األستـــاذ :جمال كراب القولة الفلسفية 1 "إن األمير الحكيم - هو الذي ال يحفظ عهدا يكون الوفاء به ضياع لمصلحته" حلل وناقش القول مبرزا طبيعة السلطة السياسية؟. إن الحديث عن طبيعة السلطة السياسية هو حديث عن مفهوم الدولة وتطورها تاريخيا ،كمؤسسة سياسية كانت حصيلة صيرورة تاريخية،شكلت قفزة نوعية نقلت اإلنسان من وضعية الالنظام وحق القوة ،إلى وضعية النظام وقوة الحق،إذ أنها عبرت عن ظاهرة معاشة وتعبير قانوني منظم للمجتمع القائم على مؤسسات وأجهزة سياسية وتشريعية التي تسعى للحفاظ على وحدته وخدمة أفراده ،ولما كانت السلطة السياسية للدولة تتحدد في طبيعة العالقة الممكنة بين الحاكم ورعيته فإنها عبر التاريخ اتخذت أوجه متباينة وتمظهرات تراوحت عموما بين الديمقراطية والديكتاتورية ،والقولة حيز المقاربة تعكس إحدى هاته األوجه إذ تنص على ضرورة تسلح الحاكم بالقوة والحزم والعنف ونكث العهد ،فهل فعال المؤهالت التي ينبغي توفرها في الحاكم والتي تقوده إلى ممارسة السلطة والحفاظ على استمرارها تقتضي القوة والحزم والعنف وعدم الوفاء بالعهود وبذلك تكون تجسيدا لنمط السلطة الديكتاتورية؟ أم أن األمر يقتضي منه التسلح باألخالق والقانون التي هي تعبير عن روح السلطة الديمقراطية؟ تنطوي القولة على أطروحة تنبني على فكرة ضمنية مفادها ،جواز استخدام الوسائل غير المشروعة -كالنكث بالعهد وعدم الوفاء -من طرف الحاكم لضمان استمراريته والحفاظ على دولته ،ألن مصلحة األمير دائما تكمن في ضمان بقائه على عرش السلطة والحفاظ عليها ،غير أن تحقيق ذلك يتطلب من األمير أن يكون حكيما ،والحكمة هنا تعبير عن الدهاء والفطنة والمكر والخداع وعدم الوفاء بكل ما من شأنه أن يحط بقيمته أو يمس سلطته ،وهذا ما يحتم عليه أال يحافظ على عهد او يفي بالتزامات قد تضيع مصلحته، شريطة القدرة على التظاهر بامتالك خصال حميدة أمام الناس ويكون على استعداد دائم أن يتخلى عنها كلما هددت مصلحته .والنكث بالعهد ال ينبغي اعتباره رذيلة في هذا المستوى ،إال إذا كان الناس جميعهم فضالء وخيرين ،والحال أنهم مخادعين وأشرار وجبناء ،مما يفيد أن صاحب لقولة يراهن ويصبو تبيان أن هاجس الحاكم هو الحفاظ على السلطة أوال وأخيرا وأن يضعها نصب عينه بشتى الطرق ،لذلك فالسلطة السياسية التي يمتلكها األمير باعتباره ورمزا لها والمدبر لشؤونها داخليا وخارجيا ،يجب أن تصدر عن قوة القانون وعن سلطة القوة، ذلك أن الحكم ال يمكن أن يستقيم إال إذا أتقن األمير دور سياسة الدهاء والقوة مادامت كل السبل مشروعة في تحقيق الوحدة .بهذه المعطيات فطبيعة السلطة السياسية تنبني على القوة والعنف مما يسمح لنا بإدراجها تحت دائرة األنظمة الديكتاتورية ،هذا النمط من السلطة نجده واضح المعالم عند مكيافيللي الذي يرى أن السلطة السياسية مجال لصراع المصالح المتعارضة ،و تبعا لهذا الصراع ،كان من الالزم ان يكون رجل السياسة (األمير) أن يسلك طريقتين لضبط الحكم؛ األولى قانونية والتي تعتمد أو تستند الى ما هو قانوني .هي حين الطريقة الثانية فهي القوة التي من خاللها يستطيع األمير إرهاب وتخويف الشعب وبسط سلطته عليهم .ومادام األمير ملزما باستعمال القوة، الن القانون غير كاف ،فانه يجب عليه أن يكتسب من الثعلب المكر والحذر حتى ال يسقط في فخاخ أعدائه ،ويتعلم من األسد كيف يكون قويا يهابه الجميع .فاألمراء الذين حققوا أعماال عظيمة هم من لهم القدرة على التأثير على عقول الناس بالمكر والخداع والدهاء مع القوة والعنف والشراسة .وقد كان لهذا التصور فلسفي قيمته ومكانته و تتجلى قيمية في كونه تعبير عن نهج سياسي فعال ينتهجه الرؤساء والقادة لضمان البقاء على راس السلطة ،على رأسهم القادة العرب الذين تبنوا هده األطروحة عن ظهر قلب .فالقذافي مثال، قد استخدم جميع أنواع المكر والخداع والعنف ضد شعبه؛ فمنذ انقالبه العسكري على الحكم الملكي عام ،1969وعد الشعب الليبي بالحرية واالستقالل والديمقراطية والرخاء ،لكن عهوده اتسمت بعدم المصداقية وبعدم تنفيذها ،ألنه لو التزم بها ستضر بمصالحه ؛ اد ستسود الديمقراطية ويكون عليه مغادرة السلطة عند انتهاء واليته مما يعني عدم االستمرارية في الحكم .لدلك واجه شعبه بالقمع والعنف والترهيب ، الشيء الذي ضمن له البقاء على رأس السلطة لعقود .وحاله حال باقي مجموعة من األمراء والرؤساء بمختلف بقاع العالم الذين تبنوا نفس السياسة .ادن :يتضح جليا إن إتباع النهج الذي وضعه هؤالء يعطي أكله لالستمرارية في السلطة ودوام الحكم .لكن أليس هذا العنف والتسلط يفضي إلى عواقب وخيمة كثورات الشعوب التي نشهدها اليوم ضد هده األنظمة السياسية االستبدادية؟ أليست هده الثورات ،والتي هي مشروعة ،ستؤدي إلى إضرابات للعمال وتراجع لالقتصاد مما سيجعل هده البلدان تعود خطوات للوراء ؟ أال يؤدي هدا الحكم الجائر(الظالم) لهؤالء الحكام إلى محاكمتهم يوما ما دوليا وتعرضهم لعقوبة اإلعدام مما سيجعلهم يدخلون "مزبلة التاريخ" من أوسع أبوابها؟ أليس الرفق واالعتدال والديمقراطية وتحقيق مصالح الشعب هما من جعال تشافيز (رئيس فنزويال) و اردوغان (رئيس تركيا) محبوبا لدى شعبه ومتشبثين به؟ وفي مقابل الرؤية التي تقرن السلطة السياسية بالعنف والقوة والمكر ونكث العهد ...يذهب البعض الى ربط السلطة بالقانون واألخالق واالستقامة التي من شأنها خلق الديمقراطية من هذا المنظور يرى ابن خلدون أن الحاكم يجب ان يعامل شعبه بالرفق واالعتدال والتوسط ،،فالعالقة بين السلطان ورعيته هي عالقة جدلية؛ فالسلطان هو من له رعية ،والرعية هي من لها سلطان .وهده العالقة هي نموذج السياسة المثلى التي تقوم على االعتدال .فالرعية ال يهمها من السلطان ال صفاته الجسمية وال قدراته العقلية .إن الرعية تهتم فقط بما يمكن أن يلمسوه من تأثير حكمه على حياتهم؛ فإذا تأسس الحكم على االستبداد والتربص بالرعية فعلى السلطان ان يتوقع خذالن من رعيته عند الحاجة إليهم في الحرب و الشدائد الن الظلم يفسد أخالق الناس .أما إذا كان السلطان حليما،عطوفا وعادال تناسوا سيئاته وأحبوه .لذلك يعتبر ابن خلدون أن السلطة السياسية يجب أن تقوم على االعتدال والرفق والتوسط بين السلطان ورعيته وليس الدخول معهم في الصراع والعنف والنبذ إذ هي أرادت االستمرار. ختاما ،فادا كانت القولة قد عبرت أن اإلخالل بالعهد واستخدام الوسائل المشروعة وغير مشروعة هو ما يضمن استمرار السلطة كما هو الحال لدى (مكيافيللي) ،فان هنالك من يعتبر أن الرفق واالعتدال واألخالق والديمقراطية هم من يضمنون استمراريتها ( ابن خلدون) .ويرجع تمثل كل فيلسوف للسلطة السياسية إلى المناخ السياسي وطبيعة الدولة في عصره .فمكيافيللي الحالم بوحدة ايطاليا وقوتها دفعه لتصور سلطة سياسية تتسم بالبرغماتية ( الغاية تبرر الوسيلة) .بينما (ابن خلدون) ،فموقفه يتسم بالتحليل التاريخي للسلطة السياسية في المجتمعات اإلسالمية العربية .أمام هذا السجال نضم صوتنا إلى ما ذهب إليه ابن خلدون ،ألنه ال يجب تحت أي مبرر أو منطق االنسياق مع الفلسفات العنيفة التي تجعل العنف والقوة والمكر والخداع ونكث العهود صفات واجبة في الحاكم لكي يعيش وحده في قمة الرفاهية على حساب مصالح الشعب.