Professional Documents
Culture Documents
- دولة المرابطين الملثمين PDF
- دولة المرابطين الملثمين PDF
ببعض
تاريخ المرابطين
1
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد األمين
( دولة -المرابطين الملثمين -لمتونه )
أوال :وانطالقا من لمتونه وهي القبيلة معروفة بالملثمين والمرابطين وكان
من أشهرهم أبوبكر بن عامر ت 480هـ ويوسف بن تاشفين ت 498هـ
ببركة الرجل الصالح /يحي بن إبراهيم بن يحي الجدالي األمير ت 427هـ،
بعد زيارته للعالمة/أبي عمران الفاسي ت 430هـ بالقيروان وأخذه أحد من
العلماء معه لدعوة الناس إلى هللا وتعليمهم شرائع دينه القويم ومن بطون قبيلة
لمتونه أيضا صنهاجه ،وهم بطون كثيرة وكان موطنهم من بالد الصحراء
بالمغرب حتى كان إسالمهم بعد فتح األندلس وكانت الرياسة فيهم إلى زمن
دولة عبد الرحمن بن معاوية الداخل تتوارثها ملوكهم إلى جدهم أبي بكر بن
عامر أمير لمتونه في مبتدأ دولتهم وطالت أعمارهم فيها ودوخوا تلك البالد
الصحراوية وجاهدوا من بها من أمم السودان وحملوهم على اإلسالم فدان به
كثيرهم .إلخ .وقال بعضهم :
قوم لهم درك العال من حمير * وإن انتموا صنهاجة فهم هم
لما علوا أحرار كل قبيلــــــة * غلب الحياء عليهم فتلثمـــوا
ومن كتاب تاريخ دولة الموحدين (ص)13 :
...إلى أن قال :دولة المرابطين (541-451هـ) فقد قامت في جنوب بالد
المغرب األقصى بزعامة الفقيه عبدهللا بن ياسين ،واألمير يحيى بن ابراهيم
الجدالي ثم يحيى بن عمر اللمتوني وتوسعت حتى ضمت المغرب كله
واألندلس في عصر القائد األمير يوسف بن تاشفين وكانت دولة المرابطين
على أسس إسالمية سليمة ،حيث نهجت نهج أهل السنة والجماعة ،ولم تتأثر
بأي نزعة دينية أخرى ،وكان من أهم األسس التي تبنتها "الجهاد في سبيل
هللا واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتزام أحكام الدين في فروض
الزكاة واالعشار وكل امور الدولة وكانت من مآثرهم العظيمة جهادهم ضد
النصارى في األندلس وتحقيق نصرهم على النصارى في معركة الزالقة
بقيادة المجاهد الكبير يوسف بن تاشفين وجهادهم في بالد السنغال والنيجر
2
وجنوب الصحراء الكبرى بقيادة األمير الرباني العابد الزاهد المجاهد أبي
بكر بن عمر الذي استشهد في قلب الصحراء الكبرى (480هـ) .
وفي كتاب فقه التمكين عند دولة المرابطين (ص)5 :
الفصل األول :بناء دولة المرابطين
المبحث األول :الجذور التاريخية للمرابطين
تمهيد :تعتبر قبائل صنهاجة أقوى قبائل البربر وأشدها وأمنعها ،واشتهرت
بقوَّ ة شكيمتها ،وكثرة رجالها الذين مألوا ال َّش َمال اإلفريقى وسكنوا جباله،
واعتبر
َ وسهوله وخصوصًا من المغرب األوسط إلى المغرب األقصى.
بعض المؤرخين قبائل صنهاجة مثلت شعبًا انضوت تحت لوائه أكثر من
سبعين قبيلة بربرية ،ومِن أهم هذه القبائل وأشهرها لمتونة ،وجدالة ،ولمطة،
ومسوفة ،وهى التى تكوَّ نت منها دولة المرابطين السُّنيَّة .وبعض المؤرخين
يجعل القبائل الصنهاجية لها أصل من حمير بن سبأ أى :إن أصلَهم يمانيِّون.
والبعض اآلخر يذهب إلى أنهم برابرة ال عالقة لهم بالعرب.
-1تسمية الملثمين:
اريخ باسم الملَ َّثمين ،وأصبح اللثام شعارً ا
اشتهرت القبائل الصنهاجية فى ال َّت ِ
عرفوا به إلى أن تسمَّوا بالمرابطين ،ويرى بعض المؤرخين إن الملَ َّثمين
ينتسبون إلى قبيلة لمتونة إحدى بطون صنهاجة ،وكانت لمتونة تتولى رئاسة
سائر قبائل مسوفة ،ومسراته ،ومداسة ،وجدالة ،ولمطة ،وغيرها ،ثم آلت
الرئاسة إلى قبيلة جدالة على عهد األمير يحيى بن إبراهيم الجدالي.
خاصا بقبيلة لمتونة ثم توسع ً ويبدو أن إطالق اسم الملَ َّثمين فى بدايته كان
وأصبح شعارً ا لكل من حالف لمتونة ودخل تحت اسم سيادتها.
-2سبب تسميتهم:
وأمَّا سبب تسميتهم فقد وردت أقوال كثيرة فى سبب تسميتهم بذلك ،منها :إن
أجدادهم مِن حِم َير كانوا يتلثمون لشدة الحرِّ ،ويذهب إلى هذا الرأى َمن ظنَّ
إن أصل قبائل صنهاجة يرجع إلى الهجرات القديمة من المشرق ألسباب
متعددة ،منها اقتصادية ،وسياسية.
3
ومنها :أ َّنهم آمنوا بالرسول وكانوا قلة فاضطرُّ وا للهرب لما غلبهم أهل
فتلثموا بقصد التمويه ،وقيل :إن طائفة منهم أغارت على عدو لهم الكفر َّ
فخالفهم إلى مواطنهم وهى خالية إال مِن النساء واألطفال والشيوخ ،فأمر
َّ
ويتلث َم َن ،ففر األعداء وهكذا اتخذوا لباس الحرب
َ الشيوخ النسا َء بأن يرتدين
اللثام سنة يالزمونه وارتقى عندهم إلى مستوى رفيع فى حياتهم وأعرافهم
ومما قيل فى اللثام:
َقوم لهم درك العال فى حمير * وإن انتموا صنهاجة فهم هم
غـلب الحياء عليهـم فتلثمـوا
َ إح َر َ
از كل فضيلة * لـما َح َو ْوا ْ
-1...إن فى معظم قبائل العالم اإلسالمى رجاالً لهم عقول راجحة وبعد نظر
وتقدير لألمور ،وفى أغلب األحيان يتول َََّى أمر القبيلة أرجح ال َّناس عقالً
وأكثرهم جو ًدا ،وأعظمهم شجاعة ،وأخلصهم ألهله وعشيرته ،وشخصية
األمير يحيى بن إبراهيم الجدالى خير دليل على ما قلت ،ولذلك مِن الدروس
العميقة من هذا البحث هو أهمية دور زعماء القبائل فى دعوة قبائلهم
وعشائرهم ،وإيجاد الحماية الالزمة للدعاة إلى هللا فى أوساط القبائل ،فعلى
توثق عالقتها مع هذه الشريحة مِن المجتمع، الحركات اإلسالمية العامة أن ِّ
وتحرص على دعوتها لإلسالم لتنصهر فى الدعوة الربَّانية التى تبذل جهدها
لتحكيم شرع هللا تعالى.
-2إن أبا عمران الفاسى العالم الربَّانى والفقيه المالكى سيِّد الفقهاء فى
القيروان فى زمانه يعتبر هو واضع الخطوط العريضة لدولة المرابطين،
وكان -رحمه هللا -يميز بين العمل العلنى فى الدعوة وفقهها وتعليم ال َّناس،
وبين العمل السرى إلقامة دولة سنية ،وكان رحمه هللا على اتصال بفقهاء
أهل السنة فى مدن وقرى الشمال اإلفريقي ،ولذلك لما تعرَّ ف أبو عمران
الفاسى على األمير الصنهاجى يحيى بن إبراهيم ،وعلم بأحوال قومه
وحاجتهم لمنهج اإلسالم ومن يربيهم على ذلك ،اتصل بأخيه الشيخ وجاج
بن زلوا اللمطى فقيه المالكية بالسوس األقصى ،وكان فقيهًا صالحً ا يقيم
بمدينة ملكوس ،وأطلعه على المهمة التى جاء من أجلها األمير يحيى ،فاختار
لهذه المهمة تلميذه الذكى الفقيه العابد األلمعى عبد هللا بن ياسين الجزولى
الجذابة التى تجرى فى دمائها صفات َّ صاحب العلوم المتنوعة والشخصية
4
الدعاة المتعددة ،وسار -رحمه هللا -وفق خطة محكمة بصبر وحلم وشجاعة
فى قبائل الملثمين.
ومن مجلة التاريخ العربي (ص)7512 :
...تحدثنا كتب التاريخ أن زعيم الملثمين المغاربة يحيى بن إبراهيم الجدالي
كانت تحدوه نزعة إصالحية ،فتوجه إلى القيروان وطلب من شيخ الفقهاء
عمران الفاسي أن يبعث معه أحد تالمذته ليفقه الملثمين في دينهم ،وذلك
حوالي عام 428هـ ،فرأى الشيخ أن يبعث معه خطابا ً إلى تلميذه وجاج بن
زللو اللمطي الذي ابتنى له رباطا ً في قلب الصحراء الكبرى في نفيس،
اعتكف فيه هو وتالمذته للعلم والمعرفة والتعبد.
وجاء في الخطاب :إبعث إلى بلده من تثق بدينه وورعه وكثرة علمه وسياسته
ليعلمهم القرآن وشرائع اإلسالم ويفقههم في الدين ،ولك وله في ذلك الثواب
واألجر العظيم .وهللا ال يضيع أجر من أحسن عمالً؛ فانتدب وجاج الفقيه
عبد هللا بن ياسين الذي رافق يحيى بن إبراهيم إلى بالده ،وابتنى فيها رباطا ً
يعلم فيه أصحابه يفقههم في الدين ويدربهم على الجهاد وسموا بالمرابطين
للزومهم رابطته .فكانت لعبد هللا بن ياسين الزعامة الدينية وليحيى بن إبراهيم
الزعامة الدنيوية .فقد كان يتولى النظر في أمر حربهم وعبد هللا بن ياسين
ينظر في ديانتهم وأحكامهم.
وعندما توفي يحيى بن إبراهيم ،جمع عبد هللا بن ياسين رؤساء قبائل
صنهاجة وتشاور معهم وولى عليهم يحيى بن عمر اللمتوني.
وعندما توفي هذا عام ،447تم اختيار أخيه أبي بكر بن عمر أميراً
للمرابطين.
وحدث أن توفي عبد هللا بن ياسين متأثراً بجراحه في إحدى المعارك ،فجمع
أبو بكر بن عمر الزعامتين الدينية والدنيوية في يديه .وكان المرابطون آنذاك
يستعدون لغزو بالد السوس ،فعهد األمير الجديد ،أبو بكر بن عمر ،إلى ابن
عمه يوسف بن تاشفين بقيادة الجيش .فأظهر بن تاشفين من الحنكة والشجاعة
والحكمة ما مكنه من فتح مدينة تارودانت ،قاعدة بالد السوس ،ثم توجه إلى
مدينة أغمات ففتحها.
5
...وتذكر المصادر التاريخية أن أمير المرابطين أبا بكر بن عمر عزم عام
453هـ على السفر إلى الصحراء للجهاد ونشر الدعوة اإلسالمية .فعقد البن
عمه يوسف بن تاشفين وأقر ذلك أشياخ المرابطين .وعندما عاد أبو بكر بن
عمر من الصحراء بعد بضع سنين ورأى النجاح الكبير الذي حققه ابن عمه،
ارتأى أن يدعه يواصل العمل الجيد الذي هو فيه .وبعد أن استتب األمر البن
تاشفين ،استدعى أمراء المغرب وأشياخ القبائل عام 464هـ لمبايعته ولقب
بأمير المسلمين ،وقد اجتمعت له الزعامتان الدينية والدنيوية.
...وإذا نظرنا إلى الظروف التي وصل فيها صالح الدين إلى السلطة،
وجدناها مماثلة لما ذكرنا .فعندما أرسل نور الدين زنكي أمير حلب
والموصل جيشا ً إلى مصر للمساعدة على صد هجمات الصليبيين ،جعل أسد
الدين شيركوه بن شاذي قائداً لذلك الجيش .واختار هذا ابن أخيه صالح الدين
مساعداً له ،فأظهر صالح الدين من المهارة والكفاءة ،ما جعل عمه يصطحبه
معه في المرتين التاليتين اللتين توجه فيهما إلى مصر للغرض نفسه.
وفي المرة األخيرة صار واضحا ً ألسد الدين أن من الضروري التخلص من
الوزير الفاطمي شادر وتسلم السلطة بنفسه .وهكذا فعل واعتلى منصب
الوزارة في مصر.
ولكنه توفي بعد شهرين وخمسة أيام فقط .فتولى قائد الجيش ومساعده وابن
أخيه صالح الدين منصب الوزارة ولقب بالملك الناصر سنة 564هـ أي
بعد مائة سنة من تولي يوسف بن تاشفين السلطة رسميا ً في المغرب.
6
بتكلم هنا عن وجه الشبه بين القائدين
5ـ علي بن يوسف بن تاشفين وعلي بن يوسف بن أيوب.
ومن المصادفات الطريفة أن يوسف بن تاشفين قد خلف سبعة أبناء من عدد
من النساء ،وقد اختار لخالفته ابنه عليا ً الذي كان قد ولد له من جارية إسبانية
مسيحية تدعى قمر وتكنى بـأم الحسن أو فاض الحسن ،على الرغم من أن
عليا ً هذا لم يكن أكبر أوالده ،ولكنه توسم فيه الخير.
وهكذا تولى إمارة المسلمين في المغرب واألندلس بعد وفاة والده يوسف بن
تاشفين عام 500هـ.
...أما صالح الدين األيوبي ،فقد خلف سبعة عشر ولداً أكبرهم أسماه عليا ً
ويكنى بنور الدين.
وقد خلف أباه صالح الدين عند وفاته سنة 589هـ وحمل لقب الملك الفاضل.
...ولنا أن نتساءل هل كان صالح الدين األيوبي هو أيضا ً معجبا ً بيوسف
بن تاشفين وابنه علي ،لمقارعتهما الصليبيين في الغرب اإلسالمي ،فسمى
ابنه البكر عليا ً.
ثانيا ـ الموافقات العميقة
6ـ الصفات الخلقية
...يشترك يوسف بن تاشفين ويوسف بن أيوب صالح الدين في التحلي
باألخالق اإلسالمية الفاضلة ،وفي مقدمتها اإليمان الصادق والنية الخالصة
هلل والعمل الدائب لصالح المسلمين .فقد نقل عن ابن تاشفين دعاؤه عند عبوره
إلى األندلس :اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيراً وصالحا ً للمسلمين
فسهل علي جوز هذا البحر ،وإن كان غير ذلك فصعبه حتى ال أجوزه.
أما صالح الدين األيوبي ،فقد كان كثيراً ما يقصد لقاء العدو في يوم الجمعة
عند الصالة تبركا ً بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر ،وكان يصلي قبل
المعركة داعيا ً هللا تعالى أن ينصره على الكافرين ويصلي بعدها شاكراً هللا
نعمة النصر .ومن األمثلة على إيمان صالح الدين العميق بقضيته وتفضيله
المصلحة العامة على مصلحته الشخصية ما روي إبان استعداده لفتح القدس.
7
فقد قال له المنجمون :تفتح القدس وتذهب عينك الواحدة ،فقال :رضيت أن
أفتحه وأعمى.
...وهذا اإليمان الصادق باهلل هو من أسباب شجاعتهما وإقدامهما طلبا ً
للشهادة ،وهو مصداق مقولة الخليفة أبي بكر الصديق لخالد بن الوليد :اطلب
الموت ،توهب لك الحياة.
...وقد وصفت جميع المصادر التاريخية اليوسفين بالعدل .والعدل أساس
الملك ،في ظله يطمئن الناس على حقوقهم وممتلكاتهم ،فتنمو التجارة
وتزدهر المعامالت وتتقدم البالد.
...والصفة الثالثة التي يشترك فيها اليوسفان هي التسامح والعفو.
ويقول ابن األثير عن يوسف بن تاشفين :كان يحب العفو والصفح عن الذنوب
العظام.
وكان من تسامح يوسف بن أيوب صالح الدين أنه لما آلت إليه السلطة في
مصر ،احترم عقائد الناس شيعيين فاطميين كانوا أم سنيين ،مسيحيين أقباطا ً
أم مسلمين ،وأخلص لهم العمل ،وعدل بينهم ،فأحبه الشعب حتى إن األقباط
المصريين وضعوا صورته في كنائسهم ،ما استدعى دهشة الشاعر عبد
المنعم األندلسي فسجل مشاعره في قصيدة ورد فيها:
فحطوا بأرجاء الهياكل صورة * لك اعتقدوها كاعتقاد األقانم
...وقد طار صيت يوسف بن أيوب صالح الدين في أوربا بوصفه مثاالً
للشجاعة والشهامة ،والحلم والرحمة ،والوفاء والكرم ،وذلك لعفوه عن
أعدائه من ملوك الصليبيين ومقاتليهم بعد أن ظفر بهم في موقعة حطين
الشهيرة ،وحرصه على عدم إراقة الدماء ،ومساعدته لفقراء الصليبيين
ونسائهم وشيوخهم وأطفالهم ،حتى حسبوا أن أخالقه تفوقت على أخالق
الفروسية في صورتها المثالية ،ولم يعلموا أن أفعاله إنما كانت تصدر عن
الخلق اإلسالمي ليس غير.
...والمؤمن يكون وسطيا ً في اإلنفاق ،فال يبذر وال يجعل يده مغلولة .ولهذا
يقول ابن خلكان :كان يوسف بن تاشفين مقتصداً في أموره غير متطاول وال
مبذر.
8
...والتعفف من صفات اليوسفين .فعندما جمعت الغنائم بعد معركة الزالقة
وقدمت إلى يوسف بن تاشفين ،عف عنها وآثر بها المسلمين من أبناء األندلس
مؤكداً أن مقصوده الجهاد والثواب عند هللا.
...ويلخص الناصري أخالق ابن تاشفين ،حينما يقول إن أشياخ المرابطين
أقروا والية ابن تاشفين لما يعلمون من فضله ودينه وشجاعته ونجدته وعدله
وورعه وسداد رأيه ويمن نقيبته.
7ـ وحدة األمة
...إن استقراء فكر اليوسفين المتمثل في القرارات التي كانا يتخذانها
واألعمال التي يقومان بها يدل داللة قاطعة على إيمان الرجلين العميق بوحدة
األمة اإلسالمية ووحدة مصيرها.
...ومن أجمل ما قيل في التطور الذي أصاب حركة المرابطين قول الدكتور
مصطفى الزباخ عنها إنها تحولت من كائن صحراوي إلى كائن سماوي عبر
منعطفات أبرزها منعطف التحول من الكائن القبلي إلى الكائن الوحدوي،
ومن الكائن المادي إلى الكائن الروحي ،ومن الشعور برابطة الدولة إلى
رابطة األمة.
فقد كان الرباط األول الذي أقامه عبد هللا بن ياسين خاصا ً بالملثمين الذين
تربط بينهم رابطة العصبية القبلية ،ولكنهم عندما تمثلوا مبادئ اإلسالم
وتشربت نفوسهم بمثله وقيمه السامية تحولت مشاعرهم من القبيلة إلى األمة،
وتخلوا عن العصبية القبلية القائمة على الدم وتمسكوا برابطة اإليمان القائم
على وحدة الخالق ووحدة اإلنسان ووحدة العقيدة.
...وهذا ما يفسر لنا إرسال يوسف بن تاشفين بسفارة إلى الخليفة العباسي
ببغداد .فقد بعث بوفد يضم عبد هللا بن محمد المعافري اإلشبيلي وابنه القاضي
أبي بكر ،اللذين أطلعا الخليفة العباسي المستنصر باهلل على أحوال المغرب
وجهاد يوسف بن تاشفين من أجل رفع راية اإلسالم خفاقة ،وطلبا منه أن
يعقد له بما تحت نظره من األقطار واألقاليم ،وعاد الوفد بتقليد الخليفة وعهده
البن تاشفين .ومعلوم أن سلطة الخليفة العباسي كانت رمزية فقط ،ولم يكن
يوسف بن تاشفين بحاجة لعهد من الخليفة العباسي لممارسة سلطاته .ولكنها
مسألة مبدإ عند يوسف بن تاشفين الذي كان يؤمن بوحدة األمة ووحدة
الشرعية فيها.
9
وكان يريد إليمانه هذا أن يشيع بين الناس ويؤثر في سلوكهم .ولهذا اختار
لقب أمير المسلمين لنفسه (وليس الخليفة أو أمير المؤمنين).
وأمر يوسف بن تاشفين أن يذكر اسم الخليفة العباسي في خطبة الجمعة
ويذكر اسم ابن تاشفين بعده ،ويضرب اسمه على صفحة من النقود التي
تضربها دور السكة المغربية ،ويضرب اسم ابن تاشفين على الصفحة الثانية.
...ويتجلى الفكر الوحدوي لدى يوسف بن أيوب صالح الدين كذلك .فعندما
انتهى إليه منصب الوزارة (السلطة الحقيقية) في مصر في ظل الخالفة
الفاطمية التي كانت تنافس الخالفة العباسية ،كتب سنة 567هـ إلى سائر
البالد المصرية بالخطبة للخليفة العباسي المستضيء باهلل بدالً من الخليفة
الفاطمي العاضد باهلل .وكان سقوط الخالفة الفاطمية في مصر بعد قرنين من
الزمن حدثا ً عظيما ً له داللته الكبيرة ،إذ أصبح العالم اإلسالمي موحداً من
الناحية الروحية ،يدين بالوالء لخالفة واحدة.
كما دأب صالح الدين على السعي إلى الحصول على تفويض الخليفة في
كل ما يقدم عليه من األعمال ضمانا ً للشرعية وتأكيداً للوحدة اإلسالمية.
8ـ منهجية اليوسفين في مجابهة الصليبيين
...لقد تولى اليوسفان السلطة في ظروف تاريخية وسياسية واجتماعية
متشابهة تقريبا ً على الرغم من الفارقين الزماني والمكاني بينهما.
وملخص تلك الظروف هو تدهور العالم اإلسالمي وتفرق كلمته في وقت
كان الصليبيون يحتلون كثيراً من أراضيه ويتجمعون لالنقضاض عليه .فما
المنهجية التي تبناها كل من اليوسفين؟ إن دراسة السياسات التي اتبعاها تدلنا
على تشابهها وتقاربها .وال غرو في ذلك ،فالعقول الكبيرة تلتقي واألفكار
العظيمة تتوافق.
10
...تعتمد منهجية (أو استراتيجية) كل من اليوسفين على تحقيق أمور
أساسية قبل التوجه لمحاربة العدو .وهذه األمور هي:
...أ ـ نشر التعليم في األمة وتقريب العلماء واإلفادة من مشورتهم؛
...ب ـ اإلصالح االجتماعي والعمران االقتصادي؛
...ج ـ توحيد األمة وحشد طاقاتها.
1 .8ـ نشر التعليم وتقريب العلماء واإلفادة من مشورتهم
...كان تقدم األمة اإلسالمية وازدهار حضارتها قائمين على العلم والمعرفة
والبحث ،فهي أمة اقرأ ،وكان التعليم والتعلم فيها إجباريا ً أو إلزامياً،
بالمصطلح المعاصر ،ألن طلب العمل فريضة على كل مسلم ومسلمة.
ومن هنا نجد أن قيام حركة المرابطين ووصول يوسف بن تاشفين إلى سدة
الحكم كان أساسه العلم والمعرفة .فعبد هللا بن ياسين ،مؤسس حركة
المرابطين ،كان يعد نفسه معلما ً روحيا ً قبل كل شيء ،يعلم أصحابه القرآن
ويفقههم في أصول دينهم وأحكامه؛ وعندما شرعوا في الجهاد ،فإنهم كانوا
يجاهدون القبائل التي حرفت تعاليم اإلسالم وتفشى فيها الجهل.
...ولهذا كان أول شيء بناه يوسف بن تاشفين في مدينة مراكش التي أسسها
مسجداً للصالة ،وقصبة صغيرة الختزان أمواله وسالحه.
وعندما أخذ يفتح المدن المغربية واحدة تلو األخرى ،كان أول شيء يفعله
بناء المساجد .ويقول الناصري إن يوسف بن تاشفين ،بعد أن دخل مدينة
فاس :أمر ببنيان المساجد في شوارعها وأزقتها ،وأي زقاف لم يجد فيه
مسجداً عاقب أهله.
...ومعروف أن المساجد في تلك الفترة تقوم بدور المدارس القرآنية التي
يتعلم فيها األطفال القراءة والكتابة والحساب وأمور دينهم .ولهذا تسمى هذه
المدارس القرآنية في المغرب بـ المسيد ،وهي كلمة محرفة من المسجد.
فإقامة المساجد بصورة إجبارية يعني يوم ذاك تعميم التعليم اإللزامي.
...وهذا ما كان يفعله يوسف بن أيوب صالح الدين في جميع المدن التي
دخلها ،وما زالت آثار بعض ما بناه من مساجد ومدارس باقيا ً حتى يومنا
هذا.
11
...ويتبع نشر التعليم وتعميمه ،تقريب العلماء وتوقيرهم واإلكثار من
مشورتهم واألخذ بها .فكان من عادة يوسف بن تاشفين أن يحصل على
فتاوى الفقهاء قبل كل عمل كبير يقدم عليه.
يقول ابن عذارى المراكشي عنه في كتابه "البيان المغرب في أخبار األندلس
والمغرب" :كان يفضل الفقهاء ويعظم العلماء ويصرف األمور إليهم ،ويأخذ
فيها برأيهم ،ويقضي على نفسه بفتياهم
...أما يوسف بن أيوب صالح الدين ،فقد اشتهرت مقولته :لم أفتح البالد
بسيفي ،وإنما برأي القاضي الفاضل .وكان اليوسفان يؤمنان ،بل يعمالن
كذلك ،بالحكمة التي لخصها المتنبي بقوله:
12