You are on page 1of 290

‫مجلة كيراال‬

‫مجلة محكمة نصف سنوية‬


‫‪(Established‬‬
‫العدد احلادي عشـر‬
‫‪(Establishedin‬‬
‫‪in2010‬‬
‫‪2010 -- ISSN‬‬ ‫)‪No.2277–2839‬‬
‫№ ‪ISSN‬‬ ‫)‪2277-2839‬‬
‫‪Journal‬‬ ‫‪No.‬‬
‫‪Journal‬‬ ‫‪№63752‬‬
‫‪63752 in UGC‬‬
‫‪UGC Approved‬‬
‫‪Approvedlist‬‬
‫‪listofof‬‬ ‫‪Journals‬‬
‫‪Journals‬‬

‫العدد الثالث عرش‬


‫العدد الرابع عشر‬

‫رئيس التحرير‬
‫الدكتور تاج الدين املناين‬

‫املحرر‬
‫اإلداري‬ ‫املحرر‬
‫السيد نوشاد الهدوي‬

‫قسم اللغة العربية‪ ،‬جامعة كيراال‬


‫ترفاندرم‪ ،‬كرياال‪ ،‬الهند‬

‫‪1‬‬
Majalla Kairala (Arabic / English)
(Established in 2010)
Journal No. 63752 in UGC Approved list of Journals
RNI Registration No: KERBIL / 2017 / 73653
Issue .
Issue 1314• January
July 2019
2019
CHIEF EDITOR
Dr. Thajudeen AS
Head, Department of Arabic, University of Kerala

EDITOR
MANAGING EDITOR
Noushad Hudawi
Noushad V
Asst. Professor, Department of Arabic, University of Kerala

ISSN: 2277-2839

© All rights reserved. No part of this publication may be reproduced,


stored in a retrieval system or transmitted in any form or by any means, electronic,
mechanical, photocopying, recording or otherwise, without prior permission of the authors.
The authors are responsible for the views expressed in their articles.

Book & cover design: ziyad hudawi


Nujumudeen

₹ 300.00

Printed and published by Dr. Thajudeen A.S. on behalf of Head of the Department,
Department of Arabic, University of Kerala and printed at Kerala University Press,
Palayam, Thiruvananthapuram and published at Department of Arabic, University
of Kerala, Kariavattom, Thiruvananthapuram, 695581. Editor: Dr. Thajudeen A S

Contact for copies: 04712 308846 / campusarabic@gmail.com

‫اآلراء التي تحويها املقاالت املنشورة يف هذه املجلة هي آراء شخصية لصاحب‬
.‫بالرضورة‬
‫العريب بالرضورة‬
‫القسمالعربية‬ ‫سياسة هذا‬
‫قسم اللغة‬ ‫وال تعكس‬
‫تعكس سياسة‬ ‫املقاالت وال‬
‫املقاالت‬

‫االشرتاك من داخل الهند‬


‫اشرتاك ثالثة أعوام‬ ‫االشرتاك السنوي‬ ‫مثن نسخة‬
‫ روبيا‬1800
‫روبية‬ ‫ روبيا‬600
‫روبية‬ ‫ روبيا‬300
‫روبية‬

‫االشرتاك من خارج الهند‬


‫اشرتاك ثالثة أعوام‬ ‫االشرتاك السنوي‬ ‫مثن نسخة‬
‫ دوالر‬330 ‫دوالرا‬
‫ دوالر‬110 ‫دوالرات‬
‫ دوالر‬55

2 2019 ‫يوليو‬ ‫جملة كرياال‬


‫حمتويات‬
‫اإلفتتاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية ‪5 n‬‬
‫د‪.‬تاج الدين املناني‬
‫ً‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا" ‪6 n‬‬
‫د‪ .‬سعدة طفيف مبارك الدعدي‬
‫‪31‬‬ ‫‪n‬‬ ‫االستعارة اللفظية في مؤلفات قدماء البالغيين العرب‬
‫د‪.‬أحمد راجع ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة الشعبية‪45 n :‬‬
‫د‪ .‬عالء عبد املنعم إبراهيم‬
‫‪80‬‬ ‫‪n‬‬ ‫املشكالت الثقافية التي تجابه متعلمي اللغة العربية‬
‫د‪ .‬عادل الشيخ عبد هللا أحمد & د‪ .‬سيتي سارا بنت الحاج أحمد‬
‫‪89‬‬ ‫‪n‬‬ ‫الهند في أدب الرحالة العرب‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبدهللا شمت املجيدل ‬
‫‪106‬‬ ‫‪n‬‬ ‫النقد األدبي بين التجديد واملمارسة عند سيد قطب‬
‫د‪ .‬بهلول شعبان‬
‫‪114‬‬ ‫‪n‬‬ ‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات‪....‬‬
‫خالد حسين دلكي ‬
‫‪134‬‬ ‫‪n‬‬ ‫تناوب حروف املعاني‬
‫ ‬ ‫البطاينة‬
‫ ‬ ‫د‪ .‬حسين محمدحسين‬
‫‪14‬‬ ‫‪n‬‬ ‫خصائص العربية‪ ،‬ومواجهتها لتحديات الواقع‬
‫د‪ .‬عادل حسن أبو عا�صي‬
‫‪150‬‬ ‫‪n‬‬ ‫عالء األسواني‪ :‬عمارة في األدب العربي‬
‫ ‬
‫توفيق الرحمن وازكات & دـ محمد بى بى‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫‪158‬‬ ‫‪n‬‬ ‫القرآنية‬ ‫قراءة في املوقف النحو ّ ِي من القراءات‬
‫د‪ .‬أدهم محمد علي حموية‬

‫‪3‬‬
‫‪168‬‬ ‫‪n‬‬
‫ّ‬
‫البالغية؟ (قراءة في املناهج والغايات)‬ ‫ّ‬
‫البديعيات من املنظومات‬ ‫هل‬
‫د‪ .‬سليمان العميرات‬
‫‪176‬‬ ‫‪n‬‬ ‫الشیخ علي الطنطاوي وكتاباته عن الهند‬
‫د‪ .‬محمد طارق‬

‫‪182‬‬ ‫‪n‬‬ ‫تأثيرأفكاراإلمام الغزالي في السيناريو العربي في والية كيراال‬


‫د محمد طه‬
‫‪187‬‬ ‫‪n‬‬ ‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين ‪..‬‬
‫د‪.‬نورة بنت محمد املري ‬
‫‪205‬‬ ‫‪n‬‬ ‫صورة العميل في الشعرالشعبي الجزائري (مقاربة تأويلية ملقاطع مختارة)‬
‫د‪ .‬بن ضحوى خيرة & د‪ .‬تاج الدين املناني‬
‫بعض مذاهب القول في النثرالفني العربي‪ :‬عالمات املعاني و املباني ‪212 n‬‬
‫أ‪.‬د محمد األمين خالدي‬
‫عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد دراسة نصية في ذاكرة الجسد‪227 n ..‬‬
‫د‪ .‬أسماء بوبكري‬

‫‪237‬‬ ‫‪n‬‬ ‫ملحة إلى فن الترجمة في األدب العربي‬


‫علي جعفر�سي أتش‬
‫‪242‬‬ ‫‪n‬‬ ‫التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية‬
‫الدكتور‪ :‬بلخيرشنين ‬

‫فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ‪254 n‬‬


‫سليمان بي‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫�إفتتاحية‬

‫بسم هللا الذي بيده تتم الصالحات‪.‬و الصالة و السالم على من كان سببا في خلق‬
‫الكائنات وبعد‬
‫يظل نشر األبحاث العلمية مهما في حياة كل من األساتذة و الباحثين في مسيرتهم‬
‫البحثية و األكاديمية ‪ ،‬ويعد نشر األبحاث العلمية خطوة هامة يجب أن يقوم بها‬
‫كل باحث أكاديمي جاد في عمله ‪ ،‬و هى تعد تأريخ ألبحاثه العلمية ‪ ،‬و توثيق و تقييم‬
‫مسبق لكل ما يتوصل له من نتائج و أبحاث ‪ ،‬و تعد مساهمة جادة و واجبة على‬
‫كل باحث علمي أو طالب دراسات عليا ‪ ،‬لنشر املزيد من العلم بطريقة مستمرة ‪،‬‬
‫و إثراء املحتوى العلمي و الفكري بشكل متطور‪.‬‬
‫ومجلة كيراال التي تصدرمن قسم اللغة العربية بجامعة كيراال لعبت وال تزال تلعب‬
‫دورها الهام في أداء هذه الفريضة األكاديمية بنشر املقاالت ذات القيمة البحثية‬
‫في مجلداتها السابقة و قد اعترفت بها الجاليات األكاديمية ‪ .‬و بحمد هللا قد حاولنا‬
‫حسب استطاعتنا ان نضم في هذه النسخة الجديدة أيضا مقاالت حول اللغة‬
‫العربية وأدبها‪ .‬وقد ساهم معنا في انجاز هذه النسخة عدد من األساتذة املوقرين‬
‫من الجامعات املختلفة في العالم‪ .‬و ال نن�سى اإلسهامات التي قام بها الباحثون من‬
‫داخل الهند أيضا‪ .‬و نشكرالجميع من صميم قلوبنا و ندعو هللا عزشأنه ان تكون‬
‫هذه املحاولة املتواضعة في ميزان حسناتنا و ان يجزي لكل من شارك معنا فيها‬
‫بأحسن الجزاء‪ .‬و نتمنى ان تكون هذه النسخة أيضا مفيدة لكل من الباحثين‬
‫و القراء‪.‬‬

‫الدكتور تاج الدين املناني‬


‫رئيس التحرير‬

‫‪5‬‬
‫�أثر الفرو�سية يف اللغة ال�شعرية لعمرو بن‬
‫معدي كرب الزبيدي �أمنوذج ًا"‬

‫د‪ .‬سعدة طفيف مبارك الدعدي‬


‫األستاذ املشارك بكلية اللغة العربية جامعة أم القرى – بمكة املكرمة‬

‫ذات عالقة وطيدة بشخصيته الفروسية‪ ،‬وترتبط‬ ‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫بروافد حياته البطولية ارتباطاً جلياً‪ ،‬فكانت هذه‬ ‫الحمدلله وكفى‪ ،‬والصالة والسالم عىل النبي‬
‫األلفاظ والرتاكيب مفاتيح نصوصه الشعرية‪ ،‬يف‬ ‫املصطفى‪ ،‬وعىل آله وصحبه وكل من اقتفى‪،‬‬
‫جميع قصائده‪ ،‬وهي العالمة البارزة التي تدل‬
‫املتلقي إليه‪ ،‬وتأخذ بيده ملعرفة هويته‪.‬‬ ‫وبعد ‪ :‬فإن الشاعر ابن بيئته‪ ،‬يتأثر بالحياة حوله‪،‬‬
‫ويتشكل أسلوبه مبا فيها من أمناط معيشية‬
‫ومن هنا أراد هذا البحث أن يقف عىل أثر‬ ‫وحياتية‪ ،‬وتسهم ظروفه االجتامعية والثقافية يف‬
‫الفروسية‪ ،‬وتوجيهها للغة الشاعر‪ ،‬ورسم مالمح‬ ‫رسم مالمح شخصيته وأبعادها النفسية‪ ،‬وكان‬
‫معجمه‪ ،‬فجاء بعنوان «أثر الفروسية يف اللغة‬ ‫من اآلثار املرتتبة عىل هذا االرتباط‪ ،‬املواءمة‬
‫الشعرية عمرو بن معدي كرب الزبيدي أمنوذجاً‪.‬‬ ‫بني الشاعر ولغته الشعرية التي انتقاها‪ ،‬وساقها‬
‫وقد تضمنت هذه الدراسة‪ ،‬مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪،‬‬ ‫لتصوير تفاصيل من حياته‪ ،‬ونقل تجربته‬
‫وفصلني‪ ،‬وخامتة‪ ،‬مذيلة بثبت للمصادر واملراجع‪،‬‬ ‫الشعرية‪ ،‬وهي ترتبط بهويته الخاصة‪ ،‬وتعكس‬
‫يعقبه فهرس املوضوعات ‪.‬‬ ‫أحاسيسه الوجدانية‪ ،‬وانفعاالته النفسية ‪.‬‬
‫فاملقدمة ‪ :‬أذكر فيها سبب اختياراملوضوع‬ ‫ولعمرو الزبيدي لغة متيز أسلوبه‪ ،‬وتحدد مالمح‬
‫وخطته‪ ،‬وجاء التمهيد‪ ،‬عن اللغة الشعرية‪ ،‬ثم‬ ‫شاعريته‪ ،‬ولعل هذا التميز ينبع من كونه بطالً‬
‫الفصل األول بعنوان «التشكيل اللفظي للغة‬ ‫شجاعاً‪ ،‬وفارساً مغوارا ً‪ ،‬ترشبت روحه كؤوس‬
‫الشعرية»‪ ،‬وينقسم إىل ثالثة مباحث‪:‬‬ ‫الفروسية املرتعة من ينابيع البيداء‪ ،‬ومجاهل‬
‫األول ‪ :‬ألفاظ الخيل وأوصافها ‪.‬‬ ‫املفازات‪ ،‬وعاش يف بيئة جاهلية‪ ،‬تنادي‬
‫الثاين ‪ :‬ألفاظ الحرب والجيش واألسلحة ‪.‬‬ ‫بأخذ الثارات‪ ،‬وتهتف بشعار القوة‪ ،‬لتحقيق‬
‫االنتصارات ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ألفاظ األحداث والرصاع ‪.‬‬
‫وقد اصطبغت لغته بلون فرويس ال ميكن‬
‫وأما الفصل الثاين بعنوان «التشكيل الفني للغة‬ ‫تجاهله‪ ،‬وال يخفى عىل املتتبع لشعره مالحظته‪،‬‬
‫الشعرية»‪ ،‬وينقسم إىل مبحثني ‪:‬‬ ‫وعليه فإن شعره يتكون من ألفاظ وتراكيب‬
‫‪6‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫تقس ُم أو تهونا‬
‫نحاذ ُر أن َّ‬ ‫ ‬ ‫األول ‪ :‬التكرار ‪ .‬الثاين ‪ :‬التصوير‬
‫فهذه الحياة العربية بكل ما فيها من مؤثرات‬ ‫الخامتة ‪ :‬وتتضمن أهم النتائج التي انتهى إليها‬
‫طبيعية واجتامعية وثقافية‪ ،‬أسهمت يف ظهور‬ ‫البحث ‪.‬‬
‫الشعراء الفرسان‪ ،‬الذين أخذوا عىل عاتقهم صون‬ ‫ونأمل أن يؤيت هذا البحث مثاره املرجوة‪ ،‬والحمد‬
‫األعراض‪ ،‬وحامية الديار‪ ،‬وتحقيق االنتصار‪ ،‬ولعل‬ ‫لله أوالُ وآخرا ً ‪.‬‬
‫لغتهم الشعرية ارتبطت بتلك املؤثرات‪ ،‬التي‬
‫أحاطت بهم‪ ،‬وشكلت مالمح فنهم‪ ،‬ودلت عىل‬
‫التمهيد‬
‫مفاتيح نصوصهم‪ ،‬فارتسمت هويتهم الشعرية‪،‬‬ ‫اللغة الشعرية‬
‫وتبلورت لغتهم‪ ،‬وتحددت رموزها‪« ،‬فالشاعر‬ ‫الناظر يف املعاجم العربية‪ ،‬يجد بعضها يربط بني‬
‫يفتح أعينه عىل مختلف األوضاع االجتامعية‬ ‫الفروسية كصفة‪ ،‬وامتالك صاحبها للفرس‪،‬‬
‫والفكرية‪ ،‬فيضعها بعملية غري مبارشة يف منطقة‬ ‫« والحقيقة ان امتالك الفرس وحده‪ ،‬ال يكفي ألن‬
‫اهتامماته الحياتية؛ ألن الفنان إذا احتلت فكرة‬ ‫يكون سبيالً إىل الفروسية؛ ألن هذا الحكم يرتتب‬
‫ما حيزا ً يف منطقة وعيه الجاميل‪ ،‬فإنه يصدر عنها‬ ‫عليه أن يكون جميع أفراد العرب فرساناً؛ ألن‬
‫بطريقة تلقائية»(‪. )4‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫امتالك الفرس غالباً كان من لوازم كل عريب»‬
‫ولعمق هذه العالقة التي تربط الشاعر مبجتمعه‬ ‫والحياة العربية بطبيعتها القامئة عىل الغزو‬
‫وتأثره به‪ « ،‬فإن لغة الشاعر تختلف باختالف‬ ‫والغارات‪ ،‬تتطلب الشجاعة واإلقدام‪ ،‬ملواجهة‬
‫تجارب الشاعر ذاتها‪ ،‬تلك التجارب التي تؤدي إىل‬ ‫الخطوب‪ ،‬فهم يف حرب ال يخبو أوارها‪ ،‬وال يربد‬
‫إبداع قصيدة لها لغتها الخاصة بها وال تشاركها‬ ‫رمادها‪ ،‬فقد يتنافسون عىل رئاسة أو ماء أو‬
‫تركيباتها لغة الشاعر يف قصائده األخرى «(‪. )5‬‬ ‫مرعى‪ ،‬أو يطلبون ثأرا ً‪ ،‬فحياتهم قتال‪ ،‬أو تأهب‬
‫ومن ثم ولكرثة التجارب املختلفة‪ ،‬ينشأ للشاعر‬ ‫لقتال‪ ،‬وكثريا ً ما نشأت الحروب بني القبائل من‬
‫معجم لغوي‪ ،‬له دالالت ومعان‪ ،‬تدل عىل نفسه‪،‬‬ ‫أجل برئ روية‪ ،‬أو أرض مخرضة‪ ،‬يقول مالك بن‬
‫وترتبط مبوضوعه‪ ،‬وتصبح لغته الخاصة به «‬ ‫معاوية(‪:)2‬‬
‫من خيوطها ينسج الشاعر أدميه‪ ،‬ومن رشايينها‬ ‫قوم‬
‫السحاب بأرض ٍ‬‫ُ‬ ‫إذا نزل‬
‫تتدفق الحياة يف عروقه‪ ،‬وعىل قدر ثرائها تتوافر‬ ‫رعينا ُه وإن كانوا غضــــــــابا‬ ‫ ‬
‫حيوية دافقة يف قلب الكيان الشعري»(‪. )6‬‬ ‫بكل مقل ٍَّص عبل ِشواه‬
‫ِّ‬
‫ـــــــــعت أعنته َّن ثابا‬
‫ْ‬ ‫إذا ُو ِض‬ ‫ ‬
‫وليك يكون للشاعر لغة شعرية خاصة يتفرد بها‪،‬‬
‫و مام الشك فيه أن العريب قد أحب املرأة‪،‬‬
‫البد أن تكون لديه مهارة فائقة يف التعبري عن‬
‫وعشقها‪ ،‬ووقد القصيد بذكرها‪ ،‬وجزع من ظعنها‬
‫مكنون ذاته‪ ،‬وتصوير تجربته الشعرية وذلك بأن‬
‫وهجرها‪ ،‬ومن هنا كان الفرسان يستبسلون يف‬
‫« يختار من الكلامت أدقها يف أداء املعني الذي‬
‫املعارك حتى ال تسبى نساؤهم‪ ،‬وال يلحقهن‬
‫يجول يف نفسه‪ ،‬فقد تتقارب الكلامت من حيث‬
‫الهوان‪ ،‬يقول عمرو بن كلثوم(‪: )3‬‬
‫املعنى‪ ،‬ولكن بعضها يكون أدل عىل إحساس‬
‫الشاعر من بعض‪ ،‬والشاعر املوفق هو الذي‬ ‫بيض حسا ٌن‬
‫عىل آثارنا ٌ‬
‫ً‬ ‫‪7‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫حر اللقاء بعد أن أخذ طريقه إىل النفوس‪ ،‬وعرف‬ ‫يهتدي إىل الكلمة التي تكون شديدة اإلبانة عام‬
‫(‪)10‬‬
‫دروبه بني قنوات الفنون الشعرية األخرى»‬ ‫يريد»(‪. )7‬‬
‫‪.‬وهذا ما نجده لدى شاعرنا الفارس املغوار‪،‬‬ ‫ويرى بعضهم‪ ،‬أنه البد أن تكون اللغة الشعرية‪،‬‬
‫واملقاتل الصنديد‪ ،‬عمرو الزبيدي(‪ ،)11‬فاللغة‬ ‫شديدة التواؤم مع القضية التي يطرحها املبدع‪،‬‬
‫الشعرية لديه تتأثر مبا لديه من حس فرويس‪،‬‬ ‫وتتآلف مع الفنون الشعرية التي يخوض فيها‪،‬‬
‫فنحن حني نتصفح ديوانه‪ ،‬نجد رضباً من‬ ‫فيتخري عبارات وتراكيب‪ ،‬ذات طابع ينسجم مع‬
‫الشعر له طابع مختلف‪ ،‬ومالمح خاصة تجعلنا‬ ‫ما يريد البوح به يف تجربته الشعرية‪.‬‬
‫نعيش معه أجواءه البطولية‪ ،‬ونستشعر مفاخره‬
‫وقد يشرتك شعراء طبقة من الطبقات‪ ،‬أو فئة‬
‫القتالية‪ ،‬ونشاركه مالمحه الحربية ‪.‬‬
‫من الفئات يف ظروف واحدة تحيط بهم‪ ،‬وعوامل‬
‫وإذا بحثنا يف لغة عمرو الشعرية وجدناها‪،‬‬ ‫بيئية متشابهة‪ ،‬ويتقاسمون قضايا وهموم‬
‫قريبة من طبيعة إحساسه االنفعايل املصاحب‬ ‫واحدة‪ ،‬ولكن البد من أن يكون لكل واحد هويته‬
‫لهمومه ومعاناته‪ ،‬فكانت انعكاساً ملا يدور يف‬ ‫الخاصة يف لغته املستخدمة‪ ،‬فخضوع مجموعة‬
‫خاطره من انفعاالت وخلجات‪ ،‬وما يكتظ يف‬ ‫من الشعراء لتأثريات مشرتكة‪ « ،‬ال يعني إنتاج‬
‫أعامقه من نبضات‪ ،‬حتى أصبحت وعا ًء يحمل‬ ‫معجم شعري مشرتك إذ يبقى لكل منهم معجمه‬
‫كل معاين الفروسية‪ ،‬وقالب تنصهر فيه مكنونات‬ ‫الخاص»(‪.)8‬‬
‫شاعريته ‪.‬‬
‫« ولكل شاعر منهجه وطرائقه يف التعامل مع‬
‫األلفاظ ونظمها‪ ،‬وطريقة الشاعر يف بنائه إىل‬
‫الف�صل الأول ‪:‬‬ ‫إحاطته بالظواهر اللغوية‪ ،‬كاالشتقاق – مثالً‬
‫الت�شكيل اللفظي للغة ال�شعرية‬ ‫– والرتادف‪ ،‬والتضاد‪ ،‬وترجع كذلك إىل تنبهه‬
‫أوالً ‪ :‬ألفاظ الخيل‬ ‫للخصائص الدقيقة ملعجمه الشعري‪ ،‬الذي يجعله‬
‫قادرا ً عىل التوحد مع الحدث‪ ،‬إذا استطاع أن‬
‫ثانياً ‪ :‬ألفاظ الحرب والجيش واألسلحة‬ ‫يختار ألفاظه لتكون قريبة من طبيعة اإلحساس‬
‫ثالثاً ‪ :‬ألفاظ األحداث والرصاع‬ ‫(‪)9‬‬
‫االنفعايل املصاحب للمعاناة «‬
‫وقد يشرتك طائفة من الشعراء يضمهم منهج‬
‫أوالً ‪ :‬ألفاظ الخيل‬ ‫واحد‪ ،‬أو فن واحد‪ ،‬يف معجم شعري يشرتكون‬
‫الخيل مفخرة العريب أي مفخرة‪ ،‬به يرتقي القمم‪،‬‬ ‫يف ألفاظه وتعبرياته‪ ،‬ولكن يبقى لكل منهم‬
‫ويعتيل سامقات الشمم‪ ،‬يقول الجاحظ ‪ »:‬لقد‬ ‫وجهته ورؤيته يف استعامل اللفظ مرتبطاً بنفسه‪،‬‬
‫استأثر الخيل بحب العرب منذ أقدم العهود؛ ملا‬ ‫ومعربا ً عن خبيئته‪ ،‬ومن هذه الطوائف‪ ،‬الشعراء‬
‫تؤديه من خدمات يعجز عن أدائها سواها‪ ،‬لذلك‬ ‫الفرسان « وأوشك هذا الرضب من الشعراء أن‬
‫كانت عنايتهم بها عناية شديدة‪ ،‬واهتاممهم‬ ‫يجمع معجامً من األلفاظ‪ ،‬ويوحد رضباً من‬
‫برتبيتها اهتامماً بالغاً‪ ،‬فيها من خصال الرشف‬ ‫األساليب‪ ،‬وينسق وحدة التعابري التي دارت عىل‬
‫واملنافع‪ ،‬والغناء يف السفر والحرض‪ ،‬ويف الحرب‬ ‫ألسنة املقاتلني‪ ،‬وهم يجابهون املعركة‪ ،‬ويذوقون‬
‫‪8‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫وعمرو الزبيدي شاعر فارس‪ ،‬وبطل مقدام‪ ،‬ألف‬ ‫والسلم‪ ،‬ويف الزينة والبهاء‪ ،‬ويف العدة والعتاد‪ ،‬ما‬
‫ركوب الخيل‪ ،‬وافتخر بخفة حركتها‪ ،‬ومتيزها‬ ‫ليس يف غريها من الحيوان»(‪. )12‬‬
‫باملرونة‪ ،‬واملراس عىل فنون القتال‪ ،‬فهي تطاوع‬ ‫وقد عشقوا الخيل حتى منتهى العشق‪ ،‬وهاموا‬
‫فارسها عىل الكر والفر واالنعطاف‪ ،‬وتسايره عىل‬ ‫بها كل الهيام‪ ،‬واعتنوا بها منتهى العناية‪ ،‬واهتموا‬
‫املراوغة وااللتفاف‪ ،‬دون خور أو نفور أو تعرث أو‬ ‫برعايتها وتربيتها وتدريبها‪ ،‬وجهدوا يف إعدادها‬
‫سقوط‪ ،‬فيذكر الفرس الشديدة الرسعة ‪،‬‬ ‫للحروب واألهوال ؛ «وذلك أن العرب أرباب‬
‫التي تبدو من رسعتها وكأنها تسبح يف الفضاء‪،‬‬ ‫حروب وغارات‪ ،‬يغريون أو يغار عليهم‪ ،‬فالبد‬
‫يقول(‪: )16‬‬ ‫من قرب الخيل منهم؛ ألنها حصونهم الحصينة‬
‫سبوح‬
‫ٌ‬ ‫وقد أغدو يدا ِفعني‬ ‫التي يلجئون إليها‪ ،‬ومعاقلهم التي يجتمعون‬
‫شدي ٌد أسرْ ُهُ ف ْع ٌم ســـــــري ُع‬ ‫ ‬ ‫بها‪ ،‬فالفرس عدة الفارس يف الحروب والغارات‬
‫إن الفرس رغم امتالئه وعظم خلقته يف أعضائه –‬ ‫والغزوات‪ ،‬وحصن حصني له من األعداء يف‬
‫التي تدل عىل قوته – ال يكل وال ميل من الجري‬ ‫الغارات‪ ،‬لحاميتها وغريتها عىل فارسها»(‪.)13‬‬
‫والعدو‪ ،‬ومواجهة األعداء‪ ،‬وكأنه يسبح بفارسه‬ ‫وتؤكد كتب التاريخ وتراثه األديب‪ ،‬أهمية الخيل‬
‫يف الهواء‪ ،‬فال يكاد يرى من رسعته وشدة عدوه ‪،‬‬ ‫يف حياة العريب‪ ،‬واحتفائه بها‪ ،‬فهو كان وال‬
‫وتظهر أثر رسعته يف املعركة‪ ،‬يقول(‪: )17‬‬ ‫يزال يدنيها منه‪ ،‬ويجعلها مشارك ًة له‪ ،‬وألبنائه‬
‫علمت سلمى وجارت ُها‬ ‫ْ‬ ‫قد‬ ‫يف املأكل واملرشب ‪ .‬وقد يصل يف احتفائه بها‬
‫الـــــــــــفارس إال أنا‬
‫َ‬ ‫ما قَطَّر‬ ‫ ‬ ‫مبلغاً عظيامً‪ ،‬يصل بها إىل أعىل من منزلة األبناء‬
‫َّكت بالرم ِح حيا زميَه‬ ‫شَ ك ُ‬ ‫واألهل‪ ،‬فتكون مقدمة عليهم‪ ،‬واألثرية عنده‪،‬‬
‫والخيل تعـــــــــدو ِزيمَ ا بيننا‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫يجوعون وال تجوع‪ ،‬وتأكل وال يأكلون‪ ،‬ومكانة‬
‫فالزيم ‪ :‬التفرق‪ ،‬فإذا تفرق املحاربون يف ميدان‬ ‫الخيل ال تقترص عىل مسألة الغنى والفقر‪ ،‬يقول‬
‫املعركة‪ ،‬يف محاولة لتجنب القتل‪ ،‬ترى خيل‬ ‫ابن هذيل (‪ « : )14‬مل تزل العرب تفضل الجياد من‬
‫الشاعر تجري بفرسانها‪ ،‬لالنقضاض عىل أعدائها‪،‬‬ ‫الخيل عىل األوالد‪ ،‬وتستكرمها للزينة والطراد‪،‬‬
‫فريدوهم قتىل أو مصابني ‪.‬‬ ‫عىل أنهم يطوون مع شبعها‪ ،‬ويظمئون مع ريها‪،‬‬
‫ويحدثنا عن أثر رسعة فرسه ‪ ،‬واألثر املرتتب‬ ‫ويؤثرونها عىل أنفسهم وأهليهم عند حلول‬
‫عىل ذلك‪ ،‬حني ترجم األرض بحوافرها يف سريها‬ ‫األزمة واألدواء « ‪.‬‬
‫وعدوها‪ ،‬فيصدر عن ذلك االرتطام صوتاً عالياً‪،‬‬ ‫وكانوا يتباهون باقتنائها ‪ ،‬ويتسابقون يف الحظو‬
‫يقول(‪: )18‬‬ ‫بها‪ ،‬والفوز بأصفاها وأنقاها نسباً‪ ،‬وأجودها نوعاً‬
‫والخيل تَ ْردي‬‫ُ‬ ‫دعاين دعو ًة‬ ‫وعتقاً‪ ،‬ودارت أوصافهم لها يف شعرهم ا‪ ،‬فلم‬
‫فال أدري أباســـمي أم كَ َناين ؟‬ ‫ ‬ ‫يكادوا يرتكون عضوا ً من أعضائها‪ ،‬إال وصفوه‪،‬‬
‫يُلَ ْجلِ ُج كُ ْنيتي وتَرِي ُغ اسمي‬ ‫«واشتهر كذلك جامعة من الفرسان الذين‬
‫فُالناً مـــــــــــــــرة وأبا فالنِ‬ ‫ ‬ ‫أظهروا بطولة نادرة يف حربهم عليها لخصومهم‬
‫فكا َن إجابتي إياه أنيِّ‬ ‫وأقرانهم وهم كثريون‪ ،‬فقد كان لكل قبيلة فارسها‬
‫ْت علــــــيه خ َّوار العنانِ‬ ‫عطف ُ‬ ‫ ‬ ‫(‪.)15‬‬
‫وفرسانها الذين يتدربون عىل ركوب الخيل «‬
‫ً‬ ‫‪9‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫إذا احتدم القتال وأوقع الشاعر وقومه أعداءه‬ ‫فمن شدة رسعة فرس عمرو يف الهجوم عىل‬
‫من عىل ظهور خيلهم‪ ،‬قامت الخيل باإلجهاز‬ ‫عدوه‪ ،‬أحدث صدمة أذهبت عقله وأطارت لبه‪،‬‬
‫عليهم «لدسناكم بالخيل من كل جانب» ‪.‬‬ ‫فال يدري مبا يقول‪ ،‬أو يهذي هذيان املخبول‪ ،‬فإذا‬
‫عىل أن الخيل ال تدهس رؤوس العدو فقط‪ ،‬بل‬ ‫كان عىل تلك الحالة‪ ،‬عطف عليه بفرسه الرسيع‬
‫تضعف أهم قوى لديه ‪ ،‬وهي فرسه‪ ،‬انظر إليها‬ ‫وأجهز عليه ‪.‬‬
‫ماذا تفعل يف ميدان املعركة(‪. )24‬‬ ‫وباإلضافة إىل الرسعة التي يجب أن يكون عليها‬
‫ْت لها بخيْلٍ‬ ‫وخيلٍ قد َدلَف ُ‬ ‫الخيل‪ ،‬فهناك صفات أخرى يذكرها الشاعر‪،‬‬
‫رضب وجي ُع‬ ‫تحي ُة ب ْينهم ٌ‬ ‫ ‬ ‫فيقول(‪: )19‬‬
‫فتحية الخيل هذا النوع من الرضب الوجيع‪،‬‬ ‫ون َّجاك خ َّوا ُر العنانِ َم َقل ٌَّص‬
‫الذي يفل قوة الفرس التي تحمله ‪.‬‬ ‫طويل عام ِد الصدر من خيلك الشُّ هب ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬
‫والبد أن تتوافر يف الخيل صفات أخرى‪ ،‬لعل من‬ ‫فأداة نجاته خيله‪ ،‬خصوصاً إذا جمعت مع‬
‫أهمها‪ ،‬أن يكون عربياً أصيالً‪ ،‬يعرف‬ ‫الرسعة‪ ،‬سهولة القيادة‪ ،‬وطول القوائم‪ ،‬وكنى عن‬
‫باملهارة والطاعة‪ ،‬وحسن االستعداد للمعركة‪،‬‬ ‫طول متنه «بطويل الصدر» فيعني هذا الطول‬
‫يقول(‪: )25‬‬ ‫مع الرسعة عىل شدة العدو‪ ،‬التساع الخطو‪،‬‬
‫ومـــــُ ْر ٍد عىل ُج ْر ٍد شهدْتُ ِطرا ُدهـــــــا ‬ ‫فينجو بنفسه من الهالك ‪.‬‬
‫الشمس أو ح َني ذ َّرتْ‬‫ِ‬ ‫قُ َب ْي َل طُلُو ِع‬ ‫ ‬ ‫ويؤكد عىل الرسعة‪ ،‬ويضيف إليها سالسة قيادة‬
‫فالجرد جمع أجرد‪ ،‬وهو الفرس القصري الشعر‪،‬‬ ‫الخيل‪ ،‬وانصياعها ألوامر فارسها ‪ ،‬يوجهها الوجهة‬
‫وهذا من عالمات العتق والكرم‪.‬‬ ‫الحق‪ ،‬فتطيع‪ ،‬يقول(‪:)20‬‬
‫وأكد الشاعر عىل صفة خيله العربية األصيلة يف‬ ‫أعا ِذ ُل ِشكَّتي بدين و ُرمحي‬
‫قوله(‪: )26‬‬ ‫وكل م َقل ٍَّص َسلِــــــس القيا َد‬ ‫ُ‬ ‫ ‬
‫وكم من فتي ٍة أبنا ِء ٍ‬
‫حرب‬ ‫ومع الرسعة يضيف الشاعر إىل خيله ما يجعلها‬
‫عىل جر ٍد ضوا ِم َر كالقــــدا ِح‬ ‫ ‬ ‫تقع يف النفس موقع الرهبة‪ ،‬فهي ضخمة يف‬
‫صبَ ْح ُت بهم بيوتَ بني زيا ٍد‬ ‫خلقها‪ ،‬عظيمة الهيئة‪ ،‬يقول(‪: )21‬‬
‫وج ْر ُد الخيلِ تعثرُ ُ بالرماح‬ ‫ ‬ ‫و ِع ْجلِ َز ٌة(‪ )22‬تز ُِّل اللِّبد عنها‬
‫وقد أحسن الشاعر تدريبها‪ ،‬وتنمية مهاراتها‪،‬‬ ‫أَ َم َّر رساتِها َحلَق الجيـــــــــاد‬ ‫ ‬
‫وحسن استخدامها يف ميدان املعركة يقول(‪:)27‬‬ ‫يحتاج الشاعر هذه الضخامة يف الخيل‪ ،‬لبث‬
‫وقد ك ْن ُت إذا ما الحـ‬ ‫الرعب والفزع يف نفس عدوه‪ ،‬والقضاء عليه‪،‬‬
‫ـي يوماً كرهوا صــــــــلْحي‬ ‫ُّ‬ ‫ ‬ ‫يقول(‪: )23‬‬
‫الخيل بالخيلِ‬ ‫أل ُُّف َ‬ ‫أعباس لو كانت ِشيارا ً جيا ُدنا‬ ‫ٌ‬
‫بـــــــــــــح بالنب ِح‬
‫َ‬ ‫وأكفي ال َّن‬ ‫ ‬ ‫بتثليثَ ما ناص ْب َت بعدي األحامســــا‬ ‫ ‬
‫فإذا مل يكن مجاالً للصلح‪ ،‬حتى ولو كان عىل‬ ‫جانب‬
‫ل ُد ْس َناكُم بالخيل من كل ٍ‬
‫كراهية‪ ،‬كانت املعركة التي يستعني فيها بخيله‬ ‫داس طبا ُخ القدو ِر الكرادســـــــا‬ ‫كام َ‬ ‫ ‬
‫املدربة املاهرة‪ ،‬ومن ثم تراه يعنى بها ‪.‬‬ ‫وقد «شار» الفرس ‪ :‬أي سمن وحسن‪ ،‬ومن ثم‬
‫‪10‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫االنتصارات‪ ،‬فانظر إليه يحدثك عن خيل الهزمية‪،‬‬ ‫ويهتم بأمورها وشؤونها‪ ،‬يقول (‪: )28‬‬
‫يقول(‪: )34‬‬ ‫عمرو عىل طو ِل ال َو َجى َد َهاها‬
‫ملا رأى الجم ُع املص َّب ُح خ ْيلَه‬ ‫بالخيلِ يحميها عىل َوجاها‬ ‫ ‬
‫مبثوث ًة ككواسرِ ِ ال ِعقـــــــبان‬ ‫ ‬ ‫حل بها احتواها‬ ‫حتى إذا َّ‬
‫فامذا يصلك من كوارس العقبان؟ إنها التي تكرس‬ ‫فالوجى ‪ :‬الخفا‪ ،‬وهو أن يرق الحافر(‪ ،)29‬فانظر إىل‬
‫جناحها وتضمها إذا أرادت السقوط‪ ،‬فهذا الجمع‬ ‫عناية الشاعر بخيله‪ ،‬واهتاممه برتقيق حافرها‪،‬‬
‫من األعداء الذين صبحوهم بغارة‪ ،‬كانت خيولهم‬ ‫فيتحقق لها الرسعة الفائقة‬
‫أثناء املعركة وبعدها كحالة كوارس العقبان اآليلة‬ ‫وهو يختار أحسن الخيول العربية األصيلة يف‬
‫للسقوط ‪.‬‬ ‫نسبها‪ ،‬يقول (‪: )30‬‬
‫فشاعرنا فارس‪ ،‬انصهر يف فنون القتال‪ ،‬وبرع يف‬ ‫يُ َه ِّجن سليام ُن بنت البَعيـ‬
‫فخصها مبساحة واضحة من شعره‪،‬‬ ‫سياسة الخيل‪َّ ،‬‬ ‫ـث جهالً لسلام َن بالكــــامل ْه‬ ‫ِ‬ ‫ ‬
‫فرتددت عنده ألفاظ الخيل أو ما يرادفها ‪ ،‬ودارت‬ ‫فإن كان أبْصرَ َ مني بها‬
‫عىل لسانه العديد من صفاتها وألوانها‪ ،‬وكل ما‬ ‫فأُ ِّم َي ال أُ ُّم ُه هابِلـــــــــــــــ ْه‬ ‫ ‬
‫يتعلق بقوتها وشدتها‪ ،‬وجامل خلقتها وصالبة‬ ‫فيعرف سلامن‪ ،‬بسلامن الخيل‪ ،‬ألنه كان ييل‬
‫جسدها‪ ،‬فذكر « الخيل‪ ،‬والخيول‪ ،‬والفرس‪،‬‬ ‫الخيول اهتامماً يف خالفة عمر ريض الله عنه‪،‬‬
‫والجواد‪ ،‬السبوح‪ ،‬والشديدة‪ ،‬والفعم‪ ،‬والرسيع‪،‬‬ ‫والكاملة هي فرس عمرو‪ ،‬وهي بنت البعيث‪،‬‬
‫وخوار العنان‪ ،‬واملقلص‪ ،‬وطويل الصدر‪ ،‬وسلس‬ ‫عرضها عىل سلامن بن ربيعة الباهيل‪ ،‬فهجنها‪،‬‬
‫القياد‪ ،‬والعجلزة‪ ،‬واملرد‪ ،‬والجرد‪ ،‬والضوامر‪.‬‬ ‫فقال عمرو ‪ :‬هجني يعرف بالهجني‪ ،‬وأنشأ‬
‫ثانياً ‪ :‬ألفاظ الحرب والجيش واألسلحة‬ ‫البيتني(‪.)31‬‬
‫ويفضل عمرو الفرس عىل الزواج باملرأة‪ ،‬وال يجد كلمة حرب رنانة لها وزنها يف دواوين الشعر‬
‫العريب‪ ،‬ولها تأثريها يف تسيري مصائرهم‪ ،‬تبدأ‬ ‫حرجاً يف الترصيح بذلك‪ ،‬يقول(‪: )32‬‬
‫الحروب بفتيل صغري‪ ،‬وما تلبث أن تلتهب‬ ‫برأس ِط ْر ٍف‬ ‫ِّجام ِ‬
‫لَ َق ْع َق َع ُة الل ِ‬
‫أَ َح ُّب إِليِ َّ من أَ ْن ت َ ْنكـــــِحيني ألسنتها نرياناَ مشتعلة‪ ،‬تجرعوا مرارة كأسها‪،‬‬ ‫ ‬
‫فإذا أمسك بلجام الفرس‪ ،‬وصدر عنها صوتاً عالياً وذاقوا من ورائها سامً زعافاً ‪ ،‬وتكبدوا من جرائها‬
‫إذا وقع بعضه عىل بعض‪ ،‬يستحث الفرس عىل الويالت واألهوال‪ ،‬وعانوا من وطأتها املصائب‬
‫واآلالم‪ ،‬فكان للحرب فرسانها األبطال‪ ،‬الذين‬ ‫العدو والجري‪ ،‬فهذا أحب إليه من أن يتزوج ‪.‬‬
‫ومن ثم ولحرصه عليها‪ ،‬فهو حريص عىل حياتها‪ ،‬مترسوا عىل الفروسية وركوب الخيل‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫(‪)35‬‬

‫يقيم أودها‪ ،‬ويحرص عىل غذائها حتى إنه يفضلها وكم من فتي ٍة أبنا ِء ٍ‬
‫حرب‬
‫عىل جر ٍد ضوا ِم َر كالقدا ِح‬ ‫ ‬ ‫عىل سائر طوائف الحي باإلطعام‪ ،‬يقول(‪: )33‬‬
‫وينفي الشاعر أن تكون الحرب مبشاهدها‬ ‫خيل مربَّط ٌة عىل أعالفها‬ ‫ٌ‬
‫الحي باألَلبــــــانِ املؤملة‪ ،‬سبباً يف هرمه وبياض شعره‪ ،‬مام يدل عىل‬ ‫يُ ْق َفينْ َ دون ِّ‬ ‫ ‬
‫وال ينىس عمرو أن يرينا الجانب اآلخر من الخيل‪ ،‬اعتياده لكل ما يجري فيها‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫(‪)36‬‬

‫الحرب ركني‬
‫ِ‬ ‫اس‬
‫فإذا كانت – فيام سبق – خيل املعركة وتحقيق فام أوهى مر ُ‬
‫ً‬ ‫‪11‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫يفتح ذراعيه ويهزها‪ ،‬وهو راكب فرسه‪ ،‬مندفع‬ ‫ولكن ما تَقَا َدم من زمـــــاين‬ ‫ ‬
‫إىل ساحة القتال؛ ليبث بشجاعته وجرأته‪ ،‬الرعب‬ ‫فمامرسات الشاعر يف املعركة‪ ،‬وما يقابله فيها‬
‫يف قلب خصمه وعدوه‪ ،‬فيقىض عليه ‪.‬‬ ‫من أهوال ‪ ،‬مل تكن السبب يف هرمه‪ ،‬والتعجيل‬
‫ومن ألفاظ الحروب ومرتادفاتها‪ ،‬إىل ألفاظ‬ ‫ببياض شعره‪ ،‬وإمنا تقدمه يف السن؛ لتوايل األيام‬
‫الجيش‪ ،‬فالحروب ال تنشب‪ ،‬ويشب أوارها‪ ،‬إال‬ ‫ومرور الزمان‪.‬‬
‫عن طريق التقاء الجيوش‪ ،‬ولذلك كان اللفظ كثري‬ ‫ويحدثنا عن رؤيته للحرب‪ ،‬فهي تغري النفوس‬
‫الدوران عىل لسان الشعراء الفرسان‪ ،‬فالجيش‬ ‫بالخوض فيها‪ ،‬فإذا خاضوها كانت عواقبها التي‬
‫أحد طرفني‪ ،‬طرف مع الشاعر وطرف عليه‪ ،‬يظهر‬ ‫ال تحمد‪ ،‬يقول(‪: )37‬‬
‫الشاعر مع الطرف الخصم شجاعته وفروسيته‬ ‫الحرب أ َّول ما تكو ُن فَت َّي ٌة‬
‫ُ‬
‫وبطولته ‪.‬يقول عمرو(‪: )41‬‬ ‫لكل جهو ِل‬
‫تسعى بزينتها ِّ‬ ‫ ‬
‫أسد ٍ‬
‫بجيش‬ ‫وهم زاروا بني ٍ‬
‫جيـــــش غريِ ِ‬
‫وغد‬ ‫ٍ‬ ‫اب‬ ‫مع الع َّب ِ‬ ‫ ‬ ‫وهناك مرادفات لكلمة الحرب‪ ،‬جاء بها الشاعر‬
‫والعباب ‪ :‬ربيعة بن دهني‪ ،‬وسمي العباب ألن‬ ‫ليدل بها عىل معان جديدة‪ ،‬ومنها قوله (‪: )38‬‬
‫(‪42‬‬
‫خيله عبت من الفرات حني جاءت من اليمن‬ ‫كل امرئٍ يجري إىل‬
‫)‪،‬وهنا يتهكم بها ألنها زيارة شؤم‪ ،‬بجيش سامته‬ ‫يوم الهِياج مبا استــــــــــع َّدا‬ ‫ ‬
‫الكرثة التي شبهها بخيل العباب‪ ،‬فإن تعب فهو‬ ‫وقد قال «الهياج» بدالً عن الحرب؛ للداللة عىل‬
‫دليل عىل كرثة الخيول‪.‬‬ ‫السياق الذي وردت فيه لفظة «الهياج» فهي‬
‫ويبدو أن أبرز سامت الجيش وأهمها هي كرثته‪،‬‬ ‫تدل عىل االضطراب والتدافع واالختالط‪ ،‬عند‬
‫فالشاعر يؤكد ذلك بقوله(‪: )43‬‬ ‫اللقاء ومواجهة الخصوم ‪.‬‬
‫جيش صعد َة بالقنا‬ ‫ونحن هزمنا َ‬ ‫وبعد بيان حقيقة فهم الشاعر للمعركة‪ ،‬وبيان‬
‫الجيش يو َم بوا ِر‬
‫َ‬ ‫ونحن هز ْمنا‬ ‫ ‬ ‫هذا الفهم املتمثل يف الفرار يف موطن يجب‬
‫ظل جن ٌد كأنَّه‬‫جوا ِف َل حتى َّ‬ ‫الفرار منه‪ ،‬يقول(‪: )39‬‬
‫عاصب بخام ِر‬‫ٌ‬ ‫من النقْع شي ٌخ‬ ‫ ‬ ‫كل ما ذلك م ِّني ُخل ٌْق‬
‫ُّ‬
‫فكم يقدر عدد هذا الجيش الذي يتصاعد من‬ ‫وبكلٍ أنا يف ال َّروع جـــــــدي ُر‬ ‫ ‬
‫ميدانه الغبار‪ ،‬فال يستطيع أن يرى الفارس كف‬ ‫فهذا من فروسيته التي يتمتع بها الشاعر‪ ،‬فهناك‬
‫يده‪ ،‬كالشيخ العاصب بخامر‪ ،‬فال تتبني معامله ‪.‬‬ ‫فروسية السيف‪ ،‬وفروسية العقل التي تحتم‬
‫والشاعر ال يجهز إال الجيش العرمرم‪ ،‬ولكن قد‬ ‫عليه الفرار يف موطنه يف ميدان املعركة‪ ،‬غري أن‬
‫يثنيه عن الخروج به أمر ما يقول(‪: 44‬‬ ‫الشاعر عرب عنها بالروع؛ ليدل بها عىل أنها ميدان‬
‫الخيرْ ِ فاعلمي‬ ‫لعم ُرك لوال أَ ْج َد ُع ِ‬ ‫الخوف ‪.‬‬
‫لقدْتٌ إِىل ه ْمدا َن جيشاً عرمرماً‬ ‫ ‬ ‫ويقول مشيدا ً مبا حققه من نرص مع حلفائه ‪:‬‬
‫(‪)40‬‬

‫فقد احرتز بعدم تجهيزه عىل هذا النحو‪ ،‬شفاعة‬ ‫نالوا بثأرهم وفَا َز رئيس ُهم‬
‫لزوج أخته األجدع بن مالك‪ ،‬فارس همدان‬ ‫بأخي الهزا ِه ِز تحت ن ْجــــــــــد امل ْنظَ ِر‬ ‫ ‬
‫وشاعرها ‪.‬‬ ‫فلامذا الهزاهز وليست الحرب ؟ إنه الفارس‬
‫‪12‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫فالجيش مقسم إىل خمس أقسام حربية‪ ،‬كام‬ ‫ومن الدهاء الحريب تقسيم الجيش‪ ،‬عىل حسب‬
‫هو التقسيم املأخوذ يف املعارك الحديثة ‪ ،‬ميمنة‬ ‫ما يذكره عمرو‪،‬يقول(‪: )45‬‬
‫وميرسة ووسط وأمام ومؤخرة‪ ،‬لكل جامعة‬ ‫ملا رأوين يف الكتيف ِة مقبالً‬
‫دورها ووظيفتها يف املعركة‪ ،‬حتى ال يكون الجيش‬ ‫وس َط الك ِتيب ِة مثل ضو ِء‬ ‫ْ‬ ‫ ‬
‫وحدة واحدة‪ ،‬فإذا أصابه هدف أصابه يف مقتل ‪.‬‬ ‫الكوكب‬
‫ِ‬
‫أما ألفاظ األسلحة فتناثرت بشكل ال يخفى عىل‬ ‫فمن حسن اإلعداد‪ ،‬تقسيم الجيش ‪ ,‬فقد أشار‬
‫متصفح الديوان‪ ،‬ولعل السيف يأيت يف مقدمة‬ ‫إىل تقسيم الجيش إىل فصائل وكتائب عىل النظام‬
‫هذه األسلحة‪ ،‬فأصبحت حاملته ال تفارق عاتقه‪،‬‬ ‫الحديث‪ ،‬فالكتيبة ليست الجيش‪ ،‬وإمنا هي‬
‫رفيق دربه يف املفاوز والفلوات‪ ،‬وساعده اليمني‪،‬‬ ‫جامعة‪ ،‬لكل منها مهمتها التي تؤديها ‪.‬‬
‫وعضده األمني‪ ،‬واملخلص الذي ال يخون‪ ،‬فعرف‬ ‫ويؤكد عىل هذا التقسيم الذي يدل عىل خربة‬
‫أنواعه وصفاته‪ ،‬وفخر بأجوده صناعة‪ ،‬وخلع‬ ‫ومهارة يف إعداد الجيوش‪ ،‬يقول(‪:)46‬‬
‫عليه ألوان األوصاف والتشبيهات‪ ،‬يقول عمرو‬ ‫كتائب معلامتٌ‬ ‫ُ‬ ‫ومن ٍ‬
‫سعد‬
‫الزبيدي موضحاً كيف أن السيف وسيلة ناجعة‬ ‫عىل ما كان من قُ ْر ٍب وبُ ْعد‬ ‫ ‬
‫يف حصد رؤوس األعداء (‪: )50‬‬ ‫وهنا أضاف للتقسيم مزية أخرى‪ ،‬وهي أن لكل‬
‫وسيف من لَ ُد ْن كنعا َن عندي‬ ‫ٌ‬ ‫كتيبة عالمة متيزها يف امليدان عن جيش العدو‪،‬‬
‫ِ‬
‫عـــــــهد عاد‬ ‫نصل ُه من‬‫ت ُ ُخيرِّ ْ‬ ‫ ‬ ‫فال يحدث خطأ يف قتل أبناء الجيش الواحد‪.‬‬
‫فالقدم والعتق دليل الحذق يف الصنعة‪ ،‬يظل‬ ‫ويدلل الشاعر عىل تقسيم جيشه إىل كتائب‬
‫نصله يعمل يف رقاب األعداء بالرغم من قدمه‬ ‫بقوله(‪: )47‬‬
‫من عهد عاد ‪.‬ويضيف لجالل القدم والعتق‪،‬‬ ‫َت ألُخرى‬ ‫وس ْو ُق كتيب ٍة َدلَف ْ‬
‫َ‬
‫حدة القطع‪ ،‬يقول(‪: )51‬‬ ‫رأس صلي ُع‬ ‫ٌ‬ ‫زهاءها‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫كأ‬ ‫ ‬
‫شخــــــص ‬
‫ٌ‬ ‫أقصا ُهــــــ َّن‬
‫فــــــــأ ْوىف عند َ‬ ‫فالجيش كتائب مقسمة‪ ،‬وحني تنضم واحدة‬
‫سيف صني ُع‬ ‫يلوح كأنه ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ألخرى‪ ،‬يصبح الجيش وحدة واحدة ال تخلخل‬
‫فإذا كان السيف بهذا العتق‪ ،‬وهذه الحدة يف‬ ‫فيها‪ ،‬كالجبل األملس الذي مل يتفطر بالنبات ‪.‬‬
‫القطع‪ ،‬فانظر إىل آثار رضباته القاتلة‪ ،‬يقول (‪: )52‬‬ ‫وال يفتأ الشاعر يحدثنا عن أقسام جيشه‪ ،‬وأهم‬
‫نس‬‫سيفي من قَ ْو ٍ‬‫َ‬ ‫فكم قَ َّط‬ ‫هذه األقسام طليعته‪ ،‬ملا تقوم به من دور‬
‫غدا َة التقينا ومــــــــن َم ْفرِقِ‬ ‫ ‬ ‫االستطالع ‪،‬عن عدد جيش العدو‪ ،‬وما هي عدته‬
‫‪ :‬أعىل بيضة الحديد‪ ،‬وقونس‬ ‫(‪)53‬‬
‫والقونس‬ ‫وعتاده‪ ،‬يقول(‪: )48‬‬
‫الفرس‪ ،‬ما بني أذنيه‪ ،‬فهي كناية عن جبهته‬ ‫فأرسلْنا ربيئَتَنا فَأَوىف‬
‫ووجهه‪ ،‬فالرضبة قاتلة‪ ،‬مصيبة للهدف أميا‬ ‫فقال ‪ :‬أَال أُوىل خمس رتوع‬ ‫ ‬
‫إصابة‪ ،‬وال يسلم منها فارس أو فرس‪.‬‬ ‫ومن أسامء الجيش‪ ،‬الخميس‪ ،‬كام جاء يف قول‬
‫ويخربنا مبهارة هذا السيف ورضباته يف موضع‬ ‫الشاعر(‪: )49‬‬
‫آخر‪ ،‬يقول (‪: )54‬‬ ‫ِ‬
‫الخــــــميس فــــــأنت ُم ‬ ‫الخميس إىل‬
‫َ‬ ‫نصل‬
‫نــــــــاب ال ِف َر ْق ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الرجــــــــال عضَّ هم‬ ‫إذا‬ ‫بالقهر بني ُم َربَّقٍ َو ُم َكلَّب‬
‫ً‬ ‫‪13‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫الدروع‪،‬كرضب الفتيات للدفوف يف األفراح ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالسيف هتَّ َاك ال َحلَق‬ ‫َو َج ْدت َني‬
‫ويرتكنا الشاعر نتخيل ما يفعله السيف الهندي‬ ‫فإذا هجم الخوف عىل الفرسان يف ميدان‬
‫يف جسم عدوه‪ ،‬يقول(‪:)60‬‬ ‫املعركة‪ ،‬وزلزلهم رعباً يف أماكنهم‪ ،‬فمن الثابت‬
‫يدي‬
‫سبقت إليك ْ‬ ‫ْ‬ ‫أ َرأيْ َت إن‬ ‫؟ من الذي ال يداخله خوف ؟ إنه الشاعروسيفه‬
‫مبه َّن ٍد يهت ُّز يف العظ ِْم‬ ‫ ‬ ‫يهتك‪ ،‬ويقطع حلق الدروع؛ فيقيض عىل خصمه‬
‫فالفعل (أرأيت)‪ ،‬دعوة للتأمل وإجالة الفكر‪،‬‬ ‫والتساع معارف الشاعر اللغوية‪ ،‬ومعرفته بأنواع‬
‫فيام ميكن أن يحدث لو سبقت يداه مبهنده يف‬ ‫السيوف‪ ،‬تراه يذكر للسيف أسامء أخرى يقول‬
‫جسم خصمه ‪.‬‬ ‫(‪: )55‬‬
‫وليست جودة الصنع قارصة عىل املهند‪ ،‬وإمنا‬ ‫ف ِإين لو أدركتْ َك ابن ُخ َويْ ٍلد‬
‫هناك السيوف املصنوعة يف اليمن‪ ،‬وتنسب إىل‬ ‫بص ْم َصــــــــام ٍة َعضْ ِب‬ ‫َعلَوت َُك وال ُع َّزى َ‬ ‫ ‬
‫قرية من قراها‪ ،‬يقول (‪: )61‬‬ ‫والصمصامة من أسامء السيف عند العرب‪ ،‬وهو‬
‫كالحريق إذا التقينا‬‫َ‬ ‫بِط ْعن‬ ‫الحاد القاطع(‪ ،)56‬فالشاعر يقسم البن خويلد بأنه‬
‫ورضب املرشف َّية يف ال َغط َِاط‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫لو أدركه لعاله بسيفه‪ ،‬يقطعه إربا ‪.‬‬
‫فاملرشيف سيفه‪ ،‬أداة طعنه يف أجساد أعدائه‪،‬‬ ‫ويؤكد أن من يذق رضبة سيفه الصمصام‪ ،‬فلن‬
‫انظر إىل ما فعله بهم حني التقى الفريقان يف أول‬ ‫يرد املاء؛ ملرصعه يف الحال‪ ،‬يقول(‪: )57‬‬
‫الصبح‪ ،‬إنه كالحريق يلتهم ويأكل‪ ،‬كام تأكل النار‬ ‫وصمصاماً بكفِّي ال‬
‫كل ما يقابلها ‪.‬‬ ‫يذوق املا َء من يَـــــــــــــ ِر ُده‬ ‫ُ‬ ‫ ‬
‫ثم انظر إليه يوضح سمة من سامت املرشيف‬ ‫فاملفارقة يف االختالف بني الوردين‪ ،‬فورد املاء‬
‫املصنوع يف األرض العربية‪ ،‬إنه ميتاز بإصابة كل‬ ‫الحياة‪ ،‬وورد السيف املوت‪ ،‬وهذا ما يؤكد مهارة‬
‫مكان من جسد خصمه‪ ،‬يقول (‪: )62‬‬ ‫الشاعر التعبريية ‪.‬‬
‫ووق ُع املرش َّيف بحا ِج َب ْيه‬ ‫ومن أسامء السيف‪ ،‬الحسام‪ ،‬يقول(‪: )58‬‬
‫تحت الحزام‬ ‫وج ْبه ِت ِه وما َ‬ ‫ ‬ ‫تركت أبا متيم بعدما‬ ‫ولقد ُ‬
‫أ َّما الرماح فتأيت يف منزلة تالية ملنزلة السيف‪،‬‬ ‫َع َّض الحسا ُم جبي َنه لـــم يُ ْقبرَ ِ‬ ‫ ‬
‫فالرمح أداة من أدوات الشاعريف املعركة‪ ،‬يدفع‬ ‫فالحسام يف يد عمرو يصيب‪ ،‬ودامئاً إصابته قاتلة‪،‬‬
‫به عن نفسه‪ ،‬ويقاوم بها األعداء‪ ،‬يقول (‪: )63‬‬ ‫وهنا عض جبني عدوه‪ ،‬وتركه مل يقرب‪ ،‬وإمنا يتأمل‬
‫أعا ِذ ُل ِشكَّتي بدين و ُرمحي‬ ‫ويتعذب بني الحياة واملوت‪.‬‬
‫وكل ُم َقل ٍَّص َسلِس القيا ِد‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫وأجود األنواع تلك التي صنعت يف الهند؛ والتي‬
‫يستخدم الرمح يف املوضع الذي يجب استخدامه‬ ‫يحرص الشاعر عىل أن تكون سيفه‪ ،‬إلتقان‬
‫فيه ‪ ،‬فإذا كرت عليه الخيل ومل يستخدم رمحه‬ ‫(‪59‬‬
‫صناعتها‪ ،‬وحدة شفرتها‪ ،‬وقوة رضبتها‪ ،‬يقول‬
‫فمتى يستخدمه إذا ً ؟ يقول(‪: )64‬‬ ‫)‪:‬‬
‫الرمح يُثْ ِق ُل عاتقي‬
‫تقول ُ‬ ‫عال َم ُ‬ ‫للهندي يف البيض رنَّ ًة‬ ‫َّ‬ ‫ونسم ُع‬
‫إذا أنا مل أطْ َعن إذا الخيل ك َّرت‬ ‫ ‬ ‫كرنَّة أبكا ٍر ُز ِف ْف َن عرائســــــــا‬ ‫ ‬
‫إن الرمح أحد األسباب التي تعني الشاعر عىل‬ ‫فتي كاألبكا‪،‬وصوته يرن‪ ،‬وهو يرضب‬ ‫فالسيف َّ‬
‫‪14‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫كأ َّن مطاويها ِمبرْ َ ُد‬ ‫ ‬ ‫عدوه يف ميدان املعركة‪ ،‬يقول (‪: )65‬‬
‫ويصف ملعانها‪ ،‬فهي تربق كامء الغدير‪ ،‬مام يدل‬ ‫صبَ ْح ُت بهم بيوتَ بني زيا ٍد‬
‫عىل عنايته بها‪ ،‬وتجديدها‪ ،‬لتؤدي دورها يف‬ ‫وج ْر ُد الخيلِ ت ْعثرُ ُ بال ِّرماح‬ ‫ ‬
‫حاميته‪ ،‬يقول (‪: )70‬‬ ‫فهي أداة مساعدة للفارس يف اإليقاع بالخصم‪،‬‬
‫يل مفاض ٌة كال َّنهي‬ ‫ع َّ‬ ‫عن طريق تعرث الخيل التي يركبون عليها‪ ،‬لذا‬
‫أ ْخل ََص ما َءهُ َج َددُهْ‬ ‫ ‬ ‫يعنى الشاعر برمحه عناية فائقة‪ ،‬فهو يعده‬
‫وهي تعني بحياة الشاعر وتحافظ عليها؛ للمهارة‬ ‫ويجعله جاهزا ً يف أي وقت للدخول يف املعركة‪،‬‬
‫واالتقان وجالل القدم يف الصناعة‪ ،‬يقول (‪: )71‬‬ ‫يقول (‪: )66‬‬
‫ومفاضَ ُة كال َّن ْهي ُم ْح َك َم ًة‬ ‫وحرب ِة ناهلٍ َركَّ ْب ُت فيها‬
‫من صنعِ داو ٍد أيب َسلْم‬ ‫ ‬ ‫ككوكب الشِّ عرى نَحيضَ ا‬ ‫ِ‬ ‫أح َّد‬ ‫ ‬
‫ثم انظر إىل الرتس‪ ،‬وسيلة الدفاع األخرى‪ ،‬لحامية‬ ‫فالناهل ‪ :‬الرمح‪ ،‬وقد ركب فيه حربة حادة‬
‫الشاعر‪ ،‬باإلضافة إىل مهارة الشاعر يف الدفاع عن‬ ‫مصقولة المعة مثل كوكب الشعرى‪ ،‬وقد رققها‬
‫نفسه‪ ،‬يقول (‪: )72‬‬ ‫حتى تكون طعنتها نجالء ‪.‬ولحسن إعداد الشاعر‬
‫فأبت سليامً مل تمُ َّزق ِعاممتي‬ ‫لرمحه‪ ،‬انظر ما يفعله برماح العدو‪ ،‬يقول (‪: )67‬‬
‫ولك َّنهم بالطعنِ قد خ َّرقوا تُريس‬ ‫ ‬ ‫ومنزلة فيها العوايل كأنَّها‬
‫فبعد أن وقع الشاعر بني رمح وسيوف األعداء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الحواط ُب‬ ‫هشي ُم ِشجا ٍر كسرَّ ت ْها‬ ‫ ‬
‫استطاع أن ينجو سليامً من طعناتهم التي اتقاها‬
‫بخربته‪ ،‬فلم يصب إال الرتس الذي حامه‪ ،‬بالرغم‬ ‫إن رمحه يجعل رماحهم بعد تحطمها كهشيم‬
‫من إحداث الخروق به ‪.‬‬ ‫األشجار ‪.‬‬
‫مام سبق نجد ألفاظ الحرب‪ ،‬تدور يف‬ ‫ويؤكد الشاعر عىل جودة درعه‪ ،‬وحسن إعداده‪،‬‬
‫شعر عمرو الزبيدي‪ ،‬إما رصاحة أو مبرتادفاتها‬ ‫ملواجهة رماح العدو (‪: )68‬‬
‫أو بأوصافها‪ ،‬فيذكر « الحرب‪ ،‬والهيجاء‪ ،‬والروع‬ ‫الرمح م ْنثَني الـ‬
‫ت ُر ُّد َ‬
‫والهزاهز» ونجد ألفاظ الجيش وأوصافه‪ ،‬وما‬ ‫ـسنانِ َعوائرا ً ِق َصـــــــــــدُهْ‬ ‫ِّ‬ ‫ ‬
‫يتبعه من تقسيامت حربية مثل « الجيش‪،‬‬ ‫فقد تثنت سنان رماح عدوه‪ ،‬وتطايرت أجزاء‬
‫والجوافل‪ ،‬عرمرم‪ ،‬والكتيبة أو الكتائب‪ ،‬والربيئة‪،‬‬ ‫منها‪ ،‬بفعل حدة الدرع التي يلبسها‪ ،‬فهي‬
‫والخميس» ‪.‬كام تناثرت يف شعره ألفاظ أسلحة‬ ‫كالفوالذ ال ينفذ منها يشء ‪.‬‬
‫الهجوم أكرث من أسلحة الدفاع‪ ،‬وهذا وإن دل‬ ‫وليست املعركة كر فقط عىل األعداء‪ .‬وإمنا من‬
‫عىل يشء‪ ،‬فإنه يدل عىل فروسية ال نظري لها‪،‬‬ ‫الفروسية إدراك الفارس ألوقات الخطر التي‬
‫واستبسال يف ساعة الوغى‪ ،‬فرتاه يذكر « السيف‪،‬‬ ‫ينبغي أن يتخذ فيها لنفسه الدروع الواقية من‬
‫والنصل‪ ،‬والصنيع‪ ،‬والصمصام‪ ،‬والعضب‪،‬‬ ‫الطعنات الغادرة‪ ،‬فهي كمربد تتكرس عليه رماح‬
‫والحسام‪ ،‬والهندي‪ ،‬واملهند‪ ،‬واملرشيف‪ ،‬والرمح‪،‬‬ ‫وسيوف األعداء‪ ،‬فال ينفذ منها إىل الشاعر يشء‪،‬‬
‫والحربة‪ ،‬والعوايل‪ ،‬والسنان» ثم يذكر « الدروع‬ ‫يقول (‪:)69‬‬
‫الفضفاضة‪ ،‬والرتس» فكل تلك األلفاظ بأسامئها‬ ‫وأع َددْتُ للحرب فضْ فاض ًة‬
‫ً‬ ‫‪15‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫إبراز موهبته العسكرية‪ ،‬واإلبقاء عىل حياته يف‬ ‫وصفاتها ومرتادفاتها‪ ،‬شكلت ملمحاً رئيساً يف‬
‫امليدان‪ ،‬يقول (‪: )76‬‬ ‫لغة الشاعر‪ ،‬وما شعره إال انعكاساَ لشخصيته‬
‫أعددتُ للحدثان مطَّردا ً‬ ‫البطولية‪ ،‬وهويته الفروسية‪.‬‬
‫لَ ْد َن امل َه َّز ِة غري ذي ْ‬
‫وص ِم‬ ‫ ‬ ‫ثالثاً ‪ :‬ألفاظ األحداث والرصاع‬
‫ويأيت اإلعداد للمعركة يف صور أخرى‪ ،‬وبصيغ‬ ‫تدور يف شعر عمرو الزبيدي ألفاظ‪ ،‬ذات دالالت‬
‫مختلفة‪ ،‬يقول (‪: )77‬‬ ‫فروسية‪ ،‬تتناغم مع شخصيته البطولية فتتواثب‬
‫أع َد ْدت للحدثان سا‬ ‫عنده أفعال ومصادر ذات شحنات انفعالية‪،‬‬
‫بغة وع َّدا ًء َعلَ ْندى‬ ‫ ‬ ‫تتآزر يف تجلية األبعاد النفسية للشاعر وهو‬
‫يف ساحة القتال‪ ،‬وإذا سلطنا الضوء عىل لغته‪،‬‬
‫وكشف ما حوته من ألفاظ األحداث والرصاع‪ ،‬ومن األفعال واملصادر التي تعكس طول مراسه‬
‫فإننا سنتناولها من خالل ترتيب أحداث املعركة‪ ،‬للقتال يف الحروب‪ ،‬ومنازلة األقران واألبطال‪،‬‬
‫بد ًء من اإلعداد واالستعداد لها‪ ،‬فنجد للفعل الفعل «قتل» مبصادره املتعددة وأزمانه املختلفة‪،‬‬
‫«أعد» وما يف معناه‪ ،‬حضورا ً بارزا ً‪ ،‬فالفارس ال كذلك أفعال» الطعن» و»الرضب»‪ ،‬وهي توحي‬
‫يكون فارساً حقاً‪ ،‬إذا مل يكن عىل أهبة االستعداد بالطاقة الحامسية للغة « التي ندركها يف مشاكلة‬
‫لحدوث أي طارئ أو عارض‪ ،‬فاالستعداد الجيد التعبري لالنفعال لفظاً وإيقاعاً وإيحا ًء « (‪. )78‬‬
‫يخلق فارساً مغوارا ً وبطالً مقداماً‪ ،‬خاض الحروب‪ ،‬فالشاعر يفخر بنفسه‪ ،‬ويباهي بفروسيته‪ ،‬وقتله‬
‫وألف مالمحها وألفته‪ ،‬وأخذ عىل عاتقه الدفاع لألعداء منفردا ً‪ ،‬يقول (‪: )79‬‬
‫ظللت كأنيِّ للرماح َد ِريْئ ٌة‬
‫ُ‬ ‫املستميت‪ ،‬عن أهله ورشفه‪ ،‬يقول (‪: )73‬‬
‫أُقاتِ ُل عن أبنا ِء َج ْرم َوفَ َّر ِت‬ ‫ ‬ ‫وأع َددْتُ للحرب فضْ فاض ًة‬
‫كأ َّن مطاويـــــــــــــــها ِمبرْ َ ُد فلامذا قتالك يا عمرو عن اآلخرين؟ هل إلظهار‬ ‫ ‬
‫وحدثنا عن استعداد املقاتلني‪ ،‬وما يحمل كل شجاعتك وفروسيتك ؟ هل كنت تأخذ ماالً عىل‬
‫منهم من أسلحة مختلفة‪ ،‬تعينه عىل مواجهة ذلك ؟‬
‫إن فعل الشاعر ال يدل عىل تلك التساؤالت التي‬ ‫قرينه‪ ،‬يقول (‪: )74‬‬
‫قد تثار يف الذهن‪ ،‬عند معرفة أنه يدافع عن جرم‬ ‫قو ٌم إذا لبسوا الحديـ‬
‫ويقاتل عنها يف ميدان املعركة وقد هربت‪ ،‬بينام‬ ‫ـد تنمروا حلقاً وق َّدا‬ ‫ ‬
‫بقي منتصباً يف وجوه األعداء والطعن يأتيه من‬ ‫كل امرئ يجري إىل‬
‫كل جانب‪ ،‬فلامذا؟ إنه يفعل ذلك عصبية‪ ،‬وغضباً‬ ‫يوم الهياج مبا استع َّدا‬ ‫ِ‬ ‫ ‬
‫ويؤكد عىل أهمية اإلعداد للمعركة‪ ،‬يقول ‪ :‬لهم‪.‬‬
‫(‪)75‬‬

‫ويحدثنا عن قتاله يف ميدان الحرب‪ ،‬ومنازلهم‪،‬‬ ‫وأع َددْتُ للحرب فضْ فاض ًة‬
‫ودرجات فروسيتهم‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫(‪)80‬‬
‫دالصاً تث َّنى عىل ال َّراهش‬ ‫ ‬
‫نقتل رشا َر ُه ُم ولكن‬‫إن الشاعر يظهر حسن استعداده للمعركة فلم ْ‬
‫قَتَلْنا الصالحني ذوي السالح‬ ‫بحمل كل أدوات الحرب التي يحتاج‪ ،‬عىل ‬
‫األضياف منهم‬ ‫ِ‬ ‫حسب مجريات املعركة‪ ،‬فلالستعداد أهميته يف قتلنا ُمط ِع َم‬
‫‪16‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫تسايُ ٍف وطَعانِ‬‫شك يوم َ‬ ‫وال َّ‬ ‫ ‬ ‫وأصحاب الكريهة والصباح‬ ‫َ‬ ‫ ‬
‫فقد استعد خصمه لإلغارة والحرب عىل قومه‪،‬‬ ‫واألرشار يف رؤية الشاعر من ال يحملون سالحاً‬
‫فجاء بأسلحته وخيله وعتاده‪ ،‬ألنه الشك أنه يوم‬ ‫يف الحرب‪ ،‬ومن ثم فال حاجة له يف قتالهم‪ ،‬وإمنا‬
‫طعان ومبارزة بالسيوف‪ ،‬ولعل لفظة «تسايف»‬ ‫يقتل املدججني بالسالح؛ لتظهر شجاعته وقوته‪،‬‬
‫توحي باملشاركة يف مهارات استخدام السيف‬ ‫كام يقتل السادة الكرام‪ ،‬مطعمي األضياف‪،‬‬
‫واملبارزة ‪.‬‬ ‫وفرسان الحروب والغارات ‪.‬‬
‫وعمرو ال يتواىن عن إنصاف الخصم واإلشادة‪،‬‬ ‫ويستمر يف بيان صفات من يالقيهم‪ ،‬ويقتلهم‬
‫بتفوقه عىل قومه‪ ،‬وبيان مهارته الحربية‬ ‫أثناء املعركة‪ ،‬يقول (‪: )81‬‬
‫بحصارهم من الجانبني‪ ،‬واالنهيال عليهم طعناً‬ ‫وكم من ٍ‬
‫ماجد َملِ ٍك قَتَلْنا‬
‫وقتالً‪ ،‬يقول (‪: )85‬‬ ‫وآخر ُس ْوق ٍة َع َز ٍب قُـــــــــ ُم ّد‬ ‫ ‬
‫لَ ُق ْونا فض ُّموا جانِ َب ْينا بصادقٍ‬ ‫فكم «تكثريية»‪ ،‬توضح كرثة هؤالء امللوك‬
‫مثل ال َّنار يف ال َحطَب ال َي ْب ِس‬ ‫من الطَّعن َ‬ ‫ ‬ ‫األمجاد‪ ،‬والسوقة الشباب‪ ،‬الشديدي الغلظة‪،‬‬
‫ويصحبنا معه يف ميدان املعركة ‪،‬ويدخلنا إىل‬ ‫الذين قتلهم الشاعر وقومه ‪.‬‬
‫(‪)86‬‬
‫خبيئته‪،‬ويعرفنا عىل موقفه من الحرب‪،‬يقول‬ ‫ويف قانون الشاعر يأىب القتل غدرا ً‪ ،‬فرتاه يعنف‬
‫‪:‬‬ ‫ابن أخته‪ ،‬قيس بن املكشوح لقتل غرميه‪،‬‬
‫لقد َعلِم الحام ُة الش ُّم أين‬ ‫غدرا َ وغيلة‪ ،‬بعد أن دعاه إىل منزله‪ ،‬فسقاه‬
‫أَ َه ُّش إذا ُد ُ‬
‫عيت إىل الطِّعانِ‬ ‫ ‬ ‫الخمر فقتله‪ ،‬يقول (‪: )82‬‬
‫فكم يسعد قلب الشاعر وتنتيش روحه‪ ،‬إذا‬ ‫فلم يقتلْه مستسلامً مفيقا‬
‫دعاه أحد خصومه إىل املبارزة والطعن يف ميدان‬ ‫ولكن بعدما شرَ َب ال ُعقارا‬ ‫ ‬
‫املعركة‪ ،‬فهذا ملعبه املحبب إىل نفسه ‪.‬‬ ‫ومن األلفاظ التي نجدها يف شعر عمرو كلمة‬
‫ومن الفرح بالطعان واملبارزة‪ ،‬إىل التباهي بقضاء‬ ‫(الطعن) الذي توحي باملواجهة‪ ،‬والشدة يف‬
‫الدين الذي يلزم به نفسه يف ميدان املعركة فيويف‬ ‫املبارزة‪ ،‬وإزهاق الروح‪ ،‬كام توحي بالغلبة‬
‫بنذره‪ ،‬يقول (‪: )87‬‬ ‫للشاعر‪ ،‬وكم من أبطال طاعنهم‪ ،‬وكم من فرسان‬
‫يل ديناً‬ ‫إذا ما قلت ‪ :‬إن ع َّ‬ ‫قتلهم‪ ،‬يقول (‪: )83‬‬
‫بطعنة فارس قضيت ديني‬ ‫ ‬ ‫الرمح يُثْ ِق ُل عاتقي‬ ‫تقول ُ‬ ‫عال َم ُ‬
‫فإذا حكم عىل نفسه بطعن فارس‪ ،‬أوجب عىل‬ ‫إذا أنا مل أطْ َعن إذا الخيل ك َّرت‬ ‫ ‬
‫نفسه القضاء‪ ،‬بتحقيق ما نوى عليه‪ ،‬فأوىف نذره ‪.‬‬ ‫فام إن يحمل الشاعر السالح حتى يبادر إىل‬
‫والرضب من مهارات الحرب‪ ،‬حني يلتقي‬ ‫الحرب والطعن والقتال‪ ،‬ولذا فهو يستنكر‬
‫الفريقان‪ ،‬يقول عنها (‪: )88‬‬ ‫أبل يف‬ ‫متعجباً ‪ :‬بأي حجة أحمل السالح‪ ،‬إذا مل ُ‬
‫بأفحش ضرَ ب ٍة‬
‫ِ‬ ‫فَ َه َوى ل ُقطْ ِريْه‬ ‫الحرب‪ ،‬طعناً ومبارزة ‪.‬‬
‫كف رئْبا ِل العرين غَضَ ن ْف ِر‬ ‫من ِّ‬ ‫ ‬ ‫ويؤكد بأنه اليلقى العدو بغتة عىل حني غرة‪ ،‬بل‬
‫فحني يهوى الخصم عىل أحد جانبيه‪ ،‬كم تقدر‬ ‫(‪)84‬‬
‫املستعد للحرب والنزال والطعن‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫الرضبة التي نالته من سيف عمرو؟ إنها «أفحش‬ ‫فدعا فس َّومها وأيْ َق َن أنه‬
‫ً‬ ‫‪17‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫(‪)93‬‬
‫أشداء‪ ،‬ويف ذلك إشارة إىل قوته‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫رضبة» والفحش هو التجاوز يف األمور املكروهة‪،‬‬
‫هنالك بُهم ُة الفرسان يُلقى‬ ‫فكم يكره الخصم رضبة الشاعر‪ ،‬الذي يزأر‬
‫كل ج ِّد‬ ‫الحفاظ من ِّ‬‫ِ‬ ‫وأصحاب‬
‫ُ‬ ‫ ‬ ‫كاألسد يف امليدان‪.‬‬
‫ويؤكد املعنى السابق يف أنه ال يلقى إال هؤالء‬ ‫والشاعر ينوع يف مهاراته الحربية عىل حسب من‬
‫الفرسان الذين لهم هذا السمت‪ ،‬وهذا الخلق‬ ‫يالقيه‪ ،‬وما يناسبه من طعن‪ ،‬أو رضب باملرشيف‪،‬‬
‫(‪)94‬‬
‫العظيم يف هيئة أجسادهم ‪:‬‬ ‫يقول (‪: )89‬‬
‫لقيت قرناً‬ ‫لقيت َ‬‫هنالك لو َ‬ ‫َ‬ ‫كالحريق إذا التقينا‬
‫َ‬ ‫بِط ْعن‬
‫َهام‬
‫رش غ َري الك ِ‬ ‫وبهم َة مع ٍ‬ ‫ ‬ ‫ورضب املرشف َّية يف ال ُغط َِاط‬ ‫ِ‬ ‫ ‬
‫فالشاعر ال يلقى إالَّ قرناً بهم ًه‪ ،‬وقد أشار إىل أنها‬ ‫فامذا يريد عمرو من وصف طعنه بالحريق ؟‬
‫نفس سامته بقوله « لقيت قرناً» فهو ال يلقى‬ ‫هل اإليالم الشديد قبل املوت؟ هل شمول القوم‬
‫(‪)95‬‬
‫«الكهام» وهو الكليل الذي ال غناء عنده‬ ‫إذا أُلقوا يف النار فال مهرب وال منجى ؟‬
‫‪.‬وبالرغم من تلك الصفات التي عليها قرنه‪ ،‬انظر‬ ‫وانظر إىل تحية الخصوم يف ميدان املعركة‪ ،‬عىل‬
‫(‪)96‬‬
‫إىل الشاعر وما فعل به يف املعركة‪:‬‬ ‫(‪)90‬‬
‫لسان الشاعر‪:‬‬
‫وقرنٍ قد ترك ُْت لدى َم َك ٍّر‬ ‫ْت لها بخ ْيلٍ تحيــــــــ ُة‬ ‫وخيلٍ قد َدلَف ُ‬
‫سبائب كاألُرجوانِ‬
‫ُ‬ ‫عليه‬ ‫ ‬ ‫ضـــــــرب وجيــــــــــــ ُع‬
‫ٌ‬ ‫بيْـــــــنهم‬
‫فقرينه هارب من امليدان ‪،‬أمام من هو أشجع‬ ‫فالتحية يف ميدان الحرب هي الرضب املوجع‪،‬‬
‫وأبرع يف الرضب والطعان‪ ،‬حتى تركه «عليه‬ ‫وإزهاق النفس والروح ‪.‬‬
‫سبائب كاألرجوان»‪ ،‬فقد أصبح جسمه من وقع‬ ‫ويعود مرة أخرى إىل التنويع يف املهارات الحربية‬
‫الطعن والرضب كالشقة الرقيقة من الثياب‬ ‫(‪)91‬‬
‫من رضب وطعان‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫املصبوغة بدم أحمر ‪.‬‬ ‫بكل أبيض محذم‬ ‫الضَّ اربني ِّ‬
‫ونراه يفخر مبا يفعل أمام محبوبته وجاراتها‪،‬‬ ‫والطاعنني مجامع األضغانِ‬ ‫ ‬
‫(‪)97‬‬
‫يقول ‪:‬‬ ‫وعمرا ً يتباهى مبقارعة األقران‪ ،‬ورصاع األبطال‪،‬‬
‫علمت سلمى وجارات ُها‬ ‫ْ‬ ‫قد‬ ‫فهو ال يواجه إال بطالً يشبهه مهارة وفروسية‪ ،‬وال‬
‫الـــــــــــفارس إال أنا‬
‫ُ‬ ‫ما قَطَّر‬ ‫ ‬ ‫(‪)92‬‬
‫ينازل إال كبش القوم‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫فمن الذي يطرح الفارس عىل أحد جانبيه‪ ،‬إما‬ ‫نازلت كبشَ ُهم ومل‬ ‫ُ‬
‫رصيعاً‪ ،‬أو جريحاً‪ ،‬غري عمرو؟ إذن فلتهنأ سلمى‬ ‫ِ‬
‫الكبــــــــــش بُ َّدا‬ ‫أ َر من نزاِل‬ ‫ ‬
‫بحبيبها عمرو‪ ،‬وتفخر بذلك عىل جاراتها ‪.‬‬
‫ويؤكد يف العرص اإلسالمي عىل حامية النبي صىل‬ ‫فام الذي جعله يختار كبش الجيش ؟ وملاذا‬
‫الله عليه وسلم يف الحروب‪ ،‬وفدائه بنفسه‪،‬‬ ‫اتجه إىل رئيسها ؟ أما كان له أن يختار فارساً من‬
‫(‪)98‬‬
‫يقول‪:‬‬ ‫الفرسان؟ إنه يفعل ذلك ملعرفته بسيكولوجية‬
‫ِ‬
‫بالنفس م َّني‬ ‫لَ َوقَيْ ُت َّ‬
‫النبي‬ ‫املقاتلني‪ ،‬فهو يختار رئيس الكتيبة؛ ليبث الفزع‬
‫ولعانقت دونه األَقـــــــــرانا‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫يف قلوب باقي أفراد الجيش ‪.‬‬
‫ففداؤه النبي صىل الله عليه وسلم بنفسه يكون‬ ‫فعمرو ال يشارك يف املعركة إال مبقارعة فرسان‬
‫‪18‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫فقد تخضبت لحاهم السود بالدم من سيف‬ ‫مبعانقة األبطال يف امليدان‪ ،‬فكأنه يحب لقاء‬
‫عمرو‪ ،‬ومن ثم يصدرون صوتاً كصوت النعام‪،‬‬ ‫العدو القرين يف الفروسية والشجاعة‪ ،‬حتى لو‬
‫لهذا الدم الذي علق بلحاهم وأجسادهم ‪.‬‬ ‫أزهقت روحه يف سبيل فداء رسول الله صىل الله‬
‫وعمرو قليل الغزل‪ ،‬وإذا تغزل تغلب عليه لغة‬ ‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫الفروسية والحرب والقتال؛ ومن ثم تراه يذكر‬ ‫ويف معجم الشاعر اللغوي تكرر ذكر الدماء‪ ،‬أو ما‬
‫لون ثياب محبوبته مبا يراه يف ميدان املعركة‪،‬‬ ‫يدل عليه‪ ،‬نتيجة الكر والفر‪ ،‬والرضب‪ ،‬والطعن‪،‬‬
‫(‪)103‬‬
‫يقول ‪:‬‬ ‫(‪)99‬‬
‫يقول ‪:‬‬
‫وص ْب ُغ ثيابِها يف َز ْعفرانٍ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بجاديات‬ ‫بساهم ٍة ُخ ِض نْب‬
‫ب ُجدت َّها كام أحــــــم َّر النجي ُع‬ ‫ ‬ ‫سواب ُق ُّه َّن كالحدأِ الشِّ حا ِح‬ ‫ ‬
‫فالجدة هي الطريقة يف الثوب تخالف لونه‪ ،‬وقد‬ ‫فالخيول محمولة يف كراهية عىل الجري‪ ،‬وما‬
‫تغري لون ثياب املحبوبة‪ ،‬فأصبح محمرا ً زاهياً‬ ‫ذلك إال للدماء التي اصطبغت بها جسدها‪ ،‬من‬
‫كنجيع الدم ‪.‬‬ ‫كرثة الرضب والطعن ‪.‬‬
‫وتأيت لفظة «املوت» نتيجة حتمية للرضب‬ ‫ويبث الشاعر الرعب يف قلوب مناوئيه‪،‬‬
‫والطعن‪ ،‬فترتدد يف لغة الشاعر هذه اللفظة‪،‬‬ ‫ويتوعدهم بالهالك ‪ ،‬وإراقة الدماء‪ ،‬يقول (‪:)100‬‬
‫(‪)104‬‬
‫التي تؤكد شجاعته وفروسيته‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫عباس هنالك حارضا ً‬ ‫لو كان ٌ‬
‫الكبش مييش‬ ‫ُ‬ ‫َوقُ ِّر َب لل ِّنطا ِح‬ ‫لَ َهوى وقد ُخ ِض َب الجب ُني ب ُعصفر‬ ‫ ‬
‫وطاب املوتُ من شرَ ْ ٍع و ِو ْر ِد‬
‫َ‬ ‫ ‬ ‫فعمرو توعد‪ ،‬العباس بن مرداس وقد غاب عن‬
‫فاملوت يطيب‪ ،‬وطريقه محبب للفرسان‪ ،‬فالكل‬ ‫املعركة‪ ،‬ولو شارك فيها «لهوى وقد خضب الجبني‬
‫يذهب للموت بعد النزال‪ ،‬كام يسري العطشان‬ ‫بعصفر» والعصفر إشارة إىل لون الدماء ‪.‬‬
‫إىل املاء‪ ،‬فاللهفة والشوق لقتل الخصم وإزهاق‬ ‫وانظر إىل تلك الصورة‪ ،‬التي يصف فيها الشاعر‬
‫روحه أهم ما يحرص عليه الشاعر وقومه ‪.‬‬ ‫الخصم‪ ،‬الذي انهال عليه عمرو طعناً ورضباً‪،‬‬
‫ويعلم العدو أن قدوم عمرو يف امليدان‪ ،‬مؤرش‬ ‫(‪) 101‬‬
‫حتى سالت الدماء منه‪ ،‬وصار يعرث فيها ‪:‬‬
‫(‪)105‬‬
‫ملوته وهالكه‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫تراه حني يعثرُ يف دما ٍء‬
‫فَلَو القَ ْي ِ‬
‫تني �لَلَق ْي َت ليثاً‬ ‫كام مييش بأق ُدح ِه الخلي ُع‬ ‫ ‬
‫هصورا ً ذا ظباً وشباً حــــدا ِد‬ ‫ ‬ ‫إنه يعرث يف دمائه كام يعرث الخليع الذي قمر‬
‫حق‬
‫قنت أن املوت ٌ‬ ‫والستَيْ ُ‬ ‫ماله‪ ،‬فإذا به ال يقع إال عىل الخمر‪ ،‬فهو فاقد‬
‫رصح شح ُم قلبِك عن سوا ِد‬ ‫و َّ‬ ‫ ‬ ‫وعيه وتركيزه‪ ،‬وأخد يتلجلج يف مشيه ‪.‬‬
‫فإذا كنت متيقناً من املوت‪ ،‬فامذا تكون عليه‬ ‫ويستخدم الشاعر كلمة األشقر والخضاب للداللة‬
‫خبيئتك تجاه قاتلك؟ «رصح شحم قلبك عن‬ ‫( ‪)102‬‬
‫عىل لون الدماء‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫سواد» رهبة وخوفاً ممن ستواجهه ‪.‬‬ ‫يف فتي ٍة من قومه ُخضبت لهم‬
‫وقد يستخدم الشاعر لفظ «رصعى» الذي يوحي‬ ‫عاتك متحيرِّ ِ‬ ‫سواد اللِّحى من ٍ‬ ‫ ‬
‫مبفارقة الروح للجسد‪ ،‬يقول عن بني سليم ‪ ،‬بعد‬ ‫ملا وقفنا يف التنازل خفخفت‬
‫أن انهالوا عليهم‪ ،‬وأحاطوا بهم من كل جانب‬ ‫مثل النعامة مخـــاف ِة لألشق ِر‬ ‫ ‬
‫ً‬ ‫‪19‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫يُسا ِمي القر َن إِ ْن ق ْر ٌن‬ ‫(‪) 106‬‬
‫‪:‬‬
‫تي َّم ْم ُه في ْعتَ ِض ُده‬ ‫ ‬ ‫فوق ركابهم‬ ‫ثم استم َّر القو ُم َ‬
‫فيأخذُه فريفعه‬ ‫وسليم صرَ ْعى يف العجا ِج األكــــــــــد ِر‬ ‫ ‬
‫ْتص ُده‬‫فيخفضه ف َيق ِ‬ ‫ ‬ ‫فقد ظل الشاعر وقومه فوق ركابهم‪ ،‬ثابتني ال‬
‫في ْد َمغُه في ْح ِط ُم ُه‬ ‫يتزحزحون عن خيولهم‪ ،‬بينام سليم «رصعى»‬
‫في ْخ ِض ُم ُه في ْز َد ِردُهُ‬ ‫ ‬ ‫وسط الغبار األسود املتصاعد من أرجل الخيل يف‬
‫فالشاعر يصف ما يفعل مع غرميه يف ميدان‬ ‫ميدان املعركة ‪.‬‬
‫املعركة‪ ،‬وقد ساق عددا ً من الكلامت؛ لتعرب عن‬ ‫ومن مهارات الحرب والقتال‪ ،‬الكر‪ ،‬هجوماً وصدا ً‪،‬‬
‫براعة يف القتال‪ ،‬فهو يعتضده أي يأخذه تحت‬ ‫عىل حسب ما تقتيض ظروف املعركة‪ ،‬فكل فارس‬
‫عضده‪ ،‬ثم يرفعه ويخفضه‪ ،‬فتدور رأسه‪ ،‬فيلقيه‬ ‫جدير بهذا اللقب‪ ،‬له من الدراية والخربة‪ ،‬ما‬
‫رصيعاً عىل األرض‪ ،‬وهذه مهارات يدوية تشرتك‬ ‫يجعله عليامً بأمور القتال وفنون الحرب‪ ،‬ومتى‬
‫مع مهارات األسلحة يف إبراز فروسيته وقوته‬ ‫(‪)107‬‬
‫يكر ومتى يفر؟ يقول عمرو‪:‬‬
‫وبسالته ‪.‬‬ ‫ْت فجاءتْ من زُب ْيد عصاب ٌة‬ ‫هتَف ُ‬
‫ثم انظر إىل مهارته يف تلك الواقعة التي يحيك‬ ‫إذا طَ َردت فاءت قريباً فك َّر ِت‬ ‫ ‬
‫فيها ما فعله بهوازن‪ ،‬بعد أن استغاثت به عصبة‬ ‫عاتقي‬
‫ِ‬ ‫يثقل‬
‫الرمح ُ‬‫تقول ُ‬ ‫عال َم ُ‬
‫(‪)110‬‬
‫مذحجية‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫َ‬
‫إذا أنا مل أطْعن إذا الخيل ك َّر ِت‬ ‫ ‬
‫فقلت لخييل أَنْظروين ف ِإنني‬ ‫ُ‬ ‫فالشاعر يتساءل متعجباً مستنكرا ً‪ ،‬ملاذا يحمل‬
‫رسي ٌع إليكم حني ينص َد ُع الفج ُر‬ ‫ ‬ ‫السالح إذا مل يبل به يف الحرب‪ ،‬ومل يكر به عىل‬
‫وأقحمت ُمهري حني صادفت ِغ َّرة‬ ‫ُ‬ ‫عدوه يف وقته ؟! ‪.‬‬
‫عىل الطَّف حتى قيل قد ُع ِف َر امل ُهر‬ ‫ ‬ ‫ويؤكد عىل حقيقته يف ميدان الحرب‪ ،‬فهو يأىب‬
‫فأنجيت أَسرْ ى مذح ٍج من هوازنٍ‬ ‫ُ‬ ‫الفرار‪ ،‬ويرص عىل الكر‪ ،‬لحامية ما يجب عليه أن‬
‫ومل ينجِهم إال السكينة والص ُرب‬ ‫ ‬ ‫(‪)108‬‬
‫يحميه من آل ومال ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫ونادوا جميعاً ُح َّل ع َّنا ِوثاقنا‬ ‫بباب القادسي ِة مستميتاً‬
‫البطش إ َّن األ ُمر يُحدث ُه األم ُر‬ ‫ِ‬ ‫أَخا‬ ‫ ‬ ‫كليث أ َريْكه يأىب الفـــــــــرا َرا‬ ‫ٍ‬ ‫ ‬
‫وأبت بأرسى مل يكن بني قتْلهم‬ ‫ْ‬ ‫أك ُّر عليهم ُمهري وأَ ِ‬
‫حمي‬
‫وبني طَعاين اليوم ما دونه الفرتُ‬ ‫ ‬ ‫الحقائق والذمارا‬
‫َ‬ ‫إذا كرهوا‬ ‫ ‬
‫عمد الشاعر إىل أسلوب الحيك؛ لتظل قصة‬ ‫ويستمر عمرو يف إبراز مهاراته الفروسية وقدراتة‬
‫فروسيته يف تلك املعركة‪ ،‬تتناقلها األلسنة وترويها‬ ‫التعبريية عن ذلك ‪ ،‬وقد تتضمن لغته أفعاالً‬
‫األيام ‪ ،‬وهي قصة جديرة بالحيك والرتديد؛ ألن‬ ‫وعبارات تشف عن مهارات‪ ،‬توحي بالعشق‬
‫الفارس مل يخش الهالك‪ ،‬أو يهاب املوت‪ ،‬حني‬ ‫للقوة‪ ،‬يغذيه رافد فرويس ينبض بحس التعايل‬
‫هجم عىل بني هوازن مبفرده مع بزوغ الفجر‪،‬‬ ‫والتسامي عىل الخصوم واألبطال‪ ،‬يقول واصفاً‬
‫وبالصرب والتحيل بالسكينة استطاع تخليص بني‬ ‫رصاع األقران يف ميدان املعركة‪ ،‬مخربا ً عن‬
‫مذحج من األرس‪ ،‬ومل يكتف بتخليصهم‪ ،‬بل‬ ‫(‪)109‬‬
‫مهاراته الحربية ‪:‬‬
‫‪20‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫وكل مقلَّص سلس القياد‬ ‫ُّ‬ ‫ ‬ ‫استطاع أن يأرس عددا ً منهم‪ ،‬ومل يكن بينهم وبني‬
‫أعا ِذل إمنا أفني شبايب‬ ‫قتله إال كام بني السبابة واإلبهام‪.‬‬
‫عاتقي ثقل ال ِّنجاد‬
‫َّ‬ ‫وأقرح‬
‫َ‬ ‫ ‬ ‫وبعد هذا العرض نلحظ أن لغة الشاعر تزخم‬
‫فالنداء املتكرر‪ ،‬تنبيه للعذول الغافل عن حقيقة‬ ‫بفيض من الفروسية‪ ،‬فنجد ألفاظ اإلعداد‬
‫الشاعر‪ ،‬وارتباطه بأهم سامت الفروسية‪ ،‬فإذا‬ ‫للمعركة‪ ،‬والقتال‪ ،‬والنزال‪ ،‬والرضب‪ ،‬واألرس‪ ،‬والكر‬
‫شمت فيه عذوله‪ ،‬لهرم سنه‪ ،‬وانحناء ظهره‪ ،‬فإن‬ ‫والفر‪ ،‬ومن أكرث املواطن التي تتجىل فيها أثر‬
‫ذلك من آثار فروسيته‪.‬‬ ‫الفروسية‪ ،‬تباهيه مبقارعة األقران‪ ،‬ورصاع األبطال‬
‫(‪)112‬‬
‫ويكرر النداء فيقول ‪:‬‬ ‫فنلمح ألفاظ مثل « األقران‪ ،‬الكبش‪ ،‬والبهم‪،‬‬
‫زي و ُرمحي‬ ‫أعاذل ع َّديت بَ ِ‬ ‫َ‬ ‫والفوارس‪ ،‬البطل‪ .... ،‬الخ‪ ،‬باإلضافة إىل استخدام‬
‫سلس القيا ِد‬
‫وكل مقلَّص ِ‬ ‫ ‬ ‫ألفاظ أخرى‪ ،‬تحكم هذا النسيج الفرويس‪ ،‬وتؤكد‬
‫َ‬
‫أعاذل إنمَّ ا أفنى شبايب‬ ‫نزعة صاحبه إىل التأهب‪ ،‬وجنوحه إىل اللقاء ‪،‬‬
‫إجابتي الرصي َخ إىل املنادي‬ ‫ ‬ ‫كام تدل عىل امتالكه ناصية الكلم‪ ،‬وتأصيل‬
‫فأضاف أن من بني أسباب فناء شبابه‪ ،‬إجابته‬ ‫قاعدته اللغوية يف هذا املجال ‪.‬‬
‫املنادي للحرب‪ ،‬أخذا ً بثأر‪ ،‬أورفعاً لعزة وكرامة‪،‬‬
‫وقد أكد مرة ثالثة عىل هذا املعنى‪ ،‬حيث يقول‬ ‫الف�صل الثاين ‪ :‬الت�شكيل الفني للغة‬
‫(‪)113‬‬
‫‪:‬‬ ‫ال�شعرية‬
‫أعاذل إمنا أفْنى شَ بايب‬‫َ‬
‫ركويب يف الصرَّ ي ِخ إىل املنادي‬ ‫ ‬ ‫أوال‪ :‬التكرار‬
‫عاذل عديت بدين ورمحي‬ ‫أَ َ‬ ‫ثانياً ‪ :‬التصوير‬
‫وكل م َقل ٍَّص شَ ِكس القيا ِد‬ ‫ُّ‬ ‫ ‬ ‫أوالً ‪ :‬التكرار‬
‫فأسباب شيبه وذهاب شبابه‪ ،‬خروجه إىل منادي‬ ‫لعل هوية الشاعر البطولية‪ ،‬جعلته ينحو منحى‬
‫الحرب‪ ،‬حتى ضعف جسمه‪ ،‬وانحنى ظهره‪،‬‬ ‫جلياً‪ ،‬من حيث استخدام لغة شعرية‪ ،‬تصطبع‬
‫وتكرار هذا املعنى يف شعره واضحاً‪ ،‬وعدته هنا‪،‬‬ ‫بالنزعة الحامسية‪ ،‬وتتسم بالروح االنفعالية‪ ،‬فرناه‬
‫بدنه‪ ،‬ورمحه‪ ،‬وفرسه الصعب الذي يلني أمام‬ ‫يستخدم أسلوب التكرار‪ ،‬مبا فيها من دالالت‪،‬‬
‫فروسيته‪.‬‬ ‫وإيحاءات تؤثر عىل وجدان املتلقي وعواطفه ‪.‬‬
‫ومن الحروف املكررة «لقد» للتحقيق والتأكيد‪،‬‬ ‫تكرار األداة ‪:‬‬
‫يقول (‪:)114‬‬ ‫قد يكرر الشاعر بعض األدوات‪ ،‬أو التعبريات‪،‬‬
‫عباس هنالك حارضا ً‬ ‫لو كان ٌ‬ ‫أو الضامئر‪ ،‬زيادة يف معنى التهديد‪ ،‬أو تكثيف‬
‫لَ َهوى وقد ُخ ِض َب الجب ُني ب ُعصفر‬ ‫ ‬ ‫الشعور املدحي‪ ،‬أو الفخر الجمعي أو الذايت‪ ،‬أو‬
‫ولقد َص َب ْح ُت بها ُعامر َة غدو ٌة‬ ‫الوصف أو غري ذلك من الفنون ‪.‬‬
‫والبيض تعلو فوقه باملِ ْن ِ‬
‫رش‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫ومن األدوات التي كررها‪ ،‬أدوات النداء‪ ،‬وأبرزها‬
‫ولقد تركت أبا متيم بعدما‬ ‫(‪)111‬‬
‫الهمزة‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫أَ َع َّض الحسا ُم جبي َنه مل يُ ْقبرَ ِ‬ ‫ ‬ ‫أعا ِذيل ِشكَّتي بَ َدين ورمحي‬
‫ً‬ ‫‪21‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫وأسلمهم رئيسهم بجهد‬ ‫ ‬ ‫تكرار التوكيد بـ «لقد» مناسباً لحالة عباس؛‬
‫وهم تركوا ابن كبش َة ُم ْسل َِحبَّا‬‫لغيابه عن املعركة‪ ،‬فقد أراد عمرو أن يخربه‬
‫وهم شغلو ُه عن شرُ ْب امل ُ َق ِّدي‬ ‫ ‬ ‫مبصريه لو حرض‪ ،‬كام حدث لعامرة وأيب متيم‪،‬‬
‫وت ألفاً‬ ‫وهم أخذوا بذي امل ُّر ِ‬ ‫والسيوف تعلوهام‪ ،‬وهام مرضجان يف دمائهام‪.‬‬
‫قس ُم لل ُح َصني والبن هند‬ ‫يُ ِّ‬ ‫ ‬ ‫تكرار الضمري ‪:‬‬
‫بذات الجار قيساً‬ ‫وهم قتلوا ِ‬ ‫ويكرر الشاعر اسم الضمري «هم» مرات متتالية‬
‫وأشْ َعثَ َسل َْسلُوا يف غري عق ِْد‬ ‫ ‬ ‫يف قصيدة‪ ،‬يتحدث فيها عن شجاعة قومه يف‬
‫وهم سحبوا عىل ال َّدهنا جيوشاً‬ ‫ميدان املعركة‪ ،‬ذاكرا ً ما يفعلوه بأعدائهم من‬
‫احيل ويبدي‬‫يعيدهم رش ٌ‬ ‫ ‬ ‫قتل وترشيد وإذالل‪ ،‬ولكن ملاذا عدل عن االسم‬
‫القبائل من مع ِّد‬
‫َ‬ ‫وهم تركوا‬
‫الرصيح إىل الضمري؟ أليس من األوفق أن يذكر‬
‫بكل حقد‬ ‫ضباباً م ْجحرين ِّ‬ ‫ ‬ ‫االسم الرصيح؛ ليكون دليالً عىل الحب والتلذذ‬
‫فانظر إىل ما فعلته قبيلة عمرو‪ ،‬كأنها مل ترتك‬ ‫بالذكر ؟‬
‫قبيلة وال فارساً ‪ ،‬إال أذاقوهم ألواناً من املهانة‬ ‫قد يكرر الشاعر اسم من يحب‪ ،‬سواء امرأة‬
‫ورضوباً من الذل ‪ ،‬فاإلبادة بالقتل‪ ،‬ودفع الجزية‪،‬‬ ‫أو وطن‪ ،‬ويكون الذكر لداعي التلذذ والتغني‬
‫وسبي النساء‪.‬‬
‫باسميهام‪ ،‬ولكن عمرو عدل عن تلك املزية‬
‫ألخرى‪ ،‬حني ذكر الضمري بدالً عن االسم الرصيح‪،‬‬
‫ليدل عىل أنهم هم املعروفون‪ ،‬سواء ذكرهم تكرار الجملة ‪:‬‬
‫باسمهم الرصيح‪ ،‬أو الضمري‪ ،‬فحني يقول «هم» ومنها تكرار الجملة االسمية ‪ ،‬يقول (‪: )116‬‬
‫جيش صعد َة بالقنا‬ ‫ال ينرصف الذهن إال إليهم‪ ،‬وال يرتدد املتلقي يف ونحن هزمنا َ‬
‫الجيش يو َم بوا ِر‬
‫َ‬ ‫ونحن هز ْمنا‬ ‫ ‬ ‫اإلشارة إليهم‪ ،‬يقول(‪:)115‬‬
‫فتقديم ضمري االختصاص‪ ،‬يف الجملة االسمية‪،‬‬ ‫هم قتلوا ُ ُعزيْرا ً يَو َم ل ْحج‬
‫حتى ال ينرصف الذهن إىل غري قوم الشاعر‪،‬‬ ‫و َعلْقم َة بن سعد يو َم نَ ْج ٍد‬ ‫ ‬
‫فالتكرار بالجملة االسمية؛ يؤكد عىل أن قوم‬ ‫و ُه ْم ساروا َم َع املأْمور شهرا ً‬
‫الشاعر هم الذين أوقعوا الهزمية بقوم امللك‬ ‫قص ِد‬
‫إىل تعشا َر َسريا ً غ َري ْ‬ ‫ ‬
‫بوار‪ ،‬أحد ملوك اليمن ‪.‬‬ ‫وهم قسموا ال ِّنساء بذي أراطي‬
‫الذنائب ع ْرك جلْد وإذا كان هنا يقدم االختصاص‪ ،‬إعال ًء لراية قومه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وهم عركوا‬ ‫ ‬
‫فإنه يقدمهم يف جملة اسمية؛ ليؤكد أنهم وليس‬ ‫وهم َو َر ُدوا امليا َه عىل متيم‬
‫غريهم من يعاتب‪ ،‬يقول (‪: )117‬‬ ‫ــــط و ُم ْر ٍد‬ ‫بألف ُمد َّج ٍج شُ ْم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ ‬
‫فلو أن قومي أطاعوا الرشا‬ ‫ٍ‬
‫موضحات‬ ‫وهم تركوا بكندة‬
‫َد مل يُ ْبعدوين ولـــــــــم أظلم‬ ‫ ‬ ‫وما كانوا هناك لناض ِّد‬ ‫ ‬
‫ولكن قومي أطاعوا الغوا‬ ‫وهم زائروا بني أَسد بجيش‬
‫هــــــــل الد َم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َة حتَّى تع َّك َّظ أ‬ ‫ ‬ ‫جيش غريِ وغْد‬ ‫اب ٍ‬ ‫مع الع َّب ِ‬ ‫ ‬
‫فقومه مل يسمعوا إلرشاده ونصحه‪ ،‬وسمعوا كالم‬ ‫وهم تركوا هوازن إذ لقوهم‬
‫‪22‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫تجربته‪ ،‬وينخرط معه يف أجواء البطولة‪ ،‬وعوامل‬ ‫الغواة الذين أضلوهم‪ ،‬حتى أن اجتمعت كلمة‬
‫الحامسة‪ ،‬بكل ما فيها من إيحاء فني‪ ،‬وفيض‬ ‫القبائل الذين لهم دم عند مذحج‪ ،‬وتجرأوا عىل‬
‫نفيس مشحون بالتعايل والتسامي والتفاخر ‪.‬‬ ‫املطالبة به‪.‬‬
‫فقد يلجأ الشاعر إىل التشبيه؛ ليدل عىل خربته‬ ‫ومن تكرار الجملة الفعلية‪ ،‬يقول منبهاً عدوه‪،‬‬
‫بأهم مظاهر الفروسية وأدواتها يف ميدان‬ ‫عىل جهله‪ ،‬وغبائه العسكري (‪: )118‬‬
‫املعركة‪ ،‬فيقول عن السيوف (‪: )120‬‬ ‫تمَ َّن ْت ماز َن ج ْهالً ِخالطي‬
‫سيوف ِ‬
‫الهند م َّنا كأنها‬ ‫ُ‬ ‫وسلَّت‬ ‫ُ‬ ‫الخ ِ‬
‫الط‬ ‫فذاقت ماز ٌن طـــــ ْعم ِ‬ ‫ْ‬ ‫ ‬
‫أكف لَ َوا ِع ُب‬ ‫مخاريق نالتها ٌ‬ ‫ ‬ ‫أطل ُْت فر ِاطكم عاماً فعاماً‬
‫فاملخاريق‪ ،‬لعبة يلعب بها األطفال والصبيان‬ ‫جي إىل ِفـــــــر ِاط‬ ‫و َديْ ُن املُذ ِْح ِّ‬ ‫ ‬
‫عىل عهده ‪ ،‬فحدثني عن الشعور ينتاب األطفال‪،‬‬ ‫ ‬ ‫أطل ُْت فـــراطكم حتى إذا مــــا‬
‫وهم ميسكون ألعابهم يلعبون بها ؟ إن السيف‬ ‫قتلت سرَ اتَكم كانــــــــــــــــــــــــــت قَط َِاط‬ ‫ُ‬
‫بالنسبة لعمرو كاللعبة يف يد األطفال‪ ،‬تبعث‬ ‫فمن جهل قبيلة مازن‪ ،‬متنيها مالقاة املذحجي‪،‬‬
‫الرسور يف النفس‪ ،‬وتدل عىل استخدامها يف خفة‬ ‫عمرو بن معد يكرب‪ ،‬فأذاقها ما تتمنى من‬
‫ورسعة‪ ،‬إنها املهارة والحذق مبعرفة اإلمكانات ‪.‬‬ ‫لقائه‪ ،‬فقد أطال إمهالهم‪ ،‬ولكن غباءهم أدى إىل‬
‫ويوازن بني أدواته وأدوات قومه يف ميدان‬ ‫مقتلهم عىل يده‪ ،‬فكان ذلك شفاء نفسه‪ ،‬بتكرار‬
‫املعركة‪ ،‬واألدوات نفسها يف يد عدوهم‪ ،‬يقول‬ ‫جملة «أطلت فراطكم» ‪.‬‬
‫(‪: )121‬‬ ‫ومن مظاهر فروسيته‪ ،‬وفاؤه للعالقات اإلنسانية‬
‫ومنزلة فيها العوايل كأنَّها‬ ‫‪ ،‬وهنا تتمثل يف املصاهرة‪ ،‬فهو يتجاوز عام ميكن‬
‫ِ‬
‫الحواطب‬ ‫هشي ُم ِشجا ٍر كسرَّ تها‬ ‫ ‬ ‫أن يحدث من قتال وتدمري‪ ،‬إكراماً لصهره‪ ،‬زوج‬
‫لقد أوضح البيت السابق األثر الذي ترتب عىل‬ ‫اخته األجدع بن مالك‪ ،‬يقول (‪: )119‬‬
‫مهاراته ومهارة قومه‪ ،‬وما صنعت يف أسلحة‬ ‫لعم ُرك لوال أَجد ُع الخريِ فاعلمي‬
‫أعدائهم‪ ،‬لقد حولت رماح العدو إىل ما يشبه‬ ‫ل ُق ْدت إىل َه ْمدا َن جيشاً َعر ْم َرما‬ ‫ ‬
‫األشجار املكرسة ‪.‬‬ ‫ل ُقدْتُ إىل َه ْمدان أَ َلف ِط َّمر ٍة‬
‫ويستمر يف بيان فروسيته‪ ،‬وسامتها‪ ،‬وأهم ما‬ ‫ُميت وأَ ْدهام‬
‫وألف ط ِم َّر من ك ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬
‫مييزها‪ ،‬يقول (‪: )122‬‬ ‫فالتأكيد بالجملة الفعلية «لقدتُ إىل همدان»‬
‫ظللت كأنيِّ للرماح َد ِريْئ ٌة‬
‫ُ‬ ‫يدل عىل فروسية أخالقية‪ ،‬فهو فارس الحروب‬
‫أُقاتِ ُل عن أبنا ِء َج ْرم َوفَ َّر ِت‬ ‫ ‬ ‫واملعارك األول‪ ،‬لكنه يتاملك شهوته يف إظهار‬
‫والبيت تشبيه لحال الشاعر مع هؤالء الذين‬ ‫فروسيته الحربية‪ ،‬مبحافظته عىل الوفاء لصهره‪،‬‬
‫يهجوهم وهم بنو جرم‪ ،‬حيث يشبه نفسه‬ ‫أجدع بن مالك من همدان ‪.‬‬
‫بالحلقة التي يصوب عليها الفرسان رماحهم‪،‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬التصوير‬
‫حتى يتعلموا الطعن‪ ،‬فقد جاءته الرماح من كل‬ ‫يوظف الشاعر اللغة التصويرية املفعمة‬
‫جانب بعد أن هرب بنو جرم وتركوه يف ميدان‬ ‫بالطاقات الفروسية‪ ،‬متكئاً عىل صور حسية‪،‬‬
‫املعركة‪ ،‬فأي فارس هذا الذي يقاتل مع غري قومه‬ ‫برصية وسمعية‪ ،‬تجعل املتلقي يتعايش مع‬
‫ً‬ ‫‪23‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫بنوعوف‪ ،‬ضد بني سليم‪ ،‬قوم العباس بن مرداس‬ ‫وقد فروا‪ ،‬وهو ليس منهم‪ ،‬غري أنه يقاتل عنهم‪،‬‬
‫(‪)126‬‬
‫السلمي‪:‬‬ ‫عصبية لهم ‪.‬‬
‫يف فتي ٍة من قومه ُخضبت لهم‬ ‫وتظهر فروسيته من خالل مصاحبة أدواتها‪ ،‬فيلزم‬
‫عاتك متحيرِّ ِ‬ ‫سواد اللِّحى من ٍ‬ ‫ ‬ ‫نفسه بسامتها‪ ،‬يقول (‪: )123‬‬
‫ملا وقفنا يف التنازل خفخفت‬ ‫ذهب الذين أُ ِح ُّبهم‬
‫مثل النعامة مخاف ِة لألشق ِر‬ ‫ ‬ ‫السيف فردا‬ ‫ِ‬ ‫مثل‬
‫وبقيت َ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬
‫فالفتية من بني سليم‪ ،‬دليل القوة والرباعة‬ ‫فالشاعر شبيه للسيف يف تفرده‪ ،‬فال يجمع معه‬
‫والشدة‪ ،‬ولكن ماذا إذا وقع النزال وحمي وطيس‬ ‫غريه يف غمد‪ ،‬كذلك ال يجتمع معه شبيه وال‬
‫املعركة «خفخفت مثل النعام» أي أصدرت صوتاَ‬ ‫مثيل يف ميدان املعركة‪ ،‬فقد بقي بعد أحبائه‬
‫خوفاً أن يحصد رقابها سيف عمرو‪ ،‬فيعلق بها‬ ‫وحيدا ً وفريدا ً كالسيف ‪.‬‬
‫الدم لكرثة نزوله ‪.‬‬ ‫ويحدثنا عن أدواته الحربية وصفاتها‪ ،‬وما هي‬
‫وليس األثر املرتتب قارصا ً عىل البرش يف املعارك‬ ‫عليه‪ ،‬فيقول (‪: )124‬‬
‫التي يخوضها عمرو‪ ،‬وإمنا يشمل املكان أيضاً‪،‬‬ ‫تخال فيه‬‫العنربي ُ‬‫ُّ‬ ‫ورمحي‬
‫يقول (‪: )127‬‬ ‫مقباس ال َّزنا ِد‬
‫ِ‬ ‫مثل‬‫سناناً َ‬ ‫ ‬
‫ظل جن ٌد كأنَّه‬ ‫جوافل حتى َّ‬ ‫يزل اللِّبد عنها‬ ‫و ِع ْجل َزة ُّ‬
‫عاصب بخام ِر‬ ‫ٌ‬ ‫من النقْع شي ٌخ‬ ‫ ‬ ‫أم َّر سرَ ات َها َحل َُق الجيا ِد‬ ‫ ‬
‫فالجند اسم جبل ‪ .‬فانظر إىل ما أصابه من‬ ‫(‪)128‬‬
‫بت سم ْع َت لها أزيزا ً‬ ‫إذا ضرُ ِ ْ‬
‫جراء تلك املعركة بني مذحج وسليم‪ ،‬فقد شبهه‬ ‫كوقْعِ ال َقطْر ِيف األُ ُدم الجِال ِد‬ ‫ ‬
‫الشاعر مبا عاله من غبار متصاعد من أرجل‬ ‫فطول معارشته ألدوات الحرب جعلته يعاين ما‬
‫الخيل‪ ،‬بالشيخ املعتم الذي عصب بخامر ‪.‬‬ ‫هي عليه‪ ،‬ويتفرس أحوالها‪ ،‬فتحسب سنان رمحه‬
‫ويعود مرة أخرى‪ ،‬ليبني أثر أدواته يف املعركة عىل‬ ‫كمقباس الزناد الذي تشعل به النار‪ ،‬وأما فرسه‬
‫عدوه‪ ،‬فيقول (‪: )129‬‬ ‫إذا رضبها فتسمع لوقع جريها عىل األرض أزيزا ً‬
‫أعباس لو كانت ِشيارا ً جيا ُدنا‬ ‫ٌ‬ ‫كصوت املطرحني يقع عىل األرض الصلبة ‪.‬‬
‫بتثليثَ ما ناص ْب َت بعدي األحا ِمسا‬ ‫ ‬ ‫ولحسن استخدام الشاعر ألدواته يف املعركة‪ ،‬نرى‬
‫جانب‬
‫ل ُد ْسناكم بالخيل من كل ٍ‬ ‫األثر املرتتب عليها يف قوله(‪: )125‬‬
‫داس طبا ُخ القدو ِر الكرادسا‬ ‫كام َ‬ ‫ ‬ ‫نسيت جال َد عمرو‬ ‫َ‬ ‫ُه ِبل َْت لقد‬
‫فاألثر هنا للخيل بعد السيف‪ ،‬يف صورة مفزعة‪،‬‬ ‫تلج الوِجازا‬ ‫وأنت كخامعٍ ُ‬ ‫ ‬
‫وأبعاد مرعبة‪ ،‬هي صورة مهولة للحرب‪ ،‬ومنظر‬ ‫فالشاعر يدعو عىل خصمه ومناوئه بأن تفقده‬
‫تقشعر منه األبدان‪ ،‬منظر تكسري الجامجم‬ ‫أمه‪ ،‬إذا نيس حسن استخدام عمرو ألدواته‬
‫والعظام‪ ،‬كام يفعل الطباخ حني يكرس عظام‬ ‫وجالده‪ ،‬فحني يرضب يكون خصمه «كخامع تلج‬
‫وجامجم ما يطهوه‪ ،‬فالخيل تطأ جامجم األعداء‬ ‫الوجاز» أي مثل الضب تلج جحرها‪ ،‬إنه الفرار‬
‫حني تقع عىل األرض‪.‬‬ ‫والجنب حتى ال يطاله السيف فريديه قتيالً ‪.‬‬
‫ثم يتابع الصورة‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫(‪)130‬‬
‫ويقول عمرو يف تلك املعركة‪ ،‬التي تحالف فيها‬
‫‪24‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫ي ُختَّب يب العط َُّاف َحول بيوتِهم‬ ‫للهندي يف البيض رنَّ ًة‬
‫َّ‬ ‫ونسم ُع‬
‫ليست عداوت ُنا كربقِ الخل َِّب‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫كرنَّة أبكا ٍر ُز ِف ْف َن عرائسا‬ ‫ ‬
‫واستيقنوا منا بوقْع صادقٍ‬ ‫فاملفارقة يف التشبيه تحري العقل وتدهش‪،‬‬
‫وليس أوان ساع ِة مه َر ِب‬ ‫هربوا َ‬ ‫ ‬ ‫فهذا منظر جميل ترضب فيه اآلالت املوسيقية‬
‫فالشاعر يعرب بالكناية ‪ ،‬عن عدم وفاء عدوه مبا‬ ‫وترن صوت أدواتها‪ ،‬حني تزف الفتيات األبكار‬
‫قطع عىل نفسه قبل املعركة «ليست عداوتنا‬ ‫الجميالت عروساً مثلهن‪ ،‬وقد شبه الشاعر بهذا‬
‫كربق الخلب» فيقال ملن يعد وال ينجز وعده‬ ‫الصوت‪ ،‬صوت وقع السيف الهندي يف خوذة‬
‫«أنت كربق الخلب»‪ ،‬وأما الشاعر فيعرب عن‬ ‫الفرسان ‪.‬‬
‫وفائه مبا وعدهم من قتل وتدمري ‪.‬‬ ‫وال يفتأ الشاعر يحدثنا عن خربته الحربية‪،‬‬
‫ويحدثنا عن براعته يف ميدان املعركة‪ ،‬وكيف‬ ‫ومعرفته بأحوال وأرسار املعارك‪ ،‬فيقول يف معركة‬
‫يحتال وميكر‪ ،‬حتى يحقق النرص عىل األعداء‪،‬‬ ‫بينه وبني بني عبس(‪: )131‬‬
‫(‪:)136‬‬
‫يقول‬ ‫لقونا فض ُّموا َجانِب ْينا بصادقٍ‬
‫وقد ك ْنت إذا ما الحـ‬ ‫من الطَّعنِ مثل ال َّنار ِيف ال َحطَب ال َي ْب ِس‬ ‫ ‬
‫ـي يوماً كرهو ُصلحي‬ ‫ُّ‬ ‫ ‬ ‫فالصورة توضح قوة الخصم‪ ،‬حني طوق جانبي‬
‫بالخيل‬
‫َ‬ ‫الخيل‬
‫أل ُُّف َ‬ ‫جيش عمرو بالطعن والرمي‪ ،‬فأصبحوا كالحطب‬
‫بح بالنب ِح‬
‫وأكفي ال َّن َ‬ ‫ ‬ ‫اليابس الذي تلتهمه النار رسيعاً‪ ،‬وتقيض عليه ‪.‬‬
‫فإذا مل تنفع محاوالت الشاعر يف الصلح‪ ،‬التقاء‬ ‫ويشبه نفسه فوق فرسه باألسد يف قوته وزئريه‪،‬‬
‫الحرب تربز مهارته يف إدارته للمعركة فيقول‪،‬‬ ‫يقول (‪: )132‬‬
‫«ألف الخيل بالخيل» كناية عن اختالطهام يف‬ ‫فلو القيتُ ُم فريس‬
‫ميدان املعركة‪ ،‬و»أكفي النبح بالنبح» كناية عن‬ ‫وفوق سرَ اتِه أَ َس ُده‬ ‫َ‬ ‫ ‬
‫اشتباك كل جندي من جيشه مع جيش العدو ‪.‬‬ ‫وتراه يخاطب ولده بقوله (‪: )133‬‬
‫ثم انظر إليه يوضح لك حقيقة عدوه‪ ،‬حني يلقاه‬ ‫أمل تعلم بأن أبا‬
‫يف ميدان املعركة‪ ،‬يقول (‪:)137‬‬ ‫ك ليثٌ فوق لِبَ ُده‬ ‫ ‬
‫ولو الق ْيتني ومعي سالحي‬ ‫الكف فيام أ ْد‬
‫شدي ُد ِّ‬
‫قلبك عن سوا ِد‬ ‫تكشَّ ف شح ُم َ‬ ‫ ‬ ‫َرك َْت أظفا ُره ويَ ُده‬ ‫ ‬
‫فإذا أشهر سيفه حني يالقي خصمه‪ ،‬فام الحال‬ ‫ويؤكد عىل هذا التشبيه التقليدي بكونه أسدا ً‬
‫التي يكون عليها الخصم ؟ لقد غاص الشاعر‬ ‫ميلك القدرة عىل الترصف يف أدوات الحرب‬
‫إىل أعامق عدوه‪ ،‬وكشف لنا خبيئته‪ ،‬فالكناية‬ ‫والتحكم فيها‪ ،‬وحسن إعدادها وتوجيهها‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫يف قوله « تكشف شحم قلبك عن سواد» تعني‬ ‫(‪)134‬‬

‫الغل والحقد الدفني‪ ،‬فهو يدرك أنه لن يستطيع‬ ‫فَلَو القَ ْي ِ‬


‫تني �لَلَق ْي َت ليثاً‬
‫املواجهة ومن ثم تغتم نفسه وتصطبغ بالسواد ‪.‬‬ ‫هصورا ً ذا ظباً وشباً حدا ِد‬ ‫ ‬
‫ويشري إىل األمور التي تنمي موهبته يف الحرب‬ ‫وتتعاون الصورة الكنائية يف توضيح سامت‬
‫(‪)138‬‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)135‬‬
‫الفارس ومدى فروسيته‪ .‬يقول‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪25‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫وال يكتفي الشاعر بالتشبيه والكناية‪ ،‬فقد جاءت‬ ‫أعاذل إمنا أفْنى شَ بايب‬‫َ‬
‫بعض الفنون البديعية؛ لتعضد املعاين السابقة‪،‬‬ ‫ركويب يف الصرَّ ي ِخ إىل املنادي‬ ‫ ‬
‫يقول عمرو(‪: )141‬‬ ‫مع الفتيانِ حتى ك َُّل جسمي‬
‫يعاب املر ُء من ُج نْ ِب يو ِم ِه‬ ‫وليس ُ‬‫َ‬ ‫ْرح عاتقي ح ْم ُل ال ِّنجا ِد‬ ‫وأَق َ‬ ‫ ‬
‫ِ‬
‫باألمس‬ ‫إذا ُع ِرف َْت منه الشجاع ُة‬ ‫ ‬ ‫إن الشاعر مل يعتمد عىل شجاعته التي حباه‬
‫فال يفتأ يحدثنا عن خربته بأحوال املعركة‪ ،‬وال‬ ‫الله بها‪ ،‬وإمنا غذاها بكرثة مشاركته يف املعارك‪،‬‬
‫يزال يؤكد عىل شجاعته وفروسيته بالتضاد «جنب‪،‬‬ ‫وحمله الدائم للسالح‪ ،‬حتى إنه «قرح عاتقه»‬
‫شجاعة»‪ ،‬و»يوم‪ ،‬أمس» وأنه إذا فر يوم يحسن‬ ‫كناية عىل كرثة حمله النجاد‪ ،‬فام إن يخرج من‬
‫فيه الفرار‪ ،‬هرباً من املوت‪ ،‬فال يعاب أو يتهم‬ ‫معركة حتى يدخل يف أخرى ‪.‬‬
‫بالجنب‪ ،‬فمن الفروسية معرفة إمكانات عدوه‪،‬‬ ‫ومن ثم تراه يطبق عملياً ما اكتسبه نظرياً‪ ،‬يقول‬
‫فليس هو الذي يلقي بنفسه إىل التهلكة‪ ،‬ادعا ًء‬ ‫(‪)139‬‬
‫‪:‬‬
‫للشجاعة‪.‬‬ ‫يل بها‬ ‫ولقد أجم ُع رج َّ‬
‫وينفر الشاعر من الحرب‪ ،‬ومن آثارها الوخيمة‪،‬‬ ‫حذر ِ‬
‫املوت وإين ل َف ُر ْو ُر‬ ‫ ‬
‫فيصورها بقوله(‪: )142‬‬ ‫ولقد أ ْع ِطفُها كاره ًة‬
‫الحرب أ َّول ما تكو ُن فَتيَّ ٌة‬
‫ُ‬ ‫املوت هري ُر‬ ‫للنفس من ِ‬ ‫ِ‬ ‫حني‬ ‫ ‬
‫لكل جهو ِل‬‫تسعى بزينتها ِّ‬ ‫ ‬ ‫كل ما ذلك مني ُخل ٌُق‬ ‫ُّ‬
‫وشب ضرِ امها‬ ‫َّ‬ ‫حتى إذا استعرتْ‬ ‫جدي ُر‬‫وبكلٍ أنا يف ال َّر ْوع ِ‬ ‫ ‬
‫خليل‬
‫ذات ُ‬ ‫عادتْ عجو ٌز غري ِ‬ ‫ ‬ ‫إن الكناية يف األبيات «أجمع رجيل» و»أعطفها‬
‫شمطا َء ج َّزت راسها وتنكَّرتْ‬ ‫كارهة» تدل عىل خربة باملعركة‪ ،‬فهو يفر حني ال‬
‫والتقبيل‬
‫ُ‬ ‫مكروه ٌة للش ِّم‬ ‫ ‬ ‫ينجي من املوت إال الفرار ‪.‬‬
‫فالشاعر يشبه الحرب باملرأة الفاتنة التي‬ ‫ويصور مدى بأس مهره‪ ،‬وقوة تحمله يف امليدان‪،‬‬
‫تجذب إليها الرجال» الحرب أول ما تكون فتية»‬ ‫(‪)140‬‬
‫يقول ‪:‬‬
‫يتصارعون عليها‪ ،‬ويربزون قوتهم أمامها‪ ،‬وكل‬ ‫ومه ٍر كرمي ٍة يف صفحتيه‬
‫يرى يف نفسه فارسها‪ ،‬فتفجر طاقات كامنة يف‬ ‫نواف ُذ باألس َّنة والسهام‬ ‫ ‬
‫اإلنسان تدفعه – جهالً – إىل أن يرمي بنفسه‬ ‫ووق ُع املرش َّيف بحاجب ْيه‬
‫يف أتونها؛ طلباً ألن يكون موضع الحديث‬ ‫وجبه ِت ِه وما تحت الحز ِام‬ ‫ ‬
‫واإلعجاب‪ ،‬ثم يعدد صفات متضادة يحذر من‬ ‫أُق ِّدمه ويحميه ٌ‬
‫عبوس‬
‫مغبة االشرتاك فيها «استعرت‪ ،‬وشب رضامها‪،‬‬ ‫عىل أكتا ِده كُ ْرهُ اللَّامم‬ ‫ ‬
‫عادت عجوز»‪،‬إذ تتحول الجميلة التي تزينت يف‬ ‫فالكنايات تدل عىل مدى ما يلقى الفرس يف‬
‫أول األمر‪ ،‬إىل عجوز شمطاء‪ ،‬ذات صورة منكرة‪،‬‬ ‫املعركة من طعنات يف أماكن متعددة‪ ،‬ولكنه ما‬
‫تعرب عنها الصور «جزت رأسها‪ ،‬مكروهة للشم‬ ‫زال يحمل فارسه بتلك الحالة «فيحميه عبوس‬
‫والتقبيل» فالجميع ينفر منها ويكره االقرتاب‬ ‫عىل أكتاده كره اللامم» كناية عن إدخاله بعبوسه‬
‫منها لدمامتها ‪.‬‬ ‫الرعب يف قلب أعدائه ‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫عنده تقسيامت الجيش‪ ،‬وكرثت مفردات‬ ‫ويلعب الطباق دورا ً يف بيان سامت الفارس‬
‫األسلحة‪ ،‬وال سيام أسلحة الهجوم‪ ،‬والتي‬ ‫وأخالق الفروسية‪ ،‬يقول (‪: )144‬‬
‫شكلت ملمحاً رئيساً يف شعره‪ ،‬وكانت‬ ‫يَبرْ و َن عظمى وه ِّمي جَبرْ عظْ ِم ُهم‬
‫انعكاساً لشخصيته البطولية‪ ،‬وهويته‬ ‫كل ما س َب ُب‬
‫شتَّان ما بيننا يف ِّ‬ ‫ ‬
‫الفروسية ‪.‬‬ ‫أهوى بقاء ُه ُم ُجهدي وأَكرثُ ما‬
‫•تزخم لغة عمرو الزبيدي بفيض من ألفاظ‬ ‫ ‬ ‫يَ ْه ُو ْو َن أَ ْن اغتدى يف حفر ِة ِ‬
‫الرتب‬ ‫ ‬
‫اإلعداد للمعركة والنزال والقتال والرضب‪،‬‬ ‫فغايته الحفاظ عىل سالمة قومه‪ ،‬وهم ليسوا‬
‫واألرس‪ ،‬والكر والفر‪ ،‬ومقارعة األبطال‬ ‫كذلك‪ ،‬ويبذل أقىص جهده‪ ،‬ليبقوا أحياء‪ ،‬وهم‬
‫واألقران‪ ،‬وكبش القوم‪ ،‬باإلضافة إىل تناثر‬ ‫يتمنون رؤيته يف حفرة‪ ،‬مدفوناً يف قربه‪ ،‬فقد دل‬
‫ألفاظ ‪ ،‬تحكم النسيج الشعري‪ ،‬وتؤكد نزعة‬ ‫الطباق عىل اختالف شخصية الشاعر وسموها‬
‫صاحبها الفروسية‪.‬‬ ‫عن اآلخرين‪ ،‬فإذا كان من أخالقهم الخسة‪ ،‬فمن‬
‫أخالقه التسامي‪.‬‬
‫•أغلب قصائد عمرو الزبيدي ومقطعاته‬ ‫ ‬
‫وهكذا كانت لغة عمرو الزبيدي لغة متيزه عن‬
‫تخلو من املقدمات الطللية والغزلية‪ ،‬فام‬
‫غريه من الشعراء‪ ،‬مبا بث فيها من روحه‪ ،‬فأصبح‬
‫بالنا بشاعر فارس‪ ،‬وهب حياته للمعارك‬
‫للكلمة روحاً جديدة‪ ،‬فلغة الشعر «متعلقة بعامل‬
‫والحروب؛ فغرامه وعشقه لسيفه ورمحه‪،‬‬
‫الشاعر‪ ،‬والكلمة عامل صغري منضو يف ظل العامل‬
‫ومغامراته يف معارك يحقق فيها النرص‪،‬‬
‫األكرب‪ ،‬الذي هو الشاعر‪ ،‬الذي يف ِّرعها من معناها‬
‫وهذا يأيت بتأثري من حسه الفرويس‪ ،‬فلم‬
‫التقليدي ويشحنها مبعنى جديد‪ ،‬حتى أصبح‬
‫يكن يعنيه إال مهارات النزال‪ ،‬ومغامرات‬
‫لكل شاعر قاموسه الخاص به «(‪ )145‬الذي يفصح‬
‫القتال ‪.‬‬
‫به عن ذاته وقضاياه ‪.‬‬
‫•مل تتضمن لغة عمرو الزبيدي ألفاظاً‬ ‫ ‬
‫وتراكيب‪ ،‬تتضمن معاين الحزن‪ ،‬واألىس‪،‬‬
‫الخاتـــــمة‬
‫والتبايك وابتالع غصات األمل؛ ألن الشاعر مل‬ ‫وتشمل الخامتة أبرز النتائج التي انتهى إليها‬
‫يتعرض ملحطات أليمة يف حياته؛ باستثناء‬ ‫البحث ‪:‬‬
‫قصائد قلة‪ ،‬تحمل دالالت الحرية وإثارة‬ ‫ •عمرو الزبيدي‪ ،‬شاعر فارس‪ ،‬انصهر يف فنون‬
‫التساؤالت ‪.‬‬ ‫القتال‪ ،‬وبرع يف سياسة الخيل‪ ،‬فخصها‬
‫•تأيت لغة الشاعر وألفاظه يف صورة مبارشة‪ ،‬ال‬ ‫ ‬ ‫مبساحة واسعة من شعره‪ ،‬فرتددت عنده‬
‫تحتاج إىل كد ذهن‪ ،‬وشحذ فكر‪ ،‬وقد يضفي‬ ‫ألفاظ الخيل‪ ،‬أو ما يرادفها‪ ،‬ودارت عىل‬
‫عليها شيئاً من روحه الفنية‪ ،‬بتكرار‪ ،‬أو‬ ‫لسانه العديد من صفاتها وألوانها‪ ،‬كام‬
‫تضاد‪ ،‬أو تصوير‪ ،‬فنجد شعره يتلفع بوشاح‬ ‫تناثرت عنده ألفاظ الحرب‪ ،‬وما يرادفها من‬
‫جديد يبدو أكرث تأثريا ً وجاذبية ‪.‬‬ ‫الهياج والهزاهز‪ ،‬ولخربته الفروسية وردت‬

‫ً‬ ‫‪27‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫الهوامـــــش‬
‫وصف الخيل يف الشعر العريب الجاهيل‪ ،‬كامل‬ ‫‪1 3‬‬ ‫‪ 1‬الفروسية يف شعر الخوارج‪ ،‬د‪ .‬طلعت صبحي‪ ،‬مطبعة‬
‫سالمة الدمقس‪ ،‬دار الكتب الثقافية‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫الرضا‪ ،‬ط‪1985 ،1‬م‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪1395‬هـ‪1975/‬م‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ 2‬ديوان معاوية بن مالك‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عزة حسن‪،‬‬
‫حلية الفرسان وشعار الشجعان‪ ،‬لعيل بن عبد الرحمن‬ ‫‪1 4‬‬ ‫منشورات دار الثقافة‪ ،‬دمشق‪1972 ،‬م‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫بن هذيل‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد الغني حسن‪ ،‬ط دار‬ ‫‪ 3‬ديوان عمرو بن كلثوم‪ ،‬دار الكتاب العريب‪1991 ،‬م‪،‬‬
‫املعارف‪1319 ،‬هـ‪1949/‬م‪ ،‬ص‪.177‬‬ ‫ص‪.254‬‬
‫تاريخ األدب العريب يف العرص الجاهيل‪ ،‬د‪ /‬شوقي‬ ‫‪1 5‬‬ ‫‪ 4‬لغة الشعر العريب‪ ،‬د‪ .‬حسني قاسم‪ ،‬الدار العربية‬
‫ضيف‪ ،‬ط دار املعارف‪ ،‬ط األوىل‪1967 ،‬م‪ ،‬ص‪.366‬‬ ‫للنرش‪ ،‬مدينة نرص‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫ديوان عمرو بن معدي كرب الزبيدي‪ ،‬جمع وتنسيق‪،‬‬ ‫‪1 6‬‬ ‫ ‪ 5‬لغة الشعر العريب‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫مطاع الطرابييش‪ ،‬ط‪1405 ،2‬هـ‪1985/‬م‪،‬ص ‪.142‬‬ ‫‪ 6‬التصوير الشعري – رؤية نقدية لبالغتنا العربية‪ ،‬د‪.‬‬
‫السابق‪.167 :‬‬ ‫‪1 7‬‬ ‫عدنان حسني‪ ،‬الدار العربية للنرش‪1421 ،‬هـ‪2000/‬م‪،‬‬
‫السابق‪.177 :‬‬ ‫‪ 18‬‬ ‫ص‪.39‬‬
‫السابق‪.69 :‬‬ ‫‪ 19‬‬ ‫‪ 7‬النقد التطبيقي واملوازنات‪ ،‬محمد الصادق عفيفي‪،‬‬
‫الديوان‪.106 :‬‬ ‫‪ 20‬‬ ‫مؤسسة الخانجي‪ ،‬ط‪1978 ،1‬م‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫السابق‪.108 :‬‬ ‫‪ 21‬‬ ‫‪ 8‬علم الداللة‪ ،‬د‪ .‬أحمد مختار‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫العجلزة ‪ :‬الفرس الشديدة الخلق‪ ،‬هامش الديوان‪،‬‬ ‫‪2 2‬‬ ‫ط‪1993 ،4‬م‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫ص‪.106‬‬ ‫ ‪ 9‬لغة الشعر العريب‪.88 ،‬‬
‫السابق‪.108 :‬‬ ‫‪ 22‬‬ ‫‪ 1 0‬شعر الحرب حتى نهاية القرن األول الهجري‪ ،‬د‪ .‬نوري‬
‫السابق‪149 :‬‬ ‫‪ 23‬‬ ‫حمودي القييس‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬مكتبة النهضة العربية‪،‬‬
‫السابق‪.70 :‬‬ ‫‪ 24‬‬ ‫ط‪1406 ،1‬هـ‪1986/‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫الديوان‪76 :‬‬ ‫‪2 5‬‬ ‫‪ 1 1‬هو عمرو بن معدي كرب بن ربيع بن عبد الله‬
‫السابق‪.78 :‬‬ ‫‪2 6‬‬ ‫الزبيدي‪ ،‬فارس اليمن‪ ،‬وصاحب الغارات املذكورة‪،‬‬
‫السابق‪.183 :‬‬ ‫‪ 27‬‬ ‫وفد إىل املدينة سنة ‪9‬هـ‪ ،‬يف عرشة من بني زبيد‪،‬‬
‫هامش الديوان‪.183 :‬‬ ‫‪ 28‬‬ ‫فأسلم وأسلموا‪ ،‬وملا تويف النبي صىل الله عليه وسلم‪،‬‬
‫الديوان‪.157:‬‬ ‫‪2 9‬‬ ‫ارتد عمرو يف اليمن‪ ،‬ثم رجع إىل اإلسالم‪ ،‬فبعثه أبو‬
‫انظر هامش الديوان‪.156 :‬‬ ‫‪3 0‬‬ ‫بكر إىل الشام‪ ،‬فشهد الريموك‪ ،‬وذهبت فيها إحدى‬
‫الديوان‪. 181:‬‬ ‫‪3 1‬‬ ‫عينيه‪ ،‬شهد القادسية مع عمر بن الخطاب‪ ،‬وكان‬
‫السابق‪.172:‬‬ ‫‪ 32‬‬ ‫عصبي النفس‪ ،‬أبيها‪ ،‬فيه قسوة الجاهلية‪ ،‬يكنى بأيب‬
‫السابق‪.72:‬‬ ‫‪ 33‬‬ ‫ثور‪ ،‬وأخبار شجاعته كثرية له شعر جيد‪ ،‬تويف عىل‬
‫الديوان‪.76 :‬‬ ‫‪3 4‬‬ ‫مقربة من الري‪ ،‬وقيل قتل يوم القادسية عطشاً‪ ،‬انظر‬
‫السابق‪.177 :‬‬ ‫‪ 35‬‬ ‫‪ :‬األعالم‪ ،‬لخري الدين الزركيل‪ ،‬دار العلم للماليني‪،‬‬
‫السابق‪.155 ،154 :‬‬ ‫‪ 36‬‬ ‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1995 ،11‬م‪ ،‬ج‪.86/5‬‬
‫السابق‪.81 :‬‬ ‫‪3 7‬‬ ‫‪ 1 2‬الحيوان للجاحظ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫السابق ‪.117‬‬ ‫‪ 38‬‬ ‫‪1356‬هـ‪1938/‬م‪.120/7 ،‬‬

‫‪28‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫الرباقة وامللساء‪ .‬وراهش ‪ :‬جمع رواهش‪ ،‬وهي عصب‬ ‫الديوان‪.120 :‬‬ ‫‪3 9‬‬
‫وعروق يف باطن الذراع‪( ،‬انظر هامش الديوان‪.)133 ،‬‬ ‫السابق‪.98 :‬‬ ‫‪ 40‬‬
‫السابق‪ ،164 :‬اللدن ‪ :‬اللني‪ ،‬وهي صفة الرمح‪ ،‬غري‬ ‫‪ 75‬‬ ‫انظر هامش الديوان‪.98 :‬‬ ‫‪4 1‬‬
‫ذي وصم‪ ،‬أي خالياً من الصدع أو العقدة‪( ،‬هامش‬ ‫الديوان‪.122 :‬‬ ‫‪4 2‬‬
‫الديوان‪.)164 : ،‬‬ ‫السابق‪.157 :‬‬ ‫‪ 43‬‬
‫السابق‪ :80 :‬وعلندى ‪ :‬صفة للفرس الضخم الجيد‬ ‫‪ 76‬‬ ‫السابق‪.66 :‬‬ ‫‪ 44‬‬
‫العدو‪( ،‬هامش الديوان‪.)80 ،‬‬ ‫الديوان‪.94 :‬‬ ‫‪4 5‬‬
‫مقدمة يف دراسة األدب اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى عليان‪،‬‬ ‫‪7 7‬‬ ‫السابق‪.144 :‬‬ ‫‪ 46‬‬
‫ط دار املنارة‪ ،‬جدة ‪ ،‬ص‪.108‬‬ ‫السابق‪ .143 :‬والربيئة ‪ :‬الطليعة‪( ،‬هامش الديوان‪،‬‬ ‫‪ 47‬‬
‫الديوان‪.73 :‬‬ ‫‪7 8‬‬ ‫‪.)143‬‬
‫السابق‪.77 :‬‬ ‫‪7 9‬‬ ‫السابق‪.66 :‬‬ ‫‪ 48‬‬
‫السابق‪ .101 :‬والقمد‪ : ،‬الشديد الغليظ‪( ،‬هامش‬ ‫‪ 80‬‬ ‫السابق ‪.111 :‬‬ ‫‪4 9‬‬
‫الديوان‪. )101 :‬‬ ‫الديوان‪144 :‬‬ ‫‪5 0‬‬
‫السابق‪.116 :‬‬ ‫‪ 81‬‬ ‫السابق‪.153 :‬‬ ‫‪ 51‬‬
‫الديوان‪..72 :‬‬ ‫‪8 2‬‬ ‫انظر هامش الديوان‪ :‬ص‪.153‬‬ ‫‪5 2‬‬
‫السابق‪.172 :‬‬ ‫‪ 83‬‬ ‫الديوان‪.185 :‬‬ ‫‪5 3‬‬
‫السابق‪128 :‬‬ ‫‪ 84‬‬ ‫السابق‪.69 :‬‬ ‫‪5 4‬‬
‫السابق‪.176 :‬‬ ‫‪ 85‬‬ ‫انظر هامش الديوان‪.69 :‬‬ ‫‪5 5‬‬
‫السابق‪.180 :‬‬ ‫‪ 86‬‬ ‫الديوان‪.91 :‬‬ ‫‪5 6‬‬
‫الديوان‪.121 :‬‬ ‫‪8 7‬‬ ‫الديوان‪.20 :‬‬ ‫‪5 7‬‬
‫السابق‪ ،137:‬والغطاط ‪ :‬أول الصبح‪ ،‬أو بقية من سواد‬ ‫‪ 88‬‬ ‫السابق‪.127 :‬‬ ‫‪ 58‬‬
‫الليل‪( .‬هامش الديوان‪. )137 :‬‬ ‫السابق‪.164 :‬‬ ‫‪ 59‬‬
‫السابق‪149 :‬‬ ‫‪ 89‬‬ ‫السابق‪.37 :‬‬ ‫‪ 60‬‬
‫السابق‪.174 :‬‬ ‫‪9 0‬‬ ‫السابق‪..162 :‬‬ ‫‪ 61‬‬
‫السابق‪ .81 :‬وكبش الكتيبة ‪ :‬رئيسها‪( ،‬هامش الديوان‪،‬‬ ‫‪ 91‬‬ ‫السابق‪.106 :‬‬ ‫‪ 62‬‬
‫‪.)81‬‬ ‫الديوان‪..72 :‬‬ ‫‪6 3‬‬
‫الديوان‪ ،97 :‬البهمة بضم الباء ‪ :‬الشجاع‪ ،‬وقيل‬ ‫‪9 2‬‬ ‫السابق‪.76 :‬‬ ‫‪ 64‬‬
‫الفارس الذي ال يدري من أن يؤىت لشدة بأسه‪(،‬هامش‬ ‫السابق‪.135 :‬‬ ‫‪ 65‬‬
‫الديوان‪.)97 ،‬‬ ‫السابق‪.61 :‬‬ ‫‪ 66‬‬
‫السابق‪.162 :‬‬ ‫‪ 93‬‬ ‫السابق‪.88 :‬‬ ‫‪ 67‬‬
‫انظر هامش الديوان‪ :‬ص‪.162‬‬ ‫‪9 4‬‬ ‫السابق‪.84 :‬‬ ‫‪ 68‬‬
‫الديوان ‪.176‬‬ ‫‪9 5‬‬ ‫الديوان‪.88 :‬‬ ‫‪6 9‬‬
‫السابق‪.176 :‬‬ ‫‪ 96‬‬ ‫السابق‪.164 :‬‬ ‫‪ 70‬‬
‫السابق‪.169 :‬‬ ‫‪ 97‬‬ ‫السابق‪.129 :‬‬ ‫‪ 71‬‬
‫الديوان‪.76 :‬‬ ‫‪9 8‬‬ ‫الديوان‪.84 :‬‬ ‫‪7 2‬‬
‫السابق‪.120 :‬‬ ‫‪9 9‬‬ ‫السابق‪.81 ،80 :‬‬ ‫‪ 73‬‬
‫السابق‪.144 :‬‬ ‫‪1 00‬‬ ‫السابق‪ .133 :‬والدالص ‪ :‬صفة للدرع وهي اللينة‬ ‫‪ 74‬‬
‫ً‬ ‫‪29‬‬
‫أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"‬
‫الديوان‪.108 :‬‬ ‫‪ 123‬‬ ‫السابق‪120 :‬‬ ‫‪1 01‬‬
‫السابق‪.73 :‬‬ ‫‪1 24‬‬ ‫السابق‪.142 :‬‬ ‫‪1 02‬‬
‫السابق‪120 :‬‬ ‫‪1 25‬‬ ‫الديوان‪.96 :‬‬ ‫‪ 103‬‬
‫السابق‪.122 :‬‬ ‫‪1 26‬‬ ‫السابق‪.11 :‬‬ ‫‪1 04‬‬
‫انظر هامش الديوان‪.122 :‬‬ ‫‪ 127‬‬ ‫السابق‪.120 :‬‬ ‫‪1 05‬‬
‫الديوان‪.125 ،‬‬ ‫‪ 128‬‬ ‫السابق‪.72 :‬‬ ‫‪1 06‬‬
‫السابق‪.127 ،‬‬ ‫‪1 29‬‬ ‫الديوان‪.115 :‬‬ ‫‪ 107‬‬
‫السابق‪.128 ،‬‬ ‫‪1 30‬‬ ‫السابق‪.89 ،88 :‬‬ ‫‪1 08‬‬
‫السابق‪.90 ،‬‬ ‫‪1 31‬‬ ‫السابق‪.119 :‬‬ ‫‪1 09‬‬
‫السابق‪.92 :‬‬ ‫‪1 32‬‬ ‫الديوان‪.106 :‬‬ ‫‪ 110‬‬
‫الديوان‪.111:‬‬ ‫‪ 133‬‬ ‫السابق‪.110 :‬‬ ‫‪1 11‬‬
‫السابق‪.11 :‬‬ ‫‪1 34‬‬ ‫السابق‪.112 :‬‬ ‫‪1 12‬‬
‫السابق‪.78 :‬‬ ‫‪1 35‬‬ ‫الديوان‪.120 :‬‬ ‫‪ 113‬‬
‫السابق‪.107 :‬‬ ‫‪1 36‬‬ ‫السابق‪.101 – 97 :‬‬ ‫‪1 14‬‬
‫الديوان‪.112 :‬‬ ‫‪ 137‬‬ ‫الديوان‪.122 :‬‬ ‫‪ 115‬‬
‫السابق‪.117 :‬‬ ‫‪1 38‬‬ ‫السابق‪.165 :‬‬ ‫‪1 16‬‬
‫السابق‪.162 :‬‬ ‫‪ 139‬‬ ‫السابق‪.136 :‬‬ ‫‪1 17‬‬
‫السابق‪.129 :‬‬ ‫‪1 40‬‬ ‫الديوان‪.157 :‬‬ ‫‪ 118‬‬
‫الديوان‪.155 ،154 :‬‬ ‫‪ 141‬‬ ‫الديوان‪.61 :‬‬ ‫‪ 119‬‬
‫السابق‪.64 :‬‬ ‫‪1 42‬‬ ‫السابق‪.61 :‬‬ ‫‪1 20‬‬
‫االتجاهات الجديدة يف الشعر العريب املعارص‪ ،‬د‪ .‬عبد‬ ‫‪ 143‬‬ ‫السابق‪.73 :‬‬ ‫‪1 21‬‬
‫الحميد حميدة‪ ،‬مؤسسة نوفل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.241‬‬ ‫السابق‪.82 :‬‬ ‫‪1 22‬‬

‫‪30‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫اال�ستعارة اللفظية يف م�ؤلفات قدماء البالغيني العرب‬
‫د‪.‬أحمد راجع‬
‫أستاذ محاضربقسم اللغة واألدب العربي بجامعة أدرار‪،‬الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‏‬

‫امللخص‪:‬‬
‫البالغة العربية فن لغوي عريب أصيل ما فتئ يتطور عرب مر السنني حتّى بل َغ أرفع ق َّمة يف‬
‫التعبري؛ بفضل أولئك العلامء الجهابذة الذين خدموا اللغة العربية إبّان القرون الثالث والرابع‬
‫و الخامس بعد الهجرة‪،‬واستعارة اللفظ عمل لغوي ف ّني تأسس عليه كالم العرب ‪،‬وقد أثارت‬
‫هذه الصورة البيانية انتباه البالغيني العرب مب ّكرا ‪،‬فقد عمد عبد الله بن املعتز(ت ‪296‬ه) يف‬
‫كتابه»البديع»إىل تصنيف االستعارة ضمن علم البديع وجعلها أول أبوابه ‪،‬وع ّرفها بأنها استعارة‬
‫الكلمة ليشء مل يُعرف بها من يشء قد عرف بها‪ ،‬وجعلها قسمني مستحسنة وم َعيب ِة‪ ،‬أما القايض‬
‫عيل بن عبد العزيز الجرجاين (ت ‪392‬ه) يف كتابه» الوساطة بني املتنبي وخصومه» فيع ّرف‬
‫االستعارة بأنها ما اكتفي فيها باالسم املستعار عن األصل‪،‬ونُقلت العبارة ف ُجعلت يف مكان‬
‫يقسمها إىل حسنة وسيئة‪،‬ويف ّرق بينها وبني التشبيه‪،‬وأما أبو هالل العسكري (ت ‪395‬‬ ‫غريها‪،‬ثم ّ‬
‫ه) يف كتابه «الصناعتني» فقد ع ّرفها بأنها نقل العبارة عن موضع استعاملها يف أصل اللغة إىل غريه‬
‫لغرض‪،‬وقسمها إىل مصيبة ورديئة‪،‬وأما عبد القاهر الجرجاين (ت‪471‬ه)يف كتابه»أرسار البالغة»‬ ‫ّ‬
‫فقد ع ّرف االستعارة بأنها التي يكون فيها اللفظ مجازا ً ألصله الذي وقع له ابتدا ًء يف اللّغة ‪،‬فهي‬
‫التشبيه‪،‬وقسمها إىل مفيدة وفعلية وترصيحية‬
‫ّ‬ ‫عنده نوع من املجاز اللغوي الذي يقوم عىل عالقة‬
‫ومكنية ‪،‬وف ّرق بينها وبني التشبيه‪.‬‬

‫ثانيا‪-‬أهمية علم البيان يف البالغة العربية‪.‬‬ ‫مقدمة‪:‬‬


‫ثالثا‪-‬االستعارة عند عبد اللّه بن املعتز(ت‬ ‫من الضرّ وري أن يعرف الدارسون عن أرسار‬
‫‪296‬ه)‪.‬‬
‫لغتهم‪ ،‬واللغة العربية لغة إفصاح وبيان‪ ،‬و من‬
‫يقرأ بعض أعامل اللغويني العرب يف البالغة‬
‫رابعا‪-‬االستعارة عند القايض عيل بن عبد العزيز‬
‫العربية‪ ،‬يجد دراسة وافية يف مباحث علومها‬
‫الجرجاين (ت ‪392‬ه)‪.‬‬
‫الثالثة‪ ،‬وباب االستعارة باب مثري مهم‪ ،‬و فيه أتت‬
‫مشاركتنا بهذا املقال املعنون ‪:‬االستعارة اللفظية أ ‪-‬أقسام االستعارة يف كتاب الوساطة للقايض‬
‫الجرجاين‪.‬‬ ‫يف مؤلفات قدماء البالغيني العرب‪،‬ويتناول‬
‫ب ‪ -‬الفرق بني االستعارة والتشبيه يف كتاب‬ ‫بالدراسة العنارص اآلتية‪:‬‬
‫الوساطة‪.‬‬ ‫أوال‪-‬ظهور علم البالغة العربية‪.‬‬

‫االستعارة اللفظية في مؤلفات قدماء البالغيين العرب‬ ‫‪31‬‬


‫البحث يف اللغة وقواعدها وبيانها‪ ،‬فالجاحظ(ت‬ ‫خامسا‪-‬االستعارة عند أيب هالل العسكري ( ت‬
‫‪255‬ه) يروي عن األصمعي حديثه عن بعض‬ ‫‪ 395‬ه )‪.‬‬
‫ألفاظ العرب التي جاءت متنافرة يف النص‪ ،‬بحيث‬ ‫سادسا‪-‬االستعارة يف كتاب أرسار البالغة لعبد‬
‫ال يستطيع املنشد إنشادها إلاّ ببعض االستكراه‬ ‫القاهر الجرجاين ( ت ‪471‬ه )‪.‬‬
‫كقول الشاعر‪:‬‬
‫أ‪-‬االستعارة من حيث املفهوم‪.‬‬
‫وقبرْ ُ ح ْر ٍب مبكانٍ قَ َف ٍر ول ْي َس قُ ْر َب قَبرْ ِ ح ْر ٍب قَبرْ ُ‬ ‫ب‪-‬االستعارة من حيث النوع‪ .‬‬
‫مخل بالفصاحة‪ ،‬لتنافر‬ ‫وهو يشري إىل أن األمر ٌّ‬
‫ج‪-‬الفرق بني االستعارة والتشبيه يف " أرسار‬
‫الحروف والكلامت يف الرتكيب(‪.)2‬‬
‫البالغة " لعبد القاهر الجرجاين‪.‬‬
‫وقد ُعني الرواة برواية األدب وأصوله‬
‫خالصة‪.‬‬
‫اللغوية والنحوية ؛من خالل النصوص الشعرية‬
‫يف العرصين الجاهيل واإلسالمي‪ ،‬فاهتدوا إىل‬ ‫أوال‪-‬ظهور علم البالغة العربية‪:‬‬
‫استنباط بعض الخصائص األسلوبية عىل نحو ما‬ ‫يُفصح النص األديب شعره ونرثه عن متلّك عرب‬
‫نجد يف كتاب سيبويه(ت ‪180‬ه) من كالمه عن‬ ‫الجاهلية ناصية القول ‪،‬وتفننهم يف طرق التعبري‬
‫التقديم والتأخري‪ ،‬والحذف والذّكر‪ ،‬والتعريف‬ ‫عن أفكارهم وخواطرهم إىل درجة تشهد لهم‬
‫والتنكري ونحو ذلك(‪.)3‬‬ ‫بعلو املكانة يف عامل الفصاحة والبالغة‪ ،‬فالنصوص‬
‫كام بحث أبو عبيدة معمر بن املثنى(‪209‬ه)‬ ‫الشعرية هي التي كانت متثّل معظم أدبهم‪،‬‬
‫يف كتابه "مجاز القرآن" يف تأويل بعض اآليات‬ ‫فتورد الكثري من األساليب املتصلة منها باللفظ‬
‫القرآنية واإلشارة إىل بعض األساليب البيانية‬ ‫أو باملعنى من خواطرهم ورودا ً عفوياً‪ ،‬ال تكلّف‬
‫كالتشبيه واالستعارة والكناية‪ ،‬وبعض خصائص‬ ‫فيها وال تع ُّمل وهذا راجع إىل ما فُطروا عليه من‬
‫التعبريات النحوية التي لها دالالت معنوية‪،‬‬ ‫طبيعة شعرية جميلة معبرّ ة يف صور من البيان‬
‫من مثل الذكر والحذف وااللتفات والتقديم‬ ‫خالبة مؤثرة(‪.)1‬‬
‫والتأخري(‪.)4‬‬ ‫ومل ّا جاء اإلسالم بدأت البالغة تنمو بفعل‬
‫ويف العرص العبايس ظهرت فئة من العلامء‬ ‫اإلسالم الذي أ َّدى إىل تفتّح العرب‪ ،‬وخروجهم‬
‫وقفت عىل صناعة الكالم‪ ،‬فعلامء الكالم ويف‬ ‫إىل غريهم واحتكاكهم عقليا بالحضارات املجاورة‬
‫طليعتهم املعتزلة‪ ،‬اعتمدوا الجدل يف الدفاع عن‬ ‫؛مماّ أعان عىل ُرقي العقل العريب واتساع آفاقه‪،‬‬
‫عقيدتهم ودحض حجج خصومهم‪ ،‬كام اتخذوا‬ ‫فاإلسالم جاء بالقرآن الكريم؛ ذلك الكتاب املعجز‬
‫من األلفاظ ودالالتها وسيلة لإلقناع والغلبة تجاه‬ ‫الذي مل يستطع العرب أن يأتوا مبثله لقوة‬
‫معارضيهم(‪.)5‬‬ ‫فصاحته ووثوق أسلوبه ‪،‬مماّ أدى بالعلامء إىل‬
‫التسارع يف البحث يف معانيه ومعرفة أرساره‪،‬‬
‫والكالم عن علم البيان هو الكالم عن البالغة‬
‫فظهر يف هذه الفرتة اللغويّون والنحاة والرواة‪،‬‬
‫عموماً‪ ،‬ألن البالغة عند َمن سبق من علامء‬
‫شارك هؤالء مشاركة ف ّعالة يف بناء رصح البالغة‪،‬‬
‫العربية كانت تشمل كثريا ً من املباحث أطلق‬
‫موجهني عنايتهم إىل بحث األلفاظ وداللتها ‪،‬وإىل‬
‫‪32‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫‪ ،‬والستم ّر السرَّ ار بأهلّها ‪ ،‬واستوىل الخفاء عىل‬ ‫عليها‪ :‬علم البيان‪ ،‬ومل يَعرفوا هذه التقسيامت‬
‫جملتها ‪ ،‬إىل فوائد ال يدركها اإلحصاء ‪ ،‬ومحاسن‬ ‫الثالثة املعروفة لدينا اليوم ؛وهي‪ :‬علم املعاين‬
‫ال يحرصها االستقصاء‪)8(" .‬‬ ‫وعلم البيان وعلم البديع‪ ،‬والجدير بالذّكر أن‬
‫وقد تناول البالغيون بالدراسة االستعارة حتى‬ ‫هؤالء العلامء األوائل أمثال الجاحظ وأيب هالل‬
‫استقر حالها اليوم يف باب علم البيان‪.‬‬ ‫العسكري(ت ‪395‬ه) ال يع ّدون واضعي علم‬
‫البيان لقصور كتاباتهم وعموم عباراتهم‪ ،‬وإمنا‬
‫ثالثا‪-‬االستعارة عند عبد اللّه بن املعتز(ت‬
‫يرجع الفضل إىل اإلمام عبد القاهر الجرجاين (ت‬
‫‪296‬ه)‪:‬‬
‫‪471‬ه) يف وضع أسس هذا الف ّن من خالل كتابيه‬
‫عمد عبد الله بن املعتز يف كتابه " البديع " إىل‬ ‫"أرسار البالغة" و " دالئل اإلعجاز "‪ ،‬ثم إىل أيب‬
‫تصنيف االستعارة ضمن علم البديع وجعلها أول‬ ‫السكايك (ت ‪626‬ه) من خالل كتابه "‬ ‫يعقوب ّ‬
‫أبوابه‪ ،‬فع َّرفها من خالل تعبري قرآين مفاده "أن‬ ‫مفتاح العلوم "(‪.)6‬‬
‫"جناح الذل "(‪ ")9‬إمنا هو استعارة الكلمة ليشء‬
‫لقد استأثر علم البالغة العربية بنصيب وافر‬
‫مل يُعرف بها من يشء قد عرف بها‪ ،‬كام يف قول‬
‫من مجهود املهتمني من علامء القرون األوىل من‬
‫لب العمل‬ ‫القائل‪ ":‬الفكرة مخ العمل" فلو قال ُّ‬ ‫عمر الدولة العربية اإلسالمية ؛حيث ظهرت حركة‬
‫مل يكن بديعاً (‪ ،،)10‬ويبدوا أن ابن املعتز قد‬
‫نشيطة يف التأليف والتصنيف‪ ،‬فبيّنوا خطوطها‬
‫ساق أمثلة كثرية من اآليات القرآنية واألحاديث‬
‫الرئيسة ‪،‬وعالجوا مسائلها الكربى ‪،‬وبلوروها‪،‬‬
‫النبوية الرشيفة وكالم الصحابة وكالم العرب‬
‫وضبطوا مقاييسها ‪،‬وب ّينوا عالقتها بالتفسري‬
‫شعره ونرثه دون أن يبينّ موضع االستعارة منها‬
‫والنحو واإلعجاز‪ ،‬فالبالغة يف نظر املحدثني نظرية‬
‫بيشء من الرشح أو التعليق إلاّ فيام ندر‪ ،‬وعىل‬
‫تختص بف ّن القول املتولّد عن مامرسة النص من‬
‫ذلك يجري فصل االستعارة كلّ ُه يف الكتاب‪ ،‬ومثال‬
‫جهة بنيته اللغوية(‪.)7‬‬
‫الرأس‬
‫تعل ُ‬ ‫ذلك ما جاء به يف قوله عز وجل ﴿ واشْ َ‬
‫الليل‬
‫شي َبا ﴾(‪ ،)11‬وقوله عن اس ُمه ﴿ وآية له ُم َ‬ ‫ثانيا‪-‬أهمية علم البيان يف البالغة العربية‪:‬‬
‫نسلَ ُخ منه النها َر ﴾(‪ ،)12‬ويف قوله صىل الله عليه‬ ‫ن ّوه البالغيون العرب القدامى بأهمية البيان ‪،‬‬
‫ممسك بع َنان ف َر ِسه يف‬
‫ٌ‬ ‫رجل‬ ‫وسلم "خ ُري ِ‬
‫الناس ُ‬ ‫ويف مقدمتهم عبد القاهر الجرجاين بقوله ‪" :‬ثم‬
‫سبيل الله كلَّام سمع َه ْي َع ًة طار إليها" (‪ ،)13‬ويف‬ ‫إنّك ال ترى علام‬
‫كالم الصحابة (رضوان الله عليهم) الذي منه قول‬ ‫جنى ‪،‬‬
‫هو أرسخ أصال ‪ ،‬وأبسق فرعا ‪ ،‬وأحىل ً‬
‫اإلمام عيل كرم الله وجهه" العلم قفل مفتاحه‬ ‫وأعذب ِوردا ‪ ،‬وأكرم نتاجا ‪ ،‬وأنور رساجا من‬
‫السؤال"‪ ،‬ثم يذيل بكالم العرب بقوله‪ ":‬ومن‬ ‫علم البيان الذي لواله مل تر لسانا يحوك الويش‬
‫االستعارة قول امرئ القيس ‪)14(:‬‬ ‫‪ ،‬ويصوغ ال َحيل ‪ ،‬ويلفظ الدر ‪ ،‬وينفث السحر ‪،‬‬
‫ ‬ ‫وليل كموج البحر أرخى سدوله‬ ‫ويقري الشهد ‪ ،‬ويريك بدائع من الزهر ‪ ،‬ويُجنيك‬
‫عـــــــيل بأنواع الهموم ليبتيل‬ ‫ ‬ ‫الحلو اليانع من الثمر ‪ ،‬والذي لوال تحفّيه‬
‫فقلـــــــــــــــــــــــت له مل ّا متطَّى بصلبــه‬ ‫بالعلوم وعنايته بها ‪ ،‬وتصويره إياها‪ ،‬لبقيت‬
‫وأردف أعجازا ً وناء بكـــــلكل‬ ‫كامنة مستورة‪ ،‬وملا استبنت لها ي َد الدهر صورة‬
‫االستعارة اللفظية في مؤلفات قدماء البالغيين العرب‬ ‫‪33‬‬
‫أ – االستعارة الحسنة‪:‬وميثّل لها بقول الشاعر ابن‬ ‫هذا كلّه من االستعارة ألن الليل ال صلب له وال‬
‫املعتز‪)19(:‬‬ ‫عجز" (‪.)15‬‬
‫ ‬ ‫مازال يلطُ ُم خ َّد األرض وابلُها‬ ‫فإذا سلّمنا بأن ما أورده ابن املعتز من أمثلة‬
‫حتّى وقَت خ َّدها الغُدرا ُن والخـــــضرَ ُ‬ ‫ ‬ ‫االستعارة إمنا كان من قبيل االستعارة املستحسنة‬
‫فيعلّق القايض الجرجاين عىل هذا بقوله‪ ":‬وإمنا‬ ‫بتعبريه‪ ،‬فإنه قد تحدث يف آخر الفصل عن‬
‫نازع أبا نواس قولَ ُه(‪:)20‬‬ ‫االستعارة امل َعيب ِة من خالل مثال الحق بقوله‪":‬‬
‫نرجس ‬ ‫ٍ‬ ‫يبيك فيُذري الد ّر من‬
‫يب من الشِّ عر‬‫وهذا وأمثاله من االستعارة مماَّ ِع َ‬
‫والكالم ‪،‬وإمنا نخرب بالقليل ل ُيعرف ف ُي َج ّنب‪،..‬وقال‬
‫بعــــــــــناب(‪)21‬‬
‫ِ‬ ‫ويلــــــطم الـــورد‬ ‫ ‬
‫الجاحظ‪ :‬رأى قوم مع رجلٍ خفّا فقالوا ‪:‬قلنسوة‬
‫وحصل‬
‫فسبق أبو نواس بفضل التق ّدم واإلحسان‪َ ،‬‬ ‫فضحكوا منه‪ ،‬فقال عياض‪ :‬صدق هذه قلنسوة‬
‫هو عىل نقص السرّ َق والتقصري‪ ،‬لكنه أحسن يف‬ ‫ال ِّرجل‪)16(".‬‬
‫بق ّية البيت فجَبرَ بعض ذلك النقص‪.")22(.‬‬
‫رابعا‪-‬االستعارة عند القايض عيل بن عبد العزيز‬
‫ب – االستعارة السيئة‪:‬‬ ‫الجرجاين (ت ‪392‬ه)‪:‬‬
‫يقول القايض الجرجاين‪:‬فإذا سمعت قول أيب‬ ‫يُع ّد كتاب" الوساطة بني املتنبي وخصومه"‬
‫للقايض الجرجاين كتابا يف فّ ِّن البالغة غري أنه متام‪)23(:‬‬
‫كأنني ح َني ج ّردت الرجاء له ‬ ‫مبني عىل أسس بالغية ؛ألنه‬ ‫حقيقة كتاب نقد ّ‬
‫َضب(‪)24‬صب ْب َت به ماء عىل ال ّزمنِ‬ ‫غ ُ‬ ‫يستعني بالبالغة يف إيضاح واستجالء الحقائق ‬
‫األدبية ممثال بالشواهد ال بالتعريفات والحدود وقول أيب نواس‪:‬‬
‫كام يفعل رجال البالغة‪)17(.‬‬
‫ ‬ ‫يا عمرو أضحت م ْب َيضَّ ة كبدي‬
‫صفر(‪)25‬العنب‬
‫ِ‬ ‫فاص ِب ْغ بيـــــــــاضاً ب ُع‬ ‫يقول القايض الجرجاين يف مقدمة كتاب ‬
‫ثيابك َ‬ ‫ِ‬
‫واستغش َ‬ ‫"الوساطة" معرفا االستعارة‪" :‬وإمنا االستعارة ما‬
‫‪،‬وإياك واإلصغاء‬ ‫فاس ُد ْد مسامعك‪،‬‬
‫اكـــــــــتفي فيها باالسم املستعار عن األصل‬
‫القلب‬
‫َ‬ ‫إليه‪ ،‬واحذر االلتفات نحوه ؛فإنه يُصدئ‬
‫ونُقلت العبارة ف ُجعلت يف مكان غريها‪ ،‬ومالكها‬
‫ويُعميه‪ ،‬ويَطْمس البصرية‪ ،‬ويكد القريحة‪")26(.‬‬
‫تقريب الشبه ومناسبة املستعار له للمستعار‬
‫وعىل هذا فاالستعارة عند القايض الجرجاين‬ ‫منه‪ ،‬وامتزاج اللفظ باملعنى حتى ال يوجد‬
‫بينهام منافرة‪ ،‬وال يُتَبينّ يف أحدهام إعراض عن هي أحد أعمدة الكالم وعليها املع ّول يف التوسع‬
‫رصف‪ ،‬وبها يُتوصل إىل تزيني اللفظ وتحسني‬ ‫والت ّ‬ ‫اآلخر‪)18(".‬‬
‫النظم والنرث‪ ،‬وأكرث هذا الصنف من الباب الذي‬
‫خامسا‪-‬أقسام االستعارة يف كتاب الوساطة‬
‫ق ّدم لنا القايض الجرجاين القول فيه‪ ،‬وأقام لنا‬
‫للقايض الجرجاين‪:‬‬
‫الشواهد عليه‪ ،‬وأعلمنا أنه يمُ ّيز بقبول النفس‬
‫يقسم الجرجاين االستعارة إىل نوعني‪ :‬استعارة ونفورها‪ ،‬ويُنتقد بسكون القلب ونُب ِّوه ‪،‬فالحكم‬ ‫ّ‬
‫قبحها عند القايض‬ ‫عىل جودة االستعارة أو ِ‬ ‫حسنة وأخرى سيئة‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫املصيبة‪ ،‬وقسم االستعارة الرديئة‪.‬‬ ‫الجرجاين يرجع إىل قبول النفس لها أو نفورها‬
‫أ‪-‬االستعارة املصيبة‪:‬‬ ‫منها‪.‬‬
‫يرى أبو هالل العسكري أن هذا النوع يتض َّمن‬ ‫سادسا‪-‬الفرق بني االستعارة والتشبيه يف كتاب‬
‫ما ال تتضمنه الحقيقة من زيادة فائدة‪ ،‬وهي‬ ‫الوساطة‪:‬‬
‫تفعل يف نفس السامع ما ال تفعلُه الحقيقة‪،‬‬ ‫ويف موضع آخر من كتاب "الوساطة" نجد‬
‫ومنه قوله عز اسمه ﴿ أ َو من كان ميتا فَأحيينا ُه‬ ‫القايض الجرجاين يتحدث عن الفرق بني االستعارة‬
‫الناس كمن مثَلُه يف‬ ‫و َجعل َنا له نورا ً ميشيِ به يف ِ‬ ‫والتشبيه‪ ،‬ملا يراه من خلط بينهام عند أهل‬
‫ليس بخار ٍج من َها ﴾(‪، )30‬فيقول أبو‬ ‫ُّلامت َ‬ ‫الظ ِ‬ ‫األدب‪ ،‬ذاكر أنواعاً من االستعارة ع َّد فيها قول‬
‫هالل يف هذا‪ " :‬فاستع َمل النور مكا َن الهدى ألنّ ُه‬ ‫أيب نواس (‪:)27‬‬
‫أبْينَ ‪ ،‬والظلمة مكا َن الك ْف ِر ألنَّها أشه ُر"‪)31(.‬‬ ‫والحب ظهر أنت راك ُبه ‬ ‫ّ‬
‫يرى أبو هالل أن لكل استعارة ومجاز حقيقة‬ ‫فإذا رصفت عنانَه انصــــــرفَا‬ ‫ ‬
‫؛تكون فيه االستعارة أبلغ من الحقيقة ‪،‬ففي قوله‬ ‫ولست أرى هذا وما أشبهه استعارةً‪ ،‬وإنمّ ا معنى‬
‫ُ‬
‫َضب ﴾ (‪،)32‬‬ ‫سكت عن موىس الغ ُ‬ ‫َ‬ ‫تعاىل ﴿ ولَماَّ‬ ‫الحب كظهر تديره‬ ‫الحب مثل ظهر‪ ،‬أو ّ‬ ‫البيت أن ّ‬
‫معناه ذهب‪ ،‬وسكت أبلغ ألن فيه دليالً عىل‬ ‫رضب مثَل‬ ‫كيف شئت إذا ملكت عنانَه‪ ،‬فهو إ ّما ُ‬
‫موقع العودة يف الغضب إذا ت ُؤ ِّمل ُ‬
‫الحال‪ ،‬ونظر‬ ‫أو تشبيه يشء بيشء‪ ،‬وإمنا االستعارة ما اكتُ ِف َي‬
‫فيام ي ُعود به عبا َد ُة ال َع َجل من الرض ِر يف ال ّدين‬ ‫فيها باالسم املستعار عن األصل ‪،‬ونقلت العبارة‬
‫كام أن الساكت يُتوقّع كال ُم ُه (‪.)33‬‬ ‫ف ُجعلت يف مكان غريها‪،‬ومالكها تقريب اليشء‬
‫ويواصل العسكري حديثه بأمثلة عديدة من‬ ‫‪،‬ومناسبة املستعار له للمستعار منه‪ ،‬وام ِت َزاج‬
‫القرآن الكريم ‪،‬ثم يتحدث عن االستعارة يف كالم‬ ‫اللفظ باملعنى‪ ،‬حتَّى ال يوجد بينهام منافرة ‪،‬وال‬
‫العرب من الشّ عر واملثل والخطابة وهو يرشح‪،‬‬ ‫أحدهام إعراض عن اآلخر‪)28( ".‬‬‫يتبينّ ُ يف ِ‬
‫فمماّ أورده من األمثال قول العرب‪" :‬بأرض فالن‬ ‫سابعا‪-‬االستعارة عند أيب هالل العسكري ( ت‬
‫ودل‬‫صاح "‪،‬وذلك إذا طال فتبينّ للناظر‪ّ ،‬‬ ‫شجر قد َ‬ ‫‪ 395‬ه)‪:‬‬
‫عىل نفسه؛ألن الصائح يدل عىل نفسه‪)34(.‬‬
‫يَنهج أبو هالل العسكري نهج ابن املعتز يف‬
‫وإذا كان لنا أن نفسرّ سكوت أيب هالل‬ ‫ع ّد االستعارة ضمن "البديع" يف الباب التاسع من‬
‫العسكري عن نعت االستعارة يف املثَلِ باملكنية‬ ‫كتاب الصناعتني ؛ح َني ع ّرفها بقوله‪" :‬االستعارة‬
‫كام هو معهود لدى البالغيني املتأخرين‪ ،‬فال‬ ‫نقل العبارة عن موضع استعاملها يف أصل اللغة‬
‫السبق يف هذا الوصف الذي ذكر‬ ‫ننفي عنه فضل ّ‬ ‫إىل غريه لغرض‪ ،‬وذلك الغرض إ ّما‪ :‬أن يكون رشح‬
‫‪،‬ورمبا كان ذلك مماّ يستنتج بداه ًة مام سماّ ه‬ ‫املعنى وفضل اإلبانة عنه ‪،‬أو تأكيده واملبالغة‬
‫االستعارة املصيبة‪.‬‬ ‫فيه‪،‬أو اإلشارة إليه بالقليل من اللفظ بحسن‬
‫ب‪-‬االستعارة الرديئة‪:‬‬ ‫العرض الذي يربز فيه"‪)29(.‬‬
‫يف هذا القسم يتناول أبو هالل أمثلة من‬ ‫ويرى أنها تنقسم إىل قسمني؛ قسم االستعارة‬
‫االستعارة اللفظية في مؤلفات قدماء البالغيين العرب‬ ‫‪35‬‬
‫الجملة من الكالم ‪،‬كان مجازا ً من طريق املعقول‬ ‫الشعر الفصيح ‪،‬ويعلّق عليها تارة بالبعيدة ج ّدا‪،‬‬
‫دون اللغة‪)38(".‬‬ ‫وبالهجينة تارة أخرى‪ ،‬فيذكر يف عجيب هذا‬
‫وعليه فإ ّن االستعارة يف ف ْهمه هي التي يكون‬ ‫الباب قول بعض شعراء عبد القيس‪:‬‬
‫فيها اللفظ مجازا ً ألصله الذي وقع له ابتدا ًء يف‬ ‫ومل ّا رأيت الده َر وعرا ً َسبيلُ ُه ‬
‫‪،‬وهي نوع من املجاز اللغوي الذي يقوم‬ ‫َ‬ ‫اللغة‬ ‫دى لنا ظ ْهرا ً أ َج َّب ُمسلَ َعا‬
‫وأبْ َ‬ ‫ ‬
‫عىل عالقة التشبيه‪.‬‬ ‫ ‬ ‫اك ضئيل ٍة‬ ‫و َج ْب َه ٍة فَ ْر ٍد كالشرِّ ِ‬
‫أ – االستعارة من حيث املفهوم‪:‬‬ ‫وصـــــ َّعر خ ّديْ ِه وأنْفاً ُم ْجـــــــــــ ّد َعا‬ ‫ ‬
‫يقول عبد القاهر الجرجاين يف مستهل كتاب‬ ‫أعرف متَى رأى هذا للد ْه ِر جبه ًة كالشرِّ ِ‬
‫اك‪،‬‬ ‫وما ُ‬
‫األرسار‪":‬اعلم أن االستعارة يف الجملة أن يكون‬ ‫ضحك الثكلىَ "‪.‬‬ ‫مع هذا الذي ع َّددَهُ فجاء مبا يُ ِ‬
‫لفظ األصل يف الوضع اللغوي معروفاً ُّ‬
‫‪،‬تدل‬ ‫(‪)35‬‬
‫الشواهد عىل أنَّه ا ْختُ َّص به ح َني ُو ِض َع‪ ،‬ثم‬ ‫ثامنا‪-‬االستعارة يف كتاب أرسار البالغة لعبد‬
‫يستعمل ُه الشاع ُر أو غ ُري الشاع ِر يف غري ذلك‬ ‫القاهر الجرجاين (ت ‪471‬ه )‪:‬‬
‫الزم‪ ،‬فيكون هناك‬ ‫األصل‪ ،‬وينقلُه إليه نقالً غري ٍ‬ ‫يُع ّد كتاب "أرسار البالغة" من أنفس ما كتب‬
‫كالعارية‪،)39(".‬ويرضب مثاال هو‪ ":‬رأيت بحرا ً‬
‫اإلمام عبد القاهر الجرجاين (‪ ،)36‬وهو مؤلَف يف‬
‫‪،‬فقد أخذت باستعارة البحر سعتَه يف الجود‬
‫علم البيان‪،‬‬ ‫يختص بدراسة مباحث ِ‬ ‫ُّ‬ ‫فَ ِّن البالغة‬
‫وصف ر ًجلٍ بالجود‬ ‫الكف‪،‬فإنك تريد هنا َ‬ ‫وفيض ِّ‬
‫فالذي يه ّمنا يف هذا الكتاب هو فصول االستعارة‪،‬‬
‫وتشبيهه بالبحر عىل املبالغة‪)40(.‬‬
‫ولذلك فإننا نحاول أن نعرف ما جاء فيها ‪،‬ونسلّط‬
‫فاالستعارة عنده رضب من التشبيه أو تشبيه‬ ‫الضوء عىل نظرة عبد القاهر والتحليالت‬
‫بليغ ‪،‬وبذلك فهي تتألف من أداة التشبيه‬ ‫والتقسيامت الواردة يف دراسته لالستعارة‪.‬‬
‫املحذوفة‪ ،‬واملستعار له ( ال ّرجل الكريم يف املثال‬
‫يقول عبد القاهر مع ّرفاً املجاز‪" :‬وإن شئت‬
‫)‪ ،‬واملستعار منه ( البحر )‪،‬والقرينة بني املعنى‬
‫قلت‪:‬كل كلم ٍة ُج ْزتَ بها ما وقَ َع ْت له يف وضع‬ ‫ُّ‬
‫األصيل واملعنى املجازي ‪،‬وهي الصفة التي قربت‬
‫الواضع إىل ما مل تُوضَ ع له ‪،‬من غريِ أنه تستأنف‬
‫للسامع املعنى ‪،‬وهي يف املثال"االتساع"و"كرثة‬ ‫َّ‬ ‫فيها وضعاً ملالحظة بني ما ت ُ َج ِّوز بها إليه ‪،‬وبني‬
‫الفيض"‪ ،‬فيكون معنى العبارة بعد متامها‪ :‬الرجل‬
‫أصلها الذي وضعت له يف وضع واضعها ‪،‬فهي‬
‫الكريم كالبحر يف ِس َعة جوده وفيض كفّه‪.‬‬
‫يقسم هذا املجاز إىل قسمني‪:‬‬ ‫مجاز"(‪ ،)37‬ثم ّ‬
‫ب – االستعارة من حيث النوع‪:‬‬ ‫لغوي وعقيل بقوله‪":‬واعلم أن املجاز عىل رضبني‬
‫لقد استطاع عبد القاهر بحق أن يضع‬ ‫مجاز من طريق اللغ ِة ‪،‬ومجاز من طريق املعنى‬
‫أساس ما س ّمي بعده ب"علم البيان"‪،‬واعتقد‬ ‫َ‬ ‫واملعقول ‪،‬كقولنا‪ :‬اليد مجاز يف ال ّنعم ِة‪ ،‬كان‬
‫أن االستعارة والتشبيه والكناية والتمثيل جميعاً‬ ‫حكامً أجرينا ُه عىل ما ج َرى عليه من طريق اللغة‬
‫لب التصوير األديب وذخريته التي ال تنفذ‪،‬‬
‫تشكّل َّ‬ ‫‪،‬ألنّا أر ْدنا أن املتكلم قد جاز باللفظة أصلَها الذي‬
‫وأعطى االستعارة قيمة تفوق التشبيه‪ ،‬وأظهر‬ ‫َّوقَ َع ْت له ابتدا ُء يف اللغة‪...‬ومتى وصفنا باملجاز‬
‫‪36‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫فاستعمل الشّ فة يف الفرس وهي موضوعة‬ ‫فضلها‪ ،‬وف ّرق بني املفيد الرائع وبني املبتذل‬
‫لإلنسان‪ ،‬فهذا ونحوه ال يُفيدك شيئاً لو لزمت‬ ‫تصورا ً متكامالً عن التشبيه‪،‬‬ ‫العا ّمي منها‪ ،‬وق َّدم ُّ‬
‫يحصل لك‪ ،‬فال فرق من جهة املعنى بني‬ ‫األصل مل ُ‬ ‫عبرَّ به عن نضج ف ّني واكتامل فكري‪ ،‬مام ج َعلَ ُه‬
‫قوله‪ :‬من شفتيه ‪،‬وقوله‪ :‬من جحفلتيه لو قاله‪،‬‬ ‫يختلف عن سابقيه اختالفاً جذرياً مع أن األساس‬
‫فحسب‬
‫ُ‬ ‫إمنا يعطيك كال االسمني العض َو املعلوم‬ ‫واحد‪ ،‬وبذلك َج َع َل من هذه األنواع البالغية‬
‫صك جزءا ً من الفائدة‬‫‪،‬بل االستعارة ههنا بأن تن ِق َ‬ ‫جل محاسن الكالم ‪،‬وتدور‬ ‫أصوالً تتفرع عنها ُّ‬
‫أشب ُه (‪.)46‬‬ ‫حولها أقطاب املعاين وأقطارها (‪ ،)41‬وس َنتبينَّ‬
‫ومنه فإنّه يتّضح كيف أ ّن عبد القاهر ع ّد هذا‬ ‫هذا من خالل تناول عبد القاهر االستعارة من‬
‫العامي الذي ال‬
‫ّ‬ ‫النو َع من االستعارة من املبتذل‬ ‫جهات ع ّدة‪ ،‬ونظرته إليها من حيث فائدتها تارة‬
‫حسن‪.‬‬‫يفيد يف يشء وال يزيد يف ْ‬ ‫‪،‬و من حيث اسميتها أو فعليَتُها تارة أخرى‪،‬‬
‫واهتاممه بشكلها النحوي ‪،‬و إمكان وجود أحد‬
‫ب – ما لنقله فائدة‪:‬‬ ‫طرفيها أو حذفه‪.‬‬
‫يقول عبد القاهر عن هذا الرضب من االستعارة‪:‬‬
‫"وأ ّما املفيد فقد با َن َلك باستعارته فائدة ومعنى‬
‫ج‪ -‬االستعارة من حيث الفائدة‪:‬‬
‫من املعاين وغرض من األغراض‪،‬فإن األشياء تزداد‬ ‫قسم ليس‬
‫ي َرى عبد القاهر أن االستعارة قسمني‪ْ :‬‬
‫بياناً باألضداد‪ ،‬ومثاله قولُنا‪ :‬رأيت أسدا ً وأنت‬ ‫لنقله فائدة وقسم لنقله فائدة‪.‬‬
‫تعني رجالً شجاعاً‪ ،‬وبحرا ً تريد رجالً جوادا ً‪ ،‬وبدرا ً‬ ‫أ – ما ليس لنقله فائدة‪:‬‬
‫وسللت‬
‫ُ‬ ‫وشمساً‪ ،‬تريد إنساناً مضئ الوجه متهلالً‪،‬‬ ‫ذكَر عبد القاهر هذا النوع عىل الرتتيب فقال‪:‬‬
‫سيفاً عىل العدو‪ ،‬تريد رجالً ماضياً يف نرصتك‪ ،‬أو‬ ‫"وأنا أبدأ بذكر غري املفيد فإنه قصري الباع‪ ،‬قليل‬
‫رأياً نافذا ً وما شاكل ذلك‪،‬فقد استعرت اسم األسد‬ ‫االتساع‪ ،‬ثم أتكلّم عىل املفيد الذي هو املقصود‬
‫لل َّرجل‪ ،‬ومعلوم أنك أفدت بهذه االستعارة ما‬ ‫(‪،)42‬وميثّل لهذا النوع بقوله‪":‬كوضعهم للعضو‬
‫لوالها مل يَحصل لك‪ ،‬وهو املبالغة يف وصف‬ ‫الواحد أسامي كثرية بحسب اختالف أجناس‬
‫املقصود بالشجاعة وإيقاعك منه يف نفس السامعِ‬ ‫الحيوان‪ ،‬نحو وضع الشفة لإلنسان‪ ،‬واملشفر‬
‫صورة األسد يف بطشه وإقدامه وبأسه وش َّدتِه‪،‬‬ ‫للبعري والجحفلة للفرس‪ ،‬فإذا استعمل الشاعر‬
‫وسائر املعاين املذكورة يف طبيعته‪ ،‬مماَّ يعود إىل‬ ‫شيئا منها يف غري الجنس الذي وضع له فقد‬
‫الجرأة ‪،‬وهكذا أفدت باستعارة البحر س َعتُه يف‬ ‫استعاره منه‪ ،‬ونقله عن أصله‪ ،‬وجاز به موضعه‪،‬‬
‫الكف‪،‬وبالشمس والبد ِر ما لهام من‬ ‫الجود وفيض ِّ‬ ‫ِ‬
‫وفاحامً و َم ْرسناً مُسرَ َّجاً‬ ‫كقول الع ّجاج (‪":)43‬‬
‫الجامل والبهاء والحسن املالئ للعيون ‪،‬والباهر‬ ‫" يعني أنفاً برق كالسرِّ اج‪ ،‬واملِ ْر َس ُن يف األصل‬
‫لل َّنواظر"‪)47(.‬‬ ‫للحيوان‪ ،‬ألنه املوضع الذي يقع عليه الرس ُن ‪...‬‬
‫يقسم عبد القاهر االستعارة املفيدة القامئة‬ ‫ثم ّ‬ ‫وقال آخر(‪:)44‬‬
‫عىل التشبيه إىل استعارة اسمية واستعارة فعلية‪،‬‬ ‫ ‬ ‫فَ ِبتْ َنا ُجلُوساً ل َدى ُمهرِنا‬
‫أما االسمية فتقع عىل قسمني‪:‬‬ ‫ن ْنز ُع من شفتي ِه َّ‬
‫الصفا َرا(‪)45‬‬ ‫ ‬

‫االستعارة اللفظية في مؤلفات قدماء البالغيين العرب‬ ‫‪37‬‬


‫ث َم يَ ْع ُمد عبد القاهر إىل تبيان فرق آخر‬ ‫أحدهام‪:‬أن ينقل االسم عن مسماّ ه األصيل إىل‬
‫بني هذين القسمني‪،‬الذي هو أن الشبه يف القسم‬ ‫يشء آخر ثابت معلوم‪،‬كقولك رأيت أسدا ً وأنت‬
‫األول(رأيت أسدا ً) وصف موجود يف اليشء الذي‬ ‫ٌ‬
‫"متناول شيئاً‬ ‫تعني رجالً شجاعاً‪ ...‬فاالسم " األسد‬
‫استَ َعرت له‪ ،‬أ َما يف القسم الثاين فإن اليد ليست‬ ‫نص عليه وهو"الرجل الشجاع‬ ‫معلوماً ميكن أن يَ َّ‬
‫توصف بالشَّ به‪ ،‬ولكنه صفة تُكسبها اليد صاحبها‬ ‫"‪ ،‬فيقال إنه عنى باالسم وك ّنى به عنه‪ ،‬ونُقل‬
‫‪،‬وتحصل له بها‪.‬‬ ‫عن مسماّ ه األصيل ‪،‬ف ُجعل اسامً له عىل سبيل‬
‫يقسم االستعارة‬ ‫وهكذا فإن عبد القاهر ّ‬ ‫االستعارة واملبالغة يف التشبيه‪،‬وهو يأتيك عفوا‬
‫املفيدة التي تقع يف االسم إىل تحقيق ّية‪ ،‬تجد‬ ‫(‪.)48‬‬
‫التشبيه فيها يأيت عفْوا ً كام تجد الشَ به إىل رجعت‬ ‫ثانيهام‪:‬أن يُؤخذ االسم عن حقيقته‪ ،‬ويُوضع‬
‫إىل الحقيقة كام يف النوع األول‪ ،‬وإىل تخييليَة‬ ‫موضعاً ال يُبينّ ُ فيه يشء يشار إليه فيقال هذا‬
‫كام يف النوع الثاين ‪،‬فتجد التشبيه فيها ال يُواتيك‬ ‫هو املراد باالسم‪ ،‬والذي استعري له‪ ،‬و ُج ِعل خليفة‬
‫تلــــــــك املواتاة‪ ،‬وإمنا يرتاءى لك بعد أن تخرق‬ ‫السمه األصيل ومثاله قول لبيد (‪:)49‬‬
‫إليه ِسرتا ً‪ ،‬وتُعمل تأ ُّمال وفكرا ً‪ ،‬فتدرك أنَّك أردت‬ ‫ ‬ ‫و َغ َداة ري ٍح قد كشَ فت و ِق ّر ٍة (‪)50‬‬
‫امل كذي اليد من األحياء‪)52(.‬‬ ‫أن تج َعل الشّ َ‬ ‫إذا أصبحت بيد الشامل ز َمامـــــــ ُـها‬ ‫ ‬
‫د‪-‬االستعارة الفعلية‪ :‬يرى عبد القاهر أن الفعل‬ ‫وذلك أنه َج َعل للشامل يدا ً‪ ،‬ومعلوم أنه ليس‬
‫يقع فيه استعارة من جهة فاعله‪ ،‬ويقع فيه‬ ‫تجري اليد عليه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫هناك مشار إليه ‪،‬ميكن أن‬
‫استعارة من جهة مفعوله‪.‬‬ ‫كإجراء األسد عىل ال َّر ُجل يف قولك " انربى يل أسد‬
‫أ – الفعل استعارة من جهة فاعله‪ :‬وهو أن يثبت‬ ‫يزأ ُر " ‪،‬و ليس أكرثُ من أن ت َخ َّيل إىل نفْسك أن‬
‫الفعل املعنى الذي اشتُق منه لليشء يف الزمان‬ ‫الشامل يف ترصيف الغداة يف‬
‫قلت ضرَ ِ َب‬
‫الذي تــــــدل صيغته عليه ‪،‬فإذا َ‬ ‫رصف ملا زمامه بيده‪،‬‬ ‫حكم طبيعتها كاملدبّر امل ّ‬
‫ثبت الرضب لزيد يف زمان ماض‪ ،‬وإذا كان‬ ‫زي ٌد أُ َ‬ ‫ومقادته يف كفِّه‪ ،‬وذلك كله ال يتع ّدى التخ ّيل‬
‫ليس له يف األصل‬ ‫الفعل ملا َ‬
‫ُ‬ ‫كذلك‪ ،‬فإذا استُعري‬ ‫والوهم‪ ،‬والتقدير يف ال ّنفس ‪،‬من غري أن يكون‬
‫فإنه يُثبت باستعارته له وصفاً هو شبيه باملعنى‬ ‫هناك يشء ي َح ُّس وذاتٌ تت َح َّص ُل‪ ،‬فهو أراد أن‬
‫الذي ذلك الفعل مشتق منه ‪،‬وبيان ذلك أن‬ ‫رصف اإلنسان‬ ‫يُثْب َِت للشامل يف الغداة ترصفاً كت ّ‬
‫الحال بكذا‪،‬فتجد يف الحال وصفاً‬ ‫تقول نَطَق َِت ُ‬ ‫يف اليشء بقلبه‪ ،‬فاستعار لها اليد حتَّى يبالغ يف‬
‫هو شبيه بالنطق من اإلنسان‪ ،‬وذلك أن الحال‬ ‫تحقيق التشبيه‪ ،‬وحكم ال ِّزمام يف استعارته للغداة‬
‫عرف بها‬ ‫تدل عىل األمر‪ ،‬ويكون فيها أماراتٌ يُ ُ‬ ‫حك ُم اليد يف استعارتها للشَّ امل‪ ،‬إذ ليس هناك‬
‫النطق كذلك ‪،‬فاالستعارة عىل‬ ‫َ‬ ‫اليشء‪،‬كام أ َّن‬ ‫مشار إليه يكون ال ّزمام كناية عنه‪ ،‬ولكن ُه ويف‬
‫هذه الجملة يرجع فيها التَّحقيق إىل أن وصف‬ ‫املبالغة شرَ طها من الطَّرفني‪ ،‬فجعل عىل الغداة‬
‫الفعل بأنه مستعار‪،‬حكم يرجع إىل مصدره الذي‬ ‫رصفة‪ ،‬كام َج َع َل‬ ‫زماماً ليكون أت َ َّم يف إثباتها م ِّ‬
‫نطق مستعار‪،‬فاملعنى أن النط َْق‬ ‫اشتُق منه‪،‬إ ّن َ‬ ‫رصف ًة‪ ،‬وإمنا‬‫للشامل يدا ً ليكون أبلغ يف تصيريها م ِّ‬
‫مستعار(‪.)53‬‬ ‫يرتاءى لك التشبيه بَع َد أن تخرق إليه سترْ ا ً‪)51(.‬‬
‫‪38‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫موجودة يف كل واحد من املستعار له واملستعار‬ ‫ب _ الفعل استعارة من جهة مفعوله‪ :‬يقول عبد‬
‫منه عىل الحقيقة‪ ،‬وذلك قولك " رأيت شَ مساً‬ ‫القاهر‪ :‬ويكون الفعل استعارة من جهة مفعوله‬
‫" تريد إنساناً يتهل َُل وج ُهه كالشّ مس‪ ،‬فهذا له‬ ‫‪،‬وذلك نحو قول ابن املعتز(‪:)54‬‬
‫شبه باستعارة " طار " لغري ذي الجناح‪ ،‬وذلك أن‬ ‫ ‬ ‫ُج ِم َع ٌّ‬
‫الحق لَ َنا يف إ َم ٍام‬
‫الشَّ به مراعى يف التأللؤ‪،‬وهو كام يُعلم موجود يف‬ ‫قتَ َل ال ًب ْخ َل أَح َيا َّ‬
‫الســـــــامحا‬ ‫ ‬
‫نفس اإلنسان املتهلِّل ‪،‬ألن رونق الوجه الحسن‬
‫فقتَل و أحيا ‪:‬إمنا صارا مستعارين بأن ع ّديا‬
‫حس البصرَ مجانس لضوء األجسام‬ ‫من حيث ّ‬ ‫قتل األعدا َء وأحيَا‬
‫والسامح‪ ،‬ولو قال‪َ :‬‬ ‫إىل البُخل َّ‬
‫النيرّ ة"‪)58(.‬‬
‫مل يكن" قَتَ َل "‬
‫– استعارة لفظ معناه مأخوذا ً من الصور العقلية‪:‬‬
‫استعارة بوجه‪ ،‬ومل يكن "أحيا"استعارة عىل هذا‬
‫وح ّده أن يكون الشبه مأخوذا ً من الصور‬ ‫الوجه‪)55(.‬‬
‫العقلية‪،‬وذلك كاستعارة النور للبيان والح ّجة‬
‫ثم ينتقل عبد القاهر إىل الحديث عن‬
‫للشك النافية لل ّريب‬ ‫الحق املزيلة ّ‬
‫الكاشفة عن ّ‬ ‫االستعارة باعتبارها نوعاً بيانياً يعتمد التشبيه‬
‫‪،‬كام جاء يف التنزيل من نحو قوله عز وجل ﴿‬
‫أبدا ً‪ ،‬ويُدرجها ممثلة من الضّ عف إىل القوة‬
‫الذي أُنْز َِل َم َع ُه ﴾(‪ ،)59‬وكاستعارة‬
‫وات ّبعوا ال ُّنو َر ِ‬
‫‪،‬ويُنزلها وفق األرضب اآلتية‪:‬‬
‫الرصاط لل ّدين يف قوله تعاىل ﴿ا ْه ِدنَا الصرِّ َا َط‬
‫املست ِقي َم ﴾(‪،)60‬فأنت ال تشك يف أنه ليس بني‬ ‫– استعارة لفظ األفضل ملا هو دونه‪:‬‬
‫النور والح ّجة ‪ ،‬فليس الشبه اشرتاك يف عموم‬ ‫أن يُرى معنى الكلمة املستعارة موجودا ً‬
‫الجنس‪،‬ألن النور صفة محسوسة والحجة‬ ‫يف املستعار له‪ ،‬من حيث عموم جنسه عىل‬
‫كالم‪،‬فليس الشبه الحاصل من النور يف البيان‬ ‫الحقيقة‪ ،‬فأنت تستعري لفظ األفضل ملا ُدونه‪،‬‬
‫القلب إذا وردت عليه‬ ‫َ‬ ‫والح ّجة ونحوِها إال أن‬ ‫ومثاله استعارة الطريان لغري ذي الجناح إذا أردت‬
‫الح ّجة صار يف حالة شبيهة بحال البرص‪ ،‬إذا‬ ‫الرسعة‪ ،‬وانقضاض الكواكب للفرس إذا أرسع يف‬
‫صادف ال ّنور‪ ،‬و ُو ِّجهت طالئعه نحوه‪ ،‬هذا كام‬ ‫حركته من عل ّو‪ ،‬ومعلوم أ ّن الطريان واالنقضاض‬
‫لس َت تحصل منه عىل جنس‪ ،‬وال عىل‬ ‫تعلم شبه ْ‬ ‫من جنس واحد من حيثُ الحركة عىل اإلطالق‪،‬‬
‫طبيعة وغريزة‪ ،‬وال عىل هيئة وصورة‬ ‫إالَّ أنهم نظروا إىل خصائص األجسام يف حرك ِتها‬
‫الخلقة ‪،‬وإمنا هو صورة عقلية ‪،‬واعلم أ ّن‬ ‫تدخل يف ِ‬ ‫فأف َر ُدوا حركة كل نوع منها باسم‪ ،‬فقالوا يف غري‬
‫هذا الرضب هو املنزلة التي تبلغ عندها االستعارة‬ ‫ذي الجناح "طار " كام جاء يف ال َخ ُرب " كلام س ِم َع‬
‫غاية رشفها‪ ،‬ويتسع لها كيف شاءت املجال يف‬ ‫َه ْيع ًة طار إليها" (‪،)56‬فالجامع هنا الرسعة‬
‫رص ِفها‪ ،‬وههنا تخلُص لطيفة روحانية‪،‬‬ ‫ت َف ُن ِّنها وت ُّ‬ ‫والحركة ‪ ،‬وهو اتفاق بينهام جنسا‪ ،‬واختالف‬
‫الصافية والعقول‬ ‫فال يبصرِ ها إالًّ ذووا األذهان ّ‬ ‫بينهام يف النوع‪)57(.‬‬
‫النافذة‪ ،‬والطباع السليمة‪ ،‬والنفوس املستعدة‬ ‫– استعارة لفظ يحمل صفة مشرتكة بني‬
‫ألن تعي الحكمة وتعرف فصل الخطاب‪)61( .‬‬ ‫املستعار له واملستعار منه‪:‬‬
‫فصل عبد القاهر يف حاالت طريف التشبيه‬ ‫وقد ّ‬ ‫وذلك أن يكون الشبه مأخوذا من صفة هي‬
‫االستعارة اللفظية في مؤلفات قدماء البالغيين العرب‬ ‫‪39‬‬
‫ثانيهام‪ :‬أن يكون ألحد املعينني شبه باآلخر يف‬ ‫الذين هام عامد االستعارة‪،‬والتقسيم اآليت مبني‬
‫صفة معقولة كقولهم‪ ":‬لَ ِق َي امل َ ْوتَ "أن يرا َد‬ ‫عىل أصول(‪ )62‬هي‪:‬‬
‫والصعوبة والبلوغ يف كونه‬ ‫وصف األمر بالشِّ دة ُّ‬ ‫أ – كون املشبه به شيئا محسوساً واملشبه معنى‬
‫مكروها إىل الغاية القصوى‪ ،‬يريدون أنه ل ِقي‬ ‫معقوال‪:‬‬
‫األمر الشديد الصعب الذي هو يف كراهة النفس‬
‫الذي أُنْز َِل م َع ُه‬
‫يف مثل قوله تعاىل﴿ وات َّبعوا النور ِ‬
‫له كاملوت‪ ،‬فقد عبرّ ت ههنا عن شدة األمر باملوت‬
‫﴾(‪ ،)63‬فالنور مشاهد محسوس بالبرص والبيان‬
‫واستعارته له من أجلها‪ ،‬والشِّ دة ومحصولها‬
‫والح ّجة مماَّ يؤ ّديه إليك العقل من غري واسطة‬
‫الكراه ُة موجودة يف كل واحد من املستعار له‬
‫من العني أو غريها من الحواس‪.‬‬
‫واملستعار منه‪)68(.‬‬
‫إ ّن كالم عبد القاهر يف االستعارة عرض‬ ‫ب – كون املشبه واملشبه به محسوسني ووجه‬
‫ف ّني رائع ومتع ّمق ‪،‬يَ ْن َف ِر ُد فيه ع ّمن سبقه من‬ ‫الشبه عقيل‪:‬‬
‫البالغيني‪ ،‬األمر الذي ال يَ ْع ِد ُم فضله يف فتح الباب‬ ‫وميثّل بقول النبي صىل اللّه عليه وسلم " إيَّاكم‬
‫الذي ول َج ُه املتأخرون عنه‪ ،‬باستنتاجهم تقسيامً‬ ‫وخَضرْ ا َء ال ِّد َمن"(‪،)64‬فالقصد بالتشبيه مل يكن يف‬
‫آخر و َرد ضمناً يف معرض حديثه عن تقسيامت‬ ‫تشبيه املرأة بالنبات يف لونه أو ُخرضته أو طعمه‬
‫فحصل املحدثون القول يف تقسيم‬ ‫االستعارة‪َّ ،‬‬ ‫أو رائحته ‪،‬وال شكله وال صورته‪ ،‬بل القصد شبه‬
‫االستعارة من حيث املش ّب ُه به إىل ترصيحية‬ ‫السوء وبني‬ ‫ِ‬
‫املنبت ُّ‬ ‫عقيل بني املرأة الحسناء يف‬
‫ومكنية‪)69(.‬‬ ‫تلك النابتة عىل ال ّدمنة ‪،‬وهو حسن الظا ِهر يف‬
‫أ – االستعارة الترصيحية‪ :‬مض ّمنة يف قول عبد‬ ‫رأي العني مع فساد الباطن ‪،‬وطيب النوع مع‬
‫القاهر‪:‬هي أن تدع أن تفصح بالتشبيه وتظهره‪،‬‬ ‫خبث األصل‪)65(.‬‬
‫وتجي ُء إىل اسم املش َّب ِه به فتع ُريه املش َّبه وتجريَه‬ ‫جـ ‪ -‬كون املشبه واملشبه به معقولني‪:‬‬
‫عليه‪ ،‬تريد أن تقول‪ :‬رأيت ر ُجالً هو كاألسد يف‬
‫ومنه تشبيه الوجود من اليشء م ّرة بالعدم‬
‫شجاعته وقوة بطشه سواء‪ ،‬فت َد ُع ذلك وتَقول‪:‬‬
‫‪،‬والعدم م ّرة بالوجود وهو عىل طريقني‪:‬‬
‫رأيت أسدا ً‪)70(.‬‬
‫ب – االستعارة املكنية‪ :‬وهي رضب يف نحو‬ ‫أولهام‪:‬تنزيل الوجود منزلة العدم يف مثل قوله‬
‫الشامل زِما ُمهاَ"‪،‬أن‬‫بيد ِ‬ ‫قول لبيد‪":‬إذ أصبحت ِ‬ ‫تعاىل ﴿ أَ َو َم ْن كَا َن م ْيتاً فأَ ْحيي َنا ُه ﴾‪)66(.‬‬
‫تجعل املشبه املشبه به ‪،‬بأن تنزله منزلة اليشء‬ ‫أرشف وأعىل من العلم‬ ‫ثم ملا مل يكن عل ٌم َ‬
‫تذكره بأمر قد ثبت له‪،‬وذلك أنك يف األول(رضب‬ ‫بوحدانية اللّه تعاىل‪ ،‬ومبا ن ّزله عىل النبي صىل‬
‫َجعل اليش َء اليشء ليس به‪ ،‬ويف‬ ‫الترصيح) ت ُ‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬جعل من حصل له العلم بعد أن‬
‫الثاين(رضب التكنية) تجعل لليشء اليشء له‪،‬‬ ‫مل يكن كأنَّه إنمَّ ا َو َج َد الحياة ‪،‬وصارت صفة له مع‬
‫ُلت‪ :‬رأيت أسدا ً‪ ،‬فقد ا َّدعيت‬ ‫تفسري هذا أنك إذا ق َ‬ ‫السابقة‬ ‫وجود نور اإلميان يف قلبه‪ ،‬وجعل حالته َّ‬
‫يف إنسان أنه أسد وجعلتَه إيّاه‪ ،‬وال يكون اإلنسان‬ ‫التي خال فيها من اإلميان كحالة املوت التي تعدم‬
‫بيد الشّ امل زما ُمها "‬‫أسدا ً‪ ،‬وإذا قلت"أصبحت ِ‬ ‫ُنبئ عن حقيقة ما‬ ‫معه الحياة(‪ ،)67‬فهنا مبالغة ت ُ‬
‫فقد ا َّدعيت أن للشامل يدا ً‪ ،‬ومعلوم أنه ال يكون‬ ‫صار إليه اليشء‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫وللقايض عبد العزيز الجرجاين يف "الوساطة"‬ ‫لل ّريح يد‪)71(.‬‬
‫وأليب هالل العسكري يف "الصناعتني"‪ ،‬ليتَّضح لنا‬ ‫تاسعا‪-‬الفرق بني االستعارة والتشبيه يف " أرسار‬
‫أن االستعارة عند ابن املعتز قسم يلحق بأقسام‬ ‫البالغة " لعبد القاهر الجرجاين‪:‬‬
‫علم البديع ‪،‬وأنها نوعان؛ مستحسنة ومعي َبة‪،‬‬ ‫يَع ّد عبد القاهر االستعارة من املجاز اللغوي‬
‫أ َّما القايض الجرجاين فرغب بإدراجها ضمن أي‬ ‫ولعل هذه العالقة بني‬ ‫الذي يقوم عىل التشبيه‪َّ ،‬‬
‫علم من علوم البالغة‪ ،‬ومتكّن من تقسيمها إىل‬ ‫االستعارة والتشبيه هي التي جعلت بعضهم‬
‫مصيبة ورديئة‪ ،‬وأ َّما أبو هالل العسكري فحذا‬ ‫يخلط بينهام‪ ،‬ويُس ّمي أح ُدهام باآلخر(‪ ،)72‬وقد‬
‫خذو ابن املعتز يف إلحاقها ضمن علم البديع؛ غ َري‬ ‫انطلق عبد القاهر للتمييز بينهام من وجود طريف‬
‫أنه رأى فيها ما هو بعيد جدا ً وما هو ُمستهجن‬ ‫التشبيه كليهام ‪،‬أو وجود أحدهام وحذف اآلخر‪،‬‬
‫مستحسن‪ ،‬وقد مثل هؤالء‬ ‫َ‬ ‫رديء‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫جعل املشبه ع ُني‬
‫ورأى أن التشبيه الذي يُرام فيه ُ‬
‫العلامء يف كل ما ذهبوا إليه ‪،‬وما ابتدعوه من‬ ‫املشبه به عىل رضبني (‪:)73‬‬
‫تقسيامت يف باب استعارة اللفظ بشواهد من‬ ‫أحدهام‪:‬أن تنزلَه منزلة اليشء تذكره بأمر قد‬
‫القرآن الكريم والحديث النبوي الرشيف وكالم‬ ‫ثبت له فأنت ال تحتاج إىل أن ت ُ َع ِمل يف إثباته‬
‫الصحابة وكالم العرب‪.‬‬ ‫وتزج َّيته‪ ،‬وذلك حيث تسقط ذكر املش َّبه من‬
‫و هؤالء العلامء يتفقون حول معنى االستعارة‬ ‫الشيئني والَ تذكره بوجه من الوجوه كقولك‪:‬‬
‫؛كونها نقل اللفظ من موضع إىل موضع مل يُعرف‬ ‫رأيت أسدا ً(‪ ،)74‬وهذه االستعارة‪.‬‬
‫به من قبل وأنها تنقسم من حيث املوقع إىل‬ ‫ثانيهام‪:‬أن تجعل ذلك كاألمر الذي يحتاج إىل‬
‫مستحسنة ومستقبحة ملا ينطبع يف الذّوق ُم َم ّجاً‬ ‫أن ت ُعمل يف إثباته وتزجي ِته‪ ،‬وذلك حيث ت ُجري‬
‫أو مقبوالً‪ ،‬وعبرّ وا عنها بألفاظ تد ُخل ضمن ما‬ ‫اسم املش َّبه به خربا عىل املش َّبه‪ ،‬فتقول "زيد أس ٌد‬
‫َّفق معناه‪ ،‬أ َّما إدراج بعضهم‬ ‫اختَلف لفظه وات َ‬ ‫وزيد هو األسد "‪،‬أعني ما أنت تعمل يف إثباته‬
‫االستعارة ضمن علم البديع فمر ُّده إىل ع ّدهم‬ ‫وتزجي ِته أنه تشبيه عىل حد املبالغة ويقترص عىل‬
‫كل موصوف بأنّه مجاز هو بديع يف نظَرهم ‪،‬وقد‬ ‫َّ‬ ‫هذا القدر وال يًس َّمى استعارة‪)75(.‬‬
‫وقف عىل ذلك عبد القاهر الجرجاين يف"أرسار‬ ‫فانظر كيف يزيل عبد القاهر يف حديثه‬
‫البالغة" ورأى أنه بينِّ ُ الفسا ِد‪ ،‬واعترب االستعارة‬ ‫هذا اللَّبس الحاصل بني االستعارة والتشبيه‪،‬‬
‫لب التصوير األديب وذخريته التي ال تنفذ‪ ،‬تفوق‬ ‫َّ‬ ‫فاالستعارة عنده أبلغ من التشبيه‪ ،‬ألنها من‬
‫التشبيه قيمة وفضالً وتختلف عنه‪ ،‬وأنها تتجاوز‬ ‫حيث املبدأ تنفي وجود اثنني بل تنصرَ ف إىل‬
‫األشياء إىل صورها‪ ،‬وتتجاوز ظاهر الصورة إىل‬ ‫واحد يمَ ْلأَ لوحت َها ‪،‬وي ُح ُّل املش َّبه به مكان املش َّبه‪،‬‬
‫مكنوناتها وما ترمز إليه من بعيد اإليحاء ورائع‬ ‫بينام التشبيه يحتفظ بكال الطرفني كام بينّ َذلك‪.‬‬
‫تدب فيها‬ ‫التعبري‪ ،‬ورهافة املشاعر الحسية التي ُّ‬ ‫الخالصة‪:‬‬
‫الحركة والحياة ؛باعتامدها عىل عنارص التصوير‬ ‫استعرضنا يف هذا البحث القصري مفاهيم‬
‫والحيوية وعىل اإليجاز‪،‬وحسن االختيار واملبالغة‬ ‫االستعارة وأقسامها قبل عبد القاهر الجرجاين‪،‬‬
‫مي‬ ‫املقبولة‪،‬وبذلك استطاع أن يضع قواعد ما ُس ّ‬ ‫بالرتكيز عىل أشهر أعالم البالغة املتقدمني ‪،‬فقد‬
‫بعده بعلم البيان‪،‬واالستعارة قسم منه‪.‬‬ ‫كان السبق لعبد الله بن املعتز يف "البديع"‬
‫االستعارة اللفظية في مؤلفات قدماء البالغيين العرب‬ ‫‪41‬‬
‫هوامش البحث‪:‬‬
‫رشيف‪ ،‬دار املعارف‪،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪،‬د‪.‬ت‪.‬ج‪،2‬ص‪.174 :‬‬ ‫ينظر‪ ،‬يف تاريخ البالغة العربية‪ ،‬عبد العزيز عتيق‪،‬‬ ‫‪ 1‬‬
‫‪ 2 0‬ديوان أيب نواس‪،‬تح أحمد عبد املجيد الغزايل‪،‬د ط‪،‬دار‬ ‫دار النهضة العربية للطباعة والنرش‪،‬دط‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الكتاب العريب‪،‬بريوت‪،‬لبنان‪،‬د ت‪ ،‬ص‪.242‬‬ ‫لبنان‪،‬دت‪،‬ص‪.8 :‬‬
‫‪ 21‬الد ّر‪ :‬يريد به قطرات الدموع‪ ،‬أزرت العني دمعها‪:‬‬ ‫ينظر‪ ،‬البيان والتبيني ‪،‬أبو عثامن عمرو بن بحر‬ ‫‪ 2‬‬
‫حبسته‪ ،‬والرنجس معرب وتشبّه به العيون‪ ،‬واللطم‪:‬‬ ‫الجاحظ ‪ ،‬تح عبد السالم هارون ‪ ،‬ط‪،7‬مكتبة الخانجي‬
‫رضب الوجه بباطن الراحة‪ ،‬والعناب‪ :‬مثر أحمر يشبه‬ ‫‪،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪1998 ،‬م ‪،‬ج ‪،1‬ص‪.65‬والبيت مجهول‬
‫به البنان‪ ،‬والورد مستعار للخد‪ ،‬والبيت ليس يف‬ ‫القائل‪.‬‬
‫الديوان‪.‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬سيبويه‪ ،‬تح عبد السالم هارون‪ ،‬مطبعة املدين‬ ‫‪ 3‬‬
‫‪،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪1992 ،‬م‪،‬ج‪.3-2‬‬
‫يُنظر‪:‬الوساطة‪ ،‬عيل بن عبد العزيز الجرجاين‪ ،‬ص‪.42 :‬‬ ‫‪2 2‬‬ ‫ينظر ‪،‬يف تاريخ البالغة العربية ‪ ،‬عبد العزيز عتيق‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪ 4‬‬
‫ديوان أيب متام‪ ،‬رش محي الدين الخياط ‪ ،‬املطبعة‬ ‫‪2 3‬‬ ‫‪.38‬‬
‫األدبية ‪ ،‬بريوت ‪،‬لبنان‪1889 ،‬م‪،‬ص‪.297 :‬وفيه‪...‬غضا‬ ‫ينظر‪،‬نفسه‪ :‬ص‪.23 :‬‬ ‫ ‪5‬‬
‫أخذت به سيفا من الزمن‪.‬‬ ‫ينظر ‪،‬يف تاريخ البالغة العربية ‪ ،‬عبد العزيز عتيق ‪،‬ص‪:‬‬ ‫‪ 6‬‬
‫السيف‪.‬‬
‫الغضب‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫‪ 24‬‬ ‫‪.45‬‬
‫ال ُعصف ُر‪ :‬الصبغُ‪.‬‬ ‫‪ 25‬‬ ‫ينظر ‪،‬التفكري البالغي عند العرب ُأس ُسه وتطوره إىل‬ ‫‪ 7‬‬
‫الوساطة‪،‬عيل بن عبد العزيز الجرجاين‪،‬ص‪.44 :‬‬ ‫‪2 6‬‬ ‫القرن السادس الهجري‪ ،‬حماّ دي ص ُّمود‪،‬املجلد ‪،21‬‬
‫ديوانه‪ ،‬ص‪.432 :‬‬ ‫‪2 7‬‬ ‫مطابع الجمهورية التونسية‪ ،‬تونس ‪1981‬م‪،‬ص‪.10 ،9 :‬‬
‫الوساطة‪،‬عيل بن عبد العزيز الجرجاين‪ ،‬ص‪.45 :‬‬ ‫‪2 8‬‬ ‫دالئل اإلعجاز ‪،‬عبد القاهر الجرجاين تح رضوان‬ ‫‪ 8‬‬
‫الصناعتني يف الكتابة والنرث‪ ،‬أبو هالل الحسن بن عبد‬ ‫‪2 9‬‬ ‫الداية و فايز الداية‪،‬ط‪،1‬دار الفكر ‪ ،‬دمشق ‪،‬سوريا‪،‬‬
‫الله العسكري ‪،‬تح عيل محمد البجاوي ومحمد أبو‬ ‫‪2007‬م‪،‬ص‪.63 :‬‬
‫الفضل إبراهيم‪،‬ط‪،1‬دار إحياء الكتب العلمية‪ ،‬القاهرة‬ ‫من اآلية ‪ 24‬من سورة اإلرساء‪.‬‬ ‫ ‪9‬‬
‫‪،‬مرص‪1952،‬م‪،‬ص‪.268 :‬‬ ‫ينظر‪:‬البديع ‪ ،‬عبد الله بن املعتز‪ ،‬تح أغناطيوس‬ ‫‪1 0‬‬
‫من اآلية ‪ 122‬من سورة األنعام‪.‬‬ ‫‪ 30‬‬ ‫كراتشوفسيك ‪،‬ط‪،3‬دار املسرية بغداد ‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫الصناعتني‪،‬أبو هالل العسكري‪ ،‬ص‪.270 :‬‬ ‫‪ 31‬‬ ‫‪1982‬م‪،‬ص‪.2 :‬‬
‫من اآلية ‪ 154‬من سورة األعراف‪.‬‬ ‫‪ 32‬‬ ‫من اآلية ‪ 4‬من سورة مريم‪.‬‬ ‫‪ 11‬‬
‫الصناعتني‪،‬أبو هالل العسكري ‪،‬ص‪.272 :‬‬ ‫‪ 33‬‬ ‫من اآلية ‪ 37‬من سورة يس‪.‬‬ ‫‪ 12‬‬
‫ينظر‪:‬الصناعتني‪،‬أبو هالل العسكري‪ ،‬ص‪.276 :‬‬ ‫‪3 4‬‬ ‫هيعة‪َ :‬ص ْيحة‪.‬‬ ‫‪1 3‬‬
‫الصناعتني‪،‬أبو هالل العسكري‪،‬ص‪.303:‬‬ ‫‪ 35‬‬ ‫ديوان امرئ القيس‪،‬رش عبد الرحمن املصطاوي‪،‬ط‪،2‬دار‬ ‫‪1 4‬‬
‫هو اإلمام املشهور أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن‬ ‫‪3 6‬‬ ‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان ‪2004،‬م‪،‬ص‪.48 :‬‬
‫الجرجاين‪ ،‬عامل يف النحو والبالغة ولد سنة ( ‪ 400‬هـ )‪،‬‬ ‫البديع‪،‬عبد الله بن املعتز‪ ،‬ص‪.7 :‬‬ ‫‪1 5‬‬
‫إمام من أمئة العربية والبيان‪ ،‬شافعي املذهب‪ ،‬متكلم‬ ‫نفسه‪ ،‬ص‪.23،24 :‬‬ ‫‪ 16‬‬
‫عىل طريقة األشاعرة‪ ،‬له مؤلفات عديدة منها «دالئل‬ ‫ينظر‪ :‬يف تاريخ البالغة ‪ ،‬عبد العزيز عتيق‪ ،‬ص‪.181 :‬‬ ‫‪1 7‬‬
‫اإلعجاز» و « أرسار البالغة « تويف سنة ( ‪ 471‬هـ )‬ ‫الوساطة بني املتنبي وخصومه‪ ،‬عيل بن عبد العزيز‬ ‫‪1 8‬‬
‫وينظر‪ ،‬بغية الو ّعاة يف طبقات اللغويني والنحاة ‪،‬جالل‬ ‫الجرجاين‪،‬تح أبو الفضل إبراهيم محمد و عيل محمد‬
‫الدين السيّوطي‪،‬تح محمد عبد الرحيم‪،‬ط‪،1‬دار الفكر‬ ‫البجاوي‪،‬املكتبة العرصية‪،‬ط‪1،2006‬م‪،‬بريوت‪،‬لبنان ‪،‬‬
‫‪،‬بريوت ‪،‬لبنان ‪2005،‬م‪،‬ص‪.572 :‬‬ ‫ص‪.45 :‬‬
‫أرسار البالغة ‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬تح محمد عبد‬ ‫‪3 7‬‬ ‫ديوان أشعار عبد الله بن املعتز‪،‬د وتح محمد بديع‬ ‫‪1 9‬‬

‫‪42‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫‪،‬وينظر‪ ،‬صحيح مسلم ‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪،‬‬ ‫املنعم خفاجي وعبد العزيز رشف‪،‬ط‪،1‬دار الجيل‬
‫مس ٌك بعنانِ‬‫الناس ر ُج ٌل ُم ِ‬
‫لبنان‪،‬ج ‪،2‬ص‪َ ».150:‬خ ُري ُ‬ ‫‪،‬بريوت ‪،‬لبنان‪1991 ،‬م‪،‬ص‪.318 :‬‬
‫ِ‬
‫فرس ِه يف سبيل اللّه‪»...‬‬ ‫أرسار البالغة ‪،‬عبد القاهر الجرجاين ‪،‬ص‪.362 :‬‬ ‫‪ 38‬‬
‫ينظر‪،‬أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪.67 :‬‬ ‫‪5 7‬‬ ‫نفسه ‪ ،‬ص‪.44 :‬‬ ‫‪3 9‬‬
‫أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪.71 :‬‬ ‫‪ 58‬‬ ‫ينظر‪:‬نفسه ‪ ،‬ص‪.47-46:‬‬ ‫‪ 40‬‬
‫من اآلية ‪ 157‬من سورة األعراف ‪.‬‬ ‫‪ 59‬‬ ‫ينظر ‪،‬الصورة البالغية عند عبد القاهر منهجاً وتطبيقاً‪،‬‬ ‫‪ 41‬‬
‫من اآلية ‪ 5‬من سورة الفاتحة‪.‬‬ ‫‪ 60‬‬ ‫أحمد عيل دهامن ‪،‬دار طالس للدراسات والرتجمة‪،‬‬
‫أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪.74 -73:‬‬ ‫‪6 1‬‬ ‫دمشق‪،‬سوريا‪1986 ،‬م‪،‬ج ‪،2‬ص‪.602،603 :‬‬
‫أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين ‪ ،‬ص‪.74 :‬‬ ‫‪ 62‬‬ ‫أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪.44 :‬‬ ‫‪ 42‬‬
‫من اآلية ‪ 157‬من سورة األعراف‪.‬‬ ‫‪ 63‬‬ ‫ديوان العجاج‪،‬رواية األصمعي ورشحه‪،‬تح‬ ‫‪4 3‬‬
‫من حديث رشيف رواه الدار قطبي يف اإلفراد‪ ،‬وينظر‬ ‫‪6 4‬‬ ‫عزة حسن‪،‬دار الرشق العريب‪1995،‬م‪،‬ص‪.330:‬‬
‫‪،‬إحياء علوم الدين‪،‬أبو حامد الغزايل ‪،‬دار الفكر‪ ،‬د ط‪،‬‬ ‫وفاحامً و َمرسنا‬ ‫والبيت‪:‬ومقلة وحاجباً مز َّججاً‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪1975 ،‬م‪،‬يف باب النكاح‪،‬ج ‪،4‬ص‪.132‬‬ ‫رسجاً‪.‬‬‫م ّ‬
‫ينظر‪ ،‬أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪.75 :‬‬ ‫‪ 65‬‬ ‫قيل‪ :‬إنه للكميت‪،‬وقيل‪:‬لألعىش‪،‬وقيل‪ :‬أليب دؤاد‪.‬‬ ‫‪ 44‬‬
‫من اآلية ‪ 122‬من سورة األنعام‪.‬‬ ‫‪ 66‬‬ ‫أبو دؤاد اإليادي ‪،‬شاعر جاهيل‪ ،‬أحد نعات الخيل‬ ‫‪4 5‬‬
‫أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪.81:‬‬ ‫‪6 7‬‬ ‫شوك‬‫يبيس ال ُب ْه َمى وله ٌ‬
‫املجيدين‪،‬ت ‪ 554‬م ‪،‬والصفار‪ُ :‬‬
‫ينظر‪ ،‬أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين ‪ ،‬ص‪.84:‬‬ ‫‪ 68‬‬ ‫يَ ْعل َُق ب َجحا ِفل ال َخيْل‪.‬‬
‫ينظر‪ ،‬مجلة الفكر العريب يف البالغة العربية والبالغيني‪،‬‬ ‫‪6 9‬‬ ‫أرسار البالغة‪ ،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪.45 -44:‬‬ ‫‪ 46‬‬
‫عدد ‪،46‬معهد اإلمناء العريب‪،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1987،‬م‪،‬ص‪:‬‬ ‫أرسار البالغة‪ ،‬عبد القاهر الجرجاين ‪ ،‬ص‪.47-46 :‬‬ ‫‪4 7‬‬
‫‪.121‬‬ ‫ينظر‪:‬أرسار البالغة‪ ،‬عبد القاهر الجرجاين ‪ ،‬ص‪.57 :‬‬ ‫‪ 48‬‬
‫ينظر‪ ،‬دالئل اإلعجاز ‪،‬عبد القاهر الجرجاين ‪،‬تح‬ ‫‪7 0‬‬ ‫ينظر‪،‬رشح املعلقات العرش‪،‬الزوزين‪،‬دار مكتبة الحياة‪،‬‬ ‫‪4 9‬‬
‫رضوان الداية و فايز الداية‪،‬ط‪،1‬دار الفكر ‪،‬دمشق‬ ‫بريوت‪ ،‬لبنان‪1982 ،‬م‪.‬ص‪.158 :‬وفيه‪...‬قد كشفت‬
‫‪،‬سوريا‪2007،‬م‪ ،‬ص‪.111 :‬‬ ‫وق ّرة‪...‬‬
‫ينظر‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص‪.111 :‬‬ ‫‪ 71‬‬ ‫القرة من الق ّر وهو ال ْربد‪.‬‬ ‫‪ 50‬‬
‫سبق وأن تعرض قبله القايض الجرجاين إىل هذه‬ ‫‪7 2‬‬ ‫ينظر‪ :‬أرسار البالغة‪ ،‬عبد القاهر الجرجاين ‪،‬ص‪-58:‬‬ ‫‪5 1‬‬
‫القضية يف كتاب» الوساطة «‪.‬‬ ‫‪.59‬‬
‫‪-‬ينظر‪:‬دالئل اإلعجاز ‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫ينظر‪ ،‬الصورة البالغية عند عبد القاهر‪ ،‬أحمد عيل‬ ‫‪5 2‬‬
‫‪،112-111‬وينظر‪،‬أرسار البالغة ‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪،‬‬ ‫دهامن‪،‬ج ‪،2‬ص‪.522 :‬‬
‫ص‪.73 -71 :‬‬ ‫ينظر‪،‬أرسار البالغة ‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪،‬ص‪.64-62 :‬‬ ‫‪5 3‬‬
‫دالئل اإلعجاز ‪،‬عبد القاهر الجرجاين ‪ ،‬ص‪.111 :‬‬ ‫‪7 3‬‬ ‫ديوان أشعار عبد الله بن املعتز ‪ ،‬ص‪.468 :‬‬ ‫‪5 4‬‬
‫ينظر‪:‬دالئل اإلعجاز ‪،‬عبد القاهر الجرجاين ‪،‬ص‪.112 :‬‬ ‫‪ 74‬‬ ‫أرسار البالغة‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬ص‪.64 :‬‬ ‫‪ 55‬‬
‫من حديث رشيف رواه مسلم يف باب فضل الجهاد‬ ‫‪5 6‬‬

‫مراجع البحث‪:‬‬
‫ •البديع ‪ ،‬عبد الله بن املعتز‪ ،‬تح أغناطيوس كراتشوفسيك‬ ‫ •إحياء علوم الدين‪ ،‬أبو حامد الغزايل ‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬ج‪،4‬‬
‫‪،‬ط‪،3‬دار املسرية بغداد ‪ ،‬العراق‪1982 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 1975‬م‪.‬‬
‫ •بغية الو ّعاة يف طبقات اللغويني والنحاة ‪ ،‬جالل الدين‬ ‫ •أرسار البالغة ‪،‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬تح محمد عبد‬
‫السيّوطي‪،‬تح محمد عبد الرحيم‪،‬ط‪ ،1‬دار الفكر‬ ‫املنعم خفاجي وعبد العزيز رشف‪،‬ط‪،1‬دار الجيل‬
‫‪،‬بريوت ‪،‬لبنان ‪2005،‬م‪.‬‬ ‫‪،‬بريوت ‪،‬لبنان‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫االستعارة اللفظية في مؤلفات قدماء البالغيين العرب‬ ‫‪43‬‬


‫•صحيح مسلم‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•البيان والتبيني ‪ ،‬أبو عثامن عمرو بن بحر الجاحظ ‪،‬‬ ‫ ‬
‫د‪.‬ت‪،‬ج‪.2‬‬ ‫تح عبد السالم هارون ‪ ،‬ط‪،7‬مكتبة الخانجي ‪،‬القاهرة‪،‬‬
‫•الصورة البالغية عند عبد القاهر منهجاً وتطبيقاً‪،‬‬ ‫ ‬ ‫مرص‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫أحمد عيل دهامن‪ ،‬دار طالس للدراسات والرتجمة‪،‬‬ ‫•التفكري البالغي عند العرب ُأس ُسه وتطوره إىل القرن‬ ‫ ‬
‫دمشق‪،‬سوريا‪1986،‬م‪،‬ج‪.2‬‬ ‫السادس الهجري‪،‬حماّ دي ص ُّمود‪،‬املجلد ‪ ،21‬مطابع‬
‫•الصناعتني يف الكتابة والنرش‪ ،‬أبو هالل الحسن بن عبد‬ ‫ ‬ ‫الجمهورية التونسية‪ ،‬تونس ‪1981‬م‪.‬‬
‫الله العسكري تح عيل محمد البجاوي ومحمد أبو‬ ‫•دالئل اإلعجاز ‪،‬عبد القاهر الجرجاين تح رضوان الداية‬ ‫ ‬
‫الفضل إبراهيم‪،‬ط‪،1‬دار إحياء الكتب العلمية‪ ،‬القاهرة‬ ‫و فايز الداية‪،‬ط‪،1‬دار الفكر ‪ ،‬دمشق ‪،‬سوريا‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪،‬مرص‪1952،‬م‪.‬‬ ‫•ديوان أيب متام‪ ،‬رش محي الدين الخياط ‪ ،‬املطبعة‬ ‫ ‬
‫•الفكر العريب يف البالغة العربية والبالغيني‪ ،‬عدد ‪،46‬‬ ‫ ‬ ‫األدبية ‪ ،‬بريوت ‪،‬لبنان‪1889 ،‬م‪.‬‬
‫معهد اإلمناء العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.1987،‬‬ ‫•ديوان أيب نواس‪،‬تح أحمد عبد املجيد الغزايل‪،‬د ط‪،‬دار‬ ‫ ‬
‫•يف تاريخ البالغة العربية‪ ،‬عبد العزيز عتيق‪،‬دار النهضة‬ ‫ ‬ ‫الكتاب العريب‪،‬بريوت‪،‬لبنان‪،‬د ت‪.‬‬
‫العربية للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان‪.‬‬ ‫•ديوان أشعار عبد الله بن املعتز‪،‬د وتح محمد بديع‬ ‫ ‬
‫•الكتاب‪ ،‬سيبويه‪ ،‬تح عبد السالم هارون‪ ،‬مطبعة املدين‬ ‫ ‬ ‫رشيف‪ ،‬دار املعارف‪،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪،‬د‪.‬ت‪.‬ج‪.2‬‬
‫‪،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫•ديوان العجاج‪،‬رواية األصمعي ورشحه‪،‬تح عزة‬ ‫ ‬
‫حسان‬‫•املختار من الصناعتني‪،‬أبو ريّة محمود‪،‬عباس ّ‬ ‫ ‬ ‫حسن‪،‬دار الرشق العريب‪1995،‬م‪.‬‬
‫خرض‪ ،‬دار الكتاب العريب‪،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪.‬‬ ‫•ديوان امرئ القيس‪،‬س عبد الرحمن املصطاوي‪،‬ط‪،2‬دار‬ ‫ ‬
‫•الوساطة بني املتنبي وخصومه‪ ،‬عيل بن عبد العزيز‬ ‫ ‬ ‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان ‪2004،‬م‪.‬‬
‫الجرجاين‪،‬تح أبو الفضل إبراهيم محمد و عيل محمد‬ ‫•رشح املعلقات السبع‪،‬الزوزين‪،‬دار مكتبة الحياة‪،‬‬ ‫ ‬
‫البجاوي‪،‬املكتبة العرصية‪،‬ط‪1،2006‬م‪،‬بريوت‪،‬لبنان‪.‬‬ ‫بريوت‪ ،‬لبنان‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫التج ّلي الأدبي لأن�ساق َ‬
‫الثقافة َّ‬
‫ال�شعبية‪:‬‬
‫«ل�س ال َع َتب» خلريي �شلبي منوذجً ا‬
‫رواية حَ ْ‬

‫د‪ .‬عالء عبد املنعم إبراهيم‬


‫األستاذ املساعد بجامعة قطر‬

‫التحديات املفروضة‪ ،‬وملواجهة بعض األسئلة التي‬ ‫خضعت الكتاباتُ الرسدية املعنية بتمثُّل الحياة‬
‫تطرح نفسها عىل الحقل املعريف املعني بنقد النص‬ ‫اليومية لقطاع إنساين عريض إىل قراءات ومراجعات‬
‫ثقافيًا‪ ،1‬بوصف النص «حادثة ثقافية» – وليس‬ ‫عدة تم االشتغال عليها حداثيًا من منظورين‬
‫فحسب نصا جامل ًيا أدب ًيا‪ -‬تتجاوز مواضعات‬ ‫ووظيفي‪ ،‬غري أن التحديات املعرفية التي‬‫ّ‬ ‫يل‬
‫شك ّ‬
‫النقد الشكالين ومناهجه املسكونة ببناء الكليات‬ ‫يثريها هذا النمط الرسدي ال تتوقف عن البزوغ‪،‬‬
‫والنامذج والهياكل املغلقة‪ ،‬وتتمثل‪ 2‬أنساقًا ذات‬ ‫التفاعل املتواصل معه ال‬
‫ُ‬ ‫واألسئلة التي يولِّدها‬
‫سلطة مهيمنة ترتسخ بحضور املؤلف الثقايف‬ ‫تكاد تنقيض‪ ،‬خاصة يف ظل حالة االستقطابات‬
‫الذي «هو ناتج ثقايف مصبوغ بصبغة الثقافة‬ ‫الثقافية التي يشهدها العاملُ بتأثري سياسة العوملة‬
‫أوالً‪ ،‬ثم إن خطابه يقول يف داخله أشياء ليست‬ ‫فرض تياراتِها عىل السياق الكوين‬‫نجحت يف ِ‬
‫ْ‬ ‫التي‬
‫يف وعي املؤلف‪ ،‬وال هي يف وعي الرعية الثقافية‪،‬‬ ‫ومفرداتِه ومنها املنظوم ُة الثقافية‪ ،‬مام أسه َم يف‬
‫وهذه األشياء املضمرة تعطي دالالت تتناقض‬ ‫تعديل كثري من أمناط القيم ومنظومات األخالق‬
‫مع معطيات الخطاب»‪ 3‬دون أن يعني هذا‬ ‫التي ظلت راسخة داخل حضّ اناتِها الجمعية لفرتة‬
‫أن القراءة الثقافية تتجاوز الوظيفة الجاملية‪/‬‬ ‫أنتج سياقًا جدي ًدا ال يعرتف بالتخوم‬‫عتيقة‪ ،‬مام َ‬
‫الشاعرية للنص أو تغدو بديلة لها أو لغريها من‬ ‫الجغرافية‪ ،‬فطالت التغرياتُ الجذرية مظا َهر‬
‫الوظائف االتصالية للغة‪( 4‬الذاتية‪/‬الوجدانية‪،‬‬ ‫العالقات اإلنسانية كافة‪ ،‬وهنا بدأ اإلنسا ُن يعيد‬
‫أو اإلخبارية‪/‬النفعية‪ ،‬أو املرجعية‪ /‬السياقية‪،‬‬ ‫قراءة ذاته وتاريخه عىل أسس جديدة وبطرائق‬
‫أو املعجمية‪/‬املشفرة‪ ،‬أو التنبيهية‪ /‬االتصالية)‬ ‫مختلفة‪ ،‬وصارت الحاجة أكرث إلحا ًحا للبحث يف‬
‫أو تنفي توافر القيم الجاملية والداللية واألبعاد‬ ‫القيم الثقافية املُضْ َمرة داخل ال ِّنتاج الجمعي –‬
‫التاريخية والذاتية واالجتامعية يف النصوص‪ 5‬وإمنا‬ ‫ومنه ال ِّنتاج الرسدي‪ -‬ولتحرير الرؤى النقدية من‬
‫تنطلق من فرضية أن مثة أبعا ًدا ثقافية تتحكم‬ ‫هاجس تأكيد‬
‫ُ‬ ‫شرَ ك الفرضيات التي يستحكم بها‬
‫بنا وبخطاباتنا وتؤثر يف كفاءة العملية االتصالية‬ ‫تفوق األنا يف مقابل اآلخر‪.‬‬
‫لتتفاعل الداللة النسقية مع نظريتها الجاملية‬ ‫والدراسة الحالية هي محاولة ملعالجة بعض هذه‬
‫ببعديها الرصيح والضمني بوصف أن البنية‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪45‬‬
‫متأصل يف مالبسات‬
‫لرواية «لحس العتب» كمنت ِّ‬ ‫النصية تتشكل عرب حركة متبادلة بني فضاء النص‬
‫الوعي الشعبي ومرجعيته الثقافية املائزة ال‬ ‫الداخيل و مكونات خارجية‪ ،‬بحيث تصري قراءة‬
‫يعني حرص القيمة النصية للعمل يف هذا الجانب‬ ‫العنارص املؤسسة للمعامرية النصية مفض ًيا‬
‫والتشويش عىل فاعليته التخيلية وإنتاجيته‬ ‫إىل مقاربة معنى قابل للمناقشة واالستقراء‬
‫الداللية بتنميطها ضمن تصورات مسبقة محددة‪.‬‬ ‫والتحليل واالستيعاب يف ضوء معطيات الواقع‬
‫أ ‪ -‬املُخاتَلة بالضحك‪..‬السخرية أداة للرصاع‬ ‫ومالبساته «فاملقاربة الثقافية مسلك يتيح فهم‬
‫التوظيفات الرسدية يف سياق أكرب‪ ،‬سياق دال‬
‫إذا كان التعارض النسقي هو أحد رشوط‬
‫عىل التجاذب بني إيحاءات النص وخطابات‬
‫تحقق الوظيفة النسقية – كام يح ِّددها عبد‬
‫الواقع االجتامعي»‪.6‬‬
‫الله الغذامي‪« -‬بحيث يكون املضمر منهام‬
‫نقيضً ا ومضا ًدا للعلني»‪ 21‬فإن الضحك بوصفه‬ ‫يف ضوء هذا التصور للوظيفة النسقية الثقافية‬
‫ُمنتَ ًجا ُمتولّ ًدا عرب أدوات ومامرسات متع ّددة‬ ‫للنص ستنرصف همة هذه الدراسة إىل مالحقة‬
‫منها السخرية يصري ُمهيّأ ملقاربته بوصفه تجليًا‬ ‫مظاهر التمثيل الرسدي لألنساق الثقافية ‪-‬‬
‫لنسق «املخاتلة» الذي تتبناه الثقافة الشعبية‬ ‫الظاهرة واملضمرة ‪ -‬امل ُنغرِسة يف بنية رواية‬
‫يف أثناء رصاعها املستمر من أجل البقاء يف إطار‬ ‫مفعمة بتجليات الثقافة الشعبية‪ 7‬وهي رواية‬
‫املعارضة الثقافية التي تعيد ترتيب أدوات‬ ‫«لحس العتب»‪ 8‬للكاتب املرصي خريي شلبي‪،9‬‬
‫الرصاع بني املنت والهامش بعي ًدا عن لعبة‬ ‫مع التسليم ُمجد ًدا بوجود جملة من الدالالت‬
‫املكاشفة – بتبعاتها الخطرية ‪ -‬ضد املنطق‬ ‫التي ال تلغيها الداللة النسقية “فهذه الدالالت‬
‫النسقي املهيمن‪ ،‬حيث تتجىل «السخرية» داخل‬ ‫وما يتلبّسها من قيم جاملية تؤدي أدوا ًرا خطرية‬
‫حضانة الوعي الشعبي عرب مستويات مختلفة‬ ‫من حيث هي أقنعة تختبئ من تحتها األنساق‬
‫ودرجات متصاعدة تحتكم يف تحديد موقعها‬ ‫وتتوسل بها لعمل عملها الرتوييض الذي ينتظر‬ ‫ّ‬
‫يف مورفولوجيا امل ُامرسات الشعبية إىل عوامل‬ ‫من هذا النقد أن يكشفه» دون متحل أو تكلف‪.‬‬
‫‪01‬‬

‫أبرزها طبيعة السياق‪ ،‬وحدود التناغم الذهني‬ ‫بقى أن نوضح نقطتني بالغتي التأثري يف املسار‬
‫واملرجعي بني مرسل الرسالة املشفَّرة (بالسخرية)‬ ‫التحلييل للدراسة؛ األوىل تتعلق مبقصدية الدراسة‬
‫و ُمستقبِلها‪ ،‬وإذا كانت السخرية عىل املستوى‬ ‫«الشعبي» حيث تعني بها ‪ -‬دون مواربة‬
‫ّ‬ ‫بكلمة‬
‫اإلنتاجي ترتهن بقدرات الساخر وتفاعله الناجز‬ ‫‪ -‬هذه الطبقة العريضة من املهمشني (اجتامع ًيا‬
‫مع املوقف الدرامي فإن تفعيل القيم الوظيفية‬ ‫وسياس ًيا واقتصاديًا وثقاف ًيا) التي تشكل يف‬
‫لهذه املامرسة يرتبط بقدرات املتلقني املبارشين‬ ‫جوهرها قوام الذات مبفهومها الجمعي‪ ،‬والتي‬
‫ومندوبيهم القرائيني‪ ،‬وليصري أي تعطل يف هذه‬ ‫تصري ثقافتها املتواترة بني أفرادها «مشا ًعا‬
‫القناة التواصلية عائقًا يف سبيل تدفّق املعنى‬ ‫بينهم يتداولونها عىل أنها نتاج الخربة الجمعية‬
‫«فالنظم اإلشارية املتكاثرة يف النص األديب من‬ ‫املشرتكة لهم جمي ًعا الحق نفسه يف استعاملها‬
‫موضوعية وأيديولوجية وتكنيكية يتوقف بعضها‬ ‫واستثامرها»‪ ،11‬أما النقطة الثانية فرتتبط بالنمط‬
‫عىل البعض اآلخر»‪.31‬‬ ‫االنتقايئ للمنت املشتغل عليه‪ ،‬فاملقاربة التحليلية‬
‫‪46‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫من الرضوري عدم قرص دور السخرية داخل‬ ‫لقد مثلت السخرية – بكل ما تشتمل عليه‬
‫النص يف بثها روح الدعابة داخل النص‪ ،‬فالسخرية‬ ‫من تهكُّم ودعابة ومحاكاة ومفارقة ‪ -‬أحد‬
‫تعد أحد أبرز معامل الشخصية يف املجتمعات‬ ‫تجليات نسق «املواجهة امل ُخاتِلة» امل ُتغل ِغل‬
‫املغلوبة عىل أمرها أو التي تقع يف مواجهة‬ ‫يف الوعي الجمعي للذات املهمشة وذهنيتها‬
‫محاوالت اإلسكات والتهميش كحال املجتمع‬ ‫الذوقية والعقلية‪ ،‬وقد استمد هذا النسق‬
‫الطرف األضعف‬‫ُ‬ ‫املرصي‪ ،‬فهي مامرسة يلجأ إليها‬ ‫فاعليته واستمراريته من رشاسة رصاع الذات‬
‫يف إطار الرصاع األبدي بني املنت القاهر والهامش‬ ‫مع واقعها املفعم مبظاهر القبح والقهر‪ ،‬حتى‬
‫املقهور؛ حيث إن القهر املادي واملعنوي اللذين‬ ‫صارت مواجهة هذا الواقع رضورة وجودية‬
‫تتعرض لهام الذات يضعها أمام أحد اختيارين؛‬ ‫تستلزم استدعاء أدوات «قولية» متنح الذات‬
‫االستسالم لهذا القاهر‪ ،‬أو مقاومته‪ ،‬وألن املقاومة‬ ‫كفاءة ملواجهة املواقف بالغة الصعوبة‪ ،‬وتضمن‬
‫املادية تغدو يف كثري من األحيان خطوة مؤجلة‬ ‫لها توازنها النفيس ومتكنها من مواصلة رحلتها‬
‫تصبح املواجهة املعنوية هي القادرة عىل تحقيق‬ ‫املجابهة لصعوبات شتى وعوائق مرتاكبة‪ ،‬يتم‬
‫التكافؤ بني الطرفني‪ ،‬وتتمثل املواجهة املعنوية‬ ‫هذا كله بحس خافت ولكنه ف ّعال‪ ،‬وبطرائق‬
‫هنا يف منح الذات نفسها أحاسيس االنتصار‬ ‫أسلوبية مسترتة ولكنها ناجزة‪ ،‬وعرب صيغ داللية‬
‫عىل اآلخر من خالل تأسيس مباراة ذهنية‬ ‫مبتورة ولكنها مو ِّجهة الستكاملها بسهولة‪.‬‬
‫تعادل املباراة الواقعية التي تدرك أن الغلبة‬ ‫وعندما نغدو بإزاء نص يتغلغل فيه الحس‬
‫فيها ستكون للطرف األقوى ماديًا‪ ،‬وألن املباراة‬ ‫الشعبي يكون من الطبعي أن نتوقع حضورا قويًا‬
‫ذهنية فأدواتها تختلف وقوانينها تتباين‪ ،‬وهنا‬ ‫للسخرية‪ ،‬ونتوقع كذلك تناغماً بني التأسيس‬
‫تتبدى الرباعة الشعبية يف توظيف الفكاهة التي‬ ‫الدرامي للمنت الرسدي وتجليات فعل السخرية‪،‬‬
‫تقدم الطأمنينة املعنوية ألولئك الذين يتجاوزون‬ ‫وهو ما تحققه رواية «لحس العتب» التي تطرح‬
‫ضعفهم بتجسيد ضعف اآلخرين حتي يكون‬ ‫خطابًا مصبوغًا بالسخرية يتخلل نص الرواية كله‬
‫لديهم اإلحساس بالتوازن‪ ،‬وبالتايل يستطيعون‬ ‫ويترسب يف رشايينه من بدايته إىل نهايته مؤك ًدا‬
‫أن ميارسوا وجودهم اإلنساين واالجتامعي‪،‬‬ ‫عىل «قيمة ثقافية معارضة تتوسل بالسخرية‬
‫ومع استمرار املواقف املتأزمة وتواتر املواجهة‬ ‫وبالالجدية ليك مترر معارضتها للنسق املهيمن‬
‫بني الطرفني تتحول السخرية إىل منوذج سلويك‬ ‫فتقوضه عرب لعبة السخرية»‪.41‬‬
‫يستعاد إنتاجه وتتوىل الثقافة الرتويج له «فإنه‬
‫وعىل الرغم من هذا التغلغل يف تضاعيف النص‬
‫ملا كان اإلنسان أعمق املوجودات أمل ًا‪ ،‬فقد كان‬
‫فإنه ميكننا تركيز الحديث عن مظهرين يشكالن‬
‫‪51‬‬
‫البد له أن يخرتع الضحك»‬
‫أكرث املظاهر استقطابًا لعنرص السخرية وهام‪:‬‬
‫التحقت مبدرسة البلد مل ميض عامان‬ ‫ُ‬ ‫«عندما‬
‫مرض غريب حار يف فهمه ُ‬
‫حالق‬
‫السخرية من املوت‪.‬‬
‫حتى أصابني ٌ‬
‫صحة البلد‪ ،‬لكنه سلَّمنا بعض أقراص صغرية‬ ‫السخرية من السلطة‪.‬‬
‫قرصا بعد‬
‫صفراء تسمى الكينني‪ ،‬وأوىص بأن آخذ ً‬ ‫أ‪-1-‬السخرية من املوت (الضحك يف مواجهة املوت)‬
‫األكل ثالث مرات يوم ًيا‪ ،‬فام فعلت هذه األقراص‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪47‬‬
‫معها من زاويتني؛ األوىل اعتبار أن الضحك هو‬ ‫شيئًا سوى أنها صبغت بياض عيني بلون اإلصفرار‬
‫نتاج مبارش ملرض الطفلني؛ ومن ثم يغدو الضحك‬ ‫الكايب‪ ،‬وه ّدلت كل أطرايف‪ ،‬فرصتُ أقيض النهار‬
‫هنا فعالً عقاب ًيا يتم عربه االنتقام املعنوي من‬ ‫جالسا القرفصاء فوق الكنبة العتيقة يف‬ ‫ً‬ ‫كله‬
‫الطفليني الربيئني بالسخرية منهام‪ ،‬وهو أمر ال‬ ‫املندرة‪ ،‬آكل أطباق األرز باللنب وأرشب الليمون‪،‬‬
‫يتسق مع الطبيعة اإلنسانية بخاصة املرصية ‪،‬‬ ‫كرهت طعم الحالوة‪ ،‬فانقلبت يف حلقي إىل‬ ‫ُ‬ ‫حتى‬
‫أما الزاوية الثانية ‪ -‬وهي الزاوية األكرث عمقًا‬ ‫مرارة دامئة‪ ،‬وما هي إال أيام قليلة حتى لحق يب‬
‫من وجهة نظر الدراسة ‪ -‬فإنها تنظر إىل الطرفة‬ ‫أخي خالد‪ ،‬فانضم إىل جواري عىل الكنبة مصفر‬
‫التي ألقاها الضيوف (وصار ضيوف أيب يسموننا‬ ‫العينني والوجه‪ ،‬بارز عروق رقبته‪ ،‬مكثنا عىل ذلك‬
‫ي) بوصفها حيل ًة بديلة يلجأ إليها الوعي‬ ‫املُته َم ْ‬ ‫طويالً‪ ،‬حتى بات منظرنا مألوفًا كأنه جزء من‬
‫الشعبي للوصول إىل هدفه‪ ،‬وهو ما يتسق مع‬ ‫هذه الكنبة‪ ،‬وصار ضيوف أيب يسموننا امل ُتهمَينْ ‪،‬‬
‫تعريف الطرفة بوصفها «القول البليغ املثري‬ ‫إشارة إىل جلستنا القرفصاء معاً ال نفعل شيئًا وال‬
‫لالنتباه الذي يتميز بالجدة والطرافة‪ ،‬وإظهار‬ ‫نتكلم وال نبتسم وال نبيك‪ ،‬كأننا يف انتظار حكم‬
‫الرباعة يف التفكري والقدرة عىل تسلية القارئ‬ ‫سيصدر علينا بعد قليل»‪.61‬‬
‫النيل‬
‫أو السامع»‪ ، 81‬فالضحك هنا ال يستهدف َ‬ ‫يبدو النص مشحونًا بالحس الفكاهي‪ 71‬الناتج عن‬
‫العاطفي منهام وإمنا يتم بغية الدعم املعنوي‬ ‫الحالة االنفراجية التي تطرح نفسها عىل النص‬
‫لهام عرب اسرتاتيجية معاكسة‪ ،‬تتغ ّيا قهر السبب‬ ‫بوصفها فعالً ختام ًيا لحالة التوتر الدرامي الناتجة‬
‫الرئيس لهذه املأساة وهو «املرض»‪ ،‬بتحويله‬ ‫عن الوضع املأسوي املهيمن عىل حضور البطل‪،‬‬
‫إىل ُمك ّون يتعرض لالنتقاد الالذع عرب منظور‬ ‫فالفكاهة تتولِّد من حالة التوتر املرفودة بحالة‬
‫تبخييس ينتقم منه ويحقق االعتالء النفيس عليه‪،‬‬ ‫انفراجية‪ ،‬فالبطل الطفل الرا ِغب يف االستمتاع‬
‫فالضيوف عندما يسخرون من هذا املنظر إمنا‬ ‫بطفولته يجد نفسه يف رصاع مع الواقع الرافض‬
‫يص ِّدرون هذه الحالة االنفراجية إىل البطل الذي‬ ‫لحضوره وامل ُتع ِّمد قهره عرب مامرسة قدرية ميثِّلها‬
‫يكتشف هشاشة هذا الكائن املخيف (املوت)‬ ‫املرض غري امل ُس ّبب الذي أصابه‪ ،‬ويتعقّد املوقف‬ ‫ُ‬
‫وإمكانية مواجهته عرب سالح السخرية الناجع‪،‬‬ ‫الدرامي بانضامم طرف آخر (األخ األصغر) يعضد‬
‫وينتج هذا االكتشاف حال ًة انفراجية جديدة‬ ‫الطابع املأسوي املسيطر عىل أقدار العائلة كلها‪،‬‬
‫تعيد استقرار اإليقاع الدرامي للنص «فإذا كانت‬ ‫وبقدر ما يرتفع املؤرش الدرامي الناتج عن حالة‬
‫الشخصية تثري الدهشة والفكاهة والتأمل فإن‬ ‫التوتر االستقبايل ‪ -‬بالنسبة للمتلقي ‪ -‬لتبعات‬
‫امل ُامرِس يهدف من خاللها إىل تحقيق أهداف‬ ‫الحس الفكاهي‬ ‫ُ‬ ‫هذه الحالة بقدر ما يتضاعف‬
‫أخرى بعيدة تتمثل يف الكشف عن الذات‬ ‫بتح ّول هذه الحالة املأسوية إىل حالة فكاهية‬
‫الجامعية‪ ،‬لهذا ميكن القول إن مفارقة الشخصية‬ ‫تولِّدها السخرية التي تخلط امللهاة باملأساة‪.‬‬
‫جهل للذات وكشف للذات»‪.91‬‬
‫فصورة البطل الجالس بجوار أخيه غري قادر عىل‬
‫أ‪-2-‬السخرية من السلطة (الذات يف مواجهة الجامعة)‬ ‫الكالم أو الحركة مكتفيًا باألكل والتأمل تدفع‬
‫أ‪ -1-2-‬السلطة املادية‬ ‫الجميع إىل حالة الضحك‪ ،‬التي ميكن التعامل‬
‫‪48‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫نصا متتزج فيه السخرية بالحيلة‪ ،‬والحكمة‬ ‫ً‬ ‫إذا كانت السلطة السياسة متثل أكرث مظاهر‬
‫بالسذاجة‪ ،‬والبساطة بالتعقيد‪ ،‬فالزعيم الجديد‬ ‫السلطة مادية بزوغًا وأبرزها تسلطًا عىل املستوى‬
‫يختزل معطيات التغيري املأمول يف هذا النمط‬ ‫االجتامعي فإنها متثل يف الوقت نفسه أكرث أشكال‬
‫من الدعم الصويت (الهتاف) الذي ال يحمل‬ ‫السلطة عرضة لسهام النقد بآلياته املبارشة‬
‫قيماً اجتامعية أو سياسية‪ ،‬وإمنا ينطوي عىل‬ ‫وغري املبارشة‪ ،‬وهو أمر بدهي يف إطار معادلة‬
‫قدر من تأييد صوري للوزارة التي تُنعت بنعت‬ ‫اجتامعية تحاول تحقيق التوازن بني السلطات‬
‫يتوازى مع طبيعة املوقف الساخر (الزعلوكية)‬ ‫فتمنح سلطة الفعل لجامعة ومتنح لآلخرين‬
‫ويعكس يف اآلن نفسه رغبة الذات الفردية يف‬ ‫سلطة القول القادر عىل تفتيت الطبقات الفاصلة‬
‫الهيمنة عىل الجامعة التي تنسب لها عرب مامرسة‬ ‫بني السلطتني الرسمية والشعبية‪ ،‬وتضمن حضو ًرا‬
‫إدماجية تكون معها النحن هي األنا‪ ،‬غري أن‬ ‫لألخرية يف ثنايا السلطة وقصورها وبالطها بعفوية‬
‫هذه االستقامة عىل مستوى الخط الدرامي‬ ‫تخيلية تختزل وعيا عميقًا بأهمية الحضور يف‬
‫الساخر تتعرض النحراف مفاجئ يدعمه فعل‬ ‫قلب اهتاممات الوطن‪.‬‬
‫املفارقة عندما تنتقل املحاكة الساخرة من كونها‬ ‫تستدعي الرواية مشه ًدا ثريًا تهيمن عليه‬
‫آلية النتقاد اآلخر السلطوي وفضح مامرساته‬ ‫السخرية لتح ّوله بشكل تدريجي إىل أمثولة تتولد‬
‫املتعجرفة إىل كونها مكاشف ًة للذات‪ ،‬وإبرازًا ملا‬ ‫عربها الدالالت ذات النوازع الواقعية مبعاونة‬
‫يعرتيها من عيوب تكاد تطابق العيوب املنتقدة‬ ‫املامرسة التأويلية التي تربط بني خطاب النص‬
‫يف النسق املهيمن (نسق السلطة امل ُتسلِّطة) وهو‬ ‫وخطاب املرجعية املكانية والزمنية‪ ،‬فالجامعة‬
‫كشف صارخ ومؤمل يف تلقيه املبارش وغري املبارش‪،‬‬ ‫التي تلتقي يف مندرة عبد الودود (والِد الفتى‬
‫رئيسا للوزراء توقّع‬
‫فعبد الودود الذي وجد نفسه ً‬ ‫املريض) ‪ -‬بعد أن تطرح آراءها يف أحوال البالد‬
‫استجابة رسيعة من مجموعة الخاضعني لسلطته‬ ‫البائسة ‪ -‬تتخذ قرا ًرا حاسماً يتعلق بعبد الودود‪:‬‬
‫الجديدة‪ ،‬وعندما مل تحقق له املجموع ُة توقعاته‬
‫رئيسا للوزراء يا عبد الودود‬
‫«إذن فقد جعلناك ً‬
‫كان رد الفعل هو اإلقصاء بكيل االتهامات لهم‬
‫أفندي‪ ،‬فامذا أنت فاعل؟ هه أرين اآلن ماذا‬
‫بالخيانة والحقد والطمع يف السلطة‪.‬‬ ‫‪02‬‬
‫تفعل»‬
‫«فلم يرد أحد‪ ،‬فإذا بأيب يرمي النفري يف وجوههم‬
‫يستقبل عبد الودود ‪ -‬املجرد من آمال السلطة‬
‫يل الطالق بالتالتة أنتو‬‫صائ ًحا يف غضب حقيقي ع ّ‬ ‫املادية الفائتة‪ -‬هذا القرار ببشارة املتلهف‪،‬‬
‫بتكرهوين‪ ..‬يال قوموا روحوا أنا ما أعارشش ناس‬
‫فيتخذ وضعية رئيس الوزراء «وكان أيب قد تأهب‬
‫بتكرهني وتكره يل الخري»‪.32‬‬
‫بالفعل العتالء كريس الوزارة واعرتاه حامس‬
‫إن «عبد الودود» يف متثله لدور السلطة ليس‬ ‫مفاجئ»‪ 12‬ثم يخرب الجامعة مبا سيفعل عندما‬
‫سوى منوذج لنسق ثقايف مضمر يف الوجدان‬ ‫يتوىل زمام هذا األمر الجلل «»كنت أمل الشعب‬
‫الجمعي‪ ،‬منط يعاد إنتاج مناذجه وتق ُّبلها بتسليم‬ ‫كله يف ميدان عابدين وأهتف‪ :‬تحيا الوزارة‬
‫رشا بني صاحب‬ ‫واضح‪ ،‬نسق يحقق ربطًا مبا ً‬ ‫الزعلوكية‪ ،‬قولوا ورايا تحيا الوزارة الزعلوكية»‪.22‬‬
‫السلطة والذات املتفردة املتعالية حيث ال مكان‬
‫يعي املتلقي منذ بداية املشهد أنه سيواجه‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪49‬‬
‫الداللية قد دفعته لتجاوز هذه اإلسرتاتيجية‬ ‫ملخالفة الرأي من قبل اآلخر الذي يغدو قيمة‬
‫الدرامية لصالح فضح الداللة‬ ‫محذوفة‪ ،‬ال تراها السلطة كام ال ترى نواقصها‬
‫“لحظتها فتشت يف وجه أيب عن ظل للمزاح فلم‬ ‫«فليس من شأن النسق أن يرى عيوبه أو يسائل‬
‫أجد‪ ،‬مل أجد إال غضبًا عميقًا احمرت له عيناه‬ ‫عباراته وال أن يربهن عىل صدقه‪ ،‬إن له أن‬
‫‪62‬‬
‫وامتألت بالحزن واألمل”‬ ‫ي ّدعي فحسب واملؤسسة الثقافية تحرس دعاويه‬
‫وتربرها»‪ ،42‬وهنا تصبح مخالفة هذه القواعد‬
‫فالسخرية يف هذا اإلطار تتحول إىل أحد أشكال‬
‫الراسخة خرو ًجا عىل سلطة النسق‪ ،‬وهو ما‬
‫الحوارية املسترتة ‪ dialogicality hidden‬عند‬
‫يستدعي مواجهته بعنف لفظي وتقريع لغوي‬
‫باختني‪ 72‬حيث يغدو املتحا َور معه (السلطة)‬
‫يتوازى مع نظريه املادي الذي تحوزه السلطة‬
‫مخف ًيا ولكن ما ترتكه كلامته وأفعاله من أثر‬
‫الفعلية وتواجه بها املعارضني لها ومن ثم يصبح‬
‫عميق يكون شديد التأثري يف كل تجليات خطاب‬
‫املشهد يف بنيته العميقة غري متعارض مع النسق‬
‫املتكلم تحفي ًزا وتوجي ًها‪ ،‬ويصري املشهد الساخر‬
‫وإمنا مع ِّززًا له وصاد ًرا عنه‪.‬‬
‫ُمحيالً إىل إشكاليات واقعية مستعصية «ألن‬
‫تكوين النصوص الرسدية تكوين يقوم عىل‬ ‫فالسلطة املستبدة تستبدل النفي واإلقصاء‬
‫استبيان مكونات واقعية أولية‪ ،‬انتقاء‪ ،‬وتكثيفًا‬ ‫والطرد من جنة الوطن بالحوار والنقاش‬
‫وإنتا ًجا وتحميالً بدالالت غري محايدة»‪ 82‬وهو‬ ‫واملشاركة كاشفة يف أعامقها عن نسق ثقايف‬
‫ما يفتح الباب أمام استمرار متثُّل املشهد ‪ -‬ذي‬ ‫يضخم الذات وينفي اآلخر بالرضورة الوجودية‬
‫النوازع الساخرة ‪ -‬للرصاعات الواقعية وما تنطوي‬ ‫ويرى «أن املكانة املعنوية ال تتحقق إال بإلغاء‬
‫عليه من توظيف لكافة أنواع الخطابات‪ ،‬ومنها‬ ‫اآلخرين وهذا اإللغاء ال يتم إال عرب الظلم»‪.52‬‬
‫الخطاب الديني كام ميثله «الشيخ كعبلها»‪.‬‬ ‫إن هذا املوقف – من منظور املقاربة الثقافية‪-‬‬
‫«ويف جدية بالغة قال الشيخ كعبلها كأنه يخطب‬ ‫ليس موقفًا مفر ًدا معزوالً‪ ،‬إنه أقرب ما يكون إىل‬
‫عىل املنرب يف كافة املسلمني‪ ،‬مصيبتنا يا أخوانا إننا‬ ‫املوقف النسقي الحامل لداللة مسترتة تتمثل يف‬
‫ال ندقق يف اختيار من يحكمنا‪ ،‬يرضبنا الحكام‬ ‫الصورة الذهنية التي رسختها الثقافة الشعبية‬
‫بالنعال صبح مساء فال نفكر»‪.92‬‬ ‫للسلطة (الصفات الالزمة للسلطة) عرب عمليات‬
‫متوالدة ومرتاكبة غري مراقبة حولت التعاطي مع‬
‫إن العبارة هنا تقف عىل خط التامس بني‬
‫هذه الصفات كطقس مقدس‪ ،‬لتصبح السلطة‬
‫الجدية الكاملة والسخرية الفاضحة‪ ،‬وهو تنازع‬
‫بالتواتر ممنوحة صفات متعالية ومنزهة من‬
‫يرتبط مبألوفية العبارة وتكرارها‪ ،‬فعىل الرغم‬
‫النقد وبريئة من العيوب‪ ،‬وعندما يأيت من يسعى‬
‫مام تنضوي عليه من حقائق فإن تكرار تداولها‬
‫الخرتاق هذا النسق الثقايف أو التحرش برشوطه‬
‫دون تأثري فاعل يف الواقع قد أدي إىل تأسيس‬
‫يكون من املنطقي مامرسة سلوكيات إقصائية‬
‫منط استقبال سلبي تجاهها بحيث تحولت من‬
‫كام فعل األب عبد الودود‪.‬‬
‫عبارة تقريرية حافزة إىل عبارة عاكسة للعجز‬
‫عن تغيري الواقع أو تعديله‪ ،‬وهنا تأيت السخرية‬ ‫وعىل الرغم من محاولة السارد املستمرة لتأطري‬
‫لتقوم بعملية تشويش رضوري عىل هذا املألوف‬ ‫املشهد بالجو الساخر فإن ضغوطات الفورة‬
‫‪50‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫الطالق ما أحنا قاميني هي الوزارة بالدراع والال‬ ‫عندما تعيد للعبارة بعض بريقها الخربي الذي‬
‫إيه؟‪....‬وقال محمود جميل إما دي تنكتب يف‬ ‫يجد صداه لدى الحضور‪.‬‬
‫الجرايد بصحيح ق ّدر يا أخي إننا لقيناك متصلحش‬ ‫«وبتلقائية شديدة – أصله عىل نياته‪ -‬قال‬
‫للوزارة نسيبك وال نرفدك»‪.33‬‬ ‫رمضان ابن عمتي ‪..‬أي والله صدقت يا عم‬
‫يواصل السارد لعبته املراوغة عندما يرص عىل‬ ‫الشيخ عيل»‪.03‬‬
‫إثبات ما آلت إليه األمور نتيجة لهذا التعارض‬ ‫وعىل الرغم من تدخل السارد يف طرح تفسري‬
‫يف املصالح «ليلتها انتهت السهرة إىل غري ما‬ ‫ساخر لهذه االستجابة (أصله عىل نياته) فإن‬
‫يرام‪...‬العجيب أن العالقة توترت بعد ذلك وكف‬ ‫عملية الرتميز قد اكتسبت قيمها دون أن يؤثر‬
‫معظمهم عن املجيء فيام عدا الشيخ زيدان‬ ‫فيها هذا التدخل الذي يحمل يف طياته اعرتافًا‬
‫وابن عمتي حيث يجلسون يف كثري من الصمت‬ ‫بفطرية التوق إىل الحرية وبدهية املشاركة يف‬
‫ال يتحدثون يف السياسة أبدا»‪.43‬‬ ‫إنتاج السلطة‪.‬‬
‫وعىل الرغم مام قد تبدو عليه العبارة من بعد‬ ‫إن التبدل يف موقف الذات هنا وتحولها من‬
‫إرشادي يتجنب التعرض للحديث يف السياسة‬ ‫موقف املتعاطف مع الجامعة «‪..‬ثم يعرج‬
‫بوصفها سب ًبا إلفساد العالقات وإحداث القطيعة‬ ‫بالحديث إىل الوزارة وخيبتها وحزب الوفد‬
‫بني األفراد مبا يشبه الدعوة لرتك السياسة ألهلها‪،‬‬ ‫وتقاعسه ورائحة املامينة البادية يف سلوكه‬
‫فإن العبارة نفسها تحمل يف وجهها العميق‬ ‫واستجابته لغزل االستعامر»‪ 13‬إىل الناقم عليها‬
‫انتقا ًدا صار ًخا للسلطة التي ترى أن املعارضة‬ ‫«والله أنكم جميعا مناردة تستأهلون ما يجري‬
‫تعني املخاصمة واالختالف‪ ،‬وعندما يتحول هذا‬ ‫لكم»‪ 23‬ليس سوى أحد تبعات تبدل املواقع‬
‫املوقف الهزيل الرمزي إىل موقف شبه واقعي‬ ‫(السلطة‪ /‬الجامعة) وهو ما يجدد طرح أمثولة‬
‫يتوازى مع ما يحدث يف عامل السياسة الحقيقي‬ ‫ما ميكن أن متارسه السلطة من ضغوطات تدفع‬
‫تتبدى مهارة السارد يف املراوحة بني املوقفني‬ ‫بالذات إىل االنفصال عن جامعتها وت ّربر لها‬
‫التخييل والواقعي لتأسيس عالقة تشابه عىل‬ ‫مامرسة درجات متصاعدة من النفي والعقاب‬
‫املعطيات والنتائج تتناغم مع الطابع الهزيل الذي‬ ‫الجامعي‪.‬‬
‫يحقن به املوقفني يف نقد متجدد للمامرسات‬
‫إن التزام السارد بتمثل نسق املعارضة امل ُخاتلة‬
‫السلطوية‪.‬‬
‫مل مينعه من التناغم مع تطور املوقف الدرامي‬
‫أ‪ -2-2-‬السلطة القيمية‬ ‫عرب عدة مستويات منها مجاوزة الرمزي لصالح‬
‫ويقصد بالسلطة القيمية منظومة القيم السائدة‬ ‫الواقعي واستبدال الوضوح بالتشفري وهنا ترتاجع‬
‫يف مجتمع ما والتي تولت صياغة الذات عرب‬ ‫السخرية بوصفها مامرسة للمقاومة لتحل محلها‬
‫مسارات تداولية متوارثة‪ ،‬وهو ما يجعل الخروج‬ ‫الثورة بوصفها الوجه الغاضب للمقاومة واملتأيب‬
‫الرصيح عليها انتهاكًا صار ًخا يقابله الوعي‬ ‫عىل قبول الغنب وهو ما يتجيل يف ردود أفعال‬
‫الجمعي مبامرسات عقابية قد تصل إىل حد النفي‪،‬‬ ‫الجامعة تجاه مامرسات السلطة النافية لهم‬
‫وملا كانت هذه املنظومة تتأسس يف صورتها‬ ‫يل‬
‫«»فش ّوح محمد مصباح يف وجهه قائالً ع ّ‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪51‬‬
‫تستند كفاءة االنتقاد يف املشهدين إىل إبراز‬ ‫االفرتاضية النقية عىل تحقيق املصلحة الجمعية‪،‬‬
‫التعارض بني العلم الساعي إىل تحسني الواقع‬ ‫ويف صورها الفرعية عىل تحقيق املصالح الفئوية‬
‫وتنقيته من شوائب املامرسات السلبية‪ ،‬وهذا‬ ‫التي استغلت الطبيعة الهيكلة لإلطار القيمي‬
‫ُحتضنة لطبقة‬‫الواقع نفسه بوصفه البيئة امل ِ‬ ‫واستثمرته لتحقيق غايتها تحت غطاء شكيل‬
‫امله ّمشني‪ ،‬ترتدد أصداء هذا التعارض عىل‬ ‫يحقق لها النفوذ الطبقي‪ ،‬أصبح الجمود هو‬
‫مدار أحداث الرواية وتصل ذروتها عندما ‏يعجز‬ ‫السمة املميزة لهذه املنظومة‪ ،‬وعندما يأيت من‬
‫العلم‪ 73‬عن إيجاد الحل للذات املعذبة‪ ،‬وهو‬ ‫يسعى لتحريك سواكن هذه املنظومة يكون من‬
‫فشل يشري إىل القطيعة املعرفية بني الجانبني‬ ‫املتوقع نشوء رصاع بني الطرفني‪ ،‬وهو رصاع‬
‫املفرتض ارتباطهام‪ ،‬وعدم القدرة عىل ‏تحقيق‬ ‫يتسم ‪-‬عىل مستوى املنظور الشعبي‪ -‬بتجنب‬
‫الوصل الطبيعي بينهام لضامن سالمة التشخيص‬ ‫املواجهة املبارشة‪ ،‬واللجوء إىل طرق بديلة تتخذ‬
‫املمهد إىل نجاعة العالج مبستوياته املختلفة‪،‬‬ ‫من تعارض املصالح مرتك ًزا تؤسس عليه انتقادها‪،‬‬
‫فاملنظور الشعبي هنا ميارس لعبته برباعة عندما‬ ‫ومنثل باملشهدين التاليني‪:‬‬
‫يبتعد عن توجيه االنتقاد إىل منظومة العلم‬ ‫«ذهبنا إىل بندر دسوق‪..‬حتى دخلنا العيادة‪،‬‬
‫لوعيه العميق بصوابها الكيل‪ ،‬ولكنه يستغل‬ ‫فأرقدين الطبيب ذو النظارة الذهبية والشعر‬
‫هذه القطيعة للنيل من الطبقة التي تتعامل مع‬ ‫املفلوق الالمع والكرش الضخم والخدود الحمراء‪..‬‬
‫الطبقات األخرى من منظور فوقي يربره إميانها‬ ‫وصار يتحسس بطني بأصابع طرية موجعة‪..‬ثم‬
‫الزائف بامتالكها الحكمة يف مفهومها املطلق‪،‬‬ ‫غطاين واستدار كاملاكينة‪..‬نزع الحكيم الورقة‬
‫ولهذا يصبح من املنطقي تأسيس هذا التاميز بني‬ ‫وصار يشري ألمي بالقلم عىل بعض السطور‬
‫الطب بوصفه مامرسة تحمل قيام نبيلة يف ذاتها‬ ‫ويرشدها إىل أن هذا بعد األكل وهذا قبله‪..‬‬
‫تعنى بتخفيف اآلالم عن البرش بغض الطرف‬ ‫ثم تركها واتجه إىل باب الحجرة ناظ ًرا يف ردهة‬
‫عن تباينهم الطبقي والقامئني عىل هذه الرسالة‬ ‫االنتظار صائ ًحا ‪:‬اليل بعده»‪.53‬‬
‫املمثلني لطبقة املنت يف مقابل طبقة الهامش‪.‬‬
‫«قدموين إىل طبيب كالح الوجه‪ ،‬مكرش املالمح‪،‬‬
‫فالطبيب يف املشهدين ينظر إىل املريض بوصفه‬ ‫دائم التأفف‪ ،‬فعل يب نفس ما فعله ألبري فهمي‬
‫حالة من جملة حاالت يتعامل معها يوميا مبا‬ ‫يف دسوق ثم نحاين وكتب ورقة صغرية ‪..‬أعطاها‬
‫يجردها ‪ -‬من وجهة نظره ‪ -‬من طبيعتها البرشية‬ ‫لستي ‪..‬ثم قفلنا عائدين نحمل زجاجة خل مليئة‬
‫ويحولها إىل حالة تتسم بالثبات الذي يوازيه‬ ‫مبزيج الحديد‪ ،‬وبعض أقراص صفراء‪ ،‬وأخرى‬
‫ثبات آخر عىل مستوى املعالجة التي تنهل من‬ ‫بيضاء‪ ،‬ويف الطريق تذكرتْ ستي أن الطبيب قد‬
‫فلسفة علمية سليمة ولكنها تفقد فاعليتها عندما‬ ‫أوىص باالمتناع عن قامئة طويلة من الطعام مل‬
‫ال تنتبه إىل خطورة هذا النمط من التجريد ملا‬ ‫أسمع بها من قبل‪ ،‬وعن مرشوبات عمري ما‬
‫قد يؤديه من فشل يف التجربة برمتها وعجز‬ ‫سمعت بها‪ ،‬وال أظن أن ستي قد فهمت منها‬
‫عن تحقيق الرسالة الطبيعية للعلم بوصفه أداة‬ ‫شيئًا‪ ،‬وإن ظلّت تتابعه قائلة‪ :‬حارض يا بيه‪..‬‬
‫لخدمة اإلنسان وبخاصة أولئك العاجزين‪.‬‬ ‫حارض يا بيه»‪.63‬‬
‫‪52‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫كام يتحدد يف «عنوان الرواية» الذي يعمل‬ ‫فاملشهد الرسدي السابق يقوم بتوزيع الفاعلني‬
‫بوصفه ُمرشِّ ًحا دالليًا يعكس وجهة نظر السارد‬ ‫عىل طبقتني؛ طبقة متثل املنت (تمُ نح لقبًا‬
‫وميثل «املوطن األبرز الذي مارس فيه الراوي‬ ‫استعالئ ًيا‪ /‬بيه) متارس سلطتها عىل الطبقة‬
‫وظيفتَه اإلجبارية‪ ،‬وظيفة الرسد»‪ ،04‬فالسارد‬ ‫الثانية‪ ،‬ويتم ترجمة هذا التاميز الطبقي إىل‬
‫يستغل هذه املناصة يف إرشاد املتلقي وتوجيه‬ ‫متايز عىل مستوى الخطاب اللغوي‪ ،‬فحديث‬
‫قراءته للنص صوب هذا الفعل الذي يفرض‬ ‫الشخصيات املنتمية إىل هذه املساحة املكانية‬
‫حضوره عنو ًة عىل النص و ُمتلقيه‪ ،‬وعىل الرغم‬ ‫البعيدة عن اهتامم الطبيبني «الريف» «ليس‬
‫أن هذا الفعل يبزغ بشكل مبارش داخل النص‬ ‫فقط سمة مميزة لألسلوب الواقعي فحسب‪ ،‬بل‬
‫يف منتصف العمل تقري ًبا‪ ،‬فإنه يتجىل بوضوح‬ ‫استخدم كذلك لنعت الريف بأنه موطن الجهل‬
‫أمام عني املتلقي مع بداية العمل عندما تتبدى‬ ‫واملرض واملوت»‪ 83‬ففي حني يتذرع املريض‬
‫عالمات املرض عىل الطفل وسط عجز األهل عن‬ ‫وأهله بالصمت عالمة عىل العجز عن املواجهة‬
‫توفري العالج الناجع‪ ،‬فيتوقع املتلقي أن يكون‬ ‫واالستسالم الكامل للمصري أو باالستجابة املبارشة‬
‫الحل يف «لحس العتب»‪.‬‬ ‫«حارض يا بيه‪..‬حارض يا بيه» عىل الرغم من عدم‬
‫وبعيدا عن تحايل الفعل عىل توقعات املتلقي‬ ‫قدرته عىل التواصل مع اآلمر مام يعكس مخاوفة‬
‫وعدم نجاحه يف تحقيق الشفاء املتوقع فإننا‬ ‫املتجذرة من إظهار هذا العجز أو محاولة الفهم‪،‬‬
‫ميكننا إيجاز العنارص الحافزة عىل االستقبال‬ ‫نجد خطاب السلطة املسيطرة عىل املوقف‬
‫السلبي له (كام صوره النص) يف عنرصين هام‪:‬‬ ‫الرسدي متسماً باالستبداد أو «ميكن تسميته‬
‫بالبطش اللغوي وأقصد به أن تتشبع اللغة‬
‫‪ -‬طبيعته اإلذاللية‪.‬‬ ‫باالستبداد وال تعرف غري األوامر والنواهي ‪..‬وال‬
‫‏‪ -‬عدم منطقيته‪.‬‬ ‫‪93‬‏‬
‫تتيح فضاء للحوار أو أفقًا للتنوع والتعدد»‬
‫ويف حني ميكن إرجاع الطبيعة اإلذاللية بشكل‬ ‫(‪ ..‬واستدار كاملاكينة‪..‬نزع الحكيم الورقة وصار‬
‫واضح إىل الخضوع املادي وتذوق القاذورات فإن‬ ‫يشري ألمي بالقلم عىل بعض السطور‪..‬ثم تركها‬
‫عنرص عدم املنطقية يتشكل من ناحيتني‪ ،‬األوىل‬ ‫واتجه إىل باب الحجرة ناظ ًرا يف ردهة االنتظار‬
‫تتمثل يف الجهة الواصفة له بوصفه عال ًجا ناج ًعا‪،‬‬ ‫صائ ًحا ‪:‬اليل بعده) ‪.‬‬
‫والثانية يف الفعل ذاته املنبت عن النظر العقالين‪،‬‬ ‫إذا كان املشهد السابق قد كشف عن آلية‬
‫ويبدو السارد معنيًا برتسيخ ال منطقية هذا الفعل‬ ‫املعارضة املسترتة «للنسق السلطوي» فإن اآللية‬
‫عندما يجعل من استجابة األهل واملريض له‬ ‫نفسها يتم توظيفها عند انتقاد النمط اآلخر من‬
‫يسرية للغاية دون تفكري أو تأمل وهو ما يضاعف‬ ‫أمناط السلطة القيمية التي يختزلها توجيه البطل‬
‫من دهشة املتلقي‪ ،‬ويرسخ لسطوة املامرسات‬ ‫املريض إىل مامرسة فعل «لحس العتب»‪.‬‬
‫الالمنطقية يف السياق البعيد عنه‪ ،‬فالسارد‬
‫يكتسب فعل «لحس العتب» موقعه داخل‬
‫يبدو غري مقتنع بجدوى هذا األمر»ومع ذلك‬
‫الشبكة الداللية للنص بفضل دوره التوجيهي‬
‫فهو يستسلم لهذا الغيب مع ًربا عن موقفه منه‬
‫املرتبط مبوقعه املتقدم يف صدارة املنت الرسدي‬
‫بحكمته املأثورة اليل مكتوب عىل الجبني الزم‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪53‬‬
‫يف اآلن ذاته تنال من سلبيات املعيش وعبثيته‬ ‫تشوفه العني»»‪ 14‬مستجي ًبا للضغوطات املتامسة‬
‫بالقدر الذي تنال فيه من سذاجة الرؤية الناقدة‬ ‫مع سيطرة مساحة اليأس عىل روحه وعائلته‪.‬‬
‫لهذه السلبيات والتي تجد يف إظهار االمتعاض‬ ‫«فنادت أمي الشيخ كعبلها يف الرس ‪ ...‬فوصف لها‬
‫والرفض منجاة لها من مواجهة األزمة الناتجة عن‬ ‫ما ينبغي علينا أن نفعله بالضبط‪...‬بدأنا بأولياء‬
‫االنفصال بني رشائح املجتمع‪.‬‬ ‫بلدتنا األربعة‪ ،‬سيدي سليامن العجمي‪ ،‬وسيدي‬
‫إن عدم تأثري هذين العنرصين عىل فاعلية‬ ‫هارون‪ ،‬وسيدي مطرف بن عبد الله‪ ،‬وسيدي عيل‬
‫االستجابة لهذه املامرسة يعكس إىل نسق‬ ‫أبو دبوس‪ ...‬نطرق باب الرضيح فريد علينا خادم‬
‫«االستقبال الخامل» أو «العمى الثقايف» الناتج‬ ‫الرضيح‪...‬تطلب أمي مفتاح الرضيح لتضع نذ ًرا‬
‫عن منح املوروث ثقة مطلقة تؤمن بجدواه‬ ‫يف الصندوق‪...‬ثم تطلب من الخادم حلة ماء‪،‬‬
‫املصدرة من الجيل األكرث خربة‪ ،‬وهنا تتجاوز‬ ‫فيجيء بها‪ ،‬فتدلقها عىل باب الرضيح‪ ،‬فتنظفها‬
‫املامرسة حدودها الواقعية لتغدو يف جوهرها‬ ‫جي ًدا حتى تصري رخامتها بيضاء ثم تأمرين أنا‬
‫عملية متثيل آللية التعاطي مع مفردات البنية‬ ‫وأخي بأن ننحني عىل رخامة العتبة التي يدوس‬
‫الذهنية املتوارثة «هذه التمثيلية التي ال ميكن‬ ‫فوقها الناس بأقدامهم ونلحسها بلساننا بقعة‬
‫أن تتملص أو تنفلت من لحظتها التاريخية‬ ‫بقعة من أولها إىل آخرها هكذا نصحها الشيخ‬
‫ومناخها السوسيو ثقايف الذي يحكمها ويلونها‬ ‫كعبلها‪ ،‬وقد فعلنا ورطوبة الرخامة الخشنة‬
‫ويؤدلجها»‪.34‬‬ ‫بطعم الرتاب والعفن ظلت ملتصقة بلساين طول‬
‫إن توجه األم مع ابنها إىل رضيح األولياء ولحس‬ ‫النهار من رضيح إىل رضيح ‪ ،‬وبعد يومني قمنا‬
‫عتبه يتم بناء عىل نصيحة «الشيخ كعبلها» الذي‬ ‫بجولة أخرى يف بلدة مجاورة‪...‬وعدنا آخر النهار‬
‫يؤكد أن فاعلية هذا األمر وأنه نتاج خربة متوارثة‬ ‫والغثيان ينفض أمعايئ كلها كل برهة ‪...‬فبمجرد‬
‫يتم التأكيد عليها عرب رسده لحكاية لطفل تطابق‬ ‫أن أفيق يكون أول يشء أحس به هو العتب‬
‫حالته مع حالة الفتى املريض شُ في عن طريق‬ ‫الذي أنطبع فوق لساين»‪.24‬‬
‫لحس عتب األولياء بعد أن عجز األطباء عن‬ ‫إن تجرد فعل «لحس العتب» من أي مظهر‬
‫إيجاد الحل له‪ ،‬وهنا يجاوز فعل «لحس العتب»‬ ‫رشا ناق ًدا‬
‫منطقي ورسعة االستجابة له يحمل مؤ ُ‬
‫طبيعته الضيقة بوصفه مامرسة فردية ليغدو‬ ‫حول ال منطقية املعيش وتجرده بالتوازي من‬
‫بنية متثيلية لقدرة السياق عىل توجيه الذات‬ ‫العقالنية‪ ،‬وهو ما يتم دعمه نص ًيا مبزيد من‬
‫بفعل ركامات معرفية وثقافية يتداخل فيها‬ ‫مظاهر عدم املنطقية بالنسبة للوعي املنفتح‬
‫الديني مع األسطوري مام يكسبها رصانة تجعل‬ ‫الذي يخضع املامرسات ذات الركامات الثقافية‬
‫من مواجهة الذات لها فعالً استثنائيًا وقبوله‬ ‫املحددة ملنطقه‪ ،‬وعندما تتعارض هذه املامرسات‬
‫وتسليمه بها مامرسة اعتيادية يعززها نسق‬ ‫مع منطقه املتشكل يف سياق مختلف عن السياق‬
‫ثقايف يوهمنا بنكهتها الدينية ويخفيها تحت‬ ‫الذي أنتجها يتم الحكم عىل هذه املامرسات‬
‫ستار تداويل مجازي يكشف نقده عن «نسقية‬ ‫بافتقارها إىل املنطق وهشاشة هيكلها‪ ،‬مبا يرسخ‬
‫االستقبال الذي تكلل بالعمى الثقايف حتى ال يرى‬ ‫لنظرة استعالئية ينتقدها النص بنعومة ورشاسة‬
‫‪54‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫وقد مثلت األسطورة ‪ -‬بتنويعاتها الشكلية–‬ ‫عيوب الخطاب ولذا يظل يستهلكها ومن ثم‬
‫أو باألحرى صناعة األسطورة أحد املضمرات‬ ‫يعيد إنتاجها دون وعي منه»‪. 44‬‬
‫النسقية الثقافية الذي «مل يكتبه كاتب فرد وإمنا‬ ‫كام يشكل هذا الفعل أيقونة لقدرة الوعي‬
‫وجد عرب عمليات من الرتاكم والتواتر حتى صار‬ ‫الشعبي عىل مراوغة املنظور السياق عرب‬
‫رصا نسق ًيا يتلبس الخطاب ورعية الخطاب‬ ‫عن ً‬ ‫مامرسات تتلون بدالالت تبدو يف كثري من‬
‫من مؤلفني وقراء» ‪« ،‬فالذاكرة الشعبية ميالة‬
‫‪84‬‬
‫األحيان متناقضة ومتعارضة تب ًعا ملا تطرحه‬
‫إىل االسرتاحة من الحقيقي والواقعي‪ ،‬وتخلق يف‬ ‫من قرائن تتلون دالليًا وفقًا لقدرة املنظر عىل‬
‫آن واحد مخر ًجا تخيل ًيا فوق واقعي يتجسدان‬ ‫الوعي مبفهوم اإلنتاجية الداللية‪ .‬وهنا علينا أن‬
‫يف األسطورة والحكاية والسري وكل األشكال التي‬ ‫نعيد قراءة محاولة السارد تربير فشل العالج‬
‫تتمتع بالصفة اإلبداعية التخيلية»‪ ،94‬ويرتبط‬ ‫مبحاولة «الفتى» مسح العتب قبل لحسه‪-‬‬
‫هذا «النسق األسطوري» يف جوهره بتحقيق‬ ‫‪54‬مام دفع األم إىل جعله يلحس العتب دون‬
‫املؤسسة له وامل ُستقبلة له‬
‫غاية نفعية للذات ِّ‬ ‫مسح يف املرة الثانية‪ -‬بأنها محاولة ملحو‪ /‬ملسح‬
‫بوصفيهام تجليني متتابعني لذات ثقافية واحدة‪،‬‬ ‫املوروث الثقايف غري املنطقي املتامزج مع فهم‬
‫والرتاث العريب املتشعرن يزخر مبرويات عديدة‬ ‫ضيق للدين‪ ،‬يتم ذلك عرب معارضة «تتخذ من‬
‫عن عالقات الشعراء بشياطني الشعر وجنياته‬ ‫املضمر النيص وسيلة لإلفصاح عن املكبوت وعن‬
‫روج لها الشعراء تأليفًا أو امتنا ًعا عن النفي يف‬ ‫معارضتها للنسق املهيمن»‪ 64‬وهو ما يتكثف يف‬
‫إطار رغبتهم الجامحة لتأسيس طبقتهم املتعالية‬ ‫العبارة األخرية املغرقة يف التورية «فبمجرد أن‬
‫عىل النقد واآلخرين‪ ،‬ومع مرور الزمن انغرس‬ ‫أفيق يكون أول يشء أحس به هو العتب الذي‬
‫هذا النسق ‪ -‬مع متغريات وظيفية تستجيب‬ ‫انطبع فوق لساين» فيمكن فهم العتب هنا ال‬
‫الحتياجات الذات امل ُوظِّفة له – يف الوجدان‬ ‫مبعنى عتبة الرضيح وإمنا اللوم واستهجان الفعل‬
‫الثقايف وترحل عرب أجيال متعاقبة ليغدو مرتك ًزا‬ ‫ومعاتبة كل من يشجع عليه أو يدعو إللغاء‬
‫من مرتكزات الوعي الثقايف العريب عامة والشعبي‬ ‫العقل وتجاوز املنطق لصالح أفعال غري مربرة‬
‫خاصة‪ ،‬وأحد مرجعيات التفسري للعديد من‬ ‫تزيد من غيبوبة السياق الذي يشكل إخضاع‬
‫السلوكيات واملامرسات التي يعجز العقل – أو‬ ‫هذه األفعال الراسخة ثقاف ًيا إىل املساءلة أول‬
‫هكذا يُتصور‪ -‬عن تربيرها‪ ،‬أو إحدى الحيل‬ ‫خطوات اإلفاقة املتغياة‪.‬‬
‫التي تجد فيها الذات ملجأ لتجاوز ضعفها يف‬
‫مواجهة‪/‬مقاومة الواقع القبيح‪ ،‬وتربير سكونيتها‬
‫ب ‪ -‬صناعة األسطورة‪..‬الرهان عىل‬
‫يف مواجهة الحركات املتصاعدة لقوى السياق‬
‫التغريب‬
‫املحيط كشكل من أشكال مواجهة الفيزيقي‬ ‫متثل عملية األسطرة شكالً ثانيًا من اللغة التي‬
‫بامليتافيزيقي‪.‬‬ ‫هي نظام أويل للتدليل ‏»يقيم ‏عالقاته يف الواقع‬
‫الحارض الحي كام يقيمها أيضً ا يف التاريخ يف‬
‫وتستند عملية األسطرة إىل عنرصين رئيسني هام‬
‫الوعي الجامعة‏عرب‏فرتات طويلة متالحقة ولكنه‬
‫التغريب والتداول‪ ،‬لهذا نجد سارد رواية «لحس‬
‫يظل جوه ًرا يرشد الوعي ويحركه «‏‪.74‬‬
‫العتب» ناهضا مبهمة تفعيل هذين العنرصين‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪55‬‬
‫أبيه التي عيشته كالربنس وكونت له ثروة هائلة‬ ‫يف أثناء محاولته نسج خيوط األسطورة حول‬
‫تقاسمتها قبائل من أوالده‪ ،‬غري أن أيب مل يكن‬ ‫مرسوده وحقنه مبزيد من الجرعات التغريبية‬
‫يف براعة جدي وال حصافته ونصاحته‪ ،‬وال قدرته‬ ‫التي تزيد من بالغة النص ومتعته‪ ،‬ولتجعله ‪ -‬يف‬
‫عىل التحويش واالدخار‪ ،‬إال أنه يرمي الذنب كله‬ ‫الوقت نفسه ‪ -‬أكرث التحا ًما بلحمة الوعي الشعبي‬
‫عىل اتضاع الزمن ونذالة األيام وكرثة العيال‪ ،‬فكل‬ ‫املغرق يف عامل الغيبيات ومالبساته التهوميية‬
‫ذلك أىت عىل كيس نقوده‪ ،‬فصار مخزن الحبوب‬ ‫الرثية التي تتجاوز اإلطار الحيس للموجودات‬
‫يتناقص حتى بات ال يحتوي عىل قوتنا الرضوري‪،‬‬ ‫إىل ما له عالقة بالوجود يف عامل األذهان‪ ،‬ليصري‬
‫فأصبحنا نشرتي القمح والذرة والشعري من تجار‬ ‫التمثيل «ليس مرشوطًا بقيام املدركات يف حالتي‬
‫كانوا صبيانًا عند أيب ذات يوم‪..‬معظم األشياء‬ ‫الحضور والغيبة وإمنا يتعداها إىل عوامل التوهم‬
‫الثمينة التي ورثها أيب عن جدي قد فرطنا فيها‬ ‫والرؤيا وما يدانيهام»‪.05‬‬
‫بشكل أو بآخر‪ ،‬لسبب أو آلخر‪ ،‬مع أن كل يشء‬ ‫ب‪ -1-‬املنضدة (اخرتاع األسطورة)‬
‫فرطنا فيه مل نفرط فيه بسهولة‪ ،‬لكن األشياء‬
‫ميكننا اختبار كفاءة التمثيل الرسدي لهذا‬
‫ترسبت يف النهاية‪ ،‬ومل يبق من معامل تاريخنا أثر‬
‫«النسق» مبقاربة الصورة النصية للمنضدة أو‬
‫حي إال هذه الرتابيزة العجيبة‪ ،‬ولهذا رفض أيب أن‬
‫كام يطلق عليها السارد «الرتابيزة» ‪ -‬إمعانًا يف‬
‫يف ِّرط فيها بأي مثن‪.15»..‬‬
‫الترصيح باالنتامء إىل الثقافة املرصية الشعبية‬
‫إذا كانت األسطورة تتخلق يف ماض سحيق ثم‬ ‫ولهجتها العامية – حيث تحرض املنضدة داخل‬
‫تكتسب حضورها القوي بفضل عملية التتابع‬ ‫رشا أول ًيا حول‬
‫النص منذ افتتاحيته مام يطرح مؤ ً‬
‫والتناقل وصوالً إىل حالة اليقني املعريف لألجيال‬ ‫دور هذا العنرص الحكايئ داخل البنية الرسدية‪.‬‬
‫التالية فإن املوقف املشكل لها يكون محسو ًما‬
‫«ليست هذه الرتابيزة العجيبة هي كل ما تبقى‬
‫لصالح املايض ضد الحارض واملستقبل‪ ،‬وعندما‬
‫من آثار العز والنغنغة التي كانت تتمتع بهام‬
‫يسعى السارد إىل طرح مفردته األسطورية يكون‬
‫ديارنا ذات يوم بعيد‪ ،‬فهناك صيت الزعالكة‬
‫من الطبيعي التمهيد لهذا الطرح بااللتفات‬
‫نفسه‪ ،‬وهو وحده يكفي لجلب االحرتام عند‬
‫إىل فضائها املاضوي عرب هذا النمط من الرسد‬
‫كل من يسمعه‪ ،‬وهناك أعاممي الكثار الذين‬
‫املرجعي لتاريخها املتامس مع تاريخ العائلة‬
‫تكاد تتشكّل منهم ومن أبنائهم وأبناء أبنائهم‬
‫واملؤرش لقيمتها الداللية (حضورها الرمزي)‬
‫وبناتهم بلدة كبرية ج ًدا تسمى بالزعالكة ال‬
‫املصاحبة لتنامي البناء النيص وتتابع متوالياته‪،25‬‬
‫يسكنها مخلوق واحد ال ينتهي اسمه بزعلوك‪،‬‬
‫فتعمد املصاحبة أو عفويتها بني عملية التخليق‬
‫كام أنه ليس يف العب كله من مل يحلم بالزواج‬
‫النيص ألسطورة املنضدة واستحضار العائلة‬
‫من بنات الزعالكة أو يز ِّوج بناته من شبان‬
‫بطبيعتها الجمعية ووحدتها التنظيمية يرتبط‬
‫الزعالكة‪ ،‬وهناك أيب نفسه الحاج عبد الودود‬
‫بالفلسفة التأسيسية لفعل األسطرة املستند‬
‫زعلوك الذي عشق العلم فتعلّم حتى شهادة‬
‫إىل ذوبان الفردي يف الجمعي حيث «ال يعرف‬
‫عاملية األزهر الرشيف‪ ،‬ثم خلع عاممة العلم‬
‫لألسطورة مؤلف معني‪ ،‬ألنها ليست نتاج خيال‬
‫واشتغل بالفالحة وتجارة الحبوب‪ ،‬نفس مهنة‬
‫فردي بل ظاهرة جمعية يخلقها الخيال املشرتك‬
‫‪56‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫باالسرتجاع ومعنى هذا أن بداية لحظة القص‬ ‫للجامعة وعواطفها وتأمالتها»‪.35‬‬
‫تصبح بعد بداية الحدث املحيك وبعد نهايته‬ ‫وحيث إن اكتساب األسطورة رشعيتها يف إطار‬
‫أيضً ا»‪ ،55‬فالبطل الطفل يرسد الحكاية من منظور‬ ‫عملية التلقي ترتهن بالدرجة األوىل بضامن‬
‫منفتح بعد أن صار رجالً واتخذ من الحيك سبيالً‬ ‫مقبولية املشهد‪ /‬املشاهد املتضمنة فعل األسطرة‬
‫لقراءة ماضيه ووضعه موضع امل ُساءلة يف ضوء‬ ‫‪ ،‬واملقبولية هنا تجاوز ثنائية الصدق والكذب‬
‫الخربات املعرفية واملعلوماتية التي اكتسبها‬ ‫التقليدية إىل درجات أكرث عمقًا وتعقي ًدا ترتبط‬
‫بفضل التطور التاريخي للشخصية وتنامي وعيها‬ ‫باملرجعيات الذهنية للمتلقني وطريقة التأسيس‬
‫اإلدرايك فعندما يكون «الراوي هو البطل فإن‬ ‫التي اعتمدها السارد والشحنات الدرامية التي‬
‫مث ّة مسافة زمنية تنهض مع الرسد بينهام‪ ،‬تنهض‬ ‫حقن بها مشاهده‪ ،‬فإن السارد يسعى لضامن‬
‫هذه املسافة بني ما كانه الراوي وما غداه البطل‪،‬‬ ‫كفاءة استقبال متلقيه لعملية أسطرة «الرتابيزة»‬
‫ماض‪ ،‬والراوي‪/‬زمن‬ ‫أو بني البطل الشخصية‪/‬زمن ٍ‬ ‫بدعم عنرصي املصداقية واالنفتاح املعريف‬
‫حارض‪ ،‬إن املسافة الزمنية هي مسافة التح ّول‬ ‫املتحققني من خالل ما ميكن أن نطلق عليه‬
‫وهي أيضً ا مسافة العني التي تنظر يف ما تجعله‬ ‫«الرؤية الداخلية املنفتحة» املرتبطة بخيارات‬
‫موضو ًعا لرؤيتها ولكالمها‪ ،‬وهي بهذا املعنى‬ ‫زاوية الرؤية التي يعتمدها السارد‪ ،‬فزاوية الرؤية‬
‫مسافة تنهض عليها الذاكرة»‪.65‬‬ ‫التي هي مسألة تقنية تتحدد من خالل إدراك‬
‫يظل هذا املنظور مهيم ًنا عىل املرسود الذي يدور‬ ‫املسافة التي تفصل بني السارد والشخصيات‬
‫حول حكاية هذا الصبي الصغري وعائلته الكبرية‬ ‫الحكائية حيث يؤسس انعدا ُم هذه املسافة‬
‫التي كانت تحوز مكانة مميزة عىل املستويني‬ ‫التجريدية التو ُّح َد بني الراوي والشخصية‪.‬‬
‫االجتامعي واالقتصادي قبل أن تتعرض ألزمات‬ ‫إذا كانت الرؤية الداخلية قد تحققت من خالل‬
‫متتالية حولتها إىل عائلة معدومة ال يبقى من‬ ‫املوقع املادي للسارد فإن انفتاح هذه الرؤية قد‬
‫تاريخها الباذخ سوى بعض دالئله وأهمها هذه‬ ‫تحقق من خالل طبيعة الرسد داخل الرواية‪،‬‬
‫املنضدة «العجيبة» ذات األوصاف بالغة الدقة‬ ‫ففي رواية «لحس العتب» نواجه رس ًدا الحقًا ـ‬
‫واإلغراب‪ ،‬فاملنضدة تظل حارض ًة بقوة داخل‬ ‫مثل معظم األشكال الرسدية كالسيكية ـ يتمثّل‬
‫الرسد يف أثناء رحلة البطل وانتقاله من حالة‬ ‫«عالقة طولية ُمتعددة ال تلتقي خطوطها أب ًدا‪،‬‬
‫املرض املفاجئ إىل الشفاء املفاجئ كذلك‪.‬‬ ‫فـ(أ) الحكاية أو امل ُغامرة أو القصة يتموقع‬
‫إن هذه الطبيعة الداخلية املتطورة معرف ًيا‪/‬‬ ‫يف املايض عىل سبيل الحتمية‪ ،‬فهو يشء جاهز‬
‫املنفتحة للسارد بقدر ما تتيح له مترير مشهده‬ ‫وحارض يف الذهن‪ ،‬ولكنه مه ّيأ يف زمن سابق‪،‬‬
‫األسطوري بوصفه شاه ًدا عليه بقدر ما توجهه‬ ‫و(ب) الحايك أو السارد أو الكاتب الروايئ يتموقع‬
‫النتقاء أداة هذه األسطرة التي تتحدد يف‬ ‫يف الزمن الحارض عىل أساس أنه وسيط بني زمنني‬
‫«الوصف» كام يتجىل يف املشهد الرئيس التايل‪:‬‬ ‫يأت»‪ 45‬وهو ما يفرتض‬ ‫أحدهام مىض واآلخر مل ّا ِ‬
‫«إن هذه الرتابيزة قد احتل ّْت ركنها هذا من هذه‬ ‫بداهة أن تكون املشاهد الرسدية ُمق َّدمة إلينا‬
‫تالل من أشياء تنوء‬ ‫الخزنة‪ ،‬قد وضعت فوقها ٌ‬ ‫بعد انتهائها فهي «تنتمي إىل املايض وت ُحىك‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪57‬‬
‫خلفه محذ ًرا إياه يف جدية بالغة‪ :‬إياك واالقرتاب‬ ‫الجبال وتضيق باحتوائها دا ٌر بأكملها‪،‬‬‫ُ‬ ‫بحملها‬
‫من الرتابيزة! وإال فنحن غري مسئولني عنك»‪.75‬‬ ‫أكياس من قطن تنجيد وسخ مخلوط بالرتاب‬
‫يطرح هذا التدفق اللغوي الذي يقوم بتهجني‬ ‫والحىص وفتات الخرق‪ ،‬والخيوط البالية كانت‬
‫الفصحي بالعامية أو اللغة الشعبية بنظريتها‬ ‫يف األصل مراتب وألحفة ووسائد‪..‬صفائح كبرية‬
‫الرسمية إشار ًة نسقية عىل تغلغل األسطوري يف‬ ‫لتخزين امللوخية الناشفة والحلبة الحىص وزيت‬
‫نسيجنا الذهني بغض الطرف عن ماهية هذا‬ ‫وسكر التموين‪ ،‬تضاف إليها وفوقها صفائح‬
‫النسيج «فاألسطورة التي تنطلق من اللغة تعود‬ ‫أخرى لتخزين كعك العيد‪..‬صندوق خشبي من‬
‫إىل اللغة تحت ستار الرمزية والطقوسية والبناء‬ ‫صناديق الصابون النابليس ميتلئ بأشياء ال حرص‬
‫الدرامي»‪ ،85‬كام نالحظ دقة الرصد والعناية‬ ‫لها من مرتوكات ومهمالت‪ ،‬صواميل‪ ،‬مسامري‪،‬‬
‫الشديدة بالتفاصيل التي ال يدرك حجم واقعيتها‬ ‫أغطية كازوزة‪..‬ركام ال حرص له من أشياء قدمية‬
‫إال من عايش أجواء القرية واندمج يف تفاصيل‬ ‫بالية ال لزوم لها عىل اإلطالق‪ ،‬ومع ذلك ال أحد‬
‫حياة الفالح املرصي الحقيقي‪ ،‬والسارد هنا‬ ‫يعرف ملاذا نحتفظ بها؟‪ ...‬الذي أنا متأكد منه‬
‫يعتمد تقنية «االستقصاء الوصفي» التي تعني‬ ‫أن أي يشء يزحف تحت هذه الرتابيزة أو يسقط‬
‫«تناول أكرب عدد ممكن من تفاصيل اليشء‬ ‫سه ًوا فإنه يكون قد ُوري تحتها إىل األبد‪ ،‬ولن‬
‫املوصوف‪ ،‬ولذلك تطول مقاطع الوصف وتتف ّرع‬ ‫تستطيع قو ٌة يف األرض أن تكتشف املكا َن الذي‬
‫طبقًا لقانون شجرة الوصف»‪ .95‬لتبدأ بعملية‬ ‫سقط فيه هذا اليش ُء أو ذاك‪ ،‬ومع ذلك فإنه ال‬
‫الرتسيخ‪ 06‬املحيلة إىل املنضدة مبا يضمن متاسك‬ ‫يحلو لنا عد القروش أو فحص بيض إال عىل الجزء‬
‫املشهد بتوحيد مفردات املوصوف التي ستتابع‬ ‫املتبقي من فراغ الرتابيزة‪ ،‬وقد تع ّود الواح ُد منا‬
‫يف وقت الحق‪ ،‬ثم تأيت عملية تحديد املظاهر‬ ‫أن ميسك اليشء بأعصاب متوترة‪ ،‬فام أن يرتبك‬
‫من خالل إبراز الخاصيات والتجزئة‪ 16‬التي تشكِّل‬ ‫أدىن ارتباك حتى يسقط اليش ُء من بني يديه‪،‬‬
‫أساس عملية الوصف‪.‬‬ ‫فيندفع الواح ُد منا يف الحال منقضً ا عليه قبل‬
‫زحفه تحت الرتابيزة‪ ،‬ولكن عبثًا‪ ،‬إنه البد أن‬
‫إن هذا االستغراق الوصفي يحقق انتاجيته‬
‫يكون قد اختفى يف ملح البرص‪ ،‬إذا كان قرشً ا قد‬
‫الجاملية بالعزف عىل محوري الثابت واملتحول‬
‫فر ليستقر يف منعطف مجهول‪ ،‬وإن كان فردة‬
‫لشخصية الرتابيزة‪ ،‬مام ينقل املتلقي من إطار‬
‫حلق فإن األرض تنشق وتبلعها‪ ،‬وإن كان فردة‬
‫الشكل الثابت املتعارف عليه‪ ،‬إىل تخوم السياق‬
‫حامم أو دجاجة فإن أيدي الجن نفسه لن تفلح‬
‫العجائبي املغازل ملرتكزاته الغيبية‪ ،‬لتغدو‬
‫يف اإلمساك بها بل لن تعرف يف أي ركن تختبئ‪،‬‬
‫الرتابيزة كائ ًنا منفصالً‪ /‬متصالً عن خربات املتلقي‬
‫إال أن تخرج هي مبزاجها بعد انتهاء املطاردة‪،‬‬
‫الذهنية‪ ،‬وهو أمر طبيعي فاألسطورة تستند إىل‬
‫رمبا تعطلت عن الخروج نهائ ًيا‪ ،‬وإن حاول أح ٌد‬
‫الواقع قبل تحليقها يف أفق الغيبي «فاألسطورة‬
‫غاطسا تحت الرتابيزة يف‬
‫ً‬ ‫أن يقل عقله وينحني‬
‫ليست معتق ًدا زائفًا يناقض الواقع‪ ،‬فهناك من‬
‫محاولة يائسة للبحث فإنه سيشعر من أول نظرة‬
‫يرون فيها منطًا حدسيًا رفي ًعا للفهم الكوين‬
‫مستحيل‪..‬أي رجل من عائلتنا أو أي زائر‬
‫ٌ‬ ‫أن األمر‬
‫يشتمل عىل حقائق عميقة ويعرب عن مواقف‬
‫يضطر للدخول إىل هذه الخزنة يصيح أيب من‬
‫‪58‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫حولها لقصورهم املعريف الناتج عن طبيعتهم‬ ‫جمعية من مسائل جوهرية»‪ 26‬فام بني استخدام‬
‫البرشية املحدودة‪ ،‬هذا القصور الذي نلمحه يف‬ ‫أسفل املنضدة بوصفه فضا ًء للتخزين وتحول هذا‬
‫لهجة السارد املختلطة بالدهشة والتعجب من‬ ‫املخزن إىل عامل مفعم بالحس األسطوري القادر‬
‫قدرات هذه املنضدة‪ ،‬وعجزه عن إيجاد تفسري‬ ‫عىل ابتالع األشياء وإخراجها عرب إرادة خفية ال‬
‫لهذه القدرات‪ ،‬فهذا العجيب هو الدليل الناجع‬ ‫ميكن فهمها أو تقديم تفسري لها تتشكل مالمح‬
‫عىل حدود املفارقة بني ما يستوعبه اإلنسان‬ ‫املنضدة العجيبة وتتحدد ماهيتها األسطورية‪،‬‬
‫بقدراته املحدودة وما تستوعبه األسطورة‬ ‫وما بني الحدث الواقعي واآلخر العجائبي تتشكل‬
‫بتجلياتها املتعددة وجاملياتها الثائرة‪ ،‬وهنا علينا‬ ‫البنية الروائية لنص «لحس العتب»‪.‬‬
‫أن ننظر إىل مقصدية السارد من تحقيق التباين‬ ‫إن االنتقال باملنضدة من صورتها االعتيادية إىل‬
‫بني الصورتني املرجعية والنصية للمنضدة بغية‬ ‫صورتها الغرائبية بقدر ما ميثل أحد التمثالت‬
‫دعم هدفه يف استقطاب املتلقي وحفزه عىل‬ ‫القرسية لنسقية صناعة األسطورة الشعبية‬
‫متابعة املشهد الذي يخضع لعملية “التغريب”‬ ‫بقدر ما يدمج املتلقي يف املنت يوثق عالقته‬
‫أو خرق املألوف “التي تكمن باألساس يف‬ ‫باملرسود؛ وذلك من خالل االنتقال بهذا املرسود‬
‫استخدام وجهة نظر جديدة أو مغ ّربة (غري‬ ‫من وضعه التقليدي املألوف إىل وضع جديد‬
‫مألوفة) عن يشء مألوف”‪ ،56‬وهو يف هذا يستند‬ ‫يجمع بني العاملني الواقعي والخيايل‪ ،‬وهو ما‬
‫إىل أن مألوفية اليشء امل ُستق َبل(املوصوف)‬ ‫يؤكد «أن التغريب يحقّق الهدف من الفن‬
‫بالنسبة للمتلقي ‪ -‬عىل املستوى املرجعي‪ -‬يقلّل‬ ‫ويحفز الوعي»‪ ،36‬فإذا ما قمنا بعملية مقارنة بني‬
‫من فرضية متاهيه معه جامليًا‪ ،‬وهو ما ال يحدث‬ ‫السامت املرجعية للمنضدة ونظريتها الحارضة‬
‫عند إدراكه أن املعروض ليس املعروض التقليدي‬ ‫يف النص‪ ،‬سنجد أن منضدة «شلبي» تثور عىل‬
‫الذي يألفه وإمنا هو موصوف يفارق ‪ -‬بدرجة‬ ‫السمة الجامدة لنظريتها املرجعية‪ ،‬فهي هنا‬
‫ما‪ -‬منطه التقليدي الذي عايشته الذات الجمعية‬ ‫تُظهر وتُخفي‪ ،‬تجمع وتف ِّرق‪ ،‬تحوز وتدمر‪ ،‬تعي‬
‫للمتلقني يف وجودها الخارجي؛ فهي تح ّوله إىل‬ ‫وتدرك‪ ،‬تخطط وتنفذ‪ ،‬قد ُوري تحتها إىل األبد‪،‬‬
‫موصوف علوي يجمع بني العنارص امل ُنت ِمية إىل‬ ‫ولن تستطيع قو ٌة يف األرض أن تكتشف املكا َن‬
‫عوامل مختلفة تتجاوب وتتقابل فيام بينها‪ ،‬أي‬ ‫الذي سقط فيه هذا اليش ُء‪ ،‬قد اختفى يف ملح‬
‫تح ّوله إىل عامل ُمفارق ميتلئ بقيم غرائبية‪.‬‬ ‫البرص‪ ،‬ليستقر يف منعطف مجهول‪ ،‬فإن األرض‬
‫تحتفظ أسطورة املنضدة بوهجها حتى يف‬ ‫تنشق وتبلعها‪ ،‬الجن نفسه لن تفلح يف اإلمساك‬
‫لحظات انفالتها من ثنايا النص‪ ،‬وذلك عندما‬ ‫بها‪ ،‬أن تخرج هي مبزاجها ‪ ،‬وإن حاول أح ٌد أن‬
‫تتعالق نهايتها الرسدية مبشهد بالغ املأسوية يزيد‬ ‫غاطسا تحت الرتابيزة سيشعر‬
‫ً‬ ‫يقل عقله وينحني‬
‫من إحكام قبضة العجائبي عىل املرسود‪.‬‬ ‫مستحيل‪ ..‬إياك واالقرتاب‬
‫ٌ‬ ‫من أول نظرة أن األمر‬
‫الرجال ومضوا‪ ،‬فإذا هي تبدو من‬ ‫ُ‬ ‫«‪ ..‬فرفعها‬ ‫من الرتابيزة! وإال فنحن غري مسئولني عنك» ‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫باطنها الداخيل جديد ًة ناصع ًة رغم السوس يف‬ ‫إننا أمام شخصية لها كينونتها الخاصة التي تتكئ‬
‫األركان‪ ،‬كاد أيب يرصخ صائ ًحا أن اتركوها لك ّنه‬ ‫عىل فلسفة بالغة العمق ال يدركها البرش من‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪59‬‬
‫فيه املنضدة‪ ،‬إنه مشهد بيع املنضدة وخروجها‬ ‫ُ‬
‫الرجال‪ ،‬وضع‬ ‫ح َّول وج َهه عنها‪ ،‬وحني اختفى بها‬
‫الدرامي من منزل البطل‪ ،‬هذا البيع الذي ميكن‬ ‫شديد حارق‪،‬‬‫ٍ‬ ‫يديه عىل وجهه‪ ،‬وانفجر يف بكا ٍء‬
‫بسهولة ربطه بسياقات واقعية تحيط بنا وتجاوز‬ ‫وكانت هذه أول مرة أرى فيها أيب يبيك كالنساء‪،‬‬ ‫ْ‬
‫فضاء الزمان واملكان للرواية لتنفتح عىل أفضية‬ ‫فانزويت مع أمي وأخويت يف ركن قيص و ُرحنا‬ ‫ُ‬
‫ماضية وحارضة ورمبا قادمة‪.‬‬ ‫نبيك لبكائه‪ ،‬حتى مطلع الفجر‪. « ..‬‬
‫‪66‬‬

‫ب‪ -2-‬الشفاء (تشويش العقالين)‬ ‫إن تتبعنا ملشهد رحيل املنضدة العجيبة من بيت‬
‫مل يقترص اإلحكام األسطوري عىل نص «لحس‬ ‫البطل وأهله يكشف لنا بجالء أننا بإزاء حدث‬
‫العتب» عىل العنارص الحكائية املفردة كاملنضدة‬ ‫جلل تدرك العائلة فداحة الخسارة التي ستتعرض‬
‫وإمنا تعداها إىل مستوى البنية الدرامية للنص‬ ‫لها مبغادرة هذا الكائن األسطوري املكان‪ ،‬لتظل‬
‫الذي تشكل األفعال غري املسببة أو املستندة يف‬ ‫مغادرة املنضدة للبيت وانتقالها إىل خارج النص‬
‫تربيرها إىل قوى خفية عنارص رئيسة فيها‪ ،‬فاملسار‬ ‫إمعانًا يف بث روافد األسطورة املختلطة بالحكمة‬
‫الدرامي للنص يتحرك عرب خطني متتابعني هام‬ ‫الشعبية داخل النص‪ ،‬فاملنضدة التي اضطر والد‬
‫مرض الفتى والرحلة إىل شفائه‪ ،‬ويحرض الخطان‬ ‫السارد ملنحها إىل «سيد جودة الب َّناء» يف مقابل‬
‫مندمجني يف مفردات األسطورة‪ ،‬فمرض الفتى‬ ‫قيامه ببناء سقف البيت وجداره املتهدمني‪،‬‬
‫وأخيه يحدث بشكل مفاجئ وغامض وكذلك‬ ‫تشكل أمثولة عملية للحكمة الشعبية الراسخة‬
‫الشفاء الذي مل يستند إىل منطق علمي واضح‪.‬‬ ‫حول أن اإلنسان ال يحصل عىل كل يشء‪ ،‬وأن لكل‬
‫يشء مث ًنا وكأن الفقد هو الفعل الرضوري لضامن‬
‫جالسا عىل هذه املصطبة مع‬ ‫كنت ً‬ ‫«وذات يوم ُ‬
‫االستمرارية وتأمني قدر من األمان للعائلة‪ ،‬هذا‬
‫شوشة ابن عمي‪ ..‬وإذ بامرأة عجوز متر حاملة‬
‫الفقد الذي تجىل يف الرواية عرب مظاهر متعددة‬
‫سفطًا عىل رأسها‪..‬ح ّدقت املرأة يف وجهي‬
‫أفدحها فقد االبن‪.‬‬
‫ومصمصت شفتيها يف أسف وقالت‪ :‬يا حبة‬ ‫ْ‬
‫عيني الواد ده عيان بالطحال‪..‬العارف هو الله‬ ‫وميكن للعبق األسطوري أن يواصل دورة يف‬
‫لكن طحال هذا الولد منتفخ منذ وقت طويل‪،‬‬ ‫استثارة الطاقات التأويلية للمتلقي‪ ،‬فإذا كانت‬
‫يكاد والعياذ بالله ينفجر‪ ،‬فبكت أمي عىل الفور‬ ‫طبيعة العائلة التي انتقلت من مرحلة االرتقاء‬
‫قائلة‪ :‬دخنا بيه عىل ال ُحكام‪ ،‬قالت الغجرية يف‬ ‫إىل مرحلة التقهقر تأخذ بيد املتلقي إلقامة ترابط‬
‫يل‪ ...‬قالت املرأة‪:‬‬
‫ثقة مذهلة‪ :‬شفاؤه عىل الله وع ّ‬ ‫ثنايئ بينها والعائلة العربية الكبرية يف حضورها‬
‫شويف يا بنت أخوي‪ ،‬تجيبي قزازة خل وتجيبي‬ ‫الفعيل املمزق واملشتت‪ ،‬فإن الرتابيزة هنا تبدو‬
‫حته خمرية‪ ،‬تحطي الخمرية يف فنجال مليان‬ ‫هي املعادل للوطن يف صورته اليوتوبية‪ ،‬الوطن‬
‫خل‪ ،‬وتحطي الفنجال بالخل والخمرية فوق‬ ‫الحارض يف وعي الشخصيات بوصفه املساحة‬
‫سطح الدار يسمع التالت أدنات ‪ :‬املغرب والعشا‬ ‫القادرة عىل احتواء أحالمهم وتحقيق أمنياتهم‬
‫والفجر‪ ،‬وتخيل املحروس ده يرشب فنجال الخل‬ ‫واالحتامء بصالبتها أمام قادم األيام‪ ،‬ويحقق هذا‬
‫بالخمرية عىل ريق النوم الصبح‪ ،‬تالت تيام ورا‬ ‫الربط بني املنضدة والوطن أعىل درجات فداحته‬
‫بعض أول كل شهر عريب‪ ،‬ملدة تالت شهور‬ ‫وأشدها فجاعة يف املشهد األخري الذي تظهر‬
‫‪60‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫يلف هذا املشهد الرئييس بوصفه مامرسة‬ ‫والباقي عىل الله‪ ،‬ويف الشهر التالت حافوت‬
‫مقصودة لذاتها تتمثل «نسق املعارضة» عرب‬ ‫علييك عشان آخد الحالوة‪..‬ناولتني أمي الفنجان‬
‫انتهاك املنظومة الذهنية للوعي الجمعي التي‬ ‫املرطب بالندى وقطعة حلوى‪ ،‬ثم قرستني عىل‬
‫يحسبها محكمة‪ ،‬فإذا كانت ذهنية الجامعة‬ ‫تجرعه‪..‬يف اليوم الثالث من الشهر األول رشبت‬
‫املدعية للحكمة قد فرضت جملة من القوانني‬ ‫الفنجان وحدي بغري مدافعة‪ ،‬ويف نهاية الشهر‬
‫عىل الذات املهمشة وألزمتها بها بوصفها قوانني‬ ‫كانت بطني قد هبطت قليالً وزال عنها االنتفاخ‪،‬‬
‫ذات معايري مثالية وفاعلية إنجازية فإن عجز‬ ‫يف اليوم األول من الشهر الثاين كنت أنا الذي‬
‫هذه القوانني عن إيجاد تفسري لألفعال يكشف‬ ‫ميأل الفنجان ويضعه فوق السطح‪ ،‬وأقوم مبك ًرا‬
‫يف أعامقه عن خلل يف هذه املنظومة الذهنية‬ ‫ألدلقه يف جويف‪..‬ويف نهاية الشهر الثاين كنت قد‬
‫ووهمية امتالكها للحكمة مام يرشح لتوافر‬ ‫متكّنت من الذهاب إىل املدرسة وحدي وقد‬
‫منظومة أخرى أكرث إحكا ًما‪ ،‬وهو ما يخول للذات‬ ‫زال انتفاخ بطني متا ًما‪ ،‬ويف الشهر الثالث كانت‬
‫تربير معارضتها للمنظومة املهرتئة ومحاولتها‬ ‫أمي تبحث عني فتجدين ألعب الكرة الرشاب يف‬
‫الخروج عليها أو عىل أقل تقدير عدم االلتزام بها‪،‬‬ ‫الجرن كالعفريت»‪.76‬‬
‫وهنا يغدو تشويش العقالين فعالً ال يسعى إىل‬ ‫يبدو النص منحازًا للخربة الشعبية عىل حساب‬
‫نفي املنطقي وإمنا إىل نفي اإلقصاء الذي ميارسه‬ ‫الخربة املدنية كام ميثّلها األطباء وهو ما ميكن‬
‫من يظن ذاته محصالً للمعرفة املطلقة‪ ،‬إنه أحد‬ ‫النظر إليه بوصفه تعاطفًا مع مهارة الشخصية‬
‫أشكال االنزياح عن الواقع أو قلبه بغية اإلرباك‬ ‫املرصية يف مراوغة املرض ومهادنة االستالب‬
‫ملنطق األحداث وسريورتها‪.‬‬ ‫والفقد وقهر املوت‪ ،‬إال أننا ال ميكننا التعامل مع‬
‫وكأن الثقافة الشعبية ليك تفضح زيف ثقافة‬ ‫هذه النهاية سوى باستدعاء‏حدث بالغ األهمية‬
‫النخبة املهيمنة عندما تضع أمامها ثقافة أكرث‬ ‫يف املسار الدرامي لألحداث وهو موت األخ‪،‬‬
‫نخبوية متعالية عىل رشوط الواقع واملنطق‬ ‫هذا الحدث ‏الذي وظفه السارد إلحكام البعد‬
‫لتسلب القوة من هذه وتعطيها لهذه‪ ،‬وكأنها‬ ‫األسطوري عىل النص‪ ،‬فموت األخ بفعل املرض‬
‫وهي تعارض النسق تقع يف حبائله وتلتزم‬ ‫الغامض نفسه الذي أصاب الفتى‪ ،‬يكشف عن‬
‫بخصائصه السلوكية والذهنية املرتسخة‪.‬‬ ‫‏الطبيعة الرشسة للمرض مام يضع مصري االبن‬
‫بقى أن نشري إىل دور األم ‪ -‬يف تجاوز ابنها ألزمته‬ ‫الثاين (البطل) عىل املحك‪ ،‬ويجعله ‏يف مواجهة‬
‫بداية من تسلحها بالصرب وعدم يأسها ومحاوالتها‬ ‫مبارشة مع املوت‪ ،‬وهو ما يص ّعد من لحظات‬
‫املتكرر للبحث عن عالج له وصوالً إىل تحقق‬ ‫التوتر الدرامي ‏ويرفع مستوى اإليقاع الرسدي ‪-‬‬
‫الشفاء التام – يتناغم مع الدور الوظيفي للمرأة‬ ‫الذي يخىش السارد ترهله بفعل مألوفية‏املأساة‬
‫يف دراما السري الشعبية «فليس هناك بطل من‬ ‫واستمراريتها عىل مدار الرواية ‪ -‬وهنا تتضاعف‬
‫أبطال السرية الشعبية ال تقف وراء بطولته‬ ‫قيمة الفعل الختامي الذي يتحول إىل معجزة ال‬
‫امرأة‪..‬فللمرأة يف السري الشعبية دور أسايس ال‬ ‫تخضع للثوابت املنطقية‪.‬‬
‫يقل يف خطورته وأهميته عن دور الرجل‪..‬فاملرأة‬ ‫وهو ما يرشح إىل التعامل مع الغموض الذي‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪61‬‬
‫الداللية وذلك مبعاونة املوجهات الداللية التي‬ ‫يف السري الشعبية لعبت أدوا ًرا عديدة وهامة يف‬
‫يضعها السارد يف طريق املتلقي‪ ،‬والقدرات‬ ‫تكوين البطل ويف رسم رصاعه ويف تحديد نهاية‬
‫التأويلية لهذا املتلقي‪.‬‬ ‫‪86‬‬
‫هذا الرصاع»‬
‫وإذا كان الجنس ميثل إحدى الوسائل اإلمتاعية‬ ‫ج –الهروب إىل الجنس‪..‬التورية الثقافية‬
‫املجانية لقطاع عريض من الطبقات الشعبية‬ ‫ميثل الجنس بوجهيه املادي والخطايب مرتك ًزا من‬
‫الكادحة التي يعجزها ضعف إمكاناتها املادية‬ ‫مرتكزات الثقافة الشعبية التي حولت الجنس‬
‫عن االنفتاح عىل مظاهر االستمتاع بعنارص‬ ‫إىل وظيفة نسقية ال تقترص عىل جانبه املادي‬
‫الحياة األخرى‪ ،‬لرتتقي القيمة الوظيفية للجنس‬ ‫وإمنا حولته إىل مامرسة خطابية ذات صيغة‬
‫من كونه استجابة طبيعية لشهوة حسية‬ ‫تداولية جمعية محكومة بجملة من املحددات‬
‫مقصودة لذاتها إىل كونه وسيلة مهمة لتحقيق‬ ‫التي يؤدي الرتكيز عىل بعضها أو كلها إىل تدفق‬
‫التوازن النفيس للذات وتجدد شعورها بإنسانيتها‬ ‫الدالالت‪ ،‬أي بصيغة أخرى ميكن النظر للجنس‬
‫املنتهكة مبظاهر فقد متكررة‪ ،‬وضامن تحقيقها‬ ‫داخل العمل األديب بوصفه أحد تجليات التورية‬
‫للحد األدىن من التصالح مع السياق‪ ،‬وتأجيل‬ ‫الثقافية ببعديها املعلن واملضمر‪ ،‬إنه نوع من‬
‫مامرستها الثورية تجاه األفق املسدود واقع ًيا‪ ،‬وكأن‬ ‫«الجربوت الرمزي ذي طبيعة مجازية كلية‪/‬‬
‫الجنس يشكل املسار الضيق الذي يفتحه السياق‬ ‫جمعية ‪..‬يقوم بدور املحرك الفاعل يف الذهن‬
‫املتسلط ليضمن مرور طاقة الثورة والغضب‬ ‫الثقايف لألمة وهو مكون ثقايف خفي لذائقتها‬
‫منه وعدم انفجارها يف وجهه‪ ،‬فإن الجنس أيضً ا‬ ‫وألمناط تفكريها وصياغة أنساقها املهيمنة»‪.96‬‬
‫يشكل بتجلياته املختلفة أحد العنارص الحارضة‬
‫إن القيمة الوظيفية «للجنس» تظل محتفظة‬
‫بقوة يف الثقافة الشعبية عىل مستوى املامرسة‬
‫بوهجها عند انتقالها إىل املنت الرسدي املعني‬
‫التداولية للحيك بوصفه مادة ثرية للتندر أو‬
‫بتوظيف الخربة الشعبية بشكل خاص والساعي‬
‫للتعريض والتلميح أو للفخر والنيل من اآلخر‬
‫إىل التناغم مع مقتضياتها وذلك عىل مستويي‬
‫فهو مادة طيعة يوظفها املتحدث وفقًا ملشاربه‬
‫استثامر طاقاتها الجاملية املتجددة لتمرير القيم‬
‫وأهدافه ولكنه يظل يف األحوال كلها أحد العنارص‬
‫الداللية‪ ،‬وااللتزام بطرائق التعبري عن هذه‬
‫املركزية يف الفهم الشعبي للحياة‪ ،‬أو بعبارة‬
‫املامرسة وفقًا للطرائق الجمعية‪ ،‬وبذلك يغدو‬
‫كثيفة أحد آليات فهمه‪ ،‬فالجنس يتسم بكفاءة‬
‫الجنس داخل النص الرسدي الراصد للعوامل‬
‫إنتاجية عىل مستوى القيم الداللية يتم توظيفها‬
‫رصا مهماً من ناحيتني األوىل تتمثل‬‫الشعبية عن ً‬
‫من قبل السارد وكأنه بذلك يحقق التوازن بني‬
‫يف دور استدعاء الجنس داخل النص يف طرح‬
‫عنرصي اإلمتاع مبعنييه القريب والبعيد والقيم‬
‫الدليل عىل استجابة املرسود ملفردات املوروثات‬
‫األيدولوجية املضمنة يف ما وراء النص‪.‬‬
‫الشعبية واتساقه مع الحضانات الثقافية للسياق‪،‬‬
‫«فقامت ستي فخفضت رشيط املصباح‬ ‫والناحية الثانية تتحدد يف االنتقال بالجنس من‬
‫فأحكمت خيمة الليل علينا ثم لحقت بزوجها‬ ‫كونه مشه ًدا مقصو ًدا لذاته إىل كونه أداة يتم‬
‫فوق الرسير‪ ،‬وفكت عقدة الناموسية فانغلقت‬ ‫توظيفها للوصول بالنص إىل مستوى الكفاءة‬
‫‪62‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫جدي ًدا يخرتقه الطفل املحمل بخطايا العامل اآلخر‬ ‫متا ًما‪ ،‬بعد دقائق رحت يف النوم‪ ،‬لكنني تيقظت‬
‫الذي أىت منه‪ ،‬وكأننا بإزاء مواجهة بني املستقبل‪/‬‬ ‫بعد فرتة عىل صوت هزهزة ووشوشة وزيق‬
‫الطفل‪ ،‬واملايض الجدة‪ ،‬والحارض‪ /‬األرسة‪ ،‬وهي‬ ‫خشب يصطك يف خشب‪ ،‬ففتحت عيني فرأيت‬
‫مواجهة تفيض إىل رصاع تبدو نتيجته املبارشة‬ ‫الناموسية تتاموج والرسير يهتز بقوة‪ ،‬وصوت‬
‫محسومة لصالح املايض برثائه املادي وقدراته‬ ‫سيتي يأوه وكأنها تبيك وتنهنه تحت ضغط شديد‬
‫املتنامية وفحولته البادية يف حني يحرض املستقبل‬ ‫يثقل صدرها‪ ،‬فخيل إليها أن الرجل يرضبها‬
‫ملتبسا مبظاهر‬
‫ً‬ ‫‪ -‬الذي هو امتداد لحارض بائس ‪-‬‬ ‫بعنف وأنني البد أن أكون السبب‪ ،‬فإذا يب أصيح‬
‫األمل والفقد والعجز عن اكتشاف الحقيقة أو‬ ‫‪07‬‬
‫من تحت البطانية‪ :‬ستي‪..‬ستي»‬
‫االستمتاع مبظاهر الحياة‪.‬‬ ‫إن املامرسة الجنسية التي ال يعيها الراوي الصغري‬
‫إن العزف عىل محور التناقض بني السياقني‬ ‫تكشف مظاهر التعارض يف السياق املحتضن‬
‫تبدو مامرسة متعمدة من قبل السارد للكشف‬ ‫للطفل املريض‪ ،‬فالجدة تبدو يف صورة مناقضة‬
‫عن فداحة املأساة التي يعاين منها البطل‪ ،‬وهي‬ ‫للصور التقليدية للجدة التي طلقت الدنيا‬
‫مأساة تجاوز فكرة العجز املادي لتصل إىل حد‬ ‫واكتفت بدور الحافظة للحكمة‪ ،‬بل نراها ال تزال‬
‫العجز عن فهم أسباب هذه التبدل يف املفرتض‪،‬‬ ‫تتمتع مبظاهر الجامل كام تظهر مقبلة عىل الدنيا‬
‫واستيعاب طبيعة املعايري املختلة ‪ ،‬أو باألحرى‬ ‫بشكل الفت ينعكس يف عنايتها بنفسها ومالبسها‬
‫عدم تناغم املسار التاريخي لألحداث وهنا يبدو‬ ‫وبيتها ومشاركة زوجها تجربة املتعة الحسية‪ ،‬إن‬
‫املستقبل مستالً من أعجاز الحارض وحامالً ألحد‬ ‫القرينة االسمية للجدة «فلة» تعكس يف املقول‬
‫مظاهر عجزه ممثال يف املرض‪ ،‬وهو عجز تتجىل‬ ‫الشعبي شكالً من أشكال االرتقاء والتفوق الذي‬
‫فداحته عندما يجاوز أفق الحارض ويحدث‬ ‫يتضاعف عند مقارنته بصورة االبنة‪ /‬األم – التي‬
‫التامس الحاد مع املستقبل‪ ،‬فينتقل العجز من‬ ‫تجرد من القرينة االسمية ‪ -‬املشحونة بقرائن‬
‫مظهره املادي إىل مظهرة املعريف ممثالً يف عدم‬ ‫الفقر واإلهامل والعوز‪.‬‬
‫قدرة الطفل عىل فهم هذا النمط التوحدي‬ ‫«ستي فلة‪..‬هي امرأة جميلة أجمل من أمي‬
‫الجامع بني مظاهر القوة واألمل واملتعة يف آن‬ ‫بكثري فطول عمرها تعيش يف البندر‪ ،‬وتستحم‬
‫واحد‪ ،‬واختزال هذا السلوك املتداخل يف مظهر‬ ‫عىل الدوام‪ ،‬بعكس أمي التي يعلوها الصدأ‬
‫واحد هو مظهر الخوف‪ ،‬الخوف عىل الجدة‪،‬‬ ‫باستمرار‪ ،‬وتنتهكها الهموم‪... ،‬أما ستي فلة فأنها‬
‫والخوف من تبعات هذا الخوف األصغر‪.‬‬ ‫طويلة القامة‪ ،‬نحيفة القوام‪ ،‬واضحة األنوثة‪ ،‬ال‬
‫إن الفحولة التي يحرص النص عىل إظهارها‬ ‫تعرتف بسنني العمر»‪.17‬‬
‫تستدعي بالرضورة العجز‪ ،‬وإذا كانت الفحولة‬ ‫إن هذا التعارض هو ترجمة للتناقض املتغلغل‬
‫تجاوز دالل ًيا طبيعتها الذكورية املبارشة‪ ،‬فإن‬ ‫يف سياق األحداث واملثري لدهشة أطراف املعادلة‬
‫العجز كذلك ينسل من سياقه املعيش لينغمس‬ ‫الرسدية كلهم مبا فيهم املتلقي‪ ،‬فالطفل ينتقل‬
‫يف نظريه الذهني‪ ،‬الكاشف عن حدود الشح‬ ‫من عامل إىل عامل مغاير‪ ،‬تتبدل فيه املعادالت‬
‫املعريف الذي يحوزه املجتمع بأكمله مهام تذرع‬ ‫فالجدة صاحبة الرثاء املادي وزوجها ميثالن أفقًا‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪63‬‬
‫من العجز‪ ،‬عندما نكتشف أن انتفاضات الطفل‬ ‫بالعلم أو التدين الشعبي كام يتجىل يف عجز‬
‫ومترده املسترت مل يفض إىل إحداث تغيري حقيقي‬ ‫األطراف كلها عن إيجاد دواء ناجع ملرض الطفل‪،‬‬
‫يف تدفق املامرسة الجنسية التي رسعان ما تعاود‬ ‫فالرؤيتان اللتان ينظر إليهام دو ًما بوصفيهام‬
‫عنفوانها مسترتة بظالم الليل‪ ،‬ومحققة قد ًرا كب ًريا‬ ‫قوتني متصارعتني تكتسبان صفة مشرتكة توحد‬
‫من النفي للطفل الذي اكتسب خربة معرفية مل‬ ‫بينهام‪ ،‬هي “التسليب” وهو ما يفرتض أن يؤدي‬
‫تصل إىل حتى االكتامل‪ ،‬ولكنها ستعينه بشكل‬ ‫بالرضورة إىل محاولة البحث عن بديل يعيد‬
‫ما إىل إدراك طبيعة الفروقات بني السياقني‬ ‫التوازن للذات ويحفظ السياق من االنهيار‪ ،‬أو‬
‫املايض والحارض‪ ،‬والذي يظل االنتصار فيهام‬ ‫املوت عىل أعتاب هذا السياق العاجز عن حامية‬
‫حليفًا للاميض‪ ،‬وكأن ذات الطفل هنا تتسع دالل ًيا‬ ‫أفراده أو توفري الرعاية لهم ال نتيجة العوز املادي‬
‫لتشمل ذوات أخرى تحيل إىل مستقبل معتم‬ ‫وحده ولكن نتيجة الفقر املعريف يف التعاطي مع‬
‫يدخل يف رصاع مرير مع ماض تليد تكون الغلبة‬ ‫القضايا املختلفة‪ ،‬وهو ما تدعمه قرينة الظالم‬
‫فيه للاميض عىل الرغم من مقاومة املستقبل‬ ‫املسيطر عىل املشهد واملفيض إىل استدعاء الليل‬
‫ومعادالته النصية‪ ،‬وهو ما نلمح آثاره يف نهاية‬ ‫وما يرتبط به من دالالت تحيل إىل حالة الخفاء‬
‫رحلة الطفل عند جدته هذه النهاية املؤذنة‬ ‫املراوحة بني الوجهني املادي والذهني‪ ،‬هذا‬
‫بحدوث القطيعة بني السياقني وفشل الطرفني يف‬ ‫الخفاء الذي ال يعني عدم التحقق‪ ،‬وإمنا عدم‬
‫إيجاد أرضية مشرتكة‪ ،‬فالطفل يعود وهو ال يزال‬ ‫الوعي بآلية التحقق‪.‬‬
‫حامالً للمرض‪ ،‬والجدة وزوجها ال يستطيعان‬ ‫كام يفيض الرصاع بني العاملني إىل حدوث حالة‬
‫التناغم مع الضيف الجديد بنقصه املعريف وعدم‬ ‫من حاالت التشويش عىل انتظام املامرسة وهي‬
‫احرتامه لقواعد السياق الجديد ومحاوالته‬ ‫حالة تقابل بتململ ونفور من الجانب األكرث‬
‫الفاشلة للتمرد عليه‪.‬‬ ‫قوة “زوج الجدة” الذي يظهر ضيقه من السلوك‬
‫«تكرر الصخب اللييل خلف الناموسية‪ ،‬وتكررت‬ ‫العاجز للطفل الذي ال يجد مهربا من عدم‬
‫صيحايت‪..‬حتى ضاقت يب ستي فلة أشد الضيق‬ ‫قدرته عىل فهم مجريات السياق سوى بانتهاكه‬
‫فام صدقت أن انتهى األسبوع‪..‬فألبستني ثيايب‬ ‫ومحاولة النيل منه عرب خلخلة انتظامه الزماين‪.‬‬
‫النظيفة وسلمتني إىل زوجها الذي اصطحبني إىل‬ ‫“فإذا يب أصيح من جديد ستي ستي‪ ،‬وكررت‬
‫محطة القطار‪ ..‬فقطع يل تذكرة دفع مثنها من‬ ‫ندايئ عدة مرات فإذا بصوتها يجيء من خالل‬
‫محفظته الكبرية»‪.37‬‬ ‫نوم مصطنع ونربة غيظ دفني‪ :‬عايز إيه يا ولد؟‪،‬‬
‫إن املامرسة الجنسية تشكل بؤرة الداللة النصية‬ ‫قلت عايز أروح الكنيف‪ ،‬سمعت تأتأة وحركة‬
‫بجمعها بني املتناقضات‪ ،‬فاملتعة قابعة يف األمل‬ ‫احتجاج وغيظ‪...‬قائلة بغيظ دفني‪ :‬يال قوم‪...‬‬
‫مفض إىل املتعة‪ ،‬وهو ما يل ِّخص مسرية‬ ‫واألمل ٍ‬ ‫وسمعت زوج ستي يهمس‪ :‬كنت مرتاحة‪..‬‬
‫الطفل امل ُتأرجحة بني العنرصين‪ ،‬فبسبب آمله‬ ‫مش هينفع الكالم ده‪..‬وترد ستي‪ :‬يومني تالته‬
‫استطاع أن يجاوز حدود عامله الضيق وينتقل‬ ‫‪27‬‬
‫وير ّوح”‬
‫إىل ساحات مادية ومعرفية أرحب مكنته من‬ ‫ينترص النص يف النهاية للفحولة الذكورية وينال‬
‫‪64‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫يظل موض ًعا لبهجة املتلقي الفخور بتفوقه‬ ‫مامرسة حقه يف املشاهدة والتجريب‪ ،‬وعىل‬
‫املعريف عىل الطفل‪ ،‬فجهل الطفل بحقيقة ما‬ ‫الرغم من احتفاظه بأمله عىل مدار رحلته فإن‬
‫يحدث وشعوره بالخوف يتم استقبالهام من قبل‬ ‫هذا األمل أسهم يف تشكيل وعيه تجاه عدة أمور‬
‫املتلقي بابتسامة‏تحمل‪.‬‏‬ ‫شكلت يف مجموعها الختامي خربة معرفية ناجزة‬
‫وكأن السارد ال يكشف رصاحة عن حدود هذه‬ ‫أفضت إىل بزوغ الحل املؤرش إىل اكتامل الخربة‬
‫العالقة بسهولة بل يعمل إىل طمس معاملها‬ ‫املكتسبة عرب مظاهر األمل‪.‬‬
‫املبارشة ال ملراوغة املتلقي القادر عىل اكتشاف‬ ‫إن نسق «التورية الثقافية» هنا ال يقترص عىل‬
‫املقصود بيرس‪ ،‬وإمنا اتساقًا مع الخربة الجاملية‬ ‫جانب توليد الدالالت البعيدة وإمنا يشتمل‬
‫للموروث الشعبي يف تعامله مع قضية الجنس‬ ‫كذلك عىل آليات إنتاج هذه التورية‪ ،‬أي عىل‬
‫وهو احرتام تتبدى آثاره بقوة يف مراعاة‬ ‫مستوى آلية التشكيل النيص لهذا الحدث‬
‫السياقات الحاكمة كاإلظالم املهيمن عىل املكان‪،‬‬ ‫الجنيس مستوى تعشيقه يف ثنايا النص الرسدي‬
‫وإحكام الغلق‪ ،‬وقبل هذا وذاك الصورة النمطية‬ ‫مبا يتناغم مع املخزون الذهني املعريف للمتلقي‬
‫للرجل الفحل بصفاته الجسامنية الخاصة وقدرته‬ ‫وعىل املرتكزات الثقافية للموروث خاصة فيام‬
‫الفحولية املتضخمة تشكل عنارص تكتسب‬ ‫يتعلق بإسرتاتيجية وصف العالقة الجنسية‪،‬‬
‫قيمتها الوظيفية من طبيعتها التداولية يف السياق‬ ‫حيث عدم االعتامد عىل الترصيح الكاشف وإمنا‬
‫الشعبي بوصفها قرينة مبارشة عىل املامرسة‬ ‫عىل التلميح املستند إىل إدراك ثنايئ من قبل‬
‫الجنسية يف صورتها املثالية الكاشفة عن اإلغراء‬ ‫القائل واملستمع ملغزى الحكاية وداللة األوصاف‪،‬‬
‫األنثوي والفحولة الذكورية‪ ،‬يستغل السارد هذه‬ ‫وبعي ًدا عن الجذور األخالقية املؤسسة لهذه‬
‫املرتكزات التصويرية يف التصور الشعبي لالنتقال‬ ‫اإلسرتاتيجية‪ ،‬فإن التأمل فيها يكشف عن القصور‬
‫باملشهد من حدود املنت املروي إىل حدود املنت‬ ‫النسبي لشعرية الوصف الرصيح الذي قد يحقق‬
‫املريئ مرو ًرا باملرشح الذهني للمتلقي الذي يلفي‬ ‫قد ًرا من الواقعية املمزوجة باإلثارة الوقتية إال‬
‫نفسه قاد ًرا عىل التامهي مع الحدث واستتباعاته‬ ‫أن قيمته الداللية تظل محدودة مقارنة بالوصف‬
‫املبارشة والعميقة‪.‬‬ ‫التلميحي الذي ينزع إىل استثارة مخيلة املتلقي‬
‫حريصا عىل تهيئة البيئة‬‫ً‬ ‫‏كام يبدو السارد‬ ‫البرصية وكذلك قدراته التأويلية ومهارته يف‬
‫النصية لدعم عنرصي الوصف اإلملاحي والغفلة‬ ‫إقامة عالقة بني الدال واملدلول وهدف السارد‪،‬‬
‫التصويرية التي متتاح من ماهية السارد برباءته‬ ‫وهو ما يضاعف من القيمة الجاملية للرسد‪.‬‬
‫الطفولية ووعيه غري املكتمل‪ ،‬فالسارد الذي‬ ‫نالحظ هذه اإلسرتاتيجية بوضوح يف املشهد‬
‫يحرتم بشدة الطبيعة الريفية للفضاء املكاين‬ ‫السابق‪ ،‬وإذا كان املنظور هنا يأيت مختلطًا‬
‫الحاضن يضع الطفل يف مساحة قريبة من‬ ‫بسذاجة نابعة من طبيعة السارد الطفل فإن‬
‫الحدث املصور مام يطرح توقعا بقدرة العني‬ ‫املتلقي يدرك عىل الفور الدالالت املبارشة عىل‬
‫الراصدة عىل تحديد املفردات التقليدية للمشهد‬ ‫األقل للوصف دون أدىن شك يف اختالط الداللة أو‬
‫«ألن االقرتاب يف الرؤية يربز التفاصيل الدقيقة‬ ‫التباسها يف ذهنيته وكأن النقص املعريف للطفل‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪65‬‬
‫–فيام يشاع‪ -‬يصحو من النوم –إذا نام‪-‬يف موعد‬ ‫والجزئيات الصغرية‪ ،‬ويكرث منها‪ ،‬واالبتعاد يجمل‬
‫كل سيجارة ليرشبها‪..‬وقيل إن لحظات نومه طول‬ ‫الصورة ويطمس التفاصيل»‪ ،47‬وهي املشكلة‬
‫حياته هي اللحظات الخاطفة التي يغفو فيها»‪.57‬‬ ‫التي يجاوزها السارد باللجوء إىل عملية الطمس‬
‫يتم توظيف هذه القرائن الحسية للتمهيد لرسد‬ ‫بإظالم هذا الفضاء ووضع حاجز يحول دون‬
‫طبيعة عالقاته الجنسية‪ ،‬وهي قرائن تسهم يف‬ ‫الرؤية العينية املبارشة‪ ،‬وذلك بوصف أن موقع‬
‫تهيئة أفق املتلقي الستقبال شخصية ذات نوازع‬ ‫الرؤية يؤثر يف املريئ‪.‬‬
‫شهوانية واضحة وقدرات جسمية خاصة تؤسس‬ ‫رصا مهماً يف ضامن الفاعلية‬‫إن املبالغة متثل عن ً‬
‫منوذ ًجا يتمتع بدرجات متصاعدة من األسطورية‬ ‫التداولية للرسد املتمحور شكل ًيا حول الجنس يف‬
‫التي تظل موضع فخر للبطل‪ ،‬وموضع ترسية‬ ‫الوعي الشعبي مبا يجعل من هذا التناقض (بني‬
‫ألقرانه‪.‬‬ ‫الواقعيات واملبالغات) فعالً مقصو ًدا ينطلق من‬
‫«زير نساء كبري الناس تحيك حوله حكايات ال‬ ‫فلسفة خاصة تعتمدها الذائقة الشعبية وتحقق‬
‫تنتهي أب ًدا‪ ،‬معظمها قد تصبح كذبة من أول‬ ‫عربها أكرب درجات اإلمتاع بالرسد‪ ،‬ففي األحيان‬
‫إشارة لكن الجميع مع ذلك يستلطفون الحكايات‬ ‫معظمها يدرك املستمع أن املرسود يتخلله كثري‬
‫ويستحسنونها فيحكونها عىل سبيل التندر‬ ‫من املبالغات املعنية بأسطرة بطل الحكاية أو‬
‫والطرافة‪ ،‬فيصدقها السذج األغرار ويرددونها‬ ‫الحط من قيمته‪ ،‬ولكنه يتغافل عن هذا النمط‬
‫بوصفها قد حدثت بالفعل ورمبا بالغ أحدهم‬ ‫لصالح جامل الرسد ومتعته‪ ،‬دون أن يتخىل عن‬
‫ورسح بخيال اآلخرين فيؤكد لهم أنه شاهد‬ ‫بعض شكوكه عندما تقرتب دائرة الرسد من بيته‪،‬‬
‫عيان‪.67»..‬‬ ‫هذا التناقض نلمح تجلياته يف أماكن متعددة من‬
‫الرواية‪ ،‬ومنها حكاية «محمود جميل» الذي يبدأ‬
‫هذا التناقض عىل مستويي إرسال الحكاية‬
‫السارد يف تهيئة أفق انتظار املتلقي الستقباله‬
‫واستقبالها يتضاعف عندما تغيب االستجابة‬
‫بخلع جملة من القرائن الحسية عليه‪.‬‬
‫لهذا الوعي لصالح مصداقية املروي عىل ضآلة‬
‫احتاملها وذلك عندما يتعلق األمر بالدائرة‬ ‫«طويل كالنخلة الفارعة‪..‬مربرب‪ ،‬مستطيل‬
‫القريبة املحاطة بسياجات حامية تتعامل وفق‬ ‫الرقبة والوجه‪ ،‬مبالمح صلبة صارمة لفحتها‬
‫فلسفة استباقية ال تسمح باختبار صحة الحكاية‬ ‫الشمس وأحرقت بياضها القديم‪ ،‬وصبغت عينيه‬
‫أو خطئها‪.‬‬ ‫امللونتني بظالل كابية‪...‬يرتفع صدره مع كتفيه‬
‫ويديه ليهبط بعد كل خطوة والتي تليها كمشية‬
‫«ولقد شاهدت ميالد معظم هذه الحكايات يف‬
‫املصارع يدب نحو خصمه متنم ًرا متحي ًنا فرصة‬
‫مندرتنا‪..‬رغم ذلك أيب يخشاه بينه وبني نفسه‪،‬‬
‫لالنقضاض‪..‬الشعر الكثيف يغطي أسفل ساقيه‬
‫ال يؤامنه عىل دخول دارنا يف غيبته أو غيبة أحد‬
‫كالوبرة‪..‬يف شفتيه غلظة وشهوانية ينامن عن ثور‬
‫من أبناء عمومتي الكثريين ج ًدا ‪..‬ولو ظهرت‬
‫هائج رشس ‪..‬يف عينيه اللتني إن ركزهام يف امرأة‬
‫أمي عف ًوا أو ظهر طيفها من باب الدهليز فيام‬
‫خرت يف الحال‪..‬أسنانه األمامية مصبوغة بلون‬
‫هم جالسون فإن ليلتها تكون أسود من شعر‬
‫الشاي وسواد التدخني الذي ال ينقطع لدرجة أنه‬
‫رأسها»‪.77‬‬
‫‪66‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫يرجع الطبيعة البسيطة لرسود انفلتت من‬ ‫واستمرا ًرا لهذه املعادلة غري املفهومة يختم النص‬
‫ثقافات شعبية طاملا نُظر إليها بوصفها أدىن من‬ ‫رسده عن «محمود» بالتأكيد عىل استمرارية‬
‫نظريتها املؤسساتية (النخبوية) ونصوصها التي‬ ‫هذا التناقض وعدم القدرة عىل تقديم أسباب‬
‫يتم الرتويج لها بوصفها ذات القيم الجاملية‬ ‫منطقية لها‪.‬‬
‫والفكرية األعىل‪.‬‬ ‫«املثري لدهشتي أنه أكرث حميمية أليب دون غريه‬
‫إن هذا التفسري يتبدد عندما نتمرد عىل ضغوطات‬ ‫من أصدقائه الذين يسهرون معه يف املندرة كل‬
‫الواقع التاريخي املوروث فننظر إىل هذا الحضور‬ ‫ليلة يكون دامئًا آخر من ينرصف قبل وصول‬
‫القوي للراوي يف املرسود الشعبي بوصفه أحد‬ ‫الفجر بساعة»‪.87‬‬
‫التنويعات املظهرية لنسق «الفحولة» املضمر يف‬ ‫إننا نواجه مبالغة تؤسس األسطورة وتستمرئ‬
‫املواضعات الثقافية بتشكيالتها املختلفة‪ ،‬ويتأسس‬ ‫تقديسها وصوالً إىل الخشية منها وتحولها بفضل‬
‫هذا املنطق النسقي عىل تخليق شخصية ُمهيمنة‬ ‫فعل التداول إىل عنرص ذي نوازع تاريخية متلك‬
‫(اجتامعية‪ ،‬أو أدبية‪ ،‬أو سياسية‪ ،‬أو ثقافية‪....‬‬ ‫سطوة نفسية وذهنية ومعرفية عىل األجيال‬
‫إلخ) يتم التواطؤ الجمعي عىل ترقيتها وتسويقها‬ ‫التالية‪.‬‬
‫ومنحها سلطات مطلقة (سلطة األب‪ ،‬سلطة‬
‫ميكننا القول يف ختام هذا الجزء أن الجنس من‬
‫الشاعر‪ ،‬سلطة الحاكم‪ ،‬سلطة املفكر) – «لتصبح‬
‫منظور ثقايف‪ ،‬هو أحد املنتوجات الثقافية القامئة‬
‫قوة معنوية ثم مادية‪ ،‬تحاط بنمط من الصفات‬
‫عىل الرتويج الخطايب للفعل‪ ،‬أي أنه تحول إىل‬
‫التي تتحول إىل خصائص‪ ،‬ثم تصبح حقوقًا‪ ،‬وهذا‬
‫مقوالت نسقية تستلهم النسق الثقايف العام الذي‬
‫يقتيض حامية ثقافية ليك تحمي الثقافة أنساقها‬
‫يحرص الفعل يف مهمة واحدة هي الرتويج للذات‬
‫وأنظمة هذه األنساق وتحقق لها االستقرار‬
‫الفاعلة وتضخيم فحولتها الذكورية يف مقابل‬
‫والرتسخ»‪ 97‬ومينحها بُعدين متوازيني‪ ،‬البعد األول‬
‫عدم الفاعلية العملية والخطابية للرشيك الذي‬
‫أن تنتقل الشخصية من دائرة الهيمنة الرمزية‬
‫يصري وسيلة لتعضيد موقف الذات الذكورية‬
‫إىل دائرة الطغيان الفعيل‪ ،‬والبعد الثاين أن تنوب‬
‫صاحبة الحق الوحيد يف مامرسة هذا النوع من‬
‫الشخصية عن الجامعة يف إطار عمليات التفاعل‬
‫الخطاب‪ ،‬مام اكسب الفعل الخطايب قبوالً ثقافيًا‬
‫–وأحيانًا الرصاع ‪ -‬الحضاري وهو ما يحقق‬
‫يف التداول الشعبي يف إطار اتفاق ضمني يعزل‬
‫الكفاية للجامعة مع تلبسها مبظاهر الخمول‬
‫القيم القولية عن نظريتها العملية‪.‬‬
‫والكسل‪ ،‬يف الوقت نفسه الذي ميكن هذا «الرمز‬
‫املصنوع» الجامع ًة من تجاوز أزمتها يف لحظة‬ ‫د‪.‬الهيمنة عىل املرسود‪..‬الراوي الطاغية‬
‫تاريخية معينة بالثورة عليه كخطوة رضورية‬ ‫يُعد الراوي ‪ -‬بتباين درجات حضوره ‪ -‬أحد‬
‫لصناعة مهيمن جديد‪.‬‬ ‫رشوط الفعل الرسدي بوصفه القناة التي متر‬
‫ومن ثم ميكننا النظر إىل الراوي داخل نص لحس‬ ‫عربها أيديولوجيا النص و ُمنتجها‪ ،‬ومن املألوف‬
‫العتب ال بوصفه تقنية خطابية فحسب‪ ،‬وإمنا‬ ‫أن يتمتع الراوي بحضور مميز يف الرسود‬
‫بوصفه متثيالً لعملية التنمذج الثقايف لنسق‬ ‫الشعبية‪ ،‬حضور متازج مع قوة التقليد (الطقس)‬
‫لهذا النمط من الحيك‪ ،‬وهو ما قد يُظَ َّن أنه‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪67‬‬
‫اآلجل (املستقبيل) الذي البد أن يتحقق‪ ،‬وإن مل‬ ‫الفحولة وهو ما ميكن تلمسه داخل النص عرب‬
‫تؤرش له املعطيات الواقعية‪ ،‬فانتهاء املأساة يف‬ ‫مظاهر مختلفة تعضّ د من سلطوية السارد‬
‫لحظة انفراجية خاطفة عىل املستويني الكمي‬ ‫وإحكامه عىل مقتضيات فعل الرسد‪.‬‬
‫والكيفي‪ ،‬يعكس سلطة السارد املطلقة‪ ،‬ويعكس‬ ‫د‪ 1-‬النهاية السعيدة‬
‫كذلك حرصه عىل التعاطي مع مفردات النسق‬
‫يبدو الحس املأسوي هو املهيمن عىل الرواي‬
‫الثقايف املسيطر عىل مستوى االستقبال‪ ،‬ليطرح‬
‫ومرسوده منذ بداية الرواية‪ ،‬وهو أمر يتناغم‬
‫الراوي نفسه بوصفه وسيطًا ثقافيًا ذا حضور‬
‫مع حكاية تعتمد عىل مأساة شخصية تحيل‬
‫ناجز يدعم تأمني نجاح العملية االتصالية بني‬
‫عرب أدوات متعددة إىل مأساة جامعية ثقافية‪،‬‬
‫املرسل بحضوره املرجعي واملتلقي بحضوره‬
‫وعىل الرغم من محاولة السارد تخفيف وطأة‬
‫النازع إىل التوزع بني داخل النص وخارجه‪،‬‬
‫هذه الجرعة السوداوية من خالل توظيف‬
‫واملتكئ يف تحديد موقفه من املرسود عىل خربته‬
‫أدوات السخرية وغريها فإن املتلقي يبدو يف‬
‫القرائية التي شكلت ذائقته الجمعية وشكلت‬
‫حالة من حاالت التهيؤ الكامل الستقبال فعل‬
‫يف اآلن نفسه موجهات الخطاب املهيمن «فآثار‬
‫ختامي ميحو آثر هذا التدفق املأسوي ويعيد‬
‫النصوص املتبقية ال ميكن افرتاض بقائها‪ ،‬بوصفها‬
‫التوازن املعتاد للحكاية‪ ،‬وعندما نتحدث عن‬
‫عوارض محتملة فقط للعمليات االجتامعية‪ ،‬بل‬
‫التوازن فإننا نقصد به هذا النمط التقليدي يف‬
‫يجب افرتاض ترتب تلك اآلثار عنها‪ ،‬آثار النصوص‬
‫التلقي الذي يهيئ نفسه دون وعي الستقبال‬
‫األدبية وغري األدبية‪ ،‬ليست إذن عمليات تجاور‬
‫نهاية سعيدة ينترص فيها األخيار ويهزم األرشار‪،‬‬
‫أو تزامن أو توا ٍز مع الظروف االجتامعية والسياق‬
‫ويربأ املرىض‪ ،‬ويعاقب املفسدون‪ ،‬وغريها من‬
‫الثقايف الذي كتبت فيه النصوص‪ ،‬بل إنتاج لتلك‬
‫األمور التي تستقي مربرتها من معيار أخالقي‬
‫الظروف»‪ .18‬وهو ما ميكن من التعامل مع نص‬
‫مثايل قد ال يكون بالرضورة متطابقًا مع الواقع‬
‫«لحس العتب» –يف بعض جوانبه‪ -‬بوصفه وريثًا‬
‫لكنه ميلك قوة تأثريية ثقافية تتفوق عىل هذا‬
‫رشع ًيا لسري عىل الزيبق املرصي‪ ،‬وبني هالل‪،‬‬
‫الواقع نفسه‪ ،‬وهو ما تم ترجمته بشكل مبارش‬
‫والزير سامل‪ ،‬وعنرتة بن شداد‪ ،‬وامللك سيف بن‬
‫يف الحكايات الشعبية التي يستند معامرها إىل‬
‫ذي يزن‪ ،‬واألمرية ذات الهمة‪ ،‬والسلطان الظاهر‬
‫غلق النص بنهاية سعيدة وذلك «ألنها متثل نو ًعا‬
‫بيربس‪ ،‬واألمري حمزة البهلوان‪ ،‬وغريها من السري‬
‫من القصص الشعبي الذي يسعى الشعب عن‬
‫الشعبية ذات املنشأ املرصي أو التي استقبلتها‬
‫طريقه إىل خلق تلك الصورة املثالية التي تحقق‬
‫الثقافة الشعبية املرصية بالرتحاب فبثت فيها‬
‫له األمل الذي يراوده»‪.08‬‬
‫من روحها ومدتها بجاملياتها وغزلت فيها‬
‫بالغتها‪ ،‬وصاغت عربها رؤيتها للشخصية املرصية‬ ‫إن الراوي الذي ظل يرسد مأساته الشخصية عىل‬
‫بامتدادتها القومية والدينية والسياسية عرب‬ ‫مدار صفحات الرواية عندما وصل إىل ختامها‬
‫مامرسات إبداعية جاوزت املبارشة واغرتفت من‬ ‫وجد نفسه مضطرا إىل نسج نهاية سعيدة يتم‬
‫األبجدية الجاملية للرسد دوالها الخاصة‪.‬‬ ‫عربها تنفيذ العقد الضمني مع املتلقي فيام‬
‫يتعلق «مبثالية الغلق» املتناغمة مع فكرة الحلم‬
‫ودعماً لعنرص النهاية السعيدة ال يكتفي الراوي‬
‫‪68‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫البطل يف عالقة متاس بصورة ما مع صورة البطل‬ ‫بإعادة ترميم الجانب املادي الذي اضمحل يف‬
‫الشعبي كام تتجىل يف العديد من الحكايات‬ ‫أثناء الرسد‪ ،‬فال يكتفي بشفاء الطفل وتعافيه‪،‬‬
‫الخرافية التي «تهدف إىل الوصول بالبطل إىل‬ ‫بل يتجه إلعادة بناء شبكة العالقات االجتامعية‬
‫الحياة الكاملة الجميلة‪ ،‬والتي تستخدم أسلوبا‬ ‫بني الشخصيات الحكائية بوصف أن الهدف هنا‬
‫سحريًا يف سبيل تحقيق هذا الهدف‪..‬نحس حقًا‬ ‫هو إغراق النص بدفقات سعيدة تعادل نظريتها‬
‫باملشقة التي يتحتم عىل اإلنسان أن يعيشها يف‬ ‫املأساوية السابقة‪ ،‬وتضمن التوازن للنص‪ ،‬وهو‬
‫سبيل تحقيق الشخصية الكاملة «‪.38‬‬ ‫ما يتجىل يف الفقرة األخرية يف الرواية‪.‬‬
‫د‪ 2-‬إسكات اآلخر‬ ‫«واصطلح أيب مع صحابه فاستأنفوا السهر يف‬
‫ولعل العالمة الكربى عىل هذه الصيغة الرسمية‬ ‫مندرتنا‪ ،‬حيث يتكلمون يف الثورة التي قامت‬
‫وما متثله من هيمنة هي عمد الراوي إىل إسكات‬ ‫فجأة‪ ،‬وعن امللك فاروق الذي أزيح عن عرشه‪،‬‬
‫الشخصيات الحكائية واإلنابة عنها يف الحديث يف‬ ‫وعن محمد نجيب الذي أعلن الجمهورية‬
‫أغلب األحيان‪ ،‬حيث يصلنا النص من خالل ضمري‬ ‫وترأسها‪ ،‬وحني كانت الذكريات تجرهم إىل‬
‫املتكلم يف اتساق منطقي مع طبيعة الحكاية‬ ‫الحديث عن الرتابيزة الشهرية كان أيب يبتسم‬
‫بوصفها اجرتا ًرا لتجارب شخصية مر بها الراوي‬ ‫قائال‪ :‬امللك فاروق نفسه انزاح عن عرشه‪ ،‬سبحان‬
‫يف فرتة زمانية سابقة‪ ،‬وهو ما ميكّن الراوي من‬ ‫من له الدوام»‪.28‬‬
‫متثُّل أصوات بقية الشخصيات وإعادته صياغتها‬ ‫تبدو الفقرة عىل اكتنازها مكثفة من الناحية‬
‫بنربته الخاصة وهو ما ميكن التمثيل له باملشهد‬ ‫الداللية‪ ،‬حيث االنتقال من َه ّم الذات إىل َه ّم‬
‫السابق للطبيب‪ ،‬فصورة الطبيب املسلّبة تبدو‬ ‫الوطن‪ ،‬ومن إعادة تشكيل العالقات الخاصة إىل‬
‫أكرث قب ًحا عند تجريدها من صوتها الذي سيسمح‬ ‫تأسيس عالقات منضبطة مع السلطة الجديدة‬
‫باستحضار صوت اآلخر املخاطب وهو ما قد‬ ‫التي أعادت رسم مالمح الوطن بتمردها عىل‬
‫يؤثر يف منط هذه الصورة النصية املتغيا تصديرها‬ ‫الواقع الذي غدا ماض ًيا يتم استحضاره من حني‬
‫بوصفها منوذ ًجا للذات املتعالية غري املعنية‬ ‫إىل آخر للتأكيد عىل موقعه الفائت بالرضورة‬
‫باآلخرين‪.‬‬ ‫وهو ما يفرس عمد الراوي إىل ذكر «الرتابيزة»‬
‫وأحيانًا يخفت الراوي من نربة التسلط فيكتفي‬ ‫فهو هنا ال ينكأ الجرح وإمنا يؤكد عىل تجاوز‬
‫بالتقديم لصوت الشخصية عرب املمهد اللفظي‬ ‫املشكلة برمتها‪ ،‬وهو ما يرتجمه فعل االبتسام‬
‫«قال» ومشتقاته‪ ،‬مام يعني أن أسلويب التقرير‬ ‫الذي يتناقض متا ًما مع حالة الحزن السائدة يف‬
‫الرسدي والكالم غري املبارش هام األسلوبان‬ ‫املايض‪ ،‬وكان من الرضوري هنا رفد هذه الحالة‬
‫املهيمنان عىل عرض األحاديث‪ ،‬وهو ما يعد‬ ‫الجديدة بحس إمياين يطمنئ الذات املستقبلة‬
‫تنويعات خطابية تنسجم مع ما تم من «اخرتاع‬ ‫«سبحان من له الدوام» ويدعم نبوءة املستقبل‬
‫الصمت اخرتا ًعا ثقاف ًيا لدواعي النسق وتحقيق‬ ‫الزاهي بعد التعايف من املرض‪.‬‬
‫»‪.48‬‬
‫رشوطه إلكامل الهيمنة النسقية‬ ‫بقى أن نشري إىل أن النهاية السعيدة التي تحققت‬
‫وإذا كان الصوت الذكوري يأيت خافتًا يف بعض‬ ‫دخل‬ ‫عرب فعل غامض أعاد للشخصية صحتها‪ ،‬يُ ِ‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪69‬‬
‫املعريف ووهمية قناعاته الذهنية‪ ،‬حيث يقدم‬ ‫املواضع فإن صوت املرأة يتم إقصائه بشكل‬
‫حالً بسيطًا ملشكلة معقدة أو هكذا يُظن ‪ -‬أن‬ ‫شبه كامل يف استجابة تلقائية لنسقية االستفحال‬
‫يتم االحتفاظ باملسود ككتلة واحدة يف ذهنية‬ ‫التي ترى يف «الهو» القدرة عىل امتالك سلطة‬
‫املتلقي‪ ،‬وهو أمر يصعب تحققه مع توايل‬ ‫البالغة وقوة االدعاء وهو ما ال تحوزه املرأة يف‬
‫املرسود وما يتضمنه من تفاصيل قد تشتت‬ ‫إطار هذه النظرة النسقية‪ ،‬فيكاد صوت املرأة‬
‫اهتامم املتلقي‪ ،‬وترصفه عن الرتكيز يف األحداث‬ ‫ينفى من الرواية كلها إال يف املشاهد األخرية‪،‬‬
‫الرئيسة املوجهة للحكمة املتغياة‪ ،‬وعليه فإن‬ ‫ولعل النص بدهائه العفوي حاول مخاتلة هذا‬
‫رغبة السارد يف توجيه متلقيه للتعاطي مع‬ ‫النسق املحروس بالرشط الثقايف العام بعي ًدا عن‬
‫الحكمة املقدمة تلزمه بأن يختزل املرسود ويقفز‬ ‫لعبة املكاشفة بإعادة هيكلة العالقة الرتاتبية‬
‫فوق بعض الحواجز الزمنية بغية اكتناز النص‬ ‫بني الصوتني الذكوري واألنثوي‪ ،‬ليكون االنتصار‬
‫وتكثيفه‪.‬‬ ‫الختامي لصوت املرأة التي متلك الحكمة التي‬
‫وتتجىل تدخالت الراوي يف البنية الزمنية للرسد‬ ‫عجز عنها الرجال عىل اختالف مرجعياتهم‬
‫باستدعاء البعدين الرئيسني اللذين حددهام‬ ‫(الدينية‪/‬الشيخ والعلمية‪ /‬الطبيبان)‪.‬‬
‫جريار جنيت‪ 78‬يف محاولته الختبار العالقة بني‬ ‫‪58‬‬
‫د‪ 3-‬ضبط اإليقاع الرسدي‬
‫زمن القصة املفرتض كام ينبغي أن تكون قد‬ ‫إذا كان الزمن الذي ميكن استشعاره وتحليله هو‬
‫وقعت وزمن الحكاية كام يتبدى للمتلقي‬ ‫مجرد تقنية تستند إىل إشعار املتلقي بإحساس‬
‫حال تعاطيه مع للنص‪ ،‬أي الزمن الذي يقدمه‬ ‫قياسا مبا يدركه يف حياته الواقعية‪،‬‬
‫ما بالزمن‪ً ،‬‬
‫الخطاب الرسدي‪.‬‬ ‫فيصبح من البدهي فهم الدور الكبري الذي يؤديه‬
‫د‪ 1-3-‬الرتتيب‬ ‫الراوي لتحقيق هذا اإليهام والتحكّم يف الخريطة‬
‫عىل الرغم أن الرواية تنطلق من لحظة اسرتجاعية‬ ‫الزمنية للمرسود خدم ًة ألهدافه‪ ،‬وعندما يرتبط‬
‫تتناول سرية البطل‪ /‬السارد‪ ،‬فإن هذا االسرتجاع‬ ‫األمر برسد يسعى لتمثُّل تقنيات الحيك التقليدي‬
‫يبدو ذا قيمة وظيفية متدنية ال تحقق املفارقة‬ ‫بشفرته الشفهية املألوفة فإن هذا الدور يبدو‬
‫الزمنية املألوفة‪ ،‬فالسارد غري معني بالرتكيز عىل‬ ‫أكرث وضو ًحا كأحد املظاهر الدالة عىل طغيان‬
‫هذه االنحرافات الزمنية داخل مرسوده‪ ،‬فإذا‬ ‫حضور الراوي داخل املنت الحكايئ وقدرته عىل‬
‫كان الرتتيب هو املعني بضبط «العالقات بني‬ ‫التحكم يف إيقاع البنية الرسدية لتحقيق هدفني‬
‫النظام الزمني التتابعي للوقائع يف املنت الحكايئ‪..‬‬ ‫رئيسني هام‪:‬‬
‫والنظام امل ُزيَّف لرتتيبها يف املحيك»‪ 88‬فإننا نجد‬ ‫‪ -‬التناغم مع البنية التأليفية للرسود الشعبية‬
‫السارد مهتماً بتحويل الرسد إىل امتداد طويل‬ ‫القامئة عىل توايل األفعال بشكل رسيع‪ ،‬وهو ما‬
‫ميتاز بانسيابية االنتقال من املايض إىل الحارض‬ ‫يعد «من أهم العوامل التي تسهم يف تعزيز‬
‫دون اللجوء إىل انتهاكات زمنية استباقية‪ 98‬أو‬ ‫قرابته من األدب الشعبي»‪.68‬‬
‫اسرتجاعية‪ 09‬معتم ًدا مبدأ التوازن املثايل بني زمن‬ ‫‪ -‬يستلزم تضمني الخطاب الحكمة أو العظمة‬
‫الحكاية والتنظيم الذي أظهر هذا الزمن داخل‬ ‫الختامية – املكثفة يف الضعف البرشي وقصوره‬
‫‪70‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫‪59‬‬
‫حتى أصابني مرض غريب‪”.....‬‬ ‫الخطاب الرسدي حيث يتوازى وقوع األحداث‬
‫فام حدث للفتى خالل هذين العامني اللذين‬ ‫مع زمن حكايتها‪ ،‬أي أن عملية الكتابة أو‬
‫متتع خاللهام بالصحة يخرج من دائرة اهتامم‬ ‫الرواية قد راعت الرتتيب الزمني نفسه لألحداث‬
‫السارد الذي يعمد إىل ترسيع البنية اإليقاعية‬ ‫املفرتض‪ ،‬وميكن إدراك حدود التوازن باستدعاء‬
‫من خالل عدم العناية بامل ُفارقات امل ُشتتة لهذا‬ ‫املتوالية الرئيسة للحكاية املكونة من ثالثة أفعال‬
‫اإليقاع‪ ،‬فالحذف هنا يتم بغرض ترسيع اإليقاع‬ ‫رئيسة هي‪:‬‬
‫الرسدي الذي كان من املمكن أن يتأثر سلبًا يف‬ ‫املرض املفاجئ‪.‬‬
‫حالة إسهاب السارد يف ذكر ما حدث للفتى خالل‬ ‫البحث عن الشفاء‪.‬‬
‫هذه الفرتة‪ ،‬فهامشية األحداث تدفع النص إىل‬
‫مجاوزتها عرب تقنية الحذف‪.‬‬
‫الشفاء املفاجئ‪.‬‬
‫باختبار عالقة ترتيب األحداث يف حضورها‬
‫وقد يلجأ السارد إىل توظيف الخالصة عندما‬
‫االفرتايض وترتيبها داخل النص سنجد أننا أمام‬
‫يرغب يف ترسيع اإليقاع ولكن بدرجة أقل رسعة‬
‫عالقة متاثل فال مجال للخروقات الزمنية لألحداث‬
‫من الحذف‪:‬‬
‫التي “تتتابع كام تتتابع الجمل عىل الورق يف‬
‫“تكررت زيارة تاجر النحاس لدارنا عدة مرات‬ ‫‪19‬‬
‫شكل خطوط تشد سوابقها بنوايص لواحقها”‬
‫‪69‬‬
‫حتى مل يعد يف دارنا يشء ميكن أن يباع”‬ ‫وهو ما يستجيب لطبيعة البنية الزمنية للرسد‬
‫ففي املشهد السابق تم اختصار األحداث التي‬ ‫الشعبي حيث إن “الحكاية الشعبية قد اعتادت‬
‫متت يف فرتة طويلة يف جملة واحدة‪ ،‬فهي “تتولَّد‬ ‫أن تتقيّد يف متفصالتها الكربى عىل األقل‪ ،‬بالرتتيب‬
‫حينام يعترب زمن الخطاب أصغر من زمن القصة‪،‬‬ ‫الزمني”‪.29‬‬
‫وحينام يكون مثة شعور بأن جز ًءا من الرسد‬ ‫د‪ 2-3-‬الدميومة‬
‫أقرص من املرسود الذي يعرضه‪ ،‬وحني يكون‬
‫وهي أكرث املظاهر التي ميكن عربها استكشاف‬
‫هناك نص رسدي أو جزء منه ال يتامثل مع زمن‬
‫قدرة السارد عىل التحكم يف الخيوط اإليقاعية‬
‫رسدي طويل نسب ًيا‪ ،‬وهو يغطي مدى الرسعة بني‬
‫للرسد “فمالحظة اإليقاع الزمني ممكنة دامئًا‬
‫املشهد واإلغفال”‪ .79‬فالرسد يتج ّنب ـ عرب توظيف‬
‫بالنظر إىل اختالف مقاطع الحيك وتباينها”‪،39‬‬
‫تقنية الخالصة ـ حشد الحكاية بأحداث فقرية‬
‫فالعالقة بني اإليقاع والرسعة عالقة تواز‪ ،‬حيث‬
‫عىل املستوى الدرامي مام يسهم يف ترسيع وترية‬
‫يرتفع إيقاع النص بزيادة رسعته وينخفض‬
‫‪.89‬‬
‫الرسد‬ ‫‪49‬‬
‫بانخفاضها كام حدد جريار جنيت‬
‫ويعتمد السارد عىل تقنية املشهد هو أكرث‬
‫فعندما يرغب السارد يف ترسيع اإليقاع الرسدي‬
‫التقنيات قدرة عىل تحقيق التوازن بني األحداث‬
‫يوظف تقنية الحذف بغرض مجاوزة بعض‬
‫بأبعادها الواقعية املعيشة واألحداث يف حضورها‬
‫الفرتات الزمنية التي ال يحقق إثباتها قيمة داللية‬
‫الرسدي “فحينام يكون هناك نوع من التكافؤ‬
‫تخدم أهداف السارد كام يف املثال التايل‪:‬‬
‫بني جزء من الرسد وبني املرسود‪ ..‬وحني يعترب‬
‫زمن الخطاب مساويًا لزمن القصة‪ ،‬فإننا نحصل‬ ‫“عندما التحقت مبدرسة البلد مل ميض عامان‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪71‬‬
‫استندت إىل تأسيس مشهد أمثويل وتفكيك ما‬ ‫”‪.99‬‬
‫عىل املشهد‬
‫ينطوي عليه من قيم سلبية استنا ًدا إىل قدرة‬ ‫الخامتة‬
‫السخرية عىل التل ّون الداليل بالتعاون مع عنرص‬
‫سعت الدراس ُة إىل الكشف عن كيفية متثيل‬
‫املفارقة‪ ،‬مام مكنها من استبدال دورها يف‬
‫رواية “لحس العتب” ‪ -‬بوصفها منوذ ًجا للرسد‬
‫مصارحة الذات‪ ،‬وإبراز ما يعرتيها من نواقص‬
‫املتعاطي مع مقتضيات الثقافة الشعبية ‪-‬‬
‫بدورها يف انتقاد اآلخر السلطوي‪.‬‬
‫لألنساق الثقافية السائدة يف هذا السياق الذي‬
‫شكل فعل «لحس العتب» وما ارتبط به من‬ ‫طاملا ن ُِظر إليه بوصفه هامشً ا يف مقابل منت‬
‫وقائع نصية أيقون ًة لقدرة الذهنية الشعبية عىل‬ ‫النخبة‪ ،‬ملا سيفيض إليه هذا الكشف ‪ -‬بشكل‬
‫انتقاد مفردات السياق بصيغة غري مبارشة‪ ،‬عرب‬ ‫مبارش أو ضمني ‪ -‬من إدراك أكرث عمقًا بحيل‬
‫مامرسات تكتيس بدالالت قد تبدو متناقضة‬ ‫الثقافة يف مترير أنساقها املتحكمة فينا‪.‬‬
‫ومتعارضة لكنها تعكس يف جوهرها تفاعالً‬
‫وقد نتج عن مقاربة املنت املحلل جملة من‬
‫ممي ًزا مع واقع يشكّل التناقض والتعارض قيمتني‬
‫النتائج التي ميكن إيجازها عىل النحو التايل‪:‬‬
‫رئيستني فيه‪.‬‬
‫مثَّل “الضّ حك” تجل ًيا لنسق “املواجهة امل ُخاتلة”‬
‫النص “فعل لحس العتب” مبا ينطوي‬ ‫استثمر ُ‬ ‫الذي تتبناه الثقافة الشعبية يف أثناء مواجهتها‬
‫عليه من طبيعة إذاللية ال منطقية لفضح طبيعة‬
‫القوى الساعية لطمس مالمحها‪ ،‬وقد استمد هذا‬
‫نسق “االستقبال الخامل” أو “العمى الثقايف”‬
‫النسق فاعليته من دوره يف تحقيق توازن أدوات‬
‫الناتج عن منح املوروث ثقة مطلقة ترشعنها‬
‫الرصاع مع الواقع املفعم مبظاهر القبح والقهر‪،‬‬
‫طبيعته املتوارثة‪.‬‬
‫وضامن كفاءة فعل املقاومة دون صدام مبارش‪،‬‬
‫طرحت الصورة النصية “للمنضدة‪/‬الرتابيزة”‬ ‫وقد انعكس هذا النسق داخل املنت الروايئ عرب‬
‫نفسها بوصفها متثيالً لنسق “اخرتاع األسطورة”‬ ‫مظاهر مختلفة أبرزها السخرية من املوت‪،‬‬
‫وتغلغلها يف النسيج الذهني للوعي الشعبي‬ ‫والسخرية من السلطة ببعديها املادي والقيمي‪.‬‬
‫كإجراء تحاييل يعضِّ د موقف الذات وهي تواجه‬
‫برهن توظيف “السخرية من املوت” عىل‬
‫معوقات الواقع والتباساته املتعددة‪.‬‬
‫براعة الوعي الشعبي يف مواجهة “نسق السلطة‬
‫أسهم االنتقال “باملنضدة‪/‬الرتابيزة” من صورتها‬ ‫امل ُتسلِّطة”‪ ،‬مفي ًدا من فاعلية “الفكاهة”‬
‫االعتيادية إىل صورتها الغرائبية يف توثيق عالقة‬ ‫يف تقديم الطأمنينة املعنوية ألولئك الذين‬
‫املتلقي باملرسود باستثارة قدراته التأويلية ودفعه‬ ‫يتجاوزون ضعفهم بتجسيد ضعف اآلخرين‪ ،‬مام‬
‫إىل الربط بني األسطوري ورمزيته والواقعي‬ ‫يضمن لهم التوازن النفيس‪ ،‬ويتيح لهم املساحة‬
‫وروافده دون تكلس أو اعتساف‪.‬‬ ‫الذهنية والنفسية ليك ميارسوا وجودهم اإلنساين‬
‫شكل فعل “الشفاء” أحد وسائل تطويق النص‬ ‫واالجتامعي‪.‬‬
‫بالحس األسطوري مبا طرحه من تشويش عىل‬ ‫التزمت الرواية ومن خلفها الثقافة الشعبية‬
‫العقالين السائد‪ ،‬كخطوة مهمة للتدليل عىل عدم‬ ‫بانتقاد السلطة السياسية عرب آلية مراوغة‬
‫صالحيته وحتمية تأسيس نظام جديد يجاوز‬
‫‪72‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫املواضعات الثقافية‪.‬‬ ‫نقاط ضعف النظام السائد العاجز عن تقديم‬
‫اجتمعت عنارص النهاية السعيدة وإسكات‬ ‫حلول عقالنية ملشاكل الواقع‪.‬‬
‫اآلخر وضبط اإليقاع الرسدي لرسم مالمح الراوي‬ ‫اكتسب الجنس – الذي مثل أحد تجليات نسق‬
‫الطاغية املعادل لنظريه املادي‪.‬‬ ‫“التورية الثقافية” ببعديها املعلن واملضمر‪-‬‬
‫وختا ًما ترى الدراسة أن رواية “لحس العتب” قد‬ ‫قيمته داخل النص من خالل دوريه يف تحقيق‬
‫برهنت عىل قدرة خريي شلبي عىل متثل الروح‬ ‫االتساق مع مفردات الحضَّ انة الثقافية الشعبية‪،‬‬
‫الشعبية املرصية مام رشحه ألن يكون املؤرخ‬ ‫ويف رفع مستوى الكفاءة الداللية للنص‪.‬‬
‫الشعبي لطبقة املهمشني يف مرص من بني أدباء‬ ‫امتلكت املشاهد املُعبرِّ ة عن العالقة الجنسية‬
‫الرؤية الستينية‪ 001‬الذين جمع بينهم التدرع‬ ‫وسائل حافزة للمتلقي للربط بني مكونات‬
‫بالغضب الناتج عن انكسار الحلم القومي‪ ،‬مام‬ ‫املشهد الداخيل والقيم الداللية املترسبة داخل‬
‫دفع العديد منهم إىل العودة الفنية إىل منابعهم‬ ‫النسيج النيص كاالستفحال والعجز‪ ،‬والقبول‬
‫األوىل؛ القرية‪ ،‬والحارة‪ ،‬والزقاق‪ ،‬ليتخذوا من هذه‬ ‫والرفض‪ ،‬واالحتواء والنفي‪.‬‬
‫املنابع األصيلة أفضية يجوبون فيها بعقولهم‪،‬‬ ‫برهنت الرواية عىل أن “نسق املعارضة” ‪ -‬عىل‬
‫ويرسمونها بأقالمهم‪ ،‬ويكتشفونها مبامرسات‬ ‫وقوفه موقف املناهض “لنسق االستفحال” –‬
‫تأملية تسعى للبحث عن أسباب الهزمية الفاجعة‬ ‫قد ع ِّزز النسق امل ُعا َرض عرب توسله بوسائله يف‬
‫عرب إعادة قراءة املايض والحارض واكتشاف عيوبه‬ ‫املواجهة واستخدامه األدوات نفسها من نفي‬
‫التي أفضت إىل هذه النتيجة املأسوية‪ ،‬ومن هؤالء‬ ‫وإقصاء وتخطيئ وعنرصية‪.‬‬
‫خريي شلبي صاحب البورتريه املائز للشخصية‬
‫شكل الراوي بسلطته املطلقة داخل النص‬
‫املرصية‪ ،‬الباكية والضاحكة‪ ،‬الجادة والساخرة‪،‬‬
‫متثيالً “لنسق الفحولة” املضمر يف العديد من‬
‫املهادنة واملنتفضة‪ ،‬املستسلمة والثائرة‪.‬‬

‫اإلحاالت والهوامش‬

‫املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2003 ،‬‬ ‫‪ -‬يطرح النقد الثقايف نفسه لدى الكثريين كمهمة‬ ‫‪ 1‬‬
‫ص‪31‬‬ ‫مرتابطة متداخلة متجاوزة للحقول املعرفية الثابتة‬
‫‪ -‬عنيت الدراسات الكالسيكية واملعارصة بقضية‬ ‫‪ 2‬‬ ‫«ومبقدور النقد الثقايف أن يشمل نظرية األدب‬
‫التمثيل يف صيغتيها الفردية ‪-‬عند كاتب محدد‪ -‬أو‬ ‫والجامل والنقد‪ ،‬وأيضً ا التفكري الفلسفي وتحليل‬
‫الجمعية – قضية محددة لدى عدد من الكتاب‪“ -‬غري‬ ‫الوسائط والنقد الثقايف الشعبي‪ ،‬ومبقدوره أيضا‬
‫أن ما مييز هذا املصطلح يف التحليل الثقايف ينبثق من‬ ‫أن يفرس نظريات ومجاالت علم العالمات‪ ،‬ونظرية‬
‫االستعامل الذرائعي لنص الرواية‪ ،‬بحيث يغدو التحليل‬ ‫التحليل النفيس والنظرية املاركسية‪ ،‬والنظرية‬
‫األديب أداة يتم توظيفها من أجل أهداف ثقافية عامة‪،‬‬ ‫االجتامعية واالنرثوبولوجية إلخ» أرثر أيزابرجر‪ ،‬النقد‬
‫يجري تشييدها من خالل النقد الثقايف” إدريس‬ ‫الثقايف ‪ -‬متهيد مبديئ للمفاهيم األساسية ‪ -‬ترجمة وفاء‬
‫الخرضاوي‪ ،‬الرسد موضو ًعا للدراسات الثقافية‪ -‬مجلة‬ ‫إبراهيم رمضان بسطاوييس‪ ،‬املرشوع القومي للرتجمة‪،‬‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪73‬‬
‫املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫تبني للدراسات األدبية‪ ،‬املركز العريب لألبحاث‪ ،‬الدوحة‪،‬‬
‫‪ 2005.‬وتجدر اإلشارة إىل أن الدراسة ستتعامل مع‬ ‫العدد ‪ 7،‬املجلد‪ ،2‬شتاء ‪ 2014‬ص‪115.‬‬
‫الرواية بوصفها منوذ ًجا للرسد املسكون بالروح الشعبية‬ ‫‪ -‬عبد الله الغذامي‪ ،‬النقد الثقايف – قراءة يف األنساق‬ ‫‪ 3‬‬
‫للشخصية املرصية‪ ،‬هذه الروح املستندة عىل موروث‬ ‫الثقافية العربية – املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪-‬‬
‫باذخ من املرويات الشفهية واملكتوبة التي نجحت يف‬ ‫بريوت‪ ،‬الطبعة السادسة‪2014 ،‬م‪ ،‬ص‪.76-75‬‬
‫مزج املتخيل بالواقعي‪ ،‬وتشظية املسافة الفاصلة بني‬ ‫‪ -‬تتنوع وظيفة اللغة تبعا لرتكيزها عىل عنرص أو‬ ‫‪ 4‬‬
‫األسطوري واملعيش‪ ،‬وتحقيق االلتحام الداهش بني‬ ‫آخر من عنارص منوذج التواصل اللغوي عند ياكبسون‬
‫الضحك والبكاء‪ ،‬فجمعت برباعة بني أفقي املستحيل‬ ‫الذي يتكون من ستة عنارص هي املرسل واملرسل إليه‬
‫واملمكن‪.‬‬ ‫والرسالة والشفرة والسياق وأداة االتصال انظر رومان‬
‫‪ -‬ينتمي خريي شلبي إىل ساللة الشخصية املرصية‬ ‫‪ 9‬‬ ‫ياكبسون‪ ،‬قضايا الشعرية‪ ،‬ترجمة محمد الويل ومبارك‬
‫الشعبية بحجمها الحقيقي ومذاقعها الفعيل وهو ما‬ ‫حنوز‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬ص‬
‫يتضح بالعروج إىل سريته الخاصة التي تكشف أنه‬ ‫رصا سابعاً يف إطار املقاربة‬
‫‪ 30-26‬ويضيف الغذّامي عن ً‬
‫عمل بائ ًعا جائالً يف صباه‪ ،‬واتخذ املقابر مسك ًنا يف‬ ‫الثقافية وهو العنرص النسقي بوظيفته النسقية‪ ،‬انظر‬
‫شبابه‪ ،‬وكتب أعامالً تعكس هذا النمط التشخييص‬ ‫النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – ص‬
‫للذات املرصية عىل تنوع سياقاتها املكانية والزمانية‬ ‫‪. 80-76‬‬
‫مثل السنيورة‪ ،‬واألوباش‪ ،‬والشطار‪ ،‬والوتد‪ ،‬والعراوى‪،‬‬ ‫‪ -‬يرى ليونارد جاكسون أنه “من املستحيل قيام‬ ‫‪ 5‬‬
‫وفرعان من الصبار‪ ،‬وموال البيات والنوم‪ ،‬وثالثية‬ ‫مقاربة مجردة وشكالنية لألدب‪ ،‬فكل عمل أديب يف‬
‫األماىل (أولنا ولد ‪ -‬وثانينا الكومى ‪ -‬وثالثنا الورق)‪،‬‬ ‫العامل هو جزء من ثقافة إنسانية ما‪ ،‬باملعنى الذي‬
‫وبغلة العرش‪ ،‬ومنامات عم أحمد السماَّ ك‪ ،‬وموت‬ ‫يعطيه األنرثبولوجيون للكلمة‪ ،‬وال ميكن أن نضفي‬
‫عباءة‪ ،‬وبطن البقرة‪ ،‬وصهاريج اللؤلؤ‪ ،‬ونعناع الجناين‪،‬‬ ‫عليه معنى إال ضمن تلك الثقافة” ليونالرد جاكسون‪،‬‬
‫وصالح هيصة‪ ،‬ونسف األدمغة‪ ،‬وزهرة الخشخاش‪،‬‬ ‫شكالن من املادية الثقافية‪ :‬املادية يف األنرثوبولوجيا‬
‫ووكالة عطية‪ ،‬وصحراء املامليك واألسطاسية‪.‬‬ ‫يف الدراسات الثقافية‪ ،‬ترجمة ثار ديب‪ ،‬مجلة تبني‬
‫‪ -‬النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪1 0‬‬ ‫للدراسات الفكرية واألدبية‪ ،‬املركز العريب لألبحاث‪،‬‬
‫ص ‪.78‬‬ ‫الدوحة‪ ،‬العدد ‪ 1،‬صيف ‪ 2012،‬ص ‪.138‬‬
‫‪ -‬عبد الحميد حواس‪ ،‬املادي وغري املادي يف الثقافة‬ ‫‪1 1‬‬ ‫‪ -‬حسن محمد النعمي‪ ،‬سلطة املكان املغلق‪ ،‬مجلة‬ ‫‪ 6‬‬
‫الشعبية‪ ،‬مجلة الثقافة الشعبية‪ ،‬وزارة الثقافة‪،‬‬ ‫عامل الفكر‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫البحرين العدد‪ ،9‬ربيع ‪ .2010‬ص‪.12‬‬ ‫الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،5‬املجلد‪ ،41‬يناير –مارس ‪ 2013‬ص‬
‫‪ -‬النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪1 2‬‬ ‫‪.225‬‬
‫ص‪.76‬‬ ‫‪ -‬يعد النقد الثقايف من أكرث املامرسات قدرة عىل‬ ‫‪ 7‬‬
‫‪ -‬صالح فضل‪ ،‬شفرات النص دار عني للنرش‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1 3‬‬ ‫مقاربة الثقافة الشعبية‪ ،‬ويرى أرثر أيزابرجر أن الثقافة‬
‫الطبعة الثانية‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫الشعبية هي املجال األويل لهذا النمط من الدراسات‬
‫‪ -‬النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪1 4‬‬ ‫“ويعد النقد الثقايف ذا أهمية كبرية عن كيف تقدم‬
‫‪.226‬‬ ‫النصوص املعنى‪ ،‬ويف السامت األيدلوجية للثقافة‬
‫‪ -‬زكريا إبراهيم‪ ،‬سيكولوجية الفكاهة والضحك‪،‬‬ ‫‪1 5‬‬ ‫الشعبية‪ ،‬والدور الذي تلعبه يف العامل االجتامعي‬
‫مكتبة مرص‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1970 ،‬م‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫والسيايس” النقد الثقايف ‪ -‬متهيد مبديئ للمفاهيم‬
‫‪ -‬لحس العتب ص‪.15‬‬ ‫‪1 6‬‬ ‫األساسية‪ -‬ص‪.222‬‬
‫‪ -‬تعرف الفكاهة بأنها “تلك الصفة يف العمل أو يف‬ ‫‪1 7‬‬ ‫‪ -‬خريي شلبي‪ ،‬لحس العتب‪ :‬مكتبة األرسة‪ ،‬الهيئة‬ ‫‪ 8‬‬
‫‪74‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫‪ -‬شتيفن فيلد‪ ،‬الخبز الحايف ملحمد شكري‪ ،‬ضمن‬ ‫‪3 8‬‬ ‫الكالم أو يف املوقف أو يف الكتابة التي تثري الضحك‬
‫كتاب شعرية املكان يف األدب العريب الحديث‪ ،‬تحرير‬ ‫لدى النظَّارة” مجدي وهبة‪ ،‬وكامل املهندس‪ ،‬معجم‬
‫بطرس الحالق وآلخرون‪ ،‬ترجمة نهى أبو سدرة وعامد‬ ‫املصطلحات العربية يف األدب واللغة‪ ،‬مكتبة لبنان‪،‬‬
‫عبد اللطيف‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬ ‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1984 ،‬م ص‪276‬‬
‫األوىل ‪2014‬م‪ ،‬ص‪186‬‬ ‫‪ -‬معجم املصطلحات العربية يف األدب واللغة ص‪.383‬‬ ‫‪1 8‬‬
‫‪ -‬عامد عبد اللطيف‪ ،‬بالغة الحرية‪ ،‬دار التنوير‪،‬‬ ‫‪3 9‬‬ ‫‪ -‬شكري عزيز مايض‪ ،‬أمناط الرواية العربية الجديدة‪،‬‬ ‫‪1 9‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2012 ،‬م‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد‪ ،355‬املجلس الوطني‬
‫‪ -‬محمد نجيب العاممي‪ ،‬الراوي يف الرسد العريب‬ ‫‪4 0‬‬ ‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫املعارص ‪ -‬رواية الثامنينات بتونس ‪ -‬دار محمد عيل‬ ‫‪2008‬م‪ .‬ص‪.31‬‬
‫الحامي‪ ،‬صفاقس‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة األوىل‪2001 ،‬م‪،‬‬ ‫‪ -‬لحس العتب ص‪.33‬‬ ‫‪2 0‬‬
‫ص‪.193‬‬ ‫‪ -‬السابق ص‪.33‬‬ ‫‪2 1‬‬
‫‪ -‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬قصصنا الشعبي من الرومانسية إىل‬ ‫‪4 1‬‬ ‫‪ -‬السابق ص‪.34‬‬ ‫‪2 2‬‬
‫الواقعية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1973 ،‬ص‪.132‬‬ ‫‪ -‬السابق ص‪.34‬‬ ‫‪2 3‬‬
‫‪ -‬لحس العتب ‪40-39‬‬ ‫‪ 42‬‬ ‫‪ -‬النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪2 4‬‬
‫‪ -‬عبد النبي ذاكر‪ ،‬الرحلة العربية إىل أوربا وأمريكا‬ ‫‪4 3‬‬ ‫ص‪.195‬‬
‫والبالد الروسية خالل القرنني التاسع عرش والعرشين‬ ‫‪ -‬السابق ص ‪123.-122‬‬ ‫‪2 5‬‬
‫دراسة يف املحتمل‪ ، ،‬دار السويدي للنرش‪ ،‬أبو‬ ‫‪ -‬لحس العتب ص‪.34‬‬ ‫‪2 6‬‬
‫ظبي‪ 2005،‬ص ‪.85‬‬ ‫‪BAKHTIN AND ,THOMAS J. FARRELL‬‬ ‫‪2 7‬‬
‫‪ -‬النقد الثقايف – قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪4 4‬‬ ‫‪MEDIEVAL VOICES ,UNIVERSITY‬‬
‫ص ‪.187‬‬ ‫‪FLORIDA PRESS,p132‬‬
‫‪“ -‬أمي مل تكن لتفقد ثقتها يف أولياء الله بسهولة‬ ‫‪4 5‬‬ ‫‪ -‬سعيد الغامني‪ ،‬الفلسفة التأويلية عند بول ريكور‪-‬‬ ‫‪2 8‬‬
‫لكنها حينام رصحت بهواجسها للشيخ بقوش كعبلها‬ ‫الوجود والزمان والرسد ‪ -‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪...‬فلام جاءت عند ذكر القول بأنها كنست العتب‬ ‫‪1999‬م‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫وغسلته قبل أن نلحسه انتفض قائالً‪ :‬بس هي دي‬ ‫‪ -‬لحس العتب ص‪35.‬‬ ‫‪ 29‬‬
‫الغلطة الكبرية‪..‬إزاي تغسيل عتبة مطهرة الزم تتلحس‬ ‫‪ -‬السابق ص‪.35‬‬ ‫‪3 0‬‬
‫عىل وضعها وإال فإيه الفايدة يا ست هانم” لحس‬ ‫‪ -‬السابق ص‪.32‬‬ ‫‪3 1‬‬
‫العتب ص‪41‬‬ ‫‪-‬السابق ص‪.36‬‬ ‫‪ 32‬‬
‫‪ -‬النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪4 6‬‬ ‫‪ -‬السابق ص‪.35‬‬ ‫‪3 3‬‬
‫ص‪226‬‬ ‫‪ -‬السابق ص ‪.37-36‬‬ ‫‪3 4‬‬
‫‪ -‬محمود العشريي‪ ،‬الشعر رس ًدا‪ ،‬املؤسسة العربية‬ ‫‪4 7‬‬ ‫‪ -‬السابق ص ‪.45-44‬‬ ‫‪3 5‬‬
‫للدراسات والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 2014 ،‬ص‪95‬‬ ‫‪ -‬السابق ص‪.57-56‬‬ ‫‪3 6‬‬
‫‪ -‬النقد الثقايف – قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪4 8‬‬ ‫‪ -‬حاولت الرواية التحايل عىل إثبات عجز الطب (يف‬ ‫‪3 7‬‬
‫ص‪.71‬‬ ‫الزيارة األوىل للطبيب) عن إيجاد العالج املناسب‬
‫‪ -‬محمد جوادت‪ ،‬الواقعي واألسطوري يف الثقافة‬ ‫‪4 9‬‬ ‫بأن جعلت العجز املادي للمريض وعائلته سببًا يف‬
‫الشعبية ‪ -‬مقاربة أنرثوبولوجية ثقافية من جنوب‬ ‫عدم قدرتهم عىل رشاء الدواء الذي وصفه الطبيب‬
‫املغرب ‪ -‬مجلة الثقافة الشعبية‪ ،‬وزارة الثقافة‪،‬‬ ‫واالستعاضة عنه بدواء آخر منحهم له الصيديل مراعاة‬
‫البحرين‪ ،‬العدد‪ ،31‬خريف ‪ ،2015‬ص‪.38‬‬ ‫لحالتهم البائسة‪ ،‬لحس العتب ‪48-44‬‬
‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪75‬‬
‫العاممي‪ ،‬يف الوصف ـ بني النظرية والنص السرّ دي‪ ،‬دار‬ ‫‪ -‬عبد الباسط لكراري‪ ،‬دينامية الخيال مفاهيم وآليات‬ ‫‪5 0‬‬
‫محمد عيل الحامي‪ ،‬صفاقس الجديدة‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة‬ ‫االشتغال اتحاد كتاب املغرب‪ ،‬م‪ 2004‬ص‪.24‬‬
‫األوىل‪2005 ،‬م‪ .‬هامش ص‪.131‬‬ ‫‪ -‬لحس العتب ص‪.8-5‬‬ ‫‪5 1‬‬
‫‪“ -‬استهالل املقطع الوصفي بذكر مرجعه‪ ،‬أي بتسمية‬ ‫‪6 0‬‬ ‫تكشف مقاربة النص التعالق الحيوي بني هذه‬ ‫‪5 2‬‬
‫موضوعه‪ ،‬وهي عملية يربط بفضلها املوضوع‪/‬العنوان‬ ‫األفعال وحضور املنضدة امل ِ‬
‫ُستقطبة لحركة الرسد‬
‫الذي هو اسم من أسامء اللغة مبا هو ثقايف مشرتك بني‬ ‫داخل الحكايات‪ ،‬فالتاريخ الحافل للعائلة وماضيها‬
‫الواصف واملوصوف له‪ ،‬فعندما نقرأ حديقة يف بداية‬ ‫الرث‪ ،‬ثم حارضها املأسوي‪ ،‬ومرض الصبي‪ ،‬ثم شفاؤه‪،‬‬
‫مقطع رسدي فإننا نستحرض خصائص وعنارص بعينها‬ ‫وحضوره داخل القرية‪ ،‬ثم انتقاله للمدينة‪ ،‬وعودته‬
‫نتوقّع أن نجدها يف سائر املقطع” يف الوصف ص‪116‬‬ ‫للقرية مرة أخرى‪ ،‬تظل جميعها أفعاالً تدخل يف‬
‫“وتتمثل هذه العملية يف تجزئة املوضوع‪/‬العنوان‬ ‫‪6 1‬‬ ‫عالقة مبارشة أو ضمنية مع التوافر النيص للمنضدة‬
‫امل َُّرسخ إىل عنارصه املبارشة‪ ،‬وهذه إىل مكوناتها‬ ‫التي تسند إليها الحركات الرسدية املفصلية املمثلة يف‬
‫املبارشة وهكذا دواليك‪ ،‬يف الوصف ص‪125‬‬ ‫األفعال وما تحيل إليه من أحداث‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم فتحي معجم املصطلحات األدبية دار‬ ‫‪6 2‬‬ ‫‪ -‬فراس السواح‪ ،‬األسطورة واملعنى دراسات يف‬ ‫‪5 3‬‬
‫رشقيات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪33‬‬ ‫امليثولوجيا والديانات املرشقية‪ ،‬دار عالء الدين‪،‬‬
‫‪ -‬جريالد برنس‪ ،‬املصطلح الرسدي‪ ،‬ترجمة‪ :‬عابد‬ ‫‪6 3‬‬ ‫دمشق الطبعة األوىل‪ 1997‬ص‪13‬‬
‫خزندار‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد بريري‪ ،‬املجلس األعىل‬ ‫‪ -‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬يف نظرية الرواية ـ بحث يف‬ ‫‪5 4‬‬
‫للثقافة‪ ،‬املرشوع القومي للرتجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬ ‫تقنيات الرسد ـ سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪،240‬‬
‫األوىل‪ .2003 ،‬ص‪.56‬‬ ‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫‪ -‬لحس العتب‪ ،‬ص‪14-10‬‬ ‫‪ 64‬‬ ‫الطبعة األوىل‪1998 ،‬م‪.‬ص‪.228‬‬
‫‪ -‬شحات محمد عبد املجيد‪ ،‬بالغة الراوي ـ طرائق‬ ‫‪6 5‬‬ ‫‪ -‬صالح فضل‪ ،‬بالغة الخطاب وعلم النص‪ ،‬سلسلة عامل‬ ‫‪5 5‬‬
‫السرَّ د يف روايات محمد البساطي‪ ،‬سلسلة كتابات‬ ‫املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫نقدية‪ ،‬العدد ‪ ،111‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪،‬‬ ‫الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2000 ،‬م‪.‬ص‪.131‬‬ ‫‪ -‬مينى العيد‪ ،‬تقنيات الرسد الروايئ يف ضوء املنهج‬ ‫‪5 6‬‬
‫‪ -‬لحس العتب ص‪.61‬‬ ‫‪6 6‬‬ ‫البنيوي‪ ، :‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬لحس العتب ص‪.65-64‬‬ ‫‪6 7‬‬ ‫ص‪.95‬‬
‫‪ -‬فاروق خورشد‪ ،‬عامل األدب الشعبي العجيب‪ ،‬دار‬ ‫‪6 8‬‬ ‫‪ -‬لحس العتب‪ ،‬ص‪14-10‬‬ ‫‪ 57‬‬
‫الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1991 ،‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪ -‬أمينة غصن‪ ،‬كونية األسطورة وتحوالت الرمز‪ ،‬مجلة‬ ‫‪5 8‬‬
‫النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪6 9‬‬ ‫عامل الفكر املعارص‪ ،‬مركز اإلمناء القومي‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ص‪.80‬‬ ‫العدد‪ 1981 13،‬ص‪95.‬‬
‫‪ -‬لحس العتب ص ‪.54‬‬ ‫‪7 0‬‬ ‫‪ -‬قام جان ريكاردو برسم شجرة الوصف يف كتابه‬ ‫‪5 9‬‬
‫‪ -‬السابق ص ‪.50-49‬‬ ‫‪7 1‬‬ ‫“الرواية الجديدة” وهي أداة إجرائية تكشف‬
‫‪ -‬السابق ص ‪.56-55‬‬ ‫‪7 2‬‬ ‫العالقات القامئة بني مكونات الوصف والتي تتعاون‬
‫‪ -‬السابق ص ‪.57‬‬ ‫‪7 3‬‬ ‫لتحقيق استقامته “وتقوم شجرة الوصف عىل املبدأ‬
‫‪ -‬السابق ص‪.20‬‬ ‫‪7 4‬‬ ‫نفسه الذي تقوم عليه‪ ،‬يف النحو‪ ،‬صناديق هوكات‬
‫‪ -‬السابق ص‪25-24‬‬ ‫‪7 5‬‬ ‫(‪ )Hockett‬واملش ّجر التي تبني أن اللغة طبقات وأن‬
‫السابق ص‪.25‬‬ ‫‪ 76‬‬ ‫مثة ترات ًبا بني الكلامت تحد ّده محالتها النحوية يف‬
‫‪ -‬السابق‪26-25‬‬ ‫‪ 77‬‬ ‫الجملة وتحجبه الكتابة الخطية رضورة” محمد نجيب‬
‫‪76‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫الرسدي‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب‪،‬‬ ‫‪ -‬السابق ص ‪26‬‬ ‫‪7 8‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مجلد ‪ ،12‬العدد ‪ ،2‬صيف ‪1993‬م‪ .‬ص‪.132‬‬ ‫‪ -‬النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية‬ ‫‪7 9‬‬
‫‪ -‬خطاب الحكاية ص‪47‬‬ ‫‪9 2‬‬ ‫– ص‪.212‬‬
‫‪ -‬حميد لحمداين‪ ،‬بنية النص الرسدي ـ من منظور‬ ‫‪9 3‬‬ ‫‪ -‬قصصنا الشعبي من الرومانسية إىل الواقعية ص‪132‬‬ ‫‪8 0‬‬
‫النقد‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫‪ -‬عبد العزيز حمودة‪ ،‬الخروج من التيه ‪ -‬دراسة يف‬ ‫‪8 1‬‬
‫الطبعة الثانية‪1993 ،‬م‪.‬ص‪.76‬‬ ‫سلطة النص ‪ -‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد‪ ،298‬املجلس‬
‫وقد حدد جنيت ـ عن طريق إفادته من الحركات‬ ‫‪9 4‬‬ ‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة‬
‫املوسيقية ـ أربع حركات ميكن تحديد إيقاع النص‬ ‫األوىل‪2003 ،‬م‪ .‬ص‪.253‬‬
‫برصد درجة استجابته لكل منها‪ ،‬هذه الحركات‬ ‫‪ -‬لحس العتب ص‪.66‬‬ ‫‪8 2‬‬
‫املرتاوحة بني الرسعة القصوى امل ُمثَّلة يف “الحذف”‪،‬‬ ‫‪ -‬قصصنا الشعبي ص‪.169‬‬ ‫‪ 83‬‬
‫والتوقف الزمني الكامل املمثل يف “الوقفة”‪ ،‬وبينهام‬ ‫‪ -‬النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية –‬ ‫‪8 4‬‬
‫حركتان هام “الخالصة”‪ ،‬و”املشهد” “ خطاب الحكاية‬ ‫ص ‪219‬‬
‫ص‪109-108‬‬ ‫‪ -‬ننطلق يف هذا الجزء من هدف محدد وهو التدليل‬ ‫‪8 5‬‬
‫‪ -‬لحس العتب ص‪.15‬‬ ‫‪9 5‬‬ ‫عىل توغل سلطة الراوي مام يتيح له التحكم يف زمنية‬
‫‪ -‬السابق ص‪49 .‬‬ ‫‪9 6‬‬ ‫األحداث‪ .‬دون تعديد لألمثلة واستغراق يف التحليل‪.‬‬
‫‪ -‬املصطلح الرسدي ص‪ ،226‬ومصطلح “اإلغفال”‬ ‫‪9 7‬‬ ‫‪ -‬فرج بن رمضان‪ ،‬األدب العريب القديم ونظرية‬ ‫‪8 6‬‬
‫هو الرتجمة التي اختارها املرتجم ملصطلح ‪Ellipsis‬‬ ‫األجناس‪ ،‬دار محمد عىل الحامي‪ ،‬صفاقس‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫الحذف كام يرد عندنا‪.‬‬ ‫الطبعة األوىل‪2001 ،‬م ص‪67.‬‬
‫‪ -‬حفزت القيم ُة الوظيفية لكل من الحذف والخالصة‬ ‫‪9 8‬‬ ‫‪ -‬هذه األبعاد هي وهي‪ :‬الرتتيب ‪ ،Order‬واملدة‬ ‫‪ 87‬‬
‫بعض‬
‫بوصفهام حركتني تطبعان الرسد بالرسعة َ‬ ‫أو الدميومة‪ ، Duration‬والتواتر‪ ،Frequency‬ملزيد‬
‫الباحثني لوضعهام ضمن منط تصنيفي واحد هو‬ ‫من التفاصيل انظر جريار جنيت‪ ،‬خطاب الحكاية ـ‬
‫“ترسيع الرسد” انظر حسن البحراوي‪ ،‬بنية الشكل‬ ‫بحث يف املنهج ‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد معتصم‪ ،‬وعبد الجليل‬
‫الروايئ‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫يل‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬املرشوع‬ ‫األزدي‪ ،‬وعمر ح ّ‬
‫ّ‬
‫الطبعة األوىل‪1990 ،‬م‪.‬ص‪ 145‬وما بعدها‪.‬‬ ‫القومي للرتجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬املصطلح الرسدي ص‪.204‬‬ ‫‪9 9‬‬ ‫ص‪ 45‬وما بعدها‬
‫‪ -‬نؤيد استبدال مصطلح “الرؤية الستينية” مبصطلح‬ ‫‪ 100‬‬ ‫‪ -‬عبد العايل بو طيب‪ ،‬إشكالية الزمن يف النص‬ ‫‪8 8‬‬
‫“جيل الستينيات” وذلك بوصف أن الستينية هي يف‬ ‫الرسدي‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب‪،‬‬
‫حقيقتها حالة أو باألحرى رؤية تشبه ملكة النحل التي‬ ‫القاهرة‪ ،‬مجلد ‪ ،12‬العدد ‪ ،2‬صيف ‪1993‬م‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫تجذب إليها الكثريين من أبناء الخلية محاولني اللحاق‬ ‫‪ -‬يقصد باالستباق “ ُمفارقة تتجه نحو امل ُستقبل‬ ‫‪8 9‬‬
‫بها والفوز باالقرتان بها‪ ،‬والحقيقة أن بالغة املتعة‬ ‫بالنسبة إىل اللحظة الراهنة (تفارق الحارض إىل‬
‫تتحقق بهذا الوصل املعنوي الذي قد ال يرتجم بوصل‬ ‫املستقبل) إملاح إىل واقعة أو أكرث ستحدث بعد‬
‫مادي سوى لفرد واحد من هؤالء الكرث‪ ،‬فالستينية‬ ‫اللحظة الراهنة‪ :‬املصطلح الرسدي ص‪186‬‬
‫رؤية إبداعية استقطبت أجيال أسبق وألحق من عقد‬ ‫‪ -‬يقصد باالسرتجاع “ ُمفارقة زمنية تعيدنا إىل املايض‬ ‫‪ 90‬‬
‫الستينيات مبفهومه التاريخي عىل مستوى البزوغ‬ ‫بالنسبة للحظة الراهنة‪.. ،‬استعادة لواقعة أو وقائع‬
‫اإلبداعي‪.‬‬ ‫حدثت قبل اللحظة الراهنة” املصطلح الرسدي ص ‪25‬‬ ‫ْ‬
‫‪ -‬عبد العايل بو طيب‪ ،‬إشكالية الزمن يف النص‬ ‫‪9 1‬‬

‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪77‬‬
‫ثبت املراجع‬
‫يف سلطة النص ‪ -‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد‪،298‬‬ ‫•أوالً‪ :‬املراجع العربية‬ ‫ ‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫• ‪ -‬إبراهيم فتحي‪ ،‬معجم املصطلحات األدبية‪ ،‬دار‬ ‫ ‬
‫الطبعة األوىل‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫رشقيات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫•‪ -‬عبد الله الغذامي‪ ،‬النقد الثقايف – قراءة يف األنساق‬ ‫ ‬ ‫•‪ -‬حسن البحراوي‪ ،‬بنية الشكل الروايئ‪ ،‬املركز الثقايف‬ ‫ ‬
‫الثقافية العربية – املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪-‬‬ ‫العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة السادسة‪2014 ،‬م‪.‬‬ ‫•‪ -‬حميد لحمداين‪ ،‬بنية النص الرسدي ـ من منظور‬ ‫ ‬
‫• ‪ -‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬يف نظرية الرواية ـ بحث يف‬ ‫ ‬ ‫النقد‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫تقنيات الرسد ـ سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪،240‬‬ ‫الطبعة الثانية‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫•‪ -‬خريي شلبي‪ ،‬لحس العتب‪ :‬مكتبة األرسة‪ ،‬الهيئة‬ ‫ ‬
‫الطبعة األوىل‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫•‪ -‬عبد النبي ذاكر‪ ،‬الرحلة العربية إىل أوربا وأمريكا‬ ‫ ‬ ‫‪2005‬م‪.‬‬
‫والبالد الروسية خالل القرنني التاسع عرش والعرشين‬ ‫•‪ -‬زكريا إبراهيم‪ ،‬سيكولوجية الفكاهة والضحك‪ ،‬مكتبة‬ ‫ ‬
‫دراسة يف املحتمل‪ ،‬دار السويدي للنرش‪ ،‬أبو‬ ‫مرص‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1970 ،‬م‪.‬‬
‫ظبي‪.2005،‬‬ ‫•‪ -‬سعيد الغامني‪ ،‬الفلسفة التأويلية عند بول ريكور‪-‬‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬عامد عبد اللطيف‪ ،‬بالغة الحرية‪ ،‬دار التنوير‪،‬‬ ‫ ‬ ‫الوجود والزمان والرسد ‪ -‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2012 ،‬م‪.‬‬ ‫‪1999‬م‪.‬‬
‫• ‪ -‬فاروق خورشد‪ ،‬عامل األدب الشعبي العجيب‪ ،‬دار‬ ‫ ‬ ‫•‪ -‬شحات محمد عبد املجيد‪ ،‬بالغة الراوي ـ طرائق‬ ‫ ‬
‫الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫السرَّ د يف روايات محمد البساطي‪ ،‬سلسلة كتابات‬
‫•فراس السواح‪ ،‬األسطورة واملعنى دراسات يف امليثولوجيا‬ ‫ ‬ ‫نقدية‪ ،‬العدد ‪ ،111‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪،‬‬
‫والديانات املرشقية‪ ،‬دار عالء الدين‪ ،‬دمشق الطبعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫األوىل‪.1997‬‬ ‫• ‪ -‬شكري عزيز مايض‪ ،‬أمناط الرواية العربية الجديدة‪،‬‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬فرج بن رمضان‪ ،‬األدب العريب القديم ونظرية‬ ‫ ‬ ‫سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد‪ ،355‬املجلس الوطني‬
‫األجناس‪ ،‬دار محمد عىل الحامي‪ ،‬صفاقس‪ ،‬تونس‪،‬‬ ‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪2008‬م‪.‬‬
‫•‪ -‬مجدي وهبة‪ ،‬وكامل املهندس‪ ،‬معجم املصطلحات‬ ‫ ‬ ‫•‪ -‬صالح فضل‪:‬‬ ‫ ‬
‫العربية يف األدب واللغة‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪ -‬بالغة الخطاب وعلم النص‪ ،‬سلسلة‬ ‫•‬ ‫ ‬
‫الثانية‪1984 ،‬م‬ ‫عامل املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫• ‪ -‬محمد نجيب العاممي‪:‬‬ ‫ ‬ ‫الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫الراوي يف الرسد العريب املعارص‬ ‫•‬ ‫ ‬ ‫‪ -‬شفرات النص دار عني للنرش‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫•‬ ‫ ‬
‫‪ -‬رواية الثامنينات بتونس ‪ -‬دار محمد عيل الحامي‪،‬‬ ‫الطبعة الثانية‪1995 ،‬م‪،‬‬
‫صفاقس‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة األوىل‪2001 ،‬م‪.‬‬ ‫•‪ -‬عبد الباسط لكراري‪ ،‬دينامية الخيال مفاهيم وآليات‬ ‫ ‬
‫ يف الوصف ـ بني النظرية والنص‬ ‫•‬ ‫ ‬ ‫االشتغال اتحاد كتاب املغرب‪ ،‬م‪.2004‬‬
‫السرّ دي‪ ،‬دار محمد عيل الحامي‪ ،‬صفاقس الجديدة‪،‬‬ ‫•‪ - -‬عبد العزيز حمودة‪ ،‬الخروج من التيه ‪ -‬دراسة‬ ‫ ‬

‫‪78‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫•ثالثًا‪ :‬املراجع األجنبية‬ ‫ ‬ ‫تونس‪ ،‬الطبعة األوىل‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫•‪THOMAS J. FARRELL, BAKHTIN AND‬‬ ‫ ‬ ‫• ‪ -‬محمود العشريي‪ ،‬الشعر رس ًدا‪ ،‬املؤسسة العربية‬ ‫ ‬
‫‪MEDIEVAL VOICES ,UNIVERSITY‬‬ ‫للدراسات والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2014 ،‬‬
‫‪,FLORIDA PRESS‬‬ ‫• ‪ -‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬قصصنا الشعبي من الرومانسية إىل‬ ‫ ‬
‫• راب ًعا‪ :‬املجالت والدوريات‬ ‫ ‬ ‫الواقعية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪.1973 ،‬‬
‫•‪ -‬إدريس الخرضاوي‪ ،‬الرسد موضو ًعا للدراسات‬ ‫ ‬ ‫• ‪ -‬مينى العيد‪ ،‬تقنيات الرسد الروايئ يف ضوء املنهج‬ ‫ ‬
‫الثقافية‪ -‬مجلة تبني للدراسات األدبية‪ ،‬املركز العريب‬ ‫البنيوي‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫لألبحاث‪ ،‬الدوحة‪ ، ،‬العدد‪ 7،‬املجلد‪ ،2‬شتاء ‪.2014‬‬ ‫•ثان ًيا‪ :‬املراجع األجنبية املرتجمة‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬أمينة غصن‪ ،‬كونية األسطورة وتحوالت الرمز‪ ،‬مجلة‬ ‫ ‬ ‫• ‪ -‬أرثر أيزابرجر‪ ،‬النقد الثقايف ‪ -‬متهيد مبديئ للمفاهيم‬ ‫ ‬
‫عامل الفكر املعارص‪ ،‬مركز اإلمناء القومي‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫األساسية ‪ -‬ترجمة وفاء إبراهيم رمضان بسطاوييس‪،‬‬
‫العدد‪.1981 13،‬‬ ‫املرشوع القومي للرتجمة‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪،‬‬
‫•‪ -‬حسن محمد النعمي‪ ،‬سلطة املكان املغلق‪ ،‬مجلة‬ ‫ ‬ ‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2003 ،‬‬
‫عامل الفكر‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬ ‫•‪ -‬جريار جنيت‪ ،‬خطاب الحكاية ـ بحث يف املنهج‪،‬‬ ‫ ‬
‫الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،5‬املجلد‪ ،41‬يناير –مارس ‪2013‬‬ ‫األزدي‪ ،‬وعمر‬
‫ّ‬ ‫ترجمة‪ :‬محمد معتصم‪ ،‬وعبد الجليل‬
‫•‪ -‬عبد الحميد حواس‪ ،‬املادي وغري املادي يف الثقافة‬ ‫ ‬ ‫يل‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬املرشوع القومي للرتجمة‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫الشعبية‪ ،‬مجلة الثقافة الشعبية‪ ،‬وزارة الثقافة‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫البحرين العدد‪ ،9‬ربيع ‪.2010‬‬ ‫• ‪ -‬جريالد برنس‪ ،‬املصطلح الرسدي‪ ،‬ترجمة‪ :‬عابد‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬عبد العايل بو طيب‪ ،‬إشكالية الزمن يف النص الرسدي‪،‬‬ ‫ ‬ ‫خزندار‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد بريري‪ ،‬املجلس األعىل‬
‫مجلة فصول‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫للثقافة‪ ،‬املرشوع القومي للرتجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫مجلد ‪ ،12‬العدد ‪ ،2‬صيف ‪1993‬م‪.‬‬ ‫األوىل‪.2003 ،‬‬
‫•‪ -‬ليونالرد جاكسون‪ ،‬شكالن من املادية الثقافية‪ :‬املادية‬ ‫ ‬ ‫• ‪ -‬رومان ياكبسون‪ ،‬قضايا الشعرية‪ ،‬ترجمة محمد‬ ‫ ‬
‫يف األنرثوبولوجيا يف الدراسات الثقافية‪ ،‬ترجمة ثار‬ ‫الويل ومبارك حنوز‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫ديب‪ ،‬مجلة تبني للدراسات الفكرية واألدبية‪ ،‬املركز‬ ‫األوىل‪.‬‬
‫العريب لألبحاث‪ ،‬الدوحة‪ ،‬العدد ‪ 1،‬صيف ‪2012‬‬ ‫• ‪ -‬شتيفن فيلد‪ ،‬الخبز الحايف ملحمد شكري‪ ،‬ضمن‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬محمد جوادت‪ ،‬الواقعي واألسطوري يف الثقافة‬ ‫ ‬ ‫كتاب شعرية املكان يف األدب العريب الحديث‪ ،‬تحرير‬
‫الشعبية ‪ -‬مقاربة أنرثوبولوجية ثقافية من جنوب‬ ‫بطرس الحالق وآلخرون‪ ،‬ترجمة نهى أبو سدرة وعامد‬
‫املغرب ‪ -‬مجلة الثقافة الشعبية‪ ،‬وزارة الثقافة‪،‬‬ ‫عبد اللطيف‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫البحرين‪ ،‬العدد‪ ،31‬خريف ‪.2015‬‬ ‫األوىل ‪2014‬م‪.‬‬

‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫الشعبية‪ :‬رواية َ«ل ْحس َ‬
‫الع َتب» لخيري شلبي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التجلي األدبي ألنساق الثقافة‬ ‫‪79‬‬
‫امل�شكالت الثقافية التي جتابه متعلمي اللغة العربية‬
‫بو�صفها لغة ثانية يف بالد املاليو‪ :‬درا�سة ا�ستطالعية‬

‫د‪ .‬عادل الشيخ عبد هللا أحمد & د‪ .‬سيتي سارا بنت الحاج أحمد‬
‫محاضران أوالن ‪ ،‬جامعة السلطان الشريف علي اإلسالمية بروناي دارالسالم‬

‫امللخص‪:‬‬
‫تنتمي اللغة العربية التي يتعلمها املاليو بوصفها لغة ثانية إىل فصيلة لغوية‬
‫غري التي تلك تنتمي إليها اللغة املاليوية‪،‬والتي تعد اللغة األم ملتعلمي اللغة‬
‫العربية يف أرخبيل املاليو‪ .‬كام أنهام تنتميان إىل بيئات طبيعية‪ ،‬وثقافات‬
‫مختلفة؛ وهذا االختالف اللغوي والثقافييؤدىإىل إعاقة تعلم اللغة العربية‬
‫بوصفها لغة ثانية؛ إذ يصعب عليه تعلم تلك العنارص الثقافية التي تختلف‬
‫فيها اللغتان كام يرى أصحاب التحليل التقابيل‪ .‬ومن املعلوم أن املكتبة‬
‫اللغوية حفلت بدراسات كثرية قارنت بني اللغتني يف املستوى اللغوي‪ ،‬ومل‬
‫تجر أي دراسة للمقارنة بينهام املستوى الثقايف‪ ،‬ولذا فإن هذه الدراسة‬
‫الرائدةاهتمت مبقارنة ثافياً بني اللغتني الثقافية ؛ وذلك بغية لفت الباحثني‬
‫لسري غور هذا املجال‪ .‬تتبنى الدراسةاملنهجالوصفي التحلييل؛ فتقارن بني‬
‫الثقافتني املاليوية والعربيةوتصف أوجه االختالف بينهام يف هذا املجال‪.‬‬
‫وتستخدم أيضً ا أسلوب املقابلة مع الطالب املاليويني الذين ميثلون إقليم‬
‫األرخبيل‪ ،‬إضافةإىل مدريس اللغة العربية من العرب ‪ ،‬وذلك لتحديدأهم‬
‫املشكالتالناجمة من اختالف الثقافة والتي تواجه الطرفينفي تعليم اللغة‬
‫العربية ‪ .‬وتتكون الدراسة من مقدمة وعرض للدراسات السابقة‪ ،‬وفذلك‬
‫عن ثقافة كل من اللغة العربية واملاليوية ثم عرض ألوجه االختالف‬
‫وتحديد ألهم املشكالت التي تواجه الطالب املاليوي وتذيل الدراسة بخامتة‬
‫وتوصيات‪.‬‬
‫كلامت مفتاحية‬
‫ثقافة اللغة‪ ،‬اللغة املاليوية ‪ ،‬اللغة العربية‪ ،‬التحليل التقابيل ‪ ،‬املاليو‬

‫‪80‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫اللغة دون ثقافتها يعد تعلامً ناقصاً ‪ .4‬ألن فقدان‬ ‫مقدمة‬
‫الكفاية الثقافية يحدث فراغاً يف التواصل‪ ،‬فتؤدي‬ ‫كان االعتقاد السائد يف رأي لغويي‬ ‫ ‬
‫إىل تواصل مبترس‪ ،‬أو قل سوء فهم‪ ،‬أو مبعنى آخر‬ ‫التحليل التقابيل أن الخصائص اللغوية املتباينة‬
‫فإن الرسالة تكون ناقصة‪ .‬مبعنى آخر فإن الكفاية‬ ‫بني لغةالدارس‪ ،‬واللغة الهدف وحدها تشكل‬
‫اللغوية وحدها ال متكن من التواصل التام‪ .‬يؤكد‬ ‫عقبة يف تعلم اللغة الهدف‪ ،‬بينام يسهل عىل‬
‫ذلك بسام فيقول‪ « :‬تتطلّب صعوبات التواصل‬ ‫الدارس تعلم الجوانب اللغوية املتشابهة بني‬
‫بني ثقافتني ‪-‬باإلضافة إىل التعمق يف خصوصيّات‬ ‫لغته األم واللغة الهدف‪ . 1‬ولذا بذلت جهود‬
‫كل لغة من اللغتني ‪-‬إدراك التفاوتات الثقافية‬ ‫كبرية يف تحديد أوجه االختالف اللغوي بني لغة‬
‫(يف كل من اللغتني)‪ ،‬كام أنها تتطلب أيضا معرفة‬ ‫الدارس واللغة الهدف‪ .‬وذلك بغية تحديد أي‬
‫كيفيّة التع ّرف عىل سامت الهوية املتعلّقة بكل‬ ‫العنارص اللغوية يسهل تعلمها وأيُّها تلك التي‬
‫من الثقافتني‪ .‬هذا يف الواقع ما يعرضه ماثيو‬ ‫تختلف‪ ،‬ويصعب تعلمها‪.‬‬
‫قويدر‪ « :‬يف حديثه عن اليقظة متع ّددة اللغات‪،‬‬
‫وعن ترتيب املهارات التي يجب عىل املرتجم‬ ‫وأكرث املظاهر اللغوية التي أعتني بتحليلها‬
‫أن يتقنها ليك يقوم بعمله عىل أكمل وجه»‬ ‫اللغويون التقابليون هي الرتاكيب النحوية‬
‫‪5‬والخالصة فال بد من متكني الطالب من معرفة‬ ‫واملفردات‪ .‬و ِم ْنثُ ّم نالت حظوة خاصة يف التّعلّم‬
‫‪6‬‬
‫ثقافة اللغة التي يدرسها حتى يتم تواصل مثمر‬ ‫بنا ًء عىل اعتقاد ساد هو أن تعلمها وحدها‬
‫يُع ُّدكافياً إلجادة اللغة والتمكن منها؛ وهذه‬
‫عليه فإن للثقافة تأثريا ً كبريا ً يف تعلم مكونات‬ ‫بدوره – كام يزعمون _ يعد كافياً‪ ،‬كام يعتقد‬
‫اللغة؛ فهي تؤثر يف تعلم املفردات‪ ،‬واملهارات‬ ‫إلحداث التواصل اللغوي بنجاحتام‪.‬ولكن هذا‬
‫اللغوية األربعة‪ ،‬والرتجمة‪ .‬وعد التمكن من‬ ‫الرأيأغفل جانبًا مهامً وهو الثقافة ؛ إذ إ ْن العالقة‬
‫الكفاية الثقافية تؤدي إىل مشكالت يف الفهم ويف‬ ‫بني الثقافة واللّغة عالقة تالزمية؛ فهام مبثابة‬
‫التواصل ففي دراسة أجراها ألباء الحسنى وجد‬ ‫سطحي الورقة الواحدة؛ فالثقافة التي ت ُع ُّد من‬
‫أن « معظم الطلبة يشعرون بأن اختالف الثقافة‬ ‫نتاج العقل الجمعي ملجتمع اللغة تعرب اللغة‬
‫مشكلة كبرية لهم (‪ )% 91،66‬يف فهم املوضوع‬ ‫عنها وتظل حافظة وحاملة لها ‪ .‬إ ّن اللغة هي‬
‫‪7‬‬
‫املنقول»‬ ‫التي تحمل الثقافة وتعرب عنها أي إنها ترميز‬
‫وطبقاً لنظرية مايكل بريام (‪:1997‬‬ ‫ ‬ ‫للثقافة وإن أي تغيري يطرأ عىل الثقافة يتبعه‬
‫‪ :)33-32‬عندما يتواصل اجتامعياً شخصان من‬ ‫تغيري للغة ‪ .2‬ويف نفس الوقت فإ ّن الثقافة هي‬
‫لغتني مختلفتني‪ ،‬فإن كل منهام يستحرض معرفته‬ ‫التي تخلق اللغة‪ ،‬وتشكلها؛ ألنها هي املدلول‬
‫عن بالده‪ ،‬ومعرفته عن بالد اآلخر‪ .‬ومن عوامل‬ ‫الذي ال بُ ّد من وجوده حتى يو َجد ال ّدال والذي‬
‫نجاح هذا التفاعل اعتامده عىل إقامة عالقة‬ ‫هو الرمز‪ .‬بل إ ّن « الفرق بٌن ل ٍغة وأخرى ٌيعود إىل‬
‫إنسانية حميمة تقوم عىل عوامل موقفية‪ .‬ويف‬ ‫الفوارق الثقافيٌة بينٌ املجتمعات التًي تتكلمها‪،‬‬
‫نفس املوقف فإنها تعتمد عىل إنشاء وصيانة‬ ‫وهو فرق له تأث ٌر كبري عىل ُمنط التواصل»‪ 3‬ولذا‬
‫العالقات اإلنسانية‪ ،‬والتي تعتمد عىل العوامل‬ ‫يجب أن تعلم اللغة يف سياقها الثقايف» فتعلم‬
‫املشكالت الثقافية التي تجابه متعلمي اللغة العربية بوصفها لغة ثانية في بالد املاليو‪ :‬دراسة استطالعية‬ ‫‪81‬‬
‫أن يتقنها جيدا ً ما مل يستوعب ثقافتها ‪10‬فالكفاية‬ ‫املوقفية‪ .‬ويف نفس الوقت فإن كالً من املعرفة‬
‫الثقافية يجب أن تعامل كجزء من الكفاية‬ ‫باللغة واملوقف من هذه اللغة يتأثران ‪-‬عىل حد‬
‫اللغوية‪ .‬وبها تكتمل كفاءة الدارس حقاً وبها يتم‬ ‫سواء – بعمليات التواصل البيني أي بني تقافتني‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫التواصل ‪.‬‬ ‫ويتمثل هذا التواصل البيني يف مهارات الرتجمة‬
‫ماهية الثقافة؟‬ ‫الفورية التي يقوم بها شخصان يختلفان لغة‬
‫وثقافة وتشمل هذه املهارات أو القدرات طريقة‬
‫إن الثقافة منط متكامل من السلوك البرشي‬
‫إقامة صلة بني مظاهر الثقافتني‪ .‬وتشمل كذلك‬
‫الذي يتضمن األفكار‪ ،‬واالتصاالت‪ ،‬واإلجراءات‪،‬‬
‫قدرة الفرد عىل مهارات االكتشاف والتفاعل‪.‬‬
‫والعادات واملعتقدات والقيم واملؤسسات‬
‫لجامعة عرقية أو دينية أو اجتامعية أو هي‬ ‫طرحالعكاش سؤاالً فحواه‪ :‬ملاذا يتجاوز الطالب‬
‫مجموعة القيم والتقاليد املكتسية والتي يشرتك‬ ‫الحاجز اللغوي بشكل سلس يف حني انه يصادف‬
‫فبها أعضاء املجتمع‪ .‬هذه املكونات تعكسها‬ ‫صعوبات معينة عند محاولته تجاوز الحاجز‬
‫ثقافة اللغة أو تنعكس هي يف اللغة‪ .‬أو أنها‬ ‫الثقايف؟ وأجاب نقالً عن الباحثة الروسية‬
‫منظومة من السلوكيات‪ ،‬واملواقف واالتجاهات‬ ‫تريميناسافا يف كتابها (الحرب والسالم بني اللغات‬
‫والسياسات املتضافرة معاً والتي متكن املهنيني‬ ‫والثقافات)‪« :‬إن الحاجز الثقايف‪ ،‬بخالف الحاجز‬
‫واملنظامت من العمل معاً وبكفاءة يف بيئات‬ ‫اللغوي‪ ،‬غري مريئ وغري محسوس وبالتايل فان‬
‫‪12‬‬
‫متباينة الثقافات‪.‬‬ ‫االحتكاك أو التالقي مع الثقافات األخرى دامئا ما‬
‫يحدث بشكل فجايئ‪ .‬يتم التعامل مع الثقافة األم‬
‫وتشمل هذه املكونات الثقافية‪:‬‬
‫عىل إنهاأمر فطري وبديهي جبل عليه الشخص‬
‫الدين‬ ‫‪ .1‬‬
‫مثل قيامه بعملية التنفس‪ ،‬يتعامل الشخص مع‬
‫األدب‬ ‫‪ .2‬‬
‫ثقافته عىل إنها هي املنفذ الوحيد الذي من‬
‫األساطري‬ ‫‪ .3‬‬
‫خالله يرى العامل‪ .‬الوعي بأن الثقافة األم ماهي إال‬
‫الطعام‬ ‫‪ .4‬‬
‫واحدة من ضمن ثقافات متعددة ال يأت�يإال من‬
‫املوسيقى‬ ‫‪ .5‬‬
‫خالل التعرف واالطالع عىل الثقافات األخرى»‪.8‬‬
‫الفنون‬ ‫‪ .6‬‬
‫الفكر‬ ‫‪ .7‬‬ ‫وبناء عىل ذلك « أكد الخرباء يف تعليم اللغة‬
‫طرق التواصل‬ ‫‪ .8‬‬ ‫العربية أنه ميكن تلخيص األهداف لتعليم‬
‫القيم‬ ‫‪ .9‬‬ ‫العربية عىل الكفايات الثالث‪ :‬الكفاية اللغوية‬
‫‪ .10‬املؤسسات الدينية للمجتمع‬ ‫والكفاية االتصالية والكفاية الثقافية‪ .‬فهذه‬
‫‪ .11‬منط الطعام وتصميم البيوت والزيارات‬ ‫الكفايات الثالث التي متثّل الهدف األسايس‬
‫‪ .12‬طريقة الضيافة‬ ‫لتعليم اللغة الثانية ال ب ّد أن تتحقق يف العملية‬
‫‪ .13‬التحية‬
‫‪9‬‬
‫التعليمية بشكل متكامل»‬
‫الدراسات السابقة‬ ‫إذن فالخصائص الثقافية أيضاً عامالً يف قضية‬
‫تعليم اللغة؛ فدارس اللغة األجنبية ال يستطيع‬
‫أجري زاهرنا ‪,Zaharna‬دراسة تقابلية بني‬
‫‪82‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫قبول دعوة ال تقابلها كلمة ‪merci‬والتي قالها‬ ‫الثقافتني العربية واألمريكية؛ وذلك ملعرفة‬
‫معتذرا ً عن قبول فنجان ثانِ من القهوة عندما‬ ‫طريقة إقامة التواصل الف ّعال مع عمالئهم من‬
‫سألته مضيفته عام إذا كان يريد مزيدا ً‪ .‬وقد أشار‬ ‫العربهذه الدراسة للمقابلة بني الثقافتني األمريكية‬
‫إىل أن مضيفته ردت عليه مستفرسة «‪merci‬‬ ‫والعربية‪ .‬وتوصل الباحث إىل أن الثقافة العربية‪،‬‬
‫‪ « oui ou merci non‬شكرا ً نعم أو شكرا ً ال؟‬ ‫متيل إىل الرتكيز عىل الشكل أكرث من الوظيفة‪،‬‬
‫وأجرى إلرت ‪ İlter‬وغويزلر‪Güzeller‬دراسة عن‬ ‫وتؤثرالعاطفة عىل الدقة‪ ،‬والصورة علىاملعنى‪.‬‬
‫املشكالت الثقافية التي تواجه الطالب األتراك‬ ‫والوعي بهذه االختالفات الثقافية ميكن أن‬
‫الذين يدرسون اللغة اإلنجليزية بوصفها لغة‬ ‫يساعد األمريكيني للتعامل بشكل أكرث فعالية مع‬
‫أجنبية ‪ 16‬وتوصل إىل أن الطالب األتراك يودون‬ ‫العمالء العرب يف التواصل الكتايب والشفوي يف‬
‫أن يدرسوا اللغة اإلنجليزية يف ثقافة تركية‬ ‫مجال العالقات العامة‪ ،‬ويف معرفة األخالقيات‬
‫وليس ثقافة غربية‪ .‬ولكن املشكلة يف أن اللغة‬
‫‪13‬‬
‫املهنية ‪.‬‬
‫اإلنجليزية ال ميكن تدرسيها دون ثقافتها الغربية‬ ‫كام أجرى رميوند كوهني‪Raymond Cohen‬‬
‫اإلنجليزية‪ .‬ولذا فإن اختيار ملحتوى الثقايف الذي‬ ‫دراسة عن مشكالت التواصل الناجمة من‬
‫يناسب الثقافة يكون من الصعوبة مبكان‪.‬‬ ‫االختالف الثقايف يف العالقات الدبلوماسية املرصية‬
‫وقدمت مازيا كوردون‪ 17‬وأخرياتبحثاً عن‬ ‫األمريكية منذ عام ‪1955‬م وذلكلتحديد اآلثار‬
‫االختالف الثقايف يف تفسري لغة الجسد يف اللغتني‬ ‫املرتتبة عىل عدم التوافق بني الثقافني األمريكية‬
‫العربية واملاليوية‪ .‬واختارت الباحثة الطالب‬ ‫واملرصية‪ .‬تم الحصول عىل املواد الالزمة لدراسة‬
‫العرب‪ ،‬واملاليزيني الذين يدرسون يف الجامعة‬ ‫من حسابات السرية الذاتية للدبلوماسيني‪.‬‬
‫الوطنية مباليزيا عينة ملجتمع الدراسة‪.‬وتهدف‬ ‫وقد ظهرت فروق عىل األبعاد التالية‪ :‬املراوغة‬
‫الدراسة إىل معرفة املشكالت الناجمة من‬ ‫‪ /‬املبارشة‪ ،‬مبالغة ‪ /‬التبخيس‪ ،‬وارتفاع الرغبة‬
‫االختالف يف فهم اإلشارة عند التواصل‪.‬‬ ‫االجتامعية ‪/‬انخفاضها‪ ،‬الذاتية‪ /‬املوضوعية‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫وشكيل ‪ /‬غري الرسمي‪.‬‬
‫االختالف بني الثقافتني‬
‫وقدم بركةورقة موسومة بالرتجمة العربية بني‬
‫فهاتان املنطقتان تختلفان كثريا من حيث‬
‫االختالف اللغوي والخالف الثقايف ‪ 15.‬توصل فيها‬
‫التاريخ‪ ،‬والبيئة‪ ،‬واملؤثرات الحضارية‪ .‬وقد أدى‬
‫إىل أن املرتجم عليه أن يدرك ما هيصعوبات‬
‫هذ االختالف إىل اختالف كبري يف الثقافة‪ .‬وبالتايل‬
‫التواصل بني ثقافتني باإلضافة إىل التع ّمق يف‬
‫فإنها تؤدي غىل خلق بعض صعوبات يف تعلمم‬
‫خصوصيات كل لغة من اللغتني‪ .‬وعليه أن‬
‫اللغة العربية‪ ،.‬كام ورد آنفاً يف مقدمة هذا‬
‫كل من اللغتني)‪ ،‬كام‬ ‫يدركالتفاوتات الثقافية (يف ٍّ‬
‫البحث ‪ .‬ومن أهم العنارص التي تختلف فيها‬
‫عليهمعرفة كيفية التع ّرف عىل ِسامت الهوية‬
‫اللغتان‪.‬‬
‫بكل من الثقافتني‪.‬وق ّدم أمثلة لسوء‬ ‫املتعلقة ٍّ‬
‫املكونات الثقافية‬ ‫الفهم الناجم من االختالف فكلمة شكرا ً التي‬
‫ميكن تصنيف الثقافة العربية إىل قسمني‪ ،‬وهام‪:‬‬ ‫تستخدم يف ثقافته اللبنانية عند االعتذار عن‬
‫املشكالت الثقافية التي تجابه متعلمي اللغة العربية بوصفها لغة ثانية في بالد املاليو‪ :‬دراسة استطالعية‬ ‫‪83‬‬
‫بني اللغة العربية واملاليوية اختالف كبري يف‬ ‫ثقافة عربية جاهلية‪.‬‬ ‫‪ .1‬‬
‫طبيعة البيئة واملناخ‪ ،‬فبينام نشأت اللغة العربية‬ ‫ثقافة عربية إسالمية‪.‬‬ ‫‪ .2‬‬
‫يف الصحراء وترعرعت‪ ،‬فإن اللغة املاليوية بني‬ ‫تشمل األوىل ثقافة العرب قبل اإلسالم وبعده‪،‬‬
‫الغابات والبحار‪ .‬وقد أدى هذا االختالف يف‬ ‫أما الثانية فهي ما جاء به اإلسالم من جديد‬
‫البيئة إىل اختالف يف املزاج واألخالق بل والتكوين‬ ‫يف الفكر وأسلوب الحياة‪ .‬ولقد اضطر الباحث‬
‫الجسامين أيضاً‪ .‬فقد امتاز العرب خلقة بضخامة‬ ‫لهذا التمييز؛ ألن هنالك خصائص ثقافية فرضتها‬
‫األجسام يقابل ذلك دقة ورقة يف الجسم املاليوي‬ ‫البيئة وأقرها اإلسالم‪ .‬وهذا األمر يصدق عىل كل‬
‫‪ .‬ومام يوسم به العرب أنهم حادو الطع صاحب‬ ‫البالد اإلسالمية؛ إذ لكل منها مكون ثقايف محيل‬
‫ذلك حدة يف الصوت‪ .‬فاألصوات الحلقية مثل‬ ‫فرضته ظروف بيئية وسياسية وتاريخية‪ ،‬وملا جاء‬
‫العني والقاف واملفخمة مثل الصاد والطاء ال‬ ‫اإلسالم أقرها طاملا أنها ال تتعارض مع تعاليمه‪.‬‬
‫توجد يف اللغة املاليوية وارتفاع نربة الصوت‬ ‫وتشمل الثقافة العربية مظاهر ثقافية قبل‬
‫يرجعها البعض إىل العرب كانوا يعيشون يف‬ ‫اإلسالم وبعده‪ .‬وهذه املظاهر الثقافية الجاهلية‬
‫خيام متفرقة ومتباعدة ومن ثم يحتاجون إىل‬ ‫ينبغي للطالب أن يعرفها حتى يتصور املعاين‬
‫رفع لصوت حني ينادون بعضهم‪ .‬أو أن الصحراء‬ ‫ويفهم النصوص ومنها األشعار واألمثال وهي‬
‫املفتوحة الخالية من األشجار واملوانع تجعل املرء‬ ‫وإن كانت تاريخية إال أن لها قيمة كربى يف فهم‬
‫يحادث اآلخر وإن كان عىل مسافة متباعدة‬ ‫النص‪ .‬تتكون الثقافة العربية اإلسالمية من مكون‬
‫أما خفض الصوت عند املاليو فمرجعه أيضاً إىل‬ ‫عريب ومكون إسالمي‪ .‬وهذا املكون العريب الذي‬
‫طبيعة الحياة الغابية التي تحجب اآلخر ومن ثم‬ ‫حدث لظروف تاريخية وسياسية وطبيعية هو‬
‫فإن املرء ال يحادث إال من هو قريب منه ومن‬ ‫العنرص املشكل للطالب املاليو ‪.‬‬
‫ثم ال يحتاج إىل رفع الصوت‪.‬‬ ‫أما املكون اإلسالمي فليس فيه خالف فهو العام‬
‫العنارص الثقافية‬ ‫املشرتك بني العرب واملاليو‪ ،‬وهذا يؤدي إىل تيسري‬
‫الثقافة البدوية والرعوية‬ ‫عملية تعليم اللغة‪ .‬فام هي العنارص الثقافية‬
‫اللغة العربية ليست لغة صحراء فقط‪ ،‬وإمنا هي‬ ‫العربية املشكلة بالنسبة للماليو قاطنيأرخبيل‬
‫لغة شاملة إذ إنها لغة كاللبئاتوالدليل عىل ذلك‬ ‫املاليو ؟‬
‫وجود معجم لغوي يصف البيئة الصحراوية وبيئة‬ ‫إجابة عن هذا السؤال يجب التأكيد عىل أن‬
‫البحار واألنهار والخرضة‪ ،‬فاألسد وهو حيوان غايب‬ ‫اإلسالم هو العامل املشرتك األوحد الذي يجمع‬
‫له كثري من املرتادفات التي تدل عليه‪ .‬ويف القرآن‬ ‫قاطني هذه البقعة من العامل مع ديار العرب‪.‬‬
‫الكريم إفاضة يف ذكر الجنان والبحار واألمطار‪.‬‬ ‫فهاتان املنطقتان تختلفان كثريا من حيث‬
‫ولو كان العرب ال يعرفون هذه الطبية ملا وردت‬ ‫التاريخ‪ ،‬والبيئة‪ ،‬واملؤثرات الحضارية‪ .‬وقد أدى‬
‫يف القرآن‪.‬‬ ‫هذ االختالف إىل اختالف كبري يف الثقافة‪.‬‬
‫واملفردات والدالالت الثقافية التي تنتمي إىل‬ ‫البيئة‬
‫البيئة الخرضاء سهلة التعلم للماليو ألن فيه‬
‫‪84‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫يضاف إىل أن األزياء العربية تتسم بالتعدد‬ ‫مشابهة أما الجانب الثقايف املنتزع من حياة‬
‫مثل القلنسوة حيث تتعدد يف كل منطقة من‬ ‫الصحراء فيشكل صعوبة‪.‬‬
‫مناطق العرب‪ .‬بعض النساء يرتدين الخامر ولكن‬ ‫من طرف ثان فإن جزيرة العرب تذخر بحيوانات‬
‫بعضهن ال يلبسنه‪.‬‬ ‫ال توجد يف أرخبيل املاليو مثل الجامل والحمري‬
‫كذلك فإن العرب يرتدون الجلباب يف كل مكان‬ ‫الوحشية والغزالن ‪.‬‬
‫يف البيت ويف العمل ويف املناسبات بينام يف بالد‬ ‫هذه البئة الصحراوية خلقت أسالبي عيش ال‬
‫املاليو تعدد املالبس بتعدد الحاالت فهنالك زي‬ ‫توجد يف أرخببيل املاليو مثل رعي اإليل ‪ ،‬وسائ‬
‫البيت‪ ،‬وزي املناسبات االجتامعي‪ ،‬وزي العمل‪.‬‬ ‫األنعام‪ ،‬وأوجد حياة التنقل ‪ ،‬والظعن طلباً للامء‬
‫األكل وطقوسه‬ ‫والكالْ ‪ .‬فالعريب يحمل بيته وهي خيمة ينقلها‬
‫حظيت ثقافة األكل باهتامم كثري من الكتاب‬ ‫حل ‪ .‬فهذه املفاهيم مثل الرعي والظعن‬ ‫أينام َ‬
‫باعتبارها من أكرث املامرسات التي يتعاطاها‬ ‫والنشوغ واالرتحال مع االبل من الصعب عىل‬
‫اإلنسان‪ .‬ولذا فقد اهتم بها األدبار واللغويون‪.‬‬ ‫املاليوي ‪.‬‬
‫يقول ابن خلدون عن األكل عند عرب البادية»‪:‬‬ ‫الشخصية العربية قبل اإلسالم‬
‫«وأما أهل البادية فأمكولهم قليل يف الغالب‪،‬‬ ‫متتاز الشخصية بالتمردوحب التفرد وعد‬
‫والجوع عليهم أغلب لقلة الحبوب‪ ،‬حتى صار‬ ‫الخضوع إال لسلطة القبيلة ومل يعف للعرب‬
‫لهم ذلك عادة‪ ،‬ورمبا يظن أنه ِج ِبلّة الستمرارها‬ ‫خضوع لسلطة مركزية جامعة بل أن حياة‬
‫(‪ )...‬وعالج الطبخ بالتوابل والفواكه إمنا يدعو‬ ‫العرب كانت متيل إل العدوان والنهب والسلب‬
‫‪18‬‬
‫ترف الحضارة الذين هم مبعزل عنه «‬ ‫إليه ُ‬ ‫يقبل ذلك احرتام للسلطة وطاعة لها يف بالد‬
‫تقول امليساوي « والعرب كانت تتأدم بأصناف‬ ‫املاليو وانتفاء القبيلة فالعقل املاليوي عقيل مدين‬
‫من األكل ارتكزت أساساً عىل عنرص التمر واللنب‪،‬‬ ‫بطبعه عكس العقل البدوي العريب‪ .‬ولذا فإن‬
‫كامدة رئيسية وأساسية عىل موائدها ‪ .‬فتفننت‬ ‫أشعار النهب وحياة السطو واإلغارة وكل النسب‬
‫فيه حتى عرف العرب بأنهم أمة تامرة والبنة‪،‬‬ ‫للقبيلة والفخر مبحاسنها يبدو من الصعب عىل‬
‫فصنعوا من التمر واللنب أصنافاً وألواناً من‬ ‫املاليوي استيعابه‪.‬‬
‫الطعام‪ ،‬اختلفت حسب أصناف وأنواع التمر‬ ‫الزي العريب‬
‫‪19‬‬
‫واللنب‪».‬‬
‫متتاز االزياء املاليوية بالبساطة ‪ ،‬بينام األزياء‬
‫ومام يختلف فيه العرب واملاليو يف‬ ‫ ‬ ‫العربية متتاز بانها كبرية الحجم ‪ .‬ومام يروى‬
‫ثقافة األكل والرشاب كام أفاد الطاللب الذين‬ ‫أن إندونيسية وفدت للمملكة السعودية عاملة‬
‫أجريت معهم املقابلة‪:‬‬ ‫فجاءها صاحب البيت مبالبس فلم تغسلها‪ ،‬بل‬
‫ •طريقة تقديم وتناوله عند العرب اختلف‬ ‫رجته أن يرجعها‪ ،‬فسألها ملاذا مل تغسيل املالبس؟‬
‫عن طريقة تقدميه عند املاليو فالعرب من‬ ‫فأجابت إنني يا سيدي أغسل املالبس وهذا ليس‬
‫إناء واحد بينام مييل املاليو إىل تناول الطعام‬ ‫ملبساً ‪ ...‬إنه خيمة!‬
‫املشكالت الثقافية التي تجابه متعلمي اللغة العربية بوصفها لغة ثانية في بالد املاليو‪ :‬دراسة استطالعية‬ ‫‪85‬‬
‫ملصاً‪ ،‬فتمص األصابع عند أكلها وتلحس ‪ ،‬ويبقى‬ ‫بصور فردية‪.‬‬
‫لعوقها يف اللسان كأنه يتتبع بقية من الطعام‬ ‫ •كمية الطعام التي يتناولها الفرد العريب كبرية‬
‫بن السنان ‪ ،‬كام ترمز هذه األغذية إىل الوفرة‬ ‫مقارنة مبا يتاتنواه الفرد املاليوي‪ ،‬ومرجع‬
‫والرثوة والطاقة الحيوية ‪ ،‬وهي أطعمة مثينة يف‬ ‫ذلك إىل حجم العريب حيث يتسم بالضخامة‬
‫ثقافة يكون فيها الحيوان قطب الوجود‪ .‬ويكرث‬ ‫مقارنة بالحجم عند الفرد املاليوي‪.‬‬
‫يف بلد العرب ٭ الكأمة والجراد والهبيد والضباب‬
‫‪ ،‬واستخدام ٭ العصائد واألحساء والهرائس‬ ‫ •يتقيد املاليو بآداب الطعام اإلسالمية‪ ،‬بينام‬
‫واألخباز‪ .‬وأكل الرثيد ‪ .‬فكلام كانت العرب تصنع‬ ‫ال يتقيد العرب بذلك‪.‬‬
‫الرثيد من اللحم وعراقه والقديد ‪ ،‬كانت تعالجه‬ ‫ •أفاد املستجوبون أن الطعام العريب يتسم‬
‫بالزيت والسمن وتتخذه من التمر ‪ ،‬ولعلها ترثد‬ ‫بالحموضة بينام الطعام املاليو يستخدم‬
‫‪20‬‬
‫الخبز بالزيت زمن الشدة»‪.‬‬ ‫فيها البهارات والشطة‪ .‬وينضوي عند هذا‬
‫املرشوبات العربية فالعرب مييلون إىل رشب كرثة املفردات الخاصة بالطعام‬
‫القهوة والشاي ساخنني‪ ،‬بينام املاليو مييلون إن للغة العربية لغة غنيةثرة ‪ ،‬تكرثفيها املفردات‬
‫‪ .‬فالطعاممثالً له عدة عدة أسامءجاء يف العقد‬ ‫إىل رشبه باردا ً أو مثلجاً‪.‬‬
‫ •األرز هو الطعم الرئيس يف كل عامل املاليو الفريد « الوليمة طعام العرس‪ ,‬والنقيعة طعام‬
‫‪ ،‬ويدخل يف إدامه السمك غالبا والدجاج ‪ .‬اإلمالك‪ ,‬واإلعذار طعام الختان‪,‬والخرس طعام‬
‫ويعد نايس ليامك الطعام الشعبي املشرتك الوالدة‪ ,‬والنقيعة طعام يصنع عند قدوم الرجل‬
‫بني املاليويني ‪ ،‬ويدخل ف�يإعداده زيت من سفره‪ ,‬يقال انقعت انقاعاً‪ ,‬والوكرية طعام‬
‫البناء يبنيه الرجل يف داره‪ ,‬واملأدبة كل طعام‬ ‫النارجيل‪.‬‬
‫ •مييل العرب إىل تناول الطعمة الدسمة يصنع لدعوة ويقال أدبت أو دب إيداباً‪ ,‬وأدبت‬
‫‪ .‬وهذه حقيقة يؤكدها البحث العلمي أدباً‪.‬واآل ِدب صاحب املأدبة‪ ,‬والجفىل دعوة‬
‫فمن طعام العرباللحم والدقيق فالعرب العامة‪ ,‬والنقرى دعوة الخاصة‪ ,‬والسلفة طعام‬
‫يتعلل به قبل الغداء‪ .‬والقفى الطعام الذي‬
‫متيل العرب إىل اللحم الغثيث ( الهزيل )‬
‫يكرم به الرجل يقال منه قفوته فأنا أقفوه قفوا ً‬
‫وتستطيب العرب اآللية والشحم فتأتدم والقفاوة ما يرفع من املرق لإلنسان‪.‬‬
‫بالشحم (ما أذيب من اآللية ) وتفضل اللحم‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫السمني تجتمله ‪ ،‬كام تستديف الشحم ‪،‬‬
‫وتستلذ املرقة املتحرية ‪ ،‬واملدومة والدوامة‪ .‬ونقفى وليد الحي ان كان جائعاً‬
‫ونحبسه إن كان ليس بجائع‬ ‫ويف هذا اختالف مع ملاليو اللذين ال مييلون ‬
‫طريقة تقديم وتناوله‬ ‫إلىالشحوم ‪.‬‬
‫فالسمن والشحم والزبد أغذية دسمة تسوغ تختلف طريقة تناول الطعام عند العرب عن‬
‫يف الحلق تلسب لسباً ومتطخ مطخاً ‪ ،‬وتلمص طريقة تقدميه عند املاليو فالعرب اعتادوا عىل‬
‫‪86‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫إقليم املاليو املطري‪.‬‬ ‫تناول الطعم من إناء واحد بينام مييل املاليو إىل‬
‫ومام تختلف فيه الثقافنت عادة خلع الحذاءيف‬ ‫تناول الطعام بصور فردية‪.‬‬
‫داخل البيت ‪ ،‬حيث اعتاد املاليو عىل هذه‬ ‫العربية العامية‬
‫الطريقة‪ ،‬أما العرب فإنهم ال يخلعون الحذا يف‬ ‫اللغة العربية مستويان‪ :‬مستوى فصيح ومستوى‬
‫البيت‪.‬‬ ‫عامي‪ .‬فاملستوى الفصيح يستخدم يف التعليم‬
‫الخالصة‬ ‫أما املستوى العامي فهيستدم يف التواصل الحياة‬
‫مام سبق من عرض وضح أن هنالك بعض املظاهر‬ ‫العامة بني الجمهور‪ .‬فالطالب املاليوي يجد أنه‬
‫الثقافية التي تختلف فيها اللغتان العربية‬ ‫يف ورطة ثقافيية‪ ،‬فام يدرسه ال يستخدمه يف‬
‫واملاليوية ‪ ،‬وهذه بالطبع تقود إىل مشكالت يف‬ ‫التعامل مع الجمهور‪.‬‬
‫تعليم اللغة العربية وتعلمها يف أرخبيل املاليو‪.‬‬ ‫أسلوب التحية العريب‬
‫وترجع معظم االختالف إىل التباين الواضح بني‬ ‫يتسم بالطول بينام املاليو يستخدمون جمال‬
‫ثقافة اللغتني تاريخاً وبيئة؛ فاللغة العربية‬ ‫قصرية أو االبتسامة بدالً‪ .‬وأسلوب املعانقة‬
‫التي نشأت يف الصحراء أوجدت أسلوب معيشة‬ ‫بالخدود أو باألنف‪ ،‬فهذا أمر غريب مل يعتاده‬
‫وتعامل يختلف مع تلك البئة الغابية املطرية‬ ‫املاليو‪.‬‬
‫التي تحتضن لغة املاليو‪.‬‬
‫النظام االسمي للعرب‬
‫ولقد كان لبعد املسافات بني الثقافة والعربية‬
‫النظام االسمي عند العرب يختلف النظام األسمي‬
‫دور أـيضاً يف هذا التباين ‪ ،‬وهذا قبل اإلسالم‬
‫عند العرب مع نظام األسامء عند املاليو فبينام‬
‫أما بعد اإلسالم فقد تأثرت الثقافة املاليوية كثريا ً‬
‫يكتفي املاليو بذكر االسم الشخيص مع ذكر اسم‬
‫بالثقافة العربية اإلسالمية مع االحتفاظ بالتميز‬
‫األب فالن العرب يستخدمون األسامء ثالثية‬
‫الخاص والذي نجم من تأثرها بوحضارات أسيوية‬
‫ورباعية وخامسية إضافة لالنتساب إىل القبيلة أو‬
‫قدمية إضافىة إىل التأثري الغريب‪.‬‬
‫األرسة ليس معتادا ً يف بالد املاليو‪.‬‬
‫لقد اظهرت هذه الدراسة أن املجال أي مجال‬
‫تحليل املشكالت الناجمة عن االختالف الثقايف‬
‫البيتوأسلوب الحياة‬
‫بني ثقافة اللغتني مجال بكر‪ ،‬عليه فإن الباحث‬ ‫البيت العريب العرصي كبري واسع‪ .‬هذا هو‬
‫يويص بإجاراء دراسات وبحوث عميقة يف هذا‬ ‫الغالب‪ .‬وال مييل العرب إىل البتوت املتالصقة ‪.‬‬
‫املجال وذلك من أجل فهم علمي عميق للثقافتني‬ ‫وهذا امر عادي عند املاليو‪ .‬كذلك فإن العرب‬
‫ووذلك بهدف تطوير تعليم اللغة العربية يف‬ ‫يخصصون رفا للحريم‪،‬وغرفا للرجال الضيفة‬
‫إقليم أرخيل املاليو الناطق باللغة املاليوية‪.‬‬ ‫بينام هذا ليس معروفا يف الثقافة املاليوية‪.‬‬
‫والله املوفق‬ ‫مييل بعض العرب إىل النوم يف سطوح البيوت يف‬
‫لييايل الصيف‪ .‬بينام ال يعد هذا غري مألوف فري‬

‫املشكالت الثقافية التي تجابه متعلمي اللغة العربية بوصفها لغة ثانية في بالد املاليو‪ :‬دراسة استطالعية‬ ‫‪87‬‬
‫الهوامش‬
Volume ,2007 .language teaching, Oct 1957 Robert Lado›s )1945:9( Charles Fries 1
Sino-US English )46.Serial No( 10.No ,4 Frederick Kang’Ethe Iraki, LANGUAGE 2
USA ,8072-Teaching, ISSN1539 AND CULTURE – A PERSPECTIVE
1992 ,Beamer ;1993 ,Alptekin 12 ‫ الرتجمة العربية بني االختالف اللغوي‬،‫ بسام‬،‫ بركة‬3
1989 ,Cross et al 1 3 https://hal.archives-ouvertes. ,‫والخالف الثقايف‬
Zaharna, R.S Understanding cultural 14 2016/25/12(/00600156-fr/hal
preferences of Arab communication Rahim Uddin Choudhury, THE ROLE 4
patterns, Public Relations Review, Volume OF CULTURE IN TEACHING AND
255-241 Pages ,1995 Autumn ,3 Issue ,21 LEARNING OF ENGLISH AS A FOREIGN
Raymond Cohen, Problems of intercultural 15 LANGUAGE, Express, an International
communication in Egyptian-American :Journal of Multi Disciplinary Research ISSN
diplomatic relations, International Journal ,2014 April ,4 Issue ,1 .Vol ,2052 – 2348
Issue ,11 of Intercultural Relations, Volume ‫ الرتجمة العربية بني االختالف اللغوي‬،‫ بسام‬،‫ بركة‬5
47-29 Pages ,1987 ,1 https://hal.archives-ouvertes. ,‫والخالف الثقايف‬
‫ الرتجمة العربية بني االختالف اللغوي‬،‫ بسام‬،‫ بركة‬1 6 2016/25/12(/00600156-fr/hal
- ‫ مرجع سابق‬،‫والخالف الثقايف‬ .1992 ,BeameBeamer ;1993 ,Alptekin 6
Binnur Genç İlter, Cem Oktay Güzeller, ‫ تحليل املشكالت التي يواجهها طلبة‬، ‫ ألباء‬،‫ الحسنى‬7
CULTURAL PROBLEMS OF TURKISH ‫قسم األدب العريب بجامعة ماالنج الحكومية يف ترجمة‬
STUDENTS WHILE LEARNING ENGLISH SKRIPSI ،‫النصوص العربية إىل اللغة اإلندونيسية‬
AS AFOREIGN LANGUAGE, http:// ,Jurusan Sastra Arab - Fakultas Sastra UM
.9588/750/27/dergiler.ankara.edu.tr/dergiler 2007
.pdf http://karya-ilmiah.um.ac.id/index.php/ 8
Marzieh Gordan, Isai Amuthan Krishnan, 1 7 448/sastra-arab/article/view
Zurina Khairuddin , Culture Influence on ‫ متالزمة اللغة والثقافة يف‬، ‫بدر بن عبدالله‬،‫العكاش‬ 9
the Perception of the Body Language by ‫ صحيفة‬،)‫دراسة اللغات (رسالة إىل إخواين املبتعثني‬
Arab and Malay Students, International ‫ مارس‬25 - ‫ هـ‬1433 ‫ جامدى األول‬2 ‫ االحد‬،‫الرياض‬
Journal of Applied Linguistics and English 15980 ‫ العدد‬- ‫م‬2012
2013( 6 No ,2 Literature, Vol ‫ الثقافة‬Muhammad Ismail Bin Syuhada 1 0
236/1 ،‫ ابن خلدون املقدمة‬1 8 ‫وتعليم اللغة العربية لغري الناطقني بلغات أخرى‬
‫ هام الدبايب كتاب الطعام والرشاب يف‬J‫ س‬، ‫ امليساوي‬19 https://ejournal.unida.gontor.ac.id/index.
،‫الرتاث العريب‬ 458/php/lisanu/article/view
‫ املرجع السابق‬20 WANG Su-chun, Culture fusion and English 11

88 2019 ‫يوليو‬ ‫جملة كرياال‬


‫الهند يف �أدب الرحالة العرب‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبدهللا شمت املجيدل‬
‫جامعة دمشق‬

‫الحياة والطبيعة‪ ،‬بالكلمة والوصف من خالل‬ ‫املقدمة‬


‫معاينة الرحالة لها‪ .‬هذه الرؤية التي يفرتض‬ ‫إمنا صدق القائل» ليس الخرب كالعيان» هي‬
‫فيها الحياد نحو الظواهر حني وصفها‪ ،‬ولكنها‬ ‫الجملة األوىل التي بدأ بها البريوين كتابه الشهري»‬
‫غالبا ما جاءت مفعمة مبشاعر الرحالة وهذا ما‬ ‫تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة يف العقل أو‬
‫جعلها مؤثرة يف أسلوبها وممتعة يف تفاصيلها‪،‬‬ ‫مرذولة « فمعاينة الرحالة وتعرفهم إىل البلدان‬
‫كام أنها ترصد املشاهد التي قد تبدو عادية لدى‬ ‫والشعوب‪ ،‬يع ّدان من أقدم أنشطة اإلنسان‬
‫السكان املحليني يف حني هي غاية يف األهمية‪ ،‬يف‬ ‫منذ أن وجد عىل هذه البسيطة‪ ،‬فهو ما فتئ‬
‫دراسة تطور األمناط الثقافية والدراسات املقارنة‬ ‫يتنقل بني البلدان واألمصار مشغوفاً ومتلهفاً‬
‫لعادات الشعوب وقيمها وتقاليدها‪ ،‬وعىل هذا‬ ‫لكل جديد يصادفه‪ ،‬ويذكر العلامء أن البرش ما‬
‫النحو يوفر الرحالة مادة علمية قيّمة للدراسات‬ ‫زالوا يف ترحال دائم منذ أن وجدوا عىل األرض‪،‬‬
‫االجتامعية واالنرثوبولوجية ملن سيأتون من‬ ‫وقد أدت هذه الرحالت دورا ً رئيساً يف الكشف‬
‫بعدهم من الباحثني والدارسني‪ .‬وموضوع‬ ‫الجغرايف‪ ،‬وحققت االتصال بني الشعوب‪،‬‬
‫الرحلة والرتحال والسفر والغربة عن األهل‬ ‫واكتساب املعارف واالطالع عىل العادات‬
‫واألوطان‪ ،‬من املوضوعات التي استغرقت كثريا ً‬ ‫والتقاليد‪ ،‬وهذا حدا بكثري من املؤرخني اإلشارة‬
‫من كتب املصنفني إذ تنوعت أخبارهم‪ ،‬وتعددت‬ ‫إىل أن تلك املعارف كونت اإلرهاصات األوىل‬
‫أساليبهم‪ .‬وال شك يف أن جزءا ً ال يستهان به من‬ ‫لنشوء االثنوغرافيا‪ ،‬التي شكلت قاعدة أساسية‬
‫معارفنا وتصوراتنا عن تاريخ بعض البلدان‪ ،‬إمنا‬ ‫للمقارنة بني أمناط الحياة ومظاهرها‪ ،‬كالبيئة‬
‫يعود إىل مدونات الرحالة‪ ،‬من تتابع السالطني‬ ‫وامللبس واملأكل والطب وغري ذلك من جوانب‬
‫والحروب‪ ،‬أو األحداث العظيمة التي وقعت‬ ‫املقارنة املتصلة بالنظم االجتامعية والثقافية‬
‫يف تلك األيام‪ .‬وقد عرف العرب أدب الرحالت‬ ‫لدى الشعوب‪ .‬وتأسيساً عىل ذلك فال غرو أن‬
‫منذ القدم‪ ،‬وكانت عنايتهم بهذا الجنس األديب‬ ‫يع ّد هذا النوع من األدب الوسيلة األكرث قدرة‬
‫عظيمة يف مختلف العصور‪ ،‬وقد حظيت الهند‬ ‫عىل توثيق مشاهدات الرحالة ملختلف جوانب‬
‫باهتامم كثري من الرحالة العرب مثل البريوين‬
‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪89‬‬
‫متيناً يف تطور العالقات العربية الهندية‪ ،‬وتعزيز‬ ‫وابن حوقل واملسعودي وابن بطوطة‪ ،‬الذين‬
‫التفاعل الثقايف والحضاري بينهام‪ ،‬وقد كشفت‬ ‫وصفوا مشاهداتهم يف املناطق التي زاروها‪ ،‬كام‬
‫اآلثار التي عرث عليها يف موهنجدارو بأن حضارة‬ ‫أسهم بعضهم يف رسم الخرائط التي يصفون فيها‬
‫هذه املنطقة توازي زمنيا الحضارة السومرية من‬ ‫جغرافيا البلدان التي شاهدوها‪ ،‬والطرق التي‬
‫حيث النشوء والرقي‪ ،‬وأثبتت قيام حضارة أولت‬ ‫م ّروا بها‪ ،‬إضافة إىل مدونات بعض التجار الذين‬
‫عناية كبرية مبختلف أوجه الحياة الحضارية‪،‬‬ ‫قصدوا الهند بتجارتهم مثل سليامن التاجر‪ .‬والتي‬
‫كام كشفت التنقيبات يف بعض املواقع األثرية‬ ‫وثقت بعض جوانب حياة أهل الهند‪ ،‬وهذا يؤكد‬
‫العراقية والهندية‪ ،‬اتصال هاتني الحضارتني‪ ،‬ويدل‬ ‫حقيقة أن الرحالت أكرث املدارس تثقيفًا لإلنسان‪.‬‬
‫عل ذلك التشابه الكبري بني املنجزات الحضارية‬ ‫تاريخ العالقات العربية الهندية ‬
‫للسومريني‪ ،‬وتلك التي ُعرث عليها يف موهنجدارو‪،‬‬
‫إذا كان التاريخ العريب املعارص قد شهد حالة‬
‫كالعربات واألختام واألواين والحيل (باقر‪،2011،‬‬
‫مكثفة من وجود العاملة الوافدة من الهند‪،‬‬
‫‪ .)376‬ومن بني اللقى األثرية يف منطقة دياىل ُعرث‬
‫وخاصة يف بلدان الخليج العريب‪ ،‬فإن العصور‬
‫عىل شكل هندي منحوت عىل الطريقة السومرية‬
‫السابقة‪ ،‬كانت شاهدا ً عىل ذهاب العرب إىل شبه‬
‫ميثل ثورا ً ذا حدبة (‪ .)302.Lamerg.C.P‬ويرى‬
‫القارة الهندية‪ ،‬التي وصفها بعض الرحالة يف تلك‬
‫«هام يون كبري» أنه ال ميكن الفصل بصورة‬
‫الفرتة بأن» بحرها در‪ ،‬وجبلها ياقوت‪ ،‬وشجرها‬
‫قاطعة يف حقيقة السكان الذين استوطنوا‬
‫عطر» (عبد الرحمن‪ .)5 ،2014،‬ويرجع ارتباط‬
‫منطقتي موهنجودار‪ ،‬أو التثبت من األماكن‬
‫العرب بالهند إىل فرتات موغلة يف القدم‪ ،‬ومع أن‬
‫التي نزحوا منها إىل الهند‪ ،‬حيث تشري آثارهم إىل‬
‫الظروف الطبيعية مل تكن مشجعة عىل االتصال‬
‫وجود تشابه مدهش بينهم وبني سكان «سومر»‪،‬‬
‫بني الطرفني ألن الطريق الربي نحو الهند كان‬
‫وللمؤرخني آراء شتى يف تعليل هذا التشابه‪ ،‬فريى‬
‫طويالً وشاقا‪ ،‬إال أن الطريق البحري مل يصمد طويالً‬
‫بعضهم أن هذه الحضارة امتدت من حوض‬
‫أمام املحاوالت املبكرة من الجانبني للتعرف إىل‬
‫غإلندوس باتجاه الغرب حتى بلغت شواطئ‬
‫اآلخر‪ .‬وال ميكننا أن نحدد عىل وجه الدقة الفرتة‬
‫دجلة والفرات‪ ،‬واعتقد آخرون بأنها وصلت الهند‬
‫التي تعمقت فيها العالقات العربية بالهند قبيل‬
‫من «سومر» (كبري‪ .)8 ،2010،‬وتشري اآلثار التي‬
‫بداية الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬لكن ميكننا القول‪ :‬إن‬
‫دلت عليها الحفريات‪ ،‬إىل عمق العالقات بني‬
‫الهند عند بداية الفتح مل تكن مجهولة بالنسبة‬
‫الحضارتني العربية والهندية‪ ،‬وال سيام األوعية‬
‫إىل العرب‪ ،‬إذ تبلورت لديهم فكرة واضحة عن‬
‫الفخارية ذات الرشيط املنفرد‪ ،‬التي ُعرث عليها‬
‫هذا العامل‪ ،‬من خالل اتصال العرب بأهل الهند‪،‬‬
‫يف أور ويف تل براك ويف تل بري وتل حمدي‪ ،‬يف‬
‫وعىل نحو خاص سكان جنوب شبه الجزيرة‬
‫الجزيرة السورية يف مناطق الحسكة‪ ،‬والطبقات‬
‫العربية (‪ .)172.Nadvi.S.P‬وتشري املصادر إىل‬
‫األوىل من موقع موهنجودار يف وادي السند‬
‫أن تاريخ العالقات العربية الهندية يعود إىل ما‬
‫(األحمد‪ .) 1985،196،‬ويف العرص البابيل القديم‬
‫قبل اإلسالم‪ ،‬إذ كانت ترتبط ببالد العرب بالطرق‬
‫(‪ )1595-2004‬قبل امليالد توثقت العالقات‬
‫البحرية ورحالت التجار التي شكلت أساساً‬
‫التجارية والثقافية بني الحضارتني‪ ،‬فقد كانت‬
‫‪90‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫معيشتها‪ ،‬هيأ العقول لقبول الفوارق القامئة‪،‬‬ ‫سفن بابل تقصد الخليج العريب واملحيط الهندي‬
‫وأوجد متسعا جديدا ً للسكان الذين قدموا إليها‬ ‫لجلب العطور واألحجار الكرمية املستوردة من‬
‫من الخارج (كبري‪ .)54 ،2010،‬كام أنه يف كثري من‬ ‫الهند(الندوي‪ .)8 ،‬وقد أشار غوستاف لوبون إىل‬
‫األحيان كان املسلمون الذين قدموا إىل الهند‬ ‫ذلك بالقول‪ :‬كان البابليون أعظم أمم عرصهم‬
‫من املحاربني ومل يصطحبوا أزواجهم‪ ،‬فاتخذوا‬ ‫يف املالحة‪ ،‬ألن كالً من دجلة والفرات كان يصب‬
‫ألنفسهم أزواجا هنديات (املرجع نفسه‪.)25 ،‬‬ ‫يف الخليج العريب فانفتح أمامهم الطريق إىل‬
‫ويرى « كبري» بأن تأثري اإلسالم يف الهند كان عميقاً‬ ‫شواطئ البالد البعيدة كالهند الغنية بكنوزها)‬
‫جدا ً؛ فاالتصال بني األفكار القدمية والجديدة‬ ‫لوبون‪ .(1969،٨٧،‬وتشري املراجع بأن العرب‬
‫حمل أصحاب النباهة واإلحساس عىل أن يتأملوا‬ ‫جاؤوا تجارا ً‪ ،‬ثم استوطنوا وأقاموا ألنفسهم عددا ً‬
‫ويفكروا من جديد يف أرسار هذا الكون ومشاكله‬ ‫من املساكن عىل سواحل «ماالبار»‪ ،‬وأن الغرض‬
‫الخالدة‪ ،‬وال سيام بعد أن تجردت العقول من‬ ‫العاجل من وراء قدوم العرب للسند هو حامية‬
‫موانع التقاليد القدمية‪ ،‬وظهرت فلسفات جديدة‬ ‫طرقهم التجارية مع الهند الجنوبية وسيالن‪،‬‬
‫لتظهر التقارب بني األفكار الهندوسية واإلسالمية‪،‬‬ ‫ولكن ما لبثوا أن أصبحوا قوة ال يستهان بها يف‬
‫ومع ذلك فإن عمليات االستيعاب والتوفيق بني‬ ‫هذه املناطق عىل مر األيام (كبري‪.)20 ،2010،‬‬
‫النظامني مل تكتمل كلياً‪ ،‬علام أن املدن شهدت‬ ‫ويرى كراتشكوفسيك‪ ،‬بأن العرب قد تاجروا مع‬
‫عملية اندماج بني الثقافتني‪ ،‬وعوضت األهمية‬ ‫الهند والصني‪ ،‬إذ يروى عن الدينوري أنه عندما‬
‫السياسية للمسلمني عن قلة عددهم (املرجع‬ ‫سقط ميناء األبلة قرب البرصة يف يد العرب يف‬
‫نفسه‪.)82 ،‬‬ ‫خالفة عمر بن الخطاب‪ ،‬وجد فيها املسلمون‬
‫أهم الرحالة العرب الذين قصدوا الهند يف‬ ‫سفناً صينية (كراتشكوفسيك‪.)138 ،1957 ،‬‬
‫رحالتهم‬ ‫وتركزت العالقات التجارية بني الحضارتني بداية‬
‫يف التبادل التجاري‪ ،‬إذ كانت الصادرات السومرية‬
‫يعد سليامن التاجر من أبرز رحالة القرن‬
‫تتمثل يف الشعري والزيوت والجلود والصوف‬
‫الثالث الهجري‪ ،‬حيث د ّو َن رحلته يف مذكرات‬
‫والنمور واملنسوجات‪ ،‬يف حني استوردوا من الهند‬
‫كتبها سنة ‪ 237‬هجرية املوافق ‪ 851‬ميالدية‪،‬‬
‫العاج وصدف املحار‪ ،‬وبعض األحجار الكرمية‬
‫وهو مل يكن رحالة وال جغرافياً أو مؤرخاً‪ ،‬بل‬
‫والحجر الصابوين‪ ،‬والخشب وطري الطاووس‬
‫تاجرا ً من سرياف‪ ،‬اعتاد السفر إىل الهند والصني‬
‫(الندوي‪ .)7،‬ثم ما لبثت هذه العالقات أن‬
‫لجلب السلع من هناك‪ ،‬وبيعها يف البالد العربية‪.‬‬
‫تعززت بصورة كبرية‪ ،‬بعد ظهور اإلسالم وانتشاره‬
‫ومل يُعرث يف الكتب واملخطوطات عىل بقية اسمه‬
‫يف أصقاع الهند‪ ،‬إبان مرحلة الفتح اإلسالمي‬
‫أو تفاصيل حياته‪ ،‬وقد ُعرث عىل مخطوطة لكتاب‬
‫لبالد الهند‪ ،‬واعتناق كثري من أهل الهند لإلسالم‪،‬‬
‫«سلسلة التواريخ» د َّونها عراقي من مواطني‬
‫وقد أشار الباحث الهندي»هاميون كبري» إىل أن‬
‫سليامن ويدعى زيد حسن السريايف‪ ،‬عاش بسرياف‬
‫طبيعة الهند قد ساعدت إىل حد كبري عىل بث‬
‫يف القرن الرابع الهجري‪ ،‬بعد نحو ستني عاماً‬
‫روح التسامح القائم فيها‪ ،‬وأن اتساع مساحتها‬
‫من تاريخ كتابة سليامن ملذكراته‪ ،‬وأضاف إليها‬
‫والتنوع العظيم يف مناظرها ومناخها وطرائق‬
‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪91‬‬
‫الغائب‪ ،‬ويف الحقيقة إنه أسلوب متبع يف الكتابة‬ ‫أخبار التجار والبحارة‪ .‬وقد عرث عليها املسترشق‬
‫آنذاك‪ ،‬ونجده يف كثري من املواقف يف كتب‬ ‫الفرنيس رينودو سنة ‪ 1718‬يف إحدى مكتبات‬
‫الرتاث‪ .‬ومن األشياء التي أشار إليها سوفاجيه‪ ،‬هو‬ ‫باريس الخاصة‪ ،‬وسلمت بعد ذلك إىل دار الكتب‬
‫اكتشافه بأن املسعودي قد أخذ من كتاب أيب زيد‬ ‫األهلية‪ ،‬وقام رينودو برتجمة املخطوط إىل اللغة‬
‫الحسن السريايف بشكل حريف ما يتصل بأخبار الهند‬ ‫الفرنسية ونرشه بعنوان «أخبار قدمية من الهند‬
‫والصني‪ ،‬إذ إنه ك ّرر الخطأ الذي وقع فيه الناسخ‬ ‫والصني أوردها اثنان من الرحالة املسلمني سافرا‬
‫يف كتاب السريايف ليقع فيه املسعودي نفسه أيضاً‬ ‫إىل هناك يف القرن التاسع امليالدي» وجاء بعد‬
‫دون أن يفطن إليه‪ .‬وذلك حني كتب الناسخ يف‬ ‫ذلك مواطنه املسترشق رينو وأعاد طبع النص‬
‫الجزء األول من أخبار الصني والهند عندما كان‬ ‫سنة ‪ 1845‬موضحاً أن األب رينودو أخطأ يف‬
‫يتحدث عن إحدى الجزر هناك بقوله‪»:‬وفيها‬ ‫نسب املخطوط الثنني من الرحالة العرب‪،‬‬
‫خلق كثري عراة الرجال منهم والنساء‪ ،‬غري أن‬ ‫يف حني أنه للتاجر سليامن‪ ،‬أما أبو زيد حسن‬
‫عىل عورة املرأة ورقاً من ورق الشجر‪ ،‬فإذا‬ ‫السريايف الذي نسب له الجزء الثاين فلم يكن إال‬
‫مرت بهم املراكب جاؤوا إليها بالقوارب الصغار‬ ‫هاوياً جغرافياً يتسقط األخبار عن الهند والصني‬
‫والكبار‪ ،‬وبايعوا أهلها العنرب والنارجيل بالحديد‬ ‫من ألسنة التجار والبحارة بسرياف‪ ،‬ومل يذكر أبو‬
‫وما يحتاجون (إليه) من كسوة ألن ال حر وال‬ ‫زيد أنه التقى بسليامن التاجر‪ ،‬مع أنهام من‬
‫برد عندهم»‪ .‬فقد أضاف الناسخ لكتاب السريايف‬ ‫مدينة واحدة‪ ،‬بل قام بتدوين ما سمعه من‬
‫كلمة إليه‪ ،‬وبذلك أصبحت (ما) اسامً موصوالً‬ ‫البحارة‪ ،‬وأضافها إىل مذكرات سليامن التاجر‬
‫مبعنى الذي بعد أن كانت أداة نفي حتى يتسق‬ ‫بعد ستني عاما من تدوين سليامن التاجر لها‪،‬‬
‫املعنى‪ ،‬وإال كيف يكونوا عراة ويشرتون الثياب؟‬ ‫وهي فرتة ترجح احتامل تدوين أيب زيد حسن‬
‫ويُالحظ أن املسعودي قد اقتبس يف أكرث من‬ ‫السريايف للمخطوط بعد وفاة سليامن التاجر‪.‬‬
‫موضع من كتاب التاجر‪ ،‬ولعل أغلب أخبار البالد‬ ‫كام أنه ال يدعي لنفسه السفر إىل تلك البالد‪،‬‬
‫كان املؤرخون والرحالة يستقونها من املسافرين‬ ‫بل يعرتف رصاحة أنه جمع بعض املعلومات‪،‬‬
‫والسكان املحليني الذين يقابلونهم أو ما يكتب‬ ‫وب ّوبها وض ّم فصولها إىل مذكرات التاجر سليامن‪.‬‬
‫عن البالد التي زاروها(املرجع نفسه‪ .)12،‬مع‬ ‫وقام املسترشق الهولندي «فراند» بنرش ترجمة‬
‫أنني وجدت العبارة منفية بحرف النفي (ال) يف‬ ‫جديدة للكتاب سنة ‪ 1921‬مضيفاً فقرات من‬
‫كتاب قنديل (‪...‬وبايعوا أهل العنرب والنارجيل‬ ‫«مروج الذهب» للمسعودي ليكمل ما فيه من‬
‫بالحديد‪ ،‬وال يحتاجون إىل كسوة ألنه ال حر‬ ‫نقص (املجيدل‪ .)144-143 ،2008،‬يشار إىل‬
‫عندهم وال برد‪( )...‬قنديل‪.)101، 2002،‬يشار‬ ‫أن مكتبة كولبري الفرنسية قد اشرتت املخطوط‬
‫إىل أن رحلة سليامن التاجر لفتت أنظار كبار‬ ‫األصيل لكتاب سليامن التاجر لحسابها من حلب‬
‫املسترشقني منذ بدايات القرن الثامن عرش‪ ،‬مثل‬ ‫عام ‪( 1673‬الشاروين‪ .)9 ،2000 ،‬وقد شكك‬
‫رينودو واملسترشق رينو وسوفاجيه وفرين الذي‬ ‫«سوفاجيه» يف نسبة الجزء األول من كتاب رحلة‬
‫أعاد تحقيقها وترجمها مبنهجية عالية‪ .‬ثم عرث يف‬ ‫سليامن التاجر مستدالً بذلك إىل أن اسم سليامن‬
‫السنوات األخرية الباحث الرتيك فؤاد سزكني خالل‬ ‫التاجر يأيت يف سياق النص باإلشارة إليه بضمري‬
‫‪92‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫يتوقف عن تزويد فروع العلم واملعرفة مبؤلفاته‬ ‫دراساته عىل نسخة أكمل من هذه املخطوطة‬
‫العديدة التي ميكن القول‪ ،‬بأنها بلغت ذروتها‬ ‫وطبعها ضمن النصوص العربية النادرة‪ ،‬وقد‬
‫عىل حد تعبري كراتشكوفسيك بكتابه عن الهند‪،‬‬ ‫طبع «املجمع الثقايف» يف أبو ظبي املخطوطة‬
‫ذلك الكتاب الذي وصفه «روزن» بأنه « أثر‬ ‫باالستناد إىل نسخة باريس يف سنة ‪.1999‬ويرى‬
‫مزيد يف بابه ال مثيل له يف األدب العلمي القديم‬ ‫كراتشكوفسيك أن قصة سليامن التاجر ترجع‬
‫أو الوسيط سواء يف الغرب أو الرشق»(املرجع‬ ‫إىل حوايل سنة (‪237‬هـ‪ 851 ،‬م)‪ .‬وهو خري مثال‬
‫نفسه‪ .)244،‬يشار إىل أن البريوين حرص عىل‬ ‫للتجار العرب الذاهبني إىل الهند والصني‪ ،‬حيث‬
‫الكتابة بالعربية عىل الرغم من معرفته بلغات‬ ‫وصف الطريق إىل الهند والصني بدرجة عالية من‬
‫أخرى‪ ،‬فهو يرى أن اللغة العربية هي اللغة‬ ‫الدقة مكنت «فريان» من أن يتتبعه عىل الخرائط‬
‫الوحيدة الجديرة بأن تكون لغة العلم‪ ،‬فيقول يف‬ ‫الحديثة‪ .‬وقد ترك وصفاً للسواحل والجزر‬
‫آخر مصنفاته وهو كتاب «الصيدنة»‪ »:‬وإىل لسان‬ ‫ومختلف املوانئ والبلدان وسكانها واملحاصيل‬
‫العرب نقلت العلوم من أقطار العامل فازدانت‬ ‫واملنتجات وسلع التجارة‪ .‬ومع أن بعض العلامء‬
‫وحلت إىل األفئدة ورست محاسن اللغة‪ ،‬والهجو‬ ‫املتخصصني يف علوم الصني مثل «يول» و»بليو»‬
‫بالعربية أحب إ ّيل من املدح بالفارسية» (املرجع‬ ‫قد تشككوا يف نسبة القصص إليه‪ ،‬يف حني أن‬
‫نفسه‪ .)257-256،‬وقد استطاع البريوين أن يقدم‬ ‫ابن الفقيه ينسب القصص رصاحة إىل سليامن‬
‫لنا توثيقاً دقيقاً لثقافة أهل الهند وعاداتهم‬ ‫التاجر‪ ،‬لذا فإن مسألة تأليفه لها ال يحوم حولها‬
‫وطبيعة بالدهم‪ ،‬حيث عاش بينهم فرتة طويلة‬ ‫أدىن شك (كراتشكوفسيك‪ .)142 ،1957 ،‬ويعد‬
‫من الزمن‪ ،‬ومكنته معرفته للغتهم من أن يوثق‬ ‫سليامن التاجر أول من قدم وصفاً قيامً للطريق‬
‫مختلف جوانب حياتهم يف كتابه « تحقيق ما‬ ‫التجاري البحري الذي يربط منطقة الخليج‬
‫للهند من مقولة مقبولة يف العقل أو مرذولة»‬ ‫العريب بالهند والصني يف نظر كثري من الباحثني‪،‬‬
‫الذي يعد من أهم املصادر العربية عن أحوال‬ ‫ومع ضلوعه وفهمه يف علم الجغرافيا حني اهتم‬
‫أهل الهند يف تلك الفرتة‪ ،‬وبذلك هيأ مادة مهمة‬ ‫بذكر املسافات بني املوانئ واملدن واملحطات‬
‫ملن جاء من بعده من الدارسني عىل مدى قرون‪،‬‬ ‫واملراكز التجارية واملسافات بينها‪ ،‬وأوضح أماكن‬
‫قدم من خاللها وصفا دقيقا يف غاية األهمية‬ ‫وجود املياه العذبة الصالحة للرشب‪ ،‬وتعرض إىل‬
‫ألهل الهند ولتفاصيل حياة الشعوب التي تسكن‬ ‫ذكر الصالت التجارية بني منطقة الخليج وبلدان‬
‫تلك البالد‪.‬‬ ‫املحيط الهندي واملحيط الهادي‪ ،‬ومتتاز هذه‬
‫أما ابن بطوطة الذي بدأ رحالته يف وقت متأخر‬ ‫الرحلة وذيلها بالوصف الصادق للطرق التجارية‪،‬‬
‫عمن سبقوه إىل بالد الهند؛ أي بني عامي ‪-712‬‬ ‫ولبعض العادات والنظم االجتامعية مع قلة‬
‫‪ 735‬هـ حني وصل مدينة امللتان عام ‪733‬هـ‬ ‫األساطري والخرافات‪ ،‬التي كانت الطابع العام‬
‫الواقعة عىل الجانب الغريب لنهر السند‪ ،‬وصف‬ ‫لكل رحالة ذلك العرص‪.‬‬
‫األوضاع السياسية واإلدارية يف السلطنة منذ‬ ‫ومن أهم رحالة القرن الرابع الهجري العرب‬
‫القرن السادس الهجري‪ ،‬وتلك التفاتة مهمة من‬ ‫الذين قدموا إىل الهند أبو الريحان محمد بن‬
‫ابن بطوطة ملعرفة مايض الهند‪ ،‬وأهم األحداث‬ ‫أحمد البريوين (‪ 440 -362‬هجري)‪ ،‬الذي مل‬
‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪93‬‬
‫ملوكهم صري عل عجلة قريبة من األرض صغرية‬ ‫السياسية فيه‪ .‬وكان مصدره يف رسد تلك‬
‫البكرة معدة لهذا املعنى‪ ،‬وشعره ينجر عىل‬ ‫املعلومات الشيخ كامل الدين محمد بن الربهان‬
‫األرض‪ ،‬وامرأة بيدها مكنسة تحثو الرتاب عىل‬ ‫الغزنوي‪ ،‬ويصفه بـ «اإلمام العالمة الفقيه»‬
‫رأسه‪ ،‬وتنادي أيها الناس‪ ،‬هذا ملككم باألمس قد‬ ‫والذي استعرض له أخبارا ً كثرية حول تاريخ‬
‫ملككم وجاز فيكم حكمه وقد صار أمره ما ترون‬ ‫اإلسالم يف الهند منذ القرن السادس للهجرة‪.‬‬
‫من ترك الدنيا وقبض روحه ملك املوت‪ ،‬والحي‬ ‫وتعد رحلة ابن بطوطة مصدرا ً مهامً من مصادر‬
‫القديم الذي ال ميوت‪ ،‬فال تغرتوا بالحياة بعد‪،‬‬ ‫تاريخ الهند الثقايف واالجتامعي‪ ،‬حيث تهيأ البن‬
‫ويُطاف به يف جميع شوارع املدينة ثم يُفصل‬ ‫بطوطة دون غريه من الرحالة العرب‪ ،‬باستثناء‬
‫أربع قطع‪ ،‬وقد هيئ له الصندل والكافور وسائر‬ ‫البريوين‪ ،‬معايشة املجتمع والسيام سالطينهم‪،‬‬
‫أنواع الطيب فيحرق بالنار‪ ،‬ويُذر رماده يف الرياح‬ ‫لفرتة طويلة‪ ،‬وهذا منحه فرصة املعرفة الدقيقة‬
‫(املرجع نفسه ‪ .)103 ،‬ويورد سليامن التاجر‬ ‫لجوانب من حياة الطبقات الخاصة يف الهند‪،‬‬
‫أن يف مملكة بلهرا وغريها من ماملك الهند‬ ‫والتي مل تتح لغريه من الرحالة‪.‬‬
‫من يحرق نفسه بالنار‪ ،‬وذلك لقولهم بالتناسخ‬ ‫يف وصف ملوك الهند‬
‫ومتكنه يف قلوبهم وزوال الشك فيه عنهم‪ ،‬ويف‬
‫يروي سليامن التاجر بأن أهل الهند مجمعون‬
‫ملوكهم من إذا قعد للملك طُبخ له األرز ثم‬
‫عىل أن ملوك الدنيا أربعة‪ ،‬فأول من يعدون‬
‫ُوضع بني يديه عىل ورق املوز‪ ،‬وينتدب من‬
‫من األربعة ملك العرب‪ ،‬وهو عندهم إجامع‬
‫أصحابه الثالمثئة واألربعمئة باختيارهم ألنفسهم‬
‫ال اختالف بينهم فيه‪ ،‬أنه أعظم امللوك وأكرثهم‬
‫ال بإكراه من امللك لهم‪ ،‬فيعطيهم امللك من ذلك‬
‫ماالً وأبهاهم جامالً‪ ،‬وأنه ملك الدين الكبري الذي‬
‫األرز‪ ،‬وبعد أن يأكل امللك منه يتقرب كل منهم‪،‬‬
‫ليس فوقه يشء» ونص التاجر يوحي باالحرتام‬
‫فيأخذ منه شيئا يسريا ً فيأكله‪ ،‬فيلزم كل من أكل‬
‫الذي يحظى به الخليفة العبايس لدى الهنود‬
‫من هذا األرز إذا مات امللك أو قتل أن يحرقوا‬
‫(التاجر‪ ،‬والسريايف‪ .)43 ،2000،‬ويضيف التاجر‬
‫أنفسهم بالنار عن آخرهم يف اليوم الذي مات‬
‫يف وصف ملوك الهند بأنهم يلبسون األقراط‬
‫فيه‪ ،‬ال يتأخرون عنه حتى ال يبقى منهم عني وال‬
‫من الجواهر النفيسة يف آذانهم من الذهب‪،‬‬
‫أثر(املرجع نفسه‪ .)89،‬ومام أورده املسعودي بأن‬
‫ويضعون يف أعناقهم القاليد النفيسة املشتملة‬
‫الهند ال تمُ لك امللك عليها حتى يبلغ من عمره‬
‫عىل فاخر الجوهر األحمر واألخرض‪ ،‬واللؤلؤ ما‬
‫أربعني سنة‪ .‬وال تكاد ملوكهم تظهر لعوامهم إال‬
‫يعظم قيمته ويجل مقداره‪ ،‬وهو اليوم كنوزهم‬
‫يف كل برهة من الزمان معلومة‪ .‬ويكون ظهورها‬
‫وذخايرهم وتلبسه قوادهم ووجوههم‪ .‬والريس‬
‫للنظر يف أمور الرعية‪ ،‬ألن يف نظر العوام عندها‬
‫منهم يركب عىل عنق رجل منهم وفوطة قد‬
‫إىل ملوكها خرقا لهيبتها‪ ،‬واستخفافا بحقها‪.‬‬
‫استرت بها ويف يده يشء يعرف بالجرتة‪ ،‬وهي‬
‫والرياسات عند هؤالء ال تجوز إال بالتخري‪ ،‬ووضع‬
‫مظلة من ريش الطواويس (املرجع نفسه‪.)97،‬‬
‫األشياء مواضعها من مراتب السياسة (املرجع‬
‫ومماّ رواه املسعودي بأنه رأى يف بالد رسنديب (‬
‫نفسه‪ .)103 ،‬كام أكد املسعودي ما أورده‬
‫وهي جزيرة من جزائر البحر) إذا مات ملك من‬
‫سليامن التاجر من تعظيم مللك العرب عند‬
‫‪94‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫فهو صنم عىل شكل شاب جالس حسن الوجه‬ ‫سائر امللوك‪ ،‬حيث ورد املسعودي‪ ،‬بأن ملوك‬
‫خري قليل الشعر‪ ،‬مي ّد يديه إىل األمام حتى تبلغ‬ ‫الصني والهند والرتك والزنج وسائر ملوك العامل‬
‫ركبتيه‪ ،‬وهي الهيئة نفسها التي يعرف بها إىل‬ ‫أقرت مللك بابل بالتعظيم‪ ،‬وأنه أول ملوك العامل‪،‬‬
‫يومنا هذا‪ ،‬متثال بوذا (البريوين‪ .)1993،57،‬ومن‬ ‫وأن منزلته فيهم كمنزلة القمر يف الكواكب‪ ،‬ألن‬
‫األصنام التي وثق البريوين مشاهدته لها صنم‬ ‫إقليمه أرشف األقاليم‪ ،‬وألنه أكرث امللوك ماالً‪،‬‬
‫«مولتان» باسم الشمس ولذلك سمي «أدت»‬ ‫وأحسنهم طبعاً‪ ،‬وأكرثهم سياسة‪ ،‬وأثبتهم قدماً‪.‬‬
‫وكان خشبياً ملبساً بستخيان تحمر يف عينيه‬ ‫وهذا وصف ملوك هذا اإلقليم فيام مىض ال يف‬
‫ياقوتتان حمراوان‪ ،‬وكان محمد بن القاسم بن‬ ‫هذا الوقت‪ ،‬وهو سنة اثنتني وثالثني وثالمثئة‪.‬‬
‫املنبه ملا افتتح املولتان‪ ،‬نظر إىل سبب عامرتها‬ ‫وكانوا يلقبون هذا امللك «شاهنشاه»‪ ،‬وتفسريه‬
‫وألموال املجتمعة فيها فوجد ذلك الصنم؛ إذ كان‬ ‫ملك امللوك‪ .‬ومنزلته يف العامل منزلة القلب من‬
‫مقصودا ً محجوجاً من كل أوب‪ ،‬فرأى الصالح يف‬ ‫جسد اإلنسان‪ ،‬والواسطة من القالدة‪ .‬ثم يتلوه‬
‫تركه بعد أن علق لحم بقر يف عنقه استخفافا‬ ‫ملك الهند‪ ،‬وهو ملك الحكمة‪ ،‬وملك الفيلة‪ ،‬ألن‬
‫به‪ ،‬وبنى هناك مسجدا ً جامعاً فلام استولت‬ ‫عند امللوك األكارسة أن الحكمة من الهند بدؤها‬
‫«القرامطة» عىل املولتان‪ ،‬كرس» حلم بن شيبان»‬ ‫(املرجع نفسه‪.)131 ،‬‬
‫املتغلب ذلك الصنم وقتل سدنته (املرجع‬ ‫يف وصف متثال بوذا‬
‫نفسه‪ .)44 ،‬وقد نال هذا التمثال ومعبده يف‬
‫وصف الرحالة ابن رسته متثال الصنم براهم‪،‬‬
‫مولتان اهتامم كثري من الرحالة الذين زاروا‬
‫معبود الهنود‪ ،‬إال أنه مل يصفه باعتباره اإلله‬
‫اإلمارة‪ ،‬باعتباره أهم املزارات املقدسة للهنود‬
‫«براهم» معبود الهندوس بل وصفه باعتباره‬
‫داخل نطاق النفوذ اإلسالمي‪ ،‬وملا كان ميثله من‬
‫أحد متاثيل اإلله بوذا‪ ،‬حيث يتبينّ من خالل ما‬
‫أهمية بالغة للمسلمني اسرتاتيجيا واقتصاديا‪ .‬أما‬
‫رواه ابن رسته أن املصادر العربية مل تكن متيز‬
‫البناء املعامري للمعبد فيتكون من قرص ضخم‬
‫بني التامثيل املعبودة يف الهند وع ّدتها صنم»‬
‫بداخله هيكل يستقر بداخله التمثال‪ ،‬وحول‬
‫البد»(‪ .) 393.Muhammed.S.p‬ويروي ابن‬
‫هذا الهيكل توجد غرف السدنة والعاكفني‪ ،‬وكان‬
‫رسته يف وصفه للصنم بأنه عىل هيئة رجل ذي‬
‫هؤالء القامئون عل خدمة التمثال هم املسموح‬
‫أربعة أوجه له إقبال وليس له إدبار‪ ،‬يحجون إليه‬
‫لهم فقط بدخول الهيكل‪ ،‬حيث يقومون بغسله‬
‫من كل مكان‪ ،‬ويطوفون حوله سبعاً عىل اليسار‬
‫بالسمن أو اللنب ويقدمون له القرابني‪ ،‬وكان يحرم‬
‫ويخشعون بني يديه‪ ،‬حيثام داروا يستقبلهم‬
‫عليهم أكل اللحم وإتيان النساء (اإلصطخري ‪،‬‬
‫بوجهه‪ ،‬وإذا طافوا سجدوا عند كل وجه‬
‫‪ .)103 ،1994‬ويورد القزويني درجة تقديس‬
‫يستقبلونه ويسألون عنده حاجاتهم‪ .‬ويضيف‬
‫التمثال التي تبلغ من التقديس لدى بعض‬
‫ابن رسته أن السدنة يغسلون بدن الصنم بالسمن‬
‫الهنود بأن يقدم عىل قتل نفسه تقربا له (‬
‫واللنب‪ ،‬ثم يدفع إىل مرضاهم حتى يغسلوا به‬
‫القزويني‪ .)122 ،1994،‬وتروي األساطري الهندية‬
‫معتقدين االستشفاء به (ابن رسته‪.(136 ،1891،‬‬
‫أن التمثال نزل من السامء‪ ،‬وأنهم أُمروا بعبادته‪،‬‬
‫وحسب وصف البريوين لتمثال بوذا معبود الهنود‬
‫لذلك يحج إليه الهنود من كل فج عميق‪ ،‬وتبدأ‬
‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪95‬‬
‫البلدان‪ ،‬فال متطر يف هذه الفرتة غري أنها تثلج يف‬ ‫الطقوس من الحج بحلق الرؤوس عند املعبد‪ ،‬ثم‬
‫الشتاء وهواؤها بارد(ابن رسته‪ .)1891،8،‬وهذا‬ ‫الطواف يسار التمثال سبع مرات تق ّرباً إليه‪ ،‬ثم‬
‫ما أكده أبو زيد السريايف بأن بالد الهند متطر‬ ‫تق ّدم القرابني والذبائح (ابن حوقل‪.)321 ،1992 ،‬‬
‫يف الصيف وال متطر يف الشتاء‪ ،‬ويف موسم املطر‬ ‫وأحىص ابن رسته ريع املعبد حيث كان كل حاج‬
‫صيفاً يلزمون بيوتهم‪ ،‬وهي بيوت مصنوعة من‬ ‫يقدم للمعبد سنوياً مابني مئة إىل ألف درهم‪،‬‬
‫خشب مضللة بحشائش‪ ،‬ويفيدهم ذلك يف زراعة‬ ‫وكانت أموال النذور تقسم إىل ثالثة وجوه‪،‬‬
‫األرز‪ ،‬وعندما تتوقف األمطار وينكشف السحاب‬ ‫األول يذهب لألمري السامي‪ ،‬والثاين ينفق منه‬
‫ينمو محصول األرز بوفرة (التاجر‪-126 ،1994،‬‬ ‫عىل املدينة وحصونها‪ ،‬واألخري يذهب للسدنة‬
‫‪ .)127‬أما البريوين فقد وصف هذه األمطار‬ ‫(ابن رسته‪ .)1891،135،‬ويضيف ابن رسته أن‬
‫«مبطر الحميم» لتساقطها يف فصل الصيف‬ ‫الساميني اتخذوا من مولتان حارضة لهم‪ ،‬وأنهم‬
‫(البريوين‪.)103 ،1993،‬‬ ‫اعتمدوا بصورة أساسية يف مواردهم عىل أموال‬
‫مدن الهند وماملكها‬ ‫الحجيج الهنود‪ ،‬الذين كانوا يزورون معبد بوذا‬
‫املقدس ويخصونه بنذورهم‪ ،‬التي كان األمري‬
‫يورد اإلصطخري يف وصفه ملدينة املنصورة‪،‬‬
‫السامي ينال نصيب األسد منها(املرجع نفسه‪،‬‬
‫بان أهلها مسلمون وحاكمهم أيضاً وهو قريش‬
‫‪ .)29‬ويؤكد املسعودي يف مروج الذهب‪ ،‬عىل ما‬
‫من ولد هبار بن األسود‪ ،‬إال أن الخطبة بها‬
‫ذكره ابن رسته بشأن الدخل املرتفع الذي يجنى‬
‫للخليفة العبايس‪ ،‬وتتميز برخائها واحتوائها عىل‬
‫من نذور الحجيج البوذيني (املسعودي‪،1966 ،‬‬
‫النخيل وقصب السكر ومثرة الليمون الحامض‬
‫‪.)166‬‬
‫بحجم التفاح‪ ،‬ويبدو أنهم يتعاملون مع جميع‬
‫أنواع األموال املتداولة يف املنطقة حينها‪ ،‬فإىل‬ ‫يف وصف بعض ظواهر الطبيعة‬
‫جانب الدينار العريب هناك الدراهم الطاطرية‬ ‫وأما الظواهر الطبيعية التي وثقها سليامن‬
‫الهندية القدمية (اإلصطخري‪.)174 ،1994‬‬ ‫التاجر الرياح اإلعصارية الحلزونية التي تسمى‬
‫ويؤكد األصطخري بعد ذلك من أن حكام اإلمارة‬ ‫الدردور أو نافورات املاء‪ ،‬وهي إحدى الظواهر‬
‫يجعلون الخطبة للخليفة العبايس‪ .‬ومل يضف ابن‬ ‫الخطرية التي هددت السفن التجارية يف املحيط‬
‫حوقل يف كتابه املسالك واملاملك جديدا ً عىل ما‬ ‫الهندي‪ ،‬فقد وصفها سليامن التاجر يقول‪« :‬‬
‫سبق‪ ،‬باستثناء أنه أخطأ عندما ذكر أن أموال‬ ‫سحاب أبيض يرشع منه لسان طويل رقيق حتى‬
‫الحجيج تذهب لألمري الهباري‪ ،‬رغم أنه ذكر بعد‬ ‫يلصق ذلك اللسان مباء البحر‪ ،‬فيغىل له ماء‬
‫ذلك أن اإلمارة كانت ألرسة بني سامة‪ .‬وهكذا‬ ‫البحر مثل الزوبعة‪ ،‬فإذا أدركت الزوبعة املركب‬
‫أكد االثنان عىل أن النفوذ الروحي للعباسيني‬ ‫ابتلعته‪ ،‬ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطرا ً فيه‬
‫عىل الوالية بإمارتيها والعالقات الطيبة بني اإلمارة‬ ‫قذى البحر» (التاجر‪ .)76 ،1994،‬كام أشار ابن‬
‫السامية والدولة العباسية‪ .‬أما املسعودي فقد‬ ‫رسته بأن بالد الهند يف قسمها األوسط والجنويب‬
‫الحظ يف هذه اإلمارة الفيلة املخصصة للحرب‬ ‫متطر يف الصيف‪ ،‬وأما املناطق الشاملية والبعيدة‬
‫إذ يجعل يف خراطيمها «قراطل»‪ ،‬وهي سيوف‬ ‫عن البحر إىل حدود بالد التبت وكابل وغريها من‬
‫‪96‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫املسلمني بأرض الهند(املسعودي‪.)248 ،1966،‬‬ ‫هندية معوجة‪ ،‬يتمكن الفيل بفضلها اخرتاق كل‬
‫أما مملكة الطافن فقد تباينت تسمياتها إذ‬ ‫ما يعرتض طريقه ومتزيقه‪ ،‬ويف هذا الوقت يغطى‬
‫وردت «الطافق» عند سليامن التاجر‪ ،‬و»الطافن»‬ ‫خرطوم الفيل بصفيحة من حديد لحاميته‪ ،‬كام‬
‫عند ابن خرداذبه و»الطاقي» عند املسعودي‬ ‫يصفح جسده بصفائح نحاسية وأخرى حديدية‬
‫وابن رسته‪ ،‬ومام توصف به هذه اململكة هو‬ ‫(املسعودي ‪ .)113 ،1966،‬ومام يثري االنتباه ما‬
‫جامل نسائها وبياضهن ويعددن أجمل نساء بالد‬ ‫أورده ابن حوقل من أن اللغة الجاري استعاملها‬
‫الهند(التاجر‪ .)1994،29،‬كام ذكر املسعودي يف‬ ‫يف اإلمارتني اإلسالميتني املولتان واملنصورة هي‬
‫مروج الذهب نساء الطافق أو الطافن بأنه ليس‬ ‫اللغة العربية(ابن حوقل ‪ .)18 ،1992،‬يشار إىل‬
‫يف نساء بالد الهند أحسن منهن‪ ،‬وال أكرث منهن‬ ‫أن املقديس من الجغرافيني الذين زاروا مدينة‬
‫بياضاً‪ ،‬وهن موصوفات الخلوات‪ ،‬مذكورات يف‬ ‫املنصورة‪ ،‬ووصف معامرها‪ ،‬فذكر أن دورها‬
‫كتب الباه (املسعودي‪ .)146 ،1966،‬أما مملكة‬ ‫مبنية من خشب وطني وهي شبيهة مبباين مدينة‬
‫قامر فيصفها الرحالة العرب بأنها من أبرز‬ ‫دمشق(املقديس‪ .)479 ،1992،‬ويف وصف املدن‬
‫املاملك الهندية‪ ،‬وتتميز بجبالها وكثافة سكانها‪،‬‬ ‫واملاملك الهندية مملكة الكمكن (البلهرا )‪ ،‬وهي‬
‫وأكرث أهلها تجار يتاجرون بأفخر أنواع الطيب‪،‬‬ ‫من أكرث املاملك الهندية شهرة وملكها أعظم‬
‫وينسب إىل بالدهم وهو العود القامري‪ ،‬الذي‬ ‫ملوك الهند‪ ،‬والبلهرا تعني ملك امللوك‪ ،‬وقد نقش‬
‫يحمل إىل البالد العربية (املرجع نفسه‪.)94،‬‬ ‫عىل خامته القول التايل ‪َ »:‬م ْن و ّد َك ألم ٍر ولىّ مع‬
‫وقد أقام بها الرحالة ابن رسته ضيفاً عىل ملكها‬ ‫انقضائه» ( ابن خرداذبه‪ .)65 ،1992،‬ويشري‬
‫مدة سنتني‪ ،‬وأشار بأن ملوك قامر يحرمون الزنا‬ ‫سليامن التاجر يف مدوناته بأن البلهرا من األرس‬
‫يف بلدهم‪ ،‬ويعاقبون فاعله بالقتل‪ ،‬وحتى من‬ ‫الهندية الرشيفة والكل يقر لها بالرشف‪ ،‬ويصفها‬
‫يرشب الخمر فإنه يالقي الجزاء نفسه‪ ،‬وأشاد‬ ‫ب « املخرمي اآلذان»‪ ،‬وكل ملوك الهند مخرومو‬
‫بكرم ملكها وعدله وإنصافه‪ ،‬إذ كان يحيط‬ ‫اآلذان‪ ،‬ويتزينون باألقراط‪ ،‬وأن مملكته متتد‬
‫ونساك بوذيني يساعدونه يف‬ ‫نفسه بقضاة ّ‬ ‫عىل طول الساحل(التاجر‪ .)27 ،1994،‬وتشري‬
‫إدارة أمور الرعية‪ ،‬كام أن له مثانني رجالً ذوي‬ ‫املصادر بأن املسلمني داخل بالد البلهرا متتعوا‬
‫جامل وهيئة حسنة يصلحون أمور امللك (ابن‬ ‫مبكانة خاصة ومعاملة حسنة‪ ،‬إذ كانوا ميارسون‬
‫رسته‪ .)133-1891،132،‬ويف وصف الرحالة‬ ‫عباداتهم بحرية‪ ،‬فكانت لهم مساجد وجوامع‪،‬‬
‫العرب ململكة الزابج‪ ،‬فقد أورد سليامن التاجر‬ ‫وكان ملوك بلهرا محبني للعرب وكذلك أهل البالد‬
‫وأبو زيد السريايف بأنها مجموعة من الجزر‪،‬‬ ‫من الهنود كانوا يعتقدون بأن إعامرهم يف امللك‬
‫تتوسط الطريق نحو الصني‪ ،‬ويحكمها ملك يدعى‬ ‫متعلق مبحبتهم تلك (املرجع نفسه‪-27 ،1994،‬‬
‫املهراج (أي امللك الكبري)‪ ،‬ولباس أهلها الفوط‬ ‫‪.)28‬‬
‫سواء منهم الغني أو الفقري‪ ،‬وهي من أخصب‬ ‫وذكر املسعودي الذي زار املدينة سنة ‪304‬‬
‫الجزر وذات بناء معامري منتظم (التاجر‪،1994،‬‬ ‫هـ أنه وجد بها نحو عرشة آالف من املسلمني‬
‫‪ .)19-18‬ومن أهم منتوجاتها التي كانت تجلب‬ ‫قاطنني بها منهم السريافيون وعامنيون وبرصيون‬
‫إىل البالد العربية‪ ،‬معدن الرصاص القلعي‬ ‫وبغداديون والبيارسة الذين يراد بهم من ولد من‬
‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪97‬‬
‫يصنع فيه الطعام للوارد والصادر‪ ،‬وإلطعام الفقراء‬ ‫وخشب الخيزران والكافور والنارجيل واملوز‬
‫من املسلمني بها « (املرجع نفسه‪ .)41،‬ثم مسجد‬ ‫وقصب السكر والقرنفل والثياب القطنية (ابن‬
‫مدينة سيوستان ذات الطابع اإلسالمي وتعد من‬ ‫خرداذبة‪ .)64 ،1992،‬ومن آداب امللوك يف هذه‬
‫أقدم املدن الهندية الواقعة عىل نهر السند‪ ،‬فقد‬ ‫اململكة أال يجلس أحد بني أيديهم سواء من أهل‬
‫وجد فيها أقدم مخطوط إسالمي نادر يدل عىل‬ ‫مملكته أو املاملك األخرى وحتى من املسلمني‪،‬‬
‫انتشار اإلسالم فيها يعود إىل أواخر القرن األول‬ ‫إال مرتبعا ويسمى عندهم «الربسيال»‪ ،‬ومن ميد‬
‫للهجرة‪ ،‬وهو كتاب من الخليفة األموي عمر بن‬ ‫رجليه أو يجلس غري تلك القعدة فعليه غرامة‬
‫عبد العزيز (‪101-99‬هـ)‪ .‬يأمر مبوجبه بأن تتولىّ‬ ‫ثقيلة حسب وضعه االجتامعي (التاجر‪،1994،‬‬
‫إحدى أعرق األرس وهي عائلة الشيباين الخطابة‬ ‫‪ .)154‬كام انفردت رحلة ابن بطوطة يف تقديم‬
‫يف جامع املدينة‪ ،‬ونص الكتاب‪»:‬هذا ما أمر به‬ ‫معلومات قيمة عن الوضع االقتصادي العام يف‬
‫عبد الله أمري املؤمنني عمر بن عبد العزيز لفالن‬ ‫الهند‪ ،‬إذ ذكر أنواعاً كثرية من املزروعات ومنها‪:‬‬
‫وتاريخه عام تسعة وتسعني»(املرجع نفسه‪،‬‬ ‫النبق والعنبه والشكيّ والربيك والتندو والنارنج‬
‫‪ .)81‬واستمرت تلك األرسة تتوارث الخطابة إىل‬ ‫الحلو والحامض واملهوا(العنب) وفضال عن‬
‫حني زيارة ابن بطوطة لتلك املدينة حيث كان‬ ‫حبوب القمح والشعري والح ّمص والعدس‪ .‬ويؤكد‬
‫الخطيب الشيباين مصدرا ً له يف تلك املعلومة‪.‬‬ ‫الرحالة اإليطايل دي كونتي (طافور‪.)84 ،1968،‬‬
‫عادات أهل الهند ‬ ‫ما تحدث به ابن بطوطة عن الزراعة يف سفوح‬
‫الجبال‪ ،‬التي كانت معروفة يف عدد من مناطق‬
‫أورد ابن رسته أن تجار الهند الذين تعرف‬
‫الهند وجزر الهند الرشقية‪ ،‬ويورد مثاال عن زراعة‬
‫إليهم ال يرشبون الخمر‪ ،‬وأن ملك قامر كان من‬
‫القمح والفواكه والتوابل يف سفوح جبل سيالن‬
‫أكرث امللوك تشددا ً مع شاريب الخمر‪ ،‬وإن رشب‬
‫التي يبدو أنها كانت تعتمد عىل مياه األمطار‬
‫أحد قواده تحمى حلقة من حديد يف النار ثم‬
‫يف سقيها‪ .‬كام وصف الجوانب الثقافية والعلمية‬
‫توضع عىل يد املذنب‪ ،‬وقد تؤدي إىل قتله‪،‬‬
‫وطبيعة الوضع الثقايف والعلمي يف الهند بدقة‬
‫ومن العقوبات األخرى قطع اليدين والرجلني‬
‫وتركيز يف منتصف القرن الثامن للهجرة الرابع‬
‫واألنف والشفتني واألذنني‪ ،‬وال يهتم بالغرامة‬
‫عرش للميالد‪ ،‬ومن أهم املساجد التي ذكرها ابن‬
‫املالية كباقي امللوك‪ ،‬وإذا رأوا أحد املسلمني‬
‫بطوطة يف الهند مساجد مدينة دلهي‪ ،‬املتعددة‬
‫يرشب الخمر فإنهم يحتقرونه وال يأبهون به‬
‫والكبرية والسيام مسجد ق ّوة اإلسالم‪ ،‬الذي أجري‬
‫(ابن رسته‪ .) 133 ،1891،‬ويؤكد املسعودي ما‬
‫عليه توسيع يف باحاته وغرفه ليستوعب أعدادا ً‬
‫أورده ابن رسته ويضيف بأن أهل قامر يتميزون‬
‫من الطلبة‪ ،‬وكذلك مسجد مدينة بدفنت ويسكنه‬
‫بطيب رائحة أفواههم الستعاملهم السواك‪،‬‬
‫(الغرباء) املسلمون (ابن بطوطة‪.)44 ،1994،‬‬
‫كأهل ملة اإلسالم(املسعودي‪ .)94 ،1966،‬وأما‬
‫كام تحدث عن مدينة هييل‪ ،‬وهي إحدى املدن‬
‫مملكة قنوج فقد أورد سليامن التاجر بأن‬
‫املهمة التي احتوت عىل املسجد الجامع الكبري‪،‬‬
‫أهلها يشتهرون من بني الهنود بأن فيهم أهل‬
‫إذ كان «يسكنه عدد من الطلبة يتعلمون العلم‪،‬‬
‫علمهم الرباهمة‪ ،‬وشعراء كبار يغشون امللوك‪،‬‬
‫ولهم مرتبات من مال أوقاف املسجد‪ ،‬وله مطبخ‬
‫‪98‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫والفياض‪ ،‬ويقترص غذاؤها عىل الحشيش ومثار‬ ‫ومنجمون وفالسفة وكهان وسحرة يبدعون يف‬
‫األشجار‪ ،‬وال يتزوجون النساء‪ ،‬ومنهم من يجعل‬ ‫التخاييل (التاجر‪ .)127 ،1994،‬وأشار املروزي‬
‫يف إحليله حلقة حديد لئال يأيت النساء‪ ،‬وال يلبسون‬ ‫بأن من أبرز مالمح املجتمع الهندي‪ ،‬والذي ال‬
‫إال شيئا من جلود النمر‪ .‬ومن بني أحد طقوسهم‬ ‫يزال يتصف بها‪ ،‬هو براعتهم يف املعازف واللهو‬
‫أن ينصبوا أنفسهم مستقبلني الشمس محدقني‬ ‫إىل جانب مامرستهم للسحر وإظهار التخاييل‬
‫فيها‪ ،‬وأضاف سليامن أنه قد رأى رجال منهم عىل‬ ‫والوهم والطالسم‪ ،‬ويزعمون أنهم يحلون‬
‫هذه الصفة من التعبد‪ ،‬ثم انرصف‪ ،‬وعندما عاود‬ ‫ويعقدون ويرضون وينفعون‪ ،‬ويعملون أمورا‬
‫زيارته للهند بعد مدة ست عرشة سنة‪ ،‬وجده‬ ‫يقف عندها عقل اللبيب (املروزي‪.)27 ،1942،‬‬
‫عىل تلك الحالة نفسها‪ ،‬فتعجب كيف تسلَ ُم‬ ‫وعن الزراعة فيها وطبيعة طعام أهلها ولباسهم‬
‫عيناه من حر الشمس (التاجر‪ ،‬والسريايف‪،2000،‬‬ ‫فقد أورد املقديس بأنها ذات مياه غزيرة‪،‬‬
‫‪ .)51-50‬ومن عادات أهل الهند التي وثقها‬ ‫ويزرعون املوز ورخيص أكلهم األرز ولباسهم‬
‫البريوين بعد معايشته لهم فرتة طويلة من‬ ‫األزر (املقديس‪ .)480 ،1992،‬وعن موقعها فقد‬
‫الزمن‪ ،‬أنهم ال يحلقون شيئاً من الشعر وأصلهم‬ ‫وصفها ابن حوقل بالسحيقة والنائية يف منتصف‬
‫العري لشدة الحر‪ ،‬ويضفرون اللحى‪ ،‬ويعملون‬ ‫الغابات والصحاري وال ميكن أن يصلها التجار إال‬
‫يف ترك شعر العانة‪ ،‬بأن حلقها مهيج للشهوة‪،‬‬ ‫من أهلها(ابن حوقل‪ .)319-318 ،1992،‬أما عن‬
‫ثم ال يحلقها املولعة منهم بالباءة الحريص عىل‬ ‫العادات الهندية التي يشبه فيها سلوك املسلمني‪،‬‬
‫املباضعة‪ ،‬ويطولون األظفار اسرتواحاً إليها يف حك‬ ‫حسب وصف سليامن التاجر هي حرصهم عىل‬
‫الرأس وفيل الشعر‪ .‬ويأكلون فرادى‪ ،‬وال يعودون‬ ‫النظافة قبل األكل‪ ،‬فذكر أن أهل الهند ال يأكلون‬
‫إىل ما فضل من الطعام‪ ،‬ويرمون بأواين املأكول‬ ‫حتى يستاكون وينظفون أفواههم ويغتسلون‬
‫إذا كانت خزفية‪ ،‬ويحمرون األسنان مبضغ الفوفل‬ ‫كل يوم قبل الغدو‪ ،‬وأضاف أن أكرث غذائهم قائم‬
‫(نبات من الفصيلة النخيلية‪ ،‬يستخدم عىل أنه‬ ‫عىل األرز والنارجيل وجوز الهند (التاجر‪،1994،‬‬
‫منبه ومق ٍو جنيس) بعد تناول ورق التنبول (نبات‬ ‫‪ .)56‬وأن أهل الهند ال يرشبون الخمر وال يأكلون‬
‫عطري من الفصيلة الفلفلية يستعمله الهنود‬ ‫الخل ألنه من الرشاب‪ ،‬وهذا التحريم ليس من‬
‫بدالً من الخمر ويأخذونه بعد أطعمتهم‪ ،‬فيفرح‬ ‫قبل الدين‪ ،‬إمنا أنفة منهم وذلك ملا يؤثر يف‬
‫نفوسهم ويذهب بأحزانهم)‪ .‬ويرشبون الخمر‬ ‫اليقظة والعقل بصورة سالبة‪ ،‬ويرسي هذا العرف‬
‫عىل الريق‪ ،‬ويحسون بول البقر وال يأكلون لحمها‪،‬‬ ‫عىل كل الهنود‪ ،‬مبا فيهم ملوكهم وجميع طبقات‬
‫ويترسولون بالعامئم ومنهم َم ْن يكتفي باللباس‬ ‫املجتمع (ابن خرداذبه‪ .)68 ،1992،‬وقد عرض‬
‫بخرقة قدر إصبعني يشدها عىل عورته بخيطني‪،‬‬ ‫سليامن التاجر إىل وصف أحد عباد الرباهمة‬
‫ومنهم من يلبس رساويل محشوة بالقطن‬ ‫الهنود‪ ،‬وبالرغم من أنه مل يذكر تسمية الطائفة‬
‫يكفي عدة لحف‪ .‬ويبتدئون بالغسل بالرجل‬ ‫التي ينتمي إليها هذا املتعبد‪ ،‬إال أن صفات‬
‫قبل الوجه‪ ،‬ويغتسلون ثم يجامعون‪ ،‬ويقفون‬ ‫الطقوس التي أوردها تدل عىل السلوكيات‬
‫يف الباءة كعريش الكرم والنساء يرهزن عليهم‬ ‫الدينية لطائفة الرباهمة‪ ،‬فقد ذكر أن ببالد الهند‬
‫من تحت إىل فوق‪ .‬كام يقمن بأمور الحراثة‬ ‫جامعة تعيش عىل السياحة يف الرباري والجبال‬
‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪99‬‬
‫إذا نذرت نذرا ً وولد لها جارية جميلة‪ ،‬أتت بها‬ ‫وأزواجهم يف راحة‪ ،‬ويلبس ذكورهم مالبس‬
‫البُ ّد‪ ،‬وهو الصنم الذي يعبدونه‪ ،‬فجعلتها له‪،‬‬ ‫النساء من الصبغات واألسورة وخواتيم الذهب‬
‫ثم اتخذت لها يف السوق بيتا وعلقت عليه سرتا ً‬ ‫يف البنارص ويف أصابع األرجل‪ .‬ويستشريون النساء‬
‫وأقعدتها عىل كريس ليجتاز بها أهل الهند وغريهم‬ ‫يف اآلراء والعوارض‪ ،‬ويحسنون وقت الوالدة إىل‬
‫من سائر امللل ممن يتجاوز يف دينه‪ ،‬فتمكن من‬ ‫الرجال دون النساء‪ ،‬ويفضلون أصغر األبناء‪.‬‬
‫نفسها بأجرة معلومة‪ ،‬وكلام اجتمع لها شئ من‬ ‫ويأخذون اليد يف املصافحة من جهة ظهر اليد‪ ،‬وال‬
‫ذلك دفعته إىل سدنة الصنم ليُرصف يف عامرة‬ ‫يستأذنون للدخول يف البيوت‪ ،‬ثم ال يخرجون من‬
‫الهيكل (التاجر‪ ،‬والسريايف‪ .)90-2000،89 ،‬وعن‬ ‫غري استئذان‪ .‬ويرتبعون يف املجالس ويقصعون‬
‫الجوكية يقول ابن بطوطة‪ « :‬بعث إ ّيل السلطان‬ ‫القمل بأيديهم‪ ،‬ويتمنون بالرضطة ويتشاءمون‬
‫يوماً وأنا عنده بالحرضة‪ ،‬فدخلت عليه وهو يف‬ ‫بالعطاس‪ ،‬ويتقززون من الحائك‪ ،‬ويستنظفون‬
‫خلوة‪ ،‬وعنده بعض خواصه ورجالن من هؤالء‬ ‫الحجام (البريوين‪.)69 ،1993،‬‬
‫الجوكية‪ ،‬وهم يلتحفون باملالحف ويغطون‬ ‫ويروي التاجر بأن يف الهند عبّادا ً وأهل‬
‫رؤوسهم ألنهم ينتفونها بالرماد كام ينتف الناس‬ ‫علم يعرفون بالرباهمة‪ ،‬وشعراء يغشون امللوك‪،‬‬
‫آباطهم‪ .‬فأمرين بالجلوس فجلست‪ ،‬فقال لهام‪:‬‬ ‫ومنجمني‪ ،‬وفالسفة‪ ،‬وك ّهان‪ ،‬وأهل زجر للغربان‬
‫هذا العزيز من بالد بعيدة فأرياه ما مل يره‪ ،‬فقاال‪:‬‬ ‫وغريها‪ ،‬وبها سحرة وقوم يظهرون التخابيل‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬فرتبع أحدهام‪ ،‬ثم ارتفع عن األرض حتى‬ ‫ويبدعون فيها وذلك بقنوج خاصة‪ ،‬وهو بلد‬
‫صار يف الهواء فوقنا مرتبعا‪ ،‬فعجبت منه وأدركني‬ ‫عظيم يف مملكة الجزر‪ ،‬ويضيف التاجر أن‬
‫الوهم‪ ،‬فوقعت عىل األرض‪ .‬فأمر السلطان أن‬ ‫بالهند قوماً يعرفون بالبكرجيني‪ ،‬عراة قد غطت‬
‫أسقى دواء عنده‪ ،‬فأفقت وقعدت وهو عىل‬ ‫شعورهم أبدانهم وفروجهم‪ ،‬وأظفارهم مستطيلة‬
‫حاله مرتبع‪ .‬فأخذ صاحبه نعال من شكارة كانت‬ ‫كالحراب‪ ،‬إذ كانت ال يُقص إال ما ينكرس منها‪.‬‬
‫معه‪ ،‬فرضب بها األرض كاملغتاظ‪ ،‬فصعدت إىل أن‬ ‫وهم عىل سبيل سياحة‪ ،‬ويف عنق كل رجل منهم‬
‫علت فوق املرتبع‪ ،‬وجعلت ترضب يف عنقه وهو‬ ‫خيط فيه جمجمة من جامجم اإلنس‪ ،‬فإذا اشتد‬
‫ينزل قليالً قليالً حتى جلس معنا‪ .‬فقال السلطان‪:‬‬ ‫به الجوع وقف بباب بعض الهند‪ ،‬فأرسعوا إليه‬
‫«إن املرتبع هو تلميذ صاحب النعل»ثم قال ‪»:‬‬ ‫باألرز املطبوخ مستبرشين به فيأكل يف تلك‬
‫لوال أين أخاف عىل عقلك ألمرتهم أن يأتوا بأعظم‬ ‫الجمجمة‪ ،‬فإذا أُشبع انرصف فال يعود لطلب‬
‫مام رأيت» (ابن بطوطه‪.)150 ،2011،‬‬ ‫الطعام إال يف وقت حاجته‪ .‬وللهند رضوب من‬
‫ويورد البريوين فيام يخص حياة «الربهمن» وما‬ ‫الرشائع يتقربون بها إىل خالقهم‪ ،‬جل وعال وع ّز‬
‫يتوجب عليه يف أثناء تعلمه‪ ،‬هو أن يتزهد ويقبل‬ ‫عام يقول الظاملون علوا ً كبريا ً‪ ،‬منها أن الرجل يبني‬
‫عىل تعلم علم الكالم والرشيعة من أستاذ بخدمه‬ ‫يف طُرقهم الخان للسابلة ويقيم فيه بقاال يبتاع‬
‫يف الليل والنهار‪ ،‬ويقيم قربان النار يف طريف‬ ‫املجتازون منه حاجاتهم‪ ،‬ويُقيم يف الخان فاجرة‬
‫النهار‪ ،‬ويسجد ألستاذه بعد القربان‪ ،‬ويغتسل‬ ‫من نساء الهند يجري عليها لينال منها املجتازون‪،‬‬
‫كل يوم ثالث مرات ويصوم يوماً ويفطر يوماً‬ ‫وذاك عندهم مام يثابون عليه‪ .‬وبالهند قحاب‬
‫مع االمتناع عن اللحم‪ ،‬ويكون مقامه يف دار‬ ‫يعرفن «بقحاب البد» والسبب فيه أن املرأة‬
‫‪100‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫النار أنه ملا أرشف عليها أخذ الخنجر فوضعه عىل‬ ‫األستاذ ويخرج منها للسؤال والكدية من خمسة‬
‫رأس فؤاده فشقه بيده إىل عانته‪ ،‬ثم أدخل يده‬ ‫بيوت فقط يف اليوم‪ ،‬ويف فرتة العمر من الخامسة‬
‫اليرسى فقبض عىل كبده فجذب منها ما تهيأ له‬ ‫والعرشين إىل الخمسني يؤذن له بالزواج‪ ،‬وال‬
‫وهو يتكلم‪ ،‬ثم قطع بالخنجر منها قطعة فدفعها‬ ‫يجوز أن يتزوج مبن جاوز عمرها اثنتي عرشة‬
‫إىل أخيه استهانة باملوت وصربا ً عىل األمل‪ ،‬ثم زج‬ ‫سنة‪ ،‬بقصد النسل‪ ،‬عىل ألاّ يطأ امرأته أكرث من‬
‫بنفسه يف النار(املرجع نفسه‪ .)85 ،‬وقد وصف‬ ‫مرة يف الشهر‪ ،‬ومحرم عليه الربا‪ ،‬وصبغ النيل‬
‫ابن بطوطة أحد مشاهد حرق املوىت‪ ،‬حني حرض‬ ‫من بني األصباغ النجسة بالنسبة إليه‪ ،‬ويتوجب‬
‫إحدى الجنائز الهندية‪ ،‬فالهنود إذا مات أحدهم‬ ‫عليه االغتسال إذا مس جسده ( البريوين‪،1993،‬‬
‫أججت له النار لحرقه‪ ،‬وألقي فيها‪ ،‬وهناك من‬ ‫‪ .)187‬وأشار التاجر بأن أهل الهند إذا أرادوا‬
‫النساء من تقبل أن تحرق نفسها مع زوجها‪،‬‬ ‫التزويج تهانؤوا بينهم‪ ،‬ثم تهادوا‪ ،‬ثم يشهرون‬
‫فتتزين وتركب والناس يتبعونها من مسلم وكافر‪،‬‬ ‫التزويج بالصنوج والطبول‪ .‬ويتزوج الرجل ما شاء‬
‫ويرضب بالطبول واألبواق بني يديها‪ ،‬ويرافقها‬ ‫من النساء‪ ،‬وإذا حرض الرجل منهم امرأة فبغت‬
‫جامعة من الرباهمة ثم تلقى يف النار لتحرق‪ ،‬مع‬ ‫فعليها وعىل الباغي بها القتل يف جميع بالد الهند‬
‫زوجها املتوىف وهذا الفعل أمر غري واجب‪ ،‬لكن‬ ‫وإذا زىن رجل بامرأة اغتصبها نفسها قُتل الرجل‬
‫من أحرقت نفسها‪ ،‬أحرز أهلها رشفاً بذلك ونسبوا‬ ‫وحده‪ .‬والرسق يف بالد الهند قليل والكثري القتل‬
‫إىل الوفاء‪ ،‬ومن مل تقدم عىل ذلك عوقبت بأن‬ ‫وإذا رسق السارق فلساً فام فوقه أخذت خشبة‬
‫ألبست الخشن من الثياب‪ ،‬وأقامت عند أهلها‬ ‫طويلة ف ُيحدد طرفها ثم يقعد عليها إسته حتى‬
‫بائسة ممتهنة لعدم وفائها‪ ،‬وذكر ابن بطوطة‬ ‫تخرج من حلقه‪ .‬وبناء أهل الهند حجارة وجص‬
‫أنه عندما شهد هذا املشهد‪ ،‬أفزعه وسقط عن‬ ‫وآجر وطني‪ ،‬وطعامهم األرز وال يأكلون الحنطة‬
‫فرسه مغشياً عليه من هول املنظر( ابن بطوطة‪،‬‬ ‫(التاجر‪ ،‬والسريايف‪.)55-54 ،2000،‬‬
‫‪.)141-138 ،1994‬‬ ‫وعن عادة الحرق بالنار فريوي التاجر بأنه إذا‬
‫ومن عادات أهل الهند التي أوردها التاجر بأنهم‬ ‫عزم الرجل منهم عىل إحراق نفسه‪ ،‬صار إىل باب‬
‫يقتلون ما يريدون أكله وال يذبحونه‪ ،‬فيرضبون‬ ‫امللك فاستأذن ثم دار يف األسواق‪ ،‬وقد أججت‬
‫هامته حتى ميوت‪ ،‬وال يغتسلون من جنابة‪،‬‬ ‫له النار يف حطب جزل كثري عليها رجال يقومون‬
‫وهم ال يأتون النساء يف الحيض ويخرجونهن‬ ‫بإيقادها حتى تصري كالعقيق حرارة والتهاباً‪ ،‬ثم‬
‫من منازلهم تقززا ً‪ .‬ويلبس أهل الهند فوطتني‬ ‫يعدو وبني يديه الصنوج متجوالً يف األسواق وقد‬
‫ويتحلون بأسورة الذهب والجوهر الرجال‬ ‫أحاط به أهله وقرابته‪ .‬وبعضهم يضع عىل رأسه‬
‫والنساء(التاجر‪ ،‬والسريايف‪ .)57-56 ،2000 ،‬وفيام‬ ‫إكليالً من الريحان مملوءا ً بالجمر ويصب عليه‬
‫يخص املباح من لحوم الحيوانات وفق ما أورده‬ ‫السندروس (نوع من الصمغ)‪ ،‬وهو مع النار‬
‫البريوين فهو الضأن واملعز واألرانب والظباء‬ ‫كالنفط‪ ،‬ومييش وهامته تحرتق وروائح رأسه‬
‫والجواميس والسمك والطري املائية والربية‬ ‫تفوح وهو ال يتغري يف مشيته وال يظهر منه‬
‫والدراريج والحامم والطواويس‪ ،‬أما املنصوص‬ ‫جزع‪ ،‬حتى يأيت النار فيثب فيها فيصري رمادا ً‪،‬‬
‫عىل تحرميه البقر والخيل والبغال والحمري‬ ‫فيذكر بعض من حرض رجال منهم يريد دخول‬
‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪101‬‬
‫زبرة حديد إىل حد تذوب فيه وتوضع بالكلبتني‬ ‫واألبعرة والفيلة والدجاج األهيل والغربان‬
‫عىل كف املنكر ليس بينها وبني الجلد سوى‬ ‫والببغاء‪ ،‬وبيض جميعها باإلطالق‪ ،‬والخمر إال‬
‫ورقة عريضة من أوراق النبات تحتها حبات‬ ‫الشودرا(وهم املنبوذون‪ ،‬أصحاب املهن الحقرية‪،‬‬
‫أرز يف قشورها قليلة متفرقة‪ ،‬يؤمر بحملها سبع‬ ‫مثل‪ :‬الكنس والنظافة ‪ ،‬وغسل املالبس‪ ،‬وتنظيف‬
‫خطوات ثم يرمي بها إىل األرض (البريوين‪،1993،‬‬ ‫الجلود‪ ،‬ألنهم من الجنس األسود) فإن رشبها‬
‫‪ .)98-97‬وهذا يؤكد ما رواه سليامن التاجر الذي‬ ‫مباح لهم‪ ،‬وبيعها محظور عليهم كبيع اللحم‬
‫سبق البريوين يف رحلته للهند مبا يزيد عن قرن‬ ‫(البريوين‪.) 1993،195 ،‬‬
‫من الزمن‪ ،‬أنه إذا ادعى رجل عىل آخر يف بالد‬ ‫القضاء عند أهل الهند‬
‫الهند دعوى يجب فيها القتل‪ ،‬قيل للمدعي»‬
‫ويف الجانب القضايئ يورد البريوين بأن القايض‬
‫أتحامله النار» فيقول «نعم» فتحمى حديدة‬
‫يطالب املدعي بالكتاب املكتوب عىل املدعى‬
‫إحام ًء شديدا ً حتى يظهر النار فيها‪ ،‬ثم يقال له‪:‬‬
‫عليه فإن مل يكن فشهود بغري كتاب‪ ،‬وال أقل يف‬
‫«ابسط يدك» فتوضع عىل يده سبع ورقات من‬
‫عددهم عن أربعة فام فوق‪ ،‬فإن عجز املدعي‬
‫ورق شجر لهم‪ ،‬ثم توضع الحديدة فوق الورق‪،‬‬
‫عن إقامة البينة‪ ،‬فعليه اليمني وفوق اليمني أن‬
‫ثم مييش بها مقبالً ومدبرا ً حتى يلقيها عن يده‬
‫يعرض عليه رشب (البيشن) املعروف بربهمن‬
‫فيؤىت بكيس من جلود‪ ،‬فتدخل يده فيه ثم‬
‫وهو رش أنواعه؛ فإنه إن كان صادقاً مل يرضه‬
‫يختم بختم السلطان‪ ،‬فإذا كان بعد ثالثة أيام‬
‫رشبه‪ ،‬وفوق ذلك أن يجاء به إىل نهر عظيم‬
‫أيت بأرز غري مقرش فيقال له‪ »:‬افركه فإن مل يكن‬
‫شديد الجري عميق القرار‪ ،‬أو البرئ بعيدة القعر‬
‫يف يده أثر فقد فَل ََج وال قتل عليه‪ ،‬ويغرم الذي‬
‫كثرية املاء‪ ،‬فيقول للامء‪ :‬أنت طهار املالئكة‬
‫ادعى عليه (التاجر‪ ،‬والسريايف‪ .)2000،52،‬وقد‬
‫عارفاً بالرس والعالنية فاقتلني إن كنت كاذباً‬
‫وصف ابن بطوطة عدل سالطينهم‪ ،‬فقد أورد‬
‫واحرسني إن كنت صادقاً‪ ،‬ثم يحتوشه خمسة‬
‫ابن بطوطة بأن رجالً من كبار الهنود ادعى عىل‬
‫أنفار ويلقونه فيه فإنه إن كان صادقاً مل يغرق‬
‫السلطان بأنه قتل أخاه من غري موجب‪ ،‬ودعاه‬
‫فيه ومل ميت‪ ،‬وفوق هذه يوجه القايض كال‬
‫إىل القايض‪ ،‬فمىض عىل قدميه‪ ،‬ال سالح معه‪،‬‬
‫الخصمني إىل موضع أرشف أصنام تلك املدينة أو‬
‫إىل مجلس القايض‪ ،‬فسلم وخدم‪ ،‬وكان قد أمر‬
‫اململكة‪ ،‬فيصوم املنكر ذلك اليوم‪ ،‬ثم يلبس ثياباً‬
‫القايض قبل ذلك أنه إذا جاء إىل مجلسه فال‬
‫جديد ًة يف اليوم التايل ويقف هناك مع خصمه‪،‬‬
‫يقوم له وال يتحرك‪ ،‬فصعد إىل املجلس‪ ،‬ووقف‬
‫ويصب السدنة عىل الصنم ما ًء ويسقونه إياه‪،‬‬
‫بني يدي القايض‪ ،‬فحكم عليه أن يريض خصمه‬
‫فإنه إن كان كاذباً قاء الدم من ساعته‪ ،‬وفوق‬
‫عن دم أخيه‪ ،‬فأرضاه‪ .‬كام يروي ابن بطوطة‬
‫ذلك يؤخذ سمن ودهن ويغليان يف قدر ويطرح‬
‫بأن صبيا ادعى عىل السلطان بأنه رضبه من‬
‫فيها لعالمة اإلدراك وردة يكون ذبولها واحرتاقها‬
‫غري موجب ورفعه إىل القايض فوجه الحكم‬
‫تلك العالمة‪ ،‬وإذا بلغ غايته طرح يف تلك القدر‬
‫عليه بأن يرضيه باملال‪ ،‬وإال أمكنه من القصاص‪.‬‬
‫قطعة ذهب ويؤمر املنكر بإخراجها يف يده فإن‬
‫فشاهده ابن بطوطة يومئذ وقد عاد ملجلسه‪،‬‬
‫كان محقاً أخرجها‪ ،‬ثم عظمى األميان أن تحمى‬
‫واستحرض الصبي‪ ،‬وأعطاه عصا وقال له‪« :‬فوحق‬
‫‪102‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫الرحالة أث ٌر كب ٌري يف توثيق تاريخ العالقات بني‬ ‫رأيس لترضبني كام رضبتك» فأخذ الصبي العصا‬
‫العرب وبالد الهند‪ ،‬وتعرف العرب مختلف‬ ‫ورضبه بها إحدى وعرشين رضبة‪ ،‬حتى طارت‬
‫مجاالت حياة أهل الهند‪ .‬وال شك بأن االنطباع‬ ‫الكُال عن رأس السلطان(ابن بطوطة‪،2011 ،‬‬
‫السائد عند العرب عن أهل الهند‪ ،‬هو االحرتام‬ ‫‪ .)80‬ويذكر ابن بطوطة بأن أرايض الهند مبا فيها‬
‫والتقدير ملا ألهل الهند من فلسفة وعلوم‬ ‫النيبال يف الشامل الغريب وهي موطن البوذا بأنها‬
‫وآداب‪ ،‬وملا يتصفون به من ذكاء وحصافة‬ ‫هي املكان الذي انطلقت منه البوذية‪ ،‬فهي أصل‬
‫وحكمة‪ ،‬وكذلك لدور الحضارة الهندية يف تقدم‬ ‫كتبهم الدينية‪ ،‬وفيها مشايخهم وعبادهم فيقال‬
‫الحضارة وتطورها بوجه عام مبا فيها الحضارة‬ ‫أن بها مئة ألف عابد‪ ،‬ويحكمها مثانون قاضيا‪،‬‬
‫العربية‪ .‬كام تركت حضارة العرب واتساع‬ ‫يتحرون العدل واإلنصاف حتى لو عرض عليهم‬
‫نطاق تفكريهم وتسامحهم الديني وعنايتهم‬ ‫ولد امللك ألنصفوا منه وأقعدوه مقعد الخصم‪،‬‬
‫بالعدل‪ ،‬صورة طيبة يف نفوس أهل الهند‪ .‬وكانت‬ ‫ومن شدة حرصهم عل تطبيق رشيعة بوذا يف‬
‫العالقات عىل العموم ودية وسليمة‪ ،‬وقد ُمنح‬ ‫مملكة قامر فإن القضاة ال يتهاونون يف تطبيق‬
‫العرب الذين استقروا يف الهند حرية دينية تامة‪،‬‬ ‫الحدود‪ ،‬فيعاقب شارب الخمر عقابا عسريا قد‬
‫وحظي الرحالة بالتقدير واالهتامم من أهل‬ ‫يفقد روحه عىل إثره‪ ،‬ويعاقب فاعل الزنا بالقتل‪،‬‬
‫الهند وحتى من بعض الحكام والسالطني‪ ،‬يشار‬ ‫وهو الحد نفسه الذي يطبق عىل السارق (املرجع‬
‫إىل أن ابن بطوطة قد و ّيل منصب قاض يف إحدى‬ ‫نفسه‪ .)74 ،‬ويورد البريوين بأن من عادات أهل‬
‫فرتات وجوده يف بالد الهند وأُرسل سفريا من‬ ‫الهند أال يفرق بني الزوجني إال املوت إذ ال طالق‬
‫أحد سالطني الهنود إىل الصني‪ .‬ومام أكده مجمل‬ ‫لهم‪ ،‬وللرجل أن يتزوج بأكرث من واحدة إىل أربع‪،‬‬
‫الرحالة الذين زاروا بالد الهند هو إقامتهم للعدل‬ ‫وما فوق األربع محرم عليه إال أن متوت إحداهن‪،‬‬
‫وإعادة الحقوق إىل األشخاص املنكوبني‪ .‬فالهنود‬ ‫وقد يعود التباين يف عدد الزوجات مع ما أورده‬
‫من أقدم األجناس البرشية عىل سطح األرض‪،‬‬ ‫سليامن التاجر إىل تباين املناطق واملجتمعات‬
‫ويع ّدهم املسعودي واحدا ً من األجناس السبعة‬ ‫الهندية التي زارها كل منهام‪ ،‬وأما املرأة إذا مات‬
‫العظيمة عىل سطح األرض‪ .‬وقد نقل الشهرستاين‬ ‫زوجها فليس لها أن تتزوج وهي بني أحد أمرين‬
‫قسم سكان العامل إىل أربعة‬
‫أن بعض أهل العلم ّ‬ ‫إما أن تبقى أرملة طوال حياتها وإما أن تحرق‬
‫أجناس‪ :‬العرب‪ ،‬والفرس‪ ،‬واليونان والهنود‪ ،‬ثم‬ ‫نفسها مع زوجها وهو أفضل ألنها تبقى يف عذاب‬
‫قابل بني العرب والهنود وقال‪ :‬إنهم متقاربون‬ ‫مدة عمرها (البريوين‪ .)1993،96،‬أما يف املرياث‬
‫يف العبادات‪ ،‬وهم حريصون عىل التثبت من‬ ‫فاألصل عندهم يف املواريث سقوط النساء منها‬
‫خصائص األشياء والحكم عىل أصولها وحقائقها‪،‬‬ ‫فام خال االبنة فإن لها ربع ما لالبن‪ ،‬وأما الزوجة‬
‫ويف االعتامد عىل الوسائل الروحية‪ ،‬التي يبدو‬ ‫فإنها إن مل تحرق نفسها وآثرت الحياة كان عىل‬
‫فيها الذكاء والظرف واألناقة والثقافة‪ .‬ويوجد‬ ‫وليها رزقها وكسوتها(املرجع نفسه‪.)199 ،‬‬
‫اليوم تعاون وثيق بني الهند ومعظم الدول‬ ‫ويتضح مام سبق إن الحضارتني العربية‬
‫العربية يف الحقول الرتبوية والعلمية والثقافية‬ ‫والهندية قد تبادلتا التأثر والتأثري‪ ،‬وكان ملدونات‬

‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪103‬‬


‫الهنديّة‪ .‬وهذا بحد ذاته دليل عىل رغبة نامية يف‬ ‫والفنية‪ .‬وأن عددا ً كبريا ً من املعلمني والطالب‬
‫تواصل العالقات التاريخية العريقة واستمرارها‬ ‫والفنيني الهنود يف كثري من البالد العربية‪ .‬كام أن‬
‫بني الشعبني العريب والهندي‪.‬‬ ‫عددا ً من الطالب العرب يدرسون يف الجامعات‬

‫املصادر واملرجع‬

‫جامعة فرنكفورت‪.‬‬ ‫• ‪ -‬ابن بطوطة‪ ،‬محمد بن عبدالله الطنجي (‪.)1994‬‬ ‫ ‬


‫•‪ -‬التاجر‪ ،‬سليامن‪ ،‬والسريايف‪ ،‬أبو زيد (‪.)1994‬أخبار‬ ‫ ‬ ‫رحالت ابن بطوطة‪ ،‬تحفة النظار يف غرائب األمصار‬
‫رحالت العرب والفرس إىل الهند والصني يف الجغرافية‬ ‫وعجائب األسفار‪ .‬منشورات معهد تاريخ العلوم‬
‫اإلسالمية‪ .‬مجلد ( ‪ .)164‬منشورات معهد تاريخ العلوم‬ ‫العربية واإلسالمية‪ .‬جامعة فرانكفورت‪ :‬أملانيا‪.‬‬
‫العربية واإلسالمية‪ .‬أملانيا‪ :‬جامعة فرانكفورت‪.‬‬ ‫•‪ -‬ابن بطوطة‪ ،‬محمد بن عبدالله الطنجي (‪.)2011‬‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬التاجر‪ ،‬سليامن‪ ،‬والسريايف‪ ،‬ايب زيد حسن(‪.)1999‬‬ ‫ ‬ ‫تحفة النظار يف غرائب األمصار وعجائب األسفار‪.‬‬
‫أخبار الصني والهند يف القرن الثالث الهجري التاسع‬ ‫مراجعة درويش الجويدي‪ .‬ج‪ .2‬بريوت‪ :‬املكتبة‬
‫ميالدي‪ .‬تحقيق‪:‬الشاروين‪ .‬يوسف ‪.‬القاهرة‪ :‬الدار‬ ‫العرصية‪.‬‬
‫املرصية اللبنانية‪.‬‬ ‫•‪ -‬ابن حوقل‪ ،‬النصيبيني أيب القاسم( ‪.)1992‬صورة‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬السيد‪ ،‬أمين فؤاد(‪.)1992‬العرب وطريق الهند‬ ‫ ‬ ‫األرض‪ .‬تحقيق‪ :‬كرامرس‪ .‬مجلد ‪.35‬أملانيا‪ :‬جامعة‬
‫حتى أواسط القرن السادس‪ .‬املؤرخ املرصي‪ .‬العدد‬ ‫فرانكفورت‪.‬‬
‫(‪ .)8‬القاهرة‪.‬‬ ‫•‪ -‬ابن خرداذبه(‪.)1992‬املسالك واملاملك‪ .‬تحقيق‪:‬‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬طافور‪ ،‬بريو(‪.)1968‬رحلة طافور يف عامل القرن‬ ‫ ‬ ‫م‪.‬ي‪ .‬دي خويه‪ .‬مجلد ‪ ،39‬منشورات معهد تاريخ‬
‫الخامس عرش امليالدي‪ .‬تحقيق‪:‬حسن حبيش‪ .‬القاهرة‪:‬‬ ‫العلوم العربية واإلسالمية‪ .‬أملانيا‪ :‬جامعة فرانكفورت‪.‬‬
‫دار املعارف‪.‬‬ ‫•‪ -‬ابن رسته‪ ،‬أبو عيل أحمد بن عمر(‪.)1891‬األعالق‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬عبد الرحمن‪ ،‬محمد نرص (‪ .)2014‬الوجود‬ ‫ ‬ ‫النفيسة‪ .‬الجزء (‪ .)7‬تحقيق م‪.‬ي‪.‬دي خويه‪ .‬طبعة‬
‫العريب يف الهند يف العصور الوسطى‪ .‬ط (‪ .)1‬القاهرة‪:‬‬ ‫لندن‪ :‬لندن‪.‬‬
‫الهيئة املرصية العامة للكتاب‪.‬‬ ‫•‪ -‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد (‪ .)1985‬تاريخ الخليج‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬عبد العليم‪ ،‬أنور(‪.)1979‬املالحة وعلوم البحار‬ ‫ ‬ ‫العريب من أقدم العصور حتى التحرير العريب‪ .‬البرصة‪.‬‬
‫عند العرب‪.‬عامل املعرفة‪ .‬العدد (‪ .)13‬الكويت‪.‬‬ ‫•‪ -‬اإلصطخري‪ ،‬أبو اسحق إبراهيم بن محمد‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬القزويني‪ ،‬زكريا بن محمد(‪.)1994‬آثار البالد‬ ‫ ‬ ‫(‪.)1992‬الجغرافيا إلسالمية‪ .‬مجلد (‪ .)34‬منشورات‬
‫وأخبار العباد‪ .‬مجلد (‪ .)198‬تحقيق‪ :‬فرديناند‬ ‫معهد تاريخ العلوم العربية واإلسالمية ‪ .‬أملانيا‪ :‬جامعة‬
‫مستفيلد‪ .‬يف الجغرافيا اإلسالمية‪ ،‬منشورات معهد‬ ‫فرانكفورت‪.‬‬
‫تاريخ العلوم العربية واإلسالمية‪ .‬أملانيا‪ :‬جامعة‬ ‫•‪ -‬باقر‪،‬طه (‪.)2011‬مقدمة يف تاريخ الحضارة‬ ‫ ‬
‫فرانكفورت‪.‬‬ ‫القدمية‪ .‬ج(‪ .)2‬بغداد‪ :‬دار الورق للنرش املحدودة‪.‬‬
‫•‪ -‬كبري‪ ،‬هاميون (‪.)2010‬الرتاث الهندي من العرص‬ ‫ ‬ ‫•‪ -‬البريوين‪ ،‬أبو الريحان محمد بن أحمد(‪.)1993‬‬ ‫ ‬
‫اآلري إىل العرص الحديث‪ .‬ترجمة ذكر عبد الرحمن‪.‬‬ ‫تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة أو مرذولة‪ .‬تحقيق‪:‬‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪ :‬هيئة أبو ظبي للثقافة‬ ‫إدوارد سخاو‪ .‬يف الجغرافيا اإلسالمية‪ .‬مجلد ( ‪,)105‬‬
‫والرتاث‪.‬‬ ‫منشورات معد تاريخ العلوم العربية واإلسالمية‪ .‬أملانيا‪:‬‬

‫‪104‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫يف معرفة األقاليم‪ .‬تحقيق ي‪ .‬دي‪ .‬خويه‪ .‬مجلد (‪.)36‬‬ ‫•‪ -‬كراتشكوفسيك‪ ،‬أغناطيوس يوليانوفتش (‪.)1957‬‬ ‫ ‬
‫منشورات معهد تاريخ العلوم العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫تاريخ األدب الجغرايف‪ .‬ترجمة‪ :‬هاشم‪ ،‬صالح الدين‬
‫أملانيا‪ :‬جامعة فرانكفورت‪.‬‬ ‫عثامن‪.‬الجزء(‪ .)1‬القاهرة‪ :‬القسم الثقايف يف جامعة‬
‫•‪ -‬الندوي‪ ،‬محمد إسامعيل (بال تاريخ)‪.‬تاريخ‬ ‫ ‬ ‫الدول العربية‪.‬‬
‫الصالت بني الهند والبالد العربية‪ ،‬ط(‪ .)1‬بريوت‪ :‬دار‬ ‫•‪ -‬لوبون‪ ،‬غوستاف(‪.)1969‬حضارة العرب‪ ،‬ترجمة‪:‬‬ ‫ ‬
‫الفتح للطباعة والنرش‪.‬‬ ‫عادل زعيرت‪ .‬القاهرة‪ :‬مطبعة الحلبي‪.‬‬
‫•املراجع األجنبية‬ ‫ ‬ ‫•‪ -‬املرزوي‪ ،‬رشف الزمان الطاهر(‪.)1942‬فصول‬ ‫ ‬
‫•‪Lamerg.C. and Karlovvsky, Trafe Mechanism‬‬ ‫ ‬ ‫حول الصني والرتك والهند منتخبة من كتاب طبائع‬
‫‪1971 )in indus and Mesopotamia (London‬‬ ‫الحيوان‪ .‬ترجمة ‪.‬منورسيك‪ .‬طبعة لندن‪ .‬لندن‪.‬‬
‫‪.306-302.pp‬‬ ‫•‪ -‬املجيدل‪ ،‬عبدالله (‪ُ .)2008‬عامن يف أدب الرحالة‪.‬‬ ‫ ‬
‫•‪Muhammed.S. Husayn Nainar; the religions‬‬ ‫ ‬ ‫مجلة الرتاث العريب‪ .‬العدد(‪ .)110‬دمشق‪ :‬اتحاد‬
‫‪)4( sects of southern India mentioned‬‬ ‫الكتاب العرب‪.‬‬
‫‪geographers in Islamic geography, institute‬‬ ‫•‪ -‬املسعودي‪ ،‬عيل بن الحسني(‪ .)1966‬مروج‬ ‫ ‬
‫‪.393.p.of Arabic Islamic Frankfurt, y121‬‬ ‫الذهب ومعادن الجوهر‪ .‬طبعة بافيه دي كرتاي‪.‬‬
‫•‪Erly Relation between Arabia .1937.Nadvi.S‬‬ ‫ ‬ ‫تحقيق‪ :‬شارل بال‪ ،‬الجزء (‪.)1‬بريوت‪.‬‬
‫‪.11.and India.IC‬‬ ‫•‪ -‬املقديس‪ ،‬أبو عبدالله (‪ .)1992‬أحسن التقاسيم‬ ‫ ‬

‫الهند في أدب الرحالة العرب‬ ‫‪105‬‬


‫النقد الأدبي بني التجديد واملمار�سة عند �سيد قطب‬
‫(قراءة يف ؛ املنهج‪ -‬الأ�صول –القواعد‪)-‬‬
‫د‪ .‬بهلول شعبان‬
‫قسم اللغة واألدب العربي‪ ،‬كلية اآلداب واللغات والفنون –‬
‫جامعة الدكتور الطاهرموالي –سعيدة‪-‬الجزائر‬

‫منهجه يف هذه املقاربة بقوله‪" :‬هو إعادة عرض‬ ‫متهيد‪:‬‬


‫القرآن‪ ،‬واستحياء الجامل الفني الخالص فيه‪،‬‬ ‫يتطرق هذه البحث إىل أحد رواد النقد العريب‬
‫واستنقاذه من ركام التأويل والتعقيد‪ ،‬وفرزه من‬ ‫يف العرص الحديث‪ ،‬ال سيام أ ّن هذه الشخصية‬
‫سائر األغراض األخرى التي جاء لها القرآن‪ .‬مبا‬ ‫قد طرقت عدة أبواب يف مجال الكتابة والتأليف‪،‬‬
‫فيها الغرض الديني أيضا‪ .‬فهديف هنا هدف ف ّني‬ ‫فمن الكتابة األدبية إىل النقد تنظريا ومامرسة‬
‫خالص محض‪ ،‬ال أتأثر فيه إال بحاسة الناقد الفني‬ ‫وتأليفا إىل الفكر إىل التجديد يف عمليات القراءة‬
‫املستقل‪ .‬فإذا التقت يف النهاية قداسة الفن‬ ‫والتلقي‪ ،‬وعىل رأسها تلقي النص القرآين من‬
‫بقداسة الدين‪ ،‬فتلك نتيجة مل أقصد إليها ومل‬ ‫املداخل الجاملية واملكونات الفنية وتقيص أثار‬
‫أتأثر بها‪ .‬إنمّ ا هي خاصية كامنة يف طبيعة هذا‬ ‫النص وإيحاءاته وظالله عن طريق توظيف‬
‫القرآن‪ ،‬تلتقي عندها دروب البحث يف النهاية‪،‬‬ ‫املناهج النقدية وعىل رأسها املنهج التأثري‬
‫‪1‬‬
‫ولو مل يحسب السالك لها حسابها يف الطريق"‬ ‫الجاميل‪ ،‬مع اإلميان مببدأ التكامل بني املناهج‬
‫فعملية النقد عند سيد قطب مل تتأسس من‬ ‫وكذا االنفتاح عىل ثقافة اآلخر واالستفادة من‬
‫فراغ أو نظرة عابرة أو انطباع فطري أو ذوق‬ ‫تطبيقاته وإجراءاته حسب طبيعة النص وتكوين‬
‫مرحيل أو نشوة نفسية أو اتحاد ظريف مع النص‬ ‫الناقد و القارئ‪ ،‬وطبيعة الرتاث العريب وخصائصه‬
‫أو تعاطف مع منشئه‪ ،‬وإمنا هي النظرة العميقة‬ ‫التي متيزه عن الثقافات األخرى حتى ال يلوى‬
‫التي انطلقت من واقع النص ومن التعريج عىل‬ ‫عنق النص تحت ضغط املتغريات التي تشهدها‬
‫املامرسة النقدية قدميا وحديثا واالقرتاب من‬ ‫الساحة األدبية يف العامل بكل أطيافه‪.‬‬
‫اإلنتاج وتقييم خطاه ومسريته وأثره كام أنها مل‬ ‫‪ --1‬النقد العريب يف ميزان األديب‪:‬‬
‫تغفل تشخيص املسرية النقدية إنجازاتها وعرثاتها‬
‫وجمودها‪ ،‬تلك القراءة النقدية التي أوصلته إىل‬ ‫إن مهمة النقد يف مبدئها األول هي استحياء‬
‫نتيجة يقول عنها‪" :‬ولكننا مل نزل بعيدين عن‬ ‫الجامل الذي هو أصل الخلق وصورة الكون‬
‫الكامل‪ ،‬أوما يشبه الكامل يف هذا االتجاه"‪،2‬فبعد‬ ‫والكائنات‪ ،‬وهو املنطلق الذي تأسست عليه‬
‫الدراسة املستفيضة لإلنتاج النقدي قدميه‬ ‫دراسة هذا األديب للقرآن الكريم فيفصح عن‬
‫‪106‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫وحديثه يوضح إجراءاته ويقف عىل تقصرياته‪ -2 ،‬النقد األديب بني سلطة املعرفة العلمية‬
‫فهو يرى أن النقد العريب مل يتجاوز املادة اللغوية والفلسفية‪:‬‬
‫لقد حاولت يف هذه الدراسة املقتضبة أن أتعقب‬ ‫بقوالب جاهزة وقوانني تفتقد إىل األصول‬
‫النظرية األدبية عند هذا الناقد وذلك من خالل‬ ‫واملناهج العلمية‪ " ،‬ولقد وجد فصل النقد األديب‬
‫دراسته ألثار تداخل الفلسفة والعلم فيتشكيل‬ ‫يف املكتبة العربية القدمية؛ ولكنه‪ -‬يف غالبه‪ -‬كان‬
‫الصورة النمطية لطبيعة النقد وأدواته‪،‬فهو يرى‬ ‫نقد ألفاظ وعبارات‪ ،‬ال يكاد يجاوز هذه املنطقة‪.‬‬
‫أن النظرية األدبية كان يتأرجحامتالكها بني‬ ‫فإذا جاوزها تناول املعاين من حيث هي معان؛‬
‫سيطرة الفلسفة أحيانا وبني سلطة العلم أحايني‬ ‫ومل يحاول‪ -‬إال نادرا‪ -‬أن يحسب حسابا لنفس‬
‫أخرى‪ ،‬هذان العنرصان اللذان كانا يتحكامن يف‬ ‫القائل وطبيعته‪ ،‬كام أنّه مل يحاول قط أن ينظر‬
‫الفكر البرشي‪ ،‬إذ كانت قواعد النقد الفني تتأثر‬ ‫إىل خصائص الشخصية يف األدب‪ ،‬من الناحية‬
‫بهذه التيارات‪(( ،‬مراحل سيطرة العلوم الطبيعية‬ ‫النفسية‪ .‬فإذا نظر إىل هذه الناحية فإنمّ ا ينظر‬
‫والبيولوجية والنفسية والفلسفة واملنطق‪)) ...‬‬ ‫إىل التعبري من حيث هو ألفاظ وتراكيب ومعان‪،‬‬
‫كام تربز فيها بعض املذاهب معتمدة عىل هذا‬ ‫ال من حيث هو خاصة فكرية‪ ،‬وسمة نفسية‪،‬‬
‫التأثر الفكري العام‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وطريقة شعورية"‬
‫لقد ج ّر تحديد وتفسري النظرية النقدية واألدبية‬ ‫ذاك هو حال النقد األديب قدميا بل إنه وصل‬
‫عموما الناقد إىل التنقيب يف الرتاث النقدي‬ ‫إىل الجمود واالجرتار حوايل القرن الرابع الهجري‪،‬‬
‫القديم فقد عرج عىل محاوالت النقاد يف إقامة‬ ‫واستمر تكريس تلك القوالب املحفوظة يف النهج‬
‫النقد عىل أسس علمية؛ فهذا قدامة بن حعفر قد‬ ‫النقدي طيلة تسعة قرون‪ ،‬حتى كان عرص النهضة‬
‫حاول وأخفق يف بلورة النقد عىل أسس فلسفية‬ ‫فنهض عمود النقد من جديد فلم يجد مادة فنية‬
‫ومنطقية‪ ،‬كام كانت هناك محاوالت للجرجاين‬ ‫راقية يعكف عىل دراستها إال بالعودة إىل دراسة‬
‫تدخل ضمن الدراسات النفسية يف النقد بشكل‬ ‫النصوص القدمية ومعاودة دراستها مبناهج‬
‫منظم كانت متقدمة بخطوات عمالقة بالنظر إىل‬ ‫وآليات مغايرة وصدرت كتب الهدم القايس لكل‬
‫العرص الذي ظهرت فيه وكانت تنتظر مواصلة‬ ‫عمل وملء الساحة األدبية بالضجيج كام يرى‬
‫العمل‪ ،‬ونستطيع القول من خالل دراسة‬ ‫هذا األديب‪ " ،‬وكتاب ((الديوان)) للعقاد واملازين؛‬
‫مؤلفات هذا األديب أنه ميثل امتدادا ملدرسة‬ ‫كان معمل الهدم الذي يسبق كل بناء‪ .‬ولقد صدر‬
‫عبد القاهر الجرجاين‪ .‬أ ّما ما يالحظ عىل عرص‬ ‫بعده بقليل كتاب آخر يرضب عىل نغمته‪ ،‬ولكن‬
‫النهضة فإن قواعد النقد قد تأثرت بشكل كبري‬ ‫يف هدوء‪ ،‬ذلك هو كتاب ((الغربال)) مليخائيل‬
‫بالتيارات الغالبة يف أوروبا‪ ،‬ومن التداخالت بني‬ ‫نعيمة"‪ ،4‬وقد توالت بعد هذه الجهود مناذج‬
‫الفكر الفلسفي والعلمي يف وضع قواعد النقد‪،‬‬ ‫نقدية تتأرجح بني الصواب واإلخفاق‪ ،‬ومن ثم‬
‫فقد رأى البعض يتوجب وضع قواعد عامة‬ ‫أصبحت املكتبة العربية الحديثة يف حاجة إىل‬
‫للنقد الفني عىل أسس فلسفية والسيام نظريات‬ ‫ناقد متمرس ينظر إىل األعامل الفنية الناضجة‪،‬‬
‫الجامل‪ ،‬ثم طفا العلم فرأى بعضهم أن تقام عىل‬ ‫كام أ ّن عملية النقد أصبحت يف حاجة إىل قواعد‬
‫نقدية ومنهج علمي وذوق راق‪.‬‬
‫النقد األدبي بين التجديد واملمارسة عند سيد قطب (قراءة في ؛ املنهج‪ -‬األصول –القواعد‪)-‬‬ ‫‪107‬‬
‫مع النظريات األدبية والنقدية التي شكلت‬ ‫أسس العلم وال سيام علم النفس منها‪.‬‬
‫رؤية نقدية متميزةخالف بها الكثري من النقاد‬ ‫يرى هذا األديب أ ّن إقامة قواعد النقد الفني‬
‫يف مقارباتهم النقدية للنصوص والسيام يف‬ ‫عىل أساس من الفلسفة قد يجدي يف توسيع‬
‫استخداماملناهج املعتمدة يف مقاربة األعامل‬ ‫أفاق النظر إىل الفن بوصفه تعبريا عن الحياة‪،‬‬
‫األدبية‪ ،‬فريى أنه مع أهميتها إال أنها ليست‬ ‫متصال بغاياتها العليا‪ ،‬وأهدافها العامة‪ ،‬وله‬
‫قواعد جامدة مقننة تقنينا علميا يصبح تطبيقها‬ ‫شأنه الخاص يف تفسري دخائل الحياة اإلنسانية‬
‫عىل النصوص األدبية من باب االنضباط وااللتزام‪،‬‬ ‫والكونية‪ -‬وهي مادة الفلسفة األصيلة‪ -‬ولكنها‬
‫أوأ ّن الخروج عنها يع ّد من باب التعدي‪ ،‬وهذا‬ ‫فيام سواها غري مأمونة وال مضمونة‪ ،‬ولتأكيد‬
‫عني املغاالة والتطرف‪ ،‬وأسلوب هذه خاصيته‬ ‫هذه النتيجة يقوم املؤلف بدراسة مستفيضة‬
‫يف تبني التحديد الحاسم للخصائص والتطبيق‬ ‫لنظرة كل من أفالطون وتلميذه أرسطو للفن و‬
‫الحريف للقوالب واإلجراءات النقدية ينايف متاما‬ ‫النظر يف نتائج الفلسفة‪،‬ذلك أ ّن التلميذ قد قسم‬
‫طبيعة األدب املنفتحة واملرنة‪،‬فإنها وبال شك‬ ‫الشعر كام يقسم عامل النبات النباتات إىل أنواع‬
‫ستصطدم بواقع نظريات التلقي التي ترى يف‬ ‫أصناف متأثرا بالنزعة البيولوجية وقد أخطأ خطأ‬
‫النص األديب االنفتاح والتعدد القرايئ‪.‬‬ ‫جسيام يف استبعاد الشعر الغنايئ وهو أصل ألوان‬
‫يقف األديب من النقد كله وقفة املتبرص الفاحص‬ ‫الشعر يف الشاعرية‪ ،‬وكان عىل أساس أ ّن اإلنسان‬
‫أخذا‪ ،‬وردا فهو يرفض أن يجرت الناقد إنتاج من‬ ‫ال يجب أن يحدثنا عن نفسه‪.‬‬
‫سبقوه استهالكا غري واع بطبيعة املرحلة وتغرياتها‬ ‫يرى الناقد أ ّن استعانة النقد مبا توصلت إليه‬
‫ومستجداتها فيغرق يف تقديس املايض وتأليهه إىل‬ ‫األبحاث العلمية والنظريات التطبيقية‪ ،‬أن لهام‬
‫درجة العبودية املك ّبلة‪ ،‬وال يتفطن إىل أن بعض‬ ‫فائدتهام‪ ،‬مع التفريق بني طبيعة العلم وطبيعة‬
‫املعارف أصبحت ال تدرس إىل من باب التاريخ‬ ‫الفن‪ ،‬وأ ّن هناك اختالفا أصيال بني الطبيعتني‬
‫النقدي‪ ،‬تلك التي تجاوزتها الكثري من األبحاث‬ ‫فيجب أن يحسب لكل واحدة حسابها عند‬
‫الجديدة وعىل رأسها بعض آليات املناهج النقدية‬ ‫التطبيق‪ ،‬ذلك أن املادة التي يشتغل عليها العامل‬
‫القدمية‪ ،‬كام يقف موقفا حذرا من املناهج التي‬ ‫الطبيعي هي األجسام الجامدة‪ ،‬والتي يتعامل‬
‫تشكلت يف بيئة وساحة غري عربية‪ ،‬وإمنا كام هو‬ ‫معها العامل البيولوجي هي األحياء‪ ،‬وهي دراسات‬
‫معروف لها مسبباتها ومرجعياتها الخاصة بها‬ ‫تخضع للتجارب‪ ،‬ومع ذلك فاألحكام فيها غري‬
‫إنسانا وتراثا‪،‬وبالتايل فهناك فوىض عارمة‪،‬هي يف‬ ‫محسومة‪ ،‬ومن املستبعد تطبيق القواعد العلمية‬
‫حاجة إىل مراجعة‪ ،‬إال أ ّن هذه العودة القريبة‬ ‫عىل األعامل األدبية‪،‬بلمن غري املمكن اإلملام بكل‬
‫إىل عرص النهضة والتنقيب يف إنتاجها التنظريي‬ ‫املالبسات والظروف‪ ،‬وبالتايل فالعملية محفوفة‬
‫واملنهجي والتطبيقي إمنا تدخل يف العودة إىل‬ ‫بكثري من املزالق واألخطاء الكثرية‪.‬‬
‫هذه املدارس يف العرص الحديث بعد ذلك االنبهار‬
‫‪ -3‬املقاربة النقدية بني سلطة النظرية وانفتاح‬
‫املزيف الذي طارت نحوه مع مطلع الربع من‬
‫القراءة‪:‬‬
‫القرن املايض ((العرشون)) دون تفكري أو تريث‬
‫أو إدراك ألثاره ونتائجه عىل املنهج النقدي وعىل‬ ‫ينفرد الناقد باسرتاتيجية مغايرة يف التعامل‬
‫‪108‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫الذهن والوعي‪ ،‬وتصل إليهام مجردة من ظاللها‬ ‫النتاج األديب وعىل الناقد ذاته‪ ،‬فولج النقد العريب‬
‫الجميلة‪ .‬ويف صورتها التصويرية التشخيصية‬ ‫بأقالمه دوامة من الضبابية‪،‬فغابت عنه الرؤية‬
‫تخاطب الحس والوجدان‪ ،‬وتصل إىل النفس‬ ‫النقدية الواضحة التي تحسن التعامل مع األصيل‬
‫من منافذ شتى‪ :‬من الحواس بالتخييل واإليقاع‪،‬‬ ‫والوافد الجديد‪.‬‬
‫ومن الحس عن طريق الحواس‪ ،‬ومن الوجدان‬ ‫مل يتوقف الكاتب عند عتبة التنظري بل ألحقها‬
‫املنفعل باألصداء واألضواء‪ .‬و يكون الذهن منفذا‬ ‫مبامرسات نقدية عىل األجناساألدبية يف ظل‬
‫واحدا من منافذها الكثرية إىل النفس‪ ،‬ال منفذها‬ ‫املنهج املتكامل الذي يأخذ من القديم واملعارص‬
‫املفرد الوحيد‪ ...‬فوظيفة الفن األوىل هي إثارة‬ ‫والحديث مربزا قيمتها األدبية والنقدية يف اإلنتاج‬
‫االنفعاالت الوجدانية‪ ،‬وإشاعة اللذة الفنية بهذه‬ ‫النقدي ويف التكوين اإلنساين ويف تنمية الذوق‬
‫اإلثارة؛ وإجاشة الحياة الكامنة بهذه االنفعاالت؛‬ ‫الجاميل لآلداب أوال وللفنون كلها ومن خلفها‬
‫‪5‬‬
‫وتغذية الخيال بالصور لتحقيق هذا جميعه‪"..‬‬ ‫صناعة جامل الحياة‪ ،‬ومقارنتها بالحركة النقدية‬
‫‪ -5‬النقد بني الرؤية والتأصيل‪:‬‬ ‫واضطراباتها املنهجية ومامرساتها املتعددة‪،‬‬
‫لقد عمل سيد قطب من خالل قراءاته الرثية‬ ‫وهي يف حالة من الهروب والتبني والتخيل يف‬
‫ومامرساته النقدية عىل وضع منهج نقدي له‬ ‫كل لحظة بعدما اتخذت لنفسها خط االنفتاح‬
‫أصوله ومعامله يف املقاربة النصية‪،‬فتوجت تلك‬ ‫غري املأمون الذي ال يؤمن باالستقرار واملغامرة‬
‫برصيد تقدي ضخم توجه به إىل دراسة النص‬ ‫الدامئة يف املجهول فرشد معها الجامل وتشتت‬
‫القرآين بعد أن وصل به إىل مرحلة التهذيب‬ ‫معها اإلنسان والسيام تلك املناهج الوافدة من‬
‫والنحت والصقل النقدينفلقد حاول صاحب‬ ‫وراء البحار دون دراستها ومتحيصها وتناسبها مع‬
‫الظالل أن يؤصل ملنطلقات نقدية عن طريق‬ ‫املوروث الحضاري‪ ،‬والنظر فيها ويف إجراءاتها‬
‫املامرسات واملقاربات النصية عىل بعض النصوص‬ ‫وإضافاتها وأثرها النقدي يف النقد العريب‪ ،‬ومع‬
‫العربية والعاملية وذلك عىل ضوء جملة من‬ ‫هذا نقول كام ذهب الكاتب إىل ذلك أن إمكانية‬
‫اآلليات ((القواعد واألصول)) ثم الوصول إىل‬ ‫االنفتاح واالستفادة موجودة ولكن مع مراعاة‬
‫املنهج وبعد هذه املقاربات املتنوعة عىل جملة‬ ‫التكوين الطبيعي للنقد العريب وبالنظر إىل‬
‫من األجناس األدبية ((الشعر‪-‬القصة‪-‬األقصوصة‪-‬‬ ‫اإلنسان العريب تكوينا ورؤية وحركة يف الحياة‪.‬‬
‫املرسحية‪-‬الرتجمة والسرية‪-‬الخاطرة‪-‬املقالة‪-‬‬ ‫‪ -4‬آليات تحريك فعل االستجابة واألثر‪:‬‬
‫البحث)) وبعد الحديث عن التأصيل للمفهوم‬ ‫إ ّن الروح النقدية عند هذا األديب تنطلق من مبدإ‬
‫األديب وتحديد أركانه ومادته تعريفا يتامىش مع‬ ‫تحليل النص مهام كان نوعه أو جنسه أو مصدره‬
‫الرؤية النقدية الحديثة بل يتوافق مع الفكرة‬ ‫من الحاسة الفنية التي تعمل عىل تفتيت املعاين‬
‫الرتاثية والرؤية القرآنية ملركزية اإلنسان ووظيفته‬ ‫املحسوسة واملجردة واملشخصة وتحويلها عن‬
‫ووجوده يف الكون وحركته يف الحياة القامئة عىل‬ ‫طريق األدوات النقدية إىل قنوات تخاطب أغوار‬
‫األركان األتية‪(( :‬محورية اإلنسان بخاصيتيه‬ ‫النفس متخذة جميع املنافذ‪ ،‬إذ يقول الناقد‪":‬‬
‫الشعورية والتعبريية‪ -‬اإلنتاج املادي (النص)‪-‬‬ ‫إ ّن املعاين يف صورتها الذهنية التجريدية تخاطب‬
‫النقد األدبي بين التجديد واملمارسة عند سيد قطب (قراءة في ؛ املنهج‪ -‬األصول –القواعد‪)-‬‬ ‫‪109‬‬
‫غ ّن شيئا كثريا ما يزال باقيا معي" إنه هناك يف‬ ‫قيمة العمل يف التاريخ اإلنساين‪ -‬أثر النص يف‬
‫القلب الكبري‪ .‬إن لحظات مع هذا ((اإلنسان))‬ ‫حركة الحياة واإلنسان‪ -‬الخصائص الجاملية‬
‫يف هذا العامل الرايض كالفردوس‪ ،‬الناعم كاألحالم‪،‬‬ ‫واإليحائية))‪ ،‬هذه العنارص هي املكونة للعمل‬
‫‪7‬‬
‫لهي عمر جديد‪ ،‬وكون جديد"‬ ‫األديب وهو موضوع النقد األديب الذي يقول عنه‬
‫فالتعبري هو الجرس الذي ينقل يف مرحلته الثانية‬ ‫األديب "إنه التعبري عن تجربة شعورية يف صورة‬
‫هذه التجربة الشعورية من النفس الواحدة إىل‬ ‫موحية"‪ 6‬ميثل األدب بهذه الرؤية جرسا من حياة‬
‫عوامل أخرى من النفوس تلك التي يقول عنها‬ ‫الداخل إىل الخارج‪ ،‬ومن الباطن إىل الظاهر‪ ،‬ومن‬
‫سيد قطب" فليس بالقليل أن يضيف الفرد‬ ‫عامل الغيب إىل عامل الشهادة‪ ،‬من عامل االضطراب‬
‫الفاين املحدود اآلفاق إىل حياته صورا من الكون‬ ‫واملعاناة إىل عامل السكون و الطأمنينة‪ ،‬ومن عامل‬
‫والحياة‪ ،‬كام تبدو يف نفس إنسان ملهم ممتاز‬ ‫الرتكيب إىل عامل الكامل ومن عامل الظلمة إىل‬
‫هو أديب"‪ ،8‬فوظيفة النقد حسب هذه الرؤية‬ ‫عامل النور والجامل‪" ،‬وهي املعارف النقدية التي‬
‫هي الكشف عن عامل النص اإلبداعي‪ ،‬وعن عامل‬ ‫قارب بها سيد قطب قصيدة الشاعر الكبري رجل‬
‫هذه النفس املبدعة املتقدمة برؤيتها يف الكون‬ ‫السالم الهندي روبندروناتطاغور(‪1861‬م‪)1941-‬‬
‫والحياة‪ ،‬و هي تنقل ذلك العامل الجميل املتميز‬ ‫والتي مطلعها ‪(( :‬اليوم مل يختم بعد‪ .‬والسوق‬
‫إىل الق ّراء فينعموا بجامله اإلنساين وبوكونه‬ ‫التي عىل شاطئ النهر ال تزال))‪ ،‬وهي تحمل‬
‫الروحاين ذلك أ ّن "كل تجربة يصورها أديب‬ ‫أرقى العالقات اإلنسانية وقد أفلح الكاتب يف‬
‫تصبح ملكا لكل قارئ مستعد لالنفعال بها‪ ،‬فإذا‬ ‫تقدميها إىل القراء من حيث الشكل واملوضوع‪،‬‬
‫انفعل بها فقد أصبحت ملكه‪ ،‬وأضاف بها إىل‬ ‫يقول عنها الناقد بعد تحليلها متهيدا وختاما؛‬
‫رصيده من املشاعر صورة جديدة ممتازة"‪.9‬‬ ‫"تعال نصاحب((طاغور)) فرتة من الوقت يف‬
‫عامله الرايض السمح‪ ،‬فإ ّن عنده دامئا ما يعطيه‪،‬‬
‫إ ّن نظرة سيد قطب األدبية والنقدية إىل النصوص‬
‫ولن نعود صفر اليدين بعد رحلة مع هذه الروح‬
‫هي أن تضيف شيئا يستحق القراءة والدراسة‪ ،‬نصا‬
‫املانح الوهاب‪ ...‬أترى أنها رحلة يف السوق‪ ،‬أم‬
‫يرتقي مبوضوعه املادي والشعوري‪ ،‬عمال يكون‬
‫أنها رحلة يف حياة؟ وأي رضاء وأي اطمئنان‬
‫به املبدع أو ال يكون‪ ،‬عمال يكون لبنة جاملية‬
‫وأية ثقة تلك التي نستشعرها يف هذه الرحلة‬
‫وفكرية وأدبية يف الرتاكم الحضاري واإلنساين أن‬
‫مع ((ظاغور))؟‪ ..‬الحياة تعطي والحياة تأخذ‪.‬‬
‫يفتح لإلنسان كل يوم عاملا من املشاعر ينتشل‬
‫ولكن هناك يف النهاية ثروة ال تنفد‪ ،‬ثروة القلب‬
‫به الحائرين و الظآمى من عطش الروح ومن‬
‫والشعور‪ .‬وتلك السامحة الراضية حتى مع‬
‫لظى الفقر املحرق "ولحسن حظ اإلنسانية التي‬
‫السارق املتلصص الذي يريد أن يرسق أرباح اليوم‬
‫ال متلك من العامل املادي املحسوس إال حيزا ضئيال‬
‫كله‪" ،‬لن أخيب ظنك!" وذلك الحب العميق‬
‫محدودا أ ّن يف استطاعتها أن متتلك من العوامل‬
‫الشفيف الرفاف‪" :،‬وأنت لدى الباب تنتظرين يف‬
‫الشعورية آمادا وأمناطا ال عدادا لها‪ .‬وكلام ولد‬
‫يقظة وصمت وعينيك الرغبة‪ .‬وكعصفورة وجلة‬
‫أديب عظيم ولد معه كون عظيم‪ ،‬ألنه سيرتك‬
‫طرت إيل صدري يدفعك حب تواق" وقد رسقت‬
‫لإلنسانية يف أدبه منوذجا من الكون مل يسبق أن‬
‫حصيلة اليوم كله لئال يخيب ظن السارق! ولكن"‬
‫‪110‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫كذلك‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫رآه إنسان! وكل لحظة ميضيها القارئ املتذوق مع‬
‫إ ّن هذه الرؤية قد اقتضت من هذا الناقد أن‬ ‫أديب عظيم‪ ،‬هي رحلة يف عامل‪ ،‬تطول أو تقرص‬
‫يستنبط جملة من القواعد واألصول عن طريق‬ ‫ولكنها رحلة يف كوكب متفرد الخصائص‪ ،‬متميز‬
‫املامرسة النقدية القريبة من عامل النص الفني‬
‫‪10‬‬
‫السامت"‬
‫بكل أجناسه‪ ،‬وأ ّن هذه النظرة تطلبت عددا‬ ‫‪ -6‬النقد وظيفته ومعامله‪:‬‬
‫من املناهج املتكاملة‪ ،‬ذلك أ ّن عامل النص الغني‬ ‫تتضح باملقالة السابقة منطلقات الوظيفة‬
‫بعامله الشعوري والتعبريي واللغوي والفكري‬ ‫النقدية عند هذا األديب وعىل أساسها تتأصل‬
‫وبدالالته وإيحاءاته وظالله يتطلب حشدا هائال‬ ‫األصول والقواعد النقدية التي يجب أن تتناول‬
‫من املناهج وكماّ من القواعد واألصول التي‬ ‫الجوانب املذكورة سالفا والتي متثل األركان‬
‫قد يفصح عنها وهي إحدى مكوناته يف نظامه‬ ‫النقدية‪ ،‬فإن التعريف السابق هو الذي يحدد‬
‫الخطايب‪ ،‬باإلضافة إىل املؤهالت والخربات التي‬ ‫لحقا الوظيفة النقدية فالقواعد فاملنهج‪ ،‬والتي‬
‫ميتلكها الناقد مسبقا والتي متثل مكتسبات قبلية‪،‬‬ ‫انطلق منها منهج الدراسة عند هذا األديب‬
‫وهذا ما أكده سيد قطب وهو يقدم لتا شخصية‬ ‫كاآليت‪((:‬تعريف العمل األديب‪ -‬املامرسة النقدية‪-‬‬
‫عبد القاهر الجرجاين النقدية بقوله‪" :‬أول ناقد‬ ‫القواعد واألصول‪ -‬املنهج – املنهج املتكامل))‬
‫عريب أقام النقد األديب عىل أسس علمية نظرية‪،‬‬ ‫وذلك حسب أبواب ومباحث املدرجة يف مؤلفاته‬
‫ومل يطمس بذلك روحه األدبية الفنية‪ ،‬وكان له‬ ‫الثالثة؛ ((النقد األديب أصوله ومناهجه‪ -‬التصوير‬
‫من ذوقه النافذ‪ ،‬وذهنه الواعي ما يوفق به بني‬ ‫الفني يف القرآن‪ -‬كتب وشخصيات))‪.‬‬
‫هذا وذاك‪ ،‬يف وقت مبكر‪ ،‬شديد التبكري"‪12‬تلك‬
‫إن الوظيفة النقدية كام يتصورها هذا األديب‬
‫املناهج التي يقول عنها هذا األديب مستبعدا‬
‫تنطلق أساسا من النظرة الكونية الشاملة للحركة‬
‫كل فصل بينها قد يتعرث بسببها النقد قبل‬
‫اإلنسانية اإليجابية وبإسهاماتها الكونية يف العامل‬
‫تحقيق الغرض وبلوغ الغاية؛ "إ ّن الفصل الحاسم‬
‫اإلنساين املادي والروحي دون أن تنفي أي طرف‬
‫بني هذه املناهج؛ ((الفني‪ ،‬التأثري‪ ،‬التاريخي‪،‬‬
‫يف العملية اإلبداعية سياقية كانت أو نسقية‪،‬‬
‫النفيس‪ ،‬االجتامعي‪ ))...‬وطرائقها ليس مبستطاع‪.‬‬
‫وهي رؤية تأسست من النظرة املنبثقة عن‬
‫والثاين أ ّن هذه املناهج مجتمعة هي التي تكفل‬
‫الفكر اإلنساين يقول األديب عن وظيفة النقد‬
‫لنا صحة الحكم عىل األعامل األدبية‪ ،‬وتقوميها‬
‫األديب وغايته‪ ":‬تتلخص يف تقويم العمل األديب من‬
‫تقوميا كامال‪ ،‬فإيثار أحده عىل اآلخر ال يكون إال‬
‫الناحية الفنية‪ ،‬وبيان قيمته املوضوعية‪ ،‬وقيمه‬
‫يف املوضع الذي يكون فيه أحدهام أجدى من‬
‫التعبريية والشعورية‪ ،‬وتعيني مكانه يف خط سري‬
‫اآلخر‪ .‬فال محل للتفضيل املطلق‪ ،‬وال للمفاضلة‬
‫األدب وتحديد ما أضافه إىل الرتاث األديب يف لغته‪،‬‬
‫‪13‬‬
‫الحاسمة بني املناهج"‬
‫ويف العامل األديب كله‪ ،‬وقياس مدى تأثره باملحيط‪،‬‬
‫‪ -7‬بنية املنهج النقدي‪:‬‬ ‫وتأثريه فيه‪ ،‬وتصوير سامت صاحبه وخصائصه‬
‫إ ّن األديب سيد قطب من دعاة املنهج املتكامل‬ ‫الشعورية والتعبريية‪ ،‬وكشف العوامل النفسية‬
‫ذلك الذي يجمع يف إجراءاته املنهج الذوقي‬ ‫التي اشرتكت يف تكوينه والعوامل الخارجية‬
‫النقد األدبي بين التجديد واملمارسة عند سيد قطب (قراءة في ؛ املنهج‪ -‬األصول –القواعد‪)-‬‬ ‫‪111‬‬
‫يف هذا شأن ((املدارس)) يف األدب ذاته‪ ،‬فكل‬ ‫الجاميل التأثري‪ ،‬التقريري املنهج النفيس‬
‫قالب محدود هو قيد لإلبداع‪ ،‬وقد يصنع القالب‬ ‫والتاريخي واالجتامعي‪ ...‬فهو يرى أ ّن املالحظة‬
‫لنضبط به املناهج املصنوعة‪ ،‬ال لتصب فيه‬ ‫النفسية عنرص مهم ومكمل‪ ،‬كام أ ّن املالحظة‬
‫‪15‬‬
‫النامذج وتصاغ"‬ ‫التاريخية رضورية يف بعض املناحي‪ ،‬وهي‬
‫فاملنهج املتكامل كام ينظر إليه هذا األديب أنه‬ ‫االلتفاتة التي تقوم بها اليوم الدراسات التداولية‬
‫ال يأخذ النص اإلبداعي بوصفه نتاجا سيكولوجيا‬ ‫حينام أصبحت تركز يف إجراءاتها النقدية بتفعيل‬
‫محدد البواعث‪ ،‬معروف العلل ذلك أن العامل‬ ‫العنارص التواصلية كاملرسل واملرسل إليه والسياق‬
‫النفيس بتجربته الشعورية وأشواقها وآالمها‬ ‫بكل مستوياته وقصدية الخطاب واملدونة‬
‫وآمالها أوسع بكثري وأعمق من البيئة ومحصالتها‬ ‫ومكوناتها اللغوية والفكرية‪.‬‬
‫ومؤثراتها‪ ،‬كام أ ّن هذا املنهج املتكامل يتعامل‬ ‫ومع هذه الدعوة إىل تطبيق املنهج املتكامل‬
‫مع النتاج األديب ذاته غري مستبعد عالقته بنفس‬ ‫فإنه يرى أ ّن هذا املنهج الذي يشكل املنهج‬
‫قائله‪ ،‬وال تأثرات قائله بالسياقات املكانية‬ ‫الفني ثلث حقيقته فإنّه " ال يعد النتاج الفني‬
‫والزمانية‪ ،‬ولكنه مع ذلك يحتفظ للعمل األديب‬ ‫إفرازا للبيئة العامة‪ ،‬وال يحتم عليه كذلك أن‬
‫بقيمه الفنية املطلقة غري املقيدة بدوافع البيئة‬ ‫يحرص نفسه يف مطالب جيل من الناس محدود‪.‬‬
‫وحاجاتها املحلية والزمانية‪ ،‬كام يحتفظ للقائل‬ ‫فالفرد يف عرص من العصور قد يعرب عن أشواق‬
‫بشخصيته املتفردة غري ضائعة يف غامر الجامعة‬ ‫إنسانية للجنس البرشي كله‪ ،‬وملشكالت هذا‬
‫والظروف‪ ،‬ويحتفظ للمؤثرات العامة بأثرها‬ ‫الجنس الخالدة التي ال تتعلق بوضع اجتامعي‬
‫يف التوجيه والتلوين ال يف خلق املوهبة وال يف‬ ‫قائم أو مطلوب‪ ،‬إمنا تتعلق مبوقف اإلنسانية‬
‫طبيعة إحساسها بالحياة‪.‬‬ ‫كلها من هذا الكون ومشكالته الخالدة كالغيب‬
‫إ ّن هذا املنهج كام يتصوره صاحبه يعتربه عامال‬ ‫والقدر و أشواق الكامل اللّدن ّية الكامنة يف‬
‫منتجا يف الحقل األديب‪ ،‬وهكذا ينتهي سيد قطب‬ ‫الفطرة البرشية‪ ...‬و هذه وأمثالها ال تتعلق بزمان‬
‫بعد املامرسة النقدية لجملة من النصوص من‬ ‫و ال ببيئة‪ ،‬وال عوامل تاريخية‪ .‬والعرص الواحد‬
‫مختلف األجناس األدبية إىل وضع الخصائص‬ ‫ينبغ فيه الكثريون يف البيئة الواحدة ولكل منهم‬
‫املميزة لهذا املنهج غاية ومامرسة‪ ،‬وأ ّن القيمة‬ ‫طابع خاص واتجاه خاص وعامل خاص‪ 14".‬إال أ ّن‬
‫األساسية لهذا املنهج يف النقد تتمثل يف أنه يتناول‬ ‫املنهج مع تكامله ال يعترب يف نظر هذا األديب‬
‫العمل األديب من جميع زواياه؛ ويتناول صاحبه‬ ‫شيئا مقدسا تجب عبادته والحذر من الخروج‬
‫كذلك‪ ،‬بجانب تناوله للبيئة والتاريخ وأنه ال‬ ‫عن مق ّرراته وااللتزام بحدودها املصطنعة‪،‬‬
‫يغفل القيم الفنية الخالصة‪ ،‬وال يغرقها يف غامر‬ ‫تلك املكبلة لحركة النقد بقوالبها الجامدة أو‬
‫البحوث التاريخية أو الدراسات النفسية‪ ،‬وأنّه‬ ‫باستدراج مناهج غريبة تتعارض تعارضا طبيعيا‬
‫يجعلنا نعيش يف ج ّو األدب الخاص‪.‬‬ ‫وعضويا وتكوين ّيا مع البيئة التي منا وتطور فيها‬
‫إ ّن املتلقي مهام كانت ثقافته و مستواه‬ ‫النقد العريب‪ " ،‬فاملناهج بصفة عامة يف النقد‬
‫البيداغوجي أو األكادميي أو حتى بالنظر إىل‬ ‫تصلح وتفيد حني تتخذ منارات ومعامل‪ ،‬ولكنها‬
‫اختالف األعامر فهو يف حاجة إىل أن يعيش‬ ‫تفسد وترض إذا جعلت قيودا وحدودا‪ .‬شأنها‬
‫‪112‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫ومل أرد أن أحمل ((النقد العريب)) عىل مناهج‬ ‫عاملا إنسانيا متقدما يف املستقبل غنيا باملشاعر‬
‫أجنبية عنه‪ ،‬لها ظروف تاريخية وطبيعية غري‬ ‫والرؤى الكونية‪ ،‬يف حاجة إىل بناء ذاته‪ ،‬إذ يتطلع‬
‫ظروفه‪ ،‬بل آثرت أن أتحدث عن هذه املناهج‬ ‫مع كل إرشاقة إىل كون من الفضيلة والخري‬
‫يف محيط النقد العريب يف القديم والحديث‪ ،‬فإذا‬ ‫والسالم يرغب أن يكون لبنة يف التكوين اإلنساين‬
‫اضطررت إىل االقتباس من مناهج النقد األورويب‬ ‫والحضاري حينام يتواصل مع األجيال عن طريق‬
‫كان هذا يف الحدود التي تقبلها طبيعة النقد‬ ‫هذه النصوص إنه ينبذ القطيعة واالنفصال‬
‫يف األدب العريب‪ ،‬وتنتفع بها وتنمو منوا طبيعيا‪،‬‬ ‫اإلنساين وميقت الخلل الحضاري يف التكوين‬
‫بعيدا عن التكلف واالفتعال"‪.16‬‬ ‫البرشي‪ ،‬إن اإلنسانية يف حاجة إىل أن تتواصل‬
‫وخالصة القول فقد حاولت أن أقف أوال عىل‬ ‫نفوسها وتتعانق أشواقها يف هذه الحياة يف ظل‬
‫مسرية الناقد يف مجال األدب والكتابة والتأليف‬ ‫املكنونات األدبية التي ال تتحقق للمتلقي إال عن‬
‫وثانيا أن أعرج عىل مبادئ النقد عنده وتحديد‬ ‫طريق نقد واع بوظيفته وأصالته‪.‬‬
‫منطلقاتها التي ترى يف األدب أنه عامل جميل‬ ‫ولهذا فإن هذا النقد وبهذا املنظور عليه أالّ ينىس‬
‫من التجارب الشعورية يف قالب قيم تعبريية‬ ‫أ ّن هذا األدب هو أحد مظاهر النشاط النفيس‪،‬‬
‫بديعة تصحبها إيحاءات وظالل متميزة فتنتقل‬ ‫وأحد مظاهر املجتمع التاريخية‪ ،‬إ ّن هذه الرؤية‬
‫إىل اآلخرين فتثري يف أنفسهم انفعاال معينا ناشئا‬ ‫النقدية وبهذا الوصف املتكامل للفنون واآلداب‬
‫من إيحاءات التعبري املؤثر ليأيت النقد بأدواته‬ ‫نجدها تتحرك يف الفضاءات النسقية والسياقية‪،‬‬
‫وقواعده ومناهجه ليتناول العمل األديب وينظر‬ ‫ومع جنوح األديب وبنسبة عالية إىل النقد العريب‬
‫يف طريقة استخدام األداة الخاصة بكل فن‬ ‫الخالص مع عدم تحميل الرتاث النقدي العريب‬
‫وطريقة تناول املوضوع أي ((األسلوب)) وهام‬ ‫ثقافة نقدية أجنبية‪ ،‬ومع ذلك ال يجد هذا‬
‫عنرصان هامان يف إصدار الحكم أو تقديم قراءة‬ ‫األديب رضرا ‪ -‬وال سيام تحت الرضورة امللحة‪-‬‬
‫جديدة‪.‬‬ ‫أن يستعني يف هذا الصدد بالنتاج األوريب "هذا‬

‫الهوامش‬
‫سيد قطب‪ ،‬النقد األديب «أصوله ومناهجه»‪ ،‬دار‬ ‫‪ 7‬‬ ‫سيد قطب‪ ،‬مشاهد القيامة يف القرآن‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪ 1‬‬
‫الرشوق‪ ،‬ص‪.20-18:‬‬ ‫الرشعية السابعة (‪1413‬ه‪1983-‬م) دار الرشوق‪،‬‬
‫النقد األديب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪.18:‬‬ ‫ ‪8‬‬ ‫بريوت‪ ،‬ص‪.12:‬‬
‫النقد األديب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪.18:‬‬ ‫ ‪9‬‬ ‫سيد قطب‪ ،‬النقد األيب أصوله ومناهجه‪ ،‬دار الرشوق‪،‬‬ ‫‪ 2‬‬
‫سيد قطب‪ ،‬النقد األديب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪.18:‬‬ ‫‪1 0‬‬ ‫ص‪7:‬‬
‫النقد األديب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪7:‬‬ ‫‪ 11‬‬ ‫سيد قطب‪ ،‬كتب وشخصيات‪ ،‬ط‪1403( 3‬ه‪1983-‬م)‪،‬‬ ‫‪ 3‬‬
‫النقد األديب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪.05:‬‬ ‫‪ 12‬‬ ‫دار الرشوق‪ ،‬ص‪.04:‬‬
‫سيد قطب‪ ،‬النقد األيب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪.131:‬‬ ‫‪ 13‬‬ ‫سيد قطب‪ ،‬كتب وشخصيات‪ ،‬ص‪05:‬‬ ‫ ‪4‬‬
‫النقد األيب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪253:‬‬ ‫‪1 4‬‬ ‫سيد قطب‪ ،‬مشاهد القيامة يف القرآن‪،‬ط‪،7‬‬ ‫‪ 5‬‬
‫سيد قطب‪ ،‬النقد األيب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪.253:‬‬ ‫‪ 15‬‬ ‫(‪1403‬ه‪1983/‬م)‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬ص‪9-8:‬‬
‫سيد قطب‪ ،‬النقد األديب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪8:‬‬ ‫‪1 6‬‬ ‫سيد قطب‪ ،‬النقد األيب أصوله ومناهجه‪ ،‬ص‪.11 :‬‬ ‫ ‪6‬‬
‫النقد األدبي بين التجديد واملمارسة عند سيد قطب (قراءة في ؛ املنهج‪ -‬األصول –القواعد‪)-‬‬ ‫‪113‬‬
‫تعليم العربية للناطقني بغريها يف املدار�س العاملية‬
‫مقارنات وت�أمَالت يف التعامل مع التعليم القائم على‬
‫التكنولوجيا‬

‫خالد حسين دلكي‬


‫محاضرلغة عربية‪ ،‬جامعة عجمان‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‬

‫املقدمة‬
‫يتناول الباحث بالدراسة رشيحة مهمة من املتعلّمني الذين مل تنصفهم الدراسات السابقة‪.‬‬
‫يدي املشكلة‪ ،‬أو ــ باألصح ــ يحدد املفاتيح األساسية يف العنوان‬
‫ويبدأ البحث بالتقديم بني ّ‬
‫وكيف تشتغل فيام بينها‪ .‬يف املحور األول‪ ،‬يقف البحث عىل املشاكل األساسية لهذه العينة‪،‬‬
‫وقد حرصها يف غياب مدرج للمستويات تضبط تحصيل الطالب وتقدمه‪ ،‬بحيث يتشابه األمر‬
‫باملنهجية العامة يف تلك املدارس‪ .‬وأما املحور الثاين‪ ،‬فقد عرض لدور تكنولوجيا التعليم يف‬
‫تنويع مصادر التعلم‪ ،‬األمر الذي يغري من دور املعلّم ومنط تعلم الطالب‪ .‬وجاء املحور الثالث‬
‫يبني بالتحليل والعرض األسس واإلجراءات التي يقوم عليها توظيف تكنولوجيا التعليم ممثلاً‬
‫مبدارس «س ّمت» األمريكية أوال‪ ،‬ومن ثم االنطالق إىل الخلفية العامة التي أسست هذه‬
‫املنهجية‪ .‬وبالنسبة للمحور األخري‪ ،‬فقد كان نقاشً ا عا ًما حول االستخادم الحايل لتكنولوجيا‬
‫التعليم مع هذه الرشيحة؛ وقد خلص إىل أن هناك إساءة يف التوظيف أوال‪ ،‬وضعفًا يف إنتاج‬
‫برمجيات جاهزة لالستخدام متاثل املعمول به يف تلك املدارس‪.‬‬
‫وانتهى البحث بتوصيات‪ ،‬من أه ّمها‪ )1( :‬االتفاق عىل « َم ْد َرج» للمستويات‪ ،‬يقوم عىل‬
‫التواصل‪ ،‬أو يتغيّاه؛ و(‪ )2‬املناداة بتكنولوجيا وظيفية لتعليم العربية للناطقني بغريها‪.‬‬
‫الكلامت املفتاحية‪ :‬اللغة العربية للناطقني بغريها‪ ،‬املدارس العاملية‪ ،‬تكنولوجيا التعليم‬

‫الباحث الفرنيس "غوستاف لوبون" ــ كانفي‬ ‫يدي البحث‬


‫بني ّ‬
‫بريطانيا وأمريكا(لوبون‪.)1()114 – 107 ،1991 ،‬‬
‫وإذا كانت فرنسا‪ ،‬يف ذلك الوقت ــ كام ينقل‬ ‫شك يف أ ّن العملية التعليمية يف‬‫ليس من ٍّ‬ ‫َ‬
‫"غوستاف لوبون" ــ‪ ،‬ال تزال تشكو من منهج‬ ‫الغرب قد سا َرتْ مساف ًة بعيدة عنا‪ ،‬فا ْرتَق ْ‬
‫َت‬
‫ولعل التغيري‬ ‫ٍ‬
‫درجات عالي ًة يف ُسلَّم التعليم؛ َّ‬
‫تعليمها التقليدي‪ ،‬ومل ّا تلحق بركاب بريطانيا‬
‫بعد‪ ،‬فإن واقع التعليم يف الدول العربية‪ ،‬يف هذا‬ ‫األول للمنهج التعليمي يف الغرب ــ كام يطرحه‬

‫‪114‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫ماذا نفعل نحن؟ وما هي سبل تحقيقها؟ وهل‬ ‫الوقت‪ ،‬ال زال متأخ ًرا‪ ،‬مع أ ّن دول الخليج العريب‬
‫يف ذلك حل ملشكلة تعليم العربية يف مدارسنا‬ ‫أجل‬‫بشكل عام‪ ،‬قد قطعت أشواطًا كبرية لألمام؛ َ‬
‫العاملية؟ السؤال األخري يفرتض وجود إشكالية‬ ‫الوصول بالطالب إىل "املعيار الحقيقي"‪ ،‬وهو‬
‫يف تعليم العربية يف املدارس العاملية‪ .‬الحق أن‬ ‫استقالل الطالب عن املعلم والكتاب‪ ،‬وتب ّنيه‬
‫هذا االفرتاض صحيح‪ ،‬وواقع التجربة يثبت ذلك‪.‬‬ ‫(هو‪ ،‬بدافع شخيص) التعلُّم بطريقة تضمن‬
‫إ ّن تعليم العربية للناطقني بغريها يف املدارس‬ ‫تحصيله وتقدمه‪ .‬غري أن الحق أ ّن مثة تقدما‬
‫العاملية يواجه مشاكل كثرية تعيق العملية‬ ‫حقيقيافعلياتسجله املدارس العاملية(‪)2‬؛ وهذا‬
‫التعليمية‪ .‬ونظرة بسيطة إىل العراقيل تقودنا إىل‬ ‫يعني أ ّن وجود هذه املدارس‪ ،‬مبناهجها الدولية‪،‬‬
‫سبب رئيس واحد‪ :‬نحن ال منلك منهجهم‪ ،‬وال‬ ‫ال سيام املنهج الربيطاين واألمرييك‪ ،‬قد فرض عىل‬
‫منلك إمكانياتهم ووسائلهمامل ُ َم ْن َهجة يف التعليم‪،‬‬ ‫العملية التعليمية للغة العربية داخل هذه‬
‫ال سيام توظيف تكنولوجيا التعليم بحيث يكون‬ ‫خلق بونًا شاس ًعا‬
‫املدارس أن تواك َبها‪ ،‬األمر الذي َ‬
‫الطالب مستمت ًعا وهو يتعلم (يحصل عىل‬ ‫بني املنهجني داخلها‪.‬‬
‫املعارف واملعلومات)‪.‬‬
‫يعتمد املنهج الدويل التعليم الذايت‪ ،‬ويهتم‬
‫(‪ .)1‬اللغة العربية للناطقني بغريها يف‬ ‫يف بناء شخصية قادرة عىل التواصل‪ ،‬تتمتع‬
‫املدارس العاملية‪ :‬واقع تدريسها وتحديات‬ ‫مبهارات عديدة تسمح لها أن تبني املستقبل بنا ًء‬
‫مشاكلها‬ ‫ِم ْهن ًيا‪ ،‬وذلك بحسب حاجيات الحياة الحقيقية‪.‬‬
‫ال ب َّد‪ ،‬بداي ًة‪ ،‬من الترصيح بالقول‪ :‬لقد بذل َْت‬ ‫وبطبيعة الحال‪ ،‬كانت التكنولوجيا جز ًءا ال يتجزأ‬
‫الدول العربية التي تحتضن املدارس العاملية‬ ‫من الحياة‪ ،‬كام أنها س َّهل َْت كث ًريا من سبل التعلُّم‬
‫جهو ًدا من أجل إثبات وجود اللغة العربية‬ ‫املالمئة لجيل القرن الـ‪ 21‬بعي ًدا عن الكتاب‬
‫وتقدميها للطالب غري العرب (دليك‪،)269 ،2017 ،‬‬ ‫ومفروضاته املعرفية‪ .‬هل هذا يعني أن التخيل‬
‫لك ّن الدراسات تكاد تغفل هذه الرشيحة من‬ ‫عن الكتاب هو طريقنا الحقيقي لحل مشكلة‬
‫اهتامماتها مع الوعي بوجودها(مدكوروهريدي‪،‬‬ ‫التعليم يف بالدنا؟‬
‫‪ )2006‬وتقفز عنها إىل الطلبة األكرب س ًنا‪ ،‬وغالبًا‬ ‫ليس األمر كذلك‪ ،‬بالتأكيد‪ .‬فالوسائط‬
‫هم طلبة الجامعات‪ .‬إ ّن البدء بهذا القول له ما‬ ‫اإللكرتونية اليوم هي شغل الجيل الشاغل‪ ،‬وبدال‬
‫يربره؛ فجهود الدولة مهام كانت جبارة ستبقى‬ ‫ساعات كثرية واضعني أما َم ُه‬‫ٍ‬ ‫من إبعاده عنها‬
‫حبيسة اإلطار السيايس واملفاهيم اإلدارية‪،‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬ح ّولوا املعرفة والكتاب إىل تكنولوجيا‪،‬‬
‫وتحتاج من ينقلها من وجود بالقوة إىل وجود‬ ‫فصارتْ بديال ش ّيقا للطالب‪ ،‬كام أنها تكفل له‬
‫بالفعل؛ فقراءة هذه القرارات ونقدها مبا‬ ‫بناء نوا ٍح كثرية‪ :‬اعتياد التكنولوجيا بوصفها‬
‫يدعمها‪ ،‬وكذا توظيفها يف تكوين اإلطار الرتبوي‬ ‫يل‪ ،‬وتعزيز آل ّيات‬‫وسيلة العرص‪ ،‬وبناء جيل عم ّ‬
‫– التعليمي‪ ،‬يحتاج باحثني مختصني‪ ،‬لهم رؤاهم‬ ‫البحث لديه (الحيلة‪)27 ،2004،‬؛ ويف الوقت‬
‫الرتبوية والعلمية يف اكتساب اللغة وما يتعلق به‬ ‫نفسه يكون الطالب مستمت ًعا ج ًدا وهو يدرس‪.‬‬
‫من ضبط للمستويات واملضامني اللغوية املراد‬
‫يبقى السؤال‪ :‬هكذا فعلوا ونجحوا‪ ،‬ولكن‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪115‬‬
‫يعني ــ بالرضورة ــ غياب القدرة الحقيقية يف‬ ‫تعليمها فتعلُّمها‪.‬‬
‫مراقبة "التحصيل" و"التقدم"‪ ،‬وبالتايل انتفاء‬ ‫عىل أية حال‪ ،‬فقد قدم مع مطلع هذا العام‬
‫الحافز الحقيقي يف التعلُّم عند طالب املدارس‬ ‫ورقة علمية‪ ،‬نظنها أجابت عىل أسئلة كثرية‪،‬‬
‫العاملية‪ .‬فــ"بالنسبة للمدارس العاملية‪ ،‬مث ّة أمران‬ ‫نو ِق َش فيها حال "تعليمية اللغة العربية للناطقني‬
‫اثنان يع ّول عليهام صانعو السياسات الرتبوية‬ ‫بغريها يف املدارس العاملية"(دليك‪)2017 ،‬؛ وقد‬
‫والقامئون عىل التحقق من نتائجها (املق ّيمون‬ ‫ُو ِق َف فيها عىل املشكلة والحلول‪ ،‬وسنعرض لها‬
‫الرتبويون)‪ ،‬وهام التحصيل والتق ّدم؛ بحيث‬ ‫هنا بيشء من اإلجامل حتى يكتمل الوعي بهذه‬
‫يصف األول املعارف واملهارات األربعة التي‬ ‫الرشيحة ومشاكلها‪ ،‬لعلنا بذلك نفتح الباب‬
‫يشتغل عليها الدارسون وين ّمونها يف مراحل‬ ‫عىل مرصاعيه أمام الباحثني ليحاولوا بيشء من‬
‫دراستهم‪ ،‬بينام يصف الثاين مستويات التق ّدم‬ ‫االهتامم تقديم مقرتحاتهم الرضورية ملسري‬
‫التي يحققها الدارس يف سنوات دراسته‪،‬فيعرف‬ ‫العملية التدريسية – الدراسية لهم‪.‬‬
‫حينها (وحينها فقط) يف أي مستوى هو وإىل أين‬
‫وعليه‪ ،‬فإنَّه يُ ْنظَر إىل "ما َّدة اللغة العربية"‪،‬‬
‫ولعل غياب أحدهام أو كليهام كمعايري‬ ‫يتجه‪ّ .‬‬
‫بالنسبة إىل هؤالء الطلبة‪ ،‬عىل أنها ال تتفق والنهج‬
‫توصيفية تضبط املنهاج ضبطًا علميا صارما‪ ،‬لعل‬
‫العام يف هذه املدارس‪ ،‬والسبب يف ذلك مر ّده إىل‬
‫هذا الغياب هو وراء الفوىض املسترشية مبناهج‬
‫"الفوىض" يف تقديم هذه املادة أوال‪ ،‬وثانيا‪ :‬عدم‬
‫اللغة العربية للناطقني بغريها يف تلك املدارس‪،‬‬
‫مسايرتها ــ شكال ومضمونا ــ للطريقة التي ت ُ َق َّدم‬
‫ال س ّيام يف غياب شبه تا ّم التفاق يجمع بني كل‬
‫بها املوا ّد الدراسية األخرى لهم‪ .‬وبغض النظر عن‬
‫هذه املدارس‪ ،‬فيام لو افرتضنا أ ّن هناك مدرسة‬
‫أهداف هذه املؤسسات التعليمية‪ ،‬التي ال يعترب‪،‬‬
‫أو أخرى استطاعت بجهود قليلة أن تضبط شيئًا‬
‫يف األساس‪ ،‬واح ًدا منها تعلي ُم اللغة العربية (هذا‪،‬‬
‫منها‪ ،‬لكنها مع ذلك تبقى محاولة فردية‪ ،‬ينقصها‬
‫إذا استثنينا توصيات الدولة اإللزامية باعتامد‬
‫الكثري لتكون معيا ًرا جامعا جمع ًيا‪(.".‬دليك‪،‬‬
‫اللغة العربية كُ ُم ْخ َرج)‪ ،‬فإن اإلطار العام الذي‬
‫‪)270 ،2017‬‬
‫ُو ِض َع ْت فيه "تعليمية اللغة العربية لهم" ال يدع‬
‫وعال ًجا لجانب املشكلة األول(‪ ،)3‬املنهاج‪،‬‬ ‫للقامئني عليها مجاال للتفكري بها عىل أنّها واح ٌد‬
‫كانت الدعوة باإلطار املرجعي األورويب‪ ،‬بوصفه‬ ‫من أهدا ِفها أو مخرجاتها التعليمية‪ ،‬لُ ُب ْع ِدها‬
‫ذا تجربة طويلة وناجحة‪ .‬وجاءت الدعوة لتكون‬ ‫عن "املعيار األساس" يف برنامجها التدرييس‪،‬‬
‫إطارا عا ًّما واح ًدا ملنهاج الناطقني بغري العربية يف‬ ‫وهو "ضبط املدخالت واملخرجات" يف " َم ْد َرج"‬
‫كل املدارس العاملية‪ ،‬واألهداف من هذا التو ُّجه‬ ‫للمستويات‪ ،‬تنتظم فيه موضوعات الطالب منذ‬
‫كثرية؛ أه ّمها توحيد الجهود والقضاء عىل الفوىض‬ ‫السنة األوىل حتى املرحلة األخرية من الثانوية‬
‫والتخ ّبط يف وضع الربامج‪ ،‬وتحقيق أفضل النتائج‬ ‫(وهذه املرحلة‪ ،‬باختالف أنظمتها‪ ،‬ترتاوح بني‬
‫يف "الكفاءة اللغوية التواصلية" الرتباط مستويات‬ ‫الصف الثاين عرش والثالث عرش)‪.‬‬
‫املرجع ــ كام هو معلوم ــ باملضامني الثقافية‬
‫إ ّن غياب توصيف دقيق ملستويات الطلبة‪،‬‬
‫واالجتامعية وأساسيات التواصل يف الحياة؛ مع‬
‫وبالتايل للموضوعات التي يدرسها يف كل مستوى‪،‬‬
‫اإلشارة بإمكانية تغيري املضامني مبا يتك ّيف مع‬
‫‪116‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫ •‪ B2‬املستوى املتقدم أو العميل‪.‬‬ ‫العاملَينْ ِ (الزماين‪/‬املكاين) اللذين يتح ّيز فيهام‬
‫ •‪ C1‬املستوى املستقل أو مستوى الكفاءة‬ ‫الطالب‪.‬‬
‫العملية‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬فإ ّن هذا اإلطار املرجعي‬
‫ •‪ C2‬مستوى اإلتقان أو التمكن‪ .‬انظر يف‬ ‫يق ّدم‪ ،‬من خالل اعتامد املضامني االتصالية‬
‫(أبوعمشة‪)260 - 251 ،2015 ،‬‬ ‫وفق مدرج املستويات‪" ،‬املعارف املهمة التي‬
‫من املالحظ أ ّن هذه املستويات‪ ،‬ألنها عىل‬ ‫باكتسابها يكون الطالب قد خطا خطوة يف تعلم‬
‫اس مبارش مع طالب مدرسة بسيط املعرفة‬ ‫تمَ ٍ‬ ‫اللغة‪ ،‬خطوة ت َُس َّجل يف رصيد الطالب املعريف‬
‫والخربة‪ ،‬تصعد مع الطالب من النقطة الصفر (‪+‬‬ ‫(التحصيل) من جهة‪ ،‬ويف ارتقائه درجة عىل‬
‫كفاءة صوتية – كفاءة تواصلية) إىل أعىل القمة‬ ‫مدرج املستويات (التقدُّ م)‪(".‬دليك‪)272 ،2017 ،‬‬
‫(‪+‬كفاءة اتصالية متميزة)؛ وهذا يعني أ ّن الطالب‬ ‫الجذري‬
‫ّ‬ ‫مبعنى أننا‪ ،‬بذلك‪ ،‬نكون قد وج ْدنا الحل‬
‫يتق ّدم يف مهارات اللغة ويكتسب مضامينها‪.‬‬ ‫ملشكلتي "التحصيل" و"التقدُّ م" من جهة‪ ،‬ومن‬
‫بكالم آخر‪" ،‬إن هذه املستويات تضمن التعليم‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬ساي ْرنا االتجاه العا ّم يف املنهاج‬
‫الذايت للطالب‪ ،‬وكذا التقييم الذايت؛ فهو يستطيع‬ ‫األجنبي‪ ،‬فال يختلف ــ من ث ّم ــ عىل الطالب‬
‫أن يعرف املستوى الذي هو فيه‪ ،‬واملستوى الذي‬ ‫"أسس التعامل" العامة يف منهج مدرسته‪.‬‬
‫عليه أن يعمل جاه ًدا من أجل أن يصل إليه‪.‬‬ ‫ومن األهمية مبكان اإلشارة إىل أ ّن اإلطار‬
‫إننا‪ ،‬بهذه الطريقة‪ ،‬نكون قد خلقنا جوا متوازيًا‬ ‫املرجعي األورويب يفرتض مسبقًا (وال يتض َّمن)‬
‫ومتساوقا مع املنهجية السائدة يف تلك املدارس‪،‬‬ ‫الكفاءة الصوتية التي متكّنه من تحقيق الكفاءة‬
‫ونكون يف الوقت نفسه قد ضمنا للطالب اكتسابه‬ ‫االتصالية باملضامني عىل مدرج املستويات‪ ،‬لذلك‬
‫مهارات التواصل الكافية يف هذا العامل‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫كان االقرتاح ــ لس ّد هذه الثغرة ــ باعتامد‬
‫يصري الحرص كب ًريا عىل االلتزام مبفردات هذه‬ ‫"معيار وزارة الخارجية األمريكية"‪ FSI /‬يف‬
‫املعايري وخطوطها العريضة‪ ،‬أي التقيد باألغراض‬ ‫توصيف الكفاءة الصوتية (املفرتضة)‪ ،‬التي تعادل‬
‫التواصلية‪ ،‬وهي أغراض ‪ ....‬ال تخرج عن عامل‬ ‫"كفاءة تواصلية ضعيفة‪ /‬متهيدية"‪ .‬وقد خلصنا‬
‫الطالب املحيط (موضوعات التواصل)‪( ".‬دليك‪،‬‬ ‫من الدمج بني املعيارين (األورويب والـ‪ )FSI‬إىل‬
‫‪)273 ،2017‬‬ ‫هذا املدرج ذي املستويات الثامنية(دليك‪،2017 ،‬‬
‫فيام يخص الجانب اآلخر من املشكلة‪،‬‬ ‫‪:)273‬‬
‫أي أساليب التدريس وإمكانياته‪ ،‬فإننا نرى أ َّن‬ ‫ •املستوى الصفر (تهيئة متهيدية)‬
‫طالب هذه املدارس اعتا َد عىل التعامل الرتبوي‬ ‫ •املستوى الصفر املتقدم (كفاءة مكتسبة‬
‫الحديث‪ ،‬وتك ّيف مع اإلمكانيات والوسائل‬ ‫بالحفظ)(دليك‪)272 ،2017 ،‬‬
‫الحديثة التي توفرها له املدرسة‪ ،‬وصا َر تص ُّور‬ ‫ •‪ A1‬املستوى التمهيدي أو الكفاءة‬
‫الدرس عنده مقرونًا باملتعة والبهجة واأللعاب‬ ‫التمهيدية‪.‬‬
‫واألنشطة والتكنولوجيا والتح ّدي‪.‬‬ ‫ •‪ A2‬املستوى املتوسط أو مستوى البقاء‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬صار عىل معلم اللغة العربية "أن‬ ‫ • ‪ B1‬مستوى العتبة‪.‬‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪117‬‬
‫التقليدي‪ ،‬إطار الصف واملعلم والطالب‪ ،‬داعي ًة‬ ‫يغري من طرق تقدميه ملحتوى مادته‪ ،‬وأن يساير‬
‫إىل تعليم يت ّم يف غري هذا اإلطار‪ ،‬مبشرّ ة بتحطيم‬ ‫الطريقة السائدة يف املدرسة الحديثة حتى يضمن‬
‫جدران الصف‪ ،‬مستعين ًة يف ذلك كله بالوسائل‬ ‫النجاح ملادته‪ ،‬ويضمن للطالب أن يندمج معه‪.‬‬
‫التكنولوجية الحديثة التي تدعو إىل إدخالها‬ ‫أما أسس هذه الطريقة العامة فهي‪:‬‬
‫يف الرتبية (من مثل الراديو والتلفزيون واألفالم‬ ‫ •التعليم املستقل‪.‬‬
‫وآالت التسجيل وسواها من وسائل البث‬ ‫ •التعليم الواقعي املرتبط بالحياة‪.‬‬
‫الجامعية‪ ،‬ومن مثل التعليم يف الهواء الطلق‪ ،‬أو‬ ‫ •التلعيب بالتعليم‪.‬‬
‫التعليم املربمج‪ ،‬أو التعليم عن طريق العقول‬ ‫ •الوسائط اإللكرتونية يف التعليم‪.‬‬
‫اإللكرتونية وسائر وسائل التعلم الذايت ‪Auto‬‬
‫‪ ،)– Education‬بل إن هذه الثورة الرتبوية‬ ‫وغريها من األسس التي تنادي بها الطرق الرتبوية‬
‫الجديدة تدعو أحيانا إىل تجاوز املدرسة وإلغائها‪،‬‬ ‫الحديثة؛ وهي أسس مهمة من أجل صالح‬
‫وإىل تقديم تربية تت ّم عرب مراحل العمر كلها‪،‬‬ ‫العملية الرتبوية وسالمة سريها‪( ".‬دليك‪،2017 ،‬‬
‫وال تتم عرب مراحل محدودة من عمر اإلنسان‪،‬‬ ‫‪)274‬‬
‫وتستمر من املهد إىل اللحد‪ ،‬عىل نحو ما نرى يف‬ ‫إ ّن هذه األسس‪ ،‬التي تلهج بها الطريقة الرتبوية‬
‫شعار الرتبية الدامئة أو املستمرة‪(.".‬عبد الدائم‪،‬‬ ‫الحديثة‪ ،‬تعمل عىل تحقيق املعلومة للطالب‬
‫‪)502 ،1984‬‬ ‫ولكن برشوط وظيفية؛ أن يكون للمعلومة صدى‬
‫ميكن أن نسجل‪ ،‬هنا‪ ،‬مالحظة مهمة تعتمد‬ ‫يف الواقع‪ ،‬وأن يساهم الطالب نفسه يف صنع هذه‬
‫عىل إسهامات التكنولوجيا الحديثة يف التعليم؛‬ ‫املعلومة باستقاللية تضمنها له متعة النشاط مام‬
‫فثورة التعليم التي سطع نجمها يف هذا السياق‪،‬‬ ‫يزيد من تحفيزه‪ ،‬وأن تُف َّعل الوسائط اإللكرتونية؛‬
‫هي ــ بتسمية أخرى أكرث مناسب ًة للمقام ــ ثورة‬ ‫ولعل هذي الوسائط هي مدخل هذه العملية‬
‫مصادر تعلُّم كام رصدها املؤلف يف االقتباس‬ ‫الوظيفية بر ّمتها‪.‬‬
‫السابق(‪ .)5‬إ َّن تن ّوع املصادر يعني‪ ،‬بشكل أو‬ ‫(‪ .)2‬الوسائط اإللكرتونية‪ :‬من ثورة التعليم‬
‫بآخر‪ ،‬تجيري طاقة املعلم من كونه مصد ًرا وحي ًدا‬ ‫إىل ثروة املعلومات وسبل االتصال‬
‫للمعلومة إىل كونه مرش ًدا للبحث عنها أو مرشفا‬ ‫شك أن التكنولوجيا ساهمت بشكل كبري‬ ‫ال ّ‬
‫عليها؛ مبعنى أ ّن التعليم مع تن ّوع املصادر مل‬ ‫يف تشكيل الوعي الرتبوي الحديث‪ ،‬ذلك أنّها‬
‫يعد تعليام الكتساب املعلومة الجاهزة‪ ،‬بل صار‬ ‫ق َّد َم ْت له رؤية حرة مطلقة ذات مدى أوسع‬
‫تعليام الكتساب مهارات البحث عن املعلومة‪،‬‬ ‫من السابق‪ ،‬باإلضافة إىل املساحة الكبرية ج ًدا‬
‫يوسع املعلومة ويصقل املهارة‪.‬‬
‫مام ّ‬ ‫التي باتَ الوعي الرتبوي الحديث يتح ّرك داخلَها‪،‬‬
‫ثورة التعليم هذه التي كفلت للطالب تعد َد‬ ‫حتى د َع ْت إىل استمرارية التعليم وشموليته(‪.)4‬‬
‫املصاد ِر وسعتَها‪ ،‬وبالتايل تعدد أمناط التعلم‬ ‫وقد تجلىّ هذا الوعي‪ ،‬بأواخر القرن العرشين‪ ،‬يف‬
‫نتج عنها‪ ،‬وبسبب‬ ‫ومواءمتها لجميع القدرات‪َ ،‬‬ ‫"الثورة الجديدة" للرتبية الحديثة‪ .‬وأما عن معامل‬
‫من وجود العامل اإللكرتوين‪ ،‬ثروة كبرية ج ًدا من‬ ‫هذه الثورة‪ ،‬فإنّها "تدعو إىل تغيري إطار املدرسة‬
‫‪118‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫الساحة للمصادر األخرى ينهل منها الطلبة كيفام‬ ‫املعلومات وسبل االتصال أ َّدت إىل ات ّساع أكرب يف‬
‫شاءوا‪ .‬وعندنا تعقيب بسيط‪ ،‬غاية يف الخطورة‪،‬‬ ‫املصادر وتشكيلة واسعة يف أمناط التعلم؛ وبكالم‬
‫يف هذا املقام؛ ف َك ٌّم كبري من األستاذة يحرصون‬ ‫آخر‪ ،‬فإننا "ندرك اليوم قيمة التكنولوجيا التي‬
‫استخدام التكنولجيا يف قدرتهم عىل عرض الدرس‬ ‫تستطيع أن تزودنا بفرص جديدة‪ ،‬وتفتح أمامنا‬
‫باستخدام "البوربوينت"‪ ،‬من غري أن يكلّف‬ ‫آفاقًا واسعة للتدريس بطرق مختلفة‪ ،‬بطرق‬
‫الكثري منهم القراءة يف أساليب العرض ومواكبة‬ ‫تستطيع أن تلبي الحاجات األساسية ملجتمع‬
‫مستج ّداته‪ .‬إن "البوربوينت" أداة تكنولوجية‬ ‫جديد رسيع التغري‪ :‬مجتمع املعلومات‪( ".‬عباس‪،‬‬
‫مساعدة‪ ،‬لكنها ليست مصدرا تكنولجيا للطلبة‪.‬‬ ‫‪)12 ،2001‬‬
‫إذن‪ ،‬فام هي مصادر التعلم التكنولجية‪ ،‬ال سيام‬ ‫واألمر الغريب ــ وحال مصادر التعلم وأمناطه‬
‫بالنسبة لتعلُّم العربية؟‬ ‫يف ظل التكنولوجيا كذلك ــ أن نبقى‪ ،‬يف مجال‬
‫الوسائط املتعددة‪ :‬تشمل استخدام الوسائل‬ ‫تعليم العربية للناطقني بغريها أو حتى للناطقني‬
‫البرصية والسمعية يف التعليم‪ ،‬مثل التلفاز‬ ‫بها‪ ،‬معتمدين عىل مصدر واحد‪ ،‬هو األستاذ‪ .‬فال‬
‫والراديو‪ ،‬والفيديو والتسجيالت الصوتية‪ .‬وحال ًيا‪،‬‬ ‫خالف يف أ ّن دور "التدريس" بالنسبة لألستاذ‬
‫وفّر اإلنرتنت مساحة كبرية ج ًدا منها من خالل‬ ‫أسهل من دور "التوجيه واملرجعية"(آكوف‬
‫موقع "اليوتيوب" وغريه من املواقع‪ .‬تشكِّل‬ ‫وغرينبريغ‪)27 ،2009 ،‬؛ ففي العملية األوىل‬
‫هذه الوسائط مصادر تعلم مهمة‪ ،‬إذا استطعنا‬ ‫يستطيع املعلم أن يقيض وقتًا أطول مع نفسه يف‬
‫أن نجعلَها أ ّوال منظمة‪ ،‬تخضع للمنهاج‪ ،‬بحيث‬ ‫غياب حقيقي للطالب‪ ،‬يحلل ويقدم آراء ويذكر‬
‫تكون واحدة من مفرداتها وبنائها العا ّم‪ ،‬مبا‬ ‫ويعدد من معينه‪ ،‬من عقله وجعبته‪ ،‬أما العملية‬
‫يضمن لها أن تحقق أهداف املنهاج ومخرجاته‪.‬‬ ‫اآلخرى فإنها تتطلب سياقًا تعليميا كب ًريا‪ ،‬يبدأ‬
‫ثانيًا‪ ،‬ميكن استخدامها كقاعدة كبرية ج ًدا‪ ،‬نعمل‬ ‫بتوفري مراجع ومصادر وينتهي بالتوجيه والتقويم‬
‫عىل توفريها يف املواقع‪ ،‬ويُتاح للطالب أن يبحث‬ ‫والفهم واإلفهام والتحليل واملناقشة؛ فالثابت يف‬
‫عنها ويتعلم بشكل مستقل ومنفرد‪.‬‬ ‫املفاهيم الرتبوية الحديثة أنه "يف سياق العملية‬
‫وسائط البحث (قواعد البيانات‪ ،‬ومح ِّركات‬ ‫التعليمية‪ ،‬يجب أن تتوفر للطالب عدة طرق‬
‫البحث)‪ :‬أتاح توفري قواعد كبرية من البيانات‬ ‫للتعلم والتي يف وسعه االختيار بينها أو تجريب‬
‫واملعلومات‪ ،‬من خالل تخزينها واسرتجاعها‬ ‫بعضها من دون الحاجة إىل تعلم أشياء مختلفة‬
‫وتحدي ِثها‪ ،‬انتشار عمليات االتصال والتواصل‬ ‫بالطريقة نفسها ‪ ....‬إن هدف التعليم هو التعلم‬
‫والبحث‪ .‬لذلك‪ ،‬صار "التمكّن من التكنولوجيات‬ ‫وليس التدريس‪(".‬آكوف وغرينبريغ‪)28 ،2009 ،‬‬
‫الحديثة للمعلومات واالتصال والقدرة عىل‬ ‫فام يجب عىل األستاذ أن يدركه أنه ليس صاحب‬
‫استخدامها يف مختلف املجاالت متثّل اليوم واحدة‬ ‫املعلومات التي يق ّدمها‪ ،‬إنه املصدر األوثق بال‬
‫من أهم املهارات التي اصطلح عىل تسميتها‬ ‫شك‪ .‬رمبا كان الحال صع ًبا فيام قبل دخول‬
‫مبهارات القرن الواحد والعرشين‪(.".‬الجمني‪،‬‬ ‫التكنولوجيا مجال التعليم‪ ،‬لكن مع وجو ِدها صار‬
‫أدل عىل ذلك من الك ّم الهائل‬ ‫وليس َّ‬
‫‪َ )8 ،2015‬‬ ‫األمر أيرس عىل األستاذ أن ينسحب قليال ويرتك‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪119‬‬
‫اصطالح الرتبويني ــ "تفريد التعليم‪(".‬أحمد‪،‬‬ ‫ج ًدا من مستخدمي ‪ Google‬لغايات التعلم‪ ،‬مبا‬
‫‪)180 ،2008‬ومن املعلوم بالرضورة أن ذاتية‬ ‫توفره من معلومات واسعة ج ًدا ومساحة كبرية‬
‫التعلم تعطي ملفهوم "الفروقات الفردية" مدى‬ ‫من اختيارات املواقع التعليمية‪.‬‬
‫أوسع من التطبيق واملامرسة‪ ،‬ذلك أنه يسمح‬ ‫غرف الدردشة والربيد اإللكرتوين ووسائط‬
‫للمتعلمني أن يختاروا األهداف التي يستطيعون‬ ‫املحادثات‪ ،‬كام هو يف التعليم اإللكرتوين‬
‫تحقيقها وطرق التعليم التي تالئم ذكاءاتهم‬ ‫‪.E-Learning‬‬
‫ومستوياتهم ورغباتهم‪ .‬إن فلسفة الفروقات‬
‫التطبيقات املربمجة يف األجهزة الذكية‪" :‬متثل‬
‫الفردية تقوم عىل "تقديم تعليم لكل الطالب‪،‬‬
‫التطبيقات الج ّوالة املو ّجهة ألنشطة التعلّم‬
‫وميكن تحقيق هذا التعليم إذا تم استغالل‬
‫والتعليم نسبة ها ّمة من مجموع التطبيقات‬
‫متثيالت الطالب وإمكاناتهم‪ ،‬واستغالل مجاالت‬
‫املستعملة‪ .‬وظهر مصطلح جديد (‪BYOD‬‬
‫قوتهم لتدعيم مجاالت ضعفهم" (املغريب‪،2016 ،‬‬
‫‪ )Bring your own device‬يعكس ما توفره‬
‫‪ .)7‬وتأخذ التكنولوجيا عىل عات ِقها توفري هذه‬
‫التكنولوجيا من فرص وإمكانات‪ ،‬فيكفي أن‬
‫األدوات الرتبوية‪ ،‬بل إن التكنولوجيا تكون مبثابة‬
‫يجلب املتعلم جهازه الخاص حتى يتمكن‬
‫الباب الذي يلجه الطالب‪ ،‬كل طالب‪ ،‬ليجد‬
‫من النفاذ واستخدام كل الوسائل املتاحة من‬
‫طريقته يف التعلم؛ وميكن أن نوضح ذلك بتعداد‬
‫تطبيقات ومحتويات تعليمية‪( ".‬الجمني‪،2015 ،‬‬
‫مزايا الطريقة التكنولوجية يف التعليم‪ ،‬وقد‬
‫‪)10‬‬
‫أجملتها الباحثة "املغريب" بالنقاط اآلتية(املغريب‪،‬‬
‫‪:)7( )15 ،2016‬‬ ‫(‪ .)3‬توظيف الوسائط اإللكرتونية يف‬
‫إتاحة منط التعلم املناسب للمتعلم‪ ،‬سواء أكان‬
‫املدارس العاملية (املنهج الدويل)‪ :‬األسس‬
‫سمعيا أو برصيا أو حسيا حركيا‪.‬‬
‫واإلجراءات‬
‫"بدالً من وقوف املعلم أمام طالب فصله‬
‫قدرة املتعلم عىل التعبري عن ذاته من خالل‬
‫ليرشح الدرس نفسه للجميع‪ ،‬وهم جمع‬
‫إمكانية اختيار الكيفية التي يستخدمها يف إنشاء‬
‫متناثر من الطالب تتفاوت خلفياتهم املعرفية‬
‫املشاريع أو عرض املعلومات‪.‬‬
‫ومستوياتهم ومواهبهم‪ ،‬يخطو عدد متزايد من‬
‫الشعور بامللكية‪ ،‬بحيث ميكن للمتعلم ابتكار‬ ‫املدارس األمريكية بعيدا ً عن هذا النمط‪ ،‬باتجاه‬
‫الطريقة التي تناسبه يف التعامل مع املعلومات‪.‬‬ ‫نظم تستند إىل التكنولوجيا‪ ،‬ومتنح الطالب مزيدا ً‬
‫تحفيز التواصل بني املتعلم واملعلم‪ ،‬وبني‬ ‫من التحكم يف أهدافهم ويف ما يدرسونه‪ ،‬ما يُتيح‬
‫املتعلمني فيام بينهم‪.‬‬ ‫لكل منهم أن مييض يف التعلم حسب وتريته‬
‫وبالرجوع إىل املدرسة‪ ،‬صاحبة التجربة‬
‫(‪)6‬‬
‫وقدراته الخاصة‪".‬‬
‫السابقة‪ ،‬وهي مدارس "س ّمت" يف كاليفورنيا‪،‬‬ ‫ترشح هذه التجربة‪ ،‬للمدرسة األمريكية‪ ،‬األسس‬
‫يقول التقرير عن توظيف التكنولوجيا يف‬ ‫العامة والخطوط العريضة التي تقوم عليها‬
‫التعليم‪" :‬تعتمد فكرة هذا النظام عىل تحسن‬ ‫فلسفة توظيف التكنولوجيا يف التعليم؛ ولعل‬
‫أداء الطالب حني يحددون أهدافهمبأنفسهم‪،‬‬ ‫أهمها باالتفاق هو "ذاتية التعلم"‪ ،‬أو ــ يف‬
‫‪120‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫فإذا استفدنا من النظرية السلوكية‪ ،‬فاعتربنا‬ ‫وميضون بالرسعة التي تناسبهم؛ وبينت نتائج‬
‫أن "التعلم بالوسائط اإللكرتونية" سلوك‪ ،‬فإنه‬ ‫دراسات تجريبية عديد ًة فائد َة هذه الطريقة‬
‫ميكن أن نعد "املتعة" تعزيزا عا ًما وحاف ًزا متكررا‬ ‫يف تعلم الطالب بشكل أكرث كفاءة يفوق نتائج‬
‫لألداء‪ ،‬ونعد التطبيقات التكنولوجية مث ًريا متغ ًريا‪،‬‬ ‫األسلوب التقليدي يف التعليم‪ )8(".‬وميكن أن‬
‫والتعلم نفسه استجابة‪ .‬والذي يؤكّد ما نذهب‬ ‫نستنتج يف هذا املقام ما هو مهم يف مسار‬
‫إليه أ ّن الطالب يعتربون التكنولجيا نوعا من‬ ‫التعليم والتعلم‪ :‬يتحسن أداء الطالب وكفاءته‬
‫اللعب يحقق املتعة‪ ،‬والنظرية الرتبوية تصنف‬ ‫طرديًا مع إمكانيته يف تحديد أهدافه والعمل‬
‫هذا اللعب تحت اسرتاتيجيات تربوية حديثة؛‬ ‫عليها بحسب قدراته الخاصة‪ .‬وهذا هو املهم‪ ،‬يف‬
‫إنه التعلم باللعب‪Learning through‬‬ ‫رأينا ‪ -‬فأن يكون للطالب أهداف يعيها ويعرفها‪،‬‬
‫‪ ،play‬أو التلعيب يف التعليم‪،Gamification‬‬ ‫ويكون يف مقدوره تحديدها‪ ،‬ومن ثم يعمل‬
‫فكالهاماستغالل للتكنولوجيا يف العملية‬ ‫عىل تحقيقها بحسب إمكاناته‪ ،‬فإن ذلك يعني‬
‫التعليمية – التعلمية‪ ،‬ورمبا كان التلعيب معتمدا‬ ‫أن الطالب يضمن لنفسه مع الوقت "التحصيل"‬
‫أكرث عىل التطبيقات التكنولوجية مثل برنامج‬ ‫املناسب من جهة‪ ،‬و"التق ّدم" املطلوب من جهة‬
‫كالس دوجو "‪."Class Dojo‬‬ ‫أخرى؛ والطريقة لتحقيق ذلك كانت واضحة‪،‬‬
‫وأما هذا االستمتاع‪ ،‬كام يراه الرتبويون‪،‬‬ ‫هي التكنولوجيا‪.‬‬
‫فإنه "ينتقل ‪ ...‬من مامرسة النشاط إىل‬ ‫يرى "الباحث يف علم النفس الرتبوي يف‬
‫االستمتاع مبوضوع التعلم ذاته أو إىل املهارة‬ ‫جامعة «فريجينيا» األمريكية‪ ،‬كريس هوليامن‪،‬‬
‫ذاتها"(الرشقاوي‪ ،)255 ،2012 ،‬والوصول إىل‬ ‫أن املخطط الذي تتبعه مدارس «س ّمت» يُحقق‬
‫هذا املستوى من التعلم يعني ــ بشكل رصيح‬ ‫بعض املبادئ الرئيسة لنظرية «وضع األهداف»‪،‬‬
‫ــ ذاتية التعلم‪ ،‬أو اعتامد املتعلم عىل نفسه‪.‬‬ ‫التي تقوم فكرتها عىل تحسن أداء األشخاص‬
‫إال أن الوصول إىل هذا املستوى يتطلب تربية‬ ‫حني يتولون بأنفسهم تحديد أهدافهم‪ ،‬ويتلقون‬
‫سلوكية‪ ،‬توفرها التكنولوجيا؛ إذ "يعتمد ذلك أوال‬ ‫باستمرار تقييم ملدى تقدمهم‪ ،‬وبالطبع يصعب‬
‫عىل حاجته [املتعلم] إىل وجود بعض املعايري‬ ‫أن يُقدم معلم مردوداً [تغذية راجعة] عىل‬
‫التي يستند إليها يف الحكم عىل ما يتم إنجازه‪،‬‬ ‫أهداف طالب فصل كامل بالطريقة التي تُتيحها‬
‫أو تحصيله يف كل مرحلة من مراحل تعلم مهارة‬ ‫الربمجيات‪)9(".‬وميكن أن نضيف عىل رأي الباحث‬
‫معينة أو موضوع معني‪ ،‬حتى يستطيع أن يقوم‬ ‫أ ّن املتعة التي توفرها الربمجيات يصعب عىل‬
‫بعملية تقويم مراحل أدائه‪ ،‬بعد أن كان يعتمد‬ ‫املعلم توفريها لكل الطالب يف أي وقت‪ ،‬وبنفس‬
‫كليا عىل التقويم الخارجي وعىل التغذية املرتدة‬ ‫األسلوب‪ ،‬بحيث يضحي األسلوب نفسه حاف ًزا‪/‬‬
‫[الراجعة] والتعزيز من اآلخرين"‪(.‬الرشقاوي‪،‬‬ ‫معززا للتعلم‪.‬‬
‫‪)255 ،2012‬‬ ‫بحسب نظرية "سكيرن" يف السلوك‪ ،‬فإ ّن‬
‫إذن‪ ،‬فإن سبيل التعلم بالوسائط اإللكرتونية‬ ‫تعزيز استجابة ما تزيد من فرص االستجابة‬
‫الذي سلكته مدارس "س ّمت" قام عىل هذه‬ ‫للمثري يف نفس السلوك(الرشقاوي‪)72 ،2012 ،‬؛‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪121‬‬
‫السواء‪ ،‬بل إنها كذلك حل ملشاكل تربوية‪ ،‬كان‬ ‫الفلسفة يف التعليم؛ إنها فلسفة تقوم عىل ثنائية‬
‫التعليم التقليدي يف حرية وصعوبة يف التعامل‬ ‫التقدم والتحصيل كنتاجني يضمنهام التعلم الذايت‬
‫معها‪.‬‬ ‫املرشوط بالوعي‪ ،‬الوعي باملستوى‪ ،‬والوعي‬
‫ومدارس املنهج الدو ّيل (املدارس العاملية) هي‬ ‫بأهداف التعلم املطلوبة‪ ،‬والوعي بالقدرة‬
‫بنت رحم هذه الثقافة‪ ،‬ثقافة التعليم املربمج‬ ‫الفردية ورغباتها‪ .‬وال شك أن الوسط الرتبوي‬
‫والوسائط اإللكرتونية؛ ففي إطار "كيف تتغري‬ ‫األنسب واألصلح‪ ،‬يف ظل مجتمع يقوم عىل ثورة‬
‫املامرسات اللغوية؟"‪ ،‬فإن واحدة من مبادئ‬ ‫تعلم وثروة اتصال‪ ،‬هو الوسط التكنولوجي‪،‬‬
‫البكالوريا الدولية هي "تقليل الرتكيز عىل املوارد‬ ‫باعتبار أن التكنولوجيا اليوم أضحت وسيلة‬
‫املطبوعة" و"زيادة الرتكيز عىل تعليم الطالب‬ ‫وغاية‪ ،‬شُ غال و َمشْ غَلاً ‪ ،‬وضبطا صارما لألهداف‬
‫القراءة والبحث باستخدام موارد وسائط اإلعالم‬ ‫والتغذية الراجعة‪.‬‬
‫املتعددة‪( ".‬برنامج املستويات الدولية‪،2010 ،‬‬ ‫و"سكيرن" نفسه إمنا ابتكر "التعليم املربمج"‬
‫‪)70‬وميكن أن نجمل خصائص هذه الثقافة‬ ‫(التعليم القائم عىل الربمجيات)‪ ،‬ألن فيه حال‬
‫باالعتامد أيضً ا عىل "سكيرن" يف النقاط اآلتية‬ ‫ملشكالت تربوية كثرية‪ ،‬كام أنه ــ يف النهاية ــ‬
‫(أحمد‪( )185 ،2008 ،‬كرار‪)129 – 128 ،2012 ،‬‬ ‫يقود إىل التعلم الجيد(الرشقاوي‪)79 ،2012 ،‬‬
‫(املغريب‪:)01( )15 – 14 ،2016 ،‬‬ ‫القائم عىل التعزيز الذي هو "حصيلة ملا يؤدي له‬
‫التعلم الذايت والتفاعل؛ "إذ تهتم هذه الطريقة‬ ‫السلوك من أثار أو نتائج‪(".‬الزليطني‪)33 ،2016 ،‬‬
‫باملتعلم‪ ،‬وتجعل دوره أكرث إيجابية يف الحصول‬ ‫وعىل الرغم من أن منطلق "سكيرن" يف التعليم‬
‫عىل املعارف واملعلومات‪(".‬حسني‪)103 ،2006 ،‬‬ ‫املربمج كان التعزيز‪ ،‬الذي هو الوجه املقابل‬
‫للدافع‪ ،‬فإنه مل تفته قضايا تربوية مهمة‪ ،‬مثل‬
‫دور املعلم هو التوجيه ال التلقني؛بحيث"يستطيع‬
‫التغذية الراجعة املستمرة‪ ،‬والتعزيز املستمر‪،‬‬
‫الطالب السري بالربنامج املعد له بدون مساعدة‬
‫والتعلم الذايت‪ ،‬تلك التي متثل ثورة عىل التعليم‬
‫املعلم‪ ،‬ويكون دور املعلم املرشد واملوجه‪ ،‬وتقع‬
‫التقليدي‪ .‬ففي كتبه املتعلقة بالتعزيز ودوره يف‬
‫عليه مسؤولية توضيح املادة التي يصعب عىل‬
‫تكنولوجيا التعليم‪ ،‬كان قد َ‬
‫تناول "سكيرن" فيها‬
‫الطالب فهمها‪( ".‬حسني‪)104 ،2006 ،‬‬
‫"العديد من مشكالت التعلم الصفي‪ ،‬والحاجة‬
‫تحديد األهداف التعلمية بحسب املستوى؛‬ ‫إىل تعديل أساليب التعليم‪ ،‬بتطعيمها مبزيد‬
‫فمن الخطوات الرئيسية يف إعداد أي برمجية‬ ‫فرصا‬
‫من األساليب التكنولوجية‪ ،‬مهيئا بذلك ً‬
‫"تحديد األهداف التعليمية للربنامج‪ ،‬حيث يقوم‬ ‫جديدة أمام املعلمني الستخدام طرائق وتقنيات‬
‫املربمج بتحديد األهداف التي يسعى لتحقيقها‬ ‫واسرتاتيجيات تستثمر استخدام التعزيز يف‬
‫لدى املتعلمني من خالل الربنامج بدقة وبعبارات‬ ‫العملية التعليمية وتقدمها‪ ،‬ويتوقف نجاحه‬
‫هدفية محددة"(الحيلة‪ ،)367 ،2004 ،‬وهذا‬ ‫عىل توازن تقويم املتعلم لنفسه وتوجيه املعلم‬
‫يعني أن الطالب يبتدئ يف التعلم من خالل هذا‬ ‫له‪(".‬كرار‪)152 – 151 ،2012 ،‬األمر الذي يعني‪،‬‬
‫النظام بحسب مستواه‪ ،‬بل يجب البدء بتحديد‬ ‫بالرضورة‪ ،‬أن التكنولوجيا ليست اسرتاتيجية أو‬
‫مستواه‪" ،‬فمن الخصائص األساسية ‪ ...‬لهذا النظام‬ ‫طريقة تربوية فقط‪ ،‬ملصلحة املعلم واملتعلم عىل‬
‫‪122‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫مع وجود جو من التنافس تبينه النتائج املنطقية‬ ‫ابتداء املتعلم بالوحدة التي تتناسب ومستوى‬
‫للتطبيق‪.‬‬ ‫أدائه الحايل وانتقاله من وحدة إىل أخرى حسب‬
‫ومن خالل مالمسة واقع التعليم الدويل‬ ‫قدراته‪( ".‬الزليطني‪)43 ،2016 ،‬‬
‫(املدارس العاملية)(‪ ،)11‬فإنه ميكن رصد منطني‬ ‫التغذية الراجعة املستمرة؛ بحيث "تعطى‬
‫من توظيف الوسائط اإللكرتونية يف التعليم؛‬ ‫للمتعلم تغذية مرتدة [راجعة] رسيعة‬
‫أولهام غري ُم َم ْن َهج‪ ،‬مبعنى أنه غري مرتبط مبارشة‬ ‫‪ Feedback‬تتعلق بنتيجة تعلمه يف املوقف‪،‬‬
‫باملنهاج‪ ،‬والثاين ُم َم ْن َهج‪ ،‬مبعنى أنه يتضمن‬ ‫مبعنى أن تتاح له فرصة معرفة نتيجة أدائه إذا‬
‫املنهاج أو أنه جزء من املنهاج‪:‬‬ ‫كان صحيحا أو غري صحيح"(الرشقاوي‪،2012 ،‬‬
‫أوال‪ -‬توظيف غري مبارش (أدوات غري‬
‫‪.‬‬
‫‪ ،)79‬وتوجيهه يف حال كانت اإلجابة غري صحيحة‬
‫ممنهجة)‬ ‫(الزليطني‪)2016،44 ،‬‬
‫يستغل املعلمون هذا النوع من الوسائط‬ ‫ّ‬ ‫معني بحاالت وعي‬
‫التقويم الذايت املستمر؛ وهو ّ‬
‫اإللكرتونية يف مجاالت تربوية كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫املتعلم مبستواه وأهادفه التعلمية وما ينقصه‬
‫ •التهيئة واالستعداد‪.‬‬ ‫ليك يشتغل عليه‪ ،‬بحيث يشعر التلميذ باإلنجاز‬
‫البيني للهدف التعلمي‪.‬‬ ‫ •التقويم‬ ‫والثقة خطوة خطوة‪( .‬أحمد‪)185 ،2008 ،‬‬
‫ّ‬
‫ •الواجبات‪.‬‬ ‫تحقيق التحصيل والتقدم باالعتامد عىل "تحديد‬
‫ •البحث املحدد بأهادف‪.‬‬ ‫األهداف"؛ فمن امل َُسلَّم به أن لكل تعليم‬
‫باالعتامد عىل الوسائط اإللكرتونية معلومات‪،‬‬
‫ •األلعاب التعليمية املربمجة مسبقًا‪.‬‬
‫تناسب واملستوى املحدد‪ ،‬يهدف املعلم إىل أن‬
‫ •بناء مشاريع ممنهجة‪.‬‬ ‫يعرفها الطالب ويتقنها‪ ،‬و"التعليم املربمج يوفر‬
‫ •العصف الذهني‪.‬‬ ‫الوقت يف إتقان التلميذ للامدة الدراسية‪ ،‬ألن‬
‫ •االمتحانات‪.‬‬ ‫التلميذ يسري برسعته الذاتية ويتلقى التغذية‬
‫ •تحقيق أهداف تعلمية عىل درجة من‬ ‫املرتدة [الراجعة] مبارشة"‪( .‬الرشقاوي‪،2012 ،‬‬
‫الصعوبة أو تهيئتها‪.‬‬ ‫‪)83‬‬
‫ •خلق جو من التنافس‪ ،‬مثل برنامج كالس‬ ‫مراعاة الفروق الفردية‪ .‬إن كث ًريا من التطبيقات‬
‫دوجو ‪.Class Dojo‬‬ ‫الحديثة‪ ،‬خذ مثال مجال تعلم اللغات‪ ،‬تسمح لك‬
‫ومن األمثلة املشهورة عىل هذه الوسائط‪:‬‬ ‫أو حتى إنها تطلب منك قبل البدء يف التعلم‬
‫•قوقل ‪.Google‬‬ ‫ ‬ ‫أن تخترب مستواك يف اللغة الهدف؛ ومن أمثلة‬
‫•يوتيوب ‪.Youtube‬‬ ‫ ‬ ‫هذه التطبيقات‪ ،‬التطبيق املشهور دولينجو‬
‫‪Duolingo‬؛ ودواعي هذا التحديد أنه يتيح‬
‫•‪.E-Learning‬‬ ‫ ‬
‫للمتعلم أن يتعلم ضمن مستواه‪ ،‬ومبا تسمح له‬
‫•كاهوت ‪.Kahoot‬‬ ‫ ‬ ‫قدرته ورسعته دون أن يؤثر عىل اآلخرين‪ ،‬ولكن‬
‫•كويزلت ‪.Quizlet‬‬ ‫ ‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪123‬‬
‫‪ ،E-Learning‬حيث يحل الطلبة واجباتهم يف‬ ‫ •سوكراتف ‪.Socrative‬‬
‫البيت‪ ،‬يف أي وقت شاءوا خالل فرتة مسموح‬ ‫ •آكتف لرين ‪.Active Learn‬‬
‫بها‪ ،‬ويأخذ الطلبة تغذية راجعة فورية‪ ،‬واألستاذ‬ ‫أما الكيفية التي يوظف فيها املعلمون هذه‬
‫يعرف بعد ذلك الكثري من املعلومات اإلحصائية‬ ‫الوسائط لغايات تعليمية – تعلمية‪ ،‬فإنهم ــ‬
‫والرتبوية املفيدة‪.‬‬ ‫مثال ــ قد يطلبون من الطلبة يف درس األدب‬
‫ثانيا – توظيف مبارش (أدوات ممنهجة)‬ ‫اإلنجليزي أن يبحثوا عن معلومات حول شاعر أو‬
‫لقد رافق الكث َري من سالل تعلم اللغة‬ ‫كاتب يف "قوقل"‪ ،‬ثم يتبادلون األفكار أو يوظفون‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬مثل "هيد وي" (‪،Headway)12‬‬ ‫هذه املعلومات يف " َمطْوية" بعد أن يصمموها‪.‬‬
‫سلسلة من الحلقات املسجلة بإخراج تربوي رائع‪،‬‬ ‫يف أحيان كثرية‪ ،‬قد يكون التكليف لبعض الطلبة‬
‫متثل ترجمة برصية سمعية للمكتوب‪ ،‬وتضمن ــ‬ ‫أن يبحثوا يف "اليوتيوب" عن "أغنية" أجنبية‬
‫يف نفس الوقت ــ املتعة؛ إذ هي الضامن الوحيد‬ ‫تلتقي يف فكرتها مع النص املدروس‪ ،‬ويخضعون‬
‫ملتابعة التعلُّم‪ .‬مثل هذا النشاط الرتبوي يُ َعد‬ ‫ألسئلة عن االختيار واإلضافات الجديدة من‬
‫نشاطًا ُم َم ْنه ًجا ألنه مرتبط بشكل كبري باملنهاج‪.‬‬ ‫األغنية عىل أفكار النص‪ .‬ومن التوظيفات األخرى‬
‫األمر نفسه اتبعته الكثري من سالسل تعليم‬ ‫كذلك لهذه الوسائط‪ ،‬أن يُ َهيَّأ الطالب للدرس‬
‫اللغة العربية للناطقني بغريها‪ ،‬لكنها ــ لألسف‬ ‫من خالل املشاركة الجامعية يف جو تنافيس لحل‬
‫ــ اقترصت عىل التسجيل الصويت‪ ،‬مثل كتاب‬ ‫مجموعة من األسئلة تظهر أمام الكل يف صفحة‬
‫"العربية بني يديك"‪ .‬ال بد من التنبيه‪ ،‬يف هذا‬ ‫"كاهوت"‪ .‬ويف إجراء آخر لتقييم األهداف‬
‫املقام‪ ،‬إىل أ ّن السياق اللغوي يف تعليم اللغة‬ ‫وتقويم املخرجات‪ ،‬يسجل الطلبة دخولهم إىل‬
‫مهم بال شك‪ ،‬لكن اإلطارالرتبوي هو الذي يضمن‬ ‫"كويزلت"‪ ،‬ويختارون طريقة اللعب املناسبة يف‬
‫بكالم آخر‪ ،‬ال مناص‬ ‫مترير هذه اللغة إىل املتعلم‪ٍ .‬‬ ‫حل مجموعة من األسئلة من شأنها تقييم الهدف‬
‫من توظيف الطرق الرتبوية الحديثة يف تعليم‬ ‫التعلمي‪ ،‬ولكن يف جو من املرح والفرح واملتعة؛‬
‫اللغات‪ ،‬ال سيام إذا آمنا بأن املتعلم ذيك ووا ٍع‬ ‫ونتيجة الطالب يف حل األسئلة هي تقييم منطقي‬
‫لكل ما يدور حوله من طرق التعليم‪ ،‬ويتجه إىل‬ ‫للهدف التعلمي عند الطالب‪.‬‬
‫أفضلها‪ ،‬أو إىل ما يحقق له املتعة والتعلم م ًعا‪.‬‬ ‫ويف اتجاه آخر‪ ،‬فإن الكثري من الواجبات ت ُ ْر َسل‬
‫دعونا نقرأ ما جاء حول تطبيق "فوكاب‬ ‫للطبة عرب موقع "كويزلت" ــ مثلاً ــ أو مواقع‬
‫‪124‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫إكسربس" ‪ ،Vocab Express‬يف موقع تعلم‬
‫اللغات الربيطاين‪ ،‬لنتعرف سوية ماذا نقصد‬
‫بالتوظيف املبارش باألدوات املمنهجة‪ .‬ور َد يف‬
‫كثرية‪ ،‬عامال كب ًريا لتحقيق مبديئ االندماج‬ ‫نصه‪" :‬فوكاب إكسربس‬ ‫التعريف بالربنامج ما ّ‬
‫والتحفيز‪.‬فتعليم املفردات والقواعد‪ ،‬مع ما‬ ‫تطبيق محوسب عىل اإلنرتنت لطالب املدارس‪،‬‬
‫تج ّرها األوىل من عادات الحفظ‪ ،‬والثانية من‬ ‫يساعد الطالب عىل االندماج يف العملية‬
‫جمود التعلم‪ ،‬ليس باألمر السهل؛ فأن تجد‬ ‫التعلمية ويشجعهم يف تعلم املفردات والقواعد‪.‬‬
‫طريقة يتعلم من خاللها الطالب هاتني املا ّدتني‬ ‫باستخدام األساتذة لهذا التطبيق‪ ،‬فإن العبء‬
‫يف يرس ودون استنزاف لجهد املعلم أو شعور‬ ‫يخف عليهم لتوافر التطبيق عىل مناذج سابقة‬
‫الطالب بامللل والجمود‪ ،‬فإن هذا يعني تيسري‬ ‫لالمتحانات املعتمدة عامليا‪ ،‬والكتب الدراسية‬
‫سبل التحكم باألهداف التعلّمية من جهة‪،‬‬ ‫األكرث انتشا ًرا‪.‬‬
‫ومراقبة التحصيل الحقيقي والتق ّدم امللحوظ من‬ ‫الطالب ينجذبون للتطبيق لتوافره عىل نظام‬
‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫تقييم مبارش‪ ،‬فيام يستطيع األساذة متابعة كل‬
‫وبات املقصود بتكنولوجيا التعليم املمنهجة‬ ‫أنشطة الطالب من خالل برمجية تتبع فوري‬
‫واض ًحا‪ ،‬فهي استخدام الوسائط اإللكرتونية بشكل‬ ‫شامل لتقدم مستوى الطالب‪.‬‬
‫تكاميل مع املنهج‪ ،‬وليس زيادة عليه‪ ،‬بحيث‬ ‫فوكاب إكسربس ميكن كذلك استخدامه‬
‫يضحي مادة علمية ووسيلة تعليمية – تعلّمية‬ ‫للواجبات املدرسية املنزلية‪ ،‬والنشاطات‬
‫م ًعا‪ ،‬تتحقق به األهداف املس ّجلة أصال ًة فيها‪.‬‬ ‫الصفية‪ ،‬أو لتفعيله يف رشح الدروس‪ .‬كل هذا‬
‫مبعنى آخر‪ ،‬فإن تكنولوجيا التعليم املمنهجة هي‬ ‫يقدمه التطبيق بأقل جهد من التحضري ورصد‬
‫تعليم قائم بذاته ال يحتاج إال إىل معلّم يقوم‬ ‫(‪)31‬‬
‫العالمات‪".‬‬
‫بالتوجيه واملكافأة ال التعليم والتلقني والتصحيح‬ ‫رصح بأن تكنولوجيا‬
‫ورصد العالمات‪ .‬إنها‪ ،‬بكالم آخر‪ ،‬برنامج تدريبي‪،‬‬ ‫إذن‪ ،‬فإنه من اليسري أن ن ّ‬
‫الرتبوي؛‬
‫ّ‬ ‫التعليم املمنهجةتقوم بدور "السحر"‬
‫ذا ّيت التعلّم؛ لكن ألنه مو ّجه إىل طالب صغار‬ ‫فمعظم مشاكلنا الرتبوية يف التعلم مر ّدها إىل‬
‫فإنه يظل بحاج ٍة إىل أجواء صفّية تضبط العمليّة‬ ‫عنرصين مهمني‪ :‬اندماج الطلبة‪ ،‬وتحفيزهم؛‬
‫بر ّمتها‪ .‬ولعل هذا املفهوم يلتقي كث ًريا مبفهوم‬ ‫وأي غياب لهذين العنرصين أو حضور يشكّل‬
‫"سكيرن" للتعليم املربمج‪ ،‬فقد "اقرتح سكيرن‬ ‫عالمة فارقة يف مسرية التعلم‪ .‬ويشكّل التنافس‬
‫أسلوبا بديال ألسلوب املحارضة‪ ،‬هو ما أطلق‬ ‫بني الطالب أنفسهم داخل املدرسة الواحدة‪ ،‬أو‬
‫عليه التعليم املربمج؛ يتض ّمن املبادئ التي يقوم‬ ‫بتجاوزها إىل املنافسة اإللكرتونية مع مدارس‬
‫عليها التعليم الجيد‪ )41(.‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ظهرت‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪125‬‬
‫ويظهر اإلحساس بخطورة هذا الترصيح أو‬ ‫فكرة اآللة التعليمية ‪ Teaching Machine‬التي‬
‫املبالغة الكبرية فيه؛ إال أن كلمة "ممنهجة" بحد‬ ‫تعرض املادة التعليمية املربمجة حتى يسهل‬
‫ذاتها تكون كفيلة لجيل هذه الخطورة وتبيان‬ ‫تنفيذ الفكرة التي يقوم عليها التعليم املربمج ‪....‬‬
‫فحوى هذه املبالغة‪ .‬يقول "الدكتور فتح الباب"‪:‬‬ ‫انتقلت فكرة برمجة املادة الدراسية وعرضها يف‬
‫"االتجاه الجديد يف التخطيط لتوظيف تكنولوجيا‬ ‫اآلالت التعليمية إىل برمجة الكتب الدراسية‪ ،‬أو‬
‫التعليم يؤكد ‪ ...‬ــ ويؤكد ذلك يف البداية وقبل‬ ‫عرض املادة الدراسية يف فيلم أو رشيط تسجييل‬
‫الدخول يف التفاصيل ــ أن الهدف األسايس‬ ‫يف شكل مربمج‪(".‬الرشقاوي‪)80 – 79 ،2012 ،‬‬
‫من استخدام أي وسيلة تعليم حديثة هو أن‬ ‫باستطاعتنا اآلن أن نجملخصائص هذه الطريقة‬
‫تستحث يف املتعلم أنشطة التعلم وترقيها‪ ،‬وليك‬ ‫يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫يحدث ذلك يجب أن تتكاملهذه الوسيلة مع‬ ‫ •التنويع يف أمناط التعلم ومصادره‪.‬‬
‫كل العنارص التعليمية األخرى املوجودة عند‬ ‫ •تحقيق املتعة يف التعلم‪.‬‬
‫املتعلم‪ ،‬تكامل الكتاب املدريس أو السبورة مع‬ ‫ •تطبيق مبدإ التعلم باللعب‪.‬‬
‫باقي العنارص األخرى‪ .‬كام يجب أن يؤكد وضوح‬ ‫ •التعلم الذايت‪.‬‬
‫الحقيقة اآلتية‪ :‬وهي أال نتوقع من الوسائل‬ ‫ •مراعاة الفروق الفردية‪.‬‬
‫التعليمية وبخاصة الحديث منها أن تقوم بكل‬
‫ •متابعة التعلم خارج حدود الصف‪.‬‬
‫العملية التعليمية‪ ،‬وأال نفرضها عىل نظام موجود‬
‫ •مراقبة التحصيل والتقدم‪.‬‬
‫من التعليم كحاشية من الحلية أو الويش‪ ،‬فهي‬
‫ •التغذية الراجعة الفورية‪.‬‬
‫ال بد من أن تغري النظام املوجود‪ ،‬وتصبح جز ًءا‬
‫متكامال من نظام جديد واضح الهدف‪ ،‬متامسك‬ ‫ •تجيري طاقة املعلمني للتوجيه واملتابعة‪ ،‬بدال‬
‫املكونات ‪ ...‬يقوي بعضها البعض اآلخر‪( ".‬سيد‪،‬‬ ‫من االنهامك يف التحضري وإعداد الوسائل‬
‫‪)81 ،1997‬‬ ‫واألدوات الرتبوية‪.‬‬
‫ •املرونة يف وقت التعلم‪.‬‬
‫إن تكنولوجيا التعليم الوظيفية (امل ُ َم ْن َهجة)‬
‫ •دمج الطالب يف التعلم وتحفيزهم‪.‬‬
‫ليست عبئا أو نشاطا ترفيهيا زائدا‪ ،‬أو طريقة‬
‫لقضاء الوقت املتبقي من الحصة‪ ،‬أو أداة تلهية‬ ‫بث روح املنافسة ليس بني الطالب أنفسهم‬
‫وإشغال للطالب(الحيلة‪ ،)353 ،2004 ،‬أو حتى‬ ‫فقط‪ ،‬وإمنا كذلك بني املدارس بغض النظر عن‬
‫راحة للمعلم(سيد‪)87 ،1997 ،‬؛ كام أنها ليست‬ ‫جغرافيتها؛ مبعنى أن التنافس ميتد إىل خارج إطار‬
‫هي فقط "البوربوينت"‪ ،‬عىل اعتبار أن معظم‬ ‫الصف واملدرسة‪.‬‬
‫األساتذة يعتقد أنه حني يستخدم "البوربوينت"‬ ‫(‪ .)4‬تعليم العربية للناطقني بغريها يف املدارس‬
‫يف التعليم فإنه يستخدم تكنولوجيا التعليم؛‬ ‫العاملية‪ :‬الحاجة إىل تكنولوجيا تعليم وظيفية‬
‫خالف هذا أو ذاك‪ .‬إن ما نقصده‬ ‫إنها يشء آخر َ‬ ‫قلنا يف بداية البحث‪ ،‬تعقي ًبا عىل تقدم الغرب‬
‫بتكنولوجيا التعليم الوظيفية ترتجمه العملية‬ ‫يف التعليم‪ :‬نحن ال منلك منهجهم‪ ،‬وال منلك‬
‫التعليمية حني يتكامل توظيف التكنولوجيا مع‬ ‫إمكانياتهم ووسائلهم امل ُ َم ْن َهجة يف التعليم‪.‬‬
‫املنهاج واألهداف فيها بحسب مستويات الطلبة‪،‬‬
‫‪126‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫ما نريد أن نقوله‪ :‬إننا ال ننكر وجود التكنولوجيا‬ ‫مع التأكيد عىل مناسبتهللام ّدة الدراسية وقدرات‬
‫يف مدارسنا‪ ،‬لكننا ننكر تفعيلهايف استيعاب‬ ‫الطالب واستعداداتهم‪ ،‬وأن تكون وسيلة حقيقية‬
‫املنهاج وخدمته وتحقيق أهداف التعلم؛ وليس‬ ‫لتفعيل التعلم الذايت املستقل القائم عىل‬
‫دامئا السبب هو املعلم‪ ،‬فليس املعلم يف النهاية‬ ‫الفروقات الفردية‪ .‬وما نريد أن نؤكده‪ ،‬ها هنا‪،‬‬
‫إال موظّفا ‪ -‬أكرثهم إبداعا ال ميكنه أن يفعل أكرث‬ ‫أنّنا منلك أدوات الغرب التعليمية ووسائلهم‪،‬‬
‫من استخدام األدوات املتوفرة‪ .‬هذا يعني أن توفري‬ ‫لكن تنقصنا فلسفة توظيفها‪ ،‬وإدماجها يف‬
‫األدوات املناسبة والتطبيقات والربمجيات املالمئة‪،‬‬ ‫املنهاج لتحقيق أهدافه من جانب؛ ومن جانب‬
‫أو ما اصطلحنا عليه بتكنولوجيا التعليم الوظيفية‬ ‫آخر‪ ،‬فإنه ينقصنا مد املناهج التعليمية بربامج‬
‫(املمنهجة) أو جوهر تكنولوجيا التعليم – كل‬ ‫وتطبيقات محوسبة متسواقة معه خاضعة له‪.‬‬
‫هذا مسؤوليته مشرتكة‪ .‬ولنتعرف أكرث عىل هذه‬ ‫ما دفَ َعنا إىل تب ّني هذا الرأي أو هذا املفهوم‬
‫املسؤولية املشرتكة‪ ،‬سنستعرض مع "الدكتور فتح‬ ‫والتأكيد عليه‪ ،‬ليس فقط ما ملسناه شخص ًيا‬
‫الباب" تجربة اسكتالندا يف تكنولوجيا التعليم‪.‬‬ ‫أثناء التدريس يف املدارس العاملية من فوىض‬
‫يقول عن تجربتهم يف فصل "عمليات التوظيف"‪،‬‬ ‫يف توظيف تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬أو نقص يف‬
‫تحت محور "تعميم املستحدثات التكنولوجية‬ ‫محتواها وأدواتها (وهذا ما سنشري إليه الحقًا)‪،‬‬
‫يف التعليم يقتيض تحديد املتطلبات واألولويات"‪:‬‬ ‫بل كذلك إساءة فهم التقنيات الرتبوية الحديثة‪،‬‬
‫"بينام كانت الوزارة ممثلة يف مرشوعها تنتج‬ ‫إذ ــ مثال ــ "كان َه ّم املؤسسات أن تنشئ مرك ًزا‬
‫أول مجموعة من الربامج‪ ،‬كانت الهيئات أو‬ ‫للوسائل أه ّم ما فيه هو عامل فني قادر عىل‬
‫املؤسسات الرتبوية والعملية تضع خطتها لرشاء‬ ‫تشغيل الجهاز (املكنجي) وأجهزة معها أفالم‬
‫األجهزة‪ ،‬أو إنشاء املراكز الفرعية املتصلة اتصاال‬ ‫سينامية أو ثابتة – ال يه ّم بعد ذلك إن كانت‬
‫وثيقًا باملرشوع األم (‪ ،)SMDP‬وكانت كليات‬ ‫األفالم صالحة ملناهج الدراسة ومطابقة لها‪،‬‬
‫الرتبية تنشئ مقررات لتدريب املعلمني‪ ،‬وكانت‬ ‫مناسبة للطالب أو للوحدات الدراسية التي‬
‫إدارات املناهج والجهات التابعة لها يبحثون‬ ‫تدرس بل يكفي أن توجد فحسب‪( ".‬سيد‪،1997 ،‬‬
‫دور الكمبيوتر يف املوا ّد املختلفة‪ ،‬وكانت كليات‬ ‫‪ )87‬األمر الذي ترتب عليه ما ميكن أن نصطلح‬
‫الهندسة تتعاون مع الصناعة وكليات الرتبية يف‬ ‫عليه بـ"الكسل التعليمي"‪ ،‬إذ صار املدرسون ــ‬
‫إعداد الفنيني‪(".‬سيد‪)129 ،1997 ،‬‬ ‫أغلبيتهم ــ يركنون إىل الراحة‪ ،‬ويظنون أن وجود‬
‫إذن‪ ،‬فليس املهم وجود األدوات التكنولوجية‬ ‫هذه األدوات واملسؤولني التقنيني عنها خفف‬
‫فقط‪ ،‬إمنا املهم توظيفها يف خدمة املواد الدراسية‬ ‫عنهم عبء الرشح والتدريس‪ ،‬وأراحهم من‬
‫والطالب؛ نؤكّد ‪ -‬ليس املهم فقط وجود‬ ‫تكاليف املادة التعليمية وما يلزمها من التحقق‬
‫التكنولوجيا بأشكالها املختلفة‪ ،‬إمنا املهم التوافر‬ ‫وتوجيه الطلبة ومراقبة تحصيلهم‪(.‬سيد‪،1997 ،‬‬
‫عىل أدوات متثل وسائل حقيقية وف ّعالة مرتبطة‬ ‫‪ )87‬مبعنى آخر‪ ،‬فإن العملية التدريسية‪ ،‬متمثلة‬
‫ارتباطا وثيقا باملنهاج؛ وليس املهم توافر هذه‬ ‫باملعلمني واملقررين الرتبويني‪ ،‬وقفت عىل "شكل"‬
‫األدوات فحسب‪ ،‬إمنا املهم فحصها وبرمجتها‬ ‫تكنولوجيا التعليم ــ من حيث وجوده الفيزيايئ‬
‫وتقوميها وتعديلها قبل إتاحة الفرصة الستعاملها؛‬ ‫ــ دون النفاذ إىل "جوهرها"‪.‬‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪127‬‬
‫إال ناد ًرا لغياب تنسيق حقيقي بني اإلنتاج‬ ‫وليس املهم فحصها وتقوميها فقط‪ ،‬بل املهم‬
‫التكنولوجي والعمل الرتبوي؛ بينام قد يجد‬ ‫تدريب املعلمني والرتبويني عىل توظيفها توظيفا‬
‫معلم اللغة الفرنسية أو أية لغة أخرى الكثري من‬ ‫ممنه ًجا‪ .‬وهذه هي مق ّومات تكنولوجيا التعليم‬
‫الفيديوهات املناسبة لكل موضوع تعلم‪ ،‬تراعي‬ ‫الوظيفية‪ ،‬وميكننا أن نجملها يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫املتعلم الصغري‪ .‬خذ مثال تعليم اللغة اإلنجليزية‬ ‫توفري أدوات تكنولوجية‪ ،‬مثل الحواسيب‬
‫يف اليوتيوب‪.‬‬ ‫واألجهزة الذكية واإلنرتنت؛ ووسائط ممنهجة‪،‬‬
‫ال يوجد كتاب واحد قائم بذاته يخدم مراحل‬ ‫كربمجيات ذكية وتطبيقات قامئة عىل الذكاء‬
‫هذا الطالب‪ ،‬إال كتاب "أحب العربية"؛ وقد بات‬ ‫االصناعي صممت خصيصا لهدف تعلُّمي يف‬
‫هذا الكتاب مهمال اآلن ألنه ال يراعي القيمة‬ ‫حقل تعليم العربية للطالبة الناطقني بغريها‪.‬‬
‫التواصلية يف املفردات والرتاكيب والنصوص‪ .‬ويف‬ ‫تكامل التكنولوجيا مع املنهاج‪ ،‬بحيث تكون أداة‬
‫املقابل‪ ،‬فإنه يوجد أكرث من كتاب ‪ -‬أقصد مواقع‬ ‫طيعة سهلة حقيقية ف ّعالة تساعد الطالب عىل‬
‫متخصصة لتوفري املوا ّد الدراسية وأوراق العمل‬ ‫تحقيق أهداف التعلم‪.‬‬
‫الخاصة بها‪ ،‬باإلضافة إىل معلومات تربوية كثرية‪،‬‬
‫فحصها وتقوميها وتعديلها قبل استخدامها‪.‬‬
‫مثل موقع ‪. uk.co.twinkl.m//:http‬‬
‫تدريب املعلمني عىل توظيفها واإلبداع يف‬
‫ال توجد تطبيقات ذكية يف تعلم اللغة العربية‬
‫استخدامها‪.‬‬
‫لغري الناطقني بها متسواقة مع املنهاج أو صممت‬
‫من أجلها‪ ،‬تقوم عىل أمناط التعلم الحديثة؛ يف‬ ‫***‬
‫مقابل وجود تطبيقات ذكية كثرية لتعلم اللغات‬ ‫ويف إطار تدريس العربية للناطقني بغريها يف‬
‫األخرى‪ ،‬تعتمد عىل مدرج مستويات عاملي‪،‬‬ ‫املدارس العاملية‪ ،‬فإننا ميكن أن نقع بسهولة عىل‬
‫باإلضافة إىل قيامه عىل أمناط تعلم ذات تقنية‬ ‫األدوات التكنولوجية اآلتية‪ :‬حواسيب‪ ،‬أجهزة‬
‫عالية يف التلعيب‪ ،‬مثل تطبيق ‪.linguascope‬‬ ‫ذكية‪ ،‬إنرتنت؛ لكننا ــ بكل تأكيد ــ ال نستخدمها‬
‫مد ّرسونا مل يرتبوا يف مراحلهم األوىل عىل هذا‬ ‫االستخدام الذي يخدم اللغة إال ناد ًرا؛ وأسباب‬
‫النوع من التدريس‪ ،‬أما مدرسوهم فقد كانت‬ ‫ذلك كثرية‪:‬‬
‫بيئتهم قامئة عىل النوع التفاعيل من التعليم؛‬ ‫ال يوجد مدرج حقيقي ملستويات الطالب‪ ،‬متفق‬
‫األمر الذي نحتاج معه إىل "توعية" حقيقية يف‬ ‫عليه بني املدارس ــ كام أرشنا إىل ذلك يف املحور‬
‫كليات الرتبية‪ ،‬أو يف دورات تأهيل املعلمني؛ فإذا‬ ‫األول؛ بينام طالب املدارس العاملية يستطيع أن‬
‫مل يكن املعلم مقتنعا مبا يفعله مع تكنولوجيا‬ ‫يعرف مستواه وأهدافه التعلمية يف املوا ّد األخرى‪،‬‬
‫التعليم‪ ،‬فإن لذلك مردودا سلبيا كب ًريا عىل‬ ‫وبالتايل ميكنه بالوسائط اإللكرتونية أن يشتغل‬
‫العملية التعليمية‪.‬‬ ‫عليها ويحققها‪ ،‬فيشعر بالتحصيل والتقدم‪.‬‬
‫والحق أن قصور تكنولوجيا التعليم يف تعليم‬ ‫ال يوجد محتوى جاهز‪ ،‬أو يف اليوتيوب‪ ،‬من‬
‫رصا عىل الناطقني بغريها‪ ،‬بل‬‫العربية ليس مقت ً‬ ‫فيديوهات اللغة العربية تحقق انسجا ًما مع‬
‫يشمل كذلك الناطقني بها‪ .‬يقول "الدكتور نبيل‬ ‫أهداف تعلم اللغة العربية للناطقني بغريها‬
‫‪128‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫بيئات تربوية جديدة هي أكرث قربا من أسلوب‬ ‫عيل" (املتخصص يف بحوث اللغويات الحاسوبية)‪:‬‬
‫الطالب يف التعلُّم‪(".‬لوبران‪)274 ،2009 ،‬إ ّن معنى‬ ‫"ما زالت برمجيات تعليم اللغة العربية قارصة‬
‫ذلك أننا بتفعيلنا تكنولوجيا التعليم الحقيقية يف‬ ‫كماً وكيفًا‪ ،‬ومييل معظمها إىل اتباع أمناط التعليم‬
‫تدريس العربية للطلبة الناطقني بغريها‪ ،‬نكون‬ ‫التقليدية‪ ،‬كاألسئلة متعددة الخيارات وملء‬
‫قد صال ْحنا بني طريف العملية التعليمية‪ :‬التعليم‬ ‫الفراغات‪ ،‬وما شابه‪ .‬إننا بحاجة إىل برامج تعليم‬
‫والتعلم‪ ،‬من جهة؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإننا نضمن‬ ‫االصطناعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ذكية‪ ،‬تستخدم أساليب الذكاء‬
‫يل يف العملية‬ ‫اندماج الطالب وحضوره الفع ّ‬ ‫القامئة عىل نظم معاجلة اللغة العربية آليًا‪:‬‬
‫التعليمية‪.‬‬ ‫الرصف اآليل – اإلعراب اآليل – التشكيل اآليل –‬
‫لقد أثبتت التجربة أ ّن الطالب مع التكنولوجيا‬ ‫نظم التلخيص والفهرسة اآللية؛ وما شابه‪(".‬عيل‪،‬‬
‫"هم أكرث تح ُّف ًزا‪ ،‬ومتعلّقون أكرث بامل َ َه َّمة؛ مواقفهم‬ ‫‪ )270 ،2001‬إنها دعوة حقيقية لحضور تنسيق‬
‫من املدرسة أكرث إيجابية بوضوح؛ وهم أكرث‬ ‫وتعاون كبريين بني املتخصصني يف التكنولوجيا‬
‫تحسن تقييمهم‬ ‫قدرة عىل تقدير عملهم‪ ،‬كام َّ‬ ‫والربمجيات وواضعي املناهج والخطط التعليمية‬
‫ألنفسهم‪(".‬لوبران‪ )274 - 273 ،2009 ،‬وهو‬ ‫ملادة اللغة العربية‪ ،‬سواء كانت للناطقني بها أو‬
‫بالضبط ما نريده يف فصل اللغة العربية للناطقني‬ ‫للناطقني بغريها‪.‬‬
‫بغريها‪ .‬إذن‪ ،‬فلامذا ال نستفيد من هذه التجارب‬ ‫ما يه ّمنا يف بحثنا هذا هو اللغة العربية‬
‫العاملية‪ ،‬ونعمل عىل أمتتة مناهجنا وتضمينها‬ ‫للناطقني بغريها يف املدارس العاملية؛ وللتنبيه‬
‫عىل برمجيات ناقلة للمنهاج خاضعة لها؟! ملاذا ال‬ ‫عىل أمر ها ّم‪ ،‬فإن هذا البحث ما كانت فكرته‬
‫نعمل عىل تسجيل حلقات تلفزيونية‪ ،‬كمسلسل‬ ‫لتبزغ للشمس لوال "املتاهة" التي وضعنا فيها‬
‫"املناهل"‪ ،‬لكن يكون مرافقا للمنهاج‪ ،‬مرتجام‬ ‫األسلوب التعليمي الربيطاين املمنهج‪ )51( .‬بكالم‬
‫ألهداف املستوى؟! والسؤال األهم‪ :‬ملاذا نحرص‬ ‫آخر‪ ،‬فإن شعور الطالب باالختالف الكبري ج ًدا يف‬
‫أنفسنا يف الكتاب؟!‬ ‫َ‬ ‫العملية التدريسية بر ّمتها بني أستاذ يد ّرس اللغة‬
‫لقد مىض عهد طويل عىل األساتذة وهم‬ ‫اإلنجليزية مثال وأستاذ يد ّرس اللغة العربية‪ ،‬ولَّد‬
‫يد ّرسون للطلبة كتاب "أحب العربية"‪،‬وهم غري‬ ‫مشاكل كثرية وضيقًا كب ًريا لدى الطالب واألستاذ‬
‫مقتنعني بجدواه التواصيل والنفعي ومردوده‬ ‫م ًعا‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن األساتذة يواجهون مشاكل كثرية‬
‫اللغوي؛ ذلك أن مفرداته وتراكيبه ينقصها عامل‬ ‫يف سلوك الطلبة‪ ،‬وأكرث منها يف تحضري الدرس‬
‫التواصل وعامل املواءمة الزمانية واملكانية؛‬ ‫وتقدميه لهذه النوعية من الطلبة‪ ،‬ومشاكل‬
‫باإلضافة إىل "الصعوبة" الفعلية التي يحسها‬ ‫يف ضبط املنهاج وإقناع الطلبة مبستوياتهم‬
‫الطالب ــ طالب املدرسة ــ يف استخدام هذا‬ ‫شخيص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وأهدافهم التي يف الغالب تكون باجتهاد‬
‫الكتاب‪ .‬عدا عن ذلك‪ ،‬فإن الطالب يف مدارس‬ ‫وإننا نظ ّن أن تكنولوجيا التعليم الجوهرية‪ ،‬يف‬
‫املنهج الربيطاين ــ مثال ــ ال يحمل يف حقيبته‬ ‫حضور مدرج للمستويات متفق عليه‪ ،‬قادرة‬
‫إال هذا الكتاب؛ ومن حقه‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬أن يتخذ‬ ‫عىل حل هذه املشاكل كلها‪ ،‬أو ــ عىل األقل ــ‬
‫موقفًا داخليا تجاه اللغة العربية‪ ،‬فيام الجيل كله‬ ‫األسايس للتكنولوجيات‬
‫ّ‬ ‫تسويتها؛ إذ "يظهر التأثري‬
‫يف الرابطة الثنائية بني التعليم والتعلُّم‪ ،‬من خالل‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪129‬‬
‫يف ضبط سلوكيات الصف – سيوفرها يف اإلبداع‬
‫واخرتاع طرق تعليمية صفيّة‪.‬‬
‫إننا ال ندعو إىل عملية تعليمية يتخىل فيها‬
‫املعلم عن دوره نهائيا كام يحدث أحيانا يف ظل‬
‫فوىض توظيف تكنولوجيا التعليم‪ ،‬فيعتمد عىل‬
‫ما يف اليوتيوب من فيديهوات ويجلس عىل‬
‫كرسيه يشاهد الطلبة‪ ،‬أو يطلب منهم أن يرسموا‬
‫ما شاهدوه؛ ليس هذا ما ندعو إليه‪ ،‬بل ندعو إىل‬
‫عملية تعليمية يكون فيها املعلم أولها وآخرها‪،‬‬
‫مرجعيتها ومقومها‪ .‬إن املعلم يف تعليم العربية‬
‫مقدم عىل "التعليم اإللكرتوين ‪."E-Learning‬‬
‫للناطقني بغريها يعد مصدر تعلم جوهريا‪ ،‬فهو‬ ‫إننا‪ ،‬برصيح العبارة‪ ،‬إن مل نخضع لهذا النمط من‬
‫اللسان الناطق بتلك اللغة؛ وسواء حديثه ضمن‬ ‫التعليم‪ ،‬فإن التعليم لن يخضع لن‪ ،‬إن مل ِ‬
‫منش‬
‫أهداف الدرس أو خارجها‪ ،‬فإن هذا الحديث هو‬ ‫يف نفس االتجاه‪ ،‬فإنه ــ ال ب ّد ــ من تح ّمل أعباء‬
‫البيئة الصوتية والسلوكية والثقافية للطالب‪ ،‬فيها‬ ‫السري باالتجاه املعاكس‪.‬‬
‫ينشأ ويقلد ويحايك‪ ،‬وعليها تنمو حواسه التي‬
‫***‬
‫هي أدوات تعلم واكتساب اللغة الثانية؛ وهنا‬
‫ونعود إىل سؤال‪ ،‬كان من املفرتض أن نبتدئ‬
‫تشري بعض الدراسات إىل استغالل هذه البيئة يف‬
‫به‪ :‬ماذا نريد من تكنولوجيا تعليم اللغة العربية‬
‫العملية التعليمية‪( .‬العنايت‪)369 – 368 ،2017 ،‬‬
‫إذن‪ ،‬فنحن‪ ،‬يف ظل تكنولوجيا التعليم‪ ،‬نطلب‬ ‫للطلبة الناطقني بغريها يف املدارس العاملية؟‬
‫بكل بساطة‪ ،‬إ ّن هذه التكنولوجيا هي دعوة‬
‫من املعلم أن يكون دليال واعيا‪ ،‬ومرشدا فاحصا‪،‬‬
‫وموجها مبدعا‪ ،‬ومرجعا سليام؛ وليس هذا ــ‬ ‫بسطية لسياسة تزهيد يف املشرتيات؛ فكم هي‬
‫تكلفة طباعة آالف الكتب كل عام؟! يف املقابل‪،‬‬
‫قطعا ــ باألمر الهينّ ‪ ،‬إذ يتطلب معلام يتمتع‬
‫مبهارات كثرية نفسية وسلوكية وعلمية‪ ،‬من‬ ‫فإ ّن إنشاء موقع إلكرتوين‪ ،‬فيه آالف املوا ّد بحسب‬
‫املستويات‪ ،‬وأكرث منها أوراق عمل مناسبة‪ ،‬وأدلة‬
‫أهمها الوعي بهذا الدور الكبري‪ .‬وليس هذا ــ كام‬
‫تقويم – إن هذا املوقع لن يكون مبثابة تلك‬
‫سبق أن أكدنا ــ مسؤولية املعلم وحده؛ فام هو‬
‫صانع يف منهاج ليس يسنده واقع مربمج كغريه‬ ‫التكلفة املتكررة‪ ،‬حتى لو أضفنا إليها التعاقد مع‬
‫من املناهج يف تلك املدارس‪ ،‬وال يحمله محتوى‬‫جهات تلفزيونية لتسجيل سلسلة من الحلقات‬
‫محوسب ومنقول سمعيا وبرصيا؟! إن "برمجة‬ ‫التي ترتجم موضوعات املستويات‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫التعليم" بقدر ما هي موضوع درس يف كليات‬ ‫التنسيق مع هيئات تكنولوجيا إلنشاء تطبيقات‬
‫ذكية‪ ،‬تتفق وأهادف الطلبة املسجلة يف مدرج‬
‫الرتبية‪ ،‬فهي حاجة ملحة كذلك يف املدارس‪.‬‬
‫املستويات‪ .‬إن ذلك ــ بال أدىن شك ــ سيسهل الخامتة والتوصيات‬
‫كث ًريا عىل املعلم قيادة صفه نحو الهدف‬
‫لقد عملنا يف الدراسة هذه عىل تقديم‬ ‫ ‬
‫الحقيقي‪ ،‬وسيوفر طاقته الكبرية التي يبذرها‬
‫‪130‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫رشا أو غري مبارش؛ املهم‬
‫سواء أكان توظيفا مبا ً‬ ‫رشيحة من الطلبة تكاد تكون غائبة عن الدرس‬
‫متاس مع‬
‫أن يكون توظيفا ممنهجا وظيفيا عىل ّ‬ ‫والبحث‪ ،‬يف غفل ٍة من املتخصصني رغم حاجة‬
‫أهداف الطالب‪.‬‬ ‫هذه الرشيحة لهم‪ .‬وقد ب ّينا بالعرض والتحليلني‬
‫إبرام اتفاق وتعاون مع مؤسسات تكنولوجية‬ ‫الوصفي واملقارن أ َّن تعليمية العربية للطلبة‬
‫إلنشاء موقع إنرتنت‪ ،‬ميثل قاعدة بيانات كبرية‬ ‫الناطقني بغري العربية يف املدارس العاملية‪ ،‬تعاين‬
‫ملادة اللغة العربية للناطقني بغريها يف املدارس‬ ‫من مشاكل منهجية صادمة للطبة‪ ،‬ألنها تتعارض‬
‫العاملية‪ ،‬من مثل‪ :‬وثيقة املستويات‪ ،‬والوثيقة‬ ‫كانت ماثلة‪،‬‬
‫والنهج العام يف تلك املدارس؛ وقد ْ‬
‫الوطنية للغة العربية‪ ،‬وموا ّد جاهزة للتدريس‬ ‫أوال‪ ،‬يف غياب نظام من توصيف املستويات؛‬
‫تخدم املستويات‪ ،‬وأوراق عمل‪ ،‬واختبارات‬ ‫وثانيا‪ ،‬يف البعد عن أسلوب الطالب يف التعلُّم‬
‫جاهزة‪ ،‬وأدلة للمعلمني‪.‬‬ ‫املتمثل هنا يف تكنولوجيا التعليم‪ .‬وحاولنا‪ ،‬يف‬
‫ضوء تأمالت ومقارنات حثيثة‪ ،‬أن نقف عىل‬
‫من أجل املوقع‪ ،‬ميكن عرض الفكرة عىل مجموعة‬
‫التوصيف الدقيق لتكنولوجيا التعليم‪ ،‬وأن نبني‬
‫من املدارس داخل الدولة‪ ،‬والخضوع لجلسات‬
‫يل لها يف تعليمية اللغة العربية‬‫التوظيف الفع ّ‬
‫نقاشية حول طبيعة املادة التي ستق َّدم للطلبة‬
‫لهؤالء الطلبة‪ .‬وقد خلصت الدراسة إىل جملة‬
‫وغريها‪. ...‬‬
‫من التوصيات‪:‬‬
‫إبرام اتفاق وتعاومنع مؤسسات تكنولوجية‬
‫االتفاق عىل " َم ْد َرج" ملستويات اللغة العربية‬
‫إلنشاء تطبيقات تعليمية ذكية تعتمد اسرتاتيجية‬
‫للناطقني بغريها يف املدارس العاملية؛ وحني نقول‪:‬‬
‫التلعيب‪ ،‬وتتضمن أهداف املستويات يف مدرج‬
‫"االتفاق" فإننا نؤكد عىل أهمية توحيد الرؤى‬
‫العربية للناطقني بغريها‪.‬‬
‫والعمل يف كل املدارس العاملية داخل الدولة‪.‬‬
‫تدريب املعلمني عىل هذه توظيف التكنولوجيا‬
‫املناداة بتوظيف حقيقي لتكنولوجيا التعليم‪،‬‬
‫واستخدام التطبيقات‪.‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫ •العنايت‪ ،‬وليد‪( .‬يناير ‪2017‬م)‪ .‬تحليل الخطاب وتعليم‬ ‫ •أبو عمشة‪ ،‬خالد‪2015( .‬م)‪.‬سبل تطوير تعليم اللغة‬
‫اللغة‪ .‬نص مرتجم لـ أوليت أولشتاين‪ ،‬ومورسيا‬ ‫العربية يف ضوء اإلطار األورويب املشرتك ‪ ،‬يف كتاب‬
‫سيليس‪ ،‬وماريان‪ ،‬ضمن «كتيب يف تحليل الخطاب»‪،‬‬ ‫«تجارب تعليم اللغة العربية يف أوروبا»‪ ،‬الرياض‪ ،‬مركز‬
‫تحرير ديبوراه ستشفرن وديبوراه تانني‪ ،‬مجلة جامعة‬ ‫امللك عبد الله بن عبد العزيز الدويل لخدمة اللغة‬
‫أم القرى لعلوم اللغات وآدابها‪.400 – 353 ،18 ،‬‬ ‫العربية‪.286 – 235 ،‬‬
‫ •برنامج السنوات الدولية‪2010( .‬م)‪ .‬ليك يتحقق برنامج‬ ‫ •أحمد‪ ،‬أسامة نبيل‪2008( .‬م)‪ .‬التعليم املربمج‪ ،‬املركز‬
‫السنوات االبتدائية – إطار منهج للتعليم االبتدايئ‬ ‫القومي لتخطيط املناهج والبحث الرتبوي – بخت‬
‫الدو ّيل‪ ،‬البكالوريا الدولية‪.‬‬ ‫الرضا‪ ،‬السودان‪ ،‬دراسات تربوية ‪.194 – 178 ،18‬‬
‫ •الجمني‪ ،‬محمد‪ .)2015( .‬التوجهات الجديدة للمنظمة‬ ‫ •آكّوف‪ ،‬ر ّاسل‪ ،‬وغرينبريغ‪ ،‬دانييل‪2009( .‬م)‪ .‬توجيه‬
‫العربية للرتبية والثقافة والعلوم يف مجال تكنولوجيا‬ ‫التعليم عقبا عىل رأس‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬الدار العربية‬
‫املعلومات واالتصال لتعزيز التعليم والريادة‪ ،‬املجلة‬ ‫للعلوم نارشون‪.‬‬
‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬
‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪131‬‬
‫•عيل‪ ،‬نبيل‪( .‬ديسمرب ‪2001‬م)‪ .‬الثقافة العربية وعرص‬ ‫ ‬ ‫العربية للمعلومات‪ ،‬عدد خاص‪.15 – 7 ،25 ،‬‬
‫املعلومات‪ ،‬الكويت‪ ،‬عامل املعرفة‪.‬‬ ‫•حسني‪ ،‬رياض‪2006( .‬م)‪ .‬استخدام طريقة التعليم‬ ‫ ‬
‫•كرار‪ ،‬عبد الرحامن الرشيف محمد‪2012( .‬م)‪ .‬املعايري‬ ‫ ‬ ‫املربمج بدال من الطرائق التقليدية يف مراحل التعليم‬
‫القياسية لبناء نظام التعليم اإللكرتوين‪ ،‬املجلة العربية‬ ‫املختلفة‪ ،‬مجلة الفتح‪.130 – 99 ،26 ،‬‬
‫لضامن جودة التعليم الجامعية‪.157 – 120 ،9 )5( ،‬‬ ‫•الحيلة‪ ،‬محمد محمود‪2004( .‬م)‪ .‬تكنولوجيا التعليم‬ ‫ ‬
‫•لوبران‪ ،‬مارسيل‪2009( .‬م)‪ .‬تكنولوجيات للتعليم‬ ‫ ‬ ‫بني النظرية والتطبيق‪ ،‬ط‪ ،4‬عامن – األردن‪ ،‬دار‬
‫والتعلم‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت – لبنان‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬ترجمة‬ ‫املسرية للنرش والتوزيع‪.‬‬
‫سامي عامر‪.‬‬ ‫•دليك‪ ،‬خالد حسني‪2017( .‬م)‪ .‬تعليم اللغة العربية‬ ‫ ‬
‫•لوبون‪ ،‬غوستاف‪1991( .‬م)‪ .‬سيكولوجية الجامهري‪،‬‬ ‫ ‬ ‫للناطقني بغريها يف املدارس العاملية‪ ،‬اإلمارات أمنوذ ًجا‪:‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الساقي‪ ،‬ترجمة هاشم صالح‪.‬‬ ‫الواقع واملأمول‪ ،‬ورقة عمل مقدمة إىل املؤمتر الدويل‬
‫•مدكور‪ ،‬عيل احمد‪ ،‬وهريدي‪ ،‬إميان أحمد‪2006( .‬م)‪.‬‬ ‫ ‬ ‫التاسع حول تعليم اللغة العربية للناطقني بغريها‪:‬‬
‫تعليم اللغة العربية لغري الناطقني بها‪ -‬النظرية‬ ‫الواقع والتحديات‪ ،‬جامعة كرياال‪ ،‬الهند‪15 – 13 ،‬‬
‫والتطبيق‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪.‬‬ ‫فرباير ‪2017‬م‪.‬‬
‫•املغريب‪ ،‬سامية بنت هاشم‪2016( .‬م)‪ .‬تفعيل دور‬ ‫ ‬ ‫•الزليطني‪ ،‬نجاة أحمد‪( .‬أغسطس – ‪2016‬م)‪ .‬نظريات‬ ‫ ‬
‫التكنولوجيا يف التعليم املتاميز‪ ،‬مجلة عجامن‬ ‫التعلم وتطبيقاتها الرتبوية – نظرية سكرن أمنوذجا‪،‬‬
‫للدراسات والبحوث‪.33 – 1 ،2 )15( ،‬‬ ‫املجلة الجامعة‪ ،‬جامعة الزاوية (ليبيا)‪31 ،18 )3( ،‬‬
‫•األخبار والتقارير الصحفية‬ ‫ ‬ ‫– ‪.49‬‬
‫•خرب صحفي بعنوان «نظام يسمح للتالميذ بتحديد‬ ‫ ‬ ‫•سيد‪ ،‬فتح الباب عبد الحليم‪1997( .‬م)‪ .‬توظيف‬ ‫ ‬
‫أهدافهم بأنفسهم‪ ..‬وبرمجيات مخصصة تتوىل مهمة‬ ‫تكنولوجيا التعليم‪ ،‬ط‪ ،2‬الجمعية املرصية لتكنولوجيا‬
‫متابعة أدائهم وتقييمه‪ ،‬تكنولوجيا التعليم تتيح‬ ‫التعليم‪.‬‬
‫للطالب الدراسة تبعاً لقدراتهم الخاصة‪ ،‬يف جريدة‬ ‫•الرشقاوي‪ ،‬أنور محمد‪2012( .‬م)‪ .‬التعلم – نظريات‬ ‫ ‬
‫«اإلمارات اليوم»‪ ،‬بتاريخ ‪ -10‬يناير ‪.2015 -‬‬ ‫وتطبيقات‪ ،‬مكتبة اإلنجلو املرصية‪.‬‬
‫•‪http://www.emaratalyoum.com/technology/‬‬ ‫ ‬ ‫•عباس‪ ،‬بشار‪2001( .‬م)‪ .‬ثورة املعلومات والتكنولوجيا‪،‬‬ ‫ ‬
‫‪1.745126-10-01-2015/electronic-equipment‬‬ ‫دمشق‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫•تقرير «مدارس املنهاج الربيطاين األفضل يف ديب»‪ ،‬وجيه‬ ‫ ‬ ‫•عبد الدائم‪ ،‬عبد الله‪1984( .‬م)‪ .‬الرتبية عرب التاريخ‬ ‫ ‬
‫السباعي‪ ،‬جريدة «اإلمارات اليوم»‪ ،‬بتاريخ ‪ – 11‬مايو‬ ‫(من العصور القدمية حتى أوائل القرن العرشين)‪،‬ط‪،5‬‬
‫– ‪2013‬م‪.‬‬ ‫بريوت – لبنان‪ ،‬دار العلم للماليني‪.‬‬

‫الهوامش‬
‫كبري جدا يف الخليج العريب؛ مام يعني الحاجة امللحة‬ ‫يذكر «بشار عباس»‪ ،‬يف إطار حديثه عن التكنولوجيا‬ ‫‪ 1‬‬
‫إىل االهتامم مبستوى أداء اللغة العربية يف هذه‬ ‫والتعليم‪ ،‬أنه «مل يدرك أحد أهمية التعليم يف العبور‬
‫املدارس‪ ،‬ال سيام أن أعداد الطالب فيها يف ازدياد‪.‬‬ ‫إىل مجتمع املعلومات قدر الحكومتني األمريكية‬
‫كام أسلفنا يف التقديم‪ ،‬فإن للمشكلة جانبني؛ األول‬ ‫‪ 3‬‬ ‫واليابانية‪ ،‬فالحكومة األمريكية أعادت التظر عدة‬
‫يتمثل يف املنهاج‪ ،‬والثاين يف الطريقة واألساليب؛‬ ‫مرات منذ نهاية الستينات يف اسرتاتيجياتها التعليمية‪».‬‬
‫وذلك حني قلت‪ « :‬نحن ال منلك منهجهم‪ ،‬وال منلك‬ ‫(عباس‪)11 ،2001 ،‬‬
‫إمكانياتهم ووسائلهم يف التعليم»‪ .‬راجع‪ :‬بني يدي‬ ‫تجدر اإلشارة إىل أن املدارس العاملية صار لها وجود‬ ‫‪ 2‬‬
‫البحث‪.‬‬
‫‪132‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫العاملية – املنهج الربيطاين‪ ،‬يف ديب‪.‬‬ ‫‪« 4‬تنبع أهمية التكنولوجيا ‪ ...‬من إتاحة تطبيق سياسة‬
‫‪ 1 2‬ميكن أن تشاهد هذه السلسلة عرب موقع «اليوتيوب»‬ ‫التعليم املستمر‪ ،‬وتقديم الفرص للقوى العاملة‬
‫تحت عنوان‪ ، New Headway Oxford English‬مع‬ ‫املنخرطة يف النظام اإلنتاجي أو الخدمي يف املجتمع‪،‬‬
‫اإلشارة إىل أن يف الحلقات ميزة مفيدة ج ًدا‪ ،‬وهي‬ ‫لتطوير نفسها‪ ،‬وصقل معارفها وتحسني مهاراتها سواء‬
‫احتوائها عىل نقل مريئ مبارش لكل ما يُقال ‪. Subtitle‬‬ ‫يف مجال عملها وتخصصها‪ ،‬أو يف اإلطار املعريف والثقايف‬
‫‪ 1 3‬انظر النص األصيل باللغة اإلنجليزية‪https://www. :‬‬ ‫العام‪(».‬عباس‪)14 ،2001 ،‬‬
‫‪all-languages.org.uk/corporate-member/‬‬ ‫ ‪ 5‬انظر أيضً ا‪( :‬املغريب‪)15 ،2016 ،‬‬
‫‪/platinum-member/vocab-express‬‬ ‫‪ 6‬خرب صحفي بعنوان «نظام يسمح للتالميذ بتحديد‬
‫‪Vocab Express is an online application for schools‬‬ ‫أهدافهم بأنفسهم‪ ..‬وبرمجيات مخصصة تتوىل مهمة‬
‫‪which engages and motivates students to‬‬ ‫متابعة أدائهم وتقييمه‪ ،‬تكنولوجيا التعليم تتيح‬
‫‪learn vocabulary and grammar. Teacher‬‬ ‫للطالب الدراسة تبعاً لقدراتهم الخاصة‪ ،‬يف جريدة‬
‫‪workload is minimised through pre-loaded‬‬ ‫«اإلمارات اليوم»‪ ،‬بتاريخ ‪ -10‬يناير ‪.2015 -‬‬
‫‪and pre-categorised vocab from all major‬‬ ‫‪http://www.emaratalyoum.com/technology/‬‬
‫‪exam boards as well as leading textbook‬‬ ‫‪1.745126-10-01-2015/electronic-equipment‬‬
‫‪publishers. Students are motivated through‬‬ ‫ ‪ 7‬وانظر أيضً ا‪( :‬أحمد‪)129 – 128 ،2008 ،‬‬
‫‪a system of scoreboards, while all activity‬‬ ‫‪ 8‬الخرب السابق‪ ،‬يف جريدة «اإلمارات اليوم»‪ ،10 ،‬يناير‪،‬‬
‫‪can be monitored by the teacher through‬‬ ‫‪.2015‬‬
‫‪a comprehensive set of real-time progress‬‬ ‫‪ 9‬الخرب السابق‪ ،‬يف جريدة «اإلمارات اليوم»‪ ،10 ،‬يناير‪،‬‬
‫‪tracking tools. Vocab Express can be used‬‬ ‫‪.2015‬‬
‫‪for homework, in-class activities or cover‬‬ ‫‪ 1 0‬االعتامد عىل «سكيرن» يعني أن هذه الخصائص‬
‫‪lessons – all with minimal preparation and‬‬ ‫تتعلق أكرث ما تتعلق بوجه من وجوه تكنولوجيا‬
‫‪.no marking overhead‬‬ ‫التعليم‪ ،‬وهو «التعليم املربمج»‪ ،‬إال أن حال هذه‬
‫‪ 1 4‬مبادئ التعليم الجيد‪ ،‬يف نظر سكيرن‪ ،‬كام أرشنا إىل‬ ‫التكنولوجيات التعليمية واحد يف مبادئها ومساراتها‪.‬‬
‫ذلك سابقًا‪ ،‬هي‪ )1( :‬تقديم التعليم يف خطوات‪،‬‬ ‫وسنقف فيام بعد عىل نوعني من توظيف «الوسائط‬
‫و(‪ )2‬التغذية الراجعة الفورية‪ ،‬و(‪ )3‬مراعاة الفروق‬ ‫اإللكرتونية»‪ ،‬تستطيع أن متيز هذه الخصائص فيهام؛‬
‫الفردية‪.‬‬ ‫فالتغذية الراجعة يف «التوظيف غري املمنهج» يعتمد‬
‫‪ 1 5‬انظر يف قوة املنهاج الربيطاين‪ :‬تقرير «مدارس املنهاج‬ ‫يف األغلب عىل التغذية الشفوية من املعلم‪ /‬املوجه‪،‬‬
‫الربيطاين األفضل يف ديب»‪ ،‬وجيه السباعي‪ ،‬جريدة‬ ‫األصح ـ التطبيقات‬
‫ّ‬ ‫خالفًا للوظيف املمنهج أو ـ عىل‬
‫«اإلمارات اليوم»‪ ،‬بتاريخ ‪ – 11‬مايو – ‪2013‬م‪.‬‬ ‫الجاهزة‪.‬‬
‫‪ 1 1‬صاحب البحث َد َّر َس سنتني ونصف السنة يف املدارس‬

‫تعليم العربية للناطقين بغيرها في املدارس العاملية مقارنات َ‬


‫وتأمالت في التعامل مع التعليم القائم على التكنولوجيا‬ ‫‪133‬‬
‫حروف املعاين‬
‫المعاني‬ ‫تناوب حروف‬
‫تناوب‬
‫د‪ .‬حسين محمدحسين البطاينة‬
‫د‪ .‬حسين محمدحسين البطاينة‬
‫كلية اربد الجامعية‪ ،‬جامعة البلقاء التطبيقية‪ ،‬األردن‬

‫ملخَّص البحث‬
‫يهدف البحث إىل عرض بعض وجوه نيابة حروف املعاين بعضها عن بعض يف االستعامل‪،‬‬
‫واستعراض آراء بعض العلامء املتق ِّدمني والباحثني املتأخِّرين حول هذه الظاهرة وتفاصيل‬
‫حرف من حروف‬ ‫االختالف بينهم والخالف يف تأويالتهم لهذه املواضع التي يُستعمل فيها ُ‬
‫املعاين موضع غريه‪ ،‬كام يعرض مجموعة البأس بها من شواهد هذه الظاهرة مشفوعة بآراء‬
‫العلامء يف تأويلها وبيان الضوابط التي ينبغي أن تضبط هذه الظاهرة‪.‬‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪The research aims at presenting some aspects of the alternation of letters‬‬
‫‪of meanings for each other in usage and reviewing the views of some‬‬
‫‪earlier scholars and recent researchers about this phenomenon, dentils of‬‬
‫‪differences among them and their different interpretations of the locations‬‬
‫‪in which a letter of meaning is used in place of another. The research‬‬
‫‪also presents a considerable group of the instances of the phenomenon‬‬
‫‪accompanied by the scholars’ views in their interpretation and explanation‬‬
‫‪of the controls which should govern this phenomenon.‬‬

‫باسم (تناوب حروف املعاين) لفت النظر إىل‬ ‫املقدمة‪:‬‬


‫هذه الظاهرة وإلقاء الضوء عىل بعض مواضعها‬ ‫اختلف ال ُّنحاة يف مسألة نيابة الحروف بعضها‬
‫متتب ًعا ما وقع منها يف كتب النحو‪ ،‬وقد تناولت‬ ‫عن بعض‪ ،‬حتى استعصت هذه املسألة عىل‬
‫يف هذا البحث أشهر مواضع هذا التناوب‪ ،‬وهي‬ ‫مستخدميها ودارسيها‪ ،‬وذهب العلامء فيها‬
‫تناوب حروف الجر‪ ،‬وتناوب غريها من حروف‬ ‫مذاهب شتى ال ضابط لها‪ ،‬والدافع إىل ذلك كرثة‬
‫املعاين بعد أن اقترص هذا التناوب عند كثري من‬ ‫ٍ‬
‫بحرف مكان‬ ‫الشواهد واملواضع التي يُجاء فيها‬
‫النحاة عىل التناوب بني حروف الجر فقط‪،‬واعت‬ ‫حرف آخر استعاملُه أوىل من استعامل ما جاء‬ ‫ٍ‬
‫م ْدتُفيالبحثاملنهجالوصفيالقامئعلىاالستقراءوالتح‬ ‫موض َعه‪ ،‬لذلك قصدت يف هذا البحث املوسوم‬
‫‪134‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫أَرمي عليها َو ْه َي فَ ْر ٌع أَجم ُع‬ ‫ليل‪ ،‬وقسمت البحث إىل مقدمة‪ ،‬ومنت جعلته‬
‫وقال طُفيل‪:‬‬ ‫عىل مبحثني‪ ،‬تناولت يف أوالهام مواضع تناوب‬
‫حروف الجر‪ ،‬ويف اآلخر تناوب غري حروف الجر‬
‫ ‬ ‫املاسخي رجالُهم‬
‫ِّ‬ ‫رمت عن ِق ِّ‬
‫يس‬ ‫ْ‬
‫من بق َّية حروف املعاين‪ ،‬وختمت البحث بخامتة‬
‫بأَحس َن ما يَبتا ٌع من نَبلِ يرثب‬ ‫ ‬
‫توصل إليه البحث من نتائج‪،‬‬ ‫أفرغت فيها ما َّ‬
‫الشجري‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫وأنش َدين‬ ‫وأثبت يف نهاية البحث قامئة املصادر واملراجع‬
‫ُّ‬
‫ ‬ ‫أرمي عىل رشيان ٍة قَذ ِ‬
‫َّاف‬ ‫التي اتكأ البحث عليها‪.‬‬
‫ريش ال َّنبل باألَجواف‬ ‫ُلحق َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ ‬ ‫أ َّولاً ‪ :‬تناوب حروف الجر‬
‫وغري لك مماَّ يوردونَ ُه"‪ (.2‬ابن جني ‪،1999‬‬ ‫يكرث التناوب بني حروف املعاين يف باب حروف‬
‫‪)2/308‬‬ ‫الجر كرث ًة واضح ًة جعلت كث ًريا من النحاة يزاوج‬
‫وهذه املواضع كرثت كرث ًة جعلت الكث َري من‬ ‫بني ها التناوب وحروف الجر‪ ،‬فمن ذلك التناوب‬
‫ال ُّنحاة يقبلون بنيابة حروف الج ِّر بعضها عن‬ ‫ما أورده األخفش يف معاين القرآن‪،‬قال األخفش‪":‬‬
‫بعض‪ ،‬وهو ما اعتقده وذهب إليه الكوف ُّيون‬ ‫وزعم يونس ان العرب تقول‪( :‬نزلتفيأبيك)تريد‪:‬‬
‫خالفاً للبرصيني الذين قالوا‪ :‬إِ َّن الحروف ال‬ ‫عليه‪،‬وتقول‪( :‬ظ ِفرت ُعليه)اي‪ِ :‬ب ِه‪،‬و(رضيتُعليه)أي‪:‬‬
‫يستعمل بعضها موضع بعض إِلاَّ عىل الشذوذ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َع ْنه‪.‬قال الشاعر‪:‬‬
‫محمول عندهم‬ ‫ٌ‬ ‫وما أوهم بذلك من التناوب فهو‬ ‫يت َعليَ َّ بنو قُشَ يرْ لَ َع ْم ُر الل ِه أعج َب َني‬ ‫رض ْ‬‫اذا ِ‬
‫عىل التضمني أو املجاز‪.‬‬ ‫رضاها"‪( .1‬األخفش ‪)1/51 ،1990،‬‬
‫قال أبو حيَّان يف البحر املحيط يف قوله تعاىل‪﴿ :‬‬ ‫ولك َّن هذه الظاهرة ال تقترص عىل حروف الج ِّر‬
‫َوإِذَا َخلَ ْوا إِلىَ شَ َي ِاطي ِن ِه ْم﴾ البقرة‪ ":14/‬ويتع َّدى‬ ‫حرف موضع آخر يف غري‬ ‫وحدها‪ ،‬إِذ قد يُستعمل ٌ‬
‫خال بالبا ِء وب ِإىل‪ ،‬والبا ُء أَكرث استعامالً‪ ،‬و ُع ِد َل إِىل‬ ‫حروف الجر‪.‬‬
‫احتملت معن َيني‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫(إِىل) ألَنَّها إِذا ُع ِّديَت بالبا ِء‬
‫رصح ابن ج ِّني بوعورة هذا الباب وبعده عن‬ ‫وقد َّ‬
‫قال يف‬ ‫السخرية‪ ،‬إِذ يُ ُ‬ ‫أحدهام االنفراد‪ ،‬والثاين‪ُّ :‬‬ ‫الصواب فقال يف باب استعامل الحروف بعضها‬
‫يحتمل‬
‫ُ‬ ‫اللغة‪َ :‬خلَ ْوتُ به‪ :‬أَي َس ِخ ْرتُ به‪ ،‬وإِىل ال‬
‫باب يتلقَّاه الناس مغسوالً‬ ‫مكان بعض‪ ":‬هذا ٌ‬
‫معنى واحدا ً‪ ،‬و(إِىل) هنا عىل معناها من‬ ‫ً‬ ‫إِال‬
‫وذلك أَنَّهم يقولونَ‪ :‬إِ َّن (إِىل)‬ ‫ساذجاً من الصنع ِة؛ َ‬
‫انتها ِء الغاية عىل معنى تضمني الفعل؛ أَي‪:‬‬
‫مبعنى (مع)‪ ،‬ويحتجون لذلك بقو ِل الله سبحانَه‪:‬‬
‫صرَ َفُوا خالهم إِىل شياطينهم‪.‬‬
‫﴿ َم ْن أَن َْصارِي إِلىَ اللَّ ِه﴾ آل عمران‪ ،52/‬أي‪ :‬مع‬
‫خفش‪ :‬خلوتُ إِليه جعلْتُ ُه غاية حاجتي‪.‬‬ ‫قال األَ ُ‬ ‫الله‪ ،‬ويقولون‪ :‬إِ َّن (يف) تكو ُن مبعنى (عىل)‪،‬‬
‫معنى‪ ،‬وزعم قو ٌم منهم ال َّنرض بن‬ ‫ً‬ ‫وهذا رشح‬ ‫ويحتجون بقولِه –ع َّز اسمه‪َ ﴿ : -‬ولأَ ُ َصلِّبَ َّن ُك ْم فيِ‬
‫شُ ميل أَ َن (إِىل) هنا مبعنى (مع) أي‪ :‬وإِذا َخلَوا‬
‫َ‬ ‫ُجذُو ِع ال َّن ْخلِ ﴾ طه‪ ،71/‬أي‪ :‬عليها‪ ،‬ويقولونَ‪:‬‬
‫مع شياطينهم كام زعموا ذلك يف قولِه تعاىل‪﴿ :‬‬ ‫تكو ُن البا ُء مبعنى عن وعىل‪ ،‬ويحتجون بقولهم‪:‬‬
‫َولاَ تَأْكُلُوا أَ ْم َوالَ ُه ْم إِلىَ أَ ْم َوالِ ُك ْم﴾ النساء‪ ،2/‬و‪﴿ :‬‬ ‫رم ْي ُت بالقوس‪ ،‬أَي‪ :‬عنها وعليها كقولِه‪:‬‬
‫َم ْن أَن َْصارِي إِلىَ اللَّ ِه﴾ أي‪ :‬مع أموالكم ومع الله‪،‬‬
‫تناوب حروف املعاني‬ ‫‪135‬‬
‫لَ َع ْم ُر الل ِه أَع َج َبني رِضاها‬ ‫ ‬ ‫ومنه قول النابغة‪:‬‬
‫إِىل غري ذلك مماَّ سيأيت بيانُه‪.‬‬ ‫اس َمطليِ ٌّ ِب ِه‬ ‫فَلاَ تَرتُكَ ِّني بِال َو ِع ِيد كَأَنَّ ِني إِلىَ ال َّن ِ‬
‫ومذهب جمهور البرصيني أَ َّن حروف الج ِّر ال‬ ‫ُ‬ ‫القَا ُر أَج َر ُب‬
‫َ‬
‫ينوب بعضُ ها عن بعض إلاَّ شذوذا ً‪ ،‬أ َّما قياساً فال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقيل‪ :‬إِىل مبعنى الباء‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬ ‫يش ٍء من َ‬ ‫وال ُح َّج َة يف ْ‬
‫ذلك فهو مؤ َّو ٌل إِ َّما عىل التَّضمني أو‬ ‫وما أوه َم َ‬ ‫ينوب بعضُّ ها عن بعض‪ ،‬وهذا‬ ‫ألَ َّن حروف الج ِّر ُ‬
‫عىل املجا ِز كام يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولأَ ُ َصلِّ َب َّن ُك ْم فيِ‬ ‫يقول بها‬ ‫الحرف ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫ضعيف‪ ،‬إِذ نياب ُة الحرف عن‬ ‫ٌ‬
‫ُجذُو ِع ال َّن ْخلِ ﴾ ف ِإ َّن الكوفيني ذهبُوا إِىل أَ َّن (يف)‬ ‫سيبويه والخليل"‪(.3‬أبو حيان ‪)1/201 ،2002 ،‬‬
‫ليس‬ ‫وذهب البرصيون إِىل أَنَّه َ‬ ‫َ‬ ‫مبعنى (عىل)‪،‬‬ ‫حرف عن‬ ‫ينوب ٌ‬ ‫فالخليل وسيبويه ال يجيزان أن َ‬
‫مبعنى (عىل)‪ ،‬ولكن شبه املصلوب لتمكُّنه من‬ ‫حرف يف االستعامل‪ ،‬وظاه ُر كالم أيب حيَّان أ ْن‬ ‫ٍ‬
‫باب املجاز‪،‬‬ ‫بالحال يف الشيَّ ْ ِء‪ ،‬فهو من ِ‬ ‫ِّ‬ ‫الجذ ِع‬ ‫العدول عن حرف ج ٍّر إِىل آخر قد يكون لدفع‬
‫وإِ َّما عىل شذوذ إِنابة كلم ٍة عن أُخرى‪ ،‬وقالُوا‪:‬‬ ‫استعامل غريِه مكانه‬ ‫ُ‬ ‫اللبس الذي قد يجتلبه‬
‫تنوب‬
‫حرف كام ال ُ‬ ‫حرف عن ٍ‬ ‫تصح إِناب ُة ٍ‬ ‫وال ُّ‬ ‫ولتأدية املعنى املطلوب بدقَّ ٍة‪ ،‬وهو ما أراده‬
‫والجزم عن بعضها"‪(4‬السامرايئ‬ ‫ِ‬ ‫صب‬
‫حروف ال َّن ِ‬ ‫ُ‬ ‫بقوله‪ ":‬و ُع ِد َل إِىل (إِىل) ألَنَّها إِذا ُع ِّديَت بالبا ِء‬
‫ف ‪.)7-3/2003،6 ،‬‬ ‫احتملت معن َيني‪ :‬أحدهام االنفراد‪ ،‬والثاين‪:‬‬ ‫ْ‬
‫وذهب ابن ج ِّني يف هذه املواضع إِىل أَ َّن علَّة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫قال يف اللغة‪َ :‬خلَ ْوتُ به‪ :‬أي َسخ ْرتُ‬ ‫السخرية‪ ،‬إِذ يُ ُ‬ ‫ُّ‬
‫ذلك إنمَّ ا هي عائدة إِىل معنى الفعل الذي‬ ‫يحتمل إِال ً‬
‫معنى واحدا ً"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫به‪ ،‬وإِىل ال‬
‫يتعدى بالحرف ال إىل الحرف نفسه‪ ،‬فقال‪":‬‬ ‫ويتَّضح الخالف يف املسألة من خالل ما قاله‬
‫الفعل إِذا كان مبعنى فعلٍ آخر‪ ،‬وكا َن‬ ‫َ‬ ‫اعل ْم أَ َّن‬ ‫الدكتور فاضل السام َّرايئ يف معرض حديثه عن‬
‫العرب‬
‫َ‬ ‫بحرف‪ ،‬واآلخ ُر بآخر ف ِإ َّن‬ ‫ٍ‬ ‫أحدهام يتع َّدى‬ ‫ذهب جمهور‬ ‫َ‬ ‫تناوب حروف الجر إِذ قال‪":‬‬
‫قد تتَّس ُع فتوق ُع أح َد الحرفني موقع صاحبه إيذاناً‬ ‫ينوب بعضها عن‬ ‫الكوفيني إِىل أَ َّن حروف الج ِّر ُ‬
‫جي َء‬ ‫بأَ َّن الفعل يف معنى ذلك اآلخر‪ ،‬فلذلك ْ‬ ‫بعض‪ ،‬فقد تأيت (من) مبعنى (عىل) كقولِه تعاىل‪:‬‬
‫بالحرف املعتاد مع ما هو يف معناه‪ ،‬وذلك‬ ‫ِ‬ ‫معه‬ ‫﴿ َونَصرَ ْنَا ُه ِم َن الْ َق ْو ِم ال َِّذي َن كَ َّذبُوا﴾ األنبياء‪،77/‬‬
‫الصيَ ِام ال َّرفَثُ إِلىَ‬ ‫كقوله تعاىل‪﴿ :‬أُ ِح َّل لَ ُك ْم لَيْلَ َة ِّ‬ ‫وقد تأيت مبعنى (عن) كقولِه تعاىل‪﴿ :‬لَ َق ْد كُ ْن َت‬
‫تقول‪ :‬رفث ُْت إِىل‬ ‫نِ َسائِ ُك ْم﴾ البقرة‪ ،187/‬وأنت ال ُ‬ ‫فيِ َغ ْفلَ ٍة ِم ْن َهذَا﴾ ق‪ ،22/‬وقد تأيت (الباء) مبعنى‬
‫املرأة‪ ،‬وإِنمَّ ا تقول‪ :‬رفث ُْت بها أو معها‪ ،‬لك َّنه لَماَّ‬ ‫َاب َوا ِقعٍ﴾‬ ‫﴿سأَ َل َسائِ ٌل ِب َعذ ٍ‬ ‫(عن) كقولِه تعاىل‪َ :‬‬
‫وكنت تع ِّدي‬ ‫َ‬ ‫كان ال َّرفث هنا يف معنى ا ِإلفضاء‪،‬‬ ‫املعارج‪ ،1/‬وقد تأيت مبعنى (من) كقولِه تعاىل‪﴿ :‬‬
‫جئت ب ِإىل‬ ‫أَفض ْي ُت بإىل كقولِ َك‪ :‬أَفض ْي ُت إِىل املرأ ِة‪َ ،‬‬ ‫َع ْي ًنا يَشرْ َ ُب ِب َها ِع َبا ُد اللَّ ِه﴾ اإلنسان‪ ،6/‬وقد تأيت‬
‫فث إِيذاناً وإِشعارا ً أَنَّه مبعناه"‪ (.5‬ابن جني‬ ‫مع ال َّر ِ‬ ‫(عىل) مبعنى (يف) كقوله تعاىل‪َ ﴾ :‬و َد َخ َل الْ َم ِدي َن َة‬
‫‪)2/310‬‬ ‫َعلىَ ِح ِني َغ ْفلَ ٍة ِم ْن أَ ْهلِ َها﴾ القصص‪ ،15/‬وقد تأيت‬
‫وقال أيضاً نقالً عن شيخه أيب عيل الفاريس يف‬ ‫مبعنى (عن) كقول الشاعر‪:‬‬
‫حديثه عن بيت النابغة‪:‬‬ ‫يل بنو قُشَ يرْ ٍ‬ ‫إِذا َر ِض َي ْت ع َّ‬
‫لَ َع ْم ُر الل ِه أَع َج َبني‬ ‫يل بنو قُشَ يرْ ٍ‬ ‫إِذا َر ِض َي ْت ع َّ‬
‫‪136‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫فالحرف عند سيبويه مل يخرج من إطار معناه‬ ‫رِضاها‬
‫األَصيل‪ ،‬ولك َّنه ات ُِّسع يف استخدامه حتَّى أوهم‬ ‫قول الكسا ِّيئ يف‬ ‫يل يستحس ُن َ‬ ‫قال‪ ":‬وكان أبو ع ِّ‬
‫معنى جديد‪،‬‬ ‫عىل كثريين أنَّه خرج عن معناه إِىل ً‬ ‫(سخطت)‬ ‫ْ‬ ‫(رضيت) ض َّد‬
‫ْ‬ ‫هذا ألَنَّه قال‪ :‬لَماَّ كان‬
‫لذلك نراه ير َّد الحرف إىل أصله كثريا ً كام يف قولِه‪":‬‬ ‫ع َّدى َر ِضيَ ْت بعىل حمالً للشيَّ ْ ِء عىل نقيضه"‪(6‬ابن‬
‫وبا ُء الج ِّر إمنا هي لإللزاق واالختالط‪،‬وذلك قولك‪:‬‬ ‫جني ‪.)3/213‬‬
‫بزيد‪،‬ودخلت به‪،‬ورضبته بالسوط‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫خرجت‬
‫فح ْم ُل الفعل عىل نظريه أو نقيضه هو املس ِّوغ‬
‫ألزقت رضبك إياه بالسوط‪،‬فام اتَّسع من هذا‬ ‫عن َده لالتساع يف استعامل ٍ‬
‫حرف موضع آخر‪.‬‬
‫يف الكالم فهذا أصله"‪ (.9‬سيبويه ‪)4/217 ،1988‬‬
‫فالظَّاهرة كثرية يف اللغة‪ ،‬وال ميكن إنكا ُرها‬
‫وذكر أحمد مطر العط َّية أ َّن سيبويه يجعل أحياناً‬
‫ولك َّن الخالف يف الحكم عليها هل هي مطلق ُة‬
‫هذا االستعامل مردودا ً إِىل اللهجات‪(10‬العطية‬
‫االستعامل كام هو رأي الكوفيني؟ أم هي متأ َّولة‬
‫م ‪ .)237/2008‬محت َّجاً بقول سيبويه‪ ":‬قال أَبو‬
‫سمعت أَبا ٍ‬ ‫وفق رأي البرصيني؟‬
‫القوس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رميت عن‬ ‫يقول‪ُ :‬‬ ‫زيد ُ‬ ‫ُ‬ ‫عمرٍو‪:‬‬
‫َ‬
‫وناس يقولون‪ :‬رم ْي ُت عليها‪ ،‬وأنش َد‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫يقول أحمد مطر العطيَّة‪ ":‬وقد اختلط األمر عىل‬
‫كثريٍ من الباحثني القدامى‪ ،‬فنس ُبوا إِىل البرصيني‬
‫و ْه َي ثالثُ‬ ‫أرمي عليها و ْه َي فَ ْر ٌع أَجم ُع‬
‫أَنَّهم مينعون نيابة حروف الج ِّر بعضها عن بعض‪،‬‬
‫أَذر ٍع وإِصب ُع"‪ (.11‬سيبويه ‪)4/226 ،1988‬‬
‫ونسبوا إِىل الكوفيني إجازة ذلك ‪ ...‬وهذا ُ‬
‫القول‬
‫تقارب املعاين بني‬ ‫َ‬ ‫وذهب ابن السرَّ َّاج إِىل أَ َّن‬ ‫ليس دقيقاً‪ ،‬وال ميك ُن أَ ْن نُسلِّ َم به عىل إطالقه"‪.7‬‬
‫حروف الج ِّر هو سبب االتساع يف استعامل‬ ‫( العطية م ‪)235/2008‬‬
‫العرب‬
‫َ‬ ‫بعضها موضع بعض فقال‪ ":‬واعل ْم أَ َّن‬
‫وعرض مذهب سيبويه يف هذا املوضع‪ ،‬فهو يرى‬
‫بعض إِذا تقاربت‬ ‫تتَّسع فيها‪ ،‬فتقيم بعضها مقام ٍ‬
‫أن العرب اتَّسعت يف استعامل حروف الج َّر دون‬
‫تقول‪ :‬فال ٌن مب َّك َة‪ ،‬ويف‬ ‫املعاين‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬الباء؛ ُ‬
‫خروج تلك الحروف عن أصل معناها‪ ،‬ويقول يف‬
‫قلت‪ :‬فال ٌن مبوضع‬ ‫م َّك َة‪ ،‬وإِنمَّ ا جازا معاً ألَن ََّك َ‬ ‫معنى‬ ‫لكل ٍ‬ ‫فواضح أَ َّن سيبويه يجعل ِّ‬
‫كذا وكذا‪ ،‬فقد خبرَّ ت عن اتصال ِه والتصا ِقه بذلك‬ ‫حرف ً‬ ‫ٌ‬ ‫ذلك‪":‬‬
‫خاصاً به‪ ،‬ولكن قد يتسع فيه‪ ،‬فيُظ ُّن وكأنَّ ُه قد‬ ‫َ‬
‫قلت‪ :‬يف موضع كذا فقد خبرَّ ت‬ ‫املوضع‪ ،‬وإِذا َ‬ ‫خرج عن هذا املعنى‪ ،‬فري ُّده سيبويه بالتَّأويل إِىل‬
‫بفي عن احتوائه إِيَّاه وإحاطته به‪ ،‬ف ِإذا تقارب‬ ‫َ‬
‫معناه األَصل‪ ،‬ويَظه ُر ذلك جل َّياً يف تأويله قولهم‪:‬‬
‫الحرفان ف ِإ َّن هذا التقارب يصلُح ملعاقبة‪ ،‬وإِذا‬
‫أنت غايتي‪ ،‬فقد رجع به‬ ‫إليك؛ أي‪ :‬إِنمَّ ا َ‬
‫إِنمَّ ا أنا َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫تباين معناهام مل يجز؛ أَال ترى أ َّن رجالً لو َ‬
‫مررتُ يف ٍ‬ ‫كل موضعٍ‬ ‫إِىل األصل الذي هو انتهاء الغاية‪ ،‬ويف ِّ‬
‫زيد أو‪ :‬كت ْب ُت إِىل القلم مل يك ْن هذا‬
‫ينطلق‬
‫ُ‬ ‫يتح َّدثُ فيه عن معاين الحروف ف ِإنَّ ُه‬
‫تعاقب حروف الخفض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يلتبس به‪ ،‬فهذا حقيقة‬
‫فيه من معنى واحد لهذا الحرف‪ ،‬ويأيت باألَمثلة‬
‫كنت‬ ‫يتقارب املعنى مل ي ُج ْز‪ ،‬وقد ُحكيِ َ‪ُ :‬‬ ‫ْ‬ ‫فمتى مل‬
‫الحرف وكأنَّ ُه قد‬ ‫ُ‬ ‫عليه‪ ،‬ث َّم يذك ُر أمثل ًة يبدو فيها‬
‫اس‬ ‫باملال حرباً‪ ،‬ويف املا ِل حرباً‪ ،‬وهو يستعيل ال َّن َ‬ ‫خرج عن معناه األَصل إِىل معنى آخر‪ ،‬فيُ ِع ُّد ذلك‬
‫بكفِّه‪ ،‬ويف كفِّه"‪(.12‬ابن الرساج ‪)1/1996،415‬‬
‫بلطف التأويلِ أَ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يحاول‬ ‫ات ِّساعاً يف اللغة‪ ،‬ث َّم‬
‫فهو يرى أ َّن التقارب يف املعنى بني الحرف ج َّوز‬ ‫يردَّهُ إِىل معناه األَ َّول"‪(8‬العطية م ‪.)236/2008‬‬
‫تناوب حروف املعاني‬ ‫‪137‬‬
‫الجر‪ ،‬بل قد يتع َّداها إىل غريها من حروف‬ ‫استعامل بعضها موضع بعض‪ ،‬ولك َّنه‬ ‫َ‬ ‫للكثريين‬
‫املعاين‪ ،‬فمن ذلك استعامل سني االستقبال موضع‬ ‫قيَّد هذه املسألة بالتقارب املعنوي‪ ،‬ورفض‬
‫يختص‬ ‫ُّ‬ ‫سوف للتقارب يف املعنى‪ ،‬فكال الحرفني‬ ‫إطالقها دون قيد‪ ،‬لذلك ال ميكن استعامل حرف‬
‫ويدل عىل االستقبال مع فارق‬ ‫بالفعل واملضارع ُ‬ ‫حرف آخر دون أ ْن يكون مث َّة تقارب يف‬ ‫موضع ٍ‬
‫يف املعنى بي َنهام‪.‬‬ ‫املعنى بينهام ولو بوجه‪.‬‬
‫السام َرايئ هذا الفارق‬ ‫وقد تت َّبع الدكتور فاضل َ‬ ‫السام َّرايئ أيضاً‬ ‫وهذا ما قال به الدكتور فاضل َّ‬
‫واستشهد لذلك مبواضع كثرية الستخدام حريف‬ ‫تقرتب املعاين من بعضها‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫حيث قال‪ ":‬وقد‬
‫التَّنفيس هذين‪ ،‬فقال مب ِّيناً الفرق يف املعنى‬ ‫ستعمل بعضها‬ ‫ُ‬ ‫يُتَ َو َّس ُع يف استعامل املعنى‪ ،‬ف ُي‬
‫للفظ‬‫موافق ِ‬ ‫ٌ‬ ‫بينهام‪ ":‬وحرف االستقبا ِل (سوف)‬ ‫موضع بعض أو قريب منه‪ ،‬فمثالً قد يُتَ َو َّس ُع‬
‫وف ومعناه‪ ،‬ف ِإ َّن االستقبال بـ(سوف) فيه بُ ْع ٌد‬ ‫الس ِ‬ ‫َّ‬ ‫ستعمل للظَّرفيَّة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يف معنى اإللصاق بالباء‪ ،‬فيُ‬
‫وترا ٍخ‪ ،‬وربمَّ ا أُخذ منه و ُج ِّر َد ملعنى االستقبال كام‬ ‫لكل‬ ‫البلد‪ ،‬ولكن يبقى ِّ‬ ‫بالبلد ويف ِ‬
‫قمت ِ‬ ‫فتقول‪ :‬أَ ُ‬
‫أُخذ حرف (عىل) من العلوِ‪ ،‬و(خال) من الخل ِّو‪.‬‬ ‫حرف معناه واستعاملُه املتف ِّرد به‪ ،‬وال يتامثالنِ‬ ‫ٍ‬
‫السني‪ ،‬ف ِإ َّن لفظها‬ ‫قالوا‪ :‬و(سوف) أكرث تنفيساً من ِّ‬ ‫متاماً"‪(.13‬السامرايئ ف ‪)3/7/2003،7 ،‬‬
‫ِ‬
‫بالبعد‪.‬‬ ‫أك ُرث‪ ،‬فهو يؤذ ُن‬ ‫وذهب ابن يعيش إِىل أ َّن السبب يف هذه الظاهرة‬
‫جاء يف رشح الريض عىل الكافية‪ :‬وسوف أكرث‬ ‫يشارك غريه يف‬ ‫ُ‬ ‫عائد إِىل الفعل‪ ،‬فالفعل عنده قد‬
‫منقوص من‬ ‫ٌ‬ ‫الس َني‬‫وقيل‪ :‬إِ َّن ِّ‬
‫السني ‪َ ...‬‬ ‫تنفيساً من ِّ‬ ‫الحرف الذي يتع َّدى به‪ ،‬فقال‪ ":‬فلماَّ ضعفت هذه‬
‫الحرف عىل تقريب الفعل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سوف دالل ًة بتقليل‬ ‫َ‬ ‫األَفعال عن الوصول إِىل األَسامء ُر ِفدت بحروف‬
‫ا ِإلضافة‪ ،‬ف ُج ِعل َْت موصل ًة لها إِليها‪ ،‬فقالوا‪ :‬عج ْب ُت‬
‫وقال ابن إياز يف رشح الفصول‪ :‬إِ َّن الترَّ اخي يف‬ ‫من ٍ‬
‫كل قبيلٍ ممن‬ ‫زيد ونظرتُ إِىل عمرٍو‪ ،‬و ُخ َّص ُّ‬
‫السني بدليلِ استقراء كالمهم‪،‬‬ ‫سوف أَش ُّد منه يف ِّ‬ ‫َ‬
‫هذه األَفعا ِل بقبيلٍ من هذه الحروف‪ ،‬وقد‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿:‬و َس ْو َف ت ُْسأَلُونَ﴾الزخرف‪َ ،44/‬‬
‫وطال‬
‫تداخلت‪ ،‬فيشارك بعضها بعضاً يف هذه الحروف‬
‫الس َف َها ُء ِم َن‬ ‫ُول ُّ‬ ‫تعاىل‪﴿:‬س َيق ُ‬
‫َ‬ ‫األَم ُد وال َّزمان‪ ،‬وقال‬
‫تفض‬ ‫علت تلك الحروف جا َّرةً‪ ،‬ومل ِ‬ ‫املوصلة‪ ،‬و ُج ْ‬
‫القول"‪.15‬‬ ‫اس َما َولاَّ ُه ْم﴾البقرة‪ ،142/‬فتع َّجل َ‬ ‫ال َّن ِ‬
‫صب من األَفعال قبلها ألَنَّهم أَرادوا‬ ‫إِىل األَسامء ال َّن َ‬
‫(السامرايئ ف ‪)4/2003،22 ،‬‬
‫الفصل بني الفعلِ الواصل بنفس ِه وبني الفعل‬ ‫َ‬
‫فالفارق يف الداللة بني حريف االستقبال هو أ َّن‬ ‫الواصل بغريه ليمتاز السبب األَقوى من السبب‬
‫سوف تفيد الرتاخي يف االستقبال وأكرث توكيدا ً‬ ‫األَضعف"‪ (.14‬ابن يعيش ‪)8/8‬‬
‫السني‪ ،‬فتستعمل للزمن البعيد‪ ،‬بخالف‬ ‫للفعل من ِّ‬ ‫ومن املعقول جدا ً أن يكو َن هذا التقارب املعنوي‬
‫السني التي تستعمل للزمن القريب‪ ،‬ولكن قد‬ ‫ِّ‬ ‫هو السبب الرئيس لتناوب حروف الجر بعضها‬
‫السني موضع سوف يف موضع يقتضيها‬ ‫تُستخدم ِّ‬ ‫ِ‬
‫حروف‬ ‫عن بعض‪ ،‬أل َّن هذا التناوب ال يقترص عىل‬
‫ولعل التقارب املعنوي هو الدافع‬ ‫لبعد ما بعدها‪َّ ،‬‬
‫إىل هذا االستعامل‪ ،‬وقد يكون ذلك ٍ‬ ‫الج ِّر فحسب‪ ،‬بل تراه يف غريه من أبواب الحروف‪.‬‬
‫بالغي‪،‬‬
‫لغرض ٍّ‬
‫فمن مواضع استعامل السني موضع سوف قوله‬ ‫ثان ًيا‪ :‬تناوب غري حروف الجر‬
‫تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن ال َِّذي َن يَأْكُلُو َن أَ ْم َو َال الْ َيتَا َمى ظُلْماً‬ ‫ال يقترص التناوب بني حروف املعاين عىل حروف‬
‫‪138‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫واستدل لهم بقراءة‬ ‫َّ‬ ‫املقرون بها بعد فعل الرشط‬ ‫ِإنمَّ َا يَأْكُلُو َن فيِ بُطُونِ ِه ْم نَا ًرا َو َس َي ْصلَ ْو َن َس ِع ًريا﴾‬
‫الحسن ﴿ َو َم ْن يَ ْخ ُر ْج ِم ْن بَيْ ِت ِه ُم َها ِج ًرا إِلىَ اللَّ ِه‬ ‫النساء‪ ،10/‬فاألصل بعيد الزمن‪ ،‬فوقعت السني‬
‫َو َر ُسولِ ِه ث ُ َّم يُ ْد ِركْ ُه الْ َم ْوتُ فَ َق ْد َوقَ َع أَ ْج ُرهُ َعلىَ‬ ‫موضع سوف لتقريب الجزاء يف النفس‪.‬‬
‫اللَّ ِه﴾ بنصب (يدرك)‪ ،‬وأجراهام ابن مالك‬ ‫يقول الدكتور فاضل السام َّرايئ‪ ":‬وقد يكو ُن‬
‫مجراهام بعد الطلب‪ ،‬فأجاز يف قوله صلىَّ الله‬ ‫قريب‪ ،‬فيؤىت‬ ‫ٌ‬ ‫القص ُد إِظها ُر أَ َّن ما يوعدو َن به‬
‫عليه وسلَّم‪ ":‬ال يبول َّن أح ُدكم يف املاء ال َّدائم الذي‬ ‫تعاىل‪﴿:‬سأُ ْصلِي ِه‬
‫َ‬ ‫بالسني‪ ،‬وذلك نحو قوله‬ ‫لذلك ِّ‬
‫يغتسل منه" ثالث َة أَوج ٍه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ال يجري ث َّم‬ ‫﴿س َن ْد ُع ال َّزبَانِيَ َة﴾‬
‫َس َق َر﴾ املدثر‪ ،26/‬وقوله‪َ :‬‬
‫يغتسل‪ ،‬وبه جاءت الرواية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال َّرف َع بتقدير‪ :‬ث َّم هو‬ ‫َ‬
‫﴿س َن ْف ُر ُغ لَ ُك ْم أيُّ َه الثَّقَلاَ نِ ﴾‬‫العلق‪ ،18/‬وقوله‪َ :‬‬
‫بالعطف عىل موضع فعل النهي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والجز َم‬ ‫ذلك‬ ‫بالسني للداللة عىل أَ َّن َ‬ ‫الرحمن‪ ،31/‬فجا َء ِّ‬
‫قريب الوقوعِ"‪(.16‬السامرايئ ف ‪)4/2003،25 ،‬‬ ‫ُ‬
‫صب قال بإعطاء (ث َّم) حك َم واو الجمع"‪(.18‬‬ ‫وال َّن َ‬
‫ابن هشام أ ‪)2003،137،‬‬ ‫وشبي ٌه بهذا االستعامل استعامل حروف النداء‬
‫بعضها موضع بعض‪ ،‬فينادى القريب مبا هو‬
‫جعل بعض‬ ‫فالتقارب املعنوي بني حروف العطف َ‬
‫للبعيد‪ ،‬ألنَّهم أنزلوه منزلة البعيد‪ ،‬ويُنادى البعيد‬
‫النحاة يُعطون بعضها حكم نظريه يف الباب‪.‬‬
‫مبا هو للقريب ألَنَّهم أنزلوه منزلة القريب‪.‬‬
‫فهذا التقارب يف املعنى يف حروف الج ِّر وحروف‬
‫فكثريا ً ما ين َّزل ُالبعيد منزلة القريب فينا َدى‬
‫االستقبال وحروف النداء وحروف العطف جعل‬
‫بالهمزة و (أي) إ شار ًة إىل قُربه من القلب‬
‫العرب تتسع يف استعامل بعضها موضع بعض‪.‬‬
‫وحضوره يف الذهن‪ ،‬وقد ين َّزل ُالقريب منزلة‬
‫فمماَّ سبق نجد أن النحاة قد تع َّددت آراؤهم‬ ‫البعيد فينادى بغري الهمزة و(أي)إشار ًة إىل ُعلُ ِّو‬
‫يف تأويل هذه الظاهرة التي اختُلِ َف يف تسميتها‬ ‫مرتبته‪ ،‬أو انحطاط منزلته‪،‬أو غفلته ورشود‬
‫أيضاً‪ ،‬فبعضهم يس ِّميها تناوباً‪ ،‬وبعضهم يس ِّميها‪:‬‬ ‫ذهنه‪.‬‬
‫يش ٍء موضع‬ ‫تعاقباً‪ ،‬وآخرون قالوا‪ :‬هي استعامل ْ‬ ‫حرف ُوض َع‬ ‫يقول البيضاوي يف تفسريه‪ ":‬و(يا) ٌ‬
‫يش ٍء‪ ،‬واختلفوا يف تأويل هذه الظاهرة‪ ،‬فأعادها‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القريب تنزيالً له‬ ‫ُ‬ ‫لنداء البعيد‪ ،‬وقد ينادي به‬
‫بعضهم إىل الفعل‪ ،‬وبعضهم إىل الحرف وإىل غري‬
‫منزلة البعيد إ َّما لعظمت ِه كقول الداعي‪ :‬يا رب‪،‬‬
‫ذلك من وجوه االختالف‪ ،‬وما أراه يف هذا الباب‬
‫أقرب إليه من حبل الوريد‪ ،‬أو لغفلته‬ ‫ويا الله‪ ،‬هو ُ‬
‫الواسع أنَّه من قبيل الحمل عىل املعنى الذي قد‬
‫وسو ِء فهمه‪ ،‬أو لالعتنا ِء باملدع ِّو له وزياد ِة الحثِّ‬
‫نجده كث ًريا يف غري باب الحروف‪ ،‬فهذه الظاهرة‬
‫الزالت موضع ٍ‬ ‫عليه"‪(.17‬البيضاوي ‪1418 ،‬ه ‪)1/54 ،‬‬
‫خالف تشتجر فيها أقال ُم الباحثني‬
‫وتعرتك حتى يستق َّر لهم قرا ٌر عىل رأي يُعتم ُد‪.‬‬ ‫وقريب من هذا الباب ما ذهب إليه الكوف ُّيون‬ ‫ٌ‬
‫وابن مالك من إعامل بعض الحروف عمل ما‬
‫نتائج البحث‬ ‫يشبهها يف املعنى‪ ،‬فعلَّة التقارب املعنوي نراها‬
‫وصل البحث إىل النتائج اآلتية‪:‬‬ ‫تعاود التأثري يف آراء النحاة‪ ،‬فقد جاء يف املغني‬
‫اختالف النحاة يف ظاهرة استعامل بعض الحروف‬ ‫البن هشام حول ذلك قولُه‪ ":‬أجرى الكوف ُّيون‬
‫موضع غريها مل يقترص عىل الخالف بني الكوفيني‬ ‫(ث ُ َّم) مجرى الفاء والواو يف جواز نصب املضارع‬
‫تناوب حروف املعاني‬ ‫‪139‬‬
‫يف أبواب أخرى‪.‬‬ ‫والبرصيني‪ ،‬بل تع َّداه إِىل خالف أو اختالف بني‬
‫مختصة بالباب الواحد‪ ،‬فال‬‫َّ‬ ‫نرى هذه الظاهرة‬ ‫البرصيني أنفسهم‪ ،‬فام ذهب إِليه سيبويه ذهب‬
‫يستعمل حرف موضع حرف إِلاَّ إِذا تقاربا يف‬ ‫غريه إِىل غري ِه‪.‬‬
‫املعنى‪.‬‬ ‫ذهب البرصيون يف تأويل هذا االستعامل‬
‫قد تعود هذه الظاهرة إىل باب الحمل عىل‬ ‫مذاهب شتَّى مل تضبط هذه الظاهرة‪.‬‬
‫املعنى الذي نجده يف باب الفعل‪ ،‬فاألفعال قد‬ ‫ظاهرة استعامل بعض الحروف موضع غريها‬
‫يعمل بعضها عمل غريها حملاً لها عىل معناها‪.‬‬ ‫مختصة بباب حروف الجر فقط بل نراها‬ ‫َّ‬ ‫ليست‬

‫قامئة املصادر واملراجع‬


‫•األنصاري‪ ،‬ابن هشام‪ ،2003،‬مغني اللبيب عن‬ ‫ ‬ ‫•ابن جني ‪1999‬الخصائص‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عيل النجار‪،‬‬ ‫ ‬
‫كتب األعاريب‪ ،‬تحقيق‪ :‬محيي الدين عبد‬ ‫الهيئة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬ط‪.4‬‬
‫الحميد‪،‬املكتبةالعرصية‪،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫•ابن السرَّ َّاج ‪1996‬األَصول فيال َّنحو‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبدالحسني‬ ‫ ‬
‫•البيضاوي ‪ 1418‬للهجرة أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪،‬‬ ‫ ‬ ‫الفتيل‪،‬مؤسسة الرسالة‪،‬بريوت‪،‬ط‪.3‬‬
‫ت‪ :‬محمد عبد الرحمن املرعشيل‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬ ‫•ابن يعيش‪ ،‬رشح املفصل‪ ،‬املطبعة املنريية‪ ،‬مرص‪.‬‬ ‫ ‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫•األندليس‪،‬أبوح َّيان‪ ،2002 ،‬البحر املحيط‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫ ‬
‫السام َّرايئ‪ ،‬فاضل‪ ،2003 ،‬معاين ال َّنحو‪ ،‬رشكة العاتك‬‫• َّ‬ ‫ ‬ ‫مجموعة من املحققني‪ ،‬دار الكتب العلم َّية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لصناعة الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫ط‪.1‬‬
‫•العطية‪ ،‬أحمد مطر‪ ،‬ذو الحجة‪،1429/‬كانون‬ ‫ ‬ ‫•األخفش‪ ،‬أبو الحسن‪ ،1990 ،‬معاين القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫ ‬
‫األ َّول‪ ،2008/‬حروف الج ِّر بني النيابة والتضمني ‪ -‬مجلَّة‬ ‫هدى محمود قراعة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫الرتاث العريب ‪،‬العدد ‪..112‬‬
‫الهوامش‬
‫ ‪ - 6‬الخصائص‪.313/3 ،‬‬ ‫أبوالحسناألخفش‪ ،‬معاين القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬هدىمحمود‬ ‫‪ 1‬‬
‫‪ - 7‬أحمد مطر العط َّية‪ ،‬حروف الج ِّر بني النيابة‬ ‫قراعة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.51/1 ،1990 ،1‬‬
‫والتضمني‪ ،‬مجلَّة الرتاث العريب‪ ،‬العدد ‪ ،112‬ذو‬ ‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عيل النجار‪،‬‬ ‫‪ 2‬‬
‫الحجة‪ ،1429/‬كانون األ َّول‪ ،2008/‬ص‪.235‬‬ ‫الهيئة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬ط‪-308/2 ،1999 ،4‬‬
‫ ‪ - 8‬حروف الجر بني النيابة والتضمني‪.236 ،‬‬ ‫‪.309‬‬
‫‪ - 9‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪ -‬أبو حيَّان األندليس‪ ،‬البحر املحيط‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة‬ ‫ ‪3‬‬
‫الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.217/4 ،1988 ،3‬‬ ‫من املحققني‪ ،‬دار الكتب العلميَّة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،2002 ،1‬‬
‫‪ - 10‬حروف الجر بني النيابة والتضمني‪.237 ،‬‬ ‫‪.201/1‬‬
‫‪ - 11‬الكتاب‪ ،‬سيبويه‪.226/4 ،‬‬ ‫السام َّرايئ‪ ،‬معاين ال َّنحو‪ ،‬رشكة العاتك لصناعة‬
‫‪ -‬فاضل َّ‬ ‫‪ 4‬‬
‫‪ - 1 2‬ابن السرَّ َّاج‪ ،‬األَصول يف ال َّنحو‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحسني‬ ‫الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.7-6/3 ،2003 ،2‬‬
‫الفتيل‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.415/1 ،1996 ،3‬‬ ‫‪ -‬الخصائص‪.310/2 ،‬‬ ‫ ‪5‬‬

‫‪140‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫‪ - 1 7‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬ت‪ :‬محمد‬ ‫‪ -‬معاين النحو‪.7/3 ،‬‬ ‫‪ 13‬‬
‫عبد الرحمن املرعشيل‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬ ‫‪ -‬ابن يعيش‪ ،‬رشح املفصل‪ ،‬املطبعة املنريية‪ ،‬مرص‪،‬‬ ‫‪1 4‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬للهجرة‪.54/1 ،‬‬ ‫‪.8/8‬‬
‫‪ - 1 8‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬مغني اللبيب عن كتب‬ ‫‪ -‬معاين النحو‪.22/4 ،‬‬ ‫‪ 15‬‬
‫األعاريب‪ ،‬ت‪ :‬محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬املكتبة‬ ‫‪ -‬معاين النحو‪.25/4 ،‬‬ ‫‪ 16‬‬
‫العرصية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،2003 ،‬ص‪137‬‬

‫تناوب حروف املعاني‬ ‫‪141‬‬


‫خ�صائ�ص العربية‪ ،‬ومواجهتها لتحديات الواقع‬

‫د‪ .‬عادل حسن أبو عا�صي‬


‫أستاذ مساعد في العلوم اللغوية‪ ،‬املحاضرفي الكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬غزة ‪ ،‬فلسطين‬
‫‪addeel.1969@hotmail.com‬‬

‫َ ْ ُ‬
‫حيث يقول تعاىل ‪َّ ﴿:‬إنا أ َنزل َن ُاه ق ْر ً‌آنا َع َر ِ‌ب ًّيا‬ ‫يتناول هذا البحث أهمية اللغة العربية‪،‬‬
‫َّ َّ ُ َ ُ‬
‫ل َعلك ْم ت ْع ِقلو َن﴾ (‪)2‬وقد تكفل الله بحفظ‬ ‫وخصائصها‪ ،‬وأسباب انتشارها‪ ،‬واألخطار الّتي‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬وبذلك تكفل ضمناً بحفظ اللغة‬ ‫تواجهها‪ ،‬وكيفية النهوض بها‪،‬ويهدف هذا البحث‬
‫القرآن َفقال ُعزوجل ‪ِ ﴿ :‬إ َّنا‬ ‫لغة َ َّ َ‬ ‫العربية؛ ألنها‬ ‫إىل بيان الدورالحضاري للغة العربية الفصحى‪،‬‬
‫َن (‪)3‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َ َّ ْ َ ّ ْ‬
‫الذك ‌ر وِإنا له لحا ِفظو ﴾‬ ‫نحن نزلنا ِ‬ ‫ودورها يف مواكبة التطورات ومواجهة التحديات‪.‬‬
‫إ َّن اللغة العربية الفصحى هي التي متيز هوية‬ ‫ومن أهمنتائج البحث‪ :‬املحافظة عىل اللغة‬
‫األمة الفكرية والعلمية واألدبية والحضارية‬ ‫العربية الفصحى أصيلة ثابتة قوية يف الخطاب‪،‬‬
‫‪،‬والعربية الفصح ىبنحوها وتراكيبها وداللة‬ ‫والتدريس‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والصحافة واإلعالم‪ ،‬وجاءيف‬
‫ألفاظها هياألصلح للغة املكتوبة‪،‬سواءكان ذلك‬ ‫ثالثة محاور وهي‪:‬‬
‫بكتابة اآلدابوالعلوم‪ ،‬وكألنواعالنتاج الفكريكالق‬ ‫املحور األول ‪ :‬أهمية اللغة العربية‬
‫صةواملقالةوالشعر‪،‬إضافةإلىاألخبارالصحفيةأومح‬ ‫وخصائصها‪.‬‬
‫ارضاالجتامعاتالرسمية فيالدواوينواملؤمتراتواملحا‬
‫فلوغريها ‪.‬‬ ‫اللغة هي وسيلة التواصل بني البرش‪،‬‬
‫وهي التي تعرب عن «الواقعاالجتامعي؛‬
‫ولك َّن الغريب أ َّن العاميات ترسبت من خالل‬ ‫ولهذاصارتواحدةمنأقوىالعرىالتي تربطالجامعا‬
‫اللغة املنطوقة املحكية؛ لتزاحم الفصحى‪ ،‬وتهجم‬ ‫ت‪،‬وقددانتبوجودهاإلىقيام املجتمع «(‪ )1‬ولغتنا‬
‫عليها هجوماً كاسحاً‪ ،‬ولعل ما يقلل من تأثري هذا‬ ‫العربية وضع الكنعانيون حروفها األبجدية‪ ،‬ثم‬
‫الهجوم أن اللغة املنطوقة ال تصلح لحفظ نتاج‬ ‫وضع الفينيقيون أرقاماً لهذه الحروف‪ ،‬وت ُعد‬
‫األمة ومخزونها من الفكر واألدب والرتاث؛ ألنه‬ ‫اللغة العربية الهوية الحضارية التي تشكل‬
‫ال ميكن أن يُطبق عليها قواعد الكتابة العربية‬ ‫الوعاء الجميل للسان العريب‪ ،‬الذي نزل به القرآن‬
‫املتعارف عليها‪ ،‬واللغة الفصحى هي لغة‬ ‫الكريم‪.‬‬
‫التفاهم بني الشعوب العربية واإلسالمية‪،‬وهذا‬
‫إيجاز ألهم خصائص اللغة العربية‪.‬‬ ‫وقد نالت اللغة العربية رشف تكريم الله‬
‫سبحانه وتعاىل لها بإنزال القرآن الكريم بها‪،‬‬
‫‪142‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫االشتقاق اللغ َة العربي َة ثرو ًة لغوي ًة هائل ًة‬
‫ُ‬ ‫أكسب‬ ‫‪1‬ـــ خصائص اللغة العربية يف أصواتها وحروفها‪:‬‬
‫تتزايد يوماً بعد يوم‪ ،‬كام أعطى العربية مرونة يف‬ ‫يبلغ عدد حروف الهجاء يف اللغة العربية تسعة‬
‫استيعاب مخرتعات وأدوات العرص‪.‬‬ ‫وعرشين حرفاً عند سيبويه‪ ،‬ومثانية وعرشين‬
‫‪4‬ـــ من خصائص العربية اإليجاز‪ :‬وقد عرفه‬ ‫حرفاً عند املربد الختالفهام يف اعتبار الهمزة حرفاً‬
‫القزويني بقوله‪ « :‬أداء المقصود من الكلام‬ ‫مستقالً (‪ ،)4‬وميزة العربية إمنا يف سعة املدرج‬
‫بأقل العبارات‪ ،‬وقد قيل‪ « :‬البلاغة‪ :‬الإيجاز من‬ ‫الصويت من الشفتني إىل اقىص الحلق‪ ،‬وبالتايل‬
‫غير عجز»(‪ ،)9‬وتوجد يف اللغة العربية أساليب‬ ‫تكون العربية أوفر عددا ً يف أصوات املخارج التي‬
‫مخترصة يصعب التعبري عنها يف لغات أخرى‬ ‫ال تلتبس وال تتكرر‪.‬‬
‫مثل‪( :‬هيهات‪ ،‬وشتان) ومثل‪( :‬نستعطفكم‪،‬‬ ‫ومن خصائصها الصوتية‪ ،‬أنها تحتوي عىل‬
‫ونستمنحكم‪ ،‬ونلزمكموها) (‪)10‬واإليجاز عند‬ ‫جميع األصوات التي وردت يف أخواتها الساميات‪،‬‬
‫العرب له أهمية ومكانة يف العربية‪ ،‬حيث يعترب‬ ‫وزادت عنها بأصوات‪ :‬الثاء والذال والظاء والعني‬
‫بحق سمة من أبرز سامت اللغة العربية ‪.‬‬ ‫والضاد(‪)5‬وأكرث الحروف اختصاصاً(الضاد والظاء)‬
‫‪5‬ـــ اللغة العربية لغة املجاز‪ :‬أما املجاز فهو‬ ‫حيث تعرضتا للتغيري‪ ،‬ففي اآلكادية والعربية‪،‬‬
‫استخدام الكلمة يف غري ما وضعت له لعالقة‬ ‫ت ُستبدل الضاد والظاء بصاد أخرى‪ ،‬أما يف اآلرامية‬
‫بني املعنيني الحقيقي واملجازي‪ ،‬مع وجود قرينة‬ ‫فقد تحولت الضاد إىل عني أو قاف(‪ ،)6‬وبذلك‬
‫مانعة من إرادة املعنى الحقيقي‪ ،‬واملجاز فروعه‬ ‫يبقى إطالق (لغة الضاد) عىل اللغة العربية‬
‫كثرية ومتعددة‪ ،‬ومعظم األلفاظ كانت يف أصل‬ ‫صحيحاً إىل حد كبري‪.‬‬
‫وضعها تدل عىل أشياء محسوسة‪ ،‬ومع مرور‬ ‫‪2‬ـــ من خصائص اللغة العربية أنها لغة اإلعراب‪:‬‬
‫الزمن وتطور الحياة‪ ،‬انتقلت إىل معانٍ أخرى‬ ‫اإلعراب هو النحو الذي يهتم بحركة آخر الكلمة‬
‫مجردة تربطها بها عالقة ما‪ ،‬وميزة العربية تتجىل‬ ‫داخل الرتكيب‪ ،‬وتنبع أهمية اإلعراب من خالل‬
‫بوضوح يف هذه العالقة‪ ،‬حيث توجد كلامت‬ ‫توضيح املعاين وإزالة اللبس‪ ،‬وقد أورد الزجاج‬
‫كثرية بقي لها معناها الحقيقي مع شيوع معناها‬ ‫يف أن اإلعراب « أوتي به للداللة على وظيفة‬
‫املجازي عىل األلسنة‪ ،‬فال لبس بني قولنا‪ :‬فالن‬ ‫الكلمة في التركيب‪ ،‬وعليه فإن من الواجب‬
‫ً‬
‫يق ِّيد شوارد الفكر‪ ،‬ويق ِّيد األسري بالحديد(‪.)11‬‬ ‫التلفظ بالكلمة أوال؛ حتى نعلم حقيقتها‪ ،‬ثم‬
‫املحور الثاين ‪ :‬بني الفصحى والعامية‬ ‫ُيؤتى بما يدل على حالتها‪ ،‬ووضعها في الجملة‬
‫«(‪.)7‬‬
‫الفصحى يف اللغة‪،‬من الفعل فصح كام ورد يف‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫اللسان‪َ « :‬ف ُ‬
‫الرجل فصاحة فهو ف ِصيح‪،‬‬ ‫ص َح‬ ‫َ‬
‫‪3‬ـــ من خصائص اللغة العربية أنها لغة‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫وف ُ‬‫َ‬ ‫االشتقاق‪ :‬واالشتقاق « أخذ كلمة من أخرى مع‬
‫عجمي بالضم فصاحة تكلم‬ ‫صح األ‬
‫والفص ُ‬ ‫َ‬ ‫اتفاقهما معنى ومادة أصلية‪ ،‬وهيئة تركيب لها؛‬
‫يح في اللغة املنطلق اللسان‬ ‫ِ‬ ‫بالعربية‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫في القول الذي يعرف ج ِيد الكالم من رديئه‪،‬‬ ‫ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة‬
‫(‪)12‬‬
‫«‬ ‫«(‪ )8‬واالشتقاق من أهم وسائل التوسع اللغوي‪،‬‬
‫ومن أنواعه العام (الصغري) والكبري والك َّبار‪ ،‬وقد‬
‫والفصحى هي تلك الصورة األدبية الرفيعة‬
‫خصائص العربية‪ ،‬ومواجهتها لتحديات الواقع‬ ‫‪143‬‬
‫أما العامية فقد جاءت من لفظة (العامة) وهي‪:‬‬ ‫التي متثل فصاحة األدباء‪ ،‬وهي مزيج من لهجات‬
‫« لغة العامة وهي خلاف الفصحى‪ ،‬و(العامي)‬ ‫متعددة‪ ،‬وليست لهجة محكية لقبيلة معينة‪،‬‬
‫المنسوب إلى العامة‪ ،‬ومن الكلام ما نطق به‬ ‫وقد اشتهرت لهجة قريش من بينها‪ ،‬إال أنها ال‬
‫العامة على غير سنن الكلام العربي»(‪)15‬والبعض‬ ‫متثل وحدها اللغة العربية الفصحى‪ ،‬إمنا كان لها‬
‫يسميها (اللهجة) واملقصود باللهجات العامية ‪:‬‬ ‫النصيب األوفر يف هذه اللغة املشرتكة فهي‪« :‬‬
‫اللغات التي نشأنا عليها واعتدناها كالماً منطوقاً‪،‬‬ ‫خليط من القواعد في الصيغ والتراكيب‪ ،‬إضافة‬
‫وهي لغة الخطاب اليومي يف البيت واملدرسة‬ ‫إلى وجود الكثير من المترادفات؛ مما يستحيل‬
‫واملسجد والسوق والعمل‪ ،‬وال تخضع لقوانني‬ ‫أن تكون لهجة قبيلة واحدة «(‪ )13‬وقد أكد ُهذا‬
‫معينة‪ ،‬وتقبل التغيري والتبديل حسب الظروف‪،‬‬ ‫الرأي ابن جني من قبل فقال ‪ « :‬كلما كثرت‬
‫دون قواعد محددة‪ ،‬وتُعرف بأنها‪ « :‬مجموعة‬ ‫األلفاظ على املعنى الواحد‪ ،‬كان ذلك أولى‬
‫ً‬
‫من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة معينة‪،‬‬ ‫بأن تكون لغة لجماعات « (‪ )14‬واملعنى واضح‬
‫ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه‬ ‫أن يف اللغة العربية ألفاظاً كثرية للمعنى الواحد‪،‬‬
‫البيئة‪ ،‬وبيئتها هي جزء من بيئة لغوية أوسع‬ ‫وتجمعت هذه املعاين من الـتأثري والتأثر بني لغة‬
‫(‪)16‬‬
‫وأشمل «‬ ‫القبائل العربية التي شكلَّت يف مجموعها اللغة‬
‫والعامية لفظ يُطلق عىل العربية املحكية‬ ‫الفصحى املشرتكة‪ ،‬والتي وصلت إلينا‪ ،‬فثبتت‬
‫التي يتداولها الناس‪ ،‬وقد تعددت بني البلدان‬ ‫عىل حالها إال من بعض التغيري الناتج عن تطور‬
‫العربية‪ ،‬وداخل البلد الواحد‪ ،‬ففي بالد الشام‬ ‫األلفاظ واستيعابها أللفاظ معربة من لغات‬
‫لهجات سوريا ولبنان واألردن وفلسطني‪ ،‬وداخل‬ ‫أخرى أو استجابة لتطور الحياة الحديثة ‪.‬‬
‫كل لهجة لهجات متعددة‪ ،‬فعىل سبيل املثال‬ ‫فاللغة العربية مبا متتلك من خصائص ومميزات‬
‫لهجة فلسطني تتنوع فيها لهجة غزة‪ ،‬ولهجة‬ ‫أهلتها لتكون لغة العلم والحضارة ‪ ،‬فهي لغة‬
‫الخليل‪ ،‬ولهجة نابلس‪ ،‬وهكذا ويف سوريا‪,‬‬ ‫التوليد واالشتقاق‪ ،‬فالكثري من املصطلحات‬
‫لهجة دمشق‪،‬ولهجة حلب‪ ,‬ولهجة حمص‪,‬عىل‬ ‫أنتجتها اللغة العربية وأصبحت من صميم‬
‫الرغم من وجود القواسم املشرتكة‪ ,‬يف العربية‬ ‫الفصحى فنحن أصحاب مصطلح ( االنتفاضة )‬
‫الفصحى‪ ,‬كام أن هذه اللهجات ال تكون مفهومة‬ ‫الذي صدرناه للعامل حتى أنه ُع ِّرب كام هو يف‬
‫أحياناً ألهل القطر الواحد‪ ,‬فكيف تكون مفهومة‬ ‫لغات أخرى مثل اإلنجليزية وغريها‪ ،‬فاملشكلة‬
‫لألقطار العربية األخرى‪.‬‬ ‫يف الرجال الذين يحملون اللغة وليس يف اللغة‬
‫وهناك تسميات متعددة للعامية فتسمى‬ ‫نفسها‪ ،‬فاللغة تحتاج إىل رجال أكفاء يتمتعون‬
‫(الهجني) أو (اللغة املولدة) ألنها نشأت يف‬ ‫بالوعي بقواعد اللغة وأساليبهاـ‪ ،‬فاللغة الفصحى‬
‫األساس من اختالط الشعوب وتفاعل الثقافات‬ ‫تبقى اللغة الخاصة‪ ،‬لغة الكتابة والـتأليف‪ ،‬فهي‬
‫ببعضها البعض (‪ ،)17‬وال ميكن أن نسمي ما كان‬ ‫الوعاء الرصني الرائع الذي يحفظ ويستوعب‬
‫من لهجات عربية مختلفة يف السابق عاميات‪ ،‬إذ‬ ‫نتاج أمتنا العربية بكافة فروعه العلمية واألدبية‬
‫مل تكن اللهجات العربية قدميا بعيدة بعدا ً كبريا‬ ‫والحضارية ‪.‬‬

‫‪144‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫(‪ )q‬ح ِّول إىل (ق) يف كلمة موسيقى وكذلك‬ ‫عن الفصحى‪.‬‬
‫كلمة( ‪ )televi‬تلفزيون حولت إىل ( تلفاز) إذن‬ ‫املحور الثالث ‪ :‬اللغة الفصحى وتحديات الواقع‬
‫القواعد واضحة ‪.‬‬
‫إن هذه املرحلة التي تعيشها اللغة العربية‬
‫ولعل من أكرب التحديات التي تواجه اللغة‬ ‫اليوم من أخطر املراحل‪ ،‬ولعل من أهمها أن‬
‫العربية الفصحى الهجوم الكاسح للعاميات‪،‬‬ ‫يصل اإلنسان العريب ملرحلة يفقد فيها الثقة‬
‫واملشكلة ليست يف عامية التخاطب؛ ألن‬ ‫بذاته فينظر إىل لغته العربية نظرة دونية‪ ،‬حيث‬
‫اللهجات العامية املحكية موجودة منذ القديم‪،‬‬ ‫يُعجب بلغة هجينة كسيحة محشوة مبفردات‬
‫وتختلف حتى داخل البلد الواحد‪ ،‬ولكن‬ ‫غريبة‪ ،‬فيتباهى يف التعامل فيها يومياً‪ ،‬ولعلنا‬
‫املشكلة الحقيقية هي يف الدعوات املشبوهة‬ ‫نجد ذلك يف األسامء‪ ،‬وكأن اللغة العربية عجزت‬
‫لتصبح العاميات لغات مكتوبة‪ ،‬ولعل قول‬ ‫عن ذلك‪ ،‬وهناك أمثلة كثرية نجدها يف أسامء‬
‫بعضهم أن تصبح العامية مكتوبة تطور‬ ‫املحالت واملطاعم والرشكات وأسامء الشوارع‪،‬‬
‫طبيعي للغات‪ ،‬فهذا قول مردود حيث كشف‬ ‫ولكن الغريب أن يصل بنا هذا االنحطاط إىل‬
‫االستاذمحمودمحمدشاكر(رحمهالله)يف كتابه‬ ‫أن نسمي املنظمة العربية التي من وظائفها‬
‫«أباطيلوأسامر» أسامءاملبرشينواملسترشقينواملناص‬ ‫حامية اللغة الفصحى والدفاع عنها باسم أجنبي‬
‫رينالذينهموراءهذهالدعوات(‪. )19‬‬ ‫وهي (األليسكو) وهي املنظمة العربية للرتبية‬
‫هذهالعامياتأصبحتتزاحاملفصحى‪،‬حتى‬ ‫والثقافة والعلوم‪ ،‬وقد أخذت اسمها املخترص‬
‫بات العرب يتحدثون بالعامية‪ ،‬وعامية‬ ‫التي تشتهر به من الرتجمة االنجليزية‬
‫العامية‪،‬واملصيبة أن بعض من يدعون الثقافة‬ ‫ويف نظرة فاحصة لهذا الواقع‪ ،‬نتساءل‪ :‬من‬
‫يذهبون إىل أنَّاللهجةالعاميةهياللغةالعربيةال‬ ‫الذي يؤلف لنا هذه األسامء؟ هل يتوافق الناس‬
‫راقيةحيث يقولرفيقروحانة يف برنامج االتجاه‬ ‫عليها؟!‪ ،‬أم تأيت من بنات أفكارهم‪ ،‬وهذه هي‬
‫املعاكس الذي تبثه الجزيرة‪ »:‬اللغةالعربية‬ ‫املصيبة كام يف حالة (األليسكو)‪ ،‬ويف هذا الشأن‬
‫هيتطورت‪،‬وكلشيءأفضلهوالأرقى “ ويف نفس‬ ‫يقول جرجي زيدان‪ »:‬املؤلف أو الكاتب الذي‬
‫الربنامج يرد عليه عيل عقلة عرسان فيقول‪:‬‬ ‫يحمل لغته مسؤولية ما يشعر به من نقص‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫العاميةليستلغةعلم‪ ,‬ولالغةأدب‪،‬ولكنعندمانتعا‬ ‫في كتابته‪ ،‬هو مؤلف عاجز‪ ،‬وهو مسؤول‬
‫(‪)20‬‬
‫ملمعالفكرفإننانحتاجالىلغةعالية «‬ ‫عن هذا النقص‪ ،‬وهو مؤلف ينقصه الوعي‬
‫أما عن التحدي الكبري الذي تواجهه الفصحى‬ ‫(‪)18‬‬
‫اللغوي بقيمة لغته وعمقها وحضارتها «‬
‫فهو لغة الصحافة واإلعالم‪ ،‬حيث تؤثر تأثريا ً‬ ‫إذن املشكلة ليست يف القواعد اللغوية‪ ،‬فهي‬
‫كبريا ً يف نرش العاميات‪ ،‬حيث متثل وسائل اإلعالم‬ ‫تتميز باملرونة والسهولةإىل أبعد ما يكون‪،‬‬
‫مصدرا ً كبريا ً من مصادر التشكيل الثقايف‪ ،‬وخاصة‬ ‫فيمكن تطويعها؛مثل‪ :‬أمن اللبس يف قواعد‬
‫عىل األطفال الناشئني حيث تتشكل ثقافتهم‬ ‫النحو‪ ،‬والرضورة الشعرية‪ ،‬والنحت والتعريب يف‬
‫ولغتهم يف هذه الفرتة الحرجة (‪ )21‬إالأناإلعالميتش‬ ‫قواعد الرصف‪ ،‬فعىل سبيل املثال ميكن تحويل‬
‫بثباللهجةالعاميةفيربامجه‪،‬وأعلىنسبةللهجةالعام‬ ‫صوت أجنبي إىل صوت عريب عند التعريب مثل‬
‫خصائص العربية‪ ،‬ومواجهتها لتحديات الواقع‬ ‫‪145‬‬
‫األعظم) يف الصحافة‪ ،‬حيث يأيت الوصف غري‬ ‫يةفيربامجاالطفالواألرسة‪،‬والربامجاملنوعةوالرتفيهي‬
‫مطابق للموصوف املقرتن بـ(أل)‪ ،‬ترجم ًة ركيك ًة‬ ‫ةوغريها‪،‬وتستغرقساعاتالبثاملتواصلةأكربوقت من‬
‫للمصطلح اإلنجليزي املقابل (‪The Two super-‬‬ ‫مشاهدةالناس‪،‬ويشكالألطفااللذينلميبلغواسنالد‬
‫‪،)powers‬والصورة الفصيحة لذلك التعبري أن‬ ‫خواللىاملدرسةأوسعرشيحهمنمشاهدي التلفاز‪.‬‬
‫يأيت الوصف مطابقًا للموصوف ف ُيقال‪( :‬القوتان‬ ‫ومن هنا ينبغي االهتامم باللغة العربية‬
‫ال ُعظ َميان)‪ ،‬وهذه من الب َده َّيات الَّتي يدركها‬ ‫الفصحى يف الربامج اإلذاعية ملا لها من تأثري كبري‬
‫أصغر طالب يدرس اللُّغة العربيَّة‪ ،‬فضالً عن أن‬ ‫عىل املشاهدين‪ ،‬حيث قد يؤث ِّر برنامج إذاعي‬
‫(‪)23‬‬
‫تحتاج إىل مراكز البحث أو املجامع اللغوية‪.‬‬ ‫يُق َّدم يف دقائق معدودة ما ال تؤث ِّره عرشات‬
‫إذن لغة الصحافة تؤثر تأثريا ً كبريا ً يف استخدام‬ ‫الكتب‪ ،‬حيث أصبح للغة الصحافة دو ٌر كبري يف‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫الكلامت العامية‪ ،‬وعىل سبيل املثال يف لغة‬ ‫العربية‬ ‫تغيري اللُّغة لدى الناس؛ أل َّن « اللغة‬
‫ُّ‬
‫الرياضة نجد الكثري من املذيعني واملعلقني‬ ‫اليوم لم تعد اللغة التي يعرفها الباحثون في‬
‫يستخدمون ألفاظاً عامية جاءت من لغات أخرى‬ ‫التراث العربي القديم؛ فقد أصابها كثير من‬
‫دون التنبيه إليها مثل‪( :‬بلنتي‪ ،‬كورنر‪ ،‬أوفصايد‪،‬‬ ‫التغيير‪ :‬في معجمها‪ ،‬وفي طريقة بناء الجملة‬
‫لفت باك‪ ،‬ونق‪ ،‬ثرد باك‪ ،‬فاول)‪ ،‬وقد شاع‬ ‫فيها‪ ،‬ولم يعد تجاهل هذه التغييرات يجدي‬
‫استخدامها‪ ،‬وانتقلت إىل جمهور الناس‪ ،‬فهذا‬ ‫أيضا التغا�ضي عن‬ ‫كثيرا‪ ،‬ولم يعد يجدي ً‬ ‫ً‬
‫مجال واحد‪ ،‬وهناك مجاالت كثرية تسللت من‬ ‫املصاعب التي يعاني منها العلماء واملترجمون‬
‫خاللها األلفاظ العامية أو األلفاظ التي جاءت‬ ‫عندما يقصدون إلى التعبير الصحيح‪ ،‬وإن‬
‫من لغات أخرى مع وجود البديل الفصيح‬ ‫كبيرا في سبيل تطويع‬ ‫جهدا ً‬ ‫األمر يقت�ضي ً‬
‫ُّ‬
‫الذي يتناسب مع أصول وقواعد اللغة العربية‪،‬‬ ‫اللغة للوفاء بحاجة هؤالء وأولئك‪ ،‬وهذا‬
‫فالكلامت الرياضية السابقة لها بدائل معربة‬ ‫كبيرا على كاهل العلماء واللغويين‬ ‫يلقي ً‬
‫عبئا ً‬
‫يف الفصحى فنقول‪( :‬رضبة جزاء‪ ،‬رضبة ركنية‪،‬‬ ‫(‪)22‬‬
‫لتحقيق هذا الهدف «‬
‫تسلل‪ ،‬ظهري أيرس‪ ،‬جناح‪ ،‬ظهري ثالث‪ ،‬خطأ)‬ ‫وقد عرب إبراهيم السامرايئ (رحمه الله) عن‬
‫ويف مجال املواصالت أيضاً يستخدمون (الباص‪،‬‬ ‫أهمية لغة الصحافة يف تشكيل اللغة العربية‬
‫األوتوبيس‪ ،‬ميكرو باص‪ ،‬اترونبيل) وميكن إيجاد‬ ‫والـتأثري عليها‪ ،‬فقد أحىص مجموعة من‬
‫البديل الفصيح فنقول‪( :‬الحافلة‪ ،‬الحافلة الصغرية‪،‬‬ ‫األلفاظ والرتاكيب التي شاعت يف لغة الصحافة‪،‬‬
‫السيارة) وهكذا‪،‬والخطورة أن تغزونا كلامت‬ ‫والسمة الغالبة فيها الخروج عىل قواعد‪ ،‬وأصول‬
‫يف كل مجاالت الحياة من خالل لغة الصحافة‬ ‫اللغة العربية الفصحى‪ ،‬وقد وضع مجموعة‬
‫واإلعالم‪ ،‬وخاصة يف ظل ثورة االتصال والتواصل‬ ‫من الخصائص األسلوبية للغة الصحافة‪ ،‬كام‬
‫عرب الجوال وشبكات التواصل االجتامعي‪ ،‬ومن‬ ‫دعا السامرايئ إىل استيعاب الرتاكيب اللغوية‬
‫هنا يجب التنبيه إىل هذه الخطورة‪ ،‬وهي أن‬ ‫األجنبية من خالل تعريبها وإدخالها إىل اللغة‬
‫يؤدي ذلك تدريجياً إىل انتشار العاميات بشكل‬ ‫العربية‪ ،‬ويذكره أمثلة ألخطاء ناتجة عن‬
‫كبري‪ ،‬وتصبح اللغة الفصيحة غريبة يف بالدها‪.‬‬ ‫الرتجمة االرتجالية مثل استخدام تعبري (الق َّوتان‬
‫‪146‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫باإلرهابية‪ ،‬وقد شق مرشوع العوملة الثقافية‬ ‫ويطالب الكثري من دعاة العوملة بتحرير اللغة‬
‫طريقه إىل التنفيذ من خالل التدخل يف املناهج‬ ‫العربية من قيودها بحجة أنها مل تواكب لغة‬
‫الرتبوية والتعليمية‪.‬‬ ‫العرص‪ ،‬وأن اللغة االنجليزية هي لغة عاملية‪،‬‬
‫إن مواجهة هذه التحديات الجسيمة هو‬ ‫ولعل تدريس الكثري من التخصصات العلمية‬
‫بنرش اللغة الفصحى‪ ،‬وتعلم قواعدها‪ ،‬وأساليبها‪،‬‬ ‫باللغة اإلنجليزية قد أثر يف هذا املفهوم الخاطئ‪،‬‬
‫والعمل بقوة عىل تعريب املناهج والتخصصات‬ ‫وكذلك االنبهار بكل ما هو أجنبي‪ ،‬وأ َّن الشخص‬
‫العلمية‪ ،‬وقد رد الشاعر حافظ إبراهيم عىل‬ ‫يشعر بالنقص إذا مل يقل (‪ )OK‬بينام يوجد يف‬
‫من يدعون أن اللغة العربية ال تستطيع مواكبة‬ ‫لغتنا العربية عرشات الكلامت التي تعرب عن هذا‬
‫العرص ومخرتعاته‪ ،‬حيث يقول عىل لسان اللغة‬ ‫املعنى مثل‪ ( :‬موافق‪ ،‬حسناً‪ ،‬نعم‪ ،‬أجل‪ ،‬جيد‪،‬‬
‫العربية‪:‬‬ ‫مايش الحال‪ ،)...‬وأنا أتساءل هنا ملاذا يف كل‬
‫الوظائف التي تعرض يوضع فيها رشط أن يجيد‬
‫ ‬ ‫وسـعـت كـتـاب الله لفـظـاً وغـايـة‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫اللغة اإلنجليزية كتابة ومحادثة؟!‪ ،‬فإجادة اللغة‬
‫وعضات‬ ‫وما ضقت يوماً عن آي به‬ ‫ ‬
‫اإلنجليزية يشء جيد‪ ،‬ولكن ليس عىل حساب‬
‫ ‬ ‫فكيف أضيق اليوم عن وصف‬ ‫اللغة العربية‪.‬‬
‫ِ (‪)25‬‬
‫آلــة وتــنسيــق أسمـاء لـمخـتـرعــات‬
‫ويزداد التحدي من خالل التدريس يف الجامعات‬
‫وبعد ذلك ميكن القول بأن اللغة العربية واجهت‬ ‫العربية باللغات األجنبية‪ ،‬وهذا له انعكاس كبري‬
‫تحديات جمة عرب تاريخها الطويل منذ الجاهلية‬ ‫عىل استعامل اللغة العربية يف مجاالت الحياة‪،‬‬
‫وحتى يومنا هذا‪ ،‬ولعل أخطر التحديات التي‬ ‫فكيف نفرس استمرار تدريس التخصصات‬
‫واجهتها اللغة هي مع االستعامر الحديث‪ ،‬ألن‬ ‫العلمية وغريها باللغة االنجليزية يف الجامعات‬
‫هذا االستعامر هاجم اللغة يف جوهرها وعمل‬ ‫العربية‪ ،‬ويف هذا املوضوع يقول فهمي هويدي‬
‫عىل تقويض دعامئها من حيث الدعوة إىل كتابة‬ ‫‪ « :‬سياسة الانفتاح المنفلت التي أنتجتها الدول‬
‫اللغة العربية باألحرف الالتينية أوالً‪ ،‬وثانياً من‬ ‫العربية بدرجات متفاوتة‪ ،‬أدت إلى ما نشهده‬
‫خالل استخدام العاميات بدل الفصحى‪ ،‬وهذه‬ ‫من هجوم واسع النطاق للثقافة الأجنبية؛ حتى‬
‫الدعوات قادها عدد من املسترشقني واليهود‬ ‫أصبح الذين يجيدون اللغات الأجنبية هم‬
‫ومن سار يف فلكهم من العرب ‪.‬‬ ‫المتميزين‪ ،‬وصارت المدارس الأجنبية تحظى‬
‫كثرية هي األخطار املحيطة بلغتنا العربية‪ ،‬ولكن‬ ‫بإقبال غير عادي»(‪.)24‬‬
‫نداء متكني اللغة العربية كهوية ال يكفي يف ظل‬ ‫تحد تواجهه اللغة‬‫وتعد العوملة أخطر ٍ‬
‫هذه األخطار والتحديات‪ ،‬ومن هنا تظهر رضورة‬ ‫العربية‪ ،‬فالعوملة ترمي إىل تشكيل العامل‬
‫تعزيز السياسة اللغوية عىل الصعيد العريب‬ ‫اقتصادياً واجتامعياً وثقافياً وفق الرؤية الغربية‪،‬‬
‫واإلسالمي‪ ،‬وتنشيط املراصد اللغوية‪ ،‬وتفعيل‬ ‫وتضع الخطط والربامج؛ لتحقيق هذا الهدف‪،‬‬
‫القوانني الداعمة للغة العربية‪.‬‬ ‫فقد أمر بوش بحذف بعض اآليات التي وصفها‬

‫خصائص العربية‪ ،‬ومواجهتها لتحديات الواقع‬ ‫‪147‬‬


‫قامئة املصادر واملراجع‬
‫•عبد العزيز‪ ،‬محمد حسن‪ ،‬لغة الصحافة املعارصة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•إبراهيم‪ ،‬حافظ‪ ،‬رشح ديوانه‪ ،‬رشح‪ :‬يحيى شاهني‪،‬ط‪،1‬‬ ‫ ‬
‫القاهرة‪ ،‬مؤسسة املعارف‪1978 ،‬م‪.‬‬ ‫بريوت‪ ،‬دار الفكر العريب‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫•العقاد‪ ،‬عباس محمود‪ ،‬اللغة الشاعرة ‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•إستيتية‪ ،‬سمري‪ ،‬املشكالت اللغوية‪ ،‬ب‪ .‬ط‪ ،‬ديب‪ ،‬دار‬ ‫ ‬
‫‪1960‬م‪.‬‬ ‫القلم‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫•فندريس‪ ،‬اللغة‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد الحميد الدواخيل‬ ‫ ‬ ‫•أنيس‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬يف اللهجات العربية‪،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪،‬‬ ‫ ‬
‫ومحمد القصاص‪ ،‬القاهرة ‪1972 ،‬م‪.‬‬ ‫مكتبة األنجلو املرصية‪1965 ،‬م‪.‬‬
‫•القزويني‪ ،‬الخطيب‪ ،‬اإليضاح‪ ،‬تحقيق‪:‬هنداوي‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عيل النجار‪،‬‬ ‫ ‬
‫القاهرة‪ ،‬مؤسسة املختار‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫بريوت‪ ،‬عامل الكتب‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫•املبارك‪ ،‬مازن‪ ،‬نحو وعي لغوي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دمشق‪ ،‬مكتبة‬ ‫ ‬ ‫•حجازي‪ ،‬محمود فهمي‪ ،‬مدخل إىل علم اللغة‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬ ‫ ‬
‫الفارايب‪1970 ،‬م‪.‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬دار قياء‪1997 ،‬م‬
‫•املربد‪ ،‬املقتضب‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عضيمة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•حسني‪ ،‬محمد الخرض‪ ،‬القياس يف اللغة‪،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪،‬‬ ‫ ‬
‫لجنة إحياء الرتاث‪1994 ،‬م‪.‬‬ ‫دار الفضيلة‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫•مجمع اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوسيط‪ ،‬ط‪ ،2‬تركيا‪ ،‬دار‬ ‫ ‬ ‫•حامد‪ ،‬محمد أحمد‪ ،‬محارضات عن اللغة العربية‪،‬‬ ‫ ‬
‫الدعوة‪ ،‬ب‪ .‬ت‪.‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬دار الثقافة العربية‪1988 ،‬م)‪.‬‬
‫•ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫ ‬ ‫•الزجاجي‪ ،‬اإليضاح يف علل النحو‪ ،‬تحقيق‪ ،‬ط‪،2.‬‬ ‫ ‬
‫•الدوريات واملواقع‬ ‫ ‬ ‫بريوت‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط‪2،1973‬م‪.‬زيدان‪ ،‬جرجي‪ ،‬اللغة‬
‫•السامرايئ‪ ،‬إبراهيم « رضب من التطور يف الصحافة‬ ‫ ‬ ‫العربية كائن حي‪،‬ط‪ ،2‬بريوت‪ ،‬دار الجيل‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫العربية «‪ ،‬مجلة جامعة أم القرى لعلوم الرشيعة‬ ‫•سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ ‬
‫واللغة العريب‪ ،‬املجلد ‪ ،13‬العدد ‪( 22‬ربيع األ ّول عام‬ ‫الهيئة املرصية للكتاب‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪1422‬ه) ـ‬ ‫•السيوطي‪ ،‬املزهر‪ ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد منصور‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪،‬‬ ‫ ‬
‫•صحيفة املجاهد الجزائرية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬صحيفة يومية‪،‬‬ ‫ ‬ ‫دار الكتب‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ ،24‬سبتمرب‪1996 ،‬م)‪.‬‬ ‫•شاكر‪ ،‬محمود محمد‪ ،‬أباطيل وأسامر‪ ،‬ب‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ ‬
‫•حامية اللغة العربية الفصحى‪ ،‬برنامجاالتجاه‬ ‫ ‬ ‫مكتبة الخانجي‪ ،‬ب‪.‬ت‪.‬‬
‫املعاكس‪2008،‬م‪ ،‬موقع الجزيرة نت ( (‪aljazeera.‬‬ ‫•عبده‪ ،‬داوود‪ ،‬أبحاث يف اللغة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪،‬‬ ‫ ‬
‫‪.net‬‬ ‫مكتبة لبنان‪1973 ،‬م‪.‬‬

‫الهوامش‬
‫(القاهرة‪ ،‬الهيئة املرصية للكتاب‪1975 ،‬م) ‪،431 /4‬‬ ‫فندريس‪ ،‬اللغة‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد الحميد الدواخيل‬ ‫(‪ )1‬‬

‫محمد أحمد حامد‪ ،‬محارضات عن اللغة العربية‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫ومحمد القصاص( القاهرة ‪1972 ،‬م) ص ‪. 35‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬دار الثقافة العربية‪1988 ،‬م) ص ‪. 24‬‬ ‫سورة يوسف‪. 2 /12 ،‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫انظر‪ :‬محمود فهمي حجازي‪ ،‬مدخل إىل علم اللغة‬ ‫(‪)6‬‬ ‫سورة الحجر‪. 9 /15 ،‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫(القاهرة‪ ،‬دار قياء‪ ،‬د‪ .‬ط‪1997 ،‬م) ص ‪. 142 ،141‬‬ ‫انظر‪ :‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪148‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫‪1999‬م) ص ‪. 122‬‬ ‫(‪ )7‬الزجاجي‪ ،‬اإليضاح يف علل النحو‪ ،‬تحقيق‪ :‬مازن املبارك‬
‫(‪ )18‬جرجي زيدان‪ ،‬اللغة العربية كائن حي (بريوت‪ ،‬دار‬ ‫(بريوت‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط‪2،1973‬م) ص ‪.76‬‬
‫الجيل‪ ،‬ط‪1988 ،2‬م) ص ‪. 44‬‬ ‫(‪ )8‬السيوطي‪ ،‬املزهر يف علوم اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد منصور(‬
‫(‪)19‬محمود محمد شاكر‪ ،‬أباطيل وأسامر ( القاهرة‪ ،‬مكتبة‬ ‫بريوت‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م) ‪. 364 /1‬‬
‫الخانجي‪ ،‬ب‪.‬ت) ‪. 154 /2‬‬ ‫(‪ )9‬الخطيب القزويني االيضاح‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد‬
‫(‪ )20‬حامية اللغة العربية الفصحى ‪ ،‬برنامج االتجاه‬ ‫هنداوي (القاهرة‪ ،‬مؤسسة املختار‪1999 ،‬م) ص ‪.110‬‬
‫املعاكس‪2008،‬م ‪ ،‬موقع الجزيرة نت ( (‪aljazeera.‬‬ ‫(‪ )10‬انظر‪ :‬مازن املبارك‪ ،‬نحو وعي لغوي ( دمشق‪ ،‬مكتبة‬
‫‪.net‬‬ ‫الفارايب‪1970 ،‬م) ص ‪. 67‬‬
‫(‪ )21‬انظر‪ :‬محمد الخرض حسني‪ ،‬القياس يف اللغة ( القاهرة‪،‬‬ ‫(‪ )11‬انظر‪ :‬عباس محمود العقاد‪ ،‬اللغة الشاعرة ( القاهرة‪،‬‬
‫دار الفضيلة‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م) ص ‪. 54‬‬ ‫‪1960‬م) ص ‪.15‬‬
‫(‪ )22‬محمد حسن عبد العزيز‪ ،‬لغة الصحافة املعارصة (‬ ‫(‪ )12‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ( بريوت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬د‪ .‬ت)‬
‫القاهرة‪ ،‬مؤسسة املعارف‪1978 ،‬م) ص ‪. 51‬‬ ‫مادة ( فصح)‪. 544/2 ،‬‬
‫(‪ )23‬انظر‪ :‬إبراهيم السامرايئ « رضب من التطور يف الصحافة‬ ‫(‪ )13‬انظر‪ :‬داوود عبده‪ ،‬أبحاث يف اللغة العربية (بريوت‪،‬‬
‫العربية «‪ ،‬مجلة جامعة أم القرى لعلوم الرشيعة‬ ‫مكتبة لبنان‪،‬ط‪1973 ،1‬م) ص ‪. 82‬‬
‫واللغة العريب‪ ،‬املجلد ‪ ،13‬العدد ‪( 22‬ربيع األ ّول عام‬ ‫(‪ )14‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عيل النجار(بريوت‪،‬‬
‫‪1422‬ه)ـ‪ ،‬ص‪ 422‬وما بعدها‬ ‫عامل الكتب‪2006،‬م) ‪.374 /1‬‬
‫(‪ )24‬نقال عن صحيفة املجاهد الجزائرية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬صحيفة‬ ‫(‪ )15‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوسيط ( تركيا‪ ،‬دار‬
‫يومية‪ ،24( ،‬سبتمرب‪1996 ،‬م)‪.‬‬ ‫الدعوة‪ ،‬ط‪ ،2‬ب‪.‬ت ) مادة ( عمم)‪.629 /2 ،‬‬
‫(‪ )25‬حافظ إبراهيم‪ ،‬رشح الديوان‪ ،‬يحيى شاهني (بريوت‪ ،‬دار‬ ‫(‪ )16‬انظر‪ :‬إبراهيم أنيس‪ ،‬يف اللهجات العربية (القاهرة‪،‬‬
‫الفكر العريب‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م) ص ‪. 56‬‬ ‫مكتبة األنجلو املرصية‪ ،‬ط‪1965 ،3‬م) ص‪. 16‬‬
‫(‪ )17‬انظر‪ :‬سمري إستيتيه‪ ،‬املشكالت اللغوية( ديب‪ ،‬دار القلم‪،‬‬

‫خصائص العربية‪ ،‬ومواجهتها لتحديات الواقع‬ ‫‪149‬‬


‫عالء الأ�سواين‪ :‬عمارة يف الأدب العربي‬

‫توفيق الرحمن وازكات‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫دـ محمد بى بى‬

‫تكاد تقوم عىل ضد االستعامر الغريب واألمرييك‬ ‫متهيد‬


‫والصهاينة كام تصارع مع األنظمة السياسية‬
‫وقوى التخلف والتقاليد البالية املعيقة لحركة‬ ‫عالء عباس األسوانيأديب بارع وروايئ مبدع‬
‫التقدم‪ .‬وبهذا الصدد إمنا هي تدافع عن القيم‬ ‫وفنان موهوب وصحايف كبري يف األدب العريب‬
‫اإلنسانية يف مواجهة الجمود والظلم واالستحواذ‬ ‫املرصي املعارص‪ .‬وهو طبيب ماهر يف طب‬
‫والتخلف‪ ،‬وتسعى إىل الحرية والعدالة والسالم‪.‬‬ ‫األسنان ومامرس يف عيادته مع حبه واهتاممه‬
‫أن يكون كاتبا ممتازا‪ .‬بل عرث يف رحلته األدبية‬
‫حياته الشخصية‬ ‫مرسحه املوافق عرب كتابة بارعة يف الرواية‬
‫ولد عالء األسواين يف عائلة برجوازية يف ‪ 26‬مايو‬ ‫العربية والصحافة معا‪ .‬رفع عالء شعارا عربيايف‬
‫‪1957‬م يف مرص‪ .‬كان أبوه عباس األسواين انتقل‬ ‫مقاالته الصحفية وكرره دامئايف آخر سطوره‪،‬فهو‬
‫من أسوان إىل القاهرة ملامرسة مهنته املحاماة‬ ‫‘الدميقراطية هي الحل’‪ ،‬حيث يطرح فيها عدة‬
‫يف عام ‪1950‬م‪ .‬كانت عائلة عالء األسواين عائلة‬ ‫تساؤالت وشبهات كمواطن مرصي مهموم بحال‬
‫مثقفة جدا حيث كان جده شاعرا مرتجال كام‬ ‫بالده الحضيض‪.‬‬
‫كان أبوه كاتبا روائيا ومحاميا‪ ،‬وكان يكتب‬ ‫اشتهر عالء األسواين بآرائه السياسية املعارضة‬
‫مقاالت يف مجلة ‘روز يوسف’ تحت عنوان‬ ‫لألنظمة والحكم يف جمهورية مرصومناضال‬
‫‘أسوانيات’ وأحيا فن املقامات يف الستينيات‬ ‫شديدا عىل حكم الرئيس حسني مبارك‬
‫وسامها املقامات األسوانية‪ ،‬حيث أنه حصل‬ ‫واستبداده يف تلك الفرتة‪.‬كان عالء األسواين عضوا‬
‫عىل جائزة الدولة التقديرية لروايته ‘األسوار‬ ‫بارزا يف تأسيس حركة كفاية‪ 3‬وحاليا عض ّو يف‬
‫العالية’ يف مجااللرواية واألدب يف عام ‪1972‬م‪،‬‬ ‫مجلس اإلدارة ملركز الدوحة‪ 4‬لحرية اإلعالم‪.‬أصبح‬
‫فنهج ابنه نهج والده وفاق صيته وشهرته عن‬ ‫عالء األسواين كمحلل سيايس ذو ق ّوة مؤثرة يف‬
‫أبيه‪ .‬كانت أمه زينب من عائلة أرستقراطية‬ ‫السياسة واملجتمع املرصي إثر دعمها احتجاجات‬
‫حيث كان عمها وزيرا للمعارف قبل ثورة يوليو‬ ‫الربيع العريب التي أجربت الرئيس حسني مبارك‬
‫يف عام ‪1952‬م‪ .‬ويف أوائل العرشينيات من عمره‬ ‫عىل التنحي عن الحكم‪.‬كانت مقاالته ومؤلفاته‬
‫تزوج عالء األسواين للمرة األوىل‪ ،‬وكانت زوجته‬
‫‪150‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫لغته األم العربية‪ ،‬والفرنسية بسبب دراسته يف‬ ‫طبيبة األسنان‪ ،‬أنجبت ولدا سامه ‘سيفا’ لكن مل‬
‫املدرسة الفرنسية واإلسبانية ألخذه منحة دراسية‬ ‫تطل عالقتهام الزوجية فتطلقا الحقا‪ ،‬ويف عمره‬
‫من اإلسبانية واللغة اإلنجليزية لدراسته وعيشه‬ ‫‪ 37‬تزوج عالء األسواين ‘إميان تيمور’ ولهام ابنتان‬
‫يف الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وبذل يف أمريكا‬ ‫‘مي’ و‘ندى’‪.‬‬
‫‪17‬سنة من حياته وغالبيتها يف مدينة شيكاغو‬ ‫تأثر عالء األسواين تأثريا بالغا من أبيه حتى يعترب‬
‫كطالب وطبيب األسنان‪ .‬أث ّرت تلك املرحلة يف‬ ‫أباه معلمه األول‪ ،‬وهوالذي هيأ الرتبية الحقة‬
‫حياته األدبية تأثريا بالغا عميقا وك ّونت تلك‬ ‫الصحيحة لتنمية ولده وأرشده إىل عامل القراءة‬
‫التجارب الواسعة شخصـية عالء وفلسفته‬ ‫والكتابة معا‪ ،‬ورغم أنه خلّف له يف منزله مكتبة‬
‫االجتامعية ومواقفه السياسية‪ .‬ويف هذه الفرتة‬ ‫ضخمة وكتبا مكدسة مركمة‪ .‬نشأ عالء األسواىن‬
‫كان عالء األسواين ميارس مهنته كطبيب األسنان‬ ‫وسط مكتبة كبرية تضم فيها أفضل وأروع‬
‫معلنا ذلك بأنه ال يريد االكتساب بالكتابة وال‬ ‫اإلبداعات اإلنسانية يف مختلف املجاالت فكانت‬
‫يقصد أن يتخذ الكتابة وسيلة التكسبلمعيشته‬ ‫القراءة هي هوايته األوىل منذ صغرهحيث‬
‫بل هي هواية يتنفـس ويحلم من خاللها‪.‬‬ ‫ساهمت يف تشكيل تربيتهوثقافته وأدبه‪ .‬ترعرع‬
‫مسريته األدبية‬ ‫عالء طالبا متحمساومولعا بالقراءة املكثفة من‬
‫كانت بداية رحلته األدبية يف سنة ‪1990‬م‪ ،‬بكتابة‬ ‫القصص القصرية الرائعة والروايات الكثرية الفنية‬
‫روايته األوىل صغرية اسمها "أوراق عصام عبد‬ ‫وقىض فيها أوقاته الثمينة‪ .‬تل ّمذ عالء األسواىن من‬
‫العاطي"‪ .‬وكان بطل الرواية شابا مثقفا محبطا‪،‬‬ ‫أصدقاء أبيه الذينيرتددون يف بيته أحيانا وهم‬
‫يعاين من االستبداد والفساد والنفاق يف املجتمع‬
‫‪5‬‬
‫يُعتربون أعالم مرص مثل إحسان عبد القدوس‬
‫املرصي‪،‬بل هو نائب الذي يتمثل كل فرد من‬
‫‪7‬‬
‫وعبد الرحامن الرشقاوي‪ 6‬وجامل الغيطاين‬
‫أفراد الشعب املرصي‪ .‬ولك ّن الحكومة يحاول‬
‫‪10‬‬
‫وحسن فؤاد‪ 8‬وصالح جاهني‪ 9‬ولويس جريس‬
‫أن يستخدمبخطاب الفخر الكاذب الذى يردده‬ ‫وغريهم‪.11‬‬
‫اإلعالم الحكومي عن عظمة املرصيني وحضارتهم‬ ‫أتم عالء األسواين دراسته الثانوية يف مدرسة‬
‫العريقة املمتدة أكرث منسبعة آالف سنة‪.‬‬ ‫الليسية الفرنسية يف مرص‪ ،‬ويف هذه املرحلة تعلم‬
‫كانرتوايته مكتوبة بضمري املتكلم‪ ،‬يبدأها البطل‬ ‫اللغة العربية واللغة الفرنسية وأتقن فيهام معا‪.‬‬
‫بالسخرية املريرة عىل مقولة الزعيم مصطفى‬ ‫وبعدما حصل البكالوريوس من كلية طب الفم‬
‫كامل الشهرية‪" :‬لو مل أكن مرصيا لوددت أن أكون‬ ‫واألسنان من جامعة القاهرة يف سنة ‪1980‬م‪.‬‬
‫مرصيا‪.12"...‬أضاف عالء األسواين جميع تجاربه‬ ‫حاز عالء األسواين منحة الدراسية يف مادريد‪،‬‬
‫ومعاناته التي واكبها يف مسريته األدبية يف مقدمة‬ ‫أسبانيا لدراسة األدب يف الحضارة األسبانية‬
‫رواية ‘عامرة يعقوبيان’‪ ،‬وهو يقول‪:‬الحق أنني‬ ‫واإلنجيزية‪ .‬بعدئذ التحق بكلية الطب بجامعة‬
‫أثناء كتابتي لهذه الرواية مل يدر بذهني إطالقا‬ ‫إلّينوي يف شيكاغو بالواليات املتحدة األمريكية‬
‫حملت مخطوطة‬‫ُ‬ ‫ىل املشاكل‪.‬‬
‫أنها سوف تجر ع ّ‬ ‫وحصل عىل شهادة املاجستري يف طب األسنان‬
‫وذهبت بها إىل هيئة الكتاب‪ ،‬ويف ذهني‬
‫ُ‬ ‫الرواية‬ ‫منها‪ .‬أتقن عالء األسواين أربع لغات عاملية وهي‬
‫عالء األسواني‪ :‬عمارة في األدب العربي‬ ‫‪151‬‬
‫من يقرأ هذه املقاالت ويبحث عن الكتاب‬ ‫أن أتقدم بها للنرش‪ ،‬وكليّ ثقة يف أنها ستُحظى‬
‫لن يجده أبدا‪ .15‬ويف عام ‪1997‬م‪ ،‬انتهى عالء‬ ‫باالهتامم ورمبا الحفاوة أيضا‪ .‬فقد كانت روايتي‬
‫األسواىن بكتابة مجموعة قصصية جديدة بعنوان‬ ‫يف رأي كل من قرأوا املخطوطة‪ ،‬هي أفضل رواية‬
‫"جمعية منتظري الزعيم"‪ ،‬ثم تقدم بها ليك تنرش‬ ‫من روايات كثرية نرشتها الهيئة‪ .‬وهناك‪ ،‬يف مبنى‬
‫يف إحدى السالسل التابعة لهيئة قصور الثقافة‪،‬‬ ‫هيئة الكتاب الفخم عىل كورنيش النيل‪ ،‬تلقيت‬
‫ولكن مل تنرش هيئة التحرير هذه املجموعة‪.‬‬ ‫الصدمة األوىل من مؤسسة الفساد الثقايف يف‬
‫أخريا عزم عالء األسواين أن ينرش مستقال عن‬ ‫مرص‪.13‬‬
‫الحكومة وطبع منها خمسامئة نسخة ثم وزّعها‬ ‫قدقسم الكتاب‬‫ّ‬ ‫ويف رأيه‪ ،‬أن هيئة الكتاب‬
‫عىل األدباء والنقاد‪ ،‬حيث يذكر بنفسه تلك‬ ‫واملؤلفني إىل ثالث طبقات‪ ،‬الطبقة األوىل‪ ،‬هم‬
‫املغامرات‪ :‬لك ّنني ظللت كام كنت كاتبا بال‬ ‫مؤلفون مشهورون الذين تنرش أعاملهم األدبية‬
‫قراء‪ .‬عىل أنني هذه املرة قد ه ّزين ما حدث يل‬ ‫فورا‪ .‬وهناك الطبقة الثانية‪ ،‬هم مؤلفون حاصلون‬
‫بعنف‪ .‬ووجدتني أسرتجع ماحدث يل منذ بدأتُ‬ ‫عىل توصيات من شخصيات كبرية ذو نفوذ وتأثري‬
‫رحت أتساءل‪ :‬ماذا جنيت من‬ ‫مشواري األدب‪ُ .‬‬ ‫عند الدولة‪ ،‬تنرش هذه الطبقة أعاملهم حسب‬
‫األدب؟ لقد رفضت البقاء يف الواليات املتحدة‬ ‫توصية صاحبهم العظيم‪ .‬وأما الفئة الثالثة‪ ،‬فهم‬
‫بعد أن أنهيت دراسـتي الطبية يف جامعة‬ ‫ليسوا مؤلفني مشهورين‪ ،‬وليس عندهم توصيات‬
‫إلّينـوي بشيكاجو‪ ،‬واعتذرت عن عروض مغرية‬ ‫كافية‪ .‬فيتم تحويل أعاملهم األدبية إىل لجان‬
‫ماليا للعمل يف مستـشـفيات الخليج‪ ،‬فعلت كل‬ ‫القراءة‪ ،‬ولكن لجان القراءة ليسوا أساتذة أدب‬
‫ذلك من أجل األدب‪ ،‬فامذا أعطاين األدب يف‬ ‫بل هم موظفون عاديون‪ ،‬وهم ال يسمحون عىل‬
‫املقابل إال املشـاكل واألمل واإلهانـات؟ هل كان‬ ‫إصدار أعامل الطبقة الثالثة‪ .14‬وكذلك مل يستطع‬
‫يستطيع هذا املسؤول لهيئة الكتاب أن يوجه‬ ‫عالء األسواين عىل إصدار روايته األوىل من هيئة‬
‫يل هذه اإلهانة لو أنني قدمت نفيس كطبيب؟‬ ‫الكتاب‪ ،‬ومن إثر ذلك أصابه إحباط بالغ ويأس‬
‫ما قيمة كل هذا الجهد الذى أبذله يف الكتابة‬ ‫كامل‪.‬‬
‫وأنا يف النهاية عاجز عن نرش أعاميل؟ ألست مثل‬
‫وبعد أيام أراد عالء األسواين أن ينرش الرواية عىل‬
‫‪16‬‬
‫املؤلفني جميعا أكتب من أجل القراء؟‬
‫نفقته‪ ،‬وملا انتهى يف تلك الفرتة من مجموعة‬
‫بلغت رغبة الكاتب الشديدة إىل قناعة وقرار‪،‬‬ ‫قصصية‪ ،‬فقد جمع القصص والرواية يف كتاب‬
‫فالقناعة أن باب األدب سيظل مفتوحا أمامه‬ ‫واحد بعنوان "الذي اقرتب ورأى"‪ ،‬وطبع منه‬
‫مع فهمه عىل أنه لن يحقق أبدا ما يريده من‬ ‫عىل نفقته ثالمثائة نسخة فقط‪ ،‬وقام بتوزيعها‬
‫األدب يف مرص‪ .‬أما القرار فهو أن يهاجر إىل بلد‬ ‫عىل النقاد واألصدقاء ولكن لقي الكتاب حفاوة‬
‫آخر تكون فيه الحياة مريحة والفرص متكافئة‬ ‫مدهشة فأشاد به نقاد كثريون‪ .‬يقول عالء‬
‫والتعامل مع البرش أكرث احرتاما وإنسانية‪ .‬اتخذ‬ ‫األسواين‪ :‬وقد أ ّدى يب ذلك إىل ظاهرة غريبة‬
‫قرار الهجرة إىل نيوزيلندا وبدأ دراسة قوانني‬ ‫الزمتني زمنا‪ ،‬أن أكون كاتبا بال قراء‪ .‬فالنقاد‬
‫هجرته ومأل طلب الهجرة‪ .‬ملا فهم عالء األسواين‬ ‫يُشيدون بكتايب عىل صفحات الجرائد‪ ،‬لكن‬
‫أن إجراءات الهجرة تستغرق عاما أو عامني قرر‬
‫‪152‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫بواقعتني‪ ،‬الواقعة األوىل هي كانت السفارة‬ ‫تأليف رواية جديدة يف خالل تلك الفرتة وطبعها‬
‫األمريكية تنفذ هدم أحد البيوت القدمية‬ ‫كام فعل مع كتبه السابقة‪ ،‬طبعة محدودة‬
‫لتستعمل مكانه كساحة انتظار لسيارات‬ ‫وزّعها عىل النقاد‪ .‬انتهى عالء األسواين من الرواية‬
‫السفارة‪ .‬وأما الواقعة الثانية فهي املناظر‬ ‫األخرية قبل أن يرتك مرص نهائيا‪ ،‬وكانت عنوانها‬
‫والحقائق يف وسط البلد‪ ،‬فقد رأى الفناء الخلفي‬ ‫‘عامرة يعقوبيان’‪.‬‬
‫لوسط البلد وسطوح العامرات املكتظة بالفقراء‪،‬‬ ‫تنتمي عامرة يعقوبيان إىل نوع من األدب‬
‫والرسيحة واملهمشون وأحيانا الخارجون عىل‬ ‫يُس ّمى ‘بطولة املكان‘وهذا النوع من الروايات‬
‫القانون‪،‬واألجانب املسنون الذين رفضوا أن‬ ‫يكون املكان هو البطل وتتح ّدد أهمية شخصيات‬
‫يهاجروا من مرص وهم يف شققهم الفسيحة‬ ‫الرواية وفقا لعالقتها باملكان‪ .‬وقد استعمل هذا‬
‫املتهدمة ينتظرون املوت بهدوء كام تفعل‬ ‫النوع من األديب مجموعة من أكرب املؤلفني يف‬
‫األفيال‪ .‬أن هذه الواقعة دفعته إىل فكرة مهمة‬ ‫تاريخ األدب مثل تشارلز ديكنز‪ 17‬ولورنس‬
‫عظيمة ما هو رس أهمية وسط البلد؟ ويف رأيه‬ ‫داريل‪ 18‬هام اإلنجليزيان‪ ،‬هونوريه دي بالزاك‬
‫إن وسط البلد يف الواقع ليست مجرد منطقة‬ ‫الفرنىس‪ 19‬وإيفو أندرتش الييوغوساليف‪ 20‬ونجيب‬
‫سكنية أو تجارية بل إنها أكرب ذلك من ذلك‬ ‫محفوظ وغريهم‪ .‬ومن البارز أن ‘يعقوبيان’‬
‫بكثري‪ ،‬إنها متثل عرصا كامال‪ ،‬متيزت فيه مرص‬ ‫هو اسم عامرة حقيقية يف وسط القاهرة‪ .‬وقد‬
‫بالسامحة والقدرة املذهلة عىل استيعاب الناس‬ ‫كان أبوه عباس األسواين اتخذ مكتبا له يف هذه‬
‫من مختلف الجنسيات والثقافات واألديان‪،‬‬ ‫العامرة‪ ،‬فلذا كان عالء األسواين يرتدد عليها أثناء‬
‫املسلمون واألقباط‪ ،‬واليهود واألرمن واليونانيون‬ ‫طفولته وصباه‪ ،‬فلام تويف أبوه آلت إليه الشقة‪،‬‬
‫وااليطاليون‪ ،‬وكل هؤالء عاشوا يف مرص قرونا‬ ‫فتحولت هذه الشقة عيادة لطب األسنان عدة‬
‫طويلة واعتربوها وطنا حقيقيا‪.22‬‬ ‫أعوام‪ .‬يقول عالء األسواين عن عالقته وتجاربه‬
‫حينام يرتدد عالء األسواين إىل عيادة طب األسنان‬ ‫املشدودة بهذا الرصح العظيم يف مقدمة روايته‬
‫الواقعة يف عامرة يعقوبيان كان يتذكر دامئا عن‬ ‫عامرة يعقوبيان‪ :‬كانت يل عالقة قدمية إذن‬
‫تأليف روايته الجديدة‪ .‬ويف هذه األيام إنه بذل‬ ‫بعامرة يعقوبيان‪ ،‬لكنني مل استعمل يف الرواية‬
‫مجهودا مضنيا عىل إنجاز روايته مع إحباط‬ ‫إال اسم العامرة الحقيقة فقط‪ ،‬أما كل يشء عدا‬
‫شديد وأمل ضائع بل عمل يف عيادته ثالثة أيام‬ ‫ذلك فهو خيال رصف‪ ،‬والشخصيات واألحداث‬
‫قرابة من ‪ 12‬ساعة من العمل املتواصل يوميا‪.‬‬ ‫جميعا متخيلة‪ ،‬واملحالت التي وصفتُها يف الرواية‬
‫ثم يسافر بقية أيامه إىل اإلسكندرية للدخول‬ ‫مل توجد إال يف خيايل‪ ،‬حتى تاريخ إنشاء العامرة‬
‫إىل عامل الرواية وواصل جهده بالعمل والصرب‬ ‫واسم صاحبها وعدد الطوابق‪ ،‬كل ذلك مختلف‬
‫تغلبا عىل الفشل واملحن‪ .‬كان يقيض ليال كاملة‬ ‫يف الرواية عند يف العامرة الحقيقية‪ ،‬وعامرة‬
‫يف أماكن مختلفة يف وسط املدينة حتى بلغ أن‬ ‫يعقوبيان يف هذه الرواية ال عالقة لها إذن‬
‫يزور البارات مثل بار كريو وشينو وغريها طالبا‬ ‫بالعامرة الحقيقية فيام عدا االسم‪.21‬‬
‫عىل الشخصيات واألحداث التي تغني عىل‬ ‫إن فكرة كتابة الرواية ‘عامرة يعقوبيان’ متعلقة‬
‫توسيع خياالته الرائعة وتساعد عىل حصول‬
‫عالء األسواني‪ :‬عمارة في األدب العربي‬ ‫‪153‬‬
‫بعد ثورةالربيع العريب يف مرص سنة ‪2013‬م‪.‬‬ ‫تجاربه املتن ّوعة‪ ،‬وهكذا استطاع له أن ينال يف‬
‫إذا حاول أحد أن يطلع تأثريه املؤثر بني الروائني‬ ‫سهره أن يشاهد الحياة يف الليللام عزم التجول‬
‫املعارصين يف مرص‪،‬فيكفيه عدد نسخه من أعامل‬ ‫يف وسط القاهرة وشوارعها‪.‬ويف هذه األيام واجه‬
‫أدبه وترجامت أعامله الروائية ألكرث من ‪ 35‬لغة‬ ‫عالء األسواين عديدا من املشكالت يف مشوار أدبه‬
‫عاملية‪ .‬كانت كتاباته مركّزة عىل مجال الرواية‬ ‫حيث واكب جميع القضايا بسعادة بالغة وهمة‬
‫الواقعية االجتامعية ومقاالته السياسية معتمدة‬ ‫قوية وتابع العمل بحامس فتدفقت كتابته بال‬
‫عىل حقوق اإلنسان مثل الحرية والعدالة‬ ‫توقف وال تعديل‪ .‬أخريا انتهى الكاتب من الرواية‬
‫واملساواة وغريها‪ .‬مل يقترص الكاتب يف تصويره‬ ‫بعد أكرث من عامني من العمل‪.‬‬
‫حياة الطبقة العليا من صعيد مرص كام مل ينس‬ ‫أعامله األدبية‬
‫أوجاع الفقراء واألشقياء واملهمشني واملتسولني‬
‫كانت تجاربه يف مجال الكتابة أقىص قاسية وأكرث‬
‫واملسحوقني فكتب لهم كثريا وجعلهم من ثوابت‬
‫عاطفة‪ ،‬ولكنه احتفظ بالعمل الذي مل يفارق‬
‫قلمه املبدع‪.‬‬
‫كتاباته ومن أسباب شهرته أنّه كان فطنا يف تصوير‬
‫إذا ما نتأمل عن الخريطة األدبية ملسرية كتابات‬ ‫األحداث واقعيا كام تقع الحوادث والوقائع أمام‬
‫عالء األسواين ومكانته بني معارصيه يف هذا‬ ‫عيوننا‪ ،‬بل حاول أن يص ّور األشياء دقيقة واضحة‬
‫الجيل فنجد أن من عوامل نجاحه هي دراسته‬ ‫بغاية روعة وعجيب وبأسمى بديع ومدهش‪.‬‬
‫املتواصلة للفكر الفلسفي واالجتامعي والسيايس‬ ‫كان يعرف متاما واعيا أن الرواية نوع أديب أكرث‬
‫ومعرفته القوية بتاريخ مرص القديم والحديث‪،‬‬ ‫خلود وأش ّد تأثري من القصة القصرية‪ ،‬فلذا اهت ّم‬
‫بل كان له معرفة واسعة بتاريخ عامل كله كام نرى‬ ‫عالء أن يؤلّف رواية ضخمة متينة شعبية فصار‬
‫ذلك يف األمور الواردة يف روايته ‘شيكاجو’‪ .‬ارتكز‬ ‫روائيا أكرث منه كاتب قصة‪ .‬ومن أبرز أعامل التي‬
‫عالء األسواين يف املذهب الواقعي مبنحه اهتامما‬ ‫قام بها عالء األسواين يف إطار القصص والروايات‬
‫بالغا يف الكتابة مع متابعة طريقة العبقري‬ ‫منها عامرة يعقوبيان ‪ ،2002‬ونريان صديقة‬
‫الكبري نجيب محفوظ‪ .‬ومن املعروف أن األدب‬ ‫‪ ،2004‬وشيكاجو ‪ ،2007‬ونادي السيارات‪،2013‬‬
‫العريب أخذ كثريا من األدب األوريب مثل األدب‬ ‫جمهورية كأن ‪.201823‬‬
‫اإلغريقي والفرنيس واإلنجليزي وتأثر منه حيث‬
‫نالت روايات عامرة يعقوبيان وشيكاجو لعالء‬
‫بدأت تظهر اتجاهات أدبية حديثة يف األدب بعد‬
‫األسواين نجاحا باهضا جعله من أشهر أدباء‬
‫الحرب العاملية الثانية مثل الواقعية والوجودية‬
‫العامل العريب وأكرثهم شعبية يف الوطن العريب‬
‫والرسيالية ولكن اختار عالء األسواين الواقعية‬
‫والعامل‪ ،‬ظلت روايته عامرة يعقوبيان أكرث رواجا‬
‫مذهبا للتعبري األديب‪ ،‬وال نبالغ إذا قلنا إنه من‬
‫وأعىل مبيعا يف العامل العريب ملدة خمس سنوات‬
‫أه ّم ر ّوادها واملبشرّ ين بها يف األدب العريب‬
‫حتى ظهرت رواية شيكاجو‪ .‬وقد تراجعت رواية‬
‫املعارص ‪.‬‬
‫شيكاجو اآلن إىل الخلف بعد أن نرشت روايته‬
‫إن دراسة الفلسفة والتاريخ والسياسة أ ّدته‬ ‫الكبرية الضخمة ‘نادي السيارات’ والتي تعترب‬
‫إىل الواقعية وكانت سامت كتابته مركّزة عىل‬ ‫أهمرواية عربية منشورة يف ضخمها وحجمها‬
‫‪154‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫مبارك‪ .‬ويف هذه الفرتة كتب عالء األسواين عدة‬ ‫الربجوازية‪ 24‬هي طبقته وطبقة كبرية يف كل‬
‫مقاالت معادية يف جريدة العربية وكتب مقاال‬ ‫املجتمعات كربجوازية السياسيني واملؤظفني‬
‫أسبوعيا بجرائد الدستور والرشوق ومرصي اليوم‪،‬‬ ‫والتجار‪ ،‬وبالرغم من أنه مل ينس أن يص ّور‬
‫ورغم أنه كان يكتب شهريا بجريدة العريب‬ ‫قضايا الفقراء واملتس ّولني واملتهمشني يف املجتمع‬
‫النارصي‪.‬‬ ‫املرصي ويسعى الكاتب إىل كشف الهوة السائدة‬
‫هكذا جمعت كل هذه العناوين من مقاالته‬ ‫بني الطبقات العليا والوسطى والسفىل معتمدا‬
‫املثرية يف كتب رائعة من مجال الصحافة ومعظمها‬ ‫عىل مستوى العيش واختالف الغنى والفقر‬
‫منشورة بإرشاف دار الرشوق املرصية‪ ،‬ومن أهمها‬ ‫وتفاوت املرافق والتسهيالت بينهم‪ .‬استطاع عالء‬
‫الراقصون عىل النار‪ ،2007‬حادث مؤسف لضابط‬ ‫األسواين أن يعبرّ أزمات االقتصادية واالجتامعية‬
‫أمن الدولة ‪ ،2007‬ملاذا ال يثور املرصيون؟ ‪،2010‬‬ ‫والجنسية كام عبرّ آراء صادقا عن تساؤالت‬
‫هل نستحق الدميوقراطية؟ ‪ ،2011‬مرص عىل دكة‬ ‫السياسية املختلفة وقلقها الروحي املتصل والتوتر‬
‫االحتياطي‪،2011‬هل أخطأت الثورة املرصية؟‬ ‫االجتامعي املستمر‪.‬‬
‫‪ ،2012‬كيف نصنع الديكتاتور؟ ‪ ،2014‬حادث‬ ‫مواقفه السياسية‬
‫مؤسف لضابط أمن الدولة ‪ ،2014‬من يجرأ‬ ‫يعترب عالء األسواين أحد من الكتاب الذين كرسوا‬
‫عىل الكالم ‪2015‬وحوار بني شاب ثوري ومواطن‬ ‫حياتهم األدبية للدفاع عن الشعب املرصي ضد‬
‫محبط‪ .‬عالج عالء األسواين يف كتابته موضوعات‬ ‫الظلم الواقع والقهر الطاحن عليهم يف عرص‬
‫مختلفة املتنوعة مثل األدب والسياسة والعدالة‬ ‫الراهن‪ ،‬بيد أنه كان من الروائيني املعدودين‬
‫اإلنسانية والدميوقراطية واالنتخاب الحرة‬ ‫الذين جمعوا يف أعاملهم الصحفية القيم‬
‫واملشكالت الوطنية واملظاهرات املرصيني عىل‬ ‫االجتامعية والعدالة اإلنسانية وحرية التعبري‬
‫استبداد الحكومة‪.‬‬ ‫والحاجة امللحة إىل الدميقراطية‪ .‬إن معظم كتبه‬
‫جوائزه وتقديراته‬ ‫التي تضم مجموعات مقاالته منشورة يف الجرائد‬
‫ومن أهم جوائز التي حصل عليها عالء األسواين‬ ‫املتسلسلة تعالج قضايا اإلنسانية‪ .‬عندما نحلّل‬
‫حيث إنه يعترب أول مرصي حاز عىل جائزة‬ ‫جميع مقاالته نفهم إن جهده األكادمي الجا ّد‬
‫برونو كراسيك كافور اإليطالية التي فاز بها‬ ‫جهد رائع مهم يستحق منا االحتفاء والتقدير‪.‬‬
‫املناضل اإلفريقي ‘نيلسون مانديال‘ وتاله الناشط‬ ‫ومن أهم خصائصه التي اتخذها الكاتب يف‬
‫الفلسطيني الراحل ‘فيصل الحسيني’‪ .‬وأول‬ ‫نهاية مقاالته الصحفية شعارا جاذبيا مؤثرا هو‬
‫مرصي وعريب عىل جائزة اإلنجاز من جامعة‬ ‫‘الدميوقراطية هي الحل’‪ .‬هكذا أصدرت دار‬
‫أمريكية (جامعة إلينويبشيكاغو) لعام ‪2010‬‬ ‫الرشوق مقاالته الصحفية الثورية وآراءه الجريئة‬
‫وهي أكرب جائزة متنحها الجامعة لخريجيها‪،‬‬ ‫بال مبالغة ساحقا عىل تهديد حزب الحاكم‬
‫وهي متنح لخريج الجامعة الذي يحقق إنجازا‬ ‫املرصي‪ .‬قبل أن يتجه إىل مجال السياسة‪ ،‬اشتهر‬
‫استثنائيا فريدا عيل املستوى الوطني أو العاملي‪،‬‬ ‫عالء األسواين بآرائه السياسية الالذعة املعارضة‬
‫من ضمن ستامئة ألف خريج أمتوا دراستهم‬ ‫عىل حكم مرص بداية من عرص الرئيس حسني‬
‫عالء األسواني‪ :‬عمارة في األدب العربي‬ ‫‪155‬‬
‫‘بلومرتوبوليس’مبونرتيال‪ ،‬كندا‪،2011‬وجائزة‬ ‫يف جامعة إلّينوي مل يفز بالجائزة إال عدد قليل‬
‫تيزيانو تيزياين‪ ،‬إيطاليا‪ ،2012 ،‬جائزة البحر‬ ‫من الخريجني‪ .‬وعالء األسواين الفائز رقم ‪43‬‬
‫األبيض املتوسط للثقافة‪ ،‬إيطاليا‪ ،2012 ،‬يوهان‬ ‫فيتاريخ الجامعة‪ .‬وحصل أيضا عىل جائزة‬
‫فيليب بامل لحرية تعبري‪ ،‬أملانيا‪ ،2013 ،‬وسام‬ ‫الدولة ‪ 2008‬وجائزة بارشحيل للرواية العربية‬
‫الفنون واآلداب الفرنيس‪ ،‬فرنسا‪ 2016 ،‬وغريها‪.25‬‬ ‫‪ ،2005‬وجائزة كفايف للنبوغ األديب من الحكومة‬
‫وبالجملة‪،‬استطاع عالء األسواىن عربمؤلفاته‬ ‫اليونانية ‪2005‬م‪ ،‬والجائزة الكربى للرواية من‬
‫الجميلة ومقاالته السياسية أن يص ّور حالة‬ ‫مهرجان تولون فرنسا ‪ ،2006‬وجائزة الثقافة من‬
‫حقيقية ألوضاء املجتمع من وجهة نظره‪ ،‬وميكن‬ ‫مؤسسة البحر املتوسط يف نابويل ‪ ،2007‬وجائزة‬
‫أن يرسم لوحة حية للمشكالت التي يعانيها‬ ‫‘فريدريش روكريت’ أملانيا أول أديب يحصل‬
‫املجتمع ويتطلع إىل حلها‪ ،‬وإنه مل يقدم حلوال‪،‬‬ ‫عليها يف العامل ‪ ،2008‬كام حصل عىل جائزة‬
‫إمنا اكتفى بالترشيح والتشخيص فقط‪.‬‬ ‫‘املاجيدي بن ظاهر‘ لألدب العريب من مؤسسة‬

‫املصادر واملراجع‬
‫والثقافة‪ 3 ،‬كانون الثاين ‪2009‬م‬ ‫•عالء األسواين‪ ،‬رواية عامرة يعقوبيان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬ ‫ ‬
‫•رجاء نقاش‪ ،‬عالء األسواين موهبة روائية جديدة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪2009 ،‬م‬
‫األهرام اليومي‪ 18 ،‬أغسطس ‪2002‬م‬ ‫•عالء األسواين‪ ،‬ملاذا ال يثور املرصيون؟‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬ ‫ ‬
‫•د‪ .‬زهري محمود عبيدات‪ ،‬رواية األجيال يف الرسد العر ّيب‬ ‫ ‬ ‫دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪2011 ،‬م‬
‫الحديث‪ ،‬أزمنة للنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬عامن‪،‬‬ ‫•طه وادي‪ ،‬دراسات يف نقد الرواية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار‬ ‫ ‬
‫األردن‪2010 ،‬م‬ ‫املعارف‪،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪1993 ،‬م‬
‫•د‪ .‬حسن عليان‪ ،‬تقنيات الرسد وبنية الفكر العريب يف‬ ‫ ‬ ‫•د‪ .‬عبد املحسن طه بدر‪ ،‬تطور الرواية العربية الحديثة‬ ‫ ‬
‫الرواية العربية‪ ،‬أزمنة للنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫يف مرص (‪ ،)1870-1938‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪،‬‬
‫عامن‪ ،‬األردن‪2015 ،‬م‬ ‫‪2017‬م‬
‫•د‪ .‬زهري محمود عبيدات‪ُ ،‬سلطة التاريخ دراسات يف‬ ‫ ‬ ‫•د‪ .‬محمد الباردي‪ ،‬الرواية العربية والحداثة‪ ،‬دار‬ ‫ ‬
‫الرواية العربية الحديثة‪ ،‬فضاءات للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫الحوار‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬الالذقية‪ ،‬سوريا‪2002 ،‬م‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬عامن‪ ،‬األردن‪2012 ،‬م‬ ‫•عالء األسواين‪ ،‬كيف نصنع الديكتاتور؟‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫ ‬
‫•د‪ .‬محمد سيد عبد التواب‪ ،‬بواكري الرواية العربية‪،‬‬ ‫ ‬ ‫دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪2014 ،‬‬
‫الهيئة املرصية العامة للكتاب‪2016 ،‬م‬ ‫•صالح الدين عبدي‪ ،‬دراسة ادب عالء األسواين‪ ،‬الفن‬ ‫ ‬

‫الهوامش‬
‫‪ .‬الوكيل السابق يف جامعة كاليكوت‬ ‫‪ 2‬‬ ‫أستاذ مساعد يف قسم العربية‪ ،‬كلية أم‪ .‬إي‪ .‬أس بوناين‬ ‫‪ 1‬‬
‫‪ .‬حركة مرصية التي شكلت ألجل التغيري يف رضيح‬ ‫‪ 3‬‬ ‫وباحث يف قسم البحوث والدراسات العربية‪ ،‬كلية‬
‫سعد زعلول سنة ‪2006‬م‬ ‫مهاراجاس‪ ،‬تابعة لجامعة مهامتا غاندي‪ ،‬كوتايم‬

‫‪156‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫‪. 16‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪16‬‬ ‫‪.‬مركز الدوحة لحرية اإلعالم مؤسسة تعمل من‬ ‫‪ 4‬‬
‫‪ . 1 7‬تشارلز جون هوفام ديكنز (‪ ،) 1870 - 1812‬هو‬ ‫أجل حرية الصحافة واإلعالم وافتتاحها يف أكتوبر‬
‫روايئ إنجليزي‪ ،‬يعترب بإجامعالنقاد أعظم الروائيني‬ ‫‪2008‬مفي الدوحة‬
‫اإلنجليز يف العرص الفكتوري‪ ،‬وال يزال كثري من‬ ‫‪ .‬احسان عبد القدوس (‪ ،)1990- 1919‬صحفي وروايئ‬ ‫‪ 5‬‬
‫أعامله تحتفظ بشعبيته حتى اليوم‬ ‫مرصي وكاتب سيايس‪ ،‬قدم عددا كبريا من األعامل‬
‫‪ . 18‬لورانس جورج داريل (‪ ،)1990 - 1912‬روايئ بريطاين‬ ‫األدبية كالقصص والروايات واملرسحيات‬
‫وشاعر وكاتب ألدب الرحالت‪ ،‬ولد يف جلندهار يف‬ ‫‪.‬عبد الرحمن الرشقاوي (‪ ،)1987 - 1921‬هو شاعر‬ ‫‪ 6‬‬
‫الهند واشتهر بكتابه ‘رباعية اإلسكندرية’‬ ‫مرصي وروايئ وصحفي ومؤلف مرسحي ومفكر‬
‫‪. 1 9‬هونوريه دي بالزاك (‪ ،)1850 - 1799‬هو كاتب‬ ‫إسالمي‪ ،‬وصاحب رواية ‘األرض’ ‪1954‬م‬
‫فرنيس وروايئ من رواد األدب الفرنيس يف القرن ‪ 19‬يف‬ ‫‪.‬جامل أحمد الغيطاين (‪ ،)2015 - 1945‬هو روايئ‬ ‫‪ 7‬‬
‫الفرتة التي أعقبت سقوط نابليون‬ ‫مرصي وصحفي ورئيس تحرير صحيفة أخبار األدب‬
‫‪. 20‬إيفو أندريتش (‪ ،)1975 - 1892‬هو أديب بوسني–‬ ‫املرصية وصاحب رواية ‘الزيني بركات’ ‪1988‬م‬
‫يوغوسالوي‪ ،‬هو بوسني األصل ولكنه أعلن إنه رصيب‬ ‫‪.‬حسن فؤاد (‪ ،)1985- 1926‬هو واحد من أملع‬ ‫‪ 8‬‬
‫بعد الحرب العاملية الثانية‪ .‬ويف سنة ‪1961‬م ‬ ‫الصحفيني ورئيس تحرير ملجلة ‘صباح الخري’‬
‫حصل عىل جائزة نوبل يف األدب‬ ‫‪- 19301‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪ . 21‬األسواىن‪ ،‬عالء‪ ،‬عامرة يعقوبيان‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار الرشوق‪،‬‬ ‫‪ ،)1986‬املعروف بصالح جاهني وهو شاعر وأديب‬
‫القاهرة‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪18‬‬ ‫ورسام كاريكاتري وممثل مرصي يسلري الفكر‬
‫‪. 2 2‬األسواىن‪ ،‬عالء‪ ،‬عامرة يعقوبيان‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار الرشوق‪،‬‬ ‫‪.‬لويس لوقا جريس (‪ ،)2018 – 1928‬هو كاتب‬ ‫‪ 10‬‬
‫القاهرة‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪20‬‬ ‫وصحفي وناقد مرصي ورئيس تحرير ملجلة ‘صباح‬
‫‪ . 2 3‬عالء األسواين‪ ،‬ويكيبيديا‪ ،‬املوسوعة الحرة (‪http://‬‬ ‫الخري’‬
‫‪)r.m.wikipedia.org‬‬ ‫(‪http://‬‬ ‫الحرة‬ ‫املوسوعة‬ ‫‪.‬ويكيبيديا‪،‬‬ ‫‪1 1‬‬
‫‪ . 2 4‬الربجوازية هي طبقة اجتامعية ظهرت يف القرنني‬ ‫‪)ar.m.wikipedia.org‬‬
‫الخامس عرش والسادس عرش‪ ،‬أنها النظام االجتامعي‬ ‫‪.‬األسواىن‪ ،‬عالء‪ ،‬نريان صديقة‪ ،‬ط ‪ ،10‬دار الرشوق‪،‬‬ ‫‪ 12‬‬
‫الذي تتحكم به الطبقة الوسطى‪ .‬متتلك رؤوس‬ ‫القاهرة‪ ،‬مرص‪2013 ،‬م‪ ،‬ص‪25،‬‬
‫األموال والحرف‪ ،‬كام متتلك كذالك القدرة عىل اإلنتاج‬ ‫‪ .‬األسواىن‪ ،‬عالء‪ ،‬عامرة يعقوبيان‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار الرشوق‪،‬‬ ‫‪ 13‬‬
‫والسيطرة عىل املجتمع ومؤسسات الدولة للمحافظة‬ ‫القاهرة‪ ،‬مرص‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫عىل امتيازاتها ومكانتها بحسب نظرية كارل ماركس‬ ‫‪.‬األسواىن‪ ،‬عالء‪ ،‬عامرة يعقوبيان‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار الرشوق‪،‬‬ ‫‪1 4‬‬
‫‪ . 2 5‬عالء األسواين‪ ،‬ويكيبيديا‪ ،‬املوسوعة الحرة (‪http://‬‬ ‫القاهرة‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫‪)ar.m.wikipedia.org‬‬ ‫‪.‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪14‬‬ ‫‪ 15‬‬

‫عالء األسواني‪ :‬عمارة في األدب العربي‬ ‫‪157‬‬


‫ٌ‬
‫قراءة يف املوقف ال َّن ِّ‬
‫حوي من القراءات القر�آن َّية‬

‫د‪ .‬أدهم محمد علي حموية‬


‫أستاذ مساعد في قسم الدراسات البينية والتأسيسية‪ ،‬كلية معارف الوحي اإلسالمي والعلوم اإلنسانية‬
‫الجامعة اإلسالمية العاملية في ماليزيا‬
‫‪adhamawiya@iium.edu.my‬‬

‫امللخص‬
‫اءات القرآني َة يف أثناء استقرائهم مصاد َر احتجاجهم النحوي‪،‬‬ ‫يشيع أن النحويني عارضوا القر ِ‬
‫وأنهم أخضعوها آلرائهم قبوالً ورفضً ا وتوجي ًها مبا يتَّفق وأقيستَهم يف كالم العرب‪ ،‬ومن خالل‬
‫منهجي وصفي استقرايئ؛ يهدف هذا البحثُ إىل نَق ِْد هذا املوقف املزعوم؛ لبيان الحيف الذي‬
‫اءات أجمع أمئة السلف عىل قبولها‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫لحق بالنحويني إذ قيل إنهم أنكروا قر ٍ‬
‫الرتكيز عىل َع َملِ النحويني أنفسهم‪ ،‬وأنه مل يكن يف اشرتاطهم ضواب َط استقرا ِء القراءات؛ ألن‬
‫هذا كان من َع َملِ علامئها‪ ،‬وإمنا كان َع َملُ ُهم يف تبيني مكانة القراءة من كالم العرب‪ :‬إما بأنها‬
‫من الكثري الشائع‪ ،‬وإما بأنها من القليل النادر؛ يف انسجام مع املنهج العقيل الذي غلب يف‬
‫الدرس النحوي‪.‬‬
‫الكلامت الرئيسة‪ :‬النحويون‪ ،‬القراءات‪ ،‬االحتجاج‪ ،‬املنهج النحوي‪.‬‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪It is common to be said that the grammarians opposed the Qur’anic Recitations‬‬
‫‪while they were induct the sources of grammatical argumentation, and they theo-‬‬
‫‪rize them to their acceptance, rejection and interpretation according to their analo-‬‬
‫‪gies in Arabic, so this research criticizes this claim to state the injustice infected on‬‬
‫‪grammarians who were accused of denied acceptable recitations; by focusing on‬‬
‫‪what they did specifically, i.e. not in requiring the recitations induction principles,‬‬
‫‪because this was done by the scientists of recitations, but in indicating the status‬‬
‫‪of the recitation in Arabic; either it is of the majority or the minority of speech, to‬‬
‫‪being in congruence with the mental approach which dominated the grammatical‬‬
‫‪studies.‬‬

‫‪Keywords: Grammarians, Recitations, Argumentation, Grammatical Approach.‬‬

‫‪158‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫‪3‬‬
‫الكفاية‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فمن يُكلَّف غريه؟"‪.‬‬ ‫املقدمة‬
‫وقد تضاربت األقوال يف تفسري سبعة الحروف‬ ‫نص عريب اللغة‬ ‫يُعرف عن القرآن الكريم أنه ٌّ‬
‫ينص الحديث عىل بيانها وتحديد‬ ‫هذه؛‪ 4‬إذ مل ّ‬ ‫يمُ ثِّل لغة العرب املثالية البعيدة عن التأثر بلغات‬
‫املراد منها؛ "ألن الحرف يصدق لغ ًة‪ :‬عىل حرف‬ ‫الجوار الجغرايف للجزيرة العربية‪ ،‬وهذه اللغة‬
‫الهجاء‪ ،‬وعىل الكلمة‪ ،‬وعىل املعنى‪ ،‬وعىل‬ ‫املثالية هي لغة قريش التي مثَّلت اختيا ًرا غري‬
‫الجهة"‪ 5،‬ولكن الثابت "أن القرآن والقراءات‬ ‫شعوري من لغات القبائل العربية؛أحدثه احتكاك‬
‫حقيقتان متغايرتان"‪ 6،‬فالقرآن يمُ ثّل اللغة‬ ‫كثري من أفراد هذه القبائل يف مواسم الحج‬
‫املثالية‪ ،‬والقراءات تمُ ثّل أثر اللهجات فيه‪،‬‬ ‫والتجارة‪ ،‬واألسواق األدبية املختلفة‪ ،‬مام نتج عنه‬
‫ومن ثم كانت القراءات القرآنية مصد ًرا أصيالً‬ ‫ذلك الكيان اللغوي الذي ُعرف باللغة الفصحى‪،‬‬
‫لدراسة اللغة العربية بعامة‪ ،‬ولهجاتها بخاصة‪،‬‬ ‫أي اللغة املشرتكة بني أدباء هذه القبائل جمي ًعا‪،‬‬
‫قال د‪ .‬عبده الراجحي‪" :‬القراءات القرآنية‬ ‫ينظمون بها شعرهم‪ ،‬ويُعبرِّ ون بها عام يجيش‬
‫مصدر أسايس لدراسة اللهجات العربية"‪7،‬وإن‬ ‫يف صدورهم يف مواقف الخطابة مثالً‪ ،‬وقد نقل‬
‫استُقرئت اللغة املثالية كان االستقراء تا ًّما‪ ،‬وإن‬ ‫السيوطي ‪911/‬هـ‪ /‬عن الف ّراء ‪209/‬هـ‪ /‬قوله‪:‬‬
‫ناقصا؛‪ 8‬لتناوله‬
‫استُقرئت القراءات كان االستقراء ً‬ ‫وتحج‬
‫ّ‬ ‫كل عام‪،‬‬ ‫"كانت العرب تحرض املوسم يف ّ‬
‫جز ًءا من الخصائص اللهجية لكل قوم‪ ،‬هذا يف‬ ‫البيت يف الجاهلية‪ ،‬وقريش يسمعون لغات‬
‫اللغة والنحو‪ ،‬أما يف علم القراءات نفسه فقد‬ ‫جميع العرب‪ ،‬فام استحسنوه من لغاتهم تكلّموا‬
‫ُوضعت ضوابط إن اجتمعت قُبلت القراءة‪ ،‬وإالّ‬ ‫أفصح العرب‪ ،‬وخلت لغاتهم من‬ ‫َ‬ ‫به‪ ،‬فصاروا‬
‫ُوسمت بأنها شاذة‪ ،‬وهذه الضوابط هي‪ :‬صحة‬ ‫‪1‬‬
‫ُمستبشَ ع اللغات‪ ،‬و ُمستق َبح األلفاظ"‪.‬‬
‫السند‪ ،‬وموافقة املصحف (العثامين)‪ ،‬وموافقة‬ ‫ويُفهم من هذا أن لكل قوم لهجة تختلف‬
‫العربية ‪.‬‬
‫‪9 10‬‬
‫خصائصها عنها يف لهجة قوم آخرين‪ ،‬وأن هذه‬
‫املوقف النحوي من القراءات القرآنية‬ ‫اللهجات احتفظت ببعض هذه الخصائص بعد‬
‫يُالحظ يف ضوابط قبول القراءة القرآنية أن منها ما‬ ‫نزول القرآن الكريم‪ ،‬مام أ ّدى إىل أن صار يف‬
‫يتعلق بعمل النحوي‪ ،‬وهو استقامة وجه القراءة‬ ‫القرآن ما كان يف اللغة‪ ،‬فاللغة واحدة‪ ،‬واللهجات‬
‫يف العربية؛ أي أالّ تخرج عماَّ أق ّره النحويون من‬ ‫كثرية‪ ،‬وكذا القرآن واحد‪ ،‬والقراءات كثرية؛ إذ ما‬
‫قواعد العربية املطردة‪ ،‬واملبنية لديهم بالقياس‬ ‫أرسل ‪ I‬من رسول إال بلسان قومه‪ ،‬وكان اللسان‬
‫عىل الكثري الشائع ال عىل القليل النادر‪ ،‬وهنا‬ ‫العريب كثري اللهجات‪ ،‬ومن ثم كانت الرخصة‬
‫يُرى الفرق‪ ،‬فإن "أمئة القراءة ال تعمل يف يشء‬ ‫اإللهية بأن تكرث القراءات‪ ،‬فإ ّن ((ال ُق ْرآ َن أُنْز َِل َعلىَ‬
‫من حروف القرآن عىل األفىش يف اللغة‪ ،‬واألقيس‬ ‫َس ْب َع ِة أ ْح ُر ٍف))‪ 2،‬وبذا "أُبيح أن يُقرأ بغري لسان‬
‫واألصح يف‬
‫ّ‬ ‫يف العربية‪ ،‬بل عىل األثبت يف األثر‪،‬‬ ‫قريش؛ توسع ًة عىل العرب‪ ،‬فال ينبغي أن يوسع‬
‫النقل‪ ،‬وإذا ثبتت الرواية مل ير ّدها قياس عربية‪،‬‬ ‫عىل قوم دون قوم‪ ،‬وال يكلف أح ٌد إال بقدر‬
‫وال فش ّو لغة؛ ألن القراءة س ّنة متّبعة‪ ،‬يلزم قبولها‬ ‫استطاعته‪ ،‬فمن كانت لغته اإلمالة‪ ،‬أو تخفيف‬
‫‪11‬‬
‫واملصري إليها"‪.‬‬ ‫الهمز‪ ،‬أو اإلمتام‪ ،‬أو ض ُّم ميم الجمع‪ ،‬أو صلة هاء‬
‫النحو ّي من القراءات القر َّ‬ ‫ٌ‬
‫اءة في املوقف َّ‬ ‫‪159‬‬
‫آنية‬ ‫ِ‬ ‫قر‬
‫بها النحويون؛ التفاقها مع الكثري الشائع يف كالم‬ ‫ولكن قد يُسأل‪ :‬كيف يستقيم ضابط موافقة‬
‫العرب‪ ،‬بالقياس عليه‪ ،‬وهي أكرث القراءات مام ال‬ ‫العربية مع قبول القراءة أيًّا كانت؟‬
‫ُحكم فيه‪.‬‬ ‫وسع‬ ‫ويُجيب عن هذا ابن الجزري ‪833/‬هـ‪ ،/‬فقد ّ‬
‫فيحتج‬
‫ّ‬ ‫وإ ّما شا ّذ ًة يف القراءات‪ ،‬مقبول ًة يف النحو‪،‬‬ ‫هذا الضابط حني أضاف إليه عبارة‪" :‬ولو بوجه"‪،‬‬
‫بها النحويون؛ أيضً ا التفاقها مع الكثري الشائع يف‬ ‫ثم فسرّ ه بقوله‪" :‬نريد به وج ًها من وجوه النحو؛‬
‫كالم العرب‪ ،‬بالقياس عليه‪ ،‬ومثالها قراءة‪] :‬بمِ َا‬ ‫سواء كان أفصح‪ ،‬أم فصي ًحا مجم ًعا عليه‪ ،‬أم‬
‫َح ِف َظ الل َه[[النساء ‪ 19،]34‬بنصب لفظ الجاللة‪،‬‬ ‫رض مثله إذا كانت القراءة‬ ‫مختلفًا فيه اختالفًا ال ي ّ‬
‫ْف املضاف؛‬ ‫قال ابن جني ‪392/‬هـ‪" :/‬هو عىل َحذ ِ‬ ‫‪12‬‬
‫مام شاع وذاع وتلقّاه األمئة باإلسناد الصحيح"‪.‬‬
‫أي‪ :‬مبا حفظ دين الله ورشيعة الله وعهود الله‪...‬‬ ‫ويُالحظ أن النحويني مل يشرتطوا الستقرائهم‬
‫و َحذ ُْف املضاف يف القرآن والشعر وفصيح الكالم‬ ‫القراءات ضوابط‪ 13،‬وإمنا كانوا يأخذون القراءة‬
‫‪20‬‬
‫يف عدد الرمل َس َع ًة"‪.‬‬ ‫من مصدرها‪ ،‬ف ُيعملون رأيهم فيها قبوالً ورفضً ا‬
‫وإ ّما مقبول ًة يف القراءات‪ ،‬شا َّذ ًة يف النحو‪،‬‬ ‫وتوجي ًها‪ ،‬وهذا ما لن نجده يف غري القراءات من‬
‫فيحتج بها النحويون فيام وردت فيه من‬ ‫ّ‬ ‫مصادر االستقراء‪ ،‬ولعله (ينسجم قليالً)‪ 14‬مع ما‬
‫]استَ ْح َو َذ َعلَ ْي ِه ُم‬
‫ْ‬ ‫اءة‪:‬‬‫ر‬ ‫كق‬ ‫عليها‪،‬‬ ‫القياس‬ ‫دون‬ ‫ذهب إليه د‪ .‬محمد عيد من أن التحرز الديني‬
‫الشَّ يْطَانُ[[املجادلة ‪ ،]19‬قال ابن جني‪" :‬وهو‬
‫‪21‬‬
‫وسم موقف النحويني من القراءات‪ 15،‬كيف ال‬
‫‪22‬‬
‫شا ٌّذ يف القياس مع استمراره يف االستعامل"‪.‬‬ ‫وهم يؤكدون يف غري ما موضع أن القراءة ُس َّنة؟‬
‫فيحتج بها‬ ‫ّ‬ ‫وإ ّما شا ّذ ًة يف القراءات والنحو‪،‬‬ ‫قال سيبويه ‪180/‬هـ‪" :/‬والقراءة ال ت ُخالف؛ ألن‬
‫النحويون فيام وردت فيه من دون القياس‬ ‫‪16‬‬
‫القراءة السنة"‪.‬‬
‫عليها‪ 23،‬كقراءة‪] :‬لل َمالئِ َك ُة ْاس ُج ُدوا[[البقرة‬ ‫وقال ابن خالويه ‪370/‬هـ‪" :/‬والقراءة ُس ّنة‪ ،‬وال‬
‫‪ 24،]34‬بض ّم التاء إتبا ًعا حرك َة السني‪ ،‬قال ابن‬ ‫‪17‬‬
‫ت ُحمل عىل ما ت ُحمل عليه العربية"‪.‬‬
‫جني‪" :‬هذا ضعيف عندنا ج ًّدا"‪ 25،‬أو ير ّدونها‬
‫وقال أبو عيل الفاريس ‪377/‬هـ‪" :/‬وليس كل ما‬
‫إىل الكثري الشائع بالتأويل‪ ،‬كقراءة‪] :‬أ ْن يُ ْحيِي‬ ‫‪18‬‬
‫جاز يف قياس تسوغ به التالوة"‪.‬‬
‫امل َ ْوتىَ [[القيامة ‪ 26،]40‬بإسكان ياء (يحيي) الثانية‪،‬‬
‫وحذفها لفظًا اللتقاء الساكنني‪ ،‬جعلها ابن جني‬ ‫وال ينتقض هذا مبوقفهم من القراءات الشاذة؛‬
‫من باب إسكان الياء يف موضع النصب كام يف‬ ‫ألنهم أخذوا هذا الوسم من القراء‪ ،‬ومل يضعوه‬
‫قول الحطيئة ‪45/‬هـ‪[/‬من البسيط]‪ :‬يَا َدا َر ِه ْن ٍد‬ ‫هم‪ ،‬وإمنا كان عملهم يف تبيني مكانة القراءة من‬
‫ِ ‪27‬‬
‫َت إالَّ أث َاف ْي َها‬
‫َعف ْ‬ ‫كالم العرب؛ إما بأنها مطردة مع الكثري الشائع‪،‬‬
‫وإما بأنها من القليل النادر‪.‬‬
‫وبذا مل يَ ُع ْد من قراءة شاذّة عىل رشط الق ّراء إال‬
‫يف السند أو مخالفة الرسم‪ ،‬أما موافقة العربية‬ ‫القراءات ما بني القراء والنحويني‪:‬‬
‫ف ُمتحقِّق ٌة أيًّا كانت القراءة‪ ،‬وهذا يُفسرّ رأي ابن‬ ‫وفق ما تقدم تكون القراءات من حيث استقراؤها‬
‫‪28‬‬
‫الجزري ‪ -‬وغريه من مثل‪ :‬ابن حزم ‪456/‬هـ‪،/‬‬ ‫واالحتجاج بها يف الدرس النحوي‪:‬‬
‫ُ‬
‫والرازي ‪604/‬هـ‪ -29/‬أن شيوع القراءة وصحة‬ ‫فيحتج‬
‫ّ‬ ‫إ ّما مقبول ًة يف القراءات‪ ،‬متواتر ًة يف النحو‪،‬‬
‫‪160‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫وتُرك‪ :‬إما لشذوذه‪ ،‬وإما لقلة اآلخذين به‪ ،‬وقد‬ ‫إسنادها هام األصل‪ ،‬ولو مل تتالءم مع املقاييس‬
‫نُقل عن اإلمام نافع ‪169/‬هـ‪ /‬قوله‪" :‬قرأتُ عىل‬ ‫التي صنعها النحويون‪ ،‬قال‪" :‬فكم من قراءة‬
‫سبعني من التابعني‪ ،‬فام اجتمع عليه اثنان أخذته‪،‬‬ ‫أنكرها بعض أهل النحو‪ ،‬أو كثري منهم‪ ،‬ومل‬
‫شك فيه واحد تركته؛ حتى ات ّبعت هذه‬ ‫وما ّ‬ ‫يُعترب إنكارهم‪ ،‬بل أجمع األمئة امل ُقت َدى بهم‬
‫القراءة"‪ 36،‬أما النحويون فأتوا إىل ما يف األيدي‬ ‫من السلف عىل قبولها"‪ 30،‬وهذا فيه ما فيه من‬
‫من قراءات ُمق َّرة‪ ،‬وأعملوا فيها فكرهم ودرسهم‪،‬‬ ‫الحيف عىل النحويني‪:‬‬
‫فأقروا أنها كلها ُس َّنة‪ ،‬وما وافق أحكامهم أثبتوه‪،‬‬ ‫فمن جهة يُرى أن بعض أمئة القراءات يُنكرون‬
‫وما مل يوافقها أثبتوه ُحكماً بحياله‪ ،‬أو ر ُّدوه إىل‬ ‫بعض القراءات ويُغلطونها‪ ،‬كقول ابن مجاهد‬
‫أحكامهم بالتأويل‪.‬‬ ‫‪31‬‬
‫‪324/‬هـ‪ /‬عن قراءة‪] :‬كُ ْن فَ َي ُك ْونَ[[البقرة ‪،]117‬‬
‫ومن جهة رابعة ال يستقيم ما اتهم به ابن الجزري‬ ‫‪32‬‬
‫بنصب نون (يكون)‪" :‬وهو غلطٌ"‪.‬‬
‫النحويني من إنكارهم القراءات مع ما دعا إليه‬ ‫ومن جهة ثانية يُناقض ابن الجزري نفسه فيام‬
‫عمر بن الخطاب‪23/t‬هـ‪ /‬أالّ يُقرئ القرآن إال عامل‬ ‫رصح أن كرثة االختالف‬ ‫أنكره عىل النحويني؛ إذ ّ‬
‫بالعربية‪ 37،‬وكذا مع قول شيخ الق ّراء ابن مجاهد‪:‬‬ ‫وقلة الضبط أ ّدتا إىل أ ْن َج َم َع الق ّرا ُء القر ِ‬
‫اءات‬
‫"فمن حملة القرآن امل ُعرِب العامل بوجوه اإلعراب‬ ‫وم ّيزوا مشهو َرها من شاذِّها‪ 33،‬وإذا كان القرآن‬
‫والقراءات‪ ،‬العارف باللغات ومعاين الكالم‪ ،‬البصري‬ ‫والقراءات حقيقتني متغايرتني‪ ،‬وكانت القراءات‬
‫بعيب القراءات‪ ،‬املنتقد لآلثار‪ ،‬فذلك اإلمام الذي‬ ‫تمُ ثّل الخصائص اللهجية لكل قوم‪ ،‬واألقوام‬
‫يفزع إليه حفّاظ القرآن يف كل مرص من أمصار‬ ‫متفاوتة يف الفصاحة‪ ،‬فإنه ال ب ّد من أن تتفاوت‬
‫املسلمني"‪ 38،‬فمتقدمو الق ّراء مل يكونوا ليقبلوا‬ ‫القراءات التي يعت ّد ابن الجزري بأنها ثابتة اإلسناد‬
‫إال قوة الوجه يف العربية‪ ،‬أما متأخروهم ‪ -‬وابن‬ ‫إليه ‪ ،e‬مع أنه قال‪" :‬فإن القراءات املشهورة اليوم‬
‫أي وجه فيها‪.‬‬ ‫الجزري منهم ‪ -‬فخالفوهم إذ قبلوا َّ‬ ‫عن السبعة والعرشة والثالثة عرش بالنسبة إىل ما‬
‫َع َم ُل النحويني يف القراءات و َق ْصدُ هم منه‬ ‫كان مشهو ًرا يف األعصار األوىل ِق ٌّل من كِثرْ ٍ‪ ،‬ونَ ْز ٌر‬
‫يُست َد ُّل إىل أن عمل النحويني إمنا كان يف تبيني‬ ‫من بَ ْحرٍ"‪ 34،‬وقال أيضً ا نقالً عن بعضهم‪" :‬إنا ال‬
‫مكانة القراءة من كالم العرب ‪ -‬إما بأنها مطردة‬ ‫كل ما يف القراءات عىل أرفع الدرجات‬ ‫ن ّدعي أن ّ‬
‫مع الكثري الشائع‪ ،‬وإما بأنها من القليل النادر‬
‫‪35‬‬
‫من الفصاحة"‪.‬‬
‫‪ -‬أنهم كانوا يوردون األوجه اإلعرابية يف اآليات‬ ‫ومن جهة ثالثة يُالحظ أن موقف الق ّراء تجاه‬
‫القرآنية مام مل ترد به القراءة؛ ل ُيثبتوا ص ّحتها‬ ‫القراءات كان أش ّد حز ًما من موقف النحويني؛‬
‫من حيث اللغة‪ ،‬من دون أن يجيزوا القراءة بها‪،‬‬ ‫ذلك أن الق ّراء حني تناولوا مسألة توات ُر القراءات‬
‫وذلك "حتى ال يظن ظا ٌّن أن ما جاء به القرآن‬ ‫أدركوا ُعرس معرفة املتواتر منها بتاممه بعدما‬
‫ال يجوز غريه‪ ،‬أو أن التوجيه الواحد ال يمُ كن‬ ‫فعلت الرخصة اإللهية فعلها فيها‪ ،‬ومن ثم حاولوا‬
‫‪39‬‬
‫مخالفته مبا تسمح به مسالك العرب يف كالمها"‪،‬‬ ‫ضبط هذه الرخصة‪ ،‬ال بل الح َّد منها‪ ،‬فكان أن‬
‫وقد قال الفراء‪" :‬والق ّراء ال تقرأ بكل ما يجوز يف‬ ‫كُتب املصحف الجامع أوالً‪ ،‬ثم سبَّع ابن مجاهد‬
‫العربية‪ ،‬فال يقبحن عندك تشنيع ُمش ِّنع مام مل‬ ‫السبعة‪ ،‬مام يعني أن أكرث القراءات مل يُعمل بها‪،‬‬
‫النحو ّي من القراءات القر َّ‬ ‫ٌ‬
‫اءة في املوقف َّ‬ ‫‪161‬‬
‫آنية‬ ‫ِ‬ ‫قر‬
‫اإلعراب يف‪] :‬ال َّر ْح َمنِ ال َّر ِح ْي ِم[‪ ،‬بتلك األوجه التي‬ ‫‪40‬‬
‫يقرأه القراء مام يجوز"‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫ذكرناها‪ ،‬ولهذا يف القرآن والشعر نظائر كثرية"‪.‬‬ ‫قال ابن جني‪" :‬وما يحتمله القياس ومل يَرِد به‬
‫وقبل قال الزجاج ‪311/‬هـ‪" :/‬وإن قلت يف الكالم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫السامع كثري؛ منه القراءات التي ت ُ ْؤث َر رواي ًة‪ ،‬وال‬
‫ال إل ٌه إال الل ُه‪ ،‬جاز‪ ،‬أما القرآن‪ ،‬فال يُقرأ فيه إال مبا‬ ‫ت ُتجا َوز؛ ألنها مل يُسمع فيها ذلك‪ ،‬كقوله ع ّز اسمه‪:‬‬
‫قد قرأت الق ّراء به‪ ،‬وثبتت به الرواية الصحيحة‪،‬‬ ‫]ب ِْس ِم الل ِه ال َّر ْح َمنِ ال َّر ِح ْي ِم[[الفاتحة ‪ُ ،]1‬‬
‫فالس ّنة‬
‫رجل عندك إال زي ًدا‪ ،‬جاز‪،‬‬ ‫ولو قيل يف الكالم‪ :‬ال َ‬ ‫اب اسم الله‬ ‫املأخوذ بها يف ذلك إت ْبا ُع الصفتني إعر َ‬
‫و‪ :‬ال إل َه إال الل َه‪ ،‬جاز‪ ،‬ولكن األجود ما يف القرآن‪،‬‬ ‫سبحانه‪ ،‬والقياس يُبيح أشياء فيها‪ ،‬وإن مل يكن‬
‫‪42‬‬
‫وهو أجود أيضً ا يف الكالم"‪.‬‬ ‫سبيل إىل استعامل يشء منها‪ ،‬نعم‪ ،‬وهناك من‬
‫ويُفهم من كالم ابن جني املتقدم أن "ما مارسه‬ ‫يشك أحد من أهل‬ ‫قوة غري هذا املقروء به ما ال ّ‬
‫النحاة من نقد لبعض القراءات يف ضوء معايريهم‬ ‫هذه الصناعة يف ُح ْسنه‪:‬‬
‫النحوية إمنا كان محاولة منهم لحامية القرآن‬ ‫كأن يُقرأ‪] :‬ب ِْس ِم الل ِه ال َّر ْح َم َن ال َّر ِح ْي َم[‪ ،‬بنصبهام‬
‫الكريم‪ ،‬وحمله عىل أحسن الوجوه وأوفقها يف‬ ‫جمي ًعا عليه‪.‬‬
‫العربية"‪ 43،‬ولهم يف هذا ضوابط لعلها كانت أكرث‬ ‫ويجوز‪] :‬ال َّر ْح َم ُن ال َّر ِح ْي ُم[‪ ،‬برفع الصفتني جمي ًعا‬
‫رعاية لقدسية هذا الكتاب من ضوابط الق ّراء‬ ‫عىل املدح‪.‬‬
‫أنفسهم‪ ،‬من مثل‪:‬‬
‫ويجوز‪] :‬ال َّر ْح َم ُن ال َّر ِح ْي َم[‪ ،‬برفع األول‪ ،‬ونصب‬
‫‪44‬‬
‫"القرآن إمنا يُحمل عىل أرشف املذاهب"‪.‬‬ ‫الثاين‪.‬‬
‫جل وع ّز عىل‬ ‫"ال ينبغي أن يُحمل كتاب الله ّ‬ ‫ويجوز‪] :‬ال َّر ْح َم َن ال َّر ِحيْ ُم[‪ ،‬بنصب األول‪ ،‬ورفع‬
‫‪45‬‬
‫الشذوذ"‪.‬‬ ‫الثاين‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫"القرآن ليس فيه رضورة"‪.‬‬ ‫كل ذلك عىل وجه املدح‪ ،‬وما أحسنه ههنا‪ ،‬وذلك‬ ‫ّ‬
‫كل ما أبداه النحويون من مفاضلة‬ ‫ومن ثم كان ُّ‬ ‫أن الله تعاىل إذا ُو ِصف فليس الغرض يف ذلك‬
‫بني القراءات ‪ -‬عىل اختالف مصطلحاتهم يف‬ ‫تعريفه مبا يتبعه من صفته؛ ألن هذا االسم ال‬
‫هذه املفاضلة ‪ -‬مر ُّده إىل وصف اللغة ال القراءة‬ ‫فيحتاج إىل وصفه؛ لتخليصه؛‬ ‫َ‬ ‫شك فيِه‪،‬‬ ‫يعرتض ّ‬
‫نفسها‪ ،‬عام ُدهم يف ذلك ما يستقيم يف اللغة ال‬ ‫ألنه االسم الذي ال يُشا َرك فيه عىل وجه‪ ،‬وبقية‬
‫تسوغ مواقفهم من‬ ‫ما ينقله الرشع‪ ،‬ومن ثم ُ‬ ‫أسامئه ع ّز وعال كاألوصاف التابعة لهذا االسم‪،‬‬
‫القراءات‪ ،‬من مثل‪:‬‬ ‫شك فيه مل تجئ صفته لتخليصه‪،‬‬ ‫وإذا مل يعرتض ّ‬
‫تضعيف قراءة سبعية مع أنها لها نظائرها يف‬ ‫بل للثناء عىل الله تعاىل‪ ،‬وإذا كان ثنا ٌء‪ ،‬فالعدول‬
‫رضائر الشعر‪ ،‬كقراءة عبد الله بن عامر ‪118/‬هـ‪:/‬‬ ‫عن إعراب األ ّول أوىل به؛ وذلك أن إتباعه‬
‫]كُ ْن فَ َي ُك ْونَ[[البقرة ‪ ،]117‬بنصب نون (يكون)‪،‬‬ ‫إعرابَه جا ٍر يف اللفظ َمجرى ما يتبع للتخليص‬
‫‪47‬‬
‫ض َّعفها سيبويه‪.‬‬ ‫والتخصيص‪ ،‬فإذا هو ُع ِدل به عن إعرابه ُعلِم أنه‬
‫للمدح ‪ -‬أو ال ّذ ّم يف غري هذا‪ ،‬ع ّز الله وتعاىل ‪ -‬فلم‬
‫تجويد قراءة منفردة عىل غريها من قراءات‬
‫يبق فيه هنا إال املدح‪ ،‬فلذلك قَو َِي عندنا اختالف‬
‫الكافة‪ ،‬فقراءة‪] :‬قَالُوا َم ْع ِذ َر ًة إىل َربِّكُم[[األعراف‬
‫‪162‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫القراءات ملقاييس اللغة‪ ،‬وإمنا رأوا أن املنسوب‬ ‫‪ 48،]164 :7‬بنصب (معذرة) قرأ بها حفص‬
‫إىل النبي ‪ -e‬عىل يقني ‪ -‬ليس مبعزل عن مقاييس‬ ‫‪180/‬هـ‪ ،/‬وقرأ غريه برفعها‪ ،‬ورأى سيبويه أن‬
‫‪62‬‬
‫اللغة الفصحى التي هي وعاء القرآن الكريم"‪.‬‬ ‫‪49‬‬
‫النصب أجود وأكرث‪.‬‬
‫خامتة‬ ‫تلحني من قرأ قراءة شاذة‪ ،‬ذهب إليه الفراء‪ 50‬يف‬
‫بنا ًء عىل ما تقدَّ م يُشار إىل نتائج ثالث‪:‬‬
‫‪51‬‬
‫قراءة‪] :‬لِ ُي ْج َزى قَ ْو ًما[[الجاثية ‪.]14‬‬
‫أوالها أن هذا املوقف من القراءات ينطبق‬ ‫تشذيذ قراءة مشهورة‪ ،‬كقراءة ابن عباس ‪68/‬هـ‪/‬‬
‫عىل النحويني برصييهم وكوفييهم ‪ -‬إن ص ّحت‬ ‫وغريه‪] :‬يَا أبَانَا إ َّن ابْ َن َك سرُ ِّ َق[[يوسف ‪ 52،]81‬قال‬
‫القسمة ‪ -‬فليس صحي ًحا ما قد شاع لدى كثري من‬
‫‪53‬‬
‫الفراء‪" :‬وال أشتهيها؛ ألنها شاذة"‪.‬‬
‫الباحثني أن الكوفيني كانوا أكرث قبوالً للقراءات‬ ‫تجويز قراءة شاذة‪ ،‬يُفهم من كالم الزجاج عىل‬
‫من البرصيني؛ ألن األخريين أخضعوا القرآن‬ ‫‪54‬‬
‫قراءة‪] :‬ق ََال َه ْل أنْتُ ْم ُمطْلِ ُع ْونِ [[الصافات ‪،]54‬‬
‫وقراءاته ألصولهم وأقيستهم‪ ،‬يف حني قبل األولون‬ ‫عىل تقدير (مطلعوين)‪ ،‬بياء املتكلم مضافًا إليها‪،‬‬
‫‪63‬‬
‫القراءات وبنوا عليها كث ًريا من القواعد النحوية‪،‬‬ ‫‪55‬‬
‫حذف النون‪.‬‬ ‫والقياس ُ‬
‫ودليل هذا أن كتاب (معاين القرآن) للفراء رأس‬ ‫ترجيح قراءة شاذة عىل قراءة الكافة‪ ،‬كقراءة‬
‫املدرسة الكوفية يف زمانه يُع ّد يف أوائل الكتب‬ ‫الحسن بن عيل‪50/ t‬هـ‪] :/‬ا ْه ِدنَا صرِ َاطًا‬
‫التي تض َّمنت نقد القراءات‪ ،‬وقد ُمثِّل لهذا النقد‬ ‫ُم ْستَ ِق ْيماً [[الفاتحة ‪]5‬؛‪ 56‬ر ّجحها ابن جني؛ ألنها‬
‫‪64‬‬
‫مبثالني تق ّدما‪.‬‬ ‫‪57‬‬
‫أقوى مع ًنى‪.‬‬
‫والثانية أن ملوقف النحويني من القراءات‬ ‫تجويد قراءة الكافة عىل قراءة منفردة‪،‬‬
‫مرحلتني‪ :‬أوالهام قبل ابن الجزري‪ ،‬والثانية‬ ‫أصابَكُم ِم ْن ُم ِص ْي َب ٍة فَ ِبماَ ك ََس َب ْت‬ ‫فقراءة‪] :‬و َما َ‬
‫بعده‪ ،‬ففي املرحلة األوىل يُالحظ أن الق ّراء‬ ‫أيْ ِديْكُم[[الشورى ‪ ،]30‬أجود من قراءة نافع‬
‫‪58‬‬
‫أكرث ما يعتدون بالقراءة إذا وافقت وج ًها عربيًّا‬ ‫وعبد الله بن عامر‪ ...] :‬بمِ َا ك ََسبَ ْت أيْ ِديْكُم[‪ ،‬من‬
‫فصي ًحا‪ ،‬فعملهم مبني عىل عمل النحويني‪ ،‬ومن‬ ‫‪59‬‬
‫دون فاء‪.‬‬
‫ثم شاع نق ُد القراءات وتوجيهها آنذاك؛ لكونها‬
‫مهاجمة القراءة الشاذة والتعجب منها وتوجيهها‪،‬‬
‫ينبغي لها االتساق مع قدسية القرآن الكريم‬
‫كام نجد لدى ابن يعيش ‪646/‬هـ‪ /‬إذ تكلم عىل‬
‫وجودة لغته‪ ،‬أما يف املرحلة الثانية فلم يعد يُعت ّد‬ ‫‪60‬‬
‫اي و َمماَتيِ [[األنعام ‪،]162‬‬ ‫قراءة نافع‪َ ] :‬م ْح َي ْ‬
‫مبوافقة القراءة وج ًها يف العربية عىل ما أق ّره ابن‬ ‫‪61‬‬
‫بسكون الياء‪.‬‬
‫الجزري؛ ومن ثم ُس ِّوغت الهجمة عىل النحويني‬
‫املتقدمني واتهامهم بإنكارهم القراءات‪.‬‬ ‫إذن‪" ،‬الفكر النحوي إمنا بُني عىل القرآن الكريم‬
‫وقراءاته‪ ،‬وما يُبديه أمثال الخليل ‪175/‬هـ‪/‬‬
‫والثالثة أنه يمُ كن تقسيم املنهج يف التعامل مع‬
‫وسيبويه والفراء‪ ...‬إلخ؛ من رأي يف بعض أوجه‬
‫القراءات إىل قسمني‪ :‬منهج نقيل‪ ،‬ومنهج عقيل‪،‬‬
‫القراءات يجب أن يُنظر إليه عىل أنه اجتهاد‬
‫ومبا أن املنهج العقيل كان أغلب يف الدرس النحوي‬
‫ممن ميلكه‪ ،‬وله الحق فيه‪ ،‬وفق أصول ارتضوها‪،‬‬
‫فال ب ّد من أن يظهر أثر هذا املنهج يف موقف‬
‫وضوابط بنوا عليها نقدهم‪ ،‬فالنحاة مل يُخضعوا‬
‫النحويني من القراءات؛ إما بتأثري قضية التواتر‬
‫النحو ّي من القراءات القر َّ‬ ‫ٌ‬
‫اءة في املوقف َّ‬ ‫‪163‬‬
‫آنية‬ ‫ِ‬ ‫قر‬
‫يُتَّبع"‪ 65،‬أما املنهج النقيل فكان أنسب للق ّراء؛‬ ‫واآلحاد‪ ،‬وإما ملكانتها يف قضية القياس التي هي‬
‫إذ النقل قوام عملهم؛ لذا يمُ كن ر ُّد املواقف إىل‬ ‫أساس علم النحو كام بات قا ًّرا من خالل ترداد‬
‫االفرتاق يف املنهج‪.‬‬ ‫قياس‬
‫النحويني قولتهم املشهورة‪" :‬إمنا النح ُو ٌ‬
‫الهوامش‬

‫حيث‪ :‬امل ُستَ ْق َرى‪ ،‬واالستعامل‪ ،‬واإلفادة‪ :‬أما من حيث‬ ‫السيوطي‪ ،‬املزهر يف علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬تحقيق فؤاد‬ ‫‪ 1‬‬
‫امل ُستَ ْق َرى ف ََسبَ َق‪ ،‬وأما من حيث االستعامل؛ فالتا ّم‬ ‫عيل منصور‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪/ 1998 ،‬‬
‫قليل استعاملُه والناقص أك ُرث منه‪ ،‬وأما من حيث‬ ‫ٌ‬ ‫‪.221 :1‬‬
‫اإلفادة؛ فالتا ّم يفيد اليقني والناقص يفيد الظن‪ .‬يُنظر‪:‬‬ ‫أحمد بن حنبل‪ ،‬املسند‪ ،‬تحقيق شعيب األرنؤوط‬ ‫‪ 2‬‬
‫الجرجاين‪ ،‬التعريفات‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫وعادل مرشد‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪/ 1995 ،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الكتاب العريب‪1405 ،‬ه ‪37 /‬؛ التهانوي‪،‬‬ ‫‪ ،298 :1‬رقم الحديث [‪.]158‬‬
‫كشاف اصطالحات الفنون والعلوم‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪،‬‬ ‫املقديس‪ ،‬أبو شامة‪ ،‬املرشد الوجيز إىل علوم تتعلق‬ ‫‪ 3‬‬
‫مكتبة لبنان نارشون‪172 :1 / 1996 ،‬؛ حموية‪ ،‬أدهم‬ ‫بالكتاب العزيز‪ ،‬تحقيق طيار آلتي قوالج‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫محمد عيل‪« ،‬األسس املنطقية لالستقراء النحوي؛‬ ‫بريوت‪ ،‬دار صادر‪1395 ،‬ه ‪.97 /‬‬
‫دراسة إبستمولوجية»‪ ،‬مجلة التجديد‪ ،‬الجامعة‬ ‫من خري ما ُجمعت فيه هذه األقوال قبوالً ورفضً ا‪:‬‬ ‫‪ 4‬‬
‫اإلسالمية العاملية يف ماليزيا‪ ،2016 ،‬املجلد ‪ ،20‬العدد‬ ‫الطربي‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬تحقيق عبد‬
‫‪.107-81 / 40‬‬ ‫الله الرتيك‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار هجر‪-21 :1 / 2001 ،‬‬
‫لعل هذا الضابط كان السبب الجوهري يف نشأة‬ ‫َّ‬ ‫‪ 9‬‬ ‫‪70‬؛ الزركيش‪ ،‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫النحو العريب‪ ،‬ودليله أم ُر الفاروق ‪ t‬أال يُقرئ القرآن إال‬ ‫أيب الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬مكتبة دار الرتاث‪،‬‬
‫عاملٌ باللغة‪ .‬يُنظر‪ :‬ابن األنباري‪ ،‬نزهة األلباء يف طبقات‬ ‫‪227-213 :1 / 1984‬؛ القسطالين‪ ،‬لطائف اإلشارات‬
‫األدباء‪ ،‬تحقيق إبراهيم السامرايئ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬مكتبة‬ ‫لفنون القراءات‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مركز الدراسات القرآنية يف‬
‫املنار‪ ،‬د‪.‬ت ‪.19 /‬‬ ‫مجمع امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف‪ ،‬اململكة‬
‫‪ 1 0‬ابن أيب طالب‪ ،‬ميك‪ ،‬اإلبانة عن معاين القراءات‪،‬‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬د‪.‬ت ‪.82-63 :1 /‬‬
‫تحقيق عبد اللطيف شلبي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار نهضة‬ ‫السيوطي‪ ،‬اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مركز‬ ‫‪ 5‬‬
‫مرص‪ ،‬د‪.‬ت ‪.51 /‬‬ ‫الدراسات القرآنية يف مجمع امللك فهد لطباعة‬
‫‪ 1 1‬ابن الجزري‪ ،‬النرش يف القراءات العرش‪ ،‬تحقيق عيل‬ ‫املصحف الرشيف‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬د‪.‬ت ‪/‬‬
‫محمد الضباع‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪.‬ت‬ ‫‪.309 :1‬‬
‫‪.11 ،10 :1 /‬‬ ‫الزركيش‪ ،‬الربهان يف علوم القرآن‪.318 :1 ،‬‬ ‫ ‪6‬‬
‫‪ 1 2‬املصدر السابق‪.10 :1 ،‬‬ ‫الراجحي‪ ،‬عبده‪ ،‬اللغات العربية يف القراءات القرآنية‪،‬‬ ‫‪ 7‬‬
‫ط‪ ،1‬عامن‪ ،‬دار املسرية‪.79 / 2008 ،‬‬
‫‪ 13‬اللهم إال أن يُقال إن الق ّراء أخذوا هذه الضوابط عن‬ ‫َذكَ َر الجرجاين ‪816/‬هـ‪ /‬أن االستقراء هو ال ُحكم عىل‬ ‫ ‪8‬‬
‫النحويني‪ ،‬إذ تُفهم يف قولة الف َّراء‪« :‬اتباع املصحف إذا‬ ‫يل بوجوده يف أكرث جزئياته؛ أي إنه يبدأ بالجزئيات‬ ‫ك ٍّ‬
‫أحب‬
‫وجدتُ له وج ًها من كالم العرب‪ ،‬وقراءة الق ّراء ُّ‬ ‫يتتبّعها ويتف ّحصها ويُالحظها؛ ملعرفة حال ما يجمعها‬
‫إ ّيل من خالفه»‪ .‬الفراء‪ ،‬معاين القرآن‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت‪،‬‬ ‫وتحديد خصائصه‪ ،‬ويُعرف هذا بأنه استقراء تا ّم إذا‬
‫عامل الكتب‪.293 :2 / 1983 ،‬‬ ‫كان امل ُستَ ْق َرى جميع الجزئيات املندرجة يف ذلك الكيل‪،‬‬
‫‪ 1 4‬قيل إنه انسجام قليل؛ ألن د‪ .‬محمد عيد يذهب إىل‬ ‫فإذا كان امل ُستَ ْق َرى معظم جزئياته كان االستقراء‬
‫نسبي للنحويني عن‬
‫أن التحرز الديني أ ّدى إىل انرصاف ٍّ‬ ‫ناقصا‪ ،‬وقد ف َّرق بينهام التهانوي ‪/‬بعد ‪1185‬هـ‪ /‬من‬ ‫ً‬

‫‪164‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫بحذف الياءين‪.‬يُنظر الوجوه مظانها واألقوال فيهام يف‪:‬‬ ‫قياسا إىل احتجاجهم بكالم‬ ‫االحتجاج بالقرآن وقراءاته؛ ً‬
‫الخطيب‪ ،‬معجم القراءات‪.202-200 :10 ،‬‬ ‫العرب‪ ،‬وال سيام شعرهم‪.‬‬
‫يُنظر‪ :‬ابن حزم‪ ،‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪،‬‬ ‫‪2 8‬‬ ‫يُنظر‪ :‬عيد‪ ،‬محمد‪ ،‬الرواية واالستشهاد باللغة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪1 5‬‬
‫تحقيق محمد إبراهيم نارص وعبد الرحمن عمرية‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬عامل الكتب‪.127-122 / 1972 ،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬د‪.‬ت ‪231 :3 /‬‬ ‫سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬تحقيق عبد السالم محمد هارون‪،‬‬ ‫‪1 6‬‬
‫يُنظر‪ :‬الرازي‪ ،‬التفسري الكبري ومفاتيح الغيب‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2 9‬‬ ‫ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪.148 :1 / 1988 ،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الفكر‪57 :9 / 1981 ،‬‬ ‫ابن خالويه‪ ،‬إعراب القراءات السبع وعللها‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪1 7‬‬
‫ابن الجزري‪ ،‬النرش يف القراءات العرش‪.10 :1 ،‬‬ ‫‪ 30‬‬ ‫عبد الرحمن العثيمني‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬كتبة الخانجي‪،‬‬
‫للقراءة ههنا وجهان‪ :‬أحدهام قراءة الجمهور برفع‬ ‫‪3 1‬‬ ‫‪.44 :2 / 1992‬‬
‫(يكون) استئنافًا‪ ،‬واآلخر قراءة عبد الله بن عامر‬ ‫الفاريس‪ ،‬أبو عيل‪ ،‬الحجة للقراء السبعة‪ ،‬تحقيق جم ٍع‬ ‫‪1 8‬‬
‫بنصبه جوابًا‪.‬يُنظر الوجهان مظانهام واألقوال فيهام‬ ‫من املحققني‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ ،‬دار املأمون للرتاث‪1993 ،‬‬
‫يف‪ :‬الخطيب‪ ،‬معجم القراءات‪182 ،181 :1 ،‬‬ ‫‪.405 :1 /‬‬
‫ابن مجاهد‪ ،‬السبعة يف القراءات‪ ،‬تحقيق شوقي‬ ‫‪3 2‬‬ ‫للقراءة ههنا وجهان‪ :‬أحدهام قراءة الجمهور برفع‬ ‫‪1 9‬‬
‫ضيف‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬د‪.‬ت ‪.168 /‬‬ ‫لفظ الجاللة عىل الفاعلية‪ ،‬واآلخر قراءة أيب جعفر‬ ‫ِ‬
‫ابن الجزري‪ ،‬النرش يف القراءات العرش‪.9 :1 ،‬‬ ‫‪ 33‬‬ ‫لفظ الجاللة عىل املفعولية‪.‬‬ ‫يزيد بن القعقاع بنصب ِ‬
‫املصدر السابق‪.33 :1 ،‬‬ ‫‪3 4‬‬ ‫يُنظر الوجهان مظانهام وتخريجاتهام يف‪ :‬الخطيب‪،‬‬
‫ابن الجزري‪ ،‬منجد املقرئني ومرشد الطالبني‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪3 5‬‬ ‫عبد اللطيف‪ ،‬معجم القراءات‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ ،‬دار سعد‬
‫عيل العمران‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مكة‪ ،‬دار عامل الفوائد‪1419 ،‬ه ‪/‬‬ ‫الدين‪.63 :2 / 2002 ،‬‬
‫‪.202‬‬ ‫ابن جني‪ ،‬املحتسب يف تبيني وجوه شواذ القراءات‬ ‫‪2 0‬‬
‫ابن أيب طالب‪ ،‬اإلبانة عن معاين القراءات‪.49 ،‬‬ ‫‪3 6‬‬ ‫واإليضاح عنها‪ ،‬تحقيق جمعٍ من املحققني‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫ابن األنباري‪ ،‬نزهة األلباء يف طبقات األدباء‪.20 ،19 ،‬‬ ‫‪3 7‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬وزارة األوقاف املرصية‪.188 :1 / 1994 ،‬‬
‫ابن مجاهد‪ ،‬السبعة يف القراءات‪.45 ،‬‬ ‫‪ 38‬‬ ‫للقراءة ههنا وجهان‪ :‬أحدهام قراءة عمر بن الخطاب‬ ‫‪2 1‬‬
‫رفيدة‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬النحو وكتب التفسري‪ ،‬ط‪ ،3‬مرصاتة‪،‬‬ ‫‪ 39‬‬ ‫]استَ َحاذَ[‪ ،‬وهي األصل والقياس‪ ،‬وقراءة الجامعة‪] :‬‬ ‫‪ْ :t‬‬
‫الدار الجامعية‪.228 :1 / 1990 ،‬‬ ‫ْاستَ ْح َوذَ[‪ ،‬وهي شاذة يف القياس فصيحة يف االستعامل‪.‬‬
‫الفراء‪ ،‬معاين القرآن‪.245 :1 ،‬‬ ‫‪ 40‬‬ ‫يُنظر الوجهان مظانهام واألقوال فيهام يف‪ :‬الخطيب‪،‬‬
‫ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق محمد عيل النجار‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪4 1‬‬ ‫معجم القراءات‪.379 :9 ،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الكتب املرصية‪ ،‬د‪.‬ت ‪.399 ،389 :1 /‬‬ ‫ابن جني‪ ،‬املحتسب يف تبيني وجوه شواذ القراءات‬ ‫‪2 2‬‬
‫الزجاج‪ ،‬معاين القراءات وإعرابها‪ ،‬تحقيق عبد الجليل‬ ‫‪4 2‬‬ ‫واإليضاح عنها‪306 :2 ،‬‬
‫شلبي‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬عامل الكتب‪.336 :1 / 1988 ،‬‬ ‫السيوطي‪ ،‬االقرتاح يف علم أصول النحو‪ ،‬تحقيق محمد‬ ‫‪2 3‬‬
‫الخطيب‪ ،‬محمد‪ ،‬ضوابط الفكر النحوي‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪4 3‬‬ ‫سليامن ياقوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار البصائر‪.312 :1 / 2006 ،‬‬ ‫‪.76 ،75 / 2006‬‬
‫املربد‪ ،‬الكامل يف اللغة واألدب‪ ،‬تحقيق محمد الدايل‪،‬‬ ‫‪4 4‬‬ ‫رس‬
‫للقراءة ههنا ثالثة أوجه‪ :‬أحدها قراءة الجمهور بك ِ‬ ‫‪2 4‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.931 :2 / 1986 ،‬‬ ‫تاء (املالئكة) ج ًّرا‪ ،‬واآلخر قراءة جمعٍ بض ِّمها إتبا ًعا‪،‬‬
‫النحاس‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬إعراب القرآن‪ ،‬تحقيق خالد‬ ‫‪4 5‬‬ ‫والثالث اإلشامم‪ .‬يُنظر األوجه مظانها والقارئون بها‬
‫العيل‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪.480 / 2008 ،‬‬ ‫يف‪ :‬الخطيب‪ ،‬معجم القراءات‪.80 ،79 :1 ،‬‬
‫ابن األنباري‪ ،‬اإلنصاف يف مسائل الخالف بني البرصيني‬ ‫‪4 6‬‬ ‫ابن جني‪ ،‬املحتسب يف تبيني وجوه شواذ القراءات‬ ‫‪2 5‬‬
‫والكوفيني‪ ،‬تحقيق جودة مربوك ورمضان عبد التواب‪،‬‬ ‫واإليضاح عنها‪71 :1 ،‬‬
‫ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪.350 / 2002 ،‬‬ ‫للقراءة ههنا أربعة وجوه‪ :‬أحدها قراءة الجمهور‪]:‬‬ ‫‪ 26‬‬
‫يُنظر‪ :‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪.39 :3 ،‬‬ ‫‪ 47‬‬ ‫يُ ْحي َِي[‪ ،‬بفتح الياء‪ ،‬واآلخر قراءة بعضهم‪] :‬يُ ْحي ِْي[‪،‬‬
‫للقراءة ههنا وجهان‪ :‬أحدهام قراءة بعضهم‪] :‬‬ ‫‪4 8‬‬ ‫بسكون الياء‪ ،‬والثالث قراءة بعضهم‪] :‬يُ ِح َّي[‪ ،‬بكرس‬
‫َم ْع ِذ َرةٌ[‪ ،‬بالرفع عىل الخربية‪ ،‬واآلخر قراءة بعضهم‪:‬‬ ‫الحاء وإدغام الياءين‪ ،‬والرابع قراءة بعضهم‪] :‬يُ ِح[‪،‬‬
‫النحو ّي من القراءات القر َّ‬ ‫ٌ‬
‫اءة في املوقف َّ‬ ‫‪165‬‬
‫آنية‬ ‫ِ‬ ‫قر‬
‫‪ 5 7‬يُنظر‪ :‬ابن جني‪ ،‬املحتسب يف تبيني وجوه شواذ‬ ‫] َم ْع ِذ َرةً[‪ ،‬بالنصب عىل املفعولية‪ .‬يُنظر الوجهان‬
‫القراءات واإليضاح عنها‪.42 ،41 :1 ،‬‬ ‫مظانهام والقارئون بهام وتخريجاتهام يف‪ :‬الخطيب‪،‬‬
‫‪ 58‬للقراءة ههنا وجهان‪ :‬أحدهام قراءة بعضهم‪] :‬فَ ِبماَ [‪،‬‬ ‫معجم القراءات‪.198 :3 ،‬‬
‫بالفاء‪ ،‬واآلخر قراءة آخرين‪] :‬بمِ َا[‪ ،‬من دون فاء‪.‬يُنظر‬ ‫‪ 49‬يُنظر‪ :‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪.321 ،320 :1 ،‬‬
‫الوجهان مظانهام والقارئون بهام يف‪ :‬الخطيب‪ ،‬معجم‬ ‫‪ 5 0‬يُنظر‪ :‬الفراء‪ ،‬معاين القراءات‪.53 :2 ،‬‬
‫القراءات‪.331 ،330 :8 ،‬‬ ‫‪ 51‬للقراءة ههنا ثالثة أوجه‪ :‬أحدها قراءة بعضهم‪] :‬‬
‫‪ 5 9‬أبو زرعة‪ ،‬حجة القراءات‪ ،‬تحقيق سعيد األفغاين‪ ،‬ط‪،5‬‬ ‫ليَ ْجز َِي[‪ ،‬واآلخر قراءة بعضهم‪] :‬لِ َن ْجز َِي[‪ ،‬والثالث‬
‫بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.642 / 1997 ،‬‬ ‫قراءة بعضهم‪] :‬لِ ُي ْج َزى[‪.‬‬
‫‪ 6 0‬للقراءة ههنا أربعة وجوه‪ :‬أحدها قراءة الجمهور‪] :‬‬ ‫يُنظر األوجه مظانها والقارئون بها واألقوال فيها يف‪ :‬الخطيب‪،‬‬
‫اي[‪،‬‬
‫اي[‪ ،‬بفتح الياء‪ ،‬واآلخر قراءة بعضهم‪َ ] :‬م ْح َي ْ‬ ‫َم ْح َي َ‬ ‫معجم القراءات‪.457-455 :8 ،‬‬
‫اي[‪،‬‬
‫بسكون الياء والثالث عن نافع أنه قرأ‪َ ] :‬م ْحيَ ِ‬ ‫‪ 52‬للقراءة ههنا ثالثة أوجه‪ :‬أحدها قراءة الجامعة‪] :‬‬
‫بكرس الياء‪ ،‬والرابع قراءة آخرين‪َ ] :‬م ْح َي َّي[‪.‬‬ ‫سرَ َ َق[‪ ،‬واآلخر قراءة بعضهم‪] :‬سرُ ِّ َق[‪ ،‬والثالث قراءة‬
‫يُنظر األوجه مظانها والقارئون بها واألقوال فيها يف‪ :‬الخطيب‪،‬‬ ‫]سار ٌِق[‪.‬يُنظر األوجه مظانها‬ ‫الضحاك بن مزاحم‪َ :‬‬
‫معجم القراءات‪.603-601 :6 ،‬‬ ‫والقارئون بها واألقوال فيها يف‪ :‬الخطيب‪ ،‬معجم‬
‫‪ 6 1‬ابن يعيش‪ ،‬رشح املفصل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة‬ ‫القراءات‪.321 ،320 :4 ،‬‬
‫املتنبي‪ ،‬د‪.‬ت ‪.34 :3 /‬‬ ‫‪ 53‬الفراء‪ ،‬معاين القرآن‪.46 :3 ،‬‬
‫‪ 6 2‬الخطيب‪ ،‬ضوابط الفكر النحوي‪.313 :1 ،‬‬ ‫‪ 54‬للقراءة ههنا ثالثة أوجه‪ :‬أحدها‪ُ ] :‬مطَّلِ ُع ْونَ[‪ ،‬واآلخر‪:‬‬
‫‪ 6 3‬السامرايئ‪ ،‬فاضل‪ ،‬الدراسات النحوية واللغوية عند‬ ‫] ُمطْلِ ُع ْونَ[‪ ،‬والثالث‪ُ ] :‬مطْلِ ُع ْونِ [‪.‬يُنظر األوجه مظانها‬
‫الزمخرشي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪/ 1970 ،‬‬ ‫والقارئون بها واألقوال فيها يف‪ :‬الخطيب‪ ،‬معجم‬
‫‪40‬؛ مكرم‪ ،‬عبد العال سامل‪ ،‬القرآن الكريم وأثره يف‬ ‫القراءات‪.30 ،29 :8 ،‬‬
‫الدراسات النحوية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املكتبة األزهرية‬ ‫‪ 5 5‬يُنظر‪ :‬الزجاج‪ ،‬معاين القرآن وإعرابه‪.305 :4 ،‬‬
‫للرتاث‪ ،‬د‪.‬ت ‪.123 /‬‬ ‫‪ 56‬للقراءة ههنا ثالثة أوجه‪ :‬أحدها قراءة الجمهور‪] :‬‬
‫‪ 6 4‬يُنظر مثالً‪ :‬رفيدة‪ ،‬النحو وكتب التفسري‪.296-282 :1 ،‬‬ ‫ا ْه ِدنَا الصرِّ َا َط امل ُْستَ ِقيْ َم[‪ ،‬واآلخر قراءة الحسن بن‬
‫‪ 6 5‬ابن الجراح‪ ،‬الورقة‪ ،‬تحقيق عبد الوهاب عزام وعبد‬ ‫عيل ‪] :t‬ا ْه ِدنَا صرِ َاطًا ُم ْستَ ِق ْيماً [‪ ،‬والثالث قراءة جعفر‬
‫الستار فراج‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬د‪.‬ت ‪.26 /‬‬ ‫الصادق‪] :‬ا ْه ِدنَا صرِ َا َط ُم ْستَ ِقيْمٍ [‪.‬يُنظر األوجه مظانها‬
‫يف‪ :‬الخطيب‪ ،‬معجم القراءات‪.19-17 :1 ،‬‬

‫املصادر واملراجع‬

‫الستار فراج‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫•القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ ‬


‫•ابن الجزري‪ ،‬منجد املقرئني ومرشد الطالبني‪ ،‬تحقيق‬ ‫ ‬ ‫•ابن أيب طالب‪ ،‬ميك‪ ،‬اإلبانة عن معاين القراءات‪ ،‬تحقيق‬ ‫ ‬
‫عيل العمران‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مكة‪ ،‬دار عامل الفوائد‪1419 ،‬ه‪.‬‬ ‫عبد اللطيف شلبي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار نهضة مرص‪،‬‬
‫•ابن الجزري‪ ،‬النرش يف القراءات العرش‪ ،‬تحقيق عيل‬ ‫ ‬ ‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫محمد الضباع‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫•ابن األنباري‪ ،‬اإلنصاف يف مسائل الخالف بني البرصيني‬ ‫ ‬
‫•ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق محمد عيل النجار‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫ ‬ ‫والكوفيني‪ ،‬تحقيق جودة مربوك ورمضان عبد التواب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الكتب املرصية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪.2002 ،‬‬
‫•ابن جني‪ ،‬املحتسب يف تبيني وجوه شواذ القراءات‬ ‫ ‬ ‫•ابن األنباري‪ ،‬نزهة األلباء يف طبقات األدباء‪ ،‬تحقيق‬ ‫ ‬
‫واإليضاح عنها‪ ،‬تحقيق جمعٍ من املحققني‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫إبراهيم السامرايئ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬مكتبة املنار‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬وزارة األوقاف املرصية‪.1994 ،‬‬ ‫•ابن الجراح‪ ،‬الورقة‪ ،‬تحقيق عبد الوهاب عزام وعبد‬ ‫ ‬

‫‪166‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫•السامرايئ‪ ،‬فاضل‪ ،‬الدراسات النحوية واللغوية عند‬ ‫ ‬ ‫•ابن حزم‪ ،‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪ ،‬تحقيق‬ ‫ ‬
‫الزمخرشي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪.1970 ،‬‬ ‫محمد إبراهيم نارص وعبد الرحمن عمرية‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫•سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬تحقيق عبد السالم محمد هارون‪،‬‬ ‫ ‬ ‫بريوت‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪.1988 ،‬‬ ‫•ابن حنبل‪ ،‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬تحقيق شعيب األرنؤوط‬ ‫ ‬
‫•السيوطي‪ ،‬اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مركز‬ ‫ ‬ ‫وعادل مرشد‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.1995 ،‬‬
‫الدراسات القرآنية يف مجمع امللك فهد لطباعة‬ ‫•ابن خالويه‪ ،‬إعراب القراءات السبع وعللها‪ ،‬تحقيق‬ ‫ ‬
‫املصحف الرشيف‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫عبد الرحمن العثيمني‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬كتبة الخانجي‪،‬‬
‫•السيوطي‪ ،‬االقرتاح يف علم أصول النحو‪ ،‬تحقيق محمد‬ ‫ ‬ ‫‪.1992‬‬
‫سليامن ياقوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪،‬‬ ‫•ابن مجاهد‪ ،‬السبعة يف القراءات‪ ،‬تحقيق شوقي‬ ‫ ‬
‫‪.2006‬‬ ‫ضيف‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫•السيوطي‪ ،‬املزهر يف علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬تحقيق فؤاد‬ ‫ ‬ ‫•ابن يعيش‪ ،‬رشح املفصل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة‬ ‫ ‬
‫عيل منصور‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.1998 ،‬‬ ‫املتنبي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫•السيد الجرجاين‪ ،‬التعريفات‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•أبو زرعة‪ ،‬حجة القراءات‪ ،‬تحقيق سعيد األفغاين‪ ،‬ط‪،5‬‬ ‫ ‬
‫ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب العريب‪1405 ،‬ه‪.‬‬ ‫بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.1997 ،‬‬
‫•الطربي‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬تحقيق عبد‬ ‫ ‬ ‫•التهانوي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون والعلوم‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫ ‬
‫الله الرتيك‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار هجر‪.2001 ،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬مكتبة لبنان نارشون‪.1996 ،‬‬
‫•عيد‪ ،‬محمد‪ ،‬الرواية واالستشهاد باللغة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•الحطيئة‪ ،‬ديوانه‪ ،‬تحقيق نعامن أمني طه‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫ ‬
‫عامل الكتب‪.1972 ،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬مكتبة ومطبعة مصطفى البايب الحلبي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫•الفاريس‪ ،‬أبو عيل‪ ،‬الحجة للقراء السبعة‪ ،‬تحقيق جمعٍ‬ ‫ ‬ ‫•حموية‪ ،‬أدهم محمد عيل‪« ،‬األسس املنطقية لالستقراء‬ ‫ ‬
‫من املحققني‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ ،‬دار املأمون للرتاث‪.1993 ،‬‬ ‫النحوي؛ دراسة إبستمولوجية»‪ ،‬مجلة التجديد‪،‬‬
‫•الفراء‪ ،‬معاين القرآن‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت‪ ،‬عامل الكتب‪.1983 ،‬‬ ‫ ‬ ‫الجامعة اإلسالمية العاملية يف ماليزيا‪ ،2016 ،‬املجلد‬
‫•القسطالين‪ ،‬لطائف اإلشارات لفنون القراءات‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫ ‬ ‫‪ ،20‬العدد ‪.40‬‬
‫مركز الدراسات القرآنية يف مجمع امللك فهد لطباعة‬ ‫•الخطيب‪ ،‬عبد اللطيف‪ ،‬معجم القراءات‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪،‬‬ ‫ ‬
‫املصحف الرشيف‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫دار سعد الدين‪.2002 ،‬‬
‫•املربد‪ ،‬الكامل يف اللغة واألدب‪ ،‬تحقيق محمد الدايل‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•الخطيب‪ ،‬محمد‪ ،‬ضوابط الفكر النحوي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ ‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.1986 ،‬‬ ‫دار البصائر‪.2006 ،‬‬
‫•املقديس‪ ،‬أبو شامة‪ ،‬املرشد الوجيز إىل علوم تتعلق‬ ‫ ‬ ‫•الراجحي‪ ،‬عبده‪ ،‬اللغات العربية يف القراءات القرآنية‪،‬‬ ‫ ‬
‫بالكتاب العزيز‪ ،‬تحقيق طيار آلتي قوالج‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬عامن‪ ،‬دار املسرية‪.2008 ،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار صادر‪1395 ،‬ه‪.‬‬ ‫•الرازي‪ ،‬التفسري الكبري ومفاتيح الغيب‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪،‬‬ ‫ ‬
‫•مكرم‪ ،‬عبد العال سامل‪ ،‬القرآن الكريم وأثره يف الدراسات‬ ‫ ‬ ‫دار الفكر‪.1981 ،‬‬
‫النحوية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املكتبة األزهرية للرتاث‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫•رفيدة‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬النحو وكتب التفسري‪ ،‬ط‪ ،3‬مرصاتة‪،‬‬ ‫ ‬
‫•النحاس‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬إعراب القرآن‪ ،‬تحقيق خالد العيل‪،‬‬ ‫ ‬ ‫الدار الجامعية‪.1990 ،‬‬
‫ط‪ ،2‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪.2008 ،‬‬ ‫•الزجاج‪ ،‬معاين القراءات وإعرابها‪ ،‬تحقيق عبد الجليل‬ ‫ ‬
‫•‪ 2 7‬الحطيئة‪،‬ديوانه‪ ،‬تحقيق نعامن أمني طه‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫ ‬ ‫شلبي‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬عامل الكتب‪.1988 ،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة ومطبعة مصطفى البايب الحلبي‪ ،‬د‪.‬ت‬ ‫•الزركيش‪ ،‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬تحقيق محمد أيب‬ ‫ ‬
‫‪.280 /‬‬ ‫الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬مكتبة دار الرتاث‪،‬‬
‫‪.1984‬‬
‫النحو ّي من القراءات القر َّ‬ ‫ٌ‬
‫اءة في املوقف َّ‬ ‫‪167‬‬
‫آنية‬ ‫ِ‬ ‫قر‬
‫هل البديع ّيات من املنظومات البالغ ّية؟‬
‫(قراءة يف املناهج والغايات)‬

‫د‪ .‬سليمان العميرات‬


‫جامعة قطر‬

‫ُملَخَّص البحث‪:‬‬
‫وسائل تعليمية لتعليم فنون‬
‫َ‬ ‫البديعيات واملنظومات البالغية تتّحدان يف الهدف؛ كونهام‬
‫البالغة العربية‪ ،‬عىل حني تختلفان يف بعض األمور الشكلية‪ ،‬أ ّما املحتوى فهو يف البديعيات‬
‫منحرص يف فنون البديع‪ ،‬وغري منحرص بذلك يف املنظومات البالغية‪.‬وهذا البحث يطرح تساؤلاً‬
‫ويحاول اإلجابة عنه‪« :‬هل البديعيّات من جنس املنظومات البالغيّة؟»‬
‫ويسري البحث كاآليت‪:‬توطئة للتعريف باملنظومات البالغية والبديعيات‪ ،‬والتوقف عند‬
‫التعليمي‪ ،‬ثم عقد مقايسات بني املنظومة‬
‫ّ‬ ‫مصطلحي الشِّ عر وال ّنظم‪ ،‬ثم بيان ماهية ال ّنظم‬
‫والبديعية من حيث الشكل واملضمون واألهداف‪ ،‬ثم خامتة‪.‬‬
‫الكلامت املفتاحية‪ :‬منظومة‪ ،‬بديعية‪ ،‬بالغة‪ ،‬شعر تعليمي‪.‬‬

‫ائق التَّقليديَّ َة يف اإلقرا ِء والتَّ ِ‬


‫عليم؛‬ ‫الَّتي تتَّب ُع الطَّر َ‬ ‫توطئة‪:‬‬
‫املغرب العر ِّيب‪ ،‬ويف الحجازِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫والس ّيام يف‬ ‫العلوم‬
‫ِ‬ ‫يف املايض شا َع ِت املنظوماتُ واألراجي ُز يف‬
‫ولكن مث ّة ف ٌّن هو “البديع ّيات” كان أيضً ا وسيلة‬ ‫نال‬ ‫ِ‬
‫املعارف كُلِّها؛ وقد َ‬ ‫والفُنونِ كافّ ًة‪ ،‬وسرَ َتْ يف‬
‫لتعليم فنون البديع يف قرونٍ خلت‪ ،‬والسؤال هنا‪:‬‬ ‫علو َم البالغ ِة العربيَّ ِة ح ٌّظ من ذلك؛ ف َقيَّ َد العلام ُء‬
‫هل ينبغي دراسة البديعيات ضمن املنظومات‬ ‫قواع َد البالغ ِة يف أراجي َز؛ ليس ُهلَعىل الطَّلَبة‬
‫التعليمية البالغية أو أنها قصائد شعريّة أدب ّية‬ ‫ِحفظُها‪ ،‬وتكاث َرتْ هذ ِه األراجي ُز وتَفَشَّ ْت‪ ،‬وكُ ِت َب‬
‫تختص به من ميزات؟‬ ‫ينبغي إفرادها ملا ّ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫رشوح قد تبلُ ُغ ال َعشرَ ِ‬
‫ٌ‬ ‫بعض األراجي ِز‬ ‫عىل ِ‬
‫وألجل ذلك ال بُ ّد يف البداية من التذكري بالفرق‬ ‫و ِمن ث َ َّم كُ ِت َب ْت عليها الحوايش والتَّعليقاتُ ‪.‬‬
‫بني مصطلَ َحي‪( :‬ال َّنظْم‪ ،‬والشِّ ْعر)‪.‬‬ ‫وكان َْت هذ ِه األراجي ُز أشبَ َه باملناه ِج التَّعليميَّ ِة‬
‫الفرق بني مصطلَ َحي‪( :‬ال َّنظْم‪ ،‬والشِّ ْعر)‪.‬‬ ‫املق َّرر ِة يف أيّا ِمنا‪،‬وظاهر ُة األراجيزِالتَّعليم َّي ِةالبالغ‬
‫ِ‬
‫واملعاهد‬ ‫ِ‬
‫املساجد‬ ‫يَّ ِة ال تز ُال فا ِعل ًة يف كثريٍ من‬
‫‪168‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫جميل يعتم ُد عىل‬ ‫ٌ‬ ‫األ ّو ُل‪ :‬الشِّ عر؛ وهو ف ٌّن‬ ‫املعجامت اللُّغويّة القدمية ال مت ِّي ُز بني املصطلَح ِني‬
‫يحمل‬ ‫ُ‬ ‫املوسيقى والخيال والكالم املنتقى الذي‬ ‫السامتُ الف ِّنيـَّ ُة‪ ،‬بل تعود بك ٍُّل إىل‬ ‫من حيثُ ِّ‬
‫دالالت مفتوح ًة‪ ،‬وغايتُه املتعة‪.‬الثّاين‪ :‬ال ّتعليم؛‬ ‫ٍ‬ ‫أليف‪ ،‬ونظَ ْم ُت اللُّؤل َؤ أي‪:‬‬ ‫أصلِه‪:‬فال َّنظْ ُم‪ :‬التّ ُ‬
‫ملعلومات من ِعل ٍْم ُمعينَّ ٍ‪ ،‬يَعتم ُد‬ ‫ٍ‬ ‫وهو ِذكْ ٌر‬ ‫السلْك‪ ،‬ومنه‪ :‬نَظَ ْم ُت الشِّ ْع َر ونَظَّ ْمته‪،‬‬ ‫جمعتُه يف ِّ‬
‫ليل والربها َن وال ُح َّج َة‪ ،‬ويُعبرَّ ُ عنه بلُ َغ ٍة‬ ‫ال ّد َ‬ ‫وهو بخالف ال َّنث‪.‬والشِّ ْع ُر‪ :‬ال ِعلم وال ِفطْنة‪،‬‬
‫ُ‬
‫إيصال‬ ‫واضح ٍة ومح َّدد ٍة ومق َّيد ِة ال َّدالل ِة‪ ،‬وغايتُه‬ ‫والشِّ ْع ُر منظو ُم القو ِل‪َ ،‬غل ََب عليه؛ لرش ِفه بالوزن‬
‫يخاط ُب‬ ‫املعلومات إىل ال ّناس وإفادت ُهم‪ ،‬فذاك ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪.)1‬‬
‫والقافية‬
‫العقل‬ ‫يخاطب َ‬ ‫ُ‬ ‫الوجدا َن ويستث ُري املشاع َر‪ ،‬وهذا‬ ‫أ ّما ال ُّنقّا ُد فع َّدهام بعضُ هم يف بادئ األمر‬
‫(‪.)7‬‬
‫ويستهدف اإلقنا َع‬‫ُ‬ ‫مرتادفَنيِ؛ فالشِّ ع ُر ليس يمُ ِّي ُزه من ال َّنرثِ‪-‬عن َدهم‪-‬‬
‫عليمي بإيجاز‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ال َّنظْ ُم التّ‬ ‫سوى الوزنِ (‪)2‬؛وأركا ُن الشِّ عرعندهأمربع ٌة‪:‬‬
‫ايس‬
‫رص الع ّب ِّ‬ ‫«ل َِح َق الشِّ ْع َر العر َّيب من ُذ بداي ِة الع ِ‬ ‫(اللَّفظُ‪ ،‬واملعنى‪ ،‬والوزنُ‪ ،‬والقافية‪ -‬ث ُ َّم اشرتطُوا‬
‫والتبس ْت به‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ظواه ُر غريب ٌة عنه‪ ،‬اتَّخ َذتْ شكلَه‬ ‫القص َد)(‪)3‬؛ وف ّرق بينهام آخرون أمثال ابن البَ ّناء‬
‫واستم ّرتْ هذه الظَّواه ُر باالزدياد والتّن ُّو ِع معِ‬ ‫ْاميس(‪)5‬وغريِهم م ّمن رأَوا‬ ‫والس ِجل ّ‬ ‫ِّ‬ ‫(‪)4‬‬
‫امل َ ّر ّ‬
‫اكيش‬
‫تق ُّدم ال ّزمنِ حتّى أساءتْ إليه‪،‬وشَ َّو َه ْت صورت َه‪،‬‬ ‫كاف إلقامة‬ ‫يف الوزنِ والقافي ِة رشطاً الزماً وغ َري ٍ‬
‫فقد ظه َرتْ منظوماتٌ ِعلْميّ ٌة يف ال ّدين‪ ،‬والتّاريخ‪،‬‬ ‫الشِّ عر؛ وأنّه الب َّد يف ُمركِّبات الشِّ عر من العاطفة‬
‫الخارجي للشِّ عر من‬ ‫َّ‬ ‫كل‬ ‫ّخذت الشّ َ‬ ‫واألخالق‪ ،‬ات ِ‬ ‫والخيال‪.‬‬
‫ٍ (‪.)8‬‬
‫وزنٍ وقافية»‬ ‫يدل‬‫‪:‬قول موزو ٌن ُم َقفًّى‪ُّ ،‬‬ ‫ونخت ُم الكال َم بأنّال َّنظْ َم ٌ‬
‫املنظومات التّعليم ّي َة‬ ‫ِ‬ ‫وحي بأ ّن‬ ‫لعل هذا الكال َم يُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫عىل مع ًنى‪.‬وأ ّما الشِّ ع ُر فهو‪ :‬نظْ ٌم‪ ،‬يتجلىَّ فيه‬
‫ِشع ٌر ردي ٌء‪ ،‬وأنّهذه الظّاهر َة أساءتْ إىل الشّ عر‬ ‫العاطفي والتخييل واالنزياح اللغوي‪ .‬أ ّما‬ ‫ُّ‬ ‫ال َو َهج‬
‫ات‬ ‫والخياالت واملجاز ِ‬
‫ِ‬ ‫بالصو ِر‬
‫العر ّيب املشتَ َه ِر ّ‬ ‫ات موزون ٍة‬ ‫كنت حريصاً فيام تكتبُمن عبار ٍ‬ ‫إذا َ‬
‫ّصاحب ال َّنظْم قد قصرَّ َ به طَ ْب ُع ُه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫والعواطف‪ ،‬وأن‬ ‫ُمقفّا ٍة أ ْن تبينِّ َ مسألة فقه ّي ًة‪ ،‬أوعقائديَّ ًة‪ ،‬أو‬
‫األد ُّيب وموهبتُه‪ ،‬فجا َء ِشع ُرهُ ُمتها ِفتاً؛ ال يرقى إىل‬ ‫نَ ْحويَّ ًة‪ ،‬أو بالغ ّية؛ فأنت ُ‬
‫تكتب نَظْامً‪.‬‬
‫بشعر الفحول يف العصور‬ ‫مرتب ِة الشِّ عرِ؛ إذا ِقيْ َس ِ‬ ‫عليمي‬
‫ّ‬ ‫مصطل َُح‪ :‬الشِّ ْعر ال َّت‬
‫األدب ّية ال ّزاهية‪.‬‬ ‫بعض ُمؤ ِّرخي األدب عىل تسمية ال َّنظْم‬ ‫َد َر َج ُ‬
‫املنظومات التَّعليميّ ِة‬ ‫ِ‬ ‫ولك ّني أرى ال ُحك َم عىل‬ ‫تعليمي‪ ،‬أي‪ :‬ب َنقْل العلوم‬ ‫ٍّ‬ ‫الَّذي يُص َن ُع لغرض‬
‫ليس باليسري‪ ،‬وأنّه ميك ُن أ ْن يَص ُد َر عن ُرؤيتَ ِني‬ ‫من صورتها ال َّنرثيَّة إىل كالم موزونٍبالشِّ عر‬
‫مختلفتَنيِ‪ ،‬وعن َدها تتباي ُن األحكا ُم حتامً‪.‬‬ ‫عليمي(‪.)6‬وأرى أ َّن هذ ِه التَّسمي َة إ ّما أ ْن تكو َن‬
‫ِّ‬ ‫التَّ‬
‫فلو صدرنا يف ُحك ِمنا عىل املنظومات التّعليميّ ِة‬ ‫عىل سبيلِ املجاز‪ ،‬وإ ّما أنّها تنطوي عىل ُمغالَطَ ٍة؛‬
‫عن رؤي ٍة َجامل ّي ٍة فن ّي ٍة أدب ّي ٍة إمتاع ّية؛ فإ ّن‬ ‫وفيها مجافاة لطبيعة الشّ عر‪ ،‬فف ُّن املنظومات‬
‫حينئذال قيم َة أدبيّة لها‪ ،‬علامً بأ ّن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املنظومات‬ ‫الخارجي‬
‫ّ‬ ‫التّعليم ّية استعا َر من الشِّ عر شكلَه‬
‫أصحابَها عندما نَظَ ُموها مل ي َّد ُعوا الشّ اعريّ َة فيها‪،‬‬ ‫(الوزن والقافية)دو َن عواملِه األخرى‪ ،‬ويف هذا‬
‫حق‬ ‫أو دخولَها يف دائرة الشِّ عر‪ ،‬بل هم يعرفون َّ‬ ‫املصطلح خطابان متباينانِ ‪:‬‬
‫ّ‬
‫البالغية؟ (قراءة في املناهج والغايات)‬ ‫ّ‬
‫البديعيات من املنظومات‬ ‫هل‬ ‫‪169‬‬
‫كانت يف أوائل العرص العبايس؛ عىل يد ال ِكسا ّيئ‬ ‫املنظومات قد ال يكون فيها‬ ‫ِ‬ ‫املعرف ِة أ ّن هذه‬
‫حقي (ت‪200‬هـ) الذي‬ ‫(ت‪189‬هـ) وأَبَان اللاّ ِّ‬ ‫َم ْس َح ٌة من َجام ٍل أو إمتا ٍع أو َمالح ٍة‪ ،‬بل إ ّن‬
‫نظم سري َة أردشري أنورشوان‪ ،‬ونظ َم يف أحكام‬ ‫بعض هؤالء ال ُّنظ َِّام كانوا شعرا َء ُمجيدي َن ح ّقاً‪،‬‬ ‫َ‬
‫والصوم‪ ،‬ونظَ َم (كليلة و ِدمنة) يف أربع َة‬ ‫ال َّزكاة َّ‬ ‫ِ‬
‫والعواطف‬ ‫بالصور‬ ‫أ ّما يف منظوماتهم فلم يَح ِفلُوا ُّ‬
‫بيت(‪ ،)11‬واستم ّرت هذه املنظومات يف‬ ‫ألف ٍ‬ ‫عشرَ َ ِ‬ ‫ات وغري ذلك؛ ألنّهم من ُذ البداي ِة مل ينظروا‬ ‫واملجاز ِ‬
‫شتّى العلوم‪ ،‬واشتُ ِه َرتْ يف األمصار‪ ،‬وكانت من‬ ‫إليها عىل أنّها ِشع ٌر‪ ،‬بل رأَوا يف هذا الف ِّن سبيالً إىل‬
‫ِ‬
‫املنظومات‬ ‫أه ّم وسائل التّعليم؛ وأرى أ ّن هذه‬ ‫ات ال ّنرثيّ ِة‪،‬‬ ‫تكثيف العبار ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقييد العلوم‪ ،‬من خالل‬
‫التّعليم ّي َة كانت تمُ ث ُِّل يف عرصها كَشْ فاً يف طرائق‬ ‫تفعيالت وأنغام مشهورة؛ لتسهيل‬ ‫ٍ‬ ‫وس ْكبِها يف‬
‫دريس‪ ،‬والس ّيام لل ّناشئة الذين تستهويهم‬ ‫التّ ِ‬ ‫الحف ِْظ‪.‬‬
‫األنغا ُم واألوزا ُن الخفيف ُة والقصريةُ‪.‬‬ ‫أ ّما إ ْن صد ْرنا يف ُحك ِمنا عن رؤي ٍة تَ ْت َب ُع الغاي َة‬
‫أهل العلم شيوخاً وتالميذا ً بهذه‬ ‫وقد احتفى ُ‬ ‫ِ‬
‫املنظومات‬ ‫والهدف (ال ّتعليم)‪ ،‬فسنج ُد أ ّن‬ ‫َ‬
‫نال‬‫األراجيز؛ فقيل‪َ ( :‬من َح ِف َظ املنظومات َ‬ ‫َتالغايات التي ن ُِظ َم ْت من‬ ‫ِ‬ ‫التّعليميّ َة قد ح َّقق‬
‫املقامات)‪ ،‬و( َمن حفظ املتون حاز الفنون)‪،‬‬ ‫العلوم؛ أل ّن‬ ‫ِ‬ ‫خالل العصورِ‪ ،‬وهي تقييدُ‬ ‫أجلها َ‬
‫رست‬ ‫و( َمن َح ِف َظ األصول ضَ ِم َن الوصول)‪.‬و َ‬ ‫املحفوظات ال ّنثرْ يّ َة سرُ عا َن ما تتناث ُر وتَتَ َفل َُّت مع‬ ‫ِ‬
‫هذه املنظوماتُ إىل علم البالغة‪ ،‬فسم ْعنا بـ‬ ‫املنظومات التي لها يف الذّهن‬ ‫ِ‬ ‫بخالف‬ ‫ال ّزمنِ ‪ِ ،‬‬
‫«مئة املعاين والبيان البن الشِّ حنة» (ت‪815‬هـ)‪،‬‬ ‫ُ‬
‫حفظ‬ ‫رسو ٌخ بسبب موسيقى ال ّرجز‪ ،‬وكذلك‬
‫و»الجوه ِر املكنون يف َص َد ِف الثَّالثة الفنون‬ ‫الصدور بعد ما رأَوها ت ُح َّر ُق‬ ‫املخطوطات يف ُّ‬ ‫ِ‬
‫لألخرضي» (ت‪953‬هـ)‪ ،‬و»عقود ال ُجامن‬ ‫ّ‬ ‫وتُغ َّر ُق عىل أيدي املغو ِل والتّتارِ‪.‬‬
‫يوطي» (ت‪911‬هـ)‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫للس ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫لاّ ُ‬
‫اقد‬ ‫املنظومات ِبمنظار الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫حاك َم‬
‫فأرى أ ن ِ‬
‫هل البديع ّي ُة من املنظومات ال ّتعليم ّية‬ ‫الجمال واإلبداع؛‬ ‫الباحث عن مواطن‬ ‫ّ‬
‫األدبي‬
‫البالغ ّية؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألنّنا سنظل ُمها‪ ،‬والس ّيام أنّها مل ت َّد ِع الشّ اعريّ َة‪ ،‬بل‬
‫البديع ّياتُ ف ٌّن من فنون العرب ّية‪ ،‬ب َز َغ نج ُمه يف‬ ‫أرى أ ْن نحاك َمها بوصفها إحدى طرائقِ التّ ِ‬
‫دريس‬
‫اض‬ ‫الهجري ‪ ،‬حيثُ الع ُ‬
‫رص فيّ ٌ‬ ‫القرن الثّامنِ‬
‫(‪)21‬‬
‫ِّ‬ ‫التي كانت ومازالت ُمتَّبَع ًة يف كثري من ثقافات‬
‫باملنظومات ال ِعلم ّية التّعليم ّية يف شتّى الفنون‪:‬‬
‫وض و ِف ْق ٍه و ِقر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عليمي أم ال؟‬ ‫َّ‬ ‫َت هدفَها التّ‬ ‫عوب‪َ ،‬ح َّقق ْ‬ ‫الشُّ ِ‬
‫اءات وعقائ َد‬ ‫وترصيف و َع ُر ٍ‬ ‫من نح ٍو‬
‫عليمي اختُلِ َف يف أصلها‬ ‫ِّ‬ ‫وظاهر ُة ال َّنظْم التّ‬
‫وحساب وت ََص ُّو ٍف‪..‬إلخ‪.‬والظّاه ُر لنا حتى‬ ‫ٍ‬ ‫ائض‬‫وفر َ‬
‫اآلن أ ّن البديع ّي ِ‬ ‫وطبيع ِتها؛ ف ِم ْن َرا ِّدها إىل أصول أعجم ّي ٍة‪ ،‬و ِمن‬
‫ات من املنظومات البالغ َّية التي‬
‫ُم ْر ِجعٍ إيّاها إىل أصول عرب ّي ٍة(‪.)9‬وأُر ِّج ُح أ ّن األُم َم‬
‫أي‬‫قبل ِّ‬‫نحن بصد ِد التّعريف بها؛ أل ّن البديع ّي َة‪َ ،‬‬
‫عليمي؛ إ ْذ‬‫ّ‬ ‫األخرى رمبّا سبقتنا يف هذا املسلك التّ‬
‫يش ٍء‪:‬‬
‫يقول اب ُن رشيقٍ (ت‪463‬هـ) يف فضائلِ الشِّ ْعرِ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ •منظوم ٌة‪.‬‬ ‫«و ِمن فضائلِه أ ّن اليونان ِّي َني إنمّ ا كان َْت أشعا ُرهم‬
‫علم البالغ ِة‪.‬‬
‫مبباحث ِ‬ ‫ِ‬ ‫ •وهي تَتّ ِص ُل‬ ‫للعلوم واألشيا ِء ال َّنفيس ِة والطبيعيَّ ِة الَّتي‬ ‫ِ‬ ‫تَقْييدا ً‬
‫ •وغايتُها ‪ -‬غالباً‪ -‬تعليم ّي ٌة‪.‬‬ ‫يُخشىَ ذهابُها» ‪ .‬كام أ ّن بداياتها عند العرب‬ ‫(‪)10‬‬

‫‪170‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫واألسلوب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ِمن ُ‬
‫حيث املحتوى‪،‬‬ ‫قائل‪ :‬إ ّن البديع ّي َة واملنظوم َة‬ ‫قال ٌ‬ ‫ولك ْن‪ ،‬إنْ َ‬
‫أ ّوالً‪ِ ( :‬من ُ‬
‫حيث املحتوى)‪:‬‬ ‫البالغيّ َةتلتقيان يف الوزن واملا ّدة والغاية‪ ،‬ولك ّنهام‬
‫املنظوم ُة البالغ ّي ُة قد تتحدّ ُث يف علوم البالغ ِة‬ ‫تتفارقانِ يف أشياء؛ منها‪ :‬أ ّن للبديع ّي ِة أصوالً فن ّي ًة‬
‫الثّالث ِة (املعاين‪ ،‬والبيان‪ ،‬والبديع) من غري إغفا ٍل‬ ‫ِش ْب َه ثابت ٍة أه ُّمها أ ّن البديعية‪:‬‬
‫فعل اب ُن‬ ‫قات كام َ‬ ‫ملق ِّدم ِة الفصاح ِة وخامت ِة السرّ ِ‬ ‫ •قصيد ٌة طويل ٌة‪.‬‬
‫الشِّ حنة (ت‪815‬هـ) يف «مئة املعاين والبيان»‪،‬‬ ‫بي مح ّمد صلىَّ الله عليه‬ ‫ •يف مدح ال ّن ّ‬
‫يوطي (ت‪911‬هـ) يف «عقود ال ُجامن»‪،‬‬ ‫والس ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫(‪.)31‬‬
‫وسلَّم‬
‫واألخرضي (ت‪953‬هـ) يف «الجوهر املكنون يف‬ ‫ُّ‬ ‫(‪.)41‬‬
‫وروي امليم املكسورة‬ ‫ •عىل بحر البسيط‪ّ ،‬‬
‫فعل‬‫َص َدف الثَّالثة الفنون»‪ ،‬وقد تُ ْغ ِفلُهام كام َ‬ ‫بيت من أبياتها نوعاً من أنواع‬ ‫كل ٍ‬ ‫يتض َّم ُن ُّ‬
‫اليازجي (ت‪1871‬م) يف «الطّراز‬ ‫ّ‬ ‫الشّ يخ ناصيف‬ ‫البديع‪ ،‬قد يُذكَ ُر اس ُم هذا النوع رصيحاً‪ ،‬ويكون‬
‫تختص باالستعارة‬ ‫ُّ‬ ‫الـ ُم ْعلَم يف علم البيان»‪ ،‬وقد‬ ‫البيت شاهدا ً عليه‪ ،‬ورُبمّ ا ُو ِّر َي باسم ال ّنوع‬ ‫هذا ُ‬
‫كام فعلاَ لطَّبْال ِو ُّي (ت‪1014‬هـ) يف «منظومة‬ ‫(‪)51‬‬
‫البديعي يف البيت نفسه يف بعض القصائد ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تختص باملجاز‬ ‫ُّ‬ ‫الطبالوي يف االستعارات»‪ ،‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫ورُبمّ ا أُغف َل اس ُم ال ّنوع‪.‬‬
‫ِ‬
‫لسندو ُّيب(ت‪1097‬هـ) يف « ُح ْسنِ املجاز‬ ‫كام فعلاَ ُّ‬ ‫لص ِف ِّي ال ّدين‬ ‫وإذا علمنا أ ّن أ ّول بديع ّي ٍةهي َ‬
‫عالقات املجاز»‪ ،‬وما ِمن منظوم ٍة بالغيّ ٍة‬ ‫ِ‬ ‫بضَ بْ ِط‬ ‫عليمي‬
‫َّ‬ ‫الحليِّ ّ (ت‪750‬هـ)(‪)61‬علمنا أ ّن ال َّنظ َم التّ‬
‫تختص بالبديع وح َده‪.‬‬ ‫ّلعت عليه‪ُّ -‬‬ ‫‪-‬مماّ اط ُ‬ ‫سابق لنشوء البديعيّة بأزمان‪ ،‬وأ ّن معالِ َمه قد‬ ‫ٌ‬
‫تختص ب ِعلم البديع وال‬ ‫ُّ‬ ‫ات فهي‬ ‫أ ّما البديع ّي ُ‬ ‫ات بقرونٍ ‪.‬‬ ‫قبل والدة البديع ّي ِ‬ ‫ّضحت َ‬ ‫ات ْ‬
‫علم املعاين‪ ،‬أو البيانِ ؛إلاّ‬ ‫تخوض يف مباحث ِ‬ ‫ُ‬ ‫وال يَخفى أ ّن غاي َة املنظوم ِة البالغ ّية تعليم ّي ٌة‬
‫يف مواض َع قليل ٍة ع َّدها بعضُ هم من البديع؛‬ ‫يسكب املا ّد َة‬ ‫َ‬ ‫اظم أ ْن‬ ‫بَ ْحت ٌة؛ ف ُمنتهى ُمرا ِد ال ّن ِ‬
‫كالتّشبيه(‪ ،)71‬والكناية(‪ ،)81‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫تفعيالت؛ ليس ُه َل عىل الطَّلبة‬ ‫ٍ‬ ‫العلم ّي َة يف‬
‫ات‬ ‫بعض البديع ّي ِ‬ ‫وأر ُّد هذه الظّاهر َة ‪-‬أي‪ :‬احتوا َء ِ‬ ‫حفظُها‪ ،‬بع َد أ ْن عال َجها ال ِف ْك ُر‪ ،‬وامتز َج ْت بالعقل‬
‫صل باملعاين والبيان‪ -‬إىل َس ْعي‬ ‫ألواناً بالغ ّي ًة تتّ ُ‬ ‫قوالب جافّ ٍة‪ ،‬فخر َج ْت‬ ‫َ‬ ‫وقواعده‪ ،‬ث ّم ُص َّب ْت يف‬ ‫ِ‬
‫ك ٍُّل من أصحاب البديعيّات إىل االستكثار من‬ ‫َمنط ِق ّي ًة عاري ًة عن العاطفةأو الخيا ِل أو طَ ْرقِ‬
‫األنواع البديع ّية؛ للتَّف ُّوق عىل أسالفه من أصحاب‬ ‫الصل ِة‬ ‫نقطع َة ِّ‬ ‫اض الشِّ عريّ ِة‪ ،‬فرتاها ُم ِ‬ ‫أحد األغر ِ‬ ‫ِ‬
‫البديع ّيات‪.‬‬ ‫باألدب‪.‬‬
‫‪ -2‬املنظوم ُة البالغ ّي ُة ليس فيها ما يَخ ُر ُج عن‬ ‫عليمي‪ -‬بُ ْع ٌد‬‫ّ‬ ‫الهدف التّ‬ ‫ِ‬ ‫أ ّما البديع ّي ُة فلها ‪-‬م َع‬
‫والصالة‬ ‫علم البالغة سوى ما قد ي ِر ُد من الحمدلة ّ‬ ‫ديني‪ ،‬و ُر ْو ِح ٌّي‪ ،‬وإنسا ٌّين‪ ،‬وأد ٌّيب؛ يتجلىَّ مبد ِح‬ ‫ٌّ‬
‫يف أ ّولها‪ ،‬أ ّما البديع ّي ُة فقد تحوي‪-‬يف سياق كال ِمها‬ ‫الكريم‪ُ ،‬مست ِفيد ًة من تقاليد فَ ِّن املد ِح‬ ‫ِ‬ ‫ال ّرسول‬
‫السرية وال ِّدين‪،‬‬ ‫معارف من ِّ‬ ‫َ‬ ‫عىل األلوانِ البديع َّي ِة‪-‬‬ ‫األس ِد من ِشعر العصو ِر‬ ‫نصيب َ‬ ‫ُ‬ ‫بوي الذي له‬ ‫ال َّن ِّ‬
‫صل بالبديع؛ ومن ذلك‪:‬‬ ‫مماّ ال ي َّت ُ‬ ‫املتأ ِّخر ِة‪.‬‬
‫الحليِّ ِّ يف (براعة االستهالل‪،‬‬ ‫املقدِّ م ُة الطَّلَلِ ّي ُة؛ كقول ِ‬ ‫كل أولئك بإمكاننا أنْ ن ُعدَّ ها فروقاً بني البديع ّية‬ ‫ُّ‬
‫والتّجنيس املركَّب واملشتبه)‪:‬‬ ‫ات‬ ‫بعض املم ِّيز ِ‬‫ُضيف إليها َ‬ ‫واملنظومة البالغ ّي ِة‪ ،‬ون ُ‬
‫إ ْن ِجئْ َت َسلْعاً ف ََس ْل عن ِجيرْ َ ِة ال َعل َِم‬
‫ّ‬
‫البالغية؟ (قراءة في املناهج والغايات)‬ ‫ّ‬
‫البديعيات من املنظومات‬ ‫هل‬ ‫‪171‬‬
‫ين ال ِحليِّ ُّ يف بديع َّي ِته الكافي ِة‪:‬‬ ‫ويقول َص ِف ُّي الدِّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫رب بذي َسل َِم‬ ‫السال َم عىل ُع ٍ‬ ‫واق ِر َّ‬ ‫ ‬
‫(الطِّباق)‬ ‫الحليّ ّ يف‬ ‫والصفات؛ كقو ِل ِ‬ ‫وبعض املعجزات ِّ‬
‫طال لَ ْييل‪ ،‬وأجفاين به ق َُصـ َرتْ‬ ‫قد َ‬ ‫(التَّوشيع)‪:‬‬
‫عنِ ال ُّرقا ِد‪ ،‬فل ْم أُصبـــــــِ ْح ومل أن َِم( )‬ ‫ ‬ ‫أُ ِّمي َخطٍّ‪ ،‬أبا َن الل ُه ُم ْع ِج َزهُ‬
‫(تجا ُهل العارف)‬ ‫يـف والقــــل َِم( )‬ ‫الس ِ‬ ‫املاضيَينْ ِ‪َّ :‬‬ ‫بطاع ِة ِ‬ ‫ ‬
‫يا لَ ْي َت ِش ْعرِي‪ِ :‬أس ْحرا ً كا َن ُح ُّب ُك ُم‬ ‫الحليِّ ِّ يف (التَّعريض)‪:‬‬ ‫ويف والدته ون ََسبِه؛ كقول ِ‬
‫أز َال َعقْيل‪ ،‬أ ْم ضرَ ْ ٌب ِم َن اللَّـــــــ َم ِم( )‬ ‫ ‬ ‫و َمن أىت ساجدا ً لل ِه ساعتَ ُه‬
‫األسلوب)‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ثانياً‪ِ ( :‬من ُ‬
‫حيث‬ ‫للص َن ِم( )‬ ‫وغ ُريهُ ساج ٌد يف ال ُع ْمـــــــر َّ‬ ‫ ‬
‫‪-1‬املنظوم ُة التَّعليم َّي ُةموضوع ّي ٌة؛ ال شاعريّ َة فيها‬ ‫امليم –‬ ‫بحرف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويف العقيد ِة؛ كقوله يف (التَّق ُّيد‬
‫عواطف‪ ،‬أ ّما البديعيَّ ُة ففيها يش ٌء من العاطف ِة‬ ‫َ‬ ‫وال‬ ‫ويُس َّمى‪ :‬التَّوزيع)‪:‬‬
‫والذّات ّي ِة؛ ونستطيع املقارنة بني املثالني اآلتيني‪:‬‬ ‫مح َّم ُد املصطفَى املختا ُر َم ْن ُخ ِت َم ْت‬
‫يقول ابن الشِّ حنة (ت‪518‬هـ) يف منظوم ِته‬ ‫ُ‬ ‫رسلُو ال َّرحمــــــــنِ لألُ َم ِم( )‬ ‫َمب ْج ِده ُم َ‬ ‫ ‬
‫البالغ َّي ِة‪:‬‬ ‫ويف الق ََص ِص القُرآ ِّين؛ كقولِه يف (ال َّتسهيم)‪:‬‬
‫َوطَ َرفَا التَّشْ ِب ْي ِه ِح ِّس َّيانِ‬ ‫كذاك يُ ْون ُُس نا َجى ربَّ ُه ف َن َجا‬ ‫َ‬
‫َولَ ْو َخيَالِيّاً‪َ ،‬و َعـــــــــــــ ْقلِيَّانِ‬ ‫ ‬ ‫ِم ْن بَطْنِ نُ ْونٍ له يف الْ َي ِّم ُمـــــلتَ ِق ِم( )‬ ‫ ‬
‫َو ِم ْن ُه بِالْ َو ْه ِم‪َ ،‬وبِالْ ِو ْج َدانِ‬ ‫كل مجموع ٍة‬ ‫‪ -3‬أبياتُ املنظوم ِة البالغيّ ِة تتعل َُّق ُّ‬
‫أَ ْو ِف ْي ِهماَ يَ ْختَلِ ُف الْ ُجـــــــــ ْزآنِ‬ ‫ ‬ ‫واحد‪ ،‬وقد ت َ ْنق َِس ُم الفكر ُة يف بَ ْيتَينْ ِ‪،‬‬ ‫مببحث ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منها‬
‫َو َو ْج ُه ُه َما اشْ ترَ َكَا ِفيْ ِه َو َجا‬ ‫وهاك‬ ‫ببيت( )‪َ .‬‬ ‫فكل لونٍ ينفر ُد ٍ‬ ‫ات ُّ‬ ‫أ ّما يف البديع ّي ِ‬
‫ذَا فيِ ْ َح ِق ْي َقتَ ْي ِهماَ ‪َ ،‬و َخا ِر َجـــــا‬ ‫ ‬ ‫مثاالً‪:‬‬
‫يوطي يف منظوم ِته البالغ َّي ِة « ُعقود‬ ‫الس ُّ‬ ‫يقول ُّ‬ ‫ُ‬
‫ـي‪َ :‬و َعقْليِ ٌّ َوذَا‬ ‫َو ْصفاً ف َِح ِّس ٌّ‬
‫اح ٌد أَ ْو فيِ ْ ُح ْك ِم ِه‪ ،‬أَ ْو لاَ كَذَا( )‬ ‫َو ِ‬ ‫ ‬ ‫ال ُجامن» شارحاً َغ َر َض التّشبي ِه و َدوا ِعيَ ُه‪:‬‬
‫يض يف بديع َّي ِته‬ ‫ويقول أبو الوفا ِء ب ُن ُع َم َر ال ُع ْر ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َغ َرضُ ُه يَ ُع ْو ُد لِلْ ُمشَ َّب ِه‬
‫(الطِّراز البديع يف امتداح الشَّ فيع)‪:‬‬ ‫يف أكْثرَ ِ الأْ َ ْمـــــــــ ِر ويف أَ ْغلَ ِب ِه‬ ‫ ‬
‫ُمتَ َّي ٌم ما تر َّدى من َص َبابَ ِت ِه‬ ‫بَيَا ُن إِ ْمكَانٍ ‪َ ،‬و َحا ٍل‪َ ،‬وكَذَا‬
‫لو ماتَ ر ّدا (فلف ِّْق) ج ِْس َم ُم ْنـــــــ َع ِد ِم‬ ‫ ‬ ‫قَ ْد ٌر‪ ،‬وتَقْــــــ ِريْ ٌر لَ َها‪َ ،‬وك ُُّل ذَا‬ ‫ ‬
‫أجنا ُد َصبرْ ِي َم َع اله ْج َرانِ ثابت ٌة‬ ‫يَق ِْضـي بأَ َّن الْ َو ْج َه فيِ الْـ ُمشَ َّب ِه‬
‫(باالستعار ِة) يك أَ ْحظَى ِب َو ْصــــــــــلِه ِِم‬ ‫ ‬ ‫ِب ِه أَت َ ُّم‪َ ،‬و ْه َو أَشْ َهـــــــــــ ٌر ِب ِه‬ ‫ ‬
‫و(استخد ُموا) ال َعينْ َ يف إنفا ِقها و َج َرتْ‬ ‫و ِف ْي ِه نَ ْق ٌد ث ُ َّم لِلتَّشْ ِويْ ِه‬
‫كـات َد ِمي‬ ‫َد ْمعاً‪ ،‬ومنهم َغدَتْ من سا ِف ِ‬ ‫ ‬ ‫و ِزيْ َن ٌة والـــــــظُّ ْرف كالتَّشبي ِه‬ ‫ ‬
‫لل ُح ِّب ( َه ْز ٌل بِج ٍّد) إ ْذ رأى لَ َهبي‬ ‫لل َف ْح ِم ِذي ال َج ْم ِر ب َب ْح ِر ِم ْس ٍك‬
‫فاض كالـــــــ ِّديَ ِم( )‬ ‫وقال يطفي بدمعٍ َ‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫و َم ْو ُج ُه ِمن َذ َه ٍب ِذي َسبــ ْـ ِك‬ ‫ ‬
‫‪-2‬املنظوم ُة البالغ َّي ُة ِخطاب َّي ٌة تقريريَّ ٌة؛ تخلو ‪-‬‬ ‫و َو ْج ُه ظرف كونُه يَبرْ ُ ُز يف‬
‫الصور ِة البيان َّية‪ ،‬وأ ّما البديع ّي ُة ب ِخالف‬ ‫غالباً ‪ -‬من ُّ‬ ‫ُم ْمتَ ِنعٍ‪ ،‬أو ق ََّل يف ال ِّذهْـنِ يَ ِف ْي‬ ‫ ‬
‫‪172‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫إ ْن كان َِت الْ َعلاَ قَ ُة الْـ ُمشَ ابَ َه ْه‬ ‫ذلك‪.‬‬
‫فَ ْه َي ْاس ِت َعا َر ٌة لِـ َم ْع ًنى شَ ابَ َه ْه‬ ‫ ‬ ‫املنظومات قَ ْو ُل ابنِ كِيرْ ا َن‬ ‫ِ‬ ‫واملثال من‬ ‫ُ‬
‫مشتق فذي‬ ‫ٍّ‬ ‫إ ْن تَكُنِ ْاسامً غ َري‬ ‫(ت‪7221‬هـ) يف كال ِمه عىل االستعار ِة املكن َّي ِة‪:‬‬
‫أصل َّي ٌة‪ ،‬أَ ْو لاَ فتابِــــــــعاً ُخ ِذ‬ ‫ ‬ ‫ف َْص ٌل‪ :‬ثالث ٌة من األقوا ِل يف‬
‫ِصفْها بتحقيقٍ إذا ما ُح ِّققَا‬ ‫ِ‬
‫َــــــــف‬ ‫للسل‬‫َم ْك ِنيَّ ٍة‪ ،‬أص ُّح َها َّ‬ ‫ ‬
‫ِح ّساً وعقالً ما عـــــليه أُطلِقا‬ ‫ ‬ ‫لَ ْف ٌظ قد استُ ِعيرْ َ ل ِك ْن طُوِيا‬
‫وس ِّم بالتّخييلِ ما ت ُ ُخيِّال‬ ‫َ‬ ‫ِبذكْ ِر ال ِز ِم ِه عنــــــه اكتُ ِف َيا( )‬ ‫ ‬
‫للموت‪ ،‬ا ْع ِقال‬ ‫ِ‬ ‫معناه كاألظفا ِر‬ ‫ ‬ ‫َو ْه َي لَ َدى يُ ْو ُس َف أَ ْن ت َستع ِمال‬
‫أ َّما البديع ّي ُة فهي م َّوار ٌة بألوانِ اإلنشا ِء‬ ‫ ‬ ‫لف َظ املش َّب ِه لـِــــــام قد ما�ثَل‬ ‫ ‬
‫الَّتي تشي ُع فيها الحيا َة والحرك َة؛ ومنها‪:‬‬ ‫باال ِّدعا ِء ال عىل الحقيق ْه‬
‫األندليس يف (تجا ُهل العارف)‪:‬‬ ‫‪-‬قول ابن جابر‬ ‫ُ‬ ‫لخيص ذو طـريق ْه‬ ‫وصاحب التَّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬
‫ِّ‬
‫إذا بَدا الْ َب ْد ُر ت َ ْح َت اللَّيلِ قُل ُْت لَ ُه‪:‬‬ ‫تشبي ُه َك الَّذي ب َنف ٍْس أُض ِمرا‬
‫أأَن َْت ‪ -‬يا بَ ْد ُر ‪ -‬أم َم ْرأَى ُو ُج ْو ِهه ِِم؟!( )‬ ‫ ‬ ‫فام ع َدا ُمشبَّهـــــاً ما ُذكِرا( )‬ ‫ ‬
‫وقول ال ِحليِّ ِّ يف (اإلبهام)‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ابليس يف‬ ‫ات َق ْو ُل عب ِد ال َغ ِن ِّي ال َّن ِّ‬ ‫و ِمن البديع َّي ِ‬
‫ُصح َك يل‬ ‫ليت املنيّ َة حال َْت دو َن ن ِ‬ ‫َ‬ ‫(الجمع مع ال َّتفريق)‪:‬‬
‫فيسرتيح كالنا من أذى التُّـــــــــ َه ِم( )‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫مس من فَ ْر ِط الظُّهو ِر لنا‬ ‫آيات ُه الشَّ ُ‬
‫فالبديع َّي ُةمع أنّها تتّفقُمع املنظوم ِة التَّعليم َّي ِة‬ ‫و َو ْج ُه ُه الشَّ ْم ُس يف اإلرشاقِ وال ِعــظ َِم( )‬ ‫ ‬
‫البالغيَّ ِة يف الوزن واملا ّدة العلميَّةوالغاية؛ لك ّنها‬ ‫ويف (ال ِكناية)‪:‬‬
‫ديني ث َّم غاي ٍة‬ ‫عد ٍّ‬ ‫ظاهر ٌة ف ّن ّية شعريَّ ٌة ذاتُ بُ ٍ‬ ‫املناصلِ حتَّى ما لِشَ ْف َرتِ ِه‬ ‫دا ِمي ِ‬
‫خاص ٌة‪ ،‬ورشو ٌط تلتز ُمها‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تعليم َّي ٍة‪ ،‬لها مق ِّوماتٌ‬ ‫ِغ ْم ٌد‪ ،‬كث ُري َر َما ِد ال ِق ْد ِر ِمــــــــ ْن كَ َر ِم( )‬ ‫ ‬
‫وليست هذ ِه الشرُّ و ُط متوافرةً‪ ،‬وال واجب َة االتِّباع‬ ‫ْ‬ ‫‪-3‬يف املنظوم ِة البالغ َّي ِة قد ال تَ ْعثرُ ُ عىل الحوارِ‪،‬‬
‫يف املنظومة البالغ َّي ِة؛ فلِذا قد يرى بعض الباحثني‬ ‫ابليس يف‬ ‫الغني ال ّن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫بخالف البديع َّية؛ كقولِ عبد‬
‫أ ّن البديعيّ ُة ليست من املنظومات البالغيّة‬ ‫(الـ ُمرا َجعة)‪:‬‬
‫التَّعليم ّية‪.‬‬ ‫ليس عا َدت َ َنا‬ ‫قُل ُْت‪ :‬اتركُوا الْ َه ْج َر‪ ،‬قالُوا‪َ :‬‬
‫مصطلح ال َّنظ ِْم‬ ‫َ‬ ‫ولك ّنني أرى أ ّن البديع َّي َة ت ُ‬
‫ُطابق‬ ‫قُل ُْت‪ :‬اب ُذلُوا الْ َو ْص َل‪ ،‬قالُوا‪ :‬الْ َو ْص َل ال تَ ُر ِم( )‬
‫ليس ْت ِش ْعرا ً؛ بل نظْ ٌم يفتق ُر إىل‬ ‫عليمي؛ فهي َ‬ ‫ِّ‬ ‫التَّ‬ ‫بأساليب‬
‫ِ‬ ‫املنظوم ُة البالغ َّي ُة ُم َك َّبل ٌة‬ ‫‪ -4‬‬
‫الشّ اعريَّ ِة واإلمتاع؛ إ ْذ ه ُّم صاحبها أ ْن يَ ُص َّب‬ ‫األم ِر وال َّن ْه ِي والشرَّ ِط؛ ومع ذلك فهي تخلو ِمن‬
‫ينقل‬ ‫تفعيالت‪ ،‬ال أ ْن َ‬ ‫ٍ‬ ‫شواه َد البديعِ وأنوا َعه يف‬ ‫ات؛‬ ‫الف البديع ّي ِ‬ ‫بخ ِ‬ ‫أسلوب اإلنشا ِء‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ات‬ ‫جامل ّي ِ‬
‫شعري ممتعٍ و ُمؤثِّرٍ‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫تجرِب ًة عاطف ّي ًة يف ف ٍّن‬ ‫ومثالُه من املنظومات‪:‬‬
‫جاف‪،‬‬ ‫بأسلوب ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫والبديع َّياتُ تتح َّدثُ عن العاطف ِة‬ ‫قول ابن الشِّ حنة (ت‪518‬هـ)‪:‬‬ ‫ُ‬
‫وليس فيها عاطف ٌة‪ ،‬وإ ّن بديعيّاتِهم ُملفَّق ٌة؛ أل ّن‬ ‫َ‬ ‫َوإِ ْن ِب ِإضْ ماَ ٍر يَ ُك ْن ُم َع َّرفَا‬
‫ِ‬ ‫ات الثَّلاَ ِث فَـــــا ْع ِرفَا‬ ‫فَلِلْ َمقَا َم ِ‬ ‫ ‬
‫األسلوب‪،‬‬‫َ‬ ‫الح ْر َص عىل ِذكْر أنواع البديعِ َ‬
‫أفس َد‬
‫وي‬‫مديح نَ َب ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ات‬‫وقد يُقال‪ :‬إ َّن موضو َع البديع َّي ِ‬ ‫بالوي (ت‪4101‬هـ)‪:‬‬ ‫وقول الطّ ِّ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫البالغية؟ (قراءة في املناهج والغايات)‬ ‫ّ‬
‫البديعيات من املنظومات‬ ‫هل‬ ‫‪173‬‬
‫ْت إليه أنواعاً استخرجتُها من‬ ‫العلام ِء‪ ،‬وأَضف ُ‬ ‫عا ٌّم‪ ،‬وإ َّن غايتَها إضاف ًة إىل ذلك تعدا ُد أنوا ِع‬
‫مت أ ْن أُؤل َِّف كتاباً يحي ُط‬ ‫أشعا ِر القدما ِء‪ ،‬و َع َز ُ‬ ‫ِ‬
‫القصائد‪.‬‬ ‫البديعِ يف أثنا ِء تلك‬
‫سبيل إىل اإلحاط ِة ب ُكلِّها‪ ،‬ف َعرضَ ْت يل‬ ‫ب ُجلِّها؛ إذ ال َ‬ ‫بوي‬
‫املدح ال ّن َّ‬ ‫َ‬ ‫ات َج َعلَت‬ ‫ولك ْن أرى أ ّن البديع ّي ِ‬
‫َّفق يل أ ْن‬ ‫ِعلَّ ٌة طال َْت ُم َّدتُها‪ ،‬وامتدَّتْ ِش َّدتُها‪ ،‬وات َ‬ ‫هدف البديع َّي ِة‬ ‫أس َري التَّعبريِ املتص َّنعِ‪ ،‬ومل يك ْن ُ‬
‫الصال ِة‬‫أفضل َّ‬ ‫بي عليه ُ‬ ‫رأيت يف املنام رسال ًة من ال َّن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫سوى نشرْ ِ فنون البديع‪ ،‬واتَّخذ أصحابُها املدح‬
‫قام‪،‬‬ ‫الس ِ‬ ‫املدح‪ ،‬ويَع ُدين البرُ ْ َء من َّ‬ ‫والسال ِميتقاضاين َ‬ ‫َّ‬ ‫بوي حامالً لبدي ِعهم وال س ّيام أ ّن املتلقّني‬ ‫ال َّن َّ‬
‫ٍ‬
‫الكتاب إىل نظ ِْم قصيدة تجم ُع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َع َدل ُْت عن تأليف‬ ‫ات ُمرتَع ًة بروح‬ ‫متعلِّقون به‪ .‬وإنّنانج ُد البديعيّ ِ‬
‫مجده ال َّرفيع»( )‪.‬‬ ‫أشتاتَ البديعِ‪ ،‬وتتط َّر ُز مبدح ِ‬ ‫يبذل جهدا ً عظيامً‬ ‫التَّص ُّنع والتَّكلُّف؛ أل ّن ناظ َمها ُ‬
‫خامتة‪:‬كل ما سبق يؤكّد لنا أ ّن البديعية منظومة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫يف املالءم ِة ب َني معاين املِدح ِة ال َّنبويَّة وإيرا ِد ال َّنو ِع‬
‫تذهب إىل‬ ‫ُ‬ ‫ُنت‬
‫نسأل املنك َر‪ :‬إ ْن ك َ‬ ‫ونستطيع أن َ‬ ‫حض‬ ‫يل َم ٌ‬ ‫شاهد ِه‪ ،‬وهذا جه ٌد عق ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫البديعي وسبْك‬
‫ِّ‬
‫كونِ البديع ّي ِة من فنون الشِّ عر‪ ،‬وأنّها ِم ْدح ٌة‬ ‫دخ ُل ال ّناظ َم‬ ‫عري‪ ،‬ويُ ِ‬‫يذهب بالشِّ عريَّ ِة وال ّروا ِء الشِّ ِّ‬ ‫ُ‬
‫نت بألوانِ البديعِ؛ فام قولُك‬ ‫نبويَّ ٌة خالص ٌة تزيَّ ْ‬ ‫حيل املنظوم َة إىل معانٍ‬ ‫يف املعاظل ِة والضرَّ ور ِة‪ ،‬ويُ ُ‬
‫ّأغلب أصحاب البديع ّيات كا َن أح ُدهم ما إ ْن‬ ‫بأن َ‬ ‫ةيجعل منها‬ ‫ُ‬ ‫ّأسلوب البديع ّي‬‫َ‬ ‫جامد ٍة( )‪ ،‬وأظ ُّن أن‬
‫يَنف ُِض اليدينِ من نظ ِْم بديع َّي ِته حتّى يُبا ِد َر إىل‬ ‫يف منطق ٍة ُو ْسطى ب َني ال َّنظْم والشِّ عر‪.‬‬
‫أذهب إىل أ ّن البديعيّ َة‬ ‫ُ‬ ‫رش ٍح لها؟وختاماً‬ ‫ُص ْنعِ ْ‬ ‫أ ّما غايتُها فتُ ْخ ِر ُجها من الشِّ عر وتُدخلُها يف ال َّنظْم‬
‫عت‬ ‫منظوم ٌة تعليم َّي ٌة يف ِعل ِْم البديعِ‪ ،‬لك ّنها تق َّن ْ‬ ‫الحليِّ ُّ (ت‪057‬هـ)‬ ‫فص ِف ُّي الدِّينِ ِ‬ ‫عليمي؛ َ‬
‫ِّ‬ ‫التّ‬
‫جفاف‬‫ِ‬ ‫بف ِّن املِدحة ال َّنبويَ ِة؛ علَّها تخف ُِّف من‬ ‫عليمي‬‫ِّ‬ ‫كتب البديع َّيةيُ ِق ُّر بال َغ َر ِض التَّ‬ ‫أ ّو ُل َمن َ‬
‫ال َّنظْم ووطأتِه‪.‬‬ ‫فيقول‪« :‬فجم ْع ُت ما وجدْتُ يف كُتُب‬ ‫ُ‬ ‫للبديعيَّة؛‬
‫الحاشية‬
‫مح ّمد صىل الله عليه وسلّم‪ .‬انظر‪ :‬البديعيّات يف‬ ‫انظر‪ :‬لسان العرب‪( :‬نظم)‪ ،‬و(شعر)‪.‬‬ ‫‪ 1‬‬
‫األدب العر ّيب ص‪.46‬‬ ‫انظر‪ِ :‬عيار الشِّ ْعر ص‪.5‬‬ ‫ ‪2‬‬
‫وقد شذّت عن ذلك بعض البديعيّات‪ .‬انظر‪ :‬البديعيّات‬ ‫‪ 14‬‬ ‫انظر‪ :‬نقد الشِّ عر ص‪.17‬‬ ‫‪ 3‬‬
‫يف األدب العر ّيب ص‪.46‬‬ ‫انظر‪ :‬ال َّروض الـ َمريع ص‪.81‬‬ ‫‪ 4‬‬
‫انظر‪ :‬البديع ّيات يف األدب العر ّيب ص‪.47 -46‬‬ ‫‪ 15‬‬ ‫انظر‪ :‬املنزع البديع ص‪.218‬‬ ‫‪ 5‬‬
‫انظر‪ :‬البديع ّيات يف األدب العر ّيب ص‪.70‬‬ ‫‪ 16‬‬ ‫انظر‪ :‬معجم مصطلحات ال َّنقد العر ّيب القديم ص‪.266‬‬ ‫‪ 6‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديع ّية ص‪.184‬‬ ‫‪ 17‬‬ ‫انظر أوضار الشِّ عر العر ّيب ص‪.7‬‬ ‫‪ 7‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديع ّية ص‪.201‬‬ ‫‪ 18‬‬ ‫انظر‪ :‬أوضار الشِّ عر العرب ّيص‪.2‬‬ ‫‪ 8‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديعيّة ص‪.139‬‬ ‫‪ 19‬‬ ‫انظر‪ :‬أوضار الشِّ عر العر ّيب ص‪ ،8-7‬ومجلّة جامعة‬ ‫‪ 9‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديعيّة ص‪.250‬‬ ‫‪ 20‬‬ ‫عليمي ص‪.88‬‬
‫ّ‬ ‫دمشق‪ ،‬مج ‪22‬؛ الشِّ عر التَّ‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديعيّة ص‪.262‬‬ ‫‪ 21‬‬ ‫انظر‪ :‬ال ُعمدة ‪.19/1‬‬ ‫‪ 10‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديعيّة ص‪.268‬‬ ‫‪ 22‬‬ ‫انظر‪ :‬مجلّة جامعة دمشق مج ‪ ،22‬ص‪.90‬‬ ‫‪ 11‬‬
‫وأحياناً ي ِر ُد لونانِ يف ٍ‬
‫بيت واحد‪.‬‬ ‫‪ 23‬‬ ‫انظر‪ :‬البديعيّات يف األدب العر ّيب ص‪.49‬‬ ‫‪ 12‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديع ّية ص‪.72‬‬ ‫‪ 24‬‬ ‫وقد وردت نادر ًة بديع ّياتٌ يف مدح غري رسول الله‬ ‫‪ 13‬‬

‫‪174‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫انظر‪ :‬األرجوزة األنيقة ص‪.95‬‬ ‫‪ 29‬‬ ‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديعيّة ص‪ .117‬اللَّمم‪ :‬الجنون‪.‬‬ ‫‪2 5‬‬
‫انظر‪ :‬نفحات األزهار ص ‪.160‬‬ ‫‪ 30‬‬ ‫انظر‪ :‬درر الفرائد املستحسنة يف رشح منظومة ابن‬ ‫‪ 26‬‬
‫انظر‪ :‬نفحات األزهار ص ‪.161‬‬ ‫‪ 31‬‬ ‫الشحنة‪ ،‬ص‪.102‬‬
‫انظر‪ :‬نفحات األزهار ص‪.107‬‬ ‫‪ 32‬‬ ‫انظر‪ :‬البديعيّات يف األدب العر ّيب ص‪.331 -330‬‬ ‫‪ 27‬‬
‫السيرَ ا ص‪.144‬‬
‫انظر‪ :‬الحلّة ِّ‬ ‫‪ 33‬‬ ‫رس للوزن‪،‬‬
‫يف الشَّ طر الثَّاين من هذا البيت وتاليه ك ٌ‬ ‫‪ 28‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديع ّية ص‪.89‬‬ ‫‪ 34‬‬ ‫وكذا هام يف املجموع الكبري من املتون ص‪ ،468‬ورشح‬
‫انظر‪ :‬املدائح ال ّنبويّة حتّى نهاية العرص اململو ّ‬
‫يك‬ ‫‪ 35‬‬ ‫البوري عىل األرجوزة؛ بعنوان‪( :‬األرجوزة األنيقة)‬‫ّ‬
‫ص‪.515‬‬ ‫البوري ص‪-78‬‬
‫ّ‬ ‫رشح‬ ‫عىل‬ ‫ين‬
‫ّ‬ ‫ّا‬
‫ز‬ ‫الو‬ ‫وحاشية‬ ‫‪،65‬‬ ‫ص‪-64‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الكافية البديع ّية ص‪.54‬‬ ‫‪ 36‬‬ ‫‪.80‬‬

‫املصادر واملراجع‬
‫بوي عبد الواحد شعالن‪،‬‬ ‫الشِّ عر ونقْده‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬ال ّن ّ‬ ‫العمري (ت‪1024‬هـ)‪ ،‬درر الفرائد‬ ‫ّ‬ ‫الحق‬
‫•ابن عبد ّ‬ ‫ ‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 2000 ،1‬م‪.‬‬ ‫املستحسنة يف رشح منظومة ابن الشحنة يف علوم‬ ‫َ‬
‫•عيل أبو زيد‪ ،‬البديع ّيات يف األدب العر ّيب‪ ،‬عامل الكتب‬ ‫ ‬ ‫املعاين والبيان والبديع‪ ،‬تحقيق سليامن العمريات‪ ،‬دار‬
‫بريوت‪ ،‬ط ‪ 1983 ،1‬م‪.‬‬ ‫ابن حزم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2018 ،1‬م‪.‬‬
‫صفي ال ّدين الحليّ ّ (ت ‪ 750‬هـ)‪ ،‬رشح الكافية‬ ‫• ّ‬ ‫ ‬ ‫•ابن منظور (ت ‪ 711‬هـ)‪ ،‬لسان العرب‪ُ ،‬عني بتصحيح‬ ‫ ‬
‫البديعيّة يف علوم البالغة ومحاسن البديع‪ ،‬دار صادر‬ ‫طبعته أمني محمد عبد الو ّهاب‪ ،‬ومحمد الصادق‬
‫بريوت‪ ،‬تح‪ .‬نسيب نشاوي‪ ،‬ط ‪ 1992 ،2‬م‪.‬‬ ‫العبيدي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪ 3‬مل ّونة‬
‫•املجموع الكبري من املتون فيام يُذكَر من الفنون‪ ،‬دار‬ ‫ ‬ ‫(د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫الفكر‪ ،‬ط ‪ 1988 ،3‬م‪.‬‬ ‫العلوي (ت‪322‬هـ)‪ِ ،‬عيار الشِّ عر‪ ،‬تح‪ .‬عبد‬ ‫ّ‬ ‫طباطبا‬ ‫•ابن‬ ‫ ‬
‫البوري عىل‬
‫ّ‬ ‫•األُرجوزة األنيقة يف املجاز والحقيقة= رشح‬ ‫ ‬ ‫العزيز بن نارص املانع‪ ،‬منشورات ات ّحاد ال ُكتَّاب العرب‪،‬‬
‫هامي بن‬
‫منظومة ابن كريان‪ ،‬أليب عبد الله مح ّمد التّ ّ‬ ‫دمشق‪( ،‬د‪ .‬ط)‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫البوري (ت ‪ 1243‬هـ)‪ ،‬تح‪ .‬مح َّمد ناجي بن‬ ‫ّ‬ ‫مح ّمد‬ ‫•قُدامة بن جعفر (ت‪ 337‬هـ)‪ ،‬نقد الشِّ عر‪ ،‬تح‪ .‬كامل‬ ‫ ‬
‫عمر‪ ،‬أفريقيا الشرّ ق‪ -‬بريوت‪ ،‬ط ‪ 2003 ،1‬م‪.‬‬ ‫مصطفى‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1978 ،3‬م‪.‬‬
‫•حاشية محمد املهدي الوزاين الرشيف العمرا ّين (ت‬ ‫ ‬ ‫اكيش (ت‪721‬هـ)‪ ،‬ال َّروض امل َريع يف‬ ‫•ابن ال َب ّناء امل ّر ّ‬ ‫ ‬
‫‪ 1342‬هـ)‪ ،‬عىل رشح البوري عىل منظومة ابن كريان‪،‬‬ ‫صناعة البديع‪ ،‬تح‪ .‬رضوان بنشقرون‪( ،‬أطروحة دبلوم‪-‬‬
‫دار املعرفة‪ ،‬املغرب‪ -‬ال ّدار البيضاء‪( ،‬د‪ .‬ط)‪ 2008 ،‬م‪.‬‬ ‫بكليّة اآلداب يف جامعة مح ّمد الخامس‪ ،‬ال ّرباط‪.‬‬
‫النابليس (ت ‪ 1143‬هـ)‪ ،‬نفَحات األزهار‬ ‫ّ‬ ‫•عبد الغني‬ ‫ ‬ ‫•أبو محمد القاسم األنصاري السجلاميس (ت نحو ‪800‬‬ ‫ ‬
‫عىل نسامت األسحار يف مدح ال ّنبي املختار‪،‬عامل الكتب‪،‬‬ ‫هـ)‪ ،‬املنزع البديع يف تجنيس أساليب البديع‪ ،‬تح‪.‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط ‪1984 ،3‬م‪.‬‬ ‫عالل الغازي‪ ،‬ط ‪ 1980 ،1‬م‪.‬‬
‫السيرَ ا يف مدح‬
‫األندليس (‪780‬هـ)‪ ،‬ال ُحلَّة ِّ‬
‫ّ‬ ‫•ابن جابر‬ ‫ ‬ ‫•أحمد مطلوب‪ ،‬معجم املصطلحات البالغ ّية وتط ُّورها‪،‬‬ ‫ ‬
‫خري الورى‪ ،‬تح عيل أبو زيد‪ ،‬عامل الكتب بريوت‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫مكتبة لبنان نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪2000 ،2‬م‪.‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬ ‫•محمود سامل مح ّمد‪ ،‬أوضار الشِّ عر العر ّيب؛ منظوماتٌ‬ ‫ ‬
‫•محمود مح ّمد سامل‪ ،‬املدائح ال ّنبويّة حتّى نهاية العرص‬ ‫ ‬ ‫تعليم ّية وألعاب لفظ ّية‪ ،‬بحث لـماّ يُنشرَ ْ وتك َّر َم املؤلف‬
‫اململويكّ‪ ،‬دار الفكر بدمشق‪ ،‬ط ‪1996 ،1‬م‪.‬‬ ‫بإطْالعي عليه‪.‬‬
‫•‬ ‫ ‬ ‫•ابن رشيق القريوا ّين (ت ‪ 463‬هـ)‪ ،‬ال ُعمدة يف صناعة‬ ‫ ‬

‫ّ‬
‫البالغية؟ (قراءة في املناهج والغايات)‬ ‫ّ‬
‫البديعيات من املنظومات‬ ‫هل‬ ‫‪175‬‬
‫ال�شیخ علي الطنطاوي وكتاباته عن الهند‬

‫د‪ .‬محمد طارق‬


‫البروفیسور املساعد‪ ،‬قسم اللغۃ العربیۃ وآدابھا‬
‫جامعۃ لکناؤ‪،‬لکناؤ‬

‫بن إسحق الیعقويب‪ ،‬وأبو الحسن عيل بن الحسین‬ ‫مدخل‪:‬‬


‫بن عيل املسعودي‪ ،‬وأبوالقاسم إبراھیم محمد‬ ‫تاریخ العالقات الھندیۃ –العربیۃ یرجع‬ ‫ ‬
‫اإلصطفري‪،‬وإبن حوقل‪ ،‬وشمس الدین بن أحمد‬ ‫إلی ماقبل اإلسالم من خالل التجار العرب کام‬
‫‪1‬‬
‫املقديس البشاري ‪ ،‬والبريوين ورشیف اإلدریيس‪،‬‬ ‫کانت السواحل الھندیۃ العربیۃ والجنوبیۃ‬
‫وإبن بطوطة وغیرھم‪.3‬ومن بین ھذہ الطبقۃ‬ ‫معروفۃ مبواقعھا الجغرافية بین التجار العرب‬
‫يف العرص الحدیث الشیخ محمد عيل الطنطاوي‬ ‫قبل اإلسالم ومن املعلوم أن األحجار الثمینۃ‬
‫الذي سافر إلی الھند وکتب عنھا وعن أھلھا‬ ‫واألفاویۃ وأنواع الطیب تجيئ علی رأس قامئۃ‬
‫يف مؤلفاتہ إعراباً عام رأی بعینیہ وعن طريق‬ ‫املنتجات الھندیۃ التي اشتھرت بین العرب‬
‫حصوله علی املعلومات الھامۃ بدراسة عنھا‪.‬‬ ‫والروم علی السواء‪2‬ولکن عززت ھذہ العالقات‬
‫حینام وفد الصحابہ الربرۃ إلی الھند کدعاۃ وبدأ‬
‫حیاة ال�شیخ علي الطنطاوي‬ ‫نطاقھا یتسع علی مرور األیام‪.‬‬
‫وملواطني الرشق األوسط رغبۃ خاصۃ والدتہ ونشاتہ‪:‬‬ ‫ ‬
‫بشأن الھند وکتب العرب عن الھند وأھلھا‬
‫ولد األدیب عيل بن مصطفی بن محمد‬ ‫ ‬
‫وأحوالھا يف مؤلفاتھم ولھم طبقتان‪ :‬فمنھم‬
‫الطنطاوي ‪/23‬جامدي األولی ‪1327‬ھ‪ 12/‬حزیران‬
‫العرب الذين مل يقوموا بزیارۃ إىل الھند ولکن‬
‫(یونیو)‪1909‬م يف مدینۃ دمشق يف أرسۃ علمیۃ‬
‫صنفوا عن طریق جمع أحوال الھند استفادۃ‬
‫دینیۃ وکان أبوہ وجدہ من العلامء البارزین‪.‬‬
‫بالکتب لغريھم ومن أشھر ھذہ الطبقۃ‬
‫ومن جھۃ أمہ فإن خالہ ھو محب الدین‬
‫‪،‬الجاحظ وإبن خرداذبہ‪ ،‬والھمداين‪،‬مطھر‬
‫الخطیب الکاتب اإلسالمي الشھري الذي استوطن‬
‫بن طاھر املقديس‪ ،‬وإبن الندیم وعبد القاھر‬
‫مرص وأنشأفیھا صحیفتي"الفتح"و"الزھراء" ونزح‬
‫البغدادي وغیرھم‪ .‬ومنھم العرب الذین سافروا‬
‫جدہ أحمد بن عيل بن مصطفی من طنطا يف‬
‫إلی الھند وکتبوا مارأوا بعیونھم ومن أشھرھم‬
‫مرص إلی دمشق سنۃ ‪1255‬ھ‪.‬‬
‫سلیامن التاجر‪ ،‬وأبو زید حسن السیرايف‪ ،‬وأحمد‬
‫‪176‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫"الناقد"و"الشعب" وغیرھام من الصحف مقاالت‬ ‫حصول العلم‪:‬‬
‫للرسالۃ التي أنشاھا أحمد حسن الزیات منذ‬ ‫تلقی دراستہ األولی االبتدائیۃ يف‬ ‫ ‬
‫عام ‪1933‬م إلی ‪1953‬م‪ ،‬کام کان يکتب أیضا‬ ‫مدینۃ دمشق يف مدارس عدیدۃ ابتدائیۃ‬
‫يف "املسلمون" وحینام جاء إلی اململکۃ العربیۃ‬ ‫کام درس يف املدرسۃ التجاریۃ ثم يف املدرسۃ‬
‫السعودیۃ نرش مقاالتہ يف مجلۃ "الحج" ويف‬ ‫السلطانیۃ الثانیۃ وبعد يف املدرسۃ الحقمقیۃ‪،‬ثم‬
‫جریدۃ"املدینۃ" وغیرھام‪.‬‬ ‫يف أمنوذج املھاجرین‪ .‬أما املرحلۃ الثانویۃ فقد‬
‫أمضاھا يف مکتبۃ عنرب ثم قام بزیارۃ إلی مرص أھم املناصب التی توالھا‪:‬‬
‫یبدأ وظیفۃبالتعلیم يف املدارس األھلیۃ‬ ‫والتحق بدارا لعلوم العلیا للدراسۃ العالیۃ‪ .‬وذلك ‬
‫يف عام ‪1928‬م ولکنہ مل یتم السنۃ األولی وعاد بسوریا ومل یزل طالباً وصار معلامً ابتدائیا يف‬
‫إلی دمشق عام ‪1929‬م وحصل علی شھادۃ مدارس الحکومۃ منذ ‪1931‬م إلی ‪1935‬م ثم‬
‫انتقل إلی العراق وعمل مدرساً يف الثانویۃ‬ ‫البکالوریوس يف الحقوق عام ‪1933‬م‪.‬‬
‫ماتت أمہ وھو يف الرابعۃ والعرشین‪ 4‬املرکزیۃ يف مدینۃ بغداد عام ‪1936‬م وعمل يف‬ ‫ ‬
‫فکانت تلك واحدۃ من أکرب الصدمات وأشد معاھد عدیدۃ من العراق حتی عام ‪1939‬م‪.‬‬
‫خالل ھذہ الفرتۃ‪ ،‬أمضی سنۃ واحدۃ يف بیروت‬ ‫األیام علیہ يف عمرہ‪.‬‬
‫ومن عوامل تکوینۃ العلمي إلی جانب مدرسا يف الکلیۃ الرشعیۃ وصار معلامً يف الدیرعام‬ ‫ ‬
‫حضورہ يف مجالس العلامء واألدباء وندواتھم‪1940 ،‬م ملدۃ قصیرۃ ودخل يف سلك القضاء وتم‬
‫تعیینہ کقاض يف"النبك"ثم فی" دوما" من قری‬ ‫مداومتہ علی املطالعۃ والدراسۃ کام یقول‪:‬‬
‫دمشق ثم قاضیاً ممتازا ً يف دمشق من ‪1943‬م‬
‫"فأنا الیوم وأنا باألمس‪ ،‬کامکنت يف إلی ‪1953‬م ثم مستشارا ً ملحکمۃ النقض يف‬ ‫ ‬
‫الصغر‪،‬أمضی یومي أکرثہ يف الدار أقرأ ورمبا مر سوریا ثم يف القاھرۃ‪.‬‬
‫علی یوم أقرأ فیہ ثالث مائۃ صفحۃ ومعدل‬
‫وسافر الطنطاوي يف عام ‪1963‬م‬ ‫قراءيت مائۃ صفحۃ من سنۃ ‪1340‬ھ الی ‬
‫إلی الریاض وعمل کمدرس وذھب إلی مکۃ‬ ‫‪5‬‬
‫‪1402‬ھ"‪.‬‬
‫للتدريس وأمضی فیھا ويف جدۃ حتی انتقل إلی‬
‫ربه عام ‪1999‬م‪.‬‬ ‫الصحافۃ‪:‬‬
‫نرش األستاذ محمد کردعيل أول مقال آثــــارہ‪:‬‬ ‫ ‬
‫للطنطاوي يف جریدۃ "املقتبس"وکان يف السابعۃ‬
‫عرشۃ من عمرہ وشارك يف تحریر مجلتي خالہ ترك عيل الطنطاوي مؤلفات أدبیۃ يف موضوعات‬
‫محب الدین الخطیب"الفتح" و"الزھراء" حینام مختلفۃ من الدین واألخالق والسیاسۃ والقضاء‬
‫زار مرص عام ‪1926‬م وبعد عودتہ من مرص والدعوۃ والفکر والثقافۃ والفقہ والحدیث‬
‫إلی سوریا يف السنۃ التالیۃ عمل يف جریدۃ" يبلغ عددھا حوالی ‪ 35‬کتابا إلی جانب بحوثہ‬
‫فتی العرب"ثم يف"ألف باء" وعمل کمدیر ومقاالتہ التي طبعت يف کتیبات وأھمھا فیام‬
‫تحریر جریدۃ "األیام" إلی جانب کتاباتہ يف یيل‪:‬‬

‫الشیخ علي الطنطاوي وكتاباته عن الهند‬ ‫‪177‬‬


‫منھا فأجعلہ مدخال إلیھا‪ ،‬وأحاول مااستطعت‬ ‫•قصص من التاریخ‬ ‫ ‬
‫أن أمتع فیھا أسلوباً ینأی يب عن جفاف الرسد‬ ‫•رجال من التاریخ‬ ‫ ‬
‫التاریخي‪ ،‬ویخلص من تخیل الکاتب يف القصۃ‬ ‫•صور وخواطر‬ ‫ ‬
‫األدبیۃ‪ ،‬لعيل أصل إلی الجمع بین صدق التاریخ‬ ‫•دمشق‬ ‫ ‬
‫وجامل األدب"‪.7‬‬ ‫•من نفحات الحرم‬ ‫ ‬
‫ذکر الھند وأھلھا يف "ذکریات"ويف‬ ‫ ‬ ‫•الجامع األموي‬ ‫ ‬
‫کتابہ"رجال من التاریخ " عن أورانك زیب‬ ‫•سلسلۃ أعالم التاریخ (عبدالرحمن بن‬ ‫ ‬
‫وتاریخ املغول يف الھند تحت عنوان "بقیۃ‬ ‫عوف۔ عبداللہ بن املبارك ‪-‬القايض رشیك –‬
‫الخلفاء الراشدین" ومظفر بن محمود من‬
‫األیام النوري۔أحمد بن عرفان الشھید)‬
‫ملوك أحمد آباد يف الھند تحت عنوان "امللك‬
‫الصالح"والسطانة رضیۃ تحت عنوان "سلطانۃ‬ ‫•ذکریات يف مثانیۃ أجزاء‪.6‬‬ ‫ ‬
‫الھند" وکتب عن العالمۃ الزبیدي تحت عنوان‬ ‫کتاباتہ عن الھند‪:‬‬
‫شارح القاموس وقال أن الزبیدي ولد يف الھند‬ ‫عندما یعمل الطنطاوي قلمہ يف أحداث‬
‫سنۃ ‪ 1145‬ونشأبھا‪.8‬‬ ‫التاریخ فیصور التاریخ بقلم األدیب ال یخرج‬
‫یذکر الطنطاوي تحت عنوان"بقیۃ‬ ‫ ‬ ‫الحدث عن إطارہ التاریخي ولکنہ یلبسہ ثوبا‬
‫الخلفاء الراشدین " تاریخ املغول وسیرۃ أورانك‬ ‫یجعلہ أبلغ أثرا ً وأکرب قدرا ً يف نفس امللتقي‬
‫زیب کملك عادل زاھد وعظمۃ منارۃ قطب‬ ‫ورحل الطنطاوي إلی دول عدیدۃ ومن بینھا‬
‫وتاریخ امللوك املسلمین اآلخرین ویقول عن‬ ‫إندونیسیا التي قام بھا عام ‪1953‬م يف وفد أرسلہ‬
‫امللك املغويل شاھجھان ویصف بناء"تاج محل"‬ ‫املؤمتر اإلسالمي الذي انعقد يف القدس لنرصۃ‬
‫وحب امللك شاھجھان لزوجته‪:‬‬ ‫فلسطین واستغرقت رحلتہ ھذہ مثانیۃ أشھر‪.‬‬
‫"وکان لشاھجھان زوجۃ النظیر لحسنھا‬ ‫ ‬ ‫جال خاللھا يف أنحاء العامل اإلسالمي رشقا حتی‬
‫يف الحسن والمثیل لحبہ إیاھا يف الحب ھي‬ ‫وصل إلی إندونیسیا‪،‬مرورا ً بالعراق وباکستان‬
‫(ممتاز محل)‪ ،‬فامتت فرثاھا ولکن ال بقصیدۃ‬ ‫والھند ومیامنار وغیرھا‪ .‬تحدث عنھا ووقف عند‬
‫من الشعر‪،‬وخلدھا ولکن ال بصورۃ والمتثال‪ ،‬لقد‬ ‫طبیعتھا ویستجيل جاملھا وخرضتھا وأنھارھا‬
‫رثاھا فخلدھا بقطعۃ فنیۃ من الرخام ماقال‬ ‫الجاریۃ وتحدث عن تاریخھا وعن وصول اإلسالم‬
‫شاعر قصیدۃ أشعر منھا‪ ،‬فھي شعر أغنیۃ‪ ،‬وھي‬ ‫إلیھا وتطوراتھا االجتامعیۃ والعمرانیۃ‪ .‬ھذا ومع‬
‫صورۃ وھي أعظم تحفۃ يف فن العمران‪ .‬ھي‬ ‫ذلك إذا أراد الطنطاوي الحدیث عن أي رجل‬
‫ممتاز محل‪ ،‬ھذا البناء العجیب الذي أدھش‬ ‫قرأ کل ماتصل إلیہ یداہ مامکتب عنہ‪ .‬کامیقول‪:‬‬
‫بجاملہ الدنیا ومازال یدھشھا‪.......‬ھذا القرب‬ ‫"کنت اذا أردت الحدیث عن رجل قرأت‬ ‫ ‬
‫الذي یأيت الیوم السیاح من أقصی أمیریکا إلی‬ ‫کل ماتصل إلیہ یدي مامکتب عنہ‪ ،‬وقیدت يف‬
‫(أکرا) قرب دھيل لیشاھدوه‪ ،‬ویسمعوا قصتہ‬ ‫ورقۃ ماأختار من أخبارہ‪ ،‬ورمبا بلغ ما أقرؤہ عنہ‬
‫وھي أعظم قصص الحب علی اإلطالق‪ .‬لقد‬ ‫عرشات أومئات من الصحفات ثم أعمد إلی خرب‬
‫‪178‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫الکتابۃ ‪:‬‬ ‫صدع موت ھذہ الزوجۃ الحبیبۃ اإلمرباطور‬
‫"أنتقل معکم الیوم إىل بلد بعید وزمن بعید‬ ‫العظیم‪،‬فزھد يف دنیاہ ألنھا کانت ھي دنیاہ و‬
‫و رحلۃ طویلۃ يف األرض نقطع فیھا البوادي‬ ‫حقر ملك الھند ألنھا کانت أعظم عندہ من ملك‬
‫والصحارى‪ ،‬ونعرب فیھا أنھارا ونرکب بحارا ورحلۃ‬ ‫الھند"‪.9‬‬
‫طویلۃ يف الزمان نطوي فیھا سنین وأدھارا‪ ،‬حتی‬ ‫ويف رحلتہ إلی الرشق قام بزیارۃ‬ ‫ ‬
‫نصل إلی دھيل قبل مثانیۃ قرون‪.13‬‬ ‫إلی أربع مدن للھند وھي‪ :‬مومباي وکولکاتا‬
‫وکتب يف"ذکریات" عن دھيل ردا العرتاض‪:‬‬ ‫والعاصمۃ الھندیۃ نیودلھي ومدینۃ لکناؤ وقال‪:‬‬
‫"ولقد زرتھا وبقیت فیھا أمدا‪ ،‬وجلت يف شوارعھا‬ ‫"لقد کنت أذکر إسم لکنو مرۃ أمام‬ ‫ ‬
‫وحاراتھا‪ ،‬ولقیت من رجالھا وعلامئھا وقرأت‬ ‫جامعۃ من أھل الفضل فام عرفھا منھم أحد‪،‬‬
‫الکثیر عنھا وکان الحدیث سیصل إلیھا‪ ،‬ولکن‬ ‫فقلت لھم إنھا مدینۃ أيب الحسن عيل الندوي‬
‫رسالتك التي أرسلتھا واعرتاضك الذي أبدیتھا‪،‬‬ ‫فعرفوھا‪،‬فکيف تریدون مني أن أعرف القراء‬
‫جعلتی أستأذن القراء فأبدأ بالحدیث عنھا‪.‬‬ ‫يف ھذہ املقدمۃ برجل‪ ،‬ھو أشھر من بلدۃ‪."01‬‬
‫وذلك بعد طلب من قبل الشیخ أيب الحسن عيل‬
‫إنھا املدینۃ التي لبثت مثامنائۃ سنۃ وھي دار‬
‫الندوي لکتابۃ مقدمۃ علی کتاب لہ ویکتب عن‬
‫اإلسالم وسدۃ امللوك املسلمین الذین ملؤوا الھند‬
‫لکناؤ أیضاً‪:‬‬
‫مصانع وآثارا أترعوھا مساجد ومدارس وقبابا‬
‫والتی أقاموا فیھا رصح مجد أرسوہ عيل جذور‬ ‫"وإن مل یکتب أن أستمر بجوار بیت اللہ‬
‫الصخر‪ ،‬وساموا بہ ثم الذری وبادروا بہ الزمان‬ ‫الحرام‪،‬أن أذھب إلی لکنؤ‪،‬ألنني عشت فیھا‬
‫يف الخلود‪.‬‬ ‫أیاما کثیرۃ لکن ذکراھا بقیت عمیقۃ يف نفيس ال‬
‫یمحو کرالسنین"‪.11‬‬
‫املدینۃالعظیمۃ التي عاش فیھا أبطالناحاکمین‪،‬‬
‫ثم ثووا يف ثراھاخالدین"‪. 41‬‬ ‫ویکتب عن مدینۃ أحمد آباد يف عھد "امللك‬
‫الصالح"وھو امللك الحلیم مظفر بن محمود‬
‫ثم قدم تاریخ دھيل ودورامللوك املسلمین يف‬
‫من ملوك أحمد آباد الھند ولد عام ‪875‬ھ يف‬
‫تطویرھا وتارخ آثارھم فیھا والثقافۃ وکتب‬
‫الکجرات ونشأ نشأۃ عامل عابد وحکم بالعدل‪.‬‬
‫موضحا بشأن املدینۃ القدیمۃ واملدینۃ‬
‫ويقول‪:‬‬
‫الجدیدۃلھا ثم یقول ‪:‬‬
‫" کانت أحمد آباد حارضۃ الھند ومدینۃ املدائن‪،‬‬
‫"الھند التي کانت کلھا لنا‪ ،‬فلم یبق يف أیدینا منھا‬
‫فاقت البلدان ببساتینھا وحدائقھا وحسن نظامھا‬
‫إال آثارنا‪ ،‬مساجد کام قلت لکم – قد عطلت من‬
‫وعظیم عمرانھا وفاقتھا بأمنھا وسالمھا وإقامۃ‬
‫شعائرھا‪ ،‬ومآذن قد فقدت مؤذینھا وقالع غاب‬
‫العدل فیھا‪ ،‬وفاقتھا بکرثۃ علامئھا ومحدثیھا‬
‫منھا جنودھا‪ ،‬وقصور فارقھا أصحابھا‪ ،‬ورایات‬
‫والصالحین من أھلھا"‪.21‬‬
‫قد سکنت املتاحف‪ ،‬مل تعد ترفرف يف سامئھا‪،‬‬
‫وسیوف قد صدئت يف أغامدھا مل یبق لھا منا‬ ‫ویکتب عن" دھيل" حینام یکتب عن قطب‬
‫من یسلھا‪.‬‬ ‫الدین وألتمش يف قصۃ السلطانة رضیۃ یبدأ‬
‫الشیخ علي الطنطاوي وكتاباته عن الهند‬ ‫‪179‬‬
‫ھکذا کتب عن الشیخ أيب الحسن عيل الندوي‬ ‫" ھذہ ھي األندلس الکربی وھذا ھو الفردوس‬
‫حینامطلب بکتابۃ مقدمۃ لکتابہ " الطریق إلی‬ ‫اإلسالمي املفقود "‪.51‬‬
‫املدینۃ "‪:‬‬ ‫کتب الشیخ الطنطاوي تحت سلسلۃ أعالم‬
‫"فیا أبا الحسن‪،‬لك الشکر عيل أن أردت إلی‬ ‫التاریخ عن عدد من کبار الرجال‪ .‬وھذہ السلسلۃ‬
‫ثقتي بنفيس‪ ،‬وثقتي بأدب لغتي‪ ،‬أما املقدمۃ‬ ‫تعد من روائعہ والتی ترجم فیھا املؤلف بإیجاز‬
‫التي طلبتھا فأعفني منھا‪ ،‬ألنك لست يف حاجۃ‬ ‫من أعالم ھذہ األمۃ وھم عبد الرحمن بن عوف‪،‬‬
‫إلیھا وال یحتاج إلیھا ھذا الکتاب‪.‬‬ ‫وعبد اللہ بن مبارك‪ ،‬والقايض رشیك‪ ،‬واإلمام‬
‫إن املقدمات فی الکتب کالوسیطۃ يف التجارۃ‪،‬‬ ‫النووي‪ ،‬وأحمد بن عرفان الشھید وغريهم وإن‬
‫یطلبھا التاجر الجدید لرتویج البضاعۃ املجھولۃ‪،‬‬ ‫أحمد بن عرفان كان ھنديا‪.‬‬
‫فامذا یصنع الوسیط إذا کان املستھلکون یعرفون‬ ‫وکتب يف ھذا الکتاب عن أحمد بن عرفان‬
‫التاجر أکرث مام یعرفونہ ھو ویحرصون علی رشاء‬ ‫الشھید وماحدث معہ ومع أصحابہ يف باالکوت‬
‫البضاعۃ أکرث من حرص التاجر علی بیعھا؟!‪.71‬‬ ‫حیث یذکر فیہ إىل جانب سريته تاریخ املسلمین‬
‫أسلوبہ‪:‬‬ ‫يف الھند وانتشار اإلسالم فیھا باإلضافۃ إلی‬
‫من أھم خصائص أسلوبہ االستطراد سواء أکان‬ ‫ذکرعدۃ مدن من الھند و وقوع املعرکۃ بین‬
‫ذلك يف الکتابۃ أو الحدیث ویعتذر للسامع‬ ‫السیخ وأحمدبن عرفان والتی أدت إىل شھادۃ‬
‫أو القارئ ثم یعود إلی االستطراد وأسلوبہ‬ ‫الشیخ أحمد بن عرفان ویکتب‪:‬‬
‫ممتع شائق لسھولۃ ولینۃ من ناحیۃ‪ ،‬وقوۃ‬ ‫"وکشمیرجنۃ من جنان الدنیا‪ ،‬ودارۃ من‬
‫ترکیبه وتجانس مقاطعۃ وحالوۃ ألفاظہ حینام‬ ‫دارات اإلسالم‪ ،‬یقیمون فیھا بعیدین عن السیخ‬
‫نقرأ کتاباتہ نشعر أنہ یحدثنا نحن وإننا معہ‬ ‫واإلنکلیز وقبائل األفغان‪ ،‬فلحقتهم ھذہ القبائل‪،‬‬
‫جالسین‪.‬کام یصور التاریخ بقلم األدیب یجعلہ‬ ‫واعرتفتھم دونھا وکانت املعرکۃ األخريۃ يف‬
‫أبلغ أثرا‪.‬‬ ‫(باالکوت) فاستشھد فیھا اإلمامان السید أحمد‬
‫خامتۃ البحث‪:‬‬ ‫بن عرفان والشیخ إسامعیل الدھلوي يف طائفۃ‬
‫الشیخ الطنطاوي من كبار الکتاب الذین أنجبتھم‬ ‫من خیار مسلمي األرض‪ ،‬طائفۃ مل یجد تاریخ‬
‫األمۃ العربیۃ يف ھذا العرص وکتاباتہ التي‬ ‫ھذہ القرون املتأخرۃ مثلھا‪.‬‬
‫یستعرض فیھا تاریخ الھند اإلسالمي وقد کتبھا‬ ‫وکان ذلك یوم الجمعۃ يف ‪ 24‬من ذي القعدۃ‬
‫علی أثر زیارتہ‪ ،‬للھند تدل علی أقدارہ علی‬ ‫سنۃ ‪1236‬ھ‪. 61‬‬
‫اللغۃ والبالغۃ يف التعبیر‪.‬‬
‫الهوامش‬
‫القاھرۃ‪ :‬مطبعۃ جامعۃ فؤاد األول ‪،1953،‬ص ‪.27‬‬ ‫السید سلیامن الندوي‪ ،‬عرب ہند کے تعلقات‬ ‫‪ 1‬‬
‫حامد اللہ الندوي‪ ،‬ہندوستان اور مرشق وسطی کے‬ ‫‪ 3‬‬ ‫(العالقاات العربیۃ‪-‬الهنديه )‪،‬أعظم جرہ‪ :‬دار‬
‫تجارتی تعلقات (العالقات التجاریۃ بین الھند والرشق‬ ‫املصنفین مطبعۃ املعارف‪،2010،‬ص‪.6-1 :‬‬
‫األوسط) نیودلھي‪ :‬مکتب التطویر لألردویۃ‪1985 ،‬م‬ ‫محمد یوسف‪ ،‬عالقات العرب التجاریۃ بالھند‪،‬‬ ‫‪ 2‬‬

‫‪180‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫عيل الطنطاوي‪،‬ذکریات‪،‬ج‪،8/‬جدۃ‪ :‬دار املنارۃ‪،‬‬ ‫‪1 0‬‬ ‫ص‪.45 :‬‬
‫ط‪1409/‬ھ‪1989/‬م ص‪.117 :‬‬ ‫مجاھد دیرانیۃ‪ ،‬سیرۃ الشیخ عيل الطنطاوي‪،‬مجلۃ‬ ‫‪ 4‬‬
‫املرجع نفسہ ‪ ،‬ص‪.127 :‬‬ ‫‪ 11‬‬ ‫األدب اإلسالمي‪ ،‬الریاض‪،‬املجلد‪ 9 :‬العددان‪:‬‬
‫عيل الطنطاوي‪ ،‬رجال من التاریخ‪ ،‬لکناؤ‪ :‬مکتبۃ‬ ‫‪ 12‬‬ ‫‪35،1423-34‬ه‪2003/‬م‪ ،‬ص ‪133‬‬
‫إحسان‪2019 ،‬م ص ‪.270‬‬ ‫عيل طنطاوي‪،‬ذکریات ج‪،1/‬جدۃ‪ :‬دار املنارۃ‪،‬‬ ‫ ‪5‬‬
‫املرجع نفسہ ص ‪.291‬‬ ‫‪1 3‬‬ ‫‪1405‬ھ‪1985/‬م ط‪ 1/‬ص‪.162:‬‬
‫عيل الطنطاوي‪،‬ذکریات‪،‬ج‪5/‬۔ط‪،1/‬جدۃ‪ :‬دار املنارۃ‪،‬‬ ‫‪1 4‬‬ ‫راجع للتفصیل‪ :‬التحریر‪ ،‬مجلۃ األدب اإلسالمي‬ ‫‪ 6‬‬
‫‪1407‬ھ‪1987/‬م‪،‬ص‪.213 :‬‬ ‫‪،‬الریاض املجلد‪ 9 :‬العددان‪1423 ،35-34 :‬ھ‪2003/‬م‬
‫املرجع نفسہ ص‪220 :‬‬ ‫‪1 5‬‬ ‫‪،‬ص ‪.131‬‬
‫عيل الطنطاوي‪،‬أحمد بن عرفان الشھید‪ ،‬دمشق ‪ :‬دار‬ ‫‪1 6‬‬ ‫عيل الطنطاوي ‪،‬رجال من التاریخ‪ ،‬ج‪2/‬ط‪ ،1/‬مرص ‪،‬‬ ‫ ‪7‬‬
‫الفکر‪1399 ،‬ھ‪1979/‬م‪ ،‬ص ‪.33:‬‬ ‫‪1418‬ھ‪1998/‬م ص‪.3:‬‬
‫أبو الحسن الندوي»الطریق إلی املدینۃ» لکناؤ‬ ‫‪1 7‬‬ ‫عيل الطنطاوي‪ ،‬رجال من التاریخ‪،‬لکناؤ ‪،‬مکتبۃ‬ ‫‪ 8‬‬
‫‪:‬الجمع اإلسالمي العلمي‪1437،‬ھ‪2010/‬م‪،‬ص ‪.14‬‬ ‫إحسان‪2019،‬م‪ ،‬ص ‪. 324‬‬
‫املرجع نفسہ‪ ،‬ص‪.264-263 :‬‬ ‫‪ 9‬‬

‫املصادر واملراجع‬
‫مرص‪1418،‬ھ‪1998/‬م‪.‬‬ ‫•‪1‬۔الندوي‪،‬السید سلیامن‪،‬عرب ہند کے‬ ‫ ‬
‫•‪7‬۔الطنطاوي‪،‬عيل‪،‬رجال من التاریخ ‪،‬لکناؤ‪ :‬مکتبۃ‬ ‫ ‬ ‫تعلقات(العالقات العربیۃ –الھندیۃ)‪،‬أعظم جرہ‪ :‬دار‬
‫أحسان‪2019 ،‬م‪.‬‬ ‫املصنفین مطبعۃ املعارف‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫•‪8‬۔الندوي‪،‬أبو الحسن ‪،‬يف مسیرۃ الحیاۃ‪،‬دمشق ‪:‬دار‬ ‫ ‬ ‫•‪2‬۔الندوي‪ ،‬حامد اللہ‪،‬ہندوستان اور مرشق وسطی کے‬ ‫ ‬
‫القلم‪،‬ط‪1407 ،1/‬ھ‪1987/‬م‪.‬‬ ‫تجارتی تعلقات(العالقات التجاریۃ بین الھند والرشق‬
‫•‪9‬۔الطنطاوی‪،‬عيل‪،‬أحمد بن عرفان الشھید‪،‬ط‪2/‬‬ ‫ ‬ ‫األوسط)‪،‬نیودلھي‪ :‬مکتب تطور األردویۃ‪،‬ط‪،1/‬‬
‫دمشق‪ :‬دار الفکر‪1399،‬ھ‪1979/‬م‪.‬‬ ‫‪1985‬م‪.‬‬
‫•‪10‬۔الطنطاوي‪،‬عيل‪،‬ذکریات‪،‬ج‪ 1/‬جدۃ ‪ :‬دار املنارۃ‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•‪3‬۔ یوسف ‪،‬محمد ‪،‬عالقات العرب التجاریۃ‬ ‫ ‬
‫‪1407‬ھ‪1987 /‬م‪.‬‬ ‫بالھند‪،‬القاھرۃ‪ :‬مکتبۃ جامعۃ فؤاد األول‪1953 ،‬م‪.‬‬
‫•‪11‬۔الندوي‪،‬أبو الحسن عيل‪،‬الطریق إلی املدینۃ لکناؤ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫•‪4‬۔دیرانیۃ‪،‬مجاھد‪،‬سیرۃ الشیخ عيل الطنطاوي‪،‬مجلۃ‬ ‫ ‬
‫املجمع اإلسالمی العلمي‪1437 ،‬ھ‪2010/‬م‪.‬‬ ‫األدب اإلسالمي‪،‬الریاض؛ املجلد ‪ 9‬العددان‪،36-34 :‬‬
‫•‪12‬۔الندوي‪،‬أبو الحسن عيل‪،‬يف مسیرۃ الحیاۃ‪،‬دمشق ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫‪1423‬ھ‪2002/‬م‪.‬‬
‫دار القلم‪1407،‬ھ‪1987/‬م‪.‬‬ ‫•‪5‬۔الطنطاوي‪ ،‬عيل‪،‬ذکریات‪،‬ج‪ 1/‬ط‪ ،1/‬جدۃ‪ :‬دار‬ ‫ ‬
‫•‪13‬۔الندوي‪،‬أبو الحسن عيل‪،‬مختارات من أدب‬ ‫ ‬ ‫املنارۃ‪1405 ،‬ھ‪1985/‬م‪.‬‬
‫العرب‪،‬لکناؤ مکتبۃ دار العلوم لندوۃ العلامء‪،‬ط‪،5/‬‬ ‫•‪6‬۔الطنطاوي‪،‬عيل‪ ،‬رجال من التاریخ‪،‬ج‪ ،2/‬ط‪،1/‬‬ ‫ ‬
‫‪1967‬م‪.‬‬

‫الشیخ علي الطنطاوي وكتاباته عن الهند‬ ‫‪181‬‬


‫ت�أثري �أفكار الإمام الغزايل يف ال�سيناريو‬
‫العربي يف والية كرياال‬

‫د محمد طه‬
‫رئيس قسم اللغة العربية‪ ،‬كلية م‪ .‬س‪ .‬م‪ ,‬كايامكوالم ‪,‬كيرال‪ ,‬الهند‬

‫أفكار ‪ .‬والتفكري هو عملية من عمليات العقل ‪،‬‬ ‫اإلمام الغزايل‬


‫حيث إن الفكر يستحرض يف ذهن املرء الصورة‬ ‫كان اإلمام أبو حامد بن محمد الغزايل‬
‫الكلية للموضوع ‪ .‬ثم يعيد النظر متهيدا لتحديد‬ ‫واحدا من املفكرين البارزين يف العامل اإلسالمي‬
‫الجزئياتاملندرجة تحته ‪ ،‬ثم يأخذ طريقه لجمع‬ ‫‪ ،‬خالل النصف الثاين من القرن الحادي عرش‬
‫املعلومات املتعلقة باملوضوع ‪ ،‬ثم ينظرها جميعا‬ ‫امليالدي ‪ .‬كان اإلمام دارسا ومدرسا رسمدا‪ .‬ألنه‬
‫يك يضع الشكل النهايئ‬ ‫قد نبغت آ ثاره العلمية منذ نعومة أظفاره‬
‫يقول الدكتور الشيخ خالد محمد محرم يف‬ ‫‪ .‬وكان له أسلوب فذ فريد يف طريقة القراءة‬
‫كتابه " الرتبية اإلسالمية لألوالد منهج وميادين "‬ ‫والبحث ‪ .‬وكان سلوكه يف هذا اإلطار مثاليا ‪ .‬ومل‬
‫والتفكري هو العملية التي ينظم بها العقل خرباته‬ ‫يكن عىل وجه األرض عامل باحث ومعلم متعلم‬
‫بطريقة جديدة لحل مشكلة معينة ‪ ،‬أو هو‬ ‫كمثله ‪ .‬بالطبع كان طالبا من املهد اىل اللهد ‪.‬‬
‫إدراك عالقة جديدة بني موضوعني أو بني عدة‬ ‫وقد أعد قلبه وعقله وأعضائه كلها إلقتباس‬
‫موضوعات بغض النظر عن نوع هذه العالقة ‪.‬‬ ‫العلوم الجديدة ‪ .‬ومل يطأ اإلمام يف مرقات‬
‫والواقع أن التفكري اصطالح عام يشمل كل أنواع‬ ‫العلوم املتنوعة مثل العميان وقد أبان يف حياته‬
‫النشاط الرمزي ‪ .‬ومقدرة اإلنسان عىل التفكري أمر‬ ‫الشخصية ‪ .‬ومزق علوم التقليدية بكل طاقة ‪.‬‬
‫هام يف امليدان الرتبوي ‪ ،‬فهي متيز اإلنسان بصفة‬ ‫يبني لنا الغزايل سريته العجيبة بقلمه الباهر‬
‫عامة عن الحيوان ‪ .‬وتساعده عىل أن يعرف ما‬ ‫أهمية التفكر‬
‫يفعله والوقت الذي يفعله فيه ‪ .‬وميكن تناول‬
‫التفكري عىل أساس كيفية تربية العقل يف صورتني‬ ‫التفكري هو أهم الخصائص التي متيز اإلنسان‬
‫‪ :‬التفكري التأميل والتفكري العلمي ‪1.‬‬ ‫عن سائر املخلوقات ‪ .‬التفكري يف اللغة إعامل‬
‫العقل يف مشكلة للتوصل اىل حلها ‪ .‬الفكر جملة‬
‫هل لالمام الغزايل دراية عن الهند ؟‬ ‫النشاط الذهني ‪ ،‬الفكرة هي الصورة الذهنية‬
‫إن اإلمام الغزايل كان له وعي دقيق عن ثقافة‬ ‫ألمر ما وجمعها فكر‪.‬الفكر بالكرس إعامل النظر‬
‫الهند وحكامءها وعلامءها‪ .‬تدل األقوال التالية‬ ‫يف اليشء ‪ ،‬كالفكرة والفكرى بكرسهام ‪ ،‬والجمع‬
‫‪182‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫كان لالمام الغزايل دور كبري يف ايقاظ قلوب علامء‬ ‫عليها ‪ ":‬املذهب الثاين ما ينطبق يف االرشاد‬
‫كرياال منذ زمان قديم ‪ .‬وقد نالت كتبه رواجا‬ ‫والتعليم عىل من جاءه مستفيدا مسرتشدا –‬
‫كثريا يف أعامق قلوبهم ‪ .‬وبذلوا جهودهم يف‬ ‫وهذا اليتعني عىل وجه واحد بل يختلف بحسب‬
‫مطالعة كتبه واقتباس علومه ‪ .‬كثري من العلامء‬ ‫املسرتشد فيناظر كل مسرتشد مبا يحتمله فهمه‬
‫يف أنحاء كرياال قد امتلكوا كثريا من الكتب من‬ ‫فأن وقع له مسرتشد تريك أو هندي أو رجل‬
‫البالد األجنبية فقرأوا مصنفاته القيمة وأكبوا‬ ‫بليد جلف الطبع وعلم انه لو ذكر له أن الله‬
‫عليها بال ضجر ‪ .‬الن االمام يقدم أمامهم أفكارا‬ ‫تعاىل ليس ذاته يف مكان وأنه ليس داخل العامل‬
‫جديدة ‪ ،‬وفلسفة عظيمة التي مل ير العلامء ومل‬ ‫والخارجه والمتصال بالعامل والمنفصال عنه مل يلبث‬
‫يسمعوا من قبل ‪ .‬يري علامء يف والية كرياال فيه‬ ‫أن ينكر وجود الله تعاىل ويكذب به فينبغي أن‬
‫مثاال كثريا ‪ .‬ولذا ترجمت كتبهالكثرية اىل اللغة‬ ‫يقرر عنده أن الله تعاىل عىل العرش وأنه يرضيه‬
‫امللياملية ‪ .‬من كتبه املرتجمة اىل امللياملية ‪ :‬احياء‬ ‫عبادة خلقه ويفرح بها فيثيبهم ويدخلهم الجنة‬
‫علوم الدين ومنهاج العابدين واملنقذ من الضالل‪،‬‬ ‫عوضا وجزاء" ‪2‬‬
‫كيمياء السعادة عجائب املخلوقات ‪ ،‬أيها الولد ‪،‬‬ ‫ومن املالحظة أن اإلمام‬
‫مشكاة األنوار ‪ ،‬األسامء الحسنى ‪ ،‬بداية الهداية ‪،‬‬ ‫الغزايل كان متعمقا يف كل علوم التي يتعلق بها‬
‫ولقد نرى يف التاريخ أن كثريا من العلامء‬ ‫واجتهد يف حياته الرتبوية لنيل العلوم والفنون‬
‫الذين قد بذلوا جهودهم يف منطقة العلوم ‪.‬‬ ‫من أنحاء العامل ‪ .‬وكان له نظرة عامة عن الهند‬
‫ويذكرأسامءهم العلامء املخلصون املتخلفون ‪.‬‬ ‫وثقافتها وحضارتها ‪.‬بينام يناقش يف رساته " أيها‬
‫اإلمام الغزايل هو رجل كريم من هذه الطائفة ‪.‬‬ ‫الولد " عن أهمية توفيق العلم باألعامل أشار‬
‫والية كريال هي مشهورة بالعلامء والفقهاء ‪ .‬ويف‬ ‫اىل قوة األسياف الهندية و شهرتها االواسعة ىف‬
‫كريال كان كثري من األماكنة التي تتعلق باملساجد‬ ‫العامل ‪ .‬يقول اإلمام الغزاىل " أيها الولد التكن‬
‫مراكز العلوم ‪ ،‬وهذه الدروس يف كريال أصبحت‬ ‫من األعامل مفلسا والمن األحوال خاليا وتيقن أن‬
‫منارة العلوم املتنوعة واملناقشة العالية ‪ .‬والطلبة‬ ‫العلم املجرد اليأخذ اليد مثاله لو كان عىل رجل‬
‫فيها يدعون ربهم يف بداية دروسهم ونهايتهم‬ ‫يف برية عرشة أسياف هندية مع أسلحة أخرى‬
‫أدعية مخصوصة كام علمها املدرسون هناك‬ ‫وكان الرجل شجاعا وأهل حرب فحمل عليه أسد‬
‫‪ .‬وأما اإلمام الغزايل فهو عامل كبري ذاع صيته‬ ‫عظيم مهيب فام ظنك هل تدفع األسلحة رشه‬
‫يف أنحاء العامل فهو اآلن مذكور اسمه ومدحه‬ ‫عنه بال استعاملها ورضبها – ومن املعلوم أنها‬
‫بعد صالة املغرب السيام يف والية كريال ويضم‬ ‫التدفع اال بالتحريك والرضب ‪.‬فكذا لو قرأ رجل‬
‫الدارسون يف دعائهم هذا الدعاء‬ ‫مائة الف مسألة علمية وتعلمها ومل يعمل بها‬
‫" نور اله السام قلب الغريب كام ‬ ‫ال تفيد اال بالعمل ‪ .‬ومثله أيضا لو كان لرجل‬
‫نورت قلب إمام الناس الغزايل‬ ‫ ‬ ‫حرارة ومرض صفراوي يكون عالجه بالسكنجبني‬
‫والكشكات فاليحصل الربءاال باستعاملها " ‪3‬‬
‫يارب أعط لنا علام وفهام كام ‬
‫أعطيت ياربنا للشيخ الغزايل‬ ‫ ‬ ‫تأثري أفكار الغزايل يف والية كرياال‬
‫تأثيرأفكاراإلمام الغزالي في السيناريو العربي في والية كيراال‬ ‫‪183‬‬
‫الدين ( يف مقررات افضل العلامء والدرجات‬ ‫يدل هذا الدعاء اىل أهمية مكانة اإلمام الغزايل‬
‫البكالييورية تحت الجامعات يف كرياال )‬ ‫يف اعامق قلوب علامء كريال ‪" .‬بداية الهداية "‬
‫نشأة املعاهد الجديدة يف والية كرياال‬ ‫كتاب مشهور لإلمام الغزايل الذي أقرت جمعية‬
‫العلامء بجنوب كريال للمدارس التي تحتها‬
‫اآلن تقوم الجامعات االسالمية للتعليم االسالمي‬
‫للدراسة ‪.‬‬
‫العايل بتصالح ودي بني التعاليم التقاليدية‬
‫والحديثة وبني العلوم االلهامية واملكتسبة ‪.‬‬ ‫ولقد منكن أن نري أن أفكار االمام الغزايل‬
‫كانت الدراسة االسالمية يف األيام املاضية غري‬ ‫قد تأثر يف قلوب علامء كرياال‪ .‬كثريمن العلامء‬
‫مرضية ‪ ،‬ألن الدارسني يف املساجد هم الذين‬ ‫ترجموا مؤلفات العزايل يف اللغة املليامل قبل‬
‫اليهتمون بالرتبية املادية ‪ .‬وهم يعتربون أن‬ ‫استقالل الهند وان مام يجدر بالذكر العمل القيم‬
‫العلوم االسالمية التتفق بالعلوم املادية ‪ .‬بل‬ ‫من قبل وكام عبد القادر املولوي الذي نرش‬
‫علامء كرياال مثل وكام عبد القدر املولوي (‪1932‬‬ ‫ترجمة كيمياء سعادة يف املجلة الشهرية املسلم‬
‫‪ )1873-‬وتلميذه يف محمد مويتني (‪-1967‬‬ ‫سنة ‪1914‬ومنهم يك م نورالدين مولوي ترجم‬
‫‪ )1899‬وغريهام من العلامء وهم يبذلون‬ ‫بداية الهداية سنة ‪ 1966‬عىل عنوان منشورات‬
‫جهدهم يف اشاعة أفكاراالمام الغزايل يف مجتمع‬ ‫تنوير ومنهم موتانيشرييل م كوياكويت صاحب‬
‫كرياال ‪.‬‬ ‫الذي كان متضلعا يف الفلسفة االسالمية ترجم‬
‫مشكاة االنوار سنة ‪ 1969‬ويف سنة ‪ 1977‬ترجم‬
‫اما املجتمع االسالمي يف والية كرياال فقد امتازت‬
‫احياء علوم الدين بقلم م يف كونجو أحمد مولوي‬
‫عن غريها من الرتقية والتقدمة روحيا وماديا‬
‫وكذا ترجم الشيخ شميم كتبا كثريا حول االمام‬
‫الن املسلمني هنا يفهمون مشكالت املجتمع‬
‫الغزايل مثل احياء علوم الدين (مخترص ) كتاب‬
‫االسالمي ويجتهدون لرتقية مستوى حياتهم‬
‫النكاح و أيها الولد و الحكمة يف مخلوقات‬
‫املادية والروحية ‪ .‬أما مجتمع كرياال فقد استقبلوا‬
‫الله ‪ .‬ومنكن أن نرى أن قسم اللغة العربية قد‬
‫افكار االمام الغزايل ‪ .‬ويحاولون يف مقرراتهم‬
‫أصدركتابا مثينا حول االمام الغزايل سنة ‪. 2011‬‬
‫الضامم العلوم املتجددة دينية كانت أم مادية ‪.‬‬
‫وكذا نرى أن بربودانام ( مجلة اسالمية يف اللغة‬
‫وأهل كرياال قد رغبوا يف تأسيس املعاهد االسالمية‬
‫امللياملية ) ‪.‬أصدر بربودانام يف سنة ‪ 2012‬عمال‬
‫التي هناك تدرس العلوم املتنوعة بناء عىل أفكار‬
‫مثينا حول أعامل الغزايل وأفكاره ‪.‬هكذا كثري من‬
‫االمام الغزايل املذكورة التالية ‪.‬‬
‫الناس يشتغلون ويذكرون يف أفكار االمام الغزايل‬
‫فعلامء علم التوحيد اإلطالق هم األنياء وبعدهم‬ ‫يف أنحاء األرض ‪ .‬وتلك األفكار تقدم أمامهم عاملا‬
‫العلامء الذين هم ورثة األنبياء ‪ ،‬وهذا العلم وإن‬ ‫جديدا عن االسالم ‪.‬‬
‫كان رشيفا يف ذاته كامال يف نفسه ال ينفي سائر‬
‫مؤلفاته يف املدارس االسالمية ‪ :‬بداية الهداية ‪،‬‬
‫العلوم بل اليحصل اال مبقدمات كثرية ‪ ،‬وتلك‬
‫منهاج العابديناىل جنة رب العاملني ( سبعة كتب‬
‫املقدمات ال تنتظم إال من علوم شتى مثل علم‬
‫)‬
‫الساموات واألفالك وعلم جميع املصنوعات ‪،‬‬
‫ويتولد عن علم التوحيد علوم أخر كام سنذكر‬ ‫مصنفاته يف الرتبيات العالية ‪ :‬احياء علوم‬
‫‪184‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫إن فصل املتدولجيا أو علم املنهج عنرص مكمل‬ ‫أقسامها يف مواضعها( ‪) 4‬‬
‫من املنهج الجديد ‪ .‬ومن املستحيل أن يتعلم كل‬ ‫ان الطب والحساب من فروض الكفايات ‪ ،‬فان‬
‫يشءرضوري داخل الصف ضمن الوقت املحدود‬ ‫اصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات‬
‫‪ .‬فيوجه فصل املتدولوجيا الطلبة اىل الوقوف‬ ‫‪ :‬كالفالحة والحياكة والسياسة بل والحجامة‬
‫عيل منهج اللغة العربية ومجاالتها املختلفة ‪.‬‬ ‫والخياطة ‪ ،‬فانه لوخال البلد عن الحجام تسارع‬
‫وهذا يزود لهم السياق األكرب ونظرة املتدولوجيا‬ ‫الهالك اليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهالك‬
‫الخلفية لدراسة العربية وأدبها شامال يف املستقبل‬ ‫‪ ،‬فان الذي أنزل الداء ‘ أنزل الدواء وأرشد اىل‬
‫يقول اإلمام الغزايل رحمه الله يف كتابه "ميزان‬ ‫استعامله ‪ ،‬وأعد األسباب لتعاطيه (‪)5‬‬
‫العمل " تحت عنوان وظائف املتعلم واملعلم يف‬ ‫ولقد فهم علامء كرياال أن مستقبل االسالم يف‬
‫العلوم املسعدة ‪" ،‬الوظيفة الخامسة ‪ :‬للمتعلم‬ ‫العلامء املاهرين الذين يستطيعون أن يقدموا‬
‫أن ال يدع فنا من فنون العلم ونوعا من أنواعه‬ ‫أفكار االسالم بأحسن وجه وبأجمل شكل يف أي‬
‫إال وينظر فيه نظرا يطلع به عىل غايته ومقصده‬ ‫مجتمع ‪.‬‬
‫وطريقه ‪ .‬ثم إن ساعده العمر واتته األسباب‬
‫يجب عىل العلامء البارعني االستامع اىل أقوال‬
‫طلب التبحر فيه ‪ .‬فإن العلوم كلها متعاونة‬
‫الغزايل لبزوغ النجوم الجديدة يف العامل ملستقبل‬
‫مرتابطة بعضها ببعض ويستفيد منه يف الحال‬
‫االسالم البهيج ‪.‬‬
‫حتى اليكون معاديا لذلك العلم بسبب جهله به‬
‫فإن الناس أعداء ما جهلوا "(‪) 6‬‬ ‫تأثري االمام الغزايل يف حقل الرتبية العالية‬
‫هنا يوضح اإلمام الغزايل أفكاره العظيمة التي‬ ‫الرتبية عملية متجددة ومتطورة تتفاعل مع‬
‫قبله العرص املعارص ‪ ،‬ألن الجامعات واملعاهد‬ ‫الرتاث االنساين ماضيا وحارضا ومستقبال ‪ .‬فهي‬
‫العالية يف مجال الرتبوية ترشح للطلبة مقررة‬ ‫تعكس فلسفة املجتمع وأفكاره وطموحاته‬
‫جديدة ‪،‬بحيث متنح له فرصة كبرية لدخول‬ ‫و قيمه واتجاهاته ‪ .‬الرتبية يف العرص الراهن‬
‫مناهج التعلم العايل ‪ ،‬و تقدم الجامعات "‬ ‫ليست مجرد تحصيل املعرفة فقط أو الوقوف‬
‫املتدولوجيا "هواملوضوع الجديد ‪ .‬ويقصد‬ ‫عىل املعلومات الجديدة بالنسبة اىل الطلبة‬
‫باملتدولوجيا هو مدخل اىل الوقوف عىل مناهج‬ ‫‪ .‬فالرتبية باملعنى الحديث تعني تكامل كل‬
‫املوضوعات املرتبطة بفن واحد‪ ،‬ألن اإلمام‬ ‫املعارف واملهارات واالتجاهات واألفكار‪ .‬إن‬
‫الغزايل يراقب اوضاع الطلبة وظروفهم ‪ ،‬فيفهم‬ ‫الرتبية العلمية الفعالة هي التي تعكس يف‬
‫أن لكل طالب اليحصل له فرصة كثرية للتعلم ‪،‬‬ ‫أهدافها وأساليبها التعليمية اهتامما بتعليم‬
‫حيث أن بعض الطالب يخرج من بيته جائعا ‪،‬‬ ‫التالميذ والطلبة بقدر معني ومناسب من‬
‫فيميش يف الشوارع باكيا ‪ ،‬ثم يدخل يف املدرسة‬ ‫املعرفة العلمية الوظيفية ‪ .‬وإن مهارات التفكري‬
‫ذابال ‪ ،‬يسمع منها ما يرغب فيه ويرتك منها‬ ‫واتجاهاته وتطبيقاته كلها هي الغايات الشاملة‬
‫ما يرغب عنه ‪ .‬أما املعاهد الرتبوية فال بد‬ ‫تحققها الرتبية باملدرسة ‪ ،‬التي تقوم عىل تنفيذ‬
‫أن تكون مراكز اعدادية ‪ ،‬ألن من املستحيل‬ ‫فلسفة الرتبية يف امليدان الرتبوي ‪.‬‬

‫تأثيرأفكاراإلمام الغزالي في السيناريو العربي في والية كيراال‬ ‫‪185‬‬


‫ولإلمام الغزايل دور عظيم يف احياء العلوم‬ ‫أن يتعلم كل يشء رضوري داخل الصف ضمن‬
‫الدينية يف أنحاء العامل كام له أمر مهم يف وعي‬ ‫األوقات القصرية ‪.‬اقرتح اإلمام الغزايل يف ذلك‬
‫اعامق قلوب الناشئني واملدرسني‪ .‬وقدم أمامنا‬ ‫املوضوع بأن ملجتمع الطلبة رضورية النظر يف‬
‫خطة رسمية تساعد الطلبة يف مسريته الرتبوية‬ ‫كل العلوم نظرة اطالع أولية رسيعة ‪ ،‬ليعرف‬
‫‪ .‬وله تأثري كبري يف الفقهاء والفالسفة واملتكلمني‬ ‫به مقصده وغايته ‪ ،‬ثم يختار لنفسه بعده ما‬
‫والصوفية السيام يف أعاملهم القيمة ‪ .‬ولقد أثر‬ ‫يتعمق به ‪ .‬وبهذا يتضح اإلمام منهجيته يف اطار‬
‫اإلمام الغزايل يف عدد كبري من الفالسفة األوربني‬ ‫التعلم والتعليم ‪ .‬وهذا الطريق طريف ومطابقة‬
‫مثل رينيه ديكارت وكانت وغريهام ‪.‬‬ ‫ملناهج الرتبوية املعارصة ‪.‬‬
‫لقدخلدت أفكاره العالية وأعامله الجيدة تذكاره‬ ‫خامتة‬
‫الجلية رشقا وغربا‪ .‬ال شك أن اإلمام الغزايل قد‬ ‫هو االمام الغزايل الذي نالت شهرته يف انحاء‬
‫فتح أمامنا أبواب البحوث واملناقشات بحياته‬ ‫العامل والذي أشعل من نوره عامل مفكر للمستقبل‬
‫املثالية المياثل لها ‪ .‬وتهب منها ريح رصرص قد‬ ‫البهيج ‪ .‬واالمام هو قد فتح أمامنا أبواب املغلقة‬
‫تقلع جذور الشجرة الضليعة ‪ .‬ومنكن أن نقول‬ ‫ومزق كل أوراق رميمة وأنقي قلوب الخمول‬
‫إن الشجرة التي غرسها اإلمام الغزايل هي ظالل‬ ‫والجمود ‪ .‬وغرق من أنهار العلوم الؤلؤ واملرجان‬
‫الطلبة والباحثني والناقدين يف أرجاء األرض ‪.‬‬ ‫‪ .‬وفتق امامنا مشوه وجوه االسالم‬
‫الهوامش‬
‫مبرص ‪ 1343‬هـ‬ ‫الدكتور الشيخ خالد محمد محرم ‪ -‬الرتبية اإلسالمية‬ ‫‪ 1‬‬
‫اإلمام الغزايل – الرسالة اللدنية ص – ‪ 59‬دار الكتب‬ ‫ ‪4‬‬ ‫لألوالد منهج وميادين ص ‪ 82‬دارالكتب العلمية‬
‫العلمية بريوت ط ‪( 2006 -‬‬ ‫بريوت لبنان ‪2006‬م‪.‬‬
‫اإلمام الغزايل ‪ -‬احياء علوم الدين ‪16/1‬‬ ‫ ‪5‬‬ ‫اإلمام الغزايل ‪ -‬ميزان العمل ‪ -‬ص ‪ 163‬املطبعة‬ ‫‪ 2‬‬
‫اإلمام الغزايل ‪ -‬ميزان العمل ص ‪ 118‬املطبعة العربية‬ ‫ ‪6‬‬ ‫العربية مبرص ‪ 1343‬هـ‬
‫مبرص ‪ 1342‬هـ‬ ‫اإلمام الغزايل ‪ -‬أيها الولد ‪ ،‬ص‪ 29‬املطبعة العربية‬ ‫ ‪3‬‬

‫‪186‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫جتليات الإبداع ال�سردي يف ظل املفاهيم النقدية‬
‫للروائيني املعا�صرين (طه وادي منوذجا)‬

‫د‪.‬نورة بنت محمد املري‬


‫عضو مجلس الشورى السعودي‬
‫أستاذ مساعد في جامعة تبوك‪ ،‬اململكة العربية السعودية‬

‫التأثري عىل مبدعي الرواية ‪.‬‬ ‫مقدمة‪:‬‬


‫فاختيار الدكتور طه وادي ليكون مثاال لهذا‬ ‫تعد ظاهرة املزاوجة بني اإلبداع والنقد من‬
‫التجيل مل يحرض اعتباطا وإمنا كان إىل جانب‬ ‫الظواهر القدمية املوجودة يف الشعر منذ العصور‬
‫ماسبق غزارة منجزه اإلبداعي إىل جانب منجزه‬ ‫العربية القدمية ‪ ،‬فكل شاعر يف داخله ناقد‬
‫النقدي شفيعا النفراده بهذه الدراسة‪ ،‬عدا أن‬ ‫ومتذوق للنص الشعري ‪ ،‬لكن فن الرواية هو من‬
‫هذا الناقد الروايئ الجليل قام بتدريس النظريات‬ ‫الفنون املعارصة التي تحتاج إىل تقيص تجلياتها‬
‫الرسدية زمنا طويال امتد إىل مايقارب ربع القرن‬ ‫عند النقاد الذين مارسوا كتابة الرواية ‪ ،‬خاصة‬
‫‪ ،‬أما عن سبب اختيار رواية “ عرص الليمون “‬ ‫أن هذا الفن من الفنون التي استوردها العرب ‪،‬‬
‫تحديدا فهو يرجع إىل أن هذه الرواية من أحدث‬ ‫فهل حرص الناقد املتخصص يف تطبيق النظريات‬
‫رواياته وأكرثها تطبيقا للنظريات التي كان‬ ‫الغربية والنظريات الرسدية التي يؤمن بها عىل‬
‫يؤلف حولها كتبه النقدية ويعطي من خاللها‬ ‫نفسه أثناء كتابته لرواياته أم أن هذه النظريات‬
‫محارضاته العلمية يف الرسد ال سيام أنها كتبت يف‬ ‫الرسدية منفصلة عن واقع النص اإلبداعي الذي‬
‫مكة أثناء ابتعاثه للتدريس يف جامعة أم القرى‬ ‫يقوم بكتابته ؟‬
‫‪ ،‬وكان واض ٌحا عليها ابتداء من الغالف والعنوان‬ ‫لعل اختيار طه وادي كان بسبب االزدواجية‬
‫والعتبة تأثري مامرسة الكاتب للنقد ‪..‬‬ ‫التي ُعرف بها هذا الكاتب ‪ ،‬إذ زاوج بني اإلبداع‬
‫وأول ماكان يؤمن به هذا األستاذ الفاضل –‬ ‫والنقد ‪ ،‬فطمحت الباحثة إىل كشف خصائص‬
‫رحمه الله‪-‬ويكرره عىل مسامع طالبه الذين‬ ‫إبداع هذه الفئة من الكتاب وأثر قراءتهم‬
‫كنت إحداهم هو أن للبنية الرسدية مفهومان‬ ‫النقدية عىل إبداعهم ‪ ،‬ناهيك عن مدى تطبيق‬
‫‪ :‬مفهوم عام تداوله النقاد يف العرص الحديث‬ ‫الكاتب للقواعد النقدية التي يؤمن بها ‪.‬‬
‫‪ ،‬وهو البناء الفني يف القصة ‪ ،‬ويضم الراوي‬ ‫والسبب الثاين الختيار الكاتب أنه من اتباع‬
‫والشخصية والزمان واملكان واللغة ‪ ،‬وهي بهذا‬ ‫املذهب الواقعي الذي سيطر طويالً عىل الساحة‬
‫املفهوم تشمل الرسد والحوار ‪.‬‬ ‫األدبية يف العرص الحديث ‪ ،‬وما زال مستمرا ً يف‬
‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪187‬‬
‫األرشار ‪ ،‬فتكتشف الرشطة أن العصابة ليست‬ ‫وتتفاوت اللغة بني التجارب اإلبداعية ‪ ،‬مام‬
‫من الفقراء كام هو املعتاد وإمنا من األغنياء ‪،‬‬ ‫يدل عىل أن لكل روايئ أسلوبه الخاص بصياغته‬
‫وهذا بدوره يحمل أيضاً دالالت رمزية ‪.‬‬ ‫الفنية‪ 1.‬ونستطيع عن طريق اللغة أيضاً تفسري‬
‫وحسن الشاعر (بطل الرواية) يرفض الزواج‬ ‫تقاطع التناصات الدينية والرتاثية والثقافية يف‬
‫بعد أن شاعت منه هالة ‪ ،‬ويسرتجع أحداثاً يف‬ ‫النص الروايئ كام سيتضح يف التحليل الرسدي‬
‫حياته فتكتشف ابعاد شخصيته ‪ .‬ويركز املؤلف‬ ‫لرواية عرص الليمون وحرص الكاتب عىل استثامر‬
‫عىل أهمية الصداقة ‪ ،‬وكيف كان يحيط حسن‬ ‫التناص يف صناعة أسلوبه الخاص يف الكتابة‪.‬‬
‫نفسه مبجموعة من األصدقاء األوفياء ‪ .‬وينضم‬ ‫وعندما يأيت الحديث عن اللغة ومستوياتها‬
‫حسن إىل املعارضة تلبية لرغبة محبوبته (هالة)‬ ‫قسم يف الكتب النقدية إىل‬ ‫فإن النص اللغوي يُ ّ‬
‫التي تبقى عالقة يف ذهنه ‪ ،‬فيدافع عن العدل‬ ‫(قسمني) ‪ :‬الرسد والحوار ‪ ،‬حيث يقوم كل منهام‬
‫ويهاجم الظلم بكافة أشكاله عن طريق قلمه‬ ‫عىل اصوات تكمن فيه ‪ ،‬ففي الرسد يسمع صوت‬
‫الذي يسخره دفاعاً عن الحق ‪.‬‬ ‫غري مبارش ويف الحوار تسمع أصوات مبارشة‬
‫والرواية يسودها جو من الغموض بعد مقتل‬ ‫لشخصيات الرواية ‪.2‬‬
‫الشاعر الذي ميثل املظلومني يف املجتمع ‪ .‬كام‬ ‫وقد استخدمت الباحثة املنهج البنايئ الفني يف‬
‫تكشف الرواية عن فئة من املظلومني متثلهم‬ ‫نقد هذه الرواية ‪ ،‬باعتبار أن هذا املنهج أقدر‬
‫(عطيات) عندما حاولت أن تتخىل حتى عن‬ ‫املناهج عىل كشف املفاهيم النقدية للكاتب‬
‫عرضها أغىل ما متلكه املرأة الرشيفة بسبب‬ ‫ومدى تجليها يف كتاباته ‪.‬‬
‫هجرة زوجها ووقوعها فريسة الستغالل املشاريع‬ ‫وترتب عىل هذا االختيار تفنيد املباحث كالتايل ‪:‬‬
‫االنفتاحية‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬الراوي (الضمري) ‪.‬‬
‫فيتصدى لها (حسن) مثال الطهر والضمري‬
‫ثانياً ‪ :‬الزمن (الحركة الرسدية الرسيعة)‪.‬‬
‫لينقذها متثالً لدفاعه عن هذه الفئة ‪ ،‬وتنتهي‬
‫الرواية نهاية مأساوية مفتوحة ليكتمل املشهد‬ ‫ثالثاً ‪ :‬الوصف (الحركة الرسدية البطيئة)‪.‬‬
‫املأساوي الذي صوره الكاتب يف هذه الرواية‬ ‫رابعاً ‪ :‬اإليقاع ‪.‬‬
‫بسؤال مهم ‪ ..‬وهو ‪:‬‬ ‫*رواية “عرص الليمون “‬
‫من قتل الشاعر ؟!‪.‬‬ ‫هذه الرواية تصور حياة فئة من املجتمع املرصي‬
‫*املبحث األول ( الراوي ) ‪-:‬‬ ‫(الطبقة الربجوازية الصغرية املثقفة) وذلك من‬
‫إن الراوي الذي استخدمه الكاتب ليس بسيطاً‬ ‫خالل رصد مجموعة من العالقات الشخصية‬
‫‪ ،‬مام يؤكد حرص الكاتب عىل تطبيق مايعتمد‬ ‫التي ترتبط بالشخصية املحورية الصحفي (حسن‬
‫عليه من نظريات رسدية ‪ ،‬فضمري املتكلم (أنا)‬ ‫الشاعر) ‪ ،‬فعالقة الحب التي تربط حسن بهالة‬
‫يخفي وراءه الضمري (هو) والضمري (أنت) أو‬ ‫‪ ،‬ثم اعتداء عصابة عليها وهي التي متثل الطهر‬
‫“أنتم” وحتى يسهل معرفة نوع الراوي يف رواية‬ ‫والعفاف يف وضح النهار يحمل دالالت رمزية‬
‫‪ ،‬ثم متوت وهي تجهض بذرة من بذور هؤالء‬
‫‪188‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫رشاعة الزجاجية) (ص‪.)3‬‬ ‫الضوء يبدو باتاً خلف ال ّ‬ ‫(عرص الليمون) فقد عمدت الباحثة إل تقسيمها‬
‫ثم يعود مرة أخرى الستخدام (الراوي املشارك)‬ ‫عىل النحو التايل ‪:‬‬
‫نحو ‪( :‬هو الذي ذكرين بذلك) (ص‪ .)3‬والروايئ‬ ‫‪-1‬القسم األول ‪:‬يبدا من أول الرواية إىل بداي‬
‫عندما يراوح بني استخدام الراوي املشارك‬ ‫(ذكريات صحفي ضال ) ‪ ،‬فصل (‪.)4-1‬‬
‫والراوي العليم بكل يشء يف بداية الرواية يهدف‬ ‫‪ -2‬القسم الثاين ‪ :‬يبدأ من بداية (ذكريات‬
‫إىل جذب القارئ ملتابعة األحداث ‪ ،‬فهذا الرتاوح‬ ‫صحفي ضال إىل نهاية وال يزال النهر يجري) وهو‬
‫الذي استخدمه الكاتب أحد عنارص التشويق‬ ‫أطول األقسام ‪ ،‬حيث يحوي ثلثي الرواية فصل‬
‫الذي يجب أن مييز بداية الرواية لتشد القارئ‬ ‫(‪.)15-5‬‬
‫إىل أحداث الرواية من البداية ‪ ،‬ثم يعود الروايئ‬
‫‪ -3‬القسم الثالث ‪ :‬يبدأ من بداية (هناك ‪....‬‬
‫الستخدام ضمري الغائب (الراوي من الخلف)‬
‫يشء ما) إىل نهاية (من قنل الشاعر) وهو أقرص‬
‫نحو ‪( :‬نظر حمدي الحسيني إىل ساعة يده ‪)...‬‬
‫األقسام يف الرواية ‪ ،‬فصل (‪.)17-6‬‬
‫(ص‪.)3‬‬
‫وملعرفة نوع الراوي يف الرواية انتقلت إىل الفصل‬
‫األول (إخوان الصفا) لتالحظ أن الرواية بدأت‬
‫باستخدام ضمري الغائب (الراوي العليم بكل‬
‫يشء) نحو ‪( :‬أحس نبضات قلبه تخفق بشدة‬
‫‪ ،‬وأنفاسه حارة ساخنة ‪ ..‬وعرق بارد يتصبب‬
‫من جبهته وصلعته الخفيفة) (ص‪ : )3‬ثم انتقل‬
‫يجسد تراوح الراوي يف هذا‬‫فهذا ارسم البياين ّ‬ ‫مبارشة يف السطر الثاين إىل استخدام (الراوي‬
‫الفصل الذي يشكل (بداية الرواية) ثم استقرار‬
‫املشارك) نحو ‪( :‬لعن الله العجز ‪ ..‬والسالمل‬
‫باقي الفصل عىل وترية را ٍو واحد هو (الراوي‬
‫العالية ‪.‬‬
‫العليم بكل يشء)‪.‬‬
‫ملاذا ترص عىل السكن يف الدور الرابع يا حسن ؟!‪..‬‬
‫الفصل الثاين ( يف مهب الريح ‪:‬‬ ‫سامحك الله ‪ ..‬هذه ليلتك ‪ ..‬ال داعي‪( )..‬ص‪.)3‬‬
‫استمر (الراوي من الخلف) صيغة الغائب برسد‬
‫وهناك تالحظ تداخل الضامئر الذي ُعرف يف‬
‫األحداث إلعطاء الوصف الرسدي طابع الحياد‬
‫بعض الروايات الجديدة ‪.‬‬
‫‪ ،‬فيصف حياة شخصية مهمة يف حياة البطل‬
‫(حسن الشاعر) ‪ ،‬وأشد أصدقائه ارتباطاً به وهو‬ ‫فالراوي الذي تشعر أنه يستخدم صيغة املتكلم‬
‫(حمدي) ‪ .‬ويتخلل هذا الوصف الحوار الخارجي‬ ‫(حمدي) يف بداية الرواية (هو) يخاطب حسن‬
‫بني عائلته ‪ ،‬وإن كان أقل من الفصل السابق ‪.‬‬ ‫عن طريق الحوار الداخيل (املونولوج) ‪ .‬ثم يعود‬
‫الروايئ الستخدام ضمري الغائب (الراوي العليم‬
‫فيصور الراوي الصفاء العائيل هنا ليعقبه خرب‬
‫بكل يشء) وهو الراوي املحايد ‪ ،‬ليتمكن من‬
‫كالريح يك ّدر صفوها وهو خرب موت البطل‬
‫وصف املكان بنظرة فوقية نحو (ضغط بشدة‬
‫(حسن الشاعر) ‪ ،‬ثم يعلل الراوي من الخلف‬
‫عىل جرس الباب ‪ .‬الباب طراز كالسييك قديم ‪.‬‬
‫نزول هذا الخرب كالصاعقة عليهم – يف آخر هذا‬
‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪189‬‬
‫يف لحظة يصبح اإلنسان الحي املحبوب العاقل‬ ‫يسد ش ّدة أوارص الصداقة بني‬ ‫الفصل – بوصف ّ‬
‫الفاعل ‪ ..‬جثة بالية وكومة عفنة ‪ ..‬جثة بالية‬ ‫ويجسد أهمية هذه‬ ‫ّ‬ ‫حمدي وحسن (املقتول) ‪،‬‬
‫وكومة عفنة ‪ .‬ملاذا الحزن عىل املوىت يقطع‬ ‫الشخصية املقتولة بإعطائها صفات وقيم مثالية‬
‫القلوب ‪ )..‬إىل أن يقول ‪ ( :‬الحياة ال تستقر وال‬ ‫‪ ،‬يصعب عىل من يحملها أن يعيش يف هذا‬
‫تستقيم إال بالعدل ‪.‬أقول ‪ :‬ال عدل إال إذا تعادلت‬ ‫الزمن املوبوء فيجعله ‪ ،‬الراوي جميالً قلياً وقالباً ‪،‬‬
‫القوى ‪( )!!....‬ص‪.)47‬‬ ‫ليتعاطف القارئ معه ويتابع أفعاله بشوقٍ ‪ ( :‬مل‬
‫فيكشف ( الراوي من الخلف) عن الشخص‬ ‫يكن حسن بالنسبة إليه شخصاً عادياً ‪ ،‬ميكن أن‬
‫املجوب ‪ ،‬لحقيقة يريد املؤلف أن يوصلها ‪،‬‬ ‫يجد له بديالً ‪ )...‬غىل أن يقول ‪( :‬العامل املوبوء‬
‫ومغزى يسعى إليه عن طريق ما يجري للشخصية‬ ‫ال يتسع لطهارتهم ‪ ..‬ابن موت بحق ‪ .‬حسن كان‬
‫املحورية (حسن) من أحداث مأساوية‪.‬‬ ‫رجالً جميالً يف كل يشء ‪ ،‬حتى يف قوامه النحيل‬
‫الرشيق‪( )...‬ص‪.)3‬‬
‫هذا بخصوص القسم األول من الرواية الذي‬
‫يتكون من أربعة فصول ويغلب عليه (الراوي‬ ‫*الفصل الثالث ‪( :‬أوراق رسمية ) ‪:‬‬
‫العليم بكل يشء) ‪.‬‬ ‫يف هذا الفصل يستخدم الروايئ أكرث الرواة‬
‫أما القسم الثاين ‪ ،‬فيشمله ذكريات صحفي ً‬
‫ضال ‪:‬‬ ‫ج ّدة وهو (املتعدد األصوات ) لتقص كل‬
‫شخصية حدث الجرمية من وجهة نظرها‬
‫الذي يتكون من عرشة فصول يجمعها نواع واحد‬
‫ومن ح ّد معرفتها ‪ ،‬ليعطي الكاتب الجرمية‬
‫من الرواة وهو (الراوي املشارك) ‪ ،‬فريى أحداث‬
‫صورها وأبعادها املتكاملة التي قامت بدور‬
‫هذا القسم (الراوي‪/‬البطل) حسن الشاعر ‪ ،‬وهو‬
‫الراوي املتعدد األصوات ‪ ،‬وعىل الرغم من أنها‬
‫الشخصية املحورية يف الراوية ‪ ،‬ليتبني ما ساد يف‬
‫شخصيات مسطحة وهي ‪( :‬ضابط املباحث‬
‫الرواية من غموض يف األحداث التي تتعلق به ‪:‬‬
‫‪ ،‬مفتش املباحث الجنائية ‪ ،‬الطبيب الرشعي ‪،‬‬
‫من هو ؟!‪ ..‬كيف قتل ؟!‪ ..‬ملاذا؟! ما صفاته ؟!‪..‬‬
‫وكيل نيابة الدقي) إال انها أدت هذا الدور لفرتة‬
‫ما عمله ؟! ما طبيعته ؟! وما جذور مأساته ؟!‪..‬‬
‫زمنية محددة قصرية انتهت بانتهاء مهمتهم‪.‬‬
‫فالراوي املشارك يتسلم زمام رواية األحداث –‬
‫التي جاءت متأخرة عن مكانها الطبيعي يف أول‬
‫*الفصل الرابع ‪( :‬إنهم ‪ ..‬يطفئون النور) ‪:‬‬
‫الرواية – ليحيك للمخاطب ما فاته معرفته ‪،‬‬ ‫يعود (الراوي من الخلف ) ليحيك ابعاد املأساة‬
‫أحس الكاتب أن (الراوي من الخلف)‬ ‫فبعد أم ّ‬ ‫‪ ،‬ويصف شعور الشخصيات تجاه مقتل البطل‬
‫متكن من جذب القارئ إىل أحداث الرواية –‬ ‫(حسن الشاعر) ‪ ،‬ويتخلل هذا الوصف الحوار‬
‫فأصبحت توجهات القارئ منص ّبة عىل معرفة‬ ‫الخارجي بني الشخصيات ‪ ،‬لتضفي الحركة عىل‬
‫هذا الشخصية ‪ ،‬ومكوناتها ‪ ،‬وسبب متيزها – نقل‬ ‫هذا املشهد الحزين (مقتل الشاعر)‪ ،‬ويف نهاية‬
‫رسد األحداث إىل هذه الشخصية التي يتفاعل‬ ‫الفصل يصور (الراوي من الخلف) املأساة من‬
‫معها القارئ ‪،‬ليكون أكرث قرباً منها ‪ ،‬فرتوي أغلب‬ ‫وجهة نظره هو مبا أنه شخصية محايدة ‪ ،‬ليصور‬
‫الرواية بصيغة املتكلم باإللغاء الوهمي للمسافة‬ ‫أحاسيس ال متلك الشخصيات شجاعة اإلدالء‬
‫بني زمن املغامرة ‪ ،‬وزمن الرواية ‪ ،‬فريوي (حسن)‬ ‫بها نحو ‪( :‬املوت أمر كريه ‪ ..‬بشع ‪ ...‬مخيف ‪..‬‬
‫‪190‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫(ضمري املخاطب) ‪( .‬مات من عائلة الشاعر عرشة‬ ‫قصته يف الوقت نفسه الذي حدثت فيه ‪ ،‬وهذا‬
‫أفراد يف الحرب مع إرسائيل ‪ ..‬ورئيس التحرير‬ ‫يسمح بتربير االسرتجاع والعودة إىل الوراء بصورة‬
‫يطلب مني أن ابارك اتفاقية السالم ‪ )...‬استخدم‬ ‫أكرث وضوحاً ‪ .‬فرتى أن الضمري (أنا) يدل عىل‬
‫(ضمري الغائب) يف الحديث عن نفسه رغم أنه‬ ‫الشخص الحقيقي (حسن) الذي يروي قصته‬
‫كان بإمكانه استخدام ضمري املتكلم (عائلتي) ‪.‬‬ ‫‪ ،‬لكن الضمري (أنا) من نوع آخر يختلف كل‬
‫(رغم كفاءيت يف العمل ‪ ..‬قررت – بعد سنتني‪ -‬أن‬ ‫اإلختالف عن (أنا) يف خطاب األسلوب ‪ ،‬ألن األمر‬
‫أترك املحاماة ‪ ،‬التي تدافع من خاللها عن مظلوم‬ ‫يتعلق بشخص محجوب” ‪ ..‬ورغم أن (الراوي‪/‬‬
‫واحد ‪ ..‬إىل الصحافة التي تدافع من خاللها عن‬ ‫البطل) حسن الشاعر يشدد عىل عدم قراءة هذه‬
‫املظلومني يف الوطن كله ‪ .‬وبات ليايل دون طعام‬ ‫الذكريات الذي يشعرك بانها خاصة بهد وحده‬
‫‪ ..‬دون حنان ‪ ،‬دون أمان ‪ ،‬حتى من أقرب الناس‬ ‫فيصوغها بضمري املتكلم ‪ ،‬إال أن الظاهر يشء‬
‫إليه ‪( )..‬ص‪. )121‬‬ ‫والحقيقة يشء آخر ‪ ..‬ففي مطلع التأمل األول‬
‫فالكلامت التي يديل بها الشاهد بصيغة املتكلم‬ ‫تظن أن الضمري (أنا) يدل عىل حسن نفسه ‪:‬‬
‫يربزها استخدام صيغة املخاطب ‪ .‬فالخطاب‬ ‫(الحب ‪ ..‬يف حيايت الظاهرية ال وجود له ‪ ..‬وال‬
‫الروايئ يستلزم استخدام هذا التداخل يف الضامئر‬ ‫دليل يؤكده ‪ ،‬فأنا غري متزوج ولست عىل عالقة‬
‫(يا قلبي الحزين ‪ ..‬أخريا ً ستعرف السعادة طريقها‬ ‫عشق بأية امرأة ‪ ..‬إذن عن أي حب أتكلم ؟!)‬
‫إليك ‪ .‬تفاءل ‪ ،‬وابدأ الحياة من أجل هالة الجميلة‬ ‫(ص‪ . )57‬إال أنك رسعان ما تدرك أن املذكرات‬
‫‪ .‬حظنا من السعادة يف الحياة يكون بنس القدر‬ ‫التي يرويها (حسن) ليست قصته الخاصة ‪ ،‬بل‬
‫الذي متنحنا إياه من الحب ‪( )!! .‬ص‪.)127‬‬ ‫هي مغامرة يريد أن يعيشها القارئ ‪( :‬الحب‬
‫الذي أؤمن به هو الحب الظاهر النقي الذي‬
‫(ونحن الرجال أطفال كبار ‪ ..‬ال لذة ألي يشء‬
‫يسعدك ويسعد من حولك ‪ ،‬ويجعلك تتخذ أنبل‬
‫نحققه أو مال نكسبه إذا كانت هناك امرأة‬
‫املواقف ‪ ،‬وتقول أشجع اآلراء) (ص‪.)57‬‬
‫تحبها ‪ ..‬وتحبك ‪ ،‬إذا نظرت إليها رستك ‪ ،‬وإذا‬
‫طلبت وهبتك ‪ ،‬وإذا غبت حفظنك) (ص‪.)127‬‬ ‫هنا انتقلنا ال شعورياً إىل ضمري املخاطب ‪ ،‬ألننا‬
‫نعلم أن حسناً يكتب هذه املذكرات عن نفسه‬
‫فصوت ضمري املتكلم الذي يغلب عىل الرواية‬
‫ليخاطب بها املجتمع ‪ .‬وضمري املتكلم يعتربه‬
‫ليس صوت حسن وحده ‪ ،‬وإمنا صوت الضمري‬
‫النقاد ضمريا ً مغلقاً ‪ ،‬لذلك ال ميكن فتحه إال‬
‫اإلنساين كله ‪ ،‬كام يؤكد ذلك الروايئ نفسه‬
‫مبا يُسمى بتداخل الضامئر ‪ ،‬خاصة يف الحوار‬
‫(حسن ترصف يف معظم املواقف بإحساس‬
‫الداخيل ‪ ،‬ألنه ال ميكن أن يروي إال ما يعرفه عن‬
‫عا ٍل باملسئولية ‪ ،‬كام كان يشكل صوت الضمري‬
‫نفسه عندما يستخدم (ضمري املتكلم)‪.‬‬
‫بالنسبة لكل من يعرف) (ص‪ . )255‬صوت‬
‫املتكلم = صوت الضمري اإلنساين ‪.‬‬ ‫وتالحظ ذلك يف األمثلة اآلتية ‪-:‬‬
‫القسم الثالث من الرواية يشمل ‪ :‬فصل (‪)16‬‬ ‫( ال أصدق أنني ‪ ..‬مل يحدث يل هذا من قبل‬
‫(هناك يشء ما) وفصل (‪( )17‬من قتل الشاعر) ‪.‬‬ ‫‪ .‬ثالثون عاماً وان صامد ‪ ..‬ماذا جرى لت يا‬
‫حسن؟) ‪ ،‬فرغم أن الحوار داخيل إال أنه استخدم‬
‫ويجمعهام نوع واحد من الرواة وهو (الراوي‬
‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪191‬‬
‫(ص‪.)55‬‬ ‫العليم بكل يشء) أو (الراوي من الخلف) الذي‬
‫يالحظ أن الفصل األخري يف الرواية يغلب فيه‬ ‫عاد إىل ساحة الرواية ليعلن عن ابعاد املأساة‬
‫الرسد عىل الحوار ‪ ،‬ليأخذ (الراوي من الخلف)‬ ‫‪ ،‬وهو هنا غائب حارض ‪ ،‬ويشعرك بحضوره‬
‫فرصة أكرب للتعبري عن آخر املأساة ‪ ،‬ووصف‬ ‫استخدام ضمري املخاطب ‪ ،‬ليحادثك عن قرب ‪،‬‬
‫حدودها األخرية ‪ ،‬وتحركات باقي األبطال يف‬ ‫ويجعلك تتخ ّيل نفسك أحد شخصيات الرواية ‪،‬‬
‫النهاية يف محاولة معرفة رس مقتل الشخصية‬ ‫فالكاتب يُرص أن يجذب القارئ إىل األحداث يف‬
‫املحورية (حسن الشاعر) وهذا القسم هو أصغر‬ ‫الرواية ‪،‬ويجعله يعيش املأساة حقيقية ‪ ،‬وينفعل‬
‫أقسام الرواية من حيث الحيز املشغول ‪.‬‬ ‫معها حتى ينجح يف إيصال املغزى من الرواية‬
‫نحو ‪( :‬أصعب حمل تحمله يف الوجود أن تحمل‬
‫وميكن أن نوضح أمناط الراوي من الرسم التايل ‪:‬‬
‫جثّة عزيز لديك ‪ ،‬ثم توسده الرتاب بيديك)‬

‫‪192‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫وليتبني عمله بصورة عامة نرسم هذا التوزيع حسب أغلبية كل راو يف قسمه ‪:‬‬
‫الراوي‬ ‫الشكل السردي‬ ‫املنظور‬
‫)الحكي الخارجي( الراوي العليم بكل �شيء‬ ‫محايد ‪/‬الراوي‬ ‫القسم األول‬
‫الراوي املشارك‬ ‫)الحكي الداخلي(‬ ‫نظمي‪+‬فعلي‪/‬الفاعل‬ ‫القسم الثاني‬
‫)الحكي الخارجي( الراوي العليم كل �شيء‬ ‫محايد‪/‬الراوي‬ ‫القسم الثالث‬

‫‪ ،‬التداعي الحر ‪ ،‬تيار الشعور ‪ ،‬األسلوب امللحمي‬ ‫يف القسم األول والثالث يهيمن الضمري الغائب ‪،‬‬
‫‪ ،‬فاستخدام الكاتب الراوي العليم مع األسلوب‬ ‫ألن الرواية ترتكز حول القسم الثاين الذي يبدو أنه‬
‫امللحمي يف الرسد ‪ ،‬والراوي املشارك الذي روى‬ ‫حارض أمامنا نتابعه بحرارة وشوق ‪ ،‬وكأن القسم‬
‫أكرث أحداث الرواية مع أسلوب التداعي الحر‬ ‫األول والثاين الذي يسيطر عليه ضمري الغائب‬
‫(أسلوب تيار الشعور) والراوي املتعدد األصوات‬ ‫يرجع إىل القسم الثاين وليس إال ممالً له ‪ .‬فبؤرة‬
‫‪ .‬داللة عىل اهتاممه مبا استجد من األساليب‬ ‫الشعور ترتكز عىل ذكريات الصحفي الضال التي‬
‫الرسدية‪.‬‬ ‫تعد مركز الراوية ‪ ،‬لذلك جاءت يف املنتصف رغم‬
‫*املبحث الثاين ‪( :‬الزمن) ‪:‬‬ ‫أولية تقدمها ‪ ،‬لتزيد من هذا اإليحاء ‪ ،‬فالراوي‬
‫يركز الكاتب يف رواية “عرص الليمون” عىل‬ ‫يف القسم األول بعد أن كشف عن هوية البطل‬
‫الحاالت النفسية للبطل (حسن الشاعر) عن‬ ‫‪ ،‬وارتباطاتها ‪ ،‬ينسحب تدريجياً يف الشق األول‬
‫طريق اسرتجاع املايض الذي يجعله مرسحا‬ ‫‪ ،‬ليحل مكانه يف الشق الثاين (فصل ‪ )4‬الراوي‬
‫لألحداث التاريخية يف حياته ‪ .‬فتشكل الخلفية‬ ‫املتعدد األصوات معلناً فسح املجال للبطل‬
‫املحركة لعواطفه ‪ .‬وقد استخدم الروايئ التقنية‬ ‫الحقيقي ‪ ،‬ليأخذ مكانه يف سري األحداث آخذا ً‬
‫الزمنية التي يتداخل فيها املايض بالحارض ‪،‬‬ ‫حي ًز منها من حيث وفرة املعلومات التي تقدمها‬
‫وهي تقنية تتناسب مع تشكيل الشخصية‬ ‫عن نفسها بضمري املتكلم ‪ .‬فابتداء من القسم‬
‫املحورية املعقدة ‪ ،‬والقضايا االجتامعية‬ ‫الثاين يتكفل البطل الراوي (حسن) بتقديم نفسه‬
‫العميقة املتداخلة ‪ ،‬فتالحظ التقديم والتأخري‬ ‫بنفسه يف الراوية ‪ ،‬فيأخذ الكلمة ‪ ،‬ويجربنا عىل‬
‫يف زمن الحيك العام للراوية ‪ ،‬فالقسم الثاين‬ ‫اإلنصات إليه عن طريق الخطاب املنفرد املمركز‬
‫“مذكرات صحفي ضال” تأخرت يف الرواية عن‬ ‫حول ذاته ‪ ،‬وحول من يدخل معهم يف عالقات‬
‫زمنها الطبيعي “زمن األحداث” ‪ ،‬حيث االنتقال‬ ‫من اي نوع إىل نهاية القسم الثاين ‪ .‬ويف اللحظات‬
‫الطبيعي يوجب أن يكون هذا القسم يف البداية‬ ‫النادرة اليت كان يعي فيها البطل حقيقة وضعه‬
‫‪ ،‬والقسم األول يكون بعده ‪ ،‬ثم القسم الثالث‬ ‫‪،‬ويتساءل حول ذلك الشقاء الذي يغمره ‪ ،‬فإنه‬
‫‪ ،‬لكن حديث تداخل يف األزمنة وتبادل تبعاً‬ ‫مل يكن يجد تفسريا ً لذلك إال بالرجوع إىل زمن‬
‫لطبيعة الرواية التي تستدعي كرس رتابة الزمن‬ ‫عالقته بهالة املنتهي مبوتها ‪ .‬من هنا استطاع‬
‫مبا أنها تعرب عن اختالل القيم يف الواقع وتصدع‬ ‫املؤلف توظيف الراوي توظيفاً يخدم املغزى‬
‫العالقات اإلنسانية فيه ‪.‬‬ ‫العام للراوية ‪ ،‬فجاءت الرواية منسجامً مع‬
‫استخدام األساليب الجديدة يف الرسد ‪ ،‬املونولوج‬
‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪193‬‬
‫القسم األول‬ ‫القسم الثاني‬ ‫القسم الثالث‬
‫حاضر‬ ‫ماض‬ ‫حاضر‬ ‫زمن السرد‬
‫ماض‬ ‫حاضر‬ ‫حاضر‬ ‫زمن األحداث‬
‫كل هذه دالالت عىل أن هالة ستموت ‪.‬‬ ‫هذا بخصوص زمن الحيك يف الرواية بوجه عام‬
‫األمر اآلخر الذي ال يقل أهمية عن ما سبق هو ‪:‬‬ ‫‪ .‬لكن القضية األخطر هي الكيفية التي يحرك‬
‫ملاذا تحدث بعض األحداث (ليالً) والبعض اآلخر‬ ‫بها املؤلف الزمان يف الرواية ‪ ،‬فـ»طه وادي» يف‬
‫(نهارا ً) وما داللة ذلك الرمزية؟‬ ‫رواية «عرص الليمون» يستخدم الزمن النفيس‬
‫املستدير املتقطع مام يدل عىل ميله الستخدام‬
‫يقول الراوي يف مستهل الرواية ‪( ،‬نظر حمدي‬
‫التقنية الجديدة يف الرواية ‪ ،‬وتأثره مبا يستجد‬
‫الحسيني إىل ساعة يده يف الضوء الشاحب مل ير‬
‫يف الساحة النقدية ‪ ،‬فاملخاطب ال يعرف أحداث‬
‫شيئاً ‪ ،‬لكنه يدرك متاماً أن الليل ال يزال طفالً ‪..‬‬
‫حياة « حسن الشاعر دفعة واحدة ‪ ،‬وإمنا من‬
‫الساعة مل تزد عن العارشة والنصف) (ص‪.)3‬‬
‫خالل فرتات مختلفة ‪ ،‬فيسري الزمان أحياناً إىل‬
‫الليل ال يزال طفالً‪ -‬يدل عىل أن الغموض‬ ‫الخلف (االسرتجاع) ‪ ،‬وأحياناً إىل األمام (التنبؤ) ‪،‬‬
‫الذي يسود الرواية يف البداية ‪ ،‬وهدوء الليل‬ ‫فيتداخل الحارض مع املايض باملستقبل ‪.‬‬
‫يناسب الصفاء الذي يريد الروايئ أن يكسبه‬
‫أ‪ -‬االسرتجاع ‪ :‬ومنه اسرتجاع طويل املدى يتمثل‬
‫إخوان الصفا(األصدقاء) الذين يجلسون بهدوء‬
‫يف استذكار «حسن» ألحداث طفولته ‪ ،‬ومنه‬
‫مجتمعني يتحاورون بصفاء قبل أن تهب الرياح‬
‫اسرتجاع قصري املدى يتمثل يف استذكار بعض‬
‫وتبدأ العقيدة يف الرواية ‪.‬‬
‫األحداث التي مرت عليه يف شبابه ‪ ،‬واألمثلة عىل‬
‫(يف صباح اليوم التايل ‪( )..‬ص‪ )66‬دل أول النهار‬ ‫ذلك كثرية منها اسرتجاع «حمدي» ألحداث ليلة‬
‫عىل الصفاء السعادة املحيطة بـ»اشاعر» يف أول‬ ‫سابقة ‪.‬‬
‫ذكرياته عند لقائه محبوبته «هالة» فاختار لهذه‬
‫ب‪ -‬التنبؤ ‪ :‬يتخيل «حسن» أشياء يخشاها‬
‫البداية السعيدة الصباح الذي تغرد فيه الطيور‬
‫فتتحقق عىل املدى القريب ‪ ،‬نحو الحلم الذي رآه‬
‫‪ ،‬وتتفتح فيه األزهار ‪ ،‬إلبراز هذه الداللة (بداية‬
‫يف املنام ‪( :‬حام حولنا غراب أسود ‪( )...‬ص‪.)149‬‬
‫سعادة البطل)‪.‬‬
‫أيضاً عن طريق ضياع ريال الفضة الذي أعطته‬
‫(يف الليل تنهش عظامي الهموم ‪( )....‬ص‪.)74‬‬
‫هالة قائلة ‪( :‬ريال فضة أنه يجلب الحظ احتفظ‬
‫اختار الليل ‪ ،‬ليربز الوضع املأساوي للبطل ‪،‬‬ ‫به يف حقيبتي منذ أكرث من أربع سنني ) (ص‪.)87‬‬
‫والغموض الذي يسود حياته ‪ ،‬والتعاسة التي‬
‫وقول حسن ‪( :‬املكوجي ‪ .. :‬ابن الكلب – أضاع‬
‫يتذكرها يف املايض ‪ ،‬وما يرتبط بها من ظلم وظالم‬
‫ريال الفضة ‪ ..‬أو رسقه ‪( )..‬ص‪.)97‬‬
‫يناسبه ظالم الليل ‪.‬‬
‫ويكرر ذلك أيضاً يف (ص‪ ، )145‬والحلم الذي رأى‬
‫(أول مرة آخذ موعدا غراميا مع فتاة ‪ .‬مع بداية‬
‫فيه البطل «حسم» جدته املتوفاة تنادي هالة ‪،‬‬
‫املاء ) (ص‪.)81‬‬
‫‪194‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫الزهر”‪.‬‬ ‫‪-‬بداية املاء‪ -‬دل عىل أن االتصال يف نهايته ‪،‬‬
‫ويعد هذا الزمن زمناً لغوياً بحتا ‪ ،‬كام تؤكد ذلك‬ ‫وعدم رؤية «حسن» «لهالة» جيدا ً يدل عىل‬
‫نبيلة إبراهيم بقولها ‪“ :‬من الطبيعي أن الكاتب‬ ‫تباعد املسافة بينهام‪.‬‬
‫يفعل هذا من خالل اللغة ‪ ،‬فاللغة تبطئ حركة‬ ‫‪-‬الخريف ‪ ،‬يف قول الراوي ; )الخريف ‪ ..‬رمز‬
‫القص إذا شاء الكاتب ‪ ،‬وقد ترسع مع حركة‬ ‫الشيخوخة والعجز والحزن ‪ ،‬أليس عجيباً أن‬
‫الزمن الرسيعة ‪ .‬ويف هذه الحالة ترتك فراغات‬ ‫يكون أجمل فصول السنة مناخاً يف مرص ‪..‬؟!)‬
‫زمنية دون أن يشعر القارئ بهذا القفزات الزمنية‬ ‫يرمز فيه إىل مرص ‪ ،‬فرغم أنها قدمية ‪ ،‬وتحوي‬
‫‪ ،‬ألن الكلمة يف هذه الحالة تقوم بدور اإليهام‬ ‫كثريا ً من اآلثار الجميلة ‪ ،‬إال أنها متثل واقعاً عاجزا ً‬
‫بأن الزمن مل ينقطع منه يشء”‪.‬‬ ‫حزيناً ‪.‬‬
‫وال يسري الزمن يف الواقع مع الزمن يف الرواية‬ ‫‪-‬الشتاء‪ -‬يف قول الراوي ‪ ( :‬انتهى اعتدال الخريف‬
‫يف خط متوا ٍز إال يف الحوار الذي يبطئ الكاتب‬ ‫‪ ،‬وبدأت برودة الشتاء ‪( )..‬ص‪.)177‬‬
‫عنده األحداث ‪ .‬وهذا الزمن الذي جرى تقطيعه‬
‫يدل عىل شعور البطل “حسن” بفقدانه كل يشء‬
‫يلبي حاجات العمل الروايئ ‪ ،‬ألن العمل الروايئ‬
‫‪ ،‬فهو ميثل الربودة ‪ ،‬وذهاب الدفء الذي كان‬
‫عامل مغلق يف أمس الحاجة إىل هذا التقطيع ‪،‬‬
‫يشعر به من الحب املحاط به من أعز الناس‬
‫ففي حالة الترسيع تُخترص كثافة األحداث ‪ ،‬كام‬
‫إليه ‪.‬‬
‫يف تقنيتي الخالصة والحذف ‪ ،‬فالحذف نحو ‪:‬‬
‫(يف صباح اليوم التايل ‪ ، )....‬والخالصة تتمثل يف‬ ‫إن رواية “عرص الليمون” ثرية باألزمنة التي‬
‫استعراض الكاتب األحداث برسعة دون مراعاة‬ ‫تحمل الكثري منها دالالت ذات أهمية وارتباط‬
‫التفاصيل التي ال تخدم املغزي ‪ ،‬فمذكرات‬ ‫بالحدث ‪ ،‬لكن هل رسد األحداث يطابق زمن‬
‫“حسن” ال تحوي كل أحداث حياته ‪ ،‬بل مير‬ ‫وقوعها ؟!‪.‬‬
‫عليها رسيعاً دون االهتامم بالتفاصيل ‪.‬‬ ‫ينتقي الروايئ ما يخدم الداللة واملغزى الذي‬
‫أما إبطاء الحركة الرسدية يف بعدها العمود ‪،‬‬ ‫يريد أن يصل إله ‪ ،‬فالكاتب يف رواية “عرص‬
‫فيتمثل يف تقنيتي املشهد والوقفة الوصفية‬ ‫الليمون” يركز عىل أزمان معينة ‪ ،‬ويفز قفزات‬
‫للشخوص ‪ ،‬والكشف عن طباعهم النفسية‬ ‫رسيعة سواء أكان إىل األمام كام يف التنبؤ ‪ ،‬أم إىل‬
‫واالجتامعية عن طريق الحوار الذي يطول‬ ‫الخلف كام يف االسرتجاع ‪ ،‬وهو ما يسمى بالبعد‬
‫يف الرواية ‪ ،‬فاملشهد هو املكان الوحيد الذي‬ ‫األفقي ‪ ،‬ألنه من التغريات الزمنية العارضة ‪.‬‬
‫تستعيد فيه الشخصيات حريتها ‪ ،‬فيحصل نوع‬ ‫أما البعد العمودي فيالحظ من خالل االنقطاع‬
‫من التوازن بني زمن القصة وزمن الخطاب ‪.‬‬ ‫الزمني يف الرسد ‪ ،‬فاألحداث تسري بشكل رسيع‬
‫وشبيه هذا األثر الوقفة الوصفية التي ت ُعد‬ ‫وقفزات قد تكون طويلة نحو ‪( :‬انتهى اعتدال‬
‫املظهر الثاين لبطء الرسد ‪ ،‬وهو ما سنقف عليه‬ ‫الخريف ‪ ،‬وبدأت برودة الشتاء) (ص‪.)177‬‬
‫بالتفصيل يف مبحث الوصف ‪.‬‬ ‫وقد تكون القفزات الزمنية قصرية ال تتجاوز يوماً‬
‫ويدخل أيضاً ضمن الزمن يف بعده العمودي‬ ‫أو يومني وهي كثري مثل ‪“ :‬يف الصباح” أو “بعد‬
‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪195‬‬
‫‪-2‬مؤرش جميل‪“ :‬السياق” ‪:‬‬ ‫املؤرشات الزمنية املتشكلة يف أربع تقنيات ‪.3‬‬

‫مستقبل‬ ‫ ‬‫مضارع‬ ‫ ‬ ‫ماض‬


‫نحو قوله عىل سبيل املثال ‪(( :‬جاءت بنفسها ‪)...‬‬
‫ص‪.84‬‬ ‫نحو قوله ‪( :‬اليوم ‪ 25‬يوليو ‪ ...‬عيد ميالد األب‬
‫((نظرت إىل ‪ ))...‬ص‪.80‬‬ ‫الروحي ‪( )...‬ص‪.)7‬‬
‫دل هذا السياق عىل الفعل املايض لكنه يف الزمن‬
‫القريب من الحارض ((املضارع))‪.‬‬
‫“كانت فيام يبدو سعيدة يب” ص‪ .85‬كنت أظن‬
‫رجالً ‪ ”...‬ص‪.190‬‬
‫ويربز سياق املضارع بوضوح يف مناجاة الشخصية‬
‫لنفسها ومناجاتها للطبيعة نحو‪:‬‬
‫(الرباءة تغتال ‪ ...‬والقذراة تبقى ‪ ( . )..‬املصائب‬
‫تجمع املصابني ) ( فكيف تعيش يف عامل من‬
‫الطني؟) ‪( .‬دامئاً يشغلني نصف الكوب الفارغ)‬
‫ص‪. 189‬‬ ‫وقد يأيت املؤرش التوقيتي مصحوباً باسم اإلشارة‬
‫وال تخلو صفحة من صفحات الرواية من هذا‬ ‫الدال عىل الزمن القريب البعدي أو مضافاً إىل ما‬
‫السياق ‪.‬‬ ‫يغري داللته الوقتية كأن يأيت املؤرش اآلين للداللة‬
‫أما سياق املستقبل فيظهر نادرا ً ‪ ،‬نحو “ال أظن‬ ‫عىل الزمن القبيل باستخدام صفة دالة عىل‬
‫أنني سوف احرض حفل النقابة ‪ ”..‬ص‪273‬‬ ‫املايض ‪ .‬ويندر استخدام هذا النوع من املؤرشات‬
‫يف رواية “عرص الليمون”‪.‬‬
‫إذن فــ(طه وادي) يركز يف سياقاته عىل الفعل‬
‫املايض القريب من املضارع (الحارض) بحيث أنه‬ ‫يقول الراوي ‪“ :‬كانت – فيامي بدو –سعيدة يب‪-‬‬
‫ال يؤدي إىل اختالف املعيشة ‪ ،‬وهو ما يسمى‬ ‫قرأت ذلك يف عينيها ‪ “ ..‬ص‪.85‬‬
‫بالزمن املتذكر الذي يقع بني الزمن املضارع‬ ‫“‪..‬بعد عشاء اليوم التايل ‪ ”..‬ص‪. 143‬‬
‫والتاريخي” ومنحت الثورة الصناعية فرصة مثالية‬ ‫ويالحظ أن الكاتب يكرث من املؤرشات البعدية‬
‫للزمن املتذكر عندما تستبقي الذاكرة حادثة ما‬ ‫واآلنية ‪ ،‬ويرجع ذلك إىل رغبة الكاتب توظيف‬
‫‪،‬أو تلميحاً عن نظام اجتامعي ما يزال قريباً من‬ ‫آليات الزمن الرسدية يستحرض املخاطب‬
‫‪4‬‬
‫الزمن إال أنه مختلف متاماً عن الحارض”‬ ‫بواسطتهاأحداث الرواية حتى يف اسرتجاع البطل‬
‫‪ -3‬أما املؤرش الزمني للغوي الثالث ‪ ،‬فهو مؤرش‬ ‫للاميض ‪.‬‬
‫‪196‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫ويعود اضطراب الوصف إىل بعد املسافة التي ال‬ ‫مقطعي ‪:‬‬
‫تسمح بالرؤية الصحيحة لليشء املشاهد ‪ ،‬فكلام‬ ‫ويظهر من خالل فعل الشخصية ‪ ،‬عندما يصف‬
‫تقلصت املسافة زادت الرؤية وضوحاً ‪ . 7‬مثل‬ ‫الراوي تحركات الشخصية مثل ما قام به “حسن”‬
‫‪ :‬تعذر رؤية أحمد (لعطيات) ‪ ،‬واتضاح الرؤية‬ ‫يف بداية الرواية ‪ ،‬وما قامت به الشخصيات‬
‫بعد ذلك عن تقلص املسافة ‪ ( :‬بعد أن انتهى‬ ‫األخرى يف البحث عن خيوط الجرمية‪.‬‬
‫من الصالة والدعاء ‪ ..‬لفت انتباهه منظر سيدة‬
‫فأفعال الشخصية تنقسم إىل قسمني ‪ :‬الفعل‬
‫يف مالبس حداد سوداء ‪ ،‬تطوف حول املقصورة ‪،‬‬
‫الحارض الواقع يف سياق املايض كام يف املثال‬
‫ليس من عادته أن يحملق يف امرأة ‪ ،‬لكن هذه‬
‫السابق ‪ ،‬وما عداه وقع ضمن مقاطع فعل التذكر‬
‫السيدة يبدو أنه يعرفها ) ص‪.283‬‬
‫‪ .‬إذن املقطع هو الذي يحدد نوع هذا الفعل‬
‫وقد يكون الظالم سبب تعذر الرؤية ‪ ،‬فتغري‬ ‫الذي تقوم به الشخصية إن كانت يف املايض أو‬
‫الضوء من ساطع غىل خافت كام يف ( أخذتني‬ ‫الحارض ‪.‬‬
‫إىل حجرة مظلمة ‪ ،‬كان الوالد – كام تراءى يل –‬
‫وأخريا ً البد من التنبيه إىل أن الكثري من الروايات‬
‫بني النوم واليقظة ‪ .‬يبدو أنه يف األيام األخرية )‬
‫العربية ما زالت تعتمد عىل الزمن املتعاقب‪“ ،‬‬
‫ص‪. 186‬‬
‫فزمن الرتابة يتناسب مع املجتمع التقليدي الذي‬
‫(نظر غىل ساعة يده يف الضوء الشاحب ‪ .‬مل ير‬ ‫يتعرض للتغريات والنقالت الطفيفة ‪ ،‬وهو بالتايل‬
‫شيئاً ‪ )..‬ص‪.3‬‬ ‫ليس زمناً متواترا ً أو حادا ً عىل الرغم من كرثة‬
‫( الغرفة شبه مظلمة ‪ ،‬وأنا احاول أن تبني فضاء‬ ‫الشكاوي منه” ‪.5‬‬
‫األشياء ) ص‪. 138‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬الوصف ‪:‬‬
‫كام أن اإلرشاف عىل املشهد الطبيعي من‬ ‫يصعب تصور رسدي خا ٍل من العنرص الوصفي‬
‫مكان مرتفع يعطي نظرة بانورامية ‪( ،‬شاملة)‬ ‫‪ ،‬ألن الوصف أصبح العنرص األسايس يف الرواية‬
‫ومربرة للوصف البرشي املتسع ‪ ،‬فيكسب الدقة‬ ‫(وهناك وال شك نوع من التواتر بني الوصف‬
‫‪8‬‬
‫والوضوح ‪.‬‬ ‫الذي يتميز بالسكون ‪ ،‬والرسد الذي يتميز‬
‫مثل قول الراوي ‪ ( :‬كازينو قرص النيل ‪ ..‬مكان‬ ‫بالحركة ) ‪ ، 6‬فوصف املكان يرتبط بسكون الرسد‬
‫اللقاء التاريخي ‪ .‬أول مرة آخذ موعدا ً غرامياً ‪ ،‬إىل‬ ‫ومع ذلك فهو يؤدي وظائف تطويرية يف الحدث‬
‫أن قال ‪ ..( :‬الليل والنيل ‪ ..‬املاء والخرضة ‪ ..‬الصبا‬ ‫وتجميلية يف اللغة ‪ ،‬لكن الزمان يرتبط بحركة‬
‫والجامل ‪ ) ..‬ص‪. 81‬‬ ‫الرسد ويؤثر يف تشكيل مقاطعة أفقياً ورأسياً ‪.‬‬
‫وتستعمل شفافية الواجهة الزجاجية مبثابة قطب‬ ‫والوصف يف الرواية إما بالنظر ‪ ،‬أو بالحديث ‪،‬‬
‫للوصف الروايئ ‪. 9‬‬ ‫أو بالعمل عىل هذا اليشء املوصوف وهو أكرثها‬
‫استخداماً يف الرواية ‪ .‬ويحكم الوصف بالنظر‬
‫نحو ك (( رأيتهام من خالل الزجاج ‪ ..‬وهي تهم‬
‫وضع اليشء املوصوف يف مكان مناسب للرؤية‬
‫مبتسمة ‪ ..‬محاولة فتح الباب املغلق ‪ .‬كان ميكن‬
‫يسمح بتمييزه ‪ ،‬فالبد أن تكون الشخصية املوكل‬
‫أن اصعد وحدي ‪ ..‬نداء مجهول جعلني أرفع‬
‫إليها بالقيام بعملية الوصف قادرة عىل الرؤية ‪.‬‬
‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪197‬‬
‫يعيش فيه األغنياء ‪ ،‬واملكان الذي يعيش فيه‬ ‫إصبعي وأفتح لها ) ص‪. 122‬‬
‫الفقراء ‪ ،‬فيقول الراوي البطل (( أدركت منذ‬ ‫والكاتب يهتم بوصف املكان يف الرواية اهتامماً‬
‫البداية ‪ ..‬ان شقة املكتب غري شقة األرسة ‪ .‬لفت‬ ‫كبريا ً ‪ ،‬فيبدا بوصف بيت الشخصية املحورية “‬
‫نظري فخامة أثاث الشقة ‪ )..‬ص‪. 182‬‬ ‫حسن “ ليعطي انطباعاً أولياً عن هذه الشخصية‬
‫ويصف مطبخه بقوله ‪ (( :‬كيف تدخل عطيات‬ ‫ •( لعن الله العجز والسالمل العالية ‪ .‬ملاذا ترص‬
‫املطبخ وقد تحول إىل سوق زبالة ‪ ..‬ومعظم‬ ‫عىل السكن يف الدور الرابع يا حسن ؟! )‬
‫األواين مل تغسل منذ حوايل أسبوع ‪ )...‬ص‪.161‬‬ ‫ص‪. 3‬‬
‫وهذا يوحي بالداللة عىل حياته الضائعة القلقة ‪.‬‬ ‫ •( الباب طراز كالسييك قديم ) ص‪. 3‬‬
‫أما وصف الطبيعة ‪ ،‬فقد اعتنى به الروايئ عناية‬ ‫ •الفتة نحاسية يعرف أنه مكتوب عليها‬
‫خاصة ‪ ،‬واألمثلة عىل ذلك كثرية ‪ ،‬منها وصف‬ ‫بحروف طمسها الصدأ ‪ ..‬حسن الشاعر –‬
‫القمر بخواطر شاعرية ‪ ،‬ووصف النيل مكان‬ ‫صحفي ) ص‪.3‬‬
‫اللقاء بني “ حسن “ و “ هالة “ ووصف الخريف‬ ‫ •( تعانقا ‪ ..‬ودخال إىل غرفة يصعب تحديدها‬
‫الذي يشبه مرص فيه ‪ ..‬الخ ‪.‬‬ ‫وصفها ‪ ..‬ليست غرفة نوم ‪ ..‬وال حجرة طعام‬
‫وهذا يدل عىل وجود الطابع الرومانيس يف الرؤية‬ ‫‪ ..‬وال صالون ‪ .‬لكن بها شازلونج قديم –‬
‫وإن بدا تقريرياً ‪.‬‬ ‫ال يزال محتفظاً بقدر من شموخه التليد ‪،‬‬
‫ومام يؤكد اهتامم الروايئ “ بوصف املكان “‬ ‫مجموعة غري متناسقة من الكرايس والفولتيه‬
‫إشارته املتكررة إىل األحياء التي تتنقل بينها‬ ‫‪ )..‬ص‪.4‬‬
‫الشخصيات ‪ ،‬وتدور فيها أحداث الرواية ‪.‬‬
‫فريبط الكاتب وصف الغرفة بـ (( حسن الشاعر‬
‫نحو ‪ ( :‬يف حارة من الحارات الشعبية املتفرعة‬ ‫)) الذي يعيش فيها ‪.‬‬
‫من ميدان الجيزة العتيق – جلس الدكتور حمدي‬
‫فالغرفة التي يصعب تحديدها دليل عىل‬
‫بعد أن تناول إفطارا ً خفيفاً ‪ )..‬ص‪.19‬‬
‫شخصيته التي يصعب أيضاً تحديدها ‪ ،‬فهي‬
‫ •( هذه الشقة يف حي الدقي وشقتي‬ ‫غامضة ‪ ،‬قلقة ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫املتواضعة يف حي الدقي أيضاً ) ص‪.186‬‬ ‫أما الشازلونج القديم املحتفظ بشموخه ‪ ،‬فهو‬
‫داللة واضحة عىل شموخ شخصيته ‪ ،‬وأصالتها‬
‫ •( اقرتبا من ميدان الحسني املزدحم ‪ ..‬هنا‬
‫‪،‬وعدم إنحنائها ألي رشوة واستغالل ‪.‬‬
‫منطقة أثرية سياحية عتيقة ‪ ،‬تذكرك (‬
‫مبايض مرص العظيم ) ص‪.284‬‬ ‫والكرايس والجرائد املبعرثة داللة عىل عزوبيته‬
‫‪ ،‬وطبيعته القلقة املنفعلة إذ أنه يعمل صحفياً‬
‫ •( عند نهاية امليدان سألها ‪ :‬كيف ستعودين‬ ‫ويقف يف صف املعارضة ‪ ،‬ويحاول كرس الروتني ‪.‬‬
‫إىل الدقي ‪...‬؟ ) ص‪.285‬‬ ‫ويصف الراوي أيضاً شقة رئيس “حسن الشاعر”‬
‫ويالحظ أن الروايئ اختار قرية “ كفر بدواي “‬ ‫يف الصحيفة ‪ ،‬ليعرب عن املفارقة بني املكان الذي‬
‫‪198‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫حياة الرأساملية املسيطرة عىل املدن املنفتحة‬ ‫القرية التي نشا فيها ‪ ،‬لتكون قرية الشخصية‬
‫عىل باقي مدن العامل ‪ ،‬فتظل الشخصيات يف‬ ‫املحورية “حسن الشاعر” حتى يكون اقدر عىل‬
‫رصاع بني هويتها املحلية والعاملية ‪.‬‬ ‫وصفها إمياناً منه بأهمية املكان والوفاء له ‪.‬‬
‫*املبحث الرابع ‪ :‬اإليقاع ‪:‬‬ ‫مام سبق يتبني أن الكاتب اهتم بوصف املكان‬
‫“ مل تُعن الدراسات النقدية القصصية كثريا ً‬ ‫الواقعي أكرث منه من املكان الشاعري ‪ ،‬وهذا‬
‫باإليقاع القصيص ‪ ،‬بل إن الدراسات القليلة التي‬ ‫يرجع إىل طبيعة الروايات الواقعية ‪ ،‬فتجد عىل‬
‫تناولت هذه الظاهرة بالدراسة عىل أهميتها ‪،‬‬ ‫سيل املثال ‪ ،‬األماكن املنغلقة ‪:‬‬
‫ركزت عىل إيقاع العنرص السائد دون محاولة‬ ‫وصف بيت حسن الذي يدل عىل شخصيته كام‬
‫الكشف عن ظواهر إيقاعية ذات طبيعة لغوية‬ ‫سبق ابتداء من الباب األثري إىل غرفته وأثاثها‬
‫وذهنية “ ‪ ، 10‬واإليقاع هو التكرار املوظف‬ ‫الذي يدل عىل شموخه ‪ ،‬وحياة الفوىض التي‬
‫لغايات نفسية وفكرية يف العمل الفني ‪ ،‬وينقسم‬ ‫يعيشها واألماكن املنفتحة مثل ‪:‬‬
‫إىل ‪:‬‬ ‫وصف األحياء املتكرر ذكرها يف أكرث من موقع ‪،‬‬
‫‪ -1‬إيقاع عىل مستوى األلفاظ ‪:‬‬ ‫وهي أحياء شعبية تاريخية يختار الروايئ اسامءها‬
‫وستأخذ الباحثة عىل سبيل املثال األلوان وداللة‬ ‫من واقع الحياة املرصية ‪ ،‬ولعل اختيار الكاتب‬
‫تكرارها ‪.‬‬ ‫لألحياء الشعبية مدارا ألحداث رواياته ‪ ،‬يرجع‬
‫إىل أن الطبقة الربجوازية الصغرة ( املتوسطة )‬
‫فاأللوان تلعب دورا ً مهامً يف تحديد املكان‬
‫التي تركز عليها أغلب الروايات الواقعية لتصوير‬
‫والزمان العام ( الليل والنهار ) مثالً ‪ ،‬أو املكان‬
‫معاناتها تسكن هذه األحياء دون غريها ‪.‬‬
‫الخاص بإضافة الصفة اللونية لألشياء مثل ‪ :‬الشعر‬
‫الكستاين – الثوب األصفر – السامء الالزوردية‪.‬‬ ‫األماكن املفتوحة مثل وصف البيئة الطبيعية الرت‬
‫تركز عليها الروايات الرومانسية أخذت نسيبها‬
‫وقد يتكرر اللون بكرثة تبعاً للحاجة إىل استعامله‬
‫من الوصف املميز بشاعرية وإن بدا مبارشا ً‬
‫‪ ،‬وهذا يتوقف عىل نوع البيئة من جهة ‪ ،‬وعىل‬
‫ومقحامً ‪ ،‬ما عدا املقطع الذي وصف فيه الكاتب‬
‫عامل الثقافة والتقدم الحضاري من جهة أخرى‬
‫املكان الذي يجمع املحبني ‪ ،‬وهو (كازينو) قرص‬
‫‪.11‬‬
‫النيل ‪ .‬وقد أحسن الروايئ اختياره لهذا املوقع‬
‫وترتيب األلوان عند (طه وادي) جاء ملا تردد‬ ‫الذي يسمح بتدقيق الشاعرية ‪ ،‬مام يؤدي إىل‬
‫أكرث من ثالث مرات ‪ ،‬وكان األسود يف املركز األول‬ ‫تجميل املكان ‪.‬‬
‫إذ تردد فيام يزيد عن عرش مرات سواء أكان‬
‫وتدور أغلب أحداث الرواية يف املدينة “القاهرة”‬
‫الترصيح بالصفة “ أسود – سوداء “ أم بداللة‬
‫ألن الكاتب يريد أن يعرب عن مأساة املثقف‬
‫املصدر عليه “ الليل – الظالم “ وهذا النوع من‬
‫الربجوازي ‪ .‬وهو غالباً ما يسكن املدن خاصة‬
‫اإليقاع هو امتداد لتأثر الكاتب باملنهج البنيوي ‪.‬‬
‫الكربى منها ‪ ،‬و “القاهرة “ عاصمة ثقافية أحسن‬
‫فعىل سبيل املثال قوله ‪ ( :‬شعرها أسود فاحم‬ ‫الروايئ اختيارها مكاناً لألحداث التي تجري يف‬
‫طويل ) ص‪.8‬‬ ‫الرواية ‪ ،‬وتتطور تبعاً لها الشخصيات التي تصارع‬
‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪199‬‬
‫ •‪ -‬انظر أيضاً األمثلة يف ‪ :‬ص‪ ، 85‬ص‪12‬‬ ‫( تبتلع كل األسامك الصغرية يف البحار البيضاء‬
‫وتأخر اللون األزرق إىل املوقع الرابع مام دل عىل‬ ‫والحمراء ‪ ..‬والسوداء ‪ ) !!..‬ص‪210‬‬
‫اإلحباط املسيطر عىل الروايئ من أن يتغري حال‬ ‫( سيدة يف مالبس حداد سوداء ‪ ) ..‬ص‪.283‬‬
‫الوطن العريب أو ( مرص ) إىل األفضل ‪ ..‬انظر‬ ‫( الزمان ‪ ..‬ال يكون أبيض أو اسود ) ص ‪.235‬‬
‫ص‪. 83 ، 8‬‬
‫( ‪ ..‬يف هذا الزمان األسود ‪ ) ..‬ص‪.283‬‬
‫‪ -2‬إيقاع عىل مستوى املعاين والجمل ‪:‬‬ ‫ويالحظ أن الكاتب يكرث من ترداد اللون األسود‬
‫يستخدم الكاتب هذا اإليقاع “ بوصفه لعبة‬ ‫مام يدل داللة واضحة عىل ارتباط هذا اللون‬
‫لفظية تسمح للنص أن يقول جملة مكررة ذات‬ ‫بنفسية الروايئ ‪ ،‬إذ يرمز وجود اللون األسود يف‬
‫دالالت متعددة ‪. 12 ”..‬‬ ‫مقدمة األلوان عىل الخوف من املجهول والنظرة‬
‫من أبرز إيقاعات املعاين العنون “ عرص الليمون‬ ‫التشاؤمية للحياة مع الشعور أن الرش يغلب فيها‬
‫“ الذي تكرر يف أجزاء متعددة من الرواية و”‬ ‫عىل الخري ‪.‬‬
‫العنوان ميدنا بزاد مثني لتفكيك النص ودراسته‬ ‫ويأيت اللون األبيض يف املوقع الثاين بعد األسود ‪،‬‬
‫‪ ،‬ونقول هنا إنه يقدم لنا معونة كربى لضبط‬ ‫لكنه متداخل مع السواد ودال يف مواضع كثرية‬
‫انسجام النص وفهم ما غمض منه ‪ ،‬إذ هو املحور‬ ‫عىل عدم الرضا ‪ ،‬راقب قول الراوي مثالً ‪:‬‬
‫‪13‬‬
‫الذي يتولد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه”‬ ‫ •( تبتلع كل األسامك الصغرية يف البحار البيضاء‬
‫أ‪ -‬إيقاع العنوان ‪:‬‬ ‫‪ ..‬والحمراء ‪ ..‬والسوداء ‪ ) !! ..‬ص‪210‬‬
‫يؤمن طه وادي بأن داللة العنوان يعد مدخالً‬ ‫ •( الزمان ال يكون ابيض أو أسود ) ص‪283‬‬
‫لفهم داللة النص ‪ ،‬ويكون ذلك من خالل تتبع‬ ‫ •( ‪ ..‬وأنت فيام أعلم مثل الورد األبيض )‬
‫أثر العنوان يف النص ‪ ،‬فعندما تقرا عنوان الرواية “‬ ‫ص‪187‬‬
‫عرص الليمون “ يتبادر إىل ذهنك تأويالت مختلفة‬ ‫ •( ‪ ..‬الذي بدأ الشيب يظهر فيه ‪ ) ..‬ص‪18‬‬
‫تتدرج بني الصحة والخطأ ‪ ،‬ليك تتمكن من فهم‬ ‫ •( أنا أحب اللحم األبيض املتوسط ) ص‪12‬‬
‫هذه الداللة ‪ ،‬فعليك دراسة إيقاع العنوان يف‬
‫ •ويأيت عن الكاتب اللون األحمر بعد اللون‬
‫النص الروايئ ‪ ،‬لذا لك أن تراقب األمثلة اآلتية‬
‫حسب ترتيب دورها يف رواية “ عرص الليمون “‬ ‫األبيض ‪ ،‬مام يدل عىل غلبة الطابع السيايس‬
‫لتستطيع التوصل إىل أهمية دراسة إيقاع العنوان‬ ‫يف الرواية ‪ ،‬فهذا اللون يرتبط أشد االرتباط‬
‫( املعاين ) يف النص ‪.‬‬ ‫بالنشاط السيايس راقب األمثلة اآلتية ‪:‬‬
‫يقول الراوي ‪ “ :‬نحن يف عرص الهندسة الوراثية‬ ‫ •( يف البحار البيضاء ‪ ..‬الحمراء ‪ ..‬السوداء ‪!!..‬‬
‫‪ ”....‬ص‪.8‬‬ ‫) ص‪.210‬‬
‫“ أصبح تاجرا ً ماهرا ً يف عرص االنفتاح ‪ ”..‬ص‪. 24‬‬
‫ •( ‪ ..‬فرفض واخرج علبة مارلبورو حمراء ‪!!....‬‬
‫“ ‪ ..‬كل يشء جائز يف عرص االنفتاح “ ص‪. 28‬‬ ‫) ص‪. 185‬‬
‫إذن يف البداية قد خطر يف ذهنك نتيجة هذا‬
‫‪200‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫التكرار للجزء األول من العنوان أن املقصود هو ب‪ -‬إيقاع التناص ‪:‬‬
‫التناص يف النقد العريب يعني التضمني أو‬ ‫“ عرص االنفتاح “ ‪ ،‬تابع باقي األمثلة ‪:‬‬
‫االقتباس أو الرشقة األدبية ‪ ..‬إلخ ‪ .‬أما يف النقد‬ ‫ • “ قطعت الصمت بدالل ‪ :‬لن تسقيني شيئاً‬
‫األديب الحديث فيعني عند رائدة هذا املصطلح‬ ‫‪..‬؟‬
‫“ جوليا كرستيفا “ النقل لتعبريات سابقة أو‬ ‫ •ماذا ؟‬
‫متزامنة مبعنى أن النص يكون منتجاً لنصوص‬ ‫ •عصري ليمون ‪.‬‬
‫مختلفة ‪. 14 .‬‬ ‫ •باملناسبة أحب الليمون يف كل يشء آكله أو‬
‫والتناص ينقسم إىل قسمني ‪:‬‬ ‫ارشبه ‪.‬‬
‫أ‪ -‬تناص مبارش ‪.‬‬
‫ب‪ -‬تناص غري مبارش ‪.‬‬ ‫ •يف اعامقك بذرة رومانسية” ص‪. 82‬‬
‫ويأيت التناص املبارش ظاهرا ً واضحاً ال يحتاج‬ ‫ •“ طبق صغري به بعض الليمون املقطع ‪”..‬‬
‫معرفته إىل البحث والتمحيص ‪ ،‬ألن املؤلف‬ ‫ص‪. 185‬‬
‫يكتفي فيه باسرتجاع النصوص املحفوظة ‪ ،‬وإذا‬ ‫ •“ جلست وحيدا ً ‪ ..‬وأخذت أتأمل املياه‬
‫مل ينسب الكاتب النص إىل صاحبه أو يضعه بني‬ ‫الساكنة يف ضوء الظهرية جاء الجرسون‬
‫أقواس ف ُيعد عند النقاد القدامى رسقة أدبية ‪ ،‬أما‬ ‫فقلت له عىل الفور ‪ :‬عصري ليمون ‪“ !! ..‬‬
‫املحدثون وخاصة يف الرسديات فيدخلونه تحت‬ ‫ص‪. 229‬‬
‫ظاهرة التناص ‪ ،‬ويربز هذا النوع عند “ طه وادي‬ ‫إىل هنا يتبادر إىل ذهنك أن املقصود بالعنوان‬
‫“ يف األمثلة اآلتية ‪:‬‬ ‫املعنى الظاهر وهو فعل العرص لفاكهة الليمون ‪،‬‬
‫قوله تعاىل ‪ “ :‬إن مع العرس يرسا “ ص‪.189‬‬ ‫ولكن ربط هذه اإليقاعات يف املقطع األول يصنع‬
‫“ ذهبت هموم حرت يف اسامئها وأتت هموم‬ ‫يف نفسك شيئاً من الرتدد ‪ ،‬فيأيت املقطع الثالث‬
‫مالهن أسامي “ ص‪. 75‬‬ ‫‪ ،‬ليحل إشكالية العنوان ‪ ،‬راقب األمثلة اآلتية ‪:‬‬
‫وقوله صىل الله عليه وسلم “ سيأيت زمان عىل‬ ‫ •“ وضعت صينية عىل املكتب ‪ ..‬مل يلتفت إىل‬
‫أمتي ‪ ،‬يكون القابض فيه عىل دينه ‪ ،‬كالقابض‬ ‫ما عليها يف بداية األمر ‪.‬‬
‫عىل الجمر” ص‪. 88‬‬ ‫ •ما هذا ‪...‬؟‬
‫“ ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند‬ ‫ • عصري ليمون ‪ ،‬روق دمك ‪ ،‬ويساعدك عىل‬
‫تقطر من دمي “ ص‪. 57‬‬ ‫النوم ‪.‬‬
‫ومثل ‪ ( :‬اختالف الرأي ال يفسد للود قضية “‬ ‫ •رصت ال أطيقه ‪.‬‬
‫ص ‪ “ 130‬املال والبنون زينة الحياة الدنيا ‪)..‬‬ ‫ •ملاذا ‪.‬‬
‫ص‪.217‬‬ ‫ •أمر يطول رشحه ‪ “ !! ..‬ص‪295‬‬
‫وغريها من األمثلة الكثرية ‪ ،‬فالتناص هنا يضيف‬ ‫ •وقوله ‪ “ :‬اقرتبت منه ‪ ،‬وهي متسك كوب‬
‫قيمة جاملية للنص ويثبت قيامً فنية يريد أن‬ ‫الليمون ‪.‬‬

‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪201‬‬
‫أ‪ -‬وجود شخصية محورية تدور حولها األحداث‬ ‫يصل إليها الكاتب ‪ ،‬كام أنه يقرب األفكار إىل‬
‫وهي شخصية “ حسن الشاعر “ أما بقية‬ ‫نفس القارئ ‪ ،‬ويربطها بأدلة وبراهني سواء أكان‬
‫الشخصيات فهي تقع يف األطراف حتى وإن‬ ‫من الدين أم من الحياة ‪.‬‬
‫كانت رئيسة ‪ ،‬وهذه الشخصية املحورية‬ ‫بل أن التناص يف الرواية يعيد إىل القارئ سيالً‬
‫تعرب عن فئة اجتامعية لها هموم واحدة عن‬ ‫من الذكريات تزيد من تعاطفه مع الشخصية‬
‫طريق انتقاد املجتمع‪ ،‬والطابع االنتقادي‬ ‫( البطل ) ‪ ،‬وتزيد من متعته يف القراءة نحو ‪“ :‬‬
‫من خصائص هذا االتجاه ‪.‬‬ ‫تذكرت هذا الجزء من أغنية أم كلثوم “ ‪.‬‬
‫ب‪ -‬كرس وترية الزمن ‪ :‬فالرواية االنتقادية‬ ‫“ ‪.........‬يا حبيبي كل يشء بقضاء رمبا يوم‬
‫الجديدة تعرب عن اختالل القيم فيختل تبعاُ‬ ‫بعدما عز اللقاء “ ص‪. 225‬‬
‫لذلك الزمن ‪.‬‬ ‫أما التناص غري املبارش فال يكون ظاهرا ً مثل النوع‬
‫ج‪ -‬غلبة الراوي املشارك ( حسن الشاعر ) يف‬ ‫السابق ‪ ،‬ويغفر للكاتب عدم وضعه بني أقواس‪،‬‬
‫رواية األحداث باستخدام ضمري املتكلم يف‬ ‫أو نسبته لصاحبه ‪ ،‬ويكرث تعالق هذا النوع مع‬
‫الرواية ‪ ،‬وهو ال يحيل إىل الكاتب كام يف‬ ‫النصوص الدينية ‪ ،‬والدراسات النفسية ‪.‬‬
‫السرية الذاتية ‪ ،‬إمنا يرقى أسلوبياً ‪ ،‬ليعرب‬ ‫نحو ‪ ( :‬فرويد بنى األسس الفلسفية لعقدة‬
‫عن الطبقة املثقفة مبا أنها اقوى الطبقات‬ ‫أوديب ‪ )....‬ص‪ ... “ ، 13‬بعض عبارات من إنجيل‬
‫لدقا ‪ ”...‬عندما ترون سحابة تطلع من الغرب‬
‫يف تأثريها وتأثرها بالهم القومي ومن ثم‬
‫‪...‬إلخ ص‪. 290‬‬
‫اإلنساين العاملي ‪.‬‬
‫د‪ -‬النظرة التشاؤمية ‪ ،‬وموت البطل “ حسن‬ ‫[ الخامتة ]‬
‫الشاعر “ والبطلة “ هالة “ حبيبة البطل‬ ‫يتبني مام سبق أن الناقد الكاتب طه وادي حرص‬
‫التي ماتت قبل أن يتسنى له الزواج منها ‪،‬‬ ‫عىل تطبيق معظم النظريات الرسدية الحديثة‬
‫خاصة فيام يتعلق باملنهج البنيوي يف النقد‬
‫مام متيز به املذهب الواقعي ‪.‬‬
‫الرسدي ‪ ،‬وركز يف كتابته للرواية عىل استخدام‬
‫‪ -3‬التداخل يف املذاهب سبب يف صعوبة تحديد‬ ‫الراوي بأشكاله املتعددة يف الرسد ‪ ،‬وهو األمر‬
‫املتلقي يف اي املذاهب الواقعية ميكن إدراج‬ ‫نفسه الذي يركز عليه يف كتاباته النقدية ‪ ،‬ومع‬
‫رواية “ عرص الليمون “ فتجد يف الرواية ‪:‬‬ ‫ذلك كان يهرب بني الحني واآلخر إىل االستطراد يف‬
‫واقعية انتقادية وواقعية تشاؤمية وواقعية‬ ‫قطع السريورة الحكائية الرئيسية كام يف التعبري‬
‫جديدة ‪.‬‬ ‫عن قضية لبنان ‪.‬‬
‫‪ -4‬اقترص زمن الفعل عىل عنرص البطل ‪ ،‬وهذا‬ ‫‪ -2‬ويظهر تأثر الكاتب يف رواية “ عرص الليمون‬
‫الزمن ينقسم إىل زمن خارجي يرتبط‬ ‫“ بالروايات الواقعية الجديدة التي ظهرت يف‬
‫بتوظيف الطبيعة متناغمة مع نفسية‬ ‫أوروبا خالل القرن العرشين ومحاولته تقليدها‬
‫الشخصية ‪ ،‬وزمن داخيل يتصل بالحوار‬ ‫وتطبيق معايريها النقدية كاآليت ‪:‬‬
‫‪202‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫الواضحة ‪.‬‬ ‫الداخيل واملناجاة ‪ .‬ومل يظهر زمن الفعل‬
‫وأخريا ً ‪ ..‬فإن هذا الجهد جهد املستبرش بالبزوغ‬ ‫يف باقي الشخصيات إال بصورة ضيقة جدا ً‬
‫الجديد للدراسات النقدية التي بدات‬ ‫ميكن حرصها يف مقاطع قليلة وقصرية يف‬
‫باكتشاف تجليات النص اإلبداعي عند‬ ‫الرواية ‪.‬‬
‫النقاد ومحاوالتهم املزاوجة بني األمرين‬ ‫‪ُ -5‬ح ّملت األلوان دالالت لغوية كشفت األبعاد‬
‫ليكتيس اإلبداع النقد ويخرج النقد من‬ ‫النفسية واالجتامعية للكاتب من خالل‬
‫صومعة الجمود والتبعية ‪ ،‬وأرجو أن تكون‬ ‫إيقاع األلفاظ ‪.‬‬
‫هذه الدراسة املتواضعة منطلق للباحثني يف‬ ‫‪ -6‬كشف إيقاع التناص عن ثقافة الكاتب ‪ ،‬عىل‬
‫مسالك النقد واإلبداع ليكون هذا العمل‬ ‫الرغم من أن هذا التوظيف اتسم بالسطحية‬
‫ضمن نضيد معقود ميهد لنظريات عربية يف‬ ‫واملبارشة‬
‫الكتابة الرسدية املعارصة‪.‬‬ ‫‪ -7‬استخدم الكاتب األلفاظ السهلة والتشبيهات‬

‫[ الهوامش ]‬
‫العريب الحديث” ‪ ،‬دار اآلداب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪1992 ،‬‬ ‫( ‪ ) 1‬د‪ .‬محمود فهمي حجازي ‪“ :‬علم اللغة العربية” وكالة‬
‫‪ ،‬ص‪78‬‬ ‫املطبوعات ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ص‪51‬‬
‫( ‪ ) 9‬سيزا قاسم ‪ “ :‬بناء الرواية “ ص‪39‬‬ ‫( ‪ ) 2‬عبد الفتاح عثامن ‪“ :‬بناء الرواية “ مكتبة الشباب ‪،‬‬
‫(‪ ) 10‬انظر حسن بحراوي ‪“ :‬بنية الشكل الروايئ” ‪.‬‬ ‫القاهرة ‪، 1962 :‬ص‪199‬‬
‫(‪ ) 11‬املرجع السابق ‪ .‬ص‪25‬‬ ‫( ‪ ) 3‬صدوق نور الدين ‪“ :‬الرواية العريب نحو تأسيس تصور‬
‫(‪ ) 12‬املرجع السابق ‪ .‬ص‪25‬‬ ‫نظري” النادي األديب الثقايف بجدة ‪ ،‬عالمات ‪ ،‬ج‪،27‬‬
‫(‪ ) 13‬د‪ .‬يوسف حطيني ‪“ :‬سمرية عزام ‪ ،‬رائدة القصة‬ ‫م‪ 75‬ذو القعدة ‪1418‬هـ ‪-‬مارس ‪1998‬م ‪،‬ص‪.219‬‬
‫القصرية الفلسطينية “ دار العائدي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬سوريا ‪،‬‬ ‫( ‪ ) 4‬املرجع السابق نفسه ‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫دمشق ‪1999 ،‬م ‪ ،‬ص‪.188‬‬ ‫( ‪ ) 5‬د‪ .‬محبة معتوق ‪“ :‬أثر الرواية الواقعية الغربية يف‬
‫(‪ )14‬د‪ .‬أحمد عمر مختار ‪ “ :‬اللغة واللون “ ‪ ،‬عامل الكتب ‪،‬‬ ‫الرواية العربية “ ‪ ،‬دار الفكر اللبناين ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت‬
‫ط‪1997 ، 2‬م ‪ ،‬القاهرة ص‪.230‬‬ ‫‪1994‬م ‪ ،‬ص‪.310‬‬
‫(‪ ) 15‬يوسف حطني ‪ “ :‬سمرية عزام رائدة القصة الفلسطينية‬ ‫( ‪ ) 6‬انظر د‪ .‬صبحي طعان ‪ ( :‬زمن النص ) ‪ ،‬مجلة آفاق‬
‫“ ص‪93‬‬ ‫املعرفة ‪ ،‬وقد استفادت منه الباحثة يف املعالجة‬
‫(‪ ) 16‬د ‪ .‬محمد مفتاح ‪ “ :‬دينامية النص ( تنظري وإنجاز )‬ ‫الزمنية للمؤرشات ‪ ،‬ويف تسميتها ‪.‬‬
‫“ املركز الثقايف العريب ‪ ،‬ط‪ ، 2‬الدار البيضاء ‪ ،‬بريوت‬ ‫(‪ ) 7‬جورج واتسن‪“ :‬الصيغة والزمن يف الرواية “ ت ‪ .‬عباس‬
‫‪1990‬م ‪ ،‬ص‪72‬‬ ‫العويني ‪ ،‬األقالم ‪ ،‬ع‪ ، 1986 ، 7‬ص‪.147‬‬
‫(‪ ) 17‬املرجع السابق ‪ :‬ص‪12‬‬ ‫(‪ ) 8‬د‪ .‬محسن جاسم املوسوي ‪ “ :‬ثارات شهر زاد من الرسد‬

‫تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا)‬ ‫‪203‬‬
‫املصادر واملراجع والدوريات‬
‫•د‪ .‬أحمد عمر مختار ‪ « :‬اللغة واللون « ‪ ،‬عامل الكتب ‪،‬‬ ‫ ‬ ‫• د‪ .‬محسن جاسم املوسوي ‪ « :‬ثارات شهر زاد من‬ ‫ ‬
‫ط‪1997 ، 2‬م ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫الرسد العريب الحديث» ‪ ،‬دار اآلداب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪،‬‬
‫•د ‪ .‬محمد مفتاح ‪ « :‬دينامية النص ( تنظري وإنجاز )‬ ‫ ‬ ‫‪ 1992‬م‪.‬‬
‫« املركز الثقايف العريب ‪ ،‬ط‪ ، 2‬الدار البيضاء ‪ ،‬بريوت‬ ‫•سيزا قاسم ‪ « :‬بناء الرواية « دار اآلداب ‪ ،‬ط‪1994 ، 1‬م‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪1990‬م ‪.‬‬ ‫•حسن بحراوي ‪ « :‬بنية الشكل الروايئ « ‪ ،‬دار اآلداب‬ ‫ ‬
‫•طه وادي ‪ :‬رواية «عرص الليمون» مكتبة مرص ‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫ ‬ ‫املركز الثقايف العريب ص‪1991 ، 1‬م‬
‫‪ ،‬مرص ‪2000‬م‪.‬‬ ‫•د‪ .‬يوسف حطني ‪ « :‬سمرية عزام رائدة القصة‬ ‫ ‬
‫•جورج واتسن ‪ :‬الصيغة والزمن والرواية « ت ‪ .‬عباس‬ ‫ ‬ ‫الفلسطينية « دار العائدي ط‪ ، 1‬سوريا ‪ ،‬دمشق‬
‫العويني ‪ ،‬األقالم ‪7 ،‬ع ‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫‪1999‬م‪.‬‬

‫‪204‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫�صورة العميل يف ال�شعر ال�شعبي اجلزائري‬
‫(مقاربة ت�أويلية ملقاطع خمتارة)‬
‫د‪ .‬بن ضحوى خيرة‬
‫أستاذة مشاركة بجامعة امحمد بوقرة قسم اللغة العربية‪ ،‬بودواو بومرداس الجزائر‬
‫&‬
‫د‪ .‬تاج الدين املناني‬
‫رئيس قسم اللغة العربية‪ ،‬جامعة كيراال‪ ،‬الهند‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪This article talkes about the stooge image in the Algerian poem discourse,‬‬
‫‪and how the ancient Algerian people try to talk about this traitor in their‬‬
‫‪poem, with a different word and definition, but in the majority with the‬‬
‫‪same meaning. We use in this essay the hermeneutic approach. That we‬‬
‫‪can try to give some analysis of image, direct and indirect definition,‬‬
‫‪words, comparison, metaphors. In this Algerian poem, that given with the‬‬
‫‪patois and some paschal word, to tranship the message to the others, and to‬‬
‫‪definite the usages by the opposite of them, this poet utilise the word arm,‬‬
‫‪by the popular concept, to give the image of the traitor.‬‬
‫‪Key words: poem, image, analyse, icon, space, meaning.‬‬

‫نكتب بحرقة عن املايض التليد‪ ،‬عن من‬ ‫العملة والعميل من املصطلحات التي الميكن‬
‫استشهد ودافع عن الوطن‪ ،‬ونستحرض إبداع‬ ‫أن نتخيل تشكالهام‪ ،‬وتوافقهام يف عامل واحد‪،‬‬
‫أناس كتبوا رغم ما عانوه من اضطهاد‪ ،‬عربوا مبا‬ ‫لكن الرضورة أباحت التقائهام تحت سامء العدو‪،‬‬
‫امتلكته أعينهم من صور وسمعت به آذانهم‬ ‫باسم املكافئة وبأسامء أخرى مختلفة ومتلونة‬
‫وعايشته جوارحهم‪ ،‬وإن مل تستقم بعضها يف‬ ‫تلون األداة املساعدة عىل البقاء‪ ،‬بفناء اآلخر‬
‫الرتاكيب‪ ،‬واختيار اللفظ ومل يلتزم بعضها اآلخر‬ ‫وانتصار محور الذات امللتفة عىل عىص القوي‪،‬‬
‫وزنا وقافية‪ ،‬وإن خرج بعضها عن الفنية‪ ،‬فإن‬ ‫ورباط حذاء الجبان‪ ،‬ومهام كانت الذرائع‬
‫القضية كانت أهم والهدف كان أسمى ونقل‬ ‫من نقص يف العيش وقهر ونقص وضعف يف‬
‫الحقيقة والتعبري عنها فنيا كان لغاية حفظها‪،‬‬ ‫الشخصية‪ ،‬فإن ما يظهر من كل ذلك ال يدل إال‬
‫والتغني ببطوالت املجاهدين واملقاومني ونقل‬ ‫عىل املعنى الحقيقي للخيانة بكافة مستوياتها‪،‬‬
‫أحداث الثورة إىل العامل الفني‪ ،‬حتى تكتسب‬ ‫خيانة روحية وعقائدية‪ ،‬وخيانة للشخصية‬
‫طابعا ملحميا وغنائيا إن صح القول‪.‬‬ ‫وأكربها‪ ،‬وأدهاها للدين وللوطن‪.‬‬
‫صورة العميل في الشعرالشعبي الجزائري (مقاربة تأويلية ملقاطع مختارة)‬ ‫‪205‬‬
‫لحب الوطن ونرصة األبرياء ثانيا‪ ،‬لذلك جاء ذكر‬ ‫يذكر يف كل مقام ويف كل مناسبة للسامر‪،‬‬
‫العميل يف الشعر الشعبي الثوري بشقيه الرصيح‬ ‫كنوع من اإلخالص للرجال وللوطن‪ ،‬وكنوع‬
‫كأن تُذكر اللفظة مبارشة‪ ،‬أوبشكل مضمر بذكر‬ ‫من زرع للطأمنينة أنذاك‪ ،‬وزرع الثقة والرتفيه‬
‫ما يدل عليها‪.‬‬ ‫والسخرية من العدو يف كثري من األحيان بشكل‬
‫تأيت يف شكل أوصاف ومسميات تختلف‬ ‫مبارش وغري مبارش يدل عليها السياق‪ ،‬لذلك‬
‫باختالف التعبري والفروق الصوتية والداللية‬ ‫فإن حديثنا سيقترص عىل صورة العميل بحديها‬
‫للهجة الجزائرية‪ ،‬فنجد مثال لفظة‪" :‬ال َح ْركيِ "‬ ‫الظاهر واملضمر‪ ،‬يف الخطاب الشعري الشفهي‬
‫و"ال َق ْو ِمي" و"البياع"‪ ،‬و"الخبيث" و"املنافق"‬ ‫ملناطق مختلفة من البالد‪ ،‬كام سنحاول عرض‬
‫و"القواد" و"اللعني" "الخائِن" و" َخدام"‬ ‫مناذج حملتها الذاكرة الجامعية حفظا من غري‬
‫لوف"‪" ،‬ال ُز َو ْاف"‪ ،‬ويف مرات كثرية أُلصق‬‫"ال َح ْ‬ ‫تدوين‪ ،‬ولعلنا ال نبالغ إن قلنا أن هذا أول ظهور‬
‫اسمه باليهودي‪ ،‬كداللة عىل خيانة العهود‬ ‫كتايب لبعض منها‪.‬‬
‫واملكر والخداع‪ ،‬وغريها من املسميات التي كان‬ ‫وما محاولتنا هذه إال متابعة وقراءة نوع‬
‫ينعت بها‪ ،‬كل من كان ذيال وذليال مطيعا لفرنسا‬ ‫من أنواع الخطاب الشعري‪ ،‬التي نريد من خاللها‬
‫خادما لسلطتها‪ ،‬وبالرغم من "كل الوسائل التي‬ ‫املحافظة قدر اإلمكان عىل ما وصلنا مشافهة ممن‬
‫سخرها االستعامر للقضاء عىل الشخصية القومية‬ ‫سبقونا‪ ،‬مع أننا ندرك متام اإلدراك‪ ،‬أن كتابتهم‬
‫الجزائرية‪ ،‬مل متنع الثقافة واألدب من القيام بدور‬ ‫ُخطت بدمائهم فنالوا املراتب العال ورشف‬
‫كبري يف الثورات الجزائرية"‪ ،2‬تشجيعا وتنفيسا‬ ‫وطعم االنتصار‪ ،‬ونال العميل أوسمة الخزي‬
‫للمتلقي‪ ،‬وتثبيتا لبعض الوقائع واألحداث‬ ‫والعار‪ ،‬ناهيك عن املسميات واألوصاف التي‬
‫التاريخية وسخرية من العدو‪.‬‬ ‫جناها‪ ،‬والتي اختلطت فيها العامية والفصحى‪،‬‬
‫تصبح بعد ذلك مبثابة الوثيقة التاريخية‪،‬‬ ‫واألمازيغية‪ ،‬وحتى الفرنسية لغة املستدمر‪ ،‬مل‬
‫وشاهد من الشواهد الحية عىل تفكري الرجال‬ ‫يكن ليسلم من أي أمر مادام أنه اختار الطريق‬
‫برغم الحصار الفكري‪ ،‬والقمعي الذي كان‬ ‫الخطأ‪.‬‬
‫موجودا آنذاك‪" ،‬الخطاب األديب الشفوي‬ ‫واملعيشة الضنكا‪ ،‬التي تلم ألسنة اللهب‬
‫الجزائري قد تحول يف كثري من الحاالت إىل‬ ‫امللتفة حوله واملرتبطة بذكر املستدمر يف كل‬
‫خطاب تاريخي"‪ ،3‬تذكر فيه األمكنة الحقيقة‬ ‫مقام‪ ،‬وميكن أن نقول أن الثورة والبطوالت‬
‫والوقائع مبسميات أبطالها‪ ،‬ويف كثري من األحيان‬ ‫كانت مبثابة امللهم الحقيقي للشاعر منها يأخذ‬
‫بتواريخ حدوثها‪ ،‬فال غرابة إذا أن تتغري صورة‬ ‫الصور واألوصاف واالستعارات‪ ،1‬لذلك فال‬
‫العميل يف الشعر الشعبي بأنواعه‪ ،‬تغريا يحتمه‬ ‫غرابة أن يشحذ الشعراء وممن تفتقت لهم‬
‫الفضاء الزماين واملكاين‪ ،‬وثقافة الشاعر واملتلقي‪.‬‬ ‫القرائح واستفزتهم املواقف ويجعلوا كلمتهم‬
‫نبدأ بالصورة الشائعة للعميل يف بعض‬ ‫استعداد لوصف الشجاعة ووصف العميل متى‬
‫األشعار الشعبية املتنوعة‪ ،‬قوال وموسيقا‪ ،‬والتي‬ ‫استدعى األمر‪ ،‬وإن مل يكن بكرثة فإن هذه الفئة‬
‫ترافق نوعا من الغضب الساخط عىل هذا النوع‬ ‫ال تستدعي الذكر أصال بسبب خروجها عن‬
‫من البرش‪ ،‬بل إن هذه الصورة التي سيـأيت ذكرها‬ ‫الجامعة أوال‪ ،‬وخروجها عن كل ما ميت بصلة‬
‫‪206‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫أبوه" فاألبوة عادة ما تتصل بالنسب والحامية‪،‬‬ ‫اآلن هي خليط ميزج بني صورتني متقابلتني‪:‬‬
‫واالتصال بالجامعة داخل املجتمع‪ ،‬ولعنها هو‬ ‫صورة الخائن واملتصلة يف هذا املقام بخائن‬
‫خروج عن هذا الرابط ودخولها عاملا آخر ال هو‬ ‫الدين‪ ،‬وصورة أخرى يخربنا عنها السياق‪ ،‬تتناسج‬
‫فرنيس وال هو جزائري هوحالة بني بني‪ ،‬متعادلة‬ ‫خيوطها لتهيئ ردة الفعل التي يقوم بها مكتشف‬
‫مع ما يسمى باللعنة التي ستصاحب األب قبل‬ ‫الخيانة‪ ،‬واملوكل بتصفية الحساب‪ ،‬الذي ال يتم‬
‫الحفيد‪ ،‬هذه الصورة املقلوبة إن صح القول ال‬ ‫يف هذه الحالة إال بقطع الرأس كتهديد للبقية‪،‬‬
‫تنفصل عن الجذر األصل ونقصد بذلك اآلباء‬ ‫ليتدخل الفضاء املكاين أو املرسح الذي ستحدث‬
‫األوائل لهذا الخائن‪ ،‬ألن فعلته هدمت ما بناه‬ ‫فيه هذه التصفية‪ ،‬مبا سامه ب" الشعبة"‪ ،‬فهذا‬
‫أبوه وجده وأوالده فلحقت اللعنة بهم جميعا‬ ‫الخائن لدينه كام سامه الشاعر‪ ،‬ال يستحق أكرث‬
‫بسابقهم والحقهم‪ ،‬بذلك ميكننا أن نسميها‬ ‫من مكان ترمى به النفايات عادة‪ ،‬أو تعلق به‬
‫الصورة املتعددة سواء يف ماضيها أو يف حارضها‬ ‫بقايا القش التي جاء بها املاء يف وقت ما‪ ،‬لحظة‬
‫يف حياة الخائن وبعد ذبحه‪ ،‬لتنتقل الصورة إىل‬ ‫سقوط املطر للتكون صورة أخرى تتعالق مع‬
‫تحذير شامل لكل من تسول له نفسه باالنضامم‬ ‫ظهور املطر بعد الجدب‪ ،‬فهذه الشعاب هي‬
‫إىل صف العدو‪ ،‬مام يخولها ألن تكون كنوع من‬ ‫لجثث الخونة تشبه بقايا القش وما خلفه املاء‬
‫النصح والتهديد الخفي الذي يعرب عنه السياق‪،‬‬ ‫بعد مروره‪ ،‬كام ميكن وصفها باملكان الهش من‬
‫املرتكز عىل املوروث الديني‪ ،‬ترد الصورة ذاتها‬ ‫األرض نحتها املاء الجاري الذي إذا أىت حينه مل‬
‫مبعنى املنافق يف قصيدة محمد شيربة الريغي‪:‬‬ ‫يبق عىل يشء‪ ،‬وهي صورة تتوافق إن صح القول‬
‫وتعوج ط َْاش ‬
‫ْ‬ ‫‪7‬‬
‫اليل َجا يف ْص َدافْ ُه ْم‬ ‫مع املجاهد والثائر والحر معا ‪.‬‬
‫مايمَ َنع يف ال ّنها ْر وال يف ظلم ْه‬ ‫ ‬ ‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫ ‬ ‫َاس‬‫د ْم املنافق ْني يتْ َحج ْر فالط ْ‬ ‫ ‬ ‫وس‪ 4‬والزيارة ندوله ْ‬ ‫و ُم ْ‬
‫وأستحـــــ َم ْه‬
‫إذا صبْتُو ال تهاب أرشب ْ‬ ‫ ‬ ‫هكذا عىل فعالو نُجــــــــرو ْه‬ ‫ ‬
‫ ‬ ‫الساس‬
‫ْ‬ ‫آخ ْر يبني وخو ْه يهدملُو يف‬ ‫يف الشَّ ع َبة راكُ ْم ت َالقُو ْه ‬
‫هذي ت َســــــــــــم ْه‬
‫واش كا ْن ِ‬ ‫يل ْ‬
‫وري ِ‬ ‫ ‬ ‫َخايـــــــــــ ْن ِدي َن ْه يَلْع ْن بُو ْه‬ ‫ ‬
‫ ‬ ‫الفاس‬
‫كم ْن قالُو يف دفي َنة أ َم ْه أسرْ َق ْ‬ ‫ ‬ ‫جِي ُبو‪ 5‬الطبيب ايْشُ ْفلُو قَلْ َب ْه‬
‫‪8‬‬
‫غاضتوش لَع َمى بن لَعــــــ َمى‬
‫ْ‬ ‫أ ُمو ما‬ ‫ ‬ ‫أَ ْحلِيلُو َو ْاش يلــــــقى يف قَرب ْه‬ ‫ ‬
‫لتعطي صورة أكرث وضوحا‪ ،‬فاملنافق عالمة ال‬ ‫ ‬ ‫حسب فرانسا ت َه ْز بقدر ْه‬
‫يَ ْ‬
‫تعرف بظاهرها بل محلها اإلخفاء‪ ،‬الذي تشاكل‬ ‫أتبايص الناس اليل ذبـــــحو ْه‬ ‫ ‬
‫مع اختفاء العميل وسط أهله‪ ،‬حتى يتسنى له‬ ‫ ‬ ‫خاين دي ُنو ينعل بوه‬
‫معرفة أرسارهم وخداعهم متى حانت الفرصة‪،‬‬ ‫‪6‬‬
‫يف الشعبة ُرو ُحــــــو َحشْ فُو ْه‬ ‫ ‬
‫مع أنها ال تعدم وجود الرابط الذي كان فيام‬ ‫يركز الشاعر عىل صور متعددة‪ ،‬منها ما تعلق‬
‫سبق; رابط األخوة‪ ،‬مستندا عىل األمثال الشعبية‬ ‫بالدين ومنها ما تعلق بالعرف‪ ،‬ومنها ما تعلق‬
‫التي تتوافق ورابط الجامعة أو ما يومئ بالخطاب‬ ‫بتطبيق الحد‪ ،‬فالخائن يف هذا املقطع "ملعون‬
‫صورة العميل في الشعرالشعبي الجزائري (مقاربة تأويلية ملقاطع مختارة)‬ ‫‪207‬‬
‫تأيت صورة العميل يف مواضع أخرى كذلك عىل‬ ‫املشرتك‪ ،‬وبالصيغة ذاتها وردت يف شعر ولد‬
‫شكل مقارنة فال ترد تسميته علنا‪ ،‬وإمنا بإخفاء‬ ‫الناعوس املجاهد‪:‬‬
‫اسمه واإلبقاء عىل القرينة الدالة عليه‪ ،‬يقول‬ ‫ ‬ ‫‪9‬‬
‫هاذو الطُلْبة الجهاد ليهم لبى لقا ْو‬
‫القداوي كان قائد ناحية مبعسكر إبان حرب‬ ‫كل صعبة يف مرضاة الرحــامن‬ ‫ ‬
‫التحرير‪ ،‬وألن الذاكرة الشفوية تلعب دورا مهام‬ ‫ ‬ ‫طلعو الجنود طلعو يف رووس جبال‬
‫يف الحفظ والنسيان معا‪ ،‬فإن ما وصلنا من شعره‬ ‫البارود فَ ْق َنان يف كل ليلة َز َع ْال‬ ‫ ‬
‫إال النزر القليل‪ ،‬تبدأ هذه املقطوعة مبا يشبه‬ ‫ ‬ ‫هاذو املنافيقني ومن دينا مطرودي ْن‬
‫الوقوف عىل األطالل يقول‪:‬‬ ‫ال عاهد وال دي ْن حرفتهم الغدرة‬ ‫ ‬
‫ْد َوا ِوي ْر‪ْ 13‬مطَ ْويّا وقْيَ ِاط ْني ْمبَ ْنيّا ‬ ‫ ‬ ‫يف جبل لخرض شبانا متخرت العسكر‬
‫وف شَ ا صرْ َا يف دهر ال َق ُيــو ْم‬ ‫شُ ْ‬ ‫ ‬ ‫يك امل َشْ كَر وكْفَاتْ قا ْع ال َه ْيشَ ا ْن‬ ‫ ‬
‫ ‬ ‫زوجة الحالل تَتْ َه َدا ليه أنْتَايَا‬ ‫ ‬ ‫قولو لديغول بيناتنا مكان صالح‬
‫روحك وأنت مذمو ْم‬ ‫َم ْنه أتْف َْك ْ‬ ‫ ‬ ‫نَطَ ْر ُد ْوك نواح لَفرانسا تُ ْغ َدا جِيــــــ َعا ْن‬ ‫ ‬
‫ ‬ ‫ال َد ْر َسة أتْ َخلْط َْت ما َصابَ ْت‬ ‫ ‬ ‫الكفاح كفاح بيناتنا ما كان صالح‬
‫َذ َرايَة حتى يْجِيها جيش ال َه َدايا‬ ‫ ‬ ‫‪10‬‬
‫نطردوك نواح لفرانسا تغدا جيــــعا ْن‬ ‫ ‬
‫َصافْ َها بَتْ َب َنها َم ْر ُدو ْم‬ ‫ ‬ ‫تتفق املقاطع جميعها يف الحيز الذي تأخذه‬
‫رج ول ْد فَاطمة َع ْو ْج ال َقطَايا ‬ ‫يُ ْخ ْ‬ ‫صورة الخائن‪ ،‬فتكون بني وصف وتهديد‬
‫الصافيِ من ال َح ُمو ْم‬ ‫هو الليّ يْفَر ْز َ‬ ‫ ‬ ‫وتحديد للنهاية الحتمية له‪ ،‬وميكننا القول أن‬
‫الطالب‪ 14‬ت َ ْقرا فاآلية ‬ ‫ْ‬ ‫ْس َمعتَ ْك يا‬ ‫هذه الصورة ال تختلف عن سابقتها من حيث‬
‫واح أَ ْه َد ْر َم َعايَا‬‫اب وأَ ْر ْ‬
‫ِيب ال ْكتَ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ ‬ ‫التكوين والوصف‪ ،‬فكالها يتشاكل من حيث‬
‫يق ما تقدر فيه ت ْعو ْم‬ ‫بَ ْحرِي ْع ِم ْ‬ ‫ ‬ ‫داللة اإلخفاء‪ ،‬سواء "املنافق" أو "الخائن"‪ ،‬لتأيت‬
‫أ ْرك َْب فوق نَاقة طويلة َج َرايْة ‬ ‫لفظة أخرى أكرث قوة من ناحية الحضور النفيس‬
‫ذاك اليــــــو ْم‬ ‫صىل يف مكة يف َ‬ ‫ ‬ ‫والتاريخي والديني‪ ،‬لوصف الخائن باليهودي‬
‫ ‬ ‫والدي ونزي ْد ن ََسايا‬ ‫ِ‬ ‫َح َرا ْمها‬ ‫يقول الشاعر نفسه يف قصيدة أخرى‪:‬‬
‫‪15‬‬
‫الالّ ْس َم ْعتْها من شَ ِفي ْع ال َق ْو ْم‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ُسلطان فرانسا َد ْركُو ْه‪ 11‬رضار‬
‫تختلف صور الخائن أو العميل هنا لتأخذ بعدا‬ ‫أ ْع َيا من التدبري كيِ َولاّ يســـه ْد‬ ‫ ‬
‫آخر‪ ،‬وهو االنقسام داخل املجموعة الواحدة‬ ‫ ‬ ‫َد َو ْر بيه العسكر زوج ْد َوا ْر‬
‫فيورد الشاعر" منه أتفك روحك وأنت مذموم"‬ ‫‪12‬‬
‫ا�لْلَ َو ْل فرانسيس والثاين َم ْيــه ْد‬ ‫ ‬
‫تعطي هذه الصورة التكوين الوصفي التفصييل‬ ‫جاءت بقصدية التصغري "ميهد"‪ ،‬والتحقري من‬
‫لشخصية العميل‪ ،‬الذي تنازل عن عرضه وحقه‬ ‫شأنه ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا أنها من بني الصور‬
‫مقابل املحافظة عىل حياته‪ ،‬ثم ينتقل إىل صورة‬ ‫األكرث تعبريا عن الغضب‪ ،‬ملا تحمله من دالالت‬
‫أخرى والتي شبهها ب عملية "درس املحصول"‪،‬‬ ‫لها جذورها الضاربة يف التاريخ واملتعلقة بكل‬
‫وفصل النوع الجيد عام ميكن االستغناء عنه‪ ،‬بنربة‬ ‫أنواع الخيانة‪.‬‬
‫‪208‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫شب الفـــــــــ َـرنا ْن‬ ‫َحطوه ْم َذبْا ْن و ْخ ْ‬ ‫ ‬ ‫لطت ما َصابَ ْت َذ َرايَ ْة"‪ ،‬ليمهد‬ ‫حزينة" ال َد ْر َسة تَ َخ ْ‬
‫‪18‬‬
‫ايل املجاهدين‬ ‫ُوش ْخ َص ْ‬
‫ما َعرف ْ‬ ‫ظهور الفارس مبالمح أسطورية ‪ ،‬وكل ما يحمله‬
‫‪16‬‬

‫فاملسكوت عنه يف هذه املقطوعة هو وصول‬ ‫الويل الصالح من كرامات‪ ،‬واملقصود به هنا األمري‬
‫الخرب الكاذب من قبل العميل‪ ،‬بينام تظهر يف‬ ‫عبد القادر الذي بإمكانه كشف الخونة‪ ،‬واملعرب‬
‫يف مقطوعة أخرى بشكل رصيح يف قول الشاعر‪:‬‬ ‫عنهم يف هذا الشطر "بال َح ُمو ْم"‪ ،‬وهو ما فسد من‬
‫يش للقبطان ‬ ‫كَايَ ْن‪ 19‬من ْه راح يمَ ِ‬ ‫القمح بعزله ويُبقي باملقابل عىل القمح الصايف‪،‬‬
‫يا َم ْسيو هاذ السيــــايس جانا‬ ‫ ‬ ‫وإن كانت هذه العملية الزمة من لزوميات البقاء‬
‫ ‬ ‫أ ْم َعاه الضابط غ ْري فالن فال ْن‬ ‫فإنها صورة أخرى عن االنقسام املحتم حتى ولو‬
‫كل ليلة يأتيَ مثة ال َعشـــراني ْة‬ ‫ ‬ ‫كان األمر التكوين األصيل يحملهام معا يف جيب‬
‫أعطيني فا َرهْ وفُويَيل لَثام ْن ‬ ‫قالوا‬ ‫واحد‪ ،‬ونقصد بذلك االنتامء والدين والعادات‬
‫ِ‬
‫نخدم لفْريقاتْ منها ال َجامنْة‬ ‫ ‬ ‫وغريها‪ ،‬لكن تغري الوجهة حتم االنقسام وجعله‬
‫الزما وقارا ال يقبل التغيري‪ ،‬ورمبا تأخذ املقطوعة‬
‫ ‬ ‫نَعرفه ْم فالن فالن‬
‫بعدا آخر واملتمثل يف األحداث التي كانت يف‬
‫الســـــامنَ ْة‬ ‫وألَقَطه ْم كأفراخ ّ‬ ‫ ‬
‫عهد األمري عبد القادر أو قبل مجيئه‪ ،‬من أهمها‬
‫ ‬ ‫أعال ْه أفْس ْد رايَ ْك يا طَ َحا ْن‬
‫‪20‬‬
‫املحاولة الصعبة يف مل شتات القبائل والدعوة‬
‫الك كالكالب ال َخـــــوان ْة‬ ‫وأصرْ َ ْ‬ ‫ ‬ ‫للتوحد‪.‬‬
‫ ‬ ‫غَدوة كِيفاه أ ْديْر لوجهك يا شَ متا ْن‬ ‫كام قدم الشاعر أحمد الفالفيل _جندي من‬
‫‪21‬‬
‫رتك َمتج ْيش لَ ْن َســـانا‬‫حتى َم ْ‬ ‫ ‬ ‫ناحية عوف والية معسكر_‪ ،‬صورة ساخرة‬
‫تحمل معها كل َمعاين االحتقار‪ ،‬بدء بذكر فساد‬ ‫للخائن بطريقة غري مبارشة ‪ ،‬ويف أخباره املكذوبة‬
‫الرأي الذي يعقبه ال محالة الترصف الخاطئ‪،‬‬ ‫التي كان يوصلها للجيش الفرنيس‪ ،‬ولعل القصد‬
‫الذي جعله الشاعر مالزما للفظة الحيوان املذكور‬ ‫من هذه الصورة هو تبيان غباء ووقوع الخائن يف‬
‫أعاله‪ ،‬لكن انتزع منه صفة العموم وهي الوفاء‬ ‫مصيدة املجاهدين‪ ،‬وباملقابل هي صورة أخرى‬
‫كام هو معروف‪ ،‬وأخرج الصفة الشاذة لهذا‬ ‫لطأمنة وبعث الثقة‪ ،‬الذي عرب عنه التناص‪ ،‬مع‬
‫الحيوان‪ ،‬ليكون التأويل مناسبا مع الوصف‪،‬‬ ‫ما ورد يف القرآن الكريم يف غلبة الفئة األقل عددا‬
‫وتبقى لفظة "الكلب الويف" أعىل قيمة من‬ ‫بإذنه‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫خائن يشبه كالبا مضطربة التكوين‪ ،‬والتي يعرب‬ ‫ْليل عدده ربعني ‬ ‫هذا َزي ِْش‪ 17‬أق ْ‬
‫عنها املجتمع الجزائري بالتكوين املمزوج من‬ ‫ْحضَ ا ْو يوصو يف نساهم والصبــــــــيا ْن‬ ‫ ‬
‫حيوانني مختلفني أحدهام أليف واآلخر متوحش‬
‫ ‬ ‫قالوا بيل ْح َنا نجيبوهم حي ْني‬
‫ويقصدون بذلك خواص الذئاب التي ال ينفع‬
‫نحكمو كِيماَ بْغَي َنا يف لُ ْخريـــــــــــــ ْن‬ ‫ ‬
‫معها طيب املعرش‪ ،‬وال الخري‪.‬‬
‫ ‬ ‫َم ْن َها تَ ْه َنا بالدنا تبقى آ َما ْن‬
‫تستمر الصفة ذاتها يف أغلبية األشعار‬
‫الطْوايْر فالسماَ تحســـــــــــب ُعقبا ْن‬ ‫ ‬
‫الشعبية‪ ،‬لتصري إيقونة دالة عىل هذا النوع من‬
‫البرش‪ ،‬يقول الشاعر مسعود مبزغ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫قال ستة وتالثني‬ ‫من َحاسبه ْم ْ‬
‫صورة العميل في الشعرالشعبي الجزائري (مقاربة تأويلية ملقاطع مختارة)‬ ‫‪209‬‬
‫ومالكيها أوال‪ ،‬ووصمة خزي ملالكها الجديد مبعنى‬ ‫َاش َه ْز الكَارتْ بَالن ْْش ‬ ‫شَ ْفتُو‪ 22‬كِيف ْ‬
‫ال تعرفه وال تحس به إال النفس‪ ،‬ألن استخدام‬ ‫ما منها ذَا ال َخد َمة الـــــدونِيَة‬ ‫ ‬
‫سلطة العدو لقهر بني جلدته هو مبثابة املحور‬ ‫ ‬ ‫العب ْد ال َخ َدا ْع اليل هو ب َيا ْع‬
‫الذي تدور حل جل األشعار الشعبية بأنواعها‪،‬‬ ‫بْحك ْم االقطاع عىل الفرانسوي ْة‬ ‫ ‬
‫ولعل الشاعر أراد تبيان دافع العميل أو الحريك‬ ‫ ‬ ‫ُول وأيْ َعي ْط يف البرَ ل ُْول‬ ‫فُ ُمو َمحل ْ‬
‫من خالل خطاب زوجته يف هذه املقطوعة‬ ‫‪23‬‬
‫الطول الدولة الفرانســـــــوي ْة‬ ‫يْدي ْر َها ْ‬ ‫ ‬
‫الشعرية‪ ،‬هذه الزوجة التي مل تكن أقل رشا‬ ‫وتصري معها صورة العميل يف عني الشاعر‬
‫وخبثا من زوجها‪.‬‬ ‫واملجاهد‪ ،‬صدى ملتلقي قهره املستدمر والعميل‬
‫القضية أكرب من مجرد قول يحتاج ملتلق‬ ‫معا‪ ،‬واتفاقهم عىل نوع موحد من الصفات‬
‫عارص الحدث‪ ،‬أو متلق سيتلقى الحدث بعد‬ ‫املتكررة مع كل خطاب موجه‪ ،‬ما هي إال معاناة‬
‫زمن‪ ،‬وتداول هذه النصوص الشعرية التي وصلنا‬ ‫داخلية‪ ،‬أكرب من معانتهم من دخيل عىل هذا‬
‫منها القليل فقط يعد من األهمية‪ ،‬بحيث وضع‬ ‫الوطن‪ ،‬بل صارت هماّ ‪ ،‬كام يقول الحاج املنان‪:‬‬
‫الجامهري الشعبية‪ 26‬هو الذي فرضها فراحت‬ ‫ ‬ ‫ِ ‪24‬‬
‫يل زَا ْدنَا َه ْم القَومي‬ ‫ال َه ْم كب ْري ال ِ‬
‫ترددها الطبقات‪ ،‬وتتبناها كقانون حتمي ال يقبل‬ ‫اس‬ ‫ما ت َر َحم ِفينا غ ْري اليل بَ ِ‬
‫كري كا ْن تر ْ‬ ‫ ‬
‫املساس‪ ،‬بل ميكننا القول أن هذه الصور هي‬ ‫قالت لو َمرتُو جِي َبنا ال َجا َجة من عند الشعبية‬ ‫ْ‬
‫مبثابة رصخة رفض للوضع السائد آنذاك‪ ،‬وانتشار‬ ‫اس‬‫وسيا َرة و َمه َر ْ‬ ‫وفْرا ْش و َمثرْ ْد َ‬
‫األنذال يف كل مكان الذين حاولوا بكل ما أوتوا‬ ‫ ‬ ‫بالسكة امل َدعي ْة‬ ‫وين ت ْ ُرو ُحو ّ‬
‫إحباط املقاومات‪ ،‬وكل ما له صلة بالدفاع عن‬ ‫‪25‬‬
‫ــــــــــــاس‬ ‫ُوك غ ْري للَت ْد َح‬ ‫وما ت َ ْبقَا ْو ذ ْ‬ ‫ ‬
‫ْ‬
‫الوطن واألنفس واملمتلكات‪ ،‬والعقيدة‪ ،‬وتبيان‬
‫تتجىل هذه املعاناة‪ ،‬وهذا اإلحساس بالتحرس‬
‫صوت املجتمع الرافض لهؤالء‪ ،‬وتنبيه البقية‬
‫عىل الذين باعوا وطنهم بأشياء رخيسة يندى‬
‫بعدم امتهان الخساسة للمحافظة عىل العيش‬
‫المتالكها الجبني‪ ،‬فهي افتكاك من يد أصحابها‬
‫الذي لن ولن يكون كرميا أبدا بهذا الصنيع‪.‬‬

‫هوامش البحث‪:‬‬
‫املرويات الشفوية‪ ،‬اآلداء‪ ،‬الشكل‪ ،‬الداللة‪ ،‬ديوان‬
‫‪ 1‬ينظر‪ :‬العريب دحو‪ ،‬بعض النامذج الوطنية يف الشعر‬
‫املطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1998 ،‬ص‪.22 :‬‬
‫األورايس خالل الثورة التحريرية‪ ،‬ديوان املطبوعات‬
‫‪ 3‬موس‪ :‬سكني‪ ،‬ندوله‪ :‬نأخذ له‪ ،‬نجروه‪ :‬ننحره‪.‬‬
‫الجامعية الجزائر‪ ،1983 ،‬ص‪38:‬‬
‫‪ 4‬جيبو‪ :‬هاتوا‪ ،‬يشوفلو‪ :‬يفحص‪ ،‬أحليلو‪ :‬أتأسف عليه‪،‬‬
‫‪ 2‬التيل بن الشيخ‪ ،‬دور الشعر الشعبي يف الثورة‬
‫واش‪ :‬ماذا‪ ،‬تهز‪ :‬ترفع‪ ،‬أتبايص‪ :‬ت ُجرم‪ ،‬ينعل بوه‪ :‬اللعنة‬
‫‪ ،1945.1830‬الرشكة الوطنية للنرش والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫عىل أبيه‪ ،‬حشفوه‪ :‬رموه‪.‬‬
‫د‪.‬ط‪1983 ،‬ص‪.15:‬‬
‫‪ 5‬العريب بن دحو‪ ،‬ديوان الشعر الشعبي من الثورة‬
‫‪ 3‬عبد الحميد بورايو‪ ،‬البطل امللحمي والبطلة الضحية‬
‫التحريرية بالعربية واألمازيغية الشاوية‪ ،‬جمع‪ ،‬توثيق‪،‬‬
‫يف األدب الشفوي الجزائري‪ ،‬دراسات حول الخطاب‬

‫‪210‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫دار غريب للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪ ،3‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫تصنيف‪ ،‬رشح‪ ،‬تعليق‪ ،‬تقديم‪ ،‬دار األملعية‪ ،‬قسنطينة‪،‬‬
‫‪.70‬‬ ‫ط‪ 2012 ،02‬ص‪.35.34 :‬‬
‫زيش‪ :‬جيش‪ ،‬حضاو‪ :‬جمع بدأ‪ ،‬حطوهم‪ :‬من حط‪،‬‬ ‫‪ 16‬‬ ‫صدافهم‪ :‬يف طريقهم‪ ،‬طاش‪ :‬هلك‪ ،‬الطاس‪ :‬كلمة‬ ‫‪ 6‬‬
‫الفرنان‪ ،‬نوع من خشب الغاب سهل الحرق والقلع‪،‬‬ ‫فرنسية تعني اإلناء‪ ،‬واش‪ :‬ماذا‪ ،‬غاضتوش‪ :‬مل يشفق‬
‫عرفوش‪ :‬من عرف‪ ،‬خصايل‪ :‬جمع الخصلة الحميدة‪.‬‬ ‫عليها‬
‫أحمد الفالفيل‪ ،‬مجاهد من عوف تروي‪ :‬صوانة الحاجة‬ ‫‪ 17‬‬ ‫العريب بن دحو‪ ،‬ديوان الشعر الشعبي من الثورة‬ ‫‪ 7‬‬
‫أنه كان يرتدد إىل بيت والدها‪ :‬موح الحرية لالختباء‬ ‫التحريرية بالعربية واألمازيغية الشاوية‪ ،‬جمع‪ ،‬توثيق‪،‬‬
‫مع بقية الجنود يف فرتة االحتالل ‪ ،‬مبنطقة م ّواس‪،‬‬ ‫تصنيف‪ ،‬رشح‪ ،‬تعليق‪ ،‬تقديم‪ ،‬ص‪.17 :‬‬
‫تخامرت القدمية‪ ،‬تيارت‪ ،‬تاريخ املقابلة‪2003/03/12 :‬‬ ‫لقاو‪ :‬وجدوا‪ ،‬فقنان‪ :‬مدو‪ ،‬زعال‪ :‬صوته عال‪ ،‬املشكر‪:‬‬ ‫‪ 8‬‬
‫الساعة‪.17:30:‬‬ ‫األكياس‪ ،‬الهيشان‪ :‬الوحوش‪ ،‬تغدا‪ :‬تذهب‪.‬‬
‫كاين‪ : ‬يوجد‪ ،‬مسيو‪ :‬بالفرنيس سيدي‪ ،‬جانا‪ :‬جاءنا‪،‬‬ ‫‪ 18‬‬ ‫ولد الناعوس‪ ،‬الجبل لخرض‪ ،‬الراوية‪ :‬صوانة الحاجة‬ ‫‪ 9‬‬
‫أمعاه‪ :‬معه‪ ،‬مثة‪ :‬هناك‪ ،‬العرشانية‪ :‬وقت العارشة‬ ‫و‪ 1943 :‬ت‪ ، 2006:‬بتخامرت القدمية والية تيارت ‪،‬‬
‫وعددهم فوق العرشة‪ ،‬فاره‪ :‬متمرس‪ ،‬فوييل‪ :‬وشاح‪،‬‬ ‫تاريخ املقابلة‪ 2003/03/12 :‬الساعة‪.17:30:‬‬
‫لثامن‪ :‬للتلثم‪ ،‬لفريقات‪ِ :‬فرق‪ ،‬الجامنة‪ :‬املتتبعة‪.‬‬ ‫دركوه‪ :‬أدركته‪ ،‬يك‪ :‬أصبح‪ ،‬دور‪ :‬أحاط‪ ،‬زوج‪ :‬اثنان‪،‬‬ ‫‪ 10‬‬
‫رايك‪ :‬رأيك‪ ،‬طحان‪ :‬خسيس‪ ،‬رصالك‪ :‬حدث لك‪،‬‬ ‫‪19‬‬
‫ميهد‪ :‬تصغري لليهود‪.‬‬
‫غدوة‪:‬غدا‪ ،‬مرتك‪ :‬زوجتك‪ ،‬متجيش‪ :‬لن تأيت‪.‬‬ ‫ولد الناعوس‪ ،‬الجبل لخرض‪ ،‬الراوية‪ :‬صوانة الحاجة و‪:‬‬ ‫‪ 11‬‬
‫العريب دحون ديوان الشعر الشعبي من الثورة‬ ‫‪ 20‬‬ ‫‪ 1943‬ت‪ ، 2006:‬بتخامرت القدمية والية تيارت‪ ،‬تاريخ‬
‫التحريرية بالعربية واألمازيغية الشاوية‪ ،‬ص‪.42:‬‬ ‫املقابلة‪ 2003/03/12 :‬الساعة‪.17:30:‬‬
‫شفتو‪ :‬رأيته‪ ،‬كيفاش‪ :‬كيف‪ ،‬هز‪ :‬استلم‪ ،‬الكارت‪:‬‬ ‫‪ 21‬‬ ‫دواوير‪ :‬جمع دوار مبعنى القبيلة‪ ،‬مطويا‪ :‬الخيام‬ ‫‪ 12‬‬
‫البطاقة‪ ،‬بالنش‪ :‬البيضاء‪ ،‬مامنها ذا‪ :‬ليست إال‪ ،‬خدمة‪:‬‬ ‫مطوية‪ ،‬قياطني‪ :‬جمع خيمة‪ ،‬مبنيا‪ :‬مبنية‪ ،‬شوف‪:‬‬
‫عمل‪ ،‬دونية‪ :‬دينء‪ ،‬فمو‪ :‬فمه‪ ،‬محلول‪ :‬مفتوح‪ ،‬أيعيط‪:‬‬ ‫أنظر‪ ،‬شا‪ :‬ماذا رصا‪ :‬حدث‪ ،‬تتهدا‪ :‬ينتهك‪ ،‬أتفك‪ :‬تفك‪،‬‬
‫ينادي‪ ،‬الربلور‪ :‬مكرب الصوت‪ ،‬يديرها‪ :‬يحسبها‪ ،‬الطول‪:‬‬ ‫الدرسة‪ :‬الحنطة وقت الدرس‪ ،‬أتخلطت‪ :‬اختلطت‪،‬‬
‫دامئا‪.‬‬ ‫صابت‪ :‬تجد‪ ،‬ذراية‪ :‬رجال يقومون بعمل التصفية‪،‬‬
‫املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.43:‬‬ ‫‪ 22‬‬ ‫الهدايا‪ :‬الفرسان‪ ،‬صافها‪ :‬الصايف‪ ،‬مردوم‪ُ :‬ردم‪ ،‬عوج‪:‬‬
‫القومي‪ :‬العميل‪ ،‬بكري‪ :‬يف قديم الزمان‪ ،‬تراس‪ :‬رجل‪،‬‬ ‫‪ 23‬‬
‫معوج وهنا الصفة حميدة وتعني اإلمالة القطايا‪:‬‬
‫مرتو‪ :‬زوجته‪ ،‬الشعبية‪ :‬البسطاء من الشعب‪ ،‬مرثد‪:‬‬ ‫مقدمة الرأس‪ ،‬وتعني أيضا الشعر األسود األملس يف‬
‫صحن كبري‪ ،‬سيارة‪ :‬غربال‪ ،‬تروحو‪ :‬تذهبون‪ ،‬السكة‪:‬‬ ‫هذه املنطقة‪ ،‬الحموم‪ :‬بذور صغرية سوداء باستطاعتها‬
‫الطريق‪ ،‬املدعية‪ :‬امللعونة‪ ،‬تبقاو‪ :‬تبقون‪ ،‬غري‪ :‬إال‪،‬‬ ‫افساد املحصول‪.‬‬
‫لتدحاس‪ :‬للذل‪.‬‬ ‫الطالب‪ :‬معلم القرآن‪ ،‬هدر‪ :‬تكلم‪ ،‬حرامها‪ :‬نوع من‬ ‫‪ 13‬‬
‫العريب دحو‪ ،‬ديوان الشعر الشعبي من الثورة‬ ‫‪ 24‬‬
‫الحلف مبعنى يحرم‪ ،‬نسايا‪ :‬نسايئ‪.‬‬
‫التحريرية بالعربية واألمازيغية الشاوية‪ ،‬ص‪.46:‬‬ ‫القداوي‪ ،‬مجاهد تروي‪ :‬صوانة الحاجة أنه كان يرتدد‬ ‫‪ 14‬‬
‫العريب دحو‪ ،‬الشعر الشعبي ودوره يف الثورة التحريرية‬ ‫‪ 25‬‬ ‫إىل بيت والدها‪ :‬موح الحرية لالختباء مع بقية الجنود‬
‫الكربى مبنطقة األوراس‪ ،‬ج‪ ،1‬املؤسسة الوطنية‬ ‫يف فرتة االحتالل ‪ ،‬مبنطقة م ّواس‪ ،‬تخامرت القدمية‪،‬‬
‫للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،1989 ،‬ص‪.62 :‬‬ ‫تيارت‪ ،‬تاريخ املقابلة‪ 2003/03/12 :‬الساعة‪.17:30:‬‬
‫املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.62 :‬‬ ‫‪ 26‬‬ ‫ينظر‪ :‬نبيلة ابراهيم‪ ،‬أشكال التعبري يف األدب الشعبي‪،‬‬ ‫‪ 15‬‬

‫صورة العميل في الشعرالشعبي الجزائري (مقاربة تأويلية ملقاطع مختارة)‬ ‫‪211‬‬


‫بع�ض مذاهب القول يف النرث الفني العربي‪:‬‬
‫عالمات املعاين و املباين‬
‫أ‪.‬د محمد األمين خالدي‬
‫قسم اللغة واألدب العربي‪ ،‬مخبرالدراسات اإلفريقية للعلوم اإلنسانية والعلوم االجتماعية‬
‫جامعة أحمد دراية‪ ،‬أدرار_ الجزائر‬

‫البيانية فيها‪ ،‬وأيضاً يف بديعية بعضها القامئة‬ ‫أوال‪ :‬املثل بني و ْجزية الرتكيب وترداد االستعامل‬
‫عىل الطباق والسجع والجناس والرتادف والتضاد‬ ‫والتداول‪.‬‬
‫والتجانس مثل‪ (:‬ماحك جلدك مثل ظفرك)‪،‬‬ ‫هذه سمة فنية جاملية كاملفارقة‬ ‫ ‬
‫فتشكيل األسلوب املثيل يقوم غالباً عىل التناسب‬ ‫والجمع بني النقيضني؛ فاملثل العريب منط نرثي‬
‫واإليجاز وتسويغ اإليقاع الخصيب الذي يقرع‬ ‫بليغ إشاري ملعي‪ ،‬لكنه بجريه عىل اللسان‬
‫السمع ويصون حفظ املثل يف الذاكرة؛ فهذا‬ ‫واستخدامه يف املقامات التي تستدعيه ترداد‬
‫املثل تسجيعي يف تقابل الكافني يف الفاصلتني‬ ‫معني‪ ،‬ويف الوقت ذاته إن املثل شاهد عىل‬
‫املنضغطتني ( جلدك‪ /‬ظفرك)‪.‬‬ ‫ترداد بالغي أديب بديع‪ ،‬ذلك ألنه يصور عملية‬
‫وهذه إيقاعية خارجية ال تنفي اإليقاعية‬ ‫تردادية متقابلة بني فحوى املورد الثابت املحتذى‬
‫الداخلية التي تنبعث من قراءة نفسية شعورية‬ ‫وفحوى املرضب املتحول الذي يف ضوئه ينساق‬
‫من خلف الكلمتني (جلدك‪ /‬ظفرك) فالتوازي‬ ‫املرضب؛ فمثال( أكرم من حاتم) وغريه من مئات‬
‫الصويت التقابيل يف نسيجهام يدعو الشعور إىل‬ ‫األمثال‪ ،‬إمنا هو يُتعامل به يف تواترات إبالغية‬
‫عقد املقارنة بني مدلويل املفردتني وما بينهام من‬ ‫إلقناع املتلقي واللمح إىل الفائدة من رضبه يف‬
‫تجانس وتجاور حثيث يف الواقع لتالحم الجلد‬ ‫الحاجة‪.‬‬
‫بالظفر وتداخلهام وتقاربهام لتنتقل هذه الداللة‬ ‫كام أنه تناص يف بنيته املعرفية والجاملية رغم‬
‫الحكَمية‪ ،‬وهي فحوى‬ ‫الواقعية إىل مجال الداللة ِ‬ ‫انضغاظ أسلوبه ألنه حني يرضب به يف املرضب‬
‫رضب املثل‪ ،‬ويقاس هذا التخريج واإلسقاط عىل‬ ‫وقصته‪ ،‬كأنه تعالق باملورد وتقاطع معه؛ فهو‬
‫كل األمثال‪.‬‬ ‫تناص ُع ْروي مكثف من النص وإليه دون الخروج‬
‫ومن متظهرات املثل العريب أنه قد يشتق من‬ ‫من البنية الواحدة‪ ،‬وإمنا املخالفة تكون يف ترداد‬
‫أصول خطابية أخرى يف البيان العريب كالقرآن‬ ‫زمن الحق بزمن سابق‪.‬‬
‫الكريم والسنة والشعر ومأثور النرث‪ ،‬مثل هذا‬ ‫ولإليقاع تشكل جميل يف األمثال بحيث‬ ‫ ‬
‫البيت الذي هو أصل املثل املذكور آنفاً؛ والبيت‬ ‫إن إيقاعها الداخيل يقوم عىل تركيز املكونات‬
‫‪212‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫بالعربية املتذبذبة بني الفصحى والدارجة؛ وهي‬ ‫لإلمام الشافعي‪:‬‬
‫ألوان ذات إبالغ رسايل توصييل ال يستهان به‬ ‫ما حك جلدك مثل ظفرك ‬
‫كاألمثال والحكم واألدعية والقصص والحكاية‬ ‫‪11‬‬
‫فتول أنت جميــــــع أمرك‬ ‫ ‬
‫والسري والوصايا وغريها‪.‬‬
‫وهذا إحالة فنية غريبة يف تناصية األجناس‬
‫ثانياً‪ :‬الخطابة وتردادها يف فن القول‪.‬‬ ‫األدبية بني دوال املثل ودوال الشعر امل ُفضية إىل‬
‫أريد ببحث الرتداد يف فن القول الخطايب‬ ‫ ‬ ‫مدلوالت متحدة‪ ،‬وهناك نكت أخرى يف متظهرات‬
‫الرتكيز عىل بعض املميزات الفنية واملوضوعية‬ ‫مثيلة أخرى‪ ،‬كشيوع ظاهرة اإليقاع الصيغي‬
‫والجاملية التي يضطلع بها البحث األسلويب‬ ‫والرصيف يف استهالك كثري من األمثال بصيغة‬
‫البالغي‪ ،‬كإبراز فنية الرتداد يف هذا اللون النرثي‬ ‫(أفعل) كقولنا‪( :‬أجرأ من أسد‪ /‬أصدق من قطاة‪/‬‬
‫العتيق‪ ،‬ولهذا فاألسلوبية قراءة جديرة بكشف‬ ‫أجنب من نعامة) وصيغ ( ُر ّب) مثل‪ُ ( :‬ر ّب رمية‬
‫هذا «فإن العلوم اللسانية جميعاً تهدف إىل‬ ‫من غري رام)‪ُ ( ،‬ر ّب عجلة ت َ َهب ريثا) …‪ ،‬ومثة‬
‫خدمة البيان‪ ،‬الذي ُعني به العرب يف جاهليتهم‬ ‫نكتة الرتداد اإلجرايئ يف توظيف األمثال السائرة‬
‫وإسالمهم‪ ،‬وشغلوا به يف عصور ازدهار العربية‬ ‫بتخالف الزمان واملكان وإبداع اإلنسان؛ ف ُيجري‬
‫ويف عصور انحطاطها‪ ،‬والبيان أو دراسة الفن‬ ‫الضاربون األمثال عىل نُظُم لغوية وأسلوبية قد‬
‫األديب ينبغي أن يُساير كل نشاط فكري‪ ،‬وإال‬ ‫تشرتك كثريا يف بُناها املعجمية وقد ال تشرتك‪ ،‬إال‬
‫يتخلف عن أية حركة علمية تخدم الرتاث العريب‬ ‫أنها تحفظ املدلوالت نفسها كاألوجه املختلفات‬
‫يف العلم أو يف الفن بعثاً أو تجديدا ً ألثره البعيد‬ ‫يف تداولية املثل‪ (:‬آخر الداء اليك)‪ ،‬مبا يأيت( آخر‬
‫يف خدمة لغة العرب»‪3‬؛ لذلك فأسلوبية الرتداد‬ ‫الداء العياء اليك)‪ (،‬آخر الطب اليك)‪ (،‬آخر الدواء‬
‫تسهل مكاشفة الوظائف الداللية والجاملية‬ ‫اليك)‪ (،‬آخر العالج اليك)‪ …22‬وقس عىل ذلك‪.‬‬
‫للرتداد وتؤكد خدمته للبيان يف الخطابة العربية؛‬ ‫وتداولية املثل ظاهرة تواصلية تنتظم بها حياة‬
‫ونحن نتأمل خطب العرب يف عرص ما قبل صدر‬ ‫اإلنسان يومياً يف إدارة شؤونه النفسية واملادية‬
‫اإلسالم‪ ،‬وهي نصوص تشهد بتاريخهم وجميع‬ ‫والعقلية واإلبالغية‪ ،‬رغم أن املتملكني ح ّوروا‬
‫حيواتهم االجتامعية واالعتقادية والنفسية‬ ‫من بعض صور األمثال يف مبانيها وبعض معانيها‬
‫واألدبية…؛ إذ كانت الخطابة فن القول اليومي‬ ‫وأشكال جريها صوتيا عىل اللسان‪ ،‬كانحرافهم بها‬
‫سلامً وحرباً‪ ،‬ومنربا ً إليه توجه الناس ِو ْجهتها‬ ‫من العربية الفصحى إىل العامية؛ وهذا مبحث‬
‫يف الكعبة واألسواق ومحافل التجمع القبيل‬ ‫يف الحاجة إىل دراسة مستقلة تبحث عالقة هذا‬
‫ومواضعه؛ فقيس بن ساعدة اإليادي واحد من‬ ‫التويل عن الفصحى إىل الدارجة‪ ،‬بل إن هذا األمر‬
‫النامذج –ترشد‪ -‬التي سطرت بعض املشاهد‬ ‫إغراء منهجي قد يأخذ بكثري من الدارسني إىل‬
‫يف املجتمع العريب تصويرا ً أسلوبياً يحمل سامت‬ ‫بحث هذه املسالة التي تعلق بجريان اللسان‬
‫اإلعالن واإلشهار واملناداة التي تستهوي قلوب‬ ‫العريب الفصيح إ ْن من جهة املنطوق أو املكتوب‬
‫السامعني بغية إبالغهم مبا ينفعهم يف حياتهم‬ ‫يف ألوان نرثية ‪ -‬مع اإلشارة إىل الشعر أيضاً‪-‬‬
‫كقوله‪( :‬أيها الناس‪ ،‬اسمعوا وعوا‪ ،‬من مات‬ ‫ترسي يف التداول اللغوي اليومي بني املتكلمني‬
‫بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني‬ ‫‪213‬‬
‫يربز فعل التوايص والحرص عىل املوصىَ يف فن‬ ‫فات‪ ،‬وكل ما هو آت آت‪ ،‬ليل داج‪ ،‬ونهار ساج‪،‬‬
‫الوصية‪-‬خصوصا‪ -‬بشعور صادق يُغ َدق عىل‬ ‫وسامء ذات أبراج‪ ،‬وأرض ذات فجاج…‪ ،‬يا معرش‬
‫املرسل إليه مبشاعر املحبة وبعقل يُقدر جسامة‬ ‫إياد‪ :‬أين مثود وعاد‪ ،‬وأين اآلباء واألجداد‪ ،‬وأين‬
‫املرسل الذي حلب الدهر‬ ‫اإلبالغ عن تجربة ِ‬ ‫املعروف الذي مل يشكر‪ ،‬وأين الظلم الذي مل‬
‫وعاين محك الصعاب؛ ويرتجم ذلك بإلحاح األمر‬ ‫‪4‬‬
‫ينكر…)‪.‬‬
‫وطالب اإلقتداء‬‫والنهي وإسداء النصيحة والوعظ ِ‬ ‫كاف لرصد بعض املميزات يف فن‬ ‫وهذا منوذج ٍ‬
‫والسري عىل نهج من مىض يف الخري والصالح من‬ ‫الخطابة من جهة الرتداد فمنها الرتداد الداخيل‬
‫أهل الحنكة والخربة … ‪ ،‬وكل هذا يرتجم يف أوجه‬ ‫ويراد به إلحاحية املكونات البيانية من أحرف‬
‫أسلوبية تردادية مثرية تعلق ذهن املرسل إليه‬ ‫وأفعال وأسامء تتكرر لرتسيخ املعنى والتأثري يف‬
‫وفؤاده وسمعه بنموذجية املرسل الخبري؛ ومن‬ ‫السامعني والشّ د بأنظارهم حول الغاية من مقام‬
‫تلك ألوجه( تكرار دوال مثرية بالسجع والجناس‬ ‫الخطاب ومقتضاه‪ ،‬وكذا إيقاع الفواصل بالجمل‬
‫وتجاور الجمل القصرية وداللتها عىل تلمس‬ ‫القصرية إيقاعا خفيا مسترتا ً وراء الدوال وإيقاعاً‬
‫الرفق والتلطف باملتلقي وكذا التكرار واملرادفات‬ ‫فاصلياً جلياً‪ ،‬مثل مات‪/‬فات‪ ،‬آت‪/‬آت‪ ،‬داج‪ /‬ساج‪،‬‬
‫والطباق بني اإلغراء والتحذير…)‪ ،‬وغريها من‬ ‫أبراج‪/‬فجاج‪ ،‬مل يشكر‪ /‬مل ينكر‪ ،‬وكذا تردادية‬
‫آليات الخطاب الوِصايئ كاإليقاعية الداخلية التي‬ ‫التضاد واملخالفة(ليل‪-‬نهار‪ /‬سامء‪-‬أرض‪)…/‬‬
‫تستحوذ عىل تأمل املتلقي يف فحوى الوصية‬ ‫وترداد الجناس (اسمعوا‪ ،‬عوا‪ /‬مات‪ ،‬فات‪ /‬داج‪،‬‬
‫ومدارجها التي تأخذ بيده نحو املنجاة وبلوغ‬ ‫ساج…)‪.‬‬
‫غاية املرتقبة… ‪ ،‬ومثة بيانيون أتقنوا فن الوصية‬
‫ومها الرتداد الخارجي ويراد به تشارك الخطباء‬
‫يف البيان العريب كذي اإلصبع العدواين وأمامة‬
‫يف أبنية لفظية وأسيقة داللية عديدة تتقاطع‬
‫بنت الحارث والخليفة أيب بكر ريض الله عنه‬
‫فيها مئات النصوص ويف أعرص عديدة من‬
‫واإلمام عيل كرم الله وجهه واألديب لسان الدين‬
‫األدب العريب القديم خاصة‪ ،‬كالزمة أيها الناس‪/‬‬
‫بن الخطيب واإلمام محمد البشري اإلبراهيمي…‬
‫اجتمعوا‪ /‬االستفتاح بالبسملة والصالة عىل النبي‬
‫رابعاً‪ :‬الرتداد يف فن الرتسل‬ ‫صىل الله عليه وسلم‪ ،…/‬وكذا أسلوبيات اإلثارة‬
‫الحديث عن الرتسل وكثري من األمنط الفنية‬ ‫واإليحاء والوجز والبسط والوصل والفصل وقوة‬
‫النرثية يستوجب استقدام الحديث عن أكرب حركة‬ ‫اإلقناع وارتفاع النرب وإقامة الحجة واإليضاح‬
‫يف الكتابة النرثية الفنية املوسوعية التي برزت يف‬ ‫‪5‬‬
‫وتردادات واملالمح وغريها عديدة‪.‬‬
‫قرون التدوين األول يف عرصي بني أمية وبني‬ ‫وتكاد تتحدد كل الخطب ‪-‬بأنواعها وعصورها‬
‫العباس‪-‬خاصة‪ -‬حتى غدت الكتابة روح العرص‬ ‫وموضوعاتها وأعالمها‪ -‬يف أشهر الخصائص‬
‫وثورته بل نشأت مدارس تضم كبار األعالم الذين‬ ‫الرتدادية ذلك المنياز فن الخطابة عن غريه مبا‬
‫نافسوا الحركة الشعرية يف تلك العهود‪ ،‬ومنهم‬ ‫ينفرد به‪ ،‬ال مبا يتقاطع فيه مع غريه كاملقال‬
‫عبد الحميد الكاتب وابن املقفع والجاحظ وأبو‬ ‫والوصية والرسالة وغريها‪.‬‬
‫حيان التوحيدي واملعري…وغريهم كثري يف النرث‬
‫ثالثا‪ :‬تردادية الحرص وفن الوصية‪.‬‬
‫‪214‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫قيست مبطوالت النرث الفني؛ رغم اختالف شدة‬ ‫العريب ببالد املغرب اإلسالمي واألندلس كلسان‬
‫الرتداد بني العرص األموي والعبايس فقد « ُعرف‬ ‫الدين بن الخطيب واإلمام أفلح بن عبد الوهاب‬
‫العرص العبايس فقرات فنية مل تكن معهودة يف‬ ‫الرستمي وغريهام‪.‬‬
‫العرص األموي‪ ،‬وذلك يف ميدان اإلنشاء األديب‪،‬‬ ‫وظلت الرسائل وسيلة بيانية اتصالية حيوية يف‬
‫فالرسائل سارت خطوات يف سلّم التطور‪ ،‬حيث‬ ‫مستويات عديدة كالرسائل السياسية والديوانية‬
‫زخرت بالسجع والجناس واإلطناب…»‪81‬؛ وهذه‬ ‫واإلخوانية واألدبية‪ ،‬ومام اتسمت به خصائص‬
‫مكونات بيانية بديعية من شأنها إفشاء الرتداد‬ ‫القاسم املشرتك بينها وبني أرضب النرث الخطبة‬
‫ألنها ثنائية الرتكيب متع ّددت ُه كفواصل السجع‬ ‫والوصية والقصة وغريها؛ ومن معامل الرتداد‬
‫وتقابل الهندسة الجناسية واسرتسال اإلطناب‪.‬‬ ‫املشرتك ِقرص الجمل واإليقاع الفاصيل الرثي‪،‬‬
‫ومن تجليات الرتداد أنه أنتج اإليقاع السخي‬ ‫وفاعلية اإليقاع الداخيل‪ ،‬ثم إن فن الرسالة‬
‫الذي يؤكد مشاركة النرث يف الشعر من جهة‬ ‫يستدعي بعضا من االستطراء مع انسياب العبارة‪،‬‬
‫اإليقاعية‪ ،‬ذلك ألن ال ّنثرَ ة الحاذقني ملكوا القدرة‬ ‫وقد تستعني الرسالة برتداد بعض الشواهد النصية‬
‫البيانية يف نظم متواليات البيان بحس رائق‬ ‫السابقة برتداد معنوي خالص أو معنوي و مبنوي‬
‫عارف مبكان الجامل الصويت جوانيا وبرانياً‪« ،‬‬ ‫معاً كاالقتباس من القرآن الكريم والحديث‬
‫وفوق هذه املرونة واليرس كسب النرث خصلة‬ ‫الرشيف كالذي اعتمده العالمة الجاحظ بل‬
‫أخرى هي املوسيقى‪ ،‬فالنرث أيام الجاحظ ال‬ ‫وأضاف إىل ذلك ثقافته يف رسائل املعتزلة وكتب‬
‫يل ّذ العقل وحده وال الشعور وحده‪ ،‬ولكنه يلذ‬ ‫الفلسفة والتاريخ واملعرفة األسطورية وبعض‬
‫العقل والشعور واألذن أيضا‪ ،‬ألنه قد نُظم تنظيامً‬ ‫‪61‬‬
‫العلوم واملعارف … يف رسالته الرتبيع والتدوير‬
‫موسيقياً وألف تأليفاً خاصاً له نسب خاصة»‪،92‬‬ ‫وغريها…‬
‫وهذا بني يف مناذج شهرية كرسالة الرتبيع والتدوير‬ ‫ويقارن إيليا الحاوي بني الجاحظ وعبد الحميد‬
‫وبعض النامذج عند ابن املقفع وابن العميد‬ ‫الكاتب يف جري األول عىل شاكلة الثاين يف التكرار‬
‫وتردادية رسالة الغفران يف استلهام معارف‬ ‫قوله «…كان ينز ُع إليه نزعة مرسفة‪ ،‬ف ُيكرث من‬
‫عديدة كمثال عن الرتداد يف التناص وتوظيف‬ ‫التكرار وتوقيع العبارة والتأنق‪ ،‬حتى توهم‬
‫نصوص أخرى‪ ،‬وفواعل الرتداد كثرية كت ْوشية‬ ‫أنها غاية بذاتها‪ ،‬وميكن أن ندعو هذا األسلوب‬
‫البديع سجعاً وترصيعاً وترادفاً وطباقاً وتضميناً‬ ‫األسلوب اإلنشايئ حيث يشطر الكاتب إىل نوع‬
‫واقتباساً…‬ ‫من التحاذُق والبديع‪ ،‬فتبدو اللفظة وكأنها ذات‬
‫ورسالة اإلمام أفلح بن عبد الوهاب الرستمي‬ ‫إغواء ترسف بالفتون…»‪ ،72‬ورغم اعتامد الجاحظ‬
‫يعظ أحد مخالفيه ويذكره‪ ،‬وهي منوذج لبعض‬ ‫وغريه الرتداد‪ ،‬إال أنهم كانوا من حذقة البيان‬
‫خصائص الرتداد؛ فهو يقول (وفكّر يف صغر‬ ‫فاستملحوا خصال الرتداد وساقوها سوقاً وظيفياً‬
‫خلقتك‪ ،‬ويف عظيم ما خلقه الله)‪ ،‬فهذا ترداد‬ ‫يخدم الدالالت أكرث من غاية التزويق لذاته‪،‬‬
‫باملعنى فقط من جهة التضاد والطباق؛ إذ الداللة‬ ‫ويظل الرتداد منضغطا وإن حرض بوضوح يف فن‬
‫واحدة وهي أن املرسل إليه –يف هذه الرسالة‪-‬‬ ‫الرتسل العريب‪ ،‬ذلك لغلبة اإليجاز يف الرسائل إذا‬
‫بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني‬ ‫‪215‬‬
‫و ابن املقفع وابن طفيل وأيب حيان التوحيدي‬ ‫عبد ضعيف صغري إذا قيس بعظمة الخالئق كلها؛‬
‫واملعري… وغريهم ساقت أنواعاً من الرتداد‬ ‫فرتداد العبارة الثانية زيادة يف اإلبالغ وتعميق‬
‫عجيبة يف مستويات الرتادف والسجع والفواصل‬ ‫العظة‪ ،‬ومن الرتداد باملعنى دون املبنى االقتباس‬
‫وتكرار الوصف وغريها‪.‬‬ ‫تضمينا من القرآن الكريم وإقامة للربهان قوله‬
‫والرمز مذهب بياين سلكه ابن املقفع‪ ،‬فإدراج‬ ‫عصمه وجعله من‬ ‫(…فمن أراد به اإلحسان َ‬
‫القصة عىل ألسن الحيوان ترداد بياين يكرر‬ ‫أوليائه الذين قال إلبليس فيهم (إن عبادي ليس‬
‫الوقائع واألحداث التي غلب عليها الطالح‬ ‫لك عليهم سلطان) فاطلب الله وارغب إليه‬
‫والفساد والظلم وغريها من العيوب‪ ،‬وس ْوقها‬ ‫يف العصمة والتوفيق…)؛ ثم إن ترداد الفعل‬
‫ببيانية الرمز والتلويح هو ترداد باملعنى‪ ،‬يخدم‬ ‫(أذكّرك ) وتوكيدات (إين‪ ،‬إن‪ ،‬أنه…) وأفعال‬
‫فكرة الوصف والتشخيص للداء ثم تحديد البديل‬ ‫األمر (فاطلب‪ /‬ارغب‪ /‬اعلم‪ /‬أقبل‪ /‬اجتهد) …‬
‫واقرتاحه بلسان القصة الرامزة‪ ،‬التي تؤلف تركيباً‬ ‫تراكامت بيانية تردادية تبسط الغايات املرسلة‬
‫عاماً متناسقاً يؤكد فائدة العالقات األسلوبية‬ ‫رغم وجزية هذه الرسالة التي ال تتعدى سبعة‬
‫والجاملية كألوان مختلفة للرتداد مثل نظام‬
‫‪103‬‬
‫عرش جملة‪.‬‬
‫الجملة واإلسهاب والتكرار‪ 122‬واإليقاع والتوازي‬ ‫خامسا‪ :‬من الرتداد القصيص‬
‫والجناس…‪ ،133‬وهذا شائع يف القديم والحديث‬ ‫أبرز إطار أسلويب يجمع مكونات الرتداد الفنية‬
‫كالذي نعاينه يف قصص جربان خليل ورضا حوحو‬ ‫هو الوصف والتصوير ورصد األقوال واألفعال‬
‫واملنفلوطي وميخائيل نعيمة‪.‬‬ ‫والصور وغريها… فيكاد الوصف يكون الجامع‬
‫سادسا‪ :‬املقامة ترداد بديعي‪.‬‬ ‫الذي يضم آليات الرسد والقصص وعنارصه‪،‬‬
‫ال شك أن ظاهرة الرتداد التي برزت بوضوح‬ ‫والرتداد « كالوصف‪ ،‬من الخصائص اللغوية‬
‫يف بعض النصوص النرثية الفنية‪ ،‬تلك الظاهرة‬ ‫املحتوم لزومها لألعامل األدبية‪ ،‬رسدية كانت أم‬
‫التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بنفسية الناثر وبيئته‬ ‫غري رسدية ‪ ،‬فقد ألفينا التكرار سمة من سامت‬
‫االجتامعية‪ ،‬ثم إن محاولة التعرف عىل طبيعة‬ ‫األعامل األدبية الخالدة‪ ،‬وذلك ألن املرء حني‬
‫هذه الظاهرة وكيفية بنائها وصياغتها تقتيض‬ ‫يطول حديثه عن يشء‪ ،‬أو قصة لحكاية‪ ،‬يضطر‬
‫التعرف عىل أسلوب الناثر ومدى توفيقه ومكنته‬ ‫إىل تكرار بعض األلفاظ‪ ،‬أو بعض األفكار‪ ،‬أو‬
‫يف توظيفه هذه الفنية األسلوبية وجعلها أداة‬ ‫بعض العبارات»‪ ،111‬وذلك ألن القاص سريكّز يف‬
‫فاعلة داخل النص النرثي وآلية جاملية تحرك‬ ‫هدفه عىل املوضوع أو الفكرة أو املوقف؛ فتو ّحد‬
‫فضاءات الحرف والكلمة والعبارة لتسمو بالنص‬ ‫هذا املنشود يحمله عىل ترداد كل ما من صفته‬
‫وبه ترتقي من عوامل السكون والثبوت إىل عامل‬ ‫إبالغُه الهدف باملعنى أو باملبنى أو بهام معاً…‬
‫الحركة والتأثري‪.‬‬ ‫وهذا الرتداد القصيص يف شتى أشكاله ال ميكن‬
‫إن النص حر طليق يعلو عىل املكان والزمان‪ ،‬وال‬ ‫أن يظهر ظهورا ً صارخاً كفن الرسالة والخطابة‬
‫تثنيه قيود واملؤثرات عن اإلبداع والعطاء وإذا‬ ‫واملقامة… وغريها؛ فرمبا للحجم الذي يزيد‬
‫كانت قد ضاعت نصوص كثرية بفعل التفريط‬ ‫يف القصص عن تلك الفنون؛ وقصص الجاحظ‬
‫‪216‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫‪171‬‬
‫كان ظاهر اإلمتاع يخفي جدا ً أليامً»‪.‬‬ ‫والخمول والتقليد والحروب‪ ،‬فليس يفوتنا الظفر‬
‫ولظاهرة الرتداد حضور مكثف وفاعلية بارزة يف‬ ‫ولو بنزر قليل منها‪ ،‬وإذا كان معظمها قدمياً‬
‫فن املقامات‪ ،‬حيث تلفيها –معظمها‪ -‬قامئة‬ ‫حسب عرفنا الثقايف النسبي« فليس هناك قيمة‬
‫عىل فنية الرتداد الصيغي للكلامت والعبارات‬ ‫مطلقة‪ ،‬وال نستطيع أن نزعم أن األدب الحديث‬
‫والجمل‪ ،‬باإلضافة إىل البديع وآلياته الجاملية‬ ‫خري من األدب القديم‪ ،‬إن التفضيل صناعة الهوى‬
‫صوتاً وصورة وإيقاعاً‪.‬‬ ‫والذوق‪ ،‬إنك تستطيع أن تعشق النرث املعارص‪،‬‬
‫وأن تعشق النرث القديم أيضا عىل الرغم من‬
‫ف َدأب بديع الزمان الهمذاين مثال « يكتب مقامات‬
‫البعد الظاهر بينهام‪ ،‬لنكن أحرارا ً كرماء ال عبيدا ً‬
‫يف الحنني الذي مل تفرغ منه اللغة العربية‪ ،‬لكن‬ ‫‪141‬‬
‫أشحاء »‪.‬‬
‫هذا الحنني ال يخلو من فن البديع الذي يرمز إىل‬
‫أزمة العالقة بني القديم والحديث‪.‬‬ ‫ولعل أهم ما ميّز أسلوب الناثر القديم‪ ،‬هو‬
‫عنايته الفائقة بلطيف الصنعة اللفظية‪ ،‬ونزعته‬
‫والبديع هو اشتباه التقدم والتأخر‪ ،‬أو اشتباه‬
‫العجيبة إىل ترداد فنية البديع‪ ،‬وما انطوت عليه‬
‫الحركة والسكون‪ ،‬واشتباه املامثلة واملخالفـة‪،‬‬
‫من دقائق لغوية جليلة فـ «اللغة كلها مواقف‬
‫أو اشتباه النفي واإلثبات‪ ،‬كذلك نجد املقامات‬
‫أخالقية‪ ،‬قد يبحث املرء عن الوقار‪ ،‬أو الثبات أو‬
‫بعضها ال يكاد يُفهم مبعزل عن هذا البديع الذي‬
‫التامسك يف جموده وبساطته‪ ،‬وقد نبحث عن‬
‫يؤلـف ‪-‬يف جوهره‪ -‬حرية ساخرة أو سخرية‬
‫املرح أو رشاقة الحركة‪ ،‬أو القدرة املستمرة عىل‬
‫‪182‬‬
‫حائرة أو تلفيقا ال يكاد يُستغنى عنه»‪.‬‬
‫التكيف‪.‬‬
‫وما البديع إال لون من ألوان الرتداد املسترتة‬
‫هناك إذن لغتان عىل األقل ‪ ،‬إحداها مشدودة‬
‫داخل اللغة املقامية ‪ ،193‬وآلية فاعلة من آليات‬
‫إىل الحكمة وظاللها والثانية تواقة للتحليل‬
‫تناسق املقامة وانسجام وحداتها وبنياتها‪.‬‬
‫والتواضع والتغري والحركة»‪ 152‬وعىل هذه امليزة‬
‫وإذا تأملنا يف هيكل املقامة الهمدانية‪ .‬نجده‬ ‫كان دأب تلك النثور الفنية‪ ،‬فإذا عرض للناثر‬
‫معامرا ً زاخرا ً بهندسات تردادية ترس النظر‬ ‫رأي أو استوقفه موقف ص ّوره يف أحسن صورة‪،‬‬
‫وتبهج الفكر ومن هذه الهندسات العديدة‬ ‫وع ّدله أمتا تعديل ثم أجاله يف أتم حلية؛ كام أنه‬
‫تردادة « حدثنا عيىس بن هشام قال»‪ 204،‬فإذا‬ ‫مل يغفل فنية الرتداد التي تزيده قوة وبهاء‪ ،‬فـ‬
‫كانت شخصية عيىس بن هشام هي من تأليف‬ ‫« فن النرث يعتمد عىل لغة الحديث واالنسياب‬
‫الراوي بديع الزمان الهمذاين‪ ،‬وإذا كانت شخصية‬ ‫التلقايئ الذي يسمح بالتكرار الذي ينم عند‬
‫مقصودة بذاتها‪ ،‬فرتدادها داخل املقامة الواحدة‪،‬‬ ‫‪163‬‬
‫التذكر والتجربة»‪.‬‬
‫ومن مقامة إىل مقامة هو ترداد جيل باملبنى‬
‫« يقال إن بديع الزمان الهمذاين يباهي كالم أهل‬
‫واملعنى معاً‪ ،‬وإن كانت غري ذلك‪ ،‬كأن يحتمل أن‬
‫الوبر رصانة ورفعة‪ ،‬وميتزج بطباع أهل الحرض‬
‫تكون شخصيات عدة‪ ،‬وتردادها عندئذ هو ترداد‬
‫رقّة و َرواء صنعة… وكان بديع الزمان مثل‬
‫خفي أي باملبنى دون املعنى‪.‬‬
‫الجاحظ يتبني عالمات املستويات اللغوية بعضها‬
‫ببعض… وكان محبرّ ا عىل نحو ما كان الجاحظ‪،‬‬
‫بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني‬ ‫‪217‬‬
‫األشياء ومعيدها‪ ،‬ومحيي العظام وسيدها‪ ،‬وخالق‬ ‫يقول يف إحدى مقاماته « حدثنا عيىس بن‬
‫الصباح ومديره‪ ،‬وفالق اإلصباح ومنريه…)‪،‬‬ ‫هشام قال‪ :‬طرحني النوى مطارحة حتى إذا‬
‫وفيها تكثاف بديعي قوي يعضد الرتداد النيص‬ ‫وطئت ُجرجان األقىص‪ ،‬فاستظهرت عىل األيام‬
‫للقرآن الكريم كقوله تعاىل ( كام بدأنا أول خلق‬ ‫بضياع أ ّجلت فيها يد العامرة‪ ،‬وأموال وقفتها‬
‫‪26‬‬
‫نعيده)‪ ،25‬وقوله (فالق اإلصباح)‪.‬‬ ‫عىل التجارة‪ ،‬وحانوت جعلته مثابة‪ ،‬ورفقة‬
‫ويسري السرية الرتدادية نفسها الحريري وعىل‬ ‫اتخذتها صحابة‪ ،‬وجعلت للدار حاشيتي النهار‪،‬‬
‫منوالها ينسج‪ ،‬وهو من أمئة البديع اختص بكثافة‬ ‫وللحانوت ما بينهام‪ ،‬فجلسنا يوماً نتذاكر‬
‫البديع وتوليد االشتقاقات املعجمية يف املنت‬ ‫القريض وأهله…» ‪ 21‬إىل آخر املقامة فتأمل‬
‫املقامي وكذا التكرار والتجنيس والتناص؛ كمقامته‬ ‫ذلك التأليف البديع بني حب النوى ومطارحه‬
‫الصنعانية‪ ،‬فعن تثنية املعجم تردادا قوله (غارب‬ ‫من جهة وبني الضياع والعامرة واألموال والتجارة‬
‫االغرتاب‪ /‬أجول جوالن‪ /‬أحاطت إحاطة‪ /‬تخفى‬ ‫والحانوت والرفقة والصحابة من جهة أخرى؛ أما‬
‫خافية…)‪ ،27‬ثم من شواهد التجنيس والتكرار يف‬ ‫يزال الحنني والشوق إىل عطر الثقافة العربية‬
‫املقامة نفسها قوله (الوفاض‪ ،‬اإلنفاض‪ /‬املطاف‪،‬‬ ‫القدمية قارا ً وعالقاً بفن املقامة؟‪« …! ‬إن هذه‬
‫األلطاف‪ /‬األسجاع‪ ،‬األسامع‪ /‬زهوك‪ ،‬لهوك‪/‬‬ ‫اللغة بطابَعها الشاعري أكرث مالءمة لقديم‬
‫فتناعست‪ ،‬فتقاعست…)‪28‬؛‬ ‫ْ‬ ‫السادر‪ ،‬السادل‪/‬‬ ‫الثقافة‪ ،‬ولكن البديع يجعلها قبلته… انظر ماذا‬
‫وأما عن استدعاء املعجم القرآين برتداد التناص‬ ‫صنع بديع الزمان بالحانوت‪ .‬لقد ف ّرغ الحانوت‬
‫فملحوظ يف بعض مفردات مثل(املرتبة‪ /‬طفقت‪/‬‬ ‫من داللته‪ ،‬وأصبح مثابة للقريض وأهله‪ ،‬وهكذا‬
‫وما تخفى خافية‪ /‬حصحص لك الحق‪ /‬كاد يتميز‬ ‫يجب أن تالئم بني األضداد عىل نحو غريب»‪22‬؛‬
‫من الغيظ…)‪.29‬‬ ‫وهذا الذي نلحظه من خالل ترداد الجمع بني‬
‫التذكر والحانوت والقريض والتجارة‪ ،‬والرفقة‬
‫سابعا‪ :‬مذهب الرتداد يف املقال األديب‪.‬‬
‫الحديثة والصحابة…‬
‫حرصت الدراسة عىل تبيان الرتداد يف فن‬ ‫ ‬
‫ويف املقامة الكوفية تفعيل للرتداد الجنايس و‬
‫املقال مركّزة عىل أظهر مدرسة بيانية تراها أهالً‬
‫السجعي مثل (عامية‪ ،‬غواية‪ /‬سائغة‪ ،‬سابغة‪/‬‬
‫الصطناع صورة مخصوصة متفردة ملظاهر الرتداد‬
‫لييل‪ ،‬ذييل‪ /‬املروضة‪ ،‬املفروضة…)‪23‬؛ وترداد‬
‫رغم أن املعروف الجاري عن الشيخ محمد البشري‬
‫السجع والجناس أيضا يف املقامة السجستانية‬
‫اإلبراهيمي أنه إمام مدرسة الصنعة اللفظية؛‬
‫(طيته‪ ،‬مطيته‪ /‬أمامي‪ ،‬إمامي‪ /‬دروبها‪،‬‬
‫فالتأكيد عىل مظاهر الرتداد يف بيانه املفلق إبراز‬
‫غروبها‪ ،24)…/‬وكل هذه األمنط الرتدادية إفصاح‬
‫لبيانية الرتداد األسلويب للكتابة العربية الحديثة‪،‬‬
‫عن مكانة األديب املقامي يف استحواذه عىل اللغة‬
‫خاصة املقال يف األدب الجزائري؛ فحقاً إنه احتذى‬
‫العربية‪ ،‬ودعم مقامته بفواعل االنسجام والتأثري‬
‫حذو أمئة البيان الفحول كالجاحظ وابن املقفع‬
‫واإليصال اإليقاعي الذي يجلب املتلقي…‪! ‬‬
‫وأيب حيان التوحيدي والهمذاين والحريري…‪ ،‬بل‬
‫وأقر بهذا الدكتور إبراهيم السامرايئ وغريه من‬ ‫ومن ترداد التناص واالقتباس ما اعتمده الهمذاين‬
‫فرسان الضاد يف الوطن العريب حديثاً‪.‬‬ ‫يف املقامة األذربجانية قوله (…اللهم يا مبدئ‬
‫‪218‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫أن من دواعي إنشاء مدرسة الصنعة اللفظية‬ ‫وميكن أن نظفر بظاهرة الرتداد البيانية‬ ‫ ‬
‫وإتقان الرتداد أن يكون ذلك الحرمان اللغوي‬ ‫يف كتب املقاليني املتخصصني‪ ،‬وهم يدرجونها‬
‫الذي عاىن منه الجزائريون يف حقبة االحتالل‬ ‫إدراجاً وظيفياً يف مقاالتهم األدبية والوصفية‬
‫الغاصب‪ ،‬فركب مركبة الضاد مدافعا عنها ملحاً‬ ‫والبديعية واالجتامعية والسياسية… والتأثريية‬
‫عىل التمسك بعروتها‪ ،‬فبنى برجه األسلويب‬ ‫املتسمة بالشعرية واإليقاعية يف هندسة بنائها‪،‬‬
‫البديعي تعويضا للحرمان وتأثيال لالقتداء به…‪! ‬‬ ‫كاألساتذة طه حسني ورضا حوحو والعقاد‬
‫وللشيخ مقال سامه(يوم الجزائر) يف بيان شامل‬ ‫واملنفلوطي وأحمد أمني وميخائيل نعيمة‬
‫للمؤمتر اإلسالمي الجزائري مبجلة الشهاب‪ ،‬ج‪،4‬‬ ‫وجربان…‬
‫املجلد الثاين عرش‪ ،‬جويلية‪1936 ،‬م؛ يرحب بتلك‬ ‫ومعلوم أن فاعلية الصحافة موسومة بحركية‬
‫الوفود مع ّرفا بها ذاكرها وخصالها ذكرا حميدا ً‬ ‫تردادية واقعية تصور الواقع اليومي لإلنسان فهي‬
‫مركزا عىل عنرص الفتوة والقوة واألمل شبان‬ ‫رضورة ملحة لرصد ذلك زمن االحتالل وبعده‪،‬‬
‫الجزائر بعد ذكر علامء الجزائر…ليختم تعميام‬ ‫كالذي ذاع يف العرص الحديث؛ فالجزائر شهدت‬
‫باألمة الجزائرية جميعها‪.‬‬ ‫هذه الحركة األدبية التي تخذت املقال العريب‬
‫هو مقال وصفي أديب فيه إشعاع التحسيس‬ ‫الصحفي سالحا تحارب به ظالم االحتالل ومكر‬
‫والتنوير بأمجاد الجزائريني والتفافهم حول رموز‬ ‫االستبداد وأمراض املجتمع األخالقية وغريها‪.‬‬
‫تاريخهم ومقومات شخصيتهم وحفاظهم عىل‬ ‫والشيخ البياين الضليع محمد البشري اإلبراهيمي‬
‫ماء اتحادهم ونرصهم؛ لذلك ساق عبارة اإللحاح‬ ‫علم أبرز املقال يف رسباله املستامز عن كثري‬
‫يف عناوين املفاصل برتداد االستفهام‪ ،‬إشعارا‬ ‫املقاليني يف زمانه؛ لذا تحاول الدراسة معرفة‬
‫مبا يعقب اإلشارة من تفصيل (من الوفود ؟…‬ ‫الرتداد ومجاريه يف مقاالته البصائرية‪ ،‬وهي‬
‫من الوفود ؟…من العلامء ؟…من النواب؟…‬ ‫مدرسة مستقلة عن غريها «جعلت منه خري‬
‫من الشبان ؟…)‪ ،31‬وهذه الرتدادات متْويرات‬ ‫ممثل لهذه املدرسة يف الجزائر‪ ،‬فكان يصطنع‬
‫لتقسيم املقال وفروق ما بني السابق والالحق‬ ‫السجع حني يريد‪ ،‬دون أن يحول بينه وبني‬
‫والعام والخاص واملجمل واملفصل؛ كالالزمة‬ ‫التعبري الدقيق عام يريد تصويره من عواطف‬
‫التي تحيل إىل ما يف النص من وحدة عضوية‬ ‫‪30‬‬
‫وأفكار‪ ،‬وعام يريد معالجته من معان»‪.‬‬
‫متامشجة األطراف متواشجتُها‪ ،‬فدراما الرتتيب‬ ‫وكام أن الشيخ اإلبراهيمي تف ّحل يف استلهام‬
‫املنطقي املقايل قد يزدان بتلك الالزمة يف مقاالت‬ ‫البيان العريب وأرضبه حفظا لل ُخطُب األصول‬
‫همها اإلبالغ بالرتداد الوظيفي الغايئ‪ ،‬خاصة‬ ‫كالقرآن الكريم والحديث الرشيف والشعر‪،‬‬
‫إذا اصطحبت بها روح اإلصالح واإلرشاد كروح‬ ‫واطالعا مستدميا عىل الرتاث العريب واإلسالمي‬
‫الشيخ اإلبراهيمي « فهو كاتب مبدع ميلك‬ ‫واملآثر والتاريخ وسائر املعارف‪ ،‬حتى غدا خبريا ً‬
‫األلباب بأدبه الرفيع‪ ،‬وخطيب ِمصقع‪ ،‬يسحر‬ ‫مبنازل التفوق األسلويب‪ ،‬فاختار وجهة بيانية راقية‬
‫األنفاس بفصاحته وبيانه‪ ،‬وراوية مدهش الحفظ‬ ‫بفعل تلك الدواعي مع اإلخالص لهذا اللسان‬
‫يستوعب آالف األبيات واألمثال والحكم‪ ،‬ور ّجاز‬ ‫وتحببه لعظامء البيان تأثرا ً بهم؛ فإنه ليس غريبا‬
‫بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني‬ ‫‪219‬‬
‫وهي إشهاد الكل عىل تالحم األمة واستنفارها‬ ‫ال يستعيص عليه نظم آالف األبيات‪ ،‬وهو مفرس‬
‫من أجل الكلمة الواحدة لنسف االحتالل وأذياله‬ ‫له نظر بعيد يف القرآن الكريم‪ ،‬ومح ّدث جمع بني‬
‫ثم النهوض مبعامل الحق التي ت ُ َع ْن ِو ُن الجزائر‬ ‫‪32‬‬
‫الرواية والدراية بعقل نيرّ وقريحة صافية…»‪.‬‬
‫تاريخاً وحضارة…‪! ‬‬ ‫فاملقايل اإلبراهيمي أديب فذ ِمقْوال متم ّرس‬
‫والرتداد ينحو نحو فسيفساء ذات تكاثف مكتنز‪،‬‬ ‫الكتابة اإلنشائية معاين الدربة الخطابية‪ ،‬وديدنه‬
‫إذ كل تردادة –ومهام كان نوعها‪ -‬تؤدي بياناً‬ ‫موصول بالكتابة الصحفية…مام جعله ممسكا‬
‫به تعرف وظيفتها وبها يعرف البيان نفسه‪،‬‬ ‫مبفاتيح البيان وإدارة العبارة العربية املبلّغة‬
‫«هذه التكرارات من طبائع مختلفة لها أيضا‬ ‫املؤثرة بتخريج بديعي عام عنوانه الرتداد؛ وهو‬
‫آثار خطابية(أي يف الخطاب) مختلفة‪ ،‬ميكن‬ ‫ينقسم أقساما متواترة تحرض يف مقاالته حضورا‬
‫أن منيّز بيُرس الرتداد الذي يعمل عىل املستوى‬ ‫كالظاهرة املالزمة له فيام يقول وأشهرها السجع‬
‫البنايئ الظاهر‪ ،‬يف بناء الخطاب»‪ ،34‬ودليل‬ ‫والطباق واملقابلة واملامثلة واالقتباس ولزوم‬
‫املستويني يف مثل تلك الشواهد املنتقاة من قال‬ ‫ما ال يلزم والجناس والتكرار واإلطناب وتطابق‬
‫كرتداد االستفهامات باسم االستفهام(من ؟) (ما‬ ‫األوزان الرصفية وصيغها وتوازي الجمل غالبا‬
‫؟) املثرية لالنتباه والداعية لالستجابة وإحراج‬ ‫واشتقاق املعجم وتواؤم مكوناته واملراوحة بني‬
‫املتلقي بني الفينة واألخرى‪ ،‬وكذا تنوع الجملة‬ ‫الخرب واإلنشاء واملجاز بأنواعه ورضب األمثال‬
‫االستفهامية والجمل بعدها بني اسمية مثل(من‬ ‫واالستدالل بالتاريخ واألعالم والشعر وخطب‬
‫الوفود؟ من العلامء؟…) وفعلية مثل (ما لهم‬ ‫أخراة…‬
‫يتدفقون ؟ مالهم ينبعثون ؟)‪ ،‬ومن مظاهر‬ ‫ورغم فاعلية الرتداد بأقسامه املذكورة‪ ،‬فإن‬
‫الرتدادات البنائية الظاهرة التي تنجز وظيفة‬ ‫الشيخ يظل محافظا عىل هندسة الوصل والفصل‬
‫التوايل الداليل العام –من جزء إىل أخر‪ -‬كإنجاز‬ ‫يف إنشاء مقاله مستدرجا متلقيه بخدمة املعنى‬
‫الرتابط بني االستفهام ثم الجواب وصفاً وتفصيالً‪،‬‬ ‫وسم ّو املوضوع‪ ،‬ال الذهاب انبهارا وراء التزيني‬
‫وكذلك الرتداد باالشتقاق بني الفعل واملفعول‬ ‫اللغوي ورطانة الصوت‪ ،‬بل إنه صاحب مقا ٍل‬
‫املطلق (يتدفقون تدفق السيل‪ /‬ينبعثون انبعاث‬ ‫رم ٍز معلىّ عنوانه (اللغة العربية يف الجزائر عقيلة‬
‫السهام‪)…/‬؛ وهو ترداد باملعنى واملبنى يخدم‬ ‫حرة‪ ،‬ليس لها رضة)‪.‬‬
‫إيضاح الداللة كالتناهي واإلمياء بإقبال الوفود‬
‫فتكرار اللوازم االستفهامية (من الوفود ؟… من‬
‫إقباالً قوياً حيوياً يعي رسالته ووجوده‪ ،‬ثم إن‬
‫الوفود ؟…من العلامء ؟…من النواب؟…من‬
‫هذه املتواليات الرتدادية تصنع بتآلفها الصورة‬
‫الشبان ؟…ما بالهم يتدفقون تدفق السيل ؟…‬
‫املجازية كرتداد باملعنى كتشبيه التدفق الوفودي‬
‫ما بالهم ينبعثون انبعاث السهام ؟… ما بالهم‬
‫العاقل بتدفق السيل وهي حركة إميائية تؤكد‬
‫متساوين كأسنان املشط ؟… أفتامرونني عىل ما‬
‫ق ّوة الحركة واله ّبة امللبية لنداء الوطن‪ ،‬وهي‬
‫أرى ؟…)‪ 33‬ليس عبثا لغويا ال غاية له‪ ،‬بل إنها‬
‫تشبيهات بليغة باإلضافة‪ ،‬مثل اسرتسال األفراد‬
‫تردادات مخزنة بإلحاحية الرتداد البياين املعرب عن‬
‫املتنادين كالسهام ومثة بعد األثر وفاعلية‬
‫املوضوع‪ ،‬وهو حرص الكاتب عىل إيصالية رسالية‬
‫‪220‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫وتقرير؛ «عىل هذه الطريقة يشعرك اإلبراهيمي‪،‬‬ ‫حضورهم كبلوغ السهام أهدافها والوقوف عند‬
‫وبهذه اللغة الخاصة يجعلك أنت املعني يف‬ ‫مواصلها وغاياتها؛ ومن التشبيه –أيضا‪ -‬الوظيفي‬ ‫ِ‬
‫مقاله‪ ،‬وأنت املستمع للهجته ولست القارئ‬ ‫رسم هيئة املتحارضين رسامً يشخص تعادلهم‬
‫يف سطوره وأفكاره‪ ،‬لذلك غدت هذه الطريقة‬ ‫ومتاثلهم امل ُويش بتآخيهم وتضافر أرواحهم‬
‫ميزة واضحة‪ ،‬وخاصية ظاهرة من خصائص أدبه‬ ‫وقلوبهم ومصائرهم يف خدمة الهدف األسمى‬
‫الكتايب‪ ،‬يف مواطن عدة‪ ،‬ولذلك –أيضا‪ -‬ترد لغته‬ ‫من وجودهم يف الحياة واحتشادهم يف هذا‬
‫‪36‬‬
‫عىل املستوى الخطايب املبارش…»‪.‬‬ ‫املقام مقام االجتامع يف يوم الجزائر املشهود؛ بل‬
‫أما مستوى البناء الدقيق‪ ،‬أي الخفي الورايئ الذي‬ ‫إن تردادية الصورة التشبيهية (مالهم متساوين‬
‫يتوارى –هناك‪ -‬يرنو إليه املتلقي‪/‬الناقد خلف‬ ‫كأسنان املشط؟) مدعومة برتدادية مضاعفة‪،‬‬
‫واجهة البناء الظاهر‪ ،‬واملراد بدقة البناءات أنها‬ ‫وهي استرياث (توظيف) الحديث النبوي‬
‫البناءات املج ّردة غري املرئية يشعر بها املتلقي‬ ‫املشهور الذي يلتقط صورة عالية غالية يف متنظم‬
‫زمن اكتامل املعاين ووجود بردها يف النفس‬ ‫الناس من هذه الوفود وقلوبها وهي عىل شاكلة‬
‫املتلقية؛ وتتجسد يف كلية املقال وتعانق مفاصله‬ ‫رجل واحد؛ وترداد التناص يعزز ثقافة الكاتب‬
‫يف متاسك نيص ونسج خطايب يختزل –رغم‬ ‫ومعرفته الحصيفة بالخطب األعلوية واإلعجازية‬
‫تفاريعه وتشعباته‪ -‬الصورة بني يدي املتلقي‬ ‫والخطب املصادر األصول التي يتع ّزز بها املوقف‬
‫ويحفظ وحدة الخطاب ودالالته جميعاً يف غري‬ ‫املقايل الذي يحقق تفاعل املتلقي ومخياله وقلبه‬
‫مت ّزق أو تف ّرق‪.‬‬ ‫بالرسالة املقابلة‪.‬‬
‫ويضيف الناقد األلسني " ميشال آدم" نوعاً آخر‬ ‫وعن االسترياث املعجز أخذ األستاذ اإلبراهيمي‬
‫من دواعي الرتداد قوله «نستطيع ‪-‬أيضا‪ -‬أن‬ ‫معنى من معاين القرآن الكريم يث ّبت به موقفه‬
‫منيّز الرتدادات التي ت ُجيل عن وجوه االئتالف‪ ،‬أو‬ ‫بصفة االستفهام قوله (أفتامرونني عىل ما أرى‬
‫االختالف‪ ،‬أو التباين‪ ،‬أو تلك التي ت ُعني بتجديد‬ ‫؟)‪ ،‬وذلك ُمستخار(أي طلب النور والس َند من‬
‫‪37‬‬
‫التشابهات»‪.‬‬ ‫القرآن الكريم وبيانه فهو خري ما يستهدى به‬
‫وأقوم قيال) من قوله تعاىل (أفتامرونه عىل ما‬
‫وأريد بهذا وظيفة اإلمازة التي تحققها الرتدادات‬ ‫‪35‬‬
‫يرى)‪.‬‬
‫ائتالفا واختالفاً؛ فمن تردادات االئتالف ما يكون‬
‫من جراء الرتادف الذي هو واحد من البُ ُسط‬ ‫فاملقام الخطايب استدعى اآلية الكرمية دون‬
‫ترسخ داللة معينة وترابطاً نصياً‬ ‫البيانية التي ّ‬ ‫تكلف مريب من املقايل الحذق مبعامل االستدالل‬
‫متامسكاً متضا ّما كقوله (مل يغفلهم شغل‪ ،‬ومل‬ ‫والتوطيدية اإلقناعية‪ ،‬فاملشهد النبوي هو تبيان‬
‫تثبّطهم حاجة‪ /‬فال يطيش منهم سهم‪ ،‬وال تخطئ‬ ‫الله تعاىل لصدق نبيه وحقيقة وحيه وتأييده‬
‫لهم وصاية‪)…/‬؛ وتساوق املباين مبعان واحدة‬ ‫لكل ما بعث به إىل الناس‪ ،‬فسيقت الداللة‬
‫تصون استجابة املتلقي وهو يتابع التسلسل‬ ‫املشهدية لتثبت مشهد املقال الذي يكتبه‬
‫الذي يبسط الداللة الواحدة بأوجه مختلفات؛‬ ‫الشيخ –يف مقام مشهدي الحق‪ُ -‬مريدا ً به تطابق‬
‫ومن مكونات االئتالف الجناس كقوله (آمال‬ ‫املصداقية األوىل عىل ما ذهب إيه من وصف‬
‫بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني‬ ‫‪221‬‬
‫البياين الذي يتجسد بتوليد األفكار واإللحاح‬ ‫دافعة‪ ،‬وأشغال قاطعة‪ /‬قد مىض أمسكم بخريه‬
‫عىل الفكرة وتعقيب اإلجامل بالتفصيل‪ ،‬وهي‬ ‫ورشه‪ ،‬وسينطوي يومكم هذا عىل غ ّره…) فهي‬
‫فنية تردادية أسلوبية بارزة يف كتابات األستاذ‬ ‫تقابالت تردادية توحي بإيقاع داخيل يعكس‬
‫العقاد كاملقال االجتامعي والفكري واألديب يف‬ ‫انسجاما بني اآلمال واألشغال…‬
‫كتابه (ساعات بني الكتب‪ /‬والفصول‪ /‬النقد‬ ‫وذاك منوذج للتمثيل وأىن ملدرسة بيانية أن يُحاط‬
‫واألدب…)‪ ،‬واملقايل ميخائيل نعيمة رومانيس‬ ‫بشواهدها وعيون البصائر وآثار الشيخ مضمومة‬
‫يسيح به الخيال اللغوي يف مقاالته االجتامعية‬ ‫يف مدونة ذات خمسة أجزاء؛ فهي مرشوع بياين‬
‫والنفسية اإلنسانية كمقال النور والديجور‪،42‬‬ ‫حقيق باالعتناء ألنه موصول بكل نفع يستجدي‬
‫وكذا تردادية البديع الهادف إىل اإلحكام األسلويب‬ ‫به القارئ إن عىل مستوى املوضوعات اإلصالحية‬
‫وإقناع املتلقني كمقاالت الشيخ عبد الرحامن‬ ‫والرتبوية والتاريخية واملعرفية‪ …،‬أو الجامل‬
‫الكواكبي يف كتاب (طبائع االستبداد ومصارع‬ ‫‪38‬‬
‫والفن واألسلوب والبيان واللغة‪.‬‬
‫االستعباد)؛ كرتداد الجناس والسجع والصيغ‬
‫وقد أحرز النرش الفني البرشي وجوده التاريخي‬
‫الرصفية املتساوية وصيغ املبالغة يف مواطن بارزة‬
‫يف عرص بني أمية والعباسيني النتشار أسباب‬
‫متعددة‪.‬‬
‫التدوين والنقد والطبع؛ فانشغل النثّار بإتقان‬
‫ومقاالت األستاذ الرافعي معروفة بأشكال تردادية‬ ‫رضب النرث‪ 39‬ومنها املقال الذي يعلق بكل‬
‫ب ّينة منها التكرير من أجل ترهيب املتلقي من‬ ‫مقامات البيان‪ ،‬فهو موصول بالكالم املألوف‬
‫املخاطر التي قد تحدق به كنصيحته املقالية‬ ‫زمنئذ لرسوخ العربية ورسيان الفصحى فباتت‬
‫بعنوان (احذري‪ )! ‬ينصح فيها املرأة الرشقية‪،‬‬ ‫فاعلية املقال يومية معهودة‪ ،‬لذا بينت املدارس‬
‫حيث تكرر لفظ العنوان يف بدايات كل املفاصل‪،‬‬ ‫بأسامء أعالمها كابن املقفع؛ وهو صاحب تردادية‬
‫وما من جزء يف املفصل إال وهو علق دالليا‬ ‫أساسها عوامل املنطق واستخدام التأويل العقيل‬
‫‪43‬‬
‫بالعنوان وداللته املؤطرة لكل دقائق النص‪.‬‬ ‫وتدريجه لألفكار؛ ولذا كرثت ظاهرة الرتداد يف‬
‫وأعجب مد ّونة مقالية لفتت انتباهي كتاب‬ ‫مقاالته دون ُعسورة أو ت َكالف؛ كمقاله عن‬
‫الدكتور مولود قاسم نايت بلقاسم (أصالية أم‬ ‫‪40‬‬
‫معاملة األصدقاء والصرب…وغريها‪.‬‬
‫انفصالية ؟) يف جزءين؛ وهو مجمع مقاالت‬ ‫ولعوامل عديدة تنشأ تردادات املك ّونات‬
‫حساسة متمردة غضبى مخلصة ذات طابع‬ ‫اللغوية داخل مقاالت املنشئني قدميا وحديثا‬
‫إنساين وطني أخالقي اجتامعي سيايس ديني‬ ‫«واألسلوب معطى فيزيقي ملتصق بذاتية‬
‫فكاهي تهكمي غايئ…يف صخب بديعي منترش‬ ‫الكاتب وبصميميته السرّ ية‪ ،‬إنه لغة األحشاء…‬
‫انتشارا غريبا يف كل مقال وصفحة وسطر‪.‬‬ ‫لذلك فإن األسلوب هو ما يكشف روعة الكاتب‬
‫خطاب مقايل فيه من الرتداد العجيب ما فيه‬ ‫وطقوسيته»‪41‬؛ فأسلوب الرتداد واحد من تلونات‬
‫بدءا من صناعة العنوان أصالية أم انفصالية‬ ‫األسلوب يف الكتابة األدبية‪ ،‬وهو بصمة التربير‬
‫؟ هي تردادات تكاد تسم الكتاب وسم‬ ‫والتربيء؛ تربير املوقف واملقصود وتربيء الكاتب‬
‫الشعر وخصائصه لوال الفواصل النرثية البارزة‬ ‫ساحته يف شهادة مقالته ملا يكون يف حال الرتداد‬
‫‪222‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫ويلعن التقاعس والتناعس والخذالن والخيانة‬ ‫وبديعيتها املفضوحة وخل ّو غالب األسطر من‬
‫اض مبا هو عليه حال الناس من‬ ‫والتخلف‪ ،‬غري ر ٍ‬ ‫الوزن والقافية‪ ،‬وثنائياتها املتقابلة ضمن النسيج‬
‫حوله‪.‬‬ ‫الهنديس يف بيانية املقاالت‪.‬‬
‫‪ /4‬حري بالدارسني فنو َن القول؛ كاألدب الجزائري‬ ‫لت دواعي‬ ‫وأحسبُني غري زائغ عن الصواب إذا أ ّو ُ‬
‫ومقاالته القدمية والحديثة أن يكاشفوا مضامينه‬ ‫هذه الكتابة املقالية الجزائرية املغمورة الجديدة‬
‫ويتعرفوا أعالمه؛ فيقول الكاتب يف مقدمته «متر‬ ‫إىل ما عرف به األستاذ املرحوم بتعظيم اللغة‬
‫أمة اإلسالم اليوم بظروف عصيبة‪ ،‬إن مل تعالجها‬ ‫العربية واحتفائه بخدمتها واهتاممه بلغات‬
‫برسعة تصبح مصيبة‪ ،‬ظروف حرجة خانقة‪ ،‬إن‬ ‫أخرى‪ ،‬وكذا فكره املتوقذ وموسوعية انشغاله‬
‫متادت فيها أضحت شانقة»‪ ،45‬جمل بسيطة‬ ‫العلمي والفكري والثقايف والديني والفلسفي‬
‫مس ّجعة ذات رصد حقيقي لواقع األمة املنكوبة‪،‬‬ ‫واإلداري…‬
‫فيها داللة االعتناء بإصالح املجتمع اإلسالمي مام‬ ‫وميكن عرض بعض الشواهد الدالة عىل محتوى‬
‫هو عليه من املهالك؛ وهو يعتمد يف إيصال هذا‬ ‫الكتاب فيام يأيت‪:‬‬
‫بجناسات وسجعات وصيغ رصفية وت ْردافات‬
‫‪ /1‬فيض بديعي مسرتسل يثبت بداهة االنحدار‬
‫معجمية…قامئة عىل الثنائية والتقابل إلحداث‬
‫البياين وسالمة الذوق العريب لدى الكاتب‪.‬‬
‫إيقاع يح ِفر الداللة يف السمع وينقشها يف ذهن‬
‫املتلقي؛ وغري هذه املكونات الرتدادية كثري ال‬
‫‪44‬‬
‫‪ /2‬إيقاع فواصل الالزمة (أصالية أم انفصالية)‬
‫‪46‬‬
‫ميكن إحصاؤه يف هذا املقام‪.‬‬ ‫وهي عنوان الكتاب تتكرر يف خالل مقدمة بني‬
‫مفصل وآخر‪ ،‬بل ويف ثنايا مقاالت أخر‪ ،‬وهو ترداد‬
‫وليس بعيدا أن يكتشف املتلقي‬ ‫ ‬
‫داليل مصيب يف إشعار املتلقي برسالة إشعارية‬
‫والناقد‪-‬معا‪ -‬مواقع أخرى للرتداد ومتظهراته يف‬
‫مبخاطر تهدد املسلم والعريب والجزائري…‬
‫فن السرية واملذكرات ومجموعة الحكم ونصوص‬
‫املناظرة واملحارضة والجدل والنصوص اإلعالمية‬ ‫‪ /3‬تسجيع وجيع هو مظهر بارز يف فواصل كل‬
‫واإلشهار واملرسح والسيناريو والسينام…‬ ‫املقاالت‪ ،‬وهو ترداد ذو جرس إيقاعي عميق ينبئ‬
‫وخطابات نرثية أخرى؛ بل إن بعض األلوان‬ ‫عن غور الجرح الذي يعانيه الكاتب وهو يبيك‬
‫النرثية كاملرسح والسينام هي ترداد –يف الغالب‪-‬‬ ‫حال املجتمع واإلنسانية من حوله‪ ،‬فوجه اللغة‬
‫للنص املكتوب قصة أو رواية‪ ،‬فموضوع الخشبة‬ ‫املقالية عىل صنعة بديعية تحايك الهمذاين وابن‬
‫واملشهد ترداد فني أجنايس مسموع ومريئ يرتجم‬ ‫املقفع واإلبراهيمي‪ ،‬ولو بإبداء رمزية تهكمية‬
‫املكتوب واملحيك…‪ ،‬ومثل هذه األنواع ال تخلو‬ ‫غايتها اإلصالح وبحث البديل بعد اإلشعار وتع ّمد‬
‫من متثالت عديدة للرتداد ما دامت أرضبا شديدة‬ ‫البديع أداة إيقاعية مؤثرة مل ّحة؛ وهو ال يريد‬
‫الدرجة يف بيانها وفاعليتها التأثريية واإليصالية‬ ‫التجريح أو اإلهانة أو العبث‪ ،‬وما ُعرف عنه ذلك‬
‫خدمة للموضوع برتداد األسلوب املؤثر يف املتلقي‬ ‫يف شخصه الربيء‪ ،‬بل كان الرجل شخصا استثنائيا‬
‫‪47‬‬
‫تأثريا محققا…‬ ‫يف تعامالته وحركاته ومعجمه وأسلوبه اإلبالغي‬
‫وفهمه للمواقف واملشاهد‪ ،‬يحمل هم أمته‬

‫بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني‬ ‫‪223‬‬


‫مكتبة املقال‬
‫اإلبراهيمي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫•‪ -‬القرآن الكريم‬ ‫ ‬
‫‪ ،1979‬ج‪1929(1‬م ‪،)1940 -‬ص ‪.243‬‬ ‫•‪-‬عبد الرحمن التكريتي‪ ،‬دراسات يف املثل العريب‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬محمد نارص‪ ،‬الشيخ البشري اإلبراهيمي من خالل نرثه‬ ‫ ‬ ‫املقارن‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫الفني(مقال)‪ ،‬مجلة املوافقات‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬محرم‬ ‫العراق‪1404 ،‬هـ‪1984 -‬م‬
‫‪1406‬هـ‪1995 -‬م‪ ،‬ع‪4‬‬ ‫•‪ -‬بدوي طبانة‪ ،‬البيان العريب‪ ،‬دراسة يف تطور الفكرة‬ ‫ ‬
‫• ‪ -‬محمد البشري اإلبراهيمي‪ ،‬آثاره‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.345 ،344‬‬ ‫ ‬ ‫البالغية عند العرب ومنهاجها ومصادرها الكربى‪ ،‬دار‬
‫•‪ -‬محمد عباس‪ ،‬البشري اإلبراهيمي أديبا‪ ،‬د‪.‬م‪.‬ج‪،‬‬ ‫ ‬ ‫الثقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1406 ،‬هـ‪-‬‬
‫الجزائر‪( ،‬د‪.‬ت)‬ ‫•‪ –.‬إيليا الحاوي‪ ،‬يف النقد واألدب‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪،‬‬ ‫ ‬
‫• ‪ -‬ينظر‪ :‬محمد البشري اإلبراهيمي‪ ،‬آثاره‪ ،‬يف شواهد‬ ‫ ‬ ‫بريوت‪ ،‬ج‪3‬‬
‫نصية مثل‪ :‬ص‪277 ،53‬؛ ج‪ ،2‬ص ‪331‬؛ ج‪ /3‬ص ‪،293‬‬ ‫•‪ – 1‬عمر عروة‪ ،‬النرث الفني القديم‪ ،‬دار القصبة للنرش‪،‬‬ ‫ ‬
‫ج‪ /3‬ص ‪ ،462‬ج‪ /3‬ص ‪،509‬‬ ‫الجزائر‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫• ج‪ /3‬ص‪ ،518‬ج‪/3‬ص ‪ ،555‬ج‪ /3‬ص ‪ ،181‬ج‪…،4‬‬ ‫ ‬ ‫•– طه حسني‪،‬من تاريخ األدب العريب‪ ،‬العرص العبايس‬ ‫ ‬
‫وغريها‪ ،‬وينظر‪ :‬محمد عباس‪ ،‬البشري اإلبراهيمي أديبا‪،‬‬ ‫األول‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ :4‬ماي‬
‫ص…‬ ‫‪ ،1982‬ج‪2‬‬
‫• ‪ -‬ينظر‪ :‬أدونيس‪ ،‬الثابت واملتحول‪ ،‬بحث يف االتباع‬ ‫ ‬ ‫•–د‪ .‬رابح بونار‪ ،‬املغرب العريب‪ ،‬تاريخه وثقافته‪ ،‬دار‬ ‫ ‬
‫واإلبداع عند العرب‪ ،‬صدمة الحداثة‪ ،‬دار الفكر‬ ‫الهدى‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪2000 ،3:‬م‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1406 :5‬هـ‪-‬‬ ‫•– عبد امللك مرتاض‪ ،‬تحليل الخطاب الرسدي‪ ،‬معالجة‬ ‫ ‬
‫• ‪1986‬م‪ ،‬ج‪3‬‬ ‫ ‬ ‫تفكيكية سيميائية مركبة لرواية «زقاق املدن»‪ ،‬د‪.‬م‪.‬ج‪،‬‬
‫•‪ -‬ابن املقفع‪ ،‬األدب الكبري‪ ،‬تحقيق أحمد زيك باشا‪ ،‬دار‬ ‫ ‬ ‫الجزائر‪1995 ،‬م‬
‫بن حزم‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1414 ،‬هـ‪1994-‬م‬ ‫•–عبد الله ابن املقفع‪ ،‬جورج غريب‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬روالن بارت‪ ،‬الدرجة الصفر‪ ،‬ترجمة محمد برادة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1981 :‬م‬
‫الرشكة املغربية للنارشين املتحدين‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫•– نور الدين السد‪ ،‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬دراسة‬ ‫ ‬
‫ط‪1985 :3‬م‬ ‫يف النقد العريب الحديث (األسلوبية واألسلوب)‪ ،‬دار‬
‫•‪ -‬ميخائيل تعيمة‪ ،‬النور والديجور‪ ،‬مؤسسة نوفل‪،‬‬ ‫ ‬ ‫هومة‪ ،‬الجزائر‪1997 ،‬م‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1979 ،6‬‬ ‫•–مصطفى ناصف‪ ،‬محاورات مع النرث العريب‪ ،‬عامل‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬الرافعي‪ ،‬وحي القلم‪ ،‬املكتبة التوفيقية‪ ،‬رشح وتحقيق‬ ‫ ‬ ‫املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واألدب‪،‬‬
‫أمين عرفة‪ ،‬أمام الباب األخرض‪ ،‬سيدنا الحسني‪( ،‬دون‬ ‫الكويت‪ ،‬رمضان ‪1417‬هـ‪ ،‬فرباير‬
‫بلد دار الطبع)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪1‬‬ ‫• ‪1997‬م‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬مولود قاسم نايت بلقاسم‪ ،‬أصالية أم انفصالية‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•‪ -‬الحريري‪ ،‬مقامات الحريري‪ ،‬دار بريوت للطباعة‬ ‫ ‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪-1991 ،1‬‬ ‫والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1398‬هـ‪1978-‬م‬
‫‪1411‬هـ‪ ،‬ج‪1‬‬ ‫•‪ -‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬فنون النرث األديب يف الجزائر‪،‬‬ ‫ ‬
‫•‪ -‬صالح فضل‪ ،‬علم األسلوب مبادئه وإجراءاته‪ ،‬الهيئة‬ ‫ ‬ ‫(‪ ،)1954-1931‬د‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬الجزائر‪1983 ،‬‬
‫املرصية العامة للكتاب‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1985 ،2‬‬ ‫•‪ -‬الشيخ محمد البشري اإلبراهيمي‪ ،‬آثار اإلمام محمد‬ ‫ ‬
‫•‪-‬عدنان بن ذريل‪ ،‬النص واألسلوبية بني النظرية‬ ‫ ‬ ‫البشري اإلبراهيمي‪ ،‬جمع وتقديم نجله د‪ ،‬أحمد طالب‬

‫‪224‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫‪,Editions Nathan/ Her, Paris‬‬ ‫والتطبيق(دراسة)‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫ • ‪1989‬‬ ‫سوريا‪( ،‬د‪.‬ت)‬
‫ •‪..Jean-Michel Adam, Linguistique Textuelle‬‬ ‫ •‪Jean Michel Adam, Linguistique Textuelle‬‬
‫‪Des Genres De Discours Aux Textes,‬‬

‫هوامش البحث‬
‫ص‪ ،205 ،204‬د‪ .‬محمد غنمي هالل‪ ،‬النقد األديب‬ ‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن التكريتي‪ ،‬دراسات يف املثل العريب‬ ‫‪ 1‬‬
‫الحديث‪ ،‬ص‪.537 -523‬‬ ‫املقارن‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫د‪ .‬مصطفى ناصف‪ ،‬محاورات مع النرث العريب‪ ،‬عامل‬ ‫‪1 4‬‬ ‫العراق‪1404 ،‬هـ‪1984 -‬م‪ ،‬ص‪.260‬‬
‫املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واألدب‪،‬‬ ‫ينظر‪ :‬م‪.‬ن‪.‬ص ‪.85-22‬‬ ‫ ‪2‬‬
‫الكويت‪ ،‬رمضان ‪1417‬هـ‪ ،‬فرباير‬ ‫‪ -‬بدوي طبانة‪ ،‬البيان العريب‪ ،‬دراسة يف تطور الفكرة‬ ‫‪ 3‬‬
‫‪1997‬م‪ ،‬ص‪.10 ،9‬‬ ‫البالغية عند العرب ومنهاجها ومصادرها الكربى‪ ،‬دار‬
‫م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.109‬‬ ‫‪1 5‬‬ ‫الثقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1406 ،‬هـ‪1986 -‬م‪ ،‬ص ‪.13 ،12‬‬
‫م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.114‬‬ ‫‪1 6‬‬ ‫‪ -‬ينظر‪ :‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪،259 -205‬‬ ‫ ‪4‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .179‬بترصف‬ ‫‪ 17‬‬ ‫ج‪ ،2‬ص ‪ ،224-21‬د‪.‬عبد الحي شيخ‪ ،‬النرث الفني‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫مصطفى ناصف‪ ،‬محاورات‪ ،‬ص‪.181‬‬ ‫‪ 18‬‬ ‫ص ‪.36‬‬
‫نسبة إىل فن املقامة‪.‬‬ ‫‪1 9‬‬ ‫ينظر‪ :‬قدامة بن جعفر‪ ،‬نقد النرث‪ ،‬ص ‪.909 -96‬‬ ‫‪ 5‬‬
‫بديع الزمان الهمذاين‪ ،‬مقامات الهمذاين‪ ،‬موفم للنرش‪،‬‬ ‫‪2 0‬‬ ‫ينظر‪ :‬عبد الغني الشيخ‪ ،‬النرث الفني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.138‬‬ ‫ ‪6‬‬
‫الجزائر‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫إيليا الحاوي‪ ،‬يف النقد واألدب‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪،‬‬ ‫‪ 7‬‬
‫بديع الزمان الهمذاين‪ ،‬املقامات‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫‪2 1‬‬ ‫بريوت‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.371‬‬
‫مصطفى ناصف‪ ،‬املحاورات‪ ،‬ص‪ .181 ،180‬بترصف‪.‬‬ ‫‪2 2‬‬ ‫عمر عروة‪ ،‬النرث الفني القديم‪ ،‬دار القصبة للنرش‪،‬‬ ‫‪ 8‬‬
‫الهمذاين‪ ،‬املقامات‪ ،‬ص ‪.36 ،35‬‬ ‫‪2 3‬‬ ‫الجزائر‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.26 ،25‬‬ ‫‪2 4‬‬ ‫طه حسني‪،‬من تاريخ األدب العريب‪ ،‬العرص العبايس‬ ‫‪ 9‬‬
‫سورة األنبياء‪ ،‬من اآلية ‪.104‬‬ ‫‪ 25‬‬ ‫األول‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ :4‬ماي‬
‫سورة األنعام‪ ،‬من اآلية ‪.96‬‬ ‫‪2 6‬‬ ‫‪ ،1982‬ج‪ ،2‬ص‪.460‬‬
‫الحريري‪ ،‬مقامات الحريري‪ ،‬دار بريوت للطباعة‬ ‫‪2 7‬‬ ‫أنظر‪ :‬د‪ .‬رابح بونار‪ ،‬املغرب العريب‪ ،‬تاريخه وثقافته‪،‬‬ ‫‪1 0‬‬
‫والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1398‬هـ‪1978-‬م‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪2000 ،3:‬م‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪2 8‬‬ ‫عبد امللك مرتاض‪ ،‬تحليل الخطاب الرسدي‪ ،‬معالجة‬ ‫‪1 1‬‬
‫م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪2 9‬‬ ‫تفكيكية سيميائية مركبة لرواية «زقاق املدن»‪ ،‬د‪.‬م‪.‬ج‪،‬‬
‫عبد امللك مرتاض‪ ،‬فنون النرث األديب يف الجزائر‪-1931( ،‬‬ ‫‪3 0‬‬ ‫الجزائر‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.268‬‬
‫‪ ،)1954‬د‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬الجزائر‪ ،1983 ،‬ص ‪ ،329 ،328‬وأدباء‬ ‫ينظر‪ :‬عبد الله ابن املقفع‪ ،‬جورج غريب‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬ ‫‪1 2‬‬
‫املقال الجزائريني‬ ‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1981 :‬م‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫وغريهم كرث مثل‪ :‬توفيق املدين‪ ،‬شكيب أرسالن‪ ،‬عبد‬ ‫نور الدين السد‪ ،‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬دراسة‬ ‫‪1 3‬‬
‫الحميد بن باديس‪ ،‬العريب التبيس‪ ،‬أحمد بن ذياب‪،‬‬ ‫يف النقد العريب الحديث (األسلوبية واألسلوب)‪ ،‬دار‬
‫عيل مرحول‪ ،‬مبارك املييل‪،‬‬ ‫هومة‪ ،‬الجزائر‪1997 ،‬م‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫سحنون‪ ،‬سعيد الزاهري‪ ،‬طيب العقبي…‬
‫بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني‬ ‫‪225‬‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1406 :5‬هـ‪-‬‬ ‫‪ - 3 1‬الشيخ محمد البشري اإلبراهيمي‪ ،‬آثار اإلمام محمد‬
‫‪1986‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.32-21‬‬ ‫ ‬ ‫البشري اإلبراهيمي‪ ،‬جمع وتقديم نجله د‪ ،‬أحمد طالب‬
‫ابن املقفع‪ ،‬األدب الكبري‪ ،‬تحقيق أحمد زيك باشا‪ ،‬دار‬ ‫‪4 0‬‬ ‫اإلبراهيمي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬‬
‫بن حزم‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1414 ،‬هـ‪1994-‬م‪ ،‬ص ‪.88 ،69‬‬ ‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ ،1979 ،1‬ج‪1929(1‬م ‪،)1940 -‬ص‬
‫روالن بارت‪ ،‬الدرجة الصفر‪ ،‬ترجمة محمد برادة‪،‬‬ ‫‪4 1‬‬ ‫‪.243‬‬
‫الرشكة املغربية للنارشين املتحدين‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪ 3 2‬محمد نارص‪ ،‬الشيخ البشري اإلبراهيمي من خالل نرثه‬
‫ط‪1985 :3‬م‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫الفني(مقال)‪ ،‬مجلة املوافقات‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬محرم‬
‫ميخائيل تعيمة‪ ،‬النور والديجور‪ ،‬مؤسسة نوفل‪،‬‬ ‫‪4 2‬‬ ‫‪1406‬هـ‪1995 -‬م‪ ،‬ع‪ ،4‬ص ‪.445‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1979 ،6‬ص ‪.30-7‬‬ ‫‪ 33‬محمد البشري اإلبراهيمي‪ ،‬آثاره‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.345 ،344‬‬
‫ينظر‪ :‬الرافعي‪ ،‬وحي القلم‪ ،‬املكتبة التوفيقية‪ ،‬رشح‬ ‫‪4 3‬‬ ‫‪Jean Michel Adam, Linguistique Textuelle 3 4‬‬
‫وتحقيق أمين عرفة‪ ،‬أمام الباب األخرض‪ ،‬سيدنا‬ ‫‪Des Genres De Discours Aux Textes,‬‬
‫الحسني‪( ،‬دون بلد دار الطبع)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.454‬‬ ‫‪,Editions Nathan/ Her, Paris‬‬
‫مولود قاسم نايت بلقاسم‪ ،‬أصالية أم انفصالية‪،‬‬ ‫‪4 4‬‬ ‫‪.151 P , 1 989‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪-1991 ،1‬‬ ‫‪ 3 5‬سورة النجم‪ /‬اآلية ‪.12‬‬
‫‪1411‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.72-11‬‬ ‫‪ 3 6‬محمد عباس‪ ،‬البشري اإلبراهيمي أديبا‪ ،‬د‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫م‪.‬س‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪ 45‬‬ ‫(د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪.320‬‬
‫وطبيعة فن املقال ومدونته الضخمة وتفرعات أبوابه‬ ‫‪4 6‬‬ ‫‪Jean-Michel Adam, Linguistique Textuelle.., 3 7‬‬
‫وأشكاله يف األدب العريب ال تسعف الدارس يف مثل‬ ‫‪.152 P‬‬
‫هذا الحال أن يتعرض إىل أعالم‬ ‫‪ 3 8‬ينظر‪ :‬محمد البشري اإلبراهيمي‪ ،‬آثاره‪ ،‬يف شواهد‬
‫وأعامل أخرى يعز حرصها مثل‪ :‬طه حسني‪ /‬أحمد‬ ‫نصية مثل‪ :‬ص‪277 ،53‬؛ ج‪ ،2‬ص ‪331‬؛ ج‪ /3‬ص ‪،293‬‬
‫أمني‪ /‬ابن باديس‪ /‬املنفلوطي‪ /‬الريحاين‪ /‬أبو فارس‬ ‫ج‪ /3‬ص ‪ ،462‬ج‪ /3‬ص ‪،509‬‬
‫الشدياق…‬ ‫ ج‪ /3‬ص‪ ،518‬ج‪/3‬ص ‪ ،555‬ج‪ /3‬ص ‪ ،181‬ج‪…،4‬‬
‫ينظر‪ :‬صالح فضل‪ ،‬علم األسلوب مبادئه وإجراءاته‪،‬‬ ‫‪4 7‬‬ ‫وغريها‪ ،‬وينظر‪ :‬محمد عباس‪ ،‬البشري اإلبراهيمي أديبا‪،‬‬
‫الهيئة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪ ،1985 ،2‬ص‬ ‫ص…‬
‫‪ ،185-179‬عدنان بن ذريل‪ ،‬النص واألسلوبية بني‬ ‫‪ 3 9‬ينظر‪ :‬أدونيس‪ ،‬الثابت واملتحول‪ ،‬بحث يف االتباع‬
‫النظرية والتطبيق(دراسة)‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪،‬‬ ‫واإلبداع عند العرب‪ ،‬صدمة الحداثة‪ ،‬دار الفكر‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪.57-56‬‬

‫‪226‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫عالمة احلذف و�أثرها يف بناء امل�شهد‪:‬‬
‫درا�سة ن�صية يف ذاكرة اجل�سد لأحالم م�ستغامني‬

‫د‪ .‬أسماء بوبكري‬


‫قسم اللغة واألدب العربي‪ ،‬مخبرالدراسات اإلفريقية للعلوم اإلنسانية والعلوم االجتماعية‬
‫جامعة أحمد دراية‪ ،‬أدرار_ الجزائر‪.‬‬

‫تتبعها نقطتان إشارة إىل أن مثة شيئاًمل يقله‬ ‫‪ -1‬دالالت عالمة الحذف يف «ذاكرة‬
‫الكاتب و أنه موجود هنا قريباً فقط‪ ،‬وما عىل‬ ‫الجسد»(*)‬
‫القارئ إال أن يستدرج هذا املعنى‪ ،‬مع أنه ليس‬ ‫الرواية موشاة بعالمة الحذف وغريها‪ ،‬وإن‬
‫من الرضوري أن يكون املعنى املضاف نفسه‬ ‫كانت هذه العالمة ‪-‬بالخصوص‪ -‬أعم ‪ ،‬وال بد أن‬
‫عند القراء »(‪ ،)3‬فكل ٌ والطريقة التي يُص ّوغ بها‬ ‫يكون يف تردادها إشارة إىل تشكيلة فنية ما‪،‬‬
‫الصور أو يؤثث بها املكان مادامت «الطبيعة تأىب‬ ‫وضعتها الكاتبة بقصد أو بغري قصد أو بهام معاً؛‬
‫الفراغ»‪ ،‬فملؤه فراغات الحذف تجعل رصيده‬ ‫لترشك القارئ‪ ،‬وتح ّرك وترية قراءته‪ ،‬فيتوقف‬
‫التخيييل للرواية يتسع وينشبك أكرث بالنص‪.‬‬ ‫أمامها ال يقرأ قراءة سطحية عابرة‪ ،‬بل يرتيث؛‬
‫والسؤال املطروح بعد هذا‪ :‬هل كانت الكاتبة‬ ‫ليتأمل اآلفاق الرامية إليها من حني إىل حني‪.‬‬
‫تضع عالمة الحذف بعد مواطن مخصصة؟‬ ‫كم تختلف طريقة القراءة بهذا الشكل عن‬
‫توضع عالمة الحذف يف التحرير ‪-‬عموما ‪ -‬يف‬ ‫القراءة السطحية لألحداث؛ ألن القارئ يستمع‬
‫عدة مواطن للداللة عىل أن الكاتب‪:‬‬ ‫فيها إىل أنات الفراغ‪ ،..‬مادام الخطاب ‪ -‬يف حد‬
‫• نَقل كالم غريه واستغنى عن بعضه بوضع‬ ‫ذاته ‪ -‬مأساوياً‪ ،‬فيؤثث شيئاً فشيئاً املشهد ببعض‬
‫العالمة‪.‬‬ ‫الجزئيات التي تكتمل بها الصور‪ ،‬عىل أساس أن‬
‫• لإليجاز و االختصار بعد ذكر عدة أمور‪.‬‬ ‫التعبري املراد إيصاله هو« دامئا داللة ثانية يُنتجها‬
‫• لقبح كالم ال يُستحسن ذكره أو لسبب من‬ ‫سياق النص»(‪ ،)1‬واملسهم يف ذلك «ترك الجملة‬
‫(‪)4‬‬
‫األسباب‬ ‫مفتوحة‪ ،‬والنقطتان املتتابعتان أكرث عالمات‬
‫الرتقيم مناسبة لذلك »(‪ ،)2‬بالرغم من أن القارئ‬
‫سيجد القارئ دالالت متعددة يف الرواية لعالمة‬ ‫قد يستعني بالضامئر و اإلشارات املحيلة إال أن‬
‫الحذف؛ تحتوي النقاط السابقة و تزيد بصور‬ ‫العالمة هذه(**)‪ ،‬تأخذ دور األضواء املنبهة يف‬
‫جديدة‪ ،‬يمُ كن متثيلها يف الدالالت التالية‪:‬‬
‫نظام من األنظمة املرئية‪ ،‬فتحذّره أو تسمح له‬
‫باملواصلة أو توقفه‪..‬فبعد «قراءة جملة أو كلمة أ ‪ -‬الصمت‪:‬‬
‫عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد‪_ .‬دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_‬ ‫‪227‬‬
‫خاص‬‫وهذا بعض من ذاك «مل يبد عليه اهتامم ّ‬ ‫قد تحجم الكاتبة عن إعطاء بعض املعطيات‬
‫بكالمي‪ .‬قال عىل طريقته الخاصة وهو يعود‬ ‫للقارئ‪ ،‬وتجعله يكتفي فقط مبا ق ّدمته له من‬
‫لقراءة جريدته‪« :‬أنا أكره النساء عندما يُحاولن‬ ‫باب اإليجاز‪ ،‬و يظهر ذلك ملا يكون «خالد بن‬
‫مامرسة األدب تعويضاً عن مامرسات أخرى‪..‬‬ ‫طوبال» بصدد الحديث عن بعض املواقف‪،‬‬
‫أمتنى أال تكون صديقتك هذه عانساً‪ ،‬أو امرأة‬ ‫كتصوير الحال التي آل إليها بعض الرفاق و‬
‫يف سن اليأس‪ ..‬فأنا ال صرب يل عىل هذا النوع‬ ‫الشخصيات املصاحبة لها من جشع وخيانة‬
‫من النساء» مل أجبه‪ .‬رحت أتعمق يف فكرته‪ ..‬و‬ ‫للوطن بعد الثورة الجزائرية ‪ ،‬وهي حال تختلف‬
‫أبتسم»(‪ ،)6‬لقد تنوعت دالالت الحذف يف هذا‬ ‫كل االختالف عن الصورة القدمية التي يحتفظ‬
‫املوقف‪ ،‬فالحذف األول‪ -‬يف املقطع ‪ -‬مقصود‬ ‫بها يف ذاكرته عنهم‪ ،‬و كذلك وضعت عالمة‬
‫من باب أن تلك املامرسات معروفة‪ ،‬أما الثانية‬ ‫الحذف ملا يعود بذاكرته لزمن الثورة فيرسد تلك‬
‫فهي مرتوكة للقارئ ‪ -‬أيضاً ‪ -‬ليتخيل ويختار‬ ‫املواقف العظيمة التي عاشها أيامئذ‪.‬‬
‫من قامئة الصور املعروضة‪ ،‬صورة ما يضيفها إىل‬ ‫فتوجز الكاتبة حينها بعض املواقف يف‬
‫سلسلة الصور يف املشهد‪.‬‬ ‫كلامت وتكتفي بالحذف؛ لترتك مجاال للقارئ‬
‫وأما الحذف الثالث فهو صمت آخر يؤكد عمق‬ ‫يك يتحسس تلك األحداث التي تجاوزت ذكرها‪،‬‬
‫فلسفة خالد وعدم مرور الوقائع أو الكلامت‬ ‫ومثال ذلك‪« :‬وكان عمري بعض اللوحات‪ ،‬قليالً‬
‫عىل حواسه ومدركاته جزافاً قبل أن يُغربلها‬ ‫من الفرح وكثريا ً من الخيبات‪ ،‬وكرسيني أو ثالثاً‪،‬‬
‫ويصفيها ويؤولها‪ ،‬ويكفيه أن يومئ لجليسه‬ ‫َّلت بينهام منذ االستقالل‪ ،‬بيشء من الوجاهة‪،‬‬‫تنق ُ‬
‫بحركة ما دون اإلفصاح عماّ يفكّر فيه‪ ،‬ومن جهة‬ ‫بسائق وسيارة‪ ..‬ومبذاق للمرارة» ‪ ،‬فبعدما يقرأ‬
‫(‪)5‬‬

‫أخرى ال يخ ّبئ عن القارئ تلك األفكار التي كانت‬ ‫القارئ هذا املقطع ويصل إىل عالمة الحذف؛‬
‫من الحذف‬ ‫تراوده يف تلك األثناء‪ ،‬مع يشء‬ ‫فإنه عىل دراية سابقة باألوضاع السياسية كام‬
‫أيضاً؛ ألن الصمت عادة جاملية يتقن متثيلها‬ ‫صورها «خالد بن طوبال»‪ ،‬لكنه يتأكد بعد‬
‫يف فرتات كثرية؛ وبذلك سيصبح القارئ يف ج ّو‬ ‫رؤية العالمة بأن ما مل يقله «خالد» أكرب بكثري‬
‫من البحث إليجاد معنى « يف سياق التواصل»(‪،)7‬‬ ‫مام قاله؛ فالسيارة هي آخر صورة للداللة عىل‬
‫لتحقيق التداول بينه وبني النص من خالل الدوال‬ ‫املنصب العايل‪ ،‬املبطن باألرسار يف ذاك السياق‬
‫املق ّدمة له‪ ،‬واملفتوحة ‪ -‬أيضاً ‪ -‬عىل الحذف‪...‬‬ ‫املتضمن للحذف بالعالمة‪.‬‬
‫فخالد كثريا ً ما يستبدل الصمت و االبتسامة‬ ‫كام يظهر هذا الحذف الدال عىل الصمت‬
‫بالكالم‪ ،‬و ذلك الصمت يوحي للجليس مبفاهيم‬ ‫ملا يريد خالد إخفاء رد فعله تجاه موقف من‬
‫متعددة‪ ،‬كام أنه يضع حدودا ً بينه وبني اآلخرين‪،‬‬ ‫املواقف التي تجمعه بغريه‪ ،‬ولطبيعة حب‬
‫حينام ال يتأقلم مع الجو الذي يجمعه بهم‪ ،‬و‬ ‫الفضول فإن القارئ لكرثة تعلقه بخالد؛ فإنه‬
‫مثال ذلك‪« :‬و كان ميكن أن أكون سعيدا ً ذلك‬ ‫يتمنى لو يدخل يف أفكاره وينبش ما استرت من‬
‫كنت يف الواقع محط اهتامم الجميع‬ ‫املساء‪ .‬لقد ُ‬ ‫القول‪ ،‬فيتعرف بذلك عىل السبب الذي جعله‬
‫ألسباب مل أشأ التعمق فيها‪ ، »..‬فليته تع ّمق‬
‫(‪)8‬‬
‫ميتنع عند ذلك الحد‪.‬‬
‫‪228‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫دوماً بحواجز تتطلب االبتسامة بدل الكالم‪ ،‬ويف‬ ‫وفصل بدل الحذف! ألن القارئ يف غيابه الطويل‬ ‫ّ‬
‫الكتابة أيضاً‪ ،‬فعالمة الحذف متنح القارئ فرصة‬ ‫داخل هذا املشهد واستغراقه يف املشاهدة‪،‬‬
‫تخ ّيل ابتسامات خالد‪ ،‬واالستفادة من األساليب‬ ‫سيتحرس مل ّا يصطدم بالصمت؛ ألنه سيعيش حاالً‬
‫املؤ ّداة بها‪ ،‬والتعمق يف ما أخفته يف تلك األثناء‬ ‫مشابهة بالحال التي يعيشها املسافر ملا يدخل‬
‫من حديث‪.‬‬ ‫املحطة و يرى قطار رحلته مغادرا ً‪ ..‬فيفشل يف‬
‫ب ‪ -‬الصفة و العطف‪:‬‬ ‫اللحاق به‪ ،‬كذلك يفعل الحذف بقارئه يف الرواية‪،‬‬
‫فهو كالقطار الرسيع يأخذ معه الحقيقة واألحالم‬
‫كثريا ً ما نابت عالمة الحذف عن الصفة و‬
‫حلّت محلها‪ ،‬ومثال ذلك‪ِ :‬‬ ‫والقصص‪ ...‬والزمن الذي ال يعود‪...‬‬
‫«أنت مدينة‪ ..‬ولست‬
‫أنت‪ ،‬و‬ ‫امرأة‪ ،‬و كلام رسمت قسنطينة رسمتك ِ‬ ‫يبعث الحذف الدال عىل الصمت زوبعة‬
‫وحدك ستعرفني هذا‪ ،)12(» ..‬بعد قراءة كلمة‬ ‫حادة يف القارئ‪ ،‬فمن جهة يجعله يُفكّر يف صناعة‬
‫«مدينة‪،»..‬ستنفتح قامئة من االختيارات املناسبة‬ ‫صورة ت ُقارب ما قصدته الكاتبة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫لها بحسب ما ميليه السياق العام للمشهد‪ ،‬وبنا ًء‬ ‫فصلت أكرث لكان أجمل؛ ألنها‬ ‫يدرك بأنها لو ّ‬
‫عىل ما يعرفه القارئ عن طبيعة العالقة بني‬ ‫فصلت عىل لسان خالد استمتع القارئ و‬ ‫كلام ّ‬
‫خالد وحياة‪ ،‬خصوصاً يف ذلك املوقف‪ ،‬فمن قامئة‬ ‫تع ّرف عىل الجديد‪ ،‬فـ «ال عجب من بطل كهذا‬
‫أو اثنتني؛ ليتمم‬ ‫الصفات سيختار واحدة‬ ‫أن يرتك لآلخر فرصة التعبري عن رأيه‪ ،‬ومحاورته‬
‫صورة املدينة‪ ،‬ومن تلك الصفات املتواردة مثال‪:‬‬ ‫حتى لو اختلف معه»(‪ ،)9‬هذا يف حال تكلّمه‪،‬‬
‫( قاتلة‪ ،‬مخادعة‪ ،‬متو ّحشة‪ ،‬سادية‪ ،) ..‬فبذلك‬ ‫أما إذا صمت فإنه يدهشه و يفتح الطريق‬
‫االختيار تكتمل الصورة‪ ،‬كام يتم املعنى املراد‪،‬‬ ‫أمامه للبحث والتساؤل! وكلام كان التأويل‬
‫فحرية التأويل« هي حرية محدودة ألنها مراقبة‬ ‫متعددا نجح التواصل بني النص والقارئء يف بناء‬
‫أو مو ّجهة»(‪ ،)13‬فالقارئ يؤول بناء عىل ما هو‬ ‫مشاهد الرواية‪ ،‬ومع ىذلك تبقى مساحة التأويل‬
‫معطى يف السياق‪.‬‬ ‫محدودة؛ ألنها مو ّجهة نصياً‪.‬‬
‫كم ورد الحذف بعد العطف يف مواطن متعددة‬ ‫فخالد قليل الكالم يف مجالساتِه‪ ،‬كثري التعليق‬
‫من الرواية! مثال‪« :‬مل يكن حلمي أن أكون عبقرياً‬ ‫صمت يُشبه االبتسامات عند مالك‬ ‫ٌ‬ ‫يف صمته‪،‬‬
‫وال نبياً وال فناناً رافضاً ومرفوضاً‪ ،‬مل أجاهد من‬ ‫حداد حينام قال‪« :‬إن االبتسامات فواصل ونقاط‬
‫أجل هذا‪ .‬كان حلمي أن تكون يل زوجة و أوالدا ً‪،‬‬ ‫انقطاع‪ ..‬وقليل من الناس أولئك الذين ما زالوا‬
‫ولكن القدر أراد يل حياة أُخرى‪ ،‬فإذا يب أب‬ ‫يتقنون وضع الفواصل والنقط يف كالمهم»(‪،)10‬‬
‫ألطفال آخرين و زوج للغربة و الفرشاة‪ ..‬لقد‬ ‫فإذا كانت االبتسامات دالة عىل صاحبها‪ ،‬من‬
‫برتوا أيضاً أحالمي»(‪ ،)14‬فوضع عالمة الحذف يف‬ ‫خالل إتقانه لها ودرايته بفرتات حدوثها يف زمن‬
‫ذلك املوضع بالذات دون غريه‪ ،‬يو ِقع القارئ يف‬ ‫االستامع‪ ،‬باعتبارها صورة من صور الخطاب‪،‬‬
‫الحرية‪ ،‬فامذا بعد الغربة والفرشاة‪ ،‬وهام تحمالن‬ ‫فكذلك نقاط الحذف مهارة دالة عىل التمكّن‬
‫طاقة إيحائية تلخص حياة خالد كلها يف الرواية؟‬ ‫من ضبط وإيجاز(‪ )11‬ما يقال وما ال يقال بنا ًء عىل‬
‫ماذا سيضع يف مكان العالمة بعدما اكتملت‬ ‫طبيعة املقام وحيثياته‪ ،‬ومقامات خالد متصلة‬
‫عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد‪_ .‬دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_‬ ‫‪229‬‬
‫أحداثها كاملة زمن الكتابة‪.‬‬ ‫الصورة كلها بذلك االختيار؟‬
‫فاملالحظ أن وضع الصفة أسهل من وضع‬ ‫إنها مسافة يتعمق بها شعور القارئ بخالد‬
‫العطف يف الرواية ‪ ،‬بالرغم من وجود الفراغ ؛‬ ‫وحياته‪ ،‬ويحس بتلك الصورة التي يعيشها بني‬
‫ألن الكاتبة ال ترتك للقارئ ما يعطف عليه يف‬ ‫الغربة‪ ..‬والفرشاة‪ ..‬علامً أ ّن لكل واحدة منهام‬
‫بعض املشاهد؛ وذلك يعود إىل تغطيتها باللغة‬ ‫لوناً خاصاً وقصصاً مميزة‪.‬‬
‫التصويرية‪.‬‬ ‫وهناك مواطن تجتمع فيها الصفة و‬
‫ج ‪ -‬االنفتاح عىل الصورة‪:‬‬ ‫العطف مثل‪« :‬فهل ميكن يل اليوم‪ ،‬بعد ما‬
‫قد يكون هذا النوع من الحذف من أبرز األنواع‬ ‫قطعت بيننا األيام جسور الكالم‪ ،‬أن أقاوم هذه‬
‫املنترشة يف الرواية؛ ألن البنية الزمنية لنظام الرسد‬ ‫الرغبة الجنونية لكتابة هاتني القصتني معاً‪ ،‬كام‬
‫مشكّلة تشكيال مضطرباً‪ ،‬فام ابتدأت به الرواية‬ ‫عشتهام معك ودونك‪ ،‬بعد ذلك بسنوات‪ ..‬رغبة‪..‬‬
‫يقع يف آخرها كحدث‪ ،‬كام تتداخل األزمنة دفعة‬ ‫و عشقاً‪ ..‬و حلامً‪ ..‬و حقدا ً‪ ..‬و غرية‪ ..‬و خيبة‪..‬‬
‫واحدة لتفرتق من جديد عىل لقاء قريب يف‬ ‫و فجائع حد املوت»(‪ ،)15‬فالحذف األول متعلّق‬
‫املشهد املوايل أو الذي يليه‪ ،‬وذاك التالعب بالزمن‬ ‫باملوصوف (سنوات‪ ،)..‬فالصفة التي سيضعها يف‬
‫يفرض عىل القارئ متابعة متيقظة‪ ،‬فكانت عالمة‬ ‫ذاك املكان يتيحها السياق‪ ،‬وتؤكد رضورة وضعها‬
‫الحذف تتكاثر أمام الصور يف الرواية‪ ،‬واملقصود‬ ‫عالمة الحذف‪ ،‬فيضيف صفة تناسبها وترسم‬
‫بـ « الصورة املنفتحة «هو إعطاء املجال للقارئ‬ ‫حدود االنفعال و التوتر فيها مثل‪(:‬م ّرة أو قاتلة‬
‫يك يتدخل بذوقه و ميأل فجوات عالمة الحذف‪،‬‬ ‫أو طويلة أو مؤملة أو ثقيلة‪ ،)..‬فلو كانت هناك‬
‫فينفتح مبخيلته عىل املشاهد ليتصورها كام هي‬ ‫نقطة نهائية؛ ستكون القراءة عادية‪ ،‬كام أن‬
‫يف واقع الرواية‪ ،‬ثم يضيف عليها الحس الحريك‬ ‫القارئ ينتظر بعد السؤال عالمة االستفهام‪ ،‬لكنه‬
‫الذي متده به اللغة‪.‬‬ ‫يجد عالمة الحذف فكأنّها يف الرواية تقوم مقام‬
‫النقطة وعالمة التعجب‪ ...‬وغريهام‪ ،‬وقد يعود‬
‫وتلك اإلضافات التي يسهم بها القارئ‪،‬‬
‫سبب ذلك إىل انجراف الكاتبة مع تلك الفكرة‬
‫تكون من باب القبض عىل التفاصيل؛ ألن الراوي‬
‫وما يتولد بعدها من جمل فتضع عالمة مناسبة‬
‫ع ّوده عىل التعليق عىل أشياء كثرية‪ ،‬فيستلهم‬
‫آلخر جملة يف ذلك التعبري‪ ،‬غافلة عن العالمة‬
‫منه طريقة التفكري والتصور‪ ،‬ومن مثة تصبح‬
‫الحقيقية لألسلوب األول‪.‬‬
‫لديه قدرة موازية عىل مناقشة ال ّراوي وتكملة‬
‫ما أحجم عن ذكره‪ « ،‬فام هو مخفي يستحث‬ ‫أما الحذف املتوايل يف فقرة املعطوفات‪ ،‬فهو‬
‫القارئ عىل الفعل‪ ،‬ولكن هذا الفعل محكوم‬ ‫مفتوح عىل الصفة‪ ،‬فبإمكان القارئ أن يضيف‬
‫أيضاً مبا هو ظاهر‪ ،‬فالترصيح بدوره‪ ،‬يتحول‬ ‫بعض الصفات يف نقاط الحذف‪ ،‬إذا متكّن من‬
‫حينام يتكشف التلميح‪ ،‬وحني يردم القارئ‬ ‫ذلك؛ ليفهم ذلك املشهد املتب ِّجس باألحاسيس‬
‫الفجوات يبدأ التواصل‪ .‬وتؤدي الفجوات وظيفة‬ ‫املتناقضة‪ ،‬التي انتقتها بعناية‪ ،‬فكأنها تبحث‬
‫محور تدور حوله عالقة النص ‪ -‬القارئ برمتها‬ ‫عن سمة املشهد الجامع املانع‪ ،‬املــــــــعـَبـــِّر‬
‫‪ -‬وعليه تُغري الفراغات امل ُ َب ْن ِي َنة للنص عملية‬ ‫عن الحياة املؤملة التي عاشها خالد‪ ،‬ملــــا يسرتد‬
‫‪230‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫يف تلك األثناء أثار فيه عواصف األزمنة الثالثة‬ ‫(‪،)16‬‬
‫التخيل يك ينجزها القارئ مبا يتطلبه النص»‬
‫(‪)18‬‬
‫(املايض والحارض واملستقبل )‬ ‫والترصيح والتلميح يف الرواية قد يتداخالن يف‬
‫كام يتلخص يف (أمامي‪ ،)..‬شكل الكتاب‬ ‫املشهد الواحد‪ ،‬عندها يحتاج القارئ إىل مد‬
‫وحجمه ولونه ونوع الخط الذي كُتب به‬ ‫جسور الترصيح إىل التلميح تخيالً؛ ليستيضء كل‬
‫العنوان‪ ...‬وكذلك تنفتح الرؤية عىل الوضعية‬ ‫يشء يف إدراكه‪ ،‬ويتم املشهد شيئاً فشيئاً‪ ،‬كام‬
‫التي يجلس فيها خالد و املالمح التي ينظر بها‬ ‫أن اسرتسال التواصل بينه وبني الرواية يتكامل يف‬
‫إىل الكتاب‪ ،‬وسط تلك املشاعر املتضاربة‪.‬‬ ‫وحدة جامعة تدريجياً ‪.‬‬
‫أما العالمة بعد (داخيل‪ ،) ..‬ففيها تسليط‬ ‫فقد يجد القارئ يف هذا الحذف تقاطعات مع‬
‫للضوء عىل األغوار املظلمة للراوي‪ ،‬ومشاهدة‬ ‫الحذوف األخرى(الصمت‪ /‬الصفة والعطف‪،).../‬‬
‫تلك اللحظات التي سينفجر فيها بركان الكلامت‬ ‫لكنه يختلف عنها يف أنه يجد نفسه مشاهدا ً‬
‫يف داخله‪ ،‬ذلك الداخل املنهار الذي أتعبته براكني‬ ‫متأمالً ممتزجاً بكائنات الرواية جميعها‪ ،‬منفتحاً‬
‫الصدمات واملآيس املتتابعة‪ ...‬وأمام هذه العالمة‬ ‫عىل عاملها‪ ،‬واألمثلة كثرية‪ ،‬وهذا واحد منها «ها‬
‫سيقوى اإلحساس بخالد‪ ،‬فتعتمل التجربة‬ ‫هو ذا كتابك أمامي‪ ..‬مل يعد بإمكاين اليوم أن‬
‫القرائية بذلك الفراغ املتاح له‪ ،‬بغض النظر‬ ‫أقرأه‪ .‬هنا عىل طاولتي مغلقاً كلغز‪ ،‬يرتبص يب‬
‫عن فعل اللغة الرسدية التي حاكت بها الكاتبة‬ ‫كقنبلة موقوتة‪ ،‬أستعني بحضوره الصامت لتفجري‬
‫املشاهد الروائية‪.‬‬ ‫منجم الكلامت داخيل‪ ..‬و استفزاز الذاكرة‪.‬‬
‫أما العالمة بعد (مبراوغة واضحة‪ ،)..‬فهي وقفة‬ ‫كل يشء فيه يستفزين اليوم‪ .‬عنوانه الذي اخرتتِه‬
‫يتساءل فيها القارئ عن طبيعة تلك املراوغة‬ ‫ِ‬
‫وابتسامتك التي تتجاهل حزين‪.‬‬ ‫مبراوغة واضحة‪..‬‬
‫وعن شكل الوضوح فيها‪ ،‬فيعود إىل قراءة عنوان‬ ‫ِ‬
‫ونظرتك املحايدة التي تعاملني وكأنني قارئ‪ ،‬ال‬
‫تلك الرواية «منعطف النسيان»؛ ليتأمل وجه‬ ‫عنك‪ .‬كل يشء‪ ..‬حتى اسمك‪، ».‬‬
‫(‪)17‬‬ ‫يعرف الكثري ِ‬
‫املراوغة‪ ،‬فيصاب هو اآلخر بالحرسة‪ ،‬و اإلحساس‬ ‫هذا املشهد تحركه التشبيهات والضامئر‪ ...‬كام‬
‫بأزمة التهميش التي يعيشها خالد‪ ،‬و بعدها‬ ‫يتداخل فيه الوصف بالرسد‪ ،‬ويحركه موضوع‬
‫يذوب القارئ يف الراوي ويالحقه من مشهد‬ ‫واحد هو الكتاب الجديد لحياة‪ /‬أحالم ‪.‬‬
‫إىل آخر‪.‬‬ ‫فبالرغم من حركة اللغة وتصويرها للموقف‪،‬‬
‫والعالمة بعد (كل يشء‪ ،)..‬يف ذلك املشهد‬ ‫إال أن ما تضيفه عالمة الحذف يشء كبري‪ ،‬فيتبني‬
‫مفارقة بوجهني‪ ،‬يجتمع فيها جهل القارئ بكل‬ ‫أكرث يف أن وظيفة هذه العالمة تختلف عن‬
‫عن حياة‪/‬أحالم‪ ،‬و املعرفة التامة بكل‬ ‫يشء‬ ‫النقطة والفاصلة‪ ،‬فالقراءة بالوقوف عندها‬
‫يشء عنها بالنسبة للراوي‪ ،‬فمعرفة القارئ‬ ‫ترصيح وكشف عن تلك املشاعر التي يعيشها‬
‫بحياة يف ذلك املوضع من الرواية منعدمة؛ ألنه‬ ‫خالد يف تلك اللحظات‪ ،‬فوقوعها بعد (أمامي‪)..‬‬
‫يتحدث عن شخصية مجهولة لديه يف بداية‬ ‫تلخص العمر الذي قضاه خالد مع حبيبته‪ ،‬كام‬
‫الرواية‪ ،‬أما معدل معرفة خالد بها يف تلك األثناء‬ ‫تتضح فيها نوبة القلق والحرية والخيبة التامة‪...‬‬
‫يقارب املائة ‪ ،‬فإذا كان هو أول من س ّجل اسمها‬ ‫واملفارقة بني اإلحجام أو اإلقبال عليه؛ ألن الكتاب‬
‫عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد‪_ .‬دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_‬ ‫‪231‬‬
‫أكرث نضجا‪ ..‬أكرث تعاريج‪ .‬نسخة أخرى من لوحة‬ ‫يف دار البلدية‪ ،‬فهذا دليل يؤكد معرفته ألصلها‬
‫أخرى كربت معك‪.‬‬ ‫وفصلها‪ ،‬ووضع العالمة بعد (كل يشء‪ )..‬دليل‬
‫كنت أرسم تلك اللوحة بشهية مدهشة للرسم‪.‬‬ ‫عىل املعرفة‪...‬‬
‫بل و رمبا بشهوة و رغبة رسية ما‪ ،)21(» ..‬فالقارئ‬ ‫إذن «رغم كون عالمات الرتقيم هذه إشارات‬
‫يف هذه الحال بحاجة إىل توضيح أكرب؛ ليشكل‬ ‫غري لغوية‪ ،‬فإنها من األشكال أسهمت يف إنتاج‬
‫حلقة التواصل الرسدي‪.‬‬ ‫(‪19‬‬
‫الداللة وتوجيهها عىل األقل بشكل إيحايئ»‬
‫فالسؤال الذي يطرحه القارئ أثناء تأمله‬ ‫)‪ ،‬فاإليحائية تتجىل بشكل يف تشكّل الصورة‬
‫الفراغ‪ ،‬مثل‪ :‬ملاذا وضعت الكاتبة العالمة بعد‬ ‫الفنية من اللغة امللفوظة؛ أما العالمة فتزيد من‬
‫(نضجا‪)..‬؟ ما صفة النضج املتعلق بهذه اللوحة؟‬ ‫امتدادها و انبعاث الحركة فيها بفعل التأويل‪،‬‬
‫األمر نفسه سيجده بعد قراءة (رغبة رسية ما‪،)..‬‬ ‫وذلك بفهم الحال التي يعيشها خالد فهام يكاد‬
‫كيف يكون الرس عندما يرتبط بالرغبة؟ ملاذا مل‬ ‫يقارب الحال الحقيقية كام لو كان (القارئ) هو‬
‫تكتف بوضع النقطة النهائية؟ ما هو األمر الذي‬ ‫الذي يعيش تلك التجربة‪.‬‬
‫تحيل إليه « ما « ؟‬ ‫ومن مثة فالقراءة بهذه الصورة‪ ،‬بإرشاف عالمة‬
‫أمام هذه الحال سيعيد قراءة بعض الجمل‬ ‫الحذف هي تجربة إبداع نص جديد‪ « ،‬فالذات‬
‫علها تفصح عن يشء ما وتجيبه عن أسئلته‪ ،‬أما‬ ‫التي تخوض هذه التجربة ال تدعي امتالك النص‬
‫يف حال عدم وجود إجابة‪ ،‬فإنه يضع مجموعة‬ ‫بصفته موضوعها‪ ،‬بل تقوم باالندماج فيه مبارشة‬
‫من التأويالت؛ ليواصل االسرتسال يف القراءة دون‬ ‫جاعلة من الفهم والنص كينونة واحدة‪ ،‬ليك‬
‫تعرث أو تراجع؛ فتوقّفه أمام كلمة منفتحة عىل‬ ‫تتمكن من اإلصغاء عن قرب ملا يقوله النص»(‪،)20‬‬
‫الحذف قد يجد لها الصورة املناسبة لس ّدها‪،‬‬ ‫فعالمة الحذف منفذ آخر إىل جانب اللغة‪،‬‬
‫وقد ال يجدها بالشكل املقنع‪ ،‬فتشكل لديه‬ ‫يزيد املشهد ضياء وحركة‪ ،‬ألنه مينح القارئ‬
‫إبهاما و عرقلة يف السري‪ ،‬لكن سيتحايل بصورة‬ ‫فرصة؛ لتعبئة الفجوات املتعددة يف املشهد‬
‫من الصور ملد جسور التواصل مع باقي األحداث‬ ‫الواحد‪ ،‬وبهذه الطريقة ينشأ نوع من األلفة بينه‬
‫واملـــَشاهد‪.‬‬ ‫وبني النص‪ ،‬إلحساسه باملهمة املوكلة إليه بني‬
‫الحني واآلخر‪.‬‬
‫فمثل هذه الوضعيات « تنعقد العالقة‬
‫بني الراوي واملروي له يف الرسد من خالل األسئلة‬ ‫د ‪ -‬التساؤل‪:‬‬
‫املبارشة أو غري املبارشة التي يطرحها األول‬ ‫هناك بعض مواطن الحذف التي تثري‬
‫ليضمن حسن متابعة الثاين لحكايته‪ ،‬أو يطرحها‬ ‫تساؤل القارئ‪ ،‬فال يصبح كل املقروء لديه مدركاً‪،‬‬
‫الثاين حني يواجه ما يستغربه أو ال يوافق منطقه‬ ‫و مفهوماً فهامً تاماً كصورة واضحة املعامل‪،‬‬
‫من كالم األول»(‪ ،)22‬فإذا كانت لغة الكاتبة يف حد‬ ‫فيتساءل عن الكيفية التي وردت بها يف السياق‬
‫ذاتها لغة مغرية(‪ )23‬تبعث عىل التخيل‪ ،‬فامذا‬ ‫وماذا يُقصد بها ‪ ...‬وهذا مثال عن هذا النوع‬
‫يقال عنها حينام تضيف للقارئ مساحة أخرى‬ ‫من الحذف «كنت أشعر أنني أرسمك أنت ال‬
‫منه؟ إن الكاتبة متنح القارئ «الفرصة لصياغة ما‬ ‫أنت بكل تناقضك‪ .‬أرسم نسخة أخرى عنك‬ ‫غري‪ِ .‬‬
‫‪232‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫توقعه أيضاً(‪.)27‬‬ ‫ليس مصوغاً» (‪ ،)24‬من خالل قراءة الرواية بشكل‬
‫هـ ‪ -‬اإلحالة اإلشارية و اللغوية ‪:‬‬ ‫خاص ال عابر‪.‬‬
‫تعددت أوجه اإلحاالت يف الرواية‪ ،‬فمنها ما‬ ‫فإذا كان املقطع السابق موقفا واحدا من بني‬
‫تنوب عنها عالمة الحذف وهي إشارية‪ ،‬وهناك‬ ‫املوافق التي يرتيث عندها ليجيب نفسه عن‬
‫إحاالت تقوم بها الضامئر وتعقبها عالمة الحذف‪.‬‬ ‫األسئلة التي تثريها تلك الكلامت ومن بعدها‬
‫عالمة الحذف‪ ،‬فإن الرواية تعج مبثل هذه‬
‫أ ‪ -‬اإلحالة اإلشارية‪:‬‬ ‫املواقف‪.‬‬
‫تضع العالمة بعد كلامت غري موصولة‬
‫وإذا كان فن الرواية يتمثل «يف اختيار‬
‫بالضامئر أو أسامء اإلشارة‪ ،‬و ذلك الفراغ بعدها‬
‫ما نقول وما ال نقول»(‪ ،)25‬فإن ما يقال جسدته‬
‫يشري إىل حذف دال عىل أحداث مطولة‪ ،‬ومثال‬
‫اللغة بتلك االنتقاء اإلبداعي للمفردات وصياغة‬
‫ذلك يف هذا املقطع املختار «كان جرحي واضحاً‬
‫تجسد بوضع عالمة‬ ‫الرتاكيب‪ ،‬وما ال يقال َّ‬
‫وجرحك خفيا يف األعامق‪ .‬لقد برتوا ذراعي‪ ،‬وبرتوا‬
‫الحذف بعد الكلمة‪ ،‬فتخرجها من عامل الغياب‬
‫طفولتك‪ .‬اقتلعوا من جسدي عضوا‪ ..‬وأخذوا من‬
‫إىل عامل الحضور بعد تنقيب القارئ وحرصه عىل‬
‫أحضانك أباً‪ ..‬كنا أشالء حرب‪ ..‬و متثالني محطمني‬
‫استيعابها‪ ،‬فقد يكون ذلك الحذف ألسباب ما‬
‫داخل أثواب أنيقة ال غري»(‪ ،)28‬ويف هذا املقطع‬
‫؛ كاإليجاز‪ ،‬أو لتفجري مخيلة القارئ‪ ،‬أو حدث‬
‫تصوير للوضعية التاريخية واالجتامعية لكل‬
‫مسكوت عنه عمدا؛ لتَعلُّقه بوقائع تاريخية أو‬
‫من حياة وخالد‪ ،‬فلو وضعت النقاط النهائية‬
‫يف موقف ما‪...‬‬ ‫بذاكرة الراوي‬
‫أو الفواصل بدل عالمة الحذف؛ لكانت القراءة‬
‫بالشكل التايل‪:‬‬ ‫كام أن القارئ يجد نفسه يف حرية أمام بعض‬
‫الكلامت التي توجب عالمة الحذف الوقوف‬
‫فعندما يصل إىل كلمة (عضو)‪ ،‬سيتخيل‬
‫أمامها؛ ألنها تحيل إىل َعلَم أو قصة من القصص‬
‫الذراع فقط‪ ،‬كام يف الجملة السابقة‪ ،‬وبالتايل ال‬
‫التي مر بها ذلك العلم يف حياته‪ ،‬وعليه يُعترب منت‬
‫توجد إضافة يف الصورة‪ ،‬لكن بعالمة الحذف‬
‫الرواية مثقفاً‪ ،‬فقد تضع الكاتبة عالمة الحذف؛‬
‫بعد (عضو‪ )..‬بالذات‪ ،‬تحيل إىل قصة ذلك العضو‬
‫ألن الصورة أو الحدث تعرفه‪ ،‬فتستغني عن‬
‫وكيف ا ُقتلع‪ ،‬ال صورة العضو املتخيلة فقط‪،‬‬
‫التفاصيل‪ ،‬لكن القارئ سيحاول التوصل إىل ما‬
‫فيكون األثر يف القارئ أقوى بهذه الوضعية أكرث‬
‫مل تفصله أو تجاوزته عمدا‪ ،‬ومحاوالته املستمرة‬
‫من قراءتها بنقطة واحدة‪.‬‬
‫تجعله باحثا عام مل يتمكن من تأويله‪ ،‬و خاصة‬
‫األمر نفسه بالنسبة إىل (أب)‪ ،‬فقد يتذكر‬ ‫حينام تتحدث عن الفن والفنانني وتربطه‬
‫القارئ بهذه الكلمة االسم (اليس الطاهر)‪ ،‬لكن‬ ‫بحياة خالد‪ ،‬فينتج عن ذلك وصف فلسفي(‪،)26‬‬
‫بالعالمة املوضوعة بعده(أب‪ ،)..‬فإنها إشارة‬ ‫فباألسئلة التي يطرحها عىل الرواية وعىل نفسه‪،‬‬
‫إىل العظمة والتاريخ املجيد الذي صنعه هذا‬ ‫يخرج برصيد ثقايف كبري متعدد املرجعيات‪ ،‬هذا‬
‫الشخص و ُعـرف به‪ ،‬ويف الحالني (عضو‪)..‬‬ ‫ال يعني أنه ال يجد اإلجابة دوما عن أسئلته‬
‫(أب‪ ،)..‬داللة عىل التاريخ الطويل ليتمهام معا‪،‬‬ ‫الخاصة‪ ،‬بل قد يجدها بشكل فني راق قد يخرق‬
‫عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد‪_ .‬دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_‬ ‫‪233‬‬
‫القارئ لتلك الذاكرة التي تقصدها الكاتبة‪ ،‬عىل‬ ‫ويف كلمة (حرب‪ ،)..‬تشري العالمة إىل استدامة‬
‫أساس «أن الرواية يف ‪ -‬مجملها ‪ -‬فعل تذكر من‬ ‫هذه الصورة من املايض إىل الحارض الذي عاشاه‪،‬‬
‫الراوي‪ ،‬لفعل جرى يف الزمن املايض»(‪ ،)31‬أما‬ ‫مخرتقة املستقبل؛ بحسب املعطيات التي رصحت‬
‫عالمة الحذف فقد كانت لها وظيفة ُمكملة‪،‬‬ ‫بها املشاهد يف الرواية‪.‬‬
‫وهي النظر إىل الزمنني املايض كمحتوى‪ ،‬والحارض‬ ‫وبهذه الطريقة يتمكن القارئ من اسرتجاع‬
‫الذي يتضمن وقع حال االسرتجاع كصورة يف زمن‬ ‫املشاهد الروائية دون حاجة إىل الضامئر املحيلة‪،‬‬
‫التذكر‪ ،‬أي حال الخطاب وما يصاحبها من مالمح‬ ‫كام أنها تفتح أمامه الصورة ليعيشها بذلك املنفذ‬
‫الحرسة والحرية‪ ،‬وصورة املايض مبواقفه وجلساته‬ ‫الذي تحرضه له عالمة الحذف‪ ،‬ويكون بذلك‬
‫الجميلة‪.‬‬ ‫أمام صورتني للحذف (الصورة املنفتحة‪ ،‬واإلحالة‬
‫إذن‪ ،‬الفرق بني الضمري وحده‪ ،‬ويف حال إضافة‬ ‫اإلشارية)‪.‬‬
‫عالمة الحذف‪ ،‬اختالف يتجسد يف‪ :‬أن األوىل فيها‬ ‫ب ‪ -‬اإلحالة اللغوية‪:‬‬
‫اسرتجاع عام غري تفصييل‪ ،‬أما الثانية‪ :‬فعملية‬
‫املقصود بها اإلحالة القبلية و البعدية‪ ،‬فالكاتبة‬
‫متثّل املشهد مجزأة و مفصلة للراوي يف الزمنني‬
‫رغم وجود الضامئر وأسامء اإلشارة‪ ...‬تضيف‬
‫املايض والحارض‪.‬‬
‫عالمة الحذف‪ ،‬وميكن مالحظة ذلك يف التايل‪:‬‬
‫‪ /2‬اإلحالة البعدية‪:‬‬ ‫‪ /1‬اإلحالة القبلية‪:‬‬
‫تتض ّمنت الرواية يف العديد من املواطن‬
‫فقد ال يشري الضمري إىل مفردة واحدة‬
‫إشارات ملا هو آت من أحداث يف الصفحات‬
‫ِ‬ ‫بل «إىل أكرث من جملة سابقة »(‪ ،)29‬فقد يقوم‬
‫نزعتك السادية‬ ‫الالحقة‪ ،‬ومثال ذلك‪« :‬كيف مل ترث‬
‫شكويك يومها‪ ..‬وكيف مل أتوقع كل جر ِ‬ ‫الضمري بدوره دون حاجة إىل من ينوب عنه‪،‬‬
‫امئك التي‬
‫ِ‬ ‫تلت ذلك اليوم‪ ،‬والتي ج ّر ِ‬ ‫لكن السؤال يبقى مطروحاً‪ ،‬ملاذا وضعت الكاتبة‬
‫أسلحتك‬ ‫بت فيها‬
‫عالمة الحذف بعد اإلحاالت؟ يف النص التايل‬
‫األخرى»(‪ ،)32‬املقطع مقتبس من املشاهد األوىل‬
‫منوذج من اإلحالة القبلية «لقد كانت القيم‬
‫للرواية‪ ،‬وفيه إشارات «استباقية» ملا سيحدث‬
‫يف‬ ‫بالنسبة يل شيئاً ال يتجزأ‪ ،‬ومل يكن هناك‬
‫يف الفصول الالحقة‪ ،‬فقد ال يتعرف القارئ عىل‬
‫قامويس من فرق بني األخالق السياسية‪ ،‬وبقية‬
‫صورتها بشكل تام ومحسوس‪ ،‬إال إذا قرأ األحداث‬
‫األخالق‪ ..‬وكنت أعي أنني معك‪ ،‬بدأت أتنكر‬
‫املقصودة‪.‬‬
‫ألقنعك بأخرى‪.‬‬
‫لكنه يحاول أن يبني صورة ألحالم بالتجزئة‬
‫تساءلت كثريا آنذاك‪ ..‬تراين كنت أخون املايض‪،‬‬
‫كام تريد الكاتبة من خالل موضعة األحداث‬
‫وأنا أنفرد بك يف جلسة شبه بريئة‪ ،‬يف قاعة‬
‫والتداخالت الزمنية‪ ،‬فإذا كانت الهاء يف‬
‫تؤثثها اللوحات والذاكرة؟»(‪ ،)30‬إذا كان الحذف‬
‫(يومها‪ ،)..‬تقوم بدور اإلحالة الالحقة أو البعدية‬
‫األول يحيل عىل اختيار الصفة املناسبة‪ ،‬فإن‬
‫لحدث مبهم بالنسبة للقارئ؛ فألنه يقع يف الزمن‬
‫الحذف اآلخر الذي يشري إليه الضمري املتصل‬
‫املستقبل للقراءة‪ ،‬لكنه يف حقيقته وقع يف الزمن‬
‫(آنذاك)‪ ،‬أدى وظيفته كاملة من خالل اسرتجاع‬
‫املايض للحيك‪ ،‬أما عالمة الحذف فإنها تقوم‬
‫‪234‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫حدث أو مجموعة من األحداث بصورة موجزة‬ ‫بتنبيهه إىل عظمة ذلك املشهد الذي مل تظهر منه‬
‫ومكثفة لفظياً‪ ،‬وملا تضاف لها عالمة الحذف‬ ‫إال األطالل الدوارس‪ ،‬التي تفضح بصمتها الكثري‪،‬‬
‫تنفك القيود التي توجزها‪ ،‬وتنتظم يف رشيط‬ ‫من خالل الحذف‪ ،‬وهذه اآللية ت ُحفز القارئ‬
‫مشهدي يحرك الذاكرة والحواس‪...‬‬ ‫وتشوقه ملا هو آت‪ ،‬من خالل الضامئر املحيلة إىل‬
‫الهوامش‬
‫ألحدث كتب اإلدارة واألعامل‪،‬عىل املوقع التايل ‪www.‬‬ ‫‪ 1‬فريوز رشام ‪ ،‬عالمات الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار‬
‫‪ ، alkhulasah.com‬لرشكة أربيكسمريز دوت كوم‬ ‫قباين ‪-‬السرية الذاتية منوذجاً‪ ، -‬مجلة معارف‪ ،‬املركز‬
‫املحدودة‪ ،‬ص‪01‬‬ ‫الجامعي‪ ،‬البويرة‪ ،‬ع‪ ،2‬أفريل‪ ،2007 ،‬ص‪96‬‬
‫ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪164‬‬ ‫‪ 13‬‬ ‫ ‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص‪96‬‬
‫بارث وتودوروف وآخرون‪ ،‬نظريات القراءة من‬ ‫‪1 4‬‬ ‫‪ 3‬ال توجد النقطتان املتتابعتان يف قامئة عالمات الرتقيم‪،‬‬
‫البنيوية إىل جاملية التلقي‪( ،‬تر) عبد الرحمن بوعيل‪،‬‬ ‫ولكنها مستحدثة‪ ،‬ينظر املقال السابق‪ ،،‬عالمات‬
‫دار الحوار للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2003 ،1‬ص‪150‬‬ ‫الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار قباين ‪-‬السرية الذاتية‬
‫ذاكرة الجسد ‪ ،‬ص‪106‬‬ ‫‪ 15‬‬ ‫منوذجاً‪ -‬ص‪95‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪47‬‬ ‫‪1 6‬‬ ‫ ‪ 4‬نفسه‪ ،‬ص‪96‬‬
‫سوزان روبني سليامن‪ ،‬إنجي كروسامن ‪ ،‬القارئ يف‬ ‫‪1 7‬‬ ‫‪ 5‬ينظر املوقع السابق‪ ،‬ديوان العرب‪ ،‬عالمات الرتقيم يف‬
‫النص‪ ،‬مقاالت يف الجمهور والتأويل‪( ،‬تر)‪ :‬حسن‬ ‫الكتابة العربية ومواضع استعاملها‪.‬‬
‫ناظم‪ ،‬وعيل حاكم صالح‪ ،‬دار الكتاب الجديدة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪ 6‬ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪ ، 152‬كام يُنظر‪ ،‬ص‪356، 354،355 :‬‬
‫بريوت ـ لبنان ‪ ،2007 ،‬ص‪135‬‬ ‫‪ ،..357،‬يف هذه الصفحات حذف دال عىل الصمت‪،‬‬
‫ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪ 20‬ـ ‪ ، 21‬كام يُنظر الصفحات‬ ‫‪ 18‬‬ ‫فبعد وصف بعض الشخصيات املمثلة للسلك‬
‫التالية‪ :‬ص‪( 20‬زائر صقلية) وكذلك ص‪( 121‬املقطع‬ ‫الدبلومايس يف الخارج ورسد بعض القصص عنها‪ ،‬يظهر‬
‫الذي شبهت فيه الراوي بزوربا )‪ ،‬ص‪( 200‬تجربة‬ ‫الحذف يف الرسد والتعليق عليه‪.‬‬
‫الكتابة والرسم)‪ ،‬وغريهام كثري‪...‬‬ ‫ ‪ 7‬نفسه‪ ،‬ص‪198 ،197‬‬
‫يف هذا النوع من الحذف‪ ،‬هناك صورة أخرى ينفتح‬ ‫‪1 9‬‬ ‫‪ 8‬زاهر بن مرهون الداودي ‪ ،‬الرتابط النيص بني الشعر‬
‫فيها القارئ عىل مشهد جديد يف الرواية‪ ،‬فيكون‬ ‫والنرث‪ ،‬دار جرير للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1431 ،01‬هـ ـ‬
‫الحذف بعد جمل قصرية مطلعاً مشهدياً‪ ،‬مثل ‪»:‬‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬ص‪62‬‬
‫وتطلني‪ ،»..‬ص‪253‬‬ ‫ ‪ 9‬ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪ 235‬‬
‫‪ 1 0‬رائدة عبد اللطيف حسن ياسني‪ ،‬تأثري الرواية الجزائرية‬
‫‪ 2 0‬فريوز رشام‪ ،‬عالمات الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار قباين‬ ‫يف الرواية الفلسطينية‪ ،‬أحالم مستغامني ويوسف‬
‫‪-‬السرية الذاتية منوذجاً‪ ، -‬مجلة معارف‪ ،‬ص‪98‬‬ ‫العيلة منوذجاً‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل درجة املاجستري‬
‫‪ 2 1‬نارص عامرة ‪ ،‬اللغة والتأويل‪ ،‬مقاربات يف الهرمينوطيقا‬ ‫يف قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الدراسات العليا‪،‬‬
‫الغربية والتأويل العريب اإلسالمي‪ ،‬الدار العربية‬ ‫جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطني‪2005 ،‬‬
‫للعلوم‪ ،‬نارشون‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬منشورات‬ ‫‪ 11‬ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪ 1 2 30‬ينظر‪ :‬إيلني سنايدر‪،‬‬
‫االختالف‪ ،‬ط‪ ،1‬الجزائر‪ 1428،‬هـ ‪ ،2007 -‬ص‪32 ،31‬‬ ‫املخاطَــبة املقنعة يف األعامل(كيف تق ّدم عملك‬
‫‪ 22‬ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪137 ،136‬‬ ‫وتعرضه بشكل مؤثر وف ّعال)‪ ،PDF ،‬خالصة أسبوعية‬

‫عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد‪_ .‬دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_‬ ‫‪235‬‬
‫األجمل‪ ،‬تولد احتامال‪ ..‬و رمبا تبقى كذلك»‪ ،‬فكل‬ ‫لطيف زيتوين‪ ،‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص‪105‬‬ ‫‪2 3‬‬
‫عالمة مثرية لسؤال القارئ‪ :‬بــــ (ماذا وكيف؟)‪،‬‬ ‫ينظر‪ ،‬عبد السالم صحراوي ‪ ،‬األناقة واإلغراء يف لغة‬ ‫‪2 4‬‬
‫وهاهي إجابات الكاتبة تحمل الطابع الفلسفي يف‬ ‫أحالم مستغامني‪ ،‬يف املوقع التايل‪www.nizwa.com :‬‬
‫عرضها‪ ،‬وتجيب إجابة فنية ُمحاورها وقارئها‪.‬‬ ‫رامان سيلدن‪ ،‬النظرية األدبية املعارصة‪ ،‬ص‪174‬‬ ‫‪ 25‬‬
‫ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪102‬‬ ‫‪ 29‬‬ ‫برغسون وآخرون‪ ،‬حوار الفلسفة والسينام‪( ،‬تر) عز‬ ‫‪2 6‬‬
‫صبحي إبراهيم الفقي‪ ،‬علم اللغة النيص بني النظرية‬ ‫‪ 30‬‬ ‫الدين الخطايب‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار‬
‫والتطبيق(دراسة تطبيقية عىل السور املكية)‪ ،‬دار قباء‬ ‫البيضاء‪ ،2006 ،‬ص‪68‬‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ 1421 ،‬هـ‬ ‫ينظر‪ ،‬ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪( 183‬الفن و الليل‪ ،‬العقل‬ ‫‪ 27‬‬
‫‪2000‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪162‬‬ ‫والجنون‪ ،‬واملمكن واملستحيل)‪.‬‬
‫ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪101‬‬ ‫‪ 31‬‬ ‫ينظر ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪« 87‬مل يكن موعدا ً‪ ..‬كان‬ ‫‪ 28‬‬
‫رائدة عبد اللطيف‪ ،‬تأثري الرواية الجزائرية يف الرواية‬ ‫‪3 2‬‬ ‫احتامل موعد فقط‪ ..‬ال بد أن تعلم أنني أكره اليقني‬
‫الفلسطينية‪ ،‬مخطوط ماجستري‪ ،‬ص‪50‬‬ ‫يف كل يشء‪ ..‬أكره أن أجزم بيشء أو ألتزم به‪ ..‬األشياء‬
‫ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪18‬‬ ‫‪ 33‬‬
‫مراجع البحث وإحاالته‪:‬‬
‫النص‪ ،‬مقاالت يف الجمهور والتأويل‪( ،‬تر)‪ :‬حسن ناظم‪،‬‬ ‫•‪ -‬فريوز رشام ‪ ،‬عالمات الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار‬ ‫ ‬
‫وعيل حاكم صالح‪ ،‬دار الكتاب الجديدة‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‬ ‫قباين ‪-‬السرية الذاتية منوذجاً‪ ، -‬مجلة معارف‪ ،‬املركز‬
‫ـ لبنان ‪2007 ،‬‬ ‫الجامعي‪ ،‬البويرة‪ ،‬ع‪ ،2‬أفريل‪2007 ،‬‬
‫•‪ -‬فريوز رشام‪ ،‬عالمات الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار قباين‬ ‫ ‬ ‫•‪ -‬زاهر بن مرهون الداودي ‪ ،‬الرتابط النيص بني الشعر‬ ‫ ‬
‫‪-‬السرية الذاتية منوذجاً‪ ، -‬مجلة معارف‬ ‫والنرث‪ ،‬دار جرير للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1431 ،01‬هـ ـ‬
‫•‪ -‬نارص عامرة ‪ ،‬اللغة والتأويل‪ ،‬مقاربات يف‬ ‫ ‬ ‫‪2010‬م ‬
‫الهرمينوطيقا الغربية والتأويل العريب اإلسالمي‪ ،‬الدار‬ ‫•‪ -‬رائدة عبد اللطيف حسن ياسني‪ ،‬تأثري الرواية‬ ‫ ‬
‫العربية للعلوم‪ ،‬نارشون‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪،‬‬ ‫الجزائرية يف الرواية الفلسطينية‪ ،‬أحالم مستغامني‬
‫منشورات االختالف‪ ،‬ط‪ ،1‬الجزائر‪ 1428،‬هـ ‪2007 -‬‬ ‫ويوسف العيلة منوذجاً‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل درجة‬
‫•‪ -‬برغسون وآخرون‪ ،‬حوار الفلسفة والسينام‪( ،‬تر)‬ ‫ ‬ ‫املاجستري يف قسم اللغة العربية وآدابها بكلية‬
‫عز الدين الخطايب‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار‬ ‫الدراسات العليا‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪،‬‬
‫البيضاء‪2006 ،‬‬ ‫فلسطني‪2005 ،‬‬
‫•ـ صبحي إبراهيم الفقي‪ ،‬علم اللغة النيص بني النظرية‬ ‫ ‬ ‫•‪ -‬ينظر‪ :‬إيلني سنايدر‪ ،‬املخاطَــبة املقنعة يف‬ ‫ ‬
‫والتطبيق(دراسة تطبيقية عىل السور املكية)‪ ،‬دار قباء‬ ‫األعامل(كيف تق ّدم عملك وتعرضه بشكل مؤثر‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ 1421 ،‬هـ‬ ‫وف ّعال)‪ ،PDF ،‬خالصة أسبوعية ألحدث كتب اإلدارة‬
‫‪2000‬م‪ ،‬ج‪1‬‬ ‫واألعامل‪،‬عىل املوقع التايل ‪، www.alkhulasah.com‬‬
‫•‪ -‬رائدة عبد اللطيف‪ ،‬تأثري الرواية الجزائرية يف الرواية‬ ‫ ‬ ‫لرشكة أربيكسمريز دوت كوم املحدودة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬مخطوط ماجستري‬ ‫•‪ -‬بارث وتودوروف وآخرون‪ ،‬نظريات القراءة من‬ ‫ ‬
‫•‪Je t’offrirai une gazelle ,Prèface de Yasmina -‬‬ ‫ ‬ ‫البنيوية إىل جاملية التلقي‪( ،‬تر) عبد الرحمن بوعيل‪،‬‬
‫‪et, 1959,khadra, Editions renè Julliard,Paris‬‬ ‫دار الحوار للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪2003 ،1‬‬
‫‪…p51,52, 2004 ,Mèdia-plus, Constantine‬‬ ‫•‪ -‬سوزان روبني سليامن‪ ،‬إنجي كروسامن ‪ ،‬القارئ يف‬ ‫ ‬

‫‪236‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫ملحة �إىل فن الرتجمة يف الأدب العربي‬

‫علي جعفر�سي أتش‬


‫الباحث‪،‬قسم اللغة العربية للماجستروالبحوث كلية جمال محمد( حكم ذاتي)‪،‬‬
‫جامعة بهاراتي داسان ‪ ،‬تيروشيرا بالي‪ ،‬تامل نادو‪ ،‬الهند ‪.‬‬

‫اللحاق بركب الحضارة‪ ،‬وهذا ما فعله العرب يف‬ ‫التقديم‪:‬‬


‫القرن العرشين‪ :‬عندما أرادوا الرتجمة‪ ،‬اتجهوا إىل‬ ‫الرتجمة نقل األفكار واألقوال من لغة إىل أخرى‬
‫ترجمة روايات شكسبري ومرسحياته ومختلف‬ ‫مع املحافظة عىل روح النص املنقول‪ ،‬ولهذا فإنه‬
‫الروايات واملرسحيات والقصائد التي ال طائل من‬ ‫إذا كانت الكلامت هي التي تشكل اللبنات التي‬
‫ورائها‪ ،‬وابتعدوا عن ترجمة الهندسة وامليكانيكا‬ ‫يتكون منها البناء اللغوي فإن القواعد اللغوية‬
‫والطب وعلوم الحاسب إال فيام ندر مام تسبب يف‬ ‫هي القوالب التي تصاغ فيها األفكار والجمل‪،‬‬
‫خلق فجوة كبرية بني العرب وبني األمم املتقدمة‪،‬‬ ‫وروح املرتجم وأسلوبه يف التعبري ومواهبه‬
‫ويف الوقت الذي أصبح العامل يخطو فيه خطوات‬ ‫الكامنة فيه وخلفيته الثقافية هي التي متيز‬
‫واسعة يف مجال التكنولوجيا والعلوم املعارصة‬ ‫الرتجامت املختلفة لنفس النص‪ ،‬وهذا فإنه‬
‫اشتغل بال العرب مبا يقصده شكسبري وغريه من‬ ‫ميكن القول إذا كانت اإلجادة اللغوية تعترب من‬
‫شعراء أوروبا من أشعارهم‪ .‬ومن هنا يجب أن‬ ‫األساسيات الرضورية الالزمة للمرء حتى يقدم‬
‫نعيد النظر فيام يجب أن نرتجمه حيث يجب‬ ‫عىل ترجمة تعبري أو جملة أو فقرة أو نص ما‬
‫علينا أن نتجه إىل ترجمة علوم الحاسب والطب‬ ‫فإن املوهبة والثقافة واإلطالع ونوعية التعليم‬
‫والهندسة والعلوم املعارصة مع كامل احرتامنا‬ ‫الذي حصل عليه املرتجم واملامرسة والتدريب‬
‫لرتجمة الروايات والقصائد واملرسحيات‪.‬‬ ‫املستمر هي التي تصقل مهارات املرتجم وتعمل‬
‫ولقد تعددت األساليب يف هذا العرص‪ ،‬فكان‬ ‫عىل نضوجه وبلورة شخصيته‪ ،‬ولديه القدرة عىل‬
‫لكل طبقة أسلوب‪ ،‬كاألدباء والفقهاء واملحامني‬ ‫كشف درر وكنوز اللغة املنقول منها ووضعها يف‬
‫والصحفيني‪ ،‬وتنوعت األغراض‪ ،‬فكتبوا يف القانون‬ ‫أماكنها السليمة يف اللغة املنقول إليها‪.‬‬
‫والسياسة واالجتامع‪ ،‬ونسجوا عىل منوال ما‬ ‫أهمية الرتجمة‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ترجموه من القصص والروايات األوروبية‪.‬‬
‫إن لها أهمية عظيمة متاثل أهمية االخرتاعات‬
‫نظرة تاريخية عىل الرتجمة‪ :‬هناك حركتان‬ ‫واالكتشافات العظيمة‪ :‬فبدون أن يعرف اإلنسان‬
‫عظيمتان للرتجمة ‪ :‬الحركة األوىل تبناها العرب‬ ‫أفكار غريه من الجنسيات األخرى فلن يستطيع‬
‫ملحة إلى فن الترجمة في األدب العربي‬ ‫‪237‬‬
‫وابن سينا والزهراوى ومن بعدهم ابن النفيس‬ ‫املسلمون عندما خرجوا من الجزيرة العربية‬
‫ومعارصوه‪ .‬هذه هي حركة الرتجمة العظمى‬ ‫وفتحوا ما حولها من بلدان فاتجهوا إىل ترجمة‬
‫األوىل‪.‬‬ ‫تراث األمم السابقة كالهند واليونان وعندما‬
‫أما حركة الرتجمة العظمى الثانية فقد قامت بها‬ ‫اتجهوا إىل تلك الرتجمة مل يرتجموا الروايات‬
‫أوروبا عندما أرادت الخروج من عصور الظامل‬ ‫والقصائد وإمنا ترجموا علوم الهندسة والفلك‬
‫إىل عرص النهضة التي ال تزال آثارها باقية حتى‬ ‫والطب‪‹ .‬وازدهر يف العرص النرث ازدهارا عظيام‪،‬‬
‫اليوم؟ ففي القرن الثالث عرش امليالدي نشطت‬ ‫وظلت حركة الرتجمة ناشطة‪ ،‬وشاع االستواء‬
‫املراكز التى تقوم بالرتجمة من العربية إىل‬ ‫والتناسق فيام ترجم من آثار‪ ،‬وظهر الكندي أول‬
‫الالتينية‪ :‬ومن أشهر من قام بالرتجمة ىف ذلك‬ ‫فيلسوف للعرب باملعنى الدقيق لكلمة فلسفة‪،‬‬
‫الوقت أندريا الباجور” الذى قام برتجمة مؤلفات‬ ‫وكان شاعرا وناثرا ممتازا إذ كان يتمثل العربية‬
‫ابن النفيس ونسبها لنفسه‪ ,‬ومن ذلك الوقت‬ ‫ودقائقها وخصائصها متثال بارعا‪ .‬وأخذت بيئات‬
‫أخذ األوروبيون قيادة ركب الحضارة من العرب‬ ‫مختلفة تتجادل يف معايري البالغة العربية‪ ،‬فكانت‬
‫وأصبحوا عىل قمةاألرض‪ .‬من هذا ‪ ,‬نجد أن رس‬ ‫هناك بيئة محافظة مثلها اللغويون‪ ،‬وبيئة تفرط‬
‫النهضة التى نتجت عن الرتجمة هى أن الرتجمة‬ ‫يف التجديد مثلها املرتجمون‪ ،‬وبيئة معتدلة مثلها‬
‫متت ىف مجاالت علمية نافعة ومل تتم ىف الروايات‬ ‫املتكلمون‪ 2›..‬مل تكن للرتجمة قبل العرص األموي‬
‫والقصائد‪ .‬وهذا ينتقل بنا أغىل أهمية الرتجمة‪.‬‬ ‫أي وجود إال كنفحة نار‪ ،‬وقد ظهرت والخدمات‬
‫فقط‪ ،‬وقام األمري خالد بن يزيد بن معاوية‬
‫مشاكل الرتجمة العمومية‪ :‬وعرفت العربية‬
‫بابتدائها وكان كيميائيا مشهورا‪ ،‬وهو الذي اعتربه‬
‫الرتجمة إليها من مختلف اللغات العاملية يف‬
‫األمويون حكيم بني أمية يف ذلك الزمان‪ ،‬فإنه‬
‫أثناء العرص العبايس الثاين بصورة خصوصية‬
‫كسب من خدمات اآلخرين حظا كبريا من الكتب‬
‫حيث ترجم عدد ال بأس به من الكتب اليونانية‬
‫يف الكيمياء والطب والفلك والنجوم وغريها‬
‫والرسيانية والفارسية والرومية والسانسكريتية‬
‫مرتجمة ومنقولة من لغات مختلفة‪ ،‬مريانوس‬
‫أي الهندية‪ .‬يف تلك األيام كان الناس مشغولني‬
‫الراهب‪ ،‬والطبيب اليهودي مارسجويه‪ ،‬والقس‬
‫بعملية الرتجمة وتروى لنا الحكايات املكتوبة‬
‫هارون‪ ،‬وغريهم كانوا من أشهرهم الذين قاموا‬
‫أن الرتجمة العربية يف أوائل أيامها كانت ترجمة‬
‫بخدمات الرتجمة آنذاك‪.‬‬
‫حرفية كام فعل ابن البطريق ثم رويدا رويدا‬
‫تحسنت األحوال وبدأ املرتجمون يولون االهتامم‬ ‫ونجد أن الرتجمة نشطت نشاطا ملحوظا ىف‬
‫باملعاين أكرث منها بالحرفية ‪ .‬ثم تال ذلك العرص‬ ‫العرص العبايس ‪ ،‬فها هو هارون الرشيد كان‬
‫دور حيث توقفت الحركة العلمية عن العمل‬ ‫يكافئ املرتجم بوزن الكتاب الذي يرتجمه ذهبا‬
‫يف الدول العربية واستمرت األحوال كذلك حتى‬ ‫ومن أبرز املرتجمني ىف ذلك الوقت «حنني بن‬
‫استيقظ الشعب العريب مع أوائل القرن التاسع‬ ‫إسحاق» الذي ترجم وحده ما يزيد عىل مائة‬
‫عرش وأحست بالرضورة امللحة لرتجمة املواد‬ ‫كتاب طبي يوناين‪ .‬ونتيجة لهذا التشجيع الهائل‬
‫العلمية املتوفرة يف تلك األيام إىل اللغة العربية‬ ‫للرتجمة‪ .‬حقق املسلمون تقدما رهيبا ىف الطب‬
‫مل يسبقهم إليه أحد وتجىل ذلك ىف جهود الرازي‬
‫‪238‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫أنهم مارسوا الرتجمة‪ .‬ويف مقدمة من كتب عن‬ ‫حتى تقدر عىل التميش مع بقية العامل يف مضامر‬
‫الرتجمة الجاحظ والصالح الضفدي‪ « .‬الشعر ال‬ ‫التقدم‪.‬‬
‫يستطاع أن يُرتجم وال يجوز عليه النقل‪ ،‬ومتى‬ ‫ال ريب يف أن الرتجمة لعبت وال تزال وستلعب إىل‬
‫تح ّول تقطّع نظمه وبطل وزنه وضاع موضع‬ ‫أبد اآلبدين دورا هاما بل دورا حيويا ليس فقط‬
‫التعجب منه ‪ »...‬وكان الجاحظ قاطعاً يف هذا‬ ‫يف توفري املعلومات الحديثة والجدية يف املجاالت‬
‫املجال وك ّرر مثل هذه الفكرة أكرث من مرة‪.‬‬ ‫العلمية عىل اختالفها‪ .‬بل أنها يف نفس الوقت‬
‫ومثله كثريون يف هذا العرص‪ ،‬وبعضهم يذهب‬ ‫ترثى اللغات من حيث التعابري واملصطلحات‬
‫إىل التأكيد أن «ترجمة الشعر إىل لغة أخرى‬ ‫وكذلك تشذب وتشكل الثقافات‪ ،‬ولقد عرفنا أن‬
‫مستحيلة» مهام اختلفت الرتجامت‪ ،‬بل إن‬ ‫الثقافة العربية – اإلسالمية وتطورها مدين كثريا‬
‫اختالف ترجامت شاعر مثل غوته وعمر الخيام‬ ‫للرتجمة خالل العرص العبايس‪ ،‬وعندما توقفت‬
‫‪3‬‬
‫وغريهام من املشاهري إىل اللغات األخرى‪.‬‬ ‫الرتجمة توقفت معها عن التنامي الحضارة‬
‫يقول أ‪.‬د حسام الخطيب‪ : 4‬ومن الواضح أن‬ ‫العربية اإلسالمية‪ ،‬وبعد ذلك انتقل املرسح إىل‬
‫جميع لغات العامل اليوم تتفاعل وتتكامل من‬ ‫الدول األوروبية التي ترجمت العلوم من اللغة‬
‫خالل هذا التفاعل‪ .‬ولكن مشكلة املرتجمني يف‬ ‫العربية أوال إىل اللغة الالتينية ثم إىل اللغات‬
‫املجال العريب لها وجه آخر يتمثل يف الضعف‬ ‫األوروبية األخرى ولحسن حظ تلك املنطقة فإنها‬
‫اللغوي املسترشي يف الرتجامت بسبب غياب أي‬ ‫بلغت ذروة املعرفة وأصبحت صاحبة االحتكار‬
‫تأهيل لغوي عريب لدى املرتجمني‪ .‬وأكرثهم ال‬ ‫يف املجال العلمي ويف الوقت الحايل يتطلع إليها‬
‫يكلفون أنفسهم مشقة تحسني معرفتهم باللغة‬ ‫كل العامل حتى يستفيد منها يف املجال العلمي‬
‫األم‪ .‬وهنا نتذكر مقولة كان يرددها املوسيقار‬ ‫واألديب‪ ،‬أن املعلومات العلمية املودعة يف اللغات‬
‫واملرتجم األمرييك تيد روريم مفادها أن فن‬ ‫األوروبية ترتجمها بقية العامل ‪.‬‬
‫الرتجمة يكمن يف إتقان اللغة األم مبستوى أعمق‬ ‫وكذلك أن تاريخ الرتجمة عند العرب يرجع‬
‫من معرفة اللغة األجنبية‪ .‬وبالطبع هذا الحكم‬ ‫إىل العرص ما قبل الجاهلية كام يشري إىل ذلك‬
‫ينطبق عىل الرتجمة من وإىل األزواج اللغوية‬ ‫الدكتور شوقي ضيف يف كتابه‪ :‬تاريخ األدب‬
‫املختلفة‬ ‫العريب‪ ،‬والدكتور يوئيل يوسف عزيز يف كتابه‪:‬‬
‫فالرتجمة تتجه منذ منتصف القرن العرشين بقوة‬ ‫مبادئ الرتجمة من اإلنجليزية إىل العربية‪ ،‬إال‬
‫إىل أن تكون علامً موضوعياً بكل ما يف الكلمة من‬ ‫أن العرب مل يتحدثوا كثريا حول ماهية الرتجمة‪،‬‬
‫معنى‪ .‬والحق أنه مع تعدد نظريات الرتجمة‬ ‫فيقول الدكتور يوثيل يوسف غزيز حول إقدامية‬
‫وتقنياتها وأنواعها وأغراضها بات رضورياً جدا ً‬ ‫العرب يف مجال الرتجمة‪.‬‬
‫أن ينظمها القانون العلمي‪ ،‬والسيام أن الرتجمة‬ ‫«مع أن العرب مارسوا الرتجمة عىل نطاق واسع‬
‫اآللية ‪ Machine Translation‬باتت تطغى عىل‬ ‫فإنهم مل يتكلموا كثريا عن الناحية النظرية‬
‫السوق العميل للرتجمة وتنضج طرقها وتأخذ‬ ‫والعلمية والنقل وأساليبها‪ ،‬ومل يصل إلينا يف هذا‬
‫مكانها يف عجلة اإلنتاج الرتجمي ذي الطاقة‬ ‫الجانب إال القليل‪ ،‬كتب أناس مل يعرف عنهم‬
‫ملحة إلى فن الترجمة في األدب العربي‬ ‫‪239‬‬
‫وإذا كان األدباء واملؤرخون يرون يف نص زينب‪،‬‬ ‫الهائلة والرسعة املذهلة والسيام يف املجاالت‬
‫رواية التي ألفها محمد حسني هيكل أيام إقامته‬ ‫العلمية والتوثيقية والتجارية‪ .‬والذي يتطبق يف‬
‫يف باريس‪ ،‬ونرشها عام ‪ ،1914‬وتعترب كأول رواية‬ ‫هذا الصدد عىل العرب ينطبق أيضا عىل غريهم‬
‫عربية تقرتب من النضج الفني‪ ،‬فهم يؤكدون أن‬ ‫من أمم العامل‪ ،‬فال يوجد هناك كتابات يف ماهية‬
‫هناك عددا كبريا من الروايات قد متت ترجمتها أو‬ ‫الرتجمة وإذا وجدت فإنها إشارات وتعاريف‬
‫تعريبها ونرشها متسلسلة يف الجرائد واملجالت‪،‬‬ ‫موجزة معظمها من غري املرتجمني العمليني‪ .‬إما‬
‫أو يف كتب‪ ،‬بني القرن التاسع عرش‪ ،‬ومل تكن رواية‬ ‫يف الوقت الحال أو خالل عقدين أو ثالثة عقود‬
‫مغامرات تليامك‪ ،‬التي ترجمها رفاعة الطهطاوي‬ ‫فإن علامء اللغات والعاملني يف مجال الرتجمة‬
‫عام ‪ ،1849‬أولها!‪.‬‬ ‫فيهم األساتذة الجامعيني‪ ،‬يولون اهتامما الئقا‬
‫‏‪ ‬مام ثبت أيضا أن اللغة العربية عرفت القصة‬ ‫بتعريف ماهية الرتجمة بجانب القيام بعملية‬
‫القصرية مرتجمة‪ ،‬قبل أن يكتب محمد تيمور‬ ‫الرتجمة كمهنة‪ .‬إال أن هذه الكتابات يف صورة‬
‫قصته األوىل القطار‪ ،‬عام ‪ ،1917‬متأثرا فيها‬ ‫املقاالت أو الكتب محدودة وقليلة ومعظم هذا‬
‫بقصص جي دي موباسان‪ ،‬التي ظهرت ترجامت‬ ‫القليل يوجد يف اللغات األوروبية‪.‬‬
‫لبعض قصصه يف مجلة الهالل يف نهاية القرن‬ ‫أجناس بديعة واتساع الرتجمة‪ :‬هناك بحوث‬
‫التاسع عرش‪.‬‬ ‫كثرية عند العرب‪ ،‬حيث أخذوا يرتجمون يف‬
‫أما يف مجال الشعر‪ ،‬ميكن لنا إشارة إىل ترجمة‬ ‫عرصهم الذهبي‪ ،‬توجهوا إىل الحساب الهندي‬
‫سليم البستاين مللحمة هومريوس اإللياذة‪ .‬ويف‬ ‫وطب اإلغريق وفلسفتهم‪ ،‬وفلك الكلدان‬
‫نهاية القرن التاسع عرش ترجمت كذلك قصائد‬ ‫وتنجيمهم‪ ،‬أما اآلداب فكان لهم معها شأن آخر‪.‬‬
‫أللفونس دي المارتني وفيكتور هيجو‪ ،‬وكذلك بعض‬ ‫فهم مل يرتجموا املالحم أو املرسحيات اإلغريقية‪،‬‬
‫املرسحيات الشعرية للفرنيس راسني واالنجليزي‬ ‫وظلت هذه األجناس األدبية غريبة عىل األدب‬
‫شكسبري‪ .‬وقام عيل أحمد باكثري برتجمة مرسحية‬ ‫العريب‪ ،‬إىل أن نشطت حركة الرتجمة من جديد‬
‫روميو وجوليت‪ ‬يف نهاية الثالثينيات من القرن‬ ‫يف القرن التاسع عرش‪.‬‬
‫املايض واضع القدم أول مرة يف اللغة العربية‪،‬‬
‫وكام أجمعنا أن مارون النقاش هو أول من أدخل‬
‫شعر التفعيلة‪ ،‬ومنذ ذلك الحني فتح الباب عىل‬
‫فن املرسح إىل اللغة العربية‪ ،‬وذلك حينام قدم‬
‫مرصاعيه أمام نازك املالئكة‪ ،‬وبدر شاكر السياب‪،‬‬
‫يف بريوت عام ‪ ،1847‬مرسحية البخيل‪ ،‬باللغة‬
‫وصالح عبد الصبور‪ ،‬وأدونيس‪ ،‬وعبد الوهاب‬
‫العربية الفصحى‪ ،‬هي يف الواقع ترجمة ملرسحية‬
‫البيايت‪ ،‬وأحمد عبد املعطي الحجازي ليهدموا‬
‫ملوليري تحمل االسم نفسه‪ :‬البخيل‪ .‬وبعد وفاة‬
‫عرش القصيدة العمودية‪ ،‬ويبنوا يف مكانه رصح‬
‫مارون النقاش استمرت فرقته يف متثيل عدد‬
‫القصيدة الحديثة‪ ،‬التي تعتمد التفعيلة ال البحر‪،‬‬
‫من املرسحيات املرتجمة من اللغات الفرنسية‬
‫وذلك بتأثري ما قرءوه من شعر غريب‪ ،‬مرتجام أو‬
‫واإلنجليزية واإليطالية‪ .‬ومل تتولد عملية التأليف‬
‫يف لغته األصلية‪.‬‬
‫املرسحي باللغة العربية إال يف مطلع القرن‬
‫الخامتة‪ :‬فبخالصة القول‪ ،‬إن الدور الذي لعبته‬ ‫العرشين‪.‬‬
‫الرتجمة يف إثراء الحياة الثقافية واالجتامعية‬
‫‪240‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫تهتم بنقل أرسار التكنولوجيا والصناعات والعلوم‬ ‫والعلمية لدى األمم املختلفة هو أمر ال ميكن‬
‫املختلفة إىل لغتها‪ ،‬وذلك حتى تصبح متاحة‬ ‫إنكاره أو تجاهله‪ .‬فقد لعبت دورا حضاريا‬
‫ألبنائها بلغتهم التي درجوا عىل استخدامها‪،‬‬ ‫وثقافيا وعلميا بدأ منذ بزوغ فجر التاريخ البرشي‪،‬‬
‫لينتقلوا بعد ذلك إىل مرحلة التفكري والتطوير‬ ‫وال تزال تقوم بدورها حتى وقتنا هذا وستستمر‬
‫وإحراز التقدم والسبق‪ .‬وقد وضع العامل املعارص‬ ‫يف أدائه ما بقي للبرش حياة عىل وجه األرض‪.‬‬
‫الدول النامية أمام تحد بالغ‪ ،‬وخيار بني الحياة‬ ‫وإن املتتبع لتطور الحضارات اإلنسانية وتنامي‬
‫من خالل مواكبة التطور العلمي املتواصل‪ ،‬أو‬ ‫التقدم العلمي اإلنساين يجد أن الرتجمة ظاهرة‬
‫املوت بني الركام‪ ،‬ووحدها الرتجمة هي القادرة‬ ‫تسبق كل إنجاز حضاري ألي أمة‪ ،‬ثم تستمر‬
‫عىل بناء الجسور التي ميكن من خاللها عبور‬ ‫مواكب ًة للنمو الحضاري لهذه األمة‪ .‬إن البلدان‬
‫اإلنجازات البرشية‪ .‬والله ويل التوفيق والسداد‪.‬‬ ‫الناهضة الساعية والجادة لاللتحاق بركب التقدم‬

‫الهوامش‬
‫حسام الخطيب – مالمح يف األدب والثقافة واللغة‬ ‫ ‪3‬‬ ‫الزيات‪ ،‬حسن تاريخ األدب العريب دار املعارف‬ ‫‪ 1‬‬
‫مرشف عام مركز الرتجمة‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون‬ ‫‪ 4‬‬ ‫القاهرة‬
‫والرتاث ‪ ،‬دوحة قطر ‪ -‬مشكالت الرتجمة العربية ‪:‬‬ ‫شوقي ضيف تاريخ األدب العريب املجلد الرابع‬ ‫‪ 2‬‬
‫مقاربة ميدانية‬ ‫‪-‬العرص العبايس الثاين دار املعارف‬

‫املصادر واملراجع‬
‫•حنفي‪ ،‬حسن‪ :‬من النقل إىل اإلبداع‪ ،‬املجلد األول‬ ‫ ‬ ‫ •رشكة بيت اللغات الدولية‪ ،‬املرجع الكامل يف فن‬
‫•الفاخوري‪ ،‬حنا ‪ ،‬الجامع يف تاريخ األدب العريب‪ -‬األدب‬ ‫ ‬ ‫الرتجمة ‪٢٠٠٩‬‬
‫الحديث ‪،‬بريوت دار الجيل‬ ‫ •شوقي ضيف‪ ،‬تاريخ األدب العريب – العرص العبايس‬
‫•حسام الخطيب بعنوان ‪« :‬مالمح يف األدب والثقافة‬ ‫ ‬ ‫الثاين‪ ،‬دار املعارف القاهرة ‪١٩٦٦‬‬
‫واللغة» ‪ ،‬وزارة الثقافة ‪ ،‬دمشق ‪ ، 1976‬ص ‪322‬‬ ‫ •الغني‪ ،‬محمد عبد‪ :‬فن الرتجمة يف األدب العريب‪ ،‬الدار‬
‫•الزيات‪ ،‬حسن تاريخ األدب العريب‪ ،‬دار املعارف‬ ‫ ‬ ‫املرصية للتأليف‪( ،‬د‪.‬ت)‬
‫القاهرة ‪1972‬‬

‫ملحة إلى فن الترجمة في األدب العربي‬ ‫‪241‬‬


‫التقومي الرتبوي ودوره يف تر�سيخ قواعد اللغة العربية‬
‫يف مقاربة التدري�س بالكفاءات لغري الناطقني بها‬
‫ بلخيرشنين‬.‫د‬
‫جامعة قاصدي مرباح ورقلة الجزائر‬

:‫امللخص‬
‫ ومن هذه الدول الدولة‬،‫ من أجل تحسني التعليم العام‬،‫لقد اعتمدت الدول العربية منظومات تربوية عديدة‬
‫ ث ّم طبّقت‬،‫ حيث بدأت بالتعليم التقليدي‬،‫الجزائرية التي م ّر التعليم العام فيها بعد استقاللها بعدة إصالحات‬
‫ وكان الهدف هو االرتقاء‬،‫ ث ّم طورته إىل التدريس بالكفاءات‬،‫التدريس باألهداف يف الثامننيات من القرن املايض‬
‫ ويركّز عليه يف عملية‬،ً‫ وهذا اإلصالح األخري يُعطي للتقويم الرتبوي دورا ً ف ّعاال‬،‫باملتعلّم إىل درجات الرتبية والتعليم‬
‫ هذا الذي جعلني أبحث يف دور التقويم الرتبوي يف ترسيخ قواعد اللغة العربية التي‬،ً ‫تدريس املواد اللغوية كثريا‬
‫ ووسمت بحثي بـ( التقويم الرتبوي ودوره يف ترسيخ‬،‫أصبح املتعلمون ينظرون إليها من زاوية الصعوبة والغموض‬
‫ ما دور التقويم‬:‫قواعد اللغة العربية يف مقاربة التدريس بالكفاءات لغري الناطقني بها) منطلقاً من إشكال مفاده‬
‫ ما هو التقويم‬:‫الرتبوي يف ترسيخ قواعد اللغة العربية وفق التدريس بالكفاءات؟ وتتفرع عنه تساؤالت هي كاآليت‬
‫ وما أنواعه؟ وما هي مقاربة التدريس بالكفاءات؟ وما عالقة التقويم بطريقة تدريس القواعد النحوية يف‬،‫الرتبوي‬
‫املدرسة الحديثة؟‬
‫ ث ّم نتطرق‬،‫ متهيد نقدم فيه نبذة تاريخية عن ظهور التقويم‬:‫ولإلجابة عن هذه التساؤالت ص ّممنا الخطة اآلتية‬
‫ ث ّم نتكلّم عن طريقة تدريس القواعد النحوية املعتمدة يف‬،‫ وعىل أنواعه‬،‫ لنتعرف عليه‬،‫إىل مفهوم التقويم الرتبوي‬
‫ ونطبق النظري عىل‬،‫ ونركّز عىل عالقة التقويم بالحصة الواحدة يف تدريس القواعد النحوية‬،‫التدريس بالكفاءات‬
‫برنامج القواعد النحوية يف كتاب مدريس ألنّه ال يوجد كتاب معتمد يف تدريس هذه القواعد لغري الناطقني باللغة‬
.‫ ويختم البحث بأهم النتائج التي يتوصل إليها البحث‬،‫العربية‬
Summary:
   The Arab states have adopted many educational systems to improve public education. These
include the Algerian state, which underwent public education after its independence. It started with
traditional education, then applied the goals in the 1980s, then developed it to teach competencies,
The goal was to raise the learner to the degrees of education, and this latest reform gives the
educational evaluation an effective role, and focuses on the process of teaching language materials
a lot, which made me look at the role of educational evaluation in the consolidation of the rules of the
Arabic language, Ron it difficult and mystery angle, marked, research (educational assessment and
its role in establishing the rules of the Arabic language in the approach of teaching competencies in
Algeria), the starting point of view: What is the role of educational assessment in the consolidation
of the Arabic language in accordance with the rules of teaching competencies? The questions are
as follows: What is the educational calendar, and what kinds? What is the approach of teaching
competencies? What is the relation between the calendar and the method of teaching grammatical
rules in the modern Algerian school?
   In order to answer these questions, we designed the following plan: Introduction We present
an overview of the stages of general education in Algeria after its independence. Then we turn to
the educational calendar to identify it and its kinds. Then we talk about the method of teaching
grammatical rules adopted in teaching competencies. In the teaching of grammatical rules, and
apply the theoretical program grammatical rules in the Arabic language book for the fourth year of
the average in Algeria, and concludes the research the most important findings of the research.

242 2019 ‫يوليو‬ ‫جملة كرياال‬


‫بدأت عام ‪1845‬م عندما نادى هورسامن برضورة‬ ‫متهيد‪ :‬‬
‫إدخال اإلصالحات عىل األسلوب السائد يف تقويم‬ ‫نبذة تاريخية عن ظهور التقويم‪.‬‬
‫التالميذ»‪ (6‬الزهريي‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،)450‬وظهر«‬
‫بشكل أدق عام ‪1907‬م‪...‬ارتبطت بسياقات‬ ‫لقد ظهر التقويم بصفة عامة منذ زمن قديم‪،‬‬
‫بعيدة عن الجانب األكادميي‪ ،‬أضافت بُعدا ً‬ ‫حيث يُقال أنّه‪ «:‬زاوله الصينيون قبل أكرث‬
‫جديدا ً لحركة القياس‪ ،‬وهي اختبارات الذكاء‬ ‫من(‪ )3000‬سنة‪ ،‬إذ استخدموا وسائل تحريرية‬
‫التي أع ّدها بينيّة يف فرنسا‪ ،‬وت ّم تطويرها يف‬ ‫للطلبة املتقدمني إليها الختيار ما يصلح أن‬
‫جامعة ستانفورد عام ‪1916‬م فسميت اختبارات‬ ‫يكون حاكامً أو إدارياً يف املقاطعات واملدن»‪(11‬‬
‫ستانفورد‪ /‬بين ّية»‪ (7‬الزند‪ ،2010 ،‬ص‪ .)317‬أما‬ ‫الزهريي‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،)449‬وكام استعمله‬
‫عند العرب« فيؤرش عام ‪1937‬م أ ّول اهتامم عام‬ ‫اليونانيون‪ «:‬أمثال سقراط وأفالطون وغريهم‬
‫لالختبارات عندما ترجم األستاذ إسامعيل القباين‬ ‫يستعملون وسائل تقوميية متعددة لكونها جزء‬
‫مقياس ستانفورد بين ّية للذكاء إىل اللغة العربية‬ ‫ال يتجزأ من عملية التعلّم»‪ (2‬الزهريي‪2015 ،‬م‪،‬‬
‫يف مرص‪ ،‬ثم شهدت الستينيات والسبعينيات‬ ‫ص‪ ،)449‬وكذلك طبقه العثامنيون يف الدولة‬
‫حركة واسعة لبناء أو ترجمة أنواع مختلفة من‬ ‫اإلسالمية عندما كانوا‪ «:‬ينتقون املوهوبني من‬
‫االختبارات واملقاييس»‪ (8‬الزند‪ ،2010 ،‬ص‪.)318‬‬ ‫املدارس املختلفة ليدخلونهم مدارس خاصة‬
‫ذات طابع عسكري وتخصيص بغرض إعدادهم‬
‫بعد هذه النبذة التاريخية للتقويم‪ ،‬ننتقل إىل‬ ‫كموظفني خاصني بالدولة‪ ...‬يخضع َمن ت ّم‬
‫تعريفه‪ ،‬فام هو التقويم لغة‪ ،‬واصطالحاً؟‬ ‫انتقاؤهم إىل حلقات من التقويم املستمر منذ‬
‫التقويم لغة‪ :‬جاء يف لسان العرب‪ «:‬أقمت اليشء‬ ‫بدء االنتقاء‪ ،‬وحتى سنوات اإلعداد وانتهاء‬
‫وق ّومته فقام مبعنى استقام‪ ،‬قال‪ :‬واالستقامة‬ ‫بالتخرج»‪ (3‬الزند‪ ،2010 ،‬ص‪ ،)316‬و« أما يف‬
‫اعتدال اليشء واستواؤه‪ ...‬والقيمة‪ :‬مث ُن اليشء‬ ‫أووربا فلقد بدأ التقويم التعليمي يف القرن‬
‫بالتقويم‪ ...‬واالستقامة‪ :‬التقويم»‪ (9‬ابن منظور‪،‬‬ ‫السادس عرش وظهر رسمياً بالذات عام ‪1599‬م‪،‬‬
‫مادة(قوم))‪ ،‬ومنه فالتقويم لغة هو‪ :‬االستقامة‬ ‫أخذ أسلوب التقويم الرتبوي‪ ،‬وحتى فرتة متأخرة‬
‫واالعتدال‪ ،‬واإلصالح‪ ،‬والتثمني والتقدير‪.‬‬ ‫طابع التقويم الشفهي‪ ،‬إذ يعتمد هذا التقويم‬
‫التقويم اصطالحاً‪ :‬لقد ُعرف التقويم ع ّدة‬ ‫عىل طرح مجموعة من األسئلة التي تتبعها‬
‫تعريفات‪ ،‬نذكر منها‪ «:‬التقويم يعني اختبار‬ ‫استجابات املفحوص»‪ (4‬الزند‪ ،2010 ،‬ص‪)316‬‬
‫تحصيل الطلبة باستعامل أدوات معيارية مع‬ ‫كام« ظهرت أول بادرة للتقويم يف بريطانيا عام‬
‫الرتكيز عىل أهداف أداء الطالب‪ ،‬حتّى تكون‬ ‫‪1864‬م‪ ،‬عىل يد جورج فيرش عندما قام بتأليف‬
‫عملية االختبار أكرث تحديدا ً‪ ،‬للوقوف عىل نوعية أو‬ ‫كتابه امليزان إذ يعد أول من أدخل االختبارات‬
‫جودة التدريس‪ (10»...‬الزهريي‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪،)454‬‬ ‫املقننة يف عملية التعلم»‪ (5‬الزهريي‪2015 ،‬م‪،‬‬
‫و ُع ّرف بأنّه« عملية تالية للقياس ومرتتبة عليه‪،‬‬ ‫ص‪ ،)449‬أما يف قارة أمريكا فكانت« يف الواليات‬
‫فهو عملية تشخيص تتم يف ضوء املعلومات التي‬ ‫املتحدة األمريكية فإ ّن أول محاولة للتقويم‬
‫يتم الحصول عليها من أداء القياس التي يرتتب‬
‫التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها‬ ‫‪243‬‬
‫حتّى يصل إىل املرغوب‪ ،‬فتوصل هؤالء العلامء‬ ‫عليها إصدار أحكام يف ضوء معايري محددة مسبقاً‬
‫إىل نتيجة مفادها أ ّن التعلّم يحدث انطالقاً من‬ ‫ومتفق عليها»‪ (11‬الزهريي‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪،)454‬‬
‫وضع املتعلّم يف مشكلة ليحاول أن يجد لها‬ ‫و ُع ّرف أيضاً عىل أنّه« سريورة تهدف إىل تقدير‬
‫حالً باستعامل القدرات العقلية التي زوده الله‬ ‫املردودية والتحصيل الدرايس‪ ،‬وصعوبات التعلّم‬
‫بها‪ ،‬وبهذا يكون التدريس بالكفاءات تطويرا ً‬ ‫بكيفية موضوعية من أجل اتّخاذ القرارات‬
‫للتدريس باألهداف‪ ،‬وليس قطيعة معه‪ ،‬ولكنه‬ ‫املناسبة»‪ (12‬اسليامين‪ ،2015،‬ص‪ ،)235‬وقيل عنه‬
‫يعتمد االهتامم بكفاءة املتعلم ليكون جاهزا ً‬ ‫أيضاً« هو إصدار حكم عىل األشكال والحلول‬
‫للوظائف املختلفة ومبنياً عىل الفكرة النفعية‬ ‫وطرائق التدريس واملواد الدراسية‪،‬وذلك‬
‫للفرد واملجتمع‪(14‬ه ّني‪،2005 ،‬ص‪.)49 -47‬‬ ‫القياس‪،‬واملحكات‬ ‫أدوات‬ ‫باستخدام‬
‫تعريف الكفاءة لغة واصطالحاً‪.‬‬ ‫واملعايري» (ه ّني‪،2005،‬ص‪176‬‬
‫‪13‬‬

‫الكفاءة لغة‪ :‬املامثلة واملساواة‪ ،‬جاء يف‬ ‫ومن هذه التعريفات نستنتج أ ّن التقويم‬
‫اللسان‪ «:‬ال َك ِف ُئ‪ :‬النظري‪ ،‬وكذلك الك ُْف ُء وال ُك ُف ُؤ‬ ‫الرتبوي هو عملية تشخيصية يتم من خاللها‬
‫عىل فُ ْعلٍ وفُ ُعلٍ ‪ .‬واملصدر الكفاءة بالفتح وامل ّد‪.‬‬ ‫إصدار أحكام حول تحصيل املتعلّم للمعارف‬
‫وتقول‪ :‬ال كِفا َء له‪ ،‬بالكرس‪ ،‬وهو يف األصل مصدر‪،‬‬ ‫الجديدة‪.‬‬
‫أي ال نظري له‪ .‬والك ُْف ُء‪ :‬النظري واملساوئ »‪(15‬ابن‬ ‫وقبل نتعرف عن أهمية التقويم الرتبوي‪،‬‬
‫منظور‪ ،‬مادة(كفأ))‪.‬‬ ‫وخصائص التقويم بالكفاءات‪ ،‬وأنواع التقويم يف‬
‫هذا لغة‪ ،‬أما اصطالحا‪ ،‬يف‪ «:‬الكفاءة التي‬ ‫الحصة الواحدة من خالل التدريس بالكفاءات‪،‬ال‬
‫تجعل املتعلّمني قادرين عىل االستخدام الناجح‬ ‫ب ّد أن نتع ّرف عن هذا التدريس‪،‬فام هو التدريس‬
‫ملجموعة مندمجة من القدرات واملعارف‬ ‫بالكفاءات؟‬
‫واملهارات والخربات والسلوكات‪ ،‬ملوجهة وضعية‬ ‫ ‬
‫التدريس بالكفاءات‪.‬‬
‫جديدة(إشكالية) غري مألوفة‪ ،‬والتكيف معها‬ ‫الحديث عن التدريس بالكفاءات يحتم علينا‬
‫مبا يجعلهم يجدون لها الحلول املناسبة بسهولة‬ ‫أن نتط ّرق إىل فلسفة هذا النظام‪ ،‬فكيف كانت‬
‫ويرس»‪(16‬ه ّني‪ .)56-2005،55 ،‬فالكفاءة يف‬ ‫بداياته؟‬
‫املجال الرتبوي هي تلك املعرفة التي تجعل‬
‫املتعلّم قادرا ً عىل إنجاز املهمة التي كلف بها‬
‫أسباب ظهور التدريس بالكفاءات‪.‬‬
‫بسهلة‪ .‬فإذا عرفنا الكفاءة بهذه الصورة‪ ،‬فام‬ ‫بعدما ظهر التدريس باألهداف الذي كان‬
‫مستوياتها؟‬ ‫يهدف إىل تطوير التعليم العام مبا يخدم‬
‫االقتصاد‪ ،‬وينتج متعلمني يساهمون يف اإلنتاج‬
‫مستويات الكفاءة‪.‬‬ ‫واإلنتاجية من دون حاجة إىل إعادة التكوين‬
‫إذا أردنا أن نخترص مستويات الكفاءة فإنّنا‬ ‫يلب الغرض‬‫والتدريب‪ ،‬ولكن هذا األخري مل ّ‬
‫نجملها يف ثالث‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫املطلوب الذي يرغب فيه الذين اخرتعوه‪ ،‬بدأ‬
‫‪ 1‬الكفاءة القاعدة‪ «:‬هي املستوى األ ّول من‬ ‫علامء الرتبية يفكرون يف تحسينه وتطويره‬
‫‪244‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫صياغة أهدافه‪ ،‬وإعادة النظر يف أساليبه‬ ‫الكفاءات‪ ،‬تتصل مبارشة بالوحدة التعليمية‪.‬‬
‫التعليمية‪ ،‬ومعرفة مدى تأثري املواد‬ ‫وهي األساس الذي تبنى عليه بقية الكفاءات‬
‫الدراسية»‪(21‬الدريج‪ ،2015،‬ص‪.)182‬‬ ‫»‪(17‬ه ّني‪،2005،‬ص‪ .)76‬يستنتج من هذا‬
‫أ ّن هذه الكفاءة هي األساس للتعليم بهذا‬
‫‪« -3‬استثارة دافعيتهم للتعلم‪ ،‬واستثامر‬
‫النظام‪ ،‬والتي تساهم يف التأسيس للكفاءات‬
‫قدراتهم واستعداداتهم فيام يزيد من‬
‫املوالية لها‪.‬‬
‫كفاءة عملية التدريس‪ ،‬وتحسني الناتج‬
‫النهايئ»‪(22‬الزهريي‪،2015،‬ص‪.)469‬‬ ‫‪ 2‬الكفاءة املرحلية‪ «:‬يتشكل هذا املستوى‬
‫من مجموعة الكفاءات القاعدية األساسية‪،‬‬
‫‪« -4‬يسمح بإعطاء صورة عن مدى ما تحققه‬
‫ويتحقق بناء هذا النوع من الكفاءات عرب‬
‫املدرسة من نتائج‪ ...‬يت ّم بفضل نتائج‬
‫مرحلة زمنية»‪(18‬ه ّني‪،2005،‬ص‪ .)77‬ومعنى‬
‫تقويم فاعليتها يف تحقيق األهداف الرتبوية‬
‫هذا أنّها تتك ّون من مجموعة من الكفاءات‬
‫العامة»‪(23‬الدريج‪ ،2004 ،‬ص‪.)183‬‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫‪« -5‬التوجيه واإلرشاد‪ ...‬فبفضل التقويم‬
‫‪ 3‬الكفاءة الختامية‪ «:‬وهي التي تتك ّون من‬
‫يتمكّن املد ّرس من توجيه طالبه إىل قراءات‬
‫مجموعة الكفاءات املرحلة‪ ،‬وميكن بناؤها‬
‫مع ّينة‪،‬وإنجاز متارين وأنشطة داخل‬
‫من خالل ما ينجز يف سنة دراسية‪ ،‬أو طور‬
‫الفصل‪ ...‬مللء بعض الثغرات يف تكوينهم‬
‫تعليمي»‪(19‬ه ّني‪،2005،‬ص‪ .)77‬ومنه نقول‪:‬‬
‫وتحصيلهم»‪(24‬الدريج‪،2004 ،‬ص‪.)183‬‬
‫إ ّن الكفاءة الختامية هي تظهر ما تعلّمه‬
‫فالتقويم الرتبوي له قيمة كبرية ألنّه يع ّرفنا عىل‬
‫املتعلّم‪ ،‬ألنها هي التي تختم بها الكفاءات‪.‬‬
‫واطن الضعف لنعمل عىل تقويتها‪ ،‬ويسمح لنا‬ ‫َم ِ‬
‫بأ ْن نأخذ فكرة كافية لتوجيه الطالب وإرشادهم‪،‬‬ ‫بعد التعرف عن التدريس بالكفاءات سنتع ّرف‬
‫والعمل عىل جعلهم يستثمرون قدراتهم لتحسني‬ ‫عن أهمية التقويم الرتبوي‪ ،‬فام أهمية التقويم‬
‫تعلّامتهم‪.‬هذا عن أهمية التقوي‪ ،‬فام أنواع‬ ‫الرتبوي للمتعلمني؟‬
‫التقويم الرتبوي؟‬ ‫قيمة التقويم الرتبوي‪:‬‬
‫للتقويم الرتبوي أهمية كبرية يف التدريس‪ ،‬أنواع التقويم الرتبوي‪:‬‬
‫إ ّن عملية التقويم الرتبوي ال تتم بشكل‬ ‫ميكن أن نوجزه فيام ييل‪ « -1:‬حصولهم عىل‬
‫فوضوي‪ ،‬ألنّها تخضع للتخطيط واإلعداد‪ ،‬واملدة‬ ‫تغذية راجعة عن أدائهم‪ ،‬وإتقانهم للمعارف‬
‫الزمنية ‪،‬واألسئلة املقصودة املرتبطة بالدرس‬ ‫واملهارات والخربات التي تعلموها‪ ،‬وتدربوا‬
‫املطلوب‪ ،‬أو الوحدة املد ّرسة‪ ،‬إالّ أ ّن ما يه ّمنا‬ ‫عليها»‪(20‬الزهريي‪،2015،‬ص‪.)469‬‬
‫يف هذا البحث هو السريورة املتّبعة يف الدرس‬ ‫‪ « -2‬تحديد مواطن القوة والضعف لدى‬
‫الواحد‪ ،‬خاصة درس القواعد النحوية‪ ،‬لذلك‬ ‫الطالب‪ ،‬مام يقود املدرس إىل إعادة‬
‫التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها‬ ‫‪245‬‬
‫أدىن مستوياتها»‪ (28‬غريب‪،2014،‬ص‪.)153‬‬ ‫سنخصص الكالم يف أنواع التقويم الرتبوي يف‬
‫فالتقويم التشخييص إذن دوره هو أن يش ّخص‬ ‫الحصة الواحدة‪ ،‬وكيفية تسلسلها املنطقي‬
‫لنا معارف املتعلّم السابقة التي لها عالقة بالدرس‬ ‫ملراحل سريورة الدرس‪.‬‬
‫الجديد‪ ،‬ولهذا ال ب ّد من القيام بها ألنّه يعمل‬ ‫لقد تح ّدث املهتمون بالرتبية عن ثالثة أنواع‬
‫عىل تزويدنا مبا ميتلكه هذا التلميذ‪ ،‬وهو الذي‬ ‫للتقويم الرتبوي‪ ،‬وكانت كاآليت‪:‬‬
‫يسمح لنا بتقديم املعارف الجديدة إذا كانت‬ ‫التقويم التشخييص‪ :‬وهو الذي يساير« عملية‬
‫املعلومات السابقة راسخة يف أذهان املتعلّمني‪،‬‬ ‫مرتبطة بوضعيات االنطالق لدرس أو وحدة‪،...‬‬
‫أما إذا مل نجدها كذلك فال يجوز لنا أن نق ّدم‬ ‫يقصد بها فحص معامل هذه الوضعيات‪ ،‬وتشخيصها‬
‫املعارف الجديدة‪ ،‬ولكن يتحتّم علينا أن نرسخ‬ ‫بهدف الحصول عىل معلومات ومعطيات متكّن‬
‫املادة التي ق ّدمت سابقاً‪ ،‬ألنّها مازلت هشة يف‬ ‫من اتّخاذ قرارات حول التعلّم أو التعلّامت‬
‫أذهانهم‪ ،‬هذا عن التقويم التشخييص‪ ،‬فام هو‬ ‫الالحقة»‪(25‬غريب‪ ،2014 ،‬ص‪ .)151‬فالتقويم‬
‫التقويم الذي يليه؟‬ ‫التشخييص هو الذي نستعمل يف انطالق الدرس‬
‫التقويم التكويني‪ :‬ويسمى التقويم البنايئ‪:‬‬ ‫للتعرف عىل املعلومات التي ميتلكها املتعلّم‪،‬‬
‫وهو ذلك التقويم الذي يتابع عملية التعليم‬ ‫والتي يُبنى عليها معلومات الدرس الجديد‪،‬‬
‫يف الحصة الواحدة‪ ،‬أو الوحدة الواحدة‪ ،‬ويبينّ‬ ‫فهو« يُع ّد تشخيصياً ملنطلقات عملية التدريس‪،‬‬
‫الخلل يف وقته ليعالجه قبل فوات األوان‪ ،‬فهو‬ ‫ومدى استعداد التالميذ والتلميذات‪ ،‬وتأهلهم‬
‫الذي« يساير مرحلة بناء التعلّامت (معالجة‬ ‫بكل سالسة وسهولة للتعلّامت املقبلة»‪(26‬‬
‫للمرور ّ‬
‫الدرس)‪ ،‬والهدف منه هو الوقوف عىل مدى‬ ‫غريب‪ ،2014 ،‬ص‪ ،)151‬فهو كذلك« يساعد‬
‫مسايرة عملية التعلّم للخطة املنهجية التي‬ ‫هذا التقويم عىل معرفة الصعوبات والحواجز‬
‫رسمها املعلّم مبعية تالميذه‪ ،‬وهو بهذه الكيفية‬ ‫التي تواجه التالميذ يف قدرة التحكم مع تحديد‬
‫يُشكّل تغذية راجعة»‪ (29‬هني‪ ،2005 ،‬ص‪.)197‬‬ ‫أسباب هذه الصعوبات ملعالجة هذه االختالالت‬
‫ولقد قيل عنه أيضاً‪ «:‬وهو نوع اإلجراءات‬ ‫بواسطة إجراءات عملية ملعالجة املشكلة التي‬
‫واألساليب التدقيقية التي ترافق عملية التنفيذ‬ ‫عىل أساسها تت ّم عملية االنطالق يف الوضعية‬
‫مبراحله ومستوياته املختلفة‪ ،‬وأهم غرض لهذا‬ ‫الجديدة»‪(27‬هني‪ ،2005 ،‬ص‪ ،)197‬وجعله‬
‫النوع من التقويم هو ضامنه أن العمل يجري‬ ‫كذلك أحدهم مبثابة فحص نعرف به خصائص‬
‫وفق ما ُخطط له تبعاً ملراحله‪ ،‬ويُسهم هذا‬ ‫املتعلم قبل أن نق ّدم له املعارف الجديدة‪،‬‬
‫النوع من التقويم عادة بتقليص حجم الخسائر‪،‬‬ ‫شق من اسرتاتيجيا‬ ‫فقال‪ «:‬التشخييص إذن هو ّ‬
‫ويضمن تحقيق كفاءة عالية يف األداء‪ ،‬ومستوى‬ ‫التحكم؛ ذلك أ ّن عملية فحص وضعية االنطالق‪،‬‬
‫مطلوب يف تحقيق املرامي واألهداف»‪ (30‬الزند‪،‬‬ ‫وتعرف خصائص املتعلمني قبل انطالق عمليات‬
‫‪ ،2010‬ص‪ .)318‬وهدفه« إخبار املتعلّم واملد ّرس‬ ‫تعليمهم‪ ،‬من األمور التي تسعى إىل س ّد الثغرات‪،‬‬
‫املحصل عليها‪ ،‬واكتشاف‬ ‫ّ‬ ‫حول درجة التحكم‬ ‫وتغطيته النقص الحاصل‪ ،‬قصد جعل جميع‬
‫مواطن الصعوبات التي يصادفها التلميذ خالل‬ ‫التالميذ يبلغون الكفايات املحتملة يف أقىص أو‬
‫‪246‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫جديدة قبل تحققه من ترسيخ املعارف املقدمة‬ ‫تعلّمه‪ ،‬وذلك بغرض جعله يكتشف اسرتاتيجيات‬
‫للطالب‪ ،‬أما النوع الثالث من أنواع التقويم يف‬ ‫متكّنه من متابعة سريورة التعلّم يف شكلها‬
‫الحصة الواحدة فهو‪:‬‬ ‫التصاعدي»‪(31‬غريب‪،2015 ،‬ص‪ .)153‬ومن‬
‫التقويم التحصييل‪ :‬ويسمى أيضاً التقويم‬ ‫خالله« تت ّم عملية االستمرار يف العمل إذا كانت‬
‫الختامي‪ ،‬النهايئ‪ ،‬واإلجاميل‪ :‬وهو الذي« يقع يف‬ ‫النتائج ج ّيدة‪ ،‬أو يقوم بتعديل الطريقة‪ ،‬أو‬
‫نهاية حصة دراسية‪ ...‬يهدف إىل التع ّرف عىل‬ ‫بتغيريها إذا رأى اضطراباً لدى أغلبية التالميذ‬
‫درجة متلّك الكفاءات املقصودة‪ ،‬فهو عبارة‬ ‫يف تعلّامتهم»‪ (32‬هني‪ ،2005 ،‬ص‪ .)197‬ويصفه‬
‫عن إصدار حكم نهايئ عىل درجة التملّك أو‬ ‫أحدهم باإلجراء العميل الذي يص ّحح مسار‬
‫اإلتقان املتوخاة من أهداف التعلّم»‪(35‬هني‪،‬‬ ‫التعليم‪ ،‬فيقول‪ «:‬ويُع ّد التقييم التكويني‪...‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪ .)197‬ويصفه غريب بأنّه يسهم يف‬ ‫إجرا ًء عمليّاً‪ ،‬ميكّن من التدخل لتصحيح مسار‬
‫اتّخاذ قرار التطوير والتعديل‪ ،‬فيقول‪ «:‬ويُعترب‬ ‫التعليم والتعلّم بواسطة إجراءات جزئية؛ ولذلك‬
‫التقييم اإلجاميل أساسياً يف ات ّخاذ قرارات التطوير‬ ‫فإ ّن وظيفته األساسية تسعى إىل‪ -:‬إخبار امل ّدرس‬
‫والتعديل بالنسبة ملناهج ووسائل التعليم‪ ،‬فهو‬ ‫والتلميذ بدرجة تحكّمها يف تعليم معينّ ‪– .‬‬
‫إجراء عميل نقوم به عند نهاية التدريس من‬ ‫كشف صعوبات التعلّم‪ – .‬كشف وسائل تجاوز‬
‫أجل التأكد من أ ّن النتائج املرجوة من عملية‬ ‫هذه الصعوبات»‪ (33‬غريب‪،2015 ،‬ص‪.)153‬‬
‫التدريس قد تحققت فعالً؛ وهو بذلك يتيح لنا‬ ‫وكذلك هو يقيس التعليم أثناء القيام به‪ ،‬إذ هو‬
‫تحديد النتائج الفعلية للتعلّم‪ ،‬وحصيلة مجهود‬ ‫يقيس جزئيات الدرس املقدم‪ ،‬فهو« يسري جنباً‬
‫التالميذ‪ ،‬ومقارنتها بالنتائج املتوخاة من هذا‬ ‫إىل جنب مع عميلة التدريس‪ ،‬فهو يُز ّود املعلّم‬
‫املنطلق‪ ،‬يهتم التقييم اإلجاميل بفحص الكفايات‬ ‫والطالب(بالتغذية الراجعة) املتعلقة بالنجاح‬
‫املنشودة»‪(36‬غريب‪ ،2014 ،‬ص‪.)155‬‬ ‫والفشل‪ ،‬فالطالب يشعر بنجاحه من خالل‬
‫تصحيح أخطاءه‪ ،‬واملعلّم يع ّدل خططه عىل‬
‫من هذه التعريفات نقول‪ :‬إ ّن التقويم التحصييل‬
‫ضوء النتائج‪ ،‬وهكذا فإ ّن الهدف األسايس من‬
‫هو تلك األسئلة التي ت ُطرح عقب نهاية الدرس‪،‬‬
‫هذا التقويم هو توجيه تنفيذ عملية التعلّم»‪(34‬‬
‫تحصل املتعلّمون عن‬ ‫وتكشف لنا عن مدى ّ‬ ‫الزهريي‪،2015،‬ص‪.)465‬‬
‫املعارف الجديدة من الدرس املق ّدم لهم يف تلك‬
‫الحصة‪ ،‬كام تبينّ لنا ما ترسخ من معلومات يف‬ ‫ونستنتج من هذه األقوال‪ :‬أ ّن التقويم التكويني‬
‫أذهانهم يف نهاية وحدة تعليمية‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫هو تلك األسئلة التي يطرحها املد ّرس بعدما‬
‫يد ّرس عنرصا ً من عنارص الدرس املقدم يف تلك‬
‫ومن تع ّرفنا عن أنواع التقويم يف الحصة‬
‫الحصة‪ ،‬والتي من خاللها يتع ّرف عىل ما مدى‬
‫الواحدة‪ ،‬نستنتج أ ّن هذه األنواع‪ ،‬والتي هي‪:‬‬
‫نجاح عملية التعليم يف ذلك الجزء‪ ،‬أو فشله‪ ،‬فإن‬
‫التشخييص يف بداية الحصة‪ ،‬والتكويني أثناء‬
‫نجح واصل تقديم جزئيات الدرس املحضرّ ‪ ،‬وإن‬
‫الحصة‪ ،‬والتحصييل يف نهاية الحصة‪ ،‬إذا قُ ّدم بهذا‬
‫فشل أعاد تقديم ذلك العنرص بطريقة أخرى‬
‫املفهوم‪ ،‬وبالكيفية التي ق ّدمناها فإ ّن التعليم‬
‫مخالفة للطريقة األوىل‪ ،‬متكّنه من تفهيم التالميذ‪،‬‬
‫ويرسخ املعارف يف‬ ‫يكون ناجحاً نجاحاً باهرا ً‪ّ ،‬‬ ‫يحق للمعلّم أن مي ّر إىل معارف‬
‫وبهذا التقويم ال ّ‬
‫التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها‬ ‫‪247‬‬
‫الطبيعة يف السياق الذي تعرض فيه الرتاكيب‬ ‫أذهان املتعلّمني إذا ُوجد املعلّم الحاذق الذي‬
‫املراد فحصها وفهم قواعدها»‪(41‬الدليمي‪،‬‬ ‫يستعمله برشوطه وآلياته املعتمدة يف التدريس‬
‫‪،2009‬ص‪ .)223‬وقيل عنها بأنها«متتاز طريقة‬ ‫بالكفاءات املطبقة يف مدارسنا يف الوقت الراهن‪.‬‬
‫النص بأنّها تخرج القواعد باللغة نفسها‪ ،‬وتعالجها‬
‫ّ‬ ‫بعد ما تعرفنا عن أنواع التقويم الرتبوي يف‬
‫يف سياق لغوي علمي وأدايئ متكامل‪ ،‬وأنّها تقلل‬ ‫الحصة الواحدة‪ ،‬سنبحث عن كيفية تطبيقها يف‬
‫من اإلحساس بصعوبة النحو‪ ،‬وتظهر قيمته يف‬ ‫حصة تدريسية لدرس القواعد النحوية‪ ،‬ونبدأ‬
‫فهم الرتاكيب‪ ،‬وتجعله وسيلة ألهداف أكرب هي‬ ‫بالتعرف عن طريقة تدريس القواعد النحوية‬
‫الفهم واملوازنة والتفكري املنطقي املرتب»‪(42‬‬ ‫املعتمدة يف معظم مدارس الدول العربية التي‬
‫الدليمي‪،2009،‬ص‪ .)224‬وما نستنتجه من‬ ‫تسمى بطريقة النص األديب‪ ،‬فام هي هذه‬
‫هذه الطريقة‪ :‬أنها تركّز عىل تدريس القواعد‬ ‫الطريقة؟‬
‫النحوية يف إطارها الطبيعي الذي ا ُستخرجت‬
‫طريقة النص األديب( الطريقة املعدلة)‪ .‬وتسمى‬
‫النص اللغوي للغة العربية‪ ،‬ومن‬ ‫منه‪ ،‬وهو ّ‬ ‫بأسلوب املتصل‪ :‬‬
‫النص األديب بعد قراءته وتحليله‬
‫خالل فهم هذا ّ‬
‫ومناقشته تُستخرج األمثلة املقصودة التي تبنى‬ ‫ما نالحظه من خالل التسمية أنّها تعتمد يف‬
‫منها القاعدة‪ ،‬وبعد ترسيخها يف أذهان التالميذ‪،‬‬ ‫تدريس القواعد النحوية عىل النص األديب‪ ،‬وأنّها‬
‫تستنبط منها القاعدة النحوية‪ ،‬أي نعلّم التلميذ‬ ‫تعديل للطريقة االستنباطية‪ .‬تع ّرف بـ« يف هذه‬
‫الظواهر النحوية مماّ أصبح يف ذاكرته‪ ،‬ولكن‬ ‫نصاً متكامالً يشتمل عىل‬‫الطريقة يَعرض املعلّم ّ‬
‫النص األديب أن يحمل كل األمثلة التي‬‫يشرتط يف ّ‬ ‫األساليب املتصلّة بالدرس‪ ،‬واألساس العلمي‬
‫تبنى منها أجزاء القاعدة‪ ،‬أل ّن إذا نقص بعض‬ ‫والرتبوي»‪(37‬إسامعيل‪،2005،‬ص‪ .)228‬و« تقوم‬
‫األمثلة يضطر املدرس أن يكملها‪ ،‬وبهذا يعود إىل‬ ‫النص األديب املرتابط األفكار‪ ،‬وهي‬ ‫عىل عرض ّ‬
‫الطريقة االستقرائية‪ ،‬أي يجلب لنا مثاالً مل يدرسه‬ ‫النص األديب أمام التالميذ مع كتابة‬
‫تسري بكتابة ّ‬
‫النص املدروس يف تلك الحصة‪ ،‬وبهذا‬ ‫املتعلّم يف ّ‬ ‫األمثلة املرغوب يف دراستها بخط مم ّيز‪ ،‬أو‬
‫يسهل عليه فهم هذه القواعد‪ .‬وإذا بحثنا عن‬ ‫بوضع خطوط تحتها‪ ،‬وبعد أن يقرأها التالميذ‪،‬‬
‫مزايا طريقة الطريقة سنجدها تتلخص يف نقاط‪.‬‬ ‫يناقشهم املعلّم باألمثلة املميّزة حتّى يصل إىل‬
‫استنباط القاعدة»‪(38‬الساموك‪،2005،‬ص‪.)229‬‬
‫النص األديب‪:‬‬
‫مزايا طريقة ّ‬ ‫عرض‬‫نص أديب ٌ‬ ‫و«أ ّن عرض األمثلة من خالل ّ‬
‫ •التلميذ يشعر باتّصال القواعد النحوية بلغة‬ ‫لها يف إطار كليّ ال يف شتات متف ّرق ال روابط‬
‫حب‬‫الحياة التي يتكلّم بها ‪ ،‬هذا ما يجعله يُ ّ‬ ‫بني أفكاره واتّجاهاته»‪( 39‬ظافر‪،1974،‬ص‪.)279‬‬
‫هذه القواعد‪ ،‬وال ينفر منها‪.43‬‬ ‫أل ّن« القواعد النحوية ظواهر لغوية‪ ،‬وأ ّن‬
‫ •تعالج القواعد النحوية يف سياق لغوي علمي‬ ‫ظل‬‫الوضع الطبيعي لدراستها إنمّ ا يكون يف ّ‬
‫وأدايئ متكامل‪.‬‬ ‫اللغة»‪ (40‬ظافر‪،1974،‬ص‪ .)279‬و« تعتمد هذه‬
‫ •تَجعل الطريق ُة تذ ّو َق ّ‬
‫النص األديب مجاالً‬ ‫الطريقة عىل تدريس القواعد يف ظالل نصوص‬
‫لفهم القواعد النحوية‪.‬‬ ‫اللغة‪ ،‬ومأثور القول بتوفري أكرب قدر ممكن من‬
‫‪248‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫استخراج األمثلة‪ :‬يطرح املعلّم أسئلة عىل‬ ‫ •تمَ زج النحو بالتعبري الصحيح‪.44‬‬
‫التالميذ حتّى يستخرجوا من خاللها األمثلة‬ ‫كل هذه املزايا‪ ،‬فهل هي خالية من‬ ‫رغم ّ‬
‫املقصودة‪ ,‬وتسجل عىل السبورة مرت ّ ّبة حسب‬ ‫النقائص؟‬
‫أجزاء القاعدة‪.‬‬
‫شك أن التطبيق‬ ‫النص األديب‪ :‬ال ّ‬
‫عيوب طريقة ّ‬
‫استنتاج القاعدة‪ :‬مناقشة األمثلة مع التالميذ‬ ‫يف الواقع يكشف لنا بعض الهنات‪ ،‬وسنوجزها‬
‫مثاالً مثاالً حسب تسلسلها حتّى يتوصلوا إىل‬ ‫يف نقاط هي‪:‬‬
‫بناء أجزاء القاعدة كاملة‪ ،‬ث ّم تد ّون عىل السبورة‬
‫كل‬
‫نص متكامل؛ يحمل ّ‬ ‫يصعب الحصول عىل ّ‬
‫بخط واضح‪.‬‬
‫األمثلة املطلوب التي تستنبط منها القاعدة‬
‫التطبيق‪ :‬مطالبة التالميذ باإلتيان بأمثلة من‬ ‫كاملة‪.45‬‬
‫إنشائهم مطابقة للقاعدة‪ ،‬أو إعراب بعض‬
‫يضيع الوقت يف القراءة والتحليل‪ ،‬ويُشغل املعلّم‬
‫األلفاظ املوجود يف القاعدة‪.‬‬
‫عن الهدف األساس الذي هو القواعد‪.46‬‬
‫الجانب التطبيقي‪:‬‬ ‫النص املخصص لتدريس القواعد النحوية‬ ‫يتصف ّ‬
‫بعد التعرف عن الطريقة املعتمدة لتدريس‬ ‫عادة بالتكلّف واالصطناع‪ ،‬ولهذا ال يؤدي إىل‬
‫القواعد النحوية يف معظم الدول العربية‪ ،‬فإنّنا‬ ‫جلب انتباه التالميذ‪ ،‬ألنّهم ال يجدون فيه متعة‬
‫سنحاول أن نطبق عليها أنواع التقويم الرتبوي‬ ‫وهم يدرسونه‪.‬‬
‫يف الحصة الواحدة‪ ،‬لنبحث عن ما مدى ترسيخها‬
‫وإذا قارنا بني الطريقة االستنباطية وطريقة‬
‫للقواعد النحوية يف أذهان التالميذ‪ ،‬وسنعتمد‬
‫النص األديب فإنّنا ال نجد بينهام فروقاً كثرية إال‬
‫عىل كتاب اللغة العربية للسنة الثالثة املتوسط‬
‫يف استخراج األمثلة التي تبنى منها القاعدة‪ ،‬ففي‬
‫يف الجزائر ألنّه ال يوجد كتاب لتعليم القواعد‬
‫الطريقة األوىل املعلّم هو الذي يختار األمثلة من‬
‫النحوية لغري الناطقني بها‪ ،‬نطبق عليه‪ ،‬وسنأخذ‬
‫نصوص مختلفة ال يعرفها املتعلّم‪ ،‬لك ّن الطريقة‬
‫درسني أو ثالثة فقط ألنّنا نريد أن منثّل‪ ،‬والوقت‬
‫النص املدروس من‬ ‫الثانية األمثلة موجودة يف ّ‬
‫ال يسعنا أن نتوسع أكرث يف مثل هذه البحوث‪.‬‬
‫الكتاب املدريس يف حصة القراءة‪.‬‬
‫فسنتناول درس القواعد يف الكتاب املذكور‪،‬‬
‫واملسمى بأفعال املقاربة‪ ،‬والذي ق ّدمت أمثلته يف‬ ‫خطوات تدريس طريقة النص األديب‪.47‬‬
‫نص(عواقب الكراهية)‪(48‬مريبعي‪،2011،‬ص‪،)67‬‬ ‫التمهيد‪ :‬مراجعة درس القواعد النحوية السابق‬
‫واألمثلة املأخوذة من النص تبنى منها القاعدة‪،‬‬ ‫الذي له عالقة بالدرس الجديد عن طريق طرح‬
‫هي‪ :‬كاد العاملُ يزول‪ ،‬وأوشكت البرشي ُة أن تفنى‪.‬‬ ‫أسئلة حول قاعدة الدرس السابق ليبنى عليه‬
‫وسنطبق عليها أنواع التقويم الثالثة التي ذكرناها‬ ‫الدرس الحايل‪.‬‬
‫يف البحث‪ ،‬وسنبدأ بالتقويم التشخييص‪ ،‬ويكون‬ ‫حصة‬
‫النص األديب املدروس يف ّ‬ ‫العرض‪ :‬قراءة ّ‬
‫التقويم بطرح األسئلة اآلتية عىل التالميذ‪ :‬ماذا‬ ‫القراءة من طرف املعلّم‪ ,‬ث ّم التالميذ‪ ،‬ث ّم مناقشته‬
‫نسمي كان وأخواتها؟ وما عمل كان وأخواتها؟‬ ‫مع التالميذ‪ ،‬تليها استخراج أفكار النص حتّى‬
‫هات مثاالً عن هذه األفعال الناقصة‪ ،‬فإذا‬ ‫ترسخ يف األذهان‪.‬‬
‫التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها‬ ‫‪249‬‬
‫التقويم التكويني‪ ،‬ينتقل املعلّم إىل العنرص‬ ‫كانت األجوبة صحيحة من التالميذ‪ ،‬فهذا يعني‬
‫املوايل الذي تعريفهم عن خرب هذه األفعال‪ ،‬ماذا‬ ‫أ ّن املعارف التي يبنى عليها الدرس الجديد‬
‫نسمي االسم الثاين املنصوب بعد كان وأخواتها؟‬ ‫يحق له أن يقدم‬ ‫مرسخة يف أذهانهم‪ ،‬واملعلّم ّ‬
‫إذا كان االسم املرفوع بعد أفعال املقاربة يسمى‬ ‫الدرس الجديد‪ ،‬وعليه ينتقل إىل العنرص األول‪،‬‬
‫اسمها مثل كان‪ ،‬فامذا نسمي الجملة التي بعد‬ ‫وهو مناقشة التالميذ الستخراج األمثلة من‬
‫اسمها؟ فكيف جاء خرب أفعال املقاربة؟ إذا خرب‬ ‫النص‪ .‬وبعد استخراج األمثلة من أفواه التالميذ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أفعال املقاربة جملة فعلية‪ ،‬ما زمن فعل هذه‬ ‫ُ‬
‫وتسجيلها عىل السبورة‪ ،‬وهي كاد العامل يزول‪.‬‬
‫الجملة؟ إذن نقول‪ :‬خرب أفعال املقاربة جملة‬ ‫وأوشكت البرشي ُة أن تفنى‪ .‬يرشع املعلّم يف‬
‫فعلية فعلها مضارع‪ .‬الحظوا الجملتني‪ :‬كاد العامل‬ ‫مناقشة األمثلة مع تالميذه‪ ،‬قائال‪ :‬م ّم تتكون‬
‫يزول وأوشكت البرشية أن تفنى‪ ،‬هل يوجد‬ ‫الجملة األوىل؟ ث ّم يواصل املناقشة‪ ،‬قائال‪ :‬هل‬
‫اختالف يف الجملة الفعلية التي بعد هام؟ إذا‬ ‫يدل هذا الرتكيب عىل زوال العامل؟ ولكن ع ّم‬ ‫ّ‬
‫خرب كاد جملة فعلية مجردة من أن‪ ،‬فإ ّن خرب‬ ‫يدل إذن؟ يدل عىل قرب زوال العامل‪ .‬وكذلك‬
‫أوشك جملة فعلية مقرونة بأن‪ .‬وبالتقويم‬ ‫الحال مع جملة‪ :‬أوشكت البرشي ُة أن تفنى‪.‬‬
‫التكويني الذي يغطي كل عنارص أجزاء القاعدة‬ ‫يدل الفعل(كاد وأوشك)؟ ما نسمي‬ ‫إذن ع ّم ّ‬
‫النحوية بحيث كلام د ِّرس جزء من القاعدة ختم‬ ‫األفعال التي تدل عىل أ ّن العمل الواقع بعدهام‬
‫هذا الجزء بطرح أسئلة حوله‪ ،‬وبهذا ال ينتقل‬ ‫قريب الوقوع؟ هام‪ :‬أفعال املقاربة‪ .‬بعد تقديم‬
‫املعلم إىل تدريس الجزء املوايل إالّ إذا الحظ أ ّن‬ ‫العنرص األول من الدرس الجديد‪ ،‬وهو التع ّرف‬
‫هذا الجزء قد ُر ِّسخ يف أذهان التالميذ‪ .‬وبعد‬ ‫عن أفعال املقربة(كاد وأوشك)‪ ،‬يبدأ التقويم‬
‫اختتام الدرس نصل إىل التقويم التحصييل الذي‬ ‫التكويني‪ ،‬وهذا بطرح أسئلة عىل التالميذ حول‬
‫يكون عبارة عن أسئلة تكشف عن ما مدى متكّن‬ ‫هذا العنرص‪ .‬ما هي أفعال املقاربة؟ ث ّم هات‬
‫التالميذ من القاعدة النحوية التي ق ِّدمت يف ذلك‬ ‫جمالً فيها أفعال املقاربة‪ .‬فإذا الحظ املعلّم أ ّن‬
‫الدرس‪ ،‬مثل ما هي أفعال املقاربة؟ عم تدخل‬ ‫التالميذ استوعبوا هذه األفعال انتقل إىل العنرص‬
‫أفعال املقاربة؟ ما إعراب اسم أفعال املقاربة؟‬ ‫املوايل الذي هو عمل هذه األفعال‪ ،‬وعم تدخل‪.‬‬
‫كيف يكون خرب أفعال املقاربة؟ هات جمال فيها‬ ‫عندما نحذف(كاد) ما نسمي الجملة؟ تصبح‬
‫أفعال املقاربة‪ .‬أعرب العبارة اآلتية‪ :‬كاد الفق ُر‬ ‫الجملة اسمية مك ّونة من مبتدأ وخرب‪ .‬إذن‬
‫يكون كفرا ً‪.‬‬ ‫ماذا حدث للجملة االسمية بعد دخول أفعال‬
‫وميكن أن نطبق أنواع التقويم الرتبوي عىل‬ ‫املقاربة عليها؟ عىل ماذا تدخل هذه األفعال؟‬
‫درس( ظ ّن وأخواتها) بنفس الطريقة‪ ،‬وكذلك‬ ‫إذن عملها كعمل كان وأخواتها‪ .‬كيف جاء االسم‬
‫عىل درس( االستثناء)‪ ،‬لنصل يف النهاية إىل القول‪:‬‬ ‫بعد أفعال املقاربة؟ ما نسمي االسم الذي يأيت‬
‫بأ ّن التقويم الرتبوي إذا طبق عىل دروس القواعد‬ ‫بعدها مبارشة؟ كيف يكون هذا االسم من‬
‫النحوية بالكيفية التي قدمناها فإن هذه القواعد‬ ‫اب؟ بعد التعرف عىل هذا العنرص‪،‬‬ ‫حيث اإلعر ُ‬
‫ترسخ يف أذهان املتعلمني بسهولة ويرس‪.‬‬ ‫النحوية ّ‬ ‫وترسيخه يف أذهان التالميذ بواسطة أسئلة‬

‫‪250‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫بالكفاءات ‪.‬‬ ‫خامتة‪:‬‬
‫ •أنواع التقويم الرتبوي يف الحصة الواحدة يف‬ ‫ • بعد هذه الجولة العلمية يف دراسة التقويم‬
‫التدريس هي‪ :‬التقويم التشخييص‪ ،‬والتقويم‬ ‫الرتبوي ودروه يف ترسيخ القواعد النحوية‪،‬‬
‫التكويني‪ ،‬والتقويم التحصييل‪.‬‬ ‫ميكن أن نجمل النتائج التي توصلت إليها‬
‫ •الطريقة املعتمدة يف تدريس القواعد‬ ‫هذه الدراسة يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫النحوية يف معظم الدول العربية حالياً هي‬ ‫ •النظام املستعمل يف التدريس يف معظم‬
‫النص األديب‪.‬‬
‫طريقة ّ‬ ‫الدول العربية يف العرص الحارض هو‬
‫ •ألنواع التقويم الرتبوي دور ف ّعال يف ترسيخ‬ ‫التدريس بالكفاءات‪.‬‬
‫القواعد النحوية يف أذهان املتعلّمني إذا‬ ‫ •للتقويم الرتبوي أهمية كبرية يف التدريس‬
‫النص األديب‪.‬‬
‫د ّرست بطريقة ّ‬
‫الهوامش‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.454‬‬ ‫‪1 1‬‬ ‫‪ 1‬حيدر عبد الكريم محسن الزهريي‪ ،‬املناهج وطرائق‬
‫العريب اسليامين‪ ،‬املعني يف الرتبية مرجع لالمتحانات‬ ‫‪1 2‬‬ ‫التدريس املعارصة‪ ،‬مؤسسة حامدة للدراسات‬
‫املهنية ومباريات التفتيش واملراكز الجهوية‪ ،‬املطبعة‬ ‫الجامعية والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪2015‬م‪ ،‬ص‪.449‬‬
‫والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،8‬سنة‪2015‬م‪،‬‬ ‫ ‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص‪.449‬‬
‫ص‪.235‬‬ ‫‪ 3‬وليد خرض الزند وهاين حتمل عبيدات‪ ،‬املناهج‬
‫خري الدين ه ّني‪ ،‬مقاربة التدريس بالكفاءات‪،‬‬ ‫‪ 13‬‬ ‫التعليمية‪ ،‬تصميمها تنفيذها تقوميها تطويرها‪ ،‬عامل‬
‫مطبعة‪:‬ع‪/‬بن‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪2005‬م‪ ،‬ص‪.176‬‬ ‫الكتب الحديث‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪2010‬م‪ ،‬ص‪.316‬‬
‫ينظر خري الذين هني مقاربة التدريس بالكفاءات‪،‬‬ ‫‪1 4‬‬ ‫‪ 4‬وليد خرض الزند وهاين حتمل عبيدات‪ ،‬املناهج‬
‫ص‪.49-47‬‬ ‫التعليمية‪ ،‬تصميمها تنفيذها تقوميها تطويرها‪،‬‬
‫ابن منظور لسان العرب‪ ،‬مادة( كفأ)‪.‬‬ ‫‪1 5‬‬ ‫ص‪.317‬‬
‫خري الدين ه ّني‪ ،‬مقاربة التدريس بالكفاءات‪ ،‬ص‪-55‬‬ ‫‪1 6‬‬ ‫‪ 5‬حيدر عبد الكريم محسن الزهريي‪ ،‬املناهج وطرائق‬
‫‪.56‬‬ ‫التدريس املعارصة‪ ،‬ص‪.449‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.76‬‬ ‫‪ 17‬‬ ‫ ‪ 6‬نفسه‪ ،‬ص‪.450‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪ 18‬‬ ‫‪ 7‬وليد خرض الزند وهاين حتمل عبيدات‪ ،‬املناهج‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.77‬‬ ‫‪1 9‬‬ ‫التعليمية‪ ،‬ص‪.317‬‬
‫حيدر عبد الكريم محسن الزهريي‪ ،‬املناهج وطرائق‬ ‫‪2 0‬‬ ‫ ‪ 8‬نفسه‪ ،‬ص‪.318‬‬
‫التدريس املعارصة‪ ،‬ص‪.469‬‬ ‫‪ 9‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ ،‬ط‪،‬‬
‫محمد الدريج‪ ،‬تحليل العملية التعليمية وتكوين‬ ‫‪2 1‬‬ ‫د‪،‬ت‪ ،‬مادة( قوم)‪.‬‬
‫املدرسني‪ ،‬منشورات سلسلة املعرفة للجميع‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫‪ 10‬حيدر عبد الكريم محسن الزهريي‪ ،‬املناهج وطرائق‬
‫ط‪ ،2‬سنة‪2004‬م‪،‬ص‪.182‬‬ ‫التدريس املعارصة‪ ،‬ص‪.454‬‬

‫التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها‬ ‫‪251‬‬
‫زكريا إسامعيل‪ ،‬طرق تدريس اللغة العربية‪ ،‬دار املعرفة‬ ‫‪3 7‬‬ ‫‪ -‬حيدر عبد الكريم محسن الزهريي‪ ،‬املناهج وطرائق‬ ‫‪2 2‬‬
‫الجامعية‪ ،‬رشكة قناة سويس الشاطبي‪،‬ط‪،1‬سنة‪،2005‬‬ ‫التدريس املعارصة‪،‬ص‪.469‬‬
‫ص‪.228‬‬ ‫محمد الدريج‪ ،‬تحليل العملية التعليمية وتكوين‬ ‫‪2 3‬‬
‫سعدون محمود الساموك‪ ،‬مناهج اللغة العربية‬ ‫‪3 8‬‬ ‫املدرسني‪ ،‬ص‪.183‬‬
‫وطرق تدريسها‪ ،‬دار وائل للنرش‪،‬عامن األردن‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫نفسه‪ ،‬ص‪.183‬‬ ‫‪2 4‬‬
‫سنة‪ ،2005‬ص‪،.229‬‬ ‫عبد الكريم غريب‪ ،‬البيداغوجيا الناجعة املتأسسة عىل‬ ‫‪2 5‬‬
‫محمد إسامعيل ظافر ويوسف الحامدي ‪،‬التدريس يف‬ ‫‪3 9‬‬ ‫التعلامت البسيطة واملعقدة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديد‪،‬‬
‫اللغة العربية‪،‬دار املريخ‪ ،‬الرياض السعودية‪،‬ط‪،1‬سنة‬ ‫الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪2014‬م‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫‪ 1974‬ص ‪.279‬‬ ‫نفسه‪ ،‬ص‪.151‬‬ ‫‪2 6‬‬
‫املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.279‬‬ ‫‪4 0‬‬ ‫خري الدين ه ّني‪ ،‬مقاربة التدريس بالكفاءات‪ ،‬ص‪.197‬‬ ‫‪ 27‬‬
‫طه عيل حسني الدليمي وسعاد عبد الكريم الوائيل‪،‬‬ ‫‪4 1‬‬ ‫عبد الكريم غريب‪ ،‬البيداغوجيا الناجعة املتأسسة‬ ‫‪2 8‬‬
‫اتجاهات حديثة يف تدريس اللغة العربية‪ ،‬عامل‬ ‫عىل التعلامت البسيطة واملعقدة‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫الكتب الحديث‪ ،‬عامن‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪ ،2009‬ص‪.223‬‬ ‫خري الدين ه ّني‪ ،‬مقاربة التدريس بالكفاءات‪ ،‬ص‬ ‫‪2 9‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.224‬‬ ‫‪4 2‬‬ ‫‪.197‬‬
‫يُنظر طه عيل حسني الدليمي وسعاد عبد الكريم‬ ‫‪4 3‬‬ ‫وليد خرض الزند وهاين حتمل عبيدات‪ ،‬املناهج‬ ‫‪3 0‬‬
‫الوائيل‪ ،‬اتّجاهات حديثة يف تدريس اللغة العربية ‪،‬‬ ‫التعليمية‪ ،‬تصميمها تنفيذها تقوميها تطويرها‪،‬‬
‫ص ‪.224‬‬ ‫ص‪.333‬‬
‫يُنظر املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.225 -224‬‬ ‫‪4 4‬‬ ‫عبد الكريم غريب‪ ،‬البيداغوجيا الناجعة املتأسسة‬ ‫‪3 1‬‬
‫ينظر نفسه‪ ،‬ص‪.225‬‬ ‫‪ 45‬‬ ‫عىل التعلامت البسيطة واملعقدة‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫‪ -‬يُنظر محمد رجب فضل الله‪ ،‬االتجاهات الرتبوية‬ ‫‪4 6‬‬ ‫خري الدين ه ّني‪ ،‬مقاربة التدريس بالكفاءات‪ ،‬ص‬ ‫‪3 2‬‬
‫املعارصة يف تدريس اللغة العربية‪ ،‬دار عامل الكتب‬ ‫‪.197‬‬
‫الحديثة‪ ،‬عامن األردن‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪1998‬م ‪ ،‬ص‪.192‬‬ ‫عبد الكريم غريب‪ ،‬البيداغوجيا الناجعة املتأسسة‬ ‫‪3 3‬‬
‫‪ -‬يُنظر طه عيل حسني الدليمي وسعاد عبد الكريم‬ ‫‪ 47‬‬ ‫عىل التعلامت البسيطة واملعقدة‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫الوائيل‪ ،‬اتّجاهات حديثة يف تدريس اللغة العربية ‪،‬‬ ‫حيدر عبد الكريم محسن الزهريي‪ ،‬املناهج وطرائق‬ ‫‪3 4‬‬
‫ص‪.226-225‬‬ ‫التدريس املعارصة‪ ،‬ص‪.465‬‬
‫‪ -‬الرشيف مريبعي‪ ،‬كتاب اللغة العربية للسنة الثالثة‬ ‫‪4 8‬‬ ‫خري الدين ه ّني‪ ،‬مقاربة التدريس بالكفاءات‪ ،‬ص‪.198‬‬ ‫‪ 35‬‬
‫من التعليم املتوسط‪ ،‬الديوان الوطني للمطبوعات‬ ‫عبد الكريم غريب‪ ،‬البيداغوجيا الناجعة املتأسسة‬ ‫‪3 6‬‬
‫املدرسية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سنة‪ ،2012-2011‬ص‪.67‬‬ ‫عىل التعلامت البسيطة واملعقدة‪ ،‬ص‪.155‬‬

‫املصادر واملراجع‪:‬‬
‫الجامعية‪ ،‬رشكة قناة سويس الشاطبي‪،‬ط‪،1‬سنة‪.2005‬‬ ‫ •حيدر عبد الكريم محسن الزهريي‪ ،‬املناهج وطرائق‬
‫ •سعدون محمود الساموك‪ ،‬مناهج اللغة العربية‬ ‫التدريس املعارصة‪ ،‬مؤسسة حامدة للدراسات الجامعية‬
‫وطرق تدريسها‪ ،‬دار وائل للنرش‪،‬عامن األردن‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪2015‬م‪.‬‬
‫سنة‪.2005‬‬ ‫ •خري الدين ه ّني‪ ،‬مقاربة التدريس بالكفاءات‪،‬‬
‫ •الرشيف مريبعي‪ ،‬كتاب اللغة العربية للسنة الثالثة‬ ‫مطبعة‪:‬ع‪/‬بن‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪2005‬م‪.‬‬
‫من التعليم املتوسط‪ ،‬الديوان الوطني للمطبوعات‬ ‫ •زكريا إسامعيل‪ ،‬طرق تدريس اللغة العربية‪ ،‬دار املعرفة‬

‫‪252‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬


‫‪.1974‬‬ ‫املدرسية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سنة‪.2012-2011‬‬
‫•محمد الدريج‪ ،‬تحليل العملية التعليمية وتكوين‬ ‫ ‬ ‫•طه عيل حسني الدليمي وسعاد عبد الكريم الوائيل‪،‬‬ ‫ ‬
‫املدرسني‪ ،‬منشورات سلسلة املعرفة للجميع‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫اتجاهات حديثة يف تدريس اللغة العربية‪ ،‬عامل الكتب‬
‫ط‪ ،2‬سنة‪2004‬م‪.‬‬ ‫الحديث‪ ،‬عامن‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪.2009‬‬
‫•محمد رجب فضل الله‪ ،‬االتجاهات الرتبوية املعارصة‬ ‫ ‬ ‫•عبد الكريم غريب‪ ،‬البيداغوجيا الناجعة املتأسسة عىل‬ ‫ ‬
‫يف تدريس اللغة العربية‪ ،‬دار عامل الكتب الحديثة‪،‬‬ ‫التعلامت البسيطة واملعقدة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديد‪،‬‬
‫عامن األردن‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪1998‬م‪.‬‬ ‫الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪2014‬م‪.‬‬
‫•ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ ،‬ط‪،‬‬ ‫ ‬ ‫•العريب اسليامين‪ ،‬املعني يف الرتبية مرجع لالمتحانات‬ ‫ ‬
‫د‪،‬ت‪ ،‬مادة( قوم)‪.‬‬ ‫املهنية ومباريات التفتيش واملراكز الجهوية‪ ،‬املطبعة‬
‫•وليد خرض الزند وهاين حتمل عبيدات‪ ،‬املناهج‬ ‫ ‬ ‫والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،8‬سنة‪2015‬م‪.‬‬
‫التعليمية‪ ،‬تصميمها تنفيذها تقوميها تطويرها‪ ،‬عامل‬ ‫•محمد إسامعيل ظافر ويوسف الحامدي ‪،‬التدريس يف‬ ‫ ‬
‫الكتب الحديث‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪2010‬م‪.‬‬ ‫اللغة العربية‪،‬دار املريخ‪ ،‬الرياض السعودية‪،‬ط‪،1‬سنة‬

‫التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها‬ ‫‪253‬‬
‫فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻲﻓ اﻟﻌﺎﻢﻟ‬

‫سليمان بي‬
‫قسم اللغة العربية للماجستيروالبحوث‪ ،‬كلية جمال محمد( حكم ذاتي)‪،‬‬
‫جامعة بهارادي داسان‪ ,‬تيروشيرا بالي‪ ،‬تامل نادو‪ .‬الهند‬

‫‪ " :‬فن من فنون األدب ‪ ،‬وهي قطعة إنشائية‬ ‫ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ ‪:‬‬
‫ذات طول معتدل ت ُكتب نرثا ً وتُلِ ُّم باملظاهر‬ ‫املقالة قطعة نرثية محدودة الطول‪،‬‬
‫الخارجية للموضوع بطريقة سهل ٍة ورسيعة ‪ ،‬وال‬ ‫وهى عبارة عن بحث قصري‪ .‬تتناول موضوعا أو‬
‫متس الكاتب عن قرب‪.‬‬ ‫تُعنى إال بالناحية التي ُّ‬ ‫جانبا من املوضوع ‪ ،‬وتعرض فيها الفكرة عرضا‬
‫و يقول‪ ‬الكاتب آرثر بنسن و هو يعرفها‪“ :‬هي‬ ‫منطقيا مرتابطا طبق منهج معني يهدف إىل إبراز‬
‫تعبري عن إحساس شخيص‪ ،‬أوأثر يف النفس ‪،‬‬ ‫املعاين ونقلها نقال أمينا مقنعا وممتعا يف نفـس‬
‫أحدثه يشء غريب‪ ،‬أوجميل أومثري لالهـتامم‪،‬‬ ‫الوقــت إىل ذهن القارىء‪ .‬ﰲ اﻟﻠﻐــﺔ املقال‬
‫أوشائق أويبــعث الفكاهة والتسلية‪ .‬ويصف‬ ‫ﻣﺼــﺪر ﻗــﺎل ﻳﻘــﻮل ﻗــﻮﻻ وﻗــﻴﻼ وﻣﻘﺎﻟــﺔ‬
‫كاتب املقالة بأنه ‪ :‬شخص يعرب عن الحياة‪،‬‬ ‫وﻣﻘــﺎﻻ ‪ ،‬وﺟﺎء ﰲ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ( ﻗﺎل ﻳﻘﻮل ﻗﻮﻻ‬
‫وينقدها بأسلوبه الخاص‪.‬‬ ‫وﻗﻴﻼ وﻗﻮﻟﺔ وﻣﻘﺎﻻ وﻣﻘﺎﻟﺔ )(‪ .)1‬بي َو َم ْن أَ ْح َس ُن‬
‫ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺬﺑﻴﺎين ‪:‬‬ ‫قَ ْولاً ِّم َّمن َد َعا إِلىَ اللَّ ِه َو َع ِم َل َصالِ ًحا َوق ََال إِنَّ ِني‬
‫ ‬ ‫وأخربت خري اﻟﻨﺎس أﻧﻚ ملتني‬ ‫ِم َن الْ ُم ْسلِ ِم َني‪ )2(.‬وﻗــﺪ ورد ﻛﻠﻤــﺔ ﻣﻘــﺎل‬
‫وﺗﻠﻚ التي ﺗﺴﺘﻚ ﻣﻨﻬﺎ املسامع‬ ‫ ‬ ‫ﰲ آﺛــﺎر اﻟﻠﻐــﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻨـﺬ ﻋﻬـﺪ ﺑﻌﻴـﺪ ﺣىت‬
‫اﻟﻌﺼـﺮ الحاﺿـﺮ‪ ،‬ودارت ﻋﻠـﻰ أﻟﺴـﻨﺔ اﻟﻜﺘـﺎب‬
‫ ‬ ‫ﻣﻘﺎﻟﺔ إن ﻗﻠﺖ ﺳﻮف أﻧــــــــﺎﻟﻪ‬ ‫واملفكرين وﺗـﺮددت ﰲ أﺣـﺎدﻳﺜﻬﻢ ومحاوراتهم‬
‫وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻣﺜـــﻠﻚ راﺋــــــــــﻊ ؟‬ ‫ ‬ ‫ﻋﻰﻠ اﻣﺘﺪاد اﻟﻌﺼﻮر ‪.‬‬
‫وﻗﺎل ﻛﻌﺐ ﺑﻦ زهري ‪:‬‬ ‫تعريف نقاد العرب‪:‬‬
‫ ‬ ‫ﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺴـــــــــــــــــــﻮء إىل أﻫﻠـــــــها‬ ‫يقول الدكتور محمد يوسف نجم ‪ :‬املقالة‬
‫أﺮﺳع ﻣﻦ ﻣﻨﺤـــﺪر ﺳــــــــــــﺎﺋﻞ (‪)3‬‬ ‫ ‬ ‫قطعة نرثية محدودة يف الطول‪ ‬واملوضوع‪،‬‬
‫وأﻧﺸﺪ اﺑﻦ ﺑﺮي الحطيعة يخاﻃﺐ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ‬ ‫تكتب بطريقة عفوية رسيعة خالية من التكلف‪،‬‬
‫الخطاب رﻲﺿ اﷲ ﻋﻨﻪ ‪:‬‬ ‫ورشطها األول أن تكون تعب ًريا صادقًا عن شخصية‬
‫تحنن ﻋﻲﻠ ﻫﺪاك املليك ﻓﺈن ﻟـــﻜﻞ ﻣﻘﺎم ﻣﻘﺎﻻ‬ ‫الكاتب‪ .‬املقالة كام يعرفها أدمون جونسون‬
‫‪254‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫وﻟــــﻴﺲ املقال بحثا ﻋﻠﻤﻴــــﺎ أو ﻓﺼــــﻼ‬ ‫ﰲ ﻗﻮل ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ‪ ،‬ﺷﺎﻋﺮ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻰﻠ‬
‫ﻣــــﻦ ﻓﺼــــﻮل ﻛﺘــــﺎب أديب أو ﻋﻠﻤــــﻲ وﻻ‬ ‫اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ‪:‬‬
‫ﻗﺼــــﺔ وﻻ محارضة ﻣــــﻦ املحارضات املنظمة‬ ‫ ‬ ‫ﻣﺎ إن ﻣﺪﺣﺖ محمدا مبقالتي‬
‫املدروسة واملرتبة ﺗﺮﺗﻴﺒﺎ ﻣﻨﻄﻘﻴﺎ وإمنا املقال ﻓﻜﺮة‬ ‫ولكني ﻣﺪﺣﺖ مقالتي مبحمد‬ ‫ ‬
‫ﻳﺘﻠﻘﻔﻬﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ املحيطة ﺑﻪ ‪)7(.‬‬
‫وﺟﺎء ﰲ ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻮداع ‪ :‬ﻧﻀﺮّ اﷲ أﻣـﺮأ سمع‬
‫ﻓاملقال إذن محاوﻟـــــﺔ ﻻﺧﺘﻴـــــﺎر ﻓﻜـــــﺮة‬ ‫مقالتي ﻓﺤﻔﻈﻬـﺎ ووﻋﺎﻫـﺎ وأداﻫـﺎ ﻓـﺮب ﺣﺎﻣـﻞ‬
‫ﻣـــــﻦ اﻷﻓﻜـــــﺎر أو ﻟﺘـــــﺪبري رأي ﻣـــــﻦ‬ ‫ﻓﻘـﻪ إىل ﻣـﻦ ﻫﻮ أﻓﻘﻪ ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫اﻵراء أو ﻟﺘﺄﻣـــــﻞ إتجاﻩ ﻣـــــﻦ االتجاﻫﺎت‬
‫وﻗﺮظ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ حسني ﻣﻘﺎﻻ ﻟﻠﻄﻔﻲ اﻟﺴﻴﺪ‬
‫اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ واﻟﺘﻌبري ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺳﻠﺲ جذاب‪.‬‬
‫ﻓﻘﺎل ‪:‬‬
‫وﻣﻬﻤـــﺎ ﻳﻜـــﻦ ﻓـــﺈن املعنى اﻟﻠﻔﻈـــﻲ‬
‫ ‬ ‫مثل ﻣﻘﺎل اﻷﻣﺲ ﻳﻌﺠﺐ ﻛﺎﺗﺐ‬
‫ﻟﻜﻠﻤـــﺔ املفاﻟـــﺔ ﻻ ﻳﺴـــﻠﻤﻨﺎ إىل دﻻﻻتهـــﺎ‬
‫أدﻳﺐ وﻳﺮﻲﺿ ﻋﺎﻗﻞ وﺣﻜــــــــــﻴﻢ (‪)4‬‬ ‫ ‬
‫اﻻﺻـــﻄﻼﺣﻴﺔ ‪ ،‬التى نحن ﺑﺼﺪد الحديث‬
‫ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻨﺆﻛﺪ اﺑﺘﺪاء أن محاولة إيجاد‬ ‫فاملقالة ﻻ ﻳﻌﺪو ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﻠﻔﻈﻲ أنها ﺷﻴﺊ "‬
‫ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺷـﺎﻣﻞ وﻛﺎﻣـﻞ ﻟﻠﻤﻘﺎﻟـﺔ أﻣـﺮ ﺻـﻌﺐ‬ ‫ﻳﻘﺎل "‬
‫‪ ،‬ﻟـﺬا ﻓﻬﻤﺘﻨــﺎ ﻋــﺮض ﺑﻌــﺾ محاوﻻت‬ ‫ﻳﻘــــﻮل اﻟــــﺪﻛﺘﻮر رﺑﻌــــﻲ ﻋﺒــــﺪ الخالق‬
‫اﻟﺘﻌﺮﻳــﻒ اﻟﺴــﺎﺑﻘﺔ ﻧﺘﺒــﻊ ذﻟــﻚ ﺑﺘﺤﻠﻴــﻞ‬ ‫يف ﻛﺘﺎﺑــــﻪ ﻓــــﻦ املقاﻟــــﺔ اﻟﺬاﺗﻴــــﺔ ‪َ " :‬وإىل‬
‫لهذه اﻟﺘﻌﺮﻳﻔــﺎت ﻳﻜﺸــﻒ ﻋــﻦ ﺳــﺒﺐ ﺗﺒﺎﻳﻨﻬﺎ‬ ‫ﺟﺎﻧــــﺐ ﻫــــﺬا املعنى ﻓﻘــــﺪ اﺳــــﺘﺨﺪم‬
‫‪ ،‬وﻓﻴﺎﻤ ﻳﻲﻠ ﻋﺮض ﻟﺒﻌﻀﻬا‪:‬‬ ‫ﻟﻔــــﻆ ﻣﻘﺎﻟــــﺔ مبعنى بحيث يف ﻣﺴــــﺄﻟﺔ‬
‫أ – أﺷﻬﺮ ﺗﻌﺮﻳـﻒ ﻟﻠﻤﻘﺎﻟـﺔ ﻫـﻮ ﻣـﺎ ذﻫـﺐ‬ ‫أو ﻣــــﺬﻫﺐ ﻣــــﻦ املذاهب اﻟﺪﻳﻨﻴــــﺔ ‪،‬‬
‫إﻟﻴـﻪ اﻟـﺪﻛﺘﻮر ﺟﻨﺴـﻮن (‪ )1709 – 1784‬م‬ ‫أو ﻓﺼــــﻞ ﺣﻴــــﺚ ﻳﻘﺴــــﻢ اﻟﻜﺘــﺎب إىل‬
‫اﻟـﺬي ﻳﻘـﻮل ﻓﻴـﻪ ‪ ":‬إن املقالة وﺛﺒــﺔ ﻋﻘﻠﻴــﺔ‬ ‫"ﻣﻘــﺎﻻت " ﻛــﻞ واﺣــﺪة ﻣﻨﻬــﺎ ﺗﻌــﺎلج بحثا‬
‫ﻻ ﻳﻨﺒﻐــﻲ أن ﻳﻜــﻮن لها ﺿــﺎﺑﻂ ﻣــﻦ ﻧﻈــﺎم‪،‬‬ ‫دﻳﻨﻴــﺎ أو ﻓﻠﺴــﻔﻴﺎ أو ﻋﻠﻤﻴــﺎ‪ .‬وﻗــﺪ اﺳــﺘﺨﺪﻣﻬﺎ‬
‫وﻫــﻲ ﻗﻄﻌــﺔ إﻧﺸــﺎﺋﻴﺔ ﻻ تجري ﻋﻠــﻰ ﻧﺴــﻖ‬ ‫"أﺑــﻮ الحسن األشعري " يف ﻛﺘﺎﺑﻪ " ﻣﻘﺎﻻت‬
‫ﻣﻌﻠﻮم ‪ ،‬و مل ﻳﺘﻢ ﻫﻀﻤﻬﺎ ﰲ ﻧﻔﺲ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ‪ ،‬أﻣﺎ‬ ‫اﻹﺳـﻼميني" مبعنى املذهب‪ ،‬وهذا املعنى نفسه‬
‫اﻹﻧﺸﺎء املنظم ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ املقال ﰲ ﺷﻴﺊ"‪)8(.‬‬ ‫أبو حيان التوحيدي " يف وصفه ” الصاحب بن‬
‫عباد " يقوله ‪ :‬إن الرجل كثري املحفوظ ‪ ،‬حارض‬
‫وواﺿﺢ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ أن اﻟﺰﻣﻦ تجاوزه‬
‫الجـﻮاب ‪ ،‬ﻓﺼﻴﺢ اﻟﻠﺴﺎن‪ ...‬وﻳﺘﺸﻴﻊ ملذﻫﺐ أيب‬
‫ﺑﺘﻄﻮر املقالة واﻧﻀﺒﺎﻃﻬﺎ ‪.‬‬
‫ﺣﻨﻴﻔﺔ وﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺰﻳﺪﻳﺔ "‪)5(.‬‬
‫ب – ﺗﺬﻫﺐ داﺋﺮة املعارف الربﻳﻄﺎﻧﻴﺔ إىل " أن‬
‫وﻣﻦ اﻟﺒﺎحثني ﻣﻦ ﺣﺪد املقالة اﻷدﺑﻴـﺔ ﺑﺄنها‬
‫املقاﻟﺔ ﻫﻲ إﻧﺸﺎء ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﻄﻮل ﻳﻜﺘﺐ ﻧﺮﺜا‬
‫التي ﺗـﺪرس ﺷﺨﺼـﻴﺔ أو ﻇـﺎﻫﺮة أو اتجاها أو‬
‫ﻋـﺎدة ‪ ،‬وﻳﻌـالج ﻣﻮﺿــﻮﻋﺎ ﺑﻌﻴﻨــﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘــﺔ‬
‫أﺛـﺮا يف اﻷدب العريب القديم أو الحديث أو يف‬
‫ﺑﺴــﻴﻄﺔ ﻣــﻮﺟﺰة ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ أن ﻳﻠﺘــﺰم اﻟﻜﺎﺗــﺐ‬
‫اﻷدب اﻷور اﻟﻐﺎﺑﺮ أو املعارص ‪)6(.‬‬
‫ﺣــﺪود ﻫــﺬا املوﺿــﻮع وﻳﻜﺘــﺐ ﻋﻨــﻪ وﺟﻬــﺔ‬
‫فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬ ‫‪255‬‬
‫ﻣﺮت ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻜﻮﻳﻦ مختلفة حتى وﺻﻠﺖ ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ‬ ‫ﻧﻈﺮﻩ ﻫﻮ "‪)9(.‬‬
‫اﻟﺮاﻫﻨﺔ‪.‬‬ ‫ج – وﰲ املوجزالحديث ﻟﻸدب اإلنجليزية ‪" :‬‬
‫‪ -2‬صـــﻌﻮﺑﺔ اﻟﺴـــﻴﻄﺮة ﻋﻠـــﻰ املقالة ﻣـــﻦ‬ ‫ﺗﺄﻟﻴﻒ غري ﻣﻄـﺮد ﻳﺘﻌﻠـﻖ موﺿـﻮع ﺧـﺎص داﻤﺋـﺎ‬
‫ﺟﺎﻧـــﺐ تحديدﻫﺎ ﺑﺈﻃـــار ﻻ تخرج ﻋﻨـــﻪ ‪،‬‬ ‫أﻗﺼـﺮ وأﻗـﻞ ّ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ‪ ،‬أو ﻫﻲ بحث‬
‫ﻓﺎﻟﺘﻌﺮﻳﻔـــﺎت ﺗﺸـــﺘﻤﻞ ﻋﻠـــﻰ أﻟﻔﺎظ ﻳﻘﺪرﻫﺎ‬ ‫قصري‪)10( " .‬‬
‫ﻛـﻞ ﻛﺎﺗـﺐ أو ﻧﺎﻗـﺪ ﻛﻤـﺎ ﻳﺸـﺎء ‪ ،‬ﻣﺜـﻞ ‪:‬ﻣﺘﻮﺳـﻂ‬ ‫د – ﺟﺎء ﰲ ﻗﺎﻣﻮس (إﻛﺴﻔﻮرد) اإلنجليزية ‪:‬‬
‫‪ ،‬ﻣـﻮﺟﺰ ‪ ،‬ﺣـﺪود ‪ ،‬أﻗﺼـﺮ ‪ ،‬أﻗـﻞ ﻣﻨﻬﺠﻴـﺔ ‪ ،‬وﺟﻬﺔ‬ ‫" ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﻄﻮل ﺣﻮل ﻣﻮﺿﻮع ﺧﺎص ‪،‬‬
‫ﻧﻈﺮﻩ ‪ ،‬بحث ﻗصري ‪ ،‬ﻋﻔﻮﻳﺔ ‪ ،‬محدودة ‪ ،‬ﺮﺳﻳﻌﺔ‪.‬‬ ‫أو ﻓـﺮع ﻣـﻦ ﻣﻮﺿﻮع ‪ ،‬أو ﻗﻄﻌﺔ غري ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ‬
‫‪ –3‬ذاﺗﻴـــﺔ اﻟﻜﺎﺗـــﺐ ﻛﻤـــﺎ ﺗشري اﻟﺘﻌﺮﻳﻔـــﺎت‬ ‫املدى"‪)11(.‬‬
‫لـﻪ دﺧـــﻞ ﰲ ﺻـــﻠﺐ املقالـﺔ ﻣـــﻦ ﺟﻬـــﺔ‬ ‫ه – ﻳﻌﺮﻓﻬــﺎ محمد ﻳﻮﺳــﻒ نجم ﺑﻘﻮﻟــﻪ ‪" :‬‬
‫ﻃﺮﻳﻘـــﺔ اﻟﺘﻨـــﺎول وتحدﻳـــﺪ املضمون ‪ ،‬ﻟﺬا‬ ‫ﻗﻄﻌــﺔ ﻧﺮﺜﻳــﺔ محدودة ﰲ اﻟﻄــﻮل واملوضوع‬
‫ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻧﻔﺴﻴﺎت اﻟكتاب وأﻓﻜﺎرﻫﻢ املختلفة‬ ‫ﺗﻜﺘــﺐ ﺑﻄﺮﻳﻘــﺔ ﻋﻔﻮﻳــﺔ ﺮﺳﻳﻌﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ‬
‫واملتباينة ﻋﻰﻠ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻓﻦ املقالة‪.‬‬ ‫اﻟﻜﻠﻔﺔ واﻟﺮﻫﻖ‪)12(" .‬‬
‫نخلص ﻣـﻦ ﻫــﺬا أن محاوﻻت ﺗﻌﺮﻳـﻒ ﻓــﻦ‬ ‫و ‪ -‬ﻳﻘﻮل ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻨﻘﺪ اﻷديب أﺻﻮﻟﻪ‬
‫املقاﻟـﺔ ﻛﻤـﺎ ﻫــﻲ الحال ﻣـﻊ ﻣﻌﻈــﻢ اﻟﻔﻨـﻮن‬ ‫وﻣﻨﺎﻫﺠﻪ ‪" :‬أﻣﺎ املقالة ﻓﻬﻲ ﻓﻜـﺮة ﻛـﻞ ﺷـﻴﺊ‬
‫اﻷدﺑﻴـﺔ ﺳﺘﺴــﺘﻤﺮ اﺳﺘﻤﺮار ﺑﻘﺎء اﻟﻨﻮع اﻷدب‬ ‫وﻣﻮﺿـﻮع ﻓﻜﺮة واﻋﻴﺔ ‪ ،‬وﻣﻮﺿﻮع معني يحتوي‬
‫ﺣﻴﺎ ﻣﺘﻄﻮرا وﻣﺘﺪاﺧﻼ ﻣﻊ أﺟﻨﺎس أدﺑﻴﺔ أﺧﺮى‪.‬‬ ‫ﻗﻀﻴﺔ ﻳﺮاد بحثها ﻗﻀﻴﺔ تجمع ﻋﻨﺎﺮﺻﻫﺎ وﺗﺮﺗﺐ‪,‬‬
‫ﺑﺪاﻳﺔ اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ ﻲﻓ اﻟﻌﺎﻢﻟ‬ ‫بحيث ﺗـﺆدي إﱃ ﻧﺘﻴﺠـﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺮﺳﻮﻣﺔ‬
‫ﺗﻨﺘﻤــﻲ املقالة إﱃ ﺟــﻨﺲ اﻟﻨﺜــﺮ اﻷديب‬ ‫ﻣﻦ أول اﻷﻣﺮ‪ .‬و ﻟﻴﺲ اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﻮﺟﺪاين ﻫﻮ‬
‫الحديث ‪ ،‬ﺣﻴــﺚ إﻧــﻪ مل ﻳﻌــﺮف ﻫــﺬا الجنس‬ ‫ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ وﻟﻜﻨﻪ اﻻﻗﺘﻨﺎع اﻟﻔﻜﺮي"‪)13( .‬‬
‫اﻷديب ﻣــﻦ ﻗﺒــﻞ ‪ ،‬وإن ﻛــﺎن ﺑﻌــﺾ الباحثني‬ ‫ز ‪ -‬وﺟــــﺎء ﰲ ﻣﻌﺠــــﻢ ﻻروس ﺗﻌﺮﻳﻔــــﺎ‬
‫ﻳﺮدوﻧــﻪ إﱃ ﻋﺼــﻮر ﺳــﺎﺑﻘﺔ ‪ ،‬ﻓﻘــﺪ ذﻛــﺮ‬ ‫ﻟﻠﻤﻘــــﺎل ‪ :‬املقال ﻫــــﻮ اﺳــــﻢ ﻳﻄﻠــــﻖ‬
‫ﺑﻌــﺾ الباحثني اﻷوروبيني أن ﺑﺪاﻳــﺔ املقاﻟــﺔ‬ ‫ﻋﻠــــﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑــــﺎت التي ﻻ ﻳــــﺪﻋﻲ ﺻــﺎﺣﺒﻬﺎ‬
‫ﻛﺎﻧـــﺖ ﻋﻨـــﺪ ليونان والرومان وﻋﻨـــﺪ ﺑﻌـــﺾ‬ ‫اﻟﺘﻌﻤــﻖ ﰲ بحثها أو اﻹﺣﺎﻃــﺔ اﻟﺘﺎﻣــﺔ ﰲ‬
‫الباحثني اﻟﻌــﺮب أنها ﻣﻮﺟـــﻮدة ﰲ اﻷدب‬ ‫ﻣﻌﺎلجتها ذﻟــﻚ أن ﻛﻠﻤــﺔ ﻣﻘــﺎل محاوﻟــﺔ أو‬
‫اﻟﻌـــﺮيب اﻟﻘـــﺪيم ‪ ،‬اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ واملقاﻣات واﻟﻔﺼﻮل‬ ‫ﺧــربة أو ﺗﻄﺒﻴﻘــﺎ ﻣﺒﺪﺋﻴﺎ أو تجرﺑﺔ أوﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫‪ ،‬وﻟﻜن الحقيقة ﻫﻲ أن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﺮﺜ اﻷديب‬ ‫ﻓـــﻨﻼﺣﻆ ﻫﻨـــﺎ أن اﻟﻨﻘـــﺎد مل ﻳﺘﻔﻘـــﻮا‬
‫ﺟﺪﻳـﺪ ﻛـﻞ الجدة وﻟـﺪ ﺑﻌـﺪ ﻇﻬﻮر الجراﺋﺪ‬ ‫ﻋﻠـــﻰ ﺗﻌﺮﻳـــﻒ محدد ﻟﻠﻤﻘﺎﻟـــﺔ وﻟﻌـــﻞ‬
‫واملجالت وارﺗﺒﺎط ملقالة بهام ‪ ،‬ومل ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻠﺠﻨﺲ‬ ‫ذﻟـــﻚ ﻳﺮﺟـــﻊ ﻛﻤـــﺎ ﻳﺘﻀـــﺢ ﱄ ﻣـــﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ‬
‫اﻟﺒﺮﺸي أن ﻛﺘﺐ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع‪.‬‬ ‫ﰲ ﻛﻞ ﺗﻌﺮﻳﻒ إﱃ أﺳﺒﺎب ﻫﻲ ‪:‬‬
‫أول ﻣﻦ اﺑﺘﺪع ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﺮﺜ رﺟﻞ ﻓﺮﻧﻲﺴ‬ ‫‪ –1‬ﺗﻄﻮر اﻟﻨﻮع اﻷديب ﻋبر اﻟﻌﺼﻮر‪ ،‬فاملقالة‬
‫‪256‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫واﺿــﺤﺎ ‪ ،‬إذا اﻋﺘــنى ﺑﺎﻟﻨﺎﺣﻴــﺔ الجامﻟﻴــﺔ‬ ‫ﻳﺪﻋﻰ ﻣﻴﺸﻴﻞ دي ﻣﻮنتني ‪ ،‬اﻟﺬي وﻟﺪ ﰲ ﻓﺮﻧﺴـﺎ‬
‫‪ ،‬واﻟﺰﺧﺮﻓﺔ اﻟﻠﻔﻈﻴﺔ ‪ ،‬وﺑﺪا أﺳﻠﻮﺑﻪ أﻓﻀـﻞ مام‬ ‫ﺳـﻨﺔ ‪ 1533‬م ‪ ،‬ودرس اﻟﻘﺎﻧﻮن وأﺻـﺒﺢ ﺑﻌـﺪ‬
‫ﻛـﺎن ﻋﻠﻴـﻪ ﰲ ﻣﻘﺎﻻﺗـﻪ اﻷوﱃ ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧـﺖ ﻛﻠﺎﻤﺗـﻪ‬ ‫ذﻟـﻚ ﻣﺴﺘﺸـﺎرا ﰲ ﻣﺪﻳﻨـﺔ ﻣﻮنتني ‪ ،‬وﺗﻘﻠـﺐ ﰲ‬
‫ﺗﻌـﱪ ﻋـﻦ آراﺋـﻪ ﰲ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ‪ ،‬ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ‬ ‫املناﺻـﺐ ﻟﻴﺼـﺒﺢ محاﻓﻈـــﺎ ملدﻳﻨـــﺔ ﻣﻮنتني يف‬
‫اﳌﻘﺎﻻت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ‪ ،‬وﺑﻌﻀﻬﺎ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻟﺴـﻠﻮﻛﻴﺎت‬ ‫وقت الحق‪ ،‬وبعد تقاعده من املناصب الرسمية‬
‫اﻟﻨـﺎس اﻟﻴﻮﻣﻴـﺔ ‪ ،‬وﺛﺎﻟﺜـﺔ ﺣـﻮل اﻟﻔﻦ املعامري‪.‬‬ ‫سنة ‪ 1571‬م‪ ،‬ﺳـــﻜﻦ ﰲ ﻣﺰرﻋــﺔ اﻟﻌﺎﺋﻠــﺔ ‪،‬‬
‫اﻧﺘﻘﻠﺖ املقالة ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ إىل اإلنجلرتا ﻋﻰﻠ‬ ‫وﺗﻔــﺮغ ﻟﻜﺘﺎﺑـــﺔ ﺧــﻮاﻃﺮﻩ وآراﺋــﻪ ‪ ،‬وﻛــﺎن‬
‫ﻳﺪ مجموعة ﻣـﻦ املقاليني اإلنجليزيني‪ ،‬ﻣـﻨﻬﻢ‬ ‫ذﻟـــﻚ ﰲ ‪ 1572‬ﻋــﺎم ‪ ،‬ﺗﻠــﻚ الخواﻃﺮ ﻛﺎﻧـــﺖ‬
‫إﺑﺮاﻫـﺎم ﻛـﺎوﱄ (‪ 1618-1668‬م) ‪،‬مبا متتع ﺑـــﻪ‬ ‫يف مجموﻋﺔ ﻧﺮﺜﻳﺔ محاوﻻت ‪)14(.‬‬
‫ﻣـــﻦ ﺛﻘﺎﻓـــﺔ ﻛﻼﺳـــﻴﻜﻴﺔ حربة ﰲ اﻟﺸـــﺆون‬ ‫ﺗﻠــﻚ املحاوﻻت ﻛﺎﻧــﺖ اﻟﺒــﺬرة اﻷوﱃ‬
‫اﻟﻌﺎﻣـــﺔ ‪ ،‬وأﺳـــﻠﻮب رﻗﻴـــﻖ ﰲ اﻟﻜﺘﺎﺑـــﺔ ‪،‬‬ ‫ﻟﻠﻤﻘﺎﻟــﺔ اﻟﺬاﺗﻴــﺔ ‪ ،‬والتى أﺻــﺒﺤﺖ ﻣﺜــﺎﻻ‬
‫وﺧﺎﺻـــﺔ أﻧـــﻪ ﺷـــﺎﻋﺮ مترس ﺑـــﻨﻈﻢ اﻟﺸـــﻌﺮ‪،‬‬ ‫يحتذى ملن ﺟــﺎء ﻣــﻦ ﺑﻌـﺪﻩ ‪ ،‬وﺗﻠـﻚ املحاوﻻت‬
‫وﻣـــﺎ ﻳﺘﻄﻠﺒـــﻪ ﻣـــﻦ رﻗـــﺔ ﰲ اﻷﻟﻔـــﺎظ‬ ‫وﺟـﺪت لها ﺻــﺪى ﰲ أورﺑـﺎ واﻧﺘﻘﻠــﺖ إﱃ إنجلرتا‬
‫‪ ،‬وﺧﻴـــﺎل ﺧﺼـــﺐ واﻟﺸــﺎﻋﺮ واﻟﻜﺎﺗــﺐ‬ ‫ﺑﺎﻟـﺬات ‪ ،‬ووﺟــﺪت ﻣـﻦ ﻳﻘﻠــﺪﻫﺎ وﻳﻜﺘــﺐ‬
‫املرسﺣﻲ درﻳــﺪن (‪ )1631 - 1700‬م ووﻟــﻴﻢ‬ ‫ﺧــﻮاﻃﺮﻩ ‪ ،‬وﻟﻜــﻦ ﻳﻈﻬــﺮ رﺟــﻞ آﺧــﺮ ﻳــﺮى‬
‫وﻳﺸرىل اﻟﻜﺎﺗــب املرسﺣﻲ (‪ )1716 -1640‬م‬ ‫رأﻳــﺎ مخالفا ملونتني ‪ ،‬وﻳﻜﺘــﺐ ﻣﻘــﺎﻻت أﺧــﺮى‬
‫اﻟــــﺬي رﺣــــﻞ إﱃ ﻓﺮﻧﺴــــﺎ ‪ ،‬وﺗﺸــــﺮب‬ ‫ﺗﻜــﻮن ﻧﻮﻋــﺎ آﺧﺮ أﻻ وﻫﻮاملقاﻟﺔ املوﺿﻮﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫اﻟﺜﻘﺎﻓــــﺔ اﻷدﺑﻴــــﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴــــﻴﺔ ‪ ،‬ثم رﺟــــﻊ‬ ‫راﺋﺪ املقاﻟﺔ املوﺿﻮﻋﻴﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن ‪،‬‬
‫إىل إنجلرتا ‪ ،‬وﻣــــﺎرس اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ‪.‬‬ ‫اﻟﺬي وﻟﺪ ﰲ ﻟﻨﺪن ﺳﻨﺔ ‪ 1561‬ودرس يف كامربدج‬
‫دور اﻟﺼﺤﻒ واﻤﻟﺠﻼت ﻲﻓ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻤﻟﻘﺎﻻت‬ ‫‪ ،‬وﻟﻜﻨـﻪ مل ﻳﺴـــــﺘﻄﻊ الحصول ﻋﻠـــــﻰ‬
‫اﻷورﺑﻴﺔ‬ ‫وﻇﻴﻔـــــﺔ رسمية ‪ ،‬ﺑﺴـــــﺒﺐ ﻣﻌﺎرﺿـــــﺘﻪ‬
‫ﻛﺎن ﻟﻈﻬﻮر اﻟﺼـﺤﻒ واملجالت اﻷﺛـﺮ اﻟﻜبري ﰲ‬ ‫ﰲ الربملان لربنامج امللكية إﻟﺰاﺑﻴـــــﺚ اﻷوﱃ‬
‫ﺗﻄـﻮر املقاﻟـﺔ وﺧﺎﺻـﺔ واملجالت اﻷدﺑﻴـﺔ‪ ،‬ﻓﻔـﻲ‬ ‫ﻟﻠﺮﻀاﺋﺐ ﻟﺬا ﻋﻤﻞ ﰲ املحامات ‪ ،‬ومل ﻳﺴﺘﻄﻊ‬
‫ﺳـﻨﺔ ‪1709‬م أﺻــﺪر رﻳﺘﺸــﺎرد ﺳــﺘﻴﻞ (‪1729‬‬ ‫الحصول ﻋﻰﻠ ﻣﻨﺼـﺐ رسمي إﻻ ﺑﻌـﺪ وﻓـﺎة‬
‫– ‪ ) 1672‬م ﺻــﺤﻴﻔﺔ أسامﻫــﺎ "اﻟﺮﺜﺛــﺎر"‬ ‫امللكة ‪ ،‬وﺗﻨﻘـﻞ ﰲ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ إﱃ أن أﺻﺒﺢ اﻟﻨﺎﺋﺐ‬
‫ﺧﺼــﺺ ﻧﺼــﻔﻬﺎ ﻟﻸﺧﺒـﺎر ‪ ،‬واﻟﻨﺼـﻒ اﻵﺧـﺮ‬ ‫اﻟﻌﺎم ﻋﺎم ‪1613‬م‪.‬‬
‫ﻟﻠﻤﻘـﺎﻻت اﻟـتي ﻛـﺎن ﻳﻜﺘﺒﻬـﺎ ‪ ،‬ثم ﺳـﺎﻋﺪﻩ‬ ‫ﻧﺮﺸ ﺑﻴﻜﻮن أوىل ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ املوﺿﻮﻋﻴﺔ ﺳﻨﺔ ‪1597‬‬
‫ﺻـﺪﻳﻘﻪ ﺟﻮزﻳـﻒ أدﻳﺴــﻮن ( ‪ )1719 -1672‬م‬ ‫م ‪ ،‬وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺸـﺮ ﻣﻘـﺎﻻت ﺳﻴﺎﺳـﻴﺔ ‪ ،‬وﻗـﺎم ﺑﻨﺸـﺮ‬
‫ﺣىت ﺗﻮﻗﻔﻬــﺎ ‪ ،‬ثم أﺻــﺪر مجلة أﺧــﺮى ﺑﻌﻨــﻮان‬ ‫مثاين وثالثني ﻣﻘﺎﻟـــﺔ ﺳـــﻨﺔ ‪ 1612‬م واملقاﻻت‬
‫"املراﻗــﺐ" وبهــﺎتني مجلتني ﺗﻄــﻮرت املقاﻟــﺔ‬ ‫التي ﻧﺸـــﺮﻫﺎ ﻋـــﺎم ‪ 1625‬م ﻛﺎﻧـــﺖ خمسا‬
‫ﺗﻄــﻮرا ﻛبرية ‪ ،‬ﻣﻦ ﺣﻴﺚ املحتوي ‪ ،‬واتجهت‬ ‫وﻋﺸـــﺮﻳﻦ ﻣﻘﺎﻟـــﺔ ﻣﻮﺿــﻮﻋﻴﺔ ‪ ،‬وﻟﻜﻨﻬــﺎ مل‬
‫ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ملضاﻫﺮ الحياة ‪ ،‬وﻧﻘـﺪ املجتمع‪،‬‬ ‫تخل ﻣــﻦ ﻋﻨﺼــﺮ ذايت ‪ ،‬وﻛــﺎن ﺗــﺄثري ﻣــﻮنتني‬
‫فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬ ‫‪257‬‬
‫واﻟﺼــﺤﻔﻴﻮن اﻷدﺑــﺎء لهم أكرب اﻷﺛــﺮ ﰲ ﺗﻄــﻮر‬ ‫وﻛـﺬﻟﻚ ﺗﻄـﻮر أﺳـﻠﻮب اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ‪ ،‬وﻇﻬﺮ أﺳﻠﻮب‬
‫أﺳــﻠﻮب املقالة ‪ ،‬ﻷنهم يجمعون بني اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ‬ ‫إﻧﺸﺎﻲﺋ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫واﻷدب ‪ ،‬وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻜﺘﺎب‪.‬‬ ‫ﺗـــﺄﺛﺮت املقالة ﺑــــﺮأي الجمهور واﺧﺘﻠﻔــــﺖ‬
‫وﺗــﺄﺛﺮ اﻟﻜﺎﺗــﺐ ﺗﺸــﺎرﻟﺰﻻم ﻄﺮﻳﻘــﺔ‬ ‫ﻋـــﻦ املحاوالت السابقة ‪ ،‬وﻛـــﺎن اﻟﻜﺎﺗــــﺐ‬
‫اﻟﻜﺎﺗــﺐ اﻟﻔﺮﻧﺴــﻲ ﻣــﻮنتني ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧــﺖ أﻓﻜــﺎرﻩ‬ ‫ﺣـــﺮا ﰲ اﺧﺘﻴــــﺎر املوضوع ‪ ،‬وﻧﻘﺪ املجتمع‬
‫وآراؤﻩ ﻣﻮﺿــﻮﻋﺎت ملقاالته ‪ ،‬أﻣـــﺎ ﻫﺎزﻟـــﺖ‬ ‫وﻋﺎداﺗﻪ اﻟﺴﻴﺌﺔ‪ ،‬واتجهت اتجاها اﺻﻼﺣﻴﺎ وﺧﺎﺻﺔ‬
‫ﻓﻜﺎﻧـــﺖ ﻣﻘﺎﻻﺗـــﻪ ﺗﺸـــﺒﻪ اﻟﺒﺤـــﻮث ‪ ،‬وﻫـــﻲ‬ ‫ﺑﻌـﺪ ﻋـﻮدة امللكية ومتتع املجتمع بالحرية‬
‫ﻣﻘـــﺎﻻت ﻧﻘﺪﻳـــﺔ ‪ ،‬ﺗﻌـــﺮض ﻓﻴﻬـــﺎ ﻟـــﻸدب‬ ‫‪،‬وبروز الطبقة الوسطى ‪ ,‬فاملت املجالت إﱃ‬
‫‪ ،‬املرسح ‪ ،‬وأراد اﻛﺘﺸـﺎف شكسبري ‪ ،‬وتحدث‬ ‫ﻧﺎﺣﻴــﺔ اﻹﺻـــﻼح ‪ ،‬وﻛـــﺎن ﻟﻠﻤﻘﺎﻟـــﺔ اﻟﻴـــﺪ‬
‫ﻋـﻦ أهمية املرسح ‪ ،‬ﻋﺎرﺿـﺎ آراء ﻣـﻦ ﺳـﺒﻘﻮﻩ ﰲ‬ ‫اﻟﻄـــﻮﱃ ﰲ ذﻟﻚ ‪ ،‬وأﺧﺬت املجالت والصحف‬
‫اﻟﻘـﺮن اﻟﺘﺎﺳـﻊ ﻋﺮﺸ ‪ ،‬ومل ﻳﻜﺘﻒ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻖ‬ ‫ﺗﻨﺮﺸ اﻷﺧﺒـﺎر اﻻﺟﺘﺎﻤﻋﻴـﺔ ‪ ،‬واﻷزﻳـﺎء ‪ ،‬واﻷدب‬
‫ﻋﻰﻠ اﻷﺧﺒﺎر ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ املقالة ذات ﺑﻌﺪ أديب‬ ‫وﻛـﻞ ﻣـﺎ ﻳﺸـﻐﻞ أذﻫـﺎن اﻟﻨﺎس ‪)15(.‬‬
‫وﻧﻘﺪي ‪.‬‬ ‫ﺗﻄـــﻮرت املقالة اﻷورﺑﻴـــﺔ ﰲ اﻟﻘـــﺮن‬
‫ﻛﺎن ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻜﺎﺗﺐ دور ﰲ ﺗﻄﻮر املقالة‪،‬‬ ‫اﻟﺘﺎﺳـــﻊ ﻋﺸـــﺮ ﺗﻄـــﻮرا كبريا‪ ،‬ﺑﻔﻀـــﻞ‬
‫وحتى ﻟـﻮ أﺧﻔـﻰ اﻟﻜﺎﺗـﺐ اسمه ﻋـﻦ اﻟﻘـﺮاء‬ ‫ﺷـــﻴﻮع اﻟﺼـــﺤﻒ واملجالت األدبية ‪ ،‬وﻇﻬـــﺮ‬
‫‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧـﺖ ﺷﺨﺼــﻴﺘﻪ ﻇــﺎﻫﺮة ﻣــﻦ ﺧــﻼل‬ ‫ﻛﺘـــﺎب ﻣـــﻦ أﻣﺜـــﺎل ‪ :‬ﺗﺸـــﺎرﻟﺰﻻم (‪1834‬م‬
‫أﺳــﻠﻮﺑﻪ املميز ‪ ،‬ومل ﻳﻜــﻦ همه اﻹﺻــﻼح‬ ‫– ‪ )1775‬م كان ﺷـــﺎﻋﺮا إﱃ ﺟﺎﻧـــﺐ ﻛﺘﺎﺑـــﺔ‬
‫واﻟﻌﻈــﺔ ‪ ،‬ﻛﻤــﺎ ﻛــﺎن ﰲ اﻟﺴــﺎﺑﻖ ‪ ،‬ﺑــﻞ ﻛــﺎن‬ ‫املقالة ‪ ،‬وﱄ ﻫﻨـــــــــﺖ ( ‪ 1859‬م – ‪ )1774‬م‬
‫ﻳﻜﺘــﺐ بحسب ﻣــﺎ يحلو ﻟــﻪ ‪ ،‬وﻳﺘﻨــﺎول‬ ‫ووﻟـــــــــﻴﻢ ﻫﺰﻟـــــــــﺖ ( ‪ 1830‬م – ‪)1778‬‬
‫املوضوعات التي ﺗﻮاﻓــﻖ ﻓﻜــﺮﻩ ‪ ،‬أو التي‬ ‫م‪ ،‬اﻟﻜﺎﺗـــــــــﺐ واﻟﺼﺤﻔﻲ واﻟﻨﺎﻗﺪ اﻷديب ‪،‬‬
‫ﺗــﺮوق ﻟﻠﻨــﺎس أﺣﻴﺎﻧــﺎ ‪ ،‬وأﺣﻴﺎﻧـﺎ ﻻ ﻳﻠﺘﻔــﺖ‬ ‫وﻇﻬﺮت أوﱃ ﻣﻘﺎﻻﺗـﻪ ﺳـﻨﺔ ‪ 1792‬م ‪ ،‬واﺗﺼـﻞ‬
‫إﱃ رﺳـﺎﺋﻞ اﻟﻘــﺮاء ‪ ،‬أو ﻣﻜﺎملاتهم ‪ ،‬ﻓﻜـﺎن ﺣــﺮا‬ ‫ﺑﻜﺒـﺎر اﻟﻨﻘـﺎد ‪ ،‬وﻇﻬـﺮت ﻣﻮﻫﺒﺘـﻪ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ميارس اﻟﻜﺘﺎﺑــﺔ باملوضوع اﻟـﺬي يحلو ﻟــﻪ ‪،‬‬ ‫ﺧﻼل ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ ومحرضاته وﺗﻮﻣﺎس دي ﻛﻮﻳﻨﻲﺴ (‬
‫وﻫﺬا أﻋﻄﺎﻩ ﺣﺮﻳﺔ الحركة ‪.‬‬ ‫‪)1785 - 1859‬م ‪.‬‬
‫ﻛﺎﻧــﺖ املقالة اﻟﺼــﺤﻔﻴﺔ ﰲ اﻟﻘــﺮن اﻟﺜــﺎﻣﻦ‬ ‫أﺻـــﺒﺤﺖ املقالة ﺗﺘﻤﺘـــﻊ ﺑـــﺮوح أدﺑﻴـــﺔ‬
‫ﻋﺸــﺮ قصرية ‪ ،‬وﻟﻜﻨﻬــﺎ متتعت ﺑــﺎﻟﻄﻮل ﰲ‬ ‫ﻋﺎﻟﻴـــﺔ ‪ ،‬وﻛـــﺎن اﺧﺘﻴـــﺎر املوضوع ﻣـــﻦ‬
‫اﻟﻘــﺮن اﻟﺘﺎﺳــﻊ عرش ﺑﺴﺒﺐ اﻧﺘﺸﺎر ﻣﻮﺟﺔ‬ ‫ﻣﻬـــﺎم اﻟﻜﺎﺗـــﺐ ‪ ،‬ﻓﻬـــﻮ اﻟـﺬي يختار وﻳﻜﺘـﺐ‬
‫اﻟﺮوﻣﺎﻧﻄﻴﻘﻴـﺔ ‪ ،‬وﺗـﺄﺛﺮ الكتاب بها وﻫـﻲ التي‬ ‫ﻛﻴﻔﻤـﺎ ﻳﺸـﺎء ‪ ،‬وﻛـﺎن ﻻﺗﺴـﺎع ﻣﻮﺿـﻮﻋﺎت‬
‫ﺻـﺒﻐﺖ الحياة اﻷوروﺑﻴـﺔ ‪ ،‬واﻟﺘـﻒ اﻟﻜﺘــﺎب‬ ‫املقالة التي شملت جميع ﻣﻨـﺎﺣﻲ الحياة اﻷﺛــﺮ‬
‫ﺣــﻮل أﻧﻔﺴــﻬﻢ ‪ ،‬يدبجون املقاالت اﻟﺬاﺗﻴــﺔ‪،‬‬ ‫الكبري ﰲ ﺗﻄﻮر املقالة ‪ ،‬وﻛﺎﻧـﺖ ﺗﻌﺘﻤـﺪ ﻋﻠـﻰ‬
‫وﻳﻔﻠﺴــﻔﻮن املقاالت املوضوعية ‪ ،‬وﺟــﺎروا‬ ‫ﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻜﺎﺗـﺐ ‪ ،‬وﻣـﺪى ﻣﻌﺮﻓﺘـﻪ ﺑﺘﻨـﺎول ﺗﻠـﻚ‬
‫اﻟﺸــﻌﺮ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻪ ‪ ،‬وﺗﺄﺛﺮ بهم اﻟﻨﺎس‬ ‫املوضوعات التي شملت الحياة ﺑﺄﺳــﺮﻫﺎ ‪،‬‬
‫‪258‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫‪ ،‬ﻓﻬــﻮ يبني ﻣﻐﺰى الخرب وﻣﻀﻤﻮﻧﻪ وﻣﻌﻨﺎﻩ ﻣﻦ‬ ‫‪ ،‬أمنا ﺗﺄﺛﺮ‪)16(.‬‬
‫اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ أو اﻻﺟﺘﺎﻤﻋﻴﺔ أواﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أو‬ ‫ﻛﺎن ﻟﻈﻬﻮر املجالت اﻷدﺑﻴﺔ اﻷﺛـﺮ األكرب‬
‫اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﰲ ﺗﻄـﻮر املقالة ‪ ،‬ﻓﺄﺻـﺪرت ﺑﻌـﺾ اﻷﺣـﺰاب‬
‫املقال ﻳﺸﺎرك ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻌﻠﻴﺔ ﰲ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻷﻣﺔ‬ ‫املجالت أدﺑﻴــــﺔ ‪ ،‬وﺷــــﺠﻌﺖ ﻛﺘــــﺎب‬
‫ﺗﻮﺟﻴﻬﺎ ﺻﺤﻴﺤﺎ وﺳـﻠﻴﺎﻤ‪ ،‬ﻛﻤـﺎ ﻳﺸـﺎرك ﰲ ﺗﺜﻘﻴﻔﻬـﺎ‬ ‫املقاالت ﻟﻠﻜﺘﺎﺑــــﺔ ﻓﻴﻬــــﺎ ‪ ،‬ملا ﺗﺘﻤﺘــــﻊ ﺑــــﻪ‬
‫ﺗﺜﻘﻴﻔـﺎ ﺳﻠﻴﺎﻤ أﻳﻀﺎ ﰲ ﻛﻞ مجاالت الحياة‪ ،‬وﻗﺪ‬ ‫ﻣــــﻦ سمعة ﺣﺴــــﻨﺔ ‪ ،‬ورﺻــــﺎﻧﺔ ﰲ ﻃــــﺮح‬
‫ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻜس متاما ‪ ،‬ﻓﻜﺎﺗﺒﻪ ﻳﺴﺘﻐﻞ اﻷﺧﺒـﺎر‬ ‫املوضوعات املختلفة ‪ ،‬ﻛﺎﻤ أن ﻫﺬﻩ املجالت‬
‫املختلفة وﻳﺼـﺐ ﻓﻴﻬـﺎ ‪ ،‬وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺗﻮﺟﻴﻬﻴﺔ إﱃ‬ ‫ﺳﺎﻳﺮت اﻟﺘﺠﺪﻳـﺪ ﰲ الحياة ‪ ،‬وﺗﺒـﻊ اﻟﺼـﺤﻔﻴﻮن‬
‫ﻣﺎ ﻳﺮاﻩ ﻫﻮ أو ﻳﺮاﻋﻰ ﻓﻴﻪ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم ووﺟﻬـﺔ‬ ‫ذﻟـﻚ اﻟﺘﻄـﻮر ‪ ،‬ﻟﺬا كانت املجالت اﻷدﺑﻴﺔ خري ﻣﺎ‬
‫ﻧﻈـﺮﻩ أو وﺟﻬـﺔ ﻣﺆﻳـﺪﻩ وﻣﻨﺎﻓﻘـﺔ ملجموعة أو‬ ‫ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺗﻄﻮر املقالة اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﺣﺰب أو ﻧﻈﺎم معني‪.‬‬ ‫ﻗــﻴﺾ اﷲ ﻟﻠﻤﻘﺎﻟــﺔ أن تخطو ﺧﻄــﻮات‬
‫وﻗـــﺪ ﻗﺴـــﻢ اﻟﻜﺘـــﺎب ورﺟـــﺎل اﻹﻋـــﻼم‬ ‫كبرية ﰲ اﻟﻘــﺮن اﻟﺘﺎﺳــﻊ ﻋﺸــﺮ ﻋﻨــﺪﻣﺎ‬
‫واﻟﺼـــﺤﺎﻓﺔ " املقال " إﱃ ﺛﻼﺛـــﺔ أﻗﺴـــﺎم ﻫـــﻲ‬ ‫ازدﻫــﺮ اﻟﻨﻘــﺪ اﻷديب ‪ ،‬وﻇﻬــــﺮت املجالت‬
‫‪ :‬املقال اﻷديب‪ ،‬املقال اﻟﻌﻠﻤﻲ املقال اﻟﺼﺤﻔﻲ "‬ ‫املختصة ﺑــــﺎﻷدب ‪ ،‬وﺗﻀــــﺎﻋﻒ ﻋــــﺪد‬
‫‪ .‬وﻟﻜﻞ ﻗﺴـﻢ ﻣـﻦ ﻫـﺬﻩ اﻷﻗﺴـﺎم اﻟﺜﻼﺛـﺔ أﻧـﻮاع‬ ‫ﻛﺘــــﺎب اﻷدب ﻣــــﻦ اﻟﺸــــﻌﺮاء واﻷدﺑــــﺎء‬
‫وأﺷـﻜﺎل ﺧﺎﺻـﺔ ﺑـﻪ ‪ .‬وﻣـﻊ ﻫﺬا ﻻ ميكن اﻟﻔﺼﻞ‬ ‫واملفكرين األوربيني اﻟﺬﻳﻦ أﺛﺮوا ﺗﻠﻚ املجالت‬
‫اﻟﺘﺎم بني ﻫﺬﻩ اﻷﻗﺴﺎم واﻷﻧﻮاع ‪ .‬وذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ‬ ‫ﺑﺈﻧﺘﺎﺟﻬﻢ ‪ ،‬ﻗﺎم اﻟﻨﻘﺎد ﺑﺪراﺳﺔ ذﻟـﻚ اﻹﻧﺘـﺎج‪.‬‬
‫ﺗﺪاﺧﻠﻬﺎ وﺗﻼﻗﻴﻬﺎ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن‪.‬‬ ‫وﻛـﺎن وﺻـﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌـﺔ يف اﻟﻮﻻﻳـــﺎت املتحدة‬
‫ﻛــﺎن املقال ﻗــﺪميا ﻳﺼــﺎغ وﻳﻜﺘــﺐ ﺑﻠﻐــﺔ‬ ‫اﻷﻣﺮﻳﻜﻴـــﺔ ‪ ،‬ﻣـــﺪﺧﻼ لدخولها ﰲ ﻣﻨﺎﻓﺴـــﺔ‬
‫ﻓﻴﻬــﺎ اﻟﺼــﺪق واﻟﺪﻗــﺔ واﻷﻣﺎﻧــﺔ واﻟﺘﻜﻠــﻒ‬ ‫الجرائد و املجالت يف ﺟـــﺬب ﻛﺒـــﺎر اﻟﻜﺘـــﺎب‬
‫اﻟﻠﻐــﻮي واﻷديب أﻣــﺎ اﻟﻴــﻮم ﺗﻄــﻮر اﻟﺼــﺤﺎﻓﺔ‬ ‫‪ ،‬وأﺻـــــﺒﺤﺖ ﺷـــــﻬﺮة ﻛﺘـــــﺎب أﻣﺮﻳﻜـــــﺎ‬
‫ﻳﻜﺘــﺐ ﺑﻠﻐــﺔ ﻣﺸــﺒﻌﺔ ﺑﺎﻷوﻫــﺎم والخيال‬ ‫ﻗـــــﺪوة ﻟﻐـــــريهم ‪ ،‬وﺗﻔـــــﻮق ﺑﻌـــــﺾ‬
‫واﻟﺰﻳــﻒ واﻟﻜــﺬب والخداء‪ ،‬ﻣﻠﻔــﻮف ﺑﻐﻄــﺎء‬ ‫ﻛﺘﺎبها يف املجال اﻷدب ﻋﻠـــــﻰ ﻧﻈـــــﺮاﺋﻬﻢ‬
‫ﺑــﺮاق ‪ ،‬يجر إﱃ اﻟﺘﺸﻮﻳﻖ واﻹﻏﺮاء حتى ﻳـﺘﻤﻜﻦ‬ ‫األوربيني‪ ،‬وأﺻــﺒﺤﺖ اﻟﻨﻈﺮﻳــﺎت اﻷدﺑﻴــﺔ ﺗﻘــﻮم‬
‫ﻣـﻦ اخرتاق ﻓﻜـﺮ اﻟﻘـﺎرئ ﰲ ﻏﻔﻠـﺔ ﻣـﻦ ﻋﻘﻠـﻪ‬ ‫ﰲ أﻣﺮﻳﻜــﺎ حتى وإن ﻇﻬــﺮت ﻋﻠــﻰ أﻳــﺪي‬
‫وﺻـﺤﻮة ﻣـﻦ ﻏﺮاﺋـﺰﻩ ﻹﻛـﺮاﻩ اﻟﺬوق اﻟﺒﺮﺸي‬ ‫ﻋﻠﻤــﺎء أوروﺑــﺎ‪ ،‬ﻟﺴــﻌﺔ ﻣﺴــﺎﺣﺔ أﻣﺮﻳﻜــﺎ‪،‬‬
‫ﻋﻰﻠ ﻗﺒﻮل ﻣﺎ ﻳﺮاﻩ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺪﻋﺎﻤ بتربير اﻟﻮاﻗـﻊ‬ ‫واﺳــﺘﻘﻄابها لكثري ﻣــﻦ املثقفني واﻟﻌﻠﻤــﺎء‬
‫اﻟـﺬي ﻻ ﻳﺼـﺢ أن ﻳﻜـﻮن ﻣـﻦ الخيال والتخمني‬ ‫ﺟﻌــﻞ ﻣﻨﻬــﺎ ﻣﺮﻛــﺰا ﻟﻠﻌﻠــﻢ املعرفة واﻻزدﻫــﺎر‬
‫اﻟﺬي ﻳﻮﻫﻢ اﻟﻜﺎﺗﺐ أﻧﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ‪ ..‬أو ﻣﻦ اﻷﺧﺒﺎر‬ ‫الحضاري (‪)17‬‬
‫واﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺘﻘـﺪم‬ ‫اﻤﻟﻘﺎل ‪ :‬أﻫﻤﻴﺘﻪ ووﻇﺎﺋﻔﻪ‬
‫واﻟﺘﻄـﻮر واﻟﻌﻠـﻢ "‪ .‬وﻗﺒـــﻞ اﻟﻜـــﻼم ﻋـــﻦ‬ ‫إذا ﻛـﺎن الخرب ﻳﻌـﺪ اﻟﻮﻇﻴﻔـﺔ اﻷوﱃ واﻷﺳﺎﺳـﻴﺔ‬
‫" املقال ﰲ املفهوم اﻹﺳـــﻼم أو ﻣـــﺎ يجب أن‬ ‫ﻟﻠﺼـﺤﺎﻓﺔ فاملقال ﻳـﺄيت باملرتبة اﻟﺜﺎﻧﻴـﺔ ﺑﻌـﺪ الخرب‬
‫فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬ ‫‪259‬‬
‫بحثها أو اﻹﺣﺎﻃﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ ﰲ معالجة ﻣﻮﺿﻮﻋﺎتها‬ ‫ﻳﻜـــﻮن ﻋﻠﻴـــﻪ ﰲ ﺻـــﺤﺎﻓﺘﻨﺎ ﻧﺘﻌـــﺮف أوﻻ‪-‬‬
‫اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﺎﻤﻋﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼـﺎدﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ‪.‬‬ ‫بإيجاز ﻋﻰﻠ ﻣﺎﻫﻴﺔ املقال ‪ .‬ﻳﺮى ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫وإﻟﻘــﺎء اﻟــﺮأي ﻓﻴﻬــﺎ ﺑﻮﺟﻬــﺔ ﻧﻈــﺮ ﺷﺨﺼــﻴﺔ‬ ‫ورﺟﺎل اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ أن املقال ﻣـﺎ ﻫـﻮ إﻻ رأي ﰲ‬
‫‪،‬تخص اﻟﻜﺎﺗــﺐ ‪ ،‬أو ﻓﻜــﺮة ﻣﻌﻴﻨــﺔ ﰲ ﻣﻮﻗــﻒ‬ ‫ﻗﻀـﻴﺔ ﻣﻬﻤـﺔ ﻳﺼﺎغ ﺑﻌﺒﺎرة ﻗﻮﻳﺔ "‪)18(.‬‬
‫ﻣــﻦ املوافق التي ﺗﻌــﺞ بها الحياة وﻗــﺪ تخص‬ ‫وﻳــﺮاﻩ آﺧــﺮون ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ ﻓــﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴــﻖ‬
‫ﻫــﺬﻩ اﻟﻔﻜــﺮة اﻟــﺮأي اﻟﻌــﺎم ‪ ،‬أو ﺟﻬــﺔ ﺣﺰﺑﻴــﺔ‬ ‫ﻋﻠــﻰ ﻫــﺬﻩ اﻷﺧﺒــﺎر املختلفة‪ .‬واملقال ﻳﻄﻠــﻖ‬
‫أو ﺣﻜﻮﻣﻴــﺔ ﻣﻌﻴﻨــﺔ ‪ .‬وﻗــﺪ ضد تخالف ﻫﺬﻩ‬ ‫ﻋﻠــﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑــﺔ التي ﻻ ﻳﺪﻋﻰ أﺻﺤابها اﻟﺘﻌﻤﻖ يف‬
‫اﻟﻔﻜﺮة أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ أو ﻣﺎ يجب أن ﻳﻜﻮن‪.‬‬

‫الهوامش‬
‫عبد القادر رزق الطويل ‪ ،‬املقالة يف أدب العقاد ‪،‬‬ ‫‪ .10‬‬ ‫محمد بن مكرم بن عيل أبو الفضل جامل الدين ابن‬ ‫‪ 1‬‬
‫القاھرة ‪ ،‬الدار املرصية اللبنانية ‪1987،‬م ص ‪٣١‬‬ ‫منظور األنصاري ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬دار صادر بريوت ‪،‬‬
‫محمد يوسف نجم ‪ ،‬فن املقالة ‪ ،‬بريوت ‪:‬دار الثقافة‬ ‫‪ .11‬‬ ‫جزء ‪٤‬‬
‫‪ ،‬ط ‪1988 ، 4‬م ‪،‬ص ‪٩٥‬‬ ‫من اآلية سورة فصلت ‪23 -‬‬ ‫‪ 2‬‬
‫سيد قطب ‪:‬النقد األديب أصوله ومناھجه ‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪ .12‬‬ ‫د ‪ .‬محمد عوض ‪ ،‬فن املقالة األدبية ‪ ،‬القاھرة ‪1959 ،‬‬ ‫‪ .3‬‬
‫العريب ‪ ،‬ص ‪٩٦‬‬ ‫‪ ،‬ص ‪29‬‬
‫د ‪ .‬عبد الله القتم ‪:‬أدب املقالة العربية املتحدة ‪،‬‬ ‫‪ .13‬‬ ‫د‪ .‬السيد مريس أبو ذكري‪ ،‬املقال وتطوره يف األدب‬ ‫‪ .4‬‬
‫كلية اآلداب ‪ ،‬جامعة الكويت ‪ ،‬ص‪٣٤‬‬ ‫املعارص‪ ،‬دار املعارف ‪ ، 1982 ،‬ص ‪١٢-١١‬‬
‫د ‪ .‬محمد يوسف نجم ‪:‬فن املقالة ‪ ،‬دارالثقافة ‪،‬‬ ‫‪ .14‬‬ ‫د ‪ .‬ربعي عبد الخالق ‪:‬فن املقالة الذاتية ‪ ،‬دار املعرفة‬ ‫‪ .5‬‬
‫بريوت ‪ 1966 ،‬إسامعيل إبراھيم ‪:‬فن املقال الصحفي‬ ‫الجامعة ‪ ،‬ص‪١٤-‬‬
‫‪ ،‬القاھرة ‪ ،‬دار الجيل‪ , 2000‬ص ‪٩٨‬‬ ‫د ‪ .‬أحمد ھيكل ‪ :‬تطور األدب الحديث يف مرص ‪ ،‬دار‬ ‫‪ .6‬‬
‫د ‪.‬عامرة ‪.‬اإلعالم يف ضوء اإلسالم ص ‪٢٥١‬‬ ‫‪ .15‬‬ ‫املعارف ‪ ، 1968‬ص‪٤١٦-‬‬
‫توماس بريي ‪.‬الصحافة اليوم ‪.‬ترجمة مروان الجابري‪،‬‬ ‫‪ .16‬‬ ‫د ‪ .‬إبراھيم إمام ‪:‬دراسات يف الفن الصحفي ‪ ،‬األنجلو‬ ‫‪ .7‬‬
‫ص ‪٢٩٥‬‬ ‫املرصية ‪١٩٧٢ ،‬‬
‫‪.‬الدكتور عبد اللطيف حمزة ‪.‬الصحافة واألدب‪ ،‬ص‬ ‫‪1 7‬‬ ‫عبد العزيز رشف ‪ ،‬أدب املقالة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬مكتب لبنان‬ ‫‪ .8‬‬
‫‪١٥‬‬ ‫‪ ،1997‬ص ‪٧‬‬
‫فؤاد توفيق العاين ‪:‬الصحافة اإلسالمية ودورھا يف‬ ‫‪ .18‬‬ ‫عبد العزيز رشف ‪ ،‬أدب املقالة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬مكتب لبنان‬ ‫‪ .9‬‬
‫الدعوة ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص ‪.١‬‬ ‫‪ ،1997‬ص ‪٧‬‬

‫املصادر واملراحع‬
‫ذكري‬ ‫ •لسان العرب ‪ ،‬محمد بن مكرم بن عيل أبو الفضل‬
‫•فن املقالة الذاتية ‪ ،‬د ‪ .‬ربعي عبد الخالق‬ ‫ ‬ ‫جامل الدين ابن منظور األنصاري‬
‫•تطور األدب الحديث ‪ ،‬د ‪ .‬أحمد ھيكل‬ ‫ ‬ ‫ •فن املقالة األدبية ‪ ،‬د ‪ .‬محمد عوض ‪،‬‬
‫•دراسات يف الفن الصحفي ‪ ،‬د ‪ .‬إبراھيم إمام‬ ‫ ‬ ‫ •املقال وتطوره يف األدب املعارص‪ ،‬د‪ .‬السيد مريس أبو‬
‫•أدب املقالة ‪ ،‬عبد العزيز رشف‬ ‫ ‬
‫‪260‬‬ ‫يوليو ‪2019‬‬ ‫جملة كرياال‬
‫•اإلعالم يف ضوء اإلسالم ‪ ،‬د ‪.‬عامرة‬ ‫ ‬ ‫•املقالة يف أدب العقاد ‪ ،‬عبد القادر رزق الطويل‬ ‫ ‬
‫•الصحافة اليوم ‪ ،‬توماس بريي ‪.‬‬ ‫ ‬ ‫•فن املقالة ‪ ،‬د‪ .‬محمد يوسف نجم‬ ‫ ‬
‫•الصحافة واألدب ‪ ،‬الدكتور عبد اللطيف حمزة ‪.‬‬ ‫ ‬ ‫•النقد األديب أصوله ومناھجه ‪ ،‬سيد قطب‬ ‫ ‬
‫•الصحافة اإلسالمية ودورھا يف الدعوة ‪ ،‬فؤاد توفيق‬ ‫ ‬ ‫•أدب املقالة العربية املتحدة ‪ ،‬د ‪ .‬عبد الله القتم‬ ‫ ‬
‫العاين‬ ‫• فن املقال الصحفي ‪ ،‬إسامعيل إبراھيم‬ ‫ ‬

‫فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬ ‫‪261‬‬


MAJALLA KAIRALA
Statement of ownerShip and other particularS

FORM IV
(See Rule 8)

1. Place of Publication : Department of Arabic, University of Kerala


Kariavattom P.O, Thiruvananthapuram
Kerala, India - 695581
2. Periodicity of its Publication : Quarterly
3. Printer’s Name : Dr. Thajudeen A S
Whether citizen of India? : Yes
Address : Department of Arabic, University of Kerala
Kariavattom P.O, Thiruvananthapuram
Kerala, India - 695581
4. Publisher’s Name : Dr. Thajudeen A S
Whether citizen of India? : Yes
Address : Department of Arabic, University of Kerala
Kariavattom P.O, Thiruvananthapuram
Kerala, India - 695581
5. Editor’s Name : Dr. Thajudeen A S
Whether citizen of India? : Yes
Address : Department of Arabic, University of Kerala
Kariavattom P.O, Thiruvananthapuram
Kerala, India – 695581
6. Name and address of : Head of Dept. of Arabic
individuals who own University of Kerala
the newspaper Kariavattom P.O, Thiruvananthapuram
Kerala, India – 695581
7. ISSN No. : 2277-2839
8. Journal No. : 63752 / UGC Approved List of Journals
9. RNI Registration No : KERBIL/2017/73653

I, Dr. Thajudeen A S, hereby declare that the particulars given above are true to the best
of my knowledge and belief.

(Signature of Publisher)
Sd/- Dr. Thajudeen A S
262 2019 ‫يوليو‬ ‫جملة كرياال‬
cal freedom has to be accompanied by (Carfano). For groups that have felt po-
a society literate enough and densely werless against repressive regimes,
connected enough to discuss the is-sues social media’s tech-nological leveling of
presented to the public (Shirky). “The the political playing field provides one of
real lesson is that the cyber-verse gives no the most important components of any
side a decisive, unassaila-ble advantage” successful revolution – hope.

References
• Amin, Ramtin. «The Empire Strikes Back: • Cottle, Simon. “Media and the Arab Uprisings of
Social Media Uprisings and the Future of 2011: Research Notes.” Journalism 12.5 (2011):
Cyber Activism.» Kennedy School Review 647-659. Print.
10.15350215 (2009): 64-6. ProQuest. Web. 21
Feb. 2012. • Etling, Bruce, Robert Faris, and John Palfrey.
“Political Change in the Digital Age: The Fragility
• Cambanis, Thanassis. «Weekend: Now what? and Promise of Online Organizing” SAIS Review
They Came Together to Topple Mubarak, but 30.2 (2010): 37-49. ProQuest. Web. 16 Feb.
can Egypt’s Revolutionaries Agree on what 2012.
Comes Next?.» The Guardian: 26. ProQuest. Aug
13 2011. Web. 22 Feb. 2012. • Giroux, Henry A. “The Iranian Uprisings and
the Challenge of the New Media: Rethinking the
• Carafano, James. «Successful Revolution Takes Politics of Representation.” Fast Capitalism 5.2
More than Social Media.» The Examiner: n/a. (2009). Web. 16 Feb. 2012.
ProQuest. Feb 22 2011. Web. 22 Feb. 2012.
• Gladwell, Malcolm. «Small Change.» The New
• Castells, Manuel. The Information Age: Yorker Oct 04 2010: 42. ProQuest. Web. 22 Feb.
Economy, Society, and Culture. Vol. 2, The Power 2012.
of Identity. Oxford: Blackwell, 1997. Print.
• «Grasp of Social Media Not enough to Instigate
• Chrisafis, Angelique. «Tunisia Uprising: Change in Lebanon.» The Daily Star: n/a.
Gang Violence Taints Celebration of Tunisias ProQuest. Mar 16 2011. Web. 22 Feb. 2012.
Jasmine Revolution: The Sudden Flight of
Ousted President Zine Al-Abidine Ben Ali and • Hodge, Nathan. “Inside Moldova’s Twitter
His Fam-ily has Left a Mood of Confusion and Revolution.” Wired.com. Condé Nast Digital, 8
Fear. Soldiers and Tanks Control Central Tunis, Apr. 2009. Web. 16 Feb. 2012.
but Armed Gangs Continue to Loot and Burn • Hughes, John. «Will Arab Worlds Freedom Wave
Amid Worries that the Ex-Dictators Militia are Reach Iran Or China?» The Christian Science
Involved.» The Observer: 4. ProQuest. Jan 16 Monitor: n/a. ProQuest. Mar 17 2011. Web. 21
2011. Web. 21 Feb. 2012. Feb. 2012.
• Christensen, Christian. “Discourses of • Hulaimi, Wan A. «It’s a Social Media Revolution
Technology and Liberation: State Aid to Net in the Mid East.» New Straits Times: 21.
Activists in an Era of ‘Twitter Revolutions’.” ProQuest. Feb 27 2011. Web. 22 Feb. 2012.
Communication Review 14.3 (2011): 233-253.
Print.

ROLE OF SOCIAL MEDIAS IN THE ARAB SPRING 28


263
ability of each member of a group to not (“The United States Institute of Peace”).
only understand the situation at hand,
but also understand that everyone else Conclusion
does too. Social media increase shared For all that it does, social media is no
awareness by propagating messages “silver bullet” when it comes to political
through social networks. Political culture change. “The use of social media
heightens the conservative dilemma by tools – text messaging, e-mail, photo-
providing cover for more political uses of sharing, social network, and the like
social media. Tools specifically designed – does not have a single preordained
for dissident use are politically easy for outcome. Therefore attempts to outline
the state to shut down, whe-reas tools in their effects on political action are too
broad use become much harder to censor often reduced to dueling anecdotes”
without risking politicizing the larger (Shirky). Factors that seem to impact its
group of otherwise apolitical actors” successful use include the size, ethnic
(Shirky). Regime shutdowns, which diversity, and education levels of the
technologically-savvy protestors have population, the existence of a modern
proven to be fairly adept at subverting, telecommunications infrastructure,
alert the international community to and the amount of censorship used by
problems within countries. the exist-ing regime. Social media has
“New media can have an impact by limited impact at best on an important
helping to transform individuals and give factor affecting nascent rev-olutions
them new com-petencies that empower – a regime’s willingness to use force
them in politics. This can be something to squelch protests. Egyptian protests
as simple as taking a picture or a video grew because the Army would not turn
with a smartphone, uploading that image against citizens engaged in peaceful
of that footage to YouTube” (“The United protest. Iranian protests petered out
States Institute of Peace”). A second when leaders used force to crack down
impact is “the way that new media on those speaking out, both in public and
draws external attention from citizens in the cybers-phere.
and governments outside the country or Moving forward, “the activities of social
the region to that country or region to movements will gain influence only to
the place that is experiencing protest or the extent that they are able to avoid
conflict” (“The United States Institute of the scrutiny and controls of the state. A
Peace”). In this sense, the new media are challenge for improving the prospects
a megaphone. “It is difficult to prove that of digitally-assisted political reform
communication via new media or social in closed societies that must rely on
media is actually what brings people to decentralized networks is to adapt,
the streets, especially in societies which emulate and transfer the benefits of
have relatively low degrees of Internet highly organized civil society groups,
penetration and Internet access. Perhaps as bottom-up de-centralized organizing
the best illustration of the threat this is more likely to survive in re-pressive
information poses to authoritarian regimes.” (Etling).
governments is their reaction to it. States
have made a number of efforts to rein Research suggests that protests, when
in Internet speech, including Internet” effective, are the end of a process,
rather than a replacement for it. Politi-
27
264 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
and below the average of the entire discover one another and break the
region. But despite the limited access to psychological barrier of fear between
the Web, sites like Facebook generated a them” (“Social Media Creating Social
tre-mendous amount of pressure on the Awareness”).
government from the onset of the Cairo
demonstrations. One protest fan page Political discussion in blogs presaged the
garnered more than 80,000 followers in a turn of popular opinion in both Tunisia
matter of days” (Carafano). In Egypt, the and Egypt. In Tunisia, conversations
role of the unofficial trade unions in the about liberty, democracy and revolution
protests has been downplayed - workers on blogs and on twitter often immediately
who participated in strikes, those bus preceded mass protests” (“New Study
drivers, factory workers, and Suez Quantifies”).
canal laborers, nurses and doctors, that According to Srdja Popvic of CANVAS,
finally broke President Hosni Mubarak a group that teaches de-mocracy
(Hulaimi). movements how to en-gage in non-
violent struggle, so-cial media has three
Social Media’s Role uses: “It is an efficient and cheap way to
The question arises - once the dust has give members information – much better
cleared, where does social media fit into than putting up posters. It also conveys
the new para-digm? “What we are seeing to members the highly motivating
is revolutions where the lowering in realization that they have big numbers
the cost of transaction of orga-nizing is – people who know their pro-democracy
allowing for these decentralized forces Facebook group has 70,000 members
to actually push revolution but without will be much more excited and less
creating those kinds of long lasting fearful than people unaware they are
structures which, for example, can part of a big group. And it is an efficient
become political parties after the regime way to transfer skills and information”
has been toppled” (“The United States (Rosenberg). One of the leading social-
Institute of Peace”). media movement proponents in the US
is New York University profes-sor Clay
Manuel Castells has conceptualized how
Shirky, author of Here Comes Everybody.
new network configurations can lead to
He believes that “the more promising
new political movements by allowing
way to think about social media is as
previously disconnected, undeveloped
long-term tools that can strengthen
political identities to take shape and rise
civil society and the public sphere” and
to a prominent position (Castells). This is
“social media can compensate for the
particularly applicable to Arab countries
disadvantages of undisciplined groups
where religions and ethnic divides
by re-ducing the costs of coordination.
previously prevented networking. “Many
Larger, looser groups can now take
Arab regimes banned the creation of
on some kinds of coordi-nated action,
political parties and limited the right to
such as protest movements and public
associate or create civil rights groups.
media campaigns that were previously
This meant that there was little space
re-served for formal organizations.
where religious, ethnic, and cultural
For political movements, one of the
groups could meet and interact. … But
main forms of coordination is what the
social media has helped such groups
military calls ‘shared awareness,’ the
ROLE OF SOCIAL MEDIAS IN THE ARAB SPRING 26
265
this latest wave of political upheaval is that people need close personal
has political theorists and social connections in order to get them to take
scientists lining up in opposing camps. action – especially if that action is risky
“While techno-utopians overstate the and difficult. Social media always comes
affordances of new technologies (what with a catch: It is designed to do the very
these technologies can give us) and thing that isn’t particularly helpful in a
understate the material conditions high-risk situation” (Rosenberg).
of their use (e.g., how factors such as
While the upheavals in the Middle East
gender or economics can affect access),
have cast a positive light on the use of
techno-dystopians do the reverse,
social media to effect change, “there
misinterpreting a lack of results with
are, however, many examples of the
the impotence of technology; and also,
activists failing, as in Belarus in March
forgetting how shifts within the realm of
2006, when street protests (arranged
mediated political communication can
in part by e-mail) against President
be incremental rather than a seismic in
Aleksandr Lukashenko’s alleged vote
nature” (Christensen).
rigging swelled, then faltered, leaving
Criticism Lukashenko more determined than
ever to control social media. During
One of the most vocal critics in the US the June 2009 uprising of the Green
has been New Yorker writer Malcolm Movement in Iran, activists used every
Gladwell, author of The Tipping Point. possible technological coordinating tool
He points out that “the platforms of to protest the miscount of votes for Mir
social media are built around weak Hossein Mousavi but were ultimately
ties. Social networks are effective at brought to heel by a violent crackdown.
increasing participation by lessening The Red Shirt uprising in Thailand in
the level of motivation that participation 2010 followed a similar but quicker
requires.” He argues that these types of path: Protestors savvy with social media
relationships are not conducive to the occupied downtown Bangkok until
sustained, hierarchical, and high-risk the Thai government dispersed the
behavior needed to make real social protestors, killing dozens” (Shirky).
change as seen in the US civil rights
movement in the 1960s (42). Twitter’s own internal architecture puts
limits on political activism. “There are
There are two arguments against the so many mes-sages streaming through
idea that social media will make a at any moment that any single entry is
difference in national politics. The first is unlikely to break through the din, and
that the tools are themselves ineffective, the limit of 140 characters – part of the
and the second is that they produce as service’s charm and the secret of its
much harm to democratization as good, success – mili-tates against sustained
because repressive governments are argument and nuance” (“Reading Twitter
becoming better at using these tools to in Tehran?”).
suppress dissent (Shirky). “Facebook
and Twitter have their place in social And then there are logistical questions
change, but real revolutions take place that dog the “Twitter Revolution” claims.
in the street. One of the biggest obstacles “Only 21% of Egyptians use the Internet,
in using social media for political change less than half the usage rate within Iran

25
266 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
Tahrir Square under the watchful eye of a to the protests a distinct agenda - labor
military that was loath to turn on citizens. unionists, socialists, liberal NGO [non-
To thwart the protestors, the government government organizations] workers and
sought to block access to Facebook and more conservative religious activists.
Twitter and severely restrict access Finally, there were the hundreds of
to the Internet. The strategy failed thousands of angry and apolitical
because the insurgents, with help from Egyptians sick of Mubarak’s police state”
supporters around the world, were (Cambanis).
able to subvert the censorship. Also,
Internet restrictions negatively affected Lebanon, Syria, and Libya
companies’ and the government’s “As the protests spread across the
ability to do business. Under increasing Arab world, activists in Lebanon began
domestic and international pressure, to unite with the goal of ‘ousting the
longtime Prime Minister Hosni Mubarak sectarian system.’ These activists
resigned February 11, 2011, following managed to reach around 15,000 people
18 days of protests. through a Facebook group entitled “In
“With a population of about 80 million favor of ousting the Lebanese sectarian
and median age of 24, Egypt has nearly system – towards a secular system.”
4 million Facebook users, representing The group is comprised of youth from
about 5% of the population.” (“Middle different sects, regions, and cultural
East”) During the week before Mubarak’s backgrounds” (“Social Media Creating
resignation, the total rate of tweets from Social Awareness”). However, it was the
Egypt – and around the world – about sectarian and divided nature of Lebanese
political change in that country increased youth partisanship that rendered it
from 2,300 a day to 230,000 a day. difficult to use social media to mobilize
Videos featuring protest and political young people through a common goal
commentary went viral – the top 23 (“Grasp of Social Media”).
videos received nearly 5.5 million views. Social media played a different role in
The amount of content produced online Tunisia’s and Egypt’s anti-government
by opposition groups, in Facebook and protests than in Libya and Yemen. “There
political blogs, increased dramatically is not the kind of strong tradition of
(“New Study Quantifies”). online activism in Libya and Yemen as
“At its core, the revolution represents a there is in other Arab countries” (Riley).
force that is much more willing to criticize In Libya, there is a lack of Internet infra-
authority, and tolerate diversity, than structure, online access is difficult, and
perhaps mainstream public opinion. The the Gadhafi regime has limited social
original throngs that fought riot police media. “In Yemen, government controls
drew on at least three major and messily and extreme poverty limit Internet use”
overlapping constituencies. First were (Riley).
the activists - organizers of all political Unfortunately, in these countries,
and religious stripes who had come to technological barriers to social media
trust each other over years of strikes, tiny coupled with severe totalitarian regimes
protests and mass arrests. Second were stymied reform efforts.
the politicized people previously afraid
The importance of social media in
to challenge the regime but who brought
ROLE OF SOCIAL MEDIAS IN THE ARAB SPRING 24
267
by countries messages were sent and access, and seasoned cyber activists
received by these networks. played bridging roles, re-posting videos
and Facebook content about protests
Political turbulence and Social from closed loops of private networks
Media to Twitter and online news portals with
Social media has played a vital role in the greater reach. “ (“Middle East: Social
Arab spring and it influenced the youth. Media Outwit Authoritarianism”) Also,
Here a detailed examination is made Tunisia witnessed a sudden eight percent
through the countries. surge in the number of Facebook users
during the first two weeks of January
Tunisia 2011, coupled with a shift in the usage
The political unrest in Tunisia was begun turned from merely social in nature
In December 2010, when Mohammed into primarily political (“Social Media a
Bouazizi set fire to himself – “a desperate Catalyst for Reform”).
act of defiance following his denied The protests, nicknamed the “Jasmine
attempts to work as a street vendor revolution,” led to the installation
to support his family. The scenes of his of a coalition government following
self-immolation captured by passers-by elections. While new technology helped
and posted on YouTube as well as those opposition leadership organize protests
of the mass protests that followed his and easily communicate with followers,
funeral, quickly circulated in Tunisia and “it is simplistic to say social media caused
beyond” (Cottle). Jasmine revolution; the underlying
On January 11th protests reached the economic and political causes were
centre of the capital city Tunis, and decades in the making. It is also unlikely
Tunisian president Zine al-Abidine Ben that Facebook and Twitter will fill the
Ali responded by ordering in the army leadership vacuum that now exists in the
and imposing a night-time curfew. country” (Rash).
The next day, tens of thousands took
to the streets in Sfax, Tunisia’s second
Egypt
city. On January 14, 2011, Ben Ali fled Wael Ghonim Google executive helped
the country, ousted by a spontaneous spark Egypt’s 2011 unrest. Egyptian
populous uprising. Tunisia›s population businessman Khaled Said died after being
of 10 million people, known for their beaten by police, who had videotaped
high levels of education and civic pride, themselves taking confiscated marijuana.
became the first people in the Arab world Hoping to draw attention to police
to take to the streets and oust a leader corruption, he copied that video and
posted it to YouTube. Ghonim created a
Although Tunisia’s government practiced
Facebook page called ‘We Are all Khaled
some of the most repressive Internet
Said.’ It featured horrific photos, shot
censorship, the country has one of the
with a cellphone in the morgue, of Said’s
most connected populations in the region
face. That visual evidence undermined
outside the Gulf; 33% of the population is
the official explanations of his death. The
online, 16% on Facebook and 18% using
Facebook page attracted some 500,000
Twitter. “Although the Ben Ali regime
members (“Information Age: Egypt’s
blocked YouTube during the month of
Revolution”). Protestors flooded Cairo’s
unrest, it did not entirely block Internet

23
268 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
ROLE OF SOCIAL MEDIAS IN THE ARAB SPRING

Mr. Noushad V
(Assistant Professor, Department of Arabic,
University of Kerala)

In the spring of 2011, the world as of 2014, according to account tracker


watched as revolutionary passion Twopcharts. In every day 1, 35,000
swept the Middle East, from Tunisia, persons join twitter. It allows users to
to Egypt, to Syria and beyond. Startling exchange photos, videos, and messages of
images captured by civilians on the 140 characters or less. Founded in 2005
scene were viewed by people around by Steve Chen and Chad Hurley, YouTube
the globe, courtesy of distribution via provides a forum for the distribution of
social networks like Facebook, Twitter, video content – everything from cute
YouTube, and even mainstream media. kittens sleeping to first-run television
There can be no doubt that information programs to eyewitness videos of
and communication technologies, in political protests. The two created the
particular burgeoning social media, site based on their own frustration when
played a part in the upheavals. But, trying to share video files. In every day
questions continue to dog political 1,35,000 persons join twitter.
theorists and social scientists – just how Part of the attraction of these “big three”
much of a role did the different media social media services and independent
play and which ones in which countries blogging is that the average person, with
provided the biggest impact? little or no advanced computer skills, can
Social Media have good success using them; content
can be created and accessed with as little
In 2004, Harvard student Mark as a smartphone; and it can be easily
Zuckerberg created Facebook as a way intertwined. Links to videos posted on
to connect with fellow students. Initially YouTube can be embedded in blogs,
adopted by high school and college Facebook, and Twitter. A Twitter post
students, the social network, according can appear on a Facebook page. In other
to its 2013 initial public offering filing, words, large numbers of people can
has grown to 1230 million active users be easily and inexpensively contacted
worldwide, making it the premiere social via a variety of services. The numbers
media service in the world. Launched of people who use these networks are
in July 2006, Twitter is an online social getting increased day by day. In the days
networking and micro blogging service of political unrest in Egypt and near
that has grown to over 645,750,000 users
ROLE OF SOCIAL MEDIAS IN THE ARAB SPRING 22
269
2 Abdullah Yusuf Ali, 2010 Patriarchal Interpretations of the Quran.”
3 Amina Wadud (born in 1952) is an American (Book Review). The Muslim World, Fall, 2002,
Muslim woman with a progressive focus on Vol.92(3-4), p.481-483. H.W. Wilson WN:
Qur’an exegesis (interpretation of the holy 0228801584012. “The argument of her book,
text). Her research specialities include gender however, which is to refute the claim that the
and Qur’anic studies. Her major works include: Qur’an in any way supports patriarchy, is based
Qur’an and Woman: Rereading the Sacred Text on her insistence that contemporary Muslims
from a Woman’s Perspective; Inside the Gender must take responsibility for the recovery of
Jihad: Women’s Reform in Islam. However she the true and proper meaning of the sacred text.
has been heavily criticized by people for her That Muslims have not determined criteria for
outspoken progressive views and alleged to generating a “textually legitimate reading of the
propagate the ideology which doesn’t conform Qur’an” she identifies as both a hermeneutical
with established principles of Islamic teachings. and theological failure. “https://en.wikipedia.
She also courted controversy by embarking on org/wiki/%22Believing_Women%22_in_
delivering a Friday sermon and leading the Islam#cite_ref-Smithp481_1-1
mixed prayer. 11 See Gender and Equality in Muslim Family
4 See Amina Wadud, (1999) Law, 2014:p.241
5 Quran(4:34) 12 See Barlas
6 A disorder between married couple (Amina 13 See Ecep
Wadud & Syed Qutb); The term nushuz has 14 Fatema Mernissi (born in 1940) was a Muslim
been applied to both men and women in the feminist writer and sociologist whose works
Qur’an.  When it is applied to the wife it is are concerned with analysis of historical
in regard to the husband.  Many believe it development of Islamic thought and its modern
implies a rebellion, disloyalty, or disobedience manifestation. Hence, her works are focused
to the husband.  It cannot explicitly mean this on women and Islam from a contemporary as
because nushuz is used in the Qur’an regarding well as from a historical perspective. Her major
both men and women.  Wadud, Amina (1999). contribution include: Islam and Democracy,
7 See Wadud (1999) The Veil And The Male Elite: A Feminist
8 See Wadud Amina. Inside the Gender Jihad Interpretation Of Women’s Rights In Islam,
(2007) Women’s Rebellion & Islamic Memory, Beyond
9 Asma Barlas (born in 1950), is a Pakistani- the Veil: Male-Female Dynami in Muslim
American writer and academic. Her specialties Society, Women and Islam: An Historical and
include comparative and international politics, Theological Enquiry.
Islam and Qur’anic hermeneutics, and women’s 15 See Mernissi Fatema. The Veil and the Male
studies. She criticized patriarchal mode of Elite (1991).
Quranic interpretation in her book: Believing 16 See KOC(2016)
Women” in Islam: Unreading Patriarchal 17 ibi
Interpretations of the Qur’an. 18 See Mernessi (1991).
10 Smith, Jane I, p. 481. (Hartford Seminary). 19 See Hidayatullah Ayesha. Feminist Edges of the
“Believing Women” in Islam. Unreading Quran (2014).

21
270 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
the light of canonical text and precepts
explore and find solution to the issues
and practices established by the holy
arisen and created in the contemporary
prophet without compromising the
world related to gender-inequalities
canonical textual meanings.
and injustices. The modern concept of
gender-equality to be analyzed in the Since the focus of people is to establish
light of Quranic texts and authentic a socially just society in accordance with
hadiths rather resorting to go for the injunctions of the Quran. Hence,
apologetic interpretation of canonical understanding of the Quran without
texts by accepting the modern concept considering it a historical text should be
of gender-equality in toto. Hence, in view made in space and time and should not
of the changing circumstances of present be interpreted outside the context and
world, the solution must be explored in spirit.

References
• Aboul-Ezz, Merna (2017). Book Review: Elite: A Feminist Interpretation of Women’s
Feminist Edges of the Quran. Journal of Rights in Islam, Mary Jo Lakeland (Translator),
International Women’s Studies, 18(2), pp 293- New York: Basic Books.
295 • Mir-Hosseini, Ziba; Vogt,Kari;Larsen, Lena ;
• Barlas, Asma (2002). “Believing Women” in Moe, Christian(2013). Gender and Equality in
Islam: Unreading Patriarchal Interpretations Muslim Family Law, New York: I.B.Tauris & Co
of the Qur’an, University of Texas Press, Austin; Ltd..
1st edition. Retrieved from www.researchgate. • Riyani, Irma & Ismail, Ecep (2017). “God
net is Beyond Sex/Gender”: Muslim Feminist
• Ghafournia, Nafiseh (2017).Towards a New Hermeneutical Method to the Qur’an. Advances
Interpretation of Quran 4:34. Journal of in Social Science, Education and Humanities
Women of the Middle East and the Islamic Research (ASSEHR), 137, pp 151-155.
World (Hawwa), pp 1-14 • Saeed, Abdullah (2008). Qur’an – An
• Hidaytullah, Aysha A (2014). Feminist Edges of Introduction. USA and Canada: Routledge.
the Quran, New York: Oxford University Press. • Wadud, Amina (1999). Qur’an and Women:
• Kassam, Zayn (2004). Book Review “Believing Rereading the Sacred Text from a Woman’s
Women” in Islam: Unreading Patriarchal Perspective, New York: Oxford University.
Interpretations of the Qur’an. The Arab Studies • Wadud, Amina. (2007).Inside the Gender Jihad
Journal, Vol. 11/12, No. 2/1 (Fall 2003/ Spring – Women’s Reform in Islam, London: Oneworld
2004), pp 156-160. Publication
• KOC, Cengiz (2016). Fatima Mernissi and • Yusuf Ali Abdullah (2010). The Holy Qur’an:
Amina Wadud: Patriarchal Dominance and English Translation, Noida, India: Goodword
Misinterpretation of Sacred Texts in Islamic Books.
Countries. International Journal of Humanities
and Social Science, 6(8), pp 176-184.
• Manea, E (2011). Rereading the Qur’an: A
(Endnotes)
1 Progressive Muslims: On Justice, Gender,
Muslim Woman’s Perspective. Journal of the and Pluralism edited by OMID Safi, Oneworld
Dutch-Flemish Levinas Society, 2011(XVI), pp Publication 2008, England. https://epdf.tips/
21-29. progressive-muslims-on-justice-gender-and-
• Mernissi, Fatima (1991). The Veil and the Male pluralism.html

A Paradigm Shift in Qur‘anic Interpretation on Gender Issue Discourse 20


271
Aysha A. Hidayatullah Hidayatullah however concludes that
to address the questions about gender
Aysha Hidayatullah has critiqued19 the equality and injustices in the Quran is
so-called feminist interpretation of the rather a difficult task and sometimes
Quran. it causes a threat to one’s faith but
She focuses on three methods of feminist consequently it can also lead to finding
Interpretation of the Qur’an: new possibilities of interpreting the
Qur’an.
Historical contextualization method, in
this case the historical conditions during CONCLUSION
the time of revelations of the verses must No feminist Muslim scholars have
be understood and must read in the light denied the divine nature of Quran, but to
of the changing circumstances in order them, the conventional interpretations
to apply those principles in the current of the Quran seem to be responsible
context. for the misogynistic and patriarchal
Intra textual method, in this method the understandings. The methodology of
verses are not interpreted individually approaching the text is also a major factor
rather they are comprehended and in employing the process of interpretation
compared with verses that are related to which can be termed as hermeneutical
the same context. approach to get a better understanding
of the divine intent. However, feminists’
Tawhidi paradigm includes two aspects interpretations seem to be an apologetic
to interpret the issue: one is that claiming attempt made to reinterpret the verses
the male supremacy over the women is a showing male control and command.
form of shirk since God, being supreme, Their all interpretations are focused
has all the powers and attribute of on highlighting historical context and
supremacy is possessed by Him alone tradition of that age which differs with
and the second is to believe that the true the contemporary era. Hence arguing
and final interpretation of the Quran can that interpretation is to differ from age
never be exactly achieved because the to age raises a serious question on the
true divine meaning can only be known universality of Quranic texts and its
to the God. intents. Further, the Arabic words fail
She identifies two common issues in to support the feminist interpretation
the feminist interpretations: firstly, the as it deviates from its original meaning
claim of gender differences is unclear to a distorted indefinite meaning.
while simultaneously claiming equality. The feminists’ claim that traditional
Secondly, certain verses are very crystal explanation of the verses has been
clear and hence cannot be interpreted inflicted with male dominant society of
differently from the traditional exegeses. that age does not hold true as the holy
The verse 4:34 which gives permission to prophet (saw) has explained the issue
the husbands to hit their wives in severe by his moral precepts and practices
circumstances, uses the word ‘daraba’ in that age itself. There is no denying
which clearly means ‘to beat’. Thus, it to the fact that praxis adopted by the
definitely shows the male control and Prophet Muhammad (saw) was meant
sadly refuses the apologetic explanations to establish justice to the both genders.
of the feminist. However, there is a pressing need to
19
272 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
beaten. Some people accused women to them from sacred space. According to
have created a chaotic atmosphere in hadith science, the transmitters of hadith
the family and made complaint to the must be both qualified and reliable for
prophet (SAW) and hence they tried their hadith to be valid. For both these
to justify women beating. The Prophet originators, Mernissi argues, this is not
declared that only the worst man could the case. Examining the history and the
apply these kinds of cruel methods such reputations of both Abu Bakra and Abu
as beating a woman. Mernissi has also Hurayra, she believes that both had
mentioned about a project of the Prophet personal reasons for the origination
about gender equality during Madinah of such anti-female hadith. Moreover,
period. Mernissi further clarified that both men had reputations as liars.
Islam is as a consistent system of values Nevertheless, these hadith became part
and that the Prophet Muhammad’s of the tradition and men continued to
equalitarian project is based on a detail rely upon them. This runs contrary to the
of the arising of women’s free will as a duty of Muslims to question everything,
situation that the organization of society even “authentic” hadith. Mernissi thus
should have considered. Thus, a woman justifies her examination of these hadith
has her finger on the pulse that is related and of the tradition in which they became
to society and hence she declares her entrenched not as counter to Muslim
opinion about such issues. practice but as part of it.
Analyzing ahadith and Qu'ranic verses, Mernissi states that the hadith about
she notes that they emerged out of a communities where women coming
particularly critical point in the history to power wouldn’t get better has been
of Islam, when internal and external rejected and discussed by many people
pressures threatened Muhammad, his in spite of the fact that Bukhari and other
wives and the fledgling religion. scholars have regarded it as authentic.
Again, according to her, canonists have
She claims that despite the “science” not come to an agreement about the
of hadith interpretation, some elites implementation of hadiths in terms of
continued to misinterpret the meanings the relation between women and politics.
of hadith to serve their own way of It has been certain that there have been
thinking and agenda. This included the ones using the hadith to keep women
exclusion of women and the embedding away from decision-making mechanisms.
of pre-Islamic tribal misogyny within the On the other hand, there have been others
Islamic tradition. who think such arguments as groundless
Mernissi identifies two hadith in and far from convincing. Mernissi has
particular as critical weapons in the male said that Taberi has been one of them,
arsenal in continuing debates against and she has thought Taberi did not find
female equality. The first, transmitted the argument sufficiently grounded
initially by a companion called Abu Bakr, in terms of women’s being deprived
states, “Those who entrust their affairs from decision-making mechanisms and
to women will never know prosperity.” isolated in politics18.
The second, originated by Abu Hurayra,
both places women in the same polluting
Critique to the Feminist
category as animals as well as excluding
Interpretation

A Paradigm Shift in Qur‘anic Interpretation on Gender Issue Discourse 18


273
Sovereignty to challenge the theory which
assumes male as an extension of God’s (tranquility).
rule.” By justness, she reveals the term Fatima Mernissi14
zulm (harming to others by transgressing
their rights) in the Qur’an which clarifies The basic premise of Fatima Mernissi
that God never does any zulm to anybody. argument is that gender inequity in the
From analyzing this term, she derives Muslim society does not stem directly
divine justice as “respect for the rights from Islam rather it has developed
of the human as a moral agent”12. And through generations of “the male elite”
God’s “incomparability” means that God authors who misinterpreted the Qur’anic
is absent of anthropomorphic terms; this text in accordance with their own
rejects the attribution of God as male, patriarchy influenced line of thinking.
as represented in the Arabic- gendered Fatima Mernissi argues15 that calls to
language used in the Qur’an. Thus “God religious validation of misogyny are at
is beyond sex/gender.”13 odds with the original egalitarian intent
Barlas asserts that in order to of the Prophet. The inferior position
understand the divine intent, reading given to women in some Muslim societies
should be carried out holistically and is based on a false and male-dominant
intra-textually i.e. reading the Qur’ānic interpretation of the Quran. According
text with outward and inward meaning to her, due to the acceptance of anti-
to reach divine intent. Certain meanings women attitudes in Jewish and Christian
are intrinsic to the text such that anyone traditions that took hold of canonists
can retrieve them if they employ the right (fukahâ), these acceptances also crept
method and pose the right questions. into Islam ology, and thus affected
interpretations related to narrating the
As regards the verse of Sura Nisa life of the holy prophet.16
(4:34) – Barlas points out that any
understanding of Qiwamah as men to be On the issue of Prophet’s objections and
superior because of their intellect and opposition to violence against women,
moral will be contradictory to the verse Fatima Mernissi has pointed out that the
of Sura Tawbah (9:71) –in which the Prophet never meted out any injustice to
Quran designates men and women to be his wives in any part of his life and never
awliya (guardians) to each other. So the did any kind of discrimination between
word Qawwam cannot be interpreted to them. Ibn Sa’d is reported to have said
portray the husband to be a ruler over his that the Prophet never laid his hand on
wife. Otherwise it would be concluded his wives or a slave or a person. 17
that the Quran is flawed which can never The behavior of the Prophet was always
be the case. Thus, men and women are an example for the people around him.
mutual protectors to each other. However, sometimes, very kind and
As regards understanding the word merciful behavior of the Prophet for
‘daraba’ – she contends that any reading women bothered some men as they
to imply ‘hitting’ contradicts the Quranic were having lurking fear of women
view of sexual equality and its teachings becoming to defy their husband and
that marriages should be based on show rebel attitude. Based on Ibn Sa’d
love, forgiveness, harmony and sukun hadith, Mernissi has also added that the
Prophet always objected to women being
17
274 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
inequality and patriarchy?
Asmaa Barlas9
She believes that patriarchal customs
Another Muslim woman intellectual,
and beliefs has been fed into Islamic
Asmaa Barlas has also adopted a
discourses through commentaries and
different hermeneutical approach to
super commentaries on the Quranic
interpretation of Qur’anic text and termed
exegesis, the detailing of life of the
the classical hermeneutics as patriarchal
holy prophet Muhammad (SAW) and
and non-egalitarian in nature. Similar to
explications of hadith texts. Men were
Amina Wadud, she also believes that the
mostly the ones who had developed such
traditionalist interpretations have been
discourses.
not been deliberated in consideration
of thematic and structural coherence In order to understand the patriarchal
rather there seemed to be verse by reading, one should know the
verse exposition. She contends that relationship between hermeneutics
the Qur’an is the words of God and can and history and also the connection
have multiple interpretations based on between the contents of knowledge
the textual context. She further believes and the methods by which it has been
that the earlier commentators seemed generated. As for women liberation
to have been inflicted with misogynistic and free from patriarchal readings, one
understandings. To her, Qur’an does not needs to understand as how to read the
support patriarchy and traditional as texts, what kind of questions to be asked
well as contemporary scholars failed to and answered. She defines the term
properly interpret the sacred texts10. patriarchy as follows:
However, unlike the progressive beliefs, a) Historically specific mode of
she contends that the struggle for women governance rule by father and husbands
equal rights and fairness can be made is considered as a claim to rule over wife
within the framework of the Qur’anic and children.
teachings.
b) Further there is a biological
She starts her arguments by first posing difference between men and women
questions like: Does the Quran teach because of which patriarchy was argued.
sexual inequality or does the Quran She contends that the Quranic teachings
represent God as Father/Male or teach are egalitarian and hence pro-patriarchal
that God has a special relationship with regime cannot be concluded from its
males or males embody divine attributes texts. However, it does not mean that the
and females are by nature unclean, sinful Quran does not treat men and women
and weak. Also does it teach that the rule differently. 11
by Father/Husband is divinely ordained
She also defines Quranic hermeneutics
and an earthly continuation of God’s
by categorizing it into three aspects
rule?
of God’s Self-Disclosure that generate
She further poses another question: liberated readings of the Qur’ān: the
Does the Qur’an permit and encourage principles of Divine Unity, Justness and
the liberation of women? That is Incomparability.
whether the creation of God as well as
By divine unity (tawhid), she
human creation, ontology, sexuality and
demonstrates the “indivisibility of God’s
marriage relationships challenge sexual
A Paradigm Shift in Qur‘anic Interpretation on Gender Issue Discourse 16
275
commentators that a women should be
obedient to her husband or the husband still showing full sanctity of the Quran.
may beat her if she becomes too adamant Instead of terming it un-islamic she
to mend her unbecoming behavior. prefers to say that explanation is against
Here Wadood also argues that the word the accepted opinion. She also contends
‘Qaniteen’ does not specifically mean to that there is a high need to make the text
be completely submissive or obedient more dignified for the contemporary
rather it means the ‘good’ women as women than it was explained during
the same word has been used for both seventh century as evolution of human
men and women throughout the Quran understanding has now reached the
characterizing them as subservient to universal justice and human dignity. She
Allah. The word for specific meaning of further clarifies this notion by explaining
obedience in Arabic used is ‘Ta’ah’. It is that “Quran never overtly advocated
thus cannot be concluded as a condition the eradication of the institution of
for the wives to be completely obedient to slavery and concubinage”8 but now it
their husbands in all respects. The verse is a universally accepted fact that this
also speaks about ‘nushuz’6 which can be practice is unjust. So such interpretations
ascribed to both genders. She opines that in line with the times could be possible
if there is a discord between the husband without corrupting the Quranic text.
and wife then it should be resolved by Unfortunately people have misconstrued
following three steps according to the the word ‘daraba’ and added their own
Quran: The first step is reconciliation connotations from the main meaning
and the second one is separation so as to of the verse. Such misconception led
cool them off and the third and last step to approve domestic violence. There
is the scourge (daraba).The separation is a need to recourse to sequence of
can also mean that after the fight it is reconciliation and harmony rather than
not practical that the husband and wife violence. The Quran has clearly stated
would satisfy their physical needs in the relationship between the spouses
such an emotionally disturbing situation as like garment to each other which
or it could mean a separation of a day or demands mutual respect and honor
few days or it can also be like a state of and not hegemony of male or female.
separation that occurs during divorce i.e. Wadud focuses on the chronological
the iddah period. development of the Quranic progress for
The word ‘daraba’ means ‘strike’. Wadud women. The Quran came to eradicate the
seems to be unclear in explanation ill practices of the Pagan - Arab society but
of the word as she prefers to say that its teachings cannot be restricted to them
‘daraba’ does not necessarily mean to only. Further, if all ill practices were to be
use violence. She also mentions different abolished at once, it would have created
meanings of the word ‘daraba’ like to problems with further complications
leave or ‘strike out on a journey’. and resulted into non-implementation
of the Divine instructions. It is a natural
She further concludes in her arguments: evolution in society which fosters social
“There is no getting around this one, even reforms with regard to women. Hence,
though I have tried through different such transformation and changes are
methods for two decades”7. She has needed to be introduced on the basis of
adopted a strategy of saying ‘no’ while overall intent of the Quran.
15
276 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
women: traditional, reactive and holistic4. final interpretation of the text cannot be
She believes that ‘traditional’ method concluded as there are cultural and other
of Qur‘anic exegesis is not so holistic. It social differences among the people
follows the same approach to interpret worldwide which cannot be ignored and
the verses from beginning to end and hence be taken into account. It does not
there is hardly any attempt made to link mean that such approach will change or
them with other similar themes, issues compromise the main notion and tenets
and principles. She further believes of revealed texts rather it is a reflection of
that since the traditional Qur‘anic different understandings and capacities
exegesis scholars happened to be male, of people to analyze and apply rulings
so exposition of women issues from in diverse, changed and ever-changing
their own experience and perception circumstances. For Wadud, the Muslim
is missing rather women related issues women seem to be immature and naive
were perceived from male perspective. in their attitude and thus consider
Whereas the reactive approach involves themselves as weak and inferior.
strong criticism against the traditional As for the verse, “Men are ‘Qawwamun
hermeneutics and holding them ala’ women (on the basis) of what
responsible for domestic violence, Allah has preferred (‘faddala’) some of
atrocities against Muslim women citing them over some other (on the basis) of
the disappointing plight of women in what they spend of their property (for
Muslim society as indirect consequence. the support of women)”, she contends
In its gut reaction, this approach failed that not all men excel over all women
to distinguish the canonical texts and rather some of the men excel over some
the interpretations and hence went to women. Similarly some women may
another extreme. However, a holistic surpass some men in some matters as
approach of Qur‘anic interpretation the word ‘ba’da’(some) indicates. Hence,
tries to incorporate all concerning issues concluding an absolute superiority of
from modern, social, moral, economic men over women from the verse is not
and political perspective, including right. Because if the meaning was to
contemporary women perceptions. imply the superiority of man, the verse
Amina Wadud considers this approach would have been directly expressed as:
to be more appropriate and acceptable. “they (masculine plural) are preferred
As for Wadud’s approach towards the over them (feminine plural)". She further
interpretation of revealed text, in her argues that in today’s practical world, all
hermeneutical model, the first focal point men are not the sole earning member
is the context of the revelation of the text, rather both men and women together
then the grammatical composition of the earn to meet expenses for their family.
text and finally the broad general view of Further as for another part of same verse:
the text. According to her, though the use “So good women are Qaniteen, guarding
of some terms was specific to the seventh in secret that which Allah has guarded. As
century Arabs but other terms are of for those from whom you fear (nushuz),
universal application. In order to reach admonish them, banish them to beds
the right ‘spirit’ of the Quran in different apart, and scourge them. Then, if they
scenario and situations, a dynamic obey you, seek not a way against them"5,
hermeneutical approach is required. One it has been typically interpreted by the

A Paradigm Shift in Qur‘anic Interpretation on Gender Issue Discourse 14


277
interpretations of the Qur‘an. women intellectuals started to critique
traditional interpretations and conducted
The fourth Surah of the Qur‘an called
research on the interpretation of verses
An-Nisã’ (the women) discusses many
related to women issues especially the
issues related to women. The word
verse of Sura Nisa: 34.
“Qawwamun” has been remained a
subject of debate and discussion among ‫ض َل‬ َّ ‫الن َساء ب َما َف‬ ّ
‫ى‬ ‫ل‬
َ َ َ ُ َّ َ ُ َ ّ
‫الرجال قوامون ع‬
ِ ِ
the modern and traditional scholars. ْ‫ض ُه ْم َع َل ٰى َب ْعض َوب َما َأ ِ َنف ُقوا من‬ َ ْ َ ُ ِ َّ
‫الله بع‬
ٌ‫ات َحاف َظ ِات‬ ٌ ‫ات ٍ َقا ِن َت‬
It was alleged that interpretation of
traditional scholars seems not to be fair ُ َ َّ َ ْ َ ْ َ
‫أموالهم ۚ فالصالح‬
and thus unsuited with modern concept َ‫َ َ ِ ُ ن‬ َّ‫ّ ْ َ ْ ِ ِ َ َ َِ َّ ُ َ ِ لا‬
of gender equality. Hence, to address the ‫ِللغي ِب ِبم َا ح ِفظ الله ۚ وال ِتي لمْتخافو‬
question of gender and women’s right ‫اج ِع‬ ‫ض‬
َ َ
‫ا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ َّ ‫وه‬
‫ن‬ ُ ‫وز ُه َّن فع ُظ‬
ُ ‫وه َّن َو ْاه ُج ُر‬ َ ُ ُ
‫نش‬
ِ ِ
from Islamic philosophical perspective, a َّ‫وه َّن ۖ َفإ ْن َأ َط ْع َن ُك ْم َفلاَ َت ْب ُغوا َع َل ْي ِهن‬ ْ ‫َو‬
ُ ‫اضرُب‬
revisit of interpretation of Qur’anic text ِ
ً َ ًّ َ َ َ ِ َ َّ َّ ِ ً‫َ لا‬
is required. )34( ‫س ِبي ۗ ِإن الله كان ع ِليا ك ِبيرا‬
It has been alleged by the modern “Men are the protectors and maintainers
feminists that interpretations of the of women, because Allah has given the
Holy Qur‘an made in the past seem to one more (strength) than the other. And
be afflicted with patriarchal approach. because they support them from their
Consequently, the issues related to means. Therefore the righteous women
women was also perceived from the are devoutly obedient, and guard in (the
male hegemony perspective and thus husbands) absence what Allah would
interpreted accordingly. Citing the have them guard. As to those women on
historical realities of that time, it was whose part you fear disloyalty and ill-
argued that there was a societal effect conduct, admonish them (first), (next),
on the interpretation and understanding refuse to share their beds, (and last)
of the Qur‘anic verses. Further, when beat them (lightly) but if they return
the holy Qur‘an was revealed during to obedience do not seek against them
7th century, there was a male dominant means (of annoyance): For Allah is Most
society among Arabs who were governed High, great (above you all)”2 (Abdullah
by male heads of their own tribes Yusuf Ali, 2010)
and hence the verses were directly
Some Muslim Feminist and their
considered a response to the socio-
Thoughts
political conditions of that time. But the
Qur‘an is transcendental in nature which Amina Wadud3
lies beyond time and space and therefore
its texts should be reinterpreted by One of the contemporary feminists
taking into consideration the current Amina Wadud advocates that the
social conditions. It was further argued understanding of the Qur‘an be carried
as how come an interpretation made out in the context of modern period
during 7th century can also be equally realities and contemporary women
applicable and compatible in today’s issues with due consideration.
society of 21st century. She explicates three approaches of
Since the late twentieth century, some Qur‘anic interpretation concerning

13
278 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
A Paradigm Shift in Qur‘anic Interpretation on
Gender Issue Discourse

Mahadab Banu1, Dr. Khalid Waheed2


1
Research scholar, School of Arabic and Islamic Studies, BSA Crescent Institute of Science and Technology, Chennai
2
Assistant Professor, School of Arabic and Islamic Studies, BSA Crescent Institute of Science and Technology, Chennai
*Corresponding Author Email: mahadab_sis_phd_2015@crescent.education

Abstract
The Holy Quran and Hadith are the primary sources of knowledge for the re-
ligion of Islam. Their interpretation, therefore, has a larger effect and impact
on right understanding of the divine intents. Various interpretations have
developed over the time in the field of theology and exegesis. This paper aims
at exploring the views of Muslim women feminists like Amina Wadud, Asma
Barlas, Fatima Mernissi etc. and their approach towards Qur’anic hermeneu-
tics. Thus the paper is an attempt to study the feminist approach regarding
the gender equality as how their interpretations differ from the traditional
exegeses and on what basis they have formed a new Quranic understanding
in the context of contemporary development in the light of the current sce-
nario of gender-equality and gender justice.

Keywords: Muslim women, Quranic hermeneutic, Feminist, Gender Equality

Introduction contemporary developments so as to


make interpretation more acceptable
In recent decades, there has emerged a
and compatible with modern thoughts
development in Qur‘anic hermeneutics
and developments in gender studies.
especially by works of the people
like Hasan Hanafi, Nasir Abu Zayd, In this paper we have attempted to
Abdolkarim Soroush, Fatema Mernissi, study such development in Qur’anic
Amina Wadud and Leila Ahmed and hermeneutics expounded by some
Khaled Abou El Fadl, to name but a few1. modernists especially some feminists
Their interpretation of Qur‘anic texts is with respect to the issues related to
at variance with classical and traditional discourse on woman. They have tried
Qur‘anic interpretation. They have tried to explicate the issue with canonical
to analyze the issues in the context of texts through new translations and

A Paradigm Shift in Qur‘anic Interpretation on Gender Issue Discourse 12


279
8 A mobile phone that performs many of the 11 It is a theory of teaching, and in a wider
functions of a computer, typically having a sense, a theory and practical application of
touch screen interface, Internet access, and teaching and learning.
an operating system capable of running 12 Dede, C. (1996). The Evolution of Distance
downloaded apps. Education: Emerging Technologies and
9 Charp, S. (1994). Educational Technological Distributed Learning. American Journal of
Horizons. Educational Journal Distance Education.
10 Inquiry-based learning is a form of active 13 Multimedia is a combination of different
learning that starts by posing questions, content forms such as text, audio, images,
problems or scenarios. animations, video and interactive content.

11
280 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
independently where the student is As a conclusion, Technological education
more motivated to return to learning plays a significant role in achieving
and working because modern technical sustainable development in human’s life.
equipment is widely available at any Findings of the study highlight that today
given moment. Nowadays educational technological education without vision is
technology is required in each and every a life burden. A nation with atomic power
aspect of teaching learning process. is not a strong nation but a nation with
It serves all the purposes for modern people with strong character is indeed
education. Education today can’t go a strong nation. It is always associated
far without the help of educational with technology. The application of
technology. The innovations of educational technology enhances skills
technology in the field of education have and cognitive characteristics. With
done wonders to educational process. the help of new technology comes an
explosion of learning and receiving new
Conclusion information, especially on digital devices.

References

1. Ainley, M., ‘Connecting with learning: 10. www.eduwonk.com


Motivation, affect and cognition in interest 11. www.librarian.net
processes’, 2006.
2. Becker, H. J., ‘Access to classroom computers. (Endnotes)
Communications of the ACM’, 2000. 1 It is an information systems theory that
3. Clark, R. E., ‘Reconsidering the research on models how users come to accept and use a
learning from media. Review of Educational technology
Research’, 1983. 2 Adams, D.A., Nelson, R.R. and Todd, P.A.
4. Clements, D.H., & J. Sarama., ‘Strip Mining (1992), Perceived usefulness, ease of use,
for Gold: Research and Policy in Educational and usage of information technology: A
Technology: A Response to ‘Fool’s Gold.’’, replication
2003. 3 A traditional classroom usually has a number
5. Dynarski, M., and col., ‘Effectiveness of of specific features, including: an instructor
reading and mathematics software products’, who delivers information to students, a
2007. number of students who are all physically
6. Glaubke, C. R., ‘The Effects of Interactive present in the classroom and regularly meet
Media on Preschoolers’ Learning: A Review at a specific time, student participation in
of the Research and Recommendations for lectures and discussion.
the Future’, 2007. 4 Haag, Cummings and Dawkins (1998).
7. John Cradler, ‘Implementing Technology in Management Information Systems for the
Education: Recent Findings from Research Information age, McGraw Hill USA.
and Evaluation Studies’ , 5 The cloud is a metaphor for the Internet.
8. Robert Kozma and Jerome Johnston, 6 Aggarwal, A. (2000). Web-Bsed Learning and
‘The Computer Revolution Comes to the Teaching Technologies: Opportunities and
Classroom”, 1991. Challenges. London; Idea Group Publishing.
9. Tessa Jolls, ‘The Impact of Technology on 7 4
Mobile technology is the technology used
Character Education’, 2008. for cellular communication.

INFORMATION TECHNOLOGY IN TEACHING LEARNING PROCESS: PROSPECT & CONCERNS 10


281
managing risk. It is about maximizing whether there is an interaction between
the positive prospects for individuals users and tools.
and society about living values that Software programs that have the
elevate people and the human condition potential to strongly influence children’s
in even the most trying circumstances. learning experience are
Equipping children with the tools to be
able to evaluate their opportunities and • The educational value of the program.
risks and to make their own choices is • Its ability to engage children in
the ultimate responsibility and gift of learning.
educators to their young charges and
the nation‘s citizens. The developments • Ease of use.
in computers and computing during • Interactivity between the child and
the past quarter of a century have been programs.
so profound that it is not surprising
• The possibility that a software program
that they replaced other technological
monitors the progress of the child.
teaching aids.
Application of Technology Importance of Educational
Technology in Teaching
The application of educational technology
With the development of information and
requires knowledge from several areas:
communication technology, especially
pedagogy, psychology, didactics11,
computers, a number of researchers
computer sciences, informatics...
were trying to see the benefits and the
Because of this diversity, there are also
effect of their use compared to older
different perceptions of educational
traditional learning. With the application
technology, where every author defines
of educational technology, students can
the concept of educational technology,
independently progress in mastering
according to their needs. Educational
teaching materials, to choose the pace
technology is still not being applied
of work, to repeat the material that is
sufficiently, mostly for reasons of lack of
not sufficiently clear, that after tests
school equipment necessary resources
performed immediately get results
and insufficient qualification of teachers
and track their progress. Interactive,
for the implementation of these funds12.
multimedia13 content provides a great
Educational technology has three advantage of modern learning over
domains of use traditional learning.
• Technology as a tutor (computer gives Educational technology is one big
instructions and guides the user) system. First of all, teachers have
• Technology as a teaching tool and a basic knowledge of the use of
educational technology. It takes far more
• Technology as a learning tool. professional training through a variety
When using educational technology of conferences, courses, professional
we should be primarily focused on literature, seminars... in order to
the educational value of the tools and get a better knowledge in the use of
applications we use, how adequate they educational technology. An educational
are in the acquisition of knowledge, technology motivates students to work

9
282 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
can decide about their studies, learning • Coach the students.
time, place and resources in a better way. • Provide individualized instruction.
Students can work in more supportive
environments, seek help from teachers • Direct the students toward cooperative
and fellows, and share their learning as well as collaborative learning
experiences and ideas in romantic and activities.
productive fashion9. • Prepare learning material for students,
Students use Information Technologies rather teaching in conventional
to situations.

• Participate in a media revolution, • Diagnose the learning problem of


profoundly affecting the way they students and help them to overcome.
think about and use information • Solve the study problems of students.
technologies.
Impact of Technology on
• Improve the ways of learning in new Character Education
learning fashions
The Internet and technologies like video
• Extend the ability and skills of applying games appear most likely to impact
their learning in real situation. children’s
• Working in groups for cooperative and development in the moral and pro-
collaborative learning social field. In that sense, new media
• Developing self-learning habits at their is another cultural tool that can be
own pace and time. used strategically to affect a child’s
development in understanding the world.
• Learn with the teacher rather by the Children experience technology from
teacher. birth. Technology as an education tool
• Develop inquiry-learning10 habits. is able to provide in-depth information
on an infinite number of topics on a
• Use right information at right time to global basis. Interactive web sites and
achieve right objective. games provide new worlds in which
• Review and explore qualitative data. children can experiment and play, trying
on various games and as active agents.
• Exchange learning experiences and
These virtual games play on the very
information with others students and
qualities that make physical education
teachers living anywhere in the world.
so integral to character formation. The
ability to participate with others as a
team, learning how to negotiate the
Teachers use the Information
relationship and interplay between self
Technologies to
and others. The impact of technology
• Present the material in more on character education is positive
interesting and attractive way. because technology gives more power
• Guide and help students in searching to the people, and empowers people to
the qualitative material. solve problems more efficiently and to
live better lives. Character education
• Make best use of time. is not just about learning to be safe or

INFORMATION TECHNOLOGY IN TEACHING LEARNING PROCESS: PROSPECT & CONCERNS 8


283
in developing three aspects which are that determine behaviours, attitudes,
character, physique and mentality. Even reactions. All members including
though mentality as well as physique teachers, educational facilities and
is significant, however becomes a government’s commitment need to get
threat without character. Learning is a involved in improving education.
creative way of inculcating emotional, Technology can be used to improve
psychological, moral, physical, aesthetic, learning as in the following ways
intellectual and spiritual dimensions
of the developing student6. Education • With the widespread availability of
helps to develop the skills to meet the student databases that are able to
challenges and ability to value freedom. track individual progress, teachers
It must expand the ability to recognize are encouraged to identify learning
and accept those values which survive objectives and differentiate instruction
in the diversity of gender, individuals, based on the needs of their students.
and cultures and develop the ability to • Whenever teachers attempt to present
co-operate, share and communicate with instruction using technology, they
others. It may also develop the capability should do so using a channel that is
of non-violent conflict resolution and relevant to the objectives, the learning
to encourage the development of inner style, mode and the technology
peace of mind of students therefore they selected.
can establish determinedly the qualities
of sharing, compassion, tolerance and • When evaluating technology-based
caring. And finally it helps to cultivate instruction, there needs to be
feelings of equity and solidarity at higher appropriate evaluation techniques
levels. that are in line with the methods
of instruction, objectives and the
Using Technology in learning technology.
Technology helps us in some cases • Teachers can design follow-up
to overcome problems. In education, activities when using technology to
it gives benefits and influences the evaluate students’ learning and the
learning process. It promotes interactive role technology played in that process.
process between teachers and students.
It facilitates them to discuss through With technology, one can expect
social media or online boards. Different increased efficiency and effectiveness
from face-to-face classroom, they have on both the part of teachers and
enough time to reread and reflect their students. Technology can also prompt
opinions. It also reveals that there are pedagogical change and address issues
benefits of online learning emerged that affect learning, teaching and social
with mobile technologies7 like tablets, organization. Technology can therefore
laptops, or other smartphones8, and be seen as both a tool and a catalyst
the previous instructions are not more for change. Students should embrace
engaged than the online ones. The role technology for them to benefit and
of education is inevitable in producing teachers should be open to introducing
new generation that enables in solving technology into the classroom to improve
the real problems. Education has a very and innovate their teaching practice.
important role in transmitting values Using information technologies students

7
284 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
child to be kept safe. In all cases digital communication
technology can help parents have as • Presentation and social media
much influence on their child’s education software to share project results.
as they choose. Technology can facilitate
teaching and learning by providing
Issue of Values in Technology
space for storing information in various The goal of technology is the
formats, and offering applications which enhancement of the quality of human
aid learning organization. It also helps life. This goal although readily acceptable
to monitor achievements by showing in principle, poses serious difficulties
a progress bar, providing feedback, in its implementation. Experience
printing reports, and suggesting next has values in design and technology
steps. shown that the solution of one problem
sometimes creates other unanticipated
Class organization influences both the
problems and that the same technology
teaching and the learning process from
that brings great benefits to some often
the managerial and the educational
puts others at great risk. Technology
perspective. It also affects communication
brings unequal benefits and costs. The
and monitoring. In traditional classroom3
situation in developing countries where
the teacher could control the whole class
a large percentage of the technology is
from her central place but in digital class
imported raises a whole new range of
room the students are allowed to become
values issues.
more independent.
Education is the medium of awareness,
Technology can change it by providing
success and self-preservation.
tools to enhance
Education gives a stage to succeed
• Group work and the knowledge of character, self-
• Individual work respect, social conduct and strength.
The utmost gift that education gives is
• General instruction knowledge of set of values and genuine
Technology allows the teacher to handle science. The values comprise the simple
diverse classroom settings providing difference between wrong and right,
opportunities for developing student the significance of self-respect and hard
agency. Working on projects gives work. Value education is considered
students the chance to tackle various as means which provides a purpose
aspects of group work organization, in life at the same time of providing
which is one of the best ways to develop professional knowledge. This is the high
agency4. time to reconstitute education on the
basis of values, since today’s education
Tools which enable effective collaboration system moulds individual but not good
include: citizens. Academicians should articulate
• Search engines and virtual drives to the necessity to understand the need for
access and manage information students, purpose of education and values
• Cloud office suites 5for sharing in human life respectively. Education
documents based on values is development of an
• Project management applications individual in three folds irrespective
for organizing team work of their gender and age. It endeavours
• Social media applications for
INFORMATION TECHNOLOGY IN TEACHING LEARNING PROCESS: PROSPECT & CONCERNS 6
285
information and exchanging ideas access to technology, they rarely use
and learning experiences with all in it for developmental purposes. In this
the environment. Technology tools respect technology may be seen as not
make integration of these foundations beneficial at all. In such cases, it becomes
feasible, and technology offers new ways even more important to teach kids how
to contribute positively to character to interact with technology in the way
education. Because the education that will benefit them instead of taking
system is profoundly affected by new away their valuable developmental time.
technologies, structural changes must
be made to teach process skills as well as Role of Technology
content knowledge to address the needs The role of educational technology
of the individuals. in teaching is of great importance
Introduction because of the use of information and
communication technologies. With the
Education means a change in man’s help of various applications, it gives
conduct of life. It means the upgrading the importance and use of educational
of a man’s ability to choose the best technology in teaching learning process.
alternative available in any circumstance
he faces. It means the development of Implementation of technology has the
the person to prepare him to adopt the potential to bring a change in class
best approach to a problem at any given organization and educational approach.
time. Education is defined as ‘adjustment In the present, five areas where
ability to a changing situation and technology may support teachers,
environment’. The number of internet students and parents. They are
users has increasingly grown day by day.
• Technology influences organization
This is an unrecorded change in how
people access information and interacts • Technology enhances learning
with the world. Digital education is resources
developing everywhere. The impact • Technology drives informative
of technology on education delivery approach
remains sub-optimal, because it may
overestimate the digital skills of both • Technology enables personalization
teachers and students. Benefits of using • Technology shows outcomes
technology in education are difficult
to understand because of numerous Some teachers are afraid to use technology
problems. Taking these barriers into in the classroom thinking that they will
consideration is essential for designing never be as tech-ability as their pupils.
a realistic strategy for a meaningful Others use technology on top of their
technology implementation. Children regular paper-based scenarios, instead
growing up in stimuli-rich environments of integrating it. It can be observed that
where education is highly appreciated top-down implementation of technology
will be able to properly interact with will seldom bring positive results.
technology even when they are given Parents have different values, some care
access to it. In contrast, when children about their child’s general development
with limited cultural capital and and happiness, others want tangible
disadvantaged social background receive results, and still others just want their
5
286 2019 ‫يوليو‬
MAJALLA ‫كرياال‬JULY
KAIRALA, ‫جملة‬2019
INFORMATION TECHNOLOGY IN TEACHING
LEARNING PROCESS: PROSPECT & CONCERNS

BEEGOM BENAZIR N
Technical Assistant, Department of Arabic, University of Kerala

Abstract knowledge and skills to the people as well


Information and communication as shaping the personality. Education
technologies become a prominent issue is very important for an individual’s
of our everyday life since the past decade. success in life. It can give a big impact
The need of new technologies in teaching on human opportunity in continuing
learning process grows stronger and their life quality. It is generally seen as
faster. The goal of this paper is to outline the foundation of society which brings
how information technology can help economic wealth, social prosperity
create an education system based on the and political stability. Economic and
principles of helping teachers, students social status depends on education
and administration. Most widely used obtained by individual since education
tools of this revolution of information contributes to individual capability
technology are mobile communication in managing quality of life. It can help
devices such as portable computers, one’s to avoid from poverty, build
tablet, personal computers and smart up harmony and democratic society.
mobile phones. Technology Acceptance Education is the best investment for the
Model1 (TAM) is an important model people because well educated people
offering significant theoretical and have more opportunities to get a job
practical contribution in the field of which gives them satisfaction. Educated
information technologies. TAM is used to individuals enjoy respect among their
identify the factors that affect individuals’ colleagues and they can effectively
resistance to use of technology, contribute to the development of their
understand the reasons for technology country and society by inventing new
acceptance, estimate the responses of discoveries. Role of education is means
users to changes and innovations and of socializing individuals and to keep
examine the relationships between the society smoothing and remain stable.
changes in the system and improvements One of the education essential tasks is to
in the practical usage2. enable people to understand themselves.
Students are able to work in collaborative
Education develops a country’s economy and interactive learning environments
and society hence it is the milestone effectively communicating, sharing
of a nation’s development. It provides
INFORMATION TECHNOLOGY IN TEACHING LEARNING PROCESS: PROSPECT & CONCERNS 4
287
CONTENTS
INFORMATION TECHNOLOGY IN TEACHING
LEARNING PROCESS: PROSPECT & CONCERNS 04
BEEGOM BENAZIR N

A Paradigm Shift in Qur‘anic Interpretation on


Gender Issue Discourse 12
Mahadab Banu & Dr. Khalid Waheed

ROLE OF SOCIAL MEDIAS IN THE ARAB SPRING 22


Noushad V

288 2019 ‫يوليو‬ ‫جملة كرياال‬


Majalla Kairala (Arabic / English)
(Established in 2010)
Journal No. 63752 in UGC Approved list of Journals
RNI Registration No: KERBIL/2017/73653

Issue Kairala
Majalla 14 July .
2019
(Arabic/English)
Vol. 1 • Issue 2 • July 2017

CHIEF EDITOR
Dr. Thajudeen AS
Head, Department of Arabic, University of Kerala

EDITOREDITOR
MANAGING
Noushad
Noushad V
Hudawi
Asst. Professor, Department of Arabic, University of Kerala

ISSN: 2277
ISSN: 2277-2839
– 2839
© All rights reserved. No part of this publication may be reproduced, stored in a retrieval system
or transmitted in any form or by any means, electronic, mechanical, photocopying, recording or
otherwise, without prior permission of the authors. The authors are responsible for the views
expressed in their articles.

Book & cover design: ziyad hudawi


Nujumudeen

₹ 300.00

Printed and published by Dr. Thajudeen A.S. on behalf of Head of the Department,
Printed andofPublished
Department by Dr.of
Arabic, University Thajudheen A.S. on
Kerala and printed behalfUniversity
at Kerala of Head Press,
of the
Department, Department of Arabic, University of Kerala and Printed at
Palayam, Thiruvananthapuram and published at Department of Arabic, University
Kerala University Press, Palayam, Thiruvananthapuram
of Kerala, Kariavattom, Thiruvananthapuram, 695581. Editor: Dr. Thajudeen A S

Contact for copies: 04712 308846 / campusarabic@gmail.com

289
MAJALLA KAIRALA
Peer Reviewed Academic Journal
Issue
Volume 1 • 14 . July
Issue 2 •2019
July 2017

CHIEF EDITOR
Dr. Thajudeen AS

E D I T OEDITOR
MANAGING R
Noushad
Noushad V
Hudawi

Department of Arabic
University of Kerala
Kariavattom, Thirvananthapuram

290 2019 ‫يوليو‬ ‫جملة كرياال‬

You might also like