You are on page 1of 199

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫م ‪ -‬قالمـة‬ ‫جامعة ‪ 8‬مـا‬


‫ي ‪1945‬‬
‫كّل يّ ة العلوم اإلنسان يّ ة واالجتماع يّ ة‬
‫قسم علم االجتماع‬

‫مطبوعة بيداغوج ّية مو ّجهة لطلبة السنة األ ولى علوم اجتماعية ل‪.‬م‪.‬د‬
‫في مقياس‬ ‫‪:‬‬
‫مــدارس ومـنــاهــــج‬

‫من إنجاز‪ :‬د‪ .‬فوزية زنقـوفـي‬

‫م‪.-2019‬‬ ‫السنة الجامعية‪:‬‬


‫‪2018‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫الموضوع‬ ‫الصفحة‬

‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬

‫الفصل األوـل‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫وأهميته العلمي البحث ماهية ‪:‬أوال ‪4......................................................................................‬‬


‫‪10‬‬ ‫وأه ّمـيته العلمي المنهج ‪:‬ثانيا‬

‫العلمي المنهج مفهوم ‪10............................................................................................1-‬‬


‫‪ 2-‬المساهمات الفكرية في تأسيس المنهج العلمي‪12‬‬
‫‪...........................................................‬‬

‫وتصنيفاتها العلمّ‪$‬ية المعرفة ‪14....................................................................................3-‬‬


‫‪ 4-‬الموضوعّ‪$‬ية والذا ّت‪$‬ية (التفكير المو‪$‬ضوعي والتفكير الذ‪$‬اتي) ‪17‬‬
‫‪............................................‬‬

‫‪.............................................................‬‬ ‫عـية‪18‬‬
‫ثالثا‪ :‬أبرز أنواع المناهج فيـ البحوث ااـلجتما ّ‬
‫التجريبي المنهج ‪18..................................................................................................1-‬‬
‫الوصفي المنهج ‪26...................................................................................................2-‬‬
‫التا‪$‬ريخي المنهج ‪31..................................................................................................3-‬‬
‫المقا‪$‬رن المنهج ‪36....................................................................................................4-‬‬
‫االجتماعي المسح منهج ‪40........................................................................................5-‬‬
‫الحالة ارسة د منهج ‪46...............................................................................................6-‬‬
‫المضمون تح يل ل منهج ‪51..........................................................................................7-‬‬
‫المدارس المنهجية الـكبرى‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬أهّـم‬

‫‪61‬‬ ‫اإلسالمّـية المدرسة ‪:‬أوال‬


‫‪67‬‬ ‫الماركسّـية المدرسة ‪:‬ثانيا‬
‫م َحـدثة ال الماركسّـية ‪:‬ثالثاُ‪74..................................................................................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫الوض ّعـية المدرسة ‪:‬اربعا‬

‫‪82‬‬ ‫م َحـدثة ال الوض ّعـية ‪:‬خامس ُا‬


‫طـورها‪86‬‬
‫‪........................................................... ...........‬‬
‫سادسا‪ :‬المدرسة البنا ّئـية الوظي ّفـية وت ّ‬
‫‪97‬‬ ‫النفسي التحليل مدرسة ‪:‬سابعا‬

‫‪99‬‬ ‫خاتمة‬

‫‪100‬‬ ‫ارجع الم‬


‫مقدمة‬
‫ُين َظر إلى البحث االجتماعي كشكل من أشكال النشاط االجتماعي‬
‫المنظ‬
‫ّم الذي يرتبط أسا ًسا‪ $‬بغيره‬

‫من األنشطة االجتماعّ‪$‬ية األخرى‪ ،‬حيث أصبح الباحث االجتماعي يعتمد أكثر من ذي قبل على الدعم الذي يوفّره له‬

‫المجتمع الكبير الذي بدوره يعّلق باستم ارر آماً‪$‬ال كبيرة على المعلومات التي يوفّرها البحث االجتماعي‬
‫المو َّجه نحو اقت ارح وصياغة الحلول المالئمة لمشكالت االجتماعّ‪$‬ية‪.‬‬
‫ولو‪ $‬نظرنا‪ $‬إلى المستوى العالمي لوجدنا أ ّن المصادر التي توفّر الدعم الالزم إلنجاز البحو‪$‬ث‬
‫االجتماعّ‪$‬ية نت حصر‪ $‬في جمع المعلومات والتطوير المستمّ‪$‬ر لمعرفة الع‪$‬ل ّم‪$‬ية‪ .‬لذلك‪ $‬يّتضح‪ $‬ت ّق‪$‬دم المعرفة‬

‫اإلنسا ّن‪$‬ية‪ $‬عمو ما وتط ور العلوم االجتماعّ‪$‬ية خص‪$‬و ًصا في أسلوب التفكير العلمي‪ ،‬أل ّن المعرفة اإلنسا ّن‪$‬ية ما‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ً‪$‬‬
‫ع‪$‬ية التي نت تج فيها‪$.‬‬
‫هي إّ‪$‬ال ثمرة الظروف التاري ّخ‪$‬ية والشروط االجتما ّ‬
‫فالبحث االجتماعي ينطوي على جهود‬
‫منظ‬
‫ّمة تسعى إلى استنباط معلومات دقيقة ومف ّصلة من‬
‫الناحي‪$‬ة التطبي ّق‪$‬ية أو‪ $‬المجتم ّع‪$‬ية (الميدان العملي والو‪$‬اقع االجتماعي) دون إغفال القيمة العل ّم‪$‬ية لمعرفة‪$‬‬
‫النظّرية‪ ،‬أل ّن اإلسهام النظ‪$‬ري لبحث االجتماعي يرتكز على اختبار الفروض‪ ،‬صياغ‪$‬ة المفاه‪$‬يم والقضايا‪،$‬‬
‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫تكوين البناء‪$‬ات النظّرية والتحّقق منها وتعديلها من أجل تفسير المالحظات االمبري ّق‪$‬ية والظواهر االجتما ّ‬
‫وعليه فقد اختلف العلماء في تحديد ماهّ‪$‬ية البحث الع‪$‬لمي‪ ،‬لكن هذا االختالف‪$ $‬ليس قائ ما على‬
‫ً‬
‫الخل ّف‪$‬ية النظرّية و ّا‪$‬نما على أساس اختالف الموضوعات المبحوثة والتخ ّصصات العل ّم‪$‬ية في العلوم‬
‫ع‪$‬ية ت ّع‪$‬ددت من حيث الخل ّف‪$‬ية‪$‬‬
‫االجتماعّ‪$‬ية‪ .‬لذلك هناك مجموعة من التصنيفا‪$‬ت لمناهج في العلوم االجتما ّ‬
‫النظّرية التي تعتمد عليها وطبيعة الموضوعات التي تو ّظف في معالجتها‪ .‬والمالحظ أ ّن التصنيفات في‬
‫ص‪$‬نف المناهج إلى فئتين رئي ّس‪$‬يتي‪$‬ن‪ :‬المناهـجـ‬
‫المناه‪$‬ج تتناول الجا‪$‬نب الفلسفي أو الجوهري من المناهج‪ ،‬لذلك ت ّ‬
‫القائمة على التحليل الك ّمي للبيانات والد ارسات االمبري ّقـية كا‪$‬لمنهج الوصفي والتجريبي ود ارسة الحالة‬
‫المـناهج القائمة على التحليل البنيوي والمقارنـ مثل المنهج‬ ‫والمسح االجتماعي‪ ،‬والفئة الثانية‪ $‬تمّثل في‬
‫المقارن والمنهج التاريخي‪.‬‬
‫ولو‪ $‬تم ّع‪$‬نا النظر‪ $‬في األبعاد الثالثة التا‪$‬لية‪ :‬المعرفة العل ّم‪$‬ية والواقع االجتماعي والوسائل المنه ّج‪$‬ية‪،‬‬

‫‪-1-‬‬
‫لوجدناها تش ّكل المحاور اأ‪$‬لسا ّس‪$‬ية لعلوم االجتم‪$‬اعّ‪$‬ية التي يسعى مف ّكروها إلى نب اء معرفة عل ّم‪$‬ية تساعد في‬
‫االستخدامات التطبي ّق‪$‬ية لهذه‬ ‫يكون عليه‪ ،‬ث م‬ ‫وامكا ّن‪$‬ية الت ّن‪$‬بؤ بما ُيمكن‬ ‫فهم وتفسير المجتمع وأج ازئه‬
‫ّ‪$‬‬
‫أن‬ ‫المعرفة‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫ص‪$‬نف ضمن المباد ارت العلمّ‪$‬ية‬
‫وفي هذا السياق يندر‪$‬ج هذا العمل المتواضع في شكل مطبوعة ت ّ‬
‫ع‪$‬ي‪ $‬ة‪ ،‬وال ‪$‬تي تض من محاض ارت مو ّجهة لطلب‪$ $‬ة‪ $‬الس ‪$‬نة‪ $‬األ‪$‬ولى عل ‪$‬وم‬
‫لبعد المنهجي والفك ‪$‬ري في العل‪$ $‬وم االجتما ّ‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ي‪ $‬ة في مقي‪$$‬ا‪$‬س مدار‪$‬س ومناه‪$‬ج (مقي‪$ $‬اس س ‪$‬نوي) موّزع على سداس ّ‪ $$‬ين خال‪$‬ل الع ‪$‬ام ال‪$ $‬د ارس‪ $‬ي‪ ،‬حيث يش ‪$‬مل‬
‫اجتما ّ‬
‫السداسي األ ول تصنيفات‪ $‬المناهج العل ّم‪$‬ية‪ ،‬والسد‪$‬اسي الثاني أه م المدارس المنه ّج‪$‬ية الكبرى‪ $.‬وحس‪$‬ب البرنامج‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬

‫الو ازري الم ّق‪$‬رر حا‪$‬ولنا‪ $‬تسليط الضوء على الجانب العملي لبحث العلمي تماًشيا مع قد ارت وكفا‪$‬ءات الطالب‪،$‬‬
‫كما ت مت إضافة بعض التط و ارت واالّتجاهات الحديثة إلى محت ‪$‬وى المدار‪$‬س‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫وتحق ًي‪$‬قا لهذا المسعى‪ ،‬تّوزع محتوى المطبوعة على فصلين أسا ّس‪ $‬ين‪ ،‬يتناول الفصل األ ول اإلسهام‬
‫ّ‪$‬‬
‫النظري لبحث االجتماعي وتص ‪$‬نيفات المناهج العلمّ‪$‬ي‪ $‬ة‪ ،‬حيث تض من ماهي‪$ $‬ة البحث العلمي وأه ميت‪$ $‬ه‪ ،‬المنهج العلمي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ع‪$‬ي ة‪ .‬ويتن ‪$‬ا‪$‬ول الفصل الث ‪$‬اني أه م المدار‪$‬س المنه ّج‪$‬ي ة الك‪$‬برى‬
‫وأه ّميت ‪$‬ه وأب ‪$‬رز أن ‪$‬واع المن ‪$‬اهج في العل ‪$‬وم االجتما ّ‬
‫ّ‪$‬‬
‫(المدرسة اإلسال ّم‪$‬ية‪ ،‬المارك ّس‪$‬ية‪ ،‬الماركسّ‪$‬ية ال م َح‪$‬دثة‪ ،‬الو‪$‬ض ّع‪$‬ية‪ ،‬الوض ّع‪$‬ية ال م َح‪$‬دثة‪ ،‬البنا ّئ‪$‬ية الوظي ّف‪$‬ية‪$‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫وتط ورها‪ ،‬ومدرسة التحليل النفسي‪)$.‬‬


‫ّ‪$‬‬
‫والشكر هلل الع‪$‬ل ي القدير الذي وّفقني على إنجا‪$‬ز‪ $‬هذا العمل المتواضع‪.‬‬
‫ّ‬
‫واهلل ول ي التوفيق‪ $‬د‪.‬‬
‫ّ‬

‫فوزية زنقوفي‬
‫الفصل األول‬

‫اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬


‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫أوال‪ :‬ماهية البحث العلمي وأهميته‬


‫إ ّن البحث العلمي مفهوم مك ون من البحث وهو مصدر الفعل الماضي "بحث"‪ ،‬بمعنى ّفتش‪ ،‬تق ّصى‪،‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ّت‪$‬بع‪ ،‬ت ّح‪$‬رى‪ ،‬حاول واكتشف‪ .$‬وبمعناه ا لغوي الطلب والتق ّصي لحقيقة‪ ،‬أ ما‪ $‬كلمة العلمي فهي منسوبة إلى‬
‫ّ‬
‫لفظة علم وتعني المعرفة‪ ،‬الد ارية وادر‪$‬اك الحقائ‪$‬ق‪ .‬فالعلم يعني اإ‪$‬لحاطة واإللمام بالحقائق وك ّل ما يّتصل‬
‫بها‪.‬‬
‫وعليه فالبحث الع‪$‬لمي هو ذلك التق ّصي المن ّظم باتباع أسا‪$‬ليب ومناهج علمية م ّح‪$‬ددة للحقائق العلم‪$‬ية‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫قب صد التأ ّكد من ص ّحتها وتعديلها أو إضافة الجديد إليها ‪.‬‬
‫ولكن مهما اختلف الخب ارء والباحثون في تعريف البحث العلمي‪ ،‬فإ ّن الجميع مّتفق على أنه الوسيلة‬
‫هد‬ ‫الص‪$‬الت والعالقات التي تربط بينها‪ ،‬ذلك أ ّن‬ ‫المستخدمة لوصول إلى حقائق األشياء‪ ،‬ومعرفة ك ّل‬
‫ف‬
‫العلم هو البحث عن الحقائق‪ ،‬والبحث هو السع‪$‬ي لإلجابة‪ $‬عن التساؤلات وح ّل المشاكل ‪ (2)$.‬إذن‬
‫تظهر الحاجة‪ $‬إلى البحث‪ $‬عندما يكون هناك عدم وضوح في موقف ما أو‪ $‬حالة‪ $‬عدم التأ ّكد أو‬
‫في حالة غياب حقيقة أو نقص لمعرفة‪.‬‬
‫ّظم‪ $‬والدقيق‪ ،‬يقوم به الباحث بغرض‬
‫البحث العلمي هو وسيلة للبحث واالستقصاء المن‬ ‫وعليه فإ ّن‬
‫اكتشاف معلومات أو عالقات جديدة‪ ،‬باإلضافة إلى تطوير أو تصحيح أو تحقيق المعلومات الموجودة فعال‪ ،‬على أن يتبع‬
‫هذا الفحص واالستعالم الدقيق خطوات المنهج العلمي‪ ،‬واختيار الطريقة واألدوات الا‪$‬لزمة‬
‫)‪(3‬‬
‫للبحث وجمع الب‪$‬يانات ‪.‬‬

‫ومن الجدير باالهتمام أ ّن بعض الباحثين عندما ُي ق دمون على إج ارء دراسة‪ ،‬يعتقدون أ ّن عملية‬
‫تجميع الكثير من اآل ارء واألفكار حول الظاهرة موضوع البحث هي الطريقة الصواب‪ $‬إلج ارئه‪ ،‬ويظنون أنهم‬
‫قاموا ببحث علمي‪ .‬إ‬
‫ّن عرض آ ارء اآلخر‪$‬ين شيء مه م ومفيد‪ ،‬ولكنه ال يح ّل المشكلة مو‪$‬ضوع البحث‪ ،‬فحّلها ود ارستها‬
‫ّ‪$‬‬
‫يكون عن طريق األسلوب العلمي الذي يتطلب اال‪$‬لت ازم بخطوات البحث الع‪$‬لمي وطرقه وشروطه وأساليبه‪.‬‬

‫‪ 1-‬محجوب عطية الفائدي‪ :‬طرق البحث العلمي في العلوم االجتماعية مع بعض التطبيقات على المجتمعات الريفية‪ ،‬جامعة عمر‬
‫المختار البيضاء‪ ،‬الجمهورية العربية ا ليبية‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪20.‬‬
‫‪ 2-‬الهادي محمد محمد‪ :‬أساليب إعداد وتوثيق البحوث العلمية‪ $،‬المكتبة األ‪$‬كاديمية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪29.‬‬
‫‪-4-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫‪ 3-‬المنظمة العربية لتنمية اإل‪$‬دارية‪ :‬البحث العلمي ومشكالتـه في الوطن العربي‪ ،‬القاهرة‪-‬الشارقة‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪451 $.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫فم‪$‬ن شروط البحث العلمي‪ :‬األمانة‪ ،‬ال ّج‪$‬دّ‪$‬ية‪ ،‬الط‪$‬موح‪ ،‬السلوك الطّ‪$‬يب والمّتزن والسير في اتجاه سليم‬

‫ومنطقي‪ ،‬لكشف عن الحقائق من خالل المالحظات والتجا‪$‬رب والتساؤلات حول مواضيع المعرفة البشرية‪ .‬ومن الشروط‬
‫األساسية الو‪$‬اجب توافرها في البحث العلمي هي اأ‪$‬لصالة‪ ،‬والتي يقصد بها ذلك السلوك‬
‫العلمي في ك ّل طرق البحث ووسائله ومنهجه لتحقيق الهدف منه بذكاء ونظام ومنطق وأمانة علمية‪ .‬وهناك‬
‫شرط آخر وهو االبتكار‪ ،‬بمعنى إضافة جديدة أو الكشف عن شيء جديد‪ ،‬ويعني ذلك الق ارءة‬
‫الق ارءة هي نصف االبتكار‪ ،$‬والذكاء مت مم لها‬ ‫الواسعة لما كتبه السابقون والمعاصرون في الموضوع‪ ،‬أل ّن‬
‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫في الكشف عن الجديد وابتكاره ‪$.‬‬
‫لذلك ال يمكن للبحث العلمي أن يكون في غاية األ‪$‬همية دون وجود على األقل واحد من هذين‬
‫الشرطين (األصا‪$‬لة واالبتكار)‪ ،‬كما أنه ال يمكن متابعة أي بحث يهدف لوصو‪$‬ل إلى تحقيق نتائج معينة‬
‫أو ‪$‬للكشف عن حقائق مهما كان نوعها دون اللجوء إلى كتابات وتحقيقات وبحوث سابقة في المو‪$‬ضوع‬
‫نفسه‪ ،‬بمعنى أ ّن االتصال المستمر قبل وأثناء البحث بك ّل مصدر معلومات‪ ،‬من شأنه أن يضيف عناصر‪$‬‬
‫جديدة مفيدة في الموضوع المبحوث‪.‬‬
‫يجب‪ $‬أن‪ $‬يبني نتائ‪$‬جه بصفة أساسية على الحقائق وتجميع الحقائ‪$‬ق‪،‬‬
‫وعمو ما فإ ّن البحث‪ $‬العلمي‬
‫ً‪$‬‬
‫فالباحث كما سبق يمكن أن يت ّع‪$‬رف على ما يمكن أن تكون عليه آ ارء الخب ارء المفيدة ألغ ارض التعزيز‬

‫والتأكيد‪ ،‬ولكنها ال تح ّل مح ّل الحقائق‪ .‬وبعد أن يتأ ّكد الباحث من الحقائق‪ ،‬فإنه يقوم باختبار وت ّح‪$‬ري النتائج التي يص‪$‬ل إليها‬

‫بجميع الطرق الممكنة‪ ،‬لتأ ّكد‪ $‬من أنه على صواب فيما انتهى إليه من نتائج‪ ،$‬وذلك من‬
‫خالل وضعه لبعض اأ‪$‬لسئلة‪ ،‬مثال هل يّتفق الح‪ّ $‬ل مع جميع الحقائق المعروفة؟ وهل الحقائق واضحة وكافية‬
‫)‪(2‬‬
‫تل أ يد النتيجة التي وصل إليها؟‪. ...‬‬
‫ووفقا لهذه الشروط العلمية‪ ،‬يتطّلب البحث العلمي ما يلي‪$:‬‬
‫‪ -‬توفّر الغطاء الماّ‪$‬دي الذي يتطّلب الكثير من النفقات على الطباعة‪ ،‬اإلقامة‪ ،‬السفر‪.$..‬إلخ‪ - .‬إج‬

‫ارءات‪ $‬وعمليات النشر‪ ،‬فهناك العديد من األبحاث الجيدة قد رفضت بسبب‪ $‬أنها ال تحمل عناوين ّج‪$‬ذاب‪$‬ة‬
‫ُ‬
‫وب ارقة‪ ،‬كذلك أ ّن طول وتعقيد إج ارءات التحكيم قد أفقدت الحماس لقيام بالبحث العلمي‪.‬‬
‫‪ -‬تدعيم وحماية حقوق المؤ‪$‬لف‪ ،‬وهذا يتطلب‪ $‬س ّن التشريعات وتطبيقها لحماية اإلنتاج الفكري‪$.‬‬

‫–‪ 1‬مبارك محمد الصاوي محمد‪ :‬البحث العلمي –أسسه وطريقة كتابته‪ ،-‬المكتبة األ‪$‬كاديمية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪25$.‬‬
‫‪ 2-‬طلعت همام‪ :‬سين وجيم عن مناهج البحث العلمي‪ ،‬ط‪ $،3‬مؤسسة الرسالة باالشت ارك مع دار عمار‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1989 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.39،38‬‬
‫‪ -‬البيئة الجامعية‪ ،‬فمن الضروري تو‪$‬افر ‪$‬بيئة علمية مناسبة لباحث‪ $‬العتبار عمله البحثي جًزءا من عطائه‬

‫الجامعي‪.‬‬
‫‪ -‬الم ارجع العلمية ومصادر المعرفة التي نعاني من ندرتها وقّلتها في المكتبات العربية‪ ،‬م ما يش ّكل عقبة‬
‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫رئيسية في القيام بالبحث العلمي الجاّ‪$‬د والمت ّم‪$‬يز ‪$.‬‬
‫وبنا ًء على هذه الشروط والمتطّلبات ّتضح أهداف البحث العلمي في‪$:‬‬
‫‪ -‬أ ّن عملية البحث العلمي ليست بالعملية البسيطة‪ ،‬بل هي عملية معّقدة وشاقّة‪ ،‬تستلزم الكثي‪$‬ر من الجهد‬
‫المن ّظم والفحص الدقيق واالختبار ا نل اقد والتق ّصي الدقيق والتحليل الصادق والنزيه‪ ،‬م ما يجعل البحث العلمي‬
‫ّ‬
‫يهدف إلى نت مي ‪$ $‬ة المعرف‪ $‬ة البش‪$$‬رية وتطويرها بما يح ّق‪ $‬ق التقّ‪$$‬دم‪ $‬العلمي والحض ‪$‬ا‪$‬ري‪ ،‬فاإلنسان يعتم‪$‬د أساسا على البحث‪$‬‬

‫العلمي من أجل إب ارز الحقائق وكشف الخفايا‪ $‬حتى يعيش على يقين بما حول‪ $‬ه‪ ،$‬بع ًي‪$‬دا عن الش‪$‬كوك والخ ارف ‪ $‬ات‪ ،‬أين‬

‫يضع ح دا لألساطير واألوهام وغير ذلك من األ‪$‬مور التي ت ّس‪$‬بب في قت هقر الشعوب وتقف‪$‬‬

‫أمام الت ّق‪$‬دم الحضا‪$‬ري اإلنسان ي‪$.‬‬


‫ّ‬
‫لذلك فإ ّن البحث‪ $‬العلمي يخدم غايات‪ $‬عامة ولي‪$‬س خاصة‪ ،‬ومن ث م تكون نتائجه عامة وقابلة لنشر‬
‫ّ‪$‬‬
‫والنقل إلى الغير‪ ،$‬كما أ ّن البحث‪ $‬العلمي ُيستعمل في سبيل الو‪$‬صول إلى نتائج‪ $‬بطريقة من ّظمة م ّق‪$‬ننة وهي‬
‫) ‪(2‬‬
‫ما تسمى بالطريقة العلمية أو المنهج العلمي ‪.‬‬
‫البحث العلمي في العلوم االجتماعية يهدف إلى الحصول على المعرفة بغية خدمة أغ‪ $‬ارض‬
‫إ ّن‬
‫اجتماعية‪ ،‬فهو ينطلق أساسا من مشاكل اجتماعية واقعية كاالنح ارف‪ ،‬الطالق‪ ،‬العنف‪ .$..‬وفي المقابل فإ ّن‬
‫البحث في العلوم الطبيعية يهدف إلى الحصو‪$‬ل على المعرفة لكشف عن أس ارر الطبيعة وفهم العالم على‬
‫حقيقته‪ .$‬والمه م أ ّن العامل المشترك بين جميع البحوث يتمّثل في استخدامها لمنهج العلمي‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وعموما فإ ّن للبحث العلمي أهدافا عديدة ومتنوعة ومختلفة‪ ،‬ولقد حاو‪$‬ل العلماء تحديدها في عّ‪$‬دة‬
‫قضايا نذكر منها‪ :‬الوصف‪ ،‬التفسير‪ ،$‬الوصو‪$‬ل إلى معارف وحقائق جديدة‪ ،‬الت ّن‪$‬بؤ‪ ،‬التحكم‪ ،‬التطبيق العملي‪،‬‬
‫ح ّل المشاكل اإلنسا ّن‪$‬ية والعلمية‪.‬‬
‫واذا قمنا بتح ‪$‬ليل هذه األهداف نجد ما يلي‪:‬‬
‫ووصف العالقات‬
‫وصف الوقائع‬ ‫وظيفة العلم الجو‪$‬هرية هي الوصف‪ ،$‬أل‬ ‫الوصفية أ‬ ‫‪ -‬ترى المدرسة‬
‫ّن‬ ‫ّن‬
‫القا‪$‬ئمة بين معطيات الح ّس بأق‪ّ $‬ل جهد عقلي وبا‪$‬قتصاد في التفكير هو هدف العلم‪ .‬لكن يبقى الوصف ليس‬
‫–‪ 1‬منير الحمزة‪ :‬المكتبات الرقمية والنشر اإللـكتروني للوثائق‪ $،‬دار األ‪$‬لمعية لنشر والتوزيع‪ ،‬قسنطينة‪-‬الج ازئر‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪112.‬‬
‫‪ - 2‬أحمد بدر‪ :‬أصول البحث العلمي ومناهجه‪ ،‬ط‪ ،8‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪1986 ،‬م‪ ،‬ص‪50 $.‬‬
‫هو الغاية الو‪$‬حيدة أو النهائية لبحث العلمي وليس هو الهدف األخي‪$‬ر الذي يسعى إليه منهجه‪ ،‬فهو ي ّؤ‪$‬دي‬
‫بفضلها المشروع العلمي‪ ،‬فال يكفي الوصف في بناء‬
‫دو ار أ و ّل‪$‬يا يساعد فقط في القيام بأدوار أخرى يتحّقق‬
‫ّ‪$‬‬
‫العلم الذي يبدأ عندما نبدأ في تفسير هذه الوقائع‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة لتفسير‪ $‬فه‪$‬و محاو‪$‬لة الكشف عن‪ $‬أسباب وقوع الحوادث أو الظروف والشروط‪ ،‬حيث يفترض‬
‫التفسير اإليمان بمبدأ العّّلية‪ $‬الذي يربط بين األسباب والنتائج ويعتمد بدرجة كبيرة على العقل بخالف الوصف‬
‫الذي يعتمد أساسا على الحوا ّس والمالحظة والتجربة‪ ،‬لكن هل بهذا المعنى؟‪ ،‬هل الوصف‪ $‬يناقض التفسير؟‪$‬‬

‫أم أنهما يك مالن بعضهما وال يتناقضان؟‪ .‬إذا‬


‫ّ‬
‫كان الو‪$‬صف هو كشف الدالالت الظاهرة في المعطيات الحسية‪ ،‬فإ ّن التفسي‪$‬ر هو كشف الدالا‪$‬لت‬

‫التي تتجاوز تلك المعطيات‪ ،‬واذا كانت‪ $‬دالالت الوصف‪ $‬كيفيات‪ $‬ح ّ ّس‪$‬ية‪ $‬تخضع لمالحظة والتجريب المباشر‪،‬‬
‫فإ ّن دالالت التفسير م ّج‪$‬ردات عقلية ال تر‪$‬تبط بالمالحظة والتجربة‪ ،‬واذا كان الو‪$‬صف يمّ‪$‬دنا بخب ارت ومعلومات‬

‫عن الموجودات واألشياء والظواهر‪ ،‬فإ ّن التفسير ُيح ول تلك الخب ارت والمعلومات إلى فروض تخضع لالختبا‪$‬ر‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫التجريبي‪ ،‬نل صل منها إلى تعميمات أو قوانين عامة ‪$.‬‬
‫‪ -‬وقد يقوم الباحث العلمي ببحث علمي من أجل الوصول إلى الحقائق والمعارف الجديدة‪ ،‬ال كغاية قصوى‪ ،‬بل بهدف‬
‫الت ّن‪$‬بؤ‪ $‬والتح ّكم‪ $‬والسيطرة والتطبيق‪ $‬العملي وح ّل المشاكل التي قد تعترض ت ّق‪$‬دمه‪ ،‬أل ّن الهدف األخير‪$‬‬
‫من البحث العلمي هو ح ّل المشاكل اإلنسا ّن‪$‬ية والعلمية التي قد تعترض الت ّق‪$‬دم‪ $‬البشري واالقتصاد‪$‬ي والعلمي‪،‬‬
‫الرفاهي‬ ‫ه‪$‬دد‪ $‬حياة البشرية أو‪ $‬التي تقّلل من تحقيق‬
‫ة‬ ‫فالعلماء يحاولون إيجاد حلول مالئمة لمشاكل التي ت ّ‬
‫والسعادة‪.‬‬
‫لذلك يعتبر البحث‪ $‬العلمي تكوينا مًرنا‪ ،$‬مستم را‪ ،‬متواص ًال وتدر ًي‪$‬با على التح ّكم والتفسير والتحليل‬
‫)‪(2‬‬
‫والت ّن‪$‬بؤ‪ ،$‬نل صل في األخي‪$‬ر إلى اكتشاف الحقيقة‪ ،‬بحيث نستفيد من معرفتها والتح ّكم في معطياتها ‪$.‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق ّتضح‪ $‬خطوات البحث العلمي في‪$:‬‬
‫‪ -‬اختيار موضوع البحث (مشكلة‪ ،‬ظاهرة‪ ،‬حدث اجتماعي‪).‬‬
‫‪ -‬كتابة مشروع بحث بما فيه تصميم الب‪$‬حث وكيفية إج ارئه‪$.‬‬
‫‪ -‬جمع المعلومات والبيانات النظرية والميداني‪$‬ة‪.‬‬
‫‪ -‬نت ظيم المعلومات المج معة مع تطبيق المنهج المّتبع عليها وعلى الد ارسة كك ّل‪.‬‬
‫ّ‬

‫–‪ 1‬عبد المعطي محمد علي‪ ،‬السرياقوسي محمد‪ :‬أساليب البحث العلمي‪ $،‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪82.‬‬
2 - Ahmed Taleb: Méthodologie de préparation des mémoires et des thèses (guide du chercheur),
traduction: Bendimered Nacera, Edition Dar el Gharb, Oran-Algérie, 2004, P 30.
‫‪ -‬تفسير البيانات والمعلومات ث م تبويبها وتحليلها‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -‬الخالصة وهي تض م النتائج والتوصيات ‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وُتنجز هذه الخطوات‪ $‬عبر ثالث م ارحل‪:‬‬
‫‪ ‬المرحلة التحضيرية والتي تض ّمن‪ $‬اختيا‪$‬ر مشكلة البحث وصياغة عنوانه‪ ،‬إعداد خطة البحث‪ ،‬كتابة‬
‫المقدمة‪ $،‬اإلشارة إلى أهمية الد ارسة‪ ،‬بيان هدف البحث والغرض منه‪ ،‬تحديد مفاهيم الد ارسة‪ ،‬تصميم تساؤلات‬
‫الد ارسة وفروضها‪ ،‬تحديد نوع الد ارسة‪ ،‬تحديد المنهج المستخدم‪ ،‬تحديد مجتمع البحث‪( $‬اختيا‪$‬ر العينة)‪،‬‬
‫اإلشارة إلى الدراسات والبحوث السابقة وايضا‪$‬ح مجاالت الد ارسة‪$.‬‬
‫‪ ‬المرحلة الميدانية وهي مرحلة جمع البيانات‪.‬‬
‫‪ ‬المرحلة النهائية أين يت م تفريغ البيانات وجدولتها‪ ،‬معالجتها إحصا ّئ‪$‬يا‪ ،‬تح ‪$‬ليل وتفسير البيانات‪ ،‬الكشف‬
‫ّ‪$‬‬
‫عن القضايا التي يثيرها البحث‪ ،$‬الخاتمة‪ $‬وكتابة التقرير‪ $‬النهائي لبحث أو‪ $‬النتائج النهائية‪ ،‬وصوً‪$‬ال إلى وضع‬
‫)‪(2‬‬
‫الم ارجع والمالحق ‪.‬‬
‫واجماً‪$‬ال لما سبق‪ ،‬تُق ّسم البحوث العلمية حسب اتفاق ذوي االختصاص كما يلي‪$:‬‬

‫‪ -‬التقسيم‪ $‬على أسا‪$‬س المجال الع‪$‬لمي (البحوث في مجال العلوم الطبيعية‪ ،‬البحوث في مجال العلوم‬
‫االجتماعية‪ ،‬البحوث في مجال اإلنسا ّن‪$‬يات‪).$‬‬
‫‪ -‬التقسيم على أسا‪$‬س الهدف النهائي (البحوث العلمّ‪$‬ية البحتة‪ ،‬العلوم الع‪$‬لمّ‪$‬ية التطبي ّق‪$‬ية‪)$.‬‬
‫‪ -‬التقسيم على أسا‪$‬س الوسائل (البحوث الك ّم‪$‬ية‪ ،‬البحوث الكي ّف‪$‬ية أو النوعّ‪$‬ية‪- )$.‬‬
‫ّ‬
‫التقسيم على أساس المجال (البحوث المكت ّب‪$‬ية أو الوثائ ّق‪$‬ية‪ ،‬البحوث الميدا ّن‪$‬ية‪ ،‬البحوث التجريبّ‪$‬ية‪ ،‬البحو‪$‬ث‬

‫ال ّت‪$‬ب ّع‪$‬ية أو التط ورّية‪ ،*$‬بحوث التماثل أو المحاكاة‪).‬‬


‫ّ‪$‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪ -‬التقسيم حسب الوظيفة والغرض (بحوث أسا‪$‬سية‪ ،‬بحوث تطبيقية‪ ،‬بحوث التقويم) ‪.‬‬

‫‪ 1-‬حسين عبد‪ $‬الحميد‪ ،‬أحمد رشوان‪ :‬ميادين علم االجتماع ومناهج البحث العلمي‪ $،‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬اإ‪$‬لسكندرية‪-‬مصر‪،‬‬
‫ص م‪.1901977،‬‬
‫‪ 2-‬بلقاسم سالطنية‪ ،‬حسان الجيالن‪$‬ي‪ :‬محاضرات في المنهج والبحث العلمي‪ ،‬ط‪ ،2‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪2009 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.99،98‬‬

‫يقوم الباحث فيها بد ارسة تبعية‪ ،‬على مدار فترة زمنية خالل الم ارحل العمرية المختلفة‪ ،‬أو في‪ $‬د ارسة مدى التغّير في اتجاهات وسلوك‬ ‫*‬
‫مجموعة من المستهلكين الدائمين على مدار فت ارت زمنية مع‪$‬ينة‪.‬‬
‫–‪ 3‬سمير محمد حسين‪ :‬بحوث اإلعالم –األسس والمبادئ‪ $،-‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1976 ،‬م‪ ،‬ص‪108$.‬‬
‫م ما سبق يش ّكل الواقع االجتماعي بأبعاده التاريخية‪ $‬و قب ضاياه ومشاكله‪ ،‬ميدان علوم المجتمع‬
‫ّ‬
‫ومداخلها وي ّح‪$‬دد في نفس الوقت منظوراتها‪ ،‬وبغ ّض النظر عن اختالف تص و ارت هذه العلوم واهتماماتها‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وتفسي ارتها‪ ،‬فإنها تسعى إلى اكتشاف الحقيقة واالرتفاع بمستوى كفاءة أدوات البحث ‪$.‬‬
‫ولقد تط ور البحث في العلوم االجتماعية بفضل اإلسهامات العلمية لالتجاهات الفكرّية خا ّصة‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫االّتجاه الوضعي والماركسي‪ ،‬فاالتجا‪$‬ه الو‪$‬ضعي الذي يمثله "أوغست كونت" ‪(1789-1857‬م‪ )$‬في فيزيائه‬
‫العادات‪$‬‬
‫االجتماعية والديناميكية‪ ،‬يعتبر سوسيو‪$‬لوجيا مؤ‪$‬سسة على نموذج المنهج العلمي‪ ،‬والذي يرى بأ ّن‬
‫ُ‬
‫االجتماعية كافية لتفسير مجموع سلوكاتنا‪ ،‬بسبب فعا ّل‪$‬ية األع ارف السائدة‪.‬‬
‫أ ما االتجاه الماركسي فهو محاولة إلضفاء طابع الوض ّعي‪$‬ة على السوسيولوجيا من خالل د ارسة‬
‫ّ‬
‫المجتمع انطالقا من التناقضات بين قوى اإلنتا‪$‬ج وعالقاته‪ ،‬أي بين البيئة التح ّت‪$‬ية والبي‪$‬ئة الفو ّق‪$‬ية‪.‬‬

‫‪ - 1‬نبيل‪ $‬السمالوطي‪ :‬علم االجتماع التنمية –دـراسة في اجتماعيات العالم الثالث‪ ،-‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪$-‬‬
‫لبنان‪1991 ،‬م‪ ،‬ص‪9.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المنهج العلمي وأهميته‬
‫‪ 1-‬مفهوم المنهج العلمي‬
‫‪Method‬‬
‫المنهج بوزن المذهب‪ ،‬والمنهاج هو الطريق الواضح‪ ،‬وفي ا لغة اإلنجليزية فإ ّن كلمة‬

‫تعني النظام والترتيب وطريقة عمل شيء )‪ ،(1‬وتقابلها با‪ $‬لغة الفرنسية ‪ ،Méthode‬وهما كلمتان مأخوذتان‬
‫من األصل الي‪$‬وناني ‪ ،Méthodos‬الذي يتأّلف من مقطعين‪ "Méta" :‬بمعنى ُ"‪$‬بعد" و "‪ "hodos‬بمعنى‬
‫"طريق"‪ ،‬وهذا يد ّل من الناحية االشتقاقية على معنى السير تبعا لطريق م ّح‪$‬دد‪ ،‬وهي نفس الداللة‪ $‬االشتقاقية‪ $‬لكلمة‬

‫العربية "المنهج" والتي يقصد بها الطريق الواضح الم ّح‪$‬دد ‪ (2)$.‬وبهذا يتفق التعريف ا لغوي مع التعريف‬

‫االصطالحي إلى ّح‪$‬د كبير‪ ،‬والذي يشير إلى أ ّن الم‪$‬نهج هو مجموعة من القواعد التي يت م وضعها بقصد‬
‫ّ‪$‬‬
‫الو‪$‬صول إلى الحقيقة في العلم‪ ،‬أو الطر‪$‬يقة التي يّتبعها الباحث في د ارسته لمشكلة من أجل اكتشاف الحقيقة‪$‬‬
‫)‪(3‬‬
‫التي نجهلها‪ ،‬أو من أجل البرهنة عليها آللخرين الذين ال يعرفونها ‪.‬‬
‫وبالر‪$‬جوع إلى العهد اليوناني‪ ،‬فقد استعمل أفاـلطون كلمة المنهج لداللة على البحث أو النظر أو‪$‬‬
‫)‪(4‬‬
‫لذلك فإ ّن المفهوم الحديث لمنهج ال يت ّع‪$‬دى العصر الذي‪$‬‬ ‫المعرفة‪ ،‬كما استعملها أرسطو بمعنى البحث ‪$.‬‬
‫عاش فيه ف ارنسيس بيكون في القر‪$‬نين السادس عشر والسابع عشر‪ ،‬إلى جانب‪ $‬ديكاـرت الذي ساهم بدور‬
‫ف ّعال في تطوير المنهج العلمي عن طريق النقد الالذع الذي و ّجهه ألسا‪$‬ليب البحث التي سبقت العصر‪$‬‬

‫الذي عاش فيه خصوصا ا قل يا‪$‬س ال ُّصوري )‪ ،(5‬وهذا يتل ّخص في تلك‪ $‬االنتقادات التي و ّجهها ديكاـرت وبيكون‬
‫إلى الفلسفة اليونانية‪ $‬على وجه‪ $‬التحديد‪ .‬ثم‪ $‬تط‪ $‬ور مفهوم هذا المصطلح‪ $‬في "علمـ المناهج"‪ ،‬فأخذ معن ى‬
‫ً‬ ‫ّ‪$‬‬
‫اصطالحيا م ّح‪$‬ددا يعني طائفة من القو‪$‬اعد العامة التي تسيطر‪ $‬على سير‪ $‬العقل وت ّح‪$‬دد عملياته‪ ،‬حتى يصل‬
‫إلى نتيجة معلومة‪$.‬‬

‫‪1- Gérard Durozoi, André Roussel Nathan: Dictionnaire de philosophie, Imprimé en France par I.M.E,‬‬
‫‪2003, p259.‬‬
‫‪ 2-‬نسيمة ربيعة جعفري‪ :‬الـدليل المنهجي للطالب في إعداد البحث العلمي –اـلمذكرة‪ ،‬الرسالة‪ ،‬األطروحة‪ ،‬كل التخصصات‪ ،-‬ديوان‬
‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬الج ازئر‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪85.‬‬
‫‪ 3-‬صالح الدين شروخ‪ :‬منهجية البحث القانوني للجامعّـيين‪-‬علوم قانونية‪ ،‬علوم اجتماعية‪ $،-‬دار العلوم لنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪-‬‬
‫الج ازئر‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪92 .‬‬
‫‪ 4-‬عبد الرحمان بدوي‪ :‬مناهج البحث العلمي‪ $،‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪1977 ،‬م‪ ،‬ص‪3.‬‬
‫‪ 5-‬مصطفى عمر التير‪ :‬مقدمة في مبادئ وأسس البحث ااـلجتماعي‪ ،‬منشو ارت الجامعة المفتوحة‪ ،‬ط اربلس‪$-‬ليبيا‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪22.‬‬
‫وي ّع‪$‬رف اربح تركي المنهج ب ّأ‪$‬نه يشير إلى الط‪$‬ريقة التي يّتبعها الباحث لد ارسة المشكلة موضوع‬

‫البحث‪ ،‬وبذلك يجيب هذا المفهوم على الكلمة اال‪$‬ستفهامية "كيف؟" أي كيف يدرس الباحث‪ $‬الموضوع الذ‪$‬ي‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أمامه ‪.‬‬
‫والجدير بالذ كر هنا أ ّن الطريقة تختلف‪ $‬عن المنهج‪ ،‬فهي الكيفية اإلج ارئية التي يّتبعها الباحث‪ $‬في‬
‫د ارسة أ ّي عنصر من عناصر المشكلة‪ $‬المبحوثة دون الخر‪$‬وج عن المعا ير العامة التي ت ّح‪$‬دد المنهج الذي‬

‫ت ّب‪$‬ناه الباحث‪ $‬في د ارسة إشكاليته البحثية‪ .$‬فالطر‪$‬يقة هنا هي جزء ال يت ّج‪$‬أز عن المنهج وليست ك ّل المنهج‪،‬‬
‫أشمل وأوسع من مفهوم الط‪$‬ريقة‪ ،‬لكو‪$‬نه يعني مجموع الط‪$‬رق المتبعة في تحقيق ك ل عملية من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذي ي ّع‪$‬د‬
‫العمليات المت ّع‪$‬ددة التي يتض منها البحث‪ ،‬باإلضافة إلى األدوات والمقا يس واالختبا ارت واإلحصاءات‪$‬‬
‫ّ‬
‫واألساليب والتقنيات‪ ،‬التي تحتاج ك ّل واحدة منها طريقة م ّع‪$‬ينة لد ارسة المشكلة البحثية‪ ،‬سواء‪ $‬من الناحية‪$‬‬
‫النظرية أو التطبيقية‪.‬‬
‫فالطريقة ما هي ّإ‪$‬ال إحدى مك ونات المنهج‪ ،‬فهي ترتبط به ارتباطا كّليا‪ .$‬كما يستخدم اصط‪$‬الح‬
‫ّ‪$‬‬
‫المنهج في الفلسفة كمقابل لوسائل التي تحّقق المعرفة‪ ،‬بمعنى أ ّن المنهج هو طريقة إلعادة االنتاج الفكري‬
‫)‪(2‬‬
‫والفعلي المتعّلق بموضوع الد ارسة‪. $‬‬
‫وت ّع‪$‬رفه دائرة المعارف البريطانية بأنه مصطلح عا م يشير إلى مختلف‪ $‬العمليات التي ينهض عليها‬
‫ّ‪$‬‬
‫أ ّي علم من الع‪$‬لوم أو يستعين بها في د ارسة الظ‪$‬اهرة الواقعة في مجا‪$‬ل اختصاصه‪ ،$‬وعلي‪$‬ه فإ ّن المنهج طريقة لتفكير‪$‬‬

‫والبحث ُيعتمد عليها في مجال تحصيل المعرفة العلمية الصادقة والثا‪$‬بتة والشاملة حول ظاهرة معينة‬

‫(‪.)3‬‬
‫ويشير الدكتور مصطفى عمر التير إلى المنهج على‪ $‬أنه الطريق‪ $‬أو السبيل لبحث الذي يستند إلى‪$‬‬
‫عدد من الممي ازت الرئيسي‪$‬ة‪ ،‬أهمها أ ّن الظواهر‪ $‬ومكوناتها والعالقات بينها موجودة بشكل مستق ّل عن الفرد‬
‫وعن آرائه واتجاهاته وتص و ارته‪ ،‬وأ ّن هذه الظواهر تخضع لقوانين ثابتة تح ّكم فيها وتو ّجهها بانتظام‪،‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وأنه‪$‬‬
‫)‪(4‬‬
‫باإلمكان التو ّصل إلى معرفة خصائص هذه القو‪$‬اعد وأساليب‪ $‬تأدية وظائفها ‪$.‬‬

‫‪ 1-‬نسيمة ربيعة جعفري‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪85 -86$.‬‬


‫‪ 2-‬عبد الباسط عبد‪ $‬المعطي‪:‬ـ البحث االجتماعي –مـحاولة نحو رؤية نقدية لمناهجه وأبعاده‪ $،-‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪-‬‬
‫مصر‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪23.‬‬
‫‪ 3-‬بلقاسم سالطنية‪ ،‬حسان الجيالني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪26 $.‬‬
‫‪ – 4‬مصطفى عمر التير‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪23 $.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫وي ّع‪$‬رفه جمال زكي بأنه الو‪$‬سيلة التي ُيم كن‪$‬نا عن طريقها الوصول إلى الحقي‪$‬قة أو مجموعة الحقا‪$‬ئق‬

‫في أ ّي موقف من المواقف‪ ،$‬ومحاو‪$‬لة‪ $‬اختبارها لتأ ّكد من صال ّح‪$‬يتها في مواقف أخرى‪ ،‬وتعميمها نل ص‪$‬ل إلى‬
‫)‪(1‬‬
‫ما نطلق عليه اصطالح نظرية‪ ،‬وهي هدف ك ّل بحث علمي ‪$.‬‬
‫أ ما علم المنـاهج فهو الد ارسة‪ $‬المنطقية والمن ّظمة التي ت ّح‪$‬دد مبادئ المناهج المّتبعة لوصول إلى‬
‫ّ‬
‫الحقائق‪ ،‬موضوعه البحث في نب اء العلوم نب ا ًء نس ّق‪$‬يا‪ ،‬أي نب ظام (االستدالل‪ ،‬االستق ارء‪ ،‬التفكيك‪ ،‬الجمع‬

‫والنقد)‪ ،‬وأسلوبه يتض من العمليات اإلج ارئية المالزمة لبحث العلمي في مختلف م ارحله (المالحظة‪ ،$‬الفرضية‪،$‬‬
‫ّ‬
‫االستنتاج‪).‬‬
‫ّطة أو‪ $‬است ارتيجية تستند إلى مجموعة من‬
‫اأ‪$‬لسس‬ ‫وبصورة عامة فإ ّن المنهج هو أسلوب من ّظم‬
‫أو‪ $‬خ‬
‫والقواعد والخطوات التي تفيد في تحقيق أهداف البحث‪ ،‬باتخاذه منحى علميا يتميز بجمع المعلومات والوقائع‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫عن طريق المالحظة العلمية الموضوعية والمنظمة ‪.‬‬
‫‪ 2-‬المساهمـات الفكرية في تأسيس المنهج العلمي‬
‫لقد كانت المنهجية العلمية واضحة عند علماء المسلمين في مجال العلوم الكونية والتطبيقية‪ ،‬فلقد‪$‬‬
‫اإلنسا ّن‪$‬ية‪ $‬على أسس علمية تحتوي على أسلوب التفكير العلمي والدقة‬
‫اعتمدوا في مختلف فروع المعرفة‬
‫واالستنتاج‪ ،‬ألجل ذلك تمّ‪$‬يز التفكير اإلسالمي بالموضوعية‪ ،‬أين دعا علماء اإلسالم إلى االلت ازم باألمانة‪ $‬العلمية والتجّ‪$‬رد‬

‫المو‪$‬ضوعي والبحث عن الحقيقة‪ .‬حيث يرى البيروني أنه على الباحث اال‪$‬ستدالل بالمعقولات‪$‬‬
‫وقياس اآل ارء بما يوافق العقل‪.‬‬
‫لقد توفّر لمسلمين منذ القدم األسلوب العلمي والمنطقي في البحث‪ ،‬خاصة في مجال الع‪$‬لوم الطبي‪$‬عية‬
‫يعتبر من أعظم علماء‬
‫ابن سينا‬ ‫جورج أ‬ ‫والكيمياء والطب والصيدلة والعلوم الكونية‪ ،‬فيؤكد‬
‫سارتون ّن‬
‫اإلسالم وأشهر مشاهير العلماء العالميين‪ .‬كما يعتبر الفا اربي من األو‪$‬ائل المت ّق‪$‬دمين في تاريخ ت ّق‪$‬دم الفكر‪.‬‬
‫قّلب اأ‪$‬لوضاع القديمة وأنشأ‪ $‬علما جديدا‪ ،‬أبطل فيه علم‬
‫ابن الهيثم‬ ‫وتؤّ‪$‬كد الشو‪$‬اهد العلمية أ ّن‬
‫)‪(3‬‬
‫المناظر‪ ،‬وأنشأ علم الضوء الحديث‪ ،‬وأ ّن أثره في الضوء ال يق ّل عن أثر نيوتن في الميكانيكا‪.‬‬

‫‪ 1-‬جمال زكي‪ ،‬السيد‪ $‬ياسين‪ $:‬أسس البحثـ االجتماعي‪ $،‬نقال عن عمر التومي الشيباني‪- $‬م‪$‬ناهج البحث‪ $‬اال‪$‬جتماعي‪ ،-‬منشو ارت مج ّمع‬

‫‪-12-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫الفاتح للجامعات‪ ،‬ط اربلس‪-‬ليبيا‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪- 52.‬‬


‫‪ 2‬علي‪ $‬معمر عبد المؤمن‪ :‬مناهج البحث في العلوم االجتماعية –اـألساسيات والتقنيات واألساليب‪ $،-‬المجموعة العربية لتدريب‬
‫ص م‪ 2008،‬مص‪$$$$$‬ر‪-،‬الق ‪$ $ $ $‬اهرة ‪.14‬‬
‫‪- Gnansa Djassoa: Méthodologie de la recherche scientifique en psychologie (Une démarche‬والنشر‪3 ،‬‬
‫‪algorithmique), Presses Académiques Francophones, France, 2013, p33.‬‬

‫‪-12-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫الغ الذي يشهد له‬ ‫من أسمى المرجعيات العقلية التي عرفها التاريخ‪ ،‬وكذا‬ ‫ويعتبر البيـروني‬
‫ازلي‬
‫ّضح‬
‫التا‪$‬ريخ‬
‫دائرة‬ ‫بأنه من‬
‫المعار‬ ‫أعجب‬
‫ف‬ ‫الشخصيا‬
‫الفرنسي‬ ‫ت في‬
‫ةأ‬ ‫تاريخ‬
‫ّن‬ ‫اإلسالم‪.‬‬
‫كتا‪$‬ب‬ ‫وتو‬
‫"الشري‬
‫ف‪$‬‬
‫اإل‪$‬دريسي" في الجغ‬
‫ارفيا يعتبر أعظم‬
‫وثيقة علمية جغ‬
‫ارفية في القرون‬
‫الو‪$‬سطى‪ .‬ويقول‬
‫بيكون عن ابن‬
‫رشد‬
‫أنه فيلسوف متين‬
‫متع مق ص ّحح‬
‫ّ‬
‫الكثير من أخطاء‬
‫الفكر اإلنسان ي‪$،‬‬
‫ّ‬
‫وأضاف‪ $‬إلى ثم‬
‫ارت العقو‪$‬ل‬
‫ثروة ذات‬
‫ا فيعتبر ‪.‬‬ ‫قي م ة‬
‫ب أعظم )‬ ‫ع ل مي‬
‫‪1‬‬
‫عالم (‬ ‫ن‬ ‫ة‬
‫نباتي‬ ‫منفرد‬
‫ا ظهر‬ ‫ة‬
‫في‬ ‫لب‬ ‫عن‬
‫ي القرون‬ ‫سوا‬
‫ط الوسطى‬ ‫ها‪.‬‬
‫ا‬ ‫أ ما‬
‫ّ‬
‫ر‬
‫ونضيف إلى‬
‫هذه‬
‫المساهمات‬
‫الفكرية‪ ،‬ما‬
‫‪-‬‬
‫‪13-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫) ‪(2‬‬
‫برهنته‬ ‫باألصا‪$‬لة واإلبداع العلمي ‪$.‬‬
‫ا علم المقد‬
‫النظرية‬
‫ن االجت‬
‫السياسية‬ ‫وبالر‪$‬جوع إلى التطّ‪$‬ور التاريخي لمنهج العلمي‪ ،‬فقد انبثق صماع مة‬
‫البن‬ ‫تط ور المنهج عن الفلسفة األ م على يد‬
‫خلدون‪،‬‬ ‫‪ ،‬بحثا‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫أي ن‬
‫ف ي أ نه ا‬ ‫ف ارنسيس بيكون وديكارت حيث كان بيكون من أ ّش‪$‬د المتمّ‪$‬ردين‬
‫ابن في‬
‫د ارسة‬ ‫على التقا‪$‬ليد األفالطو ّن‪$‬ية واأ‪$‬لرسطّ‪$‬ية‪ ،‬فحاول‬
‫أصيلة‪$‬‬ ‫خلدو النقد‬
‫قت ديم نموذج لخ ّطة السي‪$‬ر العملية‪ ،‬مرّك از على أ ّن ن‪.‬‬
‫لمسائل‬ ‫النظام هو سر ك ل شيء‪ ،‬وهذا ما يجبرنا على تجميع لذ‪$‬لك الت‪$‬اري‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫السياسية‬ ‫يعتبر‬
‫ابن خي‬
‫الوقائع واختز‪$‬انها وتفسيرها بتب ّصر وفقا قل وانين م ّح‪$‬ددة‪ .‬أ‬
‫والظوا‬ ‫ما رينه ديكارت فقد اقتنع بأ ن العلم في صميمه هو خلدو وفي‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هر‬
‫من ي ّ‬ ‫الكشف عن‬
‫الطبيعية‬ ‫أعظم ب‬ ‫العالقات التي‬
‫اهت‬ ‫و‬ ‫مف‬ ‫يمكن التعبير‬
‫الوثيقة‬ ‫ض‬
‫ّكري ما‬ ‫عنها تعبي‬
‫ع‬
‫اإلسالم م‬ ‫ار رياضي‪$‬ا‪.‬‬
‫الصلة‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫عل‬
‫باإ‪$‬لسالم‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يرى ميلتون بارون أ ّن المنهج العلمي العصو ما‬
‫ا‬
‫ء‬ ‫هو شيء مشترك بين ك ّل العلوم‪ ،‬يتطّلب ر‬
‫والفكر‬ ‫الوسط اال‬
‫وصف الوقائع التي ت مت ظروف مضبوطة‪ ،‬يمكن تك‬
‫جت‬ ‫ى‪،‬‬ ‫ّ‬
‫السياسي‪،‬‬ ‫اررها باستخدام إج ارءات‬
‫فهو ما‬ ‫مالحظتها في ظ ّل‬
‫البحث‪$‬‬
‫باإلضافة‬ ‫الذي ع‬
‫أ ّ سس ا ل ع‬ ‫(‪.)3‬‬
‫إلى فكرته‬ ‫ر‬ ‫علم‪$‬‬
‫ب‬ ‫بمعنى أ ّن المنهج العلمي يحتوي على مجموعة من‬
‫السياسية‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫لجت‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫و ال‬ ‫العمليات األساسية والتي تمّثل في المالحظة‪،‬‬
‫غ‬ ‫ع‬
‫األساسية‬
‫وأرس ربي‬ ‫رء‬
‫التي تدعم‬ ‫ين‬ ‫ى‬ ‫ط‪.‬‬
‫قواعد عل‬
‫إيمانه‬ ‫النقد‬
‫ى‬
‫المطلق‬ ‫التا‪$‬ري الفل‬
‫خي‪ ،‬سف‬
‫نب ظام‬ ‫ة‬ ‫كما‬
‫امتاز اال‬ ‫–‪ 1‬بلقاسم سالط‪$‬نية‪ ،‬حسان الجيالني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪54 .$،53‬‬
‫الحكم‬ ‫ت‬
‫جت‬ ‫‪ 2-‬محمد زيان عمر‪ :‬البحث العلمي –مناهجه وتقنياته‪ ،-‬ط‪ $،4‬ديوان‬
‫ما‬ ‫ات‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪1983 ،‬م‪ ،‬ص‪28 $.‬‬
‫اإل‪$‬سالمي‪،‬‬ ‫ه‬
‫عي‬ ‫‪ – 3‬بلقاسم سالطنية‪ ،‬حسان الجيالني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪28.‬‬
‫حيث تعتبر‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫يا‬‫س‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫الت‬ ‫ة‬
‫‪-‬‬
‫‪14-‬‬
‫ومن المبادئ العاـ ّمة التـي تّتفق عليها العلوم كاـفة‪ $:‬الموضوعية‪ ،‬الحيادية‪ ،‬عدم القفز في اال‪$‬ستدالل‬
‫من م ّق‪$‬دمات جزئية إلى تعميمات مطلقة‪ ،‬التم يز‪ $‬بين مفهوم االرتباط والس ّب‪$‬ية مع االلت ازم بالمفهو‪$‬م اإلج ارئي‬
‫هل عملية إخض‪$‬اعها لتجربة والقيا‪$‬س‪.‬‬
‫الذي يشير إلى الظاهرة كما هي موجودة في الو‪$‬اقع‪ ،‬م ّما يس ّ‬
‫وباعتبار أ ّن المنهج هو نسق من القواعد الواضحة واإلج ارءات التي يستند إليها الباحث في سبيل‬

‫الو‪$‬صول إلى نتائج علمية‪ ،‬فإ ّن وظيفته ال تقتصر على تطبيق اإلج ارءات‪ $‬والقواعد‪ $‬المنهجية المستمّ‪$‬دة من‬
‫و ّا‪$‬نما هو تطبيق لنظرية وتسهيل االتصال العلمي بين البا‪$‬حثين‪ .‬وبما أ ّن االستقصا‪$‬ءات أساسية‬ ‫النظرية‪،‬‬
‫لعلم‪ ،‬فمن الضروري ربطها بناء منطقي من ّسق‪ ،‬أل ّن األداة‪ $‬األسا‪$‬سية لمدخل العلمي القائم على استقصا‪$‬ء‪$‬‬

‫الحقائق هو المنطق )‪ ،(1‬كما أ ّن المنهجية العلمية تطّلب كفاءة في االستداللـ‪ $.‬فـاالستداللـ‬


‫هو عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا‬
‫ُيسل‬

‫ّم بها ويسير إلى قضايا أخرى نت تج عنها‬


‫بالضرورة‪ ،‬دون اال‪$‬لتجاء إلى التجربة بواسطة القول أو الحساب‪ .‬فالرياضي الذي يجري العمليات الحسابية‬
‫دون إج ارء تجا‪$‬رب‪ ،‬فإنه يقوم بعملية استدالل‪.‬‬
‫إ ّن هذا االستدالل يوجد في ك ّل فرع من فروع العلم وفي الحياة العملية‪ .‬وهنا وجب أن نفّ‪$‬رق بين‬

‫االستدالل كعملية منطقية واالستدالل كسلوك منهجي لتحصيل الحقيقة‪ .‬أل ّن االستدالل كعملية منطقية أو‪$‬لية‪$‬‬
‫هو ك ّل برهان دقيق‪ ،‬مثل القياس أو‪ $‬الحساب‪ ،‬أ ما االستدالل كمنهج‪ ،‬فهو السلوك العام المستخدم‪ $‬في الع‪$‬لوم‪ ،‬لك‪$‬ونه‬
‫ّ‬
‫ي ّع‪$‬بر عن التسلسل المنطقي المنتقل من مبادئ أو قضايا أو‪$‬لية إلى قضايا‪ $‬أخرى دون االلتجاء إلى‬

‫التجربة‪ ،‬وذلك في مقابل المنهج االستق ارئي أو التجريبي القائم على المالحظة والتجربة‪$.‬‬
‫البرهنة‬
‫هي‬ ‫استد‪$‬الل هو‪ $‬الدقة والتسلسل المنطقي‪ ،‬فإ ّن‬ ‫واذا كان الطابع الممّ‪$‬يز الرئيسي في ك ّل‬

‫استدالل ي ارعى في‪$‬ه التسليم بصدق المقدمات‪ ،‬وبالتالي يرمي إلى إثبات صحة مقدمات معلومة‪ .$‬وبهذا فإ ّن‬
‫)‪(2‬‬
‫البرهنة تخبرنا بصدق ما تصل إليه من نتائج‪ ،‬ألنها قت وم على التسليم بصدق المقدمات ‪.‬‬
‫‪ 3-‬المعرفة العلمية وتصنيفاتها قل د‬
‫اختلف العلماء والمف ّكرون في مصادر المعرفة وطرق الوصو‪$‬ل إليها‪ ،‬فالعقال ّن‪$‬يون ومنهم ديكاـرت‬
‫يرون أ ّن العقل اإلنسان ي هو األسا‪$‬س لمعرفة‪ ،‬بينما يرى التجريبّ‪$‬يون أ ّن التجربة هي المصد‪$‬ر األساسي‬
‫ّ‬
‫لمعرفة وأنها ال نت شأ في العقل إّ‪$‬ال إذا سبقتها إج ارءات وعمليات وآثار حسية‪ .‬ويؤّ‪$‬كد االجتماعيون ومنهم‬
‫‪ 1-‬عبد‪ $‬اهلل عامر الهمالي‪ :‬أسلوب البحث االجتماعي وتقنياته‪ $،‬منشو ارت جامعة قاريونس‪ ،‬نب غازي‪-‬ليبيا‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪19.‬‬
‫‪ - 2‬طلعت همام‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪12.،11‬‬
‫إيميل دوركايم‪ ،‬على أ ّن الظواهر الحسية والمدر‪$‬كات هي التي تؤّ‪$‬دي إلى تكوين األفكار والتص و ارت النظرية‬
‫ّ‪$‬‬
‫التي تج مع في العقل‪ ،‬وا ّن المبادئ والنظريات‪ $‬ال نت بع من العقل الم ّج‪$‬رد‪ ،‬وانما مرتبطة بتص و ارت اإلنسان‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫وتفاعالته مع المجتمع وظواهره ‪$.‬‬
‫إنسا ّن‪$‬ية‪ ،‬أ ما المعرفة من‬ ‫ص‪$‬نف‪ $‬المعرفة من حيث المو‪$‬ضوع إلى معرفة طبيعية وأخرى‬
‫وت ّ‬
‫ّ‬
‫حي ث‬ ‫ص‪$‬نف إلى معرفة حسية‪ ،‬مع‪$‬رفة فلسفية ومعرفة علمية‪$.‬‬
‫الشكل والطبيعة‪ ،‬فت ّ‬
‫وفي البحث عن تصنيفات المعرفة‪ ،‬فقد وضع علماء المنهجية العديد من التص‪$‬نيفات لم ارحل تط‪ $‬ور‬
‫ّ‪$‬‬
‫الفكر اإلنسان ي أو‪ $‬ما يس مى بطرق الحص‪$‬ول على المعرفة منها‪$:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫• تصنيف أوغست كونت (مرحلة التفكير الالهوتي‪ ،‬المر‪$‬حلة الميتافيز قي ية والمرحلة العلمية التجريبية‪).‬‬
‫• تصنيف شارلس بيرس‪ ،‬والتي ق ّسمها إلى أربعة طرق‪:‬‬
‫‪ -‬الطريقة المعتمدة على القناعات التقليدية‪ ،‬وذلك من خالل تم ّسك األ‪$‬ف ارد بما اعتادوا عليه من الحقائق‪.‬‬
‫‪ -‬الطريقة المعتمدة على السلطة‪ ،‬بمعنى أ ّن المعرفة تستمّ‪$‬د من سلطة‪ $‬معينة‪ ،‬كالسلطة الدينية‪ $‬أو‪ $‬االجتماعية‪،‬‬
‫بحيث أ ّن ما يصدر من السلطة هي حقائق ال قت بل الجدل والنقا‪$‬ش‪.‬‬
‫‪ -‬الطريقة‪ $‬المبنية على البداهة‪ ،‬والتي تّركز على أ ّن األف ارد يتفاعلون ويتّصلون في ما بينهم م ما يم ّكنهم من‬
‫ّ‬
‫التو‪ّ $‬صل إلى الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬الطريقة العلمية‪ ،‬التي تّركز على استخدام األف ارد لتجر‪$‬يب والموضوعية‪ ،‬واثبات‪ $‬الفر‪$‬ضيا‪$‬ت أو نفيها‬
‫)‪(2‬‬
‫بأسلوب موضوعي ‪.‬‬
‫• وهناك تصنيفات أخرى على أساس الط ارئق القديمة‪ ،‬والتي تس مى بأساليب التفكير القديمة‪ $‬أو‪$‬‬
‫ّ‬
‫الشعبية‪ ،‬حيث تض من أسلوب العادات والتقاليد والخبرة الشخصي‪$‬ة والسلطة والمحاو‪$‬لة والخطأ‪ ،‬وعلى أساس‬
‫ّ‬
‫الط ارئق‪ $‬الميتافيزيقي‪$‬ة القائمة على األ‪$‬سلوب الغيبي‪ ،‬أسلوب اال‪$‬ستدالل القياسي وأسلوب‬
‫)‪(3‬‬
‫االستدالل اال‪$‬ستق ارئي ‪.‬‬

‫‪ 1-‬علي معمر عبد المؤمن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪38$.‬‬


‫‪ – 2‬أنور حسين عبد الرحمان وفالح محمد حسن الصافي‪ :‬مناهج البحث بين النظرية والتطبيق‪ $،‬التأميم للطباعة والنشر‪ ،‬كربالء‪-‬‬
‫الع ارق‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪22.،21‬‬
‫‪ - 3‬علي معمر عبد المؤمن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪45.‬‬
‫م ما سبق ال يمكن فهم منهج البحث العلمي دون أن نفهم معنى المعرفة العلمية ومك وناتها‪ ،‬فالمعرفة‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫هي "مجموعة المعتقدات والتص و ارت‪ ،‬المعاني‪ ،‬المفاهيم‪ ،‬اآل ارء واألحكام التي تك ون لدى اإلنسان نتيجة‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫مساعيه المستمرة لتعامل مع الظواهر الكونية" ‪.‬‬
‫وبهذا فإ ّن معرفة اإلنسان ال قت تصر على شيء‪ $‬م ّع‪$‬ين أو مجال م ّع‪$‬ين‪ ،‬بل تو ّسع وتم ّت‪$‬د لتشمل ك ّل‬
‫الظواهر الكونية وبحسب الظروف والوسائل المستخدمة‪.‬‬
‫قل د اختلف العلماء والمفكرون في مصادر المعرفة و ُطرق الوصول إليها‪ ،‬لكون أ ّن المعرفة مفهوم‬
‫شامل وعا م بك ّل ما يحيط باإلنسان من أحكام وتص و ارت ومفاهيم ومعتقدات في مختلف مجا‪$‬الت النشاط‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫اإلنسان ي‪ $،‬وهذا ال يعني أ ّن هذه المعرفة متناقضة وليست مت اربطة‪ ،‬فهي ّتصف بالشمو‪$‬ل واالنتشار‪ .‬وعلى‪$‬‬
‫ّ‬
‫الرغم من شمولية‪ $‬المعرفة‪ّ ،‬إ‪$‬ال أ ّن اإل‪$‬نسان تو ّصل إلى اكتشاف الكثير‪ $‬من المعارف‪ ،‬بحيث‪ $‬وضع لها أسسا‪$‬‬

‫ونظريات وقواعد بما يجعلها نت تظم‪ $‬في نسق م ّع‪$‬ين‪.‬‬

‫فمعرفتنا بالشيء تؤّ‪$‬دي إلى الكشف عن مختلف جوانبه لكي يصبح موضوعا لمعرفة‪ .‬فالمو‪$‬ضوع‬

‫الواحد في العلوم المختلفة يصبح‪ $‬موضوعات مختلفة لمعرفة‪ .‬فمثال يدرس التشريح بناء الكا‪$‬ئن‪ ،‬وتدرس الفي‪$‬زيو‪$‬لو‪$‬جيا‬

‫وظائف أعضا‪$‬ئه‪ ،‬ويدر‪$‬س الطب أم ارضه‪ ...‬إلخ ‪ (2).‬وهذا يد ّل على ت ّع‪$‬دد بؤر االهتمام بموضوع‬

‫المعرفة واألهمية الكبيرة التي تمّ‪$‬يز‪ $‬بها‪.‬‬


‫ظمة‪ ،‬وهذا العلم معرفة‪ ،‬ولكن ليس ك ّل‬ ‫وبالر‪$‬جوع إلى العلم فهو المعرفة الهادفة أو‪ $‬المن‬
‫ّ‬
‫يعني أ ّن‬

‫معرفة علم‪ ،‬وحتى تكون المعرفة علما‪ ،‬فهي ملز‪$‬مة بأن تأخذ با‪$‬لمنهج العلمي القائم على المالحظة والتجربة‬
‫والمقار‪$‬نة واالستق‬
‫ارء‪ .‬ومن هذا المنطلق ي ّع‪$‬رف قاموس ويبستر الجديد ‪ Webster‬العلم بأنه "المعرفة المن ّسقة التي نت شأ‬
‫)‪(3‬‬
‫عن المالحظة والد ارسة والتجريب‪ ،‬والتي ت م بغ‪$‬رض تحديد طبيعة وأسس وأص‪$‬ول ما ت مت د ارسته" ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫فالهدف األساسي لعلم هو الوصول إلى الحقي‪$‬قة واقامة الدليل عليها‪ ،‬ليصبح العلم وسيلة وليس‬
‫هدفا‪ ،‬ولكونه أداًة في التفكير وأسلوًبا في المم‪$‬ارسة‪ ،‬فقد ابتكره اإلنسان لزيادة قدرته في اكتشاف النظام‬
‫السائد في الكون وفهم القوانين الطبيعية واالجتم‪$‬اعية عن طريق القوانين الع‪$‬لمية‪$.‬‬

‫‪ - 1‬عبد المعطي محمد عساف وآخرون‪ :‬التطورات المنهجية وعملية البحث العلمي‪ $،‬دار وائل لنشر‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪7.‬‬
‫‪ – 2‬م‪ .‬روزنتال‪ ،‬ب‪ .‬بودين‪ :‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬ترجمة سمير كرم‪ ،‬ط‪ ،5‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪510.‬‬
‫‪ - 3‬اب ارهيم األبرش‪ :‬المنهج العلمي وتطبيقاته في العلوم االجتماعية‪ $،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪31.‬‬

‫العلم بهذا المعنى ليس م ّج‪$‬رد قوانين ونظريا‪$‬ت وحقائق‪ ،‬ولكنه منهج بحث وطريقة موضوعية‬
‫إ‬
‫ّن‬
‫لتفكير‪$.‬‬
‫‪ 4-‬الموضوعية والذاتية (اـلتفكير الموضوعي والتفكير الذاتي)‬
‫من أه م خصائص المنهج العلمي أنه يت ّم‪$‬يز بالموضوعية‪ ،‬ويبتعد عن األفكار الذاتية والعاطفية‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫والشخصية‪ ،‬فهو ال يعتمد على الشائعات‪ ،‬بل يستند على المداخل الموضوعية القائمة على التجارب الواقعية‪،‬‬
‫القائمة على الواقع والخبرة وال ارفضة لك‪ّ $‬ل التفسي ارت‬
‫وذلك باالستناد على الفلسفة الوضعية ألوـغست كونت‬
‫الالهوتية والميتافي‪$‬ز قي ية‪$.‬‬
‫فمضمون الفلسفة الوضعية جعلها نت تقل إلى العلوم االجتماعية ل تّخذ صو ار عديدة ّتفق مع نفس‬
‫الهدف الذي تسعى إليه العلوم الطبيعية‪ ،‬أال وهو صياغة القوانين التي تحكم وقوع الظواهر‪ ،‬ومن ث م فإ ّن‬
‫ّ‪$‬‬
‫هذا الهدف يتحّقق بمنهج علمي واحد يطّ‪$‬بق في كافة فروع المعرفة بغ ّض النظر عن الموضوع الذي نت او‪$‬له‪$‬‬

‫(‪.)1‬‬
‫إلى أنه على الباحث أن ينتقل من‬
‫وفي هذا السياق العلمي لتفكير الموضوعي‪ ،‬يذهب دوركايم‬
‫األشياء إلى المعاني‪ ،‬وأن يالحظ جميع الظواهر التي يدرسها حتى االجتماعية منها على أنها‪ $‬أشياء‪ ،‬وال‬
‫يجوز له أن يصل إلى معرفة األ‪$‬شياء عن طريق اآل ارء الشا‪$‬ئعة‪ .‬إ ّن‬
‫الد ارسات اإلنسا ّن‪$‬ية‪ $‬بحاجة إلى طريقة منهجية متميزة في تحصيل المعرفة‪ ،‬والمالحظ في الد ارسات‪$‬‬
‫اإلنسا ّن‪$‬ية‪ ،$‬أنن ‪$‬ا ال نس ‪$‬تطيع ت ّج‪$‬نب الذاتي‪$$‬ة‪ .$‬فك ‪$‬أ ّن الموضوعية في ال ‪$‬د ارس‪ $‬ات اإلنس ‪$‬ا ّن‪$‬ية لها مع‪$‬نى م ّح‪$‬دد في جع‪$‬ل الوق‪ $‬ائع‬

‫واضحة ت ّح‪$‬دث عن نفسها‪ّ ،‬إ‪$‬ال أ ّن الوقائع ال ‪$‬تي ندرسها ون‪ $‬ف ّسرها هي أفكار ومشاعر واتجاهات ومي‪$ $‬ول تكش ‪$‬ف‬
‫عن نفسها في صور مختلفة‪ ،‬وعلى الباحث في هذه المواقف‪ $‬اا‪$‬للت ازم بعدم تدخله شخصيا وعرضها‬
‫من خال ‪$‬ل تص ‪ $‬ور مت ّح ‪$‬يز‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫واذا كان جوهر المنهج العلمي يتمثّل في اا‪$‬لرتباط الوثيق بين النظريات والخب ارت الواقعية‪ ،‬وأ ّن‬

‫المالحظة والتجربة ي ّق‪$‬دمان الشواهد التي على أساسها تقبل الفروض والتعميمات أو يت م رفضها‪ ،‬فإننا نعترف‬
‫ّ‪$‬‬
‫بأ ّن الدراسات اإلن‪$‬سا ّن‪$‬ية‪ $‬تستخدم مختلف المناهج العلمية للجعل من عملية الفهم لظواه‪$‬ر اإلنسا ّن‪$‬ية‪$‬‬
‫واالجتماعية أد‪$‬اة لتفسير‪ ،‬أل ّن الفهم هو عملية معرفية فكرية تستخدم في ك ّل م ارحل البحث العلمي‪ ،‬فالفهم‪ $‬كأداة‬
‫ضروري في المالحظة وصياغة الفروض وتصنيف البيانات واستخالص النتا‪$‬ئج وتفسيرها‪ ،‬لذلك فهو‬
‫يلعب دو ار أساسيا في تحديد الوقائع في الد ارسات اإلنسا ّن‪$‬ية‪ ،$‬ألنه يعمل على تفسيرها‪$.‬‬

‫‪ – 1‬جازية كي ارن‪ :‬محاضرات في المنهجية لطالب علم االجتماع‪ ،‬ط‪ $،2‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪2016 ،‬م‪ ،‬ص‪16$.،15‬‬
‫عـية‬
‫ثالثا‪ :‬أبرز أنواع المناهج في البحوث ااـلجتما ّ‬
‫‪ 1-‬المنهج التجريبي‬
‫قل د بدأ اإلن‪$‬سان منذ أن وجد‪ $‬على سطح اأ‪$‬لرض في التعامل مع الطبيعة‪ ،‬حيث استطاع عن طريق‬
‫ُ‬
‫المالحظة والتجريب الوصو‪$‬ل إلى أبعد ما يمكن‪ ،‬أل ّن اهتمامه مرّكز على كيفية التكّ‪$‬يف واستثمار الطبيعة‬
‫ُ‬
‫لتعامل مع الظواهر وتفسيرها‪ ،‬فاإلنسان األ ول كان يستخدم المنهج التجريبي دون أن يشعر أو يكتشف ذلك‬
‫ّ‪$‬‬
‫واآلن أصبح مكتمل الصورة باعتماده على القواعد العلمية‪ .‬ويتعلق هذا المنهج بإج ارء التجار‪$‬ب للحصول‬
‫على النتا‪$‬ئج‪ ،‬حيث يستخد‪$‬م التجارب الكتشاف األ‪$‬سباب والعوامل التي تؤثر في الظواهر مع التحديد الدقيق‬
‫لألسباب والمت ّغ‪$‬ي ارت التي تؤّ‪$‬دي إلى حدوث الظا‪$‬هرة وتس يرها والتحكم بها‪ $.‬إ ّن‬
‫المنهج التجريبي في د ارسا‪$‬ته وتحليالته لظواهر الطبيعية واإلنسا ّن‪$‬ية يشتر‪$‬ك مع غيره من مناهج‬
‫والوقائع وعينات الد ارسة لتأكد من حقيقة الظاهرة‬ ‫البحث العلمي األخرى في إج ارء التجارب على الظواهر‬
‫أو إلثبات صحة الفرضية أو الحصول على النتائج‪.‬‬
‫ي ُعرف المنهج التجريبي على ّأ‪$‬نه‪$:‬‬

‫‪ -‬أسلوب تجريبي يتعّلق بإدخال سبب أو عامل على حركة ظاهرة لحصول على نتا‪$‬ئج م ّع‪$‬ينة أو تأكيد‬
‫فروض‬
‫تغيير مضبو‪$‬ط على ظاهرة موضوع الد ارسة ومالحظة ما ينتج عن هذا‬ ‫م ّح‪$‬ددة‪ - .‬أسلوب تجريبي يتعّلق‬
‫بإحداث‬
‫التغيير من آثا‪$‬ر‪$.‬‬
‫‪ -‬أسلوب تجريبي يتعّلق باستخدام‪ $‬إج ارءات‪ $‬وتدابير ومت ّغ‪$‬ي ارت مؤثرة لمعرفة مدى تأثيرها على واقع م ّع‪$‬ين أو‪$‬‬
‫ظاهرة محّددة‪.‬‬
‫‪ -‬أسلوب يتعّلق بإج ارء تجارب لمعرفة العالقة ‪$‬بين عاملين أحدهما يسمى عامل تجريبي مستق ّل وآخر يسمى‬
‫عامل تابع‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ومن‬ ‫‪ -‬أسلوب يتعّلق بإج ارء تجربة لقياس أثر‪ $‬أحد المت ّغ‪$‬ي ارت المستقلة على مت ّغ‪$‬ير تابع آخر‪. $‬‬
‫المستلزمات األساسية للمنهج التجريبي (الظاهرة موضوع الد ارسة‪ :‬المشكلة‪ $/‬العامل التجريبي‬
‫المستق ّل‪ :‬الذي يستخدم كمؤّثر في العامل التا‪$‬بع‪ /‬العامل التا‪$‬بع المؤثر‪ $‬فيه‪ :‬التابع لعامل المستق ّل التجريبي‪/‬‬

‫‪ 1-‬غازي عناية‪ :‬البحث العلمي –مـنهجية إعداد البحوث والرسائل الجامعية‪ :‬بكالوريوس‪ ،‬ماجستير‪ ،‬دكتوراه‪ $،-‬دار المناهج لنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2014 ،‬م‪ ،‬ص‪38.‬‬
‫الفرضية‪ :$‬أي النتيجة المفترضة‪ $‬من استخد‪$‬ام العامل التجريبي المستق ّل‪ /‬العوامل األخرى‪ $:‬التي يمكن أن‬
‫الظاهرة‪ :‬أصحا‪$‬ب‬
‫في العامل التابع إلى جانب العامل المستق ّل‪ /‬عينات الد ارسة أي مح ّل‬ ‫تؤّثر‬
‫الظاهرة‪/‬‬
‫زمن ومكان التجربة‪)$.‬‬
‫وبصفة عا مة تمّثل المستلزمات األسا‪$‬سية لبحث التجريبي في استخدام أسلوب التجربة وضبط‬
‫ّ‬
‫إج ارءاتها إلثبات الفروض وباستخدام العامل التجريبي مع ضبط تأثير العوامل األ‪$‬خرى‪.‬‬
‫أ ّما أسس منهج البحث التجريبي ف تمّثل في‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان لدينا موقفان متشابهان (أ‪،‬ب) وأدخلنا‪ $‬عامال جديدا (ج) على الموقف (أ)‪ ،‬فإ ّن الفروق بين (أ‪،‬ب)‪$‬‬
‫تكون ناتجة عن العامل الجديد (ج‪).‬‬
‫‪ -‬واذا كان لدينا موقفان متشابهان (س‪،‬ع) وحذفنا عامال من العوامل المك ونة لموقف اأ‪$‬لول‪ ،‬فإ ّن الفروق‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫بين (س‪،‬ع‪ )$‬تعود ناتجة عن حذف هذا العامل ‪.‬‬
‫‪ -‬واذا أخذنا مث ًا‪$‬ال آخا‪$‬ر عن عالقة تعاطي الجنس الم ّح‪$‬رم بمرض اإليدز‪:$‬‬
‫ً‪$‬‬
‫نقوم بفحص األف ارد قبل إصابتهم بمرض اإليدز‪ $‬وقبل تعاطيهم الجنس الم ّح‪$‬رم‪$.‬‬ ‫‪‬‬

‫نقوم بفحص األف ارد بعد إصابتهم بمرض اإليدز‪ $‬وبعد تعاطيهم الجنس الم ّح‪$‬رم‪...‬‬ ‫‪‬‬

‫فإذا ثبتت العالقة الوثيقة بينهما‪ ،‬فإ ّن ذلك يعني أ ّن الجنس الم ّح‪$‬رم هو العامل المستق ّل المؤّثر في‬
‫)‪(2‬‬
‫العامل التابع‪ ،‬وهو اإل‪$‬صابة بمرض اإليدز ‪.‬‬
‫ُيعتبر المنهج التجريبي من أد ّق المناهج وأكثرها وضو ًحا‪ $‬في بحوث العلوم الطبيعية‪ ،‬وتكم‪$‬ن أهميته‬

‫في كونه ال يقتصر على م ّج‪$‬رد وصف الظو‪$‬اهر التي تنا‪$‬ولها الد ارسة كما يحدث عادة في البحوث الوصفية‪$،‬‬

‫وال يقتص‪$‬ر على م ّج‪$‬رد التأريخ لواقعة م ّع‪$‬ينة من الماضي‪ ،‬وانما يدر‪$‬س مت ّغ‪$‬ي ارت الظواهر ويتح ّكم فيها لوصول‬

‫إلى العالقات الس ّب‪$‬ية بين هذه المت ّغ‪$‬ي ارت والمت ّغ‪$‬ي ارت الثابتة‪ $‬في الظاهرة المدروسة‪ $.‬ويقوم‬
‫هذا المنهج على أساس منهج البحث العلمي القائم على المالحظة والفرضي‪$‬ة والتجربة الدقيقة‬
‫المضبوطة‪ ،‬وهذا ما‪ $‬يمّ‪$‬يزه خا ّصة‪ $‬عن المنهج الو‪$‬صفي في كيفية‪ $‬ضبط‪ $‬المت ّغ‪$‬ي ارت‪ ،‬لذلك فإ ّن البحث التجريبي‬
‫يرتبط بفكرة قانون المت ّغ‪$‬ير الواحد‪ ،‬حيث يتض من محاولة ضبط ك ّل العوامل األساسية المؤّثرة في المت ّغ‪$‬ير أو‬
‫ّ‬
‫المت ّغ‪$‬ي ارت التابعة في التجربة‪ ،‬أل ّن البحث التجريبي هو ذلك النوع من البحوث الذي يستخدم التجربة في‬

‫–‪ 1‬ذوقان عبيدات‪ :‬البحث العلمي‪ $،‬دار الفكر لطباعة والنش‪$‬ر‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪239$.‬‬
‫‪ - 2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪44.‬‬
‫اختيار‪ $‬فرض م ّع‪$‬ين ي ّق‪$‬رر العالقة بين‪ $‬عاملين أو مت ّغ‪$‬يرين عن طر‪$‬يق الد ارسة لمواقف‪ $‬المتقابلة التي تضبط‬

‫ك ّل المت ّغ‪$‬ي ارت‪ ،‬ما عدا المت ّغ‪$‬ير الذي يهت م الباحث بد ارسة تأثي‪$‬ره‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وعليه فإ ّن البحث التجر‪$‬يبي يقوم أساسا على أسلوب التجربة العلمية التي تكشف عن العالقات‬
‫الس ّب‪$‬ية بين المت ّغ‪$‬ي ارت المختلفة التي تفاع‪$‬ل مع الدينامّ‪$‬يات أو القوى الي تحدث في الموقف التجريبي‪ .‬وكما سبق فإ‬
‫ّن البحث‪ $‬التجريبي ير‪$‬تبط بقانون المت ّغ‪$‬ير الواحد‪ ،‬حيث يتل ّخص هذا القانون في ّأ‪$‬نه إذا‬
‫كان هناك موقفان متشابهان تماما من جميع النو‪$‬احي‪ ،‬ث م ُأضيف عنصر م ّع‪$‬ين إلى أحد الموقفين دون‬
‫ّ‪$‬‬
‫اآلخر‪ ،‬فإ ّن أ ّي ت ّغ‪$‬ير أو اختالف‪ $‬يظهر بعد ذلك بين‪ $‬الموقفين ُيعزى إلى وجود هذا العنصر‪ $‬المضاف‪،‬‬
‫وكذلك في حالة تشابه الموقفين وحذف عنصر‪ $‬م ّع‪$‬ين من أحدهما دون اآلخر‪ ،‬فإ ّن أ ّي اختالف أو ت ّغ‪$‬ير‪$‬‬

‫يظهر بين الموقفين ُيعزى إلى غياب هذا العنصر‪ .‬ويسمى المت ّغ‪$‬ير الذي يتح ّكم فيه الباحث عن قصد في‬
‫التجربة بطريقة م ّع‪$‬ينة‪ $‬ومن ّظمة بالمت ّغ‪$‬ير‪ $‬المستق ّل أو‪ $‬المت ّغ‪$‬ير التجريبي‪ ،‬أ ما نوع الفعل أو‪ $‬السلو‪$‬ك الناتج عن‬
‫ّ‬
‫المت ّغ‪$‬ير المستق ّل فيس مى بالمت ّغ‪$‬ير التابع‪ ،‬وعليه تض من التجربة‪ $‬على األق ّل في أبسط صورها مت ّغ‪$‬ي ار تجر‪$‬ي ّب‪$‬يا‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ومت ّغ‪$‬ي ار تابعا‪ ،‬ويمكن أن تشمل التجربة أكثر من مت ّغ‪$‬ير ‪.‬‬
‫وعموما يت م التجريب نب ا ًء على تصميم مسبق لتجربة‪ ،‬لذلك توجد ط ارئق مت ّع‪$‬ددة في هذا المجال‪،‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫من أشهرها ط ارئق المجموعة الواحدة‪ ،‬طرق المجموعات المتكافئة وطرق تدوير المجموعات أو‬
‫الطرق‬
‫التبادلية‪$.‬‬
‫كمقارنة تحصي‪$‬ل ط ّالب‬
‫تطّ‪$‬بق هذه الطرق على مجموعة واحدة من األف‬ ‫• ُطرق المجموعة الواحدة‪:‬‬
‫ارد‪،‬‬
‫قسم د ارسي في ظ ّل ظروف م ّع‪$‬ينة بتحصيلهم في ظ ّل ظروف أخرى لتكون الخطو‪$‬ات المّتبعة كاآلتي‪$:‬‬
‫‪ -‬اختبار قبلي لمجموعة (قبل إدخال المت ّغ‪$‬ير المستق ّل‪$).‬‬
‫ّطط البا‪$‬حث‪.‬‬ ‫‪ -‬استخدام المت ّغ‪$‬ير المستق ّل تبعا لمخ‬
‫‪ -‬اختبار بعدي لمت ّغ‪$‬ير التابع‪$.‬‬
‫‪ -‬حساب الفرق بين القياسين القبلي والتبعي‪ ،‬ث م اختبار دا‪$‬للة هذا الفرق إحص‪$‬ائيا‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫• طُرق المجموعات المتكافئة‪ $:‬يكون بتصميم التجربة‪ ،‬وذلك بأخذ مجموعتين‪ ،‬واحدة ضابطة واألخرى‬
‫تجريبية*‪ ،‬متساويتان ومتكافئتان‪ .‬و لتأ ّكد‪ $‬من تكافؤ المجموعتين‪ ،‬تستخدم متو ّسطات المجموعات التجريبية‬
‫–‪ 1‬طلعت همام‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪200.،199‬‬

‫* المجموعة الضابطة هي المجموعة التي‪ $‬ال ت ّع‪$‬رض ألثر المتغّير المستق ّل أو التجريبي‪ .‬والمجموعة التجريبية هي التي‪ $‬تخضع لتأثير‪$‬‬
‫المتّغير المستق ّل‪.‬‬
‫والضابطة وانح ارفاتها المعيارّية لمت ّغ‪$‬ي ارت المؤثر‪$‬ة‪.‬‬
‫• طرق تدوير المجموعات‪ :‬ويكون ذلك بتدوير‪ $‬نظام اإلج ارءات‪ $‬أو‪ $‬المجموعات‪ ،‬فإن طّ‪$‬بقت على مجموعة‬
‫واحدة‪ ،‬فإنها تستلزم تغيير وقت تابع الوحدات الضابطة والتجريبية‪ ،‬ففي الدورة األ‪$‬ولى نبدأ با‪$‬لطريقة الضابطة‬
‫ثم التجريبية‪ ،‬وفي الثاني‪$‬ة نبدأ با‪$‬لتجريبية ث م الضابطة‪ ،‬ويمكن تطبيق ذلك في المجموعتين المتكافئتين‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫و لوصو‪$‬ل إلى القانون العلمي يشترط ما يلي‪( :‬شروط التجريب الجّـيد)‪$‬‬
‫‪ -‬وضو‪$‬ح ودّقة الفرضيات في ذهن الباحث‪.‬‬
‫‪ -‬التطبيق الدقيق اللختبا ارت التجريبية لفروض‪.‬‬
‫وايجابي‪$‬ة فاحصة‪.‬‬
‫‪ -‬مالحظة التجر‪$‬بة مالحظة دقيقة ّج‪$‬دا وبموضو‪$‬عية‬
‫‪ -‬تأمين احتياجات التجربة من أجهزة القي‪$‬اس والمالحظة‪.‬‬
‫‪ -‬تك ارر التجربة يسمح بتعميم النتائج‪$.‬‬
‫‪ -‬إذا ت ّع‪$‬ذر إج ارء التجربة مباشرة أو كان اإلج ارء مستحيال‪ ،‬فمن الضروري أن يلجأ الباحث إلى التجربة‪$‬‬
‫البديل‪$‬ة‪ ،‬فيعتمد على اإلحصائيات والبيانات وتحليلها ‪ (1)$.‬إ ّن أه م‬
‫ّ‪$‬‬
‫واجب‪ $‬على الباحث في المنهج التجريبي هو ضبط التجربة‪ $‬من خالل ضبط جميع العوامل‬
‫التي تؤّ‪$‬ثر في المت ّغ‪$‬ير التابع (النتيجة‪ ،)$‬فإذا لم‪ $‬يت ّع‪$‬رف عليها ويضبطها ال يمكنه بأ ّي حال تحديد العامل‬

‫المستق ّل (السبب‪ ،)$‬فالمت ّغ‪$‬ير المستق ّل أو التجريبي هو العامل الذي نريد أن نقيس مدى تأثيره على الموقف‪،‬‬
‫والمت ّغ‪$‬ير التابع (وهو المت ّغ‪$‬ير الناتج) هو العامل الذي ينتج عن تأثير‪ $‬العامل المستق ّل‪$.‬‬
‫وال يختلف المنهج التجريبي في خطواته عن قب ية المناهج األ‪$‬خرى‪ ،‬فهو يبد‪$‬أ بمالحظة الظا‪$‬هرة‬

‫موضوع البحث ووضع الفروض ث م القيام با‪$‬لتجربة ومحاو‪$‬لة الوصول إلى معرفة العالقات الموجودة بين‬
‫ّ‪$‬‬
‫الظواهر واكتشاف القو‪$‬انين التي تحكمها‪ ،‬ويمكن عرض هذه الخطوات كما يلي‪$:‬‬
‫‪ -‬التعرف على مشكلة البحث وتحديد معالمها‪.‬‬
‫‪ -‬صياغة الفر‪$‬ضيات واستنباط ما يترّتب عليها‪$.‬‬
‫‪ -‬وضع تصميم تجريبي يحتوي على جمع النتا‪$‬ئج وعالقاتها وشروطها‪.‬‬
‫‪ – 1‬صالح الدين شروخ‪ :‬منهجية البحث القانوني للجام ّعـيين‪-‬علوم قانونية‪ ،‬علوم اجتماعية‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪122.$،120،121‬‬
‫ويترتب على الباحث‪ :$‬أن‪ $‬يقوم با‪$‬ختيار عّ‪$‬ينة ممّثلة لمجتمع الد ارسة‪ ،‬تصنيف المفحوصين في‬
‫مجموعات متجانسة‪ ،‬تحديد العوامل الغير تجريبية وضبطها‪ ،‬تحديد الوسائل والمتطلبات الخا‪$‬صة بقياس‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫نتائج التجربة‪ $‬والتأ ّكد من ص ّحتها‪ ،‬تعيين مكان التجربة ووقت إج ارئها والفترة التي تستغرقها ‪.‬‬
‫خصائص وم ّمـي ازت المنهج التجريبي‬ ‫•‬
‫تل ّخص في ما يلي‪$:‬‬
‫‪ -‬يقوم المنهج التجريبي على المالحظة الدقيقة في اختبار صدق الفرضية‪ ،‬ويمكن قت سيم هذه المالحظة‬
‫المضبوطة إلى مالحظة بحتة ومالحظة مع التجرب‪ $‬ة‪ ،‬حيث تعتمد المالحظة البحت‪$$‬ة على عزل ص ‪$‬فات الش ‪$‬يء‪ $‬ذهنيا من‬
‫أجل إد ارك العالق‪$ $‬ة بين خصائصه‪ ،‬أي بقص ‪$‬د الكش‪$$‬ف عن الق‪$ $‬وانين‪ $‬العامة‪ ،‬في حين‪ $‬تعتمد المالحظ ‪$‬ة مع التجرب‪ $‬ة على‬
‫المقابلة بين الفرضيات‪ $‬والوقائع‪ $،‬فهي قت وم على التح ‪$‬ليل الو‪$‬اقعي‪ ،‬بخا‪$‬لف الما‪$‬لحظة البحتة‬
‫التي تكتفي با‪$‬لتح ‪$‬ليل المنطقي‪.‬‬
‫‪ -‬يكشف المنهج التجريبي عن العالقة الس ّب‪$‬ية بين الظواهر والمت ّغ‪$‬ي ارت‪ .‬والمفهوم العا م لس ّب‪$‬ية هو أ ّن حادثا‬
‫ّ‪$‬‬
‫أو ظاهرة م ّع‪$‬ينة تؤّ‪$‬دي إلى حدوث حادثة أو ظا‪$‬هرة أخرى‪ ،‬فحدوث ّأ‪$‬ية ظاهرة خا ّصة إذا كانت‪$‬‬
‫اجتماعية‪،‬‬
‫ال يرجع إلى عامل واحد بل إلى عوامل وظروف م ّح‪$‬ددة ومت ّع‪$‬ددة‪.‬‬
‫‪ -‬إ ّن متانة المنهج التجريبي وق وته تكمن في أ ّن الباحث يحاول في ك ّل تجربة اختبار فرضية تو‪ّ $‬ضح وجود‬
‫ّ‪$‬‬
‫عالقة س ّب‪$‬ية منتظمة بين مت ّغ‪$‬ير وظاهرة م ّع‪$‬ينة أو مت ّغ‪$‬ير آخر‪ ،‬وذلك عن طريق اختبار مجموعتين متكافئتين ومتساويتين‪.‬‬

‫كما تمّثل هذه القوة في خضوعه لتح ّكم والضبط‪ ،‬فالباحث ال يكتفي بوصف وتفسير وتحليل‬
‫ما هو موجود‪ ،‬بل يتد ّخل في تكوين المواقف التجريبية وفي توجيه العوامل والظروف بالحذف أو اإلثبات‪$‬‬
‫يفرض الضوابط على تجربته‪ ،‬بحيث يبعد أ ي احتمال‬
‫ّ‬ ‫وفي تنظيمها وفي ترتيبها‪ ،‬كما يمكن للباحث أن‬
‫)‪(2‬‬
‫لتد ّخل عوامل أخرى أثناء إج ارئه لتجربة ‪.‬‬
‫‪ -‬يسمح المنهج التجريبي بتك ارر التجربة لتأ ّكد من صحة النتائج ودّقتها‪ ،‬فتعامل الباحث مع عامل واحد‬
‫وتثبيت العوامل األخرى يساعده في اكتشاف‪ $‬العالقات الس ّب‪$‬ية بين المت ّغ‪$‬ي ارت بسرعة ودّقة أكثر‪ $.‬لكن كيف‬

‫ه‪$‬م‬
‫أمكن إخضاعـ ميادين العلوم اإلنـسانّــية واالجتماعية لوسائل المنهج التجريبي؟ إ ّن أ ّ‬
‫ما ي ّم‪$‬يز النشاط العلمي الدقيق هو استخدام أسلوب التجربة‪ ،‬حيث أ ّن التجا‪$‬رب العملية تستخدم على نطاق‪$‬‬

‫‪ – 1‬عمار بوحوش‪ ،‬محمد محمود الذنيبات‪ :‬مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحوث‪ $،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪1999 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.111،110‬‬
‫‪ 2-‬عمر التومي الشيباني‪ :‬مناهج البحث االجتماعي‪ ،‬ط‪ ،3‬مجمع الفاتح للجامعات‪ ،‬ط اربلس‪-‬ليبيا‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪169.،168‬‬
‫واسع في د ارسة الظو‪$‬اهر الفيزيائية والكيميائية‪ ،‬في هذه التجا‪$‬رب يستطيع الباحث أن يتح ّكم بدرجة كبيرة‬
‫من الدّقة في المت ّغ‪$‬ي ارت المؤّثرة في الظاهرة المدروسة‪ .‬وما يساعده على ذلك أ ّن هذه المت ّغ‪$‬ي ارت مادية يمكن‬
‫قياسها بواسطة أدوات ومقاييس الثبات والصدق‪ $‬والموضوعية والدّقة‪ .‬أ ما في العلوم االجتماعية‪ ،‬يف ستخدم‬
‫ّ‬
‫المنهج التجر‪$‬يبي أسا‪$‬سا في علم النفس‪ ،‬وهناك‪ $‬ما يد ّل على إمكانية استخدامه في علم االجتماع والعلوم‬
‫األخرى‪ .‬إذ ينظر المّؤيدون لهذا المنهج إلى الظواهر االجتماعية على أنها خاضعة نل فس القوانين التي تخضع‬
‫لها المادة‪ ،‬فالقواني‪$‬ن التي تسود العا‪$‬لم الميكانيكي كالضغط والكثافة والمقاومة والتو‪$‬ازن والتجاذب‪$‬‬
‫والتنافر‪ $...‬إلخ‪ ،‬هي نفسها التي تطّ‪$‬بق على العا‪$‬لم االجتماعي‪ ،‬والمجتمع كالطبيعة سواء بسواء‪ ،‬يخضع في‬
‫بقائه وتط وره نل فس القو‪$‬اعد التي يخضع لها الع‪$‬الم الطبيعي‪ .‬ومع ذلك فإ ّن العلوم االجتماعية عا مة وعلم‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫االجتماع بصفة خا‪$‬صة‪ ،‬ما ازلت تو‪$‬اجه الكثير من الصعوبات في ما يتع‪$‬لق باستخدامها لهذا المنهج‪ ،‬إذ‬
‫)‪(1‬‬
‫تفتقر تلك العلوم إلى لغة علمية والى القدرة على تحديد المفاهيم وتصنيفها بطريقة محكمة ‪.‬‬
‫إ ّن لغة العلم تمتاز با‪$‬لموضوعية‪ ،‬فنحن مثال ال يمكن أن نجد تعارضا في وجهات النظر بين علماء‬
‫ازلت‬ ‫الطبيعة أو الكيمياء حين يدرسون الح اررة أو الضوء‪ ،‬وفي المقابل فإ ّن لغة العلوم االجتماعية‪ $‬ما‬
‫لغة‬
‫كيفية‪ ،‬كثي ار ما‪ $‬تأّثر با‪$‬لنزعات الذاتية‪ ،‬على عكس ا لغة الكمية لعلم‪ $‬التي تهدف إلى قيا‪$‬س الظو‪$‬اهر والوقائع‪$‬‬
‫العلمية‪ ،‬إذ على عالم االجتماع أن يتعامل مع الظواهر االجتماعية كما هي قائمة في المجتمع أو الواقع‬
‫االجتماعي‪ ،‬ذلك أ ّن ظواهر السلوك اإلنسا‪$‬ن ي من اجتماعية ونفسية تختلف عن الظواهر الطبيعية في أنها‪$‬‬
‫ّ‬
‫معّقدة وتعتمد على العديد من العوامل المتشابكة‪ ،‬ألنها تقوم على العالقات اإلنسانّ‪$‬ية التي يصعب ضبطها‬
‫والتح ّكم فيها‪ ،‬وهذا ما جعل بعض العلماء يعتبر‪$‬ون العلوم االجتماعية علوما ما ازلت في مرحلة‪ $‬النم و‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫علماء‪ $‬االجتماع من أص‪$‬حاب المنهج التجريبي على تلك االعتراضات‪ $‬بأ ّن هذا يرجع إلى‬ ‫وقد ّرد‬
‫حداثة علم االجتماع‪ ،‬فهو لم يصل بعد إلى مر‪$‬حلة النضج‪ $.‬وعلى‬
‫العموم يمكن للباحث االجتماعي مالحظ‪$‬ة األ‪$‬ف ارد وهم يعيشون في األحوال الطبيعية‪ ،‬فيقوم‬
‫بتسجيل سلوكاتهم تحت هذه الظروف وفي الوقت نفسه يقوم بوصف هذه الظروف وصفا دقيقا‪ .‬ويمكن‬
‫اعتبار هذا النوع من التجريب االجتماعي مالحظة منظمة‪ ،‬فالتجريب هنا يقوم على أساس الت ّع‪$‬رف على‬

‫العالقة بين‪ $‬بعض مظاهر السلوك اإلنسان ي وبعض ظروف الحياة‪ $.‬كما يستخدم المنهج التجريبي في‪$‬‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ينة‪ $‬لعدد من المناطق‪ $‬ونطّ‪$‬بق‬
‫الد ارسات‪ $‬االجتماعية حين نقوم بتجربة م ّع‪$‬ينة‪ ،‬فنختار منطقة محدودة تكون ّ‬
1 –Bernard S. Phillips: Social Research –Strategy and Tactics-, Ed3, University of Minnesota, United States,
1976, p87.
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫عليها نظاما جديدا‪ ،‬مثال ذلك‪ $:‬ينشأ‪ $‬مركز اجتماعي في قرية من القرى لخدمتها أو يطّ‪$‬بق نظا ما د ارس يا‬
‫ً‬
‫م ّع‪ً $‬ي‪$‬نا في منطقة من المناطق‪ ،$‬وبالمقارنة بين حالتها قبل التطبيق وبعده‪ ،‬نستطيع التعرف على أثر هذا‬
‫)‪(1‬‬
‫النظام الجديد على الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫والقول بأ ّن الظواهر اا‪$‬لجتماعية معّقدة وال يمكن قياسها يف ّسر بعجز الع‪$‬لماء عن م ارقبتها وقيا‪$‬سها‬
‫والتو‪ّ $‬صل إلى معرفتها‪ ،‬و ّلأ‪$‬نه‪$‬م لم يصلوا بعد إلى طريقة‪ $‬مثلى قل ي‪$‬اسها‪ ،‬ذلك‪ $‬أ ّن اإلنسان يخض‪$‬ع في سلوكه‬
‫ُ‬
‫ص‪$‬رفه لسلسة من المؤث ارت االجتماعية والغير‪ $‬اجتماعية‪ ،‬فاالجتماعية تل ّخص في األسرة وبيئ‪$‬ة األصدقاء‬ ‫وت ّ‬
‫والبيئة‪ $‬المدرسية والمجتمع‪ ،‬والغير اجتماعية تم‪ّ$‬ثل في البيئة المناخية والجغ ارفية والتضاريسية‪.‬‬
‫ولع ّل من أه م المظاهر في هذا المنهج استخدام األلفاظ والمصطلحات المستعملة في العلوم الطبيعية‬
‫ّ‪$‬‬
‫مثل‪ :‬التفاعل‪ ،‬التركيب‪ ،‬الديناميكا والمت ّغ‪$‬ي ارت‪ ،‬إضافة إلى استخدام األسا‪$‬ليب واألدوات اإلحصائ‪$‬ية‪.‬‬
‫الظواهر االجتماعية يمكن أن تخضع لمنهج التجر‪$‬بة ولفكرة القانون‬ ‫من جملة ما سبق يت ّب‪$‬ين أ ّن‬
‫شأنها شأن الظواهر المادية‪ ،‬بمعنى يمكن استخالص قوانين دقيقة وعا مة تسمح بالت ّن‪$‬بؤ بمستقبل الظواهر‪$‬‬
‫ّ‬
‫االجتماعية‪$.‬‬
‫وفي هذا السياق ُيعتبر أوغست كونت من األوائل الذين استخدموا المنهج التجريبي في علم االجتماع‪،‬‬
‫حيث ّف‪$‬رق بين نوعين من التجريب المباشر وغير المباشر‪ .‬حيث يقوم التجريب المباشر على المالحظة المطابقة‬
‫لطبيعة المعّقدة لظواهر االجتماعية‪ $‬والتي تطلّب إحكام العقل لتص ور الشيء المالحظ‪ ،‬أ ما‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫التجريب الغير مباشر‪ ،‬فيقوم على إقامة الفروض التي تعتبر ثمرة النشاط الفكري‪ ،‬بحيث‪ $‬تكون قابلة‪$‬‬
‫اللختبار‪$.‬‬
‫وقد ل ّخص جون ستيوارت ميل قواعد المنهج التجريبي في أ ّن البا‪$‬حث يلجأ إلى استخد‪$‬ام مجموعتين‬
‫متش‪$ $‬ابهتين خاص‪$$‬ة من حيث حجم األس‪$$‬رة ومتوس ‪ $‬ط ال ‪$ $‬دخل والطبق‪$ $‬ة المهني‪$$‬ة وتعليم اآلب‪$$‬اء وغ‪ $‬ير ذل‪$$‬ك‪ ،‬حيث يعطي‬
‫لمجموع‪ $‬ة األ‪$$‬ولى برن‪ $‬امج اجتم ‪$‬اعي ت‪$ $ $‬وجيهي‪ ،‬وت‪ $ $‬ترك المجموع‪ $‬ة ا ثل اني ‪$ $‬ة دون توجي ‪$ $‬ه‪ ،‬وب ‪ $ $‬ذلك تص‪$ $‬بح‪$‬‬
‫المجموعة األ‪$‬ولى‪ $‬بمثابة مجموعة تجريبية والمجموعة الثانية بمثابة مجموعة ضا‪$‬بطة‪ ،‬ثم يبدأ الباحث‪$‬‬

‫بالمالحظة الفاحصة لوقوف على التغير في العالقات اإلنسا ّن‪$‬ية‪ .‬كما وضع جون ستيوارت ميل في مؤلفه‬
‫"نسق المنطق" ثالث ُطرق لمنهج التجر‪$‬يبي‪:‬‬

‫‪-24-‬‬
‫ اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬:‫الفصل األول‬

1 - Jean-Noël Baléo, Bernard Bourges, Philippe Courcoux : Méthodologie expérimentale : méthodes et outils
pour les expérimentations scientifiques, Edition Tec & doc Lavoisier, France, 2003, p209.

-24-
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫• الطريقة األوـلى‪ :‬وهي ما يعرف بطريقة االت ّـفاق‪ ،‬حيث تنحصر في المقارنة بين عدد من الظواهر‬
‫والعوامل التي تكون س با‬
‫لظاهرة اأ‪$‬لولى‪ ،‬أي أ ّن‬
‫وجود السبب ي ّؤ‪$‬دي إلى‬
‫وجود النتيجة‪$.‬‬
‫• الطريقة الثانيةـ‪ :‬وهي طريقة االختالف‪$،‬‬
‫والتي تنحصر‪ $‬في المقارنة بين حالتين متشابهتين في‬
‫جميع‬
‫الجوانب‪ ،‬ما‪ $‬عدا طرف واحد بحيث يوجد في‬
‫إحدى الظاهرتين وال يوجد في اآلخر‪ ،‬حيث‪ $‬تعتمد‬
‫هذه الطريقة‬
‫على الفكرة القائ‪$‬لة بأ ّن غياب‪ $‬السبب ي ّؤ‪$‬دي إلى‬
‫غياب النتيجة‪.‬‬
‫• الطريقة الثالثة‪ :‬طريقة الت ّغـير النسبي‪ ،‬بمعنى أ‬
‫ّن الظاهرة التي ت ّغ‪$‬ير على نحو ما إذا ت ّغ‪$‬ير‪$‬ت‬
‫ظاهرة‬
‫أخرى ُت ّع‪$‬د س ًبا أو نتيجة لها أو مرتبطة بعالقة‬
‫س ّب‪$‬ية‪ ،‬أي أ ّن النقص أو الزيادة في العّلة يرتبط‪$‬‬
‫بالنقص أو‬
‫الزيادة في المعلو‪$‬ل وهي عالقة ك ّم‪$‬ية بين‬
‫ّ‬
‫مت ّغ‪$‬يرين‪.‬‬
‫ومن أهّ‪$‬م المؤّيدين لفكرة إمكانية التو ّصل إلى‬
‫القوانين في علم االجتماع " ارد كليف ب ارون"‪،‬‬
‫"هربرت‬
‫سبنسر"‪" ،‬إيميل دوركايم"‪ ... ،‬كما تو‪ّ $‬صل‬
‫علماء االجتماع فع ًال إلى قوانين االجتماع‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قانون‬
‫"هربرت سبنسر" الذي يرى بأ ّن الحركة‬
‫االجتما‪$‬عية تبع الجهة التي تكون فيها المقا‪$‬ومة أق‬
‫ّل‪ ،‬وقانون "وورد"‬
‫الذي يشير‪ $‬إلى أ ّن األف ارد يبحثون عن أكبر كسب‬
‫بأقل مجهود‪ ،‬وقانون "إيميل دوركايم" عن االنتحار‬
‫الذي‬
‫يو ّضح أ ّن الميل الشخصي‬
‫‪-‬‬
‫‪25-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫لالنتحار‪ $‬يزداد كّلما قلت الروابط التي تربط الفرد‬


‫با‪$‬لمجتمع‪ .‬وهناك بعض المالحظات التي س ّجلها‬

‫علماء المنهجية في تطبيق المنهج التجريبي خاص‪$‬ة في‬


‫ميدان‬
‫ة‪،‬‬
‫ي‪:‬‬
‫اإلنسان ي‪ $،‬والتي ال تالءم‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬البشرية‬
‫مع طبيعة قواعد وضوابط‬ ‫مرون والسلو‬
‫ك‬ ‫ة‬
‫الظا‬
‫ه رة‬
‫التجريب‬
‫ي‪$.‬‬
‫‪ -‬تأثير المت ّغ‪$‬ي ارت اأ‪$‬لخرى‬

‫بشكل يفوق في بعض األحيان تأثير‪ $‬المت ّغ‪$‬ير المستق ّل‬


‫ذاته‪ - .‬اصطناعية الموقف التجريبي الذي قد‬
‫يبتعد في بعض األحيان عن الموقف الحقي‪$‬قي‬
‫لظاهرة أو‬
‫س‪.‬‬
‫إ ّن ا نل قد الجوهري في تطبيق المنهج التجر‪$‬يبي في حقل‬
‫العلوم االجتماعية وتحليل الظو‪$‬اهر اإلنسا ّن‪$‬ية‪$‬‬

‫كان من قبل أنصار المدرسة النقدية في علم االجتماع‪،‬‬


‫نذكر منهم تيودور أدورنو‪ ،‬هربرت ماركيوز‬
‫ويورغن‬
‫هابرماس‪ $.‬وكان هذا النقد هو الخلفية النظرية‬
‫)‪(1‬‬
‫لمدرستهم في التح ‪$‬ليل السوسيولوجي‪.‬‬

‫‪ 1-‬عبد الغفار رشاد القصيبي‪ :‬مناهج البحث في علم السياسة‪$،‬‬


‫منشو ارت جامعة القاهرة‪ ،‬كلية اال‪$‬قتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬مكتبة‬
‫اآلداب‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪279.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪26-‬‬
‫‪ 2-‬المنهج الوصفي‬
‫الوصف لغة هو نقل صورة العالم الخا‪$‬رجي أو العالم الداخلي من خالل اأ‪$‬للفاظ والعبا ارت والتشابيه‬
‫واالستعا ارت التي قت وم مقام األلوان لدى الرسام‪ ،‬والنغم لدى الموسيقي ‪ (1)$.‬أ ما‬
‫ّ‬
‫الوصف الع‪$‬لمي فيذكر خصائص ما هو كائن‪ ،‬ويف ّسره وي ّح‪$‬دد الظروف والعالقات التي تو‪$‬جد‬
‫بين الوقائع‪ ،‬وكذلك الممارسات الشائعة أو‪ $‬السائدة والت ّع‪$‬رف على المعتقدات واالتجاهات عند األف ارد‬
‫)‬
‫والجماعات وط ارئقها في النم و والتط ور ‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫‪ (2‬وعليه فإ ّن الوصف هو رصد حال أ ّي شيء‪ ،‬سواء كان وصفا‪ $‬فيزيائيا‪ ،$‬أم بيان خصائص مادية أو‬

‫معنوية ألف ارد أو جماعات‪ .‬وقد يكون هذا الر‪$‬صد أو الوصف ك م يا م ّع‪$‬بار عنه باألرقام‪ ،‬أو كيف يا أو‪ $‬يجمع‬
‫ً‪$‬‬ ‫ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫بينهما ‪.‬‬
‫وعلى ضوء هذا التحديد ا لفظي لو‪$‬صف‪ ،‬يندر‪$‬ج المنهج الوصفي ضمن أه م المناهج في العلوم‬
‫ّ‪$‬‬
‫االجتماعية‪ $،‬فهو من أكثر المناه‪$‬ج استعماال من طرف الباحثين والطالب في أغلب األبحاث‪ $‬والد ارسات‪$‬‬
‫الخاصة بالع‪$‬لوم اإلنسا ّن‪$‬ية واالجتماعية‪ .‬فالمنهج‬
‫الوصفي هو طريقة لوصف الظواهر المدروسة وتصويرها ك ّم‪$‬يا عن طريق جمع معلومات‬
‫ّ‬
‫م ّق‪$‬ننة عن المشكلة وتصنيفها وتحليلها واخضاع‪$‬ها لد ارسة الدقيقة‪$.‬‬
‫حيث يقوم هذا المنهج على وصف البيانات والخصائص المتّعلقة با‪$‬لظاهرة المدروسة‪ ،‬كما يضع‬
‫إجابات لتساؤلات‪ $‬التي يطرحها البحث‪ $‬والتي تبدأ بمن أو كيف‪ $‬أو أين‪ $‬وغيرها‪ .‬أ ما أساس المنهج الو‪$‬صفي فيقوم على‬
‫ّ‬
‫أساس عرض ود ارسة البيانات اإ‪$‬لحصائية كمقاييس النزعة المركزية‪ ،‬وهو يعتبر من أكثر مناهج‬
‫البحث استخداما من قبل الباحثين‪ ،‬كما يساعد في الت ّع‪$‬رف على أسباب حدوث مشكلة البحث‪$.‬‬
‫ومن أنواع الد ارسات الوصفية‬
‫وهي التي تحا‪$‬ول تحليل وتفسير وعرض واقع الظاهرة المدروسة أو تح ‪$‬ليل محتوى‬
‫• الد ارسات المس ّحـية‬
‫الوثا‪$‬ئق لوصو‪$‬ل إلى نتائج أو تعميمات تعلّق بالواقع‪ ،‬ومن أنواع هذه الد ارسات المسح المدرسي‪ ،‬د ارسات‪$‬‬
‫ال أري العام وتحليل المضمون‪$.‬‬

‫‪ 1-‬عبد النور جبور‪ :‬المعجم األدبي‪ ،‬ط‪ $،2‬دار العلم لماليين‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان ‪1984 ،‬م‪ ،‬ص‪292.‬‬
‫‪ 2-‬جابر عبد الحميد جابر وآخرون‪ :‬مناهج البحث في التربية وعلم النفس‪ $،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪134$.‬‬
‫‪ 3-‬عمار‪ $‬بوحوش‪ ،‬محمد محمود الذنيبات‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪138.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫• د ارسة العالقـات وهي التي تقوم على وصف الع‪$‬القات بين الظواهر والعوامل الخا‪$‬رجية المرتبطة بها مثل‬
‫د ارسة الحالة‪$.‬‬
‫• الد ارسات االرـتباطية قت وم على توضيح العالقات بين مت ّغ‪$‬ي ارت الد ارسة‪ ،‬بهدف تحديد درجة االرتباط بين‬
‫المت ّغ‪$‬ي ارت وعر‪$‬ضها بطريقة رقمية‪ ،‬حيث‪ $‬تت اروح درجات االر‪$‬تباط ما بين ‪ -1‬و‪+1.‬‬
‫• الد ارساـت التطويرية تقوم على د ارسة الت ّغ‪$‬ي ارت التي تحدث في بعض المت ّغ‪$‬ي ارت من خا‪$‬لل قياس المت ّغ‪$‬ير‪$‬‬
‫موضوع الد ارسة‪.‬‬
‫وعلى هذا األسا‪$‬س‪ ،‬يعتبر‪ $‬المنهج الوصفي طريقة منتظمة لد ارسة حقائق ارهنة‪ ،‬متعّلقة بظاهرة‬
‫أو‪$‬‬
‫موقف أو‪ $‬أف ارد أو أحداث‪ $‬أو أوضاع م ّع‪$‬ينة‪ ،‬بهدف اكتشاف حقائق جديدة أو‪ $‬التحّقق من صحة حقائق‬
‫)‪(1‬‬
‫سابقة أو قد‪$‬يمة وآثارها والعالقات التي تصل بها والكشف عن الجوانب التي تحكمها ‪.‬‬
‫وعليه فإ ّن المنهج الوصفي ال يقتصر على الو‪$‬صف الدقيق لظاهرة المدروسة فحسب‪ ،‬بل يتعّ‪$$‬دى‬
‫بعد عملية وصف الظاهرة وجمع البيانات‪ $‬عنها ووصف الظروف والممارسات المختلفة‪ ،‬إلى تح ‪$‬ليل هذه‬
‫البيانات‪ $‬واستخ ارج االستنتاجات‪ ،‬ومقارنة‪ $‬المعطيات‪ ،‬ث م التوصل إلى نتا‪$‬ئج يمكن تعميمها في إطار م ّع‪$‬ين‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫لذلك يع د المنهج الوصفي أسلوب أو‪ $‬طريقة لد ارسة الظواهر‪ $‬االجتماعية بشكل علمي من ّظم من‬
‫ُ ّ‪$‬‬
‫أ جل‬
‫)‪(2‬‬
‫الو‪$‬صول إلى أغ ارض م ّح‪$‬ددة لوضعية م ّع‪$‬ينة اجتماعية أو مشكلة أو سكان م ّع‪$‬ينين ‪.‬‬
‫ع‪$‬دة أهداف تل ّخص في‪$:‬‬
‫و لد ارسات الوصفية ّ‬
‫‪ -‬جمع معلومات حقيقية ومف ّصلة لظاهرة موجو‪$‬دة فعال في مجتمع معين‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد المشاكل الموجودة أو تو‪$‬ضيح بعض الظواهر‪.‬‬
‫‪ -‬إج ارء مقا‪$‬رنة وتق يم لبعض الظو‪$‬اهر‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد ما يفعله األف ارد في مشكلة ما واالستفا‪$‬دة من آ ارئهم وخب ارتهم في وضع تص و ارت وخط‪$‬ط مستقبلية‬
‫ّ‪$‬‬
‫وانجاز ق ار ارت مناسبة في مشاكل ذات طبيعة مشابهة‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪ -‬إيجاد العالقة بين الظواهر المختلفة ‪$.‬‬
‫‪ -‬قت رير حقائق قائمة لمو‪$‬ضوع أو‪ $‬ظاهرة م ّع‪$‬ينة‪.‬‬
‫‪ -‬الت ّع‪$‬رف على العوامل المختلفة المسؤولة عن انتشار الظاهرة خالل مرحلة م ّع‪$‬ينة‪$.‬‬

‫‪ 1-‬خاطر أحمد مصطفى‪ :‬البحث االجتماعي في محيط الخدمة االجتماعية‪ $،‬المكتبة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪278 .‬‬

‫‪-27-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫‪ 2-‬إحسان محمد الحسن‪ :‬األسس العلمية لمناهج البحث االجتماعي‪ $،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪157$.‬‬
‫‪ – 3‬عبد الباسط عبد المعطي‪ :‬البحث االجتماعي‪ $،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإل‪$‬سكندرية‪-‬مصر‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪141$.‬‬

‫‪-27-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫)‪(1‬‬
‫ووفقا لهذه‬ ‫‪ -‬الكشف عن العالق‪$‬ة بين مت ّغ‪$‬يرين أو تلك التي نت طلق من فروض م ّع‪$‬ينة إلثبات ص ّحتها ‪.‬‬

‫األ‪$‬هداف‪ ،‬تستند البحوث الوصفية إلى أسس منهجية أه مها التجريد والتعميم‪ ،‬فالتجريد‬
‫ّ‬
‫هو عملية عزل وانتقاء مظاهر م ّع‪$‬ينة كجزء من عملية قت ويمية أو توصيلية إلى اآلخرين‪ .‬فال تعارض بين‬
‫التجريد وبين كون المواقف االجتماعية أكثر تعقيدا من المواقف الفيزيائية‪ .‬فا‪$‬لظواهر الفي‪$‬زيائية من حيث‪$‬‬
‫البساطة والتعقيد مثل الظواهر االجتماعية بحا‪$‬جة إلى منهج علمي دقيق وأدوات قيا‪$‬س مناسبة‪ .‬كما أنه ال‬
‫يوجد تعارض بين التجريد َو‪$‬ك ون ك ّل واقعة اجتما‪$‬عية منفردة‪ ،‬أل ّن تفّ‪$‬رد الحادثة‪ $‬االجتماعية‪ $‬هو تمّ‪$$‬يز في الك م‬
‫ّ‪$‬‬
‫والكيف‪ ،‬أي أنه ال يمكننا الفصل بين خصائ‪$‬ص الحادثة االجتماعية والتجريد‪$.‬‬
‫وبالنسبة لتع‪$‬ميم يف ظهر في إمكانية استخالص‪ $‬حكم أو أحكام تصدق على فئة م ّع‪$‬ينة منها‪ ،‬وقد‬
‫يكون التعميم شامال فيسبق بكلمة‪" $‬ك ّل" أو "جميع" أو "ال واحد"‪ ،‬وقد يكون جزئيا‪ ،‬فيسبق بكلمة بعض‪.‬‬
‫وبالتعميم نصل بما استق أرناه إلى ما لم نستقرئه ‪ (2).‬م ما‬
‫ّ‬
‫سبق نصل إلى أنه ال غنى عن البحث الو‪$‬صفي في العلوم السلوكية كك ّل‪ ،‬ألنه يحّقق هدفين‬
‫أسا ّس‪ $‬ين‪ ،$‬هما‪ :‬تزويد العاملين في المجاالت االجتماعية بمعلومات حقيقية عن الوضع ال ارهن لظواهر‪$‬‬

‫المدروسة‪ ،‬وهدف علمي يتجّلى في أ ّن هذه الد ارسات تقوم بجمع الحقا‪$‬ئق والتعميمات‪ ،‬م ما يزيد‪ $‬في الرصيد‪$‬‬
‫ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫المعرفي الالزم لفهم الظو‪$‬اهر والت ّن‪$‬بؤ بها ‪$.‬‬
‫وبنا ًء على األسس المنهجية لبحث أو المنهج الوصفي ّتضح خطواته في‪$:‬‬

‫‪ -‬تحديد مشكلة البحث وجمع المعلومات عنها‪.‬‬


‫‪ -‬صياغة مشكلة البحث‪.‬‬
‫‪ -‬وضع الفرضيات‪ $‬كحلو‪$‬ل مؤقتة أو مبدئية لمشكلة‪ ،‬بحيث تو ّجه الباحث نحو اختيار هذه الحلول‪- .‬‬
‫اختيار‪ $‬العينة التي ستجرى عليها‪ $‬الد ارسة مع توضيح حجم العينة وأسلوب اختيا‪$‬رها‪ ،‬حيث‪ $‬يختار الباحث‪$‬‬
‫أدوات البحث التي يستخدمها في الحصول على المعلومات كاالستبيان والمقابلة أو إج ارء االختبا ارت أو‬
‫المالحظة وذلك وفقا لطبيعة مشكلة البحث‪$.‬‬
‫‪ -‬القي‪$‬ام بجمع المعلومات بطريقة دقيقة ومن ّظمة‪.$‬‬

‫‪ 1-‬ناصف سعيد‪ :‬محاضرات في تصميم البحوث االجتماعية وتنفيذها –نـماذج لدراسات وبحوث ميدانية‪ ،-‬مكتبة زه ارء الشرق‪ ،‬القاهرة‪-‬‬
‫مصر‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪28.‬‬
‫‪ – 2‬صالح الدين شروخ‪ :‬منهجية البحث القانوني للجام ّعـيين‪-‬علوم قانونية‪ ،‬علوم اجتماعية‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪152$.،151‬‬

‫‪-‬‬
‫‪28-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫‪ 3-‬جابر عبد الحم‪$‬يد جابر‪ $‬وآخرون‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪187$.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪29-‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -‬الو‪$‬صول إلى النتائج وتفسيرها واستخالص التعميمات‪.‬‬
‫المطلب األو‪$‬ل لتطبيق المنهج الو‪$‬صفي هو تحديد طائفة بسيطة من الظو‪$‬اهر االجتماعية‪$‬‬
‫إ ّن‬
‫كموضوع لبحث‪ ،‬وت ّع‪$‬د هذه الظواهر بالنسبة لموضوع المدروس أبسط وحدة يتأ‪$‬لف منها‪ ،‬فنحن عندما نبدأ‬

‫بوصف أبسط الوحد‪$‬ات التي تت ّألف منها الظواه‪$‬ر المدروسة‪ ،‬نستطيع بعد ذلك أن ُنق دم عن طريق البحث‪$‬‬
‫على تحليل المّركبات األكبر تعقيدا‪ .‬وهكذا تكون الخطوة األو‪$‬لى في الد ارسة الو‪$‬صفية هي اختيار الوحدة‪ $‬االجتماعية‬
‫األو‪$‬لية أو األسا‪$‬سية في المو‪$‬ضوع الم‪$‬دروس‪ .‬و تمّثل الخطوة الثاني‪$‬ة في اكتشاف الطريقة المالئمة‬
‫لقياس الك مي لمختلف عنا‪$‬صر ومك ونات وحدة الد ارسة‪ ،‬ذلك أ ّن وحدة الد ارسة الوصفية في مرحلة نشأتها‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫كانت مرتبطة بالتحليل الك مي‪ ،‬وي ّتجلى ذلك بو‪$‬ضوح خاصة في أعمال "لوبالي" ‪ play le‬الذ‪$‬ي اعتقد ّأ‪$‬نه‪$‬‬
‫ّ‬
‫بدون المعالجة الك ّم‪$‬ية‪ ،‬ستكون الدراسة غامضة‪ $‬وغير مؤّ‪$‬كدة‪ ،‬وكذا األمر بالنسبة لنتائج‪ ،‬فلن تكون على‬
‫ّ‬
‫درجة عالية من الدقة‪ $.‬لقد‪ $‬استطاع‪" $‬لوبالي" في د ارسته‪ $‬أن يجد ح ّال لهاتين المشكلتين حين اعتبر األسرة‬
‫هي الوحدة األساسية لد ارسة‪ ،‬فاستخدم مي ازنية‪ $‬األسرة بوصفها التعبير الك مي عن الحي‪$‬اة األسرية‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫بالتالي األسا‪$‬س لتحليل الك مي لظواهر االجتما‪$‬عية ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعلى العموم هناك شبه اتفاق بين العلماء على م ارحل المنهج الوصفي‪ ،‬يف ق ّسمونها إلى مرحلتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬مرحلة االستكشاف والصياغة وفيها ي ّت‪$‬م استطالع مجال محّ‪$‬دد لبحث‪ $‬وتحديد المفاهيم واألو‪$‬لويات وجمع‬
‫)‪(3‬‬
‫معلومات إلج ارء بحث عن مواقف الحياة ‪$.‬‬
‫تستند الد ارسات‪ $‬الكشفية‪ $‬على إج ارءات منهجية م ّح‪$‬ددة ومعروفة‪ ،‬وهي إج ارءات ليست‪ $‬مستقّلة أو‪$‬‬
‫منعزلة بعضها عن بعض‪ ،‬ولكنها تكامل في وحدة منهجية لتحقيق أهداف الدر‪$‬اسة االستطالعية‪ .‬واذا كانت‪$‬‬
‫هذه الدراسات تمّثل نقطة البداية في البحث العلمي‪ ،‬فإ ّن البداية دائما هي أه م الخطوات‪ ،$‬إذ يتوقّف على‬
‫ّ‪$‬‬
‫نجاحها استم ارر عملية البحث‪ .‬ومهما بلغت دقة المناه‪$‬ج واإلج ارءات التي يصطنعها الباحث‪ $‬في م ارحل‬
‫الحقة‪ ،‬ستكون عديمة القيمة إذ‪$‬ا كانت البداية غير صحيحة أو ليست مالئمة‪ .‬وتض م إج ارءات الد ارسات‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫الكشفية تلخيص ت ارث العلوم االجتماعية‪ $‬والميادين المختلفة‪ $‬المّتصلة بمشكلة البحث‪ $‬مع استشارة األف ارد ذوي‬
‫الخبرة العلمية بالمشكلة الم ارد د ارستها‪$.‬‬

‫‪ 1-‬صالح الدين شروخ‪ :‬منهجية البحث القانوني للجام ّعـيين‪-‬عـلوم قانونية‪ ،‬علوم اجتماعية‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪154.‬‬
‫‪ – 2‬جازية كي ارن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪29.،28‬‬
‫‪ 3-‬عمار بوحوش‪ $،‬محمد محمود الذنيبات‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪142.‬‬
‫ب‪ -‬مرحلة التشخيص والوصف المع ّمق وفيها ُت ّح‪$‬دد الخصائص المختلفة‪ ،$‬وتجمع المعلومات بوصف دقيق‬
‫لجميع جوانب‪ $‬الموضوع المبحوث‪ ،‬بما يس ‪$‬مح بالتش‪$$‬خيص ال ‪$‬دقيق ل ‪$‬دوافع الموض‪ $‬وع‪ ،‬دون االنط‪$$‬الق من ف ‪$‬روض مس ‪$‬بقة‪.‬‬
‫فنحن نستطيع تصوير الخصائص االجتماعية لقري‪ $‬ة من الق ‪$‬رى حينما نحصل على كاف‪$ $‬ة البيان ‪$‬ا‪$‬ت‪ $‬المتاحة عنها مث ‪$‬ل توزي ع‬
‫السن والديانات ونسبة التعليم والحا‪$‬لة الزوجية والتركيب المهني‪ ...‬حيث‪ $‬يطلق على‬

‫هذا النوع من الد ارسات مصطلح البحوث الو‪$‬صفية التشخي‪$‬صية‪ ،‬ذلك ّأ‪$‬نها جمي ًعا تشترك في عدم وجود‬
‫)‪(1‬‬
‫فروض مبد ّئ‪$‬ية أو قضايا عا مة ُتو ّجه الباحث نحو فحص العالقة االرتباطية‪ $‬بين مت ّغ‪$‬يرين ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعليه يمكن استخالص األسلوب المّتبع في المنهج الوصفي حسب الم ارحل اآلتية‪$:‬‬
‫من علم االجتماع وعلم ا نل فس االجتماعي‬
‫الت ارث‬ ‫لت خيص‪$‬‬ ‫والتي تمّثل في‬ ‫• المرحلة األولى‬
‫النظري‬
‫النظريات التي وضعت حول الجماعات الصغيرة‬
‫وادارة األف‪ $‬ارد‬ ‫ودينامّ‪$‬يا‪$‬ت الجماعة والعلوم السلوكية‬
‫وأه م‬
‫ّ‪$‬‬ ‫وتفاعلها با‪$‬لتنظيم‪$.‬‬
‫• المرحلة الثانية هي الجانب الميداني‪ ،‬أي مشكلة البحث كما ي ارها المبحوثون و تمّثل على األغلب في‬
‫االستمارة التي تض م العديد من األسئلة الستيض‪$‬اح مشكلة البحث من خالل الذين يعيشونها‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫• المرحلة الثـالثة تمثّل في تحليل الحاالت التي تزيد من توضيح المشكلة وُتلقي مزيدا من الضوء عليها‪،‬‬
‫حيث يتمّثل هذا التحلي‪$‬ل خاص‪$‬ة في محاو‪$‬لة شر‪$‬ح األعداد الكمية إلى تحليل لفظي‪ ،‬وصفي‪ ،‬معّ‪$$‬بر عن أبعاد‬
‫)‪(2‬‬
‫الظاهرة من جميع جوانبها وتحليل الجداو‪$‬ل اإ‪$‬لحصائية تحليال منطقيا ومو‪$‬ضوعيا إلى ّح‪$‬د ما ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أهمّ‪$‬ية المنهج الوصفي ودوره في تطوير البحوث خا ّصة في العلوم االجتماعية‪ّ ،‬إ‪$‬ال‬
‫أن‪$$‬ه يقتصر على الوص‪ $‬ف الش‪$$‬ك‪$‬لي لظاهرة وال يحاول أن يت ‪$ $‬ع مق إلى ما و ارء الش‪$$‬كل‪ .‬كم‪$‬ا أ ّن اس‪$$‬تخدام المنهج‬
‫ّ‬
‫الوص‪ $‬في في التحلي ‪$$‬ل ال‪$ $‬ك مي والتحلي‪$ $‬ل اإلحص ‪$‬ائي ي ‪$$‬ؤّ‪$‬دي إلى الترك‪ $‬يز على الج‪$‬انب الم ّا‪$‬دي لظ‪$‬اهرة‪ ،‬في حين‪ $‬أ ّن‬
‫ّ‬
‫لظاهرة اإلنسا‪ّ $‬ن‪$‬ية جاًنبا معنو يا‪ ،‬وهو الجانب‪ $‬المفعم بالحيوية الذي ال يمكن قياسه قيا ًسا‪ $‬ك م يا‪ .‬كذلك أ ّن‬
‫ّ‬
‫) ‪(3‬‬
‫البيانات‪ $‬الك ّم‪$‬ية المج معة يجب التعامل معها بحذر درًءا إلمكانية التحريف أو الحذف أو الت ّح‪$‬يز‪.$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫–‪ 1‬محمد علي محمد‪ :‬علم االجتماع والمنهج العلمي‪ ،‬ط‪ ،3‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪1986 ،‬م‪ ،‬ص‪186. ،185‬‬
‫‪ 2-‬حسان الجيالني‪ :‬الجماعات الصغيرة في التنظيم‪ $،‬أطروحة دكتو اره دولة مقدمة إلى كلية العلوم االجتماعية التطبيقية‪ ،‬جامعة الفاتح‪،‬‬
‫ط اربلس‪-‬ل‪$‬يبيا‪ ،‬ماي ‪1999‬م‪ ،‬ص‪166.‬‬
‫‪ - 3‬عامر مصباح‪ :‬منهجية البحث في العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬ط‪ $،3‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪2017 ،‬م‪ ،‬ص‪92.‬‬
‫‪ 3-‬المنهج التاريخي‬
‫هو إعادة الماضي بواسطة جمع األ ّدلة وتقويم‪$‬ها ومن ث م تمحيصها وتأليفها‪ ،‬ليت م عرض الحقائق‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫عرضا صحيحا‪ $‬في مدلولاتها وفي تألي‪$‬فها و لتو‪ّ $‬صل إلى استنتا‪$‬ج النتائج‪ $‬ذات الب ارهين العلمية الواضحة‪ .‬فهو‬
‫البحث‪ $‬الذي يصف ما مضى من وقائع أو‪ $‬أحداث الماضي ويدرسها‪ $‬ويف ّسرها ويح ّلها على أسس علمية‪$‬‬
‫ّصل إلى حقائق وتعميمات تساعدنا في فهم الحاضر على ضوء الما‪$‬ضي والت ّن‪$‬بؤ‪$‬‬ ‫منهجية دقيقة‪ ،‬قب صد التو‬
‫بالمستقبل‪.‬‬
‫كما ي ّع‪$‬رف بأنه‪:‬‬

‫‪ -‬فهم الحاضر والت ّن‪$‬بؤ با‪$‬لمستقبل من خالل د ارسة األحداث التا‪$‬ريخية‪ $‬الماضية‪ $‬والتط و ارت التي ّم‪$‬رت عليها‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬األسلوب الذي يدرس الظواهر القديمة وتط و ارتها‪ ،‬وذلك لربط بين األ‪$‬سباب والنتائج‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬طريقة تق ّصي الحقائق العلمية البشرية التا‪$‬ريخية لو‪$‬صول إلى نتائج‪ $‬وقوانين وقواعد يمكن تعميمها‬
‫واستخدامها لت ّن‪$‬بؤ المستقبلي ضمن السياق التا‪$‬ر‪$‬يخي‪$.‬‬
‫‪ -‬وسيلة جمع المعلومات التاريخي‪$‬ة البشرية من المصادر األولي‪$‬ة أو الثانوية الداخلية والخا‪$‬رجية‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وبنا ًء على هذا‬ ‫‪ -‬الوسيلة التي يستخدمها الباحث لالستعانة با‪$‬لو‪$‬ثائق واآلثار لت ّع‪$‬رف على الحضا ارت اإلنسا ّن‪$‬ية السابقة ‪.‬‬

‫الطرح المفاهيمي‪ ،‬يعتقد رواد هذا المنهج أ ّن المناهج المستخدمة في الع‪$‬لوم الطبيعية‬
‫ّ‬
‫ال يمكن تطبيقها على العلوم االجتماعية‪ ،‬بسب‪$‬ب الفوارق العميقة بين‪ $‬العلوم االجتماعية والعلوم الطبيعية‪$،‬‬
‫فالقوانين الفيزيقية‪ $‬أو قوانين الطبيعة صادقة في ك ّل زمان ومكان‪ ،‬أ ما‪ $‬قوانين الحي‪$‬اة االجتماعية فتختلف‪$‬‬
‫ّ‬
‫باختالف األماكن واألزمنة‪ ،$‬كذلك أ ّن األحداث االجتماعية تعتمد في وقوعها على التاريخ‪ ،$‬كما أنها تعتمد‬
‫أ المدخل التاريخي‬ ‫أيضا على الفو‪$‬ارق الحضارية‪ ،‬أي تعتمد على موقف تاريخي م ّع‪$‬ين‪ .‬ويعتقد ريكمان‬
‫ّن‬
‫ُيستخدم في ك ّل العلوم اإلنسانّ‪$‬ية وي ّق‪$‬دم فائدة هائلة تعتمد عليها في أبحاثها‪.‬‬

‫بالنسبة لع‪$‬لم االجتماع‪ ،‬ت م استخدام المنهج التا‪$‬ريخي باعتبار الظاهرة االجتماعية حادثة تاريخية‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫تستند إلى فرضية م ّؤ‪$‬داها أ ّن معرفة الماضي ت ّؤ‪$‬دي نب ا إلى معرفة الحا‪$‬ضر والت ّن‪$‬بؤ بما سو‪$‬ف يحدث في‬
‫المستقبل‪ $.‬وقد استعان علماء االجتماع بهذا المنهج لمعرفة النظم االجتماعية والعادات والتقاليد‪ $‬في العصور‬
‫القديمة‪ ،‬وذلك ب تّ‪$‬بع الظواهر االجتماعية المبحوثة في نشأتها وتط‪ $‬ورها‪ ،‬أل ّن الظواهر االجتماعية هي من‬
‫ّ‪$‬‬
‫نتاج الماضي ومح ّصلة عوامل عديدة تفاعلت مع مرور الزمن‪ .‬كما أ ّن د ارسة الظواهر االجتماع‪$‬ية في حالة‪$‬‬
‫الثبات فقط دون أن يوضع في االعتبار التط و ارت المختلفة لك ّل ظاهرة عبر التا‪$‬ريخ‪ ،‬تعتبر د ارسة غير كافية‬
‫ّ‪$‬‬

‫‪1- Maurice Bouvier-Ajam: Essai de méthodologie historique, Edition Le Pavillon, France, 1970, p22.‬‬
‫ّأل‪$‬نها تفتقر إلى الدّ‪$‬قة وينقصها اإل‪$‬طار‪ $‬الزمني الحقيقي‪ ،‬وبذ‪$‬لك يستطيع الباحث‪ $‬االجتماعي الت ّع‪$‬رف على‬

‫أصول المشكلة باعتبار أ ّن هناك عالقة س ّب‪$‬ية بين الماضي والحاضر‪ ،$‬ال من حيث كون الما‪$‬ضي أحد‪$‬اثا‪ $‬ووقائعا‬

‫مف ّككة‪ ،‬بل من حيث أنماط الحياة السائدة والنظم‪ $‬االجتماعية ذات الداللة والمستوى الحضاري في‬
‫ك ّل حقبة من حقبات التاريخ‪$.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإ ّن التا‪$‬ريخ الذي نعنيه‪$ $‬ليس م ّج‪$‬رد مجموعة من األحداث‪ ،‬وليس مجّ‪$‬رد سرد‬

‫لحياة الملوك أو األم ارء‪ ،‬كما أنه ‪$‬ليس تسلسال لغزوات والمعارك‪ ،‬بل هو ترجمة لحي‪$‬اة الشعو‪$‬ب وتط ورها‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الحضاري‪.‬‬

‫وُيعتبر الفيسلسوف اإليطا‪$‬لي جيوفاني باتيستا فيكو ُمبت دع المنهج التا‪$‬ريخي في العلوم االجتماعية‪،‬‬
‫فهو القائل بأ ّن العلم يجب أن يّتخذ العصر الذ‪$‬ي بدأ فيه الموضوع الذي نعنيه بالبحث في الظهور كنقطة‬
‫)‪(2‬‬
‫بداية الد ارسة لهذا الموضوع‪$.‬‬
‫أ ما سان سيمون فيرجع إليه الفضل في الربط بي‪$‬ن المنهج التاريخي والمنهج العلمي في الب‪$‬حث‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬
‫عّ‪$‬رف التا‪$‬ريخ بأ‪$‬نه الحالة االجتماعية لشعوب‪ ،‬وعلى هذا ال يتي ّسر الوقوف على التاريخ‪ $‬الحقيقي إّ‪$‬ال إذ‪$‬ا‬

‫أمكن مالحظة تط ور الحضارة مالحظة علمّ‪$‬ية‪$.‬‬


‫ّ‪$‬‬
‫كما كان أوغست كونت في مسته ّل شبابه مول ًعا بمناهج العلوم‪ ،‬وأدرك منذ اتصاله بأستاذه سان‬

‫سيمون أ ّن تاريخ العلوم هو الذي يف ّسر نل ا حقيقة الع‪$‬لم ويبرز جوهرها‪$.‬‬

‫وأوضحت بولينـ يونج أهمية التا‪$‬ريخ في البحث االجتماعي بقولها "أننا في البحث االجتماعي‬
‫نتعّقب التط ور الماضي لكي نعيد نب اء‪ $‬العمليات االجتماعية‪ ،‬ونربط الحاضر با‪$‬لماضي ونفهم القوى‬
‫ّ‪$‬‬
‫االجتماعية اأ‪$‬لولى التي شغلت الحا‪$‬ضر‪ ،‬قب صد‪ $‬الوصول إلى فهم يمكن أن يساعد في صياغة المبادئ أو‬
‫القوانين االجتماعية الخاصة بالسلوك اإلنسا‪$‬ن ي أللشخاص أو الجماعات أو النظم‪ (3) ".‬أ ما عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجهة‪ $‬نظر كاـرتر فاجود في‪$‬رى أن التا‪$‬ريخ واسع كاّتساع‪ $‬الحياة‪ $‬نفسها‪ ،‬يض م الميدان الك‪ّ$‬لي‬
‫ّ‪$‬‬
‫الشامل لماضي البشري والحقائق‪ $‬والبيانات‪ $‬التار‪$‬يخية‪ ،‬بحيث ُينظر إليها‪ $‬على أنها‪ $‬جزء ال يت ّج‪$‬أ‪$‬ز من عملية‬

‫‪ 1-‬محمد عاطف غيث‪ :‬علمـ االجتماع الحضري ‪-‬مدخل نظري‪ $،-‬دار النهضة العربية‪ $‬للطباعة والنشر‪ $‬والتوزيع‪ ،‬القا‪$‬هرة‪-‬مصر‪،‬‬
‫ص م‪.351990،‬‬
‫‪ 2-‬محمد طلعت عيسى‪ :‬البحث العلمي ‪-‬مبادئه ومناهجه‪ ،-‬ط‪ ،3‬مكتبة القاهرة الحديثة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1963 ،‬م‪ ،‬ص‪202.‬‬
‫‪ 3-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪214.‬‬
‫النم و االجتماعي وعملية الحياة االجتماعية الشا‪$‬ملة التي كانت تحيط بها أكثر منها حقائق مت ّف‪$‬رقة أو منفصلة‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫عن الحياة المحيطة بها‪.‬‬
‫فالتاريخ هو ذلك الوصف لحقائق والوقائع واأ‪$‬لحداث الماضية التي تست ّم‪$‬د منها األحداث الحا‪$‬ضرة‬
‫تركيبتها ونماذجها‪.‬‬
‫واذا كان المتخ ّصصون في العلوم االجتماعية‪ $‬واإلنسا ّن‪$‬ية‪ $‬يميلون إلى استخدام المنهج التا‪$‬ريخي‪،‬‬

‫فألنهم يريدون الوصول من خالل ذلك‪ $‬إلى المبادئ والقوانين العامة عن طريق‪ $‬البحث في أحد‪$‬اث التا‪$‬ريخ‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫الماضية‪ ،$‬وتحليل الحقائق المتعّلقة بالمشكالت اإلنسا ّن‪$‬ية والقوى االجتماعية التي ش ّكلت الحاضر‪.‬‬
‫القوانين االجتماعي‪$‬ة‪،‬‬ ‫وبهذا فقد تم ّكن علماء االجت‪$‬ماع بفضل هذا الم‪$‬نهج من الوصول إلى بعض‬
‫واستخدموا في ثناياه المالحظة واالستق ارء‪$.‬‬
‫ومن مصادر البحـث التـاريخي‪:‬‬
‫‪ -‬السج ّالت‪ $‬والوثائق المكتوبة أو الشفوية التي كانت موجودة في فترة زمنية‪ $‬م ّع‪$‬ينة والمتّعلقة با‪$‬لظا‪$‬هرة موضوع‬
‫البحث‪.‬‬
‫‪ -‬اآلثار التا‪$‬ريخية كا‪$‬لمباني القديمة‪ ،‬األدوات والمالبس القديمة‪ - .‬المج‬
‫ّالت والصحف‪ ،$‬القصص‪ ،‬األساطير‪ ،‬الد‪ $‬ارسات السابقة‪ ،$‬الحكاي‪$$‬ات الشعبية‪ ،$‬المذ ّك ارت‪ ،‬السير الذاتي‪$ $‬ة لألشخاص ال ‪$‬ذين‬
‫عايشو‪$‬ا تلك الفترة الزمني‪$‬ة‪ ،‬المصادر الشخصية‪ ،‬الكتب العلمية والفنية المتعلقة بحقائق‪$‬‬
‫) ‪(3‬‬
‫وأحداث موضوع البحث الت‪$‬اريخي‪.‬‬
‫ومن خطوات تطبيق المنهج التاريخي‪:‬‬
‫أ‪ -‬توضيح مشكلة البحث‪ $:‬يشترط في مشكلة‪ $‬البحث توافر‪ $‬شروط كأه ّ ّم‪$‬يتها ومدى مناسبة المنهج التا‪$‬ريخي‬
‫لها وتوافر اإلمكانيات ال ّالزمة وأهمية النتا‪$‬ئج التي سيتو ّصل إليها الباحث‪$.‬‬
‫ب‪ -‬جمع البيانات الالزـمةـ (التمييز بين نوعي المصادر اأ ّل‪$‬ولية والثانوية)‪$‬‬
‫• المصادر األوـلية تمّثل في السج ّالت‪ ،‬الوثائق واآلثار‪ ،‬وُيعتبر الق آرن الكريم من المصادر األ ولية وكذلك‬
‫ّ‪$‬‬
‫تاريخ ابن خلدون والرحالت‪$.$‬‬

‫‪ 1-‬عمر التومي الشيبان‪$‬ي‪ :‬مناهج البحث االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪80.‬‬


‫‪ 2-‬عبد الباسط محمد حسن‪ :‬أصول البحث االجتماعي‪ $،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1979 ،‬م‪ ،‬ص‪285.‬‬
‫‪3- François Buton, Nicolas Mariot: Pratiques et méthodes de la socio-histoire, Presses Universitaires de France,‬‬
2009, p107.
‫• المصادر الثانوية تمّثل في الصحف‪ ،$‬المجا‪$‬لت‪ ،‬شهود العيان‪ ،‬المذ ّك ارت والسير الذاتية‪ ،$‬الد ارسات‪$‬‬
‫السابقة‪ ،‬الكتابات األدبية‪ ،‬األعمال الفن‪$‬ية‪ ،‬القصص‪ ،‬القصائد‪ ،‬األ‪$‬مثا‪$‬ل‪ ،‬األعمال والرقصات المتوارثة‪ ،‬التسجيالت‪$‬‬
‫اإلذاعية والتلفزيوني‪$‬ة‪ ،‬أشرطة التسجيل وأشرطة الفيديو‪ ،‬النش ارت‪ ،‬الكتب والدوريات‪ ،$‬الرسومات‬
‫التو‪$‬ضيحية والخ‪ $‬ارئط‪.‬‬
‫ويميل الكثير من الباحثين إلى تفضيل المصادر األ‪$‬ولية عن‪ $‬الثانوية‪ ،‬ألنها المنبع األ‪$‬صلي واألساس‬
‫الذي اعتمده األ‪$‬وائل في تأسيس حضا ارتهم‪ .‬ولك‪$‬ن قد يجد الباحث صعوبة في ق ارءة آثار القدماء التي تحتاج‬
‫إلى متخ ّصصين‪ ،‬لذلك يلجأ إلى المصادر الثانوية‬
‫ج‪ -‬تحليل ونقد مصادر البيانات‬
‫• النقد الخارجي يرتبط بشكل الوثيقة وعنوانها الرئيسي والتأ ّكد من ارتباطها بعصرها‪.‬‬
‫• النقد الداخلي يرتبط بمحتوى الوثي‪$‬قة ودقّة ما تحتويه من معلومات‪ ،‬وهذه الخطوة تطّلب من البا‪$‬حث أن‬
‫ّصل إليها البحث‪ $‬تبعا ألهداف أو‪ $‬أسئ‪$‬لة‪ $‬البحث‪ $‬مع مناقشتها وتفسيرها‪ $.‬و ني قسم هذا‬
‫يعرض النتائج التي تو‬
‫التحليل الداخلي بدوره إلى نوعين‪ :‬إيجا‪$‬بي وسلبي‪.‬‬
‫فـالتحليل اإليجابي يرتكز‪ $‬على فهم معنى األلفا‪$‬ظ والعبا ارت الواردة في الوثيقة لوصول إلى تحديد‬
‫المعاني المختلفة ومعرفة ال ُجمل والت‪ $‬اركيب والع‪$‬با ارت الو‪$‬اردة‪ .‬كما يضطّ‪$‬ر الباحث‪ $‬إلى معرفة لغة العصر‪$‬‬

‫ُكتب فيه‪ ،‬وف ّك رموزها وألغازها‪ ،‬لذلك على الباحث أن يكون خبي ار بمعرفة ا لغة قديمها وحديثها‬ ‫الذي‬
‫حّتى‬
‫يتم ّكن من تحليل ونقد وتق يم الوثي‪$‬قة‪ $.‬واذا‬

‫كان التحليل اإليجابي يفيدنا في معرفة قصد المؤّلف ومعانيه وأسلو‪$‬به وحّتى ت اركيب ا لغة‪ ،‬فإ ّن‬

‫التحليل السلبي يفيد في معرفة الظروف المحيطة بالمؤلّف والتي كان لها تأثير على الوثيقة‪ .‬كما تدّلنا هذه‬
‫ّصة أو مصلحّ‪$‬ية أو‬
‫الظروف على معرفة الدوافع األساسية و ارء تأ‪$‬ليف الوثيقة‪ ،‬هل هي دوافع خا‬
‫ع‪$‬ية‬
‫جما ّ‬
‫يريد من خاللها صاحب الوثيقة أن يدافع عنها‪.‬‬
‫د‪ -‬صياغة الفروض‪ :‬بعد أن ينتهي الباحث من الجمع والتحلي‪$‬ل والنقد‪ ،‬يعمل على تشكيل فروض لد ارسة‬
‫تساعده في تحديد اّتجاهه ومسار‪ $‬د ارسته‪ .‬علما بأ ّن النقد الخا‪$‬رجي والداخلي لمعلومات‪ $‬يكون بم‪$‬ثابة اختبار‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ض‪$‬يات الد ارسة‪ $‬أو إثبات أو نفي لها‪.‬‬
‫فر ّ‬
‫إ ّن المشكلة الكبرى في البحوث التا‪$‬ريخية‪ $‬هي نجاح الباحث‪ $‬في تركيب الم ّا‪$‬دة التي يجمعها في إطار‬
‫مو ّحد ال نت اقض فيه‪ ،‬أل ّن البحث التاريخي ّي‪$‬تصل بما ٍض انتهى وال توافر عنه إّ‪$‬ال بيانات جز ّئ‪$‬ية تخضع‬

‫‪ 1-‬ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد غنية‪ :‬مناهج وأساليب البحث العلمي‪ ،‬دار الصفا‪ ،‬ع ّمان‪-‬األردن‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪41$.‬‬

‫وان تشابهت مع الفروض في البحوث‬


‫لتفسي ارت وتأويالت‪ $‬متباينة‪ ،‬وعليه فإ ّن الفروض في البحوث التاريخي‪$‬ة‬
‫)‪(1‬‬
‫األخرى تبقى ذات طبيعة ممّ‪$‬يزة‪.‬‬
‫ه‪ -‬عرض النتـائج ومل ّخص البحث‪ :‬بعد انتها‪$‬ء الباحث من جمع البيانات وتصنيفها والربط بينها‪ ،‬وايجاد‬
‫العالقات بين الظواهر المدروسة واستنباط الحقائق ونقد المعلومات وفحصها وتحلي‪$‬لها‪ ،‬ومن صيا‪$‬غة الفروض المختلفة‬
‫لتفسير الحوادث والظواهر‪ $‬التاريخي‪$‬ة التي يدرسها‪ ،‬ومن تحقيق واختبار ك ّل فرض من الفروض التي‬
‫من بحثه‪ ،‬وهي مرحلة استخالص النتائج وكتابة‬
‫عليه أن ينتقل إلى المرحلة النهائية واألخيرة‬ ‫قّ‪$‬دمها‪ ،‬فإ ّن‬
‫قت رير‪ $‬بحثه‪ ،‬الذي يل ّخص‪ $‬فيه الحقائق والنتائج التي تو ّصل إليها في أسلوب علمي متين‪ ،‬بعيدا عن المبالغات‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫والخيا‪$‬ل والمح ّسنات البدي ّع‪$‬ية ال مبَالغ فيها‪.‬‬
‫ُ‬
‫وهكذا يتو ّصل الباحث إلى الكثير من الحقائق والنتائج التي كان يهدف إلى اكتشافها في بداية بحثه‪،‬‬
‫بعد أن يقوم بتصنيفها وتحليلها والربط بينها‪.‬‬
‫ومن م ازيا المنهج التاريخي أنه يعتمد األ‪$‬سلوب العلمي في البحث (اإلحساس بالمشكلة‪ ،‬تحديدها‪،‬‬
‫صياغة الفرضيات‪ ،$‬م ارجعة الكتابات السابقة وتحليل النتائج وتفسيرها وتعميمها‪ ).‬لذلك تكمن أهمية الد ارسات‪ $‬التا‪$‬ريخية‬
‫في أنها تساعد في الكشف‪ $‬عن النظر‪$‬يات العلمية واألساليب التي اعتمد عليها السا‪$‬بقون في ح ّل‬

‫مشاكلهم‪ ،‬ومن خالل د ارسة تلك النظريات واألساليب يمكن الربط بين الظواهر الحا‪$‬لية والظواه‪$‬ر الماضي‪$‬ة‪.‬‬
‫كما أنها تساعد في فهم الجوانب اإليجابي‪$‬ة والسلب‪$‬ية لحياة الشعوب في الماضي‪ ،‬وبالت‪$‬الي يستفيد اإلنسان من‬
‫نقاط ا قل وة في الماضي‪ ،‬حيث‪ $‬يسعى لالستعانة بها في ح ّل مشاكله‪ $‬الحالية‪ ،‬كما يأخذ ال عبر من نقاط‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫الضعف التي مضت فيعمل على تجّ‪$‬نبها‪ .‬وبذ‪$‬لك فإ ّن هذه الد ارسات التا‪$‬ريخية تعطي فكرة مص ّغرة عن‬
‫العالقات بين الظواهر اال‪$‬جتماعية والعوامل التي ّأ‪$‬دت إلى نشأة وبروز المشاكل التي واجهها النا‪$‬س في فترة‬
‫)‪(3‬‬
‫زم ّن‪$‬ية م ّع‪$‬ينة‪.‬‬
‫أ ما عيوبه ف تجّلى في‪ - $:‬أ ّن‬
‫ّ‬
‫المعرفة التا‪$‬ريخية ليست كاملة‪ ،‬فهي ت ّق‪$‬دم صورة جزئية عن الماضي نظ ار لطبيعة المصادر التا‪$‬ريخية‪$‬‬
‫وت ّع‪$‬رضها لعو‪$‬امل التي قت ّلل من درجة الثقة بها مثل التلف والتزوير والت ّح‪$‬يز‪$.$‬‬
‫‪ 1-‬عمار بوحوش‪ ،‬محمد محمود الذنيبات‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪105.‬‬
‫‪ 2-‬عمر التومي الشيبان‪$‬ي‪ :‬مناهج البحث االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪110$.‬‬
‫‪ 3-‬ذوقان عبيدات وآخرون‪ :‬البحث العلمي‪-‬مفهومه‪ ،‬أدواته‪ ،‬أسلوبه‪ $،-‬دار المجدالوي‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪1983 ،‬م‪ ،‬ص‪173.‬‬
‫‪ -‬صعوبة إخضاع البيانات التاريخية لتجريب‪ ،‬األ‪$‬مر الذي يجعل الباحث يكتفي بعملية النقد الداخلي‬
‫والخا‪$‬رجي لوثائق‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة التعميم والت ّن‪$‬بؤ‪ ،$‬بسبب ار‪$‬تباط الظواه‪$‬ر التا‪$‬ريخية بظروف مناخية ومكانية م ّح‪$‬ددة والتي يصعب‬
‫تك اررها مرة أخرى‪ ،‬كما يصعب على المؤرخين توّقع المستقبل‪$.‬‬
‫وعموما‪ ،‬يستند هذا المنهج على كيفية‪ $‬تفسير األحداث والوقائع وتدوين ك ّل ما حدث في الما‪$‬ضي‬
‫واذا كان التا‪$‬ريخ يعني تدوين ورواي‪$‬ة ما حدث في الماضي‪،‬‬
‫ص‪$‬ية لتاريخ األمم والشعوب‪.‬‬
‫وبطريقة تحلي ّل‪$‬ية تف ّح ّ‬
‫فإ ّن منهج البحث التاريخي يت ّح‪$‬دد في ذلك األسلوب الوثائ‪$‬قي المّتبع في جمع الحقائق والمعلوما‪$‬ت التاريخي‪$‬ة‬
‫من خالل د ارسة الوثائق والسج ّالت واآلثار‪$.‬‬

‫‪ 4-‬المنهج المقارنـ‬

‫المقار‪$‬نة كمنهج قائم بذاته حديثة النشأة‪ ،‬لكنها قديمة قدم الفكر‪ $‬اإلنسان ي‪ $،‬فقد استخدمها أرسطو‬
‫ّ‬
‫وأفالطون كوسيلة لحو‪$‬ار والمناقشة‪ ،‬كما استخ دمت في الد ارسات المتعّلقة با‪$‬لمواضيع العا مة والقضايا‪$‬‬
‫ّ‬
‫الجز‪$‬ئية التي تحتاج إلى الد ارسة والتدقيق‪ ،‬لذلك‪ $‬فإ ّن المنهج المقارن هو القيام‪ $‬بعم ّل‪$‬ية التناظر أو‪ $‬التقابل بين األشباه‬

‫والنظائر على ّح‪$‬د تعبير ابن خلدون والمقارنة بين خصائصها‪ .‬وهو األداة المثلى في علم االجتماع‪$‬‬

‫ّأل‪$‬نه يقوم على أساس مقا‪$‬رنة الظاهرة االجتماعية في وضعين أو أوضاع مختلفة‪.‬‬
‫يعالج المنهج المقارن القصور الذي يت ّع‪$‬رض له المنهج التجريبي‪ ،‬باعتبار هذا األخير يو‪$‬اجه‪$‬‬

‫صعوبات في العلوم االجتماعية‪ ،‬لذلك ُيعتبر المنهج المقارن أحد المناهج الرئيسية المست َخ‪$‬دمة‪ $‬في العلوم‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫الظواه‬
‫ر‬ ‫غير أ‬ ‫المنهج المقارن بأنه نو‪$‬ع من التجريب الغير مباشر‪،‬‬ ‫إيميل دوركايم‬ ‫يصف‬
‫ّن‬
‫االجتماعية ال تخضع جميعها لمقا‪$‬رنة‪ ،‬إذ‪ $‬يمكن فقط مقارنة الظواهر المتجانسة عكس ما هو قائم في‬
‫)‪(1‬‬
‫أ ما الظاهرة‬ ‫الظواهر الفيزيائية والتي تسهل مقارنتها قل اب ّل‪$‬يتها لتكرار وظهورها نتيجة حاالت متماثلة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫االجتماعية فهي حادثة إنسا ّن‪$‬ية‪ $‬تح ّكم فيها ّح‪$‬رّية‪ $‬اإلنسان وال تكّ‪$‬رر نب فس الطر‪$‬يقة‪ $‬بسبب طابعها التا‪$‬ريخي‪.‬‬

‫واذا أ ارد الباحث مثال مقا‪$‬رنة مختلف الصور التي تش ّكل بها إحدى الظواهر االجتماعية في مختلف الشعوب‪،‬‬
‫‪ 1-‬عبد الناصر جندلي‪ :‬تقنيات ومناهج البحث في العلوم السياسية واالجتماعية‪ ،‬ط‪ $،2‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪2007 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.169‬‬

‫و جدت‪$‬‬
‫ينبغي عزل هذه الظاهرة عن جميع ما عداها من مجموع الظواهر االجتماعية األخرى التي ُ‬
‫في‬
‫عصرها‪ ،‬ومن الصعب هنا نت فيذ ذلك‪.‬‬
‫لذلك حكم أوغست كونت بعدم كفاية هذا المنهج ووجد أنه‪ $‬ال ّب‪$‬د من ّس‪$‬د أوجه النقص‪ $‬يف ه با‪$‬لمنهج‬
‫التا‪$‬ريخي‪ ،‬وعليه فقد يستخدم عالم االجتماع المنهج التاريخي والمنهج المقارن م ًعا من خالل ّت‪$‬بع ظاهرة من‬

‫الظواهر االجتماعية في نشأتها وتط ورها‪ ،‬ث م يقوم بمقارنتها على ّم‪$‬ر العصور في المجتمع الو‪$‬احد أو في‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫مجتمعات مختلفة‪ ،‬حينئذ يس مى هذا المنهج بـالمنهج التاريخي المقارن‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعموما فالمنهج المقارن هو الو‪$‬سيلة العل ّم‪$‬ية التي يستخدمها الباحث االجتماعي في د ارسة الظو‪$‬اهر‬

‫والعمليات والتفاعالت والمؤ ّسسات االجتماعية‪ $‬دراسة مقارنة تخت ّص بد ارسة أو‪$‬جه الشبه واا‪$‬لختالف بين‬

‫الظواهر والمؤ ّسسات‪ $‬في مجتمعات مختلفة وبيئات متباينة جغ ار ّف‪$‬يا واقلي ّم‪$‬يا‪ ،‬وفي مجتمع واحد عبر فت ارت‬
‫)‪(1‬‬
‫بمعنى أنه طريقة لمعالجة الموضوعات ذات الطابع المقارن ببيان أوجه اا‪$‬لخت‪$‬الف وأوجه‬ ‫زم ّن‪$‬ية مختلفة ‪.‬‬
‫التشابه بين جزئي الموضوع المبحوث‪.‬‬
‫يتض من المنهج المقا‪$‬رن مجموعة من الخطوات المنهجية والتي يمكن حصرها كما يلي‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬تحديد اإلشكالية وطر‪$‬ح التساؤلات‪ $‬الفرعية التي تعكس أبعاد الد ارسة مع صياغة الفروض‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد المفاهيم والتعريفات اإلج ارئية‪ ،‬بحيث يسبق المفهوم جمع البيانات الك ّم‪$‬ية‪ .‬فالمفاهيم ضرورية‪$‬‬
‫ّ‬
‫كمرحلة انطالق مرج ّع‪$‬ية لتجميع الظواهر المتباي‪$‬نة‪ ،‬أل ّن العلوم تعتمد على القاعدة المفاهيمّ‪$‬ية التي‬

‫ُترشد الباحث في عملية المقا‪$‬رنة‪- .$‬‬


‫جمع البيانات والمعلومات النظرية والميدانية عن الظاهرة‪ ،‬فالبيانات ضرورية لمقارنة ولاختبار‬
‫الفروض التي ت مت صياغتها‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬تنظيم وترتيب‪ $‬وتصني‪$‬ف الماّ‪$‬دة الع‪$‬لمية النظرية‪ $‬والميدانية‪ ،‬ث م شر‪$‬ح وتفسي‪$‬ر خو‪$‬ا ّص التشابه واالختا‪$‬لف‬
‫ّ‪$‬‬
‫الرئي ّس‪$‬ية والثا‪$‬نّوية لوصو‪$‬ل إلى مستويات‪ $‬اإليض‪$‬اح والتجريد النظري‪$.‬‬
‫‪ -‬تدقيق النتائج العل ّم‪$‬ية وصياغتها والتحّقق من صدق الفرضيات واإلجابة عن تساؤلات البحث‪.‬‬
‫‪ -‬تعميم النتائج المح ّصل عليها ووضع مقترحات قائمة على الت ّن‪$‬بؤ المستقبلي‪.‬‬
‫لقد حا‪$‬ول علماء المنهجية نب ا ًء على هذه المعا ير‪ $‬المنهجية حصر‪ $‬أوجه المقارنة في الوجه التا‪$‬ريخي‬
‫(مقارنة الظاهرة االجتماعية في عّ‪$‬دة م ارحل زم ّن‪$‬ية متعاقبة وتحديد التط و ارت التي ط أرت عليها بفعل الزمن)‪،‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وفي الوجه المكاني (بمعنى مقارنة الظاهرة االجتماعية في مكان م ّع‪$‬ين نب ظيرتها في مكان آخر مع تحديد‬

‫‪ 1-‬إحسان محمد الحسن‪ :‬مناهج البحث االجتماعي‪ ،‬دار وائل‪ ،‬األردن‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪101$.‬‬
‫أوجه االتفاق واالختالف)‪ ،‬والوجه الزماني والمك‪$‬اني (يعني المقا‪$‬رنة على أسا‪$‬س عاملي الزمان والمك‪$‬ان في‬
‫واحد‪ ،‬أي مقارنة الظاهرة االجتماعية في مكان ما وزمان م ّع‪$‬ين مع تواجدها في أمكنة أخرى‬
‫آ ٍن‬
‫وأزمنة‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫متباينة‪).‬‬
‫ويستخدم الباحث‪ $‬المنهج المقارن بعد أن يكون قد أبرز سبب اختياره لهذا المنهج دون غيره من‬
‫البحث به في محاور البحث ا نل ظرية‪ ،‬وي ّح‪$‬دد ذلك‬
‫الم‪$‬ناهج‪ ،‬ليستطيع أن يف ّسر بأ ّن المنهج المقار‪$‬ن يت م‬
‫ّ‪$‬‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬ي ّح‪$‬دد المحاور التي قت تضي المقارنة ويعّلل سبب‪ $‬المقا‪$‬رنة‪ ،‬بحيث تنحصر المقا‪$‬رنة في توضيح أو‪$‬جه‬
‫الشبه واالختا‪$‬لف وماهية الظروف السائدة‪.‬‬
‫‪ -‬ربط عالقة المقارنة بين جميع محاور البحث على أن يّتبع الباحث أسلوب التحليل في المقار‪$‬نة مع‬
‫االستعانة بالتحليل الك مي كّلما تطّلب األمر ذلك )‪ ،(2‬فالمنهج المقا‪$‬رن يرتكز على‪ :‬ماذا يقارن‪...‬؟‪،‬‬
‫ّ‬
‫لماذا يقارن‪...‬؟ وكيف يقا‪$‬رن‪...‬؟‪$‬‬
‫وعليه تنحصر أهمية المقا‪$‬رنة وأهدافها في‪:‬‬
‫‪ -‬توفير درجة عا‪$‬لية من العمومية واكتشاف المت ّغ‪$‬ي ارت الجديدة في الظواهر بفض‪$‬ل التفسي‪$‬ر المقار‪$‬ن‪.‬‬
‫‪ -‬يحّقق تجميع المفردات المتشابهة االنسجام واالّتساق بينها‪ ،‬وهو شرط ضروري لبناء ّأ‪$‬ية نظ‪$‬رّية‪ ،‬فك‪ّ$‬لما‬

‫تمايزت البنيات ا نل ظرية كّلما ازدادت التقسيمات بينها ع ًم‪$‬قا‪ ،‬وبالتالي ظهور موضوعات‬

‫وتخ ّصصات جديدة‪.‬‬

‫‪ -‬يمّ‪$‬دنا المنهج المقارن با‪$‬لتجارب التي ت ّج‪$‬نبنا‪ $‬الوقوع في األخطاء السا‪ $‬قب ة وتفيدنا في إعاد‪$‬ة تجار‪$‬ب‬
‫ناجحة‪ ،‬م ما يساعدنا على تقويم ثقافتنا الخا ّصة‪.$‬‬
‫ّ‬
‫ّصة با‪$‬لنسبة‬ ‫‪ -‬هو المنهج المناسب لتحليل والتفسي‪$‬ر في ميدان العلوم االجتماعية‪ ،‬خا‪$‬‬
‫لمو‪$‬ضوعات‬ ‫)‪(3‬‬
‫المعّقدة‪.‬‬
‫في العلوم االجتماعية‪ ،‬والتي نخ ّص‬
‫كما تل ّخص أهمّ‪$‬ية المنهج المقارن وأهدافه في مدى استخداماته‬

‫بالذكر منها‪:‬‬
‫‪ 1-‬بلقاسم سالطنية وحسان الجيالني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪119.‬‬
‫‪ 2-‬رشيد زرواتي‪ :‬مناهج وأدوات البحث العلمي في العلوم االجتماعية‪ $،‬دار الهدى‪ ،‬الج ازئر‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص‪97.‬‬
‫‪ 3-‬محمد شلبي‪ : $‬المنهجية في التحليل السياسي‪-‬اـلمفاهيم‪ ،‬المناهج‪ ،‬االقت اربات واألدوات‪ ،-‬دار هومه‪ ،‬الج ازئر‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪72 .‬‬
‫ه‪$‬م المعا ير التي‬
‫• في علم االجتماع‪ :‬إ ّن البحث السوسيو‪$‬لوجي يستدعي المقا‪$‬رنات التي ُتعتبر‪ $‬من أ ّ‬
‫اعتمدها علماء االجتماع في أولى أبحاثهم‪ ،‬حيث اعتبروها األداة األ‪$‬فضل لبحوث علم االجتماع‪،‬‬
‫ع‪$‬ية متماثلة‪ .‬فالعالم االجتماعي يستعين في‬
‫ع‪$‬ية المتماثلة ُتحدث شروط اجتما ّ‬
‫أل ّن الشروط االجتما ّ‬
‫تحقيق الفروض بالتا‪$‬ريخ المقارن‪ ،‬فيتنا‪$‬ول المجتمعات في أمكنة وأزمنة مختلفة وكيف أ ن الظا‪$‬ه‬
‫رة‬ ‫ّ‬
‫الم ّح‪$‬ددة ت ّغ‪$‬ير تب ًعا لت ّغ‪$‬ير ظاهرة أخرة م ّع‪$‬ينة‪ ،‬فأساس منهج علم االجتماع هو منهج المقارنة لك‪$‬ونه‬

‫يعتمد على اإلحصاء والخطوط البيانّ‪$‬ية في شكل رياضي‪ ،‬وفي هذا السياق نجد أ ّن إيميل دوركايم‬
‫)‪(1‬‬
‫قد مزج بين المنهج التا‪$‬ريخي والمنهج المقارن في د ارساته المختلفة‪.‬‬
‫• في العـلوم السياسّـية‪ :‬لقد ساهم المنهج المقارن بدرجة كبيرة في تطّ‪$‬ور علم السياسة‪ ،‬حيث استخد‪$‬مه‬
‫مونتيسكيو في تصنيفاته لألنظمة إلى جمهورّية مل ّك‪$‬ية دستوّرية واستبدادّ‪$‬ية‪ ،‬وار‪$‬تكزت مقارنته نب ا ًء‬

‫على الممارسة الفع ّل‪$‬ية المطّ‪$‬بقة داخل النظام‪ ،‬وكذا األ‪$‬مر با‪$‬لنسبة إلى ميكيـافيـلي في تصنيفه لد‪$‬ول‬
‫(الدو‪$‬لة التي يحكمها ملك واحد‪ ،‬الدولة األرستق ارطّ‪$‬ية والدو‪$‬لة الديمق‬

‫ط‪$‬ية‪ )$.‬وبنا ًء على هذه االستخدامات في شّتى العلوم‪ ،‬يظهر المنهج المقا‪$‬رن في عالقة حتمّ‪$‬ية با‪$‬لعديد‬
‫ار ّ‬
‫من‬
‫المناهج‪ ،‬مثل منهج د ارسة الحا‪$‬لة والمنهج التجر‪$‬يبي والمنهج التاريخي‪ .‬في المنهج التاريخي مثال نجد أ ّن‬
‫التاريخ‪ $‬ال يكون منه ًجا لم ّج‪$‬رد تجميع األحداث‪ ،‬بل أل ّن‬ ‫المنهج المقارن يعتمد أحيًانا‪ $‬على التاريخ‪ ،‬أل ّن‬
‫الباحث‪ $‬يلجأ‪ $‬إلى توظيف التا‪$‬ريخ الستخالص قوانين عا مة حو‪$‬ل ظاهرة ما من خالل مقارنة أشكال هذه‬
‫ّ‬
‫الظاهرة عبر التاريخ‪ ،‬وهنا ظهر ما يس مى بـالتاـريخ المقارن كما سبق وأن أشرنا إليه عند إيميـل دوركايم‪ .‬لكن‬
‫ّ‬
‫هذا ال يعني أن نخلط بين المنهج المقار‪$‬ن والمنهج التاريخي‪ ،‬فالفكرة األسا ّس‪$‬ية في المنهج‬

‫التا‪$‬ريخي هي التط ور و تبعه وتعقبه على ّم‪$‬ر الزمان‪ ،‬بينما الفكرة األسا‪ّ $‬س‪$‬ية في المنهج المقارن هي مقارنة‬
‫ّ‪$‬‬
‫ع‪ $‬ين مختلفين‪ .‬كما أ ّن المنهج التاريخي يجعل الباحث يرجع بالظاهرة إلى الو ارء‬
‫الظاهرة في وضعين اجتما ّ‬
‫الحاضر في‬ ‫ليرى كيف نشأت وتط ورت‪ ،‬وفي المنهج المقا‪$‬رن يقارن الباحث ظاهرة موجودة في‬
‫ّ‪$‬‬
‫الوقت‬
‫مجتمعين مختلفين دون الحاجة إلى أن يعود بها‪ $‬إلى الماضي‪$.‬‬
‫ّصة في عالقته مع المناه‪$‬ج‬
‫وبالرغم من التطبي‪$‬قات واالستخدامات العم ّل‪$‬ية لم‪$‬نهج المقا‪$‬رن خا‬
‫األ‪$‬خرى‬
‫وأهمّ‪$‬يته وأهدافه‪ ،‬إّ‪$‬ال ّأ‪$‬نه‪ $‬تّخ له‬ ‫بعض الصعوباـت التي ندرجها كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬صعوبة ضبط وتحديد بعض المفاهيم الجوهّرية التي ّتسم بالطابع العا م‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬صعوبة تحديد الوحدة الطبي ّع‪$‬ية لمقارنة كوحدة الدولة واألبنية‪ $‬المختلفة لها‪$.‬‬

‫‪ 1-‬إب ارهيم األبرش‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪177 $.‬‬


‫‪ -‬صعوبة تحديد سمات وخصائص الظاهرة القابلة لمقا‪$‬رنة‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة د ارسة‪ $‬العالقات المتبادلة بين المعا ير والمؤ ّسسات والسلوك‪$.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -‬صعوبة حصر المت ّغ‪$‬ي ارت األساسّ‪$‬ية واالفتقار لم‪$‬علومات الدقيقة وذات المصدا ّق‪$‬ية العلمّ‪$‬ية‪.$‬‬
‫‪ -‬صعوبة اختيا‪$‬ر وحدات التحليل التي على أساسها ت م المقارنة‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬وأوضح ّنقاد المنهج المقا‪$‬رن أ ّن ما يبدو نظ ما اجتماعّ‪$‬ية متشابهة‪ $‬في الظاهرة قد تكون شديدة‬
‫ً‬
‫)‪(2‬‬
‫اال‪$‬ختالف في المجتمعات المدروسة‪.‬‬
‫نقص‪ $‬أو غياب‪ $‬بعض اا‪$‬لحصا ّئ‪$‬يات‪$‬‬
‫ظروف التح ّكم في المقارنة صعبة ومعّقدة‪ ،‬وأ‬ ‫‪ -‬كما أ ّن‬
‫ّن‬
‫الضرورّية‪ $‬في المقارنة تجعلها ضعيفة‪ $‬الح ّجة والداللة اإلحصا ّئ‪$‬ية‪$.‬‬
‫ونتيجة لهذه الصعوبات‪ ،$‬فالمنهج المقارن ال يو‪ّ $‬ضح بشكل جل ي سبب وجود الظاهرة أو لماذا ظهرت وما‬
‫ّ‬
‫السل ّب‪$‬ية أو اإليجا ّب‪$‬ية التي ساعدت على ظهورها‪ ،‬كما أنه ال يو ّضح ما هي تبعات المقارنة‪$‬‬ ‫هي المؤّث‬
‫ارت‬
‫وآثار الصفات المكتشفة على ب ّق‪$‬ية الظو‪$‬اهر اا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية‪ ،‬إضافة إلى سط ّح‪$‬ية الظاهرة‪ ،‬بمعنى أنها ظاهرّية‪$‬‬
‫ُيفقد‬ ‫وليست داخ ّل‪$‬ية‪ ،‬فهي تقتصر على إظهار التشابهات والمفارقات بين الظواهر‪ ،‬لكن هذا ال‬
‫المنهج‬
‫المقارن القيمة العل ّم‪$‬ية التي تض منها خطواته ومجاالته واستخداماته‪$.‬‬
‫ّ‬

‫‪ 5-‬منهج المسح االجتماعي‬


‫ّطخ الشيء من‬
‫سوائل‬ ‫المسح لغة يعني تمرير اليد على شيء‪ $‬سائ‪$‬ل إل ازلته‪ ،‬وهو يعني هنا إ ازلة‪ $‬ما ل‬
‫أو غبار أو ت ارب أو غير ذلك من المو‪ّ $‬ا‪$‬د حتى بن رزه على حقيقته لغيرنا‪.‬‬
‫ُيستخدم في علوم األرض فمسح األ ارضي يكون‬
‫واصطالحا هو مفهوم مشت ّق من العلوم الطبي ّع‪$‬ية‬
‫بمعرفة مساحتها وتركيبها‪ $،‬ولقد انتقل هذا المفه‪$‬وم ليشمل المجتمع أي‪$‬ضا‪ .‬فهو المنهج الذي يقوم على جمع‬
‫)‪(3‬‬
‫قل د‬ ‫المعلومات والبيانات عن الظاهرة المدروسة لتعّ‪$$‬رف على وض ّع‪$‬يتها الحا ّل‪$‬ية وجوانب ق وتها وضعفها‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ت ّع‪$‬ددت التعريفات لمنهج المسحي في التحليل االجتماعي‪ ،‬فهناك من يرى أنه عملية جمع‬

‫الحقائق عن جماعة من األف ارد في بيئة م ّع‪$‬ينة من حيث ظروفهم المعيشية وأنشطتهم وتكوينهم االجتماعي‪ .‬فالد‬

‫ارسات المسحية هي من أكثر الطرق المباشر‪$‬ة لتحديد الكيفية التي يشعر ويف ّكر بها األ‪$‬ف ارد حول الموضوع‬
‫‪ 1-‬عامر مصباح‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪97 .‬‬
‫‪ 2-‬زينب محمد زهري‪ :‬علم اجتماع المسرح ‪-‬تـقنياته النظرية والمنهجية والعلمية‪ ،-‬مجلس الثقافة العاّ‪$‬م‪ ،‬الجماهيرية ا ليبية‪ ،‬د‪.‬س‪،‬‬
‫ص‪.99‬‬
‫‪ 3-‬بلقاسم سالط‪$‬نية‪ ،‬حسان الجيا‪$‬لني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪34.‬‬
‫الذي ُيسأ‪$‬لون فيه‪ $،‬حيث تمّثل إج ارءات‪ $‬هذا النو‪$‬ع من الد ارسات‪ $‬في سؤال مجموعة من األف ارد (المبحوثين)‬
‫)‪(1‬‬
‫ع‪$‬دة أسئلة تمحور حول سلوكاتهم واتجاهاتهم وآ ارئهم ومعتقداتهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫أعداد كبيرة‬
‫ّظمة على معلومات ضخمة من‬ ‫ع‪$‬دة محاولات من‬
‫فمنهج المسح يقوم على ّ‬
‫لحصو‪$‬ل‬
‫المسح االجتماعي هو‬
‫لجمهور م ّع‪$‬ين‪ ،‬من خالل أساليب‪ $‬المقابلة‪ $‬المقّ‪$‬ننة أو‪ $‬استبيانات م ّق‪$‬ننة‪ .‬بمعنى أ ّن‬
‫أسلوب لجمع البيانات عن طريق جماعة م ّع‪$‬ينة في بيئة م ّح‪$‬ددة‪ $.‬وقد يتناول المسح االجتماعي د ارسة أحد‪$‬‬
‫ّظمة أو‪ $‬مجتمع‬ ‫الجو‪$‬انب االجتماعية مثل الرعاية الص ّحية‪ ،‬النشا‪$‬ط الز ارعي واالقتص‪$‬ادي‪ ،‬وذلك في من‬
‫محّلي‬
‫)‪(2‬‬
‫أو المجتمع كك ّل‪.‬‬
‫ويخت ّص منهج المسح االجتماعي بتجميع البيانات من التقارير أو الجداول الك ّم‪$‬ية أو من كليهما‪،‬‬
‫ّ‬
‫حيث يعتمد على طرق وأدوات مختلفة لتجميع تلك البيانات‪ ،$‬من أه مها المالحظة وأدواتها‪ ،‬القو‪$‬ائم التك اررية‪،‬‬
‫ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫قوائم الشطب‪ ،‬والتقار‪$‬ير الوصفية التي يكتبها المالحظون عن الظواهر التي يس ّجلونها‪.‬‬

‫وهناك من يذهب بع ًي‪$‬دا في تحديد معنى المسح االجتماعي عندما يكون األمر متع ًّل‪$‬قا‪ $‬بتفا‪$‬صيل‬
‫البيانات‪ $‬المج َّمعة‪ ،‬فَ‪$‬يعتبر المسح البحث ي هو ذلك النوع من اا‪$‬لستقصاء‪$‬ات العلمية االجتماعية والذي يهت م‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫بد ارسة الظروف االجتماعية واالقتصادية وغيرها في مجتمع م ّع‪$‬ين عن طريق ال ّع‪$‬ينة قب صد تجميع البيانات‪$‬‬
‫والحقائق واستخالص النتائج‪ $‬الالزمة لح‪ّ $‬ل المشاكل االجتماعية‪ $.‬بمعنى‪ُ ،‬يستخدم البحث المسحي لإلشارة‬
‫إلى البحث الميداني الوصفي‪ ،‬الذي يتض من بيانات ك ّم‪$‬ية عن مشكلة اجتماعّ‪$‬ية م ّع‪$‬ينة‪ .‬ويرى موزر بأ ّن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منهج المسح االجتماعي يتناول دراسة الخصائص الديمغ ارفّ‪$‬ية والبيئ‪$‬ة االجتماعّ‪$‬ية واألنشطة أو اآل ارء أو‪$‬‬
‫)‪(4‬‬
‫االتجاهات السائدة في جماعة م ّع‪$‬ينة‪.‬‬

‫وعليه فإ ّن منهج المسح االجتماعي هو طريقة‪ $‬لجمع البيانات حو‪$‬ل ظاهرة اجتماعية م ّع‪$‬ينة بغر‪$‬ض د ارستها‬
‫والوصول إلى استنتاجات‪ $‬عن المجتمع البحثي موضوع الد ارسة‪ ،‬أو بغرض بناء إشكالي‪$‬ة وفرضيات‪$‬‬
‫البحث‪ ،‬أو يكون الغرض هو اإلعالم والتوعية‪.‬‬

‫‪ 1-‬معتز سيد عبد اه‪$‬لل وعبد اللطيف محمد خليفة‪ :‬علم النفس االجتماعي‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪ ،‬د‪.‬س‪،.‬‬
‫ص‪.75،74‬‬
‫طـور‪ $،-‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1999 ،‬م‪ ،‬ص‪154$.‬‬
‫‪ 2-‬عبد اهلل محمد عبد الرحمن‪ :‬علم االجتماع ‪-‬النشأة والت ّ‬
‫‪ 3-‬فؤاد البهي‪ $‬السيد وسعد عبد الرحمن‪ :‬علم النفـس االجـتماعي ‪-‬رؤية معاصرة‪ $،-‬دار الفكر العربي‪ $،‬القاهرة‪-‬مصر‪1999 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.326‬‬
‫‪ 4-‬عبد اهلل عامر الهمالي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪119.،118‬‬
‫وتتناول مجاالت المسح‪ $‬االجتماعي بالد ارسة موضوعات اجتماعية مختلفة مثل‪ $:‬د ارسة السجون‪،‬‬
‫أحوال المساجين‪ ،‬المشكالت والقضايا االجتماعية المختلفة‪ ،‬الجماعات من مختلف الطبقات والمستويات‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫القضايا األسرية واالجتماعية واالقتصادية والسيا‪$‬سية والدينية‪ ،‬فئات‪ $‬المجتمع وطبقاته والفروق ‪$‬بين فئاته ‪$.‬‬
‫ّصصات عديدة كعلم االجتماع‬
‫لذلك ُيعتبر المسح أو‪$‬سع المناهج استخدا ما وأكثرها شيو ًعا‪ ،‬فهو ُيستخدم في تخ‬
‫ً‬
‫واالقتصاد واإلعالم واإلرشاد والز ارعة‪.‬‬
‫أهم خصائصه‪:‬‬
‫ومن ّ‬
‫‪ -‬يعتبر المسح االجتماعي د ارسة لواقع االجتماعي عن طريق جمع البيا‪$‬نات الالزمة والضرورية عن‬
‫المجتمع البحثي موضوع الد ارسة بطريقة من ّظمة عن طريق استمارة مقابلة أو استمارة استبيان‪.‬‬
‫‪ -‬يلجأ الباحثون في العلوم االجتماعية عمو ما إلى استخدام هذا المنهج ّأل‪$‬نه يم ّكن من اختبار ص ّحة‪$‬‬
‫ً‪$‬‬
‫الفروض واإلجابة على تساؤلات البحث‪.$‬‬
‫‪ -‬غا ًل‪$‬با ما يستند المسح االجتماعي على قاعدة نظرية واضحة‪ ،‬كأن يت ّب‪$‬نى القائمون عليه النظرية‬

‫السلوكية أو التفاعلية الرمزية‪.‬‬


‫‪ُ -‬تستخدم البيانات التي ُجمعت عبر المسح االجتماعي عن الوقت الحاضر في تفسير العالقات بين‬

‫مت ّغ‪$‬ي ارت اجتماعية في وقت سابق‪- .‬‬

‫ُيم كن التأ ّكد من صدق بيانات المسح االجتماعي باستخدام مح ّكات خارجية‪ $‬وعن طريق تط‪$‬بيق‬

‫)‪(2‬‬
‫أـساليب إحصا ‪$‬ئية متط ورة‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫و لقيام بعملية المسح االجتماعي فإنه من الض‪$‬روري ّاتباع الخطوات اآلتية لحصول على المصداقية‬
‫العلمية‪$:‬‬
‫‪ -‬يبدأ المسح بتحديد الغرض منه تحد ًي‪$‬دا واض ًحا‪ ،‬بحيث يتض من تحديد المشكلة واالعتبا ارت العل ّم‪$‬ية التي‬
‫ّ‬
‫ُيبنى عليها وهدفه الذي ال يتحّقق ّإ‪$‬ال عن طريق التخطيط‪ ،‬بمعنى البناء‪ $‬النظري لعملية‪ $‬كك ّل‬

‫من حيث وضع أهدافها بدقّة‪ ،‬إضافة إلى نب اء تصميم نظري لألسئلة التي ُتطرح على المبحوثين وتحديد‬

‫خصائص ال ّع‪$‬ينة المطلوبة والمكان والز‪$‬مان الالزمين لتنفيذ العملية‪ $.‬وبما أ ّن طريقة المسح‬

‫تحتاج إلى مساعدين ّف‪ّ $‬ن‪ $‬ين في جمع البيانات‪ $،‬وجب إعداد هؤالء المساعدين وذلك بتدريبهم تد‪$‬ر ًي‪$‬با‬
‫كافً‪$‬يا لضمان ص ّحة البيانات المتح ّصل عليها‪.‬‬
‫‪ 1-‬سامي ملحم‪ :‬مناهج البحث في التربية وعلم النفس‪ $،‬دار المسيرة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪332.‬‬
‫‪ 2-‬عامر مصباح‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪52 .‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫‪ -‬جمع البيانات التي تعتمد بشكل حيوي على ذكاء وخبرة القائم بعملية المسح االجتماعي‪ ،‬خا‪ّ $‬صة‪$‬‬

‫في تبديد الشكوك وتلطيف العالقات وبناء االتجاهات االجتماعية من خالل الشر‪$‬ح‪ ،‬التفسير‪،‬‬
‫اإلقناع‪ ،‬السلوك المنبسط والصبر‪ ،‬و ت م هذه الخطوة عن طريق‪ $‬المقابلة واإلستفتاء‪ $‬والمالحظة‬
‫ّ‪$‬‬
‫وبعض المقا ي‪$‬س الم َح‪ّ$‬ددة في جمع البيانات‪.‬‬
‫‪ -‬تفريغ البيانات‪ $‬باستخدام الجداول‪ ،‬بحيث يت م تصنيفها إلى فئات‪ $‬وفق مت ّغ‪$‬ي ارت البحث من أجل‬
‫ّ‪$‬‬
‫استخدام التح يل ل اإلحصائي على نطاق واسع كتشغيل ب ارمج اإ‪$‬لحصاء اآل‪$‬لي ‪ SPSS‬مثال‪.‬‬
‫‪ -‬بعد القيام بتفر‪$‬يغ البيانات وتحلي‪$‬لها إحصائيا‪ $‬تأتي مرحلة التفسير وصياغة النتائج عن طريق القيا‪$‬س المنطقي‪ ،‬بمعنى الق‬
‫ارءة الكيفية لنتائج التي ُيعطيها التحليل اإلحصائي لتقديم معاني النتائج الك ّم‪$‬ية‪$‬‬
‫ّ‬
‫واضحة ومفهومة واستخالص النتائج العا مة‪ $‬مع تقدير مدى الثقة في النتائج اإلحصائ‪$‬ية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بطريقة‬
‫(‪)1‬‬

‫ويقترح أصحاب موسوعة العلوم السياسية خطوات أخرى أكثر تفصي ًال نل ّخصها في جمع المعلو‪$‬مات‬
‫عبر المصادر الداخلية (التي تعّلق با‪$‬لخب ارء القا‪$‬ئمين بعملية المسح) والمصادر الخارجية (االستعانة بخب ارء‬
‫)‪(2‬‬
‫من الخارج)‪ ،‬وبعد عملية جمع البيانات يت م تشكيل لجنة لمعالجة‪ $‬المعلومات‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وعمو ما تل ّخص الخطوات األساسي‪$‬ة في أ ّي مسح‪ $‬اجتماعي في وجود موضوع وخ ّطة وتفر‪$‬يغ البيانا‪$‬ت‬
‫ً‪$‬‬
‫وتفسيرها‪$.‬‬
‫وبنا ًء على مجاالت المسح اا‪$‬لجتماعي وخطواته‪ ،‬تن وع المسو‪$‬ح االجتماعية وفقا لألداة ال مست َخ‪$‬دمة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫ص‪$‬ية م ّع‪$‬ينة‪ ،‬كأن تكون خاصة بموضوع ثابت نسب يا‪$‬‬
‫فإذا كانت األداة هي المقابلة فإنها تأخذ شك ًال م ّع‪ً $‬ي‪$‬نا وخا ّ ّ‬
‫غير ّأ‪$‬نها‪ $‬تطّلب وقًتا طوي ًال‪ $.‬واذا كانت األداة‪ $‬المست َخ‪$‬دمة هي االستبيان‪ ،‬فإ ّن المسح‪ $‬االجتم‪$‬اعي يرتبط‪$‬‬
‫ع‪$‬دة أن ـوـاع‪ ،‬أه مها‪ :‬المس ‪$‬ح‬
‫بالد ارسات اال‪$‬ستط‪$‬العية بشكل كبير‪ .$‬وعم ًو‪$‬ما فق‪$$‬د ق ّسم الب‪$ $‬احثون المس ‪$‬ح االجتماعي إلى ّ‬
‫ّ‬
‫عن طريق‪ $‬المقابلة‪ $‬الشخصي‪$‬ة‪ ،‬المسح عن طريق الهاتف والمسح عن طريق االستبيان البر‪$‬يدي‪ .‬وي ّق‪$‬دم‬

‫أصحاب موسوعة العلوم السياسية‪ $‬تصني‪$‬فين أسا‪ّ $‬س‪ $‬ين‪ :‬مسو‪$‬ح التقاطع والمسوح الطويلة‪ .‬حيث‪ $‬يت م في مسوح التقاطع جمع‬
‫ّ‪$‬‬
‫البيانات ّم‪$‬رة واحدة فقط ويكون الهدف هو م ّج‪$‬رد القي ‪$‬ام بال ‪$‬د ارسة اا‪$‬لستطالعية‪ .‬أ ما‪ $‬في المس‪$‬و‪$‬ح الطويل ‪$‬ة فإن ‪$‬ه يت م‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫جمع البيانات في أكثر من ّم‪$‬رة‪ ،‬وغالبا ما يرتبط هذا ا نل وع من المسح االجتماع‪$‬ي بالد ارسات‪$‬‬

‫ال ّت‪$‬ب ّع‪$‬ية‪.‬‬

‫‪-43-‬‬
‫ اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬:‫الفصل األول‬

1- Robert Evola; Mbonji Edjenguèlè: Manuel d'enquête par questionnaire en Sciences sociales
expérimentales, EPU, Éditions Publibook université, Paris, 2013, p128.
94$.‫ ص‬،‫م‬1994 ،‫ الكويت‬،‫ جامعة الكويت‬،‫ موسوعة العلوم السياسية‬:‫ محمد محمود ربيع وآخرون‬2-

-43-
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫ولتوضيح هذه األنواع نأخذ نماذ ًجا من بعض د ارسات المسوح االجتماعية‪ ،‬ومن أه م هذه الد ارسا‪$‬ت‪:‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫• د ارسة جون هوارد الذي ُي ّع‪$‬د من كبار المص‪$‬لحين االجتماعّ‪ $‬ين في إنجلت ار ومن األو‪$‬ائل الذين استخدموا‬

‫بد ارسة مقارنة ألحو‪$‬ال السجون في عّ‪$‬دة دول أوربية‪ ،$‬فقد كّلفته‪$‬‬ ‫منهج المسح‪ .‬ففي سنة ‪1775‬م‪ $‬قام هوارد‬
‫ه‪$‬دا وم ّش‪$‬قة‪ ،$‬حيث جمع بيانات ك ّم‪$‬ية عن موضوع الد ارسة‪ $‬واعتمد على‬
‫عملية جمع البيانات من مصادرها ج ً‬
‫ّ‬
‫المالحظة بالمشا‪$‬ركة وعلى المقابلة الشخصية في الحصول على البيانات المطلوبة‪ .‬كما قضى هوارد‬
‫السنوات الخمس األخيرة من حياته في د ارسة وسائل منع انتشار الطاعون‪ ،‬ولكي ي ارقب كيف كان المرضى يعاَلجون في‬
‫المستشفيات األ‪$‬وروبية أخضع نفسه عن عمد لعدوى‪ ،‬وبهذه الطريقة استطاع الت ّع‪$‬رف على‬

‫الظروف الحقيقية في المص ّحات (مستشفيات‪ $‬األم ارض ال م ع دَ‪$‬ية‪ ).‬بعدها قام نب شر كتاب "تقرير عن‬
‫ُ‬
‫المص ّحات الرئيسية في أوروبا عام ‪1987‬م‪ ،"$‬عل ما بأنه توفّي في إحدى رحالته العلمية التي كان يجمع‬
‫ً‬
‫فيها البيانات الميدا ّن‪$‬ية‪.$‬‬

‫• د ارسات فريديريك لوبالي الذي حا‪$‬ول أن يكو‪$‬ن موضوع يا وغير مت ّح‪$‬يز في أبحاثه‪ ،‬فقد‪ $‬قام بفحص‪$‬‬
‫مي از ّن‪$‬يات العائالت‪ ،‬وناقش مع أف ارد العائلة أوجه نشاطهم المال ي واالجتماعي وفحص بإمعان دفاتر الحسابات‪$‬‬
‫ّ‬
‫اليو ّم‪$‬ية‪ .$‬وفي عام ‪1986‬م أ ّسس لوبالي من ّظمة عالمية لد ارسة االقتصاد االجتماعي‪ ،‬وبإدخاله الوسيلة‪$‬‬

‫الفنّ‪$‬ية الخا ّصة‪ $‬بم ارقبة‪ $‬العائالت‪ ،‬فتح‪ $‬اّتجا ًها جد ًي‪$‬دا في المشاكل االجتماعية‪ ،$‬وتكمن مساهماته الر‪$‬ئيسية‪$‬‬
‫لمنهج العلمي في استخدامه بشكل شامل الخط‪$‬وط المف ّصلة لكي ترشده‪ $‬في مالحظاته‪ .‬فعمل على تطوير‬

‫ص‪$‬ية‪ $‬واالستفتاءات‪ $‬والفحص الجاّ‪$‬د لدفاتر المحاسبة وغيرها من السج ّالت الشبيهة‪،‬‬
‫تق ّن‪$‬يات المقابالت الشخ ّ‬
‫واعتبارها من أه م الوسائل لتحّقق من البيانات‪ $،‬وقد قام أيضا باستخدام طريقة د ارسة الحالة أو ما نس ميه‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫بالوصف الموضوعي لتا‪$‬ريخ أو حالة‪ $‬فرد أو مجموعة م ّع‪$‬ينة على نطاق واسع‪ .‬مع العلم أ ّن د ارسات لوبالي‬

‫لم تح ّل في الو‪$‬اقع ّأ‪$‬ية‪ $‬مشكلة‪ ،‬إّ‪$‬ال أنها زودتنا‪ $‬بمعلومات ها مة ج دا عن فصول مختارة من الحياة العائلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومع ذلك فقد اعتقد لوبالي بأّ‪$‬نه‪ $‬اكتشف عالقة وثيقة بين الرفاهية االقتصادية لعائلة ونجاح‪$‬ها العاطفي‬
‫)‪(1‬‬
‫واالجتماعي‪ ،‬وبا‪$‬لرغم من ذلك الي ازل علماء االجتماع يستخدمون منهج لوبالي في المسح‪.‬‬
‫• بالنسبة للد ارسات المسحّـية عن الرأي العاّـم‪ ،‬فإ ّن لل أري العاّ‪$‬م ّق‪$‬وة كبيرة في التأثير‪ $‬على سلو‪$‬ك األف ارد‬

‫والهيئات الحاكمة‪ ،‬لذلك يهت م به القائمون با‪$‬لتخطيط في كثير من ميادين النشاط اإلنسان ي‪ ،‬ولقد أصبحت‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫الكثير من الدول تهت م باستطالع ال أري العا م بطريقة من ّظمة‪ ،‬حيث ُأن شئت لذلك هيئات خا‪ّ $‬صة‪ ،‬واهت مت به‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬

‫‪-‬‬
‫‪44-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫–‪ 1‬بلقاسم سالطنية‪ ،‬حسان الجيالني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪42$.،40،41‬‬

‫‪-‬‬
‫‪45-‬‬
‫الشركات ورجال األعمال خا‪ّ $‬صة في عمليات التسويق‪ُ .‬ويعتبر االستفتاء من أه م وسائ‪$‬ل قياس ال أري العا م‪،‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫خا ّصة تلك اآل ارء التي وصلت إلى درجة كبيرة من االستق ارر‪.‬‬
‫وي ّق‪$‬رر كانتريل أ ّن اأ‪$‬لسئلة ذات اإلجابات المفتو‪$‬حة لها قيمتها الكبيرة في تحلي‪$‬ل اآل ارء السائدة في‬

‫المجتمع‪ ،‬وأ ّن اأ‪$‬لسئلة المغلقة لها قيمتها الكبير‪$‬ة في المشكالت الم ّح‪$‬ددة تحد ًي‪$‬دا واض ًحا‪ ،‬أ ما األسئلة ذات‪$‬‬
‫ّ‬
‫االحتماالت المت ّع‪$‬ددة فتفيد عندما يكون ألحد الجانبين أو لكليهما عدة احتماالت‪ .‬وعمو ما‪ ،‬فإ ّن نوعية األ‪$‬سئلة‬
‫ً‪$‬‬
‫المطروحة سو‪$‬اء كانت مفتوحة أو مغلقة أو مت ّع‪$‬ددة االحتماالت‪ ،‬هي التي تو ّضح الموضوع‬
‫المدروس‪.‬‬
‫والمالحظ أ ّن الكثير من الشركات تطّ‪$‬بق مس ًحا لل أري العا م في ما يتعلّق باألسواق لتحديد المنتجات أو‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫التعلي‪$‬ل أو اإل‪$‬عالن من أجل إغ ارء المستهلك‪ ،‬وفي هذا المجا‪$‬ل فقد حّققت المؤ ّسسات‪ $‬التجارية والصناعية‪$‬‬
‫زيادة في األربا‪$‬ح من خالل أخذ الحذر من األخطاء في تسويق منتجاهم وهذا بفضل معرفة رّد فعل‬
‫)‪(1‬‬
‫المستهلك‪.‬‬
‫واجم ًا‪$‬ال‪ ،‬ي ّمثل ال أري العا م اّتجا ًها يشترك فيه عدد كبير من األف ارد في مجتمع م ّع‪$‬ين‪ ،‬قد يكون‬
‫ّ‪$‬‬
‫متماث ًال بين أف ارد المجتمع‪ ،‬وقد يكون مختلفا ‪$‬بين الجماعات الفرعية داخل اإلطار العا م‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وهناك العديد من الم ازياـ التي تحّ‪$‬دث عنها علم‪$‬اء المنهجية‪ $‬الخاصة‪ $‬با‪$‬لمسح االجتماعي نل ّخصها‬
‫في‪:‬‬
‫‪ -‬يم ّكن المسح االجتماعي من الحصو‪$‬ل على بيانات كثيرة يمكن اختبا‪$‬رها دون بذل مجهودات كبي‪$‬رة‪.‬‬
‫ّص ل‬
‫‪ -‬تطبيق أداة المقا‪$‬بلة أو‪ $‬المالحظة في المسح‪ ،‬يعمل على تدقيق البيانات المتح‬
‫عليها‪.‬‬

‫مناسبة‪ $‬لمبحوث لتفكير‪ $‬حول اإلجا‪$‬بة عن األسئلة خا‪ّ $‬‬ ‫‪ -‬قّلة التكاليف‪ $‬المالية‪ $‬ووجود فترة زمنية‬
‫ص‬
‫ة‪$‬‬ ‫عند استخدام اال‪$‬ستبيان البريدي‪.‬‬

‫‪ -‬ت ّم‪$‬يز المسو‪$‬ح االجتماعية بدرجة كبيرة من المرونة وعدم ت ّح‪$‬يز المستجوبين في اإلدالء بالمعلومات‬
‫الحقيقية‪ ،‬حيث يسمح لقا‪$‬ئم بالمقابلة توضيح بع‪$‬ض الكلمات التي قد تبدو واضحة لمبحوث‪$.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع م ّع‪$‬دل تجاوب ال ّع‪$‬ينة مع عملية المسح اا‪$‬لجتماعي‪ ،‬م ما يسمح بجمع معلومات إضافية مح ّل‬
‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫اهتمام الباحث خا ّصة في محور االقت ارحات أو اآل ارء المفتوحة‪.‬‬

‫ومن عيوب المسح االجتماعي سطحية المعلومات المتح ّصل عليها بسبب االهتمام المت ازيد بجمع‬

‫بيانات كثيرة في فترة زمنية واحدة وم ّح‪$‬ددة‪ ،‬كما أ ّن العديد من المستجوبين يعمدون إلى إخفاء أس اررهم لتقديم‬
‫‪ 1-‬محمد زيان عمر‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪43.‬‬
‫‪ 2-‬محمد محمود ربيع وآخرون‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪66.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫ص‪$‬يتهم وسلوكهم االجتماعي‪ .‬لكن يبقى المسح االجتماعي أحد المناهج المستخدمة‬
‫الصورة ال ّج‪$‬يدة عن شخ ّ‬
‫ع‪$‬بر عنه معتز ّسـيد عبد اهلل وعبد اللطيف محمد خليفة‬
‫على نطاق واسع في البحوث االجتماعية‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫في أ ّن الهدف من الد ارسات المس ّح‪$‬ية هو محاولة جمع الخصائص الممّ‪$‬يزة لظاهرة م ّع‪$‬ينة قب صد استخدام‬
‫البيانات التي يت م الحصو‪$‬ل عليها لتعزيز ظروف معاشة وتأ يد ممارسات ارهنة أو لعمل تخطيطات أكثر‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫كفاءة وفاع ّل‪$‬ية لتحسين الظروف والعم ّل‪$‬يات االجتماعية‪.‬‬

‫والجدير با‪$‬لذكر في المسح االجتماعي أنه يختلف عن البحث االجتماعي في أ ّن المسح االجتم‪$‬اعي‬
‫خا ّص بمكان محدود أو قرية أو مدينة أو منطقة‪ $‬من المناطق‪ ،$‬بينما البحث االجتماعي عا م يشمل المجتمع‬
‫ّ‪$‬‬
‫بأسره‪ ،‬ويهدف إلى تحقيق غرض عا م ُيرجى منه استفادة عدد كبير من أف ارد المجتمع كمحاولة إدخال نظام التأمين‬
‫ّ‪$‬‬
‫االجتم‪$‬اعي والضمان االجتماعي‪ ،‬بينما المشكلة التي يهدف إليها المسح االجتماعي تكون محدودة‬
‫كاأل ّم‪$‬ية والطالق أو ت ّع‪$‬دد الزوجات‪ .‬كما يهدف البحث االجتماعي إلى د ارسة‪ $‬الظواهر االجتماعية‪$‬‬
‫ّ‬
‫إلى الكشف عن األسباب المؤدية إلى مظه‬ ‫واالقتصادية‪ .$.‬لمجتمع‪ ،‬بينما يهدف المسح االجتماعي‬
‫ّ‪$‬‬
‫ر‬
‫)‪(2‬‬
‫انحاللي في تلك البيئة المحدودة لعالجه فوا‪$‬ر‪.‬‬
‫ً‬

‫‪ 6-‬منهج د ارسة الحالةـ‬


‫هو المنهج المعت مد على د ارسة‪ $‬حالة م ّع‪$‬ينة بهدف جمع معلومات متع مقة عنها‪ ،‬وهو مفيد في إعطاء‬
‫ّ‬
‫معلومات ال يمكن الحصو‪$‬ل عليها بأساليب‪ $‬أخرى‪ ،‬خا ّصة إذا كان استخدام هذا المنهج في د ارسة حا‪$‬لة‪$‬‬

‫معاصرة ضمن سياق الحياة الواقعية‪ .‬ويف َّضل استخدامه عندما تكون هناك رغبة في د ارسة حالة تحتوي‬
‫على العديد من المت ّغ‪$‬ي ارت والعوامل المرتبطة مع بعضها البعض والتي يمكن مالحظتها‪ .‬فمنهج‬

‫د ارسة الحا‪$‬لة يقوم على التع مق في د ارسة مرحلة م ّع‪$‬ينة من تا‪$‬ريخ حياة الوحدة موضوع الد ارسة‬
‫ّ‬
‫أو د ارسة‪ $‬جميع الم ارحل التي ّم‪$‬رت بها‪ ،‬بغرض الكشف عن العوامل التي تؤثّر في الوحدة المد‪$‬روسة وعن‬
‫العالقات الس ّب‪$‬ية بين أج ازء هذه الوحدة‪.‬‬
‫ولقد انتشر استخدام منهج د ارسة الحا‪$‬لة في مجال البحث االجتماعي عندما ساءت ظروف الع‪$‬مل‬
‫وظهرت اآلثا‪$‬ر االجتماعية‪ $‬السيئة‪ $‬نتيجة التو‪ّ $‬سع الصناعي في ظروف الحياة‪ $‬الع ما ّل‪$‬ية‪ $.‬وعادة ما ُيطَ‪ّ$‬بق هذا‬
‫ّ‬
‫المنهج على األسرة وفي ميادين العمل المختلفة‪ ،‬وبصفة خا ّصة على مؤ ّسسة أو هيئة‪ $‬اجتماعية‪ ،$‬حيث يقوم‬

‫‪-46-‬‬
‫ اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬:‫الفصل األول‬

75.،74‫ ص‬،‫ مرجع ساـبق‬:‫لل وعبد اللطيف محمد خليفة‬$‫ معتز سيد عبد اه‬1-
2- Roger Mucchielli: Le questionnaire dans l’enquête psycho-sociale -Connaissance du problème,
applications pratiques-, 10ème Ed, Entreprise Moderne d’Edition, Paris, 1993, p65.

-46-
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫الباحث االجتماعي بأخذ عّ‪$‬ينات‪ $‬تمّثل الطبقة التي يقوم بد ارستها‪ ،‬ث م ُيجري البحث على هذه الحا‪$‬الت المختارة‬
‫ّ‪$‬‬
‫لتعميم نتائجها على المجموعة كّلها‪.‬‬
‫ع‪$‬ية من وحدات أكثر اّتسا‪ً $‬عا‪،‬‬
‫وتشير ال ّع‪$‬ينة االحتمالية إلى الطريقة التي ي ّت‪$‬م بها اختيار مجموعة فر ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ع‪$‬ية فرصة االختيار ضمن ال ّع‪$‬ينة‪.‬‬
‫بحيث يكون لك ّل وحدة ووحدة فر ّ‬
‫وهناك طريقتان ُتستخدمان في د ارسة الحا‪$‬لة‪ :‬تا‪$‬ريخ الحالة‪ $‬والتاريخ الشخصي لحا‪$‬لة‪ .‬حيث يشمل‬

‫تاريخ الحالة ق ّصة تط ورها فيحصل الباحث على بيانات من مصادر مت ّع‪$‬ددة مثل األسرة والمدرسة‪ ،‬ويستعين‬
‫ّ‪$‬‬
‫بك ّل الوثائق والسج ّالت‪ $‬المتاحة التي يمكن أن تض ّمن بيانات من هذا النوع‪ .‬أ ّما التاريخـ الشخصي للحالة‬

‫فهو صورة من صور تاريخ الحالة يع رض فيه الباحث الحو‪$‬ادث التي ّم‪$‬رت بالمبحوث من وجهة نظره‪.‬‬

‫وهذا يعني أ ّن تاريخ‪ $‬الحالة يهت م بمدى صدق البيانات‪ ،$‬أ ما التا‪$‬ريخ الشخصي لحا‪$‬لة‪ $‬فيرّكز على‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫عرض حياة الفرد من وجهة نظره الخا‬
‫ّصة‪.‬‬
‫وليست هناك قو‪$‬اعد م ّح‪$‬ددة يهتدي إليها الباحث في اختيا‪$‬ر الحاالت لد ارسة‪ ،‬ولكن يمكن القو‪$‬ل‬
‫بصفة عا مة أ ّن النتيجة تكون صحيحة إذا كانت ال ّع‪$‬ينة عشوائية وكبيرة إلى ّح‪$‬د ما‪ ،‬فكّلما ازد عدد أف ارد‬
‫ّ‬
‫ال ّع‪$‬ينة كّلما‪ $‬كانت النتائج أكثر دقّة وص ّحة‪ ،‬إض‪$‬افة إلى وجود درجة من التجانس لوحدات المختارة للبحث‪$.‬‬
‫و تمّ‪$‬يز الد ارسة باستخدام هذا المنهج عن الحص‪$‬ر الشامل باآلتي‪$:‬‬
‫‪ -‬استخدام ال ّع‪$‬ينة يوّفر جًزءا من التكاليف‪ $‬والجهد والوقت‪ ،‬حيث ّأ‪$‬ننا‪ $‬نستخدم جًزءا من المجتمع ال‬

‫كّله‪$.‬‬
‫‪ -‬يمكن الحصول على الردود الكاملة الدقيقة إذا استخدمنا جًزءا من المجتمع كّله‪ ،‬م ما يسمح بمتابعة‬
‫ّ‬
‫عدد األف ارد عن طريق الزيا ارت الش‪$‬خصية‪.‬‬
‫الحصول عليه من أف ارد المجتمع‬
‫‪ -‬يمكن الحصول من أف ارد ال ّع‪$‬ينة‪ $‬على بيانات أكثر م ما نستطيع‬
‫ّ‬
‫كّله‪ ،‬وبذلك‪ $‬نستطيع توسيع مجال البحث‪.$‬‬
‫‪ -‬تحليل نتائج‪ $‬الحصر‪ $‬الشامل يحتا‪$‬ج إلى وقت‪ $‬طويل م ما ُينقص االستفادة‪ $‬من البحث‪ ،‬بينما ال ّع‪$‬ينة‬
‫ّ‬
‫نصل إلى تحلي‪$‬ل نتائجها في وقت سريع بما يحّقق االستفادة منها‪.‬‬
‫ظروف التعدادات قد تؤّ‪$‬دي إلى حذف بع‪$‬ض‬
‫‪َ -‬تحدث بعض األخطاء في الحصر الشامل‪ ،‬إذ‪ $‬أ ّن‬
‫الوحدات‪ ،‬ولذلك‪ُ $‬يستحسن قيا‪$‬س دّقتها بال ّع‪$‬ينة‪$.‬‬
‫‪-‬‬
‫‪47-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫‪1 - Bernard S. Phillips: Op. cit., p263.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪48-‬‬
‫أ ّما مصادر المعلومات فعادة ما يلجأ الباحث‪ $‬إلى الحالة نفسها كما كان يفعل فرويد أثناء د ارسته‬
‫لمرضاه‪ ،‬حيث‪ $‬كان يطلب منهم استرجاع ذكرياتهم وخب ارتهم الماضية‪ ،‬وكان يلجأ‪ $‬أحيانا‪ $‬إلى التنويم‪$‬‬
‫المغناطيسي‪ ،‬فيكشف األف ارد عن الكثير‪ $‬من الم‪$‬علومات المتعّلقة بحياتهم‪ ،‬فيجمعها ويستفيد منها في تن ائجه‪ $.‬كما يستفيد الباحث‬
‫في د ارسة الحا‪$‬لة من ك ّل الوثائق الشخصّ‪$‬ية والعا مة‪ ،‬كالسير الذ‪$‬اتية والمذ ّك ارت وغيرها‬
‫ّ‬
‫من التقا‪$‬رير األخرى التي ُت قل ي مز ًي‪$‬دا من الضوء على الحا‪$‬لة وُتع مق البحث فيها‪ .‬ولقد‬
‫ّ‬
‫استخدم العالم الفرنس‪$‬ي فريديريك لوبالي هذا المنهج في د ارسته‪ $‬لألسرة‪ ،‬واّتخذها كوحدة قل ي‪$‬اس‬

‫ط‪$‬بق هذا المنهج في دراسة مدينة ‪ Middletown‬بالولايات المّتحد‪$‬ة األمريكية‪،‬‬


‫مستوى حياة الع ّمال‪ .‬كما ّ‬
‫إذ ُد رست حالة المدينة من جميع نواحيها لمعرفة درجة الت ّغ‪$‬ير‪ $‬التي حدثت على مؤ ّسساتها االجتماعية‪$‬‬
‫)‬
‫وعادات السكان واّتجاهاتهم خالل تلك المّ‪$‬دة‪.‬‬

‫‪ (1‬ولقد ت ّع‪$‬ددت مفاهيم د ارسة‪ $‬الحالة‪ ،‬فبعضهم يمّثلها بالد ارسة التاريخية لحا‪$‬لة أو‪ $‬المجتمع‪ ،‬وبعضهم‬

‫مم‪$‬يزة في خطوات‪ $‬الد ارسة )‪ ،(2‬والبعض اآلخر‪ $‬يجعل د ارسة الحا‪$‬لة‪ $‬جزًءا من‬‫يفصل بينهما بسبب الفو‪$‬ارق ال ّ‬
‫المنهج الوصفي‪ ،‬خاصة عند د ارسة العالقات المتبادلة‪ ،‬وفئة أخرى ت اره منهجا‪ $‬متمّ‪$‬ي از لكونه يهدف إلى‬
‫)‪(3‬‬
‫ومن أمثلة هذا اال‪$‬ختالف ما يلي‪:‬‬ ‫الت ّع‪$‬رف على وضعية واحدة م ّع‪$‬ينة وبطريقة تفصيلية دقيقة‪. $‬‬

‫د ارسة الحالة عند ريفلين‪ :‬تنا‪$‬ول الشكوى من خالل الكشف عن أسباب حالة العميل إلى العيادة‬ ‫•‬
‫النفسية أو‪ $‬المو ّجه‪ ،$‬التاريخ التط وري لعميل‪ ،‬الم‪$‬ظهر الجسمي‪ ،‬الد ارسة والتحصيل‪ ،‬نتائج‪ $‬الفحص‬
‫ّ‪$‬‬
‫الطّ‪$‬بي‪ ،‬البيئة األسرية واالجتماعية لعميل‪$.‬‬
‫د ارسة الحالة عند جونز‪ :‬وتشتمل على الفحص الطّ‪$‬بي النفسي‪ ،‬الصحة العا ّمة‪ ،‬النواحي الد ارسية‪$‬‬ ‫•‬
‫والنو‪$‬احي العقلية‪ ،‬الصحة والتطور الص ّحي لحا‪$‬لة‪ ،‬التا‪$‬ريخ األسري‪ ،‬التا‪$‬ريخ االجتماعي‪ ،‬التشخي‪$‬ص‪،‬‬
‫العالج والمتابعة‪.‬‬
‫د ارسة الحالة عند ست ارنج‪ :‬تشتمل على تاريخ األسرة‪ ،‬تاريخ تطّ‪$‬ور الحالة‪ ،‬البيئة المح ّّلية‪ ،‬التطّ‪$$‬ور‬ ‫•‬
‫الد ارسي‪ ،‬الخ ّطة الد ارسية والمهنية‪ ،‬نتا‪$‬ئج االختبا ارت والمقا يس الموضوعية‪ ،‬التقارير الشخصي‪$‬ة أو‪$‬‬
‫)‪(4‬‬
‫الذاتية‪.‬‬

‫‪ 1-‬أحمد عباده سرحان‪ :‬مقدمة في اإلحصاء االجتماعي‪ ،‬الدار القومية‪ ،‬مصر‪1963 ،‬م‪ ،‬ص‪11 .‬‬
‫‪ 2-‬عطوف محمود ياسين‪ :‬مدخل في علم النفس االجتماعي‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪47$.‬‬
‫‪ 3-‬جابر عبد الحميد جابر وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪165.‬‬
‫‪ 4-‬عطوف محمود ياسين‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪47$.‬‬
‫وعموما فإ ّن منهج دراسة الحالة ّيتجه إلى جمع البيانات العلمية المت ّعلقة بأ ّي وحدة‪ ،‬فرًدا كان أم‬

‫مؤ ّسسة أم نظا ما اجتماعيا‪ ،‬قب صد الوصول إلى تعميمات متعّلقة بالوحدة المدروسة وبا‪$‬لوحدات‪ $‬المتشابهة‪،‬‬
‫ً‬
‫)‪(1‬‬
‫فمن مقاصده الرئيسية الوصول إلى تعميمات‪.‬‬
‫ومن ث م يحاول الباحث من خالل منهج د ارسة الحالة أن يجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن‬
‫ّ‪$‬‬
‫هذه الحالة‪ ،‬وبخا ّصة تلك المعلومات التي تّصل بتاريخ حياة الحا‪$‬لة وتط ورها‪ ،‬وما إن يفر‪$‬غ الباحث من‬
‫ّ‪$‬‬
‫جمع هذه المعلومات الشاملة‪ ،‬يحاول أن ي ّح‪$‬دد معالم الصورة الكّلية بخب ارت المبحوثين وتجاربهم وأفكارهم‬
‫)‪(2‬‬
‫خالل الزمن‪ ،‬وتفسير هذا الموقف الّكلي‪.‬‬
‫ومن خطوات د ارسة الحالة‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد الحا‪$‬لة المطلوب د ارستها‪ ،‬أي اختيا‪$‬ر الحاالت التي تمّثل المشكلة المدروسة‪ ،‬بمعنى التركيز على حاالت‬

‫ع‪$‬ينات‪ $‬عشوائية من المشكلة‪ ،‬بحيث تكون ال ّع‪$‬ينة كافية وأن يقتصر‪ $‬الباحث على حاالت‪$‬‬
‫نموذجية أو ّ‬
‫قليلة ودقيقة من أجل د ارستها بدّقة وشمو‪$‬ل في آن واحد‪$.‬‬
‫ض‪$‬ية أ ولية ث م التأ ّكد من ص ّحتها وصدقها بهدف نت ظيمها والتنسيق‪$‬‬ ‫‪ -‬جمع المعلومات وتدقيقها في ضوء فر‬
‫ّ ّ‪$ّ $‬‬
‫بين عناصرها‪.‬‬
‫ض‪$‬يات التي تف ّسر المشكلة‪ $‬ونشأ‪$‬تها وتط ورها‪ ،‬وهذا ما يس مى با‪$‬لتشخيص األ ولي لعوامل المشكلة‬
‫‪ -‬وضع الفر ّ‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫والذي ي ّؤ‪$‬دي إلى االستنتاجات الدقيقة‪$.‬‬
‫‪ -‬اقت ارح نوع المعاملة أو العالج في ضوء ّش‪$‬دة الحالة‪ $‬وقسوتها وفي ظروف بيئي‪$‬ة تساعد على نجاح العالج‪،‬‬
‫وهذا يتطّلب تب ّصار وفه ما لديناميكية السلوك اإلنسان ي في الوضع االجتماعي الذي تعمل فيه‪ .‬لذلك فإ ّن‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‪$‬‬
‫فعالية د ارسة الحا‪$‬لة مرتبطة بالكفاءة التدريبية لبا‪$‬حث في مجال علم النفس وعلم االجتماع دون إغفال د ارسة‬
‫ّطلع على المعلوما‪$‬ت الخا‪$‬صة با‪$‬لفرد (العميل) إّ‪$‬ال الشخص القا‪$‬ئم بد ارسة الحا‪$‬لة‪$‬‬
‫الحا‪$‬لة با‪$‬ل ّس‪$‬رّية التا مة‪ ،‬فال ي‬
‫ّ‬
‫واألخ ّصائي‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪ -‬المتابعة واالستم ارر لتأ ّكد من صدق التشخي‪$‬ص ومدى مناسبته لعالج‪.‬‬
‫ولتوضيح‪ $‬سيرورة هذه العملية‪ ،‬يقوم الباحث بما‪ $‬يلي‪$:‬‬

‫‪ 1-‬عمار بوحوش‪ ،‬محمد محمود الذنيبات‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪131$.‬‬


‫‪ 2-‬محمد علي محمد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪392 $.‬‬
‫‪ 3-‬عمار بوحوش‪ ،‬محمد محمود الذنيبات‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪122.$،121‬‬
‫رصد البيانـات‪ $،‬أين ي ّع‪$‬د الباحث لك ّل حا‪$‬لة‪ $‬ملف ا يد ون فيه اسم‪ $‬المبحوث‪ /‬تاريخ المقابلة‪ /‬مل ّخص‪ $‬عن‬ ‫•‬
‫ّ‪$‬‬
‫الوثا‪$‬ئق المتض منة في الم‪$‬لف‪ /‬تحديد الوثائق السّ‪ّ$‬رية‪ .‬ث م يقوم البا‪$‬حث بتحديد الحالة المبحوثة والهدف‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫من البحث‪ ،‬تحديد األدوات‪ $‬المست َخ‪$‬دمة‪ ،‬تحد‪$‬يد الو‪$‬ثائق ذات األهمية الخا ّصة با‪$‬لملف‪ ،‬أري‬
‫ومالحظات الباحث‪.‬‬
‫• تحليل البياناـت‪ ،‬التي تض من استنباط السمات العا مة التي يمكن أن نت طبق على الحاالت المتشابهة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تحديد عوامل التشابه والتباين وتحديد السمات الخاصة التي تختلف بها الحا‪$‬لة عن الحاالت المشابهة‬
‫لها‪.‬‬
‫• تصنيف البيـانات‪ ،‬حيث‪ $‬يضع الباحث‪ $‬في الفئ‪$‬ا‪$‬ت التي ص ّممها السمات التي ّتفق معها بطر‪$‬يقة‬
‫القي‪$‬اس على أساس التشابه‪ ،‬أين يكشف الباحث‪ $‬عن الحالة إن كانت سلبية أو مغايرة بحيث يمكن‬
‫أن تو ّجه الباحث إلى أبعاد جديدة في مجال الد ارسة‪ ،‬أو أنها حالة هامشية ال نت طوي على نفس‬
‫)‪(1‬‬
‫سمات الحا‪$‬لة العادية‪ ،‬أو أ ّن الحالة ليست‪ّ $‬إ‪$‬ال حالة أخرى من نفس الفئة‪.$‬‬
‫ومن خصائص منهج د ارسة الحالة‪:‬‬
‫‪ -‬طريقة للحصول على معلومات شاملة من الحاالت المدروسة‪.‬‬
‫‪ -‬طريقة لتحليل الكيفي لظواهر والحاالت‪$.$‬‬
‫‪ -‬طريقة تهت م بالموقف الكّلي وبمختلف العوامل المؤّثرة يف ه والعمليات التي تشهدها‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬طريقة ّت‪$‬بعية تعتمد اعتمادا كبي ار على عنصر الزمن‪ ،‬لذلك فهي تهت م بالد ارسة‪ $‬التاريخي‪$‬ة‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬منهج ديناميكي ال يقتصر على بحث الحالة ال ارهنة‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ -‬منهج يسعى إلى تكامل المعرفة‪ ،‬ألنه يعتمد على أكثر من أداة للحصول على المعلومات‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذه الخصائص‪ ،‬فإ ّن منهج دراسة الحالة ينص ّب على الوحد‪$‬ات االجتماعية سو‪$‬اء كانت‬

‫كبيرة أو صغيرة‪ ،‬فالوحدة الصغيرة قد تكون جزًءا من د ارسة إحدى الحاالت‪ .‬فإذا كان البحث مثال ينص ّب‬

‫ّمحلي‪ ،‬فإ ّن هذا المجتمع قد يكون بمثابة الحالة‪ ،‬بينما تصبح‪ $‬األنظمة االجتماعية‬ ‫على د ارسة مجتمع‬
‫والجماعات المك ونة لمجتمع المّحلي وكذلك األف ارد بمثابة أج ازء أو موقف‪ $‬أو‪ $‬عوامل داخلة في تك‪$‬وين الحالة‪.$‬‬
‫ّ‪$‬‬

‫‪ 1-‬عبد الباقي‪ $‬زيدان‪ :‬قواعد البحث االجتماعي‪ $،‬مطبعة السعادة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1980 ،‬م‪ ،‬ص‪271$.،270‬‬
‫‪ 2-‬محمد علي محمد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪293.‬‬
‫فمنهج د ارسة الحالة يقوم على أساس التع مق في د ارسة الوحدات المختلفة وعدم االكتفاء با‪$‬لو‪$‬صف‪$‬‬
‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫الخا‪$‬رجي لموقف‪ ،‬من أجل الكشف عن العالقا‪$‬ت الس بّ‪$‬ية بين أج ازء الظاهرة‪.‬‬
‫ومن م ازياـ هذا المنهج أنه يدرس الخب ارت والمواقف االجتماعية داخل السياق الذي ال تنفصل عنه‬
‫هذه الخب ارت والمو‪$‬اقف‪ ،‬والذي يش ّكل مك ونات وجودها‪ ،‬ومن ث م يرتبط حاضرها بماضيها‪ ،‬فهو الوسيلة التي‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫تم ّكننا من فهم الخبرة اإلنسا ّن‪$‬ية الحقيقية واالتجا‪$‬هات التي تش ّكل الو‪$‬اقع االجتماعي بحيّويته وفعا‪$‬ليته الكاملة‪،‬‬
‫فد ارسة الحالة هي من أحد أسا‪$‬ليب البحث الوصفي من خالل التحليل اال‪$‬جتماعي لظاهرة المدروسة‪.‬‬
‫ومن عيوبه أ ّن الباحث قد يلجأ‪ $‬إلى تفسير الحالة من وجهة نظره ووفقا‪ $‬لمشاعره الخاصة‪ ،‬فيصعب‬

‫تحديد مدى صدق المعطيات وتفسيرها‪ ،‬كما يؤخذ‪ $‬على د ارسة الحا‪$‬لة صفة التعميم من حاالت ال تمّثل‬
‫الواقع‪ ،‬ومثل هذه الحاالت‪ $‬الشاّ‪$‬ذة يمكن تفاديها عن طريق المقابالت‪ $‬المضبوطة والتسجيل المو‪ّ $‬حد من جانب‪ $‬مو ّحد‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫كما قد تبرز‬ ‫مع اإلشارة إلى أ ّن هناك تكاليف باهضة‪ $‬لعملية إج ارء المقابالت واستيفاء البيانات ‪.‬‬

‫بعض الشكوك في ص ّحة البيانات المع ممة وخاصة إذا كانت البيانات غامضة ومبهمة‪ ،‬م ما يض ّطر الباحث‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أو يلجأ إلى التركيز على الجوانب التي ته مه ويهمل الجوانب التي‬ ‫أن يستغّلها لتحقيق أهداف شخص‪$‬ية‬
‫ّ‬
‫تتناقض ومعتقداته‪.‬‬

‫واجماال فإ ّن منهج دراسة الحالة‪ $‬هو المنهج الو‪$‬حيد الذي يدرس الحا‪$‬الت بصورة مع مقة ودقيقة إذا‬
‫ّ‬
‫ُأح سن استخدامه وضبط مؤ ّش ارته‪.‬‬

‫‪ 7-‬منهج تحليل المضمونـ‬


‫هناك العديد من التعريفات لمفهوم تح ‪$‬ليل المضمون (المحتوى‪):‬‬
‫‪ -‬أداة أو أسلوب أو طريقة ُتستخدم في وصف وتحليل محتويات المصادر والمؤّلفات واألق‪$‬وال واألنباء‪$‬‬
‫ُ ِّ‬
‫صنف‬ ‫والر‪$‬سائل واألحداث وما إليها عن طريق تصنيف وتنظيم وتر‪$‬تيب الموضوع حسب الفئات التي‬
‫ع لى‬
‫أساسها‪ ،‬ومن ث م يكون التعبير عنها بصيغ يف ّضل أن تكون ك ّم‪$‬ية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬ويرى البعض أ ّن تحليل المضمون أسلوب أو‪ $‬طريقة لبحث‪ $‬تهدف إلى الوصف‪ $‬المن ّظم الك مي لمحتوى‬
‫ّ‬
‫الظاهر لالتصال من حيث كونه يمّثل ك ّل المعا‪$‬ني التي ي ّع‪$‬بر عنها با‪$‬لكلمة أو الصوت أو‪ $‬الصو‪$‬رة أو‪ $‬الرسم‬

‫‪ 1-‬عبد الباسط‪ $‬محمد حسن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪281.‬‬


‫‪ 2-‬غريب محمد سيد أحمد وناجي بدر إب ارهيم‪ :‬اإلحصاء والقياس في البحث االجتماعي‪ ،‬ج‪ $،2‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬‬
‫مصر‪1986 ،‬م‪ ،‬ص‪183.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وفي هذا اإل‪$‬طا‪$‬ر‪ $‬عّ‪$‬رفه‬ ‫بهدف اإلجابة‪ $‬عن تساؤلات‪ $‬م ّح‪$‬ددة مثل من قال؟ وماذا قال؟‪ $‬ولمن قا‪$‬ل؟ وكيف‪ $‬قال؟ ‪.‬‬

‫ص‪$‬فا‬
‫بولسون بأنه أسلوب أو أداة أو بحث لو‪$‬صف المحتوى الظاهر أو الواضح لرسالة اإلع‪$‬المية و ً‬
‫)‪(2‬‬
‫ك م يا وموضوع يا ومن ّظ ما ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬يتناو‪$‬ل تحليل المضمون الخص‪$‬ائص ا لغوية والرمزية‪ $‬لم ّا‪$‬دة االتصالية في شكل مصطلحا‪$‬ت تخضع‬
‫لضبط الدقيق‪ ،‬وأنه يسعى لتحويل المضمون إلى ماّ‪$‬دة قابلة لتلخيص والمقا‪$‬رنة والقياس الك مي‪ $.‬لذلك ُيعتبر‬
‫ّ‬
‫أداة لمالحظة‪ ،‬لكنها ليست مالحظة مباشرة لسلوك أف ارد أو جماعات‪ ،‬و ّا‪$‬نما هي مالحظة غير مباشرة‬
‫تقتصر على تحليل مضامين المادة اال‪$‬تصالية‪ ،‬للحصو‪$‬ل على استنتاجات صحيحة ذات‪ $‬صلة بفروض‬
‫الد ارسة‪.‬‬
‫تحليل المحتوى بأنه أسلوب يحّقق االستدالل الموضوعي‬
‫‪ -‬وي ّع‪$‬رف ك ّل من هولستي وكارني وستون‬
‫والمن ّظم لسمات الخا‪$‬صة با‪$‬لرسا‪$‬لة‪.‬‬
‫‪ -‬هو مجموعة الخطوات‪ $‬المنهجية التي تسعى إلى اكتشاف المعاني الكامنة في المحتوى والعالقات‪$‬‬
‫)‪(3‬‬
‫االرتباطية بهذه المعاني من خالل البحث الك مي الموضوعي والمن ّظم لسمات الظاهرة في هذا المحتوى‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعموما فإ ّن منهج تحليل المحتوى هو‪ $‬أحد المنا‪$‬هج المست َخ‪$‬دمة في تحليل الوثا‪$‬ئق‪ ،‬مضمون الك‪$‬تب‬
‫المدرس‪$ّ$‬ية‪ $‬والمذ ّك ارت السياس‪$$‬ية‪ ،‬الص ‪$‬حف والرس‪ $‬ائل اإلعالمي ‪$ $‬ة‪ ،‬لمعرف‪ $‬ة األفك‪$$‬ار واالعتق‪$ $‬ادات‪ $‬واإ‪$‬ل ‪$‬ديولوجيات‪،$‬‬

‫والصور المعرفّ‪$‬ية وأنماط القي ‪$‬ادة وما إلى ذل ‪$‬ك‪ .‬كما تجدر اإلشارة إلى أ ّن طريق ‪$‬ة تحلي ‪$‬ل المحت ‪$‬وى ق ‪$‬د استخ دمت كثي‬

‫ار في البحوث االجتماعية في د ارسة ووصف‪ $‬وقياس ك مي لمحتوى العا م لظاهرة موضوع الد ارسة‪ ،‬حيث‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬

‫يتك ون هذا المحتوى من مجموعة كلمات أو رموز‪ ،‬أو مفردات لغّوية‪ ،‬أو مجموعة من الصور‪ ،‬أو الخطابات‪،‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(4‬‬
‫أو الصحف والمج ّالت‪ ،‬أو الروايات والكتب واأ‪$‬لفالم السينمائية‪ ،‬وغيرها من الوثائق الرسمية والشخصية ‪.‬‬
‫وبعد التط و ارت التي شهدها منهج تحليل المضمون‪ $،‬فلقد حاول العلماء تحديد وحداته التي يعتمد عليها في تحليل‬
‫ّ‪$‬‬
‫الخطاب اإلنسان ي في البحوث االجتماعية‪ .‬حيث نعني بوحدة التحلي‪$‬ل الوحدة التي ستعطى درجة‪ ،‬والتي قد تكون كلمة أو‬
‫ّ‬
‫ص‪$‬ية‪ ..$.‬كما قد تكون سنتيمتا‪$‬ر‬
‫جملة أو‪ $‬فقرة أو‪ $‬مقال أو عمود أو فكرة شخ ّ‬
‫ً‪$‬‬
‫)‪(5‬‬
‫من المساحة التي تشغلها الرسا‪$‬لة االتصا‪ّ $‬ل‪$‬ية‪ ،‬أو‪ $‬دقيقة من زمن اإلرسا‪$‬ل اإلذاعي أو التلفزيوني‪.‬‬

‫‪ 1-‬عبد اهلل محمد عبد الرحمن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪156.‬‬


‫‪ 2-‬عبد الغفار رشاد القصيبي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪143.‬‬
‫‪ 3-‬محمد عبد الحميد‪ :‬تحليل المحتوى في بحوث اإلعالم‪ $،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪1983 ،‬م‪ ،‬ص‪22 $.$،21‬‬
‫‪ 4-‬أحمد بدر‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪360$.‬‬
‫‪ 5-‬عبد الغفار رشاد القصيبي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪152.‬‬

‫وحدات تحليل المحتوى‬


‫البا‪$‬حثين في حقل المنه ّج‪$‬ية والمستخدمين لهذا المنهج ت ّح‪$‬دد‬ ‫ووفً‪$‬قا لت‬
‫ارث‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫• وحدة الكلمة‪ $:‬من أصغر وحدات‪ $‬تحليل المحتو‪$‬ى في مجاالت التحليل وقد تكون شعاا‪$‬ر أو ر ًم‪$‬از‪،‬‬
‫ً‪$‬‬
‫حيث يضع الباحث قوائ ما يس ّجل فيها تك ار ارت الكلمات المع ّن‪$‬ية بموضوعه أو فئات مختارة في النص‬
‫ً‬
‫الخاضع لتح ‪$‬ليل المحتوى‪$.‬‬
‫• وحدة الموضوع (الفكرة‪ُ ):‬يعتبر‪ $‬الموضوع أهّ‪$‬م وحدات تحليل المضمون عند د ارسة‪ $‬اآلثار‪ $‬النا‪$‬جمة‬
‫عن االتصال وتكوين اال‪$‬تجاهات‪.‬‬
‫• وحدة الشخصية‪ُ :‬يقصد بها تحديد ومعرفة صفا‪$‬ت وسمات الشخصية في مضمون أدبي أو إعالمي‬

‫خيا ّل‪$‬ية أو حقي ّق‪$‬ية‪ ،‬وهذا ما يحّتم ق ارءة العمل األد‪$‬بي‬ ‫سواء كانت هذه الشخصية‬ ‫أو فلسفي م ّع‪$‬ين‪،‬‬
‫ص‪$‬يات الواردة‪.‬‬
‫بأكمله لتم ّكن من تصنيف الشخ ّ‬
‫• وحدة الفقرة‪ :‬وتعني الفق ارت التي تض من تصوير أو‪ $‬وصف لموضوع المبحوث في مضمون‬
‫ّ‬
‫إعالمي م ّع‪$‬ين أو في ت ارث م ّع‪$‬ين‪.‬‬
‫• وحدة الزمنـ والمساحة‪ :‬والتي تمّثل في مقا ي‪$‬س الزمن والمساحة المخ ّصصة لموضوع م ّع‪$‬ين‪ ،‬حيث‬
‫ت ّع‪$‬بر عن تقسيمات المضمون إلى تصنيفات تناسب ووسيلة اإلعالم المقصودة‪.‬‬
‫فئة الموضوع أو ماذا قيل‪.$..‬؟‪ ،‬فئة‬ ‫تحليل المضمون إلى‬ ‫ص‪$‬نف الباحثون في المنه ّج‪$‬ية فئات‬
‫وي ّ‬
‫الشكل أو كيف قي‪$‬ل‪...‬؟ وفئة االتـجاه‪.‬‬
‫با نل سبة إلى فئة الموضوع التي ت ّمثل الجانب األ ول من تحلي‪$‬ل المضمون تستهدف مثال اإلجابة‬
‫ّ‪$‬‬
‫على السؤ‪$‬ال‪ :‬عالم يدور محتوى الصحف؟‪ ،‬حيث ُتستخدم أسا ًسا بغرض الكشف عن م اركز االهتمام في‬

‫المحتوى بالموضوعات المختلفة التي تعرضها الصحف‪ ،‬مثل تقسيم الموضوعات إلى موضوعات سي ّاس‪$‬ية‪،‬‬
‫ع‪$‬ية كالمعاهدات‪ ،‬المن ّظمات الدو ّل‪$‬ية‪...،‬‬
‫اقتصادّ‪$‬ية‪ $...،‬أو تقسيم الموضوعات السيا ّس‪$‬ية إلى موضوعات فر ّ‬
‫ص‪$‬نف األستاذ عبد الغفار‪ $‬رشاد‬
‫وفي هذه الحالة قد ُتعتبر هذه الفئات‪ $‬هي نفسه‪$‬ا وحدات التحليل‪ .‬وضمن هذا السياق ّ‬
‫القصي‪$‬بي هذه الفئة إلى فئات فرعّ‪$‬ية‪ $‬تش ّكل في مجموعها الفئة‪ $‬الكّّلية والتي تمّثل في فئة الغايات‪$‬‬

‫والوسا‪$‬ئل (مثل‪ :‬االطمئنان النفسي والوجداني‪ ،‬العدالة‪ ،‬المساواة‪ ،‬ال ّح‪$‬رّية)‪ ،‬ئف ة االتجاه وكثافة اا‪$‬لتجاه (مثل‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ص‪$‬ية‪ $‬لألف ارد‪).‬‬
‫ص‪$‬يات (مث ّل الخصائص النف ّس‪$‬ية والشخ ّ‬
‫موضوعات التأ يي د أو‪ $‬الرفض أو الحياد)‪ ،‬فئة الشخ ّ‬

‫‪ 1-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪155.،154‬‬

‫الذي يشمل مجموعة من العناصر ذات‬


‫الجانب الشكلي‬ ‫الجان‪$‬ب الثاني من تحليل المضمون هو‬
‫العالقة با‪$‬لوسائ‪$‬ل والحجم وعدد األسطر‪ .‬وبا‪$‬لنسبة لصحف‪ $‬يتض من رقم الصفحة‪ $‬وأه ّم‪$‬يتها اإلعالمية‪ ،‬حجم‪$‬‬
‫ّ‬
‫عنوان المقا‪$‬ل أو الم ّا‪$‬دة اإلعالمية‪ ،‬وهل هو مد ّعم بالصورة أم ال (حجم الصورة ولو‪$‬نها‪ ).‬إ ّن تحقيق هذه‬
‫الشروط يعتمد بالدرجة األ‪$‬ولى على مهارة البا‪$‬حث النظرية والتطبي‪$‬قية واا‪$‬لستغالل األمثل لمر‪$‬حلة التحليل‬
‫ّصة با‪$‬لترميز‪ $‬وتحديد نظام التصنيف‪ .‬كما يجب أن تؤخذ بعين االعتبار‬
‫المبدئي أين يت م اّتخاذ الق ار ارت الخا‬
‫ّ‪$‬‬
‫عند اختيار فئات التحليل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬التركيز في الق ارءة والفهم العميق لمادة االتصالية موضع التحليل قبل اختيار الفئات‪.‬‬
‫وايجاد ارتباط وثيق بين الماّ‪$‬دة االتصا‪$‬لية وبين الفئات‪$.$‬‬
‫‪ -‬الموضوعية في تحديد الفئات‪،‬‬
‫‪ -‬شمو ّل‪$‬ية الفئات وتطبيق قاعدة "إ ما ‪ ...‬أو" بما يضمن عدم وقوع أ ّي جزء من الماّ‪$‬دة االتصالية ضمن‬
‫ّ‬
‫أكثر من فئة‪.‬‬
‫أ ما الجانب الثا‪$‬لث من تحليل المضمون فهو فئةـ االتـجاه وهي من أكثر الفئات شيو ًعا‪ ،‬حيث تعك‪$‬س‬
‫ّ‬
‫صفة االتجاه مدى التركيز على الجوانب اإليجاب‪$‬ية أو السلبية‪ ،‬كاملة أو نسبية أو متوازنة‪ .‬وعليه يكون لدينا‬
‫س ّت فئات رئيسية (اتجاه إيجابي مطلق‪ ،‬اتجاه إيجابي نسبي‪ ،‬اتجاه متوازن‪ ،‬اتجاه سلبي مطلق‪ ،‬اتجاه سلبي‬
‫نسبي‪ ،‬اتجاه صفري‪).‬‬
‫ض‪$‬يات‪ ،$‬تجزئة‪$‬‬
‫م ّما سبق ّتضح الم ارحل المنهجية لتحليل المضمون في اختيار لو‪$‬ثائق‪ ،‬صياغة الفر ّ‬
‫الن ّص إلى وحدات‪ $‬تحليل أو اختيار المقولات‪ ،$‬تكميم المواضيع ووصف النتائج‪$.‬‬
‫إ ّن عم ّل‪$‬ية‪ $‬اختيار‪ $‬الوثائق‪ $‬لها أه ّم‪$‬ية با‪$‬لغة في تحليل المحتوى‪ ،‬يف مكن أن تكون الوثي‪$‬قة‪ $‬كتاً‪$‬با‪ ،‬ح ّصة‬

‫تلفزيونية‪ ،$‬مقاالت صحفية‪... ،‬إلخ‪ $.‬كما أ ّن اختيارنا نل وع الو‪$‬ثيقة‪ $‬يكون بالضرورة مصحوبا بتكوين مد ونة‬
‫ّ‪$‬‬
‫لتحليل التي تض من مجموعة شاملة من الوثائق يت م على أساسها التحليل‪$ .‬بينما عند القيام با‪$‬لبحث‪ ،‬فإ ّن‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫تجميع مد ونة شاملة‪ $‬يجعل حجمه كبيرا‪ ،‬لذا يجب التقليل من عدد الوثائق المك ونة‪ $‬لهذه المد ونة‪ .‬واذا أردنا‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ً‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫االحتفاظ بنفس أغ ارض الب‪$‬حث‪ ،‬فال ّب‪$‬د من اختيار عّ‪$‬ينة لمد ونة مع ضرورة م ارعاة الدقّة في تشكيل ال ّع‪$‬ينة‪،‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫أل ّن نتائج التح ‪$‬ليل لهذه المجموعة الصغيرة البّ‪$‬د أن نت طبق على المد ونة األصلّ‪$‬ية‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ض‪$‬يات سواء على شكل تخمين‪ ،‬افت ارض أو تأكيد مؤّقت‪،‬‬
‫تمّثل الخطوة ال ّالحقة في صي‪$‬اغة الفر‪ّ $‬‬
‫ض‪$‬ية تأ‪ّ $‬سس دائ ما على معارف قب ّل‪$‬ية (اإلطار النظري) وعلى المالحظات والحدس‪ .‬وتو ّجه‪$‬‬ ‫عل ًما بأ ّن الفر‪ّ $‬‬
‫ً‬
‫صياغة الفرضيات‪ $‬عملية‪ $‬التحليل‪ ،‬وفي المقابل يمكن أن يكون اختيار‪ $‬الوثائق‪ $‬هو الذي يو ّجه‪ $‬هذا التحليل‪.‬‬

‫بمعنى أنه يمكن‬


‫ض‪$‬يات‪ $‬متبادلتان‪،‬‬
‫مرحلتي اختيا‪$‬ر‪ $‬الوثائق‪ $‬وصياغة‪ $‬الفر ّ‬ ‫وعليه يمكن أن نستخلص بأ ّن‬
‫ض‪$‬ية ما بعد اختيا‪$‬ر الوثائق‪$.‬‬
‫مراجعة فر ّ‬
‫تت ّمثل المرحلة التا‪$‬لية في تقسيم الن ّص إلى وحدات التحليل‪ ،‬إذ نت طوي على تعريف المقولات وترتيبها‪،‬‬

‫فال نستطيع تحليل ن ّص أو‪ $‬ح ّصة‪ $‬تلفزيو‪$‬نية دف‪$‬عة واحدة‪ ،‬فال ّب‪$‬د من تفكيكها إلى وحدات لتحليل‪ $.‬وعندما‬
‫يصبح لدينا موضوع واضح لبحث وبعض الفر‪$‬ضيات‪ ،‬نستطيع الت ّن‪$‬بؤ بالمقولات‪.$‬‬
‫ص‪$‬يات‪ $‬هو خطوة ها مة لتحليل‬
‫إ ّن اختيار المقولات التي تمّثل في الكلمة‪ ،‬الموضوع‪ ،‬الفقرة والشخ ّ‬
‫ّ‬
‫المضمون‪ ،‬فالمقولات هي التي تسمح بوصف الد ارسة‪ ،‬ألنها تمّثل الص‪$‬لة بين الهدف من البحث والنتائج‪،$‬‬
‫لذلك تت ّمثل قيمة تحلي‪$‬ل المضمون في قيمة مقو‪$‬لاته الشاملة‪ $.‬أ ما في ما يخ ّص مالءمة اختيار‪ $‬المقولات‪،‬‬
‫ّ‬
‫ص‪$‬ية الجودة والخبرة‪ ،‬كما تعتمد على خبرة الباحث وحدسه ومعرفته بالمك‪$‬ان‪ .‬والجدير بالذكر‬
‫فإنها تطّلب خا ّ‬
‫هنا أ ّن عم ّل‪$‬ية‪ $‬وصف‪ $‬النتائج‪ $‬ال ّتبع قو‪$‬اعً‪$‬دا صارمة‪ ،‬فاألمر يتع‪$‬لّق بتقديم خصائص المحتوى المّحلل في‬
‫ن ّص ما‪ ،‬والتي ت م التعبير عنها في شكل أعداد في نهاية المرحلة السابقة‪ ،$‬ث م قتّ‪$‬دم نسب مئوّية مع م ارعاة‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ض‪$‬يات‪.‬‬
‫التدقيق‪ ،‬لتأ ّكد من ص ّحة الفر ّ‬
‫عم ّل‪$‬ية تحليل المحتوى قت تضي االلت ازم بمجموعة من الخطو‪$‬ات المنه ّج‪$‬ية‬ ‫وعمو ما‪ ،‬فإ ّن‬
‫والنظرّية‪$‬‬ ‫ً‪$‬‬
‫نل ّخصها كاآلتي‪:‬‬
‫ض‪$‬يا‪$‬ته‪،‬‬
‫‪ -‬تحديد الخلفية النظرية لموضوع الد ارسة‪ ،‬والتي تشمل النظرّية‪ $‬المت ّب‪$‬ناة‪ ،‬تساؤلات‪ $‬البحث‪ ،‬فر ّ‬
‫أهدافه‪ ،‬الوحدة المت ّب‪$‬ناة في تحليل المحتوى والتحديد الدقيق لفئات التحليل‪.‬‬
‫‪ -‬نب اء استمارة لتطبيقها‪ $‬في تحليل المحتوى‪ ،‬بحيث‪ $‬تشمل المعا ير التي تم ّكننا من الت ّع‪$‬رف على فئا‪$‬ت‬

‫المضمون‪.‬‬
‫‪ -‬قياس صدق هذه االست‪$‬مارة عن طريق‪ $‬عرضها‪ $‬على محكمين‪ ،‬وبعد استرجاع إجابات المحكمين‬
‫يقوم الباحث‪ $‬بتفريغها واستبيان المعايير‪ $‬التي رفضها المحكمون أو‪ $‬اختلفو‪$‬ا عليها‪ ،‬واالحتفاظ با‪$‬لمعايير‬
‫التي اّتفقوا عليها‪.‬‬
‫‪ -‬قياس ثبات‪ $‬استمارة المعايير بتطبيق االختبار القبلي وتجريبها‪ $‬على مضمون إعالمي أو أدبي أو‪$‬‬
‫سياسي م ّع‪$‬ين‪ ،‬مع القيام نب فس االختبا ارت لمعالجة اإلحصائية في قيا‪$‬س ثبات االستبيانات‪.$‬‬

‫‪ 1-‬أ‪ $.‬ال ارمي و ب‪ $.‬فالي ‪ :‬البحث فيـ االتـصال ‪-‬عناصر منهجية‪ $،-‬ترجمة ميلود سفاري وآخرون‪ ،‬مخبر‪ $‬علم‪ $‬اجتما‪$‬ع اا‪$‬لتصال‪،‬‬
‫جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪-‬الج ازئر‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪246$.،245‬‬
‫ع‪$‬ينة الدر‪$‬اسة بالطريقة المناسبة لطبيعة البحث‪ ،‬عل ما بأ ّن الطرق‬
‫‪ -‬تحديد مجتمع الدراسة واختيار‪ّ $‬‬
‫ً‬
‫االحتمالية هي األفض‪$‬ل‪ ،‬فإذا كان مجتمع الد ارسة هو الصحف‪ $‬الوط ّن‪$‬ية‪ ،‬فنختار منه‪ $‬عّ‪$‬ينة مثل‬
‫جريدة الخبر أو جريدة الشعب‪$.‬‬
‫‪ -‬إعداد جداول لحساب تك ار ارت الوحدة المطّ‪ $‬قب ة في ك ّل فئة من فئات البحث الم ّح‪$‬ددة من قبل البا‪$‬حث‬
‫وتبويبها وفق فئاتها ووفق المت ّغ‪$‬ي ارت المستقّلة والتابعة المختارة‪$.‬‬
‫‪ -‬إدخال البيانات‪ $‬الك مية في الحاسوب لقيام بعم ّل‪$‬يات التحليل اإلحصائي وقيا‪$‬س مختلف العالقات‬
‫ّ‬
‫بين المت ّغ‪$‬ي ارت قيا ًسا‪ $‬ك م يا‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬التحليل الكيفي لنتائج‪ $‬التي ترّتبت عن عم ّل‪$‬يات‪ $‬التحليل اإ‪$‬لحصائي‪ ،‬وهذا يعني ق ارءة هذه النتا‪$‬ئج‬
‫وصياغتها بطريقة أد ّب‪$‬ية‪ ،‬تجعلها مفهومة ومفيدة في مجال البحوث االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬كتابة التقرير‪ $‬النهائي أين يت م الربط بين أبعاد البحث الكّلي النظري والتطبي‪$‬قي‪ ،‬والتأ ّكد من صدق‬
‫ّ‪$‬‬
‫ض‪$‬يات من عدمه‪ ،‬وصياغة ا قل و‪$‬انين العا مة التي يمكن تطبيقها على الظواهر االجتما‪$‬عية‬
‫الفر ّ‬
‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫المشابهة‪.‬‬
‫على هذه الخطوات المنهجية‪ ،‬ي ّمثل تحلي‪$‬ل المضمون أحد أه م مناه‪$‬ج البحث في جمع وتحلي‪$‬ل‬
‫ّ‪$‬‬ ‫وبنا ًء‬
‫البيانات‪ $‬في البحوث االجتماعية وفق طرق خا‪ّ $‬صة وم ّم‪$‬يزة ال توجد في المناهج األخرى‪ .‬وغالً‪$‬با ما ينتشر‬

‫استخدامه في بحوث اإلعالم‪ ،‬إّ‪$‬ال أنه‪ $‬يمكن استخدامه في ميادين أخرى‪ ،‬منها علم‪ $‬النفس وعلم االجتماع‪$‬‬
‫في حقول البحث العلمي‪ .‬ويمكن أن نل ّخص‪$‬‬
‫وعلم السياسة‪ .‬وبذ‪$‬لك تزداد أهمّ‪$‬يته مع ازدياد وتو ّسع انتشاره‬
‫هذه األهمية في‪:‬‬
‫‪ -‬يهدف منهج تحليل المحتوى إلى تحليل المو‪$‬ضوعات والظو‪$‬اهر وأنماط السلوك المتض منة في النصوص‬
‫ّ‬
‫والمضمون اإلعالمي والت ارث األ‪$‬دبي والثقافي‪.‬‬
‫‪ -‬إنه طريق نحو اكتشاف مالمح الشخصية في الخطاب أو الن ّص من حيث السمات القيادّ‪$‬ية إن كان األمر‬
‫يتعّلق بالقيادّ‪$‬ية‪ ،‬أو المضامين اإليديو‪$‬لوجي‪$‬ة إن كان األمر يتعلّق بالكتب اإليديولوجية‪ - .$‬يستخدم‬

‫تحليل المحتوى كثي ار في ميادين السياسة الخا‪$‬رجية‪ $‬والعالقات الدولية‪ $‬عندما يتعلّق األمر بد ارسة‬
‫ص‪$‬ناع الق ارر في أزمة م ّع‪$‬ينة أو سلوكهم أثناء فت ارت الص ارع أو التو‪ّ $‬سع االمب ارطوري‪$.‬‬
‫سلوك ّ‬
‫‪ 1-‬عامر مصباح‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪107 $.،106‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫‪ -‬إنه مناسب في تحليل الوثائق التا‪$‬ريخية والسج‪ّ $‬الت والمحاضر عند تحليل السياسة الخا‪$‬رجية لد‪$‬ولة م ّع‪$‬ينة‪ ،‬أو نت او‪$‬ل‬

‫فترة تا‪$‬ريخية م ّع‪$‬ينة‪ .‬كما هو مناسب أي‪$‬ضا في تحليل األرشيف‪ $‬اإلعالمي عندما يتعّلق األمر بد ارسة‬

‫موضوع اإلعالم‪ $‬في مرحلة من م ارحل تط ور المجتمع البشري‪$.‬‬


‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬يستخدم تحليل المضمون لمعرفة طرق وأدوات وأبعاد التأثير اإلعالمي في مجرى التاريخ‪ $‬البشري أو في‬
‫توجيه األحداث العالمية الكبرى‪.‬‬
‫‪ -‬يستخدم تحليل المضمون في ميادين علم النفس عندما يتعّلق األمر بد ارسة شخصية الفرد‪ ،‬فيطلب منه‬
‫كتابة فقرة أو موضوع إنشاء‪ $‬كطريق لعالج النفسي‪ $.‬ومن ث م فهو‪ُ $‬يستخدم في معرفة شخصية‪ $‬الطفل في‬
‫ّ‪$‬‬
‫المؤ ّسسة التعليمية‪ ،‬من خالل القيام بتحليل مضمون الب ارمج التربوية أو‪ $‬الكتاب المدرسي‪$.‬‬

‫‪ُ -‬يستخدم منهج تحليل المضمون لمعرفة االتجاهات السياسي‪$‬ة التي تلّقن لألطفال في المدرسة‪ $‬عن طريق‬
‫تحليل مضمون الكتاب المدرسي أو التنش‪$‬ئة السياسية لمجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬كما ُيستخدم في معرفة ثقافة وقيم واعتقادات مجتمع م ّع‪$‬ين في مرحلة م ّع‪$‬ينة من تاريخه‪ ،‬عن طريق تحليل‬
‫)‪(1‬‬
‫مضمون الت ارث الثقافي‪ ،‬الشعر‪ ،‬النثر‪ ،$‬األ‪$‬مثا‪$‬ل والحكم‪.‬‬
‫ولنجاح عملية تحليل المضمون ينبغي‪:‬‬
‫‪ -‬تك ارر الق ارءة المتأ ّن‪$‬ية‪ $‬والفهم العميق لماّ‪$‬دة االتصا ّل‪$‬ية مو‪$‬ضوع التحليل قبل اختيار الفئات وعدم قبول‬
‫ّأ‪$‬ية أحكام أو آ ارء أو أفكار أو افت ارضات مسبقة‪.$‬‬
‫‪ -‬ترك الماّ‪$‬دة االتصالية ت ّح‪$‬دث نب فسها‪ ،‬فت ّع‪$‬بر عن نفسها في شكل ئف ات تّسم بالموضوعية‪ - .$‬الحفاظ على‬

‫االر‪$‬تباط الو‪$‬ثيق بين الم ّا‪$‬دة االت‪$‬صالية موضع التحليل وبين الفئات‪ ،$‬بحيث تجد الفئ‪$‬ات‬

‫مكانها بشكل طبيعي في تلك الم ّا‪$‬دة‪.‬‬


‫وبالرغم من أهمية منهج تحليل المحتوى تظهر عيوبه إذا نظرنا إلى حجم المشكالت التي يثيرها‪ ،‬ألنه‬
‫من الصعب معرفة إلى أ ّي ّح‪$‬د تستمّ‪$‬ر عملية التحليل الك مي لم ّا‪$‬دة االتصال ومتى يمكن االستعانة بالتحليل الكيفي‪ .‬كما‬
‫ّ‬
‫يصعب تحقيق شرط الموضوعية ألنه توجد إمكانية ت ّح‪$‬يز الباحث في ق ارءة وفهم المضمون‬

‫مح ّل الدر‪$‬اسة بسبب سيطرة أفكاره الخا ّصة‪ $‬واعتقاداته على طريقة تفكيره واد اركه لألشياء‪ ،‬فا‪$‬لبا‪$‬حث يتعامل‬

‫ّص ولي‪$‬س مع صاحب الن ّص‪ $.‬فالتعامل مع النصوص ال يعطي الصورة الكاملة حول الشخصيات‪$‬‬ ‫مع الن‬
‫الشخصية الحقيقية تغيب و ارء النصوص‪ ،‬كما أ ّن تحلي‪$‬ل المضمون ال يعطي الصورة‬ ‫التي كتبتها‪ ،‬أل ّن‬

‫‪-‬‬
‫‪57-‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلسهام النظري للبحث االجتماعي وتصنيفات المناهج العلمية‬

‫‪ 1-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪111.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪58-‬‬
‫)‪(1‬‬
‫إضافة إلى أ ّن تحلي‪$‬ل المضمون يطّ‪$‬بق فقط على‬ ‫الحقيقية عن المشاعر والعالقات وعمليات التفا‪$‬عل ‪.‬‬

‫ُكت بت في الماضي‪ ،‬م ما ُيظهر محدو ّد‪$‬يته في القدر‪$‬ة على الت ّن‪$‬بؤ‪$‬‬ ‫الماضي‪ ،‬فهو يقوم بتحليل النصوص التي‬
‫ّ‬
‫والتعامل مع الحا‪$‬ضر‪.‬‬

‫وخالصة لهذه المناهج‪ ،‬تّضح أهمّ‪$‬ية المناهج الك ّم‪$‬ية في إعطاء الدّقة العلمّ‪$‬ية‪ $‬لمناهج الكي ّف‪$‬ية‪ ،‬وأه م منهج ال‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫تستطيع المناه‪$‬ج األ‪$‬خرى االستغناء عنه هو المنهج اإلحصائي‪ ،‬فالفرد العاد‪$‬ي ال يستطيع االستغناء‪$‬‬
‫في حياته اليو ّم‪$‬ية عن اإلحصاء‪ ،‬فهو ي ّع‪$‬د األشي‪$‬اء ويحسب المجموع ويستخر‪$‬ج النسب المئوّية والمتو ّسطات‬
‫ويقارن ويص‪$‬ف‪ $.‬فهو يرى أ ّن هذه العم ّل‪$‬يات‪ $‬تقوده إلى اإلد‪ $‬ارك الواضح لمحتويات البيئة والى اأ‪$‬لساليب‪$‬‬

‫الصحيحة في الو‪$‬صف والمقارنة‪.‬‬


‫وتأ‬ ‫زمن يا من حيث‬ ‫العلوم مرّتبة ترت ًي‪$‬با‬ ‫وفي مجال المعرفة والعلوم يعتبر العلماء أ ّن‬
‫ت ّق‪$‬دمها ّخرها‬
‫وذلك بحسب أخذها لغة الك م في مجال بحثها‪ ،‬ويعتبرون أ ّن الرياضيات هي أرقى العلوم ألنها تستخدم لغة الك م‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫دائما‪ ،‬ولهذا ُيعتبر المنهج اإلحصائي أكثر‪ $‬المناهج انتشاا‪$‬ر بين العلوم‪ ،‬والدليل على ذلك أ ّن ك ّل العلوم‬
‫ً‪$‬‬
‫التي قت وم على المالحظة ال غن‪$‬ى لها عن‪ $‬استخدام اإلحصاء‪ $‬في إقامة القو‪$‬انين التي تعتمد على تلك العلوم‪.‬‬
‫ولقد حاو‪$‬ل الكثير من المف ّكرين أن يجعلوا من اإلحصاء عل ما له قواعده وقوانينه‪ ،‬وحاول البعض اآلخر أن‪$‬‬
‫ً‬
‫يجعله عل ما تاب ًعا لعلوم التجري ّب‪$‬ية‪.$‬‬
‫ً‬
‫أ ما التفكير الحديث فقد جعل اإلحصاء أداة لقياس ومنه ًجا لبحث يقّ‪$‬دم لعلماء الماّ‪$‬دة الخام التي‬
‫ّ‬
‫تساعد على إقامة ا نل ظّريات‪ ،$‬فاإلحصاء‪ $‬كما يشير كيتـليه هو‪ $‬الوسيلة الوحيدة التي ُتستخدم‪ $‬في د ارسة‬
‫ّضح كورنو يساعد على تجميع وتنسيق عّ‪$‬دة‬ ‫الظواهر‪ $‬التي ال نستطيع أن‪ $‬نجري عليها التجا‪$‬ر‪$‬ب‪ .‬وهو كما يو‬
‫ع‪$‬يات مختلفة‪ $‬ويم ّكننا من الحصو‪$‬ل على بيانات ندركها بطريق الح‪ّ $‬س‪ .‬ونعني باإلحصاء هنا تطبيق‬
‫وقائع ذات نو ّ‬
‫ض‪$‬ية‪$‬‬
‫ض‪$‬ية على الظو‪$‬اهر االجتماعّ‪$‬ية‪ ،‬وهو بذلك يعكس نتائج البحث العلمي في صورة ريا ّ‬
‫الوسائل الريا ّ‬
‫يعتمد على‬ ‫باألرقام أو‪ $‬الرسوم البيا ّن‪$‬ية‪ ،‬أي في صورة ك ّم‪$‬ية لتسهيل عم ّل‪$‬ية المقا‪$‬رنة‪ .‬فالمنهج اإلحصائي‬
‫ّ‬
‫المالحظة وجمع البيانات‪ $‬ونقدها ث م تبويبها‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ 1-‬أ‪ .‬ال ارمي و ب‪ .‬فالي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪24$.،247‬‬
‫‪8‬‬
‫ولقد است ّم‪$‬ر ال ّت‪$‬يار‪ $‬اإلحصا‪$‬ئي في النم و حتى انتهى إلى ظهور اإلحصاء األخالقي لعالم البلجي‪$‬كي‬
‫ّ‪$‬‬
‫كيتليه‪ ،‬وأعطى أوغست كونت مؤ‪ّ $‬سس علم اا‪$‬لجتماع أه ّم‪$‬ية وضرورة استخد‪$‬ام هذا المنهج‪ ،‬كما استخدمه‬
‫)‪(1‬‬
‫إيميل دوركايمـ في وضع قوانين اجتماعّ‪$‬ية عن ظاهرة االنتحار‪.‬‬
‫إ ّن المنهج اإلحصائ‪$‬ي في العلوم االجتماعّ‪$‬ية وفي علم االجتماع بص‪$‬فة خا ّصة‪ ،$‬يجعل الباحث‪ $‬يت ّج‪$‬رد‬

‫من عواطفه ومشاعره ويحكم على الظو‪$‬اهر حك ما موضوع ي‪ $‬ا‪ ،‬فاألرق‪ $‬ام هي ال‪$ $‬تي تكّلم وت ّب‪$‬ين طبيعة الظاهرة‪.‬‬
‫ً‬
‫فالب ‪$‬احث عند وضعه لق ‪$‬و‪$‬انين في صورة ك ّم‪$‬ي ة‪ ،‬تكون نتائجه أق ‪$‬رب إلى الدقّة العل ّم‪$‬ي ة وبعي ‪$‬دة عن مرون‪ $‬ة اأ‪$‬للف ‪$‬اظ‪ $‬والتعبي‬
‫ّ‬
‫ارت ا لغّوية وعن الغموض واإلبهام‪ .‬فنظرة واحدة إلى رسم بيا‪$‬ني تكفي إلعطاء الفرد فكرة واضحة‬

‫ع‪$‬ية أو ارتباط ظاهرة بأخرى أو المقا‪$‬رنة بين ظاهرتين‪ .‬فكّلما كانت‬


‫عن تطّ‪$‬ور ظاهرة من الظواهر االجتما ّ‬
‫النتائج دقيقة كان الت ّن‪$‬بؤ أكثر ّد‪$‬قة في ميدان هذه الظاهرة‪ ،‬م ما يساعد على ح ّل الكثير من المشكالت‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫االجتما ّ‬
1- Benoit Dardenne; et al: La recherche en psychologie -méthodologie et statistique-, Louvain-la-Neuve,
Bruylant-Academia, Belgique, 2001, p111,112.
‫الفصل الثاني‬

‫المدارس المنهجية الكبرى‬


‫أهم‬
‫ّ‬

‫‪-‬‬
‫‪60-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫نقصد بالمدرسة في العلوم االجتماعّ‪$‬ية مذهً‪$‬با فلسف يا أو اجتماع يا ينتمي إليه أنصار‪ $‬ومعارضو‪$‬ن‪،‬‬

‫حيث يت ّق‪$‬يدون بتعاليمه ويسعون إلى تحقيق الغاية منه‪ .‬ومن أه م هذه المدارس‪$:‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫أوال‪ :‬المدرسة اإلسالمّـية‬
‫ُيقصد بالنظّرية االسالمّ‪$‬ية في السوسيو‪$‬لوجيا أسلمة علم االجتماع موضو ًعا ومنه ًجا وتص وار ورؤية‪،‬‬
‫ّ‪ً $‬‬
‫ع‪$‬ية واالحتكام إلى المعيار األخا‪$‬لقي والقيمي‬
‫فهي ت ّمثل العقيدة الّربانّ‪$‬ية في التعامل مع المواضيع االجتما ّ‬
‫ضمن رؤية‪ $‬اسالمّ‪$‬ية‪ $‬بعيدة عن الطائ ّف‪$‬ية‪$‬‬ ‫أثناء التعامل مع الوقائع والظواهر المجتم ّع‪$‬ية‪ ،‬و قت ديم الحلول‬
‫والمذه ّب‪$‬ية والعر ّق‪$‬ية‪ ،‬واستحضار العقل اإلسالمي في التحليل والتشخيص والتركيب وتوجيه المجتمع وتعديله‬
‫وتغييره‪.‬‬
‫الت ارث اإلسالمي وتعاليمه‪ ،‬فهو الحيوان المتمّ‪$‬يز بالعقل‬
‫في ظ‬ ‫اإلنسان‬ ‫إذا انطلقنا‪ $‬من مفهوم‬
‫ّل‬
‫والروح والقادر على‪ $‬التفكير المجّ‪$‬رد وعلى استخدام الرموز المختلفة‪ ،‬ذو‪ $‬ا نل زعة الطبي ّع‪$‬ية نحو االجتماع‪$‬‬

‫والقادر على صنع الثقافة وبناء الحضارة‪ ،‬المتمّ‪$‬يز بطموحه ومغامراته واهتمامه بالمستقبل وح ّب التملّك وذو‪$‬‬
‫النزعة‪ $‬الطبي ّع‪$‬ية نحو‪ $‬التدّ‪$‬ين والتفكير‪ $‬الميتافيزيق ي‪ .‬ومن أه م خصائص‪ $‬اإل‪$‬نسان حسب‪ $‬التيار‪ $‬الفكر‪$‬ي اإل‪$‬سالمي‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫ّأ‪$‬نه ُخلق من طين على شكل مت ّم‪$‬يز يد ّل على عظمة الخالق وكمال قدرته‪ ،‬وُيذ ّكر اإلنسان منذ بداية تكوينه‬

‫بن عم اهلل التي ال ُتحصى عليه والعالقة الوثي‪$‬قة التي تربط بينه وبين الطبيعة المحيطة به‪ .‬ولكن مهما كانت‬
‫)‪(1‬‬
‫دقة خلق اإلنسان فهي ال تع د شيئا بالنسبة لقدرة اهلل وا اردته‪$.‬‬
‫ُ ّ‪ً $‬‬ ‫ّ‬
‫إ ّن النظرة الكّّلية الشام‪$‬لة لإلنسان التي يؤّ‪$‬ديها اإ‪$‬لسالم بما فيه من آيات قرآ ّن‪$‬ية كريمة وأحاديث نبوّية‪$‬‬
‫العقل والفطرة السليمة‪ $‬وما يتماشى مع النظّريات الحديثة في‬ ‫شريفة وأقو‪$‬ال معتبرة لعلمائه‪ ،‬هي ما يقبله‬
‫الطبيعة اإلنسا ّن‪$‬ية‪ .‬فهذه ا نل ظّريات ترى أ ّن الطبيعة اإلنسا ّن‪$‬ية ال نت قسم إلى جز ّئ‪$‬يات صغيرة أو كب‪$‬يرة باختالف‬
‫جزء فيه باألج‬ ‫األسماء التي ُتعطى لها‪ ،‬ولكّ‪$‬نها ك ّل متكامل بجميع أج ازئه‪ ،‬متفاعل‪ ،‬يؤّثر ويتأّثر ك ّل‬
‫ازء‬
‫األخرى‪ .‬وهذا التفاعل أساس ي في إكساب الطبيعة اإلنسا ّن‪$‬ية‪ $‬النمط الذي تستهدفه لها‪ .‬فالتفاعل يكون بين‬
‫ّ‬
‫طبيعة إنسا ّن‪$‬ية مت ّغ‪$‬يرة وبين بيئة اجتماعّ‪$‬ية مت ّغ‪$‬يرة ومتط ورة أيضا‪ .‬وتقابل‬
‫ّ‪$‬‬
‫هذه ا نل ظرة الكّّلية الشاملة لإلنسان نظّريات انشطا‪ّ$‬رية تّركز في مفهومها لإلنسان وفي‬

‫ص‪$‬يته‪ .‬فترّكز على الجانب‪ $‬الجسم ي أو‪ $‬الم ّا‪$‬د ّي‬


‫اهتمامها بهذا اإلنسان على جا‪$‬نب أو شطر م ّع‪$‬ين من شخ ّ‬
‫ّ‬
‫‪-‬‬
‫‪61-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫كما هو الحال عند الماّ‪ّ $‬د‪ $‬ين والح ّ ّس‪ $‬ين‪ ،‬أو ترّكز على الجانب العقلي يف ه كما هو الحال عند‪ $‬العقلّ‪ $‬ين أو‪$‬‬

‫‪ 1-‬محمد لبيب النجيحي‪ :‬مق ّدمة في فلسفة التربية‪ ،‬ط‪ $،2‬مكتبة االنجلومصرية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1967 ،‬م‪ ،‬ص‪256$.‬‬

‫فالم ّا‪ّ$‬ديون ينظرون إلى‬


‫ص‪$‬وفين (‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫وبعض المت‬ ‫ترّكز على الجانب الر‪$‬وح ي كما هو الحال عند الر‪$‬و ّح‪ $‬ين‬
‫ّ‬
‫على ّأ‪$‬نه‪ $‬جزء ال يت ّج‪$‬أز من الكون‪ ،‬يخضع نل فس القوانين‪ $‬التي يخضع لها سائر‪ $‬أج‪ $‬ازء ذلك الكون‬ ‫اإلنسان‬
‫ع‪$‬ينة معم ّل‪$‬ية‪ .‬ومن‬
‫الذي يتنا‪$‬وله العلم بالد ارسة والتحليل‪ ،‬وعلى ّأ‪$‬نه يخضع لد ارسة‪ $‬العلمّ‪$‬ية والوصف‪ $‬العلم ّي كأّ‪$‬نه ّ‬
‫النماذج المتطّ‪$‬رفة لهذه الد ارسة‪ $‬المعم ّل‪$‬ية إللن‪$‬سان‪ ،‬تلك الد ارسة التي أشا‪$‬ر إليها‪ $‬هوارد في كتابه "المدرسة‬

‫الصحيحة لجنس البشر ّي"‪ ،‬والتي أرجع فيها اإلنسان إلى ك ّم‪$‬يات من الدهن والكاربون والفو‪$‬سفور والجير‪$‬‬
‫ّ‬
‫وغيرها من المو ّا‪$‬د‪ .‬إّ‪$‬ال أ ّن هذا التحليل الماّ‪$‬دي الم‪$‬تطّ‪$‬رف لطبيعة اإل‪$‬نسان ال يتماشى مع روح اإل‪$‬سالم وتعاليمه‬
‫التي تؤّ‪$‬كد في وضوح أ ّن اإل‪$‬نسان‪ $‬هو جسم وعقل وروح‪ ،‬وأ ّن هذه العناصر‪ $‬المترابطة المتشابكة‪ $‬تش ّكل ُك ال‬
‫متكام ًال يصعب إخضاعه لمثل هذا التحليل الم‪$‬عملي البسيط‪.‬‬
‫يؤّ‪$‬كد أندرو كونواي إيفي في كتاب "اهلل يتجّلى في عصر‪ $‬العلم" أ ّن النو‪$‬احي الروحا ّن‪$‬ية واألخال ّق‪$‬ية‬
‫في حياة اإلنسان وما ينبغي أن تفعله‪ ،‬لها أه ّم‪$‬ية بالغة با‪ $‬نل سبة لسالمة اإلنس‪$‬ان ورفاهّ‪$‬يته‪ ،‬وهي أه ّم‪$‬ية تفوق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أه ّم‪$‬ية معرفته وسيطرته على الطبيعة الغير إنسا‪ّ $‬ن‪$‬ية‪ (2) .‬فعلماء‬
‫ّ‬
‫ص‪$‬ية اإلنسا ّن‪$‬ية وهي الجسم والعقل‬
‫اإل‪$‬سالم عندما يعترفون بوجود هذه األبعاد الرئي ّس‪$‬ية لشخ ّ‬
‫والروح‪ ،‬يؤّ‪$‬كدون على ضرورة ّا‪$‬تساقها وتعاونها وانسجامها وارضاء مطالبها جمي ًعا بدون إف ارط‪ ،‬فهم‬
‫يدركون‬
‫األه ّم‪$‬ية البا‪$‬لغة لك ٍّل منها بالنسبة لحياة اإلنسا ّن‪$‬ية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّحتى اعتبره بعضهم أه م ما في اإلنسان وأه م ما‬ ‫لقد أدرك فالسفة وعلماء اإلسالم أه ّم‪$‬ية العقل‪،‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫ي ّم‪$‬يزه عن الكائنات ال ّح‪$‬ية‪ $‬األخرى‪ ،‬كما اعتبروا أ ّن مزاولة التأ مل هي أكمل حا‪$‬الت الوجود اإلنسان ي‪ .‬ويو ّضح‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدكتور زكريا إب ارهيم خصائص اإلنسان في ّأ‪$‬نه ذلك الوجود البشري أو المخلوق المتسائل الذي يكاد ال‬
‫جاهزة‪،‬‬
‫دائما يتساءل ّأل‪$‬نه ال يرى في ما حوله حلوًال‬ ‫يك ّف عن إثارة المشاكل والتساؤلات‪ ،$‬فاإلنسان‬
‫لذلك‬
‫فهو مضطّ‪$‬ر إلى أن يبحث عن التفسير الذي يز‪$‬يح النقاب عن ال ّس‪$‬ر‪ .‬فاإلنسان ال يتفلسف ّأل‪$‬نه يشقى ويتأ‪ّ$‬لم‬

‫فحسب‪ ،‬بل هو يتفلسف ّأل‪$‬نه يم ّل ويسأم‪ $.‬إ ّن‬

‫‪-‬‬
‫‪62-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫ع‪$‬ية هو ميله‪ $‬إلى الحياة في مجتمع إنسان ي ونحو‬


‫ما يمتاز‪ $‬به‪ $‬اإلنسان من حيث‪ $‬طبيعته االجتما ّ‬
‫ّ‬
‫نب اء عالقات اجتماعّ‪$‬ية متن وعة‪ $‬مع غيره بما زوده اهلل من عقل وعواطف‪ ،$‬وعلى اكتساب خب ارت جديدة وعلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫تغيير سلوكه حسب مقتضيات‪ $‬البيئة االجتماعّ‪$‬ية‪ $‬والطبي ّع‪$‬ية التي يتفاعل معها ويعيش فيها‪ .‬وفي‪ $‬الوقت الذي‬

‫‪ 1-‬أحمد زكي‪ :‬اأ‪$‬لخالق والقيم والعادات في حياة الناس‪- $‬م‪$‬ا مصادرها؟‪ ،-‬مجلة العربي الكويتّـية‪ ،‬العدد ‪ ،168‬نوفمبر ‪1972‬م‪،‬‬
‫ص‪.9،8‬‬
‫‪ 2-‬عمر التومي الشيبان‪$‬ي‪ :‬مق ّدمة في الفلسفة االسال ّمـية‪ $،‬الدار العربية‪ ،‬ليبيا‪ ،‬تونس‪1990 ،‬م‪ ،‬ص‪143$.،142‬‬

‫‪-‬‬
‫‪63-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫يشعر فيه اإلنسان بحاجته إلى االنتماء إلى جماعة والى مجتمع‪ ،‬فإّ‪$‬نه يظ ّل حري ًصا على الحفاظ على‪$‬‬

‫ص‪$‬يته المستقّلة وكيانه المستق ّل‪ ،‬ومن ث م يمكن القول بأ ّن ا نل زعة الفر ّد‪$‬ية موجودة جًنبا إلى جنب مع الرغبة‬
‫شخ ّ‬
‫ّ‪$‬‬
‫ص‪$‬ية مستقّلة‬
‫الجماعّ‪$‬ية المل ّحة في اإل‪$‬نسان‪ .$‬وقد اعترف اإلسالم بهذه النزعة الفطرّية‪ $‬في اإلنسان فمنحه شخ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫لها دورها الف ّعال في نب اء المجتمع‪.‬‬

‫كذلك يمتاز اإلنسان باستعداده لبناء‪ $‬الثقافة والحضارة وصنع الت ّق‪$‬دم وبقدرته على المساهمة مع غيره‬

‫من بني البشر في ذلك البناء‪ $‬والصنع‪ .‬فالثقاف‪$‬ة التي من بين معانيها ذلك الت ارث المت اركم من المعارف والمفاهيم‬
‫واألفكار واآل ارء والرموز ذات الداللة والعادات والتقاليد والقوانين والقيم والمعتقدات وأسا‪$‬ليب وأنماط‪$‬‬
‫ع‪$‬ية في مفهومها المعنو ّي‪ ،‬هي نتاج لتفاع‪$‬ل الفكر ّي واالجتماع ي إللنسان‬ ‫الحياة المختلفة والمؤ ّسسات االجتما ّ‬
‫ّ‬
‫مع أخيه اإلنسان‪ ،‬ولتفاعل اإلنسان مع بيئته العا مة الثقافّ‪$‬ية واالجتماعّ‪$‬ية والطبي ّع‪$‬ية‪ .‬وكما يمتاز اإلنسان‬
‫ّ‬
‫ص‪$‬ية الروح التي من مظاهرها النزعة نحو التدّ‪$‬ين والنزعة األخالقّ‪$‬ية‪$‬‬
‫ص‪$‬ية العقل‪ ،‬ف ّإ‪$‬نه يمتاز أيضا بخا ّ ّ‬
‫بخا ّ ّ‬
‫واإل اردة‪ ،‬وفي المقا‪$‬بل فهو يمتاز‪ $‬بتقّلب طبيعته‪ $‬وتّردده بين حاالت‪ $‬السم و الروح ي التي تصل به أحياً‪$‬نا‪ $‬إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫مستوى المالئكة‪.‬‬

‫لقد ّتوفر لمسلمين منذ ال قدم األسلوب العلمي والمنطقي في البحث‪ ،‬خا ّصة في مجال الع‪$‬لوم الطبي‪ّ $‬ع‪$‬ية‬
‫والكيمياء‪ ،‬والطب والصيدلة‪ $‬والعلوم الكو ّن‪$‬ية‪ُ .‬ويعتبر الفا اربي من المت ّق‪$‬دمين في تاريخ قتّ‪$‬دم الفكر‪ ،$‬ومن أبرز‬

‫ّتأثر بفكر أرسطو‬ ‫علماء العرب الذين حاو‪$‬لوا أن يؤ ّسسوا منه ًجا‪ $‬لعلم االجتماع‪ ،‬وعلى الرغم من ّأ‪$‬نه‬

‫ذلك با‪$‬لفكر اإلسالمي من خالل كتابه المشهور "آ ارء أهل المدينة‬ ‫وأفالطون‪ّ ،‬إال ّأنه حا‪$‬ول أن يدمج ك‬
‫ّل‬
‫الفا‪$‬ضلة"‪ ،‬الذي أ ّق‪$‬ر فيه عن بداية االهتمام بالحاجة اإلنسا ّن‪$‬ية إلى االجتماع والتعاون‪ ،‬بمعنى أ ّن اجتماع‪$‬‬

‫اإلنسان بأخيه اإلنسان هو ضرورة فطّرية واجتماعّ‪$‬ية‪ ،‬فعندما يت م االجتماع يتحّقق التعاون من خالل قت سيم‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫العمل االجتماعي على أقوام تخت ّص ك ّل فئة‪ $‬بحرفة أو‪ $‬مهنة م ّع‪$‬ينة‪ ،‬ومن ث م يتحّقق التكامل‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫والواقع أ ّن الفاـ اربي الذي تأّثر بجمهوّرية أفالطون وآ ارء أرسطو السياسّ‪$‬ية‪ ،‬قد جمع ك ّل ذلك ومزجه‬
‫أنه لم يؤ سس لمنهج معين‪ ،‬أل تفكيره‬ ‫بتعاليم الدين اإلسالمي ليضع تص وره حو‪$‬ل الم‪$‬دينة الفاض‪$‬لة‪ّ ،‬إ‪$‬ال‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫ّن‬
‫مزيج من الفلسفة‪ $‬والتص وف وهو أقرب إلى التفك‪$‬ير الفلسفي‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬

‫‪-63-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫‪ 1-‬عبد اهلل زكريا األنصاري‪ :‬بين العقل والعاطفة في عالمنا العربي المعاصر‪ ،‬مجلة العربي الكوي ّتـية‪ $،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،157‬ديسمبر‬
‫ص م‪.9،81976،‬‬
‫‪ 2-‬بلقاسم سالط‪$‬نية‪ ،‬حسان الجيالني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪60.،59‬‬

‫‪-63-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫ابن سينا ُيعتبر من أعظم‪ $‬علماء‬ ‫وفي نفس هذا السياق التار‪$‬يخي الفكري‪ ،‬يقول جورج سارتنـ أ‬
‫ّن‬ ‫اإل‪$‬سالم ومشاهير العلماء العال ّم‪ $‬ين‪ .‬وبالنظر إلى ابن الهيثم‬
‫فقد قّلب األو‪$‬ضاع القديمة وأنشأ‪ $‬عل ما ج ًي‪$‬دا‬
‫ً‬
‫أبطل يف ه علم المناظر وأنشأ علم الضوء الحديث‪ ،‬وأ ّن أثره‬
‫في الضوء ال يق ّل عن أثر نيوتن في الميكانيكا‪$.‬‬
‫الذين عرفهم التاريخ‪ ،‬واـلغ‬ ‫كما ُيعتبر البيـروني من أه م‬
‫ص‪$‬يات‪$‬‬ ‫خ‬‫ش‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪$‬‬
‫ب‬ ‫أعج‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫ز‬ ‫ا‬ ‫ّ‪$‬‬
‫ّ‬
‫رواد‪ $‬التفكير‪ $‬العقا‪$‬لني‬
‫ّ‬
‫ص‪$‬رح بيكون بأ ّن ابن رشد فيلسوف‬
‫التا‪$‬ري ّخ‪$‬ية اإلسال ّم‪$‬ية‪ .‬وي ّ‬
‫متين متع مق ص ّحح الكثير من أخطاء الفكر‪$‬‬
‫ّ‬
‫اإلنسان ّي وأضاف‪ $‬إلى ثم‬

‫ارت العقول ثروة ّق‪$‬يمة في التا‪$‬ريخ الفكري اإلسالمي‪ $.‬م ّما‬


‫سبق يمكن الحديث عن تّـيارين في المدرسة االسال ّمـية لعلم‬
‫االجتماع‪ّ :‬ت‪$‬يار ّأ‪$‬ول يربط أسلمة‬
‫ع‪$‬ية با‪$‬لمواضيع المّتصلة باإلسالم ت ارًثا وواق ًعا‬ ‫العلوم االجتما ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫وفكا‪$‬ر‪ ،‬والثاني يربط ذلك بالعقا‪$‬ئد اإلسال ّم‪$‬ية ‪.‬‬
‫ً‪$‬‬
‫لقد ظهرت ا نل ظّرية االسالمّ‪$‬ية في السوسيو‪$‬لوجيا كرّد فعل على‬
‫الكتابات السوسي‪$‬ولو ّج‪$‬ية الوض ّع‪$‬ية والمارك ّس‪$‬ية‪،‬‬
‫وقد ظهرت إلى أسلمة العلوم اا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية كبديل لتناقضات‬
‫التي وقع يف ها هذا الفرع من العلوم اإلنسا ّن‪$‬ية‪$.‬‬
‫كما ظهرت دعوات جديدة لتأصيل علم االجتماع في‬
‫الوطن العرب ي يمكن تصنيفها إلى ثالث تجارب‬
‫ّ‬
‫سوسيولو ّج‪$‬ية كبرى‪ :‬علم االجتماع العربي‪ ،‬تجربة علم‬
‫االجتماع القومي وتجربة علم االجتماع اإلسالمي‪.‬‬
‫ومن أه م السوسيولو ّج‪ $‬ين الذين دافعوا عن علم االجتماع‬
‫ّ‪$‬‬
‫القوم ي‪ ،‬الباحثان المصّريان‪ :‬أحمد الخ ّشاب‬
‫ّ‬
‫في كتابه "التفكير االجتماعي –د ارسة‪ $‬تكام ّل‪$‬ية لنظّرية‬
‫ع‪$‬ية"‪ -‬وعبد الباسط عبد المعطي في كتابه‬ ‫االجتما ّ‬
‫ي الع ارقي السوسيولوج معن خليل‬
‫عمر من‬
‫‪-‬‬
‫‪64-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫ّرية "اّتج‬ ‫االجتماع‪".‬‬ ‫فلقد‬ ‫ّن‪ $،‬مكتبة اال‪$‬نجلو‬


‫مصرية‪ ،‬القاهرة‪-‬‬
‫برهنت ومن جهة في اه‬ ‫مصر‪1963 ،‬م‪،‬‬
‫أخرى يعّ‪$‬د علم ات‬ ‫ص‪40$.،39‬‬
‫نظ‬ ‫النظرّية‬ ‫‪ 2-‬محمد عزيز‬
‫الحبابي‪ :‬اإلنسان‬
‫المدافعين الغيورين‬ ‫السياسّ‪$‬ية‬ ‫حيوان يتكّلم‪ ،‬مجلة‬
‫عن علم اجتماع‬ ‫عودة الحق‬
‫عربي‪ ،‬كما يتجّلى‬ ‫البن‬ ‫المغربية‪ ،‬العدد ‪،1‬‬
‫جوان ‪1973‬م‪،‬‬
‫بوضوح في كتابه‬ ‫خلدون‬ ‫ص‪108.،107‬‬
‫"نحو علم اجتماع‬
‫)‪(2‬‬ ‫أنها د‬
‫عر‪$‬بي‪".‬‬
‫ارسة‬
‫ترتكز النظرّية اإلسالمية‬
‫أصيلة‬
‫في علم االجتماع على‬
‫رفض التص و ارت‬ ‫لمسائ‪$‬ل‬
‫ّ‪$‬‬
‫السيا ّس‪$‬ية السوسيو‪$‬لو ّج‪$‬ية الو‪$‬ض ّع‪$‬ية‬
‫والظوا والمارك ّس‪$‬ية ورفض د‬
‫ارسة واقع المجتمع‬ ‫هر‬
‫الطبيعية العربي في ضوء الن‬
‫ازعات‪ $‬العر ّب‪$‬ية‪،‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫القو ّم‪$‬ية‪ ،‬الفئّوية‪،‬‬ ‫الو‪$‬ثيقة‬
‫الحز ّب‪$‬ية‪،‬‬ ‫الصلة‬
‫ب ك ّل‬
‫اإليديولو ّج‪$‬ية‪ $‬واإلثنّ‪$‬ية‪،‬‬
‫من‬
‫ومن ث م التركيز‪ $‬على‬ ‫اإلسالم‬
‫ّ‪$‬‬
‫المنظومة األخال ّق‪$‬ية‬ ‫والفكر‬
‫السياسي‪،‬‬
‫اإلسال ّم‪$‬ية‪ .‬وفي هذا‬
‫كما ُتعتبر‬
‫السياق يقول البروفيسور‬
‫مقّ‪$‬دمته‬
‫روزنثـال عن ابنـ‬ ‫بحثا في‬
‫خلدون بأنه‪ُ $‬يعتبر‪ $‬المف‬ ‫النقد‬
‫التاريخي ّكر السياسي الوحيد في‬
‫وفي علم اإلسالم‪ّ ،‬أل‪$‬نه‪ $‬أقام نظرّياته‪$‬‬
‫على تجربته‪$‬‬ ‫االجتماع‬
‫‪.‬‬
‫كرجل دولة وعلى‬
‫مقابالته مع الح ّكام‬
‫المسلمين ووضع‬ ‫‪ 1-‬زكي‬
‫نجيب‪$‬‬
‫نظرّيات سيا ّس‪$‬ية عن‬ ‫محمود‪:‬‬
‫فلسفة وف‬
‫أنظمة الحكم المختلفة‪،‬‬
‫‪-‬‬
‫‪65-‬‬
‫ع‪$‬ية بغية تأصيل علم االجتماع‬
‫لقد تمّثل الفكر الخلدوني في د ارسة الوقائع والظواهر االجتما ّ‬
‫واعادة الثقة في الذات المسلمة‪$‬‬ ‫وتأسيسه‪ ،‬وقصد االنتقا‪$‬ل من التب ّع‪$‬ية والتقليد إلى اإلبداع والتجديد واالبتكار‬
‫ص‪$‬ية وق ارءة الت ارث االجتماعي العربي القديم في‬
‫ولتحقيق التم ّسك االجتماعي با‪$‬لهوّية واألصا‪$‬لة‪ $‬والخصو ّ‬
‫ضوء رؤية إسالمية عميقة‪ .‬لذلك ّيتخذ منهج البحث اإلسالمي عند المسلمين من الدين اإل‪$‬سالمي قاعدة‬
‫)‪(1‬‬
‫عا مة يس ‪ $‬نت د إليها‪ ،‬فهو ال ينك‪$$‬ر المب ‪$ $‬ادئ الع ‪$‬ا مة لعلم االجتماع ول ّك‪$‬ن‪ $‬ه يس ‪$‬تفيد منها ويخض ‪$‬عها لمب ‪$ $‬ا‪$‬دئ اإلس ‪$‬الم ‪$.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فالب‪$ $‬احث‪ $‬في علم االجتماع اإلسالمي ينظر‪ $‬إلى المشكالت االجتماعّ‪$‬ي‪ $‬ة والظو‪$‬اهر والنظم ليس باعتبارها‪ $‬م ّج‪$‬ردة ولكن‬

‫قت وم على التساؤ‪$‬ل الت ‪$‬الي‪ :‬هل هي ت ‪$‬دخل في صميم النظم‪ $‬االجتماعّ‪$‬ي ة؟ أم هي دخيل ‪$‬ة؟‪ ،‬ف ‪$‬ال يعني ذل ‪$‬ك الت ّح‪$‬يز أو‬

‫ع‪$‬ية التي يتطّلبها البحث االجتماع ي‪ ،‬بل على الباحث اإلسالم ي‬


‫االبتعاد عن الموضو ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن يكون مو‪$‬ضوع يا وهو‪ $‬يبحث‪ $‬مشكالت البحث‪ $‬اإلسالمي‪ ،‬فمثال حين بحثه في الطالق أو تعّ‪$$‬دد الزوجات‪$‬‬
‫أو الر‪$‬با‪ ،‬عليه أن يلتزم الحياد التا م‪ ،‬بحيث يجمع ويقارن ويستعمل نفس األدوات‪ $‬المنه ّج‪$‬ية المعروفة في‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫العلوم اإلنسا ّن‪$‬ية‪.‬‬
‫لقد كانت المنه ّج‪$‬ية العل ّم‪$‬ية واضحة عند العلماء‪ $‬المسلمين بفضل التحقيقات واالستقصاءات العل ّم‪$‬ية‬
‫والدقّة واا‪$‬لستنتاج‪ ،‬وقد سار علماء اإلسالم في مختلف فروع المعرفة‬ ‫القا‪$‬ئمة على أسلوب التفكير العلم ي‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ية واألمانة العلمّ‪$‬ية‪$‬‬
‫التي ت ّم‪$‬يز من خاللها التفكير اإلسالمي بالموضو ّ‬ ‫اإلنسا ّن‪$‬ية على هذه األسس العلمّ‪$‬ية‬

‫والبحث عن الحقيقة‪ .‬ويرى البيروني ّأ‪$‬نه على الباحث االستدالل با‪$‬لمعقولات وقياس اآل ارء لمعرفة األسباب‪$‬‬
‫المخ ّف‪$‬ية لصاحبها عن الح ّق كالعادة المأ‪$‬لوفة والتع ّصب والتظاهر واّتباع الهوى والتغالب بالر‪$‬ياسة‪ ،‬فال يأخذ‪$‬‬

‫الباحث ّإ‪$‬ال ما يو‪$‬افق العقل‪ .‬لذلك اعتمد علماء اإلسالم الش ّك والتجربة في البحث‪ $‬العلمي‪ ،‬حيث أوضحت‪ $‬رسائل‬

‫إخوان الصفا‪ $‬منهج البحث‪ $‬العلمي في صناعة الفكر‪ ،$‬وهذا ما‪ $‬يد ّل على االّتجاه‪ $‬العلمي لدى مف ّكري‬
‫)‪(3‬‬
‫وهكذا يكون الفضل لعرب في تأسيس المنهج العلمي ووضع قواعده‪.‬‬ ‫اإلسالم ‪$.‬‬
‫ولقد ل ّخص علماء اإلسالم المعرفة في ثالثة أشكال‪:‬‬
‫‪ -‬المعرفة الشرعّ‪$‬ية‪ $‬التي تستند إلى كتاب اهلل و ّس‪$‬نة رسو‪$‬له‪ ،‬و تض من العقائد والعبادات وعلوم القر‪$‬آن والحديث‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬المعرفة العق ّل‪$‬ية التي نتح ّصل عليها من خالل العقل والمنطق وعلماء الفلسفة‪$.‬‬

‫‪ -‬المعرفة التجري ّب‪$‬ية والتي يتو ّصل إليها اإلنسان من خالل المشاهدة والتجربة‪$.‬‬
‫‪ 1-‬عائشة عبد الرحمان‪ :‬القرآن وقضايا اإلنـسان‪ $،‬دار العلم لماليين‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1972 ،‬م‪ ،‬ص‪56$.،55‬‬
‫‪ 2-‬بلقاسم سالط‪$‬نية‪ ،‬حسان الجيالني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪53.‬‬
‫‪ 3-‬محمد زيان عمر‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪20.‬‬
‫وعمو ما احتوى اإلسالم جملة‪ $‬من ا قل و‪$‬اعد والضوابط الالزمة في طلب العلم‪ ،‬م ما جعل منه ّج‪$‬ية‬
‫ّ‬ ‫ً‪$‬‬
‫البحث في اإلسالم ت ّم‪$‬يز‪ $‬عن غيرها من المنه ّج‪$‬يات األخرى‪ ،‬خا ّصة في ما يتعّلق في التالؤم بين المنهج‬
‫والموضوع والتنا‪$‬سب بين المجال المعرفي وامكا ّن‪$‬ية العقل اإلنسان ي‪$.‬‬
‫ّ‬
‫فالتالؤم بين المنهج والموضوع هو‪ $‬من أبرز م ّم‪$‬ي ازت المنه ّج‪$‬ية االسال ّم‪$‬ية ونجاحها في تحقيق‪ $‬العلم‬
‫ه‪$‬ية في‬
‫في ك ّل المجاالت‪ ،‬حيث أ ّن لك ّل موضوع من المعرفة منهج يناسبه‪ ،‬فا‪$‬لبحث في الطبيعة واكتشاف القوانين اإلل ّ‬
‫الظواهر‪ $‬الطبي ّع‪$‬ية يالئمه المنهج التجريبي‪ ،‬والبحث‪ $‬في إثبات األخبار‪ $‬والروايات‪ $‬يالئمه المنهج‬
‫التا‪$‬ريخي‪ ...‬وهكذا يصبح لك ّل نوع من المعرفة منهج يالئمه‪ ،‬بحيث توّلد المعرفة الصحيحة‪ $‬من تطبيق‬
‫بين المنهج والموضوع‬
‫التناسب‬ ‫عدم م‬ ‫المنهج المناسب لك ّل مجال من مجاالت المعر‪$‬فة‪ .‬لذلك فإ ّن‬
‫ارعاة‬
‫يؤّ‪$‬دي إلى فساد كبير في مجا‪$‬ل العلم‪.‬‬
‫وبالنسبة لتناسب بين المجال المعرفي وامكا ّن‪$‬ية العقل اإلنسان ي‪ ،‬فهو ما يمّ‪$‬يز المنه ّج‪$‬ية اإلسالمية‬
‫ّ‬
‫اإلسالم ال يريد أن ي ّب‪$‬دد طاقة العقل دون فائدة وال يريد أن ي ّج‪$‬ز بالعقل في‬ ‫عن المنه ّج‪$‬يات األخرى‪ ،‬أل ّن‬
‫مجاالت من البحث فوق قد ارته‪ ،‬بما‪ $‬يجعله‪ $‬يت ّخ‪$‬بط وال يصل إلى علم صحيح‪ ،‬مثل البحث في األمور التي‬
‫)‪(1‬‬
‫استأثر اهلل بعلمها‪.‬‬
‫‪ 1-‬م ّكي مصطفى‪ :‬البحث العلمي –آدابه وقواعده ومناهجه‪ $،-‬دار هومه للطباعة والنشر‪ $‬والتوزيع‪ ،‬الج ازئر‪2013 ،‬م‪ ،‬ص‪84$.،83‬‬
‫ثانيا‪ :‬المدرسة الماركسّـية‬
‫ُيعتبر كارل ماركس من أشهر وأه م علماء االجتماع األلمان الذين ساهموا في نم و وتط ور علم‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫االجتماع وتح ول‪ $‬ه من علم فلسفي غير‪ $‬دقي‪$ $‬ق إلى علم واضح المع‪$‬الم واألس ‪$‬لوب والمنه ّج‪$‬ي‪ $‬ة واألهداف‪ .‬ول‪ $‬د في ألمانيا‬
‫ُ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫عام ‪1818‬م‪ ،$‬أكمل د ارس‪ $‬ته في جامعة جين ‪$‬ا األلماني‪$$‬ة‪ ،$‬وبع‪$‬د ت ّخ‪$‬رجه من الجامع‪$‬ة وحص‪$‬و‪$‬له على ش‪$‬هادة ال ‪$‬دكتو‬

‫اره‪ ،‬عمل صحف يا ونشر العديد من المقاالت السيا ّس‪$‬ية واالقتصادّ‪$‬ية التي يطغى عليه‪$‬ا األسلوب‬
‫)‪(1‬‬
‫ومن خالل مقاالته الصح ّف‪$‬ية كان يدعو لت ّغ‪$‬ير والثورة وقلب نظام الحكم في ألمانيا‪$‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ال ارديكالي الثوري‬

‫بالق وة ونقل السلطة من الملك‪ $‬إلى الشعب‪ ،‬ومثل هذه الكتابات دفعت الحكومة األلمانية إلى طرده من البالد‪$،‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫فذهب إلى فرنسا وبلجيكا بعد حص‪$‬وله على ا لجوء السياس ي هناك‪ ،‬ولكن سرعان ما طردته الحكومتان‬
‫ّ‬
‫الفرن ّس‪$‬ية‪ $‬والبلجيكّ‪$‬ية‪ $‬عندما علمتا بأفكاره الثو‪$‬رّية التي تريد قلب نظام الحكم عن طريق اعتماد أسا‪$‬ليب العنف‬
‫والق وة‪ ،‬فذهب بعد ذلك إلى إنجلت ار ‪1851‬م بعد حصوله‪ $‬على ح ّق ا لجوء السياس ي أين مكث يف ها قبّ‪$‬ية‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫حياته‪ .‬عمل مكتب يا في مكتبة المتحف‪ $‬البريط‪$‬اني‪ ،‬كان يتلّقى المساعدات المالّ‪$‬ية المست ّم‪$‬رة من صديقه‬

‫فريديريك انجلز‪ .‬وفي مكتبة المتحف البر‪$‬يطاني استطاع كتابة معظم‪ $‬مؤّلفاته والتي من أه مها مؤّلفه الشهي‪$‬ر‪$‬‬
‫ّ‬
‫" أرس المال‪".‬‬
‫عمو ما عاش ماركس في أجواء يسيطر عليها الفقر والحرمان واالضطهاد نتيجة‪ $‬لألفكار الثو‪$‬رّية‪$‬‬
‫ً‪$‬‬
‫التي‪ $‬كان يحملها والكتابات االستفزازّية الجريئة‪ $‬التي كان ينشرها في الصحف‪ .‬وكما سبق فإ‪ّ $‬ن مؤلّفاته‪ $‬قد‬
‫عّ‪$‬برت جميعها عن أفكاره الفلس ّف‪$‬ية‪ $‬واالجتماعّ‪$‬ية واالقتصادّ‪$‬ية والسيا‪ّ $‬س‪$‬ية‪ ،‬وو ّضحت طبيعة نظّرياته وطروحاته‪$‬‬
‫األفكار المثا ّل‪$‬ية التي تدعو‪ $‬إلى ت ّق‪$‬دم روح الجماعة‪ $‬على روح الفرد‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫فقد تعلّم من فخته‬ ‫وقيمه الثورّية‪. $‬‬
‫ومن هيجل استعار القوانين الشمو ّل‪$‬ية التي ترسم‪ $‬المسا ارت التاري ّخ‪$‬ية لحركة‪ $‬المجتمعات وتربط‪ $‬بين الماضي‬
‫في تناو‪$‬له لمجتمع‬ ‫ديا يل كتيكا*‬ ‫مدخ جدل‬ ‫فقد ت ّب‪$‬نى ماركس‬ ‫والحاضر والمستقبل رب‬
‫ًطا علم يا‬
‫يا‬ ‫ًال‬ ‫موزوًنا‪.‬‬

‫وعالقة أجزائه‪ ،‬مفتر ًضا أ ّن المجتمع اإلنسان ي يتط ور وفق قوانين‪ ،‬وبهذا يمكن التو ّصل إلى نظّرية علمّ‪$‬ية‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫تف ّسر تش ّكل المجتمع وتط وره‪ .‬فالتاريخ كما يقول هيجل ويعترف به ماركس هو عم ّل‪$‬ية الخلق الذات ي لإلنسان‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬

‫‪1- Institut marksizma-leninizma: Marx and Engels through the eyes of their contemporaries, Progress‬‬
‫‪publishers, Moscow, Russia, 1978, p13.‬‬
‫‪ 2-‬إحسان محمد الحسن‪ ،‬عدنان سليمان األحمد‪ :‬المدخل إلى علم االجتماع‪ ،‬دار وائل لنشر‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪137 $.$،136‬‬
‫ضية) تحمل منطق يا‬‫ط‪$‬ور‪ ،‬والفكر كعملّية يشمل وجود فكر (ق ّ‬ ‫* مفادها أ ّن العقل اإلنسان‪$‬ي هو أساس ومركز الحقيقة‪ ،‬وأ ّن الفكر عمّلية ديناّمية دائمة الت ّ‬
‫ط‪$‬ور الفكر من خالل هذه العمّلية‬ ‫وجود فكرة نقيضة‪ ،‬ويؤّدي التفاعل بينهما إل‪$‬ى موقف تو‪$‬فيق‪$‬ي (مح ّصلة) م ّما يؤّدي إلى ظهور نقيض‪ ،‬وهكذا يت ّ‬
‫ط‪$‬ور با‪$‬لوضع‬
‫ّ‬ ‫ت‬‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫التفاعّلية المستمّ‪$‬رة بصورة جد‪$‬لّية (ديا‪$‬ليكتيّكية)‪ ،‬حيث استثمر ماركس هذا األسلوب الجدلي باستبد‪$‬ال الفكر كأسا‪$‬س لعمّلية التفاعل‬
‫ط‪$‬ور‪$.‬‬
‫االقتصادي فأصبح الفكر بأنواعه نتيجة لتغّي ارت االقتصاّدية بدال من أن يكون أساسا ‪$‬للت ّ‬
‫ولك ّن هذه العم ّل‪$‬ية كما يؤّ‪$‬كد ماركس في معظم كتاباته تأّثر با‪$‬لقوى الد‪$‬افعة لعمل البشري أي بعالقات اإلنتاج‬
‫واد ارك الحو‪$‬ادث‬ ‫اإلنسا ّن‪$‬ية‬ ‫المذهب الجدلي في فهم تاريخ‬ ‫وقد أخذ ماركس من هيجل‬ ‫)‪(1‬‬
‫والملكّ‪$‬ية‪. $‬‬
‫والربط‪$‬‬
‫بينها‪ .‬فجميع المصادر الفكّرية التي تأّثر بها كارل ماركس قد أعطت طاب ًعا م ّم‪ً $‬ي‪$‬از لكتاباته العل ّم‪$‬ية وفي إب ارز‬

‫ع‪$‬ية والسياسّ‪$‬ية والتي تّركزت في ا نل قاط الر ‪$‬ئي ّس‪$‬ية‪$‬‬


‫ّاتجاهاته ا نل ظّرية المتج ّسدة خا ّصة في النظرّية االجتما ّ‬
‫التا‪$‬لية‪:‬‬
‫‪ -‬العالقة الجد ّل‪$‬ية‪ $‬بين البناء أو األساس الماّ‪$‬دي والبناء الفوقي لمجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬االغت ارب والص ارع االجتماع ي‪$.‬‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ية والص ارع الطبق ي‪.‬‬‫‪ -‬الطبقات االجتما ّ‬
‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫‪ -‬الثورة االجتما ّ‬
‫لقد اختار ماركس العوامل االقتصادّ‪$‬ية كم ّس‪$‬بب أساس ي لعم ّل‪$‬ية التط ور في قوله "أ ّن اإلد ارك الماّ‪$$‬دي‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫ه‪$‬ية والفكر‪ $‬المطلق وال من إ اردة الفكر‪،$‬‬‫لتا‪$‬ريخ يستخلص‪ $‬الظو‪$‬اهر االجتماعّ‪$‬ية وتطّ‪$‬ورها ال من المشيئة اإلل ّ‬
‫ومن اإلنتاج الم ّا‪$‬دي الذي يش ّكل م ارحل تط وره والتشكيالت‪$‬‬ ‫بل من الظروف الو‪$‬اق ّع‪$‬ية نل شاط النا‪$‬س العمل ي‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫ع‪$‬ية الم ّح‪$‬ددة تاريخ يا‪".‬‬
‫االجتما ّ‬
‫• العالقة بينـ األساس الماّـديـ والبناء الفوقي للمجتمع‪ :‬يعتقد ماركس أ ّن البناء الماّ‪$‬دي لمجتمع أي‬
‫ه‪$‬ية البناء‬
‫موارده الطبي ّع‪$‬ية والبشرّية‪ $‬ومصادر رزقه ووسا‪$‬ئ‪$‬ل استغالله الطبي ّع‪$‬ية هو الذي ي ّح‪$‬دد ما ّ‬
‫واذا ما‬ ‫)‪(4‬‬
‫الفوقي لمجتمع‪ ،‬أي‪ $‬ي ّح‪$‬دد أفكار‪$‬‬
‫وايديو‪$‬لو ّج‪$‬ية وفلسفة‪ $‬ودين وقيم وأخالق‪ $‬المجتمع ‪.‬‬
‫ت ّغ‪$‬ير‪$‬‬

‫البناء‪ $‬الماّ‪$‬دي لسبب أو‪ $‬آلخر‪ $‬ف ّإ‪$‬ن‪ $‬ه ي‪$ $‬ترك انعكاساته وآث‪$ $‬اره على البناء‪ $‬الف‪$ $‬وقي‪ ،‬وبالت‪$ $‬ا‪$‬لي يت ّغ‪$‬ير البن ‪$‬اء االجتماعي‬

‫من نمط آلخر وي ‪ $‬دخل المجتمع في مرحل ‪$‬ة حض‪$‬ا‪ّ$‬رية تاري ّخ‪$‬ي‪ $‬ة لم يش ‪$‬هدها المجتمع من قب‪$ $‬ل‪ .‬فعالق‪$$‬ات‬

‫ع‪$‬ية تعمل على إهانة العامل‬


‫اإلنتاج والملكّ‪$‬ية في المجتمع اإلقطاعي تساهم في ظهور أفكار وقيم ُو‪$‬مثل اجتما‪ّ $‬‬
‫وتحتقر الم أرة وتحارب مفاهيم الديمق ارطّ‪$‬ية والت ّق‪$‬دم‪ ،‬وفي المقابل تحترم رجال‬

‫الدين والفئة العسكرّية‪ .‬ولكن عندما يسقط النظام اإلقطاعي ويح ّل محّله النظام ال‪ $‬أرسمالي ت ّغ‪$‬ير‬
‫أنماط اإلنتاج ومستويات المعيشة ونوعّ‪$‬ية المهن‪ ،‬وهذا الت ّغ‪$‬ير يحمل معه قي ما ومقايي ًسا و مث ًال جديدة‬
‫ُ‪$‬‬ ‫ً‬

‫‪1- Robert Freedman: Marx on economics, Introd. by Harry Schwartz, Harmondsworth, Middlesex,‬‬
‫‪Penguin Books, Pelican books, England, 1968, p4,5.‬‬
‫‪ 2-‬إحسان محمد الحسن‪ ،‬عدنان سليمان األحمد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪141.،140‬‬
‫ص م‪ 1999،‬األردن‪-،‬عمان الشروق‪ ،‬دار االجتماع‪ ،‬علم في ّدمة مق ‪:‬عثمان ارهيم إب ‪.213-‬‬
‫‪4- Tom B. Bottomore, Maximilien Rubel: Karl Marx Selected writings in sociology and social philosophy,‬‬
‫‪Pelican books, London, 1963, p39.‬‬

‫ّضل استقا‪$‬ل ّل‪$‬ية الفرد‬


‫تحترم العمل الصناعي والتجا‪$‬ري وت ّق‪$‬يم الع‪$‬لم والمخترعات الحديثة وتف‬
‫على‬
‫)‪(1‬‬
‫تماسك ووحدة الجماعة‪.‬‬
‫وعليه فإ ّن الم ّا‪$‬دّ‪$‬ية التاري ّخ‪$‬ية‪ $‬ترى أ ّن أسلوب إنتاج الثروة هو الذي يش ّكل األساس الم ّا‪$‬دي االقتصاد‪ّ $‬ي‪،‬‬
‫وهو األساس الذي يترّتب عليه تشكيل أوجه المجتمع األخرى بما في ذلك األفكار والمعرفة والو‪$‬عي‪.‬‬
‫وكما سبق‪ ،‬ينظر ماركس إلى المجتمع كنسق يتك ون من المستوى التحت ي أو األساس ي والمستوى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫الفوق ي‪ ،‬حيث يشمل المستوى التحت ي قوى اإلنتاج (العاملون‪ ،‬التجهي ازت‪ ،‬أرس المال واألدوات‪،)$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بينما يتض من المستوى الفوق ي عالقات اإلنتاج (حقوق الملكّ‪$‬ية‪ ،‬العالقات التنظي ّم‪$‬ية‪ ،‬األفكار السيا‪ّ $‬س‪$‬ية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتشري ّع‪$‬ية وأشكال الوعي االجتماع ي‪).‬‬
‫ّ‬
‫• االغت ارب والص ارع االجتماعي‪ :‬استعمل ماركسـ اصطالح االغت ارب االجتماعي في نظّريته العا‪ّ $‬مة‬
‫عندما حاول تفسير عو‪$‬امل المنافسة والص ارع والتناقض بين طبقات المجتمع‪ ،‬فاالغت ارب حسبه هو‬
‫ظاهرة اجتماعّ‪$‬ية يشعر فيها اإلنسان باالغت ارب وا ُل‪$‬بعد عن الشيء الذي ض ّحى من أجله‪ ،‬مثل شع‪$‬ور‬
‫العامل باالغت ارب عن صاحب العمل‪ ،‬فهو يشع‪$‬ر بالحواجز النف ّس‪$‬ية واالجتماعّ‪$‬ية التي تفصله عنه‪ ،‬كما يشعر‬
‫باالغت ارب عن السلعة التي أنتجها وبذل فيها مجهودات ذهبت إلى صاحب العمل الذي‬
‫ض‪$‬ده‬
‫يمتلك وسائل اإلنتاج‪ $.‬وبمرور الزمن يجد العا‪$‬مل بأ ّن جهوده التي يبذ‪$‬لها في اإلنتا‪$‬ج تقف‪ّ $‬‬
‫وت ّح‪$‬د من ّح‪$‬ريته وتقتل عنده روح العمل واإلبداع‪ ،‬أل ّن مردود تلك‪ $‬المجهودات يعود إلى صا‪$‬حب‬

‫العمل‪ .‬فالعامل غالبا ما يبذل جهًودا تزيد قيمتها عن األجر الم ّح‪$‬دد‪ ،‬وهذا ما ي ّؤ‪$‬دي إلى توسيع‬
‫أرس المال في النهاية‪ $‬عند المنتج إلى اغت ارب‬
‫القاعدة اإلنتا ّج‪$‬ية وزيادة ك ميات اإلنتاج‪ ،‬ويؤّ‪$‬دي ت اركم‬
‫ّ‬
‫العامل عن المنتج ونشوء الص ارع والمنافسة بينهما‪.‬‬
‫الفرد هو‪ $‬الذي يخلق‪ $‬الدولة لتنظيم‬
‫في السيا‪$‬سة‪ ،‬بمعنى أ ّن‬ ‫ظاهرة االغت‬ ‫كما استخدم ماركس‬
‫ارب‬
‫وانهاء الن ازع بينه وبين اآلخرين‪ ،‬ولكن سرعان ما يعتقد بأّ‪$‬نه مغترب عنها نتيجة لفجوة التي‬ ‫أموره‬
‫تفصل بينه وبين الدو‪$‬لة‪ ،‬فيبدأ بالخوف منها واالبتعاد عنها ش ًي‪$‬ئا فش ًي‪$‬ئا‪ ،‬ويعتبرها ق وة قتّ‪$‬يد عمله‬
‫ّ‪$‬‬
‫و ّح‪$‬ريته‪ .‬فاالغت ارب عند ماركس غا ًل‪$‬با ما ي ّؤ‪$‬دي‪ $‬إلى الص ارع بين المغترب والشيء المغترب عنه‪،‬‬
‫وهذا الص ارع قد يؤّ‪$‬دي إلى الثورة والتح ول‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ع‪$‬ية م ّما‬
‫هد سان سيمون وأتباعه لمشكلة الطبقات االجتما ّ‬
‫عـية والص ارع الطبق ّي‪ :‬م ّ‬ ‫• الطبقات االجتما ّ‬
‫ساهم في إب ارز هذه المشكلة لدى ماركس والمار‪$‬ك ّس‪$‬ية‪ ،‬بحيث تظهر أربع طبقات اجتماعّ‪$‬ية استن ًا‪$‬دا‬

‫‪ 1-‬إحسان محمد الحسن‪ ،‬عدنان سليمان األحمد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪142$.‬‬


‫إلى أوفربرغ وهي البرجوازّية‪ $‬ال أرسما ّل‪$‬ية‪ ،‬البروليتا‪$‬ريا‪ ،‬م ّالك العقا ارت الذين ينحدرون من طبقة النبالء‬
‫ص‪$‬ناع والف ّالحين‪ .$‬لكن جورج غوريفتش ي ّؤ‪$‬كد أ ّن‬
‫ض‪$‬م ال ّ‬ ‫اإلقطاعّ‪ $‬ين‪ ،‬البرجو‪$‬اّزية الصغيرة والتي ت‬
‫ّ‬
‫ملكّ‪$‬ية وسائل اإلنتاج قد تكون من اآلثار المترّتبة عن تقسيم المجتمع إلى طبقات بدً‪$‬ال من أن تكون‬
‫أسا ًسا‪ $‬لطبقات‪ ،‬وأ ّن الطبقات‪ $‬اأ‪$‬لربعة السابقة ليست متمّ‪$‬يزة السمات ّإ‪$‬ال بالنسبة إلى حقبة م ّع‪$‬ينة من‬

‫الر‪$‬أسما ّل‪$‬ية التناف ّس‪$‬ية‪ ،‬وأ ّن مسألة وجود طبقات في أنماط المجتمع الت ازل مفتو‪$‬حة على مص ارعيها‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫كما أ ّن مشكلة الوعي الطبقي واإليديولوجيا الطب ّق‪$‬ية تطّلب تحلي ًال عم ًي‪$‬قا‪.$‬‬

‫إ ّن الطبقة لم تواجه في الفكر الماركس ي ّإ‪$‬ال نوعين من المجموعات الخا ّصة‪ :‬الدو‪$‬لة والحز‪$‬ب‬
‫ّ‬
‫السياس ي‪ ،‬وهذا من أجل إثبات أ ّن الدولة هي بالضرورة الهيئة السيادّ‪$‬ية‪ $‬لطبقة‪ ،‬وأ ّن الحزب الس ‪$‬يا‪$‬س ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هو دائ م‪ $‬ا أداة لص ارع الطب ‪$ $‬ق ي‪ .‬فالطبق‪$ $‬ات والص ارع الطب ‪$ $‬ق ي ب ‪$ $‬المفهوم الم‪$‬اركس ي يتش ّك‪ $‬الن على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أسا‪$‬س قت سيم المج‪$‬تمعات إلى مجتمعات مالكة لوسائل اإلنتاج أو غير مالكة لها‪ .‬وبا‪$‬لتا‪$‬لي رفض ماركس‬
‫نتا ل ّالمساواة‪ $‬في‬ ‫الطبقات ليست إّ‪$‬ال‬ ‫جون ستيوارت ميل بأ‬ ‫دعاوي المف ّكرين المثا ّل‪ $‬ين أمثال‬
‫ًجا‬ ‫ّن‬

‫يمكن تخفيف‪ّ $‬ح‪$‬دة الصراع الطبق ي أو‪ $‬حّتى إ ازلته‪ $‬عن طريق التقلي‪$‬ل من‬ ‫توزيع الدخل‪ ،‬ومن ث م‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫المداخيل التي يحصل عليها النا‪$‬س‪.‬‬
‫ومن هذا المنظور يتك ون المجتمع الطبق ي من طبقات أسا ّس‪$‬ية وطبقات غير أسا ّس‪$‬ية أو ما يمكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫ع‪$‬ية‪ .‬فالطبقات األسا‪ّ $‬س‪$‬ية ترتبط نب مط اإلنتاج في مجتمع م ّع‪$‬ين من المجتمعات الطب ّق‪$‬ية أين نجد‬
‫تسميته بالفئات االجتما ّ‬
‫طبقة م ّالك وسائل اإلنتاج وطب‪$‬قة المعدومين المقهورين التي قت ف‪ $‬في مواجهة‬

‫الطبقة األو‪$‬لى‪ .‬في المجتمع العبود ّي نجد طبقتين أسا ّس‪$‬يتين هما طبقة أصحاب العبيد والعبيد‪ ،‬وفي‬
‫المجتمع اإلقطاع ي نجد طبقتين أسا ّس‪$‬يتين هما طبقة اإلقطاعّ‪ $‬ين وطبقة الف ّالحين‪ ،‬وفي المجتمع‬
‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ال أرسمالي نجد طبق‪$$‬تي البرجواّزي‪ $‬ة والبروليتاري‪ $‬ة‪.‬‬

‫ي ‪$ $‬رى كــارل ماركس أ ّن ال أرس ‪ $‬ما ّل‪$‬ية‪ $‬كطبق‪$ $‬ة يس‪$$‬تحيل عليها أن تحّقق ت اركما ل أرس المال ومزيً‪$$‬دا من‬

‫ال ‪$ $‬ثروة ما لم تحص ‪$‬ل دائ ما على ف ‪$ $‬ائض قيمة عمل ال ‪$ $‬ع مال‪ ،‬فالعامل يض ‪$‬طّ‪$‬ر دائ م‪ $‬ا إلى بي ‪$ $‬ع ق وة عمل ‪$ $‬ه‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ألصحاب األعمال في سوق العمل الذي ي ّح‪$‬ددون قواعده باستم ارر‪ ،‬هذا االستغالل هو أس ‪$‬ا‪$‬س الص ارع‬
‫الد‪$‬ائم‬
‫هو الق وة الدافعة ومصدر التط ور‬ ‫في‬ ‫ال‬ ‫ص ارع الطبق ي‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫إ ّن‬ ‫بين الطبقة ال‬ ‫سما ّل‪$‬ية‪ $‬وطبقة الع مال‪ .‬أر‬
‫ّ‬

‫‪ 1-‬جورج غوريفتش‪ :‬دراسات في الطبقات االجتماعية‪ ،‬ترجمة أحمد رضا‪ ،‬الهيئة المصّرية العا ّمة لكتاب‪ ،‬القاهرة‪1973 ،‬م‪ ،‬ص‪6.‬‬
‫ظرية في علم االجتماع‪ $،‬مكتبة جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1977 ،‬م‪ ،‬ص‪173 $.‬‬ ‫‪ 2-‬سمير نعيم أحمد‪ :‬الن ّ‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫المجتمع الطبق ي‪ .‬فكّلما ازدت ّح‪$‬دة الص ارع وأصبحت الطبقات المست َغّلة أكثر نت ظي ما و ّش‪$‬دة في‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫)‬
‫ض‪$‬د مست غّليها كّلما كان تط ور المجتمع أس‪$$‬رع‪.‬‬
‫ص ارعها ّ‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ (1‬لقد أصبح مفهوم الطبقة االجتماعّ‪$‬ية دا ال على أه م الوحدات االجتماعّ‪$‬ية‪ ،‬والتي ُتعرف بأ‪$‬نها المجمو‪$‬عة‬
‫ّ‪$‬‬
‫المتماثلة اقتصاد يا واجتماع يا من خالل عالقة متماثلة بوسائل اإلنتاج‪ ،‬حيث تؤّ‪$‬دي إلى بروز طبقتين‬

‫أساسيتين بين التي تملك مقابل التي ال تملك وتعمل في اإلنتاج‪ .‬وهذا ال يعني عدم وجود فئات‬
‫ّ‪$‬‬
‫أخرى‪ ،‬و ّا‪$‬نما يعتبرها ماركس جماعات هام ّش‪$‬ية تح ول ضمن عم ّل‪$‬ية االستقطاب إلى أحد الطرفين‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ويتض من هذا الطرح ما يلي‪- :‬‬
‫ّ‬
‫أ ّن ذوي األوضاع االقتصادّ‪$‬ية المتماثلة يميلون إلى العمل كجماعة مصلحة‪ ،‬م ما يؤّ‪$‬دي إلى الع‪$‬مل‬
‫ّ‬
‫ض‪$‬د الطبقة األخرى‪.‬‬
‫المشترك والص ارع ّ‬
‫‪ -‬أ ّن الطبقات االجتماعّ‪$‬ية االقتصادّ‪$‬ية هي أه م الجماعات في البناء االجتماع ي‪ ،‬وأ ّن تاريخ عالقاتها‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫هو تاريخ المجتمع اإلنسان ي‪ - .‬إ‬
‫ّ‬
‫ّن العالقة األسا ّس‪$‬ية بين الطبقات هي عالقة نت اقض وص ارع‪ ،‬وأ ّن ناتج عم ّل‪$‬يات الص ارع هو الذي‬

‫ي ّق‪$‬رر كي ّف‪$‬ية تط ور المجتمع‪.‬‬


‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬أ ّن النظم‪ $‬التي قت وم على المل ّك‪$‬ية الخا ّصة لوسا‪$‬ئل اإلنتاج تحمل بذور التناقض وامكا ّن‪$‬ية استغالل‬
‫اإلنسان لإلنسان‪ .‬فا‪ $‬نل ظام ال أرسمال‪ $‬ي يسمح لمالك‪$‬ين باستغالل الطبقة‪ $‬البرولي‪$‬تارّية‪ $‬العاملة‪ ،‬م ما يؤّ‪$$‬دي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلى الصراع فا‪$‬لثورة‪ ،‬لهذا فإ ّن ت ّغ‪$‬ير المجتمع من نمط إنتاج قائم إلى نمط إنتاجي جديد يضمن‬
‫)‪(2‬‬
‫عالقات إنتاج أفضل م ما كانت سا ًب‪$‬قا‪.$‬‬
‫ّ‬
‫النظام والمؤ ّسسات الفو ّق‪$‬ية والتح ّت‪$‬ية‪ ،‬تقوم به الطبقة‬
‫‪ ‬الثورة االجتما ّ‬
‫عـية‪ :‬هي تغ ير شامل يم ّس‬
‫المظلومة بعد ت ّع‪$‬رضها لالستغالل والظلم‪ ،‬لذ‪$‬لك يعتقد ماركس بأ ّن المجتمع ال يمكن تغ يره نحو‬

‫ع‪$‬ية التي يمكن أن‬


‫األفضل ومن ّث‪$‬م إ ازلة الظلم‪ $‬والتع ّسف االجتماع ّي عنه‪ ،‬إّ‪$‬ال من خالل الثورة االجتما ّ‬
‫تق وض أركان نظام الحكم وتقضي على االستبداد‪ .‬فالثورة البروليتاّرية يمكن أن ت ّح‪$‬رر المجتمع‬
‫ّ‪$‬‬
‫ع‪$‬ية ال يمكن أن‬
‫من سيطرة الطبقات‪ $‬األرستق ارطّ‪$‬ية‪ $‬والبرجو‪$‬ازّية‪ ،$‬وأ ّن الديمق ارطية والعدالة‪ $‬االجتما ّ‬
‫تحّققا في المجتمع دون قيام الطبقة البروليتا‪$‬رّية‪ ،$‬لك ّن هذه األخيرة المتواجدة في المجتمع ال أرسمالي ال يمكن أن تقوم‬

‫بهذه الثورة وحدها نظ ار لت ّع‪$‬رضه‪$‬ا لظلم والحرمان‪ ،‬وأ ّن انخفاض مقدرتها االقتصا‪$‬دّ‪$‬ية‬
‫ً‪$‬‬
‫‪-71-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫طـور الفكر االجتماعي‪ $،‬مطبوعات جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪229 $.‬‬
‫‪ 1-‬سعاد عطا فرج‪ :‬تاريخ ت ّ‬
‫‪ 2-‬إب ارهيم عثمان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪20$.‬‬

‫‪-71-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫واالجتماعّ‪$‬ية في حاجة‪ $‬إلى عقد ّا‪$‬تفاق تكتيك ي مع الطبقة‪ $‬البرجو‪$‬ازّية الصغيرة والكبيرة لوقوف في‬
‫ّ‬
‫وجه الطبقة األرستق ارطّ‪$‬ية وتدمير مصالحها ونفوذها‪ .‬وبعد انتصارها على هذه الطبقة تعود من‬

‫ض‪$‬د الطبقة البرجو‪$‬اّزية الكبيرة‪ $.‬وعند انتصار‬


‫جديد لالّتفاق‪ $‬مع الطبقة البرجو‪$‬اّزية الصغيرة لو‪$‬قوف ّ‬
‫الطبقة البروليتارّية‪ ،‬تعلن العداء‪ $‬المكشوف بو‪$‬جه الطبقة البرجواّزية الصغيرة‪ ،‬وهنا ُتلغى طبقات‬
‫حسب‪ $‬طاقته ويكسب حسب‪ $‬حاجته‪ .‬فالثورة حسب‪ $‬التحليل‬ ‫اإلنسان‬ ‫المجتمع كافّة أين يعمل‬
‫الماركس ي هي مفتاح التقّ‪$‬دم‪ ،‬وحدوثها ال يمكن أن يت م دون وجود الطبقات المتناقضة والمتصارعة‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫والمت ازمنة مع الظلم والفساد‪$.‬‬
‫‪ ‬الوجود االجتماع ّي والوعي االجتماع ّي‪ :‬يؤّ‪$‬كد ماركسـ أ ّن األساس االقتصاد ّي الماّ‪$‬د ّي لمجتمع هو‬
‫الذي يش ّكل نب اء‪ $‬الوعي االجتماع ي‪ ،‬وأ ّن القوى األسا ّس‪$‬ية الم ّح‪$‬ركة لتا‪$‬ريخ هي القوى االقتصا‪$‬دّ‪$‬ية‬
‫ّ‬
‫االجتماعّ‪$‬ية و ‪$‬ليست القوى الفكّرية‪ ،‬وأ ّن عالقات اإلنتاج هي أسا‪$‬س الوعي االجتماع ي‪ .‬فالو‪$‬عي‬
‫ّ‬
‫االجتماع ي في المجتمعات االشت ار ّك‪$‬ية يختلف عنه في المجتمعات الر‪$‬أسما ّل‪$‬ية‪ ،$‬وعلي‪$‬ه فإ ّن الو‪$‬جود‬
‫ّ‬
‫االجتماع ي المتمّثل في النشاط اإلنتا‪$‬جي الماّ‪$‬د ّي لألف ارد هو الذي ي ّح‪$‬دد وعيهم االجتماع ي‪ ،‬بمعنى أ ّن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الوعي ليس في عالقة س ّب‪$‬ية مع الوجود ولكن الوعي يؤّثر تأ‪$‬ثيار إيجاب يا على الوجود‪ .‬فالوجود‬
‫ً‪$‬‬
‫االجتماع ي لألف ارد هو الذي يت ّغ‪$‬ير أ ًوال‪ ،‬ث م يتبعه‪ $‬ت ّغ‪$‬ير في وعيهم‪ ،‬لكن في ظروف م ّع‪$‬ينة يمكن أن‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫يسبق الوعي االجتماع ي الوجود االجتماع ي‪ ،‬فاألشخاص الذين يقومون بتحليل قوانين المجتمع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويكشفون عن ّاالتجاهات العا مة لتط ور التاريخ ي‪ ،‬يمكنهم أن يت ّن‪$‬بؤوا بالمستقبل ويش ّكلو‪$‬ا نظرّ‪$‬يات‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫تسبق عصرهم وتو ّضح الطريق لمستقبل‪.‬‬
‫إ ّن التفسير الم ّا‪$‬دي لمجتمع وتط وره يق ‪$‬وم أسا ًسا على افت ارض أ ّن الوجود يش ّك‪ $‬ل الفك ‪$‬ر وال ‪$‬وعي‪ .‬وعلى‬
‫ّ‪$‬‬
‫هذا األساس فإ ّن المستوى التحت ي هو أساس تشكيل المستوى الفوق ي‪ ،‬وأ ّن أ ّي تغ ير يف ه يؤّ‪$‬دي إلى ت ّغ‪$‬ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ارت في المستوى الف ‪$‬وق ي "فالن‪$‬اس ي ‪$‬دخلون في عالق ‪$‬ات انت ‪$‬اج م ّح‪$‬ددة‪ ،‬تعكس مرحل ‪$‬ة تط ورّي ة م ّع‪$‬ين‪$‬ة لق‪$‬وى‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫الم ّا‪$‬دّ‪$‬ية‪ $‬لإلنتا‪$‬ج‪ .$..‬وتش ّكل هذه ا قل اعدة‪ $‬االقتصادّ‪$‬ية‪ $‬والحقي ّق‪$‬ية‪ ...‬التي ت ّق‪$‬رر أوجه الحياة‬
‫)‪(3‬‬
‫االجتماعّ‪$‬ية والسيا ّس‪$‬ية والثقافّ‪$‬ية"‬

‫‪-72-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫‪ 1-‬إحسان محمد الحسن‪ ،‬عدنان سليمان األحمد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪147.،146‬‬


‫‪ 2-‬مصطفى بوجالل‪ :‬علم االجتماع المعاصر بين االتـجاهات والنظريات‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعّية‪ ،‬الج ازئر‪2015 ،‬م ‪ ،‬ص‪86$.‬‬
‫‪ 3-‬إب ارهيم عثمان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪22$.‬‬

‫‪-72-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫وبنى علم االجتماع على أسا‪$‬س الوجود‬ ‫قال بأسب ّق‪$‬ية الم ّا‪$‬دة على الوعي‪،‬‬ ‫وعليه فإ ّن ماركس‬
‫االجتم‪$$$$‬اع‬
‫ي والوعي‬
‫ّ‬
‫االجتم‪$$$$‬اع‬
‫ي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ف‪$ $ $ $ $ $ $ $‬الوجود‬
‫االجتم‪$$$$‬ا‪$‬ع‬
‫ي يتج ّس‪ $$$$‬د‬
‫ّ‬
‫في‬
‫الظ‪$$‬واهر‬
‫الماّ‪ّ $‬د‪$‬ي‪ $ $ $ $ $ $ $‬ة‬
‫المجتم ّع‪$‬ي ‪ $ $‬ة‬
‫ويش‪$$$$$$$$$$‬مل‬
‫نش‪$$$‬اط األ‪$$$‬ف‬
‫ارد الم‪$$$‬و‬
‫ّج‪ $‬ه نح‪$$‬و‬
‫إنت‪$ $ $ $ $ $ $ $ $ $ $ $ $ $ $‬ا‪$‬ج‬
‫الم‪$$$$$‬و ّا‪$‬د‬
‫والس‪$$$$$$$$$$$$$‬لع‬
‫س‪$$$$$$$$$$‬ية‬
‫األسا ّ‬
‫الس‪$$$$‬تم ارر‬
‫الحي‪$ $ $ $ $ $ $ $ $ $‬اة‪،‬‬
‫حي ث ي ت م‬
‫ّ‪$‬‬
‫باس‪$$$$$$$$$$‬تغالل‬
‫أدوات‬
‫العم‪$$$$$$$‬ل‬
‫والتأثير على‬
‫الطبيع‪$$$$$$$$$$$‬ة‬
‫وتس‪$ $‬خيرها‬
‫إلش‪$$$$$$$$$$$$$‬باع‬

‫‪-73-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫حاجات المجتمع‪ .‬كما يشمل هذا‬ ‫وانهيارها كانهي‪$‬ار المجتمع اإلقطاع‬ ‫الماركس‬ ‫‪1975‬‬

‫الوج‪ $$$‬ود االجتم‪$$$‬اع ي العالق‪$ $ $ $‬ات‬ ‫ي يرجع إلى عّ‪$‬د عوام‪$‬ل رئيس‪$ّ$$‬ية‬ ‫ية في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫علم‬
‫الم ّا‪$‬دّ‪$‬ي‪ $‬ة ال‪$ $‬تي نت ش ‪$‬أ داخ‪$‬ل األس ‪$‬رة‬ ‫أ ّهمه‪$$‬ا ظه‪$$‬ور الم‪$$‬دن وت‪ $ $ $‬و‬ ‫االجتما‬
‫ع تبني‬
‫وبين أف ارد العائل ‪$ $ $ $ $‬ة وبعض من‬ ‫ّس‪ $‬عها‪ ،‬ارتف ‪$ $‬اع قيمة النق‪$ $‬ود وق وة‬
‫ّ‪$$‬‬ ‫مدخل‬
‫العالقات الثقافّ‪$‬ية واليو‪ّ $‬م‪$‬ية‬ ‫و‪$‬اقع‬
‫الد‪$‬ول ‪ $‬ة وتط ور المف ‪$ $‬اهيم ا قل ي ّم‪$‬ي‪ $‬ة‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ى‬
‫األخرى‪ .‬أ ما الوعي االجتماع ي فهو كّّلية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ع‪$‬ية لعص‪$‬ر‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫واالجتما ّ‬ ‫)‪(2‬‬
‫األفكار والنظّريات‪ $‬ووجهات‪ $‬النظر‬
‫اض‪$$$$$‬محالل ق وة اإلقط‪$$$$‬اعّ‪ $‬ين‬
‫والمشاعر‪ $‬واألع ارف‬ ‫ّ‪$$$$‬‬
‫والتقاليد الموجودة في مجتمع من‬ ‫وأصحاب األ ارضي وعدم‬
‫‪1-‬‬
‫المجتمعات والتي تعكس الوجود‬ ‫أ‪.‬ب‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫االجتماع ي لنا‪$‬س‪.‬‬ ‫شبتولين‬
‫ّ‬ ‫ال يع‪$ $‬ني التفس‪$$$‬ير الم ‪$‬اّ‪$‬دي االقتص‪$$‬ادي‬ ‫‪:‬‬
‫النظرية‬
‫• تقييم آ ارء ماركس‬ ‫العلمية لت ‪$ $‬ا‪$‬ريخ اإلن‪$‬س‪$$‬ان والمجتمع أ ّن الن‪$ $‬ا‪$‬س‬
‫تحّ‪$‬ركهم الدوافع االقتص‪$‬ادّ‪$‬ية‬ ‫في‬
‫لقد با‪$‬لغ في أهمّ‪$‬ية العامل الماّ‪$‬د ّي‬ ‫الطبيعة‬
‫واعتبره العامل الم ّح‪$‬رك لعالقات‬ ‫والمجت‬
‫وحدها و ّا‪$‬نما أرت المارك ّس‪$‬ية أ‬ ‫مع‬
‫وسلوك األف ارد والجماعات‪،‬‬ ‫ّن العنصر األساس ي هو إنتاج‬ ‫والمعرف‬
‫وهذا‬ ‫ّ‬ ‫ة‪$،‬‬
‫واعادة إنتاج الحياة الحقي ّق‪$‬ية‪ ،‬فبعض‬ ‫دار الفا‬
‫يتناقض مع الحقيقة والواقع‪ ،‬حيث ال يمكن‬ ‫اربي‪،‬‬
‫اعتماد العامل الماّ‪$‬د ّي في تفسير الوجود‬ ‫عناصر‬ ‫بيروت‬
‫‪-‬لبنان‪،‬‬
‫‪1981‬ء‬‫ا‬
‫االجتماع ي بأركانه‬
‫ّ‬ ‫م‪ ،‬ي‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ية‪ ،‬فهناك عالقة جد ّل‪$‬ية‬ ‫ص‪$.‬‬
‫الذا ّت‪$‬ية والموضو ّ‬ ‫‪224‬ر‬‫ّ‪$‬‬
‫وتفاع‪$‬ل مستمّ‪$‬ر بين العالم‪ $‬الماّ‪$‬د ّي والمثال ي‬ ‫‪ 2-‬بعد‬
‫ّ‬
‫محمد‬
‫أو‪ $‬القيم‪ $‬ي‪ .‬وبالنظر‪$‬‬ ‫عاطف ل‬
‫ّ‬
‫غيث‪:‬رو‬
‫إلى الص ارع الطب ‪$ $ $ $‬ق ي ال توج‪ $$‬د طبق ‪$ $ $‬ات‬ ‫دراساتف‬
‫ّ‬
‫في تاريخ ّد‪$‬ية‬
‫اجتماعّ‪$‬ي‪ $‬ة متخاصمة‪ ،‬فالحدود بين الطبق‪$ $‬ات‬ ‫التفكير‬
‫واتجا ي‬
‫ا‬‫ه‬
‫ليست واضحة بسبب ظاهرة الت ّغ‪$‬ير االجتماع‬ ‫تها‪.‬‬
‫النظرية‬
‫ي‪ ،‬أل ّن الص ارع ال يكون بين الطبقات ب ‪$‬ل‬ ‫نستنتج م ما سبق أ ّن ا نل ظّرية‬ ‫في علم‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫االجتماع‪$،‬‬
‫المارك ّس‪$‬ية ذات طبيعة ثوّرية‬ ‫دا ر‬
‫بين أبناء الطبقة الواحدة‪ .‬وعليه ال يمكن تفس‪$‬ير‬ ‫النهضة‬
‫تدعو إلى العمل على تغ ير الو‪$‬اقع‬ ‫العربية‪،‬‬
‫سقوط المجتمعات بعامل الص ارع الطبق ي‬
‫ّ‬ ‫االجتماع ي وخلق‪ $‬أو‪$‬ضاع جديدة‬ ‫القاهرة‪-‬‬
‫ّ‬ ‫م ص ر‪،‬‬
‫كم‪$$‬ا اّ‪$‬دعى مــاـركس‪ $.‬فس ‪$ $‬قوط المجتمع‪$$‬ات‬ ‫ومتط ورة‪ ،‬وله‪$‬ذا فإ ّن المدرسة‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫‪.305‬‬
‫ص م‪،‬‬

‫‪-73-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫وعمو ما تستند المارك ّس‪$‬ية على‪ :‬الفلسفة األلما ّن‪$‬ية (فلسفة هيجل) واالشت‪ $‬ار ّك‪$‬ية الفرن ّس‪$‬ية وأفكار سان‬
‫ً‪$‬‬
‫سيمون والدراسات االقتصادية‪ .$‬فعلم قائم على منهجين هما المنهج‬
‫الجدل ي والمنهج‬ ‫ّ‪$‬‬
‫ّ‬ ‫االجتماع‪ $‬الماركس ي‬
‫ّ‬
‫التا‪$‬ريخ ي‪ ،‬حيث ساعد المنهج التا‪$‬ريخ ي على كشف القوانين العا مة والقوانين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النوعّ‪$‬ية لتط ور االجتماع ي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫وساعد المنهج الجدل ي على والذات ي في الحياة االجتماعّ‪$‬ية وكذلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التم يز بين العا م‬ ‫التم يز الموضوع ي‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫وغير االجتماع ي‪ ،‬وهذا ما‬ ‫والخا ّص‪ ،‬الضرور ّي وغير‬
‫ّ‬
‫ساعد على إكساب علم‬ ‫الضرور ّي‪ ،‬االجتما‪$‬ع ي‬
‫ّ‬
‫االجتماع طابعه العلم ي والنوع ي في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫الوقت ذاته‪ .$‬سو‪$‬سيولو ّج‪$‬ية وكّّلية نب ا ّئ‪$‬ية يمكن د ارستها‬
‫وتحليلها‪ ،‬كما‬ ‫كانت المفاهيم األسا ّس‪$‬ية في نظّرية‬
‫ماـركس‬
‫وليس تبرير ي‪ .‬وبذ‪$‬لك الفضل‬ ‫استهدفت تص و ارته‪ $‬الحاالت المستقب ّل‪$‬ية‪،$‬‬
‫في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫يكون لـماـركسـ‬ ‫فموقفه‪ $‬تفسي‪$‬ر ّي‬
‫نضوج علم االجتماع بعدما أ ّسسه ابن‬
‫خلدون‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫المارك ّسـية‬
‫ال محَـدثة‬
‫ُ‬
‫ُيطَلق مصطلح المارك ّس‪$‬ية ال م َح‪$‬دثة على أو‪$‬لئك المف ّكرين المتم ّسكين‬
‫ُ‬
‫بالمارك ّس‪$‬ية التقليدّ‪$‬ية (كما جاءت‬
‫عند ماركس) كإطار نظري ومنهجي‪ .‬ولقد ل ّخص عبد البـاسط عبد المعطي‬
‫في كتابه‪" $‬اّتجاها‪$‬ت نظرّية في‬
‫علم االجتماع" تعر ًي‪$‬فا‪ $‬إجر‪$‬ائ يا‪ $‬لمارك ّس‪$‬ية‪ $‬ال م َح‪$‬دثة في أ ّن المارك ّس‪$‬ية الجديدة‬
‫ُ‬
‫تستند إلى المفاهيم المارك ّس‪$‬ية‪$‬‬
‫ومنطقها المنهجي والقو‪$‬انين العا مة التي تو‪ّ $‬صلت‪ $‬إليها‪ ،‬و ّأ‪$‬نها تعامل مع‬
‫ّ‬

‫‪-‬‬
‫‪74-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫ع‪$‬ية لتط ور االجتماعي‬


‫القوانين النو ّ‬ ‫لينين ورو از لكسمبورغ‪ .‬وامتد ًا‪$‬دا لهذا الطرح فقد أوضحوا حقيقة‬
‫ّ‪$‬‬
‫األسا‪$‬ليب‪ $‬التي يّتبعها االستعمار الجديد في التعامل مع دول العالم الثالث من ‪ (2).‬فالنظ‪ّ$‬رية ال م َح‪$‬دثة هي تلك‬
‫ُ‬
‫أجل الحفاظ على كبار المو ّظفين اآل ارء التي ظهر‪$‬ت بعد النظرّية‬
‫المارك ّس‪$‬ية الكالسيكّ‪$‬ية لحفاظ على‬
‫اإ‪$‬لرث‬ ‫‪ 1-‬عبد الباسط عبد المعطي‪ :‬اتجاهات نظرية في علم االجتماع‪ $،‬سلسلة عالم‬
‫المعرفة‪ ،‬الكويت‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪82$.‬‬
‫الماركسي الذي بدأ في التالشي نتيجة‬ ‫‪ 2-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪142.‬‬
‫سقوط الم‪$‬عسكر الشرقي وفقدانه لعديد‬
‫من الدويالت التي كانت تحت‬
‫سيطرة ّاالتحاد السوفياتي‪ ،‬إضافة‬
‫إلى عدم ت ّح‪$‬قق نتّ‪$‬بؤ كارل ماـركس‬
‫بسقوط الرأسما ّل‪$‬ية التي ستح ّل‬
‫محّلها‬
‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫االشت ار ّك‪$‬ية ّث‪$‬م الشيو ّ‬
‫وعمو ما فقد حافظت المارك ّس‪$‬ية ال‬
‫ً‪$‬‬
‫م َح‪$‬دثة على مضمون المارك ّس‪$‬ية‬
‫ُ‬
‫التقليدّ‪$‬ية مع تعديل جزئي في معنى‬
‫الصر‪$‬اع حسب المفهوم الماركسي‪.‬‬
‫لذلك يرى المارك ّس‪$‬يون ال م َح‪$‬دثون‬
‫ُ‬
‫أ ّن الص ارع يحمل مضم‪$‬ون‬
‫االحت ارم‬
‫لنظام‬
‫والسلطة‪،‬‬
‫واعتبا‪$‬ره أداة‬
‫لت ّغ‪$‬ير‬
‫والتحديث‪$.‬‬
‫وعليه يمكن‬
‫التم يز بينهما‬
‫من خالل‪$:‬‬
‫م‬ ‫لوسيا استبدال‬ ‫• ال‬
‫ا‬ ‫ن مصطلح‬ ‫أرسما ّلـية‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫جول‬
‫ك‬ ‫واالمبريا ّلـيةـ‪:‬‬
‫دما أرسما ّل‪$‬ية‬
‫س‬ ‫حيث اقترح‬
‫عند‬ ‫ن‬
‫بمصطلح االمبريا ّل‪$‬ية عند‬

‫‪-‬‬
‫‪75-‬‬
‫ورشوة البورجو‪$‬ازّيات الوط ّن‪$‬ية والتأثير اإليديولو‪$‬جي في الم ّث‪$‬قفين‪ ،‬والتغلغل في المؤ ّسسات العلمّ‪$‬ية‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫واإلعالمّ‪$‬ية والثقافّ‪$‬ية‪$.‬‬
‫• المسألة الطب ّقـية والثورة البروليتـاّرية‪ :‬لم يضع‪ $‬ماركس نفسه تعر‪ً $‬ي‪$‬فا لطبقة‪ ،$‬فالتعريف‪ $‬الشائع هو‬
‫الذي صاغه لينين في أ ّن الطبقات هي جماعا‪$‬ت من النا‪$‬س تحت‪ّ $‬ل مواق ًعا متماثلة نسب يا‪ $‬في نظام‬
‫اإلنتاج االجتماعي‪ $.‬ومن وجهة نظر‪ $‬ماركس يت م تحديد الطبقات من خالل موقعها من نظام اإلنت‪$‬اج والتنظيم‬
‫ّ‪$‬‬
‫االجتماعي لعمل‪ .‬فالمارك ّس‪$‬يون الجدد‪ $‬يؤّ‪$‬كدون أ ّن ماـركس حصر الطبق‪$‬ات في (المست غّلة‬

‫والمست َّغلة)‪ $‬وأ ّن الدور الثوري لبروليتا‪$‬رّية في حاجة إلى إعادة النظر خا ّصة‪ $‬بعد التط و ارت التي‬
‫ّ‪$‬‬
‫ط أرت على الطبقة العاملة في المجتمعات المع‪$‬اصرة‪ .‬وفي هذا السياق نجد مث ًال أ ّن ف ارنز فانـون‬
‫دون أن ننسى مساندته‬ ‫ماوتسي تونغ‬ ‫حاول إب ارز الدور الثوري لف ّالحين محاكً‪$‬يا في ذلك تجربة‬
‫)‪(2‬‬
‫المطلقة لثورة الج ازئّرية والمشا‪$‬ركة فيها‪.‬‬
‫وعمو ما‪ ،‬فإ ّن المارك ّس‪ $‬ين الجدد قد أثاروا العديد من التفاصي‪$‬ل التي لم يّركز عليها كارل ماركس‪،‬‬
‫ً‪$‬‬
‫ص‪$‬يات‪ $‬القو ّم‪$‬ية‪ .‬كما أثاروا أيضا مسأ‪$‬لة استغالل المد‪$‬ن لقرى في‬ ‫خا ّصة في اهتمامهم بدور األ ّمة والخصو‪ّ $‬‬
‫الدول النامية‪ .‬فلقد تمحورت محاولات تطوير المارك ّس‪$‬ية حول إعادة العالق ‪$‬ات الجد ّل‪$‬ي‪ $‬ة‪ $‬بين المس ‪$‬توى التحتي والف ‪$ $‬وقي‪.‬‬

‫فهذا الطرح لم‪ $‬يكن مس ‪$‬ت م دا من عدم تواف‪$ $‬ق‪ $‬الت ارث الماركس ‪$‬ي مع الواق‪$ $‬ع الجدي‪$ $‬د فق‪$$‬ط‪ ،‬ب ‪$ $‬ل ام ّت ‪$‬دت أس ‪$‬باب‬
‫َ‬
‫ظهور المارك ّس‪$‬ية‪ $‬الجديدة لتشمل انتقاد‪$‬ات الفكر البورجوازي التي ترّكزت في االهتمام بد‪ $‬ارسة العالقات‪$‬‬

‫الطب ّق‪$‬ية والثورة‪ ،‬معارضين مفهوم التدّ‪$‬رج الذي‪ُ $‬يخفي العالقات الدينامّ‪$‬ية المتناقضة لطبقات‪ .‬فالمارك ّس‪$‬ية‬

‫الجديدة نت ادي باألخذ بالمنظور التكاملي والكّلي ّإ‪$‬ال من أخذ بمفهوم ما بعد الحداثة‪ .‬ومن بين رواد المارك ّس‪$‬ية‪$‬‬
‫ّ‬
‫ال م َح‪$‬دثة نذكر‪:‬‬
‫ُ‬
‫• جورج لوكاش ‪1885-1971‬م‪ ،‬فيسلسوف وعالم اجتماع ماركسي‪ ،‬حاو‪$‬ل وضع نظّرية مارك ّس‪$‬ية‬
‫في علم الجمال‪ ،‬اشتهر بكتابه "التا‪$‬ريخ والوعي الطبقي ‪1923‬م‪ "$‬عالج فيه عّ‪$‬دة قضايا وش ّكك في‬
‫ض‪$‬د‬
‫وفي الوعي المرتبط با‪$‬لطبقات‪ ،‬وبا‪$‬لتالي فهو ّ‬ ‫ص ّحة الم ّا‪$‬دّ‪$‬ية التاري ّخ‪$‬ية‪ $‬كما أد‪$‬رجها ماركس‬

‫التفسير العلمي الماركسي‪ ،‬لذلك‪ّ $‬ق‪$‬دم آ ارءه في رواد مدرسة ف ارنكفورت ‪ّ (3).‬إ‪$‬ال ّأ‪$‬نه اشترك مع ماركسـ‬
‫ّ‬

‫‪ 1-‬علي غربي‪ :‬علم االجتماع والثنائيات النظرية التقليدية المحدثة‪ $،‬مخبر علم االجتماع واا‪$‬لتصال لبحث والترجمة‪ ،‬جامعة قسنطينة‪-‬‬
‫الج ازئر‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪152.‬‬
‫‪ 2-‬عبد الباسط عبد المعطي‪ :‬اتجاهات نظرية في علم االجتماع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪145.‬‬
‫‪ 3-‬عبد المجيد البصير‪ :‬موسوعة علم االجتماع ومفاهيم في السياسة واالقتصاد والثقافة العا ّمة‪ $،‬دار الهدى‪ ،‬الج ازئر‪2010 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.384‬‬
‫في ت ّب‪$‬ني المنطق‪ $‬الجدلي لـهيجل‪ .‬ومن المفاهيم األسا ّس‪$‬ية التي نت او‪$‬لها لوكاش في تح ‪$‬ليله لمجتمع ال أرسمالي مفهوم‬
‫الوعي والت ّش‪$‬يؤ* وعالقة ك ّل منهما بالت ّغ‪$‬ير والثورة والعقال ّن‪$‬ية‪ ،$‬حيث‪ $‬يتقابل مفهوم‬
‫الت ّش‪$‬يؤ عند لوكاش بمفهوم االغت ارب عند ماركس‪ ،‬فكال المفهومين ُيستخدمان في بحث وتحليل‬
‫)‪(1‬‬
‫التناقضات في المجتمع‪.‬‬
‫أنطونيو غ ارمشي ‪1891-1937‬م‪ ،$‬مف ّكر اجتماعي إيطالي‪ ،‬أصبح صحف يا شه ًي‪$‬ار نش ًطا في ميدان‬ ‫•‬
‫السياسة في التيار‪ $‬الماركسي‪ ،‬فهمه مغاير لمارك ّس‪ $‬ين الكالسي ّك‪ $‬ين حول البناء‪ $‬التحتي والبناء‬
‫الف‪$ $ $‬وقي‪ ،‬حيث يجب‪ $‬فهم مث‪$ $ $‬ل هذه المق‪$ $‬ولات بمع‪$$‬نى عالقاتها وفعا ّل‪$‬يتها التاري ّخ‪$‬ي ‪ $‬ة ال بمع‪$$‬نى وجو‪$‬دها في‬
‫)‪(2‬‬
‫ض‪$‬ية الهيمن ‪$‬ة والس ‪$‬يطرة من خالل تمّل‪ $‬ك الق وة‪،‬‬
‫ض‪$‬ية األساس ّ‪$$‬ية ال ‪$‬تي ناقش ‪$‬ها غ ارمش ـي هي ق ّ‬
‫و الق ّ‬ ‫الواق ‪$‬ع ‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫حيث تبدأ الهيمنة باالنهيار مع تط ور وعي الطبقات المحرومة والمستقّلة بمصا‪$‬لحها وتشكيل‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(3‬‬
‫نت ظيماتها المستّقلة‪ ،‬وتم ّت‪$‬د السيطرة على قوى اإلنتاج وعالقاته‪.‬‬
‫• آالنـ تورين ‪1925‬م‪ ،$‬أفكاره تمحور حول السي‪$‬طرة على إدارة الت اركم‪ ،‬ملك صيغة المعرفة وفر‪$‬ض‬
‫النموذج الثقافي‪ .‬حيث تبرز طبقة تح ّكم في عم ّل‪$‬يات اإلنتاج ونتائجها‪ ،‬م ما يمنحها ق وة تح ّكم من خاللها‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫في من ال يملكون‪ ،‬كما تو ّظف الطبقة المهيمنة المعارف في وضع الب ارمج واإلش ارف على‬
‫إنتاج المعرفة‪ .‬كما يرى تورين أ ّن احتكار مل ّك‪$‬ية الثروة ال يحت ّل مكانة الصدارة في عم ّل‪$‬ية الص ارع‪،‬‬

‫وبالتا‪$‬لي تفرض الق وة المتح ّكمة نموذجها الثقاف‪$‬ي الذي ي ّع‪$‬زز سيطرتها‪ $‬وضمان مكاسبها وأهد‪$‬افها‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(4‬‬
‫االقتصادّ‪$‬ية والسيا ّس‪$‬ية‪.‬‬
‫• بيار بورديو ‪2002-1930‬م‪ ،$‬تل ّخص أفكاره في محاولته لطرح مفاهيم نث ا ّئ‪$‬ية مثل الذا ّت‪$‬ية‪$‬‬

‫ع‪$‬ية‪ ،‬الوضعّ‪$‬ية والمثا ّل‪$‬ية‪ ،$‬الفرد والجماعة‪ ،‬وقد أ ّكد صفة النس ّب‪$‬ية والت ّغ‪$‬ير في القو‪$‬انين‪ ،‬وينتهي‬
‫والموضو ّ‬

‫* الَتُشّيؤ ترجمة لكلمة (باإلنجليزية‪« reification) :‬ر يفيكيشن» (باأللمانية‪ Verdinglichung) :‬ويعني تَ ُح ّ‪$‬ول العالقات يب ن البشر إلى ما يشبه العالقات بين األشياء‬
‫(عالقات آلية غير شخصية) ومعاملة الن‪$‬اس‪ $‬باعتب‪$‬ارها موضعً‪$‬ا لتباد‪$‬ل‪ .‬ويمكن القول بساطة شديدة بأن التَشُّيؤ‪ $‬هو أن َيتحَ ّ‪$‬ول‬
‫اإلنسان إلى شيء تمركز أحالمه حو‪$‬ل األشياء فال يت‪$‬جاو‪$‬ز السطح المادي وعالم األشياء‪.‬‬
‫‪ 1-‬إب ارهيم عيسى عثمان‪ :‬النظرية المعاصرة في علم االجتماع‪ $،‬دار الشروق لنشر‪ $‬والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪154.‬‬
‫‪ 2-‬خضر زكريا‪ :‬النظريات االجتماعية المعاصرة‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبوعات جامعة دمشق‪ ،‬مديرية الكتب‪ $‬الجامّعية‪ ،‬دمشق‪-‬سوريا‪1988- ،‬‬
‫ص م‪.2431989،‬‬
‫‪ 3-‬إب ارهيم عيسى عثمان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪161.‬‬
‫‪ 4-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪165.‬‬
‫إلى القو‪$‬ل بأ ّن أزمة علم االجتماع ناتجة‪ $‬عن نظرّيات دون ركيزة امبري ّق‪$‬ية أو أعمال امبري ّق‪$‬ية‪ $‬دون‬
‫)‪(1‬‬
‫توجيهات‪.‬‬
‫م ما سبق نستنتج أ ّن النظّرية المارك ّس‪$‬ية‪ $‬ال م َح‪$‬دثة قد تبلورت أفكارها بعد النظّرية المارك ّس‪$‬ية الكالسي ّك‪$‬ية‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫للحفاظ على اإ‪$‬لرث الماركسي الذي بدأ في التالشي نتيجة سقوط المعسكر الشرقي وفقدانه لعديد من‬
‫بسقوط‬
‫كارل ماركس‬ ‫الدويالت التي كانت تحت سيطرة االتحاد السوفياتي‪ ،‬إضافة إلى عدم تحّقق نتّ‪$‬بؤ‪$‬‬

‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫ال أرسما ّل‪$‬ية التي ستح‪ّ $‬ل محّلها االشت ار ّك‪$‬ية‪ّ $‬ث‪$‬م الشيو‪ّ $‬‬
‫‪ 1-‬إب ارهيم عيسى عثمان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪167.‬‬
‫اربعا‪ :‬المدرسة الوض ّعـية‬
‫اسم ُيطلق على المذهب الوضعي الذي أ ّسسه أوغست كونت ‪(1798-1857‬م) والحركة التي قام‬

‫بها‪ ،‬فالو‪$‬ض ّع‪$‬ية با‪$‬لمعنى العا م هي ال أري القائل بأنه مادامت المعرفة الحقي ّق‪$‬ية‪ $‬كّلها مؤ ّسسة على الخبرة الح ّ ّس‪$‬ية وال‬
‫ّ‪$‬‬
‫ت ّق‪$‬دم إّ‪$‬ال بالمالحظة والتجربة‪ ،‬فإ ّن المحاولات‪ $‬التأم ّل‪$‬ية أو الميتافيزي ّق‪$‬ية الكتساب المعرفة عن طريق العقل‬

‫الغير محدود بالخبرة‪ ،‬من الضروري أن يت ّخلى عنها لصالح مناهج العلوم الخا ّصة‪.‬‬
‫يجتمع الوض ّع‪$‬يون على أ ّن عمل الفلسفة هو فهم المناهج التي ت ّق‪$‬دم بواسطتها الع‪$‬لوم‪ ،‬وليس السعي‬
‫شرف البدء بالوض ّع‪$‬ية في كتابه‬ ‫إلى معرفة العالم معرفة ال تستند إلى العلوم‪ .‬ولقد يكون لفرنسي بيكون‬
‫(في المبادئ واأ‪$‬لصول‪1623-1624 ،‬م‪ ،)$‬فعلى الفالسفة أن يأخذوا حسبه مبادئ األشياء كما هي موجودة‬
‫في الواق‪$$‬ع‪ ،‬معتمدين في ذلك على اإليمان بصدق التجارب مع االعت ارف بوج‪ $‬ود حق ‪$‬ائق أ و ّل‪$‬ي‪ $‬ة دون أ ّي تص‪ $‬ور س ‪$‬ابق‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫فصفة‪ $‬وضع ي عن ‪$‬ده ُتطل ‪$‬ق على الحق ‪$‬ائق ال ‪$‬تي ال ُتف ّسر وعلى المذاهب ال ‪$‬تي تق ‪$‬وم عليها‪ $.‬وبس‪$‬بب الت ‪$‬أّثر بـبيكون أصبحت‬
‫ّ‬
‫كلمة وضعي ُتطلق على مناهج العلوم الطبي ّع‪$‬ية العتمادها على المالحظة والتجربة‪ ،‬وهذ‪$‬ا‬

‫ص‪$‬رح به سانـ سيمون بأ ّن ك ّل علم ال يسي‪$‬ر السيرة ذاتها في االعتماد على المالحظة والتجربة عبا‪$‬رة‬
‫ما ّ‬
‫عن علم ظّ‪$‬ني‪.‬‬
‫وأ ما وض ّع‪$‬ية كونت فكانت أكثر من م ّج‪$‬رد فلسفة‪ $‬علم ود ارسة لتط ور العقلي‪ ،‬حيث ش ّكلت‪ $‬جزًءا من‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫الت ارث التجريبي في الفلسفة‪ ،‬وبخا ّصة عند دافيد هيوم الذي برهن على أ ّن المعرفة البشرّية الحقي ّق‪$‬ية تعّلق‬

‫كّلها بأمور الواقع أو با‪$‬لمنطق‪ $‬والريا‪$‬ضيات‪ .‬لكن االستدالل المنطقي أو الرياضي ال يمكنه من تلقاء نفسه‪$‬‬
‫ض‪$‬يق‪ ،‬في حين أ ّن معرفة واقع العالم‪ $‬على‬
‫أن يخبرنا بشيء‪ $‬عن طبيعة العالم‪ ،‬أل ّن نتائجه محصورة في إطار‪ّ $‬‬
‫خالف ذلك ‪ (1)$.‬من هنا نشأت‪ $‬الوض ّع‪$‬ية‪ $‬المنط ّق‪$‬ية التي ترجع استحالة معرفة اإلنسان لما‪ $‬يجاوز خبرته‬

‫إلى منطق ا لغة نفسه ال إلى أساس سيكولوجي‪.‬‬


‫ّمتحققا في عالم الح ّس والتجربة‪ ،‬وان كانت أسبابه القصوى وقوانينه‬ ‫إ ّن الو‪$‬ضع ي من األشياء ما كان‬
‫ّ‬
‫التي شرعها اهلل وفرضها على الطبيعة مجهولة لدينا‪ .‬فالوضع ي م اردف لحقيق ي والتجريب ي ومقابل لتأ مل ي‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والخيا‪$‬ل ي والوهم ي‪ ،‬ولإلشارة فإ ّن كلمة الوض ّع‪$‬ية ال تخ ّص أوغست كونت‪ ،‬فكما سبق فقد اسُتخ دمت من قبل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫دافيد هيوم وسان سيمون قبله‪ ،‬حيث كان هيوم ار ًئ‪$‬دا لمذهب الوضعي وأوغست كونت داعي‪$‬ة إلي‪$‬ه‪.‬‬
‫‪ 1-‬صالح الدين شروخ‪ :‬مدخل في علم االجتماع ‪-‬للجام ّعـيين‪ $،-‬دار العلوم لنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪-‬الج ازئر‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪152$.،151‬‬
‫‪ 2-‬محمد شفيق‪ $‬غربال‪ :‬الموسوعة العربية المو ّسعة‪ ،‬ط‪ ،2‬مؤ ّسسة الشعب‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1972 ،‬م‪ ،‬ص‪1954$.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫وعمو ما ُيعتبر كونت األ ول في الحديث عن الفلسفة‪ ،‬حيث‪ $‬يرى أ ّن لفظ الو‪$‬ضع ي يد ّل على الحقيق ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ً‪$‬‬
‫المقابل لوهم ي‪ ،‬والحالة الوض ّع‪$‬ية في قانون الحالت الثالث عنده مقابلة لحا‪$‬لة ال ّالهو ّت‪$‬ية والحا‪$‬لة الميتافيزي ّق‪$‬ي ة‪ $.‬والو‪$‬ضع‬
‫ّ‬
‫ي من األشياء هو الثابت والصادق‪ ،‬فاأ‪$‬لخبار الوض ّع‪$‬ية عند بعضهم تكون مطابقة لو‪$‬اقع‪ ،‬لذلك‪ $‬فإ ّن‬
‫ّ‬
‫النظرّي ة الوض ّع‪$‬ية ّإ‪$‬نما ت ‪$‬د ّل على أ ّن المعرف ة الصحيحة هي المعرف ة المب ّن‪$‬ي ة على الو‪$‬اق ‪$‬ع والتجر‪$‬ب ة‪ ،‬وأ ّن العل ‪$‬وم‬

‫التجري ّب‪$‬ية‪ $‬هي التي ُتحّقق المثل األعلى‪ ،‬وأ ّن الفكر البشري ال يستطيع أن يت ّج‪$‬نب‪ $‬ا لفظّ‪$‬ية والخطأ في العلم‪ $‬والفلسفة ّإ‪$‬ال إذا‬

‫اّتصل با‪$‬لتجر‪$‬بة ‪ (1).‬فالمدرسة‪ $‬الو‪$‬ض ّع‪$‬ية هي اّتجاه فكري يبني تفسير العلم‪ $‬على مصطلحات‪$‬‬

‫التجربة‪ ،‬حيث تستلهم الوض ّع‪$‬ية نقطة انطالقها من العلوم الطبي ّع‪$‬ية من أجل إقامة التفكير على أساس مو ّحد‪$.‬‬
‫وبالرجوع إلى سان سيمون ‪(1760-1825‬م‪ )$‬الذي عاش في نظام إقطاعي وسلي‪$‬ل أسرة أر‪$‬ستق ارطّ‪$‬ية‬

‫ض‪$‬د االنجليز‪$‬‬
‫يحمل لًقبا اجتماع يا هو الكونت‪ ،$‬كان ضاب ًطا برتبة مالزم ّأ‪$‬ول ل ّما كانت فرنسا تخوض حرًبا ّ‬
‫في شمال الق ّا‪$‬رة األمريكّ‪$‬ية‪ $،‬وقد نضج‪ $‬فكره خالل الثورة الفرن ّس‪$‬ية التي كانت بمثابة ثورة على النظام االجتماعي‬

‫واالقتصادي في أوروبا عا مة وفرنسا خا ّصة‪ ،‬وثورة على النظام المعرفي التقليدي السائد في فرنسا وثورة‬
‫ّ‬
‫على النظام السياسي الملكي‪ .‬قام سان سيمون في مرحلة نضجه الفكر ّي ‪(1802-1816‬م) بكتابات في علم اإلنس‪$‬ان‬

‫مقترحا‪ $‬تحديد القو‪$‬اعد المنه ّج‪$‬ية لهذا العلم االجتماعي‪ ،‬حيث كان اهتمامه الرئيسي منص با على‬

‫ربط هذه المعرفة الجديدة بالت ّغ‪$‬ي ارت االجتماعّ‪$‬ية وبالتركيز على العالقات التي ُيقيمها هذا العلم بين النظرّية‪$‬‬
‫والممارسة السيا ّس‪$‬ية‪ ،‬وهو يشير بذلك إلى أ ّن ادخال الوقائع األخال ّق‪$‬ية في ميدان المعرفة هو تك ارر السيرة‬
‫العا مة من الظ‪$‬رف ي إلى الوضع ي‪ ،‬ومعناه با‪ $‬نل سبة إلى علوم اإلنسان إعادة إنتا‪$‬ج الصيرورة نفسها التي سبق‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫لها أن كانت صيرورة العلوم الطبي ّع‪$‬ية‪.‬‬
‫ويقارن سان سيمون بين العلوم التي ّم‪$‬رت من الحدسي إلى الوضعي‪ ،‬م ّب‪ً$‬ينا أ ّن كافّة العلوم بدأت‬

‫بالتك ون على أسا‪$‬س حدس ي‪ ،‬لك ّن نظام األمور هو الذي جعل منها علو ما وض ّع‪$‬ية‪ .‬فعلم الفلك كان في‬
‫ً‪$‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫األصل نت جي ما‪ ،‬والفيزيولوجيا التي غاصت طو‪$‬ي ًال في بحر الدجل‪ ،‬قت وم اآلن على أسا‪$‬س قواعد تخضع‬
‫ً‬
‫لمالحظة و لنقاش‪ ،‬وكذا األ‪$‬مر‪ $‬بالنسبة إلى علم النفس الذي تخلّص من األحكام الدي ّن‪$‬ية المسبقة‪ .‬لقد بدأت المقا‪$‬ربة‬

‫الو‪$‬ض ّع‪$‬ية في مرحلة الفكر الم‪$‬وسوعي الذي عرفه في القرن الثامن عشر واّتخذت‬

‫عند سان سيمون طاب ًعا تطبيق يا عمل يا وليس نظر يا مثلما كان سا ًئ‪$‬دا في المرحلة التجريدّ‪$‬ية أي العلم النظر ّي‬

‫‪-79-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫‪ 1-‬جميل صلبيبا‪ :‬المعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الكتاب‪ ،‬لبنان‪-‬بيروت‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪578.‬‬
‫‪ 2-‬مصطفى بوجالل‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪55.‬‬

‫‪-79-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫الم ّج‪$‬رد‪ ،‬حيث ط ور الفكر الموسوعي آ ّل‪$‬يات تحليل جديدة تقوم على الت اربط بين المعرفة والواق‪$‬ع اإلنسان ي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫وبذلك يمّثل هذا الفكر مرج ّع‪$‬ية سان سيمون‪.‬‬
‫• الوض ّعـية والبحث العلمي االجتماعي‬
‫لقد ُأطلقت العديد من التسميات على المذهب الوضع ي‪ ،‬مثل ّاالتجاه الطبيع ي‪ ،‬االّتجاه االمبريق ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫و ّاالتجاه السلوك ي‪ ،‬فض ًال عن إطالق كلمة العلم ذاتها على هذا المذهب‪ ،‬وعندما ُينسب إليه لفظ المذهب‬
‫ّ‬
‫فإ ّن المقصود بذ‪$‬لك اعتباره بمثابة االبستيمو‪$‬لو‪$‬جيا الفلس ّف‪$‬ية التي تحظى بالنفوذ الفكر ّي في نطاق العلوم‬

‫ع‪$‬ية وبدرجات متفا‪$‬وتة‪ .‬ومن دعاوي هذا الم‪$‬ذهب الوضع ي أ ّن الحقيقة نت حصر في ك ّل ما هو مت‪$‬اح‬
‫االجتما ّ‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ية تشترك في أساس منطق ي ومنهج ي واحد‪ .‬وبذلك تعترف‬
‫أمام إد ارك الحو‪$‬ا ّس‪ ،‬وأ ّن الع‪$‬لوم الطبي ّع‪$‬ية واالجتما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ض‪$‬يات‪$‬‬
‫الو‪$‬ض ّع‪$‬ية بالشكل االمبريقي الذي تمّثله الع‪$‬لوم والشكل المنطقي الذي يعكسه المنطق وتشاركه الريا ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫إ ّن الثورة الفرنسّ‪$‬ية ومؤّث ارتها السيا ّس‪$‬ية واا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية التي عاشها أوغست كونت قد حّفزته على وضع‬

‫األسس النظامّ‪$‬ية لمجتمع الجديد الذي يجب أن‪ $‬يتكّ‪$‬يف مع روح وتطّلعات العصر ونف ّس‪$‬ية الشعب الفرنس ي‬
‫ّ‬
‫وطبيعة مشكالت المجتمع والمبادئ الثوّرية والتح و ّل‪$‬ية التي تسيطر عليه وترسم ُأ ُطر اّتجا‪$‬هاته الم ّا‪$‬دّ‪$‬ية‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ع‪$‬ية جديدة يمكن أن يسير‪ $‬عليها المجتمع الفرنس ي‪ ،‬ومثل‬
‫والمثا ّل‪$‬ية‪ .‬لهذا وضع كونت قوانًينا‪ $‬اجتماعّ‪$‬ية وأخال ّق‪$‬ية وشر ّ‬
‫ّ‬
‫هذه ا قل و‪$‬انين اشتّقها من عّ‪$‬دة علوم أه مها السياسة واالقتصاد والقانون وعلم النفس‪ .‬وبالتا‪$‬لي ش ّكلت هذه‬
‫ّ‬
‫القو‪$‬انين الصر‪$‬ح المنهجي والموضوعي لعلم الجديد والذي يجب أن توفّر فيه الشروط التا‪$‬لية‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون المعلومات والحقائق التي يتك ون منها علم االجتماع متكاملة ومتناسقة وعلى درجة كبيرة‬
‫ّ‪$‬‬
‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫من الدّقة والمو‪$‬ضو ّ‬
‫ُيساعد‬ ‫التفت‪$‬يش عن طرق جديدة يمكن اعتمادها في البحث العلمي الذي‬ ‫‪ -‬على العلم الجديد‬
‫على‬
‫تثبيت وتطوير نظرّيات العلم وقوانينه الشمو‪ّ $‬ل‪$‬ية‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون هذا العلم الجديد قاد ار على شرح وتوضيح نظّريات وقوانين األديان السماّوية وال‪ $‬مثل‬
‫ُ‬ ‫ً‪$‬‬
‫واألخالق والقيم‪$.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪80-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫‪ 1-‬سامية محمد جابر‪ :‬منه ّجـيات البحث االجتماعي واإلعالم‪ ،‬دار المعرفة الجامعّية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪128.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪81-‬‬
‫ع‪$‬ية‬
‫‪ -‬أن تكون ا نل ظّريات‪ $‬اا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية قادرة على الت ّغ‪$‬ير تب ًعا لتغ ير‪ $‬الظروف والظواهر‪ $‬االجتما‪ّ $‬‬
‫ع‪$‬ية با‪ $‬نل س ّب‪$‬ية والمرونة وابتعادها عن صفة‪$‬‬
‫والسلو ّك‪$‬ية‪ .‬وهذا يعني ضرورة تمّ‪$‬يز‪ $‬النظّريات‪ $‬االجتما ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫التع ّصب والت ّح‪$‬يز‪.‬‬
‫ولقد استعان كونت في نظرّيته االجتماعية با‪$‬لعديد من المصطلحات العلمّ‪$‬ية مثل السكون أو الثبات‪$‬‬
‫االجتماعي والدينامي ّك‪$‬ي‪ $‬ة أو الت ّغ‪$‬ير االجتماعي‪ .‬ويع ‪$‬ني ك ـونت بالس‪$$‬كون اال‪$‬جتماعي تل ‪$‬ك العالق‪$ $‬ة بين الظ‪$‬واهر والعم ّل‪$‬ي‪ $‬ات‬

‫االجتماعّ‪$‬ية وتكامل بعضها مع البعض خالل نقطة زم ّن‪$‬ي‪ $‬ة م ّح‪$‬ددة‪ ،‬وت‪ $‬داخل المؤ ّسسات وأداء ك ّل منها وظائف‪$ $‬ه‬

‫الم ّح‪$‬ددة‪ .‬حيث يتج ّسد هذا التكامل في اجتماعها وتظافرها من أجل خدمة األف ارد والجماعات‬

‫لتحقيق التماسك والت اربط‪ ،‬م ما يجعل المجتمع مو‪ً ّ $‬ح‪$‬دا وقو يا‪ $‬وقادا‪$‬ر على تحقيق أهدافه القريبة‪ $‬والبعيدة‪ .‬ويعني‬
‫ً‪$‬‬ ‫ّ‬
‫كونت بالديناميكّ‪$‬ية أو الت ّغ‪$‬ير‪ $‬االجتماعي‪ ،‬ت ّغ‪$‬ير‪ $‬مؤ ّسسات المجتمع بمرور الزمن نتيجة ت ّغ‪$‬ي ارت تحدث في‬

‫بعضها أو جميعها‪ ،‬بسبب عوامل طبي ّع‪$‬ية أو إنسا ّن‪$‬ية مقصودة أو غير مقصودة‪ .‬فت ّغ‪$‬ير مؤ ّسسة م ّع‪$‬ينة يؤّثر بالضرورة‬

‫على قبّ‪$‬ية‪ $‬المؤ ّسسات األخرى أين يت ّب‪$‬دل البن‪$$‬اء االجتماعي وي ّم‪$‬ر المجتمع من مرحل‪$ $‬ة حض ‪$‬ارّية إلى مر‪$‬حل‪$ $‬ة أخرى‬

‫ّتسم بالت ّق‪$‬دم والنم و والفاع ّل‪$‬ية‪ ،$‬مثل ت ّق‪$‬دم المجتمع من مرحلة التفكير الفلسفي إلى مر‪$‬حلة التفكير‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫العلم ي الو‪$‬اق‪$ $ $ $ $ $ $‬ع‬
‫ّ‬
‫ي‪ .‬كما يرى كونت بأ ّن التضامن االجتماع ي ال يمكن أن يتحّقق بصورة كاملة‪ّ ،‬إ‪$‬ال إذا و ّجه المسؤولون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عنايتهم واهتمامهم بإصالح نظام التربية والتعليم ونظام األسرة والنظام السياس ي‪ .‬ف ‪$‬التعليم يضبط ال‪$‬غ ارئ‪$‬ز الفط‪$‬رّي ة‬
‫ّ‬
‫ويهيمن عليها ويح ول طاقاتها نحو منافذ تخدم الحضارة والمجتمع‪ ،‬كما ّأ‪$‬نه يهّ‪$‬ذب المشاعر اإلنسا ّن‪$‬ية‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ويسمو بمدركات الفرد وتص و ارته وأحكامه‪ ،‬م ما يدفع اإلنسان على قت وية عالقاته االجتماعّ‪$‬ية با‪$‬آلخرين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫• قصور المدـرسة الوض ّعـية‬
‫ع‪$‬ية‬
‫يظهر القصور أو‪ $‬الضعف عند‪ $‬تطبيق المذهب الو‪$‬ضعي على ما يتعّلق با‪$‬لحياة االجتما‪ّ $‬‬
‫اإلنسا ّن‪$‬ية‪ ،$‬لذلك‪ $‬كان على المذهب الوضعي أن يتجاوز مشكلة التمييز‪ $‬بين‪ $‬ما هو إنسان ي وما هو ماّ‪$‬دي‪،‬‬
‫ّ‬
‫ذلك التم يز الذي عّ‪$‬برت عنه اآل ارء بطرق ّج‪$‬د متن وعة ومختلفة‪ ،‬وهو يحت ّل أه ّم‪$‬ية كبرى في تاريخ الفكر بما‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫ينطوي عليه من مضامين قانو‪ّ $‬ن‪$‬ية ودي ّن‪$‬ية‪ $‬وأخال ّق‪$‬ية وسيا‪ّ $‬س‪$‬ية‪ $.‬كما أ ّن هذا التم يز‪ّ $‬ي‪$‬دعي أ ّن ك ّل ما‪ $‬هو إنسان ي‬
‫ّ‬
‫وروح ي وعقل‪ $‬ي أو‪ $‬ذهن ي‪ّ ،‬إ‪$‬نما ي ّمثل نظا ما لظ‪$‬واهر يختلف‪ $‬عن نظام الظاهرة الم ّا‪$‬دّ‪$‬ية‪ ،‬وال يم‪$‬كن أن‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ُيفهم‬
‫بواسطة الطرق المالئمة لذلك النظام اآلخر‪ .‬لقد لجأ بعض الوض ّع‪ $‬ين إلى رفض هذا الت ارث رف ًضا قاط ًعا‬

‫‪ 1-‬إحسان محمد الحسن‪ ،‬عدنان سليمان األحمد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪124$.‬‬


‫‪2- Georges Cantecor : Le Positivisme, Hachette Livre – BNF, France, 2013, p35.‬‬
‫بواسطة اخت‪ $‬ازل ك ّل ما هو إنس‪$$‬ان ي إلى مجموعة من المظاهر ذات الطبيع‪$$‬ة الماّ‪ّ $‬د‪$‬ي ‪ $‬ة‪ ،‬وفي هذه الحال ‪$ $‬ة‬
‫ّ‬
‫تح ول الحياة اإلنس ‪$‬ا ّن‪$‬ية إلى ف ‪$ $‬رع من الكيمي‪$$‬اء أو البيولو‪$‬جيا أو إلى علم النفس الس‪$$‬لوكي‪ .‬بينما لجأ آخ‪$‬رون إلى بناء‪ $‬أنس‪$$‬اق‬
‫ّ‪$‬‬
‫نظرّية كبرى تشتمل على علم الحي‪$‬اة‪ ،‬علم‪ $‬ا نل فس‪ ،‬علم المناخ والجغ ارفيا وعلم االجتماع‪ ،‬اعتم ًا‪$‬دا على‬

‫فكرة مفادها ّأ‪$‬نه طالما كانت تلك العلوم وغيرها جزًءا من الحياة اإلنسا ّن‪$‬ية‪ ،$‬فهي ت ّع‪$‬د جمي ًعا ذات أهمّ‪$‬ية في‬

‫ع‪$‬ية هي ظواهر‬
‫فهم الحياة في ُمجملها‪ ،‬وهناك طائفة أخرى ذهبت إلى ّا‪$‬دعاء أ ّن الظواهر اإلنسا ّن‪$‬ية واالجتما ّ‬
‫واق ّع‪$‬ية مثلها في ذلك مثل الظواهر الماّ‪ّ $‬د‪$‬ية‪.‬‬
‫إ ّن الفكرة الخا‪$‬لصة لمجتمع تكشف عن وجود ُن ُظم مطردة ت ّم‪$‬يز بواق ّع‪$‬يتها وقاب ّل‪$‬يتها لتنّ‪$‬بؤ‪ ،‬على‬
‫ُ‬
‫الرغم من أ ّن المجتمع يشتمل على أف ارد يت ّم‪$‬يزون في ما بينهم بالمفارقة والت ّف‪$‬ر ّد‪$‬ية‪ .‬وعمو ما كانت ث مة أفكار‬
‫ّ‬ ‫ً‪$‬‬
‫ي ّسرت فهم المجتمع واد اركه بوصفه يمّثل مست وى لواقع الذي يت ّم‪$‬يز بأّ‪$‬نه وحدة قائمة بذاتها‪ .‬فالو‪$‬ض ّع‪$‬ية اهت مت‬
‫ّ‬ ‫ً‪$‬‬
‫بعض جوانب العلم‪ $‬الطبيع ي على حساب‪ $‬جوانب أخرى‪ ،‬فالعلم‪ $‬يت ّم‪$‬يز ب ّأ‪$‬نه امبريقي ل ّك‪$‬نه أيضا‪ $‬نظر ّي إلى‬
‫ّ‬
‫ّح‪$‬د بعيد‪ ،‬وليست القو‪$‬انين م ّج‪$‬رد تعميمات امبريقّ‪$‬ية س ّب‪$‬ية‪ ،‬بل هي قضايا مترابطة تراب ًطا عقل يا‪$.‬‬
‫وم ما سبق نخلص إلى أ ّن إضافات أوغست كونت إلى علم االجتماع كانت قليلة‪ ،‬على الرغم من‬
‫ّ‬
‫وضعه مصطلح "سو‪$‬سيو‪$‬لوجي"‪ ،‬فقد تص ور البشرّية‪ $‬كّلها شًيئا‪ $‬هالم يا‪ ،‬فلم‪ $‬ي ار ع أوجه االلتقاء بين الم ارحل‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫االجتماعّ‪$‬ية المتشابهة التي تفضي إلى معرفة القوانين العا مة لتط ور االجتماعي‪ ،‬لذلك يعتبر‪ $‬فكره مثال يا‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫سا ًب‪$‬قا لواقع وم ّح‪ً$‬ركا له‪ ،‬والمثا ّل‪$‬ية عنده تعني وجهة تفسيّرية‪ ،‬وهو ما يتعارض مع كونه وضعي ا‪ ،‬فالمجتمع‬
‫ليس ّكله تضامً‪$‬نا وتماس ًكا‪ ،‬و ّا‪$‬نما فيه ص ارع وتناقض‪ .‬كما أ ّن فَ‪$‬زَ‪$‬ع كونت من الت ّغ‪$‬ي ارت والثو ارت‪ ،‬جعل‬
‫علم االجتماع أداة محافظة وتبرير لنظام القائم‪ .‬كما ّأ‪$‬نه ت ّح‪$‬دث عن منهج المالحظة والتجربة ولم يستخدمه‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫خامسا‪ :‬الوض ّعـية ال م َحـدثة‬


‫ُ‬
‫ُيمكن القو‪$‬ل أ ّن ماكسـ فيبر قد سا‪$‬ر في خ ّط مغاير لخ ّط الذي سارت يف ه الوض ّع‪$‬ية‪ ،‬أل ّن حو‪$‬اره مع‬

‫نيكوال تيماشيف حول ماكس فيبـر بأّنه أقام‬ ‫)‪(2‬‬


‫الو‪$‬ض ّع‪$‬ية نفسها ي ّم‪$‬يز ت ارثه ويطبعه بطابع خا ّص ‪.‬‬
‫ف أري‬
‫على أسا‪$‬س تسليمه المسبق بين العلوم االجتماعّ‪$‬ية‪ $‬التي تختلف‬ ‫التوليف بين العلم الطبيعي والعلم الر‪$‬وحي‬
‫عن العلوم الطبي ّع‪$‬ية‪ $‬اختالً‪$‬فا‪ $‬واض ًحا‪ ،‬فا‪$‬لعلوم الط‪$‬بي ّع‪$‬ية تت ّجه االهتمامات اإلنسا ّن‪$‬ية خا‪$‬للها نحو‪ $‬الضبط‪ ،‬بينما‬
‫‪ 1-‬عبد الباسط‪ $‬عبد المعطي‪ :‬البحث االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪96 .،95‬‬
‫ظريات الكالسي ّكـية والنق ّدـية‪ ،‬دار الكتب‪ $‬المصّرية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪95 .‬‬
‫ازيد‪ :‬علم اجتماع الن ّ‬ ‫‪ 2-‬أحمد‬

‫مفهو‬
‫م‬ ‫يصبح مفهوم الثقافة ذاته‬ ‫تيماشيف‬ ‫ّتجه االهتمامات في العلوم اإلنسا ّن‪$‬ية نحو التقويم‪ ،‬وفي أر‬
‫ي‬
‫)‪(1‬‬
‫قيمي‪ ،‬كما تصبح الوقائع االمبري ّق‪$‬ية‪ $‬بالنسبة نل ا ثقافة‪ّ ،‬أل‪$‬ننا‪ $‬نربطها دائ ما بالقيا‪$‬س‪ .‬من هذا‬
‫ً‬
‫المنطَلق تعود ركائز النزعة الوض ّع‪$‬ية ال‪ $‬م َح‪$‬دثة بعد انهيار المذهب التط وري إلى ما يتص‪ $‬وره‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ُ‬
‫ع‪$‬ية‪ ،‬حيث نجد الكثير من‬ ‫الو‪$‬ض ّع‪$‬يون الجدد بأ ّن مناهج العلم الطبيعي مناسبة لد ارسة الظاهرة االجتما ّ‬
‫الكتابات السوسيولوجية تعتمد على أربعة عناص‪$‬ر (النزعة الك ّم‪$‬ية‪ ،‬النزعة السلو ّك‪$‬ية‪ ،‬النزعة الح ّ ّس‪$‬ية‪ ،‬النزعة‪$‬‬
‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫تأتي هذه اإليقاعات الو‪$‬ض ّع‪$‬ية الجديدة الرباعّ‪$‬ية لت ّع‪$‬بر بو‪$‬ضوح عن المشروع ال أرسمالي‪ ،‬وعليه‪$‬‬ ‫النف ّع‪$‬ية‪. )$‬‬

‫فإ ّن النظرّية الو‪$‬ض ّع‪$‬ية الجديدة نت ظر إلى األشيا‪$‬ء كما هي و تع مق في وصفها‪ ،‬وُتدركها إد ار ًكا ح ّس يا جزئ يا‪$‬‬
‫ّ‬
‫معزًوال عن سياقها التاريخي لوقوف على اأ‪$‬لوضاع القائمة وك ّأ‪$‬نها نهاية التا‪$‬ريخي االجتماعي لإلنسان‬
‫ومجتمعه‪ .‬ومن بين رواد الو‪$‬ض ّع‪$‬ية ال م َح‪$‬دثة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫• جورج لندربرج ‪1895-1966‬م‪ ،$‬عالم اجتماع عمل في الجامعات األمريكّ‪$‬ية‪ ،‬شغل منصب أستاذ‬
‫االجتماع في جامعة واشنطن‪ ،‬ت م اختياره عام ‪1942‬م رئي ًسا لجم ّع‪$‬ية األمري ّك‪$‬ية لعلم االجتما‪$‬ع‪ ،‬من أبرز‬
‫ّ‪$‬‬
‫ّاالتجاه الوضعي الحديث الذي يهدف إلى تحديد اإلج ارءات المنه ّج‪$‬ية في ضوء االّتفا‪$‬ق واالقتناع‬ ‫م ّمثلي‬
‫ع‪$‬ية‪،‬‬
‫المفاهيم من خالل البحث عن الدالئل التجري ّب‪$‬ية أو اإلحصا‪ّ $‬ئ‪$‬ية التي تمّثل الظواهر االجتما ّ‬ ‫بتحديد‬
‫)‪(3‬‬
‫ويرى جورج لندربرج بأ ّن ك ّل العلوم‬ ‫وتص ورها في ضوء مجموعة من اإلج ارءات الم‪ّ $‬ح‪$‬ددة ‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ع‪$‬ية‬
‫االجتما ّ‬
‫ع‪$‬ية هي بالضرورة أداة أو وسيلة تكّ‪$‬ي ّف‪$‬ية‪ ،‬فك ّل بحث يبدأ عادة بعدم التوازن الذي يستشعره‬
‫أو غير االجتما ّ‬
‫الكائن العضوي‪ .‬وهذا ما يّتفق‪ $‬تما ما مع النزعة السلو ّك‪$‬ية التي ت ّج‪$‬نب‪ $‬اإلشارة إلى ّأ‪$‬ية وقائع أو‪ $‬حقائق عق ّل‪$‬ية‪ ،‬لذلك‬
‫ً‬
‫تحاو‪$‬ل كل ضروب التكّ‪$‬يف في الحياة اإلنسا ّن‪$‬ية االقت ارب من موقف التو‪$‬ازن الذي يمّثل الحالة الطبي ّع‪$‬ية‬
‫)‪(4‬‬
‫أللم‪$‬ور‪ ،‬وهذا ما يّتفق مع النظرّية السائدة في العلوم الطبي ّع‪$‬ية المعاصرة‪.‬‬

‫• ويليام فيلدينغ أوجبورن ‪1886-1959‬م‪ ،‬عالم اجتماع أمريكي‪ ،‬كان إحصائ يا ومّر ًب‪$‬يا‪ ،$‬تلّقى د ارسته‪$‬‬
‫ّصل على الماجستير والدكتو اره من جامعة كولومبيا‪ ،‬كان أستاً‪$‬ذا لع‪$‬لم االجتماع في‬ ‫في جامعة ميرسر وتح‬
‫‪1927‬م‪ ،$‬وعندما أصبح رئيس قسم علم االجتماع في جامعة‬ ‫جامعة كولومبيا من عام ‪1919‬م إلى عام‬
‫شيكاغو‪ ،‬شغل منصب الرئيس الـ‪ 19‬لجمعية علم االجتماع األمري ّك‪$‬ية في عام ‪1929‬م‪ ،‬وكان رئيس تحرير‬

‫‪ 1-‬صالح مصطفى الفّ‪$‬وال‪ :‬معالم الفكر السوسيولوجي المعاصر‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪113.‬‬
‫عـية المعاصرة‪ ،‬منشو ارت جامعة دمشق‪ ،‬سوريا‪2003-2004 ،‬م‪ ،‬ص‪237$.‬‬ ‫‪ 2-‬كامل محمد عم ارن‪ :‬المدارس االجتما ّ‬
‫‪ 3-‬محمود أبو زيد‪ :‬أعالم الفكر االجتماعي واالنـثروبولوجي الغربي المعاصر‪ ،‬ج‪ $،2‬دار غريب للطباعة والنشر‪ $‬والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪-‬‬
‫مصر‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪120.‬‬
‫‪ 4-‬نيكوال تيماشيف‪ :‬نظرية علم االجتماع‪ $،‬ترجمة محمود عودة وآخرين‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإل‪$‬سكندرية‪-‬مصر‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪287.‬‬
‫ّمجلة الجم ّع‪$‬ية اإلحصائّ‪$‬ية األمري ّك‪$‬ية من ‪1920‬م إلى ‪1926‬م‪ ،‬وفي ‪1931‬م ت م انتخابه رئي‪ً $‬سا لجم ّع‪$‬ية‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫األمري ّك‪$‬ية اإلحصا ّئ‪$‬ية‪ ،‬وقد لعب دوار محور يا‪ $‬في وضع حجر األساس لالتّجاهات االجتماعّ‪$‬ية‪ $‬الحديثة ‪$.‬‬
‫ً‬
‫قل د سعى أوجبورن من خالل د ارساته إلى الحصول على معامالت ارتباط بين‪ $‬المظاهر المختلفة لظواهر‪،‬‬
‫م ّؤ‪ً $‬ك‪$‬دا في ذلك على الموضوعات التكنولو ّج‪$‬ية واالقتصادّ‪$‬ية‪ .‬وكان مؤّلفه الشهير "اآلثا‪$‬ر االجتما‪$‬عّ‪$‬ية لطي ارن‬
‫)‪(2‬‬
‫‪1936‬م"‪ ،‬قد جعله قرًيبا من الجناح الرياضي لوض ّع‪$‬ية ال م َح‪$‬دثة‪.‬‬
‫ُ‬
‫• ف ارنسيس ستيوارت تشابين ‪1888-1974‬م‪ ،$‬أستاذ علم االجتماع‪ ،‬تح ّصل على شهادة الدكتو اره‪،‬‬
‫انتقل إلى كّّلية سميث حيث شغل منصب رئيس القسم من ‪1920‬م إلى ‪1940‬م‪ ،$‬كما شغل منصب رئيس‬
‫اربطة الـ‪ 25‬لعلم االجتماع األمريكي‪ ،‬لعب دوا‪$‬ر ها ما في إنشاء‪ $‬علم االجتماع الك مي اإلحصائ‪$‬ي في الولايات‪$‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫)‪(3‬‬
‫ص‪$‬نف على ّأ‪$‬نه وضعي م َح‪$‬دث معتدل كونه استعان‬
‫ي ّ‬ ‫ال ّمتحدة األمري ّك‪$‬ية ما بين ‪1920‬م و‪1940‬م ‪.‬‬
‫ُ‬
‫باالّتجاه التجريبي الذي يتمّ‪$‬يز بدقّة المنهج التجر‪$‬يبي‪ ،‬والفكرة األسا ّس‪$‬ية التي يرتكز عليها هذا المنهج كما ورد في مؤّلفه‬

‫"التصميمات التجري ّب‪$‬ية في البحوث السوسيولو ّج‪$‬ية"‪ ،‬تدور حول منطق التجربة المعم ّل‪$‬ية‪ ،‬قل د وافق‪$‬‬

‫تشابين الو‪$‬ض ّع‪$‬ية ال م َح‪$‬دثة في تأكيدها على التع‪$‬ريفات اإلج ار ّئ‪$‬ية في العلوم االجتماعّ‪$‬ية بالرغم من ّأ‪$‬نه اّتخذ‬
‫ُ‬
‫مو ًق‪$‬فا معتدً‪$‬ال منها‪ ،‬فلقد أشار في كتاباته بأ ّن ما‪ $‬يس مى بالتعريف اإلج ارئي ال ُي ّع‪$‬د ح ال نهائ يا‪ ،‬بل هو م ّج‪$‬رد‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫تطّ‪$‬ور نحو تحقيق المزيد من الموضو ّ‬
‫ض‪ $‬ين وغير‪$‬هم من الوض ّع‪ $‬ين يميلون إلى االهتمام باالّتجاه‬
‫وعم ًو‪$‬ما فإ ّن علماء االجتماع الريا‪ّ $‬‬
‫الو‪$‬ضعي الذي يسعى إلى تأكيد أ ّن العلم وحده هو الذي يملك الحقيقة‪ ،‬كما يتّفقون مع أوغست كونت في‬
‫ص‪$‬رح تيمـاشيف ّأ‪$‬نه في الوقت الذي تالشت يف ه‬‫اعتماد المالحظة واالستدالل عند إج ارء التحلي‪$‬ل السوسيو‪$‬لوجي‪ .‬وهنا ي ّ‬
‫الو‪$‬اق ّع‪$‬ية المعتدلة عند كونت لتح ّل محّلها نزعة إس ّم‪$‬ية متطّ‪$‬رفة‪ ،‬اختفت تلك المماثا‪$‬لت العضوّية‪$‬‬

‫ض‪$‬ية الت ّق‪$‬دم االجتماعي التي‬


‫ع‪$‬ية‪ .‬لذلك ُاستب دلت‪ $‬ق ّ‬
‫التي ّق‪$‬دمها كونت خا ّصة في ما يتعّلق با‪$‬لفيزياء‪ $‬االجتما ّ‬
‫أثارت كونت والرواد المؤ ّسسين لعلم االجتماع نب م و ت اركمي في النظّرية السوسيو‪$‬لو ّج‪$‬ية العلمّ‪$‬ية ‪ (4).‬م ما‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫سبق فإ ّن رواد الوض ّع‪$‬ية اهت موا با‪$‬لمسائل الم‪ّ$‬تصلة بالسياسة الو‪$‬ض ّع‪$‬ية وعبادة اإلنسانّ‪$‬ية‪ ،‬وأهملوا النو‪$‬احي العلمّ‪$‬ية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والمنه ّج‪$‬ية في الفلسفة االجتماعّ‪$‬ية‪ ،‬فهم لم ينجحوا في الوقوف مو ًق‪$‬فا حاس ما بصدد المشاكل‬
‫ً‬

‫‪ 1-‬مصطفى بوجالل‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪75.‬‬


‫‪ 2-‬نيكوال تيماشيف‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪305$.‬‬
‫‪ 3-‬مصطفى بوجالل‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪76.‬‬
‫‪ 4-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪309.‬‬
‫ع‪$‬ية باسم‬
‫الحاصلة بسبب تع ّمقهم باالّتجاه الديني‪ ،‬لذلك اهت ّموا نب شر الديانة الوض ّع‪$‬ية وأصدروا مجّلة اجتما ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫المجّلة الوض ّع‪$‬ية ‪.‬‬

‫‪ 1-‬مصطفى الخ ّشاب‪ :‬علم االجتماع ومدارسه‪ ،‬ط‪ $،3‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1975 ،‬م‪ ،‬ص‪95 $.‬‬
‫سادسا‪ :‬المدرسة البنا ّئـية الوظي ّفـية وتط ورها‬
‫ّـ‬
‫معنى الوظيفّـية‬ ‫•‬

‫هناك معنيان أسا ّس‪$‬يان‪ $‬في علم االجتماع الصط‪$‬الح الوظيفة‪ ،‬المعنى األ ول هو الو‪$‬اجبات والفعا ّل‪$‬يات‬
‫ّ‪$‬‬
‫والنشاطات التي تقوم بها المن ّظمة االجتماعّ‪$‬ية‪ $‬وتشارك مشاركة ف ّعالة‪ $‬في إشباع حاجات األف ارد وتلبية‪$‬‬

‫طموحاتهم الذا ّت‪$‬ية واالجتماعّ‪$‬ية‪ .‬فالوظائف اا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية لمؤ ّسسات السيا ّس‪$‬ية هي الو‪$‬اجبات التي تقوم بها‬
‫المن ّظمات السيا ّس‪$‬ية‪ ،‬والتي من خاللها يستطيع ك ّل من الفرد والمجتمع تحقيق أهدافه األسا ّس‪$‬ية وانجاز وحدة‬
‫ض روبرت ميـرتون هي نتيجة‬
‫وتكامل جماعاته ومن ّظماته المختلفة‪ .‬والوظيفة االجتماعّ‪$‬ية كما ّ‬
‫يو حها‬
‫موضوعّ‪$‬ية لظاهرة اجتماعّ‪$‬ية يلمسها األف ارد والجماعات‪ ،‬وقد تكون ظاهرة أو كامنة غير متوّقعة‪.‬‬

‫ع‪$‬ية لنظام الذ‪$‬ي توجد يف ه‪ ،$‬حيث‪ $‬تكون مقصودة و معترف بها من‬ ‫الوظيفة الظاهرة هي نتيجة مو‪$‬ضو ّ‬
‫ُ‪$‬‬
‫قبل األشخاص الذين يقومون بها‪ ،‬أ ما الوظيفة الكامنة فهي الوظيفة‪ $‬الغير متوقّعة والغير مقصو‪$‬دة من قبل‬
‫ّ‬
‫أعضاء المن ّظمة المنّفذين‪ .‬أ ما المعنى الثاني لوظيفة ُف‪$‬يقصد به الت‪ $‬اربط والتكامل بين المت ّغ‪$‬ي ارت (استعمال‬
‫ّ‬
‫رياضي‪ ).‬إذن هناك عالقة مباشرة بين الوظيفة‪ $‬التي هي نتيجة نل ظام اجتماع ي م ّع‪$‬ين والوظيفة التي هي‬
‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ترابط بين مت ّغ‪$‬ي ارت مختلفة‪.‬‬
‫إ ّن نشأة االّتجاه الوظيفي واّتساع نطاقه قد تأّثر إلى ّح‪$‬د كبير باالهتمام الواضح من طرف العلماء‬
‫بفكرة الوظيفة‪ ،$‬وقد ت ّح‪$‬ددت معالمها في إطار‪ $‬علم االجتماع (كنزعة سوسيو‪$‬لو ّج‪$‬ية)‪ ،‬غير‪ّ $‬أ‪$‬نها‪ $‬كانت واضحة وس ‪ $‬ابقة‬

‫في علم البي‪$‬ولوجيا وعلم النفس واالنثروبو‪$‬لوجي ‪$‬ا الثقافّ‪$‬ي ة‪ ،‬ففي عل ‪$‬وم البي‪$‬ولوجيا ت ‪$‬د‪$‬ور الوظي ّف‪$‬ي ة حول فك‪$‬رة م ّؤ‪$‬داها أ ّن ك ّل‬
‫ُ‬
‫عضو أو‪ $‬جزء من نسق ُيطلق عليه كائن عضوي يؤّ‪$‬دي وظيفة‪ $‬أو‪ $‬وظا ًئ‪$‬فا أسا ّس‪$‬ية‪ $‬لبقائه‪ ،‬كما‬

‫يؤّ‪$‬دي هذا العضو بدوره وظائً‪$‬فا لنوع الذي ينتمي إلي‪$‬ه باعتباره يمّثل ن ًس‪$‬قا يتأ‪ّ$‬لف من مك ونات متناسقة ترتبط‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫في ما بينها ارتبا ًطا وظيف يا‪.‬‬
‫إذن تدرس وجهة النظر الوظي‪ّ $‬ف‪$‬ية الوظيفة التي تؤّ‪$‬ديها عم ّل‪$‬ية ما في حياة الفرد من جهة التركيب‪،‬‬
‫أي من جهة صلة هذه الظواهر بالكائن العضو ّي في جملته‪ ،‬ومن جهة قيمتها بالنسبة إلى تكّ‪$‬يفه مع البيئة‪$‬‬

‫ع‪$‬ية كمعنى ا لعب بالنسبة‪ $‬لالعب‪ ،‬أي الحاجات التي تشبعها الظو‪$‬اهر بالنسبة إليه‪ ،$‬وذلك عن‬
‫الطبي ّع‪$‬ية أو االجتما ّ‬
‫طريق القوى الدافعة إلى السلوك‪ .‬فإذا كانت مشكلة التكّ‪$‬يف هي المشكلة الكبرى في الحياة‪ ،‬يكون‬
‫السؤ‪$‬ال الوظيفي‪ :‬ما هي وظيفة التفكير واالنفعا‪$‬ل واإل اردة؟‪ ،‬فا‪$‬لوظي ّف‪$‬ية مع ّن‪$‬ية با‪$‬إلجابة عن السؤال "لماذا؟‪"$.‬‬

‫‪ 1-‬إحسان محمد الحسن‪ ،‬عدنان سليمان األحمد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪164$.‬‬


‫‪ 2-‬السيد علي شتا‪ :‬نظرية علم االجتماع‪ ،‬مؤ ّسسة شباب الجامعة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1993 ،‬م‪ ،‬ص‪297 $.‬‬
‫وُيعتبر ويليامـ جيمس ًأبا لع‪$‬لم النفس الوظيفي‪ ،‬أين كان هناك التضاّ‪$‬د بين‪ $‬علم النفس الوظيفي وعلم النفس‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫البنائي‪.‬‬
‫ُاستخدم مصطلح وظيفي في القرن التا‪$‬سع عشر ميالدي نتيجة لظهور علماء نبيهين أمثال أوغست‬
‫كونت وهربرت سبنسر ا لذان ّش‪$‬بها مجموعة المجتمع اإلنسان ي بالكائن الحيواني من حيث ّأ‪$‬نها تض من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سبب الظاهرة ووظيفتها‪ .‬ولكن االتجاهات الوظي‪ّ $‬ف‪$‬ية األولى برزت في الفترة ما بين ‪1920-1940‬م بسبب‬
‫ع‪$‬ية‪ ،‬وبخا‪ّ $‬صة في أبحاث الع‪$‬الم الب‪$‬ولندي‬
‫الت ّغ‪$‬ي ارت الجذّرية في مجاالت االنثروبو‪$‬لوجيا الحضارّية واالجتما ّ‬
‫ع‪$‬ية‬
‫مالينوفسكي الذي حّلل المجتمعات البدائّ‪$‬ية بأسلوب آلي إلى عناصرها األو ّل‪$‬ية‪ ،‬وف ّسر المؤ ّسسات االجتما ّ‬
‫بالنسبة إلى عالقتها بالمؤ ّسسات األخرى في المجتمع البشري الواحد‪ .‬وو ّضح أه ميتها في إشباع و ّس‪$‬د‬
‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ع‪$‬ية‬
‫كما قام البريطاني ارد كليف ب ارون بتشبيه الحياة االجتما ّ‬ ‫ورية خا‪ّ $‬صة البيولو ّج‪$‬ية ‪$.‬‬
‫الحاجات الضر ّ‬
‫بالحياة العضوّية‪ ،$‬حيث أجرى د ارسات عميقة حول التم يز بين المورفولو ّج‪$‬ية‪ $‬االجتماعّ‪$‬ية التي تحّلل شبكة‬
‫ع‪$‬ية التي تدرس جم‪$‬يع الظواهر‪$‬‬
‫ع‪$‬ية الكامنة في البناء‪ $‬االجتماعي‪ ،‬والفيزيو‪$‬لو‪ّ $‬ج‪$‬ية االجتما ّ‬
‫العالقات االجتما ّ‬
‫االجتماعّ‪$‬ية الكامنة في قطاعات المجتمع دراسة كّّلية تر‪$‬ابطّ‪$‬ية‪ .‬وفي الفترة ذاتها انص ّب االهتمام على الفكرة‬
‫ع‪$‬ية نب ظرة شمو ّل‪$‬ية عا مة‪ ،‬معتبرة ّإ‪$‬ياها أنظمة مّتصلة ومك ملة الواحدة منها لألخ‪$‬رى‪.‬‬
‫الم ّج‪$‬ردة لألنظمة االجتما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ع‪$‬ي ة‪ ،‬حيث ت ّم‪$‬يز الوظي ّف‪$‬ي ة‪ $‬البنا ّئ‪$‬ي ة حسبه قب يامها بتثبيت‬
‫وهو الطريق الذي سلكه العالم ت ـالكوت بارسونز في تحليالت ‪$‬ه االجتما ّ‬
‫الح ‪$‬دود بين ا نل ظ ‪$‬ام االجتم‪$‬اعي واألنظم‪$‬ة األخ ‪$‬رى‪ ،‬وك ‪ $‬ذلك بق‪$ $‬درتها على وض‪ $‬ع الح ‪$‬د‪$‬ود التجريدّ‪$‬ي‪ $‬ة‪ $‬والتا‪$‬ري ّخ‪$‬ي‪ $‬ة بين‬

‫الو‪$‬حدات البنا ّئ‪$‬ي‪ $‬ة الرئي‪$‬س‪$ّ$$‬ية لنظ ‪$‬ام االجتماعي‪ ،‬مع التأكي ‪$ $‬د على العالق‪$ $‬ات األخال ّق‪$‬ي‪ $‬ة بين الوح‪ $‬دات‪ ،‬إض ‪$‬افة إلى‬

‫اهتمامها المت ازيد بالظروف والعو‪$‬امل التي تساعد على استق ارر وتكامل وفاع ّل‪$‬ية النظام‬
‫)‪(3‬‬
‫االجتماعي المطلوب د ارسته‪.‬‬
‫م ما سبق‪ ،‬فإ ّن مفهوم الوظيفة‪ $‬هو مفهوم قديم في علم االجتماع‪ ،‬حيث‪ $‬بدأ التفكير يف ه‪ $‬مع هربرت‬
‫ّ‬
‫سبنسر وتواصل مع أوغست كونت وتطّ‪$‬ور مع إيميل دوركايم ومع سان سيمون‪ ،‬ك ّل هؤالء هم ممّثلو‬
‫المدرسة الوظي ّف‪$‬ية الفرن ّس‪$‬ية‪ .‬وعليه فإ ّن المر‪$‬ج ّع‪$‬يتين (الطبي ّع‪$‬ية والبيولو ّج‪$‬ية) قد أرستا مبدأين أسا ّس‪ $‬ين انطلقت‪$‬‬
‫منهما المقاربة الوظي ّف‪$‬ية هما‪ :‬أ ّن المجتمع مثل الجسم البشري كّّلية متكاملة‪ ،‬وأ ّن ك ّل عضو من أعضاء هذا‬
‫الجسم ال يمكن فهمه إا في إطار كلية‪ .‬فاالتجاهات الوظيفية في مجملها تعبر عن نموذج د ارس ي ت م‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬ ‫ّّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ل‬
‫‪ 1-‬فاخر عاقل‪ :‬مدارس علم النفس‪ ،‬دار العلم لما‪$‬ليين‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1977 ،‬م‪ ،‬ص‪94$.‬‬
‫‪ 2-‬صالح الدين شروخ‪ :‬مدخل في علم االجتماع ‪-‬للجام ّعـيين‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪153.‬‬
‫‪ 3-‬دينكن ميتشل‪ :‬معجم علم االجتماع‪ $،‬ترجمة إحسان محمد الحسن‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪-‬ل‪$‬بنان‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪104.‬‬

‫اإلنسا ّن‪$‬ية‪ $‬والكائنات البشرّية‪ ،‬ويرتكز على دوافع الفاع‪$‬ل‬


‫اشتقاقه عند استخدام المماثلة بين المجتمعات‬
‫(اإلنسان) في الموقف‪$.‬‬
‫• التحليل البنيو ّي والوظيف ي للمجتمعـ‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ية من المصطلحا‪$‬ت األسا ّس‪$‬ية المستع ملة في المدرسة الوظي‪ّ $‬ف‪$‬ية البنا ّئ‪$‬ية‪$‬‬ ‫ُي َ ّع‪$‬د مصطلح البنية االجتما ّ‬
‫َ‬
‫ع‪$‬ية‪ .‬حيث يستعمل علماء االنثروبولوجيا مصطلح البنية‪$‬‬ ‫ه‪$‬م مدارس علم االجتماع واالنثروبو‪$‬لوجيا االجتما ّ‬ ‫كأ‬
‫ّ‬
‫االجتماعّ‪$‬ية بصورة مت اردفة مع مصطلح المن ّظمة اا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية‪ ،‬كما شا‪$‬ع استعمال هذا االصط‪$‬الح في علم‪$‬‬
‫االجتماع لكن لم يكن دقيًقا ومضبو ًطا من ناحية المعنى واأله ّم‪$‬ية‪ .‬في بعض األحيان ُيستعمل اصطالح‬
‫ّ‬
‫البناء‪ $‬االجتماعي ليعني انتظام‪ $‬السلو ّك‪$‬ية االجتماعّ‪$‬ية وذلك‪ $‬لتك اررها‪ $‬من فترة إلى أخرى مع اتّخاذها نفس‬
‫النماذج والظواهر الفع ّل‪$‬ية‪ .‬وأحيًانا ُيستعمل هذا اا‪$‬لصطالح في صورته الواسعة يل عني التن‪$‬ظيم الشامل‬

‫لعناصر والوحدات التي يتك ون منها المجتمع‪ ،‬كالمن ّظمات والمؤ ّسسات‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وُيستعمل هذا االصطالح بكثرة في النظرّ‪$‬ية البنا‪ّ $‬ئ‪$‬ية الوظي ّف‪$‬ية‪ $‬التي ُتعتبر من النظرّيات الحديثة‪ $‬لعلم االجتماع المعاصر‪.‬‬

‫ع‪$‬ية‪ ،‬فالتفاع‪$‬ل الذي يقع بين األشخاص داخل‬


‫واالصطالح يعني هنا الع‪$‬القة المتداخلة بين الم اركز واألدوار االجتما ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫فعندما تكون األدوار‬ ‫ع‪$‬ية التي يشغلونها ‪.‬‬
‫النظام االجتماع‪$‬ي‪ ،‬يمكن التعبير عنه من خالل الم اركز واألد‪$‬وار‪ $‬االجتما ّ‬

‫ع‪$‬ية مدعومة من قبل السلطة ومقبو‪$‬لة من قبل األف ارد الذين‬


‫االجتما‪ّ $‬‬
‫ع‪$‬ية هي من‬
‫ع‪$‬ية لها قيا‪$‬دة وأحكام وقوانين م ّع‪$‬ينة‪ .‬إذن المؤ ّسسة االجتما ّ‬
‫يستغّلونها‪ ،‬ت ّح‪$‬ول إلى مؤ ّسسة اجتما ّ‬
‫التنظيمات اأ‪$‬لسا ّس‪$‬ية التي تساعدنا على فهم الفرد بعد فهم طبيعته وسلوكه وعالقته مع اآلخرين‪ .‬لذا يمكن‬
‫ع‪$‬ية بمثابة الوحدات‪ $‬البنائّ‪$‬ية لتكوين‪ $‬المؤ ّسسة‪ $‬والبناء االجتماعي‪ ،‬وفي المقابل يمكن‬
‫اعتبار األدوار‪ $‬االجتما ّ‬
‫اعتبار البناء االجتماعي بمثابة عالقات متداخلة تربط مؤ ّسسات المجتمع بعضها البعض‪$.‬‬
‫وعمو ما‪ُ ،‬يقصد بالبناء الوظيفي أو البناء االجتماعي مجموعة العالقات االجتماعّ‪$‬ية المتباينة التي‬
‫ً‪$‬‬
‫ع‪$‬ية‪ ،‬فث مة مجموعة من األج ازء مرّتبة ومن ّسقة تدخل في تشكيل الك ّل‬ ‫تكامل و ّتسق من خالل األدوار االجتما ّ‬
‫ّ‬
‫ع‪$‬ية‬
‫االجتماع ّي و ت ّح‪$‬دد باألشخاص والزمر والجماعات وما ينتج عنها من عالقات و ًف‪$‬قا ألدوارها االجتما ّ‬
‫‪ 1-‬إحسان محمد الحسن‪ ،‬عدنان سليمان األحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪121.،120‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وهنا يمكن تعريف البناء‪ $‬ب ّأ‪$‬نه‪ $‬مجموعة من الع‪$‬القات التي‬ ‫التي يرسمها لها الك ّل وهو‪ $‬البناء االجتماعي ‪$.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫قت وم بين الوحدات‪ ،‬ويظ ّل الكائن الح ي محاف ًظا على نوع م ّع‪$‬ين من االستم ارر في البناء كّلما كان ح يا‪.‬‬
‫ّ‬
‫إ ّن البناء االجتماعي يظ ّل قائما بفضل ما يحد‪$‬ث في الحياة االجتماعّ‪$‬ية من عم ّل‪$‬يات‪ ،‬تلك العم‪ّ $‬ل‪$‬يات‬
‫التي تأ‪$‬لّف من نشاط األف ارد ومن تفاعالتهم مع بعضهم ومع الجماعات التي يرتبطون بها‪ .‬فالحياة‬
‫االجتماعّ‪$‬ية في أ ّي مجتمع تعتمد على األداء الوظيفي لبناء االجتماعي‪ ،‬إذ تكون وظيفة أ ّي نشاط متكّ‪$‬رر هي الجزء‬

‫ع‪$‬ية كّلها‪ ،‬ومن ث م فهو يساهم في بقاء االستم ارر البنائي‬


‫الذي يقوم به النشاط في الحياة االجتما ّ‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(3‬‬
‫لمجتمع الذي يعني بالطبع استم ارر البناء االجتماعي‪.‬‬
‫• البنا ّئـية الوظيفّـية وتحليل التنظيمات‬
‫إ ّن ما كان يدفع البنا ّئ‪ $‬ين الوظي ّف‪ $‬ين لقيام با‪$‬لتنظ‪$‬ير في مجال التنظيمات هو في اعتقادهم الو‪$‬صول‬
‫إلى حلو‪$‬ل لمشكالت التنظي ّم‪$‬ية‪ ،‬فا‪$‬لنظّرية الوظي ّف‪$‬ية من منظور علم اجتماع التنظيم هي أحد االّتجاهات‪ $‬ا نل ظّرية‬

‫التي نت ظر إلى التنظيم على ّأ‪$‬نه مجموعة من البناءات الجز ّئ‪$‬ية المتكاملة هيكل يا وماّ‪$‬د يا من حيث‬

‫وظائف وأدوار م ّح‪$‬ددة يقوم بها ك ّل فرد أو‪ $‬جماعة وك ّل قسم من أقسام التنظيم‪ ،‬بحيث أ ّن أ ّي خلل في ذلك‪$‬‬
‫)‪(4‬‬
‫وقد ت ّم‪$‬يزت النظّريات البنا ّئ‪$‬ية الوظي ّف‪$‬ية بخصائص نوعّ‪$‬ية‪ $‬لها أبعادها‬ ‫ي ّؤ‪$‬دي إلى ضياع أهداف المن ّظمة ‪.‬‬
‫التحلي ّل‪$‬ية والتص ورّية القادرة على توضيح طبيعة التد‪$‬اخل بين التنظيمات‪ .‬ويرجع الفضل في تط ور وازدهار‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫هذا االّتجاه إلى أعمال ك ّل من بارسونز‪ ،‬ميرتوـن‪ ،‬جولدنر‪ ،‬سيلزنيك وغيرهم‪.‬‬
‫لتنظيمات البيروق ارطّ‪$‬ية وتأثي‪$‬رها على البناء‪$‬ات التنظيمّ‪$‬ية والسيا‪ّ $‬س‪$‬ية‪$‬‬
‫مّثلت تحليالت ماكس فيبـر‬
‫نقطة االنطالق با‪$‬لنسبة لوظي ّف‪ $‬ين‪ ،‬خا ّصة من خالل نموذجه المثال ي لبيروق ارطّ‪$‬ية‪ ،‬كما اعتبره الكثير من‬
‫ّ‬
‫الوظيفّ‪ $‬ين إطاا‪$‬ر تص ور يا‪ $‬فكر يا ّق‪$‬دم الكثير‪ $‬من اإ‪$‬لسهامات في تحليالتهم وأفكارهم‪ ،‬وذلك‪ $‬باعتبار‪ $‬أ ّن النموذج‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ً‪$‬‬
‫المثال ي ي ّم‪$‬ثل تعبيار عن نوع من الدراسات الع‪$‬قال ّن‪$‬ية‪ .‬كما استفاد الوظي ّف‪$‬يون من تعاملهم مع أفكار فيبر‬
‫ً‪$‬‬ ‫ّ‬
‫بالنظر إلى البناءات التنظي ّم‪$‬ية على ّأ‪$‬نها نسق طبيع ي اجتماع ي يتأثّر بالعوامل الد‪$‬اخ ّل‪$‬ية الدينامي ّك‪$‬ية‪ .‬وهكذا كانت تحليالت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فيبر أحد العوامل المساهمة في وضع الفروض النظرّية التنظيمّ‪$‬ية‪ $‬لوظي ّف‪ $‬ين ومحا‪$‬ولة‪ $‬اختبا‪$‬رها‬

‫ميدان يا بواسطة د ارسات امبري ّق‪$‬ية‪.‬‬

‫‪ 1-‬كامل محمد عم ارن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪70.‬‬


‫عـية من المرحلة الكالسي ّكـية إلى ما بعد الحداثة‪ $،‬مصر العربية لنشر‪ $‬والتوزيع‪ ،‬مصر‪2008 ،‬م‪،‬‬ ‫‪ 2-‬شحاتة صيام‪ :‬الن ّ‬
‫ظرية االجتما ّ‬
‫ص‪.47‬‬
‫‪ 3-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪54.‬‬
‫‪ 4-‬ناصر قاسمي‪ :‬دليل مصطلحات علم اجتماع التنظيم والعمل‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامّعية‪ ،‬الج ازئر‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪133.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫قل د استخدم رواد المدرسة‪ $‬البنا ّئ‪$‬ية الوظي ّف‪$‬ية في د ارستهم لتنظيمات أداة تص ورّية ها مة تمّثلت‪ $‬في‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫التو‪$‬ازن الدينام ي لألنساق‪ ،‬واعتبروا أ ّن هذا التو‪$‬ازن بدوره ُي َجا بُه ك ّل التهديدات التي تعترضهم‪ $‬وتواجههم‪.‬‬
‫ّ‬
‫فاعتبروا أ ّن التنظيم هو نسق مفتوح يتفاعل مع البي‪$‬ئة باستم ارر على اعتبا‪$‬رها مصد ار لموارد التي يحتاجها‪$‬‬
‫ً‪$‬‬
‫التنظيم ألداء وظائفه‪ .‬كما انطلق رواد المدر‪$‬سة البنا ّئ‪$‬ية‪ $‬الوظي ّف‪$‬ية من اعتقاد أ ّن ا نل سق االجتماع ي له‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احتياجاته‪ $‬الجوهّرية التي يقوم بإشباعها حّتى يست ّم‪$‬ر ويحافظ على كيانه‪ $‬في انسجام واّتساق وتوازن على‬
‫)‪(1‬‬
‫الدوام‪ ،‬حيث‪ $‬تحّقق لنسق حا‪$‬لة التوازن من خالل تلبية واشباع أج ازئه المختلفة الحتياجا‪$‬ته‪.‬‬
‫ومن أبرز ّرـواد المدـرسة البنا ّئـية الوظي ّفـية‬

‫• هربرت سبنسر ‪(1820-1903‬م)‪ ،‬يتص ور المجتمع كاًئنا عضو يا في ثالثة عناصر‪( :$‬التص ور‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫ال ّكلي لمجتمع‪ /‬عالقة الجزء با‪$‬لك ّل‪ /‬التط ور واالنحالل الذي يخضع له ا نل موذج المجتمعي وأسباب ك ّل‬
‫ّ‪$‬‬
‫منهما‪ ).‬بهذا الطرح‪ ،‬فإ ّن سبنسر قد وضع أسس التص ور الوظيفي الذي أخذ عنده طاب ًعا بيولوج يا‪ ،$‬وهو‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫الطابع الذي اختزله دوركايم بعد ذلك واستبدله‪ $‬بطابع اجتماعي الزم االّتجاه الوظيفي‪ (2) .‬وقد الحظ سبنسر‬
‫عد ًي‪$‬دا من أوجه التشا‪$‬به بين الكائنات االجتماعّ‪$‬ية والكائنات العضّوية كاآلتي‪ - :‬يتمّ‪$‬يز‬

‫ك ّل من المجتمع والكائنات‪ $‬العضّوية من الماّ‪$‬دة الغير عضوّية با‪$‬لنم و الو‪$‬اضح خا‪$‬لل الشطر األ‪$‬كبر‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫من وجودها‪ ،‬فالرضيع ينمو حّتى يصبح طف ًال فرج ًال‪ ،‬والدو‪$‬لة تصبح امب ارطورّية‪.‬‬
‫‪ -‬نت مو ك ّل المجتمعات والكائنات العضّوية و تط ور في الحجم كما نت مو في درجة تعّقدها البنا‪$‬ئ ي‪$.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫‪ -‬ي ّؤ‪$‬دي التط ور سو‪$‬اء في المجتمعات أو الكائنا‪$‬ت العضوّية إلى تبا‪$‬ينات في البناء والوظيفة‪ (3) .‬كما تّركزت‬
‫ّ‪$‬‬
‫اهتماماته حول د ارسة عم ّل‪$‬يات التغ ي‪$‬ر وتط ور المجتمعات اإلنسا ّن‪$‬ية‪ ،‬حيث تناو‪$‬ل تط‪ $‬ور‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫المجتمع قيا ًسا بتط ور الكائنات ال ّح‪$‬ية‪ ،‬فالمجتمع اإلنسان ي قد تط ور من األشكال البسيطة إلى أشكال أكثر تعق ًي‪$‬دا‪ ،‬ومن‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫أشكال على درجة متدّ‪$‬نية من التبا‪$‬ين البنائي وتقسيم العمل إلى مجتمعات معّقدة البناء تقوم‬

‫على التخ ّصص‪$.‬‬

‫‪ 1-‬اربح كعباش‪ :‬علم اجتماع التنظيم‪ $،‬مخبر علم اجتماع اال‪$‬تصال لبحث والترجمة‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪-‬الج ازئر‪2006 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.157،156‬‬

‫‪-90-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫ظرية الوظ ّيفـية في علم االجتماع واالنـثروبولوجيا ‪-‬الرواد والقضايا‪ $،-‬جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2008 ،‬م‪،‬‬
‫‪ 2-‬علي ليلة‪ :‬الن ّ‬
‫ص‪.55‬‬
‫‪ 3-‬مصطفى بوجالل‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪107.‬‬

‫‪-90-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫ال ّس‪$‬باق في وضع بعض أسس نظّرية التط ور (وقد استفاد داروينـ من هذه‬ ‫وعموًما‪ ،‬كان سبنسر‬
‫ّ‪$‬‬
‫لغاية أساسها‬ ‫ج‬ ‫األفكار)‪ ،‬كما‬
‫التخّلص من‬ ‫ا‬ ‫آمن بقوانين‬
‫الضعفاء واستم‬ ‫ء‬ ‫الطبيعة‬
‫ارر األقوياء‪$‬‬ ‫ت‬ ‫وب ّأ‪$‬نها‬
‫مثلما ينعكس ذلك في مبدأ الص‬
‫ارع والبقاء لأ‪$‬لصلح‪ .‬فكانت أفكاره‬
‫أسا ًسا لنظّرية الداروي ّن‪$‬ية‬
‫)‪(1‬‬
‫ولتبسيط فكرة‬ ‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫االجتما ّ‬
‫الوظي ّف‪$‬ية‪ $‬نستعين باألفكار التي‬
‫ّح‪$‬ددها سبنسر والتي وجدت استم‬
‫ارّريتها في األفكار‬

‫الوظيفّ‪$‬ية المعاصرة المتمّثلة في‬


‫محاولته تطبيق قوانين البيو‪$‬لوجيا‬
‫وقوانين التط ور التي وضعها‬
‫ّ‪$‬‬
‫هذا العلم على المجتمع‪ ،‬واقترح‬
‫صيغة فريدة وهي التكامل والتمايز‬
‫أو التغاير مع ت ّج‪$‬نبه لفكرة الجبرّية‪،$‬‬
‫واعترف بفكرة‬
‫الت ّحلل الغير متشابه‪ ،‬كما و ك‬
‫ّضح بأ ّن التط ور هو بحث‬
‫ّ‪$‬‬
‫دائم عن توازن جديد وأ ّن ل‬
‫المجتمع ما هو ّإ‪$‬ال‬
‫عضو ّي‪،‬‬
‫وأ ّن ال‬
‫اربطة‪ $‬بين‬
‫األج ازء‬
‫المش ّكلة‬
‫ل ك ّل ت ش‬
‫ّكل م ن‬
‫إسهامات‬
‫‪-‬‬
‫‪91-‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أه م المدارس المنهجية الكبرى‬

‫)‪(2‬‬
‫تلك األج ازء‪.‬‬ ‫‪ 2-‬أحمد القصير‪ :‬منهجية علم االجتماع‬
‫بينـ الوظيفية والمارك ّسـية والبنيّوية‪ ،‬الهيئة‬
‫• إيميل دوركايم ‪(1858-1917‬م‪ ،)$‬ارتبطت الوظي ّف‪$‬ية بشكل دقيق بأعماله‬ ‫المصّرية العا ّمة لكتاب‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪،‬‬
‫التي طرحت التفسير‬ ‫‪1985‬م‪،‬‬
‫ص‪.111‬‬
‫الوظيف‪ّ $‬ي‪ ،‬وفي بداياته األو‪$‬لى التصق دوركايم با‪ $‬نل ظّرية العضّوية التي أخذها عن‬
‫‪ 3-‬شحاتة صيام‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪$.‬‬
‫هربرت سبنسر الذي كان‬ ‫‪90‬‬

‫ُيماثل أو يناظر‪ $‬بين اإلنسان والكائن الح ي‪ ،‬وبذلك ي ّع‪$‬د أ ول من قام بصياغة‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫منه ّج‪$‬ية لهذه المماثلة وفً‪$‬قا‬
‫لمعيار الوظي ّف‪$‬ية‪ ،‬حيث يرى أ ّن الحياة االجتما‪$‬عّ‪$‬ية ت ّع‪$‬د التعبير الوظيفي لبناء‬
‫)‪(3‬‬
‫تف أثي ارت‬ ‫االجتماع ي ‪.‬‬
‫ّ‬
‫سبنسر في الوظي ّف‪$‬ية تجد امتدادها عند دوركايم في الكثير من أبحاثه‪ ،‬مثل‬
‫"تقسيم العمل االجتماع ي"‬
‫ّ‬
‫و"اإلشكال األ ولي لحياة الدي ّن‪$‬ية‪ ".‬لقد حاول دوركايم أن ُيفرغ المماثلة‬
‫ّ‪$‬‬
‫العضّوية من محتواها البيو‪$‬لوج ي‬
‫ّ‬
‫ُويكسبها معنى اجتماع ي‪ ،‬وهو بذلك يت ّب‪$‬نى فكرة أن يكون الك ّل نات ًجا عن أج‬
‫ّ‬
‫ازئه كما يقول سبـنسر‪ ،‬ويرى‬
‫أ ّن الك ّل يخلق أج ازءه‪ ،‬بحيث‪ $‬تفوق هذه األج ازء مك وناته‪ ،‬وأ ّن هذه‬
‫ّ‪$‬‬
‫المك ونات لها حاجات واشباع‪$‬ات م ّح‪$‬ددة‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وي ّح‪$‬دد دوركايم معالم الوظيفّ‪$‬ية و ًف‪$‬قا لما يلي‪$:‬‬
‫‪ -‬رؤية المجتمع ّأ‪$‬نه نسق أو وحدة كّّلية‪ $‬تأّلف من مجموعة من‬
‫الوحد‪$‬ات المرتبطة مع بعضها البع‪$‬ض‪.‬‬
‫‪ -‬يسعى المجتمع بشكل عا م باعتباره ن ًس‪$‬قا إلى‬
‫ّ‪$‬‬
‫إيجاد حالة من التوازن العا م‪ - .‬ث مة وجود واقعي وتص وري‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫لمجتمع‪ ،‬وأ ّن هناك اّتفاق عا م على القيم والمعا ير من جانب أعضاء‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬أ ّن االتّفاق على القيم والمعا ير بين أف ارد المجتم‪$‬ع يمّثل الهدف النهائي‬
‫لنظام العا م‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬

‫‪ 1-‬إب ارهيم عثمان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪21$.$،20‬‬

‫‪-‬‬
‫‪92-‬‬
‫‪ -‬أ ّن تحليل البناء االجتماعي وما يحويه من ُنظم وجماعات وفئات اجتماعّ‪$‬ية ينبغي أن يت م في إطار‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(1‬‬
‫تحقيق استم اررّية المجتمع وكذا في إطار‪ $‬نم وه التط ور ّي‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬
‫إ ّن إيميل دوركايم يميل إلى جعل مفهوم الوظيفة مفهو ما نسب يا خا‪ً $‬ل‪$‬يا من الحتمّ‪$‬ية‪ ،‬فإذا لم يكن من‬
‫ً‪$‬‬
‫الضرور ّي اعتبار ك ّل وظيفة‪ $‬تعبيا‪$‬ر عن حاجة‪ $‬الجسم‪ ،‬فليس من الضرور ّي أن تكون لك ّل حاجة وظيفة في‬
‫ً‪$‬‬
‫الجسم‪.‬‬
‫• ارد كليف ب ارون ‪(1881-1955‬م)‪ ،‬عالم إيطالي انثروبو‪$‬لوجي اجتماعي‪ ،‬ازول د ارسته في جامعة‬
‫وإيميل دوـركايم‪ ،‬وهو ما جعله‬
‫كمبريدج أين كان أستاً‪$‬ذا بها‪ ،‬تأ‪ّ$‬ثرت أفكاره وآ ارؤه بكتابات أوغست كونت‬
‫ع‪$‬ية ليت م‬ ‫يبرز في حقل علم االجتماع المقارن الذي يستنتج المبادئ األسا ّس‪$‬ية المف ّسرة لعالقات االجتما‬
‫ّ ّ‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫توظيفها في د ارسته لألنظمة اا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية المختلفة ود ارساته المقارنة‪.‬‬

‫تعني الوظي ّف‪$‬ية عنده النظر إلى الحياة االجتماعّ‪$‬ية باعتبارها ك ال اجتماع يا‪ ،‬فهي تش ّكل وحدة كّّلية‪$‬‬
‫وظي ّف‪$‬ية‪ ،‬وبالمفهوم المعاصر فالوظي ّف‪$‬ية‪ $‬تشير إلى أ ّن المجتمع هو نسق‪ ،‬والنسق هو أداة تص وّرية ت ّح‪$‬دد‬
‫ّ‪$‬‬
‫عالقات المجتمع في إطار الك ّل بمجموعة من المبادئ التنظيمّ‪$‬ية‪ $‬التي تستند إلى التساند‪ $‬الوظيفي والتفاع‪$‬ل‬

‫بين أج ازء النسق وبعضها البعض ‪ (3).‬لذلك فإ ّن نظرّية ارد كليف ب ارون ُتشبه في خصا‪$‬ئصها نظرّية دوركايمـ‬
‫ع‪$‬ية الثقافّ‪$‬ية‪ ،‬إضافة‪ $‬إلى شروط التماسك والتضامن االجتم‪$‬اعي‪ ،‬حيث‬
‫ومدخ ًال في د ارسة الظواهر االجتما ّ‬
‫ش ّكل هذا المدخل أساس االفت ارض البنائي ال ‪$‬و‪$‬ظيفي ال ‪$‬ذي يؤّ‪$‬كد مضمونه على األنساق االجتماعّ‪$‬ي ة ال ‪$‬تي تحاف ‪$‬ظ‬

‫على بقائها لفت ارت طويلة في حا‪$‬لة الثبا‪$‬ت ولتوّفرها على درجة عالية من التماسك والتضامن‪ ،‬وهذا ما يؤّ‪$‬كد لن‪$ $‬ا‬
‫مدى إيمانه بالبناء االجتماعي كوجو‪$‬د موضوعي منفصل عن الوجود الف ‪$‬ردي (فهو يعترض حول اس‪$‬تخدام المماثل ‪$‬ة‬
‫العضّوية بين ما هو اجتماعي وبيولوجي)‪ ،‬لذلك نجده يعتقد بأ ّن األداء الوظيفي هو ذلك‬
‫)‪(4‬‬
‫اإلسهام الذي ي ّؤ‪$‬ديه النظام في دعم البناء اال‪$‬جتماعي‪.‬‬
‫شغوف بالتنظير والتأويل وصياغة المفاهيم وتنظيم األ‪$‬فكار‬ ‫• تالكوت بارسونز م‪،)1902-1979‬‬
‫(‬
‫السابقة والتأ‪$‬ليف والتركيب‪ ،‬عمل على تطبيق نظرّيته حول ا نل سق االجتماعي في د ارسة التنظيمات من‬
‫خالل المساهمة التي ّق‪$‬دمها في مقالة‪ $‬له بعنوان‪" $‬مقترحات ألجل منظور سو‪$‬سيولوجي نل ظ‪$‬رّية التنظيمات"‪،‬‬
‫حيث اعتبر التنظيم نسً‪$‬قا مفتو ًحا‪ ،‬بمعنى أ ّن التنظيم والبيئة هما مسّلمتان‪.‬‬

‫‪ 1-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪49.‬‬


2- Joseph Sumpf et Michel Hugues : Dictionnaire de sociologie, Librairie Larousse, Paris, 1978, p191.
47$.‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ شحاتة صيام‬3-
41 .‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ علي ليلة‬4-
‫هل د ارسة وفهم التنظيم‪ ،‬ولتحقيق أ ّي هدف يمكن‬
‫يرى بارسونز أ ّن البناء االجتماعي هو الذي يس ّ‬
‫النظر إلى العالقة القائمة بين التنظيم كنسق وبين جوانب الوضع الخا‪$‬رجي الذي يشتغل فيه هذا التنظيم‪$‬‬
‫على المستوى الخارجي ‪ (1).‬وبهذا ي ّع‪$‬د بارسونز من أحد ممثّلي التحليل الوظيفي البنيوي األسا ّس‪$‬يي‪$‬ن في علم االجتماع من‬

‫ع‪$‬ية ‪1952‬م"‪ ،‬وهو أشهر‬


‫خالل مؤّلفاته "بنية الفعل االجتما‪$‬عي ‪1937‬م" و"المنظومة االجتما ّ‬
‫عالم اجتماع ي وظيفي في الولايات المّتحدة األم‪$‬ري ّك‪$‬ية والعالم الغربي‪$.‬‬
‫ّ‬
‫إ ّن أكبر‪ $‬مساهمة جاء بها بارسونز في علم االجتماع هي تركيزه على التحليل السوسيو‪$‬لوجي في‬
‫المجتمع كك ل‪ ،‬واهتمام الوظيفية لدى بارسونز بالنظام االجتماعي جع‪$‬لها نت ظر إلى ذاتها‪ $‬باعتبارها تهت م‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫بالحاجات المشتركة لك ّل مك ونات المجتمع الحديث‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫اهت م بارسونز بالمجا‪$‬ل الثقاف ي النظام ي من خالل ت ّب‪$‬نيه نسق القيم الذي يو ّضح وظائف التنظيم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫وي ّح‪$‬دد األنماط النظامّ‪$‬ية الضرورّية التي ت ّع‪$‬بر‪ $‬عن هذه القيم‪ $‬ضمن أطرها الوظي ّف‪$‬ية‪ $‬من أجل تحقيق الهدف‪$‬‬
‫والمواءمة مع الموقف وتكامل النسق‪ ،‬وبما أ ّن بارسونز يعتبر التنظيم أنه نسق فرعي يت ّف‪$‬رع من نسق‬

‫ع‪$‬ية‪ ،‬بسبب تواجد قيم‬ ‫اجتماع ّي أوسع وأشمل‪ ،‬فمنطق ّي أن يكون نسق القيم مقبوال في التنظيم و ّيتسم بالشر ّ‬
‫عا مة نل سق الوظائف‪ $‬أو المناصب العليا في المجتمع‪ .‬ويستخدم بارسونز نسق القيم كنقطة مرج ّع‪$‬ية أسا ّس‪$‬ية‪$‬‬
‫ّ‬
‫في تحليله لل بناءات التنظيمّ‪$‬ية‪ ،‬من خالل‪:‬‬
‫ورية لتحقيق أهداف‪ $‬التنظيم‪.‬‬
‫‪ -‬متطّلبات المواءمة والتكّ‪$‬يف في التنظيم المرتبطة‪ $‬بتوفير الموارد الضر ّ‬

‫‪ -‬اإلج ارءات النظا ّم‪$‬ية الضرورّية التي يتّخذها التنظيم من أجل توفير المو‪$‬ارد في العم ّل‪$‬يات الخا‪ّ $‬‬
‫ص‬
‫ة‬ ‫لتحقيق الهدف‪$.‬‬

‫‪ -‬توّفر أنماط نظا ّم‪$‬ية تعمل على تحديد‪ $‬وتنظيم االلت ازمات داخل التنظيم في حا‪$‬لة مقارنته بتنظي‪$‬مات‬
‫)‪(3‬‬
‫أخرى تمّتع نب فس المواصفات‪ $‬التي يمكن تعميمها على نطاق واسع في المجتمع‪.‬‬
‫ومن أجل المحافظة على التعاون واستم ارره‪ ،‬يرى بارسونز ّأ‪$‬نه‪ $‬على إدارة التنظيم أن تلجأ‪ $‬إلى قت ديم‬
‫المكافآت على األداء ال ّج‪$‬يد كحوافز‪ ،‬أو توقيع الج ازءات لمن ال يتعاون‪ ،‬أو تسخير آليات عال ّج‪$‬ية بتوفير‪$‬‬
‫مجموعة من اإلج ارءات يمكن من خاللها القضا‪$‬ء على العوائق التي تعترض التعاون‪$.‬‬

‫‪ 1-‬اربح كعباش‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪158 $.‬‬


‫ظرية علم االجتماع ‪-‬رؤية نق ّدـية ارديكا ّلـية‪ ،-‬دار المعرفة الجامعّية‪ ،‬االسكندّرية‪-‬مصر‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪220.‬‬
‫‪ 2-‬أحمد سليمان أبو زيد‪ :‬ن ّ‬
‫ظرية التنظيم‪ ،‬دار المعرفة الجامعّية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪230$.‬‬ ‫‪ 3-‬سعد مرسي بدر‪ :‬اإليديولوجيا ون ّ‬
‫إ ّن علماء‪ $‬االجتماع‪ $‬الوظي ّف‪ $‬ين‪ $‬الذي ساروا على ُخ َطا بارسونز‪ ،‬جعلو‪$‬ا من االستق ارر االجتما‪$‬ع ي‬
‫ّ‬
‫الهدف النهائ ي لتحلي‪$‬ل السو‪$‬سيولوج ي‪ ،‬وهذا يعني ّأ‪$‬نهم يّركزون في المقام األ ول على الظروف التي تؤّ‪$‬دي‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلى عالقات اجتماعّ‪$‬ية مترابطة والى اإلدماج السريع والسهل لعديد من األج ازء المفص‪$‬ولة في المجتمع‪$‬‬
‫وترتيبها في وحدة مترابطة‪ $.‬كما أ ّن رؤيته لمجتمع كنسق وتص وره له ب ّأ‪$‬نه‪ $‬عبارة عن وحدة ّك ّل‪$‬ية تضطلع‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ع‪$‬ية المك ونة لهذا المجتمع تعمل على مواجه‪$‬ة‬ ‫بدورها الوظيف‪ّ $‬ي‪ ،‬فهذا يعني أ ّن هناك مجموعة من األنساق‪ $‬الفر ّ‬
‫ّ‪$‬‬
‫المستلزمات الوظي ّف‪$‬ية‪ $‬اآلتي‪$‬ة‪:‬‬
‫‪ -‬الت ّك‪$‬يف‪ ،‬ويضطلع به‪ $‬النسق االقتصاد ّي الفرع ي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬تحقيق الهدف‪ ،‬ويقوم به النسق السيا‪$‬س ي الفرع ي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ع‪$‬ية القائمة‪- $.‬‬
‫‪ -‬التكامل‪ ،‬ويعمل على تحقيق الروابط االجتما ّ‬
‫المحافظة على النمط أو خفض التو‪ّ$‬تر‪ ،‬ويكون من نصيب المؤ ّسسات الثقافّ‪$‬ية ومؤ ّسسات التنشئة‬
‫)‪(1‬‬
‫ع‪$‬ية‪.‬‬
‫االجتما ّ‬
‫• روبرت ميرتون ‪(1910-2003‬م)‪ ،‬عالم اجتماع ي أمريك ي ولد في جنوب ي فيالدلفيا في الولاي‪$‬ات‬
‫ّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫المّتحدة األمريكّ‪$‬ية لعائ‪$‬لة يهودّ‪$‬ية من أصل أو‪$‬ربي‪ ،‬ارتبط منذ صغره بالموسيقى والحياة الثقافّ‪$‬ية وتو‪ّ $‬جه نحو‬

‫الفنون‪ ،‬حصل على الدكتو اره عام ‪1936‬م من جامعة هارفارد وأصبح وا ًح‪$‬دا من أعضاء اله‪$‬يئة‬
‫)‪(2‬‬
‫التدري ّس‪$‬ية فيها‪ ،‬كما عمل في جامعة كولمبيا وأصبح أستاذا فيها عام ‪1947‬م‪.‬‬
‫يعتبر مقاله‪" Toward the codification of Functional analyses in Sociology " $‬‬
‫ُ‬
‫أه م ما كتب فيه من نقد لبنا ّئ‪$‬ية الوظي ّف‪$‬ية‪ ،‬وذلك من خالل ثالث مسّلمات يّتصف‪ $‬بها التحلي‪$‬ل الوظيف‪ $‬ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‪$‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -‬الوحدة الوظي ّف‪$‬ية لمجتمع‪ ،‬بمعنى أ ّن أج ازء النسق االجتماع ي تمّتع بدرجة عالية من التكامل في‬
‫ّ‬
‫المجتمعات البدا ّئ‪$‬ية الصغيرة دون المجتمعات الكبيرة المعّقدة‪ ،‬لذا ينبغي عدم تعميم هذه المسّلمة‪.‬‬
‫‪ -‬الوظيفّ‪$‬ية الشاملة‪ ،‬بمعنى أ ّن ك ّل األشكا‪$‬ل وا ُل‪ $‬نب ى الثقافّ‪$‬ية واا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية في المجتمع تقوم بوظائف‬
‫إيجا ّب‪$‬ية‪ ،‬وهذا قد يكون مخا ًل‪$‬فا لواقع االجتماع ي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 1-‬شحاتة صيام‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪58$.‬‬
‫‪ 2-‬محمود أبو زيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪144 $.‬‬
‫‪ -‬ضرورة وجود األج ازء‪ ،‬بمعنى أ ّن األج‪ $‬ازء المك ونة لمجتمع ال قت وم بوظائف إيجا ّب‪$‬ية فحسب‪ ،‬بل‬
‫ّ‪$‬‬
‫ورية‬
‫ع‪$‬ية والوظائف ضر ّ‬
‫ورية لعمل المجتمع كك ّل‪ .‬وهذا يعني أ ّن ا ُل‪ $‬نب ى االجتما ّ‬
‫ص‪$‬ار ضر ّ‬ ‫هي تمّثل عنا‬
‫ً‬
‫)‪(1‬‬
‫لمسيرة المجتمع الطبي ّع‪$‬ية‪.$‬‬
‫الوظائف‪ $‬على أساس قت سيمها في المجتمع إلى نوعين‪ :‬الوظائف الظاهرة وهي‬ ‫ص‪$‬نف ميـرتون‬
‫وي ّ‬
‫التي ترمي إلى تحقيقها التنظيمات االجتماعّ‪$‬ية‪ ،‬والوظائف‪ $‬الغير ظاهرة وهي التي ال تأ‪$‬خذ التنظيمات‬
‫االجتماعّ‪$‬ية بالحسبان‪$.‬‬
‫ولقد اختلف ميرتون مع أستاذه بارسونز في عدم التركيز على النسق‪ ،‬ويبرز ذلك من خالل تصميم‬
‫نموذجه في التحليل الوظيفي‪ ،‬فيه‪ $‬ال ينطلق من تحليل األنساق االجتماعّ‪$‬ية ولكّ‪$‬نه يبدأ بتحليل الو‪$‬حدات‪$‬‬
‫ع‪$‬ية واألنم‪$‬اط الثقافّ‪$‬ية‪ .‬ويرى‬
‫التي تأخذ شك ًال مع ًّق‪$‬دا مثل األدوار االجتماعّ‪$‬ية‪ ،‬األنماط التنظيمّ‪$‬ية‪ ،‬العم ّل‪$‬يات االجتما ّ‬

‫ص‪$‬ية أعضاء التنظيم نت تج من قبل عوامل مختلفة داخل البناء‪$‬‬


‫ميرتون أ ّن الت ّغ‪$‬ي ارت التي تط أر على شخ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫التنظيم ّي‪.‬‬
‫كما ّق‪$‬دم ميرتون إطاار تص ور يا‪ $‬و ّضح فيه أ ّن النظام الذي يتطّلبه السلوك الم ّق‪$‬نن في التنظيم يسا‪$‬عد‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ً‪$‬‬
‫على استبدال األهداف‪ ،‬م ما يك ون فجوة في التعامل بين أعضاء‪ $‬التنظيم والمتعاملين من خا‪$‬رج التنظيم‪ ،‬وبذلك فقد‬
‫ّ ّ‪$‬‬
‫ارتكز‪ $‬اإلطار‪ $‬التص وري الذي ّق‪$‬دمه ميرتون على ثالث نقاط‪ :‬جمود السلوك‪ ،‬صعوبة الت ّك‪$‬يف مع‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وهي نقاط‪ $‬تفرض بطبيعتها درجة م ّع‪$‬ينة من‬ ‫مها م الوظيفة‪ $‬وامكا ّن‪$‬ية نشوء الص ارع بين أعضا‪$‬ء التنظيم ‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫الضبط والموازنة‪ ،‬وهكذا تظهر المع وق ‪ $‬ات الوظي‪$‬فّ‪$‬ي‪ $‬ة من خالل عم ّل‪$‬ي‪ $‬ة اس ‪$‬تبدال األهداف‪ $.‬إ‬
‫ّ‪$‬‬
‫ّن االنتقاد الم‪$‬و ّجه لرواد المدرسة البنا ّئ‪$‬ية الوظيفّ‪$‬ية حول ّأ‪$‬نهم لم يهت موا بعم ّل‪$‬ية‪ $‬الت ّغ‪$‬ير وتركيزهم فقط‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على االستق ارر في المجتمع‪ ،‬ب ‪$ $‬الرغم من أ ّن الت ّغ‪$‬ير هو جزء من طبيع ‪$‬ة المجتمع‪ ،‬فهم لم يحاولوا تفس‪$$‬ير أس‪$$‬باب‪ $‬ت ّغ ‪$‬ير‬
‫ُ‬
‫المجتمعات‪ .‬فهذه الحركة ت ّع‪$‬بر‪ $‬عن جدل داخل هذا االّتجاه‪ ،‬فقد تمّ‪$‬يز‪ $‬التص ور العضوي الو‪$‬ظيفي الذي ّق‪$‬دمه هربرت‬
‫ّ‪$‬‬
‫سبنسر بالطابع البيولوجي من ناحي‪$‬ة والفرد ّي من ناحية‪ $‬أخرى‪ ،‬وكذا األمر بالنسبة إلى دوركايمـ‬

‫الذي قام بتجريد التص ور العضوي لـهربرت سبنسر وفصله من جذوره الفردّ‪$‬ية والبيو‪$‬لو ّج‪$‬ية وأضفاه على‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫‪ 1-‬سعاد عطا فرج‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪243.‬‬
‫عـية ودراسة التنظيم‪ ،‬ط‪ $،3‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪80.‬‬ ‫‪ 2-‬السيد الحسين‪$‬ي‪ :‬الن ّ‬
‫ظرية االجتما ّ‬
‫‪ 3-‬السيد الحسين‪$‬ي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪83 $.‬‬

‫أرى أ ّن تكامل أنساقه ُونظمه يجع‪$‬ل منه ك ال عضو يا‪ ،‬هذا الك ّل هو الذي يتو‪ّ$‬لى صياغة أف‬
‫المجتمع الذي‬
‫ارده‬
‫)‪(1‬‬
‫على هيئته وهّويته‪ ،$‬وبذلك‪ $‬قّلب المعادلة فجعل المجتمع قاعدة لفرد و منب ًتا لجذوره‪.‬‬
‫َ‪$‬‬
‫وعمو ما فإ ّن المدرسة البنا ّئ‪$‬ية الوظي ّف‪$‬ية تش ّكل نظ‪$‬رّية جز ّئ‪$‬ية إذا ما ت مت مقارنتها بالمدرسة المارك ّس‪$‬ية‬
‫ّ‬ ‫ً‪$‬‬
‫التي قتّ‪$‬دم نظرة شام‪$‬لة لمجتمع‪ ،‬فكرة أ ّن المجتمع مثل الجسم البشري ك ّلّية متكاملة‪ ،‬وأ ّن ك ّل عضو من‬
‫أعضاء هذا الجسم ال يمكن فهمه إّ‪$‬ال في إطار كّّلية تهدف إلى تحديد مفهوم البناء الوظيف‪ $‬ي أو‪ $‬البناء‪$‬‬
‫ّ‬
‫االجتماع ي وفي ّأ‪$‬نه يت ّمثل في مجموعة العالق‪$‬ات االجتماعّ‪$‬ية المتباينة التي تكامل و تناسق‪ $‬من خالل‬
‫ّ‬
‫األدوار االجتماعّ‪$‬ية التي يرسمها لها الك ّل وهو البناء االجتماع ي‪$.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 1-‬مصطفى بوجالل‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪124.‬‬
‫سابعا‪ :‬مدرسة التحليل النفسي‬
‫نشأت مدرسة التحلي‪$‬ل النفسي في أحضان التطبيق الطّ‪$‬بي‪ ،‬فقد ّق‪$‬دمت إسها ما علم يا‪ $‬أ ّهلها‪ $‬لالنضمام‬
‫ً‬
‫إلى علم النفس‪ $.‬وان‪$‬تقل تأثيرها إلى مجاالت كثي‪$‬رة‪ ،‬منها مجال علم االجتماع‪ُ .‬يمكن تسمية مدر‪$‬سة التحليل‬
‫النفسي بتسميات عديدة‪ ،‬فهي مدرسة سيكولو ّج‪$‬ية السلو‪$‬ك بالرغم من ُبعدها عن النظرة السلو ّك‪$‬ية‪ ،‬وتس مى‬
‫ّ‬
‫بسيكولو ّج‪$‬ية األعماق الهتمامها الكبير بالالشعور‪ ،‬أو بسيكولو ّج‪$‬ية المشاعر لكونها خالفت سيك‪$‬ولو‪$‬جيا القرن‬
‫ض‪$‬د االّتجاه الجسدي‪ ،‬نتيجة أ ّن بعض‬
‫‪19‬م التي اهت ّمت بالعقل وحده‪ .‬فمدرسة التحليل النفسي هي ثورة ّ‬
‫األشخاص الغير‪ $‬أسوياء ال تو‪$‬جد عندهم آفات دماغّ‪$‬ية م ما ُيجب ر على البحث‪ $‬عن أسباب مرضه‪$‬م في حياتهم‬
‫ّ‬
‫النف ّس‪$‬ية‪ ،‬وفي عاداتهم الخاطئة في التفكير والعمل‪ ،‬وفي ضعف إ اردتهم وفقدانهم لتوازنهم العاطفي‪ .‬ومن أه م‬
‫ّ‪$‬‬
‫روادها سيجموند فرويد‪ ،‬يهودي أوربي‪ ،‬ولد في تشيكوسلوفاكيا‪ ،‬عاش طفولته في ف ينا ودر‪$‬س الط ّب بها‪$‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وعمل في المخبر‪ $‬الفي‪$‬زيو‪$‬لوجي س ّت سنو‪$‬ات‪ ،‬ث م عمل طبًيبا وتابع د ارسة الجملة‪ $‬العص ّب‪$‬ية وتشريحها وأم ارضها‪.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫ث م ذهب إلى شاركو في با‪$‬ريس و تلمذ‪ $‬على يده لمّ‪$‬دة سنة وعاد بعدها إلى ف ينا‪ ،$‬ازر مدرسة نانسي ولم‪$‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫يعجبه عملها‪ .‬استفاد‪ $‬من جوزيف بروير الطبيب النمساوي والفيز‪$‬يولوجي‪ ،‬حيث‪ $‬تعاونا‪ $‬على د ارسة األم ارض‬
‫العص ّب‪$‬ية‪ ،$‬فوجد بروير أ ّن المريضة الهستر‪$‬يا ّئ‪$‬ية تشعر بتح ّسن عندما ت ّح‪$‬دث أثناء التنويم عن مرضها‪ ،‬لكن‬

‫ص‪$‬رحت بأّ‪$‬نها ال‬


‫ّتخلى عن تلك الطريقة‪ ،‬أل ّن المريضة التي عا‪$‬لجها بروير وقعت في غ ارمه و ّ‬ ‫سرعان ما‬

‫تستطيع التخّلي عنه (وجد بروير في ذلك خطا‪$‬ر)‪ ،‬فتابع فرويد العمل بها‪ .‬وحين ت ّع‪$‬رض فرويدـ لما ت ّع‪$‬رض‬
‫ً‪$‬‬
‫له بروير‪ ،‬ناقش المسألة فوجد أ ّن عشق النسوة لطبيب المعالج ‪$‬ليس ع ًش‪$‬قا‪ $‬لشخصه و ّا‪$‬نما ّال‪$‬تخاذه ّن ّإ‪$‬ياه‬

‫بدي ًال عن موضوع ّح‪$‬به ّن األ ول ‪ (1).‬وكانت الخط‪$‬وة التا‪$‬لية أن يتخّلص فرويد من التنو‪$‬يم المغناطيسي لينتقل‬
‫ّ‪$‬‬
‫)‪(2‬‬
‫أو طريقة الت اربط ال ّح‪$‬ر‪ ،‬وبطء هذه الطريقة قد‬ ‫إلى طريقة جديدة ابتكرها و ُعرفت باسم التذ ّكر الواعي‬

‫أوصل فرويد إلى الالشعور مباشرة‪ ،‬ووجد بالتفكير واالختبار‪ $‬أ ّن أحالم المريض‪ $‬تعلن ال شعوره‪ ،‬فشرع‬
‫بد ارسة األحالم و ّت‪$‬بعها بطريقة الت اربط‪ $.‬وفي عا‪$‬م ‪1900‬م أصدر فرويد كتابه "تفسي‪$‬ر األحالم" وتاله كتاب آخر "علم‬

‫النفس المرضي لحياة اليو ّم‪$‬ية" عام ‪1901‬م‪ ،$‬حيث شرح فيه هفوات اللسان والذاكرة‪ ،‬وقد تتالت‬

‫كتبه بعد ذلك وأصبح مدرسة سيكو‪$‬لو ّج‪$‬ية صريحة‪$.‬‬


‫ص‪$‬رح بأ ّن‬
‫وضع فرويد نظرّ‪$‬يته في نب ية النفس و ّأ‪$‬نها ثال ّث‪$‬ية األبعاد (ألهو‪ ،‬األنا واألنا األعلى)‪ ،‬و ّ‬
‫الرغبات المكبوتة والمّركبات النف ّس‪$‬ية هي نتيجة لتحليله لألع ارض العص ّب‪$‬ية واألحالم والهفو‪$‬ات والم ازج‪ ،‬وهي‬
‫‪ 1-‬صالح الدين شروخ‪ :‬مدخل في علم االجتماع ‪-‬للجام ّعـيين‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪134$.،133‬‬
‫‪ 2-‬فاخر عاقل‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪177 .‬‬

‫المريض يحتا‪$‬ج أن يعرف‬


‫في الغالب ذات طبيعة جن ّس‪$‬ية‪ .‬ولكن المبدأ األساسي في فكر فرويد هو أ‬
‫ّن‬

‫والى إحياء الخبرة األص ّل‪$‬ية التي ت ّس‪$‬بب المرض واالرتفاع بها إلى مستوى الشعور لتخليص‪$‬‬ ‫طبيعة مرضه‬
‫المريض من مّركبه‪ ،‬وبذلك ساعد في شفاء حا‪$‬الت الشلل الهستيري‪ ،‬المخاوف العص ّب‪$‬ية‪ ،‬الغيبوبة والكبت‪$‬‬
‫المّركب األصلي ليس إّ‪$‬ال نتيجة لصدمة عاط ّف‪$‬ية تلّقاها المريض‪ ،‬قد‬ ‫بأنواعه المختلفة‪ .‬وافترض فرويد أ ّن‬
‫تكون خيا ّل‪$‬ية أو واق ّع‪$‬ية‪ ،‬وحسبه دائ ما فإ ّن الذاكرة ال تموت تما ما ‪ (1).‬نستنتج أ ّن أسس الفرويدّ‪$‬ية هي الجنس‪$،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الطفو‪ّ $‬ل‪$‬ية والكبت‪ .‬وحسب فرويد ف ّإ‪$‬ننا لم نتعّلم المخاوف باالر‪$‬تكاس الشرطي‪ ،‬و ّا‪$‬نما ّأل‪$‬نها تخفي رغبات ال‬

‫يوافق المجتمع عليها‪ ،‬فالخوف هو قناع‪ $‬لرغبة‪ .‬كما أرجع جميع العالقات اإلنسا ّن‪$‬ية إلى ا ليبيدو (الغريزة‬
‫الجن ّس‪$‬ية)‪ ،‬ويقصد بها طاقة الميول التي تعود إلى ك ّل ما يشمله‪ $‬لفظ الح ّب‪ ،‬وهي طاقة‪ُ $‬تعتبر كأّ‪$‬نها مقدار‬

‫ك مي ولكن يصعب قياسها ‪ (2).‬وي ّش‪$‬به فرويد التنو‪$‬يم المغناطيسي بحال الح ّب من حيث‪ّ $‬أ‪$‬نه‪ $‬ال يت ّع‪$‬دى بالذات‪$‬‬
‫ّ‬
‫أو األنا أو الموضوع‪ ،‬ولكنه يستند إلى نو‪$‬ازع جن ّس‪$‬ية مكبوتة‪ .‬كما تلعب الرموز دوار ها ما في النوم‪ ،‬ف‪$ $‬الرموز في‬
‫ً‬
‫األح ‪$‬الم‪ $‬هي نت ‪$ $‬ا‪$‬ج الرقاب ‪$ $‬ة ال ‪$ $‬تي تمن‪$ $‬ع الرغب ‪$ $‬ات‪ $‬المس‪ $$‬ترة من الوض ‪ $‬وح الش‪$$‬عوري‪ ،‬وتلعب دوا‪$‬ر ها ما في الحي ‪$ $‬اة‬
‫ً‬
‫ع‪$‬ية‪ .‬أ ما تفسير‪ $‬الدين عند فرويد فهو مرض عصابي أساسه األفكار المتسّلطة‪ ،‬وهو ما يعطي الدين‬
‫االجتما ّ‬
‫ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫‪-‬حس‪$$‬به‪ -‬الق وة والس ‪$‬لطان‪$.‬‬
‫ّ‪$‬‬
‫وباختصار‪ $‬فإ ّن فرويد يف‪ّ $‬سر أصل المجتمع ومختلف مظاهر الحضارة نب زعات ا ليبيدو التي هي ق وة‬
‫ّ‪$‬‬
‫حياة فطرّية‪ ،‬وي ّم‪$‬يز إلى جانبها‪ $‬غريزة االعتداء أو‪ $‬اإلتالف‪ $‬والموت‪ $،‬فيقوم المجتمع بتوجيه األف ارد إلى العدوان‬
‫على المجتمعات األخرى‪.‬‬
‫وعمو ما‪ ،‬فإ ّن نظرّية فرويد لم تر ض علماء النفس وال علماء االجتماع‪ ،‬وهو نفسه (فرويد)‪ $‬يذكر‬
‫ً‪$‬‬
‫ّأ‪$‬نها عبارة عن محاولة في التفسير‪ ،‬وينطبق على نظرّيته ما ينطبق على ك ّل التفسي ارت التي حاولت تفسير‪$‬‬
‫ع‪$‬ية ذات صفات مِّميزة لها‪ $‬عن غيرها‪.‬‬
‫الظاهرة االجتماعّ‪$‬ية عن طريق‪ $‬الحاالت الفردّ‪$‬ية‪ ،‬أل ّن الحاالت االجتما ّ‬
‫‪ 1-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪183.‬‬
‫‪ 2-‬عبد الكريم اليافي‪ :‬تمهيد في علم االجتماع‪ ،‬المطبعة العمومّية دمشق‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص‪452 $.‬‬
‫عـية‪ ،‬دار النهضة العرّبية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1976 ،‬م‪ ،‬ص‪392.‬‬
‫‪ 3-‬حسن‪ $‬شحاتة سعفان‪ :‬تاريخ الفكر االجتماعي والمدارس االجتما ّ‬
‫خاتمة‬
‫يتن وع الواقع المجتمعي في ك ّل مرحلة تا‪$‬ري ّخ‪$‬ية بعم ّل‪$‬يات الت اركم المعر ّف‪$‬ية التي ي ّح‪$‬ققها البا‪$‬حث‬ ‫ا في‬
‫ّ‪$‬‬ ‫ا معالجة‬
‫ل موضو‬
‫ج عات‬
‫ت العلوم‬
‫م االجتما‬
‫ع‪$‬ية‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ع المختلفة‬
‫ي ل تّضح‬
‫ارتباطات‬
‫ها‬
‫ومدى‬
‫تعّ‪$‬دد‬
‫اّتجاهات‬
‫ها‬
‫ومدارس‬
‫ها‪ ،‬خا‬
‫ّصة في‬
‫نت اولها‬
‫لمختلف‪$‬‬
‫االتّجاها‬
‫ت‬
‫النظ‪ّ$‬رية‬
‫التي تش‬
‫ّكل‬
‫جًزءا‬
‫أسا‪$‬س يا‬
‫من‬
‫الحقي‪$‬قة‪$‬‬
‫العلمّ‪$‬ية‪$‬‬
‫في‬
‫حياتنا‬
‫اليو ّم‪$‬ية‪،‬‬
‫ف هي‬
‫األسا‪$‬س‬
‫الكامل و‬
‫ارء ك ّل‬

‫‪-99-‬‬
‫مذاهب المعرفة االنسا ّن‪$‬ية‪ $‬وك ّل تفسير ألنماط السلو‪$‬ك المختلفة‬
‫ع‪$‬ية المت ّع‪$‬ددة والمتباينة في ك ّل مظاهر‬
‫التي يسلكها األف ارد والجماعات داخل البناءات االجتما ّ‬
‫النشاط‪$‬‬

‫مم‪$‬يز في الحياة االجتماعّ‪$‬ية‪ .‬كما تض من الت اركمات المعرفّ‪$‬ية ك ّل ما يمّ‪$‬يز ال فكر‬


‫االجتماعي ال ّ‬
‫ّ‬
‫االجتماعي‬
‫ّاالتجاهات الفكرّية التي ت ّم‪$‬يز فكر مختلف الرواد في مد‪$‬ارسهم‬ ‫ع‪$‬ية تختلف باختا‪$‬لف‬
‫من نب اءات فر ّ‬
‫بمختلف‬
‫اّتجاه ‪$‬اتهم وفلس‪$$$‬فاتهم ال‪$ $ $‬تي ينطلق ‪$ $‬ون منه ‪$‬ا في تفس‪$$$‬ير الظ‪$$‬واهر‬

‫ع‪$‬ي‪ $‬ة‪ $.‬ف ‪$ $‬العلوم االجتماعّ‪$‬ي‪ $‬ة ال يمكن أن ت ‪ّ $ $‬ؤ‪$‬دي وظائفها‪ $‬وتحّقق أهدافها دون تكام‪$‬ل وح‪ $‬دة‬
‫االجتما ّ‬
‫ُأطرها ا نل ظرّية‪$‬‬

‫والفكرّية ودون تط ور األساليب المنه ّج‪$‬ي ة والبح ّث‪$‬ي ة‪ .‬وبالفعل فق ‪$‬د استطاع ال ‪$‬رواد والمف ّك رون في مجال‬
‫ّ‪$‬‬
‫الع‪$‬لوم االجتماعّ‪$‬ي ة الوصول إلى بل‪$‬ورة وتطوير المدار‪$‬س الفكّري ة والنظرّي ة‪ $‬ال‪$‬تي عملت على تمكين العلم‬

‫من نت مية مناهجه الد ار ّس‪$‬ية العلمّ‪$‬ي ة وتطوير أدوات‪$ $‬ه البحثّ‪$‬ي ة‪ $‬تما ًش‪$‬يا مع الت ّغ‪$‬ي ارت ال ‪$‬تي ط أرت على‬

‫المناهج والنظرّيات‪$‬‬

‫والُ‪ّ$‬نظم‪$‬‬
‫ع‪$‬ية‪$.‬‬
‫االجتما ّ‬
‫وأخيار نأمل أن يكون هذا العمل المتواضع إضافة نافعة إلى رصيد معرفة الطالب وعًونا له‬
‫ً‪$‬‬
‫على‬
‫متابعة البحث في الد ارسات اا‪$‬لجتماعّ‪$‬ية‬
‫المختلفة‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪100-‬‬
‫المــــــــ ارجـــــــــــــــــع‬

‫‪-‬‬
‫‪100-‬‬
‫قائمة الم ارجع‬

‫أوال‪ :‬بالعر ّبـية‬


‫أ‪ -‬الموسوعات‪ ،‬المعاجم والقواميس‬ ‫‪1.‬‬
‫جمي‬
‫ل‬
‫صلبيبا‬
‫‪:‬‬
‫المع‬
‫جم‬
‫الفلسف‬
‫ي‪،‬‬
‫ج‪2‬‬
‫‪$،‬‬
‫دا ر‬
‫الكتا‬
‫ب‪،‬‬
‫لبنان‬
‫‪-‬‬
‫ب‪$‬يرو‬
‫ت‪،‬‬
‫‪19‬‬
‫‪82‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪2.‬‬
‫دينكن‬
‫ميتش‬
‫ل‪:‬‬
‫مع ج‬
‫م‬
‫علم‬
‫االجت‬
‫ماع‬
‫‪$،‬‬
‫ترج‬
‫مة‬
‫إحسا‬
‫ن‪$‬‬
‫مح‬
‫مد‬
‫الحس‬
‫ن‪،‬‬
‫دا ر‬
‫الطليع‬
‫‪-‬‬
‫‪101-‬‬
‫ة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1981 ،‬م‪.‬‬‫د بدر‪ :‬أصول البحث العلمي ومناهجه‪،‬‬
‫ط‪ ،8‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪198 ،‬‬
‫‪ 3.‬عبد المجيد البصير‪ :‬موسوعة علم االجتماع ومفاهيم في السياسة‬
‫‪6 .‬م‪$.‬‬
‫واالقتصاد والثقافة العا ّمة‪ $،‬دار الهدى‪$،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2010‬م‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ 4.‬عبد النور جبور‪ :‬المعجم األدبي‪ ،‬ط‪$،2‬‬ ‫ازيد‪ :‬علم اجتماع الن ّ‬
‫ظريات‬ ‫‪ .‬أ‬
‫دار العلم لماليين‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1984 ،‬م‪$.‬‬ ‫الكالسي ّكـية والنق ّدـية‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪ 1‬ح‬
‫المصّرية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪،‬‬ ‫‪ 7‬م‬
‫‪ 5.‬محمد شفيق غربال‪ :‬الموسوعة العربية المو ّسعة‪ ،‬ط‬
‫‪1997‬م‪.‬‬ ‫د‬
‫‪ ،2‬مؤ ّسسة الشعب‪ ،‬القا‪$‬هرة‪-‬مصر‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .‬أحمد نظرية علم ارديكالّـية‪ $،-‬دار‬
‫‪ 6.‬محمد محمود ربيع وآخرون‪ :‬موسوعة العلوم السياسية‪$،‬‬ ‫ّ‬
‫جامعة الكويت‪ ،‬الكويت‪1994 ،‬م‪$.‬‬
‫المعرفة‬ ‫‪ 1‬سليمان االجتماع‬
‫الجامعّ‪$‬ية‪،‬‬ ‫‪ 8‬أبو زيد‪- :‬رؤية‬
‫االسك‪$‬ندرّية‪-‬‬ ‫نق ّدـية‬ ‫مصر‪،‬‬
‫ب‪ -‬الكتب‬
‫‪2006‬‬
‫‪ 7.‬أ‪ .‬ال ارمي و ب‪ .‬فالي‪ :‬البحث في االتـصال ‪-‬عناصر‬ ‫م‪.‬‬
‫منهجية‪ $،-‬ترجمة ميلود سفاري وآخرون‪ ،‬مخبر علم‬
‫أحمد عباده‬
‫‪.‬‬
‫اجتماع االتصال‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪-‬الج ازئر‪2004 ،‬م‪.‬‬ ‫سرحان‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ .‬أ‪.‬ب‪ .‬شبتولين‪ :‬النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمـعرفة‪ $،‬دار الفا‬ ‫مقدمة في‬ ‫‪9‬‬
‫‪ 8‬اربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1981 ،‬م‪.$‬‬ ‫اإلحصاء‬
‫االجتماعي‪$،‬‬
‫‪ .‬إب ارهيم األبرش‪ :‬المنهج العلمي وتطبيقاته في العلوم االجتماعية‪ $،‬دار‬ ‫الدار القومية‪،‬‬
‫‪ 9‬الشروق‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2009 ،‬م‪.‬‬ ‫مصر‪196 ،‬‬
‫‪ .‬إب ارهيم عثمان‪ :‬م ّقـدمة في علم االجتماع‪ $،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪-‬‬ ‫‪3‬م‪.‬‬
‫‪ 1‬األردن‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪0‬‬
‫‪ .‬إب ارهيم عيسى عثمان‪ :‬النظرية المعاصرة في علم االجتماع‪،‬‬
‫‪ 1‬دار الشروق لنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪،‬‬
‫‪ 1‬م‪.2008‬‬
‫إحسان محمد الحسن‪ :‬األسس العلمية لمناهج البحث االجتماعي‪ ،‬دار‬
‫‪.‬‬
‫‪ 1‬الطليعة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬إحسان محمد الحسن‪ :‬مناهج البحث االجتماعي‪ $،‬دار وائل‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪2005 .‬م‪$.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪3‬‬
‫المدخل إلى علم االجتماع‪ $،‬دار‬
‫‪ .‬إحسان محمد الحسن‪ ،‬عدنان‬
‫وائل لنشر‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪$،‬‬
‫‪ 1‬سليمان األحمد‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫م‪.2005‬‬
‫أحمد القصير‪ :‬منهجية علم االجتماع بين الـوظيفية والمارـك ّسـية‬
‫والبنيّوية‪ ،‬الهيئة المصّرية العا ّمة لك‪$‬تاب‪$،‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪5‬‬
‫أحم القاهرة‪-‬مصر‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫‪102-‬‬
‫‪ .20‬أنور حسين عبد الرحمان وفالح محمد حسن الصافي‪ :‬مناهج البحث بين النظرية والتطبيق‪ ،‬التأميم لطباعة‬
‫والن‪$‬شر‪ ،‬كربالء‪-‬الع ارق‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬لب قاسم سالطنية‪ ،‬حسان الجيالني‪ :‬محاض ارت في المنهج والبحث العلمي‪ ،‬ط‪ $،2‬ديوان المطبوعات الج‪$‬امعية‪،‬‬
‫الج ازئر‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬جابر عبد الحميد جابر وآخرون‪ :‬مناهج البحث في التربية وعلم النفس‪ $،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهر‪$‬ة‪$-‬مصر‪،‬‬
‫محا م‪.2002‬‬
‫‪.‬ج‬
‫‪ 2‬ض‬
‫ا‬
‫‪ 3‬ار‬
‫ز‬
‫ت‬
‫ي‬
‫في‬
‫ة‬
‫المن‬
‫ك هج‬
‫ي ية‬
‫لطال‬
‫اب‬
‫رعلم‬
‫نالجت‬ ‫ا‬
‫‪ :‬ماع‬
‫‪،‬‬
‫‪ .‬ط‪2‬‬
‫م ‪$،‬‬
‫‪ 2‬ديوا‬
‫‪0‬ن‬
‫‪ 1‬ال م ط‬
‫‪ 6‬بوع‬
‫ات‬
‫الجا‬
‫مع ي‬
‫ة‪،‬‬
‫الج‬
‫ازئ‬
‫ر‪$،‬‬
‫عت ‪-‬‬
‫أ ال‬
‫نم م‬
‫سش‬
‫ا نا‬
‫سا‬
‫يب‬
‫عع ه‬
‫ن‬
‫م ي ال ج‬
‫ي‬
‫ر‪ $،‬ب‬
‫ح الب‬
‫الت ن ث ح‬
‫وق ث‬
‫م ا اا‬
‫يل ل‬
‫ج‬
‫‪-‬‬
‫‪102-‬‬
‫جمال زكي‪،‬‬ ‫ا لس ي د‬ ‫ياسين‪:‬‬
‫‪.24‬‬
‫االجتماعي‪ $،-‬منشو ارت مج ّمع الفاتح لجامعات‪ ،‬ط اربلس‪-‬ليبيا‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬جورج غوريفتش‪ :‬د ارسات في الطبقات االجتماعية‪ $،‬ترجمة أحمد رضا‪ ،‬الهيئة المصّرية العا ّمة لكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪$،‬‬
‫م‪.1973‬‬
‫دار النهضة العر ّب‪$‬ية‪ ،‬القاهرة‪-‬‬
‫تاريخ الفكر االجتماعي والمدارس‬ ‫‪ .26‬حسن شحات‪$‬ة سعفان‪:‬‬
‫مصر‪،‬‬ ‫االجتماعّـية‪،‬‬ ‫م ‪.1976‬‬
‫حسين عبد الحميد‪ ،‬أحمد رشوان‪ :‬ميادين علم االجتماع ومناهج البحث العلمي‪ $،‬المكتب الجامعي الحديث‪$،‬‬
‫‪.27‬‬
‫اإلسكندرية‪-‬م‪$‬صر‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫البحث االجتماعي في محيط الخدمة االجتماعية‪ $،‬المكتبة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬‬
‫‪ .28‬خاطر أحمد مصطفى‪:‬‬
‫مصر‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫خضر زكريا‪ :‬النظريات االجتماعية المعاصرة‪ ،‬ج‪ $،1‬مطبوعات جامعة دمشق‪ ،‬مديرية الكتب الجام ّع‪$‬ية‪ ،‬دمشق‪$-‬‬
‫‪.29‬‬
‫سوريا‪1988-1989 ،‬م‪$.‬‬
‫ذوقان عبيدات وآخرون‪ :‬البحث الـعلمي‪-‬مفهومه‪ ،‬أدواته‪ ،‬أسلوبه‪ $،-‬دار المجدالوي‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪1983 ،‬م‪.‬ـ‬
‫‪.30‬‬
‫ذوقان عبيدات‪ :‬البحث العلمي‪ $،‬دار الفكر لطباعة والنشر‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪.31‬‬
‫اربح كعباش‪ :‬علم اجتماع التنظيم‪ $،‬مخبر علم اجتماع االتصال لبحث والترجمة‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪-‬‬
‫‪.32‬‬
‫الج ازئر‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫مناهج وأساليب البحث العلمي‪ ،‬دار الصفا‪ ،‬ع ّمان‪-‬‬
‫‪ .33‬ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد‬
‫ا‪$‬ألردن‪،‬‬ ‫غنية‪:‬‬
‫م‪.2000‬‬
‫رشيد زرواتي‪ :‬مناهج وأدوات البحث العلمي في العلوم االجتماعية‪ $،‬دار الهدى‪ ،‬الج ازئر‪،‬‬
‫‪.34‬‬
‫د‪ .‬س‪.‬‬
‫‪.35‬‬
‫زكي نجيب محمود‪ :‬فلسفة وف ّن‪ $،‬مكتبة االنجلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪196 ،‬‬
‫‪3‬م‪.‬‬
‫زينب محمد زهري‪ :‬علم اجتماع المسرح ‪-‬تـقنياته النظرية والمنهجية والعلمية‪ ،-‬مجلس الثقافة‬ ‫‪.36‬‬
‫الع ّا‪$‬م‪،‬‬
‫الجماهيرية ا ليبية‪ ،‬د‪.‬س‪.‬‬
‫‪ .37‬سامي ملحم‪ :‬مناهج البحث في التربية وعلم النفس‪ $،‬دار المسيرة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .38‬سامية محمد جابر‪ :‬منهجّـيات البحث االجتماعي واإلعالم‪ $،‬دار المعرفة الجامعّ‪$‬ية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪2000 ،‬م‪$.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪103-‬‬
‫طـور الفكر االجتماعي‪ $،‬مطبوعات جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2008 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .39‬سعاد عطا فرج‪ :‬تاريخ ت ّ‬
‫ظرية التنظيم‪ $،‬دار المعرفة الجامعّ‪$‬ية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .40‬سعد مرسي بدر‪ :‬اإليديولوجيا ون ّ‬
‫‪ .41‬سمير محمد حسين‪ :‬بحوث اإلعالم –األسس والمبادئ‪ $،-‬عالم الكتب‪ ،‬القاهر‪$‬ة‪-‬مصر‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬سمير نعيم أحمد‪ :‬النظرّية في علم االجتماع‪ $،‬مكتبة جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫عـية ود ارسة التنظيم‪ ،‬ط‪ ،3‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1981 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .43‬السيد الحسيني‪ :‬الن ّ‬
‫ظرية االجتما ّ‬
‫‪ .44‬السيد علي شتا‪ :‬نظرية علم االجتماع‪ ،‬مؤ ّسسة شبا‪$‬ب الجامعة‪ ،‬القاهر‪$‬ة‪-‬م‪$‬صر‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫عـية من المرحلة الكالسي ّكـية إلى ما بعد الحداثة‪ $،‬مصر العربية لنشر والتوزيع‪$،‬‬ ‫شحاتة صيام‪ :‬الن ّ‬
‫ظرية االجتما ّ‬ ‫‪.45‬‬
‫‪ -‬مصر‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .‬صم‬
‫‪ 4‬لل‬
‫اد‬
‫‪ 6‬ج‬
‫لخ‬
‫ا‬
‫حل‬
‫م‬
‫ا ف ّعـيي‬
‫ل ين‬
‫د ‪-‬‬
‫ي ع ‪$،‬‬
‫نل دا‬
‫مر‬
‫ش ا لع‬
‫را لو‬
‫وا م‬
‫خل لن‬
‫‪:‬ج ش‬
‫‪.‬ت ر‬
‫مم و‬
‫‪ 2‬ا الت‬
‫‪0‬ع و‬
‫‪ 0‬زي‬
‫‪ 5‬ع‬
‫‪،‬‬
‫عن‬
‫اب‬
‫ة‬
‫‪-‬‬
‫ال‬
‫ج‬
‫ا‬
‫زئ‬
‫ر‬
‫‪،‬‬
‫ش صال‬
‫ر ح‬
‫و الدين‬
‫‪-‬‬
‫‪103-‬‬
‫خ‪ :‬منهجية البحث القانوني للجام ّعـيين‪-‬علوم قانونية‪ ،‬علوم اجتماعية‪ $،-‬دار العلو‪$‬م لنشر‬
‫‪.47‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬عنابة‪-‬الج ازئر‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫صالح مصطفى ال ّف‪$‬وال‪ :‬معالم الفكر السوسيولوجي المعاصر‪ $،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪-‬م‪$‬صر‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪.48‬‬
‫طلعت همام‪ :‬سين وجيم عن مناهج البحث العلمي‪ ،‬ط‪ $،3‬مؤسسة الرسالة باالشت ارك مع دار عمار‪،‬‬
‫‪.49‬‬
‫بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫منهجية البحث في العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬ط‪ $،3‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪،‬‬
‫‪ .50‬عامر مصباح‪:‬‬
‫م‪.2017‬‬
‫عائشة عبد الرحمان‪ :‬القرآن وقضايا اإلنـسان‪ $،‬دار العلم لماليين‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1972 ،‬م‪$.‬‬
‫‪.51‬‬
‫عبد الباسط عبد المعطي‪ :‬اتجاهات نظرية في علم االجتماع‪ $،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪1981 ،‬م‪.$‬‬
‫‪.52‬‬
‫–محاولة نحو رؤية نقدية لمناهجه وأبعاده‪ $،-‬دار‬
‫‪ .53‬عبد الباسط عبد المعطي‪ :‬البحث االجتماعي‬
‫المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪-‬مصر‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫عبد الباسط عبد المعطي‪ :‬البحث االجتماعي‪ $،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪.54‬‬
‫عبد الباسط محمد حسن‪ :‬أصول البحث االجتماعي‪ $،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1979 ،‬م‪$.‬‬
‫‪.55‬‬
‫عبد الباقي زيدان‪ :‬قواعد البحث االجتماعي‪ $،‬مطبعة السعادة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪.56‬‬
‫عبد الرحمان بدوي‪ :‬مناهج البحث العلمي‪ $،‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪197 ،‬‬
‫‪.57‬‬
‫‪7‬م‪ $.‬عبد الغفار رشاد القصيبي‪ :‬مناهج البحث في علم السياسة‪ $،‬منشو ارت جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد والع‪$‬لوم‬
‫‪.58‬‬
‫السيا‪$‬سية‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫عبد الكريم اليافي‪ :‬تمهيد في علم االجتماع‪ ،‬المطبعة العمو ّم‪$‬ية دمشق‪ ،‬د‪.‬س‪.‬‬
‫‪.59‬‬
‫عبد اهلل عامر الهمالي‪ :‬أسلوب البحث االجتماعي وتقنياته‪ $،‬منشو ارت جامعة قاريونس‪ ،‬نب غازي‪-‬ليبيا‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪.60‬‬
‫طـور‪ $،-‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1999 ،‬م‪$.‬‬
‫‪ .61‬عبد اهلل محمد عبد الرحمن‪ :‬علم االجتماع ‪-‬اـلنشأة والت ّ‬
‫‪ .62‬عبد المعطي محمد عساف وآخرون‪ :‬التطو ارت الـمنهجية وعملية البحث العلمي‪ $،‬دار وائل لنشر‪ ،‬عمان‪-‬‬
‫األردن‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪104-‬‬
‫عبد المعطي محمد علي‪ ،‬السرياقوسي محمد‪ :‬أساليب البحث العلمي‪ $،‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪1988 ،‬م‪.$‬‬ ‫‪.63‬‬
‫تقنيا‬
‫‪.‬ع‬
‫‪ 6‬ت‬
‫ب‬
‫‪ 4‬ومن‬
‫د‬
‫اه‬
‫ا‬
‫ج‬
‫ل‬
‫البح‬
‫ن‬
‫ث‬
‫ا‬
‫في‬
‫ص‬
‫العل‬
‫ر‬
‫وم‬
‫ج السي‬
‫ن اسي‬
‫د ة‬
‫ل واال‬
‫ي جتم‬
‫‪ :‬اعي‬
‫ة‪،‬‬
‫ط‬
‫‪$،2‬‬
‫ديوا‬
‫ن‬
‫ال م‬
‫طبو‬
‫عا‬
‫ت‬
‫ب الجامعي‬
‫ي ة‪ ،‬الج‬
‫ارزئر‪،‬‬
‫و‪200‬‬
‫ت‪7‬م‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫عطو‬
‫ل‬
‫ف‬
‫ب‬
‫محمو‬
‫ن‬
‫د‬
‫ا‬
‫ياسين‪:‬‬
‫ن‬
‫م دخ ل‬
‫‪،‬‬
‫في‬
‫‪ 1‬علم‬
‫‪ 9‬النفس‬
‫‪ 8‬االجتما‬
‫‪ 1‬عي‪$،‬‬
‫مدار‬
‫‪.‬النهار‬
‫‪،‬‬

‫‪-‬‬
‫‪104-‬‬
‫‪ 3‬المنه‬
‫‪.65‬‬ ‫م جية‬
‫مخبر علم االجتماع واالتصال‪ $‬لبحث‬ ‫‪ $.‬في‬
‫علـم االجتماع والثنائيات النظرية التقليدية المحدثة‪،‬‬ ‫علي‬ ‫التحلي ‪.66‬‬
‫غربي‪:‬‬ ‫ل‬
‫السيا والترجمة‪ ،‬جامعة قسنط ني ة‪-‬ا‪$‬لج ازئر‪2007 ،‬م‪$.‬‬
‫سي‪-‬‬
‫علي ليلة‪ :‬النظرّية الوظي ّفـية في علم االجتماع واالنـثروبولوجيا ‪-‬الرواد والقضايا‪ $،-‬جامعة عين‬ ‫المفا ‪.67‬‬
‫شمس‪$،‬‬ ‫هيم‪،‬‬
‫القاهرة‪-‬مصر‪،‬‬ ‫المنا‬
‫‪2008‬م‪ .‬علي معمر عبد المؤمن‪ :‬مناهج البحث في العلوم االجتماعية –األساسيات والتقنيات واألساليب‪،-‬‬ ‫هج‬
‫‪.68‬‬
‫‪،‬‬
‫الم‪$‬جموعة‬ ‫االقت‬
‫العربية لتدريب والنشر‪ ،‬القا‪$‬هرة‪-‬مصر‪،‬‬ ‫اربا‬
‫‪2008‬م‪.‬‬ ‫ت‬
‫واألد‬
‫مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحوث‪ $،‬ديو‪$‬ان‬
‫عمار بوحوش‪ ،‬محمو الذ ين بات‪:‬‬ ‫واتـ ‪.69‬‬
‫المطبوعات‬ ‫‪،-‬‬
‫د‬ ‫محمد‬
‫دا ر‬
‫الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫هو‬
‫مه‪ .70 ،‬عمر التومي الشيباني‪ :‬مقّـدمة في الفلسفة االسال ّمـية‪ $،‬الدار العربية‪ ،‬ليبيا‪ ،‬تونس‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫الج ‪ .71‬عمر التومي الشيباني‪ :‬مناهج البحث االجتماعي‪ ،‬ط‪ $،3‬مجمع الفاتح لجامعات‪ ،‬ط اربلس‪-‬ليبيا‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫ازئر‬
‫‪ .72 ،‬غازي عناية‪ :‬البحث العلمي –منهجية إعداد البحوث والرسائل الجامعية‪ :‬بكالوريوس‪ ،‬ماجستير‪ ،‬دكتو اره‪$،-‬‬
‫دار المناهج لنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬األردن‪2014 ،‬م‪.‬‬ ‫م‪.‬‬
‫اإلحصاء والقياس في البحث االجتماعي‪ ،‬ج‪ $،2‬دار‬ ‫‪199‬‬
‫‪ .73‬غريب محمد سيد أحمد وناجي بدر إب‬ ‫‪7‬‬
‫المعرفة‬
‫ارهيم‪:‬‬
‫محمد‬
‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫ط لع ت‬
‫فاخر عاقل‪ :‬مدارس علم النفس‪ ،‬دار العلم لماليين‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1977 ،‬م‪.‬‬ ‫عيسى‪:‬‬
‫البحث ‪.74‬‬
‫فؤاد البهي السيد وسعد عبد الر‪$‬حمن‪ :‬علم النفس االجتماعي ‪-‬رؤية معاصرة‪ $،-‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪$-‬‬
‫العلمي ‪.75‬‬
‫مصر‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-‬مبادئ‬
‫ه‬
‫كامل محمد عم ارن‪ :‬المدارس االجتماعّـية المعاصرة‪ $،‬منشو ارت جامعة دمشق‪ ،‬سوريا‪200-2004 ،‬‬
‫ومناه ‪.76‬‬
‫‪3‬م‪.‬‬
‫جه‪.77 ،-‬‬
‫م‪ .‬روزنتال‪ ،‬ب‪ .‬بودين‪ :‬الموسوعة الفلسفية‪ $،‬ترجمة سمير كرم‪ ،‬ط‪ ،5‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1985 ،‬م‪.‬‬ ‫ط‪،3‬‬
‫المكتبة األكاديمية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪،‬‬ ‫مكتبة‬
‫البحث العلمي –أسسه وطريقة كتابته‪،-‬‬ ‫القاهر ‪ .78‬مبارك محمد الصاوي‬
‫محمد‪:‬‬ ‫ة‬
‫م‪.1992‬‬ ‫الحديثة‬
‫‪،‬‬
‫طرق البحث العلمي في العلـوم االجتماعية مع بعض التطبيقات على المجـتمعاتـ‬
‫القاهر‪ .79 $‬محجوب عطية الفائد‪$‬ي‪:‬‬
‫ة‪-‬‬
‫مصر‪ ،‬محم الريفية‪ $،‬جامعة عمر المختار البيضاء‪ ،‬الجمهورية العربية ا ليبية‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 196‬د‬
‫محمد زيان عمر‪ :‬البحث العلمي –مناهجه وتقنياته‪ ،-‬ط‪ $،4‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫شلبي‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫‪105-‬‬
.80
.81

.82

-
106-
‫محمد عاطف غيث‪ :‬د ارسات في تاريخ التفكير واتجاهات النظرية في علم االجتماع‪ $،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪.83‬‬
‫القاهرة‪-‬مصر‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .84‬محمد عاطف غيث‪ :‬علم االجتماع الحضري ‪-‬مـدخل نظري‪ $،-‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪-‬مصر‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .85‬محمد عبد الحميد‪ :‬تحليل المحتوى في بحوث اإلعالم‪ $،‬ديوان المطبو‪$‬عات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪1983 ،‬م‪.$‬‬
‫‪ .86‬محمد علي محمد‪ :‬علم االجتماع والمنهج العلمي‪ ،‬ط‪ $،3‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪-‬مصر‪1986 ،‬م‪$.‬‬
‫محمد لبيب النجيحي‪ :‬م ّقـدمة في فلسفة التربية‪ ،‬ط‪ $،2‬مكتبة االنجلومصرية‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪1967 ،‬م‪ $.‬محمود‬ ‫‪.87‬‬
‫‪ .88‬أبو زيد‪ :‬أعالم الفكر االجتماعي واالنـثروبولوجي الغربي المعاصر‪ ،‬ج‪ $،2‬دار غريب لطباعة والن‪$‬شر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .89‬مصطفى الخ ّشا‪$‬ب‪ :‬علم االجتماع ومدارسه‪ ،‬ط‪ ،3‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪-‬م‪$‬صر‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .90‬مصطفى بوجالل‪ :‬علم االجتماع المعاصر بين االتـجاهات والنظريات‪ ،‬ديوان المطبوعات الجام ّع‪$‬ية‪ ،‬الج ازئر‪،‬‬
‫مقد م‪.2015‬‬
‫‪.‬م‬
‫‪ 9‬مة‬
‫ص‬
‫‪ 1‬في‬
‫ط‬
‫مبا‬
‫ف‬
‫دئ‬
‫ى‬
‫وأ‬
‫ع س‬
‫مس‬
‫ر البح‬
‫ث‬
‫ا االج‬
‫لت تما‬
‫ي ع‬
‫ر ي‪،‬‬
‫‪ :‬منش‬
‫و‬
‫لي ار‬
‫بي ت‬
‫ا الجا‬
‫‪ ،‬مع‬
‫ة‬
‫‪1‬‬
‫المفت‬
‫‪9‬‬
‫وح‬
‫‪9‬‬
‫ة‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ط‬
‫م‬
‫اربل‬
‫‪.‬‬
‫س‬
‫‪$-‬‬
‫ا معتز‬
‫هسيد عبد‬

‫‪-‬‬
‫‪105-‬‬
‫لل وعبد ا لطيف محمد خليفة‪ :‬علم النفس االجتماعي‪ ،‬دار غريب لطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪$-‬‬
‫‪.92‬‬
‫مصر‪ ،‬د‪.‬س‪.‬‬
‫–آدابه وقواعده ومناهجه‪ $،-‬دار هومه لطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الج‬
‫‪ .93‬م ّكي مصطفى‪ :‬البحث العلمي‬
‫ازئر‪،‬‬
‫م ‪.2013‬‬
‫المنظمة العربية لتنمية اإلدارية‪ :‬البحث العلمي ومشكالتـه في الوطن العربي‪ ،‬القاهرة‪-‬الشارقة‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪.94‬‬
‫منير الحمزة‪ :‬المكتبات الرقمية والنشر اإللـكتروني للوثائق‪ $،‬دار األلمعية لنشر والتوزيع‪ ،‬قسنطينة‪-‬ا‪$‬لج ازئر‪،‬‬
‫‪.95‬‬
‫م‪.2011‬‬
‫ناصر قاسمي‪ :‬دليل مصطلحات علم اجتماع التنظيم والعمـل‪ $،‬ديوان المطبوعات الجامعّ‪$‬ية‪ ،‬الج ازئر‪2011 ،‬م‪$.‬‬
‫‪.96‬‬
‫ناصف سعيد‪ :‬محاض ارت في تصميم البحوث االجتماعية وتنفيذها –نـماذج لد ارسات وبحوث ميدانية‪ ،-‬مكتبة‬
‫‪.97‬‬
‫زه ارء الشرق‪ ،‬القا‪$‬هرة‪-‬مصر‪،‬‬
‫‪1997‬م‪ .‬نبيل السمالوطي‪ :‬علم االجتماع التنمية –د ارسة في اجتماعيات العالم الثالث‪ ،-‬دار النهضة العربية‬
‫‪.98‬‬
‫للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1991 ،‬م‪$.‬‬
‫–المذكرة‪ ،‬الرسالة‪ ،‬األطروحة‪ ،‬كل‬
‫‪ .99‬نسيمة ربيعة جعفري‪ :‬الدليل المنهجي للطالب في إعداد البحث العلمي‬
‫التخصصات‪ $،-‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬الج ازئر‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 100.‬نيكوال تيماشيف‪ :‬نظرية علم االجتماع‪ $،‬ترجمة محمود عودة وآخرين‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإل‪$‬سكندرية‪-‬م‪$‬صر‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 101.‬الهادي محمد محمد‪ :‬أساليب إعداد وتوثيق البحوث العلمية‪ $،‬المكتبة األكاديمية‪ ،‬القاهرة‪-‬م‪$‬صر‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪106-‬‬
‫ المجالت والدوريات‬-‫ج‬
$،168 ‫ العدد‬،‫ مجلة العربي الكويتّـية‬،-‫ا مصادرها؟‬$‫م‬- ‫ األخالق والقيم والعادات في حياة الناس‬:‫ أحمد زكي‬102.
.‫م‬1972 ‫نوفمبر‬
$،‫ الكويت‬،‫ مجلة العربي الكويتّـية‬،‫اطفة في عالمنا العربي المعاصر‬$‫ بين العقل والع‬:‫ عبد اهلل زكريا األنصاري‬103.
.‫م‬1976 ‫ ديسمبر‬$،157 ‫العدد‬
$.‫م‬1973 ‫ جوان‬،1 ‫ العدد‬$،‫ مجلة عودة الحق المغربية‬،‫وان يتكّلم‬$‫ اإلنسان حي‬:‫ محمد عزيز الحبابي‬104.

‫ الرسائل واألطروحاتـ‬-‫د‬
‫لة مقدمة إلى كلية العلوم االجتماعية‬$‫ أطروحة دكتو اره دو‬$،‫ الجمـاعات الصغيرة في التنظيم‬:‫ حسان الجيالني‬105.
.‫م‬1999 ‫ ماي‬،‫ليبيا‬-‫ ط اربلس‬،‫ جامعة الفاتح‬،‫التطبيقية‬

‫ بالفرنسية‬:‫ثانيا‬

A- Dictionnaires
1. Gérard Durozoi, André Roussel Nathan: Dictionnaire de philosophie, Imprimé en
France par I.M.E, 2003.
2. Joseph Sumpf et Michel Hugues : Dictionnaire de sociologie, Librairie Larousse, Paris,
1978.

B- Ouvrages
3. Ahmed Taleb: Méthodologie de préparation des mémoires et des thèses (guide du
chercheur), traduction: Bendimered Nacera, Edition Dar el Gharb, Oran-Algérie, 2004.
4. Benoit Dardenne; et al: La recherche en psychologie -méthodologie et statistique-,
Louvain-la-Neuve, Bruylant-Academia, Belgique, 2001.
5. Bernard S. Phillips: Social Research –Strategy and Tactics-, Ed3, University of
Minnesota, United States, 1976.
6. François Buton, Nicolas Mariot: Pratiques et méthodes de la socio-histoire, Presses
Universitaires de France, 2009.
7. Georges Cantecor : Le Positivisme, Hachette Livre – BNF, France, 2013.
8. Gnansa Djassoa: Méthodologie de la recherche scientifique en psychologie (Une
démarche algorithmique), Presses Académiques Francophones, France, 2013.
9. Institut marksizma-leninizma: Marx and Engels through the eyes of their
contemporaries, Progress publishers, Moscow, Russia, 1978.
10. Jean-Noël Baléo, Bernard Bourges, Philippe Courcoux : Méthodologie expérimentale :
méthodes et outils pour les expérimentations scientifiques, Edition Tec & doc Lavoisier,
France, 2003.
11. Maurice Bouvier-Ajam: Essai de méthodologie historique, Edition Le Pavillon, France,
1970.

-
106-
12. Robert Evola; Mbonji Edjenguèlè: Manuel d'enquête par questionnaire en Sciences
sociales expérimentales, EPU, Éditions Publibook université, Paris, 2013.
13. Robert Freedman: Marx on economics, Introd. by Harry Schwartz, Harmondsworth,
Middlesex, Penguin Books, Pelican books, England, 1968.
14. Roger Mucchielli: Le questionnaire dans l’enquête psycho-sociale -Connaissance du
problème, applications pratiques-, 10ème Ed, Entreprise Moderne d’Edition, Paris, 1993.
15. Tom B. Bottomore, Maximilien Rubel: Karl Marx Selected writings in sociology and
social philosophy, Pelican books, London, 1963.

-
107-

You might also like