Professional Documents
Culture Documents
الانثروبولوجيا وعلاقتها بالتاريخ
الانثروبولوجيا وعلاقتها بالتاريخ
1
مقدمــــــة :
على مر التاريخ و باختالف العصور كان االنسان هو نقطة البداية و االساس التي بنيت
عليه العديد من الحضارات القديمة ،و بما ان األزمنة متغيرة فقد شاءت عجلة التاريخ ان
ينتهي زمن هذه الحضارات االنسانية ،فلم يبقى منها الى آثارها .
والجدير بالذكر ان االنسان و المجتمع االنساني باختالف فتراته الزمنية ظل محور للعديد
من العلوم و كان األساس في نشأة عدد من التيارات الفكرية و المناهج النظرية و حتى
التطبيقية ،فكان علم االنسان او ما يعرف باالنثربولوجيا من أبرز تلك العلوم ،و هو الذي
يبحث في االنماط العامة للسلوك االنساني باختالف فتراته الزمنية بما في ذالك االنسان
القديم ،ومن هنا فقد تشاركت االنثربولوجيا مع بعض العلوم المرتبطة بنفس المجال الزمني
والتي من ابرزها علم التاريخ هذا االخير يعنى بدراسة ماضي االنسان و البشرية بصفة
عامة ومن هنا ظهر التشابه النسبي بين علمي االنثربولوجيا و التاريخ ،هذه المقاربة
العلمية استوجبت وجود عالقة بين العلمين .
وقد استقطب موضوع العالقة بين بين االنثربولوجيا و التاريخ على اهتمام الكثير من
الباحثين و العلماء ،وخلق جدال واسعا بينهم نحن من خالل هذا البحث سنسلط الضوء
على هذه العالقة و نقف على اهم اتجاهاتها و اهم نتائجها وذالك من خالل االجابة على
التساؤل التالي :ما هي العالقة بين علمي االنثروبولوجيا و التاريخ ؟ و ما هو نتاج هذه
العالقة العلمية ؟
وتتجلى أهمية الدراسة كونه يسلط الضوء على علمين من بين ابرز العلوم في ميدان العلوم
االنسانية و االجتماعية وهما علما االنثربولوجيا و التاريخ و يسلط الضوء على العالقة بينهما
مشيرا بذالك الى اوجه التشابه و االختالف بينهما .
ومن خالل هذه الدراسة النظرية سنسعى للوصول الى االهداف االتية :
التعرف على علمي التاريخ و االنثروبولوجيا . -1
الوقوف على تاريخ ومميزات كل منهما . -2
التطرق ألبرز االتجاهاتـ في العالقة بين االنثروبولوجيا و التاريخ . -3
2
معرفة اهم النتائج المترتبة عن عالقة االنثروبولوجيا بالتاريخ . -4
المبحث االول :االنثروبولوجيا و التاريخ مدخل مفاهيمي :
علم اإلنسان هو الدراسة العلمية لإلنسان وللثقافة اإلنسانية ،ويعرف باألنثروبولوجيا .يبحث
األنثروبولوجيون في فنون الحياة المالئمة التي يتعلمها الناس ويشاركون فيها باعتبارهم أعضاء في
مجموعات اجتماعية ،كما أنهم يقومون بفحص الخصائص التي يشترك فيها البشر باعتبارهم
أعضاء نوع واحد في الطرق والعادات المنوعة التي يعيشون بها في البيئات المختلفة .إنهم يحللون
أيضًا منتجات الجماعات Gاالجتماعية (األشياء المادية والمبتكرات األقل مادية مثل القيم
واالعتقادات).
يبحث علماء علم اإلنسان كغيرهم من علماء االجتماع بشكل منظم في األنماط العامة للسلوك
اإلنساني .إنهم يُنشئون النظريات ويستخدمون المناهج العلمية الختبارها ،ويقومون عادة بعمل
الدراسات المقارنة ،ومقارنة الثقافات أي يدرسون جماعات Gمختلفة من الناس لتحديد أوجه التشابه
واالختالفات بينهم .فمثالً ،درس علماء علم اإلنسان (األنثروبولوجيون) النظم القانونية في القرى
الزراعية اإلفريقية ،وللمشتغلين بتربية الخنازير في غينيا الجديدة ،وتلك التي توجد في الدول
الصناعية األوروبية .أما علماء االجتماع في الميادين األخرى فيعملون بصفة رئيسية في
المجتمعات الحضرية وقليالً ما يَ ْعقِدون المقارنات Gبين الثقافات Gالمختلفة.
كذلك توجد ميزة أخرى مهمة لعلم اإلنسان وهي التأكيد على تصوير المجتمع كما يُرى من الداخل،
أي من منظور أعضائه إذ يحاول علماء علم اإلنسان تحديد كيف يرى الناس الذين يشاركون في
مصطفى تيليوين ،مدخل في االنثروبولوجيا ،ط ،1دار الفارابي ،بيروت – لبنان 2011 ،ص 20-19 1
3
ثقافة واحدة عالمهم .والواقع أن باستطاعة علم اإلنسان (األنثروبولوجيا) أن يسهم إسهامات رئيسية
1
في تحقيق االنسجام الدولي ألنه يساعد على فهم مختلف الثقافات.
علم التاريخ أحد العلوم االنسانية التي تعنى بدراسة الماضي البشري ،ويقوم المؤرخون
بدراسة الوثائق عن الحوادث الماضية ،وإعداد وثائق جديدة تستند إلى أبحاثهم .وتسمى هذه
ً
تاريخا. الوثائق ،أي ً
ضا،
ترك القدماء العديد من اآلثار ،بما في ذلك التقاليد ،والقصص الشعبية ،واألعمال الفنية،
والمخلفات األثرية ،والكتب والمدونات األخرى .يستخدم المؤرخون كل تلك المصادر،
ولكنهم يدرسون الماضي بشكل رئيسي ،في ضوء ما هو مدوّ ن في الوثائق المكتوبة ،لذا
فإن التاريخ أصبح مقصورً ا بصفة عامة على الحوادث اإلنسانية ،منذ تطور الكتابة قبل نحو
خمسة آالف سنة مضت.
يدرس المؤرخون كافة مظاهر الحياة اإلنسانية الماضية ،واألحوال االجتماعية والثقافية،
تمامًا مثل الحوادث السياسية واالقتصادية .ويدرس بعض المؤرخين الماضي وصوالً لفهم
آلية تفكير وعمل الناس على نحو أفضل ،في األزمنة المختلفة ،بينما يبحث اآلخرون عن
الع َبر المستفادة من تلك األعمال واألفكار ،لتكون موجهًا للقرارات والسياسات المعاصرة%.
على أية حال ،يختلف المؤرخون في الرأي حول ع َبر التاريخ .وهكذا ،فإن هناك العديد من
التفسيرات المختلفة للماضي%.
أصبح التاريخ ميدا ًنا للدراسة في العديد من المدارس خالل القرن التاسع عشر ،فاليوم ،ومن
خالل دراسة تاريخ العالم في المدارس ،تتم دراسة الماضي عن طريق الكتب بوصفها
ضا ،كالرحالت الميدانية للمواقع األثرية مصدرً ا رئي ًسا ،ومن خالل نشاطات مماثلة أي ً
وزيارات المتاحف .ويحرص عدد كبير من الشعوب على تدريس تراثها القومي في
المدارس إلنماء شعورها الوطني .وهكذا ،يستخدم التاريخ ،ال من أجل إخبار التالميذ عن
الكيفية التي تطوَّ رت بها الحياة القومية ،وإنما من أجل تبرير الم ُُثل والمفاهيم القومية
2
ودعمها.
4
بدأت دراسة الثقافة اإلنسانية في العصور %القديمة .ولكن علم اإلنسان (األنثروبولوجيا) لم يُصبح مجاالً
مستقالً للدراسة إال في أواسط القرن التاسع عشر الميالدي .وقد %ركز علماء علم اإلنسان األوائل على
تطبيق %نظرية التطور %على دراستهم ،حيث نظروا إلى تاريخ الثقافة اإلنسانية على أنه عملية تطور %من
األشكال الدنيا إلى األشكال العليا ،والتي بلغت في زعم هؤالء العلماء األوائل الذروة مع ثقافات أوروبا%
وأمريكا %الشمالية .أما الشعوب المعروفة باسم ¸الشعوب البدائية· ،التي كانت تقنياتها أقل تقدمًا من األمم
الغربية ،فقد افترضوا %أنها مثلت مراحل التطور المبكرة .مثال ذلك ،إن عالم علم اإلنسان األمريكي%
لويس مورجان درس أنماط الزواج في العديد من المجتمعات ،وانتهى %إلى أن الزواج ـ وهذه وجهة نظره
هو ـ تطور خالل القرون من زواج الجماعة إلى الزواج الغربي من زوجة واحدة.
تطور البحث الميداني .بدأ كثير من علماء علم اإلنسان مع أواخر القرن التاسع عشر ينتقدون النظريات%
التطورية التي قال بها مورجان وغيره من التطوريين .وكان اهتمام هؤالء العلماء المتأخرين باكتشاف%
وتسجيل %التباينات واالختالفات %البشرية ،أكثر من اهتمامهم بوصف %أنماط التطور .كما أدركوا %أيضًا
ضرورة أن تتم عملية جمع المعلومات عن الجماعات المختلفة قبلما تتحور ثقافات هذه الجماعات بسبب
االحتكاك بالغرب .وقد نظم علماء علم اإلنسان من أمثال العالم األلماني أدولف باستيان ،والعالم%
األمريكي %فرانز بواز ،ووليم هـ.ر .ريفرز من بريطانيا %العديد من البعثات لدراسة ثقافات المجتمعات
1
األخرى دراسة مباشرة.
وفي %عام 1899م أنشأ بواس بجامعة كولومبيا %في مدينة نيويورك %أول قسم رئيسي لتدريس علم اإلنسان.
وكان من بين تالمذته روث .ف بنيدكت وألفريد ل .كرويبر %وروبرت هـ .لووي ،ومارجريت %ميد ،وقد
أصبحوا %جميعً ا من علماء علم اإلنسان المشهورين .إذ دربهم بواس على القيام بدراسات مُركزة تعتمد
على المشاهدة لثقافات مستقلة وقائمة بذاتها .وقد %أدت الدراسات الميدانية التي تمت على أيدي هؤالء
العلماء إلى إلقاء األضواء على كثير من االختالفات %بين المجتمعات.
وخالل العشرينيات من القرن العشرين الميالدي طوّ ر عالم اإلنسان البريطاني الجنسية ،البولندي %المولِد،
مدرسة سمي الوظيفية اهتمت في الدرجة األولى بالبحث في الطرق% ً برونيسالف %مالينوفسكي %،نهجً ا أو
المختلفة التي عملت بها السمات الثقافية إلشباع الحاجات اإلنسانية األساسية ،عضوية كانت أم نفسية.
وكان من بين تالمذة مالينوفسكي %الذين كتبت لهم الشهرة فيما بعد هم علماء علم اإلنسان البريطانيّون
األستاذ أي.أي إيفانز بريتشارد ،وريموند فيرث ،وماير فورتس ،وماكس جلكمان وإسحاق %شابيرا،
ضا، واألمريكي هورتنس باودرميكر %.أما أ.ر.رادكليف براون وهو بريطاني %آخر ،فكان عالمًا وظيفيًا أي ً
واهتم بصفة أساسية بالكيفية التي تساعد بها تلك األعراف ،مثل الشعائر %والطقوس %وعالقات القرابة على
استقرار واستمرار حياة اجتماعية منتظمة .وضمن تالمذة رادكليف %براون ْال َعالمان األمريكيان فردريك
أ .إيجن ،ووليم لويد وارنر.
علم اإلنسان المعاصر .أثارت التغيرات السريعة الواسعة في كثير من المجتمعات خالل القرن العشرين
تحوالً في تفكير علم اإلنسان .فبدالً من دراسة المجتمع في مرحلة زمنية معينة ،بدأ علماء اإلنسان
يدرسون %الثقافة في مختلف الفترات المتقطعة ألنهم كانوا يرغبون في الوقوف %على الكيفية التي تغيرت
بها المجتمعات ،وفي تحليل عملية التغير ذاتها .فمثالً درس عالم اإلنسان األمريكي %كليفورد جيرتز
5
التطور %االقتصادي %في إندونيسيا ،كما درس عالم اإلنسان البريطاني آبنر كوهن الدور المتغير للعقيدة بين
تجار الماشية في قبائل الهوسا بإفريقيا.
لقد درس علماء اإلنسان األوائل بصفة رئيسية المجتمعات المحلية الصغيرة في المجتمعات ذات التقنية
البسيطة .ولكن علماء اإلنسان المعاصرين يعملون داخل نطاقات واسعة المدى .فقد يقوم علماء اإلنسان
بدراسة الكيفية التي يستجيب بها أحد المجتمعات المحلية الصغيرة لالحتكاك بالمجتمع الحديث ،كما فعل
جورج فوستر من الواليات المتحدة في قرية تزينتزونتزان المكسيكية .كما يعمل علماء اإلنسان في
الجماعات المختلفة في المدن الحديثة .وعاش العالم األمريكي %كارول ستاك في إحدى الضواحي %التي
تقطنها عائالت السود ليدرس كيف ساعدتهم الروابط %العائلية والصداقات على مواجهة الظروف الصعبة.
كذلك َي ْدرس عُلماء علم اإلنسان الطبي العالقات االجتماعية في المستشفيات ودور الرعاية للمسنين.
ومثال ذلك إن المقارنة بين دار رعاية في أسكتلندا وأخرى في الواليات المتحدة بيَّنت األسباب التي
1
جعلت النزالء أكثر طمأنينة ورضى %في الدار األسكتلندية.
أكد علماء اإلنسان في مطلع القرن العشرين على دراسة الفوارق واالختالفات البشرية .ولكن مع
منتصف %القرن ،أصبحت المحاوالت الكتشاف %األنماط البشرية العامة هد ًفا هامًا لعلم اإلنسان .تم تخزين
وفهرسة المعلومات والحقائق الخاصة اإلنسانية في جامعة َيي ْل األمريكية ومكنت هذه الملفات علماء
اإلنسان من البحث عن األنماط %المتشابهة بالتحليل اإلحصائي لنفس النشاط في عدد من المجتمعات.
و ُتسمى %هذه البحوث (البحوث المُستندية الحساسة) .وهي تشتمل على تحليل لعالقات القرابة قام به
جورج بيتر ميردوك %و.م .ودراسة أساليب تنشئة الطفل التي قام بها جون وم .وايتنج .ودراسات عن
م ْن ِزلة ومعاملة المسنين ألنتوني %جالسكوك ،وكلهم من علماء اإلنسان األمريكيين.
وفي %أواسط القرن العشرين بدأ علماء اإلنسان األفارقة واآلسيويون في دراسة بعض المجتمعات في
الغرب الذي كان من قبل يُرسل العلماء والباحثين إلى بلدانهم .فقام عالم اإلنسان النيجيري جون أوجبو
بدراسته في إحدى مدارس الضواحي %في كاليفورنيا .كما قام عالم إنسان نيجيري %آخر هو أ.ي .إسيين-
أودَم ،بدراسة عن أمة اإلسالم ،وهي مجموعة من المسلمين السود وغيرهم في الواليات المتحدة
األمريكية.
والواقع %أن الدراسات الميدانية التي تمت على أيدي علماء اإلنسان منذ الستينيات قدمت الكثير لتطور%
دراسات األصول البشرية .وتتضمن األسماء الرائدة في هذه الجهود عائلة ليكي في كينيا التي تضم،
2
لويس ،وزوجته ماري ،وابنهما %ريتشارد.
6
العصور القديمة .جاء أقدم تاريخ ُم ّدون في العالم من الصين ،وقد اكتشف علماء اآلثار وثائق عن
التاريخ الصيني المكتوب قبل 1000ق.م .كان سيماكيان (سوماتشاين) أول مؤرخ صيني كبير،
دَوّ ن معظم أحداث التاريخ الصيني المبكر حوالي عام 100ق.م.
بدأت كتابة التاريخ الغربي في اليونان القديمة .وكان أول المؤرخين اإلغريق هو هيرودوت ،الذي
عاش في القرن الخامس ق.م ،وكتب الكثير عن الحروب التي دارت بين اإلغريق والفرس .وكان
لدى هيرودوت والذي يُدعى أبا التاريخ القليل من الوثائق اإلغريقية وال يعرف قراءة اللغة
الفارسية ،لهذا اعتمد بشكل رئيسي في سرده على الشهادات الشفوية والتقليدية ،وأضاف إليها
تفاصيل خيالية لتصبح أكثر حيوية ،غير أن المؤرخين الغربيين يؤكدون دقة كتاباته من الناحية
األساسية.
كان أكثر خلفاء هيرودوت شهرة في ميدان التأريخ ثيوسيديديس الذي اعتمد الدقة والنقد في
كتاباته .ويعتبر كتابه تاريخ الحرب البلوبونيزية زاخرً ا بمعلومات دقيقة وموثوقة عن تلك الحرب،
التي امتدت سبعة وعشرين عامًا ،وحققت فيها أسبرطة النصر على أثينا عام 404ق.م.
اشتهر أيضً ا العديد من المؤرخين الرومان مثل ،ليفي ¸تيتوس ليفيوس· الذي كتب كتابًا مطوالً
تضمن قصصً ا مفصلة بعنوان تاريخ روما قدم فيه قصة روما ،منذ إنشائها وحتى العام التاسع
ق.م .واشتهر كورنليوس تاكيتوس خصوصً ا بكتابيه تواريخ وتحويالت ،وتتناول تلك األعمال،
التاريخ الروماني منذ وفاة اإلمبراطور أوغسطوس في العام 14م ،وحتى نهاية حكم فيتليوس عام
69م.
اشتهر أيضً ا العديد من المؤرخين الرومان مثل ،ليفي ¸تيتوس ليفيوس· الذي كتب كتابًا مطوالً
تضمن قصصً ا مفصلة بعنوان تاريخ روما قدم فيه قصة روما ،منذ إنشائها وحتى العام التاسع
ق.م .واشتهر كورنليوس تاكيتوس خصوصً ا بكتابيه تواريخ وتحويالت ،وتتناول تلك األعمال،
التاريخ الروماني منذ وفاة اإلمبراطور أوغسطوس في العام 14م ،وحتى نهاية حكم فيتليوس عام
1
69م.
التاريخ عند العرب .راعى المؤرخون العرب صدق الرواية في تأريخهم ألنفسهم ولغيرهم من
األمم األخرى .وكانت أغلب مؤلفاتهم تدور حول تاريخ البلدان التي فتحوها ،وتاريخ اإلسالم
وتاريخ أهم األقطار والمدن كمصر واألندلس والمغرب ومكة والمدينة ودمشق وبغداد .ومن أبرز
المؤرخين العرب والمسلمين المسعودي وأهم مؤلف له في التاريخ مروج الذهب ،ومحمد بن
جرير الطبري وأشهر كتبه تاريخ الرسل والملوك ،ومن أشهر المؤرخين في العالم عبدالرحمن بن
خلدون ويُعد كتابه المقدمة من أروع وأوسع كتب التاريخ ،وقد استقاه %من مالحظاته فيما يقع من
ً
اطرادا في السلوك اإلنساني شبيه بما يحدث في الطبيعة .كما أدى انتشار أحداث ،ويرى أن هناك
العربية بين غير العرب من نصارى ويهود إلى أن ألف بعضهم كتبًا في التأريخ النصراني
واليهودي باللغة العربية ،ومن بين هؤالء البطريرك يوتيخيوس واألسقف ساويروس الملقب بأبي
البشر بن المقفع وقد ألفا في تاريخ الكنائس الشرقية .ومن أفضل كتب التاريخ التي ألفت في القرن
الثالث عشر الهجري ،التاسع عشر الميالدي كتاب عبد الرحمن الجبرتي عجائب اآلثار في
1
التراجم واألخبار ويعد الجبرتي من بين أشهر مؤرخي العالم العشرة.
الموسوعة العربية العالمية ،نفس المرجع السابق ( ،مقالة علم التاريخ ) 11
7
ومعظم ما كتب عن تاريخ العرب والمسلمين ـ خالل نهاية القرن التاسع عشر وإلى ما بعد
النصف الثاني من القرن العشرين ـ كان قد كتبه المستشرقون والمستعمرون ،وقد وضعوا األسس
الحديثة لكتابة هذا التاريخ ،وكانوا ملتزمين فيه بما يعود عليهم بالنفع وهو ما ال يشترط ،في
الغالب ،أن يعود بمثله على العرب والمسلمين .إال أنه ظهرت مؤلفات في منتصف القرن العشرين
الميالدي ونهايته صارت تتناول التاريخ العربي من منظور أوسع ،من ذلك كتاب محمد كرد علي
اإلسالم والحضارة العربية ،وعبدالمنعم ماجد في كتابه التاريخ السياسي للدول العربية ،وأحمد
شلبي في موسوعة التاريخ اإلسالمي والحضارة اإلسالمية.
العصور الوسطى .شارك الكتاب ال َّنصارى بما فيهم عدد من الرهبان في غالبية المدونات
التاريخية عن تلك الفترة ،وقد حاول بعض المؤرخين النصارى كتابة تاريخ عالمي يمزج كالّ من
التاريخ اليهودي وال َّنصرانيّ ،مع سجالت الماضي اإلغريقي والروماني .قدم الراهب أوزبيوس
من قيسارية في فلسطين في أوائل القرن الرابع الميالدي ،التاريخ العالمي األكثر أهمية في
نموذجه .وكذلك تاريخ ال َّنصرانيَّة المعروف باسم التاريخ الكنسي ،وأوضح فيه أن هللا يسيطر على
وطوّ َر القديس أوغسطين هذه الفكرة %خالل القرن الخامس الميالدي ،إلى فلسفة الحوادث البشريةَ .
للتاريخ ضمن كتابه مدينة هللا.
كان من المؤرخين الغربيين في أوائل العصور الوسطى األوروبية الراهب اإلنجليزي بيدي،
وكان مؤلفه الرئيسي التاريخ الكنسي للشعب اإلنجليزي (731م) ،الذي ما يزال مصدرً ا رئيسيًا
للتاريخ اإلنجليزي عن تلك الفترة .حاول العديد من مؤرخي العصور الوسطى ،وفيهم بيدي،
إظهار الدور اإللهي في الحوادث التاريخية .وتبدو أعمالهم مقبولة اليوم ،باعتبارها وثائق رئيسية
لتلك الحوادث التي تناولتها مؤلفاتهم.
وكتب المؤرخ العربي الكبير ابن خلدون ،في القرن الرابع عشر الميالدي ،دراسته التاريخية ذات
المجلدات السبعة .وكذلك تتابعت عملية التأليف التاريخي في القرن الخامس %عشر الميالدي،
ور ّكز المؤرخون األوروبيون على الدور البشري في الحوادث واإلقالل من الدور اإللهي.
واحدا من المؤرخين في أوائل ً العصور الحديثة في أوروبا .كان العالم البريطاني إدوارد جبون
العصور الحديثة ،وقد أظهرت دراسته تاريخ انحطاط %اإلمبراطورية الرومانية وسقوطها (
1788 -1776م) أنه عالم دقيق ومتقن .وعكس كتابه أيضً ا نزعته ضد ال َّنصرانيَّة ،ألنه يعتبرها
مسؤولة ولو بقدر ضئيل عن سقوط اإلمبراطورية الرومانية.
تطورت طرق الدراسة التاريخية الحديثة في القرن التاسع عشر الميالدي ،وأصبح التاريخ ميدا ًنا
مميزا .ولعب المؤرخ األلماني ليوبولد فون رانكه دورً ا في تطوير دراسة التاريخ فيً أكاديميًا
القرن التاسع عشر .عُرف رانكه في الغرب بأبي التاريخ الحديث .فقد قسّم الطرق الرئيسية
المتبعة من قبل المؤرخين المحدثين لتحليل وتقييم الوثائق ،وق ّدم أيضًا طريقة الحلقات %الدراسية
لتدريب مؤرخي المستقبل على طرق البحث ودرس التاريخ السياسي بشكل رئيسي.
بدأ المؤرخون األوروبيون واألمريكيون في القرن العشرين بالتركيز على أهمية القوى االجتماعية
واالقتصادية في التاريخ .ويدرس المؤرخون اليوم ،تلك القوى وكافة المواضيع األخرى عن
1
الماضي البشري.
8
المبحث الثاني :عالقة اإلنثروبولوجيا بعلم التاريخ :
أثارت عالقة التاريخ باالنثروبولوجيا جدال عنيفا بين االنثروبولوجيين انفسهم حيث تنقسموا إزاءها الى
اتجاهين :
اتجاه يعتبر عالقة التاريخ باالنثروبولوجيا Gعالقة معرفية مفيدة و مثمرة وفريق آخر يعتبر عالقة التاريخ
باالنثروبولوجية عالقة عميقة تتنافي و الطرح االنثروبولوجي Gو بين القبول و الرفض ،و بين اعتراف
وتنكر ، Gصنعت هذه العالقات التاريخية االنثروبولوجية لنفسها كيانا معرفيا Gو ايدولوجيا متميزا ،ويظهرG
ذالك جليا ودراسات Gبعض االنثروبولوجين الذين اعتمدوا المنهج التاريخي في مقاربتهم Gلبعض الظواهر
االجتماعية و الثقافية و العقائدية .
لقد فتح التاريخ علما ومنها المجال واسعا لالنثروبولوجيين للتكفل بالموضوع تكفال علميا متكامال حيث
اهالهم المعرفة التاريخية لمتابعة المسار التاريخي ،و االجتماعي و الثقافي و الحضاري للظاهرة منذ
نشأتها ونموها Gو اهم مراحلها التطويرة وكذا تغيراتها ضمن النسق االجتماعي و الثقافي و االجتماعي و
البشري Gالذي شهد ميالدها و احتقن نموها وتطورها و استمرارها أو نموها وانقراضها .
الواقع ان التزام االتجاه التاريخي في التفسير في االنثربولوجي اتجاه أصيل فيما يعرف بالتفكير
االنثربولوجي Gبوجه خاص فان تايلور الذي يعتبره الكثير من االنثربولوجيين األب الروحي لالنثربولوجياG
برى ان هناك منهجين متمايزين في تفسير حقائق الثقافة و أول هذين المنهجين هو المنهج التاريخي الذي
يفسر نظاما معينا او كال معقدا من النظم عن طريق رسم مراحل التغير نحو التقدم خالل عملية التطور
التي يمر بها ذالك النظام Gمع المحاولة بقدر االمكان للوصول الى معرفة األسباب أو الظروف التي
ساعدت على حدوث ذالك التغير قد يجد الباحث االنثربولوجي Gنفسه مجبرا في مقاربته لبعض الواهر
االجتماعية و الثقافية البحث عن أصولها Gو التغيرات أو التطورات التي تعرضت لها عبر مراحلها
التاريخية كمقاربة لألسرة او نظم القرابة او نظام Gالزواج او الملكية او السلطة و العرف أو الطقوس و
الممارسات Gالدينية .
ان المعرفة التاريخية للظاهرة االجتماعية او الثقافية من حيث نشأتها وتطورها Gتؤهل الباحث
االنثروبولوجي بالمبادئ Gالتاريخية وباإلجراء المقارن الذي يعد إحدى مزايا البحث االنثروبولوجي في
مالحقته للظواهر االجتماعية و الثقافية و مقارنتها مع بعضها البعض في الثقافة الواحدة في مراحل
تاريخية مختلفة أو في مجموعة من الثقافات في محطات جغرافية و ذالك بغية إبراز األسس و القوانين
1
الثقافية و االجتماعية و الحضارية التي أفرزتها Gوفق قانون المثاقفة و التأثير و التأثر .
11محمد سعيدي ،االنثروبولوجيا بين النظرية و التطبيق %دراسة في مظاهر الثقافة الشعبية في الجزائر ،أطروحة دكتوراه في االنثروبولوجيا ،
كلية اآلداب و العلوم االنسانية و العلوم االجتماعية ،جامعة ابي بكر بلفايد تلمسان ، 2007-2006 ،ص 27
9
المطلب الثاني :الباحث االنثروبولوجي و المنهج التاريخي :
ان اهتمام الباحث االنثروبوجي Gبالتاريخ و توظيف Gمنهجيته و تقنياته البحثية في مقاربته للموضوعG
االجتماعي او الثقافي او االقتصادي ال يعني ابدا أنه انحرف عن أصله المعرفي وعن اختصاصه األصلي
وعن هدف من دراسته ،فهو ليس مؤرخا بحثا ،وبعيدا البعد كله أن يكون مؤرخا Gمحترفا فهو ال يؤرخ
للظاهرة االجتماعية او الثقافية تاريخا دقيقا قائما على الحسابات و التواريخ الدقيقة و ال يسعى الى تحديد
المعالم التاريخية كما عهدنا هذا في الدراسات التاريخية التي تسهر بصرامة على تحديد زمن نشأة
الظاهرة و مراحل نموها و تطورها و استمرارها أو زوالها و انقراضها Gكما هو الشأن في دراسة الناظمة
السياسية و تاريخ الدول و الحركات التحررية و الثورات و الحروب وغيرها من المواضيع التي تتطلب
الدقة العلمية في متابعة مراحلها التاريخية ومدى تفاعلها مع األزمنة المختلفة .
ان سعي الباحث االنثروبولوجي في مالمسته لألطروحات التاريخية و استثمار Gبعض مبادئها هو محاولة
من أجل االلمام قدر االمكان بموضوعه من حيث الحركة و التفاعل االجتماعي و الثقافي من جهة ،و من
جهة أخرى محاولة وصف طبيعة التغيرات التطورات التي خضع لها هذا الموضوع ضمن البناء
االجتماعي الشامل فالباحث االنثروبولوجي Gفي تبنيه للمنهج التاريخي ال يقف عند حدود اوحدة الزمنية
التاريخية بل يسعى الى إعطاء وصف Gمتكامل لموضوع الدراسة وليس بمجرد معالجة التتابع الزمني و
لكي يعطي وصفا متكامال لموضوع Gالدراسة ،فعليه ان يعنى بكل تلك الظواهر التي تقع في نفس الزمن
في مجتمع معين او في ثقافة معينة محددة ،وانطالقا مما سبق فان عالقة االنثربولوجيا بالتاريخ هي عالقة
معرفية مثمرة ومفيدة و فعالة في كتابة تاريخ بعض الثقافات التي لم تكن تعرف الكتابة تدوين تاريخها
الثقافي و االجتماعي قد تسعى االنثروبولوجيا التاريخية الى الكتابة الداخلية الباطنية اي تنطلق من
الموضوع ذاته ومساءلة عناصره البنيوية الخاصة و األساسية من عادات وتقاليد ومعتقدات و خرافات
2
وطقوس و أساطير أثار و عمران ومباني Gو أشكال التعبير الشعبي و عرف وفلكلور وسحر Gالخ ...
من بين العلوم االنسانية ،وحده التاريخ من استلهم الخطوات االنثرولولوجية أو هو االكثر اقترابا
منها ،فمن القراء المهتمين بكالسيكيات االنثروروبولوجيا كان العديد من المؤرخين هم من احسنوا
استخدامها ،البعض اآلخر تعرض لها بشكل طبيعي دون التحدث عن استعارات او فنون علمية
متداخلة .
ففي فرنسا وبسبب القلق من إحالل االستقراءات الكمية في سياقها ،فان مدرسة الحوليات قادت
مؤرخين ألخذ العوامل الثقافية بعين االعتبار .
محمد عبده محجوب ،مفدمةلدراسة المجتمعات البدوية ( منهج وتطبيق ) ،وكالة المطبوعات ،الكويت ، 1974 ، %ص 98 22
10
و قد تجلت العالقة المعرفية بين االنثروبولوجيا و التاريخ من خالل ظهور مواضيع جديدة :
كالبناءات الهوياتية ،بنى القرابة ،تاريخ الجسد و الممارسات الجسدية ،العالقات العائلية ،
البناءات االجتماعية ،ممارسات االستهالك وطرق االستقرار... Gالخ .
كما ان تحديد الحقب فرض نفسه كموضوع مشترك بين التاريخ و االنثروبولوجيا ،تماما كما نجده
في مفهوم الثقافة والعقلية و االيدولوجيا و الخيال ،بل ان التأمل الذي أطلقه المؤرخون على انتقاء
موضوعات الذاكرة هو تأمل تغذى من دون شك من ثقافة انثروبولوحية حسب مارك اوجيه ،
وجان بون كالين ،انهما اي التاري و االنثروبولوجيا يجدان نفسيهما في حقل مألوف ،ومن دون
شك ،يعود ذالك الى التشابهات البنيوية من خالل انظمة التمثالت المشتركة ،كما يعود للتقارب في
المناهج ،في بناء مواضيع البحث .
كما وشهدت فترة السبعينات و بالرغم من تخلي فرناند بروديل و شارل موارزيه عن تسيير مجلة
الحوليات تحقيق مزيد من التألق و االشعاع بفضل جيل جديد من المؤرخين القريبين من المفكر
البنيوي ،ومن ابرزهم :اندريه بورغيار المختص في تاريخ العائلة و تاريخ العلوم االجتماعية ،
وايمانويل لورا الدوري المتخصص في التاريخ الحديث ،ومارك فيرو المتخصص في التاريخ
المعاصر ،وجاك لوغوف المتخصص في التاريخ الوسيط ،فهذا االخير أشرف منذ سنة 1974م
مع جاك روفيلوبيير نورا و آخرين على إصدار ثالث مصنفات تضم عددا من المقاالت ،تطرح
مشكالت جديدة و تثير قضايا حديثة تشجع على نمط جديد من الكتابة التاريخية أكثر انفتاحا Gعلى
1
العلوم االنسانية و االجتماعية و األخرى وخصوصا االنثروبولوجيا .
عموما ان المعرفة االنثروبولوجية والمعرفة التاريخية تلهمان الباحث االجتماعي قدرة مساءلة
العناصر الثقافية و االجتماعية و استنطاق حاضرها وماضيها وما أفرزته من بنى مادية ومعنوية
وسلوكية كما تؤهل المعرفتان الباحث االجتماعي الى كتاة تاريخ الشعوب و تارخ ثقافاتها كتابة
حية تختلف عن كتابة المؤرخ المحترف الذي قلما ينزل الى الميدان االجتماعي و الثقافي %الشعبي
الذي يؤرخ له حيث تقف مرجعيته عند حدود الوثائق و الكتب – ان توفرتله – فيكتب تاريخ
الشعوب من بعيد ويبقى يالمس موضوعه من مكتبه الخاص ،وقد يصادفه أحيانا غياب الوثائق و
الكتب ،فيعتمد وقتئذ على تخميناته و تأويالته الخاصة و الشخصية و التي تكون صحيحة كما قد
تكون خاطئة االمر الذي ينتج عنه مواقف خطيرة في حق ثقافات الشعوب وفي حق تاريخ
2
الشعوب .
11عبد الكبير الخطيبي ،الى اين تسير السوسيوجيا ؟ ترجمة بنعياش ، %مجلة العلوم االنسانية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس ،السويسي ،
المعهد الجامعي ،للبحث العلمي ،عدد ، 2004 ،48ص 76-75
22محمد سعيدي ،نفس المرجع السابق ،ص 28
11
وخالصة القول ومن خالل من ما تم التطرق اليه عبر مبحث هذه الدراسة الموجزة و التي
تمحورت حول العالقة بين االنثرولوجيا و التاريخ ،يمكننا استخالص النقاط التالية
علم االنثروبولوجيا او كما يعرف في المعاجم العربية بعلم اإلنسان هو الدراسة العلمية -1
لإلنسان وللثقافة اإلنسانية .
يبحث األنثروبولوجيون في فنون الحياة المالئمة التي يتعلمها الناس ويشاركون فيها -2
باعتبارهم أعضاء في مجموعات اجتماعية .
أما علم التاريخ فهو أحد العلوم االجتماعية التي تعنى بدراسة الماضي البشري ، -3
ويقوم المؤرخون بدراسة الوثائق عن الحوادث الماضية ،وإعداد وثائق جديدة تستند
ً
تاريخا . إلى أبحاثهم .وتسمى هذه الوثائق ،أي ً
ضا،
بدأت دراسة الثقافة اإلنسانية في العصور %القديمة .ولكن علم اإلنسان (األنثروبولوجيا) لم يُصبح -4
مجاالً مستقالً للدراسة إال في أواسط القرن التاسع عشر الميالدي.
أثارت عالقة التاريخ باالنثروبولوجيا جدال عنيفا بين االنثروبولوجيين انفسهم حيث تنقسموا -5
إزاءها الى اتجاهين اتجاه يعتبر عالقة التاريخ باالنثروبولوجيا عالقة معرفية مفيدة و
مثمرة وفريق آخر يعتبر عالقة التاريخ باالنثروبولوجية عالقة عميقة تتنافي و الطرح
االنثروبولوجي.
كما وتطرقنا الى ان الباحث االنثربولوجي بامكانه تبني المنهج التاريخي لكن بشروط منها -6
أال يقف عند حدود اوحدة الزمنية التاريخية بل يسعى الى إعطاء وصف متكامل لموضوع
الدراسة وليس بمجرد معالجة التتابع الزمني و لكي يعطي وصفا متكامال لموضوع
الدراسة.
ذكرنا ايضا انه من بين العلوم االنسانية ،وحده التاريخ من استلهم الخطوات االنثرولولوجية -7
أو هو االكثر اقترابا منها ،فمن القراء المهتمين بكالسيكيات االنثروروبولوجيا كان العديد
من المؤرخين هم من احسنوا استخدامها .
ذكرنا في االخير ان عالقة االنثروبولوجيا بالتاريخ نجم عنها ظهور مواضيع جديدة : -8
كالبناءات الهوياتية ،بنى القرابة ،تاريخ الجسد و الممارسات الجسدية ،العالقات العائلية ،
البناءات االجتماعية ،ممارسات االستهالك وطرق االستقرار... Gالخ .
12
نستنتج انطالقا مما سبق فان عالقة االنثربولوجيا بالتاريخ هي عالقة معرفية مثمرة ومفيدة و فعالة
في كتابة تاريخ بعض الثقافات Gالتي لم تكن تعرف الكتابة تدوين تاريخها الثقافي Gو االجتماعي قد
تسعى االنثروبولوجيا التاريخية الى الكتابة الداخلية الباطنية اي تنطلق من الموضوع ذاته ومساءلة
عناصره البنيوية الخاصة و األساسية من عادات وتقاليد ومعتقدات و خرافات Gوطقوس و أساطير
أثار و عمران ومباني و أشكال التعبير الشعبي و عرف وفلكلور وسحر الخ..
وعلى كل حال ان المعرفة االنثروبولوجية والمعرفة التاريخية تلهمان الباحث االجتماعي قدرة
مساءلة العناصر الثقافية و االجتماعية و استنطاق حاضرها وماضيها وما أفرزته من بنى مادية
ومعنوية وسلوكية كما تؤهل المعرفتان الباحث االجتماعي الى كتابة تاريخ الشعوب و تاريخ
ثقافاتها كتابة حية تختلف عن كتابة المؤرخ المحترف الذي قلما ينزل الى الميدان االجتماعي و
الثقافي الشعبي الذي يؤرخ له حيث تقف مرجعيته عند حدود الوثائق و الكتب
عبد الكبير الخطيبي ،الى اين تسير السوسيوجيا ؟ ترجمة بنعياش ،مجلة -2
العلوم االنسانيةـ و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس ،السويسي ،المعهد
الجامعي ،للبحث العلمي ،عدد .2004 ،48
محمد عبده محجوب ،مفدمةلدراسة المجتمعات البدوية ( منهج وتطبيقـ ) ، -4
وكالة المطبوعات ،الكويت .1974 ،
13