ويخرجون في
اليوم الرّابع وهم صيامٌ .وقال بعض المالكيّة بالخروج بعد الصّيام في اليوم الرّابع مفطرين ؛
للتّقوّي على الدّعاء ،كيوم عرفة .وقال الحنابلة بالصّيام ثلثة أيّامٍ ،ويخرجون في آخر أيّام
صيامهم .
الصّدقة قبل الستسقاء :
-اتّفقت المذاهب على استحباب الصّدقة قبل الستسقاء ،ولكنّهم اختلفوا في أمر المام بها 11
،قال الشّافعيّة ،والحنابلة ،والحنفيّة ،وهو المعتمد عند المالكيّة :يأمرهم المام بالصّدقة في
حدود طاقتهم .وقال بعض المالكيّة :ل يأمرهم بها ،بل يترك هذا للنّاس بدون أمرٍ ؛ لنّه
أرجى للجابة ،حيث تكون صدقتهم بدافعٍ من أنفسهم ،ل بأمرٍ من المام .
آدابٌ شخصيّةٌ :
ب أن يفعلها النّاس قبل الستسقاء ،بعد أن
ب شخصيّ ٍة ،يستح ّ
-اتّفق الفقهاء على آدا ٍ 12
يعدهم المام يوما يخرجون فيه ؛ لحديث عائشة المتقدّم عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
« وعد النّاس يوما يخرجون فيه » فيستحبّ عند الخروج للستسقاء :التّنظّف بغسلٍ وسواكٍ ؛
ن لها الجتماع والخطبة ،فشرع لها الغسل ،كصلة الجمعة .ويستحبّ :أن
لنّها صلةٌ يس ّ
يترك النسان الطّيب والزّينة ،فليس هذا وقت الزّينة ،ولكنّه يقطع الرّائحة الكريهة ،ويخرج
ل متضرّعا ماشيا ،ول
ب بذلةٍ ،وهي ثياب مهنته ،ويخرج متواضعا خاشعا متذلّ ً
في ثيا ٍ
ض ونحوه .والصل في هذا حديث ابن
ل لعذرٍ ،كمر ٍ
يركب في شي ٍء من طريقه ذهابا إ ّ
عبّاسٍ رضي ال عنهما قال « :خرج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم متواضعا متب ّذلً
متخشّعا متضرّعا » وهي مستحبّاتٌ لم يرد فيها خلفٌ .
الستسقاء بالدّعاء :
ن الستسقاء هو دعا ٌء واستغفارٌ ،وليس فيه صل ٌة مسنونةٌ في جماعةٍ
-قال أبو حنيفة :إ ّ 13
.فإن صلّى النّاس وحدانا جاز ،لقوله تعالى { :فقلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا يرسل
السّماء عليكم مدرارا } الية ،وقد استدلّ له كذلك بحديث عمر رضي ال عنه واستسقائه
بالعبّاس رضي ال عنه من غير صلةٍ ،مع حرصه على القتداء برسول اللّه صلى ال عليه
ن الحاديث لمّا اختلفت في
وسلم .وقد علّل ابن عابدين رأي أبي حنيفة فقال :الحاصل أ ّ
س ّنيّة ،لم يقل أبو حنيفة بس ّنيّتها ،
الصّلة بالجماعة وعدمها على وج ٍه ل يصحّ معه إثبات ال ّ
ول يلزم من قوله هذا أنّها بدع ٌة ،كما نقل بعض المتعصّبين ،بل هو قال بالجواز ،والظّاهر
ن المراد النّدب والستحباب ،لقوله في الهداية :لمّا فعله الرّسول صلى ال عليه وسلم مرّةً
أّ
سنّة ما واظب عليه .والفعل مرّةً والتّرك أخرى يفيد النّدب
وتركه أخرى لم يكن سنّةً ؛ لنّ ال ّ
.وأمّا المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،وأبو يوسف ومح ّمدٌ من الحنفيّة :فقالوا بس ّنيّة الدّعاء
وحده ،وبس ّنيّته مع صلةٍ له على التّفصيل الّذي تقدّم .
الستسقاء بالدّعاء والصّلة :
-المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،وأبو يوسف ،ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة قالوا : 14
الستسقاء يكون بالصّلة والدّعاء والخطبة ،للحاديث الواردة في ذلك .وقال أبو حنيفة :ل
س ل يثبت الخطبة ؛ لنّ طلب السّقيا من رسول
خطبة في الستسقاء ،وما تقدّم من رواية أن ٍ
اللّه وقع له صلى ال عليه وسلم وهو يخطب ،فالخطبة سابقةٌ في هذه الحادثة على الخبار
بالجدب .
تقديم الصّلة على الخطبة وتأخيرها :
-في المسألة ثلثة آرا ٍء : 15
الوّل :تقديم الصّلة على الخطبة ،وهو قول المالكيّة ،ومحمّد بن الحسن ،والرّاجح عند
الحنابلة ،وهو الولى عند الشّافعيّة ،وعليه جماعة الفقهاء ؛ لقول أبي هريرة « :صلّى
س :صنع في الستسقاء
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ركعتين ثمّ خطبنا » ولقول ابن عبّا ٍ
كما يصنع في العيد ؛ ولنّها صلةٌ ذات تكبيراتٍ ،فأشبهت صلة العيد .
الثّاني :تقديم الخطبة على الصّلة وهو رأيٌ للحنابلة ،وخلف الولى عند الشّافعيّة ،وروي
ذلك عن ابن الزّبير ،وأبان بن عثمان ،وهشام بن إسماعيل ،واللّيث بن سعدٍ ،وابن
ن رسول اللّه صلى
المنذر ،وعمر بن عبد العزيز .ودليله ما روي عن أنسٍ وعائشة « :أ ّ
ال عليه وسلم خطب وصلّى » ،وروي عن عبد اللّه بن زيدٍ قال « :رأيت النّبيّ صلى ال
عليه وسلم لمّا خرج يستسقي حوّل إلى النّاس ظهره ،واستقبل القبلة يدعو ،ثمّ حوّل رداءه ،
ثمّ صلّى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة » .متّفقٌ عليه .
الثّالث :هو مخ ّيرٌ في الخطبة قبل الصّلة أو بعدها ،وهو رأيٌ للحنابلة ؛ لورود الخبار بكل
المرين ،ودللتها على كلتا الصّفتين .
كيفيّة صلة الستسقاء :
-ل يعلم بين القائلين بصلة الستسقاء خلفٌ في أنّها ركعتان ،واختلف في صفتها على 16
رأيين :
ل لمحمّدٍ ،وسعيد بن المسيّب ،وعمر بن عبد
الرّأي الوّل ،وهو للشّافعيّة ،والحنابلة ،وقو ٌ
العزيز :يصلّيها ركعتين يكبّر في الولى سبعا ،وخمسا في الثّانية مثل صلة العيد ،لقول
ابن عبّاسٍ في حديثه المتقدّم :وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد ،ولما روي عن جعفر
ي صلى ال عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر كانوا يصلّون صلة
ن النّب ّ
بن محمّدٍ عن أبيه « أ ّ
الستسقاء يكبّرون فيها سبعا وخمسا » .
الرّأي الثّاني :وهو للمالكيّة ،والقول الثّاني لمح ّمدٍ ،وهو قول الوزاعيّ ،وأبي ثورٍ ،
وإسحاق :تصلّى ركعتين كصلة النّافلة والتّطوّع ؛ لما روي عن عبد اللّه بن زيدٍ « :أنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم استسقى فصلّى ركعتين » وروى أبو هريرة نحوه ،ولم يذكرا
التّكبير ،فتنصرف إلى الصّلة المطلقة .واتّفقت المذاهب على الجهر بالقراءة في الستسقاء ؛
ل صلةٍ لها خطبةٌ فالقراءة فيها تكون جهرا ؛ لجتماع النّاس
لنّها صلةٌ ذات خطبةٍ ،وك ّ
للسّماع ،ويقرأ بما شاء ،ولكن الفضل أن يقرأ فيهما بما كان يقرأ في العيد ،وقيل :يقرأ
بسورتي ق ونوحٍ ،أو يقرأ بسورتي العلى والغاشية ،أو بسورتي العلى والشّمس .وحذف
التّكبيرات أو بعضها أو الزّيادة فيها ل تفسد الصّلة .وقال الشّافعيّة :ولو ترك التّكبيرات أو
بعضها أو زاد فيهنّ ل يسجد للسّهو ،ولو أدرك المسبوق بعض التّكبيرات الزّائدة فهل يقضي
ما فاته من التّكبيرات ؟ قالوا :فيها القولن ،مثل صلة العيد .
كيفيّة الخطبة ومستحبّاتها :
-قال الشّافعيّة ،والمالكيّة ،ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة :يخطب المام خطبتين 17
كخطبتي العيد بأركانهما وشروطهما وهيئاتهما ،وفي الجلوس إذا صعد المنبر وجهان كما في
العيد أيضا ،لحديث ابن عبّاسٍ المتقدّم ؛ ولنّها أشبهتها في التّكبير وفي صفة الصّلة .وقال
الحنابلة ،وأبو يوسف من الحنفيّة ،وعبد الرّحمن بن مهديّ :يخطب المام خطب ًة واحدةً
يفتتحها بالتّكبير ،لقول ابن عبّاسٍ :لم يخطب خطبتكم هذه ،ولكن لم يزل في الدّعاء
ن كلّ من
ل على أنّه ما فصل بين ذلك بسكوتٍ ول جلوسٍ ؛ ول ّ
والتّضرّع والتّكبير ،وهذا يد ّ
سنّة
نقل الخطبة لم ينقل خطبتين .ول يخرج المنبر إلى الخلء في الستسقاء ؛ لنّه خلف ال ّ
.وقد عاب النّاس على مروان بن الحكم عند إخراجه المنبر في العيدين ،ونسبوه إلى مخالفة
سنّة .ويخطب المام على الرض معتمدا على قوسٍ أو سيفٍ أو عصا ،ويخطب مقبلً
ال ّ
بوجهه إلى النّاس .وقد صرّح المالكيّة بأنّ الخطبة على الرض مندوبةٌ ،وعلى المنبر
مكروهةٌ .أمّا إذا كان المنبر موجودا في الموضع الّذي فيه الصّلة ،ولم يخرجه أحدٌ ففيه
رأيان :الجواز ،والكراهة .وقال الحنفيّة ،والحنابلة ،والشّافعيّة في القول المرجوح :يكبّر
في الخطبة كما في صلة العيد .وقال المالكيّة ،والشّافعيّة في الرّاجح عندهم :يستبدل
بالتّكبير الستغفار ،فيستغفر اللّه في أوّل الخطبة الولى تسعا ،وفي الثّانية سبعا ،يقول :
أستغفر اللّه الّذي ل إله إلّ هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه ،ويختم كلمه بالستغفار ،ويكثر منه
في الخطبة ،ومن قوله تعالى { :استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا } الية ،ويخوّفهم من
المعاصي الّتي هي سبب الجدب ،ويأمرهم بالتّوبة ،والنابة والصّدقة والبرّ .وقال الحنفيّة ،
والشّافعيّة ،والمالكيّة :يستقبل المام النّاس في الخطبة مستدبرا القبلة ،حتّى إذا قضى خطبته
توجّه بوجهه إلى القبلة يدعو .وقال الحنابلة :يستحبّ للخطيب استقبال القبلة في أثناء الخطبة
؛ لما روى عبد اللّه بن زيدٍ « :أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم خرج يستسقي ،فتوجّه إلى
القبلة يدعو » وفي لفظٍ « :فحوّل إلى النّاس ظهره واستقبل القبلة يدعو » .
صيغ الدّعاء المأثورة :
-يستحبّ الدّعاء بما أثر عن النّبيّ ،ومن ذلك ما روي عنه صلى ال عليه وسلم « أنّه 18
كان يدعو في الستسقاء فيقول :اللّهمّ اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجلّلً سحّا
ن بالبلد والعباد والخلق
عامّا طبقا دائما .اللّهمّ اسقنا الغيث ول تجعلنا من القانطين .اللّهمّ إ ّ
من اللّأواء والضّنك ما ل نشكو إلّ إليك .اللّهمّ أنبت لنا الزّرع ،وأدرّ لنا الضّرع ،واسقنا
من بركات السّماء ،وأنبت لنا من بركات الرض .اللّه ّم إنّا نستغفرك إنّك كنت غفّارا ،
فأرسل السّماء علينا مدرارا ،فإذا مطروا .قالوا :اللّهمّ صيّبا نافعا .ويقولون :مطرنا
بفضل اللّه وبرحمته » .وروي « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال وهو على المنبر ،
حين قال له الرّجل :يا رسول اللّه هلكت الموال ،وانقطعت السّبل ،فادع اللّه أن يغيثنا .
فرفع يديه وقال :اللّهمّ أغثنا ،اللّهمّ أغثنا ،اللّهمّ أغثنا » .وروي عن الشّافعيّ قوله « :ليكن
من دعائهم في هذه الحالة :اللّهمّ أنت أمرتنا بدعائك ،ووعدتنا إجابتك ،وقد دعوناك كما
أمرتنا ،فأجبنا كما وعدتنا ،اللّهمّ امنن علينا بمغفرة ما قارفنا ،وإجابتك في سقيانا ،وسعة
رزقنا ،فإذا فرغ من دعائه أقبل على النّاس بوجهه ،وحثّهم على الطّاعة ،وصلّى على النّبيّ
صلى ال عليه وسلم ودعا للمؤمنين والمؤمنات ،وقرأ آيةً من القرآن أو آيتين ،ويكثر من
الستغفار ،ومن قوله تعالى { :استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا ،يرسل السّماء عليكم
مدرارا ،ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنّاتٍ ويجعل لكم أنهارا } .وروي عن عمر
رضي ال عنه أنّه استسقى فكان أكثر دعائه الستغفار ،وقال :لقد استسقيت بمجاديح السّماء
.
رفع اليدين في الدّعاء في الستسقاء :
س قال « :
-استحبّ الئمّة رفع اليدين إلى السّماء في الدّعاء ،لما روى البخاريّ عن أن ٍ 19
ل في الستسقاء » .وأنّه
كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم ل يرفع يديه في شيءٍ من دعائه إ ّ
يرفع حتّى يرى بياض إبطيه .وفي حديثٍ لنسٍ « فرفع الرّسول صلى ال عليه وسلم ورفع
النّاس أيديهم » وقد روي عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قريبٌ من ثلثين حديثا في رفع
اليدين في الستسقاء .وذكر الئمّة :أنّه يدعو سرّا وجهرا ،فإذا دعا سرّا دعا النّاس سرّا ،
فيكون أبلغ في البعد عن الرّياء .وإذا دعا جهرا أمّن النّاس على دعاء المام .ولهذا يستحبّ
أن يدعو بعض الدّعاء سرّا ،وبعضه جهرا ،ويستقبل القبلة في دعائه متضرّعا خاشعا متذلّلً
تائبا .
الستسقاء بالصّالحين :
-اتّفق جمهور الفقهاء على استحباب الستسقاء بأقارب النّبيّ صلى ال عليه وسلم 20
وبالصّالحين من المسلمين الّذين عرفوا بالتّقوى والستقامة ،لنّ عمر رضي ال عنه استسقى
بالعبّاس وقال :اللّهمّ إنّا كنّا إذا قحطنا توسّلنا إليك بنبيّك فتسقينا ،وإنّا نتوسّل بعمّ نبيّنا
ن معاوية استسقى بيزيد بن السود فقال « :اللّهمّ إنّا نستسقي
فاسقنا ،فيسقون .وروي أ ّ
بخيرنا وأفضلنا ،اللّهمّ إنّا نستسقي بيزيد بن السود .يا يزيد ارفع يديك إلى اللّه تعالى ،
ب لها ريحٌ ،
فرفع يديه ورفع النّاس أيديهم ،فثارت سحاب ٌة من المغرب كأنّها ترسٌ ،وه ّ
ل يبلغوا منازلهم .
فسقوا حتّى كاد النّاس أ ّ
التّوسّل بالعمل الصّالح :
ح .واستدلّ على هذا بحديث
ل صال ٍ
ل في نفسه بما قدّم من عم ٍ
ب أن يتوسّل ك ّ
20م ـ ويستح ّ
ابن عمر في الصّحيحين عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في قصّة أصحاب الغار ،وهم
الثّلثة الّذين آووا إلى الغار ،فأطبقت عليهم صخر ٌة ،فتوسّل كلّ واحدٍ بصالح عمله ،فكشف
اللّه عنهم الصّخرة ،وقشع الغمّة ،وخرجوا يمشون .
تحويل الرّداء في الستسقاء :
ب تحويل الرّداء للمام والمأموم ،لفعل
-قال الشّافعيّة ،والحنابلة ،والمالكيّة :يستح ّ 21
الرّسول صلى ال عليه وسلم له ،ولنّ ما فعله الرّسول صلى ال عليه وسلم ثبت في حقّ
ل على اختصاصه به .وقد عقل المعنى في ذلك ،وهو التّفاؤل بقلب
غيره ،ما لم يقم دلي ٌ
الرّداء ،ليقلب اللّه ما بهم من الجدب إلى الخصب .وهو خاصّ بالرّجال دون النّساء عند
الجميع .وقال محمّد بن الحسن من الحنفيّة ،وابن المسيّب ،وعروة ،والثّوريّ ،واللّيث :
ن تحويل الرّداء مختصّ بالمام فقط دون المأموم ؛ لنّه نقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم
إّ
دون أصحابه .وقال أبو حنيفة :ل يسنّ تقليب الرّداء ؛ لنّه دعاءٌ فل يستحبّ تحويل الرّداء
فيه ،كسائر الدعية .
كيفيّة تقليب الرّداء :
-قال الحنابلة ،والمالكيّة ،وهو رأيٌ للشّافعيّة ،وقول أبان بن عثمان ،وعمر بن عبد 22
العزيز ،وهشام بن إسحاق ،وأبو بكر بن محمّد بن حزمٍ :يقلب المستسقون أرديتهم ،
فيجعلون ما على اليمين على اليسار ،وما على اليسار على اليمين ،ودليلهم في ذلك ما روى
ي صلى ال عليه وسلم حوّل رداءه ،وجعل
ن النّب ّ
أبو داود بإسناده عن عبد اللّه بن زيدٍ « ،أ ّ
عطافه اليمن على عاتقه اليسر ،وجعل عطافه اليسر على عاتقه اليمن » .وفي حديث
أبي هريرة نحو ذلك ،وقد نقل تحويل الرّداء جماع ٌة ،كلّهم نقلوه بهذه الصّفة ،ولم ينقل عن
أحدٍ منهم أنّه جعل أعله أسفله .وقال محمّد بن الحسن من الحنفيّة ،والشّافعيّة في الرّأي
الرّاجح :إن كان الرّداء مدوّرا بأن كان جّبةً يجعل اليمن على اليسر ،واليسر على اليمن
،وإن كان الرّداء مربّعا يجعل أعله أسفله ،وأسفله أعله ،لما روي عن النّبيّ صلى ال
عليه وسلم « :أنّه استسقى وعليه ردا ٌء ،فأراد أن يجعل أسفلها أعلها ،فلمّا ثقلت عليه جعل
العطاف الّذي في اليسر على عاتقه اليمن ،والّذي على اليمن على عاتقه اليسر » ،ويبدأ
بتحويل الرّداء عند البدء بالدّعاء والتّضرّع إلى اللّه تعالى .
المستسقون :
سنّة خروج المام للستسقاء مع النّاس ،فإذا تخلّف فقد أساء
-اتّفق الفقهاء على ،أنّ ال ّ 23
الهيئة من النّساء .وقال المالكيّة :بخروج من يعقل من الصّبيان ،أمّا من ل يعقل فيكره
خروجهم مع الجماعة للصّلة .واستدلّوا لخروج من ذكر بقول الرّسول عليه الصلة والسلم
« :هل تنصرون وترزقون إلّ بضعفائكم » .
إخراج الدّوابّ في الستسقاء :
ب ؛ لنّه قد تكون السّقيا بسببهم .
-في المسألة ثلثة آراءٍ :الوّل :يستحبّ إخراج الدّوا ّ 26
وهو قول الحنفيّة ،ورأيٌ للشّافعيّة ؛ لقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :لول عبادٌ للّه
ص رصّا » .ولما روى
ركّعٌ ،وصبيانٌ رضّعٌ ،وبهائم رتّعٌ لصبّ عليكم العذاب صبّا ،ثمّ ر ّ
المام أحمد أنّ سليمان عليه السلم « خرج بالنّاس يستسقي ،فإذا هو بنمل ٍة رافع ٍة بعض
قوائمهما إلى السّماء .فقال :ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النّملة » وقال أصحاب
هذا الرّأي :إذا أقيمت في المسجد ،أوقفت الدّوابّ عند باب المسجد .الثّاني :ل يستحبّ
إخراج البهائم ؛ لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يفعله .وهو قول الحنابلة ،والمالكيّة ،
ن للشّافعيّة .الثّالث :ل يستحبّ ول يكره ،وهو رأيٌ ثالثٌ للشّافعيّة .
ورأيٌ ثا ٍ
خروج الكفّار وأهل ال ّذمّة :
-في المسألة رأيان : 27
الوّل :وهو للمالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة :ل يستحبّ خروج الكفّار وأهل ال ّذمّة ،بل
يكره ،ولكن إذا خرجوا مع النّاس في يومهم ،وانفردوا في مكان وحدهم لم يمنعوا .وجملة
ما استدلّوا به أنّه ل يستحبّ إخراج أهل ال ّذمّة والكفّار ؛ لنّهم أعداء اللّه الّذين كفروا به وبدّلوا
نعمة اللّه كفرا ،فهم بعيدون من الجابة .وإن أغيث المسلمون فربّما قالوا :هذا حصل
بدعائنا وإجابتنا ،وإن خرجوا لم يمنعوا ؛ لنّهم يطلبون أرزاقهم من ربّهم فل يمنعون من ذلك
،ول يبعد أن يجيبهم اللّه تعالى ؛ لنّه قد ضمن أرزاقهم في الدّنيا ،كما ضمن أرزاق
ب فيعمّ من
المؤمنين .ولكن يؤمرون بالنفراد عن المسلمين ؛ لنّه ل يؤمن أن يصيبهم بعذا ٍ
حضرهم .ول يخرجون وحدهم ،فإنّه ل يؤمن أن يتّفق نزول الغيث يوم خروجهم وحدهم ،
فيكون أعظم فتن ًة لهم ،وربّما افتتن غيرهم .
الرّأي الثّاني :وهو للحنفيّة ،ورأيٌ للمالكيّة ،قال به أشهب وابن حبيبٍ :ل يحضر ال ّذمّيّ
والكافر الستسقاء ،ول يخرج له ؛ لنّه ل يتقرّب إلى اللّه تعالى بدعائه .والستسقاء
لستنزال الرّحمة ،وهي ل تنزل عليهم ،ويمنعون من الخروج ؛ لحتمال أن يسقوا فتفتتن به
الضّعفاء والعوامّ .
*استسلمٌ
التعريف
-الستسلم في اللّغة :النقياد والخضوع للغير .ويستعمل الفقهاء كلمة « استسلمٍ » بهذا 1
المعنى أيضا .ويعبّرون أيضا عن الستسلم بـ « النّزول على الحكم وقبول الجزية » .
الحكم الجماليّ ،ومواطن البحث :
-أ -استسلم العدوّ سوا ٌء أكان كافرا -ما لم يكن من مشركي العرب -أم مسلما باغيا 2
ب للكفّ عن قتاله .وقد أفاض الفقهاء في الحديث عن ذلك في كتاب الجهاد ،وفي كتاب
موج ٌ
البغاة .
-ب -ل يجوز للمسلم أن يستسلم لعدوّه الظّالم -سوا ٌء كان مسلما أو كافرا -إلّ أن 3
ل بالستسلم ،
يخاف على نفسه ،أو على عض ٍو من أعضائه ،ول يجد حيل ًة للحفاظ عليها إ ّ
فيجوز له الستسلم حينئذٍ .وقد ذكر الفقهاء في كتاب الجهاد :أنّه ل يجوز للمسلمين
الستسلم لعدوّهم في ساحة المعركة إلّ بهذا الشّرط .وذكروا في كتاب الصّيال :أنّه ل
يجوز للمصول عليه أن يستسلم للصّائل إلّ بهذا الشّرط أيضا .وذكروا في كتاب الكراه :أنّ
الكراه على بعض الفعال ،ل تترتّب آثاره إلّ إذا كان الستسلم للمكره ( بكسر الرّاء ) بهذا
الشّرط .
*استشارةٌ
انظر :شورى .
*استشرافٌ
التعريف
-الستشراف في اللّغة :وضع اليد على الحاجب للنّظر ،كالّذي يستظلّ من الشّمس حتّى 1
يستبين الشّيء .وأصله من الشّرف :العل ّو ،وأشرفت عليه باللف :اطّلعت عليه .ويستعمله
الفقهاء بمعنى :التّطلّع إلى الشّيء ،كما في استشراف الضحيّة .وهو في الموال بأن يقول
:سيبعث إليّ فلنٌ ،أو لعلّه يبعث ،وإن لم يسأل .وقال أحمد :الستشراف بالقلب وإن لم
ن هذا شديدٌ ،قال :وإن كان شديدا فهو هكذا ،قيل له :فإن كان الرّجل
يتعرّض ،قيل له :إ ّ
لم يو ّد في أن يرسل إليّ شيئا ،إلّ أنّه قد عرض بقلبي ،فقلت :عسى أن يبعث إليّ ،قال :
هذا إشرافٌ ،فإذا جاءك من غير أن تحسّه ،ول خطر على قلبك ،فهذا الن ليس فيه
إشرافٌ .وقال البعض :الستشراف هو :التّعرّض للسّؤال .
الحكم الجماليّ :
-ينبغي استشراف الضحيّة لتعرف سلمتها من العيوب المانعة من الجزاء ،لحديث عليّ 2
رضي ال تعالى عنه « أمرنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن نستشرف العين والذن ،
ل نضحّي بمقابل ٍة ،ول مدابرةٍ ،ول شرقاء ،ول خرقاء » .رواه أبو داود والنّسائيّ
وأ ّ
وغيرهما ،وصحّحه التّرمذيّ .
-أمّا الستشراف في الموال :فإن كان بالقلب فل يؤاخذ النسان عليه ؛ لنّ اللّه عزّ وجلّ 3
تجاوز لهذه المّة عمّا حدّثت به أنفسها ،ما لم ينطق به لسانٌ أو تعمله جارحةٌ ،وما اعتقده
القلب من المعاصي – غير الكفر – فليس بشيءٍ حتّى يعمل به ،وخطرات النّفس متجاوزٌ
عنها بالجماع .وعند أحمد :الستشراف بالقلب كالتّعرّض باللّسان .
ل -ثلثة
وللعلماء في قبول المال دون استشرافٍ -بمعنى التّحدّث في النّفس من غير سؤا ٍ
آراءٍ :
ن من الفقهاء من أطلق ذلك ،ومنهم من جعله لمن ملك
-أ -جواز القبول وعدمه ،غير أ ّ 4
رضي ال عنه قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يعطيني العطاء ،فأقول :أعطه
أفقر منّي ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :خذه ،وما جاءك من هذا المال وأنت غير
سائلٍ ول مشرفٍ فخذه ،وما ل فل تتبعه نفسك ،قال :فكان سالمٌ ل يسأل أحدا شيئا ،ول
يردّ شيئا أعطيه » رواه البخاريّ ومسلمٌ .
-ج -استحباب الخذ ،وحمل النّصوص المذكورة للوجوب على الستحباب ،غير أنّ 6
منهم من أطلق ،ومنهم من قصره على عطيّة غير السّلطان .جاء في شرح مسلمٍ « :
الصّحيح الّذي عليه الجمهور :يستحبّ القبول في غير عطيّة السّلطان ،وأمّا عطيّة السّلطان
فحرّمها قومٌ ،وأباحها قومٌ ،وكرهها قو ٌم ،قال :والصّحيح إن غلب الحرام فيما في يد
ل أبيح ،إن لم يكن في القابض مانعٌ من الستحقاق » .
السّلطان حرّمت ،وإ ّ
-والستشراف بمعنى التّعرّض للسّؤال ،ل تختلف أحكامه عن أحكام السّؤال ( .ر : 7
سؤالٌ ) .
مواطن البحث :
-يتكلّم الفقهاء عن الستشراف في صدقة التّطوّع ،وفي الضحيّة ،وفي الحظر والباحة 8
.
*استشهادٌ
التعريف
-الستشهاد في اللّغة :طلب الشّهادة من الشّهود ،فيقال :استشهده :إذا سأله تحمّل أو 1
أداء الشّهادة ،قال تعالى { :واستشهدوا شهيدين من رجالكم } واستعمل في القتل في سبيل
اللّه ،فيقال :استشهد :قتل في سبيل اللّه .وفي اصطلح الفقهاء ل يخرج استعمالهم عن
هذين المعنيين .ويستعمل الفقهاء في الغالب لفظة إشهادٍ ،ويراد بها :الستشهاد على حقّ من
الحقوق .
الحكم الجماليّ :
-الستشهاد -بمعنى طلب الشّهادة -يختلف من حقّ إلى حقّ ؛ لذا يختلف الحكم تبعا 2
للمواطن ،ومن تلك المواطن :الستشهاد في الرّجعة ،فهو مستحبّ عند الحنفيّة ،والحنابلة ،
ل آخر عند الشّافعيّة .
ب في قو ٍ
ب عند المالكيّة ،وواج ٌ
ل عند الشّافعيّة ،ومندو ٌ
وفي قو ٍ
مواطن البحث :
النّكاح ،والرّجعة ،والوصيّة ،والزّنا ،واللّقطة ،واللّقيط ،وكتاب القاضي للقاضي ،
وغيرها عند الكلم عن الستشهاد ،أو الشهاد فيها .
-أمّا الستعمال الثّاني -بمعنى القتل في سبيل اللّه -فيرجع في تفصيل ذلك إلى الجنائز ، 4
عند الكلم عن غسل الميّت وعدم غسله .والجهاد ،عند الحديث عن فضل القتل في سبيل
اللّه .
*استصباحٌ
التعريف
-الستصباح في اللّغة :مصدر استصبح بمعنى :أوقد المصباح ،وهو الّذي يشتعل منه 1
الضّوء .واستصبح بالزّيت ونحوه :أي أمدّ به مصباحه ،كما في حديث جابرٍ في السّؤال
عن شحوم الميتة « ..ويستصبح بها النّاس » :أي يشعلون بها سرجهم " ولم يخرج استعمال
الفقهاء عن هذا المعنى ،فقد ورد في طلبة الطّلبة الستصباح بالدّهن :إيقاد المصباح ،وهو
السّراج .وفي المصباح المنير استصبحت بالمصباح ،واستصبحت بالدّهن :نوّرت به
المصباح .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القتباس :
-القتباس له معانٍ ع ّد ٌة أهمّها :طلب القبس ،وهو الشّعلة من النّار ،فإذا كان بهذا المعنى 2
فهو يختلف عن الستصباح ،كما ظهر من التعريف .والفرق واضحٌ بين طلب الشّعلة ،
وإيقاد الشّيء لتتكوّن لنا شعلةٌ ،فاليقاد سابقٌ لطلب الشّعلة .أمّا كون القتباس بمعنى تضمين
المتكلّم كلمه -شعرا كان أو نثرا -شيئا من القرآن الكريم ،أو الحديث النّبويّ الشّريف ،
على وج ٍه ل يكون فيه إشعارٌ بأنّه من القرآن أو الحديث ،فهو بعيدٌ جدّا عن معنى الستصباح
.
ب -الستضاءة :
-الستضاءة مصدر :استضاء .والستضاءة :طلب الضّوء .يقال :استضاء بالنّار :أي 3
استنار بها ،أي انتفع بضوئها ،فإيقاد السّراج غير النتفاع بضوئه ،إذ أنّه يكون سابقا
للستضاءة .
حكم الستصباح :
-يختلف حكم الستصباح باختلف ما يستصبح به ،والمكان الّذي يستصبح فيه ،فإن كان 4
لم يكن يعلق بالثّياب ،وذلك لضمحلل النّجاسة بالنّار ،وزوال أثرها ،فمجرّد الملقاة ل
ينجّس ،بل ينجّس إذا علق .والظّاهر أنّ المراد بالعلوق أن يظهر أثره ،أمّا مجرّد الرّائحة
ن العلّة في جواز النتفاع هي التّغيّر وانقلب الحقيقة ،وأنّه يفتى به
فل .وكذلك يرون أ ّ
ن المتنجّس كالنّجس ؛ لنّه جزءٌ يستحيل منه ،
للبلوى .أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيرون أ ّ
والستحالة ل تطهر ،فإن علق شيءٌ وكان يسيرا عفي عنه ؛ لنّه ل يمكن التّحرّز منه فأشبه
دم البراغيث ،وإن كان كثيرا لم يعف عنه .وقيل أيضا بأنّ دخان النّجاسة نجسٌ ،ول شكّ
ن ما ينفصل من الدّخان يؤثّر في الحيطان ،وذلك يؤدّي إلى تنجيسها فل يجوز .وينظر
أّ
تفصيل هذا في ( نجاسةٌ ) .
آداب الستصباح :
-يستحبّ عند جمهور الفقهاء إطفاء المصباح عند النّوم ،خوفا من الحريق المحتمل بالغفلة 6
،فإن وجدت الغفلة حصل النّهي .وقد وردت أحاديث كثير ٌة للرّسول صلى ال عليه وسلم تدلّ
على هذا ،منها حديث جابر بن عبد اللّه رضي ال عنه قال « :قال رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم :خمّروا النية » أي غطّوها « وأجيفوا البواب » أي أغلقوها « وأطفئوا
ن الفويسقة ربّما جرّت الفتيلة ،فأحرقت أهل البيت » .قال ابن مفلحٍ :يستحبّ
المصابيح ،فإ ّ
إطفاء النّار عند النّوم ؛ لنّها عدوّ مزمومٌ بزمامٍ ل يؤمن لهبها في حالة نوم النسان .أمّا إن
ق أو على شيءٍ ل يمكن الفواسق والهوامّ التّسلّق إليه فل أرى
جعل المصباح في شي ٍء معلّ ٍ
بذلك بأسا .
*استصحابٌ
التعريف
-الستصحاب في اللّغة :الملزمة ،يقال :استصحبت الكتاب وغيره :حملته بصحبتي . 1
وأمّا في الصطلح ،فقد عرّف بعدّة تعريفاتٍ منها ما عرّفه به السنويّ بقوله :الستصحاب
عبارةٌ عن الحكم بثبوت أم ٍر في الزّمن التي ،بناءً على ثبوته في الزّمن الوّل .ومثاله :أنّ
المتوضّئ بيقينٍ يبقى على وضوئه وإن شكّ في نقض طهارته .
اللفاظ ذات الصّلة
الباحة :
ع من أنواع الستصحاب ،وهي ما يسمّى
-الباحة الصليّة -بمعنى براءة ال ّذمّة -نو ٌ 2
باستصحاب العدم الصليّ .وأمّا الباحة الّتي هي قسمٌ من أقسام الحكم التّكليفيّ ،فهي مغايرةٌ
ع من الدلّة الّتي تثبت بها الباحة
للستصحاب ،إذ الستصحاب -عند من يقول به -نو ٌ
وغيرها من الحكام .
أنواع الستصحاب :
-للستصحاب أنواعٌ ثلث ٌة متّفقٌ عليها ،هي : 3
أ -استصحاب العدم الصليّ ،كنفي وجوب صلةٍ سادسةٍ ،ونفي وجوب صوم شوّالٍ .
ب -استصحاب العموم إلى أن يرد المخصّص ،كبقاء العموم في قوله تعالى { :وحرّم الرّبا
ص إلى أن يرد ناسخٌ ،كوجوب جلد كلّ قاذفٍ زوجا أو غيره ،إلى أن
} ،واستصحاب النّ ّ
ورد النّاسخ الجزئيّ ،بالنّسبة للزّوج دون غيره .
ج -استصحاب حكمٍ دلّ الشّرع على ثبوته ودوامه ،كالملك عند جريان العقد الّذي يفيد
التّمليك ،وكشغل ال ّذمّة عند جريان إتلفٍ أو إلزامٍ ،فيبقى الملك والدّين إلى أن يثبت زوالهما
جيّتهما ،وموضع تفصيلهما
ع .وهناك نوعان آخران للستصحاب مختلفٌ في ح ّ
بسببٍ مشرو ٍ
الملحق الصوليّ .
جيّته :
حّ
جيّة الستصحاب على أقوالٍ أشهرها :
-اختلف الصوليّون في ح ّ 4
أ -قال المالكيّة ،وأكثر الشّافعيّة ،والحنابلة بحجّيّته مطلقا ،أي في النّفي والثبات .
جيّته مطلقا .
ب -وقال أكثر الحنفيّة ،والمتكلّمين بعدم ح ّ
ج -ومنهم من قال بحجّيّته في النّفي دون الثبات ،وهم أكثر المتأخّرين من الحنفيّة .وهناك
أقوالٌ أخرى موضعها وتفصيلها في الملحق الصوليّ .
جيّة :
مرتبته في الح ّ
جيّته -هو آخر دليلٍ يلجأ إليه المجتهد ،لمعرفة حكم ما
-الستصحاب -عند من يقول بح ّ 5
يعرض عليه ،ولهذا قال الفقهاء :إنّه آخر مدار الفتوى ،وعليه ثبتت القاعدة الفقهيّة
المشهورة ( :الصل بقاء ما كان على ما كان ،حتّى يقوم الدّليل على خلفه ) والقاعدة :
شكّ ) .
( ما ثبت باليقين ل يزول بال ّ
*استصلحٌ
التعريف
-الستصلح في اللّغة :نقيض الستفساد .وعند الصوليّين :استنباط الحكم في واقع ٍة ل 1
نصّ فيها ول إجماع ،بنا ًء على مصلح ٍة عا ّمةٍ ل دليل على اعتبارها ول إلغائها .ويعبّر عنه
أيضا بالمصلحة المرسلة .
-والمصلحة في اللّغة :ضدّ المفسدة .وفي الصطلح عند الغزاليّ :المحافظة على 2
أ -الستحسان :
-عرّفه الصوليّون بتعاريف كثيرةٍ ،المختار منها :العدول إلى خلف النّظير بدليلٍ أقوى 4
منه ،كدخول الحمّام من غير تقييدٍ بزمان مكثٍ ،ول مقدار ما ٍء ،لدليل العرف .وعلى ذلك
فالستحسان يكون في مقابلة قياسٍ بقياسٍ ،أو بمقابلة نصّ بقاعد ٍة عا ّمةٍ ،والستصلح ليس
كذلك .
ب -القياس :
-وهو مساواة المسكوت عنه بالمنصوص عليه في علّة الحكم .فالفرق بين الستصلح 5
وبين القياس :أنّ للقياس أصلً يقاس الفرع عليه ،في حين أنّه ليس للستصلح هذا الصل
.أقسام المناسب المرسل :
-المناسب الّذي يقوم عليه الستصلح ينقسم إلى ثلثة أقسامٍ : 6
ل يأخذ به
جيّته على مذاهب كثيرةٍ ،والحقّ أنّه ما من مذهبٍ من المذاهب إ ّ
-اختلف في ح ّ 7
إجمالً ،وقد وضع بعضهم قيودا لجواز الخذ به ،وبيان ذلك كلّه في الملحق الصوليّ ،عند
الكلم عن المصلحة المرسلة .
*استصناعٌ
التعريف
-الستصناع في اللّغة :مصدر استصنع الشّيء :أي دعا إلى صنعه ،ويقال :اصطنع 1
فلنٌ بابا :إذا سأل رجلً أن يصنع له بابا ،كما يقال :اكتتب أي أمر أن يكتب له .وفي
الصطلح هو على ما عرّفه بعض الحنفيّة :عقدٌ على مبيعٍ في ال ّذمّة شرط فيه العمل .فإذا
قال شخصٌ لخر من أهل الصّنائع :اصنع لي الشّيء الفلنيّ بكذا درهما ،وقبل الصّانع ذلك
،انعقد استصناعا عند الحنفيّة ،وكذلك الحنابلة ،حيث يستفاد من كلمهم أنّ الستصناع :
بيع سلع ٍة ليست عنده على غير وجه السّلم ،فيرجع في هذا كلّه عندهم إلى البيع وشروطه عند
الكلم عن البيع بالصّنعة .أمّا المالكيّة والشّافعيّة :فقد ألحقوه بالسّلم ،فيؤخذ تعريفه وأحكامه
من السّلم ،عند الكلم عن السّلف في الشّيء المسلم للغير من الصّناعات .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجارة على الصّنع :
-الجارة على الصّنع هي عند بعض الفقهاء :بيع عملٍ تكون العين فيه تبعا .فالجارة 2
على الصّنع تتّفق مع الستصناع في كون العمل على العامل ،وهو الصّانع في الستصناع ،
ل البيع .ففي الجارة على الصّنع :
والجير في الجارة على الصّنع .ويفترقان في مح ّ
المحلّ هو العمل ،أمّا في الستصناع :فهو العين الموصوفة في ال ّذمّة ،ل بيع العمل .
ن الجارة على الصّنع تكون بشرط :أن يقدّم المستأجر للعامل « المادّة » ،
وفرقٌ آخر هو أ ّ
فالعمل على العامل ،والمادّة من المستأجر ،أمّا في الستصناع :فالمادّة والعمل من الصّانع
.
ب -السّلم في الصّناعات :
بالمزروعات ،أو غير ذلك .والسّلم هو « :شراء آجلٍ بعاجلٍ » فالستصناع يتّفق مع السّلم
بصورةٍ كبيرةٍ ،فالجل الّذي في السّلم هو ما وصف في ال ّذمّة ،وممّا يؤكّد هذا جعل الحنفيّة
ن السّلم عامّ
مبحث الستصناع ضمن مبحث السّلم ،وهو ما فعله المالكيّة والشّافعيّة ،إلّ أ ّ
للمصنوع وغيره ،والستصناع خاصّ بما اشترط فيه الصّنع ،والسّلم يشترط فيه تعجيل
ن الستصناع التّعجيل -فيه عند أكثر الحنفيّة -ليس بشرطٍ .
الثّمن ،في حين أ ّ
ج -الجعالة :
على عملٍ .فالجعالة تتّفق مع الستصناع في أنّهما عقدان شرط فيهما العمل .ويفترقان في
ص في الصّناعات ،كما أنّ
ن الجعالة عامّةٌ في الصّناعات وغيرها ،إلّ أنّ الستصناع خا ّ
أّ
ن الستصناع ل بدّ أن
الجعالة العمل فيها قد يكون معلوما ،وقد يكون مجهولً ،في حين أ ّ
يكون معلوما .
معنى الستصناع :
-اختلف المشايخ فيه ،فقال بعضهم :هو مواعد ٌة وليس ببيعٍ .وقال بعضهم :هو بي ٌع لكن 5
ن شرط فيه العمل ،أو هو بيعٌ لكن للمشتري خيار الرّؤية ،
منها الستصناع ،على أنّه بيع عي ٍ
ل أنّه ليس على إطلقه ،فخالف البيع المطلق في اشتراط العمل في الستصناع ،
فهو بيعٌ إ ّ
والمعروف أنّ البيع ل يشترط فيه العمل .وقال بعض الحنفيّة :إنّ الستصناع إجارةٌ
محض ٌة ،وقيل :إنّه إجار ٌة ابتدا ًء ،بيعٌ انتهاءً .
صفة الستصناع :حكمه التّكليفيّ :
ع عند أكثر الحنفيّة على سبيل الستحسان ،
ل -مشرو ٌ
-الستصناع -باعتباره عقدا مستق ّ 7
ومنعه زفر من الحنفيّة أخذا بالقياس ؛ لنّه بيع المعدوم .ووجه الستحسان :استصناع
الرّسول صلى ال عليه وسلم الخاتم ،والجماع من لدن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دون
ص الحنابلة على أنّه ل يصحّ
نكيرٍ ،وتعامل النّاس بهذا العقد والحاجة الماسّة إليه .ون ّ
استصناع سلعةٍ ،لنّه بيع ما ليس عنده على وجه غير السّلم ،وقيل :يصحّ بيعه إلى
المشتري إن صحّ جم ٌع بين بيعٍ وإجارةٍ منه بعقدٍ واحدٍ ؛ لنّه بيعٌ وسلمٌ .
حكمة مشروعيّة الستصناع :
-الستصناع شرع لسدّ حاجات النّاس ومتطلّباتهم ؛ نظرا لتطوّر الصّناعات تطوّرا كبيرا ، 8
فالصّانع يحصل له الرتفاق ببيع ما يبتكر من صناع ٍة هي وفق الشّروط الّتي وضع عليها
المستصنع في المواصفات والمقايسات ،والمستصنع يحصل له الرتفاق بسدّ حاجيّاته وفق ما
يراه مناسبا لنفسه وبدنه وماله ،أمّا الموجود في السّوق من المصنوعات السّابقة الصّنع فقد ل
تس ّد حاجات النسان .فل بدّ من الذّهاب إلى من لديه الخبرة والبتكار .
أركان الستصناع :
ل ،والصّيغة .
أركان الستصناع هي :العاقدان ،والمح ّ
ل ما يدلّ على رضا الجانبين « البائع
-أمّا الصّيغة ،أو اليجاب والقبول فهي :ك ّ 9
والمشتري » ومثالها هنا :اصنع لي كذا ،ونحو هذه العبارة لفظا أو كتابةً .
-وأمّا محلّ الستصناع فقد اختلف فقهاء الحنفيّة فيه ،هل هو العين أو العمل ؟ فجمهور 10
الحنفيّة على أنّ العين هي المعقود عليه ،وذلك لنّه لو استصنع رجلٌ في عينٍ يسلّمها له
الصّانع بعد استكمال ما يطلبه المستصنع ،سوا ٌء أكانت الصّنعة قد تمّت بفعل الصّانع أم بفعل
غيره بعد العقد ،فإنّ العقد يلزم ،ول تردّ العين لصانعها إلّ بخيار الرّؤية .فلو كان العقد
ح العقد إذا تمّت الصّنعة بصنع غيره .وهذا
واردا على صنعة الصّانع أي « عمله » لما ص ّ
ن الستصناع
ن العقد يتوجّه على العين ل على الصّنعة .ويرون أنّ المتّفق عليه أ ّ
دليلٌ على أ ّ
ل في بيع العين ،فدلّ ذلك على أنّ
ثبت فيه للمستصنع خيار الرّؤية ،وخيار الرّؤية ل يكون إ ّ
ن المعقود عليه في الستصناع هو
المبيع هو العين ل الصّنعة .ومن الحنفيّة من يرى أ ّ
ل ،فالستصناع طلب العمل لغةً
العمل ،وذلك لنّ عقد الستصناع ينبئ عن أنّه عقدٌ على عم ٍ
،والشياء الّتي تستصنع بمنزلة اللة للعمل ،ولو لم يكن عقد الستصناع عقد عملٍ لما جاز
أن يفرد بالتّسمية .
الشّروط الخاصّة للستصناع :
-للستصناع شروطٌ هي : 11
أ -أن يكون المستصنع فيه معلوما ،وذلك ببيان الجنس والنّوع والقدر .والستصناع يستلزم
شيئين هما :العين والعمل ،وكلهما يطلب من الصّانع .
ب -أن يكون ممّا يجري فيه التّعامل بين النّاس ؛ لنّ ما ل تعامل فيه يرجع فيه للقياس
فيحمل على السّلم ويأخذ أحكامه .
ج -عدم ضرب الجل :اختلف في هذا الشّرط ،فمن الحنفيّة من يرى أنّه يشترط في عقد
الستصناع خلوّه من الجل ،فإذا ذكر الجل في الستصناع صار سلما ،ويعتبر فيه شرائط
ن السّلم عق ٌد على مبيعٍ
السّلم .وقد استدلّوا على اشتراط عدم ضرب الجل في الستصناع :بأ ّ
ل صار بمعنى السّلم ولو كانت الصّيغة
ل .فإذا ما ضرب في الستصناع أج ٌ
في ال ّذمّة مؤجّ ً
ص بالدّيون ؛ لنّه وضع لتأخير المطالبة ،وتأخير المطالبة إنّما
استصناعا .وبأنّ التّأجيل يخت ّ
ل في السّلم ،إذ ل دين في الستصناع .وخالف في
يكون في عق ٍد فيه مطالبةٌ ،وليس ذلك إ ّ
ن العرف عندهما جرى بضرب الجل في الستصناع ،
ذلك أبو يوسف ومح ّمدٌ ،إذ أ ّ
والستصناع إنّما جاز للتّعامل ،ومن مراعاة التّعامل بين النّاس رأى الصّاحبان :أنّ .
الستصناع قد تعورف فيه على ضرب الجل ،فل يتحوّل إلى السّلم بوجود الجل .وعندهما
ن كلم المتعاقدين يحمل على مقتضاه ،وإذا
ن الستصناع إذا أريد يحمل على حقيقته ،فإ ّ
:أّ
كان كذلك فالجل يحمل على الستعجال ل الستمهال ،خروجا من خلف أبي حنيفة .
الثار العامّة للستصناع :
-الستصناع عقدٌ غير لزمٍ عند أكثر الحنفيّة ،سواءٌ ت ّم أم لم يتمّ ،وسواءٌ أكان موافقا 12
للصّفات المتّفق عليها أم غير موافقٍ .وذهب أبو يوسف إلى أنّه إن ت ّم صنعه -وكان مطابقا
للوصاف المتّفق عليها -يكون عقدا لزما ،وأمّا إن كان غير مطابقٍ لها فهو غير لزمٍ عند
الجميع ؛ لثبوت خيار فوات الوصف .
ما ينتهي به عقد الستصناع :
-ينتهي الستصناع بتمام الصّنع ،وتسليم العين ،وقبولها ،وقبض الثّمن .كذلك ينتهي 13
*استطابةٌ
التعريف
طيّب لغةً :خلف الخبث ،يقال :شيءٌ طيّبٌ :أي طاهرٌ نظيفٌ .والستطابة :
-ال ّ 1
:استحدادٌ ) .
*استطاعةٌ
التّعريف
-الستطاعة في اللّغة :القدرة على الشّيء .والقدرة :هي صف ٌة بها إن شاء فعل ،وإن 1
شاء لم يفعل .وهي عند الفقهاء كذلك ،فهم يقولون مثلً :الستطاعة شرطٌ لوجوب الحجّ .
ن الفقهاء يستعملون كلتا
وإذا كانت الستطاعة والقدرة بمعنًى واحدٍ ،فإنّه يجدر بنا أن ننوّه أ ّ
الكلمتين ( :استطاعةٌ ،قدرةٌ ) .وأنّ الصوليّين يستعملون كلمة ( :قدر ٌة ) .قال في فواتح
الرّحموت شرح مسلّم الثّبوت :اعلم أنّ القدرة المتعلّقة بالفعل ،المستجمعة لجميع الشّرائط
الّتي يوجد الفعل بها ،أو يخلق اللّه تعالى عندها ،تسمّى ( :استطاعةٌ ) .
اللفاظ ذات الصّلة :
الطاقة
ن كلّ كلمةٍ منهما تدلّ على غاية مقدور
-ل خلف في المعنى بين استطاعةٍ وإطاق ٍة ،إذ أ ّ 2
-اتّفق الفقهاء على أنّ الستطاعة شرطٌ للتّكليف ،فل يجوز التّكليف بما ل يستطاع عادةً ، 3
سرٍ .
سرٍ ،ومعنى وجودها حكما القدرة على الداء بتع ّ
على الفعل من غير تع ّ
أنواع الستطاعة :
-يمكن تقسيم الستطاعة إلى عدّة تقسيماتٍ بحسب أنواعها : 5
ل :في أداء الواجبات الماليّة المحضة ،كالزّكاة ،وصدقة الفطر ،والهدي في الحجّ ،
أ ّو ً
والنّفقة ،والجزية ،والكفّارات الماليّة ،والنّذر الماليّ ،والكفالة بالمال ،ونحو ذلك .
ثانيا :في الواجبات البدنيّة الّتي يتوقّف القيام بها على الستطاعة الماليّة ،كقدرة فاقد الماء
على شرائه بثمن المثل للوضوء أو الغسل ،وقدرة فاقد ما يستر به عورته على شراء ثوبٍ
بثمن المثل ليصلّي فيه ،وقدرة مريد الحجّ على توفير الزّاد والرّاحلة ونفقة العيال ،وقد فصّل
ذلك الفقهاء في البواب المذكورة .
-أمّا الستطاعة البدنيّة .فإنّها مشترط ٌة في وجوب الواجبات البدنيّة ،كوجوب الطّهارة ، 7
ي كالصّلة
ج ،وفي النّذر البدن ّ
وأداء الصّلة على الوجه الكمل ،وفي الصّوم ،وفي الح ّ
والصّوم ،وفي الكفّارات البدنيّة كالصّيام ،وفي النّكاح ،وفي الحضانة ،وفي الجهاد ،وقد
فصّلت أحكام ذلك في البواب المذكورة في كتب الفقه .التّقسيم الثّاني :استطاعةٌ بالنّفس ،
واستطاع ٌة بالغير .
-الستطاعة بالنّفس :تكون بقدرة المكلّف على القيام بما كلّف به بنفسه من غير افتقارٍ إلى 8
غيره .
-والستطاعة بالغير :هي قدرة المكلّف على القيام بما كلّف به بإعانة غيره ،وعدم قدرته 9
بنفسه .وهذا النّوع من الستطاعة اختلف الفقهاء في تحقّق شرط التّكليف به :فالجمهور من
الفقهاء يعتبرون المستطيع بغيره مكلّفا بمقتضى هذه الستطاعة ،ذهب إلى ذلك المالكيّة ،
والشّافعيّة ،والحنابلة ،وأبو يوسف ومح ّمدٌ ؛ لنّ المستطيع بغيره يعتبر قادرا على الداء .
وعند أبي حنيفة :المستطيع بغيره عاجزٌ وغير مستطيعٌ ؛ لنّ العبد يكلّف بقدرة نفسه ل بقدرة
ص بحالةٍ تهيّئ له الفعل متى أراد ،وهذا ل يتحقّق بقدرة غيره
غيره ؛ ولنّه يعدّ قادرا إذا اخت ّ
.ويستثني أبو حنيفة من ذلك حالتين :الحالة الولى :ما إذا وجد من كانت إعانته واجبةً عليه
،كولده وخادمه .الحالة الثّانية :ما إذا وجد من إذا استعان به أعانه من غير منّةٍ ،
كزوجته ،فإنّه يكون قادرا بقدرة هؤلء .وقد أورد الفقهاء ذلك في كثيرٍ من أبواب الفقه .
واختلفوا في حكمها ،ومنها :العاجز عن الوضوء إذا وجد من يعينه .والعاجز عن التّوجّه
إلى القبلة إذا وجد من يوجّهه إليها .والعمى إذا وجد من يقوده إلى صلة الجمعة والجماعة
.والعمى والشّيخ الكبير إذا وجدا من يعينهما على أداء أفعال الحجّ .التّقسيم الثّالث - :وهو
للحنفيّة -استطاع ٌة ممكنةٌ ،واستطاعةٌ ميسّرةٌ :
-الستطاعة الممكنة مفسّرةٌ بسلمة اللت وصحّة السباب ،وارتفاع الموانع ،إذ عديم 10
الميسّرة شرطٌ في وجوب بعض الواجبات المشروطة بها ،حتّى لو فاتت هذه القدرة سقط
الواجب عن ال ّذمّة .فالزّكاة واجب ٌة بالقدرة الميسّرة ،ومن وجوه اليسر فيها :أنّها قليلٌ من
كثيرٍ ،وتؤدّى مرّةً واحد ًة في الحول ،ولهذا التّيسير سقط وجوبها بهلك النّصاب ،إذ لو
وجبت مع الهلك انقلب اليسر عسرا .
اختلف الستطاعة من شخصٍ لخر ،ومن عملٍ لخر :
ن قد يكون شخصٌ
-الستطاعة تختلف من شخصٍ إلى شخصٍ آخر ،فتجاه عم ٍل معيّ ٍ 12
*استطلق البطن
التعريف
-استطلق البطن في اللّغة :هو مشيه ،وكثرة خروج ما فيه .والمعنى الصطلحيّ هو 1
المعنى اللّغويّ ،فقد عرّفه الفقهاء بقولهم :استطلق البطن هو :جريان ما فيه من الغائط .
الحكم الجماليّ :
-استطلق البطن من العذار الّتي تبيح العبادة مع وجود العذر .وشروط اعتباره عذرا 2
هو :أن يستوعب وجوده تمام وقت صلةٍ مفروضةٍ ،وهذا عند الحنفيّة ،والشّافعيّة ،
والحنابلة .وعند المالكيّة :يعتبر عذرا إن لزم الحدث كلّ الوقت ،أو أغلبه ،أو نصفه .
ويختلف المالكيّة في المقصود بالوقت ،هل هو وقت الصّلة أو الوقت مطلقا ؟ أي غير مق ّيدٍ
بكونه وقت صل ٍة ،فيشمل ما بين طلوع الشّمس والزّوال على قولين :أظهرهما :أنّه وقت
ن غير وقت الصّلة ل عبرة بمفارقته وملزمته ،إذ ليس هو مخاطبا حينئذٍ
الصّلة ؛ ل ّ
ل صلةٍ عند الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة .وذلك لما
ب لوقت ك ّ
بالصّلة .والوضوء واج ٌ
ل صلةٍ » .وينتقض
روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم في المستحاضة « :أنّها تتوضّأ لك ّ
الوضوء بخروج الوقت عند الشّافعيّة ،والحنابلة ،وأبي حنيفة ومح ّمدٍ .وينتقض عند زفر
بدخول الوقت .وبأيّهما عند أبي يوسف .أمّا المالكيّة :فعندهم أنّ الوضوء ل ينتقض ،وهو
ب فقط لمن
ب ول مستحبّ لمن لزمه الحدث كلّ الوقت ،ومستح ّ
( أي الوضوء ) غير واج ٍ
ل صلةٍ .
لزمه الحدث أكثر الوقت أو نصفه ،وقيل :إن لزمه نصفه وجب الوضوء لك ّ
*استظللٌ
التّعريف
ل هو :كلّ ما لم تصل إليه الشّمس .وفي
-الستظلل في اللّغة :طلب الظّلّ ،والظّ ّ 1
-الستظلل عموما -سوا ٌء تحت شجرةٍ أو جدارٍ أو سقفٍ وما كان في معناه -مباحٌ لكلّ 2
مسلمٍ محرمٍ أو غير محرمٍ اتّفاقا .أمّا الستظلل للمحرم في المحمل خاصّةً -وما كان في
معناه -فقد اختلف الفقهاء فيه ،فمنهم من جوّزه مطلقا ،وهم الشّافعيّة ،ومنهم من اشترط ألّ
يصيب رأسه أو وجهه ،وهم الحنفيّة ، ...وكره ذلك المالكيّة ،والحنابلة .
مواطن البحث :
يجوز .والجارة على الستظلل ذكروها في الجارة ،عند الكلم عن شروطها .والجلوس
بين الشّمس والظّلّ ذكر في الداب الشّرعيّة للمجالس ،عند الكلم عن النّوم والجلوس بين
الشّمس والظّلّ .والنّذر بترك الستظلل ذكر في النّذر ،عند الكلم عن النّذر المباح .
*استظهارٌ
التعريف
-ذكر صاحب اللّسان للستظهار ثلثة معانٍ : 1
أ -أن يكون بمعنى :الستعانة ،أي طلب العون .قال « :استظهر به أي استعانه ،
وظهرت عليه :أعنته ،وظاهر فلنا :أعانه » .وقال أيضا « :استظهره :استعانه » ،
وعلى هذا يكون الفعل ممّا يتعدّى بنفسه وبالباء .
ب -ويكون بمعنى القراءة عن ظهر قلبٍ ،قال « :قرأت القرآن عن ظهر قلبي أي :قرأته
من حفظي ،وقد قرأه ظاهرا واستظهره أي :حفظه وقرأه ظاهرا » .وفي القاموس «
استظهره :قرأه من ظهر القلب ،أي حفظا بل كتابٍ » .
ج -ويكون بمعنى الحتياط ،قال صاحب اللّسان « :في كلم أهل المدينة إذا استحيضت
المرأة ،واستمرّ بها الدّم فإنّها تقعد أيّامها للحيض ،فإذا انقضت استظهرت بثلثة أيّامٍ ،تقعد
فيها للحيض ول تصلّي ،ثمّ تغتسل وتصلّي .قال الزهريّ :ومعنى الستظهار في قولهم
هذا :الحتياط والستيثاق » .ويستعمل الفقهاء الستظهار بالمعاني الثّلثة السّابقة .
الحكم الجماليّ :
استظهار القرآن :
ن القراءة في المصحف أفضل من استظهاره ،ونسبه النّوويّ إلى الشّافعيّة ،وقال :إنّه
أّ
ن النّظر في المصحف عبادةٌ .واحتجّ له الزّركشيّ
المشهور عن السّلف .ووجهه :أ ّ
والسّيوطيّ برواية أبي عبيدٍ بسنده مرفوعا « :فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه
ح .وثانيها :أنّ القراءة
ظاهرا كفضل الفريضة على النّافلة » .قال السّيوطيّ :سنده صحي ٌ
عن ظهر قلبٍ أفضل ،ونسب إلى أبي محمّد بن عبد السّلم .وثالثها :واختاره النّوويّ ،إنّ
القارئ من حفظه إن كان يحصل له من التّدبّر والتّفكّر وجمع القرآن أكثر ممّا يحصل له من
المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل ،وإن استويا فمن المصحف أفضل .وبقيّة مباحث
الستظهار تنظر تحت عنوان ( تلوةٌ ) .
يمين الستظهار :
ي المالكيّ بأنّها مقوّي ٌة للحكم فقط ،
-ذكر بعض الفقهاء يمين الستظهار ،وفسّرها الدّسوق ّ 3
فل ينقض الحكم بدونها .وأمّا ما يتوقّف عليه الحكم فهو يمين القضاء ،أو يمين الستبراء .
ويحلف المدّعي يمين الستظهار إذا ادّعى على ميّتٍ أو غائبٍ ،وأقام شاهدين بالحقّ .فمن
يمين الستظهار ما قال الرّمليّ الشّافعيّ :أنّه لو ادّعى من لزمته الزّكاة ممّن استولى عليهم
ن لبناء الزّكاة على التّخفيف ،ويندب
البغاة دفع الزّكاة إلى البغاة ،فإنّه يصدق بل يمي ٍ
الستظهار بيمينه على صدقه إذا اتّهم ،خروجا من خلف من أوجبها .وذكر المالكيّة في
المرأة تريد الفراق من زوجها الغائب لعدم النّفقة ،فإن كانت الغيبة بعيد ًة أجّلها القاضي
بحسب ما يراه ،فإذا انقضت المدّة استظهر عليها باليمين .والحنفيّة ،والحنابلة ذكروا
استحلف المدّعي إذا ادّعى على ميّتٍ أو غائبٍ وأقام بيّنةً .
مواطن البحث :
-يذكر الفقهاء يمين الستظهار في مباحث الدّعوى ،ومباحث القضاء ،والقضاء على 4
الغائب .وأمّا الستظهار -بمعنى الستعانة -فتذكر أحكامه تحت عنوان ( :استعانةٌ ) .
ويذكر الستظهار -بمعنى الحتياط -في مباحث الحيض ،وانظر ( احتياطٌ ) .
نهاية الجزء الثالث /الموسوعة الفقهية