Professional Documents
Culture Documents
رئيس التحرير
الدكتور تاج الدين املناين
املحرر
اإلداري املحرر
السيد نوشاد الهدوي
1
Majalla Kairala (Arabic / English)
(Established in 2010)
Journal No. 63752 in UGC Approved list of Journals
RNI Registration No: KERBIL / 2017 / 73653
Issue .
Issue 1314• January
July 2019
2019
CHIEF EDITOR
Dr. Thajudeen AS
Head, Department of Arabic, University of Kerala
EDITOR
MANAGING EDITOR
Noushad Hudawi
Noushad V
Asst. Professor, Department of Arabic, University of Kerala
ISSN: 2277-2839
₹ 300.00
Printed and published by Dr. Thajudeen A.S. on behalf of Head of the Department,
Department of Arabic, University of Kerala and printed at Kerala University Press,
Palayam, Thiruvananthapuram and published at Department of Arabic, University
of Kerala, Kariavattom, Thiruvananthapuram, 695581. Editor: Dr. Thajudeen A S
اآلراء التي تحويها املقاالت املنشورة يف هذه املجلة هي آراء شخصية لصاحب
.بالرضورة
العريب بالرضورة
القسمالعربية سياسة هذا
قسم اللغة وال تعكس
تعكس سياسة املقاالت وال
املقاالت
3
168 n
ّ
البالغية؟ (قراءة في املناهج والغايات) ّ
البديعيات من املنظومات هل
د .سليمان العميرات
176 n الشیخ علي الطنطاوي وكتاباته عن الهند
د .محمد طارق
بسم هللا الذي بيده تتم الصالحات.و الصالة و السالم على من كان سببا في خلق
الكائنات وبعد
يظل نشر األبحاث العلمية مهما في حياة كل من األساتذة و الباحثين في مسيرتهم
البحثية و األكاديمية ،ويعد نشر األبحاث العلمية خطوة هامة يجب أن يقوم بها
كل باحث أكاديمي جاد في عمله ،و هى تعد تأريخ ألبحاثه العلمية ،و توثيق و تقييم
مسبق لكل ما يتوصل له من نتائج و أبحاث ،و تعد مساهمة جادة و واجبة على
كل باحث علمي أو طالب دراسات عليا ،لنشر املزيد من العلم بطريقة مستمرة ،
و إثراء املحتوى العلمي و الفكري بشكل متطور.
ومجلة كيراال التي تصدرمن قسم اللغة العربية بجامعة كيراال لعبت وال تزال تلعب
دورها الهام في أداء هذه الفريضة األكاديمية بنشر املقاالت ذات القيمة البحثية
في مجلداتها السابقة و قد اعترفت بها الجاليات األكاديمية .و بحمد هللا قد حاولنا
حسب استطاعتنا ان نضم في هذه النسخة الجديدة أيضا مقاالت حول اللغة
العربية وأدبها .وقد ساهم معنا في انجاز هذه النسخة عدد من األساتذة املوقرين
من الجامعات املختلفة في العالم .و ال نن�سى اإلسهامات التي قام بها الباحثون من
داخل الهند أيضا .و نشكرالجميع من صميم قلوبنا و ندعو هللا عزشأنه ان تكون
هذه املحاولة املتواضعة في ميزان حسناتنا و ان يجزي لكل من شارك معنا فيها
بأحسن الجزاء .و نتمنى ان تكون هذه النسخة أيضا مفيدة لكل من الباحثين
و القراء.
5
�أثر الفرو�سية يف اللغة ال�شعرية لعمرو بن
معدي كرب الزبيدي �أمنوذج ًا"
ذات عالقة وطيدة بشخصيته الفروسية ،وترتبط بسم الله الرحمن الرحيم
بروافد حياته البطولية ارتباطاً جلياً ،فكانت هذه الحمدلله وكفى ،والصالة والسالم عىل النبي
األلفاظ والرتاكيب مفاتيح نصوصه الشعرية ،يف املصطفى ،وعىل آله وصحبه وكل من اقتفى،
جميع قصائده ،وهي العالمة البارزة التي تدل
املتلقي إليه ،وتأخذ بيده ملعرفة هويته. وبعد :فإن الشاعر ابن بيئته ،يتأثر بالحياة حوله،
ويتشكل أسلوبه مبا فيها من أمناط معيشية
ومن هنا أراد هذا البحث أن يقف عىل أثر وحياتية ،وتسهم ظروفه االجتامعية والثقافية يف
الفروسية ،وتوجيهها للغة الشاعر ،ورسم مالمح رسم مالمح شخصيته وأبعادها النفسية ،وكان
معجمه ،فجاء بعنوان «أثر الفروسية يف اللغة من اآلثار املرتتبة عىل هذا االرتباط ،املواءمة
الشعرية عمرو بن معدي كرب الزبيدي أمنوذجاً. بني الشاعر ولغته الشعرية التي انتقاها ،وساقها
وقد تضمنت هذه الدراسة ،مقدمة ،ومتهيد، لتصوير تفاصيل من حياته ،ونقل تجربته
وفصلني ،وخامتة ،مذيلة بثبت للمصادر واملراجع، الشعرية ،وهي ترتبط بهويته الخاصة ،وتعكس
يعقبه فهرس املوضوعات . أحاسيسه الوجدانية ،وانفعاالته النفسية .
فاملقدمة :أذكر فيها سبب اختياراملوضوع ولعمرو الزبيدي لغة متيز أسلوبه ،وتحدد مالمح
وخطته ،وجاء التمهيد ،عن اللغة الشعرية ،ثم شاعريته ،ولعل هذا التميز ينبع من كونه بطالً
الفصل األول بعنوان «التشكيل اللفظي للغة شجاعاً ،وفارساً مغوارا ً ،ترشبت روحه كؤوس
الشعرية» ،وينقسم إىل ثالثة مباحث: الفروسية املرتعة من ينابيع البيداء ،ومجاهل
األول :ألفاظ الخيل وأوصافها . املفازات ،وعاش يف بيئة جاهلية ،تنادي
الثاين :ألفاظ الحرب والجيش واألسلحة . بأخذ الثارات ،وتهتف بشعار القوة ،لتحقيق
االنتصارات .
الثالث :ألفاظ األحداث والرصاع .
وقد اصطبغت لغته بلون فرويس ال ميكن
وأما الفصل الثاين بعنوان «التشكيل الفني للغة تجاهله ،وال يخفى عىل املتتبع لشعره مالحظته،
الشعرية» ،وينقسم إىل مبحثني : وعليه فإن شعره يتكون من ألفاظ وتراكيب
6 يوليو 2019 جملة كرياال
تقس ُم أو تهونا
نحاذ ُر أن َّ األول :التكرار .الثاين :التصوير
فهذه الحياة العربية بكل ما فيها من مؤثرات الخامتة :وتتضمن أهم النتائج التي انتهى إليها
طبيعية واجتامعية وثقافية ،أسهمت يف ظهور البحث .
الشعراء الفرسان ،الذين أخذوا عىل عاتقهم صون ونأمل أن يؤيت هذا البحث مثاره املرجوة ،والحمد
األعراض ،وحامية الديار ،وتحقيق االنتصار ،ولعل لله أوالُ وآخرا ً .
لغتهم الشعرية ارتبطت بتلك املؤثرات ،التي
أحاطت بهم ،وشكلت مالمح فنهم ،ودلت عىل
التمهيد
مفاتيح نصوصهم ،فارتسمت هويتهم الشعرية، اللغة الشعرية
وتبلورت لغتهم ،وتحددت رموزها« ،فالشاعر الناظر يف املعاجم العربية ،يجد بعضها يربط بني
يفتح أعينه عىل مختلف األوضاع االجتامعية الفروسية كصفة ،وامتالك صاحبها للفرس،
والفكرية ،فيضعها بعملية غري مبارشة يف منطقة « والحقيقة ان امتالك الفرس وحده ،ال يكفي ألن
اهتامماته الحياتية؛ ألن الفنان إذا احتلت فكرة يكون سبيالً إىل الفروسية؛ ألن هذا الحكم يرتتب
ما حيزا ً يف منطقة وعيه الجاميل ،فإنه يصدر عنها عليه أن يكون جميع أفراد العرب فرساناً؛ ألن
بطريقة تلقائية»(. )4 ()1
امتالك الفرس غالباً كان من لوازم كل عريب»
ولعمق هذه العالقة التي تربط الشاعر مبجتمعه والحياة العربية بطبيعتها القامئة عىل الغزو
وتأثره به « ،فإن لغة الشاعر تختلف باختالف والغارات ،تتطلب الشجاعة واإلقدام ،ملواجهة
تجارب الشاعر ذاتها ،تلك التجارب التي تؤدي إىل الخطوب ،فهم يف حرب ال يخبو أوارها ،وال يربد
إبداع قصيدة لها لغتها الخاصة بها وال تشاركها رمادها ،فقد يتنافسون عىل رئاسة أو ماء أو
تركيباتها لغة الشاعر يف قصائده األخرى «(. )5 مرعى ،أو يطلبون ثأرا ً ،فحياتهم قتال ،أو تأهب
ومن ثم ولكرثة التجارب املختلفة ،ينشأ للشاعر لقتال ،وكثريا ً ما نشأت الحروب بني القبائل من
معجم لغوي ،له دالالت ومعان ،تدل عىل نفسه، أجل برئ روية ،أو أرض مخرضة ،يقول مالك بن
وترتبط مبوضوعه ،وتصبح لغته الخاصة به « معاوية(:)2
من خيوطها ينسج الشاعر أدميه ،ومن رشايينها قوم
السحاب بأرض ٍُ إذا نزل
تتدفق الحياة يف عروقه ،وعىل قدر ثرائها تتوافر رعينا ُه وإن كانوا غضــــــــابا
حيوية دافقة يف قلب الكيان الشعري»(. )6 بكل مقل ٍَّص عبل ِشواه
ِّ
ـــــــــعت أعنته َّن ثابا
ْ إذا ُو ِض
وليك يكون للشاعر لغة شعرية خاصة يتفرد بها،
و مام الشك فيه أن العريب قد أحب املرأة،
البد أن تكون لديه مهارة فائقة يف التعبري عن
وعشقها ،ووقد القصيد بذكرها ،وجزع من ظعنها
مكنون ذاته ،وتصوير تجربته الشعرية وذلك بأن
وهجرها ،ومن هنا كان الفرسان يستبسلون يف
« يختار من الكلامت أدقها يف أداء املعني الذي
املعارك حتى ال تسبى نساؤهم ،وال يلحقهن
يجول يف نفسه ،فقد تتقارب الكلامت من حيث
الهوان ،يقول عمرو بن كلثوم(: )3
املعنى ،ولكن بعضها يكون أدل عىل إحساس
الشاعر من بعض ،والشاعر املوفق هو الذي بيض حسا ٌن
عىل آثارنا ٌ
ً 7
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
حر اللقاء بعد أن أخذ طريقه إىل النفوس ،وعرف يهتدي إىل الكلمة التي تكون شديدة اإلبانة عام
()10
دروبه بني قنوات الفنون الشعرية األخرى» يريد»(. )7
.وهذا ما نجده لدى شاعرنا الفارس املغوار، ويرى بعضهم ،أنه البد أن تكون اللغة الشعرية،
واملقاتل الصنديد ،عمرو الزبيدي( ،)11فاللغة شديدة التواؤم مع القضية التي يطرحها املبدع،
الشعرية لديه تتأثر مبا لديه من حس فرويس، وتتآلف مع الفنون الشعرية التي يخوض فيها،
فنحن حني نتصفح ديوانه ،نجد رضباً من فيتخري عبارات وتراكيب ،ذات طابع ينسجم مع
الشعر له طابع مختلف ،ومالمح خاصة تجعلنا ما يريد البوح به يف تجربته الشعرية.
نعيش معه أجواءه البطولية ،ونستشعر مفاخره
وقد يشرتك شعراء طبقة من الطبقات ،أو فئة
القتالية ،ونشاركه مالمحه الحربية .
من الفئات يف ظروف واحدة تحيط بهم ،وعوامل
وإذا بحثنا يف لغة عمرو الشعرية وجدناها، بيئية متشابهة ،ويتقاسمون قضايا وهموم
قريبة من طبيعة إحساسه االنفعايل املصاحب واحدة ،ولكن البد من أن يكون لكل واحد هويته
لهمومه ومعاناته ،فكانت انعكاساً ملا يدور يف الخاصة يف لغته املستخدمة ،فخضوع مجموعة
خاطره من انفعاالت وخلجات ،وما يكتظ يف من الشعراء لتأثريات مشرتكة « ،ال يعني إنتاج
أعامقه من نبضات ،حتى أصبحت وعا ًء يحمل معجم شعري مشرتك إذ يبقى لكل منهم معجمه
كل معاين الفروسية ،وقالب تنصهر فيه مكنونات الخاص»(.)8
شاعريته .
« ولكل شاعر منهجه وطرائقه يف التعامل مع
األلفاظ ونظمها ،وطريقة الشاعر يف بنائه إىل
الف�صل الأول : إحاطته بالظواهر اللغوية ،كاالشتقاق – مثالً
الت�شكيل اللفظي للغة ال�شعرية – والرتادف ،والتضاد ،وترجع كذلك إىل تنبهه
أوالً :ألفاظ الخيل للخصائص الدقيقة ملعجمه الشعري ،الذي يجعله
قادرا ً عىل التوحد مع الحدث ،إذا استطاع أن
ثانياً :ألفاظ الحرب والجيش واألسلحة يختار ألفاظه لتكون قريبة من طبيعة اإلحساس
ثالثاً :ألفاظ األحداث والرصاع ()9
االنفعايل املصاحب للمعاناة «
وقد يشرتك طائفة من الشعراء يضمهم منهج
أوالً :ألفاظ الخيل واحد ،أو فن واحد ،يف معجم شعري يشرتكون
الخيل مفخرة العريب أي مفخرة ،به يرتقي القمم، يف ألفاظه وتعبرياته ،ولكن يبقى لكل منهم
ويعتيل سامقات الشمم ،يقول الجاحظ »:لقد وجهته ورؤيته يف استعامل اللفظ مرتبطاً بنفسه،
استأثر الخيل بحب العرب منذ أقدم العهود؛ ملا ومعربا ً عن خبيئته ،ومن هذه الطوائف ،الشعراء
تؤديه من خدمات يعجز عن أدائها سواها ،لذلك الفرسان « وأوشك هذا الرضب من الشعراء أن
كانت عنايتهم بها عناية شديدة ،واهتاممهم يجمع معجامً من األلفاظ ،ويوحد رضباً من
برتبيتها اهتامماً بالغاً ،فيها من خصال الرشف األساليب ،وينسق وحدة التعابري التي دارت عىل
واملنافع ،والغناء يف السفر والحرض ،ويف الحرب ألسنة املقاتلني ،وهم يجابهون املعركة ،ويذوقون
8 يوليو 2019 جملة كرياال
وعمرو الزبيدي شاعر فارس ،وبطل مقدام ،ألف والسلم ،ويف الزينة والبهاء ،ويف العدة والعتاد ،ما
ركوب الخيل ،وافتخر بخفة حركتها ،ومتيزها ليس يف غريها من الحيوان»(. )12
باملرونة ،واملراس عىل فنون القتال ،فهي تطاوع وقد عشقوا الخيل حتى منتهى العشق ،وهاموا
فارسها عىل الكر والفر واالنعطاف ،وتسايره عىل بها كل الهيام ،واعتنوا بها منتهى العناية ،واهتموا
املراوغة وااللتفاف ،دون خور أو نفور أو تعرث أو برعايتها وتربيتها وتدريبها ،وجهدوا يف إعدادها
سقوط ،فيذكر الفرس الشديدة الرسعة ، للحروب واألهوال ؛ «وذلك أن العرب أرباب
التي تبدو من رسعتها وكأنها تسبح يف الفضاء، حروب وغارات ،يغريون أو يغار عليهم ،فالبد
يقول(: )16 من قرب الخيل منهم؛ ألنها حصونهم الحصينة
سبوح
ٌ وقد أغدو يدا ِفعني التي يلجئون إليها ،ومعاقلهم التي يجتمعون
شدي ٌد أسرْ ُهُ ف ْع ٌم ســـــــري ُع بها ،فالفرس عدة الفارس يف الحروب والغارات
إن الفرس رغم امتالئه وعظم خلقته يف أعضائه – والغزوات ،وحصن حصني له من األعداء يف
التي تدل عىل قوته – ال يكل وال ميل من الجري الغارات ،لحاميتها وغريتها عىل فارسها»(.)13
والعدو ،ومواجهة األعداء ،وكأنه يسبح بفارسه وتؤكد كتب التاريخ وتراثه األديب ،أهمية الخيل
يف الهواء ،فال يكاد يرى من رسعته وشدة عدوه ، يف حياة العريب ،واحتفائه بها ،فهو كان وال
وتظهر أثر رسعته يف املعركة ،يقول(: )17 يزال يدنيها منه ،ويجعلها مشارك ًة له ،وألبنائه
علمت سلمى وجارت ُها ْ قد يف املأكل واملرشب .وقد يصل يف احتفائه بها
الـــــــــــفارس إال أنا
َ ما قَطَّر مبلغاً عظيامً ،يصل بها إىل أعىل من منزلة األبناء
َّكت بالرم ِح حيا زميَه شَ ك ُ واألهل ،فتكون مقدمة عليهم ،واألثرية عنده،
والخيل تعـــــــــدو ِزيمَ ا بيننا ُ يجوعون وال تجوع ،وتأكل وال يأكلون ،ومكانة
فالزيم :التفرق ،فإذا تفرق املحاربون يف ميدان الخيل ال تقترص عىل مسألة الغنى والفقر ،يقول
املعركة ،يف محاولة لتجنب القتل ،ترى خيل ابن هذيل ( « : )14مل تزل العرب تفضل الجياد من
الشاعر تجري بفرسانها ،لالنقضاض عىل أعدائها، الخيل عىل األوالد ،وتستكرمها للزينة والطراد،
فريدوهم قتىل أو مصابني . عىل أنهم يطوون مع شبعها ،ويظمئون مع ريها،
ويحدثنا عن أثر رسعة فرسه ،واألثر املرتتب ويؤثرونها عىل أنفسهم وأهليهم عند حلول
عىل ذلك ،حني ترجم األرض بحوافرها يف سريها األزمة واألدواء « .
وعدوها ،فيصدر عن ذلك االرتطام صوتاً عالياً، وكانوا يتباهون باقتنائها ،ويتسابقون يف الحظو
يقول(: )18 بها ،والفوز بأصفاها وأنقاها نسباً ،وأجودها نوعاً
والخيل تَ ْرديُ دعاين دعو ًة وعتقاً ،ودارت أوصافهم لها يف شعرهم ا ،فلم
فال أدري أباســـمي أم كَ َناين ؟ يكادوا يرتكون عضوا ً من أعضائها ،إال وصفوه،
يُلَ ْجلِ ُج كُ ْنيتي وتَرِي ُغ اسمي «واشتهر كذلك جامعة من الفرسان الذين
فُالناً مـــــــــــــــرة وأبا فالنِ أظهروا بطولة نادرة يف حربهم عليها لخصومهم
فكا َن إجابتي إياه أنيِّ وأقرانهم وهم كثريون ،فقد كان لكل قبيلة فارسها
ْت علــــــيه خ َّوار العنانِ عطف ُ (.)15
وفرسانها الذين يتدربون عىل ركوب الخيل «
ً 9
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
إذا احتدم القتال وأوقع الشاعر وقومه أعداءه فمن شدة رسعة فرس عمرو يف الهجوم عىل
من عىل ظهور خيلهم ،قامت الخيل باإلجهاز عدوه ،أحدث صدمة أذهبت عقله وأطارت لبه،
عليهم «لدسناكم بالخيل من كل جانب» . فال يدري مبا يقول ،أو يهذي هذيان املخبول ،فإذا
عىل أن الخيل ال تدهس رؤوس العدو فقط ،بل كان عىل تلك الحالة ،عطف عليه بفرسه الرسيع
تضعف أهم قوى لديه ،وهي فرسه ،انظر إليها وأجهز عليه .
ماذا تفعل يف ميدان املعركة(. )24 وباإلضافة إىل الرسعة التي يجب أن يكون عليها
ْت لها بخيْلٍ وخيلٍ قد َدلَف ُ الخيل ،فهناك صفات أخرى يذكرها الشاعر،
رضب وجي ُع تحي ُة ب ْينهم ٌ فيقول(: )19
فتحية الخيل هذا النوع من الرضب الوجيع، ون َّجاك خ َّوا ُر العنانِ َم َقل ٌَّص
الذي يفل قوة الفرس التي تحمله . طويل عام ِد الصدر من خيلك الشُّ هب ُ
والبد أن تتوافر يف الخيل صفات أخرى ،لعل من فأداة نجاته خيله ،خصوصاً إذا جمعت مع
أهمها ،أن يكون عربياً أصيالً ،يعرف الرسعة ،سهولة القيادة ،وطول القوائم ،وكنى عن
باملهارة والطاعة ،وحسن االستعداد للمعركة، طول متنه «بطويل الصدر» فيعني هذا الطول
يقول(: )25 مع الرسعة عىل شدة العدو ،التساع الخطو،
ومـــــُ ْر ٍد عىل ُج ْر ٍد شهدْتُ ِطرا ُدهـــــــا فينجو بنفسه من الهالك .
الشمس أو ح َني ذ َّرتِْ قُ َب ْي َل طُلُو ِع ويؤكد عىل الرسعة ،ويضيف إليها سالسة قيادة
فالجرد جمع أجرد ،وهو الفرس القصري الشعر، الخيل ،وانصياعها ألوامر فارسها ،يوجهها الوجهة
وهذا من عالمات العتق والكرم. الحق ،فتطيع ،يقول(:)20
وأكد الشاعر عىل صفة خيله العربية األصيلة يف أعا ِذ ُل ِشكَّتي بدين و ُرمحي
قوله(: )26 وكل م َقل ٍَّص َسلِــــــس القيا َد ُ
وكم من فتي ٍة أبنا ِء ٍ
حرب ومع الرسعة يضيف الشاعر إىل خيله ما يجعلها
عىل جر ٍد ضوا ِم َر كالقــــدا ِح تقع يف النفس موقع الرهبة ،فهي ضخمة يف
صبَ ْح ُت بهم بيوتَ بني زيا ٍد خلقها ،عظيمة الهيئة ،يقول(: )21
وج ْر ُد الخيلِ تعثرُ ُ بالرماح و ِع ْجلِ َز ٌة( )22تز ُِّل اللِّبد عنها
وقد أحسن الشاعر تدريبها ،وتنمية مهاراتها، أَ َم َّر رساتِها َحلَق الجيـــــــــاد
وحسن استخدامها يف ميدان املعركة يقول(:)27 يحتاج الشاعر هذه الضخامة يف الخيل ،لبث
وقد ك ْن ُت إذا ما الحـ الرعب والفزع يف نفس عدوه ،والقضاء عليه،
ـي يوماً كرهوا صــــــــلْحي ُّ يقول(: )23
الخيل بالخيلِ أل ُُّف َ أعباس لو كانت ِشيارا ً جيا ُدنا ٌ
بـــــــــــــح بالنب ِح
َ وأكفي ال َّن بتثليثَ ما ناص ْب َت بعدي األحامســــا
فإذا مل يكن مجاالً للصلح ،حتى ولو كان عىل جانب
ل ُد ْس َناكُم بالخيل من كل ٍ
كراهية ،كانت املعركة التي يستعني فيها بخيله داس طبا ُخ القدو ِر الكرادســـــــا كام َ
املدربة املاهرة ،ومن ثم تراه يعنى بها . وقد «شار» الفرس :أي سمن وحسن ،ومن ثم
10 يوليو 2019 جملة كرياال
االنتصارات ،فانظر إليه يحدثك عن خيل الهزمية، ويهتم بأمورها وشؤونها ،يقول (: )28
يقول(: )34 عمرو عىل طو ِل ال َو َجى َد َهاها
ملا رأى الجم ُع املص َّب ُح خ ْيلَه بالخيلِ يحميها عىل َوجاها
مبثوث ًة ككواسرِ ِ ال ِعقـــــــبان حل بها احتواها حتى إذا َّ
فامذا يصلك من كوارس العقبان؟ إنها التي تكرس فالوجى :الخفا ،وهو أن يرق الحافر( ،)29فانظر إىل
جناحها وتضمها إذا أرادت السقوط ،فهذا الجمع عناية الشاعر بخيله ،واهتاممه برتقيق حافرها،
من األعداء الذين صبحوهم بغارة ،كانت خيولهم فيتحقق لها الرسعة الفائقة
أثناء املعركة وبعدها كحالة كوارس العقبان اآليلة وهو يختار أحسن الخيول العربية األصيلة يف
للسقوط . نسبها ،يقول (: )30
فشاعرنا فارس ،انصهر يف فنون القتال ،وبرع يف يُ َه ِّجن سليام ُن بنت البَعيـ
فخصها مبساحة واضحة من شعره، سياسة الخيلَّ ، ـث جهالً لسلام َن بالكــــامل ْه ِ
فرتددت عنده ألفاظ الخيل أو ما يرادفها ،ودارت فإن كان أبْصرَ َ مني بها
عىل لسانه العديد من صفاتها وألوانها ،وكل ما فأُ ِّم َي ال أُ ُّم ُه هابِلـــــــــــــــ ْه
يتعلق بقوتها وشدتها ،وجامل خلقتها وصالبة فيعرف سلامن ،بسلامن الخيل ،ألنه كان ييل
جسدها ،فذكر « الخيل ،والخيول ،والفرس، الخيول اهتامماً يف خالفة عمر ريض الله عنه،
والجواد ،السبوح ،والشديدة ،والفعم ،والرسيع، والكاملة هي فرس عمرو ،وهي بنت البعيث،
وخوار العنان ،واملقلص ،وطويل الصدر ،وسلس عرضها عىل سلامن بن ربيعة الباهيل ،فهجنها،
القياد ،والعجلزة ،واملرد ،والجرد ،والضوامر. فقال عمرو :هجني يعرف بالهجني ،وأنشأ
ثانياً :ألفاظ الحرب والجيش واألسلحة البيتني(.)31
ويفضل عمرو الفرس عىل الزواج باملرأة ،وال يجد كلمة حرب رنانة لها وزنها يف دواوين الشعر
العريب ،ولها تأثريها يف تسيري مصائرهم ،تبدأ حرجاً يف الترصيح بذلك ،يقول(: )32
الحروب بفتيل صغري ،وما تلبث أن تلتهب برأس ِط ْر ٍف ِّجام ِ
لَ َق ْع َق َع ُة الل ِ
أَ َح ُّب إِليِ َّ من أَ ْن ت َ ْنكـــــِحيني ألسنتها نرياناَ مشتعلة ،تجرعوا مرارة كأسها،
فإذا أمسك بلجام الفرس ،وصدر عنها صوتاً عالياً وذاقوا من ورائها سامً زعافاً ،وتكبدوا من جرائها
إذا وقع بعضه عىل بعض ،يستحث الفرس عىل الويالت واألهوال ،وعانوا من وطأتها املصائب
واآلالم ،فكان للحرب فرسانها األبطال ،الذين العدو والجري ،فهذا أحب إليه من أن يتزوج .
ومن ثم ولحرصه عليها ،فهو حريص عىل حياتها ،مترسوا عىل الفروسية وركوب الخيل ،يقول :
()35
يقيم أودها ،ويحرص عىل غذائها حتى إنه يفضلها وكم من فتي ٍة أبنا ِء ٍ
حرب
عىل جر ٍد ضوا ِم َر كالقدا ِح عىل سائر طوائف الحي باإلطعام ،يقول(: )33
وينفي الشاعر أن تكون الحرب مبشاهدها خيل مربَّط ٌة عىل أعالفها ٌ
الحي باألَلبــــــانِ املؤملة ،سبباً يف هرمه وبياض شعره ،مام يدل عىل يُ ْق َفينْ َ دون ِّ
وال ينىس عمرو أن يرينا الجانب اآلخر من الخيل ،اعتياده لكل ما يجري فيها ،يقول :
()36
الحرب ركني
ِ اس
فإذا كانت – فيام سبق – خيل املعركة وتحقيق فام أوهى مر ُ
ً 11
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
يفتح ذراعيه ويهزها ،وهو راكب فرسه ،مندفع ولكن ما تَقَا َدم من زمـــــاين
إىل ساحة القتال؛ ليبث بشجاعته وجرأته ،الرعب فمامرسات الشاعر يف املعركة ،وما يقابله فيها
يف قلب خصمه وعدوه ،فيقىض عليه . من أهوال ،مل تكن السبب يف هرمه ،والتعجيل
ومن ألفاظ الحروب ومرتادفاتها ،إىل ألفاظ ببياض شعره ،وإمنا تقدمه يف السن؛ لتوايل األيام
الجيش ،فالحروب ال تنشب ،ويشب أوارها ،إال ومرور الزمان.
عن طريق التقاء الجيوش ،ولذلك كان اللفظ كثري ويحدثنا عن رؤيته للحرب ،فهي تغري النفوس
الدوران عىل لسان الشعراء الفرسان ،فالجيش بالخوض فيها ،فإذا خاضوها كانت عواقبها التي
أحد طرفني ،طرف مع الشاعر وطرف عليه ،يظهر ال تحمد ،يقول(: )37
الشاعر مع الطرف الخصم شجاعته وفروسيته الحرب أ َّول ما تكو ُن فَت َّي ٌة
ُ
وبطولته .يقول عمرو(: )41 لكل جهو ِل
تسعى بزينتها ِّ
أسد ٍ
بجيش وهم زاروا بني ٍ
جيـــــش غريِ ِ
وغد ٍ اب مع الع َّب ِ وهناك مرادفات لكلمة الحرب ،جاء بها الشاعر
والعباب :ربيعة بن دهني ،وسمي العباب ألن ليدل بها عىل معان جديدة ،ومنها قوله (: )38
(42
خيله عبت من الفرات حني جاءت من اليمن كل امرئٍ يجري إىل
)،وهنا يتهكم بها ألنها زيارة شؤم ،بجيش سامته يوم الهِياج مبا استــــــــــع َّدا
الكرثة التي شبهها بخيل العباب ،فإن تعب فهو وقد قال «الهياج» بدالً عن الحرب؛ للداللة عىل
دليل عىل كرثة الخيول. السياق الذي وردت فيه لفظة «الهياج» فهي
ويبدو أن أبرز سامت الجيش وأهمها هي كرثته، تدل عىل االضطراب والتدافع واالختالط ،عند
فالشاعر يؤكد ذلك بقوله(: )43 اللقاء ومواجهة الخصوم .
جيش صعد َة بالقنا ونحن هزمنا َ وبعد بيان حقيقة فهم الشاعر للمعركة ،وبيان
الجيش يو َم بوا ِر
َ ونحن هز ْمنا هذا الفهم املتمثل يف الفرار يف موطن يجب
ظل جن ٌد كأنَّهجوا ِف َل حتى َّ الفرار منه ،يقول(: )39
عاصب بخام ِرٌ من النقْع شي ٌخ كل ما ذلك م ِّني ُخل ٌْق
ُّ
فكم يقدر عدد هذا الجيش الذي يتصاعد من وبكلٍ أنا يف ال َّروع جـــــــدي ُر
ميدانه الغبار ،فال يستطيع أن يرى الفارس كف فهذا من فروسيته التي يتمتع بها الشاعر ،فهناك
يده ،كالشيخ العاصب بخامر ،فال تتبني معامله . فروسية السيف ،وفروسية العقل التي تحتم
والشاعر ال يجهز إال الجيش العرمرم ،ولكن قد عليه الفرار يف موطنه يف ميدان املعركة ،غري أن
يثنيه عن الخروج به أمر ما يقول(: 44 الشاعر عرب عنها بالروع؛ ليدل بها عىل أنها ميدان
الخيرْ ِ فاعلمي لعم ُرك لوال أَ ْج َد ُع ِ الخوف .
لقدْتٌ إِىل ه ْمدا َن جيشاً عرمرماً ويقول مشيدا ً مبا حققه من نرص مع حلفائه :
()40
فقد احرتز بعدم تجهيزه عىل هذا النحو ،شفاعة نالوا بثأرهم وفَا َز رئيس ُهم
لزوج أخته األجدع بن مالك ،فارس همدان بأخي الهزا ِه ِز تحت ن ْجــــــــــد امل ْنظَ ِر
وشاعرها . فلامذا الهزاهز وليست الحرب ؟ إنه الفارس
12 يوليو 2019 جملة كرياال
فالجيش مقسم إىل خمس أقسام حربية ،كام ومن الدهاء الحريب تقسيم الجيش ،عىل حسب
هو التقسيم املأخوذ يف املعارك الحديثة ،ميمنة ما يذكره عمرو،يقول(: )45
وميرسة ووسط وأمام ومؤخرة ،لكل جامعة ملا رأوين يف الكتيف ِة مقبالً
دورها ووظيفتها يف املعركة ،حتى ال يكون الجيش وس َط الك ِتيب ِة مثل ضو ِء ْ
وحدة واحدة ،فإذا أصابه هدف أصابه يف مقتل . الكوكب
ِ
أما ألفاظ األسلحة فتناثرت بشكل ال يخفى عىل فمن حسن اإلعداد ،تقسيم الجيش ,فقد أشار
متصفح الديوان ،ولعل السيف يأيت يف مقدمة إىل تقسيم الجيش إىل فصائل وكتائب عىل النظام
هذه األسلحة ،فأصبحت حاملته ال تفارق عاتقه، الحديث ،فالكتيبة ليست الجيش ،وإمنا هي
رفيق دربه يف املفاوز والفلوات ،وساعده اليمني، جامعة ،لكل منها مهمتها التي تؤديها .
وعضده األمني ،واملخلص الذي ال يخون ،فعرف ويؤكد عىل هذا التقسيم الذي يدل عىل خربة
أنواعه وصفاته ،وفخر بأجوده صناعة ،وخلع ومهارة يف إعداد الجيوش ،يقول(:)46
عليه ألوان األوصاف والتشبيهات ،يقول عمرو كتائب معلامتٌ ُ ومن ٍ
سعد
الزبيدي موضحاً كيف أن السيف وسيلة ناجعة عىل ما كان من قُ ْر ٍب وبُ ْعد
يف حصد رؤوس األعداء (: )50 وهنا أضاف للتقسيم مزية أخرى ،وهي أن لكل
وسيف من لَ ُد ْن كنعا َن عندي ٌ كتيبة عالمة متيزها يف امليدان عن جيش العدو،
ِ
عـــــــهد عاد نصل ُه منت ُ ُخيرِّ ْ فال يحدث خطأ يف قتل أبناء الجيش الواحد.
فالقدم والعتق دليل الحذق يف الصنعة ،يظل ويدلل الشاعر عىل تقسيم جيشه إىل كتائب
نصله يعمل يف رقاب األعداء بالرغم من قدمه بقوله(: )47
من عهد عاد .ويضيف لجالل القدم والعتق، َت ألُخرى وس ْو ُق كتيب ٍة َدلَف ْ
َ
حدة القطع ،يقول(: )51 رأس صلي ُع ٌ زهاءها نَّ كأ
شخــــــص
ٌ أقصا ُهــــــ َّن
فــــــــأ ْوىف عند َ فالجيش كتائب مقسمة ،وحني تنضم واحدة
سيف صني ُع يلوح كأنه ٌ ُ ألخرى ،يصبح الجيش وحدة واحدة ال تخلخل
فإذا كان السيف بهذا العتق ،وهذه الحدة يف فيها ،كالجبل األملس الذي مل يتفطر بالنبات .
القطع ،فانظر إىل آثار رضباته القاتلة ،يقول (: )52 وال يفتأ الشاعر يحدثنا عن أقسام جيشه ،وأهم
نسسيفي من قَ ْو ٍَ فكم قَ َّط هذه األقسام طليعته ،ملا تقوم به من دور
غدا َة التقينا ومــــــــن َم ْفرِقِ االستطالع ،عن عدد جيش العدو ،وما هي عدته
:أعىل بيضة الحديد ،وقونس ()53
والقونس وعتاده ،يقول(: )48
الفرس ،ما بني أذنيه ،فهي كناية عن جبهته فأرسلْنا ربيئَتَنا فَأَوىف
ووجهه ،فالرضبة قاتلة ،مصيبة للهدف أميا فقال :أَال أُوىل خمس رتوع
إصابة ،وال يسلم منها فارس أو فرس. ومن أسامء الجيش ،الخميس ،كام جاء يف قول
ويخربنا مبهارة هذا السيف ورضباته يف موضع الشاعر(: )49
آخر ،يقول (: )54 ِ
الخــــــميس فــــــأنت ُم الخميس إىل
َ نصل
نــــــــاب ال ِف َر ْق
َ ُ
الرجــــــــال عضَّ هم إذا بالقهر بني ُم َربَّقٍ َو ُم َكلَّب
ً 13
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
الدروع،كرضب الفتيات للدفوف يف األفراح . ِ
بالسيف هتَّ َاك ال َحلَق َو َج ْدت َني
ويرتكنا الشاعر نتخيل ما يفعله السيف الهندي فإذا هجم الخوف عىل الفرسان يف ميدان
يف جسم عدوه ،يقول(:)60 املعركة ،وزلزلهم رعباً يف أماكنهم ،فمن الثابت
يدي
سبقت إليك ْ ْ أ َرأيْ َت إن ؟ من الذي ال يداخله خوف ؟ إنه الشاعروسيفه
مبه َّن ٍد يهت ُّز يف العظ ِْم يهتك ،ويقطع حلق الدروع؛ فيقيض عىل خصمه
فالفعل (أرأيت) ،دعوة للتأمل وإجالة الفكر، والتساع معارف الشاعر اللغوية ،ومعرفته بأنواع
فيام ميكن أن يحدث لو سبقت يداه مبهنده يف السيوف ،تراه يذكر للسيف أسامء أخرى يقول
جسم خصمه . (: )55
وليست جودة الصنع قارصة عىل املهند ،وإمنا ف ِإين لو أدركتْ َك ابن ُخ َويْ ٍلد
هناك السيوف املصنوعة يف اليمن ،وتنسب إىل بص ْم َصــــــــام ٍة َعضْ ِب َعلَوت َُك وال ُع َّزى َ
قرية من قراها ،يقول (: )61 والصمصامة من أسامء السيف عند العرب ،وهو
كالحريق إذا التقيناَ بِط ْعن الحاد القاطع( ،)56فالشاعر يقسم البن خويلد بأنه
ورضب املرشف َّية يف ال َغط َِاط ِ لو أدركه لعاله بسيفه ،يقطعه إربا .
فاملرشيف سيفه ،أداة طعنه يف أجساد أعدائه، ويؤكد أن من يذق رضبة سيفه الصمصام ،فلن
انظر إىل ما فعله بهم حني التقى الفريقان يف أول يرد املاء؛ ملرصعه يف الحال ،يقول(: )57
الصبح ،إنه كالحريق يلتهم ويأكل ،كام تأكل النار وصمصاماً بكفِّي ال
كل ما يقابلها . يذوق املا َء من يَـــــــــــــ ِر ُده ُ
ثم انظر إليه يوضح سمة من سامت املرشيف فاملفارقة يف االختالف بني الوردين ،فورد املاء
املصنوع يف األرض العربية ،إنه ميتاز بإصابة كل الحياة ،وورد السيف املوت ،وهذا ما يؤكد مهارة
مكان من جسد خصمه ،يقول (: )62 الشاعر التعبريية .
ووق ُع املرش َّيف بحا ِج َب ْيه ومن أسامء السيف ،الحسام ،يقول(: )58
تحت الحزام وج ْبه ِت ِه وما َ تركت أبا متيم بعدما ولقد ُ
أ َّما الرماح فتأيت يف منزلة تالية ملنزلة السيف، َع َّض الحسا ُم جبي َنه لـــم يُ ْقبرَ ِ
فالرمح أداة من أدوات الشاعريف املعركة ،يدفع فالحسام يف يد عمرو يصيب ،ودامئاً إصابته قاتلة،
به عن نفسه ،ويقاوم بها األعداء ،يقول (: )63 وهنا عض جبني عدوه ،وتركه مل يقرب ،وإمنا يتأمل
أعا ِذ ُل ِشكَّتي بدين و ُرمحي ويتعذب بني الحياة واملوت.
وكل ُم َقل ٍَّص َسلِس القيا ِد ُ وأجود األنواع تلك التي صنعت يف الهند؛ والتي
يستخدم الرمح يف املوضع الذي يجب استخدامه يحرص الشاعر عىل أن تكون سيفه ،إلتقان
فيه ،فإذا كرت عليه الخيل ومل يستخدم رمحه (59
صناعتها ،وحدة شفرتها ،وقوة رضبتها ،يقول
فمتى يستخدمه إذا ً ؟ يقول(: )64 ):
الرمح يُثْ ِق ُل عاتقي
تقول ُ عال َم ُ للهندي يف البيض رنَّ ًة َّ ونسم ُع
إذا أنا مل أطْ َعن إذا الخيل ك َّرت كرنَّة أبكا ٍر ُز ِف ْف َن عرائســــــــا
إن الرمح أحد األسباب التي تعني الشاعر عىل فتي كاألبكا،وصوته يرن ،وهو يرضب فالسيف َّ
14 يوليو 2019 جملة كرياال
كأ َّن مطاويها ِمبرْ َ ُد عدوه يف ميدان املعركة ،يقول (: )65
ويصف ملعانها ،فهي تربق كامء الغدير ،مام يدل صبَ ْح ُت بهم بيوتَ بني زيا ٍد
عىل عنايته بها ،وتجديدها ،لتؤدي دورها يف وج ْر ُد الخيلِ ت ْعثرُ ُ بال ِّرماح
حاميته ،يقول (: )70 فهي أداة مساعدة للفارس يف اإليقاع بالخصم،
يل مفاض ٌة كال َّنهي ع َّ عن طريق تعرث الخيل التي يركبون عليها ،لذا
أ ْخل ََص ما َءهُ َج َددُهْ يعنى الشاعر برمحه عناية فائقة ،فهو يعده
وهي تعني بحياة الشاعر وتحافظ عليها؛ للمهارة ويجعله جاهزا ً يف أي وقت للدخول يف املعركة،
واالتقان وجالل القدم يف الصناعة ،يقول (: )71 يقول (: )66
ومفاضَ ُة كال َّن ْهي ُم ْح َك َم ًة وحرب ِة ناهلٍ َركَّ ْب ُت فيها
من صنعِ داو ٍد أيب َسلْم ككوكب الشِّ عرى نَحيضَ ا ِ أح َّد
ثم انظر إىل الرتس ،وسيلة الدفاع األخرى ،لحامية فالناهل :الرمح ،وقد ركب فيه حربة حادة
الشاعر ،باإلضافة إىل مهارة الشاعر يف الدفاع عن مصقولة المعة مثل كوكب الشعرى ،وقد رققها
نفسه ،يقول (: )72 حتى تكون طعنتها نجالء .ولحسن إعداد الشاعر
فأبت سليامً مل تمُ َّزق ِعاممتي لرمحه ،انظر ما يفعله برماح العدو ،يقول (: )67
ولك َّنهم بالطعنِ قد خ َّرقوا تُريس ومنزلة فيها العوايل كأنَّها
فبعد أن وقع الشاعر بني رمح وسيوف األعداء، ِ
الحواط ُب هشي ُم ِشجا ٍر كسرَّ ت ْها
استطاع أن ينجو سليامً من طعناتهم التي اتقاها
بخربته ،فلم يصب إال الرتس الذي حامه ،بالرغم إن رمحه يجعل رماحهم بعد تحطمها كهشيم
من إحداث الخروق به . األشجار .
مام سبق نجد ألفاظ الحرب ،تدور يف ويؤكد الشاعر عىل جودة درعه ،وحسن إعداده،
شعر عمرو الزبيدي ،إما رصاحة أو مبرتادفاتها ملواجهة رماح العدو (: )68
أو بأوصافها ،فيذكر « الحرب ،والهيجاء ،والروع الرمح م ْنثَني الـ
ت ُر ُّد َ
والهزاهز» ونجد ألفاظ الجيش وأوصافه ،وما ـسنانِ َعوائرا ً ِق َصـــــــــــدُهْ ِّ
يتبعه من تقسيامت حربية مثل « الجيش، فقد تثنت سنان رماح عدوه ،وتطايرت أجزاء
والجوافل ،عرمرم ،والكتيبة أو الكتائب ،والربيئة، منها ،بفعل حدة الدرع التي يلبسها ،فهي
والخميس» .كام تناثرت يف شعره ألفاظ أسلحة كالفوالذ ال ينفذ منها يشء .
الهجوم أكرث من أسلحة الدفاع ،وهذا وإن دل وليست املعركة كر فقط عىل األعداء .وإمنا من
عىل يشء ،فإنه يدل عىل فروسية ال نظري لها، الفروسية إدراك الفارس ألوقات الخطر التي
واستبسال يف ساعة الوغى ،فرتاه يذكر « السيف، ينبغي أن يتخذ فيها لنفسه الدروع الواقية من
والنصل ،والصنيع ،والصمصام ،والعضب، الطعنات الغادرة ،فهي كمربد تتكرس عليه رماح
والحسام ،والهندي ،واملهند ،واملرشيف ،والرمح، وسيوف األعداء ،فال ينفذ منها إىل الشاعر يشء،
والحربة ،والعوايل ،والسنان» ثم يذكر « الدروع يقول (:)69
الفضفاضة ،والرتس» فكل تلك األلفاظ بأسامئها وأع َددْتُ للحرب فضْ فاض ًة
ً 15
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
إبراز موهبته العسكرية ،واإلبقاء عىل حياته يف وصفاتها ومرتادفاتها ،شكلت ملمحاً رئيساً يف
امليدان ،يقول (: )76 لغة الشاعر ،وما شعره إال انعكاساَ لشخصيته
أعددتُ للحدثان مطَّردا ً البطولية ،وهويته الفروسية.
لَ ْد َن امل َه َّز ِة غري ذي ْ
وص ِم ثالثاً :ألفاظ األحداث والرصاع
ويأيت اإلعداد للمعركة يف صور أخرى ،وبصيغ تدور يف شعر عمرو الزبيدي ألفاظ ،ذات دالالت
مختلفة ،يقول (: )77 فروسية ،تتناغم مع شخصيته البطولية فتتواثب
أع َد ْدت للحدثان سا عنده أفعال ومصادر ذات شحنات انفعالية،
بغة وع َّدا ًء َعلَ ْندى تتآزر يف تجلية األبعاد النفسية للشاعر وهو
يف ساحة القتال ،وإذا سلطنا الضوء عىل لغته،
وكشف ما حوته من ألفاظ األحداث والرصاع ،ومن األفعال واملصادر التي تعكس طول مراسه
فإننا سنتناولها من خالل ترتيب أحداث املعركة ،للقتال يف الحروب ،ومنازلة األقران واألبطال،
بد ًء من اإلعداد واالستعداد لها ،فنجد للفعل الفعل «قتل» مبصادره املتعددة وأزمانه املختلفة،
«أعد» وما يف معناه ،حضورا ً بارزا ً ،فالفارس ال كذلك أفعال» الطعن» و»الرضب» ،وهي توحي
يكون فارساً حقاً ،إذا مل يكن عىل أهبة االستعداد بالطاقة الحامسية للغة « التي ندركها يف مشاكلة
لحدوث أي طارئ أو عارض ،فاالستعداد الجيد التعبري لالنفعال لفظاً وإيقاعاً وإيحا ًء « (. )78
يخلق فارساً مغوارا ً وبطالً مقداماً ،خاض الحروب ،فالشاعر يفخر بنفسه ،ويباهي بفروسيته ،وقتله
وألف مالمحها وألفته ،وأخذ عىل عاتقه الدفاع لألعداء منفردا ً ،يقول (: )79
ظللت كأنيِّ للرماح َد ِريْئ ٌة
ُ املستميت ،عن أهله ورشفه ،يقول (: )73
أُقاتِ ُل عن أبنا ِء َج ْرم َوفَ َّر ِت وأع َددْتُ للحرب فضْ فاض ًة
كأ َّن مطاويـــــــــــــــها ِمبرْ َ ُد فلامذا قتالك يا عمرو عن اآلخرين؟ هل إلظهار
وحدثنا عن استعداد املقاتلني ،وما يحمل كل شجاعتك وفروسيتك ؟ هل كنت تأخذ ماالً عىل
منهم من أسلحة مختلفة ،تعينه عىل مواجهة ذلك ؟
إن فعل الشاعر ال يدل عىل تلك التساؤالت التي قرينه ،يقول (: )74
قد تثار يف الذهن ،عند معرفة أنه يدافع عن جرم قو ٌم إذا لبسوا الحديـ
ويقاتل عنها يف ميدان املعركة وقد هربت ،بينام ـد تنمروا حلقاً وق َّدا
بقي منتصباً يف وجوه األعداء والطعن يأتيه من كل امرئ يجري إىل
كل جانب ،فلامذا؟ إنه يفعل ذلك عصبية ،وغضباً يوم الهياج مبا استع َّدا ِ
ويؤكد عىل أهمية اإلعداد للمعركة ،يقول :لهم.
()75
ويحدثنا عن قتاله يف ميدان الحرب ،ومنازلهم، وأع َددْتُ للحرب فضْ فاض ًة
ودرجات فروسيتهم ،يقول :
()80
دالصاً تث َّنى عىل ال َّراهش
نقتل رشا َر ُه ُم ولكنإن الشاعر يظهر حسن استعداده للمعركة فلم ْ
قَتَلْنا الصالحني ذوي السالح بحمل كل أدوات الحرب التي يحتاج ،عىل
األضياف منهم ِ حسب مجريات املعركة ،فلالستعداد أهميته يف قتلنا ُمط ِع َم
16 يوليو 2019 جملة كرياال
تسايُ ٍف وطَعانِشك يوم َ وال َّ وأصحاب الكريهة والصباح َ
فقد استعد خصمه لإلغارة والحرب عىل قومه، واألرشار يف رؤية الشاعر من ال يحملون سالحاً
فجاء بأسلحته وخيله وعتاده ،ألنه الشك أنه يوم يف الحرب ،ومن ثم فال حاجة له يف قتالهم ،وإمنا
طعان ومبارزة بالسيوف ،ولعل لفظة «تسايف» يقتل املدججني بالسالح؛ لتظهر شجاعته وقوته،
توحي باملشاركة يف مهارات استخدام السيف كام يقتل السادة الكرام ،مطعمي األضياف،
واملبارزة . وفرسان الحروب والغارات .
وعمرو ال يتواىن عن إنصاف الخصم واإلشادة، ويستمر يف بيان صفات من يالقيهم ،ويقتلهم
بتفوقه عىل قومه ،وبيان مهارته الحربية أثناء املعركة ،يقول (: )81
بحصارهم من الجانبني ،واالنهيال عليهم طعناً وكم من ٍ
ماجد َملِ ٍك قَتَلْنا
وقتالً ،يقول (: )85 وآخر ُس ْوق ٍة َع َز ٍب قُـــــــــ ُم ّد
لَ ُق ْونا فض ُّموا جانِ َب ْينا بصادقٍ فكم «تكثريية» ،توضح كرثة هؤالء امللوك
مثل ال َّنار يف ال َحطَب ال َي ْب ِس من الطَّعن َ األمجاد ،والسوقة الشباب ،الشديدي الغلظة،
ويصحبنا معه يف ميدان املعركة ،ويدخلنا إىل الذين قتلهم الشاعر وقومه .
()86
خبيئته،ويعرفنا عىل موقفه من الحرب،يقول ويف قانون الشاعر يأىب القتل غدرا ً ،فرتاه يعنف
: ابن أخته ،قيس بن املكشوح لقتل غرميه،
لقد َعلِم الحام ُة الش ُّم أين غدرا َ وغيلة ،بعد أن دعاه إىل منزله ،فسقاه
أَ َه ُّش إذا ُد ُ
عيت إىل الطِّعانِ الخمر فقتله ،يقول (: )82
فكم يسعد قلب الشاعر وتنتيش روحه ،إذا فلم يقتلْه مستسلامً مفيقا
دعاه أحد خصومه إىل املبارزة والطعن يف ميدان ولكن بعدما شرَ َب ال ُعقارا
املعركة ،فهذا ملعبه املحبب إىل نفسه . ومن األلفاظ التي نجدها يف شعر عمرو كلمة
ومن الفرح بالطعان واملبارزة ،إىل التباهي بقضاء (الطعن) الذي توحي باملواجهة ،والشدة يف
الدين الذي يلزم به نفسه يف ميدان املعركة فيويف املبارزة ،وإزهاق الروح ،كام توحي بالغلبة
بنذره ،يقول (: )87 للشاعر ،وكم من أبطال طاعنهم ،وكم من فرسان
يل ديناً إذا ما قلت :إن ع َّ قتلهم ،يقول (: )83
بطعنة فارس قضيت ديني الرمح يُثْ ِق ُل عاتقي تقول ُ عال َم ُ
فإذا حكم عىل نفسه بطعن فارس ،أوجب عىل إذا أنا مل أطْ َعن إذا الخيل ك َّرت
نفسه القضاء ،بتحقيق ما نوى عليه ،فأوىف نذره . فام إن يحمل الشاعر السالح حتى يبادر إىل
والرضب من مهارات الحرب ،حني يلتقي الحرب والطعن والقتال ،ولذا فهو يستنكر
الفريقان ،يقول عنها (: )88 أبل يف متعجباً :بأي حجة أحمل السالح ،إذا مل ُ
بأفحش ضرَ ب ٍة
ِ فَ َه َوى ل ُقطْ ِريْه الحرب ،طعناً ومبارزة .
كف رئْبا ِل العرين غَضَ ن ْف ِر من ِّ ويؤكد بأنه اليلقى العدو بغتة عىل حني غرة ،بل
فحني يهوى الخصم عىل أحد جانبيه ،كم تقدر ()84
املستعد للحرب والنزال والطعن ،يقول :
الرضبة التي نالته من سيف عمرو؟ إنها «أفحش فدعا فس َّومها وأيْ َق َن أنه
ً 17
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
()93
أشداء ،ويف ذلك إشارة إىل قوته ،يقول: رضبة» والفحش هو التجاوز يف األمور املكروهة،
هنالك بُهم ُة الفرسان يُلقى فكم يكره الخصم رضبة الشاعر ،الذي يزأر
كل ج ِّد الحفاظ من ِِّ وأصحاب
ُ كاألسد يف امليدان.
ويؤكد املعنى السابق يف أنه ال يلقى إال هؤالء والشاعر ينوع يف مهاراته الحربية عىل حسب من
الفرسان الذين لهم هذا السمت ،وهذا الخلق يالقيه ،وما يناسبه من طعن ،أو رضب باملرشيف،
()94
العظيم يف هيئة أجسادهم : يقول (: )89
لقيت قرناً لقيت َهنالك لو َ َ كالحريق إذا التقينا
َ بِط ْعن
َهام
رش غ َري الك ِ وبهم َة مع ٍ ورضب املرشف َّية يف ال ُغط َِاط ِ
فالشاعر ال يلقى إالَّ قرناً بهم ًه ،وقد أشار إىل أنها فامذا يريد عمرو من وصف طعنه بالحريق ؟
نفس سامته بقوله « لقيت قرناً» فهو ال يلقى هل اإليالم الشديد قبل املوت؟ هل شمول القوم
()95
«الكهام» وهو الكليل الذي ال غناء عنده إذا أُلقوا يف النار فال مهرب وال منجى ؟
.وبالرغم من تلك الصفات التي عليها قرنه ،انظر وانظر إىل تحية الخصوم يف ميدان املعركة ،عىل
()96
إىل الشاعر وما فعل به يف املعركة: ()90
لسان الشاعر:
وقرنٍ قد ترك ُْت لدى َم َك ٍّر ْت لها بخ ْيلٍ تحيــــــــ ُة وخيلٍ قد َدلَف ُ
سبائب كاألُرجوانِ
ُ عليه ضـــــــرب وجيــــــــــــ ُع
ٌ بيْـــــــنهم
فقرينه هارب من امليدان ،أمام من هو أشجع فالتحية يف ميدان الحرب هي الرضب املوجع،
وأبرع يف الرضب والطعان ،حتى تركه «عليه وإزهاق النفس والروح .
سبائب كاألرجوان» ،فقد أصبح جسمه من وقع ويعود مرة أخرى إىل التنويع يف املهارات الحربية
الطعن والرضب كالشقة الرقيقة من الثياب ()91
من رضب وطعان ،يقول :
املصبوغة بدم أحمر . بكل أبيض محذم الضَّ اربني ِّ
ونراه يفخر مبا يفعل أمام محبوبته وجاراتها، والطاعنني مجامع األضغانِ
()97
يقول : وعمرا ً يتباهى مبقارعة األقران ،ورصاع األبطال،
علمت سلمى وجارات ُها ْ قد فهو ال يواجه إال بطالً يشبهه مهارة وفروسية ،وال
الـــــــــــفارس إال أنا
ُ ما قَطَّر ()92
ينازل إال كبش القوم ،يقول :
فمن الذي يطرح الفارس عىل أحد جانبيه ،إما نازلت كبشَ ُهم ومل ُ
رصيعاً ،أو جريحاً ،غري عمرو؟ إذن فلتهنأ سلمى ِ
الكبــــــــــش بُ َّدا أ َر من نزاِل
بحبيبها عمرو ،وتفخر بذلك عىل جاراتها .
ويؤكد يف العرص اإلسالمي عىل حامية النبي صىل فام الذي جعله يختار كبش الجيش ؟ وملاذا
الله عليه وسلم يف الحروب ،وفدائه بنفسه، اتجه إىل رئيسها ؟ أما كان له أن يختار فارساً من
()98
يقول: الفرسان؟ إنه يفعل ذلك ملعرفته بسيكولوجية
ِ
بالنفس م َّني لَ َوقَيْ ُت َّ
النبي املقاتلني ،فهو يختار رئيس الكتيبة؛ ليبث الفزع
ولعانقت دونه األَقـــــــــرانا ُ يف قلوب باقي أفراد الجيش .
ففداؤه النبي صىل الله عليه وسلم بنفسه يكون فعمرو ال يشارك يف املعركة إال مبقارعة فرسان
18 يوليو 2019 جملة كرياال
فقد تخضبت لحاهم السود بالدم من سيف مبعانقة األبطال يف امليدان ،فكأنه يحب لقاء
عمرو ،ومن ثم يصدرون صوتاً كصوت النعام، العدو القرين يف الفروسية والشجاعة ،حتى لو
لهذا الدم الذي علق بلحاهم وأجسادهم . أزهقت روحه يف سبيل فداء رسول الله صىل الله
وعمرو قليل الغزل ،وإذا تغزل تغلب عليه لغة عليه وسلم .
الفروسية والحرب والقتال؛ ومن ثم تراه يذكر ويف معجم الشاعر اللغوي تكرر ذكر الدماء ،أو ما
لون ثياب محبوبته مبا يراه يف ميدان املعركة، يدل عليه ،نتيجة الكر والفر ،والرضب ،والطعن،
()103
يقول : ()99
يقول :
وص ْب ُغ ثيابِها يف َز ْعفرانٍِ ٍ
بجاديات بساهم ٍة ُخ ِض نْب
ب ُجدت َّها كام أحــــــم َّر النجي ُع سواب ُق ُّه َّن كالحدأِ الشِّ حا ِح
فالجدة هي الطريقة يف الثوب تخالف لونه ،وقد فالخيول محمولة يف كراهية عىل الجري ،وما
تغري لون ثياب املحبوبة ،فأصبح محمرا ً زاهياً ذلك إال للدماء التي اصطبغت بها جسدها ،من
كنجيع الدم . كرثة الرضب والطعن .
وتأيت لفظة «املوت» نتيجة حتمية للرضب ويبث الشاعر الرعب يف قلوب مناوئيه،
والطعن ،فترتدد يف لغة الشاعر هذه اللفظة، ويتوعدهم بالهالك ،وإراقة الدماء ،يقول (:)100
()104
التي تؤكد شجاعته وفروسيته ،يقول : عباس هنالك حارضا ً لو كان ٌ
الكبش مييش ُ َوقُ ِّر َب لل ِّنطا ِح لَ َهوى وقد ُخ ِض َب الجب ُني ب ُعصفر
وطاب املوتُ من شرَ ْ ٍع و ِو ْر ِد
َ فعمرو توعد ،العباس بن مرداس وقد غاب عن
فاملوت يطيب ،وطريقه محبب للفرسان ،فالكل املعركة ،ولو شارك فيها «لهوى وقد خضب الجبني
يذهب للموت بعد النزال ،كام يسري العطشان بعصفر» والعصفر إشارة إىل لون الدماء .
إىل املاء ،فاللهفة والشوق لقتل الخصم وإزهاق وانظر إىل تلك الصورة ،التي يصف فيها الشاعر
روحه أهم ما يحرص عليه الشاعر وقومه . الخصم ،الذي انهال عليه عمرو طعناً ورضباً،
ويعلم العدو أن قدوم عمرو يف امليدان ،مؤرش () 101
حتى سالت الدماء منه ،وصار يعرث فيها :
()105
ملوته وهالكه ،يقول : تراه حني يعثرُ يف دما ٍء
فَلَو القَ ْي ِ
تني �لَلَق ْي َت ليثاً كام مييش بأق ُدح ِه الخلي ُع
هصورا ً ذا ظباً وشباً حــــدا ِد إنه يعرث يف دمائه كام يعرث الخليع الذي قمر
حق
قنت أن املوت ٌ والستَيْ ُ ماله ،فإذا به ال يقع إال عىل الخمر ،فهو فاقد
رصح شح ُم قلبِك عن سوا ِد و َّ وعيه وتركيزه ،وأخد يتلجلج يف مشيه .
فإذا كنت متيقناً من املوت ،فامذا تكون عليه ويستخدم الشاعر كلمة األشقر والخضاب للداللة
خبيئتك تجاه قاتلك؟ «رصح شحم قلبك عن ( )102
عىل لون الدماء ،يقول :
سواد» رهبة وخوفاً ممن ستواجهه . يف فتي ٍة من قومه ُخضبت لهم
وقد يستخدم الشاعر لفظ «رصعى» الذي يوحي عاتك متحيرِّ ِ سواد اللِّحى من ٍ
مبفارقة الروح للجسد ،يقول عن بني سليم ،بعد ملا وقفنا يف التنازل خفخفت
أن انهالوا عليهم ،وأحاطوا بهم من كل جانب مثل النعامة مخـــاف ِة لألشق ِر
ً 19
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
يُسا ِمي القر َن إِ ْن ق ْر ٌن () 106
:
تي َّم ْم ُه في ْعتَ ِض ُده فوق ركابهم ثم استم َّر القو ُم َ
فيأخذُه فريفعه وسليم صرَ ْعى يف العجا ِج األكــــــــــد ِر
ْتص ُدهفيخفضه ف َيق ِ فقد ظل الشاعر وقومه فوق ركابهم ،ثابتني ال
في ْد َمغُه في ْح ِط ُم ُه يتزحزحون عن خيولهم ،بينام سليم «رصعى»
في ْخ ِض ُم ُه في ْز َد ِردُهُ وسط الغبار األسود املتصاعد من أرجل الخيل يف
فالشاعر يصف ما يفعل مع غرميه يف ميدان ميدان املعركة .
املعركة ،وقد ساق عددا ً من الكلامت؛ لتعرب عن ومن مهارات الحرب والقتال ،الكر ،هجوماً وصدا ً،
براعة يف القتال ،فهو يعتضده أي يأخذه تحت عىل حسب ما تقتيض ظروف املعركة ،فكل فارس
عضده ،ثم يرفعه ويخفضه ،فتدور رأسه ،فيلقيه جدير بهذا اللقب ،له من الدراية والخربة ،ما
رصيعاً عىل األرض ،وهذه مهارات يدوية تشرتك يجعله عليامً بأمور القتال وفنون الحرب ،ومتى
مع مهارات األسلحة يف إبراز فروسيته وقوته ()107
يكر ومتى يفر؟ يقول عمرو:
وبسالته . ْت فجاءتْ من زُب ْيد عصاب ٌة هتَف ُ
ثم انظر إىل مهارته يف تلك الواقعة التي يحيك إذا طَ َردت فاءت قريباً فك َّر ِت
فيها ما فعله بهوازن ،بعد أن استغاثت به عصبة عاتقي
ِ يثقل
الرمح ُتقول ُ عال َم ُ
()110
مذحجية ،يقول : َ
إذا أنا مل أطْعن إذا الخيل ك َّر ِت
فقلت لخييل أَنْظروين ف ِإنني ُ فالشاعر يتساءل متعجباً مستنكرا ً ،ملاذا يحمل
رسي ٌع إليكم حني ينص َد ُع الفج ُر السالح إذا مل يبل به يف الحرب ،ومل يكر به عىل
وأقحمت ُمهري حني صادفت ِغ َّرة ُ عدوه يف وقته ؟! .
عىل الطَّف حتى قيل قد ُع ِف َر امل ُهر ويؤكد عىل حقيقته يف ميدان الحرب ،فهو يأىب
فأنجيت أَسرْ ى مذح ٍج من هوازنٍ ُ الفرار ،ويرص عىل الكر ،لحامية ما يجب عليه أن
ومل ينجِهم إال السكينة والص ُرب ()108
يحميه من آل ومال ،يقول :
ونادوا جميعاً ُح َّل ع َّنا ِوثاقنا بباب القادسي ِة مستميتاً
البطش إ َّن األ ُمر يُحدث ُه األم ُر ِ أَخا كليث أ َريْكه يأىب الفـــــــــرا َرا ٍ
وأبت بأرسى مل يكن بني قتْلهم ْ أك ُّر عليهم ُمهري وأَ ِ
حمي
وبني طَعاين اليوم ما دونه الفرتُ الحقائق والذمارا
َ إذا كرهوا
عمد الشاعر إىل أسلوب الحيك؛ لتظل قصة ويستمر عمرو يف إبراز مهاراته الفروسية وقدراتة
فروسيته يف تلك املعركة ،تتناقلها األلسنة وترويها التعبريية عن ذلك ،وقد تتضمن لغته أفعاالً
األيام ،وهي قصة جديرة بالحيك والرتديد؛ ألن وعبارات تشف عن مهارات ،توحي بالعشق
الفارس مل يخش الهالك ،أو يهاب املوت ،حني للقوة ،يغذيه رافد فرويس ينبض بحس التعايل
هجم عىل بني هوازن مبفرده مع بزوغ الفجر، والتسامي عىل الخصوم واألبطال ،يقول واصفاً
وبالصرب والتحيل بالسكينة استطاع تخليص بني رصاع األقران يف ميدان املعركة ،مخربا ً عن
مذحج من األرس ،ومل يكتف بتخليصهم ،بل ()109
مهاراته الحربية :
20 يوليو 2019 جملة كرياال
وكل مقلَّص سلس القياد ُّ استطاع أن يأرس عددا ً منهم ،ومل يكن بينهم وبني
أعا ِذل إمنا أفني شبايب قتله إال كام بني السبابة واإلبهام.
عاتقي ثقل ال ِّنجاد
َّ وأقرح
َ وبعد هذا العرض نلحظ أن لغة الشاعر تزخم
فالنداء املتكرر ،تنبيه للعذول الغافل عن حقيقة بفيض من الفروسية ،فنجد ألفاظ اإلعداد
الشاعر ،وارتباطه بأهم سامت الفروسية ،فإذا للمعركة ،والقتال ،والنزال ،والرضب ،واألرس ،والكر
شمت فيه عذوله ،لهرم سنه ،وانحناء ظهره ،فإن والفر ،ومن أكرث املواطن التي تتجىل فيها أثر
ذلك من آثار فروسيته. الفروسية ،تباهيه مبقارعة األقران ،ورصاع األبطال
()112
ويكرر النداء فيقول : فنلمح ألفاظ مثل « األقران ،الكبش ،والبهم،
زي و ُرمحي أعاذل ع َّديت بَ ِ َ والفوارس ،البطل .... ،الخ ،باإلضافة إىل استخدام
سلس القيا ِد
وكل مقلَّص ِ ألفاظ أخرى ،تحكم هذا النسيج الفرويس ،وتؤكد
َ
أعاذل إنمَّ ا أفنى شبايب نزعة صاحبه إىل التأهب ،وجنوحه إىل اللقاء ،
إجابتي الرصي َخ إىل املنادي كام تدل عىل امتالكه ناصية الكلم ،وتأصيل
فأضاف أن من بني أسباب فناء شبابه ،إجابته قاعدته اللغوية يف هذا املجال .
املنادي للحرب ،أخذا ً بثأر ،أورفعاً لعزة وكرامة،
وقد أكد مرة ثالثة عىل هذا املعنى ،حيث يقول الف�صل الثاين :الت�شكيل الفني للغة
()113
: ال�شعرية
أعاذل إمنا أفْنى شَ بايبَ
ركويب يف الصرَّ ي ِخ إىل املنادي أوال :التكرار
عاذل عديت بدين ورمحي أَ َ ثانياً :التصوير
وكل م َقل ٍَّص شَ ِكس القيا ِد ُّ أوالً :التكرار
فأسباب شيبه وذهاب شبابه ،خروجه إىل منادي لعل هوية الشاعر البطولية ،جعلته ينحو منحى
الحرب ،حتى ضعف جسمه ،وانحنى ظهره، جلياً ،من حيث استخدام لغة شعرية ،تصطبع
وتكرار هذا املعنى يف شعره واضحاً ،وعدته هنا، بالنزعة الحامسية ،وتتسم بالروح االنفعالية ،فرناه
بدنه ،ورمحه ،وفرسه الصعب الذي يلني أمام يستخدم أسلوب التكرار ،مبا فيها من دالالت،
فروسيته. وإيحاءات تؤثر عىل وجدان املتلقي وعواطفه .
ومن الحروف املكررة «لقد» للتحقيق والتأكيد، تكرار األداة :
يقول (:)114 قد يكرر الشاعر بعض األدوات ،أو التعبريات،
عباس هنالك حارضا ً لو كان ٌ أو الضامئر ،زيادة يف معنى التهديد ،أو تكثيف
لَ َهوى وقد ُخ ِض َب الجب ُني ب ُعصفر الشعور املدحي ،أو الفخر الجمعي أو الذايت ،أو
ولقد َص َب ْح ُت بها ُعامر َة غدو ٌة الوصف أو غري ذلك من الفنون .
والبيض تعلو فوقه باملِ ْن ِ
رش ُ ومن األدوات التي كررها ،أدوات النداء ،وأبرزها
ولقد تركت أبا متيم بعدما ()111
الهمزة ،يقول :
أَ َع َّض الحسا ُم جبي َنه مل يُ ْقبرَ ِ أعا ِذيل ِشكَّتي بَ َدين ورمحي
ً 21
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
وأسلمهم رئيسهم بجهد تكرار التوكيد بـ «لقد» مناسباً لحالة عباس؛
وهم تركوا ابن كبش َة ُم ْسل َِحبَّالغيابه عن املعركة ،فقد أراد عمرو أن يخربه
وهم شغلو ُه عن شرُ ْب امل ُ َق ِّدي مبصريه لو حرض ،كام حدث لعامرة وأيب متيم،
وت ألفاً وهم أخذوا بذي امل ُّر ِ والسيوف تعلوهام ،وهام مرضجان يف دمائهام.
قس ُم لل ُح َصني والبن هند يُ ِّ تكرار الضمري :
بذات الجار قيساً وهم قتلوا ِ ويكرر الشاعر اسم الضمري «هم» مرات متتالية
وأشْ َعثَ َسل َْسلُوا يف غري عق ِْد يف قصيدة ،يتحدث فيها عن شجاعة قومه يف
وهم سحبوا عىل ال َّدهنا جيوشاً ميدان املعركة ،ذاكرا ً ما يفعلوه بأعدائهم من
احيل ويبدييعيدهم رش ٌ قتل وترشيد وإذالل ،ولكن ملاذا عدل عن االسم
القبائل من مع ِّد
َ وهم تركوا
الرصيح إىل الضمري؟ أليس من األوفق أن يذكر
بكل حقد ضباباً م ْجحرين ِّ االسم الرصيح؛ ليكون دليالً عىل الحب والتلذذ
فانظر إىل ما فعلته قبيلة عمرو ،كأنها مل ترتك بالذكر ؟
قبيلة وال فارساً ،إال أذاقوهم ألواناً من املهانة قد يكرر الشاعر اسم من يحب ،سواء امرأة
ورضوباً من الذل ،فاإلبادة بالقتل ،ودفع الجزية، أو وطن ،ويكون الذكر لداعي التلذذ والتغني
وسبي النساء.
باسميهام ،ولكن عمرو عدل عن تلك املزية
ألخرى ،حني ذكر الضمري بدالً عن االسم الرصيح،
ليدل عىل أنهم هم املعروفون ،سواء ذكرهم تكرار الجملة :
باسمهم الرصيح ،أو الضمري ،فحني يقول «هم» ومنها تكرار الجملة االسمية ،يقول (: )116
جيش صعد َة بالقنا ال ينرصف الذهن إال إليهم ،وال يرتدد املتلقي يف ونحن هزمنا َ
الجيش يو َم بوا ِر
َ ونحن هز ْمنا اإلشارة إليهم ،يقول(:)115
فتقديم ضمري االختصاص ،يف الجملة االسمية، هم قتلوا ُ ُعزيْرا ً يَو َم ل ْحج
حتى ال ينرصف الذهن إىل غري قوم الشاعر، و َعلْقم َة بن سعد يو َم نَ ْج ٍد
فالتكرار بالجملة االسمية؛ يؤكد عىل أن قوم و ُه ْم ساروا َم َع املأْمور شهرا ً
الشاعر هم الذين أوقعوا الهزمية بقوم امللك قص ِد
إىل تعشا َر َسريا ً غ َري ْ
بوار ،أحد ملوك اليمن . وهم قسموا ال ِّنساء بذي أراطي
الذنائب ع ْرك جلْد وإذا كان هنا يقدم االختصاص ،إعال ًء لراية قومه، َ وهم عركوا
فإنه يقدمهم يف جملة اسمية؛ ليؤكد أنهم وليس وهم َو َر ُدوا امليا َه عىل متيم
غريهم من يعاتب ،يقول (: )117 ــــط و ُم ْر ٍد بألف ُمد َّج ٍج شُ ْم ٍ ِ
فلو أن قومي أطاعوا الرشا ٍ
موضحات وهم تركوا بكندة
َد مل يُ ْبعدوين ولـــــــــم أظلم وما كانوا هناك لناض ِّد
ولكن قومي أطاعوا الغوا وهم زائروا بني أَسد بجيش
هــــــــل الد َم
ُ َ َة حتَّى تع َّك َّظ أ جيش غريِ وغْد اب ٍ مع الع َّب ِ
فقومه مل يسمعوا إلرشاده ونصحه ،وسمعوا كالم وهم تركوا هوازن إذ لقوهم
22 يوليو 2019 جملة كرياال
تجربته ،وينخرط معه يف أجواء البطولة ،وعوامل الغواة الذين أضلوهم ،حتى أن اجتمعت كلمة
الحامسة ،بكل ما فيها من إيحاء فني ،وفيض القبائل الذين لهم دم عند مذحج ،وتجرأوا عىل
نفيس مشحون بالتعايل والتسامي والتفاخر . املطالبة به.
فقد يلجأ الشاعر إىل التشبيه؛ ليدل عىل خربته ومن تكرار الجملة الفعلية ،يقول منبهاً عدوه،
بأهم مظاهر الفروسية وأدواتها يف ميدان عىل جهله ،وغبائه العسكري (: )118
املعركة ،فيقول عن السيوف (: )120 تمَ َّن ْت ماز َن ج ْهالً ِخالطي
سيوف ِ
الهند م َّنا كأنها ُ وسلَّت ُ الخ ِ
الط فذاقت ماز ٌن طـــــ ْعم ِ ْ
أكف لَ َوا ِع ُب مخاريق نالتها ٌ أطل ُْت فر ِاطكم عاماً فعاماً
فاملخاريق ،لعبة يلعب بها األطفال والصبيان جي إىل ِفـــــــر ِاط و َديْ ُن املُذ ِْح ِّ
عىل عهده ،فحدثني عن الشعور ينتاب األطفال، أطل ُْت فـــراطكم حتى إذا مــــا
وهم ميسكون ألعابهم يلعبون بها ؟ إن السيف قتلت سرَ اتَكم كانــــــــــــــــــــــــــت قَط َِاط ُ
بالنسبة لعمرو كاللعبة يف يد األطفال ،تبعث فمن جهل قبيلة مازن ،متنيها مالقاة املذحجي،
الرسور يف النفس ،وتدل عىل استخدامها يف خفة عمرو بن معد يكرب ،فأذاقها ما تتمنى من
ورسعة ،إنها املهارة والحذق مبعرفة اإلمكانات . لقائه ،فقد أطال إمهالهم ،ولكن غباءهم أدى إىل
ويوازن بني أدواته وأدوات قومه يف ميدان مقتلهم عىل يده ،فكان ذلك شفاء نفسه ،بتكرار
املعركة ،واألدوات نفسها يف يد عدوهم ،يقول جملة «أطلت فراطكم» .
(: )121 ومن مظاهر فروسيته ،وفاؤه للعالقات اإلنسانية
ومنزلة فيها العوايل كأنَّها ،وهنا تتمثل يف املصاهرة ،فهو يتجاوز عام ميكن
ِ
الحواطب هشي ُم ِشجا ٍر كسرَّ تها أن يحدث من قتال وتدمري ،إكراماً لصهره ،زوج
لقد أوضح البيت السابق األثر الذي ترتب عىل اخته األجدع بن مالك ،يقول (: )119
مهاراته ومهارة قومه ،وما صنعت يف أسلحة لعم ُرك لوال أَجد ُع الخريِ فاعلمي
أعدائهم ،لقد حولت رماح العدو إىل ما يشبه ل ُق ْدت إىل َه ْمدا َن جيشاً َعر ْم َرما
األشجار املكرسة . ل ُقدْتُ إىل َه ْمدان أَ َلف ِط َّمر ٍة
ويستمر يف بيان فروسيته ،وسامتها ،وأهم ما ُميت وأَ ْدهام
وألف ط ِم َّر من ك ٍ ُ
مييزها ،يقول (: )122 فالتأكيد بالجملة الفعلية «لقدتُ إىل همدان»
ظللت كأنيِّ للرماح َد ِريْئ ٌة
ُ يدل عىل فروسية أخالقية ،فهو فارس الحروب
أُقاتِ ُل عن أبنا ِء َج ْرم َوفَ َّر ِت واملعارك األول ،لكنه يتاملك شهوته يف إظهار
والبيت تشبيه لحال الشاعر مع هؤالء الذين فروسيته الحربية ،مبحافظته عىل الوفاء لصهره،
يهجوهم وهم بنو جرم ،حيث يشبه نفسه أجدع بن مالك من همدان .
بالحلقة التي يصوب عليها الفرسان رماحهم، ثانياً :التصوير
حتى يتعلموا الطعن ،فقد جاءته الرماح من كل يوظف الشاعر اللغة التصويرية املفعمة
جانب بعد أن هرب بنو جرم وتركوه يف ميدان بالطاقات الفروسية ،متكئاً عىل صور حسية،
املعركة ،فأي فارس هذا الذي يقاتل مع غري قومه برصية وسمعية ،تجعل املتلقي يتعايش مع
ً 23
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
بنوعوف ،ضد بني سليم ،قوم العباس بن مرداس وقد فروا ،وهو ليس منهم ،غري أنه يقاتل عنهم،
()126
السلمي: عصبية لهم .
يف فتي ٍة من قومه ُخضبت لهم وتظهر فروسيته من خالل مصاحبة أدواتها ،فيلزم
عاتك متحيرِّ ِ سواد اللِّحى من ٍ نفسه بسامتها ،يقول (: )123
ملا وقفنا يف التنازل خفخفت ذهب الذين أُ ِح ُّبهم
مثل النعامة مخاف ِة لألشق ِر السيف فردا ِ مثل
وبقيت َ ُ
فالفتية من بني سليم ،دليل القوة والرباعة فالشاعر شبيه للسيف يف تفرده ،فال يجمع معه
والشدة ،ولكن ماذا إذا وقع النزال وحمي وطيس غريه يف غمد ،كذلك ال يجتمع معه شبيه وال
املعركة «خفخفت مثل النعام» أي أصدرت صوتاَ مثيل يف ميدان املعركة ،فقد بقي بعد أحبائه
خوفاً أن يحصد رقابها سيف عمرو ،فيعلق بها وحيدا ً وفريدا ً كالسيف .
الدم لكرثة نزوله . ويحدثنا عن أدواته الحربية وصفاتها ،وما هي
وليس األثر املرتتب قارصا ً عىل البرش يف املعارك عليه ،فيقول (: )124
التي يخوضها عمرو ،وإمنا يشمل املكان أيضاً، تخال فيهالعنربي ُُّ ورمحي
يقول (: )127 مقباس ال َّزنا ِد
ِ مثلسناناً َ
ظل جن ٌد كأنَّه جوافل حتى َّ يزل اللِّبد عنها و ِع ْجل َزة ُّ
عاصب بخام ِر ٌ من النقْع شي ٌخ أم َّر سرَ ات َها َحل َُق الجيا ِد
فالجند اسم جبل .فانظر إىل ما أصابه من ()128
بت سم ْع َت لها أزيزا ً إذا ضرُ ِ ْ
جراء تلك املعركة بني مذحج وسليم ،فقد شبهه كوقْعِ ال َقطْر ِيف األُ ُدم الجِال ِد
الشاعر مبا عاله من غبار متصاعد من أرجل فطول معارشته ألدوات الحرب جعلته يعاين ما
الخيل ،بالشيخ املعتم الذي عصب بخامر . هي عليه ،ويتفرس أحوالها ،فتحسب سنان رمحه
ويعود مرة أخرى ،ليبني أثر أدواته يف املعركة عىل كمقباس الزناد الذي تشعل به النار ،وأما فرسه
عدوه ،فيقول (: )129 إذا رضبها فتسمع لوقع جريها عىل األرض أزيزا ً
أعباس لو كانت ِشيارا ً جيا ُدنا ٌ كصوت املطرحني يقع عىل األرض الصلبة .
بتثليثَ ما ناص ْب َت بعدي األحا ِمسا ولحسن استخدام الشاعر ألدواته يف املعركة ،نرى
جانب
ل ُد ْسناكم بالخيل من كل ٍ األثر املرتتب عليها يف قوله(: )125
داس طبا ُخ القدو ِر الكرادسا كام َ نسيت جال َد عمرو َ ُه ِبل َْت لقد
فاألثر هنا للخيل بعد السيف ،يف صورة مفزعة، تلج الوِجازا وأنت كخامعٍ ُ
وأبعاد مرعبة ،هي صورة مهولة للحرب ،ومنظر فالشاعر يدعو عىل خصمه ومناوئه بأن تفقده
تقشعر منه األبدان ،منظر تكسري الجامجم أمه ،إذا نيس حسن استخدام عمرو ألدواته
والعظام ،كام يفعل الطباخ حني يكرس عظام وجالده ،فحني يرضب يكون خصمه «كخامع تلج
وجامجم ما يطهوه ،فالخيل تطأ جامجم األعداء الوجاز» أي مثل الضب تلج جحرها ،إنه الفرار
حني تقع عىل األرض. والجنب حتى ال يطاله السيف فريديه قتيالً .
ثم يتابع الصورة ،فيقول :
()130
ويقول عمرو يف تلك املعركة ،التي تحالف فيها
24 يوليو 2019 جملة كرياال
ي ُختَّب يب العط َُّاف َحول بيوتِهم للهندي يف البيض رنَّ ًة
َّ ونسم ُع
ليست عداوت ُنا كربقِ الخل َِّب ْ كرنَّة أبكا ٍر ُز ِف ْف َن عرائسا
واستيقنوا منا بوقْع صادقٍ فاملفارقة يف التشبيه تحري العقل وتدهش،
وليس أوان ساع ِة مه َر ِب هربوا َ فهذا منظر جميل ترضب فيه اآلالت املوسيقية
فالشاعر يعرب بالكناية ،عن عدم وفاء عدوه مبا وترن صوت أدواتها ،حني تزف الفتيات األبكار
قطع عىل نفسه قبل املعركة «ليست عداوتنا الجميالت عروساً مثلهن ،وقد شبه الشاعر بهذا
كربق الخلب» فيقال ملن يعد وال ينجز وعده الصوت ،صوت وقع السيف الهندي يف خوذة
«أنت كربق الخلب» ،وأما الشاعر فيعرب عن الفرسان .
وفائه مبا وعدهم من قتل وتدمري . وال يفتأ الشاعر يحدثنا عن خربته الحربية،
ويحدثنا عن براعته يف ميدان املعركة ،وكيف ومعرفته بأحوال وأرسار املعارك ،فيقول يف معركة
يحتال وميكر ،حتى يحقق النرص عىل األعداء، بينه وبني بني عبس(: )131
(:)136
يقول لقونا فض ُّموا َجانِب ْينا بصادقٍ
وقد ك ْنت إذا ما الحـ من الطَّعنِ مثل ال َّنار ِيف ال َحطَب ال َي ْب ِس
ـي يوماً كرهو ُصلحي ُّ فالصورة توضح قوة الخصم ،حني طوق جانبي
بالخيل
َ الخيل
أل ُُّف َ جيش عمرو بالطعن والرمي ،فأصبحوا كالحطب
بح بالنب ِح
وأكفي ال َّن َ اليابس الذي تلتهمه النار رسيعاً ،وتقيض عليه .
فإذا مل تنفع محاوالت الشاعر يف الصلح ،التقاء ويشبه نفسه فوق فرسه باألسد يف قوته وزئريه،
الحرب تربز مهارته يف إدارته للمعركة فيقول، يقول (: )132
«ألف الخيل بالخيل» كناية عن اختالطهام يف فلو القيتُ ُم فريس
ميدان املعركة ،و»أكفي النبح بالنبح» كناية عن وفوق سرَ اتِه أَ َس ُده َ
اشتباك كل جندي من جيشه مع جيش العدو . وتراه يخاطب ولده بقوله (: )133
ثم انظر إليه يوضح لك حقيقة عدوه ،حني يلقاه أمل تعلم بأن أبا
يف ميدان املعركة ،يقول (:)137 ك ليثٌ فوق لِبَ ُده
ولو الق ْيتني ومعي سالحي الكف فيام أ ْد
شدي ُد ِّ
قلبك عن سوا ِد تكشَّ ف شح ُم َ َرك َْت أظفا ُره ويَ ُده
فإذا أشهر سيفه حني يالقي خصمه ،فام الحال ويؤكد عىل هذا التشبيه التقليدي بكونه أسدا ً
التي يكون عليها الخصم ؟ لقد غاص الشاعر ميلك القدرة عىل الترصف يف أدوات الحرب
إىل أعامق عدوه ،وكشف لنا خبيئته ،فالكناية والتحكم فيها ،وحسن إعدادها وتوجيهها ،يقول:
يف قوله « تكشف شحم قلبك عن سواد» تعني ()134
ً 27
أثرالفروسية في اللغة الشعرية لعمرو بن معدي كرب الزبيدي أنموذجا"
الهوامـــــش
وصف الخيل يف الشعر العريب الجاهيل ،كامل 1 3 1الفروسية يف شعر الخوارج ،د .طلعت صبحي ،مطبعة
سالمة الدمقس ،دار الكتب الثقافية ،الكويت، الرضا ،ط1985 ،1م ،ص.5
1395هـ1975/م ،ص.15 2ديوان معاوية بن مالك ،تحقيق :عزة حسن،
حلية الفرسان وشعار الشجعان ،لعيل بن عبد الرحمن 1 4 منشورات دار الثقافة ،دمشق1972 ،م ،ص.131
بن هذيل ،تحقيق :محمد عبد الغني حسن ،ط دار 3ديوان عمرو بن كلثوم ،دار الكتاب العريب1991 ،م،
املعارف1319 ،هـ1949/م ،ص.177 ص.254
تاريخ األدب العريب يف العرص الجاهيل ،د /شوقي 1 5 4لغة الشعر العريب ،د .حسني قاسم ،الدار العربية
ضيف ،ط دار املعارف ،ط األوىل1967 ،م ،ص.366 للنرش ،مدينة نرص ،ط2006 ،1م ،ص.113
ديوان عمرو بن معدي كرب الزبيدي ،جمع وتنسيق، 1 6 5لغة الشعر العريب ،ص.85
مطاع الطرابييش ،ط1405 ،2هـ1985/م،ص .142 6التصوير الشعري – رؤية نقدية لبالغتنا العربية ،د.
السابق.167 : 1 7 عدنان حسني ،الدار العربية للنرش1421 ،هـ2000/م،
السابق.177 : 18 ص.39
السابق.69 : 19 7النقد التطبيقي واملوازنات ،محمد الصادق عفيفي،
الديوان.106 : 20 مؤسسة الخانجي ،ط1978 ،1م ،ص.181
السابق.108 : 21 8علم الداللة ،د .أحمد مختار ،عامل الكتب ،القاهرة،
العجلزة :الفرس الشديدة الخلق ،هامش الديوان، 2 2 ط1993 ،4م ،ص.116
ص.106 9لغة الشعر العريب.88 ،
السابق.108 : 22 1 0شعر الحرب حتى نهاية القرن األول الهجري ،د .نوري
السابق149 : 23 حمودي القييس ،عامل الكتب ،مكتبة النهضة العربية،
السابق.70 : 24 ط1406 ،1هـ1986/م ،ص.14
الديوان76 : 2 5 1 1هو عمرو بن معدي كرب بن ربيع بن عبد الله
السابق.78 : 2 6 الزبيدي ،فارس اليمن ،وصاحب الغارات املذكورة،
السابق.183 : 27 وفد إىل املدينة سنة 9هـ ،يف عرشة من بني زبيد،
هامش الديوان.183 : 28 فأسلم وأسلموا ،وملا تويف النبي صىل الله عليه وسلم،
الديوان.157: 2 9 ارتد عمرو يف اليمن ،ثم رجع إىل اإلسالم ،فبعثه أبو
انظر هامش الديوان.156 : 3 0 بكر إىل الشام ،فشهد الريموك ،وذهبت فيها إحدى
الديوان. 181: 3 1 عينيه ،شهد القادسية مع عمر بن الخطاب ،وكان
السابق.172: 32 عصبي النفس ،أبيها ،فيه قسوة الجاهلية ،يكنى بأيب
السابق.72: 33 ثور ،وأخبار شجاعته كثرية له شعر جيد ،تويف عىل
الديوان.76 : 3 4 مقربة من الري ،وقيل قتل يوم القادسية عطشاً ،انظر
السابق.177 : 35 :األعالم ،لخري الدين الزركيل ،دار العلم للماليني،
السابق.155 ،154 : 36 بريوت ،لبنان ،ط1995 ،11م ،ج.86/5
السابق.81 : 3 7 1 2الحيوان للجاحظ ،تحقيق :عبد السالم هارون ،ط،1
السابق .117 38 1356هـ1938/م.120/7 ،
امللخص:
البالغة العربية فن لغوي عريب أصيل ما فتئ يتطور عرب مر السنني حتّى بل َغ أرفع ق َّمة يف
التعبري؛ بفضل أولئك العلامء الجهابذة الذين خدموا اللغة العربية إبّان القرون الثالث والرابع
و الخامس بعد الهجرة،واستعارة اللفظ عمل لغوي ف ّني تأسس عليه كالم العرب ،وقد أثارت
هذه الصورة البيانية انتباه البالغيني العرب مب ّكرا ،فقد عمد عبد الله بن املعتز(ت 296ه) يف
كتابه»البديع»إىل تصنيف االستعارة ضمن علم البديع وجعلها أول أبوابه ،وع ّرفها بأنها استعارة
الكلمة ليشء مل يُعرف بها من يشء قد عرف بها ،وجعلها قسمني مستحسنة وم َعيب ِة ،أما القايض
عيل بن عبد العزيز الجرجاين (ت 392ه) يف كتابه» الوساطة بني املتنبي وخصومه» فيع ّرف
االستعارة بأنها ما اكتفي فيها باالسم املستعار عن األصل،ونُقلت العبارة ف ُجعلت يف مكان
يقسمها إىل حسنة وسيئة،ويف ّرق بينها وبني التشبيه،وأما أبو هالل العسكري (ت 395 غريها،ثم ّ
ه) يف كتابه «الصناعتني» فقد ع ّرفها بأنها نقل العبارة عن موضع استعاملها يف أصل اللغة إىل غريه
لغرض،وقسمها إىل مصيبة ورديئة،وأما عبد القاهر الجرجاين (ت471ه)يف كتابه»أرسار البالغة» ّ
فقد ع ّرف االستعارة بأنها التي يكون فيها اللفظ مجازا ً ألصله الذي وقع له ابتدا ًء يف اللّغة ،فهي
التشبيه،وقسمها إىل مفيدة وفعلية وترصيحية
ّ عنده نوع من املجاز اللغوي الذي يقوم عىل عالقة
ومكنية ،وف ّرق بينها وبني التشبيه.
مراجع البحث:
•البديع ،عبد الله بن املعتز ،تح أغناطيوس كراتشوفسيك •إحياء علوم الدين ،أبو حامد الغزايل ،بريوت ،لبنان،ج،4
،ط،3دار املسرية بغداد ،العراق1982 ،م. 1975م.
•بغية الو ّعاة يف طبقات اللغويني والنحاة ،جالل الدين •أرسار البالغة ،عبد القاهر الجرجاين ،تح محمد عبد
السيّوطي،تح محمد عبد الرحيم،ط ،1دار الفكر املنعم خفاجي وعبد العزيز رشف،ط،1دار الجيل
،بريوت ،لبنان 2005،م. ،بريوت ،لبنان1991 ،م.
التحديات املفروضة ،وملواجهة بعض األسئلة التي خضعت الكتاباتُ الرسدية املعنية بتمثُّل الحياة
تطرح نفسها عىل الحقل املعريف املعني بنقد النص اليومية لقطاع إنساين عريض إىل قراءات ومراجعات
ثقافيًا ،1بوصف النص «حادثة ثقافية» – وليس عدة تم االشتغال عليها حداثيًا من منظورين
فحسب نصا جامل ًيا أدب ًيا -تتجاوز مواضعات ووظيفي ،غري أن التحديات املعرفية التيّ يل
شك ّ
النقد الشكالين ومناهجه املسكونة ببناء الكليات يثريها هذا النمط الرسدي ال تتوقف عن البزوغ،
والنامذج والهياكل املغلقة ،وتتمثل 2أنساقًا ذات التفاعل املتواصل معه ال
ُ واألسئلة التي يولِّدها
سلطة مهيمنة ترتسخ بحضور املؤلف الثقايف تكاد تنقيض ،خاصة يف ظل حالة االستقطابات
الذي «هو ناتج ثقايف مصبوغ بصبغة الثقافة الثقافية التي يشهدها العاملُ بتأثري سياسة العوملة
أوالً ،ثم إن خطابه يقول يف داخله أشياء ليست فرض تياراتِها عىل السياق الكويننجحت يف ِ
ْ التي
يف وعي املؤلف ،وال هي يف وعي الرعية الثقافية، ومفرداتِه ومنها املنظوم ُة الثقافية ،مام أسه َم يف
وهذه األشياء املضمرة تعطي دالالت تتناقض تعديل كثري من أمناط القيم ومنظومات األخالق
مع معطيات الخطاب» 3دون أن يعني هذا التي ظلت راسخة داخل حضّ اناتِها الجمعية لفرتة
أن القراءة الثقافية تتجاوز الوظيفة الجاملية/ أنتج سياقًا جدي ًدا ال يعرتف بالتخومعتيقة ،مام َ
الشاعرية للنص أو تغدو بديلة لها أو لغريها من الجغرافية ،فطالت التغرياتُ الجذرية مظا َهر
الوظائف االتصالية للغة( 4الذاتية/الوجدانية، العالقات اإلنسانية كافة ،وهنا بدأ اإلنسا ُن يعيد
أو اإلخبارية/النفعية ،أو املرجعية /السياقية، قراءة ذاته وتاريخه عىل أسس جديدة وبطرائق
أو املعجمية/املشفرة ،أو التنبيهية /االتصالية) مختلفة ،وصارت الحاجة أكرث إلحا ًحا للبحث يف
أو تنفي توافر القيم الجاملية والداللية واألبعاد القيم الثقافية املُضْ َمرة داخل ال ِّنتاج الجمعي –
التاريخية والذاتية واالجتامعية يف النصوص 5وإمنا ومنه ال ِّنتاج الرسدي -ولتحرير الرؤى النقدية من
تنطلق من فرضية أن مثة أبعا ًدا ثقافية تتحكم هاجس تأكيد
ُ شرَ ك الفرضيات التي يستحكم بها
بنا وبخطاباتنا وتؤثر يف كفاءة العملية االتصالية تفوق األنا يف مقابل اآلخر.
لتتفاعل الداللة النسقية مع نظريتها الجاملية والدراسة الحالية هي محاولة ملعالجة بعض هذه
ببعديها الرصيح والضمني بوصف أن البنية
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 45
متأصل يف مالبسات
لرواية «لحس العتب» كمنت ِّ النصية تتشكل عرب حركة متبادلة بني فضاء النص
الوعي الشعبي ومرجعيته الثقافية املائزة ال الداخيل و مكونات خارجية ،بحيث تصري قراءة
يعني حرص القيمة النصية للعمل يف هذا الجانب العنارص املؤسسة للمعامرية النصية مفض ًيا
والتشويش عىل فاعليته التخيلية وإنتاجيته إىل مقاربة معنى قابل للمناقشة واالستقراء
الداللية بتنميطها ضمن تصورات مسبقة محددة. والتحليل واالستيعاب يف ضوء معطيات الواقع
أ -املُخاتَلة بالضحك..السخرية أداة للرصاع ومالبساته «فاملقاربة الثقافية مسلك يتيح فهم
التوظيفات الرسدية يف سياق أكرب ،سياق دال
إذا كان التعارض النسقي هو أحد رشوط
عىل التجاذب بني إيحاءات النص وخطابات
تحقق الوظيفة النسقية – كام يح ِّددها عبد
الواقع االجتامعي».6
الله الغذامي« -بحيث يكون املضمر منهام
نقيضً ا ومضا ًدا للعلني» 21فإن الضحك بوصفه يف ضوء هذا التصور للوظيفة النسقية الثقافية
ُمنتَ ًجا ُمتولّ ًدا عرب أدوات ومامرسات متع ّددة للنص ستنرصف همة هذه الدراسة إىل مالحقة
منها السخرية يصري ُمهيّأ ملقاربته بوصفه تجليًا مظاهر التمثيل الرسدي لألنساق الثقافية -
لنسق «املخاتلة» الذي تتبناه الثقافة الشعبية الظاهرة واملضمرة -امل ُنغرِسة يف بنية رواية
يف أثناء رصاعها املستمر من أجل البقاء يف إطار مفعمة بتجليات الثقافة الشعبية 7وهي رواية
املعارضة الثقافية التي تعيد ترتيب أدوات «لحس العتب» 8للكاتب املرصي خريي شلبي،9
الرصاع بني املنت والهامش بعي ًدا عن لعبة مع التسليم ُمجد ًدا بوجود جملة من الدالالت
املكاشفة – بتبعاتها الخطرية -ضد املنطق التي ال تلغيها الداللة النسقية “فهذه الدالالت
النسقي املهيمن ،حيث تتجىل «السخرية» داخل وما يتلبّسها من قيم جاملية تؤدي أدوا ًرا خطرية
حضانة الوعي الشعبي عرب مستويات مختلفة من حيث هي أقنعة تختبئ من تحتها األنساق
ودرجات متصاعدة تحتكم يف تحديد موقعها وتتوسل بها لعمل عملها الرتوييض الذي ينتظر ّ
يف مورفولوجيا امل ُامرسات الشعبية إىل عوامل من هذا النقد أن يكشفه» دون متحل أو تكلف.
01
أبرزها طبيعة السياق ،وحدود التناغم الذهني بقى أن نوضح نقطتني بالغتي التأثري يف املسار
واملرجعي بني مرسل الرسالة املشفَّرة (بالسخرية) التحلييل للدراسة؛ األوىل تتعلق مبقصدية الدراسة
و ُمستقبِلها ،وإذا كانت السخرية عىل املستوى «الشعبي» حيث تعني بها -دون مواربة
ّ بكلمة
اإلنتاجي ترتهن بقدرات الساخر وتفاعله الناجز -هذه الطبقة العريضة من املهمشني (اجتامع ًيا
مع املوقف الدرامي فإن تفعيل القيم الوظيفية وسياس ًيا واقتصاديًا وثقاف ًيا) التي تشكل يف
لهذه املامرسة يرتبط بقدرات املتلقني املبارشين جوهرها قوام الذات مبفهومها الجمعي ،والتي
ومندوبيهم القرائيني ،وليصري أي تعطل يف هذه تصري ثقافتها املتواترة بني أفرادها «مشا ًعا
القناة التواصلية عائقًا يف سبيل تدفّق املعنى بينهم يتداولونها عىل أنها نتاج الخربة الجمعية
«فالنظم اإلشارية املتكاثرة يف النص األديب من املشرتكة لهم جمي ًعا الحق نفسه يف استعاملها
موضوعية وأيديولوجية وتكنيكية يتوقف بعضها واستثامرها» ،11أما النقطة الثانية فرتتبط بالنمط
عىل البعض اآلخر».31 االنتقايئ للمنت املشتغل عليه ،فاملقاربة التحليلية
46 يوليو 2019 جملة كرياال
من الرضوري عدم قرص دور السخرية داخل لقد مثلت السخرية – بكل ما تشتمل عليه
النص يف بثها روح الدعابة داخل النص ،فالسخرية من تهكُّم ودعابة ومحاكاة ومفارقة -أحد
تعد أحد أبرز معامل الشخصية يف املجتمعات تجليات نسق «املواجهة امل ُخاتِلة» امل ُتغل ِغل
املغلوبة عىل أمرها أو التي تقع يف مواجهة يف الوعي الجمعي للذات املهمشة وذهنيتها
محاوالت اإلسكات والتهميش كحال املجتمع الذوقية والعقلية ،وقد استمد هذا النسق
الطرف األضعفُ املرصي ،فهي مامرسة يلجأ إليها فاعليته واستمراريته من رشاسة رصاع الذات
يف إطار الرصاع األبدي بني املنت القاهر والهامش مع واقعها املفعم مبظاهر القبح والقهر ،حتى
املقهور؛ حيث إن القهر املادي واملعنوي اللذين صارت مواجهة هذا الواقع رضورة وجودية
تتعرض لهام الذات يضعها أمام أحد اختيارين؛ تستلزم استدعاء أدوات «قولية» متنح الذات
االستسالم لهذا القاهر ،أو مقاومته ،وألن املقاومة كفاءة ملواجهة املواقف بالغة الصعوبة ،وتضمن
املادية تغدو يف كثري من األحيان خطوة مؤجلة لها توازنها النفيس ومتكنها من مواصلة رحلتها
تصبح املواجهة املعنوية هي القادرة عىل تحقيق املجابهة لصعوبات شتى وعوائق مرتاكبة ،يتم
التكافؤ بني الطرفني ،وتتمثل املواجهة املعنوية هذا كله بحس خافت ولكنه ف ّعال ،وبطرائق
هنا يف منح الذات نفسها أحاسيس االنتصار أسلوبية مسترتة ولكنها ناجزة ،وعرب صيغ داللية
عىل اآلخر من خالل تأسيس مباراة ذهنية مبتورة ولكنها مو ِّجهة الستكاملها بسهولة.
تعادل املباراة الواقعية التي تدرك أن الغلبة وعندما نغدو بإزاء نص يتغلغل فيه الحس
فيها ستكون للطرف األقوى ماديًا ،وألن املباراة الشعبي يكون من الطبعي أن نتوقع حضورا قويًا
ذهنية فأدواتها تختلف وقوانينها تتباين ،وهنا للسخرية ،ونتوقع كذلك تناغماً بني التأسيس
تتبدى الرباعة الشعبية يف توظيف الفكاهة التي الدرامي للمنت الرسدي وتجليات فعل السخرية،
تقدم الطأمنينة املعنوية ألولئك الذين يتجاوزون وهو ما تحققه رواية «لحس العتب» التي تطرح
ضعفهم بتجسيد ضعف اآلخرين حتي يكون خطابًا مصبوغًا بالسخرية يتخلل نص الرواية كله
لديهم اإلحساس بالتوازن ،وبالتايل يستطيعون ويترسب يف رشايينه من بدايته إىل نهايته مؤك ًدا
أن ميارسوا وجودهم اإلنساين واالجتامعي، عىل «قيمة ثقافية معارضة تتوسل بالسخرية
ومع استمرار املواقف املتأزمة وتواتر املواجهة وبالالجدية ليك مترر معارضتها للنسق املهيمن
بني الطرفني تتحول السخرية إىل منوذج سلويك فتقوضه عرب لعبة السخرية».41
يستعاد إنتاجه وتتوىل الثقافة الرتويج له «فإنه
وعىل الرغم من هذا التغلغل يف تضاعيف النص
ملا كان اإلنسان أعمق املوجودات أمل ًا ،فقد كان
فإنه ميكننا تركيز الحديث عن مظهرين يشكالن
51
البد له أن يخرتع الضحك»
أكرث املظاهر استقطابًا لعنرص السخرية وهام:
التحقت مبدرسة البلد مل ميض عامان ُ «عندما
مرض غريب حار يف فهمه ُ
حالق
السخرية من املوت.
حتى أصابني ٌ
صحة البلد ،لكنه سلَّمنا بعض أقراص صغرية السخرية من السلطة.
قرصا بعد
صفراء تسمى الكينني ،وأوىص بأن آخذ ً أ-1-السخرية من املوت (الضحك يف مواجهة املوت)
األكل ثالث مرات يوم ًيا ،فام فعلت هذه األقراص
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 47
معها من زاويتني؛ األوىل اعتبار أن الضحك هو شيئًا سوى أنها صبغت بياض عيني بلون اإلصفرار
نتاج مبارش ملرض الطفلني؛ ومن ثم يغدو الضحك الكايب ،وه ّدلت كل أطرايف ،فرصتُ أقيض النهار
هنا فعالً عقاب ًيا يتم عربه االنتقام املعنوي من جالسا القرفصاء فوق الكنبة العتيقة يف ً كله
الطفليني الربيئني بالسخرية منهام ،وهو أمر ال املندرة ،آكل أطباق األرز باللنب وأرشب الليمون،
يتسق مع الطبيعة اإلنسانية بخاصة املرصية ، كرهت طعم الحالوة ،فانقلبت يف حلقي إىل ُ حتى
أما الزاوية الثانية -وهي الزاوية األكرث عمقًا مرارة دامئة ،وما هي إال أيام قليلة حتى لحق يب
من وجهة نظر الدراسة -فإنها تنظر إىل الطرفة أخي خالد ،فانضم إىل جواري عىل الكنبة مصفر
التي ألقاها الضيوف (وصار ضيوف أيب يسموننا العينني والوجه ،بارز عروق رقبته ،مكثنا عىل ذلك
ي) بوصفها حيل ًة بديلة يلجأ إليها الوعي املُته َم ْ طويالً ،حتى بات منظرنا مألوفًا كأنه جزء من
الشعبي للوصول إىل هدفه ،وهو ما يتسق مع هذه الكنبة ،وصار ضيوف أيب يسموننا امل ُتهمَينْ ،
تعريف الطرفة بوصفها «القول البليغ املثري إشارة إىل جلستنا القرفصاء معاً ال نفعل شيئًا وال
لالنتباه الذي يتميز بالجدة والطرافة ،وإظهار نتكلم وال نبتسم وال نبيك ،كأننا يف انتظار حكم
الرباعة يف التفكري والقدرة عىل تسلية القارئ سيصدر علينا بعد قليل».61
النيل
أو السامع» ، 81فالضحك هنا ال يستهدف َ يبدو النص مشحونًا بالحس الفكاهي 71الناتج عن
العاطفي منهام وإمنا يتم بغية الدعم املعنوي الحالة االنفراجية التي تطرح نفسها عىل النص
لهام عرب اسرتاتيجية معاكسة ،تتغ ّيا قهر السبب بوصفها فعالً ختام ًيا لحالة التوتر الدرامي الناتجة
الرئيس لهذه املأساة وهو «املرض» ،بتحويله عن الوضع املأسوي املهيمن عىل حضور البطل،
إىل ُمك ّون يتعرض لالنتقاد الالذع عرب منظور فالفكاهة تتولِّد من حالة التوتر املرفودة بحالة
تبخييس ينتقم منه ويحقق االعتالء النفيس عليه، انفراجية ،فالبطل الطفل الرا ِغب يف االستمتاع
فالضيوف عندما يسخرون من هذا املنظر إمنا بطفولته يجد نفسه يف رصاع مع الواقع الرافض
يص ِّدرون هذه الحالة االنفراجية إىل البطل الذي لحضوره وامل ُتع ِّمد قهره عرب مامرسة قدرية ميثِّلها
يكتشف هشاشة هذا الكائن املخيف (املوت) املرض غري امل ُس ّبب الذي أصابه ،ويتعقّد املوقف ُ
وإمكانية مواجهته عرب سالح السخرية الناجع، الدرامي بانضامم طرف آخر (األخ األصغر) يعضد
وينتج هذا االكتشاف حال ًة انفراجية جديدة الطابع املأسوي املسيطر عىل أقدار العائلة كلها،
تعيد استقرار اإليقاع الدرامي للنص «فإذا كانت وبقدر ما يرتفع املؤرش الدرامي الناتج عن حالة
الشخصية تثري الدهشة والفكاهة والتأمل فإن التوتر االستقبايل -بالنسبة للمتلقي -لتبعات
امل ُامرِس يهدف من خاللها إىل تحقيق أهداف الحس الفكاهي ُ هذه الحالة بقدر ما يتضاعف
أخرى بعيدة تتمثل يف الكشف عن الذات بتح ّول هذه الحالة املأسوية إىل حالة فكاهية
الجامعية ،لهذا ميكن القول إن مفارقة الشخصية تولِّدها السخرية التي تخلط امللهاة باملأساة.
جهل للذات وكشف للذات».91
فصورة البطل الجالس بجوار أخيه غري قادر عىل
أ-2-السخرية من السلطة (الذات يف مواجهة الجامعة) الكالم أو الحركة مكتفيًا باألكل والتأمل تدفع
أ -1-2-السلطة املادية الجميع إىل حالة الضحك ،التي ميكن التعامل
48 يوليو 2019 جملة كرياال
نصا متتزج فيه السخرية بالحيلة ،والحكمة ً إذا كانت السلطة السياسة متثل أكرث مظاهر
بالسذاجة ،والبساطة بالتعقيد ،فالزعيم الجديد السلطة مادية بزوغًا وأبرزها تسلطًا عىل املستوى
يختزل معطيات التغيري املأمول يف هذا النمط االجتامعي فإنها متثل يف الوقت نفسه أكرث أشكال
من الدعم الصويت (الهتاف) الذي ال يحمل السلطة عرضة لسهام النقد بآلياته املبارشة
قيماً اجتامعية أو سياسية ،وإمنا ينطوي عىل وغري املبارشة ،وهو أمر بدهي يف إطار معادلة
قدر من تأييد صوري للوزارة التي تُنعت بنعت اجتامعية تحاول تحقيق التوازن بني السلطات
يتوازى مع طبيعة املوقف الساخر (الزعلوكية) فتمنح سلطة الفعل لجامعة ومتنح لآلخرين
ويعكس يف اآلن نفسه رغبة الذات الفردية يف سلطة القول القادر عىل تفتيت الطبقات الفاصلة
الهيمنة عىل الجامعة التي تنسب لها عرب مامرسة بني السلطتني الرسمية والشعبية ،وتضمن حضو ًرا
إدماجية تكون معها النحن هي األنا ،غري أن لألخرية يف ثنايا السلطة وقصورها وبالطها بعفوية
هذه االستقامة عىل مستوى الخط الدرامي تخيلية تختزل وعيا عميقًا بأهمية الحضور يف
الساخر تتعرض النحراف مفاجئ يدعمه فعل قلب اهتاممات الوطن.
املفارقة عندما تنتقل املحاكة الساخرة من كونها تستدعي الرواية مشه ًدا ثريًا تهيمن عليه
آلية النتقاد اآلخر السلطوي وفضح مامرساته السخرية لتح ّوله بشكل تدريجي إىل أمثولة تتولد
املتعجرفة إىل كونها مكاشف ًة للذات ،وإبرازًا ملا عربها الدالالت ذات النوازع الواقعية مبعاونة
يعرتيها من عيوب تكاد تطابق العيوب املنتقدة املامرسة التأويلية التي تربط بني خطاب النص
يف النسق املهيمن (نسق السلطة امل ُتسلِّطة) وهو وخطاب املرجعية املكانية والزمنية ،فالجامعة
كشف صارخ ومؤمل يف تلقيه املبارش وغري املبارش، التي تلتقي يف مندرة عبد الودود (والِد الفتى
رئيسا للوزراء توقّع
فعبد الودود الذي وجد نفسه ً املريض) -بعد أن تطرح آراءها يف أحوال البالد
استجابة رسيعة من مجموعة الخاضعني لسلطته البائسة -تتخذ قرا ًرا حاسماً يتعلق بعبد الودود:
الجديدة ،وعندما مل تحقق له املجموع ُة توقعاته
رئيسا للوزراء يا عبد الودود
«إذن فقد جعلناك ً
كان رد الفعل هو اإلقصاء بكيل االتهامات لهم
أفندي ،فامذا أنت فاعل؟ هه أرين اآلن ماذا
بالخيانة والحقد والطمع يف السلطة. 02
تفعل»
«فلم يرد أحد ،فإذا بأيب يرمي النفري يف وجوههم
يستقبل عبد الودود -املجرد من آمال السلطة
يل الطالق بالتالتة أنتوصائ ًحا يف غضب حقيقي ع ّ املادية الفائتة -هذا القرار ببشارة املتلهف،
بتكرهوين ..يال قوموا روحوا أنا ما أعارشش ناس
فيتخذ وضعية رئيس الوزراء «وكان أيب قد تأهب
بتكرهني وتكره يل الخري».32
بالفعل العتالء كريس الوزارة واعرتاه حامس
إن «عبد الودود» يف متثله لدور السلطة ليس مفاجئ» 12ثم يخرب الجامعة مبا سيفعل عندما
سوى منوذج لنسق ثقايف مضمر يف الوجدان يتوىل زمام هذا األمر الجلل «»كنت أمل الشعب
الجمعي ،منط يعاد إنتاج مناذجه وتق ُّبلها بتسليم كله يف ميدان عابدين وأهتف :تحيا الوزارة
رشا بني صاحب واضح ،نسق يحقق ربطًا مبا ً الزعلوكية ،قولوا ورايا تحيا الوزارة الزعلوكية».22
السلطة والذات املتفردة املتعالية حيث ال مكان
يعي املتلقي منذ بداية املشهد أنه سيواجه
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 49
الداللية قد دفعته لتجاوز هذه اإلسرتاتيجية ملخالفة الرأي من قبل اآلخر الذي يغدو قيمة
الدرامية لصالح فضح الداللة محذوفة ،ال تراها السلطة كام ال ترى نواقصها
“لحظتها فتشت يف وجه أيب عن ظل للمزاح فلم «فليس من شأن النسق أن يرى عيوبه أو يسائل
أجد ،مل أجد إال غضبًا عميقًا احمرت له عيناه عباراته وال أن يربهن عىل صدقه ،إن له أن
62
وامتألت بالحزن واألمل” ي ّدعي فحسب واملؤسسة الثقافية تحرس دعاويه
وتربرها» ،42وهنا تصبح مخالفة هذه القواعد
فالسخرية يف هذا اإلطار تتحول إىل أحد أشكال
الراسخة خرو ًجا عىل سلطة النسق ،وهو ما
الحوارية املسترتة dialogicality hiddenعند
يستدعي مواجهته بعنف لفظي وتقريع لغوي
باختني 72حيث يغدو املتحا َور معه (السلطة)
يتوازى مع نظريه املادي الذي تحوزه السلطة
مخف ًيا ولكن ما ترتكه كلامته وأفعاله من أثر
الفعلية وتواجه بها املعارضني لها ومن ثم يصبح
عميق يكون شديد التأثري يف كل تجليات خطاب
املشهد يف بنيته العميقة غري متعارض مع النسق
املتكلم تحفي ًزا وتوجي ًها ،ويصري املشهد الساخر
وإمنا مع ِّززًا له وصاد ًرا عنه.
ُمحيالً إىل إشكاليات واقعية مستعصية «ألن
تكوين النصوص الرسدية تكوين يقوم عىل فالسلطة املستبدة تستبدل النفي واإلقصاء
استبيان مكونات واقعية أولية ،انتقاء ،وتكثيفًا والطرد من جنة الوطن بالحوار والنقاش
وإنتا ًجا وتحميالً بدالالت غري محايدة» 82وهو واملشاركة كاشفة يف أعامقها عن نسق ثقايف
ما يفتح الباب أمام استمرار متثُّل املشهد -ذي يضخم الذات وينفي اآلخر بالرضورة الوجودية
النوازع الساخرة -للرصاعات الواقعية وما تنطوي ويرى «أن املكانة املعنوية ال تتحقق إال بإلغاء
عليه من توظيف لكافة أنواع الخطابات ،ومنها اآلخرين وهذا اإللغاء ال يتم إال عرب الظلم».52
الخطاب الديني كام ميثله «الشيخ كعبلها». إن هذا املوقف – من منظور املقاربة الثقافية-
«ويف جدية بالغة قال الشيخ كعبلها كأنه يخطب ليس موقفًا مفر ًدا معزوالً ،إنه أقرب ما يكون إىل
عىل املنرب يف كافة املسلمني ،مصيبتنا يا أخوانا إننا املوقف النسقي الحامل لداللة مسترتة تتمثل يف
ال ندقق يف اختيار من يحكمنا ،يرضبنا الحكام الصورة الذهنية التي رسختها الثقافة الشعبية
بالنعال صبح مساء فال نفكر».92 للسلطة (الصفات الالزمة للسلطة) عرب عمليات
متوالدة ومرتاكبة غري مراقبة حولت التعاطي مع
إن العبارة هنا تقف عىل خط التامس بني
هذه الصفات كطقس مقدس ،لتصبح السلطة
الجدية الكاملة والسخرية الفاضحة ،وهو تنازع
بالتواتر ممنوحة صفات متعالية ومنزهة من
يرتبط مبألوفية العبارة وتكرارها ،فعىل الرغم
النقد وبريئة من العيوب ،وعندما يأيت من يسعى
مام تنضوي عليه من حقائق فإن تكرار تداولها
الخرتاق هذا النسق الثقايف أو التحرش برشوطه
دون تأثري فاعل يف الواقع قد أدي إىل تأسيس
يكون من املنطقي مامرسة سلوكيات إقصائية
منط استقبال سلبي تجاهها بحيث تحولت من
كام فعل األب عبد الودود.
عبارة تقريرية حافزة إىل عبارة عاكسة للعجز
عن تغيري الواقع أو تعديله ،وهنا تأيت السخرية وعىل الرغم من محاولة السارد املستمرة لتأطري
لتقوم بعملية تشويش رضوري عىل هذا املألوف املشهد بالجو الساخر فإن ضغوطات الفورة
50 يوليو 2019 جملة كرياال
الطالق ما أحنا قاميني هي الوزارة بالدراع والال عندما تعيد للعبارة بعض بريقها الخربي الذي
إيه؟....وقال محمود جميل إما دي تنكتب يف يجد صداه لدى الحضور.
الجرايد بصحيح ق ّدر يا أخي إننا لقيناك متصلحش «وبتلقائية شديدة – أصله عىل نياته -قال
للوزارة نسيبك وال نرفدك».33 رمضان ابن عمتي ..أي والله صدقت يا عم
يواصل السارد لعبته املراوغة عندما يرص عىل الشيخ عيل».03
إثبات ما آلت إليه األمور نتيجة لهذا التعارض وعىل الرغم من تدخل السارد يف طرح تفسري
يف املصالح «ليلتها انتهت السهرة إىل غري ما ساخر لهذه االستجابة (أصله عىل نياته) فإن
يرام...العجيب أن العالقة توترت بعد ذلك وكف عملية الرتميز قد اكتسبت قيمها دون أن يؤثر
معظمهم عن املجيء فيام عدا الشيخ زيدان فيها هذا التدخل الذي يحمل يف طياته اعرتافًا
وابن عمتي حيث يجلسون يف كثري من الصمت بفطرية التوق إىل الحرية وبدهية املشاركة يف
ال يتحدثون يف السياسة أبدا».43 إنتاج السلطة.
وعىل الرغم مام قد تبدو عليه العبارة من بعد إن التبدل يف موقف الذات هنا وتحولها من
إرشادي يتجنب التعرض للحديث يف السياسة موقف املتعاطف مع الجامعة «..ثم يعرج
بوصفها سب ًبا إلفساد العالقات وإحداث القطيعة بالحديث إىل الوزارة وخيبتها وحزب الوفد
بني األفراد مبا يشبه الدعوة لرتك السياسة ألهلها، وتقاعسه ورائحة املامينة البادية يف سلوكه
فإن العبارة نفسها تحمل يف وجهها العميق واستجابته لغزل االستعامر» 13إىل الناقم عليها
انتقا ًدا صار ًخا للسلطة التي ترى أن املعارضة «والله أنكم جميعا مناردة تستأهلون ما يجري
تعني املخاصمة واالختالف ،وعندما يتحول هذا لكم» 23ليس سوى أحد تبعات تبدل املواقع
املوقف الهزيل الرمزي إىل موقف شبه واقعي (السلطة /الجامعة) وهو ما يجدد طرح أمثولة
يتوازى مع ما يحدث يف عامل السياسة الحقيقي ما ميكن أن متارسه السلطة من ضغوطات تدفع
تتبدى مهارة السارد يف املراوحة بني املوقفني بالذات إىل االنفصال عن جامعتها وت ّربر لها
التخييل والواقعي لتأسيس عالقة تشابه عىل مامرسة درجات متصاعدة من النفي والعقاب
املعطيات والنتائج تتناغم مع الطابع الهزيل الذي الجامعي.
يحقن به املوقفني يف نقد متجدد للمامرسات
إن التزام السارد بتمثل نسق املعارضة امل ُخاتلة
السلطوية.
مل مينعه من التناغم مع تطور املوقف الدرامي
أ -2-2-السلطة القيمية عرب عدة مستويات منها مجاوزة الرمزي لصالح
ويقصد بالسلطة القيمية منظومة القيم السائدة الواقعي واستبدال الوضوح بالتشفري وهنا ترتاجع
يف مجتمع ما والتي تولت صياغة الذات عرب السخرية بوصفها مامرسة للمقاومة لتحل محلها
مسارات تداولية متوارثة ،وهو ما يجعل الخروج الثورة بوصفها الوجه الغاضب للمقاومة واملتأيب
الرصيح عليها انتهاكًا صار ًخا يقابله الوعي عىل قبول الغنب وهو ما يتجيل يف ردود أفعال
الجمعي مبامرسات عقابية قد تصل إىل حد النفي، الجامعة تجاه مامرسات السلطة النافية لهم
وملا كانت هذه املنظومة تتأسس يف صورتها يل
«»فش ّوح محمد مصباح يف وجهه قائالً ع ّ
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 51
تستند كفاءة االنتقاد يف املشهدين إىل إبراز االفرتاضية النقية عىل تحقيق املصلحة الجمعية،
التعارض بني العلم الساعي إىل تحسني الواقع ويف صورها الفرعية عىل تحقيق املصالح الفئوية
وتنقيته من شوائب املامرسات السلبية ،وهذا التي استغلت الطبيعة الهيكلة لإلطار القيمي
ُحتضنة لطبقةالواقع نفسه بوصفه البيئة امل ِ واستثمرته لتحقيق غايتها تحت غطاء شكيل
امله ّمشني ،ترتدد أصداء هذا التعارض عىل يحقق لها النفوذ الطبقي ،أصبح الجمود هو
مدار أحداث الرواية وتصل ذروتها عندما يعجز السمة املميزة لهذه املنظومة ،وعندما يأيت من
العلم 73عن إيجاد الحل للذات املعذبة ،وهو يسعى لتحريك سواكن هذه املنظومة يكون من
فشل يشري إىل القطيعة املعرفية بني الجانبني املتوقع نشوء رصاع بني الطرفني ،وهو رصاع
املفرتض ارتباطهام ،وعدم القدرة عىل تحقيق يتسم -عىل مستوى املنظور الشعبي -بتجنب
الوصل الطبيعي بينهام لضامن سالمة التشخيص املواجهة املبارشة ،واللجوء إىل طرق بديلة تتخذ
املمهد إىل نجاعة العالج مبستوياته املختلفة، من تعارض املصالح مرتك ًزا تؤسس عليه انتقادها،
فاملنظور الشعبي هنا ميارس لعبته برباعة عندما ومنثل باملشهدين التاليني:
يبتعد عن توجيه االنتقاد إىل منظومة العلم «ذهبنا إىل بندر دسوق..حتى دخلنا العيادة،
لوعيه العميق بصوابها الكيل ،ولكنه يستغل فأرقدين الطبيب ذو النظارة الذهبية والشعر
هذه القطيعة للنيل من الطبقة التي تتعامل مع املفلوق الالمع والكرش الضخم والخدود الحمراء..
الطبقات األخرى من منظور فوقي يربره إميانها وصار يتحسس بطني بأصابع طرية موجعة..ثم
الزائف بامتالكها الحكمة يف مفهومها املطلق، غطاين واستدار كاملاكينة..نزع الحكيم الورقة
ولهذا يصبح من املنطقي تأسيس هذا التاميز بني وصار يشري ألمي بالقلم عىل بعض السطور
الطب بوصفه مامرسة تحمل قيام نبيلة يف ذاتها ويرشدها إىل أن هذا بعد األكل وهذا قبله..
تعنى بتخفيف اآلالم عن البرش بغض الطرف ثم تركها واتجه إىل باب الحجرة ناظ ًرا يف ردهة
عن تباينهم الطبقي والقامئني عىل هذه الرسالة االنتظار صائ ًحا :اليل بعده».53
املمثلني لطبقة املنت يف مقابل طبقة الهامش.
«قدموين إىل طبيب كالح الوجه ،مكرش املالمح،
فالطبيب يف املشهدين ينظر إىل املريض بوصفه دائم التأفف ،فعل يب نفس ما فعله ألبري فهمي
حالة من جملة حاالت يتعامل معها يوميا مبا يف دسوق ثم نحاين وكتب ورقة صغرية ..أعطاها
يجردها -من وجهة نظره -من طبيعتها البرشية لستي ..ثم قفلنا عائدين نحمل زجاجة خل مليئة
ويحولها إىل حالة تتسم بالثبات الذي يوازيه مبزيج الحديد ،وبعض أقراص صفراء ،وأخرى
ثبات آخر عىل مستوى املعالجة التي تنهل من بيضاء ،ويف الطريق تذكرتْ ستي أن الطبيب قد
فلسفة علمية سليمة ولكنها تفقد فاعليتها عندما أوىص باالمتناع عن قامئة طويلة من الطعام مل
ال تنتبه إىل خطورة هذا النمط من التجريد ملا أسمع بها من قبل ،وعن مرشوبات عمري ما
قد يؤديه من فشل يف التجربة برمتها وعجز سمعت بها ،وال أظن أن ستي قد فهمت منها
عن تحقيق الرسالة الطبيعية للعلم بوصفه أداة شيئًا ،وإن ظلّت تتابعه قائلة :حارض يا بيه..
لخدمة اإلنسان وبخاصة أولئك العاجزين. حارض يا بيه».63
52 يوليو 2019 جملة كرياال
كام يتحدد يف «عنوان الرواية» الذي يعمل فاملشهد الرسدي السابق يقوم بتوزيع الفاعلني
بوصفه ُمرشِّ ًحا دالليًا يعكس وجهة نظر السارد عىل طبقتني؛ طبقة متثل املنت (تمُ نح لقبًا
وميثل «املوطن األبرز الذي مارس فيه الراوي استعالئ ًيا /بيه) متارس سلطتها عىل الطبقة
وظيفتَه اإلجبارية ،وظيفة الرسد» ،04فالسارد الثانية ،ويتم ترجمة هذا التاميز الطبقي إىل
يستغل هذه املناصة يف إرشاد املتلقي وتوجيه متايز عىل مستوى الخطاب اللغوي ،فحديث
قراءته للنص صوب هذا الفعل الذي يفرض الشخصيات املنتمية إىل هذه املساحة املكانية
حضوره عنو ًة عىل النص و ُمتلقيه ،وعىل الرغم البعيدة عن اهتامم الطبيبني «الريف» «ليس
أن هذا الفعل يبزغ بشكل مبارش داخل النص فقط سمة مميزة لألسلوب الواقعي فحسب ،بل
يف منتصف العمل تقري ًبا ،فإنه يتجىل بوضوح استخدم كذلك لنعت الريف بأنه موطن الجهل
أمام عني املتلقي مع بداية العمل عندما تتبدى واملرض واملوت» 83ففي حني يتذرع املريض
عالمات املرض عىل الطفل وسط عجز األهل عن وأهله بالصمت عالمة عىل العجز عن املواجهة
توفري العالج الناجع ،فيتوقع املتلقي أن يكون واالستسالم الكامل للمصري أو باالستجابة املبارشة
الحل يف «لحس العتب». «حارض يا بيه..حارض يا بيه» عىل الرغم من عدم
وبعيدا عن تحايل الفعل عىل توقعات املتلقي قدرته عىل التواصل مع اآلمر مام يعكس مخاوفة
وعدم نجاحه يف تحقيق الشفاء املتوقع فإننا املتجذرة من إظهار هذا العجز أو محاولة الفهم،
ميكننا إيجاز العنارص الحافزة عىل االستقبال نجد خطاب السلطة املسيطرة عىل املوقف
السلبي له (كام صوره النص) يف عنرصين هام: الرسدي متسماً باالستبداد أو «ميكن تسميته
بالبطش اللغوي وأقصد به أن تتشبع اللغة
-طبيعته اإلذاللية. باالستبداد وال تعرف غري األوامر والنواهي ..وال
-عدم منطقيته. 93
تتيح فضاء للحوار أو أفقًا للتنوع والتعدد»
ويف حني ميكن إرجاع الطبيعة اإلذاللية بشكل ( ..واستدار كاملاكينة..نزع الحكيم الورقة وصار
واضح إىل الخضوع املادي وتذوق القاذورات فإن يشري ألمي بالقلم عىل بعض السطور..ثم تركها
عنرص عدم املنطقية يتشكل من ناحيتني ،األوىل واتجه إىل باب الحجرة ناظ ًرا يف ردهة االنتظار
تتمثل يف الجهة الواصفة له بوصفه عال ًجا ناج ًعا، صائ ًحا :اليل بعده) .
والثانية يف الفعل ذاته املنبت عن النظر العقالين، إذا كان املشهد السابق قد كشف عن آلية
ويبدو السارد معنيًا برتسيخ ال منطقية هذا الفعل املعارضة املسترتة «للنسق السلطوي» فإن اآللية
عندما يجعل من استجابة األهل واملريض له نفسها يتم توظيفها عند انتقاد النمط اآلخر من
يسرية للغاية دون تفكري أو تأمل وهو ما يضاعف أمناط السلطة القيمية التي يختزلها توجيه البطل
من دهشة املتلقي ،ويرسخ لسطوة املامرسات املريض إىل مامرسة فعل «لحس العتب».
الالمنطقية يف السياق البعيد عنه ،فالسارد
يكتسب فعل «لحس العتب» موقعه داخل
يبدو غري مقتنع بجدوى هذا األمر»ومع ذلك
الشبكة الداللية للنص بفضل دوره التوجيهي
فهو يستسلم لهذا الغيب مع ًربا عن موقفه منه
املرتبط مبوقعه املتقدم يف صدارة املنت الرسدي
بحكمته املأثورة اليل مكتوب عىل الجبني الزم
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 53
يف اآلن ذاته تنال من سلبيات املعيش وعبثيته تشوفه العني»» 14مستجي ًبا للضغوطات املتامسة
بالقدر الذي تنال فيه من سذاجة الرؤية الناقدة مع سيطرة مساحة اليأس عىل روحه وعائلته.
لهذه السلبيات والتي تجد يف إظهار االمتعاض «فنادت أمي الشيخ كعبلها يف الرس ...فوصف لها
والرفض منجاة لها من مواجهة األزمة الناتجة عن ما ينبغي علينا أن نفعله بالضبط...بدأنا بأولياء
االنفصال بني رشائح املجتمع. بلدتنا األربعة ،سيدي سليامن العجمي ،وسيدي
إن عدم تأثري هذين العنرصين عىل فاعلية هارون ،وسيدي مطرف بن عبد الله ،وسيدي عيل
االستجابة لهذه املامرسة يعكس إىل نسق أبو دبوس ...نطرق باب الرضيح فريد علينا خادم
«االستقبال الخامل» أو «العمى الثقايف» الناتج الرضيح...تطلب أمي مفتاح الرضيح لتضع نذ ًرا
عن منح املوروث ثقة مطلقة تؤمن بجدواه يف الصندوق...ثم تطلب من الخادم حلة ماء،
املصدرة من الجيل األكرث خربة ،وهنا تتجاوز فيجيء بها ،فتدلقها عىل باب الرضيح ،فتنظفها
املامرسة حدودها الواقعية لتغدو يف جوهرها جي ًدا حتى تصري رخامتها بيضاء ثم تأمرين أنا
عملية متثيل آللية التعاطي مع مفردات البنية وأخي بأن ننحني عىل رخامة العتبة التي يدوس
الذهنية املتوارثة «هذه التمثيلية التي ال ميكن فوقها الناس بأقدامهم ونلحسها بلساننا بقعة
أن تتملص أو تنفلت من لحظتها التاريخية بقعة من أولها إىل آخرها هكذا نصحها الشيخ
ومناخها السوسيو ثقايف الذي يحكمها ويلونها كعبلها ،وقد فعلنا ورطوبة الرخامة الخشنة
ويؤدلجها».34 بطعم الرتاب والعفن ظلت ملتصقة بلساين طول
إن توجه األم مع ابنها إىل رضيح األولياء ولحس النهار من رضيح إىل رضيح ،وبعد يومني قمنا
عتبه يتم بناء عىل نصيحة «الشيخ كعبلها» الذي بجولة أخرى يف بلدة مجاورة...وعدنا آخر النهار
يؤكد أن فاعلية هذا األمر وأنه نتاج خربة متوارثة والغثيان ينفض أمعايئ كلها كل برهة ...فبمجرد
يتم التأكيد عليها عرب رسده لحكاية لطفل تطابق أن أفيق يكون أول يشء أحس به هو العتب
حالته مع حالة الفتى املريض شُ في عن طريق الذي أنطبع فوق لساين».24
لحس عتب األولياء بعد أن عجز األطباء عن إن تجرد فعل «لحس العتب» من أي مظهر
إيجاد الحل له ،وهنا يجاوز فعل «لحس العتب» رشا ناق ًدا
منطقي ورسعة االستجابة له يحمل مؤ ُ
طبيعته الضيقة بوصفه مامرسة فردية ليغدو حول ال منطقية املعيش وتجرده بالتوازي من
بنية متثيلية لقدرة السياق عىل توجيه الذات العقالنية ،وهو ما يتم دعمه نص ًيا مبزيد من
بفعل ركامات معرفية وثقافية يتداخل فيها مظاهر عدم املنطقية بالنسبة للوعي املنفتح
الديني مع األسطوري مام يكسبها رصانة تجعل الذي يخضع املامرسات ذات الركامات الثقافية
من مواجهة الذات لها فعالً استثنائيًا وقبوله املحددة ملنطقه ،وعندما تتعارض هذه املامرسات
وتسليمه بها مامرسة اعتيادية يعززها نسق مع منطقه املتشكل يف سياق مختلف عن السياق
ثقايف يوهمنا بنكهتها الدينية ويخفيها تحت الذي أنتجها يتم الحكم عىل هذه املامرسات
ستار تداويل مجازي يكشف نقده عن «نسقية بافتقارها إىل املنطق وهشاشة هيكلها ،مبا يرسخ
االستقبال الذي تكلل بالعمى الثقايف حتى ال يرى لنظرة استعالئية ينتقدها النص بنعومة ورشاسة
54 يوليو 2019 جملة كرياال
وقد مثلت األسطورة -بتنويعاتها الشكلية– عيوب الخطاب ولذا يظل يستهلكها ومن ثم
أو باألحرى صناعة األسطورة أحد املضمرات يعيد إنتاجها دون وعي منه». 44
النسقية الثقافية الذي «مل يكتبه كاتب فرد وإمنا كام يشكل هذا الفعل أيقونة لقدرة الوعي
وجد عرب عمليات من الرتاكم والتواتر حتى صار الشعبي عىل مراوغة املنظور السياق عرب
رصا نسق ًيا يتلبس الخطاب ورعية الخطاب عن ً مامرسات تتلون بدالالت تبدو يف كثري من
من مؤلفني وقراء» « ،فالذاكرة الشعبية ميالة
84
األحيان متناقضة ومتعارضة تب ًعا ملا تطرحه
إىل االسرتاحة من الحقيقي والواقعي ،وتخلق يف من قرائن تتلون دالليًا وفقًا لقدرة املنظر عىل
آن واحد مخر ًجا تخيل ًيا فوق واقعي يتجسدان الوعي مبفهوم اإلنتاجية الداللية .وهنا علينا أن
يف األسطورة والحكاية والسري وكل األشكال التي نعيد قراءة محاولة السارد تربير فشل العالج
تتمتع بالصفة اإلبداعية التخيلية» ،94ويرتبط مبحاولة «الفتى» مسح العتب قبل لحسه-
هذا «النسق األسطوري» يف جوهره بتحقيق 54مام دفع األم إىل جعله يلحس العتب دون
املؤسسة له وامل ُستقبلة له
غاية نفعية للذات ِّ مسح يف املرة الثانية -بأنها محاولة ملحو /ملسح
بوصفيهام تجليني متتابعني لذات ثقافية واحدة، املوروث الثقايف غري املنطقي املتامزج مع فهم
والرتاث العريب املتشعرن يزخر مبرويات عديدة ضيق للدين ،يتم ذلك عرب معارضة «تتخذ من
عن عالقات الشعراء بشياطني الشعر وجنياته املضمر النيص وسيلة لإلفصاح عن املكبوت وعن
روج لها الشعراء تأليفًا أو امتنا ًعا عن النفي يف معارضتها للنسق املهيمن» 64وهو ما يتكثف يف
إطار رغبتهم الجامحة لتأسيس طبقتهم املتعالية العبارة األخرية املغرقة يف التورية «فبمجرد أن
عىل النقد واآلخرين ،ومع مرور الزمن انغرس أفيق يكون أول يشء أحس به هو العتب الذي
هذا النسق -مع متغريات وظيفية تستجيب انطبع فوق لساين» فيمكن فهم العتب هنا ال
الحتياجات الذات امل ُوظِّفة له – يف الوجدان مبعنى عتبة الرضيح وإمنا اللوم واستهجان الفعل
الثقايف وترحل عرب أجيال متعاقبة ليغدو مرتك ًزا ومعاتبة كل من يشجع عليه أو يدعو إللغاء
من مرتكزات الوعي الثقايف العريب عامة والشعبي العقل وتجاوز املنطق لصالح أفعال غري مربرة
خاصة ،وأحد مرجعيات التفسري للعديد من تزيد من غيبوبة السياق الذي يشكل إخضاع
السلوكيات واملامرسات التي يعجز العقل – أو هذه األفعال الراسخة ثقاف ًيا إىل املساءلة أول
هكذا يُتصور -عن تربيرها ،أو إحدى الحيل خطوات اإلفاقة املتغياة.
التي تجد فيها الذات ملجأ لتجاوز ضعفها يف
مواجهة/مقاومة الواقع القبيح ،وتربير سكونيتها
ب -صناعة األسطورة..الرهان عىل
يف مواجهة الحركات املتصاعدة لقوى السياق
التغريب
املحيط كشكل من أشكال مواجهة الفيزيقي متثل عملية األسطرة شكالً ثانيًا من اللغة التي
بامليتافيزيقي. هي نظام أويل للتدليل »يقيم عالقاته يف الواقع
الحارض الحي كام يقيمها أيضً ا يف التاريخ يف
وتستند عملية األسطرة إىل عنرصين رئيسني هام
الوعي الجامعةعربفرتات طويلة متالحقة ولكنه
التغريب والتداول ،لهذا نجد سارد رواية «لحس
يظل جوه ًرا يرشد الوعي ويحركه «.74
العتب» ناهضا مبهمة تفعيل هذين العنرصين
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 55
أبيه التي عيشته كالربنس وكونت له ثروة هائلة يف أثناء محاولته نسج خيوط األسطورة حول
تقاسمتها قبائل من أوالده ،غري أن أيب مل يكن مرسوده وحقنه مبزيد من الجرعات التغريبية
يف براعة جدي وال حصافته ونصاحته ،وال قدرته التي تزيد من بالغة النص ومتعته ،ولتجعله -يف
عىل التحويش واالدخار ،إال أنه يرمي الذنب كله الوقت نفسه -أكرث التحا ًما بلحمة الوعي الشعبي
عىل اتضاع الزمن ونذالة األيام وكرثة العيال ،فكل املغرق يف عامل الغيبيات ومالبساته التهوميية
ذلك أىت عىل كيس نقوده ،فصار مخزن الحبوب الرثية التي تتجاوز اإلطار الحيس للموجودات
يتناقص حتى بات ال يحتوي عىل قوتنا الرضوري، إىل ما له عالقة بالوجود يف عامل األذهان ،ليصري
فأصبحنا نشرتي القمح والذرة والشعري من تجار التمثيل «ليس مرشوطًا بقيام املدركات يف حالتي
كانوا صبيانًا عند أيب ذات يوم..معظم األشياء الحضور والغيبة وإمنا يتعداها إىل عوامل التوهم
الثمينة التي ورثها أيب عن جدي قد فرطنا فيها والرؤيا وما يدانيهام».05
بشكل أو بآخر ،لسبب أو آلخر ،مع أن كل يشء ب -1-املنضدة (اخرتاع األسطورة)
فرطنا فيه مل نفرط فيه بسهولة ،لكن األشياء
ميكننا اختبار كفاءة التمثيل الرسدي لهذا
ترسبت يف النهاية ،ومل يبق من معامل تاريخنا أثر
«النسق» مبقاربة الصورة النصية للمنضدة أو
حي إال هذه الرتابيزة العجيبة ،ولهذا رفض أيب أن
كام يطلق عليها السارد «الرتابيزة» -إمعانًا يف
يف ِّرط فيها بأي مثن.15»..
الترصيح باالنتامء إىل الثقافة املرصية الشعبية
إذا كانت األسطورة تتخلق يف ماض سحيق ثم ولهجتها العامية – حيث تحرض املنضدة داخل
تكتسب حضورها القوي بفضل عملية التتابع رشا أول ًيا حول
النص منذ افتتاحيته مام يطرح مؤ ً
والتناقل وصوالً إىل حالة اليقني املعريف لألجيال دور هذا العنرص الحكايئ داخل البنية الرسدية.
التالية فإن املوقف املشكل لها يكون محسو ًما
«ليست هذه الرتابيزة العجيبة هي كل ما تبقى
لصالح املايض ضد الحارض واملستقبل ،وعندما
من آثار العز والنغنغة التي كانت تتمتع بهام
يسعى السارد إىل طرح مفردته األسطورية يكون
ديارنا ذات يوم بعيد ،فهناك صيت الزعالكة
من الطبيعي التمهيد لهذا الطرح بااللتفات
نفسه ،وهو وحده يكفي لجلب االحرتام عند
إىل فضائها املاضوي عرب هذا النمط من الرسد
كل من يسمعه ،وهناك أعاممي الكثار الذين
املرجعي لتاريخها املتامس مع تاريخ العائلة
تكاد تتشكّل منهم ومن أبنائهم وأبناء أبنائهم
واملؤرش لقيمتها الداللية (حضورها الرمزي)
وبناتهم بلدة كبرية ج ًدا تسمى بالزعالكة ال
املصاحبة لتنامي البناء النيص وتتابع متوالياته،25
يسكنها مخلوق واحد ال ينتهي اسمه بزعلوك،
فتعمد املصاحبة أو عفويتها بني عملية التخليق
كام أنه ليس يف العب كله من مل يحلم بالزواج
النيص ألسطورة املنضدة واستحضار العائلة
من بنات الزعالكة أو يز ِّوج بناته من شبان
بطبيعتها الجمعية ووحدتها التنظيمية يرتبط
الزعالكة ،وهناك أيب نفسه الحاج عبد الودود
بالفلسفة التأسيسية لفعل األسطرة املستند
زعلوك الذي عشق العلم فتعلّم حتى شهادة
إىل ذوبان الفردي يف الجمعي حيث «ال يعرف
عاملية األزهر الرشيف ،ثم خلع عاممة العلم
لألسطورة مؤلف معني ،ألنها ليست نتاج خيال
واشتغل بالفالحة وتجارة الحبوب ،نفس مهنة
فردي بل ظاهرة جمعية يخلقها الخيال املشرتك
56 يوليو 2019 جملة كرياال
باالسرتجاع ومعنى هذا أن بداية لحظة القص للجامعة وعواطفها وتأمالتها».35
تصبح بعد بداية الحدث املحيك وبعد نهايته وحيث إن اكتساب األسطورة رشعيتها يف إطار
أيضً ا» ،55فالبطل الطفل يرسد الحكاية من منظور عملية التلقي ترتهن بالدرجة األوىل بضامن
منفتح بعد أن صار رجالً واتخذ من الحيك سبيالً مقبولية املشهد /املشاهد املتضمنة فعل األسطرة
لقراءة ماضيه ووضعه موضع امل ُساءلة يف ضوء ،واملقبولية هنا تجاوز ثنائية الصدق والكذب
الخربات املعرفية واملعلوماتية التي اكتسبها التقليدية إىل درجات أكرث عمقًا وتعقي ًدا ترتبط
بفضل التطور التاريخي للشخصية وتنامي وعيها باملرجعيات الذهنية للمتلقني وطريقة التأسيس
اإلدرايك فعندما يكون «الراوي هو البطل فإن التي اعتمدها السارد والشحنات الدرامية التي
مث ّة مسافة زمنية تنهض مع الرسد بينهام ،تنهض حقن بها مشاهده ،فإن السارد يسعى لضامن
هذه املسافة بني ما كانه الراوي وما غداه البطل، كفاءة استقبال متلقيه لعملية أسطرة «الرتابيزة»
ماض ،والراوي/زمن أو بني البطل الشخصية/زمن ٍ بدعم عنرصي املصداقية واالنفتاح املعريف
حارض ،إن املسافة الزمنية هي مسافة التح ّول املتحققني من خالل ما ميكن أن نطلق عليه
وهي أيضً ا مسافة العني التي تنظر يف ما تجعله «الرؤية الداخلية املنفتحة» املرتبطة بخيارات
موضو ًعا لرؤيتها ولكالمها ،وهي بهذا املعنى زاوية الرؤية التي يعتمدها السارد ،فزاوية الرؤية
مسافة تنهض عليها الذاكرة».65 التي هي مسألة تقنية تتحدد من خالل إدراك
يظل هذا املنظور مهيم ًنا عىل املرسود الذي يدور املسافة التي تفصل بني السارد والشخصيات
حول حكاية هذا الصبي الصغري وعائلته الكبرية الحكائية حيث يؤسس انعدا ُم هذه املسافة
التي كانت تحوز مكانة مميزة عىل املستويني التجريدية التو ُّح َد بني الراوي والشخصية.
االجتامعي واالقتصادي قبل أن تتعرض ألزمات إذا كانت الرؤية الداخلية قد تحققت من خالل
متتالية حولتها إىل عائلة معدومة ال يبقى من املوقع املادي للسارد فإن انفتاح هذه الرؤية قد
تاريخها الباذخ سوى بعض دالئله وأهمها هذه تحقق من خالل طبيعة الرسد داخل الرواية،
املنضدة «العجيبة» ذات األوصاف بالغة الدقة ففي رواية «لحس العتب» نواجه رس ًدا الحقًا ـ
واإلغراب ،فاملنضدة تظل حارض ًة بقوة داخل مثل معظم األشكال الرسدية كالسيكية ـ يتمثّل
الرسد يف أثناء رحلة البطل وانتقاله من حالة «عالقة طولية ُمتعددة ال تلتقي خطوطها أب ًدا،
املرض املفاجئ إىل الشفاء املفاجئ كذلك. فـ(أ) الحكاية أو امل ُغامرة أو القصة يتموقع
إن هذه الطبيعة الداخلية املتطورة معرف ًيا/ يف املايض عىل سبيل الحتمية ،فهو يشء جاهز
املنفتحة للسارد بقدر ما تتيح له مترير مشهده وحارض يف الذهن ،ولكنه مه ّيأ يف زمن سابق،
األسطوري بوصفه شاه ًدا عليه بقدر ما توجهه و(ب) الحايك أو السارد أو الكاتب الروايئ يتموقع
النتقاء أداة هذه األسطرة التي تتحدد يف يف الزمن الحارض عىل أساس أنه وسيط بني زمنني
«الوصف» كام يتجىل يف املشهد الرئيس التايل: يأت» 45وهو ما يفرتض أحدهام مىض واآلخر مل ّا ِ
«إن هذه الرتابيزة قد احتل ّْت ركنها هذا من هذه بداهة أن تكون املشاهد الرسدية ُمق َّدمة إلينا
تالل من أشياء تنوء الخزنة ،قد وضعت فوقها ٌ بعد انتهائها فهي «تنتمي إىل املايض وت ُحىك
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 57
خلفه محذ ًرا إياه يف جدية بالغة :إياك واالقرتاب الجبال وتضيق باحتوائها دا ٌر بأكملها،ُ بحملها
من الرتابيزة! وإال فنحن غري مسئولني عنك».75 أكياس من قطن تنجيد وسخ مخلوط بالرتاب
يطرح هذا التدفق اللغوي الذي يقوم بتهجني والحىص وفتات الخرق ،والخيوط البالية كانت
الفصحي بالعامية أو اللغة الشعبية بنظريتها يف األصل مراتب وألحفة ووسائد..صفائح كبرية
الرسمية إشار ًة نسقية عىل تغلغل األسطوري يف لتخزين امللوخية الناشفة والحلبة الحىص وزيت
نسيجنا الذهني بغض الطرف عن ماهية هذا وسكر التموين ،تضاف إليها وفوقها صفائح
النسيج «فاألسطورة التي تنطلق من اللغة تعود أخرى لتخزين كعك العيد..صندوق خشبي من
إىل اللغة تحت ستار الرمزية والطقوسية والبناء صناديق الصابون النابليس ميتلئ بأشياء ال حرص
الدرامي» ،85كام نالحظ دقة الرصد والعناية لها من مرتوكات ومهمالت ،صواميل ،مسامري،
الشديدة بالتفاصيل التي ال يدرك حجم واقعيتها أغطية كازوزة..ركام ال حرص له من أشياء قدمية
إال من عايش أجواء القرية واندمج يف تفاصيل بالية ال لزوم لها عىل اإلطالق ،ومع ذلك ال أحد
حياة الفالح املرصي الحقيقي ،والسارد هنا يعرف ملاذا نحتفظ بها؟ ...الذي أنا متأكد منه
يعتمد تقنية «االستقصاء الوصفي» التي تعني أن أي يشء يزحف تحت هذه الرتابيزة أو يسقط
«تناول أكرب عدد ممكن من تفاصيل اليشء سه ًوا فإنه يكون قد ُوري تحتها إىل األبد ،ولن
املوصوف ،ولذلك تطول مقاطع الوصف وتتف ّرع تستطيع قو ٌة يف األرض أن تكتشف املكا َن الذي
طبقًا لقانون شجرة الوصف» .95لتبدأ بعملية سقط فيه هذا اليش ُء أو ذاك ،ومع ذلك فإنه ال
الرتسيخ 06املحيلة إىل املنضدة مبا يضمن متاسك يحلو لنا عد القروش أو فحص بيض إال عىل الجزء
املشهد بتوحيد مفردات املوصوف التي ستتابع املتبقي من فراغ الرتابيزة ،وقد تع ّود الواح ُد منا
يف وقت الحق ،ثم تأيت عملية تحديد املظاهر أن ميسك اليشء بأعصاب متوترة ،فام أن يرتبك
من خالل إبراز الخاصيات والتجزئة 16التي تشكِّل أدىن ارتباك حتى يسقط اليش ُء من بني يديه،
أساس عملية الوصف. فيندفع الواح ُد منا يف الحال منقضً ا عليه قبل
زحفه تحت الرتابيزة ،ولكن عبثًا ،إنه البد أن
إن هذا االستغراق الوصفي يحقق انتاجيته
يكون قد اختفى يف ملح البرص ،إذا كان قرشً ا قد
الجاملية بالعزف عىل محوري الثابت واملتحول
فر ليستقر يف منعطف مجهول ،وإن كان فردة
لشخصية الرتابيزة ،مام ينقل املتلقي من إطار
حلق فإن األرض تنشق وتبلعها ،وإن كان فردة
الشكل الثابت املتعارف عليه ،إىل تخوم السياق
حامم أو دجاجة فإن أيدي الجن نفسه لن تفلح
العجائبي املغازل ملرتكزاته الغيبية ،لتغدو
يف اإلمساك بها بل لن تعرف يف أي ركن تختبئ،
الرتابيزة كائ ًنا منفصالً /متصالً عن خربات املتلقي
إال أن تخرج هي مبزاجها بعد انتهاء املطاردة،
الذهنية ،وهو أمر طبيعي فاألسطورة تستند إىل
رمبا تعطلت عن الخروج نهائ ًيا ،وإن حاول أح ٌد
الواقع قبل تحليقها يف أفق الغيبي «فاألسطورة
غاطسا تحت الرتابيزة يف
ً أن يقل عقله وينحني
ليست معتق ًدا زائفًا يناقض الواقع ،فهناك من
محاولة يائسة للبحث فإنه سيشعر من أول نظرة
يرون فيها منطًا حدسيًا رفي ًعا للفهم الكوين
مستحيل..أي رجل من عائلتنا أو أي زائر
ٌ أن األمر
يشتمل عىل حقائق عميقة ويعرب عن مواقف
يضطر للدخول إىل هذه الخزنة يصيح أيب من
58 يوليو 2019 جملة كرياال
حولها لقصورهم املعريف الناتج عن طبيعتهم جمعية من مسائل جوهرية» 26فام بني استخدام
البرشية املحدودة ،هذا القصور الذي نلمحه يف أسفل املنضدة بوصفه فضا ًء للتخزين وتحول هذا
لهجة السارد املختلطة بالدهشة والتعجب من املخزن إىل عامل مفعم بالحس األسطوري القادر
قدرات هذه املنضدة ،وعجزه عن إيجاد تفسري عىل ابتالع األشياء وإخراجها عرب إرادة خفية ال
لهذه القدرات ،فهذا العجيب هو الدليل الناجع ميكن فهمها أو تقديم تفسري لها تتشكل مالمح
عىل حدود املفارقة بني ما يستوعبه اإلنسان املنضدة العجيبة وتتحدد ماهيتها األسطورية،
بقدراته املحدودة وما تستوعبه األسطورة وما بني الحدث الواقعي واآلخر العجائبي تتشكل
بتجلياتها املتعددة وجاملياتها الثائرة ،وهنا علينا البنية الروائية لنص «لحس العتب».
أن ننظر إىل مقصدية السارد من تحقيق التباين إن االنتقال باملنضدة من صورتها االعتيادية إىل
بني الصورتني املرجعية والنصية للمنضدة بغية صورتها الغرائبية بقدر ما ميثل أحد التمثالت
دعم هدفه يف استقطاب املتلقي وحفزه عىل القرسية لنسقية صناعة األسطورة الشعبية
متابعة املشهد الذي يخضع لعملية “التغريب” بقدر ما يدمج املتلقي يف املنت يوثق عالقته
أو خرق املألوف “التي تكمن باألساس يف باملرسود؛ وذلك من خالل االنتقال بهذا املرسود
استخدام وجهة نظر جديدة أو مغ ّربة (غري من وضعه التقليدي املألوف إىل وضع جديد
مألوفة) عن يشء مألوف” ،56وهو يف هذا يستند يجمع بني العاملني الواقعي والخيايل ،وهو ما
إىل أن مألوفية اليشء امل ُستق َبل(املوصوف) يؤكد «أن التغريب يحقّق الهدف من الفن
بالنسبة للمتلقي -عىل املستوى املرجعي -يقلّل ويحفز الوعي» ،36فإذا ما قمنا بعملية مقارنة بني
من فرضية متاهيه معه جامليًا ،وهو ما ال يحدث السامت املرجعية للمنضدة ونظريتها الحارضة
عند إدراكه أن املعروض ليس املعروض التقليدي يف النص ،سنجد أن منضدة «شلبي» تثور عىل
الذي يألفه وإمنا هو موصوف يفارق -بدرجة السمة الجامدة لنظريتها املرجعية ،فهي هنا
ما -منطه التقليدي الذي عايشته الذات الجمعية تُظهر وتُخفي ،تجمع وتف ِّرق ،تحوز وتدمر ،تعي
للمتلقني يف وجودها الخارجي؛ فهي تح ّوله إىل وتدرك ،تخطط وتنفذ ،قد ُوري تحتها إىل األبد،
موصوف علوي يجمع بني العنارص امل ُنت ِمية إىل ولن تستطيع قو ٌة يف األرض أن تكتشف املكا َن
عوامل مختلفة تتجاوب وتتقابل فيام بينها ،أي الذي سقط فيه هذا اليش ُء ،قد اختفى يف ملح
تح ّوله إىل عامل ُمفارق ميتلئ بقيم غرائبية. البرص ،ليستقر يف منعطف مجهول ،فإن األرض
تحتفظ أسطورة املنضدة بوهجها حتى يف تنشق وتبلعها ،الجن نفسه لن تفلح يف اإلمساك
لحظات انفالتها من ثنايا النص ،وذلك عندما بها ،أن تخرج هي مبزاجها ،وإن حاول أح ٌد أن
تتعالق نهايتها الرسدية مبشهد بالغ املأسوية يزيد غاطسا تحت الرتابيزة سيشعر
ً يقل عقله وينحني
من إحكام قبضة العجائبي عىل املرسود. مستحيل ..إياك واالقرتاب
ٌ من أول نظرة أن األمر
الرجال ومضوا ،فإذا هي تبدو من ُ « ..فرفعها من الرتابيزة! وإال فنحن غري مسئولني عنك» .
46
باطنها الداخيل جديد ًة ناصع ًة رغم السوس يف إننا أمام شخصية لها كينونتها الخاصة التي تتكئ
األركان ،كاد أيب يرصخ صائ ًحا أن اتركوها لك ّنه عىل فلسفة بالغة العمق ال يدركها البرش من
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 59
فيه املنضدة ،إنه مشهد بيع املنضدة وخروجها ُ
الرجال ،وضع ح َّول وج َهه عنها ،وحني اختفى بها
الدرامي من منزل البطل ،هذا البيع الذي ميكن شديد حارق،ٍ يديه عىل وجهه ،وانفجر يف بكا ٍء
بسهولة ربطه بسياقات واقعية تحيط بنا وتجاوز وكانت هذه أول مرة أرى فيها أيب يبيك كالنساء، ْ
فضاء الزمان واملكان للرواية لتنفتح عىل أفضية فانزويت مع أمي وأخويت يف ركن قيص و ُرحنا ُ
ماضية وحارضة ورمبا قادمة. نبيك لبكائه ،حتى مطلع الفجر. « ..
66
ب -2-الشفاء (تشويش العقالين) إن تتبعنا ملشهد رحيل املنضدة العجيبة من بيت
مل يقترص اإلحكام األسطوري عىل نص «لحس البطل وأهله يكشف لنا بجالء أننا بإزاء حدث
العتب» عىل العنارص الحكائية املفردة كاملنضدة جلل تدرك العائلة فداحة الخسارة التي ستتعرض
وإمنا تعداها إىل مستوى البنية الدرامية للنص لها مبغادرة هذا الكائن األسطوري املكان ،لتظل
الذي تشكل األفعال غري املسببة أو املستندة يف مغادرة املنضدة للبيت وانتقالها إىل خارج النص
تربيرها إىل قوى خفية عنارص رئيسة فيها ،فاملسار إمعانًا يف بث روافد األسطورة املختلطة بالحكمة
الدرامي للنص يتحرك عرب خطني متتابعني هام الشعبية داخل النص ،فاملنضدة التي اضطر والد
مرض الفتى والرحلة إىل شفائه ،ويحرض الخطان السارد ملنحها إىل «سيد جودة الب َّناء» يف مقابل
مندمجني يف مفردات األسطورة ،فمرض الفتى قيامه ببناء سقف البيت وجداره املتهدمني،
وأخيه يحدث بشكل مفاجئ وغامض وكذلك تشكل أمثولة عملية للحكمة الشعبية الراسخة
الشفاء الذي مل يستند إىل منطق علمي واضح. حول أن اإلنسان ال يحصل عىل كل يشء ،وأن لكل
يشء مث ًنا وكأن الفقد هو الفعل الرضوري لضامن
جالسا عىل هذه املصطبة مع كنت ً «وذات يوم ُ
االستمرارية وتأمني قدر من األمان للعائلة ،هذا
شوشة ابن عمي ..وإذ بامرأة عجوز متر حاملة
الفقد الذي تجىل يف الرواية عرب مظاهر متعددة
سفطًا عىل رأسها..ح ّدقت املرأة يف وجهي
أفدحها فقد االبن.
ومصمصت شفتيها يف أسف وقالت :يا حبة ْ
عيني الواد ده عيان بالطحال..العارف هو الله وميكن للعبق األسطوري أن يواصل دورة يف
لكن طحال هذا الولد منتفخ منذ وقت طويل، استثارة الطاقات التأويلية للمتلقي ،فإذا كانت
يكاد والعياذ بالله ينفجر ،فبكت أمي عىل الفور طبيعة العائلة التي انتقلت من مرحلة االرتقاء
قائلة :دخنا بيه عىل ال ُحكام ،قالت الغجرية يف إىل مرحلة التقهقر تأخذ بيد املتلقي إلقامة ترابط
يل ...قالت املرأة:
ثقة مذهلة :شفاؤه عىل الله وع ّ ثنايئ بينها والعائلة العربية الكبرية يف حضورها
شويف يا بنت أخوي ،تجيبي قزازة خل وتجيبي الفعيل املمزق واملشتت ،فإن الرتابيزة هنا تبدو
حته خمرية ،تحطي الخمرية يف فنجال مليان هي املعادل للوطن يف صورته اليوتوبية ،الوطن
خل ،وتحطي الفنجال بالخل والخمرية فوق الحارض يف وعي الشخصيات بوصفه املساحة
سطح الدار يسمع التالت أدنات :املغرب والعشا القادرة عىل احتواء أحالمهم وتحقيق أمنياتهم
والفجر ،وتخيل املحروس ده يرشب فنجال الخل واالحتامء بصالبتها أمام قادم األيام ،ويحقق هذا
بالخمرية عىل ريق النوم الصبح ،تالت تيام ورا الربط بني املنضدة والوطن أعىل درجات فداحته
بعض أول كل شهر عريب ،ملدة تالت شهور وأشدها فجاعة يف املشهد األخري الذي تظهر
60 يوليو 2019 جملة كرياال
يلف هذا املشهد الرئييس بوصفه مامرسة والباقي عىل الله ،ويف الشهر التالت حافوت
مقصودة لذاتها تتمثل «نسق املعارضة» عرب علييك عشان آخد الحالوة..ناولتني أمي الفنجان
انتهاك املنظومة الذهنية للوعي الجمعي التي املرطب بالندى وقطعة حلوى ،ثم قرستني عىل
يحسبها محكمة ،فإذا كانت ذهنية الجامعة تجرعه..يف اليوم الثالث من الشهر األول رشبت
املدعية للحكمة قد فرضت جملة من القوانني الفنجان وحدي بغري مدافعة ،ويف نهاية الشهر
عىل الذات املهمشة وألزمتها بها بوصفها قوانني كانت بطني قد هبطت قليالً وزال عنها االنتفاخ،
ذات معايري مثالية وفاعلية إنجازية فإن عجز يف اليوم األول من الشهر الثاين كنت أنا الذي
هذه القوانني عن إيجاد تفسري لألفعال يكشف ميأل الفنجان ويضعه فوق السطح ،وأقوم مبك ًرا
يف أعامقه عن خلل يف هذه املنظومة الذهنية ألدلقه يف جويف..ويف نهاية الشهر الثاين كنت قد
ووهمية امتالكها للحكمة مام يرشح لتوافر متكّنت من الذهاب إىل املدرسة وحدي وقد
منظومة أخرى أكرث إحكا ًما ،وهو ما يخول للذات زال انتفاخ بطني متا ًما ،ويف الشهر الثالث كانت
تربير معارضتها للمنظومة املهرتئة ومحاولتها أمي تبحث عني فتجدين ألعب الكرة الرشاب يف
الخروج عليها أو عىل أقل تقدير عدم االلتزام بها، الجرن كالعفريت».76
وهنا يغدو تشويش العقالين فعالً ال يسعى إىل يبدو النص منحازًا للخربة الشعبية عىل حساب
نفي املنطقي وإمنا إىل نفي اإلقصاء الذي ميارسه الخربة املدنية كام ميثّلها األطباء وهو ما ميكن
من يظن ذاته محصالً للمعرفة املطلقة ،إنه أحد النظر إليه بوصفه تعاطفًا مع مهارة الشخصية
أشكال االنزياح عن الواقع أو قلبه بغية اإلرباك املرصية يف مراوغة املرض ومهادنة االستالب
ملنطق األحداث وسريورتها. والفقد وقهر املوت ،إال أننا ال ميكننا التعامل مع
وكأن الثقافة الشعبية ليك تفضح زيف ثقافة هذه النهاية سوى باستدعاءحدث بالغ األهمية
النخبة املهيمنة عندما تضع أمامها ثقافة أكرث يف املسار الدرامي لألحداث وهو موت األخ،
نخبوية متعالية عىل رشوط الواقع واملنطق هذا الحدث الذي وظفه السارد إلحكام البعد
لتسلب القوة من هذه وتعطيها لهذه ،وكأنها األسطوري عىل النص ،فموت األخ بفعل املرض
وهي تعارض النسق تقع يف حبائله وتلتزم الغامض نفسه الذي أصاب الفتى ،يكشف عن
بخصائصه السلوكية والذهنية املرتسخة. الطبيعة الرشسة للمرض مام يضع مصري االبن
بقى أن نشري إىل دور األم -يف تجاوز ابنها ألزمته الثاين (البطل) عىل املحك ،ويجعله يف مواجهة
بداية من تسلحها بالصرب وعدم يأسها ومحاوالتها مبارشة مع املوت ،وهو ما يص ّعد من لحظات
املتكرر للبحث عن عالج له وصوالً إىل تحقق التوتر الدرامي ويرفع مستوى اإليقاع الرسدي -
الشفاء التام – يتناغم مع الدور الوظيفي للمرأة الذي يخىش السارد ترهله بفعل مألوفيةاملأساة
يف دراما السري الشعبية «فليس هناك بطل من واستمراريتها عىل مدار الرواية -وهنا تتضاعف
أبطال السرية الشعبية ال تقف وراء بطولته قيمة الفعل الختامي الذي يتحول إىل معجزة ال
امرأة..فللمرأة يف السري الشعبية دور أسايس ال تخضع للثوابت املنطقية.
يقل يف خطورته وأهميته عن دور الرجل..فاملرأة وهو ما يرشح إىل التعامل مع الغموض الذي
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 61
الداللية وذلك مبعاونة املوجهات الداللية التي يف السري الشعبية لعبت أدوا ًرا عديدة وهامة يف
يضعها السارد يف طريق املتلقي ،والقدرات تكوين البطل ويف رسم رصاعه ويف تحديد نهاية
التأويلية لهذا املتلقي. 86
هذا الرصاع»
وإذا كان الجنس ميثل إحدى الوسائل اإلمتاعية ج –الهروب إىل الجنس..التورية الثقافية
املجانية لقطاع عريض من الطبقات الشعبية ميثل الجنس بوجهيه املادي والخطايب مرتك ًزا من
الكادحة التي يعجزها ضعف إمكاناتها املادية مرتكزات الثقافة الشعبية التي حولت الجنس
عن االنفتاح عىل مظاهر االستمتاع بعنارص إىل وظيفة نسقية ال تقترص عىل جانبه املادي
الحياة األخرى ،لرتتقي القيمة الوظيفية للجنس وإمنا حولته إىل مامرسة خطابية ذات صيغة
من كونه استجابة طبيعية لشهوة حسية تداولية جمعية محكومة بجملة من املحددات
مقصودة لذاتها إىل كونه وسيلة مهمة لتحقيق التي يؤدي الرتكيز عىل بعضها أو كلها إىل تدفق
التوازن النفيس للذات وتجدد شعورها بإنسانيتها الدالالت ،أي بصيغة أخرى ميكن النظر للجنس
املنتهكة مبظاهر فقد متكررة ،وضامن تحقيقها داخل العمل األديب بوصفه أحد تجليات التورية
للحد األدىن من التصالح مع السياق ،وتأجيل الثقافية ببعديها املعلن واملضمر ،إنه نوع من
مامرستها الثورية تجاه األفق املسدود واقع ًيا ،وكأن «الجربوت الرمزي ذي طبيعة مجازية كلية/
الجنس يشكل املسار الضيق الذي يفتحه السياق جمعية ..يقوم بدور املحرك الفاعل يف الذهن
املتسلط ليضمن مرور طاقة الثورة والغضب الثقايف لألمة وهو مكون ثقايف خفي لذائقتها
منه وعدم انفجارها يف وجهه ،فإن الجنس أيضً ا وألمناط تفكريها وصياغة أنساقها املهيمنة».96
يشكل بتجلياته املختلفة أحد العنارص الحارضة
إن القيمة الوظيفية «للجنس» تظل محتفظة
بقوة يف الثقافة الشعبية عىل مستوى املامرسة
بوهجها عند انتقالها إىل املنت الرسدي املعني
التداولية للحيك بوصفه مادة ثرية للتندر أو
بتوظيف الخربة الشعبية بشكل خاص والساعي
للتعريض والتلميح أو للفخر والنيل من اآلخر
إىل التناغم مع مقتضياتها وذلك عىل مستويي
فهو مادة طيعة يوظفها املتحدث وفقًا ملشاربه
استثامر طاقاتها الجاملية املتجددة لتمرير القيم
وأهدافه ولكنه يظل يف األحوال كلها أحد العنارص
الداللية ،وااللتزام بطرائق التعبري عن هذه
املركزية يف الفهم الشعبي للحياة ،أو بعبارة
املامرسة وفقًا للطرائق الجمعية ،وبذلك يغدو
كثيفة أحد آليات فهمه ،فالجنس يتسم بكفاءة
الجنس داخل النص الرسدي الراصد للعوامل
إنتاجية عىل مستوى القيم الداللية يتم توظيفها
رصا مهماً من ناحيتني األوىل تتمثلالشعبية عن ً
من قبل السارد وكأنه بذلك يحقق التوازن بني
يف دور استدعاء الجنس داخل النص يف طرح
عنرصي اإلمتاع مبعنييه القريب والبعيد والقيم
الدليل عىل استجابة املرسود ملفردات املوروثات
األيدولوجية املضمنة يف ما وراء النص.
الشعبية واتساقه مع الحضانات الثقافية للسياق،
«فقامت ستي فخفضت رشيط املصباح والناحية الثانية تتحدد يف االنتقال بالجنس من
فأحكمت خيمة الليل علينا ثم لحقت بزوجها كونه مشه ًدا مقصو ًدا لذاته إىل كونه أداة يتم
فوق الرسير ،وفكت عقدة الناموسية فانغلقت توظيفها للوصول بالنص إىل مستوى الكفاءة
62 يوليو 2019 جملة كرياال
جدي ًدا يخرتقه الطفل املحمل بخطايا العامل اآلخر متا ًما ،بعد دقائق رحت يف النوم ،لكنني تيقظت
الذي أىت منه ،وكأننا بإزاء مواجهة بني املستقبل/ بعد فرتة عىل صوت هزهزة ووشوشة وزيق
الطفل ،واملايض الجدة ،والحارض /األرسة ،وهي خشب يصطك يف خشب ،ففتحت عيني فرأيت
مواجهة تفيض إىل رصاع تبدو نتيجته املبارشة الناموسية تتاموج والرسير يهتز بقوة ،وصوت
محسومة لصالح املايض برثائه املادي وقدراته سيتي يأوه وكأنها تبيك وتنهنه تحت ضغط شديد
املتنامية وفحولته البادية يف حني يحرض املستقبل يثقل صدرها ،فخيل إليها أن الرجل يرضبها
ملتبسا مبظاهر
ً -الذي هو امتداد لحارض بائس - بعنف وأنني البد أن أكون السبب ،فإذا يب أصيح
األمل والفقد والعجز عن اكتشاف الحقيقة أو 07
من تحت البطانية :ستي..ستي»
االستمتاع مبظاهر الحياة. إن املامرسة الجنسية التي ال يعيها الراوي الصغري
إن العزف عىل محور التناقض بني السياقني تكشف مظاهر التعارض يف السياق املحتضن
تبدو مامرسة متعمدة من قبل السارد للكشف للطفل املريض ،فالجدة تبدو يف صورة مناقضة
عن فداحة املأساة التي يعاين منها البطل ،وهي للصور التقليدية للجدة التي طلقت الدنيا
مأساة تجاوز فكرة العجز املادي لتصل إىل حد واكتفت بدور الحافظة للحكمة ،بل نراها ال تزال
العجز عن فهم أسباب هذه التبدل يف املفرتض، تتمتع مبظاهر الجامل كام تظهر مقبلة عىل الدنيا
واستيعاب طبيعة املعايري املختلة ،أو باألحرى بشكل الفت ينعكس يف عنايتها بنفسها ومالبسها
عدم تناغم املسار التاريخي لألحداث وهنا يبدو وبيتها ومشاركة زوجها تجربة املتعة الحسية ،إن
املستقبل مستالً من أعجاز الحارض وحامالً ألحد القرينة االسمية للجدة «فلة» تعكس يف املقول
مظاهر عجزه ممثال يف املرض ،وهو عجز تتجىل الشعبي شكالً من أشكال االرتقاء والتفوق الذي
فداحته عندما يجاوز أفق الحارض ويحدث يتضاعف عند مقارنته بصورة االبنة /األم – التي
التامس الحاد مع املستقبل ،فينتقل العجز من تجرد من القرينة االسمية -املشحونة بقرائن
مظهره املادي إىل مظهرة املعريف ممثالً يف عدم الفقر واإلهامل والعوز.
قدرة الطفل عىل فهم هذا النمط التوحدي «ستي فلة..هي امرأة جميلة أجمل من أمي
الجامع بني مظاهر القوة واألمل واملتعة يف آن بكثري فطول عمرها تعيش يف البندر ،وتستحم
واحد ،واختزال هذا السلوك املتداخل يف مظهر عىل الدوام ،بعكس أمي التي يعلوها الصدأ
واحد هو مظهر الخوف ،الخوف عىل الجدة، باستمرار ،وتنتهكها الهموم... ،أما ستي فلة فأنها
والخوف من تبعات هذا الخوف األصغر. طويلة القامة ،نحيفة القوام ،واضحة األنوثة ،ال
إن الفحولة التي يحرص النص عىل إظهارها تعرتف بسنني العمر».17
تستدعي بالرضورة العجز ،وإذا كانت الفحولة إن هذا التعارض هو ترجمة للتناقض املتغلغل
تجاوز دالل ًيا طبيعتها الذكورية املبارشة ،فإن يف سياق األحداث واملثري لدهشة أطراف املعادلة
العجز كذلك ينسل من سياقه املعيش لينغمس الرسدية كلهم مبا فيهم املتلقي ،فالطفل ينتقل
يف نظريه الذهني ،الكاشف عن حدود الشح من عامل إىل عامل مغاير ،تتبدل فيه املعادالت
املعريف الذي يحوزه املجتمع بأكمله مهام تذرع فالجدة صاحبة الرثاء املادي وزوجها ميثالن أفقًا
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 63
من العجز ،عندما نكتشف أن انتفاضات الطفل بالعلم أو التدين الشعبي كام يتجىل يف عجز
ومترده املسترت مل يفض إىل إحداث تغيري حقيقي األطراف كلها عن إيجاد دواء ناجع ملرض الطفل،
يف تدفق املامرسة الجنسية التي رسعان ما تعاود فالرؤيتان اللتان ينظر إليهام دو ًما بوصفيهام
عنفوانها مسترتة بظالم الليل ،ومحققة قد ًرا كب ًريا قوتني متصارعتني تكتسبان صفة مشرتكة توحد
من النفي للطفل الذي اكتسب خربة معرفية مل بينهام ،هي “التسليب” وهو ما يفرتض أن يؤدي
تصل إىل حتى االكتامل ،ولكنها ستعينه بشكل بالرضورة إىل محاولة البحث عن بديل يعيد
ما إىل إدراك طبيعة الفروقات بني السياقني التوازن للذات ويحفظ السياق من االنهيار ،أو
املايض والحارض ،والذي يظل االنتصار فيهام املوت عىل أعتاب هذا السياق العاجز عن حامية
حليفًا للاميض ،وكأن ذات الطفل هنا تتسع دالل ًيا أفراده أو توفري الرعاية لهم ال نتيجة العوز املادي
لتشمل ذوات أخرى تحيل إىل مستقبل معتم وحده ولكن نتيجة الفقر املعريف يف التعاطي مع
يدخل يف رصاع مرير مع ماض تليد تكون الغلبة القضايا املختلفة ،وهو ما تدعمه قرينة الظالم
فيه للاميض عىل الرغم من مقاومة املستقبل املسيطر عىل املشهد واملفيض إىل استدعاء الليل
ومعادالته النصية ،وهو ما نلمح آثاره يف نهاية وما يرتبط به من دالالت تحيل إىل حالة الخفاء
رحلة الطفل عند جدته هذه النهاية املؤذنة املراوحة بني الوجهني املادي والذهني ،هذا
بحدوث القطيعة بني السياقني وفشل الطرفني يف الخفاء الذي ال يعني عدم التحقق ،وإمنا عدم
إيجاد أرضية مشرتكة ،فالطفل يعود وهو ال يزال الوعي بآلية التحقق.
حامالً للمرض ،والجدة وزوجها ال يستطيعان كام يفيض الرصاع بني العاملني إىل حدوث حالة
التناغم مع الضيف الجديد بنقصه املعريف وعدم من حاالت التشويش عىل انتظام املامرسة وهي
احرتامه لقواعد السياق الجديد ومحاوالته حالة تقابل بتململ ونفور من الجانب األكرث
الفاشلة للتمرد عليه. قوة “زوج الجدة” الذي يظهر ضيقه من السلوك
«تكرر الصخب اللييل خلف الناموسية ،وتكررت العاجز للطفل الذي ال يجد مهربا من عدم
صيحايت..حتى ضاقت يب ستي فلة أشد الضيق قدرته عىل فهم مجريات السياق سوى بانتهاكه
فام صدقت أن انتهى األسبوع..فألبستني ثيايب ومحاولة النيل منه عرب خلخلة انتظامه الزماين.
النظيفة وسلمتني إىل زوجها الذي اصطحبني إىل “فإذا يب أصيح من جديد ستي ستي ،وكررت
محطة القطار ..فقطع يل تذكرة دفع مثنها من ندايئ عدة مرات فإذا بصوتها يجيء من خالل
محفظته الكبرية».37 نوم مصطنع ونربة غيظ دفني :عايز إيه يا ولد؟،
إن املامرسة الجنسية تشكل بؤرة الداللة النصية قلت عايز أروح الكنيف ،سمعت تأتأة وحركة
بجمعها بني املتناقضات ،فاملتعة قابعة يف األمل احتجاج وغيظ...قائلة بغيظ دفني :يال قوم...
مفض إىل املتعة ،وهو ما يل ِّخص مسرية واألمل ٍ وسمعت زوج ستي يهمس :كنت مرتاحة..
الطفل امل ُتأرجحة بني العنرصين ،فبسبب آمله مش هينفع الكالم ده..وترد ستي :يومني تالته
استطاع أن يجاوز حدود عامله الضيق وينتقل 27
وير ّوح”
إىل ساحات مادية ومعرفية أرحب مكنته من ينترص النص يف النهاية للفحولة الذكورية وينال
64 يوليو 2019 جملة كرياال
يظل موض ًعا لبهجة املتلقي الفخور بتفوقه مامرسة حقه يف املشاهدة والتجريب ،وعىل
املعريف عىل الطفل ،فجهل الطفل بحقيقة ما الرغم من احتفاظه بأمله عىل مدار رحلته فإن
يحدث وشعوره بالخوف يتم استقبالهام من قبل هذا األمل أسهم يف تشكيل وعيه تجاه عدة أمور
املتلقي بابتسامةتحمل. شكلت يف مجموعها الختامي خربة معرفية ناجزة
وكأن السارد ال يكشف رصاحة عن حدود هذه أفضت إىل بزوغ الحل املؤرش إىل اكتامل الخربة
العالقة بسهولة بل يعمل إىل طمس معاملها املكتسبة عرب مظاهر األمل.
املبارشة ال ملراوغة املتلقي القادر عىل اكتشاف إن نسق «التورية الثقافية» هنا ال يقترص عىل
املقصود بيرس ،وإمنا اتساقًا مع الخربة الجاملية جانب توليد الدالالت البعيدة وإمنا يشتمل
للموروث الشعبي يف تعامله مع قضية الجنس كذلك عىل آليات إنتاج هذه التورية ،أي عىل
وهو احرتام تتبدى آثاره بقوة يف مراعاة مستوى آلية التشكيل النيص لهذا الحدث
السياقات الحاكمة كاإلظالم املهيمن عىل املكان، الجنيس مستوى تعشيقه يف ثنايا النص الرسدي
وإحكام الغلق ،وقبل هذا وذاك الصورة النمطية مبا يتناغم مع املخزون الذهني املعريف للمتلقي
للرجل الفحل بصفاته الجسامنية الخاصة وقدرته وعىل املرتكزات الثقافية للموروث خاصة فيام
الفحولية املتضخمة تشكل عنارص تكتسب يتعلق بإسرتاتيجية وصف العالقة الجنسية،
قيمتها الوظيفية من طبيعتها التداولية يف السياق حيث عدم االعتامد عىل الترصيح الكاشف وإمنا
الشعبي بوصفها قرينة مبارشة عىل املامرسة عىل التلميح املستند إىل إدراك ثنايئ من قبل
الجنسية يف صورتها املثالية الكاشفة عن اإلغراء القائل واملستمع ملغزى الحكاية وداللة األوصاف،
األنثوي والفحولة الذكورية ،يستغل السارد هذه وبعي ًدا عن الجذور األخالقية املؤسسة لهذه
املرتكزات التصويرية يف التصور الشعبي لالنتقال اإلسرتاتيجية ،فإن التأمل فيها يكشف عن القصور
باملشهد من حدود املنت املروي إىل حدود املنت النسبي لشعرية الوصف الرصيح الذي قد يحقق
املريئ مرو ًرا باملرشح الذهني للمتلقي الذي يلفي قد ًرا من الواقعية املمزوجة باإلثارة الوقتية إال
نفسه قاد ًرا عىل التامهي مع الحدث واستتباعاته أن قيمته الداللية تظل محدودة مقارنة بالوصف
املبارشة والعميقة. التلميحي الذي ينزع إىل استثارة مخيلة املتلقي
حريصا عىل تهيئة البيئةً كام يبدو السارد البرصية وكذلك قدراته التأويلية ومهارته يف
النصية لدعم عنرصي الوصف اإلملاحي والغفلة إقامة عالقة بني الدال واملدلول وهدف السارد،
التصويرية التي متتاح من ماهية السارد برباءته وهو ما يضاعف من القيمة الجاملية للرسد.
الطفولية ووعيه غري املكتمل ،فالسارد الذي نالحظ هذه اإلسرتاتيجية بوضوح يف املشهد
يحرتم بشدة الطبيعة الريفية للفضاء املكاين السابق ،وإذا كان املنظور هنا يأيت مختلطًا
الحاضن يضع الطفل يف مساحة قريبة من بسذاجة نابعة من طبيعة السارد الطفل فإن
الحدث املصور مام يطرح توقعا بقدرة العني املتلقي يدرك عىل الفور الدالالت املبارشة عىل
الراصدة عىل تحديد املفردات التقليدية للمشهد األقل للوصف دون أدىن شك يف اختالط الداللة أو
«ألن االقرتاب يف الرؤية يربز التفاصيل الدقيقة التباسها يف ذهنيته وكأن النقص املعريف للطفل
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 65
–فيام يشاع -يصحو من النوم –إذا نام-يف موعد والجزئيات الصغرية ،ويكرث منها ،واالبتعاد يجمل
كل سيجارة ليرشبها..وقيل إن لحظات نومه طول الصورة ويطمس التفاصيل» ،47وهي املشكلة
حياته هي اللحظات الخاطفة التي يغفو فيها».57 التي يجاوزها السارد باللجوء إىل عملية الطمس
يتم توظيف هذه القرائن الحسية للتمهيد لرسد بإظالم هذا الفضاء ووضع حاجز يحول دون
طبيعة عالقاته الجنسية ،وهي قرائن تسهم يف الرؤية العينية املبارشة ،وذلك بوصف أن موقع
تهيئة أفق املتلقي الستقبال شخصية ذات نوازع الرؤية يؤثر يف املريئ.
شهوانية واضحة وقدرات جسمية خاصة تؤسس رصا مهماً يف ضامن الفاعليةإن املبالغة متثل عن ً
منوذ ًجا يتمتع بدرجات متصاعدة من األسطورية التداولية للرسد املتمحور شكل ًيا حول الجنس يف
التي تظل موضع فخر للبطل ،وموضع ترسية الوعي الشعبي مبا يجعل من هذا التناقض (بني
ألقرانه. الواقعيات واملبالغات) فعالً مقصو ًدا ينطلق من
«زير نساء كبري الناس تحيك حوله حكايات ال فلسفة خاصة تعتمدها الذائقة الشعبية وتحقق
تنتهي أب ًدا ،معظمها قد تصبح كذبة من أول عربها أكرب درجات اإلمتاع بالرسد ،ففي األحيان
إشارة لكن الجميع مع ذلك يستلطفون الحكايات معظمها يدرك املستمع أن املرسود يتخلله كثري
ويستحسنونها فيحكونها عىل سبيل التندر من املبالغات املعنية بأسطرة بطل الحكاية أو
والطرافة ،فيصدقها السذج األغرار ويرددونها الحط من قيمته ،ولكنه يتغافل عن هذا النمط
بوصفها قد حدثت بالفعل ورمبا بالغ أحدهم لصالح جامل الرسد ومتعته ،دون أن يتخىل عن
ورسح بخيال اآلخرين فيؤكد لهم أنه شاهد بعض شكوكه عندما تقرتب دائرة الرسد من بيته،
عيان.67».. هذا التناقض نلمح تجلياته يف أماكن متعددة من
الرواية ،ومنها حكاية «محمود جميل» الذي يبدأ
هذا التناقض عىل مستويي إرسال الحكاية
السارد يف تهيئة أفق انتظار املتلقي الستقباله
واستقبالها يتضاعف عندما تغيب االستجابة
بخلع جملة من القرائن الحسية عليه.
لهذا الوعي لصالح مصداقية املروي عىل ضآلة
احتاملها وذلك عندما يتعلق األمر بالدائرة «طويل كالنخلة الفارعة..مربرب ،مستطيل
القريبة املحاطة بسياجات حامية تتعامل وفق الرقبة والوجه ،مبالمح صلبة صارمة لفحتها
فلسفة استباقية ال تسمح باختبار صحة الحكاية الشمس وأحرقت بياضها القديم ،وصبغت عينيه
أو خطئها. امللونتني بظالل كابية...يرتفع صدره مع كتفيه
ويديه ليهبط بعد كل خطوة والتي تليها كمشية
«ولقد شاهدت ميالد معظم هذه الحكايات يف
املصارع يدب نحو خصمه متنم ًرا متحي ًنا فرصة
مندرتنا..رغم ذلك أيب يخشاه بينه وبني نفسه،
لالنقضاض..الشعر الكثيف يغطي أسفل ساقيه
ال يؤامنه عىل دخول دارنا يف غيبته أو غيبة أحد
كالوبرة..يف شفتيه غلظة وشهوانية ينامن عن ثور
من أبناء عمومتي الكثريين ج ًدا ..ولو ظهرت
هائج رشس ..يف عينيه اللتني إن ركزهام يف امرأة
أمي عف ًوا أو ظهر طيفها من باب الدهليز فيام
خرت يف الحال..أسنانه األمامية مصبوغة بلون
هم جالسون فإن ليلتها تكون أسود من شعر
الشاي وسواد التدخني الذي ال ينقطع لدرجة أنه
رأسها».77
66 يوليو 2019 جملة كرياال
يرجع الطبيعة البسيطة لرسود انفلتت من واستمرا ًرا لهذه املعادلة غري املفهومة يختم النص
ثقافات شعبية طاملا نُظر إليها بوصفها أدىن من رسده عن «محمود» بالتأكيد عىل استمرارية
نظريتها املؤسساتية (النخبوية) ونصوصها التي هذا التناقض وعدم القدرة عىل تقديم أسباب
يتم الرتويج لها بوصفها ذات القيم الجاملية منطقية لها.
والفكرية األعىل. «املثري لدهشتي أنه أكرث حميمية أليب دون غريه
إن هذا التفسري يتبدد عندما نتمرد عىل ضغوطات من أصدقائه الذين يسهرون معه يف املندرة كل
الواقع التاريخي املوروث فننظر إىل هذا الحضور ليلة يكون دامئًا آخر من ينرصف قبل وصول
القوي للراوي يف املرسود الشعبي بوصفه أحد الفجر بساعة».87
التنويعات املظهرية لنسق «الفحولة» املضمر يف إننا نواجه مبالغة تؤسس األسطورة وتستمرئ
املواضعات الثقافية بتشكيالتها املختلفة ،ويتأسس تقديسها وصوالً إىل الخشية منها وتحولها بفضل
هذا املنطق النسقي عىل تخليق شخصية ُمهيمنة فعل التداول إىل عنرص ذي نوازع تاريخية متلك
(اجتامعية ،أو أدبية ،أو سياسية ،أو ثقافية.... سطوة نفسية وذهنية ومعرفية عىل األجيال
إلخ) يتم التواطؤ الجمعي عىل ترقيتها وتسويقها التالية.
ومنحها سلطات مطلقة (سلطة األب ،سلطة
ميكننا القول يف ختام هذا الجزء أن الجنس من
الشاعر ،سلطة الحاكم ،سلطة املفكر) – «لتصبح
منظور ثقايف ،هو أحد املنتوجات الثقافية القامئة
قوة معنوية ثم مادية ،تحاط بنمط من الصفات
عىل الرتويج الخطايب للفعل ،أي أنه تحول إىل
التي تتحول إىل خصائص ،ثم تصبح حقوقًا ،وهذا
مقوالت نسقية تستلهم النسق الثقايف العام الذي
يقتيض حامية ثقافية ليك تحمي الثقافة أنساقها
يحرص الفعل يف مهمة واحدة هي الرتويج للذات
وأنظمة هذه األنساق وتحقق لها االستقرار
الفاعلة وتضخيم فحولتها الذكورية يف مقابل
والرتسخ» 97ومينحها بُعدين متوازيني ،البعد األول
عدم الفاعلية العملية والخطابية للرشيك الذي
أن تنتقل الشخصية من دائرة الهيمنة الرمزية
يصري وسيلة لتعضيد موقف الذات الذكورية
إىل دائرة الطغيان الفعيل ،والبعد الثاين أن تنوب
صاحبة الحق الوحيد يف مامرسة هذا النوع من
الشخصية عن الجامعة يف إطار عمليات التفاعل
الخطاب ،مام اكسب الفعل الخطايب قبوالً ثقافيًا
–وأحيانًا الرصاع -الحضاري وهو ما يحقق
يف التداول الشعبي يف إطار اتفاق ضمني يعزل
الكفاية للجامعة مع تلبسها مبظاهر الخمول
القيم القولية عن نظريتها العملية.
والكسل ،يف الوقت نفسه الذي ميكن هذا «الرمز
املصنوع» الجامع ًة من تجاوز أزمتها يف لحظة د.الهيمنة عىل املرسود..الراوي الطاغية
تاريخية معينة بالثورة عليه كخطوة رضورية يُعد الراوي -بتباين درجات حضوره -أحد
لصناعة مهيمن جديد. رشوط الفعل الرسدي بوصفه القناة التي متر
ومن ثم ميكننا النظر إىل الراوي داخل نص لحس عربها أيديولوجيا النص و ُمنتجها ،ومن املألوف
العتب ال بوصفه تقنية خطابية فحسب ،وإمنا أن يتمتع الراوي بحضور مميز يف الرسود
بوصفه متثيالً لعملية التنمذج الثقايف لنسق الشعبية ،حضور متازج مع قوة التقليد (الطقس)
لهذا النمط من الحيك ،وهو ما قد يُظَ َّن أنه
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 67
اآلجل (املستقبيل) الذي البد أن يتحقق ،وإن مل الفحولة وهو ما ميكن تلمسه داخل النص عرب
تؤرش له املعطيات الواقعية ،فانتهاء املأساة يف مظاهر مختلفة تعضّ د من سلطوية السارد
لحظة انفراجية خاطفة عىل املستويني الكمي وإحكامه عىل مقتضيات فعل الرسد.
والكيفي ،يعكس سلطة السارد املطلقة ،ويعكس د 1-النهاية السعيدة
كذلك حرصه عىل التعاطي مع مفردات النسق
يبدو الحس املأسوي هو املهيمن عىل الرواي
الثقايف املسيطر عىل مستوى االستقبال ،ليطرح
ومرسوده منذ بداية الرواية ،وهو أمر يتناغم
الراوي نفسه بوصفه وسيطًا ثقافيًا ذا حضور
مع حكاية تعتمد عىل مأساة شخصية تحيل
ناجز يدعم تأمني نجاح العملية االتصالية بني
عرب أدوات متعددة إىل مأساة جامعية ثقافية،
املرسل بحضوره املرجعي واملتلقي بحضوره
وعىل الرغم من محاولة السارد تخفيف وطأة
النازع إىل التوزع بني داخل النص وخارجه،
هذه الجرعة السوداوية من خالل توظيف
واملتكئ يف تحديد موقفه من املرسود عىل خربته
أدوات السخرية وغريها فإن املتلقي يبدو يف
القرائية التي شكلت ذائقته الجمعية وشكلت
حالة من حاالت التهيؤ الكامل الستقبال فعل
يف اآلن نفسه موجهات الخطاب املهيمن «فآثار
ختامي ميحو آثر هذا التدفق املأسوي ويعيد
النصوص املتبقية ال ميكن افرتاض بقائها ،بوصفها
التوازن املعتاد للحكاية ،وعندما نتحدث عن
عوارض محتملة فقط للعمليات االجتامعية ،بل
التوازن فإننا نقصد به هذا النمط التقليدي يف
يجب افرتاض ترتب تلك اآلثار عنها ،آثار النصوص
التلقي الذي يهيئ نفسه دون وعي الستقبال
األدبية وغري األدبية ،ليست إذن عمليات تجاور
نهاية سعيدة ينترص فيها األخيار ويهزم األرشار،
أو تزامن أو توا ٍز مع الظروف االجتامعية والسياق
ويربأ املرىض ،ويعاقب املفسدون ،وغريها من
الثقايف الذي كتبت فيه النصوص ،بل إنتاج لتلك
األمور التي تستقي مربرتها من معيار أخالقي
الظروف» .18وهو ما ميكن من التعامل مع نص
مثايل قد ال يكون بالرضورة متطابقًا مع الواقع
«لحس العتب» –يف بعض جوانبه -بوصفه وريثًا
لكنه ميلك قوة تأثريية ثقافية تتفوق عىل هذا
رشع ًيا لسري عىل الزيبق املرصي ،وبني هالل،
الواقع نفسه ،وهو ما تم ترجمته بشكل مبارش
والزير سامل ،وعنرتة بن شداد ،وامللك سيف بن
يف الحكايات الشعبية التي يستند معامرها إىل
ذي يزن ،واألمرية ذات الهمة ،والسلطان الظاهر
غلق النص بنهاية سعيدة وذلك «ألنها متثل نو ًعا
بيربس ،واألمري حمزة البهلوان ،وغريها من السري
من القصص الشعبي الذي يسعى الشعب عن
الشعبية ذات املنشأ املرصي أو التي استقبلتها
طريقه إىل خلق تلك الصورة املثالية التي تحقق
الثقافة الشعبية املرصية بالرتحاب فبثت فيها
له األمل الذي يراوده».08
من روحها ومدتها بجاملياتها وغزلت فيها
بالغتها ،وصاغت عربها رؤيتها للشخصية املرصية إن الراوي الذي ظل يرسد مأساته الشخصية عىل
بامتدادتها القومية والدينية والسياسية عرب مدار صفحات الرواية عندما وصل إىل ختامها
مامرسات إبداعية جاوزت املبارشة واغرتفت من وجد نفسه مضطرا إىل نسج نهاية سعيدة يتم
األبجدية الجاملية للرسد دوالها الخاصة. عربها تنفيذ العقد الضمني مع املتلقي فيام
يتعلق «مبثالية الغلق» املتناغمة مع فكرة الحلم
ودعماً لعنرص النهاية السعيدة ال يكتفي الراوي
68 يوليو 2019 جملة كرياال
البطل يف عالقة متاس بصورة ما مع صورة البطل بإعادة ترميم الجانب املادي الذي اضمحل يف
الشعبي كام تتجىل يف العديد من الحكايات أثناء الرسد ،فال يكتفي بشفاء الطفل وتعافيه،
الخرافية التي «تهدف إىل الوصول بالبطل إىل بل يتجه إلعادة بناء شبكة العالقات االجتامعية
الحياة الكاملة الجميلة ،والتي تستخدم أسلوبا بني الشخصيات الحكائية بوصف أن الهدف هنا
سحريًا يف سبيل تحقيق هذا الهدف..نحس حقًا هو إغراق النص بدفقات سعيدة تعادل نظريتها
باملشقة التي يتحتم عىل اإلنسان أن يعيشها يف املأساوية السابقة ،وتضمن التوازن للنص ،وهو
سبيل تحقيق الشخصية الكاملة «.38 ما يتجىل يف الفقرة األخرية يف الرواية.
د 2-إسكات اآلخر «واصطلح أيب مع صحابه فاستأنفوا السهر يف
ولعل العالمة الكربى عىل هذه الصيغة الرسمية مندرتنا ،حيث يتكلمون يف الثورة التي قامت
وما متثله من هيمنة هي عمد الراوي إىل إسكات فجأة ،وعن امللك فاروق الذي أزيح عن عرشه،
الشخصيات الحكائية واإلنابة عنها يف الحديث يف وعن محمد نجيب الذي أعلن الجمهورية
أغلب األحيان ،حيث يصلنا النص من خالل ضمري وترأسها ،وحني كانت الذكريات تجرهم إىل
املتكلم يف اتساق منطقي مع طبيعة الحكاية الحديث عن الرتابيزة الشهرية كان أيب يبتسم
بوصفها اجرتا ًرا لتجارب شخصية مر بها الراوي قائال :امللك فاروق نفسه انزاح عن عرشه ،سبحان
يف فرتة زمانية سابقة ،وهو ما ميكّن الراوي من من له الدوام».28
متثُّل أصوات بقية الشخصيات وإعادته صياغتها تبدو الفقرة عىل اكتنازها مكثفة من الناحية
بنربته الخاصة وهو ما ميكن التمثيل له باملشهد الداللية ،حيث االنتقال من َه ّم الذات إىل َه ّم
السابق للطبيب ،فصورة الطبيب املسلّبة تبدو الوطن ،ومن إعادة تشكيل العالقات الخاصة إىل
أكرث قب ًحا عند تجريدها من صوتها الذي سيسمح تأسيس عالقات منضبطة مع السلطة الجديدة
باستحضار صوت اآلخر املخاطب وهو ما قد التي أعادت رسم مالمح الوطن بتمردها عىل
يؤثر يف منط هذه الصورة النصية املتغيا تصديرها الواقع الذي غدا ماض ًيا يتم استحضاره من حني
بوصفها منوذ ًجا للذات املتعالية غري املعنية إىل آخر للتأكيد عىل موقعه الفائت بالرضورة
باآلخرين. وهو ما يفرس عمد الراوي إىل ذكر «الرتابيزة»
وأحيانًا يخفت الراوي من نربة التسلط فيكتفي فهو هنا ال ينكأ الجرح وإمنا يؤكد عىل تجاوز
بالتقديم لصوت الشخصية عرب املمهد اللفظي املشكلة برمتها ،وهو ما يرتجمه فعل االبتسام
«قال» ومشتقاته ،مام يعني أن أسلويب التقرير الذي يتناقض متا ًما مع حالة الحزن السائدة يف
الرسدي والكالم غري املبارش هام األسلوبان املايض ،وكان من الرضوري هنا رفد هذه الحالة
املهيمنان عىل عرض األحاديث ،وهو ما يعد الجديدة بحس إمياين يطمنئ الذات املستقبلة
تنويعات خطابية تنسجم مع ما تم من «اخرتاع «سبحان من له الدوام» ويدعم نبوءة املستقبل
الصمت اخرتا ًعا ثقاف ًيا لدواعي النسق وتحقيق الزاهي بعد التعايف من املرض.
».48
رشوطه إلكامل الهيمنة النسقية بقى أن نشري إىل أن النهاية السعيدة التي تحققت
وإذا كان الصوت الذكوري يأيت خافتًا يف بعض دخل عرب فعل غامض أعاد للشخصية صحتها ،يُ ِ
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 69
املعريف ووهمية قناعاته الذهنية ،حيث يقدم املواضع فإن صوت املرأة يتم إقصائه بشكل
حالً بسيطًا ملشكلة معقدة أو هكذا يُظن -أن شبه كامل يف استجابة تلقائية لنسقية االستفحال
يتم االحتفاظ باملسود ككتلة واحدة يف ذهنية التي ترى يف «الهو» القدرة عىل امتالك سلطة
املتلقي ،وهو أمر يصعب تحققه مع توايل البالغة وقوة االدعاء وهو ما ال تحوزه املرأة يف
املرسود وما يتضمنه من تفاصيل قد تشتت إطار هذه النظرة النسقية ،فيكاد صوت املرأة
اهتامم املتلقي ،وترصفه عن الرتكيز يف األحداث ينفى من الرواية كلها إال يف املشاهد األخرية،
الرئيسة املوجهة للحكمة املتغياة ،وعليه فإن ولعل النص بدهائه العفوي حاول مخاتلة هذا
رغبة السارد يف توجيه متلقيه للتعاطي مع النسق املحروس بالرشط الثقايف العام بعي ًدا عن
الحكمة املقدمة تلزمه بأن يختزل املرسود ويقفز لعبة املكاشفة بإعادة هيكلة العالقة الرتاتبية
فوق بعض الحواجز الزمنية بغية اكتناز النص بني الصوتني الذكوري واألنثوي ،ليكون االنتصار
وتكثيفه. الختامي لصوت املرأة التي متلك الحكمة التي
وتتجىل تدخالت الراوي يف البنية الزمنية للرسد عجز عنها الرجال عىل اختالف مرجعياتهم
باستدعاء البعدين الرئيسني اللذين حددهام (الدينية/الشيخ والعلمية /الطبيبان).
جريار جنيت 78يف محاولته الختبار العالقة بني 58
د 3-ضبط اإليقاع الرسدي
زمن القصة املفرتض كام ينبغي أن تكون قد إذا كان الزمن الذي ميكن استشعاره وتحليله هو
وقعت وزمن الحكاية كام يتبدى للمتلقي مجرد تقنية تستند إىل إشعار املتلقي بإحساس
حال تعاطيه مع للنص ،أي الزمن الذي يقدمه قياسا مبا يدركه يف حياته الواقعية،
ما بالزمنً ،
الخطاب الرسدي. فيصبح من البدهي فهم الدور الكبري الذي يؤديه
د 1-3-الرتتيب الراوي لتحقيق هذا اإليهام والتحكّم يف الخريطة
عىل الرغم أن الرواية تنطلق من لحظة اسرتجاعية الزمنية للمرسود خدم ًة ألهدافه ،وعندما يرتبط
تتناول سرية البطل /السارد ،فإن هذا االسرتجاع األمر برسد يسعى لتمثُّل تقنيات الحيك التقليدي
يبدو ذا قيمة وظيفية متدنية ال تحقق املفارقة بشفرته الشفهية املألوفة فإن هذا الدور يبدو
الزمنية املألوفة ،فالسارد غري معني بالرتكيز عىل أكرث وضو ًحا كأحد املظاهر الدالة عىل طغيان
هذه االنحرافات الزمنية داخل مرسوده ،فإذا حضور الراوي داخل املنت الحكايئ وقدرته عىل
كان الرتتيب هو املعني بضبط «العالقات بني التحكم يف إيقاع البنية الرسدية لتحقيق هدفني
النظام الزمني التتابعي للوقائع يف املنت الحكايئ.. رئيسني هام:
والنظام امل ُزيَّف لرتتيبها يف املحيك» 88فإننا نجد -التناغم مع البنية التأليفية للرسود الشعبية
السارد مهتماً بتحويل الرسد إىل امتداد طويل القامئة عىل توايل األفعال بشكل رسيع ،وهو ما
ميتاز بانسيابية االنتقال من املايض إىل الحارض يعد «من أهم العوامل التي تسهم يف تعزيز
دون اللجوء إىل انتهاكات زمنية استباقية 98أو قرابته من األدب الشعبي».68
اسرتجاعية 09معتم ًدا مبدأ التوازن املثايل بني زمن -يستلزم تضمني الخطاب الحكمة أو العظمة
الحكاية والتنظيم الذي أظهر هذا الزمن داخل الختامية – املكثفة يف الضعف البرشي وقصوره
70 يوليو 2019 جملة كرياال
59
حتى أصابني مرض غريب”..... الخطاب الرسدي حيث يتوازى وقوع األحداث
فام حدث للفتى خالل هذين العامني اللذين مع زمن حكايتها ،أي أن عملية الكتابة أو
متتع خاللهام بالصحة يخرج من دائرة اهتامم الرواية قد راعت الرتتيب الزمني نفسه لألحداث
السارد الذي يعمد إىل ترسيع البنية اإليقاعية املفرتض ،وميكن إدراك حدود التوازن باستدعاء
من خالل عدم العناية بامل ُفارقات امل ُشتتة لهذا املتوالية الرئيسة للحكاية املكونة من ثالثة أفعال
اإليقاع ،فالحذف هنا يتم بغرض ترسيع اإليقاع رئيسة هي:
الرسدي الذي كان من املمكن أن يتأثر سلبًا يف املرض املفاجئ.
حالة إسهاب السارد يف ذكر ما حدث للفتى خالل البحث عن الشفاء.
هذه الفرتة ،فهامشية األحداث تدفع النص إىل
مجاوزتها عرب تقنية الحذف.
الشفاء املفاجئ.
باختبار عالقة ترتيب األحداث يف حضورها
وقد يلجأ السارد إىل توظيف الخالصة عندما
االفرتايض وترتيبها داخل النص سنجد أننا أمام
يرغب يف ترسيع اإليقاع ولكن بدرجة أقل رسعة
عالقة متاثل فال مجال للخروقات الزمنية لألحداث
من الحذف:
التي “تتتابع كام تتتابع الجمل عىل الورق يف
“تكررت زيارة تاجر النحاس لدارنا عدة مرات 19
شكل خطوط تشد سوابقها بنوايص لواحقها”
69
حتى مل يعد يف دارنا يشء ميكن أن يباع” وهو ما يستجيب لطبيعة البنية الزمنية للرسد
ففي املشهد السابق تم اختصار األحداث التي الشعبي حيث إن “الحكاية الشعبية قد اعتادت
متت يف فرتة طويلة يف جملة واحدة ،فهي “تتولَّد أن تتقيّد يف متفصالتها الكربى عىل األقل ،بالرتتيب
حينام يعترب زمن الخطاب أصغر من زمن القصة، الزمني”.29
وحينام يكون مثة شعور بأن جز ًءا من الرسد د 2-3-الدميومة
أقرص من املرسود الذي يعرضه ،وحني يكون
وهي أكرث املظاهر التي ميكن عربها استكشاف
هناك نص رسدي أو جزء منه ال يتامثل مع زمن
قدرة السارد عىل التحكم يف الخيوط اإليقاعية
رسدي طويل نسب ًيا ،وهو يغطي مدى الرسعة بني
للرسد “فمالحظة اإليقاع الزمني ممكنة دامئًا
املشهد واإلغفال” .79فالرسد يتج ّنب ـ عرب توظيف
بالنظر إىل اختالف مقاطع الحيك وتباينها”،39
تقنية الخالصة ـ حشد الحكاية بأحداث فقرية
فالعالقة بني اإليقاع والرسعة عالقة تواز ،حيث
عىل املستوى الدرامي مام يسهم يف ترسيع وترية
يرتفع إيقاع النص بزيادة رسعته وينخفض
.89
الرسد 49
بانخفاضها كام حدد جريار جنيت
ويعتمد السارد عىل تقنية املشهد هو أكرث
فعندما يرغب السارد يف ترسيع اإليقاع الرسدي
التقنيات قدرة عىل تحقيق التوازن بني األحداث
يوظف تقنية الحذف بغرض مجاوزة بعض
بأبعادها الواقعية املعيشة واألحداث يف حضورها
الفرتات الزمنية التي ال يحقق إثباتها قيمة داللية
الرسدي “فحينام يكون هناك نوع من التكافؤ
تخدم أهداف السارد كام يف املثال التايل:
بني جزء من الرسد وبني املرسود ..وحني يعترب
زمن الخطاب مساويًا لزمن القصة ،فإننا نحصل “عندما التحقت مبدرسة البلد مل ميض عامان
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 71
استندت إىل تأسيس مشهد أمثويل وتفكيك ما ”.99
عىل املشهد
ينطوي عليه من قيم سلبية استنا ًدا إىل قدرة الخامتة
السخرية عىل التل ّون الداليل بالتعاون مع عنرص
سعت الدراس ُة إىل الكشف عن كيفية متثيل
املفارقة ،مام مكنها من استبدال دورها يف
رواية “لحس العتب” -بوصفها منوذ ًجا للرسد
مصارحة الذات ،وإبراز ما يعرتيها من نواقص
املتعاطي مع مقتضيات الثقافة الشعبية -
بدورها يف انتقاد اآلخر السلطوي.
لألنساق الثقافية السائدة يف هذا السياق الذي
شكل فعل «لحس العتب» وما ارتبط به من طاملا ن ُِظر إليه بوصفه هامشً ا يف مقابل منت
وقائع نصية أيقون ًة لقدرة الذهنية الشعبية عىل النخبة ،ملا سيفيض إليه هذا الكشف -بشكل
انتقاد مفردات السياق بصيغة غري مبارشة ،عرب مبارش أو ضمني -من إدراك أكرث عمقًا بحيل
مامرسات تكتيس بدالالت قد تبدو متناقضة الثقافة يف مترير أنساقها املتحكمة فينا.
ومتعارضة لكنها تعكس يف جوهرها تفاعالً
وقد نتج عن مقاربة املنت املحلل جملة من
ممي ًزا مع واقع يشكّل التناقض والتعارض قيمتني
النتائج التي ميكن إيجازها عىل النحو التايل:
رئيستني فيه.
مثَّل “الضّ حك” تجل ًيا لنسق “املواجهة امل ُخاتلة”
النص “فعل لحس العتب” مبا ينطوي استثمر ُ الذي تتبناه الثقافة الشعبية يف أثناء مواجهتها
عليه من طبيعة إذاللية ال منطقية لفضح طبيعة
القوى الساعية لطمس مالمحها ،وقد استمد هذا
نسق “االستقبال الخامل” أو “العمى الثقايف”
النسق فاعليته من دوره يف تحقيق توازن أدوات
الناتج عن منح املوروث ثقة مطلقة ترشعنها
الرصاع مع الواقع املفعم مبظاهر القبح والقهر،
طبيعته املتوارثة.
وضامن كفاءة فعل املقاومة دون صدام مبارش،
طرحت الصورة النصية “للمنضدة/الرتابيزة” وقد انعكس هذا النسق داخل املنت الروايئ عرب
نفسها بوصفها متثيالً لنسق “اخرتاع األسطورة” مظاهر مختلفة أبرزها السخرية من املوت،
وتغلغلها يف النسيج الذهني للوعي الشعبي والسخرية من السلطة ببعديها املادي والقيمي.
كإجراء تحاييل يعضِّ د موقف الذات وهي تواجه
برهن توظيف “السخرية من املوت” عىل
معوقات الواقع والتباساته املتعددة.
براعة الوعي الشعبي يف مواجهة “نسق السلطة
أسهم االنتقال “باملنضدة/الرتابيزة” من صورتها امل ُتسلِّطة” ،مفي ًدا من فاعلية “الفكاهة”
االعتيادية إىل صورتها الغرائبية يف توثيق عالقة يف تقديم الطأمنينة املعنوية ألولئك الذين
املتلقي باملرسود باستثارة قدراته التأويلية ودفعه يتجاوزون ضعفهم بتجسيد ضعف اآلخرين ،مام
إىل الربط بني األسطوري ورمزيته والواقعي يضمن لهم التوازن النفيس ،ويتيح لهم املساحة
وروافده دون تكلس أو اعتساف. الذهنية والنفسية ليك ميارسوا وجودهم اإلنساين
شكل فعل “الشفاء” أحد وسائل تطويق النص واالجتامعي.
بالحس األسطوري مبا طرحه من تشويش عىل التزمت الرواية ومن خلفها الثقافة الشعبية
العقالين السائد ،كخطوة مهمة للتدليل عىل عدم بانتقاد السلطة السياسية عرب آلية مراوغة
صالحيته وحتمية تأسيس نظام جديد يجاوز
72 يوليو 2019 جملة كرياال
املواضعات الثقافية. نقاط ضعف النظام السائد العاجز عن تقديم
اجتمعت عنارص النهاية السعيدة وإسكات حلول عقالنية ملشاكل الواقع.
اآلخر وضبط اإليقاع الرسدي لرسم مالمح الراوي اكتسب الجنس – الذي مثل أحد تجليات نسق
الطاغية املعادل لنظريه املادي. “التورية الثقافية” ببعديها املعلن واملضمر-
وختا ًما ترى الدراسة أن رواية “لحس العتب” قد قيمته داخل النص من خالل دوريه يف تحقيق
برهنت عىل قدرة خريي شلبي عىل متثل الروح االتساق مع مفردات الحضَّ انة الثقافية الشعبية،
الشعبية املرصية مام رشحه ألن يكون املؤرخ ويف رفع مستوى الكفاءة الداللية للنص.
الشعبي لطبقة املهمشني يف مرص من بني أدباء امتلكت املشاهد املُعبرِّ ة عن العالقة الجنسية
الرؤية الستينية 001الذين جمع بينهم التدرع وسائل حافزة للمتلقي للربط بني مكونات
بالغضب الناتج عن انكسار الحلم القومي ،مام املشهد الداخيل والقيم الداللية املترسبة داخل
دفع العديد منهم إىل العودة الفنية إىل منابعهم النسيج النيص كاالستفحال والعجز ،والقبول
األوىل؛ القرية ،والحارة ،والزقاق ،ليتخذوا من هذه والرفض ،واالحتواء والنفي.
املنابع األصيلة أفضية يجوبون فيها بعقولهم، برهنت الرواية عىل أن “نسق املعارضة” -عىل
ويرسمونها بأقالمهم ،ويكتشفونها مبامرسات وقوفه موقف املناهض “لنسق االستفحال” –
تأملية تسعى للبحث عن أسباب الهزمية الفاجعة قد ع ِّزز النسق امل ُعا َرض عرب توسله بوسائله يف
عرب إعادة قراءة املايض والحارض واكتشاف عيوبه املواجهة واستخدامه األدوات نفسها من نفي
التي أفضت إىل هذه النتيجة املأسوية ،ومن هؤالء وإقصاء وتخطيئ وعنرصية.
خريي شلبي صاحب البورتريه املائز للشخصية
شكل الراوي بسلطته املطلقة داخل النص
املرصية ،الباكية والضاحكة ،الجادة والساخرة،
متثيالً “لنسق الفحولة” املضمر يف العديد من
املهادنة واملنتفضة ،املستسلمة والثائرة.
اإلحاالت والهوامش
املجلس األعىل للثقافة ،القاهرة ،الطبعة األوىل2003 ، -يطرح النقد الثقايف نفسه لدى الكثريين كمهمة 1
ص31 مرتابطة متداخلة متجاوزة للحقول املعرفية الثابتة
-عنيت الدراسات الكالسيكية واملعارصة بقضية 2 «ومبقدور النقد الثقايف أن يشمل نظرية األدب
التمثيل يف صيغتيها الفردية -عند كاتب محدد -أو والجامل والنقد ،وأيضً ا التفكري الفلسفي وتحليل
الجمعية – قضية محددة لدى عدد من الكتاب“ -غري الوسائط والنقد الثقايف الشعبي ،ومبقدوره أيضا
أن ما مييز هذا املصطلح يف التحليل الثقايف ينبثق من أن يفرس نظريات ومجاالت علم العالمات ،ونظرية
االستعامل الذرائعي لنص الرواية ،بحيث يغدو التحليل التحليل النفيس والنظرية املاركسية ،والنظرية
األديب أداة يتم توظيفها من أجل أهداف ثقافية عامة، االجتامعية واالنرثوبولوجية إلخ» أرثر أيزابرجر ،النقد
يجري تشييدها من خالل النقد الثقايف” إدريس الثقايف -متهيد مبديئ للمفاهيم األساسية -ترجمة وفاء
الخرضاوي ،الرسد موضو ًعا للدراسات الثقافية -مجلة إبراهيم رمضان بسطاوييس ،املرشوع القومي للرتجمة،
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 73
املرصية العامة للكتاب ،القاهرة ،الطبعة الثانية، تبني للدراسات األدبية ،املركز العريب لألبحاث ،الدوحة،
2005.وتجدر اإلشارة إىل أن الدراسة ستتعامل مع العدد 7،املجلد ،2شتاء 2014ص115.
الرواية بوصفها منوذ ًجا للرسد املسكون بالروح الشعبية -عبد الله الغذامي ،النقد الثقايف – قراءة يف األنساق 3
للشخصية املرصية ،هذه الروح املستندة عىل موروث الثقافية العربية – املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء-
باذخ من املرويات الشفهية واملكتوبة التي نجحت يف بريوت ،الطبعة السادسة2014 ،م ،ص.76-75
مزج املتخيل بالواقعي ،وتشظية املسافة الفاصلة بني -تتنوع وظيفة اللغة تبعا لرتكيزها عىل عنرص أو 4
األسطوري واملعيش ،وتحقيق االلتحام الداهش بني آخر من عنارص منوذج التواصل اللغوي عند ياكبسون
الضحك والبكاء ،فجمعت برباعة بني أفقي املستحيل الذي يتكون من ستة عنارص هي املرسل واملرسل إليه
واملمكن. والرسالة والشفرة والسياق وأداة االتصال انظر رومان
-ينتمي خريي شلبي إىل ساللة الشخصية املرصية 9 ياكبسون ،قضايا الشعرية ،ترجمة محمد الويل ومبارك
الشعبية بحجمها الحقيقي ومذاقعها الفعيل وهو ما حنوز ،دار توبقال ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،ص
يتضح بالعروج إىل سريته الخاصة التي تكشف أنه رصا سابعاً يف إطار املقاربة
30-26ويضيف الغذّامي عن ً
عمل بائ ًعا جائالً يف صباه ،واتخذ املقابر مسك ًنا يف الثقافية وهو العنرص النسقي بوظيفته النسقية ،انظر
شبابه ،وكتب أعامالً تعكس هذا النمط التشخييص النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – ص
للذات املرصية عىل تنوع سياقاتها املكانية والزمانية . 80-76
مثل السنيورة ،واألوباش ،والشطار ،والوتد ،والعراوى، -يرى ليونارد جاكسون أنه “من املستحيل قيام 5
وفرعان من الصبار ،وموال البيات والنوم ،وثالثية مقاربة مجردة وشكالنية لألدب ،فكل عمل أديب يف
األماىل (أولنا ولد -وثانينا الكومى -وثالثنا الورق)، العامل هو جزء من ثقافة إنسانية ما ،باملعنى الذي
وبغلة العرش ،ومنامات عم أحمد السماَّ ك ،وموت يعطيه األنرثبولوجيون للكلمة ،وال ميكن أن نضفي
عباءة ،وبطن البقرة ،وصهاريج اللؤلؤ ،ونعناع الجناين، عليه معنى إال ضمن تلك الثقافة” ليونالرد جاكسون،
وصالح هيصة ،ونسف األدمغة ،وزهرة الخشخاش، شكالن من املادية الثقافية :املادية يف األنرثوبولوجيا
ووكالة عطية ،وصحراء املامليك واألسطاسية. يف الدراسات الثقافية ،ترجمة ثار ديب ،مجلة تبني
-النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 1 0 للدراسات الفكرية واألدبية ،املركز العريب لألبحاث،
ص .78 الدوحة ،العدد 1،صيف 2012،ص .138
-عبد الحميد حواس ،املادي وغري املادي يف الثقافة 1 1 -حسن محمد النعمي ،سلطة املكان املغلق ،مجلة 6
الشعبية ،مجلة الثقافة الشعبية ،وزارة الثقافة، عامل الفكر ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
البحرين العدد ،9ربيع .2010ص.12 الكويت ،العدد ،5املجلد ،41يناير –مارس 2013ص
-النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 1 2 .225
ص.76 -يعد النقد الثقايف من أكرث املامرسات قدرة عىل 7
-صالح فضل ،شفرات النص دار عني للنرش ،القاهرة، 1 3 مقاربة الثقافة الشعبية ،ويرى أرثر أيزابرجر أن الثقافة
الطبعة الثانية1995 ،م ،ص.7 الشعبية هي املجال األويل لهذا النمط من الدراسات
-النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 1 4 “ويعد النقد الثقايف ذا أهمية كبرية عن كيف تقدم
.226 النصوص املعنى ،ويف السامت األيدلوجية للثقافة
-زكريا إبراهيم ،سيكولوجية الفكاهة والضحك، 1 5 الشعبية ،والدور الذي تلعبه يف العامل االجتامعي
مكتبة مرص ،القاهرة ،الطبعة األوىل1970 ،م ،ص.9 والسيايس” النقد الثقايف -متهيد مبديئ للمفاهيم
-لحس العتب ص.15 1 6 األساسية -ص.222
-تعرف الفكاهة بأنها “تلك الصفة يف العمل أو يف 1 7 -خريي شلبي ،لحس العتب :مكتبة األرسة ،الهيئة 8
74 يوليو 2019 جملة كرياال
-شتيفن فيلد ،الخبز الحايف ملحمد شكري ،ضمن 3 8 الكالم أو يف املوقف أو يف الكتابة التي تثري الضحك
كتاب شعرية املكان يف األدب العريب الحديث ،تحرير لدى النظَّارة” مجدي وهبة ،وكامل املهندس ،معجم
بطرس الحالق وآلخرون ،ترجمة نهى أبو سدرة وعامد املصطلحات العربية يف األدب واللغة ،مكتبة لبنان،
عبد اللطيف ،املركز القومي للرتجمة ،القاهرة ،الطبعة بريوت ،الطبعة الثانية1984 ،م ص276
األوىل 2014م ،ص186 -معجم املصطلحات العربية يف األدب واللغة ص.383 1 8
-عامد عبد اللطيف ،بالغة الحرية ،دار التنوير، 3 9 -شكري عزيز مايض ،أمناط الرواية العربية الجديدة، 1 9
القاهرة ،الطبعة األوىل2012 ،م ،ص.24 سلسلة عامل املعرفة ،العدد ،355املجلس الوطني
-محمد نجيب العاممي ،الراوي يف الرسد العريب 4 0 للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،الطبعة األوىل،
املعارص -رواية الثامنينات بتونس -دار محمد عيل 2008م .ص.31
الحامي ،صفاقس ،تونس ،الطبعة األوىل2001 ،م، -لحس العتب ص.33 2 0
ص.193 -السابق ص.33 2 1
-نبيلة إبراهيم ،قصصنا الشعبي من الرومانسية إىل 4 1 -السابق ص.34 2 2
الواقعية ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،1973 ،ص.132 -السابق ص.34 2 3
-لحس العتب 40-39 42 -النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 2 4
-عبد النبي ذاكر ،الرحلة العربية إىل أوربا وأمريكا 4 3 ص.195
والبالد الروسية خالل القرنني التاسع عرش والعرشين -السابق ص 123.-122 2 5
دراسة يف املحتمل ، ،دار السويدي للنرش ،أبو -لحس العتب ص.34 2 6
ظبي 2005،ص .85 BAKHTIN AND ,THOMAS J. FARRELL 2 7
-النقد الثقايف – قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 4 4 MEDIEVAL VOICES ,UNIVERSITY
ص .187 FLORIDA PRESS,p132
“ -أمي مل تكن لتفقد ثقتها يف أولياء الله بسهولة 4 5 -سعيد الغامني ،الفلسفة التأويلية عند بول ريكور- 2 8
لكنها حينام رصحت بهواجسها للشيخ بقوش كعبلها الوجود والزمان والرسد -املركز الثقايف العريب ،بريوت،
...فلام جاءت عند ذكر القول بأنها كنست العتب 1999م ،ص .226
وغسلته قبل أن نلحسه انتفض قائالً :بس هي دي -لحس العتب ص35. 29
الغلطة الكبرية..إزاي تغسيل عتبة مطهرة الزم تتلحس -السابق ص.35 3 0
عىل وضعها وإال فإيه الفايدة يا ست هانم” لحس -السابق ص.32 3 1
العتب ص41 -السابق ص.36 32
-النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 4 6 -السابق ص.35 3 3
ص226 -السابق ص .37-36 3 4
-محمود العشريي ،الشعر رس ًدا ،املؤسسة العربية 4 7 -السابق ص .45-44 3 5
للدراسات والنرش ،بريوت ،الطبعة األوىل 2014 ،ص95 -السابق ص.57-56 3 6
-النقد الثقايف – قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 4 8 -حاولت الرواية التحايل عىل إثبات عجز الطب (يف 3 7
ص.71 الزيارة األوىل للطبيب) عن إيجاد العالج املناسب
-محمد جوادت ،الواقعي واألسطوري يف الثقافة 4 9 بأن جعلت العجز املادي للمريض وعائلته سببًا يف
الشعبية -مقاربة أنرثوبولوجية ثقافية من جنوب عدم قدرتهم عىل رشاء الدواء الذي وصفه الطبيب
املغرب -مجلة الثقافة الشعبية ،وزارة الثقافة، واالستعاضة عنه بدواء آخر منحهم له الصيديل مراعاة
البحرين ،العدد ،31خريف ،2015ص.38 لحالتهم البائسة ،لحس العتب 48-44
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 75
العاممي ،يف الوصف ـ بني النظرية والنص السرّ دي ،دار -عبد الباسط لكراري ،دينامية الخيال مفاهيم وآليات 5 0
محمد عيل الحامي ،صفاقس الجديدة ،تونس ،الطبعة االشتغال اتحاد كتاب املغرب ،م 2004ص.24
األوىل2005 ،م .هامش ص.131 -لحس العتب ص.8-5 5 1
“ -استهالل املقطع الوصفي بذكر مرجعه ،أي بتسمية 6 0 تكشف مقاربة النص التعالق الحيوي بني هذه 5 2
موضوعه ،وهي عملية يربط بفضلها املوضوع/العنوان األفعال وحضور املنضدة امل ِ
ُستقطبة لحركة الرسد
الذي هو اسم من أسامء اللغة مبا هو ثقايف مشرتك بني داخل الحكايات ،فالتاريخ الحافل للعائلة وماضيها
الواصف واملوصوف له ،فعندما نقرأ حديقة يف بداية الرث ،ثم حارضها املأسوي ،ومرض الصبي ،ثم شفاؤه،
مقطع رسدي فإننا نستحرض خصائص وعنارص بعينها وحضوره داخل القرية ،ثم انتقاله للمدينة ،وعودته
نتوقّع أن نجدها يف سائر املقطع” يف الوصف ص116 للقرية مرة أخرى ،تظل جميعها أفعاالً تدخل يف
“وتتمثل هذه العملية يف تجزئة املوضوع/العنوان 6 1 عالقة مبارشة أو ضمنية مع التوافر النيص للمنضدة
امل َُّرسخ إىل عنارصه املبارشة ،وهذه إىل مكوناتها التي تسند إليها الحركات الرسدية املفصلية املمثلة يف
املبارشة وهكذا دواليك ،يف الوصف ص125 األفعال وما تحيل إليه من أحداث.
-إبراهيم فتحي معجم املصطلحات األدبية دار 6 2 -فراس السواح ،األسطورة واملعنى دراسات يف 5 3
رشقيات ،القاهرة ،الطبعة األوىل2000 ،م ،ص33 امليثولوجيا والديانات املرشقية ،دار عالء الدين،
-جريالد برنس ،املصطلح الرسدي ،ترجمة :عابد 6 3 دمشق الطبعة األوىل 1997ص13
خزندار ،مراجعة :محمد بريري ،املجلس األعىل -عبد امللك مرتاض ،يف نظرية الرواية ـ بحث يف 5 4
للثقافة ،املرشوع القومي للرتجمة ،القاهرة ،الطبعة تقنيات الرسد ـ سلسلة عامل املعرفة ،العدد ،240
األوىل .2003 ،ص.56 املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت،
-لحس العتب ،ص14-10 64 الطبعة األوىل1998 ،م.ص.228
-شحات محمد عبد املجيد ،بالغة الراوي ـ طرائق 6 5 -صالح فضل ،بالغة الخطاب وعلم النص ،سلسلة عامل 5 5
السرَّ د يف روايات محمد البساطي ،سلسلة كتابات املعرفة ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
نقدية ،العدد ،111الهيئة العامة لقصور الثقافة، الكويت ،الطبعة األوىل1992 ،م ،ص.331
القاهرة ،الطبعة األوىل2000 ،م.ص.131 -مينى العيد ،تقنيات الرسد الروايئ يف ضوء املنهج 5 6
-لحس العتب ص.61 6 6 البنيوي ، :دار الفارايب ،بريوت ،الطبعة األوىل1990 ،م.
-لحس العتب ص.65-64 6 7 ص.95
-فاروق خورشد ،عامل األدب الشعبي العجيب ،دار 6 8 -لحس العتب ،ص14-10 57
الرشوق ،القاهرة ،الطبعة األوىل1991 ،م ،ص.27 -أمينة غصن ،كونية األسطورة وتحوالت الرمز ،مجلة 5 8
النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 6 9 عامل الفكر املعارص ،مركز اإلمناء القومي ،بريوت،
ص.80 العدد 1981 13،ص95.
-لحس العتب ص .54 7 0 -قام جان ريكاردو برسم شجرة الوصف يف كتابه 5 9
-السابق ص .50-49 7 1 “الرواية الجديدة” وهي أداة إجرائية تكشف
-السابق ص .56-55 7 2 العالقات القامئة بني مكونات الوصف والتي تتعاون
-السابق ص .57 7 3 لتحقيق استقامته “وتقوم شجرة الوصف عىل املبدأ
-السابق ص.20 7 4 نفسه الذي تقوم عليه ،يف النحو ،صناديق هوكات
-السابق ص25-24 7 5 ( )Hockettواملش ّجر التي تبني أن اللغة طبقات وأن
السابق ص.25 76 مثة ترات ًبا بني الكلامت تحد ّده محالتها النحوية يف
-السابق26-25 77 الجملة وتحجبه الكتابة الخطية رضورة” محمد نجيب
76 يوليو 2019 جملة كرياال
الرسدي ،مجلة فصول ،الهيئة املرصية العامة للكتاب، -السابق ص 26 7 8
القاهرة ،مجلد ،12العدد ،2صيف 1993م .ص.132 -النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية 7 9
-خطاب الحكاية ص47 9 2 – ص.212
-حميد لحمداين ،بنية النص الرسدي ـ من منظور 9 3 -قصصنا الشعبي من الرومانسية إىل الواقعية ص132 8 0
النقد ،املركز الثقايف العريب ،بريوت ،الدار البيضاء، -عبد العزيز حمودة ،الخروج من التيه -دراسة يف 8 1
الطبعة الثانية1993 ،م.ص.76 سلطة النص -سلسلة عامل املعرفة ،العدد ،298املجلس
وقد حدد جنيت ـ عن طريق إفادته من الحركات 9 4 الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،الطبعة
املوسيقية ـ أربع حركات ميكن تحديد إيقاع النص األوىل2003 ،م .ص.253
برصد درجة استجابته لكل منها ،هذه الحركات -لحس العتب ص.66 8 2
املرتاوحة بني الرسعة القصوى امل ُمثَّلة يف “الحذف”، -قصصنا الشعبي ص.169 83
والتوقف الزمني الكامل املمثل يف “الوقفة” ،وبينهام -النقد الثقايف– قراءة يف األنساق الثقافية العربية – 8 4
حركتان هام “الخالصة” ،و”املشهد” “ خطاب الحكاية ص 219
ص109-108 -ننطلق يف هذا الجزء من هدف محدد وهو التدليل 8 5
-لحس العتب ص.15 9 5 عىل توغل سلطة الراوي مام يتيح له التحكم يف زمنية
-السابق ص49 . 9 6 األحداث .دون تعديد لألمثلة واستغراق يف التحليل.
-املصطلح الرسدي ص ،226ومصطلح “اإلغفال” 9 7 -فرج بن رمضان ،األدب العريب القديم ونظرية 8 6
هو الرتجمة التي اختارها املرتجم ملصطلح Ellipsis األجناس ،دار محمد عىل الحامي ،صفاقس ،تونس،
الحذف كام يرد عندنا. الطبعة األوىل2001 ،م ص67.
-حفزت القيم ُة الوظيفية لكل من الحذف والخالصة 9 8 -هذه األبعاد هي وهي :الرتتيب ،Orderواملدة 87
بعض
بوصفهام حركتني تطبعان الرسد بالرسعة َ أو الدميومة ، Durationوالتواتر ،Frequencyملزيد
الباحثني لوضعهام ضمن منط تصنيفي واحد هو من التفاصيل انظر جريار جنيت ،خطاب الحكاية ـ
“ترسيع الرسد” انظر حسن البحراوي ،بنية الشكل بحث يف املنهج ،ترجمة :محمد معتصم ،وعبد الجليل
الروايئ ،املركز الثقايف العريب ،بريوت ،الدار البيضاء، يل ،املجلس األعىل للثقافة ،املرشوع األزدي ،وعمر ح ّ
ّ
الطبعة األوىل1990 ،م.ص 145وما بعدها. القومي للرتجمة ،القاهرة ،الطبعة الثانية1997 ،م.
-املصطلح الرسدي ص.204 9 9 ص 45وما بعدها
-نؤيد استبدال مصطلح “الرؤية الستينية” مبصطلح 100 -عبد العايل بو طيب ،إشكالية الزمن يف النص 8 8
“جيل الستينيات” وذلك بوصف أن الستينية هي يف الرسدي ،مجلة فصول ،الهيئة املرصية العامة للكتاب،
حقيقتها حالة أو باألحرى رؤية تشبه ملكة النحل التي القاهرة ،مجلد ،12العدد ،2صيف 1993م ،ص.131
تجذب إليها الكثريين من أبناء الخلية محاولني اللحاق -يقصد باالستباق “ ُمفارقة تتجه نحو امل ُستقبل 8 9
بها والفوز باالقرتان بها ،والحقيقة أن بالغة املتعة بالنسبة إىل اللحظة الراهنة (تفارق الحارض إىل
تتحقق بهذا الوصل املعنوي الذي قد ال يرتجم بوصل املستقبل) إملاح إىل واقعة أو أكرث ستحدث بعد
مادي سوى لفرد واحد من هؤالء الكرث ،فالستينية اللحظة الراهنة :املصطلح الرسدي ص186
رؤية إبداعية استقطبت أجيال أسبق وألحق من عقد -يقصد باالسرتجاع “ ُمفارقة زمنية تعيدنا إىل املايض 90
الستينيات مبفهومه التاريخي عىل مستوى البزوغ بالنسبة للحظة الراهنة.. ،استعادة لواقعة أو وقائع
اإلبداعي. حدثت قبل اللحظة الراهنة” املصطلح الرسدي ص 25 ْ
-عبد العايل بو طيب ،إشكالية الزمن يف النص 9 1
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 77
ثبت املراجع
يف سلطة النص -سلسلة عامل املعرفة ،العدد،298 •أوالً :املراجع العربية
املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت، • -إبراهيم فتحي ،معجم املصطلحات األدبية ،دار
الطبعة األوىل2003 ،م. رشقيات ،القاهرة ،الطبعة األوىل2000 ،م.
• -عبد الله الغذامي ،النقد الثقايف – قراءة يف األنساق • -حسن البحراوي ،بنية الشكل الروايئ ،املركز الثقايف
الثقافية العربية – املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء- العريب ،بريوت ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل1990 ،م.
بريوت ،الطبعة السادسة2014 ،م. • -حميد لحمداين ،بنية النص الرسدي ـ من منظور
• -عبد امللك مرتاض ،يف نظرية الرواية ـ بحث يف النقد ،املركز الثقايف العريب ،بريوت ،الدار البيضاء،
تقنيات الرسد ـ سلسلة عامل املعرفة ،العدد ،240 الطبعة الثانية1993 ،م.
املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت، • -خريي شلبي ،لحس العتب :مكتبة األرسة ،الهيئة
الطبعة األوىل1998 ،م. املرصية العامة للكتاب ،القاهرة ،الطبعة الثانية،
• -عبد النبي ذاكر ،الرحلة العربية إىل أوربا وأمريكا 2005م.
والبالد الروسية خالل القرنني التاسع عرش والعرشين • -زكريا إبراهيم ،سيكولوجية الفكاهة والضحك ،مكتبة
دراسة يف املحتمل ،دار السويدي للنرش ،أبو مرص ،القاهرة ،الطبعة األوىل1970 ،م.
ظبي.2005، • -سعيد الغامني ،الفلسفة التأويلية عند بول ريكور-
• -عامد عبد اللطيف ،بالغة الحرية ،دار التنوير، الوجود والزمان والرسد -املركز الثقايف العريب ،بريوت،
القاهرة ،الطبعة األوىل2012 ،م. 1999م.
• -فاروق خورشد ،عامل األدب الشعبي العجيب ،دار • -شحات محمد عبد املجيد ،بالغة الراوي ـ طرائق
الرشوق ،القاهرة ،الطبعة األوىل1991 ،م. السرَّ د يف روايات محمد البساطي ،سلسلة كتابات
•فراس السواح ،األسطورة واملعنى دراسات يف امليثولوجيا نقدية ،العدد ،111الهيئة العامة لقصور الثقافة،
والديانات املرشقية ،دار عالء الدين ،دمشق الطبعة القاهرة ،الطبعة األوىل2000 ،م.
األوىل.1997 • -شكري عزيز مايض ،أمناط الرواية العربية الجديدة،
• -فرج بن رمضان ،األدب العريب القديم ونظرية سلسلة عامل املعرفة ،العدد ،355املجلس الوطني
األجناس ،دار محمد عىل الحامي ،صفاقس ،تونس، للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،الطبعة األوىل،
الطبعة األوىل2001 ،م. 2008م.
• -مجدي وهبة ،وكامل املهندس ،معجم املصطلحات • -صالح فضل:
العربية يف األدب واللغة ،مكتبة لبنان ،بريوت ،الطبعة -بالغة الخطاب وعلم النص ،سلسلة •
الثانية1984 ،م عامل املعرفة ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
• -محمد نجيب العاممي: الكويت ،الطبعة األوىل1992 ،م.
الراوي يف الرسد العريب املعارص • -شفرات النص دار عني للنرش ،القاهرة، •
-رواية الثامنينات بتونس -دار محمد عيل الحامي، الطبعة الثانية1995 ،م،
صفاقس ،تونس ،الطبعة األوىل2001 ،م. • -عبد الباسط لكراري ،دينامية الخيال مفاهيم وآليات
يف الوصف ـ بني النظرية والنص • االشتغال اتحاد كتاب املغرب ،م.2004
السرّ دي ،دار محمد عيل الحامي ،صفاقس الجديدة، • - -عبد العزيز حمودة ،الخروج من التيه -دراسة
ً
نموذجا الشعبية :رواية َ«ل ْحس َ
الع َتب» لخيري شلبي
َّ َ ّ
التجلي األدبي ألنساق الثقافة 79
امل�شكالت الثقافية التي جتابه متعلمي اللغة العربية
بو�صفها لغة ثانية يف بالد املاليو :درا�سة ا�ستطالعية
د .عادل الشيخ عبد هللا أحمد & د .سيتي سارا بنت الحاج أحمد
محاضران أوالن ،جامعة السلطان الشريف علي اإلسالمية بروناي دارالسالم
امللخص:
تنتمي اللغة العربية التي يتعلمها املاليو بوصفها لغة ثانية إىل فصيلة لغوية
غري التي تلك تنتمي إليها اللغة املاليوية،والتي تعد اللغة األم ملتعلمي اللغة
العربية يف أرخبيل املاليو .كام أنهام تنتميان إىل بيئات طبيعية ،وثقافات
مختلفة؛ وهذا االختالف اللغوي والثقافييؤدىإىل إعاقة تعلم اللغة العربية
بوصفها لغة ثانية؛ إذ يصعب عليه تعلم تلك العنارص الثقافية التي تختلف
فيها اللغتان كام يرى أصحاب التحليل التقابيل .ومن املعلوم أن املكتبة
اللغوية حفلت بدراسات كثرية قارنت بني اللغتني يف املستوى اللغوي ،ومل
تجر أي دراسة للمقارنة بينهام املستوى الثقايف ،ولذا فإن هذه الدراسة
الرائدةاهتمت مبقارنة ثافياً بني اللغتني الثقافية ؛ وذلك بغية لفت الباحثني
لسري غور هذا املجال .تتبنى الدراسةاملنهجالوصفي التحلييل؛ فتقارن بني
الثقافتني املاليوية والعربيةوتصف أوجه االختالف بينهام يف هذا املجال.
وتستخدم أيضً ا أسلوب املقابلة مع الطالب املاليويني الذين ميثلون إقليم
األرخبيل ،إضافةإىل مدريس اللغة العربية من العرب ،وذلك لتحديدأهم
املشكالتالناجمة من اختالف الثقافة والتي تواجه الطرفينفي تعليم اللغة
العربية .وتتكون الدراسة من مقدمة وعرض للدراسات السابقة ،وفذلك
عن ثقافة كل من اللغة العربية واملاليوية ثم عرض ألوجه االختالف
وتحديد ألهم املشكالت التي تواجه الطالب املاليوي وتذيل الدراسة بخامتة
وتوصيات.
كلامت مفتاحية
ثقافة اللغة ،اللغة املاليوية ،اللغة العربية ،التحليل التقابيل ،املاليو
املشكالت الثقافية التي تجابه متعلمي اللغة العربية بوصفها لغة ثانية في بالد املاليو :دراسة استطالعية 87
الهوامش
Volume ,2007 .language teaching, Oct 1957 Robert Lado›s )1945:9( Charles Fries 1
Sino-US English )46.Serial No( 10.No ,4 Frederick Kang’Ethe Iraki, LANGUAGE 2
USA ,8072-Teaching, ISSN1539 AND CULTURE – A PERSPECTIVE
1992 ,Beamer ;1993 ,Alptekin 12 الرتجمة العربية بني االختالف اللغوي، بسام، بركة3
1989 ,Cross et al 1 3 https://hal.archives-ouvertes. ,والخالف الثقايف
Zaharna, R.S Understanding cultural 14 2016/25/12(/00600156-fr/hal
preferences of Arab communication Rahim Uddin Choudhury, THE ROLE 4
patterns, Public Relations Review, Volume OF CULTURE IN TEACHING AND
255-241 Pages ,1995 Autumn ,3 Issue ,21 LEARNING OF ENGLISH AS A FOREIGN
Raymond Cohen, Problems of intercultural 15 LANGUAGE, Express, an International
communication in Egyptian-American :Journal of Multi Disciplinary Research ISSN
diplomatic relations, International Journal ,2014 April ,4 Issue ,1 .Vol ,2052 – 2348
Issue ,11 of Intercultural Relations, Volume الرتجمة العربية بني االختالف اللغوي، بسام، بركة5
47-29 Pages ,1987 ,1 https://hal.archives-ouvertes. ,والخالف الثقايف
الرتجمة العربية بني االختالف اللغوي، بسام، بركة1 6 2016/25/12(/00600156-fr/hal
- مرجع سابق،والخالف الثقايف .1992 ,BeameBeamer ;1993 ,Alptekin 6
Binnur Genç İlter, Cem Oktay Güzeller, تحليل املشكالت التي يواجهها طلبة، ألباء، الحسنى7
CULTURAL PROBLEMS OF TURKISH قسم األدب العريب بجامعة ماالنج الحكومية يف ترجمة
STUDENTS WHILE LEARNING ENGLISH SKRIPSI ،النصوص العربية إىل اللغة اإلندونيسية
AS AFOREIGN LANGUAGE, http:// ,Jurusan Sastra Arab - Fakultas Sastra UM
.9588/750/27/dergiler.ankara.edu.tr/dergiler 2007
.pdf http://karya-ilmiah.um.ac.id/index.php/ 8
Marzieh Gordan, Isai Amuthan Krishnan, 1 7 448/sastra-arab/article/view
Zurina Khairuddin , Culture Influence on متالزمة اللغة والثقافة يف، بدر بن عبدالله،العكاش 9
the Perception of the Body Language by صحيفة،)دراسة اللغات (رسالة إىل إخواين املبتعثني
Arab and Malay Students, International مارس25 - هـ1433 جامدى األول2 االحد،الرياض
Journal of Applied Linguistics and English 15980 العدد- م2012
2013( 6 No ,2 Literature, Vol الثقافةMuhammad Ismail Bin Syuhada 1 0
236/1 ، ابن خلدون املقدمة1 8 وتعليم اللغة العربية لغري الناطقني بلغات أخرى
هام الدبايب كتاب الطعام والرشاب يفJ س، امليساوي19 https://ejournal.unida.gontor.ac.id/index.
،الرتاث العريب 458/php/lisanu/article/view
املرجع السابق20 WANG Su-chun, Culture fusion and English 11
املصادر واملرجع
الهوامش
سيد قطب ،النقد األديب «أصوله ومناهجه» ،دار 7 سيد قطب ،مشاهد القيامة يف القرآن ،الطبعة 1
الرشوق ،ص.20-18: الرشعية السابعة (1413ه1983-م) دار الرشوق،
النقد األديب أصوله ومناهجه ،ص.18: 8 بريوت ،ص.12:
النقد األديب أصوله ومناهجه ،ص.18: 9 سيد قطب ،النقد األيب أصوله ومناهجه ،دار الرشوق، 2
سيد قطب ،النقد األديب أصوله ومناهجه ،ص.18: 1 0 ص7:
النقد األديب أصوله ومناهجه ،ص7: 11 سيد قطب ،كتب وشخصيات ،ط1403( 3ه1983-م)، 3
النقد األديب أصوله ومناهجه ،ص.05: 12 دار الرشوق ،ص.04:
سيد قطب ،النقد األيب أصوله ومناهجه ،ص.131: 13 سيد قطب ،كتب وشخصيات ،ص05: 4
النقد األيب أصوله ومناهجه ،ص253: 1 4 سيد قطب ،مشاهد القيامة يف القرآن،ط،7 5
سيد قطب ،النقد األيب أصوله ومناهجه ،ص.253: 15 (1403ه1983/م) ،دار الرشوق ،ص9-8:
سيد قطب ،النقد األديب أصوله ومناهجه ،ص8: 1 6 سيد قطب ،النقد األيب أصوله ومناهجه ،ص.11 : 6
النقد األدبي بين التجديد واملمارسة عند سيد قطب (قراءة في ؛ املنهج -األصول –القواعد)- 113
تعليم العربية للناطقني بغريها يف املدار�س العاملية
مقارنات وت�أمَالت يف التعامل مع التعليم القائم على
التكنولوجيا
املقدمة
يتناول الباحث بالدراسة رشيحة مهمة من املتعلّمني الذين مل تنصفهم الدراسات السابقة.
يدي املشكلة ،أو ــ باألصح ــ يحدد املفاتيح األساسية يف العنوان
ويبدأ البحث بالتقديم بني ّ
وكيف تشتغل فيام بينها .يف املحور األول ،يقف البحث عىل املشاكل األساسية لهذه العينة،
وقد حرصها يف غياب مدرج للمستويات تضبط تحصيل الطالب وتقدمه ،بحيث يتشابه األمر
باملنهجية العامة يف تلك املدارس .وأما املحور الثاين ،فقد عرض لدور تكنولوجيا التعليم يف
تنويع مصادر التعلم ،األمر الذي يغري من دور املعلّم ومنط تعلم الطالب .وجاء املحور الثالث
يبني بالتحليل والعرض األسس واإلجراءات التي يقوم عليها توظيف تكنولوجيا التعليم ممثلاً
مبدارس «س ّمت» األمريكية أوال ،ومن ثم االنطالق إىل الخلفية العامة التي أسست هذه
املنهجية .وبالنسبة للمحور األخري ،فقد كان نقاشً ا عا ًما حول االستخادم الحايل لتكنولوجيا
التعليم مع هذه الرشيحة؛ وقد خلص إىل أن هناك إساءة يف التوظيف أوال ،وضعفًا يف إنتاج
برمجيات جاهزة لالستخدام متاثل املعمول به يف تلك املدارس.
وانتهى البحث بتوصيات ،من أه ّمها )1( :االتفاق عىل « َم ْد َرج» للمستويات ،يقوم عىل
التواصل ،أو يتغيّاه؛ و( )2املناداة بتكنولوجيا وظيفية لتعليم العربية للناطقني بغريها.
الكلامت املفتاحية :اللغة العربية للناطقني بغريها ،املدارس العاملية ،تكنولوجيا التعليم
الهوامش
كبري جدا يف الخليج العريب؛ مام يعني الحاجة امللحة يذكر «بشار عباس» ،يف إطار حديثه عن التكنولوجيا 1
إىل االهتامم مبستوى أداء اللغة العربية يف هذه والتعليم ،أنه «مل يدرك أحد أهمية التعليم يف العبور
املدارس ،ال سيام أن أعداد الطالب فيها يف ازدياد. إىل مجتمع املعلومات قدر الحكومتني األمريكية
كام أسلفنا يف التقديم ،فإن للمشكلة جانبني؛ األول 3 واليابانية ،فالحكومة األمريكية أعادت التظر عدة
يتمثل يف املنهاج ،والثاين يف الطريقة واألساليب؛ مرات منذ نهاية الستينات يف اسرتاتيجياتها التعليمية».
وذلك حني قلت « :نحن ال منلك منهجهم ،وال منلك (عباس)11 ،2001 ،
إمكانياتهم ووسائلهم يف التعليم» .راجع :بني يدي تجدر اإلشارة إىل أن املدارس العاملية صار لها وجود 2
البحث.
132 يوليو 2019 جملة كرياال
العاملية – املنهج الربيطاين ،يف ديب. « 4تنبع أهمية التكنولوجيا ...من إتاحة تطبيق سياسة
1 2ميكن أن تشاهد هذه السلسلة عرب موقع «اليوتيوب» التعليم املستمر ،وتقديم الفرص للقوى العاملة
تحت عنوان ، New Headway Oxford Englishمع املنخرطة يف النظام اإلنتاجي أو الخدمي يف املجتمع،
اإلشارة إىل أن يف الحلقات ميزة مفيدة ج ًدا ،وهي لتطوير نفسها ،وصقل معارفها وتحسني مهاراتها سواء
احتوائها عىل نقل مريئ مبارش لكل ما يُقال . Subtitle يف مجال عملها وتخصصها ،أو يف اإلطار املعريف والثقايف
1 3انظر النص األصيل باللغة اإلنجليزيةhttps://www. : العام(».عباس)14 ،2001 ،
all-languages.org.uk/corporate-member/ 5انظر أيضً ا( :املغريب)15 ،2016 ،
/platinum-member/vocab-express 6خرب صحفي بعنوان «نظام يسمح للتالميذ بتحديد
Vocab Express is an online application for schools أهدافهم بأنفسهم ..وبرمجيات مخصصة تتوىل مهمة
which engages and motivates students to متابعة أدائهم وتقييمه ،تكنولوجيا التعليم تتيح
learn vocabulary and grammar. Teacher للطالب الدراسة تبعاً لقدراتهم الخاصة ،يف جريدة
workload is minimised through pre-loaded «اإلمارات اليوم» ،بتاريخ -10يناير .2015 -
and pre-categorised vocab from all major http://www.emaratalyoum.com/technology/
exam boards as well as leading textbook 1.745126-10-01-2015/electronic-equipment
publishers. Students are motivated through 7وانظر أيضً ا( :أحمد)129 – 128 ،2008 ،
a system of scoreboards, while all activity 8الخرب السابق ،يف جريدة «اإلمارات اليوم» ،10 ،يناير،
can be monitored by the teacher through .2015
a comprehensive set of real-time progress 9الخرب السابق ،يف جريدة «اإلمارات اليوم» ،10 ،يناير،
tracking tools. Vocab Express can be used .2015
for homework, in-class activities or cover 1 0االعتامد عىل «سكيرن» يعني أن هذه الخصائص
lessons – all with minimal preparation and تتعلق أكرث ما تتعلق بوجه من وجوه تكنولوجيا
.no marking overhead التعليم ،وهو «التعليم املربمج» ،إال أن حال هذه
1 4مبادئ التعليم الجيد ،يف نظر سكيرن ،كام أرشنا إىل التكنولوجيات التعليمية واحد يف مبادئها ومساراتها.
ذلك سابقًا ،هي )1( :تقديم التعليم يف خطوات، وسنقف فيام بعد عىل نوعني من توظيف «الوسائط
و( )2التغذية الراجعة الفورية ،و( )3مراعاة الفروق اإللكرتونية» ،تستطيع أن متيز هذه الخصائص فيهام؛
الفردية. فالتغذية الراجعة يف «التوظيف غري املمنهج» يعتمد
1 5انظر يف قوة املنهاج الربيطاين :تقرير «مدارس املنهاج يف األغلب عىل التغذية الشفوية من املعلم /املوجه،
الربيطاين األفضل يف ديب» ،وجيه السباعي ،جريدة األصح ـ التطبيقات
ّ خالفًا للوظيف املمنهج أو ـ عىل
«اإلمارات اليوم» ،بتاريخ – 11مايو – 2013م. الجاهزة.
1 1صاحب البحث َد َّر َس سنتني ونصف السنة يف املدارس
ملخَّص البحث
يهدف البحث إىل عرض بعض وجوه نيابة حروف املعاين بعضها عن بعض يف االستعامل،
واستعراض آراء بعض العلامء املتق ِّدمني والباحثني املتأخِّرين حول هذه الظاهرة وتفاصيل
حرف من حروف االختالف بينهم والخالف يف تأويالتهم لهذه املواضع التي يُستعمل فيها ُ
املعاين موضع غريه ،كام يعرض مجموعة البأس بها من شواهد هذه الظاهرة مشفوعة بآراء
العلامء يف تأويلها وبيان الضوابط التي ينبغي أن تضبط هذه الظاهرة.
Abstract
The research aims at presenting some aspects of the alternation of letters
of meanings for each other in usage and reviewing the views of some
earlier scholars and recent researchers about this phenomenon, dentils of
differences among them and their different interpretations of the locations
in which a letter of meaning is used in place of another. The research
also presents a considerable group of the instances of the phenomenon
accompanied by the scholars’ views in their interpretation and explanation
of the controls which should govern this phenomenon.
َ ْ ُ
حيث يقول تعاىل َّ ﴿:إنا أ َنزل َن ُاه ق ْر ًآنا َع َر ِب ًّيا يتناول هذا البحث أهمية اللغة العربية،
َّ َّ ُ َ ُ
ل َعلك ْم ت ْع ِقلو َن﴾ ()2وقد تكفل الله بحفظ وخصائصها ،وأسباب انتشارها ،واألخطار الّتي
القرآن الكريم ،وبذلك تكفل ضمناً بحفظ اللغة تواجهها ،وكيفية النهوض بها،ويهدف هذا البحث
القرآن َفقال ُعزوجل ِ ﴿ :إ َّنا لغة َ َّ َ العربية؛ ألنها إىل بيان الدورالحضاري للغة العربية الفصحى،
َن ()3 َ ُ َ َ ْ ُ َ َّ ْ َ ّ ْ
الذك ر وِإنا له لحا ِفظو ﴾ نحن نزلنا ِ ودورها يف مواكبة التطورات ومواجهة التحديات.
إ َّن اللغة العربية الفصحى هي التي متيز هوية ومن أهمنتائج البحث :املحافظة عىل اللغة
األمة الفكرية والعلمية واألدبية والحضارية العربية الفصحى أصيلة ثابتة قوية يف الخطاب،
،والعربية الفصح ىبنحوها وتراكيبها وداللة والتدريس ،والكتابة ،والصحافة واإلعالم ،وجاءيف
ألفاظها هياألصلح للغة املكتوبة،سواءكان ذلك ثالثة محاور وهي:
بكتابة اآلدابوالعلوم ،وكألنواعالنتاج الفكريكالق املحور األول :أهمية اللغة العربية
صةواملقالةوالشعر،إضافةإلىاألخبارالصحفيةأومح وخصائصها.
ارضاالجتامعاتالرسمية فيالدواوينواملؤمتراتواملحا
فلوغريها . اللغة هي وسيلة التواصل بني البرش،
وهي التي تعرب عن «الواقعاالجتامعي؛
ولك َّن الغريب أ َّن العاميات ترسبت من خالل ولهذاصارتواحدةمنأقوىالعرىالتي تربطالجامعا
اللغة املنطوقة املحكية؛ لتزاحم الفصحى ،وتهجم ت،وقددانتبوجودهاإلىقيام املجتمع «( )1ولغتنا
عليها هجوماً كاسحاً ،ولعل ما يقلل من تأثري هذا العربية وضع الكنعانيون حروفها األبجدية ،ثم
الهجوم أن اللغة املنطوقة ال تصلح لحفظ نتاج وضع الفينيقيون أرقاماً لهذه الحروف ،وت ُعد
األمة ومخزونها من الفكر واألدب والرتاث؛ ألنه اللغة العربية الهوية الحضارية التي تشكل
ال ميكن أن يُطبق عليها قواعد الكتابة العربية الوعاء الجميل للسان العريب ،الذي نزل به القرآن
املتعارف عليها ،واللغة الفصحى هي لغة الكريم.
التفاهم بني الشعوب العربية واإلسالمية،وهذا
إيجاز ألهم خصائص اللغة العربية. وقد نالت اللغة العربية رشف تكريم الله
سبحانه وتعاىل لها بإنزال القرآن الكريم بها،
142 يوليو 2019 جملة كرياال
االشتقاق اللغ َة العربي َة ثرو ًة لغوي ًة هائل ًة
ُ أكسب 1ـــ خصائص اللغة العربية يف أصواتها وحروفها:
تتزايد يوماً بعد يوم ،كام أعطى العربية مرونة يف يبلغ عدد حروف الهجاء يف اللغة العربية تسعة
استيعاب مخرتعات وأدوات العرص. وعرشين حرفاً عند سيبويه ،ومثانية وعرشين
4ـــ من خصائص العربية اإليجاز :وقد عرفه حرفاً عند املربد الختالفهام يف اعتبار الهمزة حرفاً
القزويني بقوله « :أداء المقصود من الكلام مستقالً ( ،)4وميزة العربية إمنا يف سعة املدرج
بأقل العبارات ،وقد قيل « :البلاغة :الإيجاز من الصويت من الشفتني إىل اقىص الحلق ،وبالتايل
غير عجز»( ،)9وتوجد يف اللغة العربية أساليب تكون العربية أوفر عددا ً يف أصوات املخارج التي
مخترصة يصعب التعبري عنها يف لغات أخرى ال تلتبس وال تتكرر.
مثل( :هيهات ،وشتان) ومثل( :نستعطفكم، ومن خصائصها الصوتية ،أنها تحتوي عىل
ونستمنحكم ،ونلزمكموها) ()10واإليجاز عند جميع األصوات التي وردت يف أخواتها الساميات،
العرب له أهمية ومكانة يف العربية ،حيث يعترب وزادت عنها بأصوات :الثاء والذال والظاء والعني
بحق سمة من أبرز سامت اللغة العربية . والضاد()5وأكرث الحروف اختصاصاً(الضاد والظاء)
5ـــ اللغة العربية لغة املجاز :أما املجاز فهو حيث تعرضتا للتغيري ،ففي اآلكادية والعربية،
استخدام الكلمة يف غري ما وضعت له لعالقة ت ُستبدل الضاد والظاء بصاد أخرى ،أما يف اآلرامية
بني املعنيني الحقيقي واملجازي ،مع وجود قرينة فقد تحولت الضاد إىل عني أو قاف( ،)6وبذلك
مانعة من إرادة املعنى الحقيقي ،واملجاز فروعه يبقى إطالق (لغة الضاد) عىل اللغة العربية
كثرية ومتعددة ،ومعظم األلفاظ كانت يف أصل صحيحاً إىل حد كبري.
وضعها تدل عىل أشياء محسوسة ،ومع مرور 2ـــ من خصائص اللغة العربية أنها لغة اإلعراب:
الزمن وتطور الحياة ،انتقلت إىل معانٍ أخرى اإلعراب هو النحو الذي يهتم بحركة آخر الكلمة
مجردة تربطها بها عالقة ما ،وميزة العربية تتجىل داخل الرتكيب ،وتنبع أهمية اإلعراب من خالل
بوضوح يف هذه العالقة ،حيث توجد كلامت توضيح املعاين وإزالة اللبس ،وقد أورد الزجاج
كثرية بقي لها معناها الحقيقي مع شيوع معناها يف أن اإلعراب « أوتي به للداللة على وظيفة
املجازي عىل األلسنة ،فال لبس بني قولنا :فالن الكلمة في التركيب ،وعليه فإن من الواجب
ً
يق ِّيد شوارد الفكر ،ويق ِّيد األسري بالحديد(.)11 التلفظ بالكلمة أوال؛ حتى نعلم حقيقتها ،ثم
املحور الثاين :بني الفصحى والعامية ُيؤتى بما يدل على حالتها ،ووضعها في الجملة
«(.)7
الفصحى يف اللغة،من الفعل فصح كام ورد يف
َ ُ َ اللسانَ « :ف ُ
الرجل فصاحة فهو ف ِصيح، ص َح َ
3ـــ من خصائص اللغة العربية أنها لغة
َ ُّ وف َُ االشتقاق :واالشتقاق « أخذ كلمة من أخرى مع
عجمي بالضم فصاحة تكلم صح األ
والفص ُ َ اتفاقهما معنى ومادة أصلية ،وهيئة تركيب لها؛
يح في اللغة املنطلق اللسان ِ بالعربية،
َ ّ َ ْ َ
في القول الذي يعرف ج ِيد الكالم من رديئه، ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة
()12
« «( )8واالشتقاق من أهم وسائل التوسع اللغوي،
ومن أنواعه العام (الصغري) والكبري والك َّبار ،وقد
والفصحى هي تلك الصورة األدبية الرفيعة
خصائص العربية ،ومواجهتها لتحديات الواقع 143
أما العامية فقد جاءت من لفظة (العامة) وهي: التي متثل فصاحة األدباء ،وهي مزيج من لهجات
« لغة العامة وهي خلاف الفصحى ،و(العامي) متعددة ،وليست لهجة محكية لقبيلة معينة،
المنسوب إلى العامة ،ومن الكلام ما نطق به وقد اشتهرت لهجة قريش من بينها ،إال أنها ال
العامة على غير سنن الكلام العربي»()15والبعض متثل وحدها اللغة العربية الفصحى ،إمنا كان لها
يسميها (اللهجة) واملقصود باللهجات العامية : النصيب األوفر يف هذه اللغة املشرتكة فهي« :
اللغات التي نشأنا عليها واعتدناها كالماً منطوقاً، خليط من القواعد في الصيغ والتراكيب ،إضافة
وهي لغة الخطاب اليومي يف البيت واملدرسة إلى وجود الكثير من المترادفات؛ مما يستحيل
واملسجد والسوق والعمل ،وال تخضع لقوانني أن تكون لهجة قبيلة واحدة «( )13وقد أكد ُهذا
معينة ،وتقبل التغيري والتبديل حسب الظروف، الرأي ابن جني من قبل فقال « :كلما كثرت
دون قواعد محددة ،وتُعرف بأنها « :مجموعة األلفاظ على املعنى الواحد ،كان ذلك أولى
ً
من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة معينة، بأن تكون لغة لجماعات « ( )14واملعنى واضح
ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه أن يف اللغة العربية ألفاظاً كثرية للمعنى الواحد،
البيئة ،وبيئتها هي جزء من بيئة لغوية أوسع وتجمعت هذه املعاين من الـتأثري والتأثر بني لغة
()16
وأشمل « القبائل العربية التي شكلَّت يف مجموعها اللغة
والعامية لفظ يُطلق عىل العربية املحكية الفصحى املشرتكة ،والتي وصلت إلينا ،فثبتت
التي يتداولها الناس ،وقد تعددت بني البلدان عىل حالها إال من بعض التغيري الناتج عن تطور
العربية ،وداخل البلد الواحد ،ففي بالد الشام األلفاظ واستيعابها أللفاظ معربة من لغات
لهجات سوريا ولبنان واألردن وفلسطني ،وداخل أخرى أو استجابة لتطور الحياة الحديثة .
كل لهجة لهجات متعددة ،فعىل سبيل املثال فاللغة العربية مبا متتلك من خصائص ومميزات
لهجة فلسطني تتنوع فيها لهجة غزة ،ولهجة أهلتها لتكون لغة العلم والحضارة ،فهي لغة
الخليل ،ولهجة نابلس ،وهكذا ويف سوريا, التوليد واالشتقاق ،فالكثري من املصطلحات
لهجة دمشق،ولهجة حلب ,ولهجة حمص,عىل أنتجتها اللغة العربية وأصبحت من صميم
الرغم من وجود القواسم املشرتكة ,يف العربية الفصحى فنحن أصحاب مصطلح ( االنتفاضة )
الفصحى ,كام أن هذه اللهجات ال تكون مفهومة الذي صدرناه للعامل حتى أنه ُع ِّرب كام هو يف
أحياناً ألهل القطر الواحد ,فكيف تكون مفهومة لغات أخرى مثل اإلنجليزية وغريها ،فاملشكلة
لألقطار العربية األخرى. يف الرجال الذين يحملون اللغة وليس يف اللغة
وهناك تسميات متعددة للعامية فتسمى نفسها ،فاللغة تحتاج إىل رجال أكفاء يتمتعون
(الهجني) أو (اللغة املولدة) ألنها نشأت يف بالوعي بقواعد اللغة وأساليبهاـ ،فاللغة الفصحى
األساس من اختالط الشعوب وتفاعل الثقافات تبقى اللغة الخاصة ،لغة الكتابة والـتأليف ،فهي
ببعضها البعض ( ،)17وال ميكن أن نسمي ما كان الوعاء الرصني الرائع الذي يحفظ ويستوعب
من لهجات عربية مختلفة يف السابق عاميات ،إذ نتاج أمتنا العربية بكافة فروعه العلمية واألدبية
مل تكن اللهجات العربية قدميا بعيدة بعدا ً كبريا والحضارية .
الهوامش
(القاهرة ،الهيئة املرصية للكتاب1975 ،م) ،431 /4 فندريس ،اللغة ،ترجمة :عبد الحميد الدواخيل ( )1
محمد أحمد حامد ،محارضات عن اللغة العربية ( )5 ومحمد القصاص( القاهرة 1972 ،م) ص . 35
(القاهرة ،دار الثقافة العربية1988 ،م) ص . 24 سورة يوسف. 2 /12 ، ()2
انظر :محمود فهمي حجازي ،مدخل إىل علم اللغة ()6 سورة الحجر. 9 /15 ، ()3
(القاهرة ،دار قياء ،د .ط1997 ،م) ص . 142 ،141 انظر :سيبويه ،الكتاب ،تحقيق :عبد السالم هارون ()4
2
دـ محمد بى بى
املصادر واملراجع
والثقافة 3 ،كانون الثاين 2009م •عالء األسواين ،رواية عامرة يعقوبيان ،الطبعة الثالثة،
•رجاء نقاش ،عالء األسواين موهبة روائية جديدة، دار الرشوق ،القاهرة ،مرص2009 ،م
األهرام اليومي 18 ،أغسطس 2002م •عالء األسواين ،ملاذا ال يثور املرصيون؟ ،الطبعة الرابعة،
•د .زهري محمود عبيدات ،رواية األجيال يف الرسد العر ّيب دار الرشوق ،القاهرة ،مرص2011 ،م
الحديث ،أزمنة للنرش والتوزيع ،الطبعة األوىل ،عامن، •طه وادي ،دراسات يف نقد الرواية ،الطبعة الثانية ،دار
األردن2010 ،م املعارف،القاهرة ،مرص1993 ،م
•د .حسن عليان ،تقنيات الرسد وبنية الفكر العريب يف •د .عبد املحسن طه بدر ،تطور الرواية العربية الحديثة
الرواية العربية ،أزمنة للنرش والتوزيع ،الطبعة األوىل، يف مرص ( ،)1870-1938دار املعارف ،القاهرة ،مرص،
عامن ،األردن2015 ،م 2017م
•د .زهري محمود عبيداتُ ،سلطة التاريخ دراسات يف •د .محمد الباردي ،الرواية العربية والحداثة ،دار
الرواية العربية الحديثة ،فضاءات للنرش والتوزيع، الحوار ،الطبعة الثانية ،الالذقية ،سوريا2002 ،م
الطبعة األوىل ،عامن ،األردن2012 ،م •عالء األسواين ،كيف نصنع الديكتاتور؟ ،الطبعة الثانية،
•د .محمد سيد عبد التواب ،بواكري الرواية العربية، دار الرشوق ،القاهرة ،مرص2014 ،
الهيئة املرصية العامة للكتاب2016 ،م •صالح الدين عبدي ،دراسة ادب عالء األسواين ،الفن
الهوامش
.الوكيل السابق يف جامعة كاليكوت 2 أستاذ مساعد يف قسم العربية ،كلية أم .إي .أس بوناين 1
.حركة مرصية التي شكلت ألجل التغيري يف رضيح 3 وباحث يف قسم البحوث والدراسات العربية ،كلية
سعد زعلول سنة 2006م مهاراجاس ،تابعة لجامعة مهامتا غاندي ،كوتايم
امللخص
اءات القرآني َة يف أثناء استقرائهم مصاد َر احتجاجهم النحوي، يشيع أن النحويني عارضوا القر ِ
وأنهم أخضعوها آلرائهم قبوالً ورفضً ا وتوجي ًها مبا يتَّفق وأقيستَهم يف كالم العرب ،ومن خالل
منهجي وصفي استقرايئ؛ يهدف هذا البحثُ إىل نَق ِْد هذا املوقف املزعوم؛ لبيان الحيف الذي
اءات أجمع أمئة السلف عىل قبولها ،وذلك من خالل لحق بالنحويني إذ قيل إنهم أنكروا قر ٍ
الرتكيز عىل َع َملِ النحويني أنفسهم ،وأنه مل يكن يف اشرتاطهم ضواب َط استقرا ِء القراءات؛ ألن
هذا كان من َع َملِ علامئها ،وإمنا كان َع َملُ ُهم يف تبيني مكانة القراءة من كالم العرب :إما بأنها
من الكثري الشائع ،وإما بأنها من القليل النادر؛ يف انسجام مع املنهج العقيل الذي غلب يف
الدرس النحوي.
الكلامت الرئيسة :النحويون ،القراءات ،االحتجاج ،املنهج النحوي.
Abstract
It is common to be said that the grammarians opposed the Qur’anic Recitations
while they were induct the sources of grammatical argumentation, and they theo-
rize them to their acceptance, rejection and interpretation according to their analo-
gies in Arabic, so this research criticizes this claim to state the injustice infected on
grammarians who were accused of denied acceptable recitations; by focusing on
what they did specifically, i.e. not in requiring the recitations induction principles,
because this was done by the scientists of recitations, but in indicating the status
of the recitation in Arabic; either it is of the majority or the minority of speech, to
being in congruence with the mental approach which dominated the grammatical
studies.
حيث :امل ُستَ ْق َرى ،واالستعامل ،واإلفادة :أما من حيث السيوطي ،املزهر يف علوم اللغة وأنواعها ،تحقيق فؤاد 1
امل ُستَ ْق َرى ف ََسبَ َق ،وأما من حيث االستعامل؛ فالتا ّم عيل منصور ،ط ،1بريوت ،دار الكتب العلمية/ 1998 ،
قليل استعاملُه والناقص أك ُرث منه ،وأما من حيث ٌ .221 :1
اإلفادة؛ فالتا ّم يفيد اليقني والناقص يفيد الظن .يُنظر: أحمد بن حنبل ،املسند ،تحقيق شعيب األرنؤوط 2
الجرجاين ،التعريفات ،تحقيق إبراهيم األبياري ،ط،1 وعادل مرشد ،ط ،1بريوت ،مؤسسة الرسالة/ 1995 ،
بريوت ،دار الكتاب العريب1405 ،ه 37 /؛ التهانوي، ،298 :1رقم الحديث [.]158
كشاف اصطالحات الفنون والعلوم ،ط ،1بريوت، املقديس ،أبو شامة ،املرشد الوجيز إىل علوم تتعلق 3
مكتبة لبنان نارشون172 :1 / 1996 ،؛ حموية ،أدهم بالكتاب العزيز ،تحقيق طيار آلتي قوالج ،د.ط،
محمد عيل« ،األسس املنطقية لالستقراء النحوي؛ بريوت ،دار صادر1395 ،ه .97 /
دراسة إبستمولوجية» ،مجلة التجديد ،الجامعة من خري ما ُجمعت فيه هذه األقوال قبوالً ورفضً ا: 4
اإلسالمية العاملية يف ماليزيا ،2016 ،املجلد ،20العدد الطربي ،جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،تحقيق عبد
.107-81 / 40 الله الرتيك ،ط ،1القاهرة ،دار هجر-21 :1 / 2001 ،
لعل هذا الضابط كان السبب الجوهري يف نشأة َّ 9 70؛ الزركيش ،الربهان يف علوم القرآن ،تحقيق محمد
النحو العريب ،ودليله أم ُر الفاروق tأال يُقرئ القرآن إال أيب الفضل إبراهيم ،ط ،3القاهرة ،مكتبة دار الرتاث،
عاملٌ باللغة .يُنظر :ابن األنباري ،نزهة األلباء يف طبقات 227-213 :1 / 1984؛ القسطالين ،لطائف اإلشارات
األدباء ،تحقيق إبراهيم السامرايئ ،د.ط ،الزرقاء ،مكتبة لفنون القراءات ،د.ط ،مركز الدراسات القرآنية يف
املنار ،د.ت .19 / مجمع امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف ،اململكة
1 0ابن أيب طالب ،ميك ،اإلبانة عن معاين القراءات، العربية السعودية ،د.ت .82-63 :1 /
تحقيق عبد اللطيف شلبي ،د.ط ،القاهرة ،دار نهضة السيوطي ،اإلتقان يف علوم القرآن ،د.ط ،مركز 5
مرص ،د.ت .51 / الدراسات القرآنية يف مجمع امللك فهد لطباعة
1 1ابن الجزري ،النرش يف القراءات العرش ،تحقيق عيل املصحف الرشيف ،اململكة العربية السعودية ،د.ت /
محمد الضباع ،د.ط ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،د.ت .309 :1
.11 ،10 :1 / الزركيش ،الربهان يف علوم القرآن.318 :1 ، 6
1 2املصدر السابق.10 :1 ، الراجحي ،عبده ،اللغات العربية يف القراءات القرآنية، 7
ط ،1عامن ،دار املسرية.79 / 2008 ،
13اللهم إال أن يُقال إن الق ّراء أخذوا هذه الضوابط عن َذكَ َر الجرجاين 816/هـ /أن االستقراء هو ال ُحكم عىل 8
النحويني ،إذ تُفهم يف قولة الف َّراء« :اتباع املصحف إذا يل بوجوده يف أكرث جزئياته؛ أي إنه يبدأ بالجزئيات ك ٍّ
أحب
وجدتُ له وج ًها من كالم العرب ،وقراءة الق ّراء ُّ يتتبّعها ويتف ّحصها ويُالحظها؛ ملعرفة حال ما يجمعها
إ ّيل من خالفه» .الفراء ،معاين القرآن ،ط ،3بريوت، وتحديد خصائصه ،ويُعرف هذا بأنه استقراء تا ّم إذا
عامل الكتب.293 :2 / 1983 ، كان امل ُستَ ْق َرى جميع الجزئيات املندرجة يف ذلك الكيل،
1 4قيل إنه انسجام قليل؛ ألن د .محمد عيد يذهب إىل فإذا كان امل ُستَ ْق َرى معظم جزئياته كان االستقراء
نسبي للنحويني عن
أن التحرز الديني أ ّدى إىل انرصاف ٍّ ناقصا ،وقد ف َّرق بينهام التهانوي /بعد 1185هـ /من ً
املصادر واملراجع
ُملَخَّص البحث:
وسائل تعليمية لتعليم فنون
َ البديعيات واملنظومات البالغية تتّحدان يف الهدف؛ كونهام
البالغة العربية ،عىل حني تختلفان يف بعض األمور الشكلية ،أ ّما املحتوى فهو يف البديعيات
منحرص يف فنون البديع ،وغري منحرص بذلك يف املنظومات البالغية.وهذا البحث يطرح تساؤلاً
ويحاول اإلجابة عنه« :هل البديعيّات من جنس املنظومات البالغيّة؟»
ويسري البحث كاآليت:توطئة للتعريف باملنظومات البالغية والبديعيات ،والتوقف عند
التعليمي ،ثم عقد مقايسات بني املنظومة
ّ مصطلحي الشِّ عر وال ّنظم ،ثم بيان ماهية ال ّنظم
والبديعية من حيث الشكل واملضمون واألهداف ،ثم خامتة.
الكلامت املفتاحية :منظومة ،بديعية ،بالغة ،شعر تعليمي.
املصادر واملراجع
بوي عبد الواحد شعالن، الشِّ عر ونقْده ،تح .د .ال ّن ّ العمري (ت1024هـ) ،درر الفرائد ّ الحق
•ابن عبد ّ
مكتبة الخانجي ،القاهرة ،ط 2000 ،1م. املستحسنة يف رشح منظومة ابن الشحنة يف علوم َ
•عيل أبو زيد ،البديع ّيات يف األدب العر ّيب ،عامل الكتب املعاين والبيان والبديع ،تحقيق سليامن العمريات ،دار
بريوت ،ط 1983 ،1م. ابن حزم ،بريوت ،ط2018 ،1م.
صفي ال ّدين الحليّ ّ (ت 750هـ) ،رشح الكافية • ّ •ابن منظور (ت 711هـ) ،لسان العربُ ،عني بتصحيح
البديعيّة يف علوم البالغة ومحاسن البديع ،دار صادر طبعته أمني محمد عبد الو ّهاب ،ومحمد الصادق
بريوت ،تح .نسيب نشاوي ،ط 1992 ،2م. العبيدي ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت ،ط 3مل ّونة
•املجموع الكبري من املتون فيام يُذكَر من الفنون ،دار (د .ت).
الفكر ،ط 1988 ،3م. العلوي (ت322هـ)ِ ،عيار الشِّ عر ،تح .عبد ّ طباطبا •ابن
البوري عىل
ّ •األُرجوزة األنيقة يف املجاز والحقيقة= رشح العزيز بن نارص املانع ،منشورات ات ّحاد ال ُكتَّاب العرب،
هامي بن
منظومة ابن كريان ،أليب عبد الله مح ّمد التّ ّ دمشق( ،د .ط) 2005 ،م.
البوري (ت 1243هـ) ،تح .مح َّمد ناجي بن ّ مح ّمد •قُدامة بن جعفر (ت 337هـ) ،نقد الشِّ عر ،تح .كامل
عمر ،أفريقيا الشرّ ق -بريوت ،ط 2003 ،1م. مصطفى ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،ط 1978 ،3م.
•حاشية محمد املهدي الوزاين الرشيف العمرا ّين (ت اكيش (ت721هـ) ،ال َّروض امل َريع يف •ابن ال َب ّناء امل ّر ّ
1342هـ) ،عىل رشح البوري عىل منظومة ابن كريان، صناعة البديع ،تح .رضوان بنشقرون( ،أطروحة دبلوم-
دار املعرفة ،املغرب -ال ّدار البيضاء( ،د .ط) 2008 ،م. بكليّة اآلداب يف جامعة مح ّمد الخامس ،ال ّرباط.
النابليس (ت 1143هـ) ،نفَحات األزهار ّ •عبد الغني •أبو محمد القاسم األنصاري السجلاميس (ت نحو 800
عىل نسامت األسحار يف مدح ال ّنبي املختار،عامل الكتب، هـ) ،املنزع البديع يف تجنيس أساليب البديع ،تح.
بريوت ،ط 1984 ،3م. عالل الغازي ،ط 1980 ،1م.
السيرَ ا يف مدح
األندليس (780هـ) ،ال ُحلَّة ِّ
ّ •ابن جابر •أحمد مطلوب ،معجم املصطلحات البالغ ّية وتط ُّورها،
خري الورى ،تح عيل أبو زيد ،عامل الكتب بريوت ،ط،2 مكتبة لبنان نارشون ،بريوت ،ط 2000 ،2م.
1985م. •محمود سامل مح ّمد ،أوضار الشِّ عر العر ّيب؛ منظوماتٌ
•محمود مح ّمد سامل ،املدائح ال ّنبويّة حتّى نهاية العرص تعليم ّية وألعاب لفظ ّية ،بحث لـماّ يُنشرَ ْ وتك َّر َم املؤلف
اململويكّ ،دار الفكر بدمشق ،ط 1996 ،1م. بإطْالعي عليه.
• •ابن رشيق القريوا ّين (ت 463هـ) ،ال ُعمدة يف صناعة
ّ
البالغية؟ (قراءة في املناهج والغايات) ّ
البديعيات من املنظومات هل 175
ال�شیخ علي الطنطاوي وكتاباته عن الهند
املصادر واملراجع
مرص1418،ھ1998/م. •1۔الندوي،السید سلیامن،عرب ہند کے
•7۔الطنطاوي،عيل،رجال من التاریخ ،لکناؤ :مکتبۃ تعلقات(العالقات العربیۃ –الھندیۃ)،أعظم جرہ :دار
أحسان2019 ،م. املصنفین مطبعۃ املعارف2010 ،م.
•8۔الندوي،أبو الحسن ،يف مسیرۃ الحیاۃ،دمشق :دار •2۔الندوي ،حامد اللہ،ہندوستان اور مرشق وسطی کے
القلم،ط1407 ،1/ھ1987/م. تجارتی تعلقات(العالقات التجاریۃ بین الھند والرشق
•9۔الطنطاوی،عيل،أحمد بن عرفان الشھید،ط2/ األوسط)،نیودلھي :مکتب تطور األردویۃ،ط،1/
دمشق :دار الفکر1399،ھ1979/م. 1985م.
•10۔الطنطاوي،عيل،ذکریات،ج 1/جدۃ :دار املنارۃ، •3۔ یوسف ،محمد ،عالقات العرب التجاریۃ
1407ھ1987 /م. بالھند،القاھرۃ :مکتبۃ جامعۃ فؤاد األول1953 ،م.
•11۔الندوي،أبو الحسن عيل،الطریق إلی املدینۃ لکناؤ: •4۔دیرانیۃ،مجاھد،سیرۃ الشیخ عيل الطنطاوي،مجلۃ
املجمع اإلسالمی العلمي1437 ،ھ2010/م. األدب اإلسالمي،الریاض؛ املجلد 9العددان،36-34 :
•12۔الندوي،أبو الحسن عيل،يف مسیرۃ الحیاۃ،دمشق : 1423ھ2002/م.
دار القلم1407،ھ1987/م. •5۔الطنطاوي ،عيل،ذکریات،ج 1/ط ،1/جدۃ :دار
•13۔الندوي،أبو الحسن عيل،مختارات من أدب املنارۃ1405 ،ھ1985/م.
العرب،لکناؤ مکتبۃ دار العلوم لندوۃ العلامء،ط،5/ •6۔الطنطاوي،عيل ،رجال من التاریخ،ج ،2/ط،1/
1967م.
د محمد طه
رئيس قسم اللغة العربية ،كلية م .س .م ,كايامكوالم ,كيرال ,الهند
،التداعي الحر ،تيار الشعور ،األسلوب امللحمي يف القسم األول والثالث يهيمن الضمري الغائب ،
،فاستخدام الكاتب الراوي العليم مع األسلوب ألن الرواية ترتكز حول القسم الثاين الذي يبدو أنه
امللحمي يف الرسد ،والراوي املشارك الذي روى حارض أمامنا نتابعه بحرارة وشوق ،وكأن القسم
أكرث أحداث الرواية مع أسلوب التداعي الحر األول والثاين الذي يسيطر عليه ضمري الغائب
(أسلوب تيار الشعور) والراوي املتعدد األصوات يرجع إىل القسم الثاين وليس إال ممالً له .فبؤرة
.داللة عىل اهتاممه مبا استجد من األساليب الشعور ترتكز عىل ذكريات الصحفي الضال التي
الرسدية. تعد مركز الراوية ،لذلك جاءت يف املنتصف رغم
*املبحث الثاين ( :الزمن) : أولية تقدمها ،لتزيد من هذا اإليحاء ،فالراوي
يركز الكاتب يف رواية “عرص الليمون” عىل يف القسم األول بعد أن كشف عن هوية البطل
الحاالت النفسية للبطل (حسن الشاعر) عن ،وارتباطاتها ،ينسحب تدريجياً يف الشق األول
طريق اسرتجاع املايض الذي يجعله مرسحا ،ليحل مكانه يف الشق الثاين (فصل )4الراوي
لألحداث التاريخية يف حياته .فتشكل الخلفية املتعدد األصوات معلناً فسح املجال للبطل
املحركة لعواطفه .وقد استخدم الروايئ التقنية الحقيقي ،ليأخذ مكانه يف سري األحداث آخذا ً
الزمنية التي يتداخل فيها املايض بالحارض ، حي ًز منها من حيث وفرة املعلومات التي تقدمها
وهي تقنية تتناسب مع تشكيل الشخصية عن نفسها بضمري املتكلم .فابتداء من القسم
املحورية املعقدة ،والقضايا االجتامعية الثاين يتكفل البطل الراوي (حسن) بتقديم نفسه
العميقة املتداخلة ،فتالحظ التقديم والتأخري بنفسه يف الراوية ،فيأخذ الكلمة ،ويجربنا عىل
يف زمن الحيك العام للراوية ،فالقسم الثاين اإلنصات إليه عن طريق الخطاب املنفرد املمركز
“مذكرات صحفي ضال” تأخرت يف الرواية عن حول ذاته ،وحول من يدخل معهم يف عالقات
زمنها الطبيعي “زمن األحداث” ،حيث االنتقال من اي نوع إىل نهاية القسم الثاين .ويف اللحظات
الطبيعي يوجب أن يكون هذا القسم يف البداية النادرة اليت كان يعي فيها البطل حقيقة وضعه
،والقسم األول يكون بعده ،ثم القسم الثالث ،ويتساءل حول ذلك الشقاء الذي يغمره ،فإنه
،لكن حديث تداخل يف األزمنة وتبادل تبعاً مل يكن يجد تفسريا ً لذلك إال بالرجوع إىل زمن
لطبيعة الرواية التي تستدعي كرس رتابة الزمن عالقته بهالة املنتهي مبوتها .من هنا استطاع
مبا أنها تعرب عن اختالل القيم يف الواقع وتصدع املؤلف توظيف الراوي توظيفاً يخدم املغزى
العالقات اإلنسانية فيه . العام للراوية ،فجاءت الرواية منسجامً مع
استخدام األساليب الجديدة يف الرسد ،املونولوج
تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا) 193
القسم األول القسم الثاني القسم الثالث
حاضر ماض حاضر زمن السرد
ماض حاضر حاضر زمن األحداث
كل هذه دالالت عىل أن هالة ستموت . هذا بخصوص زمن الحيك يف الرواية بوجه عام
األمر اآلخر الذي ال يقل أهمية عن ما سبق هو : .لكن القضية األخطر هي الكيفية التي يحرك
ملاذا تحدث بعض األحداث (ليالً) والبعض اآلخر بها املؤلف الزمان يف الرواية ،فـ»طه وادي» يف
(نهارا ً) وما داللة ذلك الرمزية؟ رواية «عرص الليمون» يستخدم الزمن النفيس
املستدير املتقطع مام يدل عىل ميله الستخدام
يقول الراوي يف مستهل الرواية ( ،نظر حمدي
التقنية الجديدة يف الرواية ،وتأثره مبا يستجد
الحسيني إىل ساعة يده يف الضوء الشاحب مل ير
يف الساحة النقدية ،فاملخاطب ال يعرف أحداث
شيئاً ،لكنه يدرك متاماً أن الليل ال يزال طفالً ..
حياة « حسن الشاعر دفعة واحدة ،وإمنا من
الساعة مل تزد عن العارشة والنصف) (ص.)3
خالل فرتات مختلفة ،فيسري الزمان أحياناً إىل
الليل ال يزال طفالً -يدل عىل أن الغموض الخلف (االسرتجاع) ،وأحياناً إىل األمام (التنبؤ) ،
الذي يسود الرواية يف البداية ،وهدوء الليل فيتداخل الحارض مع املايض باملستقبل .
يناسب الصفاء الذي يريد الروايئ أن يكسبه
أ -االسرتجاع :ومنه اسرتجاع طويل املدى يتمثل
إخوان الصفا(األصدقاء) الذين يجلسون بهدوء
يف استذكار «حسن» ألحداث طفولته ،ومنه
مجتمعني يتحاورون بصفاء قبل أن تهب الرياح
اسرتجاع قصري املدى يتمثل يف استذكار بعض
وتبدأ العقيدة يف الرواية .
األحداث التي مرت عليه يف شبابه ،واألمثلة عىل
(يف صباح اليوم التايل ( )..ص )66دل أول النهار ذلك كثرية منها اسرتجاع «حمدي» ألحداث ليلة
عىل الصفاء السعادة املحيطة بـ»اشاعر» يف أول سابقة .
ذكرياته عند لقائه محبوبته «هالة» فاختار لهذه
ب -التنبؤ :يتخيل «حسن» أشياء يخشاها
البداية السعيدة الصباح الذي تغرد فيه الطيور
فتتحقق عىل املدى القريب ،نحو الحلم الذي رآه
،وتتفتح فيه األزهار ،إلبراز هذه الداللة (بداية
يف املنام ( :حام حولنا غراب أسود ( )...ص.)149
سعادة البطل).
أيضاً عن طريق ضياع ريال الفضة الذي أعطته
(يف الليل تنهش عظامي الهموم ( )....ص.)74
هالة قائلة ( :ريال فضة أنه يجلب الحظ احتفظ
اختار الليل ،ليربز الوضع املأساوي للبطل ، به يف حقيبتي منذ أكرث من أربع سنني ) (ص.)87
والغموض الذي يسود حياته ،والتعاسة التي
وقول حسن ( :املكوجي .. :ابن الكلب – أضاع
يتذكرها يف املايض ،وما يرتبط بها من ظلم وظالم
ريال الفضة ..أو رسقه ( )..ص.)97
يناسبه ظالم الليل .
ويكرر ذلك أيضاً يف (ص ، )145والحلم الذي رأى
(أول مرة آخذ موعدا غراميا مع فتاة .مع بداية
فيه البطل «حسم» جدته املتوفاة تنادي هالة ،
املاء ) (ص.)81
194 يوليو 2019 جملة كرياال
الزهر”. -بداية املاء -دل عىل أن االتصال يف نهايته ،
ويعد هذا الزمن زمناً لغوياً بحتا ،كام تؤكد ذلك وعدم رؤية «حسن» «لهالة» جيدا ً يدل عىل
نبيلة إبراهيم بقولها “ :من الطبيعي أن الكاتب تباعد املسافة بينهام.
يفعل هذا من خالل اللغة ،فاللغة تبطئ حركة -الخريف ،يف قول الراوي ; )الخريف ..رمز
القص إذا شاء الكاتب ،وقد ترسع مع حركة الشيخوخة والعجز والحزن ،أليس عجيباً أن
الزمن الرسيعة .ويف هذه الحالة ترتك فراغات يكون أجمل فصول السنة مناخاً يف مرص ..؟!)
زمنية دون أن يشعر القارئ بهذا القفزات الزمنية يرمز فيه إىل مرص ،فرغم أنها قدمية ،وتحوي
،ألن الكلمة يف هذه الحالة تقوم بدور اإليهام كثريا ً من اآلثار الجميلة ،إال أنها متثل واقعاً عاجزا ً
بأن الزمن مل ينقطع منه يشء”. حزيناً .
وال يسري الزمن يف الواقع مع الزمن يف الرواية -الشتاء -يف قول الراوي ( :انتهى اعتدال الخريف
يف خط متوا ٍز إال يف الحوار الذي يبطئ الكاتب ،وبدأت برودة الشتاء ( )..ص.)177
عنده األحداث .وهذا الزمن الذي جرى تقطيعه
يدل عىل شعور البطل “حسن” بفقدانه كل يشء
يلبي حاجات العمل الروايئ ،ألن العمل الروايئ
،فهو ميثل الربودة ،وذهاب الدفء الذي كان
عامل مغلق يف أمس الحاجة إىل هذا التقطيع ،
يشعر به من الحب املحاط به من أعز الناس
ففي حالة الترسيع تُخترص كثافة األحداث ،كام
إليه .
يف تقنيتي الخالصة والحذف ،فالحذف نحو :
(يف صباح اليوم التايل ، )....والخالصة تتمثل يف إن رواية “عرص الليمون” ثرية باألزمنة التي
استعراض الكاتب األحداث برسعة دون مراعاة تحمل الكثري منها دالالت ذات أهمية وارتباط
التفاصيل التي ال تخدم املغزي ،فمذكرات بالحدث ،لكن هل رسد األحداث يطابق زمن
“حسن” ال تحوي كل أحداث حياته ،بل مير وقوعها ؟!.
عليها رسيعاً دون االهتامم بالتفاصيل . ينتقي الروايئ ما يخدم الداللة واملغزى الذي
أما إبطاء الحركة الرسدية يف بعدها العمود ، يريد أن يصل إله ،فالكاتب يف رواية “عرص
فيتمثل يف تقنيتي املشهد والوقفة الوصفية الليمون” يركز عىل أزمان معينة ،ويفز قفزات
للشخوص ،والكشف عن طباعهم النفسية رسيعة سواء أكان إىل األمام كام يف التنبؤ ،أم إىل
واالجتامعية عن طريق الحوار الذي يطول الخلف كام يف االسرتجاع ،وهو ما يسمى بالبعد
يف الرواية ،فاملشهد هو املكان الوحيد الذي األفقي ،ألنه من التغريات الزمنية العارضة .
تستعيد فيه الشخصيات حريتها ،فيحصل نوع أما البعد العمودي فيالحظ من خالل االنقطاع
من التوازن بني زمن القصة وزمن الخطاب . الزمني يف الرسد ،فاألحداث تسري بشكل رسيع
وشبيه هذا األثر الوقفة الوصفية التي ت ُعد وقفزات قد تكون طويلة نحو ( :انتهى اعتدال
املظهر الثاين لبطء الرسد ،وهو ما سنقف عليه الخريف ،وبدأت برودة الشتاء) (ص.)177
بالتفصيل يف مبحث الوصف . وقد تكون القفزات الزمنية قصرية ال تتجاوز يوماً
ويدخل أيضاً ضمن الزمن يف بعده العمودي أو يومني وهي كثري مثل “ :يف الصباح” أو “بعد
تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا) 195
-2مؤرش جميل“ :السياق” : املؤرشات الزمنية املتشكلة يف أربع تقنيات .3
تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا) 201
أ -وجود شخصية محورية تدور حولها األحداث يصل إليها الكاتب ،كام أنه يقرب األفكار إىل
وهي شخصية “ حسن الشاعر “ أما بقية نفس القارئ ،ويربطها بأدلة وبراهني سواء أكان
الشخصيات فهي تقع يف األطراف حتى وإن من الدين أم من الحياة .
كانت رئيسة ،وهذه الشخصية املحورية بل أن التناص يف الرواية يعيد إىل القارئ سيالً
تعرب عن فئة اجتامعية لها هموم واحدة عن من الذكريات تزيد من تعاطفه مع الشخصية
طريق انتقاد املجتمع ،والطابع االنتقادي ( البطل ) ،وتزيد من متعته يف القراءة نحو “ :
من خصائص هذا االتجاه . تذكرت هذا الجزء من أغنية أم كلثوم “ .
ب -كرس وترية الزمن :فالرواية االنتقادية “ .........يا حبيبي كل يشء بقضاء رمبا يوم
الجديدة تعرب عن اختالل القيم فيختل تبعاُ بعدما عز اللقاء “ ص. 225
لذلك الزمن . أما التناص غري املبارش فال يكون ظاهرا ً مثل النوع
ج -غلبة الراوي املشارك ( حسن الشاعر ) يف السابق ،ويغفر للكاتب عدم وضعه بني أقواس،
رواية األحداث باستخدام ضمري املتكلم يف أو نسبته لصاحبه ،ويكرث تعالق هذا النوع مع
الرواية ،وهو ال يحيل إىل الكاتب كام يف النصوص الدينية ،والدراسات النفسية .
السرية الذاتية ،إمنا يرقى أسلوبياً ،ليعرب نحو ( :فرويد بنى األسس الفلسفية لعقدة
عن الطبقة املثقفة مبا أنها اقوى الطبقات أوديب )....ص ... “ ، 13بعض عبارات من إنجيل
لدقا ”...عندما ترون سحابة تطلع من الغرب
يف تأثريها وتأثرها بالهم القومي ومن ثم
...إلخ ص. 290
اإلنساين العاملي .
د -النظرة التشاؤمية ،وموت البطل “ حسن [ الخامتة ]
الشاعر “ والبطلة “ هالة “ حبيبة البطل يتبني مام سبق أن الناقد الكاتب طه وادي حرص
التي ماتت قبل أن يتسنى له الزواج منها ، عىل تطبيق معظم النظريات الرسدية الحديثة
خاصة فيام يتعلق باملنهج البنيوي يف النقد
مام متيز به املذهب الواقعي .
الرسدي ،وركز يف كتابته للرواية عىل استخدام
-3التداخل يف املذاهب سبب يف صعوبة تحديد الراوي بأشكاله املتعددة يف الرسد ،وهو األمر
املتلقي يف اي املذاهب الواقعية ميكن إدراج نفسه الذي يركز عليه يف كتاباته النقدية ،ومع
رواية “ عرص الليمون “ فتجد يف الرواية : ذلك كان يهرب بني الحني واآلخر إىل االستطراد يف
واقعية انتقادية وواقعية تشاؤمية وواقعية قطع السريورة الحكائية الرئيسية كام يف التعبري
جديدة . عن قضية لبنان .
-4اقترص زمن الفعل عىل عنرص البطل ،وهذا -2ويظهر تأثر الكاتب يف رواية “ عرص الليمون
الزمن ينقسم إىل زمن خارجي يرتبط “ بالروايات الواقعية الجديدة التي ظهرت يف
بتوظيف الطبيعة متناغمة مع نفسية أوروبا خالل القرن العرشين ومحاولته تقليدها
الشخصية ،وزمن داخيل يتصل بالحوار وتطبيق معايريها النقدية كاآليت :
202 يوليو 2019 جملة كرياال
الواضحة . الداخيل واملناجاة .ومل يظهر زمن الفعل
وأخريا ً ..فإن هذا الجهد جهد املستبرش بالبزوغ يف باقي الشخصيات إال بصورة ضيقة جدا ً
الجديد للدراسات النقدية التي بدات ميكن حرصها يف مقاطع قليلة وقصرية يف
باكتشاف تجليات النص اإلبداعي عند الرواية .
النقاد ومحاوالتهم املزاوجة بني األمرين ُ -5ح ّملت األلوان دالالت لغوية كشفت األبعاد
ليكتيس اإلبداع النقد ويخرج النقد من النفسية واالجتامعية للكاتب من خالل
صومعة الجمود والتبعية ،وأرجو أن تكون إيقاع األلفاظ .
هذه الدراسة املتواضعة منطلق للباحثني يف -6كشف إيقاع التناص عن ثقافة الكاتب ،عىل
مسالك النقد واإلبداع ليكون هذا العمل الرغم من أن هذا التوظيف اتسم بالسطحية
ضمن نضيد معقود ميهد لنظريات عربية يف واملبارشة
الكتابة الرسدية املعارصة. -7استخدم الكاتب األلفاظ السهلة والتشبيهات
[ الهوامش ]
العريب الحديث” ،دار اآلداب ،ط ، 1بريوت 1992 ، ( ) 1د .محمود فهمي حجازي “ :علم اللغة العربية” وكالة
،ص78 املطبوعات ،الكويت ،ص51
( ) 9سيزا قاسم “ :بناء الرواية “ ص39 ( ) 2عبد الفتاح عثامن “ :بناء الرواية “ مكتبة الشباب ،
( ) 10انظر حسن بحراوي “ :بنية الشكل الروايئ” . القاهرة ، 1962 :ص199
( ) 11املرجع السابق .ص25 ( ) 3صدوق نور الدين “ :الرواية العريب نحو تأسيس تصور
( ) 12املرجع السابق .ص25 نظري” النادي األديب الثقايف بجدة ،عالمات ،ج،27
( ) 13د .يوسف حطيني “ :سمرية عزام ،رائدة القصة م 75ذو القعدة 1418هـ -مارس 1998م ،ص.219
القصرية الفلسطينية “ دار العائدي ،ط ، 1سوريا ، ( ) 4املرجع السابق نفسه ،ص.110
دمشق 1999 ،م ،ص.188 ( ) 5د .محبة معتوق “ :أثر الرواية الواقعية الغربية يف
( )14د .أحمد عمر مختار “ :اللغة واللون “ ،عامل الكتب ، الرواية العربية “ ،دار الفكر اللبناين ،ط ، 1بريوت
ط1997 ، 2م ،القاهرة ص.230 1994م ،ص.310
( ) 15يوسف حطني “ :سمرية عزام رائدة القصة الفلسطينية ( ) 6انظر د .صبحي طعان ( :زمن النص ) ،مجلة آفاق
“ ص93 املعرفة ،وقد استفادت منه الباحثة يف املعالجة
( ) 16د .محمد مفتاح “ :دينامية النص ( تنظري وإنجاز ) الزمنية للمؤرشات ،ويف تسميتها .
“ املركز الثقايف العريب ،ط ، 2الدار البيضاء ،بريوت ( ) 7جورج واتسن“ :الصيغة والزمن يف الرواية “ ت .عباس
1990م ،ص72 العويني ،األقالم ،ع ، 1986 ، 7ص.147
( ) 17املرجع السابق :ص12 ( ) 8د .محسن جاسم املوسوي “ :ثارات شهر زاد من الرسد
تجليات اإلبداع السردي في ظل املفاهيم النقدية للروائيين املعاصرين (طه وادي نموذجا) 203
املصادر واملراجع والدوريات
•د .أحمد عمر مختار « :اللغة واللون « ،عامل الكتب ، • د .محسن جاسم املوسوي « :ثارات شهر زاد من
ط1997 ، 2م ،القاهرة. الرسد العريب الحديث» ،دار اآلداب ،ط ، 1بريوت ،
•د .محمد مفتاح « :دينامية النص ( تنظري وإنجاز ) 1992م.
« املركز الثقايف العريب ،ط ، 2الدار البيضاء ،بريوت •سيزا قاسم « :بناء الرواية « دار اآلداب ،ط1994 ، 1م.
1990م . •حسن بحراوي « :بنية الشكل الروايئ « ،دار اآلداب
•طه وادي :رواية «عرص الليمون» مكتبة مرص ،ط1 املركز الثقايف العريب ص1991 ، 1م
،مرص 2000م. •د .يوسف حطني « :سمرية عزام رائدة القصة
•جورج واتسن :الصيغة والزمن والرواية « ت .عباس الفلسطينية « دار العائدي ط ، 1سوريا ،دمشق
العويني ،األقالم 7 ،ع 1986 ،م. 1999م.
Abstract:
This article talkes about the stooge image in the Algerian poem discourse,
and how the ancient Algerian people try to talk about this traitor in their
poem, with a different word and definition, but in the majority with the
same meaning. We use in this essay the hermeneutic approach. That we
can try to give some analysis of image, direct and indirect definition,
words, comparison, metaphors. In this Algerian poem, that given with the
patois and some paschal word, to tranship the message to the others, and to
definite the usages by the opposite of them, this poet utilise the word arm,
by the popular concept, to give the image of the traitor.
Key words: poem, image, analyse, icon, space, meaning.
نكتب بحرقة عن املايض التليد ،عن من العملة والعميل من املصطلحات التي الميكن
استشهد ودافع عن الوطن ،ونستحرض إبداع أن نتخيل تشكالهام ،وتوافقهام يف عامل واحد،
أناس كتبوا رغم ما عانوه من اضطهاد ،عربوا مبا لكن الرضورة أباحت التقائهام تحت سامء العدو،
امتلكته أعينهم من صور وسمعت به آذانهم باسم املكافئة وبأسامء أخرى مختلفة ومتلونة
وعايشته جوارحهم ،وإن مل تستقم بعضها يف تلون األداة املساعدة عىل البقاء ،بفناء اآلخر
الرتاكيب ،واختيار اللفظ ومل يلتزم بعضها اآلخر وانتصار محور الذات امللتفة عىل عىص القوي،
وزنا وقافية ،وإن خرج بعضها عن الفنية ،فإن ورباط حذاء الجبان ،ومهام كانت الذرائع
القضية كانت أهم والهدف كان أسمى ونقل من نقص يف العيش وقهر ونقص وضعف يف
الحقيقة والتعبري عنها فنيا كان لغاية حفظها، الشخصية ،فإن ما يظهر من كل ذلك ال يدل إال
والتغني ببطوالت املجاهدين واملقاومني ونقل عىل املعنى الحقيقي للخيانة بكافة مستوياتها،
أحداث الثورة إىل العامل الفني ،حتى تكتسب خيانة روحية وعقائدية ،وخيانة للشخصية
طابعا ملحميا وغنائيا إن صح القول. وأكربها ،وأدهاها للدين وللوطن.
صورة العميل في الشعرالشعبي الجزائري (مقاربة تأويلية ملقاطع مختارة) 205
لحب الوطن ونرصة األبرياء ثانيا ،لذلك جاء ذكر يذكر يف كل مقام ويف كل مناسبة للسامر،
العميل يف الشعر الشعبي الثوري بشقيه الرصيح كنوع من اإلخالص للرجال وللوطن ،وكنوع
كأن تُذكر اللفظة مبارشة ،أوبشكل مضمر بذكر من زرع للطأمنينة أنذاك ،وزرع الثقة والرتفيه
ما يدل عليها. والسخرية من العدو يف كثري من األحيان بشكل
تأيت يف شكل أوصاف ومسميات تختلف مبارش وغري مبارش يدل عليها السياق ،لذلك
باختالف التعبري والفروق الصوتية والداللية فإن حديثنا سيقترص عىل صورة العميل بحديها
للهجة الجزائرية ،فنجد مثال لفظة" :ال َح ْركيِ " الظاهر واملضمر ،يف الخطاب الشعري الشفهي
و"ال َق ْو ِمي" و"البياع" ،و"الخبيث" و"املنافق" ملناطق مختلفة من البالد ،كام سنحاول عرض
و"القواد" و"اللعني" "الخائِن" و" َخدام" مناذج حملتها الذاكرة الجامعية حفظا من غري
لوف"" ،ال ُز َو ْاف" ،ويف مرات كثرية أُلصق"ال َح ْ تدوين ،ولعلنا ال نبالغ إن قلنا أن هذا أول ظهور
اسمه باليهودي ،كداللة عىل خيانة العهود كتايب لبعض منها.
واملكر والخداع ،وغريها من املسميات التي كان وما محاولتنا هذه إال متابعة وقراءة نوع
ينعت بها ،كل من كان ذيال وذليال مطيعا لفرنسا من أنواع الخطاب الشعري ،التي نريد من خاللها
خادما لسلطتها ،وبالرغم من "كل الوسائل التي املحافظة قدر اإلمكان عىل ما وصلنا مشافهة ممن
سخرها االستعامر للقضاء عىل الشخصية القومية سبقونا ،مع أننا ندرك متام اإلدراك ،أن كتابتهم
الجزائرية ،مل متنع الثقافة واألدب من القيام بدور ُخطت بدمائهم فنالوا املراتب العال ورشف
كبري يف الثورات الجزائرية" ،2تشجيعا وتنفيسا وطعم االنتصار ،ونال العميل أوسمة الخزي
للمتلقي ،وتثبيتا لبعض الوقائع واألحداث والعار ،ناهيك عن املسميات واألوصاف التي
التاريخية وسخرية من العدو. جناها ،والتي اختلطت فيها العامية والفصحى،
تصبح بعد ذلك مبثابة الوثيقة التاريخية، واألمازيغية ،وحتى الفرنسية لغة املستدمر ،مل
وشاهد من الشواهد الحية عىل تفكري الرجال يكن ليسلم من أي أمر مادام أنه اختار الطريق
برغم الحصار الفكري ،والقمعي الذي كان الخطأ.
موجودا آنذاك" ،الخطاب األديب الشفوي واملعيشة الضنكا ،التي تلم ألسنة اللهب
الجزائري قد تحول يف كثري من الحاالت إىل امللتفة حوله واملرتبطة بذكر املستدمر يف كل
خطاب تاريخي" ،3تذكر فيه األمكنة الحقيقة مقام ،وميكن أن نقول أن الثورة والبطوالت
والوقائع مبسميات أبطالها ،ويف كثري من األحيان كانت مبثابة امللهم الحقيقي للشاعر منها يأخذ
بتواريخ حدوثها ،فال غرابة إذا أن تتغري صورة الصور واألوصاف واالستعارات ،1لذلك فال
العميل يف الشعر الشعبي بأنواعه ،تغريا يحتمه غرابة أن يشحذ الشعراء وممن تفتقت لهم
الفضاء الزماين واملكاين ،وثقافة الشاعر واملتلقي. القرائح واستفزتهم املواقف ويجعلوا كلمتهم
نبدأ بالصورة الشائعة للعميل يف بعض استعداد لوصف الشجاعة ووصف العميل متى
األشعار الشعبية املتنوعة ،قوال وموسيقا ،والتي استدعى األمر ،وإن مل يكن بكرثة فإن هذه الفئة
ترافق نوعا من الغضب الساخط عىل هذا النوع ال تستدعي الذكر أصال بسبب خروجها عن
من البرش ،بل إن هذه الصورة التي سيـأيت ذكرها الجامعة أوال ،وخروجها عن كل ما ميت بصلة
206 يوليو 2019 جملة كرياال
أبوه" فاألبوة عادة ما تتصل بالنسب والحامية، اآلن هي خليط ميزج بني صورتني متقابلتني:
واالتصال بالجامعة داخل املجتمع ،ولعنها هو صورة الخائن واملتصلة يف هذا املقام بخائن
خروج عن هذا الرابط ودخولها عاملا آخر ال هو الدين ،وصورة أخرى يخربنا عنها السياق ،تتناسج
فرنيس وال هو جزائري هوحالة بني بني ،متعادلة خيوطها لتهيئ ردة الفعل التي يقوم بها مكتشف
مع ما يسمى باللعنة التي ستصاحب األب قبل الخيانة ،واملوكل بتصفية الحساب ،الذي ال يتم
الحفيد ،هذه الصورة املقلوبة إن صح القول ال يف هذه الحالة إال بقطع الرأس كتهديد للبقية،
تنفصل عن الجذر األصل ونقصد بذلك اآلباء ليتدخل الفضاء املكاين أو املرسح الذي ستحدث
األوائل لهذا الخائن ،ألن فعلته هدمت ما بناه فيه هذه التصفية ،مبا سامه ب" الشعبة" ،فهذا
أبوه وجده وأوالده فلحقت اللعنة بهم جميعا الخائن لدينه كام سامه الشاعر ،ال يستحق أكرث
بسابقهم والحقهم ،بذلك ميكننا أن نسميها من مكان ترمى به النفايات عادة ،أو تعلق به
الصورة املتعددة سواء يف ماضيها أو يف حارضها بقايا القش التي جاء بها املاء يف وقت ما ،لحظة
يف حياة الخائن وبعد ذبحه ،لتنتقل الصورة إىل سقوط املطر للتكون صورة أخرى تتعالق مع
تحذير شامل لكل من تسول له نفسه باالنضامم ظهور املطر بعد الجدب ،فهذه الشعاب هي
إىل صف العدو ،مام يخولها ألن تكون كنوع من لجثث الخونة تشبه بقايا القش وما خلفه املاء
النصح والتهديد الخفي الذي يعرب عنه السياق، بعد مروره ،كام ميكن وصفها باملكان الهش من
املرتكز عىل املوروث الديني ،ترد الصورة ذاتها األرض نحتها املاء الجاري الذي إذا أىت حينه مل
مبعنى املنافق يف قصيدة محمد شيربة الريغي: يبق عىل يشء ،وهي صورة تتوافق إن صح القول
وتعوج ط َْاش
ْ 7
اليل َجا يف ْص َدافْ ُه ْم مع املجاهد والثائر والحر معا .
مايمَ َنع يف ال ّنها ْر وال يف ظلم ْه يقول الشاعر:
َاسد ْم املنافق ْني يتْ َحج ْر فالط ْ وس 4والزيارة ندوله ْ و ُم ْ
وأستحـــــ َم ْه
إذا صبْتُو ال تهاب أرشب ْ هكذا عىل فعالو نُجــــــــرو ْه
الساس
ْ آخ ْر يبني وخو ْه يهدملُو يف يف الشَّ ع َبة راكُ ْم ت َالقُو ْه
هذي ت َســــــــــــم ْه
واش كا ْن ِ يل ْ
وري ِ َخايـــــــــــ ْن ِدي َن ْه يَلْع ْن بُو ْه
الفاس
كم ْن قالُو يف دفي َنة أ َم ْه أسرْ َق ْ جِي ُبو 5الطبيب ايْشُ ْفلُو قَلْ َب ْه
8
غاضتوش لَع َمى بن لَعــــــ َمى
ْ أ ُمو ما أَ ْحلِيلُو َو ْاش يلــــــقى يف قَرب ْه
لتعطي صورة أكرث وضوحا ،فاملنافق عالمة ال حسب فرانسا ت َه ْز بقدر ْه
يَ ْ
تعرف بظاهرها بل محلها اإلخفاء ،الذي تشاكل أتبايص الناس اليل ذبـــــحو ْه
مع اختفاء العميل وسط أهله ،حتى يتسنى له خاين دي ُنو ينعل بوه
معرفة أرسارهم وخداعهم متى حانت الفرصة، 6
يف الشعبة ُرو ُحــــــو َحشْ فُو ْه
مع أنها ال تعدم وجود الرابط الذي كان فيام يركز الشاعر عىل صور متعددة ،منها ما تعلق
سبق; رابط األخوة ،مستندا عىل األمثال الشعبية بالدين ومنها ما تعلق بالعرف ،ومنها ما تعلق
التي تتوافق ورابط الجامعة أو ما يومئ بالخطاب بتطبيق الحد ،فالخائن يف هذا املقطع "ملعون
صورة العميل في الشعرالشعبي الجزائري (مقاربة تأويلية ملقاطع مختارة) 207
تأيت صورة العميل يف مواضع أخرى كذلك عىل املشرتك ،وبالصيغة ذاتها وردت يف شعر ولد
شكل مقارنة فال ترد تسميته علنا ،وإمنا بإخفاء الناعوس املجاهد:
اسمه واإلبقاء عىل القرينة الدالة عليه ،يقول 9
هاذو الطُلْبة الجهاد ليهم لبى لقا ْو
القداوي كان قائد ناحية مبعسكر إبان حرب كل صعبة يف مرضاة الرحــامن
التحرير ،وألن الذاكرة الشفوية تلعب دورا مهام طلعو الجنود طلعو يف رووس جبال
يف الحفظ والنسيان معا ،فإن ما وصلنا من شعره البارود فَ ْق َنان يف كل ليلة َز َع ْال
إال النزر القليل ،تبدأ هذه املقطوعة مبا يشبه هاذو املنافيقني ومن دينا مطرودي ْن
الوقوف عىل األطالل يقول: ال عاهد وال دي ْن حرفتهم الغدرة
ْد َوا ِوي ْرْ 13مطَ ْويّا وقْيَ ِاط ْني ْمبَ ْنيّا يف جبل لخرض شبانا متخرت العسكر
وف شَ ا صرْ َا يف دهر ال َق ُيــو ْم شُ ْ يك امل َشْ كَر وكْفَاتْ قا ْع ال َه ْيشَ ا ْن
زوجة الحالل تَتْ َه َدا ليه أنْتَايَا قولو لديغول بيناتنا مكان صالح
روحك وأنت مذمو ْم َم ْنه أتْف َْك ْ نَطَ ْر ُد ْوك نواح لَفرانسا تُ ْغ َدا جِيــــــ َعا ْن
ال َد ْر َسة أتْ َخلْط َْت ما َصابَ ْت الكفاح كفاح بيناتنا ما كان صالح
َذ َرايَة حتى يْجِيها جيش ال َه َدايا 10
نطردوك نواح لفرانسا تغدا جيــــعا ْن
َصافْ َها بَتْ َب َنها َم ْر ُدو ْم تتفق املقاطع جميعها يف الحيز الذي تأخذه
رج ول ْد فَاطمة َع ْو ْج ال َقطَايا يُ ْخ ْ صورة الخائن ،فتكون بني وصف وتهديد
الصافيِ من ال َح ُمو ْم هو الليّ يْفَر ْز َ وتحديد للنهاية الحتمية له ،وميكننا القول أن
الطالب 14ت َ ْقرا فاآلية ْ ْس َمعتَ ْك يا هذه الصورة ال تختلف عن سابقتها من حيث
واح أَ ْه َد ْر َم َعايَااب وأَ ْر ْ
ِيب ال ْكتَ ْ ج ْ التكوين والوصف ،فكالها يتشاكل من حيث
يق ما تقدر فيه ت ْعو ْم بَ ْحرِي ْع ِم ْ داللة اإلخفاء ،سواء "املنافق" أو "الخائن" ،لتأيت
أ ْرك َْب فوق نَاقة طويلة َج َرايْة لفظة أخرى أكرث قوة من ناحية الحضور النفيس
ذاك اليــــــو ْم صىل يف مكة يف َ والتاريخي والديني ،لوصف الخائن باليهودي
والدي ونزي ْد ن ََسايا ِ َح َرا ْمها يقول الشاعر نفسه يف قصيدة أخرى:
15
الالّ ْس َم ْعتْها من شَ ِفي ْع ال َق ْو ْم ُسلطان فرانسا َد ْركُو ْه 11رضار
تختلف صور الخائن أو العميل هنا لتأخذ بعدا أ ْع َيا من التدبري كيِ َولاّ يســـه ْد
آخر ،وهو االنقسام داخل املجموعة الواحدة َد َو ْر بيه العسكر زوج ْد َوا ْر
فيورد الشاعر" منه أتفك روحك وأنت مذموم" 12
ا�لْلَ َو ْل فرانسيس والثاين َم ْيــه ْد
تعطي هذه الصورة التكوين الوصفي التفصييل جاءت بقصدية التصغري "ميهد" ،والتحقري من
لشخصية العميل ،الذي تنازل عن عرضه وحقه شأنه ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا أنها من بني الصور
مقابل املحافظة عىل حياته ،ثم ينتقل إىل صورة األكرث تعبريا عن الغضب ،ملا تحمله من دالالت
أخرى والتي شبهها ب عملية "درس املحصول"، لها جذورها الضاربة يف التاريخ واملتعلقة بكل
وفصل النوع الجيد عام ميكن االستغناء عنه ،بنربة أنواع الخيانة.
208 يوليو 2019 جملة كرياال
شب الفـــــــــ َـرنا ْن َحطوه ْم َذبْا ْن و ْخ ْ لطت ما َصابَ ْت َذ َرايَ ْة" ،ليمهد حزينة" ال َد ْر َسة تَ َخ ْ
18
ايل املجاهدين ُوش ْخ َص ْ
ما َعرف ْ ظهور الفارس مبالمح أسطورية ،وكل ما يحمله
16
فاملسكوت عنه يف هذه املقطوعة هو وصول الويل الصالح من كرامات ،واملقصود به هنا األمري
الخرب الكاذب من قبل العميل ،بينام تظهر يف عبد القادر الذي بإمكانه كشف الخونة ،واملعرب
يف مقطوعة أخرى بشكل رصيح يف قول الشاعر: عنهم يف هذا الشطر "بال َح ُمو ْم" ،وهو ما فسد من
يش للقبطان كَايَ ْن 19من ْه راح يمَ ِ القمح بعزله ويُبقي باملقابل عىل القمح الصايف،
يا َم ْسيو هاذ السيــــايس جانا وإن كانت هذه العملية الزمة من لزوميات البقاء
أ ْم َعاه الضابط غ ْري فالن فال ْن فإنها صورة أخرى عن االنقسام املحتم حتى ولو
كل ليلة يأتيَ مثة ال َعشـــراني ْة كان األمر التكوين األصيل يحملهام معا يف جيب
أعطيني فا َرهْ وفُويَيل لَثام ْن قالوا واحد ،ونقصد بذلك االنتامء والدين والعادات
ِ
نخدم لفْريقاتْ منها ال َجامنْة وغريها ،لكن تغري الوجهة حتم االنقسام وجعله
الزما وقارا ال يقبل التغيري ،ورمبا تأخذ املقطوعة
نَعرفه ْم فالن فالن
بعدا آخر واملتمثل يف األحداث التي كانت يف
الســـــامنَ ْة وألَقَطه ْم كأفراخ ّ
عهد األمري عبد القادر أو قبل مجيئه ،من أهمها
أعال ْه أفْس ْد رايَ ْك يا طَ َحا ْن
20
املحاولة الصعبة يف مل شتات القبائل والدعوة
الك كالكالب ال َخـــــوان ْة وأصرْ َ ْ للتوحد.
غَدوة كِيفاه أ ْديْر لوجهك يا شَ متا ْن كام قدم الشاعر أحمد الفالفيل _جندي من
21
رتك َمتج ْيش لَ ْن َســـاناحتى َم ْ ناحية عوف والية معسكر_ ،صورة ساخرة
تحمل معها كل َمعاين االحتقار ،بدء بذكر فساد للخائن بطريقة غري مبارشة ،ويف أخباره املكذوبة
الرأي الذي يعقبه ال محالة الترصف الخاطئ، التي كان يوصلها للجيش الفرنيس ،ولعل القصد
الذي جعله الشاعر مالزما للفظة الحيوان املذكور من هذه الصورة هو تبيان غباء ووقوع الخائن يف
أعاله ،لكن انتزع منه صفة العموم وهي الوفاء مصيدة املجاهدين ،وباملقابل هي صورة أخرى
كام هو معروف ،وأخرج الصفة الشاذة لهذا لطأمنة وبعث الثقة ،الذي عرب عنه التناص ،مع
الحيوان ،ليكون التأويل مناسبا مع الوصف، ما ورد يف القرآن الكريم يف غلبة الفئة األقل عددا
وتبقى لفظة "الكلب الويف" أعىل قيمة من بإذنه ،يقول:
خائن يشبه كالبا مضطربة التكوين ،والتي يعرب ْليل عدده ربعني هذا َزي ِْش 17أق ْ
عنها املجتمع الجزائري بالتكوين املمزوج من ْحضَ ا ْو يوصو يف نساهم والصبــــــــيا ْن
حيوانني مختلفني أحدهام أليف واآلخر متوحش
قالوا بيل ْح َنا نجيبوهم حي ْني
ويقصدون بذلك خواص الذئاب التي ال ينفع
نحكمو كِيماَ بْغَي َنا يف لُ ْخريـــــــــــــ ْن
معها طيب املعرش ،وال الخري.
َم ْن َها تَ ْه َنا بالدنا تبقى آ َما ْن
تستمر الصفة ذاتها يف أغلبية األشعار
الطْوايْر فالسماَ تحســـــــــــب ُعقبا ْن
الشعبية ،لتصري إيقونة دالة عىل هذا النوع من
البرش ،يقول الشاعر مسعود مبزغ: قال ستة وتالثني من َحاسبه ْم ْ
صورة العميل في الشعرالشعبي الجزائري (مقاربة تأويلية ملقاطع مختارة) 209
ومالكيها أوال ،ووصمة خزي ملالكها الجديد مبعنى َاش َه ْز الكَارتْ بَالن ْْش شَ ْفتُو 22كِيف ْ
ال تعرفه وال تحس به إال النفس ،ألن استخدام ما منها ذَا ال َخد َمة الـــــدونِيَة
سلطة العدو لقهر بني جلدته هو مبثابة املحور العب ْد ال َخ َدا ْع اليل هو ب َيا ْع
الذي تدور حل جل األشعار الشعبية بأنواعها، بْحك ْم االقطاع عىل الفرانسوي ْة
ولعل الشاعر أراد تبيان دافع العميل أو الحريك ُول وأيْ َعي ْط يف البرَ ل ُْول فُ ُمو َمحل ْ
من خالل خطاب زوجته يف هذه املقطوعة 23
الطول الدولة الفرانســـــــوي ْة يْدي ْر َها ْ
الشعرية ،هذه الزوجة التي مل تكن أقل رشا وتصري معها صورة العميل يف عني الشاعر
وخبثا من زوجها. واملجاهد ،صدى ملتلقي قهره املستدمر والعميل
القضية أكرب من مجرد قول يحتاج ملتلق معا ،واتفاقهم عىل نوع موحد من الصفات
عارص الحدث ،أو متلق سيتلقى الحدث بعد املتكررة مع كل خطاب موجه ،ما هي إال معاناة
زمن ،وتداول هذه النصوص الشعرية التي وصلنا داخلية ،أكرب من معانتهم من دخيل عىل هذا
منها القليل فقط يعد من األهمية ،بحيث وضع الوطن ،بل صارت هماّ ،كام يقول الحاج املنان:
الجامهري الشعبية 26هو الذي فرضها فراحت ِ 24
يل زَا ْدنَا َه ْم القَومي ال َه ْم كب ْري ال ِ
ترددها الطبقات ،وتتبناها كقانون حتمي ال يقبل اس ما ت َر َحم ِفينا غ ْري اليل بَ ِ
كري كا ْن تر ْ
املساس ،بل ميكننا القول أن هذه الصور هي قالت لو َمرتُو جِي َبنا ال َجا َجة من عند الشعبية ْ
مبثابة رصخة رفض للوضع السائد آنذاك ،وانتشار اسوسيا َرة و َمه َر ْ وفْرا ْش و َمثرْ ْد َ
األنذال يف كل مكان الذين حاولوا بكل ما أوتوا بالسكة امل َدعي ْة وين ت ْ ُرو ُحو ّ
إحباط املقاومات ،وكل ما له صلة بالدفاع عن 25
ــــــــــــاس ُوك غ ْري للَت ْد َح وما ت َ ْبقَا ْو ذ ْ
ْ
الوطن واألنفس واملمتلكات ،والعقيدة ،وتبيان
تتجىل هذه املعاناة ،وهذا اإلحساس بالتحرس
صوت املجتمع الرافض لهؤالء ،وتنبيه البقية
عىل الذين باعوا وطنهم بأشياء رخيسة يندى
بعدم امتهان الخساسة للمحافظة عىل العيش
المتالكها الجبني ،فهي افتكاك من يد أصحابها
الذي لن ولن يكون كرميا أبدا بهذا الصنيع.
هوامش البحث:
املرويات الشفوية ،اآلداء ،الشكل ،الداللة ،ديوان
1ينظر :العريب دحو ،بعض النامذج الوطنية يف الشعر
املطبوعات الجامعية ،الجزائر ،د.ط ،1998 ،ص.22 :
األورايس خالل الثورة التحريرية ،ديوان املطبوعات
3موس :سكني ،ندوله :نأخذ له ،نجروه :ننحره.
الجامعية الجزائر ،1983 ،ص38:
4جيبو :هاتوا ،يشوفلو :يفحص ،أحليلو :أتأسف عليه،
2التيل بن الشيخ ،دور الشعر الشعبي يف الثورة
واش :ماذا ،تهز :ترفع ،أتبايص :ت ُجرم ،ينعل بوه :اللعنة
،1945.1830الرشكة الوطنية للنرش والتوزيع ،الجزائر،
عىل أبيه ،حشفوه :رموه.
د.ط1983 ،ص.15:
5العريب بن دحو ،ديوان الشعر الشعبي من الثورة
3عبد الحميد بورايو ،البطل امللحمي والبطلة الضحية
التحريرية بالعربية واألمازيغية الشاوية ،جمع ،توثيق،
يف األدب الشفوي الجزائري ،دراسات حول الخطاب
البيانية فيها ،وأيضاً يف بديعية بعضها القامئة أوال :املثل بني و ْجزية الرتكيب وترداد االستعامل
عىل الطباق والسجع والجناس والرتادف والتضاد والتداول.
والتجانس مثل (:ماحك جلدك مثل ظفرك)، هذه سمة فنية جاملية كاملفارقة
فتشكيل األسلوب املثيل يقوم غالباً عىل التناسب والجمع بني النقيضني؛ فاملثل العريب منط نرثي
واإليجاز وتسويغ اإليقاع الخصيب الذي يقرع بليغ إشاري ملعي ،لكنه بجريه عىل اللسان
السمع ويصون حفظ املثل يف الذاكرة؛ فهذا واستخدامه يف املقامات التي تستدعيه ترداد
املثل تسجيعي يف تقابل الكافني يف الفاصلتني معني ،ويف الوقت ذاته إن املثل شاهد عىل
املنضغطتني ( جلدك /ظفرك). ترداد بالغي أديب بديع ،ذلك ألنه يصور عملية
وهذه إيقاعية خارجية ال تنفي اإليقاعية تردادية متقابلة بني فحوى املورد الثابت املحتذى
الداخلية التي تنبعث من قراءة نفسية شعورية وفحوى املرضب املتحول الذي يف ضوئه ينساق
من خلف الكلمتني (جلدك /ظفرك) فالتوازي املرضب؛ فمثال( أكرم من حاتم) وغريه من مئات
الصويت التقابيل يف نسيجهام يدعو الشعور إىل األمثال ،إمنا هو يُتعامل به يف تواترات إبالغية
عقد املقارنة بني مدلويل املفردتني وما بينهام من إلقناع املتلقي واللمح إىل الفائدة من رضبه يف
تجانس وتجاور حثيث يف الواقع لتالحم الجلد الحاجة.
بالظفر وتداخلهام وتقاربهام لتنتقل هذه الداللة كام أنه تناص يف بنيته املعرفية والجاملية رغم
الحكَمية ،وهي فحوى الواقعية إىل مجال الداللة ِ انضغاظ أسلوبه ألنه حني يرضب به يف املرضب
رضب املثل ،ويقاس هذا التخريج واإلسقاط عىل وقصته ،كأنه تعالق باملورد وتقاطع معه؛ فهو
كل األمثال. تناص ُع ْروي مكثف من النص وإليه دون الخروج
ومن متظهرات املثل العريب أنه قد يشتق من من البنية الواحدة ،وإمنا املخالفة تكون يف ترداد
أصول خطابية أخرى يف البيان العريب كالقرآن زمن الحق بزمن سابق.
الكريم والسنة والشعر ومأثور النرث ،مثل هذا ولإليقاع تشكل جميل يف األمثال بحيث
البيت الذي هو أصل املثل املذكور آنفاً؛ والبيت إن إيقاعها الداخيل يقوم عىل تركيز املكونات
212 يوليو 2019 جملة كرياال
بالعربية املتذبذبة بني الفصحى والدارجة؛ وهي لإلمام الشافعي:
ألوان ذات إبالغ رسايل توصييل ال يستهان به ما حك جلدك مثل ظفرك
كاألمثال والحكم واألدعية والقصص والحكاية 11
فتول أنت جميــــــع أمرك
والسري والوصايا وغريها.
وهذا إحالة فنية غريبة يف تناصية األجناس
ثانياً :الخطابة وتردادها يف فن القول. األدبية بني دوال املثل ودوال الشعر امل ُفضية إىل
أريد ببحث الرتداد يف فن القول الخطايب مدلوالت متحدة ،وهناك نكت أخرى يف متظهرات
الرتكيز عىل بعض املميزات الفنية واملوضوعية مثيلة أخرى ،كشيوع ظاهرة اإليقاع الصيغي
والجاملية التي يضطلع بها البحث األسلويب والرصيف يف استهالك كثري من األمثال بصيغة
البالغي ،كإبراز فنية الرتداد يف هذا اللون النرثي (أفعل) كقولنا( :أجرأ من أسد /أصدق من قطاة/
العتيق ،ولهذا فاألسلوبية قراءة جديرة بكشف أجنب من نعامة) وصيغ ( ُر ّب) مثلُ ( :ر ّب رمية
هذا «فإن العلوم اللسانية جميعاً تهدف إىل من غري رام)ُ ( ،ر ّب عجلة ت َ َهب ريثا) … ،ومثة
خدمة البيان ،الذي ُعني به العرب يف جاهليتهم نكتة الرتداد اإلجرايئ يف توظيف األمثال السائرة
وإسالمهم ،وشغلوا به يف عصور ازدهار العربية بتخالف الزمان واملكان وإبداع اإلنسان؛ ف ُيجري
ويف عصور انحطاطها ،والبيان أو دراسة الفن الضاربون األمثال عىل نُظُم لغوية وأسلوبية قد
األديب ينبغي أن يُساير كل نشاط فكري ،وإال تشرتك كثريا يف بُناها املعجمية وقد ال تشرتك ،إال
يتخلف عن أية حركة علمية تخدم الرتاث العريب أنها تحفظ املدلوالت نفسها كاألوجه املختلفات
يف العلم أو يف الفن بعثاً أو تجديدا ً ألثره البعيد يف تداولية املثل (:آخر الداء اليك) ،مبا يأيت( آخر
يف خدمة لغة العرب»3؛ لذلك فأسلوبية الرتداد الداء العياء اليك) (،آخر الطب اليك) (،آخر الدواء
تسهل مكاشفة الوظائف الداللية والجاملية اليك) (،آخر العالج اليك) …22وقس عىل ذلك.
للرتداد وتؤكد خدمته للبيان يف الخطابة العربية؛ وتداولية املثل ظاهرة تواصلية تنتظم بها حياة
ونحن نتأمل خطب العرب يف عرص ما قبل صدر اإلنسان يومياً يف إدارة شؤونه النفسية واملادية
اإلسالم ،وهي نصوص تشهد بتاريخهم وجميع والعقلية واإلبالغية ،رغم أن املتملكني ح ّوروا
حيواتهم االجتامعية واالعتقادية والنفسية من بعض صور األمثال يف مبانيها وبعض معانيها
واألدبية…؛ إذ كانت الخطابة فن القول اليومي وأشكال جريها صوتيا عىل اللسان ،كانحرافهم بها
سلامً وحرباً ،ومنربا ً إليه توجه الناس ِو ْجهتها من العربية الفصحى إىل العامية؛ وهذا مبحث
يف الكعبة واألسواق ومحافل التجمع القبيل يف الحاجة إىل دراسة مستقلة تبحث عالقة هذا
ومواضعه؛ فقيس بن ساعدة اإليادي واحد من التويل عن الفصحى إىل الدارجة ،بل إن هذا األمر
النامذج –ترشد -التي سطرت بعض املشاهد إغراء منهجي قد يأخذ بكثري من الدارسني إىل
يف املجتمع العريب تصويرا ً أسلوبياً يحمل سامت بحث هذه املسالة التي تعلق بجريان اللسان
اإلعالن واإلشهار واملناداة التي تستهوي قلوب العريب الفصيح إ ْن من جهة املنطوق أو املكتوب
السامعني بغية إبالغهم مبا ينفعهم يف حياتهم يف ألوان نرثية -مع اإلشارة إىل الشعر أيضاً-
كقوله( :أيها الناس ،اسمعوا وعوا ،من مات ترسي يف التداول اللغوي اليومي بني املتكلمني
بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني 213
يربز فعل التوايص والحرص عىل املوصىَ يف فن فات ،وكل ما هو آت آت ،ليل داج ،ونهار ساج،
الوصية-خصوصا -بشعور صادق يُغ َدق عىل وسامء ذات أبراج ،وأرض ذات فجاج… ،يا معرش
املرسل إليه مبشاعر املحبة وبعقل يُقدر جسامة إياد :أين مثود وعاد ،وأين اآلباء واألجداد ،وأين
املرسل الذي حلب الدهر اإلبالغ عن تجربة ِ املعروف الذي مل يشكر ،وأين الظلم الذي مل
وعاين محك الصعاب؛ ويرتجم ذلك بإلحاح األمر 4
ينكر…).
وطالب اإلقتداءوالنهي وإسداء النصيحة والوعظ ِ كاف لرصد بعض املميزات يف فن وهذا منوذج ٍ
والسري عىل نهج من مىض يف الخري والصالح من الخطابة من جهة الرتداد فمنها الرتداد الداخيل
أهل الحنكة والخربة … ،وكل هذا يرتجم يف أوجه ويراد به إلحاحية املكونات البيانية من أحرف
أسلوبية تردادية مثرية تعلق ذهن املرسل إليه وأفعال وأسامء تتكرر لرتسيخ املعنى والتأثري يف
وفؤاده وسمعه بنموذجية املرسل الخبري؛ ومن السامعني والشّ د بأنظارهم حول الغاية من مقام
تلك ألوجه( تكرار دوال مثرية بالسجع والجناس الخطاب ومقتضاه ،وكذا إيقاع الفواصل بالجمل
وتجاور الجمل القصرية وداللتها عىل تلمس القصرية إيقاعا خفيا مسترتا ً وراء الدوال وإيقاعاً
الرفق والتلطف باملتلقي وكذا التكرار واملرادفات فاصلياً جلياً ،مثل مات/فات ،آت/آت ،داج /ساج،
والطباق بني اإلغراء والتحذير…) ،وغريها من أبراج/فجاج ،مل يشكر /مل ينكر ،وكذا تردادية
آليات الخطاب الوِصايئ كاإليقاعية الداخلية التي التضاد واملخالفة(ليل-نهار /سامء-أرض)…/
تستحوذ عىل تأمل املتلقي يف فحوى الوصية وترداد الجناس (اسمعوا ،عوا /مات ،فات /داج،
ومدارجها التي تأخذ بيده نحو املنجاة وبلوغ ساج…).
غاية املرتقبة… ،ومثة بيانيون أتقنوا فن الوصية
ومها الرتداد الخارجي ويراد به تشارك الخطباء
يف البيان العريب كذي اإلصبع العدواين وأمامة
يف أبنية لفظية وأسيقة داللية عديدة تتقاطع
بنت الحارث والخليفة أيب بكر ريض الله عنه
فيها مئات النصوص ويف أعرص عديدة من
واإلمام عيل كرم الله وجهه واألديب لسان الدين
األدب العريب القديم خاصة ،كالزمة أيها الناس/
بن الخطيب واإلمام محمد البشري اإلبراهيمي…
اجتمعوا /االستفتاح بالبسملة والصالة عىل النبي
رابعاً :الرتداد يف فن الرتسل صىل الله عليه وسلم ،…/وكذا أسلوبيات اإلثارة
الحديث عن الرتسل وكثري من األمنط الفنية واإليحاء والوجز والبسط والوصل والفصل وقوة
النرثية يستوجب استقدام الحديث عن أكرب حركة اإلقناع وارتفاع النرب وإقامة الحجة واإليضاح
يف الكتابة النرثية الفنية املوسوعية التي برزت يف 5
وتردادات واملالمح وغريها عديدة.
قرون التدوين األول يف عرصي بني أمية وبني وتكاد تتحدد كل الخطب -بأنواعها وعصورها
العباس-خاصة -حتى غدت الكتابة روح العرص وموضوعاتها وأعالمها -يف أشهر الخصائص
وثورته بل نشأت مدارس تضم كبار األعالم الذين الرتدادية ذلك المنياز فن الخطابة عن غريه مبا
نافسوا الحركة الشعرية يف تلك العهود ،ومنهم ينفرد به ،ال مبا يتقاطع فيه مع غريه كاملقال
عبد الحميد الكاتب وابن املقفع والجاحظ وأبو والوصية والرسالة وغريها.
حيان التوحيدي واملعري…وغريهم كثري يف النرث
ثالثا :تردادية الحرص وفن الوصية.
214 يوليو 2019 جملة كرياال
قيست مبطوالت النرث الفني؛ رغم اختالف شدة العريب ببالد املغرب اإلسالمي واألندلس كلسان
الرتداد بني العرص األموي والعبايس فقد « ُعرف الدين بن الخطيب واإلمام أفلح بن عبد الوهاب
العرص العبايس فقرات فنية مل تكن معهودة يف الرستمي وغريهام.
العرص األموي ،وذلك يف ميدان اإلنشاء األديب، وظلت الرسائل وسيلة بيانية اتصالية حيوية يف
فالرسائل سارت خطوات يف سلّم التطور ،حيث مستويات عديدة كالرسائل السياسية والديوانية
زخرت بالسجع والجناس واإلطناب…»81؛ وهذه واإلخوانية واألدبية ،ومام اتسمت به خصائص
مكونات بيانية بديعية من شأنها إفشاء الرتداد القاسم املشرتك بينها وبني أرضب النرث الخطبة
ألنها ثنائية الرتكيب متع ّددت ُه كفواصل السجع والوصية والقصة وغريها؛ ومن معامل الرتداد
وتقابل الهندسة الجناسية واسرتسال اإلطناب. املشرتك ِقرص الجمل واإليقاع الفاصيل الرثي،
ومن تجليات الرتداد أنه أنتج اإليقاع السخي وفاعلية اإليقاع الداخيل ،ثم إن فن الرسالة
الذي يؤكد مشاركة النرث يف الشعر من جهة يستدعي بعضا من االستطراء مع انسياب العبارة،
اإليقاعية ،ذلك ألن ال ّنثرَ ة الحاذقني ملكوا القدرة وقد تستعني الرسالة برتداد بعض الشواهد النصية
البيانية يف نظم متواليات البيان بحس رائق السابقة برتداد معنوي خالص أو معنوي و مبنوي
عارف مبكان الجامل الصويت جوانيا وبرانياً« ، معاً كاالقتباس من القرآن الكريم والحديث
وفوق هذه املرونة واليرس كسب النرث خصلة الرشيف كالذي اعتمده العالمة الجاحظ بل
أخرى هي املوسيقى ،فالنرث أيام الجاحظ ال وأضاف إىل ذلك ثقافته يف رسائل املعتزلة وكتب
يل ّذ العقل وحده وال الشعور وحده ،ولكنه يلذ الفلسفة والتاريخ واملعرفة األسطورية وبعض
العقل والشعور واألذن أيضا ،ألنه قد نُظم تنظيامً 61
العلوم واملعارف … يف رسالته الرتبيع والتدوير
موسيقياً وألف تأليفاً خاصاً له نسب خاصة»،92 وغريها…
وهذا بني يف مناذج شهرية كرسالة الرتبيع والتدوير ويقارن إيليا الحاوي بني الجاحظ وعبد الحميد
وبعض النامذج عند ابن املقفع وابن العميد الكاتب يف جري األول عىل شاكلة الثاين يف التكرار
وتردادية رسالة الغفران يف استلهام معارف قوله «…كان ينز ُع إليه نزعة مرسفة ،ف ُيكرث من
عديدة كمثال عن الرتداد يف التناص وتوظيف التكرار وتوقيع العبارة والتأنق ،حتى توهم
نصوص أخرى ،وفواعل الرتداد كثرية كت ْوشية أنها غاية بذاتها ،وميكن أن ندعو هذا األسلوب
البديع سجعاً وترصيعاً وترادفاً وطباقاً وتضميناً األسلوب اإلنشايئ حيث يشطر الكاتب إىل نوع
واقتباساً… من التحاذُق والبديع ،فتبدو اللفظة وكأنها ذات
ورسالة اإلمام أفلح بن عبد الوهاب الرستمي إغواء ترسف بالفتون…» ،72ورغم اعتامد الجاحظ
يعظ أحد مخالفيه ويذكره ،وهي منوذج لبعض وغريه الرتداد ،إال أنهم كانوا من حذقة البيان
خصائص الرتداد؛ فهو يقول (وفكّر يف صغر فاستملحوا خصال الرتداد وساقوها سوقاً وظيفياً
خلقتك ،ويف عظيم ما خلقه الله) ،فهذا ترداد يخدم الدالالت أكرث من غاية التزويق لذاته،
باملعنى فقط من جهة التضاد والطباق؛ إذ الداللة ويظل الرتداد منضغطا وإن حرض بوضوح يف فن
واحدة وهي أن املرسل إليه –يف هذه الرسالة- الرتسل العريب ،ذلك لغلبة اإليجاز يف الرسائل إذا
بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني 215
و ابن املقفع وابن طفيل وأيب حيان التوحيدي عبد ضعيف صغري إذا قيس بعظمة الخالئق كلها؛
واملعري… وغريهم ساقت أنواعاً من الرتداد فرتداد العبارة الثانية زيادة يف اإلبالغ وتعميق
عجيبة يف مستويات الرتادف والسجع والفواصل العظة ،ومن الرتداد باملعنى دون املبنى االقتباس
وتكرار الوصف وغريها. تضمينا من القرآن الكريم وإقامة للربهان قوله
والرمز مذهب بياين سلكه ابن املقفع ،فإدراج عصمه وجعله من (…فمن أراد به اإلحسان َ
القصة عىل ألسن الحيوان ترداد بياين يكرر أوليائه الذين قال إلبليس فيهم (إن عبادي ليس
الوقائع واألحداث التي غلب عليها الطالح لك عليهم سلطان) فاطلب الله وارغب إليه
والفساد والظلم وغريها من العيوب ،وس ْوقها يف العصمة والتوفيق…)؛ ثم إن ترداد الفعل
ببيانية الرمز والتلويح هو ترداد باملعنى ،يخدم (أذكّرك ) وتوكيدات (إين ،إن ،أنه…) وأفعال
فكرة الوصف والتشخيص للداء ثم تحديد البديل األمر (فاطلب /ارغب /اعلم /أقبل /اجتهد) …
واقرتاحه بلسان القصة الرامزة ،التي تؤلف تركيباً تراكامت بيانية تردادية تبسط الغايات املرسلة
عاماً متناسقاً يؤكد فائدة العالقات األسلوبية رغم وجزية هذه الرسالة التي ال تتعدى سبعة
والجاملية كألوان مختلفة للرتداد مثل نظام
103
عرش جملة.
الجملة واإلسهاب والتكرار 122واإليقاع والتوازي خامسا :من الرتداد القصيص
والجناس… ،133وهذا شائع يف القديم والحديث أبرز إطار أسلويب يجمع مكونات الرتداد الفنية
كالذي نعاينه يف قصص جربان خليل ورضا حوحو هو الوصف والتصوير ورصد األقوال واألفعال
واملنفلوطي وميخائيل نعيمة. والصور وغريها… فيكاد الوصف يكون الجامع
سادسا :املقامة ترداد بديعي. الذي يضم آليات الرسد والقصص وعنارصه،
ال شك أن ظاهرة الرتداد التي برزت بوضوح والرتداد « كالوصف ،من الخصائص اللغوية
يف بعض النصوص النرثية الفنية ،تلك الظاهرة املحتوم لزومها لألعامل األدبية ،رسدية كانت أم
التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بنفسية الناثر وبيئته غري رسدية ،فقد ألفينا التكرار سمة من سامت
االجتامعية ،ثم إن محاولة التعرف عىل طبيعة األعامل األدبية الخالدة ،وذلك ألن املرء حني
هذه الظاهرة وكيفية بنائها وصياغتها تقتيض يطول حديثه عن يشء ،أو قصة لحكاية ،يضطر
التعرف عىل أسلوب الناثر ومدى توفيقه ومكنته إىل تكرار بعض األلفاظ ،أو بعض األفكار ،أو
يف توظيفه هذه الفنية األسلوبية وجعلها أداة بعض العبارات» ،111وذلك ألن القاص سريكّز يف
فاعلة داخل النص النرثي وآلية جاملية تحرك هدفه عىل املوضوع أو الفكرة أو املوقف؛ فتو ّحد
فضاءات الحرف والكلمة والعبارة لتسمو بالنص هذا املنشود يحمله عىل ترداد كل ما من صفته
وبه ترتقي من عوامل السكون والثبوت إىل عامل إبالغُه الهدف باملعنى أو باملبنى أو بهام معاً…
الحركة والتأثري. وهذا الرتداد القصيص يف شتى أشكاله ال ميكن
إن النص حر طليق يعلو عىل املكان والزمان ،وال أن يظهر ظهورا ً صارخاً كفن الرسالة والخطابة
تثنيه قيود واملؤثرات عن اإلبداع والعطاء وإذا واملقامة… وغريها؛ فرمبا للحجم الذي يزيد
كانت قد ضاعت نصوص كثرية بفعل التفريط يف القصص عن تلك الفنون؛ وقصص الجاحظ
216 يوليو 2019 جملة كرياال
171
كان ظاهر اإلمتاع يخفي جدا ً أليامً». والخمول والتقليد والحروب ،فليس يفوتنا الظفر
ولظاهرة الرتداد حضور مكثف وفاعلية بارزة يف ولو بنزر قليل منها ،وإذا كان معظمها قدمياً
فن املقامات ،حيث تلفيها –معظمها -قامئة حسب عرفنا الثقايف النسبي« فليس هناك قيمة
عىل فنية الرتداد الصيغي للكلامت والعبارات مطلقة ،وال نستطيع أن نزعم أن األدب الحديث
والجمل ،باإلضافة إىل البديع وآلياته الجاملية خري من األدب القديم ،إن التفضيل صناعة الهوى
صوتاً وصورة وإيقاعاً. والذوق ،إنك تستطيع أن تعشق النرث املعارص،
وأن تعشق النرث القديم أيضا عىل الرغم من
ف َدأب بديع الزمان الهمذاين مثال « يكتب مقامات
البعد الظاهر بينهام ،لنكن أحرارا ً كرماء ال عبيدا ً
يف الحنني الذي مل تفرغ منه اللغة العربية ،لكن 141
أشحاء ».
هذا الحنني ال يخلو من فن البديع الذي يرمز إىل
أزمة العالقة بني القديم والحديث. ولعل أهم ما ميّز أسلوب الناثر القديم ،هو
عنايته الفائقة بلطيف الصنعة اللفظية ،ونزعته
والبديع هو اشتباه التقدم والتأخر ،أو اشتباه
العجيبة إىل ترداد فنية البديع ،وما انطوت عليه
الحركة والسكون ،واشتباه املامثلة واملخالفـة،
من دقائق لغوية جليلة فـ «اللغة كلها مواقف
أو اشتباه النفي واإلثبات ،كذلك نجد املقامات
أخالقية ،قد يبحث املرء عن الوقار ،أو الثبات أو
بعضها ال يكاد يُفهم مبعزل عن هذا البديع الذي
التامسك يف جموده وبساطته ،وقد نبحث عن
يؤلـف -يف جوهره -حرية ساخرة أو سخرية
املرح أو رشاقة الحركة ،أو القدرة املستمرة عىل
182
حائرة أو تلفيقا ال يكاد يُستغنى عنه».
التكيف.
وما البديع إال لون من ألوان الرتداد املسترتة
هناك إذن لغتان عىل األقل ،إحداها مشدودة
داخل اللغة املقامية ،193وآلية فاعلة من آليات
إىل الحكمة وظاللها والثانية تواقة للتحليل
تناسق املقامة وانسجام وحداتها وبنياتها.
والتواضع والتغري والحركة» 152وعىل هذه امليزة
وإذا تأملنا يف هيكل املقامة الهمدانية .نجده كان دأب تلك النثور الفنية ،فإذا عرض للناثر
معامرا ً زاخرا ً بهندسات تردادية ترس النظر رأي أو استوقفه موقف ص ّوره يف أحسن صورة،
وتبهج الفكر ومن هذه الهندسات العديدة وع ّدله أمتا تعديل ثم أجاله يف أتم حلية؛ كام أنه
تردادة « حدثنا عيىس بن هشام قال» 204،فإذا مل يغفل فنية الرتداد التي تزيده قوة وبهاء ،فـ
كانت شخصية عيىس بن هشام هي من تأليف « فن النرث يعتمد عىل لغة الحديث واالنسياب
الراوي بديع الزمان الهمذاين ،وإذا كانت شخصية التلقايئ الذي يسمح بالتكرار الذي ينم عند
مقصودة بذاتها ،فرتدادها داخل املقامة الواحدة، 163
التذكر والتجربة».
ومن مقامة إىل مقامة هو ترداد جيل باملبنى
« يقال إن بديع الزمان الهمذاين يباهي كالم أهل
واملعنى معاً ،وإن كانت غري ذلك ،كأن يحتمل أن
الوبر رصانة ورفعة ،وميتزج بطباع أهل الحرض
تكون شخصيات عدة ،وتردادها عندئذ هو ترداد
رقّة و َرواء صنعة… وكان بديع الزمان مثل
خفي أي باملبنى دون املعنى.
الجاحظ يتبني عالمات املستويات اللغوية بعضها
ببعض… وكان محبرّ ا عىل نحو ما كان الجاحظ،
بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني 217
األشياء ومعيدها ،ومحيي العظام وسيدها ،وخالق يقول يف إحدى مقاماته « حدثنا عيىس بن
الصباح ومديره ،وفالق اإلصباح ومنريه…)، هشام قال :طرحني النوى مطارحة حتى إذا
وفيها تكثاف بديعي قوي يعضد الرتداد النيص وطئت ُجرجان األقىص ،فاستظهرت عىل األيام
للقرآن الكريم كقوله تعاىل ( كام بدأنا أول خلق بضياع أ ّجلت فيها يد العامرة ،وأموال وقفتها
26
نعيده) ،25وقوله (فالق اإلصباح). عىل التجارة ،وحانوت جعلته مثابة ،ورفقة
ويسري السرية الرتدادية نفسها الحريري وعىل اتخذتها صحابة ،وجعلت للدار حاشيتي النهار،
منوالها ينسج ،وهو من أمئة البديع اختص بكثافة وللحانوت ما بينهام ،فجلسنا يوماً نتذاكر
البديع وتوليد االشتقاقات املعجمية يف املنت القريض وأهله…» 21إىل آخر املقامة فتأمل
املقامي وكذا التكرار والتجنيس والتناص؛ كمقامته ذلك التأليف البديع بني حب النوى ومطارحه
الصنعانية ،فعن تثنية املعجم تردادا قوله (غارب من جهة وبني الضياع والعامرة واألموال والتجارة
االغرتاب /أجول جوالن /أحاطت إحاطة /تخفى والحانوت والرفقة والصحابة من جهة أخرى؛ أما
خافية…) ،27ثم من شواهد التجنيس والتكرار يف يزال الحنني والشوق إىل عطر الثقافة العربية
املقامة نفسها قوله (الوفاض ،اإلنفاض /املطاف، القدمية قارا ً وعالقاً بفن املقامة؟« …! إن هذه
األلطاف /األسجاع ،األسامع /زهوك ،لهوك/ اللغة بطابَعها الشاعري أكرث مالءمة لقديم
فتناعست ،فتقاعست…)28؛ ْ السادر ،السادل/ الثقافة ،ولكن البديع يجعلها قبلته… انظر ماذا
وأما عن استدعاء املعجم القرآين برتداد التناص صنع بديع الزمان بالحانوت .لقد ف ّرغ الحانوت
فملحوظ يف بعض مفردات مثل(املرتبة /طفقت/ من داللته ،وأصبح مثابة للقريض وأهله ،وهكذا
وما تخفى خافية /حصحص لك الحق /كاد يتميز يجب أن تالئم بني األضداد عىل نحو غريب»22؛
من الغيظ…).29 وهذا الذي نلحظه من خالل ترداد الجمع بني
التذكر والحانوت والقريض والتجارة ،والرفقة
سابعا :مذهب الرتداد يف املقال األديب.
الحديثة والصحابة…
حرصت الدراسة عىل تبيان الرتداد يف فن
ويف املقامة الكوفية تفعيل للرتداد الجنايس و
املقال مركّزة عىل أظهر مدرسة بيانية تراها أهالً
السجعي مثل (عامية ،غواية /سائغة ،سابغة/
الصطناع صورة مخصوصة متفردة ملظاهر الرتداد
لييل ،ذييل /املروضة ،املفروضة…)23؛ وترداد
رغم أن املعروف الجاري عن الشيخ محمد البشري
السجع والجناس أيضا يف املقامة السجستانية
اإلبراهيمي أنه إمام مدرسة الصنعة اللفظية؛
(طيته ،مطيته /أمامي ،إمامي /دروبها،
فالتأكيد عىل مظاهر الرتداد يف بيانه املفلق إبراز
غروبها ،24)…/وكل هذه األمنط الرتدادية إفصاح
لبيانية الرتداد األسلويب للكتابة العربية الحديثة،
عن مكانة األديب املقامي يف استحواذه عىل اللغة
خاصة املقال يف األدب الجزائري؛ فحقاً إنه احتذى
العربية ،ودعم مقامته بفواعل االنسجام والتأثري
حذو أمئة البيان الفحول كالجاحظ وابن املقفع
واإليصال اإليقاعي الذي يجلب املتلقي…!
وأيب حيان التوحيدي والهمذاين والحريري… ،بل
وأقر بهذا الدكتور إبراهيم السامرايئ وغريه من ومن ترداد التناص واالقتباس ما اعتمده الهمذاين
فرسان الضاد يف الوطن العريب حديثاً. يف املقامة األذربجانية قوله (…اللهم يا مبدئ
218 يوليو 2019 جملة كرياال
أن من دواعي إنشاء مدرسة الصنعة اللفظية وميكن أن نظفر بظاهرة الرتداد البيانية
وإتقان الرتداد أن يكون ذلك الحرمان اللغوي يف كتب املقاليني املتخصصني ،وهم يدرجونها
الذي عاىن منه الجزائريون يف حقبة االحتالل إدراجاً وظيفياً يف مقاالتهم األدبية والوصفية
الغاصب ،فركب مركبة الضاد مدافعا عنها ملحاً والبديعية واالجتامعية والسياسية… والتأثريية
عىل التمسك بعروتها ،فبنى برجه األسلويب املتسمة بالشعرية واإليقاعية يف هندسة بنائها،
البديعي تعويضا للحرمان وتأثيال لالقتداء به…! كاألساتذة طه حسني ورضا حوحو والعقاد
وللشيخ مقال سامه(يوم الجزائر) يف بيان شامل واملنفلوطي وأحمد أمني وميخائيل نعيمة
للمؤمتر اإلسالمي الجزائري مبجلة الشهاب ،ج،4 وجربان…
املجلد الثاين عرش ،جويلية1936 ،م؛ يرحب بتلك ومعلوم أن فاعلية الصحافة موسومة بحركية
الوفود مع ّرفا بها ذاكرها وخصالها ذكرا حميدا ً تردادية واقعية تصور الواقع اليومي لإلنسان فهي
مركزا عىل عنرص الفتوة والقوة واألمل شبان رضورة ملحة لرصد ذلك زمن االحتالل وبعده،
الجزائر بعد ذكر علامء الجزائر…ليختم تعميام كالذي ذاع يف العرص الحديث؛ فالجزائر شهدت
باألمة الجزائرية جميعها. هذه الحركة األدبية التي تخذت املقال العريب
هو مقال وصفي أديب فيه إشعاع التحسيس الصحفي سالحا تحارب به ظالم االحتالل ومكر
والتنوير بأمجاد الجزائريني والتفافهم حول رموز االستبداد وأمراض املجتمع األخالقية وغريها.
تاريخهم ومقومات شخصيتهم وحفاظهم عىل والشيخ البياين الضليع محمد البشري اإلبراهيمي
ماء اتحادهم ونرصهم؛ لذلك ساق عبارة اإللحاح علم أبرز املقال يف رسباله املستامز عن كثري
يف عناوين املفاصل برتداد االستفهام ،إشعارا املقاليني يف زمانه؛ لذا تحاول الدراسة معرفة
مبا يعقب اإلشارة من تفصيل (من الوفود ؟… الرتداد ومجاريه يف مقاالته البصائرية ،وهي
من الوفود ؟…من العلامء ؟…من النواب؟… مدرسة مستقلة عن غريها «جعلت منه خري
من الشبان ؟…) ،31وهذه الرتدادات متْويرات ممثل لهذه املدرسة يف الجزائر ،فكان يصطنع
لتقسيم املقال وفروق ما بني السابق والالحق السجع حني يريد ،دون أن يحول بينه وبني
والعام والخاص واملجمل واملفصل؛ كالالزمة التعبري الدقيق عام يريد تصويره من عواطف
التي تحيل إىل ما يف النص من وحدة عضوية 30
وأفكار ،وعام يريد معالجته من معان».
متامشجة األطراف متواشجتُها ،فدراما الرتتيب وكام أن الشيخ اإلبراهيمي تف ّحل يف استلهام
املنطقي املقايل قد يزدان بتلك الالزمة يف مقاالت البيان العريب وأرضبه حفظا لل ُخطُب األصول
همها اإلبالغ بالرتداد الوظيفي الغايئ ،خاصة كالقرآن الكريم والحديث الرشيف والشعر،
إذا اصطحبت بها روح اإلصالح واإلرشاد كروح واطالعا مستدميا عىل الرتاث العريب واإلسالمي
الشيخ اإلبراهيمي « فهو كاتب مبدع ميلك واملآثر والتاريخ وسائر املعارف ،حتى غدا خبريا ً
األلباب بأدبه الرفيع ،وخطيب ِمصقع ،يسحر مبنازل التفوق األسلويب ،فاختار وجهة بيانية راقية
األنفاس بفصاحته وبيانه ،وراوية مدهش الحفظ بفعل تلك الدواعي مع اإلخالص لهذا اللسان
يستوعب آالف األبيات واألمثال والحكم ،ور ّجاز وتحببه لعظامء البيان تأثرا ً بهم؛ فإنه ليس غريبا
بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني 219
وهي إشهاد الكل عىل تالحم األمة واستنفارها ال يستعيص عليه نظم آالف األبيات ،وهو مفرس
من أجل الكلمة الواحدة لنسف االحتالل وأذياله له نظر بعيد يف القرآن الكريم ،ومح ّدث جمع بني
ثم النهوض مبعامل الحق التي ت ُ َع ْن ِو ُن الجزائر 32
الرواية والدراية بعقل نيرّ وقريحة صافية…».
تاريخاً وحضارة…! فاملقايل اإلبراهيمي أديب فذ ِمقْوال متم ّرس
والرتداد ينحو نحو فسيفساء ذات تكاثف مكتنز، الكتابة اإلنشائية معاين الدربة الخطابية ،وديدنه
إذ كل تردادة –ومهام كان نوعها -تؤدي بياناً موصول بالكتابة الصحفية…مام جعله ممسكا
به تعرف وظيفتها وبها يعرف البيان نفسه، مبفاتيح البيان وإدارة العبارة العربية املبلّغة
«هذه التكرارات من طبائع مختلفة لها أيضا املؤثرة بتخريج بديعي عام عنوانه الرتداد؛ وهو
آثار خطابية(أي يف الخطاب) مختلفة ،ميكن ينقسم أقساما متواترة تحرض يف مقاالته حضورا
أن منيّز بيُرس الرتداد الذي يعمل عىل املستوى كالظاهرة املالزمة له فيام يقول وأشهرها السجع
البنايئ الظاهر ،يف بناء الخطاب» ،34ودليل والطباق واملقابلة واملامثلة واالقتباس ولزوم
املستويني يف مثل تلك الشواهد املنتقاة من قال ما ال يلزم والجناس والتكرار واإلطناب وتطابق
كرتداد االستفهامات باسم االستفهام(من ؟) (ما األوزان الرصفية وصيغها وتوازي الجمل غالبا
؟) املثرية لالنتباه والداعية لالستجابة وإحراج واشتقاق املعجم وتواؤم مكوناته واملراوحة بني
املتلقي بني الفينة واألخرى ،وكذا تنوع الجملة الخرب واإلنشاء واملجاز بأنواعه ورضب األمثال
االستفهامية والجمل بعدها بني اسمية مثل(من واالستدالل بالتاريخ واألعالم والشعر وخطب
الوفود؟ من العلامء؟…) وفعلية مثل (ما لهم أخراة…
يتدفقون ؟ مالهم ينبعثون ؟) ،ومن مظاهر ورغم فاعلية الرتداد بأقسامه املذكورة ،فإن
الرتدادات البنائية الظاهرة التي تنجز وظيفة الشيخ يظل محافظا عىل هندسة الوصل والفصل
التوايل الداليل العام –من جزء إىل أخر -كإنجاز يف إنشاء مقاله مستدرجا متلقيه بخدمة املعنى
الرتابط بني االستفهام ثم الجواب وصفاً وتفصيالً، وسم ّو املوضوع ،ال الذهاب انبهارا وراء التزيني
وكذلك الرتداد باالشتقاق بني الفعل واملفعول اللغوي ورطانة الصوت ،بل إنه صاحب مقا ٍل
املطلق (يتدفقون تدفق السيل /ينبعثون انبعاث رم ٍز معلىّ عنوانه (اللغة العربية يف الجزائر عقيلة
السهام)…/؛ وهو ترداد باملعنى واملبنى يخدم حرة ،ليس لها رضة).
إيضاح الداللة كالتناهي واإلمياء بإقبال الوفود
فتكرار اللوازم االستفهامية (من الوفود ؟… من
إقباالً قوياً حيوياً يعي رسالته ووجوده ،ثم إن
الوفود ؟…من العلامء ؟…من النواب؟…من
هذه املتواليات الرتدادية تصنع بتآلفها الصورة
الشبان ؟…ما بالهم يتدفقون تدفق السيل ؟…
املجازية كرتداد باملعنى كتشبيه التدفق الوفودي
ما بالهم ينبعثون انبعاث السهام ؟… ما بالهم
العاقل بتدفق السيل وهي حركة إميائية تؤكد
متساوين كأسنان املشط ؟… أفتامرونني عىل ما
ق ّوة الحركة واله ّبة امللبية لنداء الوطن ،وهي
أرى ؟…) 33ليس عبثا لغويا ال غاية له ،بل إنها
تشبيهات بليغة باإلضافة ،مثل اسرتسال األفراد
تردادات مخزنة بإلحاحية الرتداد البياين املعرب عن
املتنادين كالسهام ومثة بعد األثر وفاعلية
املوضوع ،وهو حرص الكاتب عىل إيصالية رسالية
220 يوليو 2019 جملة كرياال
وتقرير؛ «عىل هذه الطريقة يشعرك اإلبراهيمي، حضورهم كبلوغ السهام أهدافها والوقوف عند
وبهذه اللغة الخاصة يجعلك أنت املعني يف مواصلها وغاياتها؛ ومن التشبيه –أيضا -الوظيفي ِ
مقاله ،وأنت املستمع للهجته ولست القارئ رسم هيئة املتحارضين رسامً يشخص تعادلهم
يف سطوره وأفكاره ،لذلك غدت هذه الطريقة ومتاثلهم امل ُويش بتآخيهم وتضافر أرواحهم
ميزة واضحة ،وخاصية ظاهرة من خصائص أدبه وقلوبهم ومصائرهم يف خدمة الهدف األسمى
الكتايب ،يف مواطن عدة ،ولذلك –أيضا -ترد لغته من وجودهم يف الحياة واحتشادهم يف هذا
36
عىل املستوى الخطايب املبارش…». املقام مقام االجتامع يف يوم الجزائر املشهود؛ بل
أما مستوى البناء الدقيق ،أي الخفي الورايئ الذي إن تردادية الصورة التشبيهية (مالهم متساوين
يتوارى –هناك -يرنو إليه املتلقي/الناقد خلف كأسنان املشط؟) مدعومة برتدادية مضاعفة،
واجهة البناء الظاهر ،واملراد بدقة البناءات أنها وهي استرياث (توظيف) الحديث النبوي
البناءات املج ّردة غري املرئية يشعر بها املتلقي املشهور الذي يلتقط صورة عالية غالية يف متنظم
زمن اكتامل املعاين ووجود بردها يف النفس الناس من هذه الوفود وقلوبها وهي عىل شاكلة
املتلقية؛ وتتجسد يف كلية املقال وتعانق مفاصله رجل واحد؛ وترداد التناص يعزز ثقافة الكاتب
يف متاسك نيص ونسج خطايب يختزل –رغم ومعرفته الحصيفة بالخطب األعلوية واإلعجازية
تفاريعه وتشعباته -الصورة بني يدي املتلقي والخطب املصادر األصول التي يتع ّزز بها املوقف
ويحفظ وحدة الخطاب ودالالته جميعاً يف غري املقايل الذي يحقق تفاعل املتلقي ومخياله وقلبه
مت ّزق أو تف ّرق. بالرسالة املقابلة.
ويضيف الناقد األلسني " ميشال آدم" نوعاً آخر وعن االسترياث املعجز أخذ األستاذ اإلبراهيمي
من دواعي الرتداد قوله «نستطيع -أيضا -أن معنى من معاين القرآن الكريم يث ّبت به موقفه
منيّز الرتدادات التي ت ُجيل عن وجوه االئتالف ،أو بصفة االستفهام قوله (أفتامرونني عىل ما أرى
االختالف ،أو التباين ،أو تلك التي ت ُعني بتجديد ؟) ،وذلك ُمستخار(أي طلب النور والس َند من
37
التشابهات». القرآن الكريم وبيانه فهو خري ما يستهدى به
وأقوم قيال) من قوله تعاىل (أفتامرونه عىل ما
وأريد بهذا وظيفة اإلمازة التي تحققها الرتدادات 35
يرى).
ائتالفا واختالفاً؛ فمن تردادات االئتالف ما يكون
من جراء الرتادف الذي هو واحد من البُ ُسط فاملقام الخطايب استدعى اآلية الكرمية دون
ترسخ داللة معينة وترابطاً نصياً البيانية التي ّ تكلف مريب من املقايل الحذق مبعامل االستدالل
متامسكاً متضا ّما كقوله (مل يغفلهم شغل ،ومل والتوطيدية اإلقناعية ،فاملشهد النبوي هو تبيان
تثبّطهم حاجة /فال يطيش منهم سهم ،وال تخطئ الله تعاىل لصدق نبيه وحقيقة وحيه وتأييده
لهم وصاية)…/؛ وتساوق املباين مبعان واحدة لكل ما بعث به إىل الناس ،فسيقت الداللة
تصون استجابة املتلقي وهو يتابع التسلسل املشهدية لتثبت مشهد املقال الذي يكتبه
الذي يبسط الداللة الواحدة بأوجه مختلفات؛ الشيخ –يف مقام مشهدي الحقُ -مريدا ً به تطابق
ومن مكونات االئتالف الجناس كقوله (آمال املصداقية األوىل عىل ما ذهب إيه من وصف
بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني 221
البياين الذي يتجسد بتوليد األفكار واإللحاح دافعة ،وأشغال قاطعة /قد مىض أمسكم بخريه
عىل الفكرة وتعقيب اإلجامل بالتفصيل ،وهي ورشه ،وسينطوي يومكم هذا عىل غ ّره…) فهي
فنية تردادية أسلوبية بارزة يف كتابات األستاذ تقابالت تردادية توحي بإيقاع داخيل يعكس
العقاد كاملقال االجتامعي والفكري واألديب يف انسجاما بني اآلمال واألشغال…
كتابه (ساعات بني الكتب /والفصول /النقد وذاك منوذج للتمثيل وأىن ملدرسة بيانية أن يُحاط
واألدب…) ،واملقايل ميخائيل نعيمة رومانيس بشواهدها وعيون البصائر وآثار الشيخ مضمومة
يسيح به الخيال اللغوي يف مقاالته االجتامعية يف مدونة ذات خمسة أجزاء؛ فهي مرشوع بياين
والنفسية اإلنسانية كمقال النور والديجور،42 حقيق باالعتناء ألنه موصول بكل نفع يستجدي
وكذا تردادية البديع الهادف إىل اإلحكام األسلويب به القارئ إن عىل مستوى املوضوعات اإلصالحية
وإقناع املتلقني كمقاالت الشيخ عبد الرحامن والرتبوية والتاريخية واملعرفية …،أو الجامل
الكواكبي يف كتاب (طبائع االستبداد ومصارع 38
والفن واألسلوب والبيان واللغة.
االستعباد)؛ كرتداد الجناس والسجع والصيغ
وقد أحرز النرش الفني البرشي وجوده التاريخي
الرصفية املتساوية وصيغ املبالغة يف مواطن بارزة
يف عرص بني أمية والعباسيني النتشار أسباب
متعددة.
التدوين والنقد والطبع؛ فانشغل النثّار بإتقان
ومقاالت األستاذ الرافعي معروفة بأشكال تردادية رضب النرث 39ومنها املقال الذي يعلق بكل
ب ّينة منها التكرير من أجل ترهيب املتلقي من مقامات البيان ،فهو موصول بالكالم املألوف
املخاطر التي قد تحدق به كنصيحته املقالية زمنئذ لرسوخ العربية ورسيان الفصحى فباتت
بعنوان (احذري )! ينصح فيها املرأة الرشقية، فاعلية املقال يومية معهودة ،لذا بينت املدارس
حيث تكرر لفظ العنوان يف بدايات كل املفاصل، بأسامء أعالمها كابن املقفع؛ وهو صاحب تردادية
وما من جزء يف املفصل إال وهو علق دالليا أساسها عوامل املنطق واستخدام التأويل العقيل
43
بالعنوان وداللته املؤطرة لكل دقائق النص. وتدريجه لألفكار؛ ولذا كرثت ظاهرة الرتداد يف
وأعجب مد ّونة مقالية لفتت انتباهي كتاب مقاالته دون ُعسورة أو ت َكالف؛ كمقاله عن
الدكتور مولود قاسم نايت بلقاسم (أصالية أم 40
معاملة األصدقاء والصرب…وغريها.
انفصالية ؟) يف جزءين؛ وهو مجمع مقاالت ولعوامل عديدة تنشأ تردادات املك ّونات
حساسة متمردة غضبى مخلصة ذات طابع اللغوية داخل مقاالت املنشئني قدميا وحديثا
إنساين وطني أخالقي اجتامعي سيايس ديني «واألسلوب معطى فيزيقي ملتصق بذاتية
فكاهي تهكمي غايئ…يف صخب بديعي منترش الكاتب وبصميميته السرّ ية ،إنه لغة األحشاء…
انتشارا غريبا يف كل مقال وصفحة وسطر. لذلك فإن األسلوب هو ما يكشف روعة الكاتب
خطاب مقايل فيه من الرتداد العجيب ما فيه وطقوسيته»41؛ فأسلوب الرتداد واحد من تلونات
بدءا من صناعة العنوان أصالية أم انفصالية األسلوب يف الكتابة األدبية ،وهو بصمة التربير
؟ هي تردادات تكاد تسم الكتاب وسم والتربيء؛ تربير املوقف واملقصود وتربيء الكاتب
الشعر وخصائصه لوال الفواصل النرثية البارزة ساحته يف شهادة مقالته ملا يكون يف حال الرتداد
222 يوليو 2019 جملة كرياال
ويلعن التقاعس والتناعس والخذالن والخيانة وبديعيتها املفضوحة وخل ّو غالب األسطر من
اض مبا هو عليه حال الناس من والتخلف ،غري ر ٍ الوزن والقافية ،وثنائياتها املتقابلة ضمن النسيج
حوله. الهنديس يف بيانية املقاالت.
/4حري بالدارسني فنو َن القول؛ كاألدب الجزائري لت دواعي وأحسبُني غري زائغ عن الصواب إذا أ ّو ُ
ومقاالته القدمية والحديثة أن يكاشفوا مضامينه هذه الكتابة املقالية الجزائرية املغمورة الجديدة
ويتعرفوا أعالمه؛ فيقول الكاتب يف مقدمته «متر إىل ما عرف به األستاذ املرحوم بتعظيم اللغة
أمة اإلسالم اليوم بظروف عصيبة ،إن مل تعالجها العربية واحتفائه بخدمتها واهتاممه بلغات
برسعة تصبح مصيبة ،ظروف حرجة خانقة ،إن أخرى ،وكذا فكره املتوقذ وموسوعية انشغاله
متادت فيها أضحت شانقة» ،45جمل بسيطة العلمي والفكري والثقايف والديني والفلسفي
مس ّجعة ذات رصد حقيقي لواقع األمة املنكوبة، واإلداري…
فيها داللة االعتناء بإصالح املجتمع اإلسالمي مام وميكن عرض بعض الشواهد الدالة عىل محتوى
هو عليه من املهالك؛ وهو يعتمد يف إيصال هذا الكتاب فيام يأيت:
بجناسات وسجعات وصيغ رصفية وت ْردافات
/1فيض بديعي مسرتسل يثبت بداهة االنحدار
معجمية…قامئة عىل الثنائية والتقابل إلحداث
البياين وسالمة الذوق العريب لدى الكاتب.
إيقاع يح ِفر الداللة يف السمع وينقشها يف ذهن
املتلقي؛ وغري هذه املكونات الرتدادية كثري ال
44
/2إيقاع فواصل الالزمة (أصالية أم انفصالية)
46
ميكن إحصاؤه يف هذا املقام. وهي عنوان الكتاب تتكرر يف خالل مقدمة بني
مفصل وآخر ،بل ويف ثنايا مقاالت أخر ،وهو ترداد
وليس بعيدا أن يكتشف املتلقي
داليل مصيب يف إشعار املتلقي برسالة إشعارية
والناقد-معا -مواقع أخرى للرتداد ومتظهراته يف
مبخاطر تهدد املسلم والعريب والجزائري…
فن السرية واملذكرات ومجموعة الحكم ونصوص
املناظرة واملحارضة والجدل والنصوص اإلعالمية /3تسجيع وجيع هو مظهر بارز يف فواصل كل
واإلشهار واملرسح والسيناريو والسينام… املقاالت ،وهو ترداد ذو جرس إيقاعي عميق ينبئ
وخطابات نرثية أخرى؛ بل إن بعض األلوان عن غور الجرح الذي يعانيه الكاتب وهو يبيك
النرثية كاملرسح والسينام هي ترداد –يف الغالب- حال املجتمع واإلنسانية من حوله ،فوجه اللغة
للنص املكتوب قصة أو رواية ،فموضوع الخشبة املقالية عىل صنعة بديعية تحايك الهمذاين وابن
واملشهد ترداد فني أجنايس مسموع ومريئ يرتجم املقفع واإلبراهيمي ،ولو بإبداء رمزية تهكمية
املكتوب واملحيك… ،ومثل هذه األنواع ال تخلو غايتها اإلصالح وبحث البديل بعد اإلشعار وتع ّمد
من متثالت عديدة للرتداد ما دامت أرضبا شديدة البديع أداة إيقاعية مؤثرة مل ّحة؛ وهو ال يريد
الدرجة يف بيانها وفاعليتها التأثريية واإليصالية التجريح أو اإلهانة أو العبث ،وما ُعرف عنه ذلك
خدمة للموضوع برتداد األسلوب املؤثر يف املتلقي يف شخصه الربيء ،بل كان الرجل شخصا استثنائيا
47
تأثريا محققا… يف تعامالته وحركاته ومعجمه وأسلوبه اإلبالغي
وفهمه للمواقف واملشاهد ،يحمل هم أمته
هوامش البحث
ص ،205 ،204د .محمد غنمي هالل ،النقد األديب ينظر :عبد الرحمن التكريتي ،دراسات يف املثل العريب 1
الحديث ،ص.537 -523 املقارن ،معهد البحوث والدراسات العربية ،بغداد،
د .مصطفى ناصف ،محاورات مع النرث العريب ،عامل 1 4 العراق1404 ،هـ1984 -م ،ص.260
املعرفة ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واألدب، ينظر :م.ن.ص .85-22 2
الكويت ،رمضان 1417هـ ،فرباير -بدوي طبانة ،البيان العريب ،دراسة يف تطور الفكرة 3
1997م ،ص.10 ،9 البالغية عند العرب ومنهاجها ومصادرها الكربى ،دار
م.ن ،ص.109 1 5 الثقافة ،بريوت ،لبنان1406 ،هـ1986 -م ،ص .13 ،12
م.ن ،ص.114 1 6 -ينظر :الجاحظ ،البيان والتبيني ،ج ،1ص ،259 -205 4
املرجع نفسه ،ص .179بترصف 17 ج ،2ص ،224-21د.عبد الحي شيخ ،النرث الفني ،ج،1
مصطفى ناصف ،محاورات ،ص.181 18 ص .36
نسبة إىل فن املقامة. 1 9 ينظر :قدامة بن جعفر ،نقد النرث ،ص .909 -96 5
بديع الزمان الهمذاين ،مقامات الهمذاين ،موفم للنرش، 2 0 ينظر :عبد الغني الشيخ ،النرث الفني ،ج ،2ص.138 6
الجزائر1988 ،م ،ص.91 إيليا الحاوي ،يف النقد واألدب ،دار الكتاب اللبناين، 7
بديع الزمان الهمذاين ،املقامات ،ص.13 2 1 بريوت ،ج ،3ص.371
مصطفى ناصف ،املحاورات ،ص .181 ،180بترصف. 2 2 عمر عروة ،النرث الفني القديم ،دار القصبة للنرش، 8
الهمذاين ،املقامات ،ص .36 ،35 2 3 الجزائر1999 ،م.
م.ن ،ص .26 ،25 2 4 طه حسني،من تاريخ األدب العريب ،العرص العبايس 9
سورة األنبياء ،من اآلية .104 25 األول ،دار العلم للماليني ،بريوت ،لبنان ،ط :4ماي
سورة األنعام ،من اآلية .96 2 6 ،1982ج ،2ص.460
الحريري ،مقامات الحريري ،دار بريوت للطباعة 2 7 أنظر :د .رابح بونار ،املغرب العريب ،تاريخه وثقافته، 1 0
والنرش ،بريوت ،لبنان ،ط 1398هـ1978-م ،ص .15 دار الهدى ،الجزائر ،ط2000 ،3:م ،ص.98
م.ن ،ص .15 2 8 عبد امللك مرتاض ،تحليل الخطاب الرسدي ،معالجة 1 1
م.ن ،ص .15 2 9 تفكيكية سيميائية مركبة لرواية «زقاق املدن» ،د.م.ج،
عبد امللك مرتاض ،فنون النرث األديب يف الجزائر-1931( ، 3 0 الجزائر1995 ،م ،ص.268
،)1954د.م.ج ،الجزائر ،1983 ،ص ،329 ،328وأدباء ينظر :عبد الله ابن املقفع ،جورج غريب ،دار الثقافة، 1 2
املقال الجزائريني بريوت ،لبنان ،ط1981 :م ،ص.75
وغريهم كرث مثل :توفيق املدين ،شكيب أرسالن ،عبد نور الدين السد ،األسلوبية وتحليل الخطاب ،دراسة 1 3
الحميد بن باديس ،العريب التبيس ،أحمد بن ذياب، يف النقد العريب الحديث (األسلوبية واألسلوب) ،دار
عيل مرحول ،مبارك املييل، هومة ،الجزائر1997 ،م ،ج ،1
سحنون ،سعيد الزاهري ،طيب العقبي…
بعض مذاهب القول في النثرالفني العربيعالمات املعاني و املباني 225
للطباعة والنرش والتوزيع ،ط1406 :5هـ- - 3 1الشيخ محمد البشري اإلبراهيمي ،آثار اإلمام محمد
1986م ،ج ،3ص.32-21 البشري اإلبراهيمي ،جمع وتقديم نجله د ،أحمد طالب
ابن املقفع ،األدب الكبري ،تحقيق أحمد زيك باشا ،دار 4 0 اإلبراهيمي ،دار الغرب اإلسالمي،
بن حزم ،بريوت ،لبنان1414 ،هـ1994-م ،ص .88 ،69 بريوت ،لبنان ،ط ،1979 ،1ج1929(1م ،)1940 -ص
روالن بارت ،الدرجة الصفر ،ترجمة محمد برادة، 4 1 .243
الرشكة املغربية للنارشين املتحدين ،الرباط ،املغرب، 3 2محمد نارص ،الشيخ البشري اإلبراهيمي من خالل نرثه
ط1985 :3م ،ص .13 الفني(مقال) ،مجلة املوافقات ،جامعة الجزائر ،محرم
ميخائيل تعيمة ،النور والديجور ،مؤسسة نوفل، 4 2 1406هـ1995 -م ،ع ،4ص .445
بريوت ،لبنان ،ط ،1979 ،6ص .30-7 33محمد البشري اإلبراهيمي ،آثاره ،ج ،1ص .345 ،344
ينظر :الرافعي ،وحي القلم ،املكتبة التوفيقية ،رشح 4 3 Jean Michel Adam, Linguistique Textuelle 3 4
وتحقيق أمين عرفة ،أمام الباب األخرض ،سيدنا Des Genres De Discours Aux Textes,
الحسني( ،دون بلد دار الطبع)( ،د.ت) ،ج ،1ص .454 ,Editions Nathan/ Her, Paris
مولود قاسم نايت بلقاسم ،أصالية أم انفصالية، 4 4 .151 P , 1 989
املؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر ،ط-1991 ،1 3 5سورة النجم /اآلية .12
1411هـ ،ج ،1ص .72-11 3 6محمد عباس ،البشري اإلبراهيمي أديبا ،د.م.ج ،الجزائر،
م.س ،ج ،1ص.11 45 (د.ت) ،ص .320
وطبيعة فن املقال ومدونته الضخمة وتفرعات أبوابه 4 6 Jean-Michel Adam, Linguistique Textuelle.., 3 7
وأشكاله يف األدب العريب ال تسعف الدارس يف مثل .152 P
هذا الحال أن يتعرض إىل أعالم 3 8ينظر :محمد البشري اإلبراهيمي ،آثاره ،يف شواهد
وأعامل أخرى يعز حرصها مثل :طه حسني /أحمد نصية مثل :ص277 ،53؛ ج ،2ص 331؛ ج /3ص ،293
أمني /ابن باديس /املنفلوطي /الريحاين /أبو فارس ج /3ص ،462ج /3ص ،509
الشدياق… ج /3ص ،518ج/3ص ،555ج /3ص ،181ج…،4
ينظر :صالح فضل ،علم األسلوب مبادئه وإجراءاته، 4 7 وغريها ،وينظر :محمد عباس ،البشري اإلبراهيمي أديبا،
الهيئة املرصية العامة للكتاب ،مرص ،ط ،1985 ،2ص ص…
،185-179عدنان بن ذريل ،النص واألسلوبية بني 3 9ينظر :أدونيس ،الثابت واملتحول ،بحث يف االتباع
النظرية والتطبيق(دراسة) ،اتحاد الكتاب العرب، واإلبداع عند العرب ،صدمة الحداثة ،دار الفكر
دمشق ،سوريا( ،د.ت) ،ص .57-56
تتبعها نقطتان إشارة إىل أن مثة شيئاًمل يقله -1دالالت عالمة الحذف يف «ذاكرة
الكاتب و أنه موجود هنا قريباً فقط ،وما عىل الجسد»(*)
القارئ إال أن يستدرج هذا املعنى ،مع أنه ليس الرواية موشاة بعالمة الحذف وغريها ،وإن
من الرضوري أن يكون املعنى املضاف نفسه كانت هذه العالمة -بالخصوص -أعم ،وال بد أن
عند القراء »( ،)3فكل ٌ والطريقة التي يُص ّوغ بها يكون يف تردادها إشارة إىل تشكيلة فنية ما،
الصور أو يؤثث بها املكان مادامت «الطبيعة تأىب وضعتها الكاتبة بقصد أو بغري قصد أو بهام معاً؛
الفراغ» ،فملؤه فراغات الحذف تجعل رصيده لترشك القارئ ،وتح ّرك وترية قراءته ،فيتوقف
التخيييل للرواية يتسع وينشبك أكرث بالنص. أمامها ال يقرأ قراءة سطحية عابرة ،بل يرتيث؛
والسؤال املطروح بعد هذا :هل كانت الكاتبة ليتأمل اآلفاق الرامية إليها من حني إىل حني.
تضع عالمة الحذف بعد مواطن مخصصة؟ كم تختلف طريقة القراءة بهذا الشكل عن
توضع عالمة الحذف يف التحرير -عموما -يف القراءة السطحية لألحداث؛ ألن القارئ يستمع
عدة مواطن للداللة عىل أن الكاتب: فيها إىل أنات الفراغ ،..مادام الخطاب -يف حد
• نَقل كالم غريه واستغنى عن بعضه بوضع ذاته -مأساوياً ،فيؤثث شيئاً فشيئاً املشهد ببعض
العالمة. الجزئيات التي تكتمل بها الصور ،عىل أساس أن
• لإليجاز و االختصار بعد ذكر عدة أمور. التعبري املراد إيصاله هو« دامئا داللة ثانية يُنتجها
• لقبح كالم ال يُستحسن ذكره أو لسبب من سياق النص»( ،)1واملسهم يف ذلك «ترك الجملة
()4
األسباب مفتوحة ،والنقطتان املتتابعتان أكرث عالمات
الرتقيم مناسبة لذلك »( ،)2بالرغم من أن القارئ
سيجد القارئ دالالت متعددة يف الرواية لعالمة قد يستعني بالضامئر و اإلشارات املحيلة إال أن
الحذف؛ تحتوي النقاط السابقة و تزيد بصور العالمة هذه(**) ،تأخذ دور األضواء املنبهة يف
جديدة ،يمُ كن متثيلها يف الدالالت التالية:
نظام من األنظمة املرئية ،فتحذّره أو تسمح له
باملواصلة أو توقفه..فبعد «قراءة جملة أو كلمة أ -الصمت:
عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد_ .دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_ 227
خاصوهذا بعض من ذاك «مل يبد عليه اهتامم ّ قد تحجم الكاتبة عن إعطاء بعض املعطيات
بكالمي .قال عىل طريقته الخاصة وهو يعود للقارئ ،وتجعله يكتفي فقط مبا ق ّدمته له من
لقراءة جريدته« :أنا أكره النساء عندما يُحاولن باب اإليجاز ،و يظهر ذلك ملا يكون «خالد بن
مامرسة األدب تعويضاً عن مامرسات أخرى.. طوبال» بصدد الحديث عن بعض املواقف،
أمتنى أال تكون صديقتك هذه عانساً ،أو امرأة كتصوير الحال التي آل إليها بعض الرفاق و
يف سن اليأس ..فأنا ال صرب يل عىل هذا النوع الشخصيات املصاحبة لها من جشع وخيانة
من النساء» مل أجبه .رحت أتعمق يف فكرته ..و للوطن بعد الثورة الجزائرية ،وهي حال تختلف
أبتسم»( ،)6لقد تنوعت دالالت الحذف يف هذا كل االختالف عن الصورة القدمية التي يحتفظ
املوقف ،فالحذف األول -يف املقطع -مقصود بها يف ذاكرته عنهم ،و كذلك وضعت عالمة
من باب أن تلك املامرسات معروفة ،أما الثانية الحذف ملا يعود بذاكرته لزمن الثورة فيرسد تلك
فهي مرتوكة للقارئ -أيضاً -ليتخيل ويختار املواقف العظيمة التي عاشها أيامئذ.
من قامئة الصور املعروضة ،صورة ما يضيفها إىل فتوجز الكاتبة حينها بعض املواقف يف
سلسلة الصور يف املشهد. كلامت وتكتفي بالحذف؛ لترتك مجاال للقارئ
وأما الحذف الثالث فهو صمت آخر يؤكد عمق يك يتحسس تلك األحداث التي تجاوزت ذكرها،
فلسفة خالد وعدم مرور الوقائع أو الكلامت ومثال ذلك« :وكان عمري بعض اللوحات ،قليالً
عىل حواسه ومدركاته جزافاً قبل أن يُغربلها من الفرح وكثريا ً من الخيبات ،وكرسيني أو ثالثاً،
ويصفيها ويؤولها ،ويكفيه أن يومئ لجليسه َّلت بينهام منذ االستقالل ،بيشء من الوجاهة،تنق ُ
بحركة ما دون اإلفصاح عماّ يفكّر فيه ،ومن جهة بسائق وسيارة ..ومبذاق للمرارة» ،فبعدما يقرأ
()5
أخرى ال يخ ّبئ عن القارئ تلك األفكار التي كانت القارئ هذا املقطع ويصل إىل عالمة الحذف؛
من الحذف تراوده يف تلك األثناء ،مع يشء فإنه عىل دراية سابقة باألوضاع السياسية كام
أيضاً؛ ألن الصمت عادة جاملية يتقن متثيلها صورها «خالد بن طوبال» ،لكنه يتأكد بعد
يف فرتات كثرية؛ وبذلك سيصبح القارئ يف ج ّو رؤية العالمة بأن ما مل يقله «خالد» أكرب بكثري
من البحث إليجاد معنى « يف سياق التواصل»(،)7 مام قاله؛ فالسيارة هي آخر صورة للداللة عىل
لتحقيق التداول بينه وبني النص من خالل الدوال املنصب العايل ،املبطن باألرسار يف ذاك السياق
املق ّدمة له ،واملفتوحة -أيضاً -عىل الحذف... املتضمن للحذف بالعالمة.
فخالد كثريا ً ما يستبدل الصمت و االبتسامة كام يظهر هذا الحذف الدال عىل الصمت
بالكالم ،و ذلك الصمت يوحي للجليس مبفاهيم ملا يريد خالد إخفاء رد فعله تجاه موقف من
متعددة ،كام أنه يضع حدودا ً بينه وبني اآلخرين، املواقف التي تجمعه بغريه ،ولطبيعة حب
حينام ال يتأقلم مع الجو الذي يجمعه بهم ،و الفضول فإن القارئ لكرثة تعلقه بخالد؛ فإنه
مثال ذلك« :و كان ميكن أن أكون سعيدا ً ذلك يتمنى لو يدخل يف أفكاره وينبش ما استرت من
كنت يف الواقع محط اهتامم الجميع املساء .لقد ُ القول ،فيتعرف بذلك عىل السبب الذي جعله
ألسباب مل أشأ التعمق فيها ، »..فليته تع ّمق
()8
ميتنع عند ذلك الحد.
228 يوليو 2019 جملة كرياال
دوماً بحواجز تتطلب االبتسامة بدل الكالم ،ويف وفصل بدل الحذف! ألن القارئ يف غيابه الطويل ّ
الكتابة أيضاً ،فعالمة الحذف متنح القارئ فرصة داخل هذا املشهد واستغراقه يف املشاهدة،
تخ ّيل ابتسامات خالد ،واالستفادة من األساليب سيتحرس مل ّا يصطدم بالصمت؛ ألنه سيعيش حاالً
املؤ ّداة بها ،والتعمق يف ما أخفته يف تلك األثناء مشابهة بالحال التي يعيشها املسافر ملا يدخل
من حديث. املحطة و يرى قطار رحلته مغادرا ً ..فيفشل يف
ب -الصفة و العطف: اللحاق به ،كذلك يفعل الحذف بقارئه يف الرواية،
فهو كالقطار الرسيع يأخذ معه الحقيقة واألحالم
كثريا ً ما نابت عالمة الحذف عن الصفة و
حلّت محلها ،ومثال ذلكِ : والقصص ...والزمن الذي ال يعود...
«أنت مدينة ..ولست
أنت ،و امرأة ،و كلام رسمت قسنطينة رسمتك ِ يبعث الحذف الدال عىل الصمت زوبعة
وحدك ستعرفني هذا ،)12(» ..بعد قراءة كلمة حادة يف القارئ ،فمن جهة يجعله يُفكّر يف صناعة
«مدينة،»..ستنفتح قامئة من االختيارات املناسبة صورة ت ُقارب ما قصدته الكاتبة ،ومن جهة أخرى
لها بحسب ما ميليه السياق العام للمشهد ،وبنا ًء فصلت أكرث لكان أجمل؛ ألنها يدرك بأنها لو ّ
عىل ما يعرفه القارئ عن طبيعة العالقة بني فصلت عىل لسان خالد استمتع القارئ و كلام ّ
خالد وحياة ،خصوصاً يف ذلك املوقف ،فمن قامئة تع ّرف عىل الجديد ،فـ «ال عجب من بطل كهذا
أو اثنتني؛ ليتمم الصفات سيختار واحدة أن يرتك لآلخر فرصة التعبري عن رأيه ،ومحاورته
صورة املدينة ،ومن تلك الصفات املتواردة مثال: حتى لو اختلف معه»( ،)9هذا يف حال تكلّمه،
( قاتلة ،مخادعة ،متو ّحشة ،سادية ،) ..فبذلك أما إذا صمت فإنه يدهشه و يفتح الطريق
االختيار تكتمل الصورة ،كام يتم املعنى املراد، أمامه للبحث والتساؤل! وكلام كان التأويل
فحرية التأويل« هي حرية محدودة ألنها مراقبة متعددا نجح التواصل بني النص والقارئء يف بناء
أو مو ّجهة»( ،)13فالقارئ يؤول بناء عىل ما هو مشاهد الرواية ،ومع ىذلك تبقى مساحة التأويل
معطى يف السياق. محدودة؛ ألنها مو ّجهة نصياً.
كم ورد الحذف بعد العطف يف مواطن متعددة فخالد قليل الكالم يف مجالساتِه ،كثري التعليق
من الرواية! مثال« :مل يكن حلمي أن أكون عبقرياً صمت يُشبه االبتسامات عند مالك ٌ يف صمته،
وال نبياً وال فناناً رافضاً ومرفوضاً ،مل أجاهد من حداد حينام قال« :إن االبتسامات فواصل ونقاط
أجل هذا .كان حلمي أن تكون يل زوجة و أوالدا ً، انقطاع ..وقليل من الناس أولئك الذين ما زالوا
ولكن القدر أراد يل حياة أُخرى ،فإذا يب أب يتقنون وضع الفواصل والنقط يف كالمهم»(،)10
ألطفال آخرين و زوج للغربة و الفرشاة ..لقد فإذا كانت االبتسامات دالة عىل صاحبها ،من
برتوا أيضاً أحالمي»( ،)14فوضع عالمة الحذف يف خالل إتقانه لها ودرايته بفرتات حدوثها يف زمن
ذلك املوضع بالذات دون غريه ،يو ِقع القارئ يف االستامع ،باعتبارها صورة من صور الخطاب،
الحرية ،فامذا بعد الغربة والفرشاة ،وهام تحمالن فكذلك نقاط الحذف مهارة دالة عىل التمكّن
طاقة إيحائية تلخص حياة خالد كلها يف الرواية؟ من ضبط وإيجاز( )11ما يقال وما ال يقال بنا ًء عىل
ماذا سيضع يف مكان العالمة بعدما اكتملت طبيعة املقام وحيثياته ،ومقامات خالد متصلة
عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد_ .دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_ 229
أحداثها كاملة زمن الكتابة. الصورة كلها بذلك االختيار؟
فاملالحظ أن وضع الصفة أسهل من وضع إنها مسافة يتعمق بها شعور القارئ بخالد
العطف يف الرواية ،بالرغم من وجود الفراغ ؛ وحياته ،ويحس بتلك الصورة التي يعيشها بني
ألن الكاتبة ال ترتك للقارئ ما يعطف عليه يف الغربة ..والفرشاة ..علامً أ ّن لكل واحدة منهام
بعض املشاهد؛ وذلك يعود إىل تغطيتها باللغة لوناً خاصاً وقصصاً مميزة.
التصويرية. وهناك مواطن تجتمع فيها الصفة و
ج -االنفتاح عىل الصورة: العطف مثل« :فهل ميكن يل اليوم ،بعد ما
قد يكون هذا النوع من الحذف من أبرز األنواع قطعت بيننا األيام جسور الكالم ،أن أقاوم هذه
املنترشة يف الرواية؛ ألن البنية الزمنية لنظام الرسد الرغبة الجنونية لكتابة هاتني القصتني معاً ،كام
مشكّلة تشكيال مضطرباً ،فام ابتدأت به الرواية عشتهام معك ودونك ،بعد ذلك بسنوات ..رغبة..
يقع يف آخرها كحدث ،كام تتداخل األزمنة دفعة و عشقاً ..و حلامً ..و حقدا ً ..و غرية ..و خيبة..
واحدة لتفرتق من جديد عىل لقاء قريب يف و فجائع حد املوت»( ،)15فالحذف األول متعلّق
املشهد املوايل أو الذي يليه ،وذاك التالعب بالزمن باملوصوف (سنوات ،)..فالصفة التي سيضعها يف
يفرض عىل القارئ متابعة متيقظة ،فكانت عالمة ذاك املكان يتيحها السياق ،وتؤكد رضورة وضعها
الحذف تتكاثر أمام الصور يف الرواية ،واملقصود عالمة الحذف ،فيضيف صفة تناسبها وترسم
بـ « الصورة املنفتحة «هو إعطاء املجال للقارئ حدود االنفعال و التوتر فيها مثل(:م ّرة أو قاتلة
يك يتدخل بذوقه و ميأل فجوات عالمة الحذف، أو طويلة أو مؤملة أو ثقيلة ،)..فلو كانت هناك
فينفتح مبخيلته عىل املشاهد ليتصورها كام هي نقطة نهائية؛ ستكون القراءة عادية ،كام أن
يف واقع الرواية ،ثم يضيف عليها الحس الحريك القارئ ينتظر بعد السؤال عالمة االستفهام ،لكنه
الذي متده به اللغة. يجد عالمة الحذف فكأنّها يف الرواية تقوم مقام
النقطة وعالمة التعجب ...وغريهام ،وقد يعود
وتلك اإلضافات التي يسهم بها القارئ،
سبب ذلك إىل انجراف الكاتبة مع تلك الفكرة
تكون من باب القبض عىل التفاصيل؛ ألن الراوي
وما يتولد بعدها من جمل فتضع عالمة مناسبة
ع ّوده عىل التعليق عىل أشياء كثرية ،فيستلهم
آلخر جملة يف ذلك التعبري ،غافلة عن العالمة
منه طريقة التفكري والتصور ،ومن مثة تصبح
الحقيقية لألسلوب األول.
لديه قدرة موازية عىل مناقشة ال ّراوي وتكملة
ما أحجم عن ذكره « ،فام هو مخفي يستحث أما الحذف املتوايل يف فقرة املعطوفات ،فهو
القارئ عىل الفعل ،ولكن هذا الفعل محكوم مفتوح عىل الصفة ،فبإمكان القارئ أن يضيف
أيضاً مبا هو ظاهر ،فالترصيح بدوره ،يتحول بعض الصفات يف نقاط الحذف ،إذا متكّن من
حينام يتكشف التلميح ،وحني يردم القارئ ذلك؛ ليفهم ذلك املشهد املتب ِّجس باألحاسيس
الفجوات يبدأ التواصل .وتؤدي الفجوات وظيفة املتناقضة ،التي انتقتها بعناية ،فكأنها تبحث
محور تدور حوله عالقة النص -القارئ برمتها عن سمة املشهد الجامع املانع ،املــــــــعـَبـــِّر
-وعليه تُغري الفراغات امل ُ َب ْن ِي َنة للنص عملية عن الحياة املؤملة التي عاشها خالد ،ملــــا يسرتد
230 يوليو 2019 جملة كرياال
يف تلك األثناء أثار فيه عواصف األزمنة الثالثة (،)16
التخيل يك ينجزها القارئ مبا يتطلبه النص»
()18
(املايض والحارض واملستقبل ) والترصيح والتلميح يف الرواية قد يتداخالن يف
كام يتلخص يف (أمامي ،)..شكل الكتاب املشهد الواحد ،عندها يحتاج القارئ إىل مد
وحجمه ولونه ونوع الخط الذي كُتب به جسور الترصيح إىل التلميح تخيالً؛ ليستيضء كل
العنوان ...وكذلك تنفتح الرؤية عىل الوضعية يشء يف إدراكه ،ويتم املشهد شيئاً فشيئاً ،كام
التي يجلس فيها خالد و املالمح التي ينظر بها أن اسرتسال التواصل بينه وبني الرواية يتكامل يف
إىل الكتاب ،وسط تلك املشاعر املتضاربة. وحدة جامعة تدريجياً .
أما العالمة بعد (داخيل ،) ..ففيها تسليط فقد يجد القارئ يف هذا الحذف تقاطعات مع
للضوء عىل األغوار املظلمة للراوي ،ومشاهدة الحذوف األخرى(الصمت /الصفة والعطف،).../
تلك اللحظات التي سينفجر فيها بركان الكلامت لكنه يختلف عنها يف أنه يجد نفسه مشاهدا ً
يف داخله ،ذلك الداخل املنهار الذي أتعبته براكني متأمالً ممتزجاً بكائنات الرواية جميعها ،منفتحاً
الصدمات واملآيس املتتابعة ...وأمام هذه العالمة عىل عاملها ،واألمثلة كثرية ،وهذا واحد منها «ها
سيقوى اإلحساس بخالد ،فتعتمل التجربة هو ذا كتابك أمامي ..مل يعد بإمكاين اليوم أن
القرائية بذلك الفراغ املتاح له ،بغض النظر أقرأه .هنا عىل طاولتي مغلقاً كلغز ،يرتبص يب
عن فعل اللغة الرسدية التي حاكت بها الكاتبة كقنبلة موقوتة ،أستعني بحضوره الصامت لتفجري
املشاهد الروائية. منجم الكلامت داخيل ..و استفزاز الذاكرة.
أما العالمة بعد (مبراوغة واضحة ،)..فهي وقفة كل يشء فيه يستفزين اليوم .عنوانه الذي اخرتتِه
يتساءل فيها القارئ عن طبيعة تلك املراوغة ِ
وابتسامتك التي تتجاهل حزين. مبراوغة واضحة..
وعن شكل الوضوح فيها ،فيعود إىل قراءة عنوان ِ
ونظرتك املحايدة التي تعاملني وكأنني قارئ ،ال
تلك الرواية «منعطف النسيان»؛ ليتأمل وجه عنك .كل يشء ..حتى اسمك، ».
()17 يعرف الكثري ِ
املراوغة ،فيصاب هو اآلخر بالحرسة ،و اإلحساس هذا املشهد تحركه التشبيهات والضامئر ...كام
بأزمة التهميش التي يعيشها خالد ،و بعدها يتداخل فيه الوصف بالرسد ،ويحركه موضوع
يذوب القارئ يف الراوي ويالحقه من مشهد واحد هو الكتاب الجديد لحياة /أحالم .
إىل آخر. فبالرغم من حركة اللغة وتصويرها للموقف،
والعالمة بعد (كل يشء ،)..يف ذلك املشهد إال أن ما تضيفه عالمة الحذف يشء كبري ،فيتبني
مفارقة بوجهني ،يجتمع فيها جهل القارئ بكل أكرث يف أن وظيفة هذه العالمة تختلف عن
عن حياة/أحالم ،و املعرفة التامة بكل يشء النقطة والفاصلة ،فالقراءة بالوقوف عندها
يشء عنها بالنسبة للراوي ،فمعرفة القارئ ترصيح وكشف عن تلك املشاعر التي يعيشها
بحياة يف ذلك املوضع من الرواية منعدمة؛ ألنه خالد يف تلك اللحظات ،فوقوعها بعد (أمامي)..
يتحدث عن شخصية مجهولة لديه يف بداية تلخص العمر الذي قضاه خالد مع حبيبته ،كام
الرواية ،أما معدل معرفة خالد بها يف تلك األثناء تتضح فيها نوبة القلق والحرية والخيبة التامة...
يقارب املائة ،فإذا كان هو أول من س ّجل اسمها واملفارقة بني اإلحجام أو اإلقبال عليه؛ ألن الكتاب
عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد_ .دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_ 231
أكرث نضجا ..أكرث تعاريج .نسخة أخرى من لوحة يف دار البلدية ،فهذا دليل يؤكد معرفته ألصلها
أخرى كربت معك. وفصلها ،ووضع العالمة بعد (كل يشء )..دليل
كنت أرسم تلك اللوحة بشهية مدهشة للرسم. عىل املعرفة...
بل و رمبا بشهوة و رغبة رسية ما ،)21(» ..فالقارئ إذن «رغم كون عالمات الرتقيم هذه إشارات
يف هذه الحال بحاجة إىل توضيح أكرب؛ ليشكل غري لغوية ،فإنها من األشكال أسهمت يف إنتاج
حلقة التواصل الرسدي. (19
الداللة وتوجيهها عىل األقل بشكل إيحايئ»
فالسؤال الذي يطرحه القارئ أثناء تأمله ) ،فاإليحائية تتجىل بشكل يف تشكّل الصورة
الفراغ ،مثل :ملاذا وضعت الكاتبة العالمة بعد الفنية من اللغة امللفوظة؛ أما العالمة فتزيد من
(نضجا)..؟ ما صفة النضج املتعلق بهذه اللوحة؟ امتدادها و انبعاث الحركة فيها بفعل التأويل،
األمر نفسه سيجده بعد قراءة (رغبة رسية ما،).. وذلك بفهم الحال التي يعيشها خالد فهام يكاد
كيف يكون الرس عندما يرتبط بالرغبة؟ ملاذا مل يقارب الحال الحقيقية كام لو كان (القارئ) هو
تكتف بوضع النقطة النهائية؟ ما هو األمر الذي الذي يعيش تلك التجربة.
تحيل إليه « ما « ؟ ومن مثة فالقراءة بهذه الصورة ،بإرشاف عالمة
أمام هذه الحال سيعيد قراءة بعض الجمل الحذف هي تجربة إبداع نص جديد « ،فالذات
علها تفصح عن يشء ما وتجيبه عن أسئلته ،أما التي تخوض هذه التجربة ال تدعي امتالك النص
يف حال عدم وجود إجابة ،فإنه يضع مجموعة بصفته موضوعها ،بل تقوم باالندماج فيه مبارشة
من التأويالت؛ ليواصل االسرتسال يف القراءة دون جاعلة من الفهم والنص كينونة واحدة ،ليك
تعرث أو تراجع؛ فتوقّفه أمام كلمة منفتحة عىل تتمكن من اإلصغاء عن قرب ملا يقوله النص»(،)20
الحذف قد يجد لها الصورة املناسبة لس ّدها، فعالمة الحذف منفذ آخر إىل جانب اللغة،
وقد ال يجدها بالشكل املقنع ،فتشكل لديه يزيد املشهد ضياء وحركة ،ألنه مينح القارئ
إبهاما و عرقلة يف السري ،لكن سيتحايل بصورة فرصة؛ لتعبئة الفجوات املتعددة يف املشهد
من الصور ملد جسور التواصل مع باقي األحداث الواحد ،وبهذه الطريقة ينشأ نوع من األلفة بينه
واملـــَشاهد. وبني النص ،إلحساسه باملهمة املوكلة إليه بني
الحني واآلخر.
فمثل هذه الوضعيات « تنعقد العالقة
بني الراوي واملروي له يف الرسد من خالل األسئلة د -التساؤل:
املبارشة أو غري املبارشة التي يطرحها األول هناك بعض مواطن الحذف التي تثري
ليضمن حسن متابعة الثاين لحكايته ،أو يطرحها تساؤل القارئ ،فال يصبح كل املقروء لديه مدركاً،
الثاين حني يواجه ما يستغربه أو ال يوافق منطقه و مفهوماً فهامً تاماً كصورة واضحة املعامل،
من كالم األول»( ،)22فإذا كانت لغة الكاتبة يف حد فيتساءل عن الكيفية التي وردت بها يف السياق
ذاتها لغة مغرية( )23تبعث عىل التخيل ،فامذا وماذا يُقصد بها ...وهذا مثال عن هذا النوع
يقال عنها حينام تضيف للقارئ مساحة أخرى من الحذف «كنت أشعر أنني أرسمك أنت ال
منه؟ إن الكاتبة متنح القارئ «الفرصة لصياغة ما أنت بكل تناقضك .أرسم نسخة أخرى عنك غريِ .
232 يوليو 2019 جملة كرياال
توقعه أيضاً(.)27 ليس مصوغاً» ( ،)24من خالل قراءة الرواية بشكل
هـ -اإلحالة اإلشارية و اللغوية : خاص ال عابر.
تعددت أوجه اإلحاالت يف الرواية ،فمنها ما فإذا كان املقطع السابق موقفا واحدا من بني
تنوب عنها عالمة الحذف وهي إشارية ،وهناك املوافق التي يرتيث عندها ليجيب نفسه عن
إحاالت تقوم بها الضامئر وتعقبها عالمة الحذف. األسئلة التي تثريها تلك الكلامت ومن بعدها
عالمة الحذف ،فإن الرواية تعج مبثل هذه
أ -اإلحالة اإلشارية: املواقف.
تضع العالمة بعد كلامت غري موصولة
وإذا كان فن الرواية يتمثل «يف اختيار
بالضامئر أو أسامء اإلشارة ،و ذلك الفراغ بعدها
ما نقول وما ال نقول»( ،)25فإن ما يقال جسدته
يشري إىل حذف دال عىل أحداث مطولة ،ومثال
اللغة بتلك االنتقاء اإلبداعي للمفردات وصياغة
ذلك يف هذا املقطع املختار «كان جرحي واضحاً
تجسد بوضع عالمة الرتاكيب ،وما ال يقال َّ
وجرحك خفيا يف األعامق .لقد برتوا ذراعي ،وبرتوا
الحذف بعد الكلمة ،فتخرجها من عامل الغياب
طفولتك .اقتلعوا من جسدي عضوا ..وأخذوا من
إىل عامل الحضور بعد تنقيب القارئ وحرصه عىل
أحضانك أباً ..كنا أشالء حرب ..و متثالني محطمني
استيعابها ،فقد يكون ذلك الحذف ألسباب ما
داخل أثواب أنيقة ال غري»( ،)28ويف هذا املقطع
؛ كاإليجاز ،أو لتفجري مخيلة القارئ ،أو حدث
تصوير للوضعية التاريخية واالجتامعية لكل
مسكوت عنه عمدا؛ لتَعلُّقه بوقائع تاريخية أو
من حياة وخالد ،فلو وضعت النقاط النهائية
يف موقف ما... بذاكرة الراوي
أو الفواصل بدل عالمة الحذف؛ لكانت القراءة
بالشكل التايل: كام أن القارئ يجد نفسه يف حرية أمام بعض
الكلامت التي توجب عالمة الحذف الوقوف
فعندما يصل إىل كلمة (عضو) ،سيتخيل
أمامها؛ ألنها تحيل إىل َعلَم أو قصة من القصص
الذراع فقط ،كام يف الجملة السابقة ،وبالتايل ال
التي مر بها ذلك العلم يف حياته ،وعليه يُعترب منت
توجد إضافة يف الصورة ،لكن بعالمة الحذف
الرواية مثقفاً ،فقد تضع الكاتبة عالمة الحذف؛
بعد (عضو )..بالذات ،تحيل إىل قصة ذلك العضو
ألن الصورة أو الحدث تعرفه ،فتستغني عن
وكيف ا ُقتلع ،ال صورة العضو املتخيلة فقط،
التفاصيل ،لكن القارئ سيحاول التوصل إىل ما
فيكون األثر يف القارئ أقوى بهذه الوضعية أكرث
مل تفصله أو تجاوزته عمدا ،ومحاوالته املستمرة
من قراءتها بنقطة واحدة.
تجعله باحثا عام مل يتمكن من تأويله ،و خاصة
األمر نفسه بالنسبة إىل (أب) ،فقد يتذكر حينام تتحدث عن الفن والفنانني وتربطه
القارئ بهذه الكلمة االسم (اليس الطاهر) ،لكن بحياة خالد ،فينتج عن ذلك وصف فلسفي(،)26
بالعالمة املوضوعة بعده(أب ،)..فإنها إشارة فباألسئلة التي يطرحها عىل الرواية وعىل نفسه،
إىل العظمة والتاريخ املجيد الذي صنعه هذا يخرج برصيد ثقايف كبري متعدد املرجعيات ،هذا
الشخص و ُعـرف به ،ويف الحالني (عضو).. ال يعني أنه ال يجد اإلجابة دوما عن أسئلته
(أب ،)..داللة عىل التاريخ الطويل ليتمهام معا، الخاصة ،بل قد يجدها بشكل فني راق قد يخرق
عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد_ .دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_ 233
القارئ لتلك الذاكرة التي تقصدها الكاتبة ،عىل ويف كلمة (حرب ،)..تشري العالمة إىل استدامة
أساس «أن الرواية يف -مجملها -فعل تذكر من هذه الصورة من املايض إىل الحارض الذي عاشاه،
الراوي ،لفعل جرى يف الزمن املايض»( ،)31أما مخرتقة املستقبل؛ بحسب املعطيات التي رصحت
عالمة الحذف فقد كانت لها وظيفة ُمكملة، بها املشاهد يف الرواية.
وهي النظر إىل الزمنني املايض كمحتوى ،والحارض وبهذه الطريقة يتمكن القارئ من اسرتجاع
الذي يتضمن وقع حال االسرتجاع كصورة يف زمن املشاهد الروائية دون حاجة إىل الضامئر املحيلة،
التذكر ،أي حال الخطاب وما يصاحبها من مالمح كام أنها تفتح أمامه الصورة ليعيشها بذلك املنفذ
الحرسة والحرية ،وصورة املايض مبواقفه وجلساته الذي تحرضه له عالمة الحذف ،ويكون بذلك
الجميلة. أمام صورتني للحذف (الصورة املنفتحة ،واإلحالة
إذن ،الفرق بني الضمري وحده ،ويف حال إضافة اإلشارية).
عالمة الحذف ،اختالف يتجسد يف :أن األوىل فيها ب -اإلحالة اللغوية:
اسرتجاع عام غري تفصييل ،أما الثانية :فعملية
املقصود بها اإلحالة القبلية و البعدية ،فالكاتبة
متثّل املشهد مجزأة و مفصلة للراوي يف الزمنني
رغم وجود الضامئر وأسامء اإلشارة ...تضيف
املايض والحارض.
عالمة الحذف ،وميكن مالحظة ذلك يف التايل:
/2اإلحالة البعدية: /1اإلحالة القبلية:
تتض ّمنت الرواية يف العديد من املواطن
فقد ال يشري الضمري إىل مفردة واحدة
إشارات ملا هو آت من أحداث يف الصفحات
ِ بل «إىل أكرث من جملة سابقة »( ،)29فقد يقوم
نزعتك السادية الالحقة ،ومثال ذلك« :كيف مل ترث
شكويك يومها ..وكيف مل أتوقع كل جر ِ الضمري بدوره دون حاجة إىل من ينوب عنه،
امئك التي
ِ تلت ذلك اليوم ،والتي ج ّر ِ لكن السؤال يبقى مطروحاً ،ملاذا وضعت الكاتبة
أسلحتك بت فيها
عالمة الحذف بعد اإلحاالت؟ يف النص التايل
األخرى»( ،)32املقطع مقتبس من املشاهد األوىل
منوذج من اإلحالة القبلية «لقد كانت القيم
للرواية ،وفيه إشارات «استباقية» ملا سيحدث
يف بالنسبة يل شيئاً ال يتجزأ ،ومل يكن هناك
يف الفصول الالحقة ،فقد ال يتعرف القارئ عىل
قامويس من فرق بني األخالق السياسية ،وبقية
صورتها بشكل تام ومحسوس ،إال إذا قرأ األحداث
األخالق ..وكنت أعي أنني معك ،بدأت أتنكر
املقصودة.
ألقنعك بأخرى.
لكنه يحاول أن يبني صورة ألحالم بالتجزئة
تساءلت كثريا آنذاك ..تراين كنت أخون املايض،
كام تريد الكاتبة من خالل موضعة األحداث
وأنا أنفرد بك يف جلسة شبه بريئة ،يف قاعة
والتداخالت الزمنية ،فإذا كانت الهاء يف
تؤثثها اللوحات والذاكرة؟»( ،)30إذا كان الحذف
(يومها ،)..تقوم بدور اإلحالة الالحقة أو البعدية
األول يحيل عىل اختيار الصفة املناسبة ،فإن
لحدث مبهم بالنسبة للقارئ؛ فألنه يقع يف الزمن
الحذف اآلخر الذي يشري إليه الضمري املتصل
املستقبل للقراءة ،لكنه يف حقيقته وقع يف الزمن
(آنذاك) ،أدى وظيفته كاملة من خالل اسرتجاع
املايض للحيك ،أما عالمة الحذف فإنها تقوم
234 يوليو 2019 جملة كرياال
حدث أو مجموعة من األحداث بصورة موجزة بتنبيهه إىل عظمة ذلك املشهد الذي مل تظهر منه
ومكثفة لفظياً ،وملا تضاف لها عالمة الحذف إال األطالل الدوارس ،التي تفضح بصمتها الكثري،
تنفك القيود التي توجزها ،وتنتظم يف رشيط من خالل الحذف ،وهذه اآللية ت ُحفز القارئ
مشهدي يحرك الذاكرة والحواس... وتشوقه ملا هو آت ،من خالل الضامئر املحيلة إىل
الهوامش
ألحدث كتب اإلدارة واألعامل،عىل املوقع التايل www. 1فريوز رشام ،عالمات الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار
، alkhulasah.comلرشكة أربيكسمريز دوت كوم قباين -السرية الذاتية منوذجاً ، -مجلة معارف ،املركز
املحدودة ،ص01 الجامعي ،البويرة ،ع ،2أفريل ،2007 ،ص96
ذاكرة الجسد ،ص164 13 2نفسه ،ص96
بارث وتودوروف وآخرون ،نظريات القراءة من 1 4 3ال توجد النقطتان املتتابعتان يف قامئة عالمات الرتقيم،
البنيوية إىل جاملية التلقي( ،تر) عبد الرحمن بوعيل، ولكنها مستحدثة ،ينظر املقال السابق ،،عالمات
دار الحوار للنرش والتوزيع ،ط ،2003 ،1ص150 الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار قباين -السرية الذاتية
ذاكرة الجسد ،ص106 15 منوذجاً -ص95
نفسه ،ص47 1 6 4نفسه ،ص96
سوزان روبني سليامن ،إنجي كروسامن ،القارئ يف 1 7 5ينظر املوقع السابق ،ديوان العرب ،عالمات الرتقيم يف
النص ،مقاالت يف الجمهور والتأويل( ،تر) :حسن الكتابة العربية ومواضع استعاملها.
ناظم ،وعيل حاكم صالح ،دار الكتاب الجديدة ،ط،1 6ذاكرة الجسد ،ص ، 152كام يُنظر ،ص356، 354،355 :
بريوت ـ لبنان ،2007 ،ص135 ،..357،يف هذه الصفحات حذف دال عىل الصمت،
ذاكرة الجسد ،ص 20ـ ، 21كام يُنظر الصفحات 18 فبعد وصف بعض الشخصيات املمثلة للسلك
التالية :ص( 20زائر صقلية) وكذلك ص( 121املقطع الدبلومايس يف الخارج ورسد بعض القصص عنها ،يظهر
الذي شبهت فيه الراوي بزوربا ) ،ص( 200تجربة الحذف يف الرسد والتعليق عليه.
الكتابة والرسم) ،وغريهام كثري... 7نفسه ،ص198 ،197
يف هذا النوع من الحذف ،هناك صورة أخرى ينفتح 1 9 8زاهر بن مرهون الداودي ،الرتابط النيص بني الشعر
فيها القارئ عىل مشهد جديد يف الرواية ،فيكون والنرث ،دار جرير للنرش والتوزيع ،ط1431 ،01هـ ـ
الحذف بعد جمل قصرية مطلعاً مشهدياً ،مثل »: 2010م ،ص62
وتطلني ،»..ص253 9ذاكرة الجسد ،ص 235
1 0رائدة عبد اللطيف حسن ياسني ،تأثري الرواية الجزائرية
2 0فريوز رشام ،عالمات الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار قباين يف الرواية الفلسطينية ،أحالم مستغامني ويوسف
-السرية الذاتية منوذجاً ، -مجلة معارف ،ص98 العيلة منوذجاً ،رسالة مقدمة لنيل درجة املاجستري
2 1نارص عامرة ،اللغة والتأويل ،مقاربات يف الهرمينوطيقا يف قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الدراسات العليا،
الغربية والتأويل العريب اإلسالمي ،الدار العربية جامعة النجاح الوطنية ،نابلس ،فلسطني2005 ،
للعلوم ،نارشون ،دار الفارايب ،بريوت -لبنان ،منشورات 11ذاكرة الجسد ،ص 1 2 30ينظر :إيلني سنايدر،
االختالف ،ط ،1الجزائر 1428،هـ ،2007 -ص32 ،31 املخاطَــبة املقنعة يف األعامل(كيف تق ّدم عملك
22ذاكرة الجسد ،ص137 ،136 وتعرضه بشكل مؤثر وف ّعال) ،PDF ،خالصة أسبوعية
عالمة الحذف و أثرها في بناء املشهد_ .دراسة نصية في ذاكرة الجسد ألحالم مستغانمي_ 235
األجمل ،تولد احتامال ..و رمبا تبقى كذلك» ،فكل لطيف زيتوين ،معجم مصطلحات نقد الرواية ،ص105 2 3
عالمة مثرية لسؤال القارئ :بــــ (ماذا وكيف؟)، ينظر ،عبد السالم صحراوي ،األناقة واإلغراء يف لغة 2 4
وهاهي إجابات الكاتبة تحمل الطابع الفلسفي يف أحالم مستغامني ،يف املوقع التايلwww.nizwa.com :
عرضها ،وتجيب إجابة فنية ُمحاورها وقارئها. رامان سيلدن ،النظرية األدبية املعارصة ،ص174 25
ذاكرة الجسد ،ص102 29 برغسون وآخرون ،حوار الفلسفة والسينام( ،تر) عز 2 6
صبحي إبراهيم الفقي ،علم اللغة النيص بني النظرية 30 الدين الخطايب ،منشورات عامل الرتبية ،ط ،1الدار
والتطبيق(دراسة تطبيقية عىل السور املكية) ،دار قباء البيضاء ،2006 ،ص68
للطباعة والنرش والتوزيع ،ط ،1القاهرة 1421 ،هـ ينظر ،ذاكرة الجسد ،ص( 183الفن و الليل ،العقل 27
2000م ،ج ،1ص162 والجنون ،واملمكن واملستحيل).
ذاكرة الجسد ،ص101 31 ينظر ذاكرة الجسد ،ص« 87مل يكن موعدا ً ..كان 28
رائدة عبد اللطيف ،تأثري الرواية الجزائرية يف الرواية 3 2 احتامل موعد فقط ..ال بد أن تعلم أنني أكره اليقني
الفلسطينية ،مخطوط ماجستري ،ص50 يف كل يشء ..أكره أن أجزم بيشء أو ألتزم به ..األشياء
ذاكرة الجسد ،ص18 33
مراجع البحث وإحاالته:
النص ،مقاالت يف الجمهور والتأويل( ،تر) :حسن ناظم، • -فريوز رشام ،عالمات الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار
وعيل حاكم صالح ،دار الكتاب الجديدة ،ط ،1بريوت قباين -السرية الذاتية منوذجاً ، -مجلة معارف ،املركز
ـ لبنان 2007 ، الجامعي ،البويرة ،ع ،2أفريل2007 ،
• -فريوز رشام ،عالمات الرتقيم ودالالتها يف نرث نزار قباين • -زاهر بن مرهون الداودي ،الرتابط النيص بني الشعر
-السرية الذاتية منوذجاً ، -مجلة معارف والنرث ،دار جرير للنرش والتوزيع ،ط1431 ،01هـ ـ
• -نارص عامرة ،اللغة والتأويل ،مقاربات يف 2010م
الهرمينوطيقا الغربية والتأويل العريب اإلسالمي ،الدار • -رائدة عبد اللطيف حسن ياسني ،تأثري الرواية
العربية للعلوم ،نارشون ،دار الفارايب ،بريوت -لبنان، الجزائرية يف الرواية الفلسطينية ،أحالم مستغامني
منشورات االختالف ،ط ،1الجزائر 1428،هـ 2007 - ويوسف العيلة منوذجاً ،رسالة مقدمة لنيل درجة
• -برغسون وآخرون ،حوار الفلسفة والسينام( ،تر) املاجستري يف قسم اللغة العربية وآدابها بكلية
عز الدين الخطايب ،منشورات عامل الرتبية ،ط ،1الدار الدراسات العليا ،جامعة النجاح الوطنية ،نابلس،
البيضاء2006 ، فلسطني2005 ،
•ـ صبحي إبراهيم الفقي ،علم اللغة النيص بني النظرية • -ينظر :إيلني سنايدر ،املخاطَــبة املقنعة يف
والتطبيق(دراسة تطبيقية عىل السور املكية) ،دار قباء األعامل(كيف تق ّدم عملك وتعرضه بشكل مؤثر
للطباعة والنرش والتوزيع ،ط ،1القاهرة 1421 ،هـ وف ّعال) ،PDF ،خالصة أسبوعية ألحدث كتب اإلدارة
2000م ،ج1 واألعامل،عىل املوقع التايل ، www.alkhulasah.com
• -رائدة عبد اللطيف ،تأثري الرواية الجزائرية يف الرواية لرشكة أربيكسمريز دوت كوم املحدودة
الفلسطينية ،مخطوط ماجستري • -بارث وتودوروف وآخرون ،نظريات القراءة من
•Je t’offrirai une gazelle ,Prèface de Yasmina - البنيوية إىل جاملية التلقي( ،تر) عبد الرحمن بوعيل،
et, 1959,khadra, Editions renè Julliard,Paris دار الحوار للنرش والتوزيع ،ط2003 ،1
…p51,52, 2004 ,Mèdia-plus, Constantine • -سوزان روبني سليامن ،إنجي كروسامن ،القارئ يف
الهوامش
حسام الخطيب – مالمح يف األدب والثقافة واللغة 3 الزيات ،حسن تاريخ األدب العريب دار املعارف 1
مرشف عام مركز الرتجمة ،وزارة الثقافة والفنون 4 القاهرة
والرتاث ،دوحة قطر -مشكالت الرتجمة العربية : شوقي ضيف تاريخ األدب العريب املجلد الرابع 2
مقاربة ميدانية -العرص العبايس الثاين دار املعارف
املصادر واملراجع
•حنفي ،حسن :من النقل إىل اإلبداع ،املجلد األول •رشكة بيت اللغات الدولية ،املرجع الكامل يف فن
•الفاخوري ،حنا ،الجامع يف تاريخ األدب العريب -األدب الرتجمة ٢٠٠٩
الحديث ،بريوت دار الجيل •شوقي ضيف ،تاريخ األدب العريب – العرص العبايس
•حسام الخطيب بعنوان « :مالمح يف األدب والثقافة الثاين ،دار املعارف القاهرة ١٩٦٦
واللغة» ،وزارة الثقافة ،دمشق ، 1976ص 322 •الغني ،محمد عبد :فن الرتجمة يف األدب العريب ،الدار
•الزيات ،حسن تاريخ األدب العريب ،دار املعارف املرصية للتأليف( ،د.ت)
القاهرة 1972
:امللخص
ومن هذه الدول الدولة، من أجل تحسني التعليم العام،لقد اعتمدت الدول العربية منظومات تربوية عديدة
ث ّم طبّقت، حيث بدأت بالتعليم التقليدي،الجزائرية التي م ّر التعليم العام فيها بعد استقاللها بعدة إصالحات
وكان الهدف هو االرتقاء، ث ّم طورته إىل التدريس بالكفاءات،التدريس باألهداف يف الثامننيات من القرن املايض
ويركّز عليه يف عملية،ً وهذا اإلصالح األخري يُعطي للتقويم الرتبوي دورا ً ف ّعاال،باملتعلّم إىل درجات الرتبية والتعليم
هذا الذي جعلني أبحث يف دور التقويم الرتبوي يف ترسيخ قواعد اللغة العربية التي،ً تدريس املواد اللغوية كثريا
ووسمت بحثي بـ( التقويم الرتبوي ودوره يف ترسيخ،أصبح املتعلمون ينظرون إليها من زاوية الصعوبة والغموض
ما دور التقويم:قواعد اللغة العربية يف مقاربة التدريس بالكفاءات لغري الناطقني بها) منطلقاً من إشكال مفاده
ما هو التقويم:الرتبوي يف ترسيخ قواعد اللغة العربية وفق التدريس بالكفاءات؟ وتتفرع عنه تساؤالت هي كاآليت
وما أنواعه؟ وما هي مقاربة التدريس بالكفاءات؟ وما عالقة التقويم بطريقة تدريس القواعد النحوية يف،الرتبوي
املدرسة الحديثة؟
ث ّم نتطرق، متهيد نقدم فيه نبذة تاريخية عن ظهور التقويم:ولإلجابة عن هذه التساؤالت ص ّممنا الخطة اآلتية
ث ّم نتكلّم عن طريقة تدريس القواعد النحوية املعتمدة يف، وعىل أنواعه، لنتعرف عليه،إىل مفهوم التقويم الرتبوي
ونطبق النظري عىل، ونركّز عىل عالقة التقويم بالحصة الواحدة يف تدريس القواعد النحوية،التدريس بالكفاءات
برنامج القواعد النحوية يف كتاب مدريس ألنّه ال يوجد كتاب معتمد يف تدريس هذه القواعد لغري الناطقني باللغة
. ويختم البحث بأهم النتائج التي يتوصل إليها البحث،العربية
Summary:
The Arab states have adopted many educational systems to improve public education. These
include the Algerian state, which underwent public education after its independence. It started with
traditional education, then applied the goals in the 1980s, then developed it to teach competencies,
The goal was to raise the learner to the degrees of education, and this latest reform gives the
educational evaluation an effective role, and focuses on the process of teaching language materials
a lot, which made me look at the role of educational evaluation in the consolidation of the rules of the
Arabic language, Ron it difficult and mystery angle, marked, research (educational assessment and
its role in establishing the rules of the Arabic language in the approach of teaching competencies in
Algeria), the starting point of view: What is the role of educational assessment in the consolidation
of the Arabic language in accordance with the rules of teaching competencies? The questions are
as follows: What is the educational calendar, and what kinds? What is the approach of teaching
competencies? What is the relation between the calendar and the method of teaching grammatical
rules in the modern Algerian school?
In order to answer these questions, we designed the following plan: Introduction We present
an overview of the stages of general education in Algeria after its independence. Then we turn to
the educational calendar to identify it and its kinds. Then we talk about the method of teaching
grammatical rules adopted in teaching competencies. In the teaching of grammatical rules, and
apply the theoretical program grammatical rules in the Arabic language book for the fourth year of
the average in Algeria, and concludes the research the most important findings of the research.
الكفاءة لغة :املامثلة واملساواة ،جاء يف ومن هذه التعريفات نستنتج أ ّن التقويم
اللسان «:ال َك ِف ُئ :النظري ،وكذلك الك ُْف ُء وال ُك ُف ُؤ الرتبوي هو عملية تشخيصية يتم من خاللها
عىل فُ ْعلٍ وفُ ُعلٍ .واملصدر الكفاءة بالفتح وامل ّد. إصدار أحكام حول تحصيل املتعلّم للمعارف
وتقول :ال كِفا َء له ،بالكرس ،وهو يف األصل مصدر، الجديدة.
أي ال نظري له .والك ُْف ُء :النظري واملساوئ »(15ابن وقبل نتعرف عن أهمية التقويم الرتبوي،
منظور ،مادة(كفأ)). وخصائص التقويم بالكفاءات ،وأنواع التقويم يف
هذا لغة ،أما اصطالحا ،يف «:الكفاءة التي الحصة الواحدة من خالل التدريس بالكفاءات،ال
تجعل املتعلّمني قادرين عىل االستخدام الناجح ب ّد أن نتع ّرف عن هذا التدريس،فام هو التدريس
ملجموعة مندمجة من القدرات واملعارف بالكفاءات؟
واملهارات والخربات والسلوكات ،ملوجهة وضعية
التدريس بالكفاءات.
جديدة(إشكالية) غري مألوفة ،والتكيف معها الحديث عن التدريس بالكفاءات يحتم علينا
مبا يجعلهم يجدون لها الحلول املناسبة بسهولة أن نتط ّرق إىل فلسفة هذا النظام ،فكيف كانت
ويرس»(16ه ّني .)56-2005،55 ،فالكفاءة يف بداياته؟
املجال الرتبوي هي تلك املعرفة التي تجعل
املتعلّم قادرا ً عىل إنجاز املهمة التي كلف بها
أسباب ظهور التدريس بالكفاءات.
بسهلة .فإذا عرفنا الكفاءة بهذه الصورة ،فام بعدما ظهر التدريس باألهداف الذي كان
مستوياتها؟ يهدف إىل تطوير التعليم العام مبا يخدم
االقتصاد ،وينتج متعلمني يساهمون يف اإلنتاج
مستويات الكفاءة. واإلنتاجية من دون حاجة إىل إعادة التكوين
إذا أردنا أن نخترص مستويات الكفاءة فإنّنا يلب الغرضوالتدريب ،ولكن هذا األخري مل ّ
نجملها يف ثالث ،هي: املطلوب الذي يرغب فيه الذين اخرتعوه ،بدأ
1الكفاءة القاعدة «:هي املستوى األ ّول من علامء الرتبية يفكرون يف تحسينه وتطويره
244 يوليو 2019 جملة كرياال
صياغة أهدافه ،وإعادة النظر يف أساليبه الكفاءات ،تتصل مبارشة بالوحدة التعليمية.
التعليمية ،ومعرفة مدى تأثري املواد وهي األساس الذي تبنى عليه بقية الكفاءات
الدراسية»(21الدريج ،2015،ص.)182 »(17ه ّني،2005،ص .)76يستنتج من هذا
أ ّن هذه الكفاءة هي األساس للتعليم بهذا
« -3استثارة دافعيتهم للتعلم ،واستثامر
النظام ،والتي تساهم يف التأسيس للكفاءات
قدراتهم واستعداداتهم فيام يزيد من
املوالية لها.
كفاءة عملية التدريس ،وتحسني الناتج
النهايئ»(22الزهريي،2015،ص.)469 2الكفاءة املرحلية «:يتشكل هذا املستوى
من مجموعة الكفاءات القاعدية األساسية،
« -4يسمح بإعطاء صورة عن مدى ما تحققه
ويتحقق بناء هذا النوع من الكفاءات عرب
املدرسة من نتائج ...يت ّم بفضل نتائج
مرحلة زمنية»(18ه ّني،2005،ص .)77ومعنى
تقويم فاعليتها يف تحقيق األهداف الرتبوية
هذا أنّها تتك ّون من مجموعة من الكفاءات
العامة»(23الدريج ،2004 ،ص.)183
القاعدة.
« -5التوجيه واإلرشاد ...فبفضل التقويم
3الكفاءة الختامية «:وهي التي تتك ّون من
يتمكّن املد ّرس من توجيه طالبه إىل قراءات
مجموعة الكفاءات املرحلة ،وميكن بناؤها
مع ّينة،وإنجاز متارين وأنشطة داخل
من خالل ما ينجز يف سنة دراسية ،أو طور
الفصل ...مللء بعض الثغرات يف تكوينهم
تعليمي»(19ه ّني،2005،ص .)77ومنه نقول:
وتحصيلهم»(24الدريج،2004 ،ص.)183
إ ّن الكفاءة الختامية هي تظهر ما تعلّمه
فالتقويم الرتبوي له قيمة كبرية ألنّه يع ّرفنا عىل
املتعلّم ،ألنها هي التي تختم بها الكفاءات.
واطن الضعف لنعمل عىل تقويتها ،ويسمح لنا َم ِ
بأ ْن نأخذ فكرة كافية لتوجيه الطالب وإرشادهم، بعد التعرف عن التدريس بالكفاءات سنتع ّرف
والعمل عىل جعلهم يستثمرون قدراتهم لتحسني عن أهمية التقويم الرتبوي ،فام أهمية التقويم
تعلّامتهم.هذا عن أهمية التقوي ،فام أنواع الرتبوي للمتعلمني؟
التقويم الرتبوي؟ قيمة التقويم الرتبوي:
للتقويم الرتبوي أهمية كبرية يف التدريس ،أنواع التقويم الرتبوي:
إ ّن عملية التقويم الرتبوي ال تتم بشكل ميكن أن نوجزه فيام ييل « -1:حصولهم عىل
فوضوي ،ألنّها تخضع للتخطيط واإلعداد ،واملدة تغذية راجعة عن أدائهم ،وإتقانهم للمعارف
الزمنية ،واألسئلة املقصودة املرتبطة بالدرس واملهارات والخربات التي تعلموها ،وتدربوا
املطلوب ،أو الوحدة املد ّرسة ،إالّ أ ّن ما يه ّمنا عليها»(20الزهريي،2015،ص.)469
يف هذا البحث هو السريورة املتّبعة يف الدرس « -2تحديد مواطن القوة والضعف لدى
الواحد ،خاصة درس القواعد النحوية ،لذلك الطالب ،مام يقود املدرس إىل إعادة
التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها 245
أدىن مستوياتها» (28غريب،2014،ص.)153 سنخصص الكالم يف أنواع التقويم الرتبوي يف
فالتقويم التشخييص إذن دوره هو أن يش ّخص الحصة الواحدة ،وكيفية تسلسلها املنطقي
لنا معارف املتعلّم السابقة التي لها عالقة بالدرس ملراحل سريورة الدرس.
الجديد ،ولهذا ال ب ّد من القيام بها ألنّه يعمل لقد تح ّدث املهتمون بالرتبية عن ثالثة أنواع
عىل تزويدنا مبا ميتلكه هذا التلميذ ،وهو الذي للتقويم الرتبوي ،وكانت كاآليت:
يسمح لنا بتقديم املعارف الجديدة إذا كانت التقويم التشخييص :وهو الذي يساير« عملية
املعلومات السابقة راسخة يف أذهان املتعلّمني، مرتبطة بوضعيات االنطالق لدرس أو وحدة،...
أما إذا مل نجدها كذلك فال يجوز لنا أن نق ّدم يقصد بها فحص معامل هذه الوضعيات ،وتشخيصها
املعارف الجديدة ،ولكن يتحتّم علينا أن نرسخ بهدف الحصول عىل معلومات ومعطيات متكّن
املادة التي ق ّدمت سابقاً ،ألنّها مازلت هشة يف من اتّخاذ قرارات حول التعلّم أو التعلّامت
أذهانهم ،هذا عن التقويم التشخييص ،فام هو الالحقة»(25غريب ،2014 ،ص .)151فالتقويم
التقويم الذي يليه؟ التشخييص هو الذي نستعمل يف انطالق الدرس
التقويم التكويني :ويسمى التقويم البنايئ: للتعرف عىل املعلومات التي ميتلكها املتعلّم،
وهو ذلك التقويم الذي يتابع عملية التعليم والتي يُبنى عليها معلومات الدرس الجديد،
يف الحصة الواحدة ،أو الوحدة الواحدة ،ويبينّ فهو« يُع ّد تشخيصياً ملنطلقات عملية التدريس،
الخلل يف وقته ليعالجه قبل فوات األوان ،فهو ومدى استعداد التالميذ والتلميذات ،وتأهلهم
الذي« يساير مرحلة بناء التعلّامت (معالجة بكل سالسة وسهولة للتعلّامت املقبلة»(26
للمرور ّ
الدرس) ،والهدف منه هو الوقوف عىل مدى غريب ،2014 ،ص ،)151فهو كذلك« يساعد
مسايرة عملية التعلّم للخطة املنهجية التي هذا التقويم عىل معرفة الصعوبات والحواجز
رسمها املعلّم مبعية تالميذه ،وهو بهذه الكيفية التي تواجه التالميذ يف قدرة التحكم مع تحديد
يُشكّل تغذية راجعة» (29هني ،2005 ،ص.)197 أسباب هذه الصعوبات ملعالجة هذه االختالالت
ولقد قيل عنه أيضاً «:وهو نوع اإلجراءات بواسطة إجراءات عملية ملعالجة املشكلة التي
واألساليب التدقيقية التي ترافق عملية التنفيذ عىل أساسها تت ّم عملية االنطالق يف الوضعية
مبراحله ومستوياته املختلفة ،وأهم غرض لهذا الجديدة»(27هني ،2005 ،ص ،)197وجعله
النوع من التقويم هو ضامنه أن العمل يجري كذلك أحدهم مبثابة فحص نعرف به خصائص
وفق ما ُخطط له تبعاً ملراحله ،ويُسهم هذا املتعلم قبل أن نق ّدم له املعارف الجديدة،
النوع من التقويم عادة بتقليص حجم الخسائر، شق من اسرتاتيجيا فقال «:التشخييص إذن هو ّ
ويضمن تحقيق كفاءة عالية يف األداء ،ومستوى التحكم؛ ذلك أ ّن عملية فحص وضعية االنطالق،
مطلوب يف تحقيق املرامي واألهداف» (30الزند، وتعرف خصائص املتعلمني قبل انطالق عمليات
،2010ص .)318وهدفه« إخبار املتعلّم واملد ّرس تعليمهم ،من األمور التي تسعى إىل س ّد الثغرات،
املحصل عليها ،واكتشاف ّ حول درجة التحكم وتغطيته النقص الحاصل ،قصد جعل جميع
مواطن الصعوبات التي يصادفها التلميذ خالل التالميذ يبلغون الكفايات املحتملة يف أقىص أو
246 يوليو 2019 جملة كرياال
جديدة قبل تحققه من ترسيخ املعارف املقدمة تعلّمه ،وذلك بغرض جعله يكتشف اسرتاتيجيات
للطالب ،أما النوع الثالث من أنواع التقويم يف متكّنه من متابعة سريورة التعلّم يف شكلها
الحصة الواحدة فهو: التصاعدي»(31غريب،2015 ،ص .)153ومن
التقويم التحصييل :ويسمى أيضاً التقويم خالله« تت ّم عملية االستمرار يف العمل إذا كانت
الختامي ،النهايئ ،واإلجاميل :وهو الذي« يقع يف النتائج ج ّيدة ،أو يقوم بتعديل الطريقة ،أو
نهاية حصة دراسية ...يهدف إىل التع ّرف عىل بتغيريها إذا رأى اضطراباً لدى أغلبية التالميذ
درجة متلّك الكفاءات املقصودة ،فهو عبارة يف تعلّامتهم» (32هني ،2005 ،ص .)197ويصفه
عن إصدار حكم نهايئ عىل درجة التملّك أو أحدهم باإلجراء العميل الذي يص ّحح مسار
اإلتقان املتوخاة من أهداف التعلّم»(35هني، التعليم ،فيقول «:ويُع ّد التقييم التكويني...
،2005ص .)197ويصفه غريب بأنّه يسهم يف إجرا ًء عمليّاً ،ميكّن من التدخل لتصحيح مسار
اتّخاذ قرار التطوير والتعديل ،فيقول «:ويُعترب التعليم والتعلّم بواسطة إجراءات جزئية؛ ولذلك
التقييم اإلجاميل أساسياً يف ات ّخاذ قرارات التطوير فإ ّن وظيفته األساسية تسعى إىل -:إخبار امل ّدرس
والتعديل بالنسبة ملناهج ووسائل التعليم ،فهو والتلميذ بدرجة تحكّمها يف تعليم معينّ – .
إجراء عميل نقوم به عند نهاية التدريس من كشف صعوبات التعلّم – .كشف وسائل تجاوز
أجل التأكد من أ ّن النتائج املرجوة من عملية هذه الصعوبات» (33غريب،2015 ،ص.)153
التدريس قد تحققت فعالً؛ وهو بذلك يتيح لنا وكذلك هو يقيس التعليم أثناء القيام به ،إذ هو
تحديد النتائج الفعلية للتعلّم ،وحصيلة مجهود يقيس جزئيات الدرس املقدم ،فهو« يسري جنباً
التالميذ ،ومقارنتها بالنتائج املتوخاة من هذا إىل جنب مع عميلة التدريس ،فهو يُز ّود املعلّم
املنطلق ،يهتم التقييم اإلجاميل بفحص الكفايات والطالب(بالتغذية الراجعة) املتعلقة بالنجاح
املنشودة»(36غريب ،2014 ،ص.)155 والفشل ،فالطالب يشعر بنجاحه من خالل
تصحيح أخطاءه ،واملعلّم يع ّدل خططه عىل
من هذه التعريفات نقول :إ ّن التقويم التحصييل
ضوء النتائج ،وهكذا فإ ّن الهدف األسايس من
هو تلك األسئلة التي ت ُطرح عقب نهاية الدرس،
هذا التقويم هو توجيه تنفيذ عملية التعلّم»(34
تحصل املتعلّمون عن وتكشف لنا عن مدى ّ الزهريي،2015،ص.)465
املعارف الجديدة من الدرس املق ّدم لهم يف تلك
الحصة ،كام تبينّ لنا ما ترسخ من معلومات يف ونستنتج من هذه األقوال :أ ّن التقويم التكويني
أذهانهم يف نهاية وحدة تعليمية ،وغريها. هو تلك األسئلة التي يطرحها املد ّرس بعدما
يد ّرس عنرصا ً من عنارص الدرس املقدم يف تلك
ومن تع ّرفنا عن أنواع التقويم يف الحصة
الحصة ،والتي من خاللها يتع ّرف عىل ما مدى
الواحدة ،نستنتج أ ّن هذه األنواع ،والتي هي:
نجاح عملية التعليم يف ذلك الجزء ،أو فشله ،فإن
التشخييص يف بداية الحصة ،والتكويني أثناء
نجح واصل تقديم جزئيات الدرس املحضرّ ،وإن
الحصة ،والتحصييل يف نهاية الحصة ،إذا قُ ّدم بهذا
فشل أعاد تقديم ذلك العنرص بطريقة أخرى
املفهوم ،وبالكيفية التي ق ّدمناها فإ ّن التعليم
مخالفة للطريقة األوىل ،متكّنه من تفهيم التالميذ،
ويرسخ املعارف يف يكون ناجحاً نجاحاً باهرا ًّ ، يحق للمعلّم أن مي ّر إىل معارف
وبهذا التقويم ال ّ
التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها 247
الطبيعة يف السياق الذي تعرض فيه الرتاكيب أذهان املتعلّمني إذا ُوجد املعلّم الحاذق الذي
املراد فحصها وفهم قواعدها»(41الدليمي، يستعمله برشوطه وآلياته املعتمدة يف التدريس
،2009ص .)223وقيل عنها بأنها«متتاز طريقة بالكفاءات املطبقة يف مدارسنا يف الوقت الراهن.
النص بأنّها تخرج القواعد باللغة نفسها ،وتعالجها
ّ بعد ما تعرفنا عن أنواع التقويم الرتبوي يف
يف سياق لغوي علمي وأدايئ متكامل ،وأنّها تقلل الحصة الواحدة ،سنبحث عن كيفية تطبيقها يف
من اإلحساس بصعوبة النحو ،وتظهر قيمته يف حصة تدريسية لدرس القواعد النحوية ،ونبدأ
فهم الرتاكيب ،وتجعله وسيلة ألهداف أكرب هي بالتعرف عن طريقة تدريس القواعد النحوية
الفهم واملوازنة والتفكري املنطقي املرتب»(42 املعتمدة يف معظم مدارس الدول العربية التي
الدليمي،2009،ص .)224وما نستنتجه من تسمى بطريقة النص األديب ،فام هي هذه
هذه الطريقة :أنها تركّز عىل تدريس القواعد الطريقة؟
النحوية يف إطارها الطبيعي الذي ا ُستخرجت
طريقة النص األديب( الطريقة املعدلة) .وتسمى
النص اللغوي للغة العربية ،ومن منه ،وهو ّ بأسلوب املتصل :
النص األديب بعد قراءته وتحليله
خالل فهم هذا ّ
ومناقشته تُستخرج األمثلة املقصودة التي تبنى ما نالحظه من خالل التسمية أنّها تعتمد يف
منها القاعدة ،وبعد ترسيخها يف أذهان التالميذ، تدريس القواعد النحوية عىل النص األديب ،وأنّها
تستنبط منها القاعدة النحوية ،أي نعلّم التلميذ تعديل للطريقة االستنباطية .تع ّرف بـ« يف هذه
الظواهر النحوية مماّ أصبح يف ذاكرته ،ولكن نصاً متكامالً يشتمل عىلالطريقة يَعرض املعلّم ّ
النص األديب أن يحمل كل األمثلة التييشرتط يف ّ األساليب املتصلّة بالدرس ،واألساس العلمي
تبنى منها أجزاء القاعدة ،أل ّن إذا نقص بعض والرتبوي»(37إسامعيل،2005،ص .)228و« تقوم
األمثلة يضطر املدرس أن يكملها ،وبهذا يعود إىل النص األديب املرتابط األفكار ،وهي عىل عرض ّ
الطريقة االستقرائية ،أي يجلب لنا مثاالً مل يدرسه النص األديب أمام التالميذ مع كتابة
تسري بكتابة ّ
النص املدروس يف تلك الحصة ،وبهذا املتعلّم يف ّ األمثلة املرغوب يف دراستها بخط مم ّيز ،أو
يسهل عليه فهم هذه القواعد .وإذا بحثنا عن بوضع خطوط تحتها ،وبعد أن يقرأها التالميذ،
مزايا طريقة الطريقة سنجدها تتلخص يف نقاط. يناقشهم املعلّم باألمثلة املميّزة حتّى يصل إىل
استنباط القاعدة»(38الساموك،2005،ص.)229
النص األديب:
مزايا طريقة ّ عرضنص أديب ٌ و«أ ّن عرض األمثلة من خالل ّ
•التلميذ يشعر باتّصال القواعد النحوية بلغة لها يف إطار كليّ ال يف شتات متف ّرق ال روابط
حبالحياة التي يتكلّم بها ،هذا ما يجعله يُ ّ بني أفكاره واتّجاهاته»( 39ظافر،1974،ص.)279
هذه القواعد ،وال ينفر منها.43 أل ّن« القواعد النحوية ظواهر لغوية ،وأ ّن
•تعالج القواعد النحوية يف سياق لغوي علمي ظلالوضع الطبيعي لدراستها إنمّ ا يكون يف ّ
وأدايئ متكامل. اللغة» (40ظافر،1974،ص .)279و« تعتمد هذه
•تَجعل الطريق ُة تذ ّو َق ّ
النص األديب مجاالً الطريقة عىل تدريس القواعد يف ظالل نصوص
لفهم القواعد النحوية. اللغة ،ومأثور القول بتوفري أكرب قدر ممكن من
248 يوليو 2019 جملة كرياال
استخراج األمثلة :يطرح املعلّم أسئلة عىل •تمَ زج النحو بالتعبري الصحيح.44
التالميذ حتّى يستخرجوا من خاللها األمثلة كل هذه املزايا ،فهل هي خالية من رغم ّ
املقصودة ,وتسجل عىل السبورة مرت ّ ّبة حسب النقائص؟
أجزاء القاعدة.
شك أن التطبيق النص األديب :ال ّ
عيوب طريقة ّ
استنتاج القاعدة :مناقشة األمثلة مع التالميذ يف الواقع يكشف لنا بعض الهنات ،وسنوجزها
مثاالً مثاالً حسب تسلسلها حتّى يتوصلوا إىل يف نقاط هي:
بناء أجزاء القاعدة كاملة ،ث ّم تد ّون عىل السبورة
كل
نص متكامل؛ يحمل ّ يصعب الحصول عىل ّ
بخط واضح.
األمثلة املطلوب التي تستنبط منها القاعدة
التطبيق :مطالبة التالميذ باإلتيان بأمثلة من كاملة.45
إنشائهم مطابقة للقاعدة ،أو إعراب بعض
يضيع الوقت يف القراءة والتحليل ،ويُشغل املعلّم
األلفاظ املوجود يف القاعدة.
عن الهدف األساس الذي هو القواعد.46
الجانب التطبيقي: النص املخصص لتدريس القواعد النحوية يتصف ّ
بعد التعرف عن الطريقة املعتمدة لتدريس عادة بالتكلّف واالصطناع ،ولهذا ال يؤدي إىل
القواعد النحوية يف معظم الدول العربية ،فإنّنا جلب انتباه التالميذ ،ألنّهم ال يجدون فيه متعة
سنحاول أن نطبق عليها أنواع التقويم الرتبوي وهم يدرسونه.
يف الحصة الواحدة ،لنبحث عن ما مدى ترسيخها
وإذا قارنا بني الطريقة االستنباطية وطريقة
للقواعد النحوية يف أذهان التالميذ ،وسنعتمد
النص األديب فإنّنا ال نجد بينهام فروقاً كثرية إال
عىل كتاب اللغة العربية للسنة الثالثة املتوسط
يف استخراج األمثلة التي تبنى منها القاعدة ،ففي
يف الجزائر ألنّه ال يوجد كتاب لتعليم القواعد
الطريقة األوىل املعلّم هو الذي يختار األمثلة من
النحوية لغري الناطقني بها ،نطبق عليه ،وسنأخذ
نصوص مختلفة ال يعرفها املتعلّم ،لك ّن الطريقة
درسني أو ثالثة فقط ألنّنا نريد أن منثّل ،والوقت
النص املدروس من الثانية األمثلة موجودة يف ّ
ال يسعنا أن نتوسع أكرث يف مثل هذه البحوث.
الكتاب املدريس يف حصة القراءة.
فسنتناول درس القواعد يف الكتاب املذكور،
واملسمى بأفعال املقاربة ،والذي ق ّدمت أمثلته يف خطوات تدريس طريقة النص األديب.47
نص(عواقب الكراهية)(48مريبعي،2011،ص،)67 التمهيد :مراجعة درس القواعد النحوية السابق
واألمثلة املأخوذة من النص تبنى منها القاعدة، الذي له عالقة بالدرس الجديد عن طريق طرح
هي :كاد العاملُ يزول ،وأوشكت البرشي ُة أن تفنى. أسئلة حول قاعدة الدرس السابق ليبنى عليه
وسنطبق عليها أنواع التقويم الثالثة التي ذكرناها الدرس الحايل.
يف البحث ،وسنبدأ بالتقويم التشخييص ،ويكون حصة
النص األديب املدروس يف ّ العرض :قراءة ّ
التقويم بطرح األسئلة اآلتية عىل التالميذ :ماذا القراءة من طرف املعلّم ,ث ّم التالميذ ،ث ّم مناقشته
نسمي كان وأخواتها؟ وما عمل كان وأخواتها؟ مع التالميذ ،تليها استخراج أفكار النص حتّى
هات مثاالً عن هذه األفعال الناقصة ،فإذا ترسخ يف األذهان.
التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها 249
التقويم التكويني ،ينتقل املعلّم إىل العنرص كانت األجوبة صحيحة من التالميذ ،فهذا يعني
املوايل الذي تعريفهم عن خرب هذه األفعال ،ماذا أ ّن املعارف التي يبنى عليها الدرس الجديد
نسمي االسم الثاين املنصوب بعد كان وأخواتها؟ يحق له أن يقدم مرسخة يف أذهانهم ،واملعلّم ّ
إذا كان االسم املرفوع بعد أفعال املقاربة يسمى الدرس الجديد ،وعليه ينتقل إىل العنرص األول،
اسمها مثل كان ،فامذا نسمي الجملة التي بعد وهو مناقشة التالميذ الستخراج األمثلة من
اسمها؟ فكيف جاء خرب أفعال املقاربة؟ إذا خرب النص .وبعد استخراج األمثلة من أفواه التالميذ، ّ
أفعال املقاربة جملة فعلية ،ما زمن فعل هذه ُ
وتسجيلها عىل السبورة ،وهي كاد العامل يزول.
الجملة؟ إذن نقول :خرب أفعال املقاربة جملة وأوشكت البرشي ُة أن تفنى .يرشع املعلّم يف
فعلية فعلها مضارع .الحظوا الجملتني :كاد العامل مناقشة األمثلة مع تالميذه ،قائال :م ّم تتكون
يزول وأوشكت البرشية أن تفنى ،هل يوجد الجملة األوىل؟ ث ّم يواصل املناقشة ،قائال :هل
اختالف يف الجملة الفعلية التي بعد هام؟ إذا يدل هذا الرتكيب عىل زوال العامل؟ ولكن ع ّم ّ
خرب كاد جملة فعلية مجردة من أن ،فإ ّن خرب يدل إذن؟ يدل عىل قرب زوال العامل .وكذلك
أوشك جملة فعلية مقرونة بأن .وبالتقويم الحال مع جملة :أوشكت البرشي ُة أن تفنى.
التكويني الذي يغطي كل عنارص أجزاء القاعدة يدل الفعل(كاد وأوشك)؟ ما نسمي إذن ع ّم ّ
النحوية بحيث كلام د ِّرس جزء من القاعدة ختم األفعال التي تدل عىل أ ّن العمل الواقع بعدهام
هذا الجزء بطرح أسئلة حوله ،وبهذا ال ينتقل قريب الوقوع؟ هام :أفعال املقاربة .بعد تقديم
املعلم إىل تدريس الجزء املوايل إالّ إذا الحظ أ ّن العنرص األول من الدرس الجديد ،وهو التع ّرف
هذا الجزء قد ُر ِّسخ يف أذهان التالميذ .وبعد عن أفعال املقربة(كاد وأوشك) ،يبدأ التقويم
اختتام الدرس نصل إىل التقويم التحصييل الذي التكويني ،وهذا بطرح أسئلة عىل التالميذ حول
يكون عبارة عن أسئلة تكشف عن ما مدى متكّن هذا العنرص .ما هي أفعال املقاربة؟ ث ّم هات
التالميذ من القاعدة النحوية التي ق ِّدمت يف ذلك جمالً فيها أفعال املقاربة .فإذا الحظ املعلّم أ ّن
الدرس ،مثل ما هي أفعال املقاربة؟ عم تدخل التالميذ استوعبوا هذه األفعال انتقل إىل العنرص
أفعال املقاربة؟ ما إعراب اسم أفعال املقاربة؟ املوايل الذي هو عمل هذه األفعال ،وعم تدخل.
كيف يكون خرب أفعال املقاربة؟ هات جمال فيها عندما نحذف(كاد) ما نسمي الجملة؟ تصبح
أفعال املقاربة .أعرب العبارة اآلتية :كاد الفق ُر الجملة اسمية مك ّونة من مبتدأ وخرب .إذن
يكون كفرا ً. ماذا حدث للجملة االسمية بعد دخول أفعال
وميكن أن نطبق أنواع التقويم الرتبوي عىل املقاربة عليها؟ عىل ماذا تدخل هذه األفعال؟
درس( ظ ّن وأخواتها) بنفس الطريقة ،وكذلك إذن عملها كعمل كان وأخواتها .كيف جاء االسم
عىل درس( االستثناء) ،لنصل يف النهاية إىل القول: بعد أفعال املقاربة؟ ما نسمي االسم الذي يأيت
بأ ّن التقويم الرتبوي إذا طبق عىل دروس القواعد بعدها مبارشة؟ كيف يكون هذا االسم من
النحوية بالكيفية التي قدمناها فإن هذه القواعد اب؟ بعد التعرف عىل هذا العنرص، حيث اإلعر ُ
ترسخ يف أذهان املتعلمني بسهولة ويرس. النحوية ّ وترسيخه يف أذهان التالميذ بواسطة أسئلة
التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها 251
زكريا إسامعيل ،طرق تدريس اللغة العربية ،دار املعرفة 3 7 -حيدر عبد الكريم محسن الزهريي ،املناهج وطرائق 2 2
الجامعية ،رشكة قناة سويس الشاطبي،ط،1سنة،2005 التدريس املعارصة،ص.469
ص.228 محمد الدريج ،تحليل العملية التعليمية وتكوين 2 3
سعدون محمود الساموك ،مناهج اللغة العربية 3 8 املدرسني ،ص.183
وطرق تدريسها ،دار وائل للنرش،عامن األردن ،ط،1 نفسه ،ص.183 2 4
سنة ،2005ص،.229 عبد الكريم غريب ،البيداغوجيا الناجعة املتأسسة عىل 2 5
محمد إسامعيل ظافر ويوسف الحامدي ،التدريس يف 3 9 التعلامت البسيطة واملعقدة ،مطبعة النجاح الجديد،
اللغة العربية،دار املريخ ،الرياض السعودية،ط،1سنة الدار البيضاء ،املغرب ،ط ،1سنة2014م ،ص.151
1974ص .279 نفسه ،ص.151 2 6
املرجع نفسه ،ص.279 4 0 خري الدين ه ّني ،مقاربة التدريس بالكفاءات ،ص.197 27
طه عيل حسني الدليمي وسعاد عبد الكريم الوائيل، 4 1 عبد الكريم غريب ،البيداغوجيا الناجعة املتأسسة 2 8
اتجاهات حديثة يف تدريس اللغة العربية ،عامل عىل التعلامت البسيطة واملعقدة ،ص.153
الكتب الحديث ،عامن ،ط ،1سنة ،2009ص.223 خري الدين ه ّني ،مقاربة التدريس بالكفاءات ،ص 2 9
نفسه ،ص.224 4 2 .197
يُنظر طه عيل حسني الدليمي وسعاد عبد الكريم 4 3 وليد خرض الزند وهاين حتمل عبيدات ،املناهج 3 0
الوائيل ،اتّجاهات حديثة يف تدريس اللغة العربية ، التعليمية ،تصميمها تنفيذها تقوميها تطويرها،
ص .224 ص.333
يُنظر املرجع نفسه ،ص.225 -224 4 4 عبد الكريم غريب ،البيداغوجيا الناجعة املتأسسة 3 1
ينظر نفسه ،ص.225 45 عىل التعلامت البسيطة واملعقدة ،ص.153
-يُنظر محمد رجب فضل الله ،االتجاهات الرتبوية 4 6 خري الدين ه ّني ،مقاربة التدريس بالكفاءات ،ص 3 2
املعارصة يف تدريس اللغة العربية ،دار عامل الكتب .197
الحديثة ،عامن األردن ،ط ،1سنة1998م ،ص.192 عبد الكريم غريب ،البيداغوجيا الناجعة املتأسسة 3 3
-يُنظر طه عيل حسني الدليمي وسعاد عبد الكريم 47 عىل التعلامت البسيطة واملعقدة ،ص .154
الوائيل ،اتّجاهات حديثة يف تدريس اللغة العربية ، حيدر عبد الكريم محسن الزهريي ،املناهج وطرائق 3 4
ص.226-225 التدريس املعارصة ،ص.465
-الرشيف مريبعي ،كتاب اللغة العربية للسنة الثالثة 4 8 خري الدين ه ّني ،مقاربة التدريس بالكفاءات ،ص.198 35
من التعليم املتوسط ،الديوان الوطني للمطبوعات عبد الكريم غريب ،البيداغوجيا الناجعة املتأسسة 3 6
املدرسية ،الجزائر ،سنة ،2012-2011ص.67 عىل التعلامت البسيطة واملعقدة ،ص.155
املصادر واملراجع:
الجامعية ،رشكة قناة سويس الشاطبي،ط،1سنة.2005 •حيدر عبد الكريم محسن الزهريي ،املناهج وطرائق
•سعدون محمود الساموك ،مناهج اللغة العربية التدريس املعارصة ،مؤسسة حامدة للدراسات الجامعية
وطرق تدريسها ،دار وائل للنرش،عامن األردن ،ط،1 والنرش والتوزيع ،ط ،1سنة 2015م.
سنة.2005 •خري الدين ه ّني ،مقاربة التدريس بالكفاءات،
•الرشيف مريبعي ،كتاب اللغة العربية للسنة الثالثة مطبعة:ع/بن ،ط ،1سنة2005م.
من التعليم املتوسط ،الديوان الوطني للمطبوعات •زكريا إسامعيل ،طرق تدريس اللغة العربية ،دار املعرفة
التقويم التربوي ودوره في ترسيخ قواعد اللغة العربية في مقاربة التدريس بالكفاءات لغيرالناطقين بها 253
فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻲﻓ اﻟﻌﺎﻢﻟ
سليمان بي
قسم اللغة العربية للماجستيروالبحوث ،كلية جمال محمد( حكم ذاتي)،
جامعة بهارادي داسان ,تيروشيرا بالي ،تامل نادو .الهند
" :فن من فنون األدب ،وهي قطعة إنشائية ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ :
ذات طول معتدل ت ُكتب نرثا ً وتُلِ ُّم باملظاهر املقالة قطعة نرثية محدودة الطول،
الخارجية للموضوع بطريقة سهل ٍة ورسيعة ،وال وهى عبارة عن بحث قصري .تتناول موضوعا أو
متس الكاتب عن قرب. تُعنى إال بالناحية التي ُّ جانبا من املوضوع ،وتعرض فيها الفكرة عرضا
و يقول الكاتب آرثر بنسن و هو يعرفها“ :هي منطقيا مرتابطا طبق منهج معني يهدف إىل إبراز
تعبري عن إحساس شخيص ،أوأثر يف النفس ، املعاين ونقلها نقال أمينا مقنعا وممتعا يف نفـس
أحدثه يشء غريب ،أوجميل أومثري لالهـتامم، الوقــت إىل ذهن القارىء .ﰲ اﻟﻠﻐــﺔ املقال
أوشائق أويبــعث الفكاهة والتسلية .ويصف ﻣﺼــﺪر ﻗــﺎل ﻳﻘــﻮل ﻗــﻮﻻ وﻗــﻴﻼ وﻣﻘﺎﻟــﺔ
كاتب املقالة بأنه :شخص يعرب عن الحياة، وﻣﻘــﺎﻻ ،وﺟﺎء ﰲ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ( ﻗﺎل ﻳﻘﻮل ﻗﻮﻻ
وينقدها بأسلوبه الخاص. وﻗﻴﻼ وﻗﻮﻟﺔ وﻣﻘﺎﻻ وﻣﻘﺎﻟﺔ )( .)1بي َو َم ْن أَ ْح َس ُن
ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺬﺑﻴﺎين : قَ ْولاً ِّم َّمن َد َعا إِلىَ اللَّ ِه َو َع ِم َل َصالِ ًحا َوق ََال إِنَّ ِني
وأخربت خري اﻟﻨﺎس أﻧﻚ ملتني ِم َن الْ ُم ْسلِ ِم َني )2(.وﻗــﺪ ورد ﻛﻠﻤــﺔ ﻣﻘــﺎل
وﺗﻠﻚ التي ﺗﺴﺘﻚ ﻣﻨﻬﺎ املسامع ﰲ آﺛــﺎر اﻟﻠﻐــﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻨـﺬ ﻋﻬـﺪ ﺑﻌﻴـﺪ ﺣىت
اﻟﻌﺼـﺮ الحاﺿـﺮ ،ودارت ﻋﻠـﻰ أﻟﺴـﻨﺔ اﻟﻜﺘـﺎب
ﻣﻘﺎﻟﺔ إن ﻗﻠﺖ ﺳﻮف أﻧــــــــﺎﻟﻪ واملفكرين وﺗـﺮددت ﰲ أﺣـﺎدﻳﺜﻬﻢ ومحاوراتهم
وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻣﺜـــﻠﻚ راﺋــــــــــﻊ ؟ ﻋﻰﻠ اﻣﺘﺪاد اﻟﻌﺼﻮر .
وﻗﺎل ﻛﻌﺐ ﺑﻦ زهري : تعريف نقاد العرب:
ﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺴـــــــــــــــــــﻮء إىل أﻫﻠـــــــها يقول الدكتور محمد يوسف نجم :املقالة
أﺮﺳع ﻣﻦ ﻣﻨﺤـــﺪر ﺳــــــــــــﺎﺋﻞ ()3 قطعة نرثية محدودة يف الطول واملوضوع،
وأﻧﺸﺪ اﺑﻦ ﺑﺮي الحطيعة يخاﻃﺐ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ تكتب بطريقة عفوية رسيعة خالية من التكلف،
الخطاب رﻲﺿ اﷲ ﻋﻨﻪ : ورشطها األول أن تكون تعب ًريا صادقًا عن شخصية
تحنن ﻋﻲﻠ ﻫﺪاك املليك ﻓﺈن ﻟـــﻜﻞ ﻣﻘﺎم ﻣﻘﺎﻻ الكاتب .املقالة كام يعرفها أدمون جونسون
254 يوليو 2019 جملة كرياال
وﻟــــﻴﺲ املقال بحثا ﻋﻠﻤﻴــــﺎ أو ﻓﺼــــﻼ ﰲ ﻗﻮل ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ،ﺷﺎﻋﺮ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻰﻠ
ﻣــــﻦ ﻓﺼــــﻮل ﻛﺘــــﺎب أديب أو ﻋﻠﻤــــﻲ وﻻ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :
ﻗﺼــــﺔ وﻻ محارضة ﻣــــﻦ املحارضات املنظمة ﻣﺎ إن ﻣﺪﺣﺖ محمدا مبقالتي
املدروسة واملرتبة ﺗﺮﺗﻴﺒﺎ ﻣﻨﻄﻘﻴﺎ وإمنا املقال ﻓﻜﺮة ولكني ﻣﺪﺣﺖ مقالتي مبحمد
ﻳﺘﻠﻘﻔﻬﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ املحيطة ﺑﻪ )7(.
وﺟﺎء ﰲ ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻮداع :ﻧﻀﺮّ اﷲ أﻣـﺮأ سمع
ﻓاملقال إذن محاوﻟـــــﺔ ﻻﺧﺘﻴـــــﺎر ﻓﻜـــــﺮة مقالتي ﻓﺤﻔﻈﻬـﺎ ووﻋﺎﻫـﺎ وأداﻫـﺎ ﻓـﺮب ﺣﺎﻣـﻞ
ﻣـــــﻦ اﻷﻓﻜـــــﺎر أو ﻟﺘـــــﺪبري رأي ﻣـــــﻦ ﻓﻘـﻪ إىل ﻣـﻦ ﻫﻮ أﻓﻘﻪ ﻣﻨﻪ.
اﻵراء أو ﻟﺘﺄﻣـــــﻞ إتجاﻩ ﻣـــــﻦ االتجاﻫﺎت
وﻗﺮظ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ حسني ﻣﻘﺎﻻ ﻟﻠﻄﻔﻲ اﻟﺴﻴﺪ
اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ واﻟﺘﻌبري ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺳﻠﺲ جذاب.
ﻓﻘﺎل :
وﻣﻬﻤـــﺎ ﻳﻜـــﻦ ﻓـــﺈن املعنى اﻟﻠﻔﻈـــﻲ
مثل ﻣﻘﺎل اﻷﻣﺲ ﻳﻌﺠﺐ ﻛﺎﺗﺐ
ﻟﻜﻠﻤـــﺔ املفاﻟـــﺔ ﻻ ﻳﺴـــﻠﻤﻨﺎ إىل دﻻﻻتهـــﺎ
أدﻳﺐ وﻳﺮﻲﺿ ﻋﺎﻗﻞ وﺣﻜــــــــــﻴﻢ ()4
اﻻﺻـــﻄﻼﺣﻴﺔ ،التى نحن ﺑﺼﺪد الحديث
ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻨﺆﻛﺪ اﺑﺘﺪاء أن محاولة إيجاد فاملقالة ﻻ ﻳﻌﺪو ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﻠﻔﻈﻲ أنها ﺷﻴﺊ "
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺷـﺎﻣﻞ وﻛﺎﻣـﻞ ﻟﻠﻤﻘﺎﻟـﺔ أﻣـﺮ ﺻـﻌﺐ ﻳﻘﺎل "
،ﻟـﺬا ﻓﻬﻤﺘﻨــﺎ ﻋــﺮض ﺑﻌــﺾ محاوﻻت ﻳﻘــــﻮل اﻟــــﺪﻛﺘﻮر رﺑﻌــــﻲ ﻋﺒــــﺪ الخالق
اﻟﺘﻌﺮﻳــﻒ اﻟﺴــﺎﺑﻘﺔ ﻧﺘﺒــﻊ ذﻟــﻚ ﺑﺘﺤﻠﻴــﻞ يف ﻛﺘﺎﺑــــﻪ ﻓــــﻦ املقاﻟــــﺔ اﻟﺬاﺗﻴــــﺔ َ " :وإىل
لهذه اﻟﺘﻌﺮﻳﻔــﺎت ﻳﻜﺸــﻒ ﻋــﻦ ﺳــﺒﺐ ﺗﺒﺎﻳﻨﻬﺎ ﺟﺎﻧــــﺐ ﻫــــﺬا املعنى ﻓﻘــــﺪ اﺳــــﺘﺨﺪم
،وﻓﻴﺎﻤ ﻳﻲﻠ ﻋﺮض ﻟﺒﻌﻀﻬا: ﻟﻔــــﻆ ﻣﻘﺎﻟــــﺔ مبعنى بحيث يف ﻣﺴــــﺄﻟﺔ
أ – أﺷﻬﺮ ﺗﻌﺮﻳـﻒ ﻟﻠﻤﻘﺎﻟـﺔ ﻫـﻮ ﻣـﺎ ذﻫـﺐ أو ﻣــــﺬﻫﺐ ﻣــــﻦ املذاهب اﻟﺪﻳﻨﻴــــﺔ ،
إﻟﻴـﻪ اﻟـﺪﻛﺘﻮر ﺟﻨﺴـﻮن ( )1709 – 1784م أو ﻓﺼــــﻞ ﺣﻴــــﺚ ﻳﻘﺴــــﻢ اﻟﻜﺘــﺎب إىل
اﻟـﺬي ﻳﻘـﻮل ﻓﻴـﻪ ":إن املقالة وﺛﺒــﺔ ﻋﻘﻠﻴــﺔ "ﻣﻘــﺎﻻت " ﻛــﻞ واﺣــﺪة ﻣﻨﻬــﺎ ﺗﻌــﺎلج بحثا
ﻻ ﻳﻨﺒﻐــﻲ أن ﻳﻜــﻮن لها ﺿــﺎﺑﻂ ﻣــﻦ ﻧﻈــﺎم، دﻳﻨﻴــﺎ أو ﻓﻠﺴــﻔﻴﺎ أو ﻋﻠﻤﻴــﺎ .وﻗــﺪ اﺳــﺘﺨﺪﻣﻬﺎ
وﻫــﻲ ﻗﻄﻌــﺔ إﻧﺸــﺎﺋﻴﺔ ﻻ تجري ﻋﻠــﻰ ﻧﺴــﻖ "أﺑــﻮ الحسن األشعري " يف ﻛﺘﺎﺑﻪ " ﻣﻘﺎﻻت
ﻣﻌﻠﻮم ،و مل ﻳﺘﻢ ﻫﻀﻤﻬﺎ ﰲ ﻧﻔﺲ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ،أﻣﺎ اﻹﺳـﻼميني" مبعنى املذهب ،وهذا املعنى نفسه
اﻹﻧﺸﺎء املنظم ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ املقال ﰲ ﺷﻴﺊ")8(. أبو حيان التوحيدي " يف وصفه ” الصاحب بن
عباد " يقوله :إن الرجل كثري املحفوظ ،حارض
وواﺿﺢ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ أن اﻟﺰﻣﻦ تجاوزه
الجـﻮاب ،ﻓﺼﻴﺢ اﻟﻠﺴﺎن ...وﻳﺘﺸﻴﻊ ملذﻫﺐ أيب
ﺑﺘﻄﻮر املقالة واﻧﻀﺒﺎﻃﻬﺎ .
ﺣﻨﻴﻔﺔ وﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺰﻳﺪﻳﺔ ")5(.
ب – ﺗﺬﻫﺐ داﺋﺮة املعارف الربﻳﻄﺎﻧﻴﺔ إىل " أن
وﻣﻦ اﻟﺒﺎحثني ﻣﻦ ﺣﺪد املقالة اﻷدﺑﻴـﺔ ﺑﺄنها
املقاﻟﺔ ﻫﻲ إﻧﺸﺎء ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﻄﻮل ﻳﻜﺘﺐ ﻧﺮﺜا
التي ﺗـﺪرس ﺷﺨﺼـﻴﺔ أو ﻇـﺎﻫﺮة أو اتجاها أو
ﻋـﺎدة ،وﻳﻌـالج ﻣﻮﺿــﻮﻋﺎ ﺑﻌﻴﻨــﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘــﺔ
أﺛـﺮا يف اﻷدب العريب القديم أو الحديث أو يف
ﺑﺴــﻴﻄﺔ ﻣــﻮﺟﺰة ،ﻋﻠــﻰ أن ﻳﻠﺘــﺰم اﻟﻜﺎﺗــﺐ
اﻷدب اﻷور اﻟﻐﺎﺑﺮ أو املعارص )6(.
ﺣــﺪود ﻫــﺬا املوﺿــﻮع وﻳﻜﺘــﺐ ﻋﻨــﻪ وﺟﻬــﺔ
فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ 255
ﻣﺮت ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻜﻮﻳﻦ مختلفة حتى وﺻﻠﺖ ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ ﻧﻈﺮﻩ ﻫﻮ ")9(.
اﻟﺮاﻫﻨﺔ. ج – وﰲ املوجزالحديث ﻟﻸدب اإلنجليزية " :
-2صـــﻌﻮﺑﺔ اﻟﺴـــﻴﻄﺮة ﻋﻠـــﻰ املقالة ﻣـــﻦ ﺗﺄﻟﻴﻒ غري ﻣﻄـﺮد ﻳﺘﻌﻠـﻖ موﺿـﻮع ﺧـﺎص داﻤﺋـﺎ
ﺟﺎﻧـــﺐ تحديدﻫﺎ ﺑﺈﻃـــار ﻻ تخرج ﻋﻨـــﻪ ، أﻗﺼـﺮ وأﻗـﻞ ّ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،أو ﻫﻲ بحث
ﻓﺎﻟﺘﻌﺮﻳﻔـــﺎت ﺗﺸـــﺘﻤﻞ ﻋﻠـــﻰ أﻟﻔﺎظ ﻳﻘﺪرﻫﺎ قصري)10( " .
ﻛـﻞ ﻛﺎﺗـﺐ أو ﻧﺎﻗـﺪ ﻛﻤـﺎ ﻳﺸـﺎء ،ﻣﺜـﻞ :ﻣﺘﻮﺳـﻂ د – ﺟﺎء ﰲ ﻗﺎﻣﻮس (إﻛﺴﻔﻮرد) اإلنجليزية :
،ﻣـﻮﺟﺰ ،ﺣـﺪود ،أﻗﺼـﺮ ،أﻗـﻞ ﻣﻨﻬﺠﻴـﺔ ،وﺟﻬﺔ " ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﻄﻮل ﺣﻮل ﻣﻮﺿﻮع ﺧﺎص ،
ﻧﻈﺮﻩ ،بحث ﻗصري ،ﻋﻔﻮﻳﺔ ،محدودة ،ﺮﺳﻳﻌﺔ. أو ﻓـﺮع ﻣـﻦ ﻣﻮﺿﻮع ،أو ﻗﻄﻌﺔ غري ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ
–3ذاﺗﻴـــﺔ اﻟﻜﺎﺗـــﺐ ﻛﻤـــﺎ ﺗشري اﻟﺘﻌﺮﻳﻔـــﺎت املدى")11(.
لـﻪ دﺧـــﻞ ﰲ ﺻـــﻠﺐ املقالـﺔ ﻣـــﻦ ﺟﻬـــﺔ ه – ﻳﻌﺮﻓﻬــﺎ محمد ﻳﻮﺳــﻒ نجم ﺑﻘﻮﻟــﻪ " :
ﻃﺮﻳﻘـــﺔ اﻟﺘﻨـــﺎول وتحدﻳـــﺪ املضمون ،ﻟﺬا ﻗﻄﻌــﺔ ﻧﺮﺜﻳــﺔ محدودة ﰲ اﻟﻄــﻮل واملوضوع
ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻧﻔﺴﻴﺎت اﻟكتاب وأﻓﻜﺎرﻫﻢ املختلفة ﺗﻜﺘــﺐ ﺑﻄﺮﻳﻘــﺔ ﻋﻔﻮﻳــﺔ ﺮﺳﻳﻌﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ
واملتباينة ﻋﻰﻠ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻓﻦ املقالة. اﻟﻜﻠﻔﺔ واﻟﺮﻫﻖ)12(" .
نخلص ﻣـﻦ ﻫــﺬا أن محاوﻻت ﺗﻌﺮﻳـﻒ ﻓــﻦ و -ﻳﻘﻮل ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻨﻘﺪ اﻷديب أﺻﻮﻟﻪ
املقاﻟـﺔ ﻛﻤـﺎ ﻫــﻲ الحال ﻣـﻊ ﻣﻌﻈــﻢ اﻟﻔﻨـﻮن وﻣﻨﺎﻫﺠﻪ " :أﻣﺎ املقالة ﻓﻬﻲ ﻓﻜـﺮة ﻛـﻞ ﺷـﻴﺊ
اﻷدﺑﻴـﺔ ﺳﺘﺴــﺘﻤﺮ اﺳﺘﻤﺮار ﺑﻘﺎء اﻟﻨﻮع اﻷدب وﻣﻮﺿـﻮع ﻓﻜﺮة واﻋﻴﺔ ،وﻣﻮﺿﻮع معني يحتوي
ﺣﻴﺎ ﻣﺘﻄﻮرا وﻣﺘﺪاﺧﻼ ﻣﻊ أﺟﻨﺎس أدﺑﻴﺔ أﺧﺮى. ﻗﻀﻴﺔ ﻳﺮاد بحثها ﻗﻀﻴﺔ تجمع ﻋﻨﺎﺮﺻﻫﺎ وﺗﺮﺗﺐ,
ﺑﺪاﻳﺔ اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ ﻲﻓ اﻟﻌﺎﻢﻟ بحيث ﺗـﺆدي إﱃ ﻧﺘﻴﺠـﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺮﺳﻮﻣﺔ
ﺗﻨﺘﻤــﻲ املقالة إﱃ ﺟــﻨﺲ اﻟﻨﺜــﺮ اﻷديب ﻣﻦ أول اﻷﻣﺮ .و ﻟﻴﺲ اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﻮﺟﺪاين ﻫﻮ
الحديث ،ﺣﻴــﺚ إﻧــﻪ مل ﻳﻌــﺮف ﻫــﺬا الجنس ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ وﻟﻜﻨﻪ اﻻﻗﺘﻨﺎع اﻟﻔﻜﺮي")13( .
اﻷديب ﻣــﻦ ﻗﺒــﻞ ،وإن ﻛــﺎن ﺑﻌــﺾ الباحثني ز -وﺟــــﺎء ﰲ ﻣﻌﺠــــﻢ ﻻروس ﺗﻌﺮﻳﻔــــﺎ
ﻳﺮدوﻧــﻪ إﱃ ﻋﺼــﻮر ﺳــﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﻘــﺪ ذﻛــﺮ ﻟﻠﻤﻘــــﺎل :املقال ﻫــــﻮ اﺳــــﻢ ﻳﻄﻠــــﻖ
ﺑﻌــﺾ الباحثني اﻷوروبيني أن ﺑﺪاﻳــﺔ املقاﻟــﺔ ﻋﻠــــﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑــــﺎت التي ﻻ ﻳــــﺪﻋﻲ ﺻــﺎﺣﺒﻬﺎ
ﻛﺎﻧـــﺖ ﻋﻨـــﺪ ليونان والرومان وﻋﻨـــﺪ ﺑﻌـــﺾ اﻟﺘﻌﻤــﻖ ﰲ بحثها أو اﻹﺣﺎﻃــﺔ اﻟﺘﺎﻣــﺔ ﰲ
الباحثني اﻟﻌــﺮب أنها ﻣﻮﺟـــﻮدة ﰲ اﻷدب ﻣﻌﺎلجتها ذﻟــﻚ أن ﻛﻠﻤــﺔ ﻣﻘــﺎل محاوﻟــﺔ أو
اﻟﻌـــﺮيب اﻟﻘـــﺪيم ،اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ واملقاﻣات واﻟﻔﺼﻮل ﺧــربة أو ﺗﻄﺒﻴﻘــﺎ ﻣﺒﺪﺋﻴﺎ أو تجرﺑﺔ أوﻟﻴﺔ.
،وﻟﻜن الحقيقة ﻫﻲ أن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﺮﺜ اﻷديب ﻓـــﻨﻼﺣﻆ ﻫﻨـــﺎ أن اﻟﻨﻘـــﺎد مل ﻳﺘﻔﻘـــﻮا
ﺟﺪﻳـﺪ ﻛـﻞ الجدة وﻟـﺪ ﺑﻌـﺪ ﻇﻬﻮر الجراﺋﺪ ﻋﻠـــﻰ ﺗﻌﺮﻳـــﻒ محدد ﻟﻠﻤﻘﺎﻟـــﺔ وﻟﻌـــﻞ
واملجالت وارﺗﺒﺎط ملقالة بهام ،ومل ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻠﺠﻨﺲ ذﻟـــﻚ ﻳﺮﺟـــﻊ ﻛﻤـــﺎ ﻳﺘﻀـــﺢ ﱄ ﻣـــﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ
اﻟﺒﺮﺸي أن ﻛﺘﺐ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع. ﰲ ﻛﻞ ﺗﻌﺮﻳﻒ إﱃ أﺳﺒﺎب ﻫﻲ :
أول ﻣﻦ اﺑﺘﺪع ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﺮﺜ رﺟﻞ ﻓﺮﻧﻲﺴ –1ﺗﻄﻮر اﻟﻨﻮع اﻷديب ﻋبر اﻟﻌﺼﻮر ،فاملقالة
256 يوليو 2019 جملة كرياال
واﺿــﺤﺎ ،إذا اﻋﺘــنى ﺑﺎﻟﻨﺎﺣﻴــﺔ الجامﻟﻴــﺔ ﻳﺪﻋﻰ ﻣﻴﺸﻴﻞ دي ﻣﻮنتني ،اﻟﺬي وﻟﺪ ﰲ ﻓﺮﻧﺴـﺎ
،واﻟﺰﺧﺮﻓﺔ اﻟﻠﻔﻈﻴﺔ ،وﺑﺪا أﺳﻠﻮﺑﻪ أﻓﻀـﻞ مام ﺳـﻨﺔ 1533م ،ودرس اﻟﻘﺎﻧﻮن وأﺻـﺒﺢ ﺑﻌـﺪ
ﻛـﺎن ﻋﻠﻴـﻪ ﰲ ﻣﻘﺎﻻﺗـﻪ اﻷوﱃ ،ﻓﻜﺎﻧـﺖ ﻛﻠﺎﻤﺗـﻪ ذﻟـﻚ ﻣﺴﺘﺸـﺎرا ﰲ ﻣﺪﻳﻨـﺔ ﻣﻮنتني ،وﺗﻘﻠـﺐ ﰲ
ﺗﻌـﱪ ﻋـﻦ آراﺋـﻪ ﰲ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ،ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ املناﺻـﺐ ﻟﻴﺼـﺒﺢ محاﻓﻈـــﺎ ملدﻳﻨـــﺔ ﻣﻮنتني يف
اﳌﻘﺎﻻت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻟﺴـﻠﻮﻛﻴﺎت وقت الحق ،وبعد تقاعده من املناصب الرسمية
اﻟﻨـﺎس اﻟﻴﻮﻣﻴـﺔ ،وﺛﺎﻟﺜـﺔ ﺣـﻮل اﻟﻔﻦ املعامري. سنة 1571م ،ﺳـــﻜﻦ ﰲ ﻣﺰرﻋــﺔ اﻟﻌﺎﺋﻠــﺔ ،
اﻧﺘﻘﻠﺖ املقالة ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ إىل اإلنجلرتا ﻋﻰﻠ وﺗﻔــﺮغ ﻟﻜﺘﺎﺑـــﺔ ﺧــﻮاﻃﺮﻩ وآراﺋــﻪ ،وﻛــﺎن
ﻳﺪ مجموعة ﻣـﻦ املقاليني اإلنجليزيني ،ﻣـﻨﻬﻢ ذﻟـــﻚ ﰲ 1572ﻋــﺎم ،ﺗﻠــﻚ الخواﻃﺮ ﻛﺎﻧـــﺖ
إﺑﺮاﻫـﺎم ﻛـﺎوﱄ ( 1618-1668م) ،مبا متتع ﺑـــﻪ يف مجموﻋﺔ ﻧﺮﺜﻳﺔ محاوﻻت )14(.
ﻣـــﻦ ﺛﻘﺎﻓـــﺔ ﻛﻼﺳـــﻴﻜﻴﺔ حربة ﰲ اﻟﺸـــﺆون ﺗﻠــﻚ املحاوﻻت ﻛﺎﻧــﺖ اﻟﺒــﺬرة اﻷوﱃ
اﻟﻌﺎﻣـــﺔ ،وأﺳـــﻠﻮب رﻗﻴـــﻖ ﰲ اﻟﻜﺘﺎﺑـــﺔ ، ﻟﻠﻤﻘﺎﻟــﺔ اﻟﺬاﺗﻴــﺔ ،والتى أﺻــﺒﺤﺖ ﻣﺜــﺎﻻ
وﺧﺎﺻـــﺔ أﻧـــﻪ ﺷـــﺎﻋﺮ مترس ﺑـــﻨﻈﻢ اﻟﺸـــﻌﺮ، يحتذى ملن ﺟــﺎء ﻣــﻦ ﺑﻌـﺪﻩ ،وﺗﻠـﻚ املحاوﻻت
وﻣـــﺎ ﻳﺘﻄﻠﺒـــﻪ ﻣـــﻦ رﻗـــﺔ ﰲ اﻷﻟﻔـــﺎظ وﺟـﺪت لها ﺻــﺪى ﰲ أورﺑـﺎ واﻧﺘﻘﻠــﺖ إﱃ إنجلرتا
،وﺧﻴـــﺎل ﺧﺼـــﺐ واﻟﺸــﺎﻋﺮ واﻟﻜﺎﺗــﺐ ﺑﺎﻟـﺬات ،ووﺟــﺪت ﻣـﻦ ﻳﻘﻠــﺪﻫﺎ وﻳﻜﺘــﺐ
املرسﺣﻲ درﻳــﺪن ( )1631 - 1700م ووﻟــﻴﻢ ﺧــﻮاﻃﺮﻩ ،وﻟﻜــﻦ ﻳﻈﻬــﺮ رﺟــﻞ آﺧــﺮ ﻳــﺮى
وﻳﺸرىل اﻟﻜﺎﺗــب املرسﺣﻲ ( )1716 -1640م رأﻳــﺎ مخالفا ملونتني ،وﻳﻜﺘــﺐ ﻣﻘــﺎﻻت أﺧــﺮى
اﻟــــﺬي رﺣــــﻞ إﱃ ﻓﺮﻧﺴــــﺎ ،وﺗﺸــــﺮب ﺗﻜــﻮن ﻧﻮﻋــﺎ آﺧﺮ أﻻ وﻫﻮاملقاﻟﺔ املوﺿﻮﻋﻴﺔ.
اﻟﺜﻘﺎﻓــــﺔ اﻷدﺑﻴــــﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴــــﻴﺔ ،ثم رﺟــــﻊ راﺋﺪ املقاﻟﺔ املوﺿﻮﻋﻴﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن ،
إىل إنجلرتا ،وﻣــــﺎرس اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ. اﻟﺬي وﻟﺪ ﰲ ﻟﻨﺪن ﺳﻨﺔ 1561ودرس يف كامربدج
دور اﻟﺼﺤﻒ واﻤﻟﺠﻼت ﻲﻓ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻤﻟﻘﺎﻻت ،وﻟﻜﻨـﻪ مل ﻳﺴـــــﺘﻄﻊ الحصول ﻋﻠـــــﻰ
اﻷورﺑﻴﺔ وﻇﻴﻔـــــﺔ رسمية ،ﺑﺴـــــﺒﺐ ﻣﻌﺎرﺿـــــﺘﻪ
ﻛﺎن ﻟﻈﻬﻮر اﻟﺼـﺤﻒ واملجالت اﻷﺛـﺮ اﻟﻜبري ﰲ ﰲ الربملان لربنامج امللكية إﻟﺰاﺑﻴـــــﺚ اﻷوﱃ
ﺗﻄـﻮر املقاﻟـﺔ وﺧﺎﺻـﺔ واملجالت اﻷدﺑﻴـﺔ ،ﻓﻔـﻲ ﻟﻠﺮﻀاﺋﺐ ﻟﺬا ﻋﻤﻞ ﰲ املحامات ،ومل ﻳﺴﺘﻄﻊ
ﺳـﻨﺔ 1709م أﺻــﺪر رﻳﺘﺸــﺎرد ﺳــﺘﻴﻞ (1729 الحصول ﻋﻰﻠ ﻣﻨﺼـﺐ رسمي إﻻ ﺑﻌـﺪ وﻓـﺎة
– ) 1672م ﺻــﺤﻴﻔﺔ أسامﻫــﺎ "اﻟﺮﺜﺛــﺎر" امللكة ،وﺗﻨﻘـﻞ ﰲ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ إﱃ أن أﺻﺒﺢ اﻟﻨﺎﺋﺐ
ﺧﺼــﺺ ﻧﺼــﻔﻬﺎ ﻟﻸﺧﺒـﺎر ،واﻟﻨﺼـﻒ اﻵﺧـﺮ اﻟﻌﺎم ﻋﺎم 1613م.
ﻟﻠﻤﻘـﺎﻻت اﻟـتي ﻛـﺎن ﻳﻜﺘﺒﻬـﺎ ،ثم ﺳـﺎﻋﺪﻩ ﻧﺮﺸ ﺑﻴﻜﻮن أوىل ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ املوﺿﻮﻋﻴﺔ ﺳﻨﺔ 1597
ﺻـﺪﻳﻘﻪ ﺟﻮزﻳـﻒ أدﻳﺴــﻮن ( )1719 -1672م م ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺸـﺮ ﻣﻘـﺎﻻت ﺳﻴﺎﺳـﻴﺔ ،وﻗـﺎم ﺑﻨﺸـﺮ
ﺣىت ﺗﻮﻗﻔﻬــﺎ ،ثم أﺻــﺪر مجلة أﺧــﺮى ﺑﻌﻨــﻮان مثاين وثالثني ﻣﻘﺎﻟـــﺔ ﺳـــﻨﺔ 1612م واملقاﻻت
"املراﻗــﺐ" وبهــﺎتني مجلتني ﺗﻄــﻮرت املقاﻟــﺔ التي ﻧﺸـــﺮﻫﺎ ﻋـــﺎم 1625م ﻛﺎﻧـــﺖ خمسا
ﺗﻄــﻮرا ﻛبرية ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ املحتوي ،واتجهت وﻋﺸـــﺮﻳﻦ ﻣﻘﺎﻟـــﺔ ﻣﻮﺿــﻮﻋﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬــﺎ مل
ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ملضاﻫﺮ الحياة ،وﻧﻘـﺪ املجتمع، تخل ﻣــﻦ ﻋﻨﺼــﺮ ذايت ،وﻛــﺎن ﺗــﺄثري ﻣــﻮنتني
فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ 257
واﻟﺼــﺤﻔﻴﻮن اﻷدﺑــﺎء لهم أكرب اﻷﺛــﺮ ﰲ ﺗﻄــﻮر وﻛـﺬﻟﻚ ﺗﻄـﻮر أﺳـﻠﻮب اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻇﻬﺮ أﺳﻠﻮب
أﺳــﻠﻮب املقالة ،ﻷنهم يجمعون بني اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ إﻧﺸﺎﻲﺋ ﺟﺪﻳﺪ.
واﻷدب ،وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻜﺘﺎب. ﺗـــﺄﺛﺮت املقالة ﺑــــﺮأي الجمهور واﺧﺘﻠﻔــــﺖ
وﺗــﺄﺛﺮ اﻟﻜﺎﺗــﺐ ﺗﺸــﺎرﻟﺰﻻم ﻄﺮﻳﻘــﺔ ﻋـــﻦ املحاوالت السابقة ،وﻛـــﺎن اﻟﻜﺎﺗــــﺐ
اﻟﻜﺎﺗــﺐ اﻟﻔﺮﻧﺴــﻲ ﻣــﻮنتني ،ﻓﻜﺎﻧــﺖ أﻓﻜــﺎرﻩ ﺣـــﺮا ﰲ اﺧﺘﻴــــﺎر املوضوع ،وﻧﻘﺪ املجتمع
وآراؤﻩ ﻣﻮﺿــﻮﻋﺎت ملقاالته ،أﻣـــﺎ ﻫﺎزﻟـــﺖ وﻋﺎداﺗﻪ اﻟﺴﻴﺌﺔ ،واتجهت اتجاها اﺻﻼﺣﻴﺎ وﺧﺎﺻﺔ
ﻓﻜﺎﻧـــﺖ ﻣﻘﺎﻻﺗـــﻪ ﺗﺸـــﺒﻪ اﻟﺒﺤـــﻮث ،وﻫـــﻲ ﺑﻌـﺪ ﻋـﻮدة امللكية ومتتع املجتمع بالحرية
ﻣﻘـــﺎﻻت ﻧﻘﺪﻳـــﺔ ،ﺗﻌـــﺮض ﻓﻴﻬـــﺎ ﻟـــﻸدب ،وبروز الطبقة الوسطى ,فاملت املجالت إﱃ
،املرسح ،وأراد اﻛﺘﺸـﺎف شكسبري ،وتحدث ﻧﺎﺣﻴــﺔ اﻹﺻـــﻼح ،وﻛـــﺎن ﻟﻠﻤﻘﺎﻟـــﺔ اﻟﻴـــﺪ
ﻋـﻦ أهمية املرسح ،ﻋﺎرﺿـﺎ آراء ﻣـﻦ ﺳـﺒﻘﻮﻩ ﰲ اﻟﻄـــﻮﱃ ﰲ ذﻟﻚ ،وأﺧﺬت املجالت والصحف
اﻟﻘـﺮن اﻟﺘﺎﺳـﻊ ﻋﺮﺸ ،ومل ﻳﻜﺘﻒ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻖ ﺗﻨﺮﺸ اﻷﺧﺒـﺎر اﻻﺟﺘﺎﻤﻋﻴـﺔ ،واﻷزﻳـﺎء ،واﻷدب
ﻋﻰﻠ اﻷﺧﺒﺎر ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ املقالة ذات ﺑﻌﺪ أديب وﻛـﻞ ﻣـﺎ ﻳﺸـﻐﻞ أذﻫـﺎن اﻟﻨﺎس )15(.
وﻧﻘﺪي . ﺗﻄـــﻮرت املقالة اﻷورﺑﻴـــﺔ ﰲ اﻟﻘـــﺮن
ﻛﺎن ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻜﺎﺗﺐ دور ﰲ ﺗﻄﻮر املقالة، اﻟﺘﺎﺳـــﻊ ﻋﺸـــﺮ ﺗﻄـــﻮرا كبريا ،ﺑﻔﻀـــﻞ
وحتى ﻟـﻮ أﺧﻔـﻰ اﻟﻜﺎﺗـﺐ اسمه ﻋـﻦ اﻟﻘـﺮاء ﺷـــﻴﻮع اﻟﺼـــﺤﻒ واملجالت األدبية ،وﻇﻬـــﺮ
،ﻓﻜﺎﻧـﺖ ﺷﺨﺼــﻴﺘﻪ ﻇــﺎﻫﺮة ﻣــﻦ ﺧــﻼل ﻛﺘـــﺎب ﻣـــﻦ أﻣﺜـــﺎل :ﺗﺸـــﺎرﻟﺰﻻم (1834م
أﺳــﻠﻮﺑﻪ املميز ،ومل ﻳﻜــﻦ همه اﻹﺻــﻼح – )1775م كان ﺷـــﺎﻋﺮا إﱃ ﺟﺎﻧـــﺐ ﻛﺘﺎﺑـــﺔ
واﻟﻌﻈــﺔ ،ﻛﻤــﺎ ﻛــﺎن ﰲ اﻟﺴــﺎﺑﻖ ،ﺑــﻞ ﻛــﺎن املقالة ،وﱄ ﻫﻨـــــــــﺖ ( 1859م – )1774م
ﻳﻜﺘــﺐ بحسب ﻣــﺎ يحلو ﻟــﻪ ،وﻳﺘﻨــﺎول ووﻟـــــــــﻴﻢ ﻫﺰﻟـــــــــﺖ ( 1830م – )1778
املوضوعات التي ﺗﻮاﻓــﻖ ﻓﻜــﺮﻩ ،أو التي م ،اﻟﻜﺎﺗـــــــــﺐ واﻟﺼﺤﻔﻲ واﻟﻨﺎﻗﺪ اﻷديب ،
ﺗــﺮوق ﻟﻠﻨــﺎس أﺣﻴﺎﻧــﺎ ،وأﺣﻴﺎﻧـﺎ ﻻ ﻳﻠﺘﻔــﺖ وﻇﻬﺮت أوﱃ ﻣﻘﺎﻻﺗـﻪ ﺳـﻨﺔ 1792م ،واﺗﺼـﻞ
إﱃ رﺳـﺎﺋﻞ اﻟﻘــﺮاء ،أو ﻣﻜﺎملاتهم ،ﻓﻜـﺎن ﺣــﺮا ﺑﻜﺒـﺎر اﻟﻨﻘـﺎد ،وﻇﻬـﺮت ﻣﻮﻫﺒﺘـﻪ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ،ﻣﻦ
ميارس اﻟﻜﺘﺎﺑــﺔ باملوضوع اﻟـﺬي يحلو ﻟــﻪ ، ﺧﻼل ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ ومحرضاته وﺗﻮﻣﺎس دي ﻛﻮﻳﻨﻲﺴ (
وﻫﺬا أﻋﻄﺎﻩ ﺣﺮﻳﺔ الحركة . )1785 - 1859م .
ﻛﺎﻧــﺖ املقالة اﻟﺼــﺤﻔﻴﺔ ﰲ اﻟﻘــﺮن اﻟﺜــﺎﻣﻦ أﺻـــﺒﺤﺖ املقالة ﺗﺘﻤﺘـــﻊ ﺑـــﺮوح أدﺑﻴـــﺔ
ﻋﺸــﺮ قصرية ،وﻟﻜﻨﻬــﺎ متتعت ﺑــﺎﻟﻄﻮل ﰲ ﻋﺎﻟﻴـــﺔ ،وﻛـــﺎن اﺧﺘﻴـــﺎر املوضوع ﻣـــﻦ
اﻟﻘــﺮن اﻟﺘﺎﺳــﻊ عرش ﺑﺴﺒﺐ اﻧﺘﺸﺎر ﻣﻮﺟﺔ ﻣﻬـــﺎم اﻟﻜﺎﺗـــﺐ ،ﻓﻬـــﻮ اﻟـﺬي يختار وﻳﻜﺘـﺐ
اﻟﺮوﻣﺎﻧﻄﻴﻘﻴـﺔ ،وﺗـﺄﺛﺮ الكتاب بها وﻫـﻲ التي ﻛﻴﻔﻤـﺎ ﻳﺸـﺎء ،وﻛـﺎن ﻻﺗﺴـﺎع ﻣﻮﺿـﻮﻋﺎت
ﺻـﺒﻐﺖ الحياة اﻷوروﺑﻴـﺔ ،واﻟﺘـﻒ اﻟﻜﺘــﺎب املقالة التي شملت جميع ﻣﻨـﺎﺣﻲ الحياة اﻷﺛــﺮ
ﺣــﻮل أﻧﻔﺴــﻬﻢ ،يدبجون املقاالت اﻟﺬاﺗﻴــﺔ، الكبري ﰲ ﺗﻄﻮر املقالة ،وﻛﺎﻧـﺖ ﺗﻌﺘﻤـﺪ ﻋﻠـﻰ
وﻳﻔﻠﺴــﻔﻮن املقاالت املوضوعية ،وﺟــﺎروا ﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻜﺎﺗـﺐ ،وﻣـﺪى ﻣﻌﺮﻓﺘـﻪ ﺑﺘﻨـﺎول ﺗﻠـﻚ
اﻟﺸــﻌﺮ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻪ ،وﺗﺄﺛﺮ بهم اﻟﻨﺎس املوضوعات التي شملت الحياة ﺑﺄﺳــﺮﻫﺎ ،
258 يوليو 2019 جملة كرياال
،ﻓﻬــﻮ يبني ﻣﻐﺰى الخرب وﻣﻀﻤﻮﻧﻪ وﻣﻌﻨﺎﻩ ﻣﻦ ،أمنا ﺗﺄﺛﺮ)16(.
اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ أو اﻻﺟﺘﺎﻤﻋﻴﺔ أواﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أو ﻛﺎن ﻟﻈﻬﻮر املجالت اﻷدﺑﻴﺔ اﻷﺛـﺮ األكرب
اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ. ﰲ ﺗﻄـﻮر املقالة ،ﻓﺄﺻـﺪرت ﺑﻌـﺾ اﻷﺣـﺰاب
املقال ﻳﺸﺎرك ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻌﻠﻴﺔ ﰲ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻷﻣﺔ املجالت أدﺑﻴــــﺔ ،وﺷــــﺠﻌﺖ ﻛﺘــــﺎب
ﺗﻮﺟﻴﻬﺎ ﺻﺤﻴﺤﺎ وﺳـﻠﻴﺎﻤ ،ﻛﻤـﺎ ﻳﺸـﺎرك ﰲ ﺗﺜﻘﻴﻔﻬـﺎ املقاالت ﻟﻠﻜﺘﺎﺑــــﺔ ﻓﻴﻬــــﺎ ،ملا ﺗﺘﻤﺘــــﻊ ﺑــــﻪ
ﺗﺜﻘﻴﻔـﺎ ﺳﻠﻴﺎﻤ أﻳﻀﺎ ﰲ ﻛﻞ مجاالت الحياة ،وﻗﺪ ﻣــــﻦ سمعة ﺣﺴــــﻨﺔ ،ورﺻــــﺎﻧﺔ ﰲ ﻃــــﺮح
ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻜس متاما ،ﻓﻜﺎﺗﺒﻪ ﻳﺴﺘﻐﻞ اﻷﺧﺒـﺎر املوضوعات املختلفة ،ﻛﺎﻤ أن ﻫﺬﻩ املجالت
املختلفة وﻳﺼـﺐ ﻓﻴﻬـﺎ ،وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺗﻮﺟﻴﻬﻴﺔ إﱃ ﺳﺎﻳﺮت اﻟﺘﺠﺪﻳـﺪ ﰲ الحياة ،وﺗﺒـﻊ اﻟﺼـﺤﻔﻴﻮن
ﻣﺎ ﻳﺮاﻩ ﻫﻮ أو ﻳﺮاﻋﻰ ﻓﻴﻪ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم ووﺟﻬـﺔ ذﻟـﻚ اﻟﺘﻄـﻮر ،ﻟﺬا كانت املجالت اﻷدﺑﻴﺔ خري ﻣﺎ
ﻧﻈـﺮﻩ أو وﺟﻬـﺔ ﻣﺆﻳـﺪﻩ وﻣﻨﺎﻓﻘـﺔ ملجموعة أو ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺗﻄﻮر املقالة اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ .
ﺣﺰب أو ﻧﻈﺎم معني. ﻗــﻴﺾ اﷲ ﻟﻠﻤﻘﺎﻟــﺔ أن تخطو ﺧﻄــﻮات
وﻗـــﺪ ﻗﺴـــﻢ اﻟﻜﺘـــﺎب ورﺟـــﺎل اﻹﻋـــﻼم كبرية ﰲ اﻟﻘــﺮن اﻟﺘﺎﺳــﻊ ﻋﺸــﺮ ﻋﻨــﺪﻣﺎ
واﻟﺼـــﺤﺎﻓﺔ " املقال " إﱃ ﺛﻼﺛـــﺔ أﻗﺴـــﺎم ﻫـــﻲ ازدﻫــﺮ اﻟﻨﻘــﺪ اﻷديب ،وﻇﻬــــﺮت املجالت
:املقال اﻷديب ،املقال اﻟﻌﻠﻤﻲ املقال اﻟﺼﺤﻔﻲ " املختصة ﺑــــﺎﻷدب ،وﺗﻀــــﺎﻋﻒ ﻋــــﺪد
.وﻟﻜﻞ ﻗﺴـﻢ ﻣـﻦ ﻫـﺬﻩ اﻷﻗﺴـﺎم اﻟﺜﻼﺛـﺔ أﻧـﻮاع ﻛﺘــــﺎب اﻷدب ﻣــــﻦ اﻟﺸــــﻌﺮاء واﻷدﺑــــﺎء
وأﺷـﻜﺎل ﺧﺎﺻـﺔ ﺑـﻪ .وﻣـﻊ ﻫﺬا ﻻ ميكن اﻟﻔﺼﻞ واملفكرين األوربيني اﻟﺬﻳﻦ أﺛﺮوا ﺗﻠﻚ املجالت
اﻟﺘﺎم بني ﻫﺬﻩ اﻷﻗﺴﺎم واﻷﻧﻮاع .وذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺑﺈﻧﺘﺎﺟﻬﻢ ،ﻗﺎم اﻟﻨﻘﺎد ﺑﺪراﺳﺔ ذﻟـﻚ اﻹﻧﺘـﺎج.
ﺗﺪاﺧﻠﻬﺎ وﺗﻼﻗﻴﻬﺎ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن. وﻛـﺎن وﺻـﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌـﺔ يف اﻟﻮﻻﻳـــﺎت املتحدة
ﻛــﺎن املقال ﻗــﺪميا ﻳﺼــﺎغ وﻳﻜﺘــﺐ ﺑﻠﻐــﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴـــﺔ ،ﻣـــﺪﺧﻼ لدخولها ﰲ ﻣﻨﺎﻓﺴـــﺔ
ﻓﻴﻬــﺎ اﻟﺼــﺪق واﻟﺪﻗــﺔ واﻷﻣﺎﻧــﺔ واﻟﺘﻜﻠــﻒ الجرائد و املجالت يف ﺟـــﺬب ﻛﺒـــﺎر اﻟﻜﺘـــﺎب
اﻟﻠﻐــﻮي واﻷديب أﻣــﺎ اﻟﻴــﻮم ﺗﻄــﻮر اﻟﺼــﺤﺎﻓﺔ ،وأﺻـــــﺒﺤﺖ ﺷـــــﻬﺮة ﻛﺘـــــﺎب أﻣﺮﻳﻜـــــﺎ
ﻳﻜﺘــﺐ ﺑﻠﻐــﺔ ﻣﺸــﺒﻌﺔ ﺑﺎﻷوﻫــﺎم والخيال ﻗـــــﺪوة ﻟﻐـــــريهم ،وﺗﻔـــــﻮق ﺑﻌـــــﺾ
واﻟﺰﻳــﻒ واﻟﻜــﺬب والخداء ،ﻣﻠﻔــﻮف ﺑﻐﻄــﺎء ﻛﺘﺎبها يف املجال اﻷدب ﻋﻠـــــﻰ ﻧﻈـــــﺮاﺋﻬﻢ
ﺑــﺮاق ،يجر إﱃ اﻟﺘﺸﻮﻳﻖ واﻹﻏﺮاء حتى ﻳـﺘﻤﻜﻦ األوربيني ،وأﺻــﺒﺤﺖ اﻟﻨﻈﺮﻳــﺎت اﻷدﺑﻴــﺔ ﺗﻘــﻮم
ﻣـﻦ اخرتاق ﻓﻜـﺮ اﻟﻘـﺎرئ ﰲ ﻏﻔﻠـﺔ ﻣـﻦ ﻋﻘﻠـﻪ ﰲ أﻣﺮﻳﻜــﺎ حتى وإن ﻇﻬــﺮت ﻋﻠــﻰ أﻳــﺪي
وﺻـﺤﻮة ﻣـﻦ ﻏﺮاﺋـﺰﻩ ﻹﻛـﺮاﻩ اﻟﺬوق اﻟﺒﺮﺸي ﻋﻠﻤــﺎء أوروﺑــﺎ ،ﻟﺴــﻌﺔ ﻣﺴــﺎﺣﺔ أﻣﺮﻳﻜــﺎ،
ﻋﻰﻠ ﻗﺒﻮل ﻣﺎ ﻳﺮاﻩ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺪﻋﺎﻤ بتربير اﻟﻮاﻗـﻊ واﺳــﺘﻘﻄابها لكثري ﻣــﻦ املثقفني واﻟﻌﻠﻤــﺎء
اﻟـﺬي ﻻ ﻳﺼـﺢ أن ﻳﻜـﻮن ﻣـﻦ الخيال والتخمني ﺟﻌــﻞ ﻣﻨﻬــﺎ ﻣﺮﻛــﺰا ﻟﻠﻌﻠــﻢ املعرفة واﻻزدﻫــﺎر
اﻟﺬي ﻳﻮﻫﻢ اﻟﻜﺎﺗﺐ أﻧﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ..أو ﻣﻦ اﻷﺧﺒﺎر الحضاري ()17
واﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺘﻘـﺪم اﻤﻟﻘﺎل :أﻫﻤﻴﺘﻪ ووﻇﺎﺋﻔﻪ
واﻟﺘﻄـﻮر واﻟﻌﻠـﻢ " .وﻗﺒـــﻞ اﻟﻜـــﻼم ﻋـــﻦ إذا ﻛـﺎن الخرب ﻳﻌـﺪ اﻟﻮﻇﻴﻔـﺔ اﻷوﱃ واﻷﺳﺎﺳـﻴﺔ
" املقال ﰲ املفهوم اﻹﺳـــﻼم أو ﻣـــﺎ يجب أن ﻟﻠﺼـﺤﺎﻓﺔ فاملقال ﻳـﺄيت باملرتبة اﻟﺜﺎﻧﻴـﺔ ﺑﻌـﺪ الخرب
فن اﻤﻟﻘﺎﻟﺔ العربية وﺗﻄﻮرها ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ 259
بحثها أو اﻹﺣﺎﻃﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ ﰲ معالجة ﻣﻮﺿﻮﻋﺎتها ﻳﻜـــﻮن ﻋﻠﻴـــﻪ ﰲ ﺻـــﺤﺎﻓﺘﻨﺎ ﻧﺘﻌـــﺮف أوﻻ-
اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﺎﻤﻋﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼـﺎدﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ . بإيجاز ﻋﻰﻠ ﻣﺎﻫﻴﺔ املقال .ﻳﺮى ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﺎب
وإﻟﻘــﺎء اﻟــﺮأي ﻓﻴﻬــﺎ ﺑﻮﺟﻬــﺔ ﻧﻈــﺮ ﺷﺨﺼــﻴﺔ ورﺟﺎل اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ أن املقال ﻣـﺎ ﻫـﻮ إﻻ رأي ﰲ
،تخص اﻟﻜﺎﺗــﺐ ،أو ﻓﻜــﺮة ﻣﻌﻴﻨــﺔ ﰲ ﻣﻮﻗــﻒ ﻗﻀـﻴﺔ ﻣﻬﻤـﺔ ﻳﺼﺎغ ﺑﻌﺒﺎرة ﻗﻮﻳﺔ ")18(.
ﻣــﻦ املوافق التي ﺗﻌــﺞ بها الحياة وﻗــﺪ تخص وﻳــﺮاﻩ آﺧــﺮون ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ ﻓــﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴــﻖ
ﻫــﺬﻩ اﻟﻔﻜــﺮة اﻟــﺮأي اﻟﻌــﺎم ،أو ﺟﻬــﺔ ﺣﺰﺑﻴــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻫــﺬﻩ اﻷﺧﺒــﺎر املختلفة .واملقال ﻳﻄﻠــﻖ
أو ﺣﻜﻮﻣﻴــﺔ ﻣﻌﻴﻨــﺔ .وﻗــﺪ ضد تخالف ﻫﺬﻩ ﻋﻠــﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑــﺔ التي ﻻ ﻳﺪﻋﻰ أﺻﺤابها اﻟﺘﻌﻤﻖ يف
اﻟﻔﻜﺮة أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ أو ﻣﺎ يجب أن ﻳﻜﻮن.
الهوامش
عبد القادر رزق الطويل ،املقالة يف أدب العقاد ، .10 محمد بن مكرم بن عيل أبو الفضل جامل الدين ابن 1
القاھرة ،الدار املرصية اللبنانية 1987،م ص ٣١ منظور األنصاري ،لسان العرب ،دار صادر بريوت ،
محمد يوسف نجم ،فن املقالة ،بريوت :دار الثقافة .11 جزء ٤
،ط 1988 ، 4م ،ص ٩٥ من اآلية سورة فصلت 23 - 2
سيد قطب :النقد األديب أصوله ومناھجه ،دار الفكر .12 د .محمد عوض ،فن املقالة األدبية ،القاھرة 1959 ، .3
العريب ،ص ٩٦ ،ص 29
د .عبد الله القتم :أدب املقالة العربية املتحدة ، .13 د .السيد مريس أبو ذكري ،املقال وتطوره يف األدب .4
كلية اآلداب ،جامعة الكويت ،ص٣٤ املعارص ،دار املعارف ، 1982 ،ص ١٢-١١
د .محمد يوسف نجم :فن املقالة ،دارالثقافة ، .14 د .ربعي عبد الخالق :فن املقالة الذاتية ،دار املعرفة .5
بريوت 1966 ،إسامعيل إبراھيم :فن املقال الصحفي الجامعة ،ص١٤-
،القاھرة ،دار الجيل , 2000ص ٩٨ د .أحمد ھيكل :تطور األدب الحديث يف مرص ،دار .6
د .عامرة .اإلعالم يف ضوء اإلسالم ص ٢٥١ .15 املعارف ، 1968ص٤١٦-
توماس بريي .الصحافة اليوم .ترجمة مروان الجابري، .16 د .إبراھيم إمام :دراسات يف الفن الصحفي ،األنجلو .7
ص ٢٩٥ املرصية ١٩٧٢ ،
.الدكتور عبد اللطيف حمزة .الصحافة واألدب ،ص 1 7 عبد العزيز رشف ،أدب املقالة ،بريوت ،مكتب لبنان .8
١٥ ،1997ص ٧
فؤاد توفيق العاين :الصحافة اإلسالمية ودورھا يف .18 عبد العزيز رشف ،أدب املقالة ،بريوت ،مكتب لبنان .9
الدعوة ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ص .١ ،1997ص ٧
املصادر واملراحع
ذكري •لسان العرب ،محمد بن مكرم بن عيل أبو الفضل
•فن املقالة الذاتية ،د .ربعي عبد الخالق جامل الدين ابن منظور األنصاري
•تطور األدب الحديث ،د .أحمد ھيكل •فن املقالة األدبية ،د .محمد عوض ،
•دراسات يف الفن الصحفي ،د .إبراھيم إمام •املقال وتطوره يف األدب املعارص ،د .السيد مريس أبو
•أدب املقالة ،عبد العزيز رشف
260 يوليو 2019 جملة كرياال
•اإلعالم يف ضوء اإلسالم ،د .عامرة •املقالة يف أدب العقاد ،عبد القادر رزق الطويل
•الصحافة اليوم ،توماس بريي . •فن املقالة ،د .محمد يوسف نجم
•الصحافة واألدب ،الدكتور عبد اللطيف حمزة . •النقد األديب أصوله ومناھجه ،سيد قطب
•الصحافة اإلسالمية ودورھا يف الدعوة ،فؤاد توفيق •أدب املقالة العربية املتحدة ،د .عبد الله القتم
العاين • فن املقال الصحفي ،إسامعيل إبراھيم
FORM IV
(See Rule 8)
I, Dr. Thajudeen A S, hereby declare that the particulars given above are true to the best
of my knowledge and belief.
(Signature of Publisher)
Sd/- Dr. Thajudeen A S
262 2019 يوليو جملة كرياال
cal freedom has to be accompanied by (Carfano). For groups that have felt po-
a society literate enough and densely werless against repressive regimes,
connected enough to discuss the is-sues social media’s tech-nological leveling of
presented to the public (Shirky). “The the political playing field provides one of
real lesson is that the cyber-verse gives no the most important components of any
side a decisive, unassaila-ble advantage” successful revolution – hope.
References
• Amin, Ramtin. «The Empire Strikes Back: • Cottle, Simon. “Media and the Arab Uprisings of
Social Media Uprisings and the Future of 2011: Research Notes.” Journalism 12.5 (2011):
Cyber Activism.» Kennedy School Review 647-659. Print.
10.15350215 (2009): 64-6. ProQuest. Web. 21
Feb. 2012. • Etling, Bruce, Robert Faris, and John Palfrey.
“Political Change in the Digital Age: The Fragility
• Cambanis, Thanassis. «Weekend: Now what? and Promise of Online Organizing” SAIS Review
They Came Together to Topple Mubarak, but 30.2 (2010): 37-49. ProQuest. Web. 16 Feb.
can Egypt’s Revolutionaries Agree on what 2012.
Comes Next?.» The Guardian: 26. ProQuest. Aug
13 2011. Web. 22 Feb. 2012. • Giroux, Henry A. “The Iranian Uprisings and
the Challenge of the New Media: Rethinking the
• Carafano, James. «Successful Revolution Takes Politics of Representation.” Fast Capitalism 5.2
More than Social Media.» The Examiner: n/a. (2009). Web. 16 Feb. 2012.
ProQuest. Feb 22 2011. Web. 22 Feb. 2012.
• Gladwell, Malcolm. «Small Change.» The New
• Castells, Manuel. The Information Age: Yorker Oct 04 2010: 42. ProQuest. Web. 22 Feb.
Economy, Society, and Culture. Vol. 2, The Power 2012.
of Identity. Oxford: Blackwell, 1997. Print.
• «Grasp of Social Media Not enough to Instigate
• Chrisafis, Angelique. «Tunisia Uprising: Change in Lebanon.» The Daily Star: n/a.
Gang Violence Taints Celebration of Tunisias ProQuest. Mar 16 2011. Web. 22 Feb. 2012.
Jasmine Revolution: The Sudden Flight of
Ousted President Zine Al-Abidine Ben Ali and • Hodge, Nathan. “Inside Moldova’s Twitter
His Fam-ily has Left a Mood of Confusion and Revolution.” Wired.com. Condé Nast Digital, 8
Fear. Soldiers and Tanks Control Central Tunis, Apr. 2009. Web. 16 Feb. 2012.
but Armed Gangs Continue to Loot and Burn • Hughes, John. «Will Arab Worlds Freedom Wave
Amid Worries that the Ex-Dictators Militia are Reach Iran Or China?» The Christian Science
Involved.» The Observer: 4. ProQuest. Jan 16 Monitor: n/a. ProQuest. Mar 17 2011. Web. 21
2011. Web. 21 Feb. 2012. Feb. 2012.
• Christensen, Christian. “Discourses of • Hulaimi, Wan A. «It’s a Social Media Revolution
Technology and Liberation: State Aid to Net in the Mid East.» New Straits Times: 21.
Activists in an Era of ‘Twitter Revolutions’.” ProQuest. Feb 27 2011. Web. 22 Feb. 2012.
Communication Review 14.3 (2011): 233-253.
Print.
25
266 2019 يوليو
MAJALLA كرياالJULY
KAIRALA, جملة2019
Tahrir Square under the watchful eye of a to the protests a distinct agenda - labor
military that was loath to turn on citizens. unionists, socialists, liberal NGO [non-
To thwart the protestors, the government government organizations] workers and
sought to block access to Facebook and more conservative religious activists.
Twitter and severely restrict access Finally, there were the hundreds of
to the Internet. The strategy failed thousands of angry and apolitical
because the insurgents, with help from Egyptians sick of Mubarak’s police state”
supporters around the world, were (Cambanis).
able to subvert the censorship. Also,
Internet restrictions negatively affected Lebanon, Syria, and Libya
companies’ and the government’s “As the protests spread across the
ability to do business. Under increasing Arab world, activists in Lebanon began
domestic and international pressure, to unite with the goal of ‘ousting the
longtime Prime Minister Hosni Mubarak sectarian system.’ These activists
resigned February 11, 2011, following managed to reach around 15,000 people
18 days of protests. through a Facebook group entitled “In
“With a population of about 80 million favor of ousting the Lebanese sectarian
and median age of 24, Egypt has nearly system – towards a secular system.”
4 million Facebook users, representing The group is comprised of youth from
about 5% of the population.” (“Middle different sects, regions, and cultural
East”) During the week before Mubarak’s backgrounds” (“Social Media Creating
resignation, the total rate of tweets from Social Awareness”). However, it was the
Egypt – and around the world – about sectarian and divided nature of Lebanese
political change in that country increased youth partisanship that rendered it
from 2,300 a day to 230,000 a day. difficult to use social media to mobilize
Videos featuring protest and political young people through a common goal
commentary went viral – the top 23 (“Grasp of Social Media”).
videos received nearly 5.5 million views. Social media played a different role in
The amount of content produced online Tunisia’s and Egypt’s anti-government
by opposition groups, in Facebook and protests than in Libya and Yemen. “There
political blogs, increased dramatically is not the kind of strong tradition of
(“New Study Quantifies”). online activism in Libya and Yemen as
“At its core, the revolution represents a there is in other Arab countries” (Riley).
force that is much more willing to criticize In Libya, there is a lack of Internet infra-
authority, and tolerate diversity, than structure, online access is difficult, and
perhaps mainstream public opinion. The the Gadhafi regime has limited social
original throngs that fought riot police media. “In Yemen, government controls
drew on at least three major and messily and extreme poverty limit Internet use”
overlapping constituencies. First were (Riley).
the activists - organizers of all political Unfortunately, in these countries,
and religious stripes who had come to technological barriers to social media
trust each other over years of strikes, tiny coupled with severe totalitarian regimes
protests and mass arrests. Second were stymied reform efforts.
the politicized people previously afraid
The importance of social media in
to challenge the regime but who brought
ROLE OF SOCIAL MEDIAS IN THE ARAB SPRING 24
267
by countries messages were sent and access, and seasoned cyber activists
received by these networks. played bridging roles, re-posting videos
and Facebook content about protests
Political turbulence and Social from closed loops of private networks
Media to Twitter and online news portals with
Social media has played a vital role in the greater reach. “ (“Middle East: Social
Arab spring and it influenced the youth. Media Outwit Authoritarianism”) Also,
Here a detailed examination is made Tunisia witnessed a sudden eight percent
through the countries. surge in the number of Facebook users
during the first two weeks of January
Tunisia 2011, coupled with a shift in the usage
The political unrest in Tunisia was begun turned from merely social in nature
In December 2010, when Mohammed into primarily political (“Social Media a
Bouazizi set fire to himself – “a desperate Catalyst for Reform”).
act of defiance following his denied The protests, nicknamed the “Jasmine
attempts to work as a street vendor revolution,” led to the installation
to support his family. The scenes of his of a coalition government following
self-immolation captured by passers-by elections. While new technology helped
and posted on YouTube as well as those opposition leadership organize protests
of the mass protests that followed his and easily communicate with followers,
funeral, quickly circulated in Tunisia and “it is simplistic to say social media caused
beyond” (Cottle). Jasmine revolution; the underlying
On January 11th protests reached the economic and political causes were
centre of the capital city Tunis, and decades in the making. It is also unlikely
Tunisian president Zine al-Abidine Ben that Facebook and Twitter will fill the
Ali responded by ordering in the army leadership vacuum that now exists in the
and imposing a night-time curfew. country” (Rash).
The next day, tens of thousands took
to the streets in Sfax, Tunisia’s second
Egypt
city. On January 14, 2011, Ben Ali fled Wael Ghonim Google executive helped
the country, ousted by a spontaneous spark Egypt’s 2011 unrest. Egyptian
populous uprising. Tunisia›s population businessman Khaled Said died after being
of 10 million people, known for their beaten by police, who had videotaped
high levels of education and civic pride, themselves taking confiscated marijuana.
became the first people in the Arab world Hoping to draw attention to police
to take to the streets and oust a leader corruption, he copied that video and
posted it to YouTube. Ghonim created a
Although Tunisia’s government practiced
Facebook page called ‘We Are all Khaled
some of the most repressive Internet
Said.’ It featured horrific photos, shot
censorship, the country has one of the
with a cellphone in the morgue, of Said’s
most connected populations in the region
face. That visual evidence undermined
outside the Gulf; 33% of the population is
the official explanations of his death. The
online, 16% on Facebook and 18% using
Facebook page attracted some 500,000
Twitter. “Although the Ben Ali regime
members (“Information Age: Egypt’s
blocked YouTube during the month of
Revolution”). Protestors flooded Cairo’s
unrest, it did not entirely block Internet
23
268 2019 يوليو
MAJALLA كرياالJULY
KAIRALA, جملة2019
ROLE OF SOCIAL MEDIAS IN THE ARAB SPRING
Mr. Noushad V
(Assistant Professor, Department of Arabic,
University of Kerala)
21
270 2019 يوليو
MAJALLA كرياالJULY
KAIRALA, جملة2019
the light of canonical text and precepts
explore and find solution to the issues
and practices established by the holy
arisen and created in the contemporary
prophet without compromising the
world related to gender-inequalities
canonical textual meanings.
and injustices. The modern concept of
gender-equality to be analyzed in the Since the focus of people is to establish
light of Quranic texts and authentic a socially just society in accordance with
hadiths rather resorting to go for the injunctions of the Quran. Hence,
apologetic interpretation of canonical understanding of the Quran without
texts by accepting the modern concept considering it a historical text should be
of gender-equality in toto. Hence, in view made in space and time and should not
of the changing circumstances of present be interpreted outside the context and
world, the solution must be explored in spirit.
References
• Aboul-Ezz, Merna (2017). Book Review: Elite: A Feminist Interpretation of Women’s
Feminist Edges of the Quran. Journal of Rights in Islam, Mary Jo Lakeland (Translator),
International Women’s Studies, 18(2), pp 293- New York: Basic Books.
295 • Mir-Hosseini, Ziba; Vogt,Kari;Larsen, Lena ;
• Barlas, Asma (2002). “Believing Women” in Moe, Christian(2013). Gender and Equality in
Islam: Unreading Patriarchal Interpretations Muslim Family Law, New York: I.B.Tauris & Co
of the Qur’an, University of Texas Press, Austin; Ltd..
1st edition. Retrieved from www.researchgate. • Riyani, Irma & Ismail, Ecep (2017). “God
net is Beyond Sex/Gender”: Muslim Feminist
• Ghafournia, Nafiseh (2017).Towards a New Hermeneutical Method to the Qur’an. Advances
Interpretation of Quran 4:34. Journal of in Social Science, Education and Humanities
Women of the Middle East and the Islamic Research (ASSEHR), 137, pp 151-155.
World (Hawwa), pp 1-14 • Saeed, Abdullah (2008). Qur’an – An
• Hidaytullah, Aysha A (2014). Feminist Edges of Introduction. USA and Canada: Routledge.
the Quran, New York: Oxford University Press. • Wadud, Amina (1999). Qur’an and Women:
• Kassam, Zayn (2004). Book Review “Believing Rereading the Sacred Text from a Woman’s
Women” in Islam: Unreading Patriarchal Perspective, New York: Oxford University.
Interpretations of the Qur’an. The Arab Studies • Wadud, Amina. (2007).Inside the Gender Jihad
Journal, Vol. 11/12, No. 2/1 (Fall 2003/ Spring – Women’s Reform in Islam, London: Oneworld
2004), pp 156-160. Publication
• KOC, Cengiz (2016). Fatima Mernissi and • Yusuf Ali Abdullah (2010). The Holy Qur’an:
Amina Wadud: Patriarchal Dominance and English Translation, Noida, India: Goodword
Misinterpretation of Sacred Texts in Islamic Books.
Countries. International Journal of Humanities
and Social Science, 6(8), pp 176-184.
• Manea, E (2011). Rereading the Qur’an: A
(Endnotes)
1 Progressive Muslims: On Justice, Gender,
Muslim Woman’s Perspective. Journal of the and Pluralism edited by OMID Safi, Oneworld
Dutch-Flemish Levinas Society, 2011(XVI), pp Publication 2008, England. https://epdf.tips/
21-29. progressive-muslims-on-justice-gender-and-
• Mernissi, Fatima (1991). The Veil and the Male pluralism.html
13
278 2019 يوليو
MAJALLA كرياالJULY
KAIRALA, جملة2019
A Paradigm Shift in Qur‘anic Interpretation on
Gender Issue Discourse
Abstract
The Holy Quran and Hadith are the primary sources of knowledge for the re-
ligion of Islam. Their interpretation, therefore, has a larger effect and impact
on right understanding of the divine intents. Various interpretations have
developed over the time in the field of theology and exegesis. This paper aims
at exploring the views of Muslim women feminists like Amina Wadud, Asma
Barlas, Fatima Mernissi etc. and their approach towards Qur’anic hermeneu-
tics. Thus the paper is an attempt to study the feminist approach regarding
the gender equality as how their interpretations differ from the traditional
exegeses and on what basis they have formed a new Quranic understanding
in the context of contemporary development in the light of the current sce-
nario of gender-equality and gender justice.
11
280 2019 يوليو
MAJALLA كرياالJULY
KAIRALA, جملة2019
independently where the student is As a conclusion, Technological education
more motivated to return to learning plays a significant role in achieving
and working because modern technical sustainable development in human’s life.
equipment is widely available at any Findings of the study highlight that today
given moment. Nowadays educational technological education without vision is
technology is required in each and every a life burden. A nation with atomic power
aspect of teaching learning process. is not a strong nation but a nation with
It serves all the purposes for modern people with strong character is indeed
education. Education today can’t go a strong nation. It is always associated
far without the help of educational with technology. The application of
technology. The innovations of educational technology enhances skills
technology in the field of education have and cognitive characteristics. With
done wonders to educational process. the help of new technology comes an
explosion of learning and receiving new
Conclusion information, especially on digital devices.
References
9
282 2019 يوليو
MAJALLA كرياالJULY
KAIRALA, جملة2019
can decide about their studies, learning • Coach the students.
time, place and resources in a better way. • Provide individualized instruction.
Students can work in more supportive
environments, seek help from teachers • Direct the students toward cooperative
and fellows, and share their learning as well as collaborative learning
experiences and ideas in romantic and activities.
productive fashion9. • Prepare learning material for students,
Students use Information Technologies rather teaching in conventional
to situations.
7
284 2019 يوليو
MAJALLA كرياالJULY
KAIRALA, جملة2019
child to be kept safe. In all cases digital communication
technology can help parents have as • Presentation and social media
much influence on their child’s education software to share project results.
as they choose. Technology can facilitate
teaching and learning by providing
Issue of Values in Technology
space for storing information in various The goal of technology is the
formats, and offering applications which enhancement of the quality of human
aid learning organization. It also helps life. This goal although readily acceptable
to monitor achievements by showing in principle, poses serious difficulties
a progress bar, providing feedback, in its implementation. Experience
printing reports, and suggesting next has values in design and technology
steps. shown that the solution of one problem
sometimes creates other unanticipated
Class organization influences both the
problems and that the same technology
teaching and the learning process from
that brings great benefits to some often
the managerial and the educational
puts others at great risk. Technology
perspective. It also affects communication
brings unequal benefits and costs. The
and monitoring. In traditional classroom3
situation in developing countries where
the teacher could control the whole class
a large percentage of the technology is
from her central place but in digital class
imported raises a whole new range of
room the students are allowed to become
values issues.
more independent.
Education is the medium of awareness,
Technology can change it by providing
success and self-preservation.
tools to enhance
Education gives a stage to succeed
• Group work and the knowledge of character, self-
• Individual work respect, social conduct and strength.
The utmost gift that education gives is
• General instruction knowledge of set of values and genuine
Technology allows the teacher to handle science. The values comprise the simple
diverse classroom settings providing difference between wrong and right,
opportunities for developing student the significance of self-respect and hard
agency. Working on projects gives work. Value education is considered
students the chance to tackle various as means which provides a purpose
aspects of group work organization, in life at the same time of providing
which is one of the best ways to develop professional knowledge. This is the high
agency4. time to reconstitute education on the
basis of values, since today’s education
Tools which enable effective collaboration system moulds individual but not good
include: citizens. Academicians should articulate
• Search engines and virtual drives to the necessity to understand the need for
access and manage information students, purpose of education and values
• Cloud office suites 5for sharing in human life respectively. Education
documents based on values is development of an
• Project management applications individual in three folds irrespective
for organizing team work of their gender and age. It endeavours
• Social media applications for
INFORMATION TECHNOLOGY IN TEACHING LEARNING PROCESS: PROSPECT & CONCERNS 6
285
information and exchanging ideas access to technology, they rarely use
and learning experiences with all in it for developmental purposes. In this
the environment. Technology tools respect technology may be seen as not
make integration of these foundations beneficial at all. In such cases, it becomes
feasible, and technology offers new ways even more important to teach kids how
to contribute positively to character to interact with technology in the way
education. Because the education that will benefit them instead of taking
system is profoundly affected by new away their valuable developmental time.
technologies, structural changes must
be made to teach process skills as well as Role of Technology
content knowledge to address the needs The role of educational technology
of the individuals. in teaching is of great importance
Introduction because of the use of information and
communication technologies. With the
Education means a change in man’s help of various applications, it gives
conduct of life. It means the upgrading the importance and use of educational
of a man’s ability to choose the best technology in teaching learning process.
alternative available in any circumstance
he faces. It means the development of Implementation of technology has the
the person to prepare him to adopt the potential to bring a change in class
best approach to a problem at any given organization and educational approach.
time. Education is defined as ‘adjustment In the present, five areas where
ability to a changing situation and technology may support teachers,
environment’. The number of internet students and parents. They are
users has increasingly grown day by day.
• Technology influences organization
This is an unrecorded change in how
people access information and interacts • Technology enhances learning
with the world. Digital education is resources
developing everywhere. The impact • Technology drives informative
of technology on education delivery approach
remains sub-optimal, because it may
overestimate the digital skills of both • Technology enables personalization
teachers and students. Benefits of using • Technology shows outcomes
technology in education are difficult
to understand because of numerous Some teachers are afraid to use technology
problems. Taking these barriers into in the classroom thinking that they will
consideration is essential for designing never be as tech-ability as their pupils.
a realistic strategy for a meaningful Others use technology on top of their
technology implementation. Children regular paper-based scenarios, instead
growing up in stimuli-rich environments of integrating it. It can be observed that
where education is highly appreciated top-down implementation of technology
will be able to properly interact with will seldom bring positive results.
technology even when they are given Parents have different values, some care
access to it. In contrast, when children about their child’s general development
with limited cultural capital and and happiness, others want tangible
disadvantaged social background receive results, and still others just want their
5
286 2019 يوليو
MAJALLA كرياالJULY
KAIRALA, جملة2019
INFORMATION TECHNOLOGY IN TEACHING
LEARNING PROCESS: PROSPECT & CONCERNS
BEEGOM BENAZIR N
Technical Assistant, Department of Arabic, University of Kerala
Issue Kairala
Majalla 14 July .
2019
(Arabic/English)
Vol. 1 • Issue 2 • July 2017
CHIEF EDITOR
Dr. Thajudeen AS
Head, Department of Arabic, University of Kerala
EDITOREDITOR
MANAGING
Noushad
Noushad V
Hudawi
Asst. Professor, Department of Arabic, University of Kerala
ISSN: 2277
ISSN: 2277-2839
– 2839
© All rights reserved. No part of this publication may be reproduced, stored in a retrieval system
or transmitted in any form or by any means, electronic, mechanical, photocopying, recording or
otherwise, without prior permission of the authors. The authors are responsible for the views
expressed in their articles.
₹ 300.00
Printed and published by Dr. Thajudeen A.S. on behalf of Head of the Department,
Printed andofPublished
Department by Dr.of
Arabic, University Thajudheen A.S. on
Kerala and printed behalfUniversity
at Kerala of Head Press,
of the
Department, Department of Arabic, University of Kerala and Printed at
Palayam, Thiruvananthapuram and published at Department of Arabic, University
Kerala University Press, Palayam, Thiruvananthapuram
of Kerala, Kariavattom, Thiruvananthapuram, 695581. Editor: Dr. Thajudeen A S
289
MAJALLA KAIRALA
Peer Reviewed Academic Journal
Issue
Volume 1 • 14 . July
Issue 2 •2019
July 2017
CHIEF EDITOR
Dr. Thajudeen AS
E D I T OEDITOR
MANAGING R
Noushad
Noushad V
Hudawi
Department of Arabic
University of Kerala
Kariavattom, Thirvananthapuram