Professional Documents
Culture Documents
-قسم التجمعات Oاإلنسانية إلى قسمين بدو وحضر ثم قسم البدو إلى عدة
أقسام حسب أعمالهم وما يتوفر بأيديهم فمنهم من يعمل بالفالحة من غراسه
وزراعة وهم سكان القرى والجبال واستقرارهم أكثر من ترحالهم (وهم
عامة البربر واألعاجم).
ومنهم من يعمل برعي المواشي من غنم ومعز وبقر وهم رحالة غالبا خلف
الماء والكأل فالترحال Oأصلح لحالهم من االستقرار ويطلق عليهم (الشاوية)
حسب لفظ ابن خلدون لكنهم رغم ترحالهم ال يبتعدون كثيرا ويتوغلون في
الصحاري لعدم وجود المراعي داخل القفار(مثل التركمان والترك واألكراد
والصقالبة).
ومنهم من يعمل برعي اإلبل وهم أكثر ترحاال وتوغال في الصحاري
والقفار ألن اإلبل ال تستغني عن أشجار الصحاري ونباتها إال أنهم يتقلبون
في الشتاء من وسط الصحاري إلى أطرافها فِرارا من أذى البرد ولذلك هم
أشد الناس توحشا وهم بالنسبة للحضر بمقام الوحش غير المقدور
عليه(هؤالء هم العرب ومثلهم رحالة البربر واألكراد والتركمان والترك
بالمشرق) ،إال أن العرب أشد بداوة ألنهم مختصون باإلبل فقط أما البقية من
بربر وأكراد وتركمان وترك فهؤالء يرعون الماشية من بقر وشياه.
وفي مرحلة الحقة تتسع فيه أحوالهم ويحصل لهم فوق الحاجة من غنى
ورفه وهذا ما يدعوهم للسكون والدعة (االستقرار) واالستكثار من القوت
والملبس والتأنق والسعة في البيوت واختطاط المدن واألمصار للتحضر.
وفي مرحلة الحقة تتسع فيه أحوالهم أكثر فأكثر ويزيد الرفه والدعة فينعكس
ذلك على المبالغة في الترف والتأنق في المالبس الفاخرة Oوالحرير والديابيج
وتتنوع األقوات ويتعالون في البيوت ويصل بهم الترف إلى غايته في اتخاذ
القصور وإجراء المياه فيها وإعالء الصروح والمبالغة في تزيينها وتنجيدها
وهؤالء هم الحضر وأهل األمصار وهم من يعملون في الصناعة والتجارة
ومكاسبهم أنمى وأرقى من أهل البدو ألن عندهم ما هو زائد عن الضروري
وهذه األجيال طبيعية حسب لفظ ابن خلدون.
حسب هذا المنطق ،فإن أساس الوضع الحضاري ألي أمة يستند على
وضعها االقتصادي وسلوكها المعيشي (نمط ووسائل اإلنتاج) مما يتولد عنه
اجتماع أفرادها في تنظيمات وتكوينات مجتمعية.
البدو أقدم من الحضر وسابق عليه والبادية أصل العمران واألمصار مداد
لها.
يدلل ابن خلدون على فكرته القائلة "بأن البدو أصل للمجتمعات كلها وهم
تبعا ً لذلك أقدم من الحضر" Oأن اإلنسان يبدأ أوال بالسعي للحصول على ما
يسد رمقه ،ويكفل له استمرارية حياته ،وهذه هي بداية كل التجمعات
البشرية ،ومنها تأتي كلمة بادية ،والتي قد تعني من بين معانيها الكثيرة
البداية ،وبما أن الحضر منشغلون بالترفي والكمالي في أحوالهم ،فيستحيل
أن يكونوا بحال من األحوال سابقين على البدو من حيث النشأة ،ألن
االنشغال بالضروري أقدم وسابق على االنشغال بالكمالي O،وبما أن
الضروري أصل والكمالي فرع ناشئ عنه فالبداوة أصل للحضارة وسابق
عليه ،وخشونة البداوة قبل رقة الحضارة O،والمدنية غاية للبدوي يجري
إليها ،ومتى ما حصل على الدعة فيها وصل إلى قيادة المدينة ،وهذا شأن
القبائل البدوية كلها ،أما الحضري فال يعود للبادية إال لضرورة تدعوه إليها.
أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر.
حيث يؤكد ابن خلدون أن النفس إذا كانت على الفطرة األولى فهي متهيئة
لقبول ما يصل إليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر مصداقا لقول رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم( كل مولود يولد على الفطرة) فإذا سبق أليها الخير
تبتعد عن الشر ويصعب أن تكتسبه وإذا سبق إليها الشر صعب عليها الخير
.
فأهل الحضر يعانون من الترف واإلقبال على الدنيا والشهوات وتلوثت
أنفسهم بالكثير من المذمومات وبعدت عن الخير ومسالكه حتى أن الحشمة
حسب تعبير ابن خلدون ذهبت عنهم فهم يتحدثون بفاحش القول في
مجالسهم وعند كبرائهم ومحارمهم لمجاهرتهم بالفواحش قوال وعمال.
أما أهل البدو فهم أقل بكثير من سوء أهل الحضر فهم أقرب إلى الفطرة
األولى وأبعد عما ينطبع بالنفس من سوء لقلة السوء في البادية نسبة
للحاضرة حيث أنهم مشغولون في تحصيل أسباب بقائهم ووقت فراغهم ال
يكاد يذكر حتى ينشغلوا بأمور الدنيا وملذاتها.فالحضارة هي نهاية العمران
وخروجه إلى الفساد ،ونهاية الشر والبعد عن الخير ولذلك أهل البدو أقرب
إلى الخير من أهل الحضر.
نظريات مماثلة:
كان مدار نظرية ابن خلدون في العمران البدوي والعمران الحضري أن
هناك نموذج يمثل قمة التقدم والتطور وهو "مجتمع الحضارة Oوالتحضر"
الذي يتوج "بالمدينة" وهذا النموذج يتمثل في مجتمع العلم بحسب تحليل
أوجست كونت وممثال في مجتمع الصناعة بحسب تحليل هيربرت سبنسر
وممثال في مجتمع تقسيم العمل بحسب تحليل أميل دوركايم وممثال في
مجتمع الحرية الفردية والعمل الحر بحسب تحليل ماكس فيبر وممثال في
مجتمع النسق االجتماعي المتوازن والقادر على أداء وظائفه األساسية
لتحقيق غاياته وأهدافه العليا بحسب تالكوت بارسونز.