You are on page 1of 13

‫خطة البحث ‪.

‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫المبحث األول ‪ :‬االنثروبولوجيا و التاريخ مدخل مفاهيمي‬ ‫‪‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف االنثربولوجيا ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف علم التاريخ‬ ‫‪-‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نشأة علم االنثربولوجيا ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬تطور علم التاريخ ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬عالقة االنثربولوجيا بعلم التاريخ ‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫المطلب األول ‪ :‬اتجاهات‪ %‬العالقة بين االنثروبولوجيا و التاريخ ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الباحث االنثروبولوجي و المنهج التاريخي‬ ‫‪-‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نتاج العالقة بين االنثروبولوجيا و التاريخ ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خـــــاتمة ‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫قـــائمة المراجع ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمــــــة ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫على مر التاريخ و باختالف العصور كان االنسان هو نقطة البداية و االساس التي بنيت‬
‫عليه العديد من الحضارات القديمة ‪ ،‬و بما ان األزمنة متغيرة فقد شاءت عجلة التاريخ ان‬
‫ينتهي زمن هذه الحضارات االنسانية ‪ ،‬فلم يبقى منها الى آثارها ‪.‬‬
‫والجدير بالذكر ان االنسان و المجتمع االنساني باختالف فتراته الزمنية ظل محور للعديد‬
‫من العلوم و كان األساس في نشأة عدد من التيارات الفكرية و المناهج النظرية و حتى‬
‫التطبيقية ‪ ،‬فكان علم االنسان او ما يعرف باالنثربولوجيا من أبرز تلك العلوم ‪ ،‬و هو الذي‬
‫يبحث في االنماط العامة للسلوك االنساني باختالف فتراته الزمنية بما في ذالك االنسان‬
‫القديم ‪ ،‬ومن هنا فقد تشاركت االنثربولوجيا مع بعض العلوم المرتبطة بنفس المجال الزمني‬
‫والتي من ابرزها علم التاريخ هذا االخير يعنى بدراسة ماضي االنسان و البشرية بصفة‬
‫عامة ومن هنا ظهر التشابه النسبي بين علمي االنثربولوجيا و التاريخ ‪ ،‬هذه المقاربة‬
‫العلمية استوجبت وجود عالقة بين العلمين ‪.‬‬
‫وقد استقطب موضوع العالقة بين بين االنثربولوجيا و التاريخ على اهتمام الكثير من‬
‫الباحثين و العلماء ‪ ،‬وخلق جدال واسعا بينهم نحن من خالل هذا البحث سنسلط الضوء‬
‫على هذه العالقة و نقف على اهم اتجاهاتها و اهم نتائجها وذالك من خالل االجابة على‬
‫التساؤل التالي ‪ :‬ما هي العالقة بين علمي االنثروبولوجيا و التاريخ ؟ و ما هو نتاج هذه‬
‫العالقة العلمية ؟‬

‫أهمية الموضوع ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وتتجلى أهمية الدراسة كونه يسلط الضوء على علمين من بين ابرز العلوم في ميدان العلوم‬
‫االنسانية و االجتماعية وهما علما االنثربولوجيا و التاريخ و يسلط الضوء على العالقة بينهما‬
‫مشيرا بذالك الى اوجه التشابه و االختالف بينهما ‪.‬‬

‫أهداف الدراسة ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ومن خالل هذه الدراسة النظرية سنسعى للوصول الى االهداف االتية ‪:‬‬
‫التعرف على علمي التاريخ و االنثروبولوجيا ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الوقوف على تاريخ ومميزات كل منهما ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫التطرق ألبرز االتجاهاتـ في العالقة بين االنثروبولوجيا و التاريخ ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪2‬‬
‫معرفة اهم النتائج المترتبة عن عالقة االنثروبولوجيا بالتاريخ ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫المبحث االول ‪ :‬االنثروبولوجيا و التاريخ مدخل مفاهيمي ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬تعريف االنثربولوجيا ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫التعريف االشتقاقي ‪:‬‬

‫بالفرنسية ‪ Anthropologie:‬مشتقة من الكلمة االغريقية ‪ Anthropos‬ومعناها انسان‬


‫ولوغوس من ‪Logos‬ومعناها خطاب‪ %‬أو بحث أو دراسة أو علم وهنا نفضل كلمة علم ‪.‬‬

‫معنى فلسفي عام ‪ :‬االنثربولوجيا هي علم وصفي لالنسان ‪.‬‬


‫اما التعريف االصطالحي فيعرف بتعريفين مختلفين ‪:‬‬
‫أ ‪ :‬االثروبولوجيا على انها علم من العلوم االنسانية يهتم بمعرفة االنسان معرفة كلية وشمولية ‪.‬‬
‫ب ‪ :‬االنثرربولوجييا علم من العلوم االنسانية يهتم بدراسة االنسان من حيث (قيم جمالية ‪ ،‬دينية ‪،‬‬
‫اخالقية ‪ ،‬اقتصادية ‪ ،‬وثقافية ‪ ،‬واجتماعية ) و مكتسباته الثقافية ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وقد اعطيت تعريفات اخرى لمصطلح االنثروبولوجيا ارتبط بتطورها التاريخي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫علم اإلنسان هو الدراسة العلمية لإلنسان وللثقافة اإلنسانية‪ ،‬ويعرف باألنثروبولوجيا‪ .‬يبحث‬
‫األنثروبولوجيون في فنون الحياة المالئمة التي يتعلمها الناس ويشاركون فيها باعتبارهم أعضاء في‬
‫مجموعات اجتماعية‪ ،‬كما أنهم يقومون بفحص الخصائص التي يشترك فيها البشر باعتبارهم‬
‫أعضاء نوع واحد في الطرق والعادات المنوعة التي يعيشون بها في البيئات المختلفة‪ .‬إنهم يحللون‬
‫أيضًا منتجات الجماعات‪ G‬االجتماعية (األشياء المادية والمبتكرات األقل مادية مثل القيم‬
‫واالعتقادات)‪.‬‬

‫يبحث علماء علم اإلنسان كغيرهم من علماء االجتماع بشكل منظم في األنماط العامة للسلوك‬
‫اإلنساني‪ .‬إنهم يُنشئون النظريات ويستخدمون المناهج العلمية الختبارها‪ ،‬ويقومون عادة بعمل‬
‫الدراسات المقارنة‪ ،‬ومقارنة الثقافات أي يدرسون جماعات‪ G‬مختلفة من الناس لتحديد أوجه التشابه‬
‫واالختالفات بينهم‪ .‬فمثالً‪ ،‬درس علماء علم اإلنسان (األنثروبولوجيون) النظم القانونية في القرى‬
‫الزراعية اإلفريقية‪ ،‬وللمشتغلين بتربية الخنازير في غينيا الجديدة‪ ،‬وتلك التي توجد في الدول‬
‫الصناعية األوروبية‪ .‬أما علماء االجتماع في الميادين األخرى فيعملون بصفة رئيسية في‬
‫المجتمعات الحضرية وقليالً ما يَ ْعقِدون المقارنات‪ G‬بين الثقافات‪ G‬المختلفة‪.‬‬

‫كذلك توجد ميزة أخرى مهمة لعلم اإلنسان وهي التأكيد على تصوير المجتمع كما يُرى من الداخل‪،‬‬
‫أي من منظور أعضائه إذ يحاول علماء علم اإلنسان تحديد كيف يرى الناس الذين يشاركون في‬

‫مصطفى تيليوين ‪ ،‬مدخل في االنثروبولوجيا ‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفارابي ‪،‬بيروت – لبنان ‪ 2011 ،‬ص ‪20-19‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪3‬‬
‫ثقافة واحدة عالمهم‪ .‬والواقع أن باستطاعة علم اإلنسان (األنثروبولوجيا) أن يسهم إسهامات رئيسية‬
‫‪1‬‬
‫في تحقيق االنسجام الدولي ألنه يساعد على فهم مختلف الثقافات‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف علم التاريخ ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫علم التاريخ أحد العلوم االنسانية التي تعنى بدراسة الماضي البشري‪ ،‬ويقوم المؤرخون‬
‫بدراسة الوثائق عن الحوادث الماضية‪ ،‬وإعداد وثائق جديدة تستند إلى أبحاثهم‪ .‬وتسمى هذه‬
‫ً‬
‫تاريخا‪.‬‬ ‫الوثائق‪ ،‬أي ً‬
‫ضا‪،‬‬

‫ترك القدماء العديد من اآلثار‪ ،‬بما في ذلك التقاليد‪ ،‬والقصص الشعبية‪ ،‬واألعمال الفنية‪،‬‬
‫والمخلفات األثرية‪ ،‬والكتب والمدونات األخرى‪ .‬يستخدم المؤرخون كل تلك المصادر‪،‬‬
‫ولكنهم يدرسون الماضي بشكل رئيسي‪ ،‬في ضوء ما هو مدوّ ن في الوثائق المكتوبة‪ ،‬لذا‬
‫فإن التاريخ أصبح مقصورً ا بصفة عامة على الحوادث اإلنسانية‪ ،‬منذ تطور الكتابة قبل نحو‬
‫خمسة آالف سنة مضت‪.‬‬

‫يدرس المؤرخون كافة مظاهر الحياة اإلنسانية الماضية‪ ،‬واألحوال االجتماعية والثقافية‪،‬‬
‫تمامًا مثل الحوادث السياسية واالقتصادية‪ .‬ويدرس بعض المؤرخين الماضي وصوالً لفهم‬
‫آلية تفكير وعمل الناس على نحو أفضل‪ ،‬في األزمنة المختلفة‪ ،‬بينما يبحث اآلخرون عن‬
‫الع َبر المستفادة من تلك األعمال واألفكار‪ ،‬لتكون موجهًا للقرارات والسياسات المعاصرة‪%.‬‬
‫على أية حال‪ ،‬يختلف المؤرخون في الرأي حول ع َبر التاريخ‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن هناك العديد من‬
‫التفسيرات المختلفة للماضي‪%.‬‬

‫أصبح التاريخ ميدا ًنا للدراسة في العديد من المدارس خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬فاليوم‪ ،‬ومن‬
‫خالل دراسة تاريخ العالم في المدارس‪ ،‬تتم دراسة الماضي عن طريق الكتب بوصفها‬
‫ضا‪ ،‬كالرحالت الميدانية للمواقع األثرية‬ ‫مصدرً ا رئي ًسا‪ ،‬ومن خالل نشاطات مماثلة أي ً‬
‫وزيارات المتاحف‪ .‬ويحرص عدد كبير من الشعوب على تدريس تراثها القومي في‬
‫المدارس إلنماء شعورها الوطني‪ .‬وهكذا‪ ،‬يستخدم التاريخ‪ ،‬ال من أجل إخبار التالميذ عن‬
‫الكيفية التي تطوَّ رت بها الحياة القومية‪ ،‬وإنما من أجل تبرير الم ُُثل والمفاهيم القومية‬
‫‪2‬‬
‫ودعمها‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نبذة تاريخيةـ عن االنثروبولوجيا ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫‪ 11‬مجموعة من المؤلفين ‪ ،‬الموسوعة العربية العالمية ( النسخة اإللكترونية ) ‪ ،‬اعمال الموسوعة للنشر و التوزيع ‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪،‬‬
‫‪ ، 2004‬مقالة ( علم االنسان )‬
‫‪ 22‬الموسوعة العربية العالمية ‪ ،‬نفس المرجع السابق ( مقالة ‪ ،‬علم التاريخ )‬

‫‪4‬‬
‫بدأت دراسة الثقافة اإلنسانية في العصور‪ %‬القديمة‪ .‬ولكن علم اإلنسان (األنثروبولوجيا) لم يُصبح مجاالً‬
‫مستقالً للدراسة إال في أواسط القرن التاسع عشر الميالدي‪ .‬وقد‪ %‬ركز علماء علم اإلنسان األوائل على‬
‫تطبيق‪ %‬نظرية التطور‪ %‬على دراستهم ‪ ،‬حيث نظروا إلى تاريخ الثقافة اإلنسانية على أنه عملية تطور‪ %‬من‬
‫األشكال الدنيا إلى األشكال العليا‪ ،‬والتي بلغت في زعم هؤالء العلماء األوائل الذروة مع ثقافات أوروبا‪%‬‬
‫وأمريكا‪ %‬الشمالية‪ .‬أما الشعوب المعروفة باسم ¸الشعوب البدائية·‪ ،‬التي كانت تقنياتها أقل تقدمًا من األمم‬
‫الغربية‪ ،‬فقد افترضوا‪ %‬أنها مثلت مراحل التطور المبكرة‪ .‬مثال ذلك‪ ،‬إن عالم علم اإلنسان األمريكي‪%‬‬
‫لويس مورجان درس أنماط الزواج في العديد من المجتمعات‪ ،‬وانتهى‪ %‬إلى أن الزواج ـ وهذه وجهة نظره‬
‫هو ـ تطور خالل القرون من زواج الجماعة إلى الزواج الغربي من زوجة واحدة‪.‬‬

‫تطور البحث الميداني‪ .‬بدأ كثير من علماء علم اإلنسان مع أواخر القرن التاسع عشر ينتقدون النظريات‪%‬‬
‫التطورية التي قال بها مورجان وغيره من التطوريين‪ .‬وكان اهتمام هؤالء العلماء المتأخرين باكتشاف‪%‬‬
‫وتسجيل‪ %‬التباينات واالختالفات‪ %‬البشرية‪ ،‬أكثر من اهتمامهم بوصف‪ %‬أنماط التطور‪ .‬كما أدركوا‪ %‬أيضًا‬
‫ضرورة أن تتم عملية جمع المعلومات عن الجماعات المختلفة قبلما تتحور ثقافات هذه الجماعات بسبب‬
‫االحتكاك بالغرب‪ .‬وقد نظم علماء علم اإلنسان من أمثال العالم األلماني أدولف باستيان‪ ،‬والعالم‪%‬‬
‫األمريكي‪ %‬فرانز بواز‪ ،‬ووليم هـ‪.‬ر‪ .‬ريفرز من بريطانيا‪ %‬العديد من البعثات لدراسة ثقافات المجتمعات‬
‫‪1‬‬
‫األخرى دراسة مباشرة‪.‬‬

‫وفي‪ %‬عام ‪1899‬م أنشأ بواس بجامعة كولومبيا‪ %‬في مدينة نيويورك‪ %‬أول قسم رئيسي لتدريس علم اإلنسان‪.‬‬
‫وكان من بين تالمذته روث‪ .‬ف بنيدكت وألفريد ل‪ .‬كرويبر‪ %‬وروبرت هـ‪ .‬لووي‪ ،‬ومارجريت‪ %‬ميد‪ ،‬وقد‬
‫أصبحوا‪ %‬جميعً ا من علماء علم اإلنسان المشهورين‪ .‬إذ دربهم بواس على القيام بدراسات مُركزة تعتمد‬
‫على المشاهدة لثقافات مستقلة وقائمة بذاتها‪ .‬وقد‪ %‬أدت الدراسات الميدانية التي تمت على أيدي هؤالء‬
‫العلماء إلى إلقاء األضواء على كثير من االختالفات‪ %‬بين المجتمعات‪.‬‬

‫وخالل العشرينيات من القرن العشرين الميالدي طوّ ر عالم اإلنسان البريطاني الجنسية‪ ،‬البولندي‪ %‬المولِد‪،‬‬
‫مدرسة سمي الوظيفية اهتمت في الدرجة األولى بالبحث في الطرق‪%‬‬ ‫ً‬ ‫برونيسالف‪ %‬مالينوفسكي‪ %،‬نهجً ا أو‬
‫المختلفة التي عملت بها السمات الثقافية إلشباع الحاجات اإلنسانية األساسية‪ ،‬عضوية كانت أم نفسية‪.‬‬
‫وكان من بين تالمذة مالينوفسكي‪ %‬الذين كتبت لهم الشهرة فيما بعد هم علماء علم اإلنسان البريطانيّون‬
‫األستاذ أي‪.‬أي إيفانز بريتشارد‪ ،‬وريموند فيرث‪ ،‬وماير فورتس‪ ،‬وماكس جلكمان وإسحاق‪ %‬شابيرا‪،‬‬
‫ضا‪،‬‬ ‫واألمريكي هورتنس باودرميكر‪ %.‬أما أ‪.‬ر‪.‬رادكليف براون وهو بريطاني‪ %‬آخر‪ ،‬فكان عالمًا وظيفيًا أي ً‬
‫واهتم بصفة أساسية بالكيفية التي تساعد بها تلك األعراف‪ ،‬مثل الشعائر‪ %‬والطقوس‪ %‬وعالقات القرابة على‬
‫استقرار واستمرار حياة اجتماعية منتظمة‪ .‬وضمن تالمذة رادكليف‪ %‬براون ْال َعالمان األمريكيان فردريك‬
‫أ‪ .‬إيجن‪ ،‬ووليم لويد وارنر‪.‬‬

‫علم اإلنسان المعاصر‪ .‬أثارت التغيرات السريعة الواسعة في كثير من المجتمعات خالل القرن العشرين‬
‫تحوالً في تفكير علم اإلنسان‪ .‬فبدالً من دراسة المجتمع في مرحلة زمنية معينة‪ ،‬بدأ علماء اإلنسان‬
‫يدرسون‪ %‬الثقافة في مختلف الفترات المتقطعة ألنهم كانوا يرغبون في الوقوف‪ %‬على الكيفية التي تغيرت‬
‫بها المجتمعات‪ ،‬وفي تحليل عملية التغير ذاتها‪ .‬فمثالً درس عالم اإلنسان األمريكي‪ %‬كليفورد جيرتز‬

‫الموسوعة العربية العالمية ‪ ،‬نفس المرجع السابق ‪ ( ،‬علم االنسان )‬ ‫‪11‬‬

‫‪5‬‬
‫التطور‪ %‬االقتصادي‪ %‬في إندونيسيا‪ ،‬كما درس عالم اإلنسان البريطاني آبنر كوهن الدور المتغير للعقيدة بين‬
‫تجار الماشية في قبائل الهوسا بإفريقيا‪.‬‬

‫لقد درس علماء اإلنسان األوائل بصفة رئيسية المجتمعات المحلية الصغيرة في المجتمعات ذات التقنية‬
‫البسيطة‪ .‬ولكن علماء اإلنسان المعاصرين يعملون داخل نطاقات واسعة المدى‪ .‬فقد يقوم علماء اإلنسان‬
‫بدراسة الكيفية التي يستجيب بها أحد المجتمعات المحلية الصغيرة لالحتكاك بالمجتمع الحديث‪ ،‬كما فعل‬
‫جورج فوستر من الواليات المتحدة في قرية تزينتزونتزان المكسيكية‪ .‬كما يعمل علماء اإلنسان في‬
‫الجماعات المختلفة في المدن الحديثة‪ .‬وعاش العالم األمريكي‪ %‬كارول ستاك في إحدى الضواحي‪ %‬التي‬
‫تقطنها عائالت السود ليدرس كيف ساعدتهم الروابط‪ %‬العائلية والصداقات على مواجهة الظروف الصعبة‪.‬‬

‫كذلك َي ْدرس عُلماء علم اإلنسان الطبي العالقات االجتماعية في المستشفيات ودور الرعاية للمسنين‪.‬‬
‫ومثال ذلك إن المقارنة بين دار رعاية في أسكتلندا وأخرى في الواليات المتحدة بيَّنت األسباب التي‬
‫‪1‬‬
‫جعلت النزالء أكثر طمأنينة ورضى‪ %‬في الدار األسكتلندية‪.‬‬

‫أكد علماء اإلنسان في مطلع القرن العشرين على دراسة الفوارق واالختالفات البشرية‪ .‬ولكن مع‬
‫منتصف‪ %‬القرن‪ ،‬أصبحت المحاوالت الكتشاف‪ %‬األنماط البشرية العامة هد ًفا هامًا لعلم اإلنسان‪ .‬تم تخزين‬
‫وفهرسة المعلومات والحقائق الخاصة اإلنسانية في جامعة َيي ْل األمريكية ومكنت هذه الملفات علماء‬
‫اإلنسان من البحث عن األنماط‪ %‬المتشابهة بالتحليل اإلحصائي لنفس النشاط في عدد من المجتمعات‪.‬‬
‫و ُتسمى‪ %‬هذه البحوث (البحوث المُستندية الحساسة)‪ .‬وهي تشتمل على تحليل لعالقات القرابة قام به‬
‫جورج بيتر ميردوك‪ %‬و‪.‬م‪ .‬ودراسة أساليب تنشئة الطفل التي قام بها جون وم‪ .‬وايتنج‪ .‬ودراسات عن‬
‫م ْن ِزلة ومعاملة المسنين ألنتوني‪ %‬جالسكوك‪ ،‬وكلهم من علماء اإلنسان األمريكيين‪.‬‬

‫وفي‪ %‬أواسط القرن العشرين بدأ علماء اإلنسان األفارقة واآلسيويون في دراسة بعض المجتمعات في‬
‫الغرب الذي كان من قبل يُرسل العلماء والباحثين إلى بلدانهم‪ .‬فقام عالم اإلنسان النيجيري جون أوجبو‬
‫بدراسته في إحدى مدارس الضواحي‪ %‬في كاليفورنيا‪ .‬كما قام عالم إنسان نيجيري‪ %‬آخر هو أ‪.‬ي‪ .‬إسيين‪-‬‬
‫أودَم‪ ،‬بدراسة عن أمة اإلسالم‪ ،‬وهي مجموعة من المسلمين السود وغيرهم في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫والواقع‪ %‬أن الدراسات الميدانية التي تمت على أيدي علماء اإلنسان منذ الستينيات قدمت الكثير لتطور‪%‬‬
‫دراسات األصول البشرية‪ .‬وتتضمن األسماء الرائدة في هذه الجهود عائلة ليكي في كينيا التي تضم‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫لويس‪ ،‬وزوجته ماري‪ ،‬وابنهما‪ %‬ريتشارد‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬تطور الكتابة التاريخية ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ 11‬الموسوعة العربية العالمية ‪ ،‬نفس المرجع السابق ‪ ( ،‬علم االنسان )‬


‫‪ 2‬الموسوعة العربية العالمية ‪ ،‬نفس المرجع السابق ‪ ( ،‬علم االنسان )‬

‫‪6‬‬
‫العصور القديمة‪ .‬جاء أقدم تاريخ ُم ّدون في العالم من الصين‪ ،‬وقد اكتشف علماء اآلثار وثائق عن‬
‫التاريخ الصيني المكتوب قبل ‪1000‬ق‪.‬م‪ .‬كان سيماكيان (سوماتشاين) أول مؤرخ صيني كبير‪،‬‬
‫دَوّ ن معظم أحداث التاريخ الصيني المبكر حوالي عام ‪100‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫بدأت كتابة التاريخ الغربي في اليونان القديمة‪ .‬وكان أول المؤرخين اإلغريق هو هيرودوت‪ ،‬الذي‬
‫عاش في القرن الخامس ق‪.‬م‪ ،‬وكتب الكثير عن الحروب التي دارت بين اإلغريق والفرس‪ .‬وكان‬
‫لدى هيرودوت والذي يُدعى أبا التاريخ القليل من الوثائق اإلغريقية وال يعرف قراءة اللغة‬
‫الفارسية‪ ،‬لهذا اعتمد بشكل رئيسي في سرده على الشهادات الشفوية والتقليدية‪ ،‬وأضاف إليها‬
‫تفاصيل خيالية لتصبح أكثر حيوية‪ ،‬غير أن المؤرخين الغربيين يؤكدون دقة كتاباته من الناحية‬
‫األساسية‪.‬‬

‫كان أكثر خلفاء هيرودوت شهرة في ميدان التأريخ ثيوسيديديس الذي اعتمد الدقة والنقد في‬
‫كتاباته‪ .‬ويعتبر كتابه تاريخ الحرب البلوبونيزية زاخرً ا بمعلومات دقيقة وموثوقة عن تلك الحرب‪،‬‬
‫التي امتدت سبعة وعشرين عامًا‪ ،‬وحققت فيها أسبرطة النصر على أثينا عام ‪404‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫اشتهر أيضً ا العديد من المؤرخين الرومان مثل‪ ،‬ليفي ¸تيتوس ليفيوس· الذي كتب كتابًا مطوالً‬
‫تضمن قصصً ا مفصلة بعنوان تاريخ روما قدم فيه قصة روما‪ ،‬منذ إنشائها وحتى العام التاسع‬
‫ق‪.‬م‪ .‬واشتهر كورنليوس تاكيتوس خصوصً ا بكتابيه تواريخ وتحويالت‪ ،‬وتتناول تلك األعمال‪،‬‬
‫التاريخ الروماني منذ وفاة اإلمبراطور أوغسطوس في العام ‪14‬م‪ ،‬وحتى نهاية حكم فيتليوس عام‬
‫‪69‬م‪.‬‬
‫اشتهر أيضً ا العديد من المؤرخين الرومان مثل‪ ،‬ليفي ¸تيتوس ليفيوس· الذي كتب كتابًا مطوالً‬
‫تضمن قصصً ا مفصلة بعنوان تاريخ روما قدم فيه قصة روما‪ ،‬منذ إنشائها وحتى العام التاسع‬
‫ق‪.‬م‪ .‬واشتهر كورنليوس تاكيتوس خصوصً ا بكتابيه تواريخ وتحويالت‪ ،‬وتتناول تلك األعمال‪،‬‬
‫التاريخ الروماني منذ وفاة اإلمبراطور أوغسطوس في العام ‪14‬م‪ ،‬وحتى نهاية حكم فيتليوس عام‬
‫‪1‬‬
‫‪69‬م‪.‬‬

‫التاريخ عند العرب‪ .‬راعى المؤرخون العرب صدق الرواية في تأريخهم ألنفسهم ولغيرهم من‬
‫األمم األخرى‪ .‬وكانت أغلب مؤلفاتهم تدور حول تاريخ البلدان التي فتحوها‪ ،‬وتاريخ اإلسالم‬
‫وتاريخ أهم األقطار والمدن كمصر واألندلس والمغرب ومكة والمدينة ودمشق وبغداد‪ .‬ومن أبرز‬
‫المؤرخين العرب والمسلمين المسعودي وأهم مؤلف له في التاريخ مروج الذهب‪ ،‬ومحمد بن‬
‫جرير الطبري وأشهر كتبه تاريخ الرسل والملوك‪ ،‬ومن أشهر المؤرخين في العالم عبدالرحمن بن‬
‫خلدون ويُعد كتابه المقدمة من أروع وأوسع كتب التاريخ‪ ،‬وقد استقاه‪ %‬من مالحظاته فيما يقع من‬
‫ً‬
‫اطرادا في السلوك اإلنساني شبيه بما يحدث في الطبيعة‪ .‬كما أدى انتشار‬ ‫أحداث‪ ،‬ويرى أن هناك‬
‫العربية بين غير العرب من نصارى ويهود إلى أن ألف بعضهم كتبًا في التأريخ النصراني‬
‫واليهودي باللغة العربية‪ ،‬ومن بين هؤالء البطريرك يوتيخيوس واألسقف ساويروس الملقب بأبي‬
‫البشر بن المقفع وقد ألفا في تاريخ الكنائس الشرقية‪ .‬ومن أفضل كتب التاريخ التي ألفت في القرن‬
‫الثالث عشر الهجري‪ ،‬التاسع عشر الميالدي كتاب عبد الرحمن الجبرتي عجائب اآلثار في‬
‫‪1‬‬
‫التراجم واألخبار ويعد الجبرتي من بين أشهر مؤرخي العالم العشرة‪.‬‬
‫الموسوعة العربية العالمية ‪ ،‬نفس المرجع السابق ‪( ،‬مقالة علم التاريخ )‬ ‫‪11‬‬

‫الموسوعة العربية العالمية ( نفس المرجع السابق )‬ ‫‪11‬‬

‫‪7‬‬
‫ومعظم ما كتب عن تاريخ العرب والمسلمين ـ خالل نهاية القرن التاسع عشر وإلى ما بعد‬
‫النصف الثاني من القرن العشرين ـ كان قد كتبه المستشرقون والمستعمرون‪ ،‬وقد وضعوا األسس‬
‫الحديثة لكتابة هذا التاريخ‪ ،‬وكانوا ملتزمين فيه بما يعود عليهم بالنفع وهو ما ال يشترط‪ ،‬في‬
‫الغالب‪ ،‬أن يعود بمثله على العرب والمسلمين‪ .‬إال أنه ظهرت مؤلفات في منتصف القرن العشرين‬
‫الميالدي ونهايته صارت تتناول التاريخ العربي من منظور أوسع‪ ،‬من ذلك كتاب محمد كرد علي‬
‫اإلسالم والحضارة العربية‪ ،‬وعبدالمنعم ماجد في كتابه التاريخ السياسي للدول العربية‪ ،‬وأحمد‬
‫شلبي في موسوعة التاريخ اإلسالمي والحضارة اإلسالمية‪.‬‬

‫العصور الوسطى‪ .‬شارك الكتاب ال َّنصارى بما فيهم عدد من الرهبان في غالبية المدونات‬
‫التاريخية عن تلك الفترة‪ ،‬وقد حاول بعض المؤرخين النصارى كتابة تاريخ عالمي يمزج كالّ من‬
‫التاريخ اليهودي وال َّنصرانيّ ‪ ،‬مع سجالت الماضي اإلغريقي والروماني‪ .‬قدم الراهب أوزبيوس‬
‫من قيسارية في فلسطين في أوائل القرن الرابع الميالدي‪ ،‬التاريخ العالمي األكثر أهمية في‬
‫نموذجه‪ .‬وكذلك تاريخ ال َّنصرانيَّة المعروف باسم التاريخ الكنسي‪ ،‬وأوضح فيه أن هللا يسيطر على‬
‫وطوّ َر القديس أوغسطين هذه الفكرة‪ %‬خالل القرن الخامس الميالدي‪ ،‬إلى فلسفة‬ ‫الحوادث البشرية‪َ .‬‬
‫للتاريخ ضمن كتابه مدينة هللا‪.‬‬

‫كان من المؤرخين الغربيين في أوائل العصور الوسطى األوروبية الراهب اإلنجليزي بيدي‪،‬‬
‫وكان مؤلفه الرئيسي التاريخ الكنسي للشعب اإلنجليزي (‪731‬م)‪ ،‬الذي ما يزال مصدرً ا رئيسيًا‬
‫للتاريخ اإلنجليزي عن تلك الفترة‪ .‬حاول العديد من مؤرخي العصور الوسطى‪ ،‬وفيهم بيدي‪،‬‬
‫إظهار الدور اإللهي في الحوادث التاريخية‪ .‬وتبدو أعمالهم مقبولة اليوم‪ ،‬باعتبارها وثائق رئيسية‬
‫لتلك الحوادث التي تناولتها مؤلفاتهم‪.‬‬

‫وكتب المؤرخ العربي الكبير ابن خلدون‪ ،‬في القرن الرابع عشر الميالدي‪ ،‬دراسته التاريخية ذات‬
‫المجلدات السبعة‪ .‬وكذلك تتابعت عملية التأليف التاريخي في القرن الخامس‪ %‬عشر الميالدي‪،‬‬
‫ور ّكز المؤرخون األوروبيون على الدور البشري في الحوادث واإلقالل من الدور اإللهي‪.‬‬

‫واحدا من المؤرخين في أوائل‬ ‫ً‬ ‫العصور الحديثة في أوروبا‪ .‬كان العالم البريطاني إدوارد جبون‬
‫العصور الحديثة‪ ،‬وقد أظهرت دراسته تاريخ انحطاط‪ %‬اإلمبراطورية الرومانية وسقوطها (‬
‫‪1788 -1776‬م) أنه عالم دقيق ومتقن‪ .‬وعكس كتابه أيضً ا نزعته ضد ال َّنصرانيَّة‪ ،‬ألنه يعتبرها‬
‫مسؤولة ولو بقدر ضئيل عن سقوط اإلمبراطورية الرومانية‪.‬‬

‫تطورت طرق الدراسة التاريخية الحديثة في القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬وأصبح التاريخ ميدا ًنا‬
‫مميزا‪ .‬ولعب المؤرخ األلماني ليوبولد فون رانكه دورً ا في تطوير دراسة التاريخ في‬‫ً‬ ‫أكاديميًا‬
‫القرن التاسع عشر‪ .‬عُرف رانكه في الغرب بأبي التاريخ الحديث‪ .‬فقد قسّم الطرق الرئيسية‬
‫المتبعة من قبل المؤرخين المحدثين لتحليل وتقييم الوثائق‪ ،‬وق ّدم أيضًا طريقة الحلقات‪ %‬الدراسية‬
‫لتدريب مؤرخي المستقبل على طرق البحث ودرس التاريخ السياسي بشكل رئيسي‪.‬‬

‫بدأ المؤرخون األوروبيون واألمريكيون في القرن العشرين بالتركيز على أهمية القوى االجتماعية‬
‫واالقتصادية في التاريخ‪ .‬ويدرس المؤرخون اليوم ‪ ،‬تلك القوى وكافة المواضيع األخرى عن‬
‫‪1‬‬
‫الماضي البشري‪.‬‬

‫الموسوعة العربية العالمية ( نفس المرجع السابق )‬ ‫‪11‬‬

‫‪8‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬عالقة اإلنثروبولوجيا بعلم التاريخ ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬اتجاهات في العالقة بين االنثروبولوجيا و التاريخ ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أثارت عالقة التاريخ باالنثروبولوجيا جدال عنيفا بين االنثروبولوجيين انفسهم حيث تنقسموا إزاءها الى‬
‫اتجاهين ‪:‬‬

‫اتجاه يعتبر عالقة التاريخ باالنثروبولوجيا‪ G‬عالقة معرفية مفيدة و مثمرة وفريق آخر يعتبر عالقة التاريخ‬
‫باالنثروبولوجية عالقة عميقة تتنافي و الطرح االنثروبولوجي‪ G‬و بين القبول و الرفض ‪ ،‬و بين اعتراف‬
‫وتنكر‪ ، G‬صنعت هذه العالقات التاريخية االنثروبولوجية لنفسها كيانا معرفيا‪ G‬و ايدولوجيا متميزا ‪ ،‬ويظهر‪G‬‬
‫ذالك جليا ودراسات‪ G‬بعض االنثروبولوجين الذين اعتمدوا المنهج التاريخي في مقاربتهم‪ G‬لبعض الظواهر‬
‫االجتماعية و الثقافية و العقائدية ‪.‬‬

‫لقد فتح التاريخ علما ومنها المجال واسعا لالنثروبولوجيين للتكفل بالموضوع تكفال علميا متكامال حيث‬
‫اهالهم المعرفة التاريخية لمتابعة المسار التاريخي ‪ ،‬و االجتماعي و الثقافي و الحضاري للظاهرة منذ‬
‫نشأتها ونموها‪ G‬و اهم مراحلها التطويرة وكذا تغيراتها ضمن النسق االجتماعي و الثقافي و االجتماعي و‬
‫البشري‪ G‬الذي شهد ميالدها و احتقن نموها وتطورها و استمرارها أو نموها وانقراضها ‪.‬‬

‫الواقع ان التزام االتجاه التاريخي في التفسير في االنثربولوجي اتجاه أصيل فيما يعرف بالتفكير‬
‫االنثربولوجي‪ G‬بوجه خاص فان تايلور الذي يعتبره الكثير من االنثربولوجيين األب الروحي لالنثربولوجيا‪G‬‬
‫برى ان هناك منهجين متمايزين في تفسير حقائق الثقافة و أول هذين المنهجين هو المنهج التاريخي الذي‬
‫يفسر نظاما معينا او كال معقدا من النظم عن طريق رسم مراحل التغير نحو التقدم خالل عملية التطور‬
‫التي يمر بها ذالك النظام‪ G‬مع المحاولة بقدر االمكان للوصول الى معرفة األسباب أو الظروف التي‬
‫ساعدت على حدوث ذالك التغير قد يجد الباحث االنثربولوجي‪ G‬نفسه مجبرا في مقاربته لبعض الواهر‬
‫االجتماعية و الثقافية البحث عن أصولها‪ G‬و التغيرات أو التطورات التي تعرضت لها عبر مراحلها‬
‫التاريخية كمقاربة لألسرة او نظم القرابة او نظام‪ G‬الزواج او الملكية او السلطة و العرف أو الطقوس و‬
‫الممارسات‪ G‬الدينية ‪.‬‬

‫ان المعرفة التاريخية للظاهرة االجتماعية او الثقافية من حيث نشأتها وتطورها‪ G‬تؤهل الباحث‬
‫االنثروبولوجي بالمبادئ‪ G‬التاريخية وباإلجراء المقارن الذي يعد إحدى مزايا البحث االنثروبولوجي في‬
‫مالحقته للظواهر االجتماعية و الثقافية و مقارنتها مع بعضها البعض في الثقافة الواحدة في مراحل‬
‫تاريخية مختلفة أو في مجموعة من الثقافات في محطات جغرافية و ذالك بغية إبراز األسس و القوانين‬
‫‪1‬‬
‫الثقافية و االجتماعية و الحضارية التي أفرزتها‪ G‬وفق قانون المثاقفة و التأثير و التأثر ‪.‬‬

‫‪ 11‬محمد سعيدي ‪ ،‬االنثروبولوجيا بين النظرية و التطبيق‪ %‬دراسة في مظاهر الثقافة الشعبية في الجزائر ‪ ،‬أطروحة دكتوراه في االنثروبولوجيا ‪،‬‬
‫كلية اآلداب و العلوم االنسانية و العلوم االجتماعية ‪ ،‬جامعة ابي بكر بلفايد تلمسان ‪ ، 2007-2006 ،‬ص ‪27‬‬

‫‪9‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الباحث االنثروبولوجي و المنهج التاريخي ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ان اهتمام الباحث االنثروبوجي‪ G‬بالتاريخ و توظيف‪ G‬منهجيته و تقنياته البحثية في مقاربته للموضوع‪G‬‬
‫االجتماعي او الثقافي او االقتصادي ال يعني ابدا أنه انحرف عن أصله المعرفي وعن اختصاصه األصلي‬
‫وعن هدف من دراسته ‪ ،‬فهو ليس مؤرخا بحثا ‪ ،‬وبعيدا البعد كله أن يكون مؤرخا‪ G‬محترفا فهو ال يؤرخ‬
‫للظاهرة االجتماعية او الثقافية تاريخا دقيقا قائما على الحسابات و التواريخ الدقيقة و ال يسعى الى تحديد‬
‫المعالم التاريخية كما عهدنا هذا في الدراسات التاريخية التي تسهر بصرامة على تحديد زمن نشأة‬
‫الظاهرة و مراحل نموها و تطورها و استمرارها أو زوالها و انقراضها‪ G‬كما هو الشأن في دراسة الناظمة‬
‫السياسية و تاريخ الدول و الحركات التحررية و الثورات و الحروب وغيرها من المواضيع التي تتطلب‬
‫الدقة العلمية في متابعة مراحلها التاريخية ومدى تفاعلها مع األزمنة المختلفة ‪.‬‬

‫ان سعي الباحث االنثروبولوجي في مالمسته لألطروحات التاريخية و استثمار‪ G‬بعض مبادئها هو محاولة‬
‫من أجل االلمام قدر االمكان بموضوعه من حيث الحركة و التفاعل االجتماعي و الثقافي من جهة ‪ ،‬و من‬
‫جهة أخرى محاولة وصف طبيعة التغيرات التطورات التي خضع لها هذا الموضوع ضمن البناء‬
‫االجتماعي الشامل فالباحث االنثروبولوجي‪ G‬في تبنيه للمنهج التاريخي ال يقف عند حدود اوحدة الزمنية‬
‫التاريخية بل يسعى الى إعطاء وصف‪ G‬متكامل لموضوع الدراسة وليس بمجرد معالجة التتابع الزمني و‬
‫لكي يعطي وصفا متكامال لموضوع‪ G‬الدراسة ‪ ،‬فعليه ان يعنى بكل تلك الظواهر التي تقع في نفس الزمن‬
‫في مجتمع معين او في ثقافة معينة محددة ‪ ،‬وانطالقا مما سبق فان عالقة االنثربولوجيا بالتاريخ هي عالقة‬
‫معرفية مثمرة ومفيدة و فعالة في كتابة تاريخ بعض الثقافات التي لم تكن تعرف الكتابة تدوين تاريخها‬
‫الثقافي و االجتماعي قد تسعى االنثروبولوجيا التاريخية الى الكتابة الداخلية الباطنية اي تنطلق من‬
‫الموضوع ذاته ومساءلة عناصره البنيوية الخاصة و األساسية من عادات وتقاليد ومعتقدات و خرافات‬
‫‪2‬‬
‫وطقوس و أساطير أثار و عمران ومباني‪ G‬و أشكال التعبير الشعبي و عرف وفلكلور وسحر‪ G‬الخ ‪...‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نتاج عالقة االنثربولوجيا بالتاريخ ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫من بين العلوم االنسانية ‪ ،‬وحده التاريخ من استلهم الخطوات االنثرولولوجية أو هو االكثر اقترابا‬
‫منها ‪ ،‬فمن القراء المهتمين بكالسيكيات االنثروروبولوجيا كان العديد من المؤرخين هم من احسنوا‬
‫استخدامها ‪ ،‬البعض اآلخر تعرض لها بشكل طبيعي دون التحدث عن استعارات او فنون علمية‬
‫متداخلة ‪.‬‬

‫ففي فرنسا وبسبب القلق من إحالل االستقراءات الكمية في سياقها ‪ ،‬فان مدرسة الحوليات قادت‬
‫مؤرخين ألخذ العوامل الثقافية بعين االعتبار ‪.‬‬

‫محمد عبده محجوب ‪ ،‬مفدمةلدراسة المجتمعات البدوية ( منهج وتطبيق ) ‪ ،‬وكالة المطبوعات ‪ ،‬الكويت‪ ، 1974 ، %‬ص ‪98‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪10‬‬
‫و قد تجلت العالقة المعرفية بين االنثروبولوجيا و التاريخ من خالل ظهور مواضيع جديدة ‪:‬‬
‫كالبناءات الهوياتية ‪ ،‬بنى القرابة ‪ ،‬تاريخ الجسد و الممارسات الجسدية ‪ ،‬العالقات العائلية ‪،‬‬
‫البناءات االجتماعية ‪ ،‬ممارسات االستهالك وطرق االستقرار‪... G‬الخ ‪.‬‬

‫كما ان تحديد الحقب فرض نفسه كموضوع مشترك بين التاريخ و االنثروبولوجيا ‪ ،‬تماما كما نجده‬
‫في مفهوم الثقافة والعقلية و االيدولوجيا و الخيال ‪ ،‬بل ان التأمل الذي أطلقه المؤرخون على انتقاء‬
‫موضوعات الذاكرة هو تأمل تغذى من دون شك من ثقافة انثروبولوحية حسب مارك اوجيه ‪،‬‬
‫وجان بون كالين ‪ ،‬انهما اي التاري و االنثروبولوجيا يجدان نفسيهما في حقل مألوف ‪ ،‬ومن دون‬
‫شك ‪ ،‬يعود ذالك الى التشابهات البنيوية من خالل انظمة التمثالت المشتركة ‪ ،‬كما يعود للتقارب في‬
‫المناهج ‪ ،‬في بناء مواضيع البحث ‪.‬‬

‫كما وشهدت فترة السبعينات و بالرغم من تخلي فرناند بروديل و شارل موارزيه عن تسيير مجلة‬
‫الحوليات تحقيق مزيد من التألق و االشعاع بفضل جيل جديد من المؤرخين القريبين من المفكر‬
‫البنيوي ‪ ،‬ومن ابرزهم ‪ :‬اندريه بورغيار المختص في تاريخ العائلة و تاريخ العلوم االجتماعية ‪،‬‬
‫وايمانويل لورا الدوري المتخصص في التاريخ الحديث ‪ ،‬ومارك فيرو المتخصص في التاريخ‬
‫المعاصر ‪ ،‬وجاك لوغوف المتخصص في التاريخ الوسيط ‪ ،‬فهذا االخير أشرف منذ سنة ‪ 1974‬م‬
‫مع جاك روفيلوبيير نورا و آخرين على إصدار ثالث مصنفات تضم عددا من المقاالت ‪ ،‬تطرح‬
‫مشكالت جديدة و تثير قضايا حديثة تشجع على نمط جديد من الكتابة التاريخية أكثر انفتاحا‪ G‬على‬
‫‪1‬‬
‫العلوم االنسانية و االجتماعية و األخرى وخصوصا االنثروبولوجيا ‪.‬‬

‫عموما ان المعرفة االنثروبولوجية والمعرفة التاريخية تلهمان الباحث االجتماعي قدرة مساءلة‬
‫العناصر الثقافية و االجتماعية و استنطاق حاضرها وماضيها وما أفرزته من بنى مادية ومعنوية‬
‫وسلوكية كما تؤهل المعرفتان الباحث االجتماعي الى كتاة تاريخ الشعوب و تارخ ثقافاتها كتابة‬
‫حية تختلف عن كتابة المؤرخ المحترف الذي قلما ينزل الى الميدان االجتماعي و الثقافي‪ %‬الشعبي‬
‫الذي يؤرخ له حيث تقف مرجعيته عند حدود الوثائق و الكتب – ان توفرتله – فيكتب تاريخ‬
‫الشعوب من بعيد ويبقى يالمس موضوعه من مكتبه الخاص ‪ ،‬وقد يصادفه أحيانا غياب الوثائق و‬
‫الكتب ‪ ،‬فيعتمد وقتئذ على تخميناته و تأويالته الخاصة و الشخصية و التي تكون صحيحة كما قد‬
‫تكون خاطئة االمر الذي ينتج عنه مواقف خطيرة في حق ثقافات الشعوب وفي حق تاريخ‬
‫‪2‬‬
‫الشعوب ‪.‬‬

‫خــــاتمة ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ 11‬عبد الكبير الخطيبي ‪ ،‬الى اين تسير السوسيوجيا ؟ ترجمة بنعياش‪ ، %‬مجلة العلوم االنسانية و االجتماعية ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬السويسي ‪،‬‬
‫المعهد الجامعي ‪ ،‬للبحث العلمي ‪ ،‬عدد ‪ ، 2004 ،48‬ص ‪76-75‬‬
‫‪ 22‬محمد سعيدي ‪ ،‬نفس المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪28‬‬

‫‪11‬‬
‫وخالصة القول ومن خالل من ما تم التطرق اليه عبر مبحث هذه الدراسة الموجزة و التي‬
‫تمحورت حول العالقة بين االنثرولوجيا و التاريخ ‪ ،‬يمكننا استخالص النقاط التالية‬
‫علم االنثروبولوجيا او كما يعرف في المعاجم العربية بعلم اإلنسان هو الدراسة العلمية‬ ‫‪-1‬‬
‫لإلنسان وللثقافة اإلنسانية ‪.‬‬

‫يبحث األنثروبولوجيون في فنون الحياة المالئمة التي يتعلمها الناس ويشاركون فيها‬ ‫‪-2‬‬
‫باعتبارهم أعضاء في مجموعات اجتماعية ‪.‬‬

‫أما علم التاريخ فهو أحد العلوم االجتماعية التي تعنى بدراسة الماضي البشري ‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ويقوم المؤرخون بدراسة الوثائق عن الحوادث الماضية‪ ،‬وإعداد وثائق جديدة تستند‬
‫ً‬
‫تاريخا ‪.‬‬ ‫إلى أبحاثهم‪ .‬وتسمى هذه الوثائق‪ ،‬أي ً‬
‫ضا‪،‬‬

‫بدأت دراسة الثقافة اإلنسانية في العصور‪ %‬القديمة‪ .‬ولكن علم اإلنسان (األنثروبولوجيا) لم يُصبح‬ ‫‪-4‬‬
‫مجاالً مستقالً للدراسة إال في أواسط القرن التاسع عشر الميالدي‪.‬‬

‫أثارت عالقة التاريخ باالنثروبولوجيا جدال عنيفا بين االنثروبولوجيين انفسهم حيث تنقسموا‬ ‫‪-5‬‬
‫إزاءها الى اتجاهين اتجاه يعتبر عالقة التاريخ باالنثروبولوجيا عالقة معرفية مفيدة و‬
‫مثمرة وفريق آخر يعتبر عالقة التاريخ باالنثروبولوجية عالقة عميقة تتنافي و الطرح‬
‫االنثروبولوجي‪.‬‬

‫كما وتطرقنا الى ان الباحث االنثربولوجي بامكانه تبني المنهج التاريخي لكن بشروط منها‬ ‫‪-6‬‬
‫أال يقف عند حدود اوحدة الزمنية التاريخية بل يسعى الى إعطاء وصف متكامل لموضوع‬
‫الدراسة وليس بمجرد معالجة التتابع الزمني و لكي يعطي وصفا متكامال لموضوع‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫ذكرنا ايضا انه من بين العلوم االنسانية ‪ ،‬وحده التاريخ من استلهم الخطوات االنثرولولوجية‬ ‫‪-7‬‬
‫أو هو االكثر اقترابا منها ‪ ،‬فمن القراء المهتمين بكالسيكيات االنثروروبولوجيا كان العديد‬
‫من المؤرخين هم من احسنوا استخدامها ‪.‬‬

‫ذكرنا في االخير ان عالقة االنثروبولوجيا بالتاريخ نجم عنها ظهور مواضيع جديدة ‪:‬‬ ‫‪-8‬‬
‫كالبناءات الهوياتية ‪ ،‬بنى القرابة ‪ ،‬تاريخ الجسد و الممارسات الجسدية ‪ ،‬العالقات العائلية ‪،‬‬
‫البناءات االجتماعية ‪ ،‬ممارسات االستهالك وطرق االستقرار‪... G‬الخ ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫نستنتج انطالقا مما سبق فان عالقة االنثربولوجيا بالتاريخ هي عالقة معرفية مثمرة ومفيدة و فعالة‬
‫في كتابة تاريخ بعض الثقافات‪ G‬التي لم تكن تعرف الكتابة تدوين تاريخها الثقافي‪ G‬و االجتماعي قد‬
‫تسعى االنثروبولوجيا التاريخية الى الكتابة الداخلية الباطنية اي تنطلق من الموضوع ذاته ومساءلة‬
‫عناصره البنيوية الخاصة و األساسية من عادات وتقاليد ومعتقدات و خرافات‪ G‬وطقوس و أساطير‬
‫أثار و عمران ومباني و أشكال التعبير الشعبي و عرف وفلكلور وسحر الخ‪..‬‬

‫وعلى كل حال ان المعرفة االنثروبولوجية والمعرفة التاريخية تلهمان الباحث االجتماعي قدرة‬
‫مساءلة العناصر الثقافية و االجتماعية و استنطاق حاضرها وماضيها وما أفرزته من بنى مادية‬
‫ومعنوية وسلوكية كما تؤهل المعرفتان الباحث االجتماعي الى كتابة تاريخ الشعوب و تاريخ‬
‫ثقافاتها كتابة حية تختلف عن كتابة المؤرخ المحترف الذي قلما ينزل الى الميدان االجتماعي و‬
‫الثقافي الشعبي الذي يؤرخ له حيث تقف مرجعيته عند حدود الوثائق و الكتب‬

‫قـــــائمةـ المراجع ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫مصطفى تيليوين ‪ ،‬مدخل في االنثروبولوجيا ‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفارابي ‪،‬بيروت –‬ ‫‪-1‬‬


‫لبنان ‪. 2011 ،‬‬

‫عبد الكبير الخطيبي ‪ ،‬الى اين تسير السوسيوجيا ؟ ترجمة بنعياش ‪ ،‬مجلة‬ ‫‪-2‬‬
‫العلوم االنسانيةـ و االجتماعية ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬السويسي ‪ ،‬المعهد‬
‫الجامعي ‪ ،‬للبحث العلمي ‪ ،‬عدد ‪.2004 ،48‬‬

‫محمد سعيدي ‪ ،‬االنثروبولوجيا بين النظرية و التطبيق دراسة في مظاهر‬ ‫‪-3‬‬


‫الثقافة الشعبية في الجزائر ‪ ،‬أطروحة دكتوراه في االنثروبولوجيا ‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫و العلوم االنسانية و العلوم االجتماعية ‪ ،‬جامعة ابي بكر بلفايد تلمسان ‪،‬‬
‫‪.2007-2006‬‬

‫محمد عبده محجوب ‪ ،‬مفدمةلدراسة المجتمعات البدوية ( منهج وتطبيقـ ) ‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وكالة المطبوعات ‪ ،‬الكويت ‪.1974 ،‬‬

‫مجموعة من المؤلفين ‪ ،‬الموسوعة العربية العالمية ( النسخة اإللكترونيةـ ) ‪،‬‬ ‫‪-5‬‬


‫اعمال الموسوعة للنشر و التوزيع ‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪. 2004 ،‬‬

‫‪13‬‬

You might also like