You are on page 1of 2

‫سيخسموندو الطفل الذي وقع ضحية ظلم والده (الملك المثقف باسيليو) من جهة‪ ،‬وتطيرات المجتمع من‬

‫جهة أخرى ‪ ،‬فلدينا هنا عدة مآخذ توضح لنا عمق الشخصية الفلسفي‪ ،‬ومدى تأثرها بالظروف وبالشخصيات‬
‫الموجودة في العرض المسرحي‪ ،‬والى أي مدى خدمت هذه الشخصية نص (الحياة حلم)‪ ،‬لمؤلفه كالديرون‬
‫دي الباركا‪.‬‬
‫تربى هذا الطفل في سجن على جبل منفي بعد ان قام الملك بأمر حاشيته لبناء هذا السجن بشكل سري‬
‫وتربية الطفل المشؤوم به‪ ،‬والعدل في هذا المصير هو مبتغاه‪ ،‬حيث انه يريد ان يضع حدا لكافة االقاويل التي‬
‫بدأت بالظهور في مملكته‪ ،‬عن هذا الطفل الذي خرج الى الدنيا متغذي على روح والدته‪ ،‬واضعا حدا لحياتها‬
‫فور قدومه‪ ،‬وخرافات أخرى تنذر بالشؤم من هذا الوحش البشري "كسوف الشمس يوم والدته" ‪...‬الخ‪ ،‬غير‬
‫ان الملك ال يبغي سوى الحفاظ على مملكته من فتنة او من قدر مجحف باهل المدينة‪ ،‬بصرف النظر عن مدى‬
‫صحة هذه االقاويل‪ ،‬فأرتأى بأن يخفي هذا الوحش عن عين أي احد‪ ،‬فيما عدا امر السجن كلوتالدو‪ ،‬الذي هو‬
‫أيضا مربي الطفل الوحيد والوجه الذي لم يرى أحدا سواه‪.‬‬
‫لقد قام كلوتالدو بتعليم سيخسموندو الكثير من العلوم والمعارف واألخالق البشرية‪ ،‬من سياسة وفلسفة‬
‫حياتية على وجه العموم واضعا إياه في موضع المتلقي ال المتعلم‪ ،‬مطلقا العنان لمخيلته لكي تخلط ما بين هذه‬
‫المعارف وما بين أصوات وحوش الغاب ة وطبيعة السجن الرمادية القاسية‪ ،‬من غير وجود نظير عملي يستطيع‬
‫القياس واالنطالق منه‪.‬‬
‫هذا االمر يدع سيخسموندو في حالة تشاؤمية تغلب على كافة أيامه‪ ،‬ال يعلم ما الذي اودى بمصيره الى‬
‫هنا‪ ،‬وال يعلم من الذي يريد ان يلقي باللوم عليه‪ ،‬انه تعس فقط من غير امل لتحول هذا المصير‪ " ،‬أعظم آثام‬
‫االنسان هو ان يولد"‪.‬‬
‫ومن هنا نصل الى الليلة التي يقرر بها الملك اجراء تجربة على ابنه‪ ،‬ليرى مدى جدارة الوريث الشرعي‬
‫على العرش‪ ،‬وما إذا كانت اقاويل عامة الناس صحيحة‪ ،‬حيث انه ملك عجوز في أواخر أيام حياته‪ ،‬يتصف‬
‫بالحكمة والعدل‪ ،‬وقد أمضى سنين حياته من بعد ان فارقت زوجته الحياة بالقراءة واالطالع على شتى أنواع‬
‫العلوم من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى كان قد أؤرقه ما حل بأبنه من مصير‪ ،‬فال يريد مفارقة الحياة قبل ان يتمكن‬
‫من معرفة إجابة شافية‪ ،‬تقرر مآل ابنه‪ ،‬ومآل العرش من بعد وفاته‪.‬‬
‫والتجربة تلك تتمثل بتخدير سي خسموندو ونقله الى القصر لكي يعلموه بأنه أمير وان كل ما راه من القلعة‬
‫والسجن كان مجرد خياالت من حلم‪ ،‬ويتم ذلك باالعتماد على ذكاء وحنكة كلوتالدو‪ ،‬عن طريق تحفيز عقل‬
‫سيخسموندو بعبارات براقة عن الطموح والكبرياء العظيم‪ ،‬ومن ثم (أي بعد استيقاظه من التخدير) تمثيله دور‬
‫خادم األمير سخسموندو على بالط قصر بولونيا ‪ ،‬لكي يروا مدى اقترابه او اغترابه عن الطبيعة البشرية‪.‬‬
‫في المشهد الثالث من الفصل الثاني يستيقظ سيخسموندو ليرى نفسه على سرير في قصر‪ ،‬وبعد ان يقوم‬
‫كلوتالدو بإخباره بحقيقة االمر‪ ،‬يصب جامل غضبه عليه مهددا إياه بالقتل‪ ،‬ولم يكتف بذلك فقط بل يخرج الى‬
‫بهو القصر ليمارس سيطرته وحقد ه بسطوة على كل من في المكان‪ ،‬انه األمير وال يوجد كلمة اعلى من كلمته‬
‫هنا‪ ،‬وعندما يقوم أحد الحرس بتعكير صفوه‪ ،‬يهدده بالقذف من نافذة القصر‪ ،‬وتأكيدا على سطوته كحاكم يفعل‬
‫ما يحلو له‪ ،‬يقوم بتنفيذ هذا التهديد‪ ،‬وقذفه من النافذة بجسارة تعكس طبيعة غابة الوحوش التي تربى بها‪،‬‬
‫ويتابع بإظهار هذه الطبائع المستنكرة‪ ،‬الى ان يشهر سيفه على كلوتالدو ليضع حدا لحياته‪.‬‬
‫وفي هذه االثناء يأتي الملك باسيليو‪ ،‬متخاذال نادما على تنفيذ تجربته‪ ،‬ليقول البنه انه وحش وسوف يقوم‬
‫بإعادته الى السجن‪ ،‬الن طبيعة االنسان ال تتفق وطبيعة الوحوش ابدا‪ ،‬وان الذي كان قد قيل من اقاويل عن‬
‫لعنة هذا الطفل ما هو اال صحيح‪ ،‬فيرد عليه سيخسموندو بعدم اكتراث حيث ان الذي قام بتجريده من انسانيته‬
‫لن ينتظر منه مد يد العون ام ال‪ " ،‬لو لم تكن مددتها الي ما شكوت ابدا منك‪ ،‬لكن ما دمت مددت نعم ألنك قد‬
‫سحبتها مني‪ ،‬الن العطاء ان هو كان عمال فريدا أكثر نبال‪ ،‬فهو يتحول ادنأ شيء‪ ،‬ان اعقبه نزع ما وهب"‪.‬‬
‫يبدأ المشهد السابع عشر من الفصل الثاني عند مشهد لسيخسموندو بعد ان اعادوه الى االغالل في السجن‪،‬‬
‫يستيقظ ليرى نفسه وقد عاد الى حاله السابقة‪ ،‬فاختلطت األمور في ذهنه ولم يعد يميز ما إذا كان يحلم ام ال‪،‬‬
‫وهنا نرى سيخسموندو للمرة األولى‪ ،‬يضع نفسه في مقارنة حية بين نظيرين في الحياة والحلم‪ ،‬األول هو‬
‫واقعه القاسي والوحشي في السجن‪ ،‬والثاني يتمثل بحياة البشر الطبيعية‪ ،‬وكيف انعكست وتأثرت شخصيته‬
‫بمكنوناته ا على هاذين العالمين‪ ،‬وذلك بمحادثة دارت مع كلوتالدو فور استيقاظه من التخدير للمرة الثانية حيث‬
‫ان كلوتالدو المعلم السجان هو محرك رئيسي لكافة هذه االحداث‪ ،‬ومن هنا تبدأ عالمات التحول بالظهور في‬
‫المشهد التاسع عشر‪.‬‬
‫عندما تسنح له الفرصة مرة أخرى للخروج من السجن‪ ،‬وذلك جراء ما حدث‪ ،‬بعد ان قام الملك بتجربته‪،‬‬
‫فقد علم اهل المنطقة بوجود حاكم شرعي لهم‪ ،‬وثاروا ذاهبين الى البرج لكي يحرروا وريث العرش الشرعي‪،‬‬
‫فنراه هنا تائه مضطرب بعض الشيء‪ ،‬ال يعلم ما اذا كان الذي يختبره االن حياة ام حلم‪ ،‬وهل عليه ان يعود‬
‫ليطبق قسوته وجسارته التي اختارها في الحلم‪ ،‬ام عليه ان يرجح عقله هذه المرة‪ ،‬ولم تطل تساؤالته حتى‬
‫أتت (رساورا) طالبة منه تحقيق العدل لها ولشرفها الذي لطخ بالعار‪ ،‬وهنا نصل لنراه قد اتخذ طريقا اوحدا‬
‫بترجيح العقل سواء كان في حلم او في يقظة‪ ،‬فيقول في المشهد الثالث من الفصل الثالث " حسنا قلت‪ ،‬كان‬
‫ايذانا وربما كان حقيقة‪ ،‬فلنحلم يا نفس فلنحلم مرة أخرى‪ ،‬لكن يجب ان يكون بانتباه ونصيحة‪ ،‬ألننا ينبغي ان‬
‫نستيقظ من تلك اللذة في احسن األوقات‪ ،‬وما دمنا نعرف هذا فإن الخيبة ستكون اقل‪ ،‬اذ ان تقديم النصيحة هو‬
‫سخرية من األذى‪ ،‬وبهذا االحتياط من كل ما كان حقيقة‪ ،‬فكل سلطة عارية يجب ان ترد الى صاحبها‪ ،‬نجرؤ‬
‫على كل شيء"‪.‬‬
‫وفي النهاية ومن وجهة نظر شخصية‪ ،‬ان الملك باسيليو لم يقوم بإخفاء ابنه الذي لعنته السماء‪ ،‬لحيل بينه‬
‫وبين مصائب من الممكن ان تحل على مملكته‪ ،‬وانما قام بصناعة هذا الوحش داخل سيخسموندو‪ ،‬جراء سجنه‬
‫في سجن سري‪ ،‬بدل ان يبقيه في كنفه‪ ،‬ومن خالل هذا الصراع بين كافة المتناقضات في حياة االبن‪ ،‬يضيء‬
‫لنا المؤلف الى ان الشهوة والقسوة والتكبر تستحيل الى رماد‪ ،‬وإذا أردنا الذهاب ابعد من ذلك‪ ،‬نرى الخلود‬
‫بما هو خير وبكبح جماح شهواتنا (أي الوحش بداخلنا)‪ ،‬حيث ان اعمال الشخص هي التي تعرفه في مسرح‬
‫الحياة العظيم‪.‬‬

You might also like