You are on page 1of 2

‫المستوى‪ :‬ثانية بكالوريا‬ ‫نموذج تطبيقي لتحليل‬ ‫الثانوية التأهيلية ع الرحمن زكي‬

‫الدورة ‪ :‬الثانية‬ ‫الموسم الدراسي‪2018_2017 :‬‬


‫األستـــاذ ‪ :‬جمال كراب‬ ‫القولة الفلسفية ‪1‬‬
‫"إن األمير الحكيم ‪-‬‬
‫هو الذي ال يحفظ عهدا يكون الوفاء به ضياع لمصلحته"‬
‫حلل وناقش القول مبرزا طبيعة السلطة السياسية؟‪.‬‬
‫إن الحديث عن طبيعة السلطة السياسية هو حديث عن مفهوم الدولة وتطورها تاريخيا‪ ،‬كمؤسسة سياسية كانت حصيلة‬
‫صيرورة تاريخية‪،‬شكلت قفزة نوعية نقلت اإلنسان من وضعية الالنظام وحق القوة‪ ،‬إلى وضعية النظام وقوة الحق‪،‬إذ أنها عبرت عن ظاهرة‬
‫معاشة وتعبير قانوني منظم للمجتمع القائم على مؤسسات وأجهزة سياسية وتشريعية التي تسعى للحفاظ على وحدته وخدمة أفراده‪ ،‬ولما‬
‫كانت السلطة السياسية للدولة تتحدد في طبيعة العالقة الممكنة بين الحاكم ورعيته فإنها عبر التاريخ اتخذت أوجه متباينة وتمظهرات‬
‫تراوحت عموما بين الديمقراطية والديكتاتورية‪ ،‬والقولة حيز المقاربة تعكس إحدى هاته األوجه إذ تنص على ضرورة تسلح الحاكم‬
‫بالقوة والحزم والعنف ونكث العهد‪ ،‬فهل فعال المؤهالت التي ينبغي توفرها في الحاكم والتي تقوده إلى ممارسة السلطة والحفاظ على‬
‫استمرارها تقتضي القوة والحزم والعنف وعدم الوفاء بالعهود وبذلك تكون تجسيدا لنمط السلطة الديكتاتورية؟ أم أن األمر يقتضي منه‬
‫التسلح باألخالق والقانون التي هي تعبير عن روح السلطة الديمقراطية؟‬
‫تنطوي القولة على أطروحة تنبني على فكرة ضمنية مفادها‪ ،‬جواز استخدام الوسائل غير المشروعة ‪ -‬كالنكث‬
‫بالعهد وعدم الوفاء ‪ -‬من طرف الحاكم لضمان استمراريته والحفاظ على دولته‪ ،‬ألن مصلحة األمير دائما تكمن في ضمان بقائه على عرش‬
‫السلطة والحفاظ عليها‪ ،‬غير أن تحقيق ذلك يتطلب من األمير أن يكون حكيما‪ ،‬والحكمة هنا تعبير عن الدهاء والفطنة والمكر والخداع‬
‫وعدم الوفاء بكل ما من شأنه أن يحط بقيمته أو يمس سلطته‪ ،‬وهذا ما يحتم عليه أال يحافظ على عهد او يفي بالتزامات قد تضيع مصلحته‪،‬‬
‫شريطة القدرة على التظاهر بامتالك خصال حميدة أمام الناس ويكون على استعداد دائم أن يتخلى عنها كلما هددت مصلحته‪ .‬والنكث بالعهد ال‬
‫ينبغي اعتباره رذيلة في هذا المستوى‪ ،‬إال إذا كان الناس جميعهم فضالء وخيرين‪ ،‬والحال أنهم مخادعين وأشرار وجبناء‪ ،‬مما يفيد أن صاحب‬
‫لقولة يراهن ويصبو تبيان أن هاجس الحاكم هو الحفاظ على السلطة أوال وأخيرا وأن يضعها نصب عينه بشتى الطرق‪ ،‬لذلك فالسلطة‬
‫السياسية التي يمتلكها األمير باعتباره ورمزا لها والمدبر لشؤونها داخليا وخارجيا‪ ،‬يجب أن تصدر عن قوة القانون وعن سلطة القوة‪،‬‬
‫ذلك أن الحكم ال يمكن أن يستقيم إال إذا أتقن األمير دور سياسة الدهاء والقوة مادامت كل السبل مشروعة في تحقيق الوحدة‪ .‬بهذه‬
‫المعطيات فطبيعة السلطة السياسية تنبني على القوة والعنف مما يسمح لنا بإدراجها تحت دائرة األنظمة الديكتاتورية‪ ،‬هذا النمط من‬
‫السلطة نجده واضح المعالم عند مكيافيللي الذي يرى أن السلطة السياسية مجال لصراع المصالح المتعارضة‪ ،‬و تبعا لهذا الصراع‪ ،‬كان‬
‫من الالزم ان يكون رجل السياسة (األمير) أن يسلك طريقتين لضبط الحكم؛ األولى قانونية والتي تعتمد أو تستند الى ما هو قانوني‪ .‬هي حين‬
‫الطريقة الثانية فهي القوة التي من خاللها يستطيع األمير إرهاب وتخويف الشعب وبسط سلطته عليهم‪ .‬ومادام األمير ملزما باستعمال القوة‪،‬‬
‫الن القانون غير كاف‪ ،‬فانه يجب عليه أن يكتسب من الثعلب المكر والحذر حتى ال يسقط في فخاخ أعدائه‪ ،‬ويتعلم من األسد كيف يكون قويا‬
‫يهابه الجميع‪ .‬فاألمراء الذين حققوا أعماال عظيمة هم من لهم القدرة على التأثير على عقول الناس بالمكر والخداع والدهاء مع القوة والعنف‬
‫والشراسة‪ .‬وقد كان لهذا التصور فلسفي قيمته ومكانته و تتجلى قيمية في كونه تعبير عن نهج سياسي فعال‬
‫ينتهجه الرؤساء والقادة لضمان البقاء على راس السلطة‪ ،‬على رأسهم القادة العرب الذين تبنوا هده األطروحة عن ظهر قلب‪ .‬فالقذافي مثال‪،‬‬
‫قد استخدم جميع أنواع المكر والخداع والعنف ضد شعبه؛ فمنذ انقالبه العسكري على الحكم الملكي عام ‪ ،1969‬وعد الشعب الليبي بالحرية‬
‫واالستقالل والديمقراطية والرخاء‪ ،‬لكن عهوده اتسمت بعدم المصداقية وبعدم تنفيذها ‪ ،‬ألنه لو التزم بها ستضر بمصالحه ؛ اد ستسود‬
‫الديمقراطية ويكون عليه مغادرة السلطة عند انتهاء واليته مما يعني عدم االستمرارية في الحكم‪ .‬لدلك واجه شعبه بالقمع والعنف والترهيب ‪،‬‬
‫الشيء الذي ضمن له البقاء على رأس السلطة لعقود‪ .‬وحاله حال باقي مجموعة من األمراء والرؤساء بمختلف بقاع العالم الذين تبنوا نفس‬
‫السياسة‪ .‬ادن‪ :‬يتضح جليا إن إتباع النهج الذي وضعه هؤالء يعطي أكله لالستمرارية في السلطة ودوام الحكم‪ .‬لكن أليس هذا العنف‬
‫والتسلط يفضي إلى عواقب وخيمة كثورات الشعوب التي نشهدها اليوم ضد هده األنظمة السياسية االستبدادية؟ أليست هده الثورات ‪ ،‬والتي‬
‫هي مشروعة ‪ ،‬ستؤدي إلى إضرابات للعمال وتراجع لالقتصاد مما سيجعل هده البلدان تعود خطوات للوراء ؟ أال يؤدي هدا الحكم‬
‫الجائر(الظالم) لهؤالء الحكام إلى محاكمتهم يوما ما دوليا وتعرضهم لعقوبة اإلعدام مما سيجعلهم يدخلون "مزبلة التاريخ" من أوسع‬
‫أبوابها؟ أليس الرفق واالعتدال والديمقراطية وتحقيق مصالح الشعب هما من جعال تشافيز (رئيس فنزويال) و اردوغان (رئيس تركيا)‬
‫محبوبا لدى شعبه ومتشبثين به؟ وفي مقابل الرؤية التي تقرن السلطة السياسية بالعنف والقوة والمكر ونكث العهد‪ ...‬يذهب البعض الى ربط‬
‫السلطة بالقانون واألخالق واالستقامة التي من شأنها خلق الديمقراطية من هذا المنظور يرى ابن خلدون أن الحاكم يجب ان يعامل شعبه‬
‫بالرفق واالعتدال والتوسط‪ ،،‬فالعالقة بين السلطان ورعيته هي عالقة جدلية؛ فالسلطان هو من له رعية‪ ،‬والرعية هي من لها سلطان‪ .‬وهده‬
‫العالقة هي نموذج السياسة المثلى التي تقوم على االعتدال‪ .‬فالرعية ال يهمها من السلطان ال صفاته الجسمية وال قدراته العقلية ‪ .‬إن الرعية‬
‫تهتم فقط بما يمكن أن يلمسوه من تأثير حكمه على حياتهم؛ فإذا تأسس الحكم على االستبداد والتربص بالرعية فعلى السلطان ان يتوقع خذالن‬
‫من رعيته عند الحاجة إليهم في الحرب و الشدائد الن الظلم يفسد أخالق الناس‪ .‬أما إذا كان السلطان حليما‪،‬عطوفا وعادال تناسوا سيئاته‬
‫وأحبوه‪ .‬لذلك يعتبر ابن خلدون أن السلطة السياسية يجب أن تقوم على االعتدال والرفق والتوسط بين السلطان ورعيته وليس الدخول معهم‬
‫في الصراع والعنف والنبذ إذ هي أرادت االستمرار‪.‬‬
‫ختاما‪ ،‬فادا كانت القولة قد عبرت أن اإلخالل بالعهد واستخدام الوسائل المشروعة وغير مشروعة هو ما يضمن استمرار السلطة كما هو‬
‫الحال لدى (مكيافيللي)‪ ،‬فان هنالك من يعتبر أن الرفق واالعتدال واألخالق والديمقراطية هم من يضمنون استمراريتها ( ابن‬
‫خلدون)‪ .‬ويرجع تمثل كل فيلسوف للسلطة السياسية إلى المناخ السياسي وطبيعة الدولة في عصره‪ .‬فمكيافيللي الحالم بوحدة ايطاليا وقوتها دفعه‬
‫لتصور سلطة سياسية تتسم بالبرغماتية ( الغاية تبرر الوسيلة) ‪ .‬بينما (ابن خلدون)‪ ،‬فموقفه يتسم بالتحليل التاريخي للسلطة السياسية في‬
‫المجتمعات اإلسالمية العربية‪ .‬أمام هذا السجال نضم صوتنا إلى ما ذهب إليه ابن خلدون‪ ،‬ألنه ال يجب تحت أي مبرر أو منطق االنسياق مع الفلسفات‬
‫العنيفة التي تجعل العنف والقوة والمكر والخداع ونكث العهود صفات واجبة في الحاكم لكي يعيش وحده في قمة الرفاهية على حساب مصالح الشعب‪.‬‬

‫‪1‬‬
2

You might also like